الكتاب: النور السافر عن أخبار القرن العاشر المؤلف: محي الدين عبد القادر بن شيخ بن عبد الله العَيْدَرُوس (المتوفى: 1038هـ) الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت الطبعة: الأولى، 1405 عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- النور السافر عن أخبار القرن العاشر العَيْدَرُوس الكتاب: النور السافر عن أخبار القرن العاشر المؤلف: محي الدين عبد القادر بن شيخ بن عبد الله العَيْدَرُوس (المتوفى: 1038هـ) الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت الطبعة: الأولى، 1405 عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَبِه نستعين خطْبَة الْكتاب الْحَمد لله رب الْعَالمين وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين وَلَا عدوان إِلَّا على الظَّالِمين وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا مُحَمَّد سيد الْمُرْسلين وَخَاتم النَّبِيين وعَلى آله وَصَحبه أَجْمَعِينَ وَبعد هَذَا أنموذج لطيف وعنوان شرِيف ذكرت فِيهِ وفيات من ظَفرت بتاريخ وَفَاته مِمَّن مَاتَ فِي هَذَا الْقرن الَّذِي أَوله سنة إِحْدَى وَتِسْعمِائَة ختم بِالْحُسْنَى من سَائِر الْعلمَاء والصلحاء والقضاة والأدباء والملوك والأعيان مصرياً كَانَ أَو شامياً حجازياً كَانَ أَو يمنياً رومياً أَو هندياً مشرقياً أَو مغربياً وضممت إِلَى ذَلِك ذكر بعض الْحَوَادِث والماجريات والحكايات العجيبة وَالْملح الغريبة وَلَا يعْدم كل شخص من نادرة جرت لَهُ من الْأَخْبَار وَشعر نظمه من الْأَشْعَار على وَجه الِاخْتِصَار وَمَا يحصل من الِاعْتِبَار وَللَّه در من قَالَ ... إِذا عرف الْإِنْسَان أَخْبَار من مضى ... تخيلته قد عَاشَ حينا من الدَّهْر فقد عَاشَ كل الدَّهْر من كَانَ عَالما ... كَرِيمًا حَلِيمًا فاغتنم أطول الْعُمر ... هَذَا وَلم استوعب كلما وَقع فِي هَذَا الْقرن من الْحَوَادِث لعدم اطلاعي عَلَيْهَا وَإِنَّمَا ذكرت مَا انْتهى إِلَيْهِ علمي مِنْهَا وَرُبمَا أَن الَّذِي تركته يكون أَكثر مِمَّا ذكرته وَلَكِن إِذا كَانَت الغايات لَا تدْرك فاليسير مِنْهَا لَا يتْرك وَأَرْجُو أَن يكون هَذَا الْكتاب كتاب حَدِيث وَفقه وتاريخ وأدب وسميته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 النُّور السافر عَن أَخْبَار الْقرن الْعَاشِر ولنذكر قبل الشُّرُوع فِي الْمَقْصُود نبذة شريفة من أَوْصَاف سيد الْمُرْسلين وافضل الْأَوَّلين والآخرين تيمنا بِذكرِهِ واستشعاراً لعَظيم قدره عَسى أَن أسعد بِشَفَاعَتِهِ واحشر فِي زمرته لحبي اياه والتجائي الي شرِيف علياه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَشرف وكرم ومجد وَعظم أعلم أَن الله سُبْحَانَهُ لما أَرَادَ إِيجَاد خلقه ابرز الْحَقِيقَة المحمدية من أنواره الصمدية فِي حَضرته الأحمدية ثمَّ سلخ مِنْهَا العوالم كلهَا علوها وسفلها على مَا اقْتَضَاهُ كَمَال حكمته وَسبق فِي علمه وإرادته ثمَّ أعلمهُ الله تَعَالَى بِكَمَالِهِ ونبوته وبشره بِعُمُوم دَعوته ورسالته وَبِأَنَّهُ نبى الْأَنْبِيَاء وواسطة جَمِيع الأصفياء وَأَبوهُ آدم بَين الرّوح والجسد ثمَّ انبجست مِنْهُ عُيُون الْأَرْوَاح فَظهر مُمِدًّا لَهَا فِي عالمها الْمُتَقَدّم على عَالم الأشباح وَكَانَ هُوَ الْجِنْس العالي على جَمِيع الْأَجْنَاس وَالْأَب الْأَكْبَر لجَمِيع الموجودات وَالنَّاس فَهُوَ وَإِن تَأَخّر وجود جِسْمه متميز على العوالم كلهَا برفعته وتقدمه إِذْ هُوَ خزانَة السِّرّ الصمداني ومحتد تفرد الأمداد الرحماني وَصَحَّ فِي مُسلم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ {إِن الله تَعَالَى كتب مقادير الْخلق قبل أَن يخلق السَّمَوَات وَالْأَرْض بِخَمْسِينَ ألف سنة وَكَانَ عَرْشه على المَاء} وَمن جملَة مَا كتب فِي الذّكر وَهُوَ أم الْكتاب إِن مُحَمَّدًا خَاتم النَّبِيين وَصَحَّ أَيْضا أَنِّي عبد الله لخاتم النَّبِيين وَأَن آدم لَمُنْجَدِل فِي طينته أَي لطريح ملقى قبل نفخ الرّوح فِيهِ وَصَحَّ أَيْضا يَا رَسُول الله مَتى كنت نَبيا قَالَ {وآدَم بَين الرّوح والجسد ويروي كتبت من الْكِتَابَة وَخبر} كنت نَبيا وادم بَين المَاء والطين قَالَ بعض الْحفاظ لم نقف عَلَيْهِ بِهَذَا اللَّفْظ وَحسن التِّرْمِذِيّ خبر يَا رَسُول الله مَتى وَجَبت لَك النُّبُوَّة قَالَ وآدَم بَين الرّوح والجسد ومعني وجوب النُّبُوَّة وكتابتها ثُبُوتهَا وظهورها فِي الْخَارِج نَحْو كتب الله لأغلبن كتب عَلَيْكُم الصّيام وَالْمرَاد ظُهُورهَا للمليكة وروحه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عَالم الْأَرْوَاح أعلاماً بعظيم شوقه وتميزه على بَقِيَّة الانبياء وَخص الاظهار بِحَالَة كَون آدم بَين الرّوح والجسد لانه اوان دُخُول الْأَرْوَاح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 إِلَى عَالم الاجساد والتمايز حِينَئِذٍ أتم واظهر فاختص صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِزِيَادَة إِظْهَار شرفه حِينَئِذٍ ليتميز على غَيره تميزاً اعظم وَأتم وَأجَاب الْغَزالِيّ عَن وَصفه نَفسه بِالنُّبُوَّةِ قبل وجود ذَاته وَعَن خبر {أَنا أول الْأَنْبِيَاء خلقا وَآخرهمْ بعثاً بَان المُرَاد بالخلق هُنَا التَّقْدِير لَا الإيجاد فانه قبل ان تحمل بِهِ أمه لم يكن مخلوقاً مَوْجُودا وَلَكِن الغايات والكمالات سَابِقَة فِي التَّقْدِير لاحقة فِي الْوُجُود فَقَوله كنت نَبيا أَي فِي التَّقْدِير قبل تَمام خلقَة آدم إِذْ لم ينشأ إِلَّا لينتزع من ذُريَّته مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتحقيقه ان للدَّار فِي ذهن المهندس وجودا ذهنياً سَببا للوجود الْخَارِجِي وسابقاً عَلَيْهِ فَالله تَعَالَى يقدر ثمَّ يُوجد على وفْق تَقْدِير بانيها انْتهى مُلَخصا وَذهب السُّبْكِيّ إِلَى مَا هُوَ أحسن وابين وَهُوَ انه جَاءَ ان الْأَرْوَاح خلقت قبل الأجساد فالاشارة ب كنت نَبيا إِلَى روحه الشَّرِيفَة أَو حَقِيقَة من حقائقه لَا يعلمهَا إِلَّا الله وَمن حباه الِاطِّلَاع عَلَيْهَا ثمَّ انه تَعَالَى يُؤْتِي كل حَقِيقَة مِنْهَا مَا شَاءَ فِي أَي وَقت شَاءَ فحقيقته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد تكون من حِين خلق آدم عَلَيْهِ السَّلَام أَتَاهَا الله ذَلِك الْوَصْف بَان خلقهَا متهيئة لَهُ وافاضه عَلَيْهَا من ذَلِك الْوَقْت فَصَارَ نَبيا وَكتب اسْمه على الْعَرْش ليعلم مَلَائكَته وَغَيرهم كرامته عِنْده فحقيقته مَوْجُودَة من ذَلِك الْوَقْت وان تَأَخّر جسده الشريف المتصف بهَا فنحو ايتائه النُّبُوَّة وَالْحكمَة وَسَائِر أَوْصَاف حَقِيقَته وكمالاتها معجل لَا تَأَخّر فِيهِ وَإِنَّمَا الْمُتَأَخر تكونه وتنقله فِي الأصلاب والأرحام والطاهرة إِلَى ان ظهر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن فسر ذَلِك بِعلم الله بِأَنَّهُ سيصير نَبيا لم يصل لهَذَا الْمَعْنى لَان علمه تَعَالَى مُحِيط بِجَمِيعِ الْأَشْيَاء فالوصف بِالنُّبُوَّةِ فِي ذَلِك الْوَقْت يَنْبَغِي ان يفهم مِنْهُ انه أَمر ثابة لَهُ فِيهِ وَإِلَّا لم يخْتَص بِأَنَّهُ نَبِي اذ الْأَنْبِيَاء كلهم كَذَلِك بِالنِّسْبَةِ لعلمه تَعَالَى وَأخرج ابْن سعد عَن الشّعبِيّ مَتى أستنبئت يَا رَسُول الله قَالَ وآدَم بَين الرّوح والجسد حِين اخذ مني الْمِيثَاق وَهُوَ يدل على ان آدم عَلَيْهِ السَّلَام لما صور طيناً استخرج مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنَبِي اخذ مِنْهُ الْمِيثَاق ثمَّ أُعِيد إِلَى ظَهره ليخرج أَوَان وجوده فَهُوَ أَوَّلهمْ خلقا وَخلق آدم السَّابِق كَانَ مواتاً لَا روح فِيهِ وَهُوَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ حَيا حِين استخرج وَنَبِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 وَأخذ مِنْهُ الْمِيثَاق وَلَا يُنَافِي هَذَا ان اسْتِخْرَاج ذُرِّيَّة آدم إِنَّمَا كَانَ بعد نفخ الرّوح فِيهِ لانه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خص من بَين بني آدم بذلك الاستخراج الأول وَفِي تَفْسِير الْعِمَاد بن كثير عَن عَليّ وَابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُم فِي قَوْله تَعَالَى} {وَإِذ اخذ الله مِيثَاق النَّبِيين} الْآيَة ان الله لم يبْعَث نَبيا إِلَّا أَخذ عَلَيْهِ الْعَهْد فِي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَئِن بعث وَهُوَ حَيّ ليُؤْمِنن بِهِ ولينصرنه وَيَأْخُذ الْعَهْد بذلك على قَوْله واخذ السُّبْكِيّ من الْآيَة انه على تَقْدِير مَجِيئه فِي زمانهم مُرْسل إِلَيْهِم فَتكون نبوته ورسالته عَامَّة لجَمِيع الْخَلَائق من أَدَم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَتَكون الْأَنْبِيَاء وأممهم كلهم من أمته فَقَوله {وَبعثت إِلَى النَّاس كَافَّة} يتَنَاوَل من قبل زَمَانه أَيْضا وَبِه يتَبَيَّن معنى كنت نَبيا وآدَم بَين الرّوح والجسد وَحكمه كَون الْأَنْبِيَاء فِي الْآخِرَة تَحت لوائه وَصلَاته بهم لَيْلَة الْإِسْرَاء وروى عبد الرَّزَّاق بِسَنَدِهِ ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ {إِن الله خلق نور مُحَمَّد قبل الْأَشْيَاء من نوره فَجعل ذَلِك النُّور يَدُور بِالْقُدْرَةِ حَيْثُ شَاءَ الله وَلم يكن فِي ذَلِك الْوَقْت لوح وَلَا قلم الحَدِيث بِطُولِهِ وَاخْتلفُوا فِي أول الْمَخْلُوقَات بعد النُّور المحمدي فَقيل الْعَرْش لما صَحَّ من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قدر الله مقادير الْخلق قبل ان يخلق السَّمَوَات وَالْأَرْض بِخَمْسِينَ ألف سنة وَكَانَ عَرْشه على المَاء وَصَحَّ أول مَا خلق الله الْقَلَم فَقَالَ لَهُ اكْتُبْ قَالَ رَبِّي وَمَا اكْتُبْ قَالَ اكْتُبْ مقادير كل شَيْء لَكِن صَحَّ فِي حَدِيث مَرْفُوع ان المَاء خلق قبل الْعَرْش فَعلم ان أول الْأَشْيَاء على الْإِطْلَاق النُّور المحمدي ثمَّ المَاء ثمَّ الْعَرْش ثمَّ الْقَلَم لما علمت من حَدِيث أول مَا خلق الله الْقَلَم مَعَ مَا قبله الدالين على ان التَّقْدِير وَقع بعد الْعَرْش وَالتَّقْدِير وَقع عِنْد خلق الْقَلَم فَذكر الأولية فِيهِ بِالنِّسْبَةِ لما بعده وَورد لما خلق الله آدم جعل ذَلِك النُّور فِي صلبه فَكَانَ يلمع فِي جَبينه وَلما توفّي كَانَ وَلَده شِيث وَصِيّه فوصى وَلَده بِمَا وصاه بِهِ أَبوهُ ان لَا يوضع هَذَا النُّور الا فِي المطهرات من النِّسَاء وَلم يزل الْعَمَل بِهَذِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 الْوَصِيَّة إِلَى ان وصل ذَلِك النُّور إِلَى عبد الله مطهراً من سفاح الْجَاهِلِيَّة كَمَا اخبر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك فِي عدَّة أَحَادِيث وَكَانَت وِلَادَته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَوْم الأثنين لأثني عشرَة لَيْلَة خلت من ربيع الأول بعد الْفِيل بِسنتَيْنِ وشهرين وَقيل لَيْلَة الْجُمُعَة السَّابِع عشر من ربيع الأول فِي زمن الْملك أنو شرْوَان وَبعث إِلَى الْأسود والأحمر وَالْإِنْس وَالْجِنّ وَكَانَ لَهُ أَرْبَعُونَ سنة وَقيل وَيَوْم وَكَانَ بعد عشْرين سنة من ملك ابرويز وَأقَام بعد الْبعْثَة فِي مَكَّة ثَلَاث عشرَة سنة على الاصح وَقيل خَمْسَة عشر وَقيل عشرا ثمَّ هَاجر إِلَى الْمَدِينَة ودخلها ضحوة يَوْم الأثنين لِاثْنَتَيْ عشرَة لَيْلَة خلت من ربيع الأول واقام بهَا بالأجماع عشر سِنِين فَفِي السّنة الأولى من الْمحرم بنى مَسْجده وسكنه وآخى بَين الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَشرع الْأَذَان وَفِي السّنة الثَّانِيَة مِنْهَا فِي صَلَاة الْعَصْر من نصف شعْبَان حولت الْقبْلَة من بَيت الْمُقَدّس إِلَى الْكَعْبَة فدار صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي رُكُوع الرَّكْعَة الثَّانِيَة ودارت الصُّفُوف خَلفه إِلَى الْكَعْبَة فِي مَسْجِد بني سَلمَة فَسُمي مَسْجِد الْقبْلَتَيْنِ وَفِي شعْبَان مِنْهَا فرض صَوْم رَمَضَان وفيهَا فرضت صَدَقَة الْفطر وَفِي رَمَضَان هَذَا كَانَت غَزْوَة بدر وَفِي شَوَّال مِنْهَا بنى بعائشة رَضِي الله عَنْهَا وفيهَا تَزْوِيج فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا وَفِي السّنة الثَّالِثَة مِنْهَا غَزْوَة أُحد يَوْم السبت السَّابِع من شَوَّال ثمَّ غَزْوَة بدر الصُّغْرَى فِي هِلَال ذِي الْقعدَة وفيهَا غَزْوَة بني النَّضِير وَحرمت الْخمر بعد غَزْوَة أُحد وَفِي السّنة الرَّابِعَة مِنْهَا غَزْوَة الخَنْدَق وَتسَمى الْأَحْزَاب وحاصروا الْمَدِينَة خَمْسَة عشر يَوْمًا ثمَّ هَزَمَهُمْ الله تَعَالَى وَحده وفيهَا قصرة الصَّلَاة وَنزل التَّيَمُّم وَفِي السّنة الْخَامِسَة مِنْهَا غَزْوَة ذَات الرّقاع أول الْمحرم وفيهَا صلى صَلَاة الْخَوْف وفيهَا غَزْوَة دومة الجندل وغزوة بني قريضة وَفِي السّنة السَّادِسَة مِنْهَا غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة وبيعة الرضْوَان وغزوة بني المصطلق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 وَفِي السّنة السَّابِعَة مِنْهَا غَزْوَة خَيْبَر وَفِي السّنة الثَّامِنَة مِنْهَا غَزْوَة مُؤْتَة وَذَات السلَاسِل وَفتح مَكَّة فِي رَمَضَان وغزوة حنين والطائف وَفِي السّنة التَّاسِعَة مِنْهَا غَزْوَة تَبُوك وَتَتَابَعَتْ الْوُفُود وَدخل النَّاس فِي دين الله أَفْوَاجًا وَفِي النة الْعَاشِرَة مِنْهَا حجَّة الْوَدَاع ووفاة إِبْرَاهِيم وَتُوفِّي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضحوة يَوْم الْإِثْنَيْنِ لِاثْنَتَيْ عشرَة لَيْلَة خلت من ربيع الأول سنة إِحْدَى عشرَة من الْهِجْرَة وَمُدَّة مَرضه الَّذِي توفّي مِنْهُ اثْنَا عشر يَوْمًا وَقيل أَرْبَعَة عشر يَوْمًا وَكَانَ عمره عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ثَلَاثًا وَسِتِّينَ سنة وَمن أعظم معجزاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقُرْآن كَلَام الله المتلو آنَاء اللَّيْل وَالنَّهَار وَقد اعجز الْجِنّ والأنس لَا يقدرُونَ على أَن يَأْتُوا بِسُورَة مثله بل وَلَا بِآيَة وكل معجزات الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام انْقَطَعت بموتهم إِلَّا معجزته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَانْشَقَّ الْقَمَر كَمَا نطق بِهِ الْقُرْآن وَصَحَّ من طرق وَكَلمه الضَّب كَمَا رَوَاهُ الْحَاكِم فِي صَحِيحه وَأخْبر أَن خَزَائِن كسْرَى تنفقها أمتِي فِي سَبِيل الله وان ملك كسْرَى وَالروم يفتح فَكَانَ كَذَلِك وَأَن الْمُسلمُونَ يُقَاتلُون قوما صغَار الْأَعْين عراض الْوُجُوه ذلف الأنوف أَي فطسها وان الشَّام واليمن يفتحان وَأَن أمته تفتح مصر ارْض يذكر فِيهَا القيراط وَإِن أويس الْقَرنِي يقدم فِي إمداد الْيمن وَكَانَ بِهِ برص فبرىء إِلَّا قدر دِرْهَم وهاجت ريح شَدِيدَة هَاجَتْ فَقَالَ هَذِه الرّيح لمَوْت مُنَافِق قَالَ جَابر فقدمنا فَوَجَدنَا عَظِيما من الْمُنَافِقين قد مَاتَ وَأكل من شَاة لقْمَة ثمَّ قَالَ هَذِه تُخبرنِي بِأَنَّهَا أخذت بِغَيْر أذن أَهلهَا فَإِذا هُوَ كَمَا قَالَ وتحرك الْجَبَل فَقَالَ اسكن فَإِنَّمَا عَلَيْك نَبِي أَو صديق أَو شهيدان فسكن وَكَانَ هُوَ وَأَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان عَلَيْهِ وَفِي صَحِيح مُسلم أَن الله زوى لي الأَرْض فَرَأَيْت مشارقها وَمَغَارِبهَا وسيبلغ ملك امتى مَا زوى لي مِنْهَا وَفِي البُخَارِيّ نبع المَاء من بَين أَصَابِعه بِالْحُدَيْبِية فتوضأوا وَشَرِبُوا وهم خمس عشرَة مائَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 وَمرَّة أُخْرَى وهم ثلاثمائه وَمرَّة وهم مَا بَين السّبْعين إِلَى الثَّمَانِينَ وَحَدِيث المزادتين قَالَ عمر أَن شربنا مِنْهُمَا وَنحن نَحْو الْأَرْبَعين فَلم تنتقصا وَسبح فِي كَفه الْحَصَا وَكَذَلِكَ الطَّعَام كَانَ يسمع تسبيحه وَهُوَ يُؤْكَل وَسلم عَلَيْهِ الْحجر وَشهد الذِّئْب بنبوته وَمر فِي سَفَره بِبَعِير يستقى عَلَيْهِ المَاء فَلَمَّا رَآهُ جرجر أَي صَوت فَقَالَ انه شكى كَثْرَة الْعَمَل وَقلة الْعلف وَمر بِبَعِير آخر فِي حَائِط فَلَمَّا رَآهُ حن وذرفت عَيناهُ فَقَالَ لصَاحبه إِنَّك تجيعه وشكى لَهُ بعيران عجز صَاحبهمَا عَن شدتهما وَجَاءَت شَجَرَة تشق الأَرْض حَتَّى قَالَت عِنْده وَهُوَ نَائِم فَسلمت عَلَيْهِ وَأمر شجرتين فاجتمعتا حَتَّى قضى حَاجته خلفهمَا ثمَّ أَمرهمَا فتفرقتا ودعا عذقا فَنزل من جذعه حَتَّى سقط فِي الأَرْض فَجعل ينقز فِي الأَرْض حَتَّى أَتَاهُ ثمَّ قَالَ لَهُ أرجع فَرجع مَكَانَهُ وَأمر بنحر سِتّ بدنات فَجعلْنَ يزدلفن إِلَيْهِ بايتهن يبْدَأ وَأُصِيبَتْ عين قَتَادَة بن النُّعْمَان يَوْم أحد حَتَّى وَقعت على وجنته فَردهَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِيَدِهِ فَكَانَت اصح عَيْنَيْهِ وَأَحَدهمَا فَكَانَت لَا ترمد إِذا رمدت الْأُخْرَى وتفل فِي عين عَليّ رَضِي الله عَنهُ يَوْم خَيْبَر وَكَانَ ارمد فبرىء من سَاعَته واتاه وَهُوَ شَاك فَدَعَا لَهُ فَمَا اشْتَكَى وَجَعه ذَلِك وَكسرت رجل عبد الله ابْن عتِيك فمسحها صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِيَدِهِ فبرئت من وقته وَاخْبَرْ انه يقتل أُميَّة بن خلف فَكَانَ كَمَا قَالَ وَأخْبر بمصارع الْمُشْركين ببدر هَذَا مصرع فلَان غَدا إِن شَاءَ الله فَلم يعد وَاحِد مِنْهُم مصرعه الَّذِي سَمَّاهُ وَأَن طوائف من أمته يركبون الْبَحْر غزَاة فِي سَبِيل الله كالملوك على الأسرة وَأَن أم حرَام خَالَة أنس بن مَالك مِنْهُم فَكَانَ كَذَلِك وَأخْبر أَن عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ تصيبه بلوى فَقتل صَابِرًا وَقَالَ لِلْحسنِ رَضِي الله عَنهُ إِن أبني هَذَا سيد وسيصلح الله بِهِ بَين فئتين عظيمتين من الْمُسلمين فَسلم الْأَمر لمعاوية وَأخْبر بقتل الْأسود الْعَنسِي الْكذَّاب لَيْلَة مَقْتَله وبمن قَتله وَهُوَ بِصَنْعَاء من الْيمن فجَاء كَمَا قَالَ وَأخْبر بِمثل هَذَا عَن كسْرَى فَكَانَ كَذَلِك وَقَالَ لرجل يَدعِي الْإِسْلَام وَهُوَ فِي الْقِتَال مَعَه إِنَّه من أهل النَّار فَصدق الله تَعَالَى قَوْله بِأَن نحر نَفسه وشكي إِلَيْهِ قحط الْمَطَر وَهُوَ على الْمِنْبَر فَدَعَا الله وَمَا فِي السَّمَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 فزعة أَي قِطْعَة سَحَاب فثار سَحَاب أَمْثَال الْجبَال فَمُطِرُوا إِلَى الْجُمُعَة الْأُخْرَى فشكي إِلَيْهِ كَثْرَة الْمَطَر فَدَعَا الله فرفعه فِي الْحَال وَأطْعم أهل الخَنْدَق وهم ألف من صَاع شعير واطعم جمَاعَة من تمر يسير لم يمْلَأ كفيه واطعم فِي منزل أبي طَلْحَة ثَمَانِينَ رجلا من أَقْرَاص شعير جعلهَا انس تَحت إبطه حَتَّى شَبِعُوا وَبَقِي كَمَا هُوَ وامر عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ ان يزود أَرْبَعمِائَة رَاكب من تمر قَلِيل فزودهم وَبَقِي كَأَنَّهُ لم ينتقص وَأطْعم الْجَيْش من مزود أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ حَتَّى شَبِعُوا ثمَّ رد مَا بَقِي مِنْهُ وَكَانَ وَضعه فِي يَده ودعا لَهُ فَأكل مِنْهُ مُدَّة حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر وَعمر وَعُثْمَان رَضِي الله عَنْهُم فَلَمَّا قتل عُثْمَان ذهب وَحمل مِنْهُ نَحْو ثَمَانِينَ وسْقا فِي سَبِيل الله وَأطْعم فِي بنائِهِ بِزَيْنَب بنت جحش رَضِي الله عَنْهَا من قَصْعَة أَهْدَتْهَا لَهُ أم سليم خلقا كثيرا ثمَّ رفعت وَهِي كَمَا هِيَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كلما ذكره الذاكرون وغفل عَن ذكره الغافلون ولبعض فضلاء الْعَصْر قصيدة عَظِيمَة فِي مدح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَحْبَبْت أَن آتِي بهَا هُنَا بكمالها لينقطع بهَا مَا أردناه فِي الْمُقدمَة من الْكَلَام ولتكون لهَذَا التَّارِيخ مسك الختام وَهِي ... إِنِّي أرى فِي النّوم اني فِي الْكرَى ... واصلته يارب حقق مَا جرا لم يسر لي إِلَّا خيال خيالهم ... مَاذَا على طيف الْأَحِبَّة لَو سرا وَلَقَد جرى كالنهر سَائل مدمعي ... أَتَرَى درى ذَاك الرَّقِيب بِمَا جرا أوقفت دمع الْعين يجْرِي فِي الْهوى ... أَنا لَا أسائل هَل درى أَو مَا درى يَا صَاح قُم ودع التواني واصطبح ... من بنت قشر بالجواهر تشترى هِيَ قهوة بنية قشرية ... فِي طيبَة تجلى وَفِي أم الْقرى فَاشْرَبْ شراب الصَّالِحين وَلَا تقل ... ادر الزجاجة فالنسيم قد أنبرا فالصبح قد وافت طلائع جَيْشه ... والنجم قد صرف الْعَنَان عَن السرا لَا عَيْش إِلَّا والشبيبة غضة ... مِنْهَا يكَاد المَاء أَن يتقطرا لله مَجْلِسنَا الأنيس وَقد بَدَت ... فِيهِ الغزال تصيد آساد الشرى سفرت فَكَانَت والبدور طوالع ... مِنْهَا وَمن شمس الظهيرة أنورا ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 .. خطرت فَقَامَ الْغُصْن يلثم اثرها ... ورنت فظل الظبي مِنْهَا أحورا وَلَقَد نظرت إِلَى الرياض وَجههَا ... فَرَأَيْت طلعتها البهية أنضرا أندى على الأكباد من قطر الندى ... إِن قطرت ذَاك اللمي لي قطرا وعبابها أشهى إليّ من المنى ... وألذ فِي الأجفان من سنة الْكرَى وَلَقَد حمت عني سلافة رِيقهَا ... ظنا بِأَنِّي لَا أحب المسكرا من قَالَ إِن سلاف فِيك محرم ... يَا منيتي مَا قَالَ إِلَّا مُنْكرا رامت تصيد حشاشتي قلت لَهَا ... فالصيد كل الصَّيْد فِي جَوف الفرا شهرت سيوف لحاظها تنعي الحشا ... فسعى إِلَيْهَا بالدماء مشهرا صدت والوت عَن محب صَادِق ... مَا كَانَ صدك لي حَدِيثا يفترى وَلَقَد سرت لي من حماها نسمَة ... فنشقتها ودرى الفؤادبما درى ويلاه مَا أذكى عبير ترابها ... قد فاق كل الطّيب حَتَّى العنبرا يَا دارها مَا أَنْت إِلَّا جنَّة ... يَا رِيقهَا مَا أَنْت إِلَّا كوثرا يَا لَفظهَا يَا ثغرها يَا نحرها ... مَا أَنْت يَا ذَا العقد إِلَّا جوهرا ساومت مبسمها بَدْرًا مدامعي ... ان يَشْتَرِي درا فَهَذَا الْمُشْتَرى لَكِن رَأَيْت الدَّهْر غير مساعد ... وَرَأَيْت مِنْهُ مَا لعقلي ابهرا صبرا لهَذَا الدَّهْر فِي تصريفه ... صبرا على مَا فِي فُؤَادِي اسعرا اني لأصبر والخطوب جليلة ... وعَلى العظائم كلهَا لن يصبرا وَإِذا عرتني فِي الْأُمُور ملمة ... أَو كربَة مَالِي سوى خير الورى طه أجل الْأَنْبِيَاء امامهم ... من فاق كل الْمُسلمين بِلَا مرا الحامد الْمَحْمُود اكرم مُرْسل ... وَهُوَ المشفع إِذْ يروم المحشرا وَله الشَّفَاعَة فِي الْخَلَائق كلهم ... فصل القضا واجل مِنْهُ واكبرا وَله الْوَسِيلَة وَهِي أَعلَى رُتْبَة ... وَلَو اللوا اعظم بذلك مفخرا كل الْخَلَائق تَحت ظلّ لوائه ... أكْرم بعسكره المكرم عسكرا للعرض باتوا وَالْوُجُوه منيرة ... كلا ترَاهُ مهللا ومكإسرا ان مسهم ظماء فحوض الْمُصْطَفى ... يردون مِنْهُ فِي الْقِيَامَة كوثرا يَا أمة الْمُخْتَار شرفتم بِهِ ... وعلوتم أمما وكنتم أخيرا فَالْحَمْد لله الَّذِي قد خصنا ... بِنَبِيِّهِ وحبيبه خير الورى هُوَ أَحْمد وَمُحَمّد وَله لوا ... الْحَمد مَحْمُود الْمقَام وَقد سرا ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 .. نَحْو السَّمَوَات العلى لَيْلًا على ... ظهر الْبراق فنال مَا لم يحصرا وَلَقَد رأى رب الْعباد بِعَيْنِه ... تالله مَا هَذَا حَدِيث يفترى من حَيْثُ لَا جِهَة وَلَا ايْنَ وَقد ... جَاءَ الحَدِيث بِصدق ذَلِك مخبرا أوحى إِلَيْهِ الله مَا أوحى وَقد ... وافا لمضجعه وَقد حمد السرى الله أكبر يَا لَهَا من رُتْبَة ... مَا نالها أحد سواهُ إِذا ترى الله أكبر يَا لَهَا من مزة ... قد خصها الْمولى الحبيب الأكبرا فليهنأ مَا قد رأى من ربه ... وليهننا من فَضله مَا قد نرى الله اكرمه بِوَحْي منزل ... فاتاه جِبْرِيل الْأمين على حرا فَدَعَا إِلَى سبل النجَاة مبشراً ... وَعَن الغواية قد نَهَانَا منذرا ختمت شَرِيعَته الشَّرَائِع كلهَا ... اذ كَانَ فِي أم الْكتاب مصدرا كم معجزات مُحكم آياتها ... كم بَيِّنَات باهرات للورى مزمل مدثر اسماؤه ... أكْرم بِهِ مزملا مدثرا اني إِذا مارست مدح الْمُصْطَفى ... فَأَنا الْخَطِيب وَقد عَلَوْت المنبرا واذا نظمت قلائداً فِي مدحه ... تالله مَا نظمت إِلَّا جوهراً اَوْ مَا رَأَيْت الْمسك وَهُوَ مضرج ... لما أتيت بِمَا يفوق العنبرا هَا قد وجدت حلاوة فِي مطمعي ... ذوقوا فمي تَجدوا حلاه سكرا وكذاك فِي شمي وجدت طلاوة ... عرفا تأرجه يفوق العبهرا وكذاك فِي سَمْعِي وجدت لذاذة ... لما سَمِعت حَدِيثه مُسْتَبْشِرًا وكذاك فِي بَصرِي رَأَيْت بَصِيرَة ... لما نقاب الْحجب عني أسفرا وكذاك فِي لمسي شهِدت تَفَاوتا ... مذ لامست كفاي هاتيك الثرى هذي الظَّوَاهِر والبواطن مثلهَا ... إِن شَاءَ رَبِّي قطّ لَا يستكثرا فِي جنب مدحته وَفضل جنابه ... ذَا هَين وَالله يُعْطي أكثرا ولسوف يُعْطي فِي الْقِيَامَة مثل مَا ... أعطَاهُ فِي الدُّنْيَا وَمَا لم يحصرا يَا رب الْمُخْتَار طه جد لنا ... بِالْعَفو مِنْك وهب لنا خير القوى فبه توسلنا إِلَيْك وَمن يكن ... طه وسيلته نفقد نَالَ الكرا يَا سيد الشفعآء دينك ملتي ... وَعَلِيهِ أرجوا أَن أُوَسَّد فِي الثرى وَأجِيب عَنهُ بِفضل رَبِّي ثَانِيًا ... وَعَلِيهِ أَرْجُو أَن أقوم وأحشرا يَا سَيِّدي فاشفع لعبد مذنب ... ركب الذُّنُوب مفرطا ومقصرا ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 .. وَأطَال فِي ليل الْجَهَالَة ركضة ... حَتَّى إِذا صبح الْحَقِيقَة أسفرا أضحى وَلَا عمل لَدَيْهِ وَلَا لَهُ ... امل يرجيه إِذا خطب عرا الا تمسكه بحبك سَيِّدي ... فَهُوَ النجَاة لَهُ إِذا فَصمت عرا فَعَلَيْك صلى الله مَا ودق هما ... وَعَلَيْك صلى الله مَا برق شرا وَعَلَيْك سلم كلما حج الورى ... أَو أمك الزوار من أم الْقرى وَكَذَلِكَ آلك وَالصَّحَابَة كلهم ... مَا أمك الْعَافُونَ أَو ركب سرى أَو يمم السارون نَحْوك طلبا ... سهروا وَقد وافوك يلتمسوا الْكرَى وفدوا وَقد حطوا بسوحك رحلهم ... فَقبلت زورتهم وفازوا بالقرى يَا رب صل على الحبيب وَآله ... والصحب مَا صبح السَّعَادَة أسفرا وَكَذَا السَّلَام عَلَيْهِ ثمَّ عَلَيْهِم ... كَرَّرَه مَا أحلى ثناه مكررا لَا سِيمَا الصّديق ثَانِي اثْنَيْنِ من ... بِالصّدقِ والتصديق قد بهر الورى وَكَذَلِكَ الْفَارُوق من أردى العدى ... وَالدّين نَالَ بعزه أوج الذرى وكذاك ذُو النورين عُثْمَان الَّذِي ... يتنور الْمِحْرَاب مِنْهُ إِذا قرا وَكَذَا أَبُو السبطين صنوا الْمُصْطَفى ... بعل البتول وَمن يُسمى حيدرا وكذاك كل الْآل وَالْأَصْحَاب والأ ... زواج اكرم بِالْقَرَابَةِ معشرا وكذاك تَابعهمْ وتابع تَابع ... بِالْخَيرِ يقفو الْأَثر حَتَّى المحشرا يَا رب وَاخْتِمْ لي بِخَير انني ... متوسل بالمصطفى خير الورى ... ولنرجع إِلَى مَا نَحن بصدده من التَّارِيخ فَنَقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق فَفِي سنة احدى وَتِسْعمِائَة 901 هـ توفّي الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن صَالح أَبُو زيد المكودي نسبا الفاسي الْمَكِّيّ شَارِح الاجرومية وفيهَا عِنْد غرُوب الشَّمْس يَوْم الْأَحَد سَابِع عشر ذِي الْقعدَة توفّي سُلْطَان الديار المصرية الْملك قايتباي الجركسي المحمودي الاشرفي ثمَّ الظَّاهِرِيّ وَصلي عَلَيْهِ يَوْم الِاثْنَيْنِ وَكَانَ لَهُ مشْهد عَظِيم وَلم يخلفه مثله فِي الجراكسة بل قيل إِنَّه لم يمْكث أحد فِي المملكة قدر مدَّته فَكَانَت قريب ثَلَاثِينَ سنة وَصلي عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِد الثَّلَاثَة وَختم لَهُ فِيهَا بعدة ربعات أحد مُلُوك الديار المصرية وَالْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ من مُلُوك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 التّرْك البهية بَقِيَّة الْمُلُوك الْعِظَام وخاتمة النظام ولد تَقْرِيبًا سنة بضع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَقدم مَعَ تاجره مُحَمَّد بن رستم فِي سنة تسع وَثَلَاثِينَ فَاشْتَرَاهُ الاشرف برسباي ثمَّ صَار إِلَى الْملك الظَّاهِر فَأعْتقهُ وَلم يزل عِنْده يترقى من مرتبَة إِلَى أَن صَار الْملك وَذَلِكَ فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَكَانَ بعض أَوْلِيَاء الله تَعَالَى قد اشار إِلَى ملكه قبل أَن يفضى إِلَيْهِ الْملك بِزَمَان فَقَالَ لَهُ فِي وَاقعَة قُم أَنْت أَيهَا الْملك الْأَشْرَف قايتباي وَحكي مثل ذَلِك عَن آخر بل أرسل إِلَيْهِ مَعَ بعض خاصته بالبشارة بذلك فخشي صَاحب التَّرْجَمَة أَن يَنَالهُ بِسوء من الْمُتَوَلِي إِذْ ذَاك بِسَبَب هَذَا الإبعاد واستبعد وُقُوع هَذَا الْأَمر غَايَة الاستبعاد ورأي بَعضهم كَأَن شَجَرَة رمان لَيْسَ بهَا سوى حَبَّة وَاحِدَة وَأَن صَاحب التَّرْجَمَة بَادر قطعهَا فتأوله الرَّأْي بِأَخْذِهِ للْملك وأعلمه بذلك فَأمره باخفاء هَذَا الْمَنَام لذَلِك أَيْضا وَلما أستقر فِي المملكة أَخذ فِي الْحل وَالْعقد والعزل والعهد وَلم يكن فِي زَمَنه مُنَازع وَلَا مدافع وطالت أَيَّام دولته السعيدة وَسَار فِي النَّاس السِّيرَة الحميدة وأجتهد فِي بِنَاء المشاعر الْعِظَام بِحَيْثُ وَقع لَهُ من ذَلِك مَا لم يتَّفق لغيره من مُلُوك الْإِسْلَام كعمارة مَسْجِد الْخيف بمنى وحفر بنمره صهريجاً ذرعه عشرُون ذِرَاعا وَعمر بركَة خليص وأجرى الْعين الطّيبَة إِلَيْهَا بل أصلح الْمَسْجِد الَّذِي هُنَاكَ بِحَيْثُ عَم الأنتفاع بكله للقاطن والسالك وَعمر عين عَرَفَة بعد أنقطاعها ازيد من قرن وَعمر سِقَايَة سيدنَا الْعَبَّاس وَأصْلح بِئْر زَمْزَم وَالْمقَام وجهز فِي سنة تسع وَسبعين لِلْمَسْجِدِ منبرا عَظِيما وَنَصه فِي ذِي الْقعدَة وَكَانَ يُرْسل للكعبة الشَّرِيفَة بكسوة فائقة جدا فِي كل سنة وَأَنْشَأَ بِجَانِب الْمَسْجِد الْحَرَام عِنْد بَاب السَّلَام مدرسة عَظِيمَة بهَا صوفية وتدريس وفقرا وخزانة للربعات وَكتب الْعلم وبجانبها رِبَاط للْفُقَرَاء والطلبة وَمَعَ أجراء الْقُوت لَهُم فِي كل يَوْم وسبيل عَظِيم للخاص وَالْعَام ومكتب للأيتام وَكَذَا أنشأ بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة مدرسة بديعة بهية بل بنى الْمَسْجِد الشريف بعد الْحَرِيق وجدد الْمِنْبَر والحجرة والمصلى النَّبَوِيّ إِلَى غَيرهَا من الْمِحْرَاب العثماني والمنارة الرئيسية بداء على عود بل رتب لأهل السّنة من أَهلهَا والقادمين عَلَيْهَا من كَبِير وصغير وغني وفقير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 ورضيع وفطيم وخادم وخديم مَا يَكْفِيهِ من الْبر وَمن الدشيشة وَالْخبْز مَا تيَسّر وَعمل أَيْضا بِبَيْت الْمُقَدّس مدرسة كَبِيرَة بهَا شيخ وصوفية ودرسة وَغير ذَلِك مِمَّا يطول ذكره قَالَ السخاوي وَبِالْجُمْلَةِ فَلم يجْتَمع لملك مِمَّن أدركناه مَا اجْتمع لَهُ وَلَا حوى من الحذق والذكاء والمحاسن مُجمل مَا أشتمل عَلَيْهِ وَلَا مفصله وَرُبمَا مدحه الشُّعَرَاء وَلَا يتلفت إِلَى ذَلِك وَيَقُول لَو أشتغل بالمديح النَّبَوِيّ كَانَ أعظم من هَذِه المسالك وترجمته تحْتَمل مجلدات قَالَ وَله تهجد وَتعبد وأوراد وإذكار وتعفف وبكاء من خشيَة الله تَعَالَى وميل لِذَوي الهيئات الْحَسَنَة وَالصِّفَات وتلاوة ومطالعة فِي كتب الْعلم والدقائق وسير الْخُلَفَاء والملوك بِحَيْثُ يسْأَل الْقُضَاة وَغَيرهم الأسئلة الجيدة وَرُبمَا افادهم فِي بعض الأحيان وَالِاعْتِرَاف من نَفسه بالتقصير والاعتقاد فِيمَن يثبت عِنْده صَلَاحه من الصلحاء وَالْعُلَمَاء قَالَ وتكرر وَجهه لبيت الْمُقَدّس والخليل وثغور دمياط واسكندرية ورشيد وأزال كثيرا من الظلامات الحادثات وزار من هُنَاكَ من السادات بل حج فِي طَائِفَة قَليلَة سنة أَربع وَثَمَانِينَ ووهب وَتصدق وَأظْهر من تواضعه وخشوعه فِي طَوَافه وعبادته مَا عد من حَسَنَاته قَالَ وَبَلغنِي عَن بعض الصَّالِحين أَنه اخبر بِرُؤْيَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام تِلْكَ الْأَيَّام وَأخْبر بِأَنَّهُ من الْفرْقَة النَّاجِية قَالَ وَقد حج قبل ترقيه فِي زمن الظَّاهِر وَذَلِكَ فِي سنة سبع وَأَرْبَعين وَكَذَا انفق أَمْوَالًا عَظِيمَة فِي غَزْوَة الْكفَّار ورباط الثغور وَحفظ الامصار رَحمَه الله تَعَالَى وفيهَا قدم إِلَى مَدِينَة زبيد بِكِتَاب فتح الْبَارِي شرح البُخَارِيّ لِلْحَافِظِ شهَاب الدّين بن حجر من الْبَلَد الْحَرَام وَهُوَ أول دُخُول الْيمن وَكَانَ السُّلْطَان عَامر أرسل إِلَى لاشترائه فَاشْتَرَاهُ بِمَال جزيل ثمَّ قدم بِهِ الرَّسُول إِلَى مَدِينَة زبيد ثمَّ توجه بِهِ إِلَى بَاب السُّلْطَان فواجهه بِهِ فِي مَدِينَة تعز وَهَذَا الْكتاب من آيَات الله الْكُبْرَى وفيهَا حصل طوفان عَظِيم من نَاحيَة بَحر الْهِنْد غرق مِنْهُ فِي بندر الديو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 عشرَة مراكب وَفِي الباحة أَرْبَعَة مراكب وَتلف فِيهَا من الْأَمْوَال مَا لَا ينْحَصر وتغيرت أَرْبَعَة مراكب وأنكسرت أدقالهم ورموا من حملهمْ أَكثر من النّصْف وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه سنة أثنين بعد التسْعمائَة 902 هـ وَفِي يَوْم الْأَحَد وَقت الْعَصْر الثَّامِن وَالْعِشْرين من شهر شعْبَان توفّي الشَّيْخ الْعَلامَة الرحلة الْحَافِظ أَبُو عبد الله شمس الدّين مُحَمَّد أبن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن أبي بكر بن عُثْمَان بن مُحَمَّد السخاوي الأَصْل القاهري الشَّافِعِي بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة حَال مجاورته الْأَخِيرَة بهَا وعمره إِحْدَى وَسَبْعُونَ سنة وَصلي عَلَيْهِ بعد صَلَاة الصُّبْح يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي تَارِيخه بالروضة الشَّرِيفَة ووقف بنعشه تجاه الْحُجْرَة الشَّرِيفَة وَدفن بِالبَقِيعِ بجوار مشْهد الإِمَام مَالك وَكَانَت جنَازَته حافلة وَلم يخلفه بعد مثله فِي مَجْمُوع فنونه وَكَانَت وِلَادَته فِي ربيع الأول سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة وَحفظ الْقُرْآن الْعَظِيم وَهُوَ صَغِير وجوده ثمَّ حفظ الْمِنْهَاج الْأَصْلِيّ والفية ابْن مَالك والنخبة والفية الْعِرَاقِيّ وَشرح النخبة وغالب الشاطبية ومقدمة الشاوي فِي الْعرُوض وَكلما أنْتَهى حفظه لكتاب عرضه على شُيُوخ عصره وبرع فِي الْفِقْه والعربية وَالْقِرَاءَة وَغَيرهَا وشارك فِي الْفَرَائِض والحساب والميقات وأصول الْفِقْه وَالتَّفْسِير وَغَيرهَا وَأما مقرؤاته ومسموعاته فكثيرة جدا لَا تكَاد تَنْحَصِر واخذ عَن جمَاعَة لَا يُحصونَ حَتَّى بلغت عدَّة من اخذ عَنهُ زِيَادَة على أَرْبَعمِائَة نفس وَأذن لَهُ غير وَاحِد بالإفتاء والتدريس والإملاء وَسمع الْكثير من الحَدِيث على شَيْخه إِمَام الْأَئِمَّة الشهَاب بن حجر وَأَقْبل عَلَيْهِ بكليته اقبالاً يزِيد على الْوَصْف حَتَّى حمل عَنهُ علما جماً وأختص بِهِ كثيرا بِحَيْثُ كَانَ من اكثر الآخذين عَنهُ وأعانه عَليّ ذَلِك قرب منزله مِنْهُ وَكَانَ لَا يفوتهُ مِمَّا يقْرَأ عَلَيْهِ إِلَّا النَّادِر وَقَرَأَ عَلَيْهِ الِاصْطِلَاح بِتَمَامِهِ وَسمع عَلَيْهِ جلّ كتبه كالألفية وَشَرحهَا مرَارًا وعلوم الحَدِيث إِلَّا الْيَسِير من أَوَائِله لِأَبْنِ الصّلاح واكثر تصانيفه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 فِي الرِّجَال وَغَيرهَا كالتقريب وَثَلَاثَة أَربَاع اصله وَاللِّسَان بِتَمَامِهِ ومشتبه النِّسْبَة وَتَخْرِيج الزَّاهِر وتلخيص مُسْند الفردوس والمقدمة وأماليه الحلبية والدمشقية وغالب فتح البارى وَتَخْرِيج المصابيح وَابْن الْحَاجِب الأَصْل وَتَعْلِيق التَّعْلِيق ومقدمة الْإِصَابَة وَجُمْلَة يطول تعدادها وَفِي بعضه مَا سَمعه أَكثر من مرّة وَلم يُفَارِقهُ إِلَى أَن مَاتَ وَأذن لَهُ فِي الاقراء والإفادة والتصنيف وتدوب بِهِ فِي معرفَة العالي والنازل والكشف عَن التراجم والمتون وَسَائِر الِاصْطِلَاح وَغير ذَلِك وجاب الْبِلَاد وجال وجد فِي الرحلة وارتجل إِلَى حلب ودمشق وَبَيت الْمُقَدّس والخليل ونابلس والرملة وحماه وبعلبك وحمص بِحَيْثُ أَن الَّذِي سمع عَنْهُم يكونُونَ قريب مائَة نفر بل زَاد عدد من أَخذ عَنهُ من الاعلى والدون والمساوي على ألف وَمِائَتَيْنِ والأماكن الَّتِي تحمل فِيهَا من الْبِلَاد والقرى على الثَّمَانِينَ وأجتمع لَهُ من المرويات بِالسَّمَاعِ وَالْقِرَاءَة مَا يفوق الْوَصْف وَهِي تتنوع انواعاً تنيف على الْعشْر حَسْبَمَا ذكره مُسْتَوْفِي فِي تَرْجَمته من تَارِيخه وَأَعْلَى مَا عِنْده من الْمَرْوِيّ مَا بَينه وَبَين الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالسند المتماسكة فِيهِ عشرَة انفس واكثر مِنْهُ وَأَصَح مَا بَين شُيُوخه وَبَين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ الْعدَد الْمَذْكُور واتصلت لَهُ الْكتب السِّتَّة وَكَذَا حَدِيث كل من الشَّافِعِي وَأحمد والدارمي بِثمَانِيَة وسائط وَفِي بعض الْكتب السِّتَّة كَأبي دَاوُد من طَرِيق آخر وأبواب فِي النَّسَائِيّ مَا هُوَ سَبْعَة بِتَقْدِيم الْمُهْملَة واتصل لَهُ حَدِيث مَالك وَأبي حنيفَة بِتِسْعَة بِتَقْدِيم الْمُثَنَّاة وَحج بعد وَفَاة شَيْخه ابْن حجر مَعَ وَالِديهِ وَلَقي جمَاعَة من الْعلمَاء فاخذ عَنْهُم كَأبي الْفَتْح الْأَغَر والبرهان الزمزمي والتقي بن فَهد وَأبي السعادات ابْن ظهيرة وخلائق ثمَّ زار الْمَدِينَة الشَّرِيفَة وَرجع إِلَى الْقَاهِرَة ملازماً للسماع وَالْقِرَاءَة والتخريج والإستفادة من الشُّيُوخ والأقران من غير فتور عَن ذَلِك وَلم يزل يجْتَهد فِي السماع ويرحل إِلَى الأقطار حَتَّى وصل إِلَى مَا وصل إِلَيْهِ وَخَصه بعض شُيُوخه على عقد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 مجْلِس الْإِمْلَاء فامتثل إِشَارَته فاملا حَتَّى اكمل تِسْعَة وَخمسين مَجْلِسا ثمَّ توجه إِلَى الْحَج فِي سنة سبعين فحج وجاور وَحدث هُنَاكَ بأَشْيَاء من تصانيفه وَغَيرهَا واقرأ ألفية الحَدِيث تقسيماً وغالب شرحها لناظمها والنخبة وَشَرحهَا واملأ مجَالِس بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام وَلما رَجَعَ إِلَى الْقَاهِرَة شرع فِي املاء تَكْمِلَة تَخْرِيج شَيْخه للأذكار ثمَّ املاء تَخْرِيج اربعي النَّوَوِيّ ثمَّ غَيرهَا بِحَيْثُ بلغت مجَالِس الاملاء ستماية مجْلِس فَأكْثر وَكَذَا حج فِي سنة خمس وَثَمَانِينَ وجاور سنة سِتّ ثمَّ سنة سبع وَأقَام مِنْهَا ثَلَاثَة أشهر بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة ثمَّ فِي سنة اثْنَيْنِ وَتِسْعين وجاور سنة ثَلَاثَة ثمَّ سنة ارْبَعْ ثمَّ فِي سنة سِتّ وَتِسْعين وجاور إِلَى أثْنَاء سنة ثَمَان فَتوجه إِلَى الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة فَأَقَامَ بهَا شهرا وَصَامَ رَمَضَان بهَا ثمَّ عَاد فِي شوالها إِلَى مَكَّة وَمكث بهَا مَا شَاءَ الله ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَة وجاور بهَا إِلَى أَن مَاتَ وَحمل النَّاس من أهلهما والقادمين عَلَيْهِمَا عَنهُ الْكثير جدا رِوَايَة ودراية وحصلوا من تصانيفه مَعَ مُلَازمَة النَّاس فِي منزله للْقِرَاءَة دراية وَرِوَايَة فِي تصانيفه وَغَيرهَا بِحَيْثُ ختم عَلَيْهِ مَا يفوق الْوَصْف من ذَلِك وَأخذ عَنهُ من الْخَلَائق مَا لَا يُحْصى كَثْرَة وَشرع فِي التصنيف والتخريج قبيل الْخمسين وهلم جرا وتصانيفه إِلَيْهَا النِّهَايَة فِي الشَّهَادَة لَهُ لمزيد علوه وفخره وَمن تصانيفه فسح المغيث بشرح الفية الحَدِيث وَهُوَ مَعَ اختصاره فِي مُجَلد ضخم وسبك الْمَتْن فِيهِ على وَجه بديع لَا يعلم فِي هَذَا الْفَنّ اجْمَعْ مِنْهُ وَلَا أَكثر تَحْقِيقا لمن تدبره وتوضح لَهُ حَاذَى بِهِ الْمَتْن بِدُونِ الإفصاح والمقاصد الْحَسَنَة فِي بَيَان كثير من الْأَحَادِيث المشتهرة على الْأَلْسِنَة وَهُوَ كتاب جليل لم يسْبق إِلَى مثله مُفِيد فِي بَابه جدا وَالْقَوْل البديع فِي الصَّلَاة على الحبيب الشَّفِيع وَهُوَ فِي غَايَة الْحسن والضوء اللامع لأهل الْقرن التَّاسِع يكون سِتّ مجلدات وعمدة المحتج فِي حكم الشطرنج والمنهل العذب الروي فِي تَرْجَمَة قطب الْأَوْلِيَاء للنووي والجواهر والدرر فِي تَرْجَمَة شيخ الْإِسْلَام ابْن حجر فِي مُجَلد ضخم وَرُبمَا يكْتب فِي مجلدين والتاريخ الْمُحِيط وَهُوَ فِي نَحْو ثَلَاثمِائَة ورقة على حُرُوف المعجم لَا يعلم من سبقه إِلَيْهِ وتلخيص تَارِيخ الْيمن ومنتقى من تَارِيخ مَكَّة للفاسي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 والفوائد الجلية فِي الْأَسْمَاء النَّبَوِيَّة وَالْفَخْر الْعلوِي فِي المولد النَّبَوِيّ وارتقاء الغرف بحب أقرباء الرَّسُول وَذَوي الشّرف والايناس بمناقب الْعَبَّاس ورجحان الكفة فِي بَين أهل الصّفة وَالْأَصْل الْأَصِيل فِي تَحْرِيم النَّقْل من التَّوْرَاة والانجيل وَالْقَوْل المتين فِي تَحْسِين الظَّن بالمخلوقين وَغير ذَلِك وقرض أَشْيَاء من تصانيفه غير وَاحِد من أَئِمَّة الْمَذْهَب كالحافظ ابْن حجر والجلال الْمحلي وَالْعلم البُلْقِينِيّ والشرف الْمَنَاوِيّ والتقي الحصني والعيني والكافياجي وتناقلها النَّاس إِلَى كثير من الْبلدَانِ والقرى وَكتب الأكابر بَعْضهَا بخطوطهم حَتَّى قَالَ بَعضهم إِن لم تكن التصانيف هَكَذَا وَإِلَّا فَلَا فائد وَكَانَ شَيْخه شيخ الأسلام ابْن حجر يُحِبهُ ويثني عَلَيْهِ وينوه بِذكرِهِ ويعترف بعلو فخره ويرجحه على سَائِر جماعته المنسوبين إِلَى الحَدِيث وصناعته وَكَانَ من دعواته لَهُ قَوْله وَالله المسؤول أَن يُعينهُ على الْوُصُول إِلَى الْحُصُول حَتَّى يتعجب السَّابِق من اللَّاحِق وَمِمَّا وَصفه بِهِ بعض الْحفاظ بعد كَلَام تقدم وَهُوَ وَالله بَقِيَّة من رَأَيْت من الْمَشَايِخ وَأَنا وَجَمِيع طلبة الحَدِيث بالبلاد الشامية والبلاد المصرية وَسَائِر بِلَاد الأسلام عِيَال عَلَيْهِ وَالله مَا أعلم فِي الْوُجُود لَهُ نظيراً وَقَالَ غَيره هُوَ الْآن من الافراد فِي علم الحَدِيث الَّذِي اشْتهر فِيهِ فَضله وَلَيْسَ بعد شيخ الْإِسْلَام ابْن حجر فِيهِ مثله وَقَالَ غَيره وَاسِطَة عقدهَا من العقد الْإِجْمَاع على أَنه أَمْسَى كالجوهر الْفَرد وَأصْبح فِي وَجه الدَّهْر كالغرة حَتَّى صَارَت الْغرَر مَعَ جواهره كالذرة بل جواد جوده شهد لَهُ جَرَيَانه بِالسَّبقِ فِي ميدان الفرسان وَحكم لَهُ بِأَنَّهُ هُوَ الْفَرْع الَّذِي فاق أَصله البديع بالمعاني فَلَا حَاجَة للْبَيَان أَضَاء هَذَا الشَّمْس فاختفت مِنْهُ كواكب الدراري كَيفَ لَا وَقد جاده الْفَيْض بِفَتْح الْبَارِي فَهُوَ نخبة الْعَصْر والدهر وَعين القلادة فِي طبقَة الْجُود لِأَنَّهُ عين السخاء وَزِيَادَة فبدايته إِلَيْهَا النِّهَايَة ومنهاجه أوضح طرق إِلَى الْغَايَة وهوالخادم للسّنة الشَّرِيفَة وَالْحَاوِي لمحاسن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 الِاصْطِلَاح والنكت المنيفة فبهجته زهت بروضها وروضته زهت ببهجتها وَقَالَ آخر هُوَ الَّذِي انْعَقَد على تفرده بِالْحَدِيثِ النَّبَوِيّ الاجماع وانه فِي كَثْرَة اطِّلَاعه وتحقيقه لفتوته بلغ مَا لَا يُسْتَطَاع ودونت تصانيفه واشتهرت وَثبتت سيادته فِي هَذَا الْفَنّ النفيس وتقررت وَلم يُخَالف أحد من الْعُقَلَاء فِي جلالته ووفور ثقته وديانته وأمانته بل صَرَّحُوا بأجمعهم بِأَنَّهُ هُوَ المرجوع إِلَيْهِ فِي التَّعْدِيل وَالتَّجْرِيح والتحسين والتصحيح بعد شَيْخه شيخ مَشَايِخ الْإِسْلَام ابْن حجر حَامِل راية الْعُلُوم والأثر وَقَالَ آخر لقد أَجَاد النَّقْل من كَلَامي الله وَرَسُوله الْقَدِيم والْحَدِيث وسارت بفضله الركْبَان وبالغت فِي السّير الحثيث ومدحه آخر بِهَذِهِ الأبيات وَهِي ... يَا سيداً أضحى فريد زَمَانه ... وَدَلِيل مَا قد قلته الاجماع عِنْدِي حَدِيث مُسْند ومسلسل ... نرويه بالاتقان لَا الوضاع مَا فِي الزَّمَان سواك يلقى عَالما ... صحت بِذَاكَ اجازة وَسَمَاع الْخَيْر فِيك تَوَاتَرَتْ أخباره ... وَهُوَ الصَّحِيح وَلَيْسَ فِيهِ نزاع يَا من إِذا مَا قد أَتَاهُ ممرض ... يشكو زَوَال الضّر والأوجاع ... ورئي بعد مَوته على هَيْئَة حَسَنَة فَقيل لَهُ مَا فعل الله بك قَالَ حاسبني وَغفر لي وحشرني مَعَ الْعلمَاء وترجمته فِي تَارِيخه ثَلَاثَة كراريس على الْقطع الْكَامِل قَالَ الشَّيْخ جَار الله بن فَهد رَحمَه الله عقب تِلْكَ التَّرْجَمَة إِن شَيخنَا صَاحب التَّرْجَمَة حقيق بِمَا ذكره لنَفسِهِ من الْأَوْصَاف الْحَسَنَة وَلَقَد وَالله الْعَظِيم لم أر فِي الْحفاظ الْمُتَأَخِّرين مثله وَيعلم ذَلِك كل من اطلع على مؤلفاته أَو شَاهده وَهُوَ عَارِف فَقِيه منصف فِي تراجمه ورحم الله جدي حَيْثُ قَالَ فِي تَرْجَمته إِنَّه انْفَرد بفنه فطار اسْمه فِي الْآفَاق وَكَثُرت مصنفاته فِيهِ وَفِي غَيره طَار صيته شرقاً وغرباً شاماً ويمناً وَلَا أعلم الْآن من يعرف عُلُوم الحَدِيث مثله وَلَا أَكثر تصنيفاً وَلَا أحسن وَلذَلِك أَخذهَا عَنهُ عُلَمَاء الْآفَاق من الْمَشَايِخ والطلبة والرفاق وَله الْيَد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 الطُّولى فِي الْمعرفَة بالعلل وَأَسْمَاء الرِّجَال وأحوال الروَاة وَالْجرْح وَالتَّعْدِيل وَإِلَيْهِ يشار فِي ذَلِك وَلِهَذَا قَالَ بعض الْعلمَاء لم يَأْتِ بعد الْحَافِظ الذَّهَبِيّ أحد سلك هَذِه المسالك وَلَقَد مَاتَ فن الحَدِيث من بعده وأسف النَّاس على فَقده وَلم يخلق بعده مثله انْتهى وَولي تدريس الحَدِيث فِي مَوَاضِع مُتعَدِّدَة وَعرض عَلَيْهِ قَضَاء مصر فَلم يقبله رَحمَه الله تَعَالَى وفيهَا فِي شهر ذِي الْقعدَة توفّي الْفَقِيه الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد المقبول بن أبي بكر الزَّيْلَعِيّ صَاحب قَرْيَة اللِّحْيَة نفع الله بِهِ وفيهَا أَمر السُّلْطَان عَامر بن عبد الْوَهَّاب بتقييد رَئِيس الأسماعيلية سُلَيْمَان بن حسن بِمَدِينَة تعز واودعه دَار الْأَدَب وَكَانَ يتحدث بِمَا لَا يعنيه من المغيبات المستقبلات وَكَانَ عَالم الإسماعيلية وَأمر بإحضار كتبه واتلافها فأتلفت وَالْحَمْد لله سنة ثَلَاث بعد التسْعمائَة 903 هـ وَفِي ربيع الأول توفّي الْعَالم الْعَارِف بِاللَّه الْجَلِيل الرباني مُحَمَّد بن أَحْمد باجرفيل الدوعاني رَحمَه الله بغيل أبي وَزِير من أَعمال الشحن وجرفيل بجيم ثمَّ رَاء ثمَّ فَاء وَكَانَ مولده فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي عشر ربيع الأول سنة عشْرين بعد الثَّمَانمِائَة غلب عَلَيْهِ التصوف فَخَاضَ غماره وحقق أسراره وَصَارَ من كبار مَشَايِخ الطَّرِيقَة واعلام رجال أَئِمَّة الْحَقِيقَة يقْتَدى بآثاره ويهتدى بأنواره وَحكي عَنهُ أَنه قَالَ لم أصحب مَعَ كَثْرَة من صحبته من العارفين بِاللَّه مِثَال الشَّيْخ عَليّ بن أبي بكر فلازمته أَرْبَعَة أشهر على أَن يَقُول لي أَنْت منا أهل الْبَيْت كَمَا قَالَ ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لسلمان الْفَارِسِي رَضِي الله عَنهُ فَلم يجبني إِلَى ذَلِك فَلَمَّا ألححت عَلَيْهِ وَتحقّق صدق ودي ومحبتي لأهل الْبَيْت فَقَالَ يَا فَقِيه إِن الدّين النَّصِيحَة لَا يجيبك إِلَى مقصودك هَذَا إِلَّا الشَّيْخ أَبُو بكر بن عبد الله فَإِنَّهُ القطب الْوَارِث للقطبية من صغره بعد موت أَبِيه الشَّيْخ عبد الله بن أبي بكر وَنحن نكتب لَك إِلَيْهِ أَن يجيبك إِلَى مرادك قَالَ وَالشَّيْخ أَبُو بكر يَوْمئِذٍ بِالْيمن فَكتب الشَّيْخ عَليّ إِلَيْهِ وكتبت أَنا أَيْضا إِلَيْهِ فَأَتَانَا مِنْهُ بِحَمْد الله الْجَواب بِالْقَصْدِ وَالْمرَاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 قَالَ الْعَلامَة بحرق وَلَقَد كنت اسْتشْكل أَشْيَاء تصدر من سيد الشَّيْخ أبي بكر العيدروسي قدس الله روحه تقصر عَنهُ عقول أمثالنا القاصرة وَلَكِنِّي كنت بِتَوْفِيق الله أعرضها على أَرْبَاب البصائر فَمَا مِنْهُم إِلَّا ويأمرني بِالتَّسْلِيمِ وَيشْهد عِنْدِي بعلو مقَام سَيِّدي وانه على هدى من ربه الْعَلِيم مِنْهَا أَنِّي عرضت على الْفَقِيه مُحَمَّد بن أَحْمد باجرفيل تَصَرُّفَات مَالِيَّة يُبَاشر سَيِّدي فِي قبضهَا وصرفها فِي ظَاهر الْأَمر فِي غير مصارفها فَقَالَ لي أَنا أشهد أَنه أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمَالِك للتولية والعزل والحل وَالْعقد والتصرفات كلهَا وَأشْهد أَنه أفضل أهل الأَرْض ظَاهرا وَبَاطنا فَقلت لَهُ أما الْبَاطِن فبصائرنا عَنهُ قَاصِرَة وَأما الظَّاهِر فَمَا وَجهه فَقَالَ وَجهه أَن أهل الْبَيْت أفضل من سَائِر النَّاس وَآل باعلوي الْيَوْم أفضل من سَائِر أهل الْبَيْت باتبَاعهمْ السّنة وَلما اشْتهر لَهُم من الْعِبَادَة والزهادة وَالْكَرم وَحسن الْأَخْلَاق وَالشَّيْخ أَبُو بكر أفضل آل باعلوي بالِاتِّفَاقِ فَهُوَ أفضل أهل زَمَانه وفيهَا فِي يَوْم السبت خَامِس عشر شَوَّال توفّي الْفَقِيه الْمنور الْمُتَّفق على جلالة قدره علما وَعَملا وورعاً جمال الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله بن مُحَمَّد الشهير بِابْن عَليّ أَبَا فضل السَّعْدِيّ نِسْبَة إِلَى سعد الْعَشِيرَة الْحَضْرَمِيّ ثمَّ الْعَدنِي رَحمَه الله بعدن وحزن النَّاس عَلَيْهِ وَكثر تأسفهم على فَقده رَحمَه الله وَكَانَ مولده فِي حضر موت بتريم سنة أَرْبَعِينَ وَثَمَانمِائَة ثمَّ ارتحل فِي طلب الْعلم إِلَى عدن وَأخذ عَن الامامين الفاضلين مُحَمَّد بن مَسْعُود باشكيل وَمُحَمّد بن أَحْمد باحميش وجد فِي الطّلب ودأب حَتَّى برع فِي الْعُلُوم وانتصب للتدريس وَالْفَتْوَى وَصَارَ من أَعْلَام الدّين وَالتَّقوى وَكَانَ إِمَامًا كَبِيرا عَالما عَاملا محققاً ورعاً زاهداً مُجْتَهدا عابداً مُقبلا على شانه تَارِكًا لما لَا يعنيه ذَا مقامات وأحوال وكرامات وَكَانَ حسن التَّعْلِيم لين الْجَانِب متواضعاً صبوراً مثابراً على السّنة مُعظما لأهل الْعلم وَكَانَ هُوَ وَصَاحبه الْعَلامَة عفيف الدّين عبد الله بن أَحْمد بامحزمه عُمْدَة الْفَتْوَى بعدن وَكَانَ بَينهمَا من التوادد والتناصف مَا هُوَ مَشْهُور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 حَتَّى كَأَنَّهُمَا روحان فِي جَسَد وَكَانَ يعظم الشَّيْخ أَبَا بكر العيدروسي قَالَ الْعَلامَة بحرق كَانَ سَيِّدي الشَّيْخ أَبُو بكر قدس الله روحه إِذا قدم من بعض أَسْفَاره من الْجبَال إِلَى عدن قدم قبله قَاصِدا يعلم أكَابِر النَّاس بقدومه يَوْم كَذَا وَيَأْمُرهُمْ بِالْخرُوجِ لملاقاته فَقلت للفقيه مُحَمَّد ابْن أَحْمد بَافضل لأي شَيْء يفعل الشَّيْخ هَذَا فَقَالَ ليوصل النَّاس إِلَى رَحْمَة الله ويوصل رَحْمَة الله إِلَيْهِم بِالنّظرِ إِلَيْهِ والحضور بَين يَدَيْهِ وَلَو لَحْظَة وَاحِدَة ثمَّ يخرج يتلقاه مَعَ النَّاس وَكَانَ كثير السَّعْي فِي حوائج الْمُسلمين عِنْد الْمُلُوك وَغَيرهم وَكَانَ محبباً للنَّاس مُعْتَقدًا عِنْد الْخَاص وَالْعَام مُعظما عِنْد الْمُلُوك والأمراء لَا تكَاد ترد لَهُ شَفَاعَة وَكَانَ الشَّيْخ عَامر بن عبد الْوَهَّاب كثير التَّعْظِيم لَهُ وَبِالْجُمْلَةِ فمناقبه وفضائله ومحاسنه أَكثر من أَن تحصر وَأشهر من أَن تذكر وأفرد لَهُ وَلَده الْفَقِيه عبيد الله تَرْجَمَة وَهَذِه القصيدة الْمُسَمَّاة بالوابل الصيب والنرجس الطّيب نظم سيدنَا ومولانا الشريف الْوَلِيّ الصَّالح سراج الدّين عمر بن عبد الرَّحْمَن أَبَا علوي المقبور بتعز فِي السَّيِّد الإِمَام شيخ الْإِسْلَام أوحد الْعلمَاء الْأَعْلَام جمال الدُّنْيَا وَالدّين مُحَمَّد بن أَحْمد أبي الْفضل رحمهمَا الله تَعَالَى ونفع بهما وبعلومهما وَأعَاد علينا من أسرارهما ومعارفهما آمين آمين وَهِي هَذِه القصيدة ... إِلَى الله أَشْكُو حر نيران فرقة ... لَهَا فِي فُؤَادِي مثل طعن الذوابل وأسأله جمعا بوصل محجب ... عَن الْجَاهِلين الغافلين الأسافل عَسى بعد هَذَا الْبعد يجمع شملنا ... بِهِ رَبنَا معطي منا كل آمل سقا الله أوقاتاً لنا فِي ربوعهم ... إِذا أخطرت بالبال هَاجَتْ بلابلي وَزَاد اشتياقي للحبيب وقربه ... وَأنْشد لَا أخْشَى ملام العواذل سَلام على شخص بِهِ عدن زهت ... أَبَا فضل الْمَشْهُور زين الشَّمَائِل جمال لدين الله خَادِم شَرعه ... دَلِيل طَرِيق الله بدر المحافل نواوي هَذَا الْوَقْت شمس زَمَانه ... بهي الْمحيا جَامع للفضائل حبيب محب للْمَسَاكِين مؤنس ... ومقمعة للظالمين الاراذل فَعَن مُنكر ناه وبالعرف آمُر ... لكل وَلَا يخْشَى عناة الْقَبَائِل حَلِيم سليم دَائِم الْبشر وَالرِّضَا ... صبور وقور عِنْد وَقع النَّوَازِل ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 .. لَهُ منظر بِالْقَلْبِ يعلق فهمه ... وَلَو كَانَ فدما أبكماغير عَاقل وتدريسه فِي كل فن مؤسس ... بتعليله يَا صَاحِبي والدلائل ويرفق بالقارئ البليد كَأَنَّهُ ... لَهُ أم ثدي مشفقاً بالمسائل فيهنا جرام الشوك مَسْكَنه بِهِ ... وتدريسه يَا لَيْت ثمَّ منازلي لأنظره فِي كل يَوْم وَلَيْلَة ... وأسأله عَن كل حق وباطل فنظرته تسلي الهموم جَمِيعهَا ... ولفظته غيث لمصغ بقائل حبا الله ذَاك الْوَجْه نورا وبهجة ... جمالاً وعقلاً ظَاهرا غير خامل كبحر خضم فِي الْعُلُوم قد أمتلى ... وفاض على الجبنات فَوق السواحل فَإِن شِئْت تَفْسِيرا لَهُ اسال فَإِنَّهُ ... كمعدن تبر مَاله من معادل وَإِن شِئْت فِي علم الحَدِيث لَقيته ... ككنز لَهُ خَافَ عَن السَّهْو عاطل وَإِن شِئْت فِي فقه الإِمَام بن شافعٍ ... ترَاهُ كليث فِي المعارك جائل نعم أَو كبستان حوى كل طيب ... وَفِيه بيُوت عاليات الْمنَازل وَإِن شِئْت فِي علم التصوف والصفا ... ترَاهُ إِمَامًا عَارِفًا غير جَاهِل أديباً لبيباً قانعاً متواضعاً ... عَن الذّكر للرحمن لَيْسَ بغافل وَإِن شِئْت فِي علم اللُّغَات وَنَحْوهَا ... وتصريفها أَيْضا وكل الْوَسَائِل كعلم الْمعَانِي وَالْبَيَان وَغَيرهَا ... ترَاهُ لَهَا أَهلا شفا كل سَائل فيا من يُرِيد الْعلم فارحل وَلَا تقف ... إِلَى عَالم بِالْعلمِ لله عَامل هُوَ الشَّيْخ والأستاذ والنور وَالْهدى ... وَخير مُجيب عَن جَمِيع الْمسَائِل إمامي وأستاذي وشيخي وسيدي ... ومحبوب قلبِي صَادِقا غير هازل فيا لائمي خل الملام فانني ... حببت وحيداً مَا لَهُ من مماثل تفكر بقلب منصف هَل ترى ... لَهُ شَبِيها فَإِن لم تلقه لَا تجَادل غزير الحيا كل الحجا حَاز والصفا ... مليح الحلا شيخ الشُّيُوخ الأفاضل إِذا مَا أَتَت مِنْهُ إِلَيْنَا رسائل ... فَللَّه رَبِّي درها من رسائل تفرج أحزاناً وَتكشف كربَة ... وتجذب أحوالاً حوالي المناهل إِمَام لَهُ خلق حميد وسيرة ... سمت فاق بالأوصاف كل الأماثل زكي تَقِيّ مخلص صَادِق صفا ... من الْغِشّ والبغضاء وكل الدغائل وَكم من محامد لَيْسَ تحصى قصيدتي ... لَهُ يَا أخي زَادَت على قَول قائلي واستغفر الله الْعَظِيم من الخطا ... وَمن جمح الاهوى وكل الرذائل ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 .. وتمت بِحَمْد الله رَبِّي وعونه ... وَصلى آلهي فِي الضُّحَى والاصائل وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا ودائما ... على الْمُصْطَفى الْمُخْتَار لِلْحسنِ كَامِل ... وَله تصانيف نافعة مِنْهَا مُخْتَصر الْأَنْوَار الْمُسَمّى نور الْأَبْصَار وَهُوَ فِي غَايَة الْحسن وكأنما عناه المتنبي بقوله ... فَجَاءَت بِنَا إِنْسَان عين زَمَانه ... وخلت بَيَاضًا خلفهَا واماقيا ... وَشرح تراجم البُخَارِيّ وَاخْتصرَ قَوَاعِد الزَّرْكَشِيّ وَشَرحه وَكتاب الْعدة وَالسِّلَاح لمتولي عُقُود النِّكَاح وَهُوَ مَشْهُور انْتفع بِهِ النَّاس وَشرح الْمدْخل وَشرح البرماوية وَغير ذَلِك من الْكتب النافعة فِي فنون مُتعَدِّدَة وَمن شعره ... إِن العيادة يَوْمًا بَين يَوْمَيْنِ ... واجلس قَلِيلا كلحظ الْعين بِالْعينِ لَا تبر من مَرِيضا فِي مسائلة ... يَكْفِيك من ذَاك تسآل بحرفين ... وفيهَا فِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ سلخ ذِي الْعقْدَة الْحَرَام توفّي الشريف الْفَقِيه الصُّوفِي الأديب الْحَافِظ الْمُحدث البارع فِي أشتات الْعُلُوم بدر الدّين الْحُسَيْن ابْن الصّديق بن الْحُسَيْن بن عبد الرَّحْمَن الأهدل قدس الله أَرْوَاحهم ببندر عدن وَدفن بهَا وَكَانَ مولده فِي ربيع الثَّانِي سنة خمس وَثَمَانمِائَة بِأَبْيَات حُسَيْن وَنَشَأ بهَا بنواحيها واشتغل بهَا فِي الْفِقْه على الفقيهين أبي بكر ابْن قعيص وَأبي الْقسم ابْن عمر بن مطير وَغَيرهمَا وَفِي النَّحْو على أَولهمَا وَغَيره ثمَّ انْتقل إِلَى بِلَاد المراوغة واشتغل بهَا على الْفَقِيه إِبْرَاهِيم بن أبي الْقسم جعمان وَغَيره ثمَّ دخل زبيد فِي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ فاشتغل بهَا فِي الْفِقْه على عمر الْفَتى وَغَيره وَفِي الْأَدَب على بن الزين الشرجي ثمَّ حج سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وجاور الَّتِي تَلِيهَا وَحضر مجَالِس الْبُرْهَان والمجيوى قاضيها وَأذن لَهُ الْبُرْهَان وَغَيره وزار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسمع بهَا من أبي الْفرج المراغي ثمَّ عَاد لبلاده وَأخذ عَن يحيى العامري وَبحث عَلَيْهِ الْمِنْهَاج ذكره السخاوي فِي ضوئه قَالَ ولازمني فِي الْمُجَاورَة الثَّالِثَة بِمَكَّة فَقَرَأَ عَليّ أَشْيَاء من تصانيفي بعد أَن كتبهَا بِخَطِّهِ وَكَذَا سمع من لَفْظِي وَعلي أَشْيَاء قَالَ وَهُوَ فَاضل بارع فِي فنون ناظم مُفِيد حسن الْقِرَاءَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 والضبط لطيف الْعشْرَة متودد قَانِع عفيف اقرا الطّلبَة بناحيته وَقَرَأَ الحَدِيث على الْعَامَّة سِيمَا القَوْل البديع وَنَحْوه مدحني بقصيدة انشدنيها بِحَضْرَة الْجَمَاعَة وكتبت لَهُ إجَازَة حافلة وَرَأَيْت النَّجْم بن فَهد كتب عَنهُ من نظمه كثيرا وترجمة انْتهى وَذكره الْعَلامَة بحرق فِي كِتَابه موهب القدوس فِي مَنَاقِب ابْن العيدروس وَقَالَ إِنِّي قلت مرّة لَهُ إِن أَحْوَال سَيِّدي الشَّيْخ أبي بكر اشكلت علينا فَقَالَ دعها تَحت حجابها مستورة بسحابها فَلَو أشرقت شمسه لأحرقت الْوُجُود كُله أما تَرَانَا نقف على أبوابه ونكتفي بتقبيل أعتابه قَالَ وَهَكَذَا كَانَ رَحمَه الله يقبل العتبة وينصرف وَرَأَيْت كَأَنَّهُ ورد عَلَيْهِ مرّة حَال فَأخذ بيَدي وَهُوَ كالذاهل فَقَالَ لي تُرِيدُ أَن أُريك القطب فَقلت نعم فَمشى حَتَّى أَتَيْنَا إِلَى سَيِّدي الشَّيْخ أبي بكر فَقَالَ هَذَا هُوَ القطب وَانْصَرف وَلم يلبث أَن امتدح سَيِّدي الشَّيْخ بقصيدته الَّتِي أَولهَا من الحسان الخرد قد صادني غرير يَرْمِي بقوس حَاجِب وأنشده اياها فَلَمَّا بلغ المنشد قَوْله يَا عيدروس الْأَوْلِيَاء يَا حايز الْكَمَال القطب أَنْت الْأَكْمَل كَانَ الشريف الْحُسَيْن ينظر اليّ ثمَّ يُشِير بِيَدِهِ إِلَى سَيِّدي الشَّيْخ وَيَقُول القطب أَنْت الْأَكْمَل القطب أَنْت الْأَكْمَل يكررها ليحقق مَا كَانَ قَالَه لي فِي الْمَنَام فِي حَالَة ذُهُوله وَمن شعره ... يَا سَيِّدي يَا الهي ... إِن لم تكن لي فَمن لي أَنْت الْعَلِيم بحالي ... فارنم بعزك ذلي ... وَمِنْه ... أما لهَذَا الْهم من مُنْتَهى ... اما لهَذَا الْحزن من آخر أما لهَذَا الضّيق من فارج ... اما لناب الْخطب من كاشر أما لهَذَا الْعسر من دافعٍ ... باليسر عَن هَذَا الشجى العاثر بلَى بلَى مهلا فَكُن واثقاً ... بِالْوَاحِدِ الْفَرد العلى الْقَادِر ... وَمِنْه هَذِه الْوَسِيلَة الْعَظِيمَة وَهِي ... يَا رَسُول الله عوناً مدد ... أَنْتُم الْوَالِد وَالْعَبْد ولد ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 .. يَا رَسُول الله فِي جاهك مَا ... يبلغ القاصد أقْصَى مَا قصد يَا رَسُول الله مَا لي عتد ... غير حبك وَيَا نعم العتد يَا رَسُول الله قوم أودى ... فلكم قومت بِالدّينِ أود يَا رَسُول الله هَل من نظرة ... تصلح الْقلب سَرِيعا والجسد يَا رَسُول الله هَل من جذبة ... تجذب العَبْد إِلَى النهج الجدد يَا رَسُول الله هَل من عطفة ... تعطف العَبْد إِلَى طرق الرشد يَا رَسُول الله هَل من نفحة ... مِنْك تَأتي وَمن الْفَرد الصَّمد يَا رَسُول الله كن لي شافعاً ... أَنْت وَالله شَفِيع لَا ترد يَا رَسُول الله هَل تسمعني ... أَي وربي تسمع القَوْل مقد أَنا بِاللَّه وبالوجه الَّذِي ... قَالَ ذُو الْعَرْش لَهُ أَسجد فَسجدَ سيد الرُّسُل ختام الْأَنْبِيَاء ... صَاحب السَّجْدَة وَالْقَوْل الْأسد أصل مبدأ الْكَوْن بل غَايَته ... حجَّة الله على كل أحد رَحْمَة الله الَّتِي عَم بهَا ... كل مَخْلُوق على بر الْأَبَد صفوة الله من الْخلق مَعًا ... فَهُوَ الْجَوْهَر والخلق زبد الَّذِي قد خصّه الله بِمَا ... يعجز الْعد فَلَا يُحْصى عدد كلما فِي الْأَنْبِيَاء من شرف ... ضم فِيهِ بعد أَن كَانَ بدد وَلَقَد زيد عَلَيْهِم شرفاً ... واختصاصات بمعناها انْفَرد من ليَوْم الْجمع إِلَّا أَحْمد ... يَوْم لَا وَالِد يُغني عَن ولد ينقذ النَّاس بسجدات لَهُ ... من هموم وكروب وشدد يَا مجلي الكرب السود أغث ... مَا رآك الكرب إِلَّا وشرد يَا مليح الْوَجْه يَا خير الورى ... أَنْت بعد الله نعم الْمُعْتَمد يَا عَظِيم الجاه وَالْفضل وَيَا ... أكْرم الْخلق إِلَيْك الْمُسْتَند مدحتي نَحْوك قد أَهْدَيْتهَا ... فاجرني بِقبُول ومدد واسأل الرَّحْمَن لي من فَضله ... الْعَفو والغفران والرزق الرغد رب جنبنا بجاه الْمُصْطَفى ... كل كد وبلاء ونكد وأقض حاجاتي واصلح عَمَلي ... وَاخْتِمْ الْعُمر بِخَير إِن نفد وكذاك الْآل وَالْأَصْحَاب من ... قد دنا مِنْهُم إِلَيْنَا وابتعد وَصَلَاة الله مَعَ تَسْلِيمه ... لرَسُول الله من غير أمد وكذاك الْآل وَالْأَصْحَاب من ... قَامَ للدّين بنصر واجتهد ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 .. بِبَقَاء الله تبقى وعَلى الآ ... ل والصحب فهم آل الرشد بِبَقَاء الله تبقى دَائِما ... وعَلى الْآل فهم آل الرشد ... قلت وَلَعَلَّه يُشِير بقوله ... يَا رَسُول الله هَل تسمعني ... أَي وربي تسمع القَوْل وَقد ... إِلَى أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تبلغه صَلَاة الْمُصَلِّين عَلَيْهِ ومدح المادحين لجنابه الْعلي للأحاديث الصَّحِيحَة كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {مَا من أحد يسلم عَليّ إِلَّا رد الله عَليّ روحي حَتَّى أرد عَلَيْهِ السَّلَام} وَكَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِن الله وكل بقبري ملكا أعطَاهُ اسماء الْخَلَائق فَلَا يُصَلِّي على أحد إِلَى يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا بَلغنِي باسمه وَاسم أَبِيه هَذَا فلَان بن فلَان قد صلى عَلَيْك وَقد يتشرف بعض الْأَوْلِيَاء فَيسمع الْجَواب من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا وَقع للناظم رَحمَه الله من أَنه لما زار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ووقف على الْقَبْر الشريف وَأنْشد قصيدة يَقُول فِيهَا ... إِن قيل زرتم بِمَا رجعتم ... يَا سيد الرُّسُل مَا نقُول ... فَسمع الْجَواب من الْحُجْرَة الشَّرِيفَة ... قُولُوا رَجعْنَا بِكُل فضل ... وَاجْتمعَ الْفَرْع وَالْأُصُول ... وفيهَا فِي يَوْم السبت حادي عشْرين الْمحرم توفّي الإِمَام الْعَلامَة مفتي مَدِينَة عدن ومدرسها وخاتمة الْعلمَاء بهَا صَاحب الْفَتَاوَى المفيدة والتصانيف العديدة الْفَقِيه عبد الله بن أَحْمد بن عَليّ بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم أَبَا محزمه الْحِمْيَرِي الشَّيْبَانِيّ الهجراني الْحَضْرَمِيّ الْعَدنِي الشَّافِعِي بعدن وَدفن قَرِيبا من قبر شَيْخه أبي شكيل دَاخل قبَّة الشَّيْخ جَوْهَر فِي الْقَبْر الَّذِي دفن فِيهِ شيخ مَشَايِخ الْإِسْلَام مفتي الْيمن القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد ابْن سعيد ابْن الطَّبَرِيّ وَكَانَ مولده لَيْلَة الْأَرْبَعَاء ثَانِي عشر رَجَب سنة ثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة بالهجرين وَحفظ الْقُرْآن بهَا ثمَّ ارتحل لطلب الْعلم إِلَى عدن وتفقه بالإمامين مُحَمَّد بن مَسْعُود أَبَا شكيل وَمُحَمّد بن أَحْمد أَبَا حميش وأجتهد فِي الطّلب ودأب وواكب على الِاشْتِغَال لَيْلًا وَنَهَارًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 وَكَانَ فَقِيرا لَا يملك شَيْئا وقاسى فِي أَيَّام طلبه من الْجُوع والمكابدة مَا هُوَ مَشْهُور عَنهُ وبرع فِي سَائِر الْعُلُوم وحقق الْفُنُون وساد الاقران وسارت بفضله الركْبَان وَوَقع على تقدمه الاجماع وابتهجت بِذكرِهِ النواظر والأسماع وَصَارَ عُمْدَة يرجع إِلَى قَوْله وفتواه فِي زمَان مشايخه فَلَمَّا رأى شَيْخه أَبُو شكيل مَا آل إِلَيْهِ أمره اغتبط بِهِ وأحبه وخطبه لنكاح أبنته وزوجه اياها ورزق مِنْهَا أَوْلَادًا فضلاء نجباء سَيَأْتِي ذكر بَعضهم وَكَانَ عَالما بالفقه والأصلين والفرائض والحساب وَالتَّفْسِير والْحَدِيث والنحو والتصريف واللغة وَعلم الْمعَانِي وَالْبَيَان والهيئة والفلك وَغَيرهَا من الْعُلُوم الْمَشْهُورَة والفنون الْمَذْكُورَة وَكَانَ من الْعُلُوم بِحَيْثُ يقْضى لَهُ فِي كل فن بِالْجَمِيعِ وَكَانَ مهاباً حَتَّى أَن الْعَلامَة الصَّالح عفيف الدّين عبد الله بن عبسين كَانَ يَقُول اني لَا أَخَاف وَلَا أهاب أحدا من الْعلمَاء إِلَّا الْفَقِيه عبد الله أَبَا محزمه فَأَنِّي أكاد أرعد من هيبته وَكَانَ الْمُلُوك فِي زَمَانه يخضعون لَهُ ويخافونه وَكَانَ آمراً بِالْمَعْرُوفِ ناهياً عَن الْمُنكر لَا يُرَاعِي أحدا فِي دين الله وَلَا يخَاف فِي الله لومة لائم وَكَانَ صَاحبه الإِمَام الْوَلِيّ جمال الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد أَبَا فضل كثير التعضيم لَهُ وَبَلغنِي أَن الْفَقِيه رَحمَه الله سُئِلَ أَي أعلم أَنْت أم الْفَقِيه مُحَمَّد فَقَالَ أَنا أعلم مِنْهُ وَهُوَ أورع مني أَو قَالَ ادين مني وَكَانَ الشَّيْخ عَليّ بن طَاهِر أول مُلُوك الْيمن من بني طَاهِر كثير التَّعْظِيم لَهُ والاغتباط بِهِ والامتثال لأَمره والانقياد لَهُ والتأدب مَعَه وَلم يزل بِهِ حَتَّى ولاه الْقَضَاء بعد على كره مِنْهُ بعد أَن شَرط عَلَيْهِ شُرُوطًا وفى لَهُ بهَا فباشر الْوَظِيفَة بنزاهة تَامَّة وصدع بِالْحَقِّ وَإِقَامَة الْعدْل واجتهاد فِي إِيصَال الْحُقُوق واغلاظ للظلمة من الْأُمَرَاء والوزراء وَغَيرهم وقمعهم عَن الظُّلم وتحكيم الشَّرْع فيهم فَمَكثَ على ذَلِك نَحْو سنتَيْن أَو سنة وَنصف ثمَّ هرب من الْبَلَد على حِين غَفلَة من أَهلهَا وَركب الْبَحْر إِلَى الشحر ثمَّ إِلَى بَلَده الهجرين فِرَارًا من الْقَضَاء وحذراً من فتنته فعفاه السُّلْطَان مِنْهُ وعول عَلَيْهِ فِي الرُّجُوع مكرماً من غير قَضَاء فَرجع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 ذكره السخاوي فِي تَارِيخه قَالَ وَكَانَ برع فِي الْفِقْه وأصوله والعربية والْحَدِيث وَالتَّفْسِير وَكَانَ من شُيُوخه فِي الْفِقْه أَبَا حميش وَفِي غَيره أَبَا شكيل مُحَمَّد بن مَسْعُود قَاضِي عدن وَغَيرهم كابي هُرْمُز الْحَضْرَمِيّ وَهُوَ من أصلح شُيُوخه قلت وَلبس مِنْهُ خرقَة التصوف قَالَ ودرس وَأفْتى وكلفه عَليّ بن ظَاهر قَضَاء عدن فدام قريب أَرْبَعَة أشهر ثمَّ ترك وَتوجه لنفع الطّلبَة خَاصَّة مَعَ علو همة وَشرف نفس وَعمل على جَامع المختصرات نكتاً فِي مجلدة وَكَذَا على الفية النَّحْو فِي كراريس مفيدة وَشرح الملحة للحريري شرحاً حسنا ولخص شرح ابْن الهايم على هايميته إِلَى غير ذَلِك مثل الرسائل فِي علم الهندسة وَغَيرهَا وفتاواه مجيدة وَعبارَته محكمَة انْتهى كَلَام السخاوي وَله كتاب الفتاوي وَهُوَ كتاب جليل عَظِيم الْفَائِدَة وَمِمَّنْ تخرج بِهِ من الْأَئِمَّة الْأَعْيَان الْفَقِيه الْعَلامَة الصَّالح عفيف الدّين عبد الله بن عبد الرَّحْمَن فضل الْمَعْرُوف بِابْن الْحَاج وَالْإِمَام الْعَلامَة جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر أَبَا قضام والفقيه الْعَلامَة عُثْمَان بن مُحَمَّد العمودي وَالْقَاضِي الإِمَام البارع مُحَمَّد بن عمر بحرق وَرَأَيْت بِخَط الْفَقِيه عبد الله بن الْحَاج فضل رَحمَه الله فِي آخر جَوَاب لَهُ على مَسْأَلَة اخْتلف فِيهَا فُقَهَاء عصره مَا لَفظه وَقد افتى بذلك سيدنَا وَشَيخنَا الْفَقِيه الْعَلامَة عبد الله بن أَحْمد محزمه رَحمَه الله وَأَخذه من مُقْتَضى كَلَام الْأَصْحَاب وَهُوَ أَحَق من أَن يُقَلّد انْتهى بِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ كَانَ بَقِيَّة الْعلمَاء العاملين لَيْسَ لَهُ نَظِير فِي زَمَانه وَلم يخلفه بعده مثله رَحمَه الله تَعَالَى وَكَانَ بعض الْأَوْلِيَاء يَقُول فِي حَقه إِنَّه من الْأَرْبَعَة الْأَوْتَاد الَّذين يحفظ الله بهم الْبِلَاد والعباد ويغيث بهم الْحَاضِر والباد وَكَانَ رَحمَه الله يَقُول عمري سَبْعُونَ سنة فَكَانَ كَذَلِك وَمن أَوْلَاده الْفَقِيه الصُّوفِي عمر وَكَانَ تصوف بعد أَن برع فِي الْعلم وَكَانَ شَيْخه فِي التصوف الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن أَبَا هُرْمُز وَله مَعَه حِكَايَة طَوِيلَة وَمن شعره ... اعط الْمَعِيَّة حَقّهَا ... واحفظ لَهُ حسن الْأَدَب ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 .. وَاعْلَم بأنك عَبده ... فِي كل حَال وَهُوَ رب ... ونظمه كثير جدا فَهُوَ مُشْتَمل على كثير من اشارات الصُّوفِيَّة واصطلاحاتهم ومسائلهم الدقيقة وَعَلِيهِ حلاوة وَفِيه طلاوة ولاجل هَذَا يحفظه أهل تِلْكَ الْجِهَة كثيرا ويتمثلون بِهِ ويستعملونه غَالِبا فِي مغانيهم ويعتنون بِهِ أَشد الْعِنَايَة حَتَّى الْعَوام وَهُوَ سَلس الْأَلْفَاظ قريب الْمعَانِي يفهمهُ كل أحد بِحَسب حَاله فِي الْمحبَّة المجازية وَنَحْو ذَلِك وَهُوَ مَعَ ذَلِك مُشْتَمل على كثير من الْأَمْثَال المتداولة بَينهم وَمِنْه هَذِه الْوَسِيلَة الْعَظِيمَة الَّتِي اشْتَمَلت على ذكر كثير من اولياء الله رَضِي الله عَنْهُم وَهِي ... يارب بالشيخ الْجُنَيْد وخاله ... وشقيق والشبلي وشهرة حَاله وحبِيب العجمي وَدَاوُد فَتى ... طي وبصري وَطيب وصاله وبتستري الدَّار سهل وَمَا سرى ... بسراه فِي الاسرار من سلساله وبزهد ابراهيم صفوة ادهم ... وفضيل الضافي على افضاله وَبشَارَة كرمان وبابن خفيفهم ... متحمل الأثقال من أثقاله وببشر بشر طيب الِاسْم الَّذِي ... بحفاه لم يحْتَج لخصف نعاله والواسطي جمال أَرْبَاب الصَّفَا ... جالي صفا أسرارهم بصقاله وجليل جيلان الَّذِي قد توجت ... تيجان فَخر من عَظِيم جَلَاله مولَايَ عبد االقادر المنعوت فِي ... الملكوت بالبازي لبعد حَلَاله والشاذلي الْمَدْعُو أَبُو الْحسن الَّذِي ... خَفَقت قبُول الْقرب من اقباله وسفيره المرسي عَيْبَة سره ... ومنيل من وَالَاهُ خير نواله وائمة الْإِسْلَام اعلام الْهدى ... وحماة علم الشَّرْع كَاف كَمَاله سفيانها الثَّوْريّ وَابْن عُيَيْنَة ... وَأَبُو حنيفَة من جلا بجماله ظلم الْجَهَالَة والمملك مَالك ... وَالشَّافِعِيّ وَحزبه وَرِجَاله وبأحمد الْمَحْمُود صفوة حَنْبَل ... إِذْ ذَاك لم ينسج على منواله وبفخر شيراز أبي اسحاقها ... وصلاحه المصيون عَن اخلاله وبسره المسرور فَفِي تنبيهه ... وبهاء مهذبه وزهو جماله وبحجة الْإِسْلَام مرشد أَهله ... سبل الصَّوَاب بصائبات مقاله ببسيطه ووسيطه ووجيزه ... وَبِمَا حكى الْأَحْيَاء من أَحْوَاله ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 .. وضيا جواهره وَمَا ابداه فِي ... منهاجه من عين عذب زلاله يَا الله يَا رباه يَا غوثاه يَا ... من لَا يصون السُّؤَال عَن سُؤَاله فرج عَليّ واجل عَن قلبِي الصدا ... اني مُؤَمل طلق عقد عقاله وازح غيوم الْغم عَنهُ ونحه ... أرحه يَا مولَايَ من اغلاله وأذقه برد الْإِنْس مِمَّا يختشى ... وانله مَا يرجوه من آماله وَاجعَل صَلَاتك وَالسَّلَام يحفها ... أبدا على خير الْأَنَام وَآله سر الْوُجُود مُحَمَّد وأميره ... ومنيره بمقاله وفعاله ... وَمِنْه أَيْضا هَذِه الْوَسِيلَة الَّتِي نظم بهَا أَكثر مَشَايِخ الرسَالَة نفع الله بهم وَهِي ... يَا من لقلب بالصبابة ممتلي ... واضالع بلظى القطيعة تصطلي من ذَا لما بِي كاشفاً الاك يَا ... من قد مددت لَهُ أكف توسلي يَا الله يَا من لَا إِلَه نؤمه ... إِلَّا هُوَ انظرني بِعَين تفضل يَا حَيّ يَا قيوم ثبتني وَكن ... بالطف وَالتَّدْبِير لي أبدا ولي يَا من هُوَ الله الْعَظِيم وَمن لَهُ ... الْعَرْش الْعَظِيم وَمن عَلَيْهِ توكلي أنعم عَليّ فَأَنت اكرم منعم ... وأغفر ذُنُوبِي واعف وأكف وجمل وتوفني لَك مُسلما وَمُسلمًا ... مَعَ اولياك بِحَق حَقك يَا عَليّ وبآية الْكُرْسِيّ أعظم آيَة ... وَبسر آيَات الْكتاب الْمنزل وبحق خير الْعَالمين مُحَمَّد ... هادي الانام وغوث كل مُؤَمل وبحق اسرافيل بل ورفيقه ... جِبْرِيل قيدوم الْفَرِيق الأول وبحق مِيكَائِيل خَازِن رزقنا ... وبقابض الارواح غير ممهل وبحرمة الصّديق والفاروق بل ... وبحق عُثْمَان وَسَيِّدنَا عَليّ وبحق فَاطِمَة البتول وَابْنهَا ... حسن وَبِالثَّانِي حُسَيْن الْأَفْضَل وبجعفر الطيار بل وبحمزة ... وبجمع أَصْحَاب النَّبِي الكمل وَالتَّابِعِينَ لَهُم باحسان وَمن ... والاك من أهل الْمحل المعتلي بِيَقِين زين العابدين وباقر ... وبجعفر ذِي الصدْق وَالْفَخْر الجلى وبكظم مُوسَى والملقب بالرضى ... زاكي الاصول على المتبتل ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 .. بالياس وَالْخضر النَّقِيب وَمن مضى ... مِمَّن تصوف فِي مدى الزَّمن الْحلِيّ بالشيخ سهل التسترِي أمامنا ... وأخيه مَعْرُوف أبلغني مأملي بسرى بالشيخ الْجُنَيْد بحارث ... بشقيق الْبَلْخِي بِذِي النُّون الْوَلِيّ وبابن أدهم ثمَّ بالطائي وبا ... لِحَافِي الْفَقِير الزَّاهِد المتنصلي بفضائل الشَّيْخ الفضيل وبأبنه ... وبحال طيفور الَّذِي مِنْهُ يَلِي بِأبي سُلَيْمَان وَابْن مبارك ... وبحاتم والواسطي الفيصل وبأحمد ابْن أبي الْحوَاري ثمَّ ... مَنْصُور بن عمار الدَّلِيل الْموصل بَابي تُرَاب وَابْن مَسْرُوق وبا ... لشبلي وَابْن معَاذ يحيى الأنبل برويم وَابْن جنيتي والحداد و ... القصاب ثمَّ نحير المتبذل وبابن خضرويه وبالنوري وو ... الدقاق والمكي عمر والاعدل وبابن عَاصِم وَأحمد وَسَعِيد ... الحيزي وبابن الْفضل كن يارب لي وبابن الْأَعرَابِي وَابْن نصيره ... والرقي وَإِبْرَاهِيم المتبهل بِمُحَمد الرقي وَشَيخ زَمَانه ... استاذنا السيار والمتأول بالرازي الأواب عبد الله و ... ابْن نجيد والبوشيخي والمتجمل وبشيخنا ابْن خَفِيف بل يعلى ... الحضري تجَاوز وامح ذَنبي وَاقْبَلْ وبشيخ مُضر أباد عالمها وَبُنْدَار وَشَيخ فِي طمسنان ابتلى بنزيل دينور أبي الْعَبَّاس و ... ابْن عطا وَمن روذباد المتجمل وأمامنا الدقاق والسلمي و ... القصاب ثمَّ الصَّيْرَفِي الأمثل بالعابد الخشاب ثمَّ دريدي ... وبابن جَهْضَم هضم كل معطل وبالأسود الثاوي بدينوره ... وَمَنْصُور الَّذِي فِي العذب كَانَ بمنزل بَابي سعيد أَمَام مالين وَمن ... قد ساح مِنْهُم أَو أَقَامَ بمحفل وبزين الْإِسْلَام الْقشيرِي الَّذِي ... قد ذاق فِي التَّوْحِيد أعذب منهل يَا من يغيث المستغيث بغوثه ... هَذَا التوسل بعد بذل تحيلى فَبِحَق من سميت فِي قولي أقل ... وانلني المأمول مِنْك وَعجل وتولني وتول من واليته ... وأحلل بأعدائي انتقامك وأخذل وأقمع وَدَمرَ من أَرَادَ بِنَا أَذَى ... وأعكس رجاه وخذه أَخذ منكل وَمَتى دعوتك يَا ألهي رَاغِبًا ... أَو رَاهِبًا من عَاجل ومؤجل قل هاك يَا عَبدِي فها أَنا وَاقِف ... بِفنَاء جودك سَائِلًا بتذلل ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 .. حاشاك أَن تفنى الْمُلُوك وفودها ... وتردني يَا من عَلَيْهِ معولي أبدا وصل على النَّبِي مُحَمَّد ... زين الْوُجُوه وَنور كل مهلل وعَلى صحابته الْكِرَام وَآله ... أهل الْفَضَائِل والفخار الْأَكْمَل ... وانما ذكرت هَاتين القصيدتين تيمناً بِذكر من فيهمَا من أَوْلِيَاء الله تَعَالَى الَّذين تنزل الرَّحْمَة عِنْد ذكرهم لِئَلَّا يَخْلُو هَذَا الْكتاب عَن شَيْء من نفس هَذَا السَّيِّد الْعَظِيم وَالْوَلِيّ الْكَبِير عَارِف زَمَانه ذِي الْقدَم الراسخة فِي التصوف أعَاد الله علينا من بركاته فِي الدَّاريْنِ آمين وَمَا وقفت على تَارِيخ وَفَاته فَلهَذَا لم أترجم لَهُ بالاستقلال وَإِلَّا فَهُوَ جدير بذلك وفيهَا توفّي الْفَقِيه الصَّالح الْعَلامَة جمال الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم المكدش بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْكَاف وَكسر الدَّال الْمُهْملَة وَآخره شين مُعْجمَة فَقِيه اللامية ومفتيها ببلدة سامر وَكَانَ لَهُ بهَا مشْهد عَظِيم رَحمَه الله قلت وَبَنُو المكدش هَؤُلَاءِ اخيار صَالِحُونَ شهر مِنْهُم جمَاعَة بِالْولَايَةِ التَّامَّة وَظُهُور الكرامات وقريتهم يُقَال لَهَا الآنفة وَهِي بِفَتْح الْهمزَة بعد الْألف وَاللَّام وَفتح النُّون وَالْفَاء أَيْضا وَآخره هَاء تَأْنِيث بِجِهَة وَادي سِهَام وَهِي مُجَللَة مَقْصُودَة الزِّيَارَة والتبرك ونسبهم فِي الغنميين وهم قَبيلَة من قبائل عك بن عدنان ومسكنهم فِيمَا بَين الوادى سِهَام والوادي سردد وَمن مشاهيرهم يُوسُف بن أبي بكر المكدش كَانَ من كبار الْأَوْلِيَاء وَله كرامات خارقة ذكره الشرجي فِي الطَّبَقَات واثنى عَلَيْهِ وَذكر شَيْئا من أَحْوَاله وتاريخ وَفَاته لم اطلع عَلَيْهِ غير انه كَانَ معاصراً لصاحبي عواجة الشَّيْخ الْحكمِي والفقيه البَجلِيّ وهما كَانَا على رَأس الستمائة وَمِنْهُم مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن أبي بكر بن يُوسُف المكدش وَكَانَ من كبار الصَّالِحين ذكره الشرجي أَيْضا فِي طبقاته وَحكى بعض كراماته وَكَانَت وَفَاته سنة ثَمَان وَتِسْعين وَسَبْعمائة وفيهَا فِي يَوْم الثُّلَاثَاء الْحَادِي وَالْعِشْرين من شهر الْمحرم توفى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 الشريف مُحَمَّد بن بَرَكَات صَاحب مَكَّة بوادي الأبيار خَارِجا عَن مَكَّة وَحمل إِلَيْهَا وَدفن بهَا يَوْم الْأَرْبَعَاء فِي حوشة رَحمَه الله وفيهَا فِي ذِي الْقعدَة توفّي الْفَقِيه مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد باصهي بشبام وفيهَا فِي سحر لَيْلَة الْأَرْبَعَاء السَّادِس عشر من جُمَادَى الاولى توفّي الْفَقِيه الْمُفْتِي القَاضِي الشَّيْخ الْعَلامَة جمال الدّين مفتي الْمُسلمين مُحَمَّد ابْن حُسَيْن بن مُحَمَّد بن حُسَيْن القماط الزبيدِيّ بِمَدِينَة زبيد وَدفن ضحى يَوْمهَا وَكَانَ لَهُ مشْهد عَظِيم وَلم يخلف بعده مثله رَحمَه الله وَكَانَ مولده ببلدة زبيد فِي شهر صفر سنة ثَمَان وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَنَشَأ بهَا وأشتغل فِيهَا بِالْعلمِ ولازم القَاضِي الْعَلامَة الطّيب النَّاشِرِيّ صَاحب الْإِيضَاح والعلامة عمرا الْفَتى والفقيه كَمَال الدّين مُوسَى الضجاعي وَغَيرهم من عُلَمَاء عصره وبرع فِي الْفِقْه ودرس وَأفْتى وَكَانَ لَا يمل الأشغال والاشتغال وَحصل بِيَدِهِ كتبا جمة وَولي قَضَاء عدن سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَلم يزل قَاضِيا بهَا إِلَى سنة تِسْعَة وَتِسْعين فعزل بِالْقَاضِي الْعَلامَة شهَاب الدّين أَحْمد بن عمر المزجد وَرجع إِلَى وَطنه زبيد وَأقَام بهَا على التدريس وَالْفَتْوَى وَنشر الْعلم وَتخرج بِهِ جمَاعَة من الْفُضَلَاء وانتفع النَّاس بِعِلْمِهِ وَلم يزل على ذَلِك إِلَى أَن توفّي وَكَانَ كثير الاستحضار للفروع جيد الأستنباط وَلم يكن لَهُ يَد فِي غير الْفِقْه رَحمَه الله وفيهَا فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ الثَّانِي من شهر ربيع الآخر توفّي الْفَقِيه الصَّالح المعمر جمال الدّين مُحَمَّد النُّور بن عمر الجبرتي من بَقِيَّة أَصْحَاب الشَّيْخ إِسْمَاعِيل بن أبي بكر الجبرتي عَن خمس وَثَمَانِينَ سنة وَدفن ضحى يَوْمهَا قَرِيبا من ضريح شَيْخه رَحمَه الله وفيهَا فِي عَشِيَّة يَوْم الْخَمِيس الثَّالِث من جُمَادَى الأولى توفّي الْفَقِيه الْعَلامَة المتقن المتفنن رَضِي الدّين بن الصّديق بن مُحَمَّد الْحكمِي الشهير بالوزيفي بِمَدِينَة زبيد وَدفن لَيْلَة الْجُمُعَة بعد صَلَاة الْمغرب بتربة الْقُضَاة الناشريين بعناية القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد السَّلَام النَّاشِرِيّ رَحمَه الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 وفيهَا فِي يَوْم الْأَحَد الثَّانِي عشر من جُمَادَى الْآخِرَة توفّي الشَّيْخ شمس الدّين عَليّ بن عبد الله الزجاجي الصُّوفِي بزبيد وَدفن بعد الْعَصْر رَحمَه الله سنة أَربع بعد التسْعمائَة 904 هـ وَفِي عَشِيَّة يَوْم الْأَحَد الرَّابِع من شهر محرم توفّي الْعَلامَة الْكَبِير المعمر شيخ الْإِسْلَام نجم الدّين يُوسُف الْمقري بن يحيى الجبائي إِلَى رَحمَه الله تَعَالَى بِمَدِينَة زبيد وَدفن بعد صَلَاة الْمغرب من لَيْلَة الِاثْنَيْنِ إِلَى جنب سَيِّدي الشَّيْخ أَحْمد الصياد ملاصقاً لَهُ دَاخل المشهد من جَانب الْيمن بِوَصِيَّة مِنْهُ وَكَانَ لَهُ مشْهد عَظِيم لم تَرَ الْعُيُون مثله وَصلي عَلَيْهِ بِجَامِع زبيد رَحمَه الله ونفع بِهِ وجباء نَاحيَة مَشْهُورَة غربي مَدِينَة تعز كَانَ إِمَامًا عَالما محققاً مطلعاً قوي الْإِدْرَاك جيد الفطنة حسن الأستنباط وتفقه بعلماء قطره ثمَّ أرتحل إِلَى عدن وَأخذ عَن إمامها القَاضِي الْعَلامَة مُحَمَّد بن سعيد كبن وبرع وتميز وساد الاقران وَصَارَ وَاحِد الزَّمَان وَولي قَضَاء الاقضية فِي قطر الْيمن وأرتحل إِلَيْهِ الطّلبَة من كل جِهَة من جِهَات الْيمن وأنتفعوا بِهِ كثيرا وسادوا وتميزوا مِنْهُم الإِمَام الْعَلامَة مُوسَى بن زين العابدين الرداد وَالْقَاضِي الْعَلامَة شهَاب الدّين أَحْمد بن عمر المزجد وَغَيرهمَا وَكَانَ لَهُ رَحمَه الله ثروة عَظِيمَة وَأَتْبَاع ورئاسة تشبه رئاسة الْمُلُوك وَكَانَ عُمْدَة وقته فِي الْفَتَاوَى وَمن وقف على كَلَامه وَرَأى مَا فِيهِ من عظم البلاغة وَحسن استنباطه واقتداره على تَحْرِير الْمَوَاضِع المشكلة وحلها وتقريرها على احسن الْوُجُوه علم جلالة الرجل وعلو مقَامه وَلم يزل على الْحَال المرضي إِلَى أَن توفّي بزبيد رَحمَه الله تَعَالَى وفيهَا فِي منتصف ربيع الأول قتل سُلْطَان الديار المصرية الْملك النَّاصِر ابْن قايتباي رَحمَه الله وَفِي عَشِيَّة يَوْم الْأَرْبَعَاء من شهر ربيع الأول توفيت السيدة الصَّالِحَة أَسمَاء بنت الْفَقِيه الْعَلامَة كَمَال الدّين مُوسَى الضجاعي بِمَدِينَة زبيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 وَكَانَت صَالِحَة عابدة قارئة الْقُرْآن تقْرَأ التَّفْسِير وَكتب الحَدِيث وَتسمع النِّسَاء وتعظهن وتؤدبهن وَكَانَ لقولها وَقع فِي الْقُلُوب وَرُبمَا كتبت الشفاعات إِلَى السُّلْطَان وَالْقَاضِي والأمير فَتقبل شَفَاعَتهَا وَلَا ترد وَصلي عَلَيْهَا بعد صَلَاة الصُّبْح بِمَسْجِد الاشاعر ودفنت بجوار والدها صبح الْخَمِيس ثَانِي يَوْم مَوتهَا رَحمهَا الله وَلم يخلف بعْدهَا مثلهَا فِي الدّين وَالصَّلَاح فِي بَنَات جِنْسهَا وفيهَا فِي لَيْلَة السبت السَّادِس وَالْعِشْرين من الشَّهْر الْمَذْكُور توفّي الْفَقِيه الْعَلامَة الْخَطِيب كَمَال الدّين مُوسَى بن عبد الْمُنعم الضجاعي إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى بعد طول مَرضه وَدفن إِلَى جنب قبر جده الصَّالح الْفَقِيه عَليّ بن قَاسم الْحكمِي رَحمَه الله تَعَالَى وفيهَا فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء سلخ الشَّهْر الْمَذْكُور توفّي الْفَقِيه الْعَلامَة كَمَال الدّين مُوسَى بن أَحْمد الداولي الْمَعْرُوف بالمكشكش على قرب مَدِينَة تعز وَقد خرج بِهِ مِنْهَا مَرِيضا إِلَى مَدِينَة زبيد فَرد إِلَى مَدِينَة تعز وَغسل وكفن وَصلي عَلَيْهِ بهَا ثمَّ دفن بمقبرتها الاجيناد قَرِيبا من قبر الْفَقِيه نَفِيس الدّين سُلَيْمَان بن إِبْرَاهِيم الْعلوِي رحم الله غربته واسكنه جنته وفيهَا حصل برق عَظِيم أصَاب رجلا يحرث على ثورين لَهُ خَارج مَدِينَة زبيد قَرِيبا من تربة الْفَقِيه أبي بكر الْحداد بمجنة بَاب القربت فاحرق الثورين بآلتهما وَسلم الرجل بعد أَن أَصَابَهُ مِنْهُ لفح كَاد أَن يهلكه فسبحان الْقَادِر على كل شَيْء سنة خمس بعد التسْعمائَة 905 هـ وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء التَّاسِع عشر من شهر صفر سنة خمسين توفّي القَاضِي عبد الْعَزِيز بن عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق نَاظر مَدِينَة عدن وَكَانَ ثِقَة مَأْمُونا لم تعلم لَهُ خِيَانَة تولي نظر الثغر المحروس فِي الدولة المجاهدية الطاهرية ثمَّ المنصورية ثمَّ الظَّاهِرَة وَلم يتهم بخيانة رَحمَه الله وفيهَا ظَهرت على الشَّمْس هَالة عَظِيمَة من ضحوة النَّهَار إِلَى مَا بَين الظّهْر وَالْعصر ثمَّ اضمحلت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 وفيهَا فِي سحر لَيْلَة السبت الثَّانِي من شهر ربيع الْآخِرَة توفّي القَاضِي شرف الدّين أَبُو الْقَاسِم ابْن مُحَمَّد الْحداد مُسْتَوْفِي مَدِينَة زبيد وناظرها وَنعم الرجل كَانَ دينا وَأَمَانَة وعفة وصيانة وَصلي عَلَيْهِ فِي جَامع زبيد وَدفن ضحى يَوْمهَا بمشهد سَيِّدي الشَّيْخ أَحْمد الصياد مجاوراً لَهُ دَاخل المشهد وَحضر دَفنه جَمِيع أهل الْبَلَد وَلم يتَخَلَّف مِنْهُم إِلَّا من حَبسه عذر وفيهَا فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ الثَّانِي عشر من جُمَادَى الأولى توفّي قَاضِي تعز الْفَقِيه الْعَلامَة سراج الدّين أَبُو بكر ابْن عَليّ بن عمرَان وَصلي عَلَيْهِ بِجَامِع زبيد يَوْم الْجُمُعَة الثَّالِث عشر مِنْهُ وفيهَا طلع من مشرق نجد نجم ذُو ذوابة وَكَانَ طلوعه من برج الْحمل وذوابته فِي الْيمن وسيره فِي الشَّام فسبحان الْقَادِر على مَا يَشَاء وفيهَا انقض كَوْكَب عَظِيم من الْمشرق فِي الْمغرب وأضاءت لَهُ الدُّنْيَا ووقف سَاعَة ثمَّ أَضَاء السَّمَاء فأضاء الْمَكَان الَّذِي أَصَابَهُ مِنْهَا اضاءة عَظِيمَة ثمَّ سقط فِي جِهَة الْمغرب وَبَقِي سَاعَة ظَاهرا فِي الْموضع الَّذِي أَصَابَهُ سَاعَة طَوِيلَة ثمَّ اضمحل وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم وفيهَا دفع وَادي زبيد سيل عَظِيم لم يعْهَد مثله وسال بِخلق ودواب واخرب قَرْيَة مزارع وَجَاء بِشَيْء من هدم الْبيُوت لَا يعلم من أَيْن هُوَ فسبحان الْعَلِيم الْحَكِيم وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم وفيهَا وَقع مطر بِمَدِينَة زبيد وَمَا حواليها وَكَانَ جمع من الرُّعَاة فِي الْبَادِيَة خَارج بَاب الشيارق فَلَمَّا وَقع عَلَيْهِم الْمَطَر لجأوا إِلَى المعقد الْكَبِير الَّذِي هُوَ غربي دَار الطويلع قبالة بُسْتَان حَائِط لبيق واكتنوا عِنْدهم جمَاعَة من النَّاس الَّذين كَانُوا بِالْحَائِطِ وَغَيرهم فبيناهم كَذَلِك إِذْ رَأَوْا الْغنم تجول بَعْضهَا فِي بعض وتتساقط ميتَة حَتَّى سقط مِنْهَا نَحْو سِتَّة رُؤُوس ثمَّ سكنت بعد ذَلِك فنظروا فَإِذا ثعبان عَظِيم تَحت ارجلها مَيتا وَقد وطِئت أحداهن بظلفها رَأسه فَقتلته وَدفع الله شَره فسبحان الْقَادِر على يَشَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 وفيهَا فِي ضحى يَوْم الِاثْنَيْنِ الثَّالِث وَالْعِشْرين من شهر شَوَّال توفّي الشَّيْخ الصَّالح شيخ الشُّيُوخ جمال الدّين مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن إِسْمَاعِيل الصُّوفِي وَصلي عَلَيْهِ بعد صَلَاة الْعَصْر بِمَسْجِد الاشاعر وَدفن فِي قبر وَالِده دَاخل قبَّة جده الشَّيْخ الْكَبِير إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الجبرتي وَكَانَ لَهُ مشْهد عَظِيم لم تَرَ الْعُيُون مثله وَكثر الأسف عَلَيْهِ رَحمَه الله ونفع بِهِ سنة سِتّ بعد التسْعمائَة 906 هـ وَفِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ الثَّامِن وَالْعِشْرين من الْمحرم سنة سِتّ توفّي قَاضِي الشَّرِيعَة بزبيد الإِمَام الْعَلامَة جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد السَّلَام النَّاشِرِيّ رَحمَه الله تَعَالَى وَصلي عَلَيْهِ بعد صَلَاة الصُّبْح بِجَامِع زبيد وَكَانَ لَهُ مشْهد عَظِيم لم تَرَ الْعُيُون مثله وَكَانَ الْمَذْكُور من عباد الله الصَّالِحين وَالْعُلَمَاء العاملين وَهُوَ خَاتِمَة الْقُضَاة الناشريين بزبيد رَحمَه الله ونفع بِهِ وفيهَا فِي يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشر جُمَادَى الأولى توفّي شيخ الْإِسْلَام كَمَال الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر بن عَليّ بن مَسْعُود بن رضوَان بن أبي شرِيف المري بِالْمُهْمَلَةِ الْقُدسِي الشَّافِعِي بالقدس وَكَانَ مولده فِي يَوْم السبت خَامِس ذِي الْحجَّة سنة اثْنَيْنِ وَعشْرين وَثَمَانمِائَة أَخذ الْعلم عَن جمَاعَة مِنْهُم شيخ الْإِسْلَام أبن حجر والعلامة ابْن الهايم وَمن فِي طبقتهم وَمن محفوظاته الشاطبية والمنهاج الفرعي والفية الحَدِيث ومختصر ابْن الْحَاجِب فِي النَّحْو وَعرض هَذِه الْكتب على الشُّيُوخ فاجازوه وجود الْقُرْآن الْعَظِيم بعد حفظه وَأخذ عَن بَعضهم علم الحَدِيث وَالْأُصُول وَالْعرُوض والقافية والمنطق وَغَيرهَا وتفقه بِابْن شرف وَجَمَاعَة وَأخذ عَن بَعضهم خرقَة التصوف سندها إِلَى الشَّيْخ عبد الْقَادِر الكيلاني واذن لَهُ غير وَاحِد فِي الْأَقْرَاء وَحج وجاور فِي سنة ثَلَاث وَخمسين وَسمع على الشّرف أبي الْفَتْح المراغي والتقي ابْن فَهد والبرهان الزمزمي وَأبي الْبَقَاء ابْن الضياء بِمَكَّة وَعلي المطري وَغَيره بِالْمَدِينَةِ ترْجم لَهُ البقاعي وَوَصفه بالذهن الثاقب والحافظة الضابطة والقريحة الوقادة والفكر القويم وَالنَّظَر الْمُسْتَقيم وَسُرْعَة الْفَهم وَكَمَال الْمُرُوءَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 مَعَ عقل وافر وأدب ظَاهر وخفة روح ومجد على سمته يلوح وانه شَدِيد الإنقباض عَن النَّاس غير أَصْحَابه قَالَ السخاوي ودرس وافتى وَحدث ونظم ونثر وَذكر من تصانيفه حَاشِيَة على شرح جمع الْجَوَامِع للمحلي وَأُخْرَى على تَفْسِير الْبَيْضَاوِيّ وشرحاً على الأرشاد لِابْنِ الْمقري وفصول ابْن الْهمام ومختصر الشِّفَاء وَغير ذَلِك قَالَ وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ عَلامَة متين التَّحْقِيق حسن الْفِكر والتأمل وَكتابه امتن من تَقْرِيره ورويته احسن من بديهته مَعَ صِيَانة وديانة وَقلة كَلَام وَعدم ذكره للنَّاس وَلكنه ينْسب بمزيد باو وامساك مَعَ الثروة وتجدد الرِّبْح من التِّجَارَة والكمال لله وعاشر صَاحب التَّرْجَمَة بعد السخاوي أَربع سِنِين وَذكره مؤرخ دمشق وَذكر بعض أَوْصَافه الْحَسَنَة بِاخْتِصَار وَقَالَ انه خلف دنيا طائلة رَحمَه الله تَعَالَى وفيهَا حصل بِمَدِينَة زبيد مرض عَظِيم وَمَات بِسَبَبِهِ خلائق لَا يُحصونَ وَكثر الوباء وَاسْتمرّ الدُّعَاء لذَلِك فِي الصَّلَاة والخطب ودام ذَلِك إِلَى شهر ذِي الْقعدَة وَاشْتَدَّ فِي آخر شعْبَان ورمضان فَبلغ الْمَوْتَى فِيهِ بزبيد فِي كل يَوْم فَوق سِتِّينَ نفسا وَكَانَ غالبه فِي النِّسَاء والأطفال وانتقل إِلَى بوادي زبيد وحيس وموزع وَغَيرهَا وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وفيهَا قدم قَاصد صَاحب مصر السُّلْطَان حنبلاط بهدية عَظِيمَة إِلَى السُّلْطَان عَامر بن عبد الْوَهَّاب من جُمْلَتهَا فانوس بلور قدر قامة الْإِنْسَان وصندوقان من بلور وسيوف عَظِيمَة وَأَشْيَاء نفيسة وَيُقَال انه رأى فِي مَنَامه منامات صَالِحَة للسُّلْطَان الْمَذْكُور فَكتب إِلَيْهِ بذلك وفيهَا فِي سحر لَيْلَة الثُّلَاثَاء من رَمَضَان توفّي الشَّيْخ أَبُو بكر المزحاجي وَدفن ضحى يَوْمهَا رَحمَه الله وفيهَا فِي ضحى يَوْم الْخَمِيس الْخَامِس وَالْعِشْرين من شهر شَوَّال توفّي الشَّيْخ الصَّالح وجيه الدّين بن عبد الرَّحْمَن بن محيي الدّين الجبرتي وَدفن بعد عصر ذَلِك الْيَوْم رَحمَه الله وفيهَا فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء مستهل ذِي الْقعدَة توفّي نجم الصعدي بَقِيَّة فُقَرَاء الشَّيْخ إِسْمَاعِيل بن أبي بكر الجبرتي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 سنة سبع بعد التسْعمائَة 907 هـ وَفِي سنة سبع توفّي الْفَقِيه الْعَلامَة الصَّالح مُحَمَّد بن الْفَقِيه عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الْحَاج أَبَا فضل الْحَضْرَمِيّ بالشحر وفيهَا لاربع خلت من شهر ربيع الثَّانِي توفّي الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة الْوَلِيّ الصَّالح الْوَرع الزَّاهِد بَقِيَّة السّلف وعمدة الْخلف القَاضِي الْفَقِيه عبد الله بن مُحَمَّد بن حسن بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عسين الشَّافِعِي بالشحر وَدفن فِي تربة الشَّيْخ فضل وحزن النَّاس بفقده وتأسفوا عَلَيْهِ كثيرا نَشأ من صغره فِي الطَّاعَة وَالْعِبَادَة وَظَهَرت عَلَيْهِ من حِينَئِذٍ لوائح السَّعَادَة وأشتغل بِالْعلمِ فبرع وسلك طرق التدقيق فلحق من قبله وَفَاتَ من بعده وتصدر فِي الشحر للْفَتْوَى والتدريس وَتخرج بِهِ الطّلبَة وأنتفعوا بِهِ كثيرا وَكَانَ سيدا شرِيف النَّفس كَرِيمًا سخياً مفضالا وصُولا للطلبة كثير الْإِحْسَان إِلَيْهِم وَكَانَ يجْتَهد فِي جمعهم وترغيبهم للطلب وَيسْعَى لَهُم فِي الرزق بإذلا لَهُم نَفسه حسن التَّعْلِيم لين الْجَانِب فِي غَايَة التَّوَاضُع وَكَانَ متقشفاً فِي ملبسه طارحا للتكلف آمُر بِالْمَعْرُوفِ ناهياً عَن الْمُنكر يُنكر على الْمُلُوك والأمراء فَمن دونهم ساعياً فِي قَضَاء حوائج الْمُسلمين وَلَا يتَأَخَّر برد من رده وَلَا يكون ذَلِك منفراً لَهُ عَن الْعود إِلَى الشَّفَاعَة مرّة أُخْرَى وَمن فضائله الْمَشْهُورَة ومناقبه الْمَذْكُورَة سَعْيه فِي إِخْرَاج وقف الْجَامِع الَّذِي على الْمدرس والمدرسة وَغَيرهم من يَد الدولة بعد أَن أستولوا عَلَيْهِ مُدَّة وَكَاد أَن ينطمس ويندرس وَمن ذَلِك أَنه كَانَ السَّبَب فِي وُصُول الْفَقِيه الْعَلامَة عفيف الدّين عبد الله بن الْحَاج فضل إِلَى الشحر وترتيبه مدرساً فِي الْجَامِع وأنتفاع النَّاس بِهِ وَبِالْجُمْلَةِ ففضائله ومناقبه أَكثر من أَن تحصر وَكَانَ رَحمَه الله يعلم الصّبيان الْقُرْآن وَحفظ الْقُرْآن عَلَيْهِ خلق كثير وَكَانَ ينْسَخ الْمَصَاحِف ويجتهد فِي ضَبطهَا وَتَصْحِيح رسمها وَكتب نَحْو خمسين مُصحفا وَحكي أَنه كَانَ لَا يَأْكُل إِلَّا من كسب يَده وَكَانَ حسن الْخط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 وَأهل تِلْكَ الْجِهَة يضْربُونَ بِخَطِّهِ الْمثل وَكَانَ مَعَ هَذَا كُله مُتَوَلِّيًا الْقَضَاء بالشحر وَكَانَ من قُضَاة الْعدْل المشكورين وأئمة الْفضل الْمَشْهُورين وأشتهر ذكره وطار صيته وَضربت بِهِ الْأَمْثَال وَلم يكن يَأْخُذ لنَفسِهِ من مَعْلُوم الْقَضَاء شَيْئا بل كَانَ يخص بعض المحتاجين من الْفُقَهَاء والدرسة وَلم يزل فِي جَمِيع مُدَّة ولَايَته الْقَضَاء وَغَيرهَا مستمراً على جَمِيع مَا ذَكرْنَاهُ عَنهُ من تَعْلِيم وَنسخ الْمَصَاحِف وَالسَّعْي فِي حوائج الْمُسلمين والشفاعات لَهُم إِلَى الْمُلُوك فَمن دونهم وَالْقِيَام بِالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَعدم المداهنة والمراعاة فِي الْأَحْكَام والأغلاظ للظلمة وَعدم الاحتفال بِأَهْل الدُّنْيَا وارباب الجاهات والمناصب والتقشف فِي الملبس حَتَّى أَنه كَانَ يعصر المداد بعمامته وَقد لَا يكون لَهُ إِلَّا ثوب وَاحِد يتزر بِبَعْضِه وَيجْعَل بعضه على عَاتِقه وَيَمْشي كَذَلِك فِي الْأَسْوَاق وَغَيرهَا غير مكترث بِأحد وَلَا مستحي من أحد وَقَضيته مَعَ السُّلْطَان عبد الله بن جَعْفَر الكثيري صَاحب الشحر مَشْهُورَة وَذَلِكَ أَن السُّلْطَان الْمَذْكُور أشترى حصاناً من بعض النَّاس ثمَّ بعد ذَلِك أَرَادَ رده وأدعى فِيهِ عَيْبا وأمتنع من تَسْلِيم الثّمن للْبَائِع فاشتكى عَلَيْهِ إِلَى القَاضِي الْمَذْكُور فَكتب إِلَيْهِ أَن أحضر إِلَى الشَّرْع الشريف وَلم يراع السُّلْطَان وَلَا تساهل لأَجله وَلَا حاباه بِكَلِمَة وَاحِدَة وَللَّه دره وَلَقَد أبقى فخراً وغنم أجرا وأمتطى ذرْوَة ورقى فَوق أوج الافلاك شعر ... هَيْهَات أَن يَأْتِي الزَّمَان بِمثلِهِ ... إِن الزَّمَان بِمثلِهِ لَا يسمح ... وَكَانَت آيَة فِي الْعلم وَالْفِقْه وَيَكْفِي فِي ذَلِك أَنه أختلف هُوَ والفقيه الإِمَام مُحَمَّد ابْن عمر بحرق فِي مَسْأَلَة فِي الْفِقْه وَطَالَ النزاع بَينهمَا حَتَّى أشتهر بَين النَّاس فجَاء صَاحب التَّرْجَمَة إِلَى الْفَقِيه بحرق وَمَعَهُ كتاب الرَّوْضَة للنووي فاوقفه على الْمَسْأَلَة فَرجع إِلَى قَوْله ثمَّ ان الْفَقِيه بحرق صعد الْمِنْبَر وخطب وَقَالَ أَلا أَن الْمَسْأَلَة الَّتِي أختلفت فِيهَا أَنا وَالْقَاضِي ابْن عبسين وجدت الْحق فِيهَا مَعَه وَلَا يخفى مَا فِي هَذِه الْحِكَايَة من المنقبة الْعَظِيمَة لَهُ الَّتِي تشهد بغزارة علمه وَكَثْرَة اطِّلَاعه وفيهَا مَا يدل على تواضع الْفَقِيه بحرق وأنصافه من نَفسه وأعترافه بِالْحَقِّ ورجوعه إِلَيْهِ وَهَذَا عَزِيز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 إِلَّا على من وَفقه الله تَعَالَى وَعَصَمَهُ من الْهوى ورزقه الأخلاص فِي الْعلم وَالله درهما وَهَكَذَا فلتكن العزائم وَهَذِه وَالله هِيَ المناقب ولمثلها فليعمل الْعَامِلُونَ وفيهَا فَلْيَتَنَافَس الْمُتَنَافسُونَ وفيهَا فِي أَوَائِل شهر رَجَب توفّي القَاضِي عفيف الدّين عبد الله ابْن أبي الْفضل ظهيرة بِمَكَّة المشرفة رَحمَه الله تَعَالَى وَفِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ توفّي الْعَلامَة جمال الدّين أَبُو المكارم ابْن الرَّافِعِيّ ابْن ظهيرة بِمَكَّة المشرفة أَيْضا رَحمَه الله وَفِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء الثَّالِث وَالْعشْرُونَ مِنْهُ توفّي الْفَقِيه الْمقري الصَّالح المعمر جمال الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر بن بدير عَن تسعين سنة ممتعاً بسمعه وبصره وعقله وَكَانَت اليه النِّهَايَة فِي علم الْقرَاءَات السَّبع رَحمَه الله تَعَالَى وَفِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء الثَّامِن عشر من شهر شَوَّال توفّي الْفَقِيه الْعَلامَة جمال الدّين مُحَمَّد بن عَليّ الطّيب أَمَام مقَام الْحَنَفِيَّة بِجَامِع زبيد وَصلي عَلَيْهِ بالجامع الْمَذْكُور بعد صَلَاة الصُّبْح وَدفن إِلَى جنب أَبِيه وأخيه بمقبرة بَاب سِهَام رَحمَه الله تَعَالَى وَفِي آخر يَوْم الْخَمِيس التَّاسِع عشر من الشَّهْر الْمَذْكُور توفّي الْفَقِيه الْعَلامَة أَبُو بكر بن عبد الله قعيس الشَّافِعِي وَصلي عَلَيْهِ بالجامع بزبيد بعد صَلَاة الصُّبْح وَدفن بتربة الشَّيْخ أَحْمد المزجاجي رَحمَه الله ونفع بِهِ وَفِي صبح يَوْم الْجُمُعَة الْخَامِس من شهر ذِي الْحجَّة الْحَرَام توفّي الْفَقِيه النبيه الصَّالح المعمر عفيف الدّين عبد الْعَلِيم بن أبي الْقَاسِم بن عُثْمَان أقبال القربتي الْحَنَفِيّ بِمَدِينَة زبيد وَصلي عَلَيْهِ بالجامع بعد صَلَاة الْجُمُعَة وَدفن بمجنة بَاب القرتب غربي مشْهد الْفَقِيه أبي بكر الْحداد نفع الله بهما وَكَانَ لَهُ مشْهد عَظِيم ومولده فِي سنة اثْنَيْنِ وَعشْرين وَثَمَانمِائَة رَحمَه الله ونفع بِهِ ... وَفِي الشَّهْر الْمَذْكُور كتب الشريف بَرَكَات إِلَى واليه بِجَزِيرَة القنفدة يَأْمُرهُ بتغريق القَاضِي أبي السُّعُود وَأَن لَا يُرَاجِعهُ فِي ذَلِك فَأخْرجهُ من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 الجزيرة فِي السنبوق وغرقه فِي الْبَحْر فِي يَوْم الاحد الثَّانِي من شهر ذِي الْحجَّة الْحَرَام واولاده وَعِيَاله ينظرُونَ إِلَيْهِ رَحْمَة الله عَلَيْهِ وَفِي سحر لَيْلَة الثُّلَاثَاء سلخ السّنة الْمَذْكُورَة توفّي الْفَقِيه القَاضِي الْعَلامَة الصَّالح مفتي الْمُسلمين أَحْمد بن الْعَلامَة الْوَلِيّ المقرب جمال الدّين مُحَمَّد الطَّاهِر ابْن أَحْمد جغمان قَاضِي مَدِينَة جبس إِلَى رَحْمَة الله فِي بَيته من مَدِينَة زبيد وَغسل وكفن بهَا وَصلي عَلَيْهِ بجامعها وحملت جنَازَته على اعناق الرِّجَال الى حلدر الْعرق ظَاهر مَدِينَة زبيد وَحمل فِي محمل على جمل إِلَى بَيت الْفَقِيه ابْن عجيل وَدفن بهَا آخر ذَلِك الْيَوْم إِلَى قبر أَبِيه وجده نفع الله بهم بِوَصِيَّة مِنْهُ رَحمَه الله تَعَالَى وَكَانَ لَهُ مشْهد عَظِيم وَلم يخلف بعده مثله فِي بني جغمان فِي الْعلم والمعرفة رَحمَه الله تَعَالَى سنة ثَمَان بعد التسْعمائَة 908 هـ فِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ سنة ثَمَان توفّي الْحَافِظ الْعَلامَة عُثْمَان بن مُحَمَّد بن عُثْمَان بن نَاصِر الْفَخر أَبُو عمر الديمي بِالْمُهْمَلَةِ الْمَكْسُورَة ثمَّ تَحْتَانِيَّة مَفْتُوحَة بعْدهَا مِيم ثمَّ يَاء نِسْبَة إِلَى ديمه وَهِي بلد وَالِده القاهري الْأَزْهَرِي الشَّافِعِي ولد فِي الْمحرم سنة إِحْدَى وَعشْرين وَثَمَانمِائَة فحفظ الْقُرْآن الْعَظِيم ثمَّ حفظ الْعُمْدَة والفية الحَدِيث والالفية فِي النَّحْو ومنهاج الْفِقْه وَالْأَصْل وجود الْقُرْآن على بَعضهم وَأخذ الْفِقْه عَن جمَاعَة وَكَذَا فِي الْعَرَبيَّة عِنْد بَعضهم ولازم الشهَاب الهيتمي وَأكْثر مَعَه من مطالعة شرح مُسلم للنووي فعلق بذهنه الْكثير مِنْهُ وَصَارَ يستعير مِنْهُ مَا كَانَ عِنْده من الأكمال وَلابْن مَاكُولَا فِيهِ بحث يَأْتِي على الورقة مِنْهُ سردا وَقَرَأَ نصف االبخاري على الشَّمْس مُحَمَّد بن عمر الدمحبني الازهري خَادِم المؤيديه وَقَالَ أَنه أنتفع بصحبتهما وَذهب إِلَى النُّور الشلواني نزيل الاقمر فَجَلَسَ مَعَه يَسِيرا وَسمع مِنْهُ وَأول مَا سمع الْعشْرَة الأولى من عشريات الزين على الغز من أبي الثَّابِت ثمَّ أَكثر من الْقِرَاءَة فِي حُدُود سنة تسع وَأَرْبَعين وَمَا بعْدهَا على عدَّة من المسندين ولازم الرَّشِيدِيّ والصالحي حَتَّى كَاد يَسْتَوْفِي مسموعهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 وَزَاد حَتَّى قَرَأَ على ثَانِيهمَا الْمسند لِأَحْمَد بِتَمَامِهِ وقرا أَيْضا على آخَرين وَكَذَا قَرَأَ على الشَّيْخ الإِمَام ابْن حجر الْعَسْقَلَانِي مُسْند الشهَاب وغالب النَّسَائِيّ الصَّغِير وَسمع عَلَيْهِ أَشْيَاء وَحج فِي سنة ثَلَاث وَخمسين صَحِبت الركب الرجبي وَقَرَأَ فِي رحلته أَولا فِي الْمَدِينَة وَأخذ بهَا يَسِيرا من الْمُحب الطَّبَرِيّ وَأبي الْفرج الكازروني وَغَيرهم وَقَرَأَ وَهُوَ هُنَاكَ الصَّحِيح بِتَمَامِهِ فِي الرَّوْضَة الشَّرِيفَة فِي أَرْبَعَة أَيَّام وَسمع الشِّفَاء من لفظ الْبَدْر الْبَغْدَادِيّ قَاضِي الْحَنَابِلَة ثمَّ أَخذ عَلَيْهِ الْيَسِير أَيْضا عَن أبي الْفَتْح المراغي والزين الأسيوطي وَكَانَ أَخذ عَنهُ أَيْضا بِالْقَاهِرَةِ على التقي ابْن فَهد والبرهان الزمزي وَرجع إِلَى الْقَاهِرَة وَأقَام بهَا على عَادَته وَكَانَ قد أشتهر بَين النَّاس بِحِفْظ الرِّجَال وعينه شَيْخه الْعَبَّادِيّ لإسماع الحَدِيث بالْمقَام الأحمدي بطبندا فَتوجه إِلَيْهِ مرّة بعد أُخْرَى فانتشر صيته بِمَعْرِِفَة الرِّجَال فَصَارَ يجْتَمع عِنْده جمَاعَة للْقِرَاءَة عَلَيْهِ وأكر بَعضهم التنويه بِذكرِهِ فَعرف بِهِ جمَاعَة من الْأُمَرَاء وَبِالْجُمْلَةِ فَكَانَ يستحضر بجملة من مشاهير الرِّجَال وَكَذَا الْمُتُون مَعَ كثير من الْقَرِيب والمبهم وَهُوَ أحد التِّسْعَة الَّذين اوصى إِلَيْهِم شيخ الأسلام ابْن حجر وَصفهم بكونهم أهل الحَدِيث هَذَا ملخص مَا ذكره السخاوي فِي تَرْجَمته قَالَ الشَّيْخ جَار الله بن فَهد الْمَكِّيّ أَقُول وَبعد الْمُؤلف انْفَرد بالرواية وازدحم عَلَيْهِ الطّلبَة وَصَارَ لَهُ ذكر عِنْد الْخَاصَّة والعامة مَعَ عدم مَعْرفَته بتخريج الاسناد لَكِن النَّاس انتفعوا بتقريره وَاسْتمرّ كَذَلِك إِلَى أَن لقى الله عز وَجل رَحمَه الله تَعَالَى وفيهَا فِي لَيْلَة الْخَمِيس ثامن عشر جُمَادَى الثَّانِيَة توفّي الشَّيْخ الْكَبِير وَالْوَلِيّ الشهير الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى برهَان الدّين أَبُو الطّيب إِبْرَاهِيم بن مَحْمُود بن حسن الاقصراي الاصل القاهري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 الْحَنَفِيّ الشَّافِعِي المواهبي نِسْبَة لتلمذة لأبي الْمَوَاهِب بن رعدان وَدفن فِي صبح يَوْم الْجُمُعَة قبل صَلَاة الظّهْر بزاويته بِالْقَاهِرَةِ قَرَأَ طرفا من الْعلم على شُيُوخ عصره كالسخاوي وَغَيره وَصَحب الشَّيْخ الْكَامِل مُحَمَّدًا أَبَا الْفتُوح الشهير بِابْن المغربي وَأخذ عَنهُ التصوف ثمَّ أَخذ بِإِذْنِهِ من الْوَلِيّ الْكَبِير مُحَمَّد أبي الْمَوَاهِب التّونسِيّ فَعَاد عَلَيْهِ بَرَكَات عوارفه وانهلت على أَرض قلبه أمطار وارفة وَفتح الله لَهُ على يَدَيْهِ وَذَلِكَ فضل الله يؤتيه من يَشَاء ذكره السخاوي بِاخْتِصَار قَالَ الشَّيْخ جَار الله بن فَهد رَحمَه الله أَقُول وَقد جاور صَاحب التَّرْجَمَة بِمَكَّة سنة أَربع وَتِسْعمِائَة وَأقَام بهَا ثَلَاث سِنِين وَألف بهَا شرحا على الحكم لِابْنِ عَطاء الله سَمَّاهُ أَحْكَام الحكم لشرح الْحَكِيم وَشرح رسَالَته الْمُسَمَّاة أصُول مُقَدمَات الْأُصُول وَشرح كَلِمَات عَليّ بن مُحَمَّد وفا الْمَعْرُوف يَا مَوْلَانَا يَا وَاحِد يَا أحد سَمَّاهُ شرح التمويل فِي بَيَان مشَاهد يَا مَوْلَانَا يَا وَاحِد يَا أحد وَشرح الرسَالَة السنوسية فِي أصُول الدّين وَله ديوَان نظم وعدة رسائل وَسَبْعَة أحزاب ومؤلفات فِي الزِّيَارَة النَّبَوِيَّة وَغير ذَلِك أَخذ النَّاس عَنهُ فِي التصوف وَحكي عَنهُ أَنه قَالَ أفادني أستاذي أَبُو الْمَوَاهِب أَن من ادل دَلِيل على خلَافَة أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا فَضلكُمْ أَبُو بكر بِصَوْم وَلَا صَلَاة وَلَكِن بِشَيْء وقر فِي صَدره أَي فبذلك الشيءالذي وقر فِي صَدره يسْتَحق الْخلَافَة ثمَّ أنتقل فانتقلت تِلْكَ الوراثة إِلَى عمر ثمَّ إِلَى عُثْمَان ثمَّ إِلَى عَليّ ثمَّ إِلَى الْحسن رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ وَبِذَلِك كَمَال خلافتهم ظَاهرا وَبَاطنا وفيهَا أحترق من مَدِينَة عدن جَانب عَظِيم من نصف اللَّيْل إِلَى قرب الْفجْر وَتَلفت فِيهِ بيُوت كَثِيرَة من بيُوت التُّجَّار كَأبي اللَّيْل وَأحمد بن عبد السَّلَام وَأحمد الدهلوي والحوامحي وَإِسْمَاعِيل بن عبد الأول النَّاشِرِيّ وجانب من السُّوق الْكَبِير إِلَى بَيت أبي شكيل وجانب من حافة الْيَهُود وحافة الحبوش باسرها وَأَحْدَقَتْ النَّار بِالْمَدْرَسَةِ السفيانية وَتَلفت فِيهَا أَمْوَال جليلة وَيُقَال أَنه بلغ عدد الْبيُوت الْمُحْتَرِقَة تِسْعمائَة بَيت وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 وفيهَا حصل بِمَدِينَة زبيد وضواحيها زلازل وتواترت لَيْلًا وَنَهَارًا وأشفق النَّاس مِنْهَا وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَفِي منتصف لَيْلَة الْأَرْبَعَاء التَّاسِع عشر من رَجَب مِنْهَا توفّي الْفَقِيه الْعَلامَة الصَّالح سراج الدّين عبد اللَّطِيف بن مُحَمَّد بن يحيى الجهمي صَاحب قَرْيَة الْمِصْبَاح من أصَاب بِبَلَدِهِ وَكَانَ مُعْتَمد أهل أصَاب ومرجعهم وحاكمهم وعالمهم قَرَأَ على الْفَقِيه أبي بكر البليما والفقيه مُحَمَّد بن أَحْمد مفضل الوَاسِطِيّ وَالْقَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن حسن القماط والفقيه مُوسَى بن زين العابدين الرداد وأنتفع بِهِ كثيرا رَحمَه الله وَفِي يَوْم الْجُمُعَة السَّابِع وَالْعِشْرين من شعْبَان توفّي الإِمَام مُحَمَّد بن نَاصِر صَاحب صنعاء رَحمَه الله وَفِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء الثَّالِث من شهر شَوَّال توفّي الْفَقِيه رَضِي الدّين أَبُو بكر بن عمر البليما وَكَانَ عَارِفًا بِعلم اللُّغَة والعربية بزبيد وَدفن صبيحتها عِنْد خواله بني النَّاشِرِيّ رَحمَه الله وفيهَا حصل بِمَدِينَة زبيد ونواحيها وبمدينة عدن وَالْجِبَال مرض يعرف بشمندله وَهُوَ ريح يَأْخُذ المفاصل والأعضاء وَيمْنَع من الْحَرَكَة ثَلَاثَة ايام يكون مَعَه حمى ثمَّ تَزُول وَهُوَ سليم وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه سنة تسع بعد التسْعمائَة 909 هـ وَفِي سنة تسع كَانَ يتَرَاءَى للنَّاس فِي مَا بَين حَائِط دَار الشَّجَرَة وَمَسْجِد الحما رجل طَوِيل يزِيد طوله على مَنَارَة جَامع الملاح أسود اللَّوْن ذُو وفرة الخطوة الْوَاحِد مِنْهَا مِقْدَار ثَلَاثِينَ ذِرَاعا وَكَانَ يرَاهُ بعض النَّاس دون بعض وَرُبمَا رُؤِيَ بطرِيق النّخل مَا بَين مَسْجِد الزيد وَدَار الشَّجَرَة وفيهَا فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ الرَّابِع وَالْعِشْرين من شهر رَمَضَان توفّي الْفَقِيه الْعَلامَة الصَّالح عفيف الدّين عبد الْمجِيد بن عبد الْعَلِيم اقبال الْمَعْرُوف بالقرتبي بِمَدِينَة زبيد وَهُوَ يَوْمئِذٍ رَأس المفتيين بهَا على مَذْهَب الإِمَام أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ وَدفن صبح يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي يَوْم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 مَوته بمجنة بَاب القرتب إِلَى جَانب وَالِده قَرِيبا من مشْهد الْفَقِيه أبي بكر الْحداد رحمهمَا الله تَعَالَى وفيهَا اسْتمرّ دُعَاء الْخَطِيب على الْمِنْبَر وارتفع تضرعه فِي كشف مَا حل بِالنَّاسِ من الْحُبُوب الْمَعْرُوفَة بالنَّار الْفَارِسِي وَكَانَ قد كثر بِبِلَاد الْيمن وَزَاد وَذهب عَن النَّاس وَعَاد وَاسْتمرّ مَعَهم من أَوَائِل سنة سِتّ وَتِسْعمِائَة فَمَا بعْدهَا وحرجت مِنْهُ الصُّدُور وَضَاقَتْ النُّفُوس سنة عشر التسْعمائَة 910 هـ وَفِي يَوْم الْأَحَد سلخ الْمحرم سنة عشر توفّي السُّلْطَان الْعَادِل الْمَشْهُور بِأَفْعَال الْخَيْر واقامة الشَّرْع عبد الله بن جَعْفَر الكثيري بالشحر وَكَانَت سيرته فِي رَعيته سيرة حَسَنَة محمودة رَحمَه الله وفيهَا حصل بِمَدِينَة زبيد زَلْزَلَة عَظِيمَة وزلزلت تِلْكَ اليلة مَدِينَة زيلع زلزالاً عَظِيما شَدِيدا أوقع بعض بيوتها وَخرج أهل الْبيُوت إِلَى السَّاحِل وَلم يرجِعوا إِلَى مَنَازِلهمْ إِلَّا صباحاً وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وفيهَا انقض كَوْكَب عَظِيم وَقت الْعشَاء من الْيمن فِي الشَّام عرض مَدِينَة زبيد وتشظى مِنْهُ شظايا عَظِيمَة ثمَّ حصلت بعده هزة عَظِيمَة وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وفيهَا وجد كنز ذهب بقرية هقده مَا بَين مدينتي عدن وموزع كَانَ بهَا مَسْجِد قد خرب فَأَرَادَ رجل تَجْدِيد عِمَارَته فَوجدَ الحفارون فِي الأساس كنز ذهب شخوصاً مَضْرُوبا عَلَيْهَا بسكة لَا تشبه سكَّة الْإِسْلَام الْوَزْن لكل شخص مِنْهَا ربع أُوقِيَّة كل أَرْبَعَة مِنْهُ أُوقِيَّة ذهب وَكَانَ قبل ذَلِك وجد أَيْضا بِمَدِينَة عدن كنز آخر فِي أساس مَسْجِد لكنه دون هَذَا وفيهَا كَانَت الْوَاقِعَة الْمَشْهُورَة بَين بَين السُّلْطَان عَامر بن عبد الْوَهَّاب والأمير مُحَمَّد بن الْحُسَيْن البهال صَاحب صعده على بَاب صنعاء فَانْهَزَمَ فِيهَا البهال وعساكره هزيمَة عَظِيمَة مَا سمع بِمِثْلِهَا قطّ وَأسر فِيهَا إِمَام الزيدية مُحَمَّد بن عَليّ الوشلي إِمَام أهل الْبِدْعَة وَرَئِيسهمْ فِي جمع عَظِيم وَقتل مِنْهُم جمع لَا يُحْصى ونهبهم النَّاس وَكَانُوا يأْتونَ بهم وبخيلهم وَاحِدًا وأثنين وَأخذ السُّلْطَان عَامر مَدِينَة صنعاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 وَفِي يَوْم الْجُمُعَة رَابِع عشر من شهر ذِي الْقعدَة الْحَرَام توفّي إِمَام الزيدية مُحَمَّد بن عَليّ الوشلي أَسِيرًا بِمَدِينَة صنعاء إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى وَصلي عَلَيْهِ بجامعها وَدفن بهَا رَحمَه الله وَفِي ضحى يَوْم الْخَمِيس الْعشْرين من الشَّهْر الْمَذْكُور توفّي الْفَقِيه الصَّالح تَقِيّ الدّين عبد السَّلَام ابْن القَاضِي مُحَمَّد بن عبد السَّلَام النَّاشِرِيّ إِلَى رَحْمَة الله بِمَدِينَة زبيد وَصلي عَلَيْهِ بعد صَلَاة الْعَصْر بِمَسْجِد الاشاعر وَدفن إِلَى جنب قبر وَالِده رَحمَه الله تَعَالَى سنة إِحْدَى عشرَة بعد التسْعمائَة 911 هـ وَفِي يَوْم الْجُمُعَة وَقت الْعَصْر تَاسِع عشر جُمَادَى الأولى سنة إِحْدَى عشرَة توفّي الشَّيْخ الْعَلامَة الْحَافِظ أَبُو الْفضل جلال الدّين عبد الرَّحْمَن أبن كَمَال الدّين أَبُو بكر بن عُثْمَان بن مُحَمَّد بن خضر بن أَيُّوب بن مُحَمَّد ابْن الشَّيْخ الْهمام الخضيري السُّيُوطِيّ الْمصْرِيّ الشَّافِعِي وَصلي عَلَيْهِ بِجَامِع الأفاريقي تَحت القلعة وَدفن بشرقي بَاب القرافة وَمرض ثَلَاثَة أَيَّام والخضيري نِسْبَة إِلَى محلّة الخضيرية بِبَغْدَاد وَوجد بِخَطِّهِ رَحمَه الله أَنه سمع مِمَّن يَثِق بِهِ أَنه سمع وَالِده يذكر أَن جده الْأَعْلَى كَانَ أعجمياً أَو من الْمشرق فَلَا يبعد أَن النِّسْبَة إِلَى الْمحلة الْمَذْكُورَة وَأمه أم ولد تركية وَكَانَ مولده بعد الْمغرب لَيْلَة الْأَحَد مستهل رَجَب سنة تسع وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة بِالْقَاهِرَةِ وَكَانَ يلقب بِابْن الْكتب لِأَن أَبَاهُ كَانَ من أهل الْعلم وَاحْتَاجَ إِلَى مطالعة كتاب فَأمر أمه أَن تَأتيه بِالْكتاب من بَين كتبه فَذَهَبت لتأتي بِهِ فَجَاءَهَا الْمَخَاض وَهِي بَين الْكتب فَوَضَعته ثمَّ سَمَّاهُ وَالِده بعد الْأُسْبُوع عبد الرَّحْمَن ولقبه جلال الدّين وكناه شَيْخه قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين أَحْمد بن إِبْرَاهِيم الْكِنَانِي لما عرض عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ مَا كنيتك فَقَالَ لَا كنيه لي فَقَالَ أَبُو الْفضل وَكتبه بِخَطِّهِ وَتُوفِّي وَالِده لَيْلَة الأثنين خَامِس صفر سنة خمس وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة وَجعل الشَّيْخ جمال كَمَال الدّين ابْن الْهمام وَصِيّا عَلَيْهِ فلحظه بنظره ودعايته وَختم الْقُرْآن وسنه دون ثَمَان سِنِين ثمَّ حفظ عُمْدَة الْأَحْكَام ومنهاج النَّوَوِيّ والفية ابْن مَالك ومنهاج الْبَيْضَاوِيّ وعرضها وَهُوَ دون الْبلُوغ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 على مَشَايِخ عصره واحضره وَالِده وعمره ثَلَاث سِنِين مجْلِس شيخ الْإِسْلَام ابْن حجر مرّة وَاحِدَة وَحضر وَهُوَ صَغِير مجْلِس الشَّيْخ الْمُحدث زين الدّين رضوَان الْعُتْبِي ودرس الشَّيْخ سراج الدّين عمر الوردي ثمَّ اشْتغل بِالْعلمِ على عدَّة مَشَايِخ وَحج سنة تسعٍ وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة وَشرب من مَاء زَمْزَم لأمور منهاا أَن يصل فِي الْفِقْه إِلَى رُتْبَة الشَّيْخ سراج الدّين البُلْقِينِيّ وَفِي الحَدِيث إِلَى رُتْبَة الْحَافِظ ابْن حجر ووصلت مصنفاته نَحْو الستمائة مصنفاً سوى مَا رَجَعَ عَنهُ وغسله وَولي المشيخة فِي مَوَاضِع مُتعَدِّدَة من الْقَاهِرَة ثمَّ أَنه زهد فِي جَمِيع ذَلِك وَانْقطع إِلَى الله بالروضة وَكَانَت لَهُ كرامات وَعظم غالبها بعد وَفَاته وَحكى الشَّيْخ الْعَلامَة زَكَرِيَّا بن الشَّيْخ الْعَلامَة مُحَمَّد الْمحلي الشَّافِعِي انه عرض لَهُ مُهِمّ فِي بعض أوقاته قَالَ فَسَأَلته أَن يكْتب إِلَى بعض تلامذته بِالْوَصِيَّةِ عَليّ فَامْتنعَ وأطلعني على ورقة بِخَطِّهِ وفيهَا أَنه اجْتمع بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْيَقَظَة مَرَّات تزيد على سبعين مرّة وَقَالَ لَهُ كلَاما حَاصله أَن من كَانَ بِهَذِهِ المثابة لَا يحْتَاج إِلَى مدد وأعانه من أحد رَحمَه الله وَحكي عَنهُ أَنه قَالَ رَأَيْت فِي الْمَنَام كَأَنِّي بَين يَدي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرت لَهُ كتابا شرعت فِي تأليفه فِي الحَدِيث وَهُوَ جمع الْجَوَامِع فَقلت لَهُ أَقرَأ عَلَيْكُم شَيْئا مِنْهُ فَقَالَ لي هَات يَا شيخ الحَدِيث قَالَ هَذِه الْبُشْرَى عِنْدِي أعظم من الدُّنْيَا بحذافيرها وَمن تصانيفه الدّرّ المنثور فِي التَّفْسِير بالمأثور اثْنَي عشر مجلداً وتناسق الدّرّ فِي تناسب السُّور وحاشية على الْبَيْضَاوِيّ الى الأسراء والأزهار الفائحة على الْفَاتِحَة والمعاني الدقيقة فِي إِدْرَاك الْحَقِيقَة واتمام النِّعْمَة فِي اخْتِصَاص الْإِسْلَام بِهَذِهِ الْأمة والديباج على صَحِيح مُسلم ابْن الْحجَّاج وكشف الغطا فِي شرح الموطا وتنوير الحوالك على موطأ مَالك والبدور السافرة عَن أُمُور الْآخِرَة ونتيجة الْفِكر فِي الْجَهْر بِالذكر وتزيين الآرائك فِي إرْسَاله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الملائك ومسالك الحنفا فِي إِسْلَام وَالِدي الْمُصْطَفى وَنشر العلمين المنيفين فِي إحْيَاء الْأَبَوَيْنِ الشريفين وذم الْقَضَاء وذم زِيَارَة الْأُمَرَاء والتنفيس عَن ترك الافتاء والتدريس وَالْأَحَادِيث الحسان فِي فضل الطيلسان وطي اللِّسَان عَن ذمّ الطيلسان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 والتضلع فِي معنى المتقنع وَعين الأصابة فِي مَا استدركته عَائِشَة على الصَّحَابَة والاحتفال بالأطفال وَمَا رَوَاهُ الأساطين فِي عدم الْمَجِيء إِلَى السلاطين والأوج فِي خبر عوج والوديك فِي الديك والطرثوث فِي فَوَائِد البرغوث وَله مُخْتَصر نِهَايَة ابْن الْأَثِير والينبوع فِيمَا زَاد على الرَّوْضَة من الْفُرُوع ومختصر الْخَادِم ومختصر الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة وَشرح الرَّوْض لِابْنِ الْمقري وَشرح التَّنْبِيه مُخْتَصر والبهجة المرضية فِي شرح الألفية ممزوج والمسائل الوفية فِي نكت الحاجبتين والألفية على منوال التَّحْرِير للشَّيْخ ولي الدّين الْعِرَاقِيّ على الْكتب الثَّلَاثَة فِي الْفِقْه جَامع لكل مَا يرد على عبارتها وَمَا ناقضوه فِي غَيرهَا من مصنفاتهم مَعَ مَا أمكن من الْجَواب وَمن تصانيفه السَّيْف الصَّقِيل فِي نكت شرح الألفية لِابْنِ عقيل وَالْفَتْح الْقَرِيب على مغنى اللبيب وَجمع الْجَوَامِع فِي الْعَرَبيَّة وَشَرحه همع الهوامع والمرقاة الْعلية فِي شرح الْأَسْمَاء النَّبَوِيَّة وَشرح الشاطبية ممزوج ونظم جمع الْجَوَامِع فِي الْأُصُول وَشَرحه والطب النَّبَوِيّ وطبقات الْحفاظ وطبقات الشَّافِعِيَّة وطبقات النُّحَاة وانموذج اللبيب فِي خَصَائِص الحبيب والحجج المبينة فِي التَّفْضِيل بَين مَكَّة وَالْمَدينَة والإكليل فِي استنباط التَّنْزِيل وَفتح الآله فِي التَّفْصِيل بَين الطّواف وَالصَّلَاة والبارع فِي اقطاع الشَّارِع وكشف الصبابة فِي مَسْأَلَة الِاسْتِنَابَة وَحسن الْمَقْصد فِي عمل المولد وتشنيف الْأَركان فِي لَيْسَ فِي الامكان ابدع مِمَّا كَانَ وفجر الدياجي فِي الأحاجي ونزهة الجلساء فِي أشعار النِّسَاء وَشرح الصُّدُور بشرح أَحْوَال الْقُبُور وَله تَعْلِيق لطيف على البُخَارِيّ وَله غير ذَلِك لَكِن كثيرا من مؤلفاته هَذِه الْمَذْكُورَة صَغِيرَة وَبَعضهَا فِي كراس وكراسين وَمن شعره مضمناً لمصراع من الْبردَة وَهُوَ مِمَّا كتب بِهِ إِلَى الْحَافِظ السخاوي متحاملا ومعرضا بِهِ ... قل السخاوي أَن تعروك مشكلة ... علمي كبحر من الأمواج ملتطم والحافظ الديمي غيث الزَّمَان فَخذ ... غرفاً من الْبَحْر أورشفا من الديم ... قَالَ بعض الْفُضَلَاء وَالْحق إِن كلا من الثَّلَاثَة كَانَ فَردا فِي فنه مَعَ الْمُشَاركَة فِي غَيره فالسخاوي تفرد بِمَعْرِِفَة علل الحَدِيث والديمي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 بأسماء الرِّجَال والسيوطي بِحِفْظ الْمَتْن وَالله أعلم وَكَانَ بَينه وَبَين الْحَافِظ السخاوي منافرة كَمَا يكون بَين الأكابر ذكر الْجلَال السُّيُوطِيّ فِي المقامة السندسية لَهُ عِنْد الْكَلَام على أَحيَاء أَبَوي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ وَهل تستبعد على من انجى الله بِهِ الثقلَيْن أَن يُنجي بِهِ الْأَبَوَيْنِ فَإِن استبعد هُوَ ذَلِك فَلَيْسَتْ الشدَّة عِنْدِي بأرجح من الرخَاء وَأَن استكثر ذَلِك فانه لبخيل حَيْثُ شح لأجمل الْأَمريْنِ وَهُوَ السخاء شعر ... شيخ السخاوي بالانجاء يذكرهُ ... عَن وَالِدي سيد الْأَبْنَاء والأمم إِن عز إِن يبلغ الْبَحْر الخضم روى ... بالتيه يَسْتَقِي من وابل الديم ... وَله أَيْضا فِيمَا يسن قبُوله من الْأَشْيَاء ... عَن الْمُصْطَفى سبع يسن قبُولهَا ... إِذا مَا بهَا قد أتحف الْمَرْء خلان فحلو وألبان ودهن وسَادَة ... ورزق لمحتاج وَطيب وَرَيْحَان ... وَله أَيْضا فِي من كَانَ يُفْتِي من الصَّحَابَة زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... وَقد كَانَ فِي عصر النَّبِي جمَاعَة ... يقومُونَ بالافتاء قومة قَانِت فَأَرْبَعَة أهل الْخلَافَة مِنْهُم ... معَاذ أبي وَابْن عَوْف ابْن ثَابت ... واسيوط مَدِينَة فِي غربي النّيل من نواحي الصَّعِيد فِي مستوى كَثِيرَة الْخيرَات اعجوبة المنتزهات وعجائب عماراتها وسورها مِمَّا لَا يذكر وَلما صورت الدُّنْيَا للرشيد لم يستحسن غير كورة اسيوط لِكَثْرَة مَا بهَا من الْخيرَات والمنتزهات وَمن عجائبها أَن بهَا يكش ألف فدان ينشر مَاؤُهَا فِي جَمِيعهَا لِاسْتِوَاء سطح أرْضهَا ويسير المَاء فِي أقطارها قَالَه الْقزْوِينِي وفيهَا فِي يَوْم الْخَمِيس ثامن عشر ذِي الْقعدَة توفّي عَالم الْمَدِينَة إِمَام الْقدْوَة والمتفنن الْحجَّة الشريف ذُو التصانيف الشهيرة نور الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن القَاضِي عفيف الدّين عبد الله بن أَحْمد بن أبي الْحسن عَليّ بن أبي الرّوح عِيسَى بن أبي عبد الله مُحَمَّد بن عِيسَى بن مُحَمَّد بن عِيسَى بن جلال الدّين أبي العلياء بن أبي الْفضل جَعْفَر بن عَليّ بن أبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 طَاهِر بن الْحسن بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحسن بن مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن دَاوُد بن الْحسن 0 الْأَكْبَر بن عَليّ بن أبي طَالب الحسني وَيعرف بالسمهودي نزيل الْمَدِينَة الشَّرِيفَة وعالمها ومفتيها ومدرسها ومؤرخها تَرْجَمَة الحافظان الْمعز ابْن فَهد وَالشَّمْس السخاوي وسَاق أَولهمَا نسبه كَمَا ذكرته وَقَالا مَا مُخْتَصره انه ولد فِي صفر سنة أَربع وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة بسمهود وَنَشَأ بهَا وَحفظ الْقُرْآن والمنهاج الفرعي وكتباً ولازم وَالِده حَتَّى قَرَأَ عَلَيْهِ الْمِنْهَاج بِجَامِع شَرحه للجلال الْمحلي وَشَرحه الْبَهْجَة نصفه سَمَاعا وَجمع الْجَوَامِع وغالب الفية ابْن مَالك وَسمع عَلَيْهِ بعض كتب الحَدِيث وَقدم الْقَاهِرَة مَعَه وبمفرده غير مرّة أَولهَا سنة ثَلَاث وَخمسين ولازم أَولا الشَّمْس الْجَوْجَرِيّ فِي الْفِقْه وأصوله والعربية قَرَأَ على الْجلَال الْمحلي بعض شرحيه على الْمِنْهَاج وَجمع الْجَوَامِع وَسَمَاع دروسه من الرَّوْضَة بالمؤيدية وَأكْثر من مُلَازمَة الشّرف الْمَنَاوِيّ وَقسم عَلَيْهِ الْمِنْهَاج مرَّتَيْنِ والتنبيه وَالْحَاوِي والبهجة وجانباً من شرحهما وَشرح الْجَوَامِع كِلَاهُمَا لشيخه الْوَلِيّ الْعِرَاقِيّ وَغَيرهمَا من مؤلفاته وَجُمْلَة فِي فنون وَألبسهُ خرقَة التصوف وَقَرَأَ على النَّجْم ابْن قَاضِي عجلون تَصْحِيحه للمنهاج وعَلى الشَّمْس الباهي تقاسم الْمِنْهَاج وَغَيره وعَلى الشَّيْخ زَكَرِيَّا فِي الْفِقْه والفرائض وعَلى الشَّمْس الشرواني فِي شرح عقائد النَّسَفِيّ وغالب الطوالع للاصبهاني وَسمع عَلَيْهِ الآلهيات وَقطعَة من الْكَشَّاف وَمن الْمُخْتَصر والمطول وللعضدي وَشرح الْمِنْهَاج اللأصلي للعزى وَغير ذَلِك وَحضر عِنْد الْعلم البُلْقِينِيّ وَكَذَا الْكَمَال إِمَام الكمالية وَألبسهُ الْخِرْقَة ولقنه الذّكر وَقَرَأَ عُمْدَة الْأَحْكَام بحثا على الديري وَأذن لَهُ فِي التدريس والبامي والجوجري فِيهِ وَفِي الْإِفْتَاء الشهَاب السارحي بعد امتحانه بمسائل وَفِيه أَيْضا زَكَرِيَّا والمحلي والمناوي وَعظم اخْتِصَاصه بالاخيرين وتزايد مَعَ الْمَنَاوِيّ وَقَررهُ فِي عدَّة وظائف وَعرض عَلَيْهِ النِّيَابَة فاباها مَعَ قَضَاء بَلَده وَأمر نوابها وَكَانَ يتَوَجَّه لزيارة أَهله أَحْيَانًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 قَالَ السخاوي وَسمع مني مصنفي الابتهاج وَغَيره وَكَانَ على خير كثير وقطن بِالْمَدِينَةِ من سنة ثَلَاث وَسبعين ولازم فِيهَا الشهَاب الابشيطي وَحضر درسه فِي الْمِنْهَاج وجانبا من تَفْسِير الْبَيْضَاوِيّ وَشرح الْبَهْجَة للعراقي والتوشيح لِابْنِ هِشَام بل قَرَأَ عَلَيْهِ تصانيفه وَأذن لَهُ فِي التدريس وَأكْثر من السماع هُنَاكَ على أبي الْفرج المراغي وَقَرَأَ على عبد الله بن صَالح وَألبسهُ خرقَة التصوف بلباسه من عمر العرابي وَكَانَ سمع بِمَكَّة على كمالية بنت النَّجْم الْمرْجَانِي وشقيقها الْكَمَال أبي الْفضل والنجم عمر بن فَهد فِي آخَرين وبالقاهرة على جمَاعَة سوى من تقدم وَأَجَازَ لَهُ جمَاعَة وَالْتمس من النَّجْم عمر بن فَهد تَخْرِيج مشيخة لَهُ ففعلها وعظمه فِي خطبتها وَمَات قبل اكمالها فتممها وَلَده الْعِزّ عبد الْعَزِيز وبيضها لَهُ وَحدث بِمَا فِيهَا وانتفع بِهِ جمَاعَة من الطّلبَة فِي الْحَرَمَيْنِ وَألف عدَّة تآليف مِنْهَا جَوَاهِر الْعقْدَيْنِ فِي فضل الشريفين وأقتفاء الوفا بأخبار دَار الْمُصْطَفى احْتَرَقَ قبل اكماله ومختصر خُلَاصَة الوفا لما يجب لحضرة الْمُصْطَفى فِي تنظيف الْحُجْرَة من الْحَرِيق وَغَيرهَا فِي مسَائِل وَاقعَة فِيهَا وحاشية على الايضاح فِي مَنَاسِك الْحَج للامام النَّوَوِيّ وسماها الافصاح وَكَذَا على الرَّوْضَة أَيْضا سَمَّاهَا امنية المقتنين بروضة الطالبين وصل فِيهَا إِلَى بَاب الرِّبَا وَجمع فَتَاوِيهِ فِي مُجَلد وَهِي مفيدة جدا وَحصل كتبا نفيسة احترقت جَمِيعهَا وَهُوَ بِمَكَّة فِي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وسافر فِي موسمها بِالْقَاهِرَةِ فلقي سلطانها الْأَشْرَف قايتباي فَأحْسن إِلَيْهِ بمرتب على الذَّخِيرَة وَغَيره واوقف كتبا بِالْمَدِينَةِ وَجعله ناظرها وزار بَيت الْمُقَدّس وَعَاد للمدينة مستوطناً وَتزَوج بهَا عدَّة زَوْجَات ثمَّ اقْتصر على السراري وَملك الدّور وعمرها قَالَ السخاوي قل أَن يكون أحد من أَهلهَا لم يقْرَأ عَلَيْهِ وَاسْتقر فِي النّظر على الْجمع بمدرسة الْأَشْرَف وَمَا بِهِ من الْكتب فِي مصارف الْمدرسَة المزهرية مَعَ الصّرْف من الصَّدقَات كالقضاة وتقرر فِي التدريس مَعَ مَا رتبه لَهُ ملك الرّوم وانقاد لَهُ أَمِير دَاوُد بن عمر فِي صدقاته حِين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 حج وَبعدهَا وَكَذَا ابْن خير وَغَيرهَا لما تقرر عِنْدهم من علمه وتدينه مَعَ التكسب بِالْبيعِ وَالشِّرَاء والمعاملة وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ فَاضل متفنن متميز فِي الْأَصْلَيْنِ وَالْفِقْه مديم الْعلم وَالْجمع والتأليف مُتَوَجّه للعباد بالمباحثة والمناظرة قوي الجلادة طلق الْعبارَة مَعَ قُوَّة تفنن وَرُبمَا أَدَّاهُ الْبَحْث إِلَى محاسنة مَعَ المبحوث مَعَه وعَلى كل حَال فَهُوَ فريد فِي مَجْمُوعه وَمن شعره ... تحكم الْحبّ مني كَيفَ أكتمه ... أم كَيفَ أُخْفِي الْهوى والدمع يظهره أَهْوى لقاؤه ويهوى سَيِّدي تلفي ... مَا كل مَا يتَمَنَّى الْمَرْء يُدْرِكهُ ... وفيهَا فِي عَشِيَّة الْجُمُعَة عَاشر جُمَادَى الْآخِرَة توفّي الْفَقِيه أَحْمد بن الْعَلامَة الْفَقِيه عبد الله بن أَحْمد أَبَا محزمة وَكَانَت ولَايَته بعدن وَقت طُلُوع الْفجْر يَوْم الْأَرْبَعَاء أول يَوْم من صفر سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة وَأخذ عَن وَالِده وبرع فِي الْفِقْه وَغَيره من الْعُلُوم وَلَا سِيمَا فِي الْفَرَائِض والحساب وَأَنه لم يكن لَهُ فيهمَا نَظِير حَتَّى أَن وَالِده مَعَ تمكنه فِي هذَيْن الفنين كَانَ يَقُول هُوَ أمهر مني فيهمَا وَكَانَ يحفظ جَامع المختصرات فِي الْفِقْه وَمِمَّنْ أَخذ عَنهُ من الْأَئِمَّة الْأَعْيَان الْفَقِيه الْعَلامَة مُحَمَّد بن عمر أَبَا قضام وانتفع بِهِ كثيرا وفيهَا حصلت بِمَدِينَة زبيد وَسَائِر جهاتها ريح شَدِيدَة واقتلعت أشجاراً كَثِيرَة وكسرتها وهدمت بعض الْبيُوت بزبيد وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم وَفِي سحر لَيْلَة السبت الثَّامِن وَالْعِشْرين من شهر ربيع الْأُخَر توفّي الشَّيْخ الصَّالح نجم الدّين طَلْحَة الْعَبَّاس الهتار بِمَدِينَة زبيد وَدفن بعد عصر ذَلِك الْيَوْم بقبة جده طَلْحَة بن عِيسَى الهتار وَكَانَ لَهُ مشْهد عَظِيم حَضَره الْأَمِير وَالْقَاضِي وَغَيرهم رَحمَه الله ونفع بِهِ وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء من شهر رَجَب توفّي الشَّيْخ الصَّالح عفيف الدّين عُثْمَان بن أبي الْقَاسِم بن أبي الْأَفْلَح بقرية الزبيد وَدفن بهَا رَحْمَة الله تَعَالَى وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء الثَّالِث عشر من شهر ذِي الْقعدَة الْحَرَام توفّي الْفَقِيه الصَّالح إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عَليّ حداد صَاحب الدراع من بِلَاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 صهْبَان بِبَلَدِهِ وَكَانَ رجلا مُبَارَكًا مَشْهُورا باطعام الطَّعَام وَفعل الْخَيْر رَحمَه الله تَعَالَى وفيهَا دفع وَادي زبيد بسيل عَظِيم لم يعْهَد مثله يُقَال انه ارْتَفع فِي الْهَوَاء مِقْدَار خَمْسَة ابواع واخرج جملَة من اراضي التراكي وسالت بيُوت وزروع وَطَعَام كثير وَبنى آدم وعسر الِانْتِفَاع بِهِ وأخرب المعقم الطاهري وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه سنة أثنتي عشرَة بعد التسْعمائَة 912 هـ وَفِي لَيْلَة السبت الْخَامِس من صفر سنة اثْنَتَيْ عشرَة توفّي الشَّيْخ الصّديق بن مُحَمَّد الزجاجي صَاحب الظَّاهِرَة بِمَدِينَة زبيد وَصلي عَلَيْهِ بعد صَلَاة الصُّبْح بِمَسْجِد الاشاعر وَدفن إِلَى جنب وَالِده بتربة بني المزجاجي وَكَانَ لَهُ مشْهد عضيم وَحضر يَوْم ثَالِث مَوته للْقِرَاءَة جمع عَظِيم رَحمَه الله وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء مستهل شهر رَجَب مِنْهَا توفّي الْفَقِيه إِسْمَاعِيل بن عَليّ الْعجل الْحَنَفِيّ رَحمَه الله بِمَدِينَة زبيد وفيهَا فِي عَشِيَّة الثُّلَاثَاء الْعشْرين من شهر شَوَّال توفّي الْفَقِيه الْعَلامَة مفتي مَدِينَة تعز الشّرف بن وهيب عَن أَرْبَعَة وَسبعين سنة رَحمَه الله سنة ثَلَاثَة عشر بعد التسْعمائَة 913 هـ وَفِي سنة ثَلَاثَة عشر توفّي الْفَقِيه الْأَجَل نجم الدّين طَلْحَة بن مُحَمَّد بن يحيى الجهمي صَاحب الْمِصْبَاح ببلدة من أصَاب وَدفن هُنَالك بجوار جده الْفَقِيه الصَّالح يحيى بن أَحْمد الجهمي وَكثر عَلَيْهِ الأسف رَحمَه الله تَعَالَى وفيهَا غلب الافرنج على مَدِينَة هرموز وأخذوها وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء الْعشْرين من شهر ذِي الْقعدَة توفّي السَّيِّد الشريف الإِمَام شهَاب الدّين أَحْمد بن النَّاصِر بِمَدِينَة تعز وَصلي عَلَيْهِ بعد صَلَاة الْعَصْر بِجَامِع ذِي عدينة وَدفن بمقابرها الاجتباد وَكَانَ لَهُ مشْهد عَظِيم رَحمَه الله تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 سنة أَربع عشر بعد التسْعمائَة 914 هـ وَفِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ رَابِع عشر الْمحرم سنة أَربع عشر توفّي الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن عمر أَبَا هُرْمُز الشبامي بهينن بِلَاد من أَرض حضر موت وهرمز بِضَم الْهَاء وَالْمِيم وَسُكُون الرَّاء وَآخره زَاي وَهُوَ شيخ الْفَقِيه الصُّوفِي عمر بن عبد الله أَبَا محزمة وَكَانَ كَبِير الشَّأْن وَله أَحْوَال غَرِيبَة وكرامات خارقة رَحمَه الله تَعَالَى آمين وَحكي أَنه نفع الله بِهِ كَانَ عِنْدَمَا يرد عَلَيْهِ الْحَال يطْلب النِّسَاء الحسان من ذَوَات الْجمال فيغنين بَين يَدَيْهِ ويرقصن فَكَانَ هَذَا دأبه فِي أَكثر الْأَوْقَات وَكَانَ الْفَقِيه عمر أَبَا محزمة على طَريقَة الْفُقَهَاء فَسمع بذلك فقصد الانكار على الشَّيْخ وَمنعه من ذَلِك فسافر من بَلَده إِلَيْهِ بِهَذِهِ النِّيَّة فَلَمَّا وصل إِلَى أثْنَاء الطَّرِيق بدا لَهُ أَن يرجع فَرجع إِلَى بَلَده ثمَّ سمع عَنهُ أَيْضا أَمْثَال هَذِه الْأَشْيَاء الَّتِي ظَاهرهَا مُخَالفَة الشَّرْع فَمَا أمكنه الصَّبْر عَن ذَلِك فَصَارَ إِلَيْهِ ثَانِيًا وَدخل عَلَيْهِ فَلَمَّا وَقع بَصَره على الشَّيْخ كاشفه وَقَالَ لَهُ عمر عَاد وقتك مَا جَاءَ فَرجع كَذَلِك إِلَى بَلَده وامتثل وَلم يحصل مِنْهُ انكار على الشَّيْخ لما سبق لَهُ من الْفَتْح على يَدَيْهِ ثمَّ سَار إِلَيْهِ ثَالِثا فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ أَمر الشَّيْخ نفع الله بِهِ بعض النِّسَاء الحسان مِمَّن كَانَت ترقص عِنْده ان تعتنقه فَمَا هُوَ إِلَّا أَن فعل بِهِ ذَلِك خر مغشياً عَلَيْهِ فَلَمَّا أَفَاق تلمذ للشَّيْخ وَحكمه فِي ذَلِك الْوَقْت وَفتح الله عَلَيْهِ ببركة الشَّيْخ وَصَارَ من كبار العارفين المربين وَقيل أَن الْفَقِيه لما طلب التَّحْكِيم من الشَّيْخ قَالَ لَهُ صلي رَكْعَتَيْنِ إِلَى الشرق فامتثل فَلَمَّا أحرم رأى الْكَعْبَة تجاه وَجهه وَرُوِيَ عَن الْفَقِيه عمر نفع الله بِهِ أَنه قَالَ وقفت بَين يَدي سَيِّدي وشيخي عبد الرَّحْمَن بن عمر أَبَا هُرْمُز رَضِي الله عَنهُ واسعفني بطلبتي وأجابني إِلَى مَسْأَلَتي عَشِيَّة يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي شهر رَجَب سنة تِسْعمائَة وَثَلَاثَة عشر ووقفت بَين يَدَيْهِ لَيْلَة قبل ذَلِك وَقلت لَهُ يَا سَيِّدي حكمني وألبسني الْخِرْقَة فَقَالَ أَنْت الْحَاكِم الْمُحكم قلت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 فألبسني الْخِرْقَة على قَاعِدَة الصُّوفِيَّة فَقَالَ مَا هِيَ قاعدتي أَو كلَاما هَذَا مَعْنَاهُ قلت أَنا أحب ذَلِك قَالَ أَنا خرقتك وَأَنت نَائِب عني قلت فَلَا تغفل عني فِي أموري فَقَالَ وَالله اني مَعَك فِي صائب وَغير صائب وَإِنِّي لَك مثل روحك وَنحن على سَاق وَاحِدَة وَمرَّة قَالَ لي أَنْت أَنا وَقد أَشَارَ إِلَيّ ذَلِك الْفَقِيه بقوله على لِسَان حَال شَيْخه وَأَنت أَنا والطريقة وَاحِدَة والتمذهاب ثمَّ قَالَ الْفَقِيه قلت لَهُ لقني شَيْئا من الْأَذْكَار قَالَ قل فِي كل مسَاء سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ مائَة مرّة فَإِنَّهُ لَا يكْتب عَلَيْك ذَنْب وَقل فِي كل مسَاء يَا لطيف مائَة مرّة ثمَّ قل يَا حفيظ مائَة مرّة ثمَّ قل يَا كريم مائَة مرّة ثمَّ قل يَا كريم تكرم علينا بكرمك ثَلَاث مَرَّات ثمَّ قل يَا لطيف لاطفنا بلطفك ثَلَاث مَرَّات ثمَّ قل يَا حفيظ احفظنا بحفظك ثَلَاث مَرَّات قلت إِن لي وردا من آيَة الْكُرْسِيّ أقرأها كل يَوْم ثَلَاثمِائَة وَثَلَاثَة عشر مرّة قَالَ هَذَا كثير قلت هُوَ سهل عَليّ قَالَ كثير قلت هُوَ سهل عَليّ قَالَ ابق عَلَيْهِ وَقرأَهَا وَقَالَ اقرأها هَكَذَا وَإِذا صمت وداع رَمَضَان فَجعل قرَاءَتهَا سرا بِالْقَلْبِ فَقَط قلت لي ورد من الله لَا اله إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم فَقَط وَهُوَ ألف مرّة قَالَ ابق عَلَيْهِ وَأَن زِدْت فَهُوَ خير لَك وَابْشَرْ فانهم معطوك أَكثر مِمَّا توهم مَا غير مَا يجيبك إِلَّا فِي الْعرض من غير تَأمل قلت فَلَا تغفل عني فَانِي مخلط كثير التَّخْلِيط قَالَ وَالله لَو تلبس المعتب أَن غير عَلَيْك عندنَا شَيْء وَأَنا شيخك فَعَلَيْك بِكِتَاب الله تَعَالَى وَسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا شيخك فيهمَا وَفِي عُلُوم تستفاد مِنْهُمَا وَقد أَشَارَ الْفَقِيه إِلَى ذَلِك أَيْضا حَيْثُ قَالَ مُشِيرا إِلَى شَيْخه ... احْمِلُونِي فَتى يَا هلي مخلط ولعاب ... ثمَّ قَالَ على لِسَان حَال شَيْخه ... ان لَو تلبس المعتب وتسهى وتنساب لَا وَلَا الرَّد يَا أَبَا محزمة عَنْك ينجاب أَنْت منا وَنحن مِنْك فِيمَا خطا أَو صاب ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 ثمَّ قَالَ لَهُ شَيْخه اجْعَل على نَفسك وردا من قِرَاءَة الْقُرْآن أما غيبا وَأما نظرا فِي الْمُصحف قلت لَهُ أَدخل أربعينيه قَالَ لَا وأنما أربعينيتك ان تحفظ لسَانك وعينك وأذنك من الْمُحرمَات أَرْبَعِينَ يَوْمًا واما الأربعينية الْمَعْرُوفَة فَلَا تدْخلهَا انْتهى تَنْبِيه قلت رُبمَا انه يشكل مَا صدر مِنْهُم فِي مثل ذَلِك على بعض الأغبياء ميل اكثر النَّاس بالطبع إِلَى الْفسق والفجور وَيَنْظُرُونَ إِلَى هَنَات وَقعت من بعض من ينْسب إِلَى الْعلم أَو مَا وَقع لبَعض أهل الله تَعَالَى كأحمد الْغَزالِيّ وَالشَّيْخ الْعَارِف عَليّ وَفَاء وَالشَّيْخ الْعَارِف عبد الرحمان أَبَا هُرْمُز وتلميذه الْفَقِيه عمر أَبَا محزمة وَالشَّيْخ جِبْرَائِيل الهتار وَغَيرهم نفع الله بهم فيظنون أَن الْأَمر سَوَاء وَلَيْسَ كَذَلِك فَمَا كَانَ يَقع من ذَلِك للنَّاس فَهُوَ شقوة فِي حَقهم وَأَكْثَرهم لَا يكترث بِمَا يصدر مِنْهُ من الْعِصْيَان وَلَا ينْدَم على ذَلِك وَمَا كَانَ يَقع مِمَّن ينْسب إِلَى الْعلم فَهُوَ دَعْوَة لَان الْمقَام لَا يعْطى ذَلِك وَهُوَ أَيْضا لَا يرتضي بِهَذِهِ الْحَالة وَإِنَّمَا تكون وَقعت مِنْهُ هفوة كعقوق الْوَالِدين أَو التكبر على خلق الله تعالي وَالنَّظَر إِلَيْهِم بِعَين الاحتقار وَالْعِيَاذ بِاللَّه فَعُوقِبَ بِمثل ذَلِك وَمَا كَانَ نسب من ذَلِك إِلَى بعض أهل الله فَهُوَ إِنَّمَا هُوَ لصيانتهم أهل الْعِصْيَان وَذَلِكَ لكَمَال شفقتهم على خلق الله تعالي كَمَا هُوَ مَعْلُوم وَقد يكون لله مُرَاد فِي حق شخص معِين مِنْهُم من يُرِيد الله أَن يَنْقُلهُ من تِلْكَ الْحَالة ويرقيه أَلِي مَرَاتِب الْأَوْلِيَاء وَرُبمَا غلب على ذَلِك الْوَلِيّ بعض الْأَحْوَال القوية فخشي على عقله أَن يذهب أَو جِسْمه أَن يتْلف فاراد تَعْدِيل لطافة الْحَال بكثافتهم وَالله أعلم وَلَا بُد مَا نذْكر نبذة تتَعَلَّق بقطر حَضرمَوْت وَحده وَوجه تَسْمِيَته وأقوال الْعلمَاء فِي ذَلِك وَمَا اخْتصَّ بِهِ من الْعَجَائِب والفضائل خُصُوصا بَلْدَة تريم تيمنا بذكرها وتتميماً للفائدة إِذْ كثير مِمَّن ذكر فِي هَذَا التَّارِيخ مَاتَ بِهَذِهِ الْبَلَد الْمُبَارَكَة وَبَعْضهمْ مَاتَ بغَيْرهَا مثل شبام ودوعان من بِلَاد حَضرمَوْت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 فَنَقُول حَضرمَوْت بِفَتْح الْحَاء وَالْمِيم وَسُكُون الْمُعْجَمَة بلد بِالْيمن قيل ان صَالحا لما هلك قومه جَاءَ بِمن مَعَه من الْمُؤمنِينَ فَلَمَّا وصل إِلَيْهِ مَاتَ فَقيل حضر موت وَذكر الْمبرد انه لقب عَامر جد اليمانية كَانَ لَا يحضر حَربًا إِلَّا كثر فِيهِ الْقَتْلَى فَقَالَ عَنهُ من رَآهُ حَضرمَوْت بتحريك الضَّاد ثمَّ كثر ذَلِك فسكن كَذَا ذكره الْحَافِظ السُّيُوطِيّ فِي حَاشِيَته على صَحِيح مُسلم وَقَالَ الإِمَام أَبُو بكر بن عبد الرَّحْمَن بن شراخيل الشبامي الْحَضْرَمِيّ فِي كِتَابه مِفْتَاح السّنة حَضرمَوْت بِلَاد مَشْهُورَة متسعة من بِلَاد الْيمن تجمع اودية كَثِيرَة وَهُوَ بِضَم ميمها وَقد اخْتصَّ بِهَذَا الِاسْم وَادي ابْن رَاشد طوله نَحْو مرحلَتَيْنِ أَو ثَلَاث إِلَى قبر هود عَلَيْهِ السَّلَام وَيُطلق على بِلَاد كَثِيرَة وساحلها الْعين وبروم إِلَى الشّجر ونواحيها ونجدها من جردان ونواحيها إِلَى تريم إِلَى قبر هود عَلَيْهِ السَّلَام وَمَا وَرَاء ذَلِك بِلَاد مهرَة والأحقاف بِلَاد عَاد جمع حقف هُوَ كثيب الرمل ذكره الواحدي فِي الْبَسِيط فِي تَفْسِير الْأَحْقَاف قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا الْأَحْقَاف وَاد بَين عمان ومهرق وَفِي سيرة ابْن هِشَام بِلَاد عَاد بَين حَضرمَوْت وعمان وَقيل الْأَحْقَاف رَملَة الشّعْر وَلَيْسَ بِشَيْء إِلَّا أَن يُرَاد بالرملة مَا وَرَاء جبل الشحر الَّذِي عِنْد ظفار الحبوضي فثم رَملَة مُتَّصِلَة بِطرف عمان وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم أنْتَهى وَقَالَ الْقزْوِينِي فِي عجائب الْبلدَانِ حضر موت ناحيه بِالْيمن مُشْتَمِلَة على مدينتين يُقَال لأَحَدهمَا شبام وللأخرى تريم وَهِي بِقرب الْبَحْر وشرقي عدن وَأَنَّهَا بِلَاد قديمَة حكى رجل من اهل حَضرمَوْت قَالَ وجدنَا بهَا فخارا فِيهِ سنبلة حِنْطَة الطّرف مِنْهَا وَزنهَا كَانَت منا وكل حَبَّة مِنْهَا كبيض دجَاجَة وَكَانَ فِي ذَلِك الْوَقْت شيخ لَهُ خَمْسمِائَة سنة وَله ولد لَهُ أَرْبَعمِائَة سنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 وَولد ولد لَهُ ثَلَاثمِائَة سنة فذهبنا إِلَى ابْن الأبن قُلْنَا أَنه اقْربْ إِلَى الْفَهم وَالْعقل فوجدناه مبلداً لَا يعرف الْخَيْر وَالشَّر فَقُلْنَا إِذا كَانَ هَذَا حَال ولد الْوَلَد فَكيف حَال الْأَب وَالْجد فذهبنا إِلَى صَاحب أَرْبَعمِائَة فوجدناه أقرب إِلَى الْفَهم من وَلَده فذهبنا إِلَى صَاحب خَمْسمِائَة سنة فوجدناه سليم الْعقل والفهم فَسَأَلْنَاهُ عَن حَال ولد وَلَده فَقَالَ انه كَانَت لَهُ زَوْجَة سَيِّئَة الْخلق لَا توافقه فِي شَيْء أصلا فأثر فِيهِ ضيق خلقهَا ودوام الْغم بمقاساتها وَأما وَلَدي فَكَانَت لَهُ زَوْجَة توافقه مرّة وتخالفه أُخْرَى وَهَذَا هُوَ أقرب إِلَى الْفَهم مِنْهُ وَأما أَنا فلي زَوْجَة مُوَافقَة فِي جَمِيع الْأَمر مساعدة فَلذَلِك سلم فهمي وعقلي فَسَأَلْنَاهُ عَن السنبلة فَقَالَ هَذَا زرع قوم من الْأُمَم الْمَاضِيَة كَانَت مُلُوكهمْ عادلة وعلماؤهم أُمَنَاء وأغنياؤهم أسخياء وعوامهم منصفة وَذكر الْقزْوِينِي أَيْضا أَن بهَا الْقصر المشيد الَّذِي ذكره الله تَعَالَى فِي كِتَابه الْعَزِيز بناه رجل يُقَال لَهُ صد بن عَاد وَذَلِكَ أَنه لما رأى مَا نزل بِقوم عَاد من الرّيح الْعَقِيم بنى قصراً لَا يكون للريح عَلَيْهِ سُلْطَان من شدَّة أَحْكَامه وَأَنْتَقِلَ إِلَيْهِ هُوَ وَأَهله وَكَانَ لَهُ الْقُوَّة مَا كَانَ يَأْخُذ الشَّجَرَة بِيَدِهِ فيقلعها بعروقها من الأَرْض وَيَأْكُل من الطَّعَام مَأْكُول عشْرين رجلا من قومه وَكَانَ مغرماً بِالنسَاء تزوج أَكثر من سَبْعمِائة عذراء وَولد لَهُ من كل وَاحِدَة ذكر وَأُنْثَى فَلَمَّا كثر أَوْلَاده طَغى وبغى وَكَانَ يقْعد فِي أعالي قصره مَعَ نِسَائِهِ لَا يمر بِهِ أحد إِلَّا قَتله كَائِنا من كَانَ حَتَّى كثر قتلاه فَأَهْلَكَهُ الله تَعَالَى مَعَ قومه بصيحة من السَّمَاء وَبَقِي الْقصر خرابا لَا يَجْسُر أحد على دُخُوله لِأَنَّهُ ظهر فِيهِ شُجَاع عَظِيم وَكَانَ يسمع من دَاخله أَنِين كأنين المرضى وَقد أخبر الله تَعَالَى عَنْهُم وَعَن أمثالهم بقوله {فكأين من قَرْيَة أهلكناها وَهِي ظالمة فَهِيَ خاوية على عروشها وبئر معطلة وَقصر مشيد} والبئر المعطلة كَانَت بعدن ثمَّ ذكر أَن بحضرموت قبر هود النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ كَعْب الْأَحْبَار كنت فِي مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي خلَافَة عُثْمَان رض = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 فَإِذا رجل قد رمقه النَّاس لطوله فَقَالَ أَيّكُم أبن عَم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالُوا أَي أبن عَمه قَالَ ذَلِك الَّذِي آمن بِهِ صَغِيرا فاتوا إِلَى عَليّ رض = قَالَ عَليّ مِمَّن الرجل قَالَ من الْيمن من بِلَاد حَضرمَوْت فَقَالَ أتعرف مَوضِع الاراك والسدرة الْحَمْرَاء الَّتِي يقطر من أوراقها مَاء فِي حَمْزَة الدَّم فَقَالَ الرجل كَأَنَّك سَأَلتنِي عَن قبر هود عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ عَليّ عَنهُ سَأَلتك حَدثنِي فَقَالَ مضيت فِي أَيَّام شَبَابِي فِي عدَّة من شباب الْحَيّ نُرِيد قَبره فسرنا إِلَى جبل شامخ فِيهِ كهوف ومعنا رجل عَارِف بقبره حَتَّى دَخَلنَا كهفاً فَإِذا نَحن بحجرين عظيمين قد أطبق أَحدهمَا على الآخر وَبَينهمَا فُرْجَة يدخلهَا رجل نحيف وَكنت أَنا أنحفهم فَدخلت بَين الحجرين فسرت حَتَّى وصلت إِلَى فضاء وَاسع فَإِذا أَنا بسرير عَلَيْهِ ميت وَعَلِيهِ أكفان كَأَنَّهَا الْهوى فمسست بدنه فَكَانَ صلباً وَإِذا هُوَ كَبِير الْعَينَيْنِ مقرون الحاجبين وَاسع الْجَبْهَة أسيل الخد طَوِيل الْحَيَّة وَإِذا عِنْد رَأسه حجر على شكل لوح مَكْتُوبًا عَلَيْهِ لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله {وَقضى رَبك أَلا تعبدوا إِلَّا إِيَّاه وبالوالدين إحسانا} أَنا هود بن الْجُلُود بن عَاد رَسُول الله إِلَى بني عَاد بن عوص بن سَام بن نوح جئتهم بالرسالة وَبقيت فيهم مُدَّة عمري فكذبوني فَأَخذهُم الله بِالرِّيحِ الْعَقِيم فَلم يبْق مِنْهُم أحد وَسَيَجِيءُ بعدِي صَالح بن كابوح فكذبه قومه فاخذتهم الصَّيْحَة فَقَالَ لَهُ على رض = صدقت هَكَذَا قبر هود على نَبينَا وَعَلِيهِ افضل الصَّلَاة وَالسَّلَام ثمَّ ذكر الْقزْوِينِي أَن بهَا أَي بحضر موت بِئْر برهوت وَهِي الَّتِي قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن فِيهَا أَرْوَاح الْكفَّار وَالْمُنَافِقِينَ وَهِي بِئْر عَادِية قديمَة عميقة فِي فلاة وواد مظلم وَعَن عَليّ رض = عَنهُ ابغض الْبِقَاع إِلَى الله تَعَالَى وَادي برهوت بحضر موت فِيهِ بِئْر مَاؤُهُ أسود منتن تاوى إِلَيْهِ أَرْوَاح الْكفَّار وَذكر الْأَصْمَعِي عَن رجل حضرمي قَالَ أَنا نجد من نَاحيَة برهوت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 رَائِحَة مُنْتِنَة فظيعة جدا فَيَأْتِينَا الْخَبَر أَن عَظِيما من عُظَمَاء الْكفَّار مَاتَ وَحكى رجل أَنه بَات لَيْلَة بوادي برهوت فَقَالَ كنت أسمع طول اللَّيْل يَا دومة فَذكرت ذَلِك لبَعض أهل الْعلم فَقَالَ إِن الْملك الْمُوكل بأرواح الْكفَّار أُسَمِّهِ دومه انْتهى وَقَالَ ابْن الوردي فِي كِتَابه خريدة الْعَجَائِب حضر موت وَهِي شَرْقي الْيمن وَبهَا بِلَاد أَصْحَاب الرس وَكَانَت لَهُم مَدِينَة تسمى الرس سميَّة بذلك باسم نهرها وَمن ارْض حضر موت الْمَشْهُورَة سبأ الَّتِي ذكرهَا الله تَعَالَى فِي الْقُرْآن الْعَظِيم وَكَانَت مَدِينَة مأرب هُوَ اسْم تِلْكَ الْبِلَاد وبهذه الْمَدِينَة كَانَ السد الَّذِي أرسل عَلَيْهِ سيل العرم انْتهى وَقَالَ الْقزْوِينِي سبأ مَدِينَة كَانَت بَينهَا وَبَين صنعاء ثَلَاث أَيَّام بناها سبأ بن يسحب بن يعرب بن قحطان كَانَت مَدِينَة حَصِينَة كَثِيرَة الْأَشْجَار لذيذة الثِّمَار كَثِيرَة أَنْوَاع الْحَيَوَان وهى الَّتِي ذكرهَا الله سُبْحَانَهُ فِي كِتَابه الْعَزِيز {لقد كَانَ لسبأ فِي مسكنهم أَيَّة جنتان عَن يَمِين وشمال كلوا من رزق ربكُم وأشكروا لَهُ بَلْدَة طيبَة وَرب غَفُور} مَا كَانَ يُوجد بهَا ذُبَاب وَلَا بعوض وَلَا شَيْء من الْهَوَام كالحية وَالْعَقْرَب وَنَحْوهَا وَقد أجتمعت فِي ذَلِك الْموضع مياه كَثِيرَة من السُّيُول فتمشي بَين جبلين فبنوا بَين الجبلين سداً من الصخر والقار وَنزل المَاء الْعَظِيم خَارج السد وَجعلت فِي السد مشاعب اعلى واوسط واسفل ليأخذوا من المَاء كلما أحتاجوا إِلَيْهِ فحرث دَاخل السد ودام سقيها فعمرها النَّاس وبنوا وغرسوا وزرعوا فصارة أحسن بِلَاد الله وأكثرها خيرا كَمَا قَالَ تَعَالَى {جنتان عَن يَمِين وشمال} وَكَانَ أَهلهَا أخوة وَبني عَم حمير وكهلان فَبعث الله تَعَالَى إِلَيْهِم ثَلَاثَة عشر نَبيا فكذبوهم فَسلط الله تَعَالَى الجرذ على بلدهم انْتهى وَقَالَ فِي مَوضِع آخر مأرب كورة بَين حَضرمَوْت وَصَنْعَاء لم يبْق بهَا العامر إِلَّا ثَلَاث قرى يسمونها الدروب كل الْقرْيَة مَنْسُوب إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 قَبيلَة من الْيمن وهم يزرعونها على المَاء الَّذِي جَاءَ من نَاحيَة السد يسقون أَرضهم سقية وَاحِدَة ويزرعون عَلَيْهِ ثَلَاث مَرَّات فِي كل عَام وَيكون بَين زرع الشّعير وحصاده فِي ذَلِك الْموضع نَحْو شَهْرَيْن وَكَانَ بهَا سيل العرم الَّذِي جرى ذكره فِي سبأ فغرقت الْبِلَاد حَتَّى لم يبْق إِلَّا مَا كَانَ على رُؤُوس الْجبَال وَذَهَبت الحدائق والجنان والضياع والدور وَجَاء السَّيْل بالرمل فطمها وَهِي على ذَلِك إِلَى الْيَوْم كَمَا أختبر الله تَعَالَى {فجعلناهم أَحَادِيث ومزقناهم كل ممزق} والعرم المسناة بنتهَا مُلُوك الْيمن بالصخر والقار حاجزاً بَين السُّيُول والضياع ففجرته فَأْرَة فَيكون أظهر فِي الأعجوبة قَالَ ابْن الوردي وَكَانَ من حَدِيثه إِن امْرَأَة كَانَت رَأَتْ فِي منامها ان سَحَابَة غشيت أَرضهم فارعدت وابرقت ثمَّ أصعقت فأحرقت كل مَا وَقعت عَلَيْهِ فَأخْبرت زَوجهَا بذلك وَكَانَ يُسمى عَمْرو بن عَامر فَذهب إِلَى سد مأرب فَوجدَ الجرذ وَهُوَ الفار يقلب برجليه حجر لَا يقلبه إِلَّا خَمْسُونَ رجلا فراعه مَا رأى وَعلم أَنه لَا بُد من كائنة تنزل بِتِلْكَ الْقرْيَة فَرجع فَبَاعَ جَمِيع مَا كَانَ لَهُ بمأرب وَخرج هُوَ وَزَوجته وَولده مِنْهَا وَأرْسل الله تَعَالَى الجرذ على ذَلِك السد الَّذِي يحول بَينهم وَبَين المَاء فأغرقهم وَهُوَ سيل العرم فهدم السد وَخرج إِلَى تِلْكَ الأَرْض فاغرقها كلهَا وَهُوَ السد الَّذِي بناه لُقْمَان الْأَكْبَر ابْن عَاد بناه بالصغر والرصاص فَرسَخ ليحول بَينهم وَبَين المَاء وَجعل فِيهِ أبواباً ليأخذوا من مَائه مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ انْتهى وَذكر الْقزْوِينِي فِي عجائب الْبلدَانِ مَا يقرب من ذَلِك قَالَ إِن سيادة الْيمن كَانَت لولد حمير ولولد كهلان وَكَانَ كَبِيرهمْ عمرَان بن عَامر وَكَانَ جواداً عَاقِلا وَكَانَ لَهُ ولاقاربه من الحدائق مَا لم يكن لأحد من ولد قحطان وَكَانَت عِنْدهم كاهنة اسْمهَا طريفة قَالَت لعمران والظلمة والضياء وَالْأَرْض وَالسَّمَاء ليقبلن اليكم المَاء كالبحر إِذا طما فيدع أَرْضكُم خلاء يسفي عَلَيْهَا الصِّبَا فَقَالُوا لَهَا أفجعتينا بِأَمْوَالِنَا فبيني لنا مَقَالَتك فَقَالَت انْطَلقُوا إِلَى رَأس الْوَادي لترون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 الجرذ العادي يجر كل صَخْرَة صبخاء بأنياب حداد وأظفار شَدَّاد فَانْطَلق عمرَان فِي نفر من قومه حَتَّى أشرفوا على السد فَإِذا هم بجرذ أَحْمَر يقْلع الْحجر الَّذِي لَا يستقله رجال ويدفعه بمخاليب رجلَيْهِ إِلَى مَا يَلِي الْبَحْر ليفتح السد فَلَمَّا رأى عمرَان ذَلِك علم صدق قَول الكاهنة وَقَالَ لأَهله اكتموا هَذَا القَوْل من بني عمكم حمير لَعَلَّنَا نبيع حدائقنا مِنْهُم ونرحل عَن هَذِه الأَرْض ثمَّ قَالَ لِابْنِ أَخِيه حَارِثَة إِذا كَانَ الْغَد وَاجْتمعَ النَّاس أَقُول لَك قولا خالفني وَإِذا شتمتك ردهَا عَليّ وَإِذا ضربتك فاضربني مثله فَقَالَ يَا عَم كَيفَ ذَلِك فَقَالَ عمرَان لَا تخَالف فَإِن مصلحتنا فِي هَذَا فَلَمَّا كَانَ الْغَد وَاجْتمعَ عِنْد عمرَان أَشْرَاف قومه وَعُظَمَاء حمير ووجوه رَعيته أَمر حَارِثَة أمرا فَعَصَاهُ فَضَربهُ بمخصرة كَانَت بِيَدِهِ فَوَثَبَ عَلَيْهِ حَارِثَة فَلَطَمَهُ فاظهر عمرَان الْغَضَب وَأمر بقتل ابْن أَخِيه فَوَقع فِي حَقه الشفاعات فَلَمَّا أمسك عَن قَتله حلف أَن لَا يُقيم فِي أَرض امتهن بهَا وَقَالَ وُجُوه قومه وَلَا نُقِيم بعْدك يَوْمًا فعرضوا ضياعهم على البيع فاشتراها بَنو حمير بأغلى الْأَثْمَان فارتحل عَن أَرض الْيمن فجَاء السَّيْل بعد رحيلهم بِمدَّة يسيرَة فخربت الْبِلَاد كَمَا قَالَ تَعَالَى {فأعرضوا فَأَرْسَلنَا عَلَيْهِم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط واثل وَشَيْء من سدر قَلِيل} فَتَفَرَّقُوا فِي الْبِلَاد وَيضْرب بهم الْمثل يُقَال {تفَرقُوا ايادي سبا} وَكَانُوا عشرَة ابطن سِتَّة تيامنوا وهم كِنْدَة والأشعريون والأزد ومدحج وأنمار وحمير وَأَرْبَعَة تشاموا وهم عامرة وجذام ولخم وغسان وَكَانَت هَذِه الْوَاقِعَة بَين مبعث عِيسَى وَنَبِينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انْتهى وَذكر صَاحب كتاب المستبصر فِي الْكَلَام على سد مأرب إِن أهل شَدَّاد وَعَاد سدت بَين منفذ جبلين بِالْحجرِ والرصاص وصعدوا فِي ارتفاعه إِلَى أَن حَاذَى الْحَائِط ذرْوَة الجبلين فَصَارَت السُّيُول تقلب فِيهِ المَاء ليستجمع إِلَى أَن رَجَعَ مسدوداً وَكَانُوا يسقون مِنْهُ أراضيهم وأنعامهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 وَيُقَال أَنهم كَانُوا يسقون مِنْهُ إِلَى قرب الشَّام بساتين ذَات أعناب ونخيل وَزرع وقرى مُتَّصِلَة بَعْضهَا بِبَعْض وَبَقِي الأقليم عَامِرًا إِلَى أَن اخربه الله وَكَانَ الْمُوجب لذَلِك مَا ذكره الدَّارِيّ قَالَ خرجت قافلة من الشَّام وَإِذا بفأر قفز من الأَرْض وَركب ظهر جمل من بعض الْجمال الَّتِي فِي الْقَافِلَة وَلَا زَالَ ينْتَقل من جمل إِلَى جمل ويعبر منزلا بعد منزل إِلَى أَن وصل مَدِينَة مأرب فقفز الفأر من الْجمل وَدخل السد وَصَارَ يعْمل فِيهِ عمله وَيُقَال إِن النُّعْمَان بن الْمُنْذر خرج يَوْمًا فِي طلب الصَّيْد فَحصل فِي طرد الصَّيْد فَوجدَ الفار بأنياب حَدِيد يحْفر السد فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى أَبِيه الْمُنْذر قصّ عَلَيْهِ حِكَايَة الفار وَصفَة أنيابه أَنَّهَا من حَدِيد يحْفر بهَا السد فَقَالَ الْمُنْذر صَحَّ يَا بني مَا وَجَدْنَاهُ فِي الْكتب أَن مَا يخرب سد مأرب إِلَّا فار أنيابه من حَدِيد وَأُرِيد مِنْك اذا دَخَلنَا يَوْم الْأَحَد إِلَى الدَّيْر وَالْكَنَائِس وَالنَّاس فِيهِ مجمعون قُم إِلَيّ وشاكلني فِي أَمر من الْأُمُور وَطول وَهَا أَنا اشاقك عَلَيْهِ فَإِذا رَأَيْت الْأَمر قد طَال قُم الطمني براحة كفك على خدي قَالَ النُّعْمَان وَكَيف يُمكن ذَلِك قَالَ يَا بني افْعَل مَا أَمرتك بِهِ لِأَن لي فِيهِ رَأيا وَلَك فِيهِ مصلحَة فَفعل الْوَلَد مَا أمره بِهِ وَالِده فَلَمَّا لطم الشَّيْخ غضب من الْحِين وَسمي الْمَظْلُوم فَقَامَ الشَّيْخ إِلَى الْجَمِيع وَقَالَ يَا وُجُوه الْعَرَب مَا بَقِي لي مَعكُمْ سكن قَالُوا لَهُ الْجَمِيع وَلم قَالَ وَكَيف أقيم وَصبي كسر حشمتي بَيْنكُم وحرمتي وَمن سَاعَته نَادَى على السد فتألبت والتأمت قبائل الْعَرَب فِي شِرَائِهِ قَالُوا بكم قَالَ تغمدوا سَيفي هَذَا وغرس ذُبَاب سَيْفه على الأَرْض وَصَارَت الْعَرَب تنقل الذَّهَب وَالْفِضَّة والمصاغ إِلَيْهِ وَلَا زَالُوا على حَالهم يصبون الذَّهَب إِلَى أَن غمد سَيْفه بِالذَّهَب فَأخذ الشَّيْخ المَال وَصعد الْجَبَل وَسكن مُقَابل السد والجبل يُسمى حفا وَهُوَ وَأَهله ينتظرون خراب السد وَلما تمكن الفار من السد وخرقه أخر بِهِ وَخرج السَّيْل ثمَّ قَالَ حَدثنِي سَلامَة بن مُحَمَّد بن حجاج قَالَ لما وَقع السد أَخذ المَاء فِي جملَة مَا أَخذ ألف صبي أَمْرَد على ألف حصان ابلق غير الْبيض والشقر والدهم وَالْخضر وَقَالَ الشَّاعِر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 .. تهدم سد المأربين وَقد مضى ... زمَان وَهُوَ ينقاد حَيْثُ يُقَاد ... وَإِلَى مأرب أَرْبَعَة فراسخ وَتسَمى الحضين وَمن هَذَا الْبَلَد نقلت الْجِنّ عرش بلقيس إِلَى أَرض فَارس فِي زمن سُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام كَمَا قَالَ الله عز وَجل {أهكذا عرشك قَالَت كَأَنَّهُ هُوَ} فَلَمَّا اندق السد أَخذه فِي جملَة مَا أَخذ فَلَمَّا زَالَ شَرّ المَاء دارت الْخلق على موضِعين سليمين مِنْهُ سوران يُسمى أَحدهمَا درب الْأَعْلَى وَالثَّانِي درب الْأَسْفَل ثمَّ قَالَ وَيُقَال إِن مَدِينَة مأرب بناها سبأ بن يشحب بن يعرب بن قحطان وَيُقَال عَابِر وَهُوَ هود عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَيُقَال إِنَّمَا سمي سد مأرب لِأَن قوم عَاد لما سلط الله عَلَيْهِم الرّيح الْعَقِيم وَكَانَ يقف على السد كل يَوْم كَذَا وَكَذَا من مجله ليردوا عَن أَصْحَابهم الْبلَاء وَكَانَت الرّيح تضرب بَعضهم على بعض كَمَا قَالَ عز وَجل {مَا تذر من شَيْء أَتَت عَلَيْهِ إِلَّا جعلته كالرميم} فبنوا السد ليرد عَنْهُم قُوَّة المَاء فَلَمَّا غَدَتْ تِلْكَ الْأمة اجْتمع السُّيُول فِيهِ وَكَثُرت الْمِيَاه فبقى جَريا للْمَاء فَبنِي عَلَيْهِ قرى وعمارات وزراعات إِلَى حُدُود الشَّام وَكَانَ يسقى مِنْهُ جَمِيع ذَلِك فَقتل ولد لحصيص بن فِي مأرب وَأمسى علمه فِي حَضرمَوْت مسيرَة ثَمَانِيَة أَيَّام لِأَن كل ناطور زرع كَانَ يخبر صَاحبه الْخَبَر حَتَّى اتَّصل بحضرموت يَعْنِي فِي مِقْدَار يَوْم فِي ذَلِك من عمَارَة الْبِلَاد وَكَثْرَة الْعباد انْتهى قَالَ ابْن الوردي فِي الخريدة وَكَانَت أَرض مأرب من بِلَاد الْيمن مسيرَة سِتَّة أشهر مُتَّصِلَة العمائر والبساتين وَكَانُوا يقبسون النَّار بَعضهم من بعض وَإِذا أَرَادَت الْمَرْأَة الثِّمَار وضعت مكتلها على رَأسهَا وَخرجت تمشي بَين الْأَشْجَار وَهِي تغزل الصُّوف فَلَا ترجع إِلَّا والمكتل ملآن من الثِّمَار الَّتِي بخاطرها من غير أَن تمس شَيْئا بِيَدِهَا الْبَتَّةَ وَكَانَت أَرضهم خَالِيَة من الْهَوَام والحشرات وَغَيرهَا فَلَا تُوجد فِيهَا حَيَّة وَلَا عقرب وَلَا بعوض وَلَا ذُبَاب وَلَا قمل وَلَا براغيث وَإِذا دخل الْغَرِيب أَرضهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 وَعَلِيهِ فِي ثِيَابه شَيْء من الْقمل والبراغيث هَلَكُوا فِي الْوَقْت والحين وَذهب مَا كَانَ فِي ثِيَابه من ذَلِك بقدرة قَادر واذهب الله جَمِيع مَا كَانَ فِيهَا وَلم يبْق من أَرضهم إِلَّا الخمط والأثل وَهُوَ الطرفاء والاراك وَشَيْء من سدر قَلِيل قَالَ الله عز وَجل {ذَلِك جزيناهم بِمَا كفرُوا وَهل نجازي إِلَّا الكفور} وسبأ الْآن خراب وَكَانَ بهَا قصر سُلَيْمَان ابْن دَاوُد عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام وَقصر بلقيس زَوجته وَهِي ملكة تِلْكَ الأَرْض الَّتِي تزَوجهَا سُلَيْمَان وقصتها مَشْهُورَة وبأرضها جبل منيع صَعب المرتقى لَا يصعد إِلَى أَعْلَاهُ إِلَّا بالجهد الْعَظِيم وَفِي أَعْلَاهُ قرى عَظِيمَة عامرة وبساتين وفواكه ونخل مثمر وخصب كثير وَبِهَذَا الْجَبَل أَحْجَار العقيق وأحجار الجثيب وأحجار الْجزع وَهِي مغشاة بأغشية ترابية لَا يعرفهَا إِلَّا طالبها وَلَهُم فِي مَعْرفَتهَا عَلَامَات فتصقل فَيظْهر حسنها انْتهى وَالله أعلم قَالَ الْقزْوِينِي إرم ذَات الْعِمَاد بَين صنعاء وَحضر موت من بِنَاء شَدَّاد بن عَامر رُوِيَ أَن شَدَّاد بن عَاد كَانَ جباراً من الْجَبَابِرَة لما سمع بِالْجنَّةِ وَمَا وعد الله فِيهَا أولياءه من قُصُور الذَّهَب وَالْفِضَّة والمساكن الَّتِي تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار والغرف الَّتِي فَوْقهَا غرف قَالَ إِنِّي متخذ فِي الأَرْض مَدِينَة على صفة الْجنَّة فَوكل بذلك مائَة رجل من وكلائه تَحت كل وَكيل ألف من الأعوان ولغيرهم ان يطلبوا أفضل فلاة من الأَرْض من أَرض الْيمن ويختاروا أطيبها تربة ومكنهم من الْأَمْوَال وَمثل لَهُم كَيْفيَّة بنائها وَكتب إِلَى عماله فِي سَائِر الْبلدَانِ أَن يجمعوا جَمِيع مَا فِي عَددهمْ من الذَّهَب وَالْفِضَّة والجواهر فَجمعُوا مِنْهَا صبرا مثل الْجبَال فَأمر باتخاذ اللَّبن من الذَّهَب وَالْفِضَّة وَبنى الْمَدِينَة بهَا وَأمر أَن يفصص حيطانها بجواهر الدّرّ والياقوت والزبرجد وَجعل فِيهَا غرفاً فَوْقهَا غرف أساطينها من الزبرجد والجزع والياقوت ثمَّ أجْرى إِلَيْهَا نَهرا سَاقه إِلَيْهَا من أَرْبَعِينَ فرسخاً تَحت الأَرْض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 وَظهر فِي الْمَدِينَة فَأجرى من ذَلِك النَّهر السواقي فِي السكَك والشوارع وَأمر بحافتي النَّهر والسواقي فطليت بِالذَّهَب الْأَحْمَر وَجعل حصباه أَنْوَاع الْجَوَاهِر الْأَحْمَر والأخضر والأصفر وَنصب على حافتي السواقي وَالنّهر أشجاراً من الذَّهَب وَجعل ثمارها من اليواقيت والجواهر وَجعل طول الْمَدِينَة اثْنَي عشر فرسخاً وعرضها مثل ذَلِك وصير سورها عَالِيا مشرفاً وَبنى فِيهَا ثَلَاثمِائَة قصر مفصصاً بواطنها وظواهرها بأصناف الْجَوَاهِر ثمَّ بنى لنَفسِهِ على ذَلِك النَّهر قصراً منيفاً عَالِيا يشرف على تِلْكَ الْقُصُور كلهَا وَجعل ماءها يشرع إِلَى وَاد رَجَب وَنصب عَلَيْهِ مصراعين من ذهب مفصص بأنواع الْجَوَاهِر واليواقيت وَجعل ارْتِفَاع الْبيُوت والسور ثَلَاثمِائَة ذِرَاع وَجعل تُرَاب الْمَدِينَة من الْمسك والزعفران وَجعل خَارج الْمَدِينَة مائَة مائَة ألف قنطرة أَيْضا رصعت بِالذَّهَب وَالْفِضَّة لينزلها جُنُوده وَمكث فِي بنائها خَمْسمِائَة عَام فَبعث الله تَعَالَى هوداً عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَدَعَاهُ إِلَى الله تَعَالَى فتمادى فِي الْكفْر والطغيان وَكَانَ إِذْ ذَاك تمّ على ملكه سَبْعمِائة سنة فانذره هود بِعَذَاب الله تَعَالَى وخوفه بِزَوَال ملكه فَلم يرتدع عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ وَعند ذَلِك وافاه الموكلون بِبِنَاء الْمَدِينَة وَأَخْبرُوهُ بالفراغ مِنْهَا فعزم على الْخُرُوج اليها فِي جُنُوده وَخرج فِي ثَلَاثمِائَة ألف رجل من أهل بَيته وَخلف على ملكه مرْثَد بن شَدَّاد ابْنه وَكَانَ مرْثَد فِيمَا يُقَال مُؤمنا بهود عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَلَمَّا انْتهى شَدَّاد إِلَى قرب الْمَدِينَة بمرحلة جَاءَت صَيْحَة من السَّمَاء مَاتَ هُوَ وَأَصْحَابه وَجَمِيع من كَانَ فِي أَمر الْمَدِينَة من القهارمة والصناع والفعلة وَبقيت لَا أنيس بهَا فأخفاها الله تَعَالَى لم يدخلهَا بعد ذَلِك إِلَّا رجل وَاحِد أَيَّام مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ يُقَال لَهُ عبد الله بن قدامَة فَإِنَّهُ ذكر فِي قصَّة طَوِيلَة تلخيصها أَنه خرج من صنعاء فِي طلب ابل ضلت فأفضى بِهِ السّير إِلَى مَدِينَة صفتهَا مَا ذَكرْنَاهُ فَأخذ مِنْهَا شَيْئا من الْمسك والكافور وشيئاً من الْيَاقُوت وَقصد الشَّام وَأخْبر مُعَاوِيَة بِالْمَدِينَةِ وَعرض عَلَيْهِ مَا أَخذه من الْجَوَاهِر وَكَانَت قد تَغَيَّرت بطول الزَّمَان فَاحْضُرْ مُعَاوِيَة كَعْب الْأَخْبَار وَسَأَلَهُ من ذَلِك فَقَالَ هَذَا ارْمِ ذَات الْعِمَاد الَّتِي ذكرهَا الله تَعَالَى فِي كِتَابه الْعَزِيز بناها شَدَّاد بن عَاد لَا سَبِيل إِلَى دُخُولهَا وَلَا يدخلهَا إِلَّا رجل وَاحِد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 وَصفته كَذَا وَكَذَا وَكَانَت تِلْكَ الصّفة صفة عبد الله بن قدامَة فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة أما أَنْت يَا عبد الله فأحسنت النصح وَلَكِن لَا سَبِيل إِلَيْهَا وَأمر لَهُ بجائزة وَحكي أَنهم عرفُوا قبر شَدَّاد بن عَاد بحضرموت وَذَلِكَ أَنهم وَقَعُوا فِي حفيرة وَهِي بَيت فِي جبل تنور مائَة ذِرَاع فِي أَرْبَعِينَ ذِرَاعا وَفِي صَدره سَرِير عَظِيم من ذهب عَلَيْهِ رجل عَظِيم الْجِسْم وَعند رَأسه لوح فِيهِ مَكْتُوب شعر ... أعتبر يَا أَيهَا الْمَغْرُور بالعمر المديد ... أَنا شَدَّاد بن عَاد صَاحب الْقصر المشيد وأخو الْقُوَّة والبأساء وَالْملك الحشيد ... دَان أهل الأَرْض طراً لي من خوف وعيدي فَأتى هود وَكُنَّا فِي ضلال قبل هود ... فَدَعَانَا لَو قبلناه إِلَى الْأَمر الرشيد فعصيناه ونادينا الْأَهْل من مجيد ... فأتتنا صَيْحَة تهوي من الْأُفق الْبعيد فثوينا مثل زرع وسط بيداء حصيد ... وَكفى حَضرمَوْت من الشّرف الْعَظِيم وَالْمجد الفخيم وَالْفَخْر الَّذِي لَا يبْلى ويبيد بل يَنْمُو وَيزِيد أَن الإِمَام شيخ الْإِسْلَام مُجْتَهد زَمَانه الشَّيْخ أَبَا الْحسن الْبكْرِيّ الصديقي ذكر فِي تَفْسِيره عِنْد قَوْله تَعَالَى {وَأَن مِنْكُم إِلَّا وأردها} الْآيَة يَسْتَثْنِي من ذَلِك أهل حَضرمَوْت لأَنهم أهل ضنك فِي الْمَعيشَة وَرُوِيَ عَن الشَّيْخ عبد الله بن أسعد اليافعي رَضِي الله عَنهُ أَنه أرسل وَلَده عبد الرَّحْمَن من مَكَّة المشرفة إِلَى حضر موت لزيارتهم فَلَمَّا عَاد إِلَيْهِ سَأَلَهُ عَنْهُم فَقَالَ لَهُ رَأَيْتهمْ لَا يُحصونَ كَثْرَة وَرَأَيْت أنوارهم مشرقة كَالشَّمْسِ وَأنْشد شعر ... مَرَرْت بوادي ضرموت مُسلما ... فالفيته بالبشر مُبْتَسِمًا رحباً ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 .. والفيت فِيهَا من حبها بذة الْعلَا ... اكابر لَا يلقون شرقا وَلَا غربا ... واما تريم الَّتِي قدرهَا كوزنها عَظِيم وَهِي بتاء مثناة فوقية ثمَّ رَاء مَكْسُورَة ثمَّ يَاء تحتية بعْدهَا مِيم بَلْدَة بحضرموت وَهِي أعدل أَرض الله هَوَاء وأصحها تربة وأعذبها مَاء وَهِي قديمَة يُقَال أَنَّهَا كَانَت قديم الْأَيَّام عامرة جدا وَأما الْآن فَهِيَ ضَعِيفَة إِلَى الْغَايَة ولاجل ضنك الْمَعيشَة بهَا وَقع من الشَّيْخ أبي الْحسن الْبكْرِيّ ذَلِك القَوْل فِي حق أَهلهَا وَهَذَا لعمري من جملَة محاسنها إِذْ القاطنون بهَا دَائِما كَأَنَّهُمْ فِي رياضة وَلِهَذَا يفتح على كثير مِنْهُم بِأَدْنَى توجه وأقبال على الله فزوى الله عَنْهُم أَسبَاب البطر والأشر من حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ وَمن الْعِصْمَة أَن لَا تقدر وَلَكِن أَكثر النَّاس لَا يعلمُونَ وَالظَّاهِر أَن سَبَب خرابها سيل العرم الَّذِي أرْسلهُ الله تَعَالَى على سبأ فَانْقَطَعت عَنْهَا الْمِيَاه الَّتِي كَانَ يزرع عَلَيْهَا فسبحان من يقلب الْأُمُور وَلم يتَغَيَّر بِتَغَيُّر الدهور وَلم يُوجد الْآن بهَا من الْفَوَاكِه غير التَّمْر وَهُوَ كثير عِنْدهم بِحَيْثُ أَنه غَالب قوت الْبَلَد وعَلى أَنْوَاع مُخْتَلفَة فَهِيَ بِاعْتِبَار كَثْرَة النخيل بهَا كانها جنَّة شعر ... كَأَن النخيل الباسقات وَقد غَدَتْ ... مناظرها حسنا قباب زبرجد وَلَقَد علقت من قبتها زِينَة لَهَا ... قناديل ياقوت بأمراش عسجد ... وَقيل أَنه كَانَ بهَا عُيُون كَثِيرَة وَالَّذِي سدها معن بن زايدة الشَّيْبَانِيّ الْجواد فعد ذَلِك من سيئاته وَسبب ذَلِك فِيمَا ذكرُوا أَن أَخَاهُ كَانَ والياً عَلَيْهَا وَكَانَ فَاسِقًا فَقتله أَهلهَا بِسَبَب ذَلِك فَغَضب معن لذَلِك وَأمر بسد الْعُيُون الَّتِي كَانَت فِيهَا فَسدتْ بالرصاص وَحكم على أَهلهَا بكشف الرؤوس وَلبس السوَاد فَمن ثمَّ جرت عَادَتهم بذلك بل صَار الْيَوْم لبس السوَاد عِنْدهم من جملَة الزِّينَة حَتَّى أَن أهل الْوَرع يحذرون مِنْهُ وَحكي أَن بعض المغاربة جَاءَ الى حَضرمَوْت فِي زمن السُّلْطَان بدر الكثيري وَأَرَادَ أَن يفتح فِيهَا بعض الْعُيُون ثمَّ إِن السُّلْطَان خَافَ ان يطْمع فِيهَا الاروام إِذا قويت فَترك ذَلِك بعد أَن كَانَ عزم عَلَيْهِ وبناها تريم بن حَضرمَوْت فسميت باسمه وَقيل أسعد الْكَامِل وللفقيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 مُحَمَّد بن أبي الْحبّ قصيدة فِي صفتهَا وخواصها مِنْهَا شعر ... نسيم جنوبها أبدا صَحِيح ... وطبع الجو فِيهَا مُسْتَقِيم وطبع بيارها فِي الصَّيف برد ... وَأَيَّام الشتا هِيَ الْحَمِيم تعادل حرهَا وَالْبرد فِيهَا ... فلاحر يضر وَلَا سموم وطبع الْبرد فِيهَا فِيهِ لطف ... يطيب نسيمه يَنْمُو الجسوم وحر الشَّمْس فِيهَا لَيْسَ يُؤْذِي ... وَبرد شتائها أبدا سليم بِلَاد طَابَ مَسْكَنهَا وَطَابَتْ ... مباركة لَهَا رب رَحِيم فَلَو نظرت فلاسفة إِلَيْهَا ... لقالوا جنَّة الدُّنْيَا تريم ... وسماها الشَّيْخ القطب عمر المخضار ابْن الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن السقاف فِي بعض قصائده بِلَاد الطِّبّ قَالَ بَعضهم شملت هَذِه الْكَلِمَة من الشَّيْخ عمر رَضِي الله عَنهُ الطبين جَمِيعًا طب الْقُلُوب وطب الْأَبدَان ولي ترى صَاحِبي أفوز بزورة من تريم وأظفر بالمنا قَالَ لي تبلغ مَا ترم سَيِّدي من الريم وتحظى بالهنا وَمَا أحسن قَول الشَّيْخ عبد الْمُعْطِي أَبَا كثير رَحمَه الله فِي صفتهَا شعر ... أَرضًا غَدَتْ تفاخر السما ... كَذَا حصاها فاخر الجوزا أَرضًا ينَال كل من أم لَهَا ... كَرَامَة فَوق الَّذِي أملهَا وتربها غَدا يضاهي المسكي ... للزعفران الجنوي يحْكى قد أشرقت من سَائِر النواحي ... على الملا بنورها الوضاحي ... وَهِي معشر الْأَوْلِيَاء ومعدنهم ومنشأ الْعلمَاء وموطنهم وَهِي مسكن السَّادة الْأَشْرَاف آل أَبَا علوي فَإِن جدهم أَحْمد بن عِيسَى لما قدم إِلَى حضر موت سكن فابتنى جشير بِكَسْر الْجِيم والشين الْمُعْجَمَة وَبعدهَا يَاء مثناة من تَحت سَاكِنة ثمَّ رَاء يعرف الْيَوْم بِبَيْت بني جشيب بِالْبَاء الْمُوَحدَة على نصف مرحلة من تريم ثمَّ أنتقل مِنْهَا إِلَى الحسيسة بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح السِّين وياء مثناة من تَحت بَينهمَا مُشَدّدَة مَكْسُورَة قريب مِنْهَا وأشترى بهَا عقارا كثيرا وَبهَا توفّي وَدفن فِي شعبها الشَّرْقِي ثمَّ أَن وَلَده الشَّيْخ عبد الله أنتقل إِلَى سمل بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْمِيم وسكنها مُدَّة زمَان وَاشْترى بهَا أَمْوَالًا كَثِيرَة وَهِي على نَحْو سِتَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 أَمْيَال من تريم وَحكي أَن وَفَاته كَانَت بهَا ثمَّ أنتقل أَوْلَاده مِنْهَا إِلَى بَيت جُبَير بِضَم الْجِيم وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة واسكان الْيَاء الْمُثَنَّاة من تَحت وَرَاء بعْدهَا قريب مِنْهَا فسكنوها مُدَّة ثمَّ انتقلوا إِلَى تريم وَسَكنُوا بهَا وتوطنوها من سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة إِلَى يَوْمنَا هَذَا فازدادت بهم شرفا وفخرا إِلَى فخرها وازدهت بهم أقطارها واخضرت أشجارها وأشرقت بدورها وفاح عبيرها وَأنْشد قَائِلهَا ... أَشمّ مِنْك نسيما لست أعرفهُ ... مَا ضرّ لميا جرت فِيك اذيالا ... غَيره ... تحيي بهم كل ارْض ينزلون بهَا ... كَأَنَّهُمْ لخراب الأَرْض عمار ... وَلما كَانَت خير بِلَاد الله بعد الْحَرَمَيْنِ الشريفين وَبَيت الْمُقَدّس أكرمها الله تَعَالَى بِخَير عباده وَأكْرمهمْ عَلَيْهِ الَّذين زينهم بأتباع السّنة الغراء مَعَ صِحَة نسبهم الْمُتَّصِل بالسيدة الزهراء الَّذِي عز وجود نَظِيره فِي غَيرهم فكاد لَا يُوجد الشريف السّني إِلَّا نَادرا هَذَا مَعَ مَا خصوا بِهِ وأشتهر عَنْهُم من الْعِبَادَة وَالْعلم والتواضع والزهد فأدناهم والمقصر مِنْهُم فِي أُمُوره هُوَ الشريف السّني رَضِي الله عَنْهُم ونفع بهم آمين وَللَّه در من قَالَ شعر ... طابت تريم بهم وطاب محلهَا ... أضحوا بهَا الْقنْدِيل وَهِي الْمَسْجِد تختال زهواً فِي العراص لحسنها ... بحلول سلمى حسنها لَا يفقد اضحت تريم بهم عروساً تجتلى ... تذكر عبيراً نشره يتَرَدَّد يَا ربع سلمى رَحْمَة وتحية ... مني عَلَيْك مدى الزَّمَان تردد ... وَيذكر إِنَّهَا تنْبت الصَّالِحين كَمَا تنْبت الأَرْض البقل وَاجْتمعَ بهَا فِي عصر وَاحِد من الْعلمَاء الَّذين بلغُوا رُتْبَة الْإِفْتَاء ثَلَاثمِائَة رجل وان بمقبرتها جمَاعَة مِمَّن شهد بَدْرًا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَغَيرهم من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وان عَددهمْ سَبْعُونَ نَفرا وَكَانَ الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن السقاف رض = إِذْ زار قُبُور تريم يُشِير إِلَى مَكَان قُبُورهم فِي مَحل مَخْصُوص هُنَاكَ وَرُوِيَ عَنهُ انه قَالَ فِي تربة أل أَبَا علوي ثَمَانُون قطباً كلهم أَشْرَاف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 وَرُوِيَ عَن بعض الصَّالِحين انه قَالَ لرجل من أهل تريم أتعرف الفريط الْأَحْمَر والجبل الْأَحْمَر فَقَالَ لَهُ نعم فَقَالَ لَهُ تَحْتَهُ رَوْضَة من رياض الْجنَّة وَرُوِيَ عَن الشَّيْخ فضل ابْن عبد الله انه قَالَ ثَلَاث ترب محمولات بترابهم إِلَى الْجنَّة تربة تريم وتربة الهجرين وتربة غيل أبي سودان وَيُقَال ان أَبَا بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ دعى لَهَا بِثَلَاث دعوات أَن يكثر بهَا الصالحون وَأَن يُبَارك الله فِيمَا بهَا وَأَن لَا تطفىء بهَا نَار إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَمَعْنَاهُ ان لَا تزَال عامرة الى يَوْم الْقِيَامَة وَذَلِكَ حِين بلغه ان اهلها لم يرتدوا كغيرهم من بعد موت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلذَا قيل لَهَا مَدِينَة الْعَرَب الَّذين إرتدوا أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ وَرُوِيَ أَن الْفَقِيه مُحَمَّد بن أبي بكر عباد رَحمَه الله كَانَ يَقُول اذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة أَخذ أَبُو بكر الصّديق اهل تريم كلهم قَبْضَة فِي يَده وَرمى بهم فِي الْجنَّة وَبهَا مَسَاجِد كَثِيرَة مَشْهُورَة الْبركَة مِنْهَا الْمَسْجِد الْمَعْرُوف بِمَسْجِد آل أَبَا علوي وَقد نظم السَّبْعَة الَّذين يعْتَقد أهل زبيد ان من زارهم سَبْعَة ايام مُتَوَالِيَة قضيت حَاجته الشَّيْخ على بن أبي بكر فِي معرض الثَّنَاء عَلَيْهِم ثمَّ التَّعْرِيف أَن فِي بَلْدَة تريم الجم الْغَفِير من هم بِهَذَا الْوَصْف الخطير فَقَالَ رَحمَه الله ورضى عَنهُ وَعَن سَائِر الصَّالِحين وعنا بهم آمين شعر ... بِبَاب سِهَام سَبْعَة من مَشَايِخ ... لقصدهم فَخر وكنز لمقلل فيونس إِبْرَاهِيم مَرْزُوق جبرتي ... وأفلح مياد كَذَا ابْن الرضي الْوَلِيّ زيارتهم نجح لكل حوائج ... وَفِي الْخلد سُكْنى للَّذي زار مقبل تريم بهَا مِنْهُم الوف عديدة ... بِسَاحَة بشار شموس الْهدى قل زِيَارَة كل مِنْهُم صَحَّ أَنَّهَا ... لما شِئْت من جلب وَدفع مُحَصل وَإِن قيل ترياق بِبَغْدَاد جربا ... وَفِي ربع بشار شفا كل معضل وَيَا حبذا ذَاك الفريط وظله ... فكم قد حوى من كَامِل السِّرّ منهل فكم مَعْدن كم مورد كم مُعظم ... وَكم حبر تَحْقِيق وَشَيخ مدلل وبلبل قلبِي نفح مسك بزنبل ... بهَا من كنوز السِّرّ كم من مجلل ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 .. وَكم جهبذ فِيهَا بنوا كدر بهَا ... بهم ينزل الله الغيوث لممحل فَلَا تحقرنها رب اشعث خامل ... سماسرة فضلا على كل مفضل ... وفيهَا فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء رَابِع عشر شَوَّال توفّي الشَّيْخ الْكَبِير وَالْعلم الشهير القطب الرباني شمس الشموس الشَّيْخ أَبُو بكر بن عبد الله العيدروس أَبَا علوي بعدن فَصَارَت بِهِ على الْحَقِيقَة عدنا وَأَكْرمهَا الله بِهِ حَيا وَمَيتًا وسكونا وسكناً كَمَا قيل شعر ... صَار دَال أسمها كَمَا كَانَ فِيهَا ... سَاكِنا سَاكِنا فدام النُّزُول فبه الثغر والجهات جَمِيعًا ... عَمها النُّور والبها وَالْقَبُول فابشروا أَيهَا النُّزُول بعدن ... بِسَلام من ربكُم لَا يَزُول ... وقبره بهَا اشهر من الشَّمْس الضاحية يقْصد للزيارة والتبريك من الْأَمَاكِن الْبَعِيدَة وَقد ضمن صاحبنا الْفَقِيه عبد الله بن أَحْمد بن فلاح تَارِيخ عَام وَفَاته فِي بَيْتَيْنِ فَقَالَ شعر ... قضى جاتراه وفيا بعام ... وَفَاة الْوَلِيّ القطب صَاحب عدن أبي بكر العيدروس الَّذِي ... بِهِ الله أَعلَى منار السّنَن ... وَكَانَ مولده بتريم سنة إِحْدَى وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَمُدَّة اقامته بعدن نَحْو خمس وَعشْرين سنة وَكَانَ من أكَابِر الْأَوْلِيَاء بل هُوَ القطب فِي زَمَانه كَمَا شهد بِهِ العارفون بِاللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى شرقاً وغرباً وَلم يمتر فِي ذَلِك ذُو بَصِيرَة من أهل الطَّرِيق وَكَانَ فِي الْجُود آيَة من آيَات الله تَعَالَى وَكَانَ يذبح فِي سماطه كل يَوْم فِي رَمَضَان ثَلَاثُونَ كَبْشًا وَلذَلِك بلغت دُيُونه مِائَتي ألف دِينَار فقضاها عَنهُ الْأَمِير الْمُوفق نَاصِر الدّين عبد الله أَبَا حلوان فِي حَيَاته قبيل مَوته بِمدَّة يسيرَة حَتَّى قرت بذلك عينه وَكَانَ يَقُول إِن الله وَعَدَني ان لَا أخرج من الدُّنْيَا إِلَّا وَقد أدّى عني ديني من مشايخه فِي الْعلم عَمه الشَّيْخ عَليّ والفقيه الْعَلامَة مُحَمَّد بن أَحْمد أَبَا فضل ومقروءآته كَثِيرَة لَا تَنْحَصِر وَله إجازات مُتعَدِّدَة من عُلَمَاء الْآفَاق كالشيخ الْعَلامَة الْحَافِظ السخاوي وَالشَّيْخ الْعَلامَة الْمُحدث يحيى العامري اليمني وَالشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة المزجد الزبيدِيّ وَغَيرهم وعده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 الشَّيْخ جَار الله بن فَهد فِي مُعْجَمه من شُيُوخه فِي الحَدِيث وأجتمع على إِثْبَات ولَايَته وعظيم خصوصيته من كَانَ فِي زَمَانه من الاولياء العارفين واعترف بعلو مَنْزِلَته من عاصره من أكَابِر عُلَمَاء الدّين وَقد ذكر الْفَقِيه الْعَلامَة مُحَمَّد بن عمر بحرق رَحمَه الله فِي كِتَابه الموسوم بمواهب القدوس فِي مَنَاقِب أبن الْعِيد روس من ذَلِك جملَة شافية مقنعة كَافِيَة تَنْشَرِح بمطالعتها الصُّدُور ويزداد الْمُحب سماعهَا نورا على نور مِنْهَا أَن عَمه الشَّيْخ عليا رَضِي الله عَنهُ شهد لَهُ بالقطبية فِي حِكَايَة وَقد تقدم ذكرهَا فِي تَرْجَمَة الْفَقِيه الصَّالح مُحَمَّد بن أَحْمد أَبَا جرفيل وَكَذَا شهد لَهُ بهَا من أهل عصره الشريف حُسَيْن ابْن الصّديق الأهدل قلت وَقد مر كَلَامه فِيهِ أَيْضا مُسْتَوفى فِي تَرْجَمته قَالَ وَسَأَلت بَعضهم عَنهُ فَقَالَ الَّذِي نعتقده وندين الله بِهِ أَنه صَاحب الْوَقْت وَذكر أَيْضا أَنه سَأَلَ الْفَقِيه الصَّالح مُحَمَّد بن أَحْمد أَبَا فضل عَنهُ فَأجَاب بِجَوَاب يتَضَمَّن الْمَدْح وَالثنَاء عَلَيْهِ وَقد مر أَيْضا فِي تَرْجَمته قلت وَحكي عَن بعض الثِّقَات أَنه قَالَ حججْت سنة سبع وَتِسْعمِائَة فَبَيْنَمَا أَنا أَطُوف إِذْ بِرَجُل عَلَيْهِ هَيْئَة أهل الصالاح أَخذ بيَدي وَقَالَ لي أَنْت فلَان وبلادك كَذَا وَأَخْبرنِي بأَشْيَاء جرت وَأَنا لم أعرفهُ قبل ذَلِك ثمَّ قَالَ أَتَدْرِي من غوث الْأَوْلِيَاء الْيَوْم فَقلت لَا فَقَالَ غوثهم الشريف أَبُو بكر بن عبد الله العيدروس الَّذِي بعدن فَقلت لَهُ مُنْذُ كم هُوَ فِي القطبية فَقَالَ مُنْذُ سنتَيْن ومدحه الْعَلامَة أَحْمد بن عمر والمرجد الزبيدِيّ مُصَنف الْعباب بِهَذِهِ الأبيات شعر ... سَلام كروض باكرته غمائمه ... وَفتح عَن زهر الأقاحي كمائمه وأعشب وأخضرت أفانين دوحة ... وغنت على أغصانهن جمائمه سَلام يباري المندل الرطب نشره ... فتعبق من تِلْكَ الربوع معالمه على السَّيِّد السَّامِي إِلَى ذرْوَة العلى ... وَلَيْسَ لَهُ فِي مثلهَا من يزاحمه أبي بكر الصّديق اكرم بينعة ... نمته فقد نيطت عَلَيْهِ تمائمه وهمته فِي نيل كل فَضِيلَة ... وَلَيْسَ إِلَى أحراز مَا هُوَ طاعمه ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 .. لَهُ من كتاب الله أعذب منهل ... وَمن سنة الْمُخْتَار شرب يلائمه وَمن نهج أَشْيَاخ الطَّرِيقَة مَنْهَج ... تقهقر عَنهُ عربه وأعاجمه وَلَا غرو اذ خير النَّبِيين جده ... وَمِنْه خوافي ريشه وقوادمه أَتَانِي كتاب مِنْهُ يرْعَى عهوده وَأَنِّي على الْعَهْد الَّذِي هُوَ عالمه فَقلت لَهُ أَهلا وسهلاً ومرحباً ... وفضت جيوش الْغم إِذْ فض خَاتمه عفى الله عَن هَذَا الزَّمَان فَإِنَّهُ ... يحاربنا دأبا وَنحن نسالمه يُفَارق مَا بَين الخليلين عنْوَة ... وَمن كَانَ أقوى مِنْك كَيفَ تحاكمه ويلحم فِينَا غَارة بعد غَارة ... وتفجأنا فِي كل يَوْم ملاحمه سَلام على الشَّيْخ الْكَبِير الَّذِي غَدَتْ ... كراماته مَعْرُوفَة ومكارمه لكل زمَان قَائِم فِي صروفه ... وَهَذَا زمَان أَنْت لَا شكّ قائمه فَلَا تخلني من دَعْوَة مستجابة ... فَأَنت وسيع الْبر جم مراحمه ... فَهَؤُلَاءِ الْعلمَاء الَّذين عاصروه وَبِكُل فضل وصفوه وَلم نذْكر مِنْهُم إِلَّا الْيَسِير إِذْ هم جم غفير وَجمع كثير وَلَو ذكرت الْكل مفصلا لطال هَذَا الْبَاب وَخَرجْنَا عَمَّا التزمناه من الإيجاز إِلَى الأسهاب وَحكى من مجاهداته أَنه هجر النّوم بِاللَّيْلِ أَكثر من ثَلَاثِينَ سنة وَأما كراماته فكثيرة كقطر السَّحَاب لَا تدْرك بعد وَلَا حِسَاب وَلَكِن أذكر مِنْهَا على سَبِيل الْإِجْمَال دون التَّفْصِيل ثَلَاث حكايات تكون كالعنوان على بَاقِيهَا بِالدّلَالَةِ والتمثيل مِنْهَا انه لما رَجَعَ من الْحَج دخل زيلع وَكَانَ الْحَاكِم بهَا يَوْمئِذٍ مُحَمَّد ابْن عَتيق فاتفق انه مَاتَت أم ولد للْحَاكِم الْمَذْكُور وَكَانَ مشغوفاً بهَا فكاد عقله يذهب لموتها فَدخل عَلَيْهِ سَيِّدي لما بلغه عَنهُ من شدَّة الْجزع ليعزيه ويأمره بِالصبرِ والرضاء بِالْقضَاءِ وهى مسجاة بَين يَدي الْحَاكِم بِثَوْب فَعَزاهُ وَصَبره فَلم يفد فِيهِ ذَلِك واكب على قدم سَيِّدي الشَّيْخ يقبلهَا وَقَالَ يَا سَيِّدي إِن لم يحيي الله هَذِه مت انا أَيْضا وَلم تبْق لي عقيدة فِي أحد فكشف سَيِّدي وَجههَا وناداها باسمها فأجابته لبيْك ورد الله روحها وَخرج الْحَاضِرُونَ وَلم يخرج سَيِّدي الشَّيْخ حَتَّى اكلت مَعَ سَيِّدهَا الهريسة وَعَاشَتْ مُدَّة طَوِيلَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 وَعَن الامير مرجان انه قَالَ كنت فِي نفر من أَصْحَاب لي فِي محطة صنعاء الأولى فَحمل علينا الْعَدو فَتفرق عني أَصْحَابِي وَسقط بِي فرسي لِكَثْرَة مَا أثخن من الْجِرَاحَات فدار بِي الْعَدو حِينَئِذٍ من كل جَانب فهتفت بالصالحين ثمَّ ذكرت الشَّيْخ أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ وهتفت بِهِ فَإِذا هُوَ قَائِم فوَاللَّه الْعَظِيم لقد رَأَيْته نَهَارا وعاينته جهاراً أَخذ بناصيتي وناصية فرسي وشلني من بَينهم حَتَّى أوصلني المحطة فَحِينَئِذٍ مَاتَ الْفرس ونجوت انا ببركته رَضِي الله عَنهُ ونفع بِهِ عَن المريد الصَّادِق نعْمَان بن مُحَمَّد الْمهْدي انه قَالَ بَيْنَمَا نَحن سائرون فِي سفينة إِلَى الْهِنْد إِذْ وَقع فِيهَا خرق عَظِيم فايقنوا بِالْهَلَاكِ وضج كل بِالدُّعَاءِ والتضرع إِلَى الله تَعَالَى وهتف كل بشيخه وهتفت أَنا بشيخي أبي بكر العيدروس رَضِي الله عَنهُ فَأَخَذَتْنِي سنة فرأيته دَاخل السَّفِينَة وَبِيَدِهِ منديل ابيض وَهُوَ قَاصد نَحْو الْخرق فانتبهت فَرحا مَسْرُورا وناديت بِأَعْلَى صوتي أَن ابشروا يَا أهل السَّفِينَة فقد جَاءَ الْفرج فَقَالُوا مَاذَا رَأَيْت فَأَخْبَرتهمْ فتفقدوا الْخرق فوجدوه مسدود بمنديل أَبيض كَمَا رَأَيْت فنجونا ببركته رَضِي الله عَنهُ ونفع بِهِ فَائِدَة اعْلَم أَن كرامات الاولياء حق وَالدَّلِيل على وُقُوعهَا مَوْجُود من الْمَنْقُول والمعقول أما الْمَنْقُول فَهُوَ مَا ثَبت فِي الْقُرْآن الْعَزِيز فصح عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قصَّة مَرْيَم وجريح وَغَيرهم الَّذين لَيْسُوا أَنْبيَاء وَوَقعت على أَيْديهم وَمَا رُوِيَ عَن الصّديق رَضِي الله عَنهُ وَكَانَ أخبر عِنْد مَوته امْرَأَته تَلد بِنْتا وَكَانَت إِذْ ذَاك حَامِلا وَعَن الْفَارُوق رَضِي الله عَنهُ فِي قصَّة سَارِيَة الْمَشْهُورَة وَعَن ذِي النورين رَضِي الله عَنهُ فِي الرجل الَّذِي دخل عَلَيْهِ وَقد نظر إِلَى امْرَأَة اجنبية فكاشفه بذلك وَعَن المرتضى رَضِي الله عَنهُ فِي الْأسود الَّذِي قطع يَده ثمَّ ردهَا مَكَانهَا فَعَادَت كَمَا كَانَت وَأما مَا نقل من ذَلِك عَن أَوْلِيَاء الله تَعَالَى فكثير جدا من ذَلِك مَا وَقع لبَعض الْأَوْلِيَاء وَهُوَ على جبل فَقَالَ ان من أَوْلِيَاء الله من إِذا قَالَ لهَذَا الْجَبَل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 تحرّك لتحرك فَتحَرك الْجَبَل من قَوْله فَقَالَ لَهُ أسكن إِنَّمَا ضربت بك مثلا وكما قَالَ ذُو النُّون الْمصْرِيّ للسرير طف بِالْبَيْتِ فَطَافَ ثمَّ عَاد إِلَى مَكَانَهُ وَكَانَ هُنَاكَ شَاب فصاح الشَّاب حَتَّى مَاتَ وَأما الْمَعْقُول فَذكر صَاحب تَفْسِير النَّيْسَابُورِي هُوَ أَن الرب حبيب العَبْد وَالْعَبْد حبيب الرب لقَوْله {يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} فَإِذا بلغ العَبْد فِي طَاعَته مَعَ عَجزه إِلَى حَيْثُ يفعل مَا أمره الله فَأَي بعد فِي أَن يفعل الرب مَعَ غَايَة قدرته مرّة وَاحِدَة مَا يُرِيد العَبْد وَأَيْضًا لَو امْتنعت الْكَرَامَة فَأَما لأجل ان الله لَيْسَ أَهلا لَهُ وَذَلِكَ قدح فِي قدرته وَأما لِأَن الْمُؤمن لَيْسَ أَهلا لَهُ وَذَلِكَ بعيد لِأَن معرفَة الله والتوفيق عَلَيْهِ أشرف العطايا واجزلها وَإِذ لم يبخل الْفَيَّاض بالأشرف فَلِأَن لَا يبخل بالأدون أولى وَمن هُنَا قَالَت الْحُكَمَاء أَن النَّفس إِذا قويت بِحَسب قوتها العلمية والعملية تصرفت فِي أجسام الْعَالم السفلي كَمَا تتصرف فِي جسده قلت وَذَلِكَ لِأَن النَّفس نور وَلَا يزَال يتزايد نوريته وإشراقه بالمواظبة على الْعلم وَالْعَمَل وفيضان الْأَنْوَار الإلهية عَلَيْهِ حَتَّى تنبسط وتقوى على اشراق غَيره وَالتَّصَرُّف فِيهِ والوصول إِلَى مثل هَذَا الْمقَام هُوَ الْمَعْنى بقول عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ مَا قلعت بَاب خَيْبَر بِقُوَّة جسدانية وَلَكِن بِقُوَّة ربانية وَقَالَ الشَّيْخ دَاوُد بن ابا خلا الشاذلي الإسكندري وَلَا تستبعد هَذِه الْأَشْيَاء يَعْنِي الكرامات على اولياء الله تَعَالَى فَإِن الله تَعَالَى جعل هَذَا الْعَالم كُله خَادِمًا لبني آدم مؤمنهم وكافرهم طائعهم وعاصيهم ومكنهم فِي المملكة وطوع لَهُم حيواناتها ونباتاتها ومياهها وأشجارها وسحابها وامطارها وهم لغيره عَابِدُونَ وَبِه كافرون فَكيف لَا يسخر لأوليائه المقربين وعباده الْمُتَّقِينَ نوعا آخر من التسخير وَهُوَ الْقَادِر على مَا يَشَاء قدير انْتهى ولسيدي الشَّيْخ ابي بكر العيدروس من الكمالات والخوارق مَا يعجز عَنهُ اللِّسَان وَلَا يحصره الْبَيَان وَللَّه در من قَالَ شعر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 .. لَهُ كل قلب بِالْولَايَةِ شَاهد ... وكل فؤاد من محبته ملي فَللَّه مَا أَعلَى مَرَاتِب فَضله ... وأجزل مَا أعْطى واسمح مَا ولي فَنعم الْفَتى لَا شكّ فِي عظم حَاله ... فَمَا شِئْت فِي الْفضل الَّذِي ناله قل ... وَكَانَ متمسكاً بِالْكتاب وَالسّنة حَتَّى انه كثيرا مَا يَقُول إِذا جرى ذكر التَّفْضِيل بَين الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وَالله الْعَظِيم لَو بعث الله وَالِدي الشَّيْخ عبد الله وأستاذي الشَّيْخ سعد وذكرا لي أَن سيدنَا عليا أفضل عِنْد الله من سيدنَا أبي بكر رَضِي الله عَنْهُمَا مَا رجعت عَن مُعْتَقد أهل السّنة وَالْجَمَاعَة من أَن أَبَا بكر وَعمر وَعُثْمَان افضل من عَليّ رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ ومناقبه أَكثر من أَن تحصر وَأشهر من أَن تذكر شعر ... إِذا تغلغل فكر الْمَرْء فِي طرف ... عَن مجدة عرقت فِيهِ خواطره ... وشهرته تغني عَن تَرْجَمته شعر ... وَلَيْسَ يزِيد الشَّمْس قدرا ورفعة ... إطالة ذِي وصف وإكثار مادح وَأَنِّي اصفه وَهُوَ فَوق مَا وَصفته ... وغالب ظَنِّي بل يقيني اني مَا أنصفته ان الَّذِي قلت بعض من مناقبه ... مَا زِدْت إِلَّا لعَلي زِدْت نُقْصَانا ... وَمَا ذكرته من أَحْوَاله ومقاماته دون مَا تركته بِكَثِير وَقد صنف فِيهَا غير وَاحِد من الْعلمَاء الْأَعْلَام كالشيخ الإِمَام الْعَلامَة جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر بحرق الْحَضْرَمِيّ فانه جمع فِيهَا مؤلفا سَمَّاهُ مواهب القدوس فِي مَنَاقِب ابْن العيدروس أَجَاد فِيهِ كل الإجادة وَلم يتْرك لغيره محلا للزِّيَادَة وَالشَّيْخ الْفَاضِل عبد الطيف أَبَا وَزِير رَحمَه الله فِي مقدمه الدِّيوَان مَعَ علمي ان كلا مِنْهُم غير موف بِالْمَقْصُودِ وَلَا مؤد للأحوال على حَقِيقَتهَا إِمَّا لعدم اسْتِيعَاب اطِّلَاعه أَو لقُصُور عِبَارَته وضيق بَاعه وَإِلَّا فمناقب بني العيدروس أَكثر من أَن تحيط بهَا الطروس أَو يضبطها قلم أَو دروس فَلَقَد كَانُوا زهرَة الْأَنَام وبهجة الْأَيَّام سموا من الْمَعَالِي إِلَى أَعلَى مقَام وبنوا من جميل الذّكر مَا خلدته فِي الصُّحُف الأقلام فهم كَمَا قَالَ المعري شعر ... جمال ذى الأَرْض كَانُوا فِي الْحَيَاة وهم ... بعد الْمَمَات جمال الْكتب وَالسير ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 وكما قَالَ الآخر ... قوم محَاسِن جودهم مبثوثة ... يبْلى الزَّمَان وَذكرهَا متجدد ... وَمَا أحسن قَول صاحبنا الشَّيْخ الْعَلامَة الْفَقِيه أَحْمد بن الْفَقِيه مُحَمَّد أَبَا جَابر حَيْثُ يَقُول ... كلهم فِي الورى شرِيف منيف ... لَكِن العيدوس أَعلَى وَأعلم وَبِهَذَا الدَّلِيل قد قَالَ قوم ... قَوْلهم فِي الورى أقوى وأقوم فاعتمده وَلَا تمل لسواه ... إِن شِئْت تسلى وتسلم ... وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ كَانَ نَسِيج وَحده لَيْسَ لَهُ نَظِير فِي زَمَانه وَلم يخلفه بعده مثله وَكَانَ كَمَا قيل شعر ... قطب الورى غوثها وجامعها ... زين طَرِيق الرِّجَال سَيِّدهَا قطب رحاها رَئِيس مجلسها ... جملَة تفصيلها واوحدها شمس ضحاها هِلَال لَيْلَتهَا ... در مقاصيرها زبرجدها ... وَمن تصانيفه تصنيف شرِيف واف شاف سَمَّاهُ الْجُزْء اللَّطِيف فِي علم التَّحْكِيم الشريف أَتَى فِيهِ بالعجب العجاب وأغنى بِمَا فِيهِ من الإيجاز عَن الْأَطْنَاب ذكر فِيهِ مَا ورد فِي إلباس الْخِرْقَة الصُّوفِيَّة من الْأَخْبَار والْآثَار وَصفَة التَّحْكِيم الْوَارِد عَن الْمَشَايِخ وَعدد مشايخه الَّذين أَخذ مِنْهُم الْيَد وَالْأُذن فِي إلباس الْخِرْقَة الشَّرِيفَة وأنقسام الْخِرْقَة الْمَوْجُودَة فِي سَائِر الأقطار إِلَى خَمْسَة مَشَايِخ وَله ثَلَاثَة أوراد بسيط ووسيط ووجيز وديوان وَمن شعر هَذِه الْوَسِيلَة الْمُبَارَكَة وَهِي ... بِبسْم الله مَوْلَانَا أبتدأنا ... ونحمده على نعماه فِينَا توسلنا بِهِ فِي كل أَمر ... غياث الْخلق رب العالمينا وبالأسماء مَا وَردت بِنَصّ ... وَمَا فِي الْغَيْب مخزوناً مصونا بِكُل كتاب أنزلهُ تَعَالَى ... وَقُرْآن شفا للمؤمنينا بِكُل طوائف الْأَمْلَاك ندعوا ... بِمَا فِي غيب رَبِّي أجمعينا وبالهادى توسلنا ولذنا ... وكل الْأَنْبِيَاء والمرسلينا وآلهم مَعَ الْأَصْحَاب جمعا ... توسلنا وكل التابعينا ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 .. وبالعلماء بِأَمْر الله طراً ... وكل الْأَوْلِيَاء والصالحينا اخص بِهِ الإِمَام القطب حَقًا ... وجيه الدّين تَاج العارفينا رقى فِي رُتْبَة التَّمْكِين مرقى ... وَقد جمع الشَّرِيعَة واليقينا وَذكر العيدروس القطب أجلى ... عَن الْقلب الصدى للصادقينا عفيف الدّين محيي الدّين حَقًا ... لَهُ تحكيمنا وَبِه اقتدينا وَلَا تنسى كَمَال الدّين سَعْدا ... عَظِيم الْحَال تَاج العابدينا بهم تدعوا إِلَى الْمولى تَعَالَى ... بغفران يعم الحاضرينا ولطف شَامِل ودوام ستر ... وغفران لكل المذنبينا ونختمها بتحصين عَظِيم ... بحول الله لَا يقدر علينا وَستر الله مسبول علينا ... وَعين الله ناظرة إِلَيْنَا ونختم بِالصَّلَاةِ على مُحَمَّد ... إِمَام الْكل خير الشافعينا ... وَمِنْه ... فَأَي شمس أَنا وَلَكِن ... حتم على الْعمي لَا تراني كفاني العيدروس فخراً ... وسيفه فِي العدى كفاني وَمِنْه ... وَلَو تداينت مَلأ الأَرْض من ذهب ... مَا بَات عِنْدِي مِنْهُ عشر اعشاري وَمِنْه ... أَنا الْجواد ابْن عبد الله ان عرضت ... للجود مكرمَة اني لَهَا الشاري وَإِنِّي العيدروس أبن البتول إِذا ... حر تسلسل من أصلاب أطهار أما ترى أنني قضيت دين أبي ... وَكَانَ ذَاك ثَلَاثِينَ ألف دِينَار مجدي قديم أخير لَا يسايره ... مجد لما حزت من صَبر وإيثار وَمِنْه ... يَا صَاح من مثلنَا فِيمَا ترى أحد ... مِمَّن يسير وَمن يَعْلُو على الْإِبِل نَحن الْكِرَام بَنو الْقَوْم الْكِرَام إِذا ... جدنا عدلنا بصوب الْعَارِض الهطل لنا السماح الَّذِي عَم الانام مَعًا ... كم أبدلت رَاحَة خصبا من الْمحل لَو أَن للبحر أعيانا تشاهدنا ... عِنْد السماح اعتراه الغيض بالخجل لحدنا من آله الْعَرْش منزلَة ... كقاب قوسين لم تدْرك لم تنَلْ ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 .. وجدنَا نظر الْبَارِي الْقوي وَلم ... يسْبق إِلَى مثله قطعا من الرُّسُل صلى عَلَيْهِ آله الْعَرْش مَا صدحت ... ورق على فنن بالبشر ذِي ميل والآل والصحب والاتباع عَن طرق ... وناصريه بِحَدّ الْبيض والاسل ... وفيهَا توفّي الشَّيْخ أَحْمد بن مُحَمَّد بالجفار باحور وَهِي بلد بَين الشحر وعدن على السَّاحِل وَحكي عَنهُ أَنه قَالَ كَانَ فِي مَكَّة رجل يسلب من دخل عَلَيْهِ من الْأَوْلِيَاء عَن مقامهم فَيَأْخذهُ من ذَلِك الْمقَام قَالَ فَدخلت عَلَيْهِ بغفلة مني فَسَأَلَنِي عَن مقَامي فتضرعت بباطني إِلَى الَّذين يُجيب الْمُضْطَر إِذا دَعَاهُ فالهمني ان قلت مقَام الافتقار إِلَيْهِ فصاح وَقَالَ مَا أحد نَالَ مني إِلَّا أَنْت أَو كَمَا قَالَ قلت وَقَرِيب من هَذَا مَا ذكره الشَّيْخ الْعَلامَة عز الدّين بن غَانِم بن عبد السَّلَام الْمَقْدِسِي فِي كِتَابه شرح حَال الْأَوْلِيَاء ومناقب الأصفياء إِن الشَّيْخ أَبَا يزِيد البسطامي رَضِي الله عَنهُ رُؤِيَ بعد مَوته فِي النّوم فَقيل لَهُ مَا فعل الله بك يَا أَبَا يزِيد فَقَالَ أوقفني بَين يَدَيْهِ وَقَالَ لي بِمَ جئتني يَا أَبَا يزِيد فَقلت يَا رب جئْتُك بِمَا لَيْسَ فِي خزائنك مِنْهُ شَيْء فَقَالَ وَمَا هُوَ الَّذِي لَيْسَ فِي خزائني مِنْهُ شَيْء قلت يَا رب الْفقر والافلاس فَقَالَ يَا أَبَا يزِيد جئتني بِكُل شَيْء وَمن كَلَام سَيِّدي أَحْمد الرِّفَاعِي نفع الله بِهِ سلكت كل الطّرق الموصلة فَمَا رَأَيْت أقرب وَلَا أسهل وَلَا أصلح من الافتقار والذل والانكسار فَقيل لَهُ يَا سَيِّدي فَكيف يكون قَالَ يعظم أَمر الله ويشفق على خلق الله ويقتدي بِسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا أحسن قَول الشَّيْخ عبد الْهَادِي السودي قدس الله روحه فِي الْمَعْنى ... وَأَجْعَل الْفَقِير شافعا لَك تغني ... حبذا الافتقار دينا ومله ... وفيهَا احْتَرَقَ من مَدِينَة عدن طَائِفَة عَظِيمَة من الْمدرسَة السفيانية إِلَى حافة الْيَهُود وَمَا هُنَالك وَاحْتَرَقَ فِيهَا من الْآدَمِيّين نَحْو ثَلَاثِينَ نفسا وَتلف من الْأَمْوَال والبيوت مَا لَا يُحْصى وفيهَا ارْتَفَعت الأسعار بِمَدِينَة زبيد وأعمالها ففبلغ طَعَام الذّرة الثّمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 بِعشْرَة دَرَاهِم والدخن بِأحد عشر درهما والسمسم بِسِتَّة دَنَانِير وَالسمن خَمْسَة أَوَاقٍ وَأَقل بدرهم صَغِير وَكَاد اللَّبن أَن يعْدم وَقل وجوده فِي الدَّوَابّ وَمَاتَتْ أَكثر الْبَهَائِم جوعا وَلم يحصل فِي الشتَاء مطر وَضَاقَتْ الْأَحْوَال وعدمت المكاسب وفيهَا حصل ببندر مَدِينَة عدن ريح عَظِيمَة ودامت إِلَى الصَّباح وَزَاد الْبَحْر زِيَادَة عَظِيمَة وطلع المَاء فَوق دراجات الْمَدِينَة وَكثر الموج وغرقت فِي الْبَحْر سفينة مقبلة من جِهَة ميط وعكبرى وَالنَّاس ينظرُونَ إِلَيْهَا وَكَاد مَا فِي البندر من السفن جَمِيعًا أَن يغرق فَسلم الله تَعَالَى وَللَّه الْحَمد سنة خَمْسَة عشر بعد التسْعمائَة 915 هـ وَفِي عَشِيَّة يَوْم الِاثْنَيْنِ خَامِس شهر ربيع الْأُخَر سنة خَمْسَة عشر توفّي الْفَقِيه الْعَلامَة الحبر الفهامة المتقن المدقق جمال الدّين مُحَمَّد الطّيب ابْن إِسْمَاعِيل مبارز إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى وَصلي عَلَيْهِ بعد صَلَاة الْعَصْر بِمَسْجِد الاشاعر وَدفن فِي عصر ذَلِك الْيَوْم وَكَانَ لَهُ مشْهد عَظِيم رَحمَه الله ونفع بِهِ آمين وَفِي ذَلِك الْيَوْم توفّي فَقِيه بَيت الْفَقِيه ابْن حشيبر الْفَقِيه عبد الله بن الْخَطِيب أَحْمد بن حشيبر بِبَلَدِهِ رَحمَه الله وَفِي السَّابِع من شهر رَجَب الْفَرد الْحَرَام توفّي الإِمَام البطل الْجواد أَمِير الجوق الشريف مُحَمَّد بن الْحُسَيْن البهال الْحُسَيْنِي رَحمَه الله بصعده وفيهَا زلزلت مَدِينَة زبيد وَسمع على السطوح حركات شَدِيدَة وتقلبت الْآنِية فِي الرفوف وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وفيهَا ظهر فِي السَّمَاء فِي آخر اللَّيْل من مطلع الْعَقْرَب على هَيْئَة قَوس قزَح ابيض لَهُ شُعَاع وَهُوَ ازج لَهُ رَأس مائل نَحْو مطلع سُهَيْل وأستدام يطلع كل لَيْلَة فِي الْوَقْت الْمَذْكُور نَحْو ثَلَاثَة عشر لَيْلَة ثمَّ أضمحل سنة سِتَّة عشر بعد التسْعمائَة 916 هـ وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء الثَّامِن وَالْعِشْرين من شهر الْمحرم سنة سِتَّة عشر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 توفّي القَاضِي الْعَلامَة الصَّالح شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد الفرغاني بِمَدِينَة تعز وَدفن بعد صَلَاة الظّهْر من ذَلِك الْيَوْم رَحمَه الله تَعَالَى وفيهَا هَاجَتْ ريح شَدِيدَة واظلمت الدُّنْيَا ثمَّ انكشفت بِإِذن الله تَعَالَى وفيهَا فِي آخر يَوْم ثَانِي رَمَضَان توفّي السُّلْطَان الْعَادِل الْمُجَاهِد أَبُو الْفَتْح مَحْمُود بن مُحَمَّد صَاحب كجرات أَبَا حمد آباد وَدفن بهَا ذكره السخاوي فِي ضوئه وَقَالَ ولد سنة ثَمَان وَأَرْبَعين تَقْرِيبًا أسلم جد جده مظفر على يَد مُحَمَّد شاه صَاحب دُلي وَكَانَ عَاملا لَهُ على فتن من كجرات ثمَّ وثب عَلَيْهِ ابْنه وسجنه وَلم يلبث أَن أستفحل أَمر الْأَب بِحَيْثُ قتل وَلَده ثمَّ بعد سِنِين انتصر أَحْمد لِأَبِيهِ وَقتل جده وَاسْتقر فِي كجرات وَخَلفه ابْنه غياث الدّين ثمَّ ابْنه قطب الدّين ثمَّ أَخُوهُ دَاوُد فَلم يلبث سوى أَيَّام وخلع وَاسْتقر أخوهم مَحْمُود شاه صَاحب التَّرْجَمَة وَذَلِكَ فِي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ حِين كَانَ ابْن خمس عشرَة سنة ودام فِي المملكة إِلَى الْآن وَأخذ من الْكفَّار قلعة الشابانير فابتنى مَدِينَة وسماها مُحَمَّد آباد وَمن جملَة ممالكه كبناية وَقَالَ الشَّيْخ جَار الله بن فَهد رَحمَه الله أَقُول وَعمر بِمَكَّة رِبَاطًا مجاور بَاب الْمَدِينَة عرف بالكبنابتية وَقرر بِهِ جمَاعَة ودروساً وَغير ذَلِك وَكَانَ يُرْسل لَهُم مَعَ أهل الْحَرَمَيْنِ عدَّة صدقَات ثمَّ قطعهَا لما بلغه اسْتِيلَاء النظار عَلَيْهَا وَاسْتمرّ على ولَايَته حَتَّى مَاتَ فِي التَّارِيخ السَّابِق رَحمَه الله تَعَالَى وفيهَا ارْتَفَعت الأسعار لقلَّة الأمطار وَبلغ ثمن الطَّعَام عشرَة دَرَاهِم وَفِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ الْخَامِس من شهر جُمَادَى الأولى توفّي الْفَقِيه شمس الدّين عَليّ بن مُوسَى المشرع عجيل بِمَدِينَة زبيد وَدفن صبح يَوْمهَا رَحمَه الله تَعَالَى وفيهَا انقض كَوْكَب عَظِيم من نصف اللَّيْل آخِذا فِي الشَّام وأضاءت الدُّنْيَا كَذَلِك اضاءة عَظِيمَة حَتَّى لَو أَن الْإِنْسَان حاول رُؤْيَة الذَّر بذلك لم يمْتَنع عَلَيْهِ ثمَّ غَابَ فِي الْجِهَة الشامية وَبَقِي أَثَره فِي السَّمَاء سَاعَة طَوِيلَة وفيهَا حصل بِمَدِينَة عدن ولحج وَأبين والمسيلة وَتلك النواحي مطر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 عَظِيم لم يعْهَد مثله من نصف اللَّيْل إِلَى عصر يَوْم الْأَرْبَعَاء وامتلأت الصهاريج كلهَا حَتَّى تَفَجَّرَتْ وَزَاد المَاء زِيَادَة عَظِيمَة حَتَّى سَالَ إِلَى الْبَحْر من نصف اللَّيْل إِلَى آخر النَّهَار وَاشْتَدَّ حَتَّى أشْفق النَّاس وخافوا وَسَقَطت بعدن ولحج بيُوت كَثِيرَة وَسقط بَيت بهَا على أَهله فَهَلَك مِنْهُم تَحت الرَّدْم خمس نسْوَة وَعبد وسال بِولد ليوسف البرينثي فَلم يُوجد إِلَّا فِي الْبَحْر فِي البرج الَّذِي ترسي عِنْده المراكب وَقد مَاتَ وَكَانَ بلحج وَأبين وَتلك النواحي أعظم مِمَّا بعدن وَسَقَطت الْبيُوت وسال السَّيْل بِالْإِبِلِ وَالْبَقر وَالْغنم وَأكْثر الزَّرْع وَلم يبْق مَكَان إِلَّا عَمه الْمَطَر وَسَقَى الْأَرَاضِي وسال إِلَى الْبَحْر وَللَّه الْحَمد وفيهَا زلزلت مَدِينَة زبيد زلزالا شَدِيدا ثمَّ زلزلت مرّة أُخْرَى ثمَّ زلزلت الثَّالِثَة وانقض فِي عصر ذَلِك الْيَوْم كَوْكَب عَظِيم من جِهَة الشرق آخِذا فِي جِهَة الشَّام ورؤي نَهَارا وَحصل عقبه رَجْفَة عَظِيمَة كالرعد الشَّديد وزلزلت مَدِينَة موزع ونواحيها زلزالاً عَظِيما مَا سمع بِمثلِهِ وأستمرت تَتَرَدَّد ليلاا وَنَهَارًا زلازل صغَار وزلازل كبار وَقد اضرت بِأَهْل الْجِهَة اضراراً عَظِيما حَتَّى تصدعت الْبيُوت الضعيفة الْبناء وَمَا سلم بَيت من تشعب وتشققت الأَرْض الْمعدة للزِّرَاعَة وتهدمت الْقُبُور واختلطت جملَة من الْآبَار وَفِي عصر يَوْم الثُّلَاثَاء الثَّامِن عشر من ذِي الْحجَّة توفّي الْفَقِيه رَضِي الدّين الصّديق ابْن عبد الْعَلِيم اقبال القرتبي وَدفن فِي آخر ذَلِك الْيَوْم عِنْد وَلَده بمجنة بَاب القرتب بجوار مشْهد الْفَقِيه أبي بكر بن عَليّ الْحداد وَكَانَ لَهُ مشْهد عَظِيم رَحمَه الله سنة سَبْعَة عشر بعد التسْعمائَة 917 هـ وَفِي سادس عشر الْمحرم سنة سَبْعَة عشر توفّي السَّيِّد الشريف البارع فِي الْعلم وَالْعَمَل والجود وَالْكَرم الشَّيْخ الْحُسَيْن بن عبد الله العيدروس بتريم وَدفن بهَا عِنْد أَبِيه وَكَانَ مولده سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة وَكَانَ عَالما بِالْكتاب وَالسّنة حَافِظًا لكتاب الله مواظباً على تِلَاوَته لَيْلًا وَنَهَارًا قَائِما بِمَا جرى عَلَيْهِ سلفه من الأوراد والأذكار وأكرام الوافدين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 والفقراء وَالْمَسَاكِين وبذل الجاه فِي الشفاعات للْمُسلمين وَإِصْلَاح ذَات بَينهم وَللَّه در من قَالَ ... إِن الْحُسَيْن تَوَاتَرَتْ أخباره ... فِي فَضله عَن سادة فضلاء غيث يسيح على العفاه سحابه ... سَحا إِذا شحت يَد الأنواء تال لآثار النَّبِي مُحَمَّد ... مستمسك بِالسنةِ الْبَيْضَاء ورث المكارم والعلى عَن سادة ... ورثوا عَن الْآبَاء فالآباء ... وَرُوِيَ عَن الشَّيْخ عبد العيدروس أَنه كَانَ يَقُول كنت كثير الدُّعَاء فِي سجودي أَن يَرْزُقنِي الله ولدا عَالما سنياً وَأَرْجُو أَن يكون هُوَ الْحُسَيْن وروى عَن أَخِيه الشَّيْخ أبي بكر بن عبد الله العيدروس أَنه كَانَ يَقُول الشَّيْخ الْحُسَيْن أكْرم مني فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ ينْفق عَن ضيق لكَونه بحضرموت وَنحن ننفق عَن سَعَة فَهُوَ بذلك أكْرم مني وَكَانَ مشاركاً فِي جَمِيع الْعُلُوم الْمَنْطُوق مِنْهَا وَالْمَفْهُوم وَمن مشايخه الْفَقِيه عبد الله بن أَحْمد أَبَا كثير وَالْقَاضِي إِبْرَاهِيم ابْن ظهيرة والفقيه مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم الاسقع والفقيه الْعَلامَة عبد الْهَادِي السودي قبل أَن ينجذب وَكَانَت لَهُ الْيَد الطُّولى فِي علم الْفلك وَكَانَ يُحَقّق قِرَاءَة الشَّيْخَيْنِ وَكَانَ الْفَقِيه عبد الله بن أَحْمد أَبَا محزمه يَقُول مَا رَأَيْت اعقل مِنْهُ وجاور بِمَكَّة المشرفة سنتَيْن وزار قبر جده الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرَّتَيْنِ وَمن كراماته حكى عبد الرَّحِيم الْخَطِيب قَالَ صليت وَرَاء السَّيِّد حُسَيْن رَضِي الله عَنهُ صبح يَوْم الْجُمُعَة فَقَرَأَ السَّجْدَة فأصابتني حقنة وهممت بمفارقته فَقَرَأَ فِي الثَّانِيَة سُورَة الْإِخْلَاص وأسرع فعجبت لذَلِك وظننت أَن لَهُ حَاجَة أَيْضا فَلم يزل فِي مُصَلَّاهُ حَتَّى طلعت الشَّمْس كعادته وَمن شعره هَذِه الأبيات الحسان الَّتِي أَشَارَ فِيهَا إِلَى التَّعَرُّض لنفحات الرَّحْمَن ... ترج فضلا بدا فِي الْوَقْت وارتقب ... فَرُبمَا نفحات الله تقترب وَكن مَعَ الْعَالم الْقُدسِي مُنْقَطِعًا ... وغب عَن الْكَوْن والأغيار واستلب واشهد محيا جمال والجلال وَقل ... حسبي وقسمك فِي الْمَطْلُوب والطلب ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 وَانْظُر إِلَى وَجهه الْوَاضِح بِلَا حجب ... يَأْتِيك من فَضله منا بِلَا تَعب وامعن إِلَى حسنه الساري مكافحة ... وَأنْظر نظر ابتهاج غير مُضْطَرب واعكف على الْغَايَة الْمَطْلُوب مِنْهُ وَقل ... هَذَا هُوَ الْحق وَالْمعْنَى بِلَا ريب وعش وطب وبشرب الذّكر ذوق لَهُ ... من لَا يطيب بِذكر الله لم يطب هَذَا صفاء الْعَيْش إِن كنت اللبيب لَهُ ... سرا تقرب فَهُوَ من أفضل الْقرب واسلك سَبِيل طَرِيق الله اجمعها ... محبَّة وتأدب غَايَة الْأَدَب واعمل إِلَى الْعَالم اللاهوت منطوياً ... على الْفِرَار من الْآفَات واللعب وجاهد النَّفس واعمل مَا يخلصها ... وَانْظُر لما قَالَ أهل الْعلم والكتب فَإِن عز اولي الدَّاريْنِ قد جمعت ... فِي طَاعَة الله لَا فِي المَال وَالنّسب ثمَّ الصَّلَاة على الْمَحْمُود مرتقياً ... مقَام قوسين عَال عالي الرتب ... وفيهَا توفّي الْعَلامَة الْفَقِيه مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الْأَسْقَع أَبَا علوي بتريم فِي شَوَّال وَكَانَ من الْفُقَهَاء البارعين وَالْعُلَمَاء المتفننين أَخذ أَنْوَاع الْعُلُوم وبرع وتفنن وَلزِمَ الْجد وَالِاجْتِهَاد فِي الْعلم وَالْعَمَل وَأَقْبل على نفع النَّاس اقراء وافتاء مَعَ الدّين المتين وَترك مَا لَا يعنيه وَشدَّة الْوَرع والزهد وَالْعِبَادَة والخمول وَكَانَ حسن التَّقْرِير فِي تدريسه وَأخذ عَنهُ غير وَاحِد وَمن مشايخه خَاله الْفَقِيه الصَّالح مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله أَبَا فضل وَكَانَ جلّ انتفاعه عَلَيْهِ وَمِنْهُم الشَّيْخ عَليّ بن أبي بكر أَبَا علوي وَالْقَاضِي إِبْرَاهِيم أبن ظهيرة الْقرشِي والفقيه عبد الله بن عبد الرَّحْمَن أَبَا فضل والحافظ السخاوي وَله مِنْهُ إجَازَة وَمكث فِي مَكَّة مُدَّة لطلب الْعلم وَمن محفوظاته الْحَاوِي فِي الْفِقْه ومنظومة الْبرمَاوِيّ فِي الْأُصُول والفقيه ابْن مَالك فِي النَّحْو ومقرراته كَثِيرَة جدا وَحكي أَنه قَرَأَ الْأَحْيَاء أَربع مَرَّات وَمن كَلَامه كل قرصك والزم خلصك إِشَارَة إِلَى القناعة وَالْعُزْلَة وَرَآهُ بَعضهم فِي الْمَنَام بعد مَوته فَسَأَلَهُ عَن حَاله فَقَالَ {فِي مقْعد صدق عِنْد مليك مقتدر} وَمن كراماته أَن بعض خُدَّامه سرق دَاره فَقَالَ لَهُ اذْهَبْ إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 الْمَكَان الْفُلَانِيّ تَجِد فِيهِ مَا أَخذ مِنْهُ فَفعل فَوجدَ سَرقته فِي ذَلِك الْمَكَان الَّذِي عينه رَحمَه الله وفيهَا فِي ضحى يَوْم الْخَمِيس الرَّابِع من شهر محرم الْحَرَام توفّي الْفَقِيه الْعَالم الصَّالح وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن أبن القَاضِي صفي الدّين أَحْمد أبن عمر المزجد إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى وَصلي عَلَيْهِ بعد صَلَاة الْعَصْر بِمَسْجِد الاشاعر وَدفن بجوار الشَّيْخ عَليّ المرتضى وبمقبرة بَاب سِهَام وأسف عَلَيْهِ وَالِده أسفا كثيرا وصبر واحتسب وَكَانَ لَهُ مشْهد عَظِيم وَكَانَ قد نجب ودرس وَأفْتى رَحمَه الله وفيهَا ولدت مولودة بقرية النويدرة وَطلب لَهَا من يُؤذن لَهَا فِي اذنها فحين بلغ أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله سمع الطفلة عِنْد ذَلِك تَقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر ثَلَاثَة مَرَّات وَفِي فجر يَوْم الْأَرْبَعَاء الرَّابِع عشر من شهر ربيع الأول توفّي الشَّيْخ الصَّالح عَليّ بن أسماعيل المشرع إِلَى رَحْمَة الله وَدفن ضحى ذَلِك الْيَوْم إِلَى جنب وَالِده وَفِي لَيْلَة الْأَحَد وَالْعِشْرين من شهر جُمَادَى الْأُخَر توفّي الْفَقِيه الصَّالح أَبُو الْقسم بن عَليّ بن مُوسَى المشرع شَهِيدا بمرجال حصل لَهُ فِي لَيْلَة الْجُمُعَة الْحَادِي عشر من الشَّهْر الْمَذْكُور وَهُوَ قَاعد بَين النَّاس فِي بَيته لقِرَاءَة ولد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فانكسر رَأسه وَأقَام تِسْعَة أَيَّام ثمَّ مَاتَ رَحمَه الله تَعَالَى وعوضه الْجنَّة وَلم يعرف قَاتله وَدفن إِلَى جنب أَبِيه وجده وَفِي يَوْم الْخَمِيس الثَّالِث عشر من شهر رَمَضَان توفّي الشَّيْخ الْعَالم الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل المشرع عجيل بِدِينِهِ زبيد ضحى وَصلى عَلَيْهِ بِمَسْجِد الأشاعر بعد صَلَاة الْعَصْر وَدفن إِلَى جنب أَبِيه قبلي تربة الشَّيْخ إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الجبرتي رَحمَه الله وعوضه الْجنَّة آمين وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء الثَّامِن وَالْعِشْرين من ذِي الْحجَّة الْحَرَام توفّي الشَّيْخ الصَّالح أَبُو الْقَاسِم الْجُنَيْد أَحْمد بن مُوسَى المشرع عجيل بِمَكَّة المشرفة وَكَانَ قد أنقطع للمجاورة للحرمين الشريفين فَكَانَ يُقيم بِمَكَّة أَيَّامًا وبالمدينة أَيَّامًا وَصلى عَلَيْهِ بِالْحرم الشريف بعد صَلَاة الْعَصْر من ذَلِك الْيَوْم وشيعه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 جمع عَظِيم وحملت جنَازَته على الرؤوس وَدفن بالمعلاة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وفيهَا خسف بفيل السُّلْطَان عَامر بن عبد الْوَهَّاب الْمُسَمّى مَرْزُوق بقرية يُقَال لَهَا الركز من زَوَايَا الشَّيْخ شهَاب الدّين قطب زَمَانه وواسطة عقد أقرانه أَحْمد بن علوان نفع الله بِهِ قَرِيبا من قَرْيَة يفرس وَكَانَ قد أدخلهُ بَيت بعض فُقَرَاء الشَّيْخ كرها وسألهم مَا لَا طَاقَة لَهُم بِتَسْلِيمِهِ فَلم يشعروا حَتَّى غَابَ أَكثر الْفِيل فِي الأَرْض وَكَانَت من الْقَفَا من قبل رجلَيْهِ فَصَرَخَ صرخات وَمَات إِلَّا رحم الله سائسه فَكَانَ عِبْرَة لمن رَآهُ وَلم يقدر أحد على اخراج شَيْء مِنْهُ من مَوضِع الْخَسْف وفيهَا كَانَ دُخُول الافرنج عدن وَقتل كَبِيرهمْ الْمُسَمّى عين الْبَقر على يَد الْأَمِير مرجان وَهَذَا مرجان هُوَ الَّذِي عمر قبَّة العيدروس بعدن وَدفن مَعَه فِيهَا سنة ثَمَانِيَة عشر بعد التسْعمائَة 918 هـ وَفِي سنة ثَمَانِيَة عشر توفّي الشَّيْخ مُحَمَّد بن الشَّيْخ أَحْمد بن الشَّيْخ أبي بكر بن الشَّيْخ عبد الله العيدروس أَبَا علوي بتريم وقبر بمشهد جده الشَّيْخ عبد الله العيدروس وَكَانَ مشاركا فِي الْعُلُوم قَرَأَ المناهج فِي الْفِقْه وَكَانَ من محفوظاته الْإِرْشَاد للمقري وملحة الاعراب وفيهَا يَوْم الْأَحَد وَقت الْعَصْر خَامِس شهر رَمَضَان توفّي الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة الصَّالح الْفَقِيه عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر أَبَا فضل الْحَاج الْحَضْرَمِيّ بالشحر وَكَانَ لَهُ مشْهد عَظِيم وَدفن فِي طرف الْبَلَد بالشحر من جِهَة الشمَال فِي مَوضِع موَات نجدي عقل أَبى غَرِيب أول من دفن هُنَاكَ وَدفن النَّاس إِلَى جَانِبه حَتَّى صَارَت مَقْبرَة كَبِيرَة وَعمل على قَبره بُنيان وَصَارَ مزاراً مشهوداً يطْلب للتبرك عِنْده وَكَانَ أوحد وقته علما وَعَملا وورعاً ومولده سنة خمسين وَثَمَانمِائَة وارتحل لطلب الْعلم إِلَى عدن وَغَيرهَا وَأخذ عَن الْإِمَامَيْنِ مُحَمَّد بن أَحْمد أَبَا فضل وَعبد الله بن أَحْمد أَبَا معزمة ولازم الثَّانِي وَتخرج بِهِ وانتفع بِهِ كثيرا وَحج سنة خمس عشرَة وَتِسْعمِائَة وَأخذ أَيْضا عَن قَاضِي الْقُضَاة برهَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 الدّين بن ظهير وَأبي الْفَتْح المراغي وَغَيرهمَا ودأب فِي الطّلب واكب على الِاشْتِغَال حَتَّى برع وتميز وأشتهر ذكره بعد صيته واثنى عَلَيْهِ الْأَئِمَّة من مشايخه وَغَيرهم وَكَانَ شَيْخه أَبُو معزمة كثير الثَّنَاء عَلَيْهِ ولعمري أَنه كَانَ بذلك حَقِيقا وَبِكُل نعت حميد خليقاً وَكَانَ عَالما عَاملا فَاضلا عابدا ناسكا وراعا زاهداً شرِيف النَّفس كَرِيمًا سخياً مفضالاً كثير الصَّدَقَة حسن الطَّرِيقَة لين الْجَانِب صبوراً على تَعْلِيم الْعلم ومتواضعا حسن الْخلق لطيف الطباع آمراً بِالْمَعْرُوفِ ناهياً عَن الْمُنكر حسن التَّوَصُّل لنفع الطّلبَة وَغَيرهم كثير السَّعْي فِي حوائج الْمُسلمين ومصالحهم فَكَانَ لَهُ حُرْمَة وافرة عِنْد الْمُلُوك وَغَيرهم وَكَانَ كثير التَّوَسُّط بَين سلاطين حَضرمَوْت وقبائلها وَكَانَ حَافِظًا أوقاته لَا يرى إِلَّا فِي تدريس علم أَو مطالعة كتاب أَو اشْتِغَال بِعبَادة أَو ذكر وَولي التدريس بِجَامِع الشحر وانتصب فِيهَا للاشتغال وَالْفَتْوَى وَصَارَ عُمْدَة الْقطر وانتهت إِلَيْهِ رئاسة الْفِقْه فِي جَمِيع تِلْكَ النواحي وانتفع بِهِ النَّاس كثيرا من وُجُوه كثية ر وَلم يزل على ذَلِك حَتَّى توفّي على الْحَال المرضي وَكَانَ عُمْدَة أهل زَمَنه فِي الْفَتْوَى والتدريس وتصدى لنفع الْأَنَام وانتفع بِهِ غير وَأحد من الْعلمَاء الْأَعْلَام وَمِنْه الْفَقِيه الصَّالح الْعَلامَة عبد الله بن مُحَمَّد أَبَا قُشَيْر وَقد ذكره فِي إِجَازَته لوالدي من جملَة شُيُوخه الَّذين أَخذ عَنْهُم ومدحه فِيهَا وَأَطْنَبَ فِيهِ غَايَة الإطناب وَله جملَة من التصانيف مِنْهَا الْمُخْتَصر فِي علم الْفِقْه وَهُوَ الْمَشْهُور بَين النَّاس اقْتصر فِيهِ على ربع الْعِبَادَات انْتفع بِهِ الطّلبَة والمتدينون وَقد اعتنى شيخ الْإِسْلَام ابْن حجر الهيتمي بشرحه فشرحه شرحاً فائقاً وَأَرَادَ أَن يكمله إِلَى آخر أَبْوَاب الْفِقْه وَبلغ فِيهِ مَعَ الشَّرْح إِلَى بَاب الْفَرَائِض وأدركته الْوَفَاة وَله أَيْضا مُخْتَصر آخر فِي الْفِقْه أَصْغَر مِنْهُ وَقد شَرحه الْعَلامَة الشَّيْخ مُحَمَّد الرَّمْلِيّ الْمصْرِيّ الشَّافِعِي وَمِنْهَا لوامع الْأَنْوَار وهدايا الْأَسْرَار وودائع الْأَبْرَار فِي فضل الْقَائِم بالأسحار وَمِنْهَا االحجج القواطع فِي معرفَة الْوَاصِل والقاطع وَمنا مؤلف لطيف فِي اذكار الْحَج وَمِنْهَا وَصِيَّة نافعة ورسالة صَغِيرَة فِي علم الْفلك وورى أَن السَّيِّد الْجَلِيل إِبْرَاهِيم الْخَواص رَضِي الله عَنهُ ونفع بِهِ قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 دَوَاء الْقلب خَمْسَة أَشْيَاء قِرَاءَة الْقُرْآن بالتدبر وخلاء الْبَطن وَقيام اللَّيْل والتضرع عِنْد السحر ومجالسة الصَّالِحين فنظم هَذَا صَاحب التَّرْجَمَة فَقَالَ ... تدبر قُرْآن وجوع تهجد ... جُلُوس اولي التَّقْوَى دُعَاء مَعَ السحر ... وَرَأى الْفَقِيه الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر بحرق لَيْلَة مَوته النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام وَهُوَ يَقُول من حضر جَنَازَة الْفَقِيه عبد الله الْحَاج أَبَا فضل غفر لَهُ أَو كَمَا قَالَ دخل الْجنَّة وفيهَا فِي يَوْم السبت الثَّامِن من الْمحرم توفّي الشَّيْخ الصَّالح عفيف الدّين عبد الله بن عبد الرَّزَّاق الجبرتي بِالْمَدِينَةِ بعد الْحَج وَالزِّيَادَة رَحمَه الله تَعَالَى وَفِي يَوْم الْخَمِيس الْخَامِس من شهر صفر توفّي الْفَقِيه شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد الموزعي بِمَدِينَة زبيد قَافِلًا من الْحَج وَكَانَ فَاضلا عَالما ولي قَضَاء المقرانة ثمَّ موزع فصل عَنْهَا فحج وَمَات عقب ذَلِك فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور وَدفن بمجنة بَاب القرتب رَحمَه الله وفيهَا فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع الشَّهْر الْمَذْكُور توفّي الشَّيْخ الصَّالح شمس الدّين عَليّ بن مُحَمَّد السدح ببلدة من أصَاب وَدفن بهَا رَحمَه الله وفيهَا فِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ السَّادِس عشر من الشَّهْر الْمَذْكُور توفّي القَاضِي عفيف الدّين عبد الْعَلِيم بن القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن حُسَيْن القماط بعد طول مرض بِمَدِينَة زبيد وَكَانَ قد قدم إِلَيْهَا فِي السّنة الَّتِي قبلهَا من مَدِينَة أَب متوعكاً بعد طُلُوع وَلَده الْفَقِيه عفيف الدّين عبد الله إِلَيْهِ فَجعله نَائِبا لَهُ وَقدم إِلَى مَدِينَة زبيد فَلم يزل بهَا مَرِيضا حَتَّى قبل مَوته بأيام وصل ابْنه عبد الله باستدعائه إِلَيْهِ فَمَاتَ بعد قدومه بأيام فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور رَحمَه الله وَنعم الرجل كَانَ فقهاً وصلاحاً وديناً وَأَمَانَة وعفة وصيانة وَصلي عَلَيْهِ بعد صَلَاة الصُّبْح يَوْم الأثنين بِمَسْجِد الأشاعر وشيعه خلق كثير ودفت إِلَى جَانب وَالِده بمجنة بَاب سِهَام رَحمَه الله وفيهَا فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء الثَّالِث عشر من جُمَادَى الأولى توفّي الْفَقِيه شهَاب الدّين أَحْمد بن حسن الصباحي مفتي مَدِينَة تعز وفيهَا فِي عَشِيَّة يَوْم الْأَرْبَعَاء التَّاسِع عشر من شهر جُمَادَى الأخرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 توفّي الْفَقِيه الصَّالح شهَاب الدّين أَحْمد بن عَليّ الواحدي الْمقري بِمَدِينَة زبيد وَدفن قبل غرُوب الشَّمْس من الْيَوْم غربي مشْهد الشَّيْخ أَحْمد الصياد وَكَانَ رجلا مُبَارَكًا لَهُ قرب من السُّلْطَان بل كَانَ يؤمه غَالب الْأَوْقَات رَحمَه الله وفيهَا كثر الْمَوْت بِمَدِينَة زبيد وَعم الوباء وَبَلغت الْمَوْتَى فِيهَا كل يَوْم إِلَى قريب مائَة نفس وَمَات بِسَبَبِهِ من الْأَعْيَان وَغَيرهم خلائق لَا يُحصونَ وفيهَا توفّي الشَّيْخ مُوسَى ابْن أبي الْغَيْث الْخَاص صَاحب الموثاه بهَا يَوْم الِاثْنَيْنِ سلخ شهر رَجَب وفيهَا توفّي الْفَقِيه الصَّالح حُسَيْن بن مُحَمَّد بن نور الدّين يَوْم السبت ثَانِي عشر شعْبَان سنة تسع عشر بعد التسْعمائَة 919 هـ وَفِي الْمحرم أول سنة تسع عشرَة توفّي جد وَالِدي الشَّيْخ الإِمَام وَالصديق الْهمام الشريف شيخ بن الشَّيْخ عبد الله العيدروس وَكَانَ من أَعْيَان الصَّالِحين وَعباد الله المقربين حسن الْأَخْلَاق والشيم جميل الْأَوْصَاف مَعْرُوف بِالْمَعْرُوفِ وَالْكَرم سليم الصَّدْر رفيع الْقدر صحب غير وَاحِد من الأكابر كأبيه الشَّيْخ عبد الله العيدروس وَعَمه الشَّيْخ عَليّ وَعَمه الشَّيْخ أَحْمد وأخيه الشَّيْخ أبي بكر وَمن فِي طبقتهم وَأخذ عَنْهُم وَتخرج بهم وتلقى مِنْهُم وَدخل من بابهم وَصَارَ وحيد عصره وَمن الْمشَار إِلَيْهِم فِي قطره ومحاسنه كَثِيرَة وبحار فضائله غزيرة وَلَا سَبِيل إِلَى حصرها وَالْأولَى الْآن طيها دون نشرها رَحمَه الله وَفِيه يَقُول حفيده وسميه سَيِّدي الشَّيْخ الْوَالِد قدس الله روحه شعر ... وَفِي شيخ بن عبد الله جدي ... معاشرة بِحسن الْخلق تبدي لَهُ قلب منيب ذُو صفاء ... سليم الصَّدْر بالانفاق يسدي لَهُ فِي الْأَوْلِيَاء حسن أعتقاد ... كريم الأَصْل ذُو فَخر ومجد تُرَابا بالولي القطب حقاًُ ... أَبوهُ العيدروس للخير يهدي ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 وَللَّه در الشَّيْخ عبد الْمُعْطِي حَيْثُ يَقُول فِيهِ من قصيدة أمتدح بهَا سَيِّدي الْوَالِد الْتزم فِيهَا ذكر آبَائِهِ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... أَيْن شيخ الَّذِي يضاهي أَبَاهُ ... فِي الْمَعَالِي رفْعَة وأرتقاء ... وفيهَا توفّي الْعَلامَة مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن حسن بن جلال الدّين بن فتح الدّين بن وجيه الدّين الْمصْرِيّ الْمَالِكِي وَيعرف كسلفه بِابْن سُوَيْد أَبَا حمد آباد من كجرات وَدفن بهَا وَكَانَ مولده فِي سادس شهر شعْبَان سنة سِتّ وَخمسين وَثَمَانمِائَة أمه أم ولد وَنَشَأ فِي كنف أَبِيه فحفظ الْقُرْآن وَابْن الْحَاجِب الفرعي والأصلي والفيه النَّحْو وَغَيرهَا وَعرض على خلق وأشتغل قَلِيلا عِنْد أَبِيه وَورث عَنهُ شَيْء كثير فأتلفه فِي أسْرع وَقت ثمَّ أملق وَذهب إِلَى الصَّعِيد ثمَّ إِلَى مَكَّة وَقَرَأَ هُنَاكَ على الْحَافِظ شمس الدّين السخاوي الْمُوَطَّأ ومسند الشَّافِعِي وَسنَن التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَسمع عَلَيْهِ شَرحه للألفية وَغير ذَلِك من تصانيفه ولازمه مُدَّة ذكر السخاوي فِي تَارِيخه قَالَ وَكَانَ صَاحب ذكاء وفضيلة فِي الْجُمْلَة واستحقار وتشدق فِي الْكَلَام وَكَانَت سيرته غير مرضية وَأَنه توجه إِلَى الْيمن وَدخل زيلع ودرس وَحدث ثمَّ توجه إِلَى كيناية وَأَقْبل عَلَيْهِ صَاحبهَا قَالَ الشَّيْخ جَار الله بن فَهد رَحمَه الله وَقد عظم صَاحب التَّرْجَمَة فِي بِلَاد الْهِنْد وتقرب من سلطانها مَحْمُود شاه ولقبه بِملك الْمُحدثين لما هُوَ مُشْتَمل عَلَيْهِ من معرفَة الحَدِيث والفصاحة وَهُوَ أول من لقب بهَا وَعظم بذلك فِي بِلَاده وأنقاد لَهُ الأكابر فِي مُرَاده وَصَارَ منزله مأوى لمن طلبه وَصلَاته وأصلة لأهل الْحَرَمَيْنِ الشريفين وَاسْتمرّ كَذَلِك مُدَّة حَيَاة السُّلْطَان الْمَذْكُور وَلما تولى وَلَده السُّلْطَان مظفر شاه أخرج بعض وظائفه عَنهُ بِسَبَب معاداة بعض الوزراء لَهُ فَتَأَخر عَن خدمته إِلَى أَن مَاتَ قَالَ وَلم يخلف ذكرا بل تبنى ولدا على قَاعِدَة الْهِنْد فورثه مَعَ زَوجته وَلم يحصل لابنته الَّتِي بِالْقَاهِرَةِ شَيْء من مِيرَاثه لغيبتها رَحمَه الله تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 سنة الْعشْرين بعد التسْعمائَة 920 هـ وَفِي سنة الْعشْرين حصل مطر عَظِيم فِي مَدِينَة زبيد وَمَا حواليها حَتَّى اشْتبهَ وَقت صَلَاة الْجُمُعَة على النَّاس وفاتت صَلَاة الْجُمُعَة معظمهم من الْمَطَر وَعدم رُؤْيَة الشَّمْس وَكَانَت صَلَاة من صلى مِنْهُم ذَلِك الْيَوْم بالأجتهاد وفيهَا أَيْضا بعد أَيَّام حصلت بِمَدِينَة زبيد مطرة عَظِيمَة جدا كأفواه الْقرب وعقبتها ريح شَدِيدَة كَادَت تقلع الْبيُوت وأشفق النَّاس من ذَلِك وَنَفس الْوَادي نفسا عَظِيما وسْقا أَكثر الأَرْض وأخرب مِنْهَا كثيرا حَتَّى قيل أَن بعض الرَّدْم الَّذِي بناه السُّلْطَان الْملك الظافر من أَسْفَل قَرْيَة مسلب ويمانيها شعثه السَّيْل وسال بِخلق كثير يزِيدُونَ على الْمِائَة وَمَات أَكْثَرهم وسال بدواب كَثِيرَة تنيف على ألف دَابَّة من الأبل وَالْبَقر وَالْغنم وَالْحمير مَاتَ أَكْثَرهَا وَحصل برد مَاتَ بِهِ جمَاعَة وَسلم مِنْهُ جمَاعَة بعد أَن أَصَابَهُم لفح مِنْهُ ولانت الاسعار وَوجد الطَّعَام بَعْدَمَا كَاد يعْدم وَفِي لَيْلَة السبت الْحَادِي عشر من شهر ربيع الأول توفّي الْفَقِيه الْعَلامَة جمال الدّين مُحَمَّد بن الصّديق الصَّانِع إِلَى رَحْمَة الله بِمَدِينَة زبيد وَصلي عَلَيْهِ بعد صَلَاة الصُّبْح بِمَسْجِد الأشاعر وَدفن غربي مشْهد الشَّيْخ أَحْمد الصياد رَحمَه الله وَحضر الْقِرَاءَة لَهُ ثَلَاثَة أَيَّام والعزاء بِهِ جمَاعَة كَثِيرَة وَحضر من أَعْيَان الدولة الْفَقِيه عبد الْحق النطاري والشرف الموزعي وقاضي الشَّرِيعَة أَحْمد بن عمر المزجد وَغَيرهم وَفِي مستهل شهر رَجَب الْفَرد الْحَرَام توفّي الشَّيْخ شمس الدّين عَليّ أبن الشجاع الْعَنسِي برداع الْعَرْش وَدفن هُنَالك رَحمَه الله تَعَالَى وَنعم الرجل كَانَ عقلا ورجاحة وديناً وامانةً وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء الثَّانِي عشر من شهر شَوَّال توفّي الْفَقِيه الصَّالح عمر بن معوضة الشرعبي وَصلي عَلَيْهِ بعد صَلَاة الْعَصْر بِمَسْجِد الأشاعر وَدفن بمجنة بَاب سِهَام قَرِيبا من مَسْجِد الشَّيْخ إِسْمَاعِيل الجبرتي من جِهَة الْقبْلَة بِوَصِيَّة مِنْهُ رَحمَه الله وفيهَا حج ولد سُلْطَان الديار المصرية الْملك الْأَشْرَف قانصوه الغوري وَامْرَأَته وتصدقا بِمَال عَظِيم وفعلا من الْبر وَالْمَعْرُوف والاحسان فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 الْحَرَمَيْنِ الشريفين مَا يجل عَن الْوَصْف وَلما رجعا إِلَى الديار المصرية بعد الْحَج والزيارة تجهز مَعَهُمَا أَمِير الْحجاز الشريف بَرَكَات بن مُحَمَّد بن بَرَكَات بِاخْتِيَارِهِ وَرضَاهُ وَتوجه بصحبتها إِلَى بَاب السُّلْطَان فقابله بالأحسان الجزيل وَالْبر العريض الطَّوِيل وَأكْرم نزله وَأَعْلَى مَحَله وَلم يزل عِنْده مجللا مُحْتَرما مقضي الْحَوَائِج أول دَاخل وَآخر خَارج إِلَى أَن رَجَعَ إِلَى الْحجاز مُتَوَلِّيًا أمورها لَيْسَ لأحد مَعَه كَلَام وَالْحَمْد لله سنة إِحْدَى وَعشْرين بعد التسْعمائَة 921 هـ وَفِي يَوْم الْخَمِيس الثَّانِي وَالْعِشْرين من شهر جُمَادَى الأولى سنة إِحْدَى وَعشْرين توفّي الْفَقِيه الْأَجَل جمال الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد النظاري رَحمَه الله تَعَالَى بِمَدِينَة إب بعد ان طلع إِلَيْهَا متوعكاً بِنَحْوِ شهر وَترك وَلَده الْفَقِيه عبد الْحق عوضا عَنهُ بزبيد وَوصل الْعلم بوفاته إِلَى مَدِينَة زبيد يَوْم السبت الرَّابِع وَالْعِشْرين من الشَّهْر الْمَذْكُور وَصلي عَلَيْهِ بِمَسْجِد الأشاعر بهَا وقرى لَهُ ثَلَاثَة أَيَّام بِالْمَسْجِدِ الْمَذْكُور وَحضر الْقِرَاءَة لَهُ خلق كثير لَا يُحصونَ وَحضر عبد الْوَهَّاب بن السُّلْطَان عَامر الْقِرَاءَة يَوْم الثَّالِث وَتصدق عَنهُ أَوْلَاده بِصَدقَة عَظِيمَة رَحمَه الله تَعَالَى وَأَسْكَنَهُ جنته فَنعم الرجل كَانَ عقلا وصيانة وديناً وَأَمَانَة باذلا للمعروف كافا للاذى معينا للملهوف لَهُ صدقَات جليلة سرا وَعَلَانِيَة وَكَانَ قطب رحى المملكة السُّلْطَانِيَّة الظافرية وَعين الْأَعْيَان فِي الْجِهَة اليمانية وَمن آثاره المخلدة لذكره بِنَاء الْجَامِع بِبَيْت الْفَقِيه عجيل عمره عمَارَة متقنة إِلَى الْغَايَة ومدرسة بِمَدِينَة أَب ووقف عَلَيْهَا وَقفا جَلِيلًا وَجُمْلَة من الْكتب النفيسة وَله من الْآثَار الْحَسَنَة مَا يجل عَن الْوَصْف سنة اثْنَيْنِ وَعشْرين بعد التسْعمائَة 922 هـ وَفِي سلخ الْمحرم أول سنة اثْنَيْنِ وَعشْرين توفّي الشَّيْخ أَحْمد بن الشَّيْخ أبي بكر العيدروس بعدن وَدفن بهَا فِي قبَّة أَبِيه وعمره يَوْمئِذٍ أَرْبَعُونَ سنة تَقْرِيبًا وَأمه بهية بنت الشَّيْخ عَليّ بن أبي بكر بن الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن السقاف وامها فَاطِمَة بنت الشَّيْخ عمر المحضار ابْن الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن السقاف فولده الشَّيْخ عمر من الْجِهَتَيْنِ كَمَا وَلَده أَيْضا الشَّيْخ أَبُو بكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 ابْن عبد الرَّحْمَن السقاف مرَّتَيْنِ وَقد تميز بِهَذَا عَن غَيره من بني عَمه كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْعَلامَة بحرق رَحمَه الله حَيْثُ يَقُول ... أصل السِّيَادَة لَا ينتمي ... إِلَى حد إِلَّا هُوَ السَّيِّد لَئِن شاركته بَنو العيدروس ... بفخر هُوَ الشَّمْس لَا يجْحَد فقد خصّه الله من بَينهم ... بآيَات مجد لَهُ تشهد حوى سر جديه من أمه ... فطاب لَهُ الْفَرْع والمحتد ... فَهُوَ الْوَارِث لِأَبِيهِ وجده وحامل الرَّايَة من بعده وَولي عَهده فقد قَامَ بالْمقَام أتم قيام ونهض بِمَا نَهَضَ بِهِ آباؤه الْكِرَام فَسَاد وجاد وَبنى معاقل الْمجد وشاد وأحيى الرَّوَاتِب الَّتِي أسسها أَبوهُ والاوراد وواظب على اطعام الطَّعَام وصلَة الارحام والاحسان إِلَى الْفُقَرَاء والايتام باذلاً جاهه وَمَاله فِي أيصال النَّفْع إِلَى أهل الْإِسْلَام وَكَانَ رأى بعد موت أَبِيه كانه حمل أَبَاهُ على كتف وجده على كتف وَتوقف فِي تَأْوِيلهَا فَكَانَ تَأْوِيلهَا قِيَامه بمقام أَبِيه بعدن وبمقام جده بحضر موت وَكَانَ فِي مُدَّة ايامه السعيدة وَطول حَيَاته العزيزة الحميدة مجريا النَّفَقَة التَّامَّة الوافرة وَالْكِسْوَة الفاخرة لمن كَانَ ابوه مجريا لَهُ من زَوْجَة وخادمة وَنَحْوهَا قَائِما بكفاية الْفُقَرَاء نفقه وَكسَاء صيفاً وشتاءً حَتَّى أَن ثمن الْكسْوَة الَّتِي أشتراها فِي آخر ختمته لرمضان صلاهَا بلغ خَمْسَة آلَاف دِينَار فَأكْثر وَحكي أَن خبز مطبخه إِذا ركموه يبلغ إِلَى سطح الدَّار ودور عدن عالية جدا بِحَيْثُ أَنَّهَا تكون على ثَلَاثَة قُصُور غَالِبا قَالَ الرَّاوِي فعجبت فَقلت مَا كَانَ بعدن إِذْ ذَاك سَائل قَالُوا لَا مَا كَانَ فِي زمن الشَّيْخ أبي بكر وَولده الشَّيْخ أَحْمد يُوجد فِي عدن سَائل أصلا ومحاسنه رَضِي الله عَنهُ أَكثر من أَن تحصر وَأشهر من أَن تذكر من كراماته حكى الشريف مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن كريشه أَبَا علوي أَنه مرض مرّة بزيلع وَهُوَ عِنْد الشريف علوي بن إِسْمَاعِيل وأصابه وجع الْبَطن وَكَانَ علوي الْمَذْكُور وَكيلا للسَّيِّد أَحْمد بن أبي بكر وَهُوَ إِذْ ذَاك بهَا فَعَن لَهُ الرُّجُوع إِلَى عدن فَقَالَ لَهُ يَا سَيِّدي أَن كريشه مبطون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 فَكيف أعمل بِهِ فَقَالَ رح أقذف لَهُ وَكَانَ لَهُ حسن ظن كَامِل فِي الشَّيْخ وعقيدة ثَابِتَة فَلم يَتَمَالَك أَن جَاءَ إِلَيْهِ وَوضع بَطْنه على بَطْنه وتقيأ شَيْئا كثيرا ثمَّ قَالَ مُحَمَّد فَمَا هُوَ إِلَّا أَن قَامَ عني وَقمت وَكَأن لم يكن بِي شَيْء وسارا فِي تِلْكَ اللَّيْلَة وللعلامة مُحَمَّد بن عمر بحرق فِيهِ مرثية فِي غَايَة الْحسن وَهِي شعر ... لمن تبنى مشيدات الْقُصُور ... وَأَيَّام الْحَيَاة إِلَى قُصُور وَحَتَّى م التهالك والتفاني ... على الخداعة الدُّنْيَا الْغرُور فَمَا يغتر بالدنيا لَبِيب ... وَلَو ابدت لَهُ وَجه السرُور فغاية صفوها كدر وأقصى ... حلاوتها إِلَى الكأس المرير ألم ترى كَيفَ هدت ركن مجد ... وفاضت بَحر مكرمَة زخو وروعت الْأَنَام بفقد شخص ... رزيته على بشر كثير شهَاب ثاقب من نور بدر ... تبقى من شموس من بدور نماه العيدروس وكل قطب ... غياث للورى فَرد شهير تناثر عقدهم نجما فنجما ... تغيب تَحت أطباق الصخور فأظلم بعدهمْ دست الْمَعَالِي ... وأكسف قطرهم بعد الزهور فوا اسفا على أطواد حلم ... إِذا أستشكلت ملمات الْأُمُور وواحزناً على تيار جود ... يمد بصيب الْغَيْث الغزير وَيَا لهفا على أَخْلَاق لطف ... يفوق الزهر فِي الرَّوْض النَّضِير لَئِن ذَهَبُوا فقد أَبقوا فخاراً ... يضيق لحصره صدر السطور ففاقوا النَّاس أَحيَاء وفاقت ... ضرائحهم على أهل الْقُبُور فَلَا يَأْتِي الزَّمَان لَهُم بِمثل ... وَهل للشمس وَيحك من نَظِير على تِلْكَ الْوُجُوه سَلام رب ... رَحِيم غَافِر بر شكور الهى كن لنا خلفا وذخرا ... فانك جَابر الْعظم الكسير وصل على أجل الْخلق قدرا ... مُحَمَّد البشير لنا النذير وَمن وَالَاهُ من آل وَصَحب ... على مر الأصائل والبكور ... وفيهَا زَالَت دولة الشراكسة على عهد الغوري وَهُوَ آخر مُلُوكهمْ فقد فِي حَرْب السُّلْطَان سليم وَلم يظْهر لَهُ خبر وفيهَا فِي يَوْم الْخَمِيس الثَّانِي من شهر صفر توفّي الْفَقِيه الْعَالم الْفَاضِل جمال الدّين مُحَمَّد بن الْفَقِيه مُوسَى بن عبد الْمُنعم الضجاعي أحد المدرسين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 بِمَدِينَة زبيد وَدفن بهَا بعد صَلَاة الْعَصْر من ذَلِك الْيَوْم عِنْد أَبِيه وجده بعد أَن صلي عَلَيْهِ بِمَسْجِد الأشاعر وَكَانَ لَهُ مشْهد عَظِيم وفيهَا فِي عصر يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس شعْبَان توفّي الْعَلامَة إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الْبُرْهَان أَبُو الْوَفَاء ابْن الزين الْمقري أبي هُرَيْرَة أبن الشَّمْس بن الْمجد الكركي الأَصْل القاهري المولد وَالدَّار الْحَنَفِيّ أَمَام السُّلْطَان وَيعرف بِابْن الكركي غريقاً شَهِيدا فِي بركَة الْفِيل تَحت منزله بهَا وَكَانَ مولده وَقت الزَّوَال من يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع رَمَضَان سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة بِالْقَاهِرَةِ وَأمه أم ولد جركسية فحفظ الْقُرْآن وَأَرْبَعين النَّوَوِيّ والشاطبية ومختصر الْقَدُورِيّ والفية ابْن مَالك وَغَيرهَا وَعرض على عُلَمَاء عصره كالشهاب ابْن حجر وَالْعلم البُلْقِينِيّ والعلمان القلقشندي واللؤلؤي السَّقطِي وَسعد الدّين بن الديري وَابْن الْهمام وَجَمَاعَة آخَرين وَكَتَبُوا كلهم لَهُ وَسمع صَحِيح مُسلم أَو أَكْثَره على الزين الزَّرْكَشِيّ وتلى الْقُرْآن على بَعضهم وجود الْقِرَاءَة مَعَ رؤسائها وَأكْثر من مُلَازمَة الشَّافِعِي وَاللَّيْث وَغَيرهمَا من الْمشَاهد الجليلة وعادت بركَة أَرْبَابهَا وزوارها عَلَيْهِ وَفِي غُضُون ذَلِك مقبل على الْعلم وتحصيله يتَوَجَّه لمنقوله ومعقوله فَأخذ الْمِيقَات عَن الْبَدْر القيمري وَالْفِقْه والعربية عَن الشَّمْس امام الشيخوخة وَكَذَا أَخذ عَن النَّجْم الْغَزِّي قَاضِي الْعَسْكَر بل والعز عبد السَّلَام الْبَغْدَادِيّ وَسمع عَلَيْهِ الشِّفَاء مُلَفقًا بِقِرَاءَة قارئين وَقَرَأَ الصَّحِيحَيْنِ على الشهَاب أَحْمد بن صَالح الْحلَبِي الْحَنَفِيّ ابْن الْعَطَّار وَحضر دروسه بل حضر دروس الْكَمَال ابْن الْهمام ولازم التقي الحصني وَكَذَا النقي الشمني والكافياجي وَعظم اخْتِصَاصه بهم وَمِمَّا أَخذ عَن الشمني التَّفْسِير وعلوم الحَدِيث وَالْفِقْه والأصلين والعربية والمعاني وَالْبَيَان والمنطق وَغَيرهَا بقرَاءَته وَمرَّة غَيره تَحْقِيقا ودراية وبقراءته أَيْضا الشِّفَاء وَالْبُخَارِيّ وَدخل مَعَهم فِي كثير من مشكلات كتب هَذِه الْفُنُون وَغَيرهَا وأذنوا لَهُ فِي اقرائها وَلما سَافر قايتباي فِي أَيَّام امارته قبل أَن يصير إِلَيْهِ الْملك إِلَى بعض الْبِلَاد أستصحبه أماماً ثمَّ لم يلبث إِلَى أَن أرتقى إِلَى السلطنة فقربه وَأَدْنَاهُ وأحبه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 فَبَلغهُ مناه وأختص بِهِ عَمَّن عداهُ وخوله مزِيد النعم وشمله فِيهَا يلتمسه بنعم وَأَعْطَاهُ قِرَاءَة البُخَارِيّ بالقلعة وولاه تدريس أَمَاكِن مُتعَدِّدَة ومشيخة الصُّوفِيَّة فِي بَعْضهَا وخطابة بعض الْمدَارِس واقطاع ورتب لَهُ فِي كل يَوْم دِينَارا وحوالي وعدة وظائف كَانَت مَعَه وَمَعَ أَبِيه بِجَامِع طولون من رئاسة وَغَيرهَا بِحَيْثُ قيل ان المستقر فِي متحصله اليومي من جهاته شَيْء كثير سوى مَا يساق إِلَيْهِ من الْهَدَايَا والعطايا كاعطائه فِي جهاز ابْنة لَهُ فِيمَا قيل ألف دِينَار من السُّلْطَان وَمن الدوادار مثلهَا بل ازيد ونوه بِهِ فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة وَكَانَ شَأْنه أَعلَى من ذَلِك إِذْ كَانَ الْقُضَاة وَغَيرهم من الْأَعْيَان مِمَّن يتَرَدَّد لبابه ويتلذذ بخطابه بل مَال الْفُضَلَاء من الغرباء وَغَيرهم إِلَى الأستفادة مِنْهُ وَسَمَاع مباحثه والأنتفاع بتنويهه ومساعدته وبمساعدته اسْتَقر شَيْخه الحصني فِي مشيخة الشَّافِعِي وَلم يزل يزِيد اخْتِصَاصه بالسلطان بِحَيْثُ لم يخْتَلف عَنهُ فِي أَسْفَاره حَتَّى انه دخل مَعَه الشَّام وحلب وَبَيت الْمُقَدّس وَمَكَّة وَالْمَدينَة قَالَ السخاوي أَنه تمنى بِحَضْرَتِهِ الْمَوْت فانزعج من ذَلِك وَقَالَ بل انا أتمناه لتقرأ عَليّ عِنْد قَبْرِي وتزورني وَنَحْو ذَلِك وَلذَا لم يجب سُؤَاله فِي مشيخه مدرسته المكنية قَالَ وَقد صنف وافتى وَحدث وروى ونظم ونثر ونقب وَتعقب وخطب وَوعظ وَقطع وَوصل وَقدم واخر وَمن تصانيفه فِي الْفِقْه فَتَاوَى مبوبه فِي مجلدين وحاشية على توضيح ابْن هِشَام هَذَا كُله مَعَ الفصاحة والبلاغة وَحسن الْعبارَة الْمُقْتَضِيَة للانتظام والربط والانسجام والضبط وجودة الْخط ولطف الْعشْرَة والظرف والميل إِلَى النادرة واللطف ومزيد الذكاء والتفنن وَسُرْعَة البديهة الَّتِي يَتَّضِح بهَا التَّبْيِين وطراوة النغمة والأعتراف بِالنعْمَةِ والطبع الْمُسْتَقيم الَّذِي لَا يمِيل بِهِ غَالِبا لدني وَلَا لئيم وَلم يزل فِي ازدياد من الترقي حَتَّى بلغ مبلغا عَظِيما إِلَى أَن كَانَ فِي أَوَاخِر جُمَادَى الْآخِرَة سنة سِتّ وَثَمَانِينَ تنكد خاطر السُّلْطَان من جِهَته فَمَنعه من الْحُضُور فِي حَضرته فَتوجه للإقراء فِي بَيته لفنون الْعلم والفتيا إِلَى أَن كَانَ فِي مستهل ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَتِسْعين عَاد للْإِمَامَة على عَادَته ثمَّ أُعِيد لكل من قِرَاءَة الحَدِيث ومشيخة الأشرفية فِي السّنة الَّتِي تَلِيهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 قَالَ الشَّيْخ جَار الله بن فَهد رَحمَه الله أَقُول وَبعد الْمُؤلف فِي زمَان النَّاصِر ابْن الْأَشْرَف قايتباي تولى قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِالْقَاهِرَةِ مستهل الْمحرم عَام ثَلَاث وتسعمائه ثمَّ عزل عَن الْقَضَاء فِي سنة سِتّ وَتِسْعمِائَة وَاسْتمرّ مَفْصُولًا حَتَّى عرض عَلَيْهِ الْقَضَاء شرف الغوري فَلم يقبله فَاسْتحْسن الْملك مِنْهُ ذَلِك وَصَارَ مبجلاً مُعظما حَتَّى مَاتَ رَحمَه الله وفيهَا فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء عَاشر جُمَادَى الأولى توفّي الشَّيْخ الْعَالم الْفَاضِل الْجمال أَبُو الْفَتْح إِبْرَاهِيم بن عَليّ بن أَحْمد بن إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن أسماعيل ابْن عَليّ القلقشندي الأَصْل القاهري المولد وَالدَّار الشَّافِعِي بِالْقَاهِرَةِ وَكَانَ مولده فِي حادي عشر سنة احدى وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة بِالْقَاهِرَةِ وَنَشَأ بهَا فحفظ الْقُرْآن والشاطبيتين وَعرض على خلق كثير كالبساطي والمحب ابْن نصر الله والحافظ ابْن حجر الْعَسْقَلَانِي وَسمع على الآخرين وَأَبِيهِ وجده والتاج السرابيسي والناقوسي وَالزَّرْكَشِيّ وَابْن نَاظر الصلاحية وَابْن الطَّحَّان وَابْن بردس وَعَائِشَة الحنبلية والواسطي فِي آخَرين وَقَرَأَ بِنَفسِهِ الْكثير على غير وَاحِد من المسندين بل قَرَأَ فِي محَاسِن الِاصْطِلَاح على ابْن ابْن المولد الْعلم البُلْقِينِيّ واجاز لَهُ خلق مِنْهُم الْعَلَاء البُخَارِيّ وَقَرَأَ على ابْنه فِي التقاسيم والْحَدِيث وَغير ذَلِك وَكَذَا قَرَأَ على الْمحلي شرح الْمِنْهَاج وَجمع الْجَوَامِع وَشرح الْبردَة وَمَا كتبه من التَّفْسِير وَغَيرهَا وعَلى الشرواني فِي التَّوَسُّط وَغَيره وَحج فِي حَيَاة أَبِيه وَكَانَ دُخُوله بِمَكَّة فِي رَجَب سنة إِحْدَى وَخمسين وَسمع بهَا على المراغي والأسيوطي وَابْن هِنْد وَغَيرهم ثمَّ أَخذ بِالْمَدِينَةِ فِي سنة سبع وَخمسين عَن عبد الله بن فَرِحُونَ لقرَاءَته ثمَّ حج ثَالِثَة فِي سنة تسع وَثَمَانِينَ وَاسْتقر فِي مشيخة الدوادارية وخزانة الْكتب الأشرفية برسباي وَغَيرهَا بعد أَبِيه وَكَذَا فِي تدريس الحَدِيث بِجَامِع طولون مشاركاً لِعَمِّهِ ثمَّ اسْتَقل بِهِ بعد مَوته مَعَ الْمُبَاشرَة بِهِ فِي تدريس التَّفْسِير بالجمالية برغبة عبد الْبر بن الشّحْنَة وَفِي الْفِقْه بالسكرية بِمصْر ودرس بعض الطّلبَة بل حدث باليسير هَذَا مَعَ مَا ذكر وزائد قَالَه السخاوي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 قَالَ الشَّيْخ جَار الله بن فَهد رَحمَه الله تَعَالَى أَقُول وَبعد الْمُؤلف عمر حَتَّى انْفَرد بعلو الاسناد وتزاحم عَلَيْهِ الطّلبَة من الْعباد وَخرج لنَفسِهِ أَرْبَعِينَ حَدِيثا عشارية الْإِسْنَاد وَبَعض طلبته أَرْبَعِينَ حَدِيثا عشارية الْإِسْنَاد وَبَعض طلبته أَرْبَعِينَ أُخْرَى عالية فَرغب الطّلبَة فِي أَحدهمَا مَعَ غَالب مروياته فِي معرفَة العالي والنازل واسماء الروَاة واعتناء بِالتَّحْدِيثِ واعتقاد فِي الصُّوفِيَّة وصدقات مَعَ جلالة وعظمة وَلذَلِك ولي قَضَاء الشَّافِعِيَّة بِالْقَاهِرَةِ مرّة بعد أُخْرَى أَولهَا سنة إِحْدَى عشر وَتِسْعمِائَة وَثَانِيها فِي سنة ثَلَاثَة عشرَة وَاجْتمعت بِهِ فِي أَيَّام ولَايَته فِيهَا فَقَرَأت عَلَيْهِ أَشْيَاء ثمَّ عزل فِي السّنة الَّتِي تَلِيهَا فضعفت بنيته وَقلت حركته لإستيلاء البلغم عَلَيْهِ وَقل مَا بِيَدِهِ وَاسْتمرّ مَفْصُولًا حَتَّى مَاتَ رَحمَه الله تَعَالَى وفيهَا فِي يَوْم الْأَحَد رَابِع عشر ذِي الْقعدَة توفّي الْفَاضِل برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن مُوسَى بن أبي بكر بن الشَّيْخ عَليّ الطرابلسي الْحَنَفِيّ نزيل الريدية من الْقَاهِرَة بمدرسته بِالْقَاهِرَةِ وَصلي عَلَيْهِ فِيهَا وَدفن بالقرافة وَكَانَ مولده فِي سنة ثَلَاث وَخمسين وَثَمَانمِائَة بطرابلس وَأخذ بِدِمَشْق عَن جمَاعَة مِنْهُم الشّرف بن عبد وَقدم مَعَه الْقَاهِرَة حِين طلب لقضائها فلازم الصّلاح الطرابلسي وَرغب لَهُ عَن تصوفها بالريدية لما أَخذ مشيخة الاشرف وَأخذ عَن الريمي شرح الفية الْعِرَاقِيّ للناظم وَعَن الشَّيْبَانِيّ اشياء وَكَذَا سمع على الْحَافِظ السخاوي شرح مَعَاني الْآثَار والْآثَار لمُحَمد بن الْحسن وَغَيرهمَا وعلق عَنهُ بعض التَّأْلِيف بل سمع على أبي السُّعُود الْقُرْآن والرضي والأوجافي قَالَ السخاوي وَهُوَ فَاضل سَاكن دين مِمَّن حضر بعد فِي أثْنَاء سنة أَربع وَتِسْعين مَعَ الْحَنَفِيَّة بالقبة الدوادارية بَين يَدي السُّلْطَان وَعلم بِحَالهِ وفضله فأنعم عَلَيْهِ بأَشْيَاء ثمَّ قَرَّرَهُ فِي الجوالي المصرية عَن الكوراني قَالَ الشَّيْخ جَار الله بن فَهد رَحمَه الله اقول وَبعد الْمُؤلف صَار من اكابر الْحَنَفِيَّة وَتَوَلَّى مشيخة الْمدرسَة القحماسية وَفصل كل قَضِيَّة لاجماعهم على علمه وخيره وصلاحه وَألف عدَّة مؤلفات مِنْهَا الاسعاف فِي حكم الْأَوْقَاف وجاور بِمَكَّة واقر فِي سنة خمس عشرَة وتسعماية ثمَّ عَاد إِلَى الْقَاهِرَة رَحمَه الله تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 سنة ثَلَاث وَعشْرين بعد التسْعمائَة 923 هـ وَفِي الْمحرم سنة ثَلَاث وَعشْرين توفّي الشَّيْخ الْكَبِير الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى عبد الرَّحْمَن بن الشَّيْخ على بن أبي بكر رَضِي الله عَنْهُم بتريم وَدفن بهَا وَكَانَ مولده سنة خمسين وَثَمَانمِائَة وَكَانَ من الْأَوْلِيَاء العارفين والمشايخ الصَّالِحين زاهداً عابداً وَحكي من مجاهداته أَنه كَانَ وَهُوَ صَغِير يخرج هُوَ وَابْن عَمه الشَّيْخ أَبُو بكر العيدروس إِلَى شعب من شعاب تريم يُقَال لَهُ النعير بعد مُضِيّ نصف اللَّيْل فينفرد كل مِنْهُمَا يقْرَأ عشرَة أَجزَاء فِي صَلَاة ثمَّ يرجعان إِلَى منازلهما قبل الْفجْر وَقَرَأَ الْأَحْيَاء على وَالِده أَرْبَعِينَ مرّة وَبَلغنِي أَنه كَانَ يغْتَسل لكل فرض وَمن مشايخه أَبوهُ الشَّيْخ عَليّ والفقيه مُحَمَّد بن أَحْمد أَبَا فضل الْعَدنِي والفقيه عبد الله بن عبد الرَّحْمَن أَبَا الْحَاج أَبَا فضل والفقيه الدوسري وَكَانَ يحفط الْحَاوِي فِي الْفِقْه للقزويني والوردية فِي النَّحْو وَاجْتمعَ بالشيخ الْعَلامَة الصَّالح يحيى العامري وَله مِنْهُ اجازة وَحكى أَنه لما اجْتمع بالشيخ العامري وَكَانَ مَعَه ابْن عَمه الشَّيْخ أَبُو بكر العيدروس فَالْتَمَسَا مِنْهُ أَن يريهما مَوضِع الْأَصَابِع النَّبَوِيَّة من ظَهره فكشف لَهما عَنْهَا فرأوها بالعيان وَقَرِيب من هَذَا مَا أخبرنَا بِهِ صاحبنا الشَّيْخ الْعَلامَة البسكري قَالَ كَانَ عندنَا رجل من أهل الغرب يعلم الْقُرْآن وَكَانَ يُغطي احدى يَدَيْهِ فَلَا يكشفها لأحد فَسَأَلَهُ بَعضهم عَن السَّبَب فِي ذَلِك فَأبى أَن يُخبرهُ بِهِ فالح عَلَيْهِ فِي ذَلِك فَقَالَ كنت شَاعِرًا وامتدحت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بجملة قصائد ثمَّ اتّفق ان قلت قصيدة امتدحت بهَا بعض أهل الدُّنْيَا فَرَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النّوم وَهُوَ يعاتبني على ذَلِك ثمَّ أَمر بِقطع يَدي فَقطعت فشفع فِي الصّديق رَضِي الله عَنهُ فشفعه والتحمت فَعَادَت كَمَا كَانَت فانتبهت والعلامة ظَاهِرَة فِي يَدي ثمَّ كشف لَهُ عَن يَده فَإِذا مَحل الْقطع نور يتلألأ وَمِمَّنْ أَخذ عَن الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن عَليّ من كبار الْعلمَاء الْفَقِيه عبد الله بن مُحَمَّد بن سهل أَبَا قُشَيْر والفقيه عمر أَبَا شَيبَان وَكَانَ مشاركاً فِي جَمِيع الْعُلُوم لَكِن غلب عَلَيْهِ علم التصوف وَكَانَ يقْرَأ لابي عَمْرو وَنَافِع وَيقْرَأ لعاصم بِرِوَايَة حَفْص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 وَمن كراماته مَا حَكَاهُ بَعضهم أَنه قَالَ كنت جَالِسا عِنْده بِمَسْجِد أَبَا مَرْوَان بتريم فَسمِعت شَيْئا سقط فِي جَانب الْمَسْجِد فَقَالَ قُم هَات الَّذِي سقط فَقُمْت فَلَقِيت ورقة مغرية فَجئْت بهَا إِلَيْهِ فحملها وقراها ثمَّ أَخذ بَيَاضًا وَكتب ورقة وَقَالَ لي خُذ هَذِه الورقة واطرحها مَكَان الورقة الَّتِي وَجدتهَا فأخذتها وطرحتها مَكَان تِلْكَ الورقة الَّتِي وَجدتهَا وَبقيت الْتفت إِلَى الورقة فَإِذا طَائِر قد جَاءَ وَأخذ الورقة فَأَخْبَرته بذلك وسالته عَن الطَّائِر فَقَالَ أَن الشَّيْخ أَبَا عباد بَيْننَا وَبَينه معرفَة وَكتب لنا ورقة وردينا جوابها وفيهَا فِي لَيْلَة الْجُمُعَة سَابِع محرم توفّي الْعَلامَة الْحَافِظ أَحْمد بن مُحَمَّد بن أبي بكر بن عبد الْملك بن أَحْمد بن حُسَيْن بن عَليّ الْقُسْطَلَانِيّ الْمصْرِيّ الشَّافِعِي بِالْقَاهِرَةِ وَصلي عَلَيْهِ بعد صَلَاة الْجُمُعَة بِجَامِع الْأَزْهَر وَدفن بِالْمَدْرَسَةِ العينية جوَار منزله ذكره السخاوي فِي ضوئه وان مولده ثَانِي عشر ذِي الْقعدَة سنة إِحْدَى وَخمسين وَثَمَانمِائَة بِمصْر وَنَشَأ بهَا وَحفظ الْقُرْآن وتلا للسبع وَحفظ الشاطبية والجزرية والوردية وَغير ذَلِك وَذكر لَهُ عدَّة مَشَايِخ مِنْهُم الشَّيْخ خَالِد الْأَزْهَرِي النَّحْوِيّ وَالْفَخْر المقسمي والجلال الْبكْرِيّ وَغَيرهم وَأَنه قَرَأَ صَحِيح البُخَارِيّ فِي خَمْسَة مجَالِس على الشاوي وَأَنه تلمذ لَهُ أَيْضا وَقَرَأَ عَلَيْهِ بعض مؤلفاته أَعنِي السخاوي وَأَنه حج غير مرّة وجاور سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَسنة أَربع وَتِسْعين وَأَنه أَخذ بِمَكَّة عَن جمَاعَة مِنْهُم االنجم بن فَهد وَأَنه ولي مشيخة مقَام سَيِّدي الشَّيْخ أَحْمد بن أبي الْعَبَّاس الْحرار بالقرافة الصُّغْرَى وَأَنه عمل تأليفاً فِي مَنَاقِب الشَّيْخ الْمَذْكُور وَسَماهُ نزهة الْأَبْرَار فِي مَنَاقِب الشَّيْخ أبي الْعَبَّاس الْحرار وَأَنه كَانَ يعظ بالجامع الْعمريّ وَغَيره ويجتمع عِنْد الجم الْغَفِير وانه لم يكن لَهُ نَظِير فِي الْوَعْظ وَأَنه كتب بِخَطِّهِ شَيْئا كثيرا لنَفسِهِ وَلغيره واقرأ الطّلبَة وَأَنه تعَاطِي الشَّهَادَة ثمَّ انجمع وَاقْبَلْ على التَّأْلِيف وَذكر من تصانيفه الْعُقُود السّنيَّة فِي شرح الْمُقدمَة الجزرية فِي علم التجويد والكنز فِي وقف حَمْزَة وَهِشَام على الْهمزَة وشرحاً على الشاطبية زَاد فِيهِ زيادات ابْن الْجَزرِي مَعَ فَوَائِد غَرِيبَة لَا تُوجد فِي شرح غَيره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 وشرحاً على الْبردَة سَمَّاهُ الْأَنْوَار المضيئة وَكتاب نفائس الأنفاس فِي الصُّحْبَة واللباس وَالرَّوْض الزَّاهِر فِي مَنَاقِب الشَّيْخ عبد الْقَادِر وتحفة السَّامع والقاري بِخَتْم صَحِيح البُخَارِيّ ورسائل فِي الْعَمَل بِالربعِ الْمُجيب انْتهى مَا ذكره السخاوي مُلَخصا قلت وارتفع شَأْنه بعد ذَلِك فاعطي السعد فِي قلمه وَكَلمه وصنف التصانيف المقبولة الَّتِي سَارَتْ بهَا الركْبَان فِي حَيَاته وَمن أجلهَا شَرحه على صَحِيح البُخَارِيّ مزجا فِي عشرَة أسفار كبار لَعَلَّه أحسن شروحه واجمعها والخصها وَمِنْهَا الْمَوَاهِب اللدنية بالمنح المحمدية وَهُوَ كتاب جليل الْمِقْدَار عَظِيم الوقع كثير النَّفْع لَيْسَ لَهُ نَظِير فِي بَابه ويحكى أَن الْحَافِظ السُّيُوطِيّ كَانَ يغض مِنْهُ وَيَزْعُم أَنه يَأْخُذ من كتبه ويستمد مِنْهَا وَلَا ينْسب النَّقْل إِلَيْهَا وانه ادّعى عَلَيْهِ بذلك بَين يَدي شيخ الْإِسْلَام زَكَرِيَّا فالزمه بِبَيَان مدعاه فعدد عَلَيْهِ مَوَاضِع قَالَ أَنه نقل فِيهَا عَن الْبَيْهَقِيّ وَقَالَ أَن للبيهقي عدَّة مؤلفات فليذكر لنا مَا ذكر فِي أَي مؤلفاته ليعلم أَنه نقل عَن الْبَيْهَقِيّ وَلكنه رأى فِي مؤلفاتي ذَلِك النَّقْل عَن الْبَيْهَقِيّ فنقله برمتِهِ وَكَانَ الْوَاجِب عَلَيْهِ أَن يَقُول نقل السُّيُوطِيّ عَن الْبَيْهَقِيّ وَحكى الشَّيْخ جَار الله بن فَهد رَحمَه الله أَن الشَّيْخ رَحمَه الله تَعَالَى قصد ازالة مَا فِي خاطر الْجلَال السُّيُوطِيّ فَمشى من الْقَاهِرَة إِلَى الرَّوْضَة وَكَانَ الْجلَال السُّيُوطِيّ مُعْتَزِلا عَن النَّاس بالروضة فوصل صَاحب التَّرْجَمَة إِلَى بَاب السُّيُوطِيّ ودق الْبَاب فَقَالَ لَهُ من أَنْت فَقَالَ أَنا الْقُسْطَلَانِيّ جِئْت إِلَيْك حافياً مَكْشُوف الرَّأْس ليطيب خاطرك عَليّ فَقَالَ لَهُ قد طَابَ خاطري عَلَيْك وَلم يفتح لَهُ الْبَاب وَلم يُقَابله وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ كَانَ إِمَامًا حَافِظًا متقناً جليل الْقدر حسن التَّقْرِير والتحرير لطيف الْإِشَارَة بليغ الْعبارَة حسن الْجمع والتأليف لطيف التَّرْتِيب والترصيف كَانَ زِينَة أهل عصره ونقاوة ذَوي دهره وَلَا يقْدَح فِيهِ تحامل معاصريه عَلَيْهِ فَلَا زَالَت الأكابر على هَذَا فِي كل عصر رَحِمهم الله وفيهَا فِي شهر الْمحرم توفّي فَقِيه مَدِينَة تعز ومفتيها ومدرسها الْفَقِيه عفيف الدّين عبد الْبَارِي بن سُلَيْمَان الطَّوِيل وفيهَا فِي عصر يَوْم الْجُمُعَة التَّاسِع وَالْعِشْرين من الشَّهْر الْمَذْكُور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 توفّي الْعَلامَة الْكَبِير مفتي مَدِينَة زبيد وعالمها شيخ الْإِسْلَام مُفِيد الطالبين كَمَال الدّين مُوسَى بن زين العابدين بن أَحْمد بن أبي بكر الرداد الْبكْرِيّ الصديقي الشَّافِعِي الجهبذ الْمُحَقق المصقع المدقق شَافِعِيّ زَمَانه وَرَئِيس أقرانه علما وَعَملا كَانَ رَحمَه الله تَعَالَى بحراً من بحار الْعلم وجبلاً من جبال الدّين لَهُ الْقدَم الراسخ فِي الْمَذْهَب والباع الطَّوِيل فِي كل مشرب نهد إِلَيْهِ الطالبون وَرغب فِي الْأَخْذ عَنهُ الراغبون تفقه بِالْقَاضِي الْعَلامَة شيخ مَشَايِخ الْإِسْلَام الطّيب النَّاشِرِيّ وَصدر الْعلمَاء المبرزين عمر الْفَتى وَالشَّمْس عَليّ بن مُحَمَّد الشَّرْعِيّ وَنجم الدّين يُوسُف الْمقري الجبائي روى فقه الشَّافِعِي من طرق الْعِرَاقِيّين والمراوزة عَن الإِمَام عَليّ بن عطيف نزيل مَكَّة وَأهل طبقته ودرس وافتى وانتشر صيته فِي معرفَة الْخلاف والوفاق وطار طَائِر فَضله فِي جَمِيع الْآفَاق واعترف لَهُ الأكابر بِالْإِمَامَةِ وَقصد للْفَتْوَى من كل نجد وتهامة وتفقه بِهِ الجلة مِنْهُم ابْنه الْمُحَقق عَلامَة دهره ونادرة عصره الشَّيْخ فَخر الدّين أَبُو بكر وَأَبُو الْعَبَّاس الطبنداوي والفقيه عمر ابْن الْوَجِيه الدؤالي والزين النَّاشِرِيّ ويوسف بن النَّاصِر وَعِيسَى بن عطيفة وَغَيرهم وَله الجوابات الرائقة والبحوثات الفائقة والتفقهات الخارقة والمصنفات المقبولة والشروح المتداولة المنقولة فَمِنْهَا الْكَوْكَب الْوَقَّاد شرح الْإِرْشَاد فِي نَحْو أَربع وَعشْرين مجلداً كتاب جليل لم يصنف مثله فِي كَثْرَة الْجمع والفوائد وَله شرح صَغِير على الْإِرْشَاد أَيْضا لكنه لم يظْهر لَكِن قَالَ الْفَقِيه الْعَلامَة أَبُو المكارم مفتي الْإِسْلَام أَحْمد بن مُحَمَّد الجابري الزبيدِيّ رحم الله روحه وقفت على بعض مِنْهُ فِي نَاحيَة الْجَبَل جِهَة المخلاف انْتهى وَكَثِيرًا مَا ينْقل عَنهُ وَلَده فَخر الدّين فَيَقُول قَالَ شَيخنَا فِي شرح الْإِرْشَاد الصَّغِير وَرَأَيْت بِخَط الشَّيْخ الْعَلامَة عبد السَّلَام بن شيخ الْإِسْلَام عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد ان المُرَاد بالشرح الصَّغِير مسودة الْكَبِير انْتهى وَله أَيْضا فَتَاوَى جمعهَا وَلَده الْمَذْكُور ورتبها ترتيباً حسنا وَزَاد عَلَيْهَا بِزِيَادَة لَا غنى عَنْهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 قَالَ الْعَلامَة مفتي الْوَقْت أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن النَّاشِرِيّ أبقاه الله تَعَالَى اتّفق لصَاحب التَّرْجَمَة مَا لم يتَّفق لأحد قبله بمحارث الْوَادي زبيد وَذَلِكَ أَنه زرع الْبر فِي أرضه واستغله وحرث غَيره فَلم يتم لَهُ ذَلِك وَكَانَ قوته فِي غَالب الْأَحْوَال اللوز وَالْعَسَل قَالَ وَمن جسام نعم الله عَلَيْهِ أَنه مكث أَرْبَعِينَ سنة مَا رزء فِي أحد من بَيته وَلم يخرج من بَيته بِجنَازَة بل الله ثراه بوابل الغفران والرضوان وفيهَا فِي لَيْلَة الْجُمُعَة ثَانِي عشر شهر ربيع الآخر توفّي الْفَقِيه الْكَبِير الصَّالح تَقِيّ الدّين عمر بن مُحَمَّد بن أبي بكر جغمان بِبَيْت الْفَقِيه ابْن عجيل وفيهَا فِي يَوْم السبت ثَانِي عشر ذِي الْحجَّة توفّي الشهَاب أَحْمد ابْن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن زُهَيْر الرَّمْلِيّ ثمَّ الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي الْمقري الشَّاعِر إِمَام مَقْصُورَة جَامع بني أُميَّة بِدِمَشْق وَدفن بِبَاب الصَّغِير وَكَانَ مولده فِي شهر ربيع الأول سنة أَربع وَخمسين وَثَمَانمِائَة بالرملة وَنَشَأ بهَا ثمَّ تحول إِلَى دمشق وَحفظ الْمِنْهَاج وألفية النَّحْو والْحَدِيث والشاطبيتين والدرة فِي الْقرَاءَات الثَّلَاث لِابْنِ الْجَزرِي وَعرض على جمَاعَة وَمِمَّنْ أَخذ عَنهُ أَبُو زرْعَة الْمَقْدِسِي وَابْن عمرَان وخطاب وَعمر الطَّيِّبِيّ والزين الهيتمي وجعفر بِالْقَاهِرَةِ ودمشق وتميز فِيهَا وَولي مشيخة الاقراء بِجَامِع بني أُميَّة وبدار الحَدِيث الأشرفية وبتربة الأشرفية بعد خطاب وبتربة أم الصَّالح بعد البقاعي وَكَانَ لَازمه حِين اقامته بِدِمَشْق حَتَّى أَخذ عَنهُ فِي الفية الحَدِيث وَغَيرهَا وعادى أهل بَلَده أَو الْكثير مِنْهُم بِسَبَبِهِ وَكَذَا لَازم خطابا فِي الْفِقْه والعربية وَالْعرُوض وَغَيرهَا قِرَاءَة وسماعا وَالشَّمْس بن حَامِد فِي الْفِقْه واطراه فِيهِ والنجم ابْن قَاضِي عجلون فِي آخَرين كالعبادي والبكري بِالْقَاهِرَةِ وَأخذ الْمُخْتَصر قِرَاءَة والمطول سَمَاعا عَن ملازاده السَّمرقَنْدِي وَكَذَا أَخذ عَنهُ العقائد وَبَعض شرح المواقف وتكرر قدومه الْقَاهِرَة كَذَا ذكره السخاوي فِي تَرْجَمته قَالَ وقصدني فِي بعض قدماته وَأخذ عني وأنشدني قصيدة من نظمه امتدح بهَا الخضيري وَكَانَ نَائِبه فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 امامة مَقْصُورَة الْجَامِع الْأمَوِي ثمَّ نَاب فِي الْقَضَاء قَالَ وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ خَفِيف مَعَ فَضِيلَة قَالَ الشَّيْخ جَار الله بن فَهد رَحمَه الله أَقُول وَبعد الْمُؤلف اسْتمرّ نَائِبا فِي الْقَضَاء والإمامة وَعَلِيهِ ابهة ومهابة وحصلت لَهُ محنة مَعَ قُضَاة بَلَده طلبُوا إِلَى الْقَاهِرَة لأَجلهَا ونالهم التَّعَب بِسَبَبِهَا لإنكارهم على كَاتب سرها الاسلمي سَلامَة الله تَعَالَى على ضريح وَليهَا الشَّيْخ رسْلَان وهجاه بِأَبْيَات سَمعتهَا مِنْهُ مَعَ تكلم غَيرهَا فِي رحلتي لدمشق عَام اثْنَيْنِ وَعشْرين وفيهَا تَغَيَّرت دولة الجراكسة بالعثمانية ففوضوا إِلَيْهِ قَضَاء الشَّافِعِيَّة فِي الْبِلَاد الشامية فَانْفَرد بذلك بَين فَانْتَفع بِهِ جمَاعَة من الْأَصْحَاب وَأَنا مِمَّن لاحظني بنظره وَحصل لي حجَّة على يَده فعدت بعْدهَا إِلَى بلدي رَحمَه الله وفيهَا فِي يَوْم الْجُمُعَة الثَّالِث وَالْعِشْرين من شهر ربيع الآخر اسْتشْهد السُّلْطَان الْملك الظافر عَامر بن عبد الْوَهَّاب سُلْطَان الْيمن وَكَانَ على جَانب عَظِيم من الدّين وَالتَّقوى وَالْمَشْي فِي طَاعَة الله تَعَالَى لَا تعلم لَهُ صبوة وَكَانَ ملازماً للطَّهَارَة والتلاوة والاذكار وَلَا يفتر عَن ذَلِك آنَاء اللَّيْل وأطراف النَّهَار كثير الصَّدقَات وَفعل المبرات وَمن مآثره المخلدة لذكره على الدَّوَام والموجبة لحلوله دَار السَّلَام فِي حوار الْملك العلام عمَارَة الْجَامِع الْأَعْظَم بِمَدِينَة زبيد لم يسْبق إِلَى مثلهَا انفق فِي ذَلِك جملَة مستكثرة من أَمْوَاله وخالص حَلَاله وَعمارَة مدرسة من جنوبه الدَّار الْكَبِير بِمَدِينَة زبيد وَعمارَة مدرسة الشَّيْخ الْكَبِير إِسْمَاعِيل ابْن إِبْرَاهِيم الجبرتي بهَا وَعمارَة مشْهد الْفَقِيه أبي بكر الْحداد خَارج بَاب القرتب بِظَاهِر مَدِينَة زبيد ومدرستين بِمَدِينَة تعز واجراء الْعين بهَا وَالْجَامِع الْكَبِير بالمقرانة وَمَسْجِد الْقبَّة بهَا ومدرسة عَظِيمَة برداع الْعَرْش وَمَسْجِد بداخل عدن واجراء الْمِيَاه بِظَاهِر بَاب الْبر مِنْهَا وصهريج عَظِيم بهَا لم يسْبق إِلَى مثله وَآخر بقرية عسيب وَمَا لَا يُحْصى من الْمَسَاجِد والصهاريج والآبار والأسداد فِي الْأَمَاكِن الْمُحْتَاج إِلَيْهَا والمواضع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 المنقطعة وَهُوَ اجرى التلاج إِلَى مَدِينَة عدن من أَمَاكِن بعيدَة وانفق فِي ذَلِك أَمْوَالًا عديدة وَله من أَعمال الْبر مَا لَا يُحْصى كَثْرَة ضاعف الله تَعَالَى لَهُ الثَّوَاب وَأحسن لَهُ الْمرجع والمآب وَكَانَت مُدَّة ملكه إِلَى انْقِضَاء دولته تسعا وَعشْرين سنة إِلَّا أَيَّامًا وللعلامة الديبع رَحمَه الله فِيهِ ... اخلاي ضَاعَ الدّين من بعد عَامر ... وَبعد أَخِيه عَاد النَّاس فِي النَّاس فمذ فقدا وَالله وَالله اننا ... من الْأَمْن والسلوان فِي غَايَة الياس ... وَله فِيهِ ... تحطم من ركن الصّلاح مشيده ... وقوض من بُنْيَانه كل عَامر فَمَا من صَلَاح فِيهِ بعد صَلَاحه ... وَلَا عَامر وَالله من بعد عَامر ... سنة أَربع وَعشْرين بعد التسْعمائَة 924 هـ وَفِي سنة أَربع وَعشْرين توفّي الشريف الْفَاضِل الْعَالم الْعَامِل مُحَمَّد ابْن علوي بن الْفَقِيه الصَّالح الْوَلِيّ مُحَمَّد بن عَليّ صَاحب عيديد اشْتغل بِالْعلمِ حَتَّى برع فِيهِ تفقه بالفقيه أَحْمد بن يحيى رشيد بعدن وَنقل كتاب الارشاد للمقري وَسمع البُخَارِيّ على غَيره وَكَانَ جيد الْفَهم وَكَانَ شَيْخه الشَّيْخ القطب عبد الرَّحْمَن بن عَليّ نفعنا الله ببركاته يثنى عَلَيْهِ وَيَقُول اسْتَفَدْت مِنْهُ حَال قِرَاءَته عَليّ أَشْيَاء وَكَانَ على قدم من الصّلاح والزهد والخمول كثير التِّلَاوَة لكتاب الله تَعَالَى وَكَانَت وَفَاته بعدن رَحمَه الله تَعَالَى وجده الْفَقِيه مُحَمَّد بن عَليّ صَاحب عيديد نفعنا الله ببركاته من كبار الْأَوْلِيَاء وَعَمه الشريف الصَّالح الْعَالم عبد الله وَهُوَ الَّذِي جمع كَلَام الاستاذ الْأَعْظَم الشَّيْخ عبد الله العيدروس فِي كتاب فَلهُ بذلك علينا الْمِنَّة معاشر الْأَصْحَاب وفيهَا مَاتَ السُّلْطَان سليم سُلْطَان الرّوم وَتَوَلَّى بعده وَلَده السُّلْطَان سُلَيْمَان وَفِي أَيَّامه زَالَ ملك الجراكسة وَاعْتِبَار خلفاء بني الْعَبَّاس فسبحان من لَا يَزُول ملكه سنة خمس وَعشْرين بعد التسْعمائَة 925 هـ وَفِي يَوْم الْجُمُعَة رَابِع ذِي الْحجَّة سنة خمس وَعشْرين توفّي الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة شيخ الْإِسْلَام قَاضِي الْقُضَاة زين الدّين زَكَرِيَّا بن مُحَمَّد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 أَحْمد بن زَكَرِيَّا الْأنْصَارِيّ السنيكي ثمَّ القاهري الْأَزْهَرِي الشَّافِعِي بِالْقَاهِرَةِ وَدفن بالقرافة بِالْقربِ من الإِمَام الشَّافِعِي وحزن النَّاس عَلَيْهِ كثيرا لمحاسنه الْكَثِيرَة واوصافه الشهيرة ورثاه جمَاعَة من تلامذته بعدة مراثي مطولات وَكَانَ مولده فِي سنة سِتّ وَعشْرين وَثَمَانمِائَة بسنيكه من الشرقية وَنَشَأ بهَا وَحفظ الْقُرْآن عِنْد الفقيهين مُحَمَّد بن ربيع والبرهان الفاقوسي البلبيسي وعمدة الْأَحْكَام وَبَعض مُخْتَصر التبريزى فِي الْفِقْه ثمَّ تحول إِلَى الْقَاهِرَة فِي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين فقطن جَامع الْأَزْهَر واكمل حفظ الْمُخْتَصر ثمَّ حفظ الْمِنْهَاج الفرعي والألفية النحوية والشاطبية والرائية وَبَعض الْمِنْهَاج الْأَصْلِيّ وَنَحْو النّصْف من ألفية حَدِيث وَمن التسهيل إِلَى كَاد وَبَعض ذَلِك بعد هَذَا الأوان وَأقَام بعد مجيئة الْقَاهِرَة بهَا يَسِيرا ثمَّ عَاد إِلَى بَلَده ثمَّ رَجَعَ ودوام الأشتغال وجد فِيهِ فَكَانَ مِمَّن أَخذ عَنْهُم الْفِقْه القاياتي وَالْعلم البُلْقِينِيّ أَخذ عَنْهُمَا بِقِرَاءَة شرح الْبَهْجَة مُلَفقًا بل وَأخذ عَنْهُمَا فِي الْفِقْه غير ذَلِك والشرف السنيكي والشموس الوفاي والحجازي والبدرشي والشهاب ابْن المجدي والبدر النسابة والزين البوشنجي وبل وَعَن شيخ الْإِسْلَام ابْن حجر والزين رضوَان فِي آخَرين وَحضر دروس الشّرف الْمَنَاوِيّ وَغَيره وأصول فقه القاياتي والمحيوي الكافياجي قَرَأَ عَلَيْهِمَا الْعَضُد مُلَفقًا والعز عبد السَّلَام الْبَغْدَادِيّ والكمال نزيل زَاوِيَة الشَّيْخ نصر الله قَرَأَ عَلَيْهِ العبري شرح الطوالع للآمدى وَغَيرهم وَعَن كل مشايخه فِي أصُول الدّين أَخذ النَّحْو بل وَأَخذه أَيْضا عَن ابْن المجدي وَابْن الْهمام والشمني وَالصرْف عَن الْعِزّ عبد السَّلَام والشرواني وَكَذَا عَن مُحَمَّد بن حمد الكيلاني قَرَأَ عَلَيْهِ شرح تصريف الْعزي للتفتاز اني وَطَائِفَة والمعاني وَالْبَيَان والبديع عَن القاياتي أَخذ عَنهُ المطول مَا بَين قِرَاءَة وَسَمَاع وَالشَّمْس البُخَارِيّ الْمَذْكُور فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْمُخْتَصر والكافياجي والشرواني وَعَن مَا عداهُ أَخذ الْمنطق وَكَذَا عَن ابْن الْهمام والآمدي والزين جَعْفَر نزيل المؤيدية قَرَأَ عَلَيْهِ شرح الشمسية وغالب حَاشِيَة السَّيِّد الْجِرْجَانِيّ والتقي الحصني أَخذ عَنهُ ظنا القطبي وحاشيته أَخذ عَن القاياتي فِي اللُّغَة كَذَا أَخذ عَنهُ وَعَن الكافياجي وَشَيخ الْإِسْلَام الْحَافِظ ابْن حجر الْعَسْقَلَانِي فِي التَّفْسِير أَخذ علم الْهَيْئَة والهندسة والميقات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 والفرائض والحساب والجبر والمقابلة وَغَيرهَا عَن ابْن المجدي وقرا عَلَيْهِ من تصانيفه أشباه الْفَرَائِض والحساب أَيْضا عَن الشَّمْس الْحِجَازِي والبوشنجي كَذَا عَن أبي الْجُود اللَّيْثِيّ الْمَجْمُوع والفصول الْحكمِيَّة عَن الشرواني وجعفر الْمَذْكُور الطِّبّ عَن الشّرف بن الخشاب الْعرُوض عَن السراج الورودي علم الْحَرْف عَن مُحَمَّد بن قرقماز الْحَنَفِيّ التصوف عَن جمَاعَة مِنْهُم أَبُو عبد الله الغمري والشهاب أَحْمد الأذكاوي وَمُحَمّد الغومي وَكِلَاهُمَا من أَصْحَاب أبي إِسْحَاق الأذكاوي عَن السراج عمر البُلْقِينِيّ والزين عبد الرَّحْمَن الخليلي وتلقن مِنْهُم وَمن الْفَقِيه أَحْمد بن الْفَقِيه عَليّ بن مُحَمَّد بن حميد الدمياطي عرف بالزلباني الذّكر تلى بالسبع على كل من النُّور البُلْقِينِيّ أَمَام الْأَزْهَر والزين الرضْوَان والشهاب القلقيلي الكسندراني بعد تدريسه فِي ذَلِك لبَعض طلبتهم وبالثلاث الزَّائِدَة عَلَيْهَا مِمَّا تضمنته مصنفات ابْن الْجَزرِي فِي النشر والتقريب والطيبية على الزين ظَاهر الْمَالِكِي بالعشر لَكِن إِلَى المفلحون فَقَط عَن الزين ابْن عَيَّاش الْمَكِّيّ أَخذ رسوم الْخط وَعَن الزين رضوَان سمع عَلَيْهِ فِي الْبَحْث من شرح الشاطبية للجعبري وَحمل عَنهُ كتبا جمة فِي الْقرَاءَات والْحَدِيث وَغَيرهمَا كجملة من شرح الفية الحَدِيث للعراقي عَن أبن الْهمام أَخذ هَذَا الشَّرْح بِتَمَامِهِ سَمَاعا وَبَعضه قِرَاءَة وَعَن القاياتي بعضه أَخذ عَن شَيخنَا الْكثير مِنْهُ وَمن ابْن الصّلاح وَجَمِيع شرح النخبة لَهُ وقرا عَلَيْهِ والسيرة النَّبَوِيَّة لِأَبْنِ سيد النَّاس ومعظم السّنَن لِأَبْنِ ماجة وَأَشْيَاء غَيرهَا وَسمع فِي صَحِيح مُسلم عَن الزين الزَّرْكَشِيّ كَذَا سمع على الْعِزّ ابْن الْفُرَات الْبَعْث لِأَبْنِ أبي دَاوُد وَغَيره على سارة ابْنه ابْن جمَاعَة فِي المعجم الْكَبِير للطبراني بقرائتي وعَلى الْبُرْهَان الصَّالِحِي والرشيدي وَكثير مِمَّن تقدم كالزين رضوَان واشتدت عنايته بملازمته لَهُ فِي ذَلِك حَتَّى قَرَأَ عَلَيْهِ مُسلم وَالنَّسَائِيّ والبوشنجي والبلقيني وبمكة سنة خمسين حِين حج على الشّرف أبي الْفَتْح المراغي والتقي ابْن فَهد والقاضيين أبي الْيمن النويري وَأبي السعادات أبن ظهيره فِي آخَرين بِالْقَاهِرَةِ وَغَيرهَا كتب لَهُ أَسَانِيد فِي جُزْء وَأَجَازَ لَهُ فِي ذَلِك بعض من ذكر من جَمِيع شُيُوخه فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 أَخذه عَنهُ أَكثر من بعض كَمَا أَن عمله فِي هَذِه الْعُلُوم أَيْضا يتَفَاوَت وَلم يَنْفَكّ عَن الِاشْتِغَال على طَريقَة جميلَة من التَّوَاضُع وَحسن الْعشْرَة وَالْأَدب والعفة والانجماع عَن بني الدُّنْيَا مَعَ التقلل وَشرف النَّفس ومزيد الْعقل وسعة الْبَاطِن والأحتمال المداراة إِلَى أَن أذن لَهُ غير وَاحِد من شُيُوخه فِي الافتاء والاقراء وَمِمَّنْ كتب لَهُ شيخ الأسلام أبن حجر وَنَصّ كِتَابَته فِي شَهَادَته على بعض الإجازات لَهُ وأذنت لَهُ أَن يقْرَأ الْقُرْآن على الْوَجْه الَّذِي تَلقاهُ وَيقدر الْفِقْه على النمط الَّذِي نَص عَلَيْهِ الإِمَام وارتضاه قَالَ وَالله المسؤول أَن يَجْعَلنِي وإياه مِمَّن يرجوه ويخشاه إِلَى أَن نَلْقَاهُ وَكَذَا أذن لَهُ فِي إقراء شرح النخبة وَغَيرهَا وتصدى للتدريس فِي حَيَاة غير وَاحِد من شُيُوخه وانتفع بِهِ الْفُضَلَاء طبقَة بعد طبقَة وَشرح عدَّة كتب مِنْهَا آدَاب الْبَحْث وَسَماهُ فتح الْوَهَّاب شرح الْآدَاب وفصول ابْن الهايم وَسَماهُ غَايَة الْوُصُول إِلَى علم الْفُصُول مزج الْمَتْن فِيهِ وَشَرحه شرحاً آخر سَمَّاهُ مَنْهَج الْوُصُول إِلَى تَخْرِيج الْفُصُول وَهُوَ ابسطها والتحفة القدسية لِابْنِ الهايم فِي الْفَرَائِض أَيْضا سَمَّاهُ التُّحْفَة الانسية لغلق التُّحْفَة القدسية والفية ابْن الهايم أَيْضا الْمُسَمَّاة بالكفاية وَسَماهُ نِهَايَة الْهِدَايَة فِي تَحْرِير الْكِفَايَة وبهجة الْحَاوِي فقه سَمَّاهُ الْغرَر البهية بشرح الْبَهْجَة الوردية وتنقيح اللّبَاب لِابْنِ الْعرَاق ومختصر الرَّوْضَة للمقري الْمُسَمّى روض الطَّالِب سَمَّاهُ اسنى المطالب إِلَى روض الطَّالِب وَكتب على الفية النَّحْو يَسِيرا اقرأه مُعظم ذَلِك طَار اسْم شرح الْبَهْجَة فِي كثير من الأقطار قصد بالفتاوي وزاحم كثيرا من شُيُوخه فِيهَا وَله تهجد وَتوجه وصبر وَاحْتِمَال وَترك القيل والقال وَله أوراد واعتقاد وتواضع وَعدم تنَازع وَعَمله فِي التودد يزِيد عَن الْحَد ورويته أحسن من بديهته وكتابته أمتن من عِبَارَته وَعدم مسارعته إِلَى الْفَتَاوَى تعد من حَسَنَاته وَاخْتصرَ الْمِنْهَاج الفرعي للنووي وَسَماهُ مَنْهَج الطلاب وَشَرحه شرحاً مُفِيدا قلت وصنف فِي كثير من الْعُلُوم كالفقه وَالتَّفْسِير والْحَدِيث والنحو واللغة والتصريف والمعاني وَالْبَيَان والبديع والمنطق والطب وَله فِي التصوف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 البارع الطَّوِيل وصنف فِي الْفَرَائِض والحساب والجبر والمقابلة والهيئة والهندسة إِلَى غير ذَلِك وترأس بجدارة دهراً وَولي المناصب الجليلة كتدريس مقَام الإِمَام الشَّافِعِي وَلم يكن بِمصْر أرفع منصباً من هَذَا التدريس وَولي تدريس عدَّة مدارس رفيعة وخانقاه صوفية وَغَيرهَا إِلَى أَن رقى إِلَى المنصب الْجَلِيل وَهُوَ قَاضِي الْقُضَاة بعد امْتنَاع كثير وتعفف زَائِد وَوَقع ذَلِك فِي شهر رَجَب سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة ثمَّ اسْتمرّ قَاضِيا مُدَّة ولَايَة السُّلْطَان الاشرف قايتباي رَحمَه الله تَعَالَى ثمَّ اسْتمرّ بعد ذَلِك إِلَى أَن كف بَصَره فعزل بالعمى رَحمَه الله تَعَالَى وَلم يزل رَحمَه الله تَعَالَى ملازم التدريس والافتاء والتصنيف وانتفع بِهِ خلائق ودرس تلامذته فِي حَيَاته وافتوا وتولوا المناصب الرفيعة ببركته وبركة الانتساب إِلَيْهِ وَلم يزل كَذَلِك فِي نشر الْعلم وَكَثْرَة الْخَيْر وَالْبر والاحسان إِلَى أَن توفّي رَحمَه الله تَعَالَى وَقَالَ الشَّيْخ ابْن حجر الهيتمي فِي مُعْجم مشايخه وقدمت شَيخنَا زَكَرِيَّا لِأَنَّهُ أجل من وَقع عَلَيْهِ بَصرِي من الْعلمَاء العاملين وَالْأَئِمَّة الْوَارِثين واعلى من عَنهُ رويت ودريت من الْفُقَهَاء الْحُكَمَاء المسندين فَهُوَ عُمْدَة الْعلمَاء الْأَعْلَام وَحجَّة الله على الانام حَامِل لِوَاء مَذْهَب الشَّافِعِي على كَاهِله ومحرر مشكلاته وَكَاشف عويصاته فِي بكرته وأصائله مُلْحق الاحفاد بالأجداد المتفرد فِي زَمَنه بعلوا الأسناد كَيفَ وَلم يُوجد فِي عصره إِلَّا من أَخذ عَنهُ مشافهة أَو بِوَاسِطَة أَو بوسائط مُتعَدِّدَة بل وَقع لبَعْضهِم انه أَخذ عَنهُ مشافهة تَارَة وَعَن غَيره مِمَّن بَينه وَبَينه نَحْو سبع وسائط تَارَة أُخْرَى وَهَذَا لَا نَظِير لَهُ فِي أحد من عصره فَنعم هَذَا التميز الَّذِي هُوَ عِنْد الْأَئِمَّة أولى واحرى لِأَنَّهُ حَاز بِهِ سَعَة التلامذة والاتباع وَكَثْرَة الآخذين عَنهُ ودوام الأنتفاع أنْتَهى كَلَام أبن الْحجر وَيقرب عِنْدِي انه المجدد على رَأس الْقرن التَّاسِع لشهرة الأنتفاع بِهِ وبتصانيفه واحتياج غَالب النَّاس إِلَيْهَا فِيمَا يتَعَلَّق بالفقه وتحرير الْمَذْهَب بِخِلَاف غَيره فان مصنفاته وان كَانَت كَثِيرَة فَلَيْسَتْ بِهَذِهِ المثابة على أَن كثيرا مِنْهَا مُجَرّد جمع بِلَا تَحْرِير حَتَّى كَأَنَّهُ كَانَ حَاطِب ليل وَمن أحسن مَا رثي بِهِ قَول بَعضهم شعر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 .. قضى زَكَرِيَّا نحبه فتفجرت ... عَلَيْهِ عُيُون النّيل يَوْم حمامة إِذْ لتعلم أَن الدَّهْر رَاح امامه ... وَمَا الدَّهْر يبْقى بعد فقد امامه سقى الله قبراً ضمه مزن صيب ... عَلَيْهِ مدى الايام سح غمامه ... وَحكي أَن بعض قُضَاة مصر المحروسة كَانَ يُسمى صَالحا وَكَانَت أَحْكَامه غير مرضية وَكَانَ شيخ الْإِسْلَام الْمَذْكُور يكره أَفعاله القبيحة ويتأذى مِنْهُ جدا حَتَّى انه هجاه بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ ... الِاسْم غير الْمُسَمّى ... وَالْحق أَبْلَج وَاضح أَن كنت تنكر هَذَا فَانْظُر لسيرة صَالح ... وفيهَا فِي لَيْلَة السبت ثَالِث عشر شهر ربيع الثَّانِي توفّي الْفَقِيه الصَّالح الْعَلامَة الشَّيْخ عبد الله بن احْمَد أَبَا كثير الْحَضْرَمِيّ ثمَّ الْمَكِّيّ بِمَكَّة فَجهز فِي ليلته وَصلي عَلَيْهِ صبح يَوْمهَا عِنْد بَاب الْكَعْبَة وَدفن بالمعلا فِي الشّعب الْأَقْصَى وحملت جنَازَته على الرؤوس ببركات العيدروس وَكثير بِفَتْح الْكَاف وَكسر الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَكَانَ من الْعلمَاء العاملين والفضلاء البارعين متصفاً بمحاسن الاخلاق وَحسن الأرتفاق ولد تَقْرِيبًا فِي سنة سِتّ أَو سبع وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة بحضر موت وَنَشَأ بهَا سبع سِنِين وَنَقله وَالِده إِلَى غيل أَبَا وَزِير فحفظ القرأن فِي سنة وعمره ثَمَانِي سِنِين وَحفظ الْمِنْهَاج والبهجة لِأَبْنِ الوردي وخلاصة ابْن ظفر والفية ابْن مَالك وَغَيرهَا ثمَّ سَأَلَ وَالِده فِي الِاجْتِمَاع بشيخ من الصُّوفِيَّة فَأَشَارَ عَلَيْهِ بالشيخ عبد الله العيدروس رَضِي الله عَنهُ وَتوجه إِلَى تريم وَأخذ عَنهُ وتربى على يَدَيْهِ وَكَانَ يَقُول لَو أجتمع شُيُوخ الرسَالَة فِي جَانب الْحرم وَأَنا فِي جَانِبه الآخر مَا كنت أهتز إِلَى مَا عِنْدهم لما ملاني بِهِ الشريف يَعْنِي بِهِ عبد الله رَضِي الله عَنهُ وَحكي أَنه كَانَ سَبَب أنتقاله إِلَى مَكَّة مَا رُوِيَ أَن شيخة الشَّيْخ عبد الله العيدروس قَالَ من حصل كتاب الْأَحْيَاء وَجعله فِي أَرْبَعِينَ جُزْء ضمنت لَهُ على الله الْجنَّة فسرع الْخلق إِلَى ذَلِك وَكَانَ الشَّيْخ عبد الله أَبَا كثير الْمَذْكُور مِمَّن حصله وَجعله فِي أَرْبَعِينَ جُزْءا وَجعل لكل جُزْء كيساً وزينه فِي أَوله زِيَادَة على مَا شَرطه الشَّيْخ فَلَمَّا اتاه بِهِ وَرَآهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 قَالَ انك قد زِدْت فِيهِ فَيحْتَاج لَك زِيَادَة على الْجنَّة فتمن مَا تُرِيدُ فَقَالَ أُرِيد أَن أرى الْجنَّة فِي هَذِه الدَّار فَأَجَابَهُ الشَّيْخ إِلَى ذَلِك وَقَالَ لَا يمكنك االجلوس بعْدهَا عِنْدِي فَأمره بالعزم إِلَى مَكَّة والمجاورة بهَا فعزم إِلَيْهَا وَأقَام إِلَى ان توفّي بهَا ولقى جمَاعَة من الْعلمَاء وَأَجَازَهُ بَعضهم بالافتاء والتدريس فتصدى لذَلِك ونثر ونظم وَمن ذَلِك الدَّار اللوامع فِي نظم جمع الْجَوَامِع وتتمة التَّمام وَسَفك المدام فِي عقائد أهل الْإِسْلَام وقرظها لَهُ جمَاعَة وَهُوَ كثير الْفَوَائِد وَكَانَ من فضلاء مَكَّة وَعين المدرسين فِيهَا مَعَ الزّهْد وَالصَّلَاح وَالتَّعَفُّف وَالِاحْتِمَال والسكون والأنجماع عَن أنباء الدُّنْيَا وَخلف اولاداً ذُكُورا وأناثاً نَحْو الْعشْرَة وَمن شعره ... من كَانَ يعلم أَن كل مشَاهد ... فعل الْإِلَه فَمَا لَهُ أَن يغْضب بل وَاجِب أَن يرتضي مَا شاهدت ... عَيناهُ من ذَاك الفعال ويطربا ... سنة سِتّ وَعشْرين بعد التسْعمائَة 926 هـ وَفِي ضحى يَوْم الثُّلَاثَاء من ذِي الْحجَّة عَام سِتّ وَعشْرين توفّي الشهَاب الْفَاضِل أَحْمد بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عِيسَى بن مُحَمَّد ابْن أَحْمد بن مُسلم الشهَاب ابْن المبذر الْمَكِّيّ وَيعرف كأبيه بِابْن العليف بِضَم الْعين تَصْغِير علف بِمَكَّة فَجهز فِي ظهر تَارِيخه وَدفن بالمعلاة وَخلف ولدا وبنتين ولد فِي جُمَادَى الأولى سنة أحدى وَخمسين وَثَمَانمِائَة بِمَكَّة ونشا بهَا فحفظ القرأن والألفية النحوية وَالْأَرْبَعِينَ النواوية وعرضهما وَالْكثير من الْمِنْهَاج وَسمع بِمَكَّة على التقي أبن فَهد وَولده النَّجْم والزين عبد الرَّحِيم الأسيوطي وَأبي الْفضل الْمرْجَانِي وَيحيى الْعلم ولازم النُّور الفاكهي فِي دروسه الْفِقْهِيَّة والنحوية وبالقاهرة على الشهَاب الشادي وَحضر عِنْد الخيضري بل سمع الشِّفَاء على الْجَوْجَرِيّ وَأخذ عَن الْعباد والجوجري وَآخَرين بِالْقَاهِرَةِ فقد دَخلهَا مرَارًا قَالَ السخاوي وَكنت مِمَّن أَخذ عَنهُ بهَا وبالحرمين وتلا الْكثير لأبي عَمْرو على عمر البُخَارِيّ وَحضر دروس القَاضِي عبد الْقَادِر فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 الْعَرَبيَّة قَالَ السخاوي وتكسب بالنساخة مَعَ عقل وتودد وَحسن عشرَة وتميز وَرُبمَا نظم مَا يَقع لَهُ فِيهِ الْجيد وَمَعَ ذَلِك لم يسلم مِمَّن يعاديه بل كَاد أَن يُفَارق الْمَدِينَة لذَلِك قَالَ واغلب أقامته الْآن بِطيبَة على خير وانجماع وتقلل وَنعم الرجل قَالَ الشَّيْخ جَار الله بن فَهد رَحمَه الله أَقُول وَبعد الْمُؤلف بَاعَ دَاره وَسكن مَكَّة وَتزَوج فِيهَا ورزق بنتين وَكَانَ انتصر للمؤلف على الشَّيْخ جلال السُّيُوطِيّ بالشهاب الهاوي على منشي الكاوى ثمَّ المنتقد اللوذعي عَليّ الْمُجْتَهد الْمُدَّعِي وَألف لسلطان الرّوم أَبَا يزِيد بن عُثْمَان الدّرّ المنظوم فِي مَنَاقِب سُلْطَان الرّوم ومدحه وَغَيره من أقرانه فرتب لَهُ خمسين دِينَارا فِي كل سنة فتجمل بهَا ومدح صَاحب مَكَّة السَّيِّد بَرَكَات بن مُحَمَّد الحسني فقتصر على مدحه وحظي عِنْده لبلاغته حَتَّى صَار متنبي زَمَانه ثمَّ أُصِيب بِكَثْرَة الاسقام فِي آخر عمره حَتَّى مَاتَ رَحمَه الله وَمن نظمه الْحسن هَذِه القصيدة الْعَظِيمَة الْمُشْتَملَة على الفصاحة التَّامَّة والامثال العجيبة وَهِي ... خُذ جَانب الْعليا ودع مَا يتْرك ... فرضى الْبَريَّة غَايَة لَا تدْرك وَاجعَل سَبِيل الذل عَنْك بمعزل ... فالعز أحسن مَا بِهِ يسْتَمْسك وامنح مودتك الْكِرَام فَرُبمَا ... عز الْكَرِيم وَفَاتَ مَا يسْتَدرك وَإِذا بَدَت لَك فِي عَدوك فرْصَة ... فافتك فَأن أَخا الْعلَا من يفتك ودع الْأَمَانِي للغبي فأنما ... عَقبي المنى للْحرّ دَاء مهلك من يَقْتَضِي سَببا بِدُونِ عَزِيمَة ... ضلت مذاهبه وَعز الْمدْرك تعست مداراة الْعَدو فانها ... دَاء تحول بِهِ الجسوم وتوعك لَا يدْرك الْعليا إِلَّا من لَهُ ... فِي كل حَيّ من عداهُ منسك ندب عريق لَا يرام مرجب ... ضرب جزيل فِي الْأُمُور محكك ذُو هضبة لَا ترتقى وشكيمة ... عزت يدين لَهُ الألد الأمحك إِلَّا فَاتْلُ عِنْد الحفيظة راية ... لَكِن بتجريب الزَّمَان محنك فاركب سَنَام الْعِزّ فِي طلب الْعلَا ... حتام تسكن والنوى يَتَحَرَّك وأستفرغ المجهود فِي تَحْصِيل مَا ... فِيهِ النُّفُوس تكَاد جبنا تهْلك وَإِذا نبا بك منزلا فانبذ بِهِ ... ودع المطية تستقل وَيتْرك ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 .. وأرغب بِنَفْسِك أَن ترى فِي ساحة ... يسقى بهَا الْحر الْكَرِيم المرتك وأرتحل عَن الأوطان لَا مستعظما ... خطراً وَلَو عز المدى والمسلك فالحر يُنكر ضد مَا يعتاده ... ويميط ثوب الذل عَنهُ ويبتك وَإِذا تغشاه الهوان ببلدة ... يابي الْأَذَى أَو سيم خسفاً يفلك وَمَتى تنكرت المعارف خلته ... يثني الْعَنَان عَن الديار ويعتك لَا خير فِي دَار يضام بهَا الْفَتى ... والى سواهَا لَا يمِيل وَيتْرك وفتى تقاضته المساعي نَفسه ... فغدا يمنيها الْقَضَاء ويمعك بهوى النَّفس لَا تكون عزيزة ... وَلها إِلَى طرق الْمَعَالِي مَسْلَك ولواجد سبل الْكِرَام وَلم يزل ... يغضي الجفون على القذى ويفتك والمرء يعْذر أَن سعى وتعذرت ... عَنهُ المساعي أَو حواه المهلك تبت يَد الْأَيَّام تلقى للفتى ... سلما يُسلمهُ يَد مَا تملك يبكي اللبيب على تقاعس حَظه ... حينا ويطمعه الرَّجَاء ويضحك لَكِن تغامره قد دونهَا ... عَن حَوْضه فغدا لَدَيْهَا يفرك سميتها فِي القنع أَعلَى غارب ... فغدت بِذرْوَةِ عزه تتورك وسقيتها عللاً على نهل بِهِ ... وتركتها ترْضى عَلَيْهِ وترمك عجبا لمن سر الزَّمَان وَأَهله ... فغدا بتعليل المطامع يمسك وَلمن لَهُ فضل يمن بِهِ فَلَا ... يسمو على هام السماك ويسمك حَتَّى مَتى أطوي اللَّيَالِي بالمنى ... وَالْجد ينهضني وجدي يبرك ويجول فكري فِي لَعَلَّ وَأُخْتهَا ... ويحول دونهمَا زمَان أنوك وينالني بِالنَّقْصِ غمر مَاله ... فِي الْفضل سهم مثل سهمي يُشْرك لَا صاحبتني نفس حر لم تكن ... نزاعة فِيمَا ينَال وَيتْرك هَل فِي القشية أَن أرى متقابلاً ... أحكي القوافي للئام وأحتك وأبيت أنسج من سرابيل الثنا ... حللاً على طول المدى لَا تدعك أكسو بنائله تخال وُجُوههم ... بالملح حَال الْمَدْح غيظاً تعرك واغوص عَن در النظام بهمة ... وأصوغ من تبر الْكَلَام واسبك فِي كل فدم لَا سليم يرتجى ... يرضيك مِنْهُ القَوْل وَهُوَ من وتك متغافل عَن فطنه مستبطن ... لوماً كثير الْخَيْر وافه حوتك هلا فَتى فِي الْمجد يقصر دونه ... مَعَ طول غايتها الْجبَال السّمك ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 .. سمح على العلات بَحر فِي الندا ... يحيى بِهِ در القريض المهتك مَاتُوا بناة الْمجد والعز الأولى ... كَانُوا بِطيب ثناءهم يسْتَمْسك النازلين من المكارم منزلا ... بترابه يتبرك المتبرك وَنَكَصت فِي حل أجل نواله ... وعد يؤكده بقول يعفك فعلام لَا ألوي رجائي عَنْهُم ... نَاسا وَفِي جَنْبي قلب دكدك وَأرى بِرَأْي يَقْتَضِي ذُو همة ... لَا يسْتَقلّ بهَا اللَّئِيم الممسك لَو لم يعارضني زمَان عَاشر ... فِيهِ وحظ حِين أعدو أشوك لله عصر بت أطوي عَتبه ... مني على تِلْكَ وَقد لَا أحبك وأشوبه عود الضَّمِير مغالطاً ... فينلني وَعدا عَلَيْهِ وينسك ويطيل بالتسويف فِي تَقْصِيره ... حلفا ويرميني بخصم يمحك لَا كنت من أولي الْفَضَائِل منتم ... للفضل أفعل مَا أروم وأترك كلا وَلَا كَانَت كرام ابوتي ... أهدي إِلَيْهِ ولَايَة تتنسك أَيْضا وَلَا منعت من أربى بهَا ... فِي موقف عِنْد التنافر يفتك أَن لم أرد النَّفس عَن أتيانه ... وأنال مِنْهُ مَا ينَال الْمدْرك وَلَقَد نَدِمت على مديحي معشراً ... ندما يضل الدمع مِنْهُ يسبك وذممت دهري اذ غَدا متغافلاً ... عني وَصَارَ باهله يتحكك دهراً مَتى أوسعت فِيهِ أَهله ... ذماً بِبَاب والمدائح توفك قلدت فِيهِ الدَّهْر غير نفيسه ... وسلكته فِي مَوضِع لَا يسْلك لَو لم يكن فِيمَا أَذمّ لأَجله ... إِلَّا معاصرة اللئام وأفرك فَمَتَى أسمو مَكَاني مثلهَا ... فلبئس دامكة تَجِيء وتدمك لَيْت المكارم لَو تكن مَقْصُودَة ... فِي كل ذِي قذر وضيع ينبك قسما بِنَفس بِالزَّمَانِ قَصِيرَة ... وبحرمة الْأَدَب الَّتِي لَا يهتك لَوْلَا أشتغال الْخطب فِي جهاله ... عني لَكُنْت لكل فضل أملك ... وفيهَا أَخذ السُّلْطَان بدر رَحمَه الله تَعَالَى تريم قسرا من السُّلْطَان أَحْمد بن مُحَمَّد وَفِي ضحى يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشر شهر ذِي الْقعدَة توفّي الْفَقِيه الْفَاضِل الأديب البارع حَمْزَة بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي بكر ابْن عَليّ بن مُحَمَّد النَّاشِرِيّ بِمَدِينَة زبيد وَدفن بمقبرة سلفة الصَّالح بِبَاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 سِهَام قَرِيبا من آل مَرْزُوق وقبر إِسْمَاعِيل الجبرتي وَكَانَت وِلَادَته ثَالِث عشر شَوَّال من سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة وَأخذ الْفِقْه والْحَدِيث عَن الْعَلامَة قَاضِي الْقُضَاة الطّيب بن أَحْمد النَّاشِرِيّ مُصَنف الْإِيضَاح على الْحَاوِي وَعَن وَلَده قَاضِي الْقُضَاة عبد الله والعلامة مُحَمَّد بن أَحْمد حميش وَغَيرهم وَرُوِيَ عَن القَاضِي مجد الدّين الشِّيرَازِيّ صَاحب الْقَامُوس والفقيه مُحَمَّد بن أبي الْفَتْح الْمدنِي وَأَجَازَهُ شيخ الْإِسْلَام شهَاب الدّين أَحْمد بن عَليّ بن حجر الْعَسْقَلَانِي صَاحب فتح الْبَارِي وَكتب لَهُ بِالْإِجَازَةِ هُوَ وعلماء مصر كالشيخ زَكَرِيَّا الْأنْصَارِيّ الْجَوْجَرِيّ والسيوطي وَابْن أبي شرِيف وَغَيرهم من عُلَمَاء مصر وَمن الْحجاز الْحَافِظ أَبُو الْخَيْر مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن السخاوي وَله مصنفات حَسَنَة غَرِيبَة مِنْهَا الْأَرْبَعُونَ التهليلية ومسالك التحبير من مسَائِل التَّكْبِير ومختصره التحبير فِي التَّكْبِير وانتهاز الفرص فِي الصَّيْد والقنص وَكتاب النَّبَات الْعَظِيم الشَّأْن الْمُسَمّى حدائق الرياض وغوضة الْفَيَّاض وعجائب الغرائب وغرائب الْعَجَائِب والبستان الزَّاهِر فِي طَبَقَات عُلَمَاء آل ناشر ذيل بِهِ على مؤلف قَرِيبه وَالنعْمَة المشكورة فِي الْمسَائِل المنثورة وسالفة العذار فِي الشّعْر المذموم وَالْمُخْتَار وَله الفية فِي غَرِيب الْقُرْآن وَغير ذَلِك وَمن مؤلفاته أَيْضا مجموعاً حسنا مُفِيدا فِي بَابه فِي الْفِقْه يُسمى مَجْمُوع حَمْزَة وَذَلِكَ من فتاوي عُلَمَاء الْيمن وغالبه من فتيا عُلَمَاء زبيد رَحمَه الله تَعَالَى آمين وغالب مؤلفاته لم تبيض قلت ووقفت لَهُ على قصيدة فِي رُوِيَ لَام ألف فِي مَنَافِع البن ذكر فِيهِ نيفاً وَسبعين خاصية وعدتها نَحْو الْخمسين بَيْتا وَمِنْهَا ... كل البن لَا تعدل بَيْنك تنبلا ... لتعلو بِهِ بَين الانام وتنبلا ... وأشتهر باللطافة وَكَثْرَة الزواج ورزق كثيرا من الاولاد مَاتَ غالبهم وَكَانَ ضَعِيف الْحَال عَظِيم الْمِقْدَار قَوِيا فِي نَفسه والتمتع بحواسه وَلَقَد قَارب الْمِائَة وَهُوَ يفتض الْأَبْكَار وَيسْتَعْمل الحرارات القوية الْمعينَة على النِّكَاح إِلَى أَن قضي نحبه وَحط سلبه وتفقه بِهِ خلائق كَثِيرُونَ كإسماعيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 أبن أبراهيم الْعلوِي وأخيه أَحْمد والحافظ بن الرّبيع وَأبي البركات النَّاشِرِيّ وأخيه حَافظ الدّين عبد الْمجِيد وَغَيرهم وَمن شعره فِي الفل الْأَبْيَض ... زهور الفل تنظرها ابتهاجا ... نجوماً زاهرات فِي غِيَاض وَمَا غربت نُجُوم اللَّيْل لَكِن ... نقلت من السَّمَاء إِلَى الرياض ... وَله فِيهِ ... أنظر إِلَى الفل فِي الأغصان وَالْوَرق ... ونزه الطّرف فِي رُؤْيَاهُ بالحدق تزهو حديقته فخراً ببهجتها ... فِي رَفْرَف أَخْضَر أَو أَبيض يقق كَأَن خضرتها والفل حِين بدا ... صحن السَّمَاء وَفِيه أنجم الْأُفق ... وَمن شعره فِي الانيج ... ومصفرة الملاة قد جناني ... رحيق الشهد من رشف المحاج أشبه شامة حَمْرَاء عَلَيْهِ ... بِفضل الْخمر فِي كأس الزّجاج ... وَله فِيهِ ... إِذا نظرت إِلَى الْعِنَب اتحسبه ... جَاما من التبر فِيهِ فص ياقوت أَو خد غانية يحمر من خجل ... أَو قرص عاشقه أدماه كالتوت ... ولي فِي الانيج ... يَا صَاح أَن الْعِنَب لَهُ لَذَّة ... تفوق لذات الْفَوَاكِه وَالثِّمَار وَوقت أتيانه لَا تنسه ... فَهُوَ الَّذِي ينسيك ذَات الاستار ... ولي فِيهِ ... أَيَّام الْعِنَب قدست يَا أَيَّام ... أذكرتني الرَّاحَة وَتلك الْأَعْلَام بذلتي الرَّضَاع للنَّاس دهراً ... وَمَا مفجعهم مِنْك إِلَّا الْفِطَام ... ولي فِيهِ ... الْعِنَب سُلْطَان الثِّمَار ... وَمَا سواهُ الْحَاشِيَة فلونه المحمر يَحْكِي ... حسن خد الغانية وريحه الْعطر يزري ... بِكُل طيب وغالية ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 سنة سبع وَعشْرين بعد التسْعمائَة 927 هـ وَفِي سنة سبع وَعشْرين توفّي الْأَمِير مرجان الظافري وتولي بعده الشَّيْخ عبد الْملك بن طَاهِر وَهَذَا مرجان هُوَ الَّذِي عمر قبَّة العيدروس بعدن وَهُوَ مدفون مَعَه فِيهَا وَكَانَت لَهُ عقيدة كَامِلَة وَحسن ظن زَائِد فِي العيدروس نفع الله بِهِ وَلَقَد قَالَ عِنْدَمَا ذكرت عِنْده كراماته قدس الله روحه لَو شِئْت أَن أملي من كراماته مجلدا لأمليت نقل ذَلِك الْعَلامَة بحرق رَحمَه الله فِي كِتَابه مواهب القدوس فِي مَنَاقِب ابْن العيدروس وَكَانَ الْأَمِير مرجان مَشْهُورا بالشجاعة وَالْكَرم متصفاً بمحاسن الْأَوْصَاف والشيم وَيَكْفِي فِي فَضله الْعَظِيم أَن الْفَقِيه بحرق قَالَ فِي وَصفه الْكَرِيم الْأَمِير الْمُؤَيد بِتَوْفِيق الله تَعَالَى وعنايته المسدد بِحِفْظ الله ورعايته الَّذِي فتح الله بِنور الْإِيمَان عين بصيرته وطهر عَن سوء العقيدة بَاطِن سَرِيرَته وَصَارَ معدوداً من الْأَوْلِيَاء لموالاته لَهُم بَاطِنا وظاهراً وَحَازَ من بَين الْوُلَاة والحكام من التَّوَاضُع لله والرفق بالفقراء وَالْمَسَاكِين حظاً وافراً مرجان بن عبد الله الظافري لَا زَالَ على الْأَعْدَاء ظَاهرا وَإِلَى مرضاة مَوْلَاهُ مبادراً وفيهَا طلب الشَّيْخ عبد الله بن طَاهِر جدي الشَّيْخ عبد الله العيدروس إِلَى عدن المحروس فَسَار إِلَيْهِ من بَلْدَة تريم وَأقَام عِنْده مُدَّة نَحْو سِتّ سِنِين على غَايَة التَّعْظِيم ثمَّ رَجَعَ إِلَى تريم سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ سنة ثَمَان وَعشْرين بعد التسْعمائَة 928 هـ وَفِي سنة ثَمَان وَعشْرين توفّي الْعَلامَة مُحَمَّد بن أسعد جلال الدّين الصّديق الدواني بِفَتْح الْمُهْملَة وَتَخْفِيف النُّون نِسْبَة لقرية من كازرون الكاروني الشَّافِعِي القَاضِي بإقليم فَارس الْمَذْكُور بِالْعلمِ الْكثير وَمِمَّنْ أَخذ عَنهُ المحيوي اللاري وَحسن بن الْبَقَّال وَتقدم فِي الْعُلُوم سِيمَا العقليات وَأخذ عَنهُ أهل تِلْكَ النواحي وَارْتَحَلُوا إِلَيْهِ من الرّوم وخراسان وَمَا وَرَاء النَّهر ذكره السخاوي فِي ضوئه قَالَ وَسمعت الثَّنَاء عَلَيْهِ من جمَاعَة مِمَّن أَخذ عني فاستقره السُّلْطَان يَعْقُوب فِي الْقَضَاء وصنف الْكثير من ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 شرح على شرح التَّجْرِيد للطوسي عَم الِانْتِفَاع بِهِ وَكَذَا كتب على العضدي مَعَ فصاحة وبلاغة وَصَلَاح وتواضع وَهُوَ الْآن فِي سنة تسع وَتِسْعين حَيّ ابْن بضع وَسبعين انْتهى وفيهَا سُئِلَ الْحَكِيم بدر الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد القوصوني بِمَا صورته مَا قَوْلكُم رَضِي الله عَنْكُم ونفع بعلومكم الْمُسلمين فِي القهوة هَل أستعمالها مُضر أم نَافِع وَهل طبعها الْحَرَارَة أم الْبُرُودَة أم اليبوسة أم الرُّطُوبَة وَإِذا قُلْتُمْ بِأَن اسْتِعْمَالهَا نَافِع فَمَا الْقدر النافع مِنْهَا وَمَا المضر وَهل الاكثار مِنْهَا ضار أم لَا وَهل فِيهَا تَقْوِيَة للباه أم لَا وَهل اسْتِعْمَالهَا على الشِّبَع مُضر أم نَافِع وَكَذَلِكَ اسْتِعْمَالهَا على الْجُوع هَل هُوَ مُضر أم نَافِع وَهل فِيهَا هضم وَهل اسْتِعْمَالهَا حارة أولى من اسْتِعْمَالهَا فاترة أم عَكسه وَهل يُضَاف إِلَيْهَا شَيْء من الْأَشْيَاء عِنْد طبخها أم لَا افتونا مَأْجُورِينَ أثابكم الله الْجنَّة فَأجَاب الْحَمد الله لم أجد ذكرا للبن فضلا عَن القهوة فِي شَيْء من كتب الطِّبّ الَّتِي طالعتها واطلعت عَلَيْهَا وَالَّذِي نتكلم فِيهِ الْآن إِنَّمَا هُوَ بِحَسب مَا ظهر لنا من آثارها بطرِيق التجربة فَأَما هَل اسْتِعْمَالهَا مُضر أم لَا فَنَقُول إِنَّه لَيْسَ يمكننا الحكم على دَوَاء من الْأَدْوِيَة بِأَنَّهُ نَافِع مُطلقًا وَلَا بِأَنَّهُ ضار مُطلقًا فِي كل حَال بل أَن أثبتنا لَهُ نفعا فِي بعض الْأَحْوَال فَلَا يُنَافِي ذَلِك أَن يكون لَهُ مضرَّة فِي حَالَة أُخْرَى وَأَن يكون غَيره أَنْفَع مِنْهُ فِي تِلْكَ الْحَال ونوضح ذَلِك بمثال فَنَقُول الدرياق الْفَارُوق قد اجْمَعْ الْأَطِبَّاء أَنه أعظم الْأَدْوِيَة وَمَعَ ذَلِك لَا يُمكن أَن يُقَال بنفعه مُطلقًا وَفِي كل حَال بل بعض الْأَدْوِيَة المبردة كبزر قطونا للمحموم مثلا أَنْفَع مِنْهُ بِكَثِير فَبَقيَ أَن يُقَال إِن القهوة كَغَيْرِهَا من الْأَدْوِيَة لَهَا نفع فِي بعض الْأَحْوَال فَأَما طبع القهوة فَنَقُول إِن فِي الكيفيتين الفاعلتين أَعنِي الْحَرَارَة والبرودة فَالظَّاهِر أَنَّهَا معتدلة ومائلة إِلَى الْبرد قَلِيلا وَلَا يبعد أَن يكون لَهَا جُزْء حَار بِهِ يكون الهضم وَنَحْوه من أفعالها فَإِن كثيرا من الْأَدْوِيَة كَذَلِك وَأما فِي الكيفيتين المنفعلتين فتجدها مائلة إِلَى جَانب اليبس لأَنا نجدها تجفف الْأَبدَان وَتغَير أَصْحَاب الْأَمْرَاض الْيَابِسَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 وَأما الْقدر النافع مِنْهَا فَهُوَ مُخْتَلف بِحَسب مزاج مستعملها وَأما هَل الْإِكْثَار مِنْهَا مُضر فقد قَالَ الْأَطِبَّاء إِن كل كَثْرَة عَدو للطبيعة وَلَا شكّ أَن الْإِكْثَار من القهوة مُضر خُصُوصا بذوي الأمزجة الْيَابِسَة وَأما هَل فِيهَا تَقْوِيَة للباه فَنَقُول لَا نبعد ذَلِك بِوَاسِطَة تجفيفها للرطوبات المرطبة للأعصاب فَيكون ذَلِك بطرِيق الْعرض وَأما هَل اسْتِعْمَالهَا على الشِّبَع مُضر فنقلول قد نهى الْأَطِبَّاء عَن اسْتِعْمَال سَائِر المشروبات عقب اسْتِعْمَال الْغذَاء لما يفجج الْغذَاء وينفذه قبل انهضامه لَكِن الْقَلِيل من المشروبات خُصُوصا الْمعينَة على الهضم كالقهوة وَنَحْوهَا نافعة بِشَرْط أَن لَا تبلغ إِلَى حد تنفذ الْغذَاء إِلَى فجاجته وَأولى مَا اسْتعْملت القهوة بعد أَخذ الْغذَاء فِي حَالَة الانهضام فَأَما على الْجُوع فمجففة تَنْفَع أَصْحَاب الأمزجة الْبَارِدَة الرّطبَة وَتغَير المهزولين ويابسي الأمزجة واستعمالها فاترة أولى لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تكون ألذ طعماً وَأقوى على النّفُوذ وَأما هَل أَنه يُضَاف إِلَيْهَا دَوَاء عِنْد الطَّبْخ فَنَقُول لَا يتَعَذَّر أَن يُضَاف إِلَيْهَا أدوية مصلحَة لمزاجها مقوية لافعالها لَكِن تخرج عَن كَونهَا قهوة وَتدْخل فِي جملَة الادوية النافعة وَلَكِن الأولى أَن يُضَاف إِلَيْهَا شيئ من السكر أَو الْعَسَل لباردي المزاج ليعين ذَلِك على نفوذها وَالله أعلم قَالَه بدر الدّين مُحَمَّد القوصوني فِي الْمحرم سنة 938 هـ سنة تسع وَعشْرين بعد التسْعمائَة 929 هـ وَفِي سنة تسع وَعشْرين توفّي الْفَقِيه الْعَلامَة شهَاب الدّين أَحْمد بن الْفَقِيه عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بالحاج أَبَا فضل وَكَانَ مولده يَوْم الْجُمُعَة خَامِس شَوَّال من سنة سبع وَسبعين وَثَمَانمِائَة وتفقه بِأَبِيهِ وبالفقيه مُحَمَّد بن أَحْمد فضل وَأخذ عَن قَاضِي الْقُضَاة الْعَلامَة يُوسُف بن يُونُس الْمقري القَاضِي أَحْمد بن عمر المزجد وَغَيرهمَا وبرع وتميز وتصدر للإفتاء والتدريس فِي زمَان وَالِده وَكَانَ مُتَوَلِّيًا الاعادة فِي درس الْجَامِع فِي زمَان وَالِده وَلما مَاتَ وَالِده خَلفه وَصَارَ فِي عين الْمَكَان وَكَانَ فَقِيها فَاضلا حسن الاستنباط قوي الذِّهْن شرِيف النَّفس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 وَكَانَ وَالِده يعظمه ويثنى عَلَيْهِ وَيُشِير إِلَيْهِ بالمعرفة فِي الْفِقْه وَحج مرَارًا وَاجْتمعَ فِي حجَّته الْأَخِيرَة بالشيخ الْعَالم الصَّالح مُحَمَّد بن عراق وَكَانَ من رجال الطَّرِيق الْمَشَايِخ التَّحْقِيق فصحبه ولازمه وتسلك على يَده وَكَانَ سخياً كثير الصَّدَقَة وَفعل الْمَعْرُوف محباً للصالحين والفقراء حسن العقيدة فيهم كثير المواصلة لَهُم مواضبا على الطَّاعَة وَلم يزل على ذَلِك حَتَّى اسْتشْهد فِي معركة الْكفَّار لما دخل الافرنج الشحر وَقتلُوا الْأَمِير مطران وَغَيره وأسروا ونهبوا وَذَلِكَ بعد فجر يَوْم الْجُمُعَة عَاشر شهر ربيع الثَّانِي من السّنة الْمَذْكُورَة وَدفن عِنْد وَالِده رحمهمَا الله تَعَالَى ونفع بهما آمين آمين وَله من التصانيف نكت على روض الْمقري فِي مجلدين لطيفين وَله نكت على الارشاد فِي مجلدين لطيفين أَيْضا وَله تصنيف حسن فِي بَابه مُفِيد جدا وَله أَيْضا كتاب مشكاة الْأَنْوَار وَهُوَ غَايَة الْحسن كثير النَّفْع وَكَفاهُ شرفاً أَن مُؤَلفه قَالَ فِي وَصفه فِي أثْنَاء وَصيته وَعَلَيْك بالأوراد الَّتِي علقتها فِي كراريس سميتها مشكاة الْأَنْوَار عَلَيْك بهَا عَلَيْك بهَا فَانِي ضمنتها وَالله الِاسْم الْأَعْظَم الَّذِي هُوَ اكسير الْأَوْلِيَاء وَلَكِن لَا يظْهر إِلَّا بالمداومة مَعَ الصيانة والديانة والعفة والسلامة من الْوُقُوع فِي الشُّبُهَات والشهوات عَلَيْك بِحِفْظ مَا فِيهَا عَن ظهر الْقلب وَله وَصِيَّة مختصرة وَمن كَلَامه من كَانَ همه المعالف فَاتَتْهُ المعارف وَكَأن يعظم السَّادة الْأَشْرَاف ال أَبَا علوي جدا وَحكي عَنهُ أَنه قَالَ طفت كثيرا من الْبلدَانِ كمكة المعظمة وَالْمَدينَة المشرفة واليمن والأنيس وَغَيرهَا وَنظر كثيرا من الْحجَّاج مِمَّن يفد إِلَى بَيت الله الْحَرَام من أَطْرَاف الْبِلَاد وَسَائِر الْآفَاق وَسَأَلت غير وَاحِد من الثِّقَات فَمَا ذكرُوا لي وَلَا وجدت فِي الاشراف مثل آل أَبَا علوي وطريقتهم فِي الاسْتقَامَة والاتباع للْكتاب وَالسّنة وَمِمَّا كتب بِهِ إِلَى بعض السَّادة آل ابا علوي من جملَة مَكْتُوب مَا صورته فَأنْتم أهل الْفضل والاحسان ومعدن سر النُّبُوَّة والفضائل والفتوة قليلكم كثير حقيركم جليل ضعيفكم قوي مسكينكم غَنِي وَلَكِن أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ أَوْصَاف غَيْركُمْ طارئة وكمالاتكم ذاتية كَيفَ يبلغ شأو الذَّات فَضِيلَة الصِّفَات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 هَذَا إِن صحت كَيفَ وَقد سَاق الله لكم الكمالين نَعُوذ بِاللَّه من الْجَهْل بِمَعْرِِفَة حقكم انْتهى سنة ثَلَاثِينَ بعد التسْعمائَة 930 هـ فِي فجر يَوْم الْأَحَد شهر ربيع الآخر سنة ثَلَاثِينَ وَتِسْعمِائَة توفّي الشَّيْخ إِمَام شيخ الْإِسْلَام الْعَلامَة ذُو التصانيف المفيدة والفتاوي السديدة الْمجمع على جلالته وتحريه وورعه اقضى قَضَاهُ الْمُسلمين أوحد عباد الله الصَّالِحين صفي الدّين أَبُو السرُور القَاضِي أَحْمد بن عمر بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن القَاضِي يُوسُف بن مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن حسان بن الْملك سيف بن ذِي يزن المدحجي السيفي الْمرَادِي شهَاب الدّين الشهير بالمزجد بميم مَضْمُومَة ثمَّ زاء مَفْتُوحَة ثمَّ جِيم مُشَدّدَة مَفْتُوحَة ودال مُهْملَة آخر الْحُرُوف الشَّافِعِي الزبيدِيّ ببلدة زبيد وَصلي عَلَيْهِ بجامعها الْكَبِير وَدفن بِبَاب سِهَام وقبره قبلي تربة الشَّيْخ عَليّ افلح وَلم يخلف بعده مثله رَحمَه الله تَعَالَى ونفعنا بسره وسر علومه ورثاه جمَاعَة من أكَابِر الْعلمَاء والأدباء من تلامذته ومعاصريه وَعظم الأسف عَلَيْهِ وَكَانَ من الْعلمَاء الْمَشْهُورين وَبَقِيَّة الْفُقَهَاء الْمَذْكُورين وَاحِد الْمُحَقِّقين المعتمدين المرجوع إِلَيْهِم فِي النَّوَازِل المعضلة والحوادث المشكلة وَكَانَ على الْغَايَة من التَّمَكُّن فِي مَرَاتِب الْعُلُوم الإسلامية من الْأُصُول وَالْفُرُوع وعلوم الْأَدَب وَذكروا لَهُ كرامات وَهُوَ الَّذِي افتى بحلية البن والقهوة ولد رَحمَه الله تَعَالَى سنة سبع وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة بِجِهَة قَرْيَة الزبيدية وَنَشَأ بهَا وَحفظ جَامع المختصرات ثمَّ اشْتغل فِيهَا على أبي الْقَاسِم ابْن مُحَمَّد بن مريفد ثمَّ انْتقل إِلَى بَيت الْفَقِيه بن عجيل فَأخذ فِيهَا على شيخ الْإِسْلَام إِبْرَاهِيم بن أبي الْقَاسِم جغمان والطاهر بن أَحْمد بن عمر جغمان وَأخذ أَيْضا عَن القَاضِي عبد الله بن الطّيب النَّاشِرِيّ وَقَالَ تِلْمِيذه شمس الدّين النَّاشِرِيّ لقد سَمِعت شَيخنَا شهَاب الدّين الْمشَار إِلَيْهِ يَقُول مَا دخلتني هَيْبَة من أحد قطّ كَمَا كَانَت تدخلني بَين يَدي إِبْرَاهِيم الْمَذْكُور انْتهى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 ثمَّ ارتحل إِلَى زبيد واشتغل فِيهَا بالفقه على الْعَلامَة أبي حَفْص عمر الْفَتى وَنجم الدّين يُوسُف الْمقري بن يُونُس الجباي وَبِهِمَا تخرج وانتفع وَأخذ الْأُصُول عَن السفيكي والجبائي والْحَدِيث عَن الْحَافِظ يحيى العامري وَعَن الصّديق الطّيب المطيب والحساب والفرائض عَن موفق الدّين النَّاشِرِيّ والعلامة الْحُسَيْن الصباحي بتعز وَغَيرهم وبرع فِي عُلُوم كَثِيرَة وتميز فِي الْفِقْه حَتَّى كَانَ فِيهِ أوحد وقته وَمن مصنفاته الْمَشْهُورَة فِي الْفِقْه الْعباب وَالْمُحِيط بمعظم نُصُوص الشَّافِعِي وَالْأَصْحَاب وَهُوَ كاسمه وكما وَصفه جَامعه رَحمَه الله إِذْ قَالَ شعر ... إِلَّا أَن الْعباب أجل سفر ... من الْكتب الْقَدِيمَة والجديده كتاب قد تعبت عَلَيْهِ دهراً ... وخضت لجمعه كتبا عديده وَقربت القصي لطالبيه ... وَقد كَانَت مسافته بعيده وغصت على الخبايا فِي الزوايا ... فها هِيَ فِيهِ بارزة عتيده وَكم قد رضت فِيهِ جِيَاد فكري ... وَمَرَّتْ لي بِهِ مدد مديده إِلَى أَن بلغ الرَّحْمَن مِنْهُ ... مرادي من مواهبه المديده فدونك كنز علم لست تلقى ... مدى الْأَزْمَان فِي الدُّنْيَا مديده وثق بِجَمِيعِ مَا فِيهِ فَانِي ... منحت الْعلم فِيهِ مستفيده إلهي اجْعَلْهُ لي ذخْرا وضاعف ... ثوابي من عطاياك الحميده وجد بقبوله وَاجعَل جزائي ... رضاك وجنة الْخلد المشيده بجاه مُحَمَّد خير البرايا ... وتنقذهم عَن الكرب الشديده وصل مُسلما أبدا عَلَيْهِ ... وَعم جَمِيع عترته السعيده ... وَهُوَ على أسلوب الرَّوْض جمع فِي مسَائِل الرَّوْض ومسائل التَّجْرِيد وَهُوَ كتاب عَظِيم جَامع لأكْثر أَقْوَال الإِمَام الشَّافِعِي وَأَصْحَابه وأبحاث الْمُتَأَخِّرين مِنْهُم على الْغَايَة من جزالة اللَّفْظ وَحسن التَّقْسِيم وَلَقَد اشْتهر هَذَا الْكتاب فِي الْآفَاق وَوَقع على حسنه ونفاسته الاجماع والاتفاق وَكثر اعتناء النَّاس بِشَأْنِهِ وانتفاع الطّلبَة بِهِ واغتباطهم ببيانه واعتناء غير وَاحِد من عُلَمَاء الْإِسْلَام بشرحه كالعارف شيخ الْإِسْلَام أبي الْحسن الْبكْرِيّ فانه شَرحه بشرحين صَغِير وكبير كتب الصَّغِير أَولا وَجعله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 أصلا وميز فِيهِ الْمَتْن من الشَّرْح بخطوط سود ثمَّ كتب على الْحَوَاشِي زيادات كَثِيرَة وميزها عَن الشَّرْح الأول وَذكر أَن مَا دونهَا شرح صَغِير وَأَنَّهَا مَعَ الشَّرْح الصَّغِير شرح كَبِير قَالُوا وَخط الشَّارِح على غَايَة من الصعوبة بِحَيْثُ عجز أَكثر أَصْحَابه عَن اسْتِخْرَاج خطه وَاسْتمرّ الشَّرْح فِي المسودة لتِلْك الصعوبة ثمَّ تصدى بعض الطّلبَة لتبييض الشرحين الْمَذْكُورين فبيض حَتَّى وصل إِلَى نَحْو ثلث الشَّرْح وانْتهى ذَلِك إِلَى نَحْو من تسعين جُزْءا وَكَذَا شَرحه شيخ الْإِسْلَام أَحْمد بن حجر الهيتمي رَحمَه الله تَعَالَى إِلَّا أَنه لم يتم بل قَارب ثلث الْكتاب فِيمَا أَظن نعم عيب عَلَيْهِ فِيهِ قَوْله خلافًا لِلشَّيْخَيْنِ فِي مَوَاضِع مُتعَدِّدَة وَقد تقرر أَن الَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى الْآن فِي مَذْهَب الإِمَام الشَّافِعِي هُوَ مَا اتّفق عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ فَإِن اخْتلفَا فالنووي لِأَنَّهُ متعقب رُبمَا ظهر لَهُ مَا خَفِي على الأول الا مَا اتّفق الْمُتَأَخّرُونَ قاطبة على أَنه سَهْو أَو غلط وَمَا عداهُ لَا عِبْرَة بِمن خَالف فِيهِ نبه على ذَلِك خَاتِمَة الْمُتَأَخِّرين شهَاب الدّين أَحْمد بن حجر الهيتمي رَحمَه الله تَعَالَى وَذكر أَن هَذَا هُوَ مَا أَخذه عَن مشايخه وهم عَن مشايخهم وَهَكَذَا انْتهى وَالله أعلم وَهُوَ فِي مُجَلد ضخم وَمِنْهَا تَجْرِيد الزَّوَائِد وتقريب الفرائد فِي مجلدين جمع فِيهِ الْفُرُوع الزَّائِدَة على الرَّوْضَة غَالِبا وَكتاب تحفة الطلاب ومنظومة الارشاد فِي خَمْسَة آلَاف وَثَمَانمِائَة وَأَرْبَعين بَيْتا وَزَاد على الارشاد كثيرا من الْمسَائِل والقيود ونظم أَوَائِله إِلَى الرَّهْن فِي مُدَّة طَوِيلَة ثمَّ مكث نَحْو خمس عشرَة سنة ثمَّ شرع فِي تتمته فكمله فِي أقل من سنة وفتاوى جمعهَا وَلَده القَاضِي الْعَلامَة بركَة الْمُسلمين حُسَيْن بن أَحْمد المزجد ثمَّ جمعهَا ابْن النَّقِيب وَزَاد فِيهَا من تفقهاته مَا لَا غنى عَنهُ وَله غير ذَلِك وتفقه بِهِ خلائق كَثِيرُونَ مِنْهُم أَبُو الْعَبَّاس الطبنداوي وَشَيخ الْإِسْلَام ابْن زِيَاد والحافظ الديبع والعلامة مُحَمَّد بن عمر بحرق وَصَالح النماري وَغَيرهم من أكَابِر الْأَعْيَان وَاخْتِلَاف أَجنَاس الطّلبَة من جِهَات شَتَّى وَله شعر حسن وَمِنْه فِي الْحصن الْحصين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 إِذا مَا خفت من نوب الفنا ... فلازم عدَّة الْحصن الْحصين وثق بِجَمِيعِ مَا فِيهَا لتظفر ... سَرِيعا بالتخلص عَن يَقِين فقد جربتها فَوجدت فِيهَا ... أَمَان الْخَائِفِينَ من الْمنون وفيهَا برْء دَاء لَا يداوى ... تفريج عَن الْقلب الحزين وَمِنْه ... لَا تصْحَب الْمَرْء إِلَّا فِي استكانته ... تَلقاهُ سهلاً أديباً لين الْعود واحذره ان كَانَت الايام دولته ... لَعَلَّ يوليك خلقا غير مَحْمُود فَإِنَّهُ فِي مهاو من تغطرسه ... لَا يرعوي لَك أَن عادى وَأَن عودي وَقل لأيامه اللَّاتِي قد انصرمت ... بِاللَّه عودي علينا مرّة عودي ... وَمِنْه ... قلت للفقر أَيْن أَنْت مُقيم ... قَالَ لي فِي محابر الْعلمَاء إِن بيني وَبينهمْ لاخاء ... وعزيز عَليّ قطع الاخاء ... وَكَانَ ينظم فِي الْيَوْم الْوَاحِد نَحْو ثَمَانِينَ بَيْتا مَعَ الْقُيُود والاحترازات وَله مرثية عَظِيمَة فِي شَيْخه عمر الْفَتى قَالَ حفيده شيخ الْإِسْلَام قَاضِي قُضَاة الْأَنَام أَبُو الْفَتْح ابْن حُسَيْن المزجد رَحمَه الله تَعَالَى كَانَ جدي رَحمَه الله تَعَالَى شرح جَامع المختصرات للنسائي فِي سِتّ مجلدات ثمَّ لما رَآهُ لم يسْتَوْف مَا حواه الْجَامِع الْمَذْكُور من الْجمع وَالْخلاف القاه فِي المَاء فاعدمه وَالله الْمُسْتَعَان قَالَ عَلامَة الْعَصْر ومفتيه أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن النَّاشِرِيّ أبقاه الله تَعَالَى كَانَ القَاضِي الْمشَار إِلَيْهِ إِذا سئم من الْقِرَاءَة والمطالعة استدعى بمقامات الحريري فيطالع فِيهَا ويسميها طبق الْحَلْوَى وَولي قَضَاء عدن ثمَّ قَضَاء زبيد وباشر ذَلِك بعفة وديانة وطالت مدَّته فِيهَا وَحكي أَنه لما جَاءَ زبيد وأتى إِلَيْهِ بمعلومها قَالَ جِئْنَا من عدن إِلَى عدم وَكَأَنَّهُ وَالله أعلم كَانَ غير رَاض بِهَذِهِ الْمرتبَة لما فِيهَا من الْخطر الْعَظِيم وَذَلِكَ لكَمَال ورعه واحتياطه فِي دينه واستحقاره لزهرة الدُّنْيَا ومنصبها وَكَانَ على جَانب عَظِيم من الدّين حَتَّى قَالَ بَعضهم فِي عصره لَو جَازَ أَن يبْعَث الله نَبيا فِي عصرنا لَكَانَ أَحْمد المزجد هُوَ ذَلِك النَّبِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 قَالَ النماري وَلما دخلت عَلَيْهِ وشرعت فِي قِرَاءَة الْعباب لَدَيْهِ أخذتني من دهشته الهيبة وَالْعَظَمَة مَا مَنَعَنِي اسْتِيفَاء مَا كنت آلفه من الانبساط فِي حَال الْقِرَاءَة ففهم ذَلِك مني وَأخذ يباسطني بِذكر بلدي وَأَن مِنْهَا الشَّاعِر الْفُلَانِيّ الَّذِي قَالَ فِي قصيدته مَا هُوَ كَيْت وَكَيْت حَتَّى زَالَ عني ذَلِك الدهش وثابت إِلَيّ نَفسِي قلت والهيبة من عَلَامَات الْأَوْلِيَاء وَلَا يعزب عَنْك مَا مر قَرِيبا من أَنه أَي المزجد قَالَ مَا دخلتني هَيْبَة قطّ كَمَا كَانَت تدخلني بَين يَدي الْفَقِيه ابراهيم يَعْنِي شَيْخه ابراهيم بن أبي الْقَاسِم جغمان وَبِذَلِك يعلم أَنه من وَفقه الله ليعظم شَيْخه قيض الله لَهُ من يعظمه من الآخذين عَنهُ وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى ملازماً للعزلة وَالْعِبَادَة وتلاوة الْقُرْآن وَالدَّفْع بِالَّتِي هِيَ أحسن وَيشْهد لَهُ بذلك قَوْله من قصيدة ... فلازم كسر بَيْتك فَهُوَ ادّعى ... لبعدك عَن قَبِيح الاعتياد وسامح أهل عصرك واعف عَنْهُم ... وعش مستأنساً بالانفراد وَقل أقرضتكم عرضي جَمِيعًا ... وَقد ابرأتكم يَوْم الْمعَاد لكم حق عَليّ وَلَا أرى لي ... حقوقاً عنْدكُمْ هَذَا اعتقادي لِأَنِّي عبد سوء ذُو عُيُوب ... يصاح عَليّ فِي سوق الكساد ... وَقَالَ النماري شَيخنَا الْمَذْكُور أوقاته مرتبَة يَجْعَل أَوَاخِر اللَّيْل وَأول النَّهَار لدرس الْقُرْآن ثمَّ يشْتَغل بِمَا لَهُ من أوراد ثمَّ بالتفسير ثمَّ بالفقه ثمَّ يخرج إِلَى الحكم إِلَى وَقت الظّهْر ثمَّ يقيل ثمَّ يشْتَغل بالاحياء للغزالي وَنَحْوه من كتب الرَّقَائِق وَفِي آخر النَّهَار ينظر فِي التَّارِيخ إِلَى أَن يخرج لمجلس الحكم بعد صَلَاة الْعَصْر لِأَنَّهُ كَانَ يجلس للْحكم فِي الْيَوْم مرَّتَيْنِ قَالَ الشَّيْخ جَار الله بن فَهد انْتفع بِهِ النَّاس وَأخذ عَنهُ الطّلبَة وَاسْتمرّ على عَظمته ووجاهته حَتَّى مَاتَ فِي دولة الأروام رَحمَه الله تَعَالَى انْتهى وَحكى تِلْمِيذه العَبْد الصَّالح الْعَلامَة المفنن مُحَمَّد بحرق قَالَ رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام فِي ثغر عدن وَقت السحر وَبِيَدِهِ الْكَرِيمَة كتاب يطالع فِيهِ قَالَ فَقلت لَهُ أَلَك اطلَاع يَا رَسُول الله على تصانيف امتك فَقَالَ نعم فَقلت مَا تَقول فِي عقيدة احياء عُلُوم الدّين قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 لابأس بهَا فَقلت هَل لَك اطلَاع على تصانيفهم الْفِقْهِيَّة قَالَ نعم وَلم أر أجزل عبارَة عَن إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَمَا رَأَيْت مثل مَجْمُوع لأبي السرُور الَّذِي ضمنه الرَّوْض وَزَاد عَلَيْهِ بَاقِي مسَائِل الْمَذْهَب فَوَقع ببالي أَن الْمَجْمُوع الْمَذْكُور هُوَ الْعباب انْتهى وَكَانَ بَينه وَبَين سَيِّدي الشَّيْخ القطب شمس الشموس أَبُو بكر بن عبد الله العيدروس اتِّحَاد كلي وَلكُل مِنْهُمَا إِلَى الآخر ميل قلبِي وَكَانَت بَينهمَا محبَّة ومكاتبات ومواصلات ومراسلات ومدح هُوَ العيدروس بقصيدة سبقت فِي تَرْجَمته وَفِيه أَيْضا يَقُول العيدروس نفع الله بِهِ ... سَلام كوبل عَم ساجمه ... تفتح عَن نور الكمام مباسمه سَلام يفوق الْمسك فِي نشر عطره ... ويزرى بذوق الشهد فيَّ طاعمه على السَّيِّد الحبر الْعَلِيم شهابنا ... نواوي الْعلَا مفتي الزَّمَان وحاكمه لَهُ فِي سلوك الدّين أوضح مَنْهَج ... لَهُ من فنون الْعلم أوفى مقاسمه لكل زمَان عَالم يقْتَدى بِهِ ... وَهَذَا زمَان لَا شكّ أَنْت عالمه بمجلسه تجلى الْعُلُوم ويهتدي ... بِهِ كل حبر لَيْت من هُوَ ملازمه يفك عويص المشكلات دراية ... بديهته تبدي خَفِي مكارمه ... وَفِيه يَقُول أَيْضا من قصيدة لَهُ أُخْرَى شعر ... شهَاب الْعلَا غوث الملا هُوَ أَحْمد ... وقاضي قُضَاة الْوَقْت فِي مُدَّة الْعَصْر فَيوم لَهُ فِي الْعلم وَالْفضل والحجى ... يزِيد على أَعمار سبع من النسْر وَفِي الْعلم يم لم يزل متلاطماً ... يجل عَن الاحصاء وَالْعد والحصر ... ومناقبه كَثِيرَة وترجمته طَوِيلَة وَقد أفردها بالتصنيف حفيده القَاضِي أَبُو الْفَتْح بن الْحُسَيْن المزجد فِي جُزْء لطيف سَمَّاهُ منية الأحباب فِي مَنَاقِب صَاحب الْعباب وَإِذا تَأَمَّلت مَا أسلفناه عَنهُ من الْأَخْبَار الجميلة وَالسير الحميدة علمت أَنه من الْعلمَاء الاخيار الابرار وَلَا يُنَافِي ذَلِك مَا كَانَ متلبساً بِهِ من الْقَضَاء وَنَحْوه فقد ابتلى بِمثل ذَلِك غير وَاحِد من الْعلمَاء الصلحاء كشيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ وَشَيخ الْإِسْلَام زَكَرِيَّا الْأنْصَارِيّ وحسبك أَن العيدروس نفع الله بِهِ وَصفه بِهَذِهِ الْأَوْصَاف الجليلة والنعوت الجميلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 وَإِذا وَقع من مثل هَذَا الرجل فِيهِ مثل هَذَا القَوْل فقد أغْنى ثناءه عَن كل وصف وَالشَّهَادَة مِنْهُ خير من شَهَادَة ألف ألف وَكَانَ لصَاحب التَّرْجَمَة أَرْبَعَة أَوْلَاد عَليّ وَالْحسن وَالْحُسَيْن وَعبد الرَّحْمَن وكل مِنْهُم افتى فِي حَيَاة أَبِيه وَمَات مِنْهُم اثْنَان فِي حَيَاة ابيهما وهما عبد الرَّحْمَن وَحسن ورثاهما وحزن عَلَيْهِمَا فوفاة حسن سنة تسع وَتِسْعمِائَة ووفاة عبد الرَّحْمَن سنة احدى عشر وَتِسْعمِائَة وفيهَا فِي لَيْلَة الْعشْرين من شعْبَان توفّي الشَّيْخ الإِمَام البارع النَّحْوِيّ اللّغَوِيّ الأديب المفنن القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر بن مبارك أبن عبد الله بن عَليّ الْحِمْيَرِي الْحَضْرَمِيّ الشَّافِعِي الشهير بحرق بحاء مُهْملَة بعد الْمُوَحدَة ثمَّ رَاء مَفْتُوحَة بعْدهَا قَاف وَكَانَ من الْعلمَاء الراسخين وَالْأَئِمَّة المتبحرين اشْتغل بالعلوم وتفنن بالمنطوق مِنْهَا وَالْمَفْهُوم وتمهر فِي المنثور والمنظوم وَكَانَت لَهُ الْيَد الطُّولى فِي جَمِيع الْعُلُوم وصنف فِي كثير من الْفُنُون كالحديث والتصوف والنحو الصّرْف والحساب والطب وَالْأَدب والفلك وَغير ذَلِك وَمَا رَأَيْت أحدا من عُلَمَاء حضر موت أحسن وَلَا أوجز عبارَة مِنْهُ وَله نظم حسن وَهُوَ أحد من جمع بَين ديباجتي النّظم والنثر فنثره منثور الرياض جاد بهَا السحائب ونظمه منظوم الْعُقُود زانتها النحور والترائب ... إِن شَاءَ أنشأ نثراً رائعاً وَكَذَا ... إِن ود أنْشد نظماً يشبه الدررا ... وَهُوَ الَّذِي يَقُول هَذِه الأبيات مجيباً لبَعض الْفُضَلَاء الممتحنين لَهُ من أهل زَمَانه شعر ... يَا من أَجَاد غَدَاة أنْشد مقولا ... وَأفَاد من احسانه وتفضلا إِن كنت ممتحني بِذَاكَ فانني ... لست الهيوبة حَيْثُ مَا قيل انزلا وَإِذا تبادرت الْجِيَاد بحلبة ... يَوْم النزال رَأَيْت طرفِي أَولا قسما بآيَات البديع وَمَا حوى ... من صنعتيه موشحاً ومسلسلا لَو كنت مفتخراً بنظم قصيدة ... لبنيت فِي هام المجرة منزلا من كل قافية تروق سماعهَا ... وتعيد سحبان فصاحة باقلا وَيرى لبيد فِيهَا بليد قلبه ... حصراً وينقلب الفرزدق أخطلا ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 .. وعَلى جرير نجر مطرف تيهنا ... ومهلهلا ينديه نسيح مهلهلا وَلَئِن تبنا ابْن الْحُسَيْن فانني ... سأكون فِي تِلْكَ الصِّنَاعَة مُرْسلا أظننت أَن الشّعْر يصعب صوغه ... عِنْدِي وَقد أضحى لدي مذللاً أبدي العجاب إِذا برزت مفاخراً ... أَو مادحاً للْقَوْم أَو متغزلا لكنني رجل أصون بضاعتي ... عَمَّن يساوم بخسها مبتذلا وَأرى من الجرم الْعَظِيم خريدة ... حسنا تهدى للئيم وتجتلا مَا كنت أَحسب عقرباً تَحْتك بالأفعى ... وَلَا هيفا يزاحم بزلا وَأَنا الْغَرِيب وَأَنت ذَاك وبيننا ... رحم يحِق لمثلهَا أَن توصلا ... وَلَقَد أَجَاد فِيهَا كل الإجادة وَللَّه دره وَلَا يبعد أَن براعته فِي الشّعْر لِمَعْنى ارثى من إِمَامه الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فقد حُكيَ عَنهُ من ذَلِك الْكثير وَكَانَ من فحول الشُّعَرَاء وَهُوَ الَّذِي يَقُول ... وَلَوْلَا الشّعْر بالعلماء يرزي ... لَكُنْت الْيَوْم أشعر من لبيد ... فَائِدَة ذكر الإِمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ رَحمَه الله فِي كِتَابه مَنَاقِب الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ قبل ذكر الْأَشْعَار المنقولة عَن الشَّافِعِي مُقَدّمَة وَهِي إِن انشاء الشّعْر وأنشاده غير مَذْمُوم وَالدَّلِيل عَلَيْهِ النَّص والمعقول أما النَّص فَمَا رُوِيَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أستنشد من شعر أُميَّة بن أبي الصَّلْت مائَة بَيت وَقَالَ أَن كَاد يسلم وأستنشد من أبي بكر رَضِي الله عَنهُ شعر قس بن سَاعِدَة وَهُوَ قَوْله شعر ... فِي الذاهبين الْأَوَّلين ... من الْقُرُون لنا بصائر لما رَأَيْت مواردا للْمَوْت لَيْسَ لَهَا مصَادر ... وَقد تلفظ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بمصاريع من أَبْيَات لبيد مِنْهَا ... إِلَّا كل شَيْء مَا خلا الله بَاطِل ... وكل نعيم لَا محَالة زائل ... وَمِنْهَا قَول طرفَة ... ستبدي لَك الْأَيَّام مَا كنت جَاهِلا ... ويأتيك بالأخبار من لم تزوده ... وَكَانَ الصّديق رَضِي الله عَنهُ حَاضرا فَقَالَ بِأبي أَنْت وَأمي لم يقل الْقَائِل كَذَلِك بل قَالَ {ويأتيك بالأخبار من لم تزَود} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 وَأما الْمَعْقُول فالنكتة فِيهِ مَا ذكره الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ أَن الشّعْر حسنه حسن وقبيحه قَبِيح وَلذَلِك قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَن من الشّعْر لحكمة وَالْمَقْصُود من هَذِه الْمُقدمَة أَن لَا يَقُول جَاهِل أَن صَنْعَة الشّعْر لَا تلِيق بالعلماء الْمُجْتَهدين فان ذَلِك جهل بالشعر لَان الشّعْر اذا كَانَ مُشْتَمِلًا على الْعلم وَالْحكمَة كَانَ اشرف الْكَلِمَات انْتهى وَبِالْجُمْلَةِ فانه كَانَ آيَة من آيَات الله تَعَالَى وَكتبه تدل على غزارة علمه وَكَثْرَة أطلاعه وَكَانَ غَايَة فِي التَّحْقِيق وجودة الْفِكر والتدقيق وَكَانَ مولده فِي لَيْلَة النّصْف من شعْبَان سنة تسع وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة بحضرموت وَنَشَأ بهَا فحفظ الْقُرْآن ومعظم الْحَاوِي ومنظومة الْبرمَاوِيّ فِي الاصول والفية النَّحْو بكمالها وَأخذ عَن جمَاعَة من فُقَهَاء حضر موت مِنْهُم الْفَقِيه الصَّالح مُحَمَّد بن أَحْمد أَبَا جرفيل ثمَّ ارتحل إِلَى عدن ولازم الإِمَام عبد الله بن أَحْمد محزم واشتغل عَلَيْهِ فِي الْفِقْه وأصوله والعربية حَتَّى كَانَ جلّ أنتفاعه بِهِ وَقَرَأَ عَلَيْهِ جَمِيع الفية ابْن مَالك فِي النَّحْو وَجَمِيع سيرة ابْن هِشَام وَجُمْلَة صَالِحَة من الْحَاوِي الصَّغِير فِي الْفِقْه وَسمع عَلَيْهِ جملَة من عُلُوم شَتَّى وَكَذَلِكَ أَخذ عَن الْفَقِيه الصَّالح مُحَمَّد بن أَحْمد أَبَا فضل ثمَّ أرتحل إِلَى زبيد وَأخذ عَن علمائها فَأخذ علم الحَدِيث عَن زين الدّين مُحَمَّد بن عبد اللَّطِيف الشرجي وَعلم الْأُصُول عَن الْفَقِيه جمال الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر الصَّائِغ وَكَذَلِكَ أَخذ عَنهُ التَّفْسِير والْحَدِيث والنحو وَقَرَأَ عَلَيْهِ شرح الْبَهْجَة الوردية لأبي زرْعَة وَأخذ أَيْضا عَن السَّيِّد الشريف الْحُسَيْن بن عبد الرَّحْمَن الأهدل والبسه خرقَة التصوف وَصَحب الشَّيْخ أَبَا بكر العيدروس واخذ عَنهُ وانتفع بِهِ فَعَادَت عَلَيْهِ بركته وَلما حج فِي سنة أَربع وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة سمع من الْحَافِظ شمس الدّين السخاوي وسلك السلوك فِي التصوف وَحكي عَنهُ انه قَالَ دخلت الأربعينية بزبيد فَمَا اتممتها إِلَّا وانا اسْمَع أعضائي تذكر الله تَعَالَى كلهَا وَلزِمَ الْجد والأجتهاد فِي الْعلم وَالْعَمَل وَأَقْبل على نفع النَّاس أَقراء وافتاء وتصنيفاً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 وَكَانَ رَحمَه الله من محَاسِن الدَّهْر لَهُ الْيَد الطولي فِي النّظم والنثر والخطب وَغَيرهَا وَكَانَ غَايَة فِي الْكَرم محسناً إِلَى الطّلبَة وَغَيرهم كثير الايثار محباً لأهل الْخَيْر متصفاً بالأنصاف رجاعاً إِلَى الْحق مفضالاً جواداً سيداً قوي النَّفس مواظباً على أَفعَال الْخَيْر وتولي الْقَضَاء بالشحر فصدع بِالْحَقِّ وحمدت احكامه وعزل نَفسه من الْقَضَاء ثمَّ عزم إِلَى عدن وَحصل لَهُ بهَا قبُول وجاه عِنْد اميرها مرجان ثمَّ لما مَاتَ مرجان عزم إِلَى الْهِنْد ووفد على السُّلْطَان مظفر فقربه السُّلْطَان وعظمه وَلما خبر علمه وفضله زَاد فِي تَعْظِيمه وتبجيله وأنزله الْمنزلَة الَّتِي تلِيق بِهِ وَمن تصانيفه تبصرة الحضرة الشاهية الاحمدية بسيرة الحضرة النَّبَوِيَّة الاحمدية والاسرار النَّبَوِيَّة فِي اخْتِصَار الاذكار النووية ومختصر التَّرْغِيب والترهيب لِلْمُنْذِرِيِّ وَكتاب الحديقة الانيقة فِي شرح العروة الْوَثِيقَة وَكتاب عقد الدُّرَر فِي الْإِيمَان بِالْقضَاءِ وَالْقدر وَكتاب العقد الثمين فِي أبطال القَوْل بالتقبيح والتحسين وَكتاب الحسام المسلول على منتقصي أَصْحَاب الرَّسُول وَكتاب العقيدة الشَّافِعِيَّة فِي شرح القصيدة اليافعية وَكتاب الْحَوَاشِي المفيدة على أَبْيَات اليافعي فِي العقيدة وَذكر فِي كِتَابه تَرْتِيب السلوك ان لَهُ على أَبْيَات الشَّيْخ عبد الله بن أسعد اليافعي ثَلَاثَة شُرُوح بسيط ووسيط وووجيز ومختصر الْمَقَاصِد الْحَسَنَة وَكتاب حلية الْبَنَات والبنين فِيمَا يحْتَاج إِلَيْهِ من أَمر الدّين وَكتاب ذخيرة الاخوان الْمُخْتَصر من كتاب الِاسْتِغْنَاء بِالْقُرْآنِ وَكتاب النبذة المنتخبة من كتاب الاوائل للعسكري وَكتاب تَرْتِيب السلوك إِلَى ملك الْمُلُوك وَكتاب مُتْعَة الاسماع باحكام السماع الْمُخْتَصر من كتاب الأمتاع وَكتاب النبذة المختصرة فِي معرفَة الْخِصَال المكفرة للذنوب الْمُقدمَة والمؤخرة وَكتاب مواهب القدوس فِي مَنَاقِب ابْن العيدروس وَكتاب شرح الملحة للحريري وَشرح لامية ابْن مَالك فِي التصريف وَهُوَ شرح مُفِيد جدا وَله أَيْضا عَلَيْهَا شرح أَصْغَر مِنْهُ وَاخْتصرَ شرح الصَّفَدِي على لامية الْعَجم وَله أَيْضا رِسَالَة فِي الْحساب ورسالة فِي الْفلك والمنظومة فِي الطِّبّ وَشَرحهَا وَغير ذَلِك وَبِالْجُمْلَةِ فمحاسنه كَثِيرَة وفضائله شهيرة وَمن مقاطيعه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 .. انا فِي سلوة على كل حَال ... اذ اتاني الحبيب أَو ان اباني اغنم الْوَصْل إِن دنى فِي أَمَان ... وَإِذا مَا نأى أعش بالأماني ... وَله أَيْضا ... لَئِن بلغ الزوار خيف منى منا ... وَأمنا برمي الْخمر من لَهب لجمر ... فبالمنحنى من أضلعي والعقيق من ... دموعي على التَّشْرِيق شاركت فِي الْأجر ... وَذكره السخاوي فِي ضوئه قَالَ وصاهر صاحبنا حَمْزَة النَّاشِرِيّ على ابْنَته واولدها وتولع بالنظم ومدح عَامر بن عبد الْوَهَّاب حِين شرع فِي بِنَاء مدارس بزبيد وَالنَّظَر فِيهَا وَكَانَ من أَولهَا فِيمَا انشدنيه حِين لقِيه بِمَكَّة وَأَخذه عَليّ وَكَانَ قدومه لَيْلَة الصعُود فحج حجَّة الاسلام وَأقَام قَلِيلا ثمَّ رَجَعَ كَانَ الله لَهُ شعر ... أبي الله إِلَّا أَن تحوز المفاخرا ... فسماك من بَين الْبَريَّة عَامِرًا عمرت رسوم الدّين بعد دروسها ... فاحييت آثَار الآله الدواثرا فَأَنت صَلَاح الدّين لَا شكّ هَذِه ... شواهده تبدو عَلَيْك ظواهرا ... قَالَ وَكَذَلِكَ أَنْشدني مِمَّا امتدح بِهِ الْمشَار إِلَيْهِ بَيْتا هُوَ عشر كَلِمَات وَهُوَ ... نشرت بحراً برا معينا ناصراً ... شمس الْمُلُوك صَلَاح دينك عَامِرًا ... وَضَمنَهُ فِي أَرْبَعَة أَبْيَات يسْتَخْرج مِنْهَا الضَّمِير من الْعشْر فَقَالَ ... ايدت دينك يَا رب الْعلَا أبدا ... بناصرالملوك الأَرْض قد ضهدا اعني بِهِ عَامِرًا شمس الْمُلُوك فَكُن ... نصيره ابداً فِي كل مَا قصدا وناصراً ومعيناً فَهُوَ شمس ضحى ... اخفى نُجُوم مُلُوك الأَرْض مُنْذُ بدا سميته عَامِرًا لما أردْت بِهِ ... صَلَاح دينك أرغاماً لمن جحدا ... انْتهى وَكَانَ السُّلْطَان عَامر بن عبد الْوَهَّاب يراسل الشَّيْخ حُسَيْن بن عبد الله العيدروس بقصائد يخبر فِيهَا بأموره وَيطْلب مِنْهُ الدُّعَاء فَكَانَ الْفَقِيه الْمَذْكُور يجِيبه عَنْهَا والقصائد مَذْكُورَة مَعَ جواباتها مثبتة فِي كتاب الشَّيْخ أَحْمد بن الْحُسَيْن الَّذِي صنفه فِي أَخْبَار وَالِده وَهِي فِي غَايَة الفصاحة والبلاغة وَأعظم شَاهد على فضل الْفَقِيه وَمَا أودعهُ الله من السِّرّ فِيهِ وَذكر الشَّيْخ أَحْمد فِي الْكتاب الْمَذْكُور أَنه اجْتمع بالفقيه بحرق ومدحه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 وَأَطْنَبَ فِيهِ غَايَة الْأَطْنَاب رَحمَه الله وَسَتَأْتِي قصيدته الَّتِي رثى بهَا الشَّيْخ أَحْمد بن أبي بكر العيدروس فِي تَرْجَمته وَهِي فِي غَايَة الْجَوْدَة وَمن نظمه الْحسن هَذِه القصيدة المسمطة الَّتِي امتدح بهَا شَيْخه سَيِّدي الشَّيْخ أَبُو بكر بن عبد الله العيدروس نفعنا الله ببركاته وَهِي ... سأبيح بالغرام ... كم ذأ تستر بعشيقى وَأَرْفَع ذِي اللثام ... أَو خُذ نَصِيبي ورزقي زِدْنِي فِي الملام ... يَا عاذلي لَا تتبقي وَأشهر ذَا الْكَلَام ... فِي كل غرب وشرق مَا للنَّاس معي ... إِذا هويت كل رعنا وأحنيت أُصْبُعِي ... فِي عشق سلمى ولبنا واصغى مسمعي ... لكل معنى ومغنا وسأشرب من مدام ... الْحبّ يَا صَاح وأسقى مَا فِي الْحبّ عَار ... كلا وَلَا فِيهِ من باس سأخلع ذَا العذار ... وأحمله شَهْري على الراس وأعصي من أَشَارَ ... وأترك رضَا النَّاس للنَّاس من كَانَ مستهام ... مثلي فَيَأْتِي بشقي وَالله الْعَظِيم ... لَا أرعوي للعواذل لي رب كريم ... بجوده الْكل شَامِل كرر يَا نديم ... من مطربات البلابل حدك يَا غُلَام ... الدُّف من كل طرقي سأصرح وَأَقُول ... عشقت زيد المسما وأغنم ذَا الْقبُول ... من قبل أما وَأما مَا للنَّاس فضول ... من هابهم مَاتَ غما دعهم فِي سَلام ... يسْعد حد الله ويشقى سأنثر فِي الْجُلُوس ... عُقُود در وعقيان فِي ابْن العيدروس ... عالي المقامات والشان منفوس النُّفُوس ... ومنتهى كل إِنْسَان طَال عمره ودام ... لكل فتق ورتق ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 وَله قصيدة عَظِيمَة سَمَّاهَا العروة الْوَثِيقَة فِي الْجمع بَين الشَّرِيعَة والحقيقة أَجَاد فِيهَا إِلَى الْغَايَة ورحها وَشَرحهَا سَمَّاهَا الحديقة الانيقة وَقد مر ذكره عِنْد مؤلفاته وَقد كتبت عَلَيْهَا أَيْضا شرحاً مُخْتَصرا سميته الْحَوَاشِي الرشيقة على العروة الْوَثِيقَة وَله هَذَا اللغز وَقد حلّه بالنثر بعده وَهُوَ مَذْكُور بعبارته قَالَ شعر ... يَا متقناً كَلِمَات النَّحْو أجمعها ... حدا ونوعاً وافراداً ومنتظمه مَا أَربع كَلِمَات وَهِي أحرفها ... أَيْضا وَقد جمعتها كلهَا كلمة ... ثمَّ قَالَ هَذَا فِي تَمْثِيل الْوَقْف على هَاء السكت أَي قَوْلك كلمد فالكاف فِي قَوْلك كلمة للتمثيل وَاللَّام للجر وَالْمِيم أَصْلهَا مَا الاستفهامية حذفت الفها والهآء للسكته وَوجدت بِخَطِّهِ مَا صورته فرع لَو صدر مِنْهُ لفظ مُحْتَمل للطَّلَاق فَظَنهُ طَلَاقا أَو أفتاه جَاهِل بِوُقُوع الطَّلَاق الْبَائِن فاقر عِنْد الشُّهُود انه طَلقهَا أَو أنشأ طَلَاقا آخر مَعَ اعْتِقَاده انها قد بَانَتْ بِاللَّفْظِ الأول لم يُؤَاخذ باقراره وَلم يَقع طَلَاقه الثَّانِي لانه مَبْنِيّ على ظن فَاسد وَالله اعْلَم قَالَ مُحَمَّد بن عمر بحرق الْحَضْرَمِيّ كَانَ الله لَهُ وَمن كراماته مَا حُكيَ انه حضر مجْلِس بعض الوزراء بِالْهِنْدِ وَكَانَ فِي ذَلِك الْمجْلس رجل من السَّحَرَة فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذْ أرتفع ذَلِك السَّاحر وَقعد فِي الْهَوَاء قَالَ فَوَقع عِنْدِي من ذَلِك واستغثت بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واومأت إِلَيْهِ بغردة من حذائي فَمَا زَالَت تضربه إِلَى ان رَجَعَ إِلَى مَكَانَهُ بالارض وَحكي أَنه وَقع بَينه وَبَين بعض وزراء السُّلْطَان بحث فاحتقره ذَلِك الْوَزير فتعب الْفَقِيه من ذَلِك ودعا عَلَيْهِ فنهب بَيته فِي ذَلِك الْيَوْم وَأخذ جَمِيع مَا كَانَ فِيهِ فجَاء إِلَى الْفَقِيه معتذراً ومستعطفاً وَوَصله بِشَيْء وَطلب مِنْهُ الدُّعَاء فَحسب انه فعل ذَلِك واذا بالْخبر يَأْتِيهِ من عِنْد السُّلْطَان بالاجلال والتعظيم وَيرد جَمِيع مَا نهب لَهُ وان الَّذِي وَقع من ذَلِك إِنَّمَا كَانَ غَلطا فَإِنَّهُ امْر بِنَهْب بَيت غَيره فَرد جَمِيع مَا أَخذ لَهُ وَحكي ان ام الْفَقِيه كَانَت من جواري الشَّيْخ عبد الله العيدروس فيرون ان تِلْكَ الْبركَة كَانَت فِيهِ بِسَبَبِهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 وَحكي انه مَاتَ بالسم وَالسَّبَب ذَلِك انه حظى عِنْد السُّلْطَان إِلَى غَايَة فحسده الوزراء على ذَلِك فَوَقع مِنْهُم مَا أوجب لَهُ الشَّهَادَة وناهيك بهَا من سَعَادَة وَمن أحسن مَا قيل فِيهِ هَذَا الدوبيت لبَعْضهِم يمدحه ... لأي الْمعَانِي زيدت الْقَاف فِي أسمكم ... وَمَا غيرت شَيْئا إِذا هِيَ تذكر لانك بَحر الْعلم وَالْبَحْر شَأْنه ... اذا زيد فِيهِ الشىء لَا يتَغَيَّر ... وَمثله قَول الآخر فِيهِ أَيْضا ... فَأَنت بَحر وقاف مَا لَهُ طرف ... مُحَمَّد أسمك الْمَعْرُوف مَوْصُوفا سمي خير الْأَنَام الطَّاهِر من مضى ... يهناك يهناك هَذَا الْفَخر تَشْرِيفًا ... وفيهَا توفّي الشهَاب أَحْمد بن سُلَيْمَان بن مُحَمَّد بن عبد الله الْكِنَانِي الحوراني الْمقري الْحَنَفِيّ المغربي نزيل مَكَّة ببلدة غَزَّة وَدفن بهَا وَولد فِي حُدُود السِّتين وَثَمَانمِائَة بغزة وَنَشَأ بهَا فحفظ الْقُرْآن وَمجمع الْبَحْرين وطيبة النشر وَغَيرهمَا واشتغل بالقراءات وتميز فِيهَا وَفهم الْعَرَبيَّة وأشتغل فِيهَا وقطن مَكَّة على خير وانجماع مَعَ تحرز وتبجل كَذَا ذكره السخاوي قَالَ وَقد لازمني فِي الدِّرَايَة وَالرِّوَايَة وكتبت لَهُ إجَازَة ووسمعته ينشدني نظمه شعر ... سَلام على دَار الْغرُور لِأَنَّهَا ... مكدرة لذاتها بالفجائع فَإِن جمعت بَين المحبين سَاعَة ... فعما قَلِيل اردفت بالموانع ... قَالَ ثمَّ قدم الْقَاهِرَة من الْبَحْر فِي رَمَضَان سنة تسع وَثَمَانِينَ وأنشدني من لَفظه قصيدتين فِي الْحَرِيق والسيل الْوَاقِع بِالْمَدِينَةِ وَمَكَّة وكتبهما لي بِخَطِّهِ وسافر لغزة لزيارة امهِ وَأَقْبل عَلَيْهِ جمَاعَة من اهلها قَالَ الشَّيْخ جَار الله بن فَهد رَحمَه الله وَبعد الْمُؤلف اجْتمعت بِهِ فِي غَزَّة سنة اثْنَيْنِ وَعشْرين وَتِسْعمِائَة وَهُوَ يعظ بهَا ويخطب نائبها بِجَامِع الْأَشْرَف قايتباي فِيهَا ويقرىء الْأَبْنَاء مَعَ فقره وفضله وَحسن نظمه وكتبت عَنهُ بعضه وَقَالَ لي أَنه اقام بِمَكَّة ثَلَاثَة عشر سنة وَتردد إِلَى الْمَدِينَة واليمن وزيلع وَأخذ عَن جمَاعَة فِيهَا وَفِي الْقَاهِرَة وَهُوَ مبارك متقشف نفع الله بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 وفيهَا توفّي الشريف بَرَكَات بن مُحَمَّد سُلْطَان الْحجاز وَالِد الشريف أبي نمى سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ بعد التسْعمائَة 931 هـ وَفِي سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ عِنْد طُلُوع فجر لَيْلَة الْجُمُعَة مستهل شهر رَمَضَان توفّي الشَّيْخ الْعَلامَة عبد الْحق بن مُحَمَّد بن عبد الْحق السنباطي القاهري الشَّافِعِي وَيعرف كأبيه بِابْن عبد الْحق بِمَكَّة فَجهز فِي يَوْمه وَصلي عَلَيْهِ عِنْد بَاب الْكَعْبَة عقيب صَلَاة الْجُمُعَة بعد النداء لَهُ على زَمْزَم وشيعه خلق بِحمْل جنَازَته على الرؤوس وَطَابَتْ برؤيتها النُّفُوس وَدفن بالمعلاه ورثاه جمَاعَة بمراثي مُطَوَّلَة مِنْهُم تِلْمِيذه الأديب الزيني عبد اللَّطِيف الديري الْأَزْهَرِي وَقَالَ مضمنا لتاريخ وَفَاته فِي ثَلَاثَة أَبْيَات وَهِي ... توفّي عبد الْحق يَوْم عرُوبَة ... بِمَكَّة عِنْد الصُّبْح بَدْء تَمَامه قضى عَالم الدُّنْيَا كَأَن لم يكن بهَا ... سقى الله قبراً ضمه من غمامه وزد إِحْدَى فَوق الثَّلَاثِينَ مردفاً ... بتسع مئين وأجعله عَام حمامه ... وفجع الْخلق بِمَوْتِهِ وَكثر الأسف عَلَيْهِ وَبِالْجُمْلَةِ فانه كَانَ بَقِيَّة شُيُوخ الأسلام وصفوة الْعلمَاء الْأَعْلَام وَكَانَ مولده فِي أحد الجمادين سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة بسنباط وَنَشَأ بهَا فحفظ الْقُرْآن والمنهاج الفرعي ثمَّ أقدمه أَبوهُ الْقَاهِرَة فِي ذِي الْقعدَة سنة خمس وَخمسين فحفظ بهَا الْعُمْدَة والألفيتين والشاطبيتين والمنهاج الْأَصْلِيّ وتلخيص الْمِفْتَاح والجعبرية فِي الْفَرَائِض والخزرجية وَعرض على خلق كالجلال البُلْقِينِيّ والمحلي وَابْن الْهمام والديري أبي الْفضل المغربي وَالْوَلِيّ السنباطي والبدر الْبَغْدَادِيّ وجد فِي الأشتغال فَأخذ عَن الْأَوَّلين يَسِيرا وَالْفِقْه عَن الْمَنَاوِيّ ولازمه والعبادي وَمن قبلهمَا عَن الْجلَال الْبكْرِيّ والمحيوي الطوحي وَكَذَا أَخذ فِيهِ عَن الْفَخر فلَان وَالدّين زَكَرِيَّا والجوجري والأصلين عَن التقي الشمني والحصني والأقصري والشرواني وأصل الدّين فَقَط عَن زَكَرِيَّا وَاصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 الْفِقْه فَقَط عِنْد السنهوري وَكَذَا أَخذ عَنهُ وَعَن النفيس والنور الْوراق والآمدي الْعَرَبيَّة وَعَن الحصني والعز عبد السَّلَام الْبَغْدَادِيّ الصّرْف وَعَن الشرواني والسنهوري والنفيس الْمعَانِي وَالْبَيَان وَعَن الْوراق وَالسَّيِّد عَليّ الرضي الْفَرَائِض والحساب واليسير من الْفَرَائِض فَقَط عَن أبي الْجُود وَعَن الشرواني قِطْعَة من الْكَشَّاف وحاشيته وَعَن السَّيْف الْحَنَفِيّ قِطْعَة من أَولهمَا وَبَعض الْبَيْضَاوِيّ عَن الشمني وَشرح الفية الْعِرَاقِيّ بِتَمَامِهِ عَن الزين قَاسم الْحَنَفِيّ وَالْكثير مِنْهُ عَن الْمَنَاوِيّ والقراءات بقرَاءَته أَفْرَاد الْغَالِب السَّبع وجمعاً إِلَى أثْنَاء الْأَطْرَاف عَن النُّور الإِمَام وجمعا فَأَما عَن ابْن أَسد بل قَرَأَ على الشهَاب السكندري يسير النافع إِلَى غير هَؤُلَاءِ وَبَعْضهمْ فِي الْأَخْذ أَكثر من بعض وَجل أنتفاعه بالتقي الحصني ثمَّ بالشمني وَمِمَّا أَخذه عَنهُ حَاشِيَته على الْمُغنِي والشرواني وَأَجَازَ لَهُ شيخ الاسلام أبن حجر الْعَسْقَلَانِي والبدر الْعَيْنِيّ والعز بن فرآت وَآخَرُونَ فَإِذن لَهُ غير وَاحِد بالتدريس والأفتاء وَولي المناصب الجليلة فِي أَمَاكِن مُتعَدِّدَة كتدريس الحَدِيث فِي موضِعين ومشيخة الصُّوفِيَّة وَغير ذَلِك وتصدى للاقراء بالجامع الْأَزْهَر وَغَيره وَكثر الآخذون عَنهُ وَحج مَعَ أَبِيه وَسمع هُنَاكَ يَسِيرا ثمَّ حج بعده فِي سنة أثنين وَثَمَانِينَ وجاور بِمَكَّة فِي السّنة الَّتِي تَلِيهَا ثمَّ بِالْمَدِينَةِ النُّبُوَّة الَّتِي تَلِيهَا ثمَّ بِمَكَّة أَيْضا واقرأ الطّلبَة بالمسجدين متوناً كَثِيرَة بل أَقرَأ بِجَانِب الْحُجْرَة النَّبَوِيَّة غير وَاحِد من الْكتب ثمَّ رَجَعَ فاستمر على الْأَقْرَاء والأفتاء هَذَا ملخص مَا ذكره السخاوي قَالَ وَهُوَ على طَريقَة جميلَة فِي التَّوَاضُع والسكون وَالْعقل وَفِي أزدياد من الْخَيْر بِحَيْثُ أَنه الْآن أحسن مدرسي الْجَامِع قَالَ الشَّيْخ جَار الله بن فَهد وَبعد وَفَاة الْمُؤلف سنة ثَلَاث وَتِسْعمِائَة عَاد لمَكَّة من الْحَاج وجاور بهَا فِي السّنة الَّتِي تَلِيهَا وزار الْمَدِينَة واقرأ بهَا عدَّة عُلُوم ثمَّ رَجَعَ مَعَ الْحَاج وَأقَام بِالْقَاهِرَةِ يدرس الْفِقْه والْحَدِيث وَكنت أحد الْقُرَّاء عَلَيْهِ بل لَا يخلوا سَاعَة من النَّهَار مَعَ ضعفه بِالْمرضِ وَكبر سنه وَكَثْرَة عائلته وَقلة مَا بِيَدِهِ ثمَّ توجه إِلَى الْمَدِينَة فِي أثْنَاء جُمَادَى الأولى وَأقَام بهَا إِلَى آخر رَجَب ثمَّ رَجَعَ لمَكَّة وسافر مَعَ الْحَاج قَالَ ثمَّ ملك كتبه لأولاده وَنزل لَهُم عَن وظائفه وتخلى عَن الدُّنْيَا وتكفل بِهِ أَوْلَاده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 الثَّلَاثَة فَانْتَفع بِهِ خلائق لَا يُحصونَ ثمَّ عَاد لمَكَّة فِي موسم سنة ثَلَاثِينَ بأولاده وعائلته وأقاربه وأحفاده ليَمُوت بِأحد الْحَرَمَيْنِ فانتعشت بِهِ الْبِلَاد وأغتبط بِهِ الْعباد فَأخذ النَّاس عَنهُ طبقَة بعد أُخْرَى وَألْحق الأحفاد بالأجداد وأجتمع فِيهِ كثير من الْخِصَال الحميدة كالعبادة وَالْعلم والتواضع والحلم وصفاء الْبَاطِن والتقشف وَطرح التَّكَلُّف بِحَيْثُ علم هَذَا من طبعه كل من اجْتمع بِهِ وَلَا زَالَ على جلالته وعظمته إِلَى أَن توفّي رَحمَه الله سنة أثنين وَثَلَاثِينَ بعد التسْعمائَة 932 هـ وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع صفر سنة اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ توفّي الشَّيْخ الْكَبِير وَالْعلم الشهير قطب العارفين وسلطان العاشقين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ بن مَحْمُود بن ابراهيم بن مُحَمَّد السودي الشهير بالهادي اليمني بتعز وقبره مَشْهُور بهَا يزار وَعَلِيهِ قبَّة عَظِيمَة أحد الْأَوْلِيَاء الْكِبَار والمشايخ الْمَشْهُورين فِي الأقطار وَأحد من تنزل عِنْد ذكرهم الرَّحْمَة وَكَانَ من الْعلمَاء الراسخين وَالْأَئِمَّة المتبحرين ودرس وَأفْتى ثمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ الجذب وصدرت مِنْهُ أُمُور تدل على أَنه من العارفين بِاللَّه وَرويت عَنهُ كرامات وَله ديوَان مَشْهُور وشعره رائق جدا على طَريقَة أهل التصوف ونظمه هَذَا مَا وَقع إِلَّا بعد الجذب وَحكي أَنه كَانَ مَا يَقُوله إِلَّا فِي حَال الْوَارِد مثل ابْن الفارض فَكَانَ يكْتب بالفحم فَوق الجدران فَإِذا أَفَاق مُحي مَا كتبه من ذَلِك وَكَانَ فقراؤه بعد أَن علمُوا مِنْهُ ذَلِك يبادرون بكتب مَا وجدوه من نظمه على الجدران فيجمعونه بعضه إِلَى بعض وَحكي أَن بعض المنشدين أنْشد بَين يَدَيْهِ قصيدة من نظمه فطرب لَهَا وتمايل عَلَيْهَا ثمَّ سَأَلَ عَن قَائِلهَا فَقيل أَنَّهَا من نظمك فَأنْكر ذَلِك وَقَالَ حاشا مَا قلت شَيْئا حاشا مَا قلت شَيْئا وَكَانَ مُولَعا بِشرب القهوة لَيْلًا وَنَهَارًا وَكَانَ يطبخها بِيَدِهِ وَكَانَ لَا يزَال قدرهَا بَين يَدَيْهِ وَقد يَجْعَل رجله تحتهَا فِي النَّار مَكَان الْحَطب وَكَانَ كلما يَأْتِي إِلَيْهِ من النذورات أَن كَانَ من المأكولات طَرحه فِيهَا أَو من غَيرهَا أَو قد بِهِ تحتهَا كَائِنا مَا كَانَ من ثوب نَفِيس أَو عود أَو غير ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 وَقيل أَن السُّلْطَان عَامر بن عبد الْوَهَّاب بعث إِلَيْهِ بخلعة نفيسة فألقاها تحتهَا فاحترقت فَبلغ ذَلِك السُّلْطَان فَغَضب وَأرْسل يطْلبهَا مِنْهُ فَأدْخل يَده فِي النَّار وأخرجها كَمَا كَانَت وَدفعهَا إِلَيْهِم وَقد اشار إِلَى هَذَا الشَّيْخ عبد الْمُعْطِي بن حسن أَبَا كثير فِي قصيدته الَّتِي عَارض فِيهَا شيخ الاسلام أَبَا الْفَتْح مالكي وَكِلَاهُمَا مدحا الْقُوَّة فَقَالَ ... قهوة البن جلّ مقصودي ... فِي الخفا والعلن هام فِيهَا أمامنا السودى ... قطب أهل الْيمن وطبخها بالند والعودي ... وبغالي الثّمن من ثِيَابه حَرِير مَعَ قطن ... فاخر الملبس وبذاكم خوارق تثني ... عَلَيْهِ لم تدرس ... وَحكي أَنه كَاد يقْرَأ فِي الْفِقْه على بعض الْعلمَاء فَلَمَّا وصل إِلَى هَذِه الْمَسْأَلَة وَالْعَبْد لَا يملك شَيْئا مَعَ سَيّده كرر هَذَا السُّؤَال على شَيْخه كالمستفهم وأعترته عِنْد ذَلِك هَيْبَة عَظِيمَة وبهت وَحصل عَلَيْهِ الجذب وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ كَانَ آيَة من آيَات الله وأقوااله تدل على حَاله فِي الْمحبَّة ومقامه فِي الْمعرفَة وكذاا تدل على تفننه فِي الْعُلُوم الظَّاهِرَة مثل النَّحْو والبديع والمعاني وَالْبَيَان وَغير ذَلِك وعَلى اطلااعه على الْأَخْبَار السالفة والأمثال السائرة حَتَّى كَأَنَّمَا جَمِيع الْعُلُوم والمعاني كَانَت ممثلة بَين عَيْنَيْهِ يخْتَار مِنْهَا الَّتِي يُرِيد وَلَا يعدل عَن الشَّيْء إِلَّا إِلَى مَا هُوَ خير مِنْهُ وعَلى نظمه قبُول عَجِيب وَفِيه تَأْثِير غَرِيب فَإِنَّهُ السهل الْمُمْتَنع يفهمهُ كل أحد مَعَ متانة عِبَارَته وتتأثر بِهِ النَّاس غَالِبا وَيكثر عَلَيْهِ وجد المتواجدين بل قيل أَنه فارضى الْيمن وَهُوَ رَقِيق جدا تقبله الطباع ويفهمه الْخَاص وَالْعَام وَيذكر الأوطان ويهيج الأشجان فَهُوَ فِي رقته يشبه كَلَام التلمساني والحاجري رحمهمَا الله تَعَالَى ... شَاهد جمال محيا غَايَة الطّلب ... تظفر فديتك بالاعلى من الْقرب وَلَا تكن عَن حَيَاة الرّوح مشتغلا ... بالترهات فَمَا هَذَا من الْأَدَب والحظ محَاسِن تسبي الْعقل أجمعه ... من السرُور بهَا والأنس والطلب وخلص الْقلب من أكوان غربته ... وَأدْخل حمى ربة الأستار والحجب ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 .. وَأنس الْعُلُوم وماا قد كنت تكتبه ... فمحوه وَاجِب من كل مكتتب وأنهض إِلَى الْعَالم الْأَسْنَى على ... قدم التجرد لَا تلْتَفت يَوْمًا إِلَى سَبَب وأصرف على حسن من تهوى وصالهم ... جسماً وروحاً وَهَذَا لَيْسَ بالعجب وَلَا ترد عوضا عَنْهُم إِذا قبلوا ... فَالْكل ملكهم مَا فهت بِالْكَذِبِ وَمَا أَنْت لولاهم أجروا عنايتهم ... عَلَيْك إِلَّا مَحل الشَّك والريب ... لَوْلَا تعرفهم مَا كنت تعرفهم ... وَلَا رفعت إِلَى شَيْء من الرتب ... هم أهلوك لَهُم جودا ومكرمة ... وبلغوك الَّذِي ترجو من الْأَدَب سَافر إِلَى حَضْرَة عليا مُقَدَّسَة ... تصح من ألم الأغيار وَالنّصب وَمن مقالك لم هَذَا وَكَيف وَهل ... لَا كَانَ هَذَا مقَال الْجَهْل والعطب وَكن عبيدا لَهُم لَا تعترض أبدا ... وأضمم جناحك مَعَ هَذَا من الرهب وَأَن بدا وَجه ذَات الْخَال صل لَهُ ... وأسجد كَمَا جَاءَ فِي القرأن وأقترب وأشطح على سَائِر النساك أَن عدلوا ... وَقل لمن لَام من عجم وَمن عرب فنيت عني بهَا يَا صَاح إِذْ برزت ... وغبت إِذْ حضرت حَقًا وَلم تغب فَمَا أُبَالِي إِذا مَا لمتني أبدا ... وَرُبمَا ذقت طعم اللوم كالضرب ... وَمِنْه ... يَا عرب نجد انتم لي فتْنَة ... وبطيب ذكركُمْ الذ وأطرب وأغيب عَن كلي وحقكم بكم ... وعذابكم يحلوا لدي ويعذب وَإِذا شهِدت جمالكم وجلالكم ... فَجَمِيع مَا يحوي الْوُجُود مغيب رمدت عُيُون لَيْسَ تلحظ حسنكم ... هَل ظَاهر عَن غير اعمى يحجب روح بحبكم تحلى جيدها ... عَنْهَا المعارف كلهَا لَا يعرب يَا سادتي بل يَا أحبة مهجتي ... كم ذَا عَن الرّبع الأنيس تغرب إِن دَامَ هَذَا الهجر هَا أَنا ميت ... حاشا يضام نزيلكم ويخيب ... وَمِنْه ... يَا سادة مَا عَنْهُم مَذْهَب ... فِي حبكم لي مَذْهَب مَذْهَب قد رام مني عاذلي تَركه ... لكنه فِيمَا نوى أشعب من أَيْن تسلو عَنْكُم مهجتي ... وَفِيكُمْ الْأَمْثَال بِي تضرب يَا سَاكِني وَادي عذيب الْهوى ... تعذيبكم كالشهد يستعذب ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 .. بددتم شملي فيا هَل ترى ... بعد الجفا يصفو لي المشرب استودع الله الزَّمَان الَّذِي ... مَا فَارَقت ربعي بِهِ زَيْنَب ناشدتك الله يَا نسيم الصِّبَا ... من أَيْن هَذَا النَّفس الطّيب هَل أَنْت من ليلى بشير الرِّضَا ... أم أَنْت عَن أسرارها تعرب أم جزت فِي روض بِهِ قدمشت ... ام ثغرها قبلك الأشنب فهات اطربني بأخبارها ... فعهدك الْيَوْم بهَا اقْربْ عجبت دهراً من رجال صبوا ... فاليوم منى عجبي يعجب يَا أهل نجد هَذِه قصتي ... لَكِن إِلَيْكُم مِنْكُم الْمَهْرَب ... وَمِنْه ... معَاذ الله أَن أسلوا عريبا ... هُوَ أهم فِي الحشى أرسى خيامه ثملت بهم وَمَا خامرت خمرًا ... وَلَا دانيت أَدْيَان المدامه رعى الله الأبيرق والمصلى ... وَبَان الْحَيّ مَا سجعت حمامه فَتلك مَوَاطِن الصب الْمَعْنى ... بهَا الْأَرْوَاح صارة مستهامه على عرب بهَا مني سَلام ... يكون الْمسك من قبلي ختامه ... وَمِنْه ... لَيْسَ عِنْد الْخلق من خبر ... عَنْك يَا أغلوطة الْفِكر تاهت الْأَلْبَاب فِيك وَمَا ... ميزت وردا من الصَّدْر حيرة عَمت فَأَي فَتى ... رام عرفانا وَلم يحر عميت انباء ذَاك على ... كل من فِي البدو والحضر وَغدا يسْأَل بَعضهم ... عَنْك بَعْضًا عل من ظفر فانثنوا وَالله مَا وَقَعُوا ... لَا على عين وَلَا أثر بل عَظِيم الْقَوْم مطلبه ... شدَّة التحيير والحصر كَيفَ حاروا فِيك وَاعجَبا ... يَا منى سَمْعِي وَيَا بَصرِي أَنْت لَا تخفي على أحد ... غير عشق الْفِكر وَالنَّظَر أَو على شخص بِهِ كمه ... لم يُشَاهد صُورَة الْقَمَر بالظهور الصّرْف محتجب ... أَنْت هَذَا صَحَّ فِي الْأَثر وَأَنت فيهم ظَاهر وبهم ... وَلَهُم لَوْلَا بَقَاء الْأَثر ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 لَو تلاشت عَنْهُم ظلم ... وانمحوا عَن عَالم الصُّور شاهدوا معناك منبسطاً ... سارياً فِي سَائِر الْفطر ودروا أَن الْحجاب هم ... عَن شُهُود المنظر النَّضر وَقضى يَعْقُوب حَاجته ... وانْتهى زيد إِلَى الوطر ... وَمِنْه ... ثق بمولاك فِي جَمِيع الْأُمُور ... وأحسب النَّاس كلهم فِي الْقُبُور وارج مِنْهُ العطا لَا من سواهُ ... فَهُوَ يوليك كل فضل وَخير لَا تعول إِلَّا عَلَيْهِ تَعَالَى ... عَن شريك فِي ملكه وظهير كل من فِي الْوُجُود كل عليم ... لَيْسَ يرجون غَيره من نصير عِنْده مَا تروم من كل خير ... جلّ من خَالق عَظِيم قدير فَالْزَمْ الْبَاب لَا تحل عَنهُ يَوْمًا ... لم يفز غير من حظى بالحضور فَهُوَ بَاب مجرب للأماني ... فِيهِ مَا شِئْت من منى وسرور حسبي الله من جَمِيع البرايا ... وَكفى عَن غنيهم وَالْفَقِير هُوَ غوثي إِذا طلبت غياثاً ... ومعيني على المُرَاد الخطير عَم بِالْفَضْلِ كل عبد وحر فهم بَين حَامِد وشكور وَصَلَاة الاله فِي كل يَوْم ... وَأَوَان على البشير النذير ... وَمِنْه ... يَا مقْعد العزمات يَا عبد الْهوى ... يَا بانيا والبين يهدم مَا بنى زرني أعلمك الْهوى وفنونه ... وأشتم نفاسي يزل عَنْك العنى فَأَنا أَمَام جيوشه وَجُنُوده ... وَأَنا الدَّلِيل لَهُم على كنز الْغَنِيّ لي فِي الغرام حقائق ودقائق ... من نالها أَو بَعْضهَا نَالَ الهنى يَا نازلين على منى وحياتكم ... لَيْسَ الْقَتِيل بحبكم إِلَّا أَنا أَنْتُم سكنتم فِي سويدا مهجتي ... لم لَا أصير لسركم كلي أَنا لكم الْجمال بديعه وغريبه ... وَالْحب لي مَا شط مِنْهُ وَمَا دنى يَا من أعيذ جمَالهمْ بجلالهم ... مَا كَانَ فِيهِ رضاكم فَهُوَ المنى لَا تحسبوني خَائفًا من هجركم ... أَو راجياً لدوام وصل يجتنى هَيْهَات لي شغل بكم عَن ذَا وَذَا ... وبكم عَلَيْكُم فِي الْهوى إذلالنا ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 .. مَا قَدرنَا مَا نَحن حَتَّى إننا ... طبنا بكم لولاكم طبتم بِنَا لولاكم مَا شاقني بَان اللوى ... كلا وَلَا وَادي النقا والمنحنى ... وَقد خمس هَذِه القصيدة سيدنَا ومولانا وَشَيخنَا وأستاذنا الْعَارِف بغوامض الْحَقَائِق الْجَامِع للطائف أسرار الدقائق المعرب عَن مغيبات الْأَسْرَار الْمغرب بلدنيات الْأَخْبَار مظهر الصِّفَات الازلية مهبط الرحمات الأبدية شَيخنَا السَّيِّد حَاتِم بن أَحْمد الأهدل أعَاد الله علينا من بركاته آمين تخميساً بديعاً بِحَيْثُ يظنّ انها لوَاحِد وَكَانَ السَّيِّد حَاتِم الْمَذْكُور من آيَات الله الْكُبْرَى وأعجوبة الزَّمَان الَّذِي بهر الورى لَيْسَ لَهُ نَظِير فِي أَحْوَاله وأقواله ومقاماته وَكَانَت لَهُ يَد فِي جَمِيع الْعُلُوم لَكِن غلب عَلَيْهِ علم التصوف فَكَانَ ابْن عَرَبِيّ زَمَانه ويومي أَوَانه لم ير نَفسه وَلَا رأى الراؤون مثله فِي كَمَاله وبراعته جمع بَين علمي الشَّرِيعَة والحقيقة وَشرح احسن الشَّرْح أصُول الطَّرِيقَة وَكَانَت لَهُ أَحْوَال فاخرة وكرامات باهرة ظَهرت بَرَكَات أنفاسه على خلق كثير من العصاة فتابوا وأنابوا إِلَى الله تَعَالَى وَوصل بِهِ خلق عَظِيم إِلَى الله عز وَجل وَصَارَ لَهُ أَصْحَاب وَاتِّبَاع كَالنُّجُومِ وَبِالْجُمْلَةِ كَانَ قطب زَمَانه وَسيد وقته وسر الله بَين خلقه والتطويل بِذكر كراماته تَطْوِيل فِي مَشْهُور وإسهاب فِي مَعْرُوف وَكنت أحب لقاءه وأحدث نَفسِي بِهِ وَأَنا شغف بحبه كلف بِقُرْبِهِ فعاق دون لِقَائِه بعد الشقة وضعفي عَن تحمل الْمَشَقَّة وتأسفت بعد مَوته جدا حَيْثُ لم أكن ذهبت إِلَيْهِ وفزت من علومه ومعارفه فِيمَا بَقِي من عمره بِمَا يخرج فَضله عَن الْحَد والحصر وَمَا علمت أَنِّي أَصبَحت فِي عمري بِمثل مصابي بِهِ وَلَكِن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى غَالب ومطلوبه لَا يخرج عَنهُ من الطالبين طَالب وَكَانَ قد وصلتني مِنْهُ قبل وَفَاته بِنَحْوِ تسع سِنِين مُكَاتبَة جَوَاب كتابي إِلَيْهِ فَلَمَّا حصل الْيَأْس من الِاجْتِمَاع بِهِ أنشدت فِي ذَلِك هَذِه الأبيات ... أفدي زَمَانا نعمت بِهِ ... ثغر الزَّمَان كَانَ فِيهِ بأسم عصرالشباب لَهُ رونق ... سِيمَا ان يكن الْخلّ فِيهِ رَاحِم ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 .. حظيت فِيهِ بورود خطابه ... وَكَانَ مكتوبه خير قادم كُنَّا نؤمل وَنَرْجُو دَائِما ... لقاه وَالله فِي أشرف المواسم فشح باللقا وحرمته ... واعجباه من بخل حَاتِم حاشا علاهُ حاشاه ان ... يحرم الراجي المكارم لَئِن قصرت فِي قصدي لَهُ ... فقد كنت فِي ذكرى لَهُ دَائِم أسائل الركْبَان عَنهُ أبدا ... وشغفي بِهِ لَا يزَال ملازم وَكَانَ شوقي لرُؤْيَته متزايداً ... وَكَانَ حبي لذاته متقادم وَمَعَ هَذَا فاشتغالي بسواه ... كَانَ وَالله من أعظم الجرائم كَذَا وتشويقي بلقاه ... كَانَ وَالله من أعظم العظائم لقد أصبت بفقده مصاباً ... مَا أَظن أُصِيب بِمثلِهِ العوالم ... نُسْخَة مَا كتبه وَمن خطه الشريف نقلت بِحُرُوفِهِ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم حمداً لَك يَا من عَم الْخلق احسانه وشكراً لَك اللَّهُمَّ على مَا أسليت من بركَة الإيجاد والوجود وأنعمت من المدد المتوالي امكانه وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على من خص بِالسَّبقِ فِي ميادين الشُّهُود وعمم ارساله فَلم يشذ عَن أمره وَنَهْيه من وسم برسم الْوُجُود فَهُوَ السَّابِق إِلَى مجالي الْأَرْوَاح والفاتق رتق حَضْرَة الواحدية لظُهُور الاظهار وبروز الأشباح صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضلاة لَا غَايَة لَهَا وَلَا انْتِهَاء وَلَا أمد لَهَا وَلَا انْقِضَاء مَا دَامَت التجليات الذاتية مدَار الحضرات الصفاتية وَمَا قبلت القوابل الأحمدية فيوض الكمالات الالهية من الْأَسْرَار المحمدية والأنوار القاسمية حَتَّى يظْهر الِاسْم الظَّاهِر بِكَمَالِهِ فِي ذَات مَوْلَانَا وَسَيِّدنَا الشريف الْوَلِيّ المقرب عبد الْقَادِر العيدروس ظهورا ملتحقا بالجمال لجلاله معتجرا بالمجد الباذخ الْمجِيد بنواله فينشد لِسَان حَاله فِي مرتبَة كَمَاله معرباً عَن حَاله مغرباً عَن مجاله شعر ... لَيْسَ بِي حَاجَة إِلَى ... ظَاهر من علومه قد كفاني بِذَاتِهِ ... عَن مباني رسومه ... وصل كتابكُمْ فشرح صدر التصوف وَنور جِهَات التعرف فافعم قوابل الْأَعْيَان بِمَا أفاضه من نفس الرَّحْمَن ووصلت الطَّاقَة الْبَيْضَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 وَحصل بوصولها للْفُقَرَاء غَايَة الانس والرضاء وذكرتم يَا سَيِّدي أَنكُمْ أرسلتم بأوراق وكراريس إِلَى الْفَقِير والى الْعَلامَة عبد الْملك فَلم يقف الْفَقِير على ذَلِك وَرُبمَا أَن مَوْلَانَا الْفَقِيه يرى قُصُور الْفَقِير عَن ذَلِك وَأما مَوْلَانَا الْفَقِيه فَهُوَ امام المصنفين وعلامة المؤلفين فَلَا تؤاخذوا عبدكم فِي التَّقْصِير لِأَن الْعَجز حرفتي والضعف صِفَتي وَبِي حَاجَة إِلَى دعائكم فَاجْعَلُوهُ صلتي وَالسَّلَام هَذَا والشوق إِلَى رُؤْيَة وجهكم السعيد كل يَوْم يزِيد فتوجهوا بقلبكم الْوَاسِع الوحداني إِلَى جِهَة عبدكم لتطفح عَلَيْهِ بَرَكَات أنفاسكم فتقوى روحه على السريان ويتسع قلبه لمشاهدة الْمَاضِي والمستقبل فِي الْآن فَيَعُود ناشراً برود الثَّنَاء على حضرتكم الشَّرِيفَة يسْتَمر على وَظِيفَة الدُّعَاء لذاتكم اللطيفة وانظروا إِلَيْهِ نظرا ببسط وجولان ويسرح من قَبْضَة الْكَوْن لموجوداته فَيخرج عَن الْمَكَان إِلَى عَالم الامكان وَلَا يحصره الزَّمَان بعد اطِّلَاعه على حَضْرَة الْأَعْيَان هَذَا وَلَيْسَ الْخَبَر كالعيان وَسَلام على الْمُرْسلين وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَمن حضر حضرتكم الشَّرِيفَة فَهُوَ مَخْصُوص بجزيل السَّلَام العَبْد الْفَقِير حَاتِم بن أَحْمد الاهدل لطف الله بِهِ آمين قلت وَأَرْجُو من الله بركَة هَذِه الاشارات المتضمنة للبشارات وَللَّه در من يَقُول شعر ... قد سَمِعت الفال اُبْشُرْ بالهنا ... زَالَ وَالله التنائي والعنا وأتاني قَائِل نلْت المنا ... صَحَّ هَذَا الفال ... غَيره ... توسل بِأَنْفَاسِ الْكِرَام لرَبهم ... إِذا رمت مَطْلُوبا وعزت وسائله فهم شُفَعَاء الْخلق فِي بَاب عزه ... وَمَا خَابَ راجية لديهم وسائله ... واني لأرى النِّسْبَة إِلَى هَذَا الرجل الْعَظِيم وَالسَّيِّد الْكَرِيم من أجل مَا أنعم الله بِهِ عَليّ واجمع مَا وصل من الطافه الي ولي فِيهِ قصائد مُتعَدِّدَة مِنْهَا أَبْيَات التزمت فِيهَا أَن يكون يخرج مِنْهَا مِنْهَا من أَوَائِل السطور اسْمه الشريف وَهِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 ح ... حمام الايك بِاللَّه اسعدينا ... ورددي البكا حينا بعد حينا أأفي نجد حزنك فَلَا تلامي ... وعمري وَالله أَنِّي مثلك حَزينًا {ت} تناءت دَاري فمرست وصالهم ... وصرت بعد أغتباطي مغبونا {أ} أَفِي نجد حزنك فَلَا تلامي ... وَعَمْرو وَالله أَنِّي مثلك حَزينًا {م} مَا أرى لي فِي وجدي شَبِيها ... وأيم الله ذَا حَقًا يَقِينا ... وَمِنْهَا ابيات كنت قلتهَا فِيهِ فِي حَيَاته وَهِي ... وباعي بِهِ قلبِي الشجي صَار مُولَعا ... فجَاء الْحَيَاة قد حوى السِّرّ اجمعا وثانية ألف الِابْتِدَاء تبع لَهُ ... وثالثه تَاء التَّمام المبدعا وَفِي آخِره مِيم يدل بِأَنَّهُ ... وريث النَّبِي الْهَادِي سرا ومترعا وَآخر مبدأ اسْم نبيه ... دَلِيل أَنه من سره قد تضلعا لِأَن بدايات النَّبِي نِهَايَة ... الْوَلِيّ فَمَا أجل ذَاك وأرفعا ... وَللسَّيِّد حَاتِم الْمَذْكُور نظم كثير وَجمع اخواننا من أَصْحَابه مِنْهُ ديواناً كَبِيرا فَكَانَ يَقُوله وَقت الْوَارِد وَبَلغنِي أَنه كَانَ إِذا ورد عَلَيْهِ الْوَارِد يبْقى يملي عَلَيْهِم وهم يَكْتُبُونَ وَهُوَ يجْرِي فِي ذَلِك مثل السَّيْل وَمَا من معنى أَشَارَ إِلَيْهِ أَئِمَّة الطَّرِيق مِمَّا يتَعَلَّق بِالذَّاتِ الْمُقَدّس أَو الصِّفَات المنزهة أَو بِالذَّاتِ المحمدية وَالصِّفَات النَّبَوِيَّة إِلَّا وَله فِيهِ القَوْل الأبلغ وَاللَّفْظ الْأَفْصَح إِلَى غير ذَلِك من الْأَشْعَار اللطيفة على لِسَان الطَّرِيقَة وَمن شعره ... إِنِّي علمت بِأَن فضلك وَاسع ... لَكِن ذَنْب العَبْد يورثه الْبكم وَلَقَد بدأت بِنِعْمَة الايجاد ... والامداد فالاسعاد خَاتم الْكَرم ... وَمِنْه ... الْفقر والذل فِي صفاتي ... والعز يَا رب والغنى لَك كمل سماتي جمل صفاتي ... كَمَال ذاتي دعى كمالك ... وَمِنْه ... حقائق الْحق قد تجلت ... لِلْخلقِ فِي الْحق بالمجال ماالخلق إِلَّا كواو عَمْرو ... رسماً وَلَكِن بِلَا محَال ... وَمِنْه هَذِه القصيدة الْعَظِيمَة فِي مدح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي ... سعدت بِرُؤْيَة وَجهك الابصار ... وتسابقت فِي مدحك الأفكار وسرت نوافح رَحمَه الرَّحْمَن فِي ... كل الْوُجُود فغيثها مدرار ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 .. وَبِك استنار وجود كل مكون ... واضاءت الأقطار والأمصار علم تعين بِالنُّبُوَّةِ وَصفه ... من قبل آدم خصّه الْجَبَّار فبآدم الْأَسْمَاء سمت وَلَك أق ... تضت ذَات الْمُسَمّى وَانْقَضَت أوطار من قبل قبض تُرَاب طِينَة آدم ... حزت الفخار أفوق ذَاك فخار مَا زلت تبني بالعلوم عوالم إِلَّا ... رواح فِي ذَاك الْمقَام بِحَيْثُ لَا يخْتَار فظهرت عَن غيب الغيوب لحضرة ... فِيهَا اسْتَوَى الاعلان والاسرار بطنت بِمَا ظَهرت وَقد ظَهرت ... بِمَا بطنت فواحدها بهَا قهار صمدت حقائقها لحقك فَاقْتضى ... مِنْك الظُّهُور لخفائها اظهار وتنزل الْأَمر العلى معدداً ... بمظاهر كملت بهَا الأدوار حظيت بك الاملاك فِي ملكوتها ... ولعالم الجبروت مِنْك منار وادار جودك فِي وجودك دورة ... ظَهرت بهَا الْأَسْمَاء والْآثَار نسخت شريعتك الشَّرَائِع وانطوات ... فِي ضوء نور كتابك الْأَسْفَار وخصصت بِالْقُرْآنِ ذكرا جَامعا ... من قَبضه تتفجر الْأَنْهَار مِنْهُ عُلُوم الْأَوَّلين جَمِيعهَا ... والآخرين حباكها الْمُخْتَار لولاك مَا علم العوالم عَالم ... كلا وَلَا طارت بِهِ الأطوار كَانَت جَمِيع الكائنات كصورة ... الرّوح فِيهَا أَنْت يَا مُخْتَار أَن البها وَالْملك والملكوت ... والجبروت أفلاك عَلَيْك تدار بك سَار سر الرّوح فِي حضراته ... وتبهجت بحديثك الاسمار من نورك الْأَنْوَار قد وجدت ... وَفِي إسرائك الْأَنْوَار والأسرار وبقاب قوسين اسْتَوَت وتكملت ... فِي ذَلِك الْأَسْرَار والأنوار لمقام أَو أدنى أَرَاك لوجهه ... رب العلى وحباك مَا تخْتَار أوحى إِلَيْك بِذَاتِهِ وَصِفَاته ... كشفاً وَلَا حجب وَلَا أَسْتَار شاهدت بِالنَّصِّ الْمُحَقق ذَاته ... لَا حد يحويه وَلَا مِقْدَار من غير لَا جِهَة وَلَا كَيفَ وَلَا ... حجب تَعَالَى الْوَاحِد القهار فرفلت فِي حلل الْبَقَاء مؤيداً ... بِالْحَقِّ كشفاً مَا عَلَيْهِ غُبَار صلى السَّلَام عَلَيْك والآل الَّذِي ... آلو إِلَيْك فكلهم أبرار ... وَله كَلَام عَال فِي التصوف وَهَذِه نبذة من الجوابات عَمَّا سُئِلَ من السؤلات بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لوَلِيّ الْحَمد حمداً لَا يحصره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 الْحَد وَلَا يقصره الْعد وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا وَعَبده مُحَمَّد وعَلى الأل الأحمد وَبعد فان لطائف الْعَطف نظمت عواطف اللطف فِي معاطف الاسْتقَامَة ونفحات الْقرب قربت قوارب الاقتراب برِيح السَّلامَة وخضم الْجُود لَا ينضب تياره وبر الْوُجُود لَا يشق غباره وَمَا ثمَّ إِلَّا مَا يرضاه من القى السّمع وَهُوَ شَهِيد وبرز فِي عين السِّيَادَة بِصفة أقل العبيد فَلم تزحزحه الزعازع لثُبُوته فِي مَرْكَز الدائرة وَلم يَتَحَرَّك وَلَو كَانَ الْفلك طَار أَو نغمات صريف الاقلام بقصائده شاعرة وَالسَّلَام على الاخوان وَالْحَمْد لله بِكُل قلب ولسان ... لَيْسَ إِلَّا الَّذِي مُرَاد من الْخَيْر ... على كل حَالَة لَا محاله فَاشْتَمَلَ مطرف النقا بِي وغيب ... عَن نفس أرواحها فِي تباله وتذلل فِي حَيّ ليلى لليلى ... وَأَرْض بِالْمَوْتِ فَهُوَ فِيهَا جَلَاله يَا أخي إِن لمحت معنى كَلَامي ... كن عليا تكن على الْبَدْر هاله تلحظ الْعين من قريب بِعَين ... ينظر الْبَدْر من سناها هلاله مظهر جَامع الْجمع وَفرق ... شمس عرفانه دَلِيل الدلاله برزخ فاصل قريب بعيد ... مُطلق الْوَصْف فِيهِ يُبْدِي كَمَاله ... وَله وَمن فيضه نفع الله بِهِ جَوَابا على رُؤْيا رَآهَا بعض الْفُقَرَاء الْحَمد لله مدير الْفلك ومنور الحلك وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على الْعين الْمَقْصُودَة بالاصالة وعَلى إخوانه وَآله كَمَال علومه وأسراره مظَاهر الْجَلالَة وَبعد فَإِنَّمَا هِيَ مَعَاني تبرز من الغيوب على صفحات الْقُلُوب فتتحقق بهَا الْأَسْرَار وتملأ بأنوارها المسالك والأقطار تنطق التراجمة بالاذن الْعلي فتودعها مخازن الْقُلُوب المتعطشة إِلَى مراحم الْوَلِيّ فَتَارَة تعرف وتؤلف وَتارَة تنكر فتصرف من يصرف وَاعْلَمُوا وفقكم الله وايدكم بِروح مِنْهُ واسمعكم عَنهُ انه كلما عرج الْوَلِيّ فِي معارج العلى ودرج على مدارج سبح اسْم رَبك الاعلى جهلت صفته وتنكرت مَعْرفَته فلولا رسم الْعُبُودِيَّة اللَّازِم لما ثبتَتْ لَهُ المعالم وَلَا عملت كينونته العوالم ويكفيكم فِي شَأْن حَاله قَول بعض اهل الْمقَام وَرِجَاله ... تسترت عَن دهري بِظِل جنَاحه ... فعيني ترى دهري وَلَيْسَ يراني فَلَو تسْأَل الْأَيَّام مَا أسمي مَا درت ... وإين مَكَاني مَا عرفت مَكَاني ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 وَالصَّلَاة الجامعة على عروس اهل الطَّبَقَة الرَّابِعَة وَالسَّلَام على الِاتِّبَاع الافراد والاشفاع وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَله أَيْضا على هذَيْن الْبَيْتَيْنِ للتلمساني ... مَا صادحات الْحمام فِي القضب ... وَلَا أرتقاص المدام بالحبب إِلَّا لِمَعْنى اذا ظَفرت بِهِ ... الزمك الْجد صُورَة اللّعب ... مَا صادحات حمام الْأَرْوَاح على قضب الأشباح وَلَا ارتقاس مدام الْمحبَّة الذاتية فِي حضرات الغيوب الازلية بتعين حب حبب الاعيان الآلهية والكونية إِلَّا لِمَعْنى لَا يظْهر لنَفسِهِ إِلَّا فِي مَرَاتِب نَفسه اذا ظَفرت بِهِ ايها الْمعَانِي لهَذِهِ الْمعَانِي الزمك جد الْحق الْمَشْرُوع صُورَة اللّعب الْمَوْضُوع كَمَا قَالَ الْمُحَقق الْكَوْن كُله خيال والوجود الْحق فِيهِ الْكَبِير المتعال علمه من علمه فاستراح وجهله من جَهله فَلم يبرح من قفص الاشباح انما الْكَوْن خيال وَهُوَ حق فِي الْحَقِيقَة وَالَّذِي يفهم هَذَا حَاز أسرار الطَّرِيقَة اللَّهُمَّ وفقنا لما يرضيك عَنَّا يَا رب الْعَالمين بتاريخ لَيْلَة الْجُمُعَة 26 من شَوَّال سنة 554 وَله أَيْضا حِين سَأَلَهُ السَّائِل عَن معنى هَذَا الْبَيْت للفقيه عبد الرَّحْمَن الْعلوِي نفع الله بِهِ شعر ... يَا مُطلق التَّقْيِيد لَا تحكم ... فالعلم فِي شَأْنكُمْ حكم ... وعنك الِاحْتِمَال ... فَقَالَ سيدنَا حَاتِم فِي معنى هَذَا الْبَيْت يَا مُطلق التَّقْيِيد هُوَ الَّذِي لَا يلْزمه الْقَيْد هُوَ مُطلق فِي حَال التَّقْيِيد ومقيد فِي حَال الاطلاق لَان الاطلاق قيد معنوي يَقْتَضِي الْحصْر والحصر خلاف حكم وَاجِب الْوُجُود وانما الشَّأْن فِي الْإِطْلَاق الَّذِي لَا يُقَابله فَافْهَم أَي قل يَا من هَذَا شَأْنه وَهَذِه صفته لَا تحكم أَي لَا تحكم علينا بَان نحكم عَلَيْك بِمَا لَيْسَ لَك لَان الْقَيْد يَقْتَضِي الْحصْر والحصر خلاف حكم وَاجِب الْوُجُود وَكَذَلِكَ الْإِطْلَاق الَّذِي يُقَابله الْقَيْد قيد عَن الْإِطْلَاق الْمُطلق لَكِن أَن الْعلم الإلهي الذاتي حكم على الْوُجُود الْمُطلق بِالْإِطْلَاقِ وعَلى الْوُجُود الْمُقَيد بالتقيد حكما نسبياً لَا حَقِيقَة لَهُ فِي شان التَّوْحِيد وَلِهَذَا قَالَ وعنك الِاحْتِمَال يَعْنِي وان كَانَ الْوُجُود الْمُحدث يرجع إِلَى الْمُطلق لانه أَصله فلسان الْأَدَب يحكم بِالْفرقِ ولسان الْعلم يقْضِي بالتمييز ولسان الْوُجُود يحكم بِالتَّوْحِيدِ لَا إِلَه إِلَّا الله كَانَ الله وَلَا شَيْء مَعَه وَهُوَ الْآن على مَا عَلَيْهِ كَانَ والشأن الْمشَار إِلَيْهِ هُوَ الكنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 الذاتي المغيب عَن الْإِطْلَاق وَالتَّقْيِيد وَأما قَوْله وعنك الِاحْتِمَال يُرِيد أَن الْأَعْيَان الثَّابِتَة من حَيْثُ هِيَ تحملت حصص الْوُجُود المفاض عَلَيْهَا فِي عَالم النُّور المرش فِي حَضْرَة الْإِمْكَان والاشارة إِلَيْهِ من الحَدِيث الْقُدسِي فِي قَوْله ان الله خلق الْخلق فِي ظلمَة ثمَّ رش عَلَيْهِم من نوره فالظلمه ظلمَة الْعَدَم الامكاني والنور نور الْوُجُود المفاض إِلَى الاعيان بِحَسب الْإِرَادَة المرجحة الْمَشِيئَة القاضية بِمَا حكم بِهِ من الْعلم عَلَيْهَا وَلها وَإِنَّمَا حكم عَلَيْهَا بهَا فَلهَذَا صَحَّ الِاحْتِمَال وَالسَّلَام على أهل التَّوْفِيق من أهل الطَّرِيق وَمِمَّا املاه أَيْضا فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء الثَّامِنَة وَالْعِشْرين من شهر رَمَضَان سنة 1558 لما جَاءَت الرآء فِي أول السُّور القرآنية فِي سِتَّة مَوَاضِع انبسطت فِي نَفسهَا وَنظرت إِلَى أَصْلهَا وَهُوَ أثنين فَحصل مِنْهَا أثنى عشر اسْم هِيَ ذاتية وَهِي حَقِيقَة من حقائق التطوير كَانَ هَذَا الْعدَد مُشْتَمِلًا على اثنى عشر برجاً ومراتب الْعدَد وَنصفه عَن السِّت الْجِهَات فِي الْعَالم السفلي بَيَان ذَلِك أَن عدد اسْمه ثَلَاثَة فَإِذا ضربت الثَّلَاثَة فِي الجذر الَّذِي هُوَ اثْنَيْنِ ظَهرت السِّتَّة وَإِذا ضربت السِّتَّة فِي الِاثْنَيْنِ أثنى عشر وَهُوَ الْفلك الْمشَار إِلَيْهِ مُحِيط بِجَمِيعِ العوالم العلويات والسفليات فَلهَذَا ظهر بِذَاتِهِ فِي آخر الْكَلِمَات الثَّلَاث التطوير والتغيير والتصوير وَهَذَا حرف الرَّاء لما كَانَت حَقِيقَته رَاجِعَة إِلَى حرف الْوَاو من وَجه ظهر فِي مرتبَة التَّوْحِيد وَهُوَ من الْحُرُوف الَّتِي لَهَا الأتصال البعدي وَلَيْسَ لَهَا القبلي وَلها من الصِّفَات سِتَّة آلَاف وَالدَّال والذال وَالْوَاو وَالرَّاء والزاء يتَّصل بهَا وَلَا تتصل بِهِ لَهَا من الخصائص الآلهية سِتّ صِفَات وَهِي الْجلَال وَالْعَظَمَة والكبرياء والأحدية والغنى الْمُطلق والعزة الْمُطلقَة وَلها من الرِّجَال سِتَّة هَؤُلَاءِ السِّتَّة حَالهم الْبُطُون وَيُحِبُّونَ الخمول لَيْسَ لَهُم الْتِفَات إِلَى شَيْء من الكائنات ينْتَفع بهم الْخلق وَلَا يَشْعُرُونَ انْتهى وَمن املائه لَيْلَة الثُّلَاثَاء 27 من شهر رَمَضَان سنة 1558 من ترك حَدِيث النَّفس حُرْمَة لوارد الْحق انْقَلب وسواسها إلهاما وحديثها وجدانا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 وَلذَلِك قرى فِي بعض الْقرَاءَات وَهِي قِرَاءَة بعض الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم {وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول} وَلَا نَبِي وَلَا مُحدث الأية وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن من أمتِي محدثين وَأَن عمر لمنهم يَقُول بعض السّلف الصَّالح أَخْبرنِي قلبِي عَن رَبِّي وَأَخْبرنِي رَبِّي عَن قلبِي وَقد صَحَّ أَن الْحق على لِسَان كل قَائِل وَالسَّلَام على أهل التَّسْلِيم وَسَأَلَهُ الْفَقِيه مرجان وَهُوَ حِينَئِذٍ بِمَدِينَة تعز سنة 1559 فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء من جُمَادَى الْآخِرَة عَن معنى قصيدة بَيت الشَّيْخ عبد الْهَادِي وَهِي قَوْله رَضِي الله عَنهُ ... بلبل الجحف الْيَمَانِيّ ... لم أزل مِنْهُ مبلبل كلما غنى شجاني ... قطّ لَا مليت وَلَا مل قد عناه مَا عناني ... فَلهَذَا مَال وميل فلمه يَا أهل الْمعَانِي ... انا مُعْجم وَهُوَ مهمل ... فَأَجَابَهُ سيدنَا ومولانا بهذ النَّفس الْمُعظم بلبل الجحف الْيَمَانِيّ البلبل دَاعِي الْحق فِي قُلُوب الْمُؤمنِينَ والجحف منعطف الْوَادي وأضافته إِلَى الْيمن لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اني لأجد نفس الرَّحْمَن من قبل الْيمن فَهُوَ يَهْتِف بعشاق الْجمال وَيذكرهُمْ زمن الْوِصَال قبل الِانْفِصَال حَيْثُ قَالَ السَّيِّد الْأَكْبَر والمحبوب الأفخر {كنت نَبيا وآدَم بَين المَاء والطين} وَلَا بُد للنَّبِي من قَابل يتلَقَّى عَنهُ أسرار النُّبُوَّة الَّتِي شرف بهَا فَإِن كَانَ من عَالم الْأَرْوَاح فالقابل من عَالم الْأَرْوَاح وان كَانَ من عَالم الاشباح فالقابل من عَالم الأشباح فَلَا يزَال يتَذَكَّر مَا كَانَ بِهِ فِي ذَلِك الْعَالم قبل ضرب الْحجاب وَحُصُول الشَّك والارتياب فَلم يزل الْعَارِف المعتنى بِهِ يتَذَكَّر سوابقه ويحقق لواحقه فَلم يزل مبلبل البال والبال الْقلب أَي فَلم يزل قلبه متحركاً متقلباً فِي أَوديَة الْعِشْق حَتَّى تظهر لَهُ كلمة السَّبق فِي عَالم الْحق يَقُول كلما غنى شجاني أَي كلما كرر فِي السجوع احرم عين الْمُحب الهجوع قَالَ الترجمان الْأَكْبَر ان الله لَا يمل حَتَّى تملوا قَالَ الشَّيْخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 الأقدس قطّ لَا مليت وَلَا مل يَعْنِي أَن سر يُحِبهُمْ ظهر فِي يحبونه وَأمر يحبونه ظهر فِي من يُحِبهُمْ فَمِنْهُ إِلَيْهِم وَمِنْهُم اليه فَالْكل مِنْهُ واليه يرجع الْأَمر كُله فاعبده عبودية الإضطرار وتوكل عَلَيْهِ بالأختيار فهم هَذِه الاشارة من فهمها وعقلها من خلق لَهَا قد عناه مَا عناني فَلهَذَا مَال وميل فِيهِ اشارة إِلَى الحَدِيث الْمَشْهُور وَهُوَ الَّذِي يَقُول فِيهِ قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينزل رَبنَا آخر كل لَيْلَة إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا حِين يبْقى ثلث اللَّيْل الْأُخَر فَيَقُول هَل من مُسْتَغْفِر فَاغْفِر لَهُ هَل من تائب فأتوب عَلَيْهِ هَل من سَائل فاعطيه وَهنا النُّزُول نزُول لطف وَرَحْمَة وَعطف ونعمة فنبه قلب من أيقظه واعتنى بِهِ فميله إِلَيْهِ فَاسْتَيْقَظَ من نوم الْغَفْلَة لما ميله هَذَا النداء الرحماني الرباني من حَضْرَة الأسم اللَّطِيف الرؤوف العطوف وَاعْلَم أَن الْمحبَّة إِذا صحت قَامَت بالمحب والمحبوب فَيَعُود الْمُحب محبوباً والمحبوب محباً والمريد مرَادا وَالْمرَاد مرِيدا فَلهَذَا قَالَ الشَّيْخ قد عناه مَا عناني أَي قَامَ بِهِ من وصف الْمحبَّة مَا قَامَ بِي مِنْهَا وَقد أَشَارَ إِلَيْهِ الاستاذ القطب الْغَوْث الْفَرد الْجَامِع الشَّيْخ نَاصِر الدّين ابْن عبد الدَّائِم الْأنْصَارِيّ الشاذلي الشهير بِابْن بنت المليلق رَضِي الله عَنهُ فِي قصيدته الشهيرة الموسومة بِحَال السلوك فِي قَوْله ... أَن المريد مُرَاد والمحب هُوَ المحبوب ... فاستمل هَذَا من أَمَالِيهِ ... فَلهَذَا يتنزل المحبوب من مقَام عزته وجماله غلى مقَام اللطف والعطف بالمحب الصَّادِق قَالَ الشَّيْخ نفع الله بِهِ فَلهَذَا مَال وميل مَال إِلَى الْمُحب باللطف والعطف فميله فَنَهَضَ بِهِ من رقدة غفلته وانعشه من سجن شَهْوَته فبادر إِلَى بَاب محبوبه واسرع إِلَى فنَاء مَطْلُوبه فيا لَهَا من رَجْعَة مَا أحلاها وَمن نجعة مَا أصفاها فَلَمَّا صحت المنازلة وكملت المواصلة وَصَارَ كل وَاحِد محباً ومحبوباً محباً من وَجه ومحبوباً من وَجه شرع الشَّيْخ فِيهِ بالتمييز بِلِسَان الْبَيَان متجاهلاً بِلِسَان من لم يعلم هُوَ يعلم فَنَادَى بِأَصْحَابِهِ وأترابه من أهل الْمعَانِي والمعارف يعجبهم على هَذَا الْمَعْنى الَّذِي ظهر بسر الِاتِّحَاد وتميز فِيهِ الْوُجُود من الايجاد فَقَالَ فلمه يَا أهل الْمعَانِي أَنا مُعْجم أَي مُقَيّد بالنقطة الَّتِي اعجمت وجودي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 وَكَانَت غيباً على عين شهودي وَهُوَ مهمل أَي مُطلق عَن الْقُيُود والحروف وَالْحُدُود فعلى الْحَقِيقَة هُوَ عين الشَّاهِد والمشهود وَالسَّلَام على أهل التَّسْلِيم مِمَّن أَتَى الله بقلب سليم وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه وَسلم وَمن املائه نفع الله بِهِ حِين سُئِلَ عَن هَذَا الْبَيْت للشَّيْخ عبد الْهَادِي السودي نفع الله بِهِ ... وَأنس الْعُلُوم وَمَا قد كنت تكتبه ... فمحوه وَاجِب من كل مكتتب ... أمره بنسيان الْعُلُوم وَهِي كَثِيرَة فَمِنْهَا عُلُوم يجب نسيانها لذاتها كعلم السحر والنجوم والرمل والجدل وَالرجز والفال والمنطق عِنْد قوم من أهل الْوَرع وَثمّ عُلُوم يسْتَحبّ نسيانها بِمَعْنى التّرْك لما هُوَ أَعلَى مِنْهَا وَهُوَ علم الصّرْف والنحو وَالْعرُوض والتواريخ والبديع إِلَّا الْمعَانِي وَالْبَيَان لتكفلهما بايضاح مَعَاني الْقُرْآن واظهار بلاغته وَاعْلَم أَن الْعُلُوم حجب على الْقلب كَمَا قَالَ الإِمَام الْغَزالِيّ رَضِي الله عَنهُ وَإِن الْحجب كَثِيرَة وأقواها الْعلم وَلما كَانَ طلب الْعلم فَرِيضَة على كل مُسلم تكلم فِيهِ الْعلمَاء بأقوال كَثِيرَة مِنْهَا أَنه الْعلم النافع الَّذِي يعرفك بِاللَّه وأسمائه وَصِفَاته وأفعاله وَمَا يَنْبَغِي لَهُ وَمَا يَسْتَحِيل عَلَيْهِ فَهَذَا هُوَ الْعلم الْمَفْرُوض الْمشَار إِلَيْهِ وَيلْحق بِهِ ربع الْعِبَادَات فَوَجَبَ ترك تِلْكَ الْعُلُوم جَمِيعهَا ونسيانها والتجرد لتَحْصِيل الْعلم الْمَفْرُوض وَهُوَ الَّذِي يعرفك بمعبودك وآخرتك وَمَا يقربك إِلَيْهِ فَوَجَبَ عَلَيْك نِسْيَان تِلْكَ الْعُلُوم الشاغلة للقلب عَن التطلع إِلَى أنوار التَّوْحِيد الْفعْلِيّ والصفاتي والذاتي فامح نقوش غير هَذَا من قَلْبك واغسلها من مكتتب سَمعك وبصرك ولوح فكرك حَتَّى يتَوَجَّه قَلْبك لوَاحِد لَا اله إِلَّا هُوَ الْوَاحِد القهار وَالسَّلَام ذكر الإِمَام الرَّافِعِيّ فِي بعض مصنفاته قَالَ سَمِعت غير وَاحِد من الصَّالِحين يروون عَن الشَّيْخ أبي الْغَيْث بن جميل أَنه قَالَ إِلَى الشَّيْخ والفقيه صاحبا عواجه إِلَى شَيخنَا الشَّيْخ عَليّ الاهدل وطلبا مِنْهُ أَن يذهب مَعَهُمَا إِلَى بعض الْمَوَاضِع فوافقهما وَذَهَبت أَنا مَعَهم فَلَمَّا كَانَ بعض اللَّيَالِي وَإِذا أَنا أنظر الشَّيْخ والفقيه وهما فَوْقنَا فِي الْهَوَاء وَفِي أَيْدِيهِمَا سيفان مسلولان فَذكرت ماا رَأَيْت مِنْهُمَا لشيخي فَقَالَ لي يَا أَبَا الْغَيْث هَذَانِ فِي مقَام التَّوْلِيَة والعز يوليان ويعزلان ويميتان ويحيان باذن الله تَعَالَى وسوف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 أرثهما وترثني أَنْت وَهَذِه الْحِكَايَة تَقْتَضِي مَوْتهمَا قبل الأهدل وَسَيَأْتِي فِي تَرْجَمَة الشَّيْخ عبد الله مَا يدل على موت الاهدل أَولا قبل الشَّيْخ والفقيه وَالَّذِي يظْهر أَن الصَّحِيح وَفَاة الاهدل قبل وفاتهما وَيحمل قَوْله ارثهما أَنا وترثني أَنْت فِي هَذِه الْحِكَايَة على أَنه يبلغ مثل مرتبتهما وَإِن كَانَ فِي الْحَيَاة وَيكون ذَلِك فِي طَرِيق التَّجَوُّز فِي الْعِبَادَة وَإِن كَانَ حَقِيقَة الوراثة انما يكون بعد الْمَوْت فَلَمَّا وقف مَوْلَانَا السَّيِّد حَاتِم بن أَحْمد أهدل على هَذَا القَوْل كتب فَوْقهَا بِخَطِّهِ الشريف فَائِدَة فِيهَا تأنيس وتفهيم وَذكر الشَّيْخ الْكَبِير الْأَكْبَر فِي فتوحاته وَفِي فصوصه ان الشَّيْخ القطب الْكَبِير أَبَا السُّعُود ابْن الشبل صَاحب سَيِّدي الشَّيْخ القطب الْأَكْبَر مُحي الدّين عبد القاهر الجيلاني أَنه قَالَ اعطيت التَّصَرُّف مُنْذُ كَذَا وَكَذَا سنة فتركته نظر فانه يُشِير إِلَى مقَام الْخلَافَة وَهِي البرزخية الْكُبْرَى وصاحبها وَاسِطَة بَين الْحق والخلق وَالْمقَام الَّذِي أَثَره الشَّيْخ السُّعُود مقَام الفردية وَهِي أخص وأشرف من الْمقَام الأول لتحَقّق صَاحبهَا بالعبودية الْمَحْضَة ومقام الْخلَافَة لَا بُد فِيهِ من رَائِحَة الربوبية إِلَّا من عصمَة الله تَعَالَى فَإِنَّهُ حصل وَجَاز إِلَى الْمقَام الثَّانِي الَّذِي هُوَ مقَام الفردية ايثاراً لجناب الْحق أَعْطَاهُم ذَلِك كَمَال الْمعرفَة بالبواطن وسادتنا الْمشَار إِلَيْهِم تحققوا بالْمقَام وخلصوا إِلَى مقَام الختام وَهُوَ رُؤْيَة الْأَحَد الْمَوْصُوف بالجلال والاكرام فَافْهَم حكى الْقشيرِي فِي بعض كتبه أَن أَبَا يزِيد الْأَكْبَر لما اقامه الْحق فِي مقَام الْخلَافَة قَالَ تَعَالَى لَهُ اخْرُج بصفتي إِلَى خلقي فخطى خطْوَة ثمَّ صَاح فناداه الْحق تبَارك وَتَعَالَى ردوا عَليّ حَبِيبِي فانه لَا صَبر لَهُ عني وَذَلِكَ لإيثار جناب الْحق والتخلص من حمل أعباء مقَام الدعْوَة لِلْخلقِ فَافْهَم ايضاح إِذْ 1 اعلمت أَن مقَام الفردية أخص من مقَام التَّصَرُّف فَاعْلَم إِن إِشَارَة سَيِّدي الشَّيْخ الاهدل قدس الله سره تَقْتَضِي أَن الْحق سُبْحَانَهُ أطلعه على علمه الَّذِي لَا يحاط بِشَيْء مِنْهُ إِلَّا بأذنه وَهُوَ الاذن الآلهي الْمُحِيط بالمعلومات فانبأ عَن حَال الشَّيْخَيْنِ بِحكم مَا رَآهُ هُنَاكَ من حوزهما الْمقَام الأول وخلوصهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 إِلَى الْمقَام الثَّانِي وتحققه رَضِي الله عَنهُ وخلوصه إِلَى الْمقَام الْأَفْضَل ووراثة الشَّيْخ أبي الْغَيْث لَهُ رَضِي الله عَن الْجَمِيع وَقد يكون ذَلِك لهَؤُلَاء الأكابر فِي يَوْم وَاحِد أَو أقل أَو أَكثر وَأما عِبَارَته بِالْإِرْثِ فَهُوَ من مطلع قَوْله تَعَالَى {وَأَنت خير الْوَارِثين} وَللَّه مِيرَاث السَّمَوَات وَالْأَرْض لَا من مَفْهُوم الارث الَّذِي مَاتَ مُوَرِثه أَو سيموت وَارثه تَعَالَى الله عَن ذَلِك وَعز جناب أهل الله عَن التطفل على مصطلحات الْغَيْر فَالْمَعْنى الَّذِي عبر الشَّيْخ آلهي وَهُوَ غير اللَّفْظَة الَّتِي تستعملها النَّاس فِي عرفهم وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَتَحْقِيق الْأَمر النّظر فِي الشَّيْء الْمَوْرُوث إِن كَانَ مفارقاً للروح كالأموال على أختلاف أجناسها فَيلْزم عَلَيْهِ مَا قَالَه المُصَنّف من شَرط موت الْمَوْرُوث وَإِن كَانَ الْمَوْرُوث من الْأَحْوَال والمقامات والأسرار والعلوم الَّتِي تتصف بِهِ الرّوح ويشرق بهَا ضِيَاء الْعلم وتتجلى بهَا النَّفس الناطقة فَهِيَ كمالات للنَّفس وصفات للروح لَا تفارق الْمَوْصُوف بهَا والمتحقق بحقائقها والمتخلق بأوصافها فَلَا يَصح الشَّرْط الْمُقدر فَالْأَمْر كَمَا تقرر وَالله الْمُوفق الْهَادِي وَقد اقتصرنا من كَلَامه الرفيع فِي هَذَا المهيع الوسيع على هَذَا الْقدر الْيَسِير ايثاراً للاختصار وَأما خوارقه وكشفه وتصرفه فِي الموجودات فقد حفظ اخواننا من أَصْحَابه من ذَلِك كُله كثيرا وَللَّه در من يَقُول ... واصلتم الْكَلم بِقطع الْكَلَام ... على حَياتِي وَهِي أَنْتُم سَلام الغيتم ذكري ضناً بِهِ ... ذكرْتُمْ فِي الْكَاتِبين الْكِرَام أما كفي الْبَين عذَابا ... فَلم شهرتم سيف الجفا يَا سَلام ظلمتموني وتظلمتم ... يارب لَا واخذت أهل الأثام بخلت يَا دهر مَا تَسْتَحي ... وحاتم بالجود اعدى اللئام هلا تأدبت بآدابه ... أما تعلمت فعال الْكِرَام فَلَو كتبنَا الِاسْم مِنْهُ على ... صَخْر لَسَالَ الصخر بالانسجام وَلَو دَعونَا باسمه مَيتا ... قَامَ وَإِن كَانَ رفاتاً عِظَام ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 وَبِالْجُمْلَةِ فانه مَا كَانَ إِلَّا شيخ أهل هَذِه الطَّرِيق حَالا وعلماً وأمام أَرْبَابهَا حَقِيقَة ورسماً ومحيي رسوم المعارف فعلا واسماً عباب لَا تكدره الدلاء وسحاب تتقاصر عَنهُ الأنواء وَلَقَد رَأَيْت من أَقْوَاله وَسمعت من أخلاقه وأحواله مَا لَا تسعه عبارَة وَلَا يهتدى إِلَيْهِ بِإِشَارَة نفعنا الله ببركاته وأمدنا فِي الدَّاريْنِ بإمداداته آمين وَمَا ذكرته من أَحْوَاله ومقاماته دون مَا تركته بِكَثِير وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى فِي يَوْم الْأَحَد عِنْد غرُوب الشَّمْس سَابِع عشر محرم الْحَرَام سنة ثَلَاثَة عشر بعد الْألف بالمخا وَدفن فِي بَيته ولي فِيهِ مرثية مطْلعهَا ... أَيهَا الغافل الغبي تنبه ... إِن بِالنَّوْمِ يقظة النَّاس اشبه ... وَمِنْهَا ... يَا خليلي فرقة الْخلّ وَالله على ... الانفس الْكَرِيمَة صعبة سِيمَا خلك الخصيص الَّذِي لم ... تزل تتمنى للقاه وقربه الحبيب الَّذِي حوى كل وصف ... حِين يملي يملي الْقُلُوب محبه ذَاك وَالله حَاتِم خير خل ... قطّ مَا ذمّ صَاحب مِنْهُ صَحبه عَارِف الْوَقْت من رفاقي الْمَعَالِي ... اوجها وسما لأرفع رتبه من جَمِيع الْعُلُوم حَاز فنوناً ... قد ورثهَا من النَّبِي وَحزبه حاتمي الْعَصْر فِي المعارف فَرد ... شاذلي الزَّمَان علما وَنسبه خصّه الله مِنْهُ بِعلم لدين ... وحباه مِنْهُ بوصل وقربه ... وَمِنْهَا ... قد قضى حَاتِم حميد فَمَا لي ... بعده فِي الْحَيَاة والعيش رغبه صَاحِبي من قريب عشْرين عَاما ... كل يَوْم يزْدَاد مني حبه بَكت الأَرْض وَالسَّمَاء عَلَيْهِ ... وعلوم ابْن عَرَبِيّ وَكتبه الفتوحات والفصوص البهية حل مِنْهَا مَا كَانَ غامض وَنبهَ بكاه الْيمن الأنيس ومصر ... وَجَمِيع الْبِلَاد شرقه وغربه يَا رعى الله عصراً وبقاعاً ... قد تباهت بِهِ وفازت بتربه ... ولي فِيهِ مرثية أُخْرَى وَعدد أبياتها خَمْسَة وَسَبْعُونَ بَيْتا وَهِي فِي غَايَة اللطافة لَو قَرَأت على الصخور لَا نصدعت من الرقة والسلاسة مِنْهَا ... فشح باللقاء وحرمته ... واعجباه لي من بخل حَاتِم ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 .. السَّيِّد الاستاذ فَرد زَمَانه ... الشريف الْمُنْتَقى من أَوْلَاد هَاشم سَار فِي السلوك بجد وعزم ... هَكَذَا فلتكن فِي الله العزائم وَلَا زَالَ فِي الدَّرَجَات يرقى ... حَتَّى أَتَاهُ الْفَتْح بالغنائم فجل الله الَّذِي أعطَاهُ ... من فيض فَضله أَسْنَى المقاسم وضاهى فِي التصوف اللي مضوا ... فَكَأَنَّمَا حَاتِم كَانَ لَهُم خَاتم وخاض فِي بحره لجة ... وَكَانَ فِيهِ أبدا عائم وابدا فِي التكسير غرائبا ... وَفِي جمعه جممعه غَدا سَالم وَغَابَ فِي شُهُود الْحَقِيقَة قلبه ... وَظَاهره كَانَ بِأَمْر الله قَائِم وَكم خوارق عَنهُ قد شهِدت ... وَلسَانه أمضى من كل صارم وَكم مُرِيد لَاذَ بِهِ فِي أمره ... فَمَا بَات إِلَّا وَقد سرت إِلَيْهِ المراهم طَال مَا نيل على يَدَيْهِ المُرَاد ... وَقَالَ لِسَان الْحَال مِنْهُ أَنا قَاسم طَال مَا طَاف إِلَى ربعه ... النَّاس من عربها والأعاجم در ثدي المعارف مِنْهُ فسقى ... جماً غفيراً وَمَا كَانَ لَهُم فاطم طَال مَا كَانَ فِي محراب المعارف ... امام صادح وباغم تباهت الْأَعْصَار بِهِ عجبا مفرطاً ... وتحلت الْأَيَّام مِنْهُ بأشرف خَاتم غاض الْوَفَاء لفقده وَكَذَا ... ذهبت وَالله المكارم مَاتَ التصوف بِمَوْتِهِ ... وَغدا طَالبه حيران هائم واأسفي على أخلاقه أَنَّهَا ... قد حكت الرَّوْض الْبَهِي الناعم والهفي على نطقه أَنه ... مثل الزلَال لمن أَتَى طاعم فَمَا عظم الله العزاء لامرء ... كَانَ قَاصد ورائم إِنَّه الْمَوْت لَيْسَ مِنْهُ خلاص ... وَغير الله لَيْسَ بَاقِي ودائم ... وَمِنْهَا ... هَنِيئًا لمن كَانَ اسْمه ورده ... فَهُوَ بِهِ لَا شكّ أَنه غَانِم اني إِذا مَا رمت مطلبا ... جعلت اسْمه لذاك صدر التمائم وَلَو كتبنَا اسْمه على ميت ... لعادت الرّوح فِيهِ وثب قَائِم ... وَمِنْهَا ... اني مِمَّا بأحشائي من الأسى ... كانني سقيت سم الأراقم يَا عجبا كَيفَ اجْتمعَا فِي شجى ... شوقي نَار ودمعي كالغيث المتراكم ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 .. وَكنت جذلان من فرحي بِوُجُودِهِ ... والآن صرت بعد نشوتي خَادِم كأنني الطير وَقد بقى بعد ... ذهَاب الخوافي مِنْهُ والقوادم مَا مَجْنُون وَقيس قاسيا مَا ... قاسيته من هَذِه العظائم طَال مَا رقيته وطائر طر ... فِي لرؤياه بَات حائم ... وَمِنْهَا ... مَا لقلبي غَيره يداويه ... وَلَا لدائي سواهُ حاسم نسمَة سرت لي من عِنْده ... ويلاه مَا أطيب تِلْكَ النسائم نفثت بسرها فِي سراء يرى ... فاستنشق ذَلِك مني الخياشم اهدت الي علومه ونوره ... ايقظتني وَكنت نَائِم علمتني الْهوى وفنونه ... تَرَكتنِي بِشَأْنِهِ حَازِم فَكنت فِي دين الْهوى قدوة ... من شجوي ناحت الحمائم وغصت فِي بحره فَزَالَ الظما ... وعدت من بعد جهلي بِهِ عَالم وفزت من سري بِمَا رمته ... وصرت من بعد غبني بِهِ غَانِم شغفي بِهِ لَا يُقَاس أبدا ... فَكَأَنَّمَا هُوَ وَايْم الله حَاتِم حبي بِهِ لَا يحد حَده ... دمعي ازرى بفيض الغمائم وغرامي فِيهِ لَا يكون لَهُ نَظِير ... نعم قد حَكَاهُ الْبَحْر المتلاطم مَا مر بِي صبح وَلَا مسا ... إِلَّا وَذكره على قلبِي جاثم شابهت الخنسا فِي شجوي ... بل شابهتني فِي وجدي الملازم كل يَوْم عِنْدِي من حزني ... كَمثل كربلا ومآتم مولَايَ ناداك عبد إِلَى ... علياك مَا زَالَ ينظر دَائِم من أَرض الْهِنْد يُرِيد الْقرى ... وَأَنت بِكُل مَا يرويهِ عَالم حاشا علاهُ حاشاه إِن ... يحرم الراجي لَهُ المكارم ... وَمِنْهَا ... لقد أصبت بفقده مصاباً ... مَا أَظن أُصِيب بِمثلِهِ العوالم لهفي عَلَيْهِ إِن فَضله ... يعجز عَن شَرحه كل ناثرٍ وناظم لذا لَا يفارقني أسفي أبدا ... وَلَا يزَال دمع الْعين مني ساجم اني وَإِن أجهدت طاقتي ... عَسى أَن أكون بِبَعْض حَقه قَائِم اعزي بِهِ الدُّنْيَا بأسرها ... ان عزاهُ حَقًا فِي كل العوالم ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 .. لبس الْوُجُود السوَاد حلَّة ... وَغدا كل طالبٍ محروم هائم عَلَيْهِ من ربه كَمَا يرضاه لَهُ ... من الرِّضَا وجم المراحم وَصلى الله على أَصله ... مُحَمَّد النُّور أبي الْقَاسِم وعَلى صحابته كَذَا وَآله ... الْجَمِيع واخصص حَاتِم ... ولنرجع إِلَى مَا نَحن بصدده من تَرْجَمَة الشَّيْخ عبد الْهَادِي السودي فَمن شعر الشَّيْخ عبد الْهَادِي أَيْضا وَمِنْهَا ... عساك يَا بلبل الافراح تُخبرنِي ... عَن غادة بالحمى الغربي من أضم فَتلك لي من قديم الدَّهْر مالكة ... وَقد جرى حبها مني كجري دم كم قلت للقلب أقصر عَن مَوَدَّة من ... فِي أسرها من سراة الْحَيّ كل كم فَقَالَ لي وَقواهُ قد وهت فرقا ... إِن الْمُحب عَن العذال فِي صمم ... وَمِنْه ... قَالَت سعاد وَقد رَأَتْ دمعي جرى ... صدق الْمُحدث والْحَدِيث كَمَا جرى فدهشت من فرحي وَقلت نعم نعم ... مَا كَانَ حبكم حَدِيث يفترى لي من هواكم صرفه وعتيقه ... حاشاي من وردية ان أسكرا بِاللَّه يَا حادي النياق لحيهم ... فالصيد كل الصَّيْد فِي جَوف الفرى سلم على أهل الْخيام وَقل لَهُم ... مَاتَ الْمُحب من الغرام وَمَا درى ... وَمِنْه ... قلبِي على عهدكم مُقيم ... والشوق لي مقْعد مُقيم وَمن عدُول الشُّهُود اني ... مُؤذن فِي الْهوى مُقيم وَفِي حماكم حططت رحلي ... والغير من حوله يحوم وحقكم بعد إِذْ حصلتم ... لأعصين الَّذِي يلوم مَاذَا يلتقي مثلكُمْ فُؤَادِي ... يَا أهل نجد بِهِ يهيم فساعدوني على هواكم ... يَا من هم الكأس والنديم ... وَمِنْه ... عذبتني بالمطل مِنْهَا سعاد ... وبراني وهد ركني البعاد وجفاني من بعد مَا هجرتني ... طيب عيشي وزار جفني السهاد لَو تراني أسامر النَّجْم لَيْلًا ... عل ليلى يكون مِنْهَا افتقاد يَا اخلائي اصل سقمي أَنْتُم ... ولقاكم هُوَ الشفا وَالْمرَاد ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 .. عاملوني باللطف يَا أهل ودي ... لاحظوني مَا قد مضى لَا يُعَاد مَا أحيلى الْوِصَال فِي ظلم ليل ... وَقد غال كل واش رقاد ذَاك أهنى الْوِصَال لَا شكّ فِيهِ ... هَكَذَا هَكَذَا يكون الوداد أَنا مملوككم على كل حَال ... ومريض فَهَل تروني أعَاد يَا اهيل الْحمى حللتم بقلبي ... واليكم يحن مني الْفُؤَاد كل كلي بحبكم مستهام ... والسويدا تشتاقكم والسواد لَا يحِق البكا إِلَّا عَلَيْكُم ... وعَلى وصلكم يَلِيق الْجِهَاد ... وَقد شرحت هَذِه القصيدة شرحاً فائقاً فِي كتاب جَوَاهِر الْإِحْيَاء وإمدادات الْأَوْلِيَاء وَجعلت اسْم الشَّرْح فتح الله الْجواد بشرح عذبتني بالمطل مِنْهَا سعاد وَمِنْه ... لقد غنى الحبيب لكل صب ... فَأَيْنَ الراقصون على الْغناء ايشدو من تحب وَأَنت قَاس ... وترضى بالقساوة والعناء إِذا مَا كنت صبا مستهاماً ... فمل طَربا كغصن فِي هَوَاء وَقل للعاذلين دعوا ملامي ... فَإِن العذل عِنْدِي كالهباء أَفِي أهل اللوا وعريب نجد ... أطيعكم وَقد سكنوا أحشائي معَاذ الله ان أصغي إِلَيْكُم ... نعم القي ملامكم ورائي ... وَمِنْه ... لولاك يَا زِينَة الْوُجُود ... مَا طَابَ عيشي وَلَا وجودي وَلَا شجاني وميض برق ... ونقر دف وَصَوت عودي أَنْت الَّذِي هَمت فِي هَوَاهُ ... وَلَيْلَة الْوَصْل مِنْك عيدي بِاللَّه زرني فدتك روحي ... يَكْفِي من الهجر والصدود مَا أصعب الهجر من حبيب ... لَا سِيمَا للشجي العميد وَمَا احيلى وصال ليلى ... لَيْلًا على السفح من زرود فيا ليَالِي اللقا علينا ... عودي ليخضر مِنْك عودي ... وَمِنْه ... لَيْسَ إِلَّا بكم يتم السرُور ... يَا عريبا هم بقلبي حُضُور أَنْتُم الْأَغْنِيَاء حسنا وَلَكِن ... أَنا صب إِلَى الْوِصَال فَقير ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 .. كلما هبت الصِّبَا كنت شوقاً ... نحوكم يَا أهيل نجد أطير فاسمحوا لي وَلَو بطيف خيال ... ان نفع الْقَلِيل مِنْكُم كثير واقبلوني بفضلكم يَا موَالِي ... لَا بحدي فدَاك شَيْء حقير واريحوا فدتكم الرّوح قلبِي ... من سواكم لَعَلَّه يَسْتَنِير ... وَمِنْه ... قد كساني لِبَاس سقم وذلة ... حب غيد بالجمال مدله سلبتني وغيبتني عني ... وَغدا الْعقل من هَواهَا مدله سفكت فِي الْهوى دمي ثمَّ قَالَت ... يَا طفيلي عشقتني أَنْت ابله ان ترد وصلنا فموتك شَرط ... لَا ينَال الْوِصَال من فِيهِ فَضله فافن عَن جملَة الْوُجُود لتبقى ... كل هاتيك يَا فَتى مضمحله واخلع عَنْك يَا خليع غرامي ... لَا يكن لَك غير وَجْهي قبله طهر الْعين بالمدامع سبعا ... من شُهُود السرى تزل كل عله وَترى حسننا البديع فتضحى ... فِي سرُور قرير قلب ومقله وابذل الرّوح فَهُوَ فِينَا قَلِيل ... رَاضِيا لَا تقل دمي من احله وَاجعَل الْفقر شافعاً لَك تغنى ... حبذا الافتقار دينا ومله من أَتَا تَائِبًا قبلناه فضلا ... تِلْكَ عاداتنا لمن جَاءَ قبله كم محب بعجزه قد تحلى ... نَالَ منا الَّذِي يروم ومتله نقطة الْبَاء كن إِذا شِئْت تسمو ... أَو فدع ذكر قربنا يَا موله واردنا لنا بِغَيْر مُرَاد ... والزم الْبَاب فِي حَيَاء وخجله واحفظ الْعَهْد كي توافي حمانا ... سَالم الْقلب من تناس وغفله هَذِه سنة المحبين فاسلك ... واترك العاذل الجهول وعذله ... وَمِنْه ... يَا رَاحَة الرّوح يَا من ... هَوَاهُ أشرف مَذْهَب وَاصل فديتك صبا ... أنسيته كل مَذْهَب وباين الْكل إِلَّا ... من بالهوى قد تمذهب مشارب الْقَوْم شَتَّى ... من كلهَا صَار يشرب قد شرف النَّاس طراً ... وللغرائب غرب فَهُوَ الْغَرِيب وَلَكِن ... محبوبه مِنْهُ أغرب ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 .. تعجب الْخلق مِنْهُ ... وباطن الْأَمر أعجب يَا موجبين لصحوي ... السكر وَالله أوجب وَلَيْسَ يُوجب صحوي ... إِلَّا بليد معذب بَين الغوير ونجد ... طول الزَّمَان مذبذب فطالعوا ان شَكَكْتُمْ ... تهذيبكم والمهذب ياما ألذ استماعي ... قَول الندامى لي اشرب فِي حَضْرَة لَيْسَ فِيهَا ... إِلَّا مُرَاد مقرب ومطرب الْحَيّ يشدو ... لَا عَاشَ من لَيْسَ يطرب ... وَمِنْه ... عَليّ لله نذر لَا اخل بِهِ ... إِلَّا لعذري إِلَى الْإِخْلَال الْجَانِي ... إِن شاهدت مقلتي سلمى بِذِي سلم ... تعفير خدي بِذَاكَ الْحَيّ الْجَانِي فبذل روحي قَلِيل فِي محبتها ... دع عَنْك بذل عرُوض ثمَّ اعياني ... وَمِنْه ... لَا تحسبوا يَا قوم قلبِي خافق ... لكنه طَربا عَلَيْهِ يصفق ... وَمِنْه ... ذلي لعزك يَا حَبِيبِي لَائِق ... وَبِك الْوِصَال من القطيعة أليق ... وَمِنْه ... كتمت هوى سَاكن فِي الحشا ... وَلَكِن على الرغم مني فَشَا لقد صَاد قلبِي وَمَا صدته ... فواعجبا كَيفَ سمي رشا سوى الْبَذْل للروح لَا يرتضي ... فَلَا ترج مِنْهُ قبُول الرشا إِذا رام هجري ورمت اللقا ... رضيت بِحكم الْهوى مَا يشا ... وَمِنْه ... لَو قيل لي هجير والصيف فِي وهج ... وطي أحشاؤكم فِيهِ من شعل أهم أحب إِلَيْك الْيَوْم تشهدهم ... أم شربة من زلال المَاء كالعسل لَقلت مشهدهم أَهْوى وَلَو تلفت ... روحي أسى وجوى يَا لَيْت ذَلِك لي وَهَكَذَا الْحبّ إِن صحت قَوَاعِده ... لَيْسَ التكحل فِي الْعَينَيْنِ كالكحل ... وَقد سبقه إِلَى هَذَا الْمَعْنى الإِمَام الشَّافِعِي فَقَالَ ... لَو قيل لي وهجير الصَّيف متقد ... وَفِي فُؤَادِي جوى للْحرّ يضطرم ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 .. أهم أحب إِلَيْك الْيَوْم تشهدهم ... أم شربة من زلال المَاء قلت هم ... وَالْأَخْذ على هَذَا الْوَجْه عِنْد أهل البديع جَائِز وَمِنْه ... بِاللَّه كرر أَيهَا المطرب ... تذكار قوم ذكرهم يعجب مَا زَمْزَم الْحَادِي بذكرهم ... فِي الشرق إِلَّا رقص الْمغرب ... وَمِنْه ... خلوا عذلي فقد حلا لي الْعِشْق ... كم من جدل رقوا لحالي رقوا زَادَت عللي وَمَا بقى لي نطق ... أَرْجَى عَمَلي أَنِّي لسعدى رق ... وَمِنْه ... قد بلبل خاطري وأجرى دمعي ... تغريد حمام بِأَن وَادي الْجزع لما ندبت هديلها بالسجع ... أمسيت الوب وَفِي نواحي الرّبع ... وَمِنْه ... يَا ليل إِلَى مَتى أقاسي بيني ... مَا الذَّنب وَمَا جرى لقطع الْبَين بِاللَّه عيدي مَرِيض هجر وَنوى ... يَا مالكتي أصلاح ذَات الْبَين ... وَمِنْه ... يَا مانح مهجتي وَيَا مسعفها ... فِي الطّور ضحى عساك أَن توقفها عين نظرت حماك مَا ألطفها ... إِذن سَمِعت نداك مَا أشرفها ... وَمِنْه ... ذلي لجمال عزه يَكْفِينِي ... عزا وَبِذَلِك أَن أمت تكفيني مَا الْحبّ وَلَو فنيت إِلَّا ديني ... من ذَا مَعَه عشق عَسى يعديني ... وَمِنْه ... أَهْوى قمراً رضيته لي وَعلي ... من مَاتَ بِهِ فَذَلِك الْمَيِّت حَيّ كم من أَسد غذا بِهِ وَهُوَ ظَبْي ... أَن رمت تحبه فللموت تهي ... وَمِنْه ... غنى البلبل معتماً فِي بابل ... والبال مبلبل وجسمي ذابل فارتاح من الهموم قلبِي الْقَائِل ... أما شجي فاهتز مثل الذابل ... وَمِنْه ... لَا كَانَ عَن النقا فؤاداً عدلا ... وانقل فتواي أَنه مَا عدلا ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 .. يَا من رَحل الْجمال يبْقى مللا ... حاذر كسلاً فِي قَصدهَا أَو مللا ... وَمِنْه ... يَا مَالك مهجتي ووالي ديني ... انجز عدتي فالوعد مثل الدّين والهجر إِذا اطلته يرديني ... حاشاك وَأَنت لم تزل تهديني ... وَمِنْه ... قلبِي لشراب حب سعدى قدح ... لَا أتركه لعذل قد قَدَحُوا دع من طعنوا فِي حبها أَو جرحوا ... فالقاهر عَالم بِمَا قد جرحوا ... وَمِنْه ... عودوا صبا بكم مَرِيضا عودوا ... يَا من صرموا وللتصافي عودوا مِنْكُم طربي إِذا شجاني الْعود ... فاسقوا غرسي يخضر مِنْهُ الْعود ... وَمِنْه ... لم أخش وَأَنت سَاكن غنساني ... يَا من بجماله الورى انساني لَا نَالَ مناه يَا حَبِيبِي قلب ... عَن حبك عاقه غنسان ... وَمِنْه ... قد صرت على سعاد وَقفا وَلها ... بِاللَّه علام ذَا كستني وَلها إِن كَانَ الذَّنب غَنِي هَمت بهَا ... فالكون سهى بالْحسنِ قبلي وَلها ... وَمِنْه ... لم أنس زمَان وصلكم بالسفح ... يَا من منحوا جفني دوَام السفح أعراضكم فِي الْقلب مِنْهُ جرح ... داووا بِاللَّه يَا موَالِي جرحي ... وَمِنْه ... أَهْوى رشأ ذَابَتْ عَلَيْهِ كَبِدِي ... فِي الْحبّ لَهُ حَيَاة روح الْجَسَد لَا أسمع فِيهِ زور أهل الفند ... فالعاذل لم يزل ضجيع الْجَسَد ... وَمِنْه ... أفدي قمراً فِي حَيّ قلبِي سكناً ... لم أَرض لمهجتي سواهُ فِيهَا سكنا ... 5 من واصله لَاقَى سكونا وَهنا ... لكنن وجدي بوصله مَا سكنا ... وَمِنْه ... إِن جزت بسلع سل عَن الأحباب ... وَاذْكُر لَهُم كي يرحمون مَا بِي ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 .. قل صبكم قد ضَاقَ صَدرا فَمَتَى ... بالوصل يفوز أَو يفتح الْبَاب ... وَمِنْه ... وَمَا ناح مطوق بِأَعْلَى البان ... أَو لَاحَ بويرق على نعْمَان إِلَّا أمسيت صانعاً لي فلكاً ... كي لَا أفنى بدمعي الطوفان ... وَمِنْه ... لم أَرض بِغَيْر حبكم لي مَذْهَب ... هَذَا ديني وَمَالِي عَنهُ مَذْهَب يَا من سكنوا العذيب من أحشاي ... تعذيبكم يَا سادتي مَا اعذب ... وَمِنْه ... فارقتكم وَالْقلب فِي اسركم ... يَا من اسركم ... يَا من منعُوا جفني لذيذ الوسن عيشتي من بعد مَا نأيتم كفني ... فالميت أَنا وَالْفرق ترك الْكَفَن ... وَمِنْه ... تغريد الْوَرق فِي الدجى أرقني ... لما باتت تشدو بِأَعْلَى الفنن مَا لي سكن أَشْكُو إِلَيْهِ شجني ... حَبِيبِي رَبِّي غن رمت شكوى الْحزن ... وَمِنْه ... لله ليالياً على ذِي سلم ... مَا بَين أراكها وَبَين السّلم أمسيت بهَا سمير سلمى وحدى ... حَتَّى هزم الصِّبَا جَيش الظُّلم ... وَمِنْه ... يَا سعد إِذا جِئْت النقا والبانا ... فاذكر لَبَنًا والسفح من لبنانا زانقل أَخْبَار من هواهم فَرضِي ... مَا زلت بهم حلف الضنا ولهانا ... وَمِنْه ... أفدي قمر فِي حسنه نزهني ... قَالُوا ألهاك قلت بل ولهني مَا كنت على حَدِيثه مطلعاً ... لَوْلَا مَكْحُول طرفه حَدثنِي ... وَمِنْه ... حبي لكم يَا أهل نجد شرف ... مَا فِيهِ كَمَا يظنّ لَاحَ سرف والمحكم من حَدِيث قَطْعِيّ سقمي ... فِيكُم صحت آيَاته والصحف ... وَمِنْه ... جمعي بكم يجلو سويدا بَصرِي ... يَا من بهم يحِق محو الْأَثر ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 .. طُوبَى لفتي رَمَاه لحظ مِنْكُم ... قد جَاءَ بِذَاكَ شَاهد فِي الْأَثر ... وَمِنْه ... أَصبَحت أرق من شمال وصبا ... فِي حسن شويذن كساني وصبا ... قلبِي الامام حسنه شيعني ... فاقضوا عجبا إِن هام شيعي وصبا ... وَمِنْه ... بانوا عني فَبَان كل سلوان ... واعتضت من السرُور جم أحزان ... هَل يجمعني وَأهل وَادي نعْمَان ... هَذَا سهل على الْكَرِيم المنان ... وَمِنْه ... أفدي قمراً جماله الهاني ... قد طَابَ بِهِ زمَان عيشي الهاني ... من شَاهده يصير كالولهاني ... لَا أسمع فِيهِ قَول من ينهاني ... وَمِنْه ... فِي الْقلب لكم منزل مَقْصُور ... عَن غَيْركُمْ ومنكم معمور ... فِي الذَّر عرفتكم فَلَا أنساكم ... يَا من يهواهم جرى الْمَقْدُور ... وَمِنْه ... وعاذلي يلوم ... يظنّ أَنِّي سليم ... وَمَا أصَاب فَأَنِّي ... كليم قلب سليم ... وَمِنْه ... يَا هاجراً لي عمري عَامِدًا ... انْعمْ بوصلك يَا حَياتِي آخِره ... وَاجعَل نَصِيبي الْقرب بِتِلْكَ تفضلا ... أَولا فَإِن الْعَيْش عَيْش الْآخِرَة ... وَمِنْه ... جرحت يَا نور عَيْني ... خدي بِمَاء معِين ... وَلَيْسَ يُنكر جرح ... أَتَى بِهِ ابْن معِين ... وَمِنْه ... ومهفهف قبلت اشنب ثغره ... وبلوغ ذَاك الثغر مَالا يحْسب ... قَالَ أَحسب الْقبل الَّتِي قبلني ... فاجبت انا أمة لَا نحسب ... وَمِنْه ... مَالِي إِلَيْك رَسُول ... إِلَّا النسيم العليل ... فَحَمَلُوهُ شذاكم ... يَصح مِنْهُ العليل ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 وَمِنْه ... مَرَاسِيل شوقي نَحْو ليلِي رسائلي ... وكتمان وجدي من أجل وسائلي ... وَلَكِن جرى دمعي ونم بِمَا جرى ... فتحقيق جَار عِنْد جَار وسائلي ... وَمِنْه بِاللَّه دع ذَا التغابي ... واسمح برد الْجَواب ... وَارْحَمْ بعزك ذلي ... فَقَط أحَاط الجوى بِي ... وَمِنْه ... بِاللَّه مَا بَيْنكُم وبيني ... حَتَّى أطلم زمَان بيني ... لَا عَيْش إِلَّا إِذا وصلتم ... عَذَاب بَين يعذب بيني ... وَمِنْه ... بالوصال مِنْك مَرِيض هجر يشتفى ... مِمَّا ألم بِهِ وَمثلك من شفا ... يَا مُنْتَهى الآمال يَا كل المنى ... ادركه فَهُوَ من الصدود على شفا ... وَمِنْه ... افدي الَّذين إِذا مَا ... ذكرتهم أنسوني ... أنستهم فنسوني ... لَا بل هم آنسوني ... وَمِنْه ... بلابل الْحبّ تشدوا ... بِكُل معنى غَرِيب ... وَلَيْسَ تِلْكَ الْمعَانِي ... إِلَّا لصب غَرِيب ... وَمِنْه ... زار الحبيب فأحيا ... ميت الغرام وَحيا ... فشاهدوا ميت حَيّ ... بزورة عَاد حَيا ... وَمِنْه ... هواكم صَار ديني ... يَا عرب وَادي العقيق ... وَقد جرى دمع عَيْني ... مِمَّا جرى كالعقيق ... وَمِنْه ... يَا حبذا يَا حبذا ... بدر أصابني عَلَيْهِ كم من إِذا ... وَالله لَا خطر السلو بخاطري ... مَا دمت فِي قيد الْحَيَاة وَلَا إِذا ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 وَمِنْه ... يَا من لَهُ الْقلب بَيت ... سواك مَا فِيهِ مرا ... أَرَاك تسْأَل عَنهُ ... وَصَاحب الْبَيْت أدرى ... وَمِنْه ... يَا قَتِيل الغرام كن لي معنى ... أَنا فِي الْحبّ الطف النَّاس معنى ... لَو رَآنِي مَجْنُون ليلى لقرت ... عينه بِي وهام فِي كل معنى ... وَمِنْه ... سلم لَهُم تلق من الطافهم عجبا ... واخضع لَهُم يَا طفيلي الْهوى أدبا ... وَلَا تقل سببي يَوْمًا وَلَا نسبي ... يَكْفِي بهم سَببا يَكْفِي بهم نسبا ... وَمِنْه ... يَا سالب النّوم عَن جفوني ... اجْعَل لهَذَا الصدود حدا ... واشرح بِطيب الْوِصَال صَدْرِي ... نَقْدا وَإِن شِئْت كَانَ وَعدا ... أَنْت لروح الْمُحب قوت ... وطالب الْقُوت مَا تعدا ... وَمِنْه ... يَا هاجراً حبي لَهُ زَائِد ... لَا صلَة مِنْك وَلَا عَائِد ... لم أنس طيب الْوَصْل فِيمَا مضى ... يَا لَيْت ذَاك الْوَصْل لي عَائِد ... وَمِنْه ... أَيهَا اللحظ المريق دمي ... أَنْت فِي حل وَفِي سَعَة ... حبذا يَا فتنتي قدمي ... بِي إِلَى حتف الْهوى سعت ... نسبتي فِي الْحبّ ثَابِتَة ... همتي عَن غَيره سمت ... كنت مَجْهُولا بِلَا سمة ... وَهِي لي بَين الورى سمتي ... كم معَان فِيك يَا قمري للمعنى الصب قد دعت ... من تمعناها وعاينها ... عَاشَ فِي حفظ وَفِي دعة ... والسودي نِسْبَة إِلَى قَرْيَة تسمى سَوْدَة شضب وَهِي على ثَلَاثَة مراحل من صنعاء وَنسبه يرجع إِلَى بني شمر وهم من أَوْلَاد كِنْدَة وَكَانَ الشَّيْخ نفع الله بِهِ ولدان احدهما عبد الْقَادِر وَالْآخر مُحَمَّد وَمَات عبد الْقَادِر فِي حَيَاة أَبِيه وَخلف بِنْتا وَلم يبْق للشَّيْخ عبد الْهَادِي الْآن نسل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 إِلَّا مِنْهَا وَأما مُحَمَّد فَعَاشَ بعد وَالِده وَصَارَ مُتَوَلِّيًا قَضَاء تعز وَلما استولى الاروام على تعز لزموه وبعثوا بِهِ إِلَى مصر فَمَاتَ هُنَاكَ وَذَلِكَ فِي حُدُود السِّتين بعد التسْعمائَة وفيهَا توفّي السُّلْطَان الْأَعْظَم مظفر شاه ابْن مَحْمُود شاه صَاحب كجرات وَكَانَ عادلاً فَاضلا محباً لأهل الْعلم وَكَانَ حسن الْخط وَكتب بِيَدِهِ جملَة مصاحف أرسل مِنْهَا مُصحفا إِلَى الْمَدِينَة الشَّرِيفَة وَخرجت روحه وَهُوَ ساجد وَالظَّاهِر أَنه هُوَ الَّذِي وَفد عَلَيْهِ الشَّيْخ الْعَلامَة بحرق الْحَضْرَمِيّ وصنف بِسَبَبِهِ السِّيرَة النَّبَوِيَّة وَإِن كَانَ اسْم الْكتاب يشْعر بِغَيْر ذَلِك فَإِنَّهُ مَا كَانَ فِي ذَلِك الزَّمَان أحد مِمَّن ولي السلطنة اسْمه أَحْمد غَيره وَلم يزل عِنْده محللا مكرما إِلَى أَن مَاتَ سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ بعد التسْعمائَة (933) هـ وَفِي يَوْم الْأَحَد سَابِع شهر صفر سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ توفّي الْعَارِف بِاللَّه الرباني والقطب الصمداني شَافِعِيّ زَمَانه وجنيد أَوَانه ولي الله بالِاتِّفَاقِ وَشَيخ الْمَشَايِخ على الاطلاق الْمَشْهُور فِي الْآفَاق الشَّيْخ مُحَمَّد بن عَليّ بن عراق الْكِنَانِي الشَّافِعِي بِمَكَّة المشرفة زَادهَا الله شرفاً وتعظيما وَكَانَ وُصُوله من مَكَّة إِلَى مَدِينَة الْمُصْطَفى فِي شهر رَمَضَان من سنة اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ لاطفاء الْفِتْنَة الَّتِي اطفاها الله تَعَالَى بوصوله بَين الشريف أبي نمر بن بَرَكَات والأروام وأميرهم سُلَيْمَان وَمَعَهُمْ خير الدّين واظهارهم أَن نيتهم الْعَزْم على الفرنج فقتلا كِلَاهُمَا بِالْيمن وَكَانَ رَضِي الله عَنهُ من كبار المشاريخ العارفين وَبَقِيَّة الصفوة من الْأَوْلِيَاء الْوَارِثين وَكَانَ من رجال الطَّرِيق ومشايخ التَّحْقِيق وخاتمة ذَوي الْعرْفَان وعمدة فِي تربية المريدين وَمن كراماته أَنه كَانَ فِي يَوْم من الْأَيَّام جَالِسا تَحت شَجَرَة فَمر على خاطره قَول البوصيري فِي الْبردَة وراودته الْجبَال الشم من ذهب الْبَيْت وان ذَلِك قَلِيل بِالنِّسْبَةِ إِلَى رُتْبَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فَمَا استتمت بخاطري إِلَّا وَنظر إِلَى تِلْكَ الشَّجَرَة قد استحالت ذَهَبا فهالني ذَلِك وتضرعت إِلَى الله تَعَالَى حَتَّى عَادَتْ كَمَا كَانَت وَله نفع الله بِهِ عقيدة مختصرة وَهِي هَذِه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد الله وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على رَسُول الله اللَّهُمَّ إِنَّا نوحدك وَلَا نحدك ونؤمن بك وَلَا نكيفك جلّ رَبنَا وَعلا تبَارك وَتَعَالَى حَيَاته لَيْسَ لَهَا بداية فالبداية بِالْعدمِ مسبوقة قدرته لَيْسَ لَهَا نِهَايَة فالنهاية بالتحقيق ملحوقة إِرَادَته لَيْسَ بحادثة بالاضداد مطروقة سَمعه لَيْسَ بجارحة فالجارحة مخروقة بَصَره لَيْسَ بحدقة فالحدقة مشقوقة علمه لَيْسَ بكسبي فالكسبي بِالتَّأَمُّلِ وَالِاسْتِدْلَال بِعلم وَلَا بضروري فالضروري على الْإِرَادَة والالتزام تلْزم كَلَامه لَيْسَ بِصَوْت فالأصوات تُوجد وتعدم وَلَا بِحرف فالحروف تُؤخر وَتقدم ذَاته لَيْسَ بجوهر فالجوهر بالتحيز مَعْرُوف وَلَا بِعرْض فالعرض باستحالة الْبَقَاء مَوْصُوف وَلَا بجسم فالجسم بالحهات محفوف هُوَ الله الَّذِي لَا آله إِلَّا هُوَ الْملك القدوس على الْعَرْش اسْتَوَى من غير تمكن وَلَا جُلُوس لَا الْعَرْش لَهُ من قبل الْقَرار وَلَا الاسْتوَاء من جِهَة الِاسْتِقْرَار الْعَرْش لَهُ حد وَمِقْدَار الرب لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار الْعَرْش تكيفه خواطر الْعُقُول وتصفيه بِالْعرضِ والطول وَهُوَ مَعَ ذَلِك مَحْمُول وَالْقَدِيم لَا يحول وَلَا يَزُول الْعَرْش بِنَفسِهِ هُوَ الْمَكَان وَله جَوَانِب وأركان وَكَانَ الله وَلَا مَكَان وَهُوَ الان على مَا عَلَيْهِ كَانَ جلّ عَن التَّشْبِيه وَالتَّقْدِير والتكييف والتغيير والتأليف والتصوير لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا مُحَمَّد البشير النذير ونستغفر الله من كل تَقْصِير غفرانك رَبنَا وَإِلَيْك الْمصير انْتَهَت العقيدة وَشَرحهَا شيخ الْإِسْلَام ابْن حجر الهتيمي وَله وَصِيَّة نافعة وَغير ذَلِك وَمن أَوْلَاده الشَّيْخ الْعَلامَة الحبر الفهامة قدوة وقته فِي الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول والمعول عَلَيْهِ فِي الْفُرُوع وَالْأُصُول شيخ الْأَنَام بِطيبَة والنبوية ومرجع الْخَاص وَالْعَام بالحضرة المصطفوية الشَّيْخ عَليّ وَكَانَ من كبار أهل الْعلم وَله جملَة مصنفات مِنْهَا شرح على الْعباب فِي الْفِقْه إِلَّا أَنه لم يتم وَمِنْهَا تَنْزِيه الشَّرِيعَة عَن الْأَحَادِيث الْمَوْضُوعَة وَهُوَ كتاب جليل عَظِيم الْفَائِدَة وَمِنْهَا الصِّرَاط الْمُسْتَقيم فِي شرح بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَاخْتصرَ رحْلَة ابْن رشيد وَعمل تذكرة جمع فِيهَا فَوَائِد عديدة وَسُئِلَ عَن القهوة بِهَذِهِ الأبيات ... أَيهَا السَّامِي لكلتا الذرتين ... بجوار الْمُصْطَفى المروتين ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 .. والعلي الْقَدِير علما وَكَذَا ... ذَا علا فَوق زين النيرين ... من لَهُ فِي الزّهْد بَاعَ وَيَد ... وَهُوَ فِي بذل الندى رحب الْيَدَيْنِ ... افتني فِي قهوة قد ظلمت ... حَيْثُمَا شِئْت تعاطيها بشين ... من تله هالنا مهيعه ... وافتراق للاقاويل ومين ... ومراعاة أُمُور شاهدتها ... فِي الحان كلتا المقلتين ... وَحكى شرابها أهل الطلا ... فالتداني بَين تين الفردني ... أَو دعوا ذَا الطرس مَا يَرْجُو الْغنى ... أَو دعوا فاليأس احدى الراحتين ... فَأَجَابَهُ رَحمَه الله ... أَيهَا لاسامي سمو الفرقدين ... وَإِمَام الْعلم مفتي الْفرْقَتَيْنِ ... يَا رَضِي الدّين يَا حبر الندى ... من رجالكم رَاح مَمْلُوء الْيَدَيْنِ ... جَاءَنِي مِنْكُم نظام قد حكى ... فِي نصوع اللَّفْظ مسبوك اللجين ... قلت فِيهِ إِن ذَا القهوة قد ... خلطوها بتله وَيَمِين ... وبمطعوم حرَام وغنى ... وبرقص وبصفق الراحتين ... وَطلبت الحكم فِيهَا بَعْدَمَا ... قد رَأَيْتُمْ مَا ذكرْتُمْ رَأْي عين ... فعلى ذِي الْأَمر إنمار الَّذِي ... شابها حَتَّى يصفى دون رين ... فَإِذا لم يتطعه دون أَن ... يمْنَع الأَصْل فَفعل مِنْهُ زين ... والتداني من حماها وَهِي فِي ... وصفهَا الْمَذْكُور شين أَي شين ... والصفا فِي شربهَا مَعَ فِئَة ... اخلصوا التَّقْوَى وشدوا المئزرين ... ثمَّ ناجوا رَبهم جنح الدجى بخشوع ودموع المقلتين ... فابتداء الْأَمر فِيهَا هَكَذَا ... قد حكوه عَن ولي دون مين ... ذَا جوابي واعتقادي أَنه ... فِي اعْتِدَال كاعتدال الكفتين ... وَمن شعره أَيْضا ... قَالُوا الْعَزِيز لَهُ صِفَات أَربع ... بالقهر يَأْخُذ كل من يطَأ عَلَيْهِ ... صَعب الْوُصُول لَهُ وَقل نَظِيره ... واشتدت الْحَاجَات من كل إِلَيْهِ ... من ... ولربما صَاد الْعقَاب بكيده ... من لَو ترَاهُ لخلته مكسالا ... حَتَّى تحقق وَالْقَضَاء مساعداً ... إِن الْعلَا مَا اعجزت محتالاً ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 صُورَة شَيْء من اجازة صَاحب الْعباب المزجد للشَّيْخ عَليّ بن عراق بعد أَبْيَات تَتَضَمَّن الْحَمد وَالصَّلَاة ... وَبعد فَالْوَلَد العالي ... فَتى مُحَمَّد بن عراق الْعَالم الْعلم ... السالك الناسك المحي طَريقَة من ... روى فأروى الورى من ورده الشيم ... فَالله يبقيه فِي خير وعافية ... من غير بَأْس وَلَا بؤس وَلَا نقم ... أَرَادَ مني إجازات وَلست هُنَا ... اني وَإِن كنت مَوْجُودا فكالعدم ... انا المعيدي فاسمع بِي لَا تراني ... نعم وَمَا السّمن المريء كالورم ... وَقد علمت بِحسن الظَّن مِنْهُ بِمَا ... دعى إِلَيْهِ بِأَمْر مِنْهُ منحتم ... أجزته فِي عُلُوم الشَّرْع أجمعها ... وَكلما لي من نثر ومنتظم ... بِمَا لَهَا من أَسَانِيد مُطَوَّلَة ... عَن الْمَشَايِخ أهل الْفضل والهمم ... هَذَا نِهَايَة مَا استطيع جِئْت بِهِ ... وَمن يقصر وَرَاء الْجهد لم يلم ... وَالْحَمْد لله حمدا لَا نَفاذ لَهُ ... على التواصل فِي بَدْء ومختم ... ثمَّ الصَّلَاة على الْمُخْتَار من مُضر ... مَا أومض الْبَرْق فِي محلولك الظُّلم ... صُورَة صدر اجازة الشَّيْخ أبي الْقَاسِم بن اقبال للشَّيْخ عَليّ بن عراق الْحَمد لله الَّذِي جعل صُدُور الْعلمَاء مشكاة لمصابيح الْأَنْوَار وأمدها بِزَيْت من الْهِدَايَة والتوفقيق {يكَاد زيتها يضيء وَلَو لم تمسسه نَار} وزين ظواهرهم بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقار وبواطنهم بمعارف عوارف الْأَسْرَار وَفِي تذكرة الشَّيْخ عَليّ بن عراق ادم لما أهبط وأزل درنه وظفره وشعره خلق الله مِنْهُ النَّخْلَة فالخشب من الدَّرن والجريد من الظفر والليف من الشّعْر وتاريخ وَفَاته لم أَقف عَلَيْهِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي مَنَعَنِي من أَن أترجم لَهُ على حِدته رَحْمَة الله تَعَالَى وَمن أَوْلَاد الشَّيْخ مُحَمَّد بن عراق أَيْضا الشَّيْخ عبد النافع وَكَانَ عَالما فَاضلا فصيحاً بليغاً رَئِيسا كَبِيرا ذَا أدب وظرف وملح ولطف وَحكي أَنه سُئِلَ عَن الشوي الَّذِي يصنعه الحضرميون الْمُسَمّى عِنْدهم المظبي أَتَقول بِهِ معنى يُعْجِبك فَقَالَ حَتَّى أذوقه فَلَمَّا ذاقه قَالَ نعم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 أَقُول بِهِ قلت وعَلى ذكر الشوي الْمَذْكُور ذكرت بَيْتَيْنِ فِيهِ لصاحبنا الأديب جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد اللَّطِيف مخدوم زَاده وهما إِن الهباريش لَهَا لَذَّة ... تفوق لذات الشوي والكباب ... وَلَذَّة الوقصة لَهَا تنسها ... وَهِي الَّتِي تنسيك شرخ الشَّبَاب ... والحضارم يسمون مَا يشوى من سَواد الْبَطن وَنَحْوه الهباريش بِالْهَاءِ وَالْبَاء الْمُوَحدَة وَبعدهَا ألف وَرَاء ثمَّ تحتيه وَآخره مُعْجمَة وَمن عَادَتهم انهم إِذا جَلَسُوا على أَكلَة يشرع أحدهم فِي قطع اللَّحْم فيدور فِيهِ على الْجَمَاعَة فَيدْفَع إِلَى أحدهم ويصنع بِالْآخرِ مثل ذَلِك وَمثله بِالْآخرِ إِلَى أَن تعود نوبَة الأول فيعطيه وَيسْتَمر كَذَلِك إِلَى أخر أكلهم ويسمون ذَلِك الْأكل على هَذِه الْكَيْفِيَّة الوقصة ويجدون لذَلِك لَذَّة عَظِيمَة لَا يعدلها لَذَّة أُخْرَى وَله أشعار رائقة وأخبار فائقة وَمن شعره وَفِيه التورية والإنسجام والتوجيه يَا قائلين وَقَوْلِي حِين اذكرهم ... كم هَكَذَا اغتدى فِي غربَة وفراق ... لَو سَار ركب بعشاق الْهوى رملاً ... نَحْو الْحجاز لما ذاق النَّوَى ابْن عراق ... وَله أَيْضا كل لَهُ ورد يكون وَسِيلَة ... المعاشه ومعاذه ومعاده ... وَجعلت وردي فِي الْخُرُوج عَن السوي ... وأكون مَعَ مولَايَ تَحت مُرَاده ... وَمِنْه هَذِه القهوة هَذِه ... لَيست الْمنْهِي عَنْهَا ... كَيفَ تدعى بجرام ... وَأَنا اشرب مِنْهَا ... وَمِنْهَا لشارب قهوة البن التغادي ... فسر شرابها فِي الْكَوْن بَادِي ... لَهَا عرف العنابر فِي الأيادي ... ولون الْمسك تشرب بالزبادي ... وَحكي أَنه كَانَ لَهُ أَخ يُسمى نعْمَان وَولد لَهُ ابْن من سَرِيَّة لَهُ حبشية فَأَنْشد فِي ذَلِك وَقد نلْت الْبَنِينَ من السراري ... وأقربهم إِلَى روحي وجاشي ... وليد لَا يزَال يَقُول عمي ... هُوَ النُّعْمَان وَالْخَال النَّجَاشِيّ ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 قلت وعَلى ذكر النُّعْمَان وَالنَّجَاشِي فقد وَقع لي تَشْبِيه بديع جدا وَلَكِن فِي غير هَذَا الْمَعْنى خديد حبي حكى الشقائق ... وخاله خلته وَجه واشي ... رمت تَشْبِيها فَقَالَ خَدّه ... أَنا النُّعْمَان وَالْخَال النَّجَاشِيّ ... وَكَانَ تولى الخطابة بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة ولى قَضَاء الْأَقْضِيَة بِالْيمن وللعلامة الْفَقِيه عبد الله ابْن محزمة فِيهِ وَهُوَ يَوْمئِذٍ قَاضِي الْأَقْضِيَة بزبيد لما غَابَ عَنْهَا إِلَى بندر المخافي أَوَاخِر شهر جُمَادَى الأول وأوائل جمادي الآخر من سنة سِتّ وَخمسين وَتِسْعمِائَة وَذَلِكَ شعر رَأَيْت زبيد فِي شهر جُمَادَى ... بآخر ذَا وَأول ذَا كئيبة ... وَبدر جمَالهَا فِيهِ انكساف ... وَقد كَانَت محاسنها عَجِيبَة ... فَقلت لَهَا أَخْبِرِينِي أَي شَيْء ... كساك الكسف قَالَت لي مجيبة ... أَلَسْت نظرت فِي علم الطبيعي ... فَفِي الهيئات عِلّة ذَا قريبَة ... وَذَلِكَ أَن نور الشَّمْس يُعْطي الضيا ... للبدر وَهِي لَهُ حَبِيبَة ... فحين يحول ظلّ الأَرْض عَنْهَا ... عراه كسفة وَلَقي الْمُصِيبَة ... وشمسي غَابَ عني فاعتراني ... كسوف وضاق أنحائي الرحيبة ... فَإِن شمسي تعود نوري ... وتصفو كل أحوالي الشغيبه ... فبالله اطْلُبُوا رَبِّي يُعِيدهُ ... ويحرسه من النوب التعيبه ... ويصحبه بتأييد ولطف ... فَمَا يخْشَى الَّذِي رَبِّي صحيبه ... وَله أَيْضا سَأَلت زبيد عَمَّا قد عراها ... من الأظلام فِي وَجه وخد ... وَقلت لَهَا اما سَبَب لهَذَا ... فَقَالَت لي مفارقه الأفندي ... وَلم أعثر على تَارِيخه أَيْضا رَحمَه الله تَعَالَى آمين سنة أَربع وَثَلَاثِينَ بعد التسْعمائَة (934) هـ وَفِي السّنة أَربع وَثَلَاثِينَ أَخذ الإِمَام الْجواد أَحْمد مَدِينَة هرر من بِلَاد الْحَبَشَة وَضعف عَن مقاومة سلطانها وَكَانَ من ولد سعد الدّين وَلم يزل أَمر الإِمَام بعد يعظم حَتَّى صَار إِلَى مَا صالا إِلَيْهِ وأستفتح كثيرا من بِلَاد الْحَبَشَة وقهر الْكفَّار ووظب على الْجِهَاد والغزو فِي سَبِيل الله وَنقل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 عَنهُ فِي ذَلِك مَا يبهر الْعُقُول حَتَّى سَمِعت بَعضهم يَقُول مَا تشبه فتوحاته إِلَّا بِمثل فتوحات الصَّحَابَة وناهيك فِيمَن يكون بِهَذِهِ المثابة وَكَذَلِكَ حُكيَ من أَمر شجاعته غَرِيبَة قَالُوا وَكَانَت أُمُوره جَمِيعًا على قوانين الشَّرِيعَة الغراء حَتَّى أَنه كَانَ يخرج الْخمس من الْغَنِيمَة ويصرفه إِلَى أقَارِب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرَأى بعض الْأَخْبَار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعَهُ أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي رَضِي الله عَنْهُم وَعِنْده الإِمَام الْمَذْكُور قَالَ الرَّائِي فَقلت يَا رَسُول الله من هَذَا الرجل قَالَ هَذَا رجل نَشأ فصلح بِهِ بِلَاد الْحَبَشَة وَكَانَت هَذِه الرُّؤْيَا قبل أَن يترقى الإِمَام إِلَى هَذَا الْمقَام وَرَأى بَعضهم العيدروس وَهُوَ يَقُول لَا تسمونه سُلْطَانا وَلَا أَمِيرا سموهُ إِمَام الْمُسلمين وَبِالْجُمْلَةِ فَكَانَ هَذَا الرجل من آيَات الله تَعَالَى رَحمَه الله آمين سنة خمس وَثَلَاثِينَ بعد التسْعمائَة (935) هـ وَفِي شهر ربيع الثَّانِي سنة خمس وَثَلَاثِينَ توفّي مُحَمَّد بن عَليّ بن أَحْمد بن سَالم الجناحي بجيمين الأولى مَضْمُومَة بَينهمَا نون خَفِيفَة نِسْبَة لجناج قَرْيَة بَين البحرارية وسنهور من الغربية ثمَّ القاهري الْأَزْهَرِي الْمَكِّيّ وَرُبمَا يعرف هُنَاكَ بِابْن وَحشِي بِمَكَّة وَصلي عَلَيْهِ عِنْد بَاب الْكَعْبَة وَدفن بالمعلا وَكَانَ مولده فِي سنة سِتِّينَ أَو بعْدهَا تَقْرِيبًا وَحفظ الْقُرْآن وَنَحْو النّصْف الأول من مُخْتَصر الشَّيْخ وَمن ألفيه النَّحْو وأشتغل عِنْد دَاوُد الفلتاوي فِي الْفِقْه والعربية بل وَقَرَأَ على السنهوري النّصْف من تَوْضِيحه وَسمع عَلَيْهِ غير ذَلِك وَقَرَأَ على الديمي البُخَارِيّ وَسمع على الْكَمَال ابْن أبي شرِيف فِي مُسلم وعَلى الشاوي فِي البُخَارِيّ بِحَضْرَة الخيضري كَذَا ذكر السخاوي قَالَ وَحج غير مرّة ولقيني فِي سنة سبع وَتِسْعين بِمَكَّة فَقَرَأَ على الْمُوَطَّأ وَنَحْو النّصْف من الشِّفَاء بمساع بَاقِيه ولازمني فِي غير ذَلِك سَمَاعا وتفهماً ولديه استحضار ومشاركة وأختص بالشمس الْحلَبِي التَّاجِر ثمَّ بِأبي الْفَتْح ابْن كرمون وسافر مَعَه إِلَى الْيمن فَحصل مَا أرتفق بِهِ وَعَاد بعد أشهر فِي سنة تسع وأستمر مُقيما بِمَكَّة يقرئ ولد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 الْمشَار إِلَيْهِ بعد رُجُوع الْأَب إِلَى الْقَاهِرَة وَمَعَهُ جَارِيَة يتقنع بهَا وَلَا بَأْس بِهِ قَالَ الشَّيْخ جَار الله بن فَهد رَحمَه الله أَقُول وَقد رزق مِنْهَا ذكران وَبنت وأنقطع بمنزله من وجع رجله وتقرر فِي عدَّة وظائف وضرر فَصَارَ أَوْلَاده يباشرون عَنهُ بحيلة واظهار فَضِيلَة وأستمر على ذَلِك حَتَّى مَاتَ رَحمَه الله وفيهَا كَانَت وَفَاة الْأَمِير سلمَان الرُّومِي الَّذِي قتل فِي جَزِيرَة المجاملة قَرِيبا من بندر الْبقْعَة مَقْتَله لَهُ قررت وَكَانَ قَاتله ابْن أُخْته خير الدّين ثمَّ ان مصطفى بهْرَام ابْن أُخْت الْأَمِير سلمَان الثَّانِي استوفي وَأخذ ثار خَاله بقتل خير الدّين ثمَّ دخل الْهِنْد مصطفى بهْرَام هُوَ والخواجه صفر سلماني فخوطب مصطفى بهْرَام برومي خَان وخوطب صفر بخداوند خَان وَسَيَأْتِي ذكرهمَا وتاريخ ذَلِك الْعَام قَرِيبا سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ بعد التسْعمائَة (936) هـ وَفِي عصر صفر يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشر الْمحرم سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ توفّي الشهَاب أَحْمد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عمر بن عبد الله بن أبي بكر وَصلي عَلَيْهِ صبح لَيْلَة الْجُمُعَة وَدفن على قبر أَبِيه وجده فِي شعب الْأَقْصَى جوَار الفضيل بن عِيَاض وتربة بني الشيبي وَكَانَ مولده فِي شعْبَان سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة بِمَكَّة وَنَشَأ بهَا فحفظ الْقُرْآن وَأَرْبَعين النَّوَوِيّ والارشاد لِابْنِ الْمُقْرِئ وألأفية بن مَالك وَعرض على الْبُرْهَان ابْن ظهيره والمحب الطير والعلمي وَعمر بن فَهد فِي آخَرين قَالَ السخاوي سمع مني بِمَكَّة وَالْمَدينَة أَشْيَاء بل قَرَأَ عَليّ بِالْقَاهِرَةِ فِي سنَن أبي دَاوُد وتكرر قدومه لَهَا وَهُوَ حاذق فطن منور قَالَ الشَّيْخ جَار الله بن فَهد رَحمَه الله أَقُول وَبعد الْمُؤلف اسْتمرّ على حَاله فِي التودد والحذق وَكَثْرَة دُخُول الْقَاهِرَة ومخالطة الأكابر مَعَ الْحِرْص على تَحْصِيل الْوَظَائِف وَتزَوج وَاحِدَة بعد أُخْرَى ورزق جملَة من أَوْلَاد أنجبهم عبد الله من حبشية وَغَيره من مَكِّيَّة ومدنية وَحصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 الْأَمْلَاك وعمرها ثمَّ ضعف فِي آخر عمره وطلع لَهُ فتق فِي بدنه وأنقطع فِي بَيته نَحْو جمعية بالاسهال ثمَّ ماتع بعد وَصِيَّة وَحصل بالإسهال الشَّهَادَة وَوقى فتْنَة الْقَبْر بِمَوْتِهِ يَوْم الْجُمُعَة وناهيك بهما من سَعَادَة رَحمَه الله تَعَالَى وايانا وَخلف عبد الله وَعمر وَعبد الْقَادِر وَأَبا السعادات قلت وَقد أشتهر كل من أَوْلَاده بمزيد الْعلم خلا عمر وَسَيَأْتِي ذكر الثَّلَاثَة مِنْهُم عِنْد ذكر السّنة الَّتِي توفوا فِيهَا فَليعلم وفيهَا توفّي السَّيِّد الشريف الْفَقِيه حُسَيْن بن أَحْمد بن عَليّ أَبَا جبهان أَبَا علوي وَكَانَ فَقِيها فَاضلا صَاحب إتقان وَتَحْقِيق تفقه بِجَمَاعَة من أهل عصره وعلماء مصره كالفقيه أَحْمد بن عَليّ خرد الملقب قَاضِي شرِيف والعلامة الْفَقِيه وَعبد الله بن مُحَمَّد أَبَا قُشَيْر صَاحب القلائد والفقيه عَليّ بن عبد الرَّحْمَن أَبَا حرمي والفقيه الزين بن الْفَقِيه عبد الله أَبَا فضل وَكَانَ كحفوظه الارشاد للمقري فِي الْفِقْه وألفية ابْن مَالك فِي النَّحْو والشاطبية فِي الْقرَاءَات وقرد الْمِنْهَاج للنووي مرَارًا وَقَرَأَ روض الْمقري والإسعاد شرح الْإِرْشَاد لِأَبْنِ أبي شرِيف وَغير ذَلِك من كتب الْمَذْهَب وَكَانَت وَفَاته بروره من بر سعد الدّين رَحمَه الله تَعَالَى آمين سنة سبع وَثَلَاثِينَ بعد التسْعمائَة (937) هـ وَفِي سنة سبع وَثَلَاثِينَ سَار جدي الشَّيْخ عبد الله العيدروس لِلْحَجِّ وأستصحب مَعَه وَلَده سَيِّدي الْوَالِد وَكَانَ الأروام فِي تِلْكَ السّنة حصروا عدن وَمنعُوا المراكب أَن تسير إِلَيْهَا مُدَّة من الزَّمن فَلَمَّا وصل سَيِّدي الْجد إِلَى الشحر وَسمع بِهِ الْأَمِير مصطفى بهْرَام الرُّومِي وَكَانَ يُرِيد الْهِنْد فتوة فِي الشحر جَاءَ اليه يزوره فَأخْبرهُ سَيِّدي الْجد بِأَنَّهُ يُرِيد عدن فَأذن لَهُ وَسَار إِلَيْهَا وَكَانَ دُخُوله فِيهَا يَوْمًا مشهوداً وَكَانَ سلطانها يَوْمئِذٍ عَامر بن دَاوُد آخر مُلُوك مُلُوك بني طَاهِر فقابله بالإجلال وَالْإِكْرَام وَقَامَ بواجبه أتم الْقيام سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ بعد التسْعمائَة (938) هـ وَفِي لَيْلَة السبت سادس عشر شَوَّال عَام ثَمَان وَثَلَاثِينَ توفّي يحيى بن عَليّ بن أَحْمد بن شرف الدّين الرَّحبِي الأَصْل الْمَكِّيّ الْمَالِكِي وَيعرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 كأبيه بالمغربي فَجهز فِي ليلته وَصلي عَلَيْهِ فِي صباحها وَدفن بالمعلا عِنْد قبر جده رَحمَه الله وَكَانَ مولده فَبِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء رَابِع وَعشْرين من شهر ربيع الأول سنة خمس وَسِتِّينَ بِمَكَّة وَنَشَأ بهَا فحفظ الْقُرْآن واربعين النَّوَوِيّ والشاطبية والرسالة وألفيه النَّحْو وَعرض فِي سنة تسع وَسبعين على قَضَاء مَكَّة الْأَرْبَعَة وَعمر بن فَهد وأشتغل قَلِيلا وَحضر عِنْد الْفَخر بن ظهيرة وأخيه الْبُرْهَان مَعَ ذكاء وَفهم ثمَّ تعاطى التِّجَارَة بعد ان أثبت الْبُرْهَان ابْن ظهيره رشده وَسلمهُ مَاله وسافر فِي التِّجَارَة لدمشق وتلقن فِي الْقَاهِرَة الذّكر من ابْن عبد الرَّحِيم الأنباسي ذكره السخاوي فِي تَارِيخه قَالَ وَله تلادد إِلَيّ وَسَمَاع عَليّ ولي إِلَيْهِ زَائِد الْميل وَنعم هُوَ تواضعاً وأدباً وفهماً وذكاء وَحسن عشرَة بِحَيْثُ صَار بَيته بِمَكَّة وَغَيرهَا مألفاً لأحبابة مَعَ عدم استاع دائرته قَالَ الشَّيْخ جَار الله بن فَهد رَحمَه الله أَقُول وعاش بعد الْمُؤلف وَتردد للقاهرة وَأقَام بهَا مُدَّة ثمَّ عَاد لمَكَّة وَاسْتمرّ على حَاله فِي المجع لأحبابه حَتَّى توفّي بعد طول مرض انْقَطع بِسَبَبِهِ فِي الْمنزل مُدَّة أَعْوَام وَلم يخلف غير ابْنة وَاحِدَة ملكهَا جَمِيع مخلفه وَأثبت ذَلِك فِي حَيَاته رَحمَه الله وفيهَا توفّي الْفَقِيه الصَّالح الْمقري ابراهيم بن عَليّ بن الْوَلِيّ علوي خرد أَبَا علوي وعمره سبع وَثَلَاثُونَ سنة لِأَنَّهُ ولد سنة إِحْدَى وَتِسْعمِائَة كَمَا قَالَ أَخُوهُ الْعلم خرد تفقه بالعلامة المزجد والعلامة الرّبيع وَغَيرهمَا وَكَانَ يُحَقّق للقراء الْعشْر ورواتهم برواياتهم وَلم يسْبق إِلَى ذَلِك فِيمَا نعلم فِي زمننا فِي قطرنا وَلَا قبل ولابعد بل كَانُوا يحققون للسبعة وَكَانَ حسن الْعشْرَة وجاور بِمَكَّة المشرفة وَمَات بهَا رَحمَه الله تَعَالَى آمين وفيهَا كَانَ وُصُول مصطفي بهْرَام إِلَى أَرض الْهِنْد وَوصل فِي صحبته المدفعين الْمَشْهُورين المسميين ليلى وَالْمَجْنُون سنة تسع وَثَلَاثِينَ بعد التسْعمائَة (939) هـ وَفِي سنة تسع وَثَلَاثِينَ قفل سَيِّدي الشَّيْخ الْجد عبد الله العيدروس من الْحَج إِلَى عدن وَأمر وَلَده سَيِّدي الشَّيْخ الْوَالِد بالذهاب إِلَى الإِمَام أَحْمد الْجواد بِالْحَبَشَةِ بِسَبَب دين لحقه فَفعل وَحصل الْمَقْصُود على أحسن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 الْوُجُوه وأجملها وَرجع إِلَى عِنْد وَالِده بعدن فِي مُدَّة يسيرَة جدا وَقضى الله عِنْد ذَلِك الدّين الَّذِي استدانه فِي سَفَره إِلَى الْحَج وَرَأَيْت بِخَط سَيِّدي الْوَالِد أَن جَائِزَة الْجواد لَهُم كَانَت ألف وخمسماية ذهب سنة أَرْبَعِينَ بعد التسْعمائَة (940) هـ وَفِي آخر ذِي الْحجَّة سنة أَرْبَعِينَ توفّي الشريف الصَّالح الْفَقِيه العابد الْوَلِيّ شيخ ابْن الْوَلِيّ عبد الله بن الاستاذ الْأَعْظَم الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن السقاف وَكَانَ كثير الْعِبَادَة متواضعاً تفقه على عُلَمَاء عصره قَرَأَ التَّنْبِيه على الْعَلامَة الصَّالح الْفَقِيه مُحَمَّد بن أَحْمد أَبَا فضل وَقَرَأَ الْمِنْهَاج على الْفَقِيه مُحَمَّد بن عبد الله أَبَا جَعْفَر وَابْن أخي الْمَذْكُور كَانَ فَاضلا بليغاً نقل الْحَاوِي والالفية وقرأهما وحققهما على الْعَلامَة مُحَمَّد بن أَحْمد أَبَا فضل بعدن ونظم على منوال القصيدة الموسومة بالوترية قصيدة أَجَاد فِيهَا ذكره الْمعلم خرد فِي كِتَابه النُّور المضيء والدر الْبَهِي وَلم يذكر تَارِيخ الْوَفَاة وَالظَّاهِر أَنه كَانَ إِذْ ذَاك حَيا واسْمه عبد الله بن أبي بكر وَكَانَ يعاني التِّجَارَة وفيهَا خرج سَيِّدي الْوَالِد من عدن إِلَى تريم بِأَمْر وَالِده وَتزَوج فِيهَا وَولد لَهُ ولد مَاتَ صَغِيرا وَقَرَأَ فِي تِلْكَ السّنة على الْفَقِيه عبد الله أَبَا سهل وَغَيره من الْمَشَايِخ سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين بعد التسْعمائَة (941) هـ وَفِي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين توفّي الْعَالم الْكَبِير ملا عماد بن مَحْمُود الطارمي مولده بطارم قَرْيَة من خُرَاسَان نَشأ بهَا واشتغل بتحصيل فنون الْعُلُوم حَتَّى برع ثمَّ جَاءَ إِلَى كجرات وَأقَام بهَا إِلَى أَن مَاتَ وَسمعت شَيخنَا ملا عبد الرَّحْمَن بن حسن يَقُول إِن وَالِد صَاحب التَّرْجَمَة كَانَ يعاني التِّجَارَة فاتفق أَنه صنع خيمة عَظِيمَة انفق فِيهَا مَالا جزيلا ورصعها بالجواهر واللآلئ وَذهب بهَا إِلَى ملك الرّوم فعجز عَن قيمتهَا ثمَّ أَتَى بهَا إِلَى كجرات وَذَلِكَ فِي عهد السُّلْطَان مَحْمُود الْكَبِير فَلم يَأْخُذهَا أَيْضا فَأَرَادَ الرُّجُوع إِلَى وَطنه فاتفق أَن مر ذَات يَوْم وَكَانَ يَوْم جُمُعَة على بعض الْمَسَاجِد وَكَانَ الشَّيْخ الْكَبِير شاه عَالم فِي ذَلِك الْمَسْجِد فَسمع الجلبة والغوغاء فَقَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 مَا هَذَا فَقيل لَهُ بالقصة فَقَالَ اطلبوه فَاحْضُرْ بَين يَدَيْهِ وَعرض تِلْكَ الْخَيْمَة عَلَيْهِ فاشتراها الشَّيْخ مِنْهُ على أَن يُؤَدِّي إِلَيْهِ الثّمن بعد أَيَّام وَرجع إِلَى منزله فَقَالَ بعض النَّاس لَهُ ايش صنعت ابتعت من هَذَا الشَّيْخ من أَيْن يُعْطي هَذَا الْمبلغ الَّذِي عجز عَنهُ الْمُلُوك فَدخل عِنْده هَذَا الْكَلَام وَذهب من وقته إِلَى الشَّيْخ فَوَجَدَهُ جَالِسا وَقد نصب الْخَيْمَة وَجعلهَا نهبة للنَّاس فَلَمَّا رأى التَّاجِر ذَلِك هاله هَذَا الْأَمر وَطلب من الشَّيْخ الْمبلغ قبل حُلُول الْأَجَل فَقَالَ الشَّيْخ لقد حرضك بعض النَّاس على هَذَا أَي جنس من النَّقْد تختاره فَذكر نَقْدا معينا فَرفع الشَّيْخ بساطاً كَانَ تَحْتَهُ وَأمره أَن يَأْخُذ حَقه فَوجدَ ذَلِك الْمبلغ بِعَيْنِه من جنس مَا طلب هُنَاكَ من غَيره زِيَادَة وَلَا نُقْصَان فاعترف عِنْد ذَلِك بِقدر الشَّيْخ وَطلب مِنْهُ أَن يرزقه الله ولدا فَأخْرج الشَّيْخ تانبولا من فِيهِ وَأَعْطَاهُ إِيَّاه وَقَالَ لَهُ سَيكون ذَلِك انشاء الله تَعَالَى فَرجع إِلَى بَلَده وَولد لَهُ هَذَا الْوَلَد واشتغل بتحصيل الْعُلُوم حَتَّى فاق اقرانه وَكَانَ قد سمع من وَالِده أَحْوَال الشَّيْخ وكراماته فسافر الى كجرات لملاقاته فَمَا قدر الله وُصُوله إِلَيْهَا إِلَّا بعد وَفَاته وَكَانَ وصل فِي عهد السُّلْطَان مظفر بن السُّلْطَان مَحْمُود وَكَانَ بارعاً فِي كثير من الْعُلُوم سِيمَا العقليات قيل انه كَانَ عِنْده مِنْهَا كَذَا وَكَذَا علما وَكَانَت لَهُ يَد طولى فِي علم السيميات وَعنهُ فِي ذَلِك حكايات مَشْهُورَة وَمِمَّنْ أَخذ عَنهُ من الْعلمَاء الْأَعْلَام مَوْلَانَا وجيه الدّين ومولانا الْعَلامَة القَاضِي عِيسَى وفيهَا توفيت فَاطِمَة بنت القَاضِي كَمَال الدّين مَحْمُود بن سِيرِين بِالْقَاهِرَةِ ودفنت بالقرافة ولدت تَقْرِيبًا سنة خمس وَخمسين وَثَمَانمِائَة ونشأت فتعلمت الْكِتَابَة وَمَا تيَسّر وَتَزَوَّجت النَّاصِر بن مُحَمَّد بن الطنبغا فاستولدت ابْنَتهَا فَاطِمَة وَغَيرهَا ثمَّ مَاتَ عَنْهَا فَتَزَوجهَا الْعَلَاء عَليّ بن مُحَمَّد بن بيبرس حفيد ابْن أُخْت الظَّاهِر برقوق فاستولدها بيبرس ولاحظ لَهَا فِي ذَلِك مَعَ براعتها فِي النّظم وَحسن فهمها وَقُوَّة جنانها حَتَّى كَانَت فريدة فِيمَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ ذكرهَا السخاوي فِي تَارِيخه وَذكر كثيرا من نظمها مِمَّا امتدحته بِهِ هُوَ وَغَيره من فضلاء ذَلِك الْعَصْر من ذَلِك أَنَّهَا أرْسلت إِلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 بِأَبْيَات تستفتيه فِيهَا عَن بعض الْمسَائِل فَأجَاب عَنْهَا نثراً وَمن ذَلِك أَن الشهَاب المنصوري كتب للزين سَالم شعر أيا سيدا قد حسن الْخَالِق اسْمه ... وجمله وَالله بالخلق عَالم ... أعن بيد فِيهَا أياد لسائل وَلَا تخش حساداً فانك سَالم ... فَقَالَت هَذِه بديها أيا سيداً عَم الْخَلَائق بره ... واحسانه فرض تضَاعف لَازم ... أعن سَائِلًا يَأْتِيك والدمع سَائل ... ولاتخش من سوء فانك سَالم ... وَكَانَ بِحَضْرَة السراج الْعَبَّادِيّ وَغَيره فرجحوها عَلَيْهِ بل وَافق المنصوري على ذَلِك قَالَ وَقد حجت سنة أَربع وَثَمَانِينَ ثمَّ سنة أَربع وَتِسْعين وجاورت فِي هَذِه بجوارنا ثمَّ فِي سنة ثَمَان وَتِسْعين مَعَ أَبِيهَا وجاورا فِي السّنة الَّتِي تَلِيهَا قَالَ الشَّيْخ جَار الله بن فَهد رَحمَه الله أَقُول وَبعد الْمُؤلف عمرت نَحْو أَرْبَعِينَ سنة حَتَّى بلغت نَحْو خمس وَثَمَانِينَ سنة وجاورت بِمَكَّة سِنِين عديدة فِي حُدُود الْعشْرين وخالطت سُلْطَان مَكَّة السَّيِّد بَرَكَات الحسني وَزَوجته بل وامتدحتهما وانعما عَلَيْهَا بعدة انعامات بل راسلها الشريف وَغَيره من الأكابر وجمعت نظمها فِي عدَّة كراريس وَقد أخذت دورها فِي أول دولة الأروام وتوجهت للقاهرة يسببها وفقدت نظرها وقدحت عينهَا فَلم ينْتج شَيْئا ثمَّ مَاتَ وَلَدهَا ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَتِسْعمِائَة وَضعف حَالهَا بعده رَحمهَا الله قلت وعَلى ذكر قدح الْعين فَهُنَا حِكَايَة غَرِيبَة يحسن ذكرهَا وَهِي أَن الْفَقِيه الصَّالح مُحَمَّد بن الْحسن بن عبدويه بِفَتْح الْعين واسكان الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الدَّال الْمُهْملَة وَالْوَاو واسكان الْمُثَنَّاة من تَحت ثمَّ هَاء تلميذ الشَّيْخ أبي اسحاق الشِّيرَازِيّ كف بَصَره فِي آخر عمره وَكَانَ متوطناً فِي جَزِيرَة كمران فَقَالَ بعض من كَانَ يقْرَأ عَلَيْهِ خرجت مرّة من بلدي أريده فِي الجزيرة فَدخلت المهجم فَوجدت بِهِ طَبِيبا فاخبرته بِحَال الْفَقِيه وَسَأَلته أَن يسير معي فَأَجَابَنِي وَخرج معي إِلَى المهجم ثمَّ وكبنا الْبَحْر حَتَّى أَتَيْنَا الجزيرة فَأتيت الْفَقِيه وسلمت عَلَيْهِ وأخبرته بقدومي بالطبيب فَقَالَ لَا بَأْس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 ثمَّ لما كَانَ آخر الْيَوْم الَّذِي قدمنَا فِيهِ عَلَيْهِ دعى بِابْن ابْن لَهُ فَقَالَ لَهُ اكْتُبْ ثمَّ املي عَلَيْهِ شعرًا وَقَالُوا قد دهى عَيْنَيْك سوء ... فَلَو عالجته بالقدح زَالا ... فَقلت الرب مختبري بِهَذَا ... فَإِن اصبر انل مِنْهُ منالا ... وان أجزع حرمت الْأجر مِنْهُ ... وَكَانَ خصيصتي مِنْهُ الوبالا ... وَإِنِّي صابر رَاض شكور ... وَلست مغيراً مَا قد أنالا ... صَنِيع مليكنا حسن جميل وَلَيْسَ لصنعه شَيْء مِثَالا ... وربي غير متصف بحيف ... تَعَالَى رَبنَا عَن ذَا تَعَالَى ... قَالَ وَلما بلغ قَوْله وَإِنِّي صابر رَاض شكور الْبَيْت رد الله تَعَالَى عَلَيْهِ بَصَره وأضاء لَهُ الْمَسْجِد وعاين ابْن ابْنه وَهُوَ يكْتب وتكامل بَصَره بِفضل الله تَعَالَى فَقَالَ لَهُ اعط الطَّبِيب مَا شَرط لَهُ فقد حصل الشِّفَاء باذن الله تَعَالَى لَا بمداواته سنة اثْنَيْنِ وَأَرْبَعين بعد التسْعمائَة (942) هـ وَفِي سنة اثْنَيْنِ وَأَرْبَعين توفّي الشَّيْخ الشريف عبد الله بن عَليّ بن أبي بكر وَكَانَ من الْأَوْلِيَاء العارفين وَالْعُلَمَاء العاملين وَكَانَ وَالِده يَقُول فِيهِ عبد الله صوفي حَقًا وَمن كراماته أَنه كَانَ يجلس فِي بعض الْبيُوت بترم وَكَانَ الْبَيْت غميماً فَذكر لَهُ بعض الْحَاضِرين إِن الْبَيْت غميم فَقَالَ عادكم تنْظرُون من هَذِه الطَّاقَة بَيت فلَان فَبعد نَحْو عشر سِنِين اخرب السُّلْطَان بدر تِلْكَ الْبيُوت وَكَانَت كَثِيرَة وَرَأى الْبَيْت الَّذِي كَانَ أَشَارَ إِلَيْهِ من ذَلِك الْموضع وفيهَا فِي ضحى يَوْم الْخَمِيس حادي عشر شعْبَان توفّي الْفَقِيه الْعَلامَة عبد الله بن الْفَقِيه مُحَمَّد بن أَحْمد أَبَا فضل بعدن وَكَانَ تفقه لوالده وانتصب بعده للتدريس بِمَسْجِد الْمدرسَة بعدن وَكَانَ فَقِيها مُحدثا فَاضلا حسن الْأَخْلَاق شرِيف النَّفس مُخَالفا للنَّاس حسن السَّعْي فِي حوائج الْمُسلمين محبباً إِلَى النَّاس سليم الصَّدْر ثمَّ عمي فِي آخر عمره وتطبب فَرد الله عَلَيْهِ بَصَره وَلم يزل على الْحَال المرضي إِلَى أَن توفّي رَحمَه الله وَهُوَ من شُيُوخ وَالِدي رَحمَه الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 وفيهَا توصل السُّلْطَان همايون إِلَى كجرات وَهزمَ السُّلْطَان بهادر وَكَانَ مصطفى بهْرَام الْمُخَاطب رومي خَان هُوَ الَّذِي أغراه على ذَلِك وَحمله على الْمَجِيء إِلَيْهَا وكاتبه فِيهِ ثمَّ عرض لَهُ بعد ذَلِك مَا كدر خاطره من الْخَوْف على ولَايَته الْقَدِيمَة وتغلب بعض السلاطين هُنَاكَ فَذهب إِلَيْهَا وَعَاد أَمر كجرات إِلَى السُّلْطَان بهادر كَمَا كَانَ وَسبب طلب رومي خَان لَهُ أَنه كَانَ استفتح للسُّلْطَان بهارد قلعة تسمى جيتور من الْكفَّار بعد أَن تَعب فِي ذَلِك لِأَنَّهَا كَانَت حَصِينَة وَكَانَ السُّلْطَان وعده بهَا وَلم يتم لَهُ بذلك وفيهَا قتل السُّلْطَان بدر الافرانج فِي الشحر بعد أَن عزموا على قَتله فخذلهم الله تَعَالَى وَكَانَ هُوَ وإياهم فِي بَيت يشربون وَقد أغلقوا الْأَبْوَاب عَلَيْهِ فَأَخْبَرته بعض الْجوَار مِنْهُم وَلم يجد لَهُ مخرجا إِلَّا من بَيت المَاء فَخرج مِنْهُ وَسلمهُ الله مِنْهُم وَأصْبح فِي ذَلِك الْيَوْم هلب عَلَيْهِم وَقتلُوا عَن أخرهم وَأرْسل برؤوسهم إِلَى السُّلْطَان سُلَيْمَان سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين بعد التسْعمائَة (943) هـ وَفِي شهر ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين توفّي الْفَقِيه الصَّالح القَاضِي عفيف الدّين عبد الله بن أَحْمد سرومي الشحري بِمَكَّة وَكَانَ عزم إِلَى الْحَج فِي السّنة الْمَذْكُورَة فَمَا أَن وصل إِلَى مَكَّة توفّي بهَا قبل الْحَج فِي شهر ذِي الْقعدَة وَدفن بالمعلاة وَكَانَت وِلَادَته ببلدة الشحر وَنَشَأ بهَا وَقَرَأَ بهَا الْقُرْآن ثمَّ ارتحل لطلب الْعلم إِلَى زبيد فَأخذ عَن إمامها الْفَقِيه كَمَال الدّين مُوسَى بن الزين والعلامة جمال الدّين مُحَمَّد بن القماط وَغَيرهمَا ثمَّ رَجَعَ إِلَى بَلْدَة الشحر وَأخذ عَن عالمها الْفَقِيه الصَّالح عفيف الدّين عبد الله بن عبد الرَّحْمَن فضل الْمَعْرُوف بالحاج ولازمه ثمَّ سعى لَهُ رَحمَه الله فِي وَظِيفَة الْقَضَاء بهَا فِي أَيَّام السُّلْطَان عبد الله بن جَعْفَر فولاه الْقَضَاء وَذَلِكَ أول سنة عشر بعد وَفَاة القَاضِي الصَّالح عبد الله بن عيسرين بِنَحْوِ سنتَيْن وَلم يزل مُتَوَلِّيًا بهَا الْقَضَاء إِلَى أَن عزم إِلَى الْحَج وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى يحب الطّلبَة ويؤهلهم وَيُحب الإفادة والاستفادة وَكَانَ لطيفاً قريب الْجَانِب سليم الْبَاطِن ذكرَاهُ الْفَقِيه عبد الله أَبَا محزمه فِي ذيل طَبَقَات الأسنوي وَذكره أَنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 من جملَة شُيُوخه قَالَ وَأما مَعْرفَته فِي الْفَقِيه فَلم تكن بذلك بل كَانَ بعيد الذِّهْن ضَعِيف التَّصَرُّف بل لم أر لَهُ تَصرفا لكنه كَانَ كثير الاعتناء بالروضة قوي الصَّبْر على الطَّاعَة والأوراد النَّبَوِيَّة كثير التَّعْظِيم للأكابر من الْعلمَاء وَالصَّالِحِينَ وَنَرْجُو من فضل الله أَن يحشرنا واياه فِي زمرتهم وينفع الْجَمِيع ببركتهم آمين وَحكي أَنه قدم إِلَى الشحر فِي بعض السنين بعض السياحين من أهل الْإِرَادَة فَقَالَ ذَات يَوْم يَوْم إِلَى القَاضِي عبد الله وَقَالَ لَهُ يَا سَيِّدي كَيفَ الطَّرِيق إِلَى الله تَعَالَى فَأَطْرَقَ القَاضِي سَاعَة ثمَّ قَالَ {وَمَا أَتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنهُ فَانْتَهوا} 1 فَخر ذَلِك السياح على أَقْدَام القَاضِي يقبلهَا وَبَلغنِي أَنه كَانَ اعتنى بحاشيته على الرَّوْضَة لَكِن خفيت فِي آخر أَيَّامه وَبعد وَفَاته وَالسَّبَب فِي ذَلِك أَن أحد أَوْلَاده دخل بهَا الْهِنْد حَتَّى أَنَّهَا عدمت وَلم تظهر وَالله أعلم فَائِدَة رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من خرج من بَيته قَاصِدا لِلْحَجِّ وَمَات قبل أَن يحجّ فَإِن الله عز وَجل يُوكل ملكا يَنُوب عَنهُ بِالْحَجِّ فِي كل عَام إِلَى يَوْم الْقِيَامَة قلت وَجرى مثل هَذَا للشَّيْخ القطب أبي الْحسن الشاذلي نفع الله بِهِ فَإِنَّهُ سَافر من بَلَده بنية الْحَج فَمَاتَ قبل أَن يحجّ وَحكي أَن الشَّيْخ فِي تِلْكَ السفرة قَالَ لأَصْحَابه فِي هَذَا الْعَام احج حجَّة نِيَابَة فَمَاتَ قبل أَن تحج فَلَمَّا رجح أَصْحَابه إِلَى الديار المصرية سَأَلُوا الْمُفْتِي شيخ الْإِسْلَام عز الدّين ابْن عبد السَّلَام وَأَخْبرُوهُ بمقالته فَبكى وَقَالَ لَهُم الشَّيْخ وَالله أخْبركُم أَنه يَمُوت وَمَا عنْدكُمْ بِهِ علم وَقد أخبر بِهِ أَن الْملك هُوَ الَّذِي يحجّ نَائِبا عَنهُ لِأَنَّهُ جَاءَ فِي الحَدِيث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من خرج من بَيته قَاصِدا لِلْحَجِّ وَمَات فِي قبل أَن يحجّ فَإِن الله عز وَجل يُوكل ملكا يَنُوب عَنهُ بِالْحَجِّ فِي كل عَام إِلَى يَوْم الْقِيَامَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 وفيهَا فِي ثَالِث شهر رَمَضَان قتل السُّلْطَان بهادر ابْن السُّلْطَان مظفر صَاحب كجرات فِي بندر الديو تجمع ذَلِك عدد حُرُوف قتل سلطاننا بهادر سنة أَربع وَأَرْبَعين بعد التسْعمائَة) 944) هـ وَفِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء رَابِع عشر شعْبَان سنة أَربع وَأَرْبَعين توفّي جدي الشريف عبد الله ابْن شيخ (1) عبد الله العيدروس بتريم وَدفن بهَا وَكَانَ مولده سنة سبع وَثَمَانمِائَة وَكَانَ من كبار الْأَوْلِيَاء صحب عَمه الشَّيْخ الْكَبِير فَخر الدّين أَبَا بكر بن عبد الله العيدروس صَاحب عدن واختص بِهِ وَكَذَا صحب عَمه الشَّيْخ حُسَيْن وأباه الشَّيْخ شيخ وَغَيرهمَا من الأكابر وَأخذ عَنْهُم وَتخرج بهم إِلَى بلغ الْمرتبَة الَّتِي تقعد عَلَيْهَا الخناصر وَكَانَ لَهُ جاه عَظِيم فِي قطر الْيمن وَقبُول كثير عِنْد الْخَاص وَالْعَام خُصُوصا فِي ثغر عدن وَلبس مِنْهُ الْخِرْقَة جمَاعَة من أَعْيَان مَكَّة وَذكر الشَّيْخ ابْن حجر الهيثمي فِي مُعْجم مشايخه ان لَهُ فِي لبس الْخِرْقَة جملَة طرق يرجع بَعْضهَا إِلَى العيدروس وَالظَّاهِر أَن الشَّيْخ ابْن حجر لبس من الْمَذْكُور بِلَا وَاسِطَة أَو لبس من بعض أُولَئِكَ الْجَمَاعَة الَّذين لبسوا من يَده الشَّرِيفَة وَالله أعلم وَكَانَ حسن الْأَخْلَاق كثير الانفاق شرِيف الْأَوْصَاف نقيب الاشراف وافر الْعقل ظَاهر الْفضل غَنِي النَّفس قانعا بالكفاف وضيء الْوَجْه أَخْضَر اللَّوْن طَوِيل الْقَامَة كثير المناقب عَظِيم الْمَوَاهِب لَيْسَ فِي زمانة نَظِير وبحر فضائله غزير وبينما هُوَ ذَات يَوْم فِي الْحرم الشريف بِمَكَّة إِذْ دخل رجل بصبي وَهُوَ يُهَرْوِل بِهِ وألقاه بَين يَدَيْهِ فَإِذا بِرجلِهِ مرض واعوجاج خلقي فَمسح بِيَدِهِ الْمُبَارَكَة عَلَيْهَا فَعَادَت كاختها مُسْتَقِيمَة لَيْسَ بهَا شَيْء ببركته وكراماته كَثِيرَة رَحمَه الله تَعَالَى وَقد نظم صاحبنا الْعَلامَة عبد الْقَادِر ابْن الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة مُحَمَّد ابْن الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة عبد الْقَادِر بن أَحْمد الحياني كتابي الفتوحات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 القدوسية فَقَالَ لما انْتهى فِي النّظم إِلَى ذكر هَذَا السَّيِّد الْعَظِيم وأتى من ذَلِك بِمَا يفوق الدّرّ النّظم أما أَبوهُ الشَّيْخ عبد الله ... ذُو الْعقل وَالْفضل وسيع الجاه ... قد جَازَ فِي زَمَانه السِّيَادَة ... وَالْعلم والزهد مَعَ الْعِبَادَة ... عَلَيْهِ أنوار الْجمال الباهره ... تخافه الْمُلُوك والجبابره ... كريم نفس مكثر الانفاق ... مهذب وَحسن الْأَخْلَاق ... أَوْصَافه كَثِيره عديده ... شائعة بَين الورى حميده ... وفيهَا فِي ذِي الْقعدَة توفّي الْفَقِيه الصَّالح الشريف عمر أَبَا شَيبَان بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي بكر وَكَانَ مولده سنة ثَمَانِينَ أَو احدى وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة وَكَانَ من الْعلمَاء العاملين والأولياء الصَّالِحين وَحكى الْفَقِيه الصَّالح عَليّ بن عَليّ أَبَا يزِيد الدوعني المقبور بالشحر أَنه زار السَّادة الْأَشْرَاف آل أَبَا علوي فِي بعض السنين فَاجْتمع بالشريف عمر أَبَا شَيبَان وَمِمَّا وَقع لَهُ مَعَه من الكرامات أَنه قَالَ عِنْد الْخُرُوج لزيارة قبر نَبِي الله هود عَلَيْهِ السَّلَام تَجِدُونَ عِنْد الْقَبْر رجلا من أهل الْكَشْف يُقَال لَهُ مُحَمَّد بن سُلَيْمَان أَبَا سِنَان يتَكَلَّم بِكَلَام يزْعم أَنه منامات وَهُوَ من طَرِيق الْكَشْف فالزموه وَعِنْده ولدان من أَوْلَاد الْأَشْرَاف أَحدهمَا عقيل بن عبد الله وَالثَّانِي عبد الْوَدُود ف فَوَجَدنَا الْأَمر كَمَا ذكر وَوجدنَا أُولَئِكَ الَّذين سماهم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ وَقَالَ لي لابد لَك من عودة إِلَى هُنَا فعدت بعد ثَلَاثِينَ سنة وَمن تصانيفه كتاب ترياق اسقام الْقُلُوب الواف فِي ذكر حكايات السَّادة الْأَشْرَاف وفيهَا فِي ضحى يَوْم الْجُمُعَة السَّادِس وَالْعِشْرين من شهر رَجَب توفّي الشَّيْخ الإِمَام الْحَافِظ الْحجَّة المتقن شيخ الْإِسْلَام عَلامَة الْأَنَام الجهبذ الإِمَام مُسْند الدُّنْيَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي حَدِيث سيد الْمُرْسلين خَاتِمَة الْمُحَقِّقين شيخ مَشَايِخنَا المبروزين أَبُو مُحَمَّد عبد الله الرَّحْمَن بن عَليّ الديبع الشَّيْبَانِيّ الْعَبدَرِي وجيه الدّين الشَّافِعِي الْعَالم الْفَاضِل مُلْحق الْأَوَاخِر بالأوائل قَالَ رَحمَه الله وَرَضي عَنهُ فِي آخر كِتَابه بغية المستفيد بأخبار زبيد كَانَ مولدِي بِمَدِينَة زبيد المحروسة فِي يَوْم الْخَمِيس الرَّابِع من شهر اللع الْحَرَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 الْحرم أول سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة بمنزل وَالِدي مِنْهَا وَغَابَ وَالِدي عَن مَدِينَة زبيد فِي آخر السّنة الَّتِي ولدت فِيهَا وَلم تره عَيْني قطّ ونشأت فِي حجر جدي لأمي الْعَلامَة الصَّالح الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى شرف الدّين أبي الْمَعْرُوف إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد مبارز الشَّافِعِي رَحمَه الله وانتفعت بدعائه لي فِي أَوْقَات الْإِجَابَة وَغَيرهَا وَهُوَ الَّذِي حدب عَليّ ورباني وأطعمني وسقاني وكساني وواساني وعليني وأوصاني جزاه الله عني بِالْإِحْسَانِ وقابله بِالرَّحْمَةِ والرضوان وَكَانَ الْمَذْكُور على قدم فِي عبَادَة الله عز وَجل محافظاً على قيام اللَّيْل واحياء مَا بَين العشائين وملازمة الْجَمَاعَة فِي الصَّلَوَات المفروضات تالياً لكتاب الله تَعَالَى عَارِفًا بِسنة رَسُول الله صلَة الله عَلَيْهِ وَسلم أَخذ الْعلم عَن غير وَاحِد من أَشْيَاخ قطره وَغَيرهم كالعلامة نور الدّين الفخري والخطيب كَمَال الدّين الضجامي والنفيس الْعلوِي وَالشَّيْخ أبي الْفَتْح المارفي والمقري شمس الدّين الجزوي وَالْقَاضِي زين الدّين مكي وَغَيرهم رَحْمَة الله عَلَيْهِم وَصَحب الشَّيْخ الصَّالح شرف الدّين أَبَا الْمَعْرُوف واسماعيل بن أبي بكر الجبرتي الصُّوفِي نفع الله بِهِ وَقَرَأَ كتب الْقَوْم وحفظها وَكَانَت لَهُ الْيَد الطُّولى فِي فتح مغلقها وَكَانَ رَحْمَة الله تَعَالَى يؤثرني حَتَّى على أَوْلَاده الَّذين لصلبه آثر الله بحبه وقربه ثمَّ إِنِّي تعملت الْقُرْآن الْكَرِيم عِنْد سَيِّدي الْفَقِيه نور الدّين عَليّ بن أبي بكر خطاب كَانَ الله لَهُ حَتَّى بلغت سُورَة يس وانتفعت بِهِ كثيرا وَظَهَرت نجابتي عِنْده ثمَّ انْتَقَلت إِلَى سَيِّدي وخالي الْفَقِيه الْعَلامَة جمال الدّين أَبُو النجباء مُحَمَّد الطّيب بن اسماعيل مبارز جزاه الله عني خيرا فَلَمَّا رأى نجابتي أَمرنِي بِنَقْل الْقُرْآن الْعَظِيم من أول سُورَة الْبَقَرَة إِلَى آخر فقرآته عِنْده شرفاً وَاحِدًا حَتَّى ختمته وحفظته بذلك الشّرف عَن ظهر الْقلب وَأَنا ابْن عشر سِنِين وَالله الْحَمد ثمَّ توفى الله وَالِدي إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى ببندر الديو من بِلَاد الْهِنْد فِي أَوَاخِر سنة سِتّ وَسبعين وَلم يحصل لي من مِيرَاثه سوى ثَمَانِيَة دَنَانِير ذَهَبا ثمَّ أخذت بعد ختم الْقُرْآن على خَالِي الْمَذْكُور فِي علم الْقرَاءَات السَّبع فنقلت الشاطبية ثمَّ قَرَأت الْقرَاءَات عِنْده مُفْردَة ومجموعة وَتمّ لي ذَلِك بِحَمْد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 الله وعوني ثمَّ أخذت فِي علم الْعَرَبيَّة على خَالِي الْمَذْكُور وعَلى غَيره وَأخذت عَلَيْهِ خُصُوصا فِي علم الْحساب والجبر والمقابلة والمساحة والفرائض وَالْفِقْه حَتَّى انتفعت من كل علم مِنْهَا ثمَّ قَرَأت كتاب الزّبد فِي الْفِقْه للْإِمَام شرف الدّين البازري على شَيخنَا الإِمَام الْعَلامَة الصَّالح المعمر تَقِيّ الدّين مفتي الْمُسلمين أ [ي حَفْص عمر بن مُحَمَّد الْفَتى بن معيبد الْأَشْعَرِيّ رَحمَه الله قِرَاءَة بحث وَتَحْقِيق وَفهم وتدقيق فِي سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة ثمَّ حججْت إِلَى بَيت الله الْحَرَام فِي آخرهَا وانفقت الثَّمَانِية الدَّنَانِير الَّتِي ورثتها من وَالِدي رَحمَه الله فِي تِلْكَ الْحجَّة ثمَّ تقدّمت بعد الْحَج إِلَى مَدِينَة زبيد وَقد توفّي بهَا جدي الْمَذْكُور فِي حَال غيبتي وَكَانَت وَفَاته ضحى يَوْم الْأَرْبَعَاء منتصف الْمحرم سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة عَن ثَمَانِينَ سنة غير أَرْبَعَة أشهر رَحمَه الله تَعَالَى وَكَانَ قدومي يَوْم رَابِع مَوته فأقمت بزبيدعند خَالِي الْمَذْكُور فِي أطيب عَيْش وَأتم سرُور وَلم أزل عِنْده حَتَّى ذهبت إِلَى الْحجَّة الثَّانِيَة فِي أَوَاخِر سنة خمس وَثَمَانِينَ فَرَجَعت إِلَى مَدِينَة زبيد سالما غانماً ثمَّ مَنَّ الله عَليّ بِصُحْبَتِهِ شَيخنَا الإِمَام الْعَلامَة الْمُحدث بَقِيَّة أهل الْيمن زين الدّين أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن أَحْمد بن عيد اللَّطِيف الشرجي كَانَ الله لَهُ فَأخذت عَلَيْهِ فِي علم حَدِيث سَوَّلَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ هُوَ المرشد لي إِلَى ذَلِك جزاه الله عني أحسن الْجَزَاء فَقَرَأت عِنْده صَحِيح البُخَارِيّ وَمُسلم وَسنَن أبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وموطأ الإِمَام مَالك والشفاء للْقَاضِي عِيَاض وَعمل الْيَوْم وَاللَّيْلَة لِابْنِ السّني وَالشَّمَائِل لِلتِّرْمِذِي والرسالة للقشيري وَجَمِيع مؤلفاته ومصنفاته وَمَا لَا يُحْصى من الْأَجْزَاء والكتب اللطيفة وَبِه تخرجت وانتفعت وألفت فِي حَياتِي كتابي المسمي بغاية الْمَطْلُوب وَأعظم الْمِنَّة فِيمَا يغْفر الله بِهِ الذُّنُوب وَيُوجب بِهِ الْجنَّة وَهُوَ الَّذِي تعلمت مِنْهُ صنعه التَّأْلِيف والتصنيف وَارْتَحَلت فِي حَيَاته بإشارته إِلَى بَيت الْفَقِيه ابْن عجيل لزيارة الْفُقَهَاء بني جغمان فَأخذت فِي الْفِقْه بهَا على شَيخنَا الإِمَام الصَّالح الْمقري ولي الله تَعَالَى جمال الدّين أبي أَحْمد الطَّاهِر بن أَحْمد عمر بن جغمان فَقَرَأت عَلَيْهِ منهاج الطالبين للنووي جَمِيعه وَمن الْحَاوِي الصَّغِير وتيسيره للبارزي ونظمه لِابْنِ الوردي إِلَى ثلث كل كتاب مِنْهَا وَأخذت فِي الحَدِيث بهَا على شَيخنَا الإِمَام الأوحد الصَّالح ذِي الْفُنُون العديدة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 والمآثر الحميدة برهَان الدّين أبي اسحاق إِبْرَاهِيم بن أبي الْقَاسِم بن جغمان فَقَرَأت عَلَيْهِ كتاب الْأَذْكَار للْإِمَام النَّوَوِيّ وَالشَّمَائِل لِلتِّرْمِذِي وعدة الْحصن الْحصين للجزري وَغير ذَلِك وَسمعت عِنْده بِقِرَاءَة غَيْرِي مجَالِس من صَحِيح البُخَارِيّ وَمُسلم وبعضاً من كتاب الْإِرْشَاد مُخْتَصر الْحَاوِي للعلامة شرف الدّين ابْن الْمقري وَغير ذَلِك وانتفعت بِدُعَاء كل وَاحِد من مشايخي الْمَذْكُورين ومحبتهم لي رحم الله جَمِيعهم وشكر صنعهم ثمَّ حججْت الْحجَّة الثَّالِثَة فِي سنة سِتّ وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة وزرت بعد الْحَج قبر سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أَوَاخِر ذِي الْحجَّة مِنْهَا ثمَّ رجعت إِلَى مَكَّة المشرفة فِي الْمحرم من سنة سبع وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة فمنَّ الله عَليّ بلقاء الشَّيْخ الإِمَام حَافظ الْعَصْر مُسْند الدُّنْيَا فريد الْوَقْت شمس الدّين أبي الْخَيْر مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن السخاوي الْمصْرِيّ الشَّافِعِي فِيهَا فصحبته وانتفعت بِهِ وَأخذت عَلَيْهِ فِي علم الحَدِيث النَّبَوِيّ وَسمعت عِنْده كثيرا من صحيحي البُخَارِيّ وَمُسلم وَمن كتاب مشكاة المصابيح للتبريزي وَجُمْلَة من الفية الحَدِيث وقرأت عَلَيْهِ كتاب بُلُوغ المرام من أَدِلَّة الْأَحْكَام لِلْحَافِظِ أبي الْفضل بن حجر وبعضاً من كتاب سيرة ابْن سيد النَّاس الْيَعْمرِي الْمُسَمَّاة بعيون الْأَثر وبعضاً من كتاب رياض الصَّالِحين للنووي وثلاثيات البُخَارِيّ وَمَا لَا يُحْصى من الْأَجْزَاء والمسلسلات وَكَانَ يجلني وَيُشِير إِلَيّ ويعظني ويقدمني على سَائِر الطّلبَة ويؤثرني وَأحسن إِلَيّ كثيرا جزاه الله عني خيرا ثمَّ لما رجعت من الْحَج إِلَى وطني وألفت كتابي المسمي كشف الْكُرْبَة فِي شرح دُعَاء الإِمَام أبي حوبة ثمَّ ألفت بعده كتابي هَذَا بغية المستفيد فِي أَخْبَار مَدِينَة زبيد وَلما وقف عَلَيْهِ مَوْلَانَا السُّلْطَان الْملك الظافر عَامر بن عبد الْوَهَّاب بن دَاوُد طَاهِر جدد الله سعوده ونضر جُنُوده طلبني إِلَى مَجْلِسه الشريف العالي المنيف واستجاده وَاسْتَحْسنهُ وَدَعَانِي ونبهني على إِلْحَاق أَشْيَاء فِيهِ كنت أغفلتها واستدراك فَوَائِد شوارد لم اكن ذكرتها ثمَّ اختصرت مِنْهُ كتابي الْمُسَمّى بِالْعقدِ الباهر فِي تَارِيخ دولة بني طَاهِر ذكرت فِيهِ دوله جديه بني طَاهِر ووالده ومآثرهم الحميدة ودلته الْمُبَارَكَة الميمونة السعيدة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 فَلَمَّا وقف عَلَيْهِ مَوْلَانَا السُّلْطَان أضَاف عَليّ مواهب الْجُود والاحسان وأجازني من مواهبه الهنية بجائزة مَيْمُونَة سنية ثمَّ حصل هَذَا التَّارِيخ تحصيلا عظميا وَتَقَدَّمت بِهِ إِلَى مَوْلَانَا السُّلْطَان وَهُوَ إِذْ ذَاك بمحروسته المقرانة مُقيما وقدمت إِلَيْهِ فأثابني بِثَوَاب عَلَيْهِ وأفاض عَليّ من مواهبه وَكَرمه مَا يقصر صوب الْغَمَام عَن غزير ديمه وَلم أزل عِنْده فِي روض اريض وجود فياض عريض حَتَّى أذن لي فِي الرُّجُوع إِلَى وطني وخلع عَليّ خلعة نفيسة وأكرمني وتصديق عَليّ بَيْتا مِنْهُ سلطانية بمدنية زبيد للسُّكْنَى وَأَعْطَانِي قِطْعَة نخل بوادي زبيد وصيرني إحسانه قِنَا وتلافاني بعد الضعْف وتدارك وَجعل لي قِرَاءَة الحَدِيث بِجَامِع زبيد عَليّ الْمِنْبَر الْمُبَارك فَرَجَعت مَسْرُورا إِلَى الوطن فِي نعْمَة وافرة وَحَال حسن شاكرا لجوده وإحسانه معترفا بفضله وامتنانه سَائِلًا الله تَعَالَى أَن يجمع الْخلق على طَاعَته وَأَن يمد فِي أَيَّام دولته وَأَن يعز بمتابعته كل صبار شكور ويذل بمخالفته كل ختار كفور وَيجمع لَهُ بَين نَصره الْعَزِيز وفتحه الْمُبين وَيجْعَل كلمة الْحق بَاقِيَة فِيهِ عقبَة إِلَى يَوْم الدّين آمين آمين آمين لَا أرْضى بِوَاحِدَة ... حَتَّى أضيف إِلَيْهَا ألف آمينا ... وَهَذَا مُحَصل خبر مبتداه إِلَى منتهاه رَحمَه الله تَعَالَى أَخذ عَنهُ الأكابر كالعلامة بن زِيَاد وَالسَّيِّد الْحَافِظ بن حُسَيْن الأهدل وَالشَّيْخ أَحْمد بن عَليّ المزجاجي وَغَيرهم وَأَجَازَ لمن أدْرك حَيَاته أَن يروي عَنهُ فَقَالَ أجزت المدركي وقتي وعصري ... رِوَايَة مَا تجوز روايتي لَهُ ... من المقروء والسموع طرا ... وَمَا ألفت من كتب قَليلَة ... وَمَا لي من مجَاز من شيوخي ... من الْكتب القصيرة والطويلة ... وأجو الله يخْتم لي بِخَير ... ويرحمني برحمته الجزيله ... وَسمعت صاحبنا الْعَلامَة الْفَقِيه مُحَمَّد بن أَحْمد الجابري رَحمَه الله يَقُول أخبرنَا شَيخنَا السَّيِّد الطَّاهِر بن عبد الرَّحْمَن بن الأهدل قَالَ أخبرنَا شَيخنَا الضياء وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن عَليّ الديبع بِمَا لَفظه قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 أَخْبرنِي شَيخنَا القَاضِي الْعَلامَة الْعدْل الْفَقِيه مُحَمَّد بن عبد السَّلَام النَّاشِرِيّ كَانَ الله لَهُ وَزَاد فَضله قَالَ اخبرني الْفَقِيه كَمَال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله فقيش وَهُوَ رجل ثِقَة صَالح قَالَ أَخْبرنِي الْفَقِيه عمر بن مُحَمَّد الملاح وَهُوَ ثِقَة صَالح قَالَ تزوجت امْرَأَة شَابة وَأَنا رجل كَبِير وَكَانَ أَهلهَا يحبوني ويعتقدوني وَهِي كارهة بباطنها لصحبتي من حَيْثُ كبري وَتظهر الود من أجل أَهلهَا فاتفق أَن امْرَأَة دخلت عَلَيْهَا خُفْيَة مني وَأَنا أسمع وَهِي لَا تشعر بِي وَكَانَت كلما تَكَلَّمت كلمة كتبتها فِي ورقة عِنْدِي ثمَّ أَن الْمَرْأَة أَرَادَت أَن تخرج فَقَالَت لَهَا زَوْجَتي أصبري نقرا الْفَاتِحَة كَمَا يفعل الْفَقِيه وَأَصْحَابه فَقَرَأت هِيَ وَالْمَرْأَة فَكتبت أَيْضا قراءتهما الْفَاتِحَة ثمَّ ذكرت لأخوتها وَقلت لَهُم لَا تكرهوها وَأَرَدْت أَن أفارقها فكرهوا ذَلِك وعتبوا عَلَيْهَا فأنكرت جَمِيع مَا صدر عَنْهَا فَقلت لَهُم قد كتبت كَلَامهَا فِي ورقة ثمَّ جِئْت بِالْوَرَقَةِ لأريهم كَلَامهَا فَلم أجد فِي الورقة شَيْئا سوى الْفَاتِحَة وَهَذَا من بَرَكَات الْفَاتِحَة قَالَ الْحَافِظ الديبع قَالَ شَيخنَا جمال الدّين هَذَا مَا أَخْبرنِي بِهِ الْفَقِيه مُحَمَّد فقيش ولعمري أَن هَذَا من فَضلهَا قَلِيل وَقد قَالَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنَّهَا رقية وَذَلِكَ حَقِيقَة أَنَّهَا رقية الظَّاهِر وَالْبَاطِن قَالَ الْفَقِيه مُحَمَّد بن عبد السَّلَام وَلَقَد أَخْبرنِي الْفَقِيه مُحَمَّد بن عطيف أَيَّام وصل إِلَيْنَا زبيد أَن رجلا رأى أَن الْقِيَامَة قَامَت وَأَن منادياً يُنَادي يَا أهل الْيمن قومُوا ادخُلُوا الْجنَّة فَقيل للمنادي بِمَا أعْطوا هَذِه الْمنزلَة قَالَ لقراءتهم الْفَاتِحَة وَكَانَ اخباره لي بذلك إِنَّا كُنَّا دَخَلنَا عَلَيْهِ نتحدث عِنْده سَاعَة فَإِذا أردنَا الْخُرُوج طلب منا قِرَاءَة الْفَاتِحَة وَكَذَا كل من دخل عَلَيْهِ من أهل زبيد يعجب من هَذِه الْقَاعِدَة وَذكر هَذِه الْقِصَّة وَالْحَمْد الله الَّذِي ألهمنا ذَلِك وتفضل علينا بفضله سُبْحَانَهُ وَوجدت بِخَط شَيخنَا الشَّيْخ أبي السعادات الفاكهي الملكي قَالَ وجدت بِخَط شَيخنَا الْحَافِظ وحيد الدّين عبد الرَّحْمَن بن عَليّ الديبع مَا لَفظه الْحَمد الله مُصَنف كتاب مولد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المفتتح بِالْحَمْد لله الَّذِي شرف الْأَنَام بِصَاحِب الْمقَام الْأَعْلَى هُوَ الشَّيْخ الامهام شهَاب الدّين أَحْمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 ابْن عَليّ بن قَاسم الْمَالِكِي الأندلسي المرسي اللَّخْمِيّ الشهير بالحريري وَهَذَا المولد هُوَ الْفَصْل التَّاسِع من كِتَابه الَّذِي صنفه فِي الْوَعْظ وَالرَّقَائِق ووقفت على الْجُزْء الأول مِنْهُ يشْتَمل على خَمْسَة وَعشْرين فصلا بعد طول الْبَحْث عَن مؤلف هَذَا الْكتاب وَعدم مَعْرفَته عِنْد أَكثر الْعلمَاء وَهَذِه فَائِدَة تَسَاوِي رحْلَة انْتهى مَا وجدته قلت وَبِذَلِك بِعلم عدم صِحَة نِسْبَة هَذَا المولد إِلَى ابْن الْجَوْزِيّ فَإِنِّي سَمِعت كثيرا من النَّاس بنسبونه إِلَيْهِ وَالله أعلم وَمن شعره فِي اللُّغَات الَّتِي نزل بهَا الْقُرْآن نزل الْقُرْآن بِلَفْظ سبع قبائل ... وَهُوَ قُرَيْش مَعَ خُزَاعَة واليمن ... وَتَمِيم ثمَّ هُذَيْل والسعدان ... سعد هزيم مَعَ سعد بن بكر فاعلمن ... وَله فِي مصنفات النَّوَوِيّ أَيهَا السالك نهج الْمُصْطَفى ... تَابعا سنته فِي كل حِين ... غير كتب النَّوَوِيّ لَا تعتمد ... وتنزه فِي رياض الصَّالِحين ... وَله فِي الْأَرْبَعين النَّوَوِيّ أَيهَا الطالبون علم حَدِيث ... هَذِه أَرْبَعُونَ حَقًا صَحِيحَة ... كلهَا غير سَبْعَة فحسان ... فاعتمدها فَأَنَّهَا لصحيحة ... وَمِنْه فِي صَحِيح البُخَارِيّ وَمُسلم تنَازع قوم البُخَارِيّ وَمُسلم ... لدي وَقَالُوا أَي ذين يقدم ... فَقلت لقد فاق البُخَارِيّ صِحَة ... كَمَا فاق فِي حسن الصِّنَاعَة مُسلم ... وَمِنْه أَيْضا فيهمَا قَالُوا لمُسلم سبق ... قلت البُخَارِيّ جلا ... قَالُوا تكَرر فِيهِ ... قلت المكرر أحلا ... وَمن شعره كفاني من عجزي وفخري أَنِّي ... جبلت على التَّوْحِيد واخترته طبعا ... وَأَنِّي لم أُشرك بربي غَيره ... وَأَنِّي للرحمن عبد لَهُ أدعا ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 وَمِنْه قَوْله يارب كم أَنْعَمت من نعْمَة ... عَليّ مَعَ عجزي وتقصيري ... إِن لم تقبل عَمَلي لم يكن ... بنافعي جدي وتشميري ... وَمِنْه قَوْله أذنبت والرحمن ذُو منَّة ... بِالْعَفو والغفران للمذنبين ... أوقعني فِي الذَّنب تَقْدِيره وَهُوَ تَعَالَى أرْحم الرَّاحِمِينَ ... وَمِنْه قَوْله أَعْضَاء ابْن آدم فِيهَا مَا ... بأوله كَاف وعدتها عشر هِيَ الْكُوع ... كف وكتف وكبد كَاهِل ... وكلا وكمرة كفل كَعْب وكرسوع ... وَمِنْه قَالَت لي النَّفس أما تَسْتَحي ... فَقلت توفقي على خالقي ... قد أحسن الرَّحْمَن فِيمَا مضى ... لَا بُد أَن يحسن فِيمَا بَقِي ... وَله وَقد أشترى جَارِيَة أسمها حَرِير حَرِير لعمري جنَّة ولي وجنة ... بهَا الله أغناني وَكنت فَقِيرا ... صبرت فساق الله لي أحسن الجزا ... على حسن صبري جنَّة وَحَرِيرًا ... وَله فِي الزَّبِيب الرازقي يَا أهل صنعاء قد رزقم جنَّة ... أنهارها حفت بلطف الْخَالِق ... ورزقم فِيهَا زبيباً ابيضا ... وَبلا نوى فتنعموا بالرازق ... وَمِنْه فِي مقامات الحريري أحب مقامات الحريري لِأَنَّهَا ... لَدَى مسمعي أحلى من الْمَنّ والسلوى ... وَلست بِهَذَا القَوْل أول قَائِل ... بريت إِلَى الرَّحْمَن من كذب الدَّعْوَى ... فقد قَالَ قبلي ابْن العجيل لصحبه ... بِغَيْر تحاش هَذِه طبق الْحَلْوَى ... وَكَانَ إِمَامًا لايجازف فِي الَّذِي يفوه ... بِهِ فوه وحاشاه أَن يغوى ... وَمَا قَالَ إِلَّا الْحق وَالله أَنَّهَا ... لأحلى من الْحَلْوَى وَمن وصع من أَهْوى ... وَبَلغت من فضلاء عصره أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خضب لحيته فَأنْكر ذَلِك عَلَيْهِ وَكتب بِهَذِهِ الأبيات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 وَالله مَا وقر الْمُخْتَار من مُضر ... من أدعى أَنه للشيب قد خضبا ... لم يبلغ الخضب فِيمَا قَالَه أنس ... وَهُوَ الْخَبِير بِهِ من دون من صحبا ... إِذْ كَانَ خادمه دهرا ملازمه ... لَيْلًا وصبحا مُقيما عِنْده حقبا ... قَالُوا احمر مِنْهُ الشّعْر قَالَ نعم ... من كَثْرَة الطّيب تِلْكَ الْحمرَة اكتسبا ... مَا شَاب شيباً إِلَى فَفعل الخضاب دعى ... بل كَانَ يدْخل تَحت الْحصْر لوحسبا ... إِذْ تدهن وارى الدّهن ذَاك فَلم ... ير لَهُ اثراً من رام أَو طلبا ... وَمن يقل قد أرتني أم سَلمَة مخضوبا ... من الشّعْر أَي من طيبه أنخضبا ... إِذْ لم يُقَال أَنَّهَا لَهُ خضب النَّبِي ... هَذَا مقَال الْحق قد وجبا ... وَمن روى صبغة بالصفرة اعتبروا ... مَا قَالَ فِي ثَوْبه أَو فعله أدبا ... لَا فِي الشُّعُور وَقس مَا قيل فِيهِ على ... مَا قيل أَن رَسُول الله قد كتبا ... وَكَانَ ثِقَة صَالحا حَافِظًا للْأَخْبَار والْآثَار متوضعا انْتَهَت اليه رئاسة الرحلة فِي علم الحَدِيث وقصده الطّلبَة من نواحي الأَرْض وَمن مصنفاته تيسير الْوُصُول إِلَى جَامع الْأُصُول مجلدين مِصْبَاح الْمشكاة وَشرح دُعَاء ابْن أبي حربه وَكتاب غَايَة الْمَطْلُوب وَأعظم الْمِنَّة فِيمَا يغْفر الله بِهِ الذُّنُوب وتوجب بِهِ الْجنَّة وَله كتاب بغية المستفيد فِي أَخْبَار مَدِينَة زبيد وَكتاب قُرَّة الْعُيُون فِي أَخْبَار الْيمن الميمون وَله مولد شرِيف نبوي وَله كتاب الْمِعْرَاج إِلَى غير ذَلِك من المؤلفات وَلم يزل على الإفادة وملازمة بَيته ومسجده لتدريس الحَدِيث وَالْعِبَادَة واشتغاله بخصوصيته عَمَّا لَا يعنيه إِلَى أَن توفّي رجمه الله وَاجْتمعَ بِهِ سَيِّدي الْوَالِد بزبيد سنة اثْنَتَيْنِ وأبعين وَتِسْعمِائَة وَأخذ عَنهُ رَحِمهم الله الْجَمِيع آمين سنة خمس وَأَرْبَعين بعد التسْعمائَة (945) هـ وَفِي لَيْلَة الْجُمُعَة آخر يَوْم من شهر صفر الْخَيْر سنة خمس وَأَرْبَعين توفيت أم السيدة الشَّرِيفَة الصَّالِحَة فضل الله بنت السَّيِّد الشريف الصَّالح المجود لِلْقُرْآنِ الْعَظِيم مُحَمَّد بن حسن بن أَحْمد بن عمر أَبَا علوي وَذَلِكَ بعد وَفَاة زَوجهَا السَّيِّد عبد الله بِنَحْوِ سِتَّة أشهر وَنصف وَهِي أم سَائِر أَوْلَاده خلا رقية رَحمهَا الله تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 وفيهَا فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء ثامن عشْرين الْمحرم كَانَت ولادَة شَيخنَا السَّيِّد الْكَبِير وَالْعلم الشهير الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى عفيف الدّين الشَّيْخ عبد الله العيدروس فسح الله فِي مدَّته بتريم وتاريخ ذذلك الْعَام بجمعه ذرهم وَكَانَ جعل هَذَا التَّارِيخ وَالِده نفع الله بِهِ ثمَّ نظمه فَقَالَ ذرهم إِشَارَة للك عَن الْعبارَة ... بفصح بميلادك مَعَ الْبشَارَة ... الله قل ذرهم فِي الْحَرَارَة ... فِي ضمنهَا التَّوْحِيد وَالْإِشَارَة ... وَنَشَأ على قدم العفاف وَالتَّقوى وَقَرَأَ على جمَاعَة من عُلَمَاء عصره وشارك فِي كثير من الْفُنُون مَعَ عقل وجود وتواضع وحلم وَحسن خلق وَمَا أحسن قَوْله شَيخنَا الشَّيْخ عبد الْمُعْطِي بن حسن أَبَا كثير الْمَكِّيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِيهِ هُوَ القطب عبد الله نخبة حيدر ... رَبِّي العلى وَالْمجد وَالْأَصْل هَاشم ... تفرد بِالْمَعْرُوفِ وَالدّين والتقى ... وَلَيْسَ لَهُ فِي عصره من يُقَاوم ... لَهُ همة فَوق السماكين قد علت ... وَحسن اتضاع زينته المكارم ... فِيمَا ابْن رَسُول الله يَاسر سبطه ... وَيَا بضعَة الزهراء جاهاً وفايم ... ورثت الْعلَا وَالْمجد لَا عَن كَلَالَة ... فآباؤك الْأَطْهَار أَسد ضراغم ... فياقطب ياابن القطب يَا أوحد الورى ... رقيت مقَاما لَيْسَ فِيهِ مُزَاحم ... بصدر رحيب وَاسع قد وسعتهم ... وجود حَكَاهُ الوابل المتراكم ... وسعت الورى حلماً وبشراً بهيبة ... وَبِذَلِك للمعروف والثغر باسم ... ثَنَاء جميل عَنْك يثنى معطر ... ووفرك مبذول وعرضك سَالم ... دماثة أَخْلَاق عَطِيَّة خَالق ... وخيم كريم أَصله متقادم ... جمعت خِصَالًا يَا ابْن شيخ حميدة ... بِوَاحِدَة يسمو الْفَتى ويساهم ... حَيَاء ومعروفاً وجودا بشاشة ... وعلماً وحلماً جلّ من هُوَ قَاسم ... وَهُوَ الله كَمَا وَصفه شَيخنَا وَفَوق ذَلِك فكم قد اجْتمع فِي ذَاته الشَّرِيفَة من الْأَخْلَاق المحمودة المنيفة كالحياء والمروءة والسخاء والفتوة وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ جواد كريم عَالم بِالْكتاب وَالسّنة عَامل بهما قَائِم بِمَا جرى عَلَيْهِ سلفه من الأوراد الْأَذْكَار واكرام الوافدين واطعام الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين وبذل الجاه فِي الشفاعات للْمُسلمين وَإِصْلَاح ذَات بَينهم حَتَّى أَنه لَو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 حلف الْحَالِف أَنه لم يكن أكْرم مِنْهُ وَلَا أَعقل مِنْهُ فِي زَمَنه لم يَحْنَث إِلَى غير ذَلِك من الْأَحْوَال الباهرة والكرامات الظَّاهِرَة ومقامات الرِّجَال وصفات الْكَمَال ورحم الله الشَّيْخ عبد الْمُعْطِي حَيْثُ يَقُول فِيهِ من قصيدة ي خليلي يمما أَرض نجد ... واسلكا كل فدفد وقفار ... واقصدا حَضرمَوْت نَحْو تريم ... بقْعَة الْخَيْر منبت الْأَخْبَار وانزلا ساحة الْمجد عبد الله ... مَعْدن الْأَسْرَار ... الشريف المنيف غوث البرايا ... كَامِل الْوَصْف عالي الْمِقْدَار ... عيدروس الْهدى إِمَام الْمَعَالِي ... مستباح الندى منيع الْجَار ... وسع الوافدين حلماً وجودا ... قد حكى شيخ فِي اقتفاء الْآثَار ... خلق كالنسيم سهل وجود ... فِي يَدَيْهِ كالوابل المدرار ... همة زاحمت نُجُوم الثريا ... واتضاع مزين بوقار ... لَك يَا عيدروس ذكر جميل ... وثناء فِي سَائِر الاعصار ... خصك الله بالسماحة وَالْبر ... وبذل الْمَعْرُوف للزوار ... وبفضل جم وخيم كريم ... فطْرَة الله الْوَاحِد القهار ... لَا برحم يَا آل شيخ هداة ... وحماكم مستودع الْأَسْرَار ... مِنْكُم القطب وَالْوَلِيّ ومنكم ... كل قرم يسمو على الأقمار ... وَأمه الواليه الصَّالِحَة فَاطِمَة بنت الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن الشَّيْخ عَليّ ابْن أبي بكر وَأثْنى عَلَيْهِ جمَاعَة من الكبراء وَأَشَارَ إِلَيْهِ غير وَاحِد من الصلحاء وَكَانَ وَالِده يُحِبهُ ويجله ويعظمه ويحترمه حَتَّى أَنِّي سمعته مرَارًا يَقُول مَا أحد يعرف قدري مثل وَالِدي عبد الله وَكَانَ بعض أَوْلَاد السَّيِّد عبد الله الْمَذْكُور يقْرَأ عَلَيْهِ بعض المدائح الَّتِي قيلت فِي سَيِّدي الشَّيْخ عبد اللع العيدروس فَقَالَ لَهُ عِنْد ذَلِك لَا تشهد هَذَا إِلَّا فِي أَبِيك أَو كَمَا قَالَ وَكَانَ بنى الْمَسَاجِد والنخيل الَّتِي اتخذها وَالِدي بحضرموت كلهَا على يَدَيْهِ وَكَانَ وَالِدي قد جعله وَكيلا مُطلقًا فِي كل مَا يتَعَلَّق بِهِ لما رآى من نجابته وكياسته وَلم يُسَافر من بَلَده تريم إِلَّا مرّة وَاحِدَة فانه قد دخل فِيهَا إِلَى الْهِنْد لزيارة وَالِده وَذَلِكَ سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَرجع إِلَيْهَا فِي عَامه وَله من المصنفات شَجَرَة آل أَبَا علوي وَضعهَا على أسلوي بديع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 وَمن كراماته أَنه كَانَ أَمرنِي بِالسَّفرِ إِلَى بروج والاقامة بهَا إِلَى أَن يَأْذَن الله وَمَا كَانَ فِي ذَلِك مصلحَة من حَيْثُ الظَّاهِر وامتثلت اشارته فَفتح الله عَليّ من فَضله بأَشْيَاء مَا كنت أتوقعها وَمِنْهَا أَنه كَانَ فِي بعض السنين كتب يَأْمر بالاهتمام فِي عمَارَة قبَّة على ضريح وَالِده نفع الله بِهِ وَمَا كَانَ يَتَيَسَّر ذَلِك بِسَبَب قلَّة توفيق أهل الزَّمَان وَعدم مساعدتهم فِي فعل الْخَيْر ثمَّ وَقع الشُّرُوع فِيهَا بعد ذَلِك وتيسر بناؤها على احسن مَا يكون ببركته نفع الله بِهِ آمين وَكَانَ كف بَصَره الشريف مُنْذُ سنوات ثمَّ رد الله عَلَيْهِ بَصَره وعد ذَلِك من خرق الْعَادَات وَكتب إِلَيْهِ الشَّيْخ الْعَلامَة شهَاب الدّين أَحْمد عَليّ البسكري مهنئاً لَهُ بِهَذِهِ الأبيات حمداً لما اولاك مَوْلَاك من ... نعمائه الظَّاهِرَة الخافيه ... قد نور الْأَبْصَار من نوره فالعين كالسمع غَدَتْ واعيه ... وسل سَيْفا كَانَ فِي غنده ... على عتاة حسد طاغيه ... يهني عفيف الدّين غوث الورى ... قطب الملا أنواره الزاهيه ... بهناك نور الْحق هاقد أَتَى ... من فضل رب عينه راعيه ... فَالْحَمْد الله وشكراً لَهُ ... على زَوَال الْعِلَل الماضيه ... قد سرنا وَالله مَا قد أَتَى ... من صِحَة تبقى وَمن عافيه ... وسر سادتنا وَأهل وَمن ... قد كَانَ فِي الْحَضَر وَفِي الباديه ... وسر أهل الْجُود ثمَّ التقى ... وَخص مولى ذَاته ساميه ... غوث الورى فَخر الْعلَا سيد ... إِلَى الْمَعَالِي نَفسه راقيه ... عبد الاله الْقَادِر الْفَخر من ... يمناه بالجود غَدَتْ ساريه ... ذُو غرَّة كالبدر فِي تمه ... ترتاح مِنْهُ الند والغاليه ... والمسك والكافور والعنبر ... الرطب إِذا وافا مَعَ الناغيه ... كَذَا شهَاب الدّين ذُو الْحَال من ... كل الملا مِنْهُ الدعا راجيه ... العيدروس القطب رب الندا ... حاوي الْعلَا ذُو الْأَنْفس الزاكيه ... قد سرهم وَالله أخباركم ... من كل مَكْتُوب وَمن ناحيه ... فدم مدى الْأَيَّام فِي نعْمَة ... تبقى لكم فِي عيشة راضيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 وَالْعَبْد يَرْجُو مِنْكُم دَعْوَة ... بِأَن ينَال الْأَمْن فِي الفانيه ... فِي الدّين وَالدُّنْيَا وَفِي الْأَهْل مَا ... كَانُوا بِذِي الدُّنْيَا وَفِي الثانيه ... وصل يَا رب على الْمُصْطَفى ... وَآله مَا دَامَت العاليه ... سنة سِتّ وَأَرْبَعين بعد التسْعمائَة (946) هـ وَفِي سنة سِتّ وَأَرْبَعين توفّي الشَّيْخ الْكَبِير الْوَلِيّ شهَاب الدّين أَحْمد ابْن الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن الشَّيْخ عَليّ بن الشَّيْخ أبي بكر أَبَا علوي وَكَانَ من الْمَشَايِخ الْمَشْهُورين وَحكى انه اجْتمع بِحجَّة الاسلام الْغَزالِيّ يقظة فِي غرفَة بداره فِي بلدته تريم فاستجاز مِنْهُ كتبه فَأَجَازَهُ وَأذن لَهُ اجازتها روى ذَلِك عَن الشَّيْخ الْوَلِيّ عبد الرَّحْمَن بن عمو العمودي نفع الله بِهِ وروى أَنه زار مرّة قبر جده السَّيِّد أَحْمد بن عِيسَى وَهُوَ مُتَوَجّه إِلَى بور لأخذ شَيْء من التفاؤل مِنْهَا فَحصل لَهُ وَهُوَ جَالس عِنْد قبوه الْمَعْرُوف الْآن ذُهُول وغيبة ثمَّ أَفَاق وَأخْبر أَنه استحضر روحانيته وَسَأَلَهُ عَن قَبره أهوَ ذَلِك حَقِيقَة فَقَالَ نعم ثمَّ ذكر أَنه طلب وَهُوَ تِلْكَ الْحَالة أَن يحصل لَهُ من أهل بور اربعمائة نقِيل من غير طلب وَقَالَ ان حصل لنا ذَلِك مِنْهُم من غير طلب فَذَلِك حق ثمَّ دخل بور وَقصد جَامعهَا فهرع النَّاس إِلَيْهِ وَكَانَ كل من سلم عَلَيْهِ مِنْهُم قَالَ عِنْدِي لكم من النقاول مَا هُوَ كَذَا وَكَذَا حَتَّى وفت الأربعمائة فَأَرَادَ أَن يُحَقّق ذَلِك أَيْضا فَأمر من يطْلب مِنْهُم غير ذَلِك فاجتهدوا فِي ذَلِك فَلم يحصل فَزَالَتْ الشُّبْهَة وَمِنْهَا أَنه قدم بعض قرى حَضرمَوْت وَكَانَ قد شرع فِي بِنَاء بَيت لَهُ بتريم فَطلب بعض أهل تِلْكَ الْقرْيَة وَقَالَ نُرِيد مِنْك حَاجَة فَقَالَ لَهُ ذَلِك الرجل وَأَنا أُرِيد مِنْك حَاجَة فَقَالَ الشَّيْخ تتمّ إِن شَاءَ الله تَعَالَى ثمَّ قَالَ نُرِيد الْخَشَبَة الَّتِي عنْدك نَجْعَلهَا بَابا للبيت وَأَنت مَا حَاجَتك قَالَ أُرِيد أَن أَقرَأ الْقُرْآن بِظهْر الْغَيْب فَقَالَ لَهُ افْتَحْ فمك ففتحه فتفل فِيهِ ثَلَاثًا فحفظ الْقُرْآن لوقته وَرَأَيْت فِي مَجْمُوع مناقبه لفقيره الْوَلِيّ الصَّالح الشهير يحيى خطيب أَنه سَمعه يَقُول دخلت على جدي الشَّيْخ يَوْمًا فِي حَيَاته ولي من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 الْعُمر سبع سِنِين فَقَالَ تَعَالَى فَجئْت إِلَيْهِ فَمد إِلَيْهِ لِسَانه وَقَالَ لي مصها فمصصتها سَاعَة طَوِيلَة ثمَّ قَالَ لي يَا وَلَدي أَنْت وَارِث سري وَفِيه أَيْضا من كَلَامه أَنه نفع الله بِهِ قَالَ من نظر إِلَى الْمَشَايِخ بِعَين العظمة حرم بركتهم وَمن نظرهم بِعَين التَّعْظِيم رزق بركتهم وَلحق بهم وَإِن لم يعلم بعملهم وَكَانَ مولده سنة سبع وَثَمَانِية وثمانيائة وفيء هَذِه السّنة سَار الشَّيْخ أَبُو بكر العيدروسي نفعنا الله ببركاته من بَلْدَة تريم لِلْحَجِّ وَهِي الْحجَّة الْأَخِيرَة وَلم يعد إِلَى تريم بل أَقَامَ بعدن وتوطنها إِلَى أَن مَاتَ بهَا رَحمَه الله سنة سبع وَأَرْبَعين بعد التسْعمائَة (947) هـ سنة سبع وَأَرْبَعين توفّي الْعَلامَة الطَّيِّبِيّ ابْن الْفَقِيه الإِمَام الْعَلامَة عفيف الدّين عبد الله بن أَحْمد محزمه بعدن وَدفن فِي قبر جده لأمه القَاضِي الْعَلامَة مُحَمَّد بن مَسْعُود أبي شكيل بِوَصِيَّة وَلَك فِي قبَّة الشَّيْخ جَوْهَر رَحِمهم الله تَعَالَى وَكثر الْحزن والتأسف من الْخَاص وَالْعَام وَكَانَ من محَاسِن الدَّهْر جمع الله فِيهِ من محَاسِن الصِّفَات من التواصع وَحسن الْخلق والبشاشة ولين الْجَانِب وكرم النَّفس وصلَة الاخوان وَالصَّبْر والرفق ومداراة النَّاس وَحسن التَّدْبِير والمواظبة على الطَّاعَة ولد بعدن لَيْلَة الْأَحَد لَيْلَة الْأَحَد الثَّانِي عشر شهر ربيع الثَّانِي سنة سبعين وَثَمَانمِائَة وَأخذ عَن وَالِده وَعَن الْفَقِيه مُحَمَّد بن أَحْمد فضل وانتفع بِعْ كثيرا ولازمه وكلك أَخذ عَن غَيرهمَا كَالْقَاضِي الْعَلامَة مُحَمَّد بن حُسَيْن القماط وَالْقَاضِي الْعَلامَة أَحْمد بن عمر المزجد وَذَلِكَ فِي أَيَّام قضائهما بعدن وتفنن فِي الْعُلُوم وبرع وتصدر للقتوى والأشغال وَكَانَ من أصح النَّاس ذهناً واذكاهم قريحة واقربهم فهما وَمن أحسن الْفُقَهَاء تدريساً حَتَّى أَن جمَاعَة من الطّلبَة وَغَيرهم يذكرُونَ أَنهم لم يرَوا مثله فِي حسن التدريس وَحل المشكلات فِي الْفِقْه وَصَارَ فِي آخر عمره عُمْدَة الْفَتْوَى بعدن هُوَ ومعاصره الْعَلامَة مُحَمَّد بن عمر أَبَا قضام وَأَبُو الْمَذْكُور كثير الاسحضار للفروع وَحسن التَّصَرُّف فِيهَا وَلَيْسَ لَهُ فِي غير الْفُرُوع يَد وَأما الْمَذْكُور فَإِنَّهُ يُشَارك فِي كثير من الْعُلُوم مِنْهَا الْفِقْه وَالتَّفْسِير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 والْحَدِيث والنحو واللغة وَغَيرهَا وَرُوِيَ عَن تِلْمِيذه الْعَلامَة شهَاب الدّين أَحْمد بن عمر الْحَكِيم أَنه كَانَ يَقُول سَمِعت شَيخنَا يَعْنِي شَيْخه الْمَذْكُور يَقُول اقرئ فِي أَرْبَعَة عشر علما أَو كَمَا قَالَ يقر فِي أَرْبَعَة عشر علما وَالله أعلم وَولى الْقَضَاء بعدن وَحدث بِهِ فِي آخر عمره وَجمع عطله عَن الْحَرَكَة وَذَلِكَ يبس قوي فِي عصبَة وتشنج فِي بدنه وَلم يزل يتزايد بِهِ حَتَّى مَنعه من الصَّلَاة إِلَّا بالايماء بِرَأْسِهِ وَمكث كَذَلِك نَحْو سنتَيْن أَو أَكثر واستمرت بِهِ هَذِه الْعلَّة إِلَى أَن مَاتَ رَحمَه الله تَعَالَى وَلابْن أَخِيه الْفَقِيه عبد الله عبد الله بن عمر محزمه فِيهِ مرثية عَظِيمَة مطْلعهَا ... انهد ركن الدّين وَهُوَ قويم ... وانهار طود الْمجد وَهُوَ صميم وتغيرت شمس الْبِلَاد واظلمت ... وتناثرت من أفقهن نُجُوم والأفق متعسكر الظلام كَأَنَّمَا ... الدُّخان هُوَ جو السما مركوم هَذِه عَلَامَات الْقِيَامَة هَذِه أَلا ... شراط هَذَا الْموعد المحتوم هَذَا لإِمَام قضى عَلَيْهِ نحبه ... الطّيب الْعَلامَة المرحوم شيخ الْعُلُوم وناشر أعلامها ... محيي الفهوم إِذا تَمُوت فهوم علم الْأَئِمَّة وَاحِد فِي عصره ... وَلكُل عصر وَاحِد مَعْلُوم من للعلوم الزهر بعد وَفَاته ... هَيْهَات ق رمست وَرَاه عُلُوم ... وَمِنْهَا ... مولَايَ اوحشت الديار فَهَذِهِ ... أطلالكم فِيهَا تصيح البوم لَا عَيْش يصفو بعدكم كلا ... تِلْكَ الرسوم وَإِن عظمن رسوم قد كَانَت الدُّنْيَا تزين بذكركم ... مِنْهَا الْعرَاق ومصرها وَالروم واختص ذَا الْيمن الْمُبَارك الَّذِي قد خصّه واليمن فِيهِ قديم لَا سِيمَا عدن فقد فخرت بكم ... فخراً على وَجه العلى مرقوم والثغر مِنْهَا كَانَ يبسم ضَاحِكا ... فاليوم يبكي واعترته هموم لهفي على تِلْكَ المحاسن أَنَّهَا ... كالزهر وَهُوَ الطّيب المشموم وسع الْأَنَام فكلهم أَوْلَاده ... راضون عَنهُ كَأَنَّهُ مَعْصُوم كثرت فضائله فطاب لقَائِل ... فِي وَصفه المنثور والمنظوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 وَله رَحمَه الله تَعَالَى تصانيف حَسَنَة مِنْهَا شرح صَحِيح مُسلم غَالب واستمداده فِيهِ من شرح الإِمَام النَّوَوِيّ بل هُوَ فِي الْحَقِيقَة شرح النَّوَوِيّ من زيادات وتحقيقات فِي بعضص الْمَوَاضِع وَأَسْمَاء رجال مُسلم وتاريخ مطول مُرَتّب على الطَّبَقَات وَالسّنَن وَابْتِدَاء التَّارِيخ الْمَذْكُور من أول الْهِجْرَة وَكتاب فِي مشتبه النِّسْبَة إِلَى الْبلدَانِ وَهُوَ مُفِيد فِي بَابه جدا سنة ثَمَان وَأَرْبَعين بعد التسْعمائَة (948) هـ وَفِي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين توفّي أَحْمد بن الطّيب ابْن شمس الدّين الطبنداوي الْبكْرِيّ الصديقي الشَّافِعِي شهَاب الدّين شيخ الْإِسْلَام الحبر الإِمَام الْعَارِف بِاللَّه القانت الأواه وَاضح المحجة وَالسّنَن بلغ غَايَة من الْعلم مَا ارْتقى إِلَيْهَا أهل ذَلِك الزَّمن كَانَ مَعَ أهل عصره بِمَنْزِلَة الشَّمْس مَعَ النُّجُوم وتميز عَلَيْهِم فِي معرفَة الْمَنْطُوق وَالْمَفْهُوم شَدِيد الصلب فِي الدّين والصداع بِالْحَقِّ لَا يخَاف فِي الله لومة لائم مولده بعد السّبْعين وَثَمَانمِائَة تَقْرِيبًا تفقه بِالنورِ السمهوري وَالْقَاضِي أَحْمد المزجد والكمال الرداد وَالْجمال القماط والعلامة شيخ الْإِسْلَام مُحَمَّد بن عبد السَّلَام النَّاشِرِيّ وَأحمد بن الطَّاهِر جغمان وَغَيرهم وَأخذ عَنهُ خلق كثير مِنْهُم شيخ الاسلام ابْن زِيَاد والحافظ شهَاب الدّين أَحْمد الخزجي والغريب الأكسع وَعبد الْملك بن النَّقِيب وَعبد الرَّحْمَن البَجلِيّ وَصَلَاح النماري وَغَيرهم وانتهت إِلَيْهِ رئاسة الْفَتْوَى والتدريس بِمَدِينَة زبيد وللى التدريس فِي كثير من مساجدها وَأقَام بذلك أتم قيام وانتفع بِهِ الْخَاص وَالْعَام وَله فتاوي مَشْهُورَة عَلَيْهَا الِاعْتِمَاد بِيَزِيد وَشرح التَّنْبِيه فِي أَربع مجلدات قَالَ الْفَقِيه الْعَلامَة مفتي الْوَقْت العَبْد الصَّالح شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن النَّاشِرِيّ كَانَ أَبُو الْعَبَّاس يَعْنِي المترجم لَهُ يَقُول لشَيْخِنَا ابْن زِيَادَة تِلْمِيذه أَنْتُم نفعكم أَحْمد الزجد بلحظه وَنحن بلحظه وَلَفظه انْتهى وَله على الْعباب حَاشِيَة علقها على نسخته وأفردها بعض تلامذته فِي كراريس وَهِي مَوْجُودَة مفيدة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 قَالَ الشَّيْخ صَالح النمراوي وَمن عَجِيب مَا سمعته مِنْهُ أَنه قَالَ طالعت جَمِيع الايضاح شرح الْحَاوِي للْقَاضِي الطّيب النَّاشِرِيّ فِي لَيْلَة وَاحِدَة وَهُوَ مجلدان ضخمان قَالَ وعلقت من كل بَاب فَائِدَة وَهَذَا خرق عَادَة وَقَالَ الْخَولَانِيّ سمعته يَقُول كَانَت الفوئاد الَّتِي كتبتها تِلْكَ اللَّيْلَة ثَلَاثَة كراريس انْتهى وَكَانَ يَقُول قراءتي للارشاد سبع مَرَّات وَمَا صَحَّ لي إِلَّا فِي الْمرة السَّابِعَة مَعَ أَنه كَانَ يحفظه وَكَانَ رَحمَه الله مفرطا فِي الذكاء صافي الخاطر نقي الذِّهْن المعياً مُسَددًا فِي فتواه وبحوثه شَدِيد الِاعْتِقَاد فِي أهل الله من المتصوفين حكى الْعَلامَة الْحَافِظ جمالالدين مُحَمَّد بن الْمَعْرُوف أَفْلح مُحدث الديار اليمنية قَالَ كنت أَيَّام قراءتي عَلَيْهِ اخْرُج مَعَه فِي الاسبوع يَوْمًا نزور السَّبْعَة الْمَشْهُورين الْمُسلمين بالأعلية جمع على غير قِيَاس لأَنهم يُرِيدُونَ جمع عَليّ فَكَمَا وصل إِلَى قبر وَاحِد مِنْهُم قَرَأَ مَا شَاءَ الله تَعَالَى واهدى ذَلِك إِلَى روح صَاحب الْقَبْر ثمَّ يَأْمُرنِي أَن آتيه باناء من مَاء فَيَضَع من تُرَاب الْقَبْر فِيهِ وَيشْرب ثمَّ يَأْمُرنِي أَن افْعَل مثله وَيَقُول لي هُوَ ترياق مجرب وَهُوَ مِمَّن أفتى بحلية القهوة وَله فِي حلهَا وإباحتهخا فتاوي مُتعَدِّدَة قَالَ فِي بَعْضهَا وَأما القهوة فَلَيْسَ فِيهَا إِلَّا روحنة يسيرَة وتقوية قَليلَة قَالَ وَقد سَمِعت شيخ الْإِسْلَام الْمجمع على تجديده للقرن التَّاسِع زَكَرِيَّا الْأنْصَارِيّ أَنه كتب إِلَيْهِ بعض الْمَالِكِيَّة بِتَحْرِيم شرب القهوة وساعده من لَا بَصِيرَة لَهُ على ذَلِك وَمنع النَّاس من شربهَا فانتشر الْخَبَر إِلَى مصر والقاهرة فَكتب المولعون بهَا سوؤالا إِلَيْهِ فَكَانَ جَوَابه إِن قَالَ احضروا الي جمَاعَة من المتعاطين لَهَا فَسَأَلَهُمْ عَن عَملهَا فَذكرُوا لَهُ أَنَّهَا لَا عمل فِيهَا سوى مَا قدمْنَاهُ من التَّقْوَى فَأَرَادَ الاختبار فأحضر قشر البن ثمَّ أَمر بطبخه ثمَّ أمرهَا بشربها ثمَّ فاتحهم فِي الْكَلَام فراجعهم فِيهِ سَاعَة زمنية لَا تغيراً وَلَا طَربا فَاحِشا بل وجد مِنْهُم انبساطاً قَلِيلا فَلم يُؤثر ثمَّ زَاد فَلم يُؤثر فصنف فِي حلهَا مصنفاً قَاطعا بِالْحلِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 قلت لله دره لم يقدم على التَّحْرِيم بِمُجَرَّد مَا نقل إِلَيْهِ بل اختبرها فَلَمَّا لم ير فِيهَا شَيْئا من أَسبَاب التَّحْرِيم فَأفْتى بحلها رَحمَه الله وَقد افتيت قَدِيما بحلها واستدللت على ذَلِك بِدَلِيل اجْمَعْ عَلَيْهِ الْأَصْحَاب وَهُوَ ان الشَّيْء إِنَّمَا يحرم تنَاوله وَأكله وشربه إِمَّا لاضراره كالسم أَو لإسكاره كَالْخمرِ والنبيذ مَعَ نجاسبته أَو لنجاسته كالبول وَالْغَائِط أَو لتحذيره وتخييله لِلْعَقْلِ كالبنج والحشيش وَنَحْوهمَا أَو لاستقذاره كالمخاط والبزاق الْمُنْفَصِل من الْآدَمِيّ فَإِنَّهُ يحرم بلعه بعد اخراجه من الْأنف والفم كَمَا يحرم تعاطيه من غَيره مُطلقًا سَوَاء تنَاوله بعد انْفِصَاله أَو قبله لاستقذاره وَلَيْسَ فِي القهوة شَيْء من ذَلِك لِأَنَّهَا لَيست بمضرة وَلَا مسكرة وَلَا نَجِسَة وَلَا مخدرة وَلَا مخيلة وَلَا مستقذرة وَهَذِه أَسبَاب التَّحْرِيم فانتفاء أَسبَابه قَالَ وَقد كنت كتبت هَذَا الْجَواب قَدِيما وَأَنا بَاقٍ عَلَيْهِ مُقَدّر لَهُ قإن قيل إِن بعض النَّاس يضرّهُ شرب القهوة أَو الْإِكْثَار مِنْهَا فَالْجَوَاب أَن نقُول إِنَّهَا مُحرمَة فِي حَقه فَقَط لِأَن حجَّة الْإِسْلَام مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْغَزالِيّ الطوسي حبر هَذِه الْأمة رَضِي الله عَنهُ ونفع بِهِ وبعلومه قَالَ فِي كتب مُتعَدِّدَة إِن الشَّيْء الْمجمع على حلّه كالعسل قد يحرم فِي حق من غلبت عَلَيْهِ الْحَرَارَة وَشهد عُلَمَاء الطِّبّ بأنهيضره فَكَذَلِك القهوة من بَاب أولى نقُول بتحريمها حَيْثُ أضرت بعض النَّاس لَكِن فِي حَقه فَقَط ثمَّ قَالَ فَيَنْبَغِي أنيقال فِي حق من تعينه القهوة على التِّلَاوَة أَو مطالعة الْعلم أَن تعاطيها مُبَاح وَمن شعر صَاحب التَّرْجَمَة رَحمَه الله تَعَالَى ... شهِدت بِأَن رَبِّي ذُو اقتدار ... على كل الْأُمُور بِغَيْر شكّ وَذُو لطف وَذُو علم مُحِيط ... تَعَالَى الله عَن كَيفَ ودرك فَاسْأَلْهُ يلاطفني سَرِيعا ... ويفرج كربتي ويزيل ضنكي ... وَمِنْه ... أَلا قل للحسود والمعاند أقل ... عناك فالاحسان زَائِد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 .. يزِيد عَدَاوَة وَيزِيد رَبِّي ... فزدني كي يزِيد لي العوائد ... وَمِنْه بجودك الجم رب قصدي ... أنزلت يَا مُنْتَهى الْمَقَاصِد مَعَ اعترافي بِضعْف رَأْي ... وفبح فعلي الَّذِي أكابد فَقُمْ بحالي بِحَسب فضل ... وقك عني عرى الشدائد واصلح الشَّأْن رَبِّي جمعا ... وَلَا تَكِلنِي إِلَى العوائد ... وَمِنْه ... يارب جدلى الَّذِي ترضاه يَا أملي ... واصلح بِفَضْلِك جوداً فَاسد الْخلَل وقم بحالي فِي الدَّاريْنِ مرحمة ... وَلَا تَكِلنِي إِلَى علم وَلَا عمل ... وَأَخْبرنِي سَيِّدي الْفَقِيه عمر بن زيد قَالَ سَمِعت شَيخنَا الشيخبدر الدّين الْمصْرِيّ يَقُول اجْتمعت بالعلامة الطبنداوي فِي زبيد سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَتِسْعمِائَة وأنشدني من لَفظه ... ومذ كنت مَا اهديت للحب خَاتمًا ... ومسكاً وكافوراً ولابست عينه وَلَا الْقَلَم المبري أخْشَى عَدَاوَة ... تكون مذى الْأَيَّام ببيني وَبَينه ... قلت وَلَا أعلم لهَذِهِ الْخِصَال أصلا من الْكتاب وَالسّنة وَسمعت سَيِّدي الْوَالِد يَقُول لَيْسَ لَهَا تَأْثِير قلت وَلَا بَأْس باجتنابها مَعَ عدم اعتقادها وَرَأَيْت بِخَط الْفَقِيه أَحْمد بن الْفَقِيه مُحَمَّد أَبَا جَابر قَالَ وجدت بِخَط الْعَلامَة أبي الْعَبَّاس الطبنداوي ان من قَرَأَ الْفَاتِحَة اربعمائة وَتِسْعين مرّة فضيت حَاجته كائنة مَا كَانَت مجرب مجرب وفيهَا فِي ظهر يَوْم السبت عَاشر شهر ربيع الثَّانِي توفّي أَحْمد بن الشَّمْس بن مُحَمَّد بن القطب محمدج بن السراج البُخَارِيّ الأَصْل الملكي الْحَنَفِيّ بجدة وَحمل مِنْهَا لمَكَّة وَدفن فِيهَا ثَانِي يَوْم تَارِيخه على أَبِيه بالمعلاه وَخلف أَوْلَادًا رَحمَه الله وَكَانَ مولده فِي صفر سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ بِمَكَّة واشتغل بِالْعلمِ فَقَرَأَ على السخاوي فِي سنَن أبي دَاوُود والشفاء وَدخل الْقَاهِرَة مرَارًا وَسمع الحَدِيث فِيهَا على جمَاعَة مِنْهُم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 الْحَافِظ الديلمي والجلال السُّيُوطِيّ وَلبس خرقَة التصوف من بعض الْمَشَايِخ وَولى المناصب الجليلة كالقضاء والإمامة والمشيخة وَأَجَازَهُ بَعضهم وَقَرَأَ الْكتب السِّتَّة وَغَيرهَا وأسمع كثيرا من الْفِقْه والْحَدِيث مَعَ قُوَّة حافظة وَحسن كِتَابَة وناطقية سنة تسع وَأَرْبَعين بعد التسْعمائَة (949) هـ وَفِي صبح يَوْم الثُّلَاثَاء من جُمَادَى الْآخِرَة سنة تسع وأرعين كَانَ مولد سيدنَا ومولانا الشَّيْخ الْكَبِير وَالْعلم الشهير الْوَلِيّ الْعَارِف بِاللَّه شمس الشموس شهَاب الدّين أَحْمد بن الشَّيْخ القطب شيخ بن عبد الله بن الشَّيْخ القطب الْغَوْث عبد الله العيدروس أبقاه الله تَعَالَى آمين وتاريخ ذَلِك الْعَام يجمعه ولي الله شمس الشموس وَجعل هَذَا التَّارِيخ الْوَالِد وَأَنْشَأَ فِي مولده قصيدة ... لله حمدي بمولود ... طالعه سعد السُّعُود أمحمد مُحَمَّد مَحْمُود ... عبد الآله المعبود فَوق الْخَلَائق يسود ... بِفضل ربه يجود يُعْطِيهِ ربه امان ... من كل حَاسِد ظمان يفهم مَعَاني الْقُرْآن ... والمعرفة والبرهان بِالْقَلْبِ والترجمان ... دَائِم وَهُوَ فِي شُهُود تَارِيخه خطى ولد ... حصنت روحه بالأحد وَقل هُوَ الله اُحْدُ ... مَحْفُوظ بِاللَّه الصَّمد ملحوظ من عين الْأَبَد ... عناية الله الْوَدُود يَا حَافظ أحفظ أَحْمد ... قَوْله وَفعله يحمد وَفِي العراقب يرشد ... وَسَوْطه وَأحمد والعيدروس الممجد ... نفحه لطفل مولودج ... أحد أَوْلَاد الْوَالِد من السيدة الطاهرة فَاطِمَة بنت الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن ابْن عَليّ وشقيق أَخِيه علد الله كِلَاهُمَا نجل ذَلِك السَّيِّد الْكَرِيم وشبل ذَلِك الْأسد الْعَظِيم نَشأ بتريم وَدخل الْهِنْد فِي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة لزيارة وَالِده ثمَّ رَجَعَ إِلَى حَضرمَوْت معاوداً لوطنه وتجديد المعاهدة وَدخل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 الْهِنْد مرّة ثَانِيَة فِي سنة إِحْدَى وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَبَقِي بهَا إِلَى الْآن ورزق الْقبُول الْعَظِيم من النَّاس وَصَارَ لَهُم فِيهِ أعتقاد وَرويت عَنهُ كرامات وَحصل لَهُ حَال غيبه عَن إحساسه وَقلت فِيهِ شعر ... أَيهَا الشهَاب المفدى ... أَنْت هُوَ الْفَرد الأوحدا أَعْطَاك الْمُهَيْمِن منحا ... تفوق الْمنح وأزيد الله أقامك مقصدا ... يَا فوز من لَك يقصدا تهن بالشهود ذِي نلته ... فيا سعد من لَك يشهدَا أتيت مراتباً بَعْضهَا إِذا نالها الشَّخْص سُودًا فَبين الْأَوْلِيَاء بأسرهممقامك الأحمد يَا أحمدا ... وَمَا أحسن قَول العللامة حميد بن عبد الله السندي فِيهِ ... الله أَتَاك فضل الْعلم وَالْعَمَل ... يَا أَحْمد الْخلق هَذَا غاي الأمل مواهب لَك دون النَّاس قد خبئت فِي لوحك الْمُودع الْمَحْفُوظ فِي الْأَزَل لله فِي الْخلق أسرار تدق وَلَا ... نكر إِذا أجمع السرَار فِي رجل فَمن يساميك لَا ينفيك مستفلا ... وَأَنت أَنْت على رغم الحسود على وَأَنت فِي الْفضل بَحر لَا أنتهاء لَهُ ... وَأَنت أشبه وَقت الْحلم بالحبل والخلق مِنْك حكته رَوْضَة أنق ... تغتر أكمامها فِي زهرها الخضل وَلم تكن عنْدك الدُّنْيَا لَهَا خطر فَلَيْسَ أهمالك الدُّنْيَا من الخطل لَو أَن زهرتها مِنْك فِي الْكَتف وَقد ... سَأَلتهَا كنت تعطيها وَلم تسل عَطاء من لم يضيق صَدرا بقلتها وَلَا بكثرتها تلقيه ذَا جذل وَقد صفا الْقلب مِنْهُ عَن تكدرها ... لما تولاه قطب الْوَقْت خير ولي شيخ الشريف ابْن عبد الله وَالِده ... فَهُوَ العريق إِذا فِي السَّادة الكمل أطَاع خالقه فالخلق أجمعها ... فِي طوعه لم تحل عَنهُ وَلم تزل وَكم لَهُ من كرامات قد أشتهرت ... فِي الشرق والغرب ايضاً شهرة الْمثل ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 .. رَبًّا وهذب أَقْوَامًا وأرشهدهم ... فَصَارَ طبعهم مَا فِيهِ من ميل فَأَصْبحُوا كلهم أَعْيَان وقتهم ... زأنت إِنْسَان تِلْكَ الاعين النجل لله دَرك أَخْلَاقًا عرائسها ... تحلى محاسنها فِي أَفْخَر اللل بقيت بَحر فيوض من جواهره ... تبدي تصاريف قد أضحى بِهن ملي ودمت بِالْعلمِ مَشْغُولًا وملتهياً ... عَمَّا يعانيه أهل اللَّهْو من شغل ودمت تجلى بِحِفْظ قد حفظت بِهِ ... حُدُود مِلَّة جدك خَاتم الرُّسُل أزكى الصَّلَاة عَلَيْهِ وَالسَّلَام مَعًا ... والآل مَاعِز ذُو شرف وَصَارَ ولي ... سنة خمسين بعد التسْعمائَة (950) هـ وَفِي سنة خمسين توفّي السَّيِّد الْجَلِيل صَاحب الكرامات الخارقة والآيات الصادقة الشَّيْخ شيخ الْمَشَايِخ الْكِبَار رَحمَه الله وَحكي عَنهُ انه لَهُ هَا هُنَا رجل تحصل لَهُ حَالَة عَظِيمَة عِنْد السماع فَقَالَ لَيْسَ الرجل الَّذِي يحْتَاج إِلَى محرك يحركه إِنَّمَا الرجل هُوَ الَّذِي لَا يغيب عَنهُ الشُّهُود حَتَّى فِي حَالَة الْجِمَاع فضلا عَن غَيره فَيحْتَمل أَنه أَشَارَ بذلك إِلَى نَفسه نفع الله بِهِ وكانيعظم الشَّيْخ أَبَا بكر العيدروس وَبَلغنِي أَن لَهُ ديوَان شعر وَمن نظمه فِي القهوة شعر ... ذِي قهوة مَا مثلهَا قهوة ... سل فِيهَا بِالسِّين من ياسين أَبُو الْفُقَرَاء بِاللَّه تجبرني ... تقْرَأ لي ثَلَاث من ياسين وَإِن زِدْته أرع فَذا قصدي ... عد أَرْكَان الْبَيْت بالتمكين فِي الحضرة دئم فتقرأها ... والقهوة تكون فِي التسكين ان دَامَت هَذَا بهَا دمنا ... زَاد النُّور فِي الْبَصَر وَالْعين الشافع الْمُصْطَفى النافع ... ياغوثي من كل كرب أَو دين فِيهَا توفّي الشريف الصَّالح الْوَلِيّ حُسَيْن بن أَحْمد أَبَا علوي صَاحب قسم بهَا وَكَانَ من الْأَوْلِيَاء الْكِبَار أهل المقامات والانوار وَمن كراماته مَا حَكَاهُ اخي السَّيِّد عبد الله قَالَ ارسلني وَالِدي إِلَيْهِ فَجِئْنَا وزلم جده فنادت بعض نِسَائِهِ وَهِي عندنَا بِصَوْت خَفِي كثيبر وَقَالَت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 حُسَيْن حُسَيْن ثَلَاث مَرَّات فَحسب أنيجيئ الجائي من الْمَسْجِد إِلَى الْبَيْت إِلَّا هُوَ يدق الْبَاب وَيَقُول أَنْتُم طلبتمونا فالوا نعم واخبروه الْخَبَر وفيهَا توفّي الصَّالح الشريف عبد الرَّحْمَن زين أَبَا فَقِيه أَبَا علوي وَكَانَ من الْأَوْلِيَاء وَذكروا عَنهُ كرامات رَحمَه الله وفيهَا فِي الصِّنْف الْأَخير من لَيْلَة السبت ثَانِي عشر صفر توفّي الشَّيْخ الإِمَام والحبر الْهمام ولي الله تَعَالَى الْعَلامَة مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن ابْن حُسَيْن بن مُحَمَّد أَبُو عبد الله الرعيني الاندلسي الأَصْل الطرابلسي المولد الْمَالِكِي نزيل مَكَّة وَيعرف هُنَاكَ كسلفه بِالْخِطَابِ ويتميز عَن شَقِيق لَهُ أكبر مِنْهُ أُسَمِّهِ مُحَمَّد أَيْضا بالرعيني وَذَلِكَ بِالْخِطَابِ وَأَن اشْتَركَا فِي ذَلِك لَكِن للتمييز وَيعرف فِي مَكَّة بالطرابلسي ولد وَقت صَلَاة الْجُمُعَة من العغشر الأخيرر من صفر سنة احدى وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة بطرابلس وَنَشَأ فِيهَا يَسِيرا على مُحَمَّد الْقَابِسِيّ وَرُبمَا يحذف الفه وعَلى أَخِيه فِي الْمُخْتَصر ثمَّ تحول مَعَ أَبَوَيْهِ وأخيه وجماعتهم إِلَى مَكَّة سنة سبع وَسبعين فحجوا وَرَجَعُوا وَقد توفّي بَعضهم فأقاموا بهَا سِنِين وَمَات كل من أَبَوَيْهِ فِي أُسْبُوع وَاحِد فِي ذِي الْحجَّة سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ بالطاعون وَاسْتمرّ هُوَ وَأَخُوهُ بهَا إِلَى أَن عادا لمَكَّة فِي موسم سنة أَربع وثماني فحجا ثمَّ جاورا بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة وَقَرَأَ بهَا على الشَّمْس الْعَوْفِيّ فِي الْعَرَبيَّة وَكَذَا حضر عِنْد السراج معمر فِي الْفِقْه وَغَيره وَعَاد لمَكَّة فلازم الشَّيْخ مُوسَى الحاجبي وَقَرَأَ فِيهَا الْقرَاءَات على مُوسَى المراكشي وصاهر بن حزم فِي سنة إِحْدَى وَتِسْعين على أبنته بل أَخذ عَن الشهَاب بن حَاتِم مَعَ كَونه أفضل مِنْهُ وَكثر انتماؤه بِعَبْد الْمُعْطِي وَسمع من الْحَافِظ السخاوي وَجلسَ للاقراء فِي الْفِقْه والعربية وَغَيرهَا وَولي مشيخة رِبَاط الْمُؤلف وباشر فِي عمَارَة وقف الطرحا كل ذَلِك مَعَ الفاقه والعفة وَنعم الرجل قَالَ لاشيخ جَار الله بن فَهد أَقُول وَقد فتح عَلَيْهِ فِي آخر عمره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 وَصَارَ من المعتقدين فِي الْعلم وَالدّين وَظهر لَهُ ثَلَاثَة من الْأَوْلَاد وهم الْجمال مُحَمَّد وزيني بَرَكَات والشهاب أَحْمد وزوجهم فِي حَيَاته وَرَأى أَوْلَادهم مَعَ نجابتهم وَصَارَ أَكْثَرهم من المفتيين والمدرسين بحرم الله الْأمين وَقدمه وَالِده فِي جَمِيع جهاته لعَجزه عَن الْحَرَكَة لكَونه بيلغ من الْعُمر تسعين سنة إِلَّا عَاما وأنقطع بمنزله عدَّة سِنِين وَهُوَ يدرس فِيهِ ورتب لَهُ مُرَتّب فِي الجوالي وأعتقده النَّاس فِي الْآفَاق وَقصد بالفتوحات والودائع وناله الضَّرَر من الدولة بِسَبَبِهَا وَهُوَ منتفع متعفف مُجْتَهد فِي عمَارَة الْأَوْقَاف الَّتِي تَحت نظره وَكَذَلِكَ وَلَده الْأَكْبَر من حَيَاته وَتحمل لذَلِك طثيرا من الدُّيُون وقاسى شدَّة فِي مَرضه حَتَّى قضى نحبه رَحمَه الله سنة إِحْدَى وَخمسين بعد التسْعمائَة (951) هـ وَفِي سنة إِحْدَى وَخمسين توفّي الْوَلِيّ الصَّالح الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن عَليّ الْحلَبِي تلميذ الشَّيْخ أَبُو بكر العبيدروس أَبَا أَحْمد آباد وَكَانَ قد تحكم للشَّيْخ العيدروس الْمَذْكُور وَأخذ عَنهُ وَتخرج بِهِ وأختص بنظره وَمكث فِي ملازمته نَحوا من عشْرين سنة ثمَّ أمره بِالدُّخُولِ إِلَى اهند والاقامة بهَا فَدَخلَهَا وَأخذ عَنهُ جمَاعَة كَثِيرُونَ وأنتفع بِهِ خلائق لَا تحصى وَكَانَ قبل دُخُوله فِي ذها الطَّرِيق من أَعْيَان التُّجَّار فآثر زِيّ الفققر وَترك مَا كَانَ عَلَيْهِ من أَسبَاب التجراة وَكَانَ حسن الْخط وَحكي أَنه كَانَ بِمَكَّة وَكَانَ يعاني تعلم الْخط فَلَقِيَهُ بجل بالمسعى وَقَالَ لَهُ أذهب فقد أعطيناك الْخط والحظ قَالَ فَلَمَّا لقِيت الشَّيْخ أَبَا بكر وتلمذت لَهُ قَالَ أَتَذكر مَا قَالَ لَك ذَلِك الشَّخْص وَتَدْرِي من هُوَ وَمَا عناه بذلك ثمَّ قَالَ الشَّيْخ هوالشيخ أَبُو الْعَبَّاس الْخضر وَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ من الْحَظ فَهُوَ نَحن نفع الله بهم وفيهَا فِي يَوْم السبت ثامن شهر ربيع الأول توفّي الْفَقِيه الْعَلامَة الفروعي جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر أَبَا قضام أَبُو محزمه يجْتَمع مَعَ الْفَقِيه الْعَلامَة عبد الله بن أَحْمد محزمه فِي الْأَب السَّادِس ولد ببلدة الهجرين وَنَشَأ بهَا ثمَّ أرتحل إِلَى عدن لطلب الْعلم وَأخذ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 عَن أماميها الْفَقِيه عبد الله بن أَحْمد محزمه والفقيه مُحَمَّد بن أَحْمد فضل ثمَّ أرتحل إِلَى زبيد وَأخذ عَن علمائها ثمَّ رَجَعَ إِلَى عدن ولازم الإِمَام عبد الله بن أَحْمد محزمة وَولده شهَاب الدّين أَحْمد وأنتفع بهما وَتخرج عَلَيْهِمَا وَلما أَن وصل الْعَلامَة مُحَمَّد بن الْحُسَيْن القماط قَاضِيا على عدن ثمَّ بعده الْعَلامَة أَحْمد بن عمر المزجد قَاضِيا أَيْضا لَازم كل مِنْهُمَا وَلم يزل مُجْتَهدا حَتَّى فاق أقرانه فِي الْفِقْه وَصَارَ فِي عدن بعد موت الأمامين عبد الله بن أَحْمد محزمه وَمُحَمّد بن أَحْمد فضل هُوَ الإِمَام فِي الْفِقْه الْمشَار إِلَيْهِ والعالم الْمعول عَلَيْهِ وأحتاج النَّاس إِلَى علمه وقصدوه بالفتاوى من النواحي الْبَعِيدَة لكنه قد كَانَ يتساهل فِي الْفَتَاوَى وَيتْرك الْمُرَاجَعَة لَا سِيمَا فِي آواخر عمره فاختلفت أجوبته وتناقضت فَتَاوِيهِ وَكَانَ ذَلِك مِمَّا عيب عَلَيْهِ ثمَّ كَانَ السُّلْطَان عَامر بن دَاوُد وَهُوَ آخر مُلُوك بني طَاهِر بعدن استماله فِي آخر عمره وَأحسن إِلَيْهِ لأغراض فَاسِدَة عزم عَلَيْهَا وَكَانَ إِذا عزم على أَمر فَاسد يتَعَلَّق بِالشَّرْعِ أرسل إِلَيْهِ من يشاوره فِي كتب سُؤال فِي الْقَضِيَّة على أَنه يُجيب عَلَيْهَا فَيُجِيبهُمْ إِلَى ذَلِك وَيكْتب على سؤالاتهم أجوبة توَافق أغراضهم فيتوصلون بهَا إِلَى مفاسد ى تَنْحَصِر وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَحكي أَن النَّاس تركُوا فَتَاوِيهِ رَأْسا وفيهَا مَاتَ شير شاه البتاتن يجمع ذَلِك عدد حُرُوف شير مَاتَ سمة اثْنَيْنِ وَخمسين بعد التسْعمائَة (952) هـ وَفِي شهر جُمَادَى الآخر سنة اثْنَيْنِ وَخمسين توفّي الشَّيْخ الإِمَام والحبر لهمام الْعَلامَة أَبُو السُّعُود مُحَمَّد بن مصطفى بن عماد الاسكليبي نِسْبَة إِلَى أسكليب قَصَبَة فِي أماسية الرُّومِي الْمَشْهُور قَاضِي السُّلْطَان سُلَيْمَان سُلْطَان الرّوم صَاحب التَّفْسِير قَالَ الأنقشاري فِي تَارِيخ وَفَاته شعر ... أَمْسَى بجوار ربه ذِي الْحلم ... مفتي الْإِسْلَام بل سمي الِاسْم وَالْعلم بَكَى مذ قيل فِي تَارِيخه ... قد مَاتَ أَبُو السُّعُود مولى الْعلم ... وَله فِي اسكيب تَاسِع عشر صفر سنة سِتّ وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة ووالدته بنت أخي العللامة مَوْلَانَا عَلَاء الدّين عَليّ القوشجي وَكَانَ وَالِده من أهل الْعلم وَالصَّلَاح كَذَا قيل وتربى صَاحب التَّرْجَمَة فِي حجر وَالِده المرحوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 مرتضعا ثدي الكمالات فِي مهد الْعُلُوم فحفظه وَالِده كتبا مِنْهَا الْمِفْتَاح للسكاكي فامتاز فِي صغره بفصاحة الْعَرَب العرباء وأشتغل بفنون الأداب وَدخل إِلَى الْفَضَائِل من كل بَاب وَأخذ عَن جمَاعَة من عُلَمَاء عصره وأنتهت إِلَيْهِ رئاسة الْفتيا والتدريس وَلما جمع السُّلْطَان سُلَيْمَان رَحمَه الله الْعلمَاء بمجلسه وَأمرهمْ بالمناظرة رجح الْمشَار إِلَيْهِ فِي بَحثه وَتبين فَضله وأستحق التَّقْدِيم وَكَانَ أَهله وَكَانَ قبل ذَلِك قد ولي التدريس فِي مَوَاضِع مُتعَدِّدَة ثمَّ ولي قَضَاء بروسا ثمَّ ولي قَضَاء اسطنبول قَالَ الشَّيْخ قطب الدّين الْمُفْتِي وأجتمعت بِهِ فِي الرحلة الأولى وَهُوَ قَاضِي أسطنبول سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَتِسْعمِائَة فرأيته فصيحاً وَفِي الْفَنّ رجيحاً فعجبت لتِلْك الْعَرَبيَّة مِمَّن لم يسْلك ديار الْعَرَب وَلَا محَالة انها منح الرب ثمَّ ولي فِي سنة أَربع وَأَرْبَعين قَضَاء الْعَسْكَر وَصَارَ يُخَاطب السُّلْطَان فِي الْأَمر وَالنَّهْي ثمَّ فِي سنة إِحْدَى وَخمسين ولي منصب الأفتاء وَكَانَ سلوكه لَا عوج فِيهَا وَلَا أمتى وسمعته يَقُول جَلَست يَوْمًا بعد صَلَاة الصُّبْح أكتب على الأسئلة المجتمعة فَكتبت إِلَى صَلَاة الْعَصْر على ألف وَأَرْبَعمِائَة واثني عشرَة فتيا وَكَانَ لَهُ فِي الْأَلْسِنَة الثَّلَاثَة شعر بديع وَمن قصائده الَّتِي سَارَتْ بهَا الركْبَان قصيدة ميمة غَرِيبَة الشَّأْن وَهِي طَوِيلَة ومطلعها هَذِه الأبيات ... أبعد سليمي مكطلب ومرام ... وَغير هَواهَا لوعة وغرام وَفَوق حماها ملْجأ ومثابة ... وَدون ذراها موقف ومقام وهيهات أَن يثني غير بَابهَا ... عنان المطايا أَو يشد حزَام هِيَ الْغَايَة القصوى وَإِن فَاتَ نيلها ... فَكل من الدُّنْيَا عَليّ حرَام سلوا النَّفس عَنْهَا واطمئن بنأيها ... سلوا رَضِيع قد عراه فطام وصب سقَاهُ الرشد سلوان رشده ... فأمسى وَمَا فِي الْقلب مِنْهُ هيام صَحا عَن سلاف الغي بعد أنهماكه ... عَلَيْهِ فبيان الكأس مِنْهُ وجام محوت نقوش الجاه من لوح خاطري ... فاضحى كَانَ لم تجر فِيهِ قلام ... وَمِنْهَا ... قد اخلق الْأَيَّام خلعة حسنها ... فالهم ضحت وديباج إلبها رمام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 .. على حِين شيب قد الم بمفرقي ... وغادرها الشّعْر وَهُوَ ثغام فَللَّه در الْهم حَيْثُ أمدني ... بطول حَياتِي فِي الهموم سمام فسبحان رب الْعَرْش لَيْسَ لملكه ... تناه وحد مبدا وختام ... قَالَ وَلم يزل فِي عزة إِلَى أَن متات رَحمَه الله تَعَالَى واتى نعيه إِلَى الْحرم فَنُوديَ بِالصَّلَاةِ من أَعلَى زَمْزَم وَصلي عَلَيْهِ صَلَاة الْغَائِب ورثاه جمَاعَة من أهل مَكَّة مِنْهُم الإِمَام الْهمام الشَّيْخ رَضِي الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد القازاني الشَّافِعِي بقصيدة ذكرهَا القطب الْحَنَفِيّ وَإِنَّمَا لم نأت بهَا هُنَا طلبا للاختصار سنة ثَلَاث وَخمسين بعد التسْعمائَة (953) هـ وَفِي سنة ثَلَاث وَخمسين بعد التسْعمائَة توفّي السَّيِّد الْجَلِيل عبد الله بن علوي بن الشَّيْخ عبد الله العيدروس صَاحب عدن بتريم وقبر فِي قبر أَبِيه وَهُوَ وَالِد السَّيِّد الْوَلِيّ وحيد عصره وفريد دهره شمس الشموس عمر ابْن عبد الله العيدروس الْآتِي ذكر بعض محاسنه وطرف من اوصافه الرضية وفيهَا لست لَيَال يَقِين من شهر ربيع الثَّانِي قتل الْأَمِير الْكَبِير الخواجة صفر سلماني الرُّومِي الْمُخَاطب بخداوندخان وَيجمع تَارِيخ مَوته نبأ مقتل صفر وَكَانَ مَشْهُورا بالشجاعة والرأي وَفعل الْخَيْر وَالْإِحْسَان رَحمَه الله تَعَالَى سنة أَربع وَخمسين بعد التعسعمائة (954) هـ فِي سحر لَيْلَة الثُّلَاثَاء خَامِس عشر جُمَادَى الثَّانِي عَام أَربع وَخمسين توفّي الشَّيْخ حجار الله بن عبد الْعَزِيز بن عمر بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن فَهد الْهَاشِمِي الْمَكِّيّ وَيعرف كسلفه بأبن فَهد وَسنة أَربع وَسِتُّونَ سنة وَخلف أَوْلَادًا وَكَانَ مولده فِي لَيْلَة السبت الْعشْرين من شهر رَجَب سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة بِمَكَّة وَنَشَأ فِي كنف أَبَوَيْهِ فحفظ الْقُرْآن وكتبا كأرعي النَّوَوِيّ ومنهاجه وَسمع من السخاوي والمحب الطيري وَأَجَازَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 لَهُ جمَاعَة كَعبد العني البسطامي وَغَيره ولازم وَالِده فِي الْقِرَاءَة وَالسَّمَاع وَتوجه مَعَه للمدينة وجاور بهَا سنة تسع وَتِسْعمِائَة وَسمع بهَا من لفظ وَالِده تجار الْحُجْرَة الشَّرِيفَة الْكتب السِّتَّة والشفاء لعياض وَغَيره وعَلى السَّيِّد السمهوري بَعْضهَا وتاريخه الْوَفَاء وفتواه وَألبسهُ خرقَة التصوف وَقَرَأَ على أَبِيه فِيهَا الْعُمْدَة وَالشَّمَائِل وَغَيرهمَا وَلما عَاد لمَكَّة أَكثر عَلَيْهِ من قِرَاءَة الْكتب الْكِبَار والأجزاء الصغار وأنتفع بارشاده وَخرج الْأَسَانِيد والمشيخات لجَماعَة من مشايخه وَغَيرهم وأستوفي مَا عِنْد مَشَايِخ بَلَده من السماع ورحل إِلَى مصر وَالشَّام وحلب وَبَيت الْمُقَدّس واليمن وَأخذ بهَا وَفِي غَيرهَا من الْبلدَانِ نَحْو السّبْعين على جمَاعَة من المسندين وَأَجَازَهُ خلق كَثِيرُونَ جمعهم فِي مجمع حافل وأشتغل فِي فنون وَأخذ الْفِقْه والنحو والأصلين عَن الشَّيْخ عبد الله أَبَا كثير وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْمِنْهَاج للنووي وغالب شَرحه للمحلي وألفية ابم مَالك وَغَيرهَا وَبَعض شرح الورقات وَقسم الْمِنْهَاج على الشَّيْخ مرّة ولازمه فِي قِرَاءَة كتب الحَدِيث وَخرج لَهُ مشيخة اغتبط بهَا وَكَذَا الْخَطِيب محب الدّين النويري وَغَيرهمَا من الأكابر وَدخل الرّوم عوداً على بَدْء وتزويج ورزق الْأَوْلَاد وَحدث بالحرمين الشريفين وَغَيرهمَا سنة خمس وَخمسين بعد التسْعمائَة (955) هـ وَفِي سنة خمس وَخمسين وصل من مَكَّة المشرفة الخان الْأَعْظَم آصفخان لالكجراتي إِلَى كجرات وَأقَام بهَا فِي منصب الوزارة إِلَى ان قتل مَعَ مخدومه السُّلْطَان مَحْمُود فِي اللَّيْلَة الَّتِي قل فِيهَا وَهِي لَيْلَة ثَالِث عشر شهر ربيع الأول سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة رَحمَه الله وَكَانَ الْوَزير آصفخان رجلا صَالحا جواداً ممدوحا شرِيف النَّفس على الهمة ذَا تهجد وأوراد وَكَانَت وِلَادَته فِي لَيْلَة الْخَمِيس ثَانِي عشر شهر ربيع الأول سنة سبع أَو تسع وَتِسْعمِائَة وأشتغل بِالْعلمِ حَتَّى مهر فِي كثير من الْفُنُون وزر للسُّلْطَان بهادر شاه وَلما جَاءَ السُّلْطَان همايون خشِي السُّلْطَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 بهادر على حريمه ونفائس خزائنه فَأمر الْمَذْكُور على الْحَرِيم والخزائن وأرسله بهَا إِلَى مَكَّة المشرفة فَمَكثَ بهَا أَكثر من عشر سِنِين مشتغلا بالعبادات وأنواع الطَّاعَات حَتَّى حُكيَ أَنه أَقَامَ بِمَكَّة تِلْكَ الْمدَّة لَا يعرف انه ترك الْجَمَاعَة فِيهَا مَعَ الإِمَام بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام فِي فرض وَاحِد من غير مرض وَنَحْوه وَكَانَ محبا لأهل الْعلم محسنا إِلَيْهِم مؤلفا لأهل الْفضل مشفقاً عَلَيْهِم حَتَّى نفق الْعلم فِي زَمَنه بِمَكَّة نفَاقًا عَظِيما وأجتهد أَهله فِيهِ اجْتِهَادًا بَالغا وثاب الطّلبَة وعكفوا عكزفا باهراُ عَلَيْهِ وَبَحَثُوا عَن الدقائق لينفقوها فِي حَضرته وتحفظوا الاشكالات ليتقربوا بهَا إِلَى خواطره كل ذَلِك لإسباغه على المنتسبين إِلَى الْعلم من صنوف الْإِحْسَان وواسع الامتنان وهوامع الْأَنْغَام وواسع الاكرام مَا لم يسمع بِمثلِهِ عَن أهل زَمَنه وَمن قبله بِمدَّة مديدة حَتَّى قَالَ بعض الْعلمَاء قد أذكرنا ذَلِك مَا يحْكى عَن الْخُلَفَاء والبرامكة وَأَبَان لنا حَقِيقَة مَا فِي التواريخ عَنْهُم حَتَّى قيل أَنه أنْفق بِمَكَّة فِي نَحْو سنة مائَة وَخمسين صندوقا ذهبيا حَتَّى أبلبس أهل مَكَّة نِسَاءَهُمْ وخدمهم حلي الذَّهَب لذِي لم يعهدوا مثله وتوسعوا فِي الملابس والمعاش بِمَا لم يعرفوه قبل ذَلِك فجزاه الله خير الْجَزَاء وأمله وأتمه وأشمله وأفضله بمنه وَكَرمه وَلما بلغ أهل مَكَّة خبر مصابه حزنوا جدا لما كَانَ ينالهم من الْإِحْسَان بِسَبَبِهِ ورثاه الشَّيْخ الْعَلامَة عبد الْعَزِيز الزمزمي الْمَكِّيّ بِهَذِهِ القصيدة الْعَظِيمَة وَهِي ... أَي الْقُلُوب لهَذَا الْحَادِث الجلل ... اطواده الشم لم تنسف وَلم تزل وَأي نازلة فِي الْهِنْد قد نزلت ... بلفحها كل حبر فِي الْحجاز صلي اعظم بنازلة فِي الْكَوْن طَار بهَا ... برا وبحراً مسير السفن وَالْإِبِل أَخْبَارهَا طرقت سَمْعِي فَحَمَلَنِي ... طروقها عب رزء غير مُحْتَمل أَهْدَت لأهل الْحجاز الْبَأْس بعد رجا ... واليأس بعد الرجا كالظل بالأسل فَأصْبح النَّاس فِي وهج وَفِي فكر ... كَثِيرَة ومزاج غير معتدل خطب على كل مَعْرُوف ومكرمة ... ونعمة قلدت جيد الزَّمَان حلى أَصمّ أذنى بِهِ الناعي واسمعني ... أمرا بِهِ صرت مثل الشَّارِب الثمل وَهُوَ البشير بضد الْأَمر رُبمَا ... أصبب من هول هَذَا الْخطب بالخطل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 .. عمري لقد جمع الضدين فِي نسق ... وَقرب الْبعد بَين الْحزن والجذل فِي حَال اشراق شمس الْبشر قد غربت ... فَصَارَ وَقت طُلُوع الشَّمْس كالطفل يَا صَاح سل فُؤَادِي بِالْحَدِيثِ وَعَن ... سكري بطافح هم فِيهِ لَا تسل على آصفخان وحدي لَا يفارقني ... أَو تبلغ الرّوح مني مُنْتَهى الْأَجَل لهفي رجال الْعلم قاطبة على إِمَام بتحقيق الْعُلُوم ملي على الْجواد الَّذِي فاضت مكارمه ... للآملين بِمَا أربى على الأمل مضى شَهِيدا إِلَى دَار البقا ليرى ... مَا قدمت يَده من صَالح الْعَمَل لقد اعد لَهُ عِنْد النُّزُول بهَا ... رب غَفُور رَحِيم أكْرم النزل بَكت عَلَيْهِ السما وَالْأَرْض إِذْ فقدت ... تهجداً عِنْد طول الدَّهْر لم يحل وَورد صَوْم ظماه فِيهِ ادخله ... جنَّات عدن من الربان فِي عجل وَفعل خير وإحسان ينيل غداًُ ... قَرَار سجساج ظلّ غير منتقل لَهَا بهاتيكم الطَّاعَات قد شهِدت ... بطاح مَسْجِد طه خَاتم الرُّسُل وَمَسْجِد الْقُدس والمكي لَا بَرحت ... ارجاؤهم من غمام الْأَمْن فِي ظلل وَكم طواف ببيتالله كَانَ لَهُ ... وَكم وقُوف بِبَاب الله فِي وَجل وبالمعروف أعواماً مُتَابعَة ... بهَا استتم فروض الْحَج من كمل سلوا مشاعر جمكع كَيفَ لَيْلَتهَا ... كَانَت تضيء ببدر مِنْهُ مكتمل وَكَانَ شمسا مِنْهَا لم يحل منى ... أَيَّام تشريقها أشراقهن جلى سقيا ورعيا لأيام سلفن بهَا ... وَنحن فِي مجللس سَام لَدَيْهِ عَليّ اذ الزَّمَان عَزِيز وَجهه خضل ... بغرة من محيا وَجهه الخضل والعيش غض بِمَا يوليه من نعم ... لدن الْحَوَاشِي بانس مِنْهُ مقتبل والدهر يلحظنا شزراً ويوهمنا ... خديعة انه عَنَّا لفي شغل فحين رد إِلَيْنَا طرفه أرتجعت ... يَدَاهُ منا الَّذِي اولاه من نحل فشتت الشمل بعد الالتئام وَلم ... يقنع بِنوح مُقيم أثر مرتحل حَتَّى رمانا فأصمتنا رمايته ... ة عمدا بأسهم هَذَا الْحَادِث الجلل أيا أصفخان لَا يُحْصى تأسفنا ... عَلَيْك ضبط بتفصيل وَلَا جمل لقد فقدناك الرّبيع وَلم نجد عَنْك بعد الْفَقْد من بدل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 .. نفديك منا أُلُوف لَو فديت بهَا ... من خيرنا لَا من الدهماء والسفل أَنِّي لأبكيك للجود الَّذِي فضحت ... أنواءه كل وَسمي وكل ولي أبكيك للْعلم وَالْعقل اللَّذين هما ... عماد دنيا وَدين الحازم الرجل وللحجاز وأهليه إِذا فقدوا ... مألوف بر إِلَيْهِم مِنْك مُتَّصِل وللصيام وَأَحْيَاء الظلام إِلَى ... حِين الْمَمَات بِلَا وَهن وَلَا ملل مُسَافِرًا وَمُقِيمًا مَا كسل وَلَا ... عجزت حوشيك من عجز وَمن كسل قد كنت بَحر عوم بزاخرا وندا ... من فيضه كل بَحر كَانَ فِي خجل فَفَاضَ مَا فاض م أمواجه وطغا ... مِنْهَا وروى الورى علا على نهل بِمَوْتِهِ مَاتَ ذكر الْجُود واندرست ... مِنْهُ الربوع ورسم المكرمات بلَى عذلت فِي قَتله دهري فَقَالَ أما ... أحطت علما بسبق السَّيْف للعذل لبّى نِدَاء المنايا عِنْدَمَا هَتَفت بِهِ وَسَار بهَا يمشي على مهل لَا قته وَهِي كمين فاستكان وَلَو ... بَدَت لَهُ لم تَجدهُ كَانَ ذَا فشل فَإِنَّهُ كَانَ ثبتاً فاشلا حذرا ... وَلم يكن راميه يُؤْتى من الزلل أباد أَحْمد أباد هول مصرعه ... وباء بعد الْآبَاء من فِيهِ بالوجل فذم مَحْمُود أباد النَّاس حِين بدا ... مِنْهَا عناًُ مَا بِهِ للنَّاس من قبل وريح نكسبه كنبائت عواصفها ... نكبآء هبت خلال الدّور وَالْحلَل وَالنَّار شبت بشنبانير من فتن ... تموج كالبحر ملْء السهل والجبل والدير أودت بهَا أدواؤها وبدت ... فِيهَا أراجيف أهل العل وَالنَّقْل فَلَا ملام على سرات أَن لبست ... ملابس الْحزن بعد الْحلِيّ وَالْحلَل اوفي وسلطانه السَّامِي الْمقَام مَعًا ... على انْتِهَاء الْأَجَل المحتوم فِي الازل كَذَا الْخَلِيفَة وَالْفَتْح الْوَزير لَهُ ... كَانَت وفاتهما فِي اعصر أول عز العزا وأزمان المسرة قد ... ولت وكل خلي بالهموم ملي عبد الْعَزِيز عَزِيز مَا أصبت بِهِ ... على الممالك والأديان والملل عبد الْعَزِيز عَزِيز مَا أصبت بِهِ ... على شهامة أهل الْملك والدول عبد الْعَزِيز عَزِيز مَا أصبت بِهِ ... على الْمَشَايِخ والطلاب والملل عبد الْعَزِيز عَزِيز مَا أصبت بِهِ ... على مجَالِس أهل الْبَحْث والجدل كَانَت تتوق لأرض الْهِنْد أَنْفُسنَا ... كَيْمَا تحقق أَن الْعِزّ فِي النَّقْل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 .. فمذ نعيت عَنْهَا امنى وغدت أَبْوَاب نيل الْغنى مسدودة السبل يلومني فِيك أَقوام وَلَو علمُوا ... عُذْري لما أَكْثرُوا لومي وَلَا عذلي محبب كل من يولي الْجَمِيل وَقد ... أوليتني جملا مِنْهَا عَليّ جمل يعطيك والبشر يكسو صفيحته فَقل ... بعدا لتقطيب وَجه الْعَارِض الهطل أَفعاله صدقت مَا قد تكذبه أسماعنا من حَدِيث الْجُود فِي الأول فَانْظُر إِلَى فعله واترك حَدِيثهمْ ... فِي طلعة الشَّمْس مَا يُغْنِيك عَن زحل يلقاك إِلَى فعله واترك حَدِيثهمْ ... فِي طلعة الشَّمْس مَا يُغْنِيك عَن زحل يلقاك لابس برد من تواضعه ... يظنّ بِالْكبرِ تعلو رُتْبَة السّفل بِالْعلمِ كَانَ وَفعل الْخَيْر مشتغلا ... وَلم يكن عَنْهُمَا باللهو فِي شغل وَلم يزل بِرِجَال الْعلم محتفلا ... لكنه بسواهم غير محتفل تأثلوا المَال فِي أَيَّامه وَبِه ... نالوا مَكَانا من العلياء لم ينل فِي حَضْرَة ومغيب كَانَ يمنحهم ... مَا لم يكن لَهُم وَالله فِي أمل مِنْهُ اتتني سنيات الهبات وَمن ... تَمامهَا أَنَّهَا جَاءَت وَلم أسل مدحته كي أفوي شكرها فَأبى ... مزِيد فائض احسان لَهُ هطل والآن عَليّ أوفى بالرثاء لَهُ ... حَقًا فَانِي وَفِي بالحقوق ملي قد كنت آمل هَذَا الدَّهْر يمتعنا ... بِهِ ويبقيه غوثا للعفاة ولي وَمَا توهمت أَن الدَّهْر يَنْزعهُ ... نزعاً ويجفؤه بِالْقَتْلِ والغيل شلت يَمِين الَّذِي بِالْقَتْلِ فاجأه ... عمدا وشين كف الْمجد بالشلل ملاحم حكم الْمولى بهَا وَقضى ... وجودهَا سَابق فِي علمه الْأَزَل يَا من يسائل عَن تَارِيخ مصرعه ... عَنهُ الْجَواب انْقَضى فَاكْفُفْ وَلَا تسل عَلَيْك وَالله لَا أَنْفك ذَا أَسف ... أهْدى إِلَيْهِ الدُّعَاء مَا امْتَدَّ فِي أَجلي ههمت على روض قبر حلّه ديم ... من الرضى مَا هما دمع من الْمقل ثمَّ الصَّلَاة على الْمُخْتَار من مُضر ... خير الْبَريَّة طه خَاتم الرُّسُل والآل والصحب مالوفي الحجيج عل ... بَيت الْإِلَه وَحي الرُّكْن بالقبل سنة سِتّ وَخمسين بعد التسْعمائَة (956) هـ وشفي سنة سِتّ وَخمسين توفّي السَّيِّد الشريف الصَّالح الْفَاضِل الشَّيْخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 حُسَيْن بن عَليّ وَكَانَ من الْمَشَايِخ العارفين وَعباد الله الصَّالِحين صَاحب هَيْبَة عَظِيمَة لَا يرَاهُ أحد إِلَّا هاب وَكَانَ يُصَلِّي إِمَامًا فِي مَسْجِد وَالِده الشَّيْخ عَليّ بن أبي بكر وَكَانَ إِذا دخل الصَّلَاة وَأحرم ارتعدت فَرَائض الْحَاضِرين لهيبة فهم بِالصَّلَاةِ مَعَه الْوَلِيّ الشريف عبد الله بن الْفَقِيه أَبَا علوي فَلَمَّا سوى الصُّفُوف وَكبر طاش لبه ودهش عقله وَقَالَ مَا هَؤُلَاءِ إِلَّا بقر يَعْنِي الْحَاضِرين وَحمل ثَوْبه وَخرج هَارِبا وَلم يصل مَعَه قلت وَحضر وَفَاة ابْن مُحَمَّد الشَّيْخ أَبُو بكر العيدروس بعدن وَصلى على جنَازَته إِمَامًا كَذَا قَالَه الْعَلامَة جَار الله بن فهج الْمَكِّيّ رَحمَه الله فِي مُعْجَمه سنة سبع وَخمسين بعد التسْعمائَة (957) هـ وَفِي سنة سبع وَخمسين توفّي الْوَلِيّ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى الشريف عمر ابْن شهَاب الدّين بن الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن عَليّ أَبَا علوي وَكَانَ مَشْهُورا بالصلاح والمكاشفات وفيهَا توفّي الْعَلامَة القَاضِي أَحْمد شرِيف ابْن عَليّ ابْن علوي وَكَانَ مولده يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع شهر ذِي الْحجَّة سنة أَربع أَو خمس وَثَمَانمِائَة واشتغل بالفقه على جمَاعَة كالعلامة الْفَقِيه عبد الله بن عبد الرَّحْمَن أَبَا فضل صَاحب الْمُخْتَصر الْمَشْهُور وكالعلامة الْفَقِيه مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الْأَسْقَع أَبَا علوي وَغَيرهمَا وجد واجتهد حَتَّى برع فِيهِ وأشير إِلَيْهِ بالرئاسة وَالْفَتْوَى وَذكره أَخُوهُ الْمعلم خرد فِي طَبَقَات فُقَهَاء آل أَبَا علوي قَالَ وَولي قَضَاء ابْن رَاشد وَهُوَ مُشْتَمل على مدن مُتعَدِّدَة من قرى حَضرمَوْت اشهرها تريم لم يُعَارضهُ معَارض وَلم ينْقض عَلَيْهِ مُنَاقض انْتهى قلت وَلم يل أحد من آل أَبَا علوي الْقَضَاء رَحمَه الله وَبَلغنِي أَنه لم يكن من الْقُضَاة الورين سامحه الله وإيانا آمين وَفِي تَارِيخ شنبل أَنه وأخاه عبد الله شرِيف ولدا توأمين فِي بطن وعزل من الْقَضَاء وَقَالَ أَنا لَا أعزل وَإِن عزلني السُّلْطَان بِسَبَب أَنه لَيْسَ فِي الْجِهَة من هُوَ أعلم مني قلت وَهَذَا الَّذِي ذهب إِلَيْهِ القَاضِي أَحْمد شرِيف لَا أَدْرِي أهوَ لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 وَجه ضَعِيف فِي الْمَسْأَلَة أَو أَرَادَ بِهِ النُّكْتَة والمطايبة وَقَرِيب من هَذَا أَن الصاحب ابْن عباد قَالَ لقَاضِي قُم أَيهَا القَاضِي بقم عد عزلناك فَقُمْ فَكَانَ القَاضِي يَقُول أَنا مَعْزُول السجع قلت وَذكرت بقوله أَنا لَا أعزل وَأَن عزلني الْوَالِي قَول بَعضهم ... إِن الْأَمِير هُوَ الَّذِي ... يُضحي أَمِيرا يَوْم عَزله إِن زَالَ السُّلْطَان الولا ... ية لم يزل سُلْطَان فَضله ... وَمَا أحسن قَوْلهم فِي الحكم إِن أردْت أَن لَا تعزل فَلَا تتول سنة ثَمَان وَخمسين بعد التسْعمائَة (958) هـ وَفِي سنة ثَمَان وَخمسين توفّي الشَّيْخ الصَّالح الْعَلامَة الْفَقِيه عبد الله ابْن الْفَقِيه مُحَمَّد بن الشَّيْخ حكم سهل بن الْفَقِيه الْوَلِيّ بن الْفَقِيه الْجَلِيل الإِمَام مُحَمَّد بن الشَّيْخ حكم أَبَا قُشَيْر الشَّافِعِي الْحَضْرَمِيّ بحضرموت فِي الْعَجز ببلدة قسم وقبره بهَا مَعْرُوف يزار وَكَانَ من الْأَئِمَّة الْمُحَقِّقين وَالْعُلَمَاء والعاملين وَالْفُقَهَاء البارعين صَاحب تصانيف مفيدة وحيد زَمَانه علما وَعَملا وزهداً وورعاً جمع بَين معالم الشَّرِيعَة وسلوك الطَّرِيقَة وعلوم الحققة وَمن تصانيفه الْمَشْهُورَة فِي الْفِقْه كتاب قلائد الخرائد وفرائد الْفَوَائِد فِي مُجَلد ضخم ذكر إِنَّه جمع فِيهِ مَا لَا يُوجد صَرِيحًا فِي الْكتب المختصرة فِي الْفِقْه مِمَّا أَخذ من المبسوطات والفتاوى المتفرقات وَمِنْهَا القل الموجز الْمُبين وَمِنْهَا كتاب السَّعَادَة وَالْخَيْر فِي مَنَاقِب السَّادة بني قُشَيْر ورسالة صَغِيرَة فِي الْفرج ومنمشايخه الشَّيْخ الْكَبِير وَالْعلم الشهير القطب الرباني شمس الشموس أَبُو بكر عبد الله العيدروسي وَالْوَلِيّ الصَّالح الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن عَليّ أَبَا علوي والفقيه الصَّالح الْعَلامَة عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الْحَاج أَبَا فضل وَمن كراماته ان وَالِدي رَحمَه الله لما اسنودع مِنْهُ فِي دُخُول الْهِنْد فِي سفرته الْأَخِيرَة قَالَ لَهُ أَظن أَن هَذَا آخر عهدكم بحضرموت فَكَانَ كَذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 وفيهَا وَقع أَمِير الْحَاج الْفَاجِر مِمَّا سَوَّلَ لَهُ نَفسه الخبيثة من الهجوم على السَّيِّد الشريف صَاحب مَكَّة مُحَمَّد أبي نمى يَوْم عيد النَّحْر ليَقْتُلهُ هُوَ وَأَوْلَاده فِي سَاعَة وَاحِدَة فظفروا بِهِ وَأَرَادُوا قَتله ة جَمِيع جُنُوده لكنهأعني السَّيِّد أَبُو نمي أشْفق على الْحجَّاج أَن يقتل عَن آخِره فَلَا يعقل مِنْهُ عقال فَأمْسك عَن قِتَاله ثمَّ ذهب لَيْلَة اغْدُ إِلَى مَكَّة وَالنَّاس فِي أَمر مريج فَلم يزدْ ذَلِك الْجَبَّار إِلَّا طغيانا فَنَادَى ان الشريف مَعْزُول فَلَمَّا سَمِعت الاعراب ذَلِك سقطوا على الْحَاج ونهبوا مِنْهُم أَمْوَالًا لَا تعد وعزموا على نهب مَكَّة بأسرها واستئصال الْحجَّاج والأمير وجنده فَركب الشريف جزاه الله تَعَالَى عَن الْمُسلمين خيرا وأثخن فِي العر الْجراح وَقتل الْبَعْض فخمدوا وَاسْتمرّ ذَلِك الْجَبَّار بِمَكَّة وَالنَّاس فِي أَمر مريج بِحَيْثُ بطلت أَكثر مَنَاسِك الْحَج وقاسوا من الْخَوْف والشدة مَا لم يسمع بِمثلِهِ ثمَّ رَحل ذَلِك الْجَبَّار بِأَن يسْعَى فِي بَاب السُّلْطَان بعزله وَقَتله قَالَ بعض الصَّالِحين من أهل الْيمن فَخرجت من مَكَّة فِي تِلْكَ الْأَيَّام إِلَى جدة وَأَنا فِي غَايَة الضّيق والوجل على الشريف وَأَوْلَاده وَالْمُسْلِمين فَلَمَّا قربت من جدة قبل الْفجْر نزلت استريح سَاعَة حَتَّى يفتح سورها فَرَأَيْت فِي النّوم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعَهُ فِي كرم الله وَجهه وَرَضي اله عَنهُ وَفِي يَده عصى معوجة الرَّأْس وَكَانَ يضْرب عَن الشريف أبي نمى وَيَقُول أخبرهُ أَنه لَا يُبَالِي بهؤلاء زأن الله تَعَالَى ينصره عَلَيْهِم فَمَا مَضَت إِلَّا مُدَّة بسيرة وَإِذا الْخَبَر يَأْتِي من بَاب السُّلْطَان بغاية الاجلال والتعظيم للشريف فنصره الله تَعَالَى على ذَلِك الْمُفْسد وَمن أغراه على ذَلِك وَعَاد أَمر الْمُسلمين إِلَى مَا عهدوا من الْأَمْن الَّذِي لم يعْهَد فِي غير ولَايَته وفيهَا كَانَت وقْعَة الجرب بجيم مُوَحدَة بَينهمَا رَاء سَاكِنة الْمَشْهُورَة وَهِي أَن جمَاعَة من الْقَبَائِل مفتنين يُقَال لَهُم عبيد آل يماني وَكَانَ السُّلْطَان لَا يقدر عَلَيْهِم لكثرتهم ولشجاعتهم وشيعتهم فاتفق أَنهم اجْتَمعُوا كلهم فِي قَرْيَة تسمى الجرب بِأَسْفَل حضروموت فَأخْبر السُّلْطَان بذلك فَجهز إِلَيْهِم عسكراً وحاصرهم فِي تِلْكَ الْقرْيَة مُدَّة إِلَى أَن اضربهم الْجُوع والتعب من شدَّة الْحصار حَتَّى أكلُوا الْجُلُود والميتتة ودخلوا عَلَيْهِم فقلوهم عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 آخِرهم وَكَانُوا نَحْو خَمْسمِائَة رجل وطهر الله الأَرْض مِنْهُم وَصَارَ قَتلهمْ تَارِيخا مَشْهُورا عِنْد أهل حَضرمَوْت يُقَال سنة وقْعَة الجرب وفيهَا دخل وَالِدي الْهِنْد وَأقَام فِيهَا إِلَى أَن مَاتَ رَحمَه الله تَعَالَى سنة تسع وَخمسين بعد التسْعمائَة (959) هـ وَفِي سنة سع وَخمسين كَانَت عمَارَة الْبَيْت الشريف زَاده اللع تَعْظِيمًا وتاريخ ذلمك الشَّيْخ عبد الْعَزِيز الزمزمي فِي المصراع الْأَخير من هَذَا الْبَيْت ... وَقد أَتَى تَارِيخ ترميمه ... رمم بَيت الله سلطاننا ... وفيهَا سَافر الْمولى الشهير الشريف عبد الله بن الْفَقِيه أَبَا علوي من حَضرمَوْت بنية الْعَزْم إِلَى مَكَّة بأَهْله فأدركه يَوْم عَرَفَة وَهُوَ باللحية وفيهَا عمر السُّلْطَان بُد ابْن السُّلْطَان عبد الله بن جَعْفَر الكثيري مدرسة لطلبة الْعلم بالشحر وَجعل فِيهَا وَقفا مَعْلُوما فَقَالَ الْفَقِيه أَحْمد الجابري يرد الله مضجعه مؤرخاً لذَلِك الْعَام ... شاده الْبَدْر مَسْجِد قد ... تعاى بعلاه على النُّجُوم المضيئة رب من قَالَ ارخوه فَقلت ... مَسْجِدا شيدوه للشَّافِعِيَّة ... سنة سِتِّينَ بعد التشسعمائة (960) هـ وَفِي سنة سِتِّينَ توفّي الشريف الْفَاضِل جمال الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن علوي خرد أَبَا علوي صَاحب كتاب غرر إليا وفيهَا وَقعت عمَارَة ميزاب الرَّحْمَة من الْبَيْت الشريف عَظمَة الله تَعَالَى وَمن غَرِيب الِاتِّفَاق أَن جَاءَ تَارِيخ ذَلِك لَا رَحْمَة من رَبك وَكَانَ قد جعل هَذَا التَّارِيخ الشَّيْخ أَبُو بكر الْيَتِيم الْمَكِّيّ ثمَّ نظمه فِي بَيْتَيْنِ فَقَالَ ... يَا أَيهَا الْمولى الْجَلِيل وَمن لَهُ ... الْمجد الأثيل الْفَائِق المريخا ميزاب بيتالله جدد فا ... فتبسنا رَحْمَة من رَبك التاريخا سنة إِحْدَى وَسبعين بعد التسْعمائَة (962) هـ وَفِي لَيْلَة ثَلَاثَة عشر من شهر ربيع الأول سنة احدى وَسِتِّينَ قتل السُّلْطَان مَحْمُود شاه ابْن لطيف صَاحب كجرات شَهِيدا وَسَببه أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 بعض خدمه سَوَّلت لَهُ نَفسه قتل السُّلْطَان فدبر الْحِيلَة فِي ذَلِك وواطأ بعض الوزراء أَيْضا حرسة السُّلْطَان وخدمه وَكَانَ ذَلِك الْخَادِم هُوَ الْمُتَوَلِي لمأكول السُّلْطَان ومشروبه فَقيل دس لَهُ سما فِي شربه وَقيل فِي نَحْو علو وَقيل غير ذَلِك فَشكى السُّلْطَان عقيب تنَاوله حرارة عَظِيمَة اشتعلت بباطنه فاستغاث فَقيل بل لَهُ سكرا نباتا ودس لَهُ سما أَيْضا ليعجل مَوته قبل أَن يشْعر بِهِ وَقيل بل طلب السُّلْطَان الطَّبِيب فبادر ذَلِك الشقي وَذبح السُّلْطَان وَذبح أَيْضا الطَّبِيب كَذَلِك وَلم يشْعر أحد ثمَّ أرسل رسل السُّلْطَان المعتادين إِلَى وزرائه وطلبوهم على لِسَان السُّلْطَان فَقدم كل على انْفِرَاده من غير شُعُور لَهُ بِشَيْء مِمَّا وَقع وَاحِدًا بعد واحدى وَذَلِكَ الشقي وجماعته واقفون وَالسُّلْطَان عِنْدهم مقتول فَكل من دخل من الوزراء قَتَلُوهُ بأسلحتهم فَلَمَّا أَكثر الْقَتْل وَقع الاحساس بِبَعْض مَا جرى وَفِي زَمَنه أَخذ الافرنج الدَّيْر من الْمُسلمين وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه العفلي الْعَظِيم وفيهَا مَاتَ السَّيِّد أَحْمد بن أبي نمى صَاحب مَكَّة وَهُوَ الَّذِي دعس بسط سُلْطَان الرّوم سُلَيْمَان وَلم يدعس غَيره غَيره من سلاطين مَكَّة وشوكته اسْتَقَرَّتْ فِي حَيَاة أَبِيه وحكاياته مَشْهُورَة وفيهَا مَاتَ سليم شاه بن شير شاه البتان وفيهَا مَاتَ برهَان نظام شاه سُلْطَان الدكن وفيهَا قتل السُّلْطَان أَبَا يزِيد بن سُلَيْمَان العثماني قَتله شاه طهماز بِأَمْر أَبِيه السُّلْطَان سُلَيْمَان فَهَؤُلَاءِ خَمْسَة سلاطين اتّفق مَوْتهمْ فِي هَذِه السّنة فَقَالَ بَعضهم مؤرخاً لذَلِك زَوَال خسروان سنة اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ بعد التسْعمائَة (962) هـ وَفِي سنى ة اثْنَيْنِ وسين توفّي الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة الْهمام الشَّيْخ حَامِد ابْن مَحْمُود الجبروني نزيل مَكَّة المشرفة وَكَانَ إِلَيْهِ النِّهَايَة فِي الْعلم وَالْعِبَادَة ورثاه الشَّيْخ عبد الْعَزِيز الزمزمي بِهَذِهِ القصيدة الْعَظِيمَة وَهِي ... أَيهَا الغافل الغبي تنبه ... إِن بِالنَّوْمِ يقظة النَّاس أشبه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 .. وَتَأمل فَإِنَّمَا الاس سفر ... وَدَار دنياهم لَهُم دَار غربه كل يَوْم تحل فِي السرج مِنْهَا ... عصبَة مِنْهُم وترحل عصبه كَيفَ يهنى الْفَتى بهَا وَهُوَ فِيهَا ... يشتكي دَائِما فِرَاق الْأَحِبَّة وَاحِد إِثْر وَاحِد يتسارعون ... للفتى يالكربة أثر كربه كل حُلْو بعد الْأَحِبَّة مر فحياتي من بعدهمْ غير عذبه يَا خليلي فرقة الْخلّ وَالله ... على الانفس الْكَرِيمَة صعبة سِيمَا خلك الحصيص الَّذِي لم ... يزل يسوؤك الزَّمَان يَوْمًا بنكبه الحبيب الَّذِي حوى كل وصف ... حِين يملي يمْلَأ الْقُلُوب القاوب محبه ذَاك وَالله حَامِد غير خل ... قطّ مَا ذمّ صَاحبه مِنْهُ صَحبه قد مضى حَامِد حميد فَمَا لي ... بعده فِي الْحَيَاة والعيش رغبه صَاحِبي من قريب خمسين عَاما ... مَا ترآءيت فِي محياه غصبه مزجت روحه بروحي فاضحى ... منطقي نطقه وقلبي قلبه يبتديني بِمَا بِهِ ابتديه ... من حَدِيث لم تنتقص 2 مِنْهُ حبه ذُو حفاظ تلقيه فِي الْهزْل وَالْجد ... صَدُوقًا عَلَيْهِ مَا عد كذبه طَاهِر الذيل لم يزن بِسوء صين مَا عليهتؤثر سبه لم يكن فَاحِشا لم يسب وَلم يلق ... من النَّاس وَاحِد قد سبه حَازِم الرَّأْي ثَابت الجأش شهم ... فِيهِ مَعَ غرمه اناة ودربه أَي حفظ وَأي ايراد لفظ ... مستلذ ينسى أَخَاهُ الكرب كربه من جَمِيع الْعُلُوم جَازَ فنوزنا ... فتسامى بهَا لأرفع رُتْبَة ة نازعته إِلَى سمو المراقي ... همة أنزلت فِي الْأُفق شَيْبه بلغت غَايَة المطالب والأغراض أحبابه الْجَمِيع وَصَحبه لم يكن رَاهِبًا سوى الله لَكِن ... كَانَ فِي لله أعظم رهبة كَانَ يحي إِلَى الْمَمَات اللَّيَالِي ... آخِذا بِالنّصب من كل قَرْيَة كم صَلَاة يطول وصفي فِيهَا قَامَ عَن فرشه لَهَا وتنبه وَطواف مَا عَنهُ ورد ... شكر الله سَعْيه فِيهِ غبه وَمن الذّكر والتلاوى ة أوراد بهَا لم يزل يرتب حزبه بَكت الأَرْض وَالسَّمَاء فقد عبد ... كَانَ يَعْصِي الْهوى ويعبد ربه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 .. وسيبكيه حِين يفقد مِنْهُ ... رَمَضَان إِذا أَتَى أَي أهبه طالما قَامَ وشمرا فِيهِ ... مئزراً واستحث قوما وانبه كَيفَ لَا يدْخل الْجنان من ... الريان والمعاطف رطبه كَيفَ يظمأ غَدا وَفِي كل يَوْم ... كَانَ وَالله مآء زَمْزَم شربه يَا رعى الله اعصراً وبقاعا ... جمعتنَا فِي عنفوان وَشبه حَيْثُ ندعى إِلَى الدُّرُوس ونلقى ... كل شيخ ربى المريد وربه من رضَاع الْعُلُوم أَي اخاء ... بَيْننَا بَيْننَا بِهِ أَي نسبه يَا أخي يَا أَبَا مُحَمَّد عهدي بك ... تهدي لقيا اخياك وقربه كَيفَ فارقتني وَكُنَّا جَمِيعًا ... فرقدي ألفة سفت ومحبه كنديمي جذيمة نتعاطى من كؤوس الوداد اعذب شربه كل يَوْم نزداد حبا إِذا مل سوانا من الأحباء حبه فجعلني فِيهِ الْمنون فنفسي ... للتفاني من بعده مشرئبه فِي فني الترب للبيب نَذِير ... أَنه لَا حق على الْقرب تربه أَن أعش بعده لعمري إِنِّي ... خنته فِي دواده والمحبة إِنَّه الْمَوْت لَيْسَ فِيهِ وَفَاء ... فِيهِ ضاهى إِلَى الْفَتى من أحبه وبعيد ذَا انْقَضى نحب شخص ... إِن شخصا يقْضِي لذَلِك نحبه يَا جليسي الَّذِي على كل خير ... فعله دلّ والمقال وَنبهَ يَا صديقي الَّذِي يكافح عني زمني إِن عدا وَيدْفَع خطبه يَا سميري لقد قرح جفني ... سهرا مذ أَتَى الردى أَن تنبه نم هَنِيئًا فطالما فِي اللَّيَالِي ... سهرت مقلتاك دنيا وَحسب وَسَلام عَلَيْك مَا حنت الْوَرق ... فابكت على حبيب محبه روح الله مِنْك فِي الْخلد روحاً ويسقي صيب الحيا مِنْك تربه ... وفيهَا كَانَ موت السُّلْطَان همايون ابْن بابور وَكَانَ سَبَب مَوته سُقُوطه من سقف فَقَالَ مؤرخ وَفَاته بالفارسي همايون باد شاه ازبام افتاد سنة ثَلَاث وستي بعد التسْعمائَة (963) هـ وَفِي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وصل الْوَزير الْأَعْظَم الفخان الْكَبِير ياقوت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 سُلْطَان فِي جُمَادَى الثَّانِي مكسوراً من بيرم كام إِلَى وسرت كَذَا ذكره الْعَلامَة أَبُو اسعادات الفاكهي الْمَكِّيّ فِي رحلته وفيهَا قتل السَّيِّد مرتضى رَحمَه الله وفيهَا سَافر الشَّيْخ أَبُو السعادات من أَحْمد أباد سرت ثمَّ جَاءَ بعده بأَرْبعَة أشهر الشَّيْخ عبد الكعطي بن حُسَيْن أَبَا كثير الْمَكِّيّ والخطيب أَبُو السعادات ابْن ظهيره وَعبد الله الْعِرَاقِيّ من أَحْمد أباد إِلَى سرت بأهلهم وتدبروا بهَا سنة أَربع وَسِتِّينَ بعد التسْعمائَة (964) هـ وفس شهر جُمَادَى الأول من سنة أَربع وَسِتِّينَ توفّي الشَّيْخ الْوَلِيّ الصَّالح الْعَلامَة الْمُحَقق الْعَارِف المدقق بَحر الْحَقِيقَة وَإِمَام الشَّرِيعَة والطريقة بَقِيَّة السّلف الصَّالح ومرشد الْخلق إِلَى النهج الْوَاضِح أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن على المزاجي الْحَنَفِيّ شهَاب الدّين وَدفن بجوار مَسْجده بتربة الظَّاهِر الَّذِي أنشأ جده الشَّيْخ الصّديق بن عبد الله المزجاجي الصُّوفِي قدس الله أَرْوَاحهم ولد رَحمَه الله تَعَالَى وَرَضي عَنهُ سنة سبع وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة وَقَرَأَ الْقُرْآن وَحفظه وَسمع الحَدِيث على جمَاعَة مِنْهُم الْحَافِظ عبد الرَّحْمَن بن عَليّ الديبع رَحمَه الله وَكتب لَهُ الاجازة والأسانيد بِخَطِّهِ ونفقه بِجَمَاعَة من الْحَنَفِيَّة وَقَرَأَ فِي كتب الرقَاق وَسمع على الشَّيْخَيْنِ الوليين اكاملين الْمُحَقِّقين نور الدّين القطب الرباني يحيى بن الصّديق النُّور وَبِه تخرج وانتفع وَالشَّيْخ الْعَلامَة الْحَافِظ الْعَلامَة بَقِيَّة الْمُحَقِّقين العارفين الصَّادِقين المكملين أبي الضيا وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن ى بن إِبْرَاهِيم الْعلوِي ألعى الله أنواره وأسمى مناره وَقَرَأَ فِي أصُول الدّين على الشَّيْخ الْعَالم المصقعي المفنن شرف الدّين دامغ الْمُلْحِدِينَ إِسْمَاعِيل أبي الذَّبِيح شرف الدّين بن إِبْرَاهِيم الْعلوِي أَخذ عَلَيْهِ الْكتاب النكت لأبي الْقَاسِم الْقشيرِي وَسمع عَلَيْهِ بِقِرَاءَة غَيره شَيْئا كثيرا من كتب الْأُصُول وَغَيرهَا وَلبس الْخرق من وَالِده ثمَّ ألبسهُ مرّة أُخْرَى أَخُوهُ لأمه الشَّيْخ اسماعيل بن الْمَشْهُور المزجاجي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 وَأذن لَهُ فِي الباسها من اسْتحقَّهَا وَكَانَت لَهُ الْيَد الطُّولى فِي كتب الْقَوْم وَهُوَ شَاب وَأفَاد وأملى وأجاد واستمد فامد وَبلغ فِي كل فضل الأمد تخرج بِهِ وَلَده الْعَلامَة الْحَافِظ الْمُجْتَهد اولي المقرب الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى شَيخنَا ومولانا أَبُو الْحسن عَليّ شمس لدين وحقق وانتفع انتفاعاً عَم الْخلق نَفعه وَأخذ عَنهُ شَيخنَا الْأُسْتَاذ الْإِنْسَان الْكَامِل الْمُحَقق خَاتم الْأَوْلِيَاء مَوْلَانَا السَّيِّد الشريف حَاتِم بن أَحْمد الأهدل وخلائق لَا تحصى وَالشَّيْخ كَمَال الدّين أَحْمد بن غبلراهيم الْعلوِي وَله اتِّبَاع بلغُوا مبلغ الكاملين ومكنوا فِي الْولَايَة أَي تَمْكِين وَبِالْجُمْلَةِ فَكَانَ فريد دهره ونادرة عصره ونسيج وَحده ولزيم ابده علما وَعَملا وأفادة وسيادة وَله كَلَام فِي الْحَقَائِق يشْهد لَهُ بحيازة عل وَكَانَ عُلَمَاء وقته يجلونه غَايَة الإجلال وَيشْهدُونَ لَهُ بالتقدم على الْأَمْثَال من رَآهُ ذكر الله وَقَالَ تبَارك الله بِقَصْدِهِ الْخَاص وَالْعَام والقضاة والحكام للزيارة والتبرك بِهِ والتماس الدُّعَاء مِنْهُ إِذا نزل بهم مُهِمّ وَكَانَ يبسط لَهُ فِي الْوَقْت ويمد لَهُ فِيهِ بِحَيْثُ أَنه يقْرَأ مائَة شرف الْقُرْآن فِي نصفف نَهَار أَو دون ذَلِك وَحكى لي فقيره الصَّادِق مُحَمَّد قحطان وَكَانَ رجلا صَدُوقًا من أهل الْخَيْر وَالصَّلَاح وتلاوة الْقُرْآن وَكتبه وَكتب القو قَالَ بلغ سمع شَيخنَا رَحمَه الله ان رجلا يحوك الثِّيَاب بجواره يقْرَأ سِتِّينَ ختمة من بعد الشروق إِلَى بعد الظّهْر فَعظم أمره على الشَّيْخ وَقَالَ هَذَا فِي جوارنا وَلَا نطلع عَلَيْهِ أَو كَمَا قَالَ قَلما الْيَوْم الثَّانِي بكر إِلَيّ فجَاء وَهُوَ يسدي خيوطه ويهذبها وينقيها فَلَمَّا وَقع نظر الرجل على لاشيخ سر سُرُورًا عظيمابدخول الشَّيْخ منزله فَرَحَّبَ بِهِ وانبسطت نَفسه فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ يَا فلَان مَا حَدِيث حدثته عَنْك من تلاوتك الْقُرْآن كل يَوْم كَذَا وَكَذَا ختمة فَقَالَ نعم كل يَوْم سِتِّينَ فَقَالَ لَهُ هَل شرعت الْيَوْم فِي الْقِرَاءَة قَالَ بلَى الْآن افرغ من التسديد واقعد للعم واشرع فَقَالَ الشَّيْخ أحب أَن اشرع أَنا وَأَنت فَمَتَى تفرغ من السِّتين قَالَ وَقت كَذَا من النَّهَار فَلَمَّا قعد للْعَمَل شرعا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 مَعًا وفارقه الشَّيْخ فَلَمَّا كَانَ الْوَقْت الَّذِي عينه الحائك للشَّيْخ جَاءَهُ الشَّيْخ فَقَالَ لَهُ كَيفَ أَنْت قَالَ حصل لي ببركة دخولكم عَليّ فِي هَذَا الْيَوْم زِيَادَة سِتّ ختمات فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ وَأَنا أتممت الْمِائَة رَضِي الله عَنْهُمَا وَهَذَا من بَاب خرق الْعَادة وتوسعة اوقت فقد حكى الفرغاني فِي تائية ابْن الفارض مَا هُوَ أعظم م ذَلِك فيطلب من هُنَالك وَكَانَ الْفَقِيه إِسْمَاعِيل الْعلوِي الْمَذْكُور من أكبر المنكرين على الشَّيْخ الْمَذْكُور وَكَانَ لمقوي لاسماعيل على ذَلِك صَالح المنيماري وَكَانَ إِسْمَاعِيل يعنف أَخَاهُ أَحْمد عى كَثْرَة تردده إِلَى الشَّيْخ أَحْمد صحبته لَهُ فَقَالَ أَخُوهُ أَحْمد على كَثْرَة تردده إِلَى الشَّيْخ أَحْمد وصحبته لَهُ فَقَالَ أَخُوهُ أَحْمد يَا أخي أَنْت أخي وشيخي ووالدي ولد عَليّ حق وطاعتك وَاجِبَة فَهَلُمَّ نَذْهَب أَنا وَأَنت اللَّيْلَة إِلَى راتب الشَّيْخ ونقعد من وَرَاء ونباشر حَال الشَّيْخ وَعَمله فَإِن وجدت على طَريقَة مَرضه دَخَلنَا عَلَيْهِ وَإِلَّا رَجعْنَا وَلَا أصل بعْدهَا إِلَى الشَّيْخ وَكَانَ هَذَا من أَحْمد كيد خَفِي لِأَنَّهُ يعلم أَنه مَتى وَقع بصر اخيه على الشَّيْخ الصَّبْغ وَإِن لم يره الشَّيْخ بِعَين الرَّأْس فطنع أَخُوهُ إِسْمَاعِيل فِيهِ وَلم يدر أَن للبيت رَبًّا يحميه فذهبا مَعًا فحضرا درس الْقُرْآن فكاد إِسْمَاعِيل يَحْتَرِق من ذَلِك فَلَمَّا ختم الدَّرْس وَالدُّعَاء أنْشد المنشد وَشرع صاب السماع فِي الاسمعاع قَالَ لَهُ أَخُوهُ أَحْمد نَذْهَب إِلَى الْبَيْت قَالَ لَا بل ندخل على الشَّيْخ فَهُوَ على قدم صدق فسر بذلك أَحْمد ودخلا على الشَّيْخ أَحْمد فَلَمَّا رَآهُ اليخ سر بِهِ وَحصل لَهُ من الانس والبسط مَا لَا يزِيد عَلَيْهِ فَعَاد إِسْمَاعِيل من أكبر المحبين الآبين إِلَى الله تَعَالَى وَكَانَ صَالح النيماري فِي جِهَة الْجَبَل فَلَمَّا نزل بلغه فصد الْفَقِيه إِسْمَاعِيل الْمَذْكُور فجَاء إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ يَا فَقِيه إِسْمَاعِيل انتظمت فِي سلك فلَان ثمَّ تكلم فِي حق الشَّيْخ وطريقته فَقَالَ لَا تقل بيني وَبَيْنك اللَّيْلَة وَقت صَلَاة الْمغرب بلمسجد الْمَذْكُور فَلَمَّا أذن واقيمت الصَّلَاة دخل الْفَقِيه الصَّالح الْوَلِيّ الفالح عبد ارؤوف المشيم يُصَلِّي بِالنَّاسِ فكاد أَن يفوت بِكَثْرَة الْخُشُوع فِي الْقِرَاءَة فَلَمَّا فرغت الصللاة قَالَ الْفَقِيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 إِسْمَاعِيل لصالح رَأَيْت حا هَذَا الرجل وَعظم توجهه ورقة قلبه وَالله لَو تَلَوت أَنا وَأَنت كَذَا وَكَذَا ختمة مَا قطرت لنا دمعة قَالَ نعم مَعَ قوى معرفتنا إِنَّا نَقْرَأ أحسن مِنْهُ قَالَ لَهُ إِسْمَاعِيل هَكَذَا الْقبُول قَالَ نعم وَإِن هَذَا من أَوْلِيَاء الله تاعالى قَالَ لَهُ إِسْمَاعِيل هَذَا أَصْغَر أَصْحَاب أَحْمد بن عَليّ مقَاما فَمَا زَاده ذَلِك إِلَّا نفوراً حَتَّى أفْضى الْأَمر إِلَى منافرة ومنافرة وأهاجي بَينهمَا وَالله الْمُسْتَعَان سنة خمس وَسِتِّينَ بعد التسْعمائَة (965) هـ وَفِي يَوْم السبت إِحْدَى عشر شهر الْمحرم سنة خمس وَسِتِّينَ توفّي الشَّيْخ الْكَبِير والقدوة الشهير الْوَلِيّ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى الإِمَام الْعَلامَة شهَاب الدّين أَحْمد الْفَقِيه عُثْمَان بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عُثْمَان ابْن عمر بن مُحَمَّد بن الشَّيْخ الْكَبِير الْوَلِيّ المربي سعيد بن عِيسَى بن أَحْمد الشهير بالعمودي بتعز وَكَانَ من كبار أهل الْعلم وَأهل الْفتيا والتدريس مَعَ الْوَرع التَّام والزهد الْعَظِيم والاقبال على الطَّاعَة وَكَثْرَة الْعِبَادَة والسلوك على نهج السّلف الصَّالح وَلُزُوم الخمول وَترك مَا لَا يَعْنِي وَالْإِحْسَان الدَّائِم إِلَى الْفُقَرَاء والمحتاجين والطلبة والملازمين وَكَانَ مَعَ ذَلِك من أهل الْولَايَة اللعظيمة والتصريف النَّافِذ فِي الْوُجُود وَقيل أَنه كَانَ يعرف اسْم الله الْأَعْظَم وَكَانَ ينْفق من الْغَيْب وَكَانَ الباشوات تعظمه وتخضع لهيبته وَكَانَ من محفوظاته الارشاد فِي الْفِقْه وَكَانَت تَجِيء إِلَيْهِ الْفَتَاوَى من الْبِلَاد الْبَعِيدَة فيجيب عَنْهَا وَكَانَ ولي مدرسته بتعز وَكَانَ ينْفق جَمِيع مَا يصير إِلَيْهِ من وَقفهَا على الْفُقَرَاء والطلبة وَلَا يمسك مِنْهُ لنفقته شَيْئا وَلم يزل على ذَلِك حَتَّى مَاتَ وَبِالْجُمْلَةِ فانه كَانَ أوحد عصره علما وصلاحاً وَلم يخلفه بعده مثله وَكَانَت وِلَادَته بزبيد وَمَا وقفت على تَارِيخ مولده إِلَّا انه مَاتَ وَهُوَ ابْن خمسين سنة تَقْرِيبًا وبنيت عَلَيْهِ بعد مَوته قبَّة عَظِيمَة رَحمَه الله تَعَالَى وَكَانَ وَالِده الْفَقِيه عُثْمَان بن مُحَمَّد من أهل اعْلَم وَالصَّلَاح وَكَانَ انْتقل من بِلَاده قيدون إِلَى زبيد وَهُوَ شَاب لتَحْصِيل الْعلم فَأخذ عَن جماعته حَتَّى برع فِي الْعلم وَتزَوج هُنَاكَ امْرَأَة فَولدت لَهُ صَاحب التَّرْجَمَة هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 وَهُوَ الَّذِي أَخذ عَنهُ وَتخرج بِهِ الْفَقِيه الصَّالح عَليّ بن عَليّ أَبَا يزِيد الدوعن يصاحب النكت على الارشاد وَصَاحب الْفَتَاوَى الْمَشْهُورَة وَكَانَت وَفَاة الشَّيْخ عُثْمَان فِي هَذَا الْقرن وتاريخ مَوته لم أعثر عَلَيْهِ وَلِهَذَا لم افرده بِالذكر فِي هَذَا التَّارِيخ والا فَهُوَ حقيق بذلك فَائِدَة أعلم ان فِي قلبِي حسرة عَظِيمَة اذ لم يَتَيَسَّر إِلَى الْوُقُوف على تواريخ جمَاعَة من الاعيان الْمَشْهُورين كطائفة من الْأَوْلِيَاء الْكِرَام وَجُمْلَة من الْعلمَاء الاعلام مثل الشَّيْخ الإِمَام والحبر الْهمام مُجْتَهد زَمَانه وعارف اوانه الشَّيْخ أبي الْحسن الْبكْرِيّ وَالشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد الْحق السنباطي الْمصْرِيّ وَالْوَلِيّ الْعَارِف سراج الدّين الفقي عمر بن عبد الله أَبَا محزمة الْحَضْرَمِيّ وَالشَّيْخ الْكَبِير والوالي الشهير عمر بن أَحْمد العمودي وَالِد الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الْآتِي ذكره وَالشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة عبد الْقَادِر بن أَحْمد الحباني وَالشَّيْخ الْعَلامَة عَليّ بن أَحْمد البسكري الْمَالِكِي المغربي الْمَكِّيّ وَالِد صاحبنا الشَّيْخ أَحْمد البسكري وَالشَّيْخ الْفَاضِل مُحَمَّد الْحطاب سمي ابيه وَالشَّيْخ الْعَلامَة عَليّ بن عراق وَأَخُوهُ الشَّيْخ الْكَبِير وَالْوَلِيّ الشهير أحمدج بن سهل أَبَا قُشَيْر وَالْوَلِيّ الصَّالح الْمعلم أَبَا جَابر صَاحب عندل وَالشَّيْخ الْعَلامَة عبد الرؤوف الْوَاعِظ تلميذ الشَّيْخ ابْن حجر الهيثمي والعلامة الشهير الشَّيْخ مُحَمَّد الرَّمْلِيّ الْمصْرِيّ والعلامة الطبلاوي وَآخَرين يطول ذكرهم ويتعذر حصرهم مَعَ أَنِّي قد اذكر بَعضهم فِي تَرْجَمَة غَيره بطرِيق الأستطراد وَلَكِنِّي لم استوعب أخباره كَمَا يَنْبَغِي وَيُرَاد والمرجو أَن يمن الله عَليّ بذلك حَتَّى أشفى العليل بشرح مناقبهم العديدة وسيرتهم الحميدة وَالله ولي التَّوْفِيق والمسؤول مِمَّن وقف على هَذَا الْكتاب من الأخوان الْفُضَلَاء وظفر بِشَيْء من ذَلِك فليضفه إِلَيْهِ على هَذَا النمط والسياق ويرجي لمن فعل ذَلِك إنْشَاء الله ببركتهم الاندراج فِي المسرعين إِلَى الْخيرَات السباق انْتهى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 وَبَنُو العمودي أهل اصلاح وَولَايَة أشتهر مِنْهُم جمَاعَة بالعلوم الظَّاهِرَة ومقامات الْولَايَة الفارة وَيُقَال ان نسبهم يرجع إِلَى أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ وَأما خرقتهم فَهِيَ ترجع إِلَى الشَّيْخ أبي مَدين المغربي رَضِي الله عَنهُ فَإِن جدهم الشَّيْخ الْكَبِير وَالْعلم الشير تَاج العارفين ومربي المريدين الشَّيْخ سعيد بن عِيسَى العمودي قدس الله روحه أَخذهَا عَن الشَّيْخ عبد الله الصَّالح رَسُول الشَّيْخ أبي مدجين فَهِيَ كخرقة قطب العارفين وأمام الْأَوْلِيَاء المتمكنين الشَّيْخ فَقِيه مُحَمَّد بن عَليّ مقدم التربة وَحكى أَن الشَّيْخ أَبَا مَدين أرسل تِلْمِيذه الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن المقعد من الْمغرب نَائِبا عَنهُ وَأمره بالذهاب إِلَى حَضرمَوْت وَقَالَ لَهُ أَن لنا فِيهَا أَصْحَاب سر إِلَيْهِم وَخذ عَلَيْهِم عقد الحكم وأخقر بِأَنَّهُ سيموت فِي أثْنَاء الطَّرِيق فَكَانَ كَذَلِك وَمَات بِمَكَّة المشرفة ثمَّ أرسل تِلْمِيذه الشَّيْخ عبد الله الصال كَمَا أمره شَيْخه وَقَالَ لَهُ أذهب إِلَى حَضرمَوْت تَجِد فِيهَا الْفَقِيه مُحَمَّد بن عَليّ بن أَحْمد أَبَا مَرْوَان وسلاحه على رجلَيْهِ مَوْضُوع فأطلبه من عِنْده وَحكمه ثمَّ اذب إِلَيّ قيدون تَجِد فِيهَا الشَّيْخ سعد بن عِيسَى العمودي فَحكمه فقما قدم إِلَى تريم وجد الْفَقِيه بِتِلْكَ الصّفة الَّتِي ذكرهَا لَهُ شَيْخه فَفعل مَا امْرَهْ وَذهب إِلَى قيدون ذكلك وَكَانَ الشَّيْخ سعيد أحد كبار مَشَايِخ حضروموت مَشْهُورا بِالْولَايَةِ الْكَامِلَة والكرامات الْعَظِيمَة ة وَكَانَ كَامِلا مريبا مسلكاً وَبِه انْتفع الشَّيْخ أَبُو معبد وَغَيره وَله فِي ناحيه ذُرِّيَّة مباركة وَاتِّبَاع وزاوية لَهُم مَشْهُورَة وَرُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ زيارتي بعد وفاتي أفضل من زيارتي فِي حَياتِي وَرُوِيَ عَنهُ أَيْضا أَنه قَالَ من احبني أَو أحب من أَحبَّنِي أَو زارني أَو زار من زارني أَو صَافَحَنِي اَوْ صَافح من صَافَحَنِي فَأَنا ضمينه بِالْجنَّةِ وَحكي أَنه عمر فِي القطبية ثَمَانِيَة عشر يَوْمًا وَرُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ من رَضِي بِي شَيْخه فليشهد الله على نَفسه أَنه رَضِي بِي شَيْخه دينا وأخري وَأَنا شَيْخه وَلَا يمد يَده إِلَى أحد وَرُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ من زارني ثَلَاث مَرَّات ينعني مَا لَهُ حَاجَة إِلَّا زيارتي فَأَنا ضمينه بِالْجنَّةِ وَكَانَ الشَّيْخ سعيد رَضِي الله عَنهُ امياً وَيرد الْفُقَهَاء فِي الْمسَائِل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 الْفَقِيه وعَلى الْقَارِي إِذا غلط أَو لحن وَتُوفِّي سنة احدى وَسبعين وسِتمِائَة وتربته مَقْصُورَة للزيارة والتبرك نفع الله بِهِ آمين وطبقت تَارِيخ وَفَاته بِحِسَاب الْجمل على أحرف سآء معشر ثمَّ نظمته فَقلت ... سعيد الَّذِي شاع فَضله ... سآء معشر نَقله ... وَكَذَا طبقَة على أحرف شعر سما ثمَّ نظمت ذَلِك أَيْضا فَقلت ... هُوَ العمود الشَّيْخ سعيد العلما ... تَارِيخ عَام نقلته شعر سما ... وَقَالَ بعض الْفُضَلَاء من الصَّالِحين فِي ذَلِك ايضاً ... بست مئين كَانَ تَارِيخ شَيخنَا ... واحدى وَسبعين بذلك فاعلما سعيد بن عِيسَى القطب وَاحِد عصره ... عَمُود لدين الله قدره مُعظما وَيجمع ذَا التَّارِيخ إعداد أحرف إِذْ 1 اشبت فاعددها تجدها عرش سما ... سنة سِتّ وَسِتِّينَ بعد التسْعمائَة (966) هـ وَفِي سنة سِتّ وستي توفّي الإِمَام عبد الْقَادِر الشافي رَحمَه الله ورثاه صَاحبه الأديب الْفَاضِل السَّيِّد مُحَمَّد السمر قندي نزيل ظيبة المشرفة على سكناهَا أفضل الصَّلَاة وأزكى السَّلَام بِهَذِهِ القصيدة وَهِي ... مَاتَ الإِمَام فعيشي بعده كدر ودمع عَيْني لَا ينفعك ينحدر قضى وَلم يقْض لي من وده وطر ... وأصبحت دوره بعد الْعلَا الْحفر يَا ليته علني من بعد نهلته ... علا بِهِ تشرف الاسماع وَالْبَصَر قد كنت احذر هَذَا الْيَوْم من عمري ... لَو كَانَ ينفع فِي مقدوره الحذر حَتَّى رميت بِسَهْم لَيْسَ يَمْنعنِي ... مِنْهُ صديق وَلَا خدن وَلَا وزر مَالِي وَمَا لليالي كلما جنحت ... سالمتها وَهِي لَا تبقي وَلَا تذر حملت من جهلها مَا لَيْسَ يحملهُ ... قلب وَمَا عجزت عَن دركه الْفِكر وَأَنت يَا رائحاً عني وتاركني ... ونار وجدي فِي الاحشاء تستعر إِن جِئْت دَارا أعز الله جَانبهَا ... وجادك المزن لَا يَنْفَكّ ينهمر بلغ سلامي إِلَى من بِالتُّرَابِ ثوى ... مَا كَانَ ظَنِّي فِيهِ ينزل الْقَمَر بلغ تَحِيَّة محزون إِلَى جدث ... بِهِ الَّذِي عف مِنْهُ الْفَرح والازر بلغ تَحِيَّة محزون إللى جدث ... بِهِ الَّذِي طَابَ مِنْهُ الْخَبَر وَالْخَبَر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 .. امام مَكَّة عبد الْقَادِر ابْن أبي ... الْيمن الَّذِي خبر من قد انجبت مُضر من نبعه الْمُصْطَفى الْهَادِي أرومته ... أكْرم بفرع ذَاك الأَصْل يفتخر يَا ابْن الائمة وَالْقَوْم الَّذين هم ... على الْحَقِيقَة فِينَا الأنجم الزهر يَا صَاحب الرُّتْبَة الْمَعْذُور حاسدها ... إِن الحسود على مرماك ينعذر إِلَيْك قد كَانَ يعزى الْفضل منتسبا وَالْيَوْم فِيك يعزي البدو والحضب قد كَانَ وَجهك فِي الاقبال قبلتنا ... بِهِ تعززت الحجات والعمر أَنْت الَّذِي كنت نعم المستشار بِهِ ... إِذا دهتني فِي دنياي الْغَيْر جعلت فضلك فِيمَا بَيْننَا سبا ... إِذا كَانَ فِي الْأُم والآباء منحصر ارضعتني ثدي انس مِنْك الفه ... وَالْيَوْم عَنْك رَضِيع الانس منقهر تبدي التَّوَاضُع للإخوان منبسطا ... وَلَو وصضعت على هام لَهُم شكروا كم خطْبَة لَك عِنْد الْبَيْت فائقة ... بهَا تسلسل عَن خير الورى الْأَثر لله كم من مقَام بالْمقَام لكم ... حلت بترديده الْآيَات والسور يبكي الْمقَام على هَذَا الإِمَام كَمَا ... يبكيه مِنْبَر بَيت الله وَالْحجر أبْكِي عيه وَهل يشفي البكا كبداً ... كَادَت لموقع هَذَا الْخطب تنفطر قد كَانَ يجدي التأسي عنط دمع أسى ... لَو كَانَ مثلك فِي ام الْقرى بشر برغم أنفي أَن يَدْعُوك ذُو أمل ... فَلم يجبهُ سوى الاطباق والستر وان يرى ربعك العالي وَلَيْسَ بِهِ ... لكل ذِي مقة ورد وَلَا صدر مَاتَ بموتك عرب كنت غيثهم ... فَكيف حَال عريب مَا لَهُم مطر سقى ضريحك صوب المزن منتحباً ... حَتَّى يضاحك أقْصَى تربه الزهر تَارِيخه جنَّة الفردوس منزله ... ثمَّ الصَّلَاة على من جفه الْحجر والآل والصب والأزواج مَا نظموا ... أهل القريض مديحاً فِيهِ أَو نثروا ... وفيهَا قتل الْوَزير عماد الْملك رَحمَه الله يَوْم سبع وَعشْرين فِي شهر رَمَضَان وَقتل مَعَه جمع مِنْهُم مصطفى القرماني عيدل خَان وَغَيرهم قَتلهمْ رَجَب خلاوند خَان ولد الخواجا صفر سنة سبع وَسِتِّينَ بعد التسْعمائَة (967) هـ وَفِي يَوْم الْجُمُعَة التَّاسِع عشْرين من شهر رَجَب الحارم سنة سبع وَسِتِّينَ توفّي الشَّيْخ الْكَبِير وَالْوَلِيّ الشهير قدوة العارفين وَحجَّة الله على السالكين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 وجيه الدّين عبد لرحمن بن الشَّيْخ عمر بن الشَّيْخ أَحْمد بن مُحَمَّد بن عُثْمَان ابْن مُحَمَّد العمودي وَهُوَ الَّذِي يلتقي فِيهِ نسبه مَعَ ابْن عَمه الشَّيْخ أَحْمد ابْن عُثْمَان الَّذِي تقدم ذكره بِمَكَّة المشرفة وَدفن بالمعلاه وَكَانَ من الْأَوْلِيَاء الصَّالِحين والمشيخ العارفين كثير الْعِبَادَة والإجتهاد عَظِيم اورع والزهد والمثابرة على الاعمال الصَّالِحَة مَعَ الِاشْتِغَال بالعلوم النافعة لوجه الله تَعَالَى وكاتن مشاركاً فِي كثير من فنونها وَكَانَ يحفظ الارشاد فِي الْفِقْه وَمن مشايخه الشَّيْخ أَبُو الْحسن الْبكْرِيّ وَالشَّيْخ الْحَافِظ شهَاب الدّين ابْن حجر الهيتمي وَمَا أحسن قَول الشَّيْخ عبد الْقَادِر الفاكهي فِيهِ حِين ذكر أَنه أَخذ عَن الشَّيْخ ابْن حجر أَخذ عنخ رِوَايَة أخد شيخ عَن شيخ كَمَا قيل فِي أَخذ أَحْمد عَن الشَّافِعِي ثمَّ قَالَ ولعمري أَن شَيخنَا العمودي هُوَ أجل من ايْنَ يُقَال فِي حَقه بعد انتهائ تقيذ وَيُطلق وَإِن جلّ اشيخ يَعْنِي ابْن حجر وحسبك بِمَا أَشرت إِلَيْهِ لمنصب الْمُشبه والمشبه بِهِ انْتهى وَمن تصانيفه حَاشِيَة على الارشاد وَكَانَ أَرَادَ محوها فَمَنعه الشَّيْخ ابْن حجر من ذَلِك وَمِنْهَا النُّور المزرورو وَكَانَ كثيرا التَّعْظِيم لأهل الْعلم مَعَ الخمول المفرط والتواضع الزَّائِد والاستقامة والانقطاع إِلَى الله تَعَالَى فَلم يتَزَوَّج لذَلِك مُدَّة عمره مُقبلا على الطَّاعَة مذ نَشأ وحكطر الفاكهي أَنه سَمعه يَقُول طلب مني الشَّيْخ أَبُو الْحسن الْبكْرِيّ الْحُضُور فِي اللَّيْل سَاعَة لاستماع درسه الْعَام فَمَا وافقته إِلَّا امتثالا لامره الأكيد قَالَ فَقلت لَهُ مَا سَمِعت فَقَالَ وقفت سَاعَة وَأَنا مَشْغُول وَلم أدر مَا يَقُول وَإِنَّمَا وقفت امتثالاً أَي لشغله بالاوراد الَّتِي لَا رخصَة عِنْده فِي تَركهَا وروى أَنه قدم إِلَى تريم لزيارة من بهَا مكن الْمَشَايِخ فَاجْتمع بالشيخ الْكَبِير الْوَلِيّ الْعَارِف بِاللَّه شهَاب ابْن الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن الشَّيْخ عَليّ أَبَا عليوي فَأخْبرهُ بِأَنَّهُ اجْتمع بالامام الْغَزالِيّ فِي غرفَة بداره يقظة من طَرِيق الْكَشْف واستجاز مِنْهُ كتبه فَأَجَازَهُ بهَا فَطلب مِنْهُ الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 يُجِيزهُ بهَا بِالْإِجَازَةِ الْمَذْكُورَة بذلك وَكَانَت لَهُ أَحْوَاله فاخرة وكرامات طَاهِرَة قَالَ الفاكهي ومناقبه افردتها برسالة قلت وَهُوَ الَّذِي طلب من الشَّيْخ ابْن حجر أَن يشْرَح مُخْتَصر الْفَقِيه عبد الله أَبَا فضل فِي الْفِقْه جاور بِمَكَّة سنينا وَمَات بهَا رَحمَه الله تَعَالَى وَكَانَ لَا يقبل من أحد شَيْئا وَحكي أَن الشريف أَبُو نمى سُلْطَان مَكَّة أرسل إِلَيْهِ بِمِائَة دِينَار فَلم يقبلهَا واستحى الرَّسُول أَن يردهَا على الشريف فَبَقيت عِنْده حَتَّى مَاتَ الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن رَضِي الله عَنهُ فَأخْبر الشريف عِنْد ذَلِك فَأمره بِأَن يَدْفَعهَا إِلَى الشريف عبد الله بن الْفَقِيه الْآتِي ذكره قَالَ الفاكهي وَسمعت من لفظ شَيخنَا صَاحب الكرامات الباهرة والمجاهدات المعلومات الظَّاهِرَة ولي الله علد الرَّحْمَن العمودي نفع الله بِهِ يَقُول ان شخصا من آل العمودي يخرج من مَقْبرَة المعلاه وَهُوَ من السّبْعين الْألف الشافعة وَلَا أعلم فِي المعلاة من العمودين أجل مِنْهُ وان كَانَ بهَا عَمه وَآخَرُونَ مِنْهُم بل سَمِعت مِنْهُ أَيْضا مَا دلّ دلَالَة صَرِيحَة أَن أَبَاهُ الشَّيْخ عمر المدفون بالقنفذه من السّبْعين الْألف الشافعين وَلَا يستعظم هَذِه المنقبة عَلَيْهِ وعَلى أَبِيه الأجاهل بحالهما وَلَو من مخالطيه وَمن أَرَادَ لوقوف على عنوان مناقبه وعَلى مراتبه فليقف على كتابي ارشاد الْمُغنِي وَالْفَقِير إِلَى فضل التقشف وَالرِّضَا باليسير فَانِي شرحت فِيهِ بعض أَحْوَاله وأشرت إِلَى جمع كراماته الدَّالَّة على قطبيته وكماله بل ان أَرَادَ أوسع مِنْهُ فليتطلبه فَرُبمَا يعثر عَلَيْهِ فَإِنِّي أَرْجُو جمع كتاب أوسع فِي كراماته بعد تتبعها من أهل جهاته وخصوصياته ضاماً ذَلِك إِلَى مَا عِنْدِي من كثير وَلَا ينبئك مثل خَبِير وَمن نظمه هَذِه الأبيات فِي القهوة ... أسرار قهوتنا خُذْهَا مبينَة ... تعين سالكنا فِي اللَّيْل مَا سهرا وتشرح الْقلب والأعضء تبسطها ... وَتذهب الْهم وَالْأَحْزَان والكدرا فَاشْرَبْ فديتك مِنْهَا مَا قدرت لَهُ ... وقم نَصَحْتُك بالأسحار مَا يسرا واخلص لَدَى نِيَّة مهما شربت لَهَا ... وَكن كيئيساً بهَا الْخيرَات مدخرا واقتد بشربها مِمَّن مضى خلفا ... ذَوي الصّلاح وَلَا تقتد بِمن خسرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 .. واسال آلهك ان يفضل برحمته ... على نبيك خير الْخلق والبشرا ... وَكَانَ وَالِده الشَّيْخ عمر نفع الله بِهِ من كبار أهل الْعلم وَكَانَ يدرس بِبَلَدِهِ قيدون ويفتي بهَا وَحكي أَنه ارْتَفع إِلَيْهِ اثْنَان فِي دَعْوَى وَكَانَ أَحدهمَا على الْحق وَالْآخر على الْبَاطِل فَأَشَارَ عَلَيْهِمَا الشَّيْخ أَن يصطلحا سترا للْحَال فَأبى ذَلِك الرجل الَّذِي كَانَ مُبْطلًا وَقَالَ لَا أرْضى أَلا بِحكم الشَّرْع فَغَضب الشَّيْخ عِنْد ذَلِك وَقَالَ أما إِذا كَانَ هَكَذَا فشهود الملاحف مَا يجوزوا عِنْدِي وَكَانَ ذَلِك الشَّخْص أعْطى اثْنَيْنِ كل وَاحِد ثوبا حَتَّى يَشْهَدَانِ لَهُ فكاشف الشَّيْخ بذلك وَحكي أَنه دخل عدن فِي زمَان الشَّيْخ أبي بكر العيدروس فإضافه الشَّيْخ أَبُو بكر وَبَالغ فِي ذَلِك فَلَمَّا راي الشَّيْخ عمر كَثْرَة مَا صنع خطر فِي قلبه أَن هَذَا اسراف فَالْتَفت إِلَيْهِ الشَّيْخ أَبُو بكر عِنْد ذَلِك وَقَالَ أكرمناهم قَالُوا إسارف قَالَ الشَّيْخ عمر عِنْد ذَلِك اسْتغْفر الله وَلم يعلم الْحَاضِرُونَ بِشَيْء من ذَلِك حَتَّى حكى لَهُم الشَّيْخ عمر بخاطره الَّذِي خطر لَهُ وكاشفه الشَّيْخ بِهِ وَحكى وَلَده الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن العمودي رَحمَه الله أَنه كَانَ فِي مجْلِس وَفِيه جمَاعَة من أهل الْكَشْف فصدر من أحدهم سوء أدب عَلَيْهِ فَعُوقِبَ ذَلِك الرجل بالسلب فِي لحَال وَحكي أَن الشَّيْخ عمر رَضِي الله عَنهُ بلغ رُتْبَة القطبية وَكَانَ قد ولي المشيخة ببلاده قيدون بعد أَبِيه على طَرِيقه سلفه فَلَمَّا آل الْأَمر فِي ذَلِك إِلَى صفك الدِّمَاء وَنَحْوه وَرُجُوع أَمر لَك امرتبة إِلَى قوانين الْملك ترك ذَلِك وعزل نَفسه زهدا فِيهَا ورغبة فِيمَا عِنْد الله من الثَّوَاب وَكَانَ فِي زَمَنه يسوس الْخلق إِلَى قوانين الشَّرْع الشريف وَلَا يحابى فِي الْحق الْقوي على الضَّعِيف فكرهنه الْعَامَّة لذَلِك وعزموا على أَنهم يقتلوه وبولوا مَكَانَهُ أَخَاهُ عُثْمَان فَأخْبرهُ بذلك فَقَالَ مَا يحْتَاج إِلَى هَذَا وتركهم وَمَا يُرِيدُونَ وعزم إِلَى مَكَّة المشرفة ففلما قفل مِنْهَا مَاتَ بالقنفذه وقبره بهَا مَشْهُور وَعَلِيهِ بِنَاء عَظِيم رَحمَه الله تَعَالَى وَقيل أَنه دَعَا عِنْد ذَلِك عَلَيْهِم أَن الله تَعَالَى يبتليهم بِسبع مثل يُوسُف فَاسْتَجَاب الله ذَلِك فمنعوا الْقطر هَذِه الْمدَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 حَتَّى أقحطت الأَرْض ولاقى النَّاس بِسَبَب ذَلِك شدَّة عَظِيمَة وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة وَأَبوهُ هَذَا يكرهان مايفعله بَنو عمهم من حم لالسلاح وَنَحْوه وَكَانَ ينكران عَلَيْهِم أَشد الْإِنْكَار أعَاد الله علينا من بركتهما فِي الدَّاريْنِ آمين وَكَانَت وَفَاته فِي هَذَا الْقرن وَلم أعلم تَارِيخه وَلِهَذَا لم أرجم لَهُ كماوقع لي فِي غَيره وَقد ذكرت السَّبَب فِي ذَلِك وَإِلَّا فَهُوَ حري بأنيذكر على الِاسْتِقْلَال كَيفَ وَهُوَ أحد مِمَّن تنزل الرَّحْمَة عِنْد ذكره وَهُوَ غَنِي بفضله وشهرته عَن الإطناب فِي أمره وترجمته وفيهَا كَانَت وَفَاة أَحْمد شاه أَبَا أَحْمد آباد قَتِيلا وفيهَا جَاءَ كنكيز خَان إِلَى سرت وَحرق دورها وخربها وَخرب أَهلهَا واستأسر ثمَّ صَالحه سرت خداوند وَذهب إِلَى بَلَده بروج سنة ثَمَانِيَة وَسِتِّينَ بعد التسْعمائَة (968) هـ ثمَّ جَاءَ إِلَى سرت أَيْضا عَام ثَمَانِيَة وَسِتِّينَ خرب جانباً من الكوت وأخرب جمعا من أهل سرت ومنبر وَغَيرهمَا من التُّجَّار والرعية ثمَّ ذهب إِلَى بروج فِي أوار شهر رَمَضَان وَكَانَ ذهب من الكوت خُفْيَة لَيْلًا صَاحب سر خداوند خَان فَذهب إِلَى بِلَاد الْكفَّار ثمَّ وصل إِلَى أَحْمد آباد ثَانِي شَوَّال ثمَّ قتل آخر يَوْم من ذِي الْقعدَة يَوْم الثُّلَاثَاء بعد الْعَصْر قَتله بجليخان وأغا ريحَان ورستم خَان مَعَ عَسْكَرهمْ وَفِي الْعَسْكَر جمع ابْن عبيج خداوند خَان هربوا مِنْهُ منرهبته وَقد قلت فِي الْوَاقِعَة الْمَذْكُورَة شعر ... سمي حرَام ذاق الْحمام فِي مثله ... وَفعل حرَام فِي حرَام من أعظم الْوزر ... وَمعنى الْبَيْت أَن سمي شهر حرَام يَعْنِي رَجَب ذاق الْحمام وَهُوَ الْمَوْت فِي مثله يَعْنِي فِي شهر حرَام أَيْضا وَهُوَ الْقعدَة وَفعل حرَام وَهُوَ الْقَتْل فِي شهر حرَام هُوَ الْقعدَة من أعظم الذُّنُوب وَلَا شكّ أَن الْمعاصِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 إِذا وَقعت فِي مَكَان عَظِيم كمكة أَو زمَان شرِيف كالأشهر الْحرم تتضاعف من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْعقُوبَة عى مرتكبيها وَهَذَا ظَاهر وَكَانَ خداوند رَحمَه الله تَعَالَى أَمِيرا كَبِيرا جليل الْقدر رفيع الْمنزلَة حسن الْأَخْلَاق كثير الإنفقا جميل الصُّورَة طيب السِّيرَة جواداً سخياً وشهماً أَبَيَا شَدِيد الْبَأْس محببا إِلَى النَّاس متواضعاً مملاحا لبن الْجَانِب مكشهورا فِي الْمَشَارِق والمغارب كثير الْإِحْسَان والأفضال مَقْصُودا بشد الرّحال محباً لأهل الْخَيْر والفلاح مجمعا لأهل الْعلم وَالصَّلَاح حسن العقيدة فِي الْأَوْلِيَاء وَالصَّالِحِينَ محسناً إِلَى الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين عَظِيم الصَّدَقَة وَالْمَعْرُوف كثير الإحتفال بالوفود والضيوف وَكَانَ عريق الرِّئَاسَة حسن السياسة ظريفاً لطيفاً وَفِي آخر الْأَمر أعتراه نوع من الوسواس حمله على الاستيحاش من النَّاس اخْتَلَّ بِهِ نظام تَدْبيره فخذله وزيره ومشيره وَقل مَعَه معاونه وناصره وَتَفَرَّقَتْ بِسَبَبِهِ عَنهُ عساكره والكمال لله فَكَانَ هَذَا هُوَ السَّبَب فِي زَوَال الْملك عَنهُ وظفر الْعَدو بِهِ ونفور النَّاس مِنْهُ وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وللشيخ الْعَلامَة أبي السعادات الفاكهي فِيهِ مرثية عَظِيمَة وَهِي ... الدَّهْر فِي يقظه والسهر للبشر ... وَالْمَوْت يَبْدُو ببطش البدو والحضر والسام أصعب كأس أَنْت ذائقه ... قبل التدثر للأجساد بِالْحفرِ لامين فِيمَا قلت لَا وَلَا ريب ... إِن كت ذَا ريب فاسأل عَنهُ وَاذْكُر وأسأل زَمَانك عَن كسْرَى وقيصره ... كَذَا السلاطين والأقيال من مصر أفناهم الدَّهْر حَتَّى صَار ذكرهم ... كَانُوا وَكَانُوا وَهَذَا أعظم العبر يَا وَيْح ناع أَتَى يَوْمًا يخبرنا ... أجْرى دموعاً على الأخداد كالمطر أَتَى بِرَأْس رَئِيس كَانَ مفخرنا ... كَأَصْلِهِ منبع الْإِحْسَان واظفر أَبُو الأرامل والايتام والغربا ... بِمَوْتِهِ مَا صفت أَرْوَاح من كدر أَبُو الْمَشَايِخ والأشراف والنجبا ... أَبُو الرّعية من أُنْثَى وَمن ذكر خَان عَظِيم لَهُ رَجَب سمي رَجَب ... مرجبقد يرَاهُ الله من صفر أكْرم بِهِ وفروع مِنْهُ قد بسقت ... وَبَيت سلمَان أهل الْخَيْر وَالظفر هم الأكابر أصلا ثمَّ فرعهم ... أصل الفخار إِلَى حِين من الدَّهْر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 .. تَبًّا لناعق بَين صَاح ينبئنا ... أبكى الدِّمَاء وأبكى الْجِنّ والبشر أبكى الفحول مَعَ الْأَبْطَال أجمعها ... أبكى الْخُيُول كَذَا الأفيال فَاعْتبر أبكى الْأسود مَعَ النمور مَعَ الظبا ... أبكى الديار وأعماها مَعَ الْبَصَر أبكى الرّعية والفتوة والندا ... أبكى الْبَريَّة من ساه ومدكر أبكى المواكب والأملاك قاطبة ... أبكى المراكب والأفلاك ذُو الدسر أبكى الرمال كَذَا الأطلال نادبة ... أبكى القفار مَعَ الْأَنْهَار وَالْبَحْر أما التُّجَّار فقد صَارُوا بأسرهم ... كالشاة تخشى شَرّ ذِي أشر يَا ويحسرت مَا سرت لساكنها ... الله يحفظها من طَارق الْغَيْر لبس السوَاد رعاياه وَلم يلموا ... لَكِن حكم القضا جَار بِلَا نكر كَانَ شجاعته فِي كل معترك ... كَيَوْم ميران أسى من سنا الْقَمَر وَكم خَصَائِص فِيهِ مَا لَهَا عدد ... ومكرمات بِلَا عدد لمستطر لَو كَانَ يسمع أهل الرّوم كَيفَ جرى ... لجهزوا الْجَيْش اغارات فِي الْأَثر لَكِن نصر إلهجل ناصرنا ... يَكْفِي وَيجْعَل من عَادَاهُ فِي عبر تَارِيخ ميتَته سلخ لقعدتنا ... يَوْم الثُّلَاثَاء مسآء مِنْهُ فاذكر أما السنون فَإِذا سَوف أرقمها ... بحمرة بِحِسَاب اجمل البهر لَا غرو أَن الشَّهَادَة حازها رَجَب ... فَرد كفرد عَظِيم الْقدر فِي الشَّهْر خُوطِبَ كأصل لَهُ مذ كَانَ فِي صغر ... خَان خداوند سَاد النَّاس فِي كبر فأعجب لهذي الدنا لَا تحتشم أحدا ... قد أسست صفوها دأبا على كدر فقللمغرور فِي دُنْيَاهُ كن يقظا ... لَهَا المصرع فِي غفلات محتذر كَيفَ التحذر والأقدار سَابِقَة ... لَا بُد مِنْهَا على الْأَرْوَاح والصور لَو كَانَ يفدى من الْأَمْوَات سيدنَا ... كُنَّا فديناه بالأسماك وَالْبَصَر يارب ترحمه تغْفر لمعشره ... تجْعَل مآثره ابهى من الدُّرَر وَأَرْض عَنهُ خصوماً أَنْت تعلمهمْ ... وَخَصه بعلا الجنات والسرر وَعم أَهلا وأحباباً وكل فَتى ... يهوى لخير وبالخيرات مشتهر وَخص أصلا ل أَيْضا قرَابَته ... الله يحفظهم بِالْعلمِ والسور يارب وَارْحَمْ لميتهم فضلا وميتنا ... يارب واعمم بِخَير مِنْك وانتصر يارب فاحرس الكوت ثمَّ ساكنه ... وأحفظ لحافظيه وصفيهم من الكدر وأغفر لمنشئها حَقًا وسامعها ... وأرحم لراقمها فِي الطرس والسطر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 يارب أحمي الْإِسْلَام وحوزته ... من الضلال وَأهل الْكفْر وَالْفَجْر يارب وانصر لدينك وكل ناصره ... يارب وانعم بجبر كل منكسر يارب يارب أَنْت الله مقتدر ... أَنْت الْغَنِيّ فاغني كل مفتقر يارب وأستر بِفَضْلِك كل معترف ... بالهفو فِيمَا فَاه من عور أَو من عثر من الفعال والأقوال أجمعها ... يارب يارب يَا ساترا على العثر يارب يارب يَا رَحْمَن يَا صَمد ... أَغفر لمن قد مضى فِي غابر الدَّهْر أَو أحفظ لمن قد بقى وابقية فِي رغد ... وجمل الْكل وأحمل كل ذِي الْعسر ثمَّ الصَّلَاة على الْمُخْتَار صفوته ... خير الْبَريَّة من فهر وَمن مُضر كَذَا السَّلَام عَلَيْهِ دَائِما أبدا ... صلى عَلَيْهِ آله الْخلق وَالْفطر وَخص من بعده آلا وعثرته ... وَصَحبه وَالتَّابِعِينَ لَهُ فِي كل مفتخر وَكَانَ اشيخ أَبُو السعادات الْمَذْكُور من المشمولين بعنايته والمنتظمين فِي سلك نعْمَته كَغَيْرِهِ من الْعلمَاء والصلحاء فَإِن سرت فِي أَيَّامه السعيدة كَانَت طافحة بالمشايخ والفضلاء ومشحونة بأكابر النَّاس من سَائِر الاجناس مَمْلُوءَة باعيان التُّجَّار والأكابر وشجعان الْجنُود والعساكر وَكَانَت عامرة أَشد الْعِمَارَة يجلب إِلَيْهَا سَائِر البضائع والنفائس للتِّجَارَة وَكَانَ يُسَافر مِنْهَا عدَّة من المراكب والسفن إِلَى سئر النواحي كمصر وَغَيرهَا من المدن وَكَانَت الرّعية فِي أعظم أَمَان وسرور دَائِم بِلَا أحزان وَالنَّاس فِي أرغد عَيْش وَأَنَّهُمْ بَال وَالْوَقْت فِي أطيب سناء واسترحال والقلوب مطمئنة والشرور مستكنة حَتَّى قَالَ بَعضهم سرت سرت الخواطر وقرت النواظريعني لِكَثْرَة مَا كَانَ بهَا فِي زَمَنه من الأفراح وَأَسْبَاب الإنشراح وَبَلغنِي انه كَانَ يَجْعَل لكل من يدْخل إِلَيْهَا من الغرباء مُرَتبا بِحَسب حَاله وَإِذا أَرَادَ الذّهاب كَذَلِك زوده من مَاله وبالجمله فمحاسن هَذَا الرجل كَثِيرَة وأخباره مَعْرُوفَة فِي النَّاس شهيرة رَحمَه الله تَعَالَى وايانا آمين آمين وفيهَا فِي سَابِع جُمَادَى الأولى توفّي الشَّيْخ الْكَبِير القطب الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى أَحْمد بن الشَّيْخ حُسَيْن بن الشَّيْخ عبد الله العيدرس بتريم وَكَانَ من سَادَات مَشَايِخ الطَّرِيقَة المكاشفين بأنوار الْحَقِيقَة جمع لَهُ بَين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 كَمَال الْخلق وَحسن الْأَخْلَاق وَبسط الْمعرفَة وَصِحَّة النِّيَّة وَصدق الْمُعَامَلَة مناقه كَثِيرَة وأحواله شهيرة وَمن كرااته رَضِي الله عَنهُ كَانَ يَوْمًا بِمَسْجِد فيسماع عَظِيم وَبِيَدِهِ سبْحَة يسر وَكَانَ كلما قَالَ سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ ودرج الْحبَّة فانفلقت أَربع فلق وَأَقل وَأكْثر فَأَخَذُوهَا مِنْهُ وَقد انفقلق مِنْهَا أَكْثَرهَا كَذَلِك وَأصَاب بعض الْحَاضِرين بِشَيْء من ذَلِك فِي بدنه فآلمه وروى الْوَلِيّ الصَّالح الشهير أَحْمد بن عبد الْقوي أَبَا فضل أَنه رأى الشَّيْخ عيَانًا وَاقِفًا بِعَرَفَات وَشَاهده يطوف بِالْبَيْتِ اعتيق وَيسْعَى بَين الصَّفَا والمروة ولسيدي الشَّيْخ الْوَالِد فِيهِ مرثية عَظِيمَة وَهِي ... تقضي فتمشضي حكمهَا الأقدار ... والصفو يحدث بعد الأكدار والدهر أبلغ واعظ بفعاله ... وَكفى لنا بفعاله إنذار نَادَى وأسمع لَو وعت آذاننا ... وَأرى العواقب لَو رَأَتْ أبصار قل للَّذي يغتر مِنْهُ برونق ... لَا تغتر فحظيره أَخْبَار مَا كنت قلت ان تريم تضعضعت ... ارجاؤها أَو انها تنهار حَتَّى نعى ناعي شهَاب أحمدا ... بن الْحُسَيْن بن الْعَفِيف مَزَار العيدروس سر سر الله من ... أسرارهتسري بِهِ الأدوار رفع الْوَلِيّ ابْن الْوَلِيّ ابْن الْوَلِيّ ... من جده خير الورى الْمُخْتَار أَرْوَاحهم بالعرش قنديل يضيء ... كشعاع شمس زَادهَا الْأَنْوَار مَا أَن ذكرت فَضَائِل فِي أَحْمد ... إِلَّا وهيج حزني التذْكَار فسقى الحيا تَابُوت قبر قد ثوى ... وتعاهدت تابوته الأمطار آه على وَاد ابْن رَاشد بعده ... واستبهمت من بعده الْأَسْرَار قد كنت نورا فِي تريم ظَاهرا ... تقضى بِهِ الْحَاجَات والأوطار هَيْهَات مَا أَن للمنية دَافع أبدا وَلَا لحياتنا اسْتِقْرَار قد قَالَ لي بِلِسَان حَال مفصح ... لما احتست لربنا الفهار هون عَلَيْك فَكل حَيّ ميت ... والدهر فِي أبنائه دوار فَلْينْظر أهلة مِنْكُم فقد ... طلعت فِي سما الْعلَا أقمار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 .. لَا زَالَ مِنْكُم فِي الْولَايَة سيد ... ماغردت فِي أبكها الأطيار ... وَقد ضمنهَا التَّارِيخ فِي قَوْله العيدروس سرا سرا لله سنة تسع وَسِتِّينَ بعد التسْعمائَة (969) هـ وَفِي لَيْلَة السبت خَامِس عشر صفر الْخَيْر سنة تسع يستين توفّي الشَّيْخ الْكَبِير والقدوة الشهير الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى أَبُو مُحَمَّد مَعْرُوف بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله بن أَحْمد مؤذ ابْن عبد الله بن مُحَمَّد بن أَحْمد جمال بدوعان وَكَانَت وِلَادَته بشبام فِي لَيْلَة الْجُمُعَة حادي عشر شهر رَمَضَان سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة وَكَانَ كَبِير الشَّأْن ذَا كرامات ظَاهِرَة وآيات باهرة وَبَلغنِي أَن مناقبه أفلردها بعض الْفُضَلَاء بتصنيف رَحمَه الله العه وَكَانَ من الْمَشَايِخ الْمَشْهُورين والاساتذة الْكِبَار الْمَذْكُورين بتربية المريدين وَتَخْرِيج السالكين وَكَانَ ذَا جاه عَظِيم وَقبُول عِنْد الْخَاص وَالْعَام وَسبب خُرُوجه من بَلَده إِلَى دوعان أَنه كَانَ وشي بهإلى السُّلْطَان بدر الكثيري فِي أَشْيَاء مِنْهَا فرط اعْتِقَاد النَّاس فِيهِ وامتثالهم لأوامره ونواهيه فَأمر بنفيه من الْبِلَاد بعد الاشتهار باهانته بَين الْعباد فَنُوديَ عَلَيْهِ هَذَا معبودكم يَا أهل الشَّام وَجعل فِي عُنُقه حبلاً وطيف بِهِ بَين الْأَنَام وَمن غَرِيب الِاتِّفَاق أَن السُّلْطَان أَمر بعض أمرائه أَن يتَوَلَّى فعل ذلاك مِنْهُ بِنَفسِهِ وَكَانَ ذَلِك الشَّخْص من معتقدي الشَّيْخ الْمَذْكُور فتوقف لذَلِك فأرسصل إِلَيْهِ الشَّيْخ مَعْرُوف قجس الله سره أَن أفعل مَا أمرت بِهِ وَأَنا ضمينك على اللهبالجنة فَانْظُر إللا مشْهد هَذَا الشَّيْخ الْعَظِيم الَّذِي يرى الْأَشْيَاء كلهَا من الله الْحَكِيم وَمَا وَقع عَلَيْهِ من الامتحان لَهُ فِيهِ أُسْوَة بِغَيْرِهِ من الْأَعْيَان أَرَادَ اله أَن يرفع بِهِ فِي درجاتهم ويضاعف بِسَبَبِهِ فِي ثوابهم وحسناتهم على أَن هَذِه الطَّائِفَة الْعلية كَمَا قيل فِي نعوتهم السّنيَّة انهم رَضِي الله عَنْهُم يتلذذون بالبلاء كَمَا يتلذذ غَيرهم بالنعيم وَذَلِكَ فضضل الله يؤتيه من يَشَاء وَالله ذوالفضل الْعَظِيم وفيهَا صَار بحضرموت حريق الْبرد الْمَشْهُور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 سنة سبعين بعد التسْعمائَة (970) هـ وَفِي سنة سبعين ثَانِي يَوْم من شَوَّال كَانَ السَّيْل الْعَظِيم الهائل بحضروموت الَّذِي لم يسمع بِمثلِهِ اخرب كثيرا من النخيل واهم تلكالجهة يذكرُونَهُ إِلَى الْيَوْم ويؤرخونه بِهِ وَهُوَ الْمُسَمّى عِنْدهم سيل الاكليل وَقد ضمن تَارِيخه الْفَاضِل الْفَقِيه عبد الله بن أَحْمد فلاح الْحَضْرَمِيّ فِي بَيْتَيْنِ هما 5 سيل بوادي حَضرمَوْت أَذَاهُ عَم ... فِي سنو إكليل النُّجُوم أَخذ نسم وضعُوا لَهُ تَارِيخ ناسب جوره ... بلقاه من يطْلب فِي أحرف ظلم ... وَيُقَال أَنه فِي قديم الزَّمَان كَانَ وَقع سيل أَو سيلان مثله أَو قريب مِنْهُ وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه سنة احدى وَسبعين بعد التسْعمائَة (971) هـ وَفِي شهر جُمَادَى الأولى سنة غحدى وَسبعين توفّي الشَّيْخ الْكَبِير الْعلم الشهير تَاج العارفين وَبَقِيَّة الْأَوْلِيَاء الكاملين وجيه الدّين الشريف عبد الرَّحْمَن بن حُسَيْن بن الصّديق الأهدل اليمني قدس الله روحه بزبيد وقبره بهَا مَشْهُور مزور وَعَلِيهِ قبَّة وَكَانَ من كبار الْمَشَايِخ أَرْبَاب الْأَحْوَال الفاخرة والكرامات الظَّاهِرَة نهد إِلَيْهِ الزائرون من سَائِر الأقطار وقصدالتبرك بقضل الْخَاص وَالْعَام من الْقرى والأمصار دائره مهبط الوفاد ومحط رحال الْقَصْد مَا قصد إِلَّا وأحرز غَايَة المُرَاد وفاز بالمدن الْمَعْنَوِيّ والمحسوس من فضل الله الْجواد ولد رَضِي الله عَنهُ سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة نَشأ بِمَدِينَة زبيد وَقَرَأَ بهَا الْقُرْآن الْعَظِيم وَصَحب جمَاعَة من الْمَشَايِخ وَحكمه الشَّيْخ الْمَعْرُوف بن إِسْمَاعِيل الجبرتي ونصبه شَيخا وَهُوَ ابْن ثَلَاث عشرَة سنة فَقَالَ للشَّيْخ يَا سَيِّدي أَنا لَا أقدر أقوم بِمَا تقوم بِهِ الْمَشَايِخ فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ أَنْت حظك مُطلق وَظَهَرت عَلَيْهِ آثَار بركَة الْمَشَايِخ الصَّالِحين وَفتح عَلَيْهِ فتوح العارفين حَتَّى لحق من قبله وساد أَهله وتضالت عَلَيْهِ الْمَشَايِخ الأكابر وَشهِدت لَهُ بالتقدم على الْأَوَائِل والأواخر فَأصْبح فريد دهره ووحيد عصره مُنْقَطع النظير مُتَّصِلا مجده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 بالأثير كثرت اتِّبَاعه وَأَصْحَابه من الْمَشَايِخ وَالْعُلَمَاء والقضاة والأمراء والوزراء والأغنياء والفقراء وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى كثير الْإِنْفَاق مسيرَة عَلَيْهِ الأرزاق مَا قَصده سَائل فخاب وَلَا أمه وَافد إِلَّا وَرجع بزلفى إِلَيْهِ من الْفتُوح فَكل ينَال مِنْهُ مَا قسم وَخط فِي فِي اللَّوْح من ذهب وَفِضة وفلوس وَكسَاء وَغير ذَلِك وَكَانَ رَضِي الله عَنهُ دأبه الانفاق على الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين خَارِجا عَن صدقَات مَخْصُوصَة بِأَقْوَام وَعَن صلَة ذَوي الْقُرْبَى والأرحام وَهُوَ مَعَ صدقَات مَخْصُوصَة بِأَقْوَام وَعَن صلَة ذِي الْقُرْبَى والأرحام وَهُوَ مَعَ ذَلِك على قدوم التَّوَكُّل وَالْفَتْح الرباني وَكَانَ محباً للْعلم وَأَهله مُعظما مشاركاً فِي كثير من الْعُلُوم وَجمع كتبا كَثِيرَة فِي فنون شَتَّى وَكَانَ من حسن الْخلق ولين الْجَانِب ولطف الشَّمَائِل وسلامة الصَّدْر وطلاقة الْوَجْه والبشر مَا يحل عَن الْوَصْف وَكَانَ إِذا خرج من بَيته يزدحم فِيهِ النَّاس ويلتمسون بركته ورزق من الْقبُول والمحبة والوجاهة مَا يشْهد أَن لَهُ عِنْد الله أعظيم من ذَلِك وحببه الله إِلَى خلقه واعتقده الْخَاص والعاموانتشر صيته واشتغل بِهِ النَّاس اشتغالاً عَظِيما الرِّجَال وَالنِّسَاء وَالصغَار والكبار حَتَّى لَا يكَاد يَخْلُو عَنْهُم سَاعَة وَاحِدَة يتبركون بِهِ ويلتمسون دعآءه وَكَانَت شَفَاعَته لَا ترد عِنْد أوي المر فَمن دونهم وَكَانَ صَاحب كرامات خارقة وأحواله صَادِقَة وانتفع بِهِ النَّاس انتفاعاً عَظِيما وعَلى الْجُمْلَة فترجمة هَذَا الرجل لَا يَسعهَا الأوراق وَمن كراماته أَنه جَاءَ إِلَيْهَا مَرِيض وَقد عظم بَطْنه من لاسيفاء فقب إِلَيْهِ طَعَاما وامره أنيأكله جَمِيعه فَحسب أَن فعل مَا أمره زَالَ عَنهُ ذَلِك الْمَرَض فِي الْحَال واستوى بَطْنه وكراماته كَثِيرَة لَا تَنْحَصِر وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ كَانَ وحيد عصره وفريد دهره لم يخلفه مثل فِي مصره وشهرته تغني عَن تَرْجَمته وَمن شهر وَالِده الْحُسَيْن ... قد كَانَ فِي سنة خير الورى ... صلى عَلَيْهِ الله طول الزَّمن ان لَا يرد الطّيب وَلَا المتكا ... وَالتَّمْر وَاللَّحم كَذَاك اللَّبن ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 وَمِنْه ... لاأعتب الدَّهْر وَلَا أَهله ... فِي حط مِقْدَاره وَلَا منزله نَحن قسمنا بَينهم قَالَه ... إلهناوالفضل وَالْعدْل لَهُ الْحَمد وَالشُّكْر لمن قد جرت ... أَحْكَامه بِالْقِسْمَةِ العادلة ... رَحمَه الله تَعَالَى وفيهَا توفّي الشريف الْعَالم الْفَاضِل النسابة نور الدّين عَليّ أَبَا حبهان أَبَا علوي وفيهَا فاضت أَوديَة بِمَكَّة المشرفة بسيول عَظِيمَة فَدخل الْحرم الشريف وَعلا الرُّكْن الْيَمَانِيّ ذِرَاع فَقَالَ مؤرخالذلك الأديب صَلَاح الدّين الْقرشِي رَحمَه الله تَعَالَى فِي بَيت مُفْرد وَهُوَ ... يَا سائلي تَارِيخ سيل طما ... على على الرُّكْن الْيَمَانِيّ ذِرَاع ... وفيهَا عمر وَالِدي رَحمَه الله مَسْجده بسرت فَقَالَ الشَّيْخ الأديب عبد الْمُعْطِي بن حسن أَبَا كثير الْمَكِّيّ فِي تَارِيخ ذَلِك هَذِه الأبيات وَهِي ... هَذِه بقْعَة شرفت فِي الْأَزَل ... قد حوت قبَّة نزهت عَن مثل شقّ فِيهَا ضريح الشريف الْأَجَل ... مِيم حَامِيم دَال مصطفى فِيهِ حل الْوَلِيّ الْكَبِير للجنان انْتقل ... تجل من قد سما فَوق هام القلل الشريف شيخ شيخ الشُّيُوخ الأول ... سَيِّدي العيدروس غيث فضل هيطل الصفي الْوَلِيّ سر خير الرُّسُل ... قطب هَذَا الزَّمَان الرفيع الْمحل يَا لَهَا بقْعَة سرها قد حصل ... وَبهَا مَسْجِد فَضله لم يزل جَاءَ تَارِيخه رافلا فِي حلل ... مَسْجِد خَالص لوجه الله جلّ ... سنة اثْنَيْنِ وَسبعين بعد التسْعمائَة (972) هـ وَفِي سنة اثين وَسبعين توفّي الشيخالعلامة عبد الله بن أَحْمد الفاكهي الْمَكِّيّ الشَّافِعِي وَأمه أم ولد حبشية وَكَانَ مولدهسنة تسع وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة وَكَانَ من كبار الْعلمَاء مشاركاً فِي جَمِيع الْعُلُوم وَله مصنفات مفيدة مِنْهَا شرح الآجرومية وَشرح على متممتها للحطاب أَجَاد فِيهَا كل الاجادة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 وَشرح على قطر ابْن هِشَام ف غَايَة الْحسن وصنفه سنة سِتَّة عشر وَتِسْعمِائَة وَكَانَ عمره حِينَئِذٍ ثَمَانِيَة عشر سنة وَشرح على الملحة واستنبط حدوداً للنحو وَجَمعهَا فِي نَحْو كراسة ثمَّ شرحها أَيْضا فيكراريس وَلم يسْبق إِلَى مثل ذَلِك وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ لم يكن لَهُ نَظِير فِي زَمَانه فِي علم النَّحْو فَكَانَ فِيهِ آيَة من آيَات الله حَتَّى أَنه سِيبَوَيْهٍ عصره رَحمَه الله وَحكي أَنه حضر فِي الْجَامِع الْأَزْهَرِي وقارئ يقْرَأ شرح الْقطر على بعض الْمَشَايِخ فاشكل عَلَيْهِم بعض الْعبارَات فِيهِ فحفتها الذمكور وَذكر أَنه هُوَ الشَّارِح فَلم يصدقوه حَتَّى أَقَامَ الْبَيِّنَة على ذَلِك وَشهد لَهُ من كَانَ هُنَالك من اهل مَكَّة بذلك وفيهَا فِي لَيْلَة الإثنثن لعشر لَيَال مَضَت من شهر رَجَب الْحَرَام توفّي الْفَقِيه الْعَلامَة عبد الله بن الْفَقِيه الصُّوفِي عمر بن الإِمَام الْعَلامَة عبد الله ابْن أَحْمد محزمة بعدن وعمره خمس وَسِتُّونَ سة وَكَانَ آيَة فِي الْعلم خُصُوصا الْفِقْه والفلك أَخذ عَن وَالِده الْفَقِيه الْوَلِيّ عمر وَعَمه الْعَلامَة طيب وَالْقَاضِي العلامكة عبد الله بن أَحْمد أَبَا سرومي وَكَانَ يَقُول إِنِّي اسْتَفَدْت وَالْقَاضِي الْعَلامَة عبد الله بن أَحْمد أَبَا سرومي وَكَانَ يقولإني اسْتَفَدْت من هَذَا الْوَلَد أَكثر مِمَّا اسْتَفَادَ مني وجد واجتهد حَتَّى برع وانتصب للتدريس وَالْفَتْوَى وَصَارَ عُمْدَة يرجع إِلَى فتواه وانتهت إِلَيْهِ رئاسة الْعلم وَالْفَتْوَى وَصَارَ عُمْدَة يرجع إِلَى فتواه وانتهت إِلَيْهِ رئاسة الْعلم وَالْفَتْوَى فِي جَمِيع جِهَات الْيمن وَقصد بالفتاوي من الْجِهَات النازظحة والأقاليم الْبَعِيدَة وكانعمه الطّيب يَقُول لَا أَسْتَطِيع مَا يَسْتَطِيع عَلَيْهِ ابْن أخي فِي حل المشكلات وتحرير الجوابات على الْمسَائِل العويصات الغامضات وَكَانَ الشيخح الإِمَام الْعَلامَة جمال الدّين مُحَمَّد بن الإِمَام عبد الْقَادِر الحباني يعظمه جدا ويرجحه على وَالِده وَكَانَ مُعظم تَحْصِيله عَلَيْهِ وَجل انتفاعه بِهِ وَمِمَّنْ أَخذ عَنهُ أَيْضا من الْعلمَاء والأعلام وشيوخ الْإِسْلَام سيدنَا وَشَيخنَا الشيخالعلامة الصَّالح الْفَقِيه مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم أَبَا جَابر ومدحه الأديب أَبُو زَكَرِيَّا الدِّمَشْقِي ببيتين وهما ... ياعمري الأَصْل أَنْت مالكي ... ونافعي بفضله بَين الْبشر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 .. هَا قد رفعت مسندي اليكم ... لمَالِك لنافع لِابْنِ عمر ... وَبِالْجُمْلَةِ فَكَلَامه وأبحاثه فِي كتبه وأجوبته تدل على قُوَّة فطنته وغزارة مادته وَكَانَ مَعَ ذَلِك يغلب عَلَيْهِ الْحَرَارَة حَتَّى عى طلبه وَكَانَ فِيهِ على مَا قيل باو مفرط والكمكال لله وَكَانَ فصيحاً بليغاً فَاضلا فِي الْأَدَب نادرة الْوَقْت فِي النّظر والنثر وَكَانَ قد ولي قَضَاء مَدِينَة الشحر مرَّتَيْنِ وَفِي آخر عمره أَقَامَ بعدن وَولي بهَا مشيخة التدريس فِي مَوَاضِع مُتعَدِّدَة 3 وَمن تصانيفه كتاب ينْكث فيهعلى شرح الْمِنْهَاج للشَّيْخ ابْن حجر الهيتمي فِي مجلدين وفتاوي كَبِيرَة فيمجلد ضخم والمصباح شرح الْعدة وَالسِّلَاح وَشرح الرحبية وذيل على طَبَقَات الشَّافِعِيَّة للأسنوي ورسالتين فِي الفلكم والميقات ورسالة فِي الرّبع الْمُجيب وَغير ذَلِك وَمن شعره ... قلت سَلام الله من مغرم ... مَا أَن سلا عَنْكُم فَقَالُوا سلا فَقلت هَل ترْضونَ لي وَقْفَة ... قَالُوا فَمَا تطلب قلت اكلا ... وَمِنْه وَقد بلغه موت بعض أَصْحَابه بالشحر ... لَئِن صَحَّ هَذَا الْعلم فالشحر بعدكم ... حرَام علينا ظلها وفناها وَكَيف يُقيم الْمَرْء فِي سوح بَلْدَة ... وَقد كَانَ مِنْهَا مَوتهَا وفناها ... وَمِنْه ... يَا قريب الْفرج عَبدك ... على الْبَاب وَاقِف كلما آيس ترجى ... من جنابك لطائف ... وَمِنْه ... يَا سادة عودوني كل مكرمَة ... لَا تقطعوا الْبر عَن مملوككم وصلوا وجملوا الْحَال فالدنيا مجاملة ... وَالْخَيْر أبقى وكل المَال مُسْتَقل ... وَمِنْه ... لَا تنس من لم ينس ذكرك سَاعَة ... وَانْظُر إِلَيْهِ بِعَين ود واعطف أوليس مَنْسُوبا اليك وَأَنه ... فرض عَلَيْك عرفت أم لم تعرف ... وَمِنْه ... وقائلة صف لي متيما ... اضربه طول النَّوَى كَيفَ حَاله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 .. فَقلت على نَوْعَيْنِ إِمَّا نَهَاره ... وَأما ليله لَا كرى لَهُ ... وَمِنْه قَالَه ببدر الْموضع الْمُبَارك الْمَشْهُور ... ذكرت فِي بدر بَدْرِي عِنْدَمَا غربت ... شمس النَّهَار وضآء الْبَدْر بالأفق فَقيل بدرك هَذَا قلت بَينهمَا ... فرق وَشَاهده فِي اللَّيْل والشفق وَمِنْه هَذَانِ البيتان وَقد ضمنهما قَول أبي تَمام السَّيْف اصدق أنباء من الْكتب ... الْوَاو من صُدْغه فِي الْعَطف يطعمني ... وَالسيف من لحظه يومي إِلَى العطب فحين مَا حرت قَامَ الهجر يشدني ... السَّيْف أصدق أنباء من الْكتب ... وَأَيْضًا هذَيْن الْبَيْتَيْنِ وَقد ضمنهما قَوْله أَيْضا سيد قومهالمتغابي ... قَالَت أَرَاك من الذكا فِي غَايَة ... جلت عنالإسهاب والاطناب فعلام تبدي فِي الْأُمُور تغابياً ... فأجبت سيد قومه المتغابي ... وَأَيْضًا هذَيْن الْبَيْتَيْنِ وضمنهما قَول المتنبي لكل امرء من دهره مَا تعودا ... وعاذله أبدت لفقري توجعاً ... وَقَالَت أَتَاك الْفقر من جَانب الندا فَقلت لَهَا لَا تطمعي فِي تغيري ... لكل امْرِئ من دهره مَا تعودا ... وَأَيْضًا هذَيْن الْبَيْتَيْنِ فِي الاقتباس ... وَيَا لكهف من محاجر فتية ... فنون الصبابة من وَصفهم ترى الشَّمْس شمس البها والكمال ... تمر تزاور عَن كفهم ... فَائِدَة تتَعَلَّق بالاقتباس ذكرهَا السُّبْكِيّ فِي الطَّبَقَات بعد أَن أورد هذَيْن الْبَيْتَيْنِ للاستاذ أبي مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ فِي الاقتباس وهما ... يَا من عدا ثمَّ اعْتدى ثمَّ اقْتَرَف ... ثمَّ انْتهى ثمَّ ارعوى ثمَّ اعْترف اُبْشُرْ بقول الله فِي آيَاته ... إِن ينْتَهوا يغْفر لَهُم مَا قد سلف ... قَالَ وَاسْتِعْمَال مثل هَذَا الاقتباس فِي شعره فَائِدَة فَإِنَّهُ جليل الْقدر وَالنَّاس ينهون عَن هَذَا وَرُبمَا أدّى بحث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 بَعضهم إِلَى أَنه لَا يجوز وَقيل إِنَّمَا ذَلِك يَفْعَله الشُّعَرَاء الَّذين هم فِي كل اد يهيمون ويثبون على الْأَلْفَاظ وثبة من لَا يُبَالِي وَهَذَا الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور من أَئِمَّة الدّين وَقد فعل هَذَا والحافظ أسْند هذَيْن الْبَيْتَيْنِ فِي كتاب السّنَن فَائِدَة أُخْرَى فِي اصْطِلَاح أهل الْمعَانِي وَالْبَيَان أَنه إِذا ذكر الْمُتَكَلّم ناظما أَو ثائرا فِي كَلَامه كَلَام غَيره لَا على حكايته فَإِن كَانَ ذَلِك الْكَلَام من عِبَارَات الْقُرْآن أَو الحَدِيث فَهُوَ الاقتباس وَإِن كَانَ شعرًا فهوالتضمين على اصْطِلَاح الْمُتَأَخِّرين وَإِن كَانَ الْمُتَأَخر نظم نثراً فَهُوَ العقد وَإِن كَانَ نثر نظما فَهُوَ الْحل وإنكان أَشَارَ إِلَى كَلَام غَيره ايمآء لَا تَصْرِيحًا فَهُوَ التلميح وَهِي خَمْسَة فنون الإقتباس والضمين وَالْعقد والحل والتلميح وَمن شعره أَيْضا هَذِه القصيدة الْمُشْتَملَة على المواعظ الجامعة والوصايا النافعة هِيَ ... زم الركاب وحلها عَن عقلهَا ... ودجع المطايا ترتمي فِي سبلها وابعد عَن الأوطان فِي طلب الْعلَا ... واترك ديار الذل عَنْك وخلها لَا ترض من دون النُّجُوم بمنزل ... وترق من طل لطائل ويكها لَا ترجعن الْقَهْقَرِي مثل الَّتِي ... نقضت وحلت بعد عزم عزلها واسمع أخي نصيحة من نَاصح ... إِن النَّصِيحَة لَيْسَ يخفى فَضلهَا انْظُر إِلَى الله الْكَرِيم ولذ بِهِ ... واقصده فِي جلّ الْأُمُور وقلها وَإِذا الْأُمُور تضايقت وتعقدت ... فاضرع إِلَيْهِ فَإِنَّهُ المرجو لَهَا واجهد على الْخيرَات تحط بخيرها ... وَاحْذَرْ يفوتك فَرضهَا أونفلها ودع الْمعاصِي والغوايا واستقل ... فَالله يقبل من أناب إذالها وَالنَّفس ان تَدْعُو فَخَالف أمرهَا ... ودع الْهوى إِن الْهوى من فعلهَا فَإِذا بدا لَك من رفيقك زلَّة ... فَاغْفِر وَلَا تجزي المسئ بِمِثْلِهَا والرفق رافق فِي أمورك واصطبر ... فالصبر من خير العرى واجلها وَإِذا بليت بِشدَّة فَاثْبتْ لَهَا ... حَتَّى ترى مُسْتَبْشِرًا بمحلها نظرا إِلَى أَن الْمُقدر كَائِن ... فعلام تجزع يَا فَتى من أجلهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 .. والصدق فَالْزَمْ فِي حَدِيثك كُله ... والوعد أوف بِهِ فَذَاك اجلها واترك مصاحبة الكذوب وَمن ... تكن عاداته عِنْد النميمة حملهَا وتغاض عَن عيب الْأَنَام فَإِن من ... يطْلب معايبها رَمَاه بنبلها عود لسَانك على كل قَول طيب ... فَالْقَوْل من عقل الرِّجَال ونبلها واحفظ حُقُوق الْوَالِدين وقم بهَا ... والأهل وَالْأَصْحَاب واحمل ثقلهَا وترق فِي الْعليا إِلَى غاياتها ... فيجمعك الْخيرَات تجمع شملها وانصب لكسب المَال كي تَكْفِي بِهِ ... متن اللئام فِي الِاحْتِيَاج لبذلها فركوبك الْأَهْوَال فِي تَحْصِيله ... عين الرِّجَال أَن تكن من رجلهَا بِالْمَالِ يصفو الدّين وَالدُّنْيَا مَعًا ... وَالْمَال فِي أَيدي اللرجال كعقلها فِيهِ المكارم والمآثر فِي الورى ... وَبِه الصلات الناميات وَوَصلهَا فانهض لَهُ ودع الكسالة إِنَّهَا بئس الضجيج فَلَا تنم فِي ظلهاواحذر كَلَام عِصَابَة من عجزها ... رضيت لِبَاس الافتقار وذلها تحتج فِي تفضيله بادلة ... جهلت حقائق شَرطهَا فِي نفلها إِن كنت تقوى أَن تقوم بشرطها ... طُوبَى وَإِلَّا عد عَنْهَا لأَهْلهَا فالفقر كَاد يكون كفرا فِي الورى ... قد فَقَالَ ذَلِك فِي خَاتم رطلها وَالنَّهْي عَن جمع الحطام مَحَله ... من لَيْسَ يقْصد عِنْد ذَلِك عدلها أما الَّذِي يَنْوِي الْحَلَال لكَي يصن ... عَن وَجهه وَلَكِن يمن بفضلها من غير ماحرص وَغير تكاثر ... فثوابه مُتَعَيّن قَاصد لَهَا ... سنة ثَلَاث وَسبعين بعد التسْعمائَة (973) هـ وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشر شهر رَمَضَان سنة ثَلَاث وَسبعين توفّي الْوَلِيّ الصَّالح العابد الزَّاهِد أَحْمد بن علوي بن الملعلم مُحَمَّد بن عَليّ ححدب ابْن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن الشَّيْخ عبد اله بن الشي علوي بن الشَّيْخ الْفَقِيه الْمُقدم أَبَا علوي نفع الله بِهِ بَلْدَة تريم وَكَانَ يعد فِي حكم رجال الرسَالَة لشدَّة ورعه وتقشفه واستقامة طَرِيقَته رُوِيَ ذَلِك عَن الشَّيْخ الْوَلِيّ عبد الرحمكن بن عمر العمودي نقعالله بِهِ وَله فِي الزّهْد والتقلل من الدُّنْيَا حكايات لَعَلَّه لَا يُوجد فِي تراجمكبار الْأَوْلِيَاء أَكثر مِنْهَا وَلم يتقدموه إِلَّا بِالسَّبقِ فِي الزَّمَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 وَمن كراماته أَنه لما عزم بنية الْحَج فِي الْبَحْر رئي يشرب من مَائه فَقبل لَهُ ذَلِك فَقَالَ أَلَيْسَ كل أحد يشربه فَأخذ بَعضهم مَا بَقِي فِي الاناء فشربه فَإِذا هُوَ حُلْو وكف بَصَره آر عمره وَحصل عَلَيْهِ قريب انْتِقَاله جذبه من جذبات الْحق اندهش بهَا عقله وتحير لبه وانغمر بهَا سره وَأخذ عَن نَفسه فَكَانَ يقوم إِلَى الصَّلَاة بطرِيق الْعَادة وَهُوَ مَأْخُوذ عَن حسه وربماصلى إِلَى غير الْقبْلَة وذلم لما استولى عَلَيْهِ من سُلْطَان الْحَقِيقَة فتلاشت العبدية فِي كعبة العندية وَنُودِيَ بفنء الفناء من عَالم الْبَقَاء وَرفعت الْقبْلَة وَمَا بقيإ إِلَّا الله فأينما توَلّوا فثم وَجه الله وَمكث كَذَلِك نَحْو أَرْبَعَة أَيَّام وَمَات رَضِي الله عَنهُ ولي فِيهِ ... سَلام من الله على روح سَيِّدي ... مغيث كل ملهوف ومكروب صفر الْيَد أَبَا جحدب الْمَشْهُور عوني وعمدتي ... شهَاب لدين الله غَايَة مقصدي شَيْبه الفضيل بن عياد وَأَمْثَاله ... وَمن كَانَ فِي أسلوبه فَرد مُنْفَرد لقد حيرت أوصفه كل نَاظر ... وازرى بالعباد فِي كل مشْهد وَمن فِي أوَامِر ربه كَانَ امة ... فيا فوز من كَانَ بآثابره يفتدي فياسيدي لَا تنسى مِنْك بنفحة ... فَلَيْسَ بعد الله غَيْرك معتمدي وَلَيْسَ يخفى عَلَيْك مرادي سَيِّدي ... فحقق رجائي وَبرد كَبِدِي وقر عيُونا لي وَطيب خاطري ... واسعف بِمَا قد رمي مِنْك وأسعد أَلا يَا أَوْلِيَاء الله اجيبوا صَارِخًا ... لبابكم يهره راج ومجتدي يُرِيد أموراً أَنْتُم أهل لقضائها ... فَقولُوا حبيناه بالعز السرمدي وفيهَا فِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ خَامِس عشر شَوَّال توفّي الْعَلامَة الصَّالح الْفَقِيه محمدبن الشَّيْخ حسن بن الشَّيْخ عَليّ بن الشَّيْخ أبي بكر بتريم وَكَانَ من الْعلمَاء العاملين وَالْفُقَهَاء البارعين وَكَانَت لَهُ الْيَد الطُّولى فِي جَمِيع الْعُلُوم سِيمَا فِي الْفِقْه والنحو وجاور بِمَكَّة لطلب الْعلم سِنِين وَمن محفوظاته الارشد وَكَانَ متحلياً بِالْعبَادَة والنسك سالكاً عَليّ منهاج السّلف الصَّالح مَعَ السمت وَالصَّلَاح وَحسن الْأَخْلَاق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ كَانَ وحيد عصره وَلم يخلفه بعده مثله رَحمَه الله وللشيخ الْعَلامَة أَبُو السعادات الفاكهي فِيهِ هَذِه المرثية وَهِي ... قلق الْفُؤَاد وبالصدود يروع ... وَالْقلب دأباً بالفراق يصدع ألف السهاد مَعَ الجفون مجافياً ... للنوم لَا يدنو وَلَا يتَوَقَّع مَا للهموم مَعَ الغموم تصاحبت ... يَوْم النَّوَى وَقت الجموع تجمع تَبًّا لشخص لَا يزَال ملذعا ... بالنَّار لَا يهدو وى يتقلع رعياً لأيام مَضَت مَعَ سادة ... كَانَت ليالينا بهم تتلمع لعمري هم القادحخات حَقًا وانهم ... هم الذخر فِي الْأُخْرَى بهم نتشفع ولاغزو أَن يشفوا عليلاً ويشفعوا ... وسيلتهم جد شَفِيع مُشَفع وَلَا غَزْو أَن يشفعوا عليلا ويشفعوا ... وسيلتهم جد شَفِيع مُشَفع سَوف نَفسِي بالوصال وباللقا ... فيفاجأني سهم الفصال أروع ... فيا دهر كم تخرق وتغرق وتنتقي ... خِيَار لنا مَا آن أَن تترجع صببرت على حُلْو الْقَضَاء ومره وَقد عيل صبري واختشى أتجزع وصابرت قلبِي عَليّ يظفر بحبه ... فَمَا راعه الاحمام مقطع فيا وَيْح ناع قد أَتَانَا مخبرا ... بِمَوْت فَقِيه جَامع وَمجمع هُوَ السَّيِّد المفضال حبر وعارف ... هُوَ السَّنَد المطوال رحب موسع واعني بِهِ بحراً من الْعلم جَامعا ... وَبرا رحيباً شاسعاً وممنع مقدم سادت كبار أَئِمَّة ... محامده تعلو شُيُوخنَا وَركع كَذَا حسن أصل لَهُ ثن حسنه ... هُوَ الْحسن أَلا ثمَّ فرعا مُفَرع فباللله يَا عَيْني فجودي بعندم ... وبالحق ياأجفان للنوم ودعوا وَيَا ابْن حسن يَا منبع الْعلم ولتقى ... محباً لكم أَمْسَى حَزينًا مقطع وَذَاكَ الْفَقِير الفاكهي عبيدكم ... حَيَاة لَهُ موت وقلب ملذع لقد مَاتَ يَا علم بموتك عَالم وَقد ثلم الدّين القويم الممنع وَقد نقصت أَطْرَاف أَرض لفقدكم ... فيا وَيْح قلب بالفراق مجذع فيا رب يَا الله تحسن عزاءنا ... وتعظم لنا أجرا كثيرا موسع وَصلى الهي ثمَّ سلم دَائِما ... على الْمُصْطَفى جد لشيخي مُشَفع وَآل وَصَحب ثمَّ زوج وتابع ... وَحمد لرَبي بالختام مُودع ... وفيهَا توفّي الشهاتب القباني الْحَادِي الشهير وَله الْيَد الطُّولى فِي علم الموسيقى وَقد أرخ نفلته صَلَاح لدين الْقرشِي بقوله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 .. الْأنس من بعد الشهَاب ... لقد توفّي شَيْخه والبسط قَالَ لمَوْته ... الْقَبْض فِي تَارِيخه ... وفيهَا عمر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله سَبِيلا بِأَعْلَى مَكَّة شرفها الله وارخ ذَلِك بعض الْفُضَلَاء فَقَالَت هَذِه الأبيات ... عين هَذَا الزَّمَان انشا محلا ... وسط روض الْجنان عالي مكه فِيهِ كرم وَروض أنس وَورد ... ومياه كالبحر تحمل فلكه وقلاق تجْرِي بوسط سَبِيل ... سلسبيل لَا يسع النَّاس تَركه هُوَ بدر العلى حُسَيْن بن طه ... مالكي الْمَكِّيّ سيد مكه المنى والأمان بَين يَدَيْهِ ... فلكم مُعسر من الْعسر فكه جَاءَ تَارِيخ مَا بناه مليكي ... يملك الْمجد خلد الله ملكه ... وفيهَا سَافر الْفَقِيه الْفَاضِل مُحَمَّد بن أَفْلح الْمَكِّيّ من الهندإلى مَكَّة فِي مركب لوزير الغجان فغرق الْمركب وَمن فِيهِ فَإنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون وَكَانَ ابْن أَفْلح فَاضلا بليغاً فصيحاً أديباً ذَا ملح وحكايات واستحضار لبَعض الرِّوَايَات اشْتغل بِالْعلمِ قَلِيلا وَكَانَ لَهُ فهم بَالغ وَسمعت من أَثِق بِهِ يَقُول انه لَو اشْتغل بِقدر فهمه فِي الْعلم لَكَانَ وصل فِيهِ إِلَى مَا لم يصل إِلَيْهِ غَيره إِلَّا أَنه كَانَ يمِيل إِلَى اللَّهْو والبطالات وَيُعْجِبهُ التماشي والاجتماعات رَحمَه الله تَعَالَى والضاهر أَن أَصله من الْيمن وَرُبمَا أَنه من زبيد وَمن ذُريَّته الشَّيْخ افلح الْمَشْهُور الَّذِي هُوَ من السَّبْعَة الَّذين زارهمقضيت حَاجته وَبَلغنِي أَنه درس بِالْهِنْدِ فِي الْفِقْه وَقَرَأَ عليهجماعة مِنْهُم الْفَقِيه الصَّالح عَليّ بن صَبر اليافعي مَعَ أَنه لم يكن فِيهِ بذلك حَتَّى أَن الْفَقِيه مُحَمَّد بن سراج الْحَضْرَمِيّ حضر عِنْدهم ذَات يَوْم وَكَانَ الدَّرْس فِي بَاب اسْتِقْبَال الْقبْلَة فتوقف ابْن افلح فِي حل مَسْأَلَة وحلها ابْن سراج الْمَذْكُور وَلابْن افلح أشعار فائقة إِلَّا أَنِّي لم أظفر من مقتطعاته بِشَيْء نعم لَهُ قصائد مُتعَدِّدَة فِي الدي وَأخي السَّيِّد أَحْمد وَهِي فِي غَايَة مَا يكون من الفصاحة والبلاغة وَكَانَ فِي ذَلِك الْمركب الْمَذْكُور الْفَقِيه مُحَمَّد الزبيدِيّ فغرق أبضا وكانهذا الْفَقِيه محجمد من أهل الْفضل وَالْأَدب وَكَانَ شَافِعِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 الْمَذْهَب وَقيل أَنه كَانَ محققاً فِي علم الْأُصُول وَله نظم حسن وَرَأَيْت لَهُ قصائد فِي مدح وَالِدي وَكَانَ ناخوذاً فِي ذَلِك الْمركب حسن علوان الْمَشْهُور فخرق أَيْضا رَحِمهم الله آمين سنة أَربع وَسبعين بعد التسْعمائَة (974) هـ وَفِي ثامن عشر جُمَادَى الأولى سنة أَربع وَسبعين توفّي الْوَلِيّ الصَّالح المجذوب عبد الله بن الْفَقِيه مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الْأَسْقَع أَبَا علوي بِمَكَّة وَكَانَ يَوْم مَوته مشهوداً وقبره بالشبيكة مَعْرُوف يزار وَكَانَ م الْأَوْلِيَاء العارفين وَالْأَئِمَّة المقربين السالكين المجذوبين اولي الكرامات الخارقة والأنفاس الصادقة والمقامات الْعلية وَالْأَحْوَال السّنيَّة انْتَشَر مناقبه وعمت مواهبه وفاضت على الخليقة أسراره ونفحاته ووسعت الْبَريَّة بركاته انْتقل بأَهْله وَولده إِلَى مَكَّة وجاور بهَا إِلَى أَن توفّي بهَا وَكَانَت مُدَّة اقامته بِمَكَّة المشرفة أَربع عشرَة سنة وَكَانَ لَهُ بهَا جاده عَظِيم فِي الْأَنَام وَقبُول عِنْد الْخَاص وَالْعَام وَحكى عَن السَّيِّد الشريف شهَاب الدّين بن عبد الرَّحْمَن خرد أَبَا علوي أَن الشريف أَحْمد أَبَا رَقَبَة كَانَ يصحب الشَّيْخ أَحْمد بن حُسَيْن العيدروس وَالسَّيِّد أَحْمد بن علوي أَبَا مجدب وَالسَّيِّد عبد الله بن الْفَقِيه الاسقع وَرُبمَا أَنه كَانَ يَأْمُرهُ بَعضهم بضد مَا يَأْمُرهُ بِهِ الآخر فشق ذَلِك عَلَيْهِ وتحير فِيهِ فَخرج إِلَى ضريح العيدروس وآلى على نَفسه أَنه لَا يذهب من عِنْده حى يُعلمهُ بأحوال الثَّلَاثَة وبمن يَقْتَدِي بِهِ مِنْهُم فَنَامَ فَكَلمهُ الشَّيْخ عبد الله العيدروس قَالَ لَهُ جِئْت تسْأَل عَن أحوالنا الثَّلَاثَة أما الشَّيْخ أَحْمد بن حُسَيْن فبحر الْحَقِيقَة وَأما السَّيِّد أَحْمد بن علوي فأفرده الله وَأما عبد الله ابْن الْفَقِيه فَلهُ نوبَة ضرب فِي السَّمَاء ونوبة تضرب فِي الأَرْض وَشرب من كأس الحميا رُوِيَ أَو كَمَا قَالَ وفيهَا فِي رَجَب توفّي الشَّيْخ الإِمَام شيخ الْإِسْلَام خَاتِمَة أهل الْفتيا والتدريس ناشر عُلُوم الإِمَام مُحَمَّد بن إِدْرِيس الْحَافِظ شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن حجر الهيتمي السَّعْدِيّ الْأنْصَارِيّ بِمَكَّة وَدفن بالمعلاه فِي تربة الطبريين وَكَانَ بحراً فِي علم الفقهوتحقيقه لَا تكدره الدلاء وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ كَمَا أجمع على ذَلِك العارفون وانعقدت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 عَلَيْهِ خناصر الملاء إِمَام اقتدت بِهِ الْأَئِمَّة وَهَمَّام صَار فِي إقليم الْحجاز أمة مصنفاته فِي الْعَصْر آيَة يعجز عَن الاتيان بِمِثْلِهَا المعاصرون فهم عَنْهَا من منهل تدريسه صفاء المشرب وَطَالَ مَا طَاف حول كعبة مَنَاسِكه من الوافدين الْقَارئ كواكب سيارة فِي منهاج سَمَاء الساري يَهْتَدِي بهَا المهتدون تَحْقِيقا لقَوْله تَعَالَى {وبالنجم هم يَهْتَدُونَ} وَأحد الْعَصْر وَثَانِي الْقطر وثالث الشَّمْس والبدر من أَقْسَمت المشكلات أَن لَا تتضح إِلَّا لَدَيْهِ وأكدت المعضلات آليتها أَن لَا تتجلى إِلَّا عَلَيْهِ لَا سِيمَا وَفِي الْحجاز عَلَيْهَا قد حجر وَلَا عجب فَإِنَّهُ الْمُسَمّى بِابْن حجر ولد فِي رَجَب سنة تسع وَتِسْعمِائَة وَمَات أَبوهُ وَهُوَ صَغِير فكلفه الإمامان الكاملان علما وَعَملا الْعَارِف بِاللَّه شمس الدّين بن أبي الخمائل وشمس الدّين الشناوي ثمَّ أَن الشَّمْس الشناوي نَقله من بَلَده محلّة أبي الهيتم إِلَى مقَام القطب الشريف سَيِّدي أَحْمد البدوي نفع الله بِهِ فقلرأ هُنَالك على عَالمين بِهِ فِي مبادئ الْعُلُوم ثمَّ نَقله فِي سنة أَربع وَعشْرين وَهُوَ فِي سنّ نَحْو أَرْبَعَة عشر سنة إِلَى الْجَامِع الْأَزْهَر مُسلما لَهُ إِلَى رجل صَالح من تلامذة شَيْخه الشناوي وَابْن أبي الحمائل فحفظه حفظا بليغاً وَجمعه بعلماء مصر فِي صغر سنه فَأخذ عَنْهُم وَكَانَ قد حفظ الْقُرْآن الْعَظِيم فِي صغره وَمن مشايخه الَّذين أَخذ عَنْهُم شيخ الْإِسْلَام القَاضِي زَكَرِيَّا الشَّافِعِي وَالشَّيْخ الإِمَام المعمر الزيني عبد الْحق السنباطي وَالشَّيْخ الإِمَام فَقِيه مجلي النَّفس الشَّافِعِي وَالشَّمْس ابْن أبي الحمائل وَالشَّمْس الشهدي واشمس السمهودي والطبلاوي الشفي وَالشَّيْخ الإِمَام أبي الْحسن الْبكْرِيّ الشَّافِعِي وَالشَّمْس اللقاطي الضيروطي وَالشَّمْس الطهراي وَالشَّمْس الْعباد وَالشَّمْس البدوي وَالشَّمْس بن عبد الْقَادِر الفرضي وَالشَّمْس الدلجي والشهاب التطوي والشهاب الركسي والشهاب بن عبد الْحق السنباطي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 والشهاب تالبلقيني والشهاب بن اطحان والشهاب بن النجار الْحَنْبَلِيّ والشهاب بن الصَّائِغ رَئِيس الْأَطِبَّاء واذن لَهُ بَعضهم بالافتاء والتدريس وعمره دون الْعشْرين وبرع فِي عُلُوم كَثِيرَة من التَّفْسِير والْحَدِيث وَعلم اكلام وأصول الْفِقْه وفروعه والفرائض والحساب والنحو وَالصرْف والمعاني وَالْبَيَان والمنطق والتصوف وَمن محفوظاته فِي الْفِقْه الْمِنْهَاج للنووي ومقروءاته كَثِيرَة لَا يُمكن تعدادها وَأما اجازات الْمَشَايِخ لَهُ فكثيرة جدا وَقد استوعبها رَحمَه الله فِي مُعْجم مشايخه وَقدم إِلَى مَكَّة فِي آخر سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ فحج وجاور بهَا فِي السّنة الَّتِي تَلِيهَا ثمَّ عَاد إِلَى مصر ثمَّ حج بعياله فِي آخر سنة سبع وَثَلَاثِينَ ثمَّ حج سنة أَرْبَعِينَ وجاور من ذَلِك الْوَقْت بِمَكَّة المشرفة وَأقَام بهَا يؤلف ويفتي ويدرس إِلَى أَن توفّي فَكَانَت مُدَّة اقامته بهَا ثَلَاث وَثَلَاثُونَ سنة وَذكر رَحمَه الله فِي مُعْجم مشايخه قَالَ كنت بِحَمْد الله مِمَّن وقف بُرْهَة من الزَّمَان فِي أَوَائِل الْعُمر باشارة مَشَايِخ أَرْبَاب الْأَحْوَال وأعيان الْأَعْيَان لسَمَاع الحَدِيث من المسندين وَقِرَاءَة مَا تيَسّر من كتب هَذَا الْفَنّ على الْمُفَسّرين وَطلب الْإِجَازَة بأنواعها المقررة فِي هَذَا الْعلم الواسعة أرجاؤه الاسعة أنحاؤه مَعَ النَّاس والملازمة فِي تَحْصِيل الهلوم الآلية والعلوم الْعَقْلِيَّة والقوانين الشَّرْعِيَّة لَا سِيمَا علم الْفِقْه وَأَصله تَفْرِيعا وتأصيلاً إِلَى أَن فتح الْكَرِيم من تِلْكَ الْأَبْوَاب مَا فتح ووهب مَا وهب ومنح وتفضل بِمَا لم بكن فِي الْحساب ومراعاة نتيجة الإكتساب حَتَّى أجازني أكَابِر أسادستي باقراء تِلْكَ الْعُلُوم وافادتها وبالتصدي لتحرير المشكلة مِنْهَا بالتقرير وَالْكِتَابَة واإشارتها ثمَّ بالافتاء والتدريس على مَذْهَب الإِمَام المطلبي الشَّافِعِي ابْن إِدْرِيس رَضِي الله عَنهُ وارضاه وَجعل جنَّات المعارف منقلبه ومثواه ثمَّ بالتصنيف والتأليف وكتبت من الْمُتُون والشروح مَا يغنى رُؤْيَته عَن الاطناب فِي مدحه والإعلام بشرحه كل ذَلِك وسنى دون سنّ الْعشْرين بحلول نظر جمَاعَة عَليّ من العارفين اولي التَّصَرُّف وَالشُّهُود والتمكين وأرباب الامداد الوافر وكنوز الاسعاف والاسعاد الباهر ثمَّ جردت صَارف عزمي وأرهقت حد فهمي فِي خدمَة السّنة المطهرة باقراء علومها وإفادة مرسومها المستكتمة لاسيما بعد الاتيان إِلَى حرم الله تَعَالَى واستيطان بَلَده والتفرغ لاسماع المقيمين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 والواردين حِيَازَة لنشر الْعلم والفوز بعلاه ومدده صادعا فَوق رُؤُوس الأشهاد ليعلم الْحَاضِر والباد أَن من يبع نَفسه لمولاها يقطعهَا عَن سَائِر الْأَغْرَاض إِلَى حِيَازَة الْعُلُوم وأولاها الَّتِى آل التغفل عَنْهَا إِلَى اندراسها والتشاغل بالحظوظ الفانية إِلَى تزلزل قواعدها وأساسها منادياً فِي كل مجمع وناد وَسمر وعداد عباد الله هلموا إِلَى شرف الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَإِنَّهُ لَا طَرِيق أقرب فِي الْوُصُول إِلَى الله من الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة المنزهة من أَن يشوبها أدنى شوب من المطامع الدُّنْيَوِيَّة وَمن ثمَّ قَالَ أَئِمَّة الْفِقْه والعرفان كَالْإِمَامِ الْأَعْظَم أبي حنيفَة النُّعْمَان ان لم تكن الْعلمَاء أَوْلِيَاء فَلَيْسَ ببه ولي فِي زمن من الْأَزْمَان لكِنهمْ لم يُرِيدُوا صور الْعلم بل حقائق تَطْهِير الْقُلُوب ثمَّ ملأها من معارف الْقَوْم دون شقاشق أهل الرسوم وكما أَن للصوفية سياحات لَا بُد مِنْهَا كَذَلِك لأئمة السّنة حالات لَا يسْتَغْنى أَكْثَرهم عَنْهَا وشتان مَا بَينهمَا شتان لِأَن نفع تِلْكَ قَاصِر على أَهلهَا وَهَذِه عَامَّة النَّفْع وَالْإِحْسَان وَلذَا دَعَا لَهُم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بأعظم دَعْوَة وحباهم عَن غَيرهم بِأَفْضَل حبوة فَقَالَ نضر الله امْرَءًا سمع مَقَالَتي فوعاها فأداها كَمَا سَمعهَا وَمَعَ هَذَا الْعُلُوّ الشامخ والشرف الراسخ تقهقر الزَّمَان فركدت الهمم لاسيما عَن هَذَا الْعلم الْعلي الشَّأْن حَتَّى كَاد النَّاس بعد أَن فقدتالرحلة فِي طلب الاسناد إِلَى شاسع الأقطار يطْلبُونَ الْإِجَازَة بالاستدعاء بِالْكِتَابَةِ من الأساتذة الْبعدَاء الديار وَأما الْآن فقد زَالَ ذَلِك التقاحم فِي طلبه وَنسي هذاالتزاحم فِي نيل رتبه وتقاعدت عَنهُ الهمم إِلَى الْغَايَة فاخلدت إِلَى أَرض شهواتها عَن طلب الدِّرَايَة وَالرِّوَايَة وَذهب المسندون الجلة وَمن كَانَت تزدهي يوجودهم الْملَّة شعر ... كَانَ لم يكن بَين الجحون إِلَى الصَّفَا ... أنيس وَلم يسمر بِمَكَّة سامر ... لَكِن بِحَمْد الله تَعَالَى قد بقى من آثَارهم بقايا وَفِي زَوَايَا الزَّمَان مِمَّا تحمل عَنْهُم خبايا وَأَنا أَرْجُو أَن أكون إِن شَاءَ الله من متبعيهم بِحَق ووارثيهم بِصدق لِأَنِّي أَخَذته رِوَايَة واتقنته دراية عَن الْأَئِمَّة المسندين مِمَّن يضيق الْمقَام عَن استيعابهم ويحجب الِاقْتِصَار على مسانيد أشهر مشاهيرهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 شَيخنَا شيخ الْإِسْلَام زَكَرِيَّا الْأنْصَارِيّ الشَّافِعِي ثمَّ شَيخنَا الزيني عبد الْحق السنباطي ثمَّ شيخ مَشَايِخنَا بالاجازة الْخَاصَّة وَشَيخنَا بالاجازة الْعَامَّة لِأَنَّهُ أجَاز لمن أدْرك حَيَاته وَأَنِّي ولدت قبل وَفَاته بِنَحْوِ ثَلَاث سِنِين فَكنت مِمَّن شملته اجازته واشتملته عنايته حَافظ عصره بِاتِّفَاق أهل مصره الْجلَال السُّيُوطِيّ انْتهى وَمن مؤلفاته شرح الْمشكاة نَحْو الرّبع وَشرح الْمِنْهَاج فلإمام النَّوَوِيّ فِي مجلدين ضخمين وشرحين على الارشاد للمقوى كَبِير وَهُوَ الْمُسَمّى بالامداد وَالصَّغِير وَهُوَ الْمُسَمّى فتح الْجواد وَشرح الهمزية البوصيرية وَشرح الاربعين النواوية وَالصَّوَاعِق المحرقة فِي الرَّد على أهل الْبدع والضلال والزندقة وكف الرعاع عَن مُحرمَات اللَّهْو وَالسَّمَاع والزواجر عَن اقتراب الْكَبَائِر ونصيحة الْمُلُوك وَشرح مُخْتَصر الْفَقِيه عبد الله أَبَا فضل الْحَاج الْمُسَمّى الْمنْهَج القويم فِي مسَائِل التَّعْلِيم وَالْأَحْكَام فِي قواطع الْإِسْلَام وَشرح الْعباب الْمُسَمّى بالايعاب وتحذير الثِّقَات عَن أكل الكفتة والقات وَشرح قِطْعَة صَالِحَة من ألفية ابْن مَالك وَشرح مُخْتَصر أبي الْحسن الْبكْرِيّ فِي الْفِقْه وَشرح الْمِنْهَاج وحاشية على الْعباب وَاخْتصرَ الْإِيضَاح والإرشاد وَالرَّوْض والأخير لم يتم ومناقب أبي حنيفَة ومؤلف فِي الْأَصْلَيْنِ والتصوف ومنظومة فِي أصُول الدّين وَشرح عين الْعلم فِي التصوف لم يتم والهيتمي نِسْبَة إِلَى محلّة أبي الهيتم من اقليم الغربية بِمصْر وَالسَّعْدِي نِسْبَة إِلَى سعد باقليم الشرقية من إقليم مصر أَيْضا ومسكنه بالشرقية لَكِن انْتقل إِلَى محلّة أبي الهيتم غي الغربية وَأما شهرته بَاب حجر فَقيل ان أحد أجداده كَانَ ملازماً للصمت لَا يتَكَلَّم إِلَّا عَن ضروروة أَو حَاجَة فشبهوه بِحجر ملقى لَا ينْطق فَقَالُوا حجر ثمَّ اشْتهر بذلك وَقد اشْتهر بِهَذَا اللقب أَيْضا شيخ الْإِسْلَام ابْن حجر الْعَسْقَلَانِي وَكَاد صَاحب التَّرْجَمَة يُشبههُ فِي فنه الَّذِي اشهر بِهِ وَهُوَ الحَدِيث مَعَ مَا منحه الله بِهِ من الزِّيَادَة عَلَيْهِ من علم الْفِقْه الَّذِي لم يشْتَهر بِهِ الْحَافِظ الْعَسْقَلَانِي هَذَا الاشتهار كَيفَ وَهُوَ سميه فاشبهه اسْما ووصفاً وزادته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 نِسْبَة إِلَى جوَار الْحرم الشريف شرفاً وَقد كنت نثرت فِيهِ قَدِيما مُشِيرا إِلَى هَذَا الِاسْم الشريف فَقلت ابْن حجر فِي الْبشر كالياقوت فِي الْحجر يشاركها فِي الِاسْم ويفارقها فِي الرَّسْم وللشيخ الْعَلامَة عبد الْعَزِيز بن عَليّ الزمزمي الْمَكِّيّ فِيهِ شعر ... مِنْك المعارف فاضت عذبة وَلكم ... عذباً زلالاً فاض من حجر ... ولصاحبنا الْفَقِيه أَحْمد بن الْفَقِيه الصَّالح مُحَمَّد أَبَا جَابر ... قد قيل من أَصمّ تَفَجَّرَتْ ... لِلْخلقِ بِالنَّصِّ الْجَلِيّ أَنهَار وتفجرت يَا معشر الْعلمَاء من ... حجر الْعُلُوم فبحرها زخار أكْرم بِهِ قطباً محيطاً بالعلا ... ورحآؤه حَقًا عَلَيْهِ تدار وفيهَا توفّي السُّلْطَان الْأَعْظَم سُلَيْمَان بن سليم سُلْطَان العثمانيين وَكَانَ عادلاً فَاضلا وللأديب ماميه الانقشاري فِي تَارِيخ وَفَاته شعر ... انْتقل الْعَادِل من دنيته ... جاور الرَّحْمَن وَالْمولى الرَّحِيم قَالَت الأقطاب فِي تَارِيخه ... مَاتَ سُلَيْمَان بن سُلْطَان سليم ... ولهفيه مراثية أَجَاد فِيهَا كل الإجادة مِنْهَا هَذِه الأبيات ... لقد بجدد الْبَيْت الْعَتِيق حداده ... وَقد وشحت طراز السود المحامد كَأَن بني الْعَبَّاس سنت سوادها ... عَلَيْهِ وبالأعلام قاست دَلَائِل وَكَانَ عماد الدّين فِي كل حَادث ... وسلطانه بالنصر للشَّرْع حافل وَمَا كَانَ علمي قبل فقد سما الْعلَا ... بِأَن الثرى للنيرين منَازِل على عد علمي حم حمى ملكه حمى ... وَعَن قَوْله كم قَالَ روا ناقل وجثته فِي الأَرْض أضحت دفينة ... وَمن شَأْنهَا تحوي اكنوز الجنادل بِسبع أقاليم بَكَى النَّاس وَاحِدًا ... على السَّبع يطوي فِي الوغى وَهُوَ حاثل فَصَبر وعفو الْعين سَار وسارح ... ودمعي على الْخَدين هام وهامل فكم حَيّ قلب وَقد تقلب فِي الغضا ... عَلَيْهِ وَكم عقل غَدا وَهُوَ ذاهل وَكم انفق الْأَمْوَال فِي الْغَزْو قَائِلا ... إِلَّا فِي سَبِيل الله مَا أَنا فَاعل شياطين أهل الْكفْر ولت لِأَنَّهَا ... سُلَيْمَان وافا وَهُوَ للشرك خاذل غزاهم بعزم كالشاب وَقد سما ... وَمن حوله عد النُّجُوم حجافل أسود لَهَا لهف الدروع مَوَاطِن ... وغاياتها سمر القنا والعوامل ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 وَهِي طَوِيلَة أَولهَا ... لعمرك مَا الْأَعْمَار إِلَّا مراحل ... وفيهَا مُرُور الحادثات مناهل ... ولحسنها ذكرت مِنْهَا هَذِه الأبيات وفيهَا اشارة إِلَى بعض مآثره رَحمَه الله وَلَوْلَا خشيَة التَّطْوِيل لأتيت بهَا جميعنا فَإِن قاعدتنا فِي هَذَا التَّارِيخ الْبسط فِي تَرْجَمَة الْعلمَاء والصلحاء دون غَيرهم من السلاطين وَنَحْوهم وَحكي أَنه لما مَاتَ السُّلْطَان سليم وَتَوَلَّى وَلَده سُلَيْمَان سمع قَائِلا يَقُول ... قل لشياطين الْبُغَاة اخسأوا ... قد اوتي الْملك سُلَيْمَان ... ولمكامية الانقشاري أَيْضا هذَيْن الْبَيْتَيْنِ ... لَو يقاسي قيس مَا قاسيته ... لشكى للنَّاس ضرّ الضرتين ذَاك مَجْنُون بليلى وَحدهَا ... وانا الْمَجْنُون بَين الليلتين ... قَالَ بعض الْفُضَلَاء وَقد وقف عَلَيْهِمَا عجب من رومي هَذِه الفصاحة قلت وَمثله ان الْخَلِيفَة النَّاصِر لدين الله لما سمع هذَيْن الْبَيْتَيْنِ ... إِذا مَا رَآنِي العاذلون وغردت ... حمائم دوح أيقظتها النسائم يَقُولُونَ مَجْنُون جفته سلاسل ... وممسوس خي فارقته التمائم ... وهما لتاج الطرفي الاصفهاني تعجب من ذَلِك وَقَالَ مَا ظَنَنْت ان أحدا من الْعَجم يصل كَلَامه إِلَى هَذَا الْحَد وَبعث إِلَيْهِ بخلعة وَكَانَ الشَّاعِر ماميه الأنقشاري الْمَذْكُور حج فِي سنة خمس وسين وَتِسْعمِائَة وَحصل لَهُ قبُول عَظِيم وطارح ادبآء مَكَّة بأشعارعه قَالَ الشَّيْخ عبد الرؤوف بن يحيى الْوَاعِظ تلميذ الشَّيْخ ابْن حجر الهيثمي فِي وَصفه انه مِمَّن توَحد فِي عصره بصناعة الشّعْر وبرع فِي الصناعتين فِي الْغَزل والنسيب وَكَاد ان يكون ثَانِي الحاجري فِي الرقة والتشبيب وَمن شعره أَيْضا فِي القهوة وَهُوَ تَشْبِيه حسن ... طَاف يسْعَى بقهوة مقَام ... شمس حسن سما بصبح الْمحيا كأسها الْبَدْر والحباب نُجُوم ... وَهِي ليل تجلى بكف الثريا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 وَمِنْه قد شربنا قهوة بنية ... وَلها شربنا غَدا بالنيه لَوْنهَا قد حكى أذايب مسك ... أَو زباد وسط الزباد الجلية ... وَمِنْه ... أتتتنا قهوة من قشر بن ... تعين على الْعِبَادَة للعباد حكت فِي كف أهل اللطف صرفا ... زباداً ذائباً وسط الزباد ... وَمِنْه أَيْضا على لسانها ... أَنا المعشوقة السمرا ... اجلى فِي الفناجين وعود الْهِنْد لي عطر ... وذكري شاع فِي الصين وَمِنْه أَيْضا ... مَا زلت أبْكِي حيرة الأجرع ... حَتَّى اسْتَغَاثَ الْغَيْث من ادمعي وددت من توديع أهل اللوى يَوْم النَّوَى لَو أَن قلبِي معي يابين مَا شِئْت امتحنن إِنِّي ... لَوْلَا فِرَاق الْجزع لم أجزع قد مستني ذكر عبير الْحمى ... حَتَّى قد مس معي مسمعي وَانْقطع الصَّبْر وَضاع القوى ... لكنما مد معي مدمعي يَا حادي الْبَين ترآى الْحمى ... فلعلع الْأَصْوَات فِي لعلعي لم أدر هَل صبح بدا بالسنا ... أم أسفرت ليلى عَن البرقع ... وَمِنْه ... سبا الْعُقُول بصاد جلّ فاطره ... وصاد قلب الْمَعْنى وَهُوَ فاطره غزال ربرب يغزل الجفن غازلنا ... وَقد غزاني ببيض السود ناظره فريد وصف تثنى قده هيفاً ... وماس تيهاً على الأغصان ناضره إِن صال بأعينه أَسد فرائسه ... أَو مَال مايسه فالقلب طَائِره نَبِي حسن بَدَت أنوار طلعته ... تهدي الَّذِي قد اضلته غدائره مَا مثله بشر فِي ثغره دُرَر ... فِي طرفه حور هاروت ساحره لم انس حِين وفا وَالْوَقْت فِيهِ صفا ... والصب بعد جَفا قد سر خاطره والهم منفرج وَالْقلب منبلج ... وَالرَّوْض مبتهج تزهو أزاهره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 وَبَات ينشدني والكأس سفي يَده ... بِذكر صبوحك أهنا الْعَيْش باكره ... وَمِنْه ... كل الْوُجُود تجليات جماله ... لَكِن بدا متحجبا بحلاله نورولا شَيْء سواهُ وَإِنَّهُم ... ظنُّوا السوى لتشكلات خياله لاتشهدن النَّقْص لَو فِي نقصا إِنَّمَا ... مرآته تجلى عَلَيْهِ بِحَالهِ فاطلب وَلَو أفنيت عمرك طَالبا ... فعساك أَن تحظى بكنز وصاله ... وَمِنْه ... زمن الْورْد روح جسم الزَّمَان ... وحياة النُّفُوس نبت الرُّمَّان فدعاني واودعاني بِحسان ... والقياني بَين القنان القيان كل حوراء تفتن الْحور حسنا ... وجمالا وزتزهو على الْولدَان بدر ثمَّ يُدِير بَين النُّجُوم ... فِي هِلَال الكؤوس شمس الدنان فِي رياض أرضي الْغَمَام ثراها ... فتراها قد زخرفت كالجنان سِيمَا وَالربيع حَيا فأحيا ... ميت الأَرْض بالحيا الفتان وَبدر السَّحَاب منثور در ... نظمته مباسم الاقحوان وتغنت بلابل الدوح لما ... ان تجلت عرائس الاغصان فتباهت وَشقت الارض شقاً ... وجلا الْغُصْن وردة كالدهان مَا أحيلى الصبوح بَين صباح ... فِي صباح أَتَى ببشر التهاني فِي رياض تجنت فَلهَذَا ... سلسلتها سلاسل الغدوان فاغتنم فرْصَة الزَّمَان وبادر ... قبل ان تَدور نَوَائِب الْحدثَان ولعمري مَا الْعُمر إِلَّا زمَان ... قد مضى بالمنا وغر الاماني وَمِنْه مورياً بالنغمات ... ركب الحجان صَعِيد عراقها ... فأثار نَار الشوق من عشاقها لما سرى لَيْلًا بسلمى قَاصِدا ... اهداه نَار ضاء من اشراقها شمس إِذا رفعت سَحَاب ردائها ... ابدت لنا القمرين من أطواقها عجبا لعَيْنِي كَيفَ أغرقها البكا ... وجوانحي تَشْكُو لظى حراقها مَا علم الْقمرِي ينوح بشجوه ... إِلَّا جريح ان من اشواقها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 وَمِنْه هَذَا التخميس ... حَبِيبِي زار فِي روض نزيه ... وجاد بِرُؤْيَة الْوَجْه الْوَجِيه ... وَحين سكرت بالأشجان فِيهِ ... سقاني خمرة من ريق فِيهِ ... وَحيا بالعذار وَمَا يَلِيهِ ... وانعم لي بوصال بعد صد ... وأقربني إِلَيْهِ بعد بعدِي ... وَبت وحيدة من فَوق زندي ... وسارت معانقي خداً بخد ... غزال فِي الْأَنَام بِلَا شَبيه ... وَأمسى الدَّهْر طَوْعًا فِي يدينا وَعين السعد ناظرة إِلَيْنَا ... وباتت شمسنا تجلى لدينا ... وَبَات الْبَدْر مطلعاً علينا ... سلوه لَا ينم على أَخِيه ... وَمِنْه هَذَا التخميس على الْبَيْتَيْنِ الْمَشْهُورين ... أَلا طاعات نَفسك فاجتنبها ... وساعات الْأَمَانِي فارتقبها ... وزردة منحة إِن تحتلبها ... إِذْ 1 ادرت نياقك فاحتلبها ... فَمَا تَدْرِي الفصيل لمن يكون ... تحذر من أمورك واحتكمها ... وَمن دنياك فَانْقَطع واتهمها ... وسفن الصَّبْر فارك واستلمها ... فان هبت رياحك فاغتنمها ... فان لكل خافقة سُكُون ... وَمِنْه هَذَا التخميس أَيْضا ... يَا من يروم من الْإِنْسَان رفقته ... ويرتجي من أهيل الود صحبته ... قد قَالَ قبلك من عانى عشيرته ... مَا فِي زَمَانك تصفو مودته ... وَلَا صديق إِذا خَان الزَّمَان وفا ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 فَلَا تعاشر فَتى يرميك فِي نكد ... وان رآك بِخَير مَاتَ من كمد ... فَلَا خلا جَسَد فِي الدَّهْر من حسد ... فعش وحيداً وَلَا تركن إِلَى أحد ... اني نَصَحْتُك فِيمَا قلته وكفا ... وفيهَا فِي رَجَب ختم صَحِيح البُخَارِيّ عِنْد الْأَمِير الصَّالح الفخان الحبشي بِقِرَاءَة الْعَلامَة القَاضِي جمال الدّين محجمد المهايمي وَعمل الفخان لختمه ضِيَافَة عَظِيمَة وَأَنْشَأَ القَاضِي المهايمي فِي فضل البُخَارِيّ خطْبَة وَذكر فِي آخرهَا الفخان قَرَأَهَا ذَلِك الْيَوْم على رُؤُوس الاشهاد وفيهَا سَافر وَالِدي من بروج إِلَى أحمج اباد وَقَامَ بهَا إِلَى ان توفّي وَكَانَ يَوْم دُخُوله إِلَيْهَا يَوْمًا مشهوداً وَخرج لاستقباله مِنْهَا من كَانَ بهَا من الوزراء وفيهَا صنع الاستاذ شيخ الاسلام جمال الدّين مُحَمَّد بن الاستاذ شيخ الْإِسْلَام أبي الْحسن الْبكْرِيّ ضِيَافَة عَظِيمَة لتطهير اولاده الْكِرَام وَاتفقَ فِي ذَلِك الْوَقْت اتمام دَار عمرها الاستاذ أَيْضا فانشأ الأديب البارع ابراهيم بن امبلط الْمصْرِيّ فِي ذَلِك قصيدة بديعة فِي بَابهَا فائقة بَين أترابها مُشْتَمِلَة على الْمعَانِي الغريبة ومكا وَقع فِي ذَلِك من الْأُمُور العجيبة مَعَ رقة الانسجام والجناس التَّام ... وَافق السعد فِي حماك السرورا ... وأمان الزَّمَان أرْخى الستورا فتمتع ونم وقم فِي قُصُور ... لم يصل وَاحِد إليهاقصورا ان رَآهَا الحسود يَوْمًا بِعَين ... يَنْقَلِب طرفه إِلَيْهِ خسيرا ان رب السَّمَاء اعطاك فِيهَا ... فَرحا عاطفا عَلَيْهِ سُرُورًا ودحى عَنْك حادثات اللَّيَالِي ... وَبنى بَينهَا وَبَيْنك سورا لَا تخف ان سَمِعت طَارق ليل ... فَهُوَ بِالْخَيرِ قد اتاك بشيرا مَا لهَذَا الْبَنَّا فِي الْحسن واللطف ... وان كَانَ وَاسِعًا وكبيراً أسسوه على التقى فَلهَذَا ... هُوَ بِالْخَيرِ لم يزل معموراً شكر الله سعي من قد بناه ... انه كَانَ سَعْيه مشكورا ستوفى لَك الأجور بِمَا ... وفيت للصانعين فِيهِ الأجورا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 .. فبإتمتامه اقم فِي هناءٍ ... وبختن الْبَنِينَ عش مَسْرُورا قطعت سرة لَهُم قبل هَذَا ... لَكِن الْآن طهروا تَطْهِيرا وَسَيَأْتِي زواجهم عَن قريب ... فتأهب لَهُ واعط المهور ا صَاحِبي أحضرا وَلِيمَة ختن ... ودعا عنكما محالا وسرورا وانظرا مجمعا لَهُم ضم خلقا ... لَيْسَ يُحْصى أعدادهم تكثيراً عَالما صَالحا أَمِيرا كَبِيرا ... قَاضِيا ساهداً غَنِيا فَقِيرا فَيَقُول الْفَقِيه عني استنيبوا ... فِي جهاتي وعطلوها شهورا فجهاتي مَشْغُولَة عَن جهاتي ... ولي الْعذر إِن تركت الحضورا والاصولي قَائِل بِي اضطرار ... وتبيح الضَّرُورَة المحضورا وَيَقُول الْخَطِيب للنَّاس جَهرا ... يَا أولي الْجد شمبروا تشميرا وَيَقُول القَاضِي وللأكل يُوفي ... كَانَ ذَلِك فِي الْكتاب مسطورا قد دَعَاني ولي أَمْرِي ... وَعِنْدِي يسْتَحق الْمُخَالف التعزيرا وَتقول الشُّهُود جِئْنَا نُؤَدِّي ... مَا علينا ونترك التاخيرا وَتقول الْقُرَّاء عنوان خير ... نَحن فِي رزقنا نرى التيسيرا وَيَقُول الْمجِيد علم لُغَات ... بل لجرعان تعرفُون نظيرا والعروضي لَا يقطع إِلَّا فِي ... لُحُوم وَلم يقطع بحورا وأخو النَّحْو قد أَعْلَاهُ اخْتِلَاط ... فَهُوَ يُبْدِي ضَمِيره المستورا ... ويجر المصوب من غير سوغ ... ثمَّ من بعد يرفع المجرورا جملَة الْأَمر انهم ابصروا مَا ... حير الْعقل مِنْهُم تحييرا رق قلبِي على رغيف سيواط ... حِين أَبْصرت قلبه مكسورا وقباب الْحَلْوَى الَّتِي عرضوها ... عَن جموع السَّلامَة التكسيرا والعزيزي من إياد طوال ... خَافَ فازداد لَونه تصفيرا وَلكم فِي السماط رَأس سميط ... وسليخ قد اسْتَوَت تخميرا ودجاج معلوفة وأوز ... كَانَ مِنْهَا الصُّدُور تشفي الصدورا جمع الطَّيِّبَات طولا وعرضاً ... ولعمري يسْتَوْجب التصديرا شبع النَّاس كلهم مِنْهُ أكلا ... وانتهابا وَلم يزل مَسْتُورا وَالَّذين اعتنوا بِنَقْل قراهم ... ينقلون الصَّحِيح والمشهورا رَضِي الله فِيهِ من نقباء ... قد أجادوا التصريف والتدبيرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 .. فَإِذا أبصروا بأيدي نابصيه ... لم يظهروا تَأْثِيرا وَإِذا قَالَ قَائِل لنقيب ... مَا تراهم يَقُول كن ستيرا وَإِن هَذَا رزق حَلَال ... مُبَاح وَرَأى مَنعه لَهُم مَحْظُورًا كم أُلُوف من فضَّة وَكَذَا من ... ذهب قدرت لَهُ تَقْديرا لم يكن دِرْهَم ولادينار ... مستعداً لَهُم وَلَا مصرورا بل من الله قد أَتَت وبحمد ... انفقت فِي الهنا وعادت أجورا وَلكم أوقدت مصابيح نور ... فِيهِ حَتَّى بدا الصَّباح منيرا تشبه النَّجْم كَثْرَة وارتفاعاً ... وضياء على الْأَنَام ونورا فِي لَيَال بدابها قمر الْأُفق ... منبرا فزادها تنويرا وشموع كَأَنَّهَا الفات فِي ... طروس الظلام خطت سطورا كلما مس نوره الرّيح أَمْسَى ... كلسان بَين الشفاه أديرا والحرقات فِي المراكب ترمي ... شرراً من قراضة مُسْتَطِيرا صَنْعَة الكيميا فِي الرّفْع والخفض ... ترينا التصعيد والتقطيرا كمروق السِّهَام دفعا ورفعاً ... وبروق السَّمَاء لاحت ظهورا أَو كَمَا فر طَائِر فر حَسْبَمَا ... فعلا شاهقاً وَجَاوَزَ سورا أَو كحلي فِي رَأسه شربوس ... قد تبدا مقرعاً منشورا أَو كَمَا قرطت سلاسل در ... وبدا حب عقدهَا منثورا أَو كَمَا تبذر الْحُبُوب لزرع ... أَو كَمَا تنفخ الشفاة القشورا أَو كخشخاشة بكف صَغِير ... لم يجد أكلهَا فصب البزورا أَو كَمَا تنثر النُّقُود نقوطاً ... أَو كَمَا تخرجد الرياض زهورا وَلكم فصلت ثِيَاب حَرِير ... وَغدا فِي اختلافها الْأَمر شورا وَلكم اطلقت صنوف بخور ... وشممنا نشراً لَهَا وعبيرا وَلكم سكر نقي مذاب فِي ... الْأَوَانِي مكوراً تكريرا وَترى النَّقْل والفواكه والحلوى ... لجمع الورى أعدت فطورا وَلكم قد أدير القهوة بن ... وسقينا مِنْهَا شرابًا طهُورا من تعاطى مِنْهَا شهاراً جهاراً ... لَا يرى فِي الورى عَلَيْهِ نكيرا وخيام مَنْصُوبَة لَا يرى من ... حل فِيهَا شمساً وَلَا زمهريرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 .. وَتَوَلَّى فِينَا ملك جَدِيد ... دَامَ فِينَا مؤيداً منصورا وَله بالحلى زينت الدُّنْيَا ... واثرت ملابساً وستورا إِن أردْت اللحاظ تلق حَرِيرًا ... أَو أردْت الْجُلُوس تلق سريرا واكتسى الرَّوْض من بَدَائِع صنعا ... موشى محبرا تحبيرا واكتست خضبة من الْخلْع الْخضر ... الَّتِي فَضلهَا غَدا مجرورا وأجادت رقصاً باكمام زهر ... عطر الْكَوْن نشرها تعطيرا وفصاح الطُّيُور غنت بلحن ... وَأجَاب المطوق الشحرورا ولجمع الأتراك يَوْم عَظِيم ... كَانَ يحوي الْأَمِير والمأمورا والأغاوات والصناجق إِلَّا صَاحب ... السعد مَا اسْتَطَاعَ الحضورا ودعا السَّادة الْبَنِينَ وَأَعْطَاهُمْ ... من المَال مبلغا مصرورا وكساهم ملابس فاخرات ... صيرت خاطراً لَهُم مجبورا بعد اجلالهم بِحسن تلقيه ... واحلا لَهُم محلا اثيرا ثمَّ قَاضِي الْقُضَاة جَاءَ و ... ابْتَاعَ لَهُ كَانَ جمعهم موفورا والأمير الْمُعظم دفتر دَار مصر يُعْطي الْوُقُوف الكثيرا وَيَقُول انْظُرُوا لعبد ولاكم ... خدمَة فالأمير لَيْسَ أَمِيرا أدباً مِنْهُ واحتشاماً ولطفاً ... زَاده فِي مقَامه تَكْبِيرا ومماليك صَاحب السعد جَاءُوا ... جلّ من قد براهم تصويرا نَحْو سبعين وَثَمَانِينَ شخصا ... كل شخص يَحْكِي الْقَضِيب النضيرا بالحياصات والعصائب صيغت ... من نضار صفا وأشرق نورا والمزامير والطبول بأيدي ... من يجيد التطبيل والتزميرا فغدا يَوْم جمعهنم وَهُوَ يَحْكِي ... بهم يَوْم موكب مَشْهُورا ثمَّ كَانَت لَهُم نَهَارا وليلاً ... زفف تجمع الموَالِي الصدورا من أولى الْخَيْر وَالصَّلَاح وَأهل ... الْعلم زيدوا على الورى توفيرا وَمن السَّادة الموقعين وَأَصْحَاب ... الدَّوَاوِين كَانَ جماً غفيرا وَجَمِيع الْكتاب إِلَّا قَلِيلا ... وَجَمِيع التُّجَّار إِلَّا يَسِيرا ثمك بَاقِي الْأَنَام إِلَّا كَبِيرا ... أَو رَضِيع ثدي صَغِيرا قلت لَوْلَا جمَالهمْ بِثِيَاب ... لحكى الْبَعْث جمعهم والنشورا وتصور الشموع والزهر فاقت ... كثرا واستوق بهَا تَقْديرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 وزهت باخْتلَاف شكل ... ولون زَادهَا فِي جمَالهَا تزهيرا ثمَّ فِيهَا الجنائب الغر تزهو ... بلبوس قد شهرت تشهيرا من خُيُول مسومات جِيَاد ... عاليات وغاليات مهورا وَلمن زف مَعَ بنيه صغَارًا ... وكطساهم من اللبَاس حَرِيرًا وَتَوَلَّى أجر الْحساب لَهُم عَن ... والديهم يَبْغِي بِذَاكَ الأجورا ثمَّ فِي سَابِع الْخِتَان لَهُم ... كَانَ مُهِمّ ضاهى المهم الكبيرا فِي اجْتِمَاع وَفِي مصابيح نور ... عمرت حِين أشبعت تعميرا وسماط مركب طَبَقَات ... كم حوى طيبا وَحَازَ حنورا فِيهِ لَا يعبر اوصف عَنهُ ... فَلِذَا أطبقوا عَلَيْهِ حبورا قاسه كل ذِي ذِرَاع طَوِيل ... فَرَآهُ محرراً تحريرا أمنُوا عِنْده رقيبا نَقِيبًا ... وحسود الْأكل وغيورا والمشاهير بِالدُّخُولِ من القرا ... والواعظين كَانُوا حضورا يقرأون الْقُرْآن طوراً وطورا ... ينشدون الموشح المشهورا فظفرنا مَعَهم باحياء ليل ... كَانَ بِالْخَيرِ كُله معمورا كَانَ هَذَا المهم حاوي مهمات ... عِظَام يحْتَاج شرحا كَبِيرا نَحْو شهر يقالم فِي كل يَوْم ... فَرح كَامِل عديم نظيرا مَعَ غلاء الأقوات سعراً ... وَإِذ لَا يقْضِي حكم حَاكم تسعيرا يَا لتِلْك الليال حسنا وطيباً ... ليتها مَا انْقَضتْ ودامت شهورا تمّ فِيهَا السرُور من كل وَجه ... ومحى صفو عيشها التكديرا وبلغنا من الزَّمَان الْأَمَانِي ... وَأمنا الْمخوف والمحذورا لسرور الْأُسْتَاذ من سخر الله ... لَهُ الْكَوْن كُله تسخيرا وأفاض الآله مِنْهُ علينا ... نعما جمة وفضلاً كَبِيرا وكراماته غَدَتْ بَيِّنَات ... لَيْسَ تخفى على الْأَنَام ظهورا من أَبُو بكر الإِمَام لَهُ جد ... وَقد كَانَ للنَّبِي نَصِيرًا ورفيقا وَصَاحب وأنيساً ... من عَدو فِي الْغَار يَأْتِي مغيرا حَاز إِسْنَاده علو ورفعاً ... دَرَجَات على الْأَنَام وفورا أَخذ الْعلم عَن أَبِيه عَن الصّديق ... عَن سيد اورى مأثورا لَا تَجف عين علمه عين ضد ... فَهِيَ عين قد فجرت تفجيرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 .. سَيِّدي هَذِه هَدِيَّة عبد ... من فريض قد غاص فِيهِ البخورا لَو رَأَتْ درة النفيس الغواني ... نظمته وقلدته النحورا فِيهِ لب حُلْو المذاق وقشر ... فَخذ اللب مِنْهُ وارم القشورا مزج الْجد مِنْهُ بِالْهَزْلِ كَيْمَا ... بانتقالاته يرى مجبورا عذره فِي تأخيرره رمد فِي ... عَيْنَيْهِ لم يزل مَعْذُورًا وشعاري التَّأْخِير دأباً وَمعنى لم أزل فِي الورى بِهِ مغيورا وَعَسَى أَن يحصل بِي نظر مِنْك ... فَيلقى التَّقْدِيم والتأخيرا دمت فِي الْعَالمين عمرا طَويلا ... كل عَام تنشي مهما كَبِيرا وَبقيت الزَّمَان مُجْتَمع الشمل ... بأولادك الْجَمِيع قريرا بالوالي أبي السرُور وتاج الدّين ... والعارفين عاشوا دهورا ثمَّ عبد الرَّحِيم أَيْضا وزين ... العابدين الَّذِي اسْتحق الظهورا وأخيهم أبي الْمَوَاهِب ثمَّ الأ ... عملا صَالحا وعلماً غزيرا قد حَضَرنَا ولائماً لَيْسَ تحصى ... وَشَهِدْنَا جمع الْأَنَام الكثيرا مَا رَأينَا وَلَا سمعنَا بِشَيْء ... مثل هَذَا واسأل بِذَاكَ خَبِيرا وَلَقَد قيل أرخوه فَقُلْنَا ... فَرح مبهج الْقُلُوب سُرُورًا وَصَلَاة من رَبنَا وَسَلام ... لنَبِيّ إِلَى الْأَنَام بشيرا مَا أُقِيمَت فِي شرع طه بمُوسَى ... سنة للخليل يهدي السرورا ... سنة خمس وَسبعين بعد التسْعمائَة (975) هـ وَفِي لَيْلَة الْأَحَد بعد صَلَاة الْمغرب حادي عشر رَجَب الْفَرد الْحَرَام سنة خمس وَسبعين توفّي شيخ الْإِسْلَام مفتي الْأَنَام علم الْأَئِمَّة الْأَعْلَام مُحَرر الْمَذْهَب وطراز الْمَذْهَب أستاذ الْمُحَقِّقين سراج الظلمَة نَاصِر السّنة المحمدية بالحجيج السّنيَّة والبراهين المضيئة أَبُو الضياء عبد الرَّحْمَن ابْن عبد الْكَرِيم بن إِبْرَاهِيم بن عَليّ بن زِيَاد الغيثي المقصري نِسْبَة إِلَى المقاصرة بطن من بطُون عك بن عدنان الزبيدِيّ بَلَدا ومولدا ومنشأ الشَّافِعِي مذهبا الْأَشْعَرِيّ مُعْتَقدًا الْحكمِي خرقَة اليافعي تصوفاً وَفِي ذَلِك يَقُول رَحمَه الله ... أَنا شَافِعِيّ فِي الْفُرُوع ويافعي ... فِي التصوف أشعري المعتقد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 .. وبذا أدين الله القاه بِهِ ... أَرْجُو بِهِ الرضْوَان فِي الدُّنْيَا وغد ... وَصلى عَلَيْهِ وَلَده مفتي الْمُسلمين مُفِيد الطالبين الشَّيْخ الإِمَام عبد السَّلَام بعد صَلَاة الصُّبْح بالجامع المظفري بزبيد ثمَّ حمل على رُؤُوس الجم الْغَفِير وانسكب عَلَيْهِ الدمع الغزير وَدفن إِلَى جنب وَالِده بمقبرة بَاب القرتب من مَدِينَة زبيد وَكَانَ لَهُ مشْهد عَظِيم لم تَرَ الْأَعْين مثله رَحمَه الله وَرَضي عَنهُ آمين آمين وَخَلفه بعده على الافتآء والتدريس وَلَده الْمَذْكُور وَقدمه فِي ذَلِك الْجُمْهُور وَأفْتى ودرس إِلَى أَن ناخ بِبَاب مَوْلَاهُ وعرس كَانَ الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الْمَذْكُور شَافِعِيّ الزَّمَان انْتَشَر ذكر فَضله فِي الْآفَاق قصدته الفتاوي من شاسع لبلاد وَضربت إِلَيْهِ آباط الْإِبِل من كَا نَاد للأخذ عَنهُ والاقتباس مِنْهُ ولد رَحمَه الله فِي شهر رَجَب الْحَرَام سنة تِسْعمائَة رَأس الْقرن حفظ الْقُرْآن عَن ظهر الْغَيْب على وَالِده ثمَّ الْإِرْشَاد فِي الْفِقْه والعلامة مُحَمَّد وأخيه أَحْمد ابْني مُوسَى الصنجاعي وَشَيخ الْإِسْلَام أَحْمد المزجد وتلميذه شيخ الْإِسْلَام أبي الْعَبَّاس أَحْمد ابْن الطّيب الطبنداوي وَبِه تخرج وانتفع واذن لَهُ فِي التدريس والإفتاء فدرس وافتى فِي حَيَاته وَصحح لَهُ اجوبته واخذ فِي التَّفْسِير والْحَدِيث وَالسير على الإِمَام الْحَافِظ الضَّابِط وجيه الدّين بن الديبع وعَلى الْفَقِيه مُوسَى بن عبد اللَّطِيف المشرع وَأخذ فِي الْفَرَائِض على الشَّيْخ الْعَلامَة فَرد زَمَانه وَشَيخ شُيُوخ أَوَانه الصّديق الْغَرِيب الْحَنَفِيّ وَأخذ فِي الْأُصُول على الْفَقِيه الزَّاهِد الْعَارِف بِاللَّه المفتن جمال الدّين يحيى قتيب والعربية عَن الْفَقِيه الصَّالح الْفَاضِل المقرء مُحَمَّد مفضل اللحياني وجد واجتهد إِلَى أنرأى النَّفْع وَوجد وطالعالكتب مختصرها ومبسوطها حَتَّى صر عينا من أَعْيَان الزَّمَان يشار إِلَيْهِ بالبنان وتعقد عَلَيْهِ الخناصر وتلمذ لَهُ الأكابر وَفِي سنة اثْنَيْنِ وَأَرْبَعين وَتِسْعمِائَة حج إِلَى بَيت الله الْحَرَام وزار قبر النَّبِي عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام وَاجْتمعَ بفضلاء الْحَرَمَيْنِ ودرس فِي الْحَرَمَيْنِ بِمحضر م أَعْيَان البلدتين الشريفتين كمفتي الْحجاز شيخ الْإِسْلَام عبد الْعَزِيز الزمزمي وَأَمْثَاله وَكَانَ يَقُول شربت من زَمْزَم لثلاث لأرجع إِلَى بلدي وَاجْتمعَ بوالدي واشتغل بالافتاء وليرضى الله عني فَوجدت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 خَصْلَتَيْنِ رجعت إِلَى بلدي وَاجْتمعت بوالدي وَعمر بعد ذَلِك زَمَانا طَويلا واشتغل بالإفتاء من سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَتِسْعمِائَة بعد وَفَاة شَيْخه أبي الْعَبَّاس الطبنداوي وَكَانَ يَقُول أَرْجُو ان ألْقى الثَّالِثَة وَمَا ذَلِك على الله بعزيز وَلما مَاتَ شَيْخه الْمَذْكُور تصدر للتدريس والإفتاء اسْتِقْلَالا وصنف ودرس الْفِقْه بالجامع الْكَبِير بزبيد بمدرسة الوهابية والأشرفية والوثاقية من مدارس زبيد وَله تدريس الحَدِيث بِجَامِع الباشا مصطفى النشار بزبيد أَيْضا وَكَانَ من الْفقر على جَانب عَظِيم بِحَيْثُ لَا يملك إِلَّا شَيْئا يَسِيرا من الْكتب وَكَانَ غَالب أوقاته كَمَا كَانَ يخبر عَن نَفسه انه يصبح وَلَيْسَ عِنْده قوت يَوْمه وَهُوَ مَعَ ذَلِك لَا يتْرك التدريس وَيسْعَى بعد تَمام الدَّرْس فِي تَحْصِيل قوت يَوْمه وَأخْبر رَضِي الله عَنهُ أنارأته وضعت لَيْلَة وَلم يكن عِنْده مِمَّا يعْمل لذات النّفاس ولولدها حَتَّى عجز عَن الْمِصْبَاح فِي تِلْكَ اللَّيْلَة وَبَاتُوا كَذَلِك وَكَانَ تدريسه عَن تَحْقِيق ومباحثه فِي نِهَايَة التدقيق لَا يقْعد للتدريس حَتَّى يطالع الْكتب المبسوطة كالوسيط وَالْخَادِم والكوكب الْوَقَّاد وحاشية السمهودي وَالرَّوْضَة وَقد يقْعد أَيَّامًا يعْتَذر عَن التدريس لعدم المطالعة وطريقته انه يجمع الدرسة على درس وَاحِد من أول النَّهَار إِلَى مُضِيّ ربعه يذكر الدَّلِيل وَالْعلَّة وَمَا تفهمه الْعبارَة ومايرد ليه وَمن وَافق وَمن خَالف فِي المصنفات والفتاوي والنكت والحواشي وتحضر فِي التدريس الْكتب المبسوطة تورد عَلَيْهِ الطّلبَة الابحاث والاشكالات فَمَا رأى من صَوَاب قَرَّرَهُ وَمَا لَا فَلَا وَيطول الْمجْلس بالمشاطرة بَين تلامذته فِي الابحاث عَن الْقَوَاعِد وعبارات الْأَصْحَاب وَرُبمَا كَانَ يجلس من أَوله إِلَى آخِره على مَسْأَلَة وَاحِدَة وَرُبمَا قَامَ الشَّيْخ من مَجْلِسه وأشكال الْمَسْأَلَة مَا ارْتَفع فيحله فِي مجْلِس آخر لِأَنَّهُ كَانَ وقافا عِنْد الاشكالات وَرُبمَا تمر ايام فِي تَحْقِيق مَسْأَلَة وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة تدريس الْمَذْهَب لَا كتاب لِأَنَّهُ كَانَ يَقُول رَحمَه الله أَنا ادرس الْمَذْهَب لَا كتاب وَكَانَ تدريسه فِي الْأُسْبُوع السبت والأحد وَالثُّلَاثَاء وَالْأَرْبِعَاء وَله درس فِي الحَدِيث بمنزله بعد صَلَاة الْعَصْر جَمِيع الْأُسْبُوع لم يتْرك غير عصر الْجُمُعَة وَختم عَلَيْهِ فِي ذَلِك الْمجْلس كتب عديدة من التفاسير والْحَدِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 وَالسير وَغير ذَلِك وَفِي شهر رَجَب وَشَعْبَان ورمضان يقْرَأ عَلَيْهِ صَحِيح البُخَارِيّ بالجامع المظفري بزبيد بِحَضْرَة الجم الْغَفِير من الْعلمَاء والطلبة وَغَيرهم بِأَيْدِيهِم النّسخ العديدة نَحْو الْأَرْبَعين نُسْخَة وَبَين يَدَيْهِ هُوَ فتح الْبَارِي وَقد اخبر رَضِي الله عَنهُ انه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْعينِ الشحمية والسكينة وَالرَّحْمَة مَا لم ير فِي مجْلِس غَيره وَيكون ختم هَذَا الدَّرْس صبح الْيَوْم التَّاسِع وَالْعِشْرين من رَمَضَان ويحضر الْخَتْم جمع عَظِيم من الْخَاص وَالْعَام وأمير الْبَلَد وقضاة الشَّرْع وأجناس مُخْتَلفَة من بوادي زبيد وَيكون جمعا حفيلاً مشهود الْخَيْر وَالْبركَة وينشد فِيهِ القصائد المبتكرة وَتظهر بركَة الْمجْلس على من حضر وَكَانَ يبتدي مجْلِس الدَّرْس بِالْفَاتِحَةِ وَآيَة الْكُرْسِيّ وَيس وتارك وَالْإِخْلَاص والمعوذتين وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالدُّعَاء وَقصد للْفَتْوَى المشكلة من الْحَرَمَيْنِ الشريفين وَأَرْض الْهِنْد والحبشة وحضرموت وَقد يقْصد لَهَا من الْبَلَد الَّتِي هِيَ زبيد فَلَا يعجل بالكتب عَلَيْهَا ويمهل فِيهَا مُدَّة كلَاما أَو على نظيرها يَطْلُبهُ وَلَا يكْتب عَلَيْهَا حَتَّى يقف عَلَيْهِ ويبحث فِيهَا مَعَ أَصْحَابه وَغَيرهم من أهل الْمَذْهَب وَيَأْمُرهُمْ بالتفتيش وَالِاجْتِهَاد وَيَأْخُذ مَا عِنْد كل وَاحِد وينازله على فهمه ويبحث مَعَه فَيرد مَا يرد وَيقبل مَا يقبل ويدأب فِي ذَلِك ويدأب الطّلبَة وَإِذا كَانَت الْمَسْأَلَة مشكلة جدا أَو مهمة جمع عَلَيْهَا كَلَام الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين وَكتب عَلَيْهَا مؤلفاً وَكلما ذَكرْنَاهُ عَنهُ من هَذَا الِاجْتِهَاد والتوقف والمهل والفحص والبحث والمناظرة والمنازلة وَالْقَبُول وَالرَّدّ من الْوَرع وَالِاحْتِيَاط فِي الدّين وَحصل بَينه وَبَين جمَاعَة من أهل عصره مخالفات ومشاحنات فِي مسَائِل ولشيخ الْإِسْلَام ابْن حجر الهيتمي مفتي مَكَّة وَغَيره وكل مِنْهُم ألف وَبرهن على مَا يَقُول وَهُوَ يؤلف وَيرد عَلَيْهِم فِي مؤلفاته وفتاواه ينْقل عبابات الْأَصْحَاب برمتها وألفاظها ويعيب على من يحذف مِنْهَا أَو يلخصها حَتَّى بلغت مؤلفاته فِي ذَلِك نيفاً وَثَلَاثِينَ مؤلفاً وَفِي سنة أَربع وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة نزل فِي عَيْنَيْهِ مَاء فَكف بَصَره فاحتسب وَرَضي وَقَالَ مرحبة بموهبة الله وجاءه قداح فَقَالَ لَهُ أنقشك ويصطلح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 بَصرك وَقَالَ بعض أهل اثروة وَأَنا أنْفق عَلَيْك وعَلى عِيَالك مُدَّة ذَلِك فَامْتنعَ وَقَالَ شَيْء البسنيه الله بِهِ لَا أتسبب فِي ابطاله وَمَعَ ذَلِك لم يفقد شَيْئا من أَحْوَاله وَكَانَ على مادته فِي التصنيف والافتاء والتصنيف يَأْمر وَلَده بالفتش وَيُشِير إِلَى المظنات وَيقْرَأ عَلَيْهِ فيقرر الحكم وأستمر على تدريسه على عَادَته فِي الْجَامِع وَغَيره من الْمدَارِس الَّتِي ذَكرنَاهَا قبل وَإِذا ورد عَلَيْهِ سُؤال قرئَ عَلَيْهِ فيتأمله ثمَّ يَأْمر بفتش المظان وأسماعه إِيَّاهَا فَينزل السُّؤَال على ذَلِك ثمَّ يَأْمر بالكتب وَألف مؤلفاته وَهُوَ على حَالَة الْعَمى وَله فتاوي مؤسصسة على التَّحْقِيق قَالَ تِلْمِيذه الْعَلامَة القَاضِي عمر بن عبد الْوَهَّاب النَّاشِرِيّ رَحمَه الله تَعَالَى قرأتها عَلَيْهِ جَمِيعهَا بِحَضْرَة الْجُمْلَة من مَشَايِخ الْعلم وَغَيرهَا من الطّلبَة وامرني ان اتتبع مَا شَذَّ مِنْهَا وَلم يدْخل فِي الْفَتَاوَى وقرأتها عَلَيْهِ وصححتها لَدَيْهِ قَالَ وَله مؤلفات قَرَأت عَلَيْهِ بَعْضهَا انْتهى قلت اما مصنفاته فَتَحْرِير الْمقَال فِي حكم من خبر بِرُؤْيَة هِلَال شَوَّال وَحَاصِله وجوب الافطار على من اخبر بِرُؤْيَة شَوَّال إِذا اعْتقد صدق الْمخبر وَحصل بَينه وَبَين الْعَلامَة إِسْمَاعِيل الْعلوِي فِي هَذِه الْمَسْأَلَة مُنَازعَة والف الْعلوِي كتابا فِي عدم الْجَوَاز لَكِن وَافق ابْن زِيَاد أهل الْيمن وَمَكَّة ومصر وَغَيرهم وَمن مؤلفاته إِثْبَات سنة رفع الْيَدَيْنِ عِنْد الإحرامك وَالرُّكُوع والاعتدال وَالْقِيَام من الرَّكْعَتَيْنِ وَكتاب فتح المبي فِي أَحْكَام تبرع الْمَدِين والمقالة الناصة على صِحَة مَا فِي الْفَتْح والذيل وَالْخُلَاصَة وَهَذِه الثَّلَاثَة التآليف بِسَبَب مَا وَقع بَينه وَبَين ابْن حجر لم يُوَافق ابْن زِيَاد بل صنف كتابا آخر فِي عدم بطلَان تبرع الْمَدِين فَعِنْدَ ذَلِك رد عَلَيْهِ وجيه الدّين بِكُل من الثَّلَاثَة الْكتب وَله كتاب النخبة فِي الاخوة والصحبة وَكتاب فتح الْكَرِيم الْوَاحِد فِي انكار تَأْخِير الصَّلَاة على ائمة الْمَسَاجِد والادلة الْوَاضِحَة فِي الْجَهْر بالبسملة وانها من الْفَاتِحَة وَهُوَ كتاب حافل مُشْتَمل على مَنَاقِب الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة والتقليد واحكام رخص الشَّرِيعَة وَذَلِكَ مِمَّا لَا غناء للفقيه عَن تَحْصِيله وَكتاب إِقَامَة الْبُرْهَان على كمية الترا وَيْح فِي رَمَضَان وكاب الرَّد على من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 اوهم ان ترك الرَّمْي للْعُذْر يسْقط الدَّم وَكتاب تَجْدِيد الْأَئِمَّة الْإِسْلَام من تَغْيِير بِنَاء الْمَسْجِد الْحَرَام وَالْجَوَاب الْمُحَرر فِي أَحْكَام الْمسْقط المحذر وبغية المشتاق فِي تَصْدِيق مدي الانفاق وكشف الْغُمَّة عَن حكم الْمَقْبُوض عَمَّا فِي الذِّمَّة وَكَون الْملك فِيهِ مَوْقُوفا عِنْد الْأَئِمَّة ومزيل العنا فِي أَحْكَام الْغِنَا والأجوبة المرضية عَن الأسئلة المكية وَالْجَوَاب المتين عَن السُّؤَال الْوَارِد من الْبَلَد الْأمين وَحل الْمَعْقُود فِي أحجكام الْمَفْقُود وَفصل الْخطاب فِي حكم الادعاء باتصال الثَّوَاب وإيضاح النُّصُوص المفصحة بِبُطْلَان تَزْوِيج الْوَلِيّ الْوَاقِع على غير الْحَظ والمصلحة وايراد النقول الذهبية عَن ذَوي التَّحْقِيق فِي أَنْت طَالِق على صِحَة الْبَرَاءَة عَن صقيع الْمُعَارضَة لَا التَّعْلِيق وإسعاف المستفتي عَن قَول الرجل لامْرَأَته أَنْت أُخْتِي وسمط اللآل فِي كتب الْأَعْمَال وافصاح الدّلَالَة فِي ان الْعَدَالَة الْمَانِعَة عَن الشَّهَادَة بِجَامِع الْعَدَالَة وكشف النقاب عَن أَحْكَام الْمِحْرَاب وَله رِسَالَة فِي القات والكفته والقهوة والبن وَجَمِيع المخدرات الْمُبَاحَة والمكروهة وَالْحرَام وَغير ذَلِك منالمؤلفات العديدة والفتاوي لالمفيدة قَالَ الْعَلامَة مفتي الْعَصْر أَحْمد بن النَّاشِرِيّ أبقاه الله تَعَالَى قَالَ الْعَلامَة مُحَمَّد بن أبي الْقَاسِم جغمان مؤلفات ابْن زِيَاد أَكثر تَحْقِيقا من كتب ابْن حجر الهيتمي وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا كَانَ إِلَّا نووي الزَّمَان وَوَاحِد هَذَا الشَّأْن ملازماً لبيته ومسجده لَا يخرج إِلَّا لصلاته وتدريس مُنْقَطِعًا عَن النَّاس محبوباً إِلَيْهِم تزدحم النَّاس على تَقْبِيل يَده بعد صَلَاة الْجُمُعَة والتمسح بِهِ والتماس بركته وتقصده الْعلمَاء والكبراء والامراء والوزراء والفقراء والأغنياء إِلَى منزلهللتبرك بِهِ وبدعائه وَكَانَ مسموع الْكَلِمَة لَا ترد شَفَاعَته وَكَانَ سريع الدمعة مجاب الدعْوَة حسن العقيدة فِي أهل الله الصُّوفِيَّة وصالحيهم اذا اجْتمع بِأحد مِنْهُم التمس منهادعاء والمؤاخاة ويعتقد بالمجاذيب إِلَى الله تَعَالَى ويذاكر أهل التصوف فِي كَلَام الْقَوْم فيستفيدون مِنْهُ ويعتقد بمحيي الدّين ابْن عَرَبِيّ ويثني عَلَيْهِ وعى كَلَامه وَيفتح عَلَيْهِ فِيهِ بذوق عَظِيم وَمَا جالسه أحد إِلَّا واستفاد مِنْهُ وَتعلم وتأدب واتعظ وَكَانَ شَدِيد التَّأْلِيف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 بَين الطّلبَة يؤدبهم بِلِسَانِهِ وحاله ويزهدهم فِي الدِّينَا وَيكرهُ لَهُم الِاشْتِغَال بهَا ويزجرهم عَن مجالسة الْجُهَّال وَأهل الْأَهْوَاء وَلَا يرضى لَهُم الترشيح لوظائف الْأَحْكَام وَيَأْمُرهُمْ بالتحلي بحلية الْكَمَال ويحثهم على الِاشْتِغَال بِالْعلمِ ومطالعة الْكتب المبسوطة وَلَا يرضى لَهُم بالاقتصار على المختصرات ويستعين يهم على المشكلات المدلهمة والفتاوي المعضلية المهمة وكل ذَلِك بِسَبَب الألفة لقُلُوبِهِمْ وَإِلَّا فهم لَا يُنكرُونَ استغناءه عَنْهُم ورسوخ الْعلم فِي قلبه وَقد بشر بِهِ بعض الصَّالِحين قبل مولده أخبر وَالِده عبد الْكَرِيم رَحمَه الله أَنه دخل مَسْجِدا بزبيد يُقَال لَهُ مَسْجِد الزيالع قَالَ قصدت ذَلِك الْمَسْجِد الْمَذْكُور يتأملني من ورائي فَقَالَ لي يَا فَقِيه تقرا فِي الْعلم فَقلت لَا فَقَالَ لَو قَرَأت لَكُنْت منصفا فقما بلغ وَلَده وَهُوَ كانيحكي بِهَذِهِ الْحِكَايَة وَيَقُول كَأَنَّهُ رأى عبد الرَّحْمَن فِي صلبي قلت وَلَا يبعد ذَلِك على أهل الله تعلى فقد أذكرتني هَذِه الْحِكَايَة مَا نقلته عَن خطّ الْحَافِظ الْمسند أَمَام الحَدِيث النَّبَوِيّ بزبيد أقضى الْقُضَاة مجد الدّين الشِّيرَازِيّ صَاحب الْقَامُوس أَحْمد بن عبد اللَّطِيف الشرجي وَصُورَة ذَلِك حكى لي حفظه الله وأبقاه وَالْإِشَارَة بذلك إِلَى الْمجد الْمَذْكُور إِنَّه دخل فِي بعض السنين مَدِينَة قُم فَسمِعت بِأَن كتبا تعرض للْبيع فَذَهَبت إِلَى بَيت صَاحبهَا فَأَدْخلنِي وأحضر الْكتب بَين يَدي ومددت يَدي إِلَى كتاب مِنْهَا وفتحته فَإِذا هُوَ بِخَط أبي فَقلت هَذَا خطّ وَالِدي فَقَالَ مَا أسم والدك فَقلت يَعْقُوب ابْن ابراهيم الفيروزابادي قَالَ فَقَامَ الرجل إِلَيّ وَقبل راسي وَقَالَ صدقت كَأَن جَاءَنِي والدك فِي بعض السنين إِلَى غَار من مغارات هَذَا الْجَبَل وَأَنا مُنْقَطع إِلَى الله فِيهِ لِلْعِبَادَةِ فَأَقَامَ عِنْدِي أَيَّامًا وَنسخ لي هَذَا الْكتاب فِيهِ وَكَانَ يخدمني ويتعبد معي فاتفق فِي بعض الْأَيَّام أَن قلت لَهُ يَا شيخ يَعْقُوب مَا ترى ننزل إِلَى الْمَدِينَة فَتدخل الْحمام ونتنظف فَقَالَ الْأَمر إِلَيْك فِي ذَلِك فنزلنا فَلَمَّا دَخَلنَا الْحمام قلت لَهُ هَات ظهرك لأحكه فَامْتنعَ عَليّ وَقَالَ أولى بخدمتك فلازمته على ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 وَهُوَ يتمنع فَرَأَيْت الْحِيلَة فِي ذَلِك إِن قلت لَهُ لتصل بركَة يَدي إِلَى ظهرك فهنالك أَعْطَانِي ظَهره فَسمِعت حسك فِي ظَهره فَقلت لَهُ يَا يَعْقُوب فِي ظهرك أَوْلَاد فَقَالَ مَا يدْريك قلت أحسست بهم قَالَ كم هم قلت أَرْبَعَة قَالَ سمهم فَقلت على الْفَوْر مُحَمَّد ويوسف وَعلي وَحسن قَالَ ثمَّ فارقني وفارقته فَمن ظانت مِنْهُم قَالَ شَيخنَا مجد الدّين أَنا مُحَمَّد قَالَ هَل لَك أخوة قلت نعم كَمَا ذكرت يُوسُف وَعلي وَحسن قَالَ وَكلهمْ فِي الْحَيَاة قلت لَا توفّي عَليّ وَحسن فَقَالَ الْحَمد لله فتعجبت من كشفه وَمن غَرِيب الأتفاق قَالَ وأسم هَذَا الرجل أَيْضا مجد الدّين وَهُوَ من عباد الله الصَّالِحين قلت وَقَرِيب من هَذَا أنالشيخ أَبَا بكر العيدروس قدس الله روحه قَالَ لابنأخيه وَهُوَ جدي عبد الله بن شيخ بن الشَّيْخ عبد الله العيدروس تمن فَقَالَ مَا أُرِيد إِلَّا الْبركَة وَالدُّعَاء لي بذرية صَالِحَة فَقَالَ لَهُ يَا عبد الله سيلد لَك من الْأَوْلَاد الذُّكُور فلَان وَفُلَان وَفُلَان وَسَمَّاهُمْ أَبُو بكر وَشَيخ وحسين وَكَانَ إِذْ ذَاك جدي لم يتَزَوَّج بعد ثمَّ خرج إِلَى حَضرمَوْت بعد وَفَاة عَمه الْمشَار إِلَيْهِ وتزوجبها أمْرَأَة فَولدت لَهُ أَوْلَادًا كَمَا ذكر وَسَمَّاهُمْ بِتِلْكَ الْأَسْمَاء الَّتِي سماهم بهَا الشَّيْخ ثمَّ ولد لَهُ بعد الثَّلَاثَة ولد سَمَّاهُ مُحَمَّد أَخْبرنِي بِهَذِهِ الْحِكَايَة الثِّقَة سَالم بن عَليّ أَبَا موجه رَحمَه الله وَقد سَمعتهَا من سَيِّدي الْوَالِد قدس الله روحه بِلَفْظ قريب من هَذَا وَذكر سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله فِي كتاب العقد النَّبَوِيّ والسر المصطفوي أَن جده الْأَعْلَى وَهُوَ الشَّيْخ الْكَبِير وَالْوَلِيّ الشهير علوي بن الشَّيْخ القطب الْفَقِيه مُحَمَّد بن عَليّ أَرَادَ أَن يتْرك التَّزْوِيج إيثاراً للأنقطاع فِي الْعِبَادَة فَهَتَفَ بِهِ هَاتِف من ظَهره نَحن فِي ظهرك ذُرِّيَّة صَالِحَة تزوج وأخرجنا وَإِلَّا خرجنَا من ظهرك فَتزَوج بعد ذَلِك وَولد لَهُ أَوْلَاد تَنَاسَلُوا بذرية طيبَة مباركة صَالِحَة حَتَّى كَانَ مِنْهُم من لَا يُحْصى من الْمَشَايِخ الكاملين وَالْعُلَمَاء العاملين الَّذين شهرتهم نغني عَن الْأَطْنَاب فِي مدحتهم فَكَأَنَّمَا عناه الْقَائِل بقوله ... فَهُوَ أَبُو الْآبَاء ... خير منجب ومنسل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 .. وَهُوَ أَبُو الأشبال ... حَيا قَبره كل ولي أَوْلَاد الزهر بهم ... يدْفع كل معضل كم فيهم من قطب ... كم فيهم من بدل كم كم مُحدث فَقِيه ... ومحدث ولي ... وكأنما عَنى الآخر ذُريَّته بقوله ... من تلق مِنْهُم تقل لاقيت سيدهم ... مثل النُّجُوم الَّتِي يسري بهَا الساري ... شدت إِلَيْهِم الرّحال من أَطْرَاف الْبِلَاد وغنى بذكرهم الحداة فِي كل سمر وناد طبق ذكرهم طباق الأَرْض وَعم نفعهم الْمَشَارِق والمغارب بالطول وَالْعرض وَلَو لم يكن مِنْهُم إِلَّا الاستاذ الْكَامِل القطب الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن السقاف وحفيده الْأُسْتَاذ الْمُحَقق القطب الْغَوْث عبد الله العيدروس الَّذين عقم الزَّمَان أَن يَجِيء بأمثالهم وَلَا سمحت الدهور بأشكالهم أعَاد الله علينا من بركاتهم فِي الدَّاريْنِ آمين آمين آمين قلت وَكَانَ الشَّيْخ علوي الدّين هَذَا من آيَات الله الْكُبْرَى وَهُوَ منأمثال الشَّيْخ وَمن مناقبه أَنه كَانَ يعرف الشقي من السعيد ويحيي وَيُمِيت بِإِذن الله تَعَالَى وَيَقُول للشَّيْء كن فَيكون بِإِذن الله تَعَالَى إِلَى غير ذَلِك من الكرامات الْعَظِيمَة واولخوارق الَّتِي لَا يُشَارِكهُ فِيهَا غَيره نفع الله بِهِ وَأعَاد علينا من بركاته آمين ولبعضهم يمدح رِسَالَة الْعَلامَة الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد صَاحب التَّرْجَمَة ... إِلَّا إِنِّي وقفت على الرسَالَة ... وَمَا حوت الرسَالَة من مقَالَة فألقيت الْمقَال مقَال حق ... وَتَحْقِيق لمن صدق أنتحاله على أَن المُصَنّف بَحر علم ... لَهُ الْعلمَاء تشهد بالجلاله فَمَا قَالَ الإِمَام فَتى زَمَانه ... فَإِن الْحق فِيهِ لَا محاله على تخريجهم فَافْهَم كَلَامي ... فَإِن الْعلم لَا يخفى رِجَاله وَلَوْلَا أَن للمكي فضل ... سعت كتبا يَدَاهُ بِهِ وَقَالَهُ كتاب فِي المناقب فِيهِ عدل ... وإنصاف يدل على الكمالة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 .. لَكُنْت لما رَأَيْت لسوء ظَنِّي ... بجهلي مَا عرفت من الْعَدَالَة وَلَا أرْضى لَهُ ينشي خلافًا ... لمن فِي الْعلم قد وَجب أمتثاله وَلَكِنِّي سَأَلت الله رَبِّي ... يمن عَليّ فضلا بالجماله ... وفيهَا فِي الْيَوْم الثَّانِي عشر من شَوَّال توفّي الشَّيْخ الإِمَام مفتي الْأَنَام عَلامَة الزَّمَان مقدم الْأَعْيَان عيد السَّلَام ابْن شيخ الاسلام وجيه الدّين ابْن عبد الرَّحْمَن بن علد الْكَرِيم بن زِيَاد وَاحِد عُلَمَاء الْبِلَاد وفاضلها بِاتِّفَاق الْحَاضِر والباد أَبُو نصر عز الدّين ولد سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَتِسْعمِائَة نَشأ فِي حجر وَالِده وتغذى بدر علومه وفوائده فظهرت المعيته وبراعته أقرَّت فِي حَيَاة أَبِيه نجابته تفقه بوالده كثيرا وَرَأس على الأكابر صَغِيرا درس وأفى فِي حَيَاة أَبِيه وصنف مصنفات لَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا فَقِيه وَكتب معاصر أَبِيه على فَتَاوِيهِ وَانْفَرَدَ بعد وَالِده بالإفتاء مَعَ زحمة الْبَلَد بأئمة شَتَّى ودرس بالمدارس الَّتِي كَانَ وَالِده يدرس بهَا الْمَذْكُورَة فِي تَرْجَمته وَكَانَ من الْولَايَة وَالْعلم وَالْفضل على جَانب عَظِيم لَا يجهل قَالَ الْعَلامَة الشَّاب الظريف الْفَاضِل بَرَكَات ابْن الْفَقِيه سعادات العطارد وحمهما الله تَعَالَى رَأَيْت لَهُ مراسلة كتبهَا لبَعض أَصْحَابه يَقُول فِيهَا رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يبشرني بِكَذَا وَكَذَا ولوح بِأُمُور ذكرهَا فِي الرسَالَة الْمَذْكُورَة ثمَّ قَالَ وَوَاللَّه {أَنه لقَوْل فصل وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} انْتهى قَالَ رَحمَه الله وَرَضي عَنهُ رَأَيْت ابْن الرّفْعَة نجم الدّين فِي النّوم فرأيته أوقفني على مَسْأَلَة فِي الْوَسِيط فعقيب ذَلِك نزل بِي سُؤال هُوَ عين لَك الْمَسْأَلَة وَلم يكن عِنْدِي نقل عَلَيْهَا غير مَا نبهني عَلَيْهِ ابْن الرّفْعَة فحمدت اللعه تَعَالَى على ذَلِك انْتهى وكل هَذَا ببركة أَبِيه وبركة أدبه مَعَ الْعلمَاء فَإِنَّهُ لم يذكر مِنْهُم أحدا فِي مؤلفاته إِلَّا وترضى عَنهُ وَأثْنى على فَضله وَبَالغ فِي تَعْظِيمه والترحم عَلَيْهِ كثر ذَلِك مِنْهُ فِي مؤلفاته وفتاويه وَله شرح على مولد السَّيِّد الْحُسَيْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 بن الصّديق الأهدل وَشرح لوادع ابْن الْجَوْزِيّ مَاتَ عَنْهُمَا مسودين وَله كتاب سَمَّاهُ تشنيف الاسماع بِحكم الْحَرَكَة فِي الذّكر وَالسَّمَاع وَكتاب سَمَّاهُ القَوْل النافع القويم لمن كَانَ ذَا قلب سليم وَكتاب سَمَّاهُ التَّحْرِير الْوَاضِح والإكمال فِي حكم المَاء الْمُطلق والمستعمل وَكتاب سَمَّاهُ الْمطَالع الشمسية فِي الْأَجْوِبَة السّنيَّة وَهُوَ مُشْتَمل على فقه وَحَدِيث تقبل الله ذَلِك مِنْهُ وَرَضي عَنهُ وفيهَا فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء وَقت السحر توفّي الْعَالم الصَّالح الْوَلِيّ الشهير الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى على المتقي بن حسام الدّين بن القَاضِي عبد املك بن قَاضِي خَان الْقرشِي بِمَكَّة المشرفة بعد مجاورته بهَا مُدَّة طَوِيلَة وَدفن فِي صبح تِلْكَ اللَّيْلَة ومدفنه بالمعلاه بسفح جبل محاذي تربة الفضيل بن عِيَاض بَين قبريهما الطَّرِيق المسلوك عِنْد مَحل يُقَال لَهُ نَاظر الْجَيْش وعمره سَبْعَة وَثَمَانُونَ سنة وَقيل تسعون سنة رَحمَه الله تَعَالَى وَكَانَ من الْعلمَاء العابدين وَعباد الله الصَّالِحين على جَانب عَظِيم من الْوَرع وَالتَّقوى وَالِاجْتِهَاد فِي الْعِبَادَة ورفض السوي وَله مصنفات عديدة وَذكروا عَنهُ أَخْبَارًا حميدة رَحمَه الله تَعَالَى آمين وَمن مناقبه الْعَظِيمَة انه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام وَكَانَت لَيْلَة جُمُعَة وَسبع وَعشْرين فِي شهر رَمَضَان فَسَأَلَهُ عَن أفضل النَّاس فِي زَمَانه فَقَالَ لَهُ أَنْت قَالَ ثمَّ من فَقَالَ مُحَمَّد بن طَاهِر بِالْهِنْدِ وَرَأى تِلْمِيذه الشَّيْخ عبد الْوَهَّاب أَيْضا فِي تِلْكَ اللَّيْلَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسَأَلَهُ مثل ذَلِك فَقَالَ لَهُ شيخك ثمَّ مُحَمَّد ابْن طَاهِر بِالْهِنْدِ فجَاء إِلَى الشَّيْخ عَليّ المتقي ليخبره بالرؤيا فَقَالَ لَهُ قبل أَن يتَكَلَّم قد رَأَيْت مثل الَّذِي رَأَيْت وَكَانَ يُبَالغ فِي الرياضة حَتَّى نقل عَنهُ أَنه كَانَ يَقُول فِي آخر عمره وددت أَنِّي لم أفعل ذَلِك لما وجده من الضعْف فِي جسده عِنْد الْكبر قَالَ الفاكهي وَكَانَ يتَنَاوَل من الطَّعَام إِلَّا شَيْئا يَسِيرا جدا على غَايَة من التقلل فِيهِ بِحَيْثُ يستبعد من الْبشر الِاقْتِصَار على ذَلِك الْقدر وَمَا ذَاك إِلَّا لملكة حصلت لَهُ فِيهِ وَطول رياضة وصل بهَا إِلَيْهِ حَتَّى كَانَ إِذا زيد فِي غدائه الْمُعْتَاد وَلَو قدر فولة لم يقدر على هضمه قَالَ وَكَذَا كَانَ قَلِيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 الْكَلَام جدا قَالَ غَيره وَكَانَ قَلِيل الْمَنَام مؤثراً للعزلة عَن الْأَنَام قلت وَقد علمت أَن أصُول التصوف فِي الِابْتِدَاء تَدور على أَرْبَعَة أَشْيَاء قلَّة الطَّعَام وَقلة الْكَلَام وَقلة الْمَنَام واعتزال الْأَنَام قَالَ بَعضهم جعل الْخَيْر كُله فِي بَيت ومفتاحه الْجُوع وَجعل الشَّرّ كُله فِي بَيت ومفتاحه الشِّبَع وَقَالَ يحيى بن معَاذ لوز كَانَ الْجُوع يُبَاع بِالسوقِ لما كَانَ يَنْبَغِي لطلاب الْآخِرَة إِذا دخلُوا السُّوق أَن يشتروا غَيره وَقَالَ سهل مَا صَار الابدال إبدالاً إِلَّا بِأَرْبَع خِصَال اخماص الْبُطُون والسهر والصمت والاعتزال عَن النَّاس فقد قيل فِي صفة الابدال إِن أكلهم فاقه ونومهم غَلَبَة وَكَلَامهم ضَرُورَة قلت هَذَا وَإِن كَانَ تقليل الْغذَاء مستحسناً عِنْد الْقَوْم بالججملة وَلكنه لَيْسَ بمقصود أُصَلِّي وَلَعَلَّه يتَوَلَّد من الإفراط آفَات مخلة بِالْمَقْصُودِ الْأَصْلِيّ وَإِنَّمَا الْمَقْصُود من التقليل كسر النَّفس وتقوية الْقلب وتبييضه فَإِن الْجُوع يذيب شَحم الْقلب ويقلل دَمه فيبيض ويرق ويصفو فيستعد بصفائه لقبُول نور الذّكر وأنوار الْمُعَامَلَات الشَّرْعِيَّة والواردات الغيبية ثمَّ تنعكس الْأَنْوَار من مرْآة الْقلب إِلَى أَرض النَّفس {وأشرقت الأَرْض بِنور رَبهَا} وتلاشت ظلمات صِفَات النَّفس وَانْشَقَّ صدف ظلمَة الشَّهْوَة عَن درة الْمحبَّة فَإِن الشَّهْوَة مَطِيَّة تالمحبة وَهِي الْمَطْلُوب من الْإِنْسَان وَبهَا فاق على الْمَلَائِكَة المقربين وسجدوا لَهُ فَافْهَم جدا فالامساك الْمَحْمُود عَن الطَّعَام مَا يكون محمياً عَن طرفِي الإفراط والتفريط كَمَا قَالَ تَعَالَى {وكلوا وَاشْرَبُوا وَلَا تسرفوا} فالمحمي من الْإِسْرَاف نصف رَطْل إِلَى رَطْل كل يَوْم أَو قريب من هَذَا فيزيد وَينْقص مِنْهُ كل طَائِفَة على قدر قوتهم وَصِحَّة مزاجهم وَكَانَت وِلَادَته ببرهان فَور سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَقيل خمس وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة ومؤلفاته كَثِيرَة نَحْو مائَة مؤلف مَا بَين صَغِير وكبير ومحاسنه جمة ومناقبه ضخمة وَقد افردها الْعَلامَة عبد الْقَادِر بن أَحْمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 الفاكهي الْمَكِّيّ فِي تأليف لطيف سَمَّاهُ القَوْل النقي فِي مَنَاقِب المتقي ذكر فِيهِ من سيرته الحميدة ورياضاته الْعَظِيمَة ومجاهداته الشاقة مَا يبهر الْعُقُول ولعمري مَا أحسن قَوْله فِيهِ حَيْثُ يَقُول طابق اسْم شَيخنَا عَليّ ولقبه المتقي مَوضِع علماه ومسماه وَقَالَ فِي مَوضِع آخر من الْكتاب الْمَذْكُور مَا اجْتمع بِهِ أحد من العارفين أبي الْحسن الْبكْرِيّ وَشَيخنَا الْفَقِيه الْعَارِف الزَّاهِد الْوَجِيه العمودي وَشَيخنَا أَمَام الْحَرَمَيْنِ الشهَاب ابْن حجر الشَّافِعِي وصاحبنا فَقِيه مصر شمس الدّين الرَّمْلِيّ الْأنْصَارِيّ وَشَيخنَا فصيح عُلَمَاء عصره شمس الْبكْرِيّ وَلكُل من هَؤُلَاءِ الجلة عِنْدِي مَا دلّ على كَمَال مِدْحَة شَيخنَا المتقي بِحسن استقامته والاستقامة أجل كرمه وَقَول كل من هَؤُلَاءِ معتمدي شَهَادَته ... إِذا قَالَت حذام فصدقوها ... فإنالقول مَا قَالَت حذام ... قَالَ وَمن ثمَّ اشْتهر باقليم مَكَّة المشرفة أشهر من قفا وَصَارَ يَقْصِدهُ وُفُود بَيت الله كَمَا يقْصد الْمشعر الْحَرَام والصفا حَتَّى بلغ صيته لسلطان الْإِسْلَام المرحوم الْمُقَدّس سُلَيْمَان بعد أَن كَانَ يفرغ على يَدَيْهِ بل قَدَمَيْهِ مَاء الطَّهَارَة مَحْمُود أعظم سلاطين الْهِنْد اعتقادا فِيمَا لَهُ من شَأْن قَالَ وشهرته فِي الْهِنْد وجهاتها أَضْعَاف شهرته بِمَكَّة كَمَا لَا يحْتَاج فِي ذَلِك إِلَى اقامة برهَان قَالَ وَمن مناقبه أَن بعض أَصْحَابه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام فِي حَيَاة لاشيخ عَليّ وَكَانَت الرؤؤيا بِمَكَّة المشرفة قَائِلا يَا رَسُول الله بِمَاذَا تَأْمُرنِي حَتَّى أَفعلهُ قَالَ تَابع الشَّيْخ عَليّ المتقي فَمَا فعل افعله انْتهى قلت وَفِي هَذَا أدل دَلِيل على أَن الشَّيْخ عَليّ المتقي نفعنا الله ببركاته كَانَ لَهُ النَّصِيب الأوفر من مُتَابَعَته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلذَا خصّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالذكر دون غَيره من أهل زَمَانه وَأمر الرَّائِي بملاحظة افعاله ومتابعته فِيهَا إِلَى غير ذَلِك من الاشارات كتسميته شَيخا وَكَانَ الشَّيْخ أَبُو اسحق الشِّيرَازِيّ نفعنا الله ببركاته يفتخر بمنام نبوي فِيهِ تسميهة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ شَيخا قلت وَرَأَيْت فِي بعض التَّعَالِيق رِسَالَة من إملاء الشَّيْخ مفعنا الله ببركاته تشْتَمل على نبذة من أَحْوَاله الَّتِي لَا تتلقى إِلَّا عَنهُ كالمشيرة إِلَى كَمَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 مبدأه ومآله فَرَأَيْت إِن أذكر مِنْهَا هُنَا مَا دعت إِلَيْهِ الْحَاجة قَالَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لَهُ رب الْعَالمين وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه أَجْمَعِينَ وَأما بعد فَيَقُول الْفَقِير إِلَى الله تَعَالَى على بنم حسام الدّين الشهير بالمتقي أَنه خطر فِي خاطري ان ابين للأصحاب من أول أَمْرِي إِلَى آخِره فاعلموا رحمكم الله أَن الْفَقِير لما وصل عمري إِلَى ثَمَان سِنِين جَاءَ فِي خاطر وَالِدي رَحمَه الله أَن يَجْعَلنِي مرِيدا لحضرة الشَّيْخ باجن قدس الله سره فجعلني مرِيدا وَكَانَ طَرِيقه طَرِيق السماع وَأهل الذَّوْق والصفاء فبايعني على طَرِيق الْمَشَايِخ الصُّوفِيَّة وَأخذت عَنهُ وَأَنا ابْن ثَمَان سِنِين ولقنني الذّكر الشَّيْخ عبد الْحَكِيم بن الشَّيْخ باجن قدس سره وَكنت فِي بداية أَمْرِي أكتسب بصنعة الْكتاب لقوتي وقوت عيالي وسافرت الْبلدَانِ فَلَمَّا وصلت إِلَى الملتان صَحِبت الشَّيْخ حسام الدّين وَكَانَ طَرِيقه طَرِيق الْمُتَّقِينَ فصحبته مَا شَاءَ الله ثمَّ وصلت مَكَّة المشرفة وصحبت الشَّيْخ أَبَا الْحسن الْبكْرِيّ الصديقي قدس الله سره وَكَانَ لَهُ طَرِيق التَّعَلُّم والتعليم وَكَانَ شَيخا عَارِفًا كَامِلا فِي الْفِقْه والتصوف فصحبته مَا شَاءَ الله ولقنني الذّكر وَحصل لي من هذَيْن الشَّيْخَيْنِ الجليلين عَلَيْهِمَا الرَّحْمَة والغفران من الْفَوَائِد العلمية والذوقية الَّتِي تتَعَلَّق بعلوم الصُّوفِيَّة فصنفت بعد ذَلِك كتبا ورسائل وَأول رِسَالَة صنفتها فِي الطَّرِيق إِلَى الله سميتها تَبْيِين الطّرق إِلَى الله تَعَالَى وَآخر رِسَالَة صنفتها سميتها غَايَة الْكَمَال فِي بَيَان أفضل الْأَعْمَال فَمن كَانَ من الطّلبَة حصل مِنْهُمَا رِسَالَة يَنْبَغِي لَهُ ان يحصل الْأُخْرَى ليلازم بَينهمَا فِي الْقَصْد انْتهى قلت وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا كَانَ هَذَا الرجل إِلَّا من حَسَنَات الدَّهْر وخاتمه أهل الْوَرع ومفاخر الْهِنْد وشهرته تغني عَن تَرْجَمته وتعظيمه فِي الْقُلُوب يُغني عَن مدحه وفيهَا غرق مركب بِالْهِنْدِ فِي خور كنباته كَانَ فِيهِ عشرَة من السَّادة آل أَبَا علوي فَكَانُوا مكن جملَة من غرق وحصلت لَهُم الشَّهَادَة بِسَبَب ذَلِك رَحِمهم الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 سنة سِتّ وَسبعين بعد التسْعمائَة (976) هـ وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ آخر النَّهَار ثامن شَرّ صفر سنة سِتّ وَسبعين توفّي الْوَلِيّ الشهير شيخ بن الشَّيْخ عبد الله عَليّ بن أبي بكر أَبَا علوي بتريم وَدفن يَوْم الثُّلَاثَاء وَحكي أَنه كَانَ ببر سعد الدّين فِي مجْلِس فَكَانَ يَأْتِي إِلَى ذَلِك الْمجْلس رجل فِي زِيّ سَائل أَو مَجْنُون ويشتمه من بَين الْجَمَاعَة من غير مُوجب لذَلِك وَلَا سبق معرفَة بَينه وَبَينه وَكَأَنَّهُ كَانَ وَالله أعلم يُرِيد اختباره وَينظر صبره على الْمَكْرُوه واحتماله للأذى وتكرر مِنْهُ ذَلِك وَرُبمَا أَرَادَ الْحَاضِرُونَ أَن يقعوا فِيهِ فيمنعهم الشريف من ذَلِك فَلَمَّا كَانَ فِي بعض الْأَيَّام قَالَ لَهُ تعال إِلَى الْموضع الْفُلَانِيّ واصحب مَعَك دَوَاة وقلماً ومُوسَى فَفعل مَا أمره وَوجد هُنَاكَ وَحده فَقَالَ لَهُ هَات الموسى نُرِيد نذبحك بهَا فَأعْطَاهُ اياها مستسلماً ثمَّ طلب مِنْهُ الدواة والقلم وَعلمه الوفق الثلاثي وَأرَاهُ وَضعه وَعلمه اسْم الله الْأَعْظَم ثمَّ ذهب ذَلِك الرجل وَلم ير بعد ذَلِك فَصَارَ الشريف إِلَى مَا صَار إِلَيْهِ من التَّصَرُّف بعد ذَلِك وَأَخْبرنِي بعض الثِّقَات قَالَ بَيْنَمَا أَنا أَسِير مَعَه بترنم إِذْ أَخذ من ورق بعض الْأَشْجَار وَأكل مِنْهُ وَأَعْطَانِي فَإِذا هُوَ ورق القات وَهُوَ لَا يُوجد بحضرموت أصلا وفيهَا توفّي الْعَلامَة الشهير الشَّيْخ عبد الْعَزِيز الزمزمي الْمَكِّيّ وَقد طبق بعض الْفُضَلَاء تَارِيخ ذَلِك الْعَام بِعَدَد حُرُوف بجنان الْخلد قد أصبح ثمَّ نظم ذَلِك التَّارِيخ فِي بَيْتَيْنِ فَقَالَ ... إِن مكن أجْرى الدُّمُوع على ... عز دين اله قد أَفْلح قد أَتَى تَارِيخه ضبطاً ... بجنان الْخلد قد أصبحا ... وَكَانَ مولده سنة تِسْعمائَة وَكَانَ من أَعْيَان عُلَمَاء مَكَّة وفضلائها وأكابرها ورؤسائها وَله قصيدتين عظيمتين فِي مدح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَجَاد فيهمَا كل الإجادة احدهما عَارض فيهمَا الْبردَة وسماها الْفَتْح التَّام فِي مدح خير الْأَنَام وَالْأُخْرَى عَارض فِيهَا أم القري وسماها الْفَتْح الْمُبين فِي مدح سيد الْمُرْسلين وَحَيْثُ كَانَت أم الْقرى مَرْفُوعَة والقيراطية مَكْسُورَة جعل قصيدته مَفْتُوحَة وَمَا أحسن قَوْله فِيهَا مُشِيرا إِلَى ذَلِك مَعَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 التورية بمزيد التَّوَاضُع وَالِاعْتِرَاف بالقصور عَن تِلْكَ المسالك ... فَازَ بِالرَّفْع مقلق لَك وشا ... كَيفَ ترقى وأفحم الشُّعَرَاء وبحفض الْجنان جوزى منشي ... ذكر الْمُلْتَقى جزآء وَفَاء جِئْت من بعد ذَا وَذَاكَ أخيراً ... فَلهَذَا نظمي على الْفَتْح جآء ... وَبِالْجُمْلَةِ فانه كَانَ أوحد الْفُضَلَاء وَبَقِيَّة الْعلمَاء حسن الشّعْر والانشاء وَفِيه يَقُول الشَّيْخ الْكَبِير وَالْوَلِيّ الشهير الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى جمال الدّين مُحَمَّد بن أبي الْحسن الْبكْرِيّ الصديقي من أَبْيَات ... أجل جيران بَيت الله قاطبة ... علما إِذا وصفوا فِي مَكَّة العلما ... وَله فِيهِ أَيْضا ... أَنْت الَّذِي بِصِفَات الْفضل أجمعها ... فِي ببلدة الله أولى سَائِر العلما فليهن مَكَّة بل وليهن ساكنها وليهن ابطحها وَالْبَيْت والحرما ... وَمن شعره الْحسن أَبْيَات الْفرج الَّتِي اسْتَغَاثَ فِيهَا بِصَاحِب الْخلق الْحسن سيد الْمُرْسلين وَرَسُول رب الْعَالمين وَهِي هَذِه ... يَا رَسُول الله عجل بالفرج ... قد توالى الكرب وَاشْتَدَّ الْحَرج يَا رَسُول الله فِي جاهك لي ... سَعَة إِن ضَاقَ بِي كل نهج فسما بِاللَّه مَا لَاذَ امرء ... بك فِي خطب رجا إِلَّا انبلج أَنْت شمس الْكَوْن وَالْهَادِي الَّذِي ملئت مِلَّته الدُّنْيَا بلج أَنْت للرسل طراز معلم ... بسنى النُّور الآلهي انتسج كل وصف فِي معاليك انطوى ... كل لفظ فِي معانيك اندرج بضيا السؤدد وَالْفَخْر انْتهى ... عِنْد بَيت فاخر مِنْهُ خرج طيب الاعراق مَا فاح لَهُ ... عرق إِلَّا هفا طيب الأرج حسن الْخلق جميل مشرق ... من رأى حسن محياه ابتهج ابلج أَن لَاحَ فِي جنح الدجى ... خلت من لئلآئه الصُّبْح انبلج وسعت أخلاقه الْخلق فَلم ... يَك فَاحِشا غليظ الْقلب فج كرماً يعْفُو عَن الْجَانِي الَّذِي ... سد عَنهُ ذئبه كل الْفرج ورماه الغي وَالْجهل على ... سَاحل الْبَحْر وَفِي الْبَحْر ولج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 .. قَدمته الرُّسُل فِي موقفها ... لَيْلَة الْإِسْرَاء فصفلى وعرج وارتقى السَّبع السَّمَوَات إِلَى ... قاب قوسين وَفِي الْأَنْوَار زج وَله شَفَاعَة الْفضل لذا ... مقَامه الْمَحْمُود فِي أَعلَى درج وَجهه حجتنا الْبَيْضَاء فِي ... يَوْم تَأتي النَّاس فِيهِ بالحجج يَا وجيه الْوَجْه طَالَتْ غربتي ... كل يَوْم مر مِنْهَا كحجج أَن يطلّ هَذَا المدى يقصر فِي ... أمد الْعُمر واقفوا من درج كمجرعنا كأس هم مترعاً ... خمر خوف بأذى الْبرد امتزج خطْوَة فِي الْبر وَالْبَحْر مَعًا ... وسرى بَين ثلوج ولجج فِي حول وجبال شمخ ... شاهقات مَا إِلَيْهَا منعرج قطن الثَّلج بهَا فَهُوَ الَّذِي ندف الْقطن عَلَيْهَا وحلج سفرة قد بَعدت شقتها ... فتت منا قلوباً ومهج أَيْن أَرض الرّوم من أم الْقرى ... جادهات صوب من الوسمي ثج غرباً فِي دَار قوم عِنْدهم ... عَرَبِيّ الدَّار من بعض الهمج بينعهم كل فصيح نَاطِق ... بِلِسَان عَرَبِيّ ذِي عوج عظم الكرب وَلَكِن نرتجي ... برَسُول الله يأتينا الْفرج قد توسلنا إِلَى الله بِهِ ... ولجا كل لمَوْلَاهُ ولج شرعة آدم قدماً سنّهَا ... لِبَنِيهِ فانتهجنا مَا انتهج يَا أعز الْعَرَب يَا من بَابه ... قطّ منسائل رفده مَا ارتتج نسْأَل الله نجلي مَا بِنَا ... حل من كرب شَدِيد وحرج يَا إلهي بِالنَّبِيِّ الْمُصْطَفى ... خير من حج وَمن تج وعج اطو بعد السّير عَنَّا سَيِّدي ... اجْعَل العقبى سُرُورًا وَفرج وآنل كل امرء مَا نوى ... واطف حرا بَين جَنْبي اعتلج واجبر المكسور بِالْعودِ إِلَى ... بَيْنك المحجوج كي يحظى بِحَجّ رب قربنا إِلَى أوطاننا ... فلنار الْبعد فِي الاحشا وهج رب واجعلنا بجاه الْمُصْطَفى ... فِي حمى بَيْتك لَا نخشى هرج نَحن جيرانك وَالْجَار لَهُ ... جَانب يُرْجَى على ألف عوج أَنْت أوصيت على الْجَار فَلَا ... تنس جارا مِنْهُ الضّر فهج لَا تعذبنا ببعد عَن فَنًّا ... حرم يُؤْتى لَهُ من كل فج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 .. إِن ركبنَا الذِّئْب يجهل مَا سوى ... عفوك اللَّهُمَّ فِي النَّفس اختلج فاعفو عَنَّا مَا مضى واغفر لنا ... تَوْبَة شدّ التقى مِنْهَا السرج وَاخْتِمْ الْأَعْمَار بِالْخَيرِ فقد ... ذهبت فِي اللَّهْو مِنْهُنَّ حجج وَصَلَاة وَسَلام مِنْهُمَا ... ارج الْمسك على الْهَادِي نفج وعَلى أَصْحَابه والآل مَا ... أَوب الركب إِلَيْهِ أَو دلج ... وَمِنْه هَذَا التخميس على أَبْيَات الْعَارِف الشَّيْخ عَليّ وفا ... يارب باللطف الْخَفي لنا تدارك ... وَارْحَمْ ضعافا جاوروا بَيْتك ودارك ... نادوك حِين الكرب لازمهم ودارك ... ذُو الجاه يحمي جَاره فاحمي جوارك ... لَا تتركنفي قَبضه الأسرى جَارك ... جاربسوح فناك دَامَ حُلُوله ... لم يخْش ضيماً فِي حماك يهوله ... لم لَا وَأَنت من الْهون كفيله ... حاشا جنابك أَن يضام نزيله ... حاشا مهابك أَن يهاب من استجارك ... بِالْحَرْبِ آذننا زمَان قد عدا ... وَلنَا فوارسه اعدوا رصدا ... أعداؤنا صالوا وشرهم بدا ... انصر فراغوثاه قد عدت العبدا ... لَا قابلت فرسَان نَصرهم انتصارك ... ارجاء ساحتك الَّتِي تسع الملا ... تركت ضِيَافَة من إِلَيْهَا أَقبلَا ... من ضيق عَيْش سعر فِيهَا غلا ... يَا آمراً بكرامة الأضياف لَا ... تهمل ضِيَافَة مضيفك الْمُبَارك ... اني عجزت عَن احتيال منقذي ... من خوف أمراض بهَا قلبِي غذي ... فطرقت بابك طرْقَة المتعوذي ... فَامْنُنْ بأمن الْعَاجِز الوجل الَّذِي ... قُدَّام بابك سَائِلًا يَرْجُو اقتدارك ... برد بعفوك حر لاعج حرقتي ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 .. ابدل بتوفير الأنابة وجهتي ... أَنِّي صرفت لقصد بابك وجهتي ... بَاب إِذا مَا أمه ذُو لوعة ... هدى لواعحجه وجلله وقارك ... أَنْت الَّذِي فِي الْجنُود لَيْسَ كمثله ... أَي افتقارك خشى منكله ... وغناك يَا ذَا الْفضل وتاكف ويله ... من أمه نادته ألسن فَضله ... أَهلا وسهلاً قد كَفَيْنَاك افتقارك ... وَكَانَت لَهُ جاريتان أحداهما اسْمهَا غزال وَالْأُخْرَى دَامَ السرُور فاتفق أَنه باعهما ثمَّ نَدم على ذَلِك فَقَالَ ... بجاريتي كنت قرير عين ... وَافق مسرتي بهما مِنْبَر فنفر صرف أيامي غزالي ... فَلَا دَامَت وَلَا دَامَ السرُور ... وفيهَا كَانَت ولادَة أخي مُحَمَّد فضل الله بِأَحْمَد آباد وتاريخ هَذَا الْعَام بِعَدَد حُرُوف فضل الله وَهَذَا من غَرِيب الِاتِّفَاق وَهَذَا التَّارِيخ للوالد رَحمَه الله ونظمه الأديب الْفَاضِل عبد اللَّطِيف المنشي فِي أَبْيَات فَقَالَ ... بدا كَوْكَب من أفق عز وسؤدد ... بِهِ يسر الله الْأَمَانِي كَمَا نشا وزهت بِهِ الدُّنْيَا وَعَاد لأَهْلهَا ... نشاطا كمن تعاطى المدامة وانتشا وَلَا غرو مِنْهُ أَنه خير بضعَة ... لخير عباد الله أَن قَامَ أَو مَشى وَمن عجب أَن جَاءَ عَام ظُهُوره ... لقد وَافق الِاسْم الشريف بِلَا غشا وَهَذَا هُوَ الْخط الْعَظِيم بِلَا مرا ... وَذَلِكَ فضل الله يَأْتِيهِ من يشا ... وَكَانَت وَفَاته سَابِع جُمَادَى الأولى سنة ثَمَان وَسبعين وَتِسْعمِائَة فِي حَيَاة الْوَالِد وَهُوَ ابْن سنتَيْن وأرعة أشهر وَدَفنه الْوَالِد دَاخل الْبَيْت ثمَّ أَن سَيِّدي الْوَالِد دفن إِلَى جنبه وبنيت الْقبَّة عَلَيْهِمَا بعد ذَلِك وَسمعت الشَّيْخ الْعَلامَة حميد بن عبد الله السندي رَحمَه الله يَقُول قلت للشَّيْخ لم اختر تمّ دَفنه فِي الْبَيْت فَقَالَ لنا فِي هَذَا قصد فَلَمَّا توفّي الشَّيْخ دفن هُنَاكَ ظهر لي مَا كَانَ أَشَارَ إِلَيْهِ وَأَخْبرنِي بعض الثِّقَات عَن الشَّيْخ الْعَلامَة عبد الْمُعْطِي أَبَا كثير أَنه قَالَ وجدت فِيهِ حَال الْغسْل حَرَكَة فَأخْبرت وَالِده فَقَالَ امْضِ على حالك وَلَا عَلَيْك مِمَّا رَأَيْت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 وفيهَا كَانَت ولادَة الْوَزير الْعَادِل ميرزا شمس الدّين فَقلت مادحاً لجنابه الشريف ومضمناً هَذَا التَّارِيخ اللَّطِيف وَهُوَ ... أبوالفتح شمس الدّين كَهْف ومقصد ... بِهِ حوزة الْإِسْلَام حازت لمَنعه بِهِ نصر الشَّرْع الشريف وَأَهله ... وَتمّ نظام الْملك من حسن نِيَّة فأيامه فِي الدَّهْر غرَّة وَجهه ... وطلعته أخفت لشمس الظهيرة وتدبير للْملك دلّ بِأَنَّهُ ... عَلَيْهِ معَان من أهل الْبَريَّة لَهُ سيرة بِالْعَدْلِ وَالْخَيْر والتقى ... ومعروفه يسدى لأهل الْمُرُوءَة لَهُ المولد الْأَسْنَى يظْهر فَضله ... فَمن مثله قد نَالَ تِلْكَ الْفَضِيلَة وَذَلِكَ فضل اله يؤتيه من يشا ... خُصُوصِيَّة مِنْهُ لَهُ بمزية بهَا خصة الله الْمُهَيْمِن ربه ... بِهِ جَادَتْ الدُّنْيَا على حِين فَتْرَة فبشرى من الله الْعَزِيز بنصره ... لَهُ الْحَمد مني ثمَّ شكري ومدحتي ... وَكَانَ قد ولي أَحْمد أباد مُدَّة من الزَّمَان ثمَّ فصل عَنْهَا وَحصل بعده مَا حصل من الظُّلم والطغيان فَقلت فِي ذَلِك ... رَأَيْت الْبِلَاد وَقد علاها كسوف ... فَقلت عهدي بك وَأَنت ذَات شمسي قَالَت غَابَ نوري مذ فقدت عدله ... إِن تعد إِلَيّ شمسي أكون كأمسي ... قلت وعَلى ذكر مُوَافقَة التَّارِيخ الِاسْم كَانَ ولد لي فِي سنة خمس بعد ألف سميته عبد اللَّطِيف ولقبته بتاج العارفين وَجعل تَارِيخ ذَلِك الْعَام صاحبنا الشَّيْخ الْعَلامَة شهَاب الدّين أَحْمد بن عَليّ البسكري بدا تَاج العارفينا ثمَّ نظمه فِي سأبيات فَقَالَ رَحمَه الله ... بدا تَاج لجمع العارفينا ... ولي الله فاعلمهيقينا بدا عبد اللَّطِيف بِكُل لطف ... يعم بِهِ الْأَقَارِب والبنينا بدا فأضاء الْوُجُود لَهُ بِحَق ... وأشرق نوره فِي العالمينا وَعم الْكل مظهره سُرُورًا ... وَخص الْأَهْل ثمَّ الوالدينا هُوَ الشَّيْخ ابْن شيخ وَابْن شيخ ... إِلَى رَأس الرؤوس على روينَا فيا لله مَا أَعْلَاهُ شَأْنًا ... وأنور وَجهه الزاهي المبينا وأسأل من إِلَه الْعَرْش فضلا ... بأنينشيه نشو الصالحينا ويحميه من الْأَعْدَاء دَوْمًا ... ويحفظه ويجعله مكينا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 .. بِحَق مُحَمَّد والآل طراً ... وكل الْأَوْلِيَاء والمرسلينا وتاريخ لَهُ بدءاً وختماً ... أَتَى يَا صَاح فِي نظمي مُبينًا فعاينه بِفضل مِنْك واسأل ... من الْمولى الدُّعَاء لَهُ معينا ترَاهُ جَاءَ فِي ذَا اللَّفْظ طبقًا ... وَهَا هُوَ القطب تَاج العارفينا ... وَتُوفِّي فِي شهر ذِي الْقعدَة سنة سِتّ بعد الْألف وعمره نَحْو سنة وشهرين فَإِنَّهُ ولد فِي رَمَضَان من السّنة الَّتِي قبلهَا وَمَات فِي هَذَا التَّارِيخ فَليعلم وقبره دَاخل قبَّة سَيِّدي الْوَالِد سنة سبع وَسبعين بعد التسْعمائَة (977) هـ وَفِي آخر شعْبَان سنة سبع وَسبعين توفّي السُّلْطَان الْأَعْظَم وَالْملك الأكرم السُّلْطَان بدر بن السُّلْطَان عبد الله بن السُّلْطَان جَعْفَر الكثيري سُلْطَان حَضرمَوْت وَكَانَ مولده سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعمِائَة وَولي السلطنة وَهُوَ شَاب وَكَانَ حسن الْأَخْلَاق جودا كثير الإنفقا وافر الْعقل ظَاهر الْفضل عريق الرِّئَاسَة حسن السياسة طيب السِّيرَة جميل الصُّورَة حَتَّى كَانَ كَمَا قَالَ بعض الْفُضَلَاء كَانَ كاسمه بَدْرًا منيرا أَيْنَمَا طلع سَطَعَ وغيثا عَزِيزًا كَيفَ مَا وَقع نفع وَكَانَ فِي زَمَانه بدر الصُّدُور وَصدر البدور وَكَانَ لطيف المعاشرة ظريف المحاضرة شجاعاً مقداماً وهزبراً ضرغاماً فكم أباد أحزاب الضلال ومزقها وَكم أَزَال فرق الْفساد وفرقهاوكان محظوظاً جدا حَتَّى كَانَ لَا يقْصد بَابا مغلقاً إِلَّا انْفَتح وَلَا يقدم على أَمر مبعم إِلَّا اتَّضَح وَلَا يتَوَجَّه إِلَى مطلب إِلَّا نجح وَهُوَ الَّذِي دَان الْبِلَاد وخضعت لَهُ الْعباد وَأول من أظهر بحضرموت هَيْبَة الْملك بسعده وَأسسَ قَوَاعِد السلطنة ومهدها لمن يعده وطالت دولته حَتَّى لم يعلم أَن أحدا من السلاطين مكث فِي الْملك هَذِه الْمدَّة وَكَانَ يُقَال أَن ثَلَاثَة من الصسلاطين كَانُوا فِي عصر وَاحِد وَكَانُوا متقاربين فِي السن وَالْولَايَة وَكَانُوا رزقوا السعد والاقبال وطالت أَيَّام ملكهم أحدهم صَاحب التَّرْجَمَة هَذَا وَالثَّانِي الشريف أَبُو نمي بسن بَرَكَات وَالثَّالِث السُّلْطَان سُلَيْمَان صَاحب اروم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 وَحكي إِن جمَاعَة نالوا من السُّلْطَان بدر بِحُضُور بعض الصلحاء الْكِبَار من السَّادة آل أَبَا علوي فنهاهم عَن ذَلِك وَقَالَ هُوَ خير من الأروام وَمَا يروي من ذَلِك عَنْهُم ولولاه مَا سلمت حَضرمَوْت مِنْهُم وَلَا استحلوا الْحَرَام وظلموا الْأَنَام وَكَانَ ذَلِك الصَّالح يَدْعُو بطول بَقَاء السُّلْطَان الْمَذْكُور وَكَانُوا يرَوْنَ أَنه حامياً لَهُ بِحَالهِ الْمَشْهُور فَمَا حصل عَلَيْهِ مَا حصل من سَابق الْمَقْدُور إِلَّا بعد موت ذَلِك الرجل الْمَذْكُور وَقد مدحه بعض الْعلمَاء الْأَعْلَام بِهَذِهِ القصيدة البديعة وَهِي ... اشبب لَكِن بالمفاخر وَالْمجد ... ولي صبوة لَكِن إِلَى طالع السعد ولي طرب لَكِن إِلَى حَضْرَة العللا ... ولي ظمأ لَكِن إِلَى الْكَوْثَر الْعد إِلَى حَضْرَة الْعليا إِلَى مُنْتَهى المنى ... إِلَى مقْعد الْأَسْنَى إِلَى جنَّة الْخلد إِلَى الطَّاهِر الأزكى إِلَى علم الْهدى ... إِلَى العروة الوثقى إِلَى الْجَوْهَر الْفَرد إِلَى الأمجد الْمولى إِلَى ملك الورى ... إِلَى منبع الْحسنى إِلَى الأسل الْورْد إِلَى ذِي العلى وَالْفضل وَالْفَخْر والحجى ... وذى النّسَب الوضاح والخط وَالْجد إِلَى ذِي علم الأجواد صفوة جَعْفَر ... أبي عمر الْمُعْطِي المطهمة الجرد فمدح ابْن عبد الله أولى فَأَنَّهُ ... هُوَ الْملك الشهم السبوق إِلَى الْجد أَخُو هَمهمْ جاوزن أبعد غَايَة ... وَجزم وحزم بغنيان عَن الحشد فَمَا جَعْفَر من المستعين ووايث ... ومستنصر والمستضيء وَمَا الْمهْدي وماالملك الْمَنْصُور والمكتفي ... وَمَا الْأمين وَمَا الْمَأْمُون وَمَا صَاحب الرشد وَمَا المرتضى وَمَا المفتدى ثمَّ طائع ... وَمَا المقتفى فِي سَاعَة الْبَذْل والرقد وَمَا قاهر مَا قَائِم متوكل ... ومستعصم بِاللَّه فِي الْحل وَالْعقد وَمَا طَاهِر مسترشد ثمَّ رَاشد ... وَمَا الْحَاكِم الْمَعْرُوف فِي النَّاس بِالْقَصْدِ ومستنجد إِلَّا كعقد مفصل ... بدر وَبدر الْملك وَاسِطَة العقد حوى كل فضل مُجمل ومفصل ... وَهَذَا الَّذِي ابديت معشار مَا عِنْدِي فطاعته فرض وصحبته غنى ... مجانبته حَرْب وخصمته تردي فسبحان من أعطَاهُ مكلكا على الورى ... وألزمه فِي أمره خدمَة العَبْد فَلَا زلت محروساً وقدرك سامياً ... وملكك مَحْفُوظًا وعيشك فِي رغد وصيتك منشوراً وعدلك شَامِلًا ... وجودك مَبْسُوطا على الشَّام والهند يساعدك الْمَقْدُور فِيمَا تريده ... وتخدمك الْأَمْلَاك فيالقرب والبعد ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 ثمَّ توفّي بعده وَلَده السُّلْطَان عبد الله وَهُوَ الَّذِي قبض على أَبِيه وَحجر عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ وَغلب على الْملك ووثب على السلطنة وَكَانَ رَأْي بعض الصَّالِحين فِي الْمَنَام رُؤْيا حاصلها أَنه رأى أَرْبَعَة من الصَّالِحين عرف مِنْهُم الْوَلِيّ الشهير الشَّيْخ مُحَمَّد أَبَا وَزِير كل مِنْهُم قد مسك ركنا وَقَالُوا نُرِيد نولي عبد الله فَلم تمض بعد ذَلِك إِلَّا مُدَّة يسيرَة وهجم الْمشَار إِلَيْهِ على أَبِيه وَاسْتولى على الْملك وَذَلِكَ دَلِيل على مَا رُوِيَ أَنه لَا يقوم سُلْطَان فِي هَذَا الْعَالم عَالم الشَّهَادَة إِلَّا بعد أَن ينصبه أَوْلِيَاء الله تَعَالَى بِإِذن الله تَعَالَى فِي عَالم الْغَيْب وَكَانَ حسن الِاعْتِقَاد فِي الْأَوْلِيَاء وَالصَّالِحِينَ محباً للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين رَحمَه الله وَتَوَلَّى بعده وَلَده السُّلْطَان جَعْفَر وَلم تطل أَيَّامه وَمَات مقتولا فِي سنة سبعين ثمَّ تولى بعده عَمه السُّلْطَان الْعَادِل وَالْملك الْكَامِل اسلطان عمر بن السُّلْطَان بدر سُلْطَان الْعَصْر وأعجوبة الدَّهْر جم الْفَضَائِل حسن الشَّمَائِل وافر الْعقل كثير الْعدْل ذُو سيرة مرضية فِي الرّعية وسلوك حسن مَعَ سَائِر الْبَريَّة حسن السياسة صَادِق الفراسة صَاحب أَخْلَاق الطف من النسيم وأبهج من الدّرّ النظيم قل أَن ورد عَلَيْهِ أحد من الغرباء إِلَّا وَصدر يثني عَلَيْهِ الثَّنَاء الْجَمِيل أَو وَفد إِلَى ساحته بعض الْفُضَلَاء إِلَّا وَانْصَرف يشْكر مَا أسداه إِلَيْهِ من الْبر الجزيل ... ثَنَاء جميل عَنْك يشني معطر ... ووفرك مبذول وعرضك سَالم وسعت الورى حلماً وبشراً بهيبة ... وَبِذَلِك للمعروف والثغر باسم بصدر رحيب واسعقد وسعتهم ... وجودا حَكَاهُ الوابل المتراكم دمائه أَخْلَاق عَظِيمَة خَالق ... رَحِيم كريم أَصله متقادم جمعت خِصَالًا يَا ابْن بدر حميدة ... بواحدها يُسمى الْفَتى ويساهم حَيَاء ومعروفاً وجودا بشاشة ... وعلماً وحلماً جلّ من هُوَ قَاسم فَالله تَعَالَى يمْنَع الْمُسلمين بِبَقَاء ذته الطاهرة ويديم أَيَّام دولته الزاهرة آمين وَأمه أم ولد حبشية وَلَا يفهم من هَذَا أَن مثل هَذَا نقبيضه فِي جلالة قدره الرفيع وعلو شَأْنه الشامخ المنيع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 وَحكي أَن هِشَام بن عبد الْملك قَالَ لزيد بنعلي بن الْحُسَيْن رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ بَلغنِي أَنَّك تُرِيدُ الْخلَافَة وَلَا تصلح لَهَا لِأَنَّك ابْن أمة فَقَالَ لهزيد رَضِي الله عَنهُ إِن الْأُمَّهَات لايضعن شَيْئا من الْأَبْنَاء وَلَيْسَ أحد أولى بِاللَّه وَلَا أرفع منزلَة عِنْده من نَبِي بَعثه وَقد كَانَ إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام من خير الْأَنْبِيَاء وَولد مُحَمَّد خَيرهمْ وَكَانَ ابْن أَمة وَأَخُوهُ ابْن حرَّة مثلك فاختاره الله عَلَيْهِ فَأخْرج مِنْهُ خير الْبشر وَأم اسحاق سارة فَمن وَلَده القردة والخنازير وَمَا على أحد جده رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا كَانَت أمه فَخَجِلَ هِشَام وَتزَوج زين العابدين عَليّ بن الْحُسَيْن رَضِي الله عَنهُ أّمة لَهُ أعْتقهَا فلامه عبد الْملك على ذَلِك وَكتب غليه أما بعد فَإِنَّهُ بَلغنِي عَنْك أَنَّك اعتقت أمتك وتزوجتها وقدكان لَك فِي أكفائك فِي قُرَيْش مَا تستكرم بِهِ فِي الصهر فَلم تنظر لنَفسك وَلَا لولدك ونكحت فِي اللؤم فَكتب إِلَيْهِ أما بعد فَإِنِّي أعتقتهابكتاب الله وارتجعتها بِسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنه مَا فرق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من تقى لأحد فِي مجد أَن الله قد رفع بِالْإِسْلَامِ الخسيسة وَأتم النقبصة وَأكْرم بِهِ من اللؤم فَلَا عَار على مُسلم هَذَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تزوج أَمته وَامْرَأَة عَبده فَقَالَ عبد الْملك إِن عَليّ بن الْحُسَيْن تشرف من حَيْثُ يتضع النَّاس وَمن غَرِيب الِاتِّفَاق أَن ثَلَاثَة سادوا الْأَنَام فِي زمانهم وَانْفَرَدَ كل مِنْهُم بِالْفَضْلِ الظَّاهِر وَالْعقل الباهر ومزيد الصّلاح والهمة الْعَالِيَة والسيرة الحميدة والذكاء العجيب والفهم الْغَرِيب وَالنّظم الْحسن والإنشاء البديع وَكَانَت أم كل وَاحِد مِنْهُم أم ولد حبشية أما أحدهم فالشريف الْفَاضِل الصَّالح وجله الدّين عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد الْبيض أَبَا علوي وَكَانَت وَفَاته بالشحر سادس جُمَادَى الأولى سنة إِحْدَى بعد الْألف وَالثَّانِي صاحبنا الشَّيْخ الْعَلامَة أَحْمد بنالعلامة عَليّ البسكري الْمَكِّيّ ثمَّ المغربي الْمَالِكِي وَسَيَأْتِي ذكره فِي تَرْجَمَة صَاحبه الشَّيْخ مُحَمَّد بن عبد الْحق الْمَالِكِي وَالثَّالِث الشَّيْخ الرئيس ذِي الْكَرم الجم وَالْفضل الْكثير جمال الدّين مُحَمَّد بن الشَّيْخ الشهير عبد اللَّطِيف الْمَكِّيّ الْحَنَفِيّ الشهير بمخدوم زَاده أبقاه الله تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 قلت وَكَذَلِكَ كَانَت أم اخي السَّيِّد مُحَمَّد مصطفى الَّذِي يُنَوّه سَيِّدي الْوَالِد بِذكرِهِ وَيُشِير إِلَيْهِ كثييرا أم ولد الحبشية وَاسْمهَا نور الصَّباح وَكَانَت وَفَاته فِي يَوْم السبت ثمن عشر ذِي الْحجَّة الْحَرَام سنة ثَمَانِيَة وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة بسورت وَعَلِيهِ وعيه قبَّة ومزار وَكَانَ مولدهفي لَيْلَة ثَلَاث وَعشْرين من شهر رَمَضَان سنة سبع وَسِتِّينَ وَكَانَت أم أخي السَّيِّد مُحَمَّد فضل الله الْمَوْلُود فِي الْمحرم سنة سِتّ وَسبعين وَتِسْعمِائَة والمتوفي فِي سَابِع جُمَادَى الأولى سنة ثَمَان وَسبعين وَتِسْعمِائَة أم ولد هندية وكتانت من الصَّالِحَات العابدات وَكَانَت تقْرَأ الْقُرْآن الْعَظِيم توفيت يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي شهر شعْبَان سنة اثنى عشر بعد الْألف رَحمهَا الله وَيقرب من هَذَا مَا ذكره ابْن الصّلاح رَحمَه الله فِي رحلته قَالَ روينَا عَن الزُّهْرِيّ انه قَالَ قدمت على عبد الْملك بن مَرْوَان فَقَالَ من أَيْن قدمت يَا زهري قلت م مَكَّة قَالَ فَمن خلفت بهَا يسود أَهلهَا قَالَ قلت عَطاء ابْن أبي رَبَاح قَالَ فَمن الْعَرَب أم من الموَالِي قلت منالموالي قَالَ فيمَ سادهم قلت بالديانة وَالرِّوَايَة قَالَ ان أهل الدّيانَة وَالرِّوَايَة يَنْبَغِي أَن يسودوا النَّاس قلت نعم قَالَ فَمن يسود أهل الْيمن قَالَ قلت طَاوُوس بن كيسَان قَالَ فَمن الْعَرَب أم من الموَالِي قلت من الموَالِي قَالَ فيمَ سادهم قلت بِمَا سادهم بِهِ عَطاء قَالَ من كَانَ كَذَلِك يَنْبَغِي أَن يسود النَّاس قلت نعم قلت نعم قَالَ فَمن يسود أهل مصر قلت يزِيد بن أبي حبيب قَالَ فَمن الْعَرَب أم من الموَالِي قلت من الموَالِي فَقَالَ كَمَا قَالَ فِي الاولين مَعَه قَالَ فَمن يسود أهل الشَّام قلت مَكْحُول الدِّمَشْقِي قَالَ فَمن الْعَرَب أم من الموَالِي قلت من الموَالِي عبد نوبي أَعتَقته امْرَأَة من هُذَيْل فَقَالَ كَمَا قَالَ ثمَّ قَالَ فَمن يسود أهل الجزيرة قلت مَيْمُون ابْن مهْرَان قَالَ فَمن الْعَرَب أم م الموَالِي قلت من الموَالِي فَقَالَ كَمَا قَالَ ثمك قَالَ فَم يسود أهل خُرَاسَان قلت الضَّحَّاك بن مُزَاحم قَالَ فَمن الْعَرَب أم من الموَالِي قلت من اموالي فَقَالَ كَمَا قلا ثمَّ قَالَ فَمن يسودأهل الْبَصْرَة قلت الْحسن بن أبي الْحسن قَالَ م اعرب أم من الموَالِي قلت من الموَالِي فال فَمن يسود أهل الْكُوفَة قلت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ من الْعَرَب ام من الموَالِي قلت من الْعَرَب قَالَ وَيلك يَا زهري فرجت عني فوَاللَّه لتسودن الموَالِي على الْعَرَب حَتَّى يخْطب لَهَا على المنابر وان الْعَرَب تحتهَا قَالَ قلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّمَا هُوَ أَمر الله وَدينه فَمن حفظه سَاد وَمن ضيعه سقط فَائِدَة كَانَ أَبُو السَّيِّد الْجَلِيل الْكَبِير الْمِقْدَار صَاحب امقامات والأنوار الإِمَام الْعَالم العابد عبد الله بن الْمُبَارك قدس الله روحه عبدا هنجيا كَمَا ذكر القزيني فِي كتاب أَخْبَار الْبِلَاد وآثار الْعباد وَكَانَ هَذَا الرجل من أَوْلِيَاء الله تَعَالَى وَمِمَّنْ تستنزل الرَّحْمَة بِذكرِهِ وترجي الْمَغْفِرَة بحبه كَمَا قَالَه ولي الله الإِمَام النَّوَوِيّ رَحمَه الله فَلَا بُد أَن تشف الاسماع بِذكر شَيْء من أَوْصَافه الفاخرة رَجَاء أَن ينفعنا الله ببركته فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة حُكيَ انه كَانَ بمرو قَاض اسْمه نوح ابْن مَرْيَم وَكَانَ رَئِيسا أَيْضا وَكَانَت لهبنت ذَات جمال خطبهَا جمَاعَة من الْأَعْيَان والأكابر وَكَانَ لَهُ غُلَام هندي ينظر بساتينه فَذهب يَوْمًا إِلَى البستانت فَطلب من غُلَامه شَيْئا من الْعِنَب فَأتى بعنب حامض فَقَالَ لَهُ هَات عنباً حلواً فاتى بحامض فَقَالَ القَاضِي وَيحك مَا تعرف الحلو من الحامض فَقَالَ بلَى وَلَكِنَّك امرتني بحفظها وَمَا امرتني بالاكل مِنْهَا وَمن لَا يَأْكُل لايعرف فتعجب القَاضِي من كَلَامه وَقَالَ حفظ الله عَلَيْك أمانتك وَزوج مِنْهُ ابْنَته فَولدت عبد الله بن الْمُبَارك الْمَشْهُور بِالْعلمِ والورع وَكَانَ يحجّ سنة ويغزو فِي سنة اخرى وَحكي عَنهُ رَحمَه الله عَلَيْهِ قَالَ خرجت للغزو مرّة فَلَمَّا تراءت الفئتان خرج من صف التّرْك فَارس يَدْعُو إِلَى البرَاز فَخرجت إِلَيْهِ فَإِذا قد دخل وَقت الصَّلَاة قلت لَهُ تَنَح عني حَتَّى أُصَلِّي ثمَّ افرغ لَك فَتنحّى فَصليت رَكْعَتَيْنِ وَذَهَبت إِلَيْهِ فَقَالَ لي تَنَح عني حَتَّى اصلي أَنا أَيْضا فتنحيت عَنهُ فَجعل يُصَلِّي إِلَى الشَّمْس فَلَمَّا خر سَاجِدا هَمَمْت ان أغدر بِهِ فَإِذا قَائِل يَقُول {وأوفوا بالعهد إِن الْعَهْد كَانَ مسؤولا} فَتركت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 الْغدر فَلَمَّا فرغ من صلَاته قَالَ لي لم تحركت قلت اردت الْغدر بك قَالَ فَلم تركته قلت لِأَنِّي أمرت بِتَرْكِهِ قَالَ الَّذِي أَمرك بترك الْغدر أَمرنِي بِالْإِيمَان وآمن والتحق بصف الْمُسلمين وَحكي انه كَانَ معاصراً لفضيل بن عِيَاض رَحْمَة الله عَلَيْهِ وفضيل قدجاور بِمَكَّة وواظب على الْعِبَادَة بِمَكَّة وَالْمَدينَة فَقَالَ عبد الله بن الْمُبَارك ... يَا عَابِد الْحَرَمَيْنِ لَو ابصرتنا ... لعَلِمت انك بِالْعبَادَة تلعب من كَانَ يخضب جده بدموعه ... فنحورنا بدمائنا تتخضب وغبار خيل الله فِي أنف امرءٍ ... ودخان نَار جَهَنَّم لَا يذهب هذاكتاب الله يحكم بَيْننَا ... لَيْسَ الشَّهِيد كَغَيْرِهِ لَا يكذب ... وَحكى الْحسن بن الرّبيع انه خرج ذَات سنة فِي جيوش الْمُسلمين إِلَى الْغَزْو فلماتقابل الصفان خرج من صف الْكفَّار فَارس يطْلب الْقرن فَذهب إِلَيْهِ فَارس من الْمُسلمين فَمَا أمْهل الْمُسلم حَتَّى قَتله فخرجح إِلَيْهِ آخر فَمَا أمهله ثمَّ آخر فَمَا أمهله فاحجم النَّاس عَن مبارزته وَدخل الْمُسلمين مِنْهُ حزن فَإِذا فَارس متلثم خرج إِلَيْهِ من صف الْمُسلمين وَرِجَال مَعَه زَمَانا ثمَّ رَمَاه وجر رَأسه فَكبر الْمُسلمُونَ وفرحوا وَلم يكن يعرفهُ اُحْدُ فَعَاد إِلَى مَكَانَهُ وَدخل فِي غمار النَّاس قَالَ الْحسن فبذلت جهدي حَتَّى دَنَوْت مِنْهُ وحلفته ان يرفع لثامه فاذا هُوَ عبد الله بن الْمُبَارك فَقلت يَا امام الْمُسلمين أخفيت نَفسك عَن هَذَا الْفَتْح الْعَظِيم الَّذِي يسره الله على يدك فَقَالَ الَّذِي فعلت لَهُ لَا يخفى عَلَيْهِ وَحكي ان عبد الله بن الْمُبَارك عَاد من مرو إِلَى الشَّام لقلم رَآهُ مَعَه بمرو وَصَاحبه بِالشَّام ورثي سُفْيَان الثَّوْريّ رَحمَه الله عَلَيْهِ بعد مَوته فِي الْمَنَام فَقيل لَهُ مَا فعل اللهبك قَالَ رحمني فَقيل مَا حَال عبد الله بنالمبارك قَالَ هُوَ مِمَّن يدْخل على ربه كل يَوْم مرَّتَيْنِ ولد سنة مائَة وَعشْرين وَتُوفِّي سنة مائَة واحدى وَثَمَانِينَ عَلَيْهِ رَحمَه الله ورضوانه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 سنة ثَمَان وَسبعين بعد التسْعمائَة (978) هـ وَفِي عَشِيَّة يَوْم الْخَمِيس لعشرين خلتمن شهر ربيع الأول سنة ثَمَان وَسبعين كَانَ مولد مؤلف هَذَا الْكتاب بلغه الله من الْخَيْر امله وَختم بالسعادة عمله وَقد عمل سَيِّدي الْوَالِد قدس سره لضبط الْعَام الْمَذْكُور تواريخ كَثِيرَة مِنْهَا بخ بمولود سيد قطب زَمَانه وَلَا يخفى مَا فِيهِ من الاشارة المتضمنة للبشارة من هَذَا السَّيِّد الْجَلِيل وَالْوَلِيّ الْكَبِير وَقد نظم بعض التواريخ الَّذِي جعلهَا سَيِّدي الْوَالِد صاحبنا الشَّيْخ الْعَلامَة جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد اللَّطِيف الجامي الْمَكِّيّ الشهير بمخدوم زَاده فِي مقطعات لَهُ مُتعَدِّدَة وَقَالَ سَيِّدي الْوَالِد عِنْد ذَلِك ... بدا النُّور من نجد وَمن شعب عَامر ... بطلعة أبي بكر الْفَتى عبد الْقَادِر بِشَهْر ربيع لَيْلَة الْجُمُعَة الغرا ... لثالث عشْرين زهت بالبشائر لعام ثَمَان بعد سبعين سنوة ... من الْهِجْرَة الغرا ذَات الاشاير وتسع مئين صَحَّ مِيلَاد سيد ... دعِي بأبا بكر مُحَمَّد باقر مكن الْمُصْطَفى الْمُخْتَار مشكاة نوره ... إِلَى العيدروس الْمُجْتَبى بالسرائر ... وَقد خمس هَذِه الأبيات الْفَقِيه الصَّالح أَحْمد بن الْفَقِيه مُحَمَّد أَبَا جَابر وخمسها أَيْضا الشَّيْخ مُحَمَّد بن عبد اللَّطِيف مخدوم زَاده الْمَذْكُور وصدرها وعجزها أيضاالشيخ الصَّالح الْعَلامَة شهَاب الدّين أَحْمد بن الْعَلامَة عَليّ بن مُحَمَّد البسكري الْمَكِّيّ الْمَالِكِي المغربي تغمده الله برحمته وَكَانَ وَالِدي رَحمَه لله رأى فِي المنامقبل ولادتي بِنَحْوِ نصف شهر جمَاعَة من أَوْلِيَاء الله تَعَالَى مِنْهُم الشَّيْخ عبد الْقَادِر يُرِيد حَاجَة منالوالد فَذَلِك هُوَ الَّذِي حمله على تسميتي بِهَذَا الِاسْم وَكَنَّانِي أَيْضا أَبَا بكر ولقبني محيي الدّين وتقرر عِنْده انه سَيكون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 لي شَأْن وَكَانَ قل ان يسلم لَهُ أحد من الاولاد بِأَرْض الْهِنْد فَمَا عَاشَ لَهُ مِنْهُم غَيْرِي وَكَانَ يحبني جدا وَقَالَ لي مرّة إِذا وَقع زَمَانك افْعَل ماشئت وَكم لي نه من إشارات تضيق عَن بسطها العباارت وَالْأولَى الْآن طي حكاياتها والمرجو من اللهعود ثَمَرَتهَا وبركتها وَحكى بعض الثِّقَات قَالَ جَاءَ بعض الوزراء والكبار إِلَى والدك يطْلب مِنْهُ الدُّعَاء فِي أَمر من الْأُمُور وَأَنت إِذا ذَاك صَغِير جدا وَكنت جَالِسا بَين يَدَيْهِ فَقَرَأت فِي الْحَال هَذِه الْآيَة {واخرى تحبونها نصر من الله وَفتح قريب} فَقَالَ الشَّيْخ لَهُم يكفيكم هَذَا الفال هَذَا مثل الْوَحْي قَالَ ثمَّ قضيت تِلْكَ الْحَاجة باذن الله تَعَالَى وَكَانَت أُمِّي أم ولد هندية وهبتها بعض النِّسَاء من ارباب الْخَيْر وَبَيت الْملك الْمَشْهُورَة بالصدقات الجليلة والهبات الجزيلة وَالْكَرم والاحسان والقفضل والامتنان لأبي رَحمَه الله واعطتها حِينَئِذٍ جَمِيع مَا تحْتَاج إِلَيْهِ من أثاث الْبَيْت وأخدمتها جملَة من الْجَوَارِي وَكَانَت تنظرها مثل ابْنَتهَا وتزورها فِي الشَّهْر مَرَّات وكطانت هِيَ إِذْ ذَاك بكرا وَلم تَلد لَهُ أحدا من الْأَوْلَاد غَيْرِي وَكَانَت من الصَّالِحَات على جَانب عَظِيم من التَّوَاضُع وسلامة الصَّدْر وَحسن الاخلاق وَكَثْرَة الانفاق توفيت ضحى يَوْم الْجُمُعَة لعشرين خلت من شهر رَمَضَان سنة عشر بعد الالف وَكَانَ آخر كَلَامهَا لَا إِلَه إِلَّا الله وقبرها بجوار سَيِّدي الْوَالِد خَارج قُبَّته الشَّرِيفَة رَحمهَا الله تَعَالَى وقرأت الْقُرْآن الْعَظِيم حَتَّى ختمته على يَد بعض أَوْلِيَاء الله تَعَالَى وَذَلِكَ فِي حَيَاة الْوَالِد تغشاة الله بِالرَّحْمَةِ واشتغلت بعد قِرَاءَة الْقُرْآن بتحصيل طرف من الْعلم وقرأتعدة من الْمُتُون على جمَاعَة من الْعلمَاء والأعلام وتصدت لنشر اعْلَم ومزاحمة أَهله وَذَلِكَ بكرم الله وفضله وَالْأَخْذ عَن الْعلمَاء والاستفادة مِنْهُم وَمَعْرِفَة فَضلهمْ وتعظيمهم مَعَ التظلل مَعَهم بالأقوال والتشبه بهم فِي الْأَفْعَال وتكثير سوادهم ورعي ودادعم وشاركت فِي كثير من الْفُنُون وتفرغت لتَحْصِيل الْعُلُوم النافعة لوجه الله تَعَالَى وَعلمت الهمة فِي اقتناء الْكتب المفيدة وبالغت فِي طلبَهَا من اقطار الْبِلَاد الْبَعِيدَة مَعَ مَا صَار إِلَيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 من كتب الْوَالِد رَحمَه الله فَاجْتمع عِنْدِي مِنْهَا جملَة عديدة وَلما بَلغنِي ان سَيِّدي الشَّيْخ علد الله العيدروس رَضِي الله عَنهُ قَالَ من حصل كتاب أَحيَاء عُلُوم الدّين وَجعله غي أَرْبَعِينَ جلدا ضمنت لَهُ على الله بِالْجنَّةِ فحصلته كَذَلِك بِهَذِهِ النِّيَّة وَللَّه الْحَمد ووقفت لاستماع الْأَحَادِيث النَّبَوِيَّة واشتغال الْأَوْقَات بهَا مَعَ صدق النِّيَّة وطالعت كثيرا من الْكتب باعانة الله تَعَالَى ووقفت على أَشْيَاء غَرِيبَة فِيهَا وَفِيمَا تلقيته عنالمشايخ الْأَفْرَاد وفضلاء الْعَصْر الأمجاد وَغَيرهم من الثِّقَات فَلم تفتني بِحَمْد الله سُبْحَانَهُ إِشَارَة صوفية أَو مَسْأَلَة علمية أَو نُكْتَة ادبية وَلَكِنِّي مَعَ ذَلِك اظهر التجاهل فِي ذَلِك لِأَن الْكَلَام على اشارات التصوف ومقامات الصُّوفِيَّة لَا يَنْبَغِي الشَّخْص أَن يصفها إِلَّا إِذا كَانَ متحققاً بهَا وَمَعَ ذَلِك فَلَا يجوز لَهُ ان يتَكَلَّم فِيهَا مَعَ غير أَهلهَا لانها مَبْنِيَّة على المواجيد والاذواق لَا يطلع على بَيَان حَقِيقَتهَا بالألسنة والأوراق واما نكت الْأَدَب فَلَا يحسن بعاقل أَن يشْتَهر بِمَعْرِِفَة علمهَا وَالله المسؤول ان يَجْعَل ذَلِك مقرباً اليه وموجباً للزلفى عِنْده ولديه وان يتم لنا كَمَال السَّعَادَة بَان يرزقنا حسن الخاتمة عِنْد الْمَوْت حَتَّى نظفر بِالْحُسْنَى وَزِيَادَة مَعَ الدُّنْيَا وأحبابنا ومشايخنا وأصحابنا وأخواننا وذرارينا انه أكْرم مسؤول قريب مُجيب وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه عَلَيْهِ توكلت وإلي انيب ثمَّ من الله عَليّ بعد ذَلِك وَله الْحَمد لَا أحصى ثَنَاء عَلَيْهِ بِمَا لَا كَانَ لي قطّ فِي حِسَاب فسبحان المتفضل الْمُنعم الْمُعْطِي الْوَهَّاب حَتَّى سَارَتْ بمصفاتي الرفاق وَقَالَ بفضلي عُلَمَاء الْآفَاق وَرزقت محبَّة ارباب الْقُلُوب من اولياء الله تَعَالَى وحظيت بدعواتهم الصَّالِحَة وعظمني الْعلمَاء شرفا وغرباً وخضع لي الرؤساء طَوْعًا وَكرها وكاتبني مُلُوك الاطراف وأرفدوني بصلاتهم الجليلة وهباتهم الجزيلة ووصلت إِلَى المدائح مكن الْآفَاق كمصثر واقصى الْيمن وَغَيرهمَا من الْبِلَاد الْبَعِيدَة وَأخذ عني غير وَاحِد من الاعلام وانتفع بِي عدَّة من الانام وَمِمَّنْ لبس مني خرقَة التصوف من الْأَعْيَان السَّيِّد الْجَلِيل الْعَلامَة جمال الدّين مُحَمَّد بن يحيى الشَّامي الْمَكِّيّ وَالشَّيْخ الْكَبِير الْعَلامَة الشهير بدر الدّين حُسَيْن بن دَاوُد الكوكني الْهِنْدِيّ وَالشَّيْخ الصَّالح الْعَلامَة الْفَقِيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 أَحْمد بن الْفَقِيه الْوَلِيّ مُحَمَّد بن عبد ارحيم أَبَا جَابر الْحَضْرَمِيّ وَالشَّيْخ الْفَاضِل شهَاب الدّين أَحْمد بن ربيع بن الشَّيْخ الْكَبِير والعلامة الشهير أَحْمد بن ربيبع بن الشَّيْخ الْكَبِير والهعلامة الشير أَحْمد بن عبد الْحق السنباطي الْمَكِّيّ الْمصْرِيّ وَغَيرهم وَأما الَّذِي لبسهَا من الْمُلُوك والتجار وَطَوَائِف النَّاس فجماعة كَثِيرُونَ وخلائق لَا يُحصونَ والفت جملَة من الْكتب المقبولة الَّتِي لم اسبق إِلَى مثلهَا وَوَقع الاجماع على فَضلهَا فَلَا يكَاد يمتري فِي ذَلِك إِلَّا عَدو أَو حَاسِد وَهِي لعمري على مَا أنعم الله بِهِ من فَضله عَليّ أعظم شَاهد ككتاب الفتوحات القدوسية فِي الْخِرْقَة العيدروسية وَهُوَ كتباب نَفِيس لم يؤلف قبله أجمع مِنْهُ وَهُوَ مُجَلد ضخم وقرظهخ جمَاعَة من الْعلمَاء الاعلام وسادات الانام حَتَّى أَن التقارظ الَّتِي كتبوها عَلَيْهِ جآءت فِي كراريس وَمن غَرِيب الِاتِّفَاق أَن تَارِيخه جَاءَ مطابقا لموضوعه وَهُوَ لبس خرقَة وكانجعل هَذَا التَّارِيخ الشَّيْخ الْفَاضِل مُحَمَّد بن علبد اللَّطِيف مخدوم زَاده ونظمه فغي ابيات مِنْهَا ... وَلما كَانَ ذَا التَّأْلِيف فِيمَن ... تشرف فِي الانام بِلبْس خرقه فَلَا عجب وَلَا بدع إِذا مَا ... اتى تَارِيخ ذَلِك لبس خرقه ... وَكتاب الحدائق الخضرة فِي سيرة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه الْعشْرَة وَهُوَ أول كتاب ألفته وَكَانَ سني إِذْ ذَاك دون الْعشْرين وَكتاب اتحاف الحضشرة العزيزة بعيون السّير الوجيزة وَهُوَ على نمط كتباب الحدائق إِلَّا انه أَصْغَر مِنْهُ وَهُوَ عَجِيب فِي بَابه وقرظه بعض الْفُضَلَاء وَكتاب الْمُنْتَخب الْمُصْطَفى من أَخْبَار مولد الْمُصْطَفى وَاسْتحْسن اسلوبه بعض الصلحاء من أهل الْعلم جدا وَكتاب الْمِنْهَاج إِلَى الْمعرفَة الْمِعْرَاج وَكتاب الانموذج اللَّطِيف فِي أهل بدر الشريف وَلم أعلم أَن أحدا تقدمني إِلَى أَفْرَاد مَنَاقِب أهل بدر رَضِي الله عَنْهُم وَهَذَا الكتبار الشريف من أعظم الْأَعْمَال الَّتِي أعْتَمد عَلَيْهَا وارجو بهَا من فضل الله الْجنَّة وَكتاب اسباب النجَاة والنجاح فِي اذكار الْمسَاء والصباح وَكتاب الدّرّ الثمين فِي بَيَان المهم من علم الدّين ذكرت فِيهِ كل مَا يجب على الْمُبْتَدِئ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 من معرفَة العقائد ثمَّ مَا يحْتَاج إِلَيْهِ بعد ذَلِك من أَمر دينة كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَام وَالزَّكَاة وَالْحج ثمَّ بيّنت بعد ذَلِك الاخلاق المذمومة حَتَّى يجتنبها الطَّالِب والأخلاق المحمودة ليجتهد فِي طلبَهَا كل رَاغِب وَهُوَ كتاب نَفِيس جدا ومفيد فِي بَابه إِلَى أقْصَى الْغَايَة وَكتاب الْحَوَاشِي الرشيقة على العروة الْوَثِيقَة وَكتاب منح الْبَارِي يخْتم صَحِيح البُخَارِيّ وَكتاب تَعْرِيف الْأَحْيَاء بفضائل الْأَحْيَاء وباعثه أَن سَيِّدي الشَّيْخ عبد الله العيدروس رَضِي الله عَنهُ قَالَ غفر اله لمن يكْتب كَلَامي فِي الْغَزالِيّ فرجوت ان يتناولني دعاءه وَأَرَدْت اسعاف وَالِدي بتحقيق رجاه فَإِنِّي سمعته يَقُول إِن أمهخل الزَّمَان جمعت كَلَام الشَّيْخ عبد الله الْغَزالِيّ فِي كتاب وأسميه الْجَوَاهِر المتلالي من كَلَام الشَّيْخ عبد الله فِي الْغَزالِيّ وَقد اشْتَمَل هَذَا الْكتاب على جملَة من كَلَامه فِي الثَّنَاء عَلَيْهِ وعَلى كتبه وَكتاب عقد اللآل بفضائل الْآل وَكتاب خدمَة السَّادة آل أَبَا علوي بِاخْتِصَار العقد النَّبَوِيّ وارجو ان يوفقني الله لإتمامه وَكتاب بغية المستفيد فِي شرح تحفة المريد وَهُوَ مُخْتَصر جدا وَكتاب النفحة العنبرية فِي شرح الْبَيْتَيْنِ العدنية وَكتاب غَايَة الْقرب فِي شرح نِهَايَة الطّلب اعتنى بِهِ النَّاس كثيرا وحصلوا مِنْهُ نسخا عديدة نَحْو الْأَرْبَعين فِيمَا علمت وَكَانَ بعض الْعلمَاء أَمر وَلَده بحفظه عَن ظهر الْقلب على جاري العوائد فِي حفظ الْمُتُون وَقد اشار إِلَيْهِ الْعَلامَة الحباني مَعَ المولد فِي بض القصائد الَّتِي امتدحني بهَا بقوله ... وبغاية الْقرب الْعُلُوم تفتحت ... وَبِمَا اتانا نخبة فِي المولد ... وَشرح على قصيدة الشَّيْخ أبي بكر العيدروس صَاحب عدن النونية وَهُوَ كتاب فِي غَايَة الْحسن بديع التَّرْتِيب غَرِيب التَّأْلِيف والتهذيب حسن السبك والأنسجام بِحَيْثُ يفهمهُ الْخَاص وَالْعَام مُشْتَمل على فَوَائِد جمة ومحتو على مَقَاصِد مهمة وَكتاب اتحاف أَخَوان الصفاء بشرح تحفة الظرفاء بأسماء الْخُلَفَاء وَكتاب الْفَتْح الْقُدسِي فِي تفسيرة آيَة الْكُرْسِيّ وَكتاب صدق الْوَفَاء بِحَق الاخاء وَهُوَ مَعَ اختصاره عَجِيب فِي بَابه غَرِيب فِي وَضعه واسلوبه وَكتاب النُّور السافر عَن أَخْبَار الْقرن الْعَاشِر وَهُوَ هَذَا وتفريظ على شرح قصيدة البوصيري الَّتِي عَارض بهَا بَانَتْ سعاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 لشَيْخِنَا شيخ الاسلام ومفتي الأنان الْفَقِيه عبد الْملك بن عبد السَّلَام دعسين الْأمَوِي اليمني الشَّافِعِي وَأخر على رِسَالَة صاحبنا الشَّيْخ الْعَلامَة أَحْمد بن عَليّ ابْن مُحَمَّد البسكري فِي تَنْزِيه الإِمَام مَالك رَحمَه الله تَعَالَى عَن تِلْكَ الْمقَالة الشنيعة الَّتِي نَسَبهَا إِلَيْهِ من لَا أَخْلَاق لَهُ وإجازة للفقيه الصَّالح أَحْمد بن الْفَقِيه مُحَمَّد أَبَا جَابر وديوان شعر جمعه بعض الاصحاب واضاف إِلَيْهِ المدائح الَّتِي فِي النَّاظِم واسْمه الرَّوْض الأريض والفيض المستفيض وَمن نظمي ... إِذا مَا اشْتَدَّ ليل الهموم ودجى ... جعلت إِلَى أهل بدر الالتجا وَمَا خَابَ عبد لَهُم قد رجا ... ومني توسل بهم إِلَى الله فرجا ... وَمِنْه ... شافعى أَحْمد لي عِنْد مالكي وَمَا خَابَ من أَحْمد لَهُ شَافِع بل حقيق ان يغْفر لَهُ زلاته ... وينعم عَلَيْهِ بِالَّذِي هُوَ طامع ... مِنْهُ ... أَيهَا العاذلون اقصروا عَن عتابي ... إِنِّي استعذت فِي الْعِشْق عَذَابي لَيْسَ لي غير الغرام شرعا ... إِنَّنِي فِيهِ مُرْسل بِالْكتاب ... مِنْهُ يَا رَسُولي إِذا وصلت إِلَى رَسُولي ... فهن هُنَاكَ نَفسك بالوصول واذا جزت بحيهم اجْرِ ذكري ... ولطف القَوْل كي يرقوا لنحولي ... وَمِنْه ... مريدي أصدق تنَلْ مَا تُرِيدُ ... فَكل ذَا على الله لَيْسَ بِبَعِيد تُرِيدُ قرب مَوْلَاك يَا صَاحِبي ... تقرب فَهُوَ أقرب من حَبل الوريد ... وَمِنْه ... لما كَانَ حَبِيبِي أصل مبدأ الْوُجُود ... وَكَانَ فِي الْخلق للرسل ختام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 .. صَحَّ انهم بَيت حسن بدا ... لَكِن حَبِيبِي كَانَ لحسنهم التمات ... وَمِنْه ... قَالَت محاسنه تطِيق فراقي ... ناديتها لَا صَبر لي لَا صَبر لي ... وَمِنْه ... انا شعبير لآل مُحَمَّد ... وَمن مذهبي حب شيعته ... وَاسْتحْسن غَالب هذع المؤلفات جمَاعَة من أهل الْعلم وَالصَّلَاح الَّذين شهرتهم تغني عَن الْأَطْنَاب فِي مدحهم كالشيخ الصَّالح ولي الله الْعَلامَة جمال الدّين الْفَقِيه مُحَمَّد بن علد الرَّحِيم أَبَا جَابر الْحَضْرَمِيّ وَالشَّيْخ الْكَبِير قدوة الْعلمَاء ودرة تَاج الْفُضَلَاء الْفَقِيه مُحَمَّد بن الإِمَام عبد الْقَادِر الحباني وَالشَّيْخ الإِمَام علم الْعلمَاء الْإِعْلَام شيخ الْإِسْلَام ومفتي الانام شَافِعِيّ زَمَانه على الأطلاق صَاحب المصنفات الَّتِي اشتهرت فِي الْآفَاق الْفَقِيه عبا الْملك ابْن عبد السَّلَام دعسين الاموي الشَّافِعِي اليمني والفقيه الْمُحَقق الْعَلامَة جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الْوَلِيّ الْقُرْطُبِيّ المغربي وَكَانَ الْمَذْكُور قدم الْيمن فَاجْتمع فِيهَا بالفقيه عبد الْملك ووقف عِنْده على مُجَلد فِيهِ جملَة مِنْهَا فاعجب بهَا جدا وَقَالَ إِنَّه بَقِي لمؤلفها فِي هَذَا الزَّمَان نَظِير واني لأدعو لَهُ بطول الْعُمر حَتَّى يَبْدُو مِنْهُ مثل هَذِه الْفَوَائِد المستجادة لينْتَفع بهَا من اراد الله هدايته من أهل السَّعَادَة وَكتب الأكابر بَعْضهَا بخطوطهم وَكَانَ أخي السَّيِّد الْكَبِير وَالْوَلِيّ الشهير الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى الشَّيْخ عبد الله كَانَ الله لَهُ يعجب بهَا إِلَى الْغَايَة وَله فِي بعض أوراقه إِلَى خادمه سَالم بن عَليّ أَبَا موجة وَقد ذَكرنِي فِيهَا وَقَالَ انا مَا نرَاهُ إِلَّا فِي منزلَة وَالِده وَكتب الي الْفَقِيه الصَّالح مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم أَبَا جَابر فِي بعض الاوراق فِي أَمر يطْلب مني ان أَفعلهُ وَكَانَ فِيهِ نوع صعوبة فقا وَلَا تستبعد هَذَا يَا شيخ عبد الْقَادِر فانك من الَّذين يتصرفون فِي الْكَوْن وتنفعل لَهُم الْأَشْيَاء بِإِذن سالله تَعَالَى وَكَانَ الْفَقِيه عبد الْملك رَحمَه الله يتَمَنَّى الِاجْتِمَاع بِي كَمَا حَكَاهُ عَنهُ بعض الثِّقَات وَهُوَ الَّذِي يَقُول فِي ذَلِك أَيْضا من قصيدة امتدحني بهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 .. إِذا مثلت شخصكم بفكري ... اوالي زعقة فِي أثر زعقة وَمهما تَذكرُوا عِنْدِي تصبني ... لواعج صعقة وَيجْرِي دمع مقلتي استباقا ... بخدي دفقة من بعد دفقة فمنوا باللقاء وَلَو مناماً ... لَعَلَّ مَرِيض شخص بتنأي ينقه واحظى باجتماع فِي مَحل ... يضيء الْأنس بالأفراح افقه بِحَضْرَة من حوى كل الْمَعَالِي ... وأحرز من مجيد الْمجد افقه بِحَضْرَة من حوى كل الْمَعَالِي ... واحرز من مجيد الْمجد فرقه وَحَازَ السَّبق فِيمَا يبتغيه ... وَلَا عجب إِذا مَا حَاز حَقه تغذى بالمعارف وَهُوَ طِفْل ... وَفِي سنّ الكهولة مَا أحقه 55 حباه اله بِالْعلمِ اللدني ... فاضحى فاتقاً بالفهم رتقه وَذَاكَ الشَّيْخ عبد الْقَادِر ... العيدروس اخو الفهوم المستدقه سليل الأكرمين ومنتقاهم ... واحظاهم بفخر حَاز سبقه تبوأ فِي الْفَضَائِل قصر فضل ... لرايات الْجلَال عَلَيْهِ خفقه وَخص ببسطة فِي الْعلم خلت ... لَهُ جمل المعارف مسترقه فآتاه الآله فنون علم ... بِلَا تَعب لَدَيْهِ وَلَا مشقه واعطاه الْعَطاء الجم فضلا ... وَحسن بعد حسن الْخلق خلقه فادرك فِي الْعُلُوم مقَام بسط ... واعجز من تصوف أَو تفقه وصنف فِي فنون الْعُلُوم كتبا ... جليلات ابان بِهن حذقه وخرقة أَهله قد جَاءَ فِيهَا ... بتصنيف إِذا الاتقان طبقه وسلسلها إِلَى أصل اصيل ... بتنقيح أصَاب الضَّبْط وَفقه واما فِي التصوف فَهُوَ فَرد ... امام قد حوى بِالْجمعِ فرقه لقد ورث الْولَايَة عَن أَبِيه ... بتعصيب وَفرض أستحقه فقد أنْفق من كنوز الْعلم عفوا ... وَخص بِكُل فن مُسْتَحقّه فيهنيه الَّذِي أولاه مَوْلَاهُ ... من تحف العطايا الْمُسْتَحقَّة ... قلت وَذكر لهَذِهِ الْأَشْيَاء إِنَّمَا هُوَ من بَاب التحدث بِنِعْمَة الله وَلِأَن الَّذِي حكيت عَنْهُم ذَلِك من أهل الدّين وَالصَّلَاح تيمنا بانفاسهم الطاهرة على أَنى مَا ذكرت من ذَلِك إِلَّا اقليل مَعَ أَن مَا ذكرته من أَنْوَاع لطفهم بِي دون مَا تركته بِكَثِير جزاهم الله عني أفضل مَا جزى استاذاً عَن تَابعه وَلم أر فِي نعم الله التتي أنعم بهَا عَليّ بعد الْإِسْلَام وَالنِّسْبَة إِلَى رَسُول لالله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 نعْمَة أجل مِنْهُ فَلذَلِك ذكرته فِي هَذَا التَّأْلِيف وأخترت بَقَاءَهُ فِي وَفِي عَقبي وأصحابي إِلَى آخر يَوْم من أَيَّام الدَّهْر وَقد سبقني إِلَى ذَلِك من الْعلمَاء المفتدى بهم جمَاعَة لَا يُحصونَ كالعلامة شيخ الشُّيُوخ أَمَام الْمُحدثين وقدوة الْمُحَقِّقين ابْن حجر الْعَسْقَلَانِي والعلامة الْحَافِظ السخاوي والعلامة السُّيُوطِيّ والعلامة شرف الدّين إِسْمَاعِيل الْمقري اليمني صَاحب الارشاد والعلامة الْحَافِظ الدبيع والعلامة الفاسي وَشَيخ الْإِسْلَام الْحَافِظ ابْن حجر الهيتمي وَغَيرهم وفيهَا فاضت بِأَحْمَد أباد بعض البرك حَتَّى فرج عَنْهَا المَاء الَّذِي كَانَ فِيهَا وَصَارَت فارغة وفيهَا أَيْضا رئي الدَّم فِي بعض برك المَاء بِأَحْمَد أباد سنة تسع وَسبعين بعد التسْعمائَة (979) هـ وَفِي ربيع الثَّانِي سنة تسع سبعين توفّي الْفَقِيه الصُّوفِي الْجَامِع بَين الشَّرِيعَة والحقيقة حُسَيْن بن الْفَقِيه عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر بن الْحَاج أَبَا فضل الشَّافِعِي الْحَضْرَمِيّ بتريم ولصاحبنا الأديب الْفَاضِل الْفَقِيه عبد الله بن أَحْمد بن فلاح الْحَضْرَمِيّ فِي تَارِيخ ذَلِك الْعَام بَيْتَيْنِ هما ... شَيخنَا حَيّ تَجدهُ ... ضَابِط الْعَام الَّذِي مَاتَ فِيهِ حُسَيْن بن الْفَقِيه أَبَا ... فضل ابلحاج ذِي الكرامات ... وَكَانَ من كمل الْمَشَايِخ العارفين الجامعين بَين عُلُوم الشَّرِيعَة وسلوك الطَّرِيقَة وشهود الْحَقِيقَة صَاحب أَحْوَال سنية ومقامات علية وفراسات صَادِقَة وكرامات خارقة وَله فِي التصوف رِسَالَة سَمَّاهَا الْفُصُول الفتحية والنفثات الروحية فِيمَا يُوجب الجمعية وَعدم البراح من جَانب الْحق والغناء والبقاء بِهِ بِالْكُلِّيَّةِ والجزئية وَمن كراماته أَنه كَانَ مرّة فِي مجْلِس وَبَين يَدَيْهِ مريده فضل بن غبراهيم فَكَانَ يتَكَلَّم بأَشْيَاء بطرِيق الْكَشْف كعادته وَكَانَ فِي ذَلِك الْمجْلس أخي السَّيِّد عبد الله فَالْتَفت إِلَيْهِ فضل الْمَذْكُور وَقَالَ أَن والدك ركب فِي بعض الْخشب وسرى هَذِه السَّاعَة فَقَالَ الشَّيْخ حُسَيْن مَا خرج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 من الْهِنْد أصلا فتراجعا فَقَالَ الشَّيْخ حُسَيْن اما عَليّ كَذَا أَو عَلَيْك كَذَا من بَاب الْبسط ثمَّ أتفقا على أَنه مَا خرج فاتفق أَن أخي كتب هَذِه الْقِصَّة فِي كتاب وَوَقع عزمه إِلَى الْهِنْد فِي تِلْكَ السّنة وَكَانَ الْكتاب الْمَذْكُور فِي صحبته فَلَمَّا رَآهُ وَالِد قَالَ صدق الِاثْنَان الشَّيْخ حُسَيْن ومريده إِلَّا أَن الشَّيْخ حُسَيْن كَانَ نظره يشرف على حقائق الْأَشْيَاء وَاخْبَرْ أَنه كَانَ فِي ذَلِك الْوَقْت الْيَوْم فِي ذَلِك الشَّهْر عزم من أَحْمد أباد بنية برعرب لِأَن الْوَزير وَهُوَ عماد الْملك الَّذِي كَانَ يعوق عَلَيْهِ ذَلِك خرج فِي تِلْكَ السّنة للصَّيْد فَلَمَّا كَانَ فِي أثْنَاء الطَّرِيق لحقه الْوَزير الْمَذْكُور فصد عَن ذَلِك قَالَ وَأما قَول فضل أَنه ركب بعض الْخشب وسرى هَذِه السَّاعَة فَإِن البهل إِذا مَشى بِهِ الْبَقر يشبه سرَايَة الْخشب فِي الْبَحْر وبينما هُوَ فِي بعض اللَّيَالِي يسير فِي الطَّرِيق اذ وجد وَالِدي رَحمَه الله فوقفا يتذاكران واستمرا كَذَلِك إِلَى الصَّباح وَحكي أَنه قَالَ مَا عندنَا من الْأَعْمَال الَّتِي نعتمد عَلَيْهَا شَيْئا إِلَّا ذرة من حب آل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبلغ ذَلِك الشَّيْخ أَحْمد بن الْحُسَيْن العيدروس فَقَالَ هَنِيئًا لَهُ هَذَا هُوَ الَّذِي عناه الشَّيْخ أَبُو بكر العيدروس بقوله ... لَك الهنا أَن حل فِيك ذرة ... من حبهم أَو لَاحَ مِنْك حظرة بذكرهم مَا أعظم المسره ... طُوبَى لقلب حل حبهم فِيهِ ... وَكَانَ مُولَعا بكتب الشاذلية وَكَانَ يمِيل إِلَى طريقتهم السّنيَّة حَتَّى قيل فِيهِ أَنه شاذلي زَمَانه رُوِيَ ذَلِك عَن الشَّيْخ الْكَبِير وَالْوَلِيّ الشهير أَحْمد بن سهل وَكَانَ يعظم الشَّيْخ محيي الدّين ابْن عَرَبِيّ ويقرئ كتبه وَكَانَ لَهُ أقتنائها أَشد عناية حَتَّى أَن كتاب الفتوحات المكية كَانَ لَا يُوجد بحضرموت إِلَّا عِنْده وَلما كتب وَالِدي إِلَى وَلَده السَّيِّد عبد اله يُرِيد يحصله لنَفسِهِ أَو لوالده فَقَالَ لَا بل لوالده فَأعْطَاهُ إِيَّاه وَحكي أَن الشَّيْخ بل النُّسْخَة الَّتِي كَانَت عِنْده عِنْد وَفَاته مَا خلا بَاب الْوَصَايَا مِنْهُ وَقَالَ أَنما فعلته تَعْظِيمًا لشأنه لِأَن النَّاس لَا يفهمون مَعَانِيه فيقهون فِي الْغَلَط بِسَبَب ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 قلت وَكَانَ الشَّيْخ من الْمَشَايِخ المربين وَكتب الشَّيْخ ابْن عَرَبِيّ أشتملت على عُلُوم لَا يفهمها إِلَّا أهل النهايات وتضر بأربابها البدايات قَالَ الْحَافِظ السُّيُوطِيّ وزالقول الْفَصْل عِنْدِي فِي ابْن عَرَبِيّ طَريقَة لَا يرضاها فرقنا فَأهل الْعَصْر لَا من يَعْتَقِدهُ وَلَا من يحط عَلَيْهِ وَهِي اعْتِقَاد وَلَا يته وَتَحْرِيم النّظر فِي كتبه قلت وَحكى الشَّيْخ الامام الْعَلامَة بحرق سمع الشَّيْخ أَبَا بكر العيدروس يَقُول لَا اذكر ان وَالِدي ضَرَبَنِي وَلَا انتهرني إِلَّا مرّة وَاحِدَة بِسَبَب انه رأى بيَدي جُزْءا من كتاب الفتوحات المكية لِأَبْنِ عَرَبِيّ فَغَضب غَضبا شَدِيدا فهجرتها من يَوْمئِذٍ قَالَ وَكَانَ وَالِدي ينْهَى عَن مطالعة كتابي الْفتُوح والفصوص لِابْنِ عَرَبِيّ ويأمنر بِحسن الظم فِيهِ وباعتقاد انه من أكَابِر الْأَوْلِيَاء الْعلمَاء بِاللَّه العارفين وَيَقُول ان كتبه اشْتَمَلت على حقائق لَا يُدْرِكهَا إِلَّا ارباب النهايات وتضر بارباب البدايات قَالَ الشَّيْخ بحرق وَأَنا أَيْضا على على هَذِه العقيدة وأد ركت عَلَيْهَا جمَاعَة من الْمَشَايِخ المقتدى ب بهم قلت وَهَذَا مُقْتَضى كَلَام السُّيُوطِيّ رَحمَه الله وَأَنا أَيْضا على هَذِه العقيدة وَهَذِه الطَّرِيقَة أسلم الله أعلم وَوجدت بِخَط صَاحب التَّرْجَمَة سَيِّدي الشَّيْخ حُسَيْن بن الْفَقِيه عبد الله بالحاج أَبَا فضل رَضِي الله عَنهُ ونفع بِهِ آمين ان الشَّيْخ الإِمَام ولي الله تَعَالَى محيي الدّين النَّوَوِيّ لما رأى كَلَامه وطالعه قَالَ الْكَلَام كَلَام صوفي ثمَّ قَالَ الشَّيْخ حُسَيْن وَهُوَ كَمَا قَالَه هَذَا الإِمَام ان كلامة كَلَام الصُّوفِيَّة وانما هُوَ بسط الْعبارَة فِي مَوضِع الْإِشَارَة ومكا يحملهُ من يُنكر على الصُّوفِيَّة وَوجدت بِخَطِّهِ أَيْضا مَا صورته هَذَا الأبيات تصلح فِي الشَّيْخ محيي الدّين ... دَعوه لَا تلوموه دَعوه ... فقد علم الَّذِي لم تعلموه وَرَأى علم الْهدى فَسمى إِلَيْهِ ... وطالب مطلباً لم تطلبوه اجاب دَعَاهُ لما دَعَاهُ ... وَقَامَ بِحقِّهِ ووضعتموه بنفسي من ممنوح قرب ... وطاعنم مطعما لم تطعموه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 قلت وعَلى بالي حِكَايَة غَرِيبَة وَقعت للشَّيْخ ابْن عَرَبِيّ تدل على فَضله الْعَظِيم اذْكُرْهَا هُنَا تيمناً بِذكرِهِ واستشعارا بعظيم قدره ولان المؤرخين يَقُولُونَ من ذكر انساناً وَعلم لَهُ نادرة فَلم يذكرهَا فقد ظلمه ذكره بعض المعتنين بأخباره والمدونين لمحاسن آثاره ان صَاحب اشبيلية ارسل مَالا عَظِيما إِلَى مَكَّة شرفها الله تَعَالَى وَأوصى الْوَكِيل ان لَا يفرق هَذَا المَال إِلَّا أعلم أهل الأَرْض وَاتفقَ أَنه اجتمعتلك السّنة بِمَكَّة شرفها الله تَعَالَى من الْمَشَايِخ وَالْعُلَمَاء وَالْفُقَهَاء وَمن كل ذِي فن من الْعُلُوم مَا لم يجْتَمع فِي عصر من الْأَعْصَار وَهِي السّنة الَّتِي اجْتمع فِيهَا الشَّيْخ شهَاب الدّين السهرودي بالشيخ ميحي الدّين رَضِي الله عَنْهُمَا وَقَالَ كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي شَأْن صَاحبه مَا قَالَ فاجمع الْكل على الشَّيْخ محيي الدّين رَضِي الله عَنهُ وان لَا يفرق المَال سواهُ ففرقه فَلَمَّا فرغ من تفريقه قَالَ لَوْلَا ان خوفي خرق الاجماع لامتنعت فَقَالَ لهبعض أَصْحَابه لم ياسيدي قَالَ مَا اريد بِهِ وَجه الله بل اريد بِهِ التفاخر فَقَالَ لَهُ بَين لي ذَلِك فَقَالَ ان صَاحب الغرب اراد ان يفتخر بِي على سَائِر مُلُوك الأَرْض إِذْ قدم علم انه لَا يفرقه سواي فَمَا اراد بِهِ وَجه الله تَعَالَى بل أَرَادَ التفاخر فَبلغ ذَلِك الْمجْلس إِلَى صَاحب اشبيلية فَبكى وَقَالَ صدق الشَّيْخ هَذَا اردت وَمن شعر وَلَده مُحَمَّد وَكَانَ قد جاور بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة فَطلب مِنْهُ بعض الْأَصْحَاب الْعود إِلَى وَطنه وَكتب إِلَيْهِ هَذِه الأبيات ... لَو قيل لي فِي حَضرمَوْت جَوَاهِر ... تُعْطِي بِلَا من لكل طليب أَو قيل لي مَا تشْتَهي وماتهوى ... تَجدهُ غَايَة الْمَطْلُوب لاخترت مِنْهَا نظرة وَفِي طيبَة ... وَالْمَوْت ياتي بعْدهَا بقريب هَذَا خُلَاصَة رغبتي فِي غربتي ... فَافْهَم فديتك شرح حَال كئيب مَاذَا يُرَاد ويشتهى فِي غَيرهَا ... لي جنَّة فِي رَوْضَة المحبوب صلى عَلَيْهِ الله رَبِّي دَائِما ... مَا بَان نجم اَوْ هوى بغروب ... مِنْهُ ... اتينا قبا قَالَ مَسْجده لنا ... مقَالا فصيحاً وَهُوَ بَيت من الشّعْر لقد ضعت فِي قفر فَمَا لي عَائِد ... فواحسرتا إِذْ كتن فِي جَانب الْبر ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 ولهذين الْبَيْتَيْنِ قصَّة عَجِيبَة وَهِي ان الْمشَار إِلَيْهِ كَانَ يخْتَلف كثيرا إِلَى مَسْجِد قبا وَكَانَ وقف الْمَسْجِد إِلَى جِهَة الشَّيْخ أبي اللَّطِيف الْبري وَمَا كَانَ يقوم بِخِدْمَة الْمَسْجِد وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ من الْعِمَارَة وَغَيرهَا كَمَا يَنْبَغِي فَكتب هذَيْن الْبَيْتَيْنِ على مَسْجِد قبا وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ كَانَ لطيف انظم رَقِيق الطَّبْع وَكَانَ صاحبنا الْفَقِيه أَحْمد بن الْفَقِيه مُحَمَّد أَبَا جَابر قد اجْتمع بِعْهُ بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة فَحكى عَنهُ من النَّوَادِر المستظرفة والحكايات المستطرفة شَيْئا كثيرا وَله مُشَاركَة فِي كثير من الْعُلُوم وتقرأ عَلَيْهِ الطّلبَة فِي غير وَاحِد من الْفُنُون وَهُوَ إِلَى الْآن مَوْجُود كَانَ الله لَهُ وَله أَخ ثَانِي بحضرموت اسْمه زين عَليّ قدم وَالِده يشار إِلَيْهِ بالصلاح وفيهَا فِي ضحى يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِي عشر شهر جُمَادَى الأولى توفّي الْفَقِيه عبد الْقَادِر بن الْفَقِيه عبد الله بن الْفَقِيه الصَّالح أَحْمد بن مُحَمَّد أَبَا فضل بعدن وَدفن دَاخل دَائِرَة مَقْبرَة جده الْفَقِيه مُحَمَّد بِالْقربِ من قَبره وَكَانَ رجلا لبيباً عَاقِلا فَاضلا أديباً بليغاً نحوياً يَقُول الشّعْر وَكَانَت لَهُ مُشَاركَة فِي افقه والْحَدِيث أَخذ عَن الْفَقِيه عبد الله بن عمرمحزمة والعلامة شهَاب الدّين أَحْمد بن عمر الْحَكِيم وَأخذ النَّحْو واللغة عَن الْفَقِيه محيي الدّين عبد الْقَادِر الْحَمَوِيّ وَذَلِكَ ببلدة عدن وَكَانَ قَائِما بوظيفة مَسْجِد الدرسة وَولي بناية الشَّافِعِيَّة بِمَدِينَة عدن وَكَانَت سيرته حَسَنَة محمودة رَحمَه الله تَعَالَى وفيهَا مَاتَ قاضب الْقُضَاة مُحَمَّد حاجي بِمَكَّة المشرفة فَقَالَ الأديب عبد الرَّحْمَن الخفاجي الْمَكِّيّ مؤرخاً لذَلِك ... لقد رحم الْمُهَيْمِن قبر قَاض ... عَزِيز قد سما عز افتخاره امام عَالم حبر تَقِيّ ... بِهِ الشَّرْع الشريف علا مناره فَدلَّ على سعادته انطراح ... بِبَاب اله من قد عز جَاره لَهُ عدل بِهِ الركْبَان سَارَتْ ... وزان جماله الأسى وقاره بميزان يحل بِخَير أَرض ... فَكَانَ بِمَكَّة الغرا قراره فتاريخ الْوَفَاة لَهُ بضبط ... وتحرير جنان الْخلد دَاره ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 وفيهَا بنى وَالِدي بِأَحْمَد آباد وَجَاء تَارِيخه بَيت السَّعَادَة وَجعل هَذَا التَّارِيخ الشَّيْخ عبد الْمُعْطِي أَبَا كثير ثمَّ نظمه فِي أَبْيَات فَقَالَ ... أكْرم بأرفع روشن قد زينت ... أرجاؤه إِذا صَار فِي غرفاته قد اتقن الاستاذ صَنْعَة وَضعه ... فزها وفَاق بِذَاتِهِ وَصِفَاته انشاه مَوْلَانَا الشيف بقصره ... العالي المنيف فشاد من بركاته شمس الشموس العيدروس الْمُجْتَبى ... شيخ ابْن عبد الله شهم حماته قطب الْوُجُود وغوثنا وملاذنا ... يارب متعنَا بطول حَيَاته يَا سحنه من روشن فِي غرفَة ... قد زخرفت مِنْهُ بِحسن سماته بالعيدروس سما وَجَاز نضارة ... مذ حل فِيهِ بِنَفسِهِ وبذاته وَمن السَّعَادَة قد أَتَى تَارِيخه ... بيتالسعادة فَهُوَ من آيَاته ... سنة ثَمَانِينَ بعد التسْعمائَة (980) هـ وَفِي سنة ثَمَانِينَ توفّي العَبْد الصَّالح الشَّيْخ عبد الرَّحِيم بخضر خَادِم سَيِّدي الشَّيْخ الْوَالِد فَقير الشَّيْخ الْكَبِير سعيد بن عِيسَى العمودي وَكَانَ لَهُ حسن ظن مفرط فِي الْوَالِد حَتَّى أَنه كَانَ يبتلع بصاقه وَكَانَ مجذوباً وَرويت عَنهُ كرامات رَحمَه الله آمين وفيهَا أَخذ السُّلْطَان أكبر بن همايون كجرات وَهُوَ من أَوْلَاد تيمورلنك بَينه وَبَينه أَرْبَعَة آبَاء وَكَانَ عَظِيم الشَّأْن ورزق السعد فِي أَيَّامه وطالت مُدَّة ولَايَته واتسع مكه جدا وَكَانَ عادلاً حَلِيمًا عَاقِلا حكيماً وَالْكَلَام فِيهِ يطول والمسائل فِي شَأْنه تعول فلنقبض الْعَنَان واله الْمُسْتَعَان وَكَانَت مُدَّة سلطنته خمسين سنة وَتُوفِّي فِي شهر جُمَادَى الْآخِرَة سنة أَربع عشرَة بعد الْألف وتاريخ الْعَام يجمعه غدي بِالْيَاءِ وَهِي لُغَة غير فصيحة فِي غَدا بِالْألف أَي ذهب وَقلت فِي ذَلِك ... غدي أكبر فِي الذاهبين ... وَذي سنة الله فِي الغابرين ... وتولي بعده وَلَده سليم شاه وفيهَا وَقع ختم إحجياء عُلُوم الدّين بِحَضْرَة سَيِّدي الْوَالِد فَأَنْشَأَ الشَّيْخ عبد الْمُعْطِي أَبَا كثير قصيدة وَهِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 .. ياسيد السادات ياابن الْمُصْطَفى ... يَا نسل حيدر يَا عظم الشان يَا قطب يَا غوث الورى يَا من حوى ... بِالْعلمِ وَالتَّقوى أعز مَكَان يَا شيخ يَا ابْن العيدروس وَمن سما ... ذاتاً وأوصافاً بِكُل زمَان يَا خَادِم الْعلم الشريف بِقَلْبِه ... وَلسَانه وبسائر الْأَركان أكملت أَحيَاء الْعُلُوم قِرَاءَة ... بالبحث والتصحيح والإتقان أبديت فِيهِ فوائدا وفرائداً ... بفصيح نطق مَعَ صَحِيح بَيَان ابرزت درا من مكامن وَضعه ... كعرائس تجلى على الآذان قررت كل دقيقة وجليلة ... بِعِبَارَة عذبت بِحسن بَيَان فَكَأَن حضرتك الْعلية جنَّة ... فقطوف أثمار الْفَوَائِد دَان أَو رَوْضَة قد أينعت أزهارها ... أَو مظهر الْمَعْرُوف والاحسان وَكَأن ذاتك إِذا جَلَست بِمَجْلِس ... التدريس تلقي الدَّرْس كالسلطان من حولك الْأَشْرَاف يمنة يسرة ... خير الْبَريَّة من بني عدنان من آل أَبَا علوي أَعْلَام الْهدى ... أهل التقى وَالدّين وَالْقُرْآن مُتَمَسِّكِينَ بِسنة وَجَمَاعَة ... متزينين بزينة الايمان هَذَا هُوَ الْفَخر المنيف إِذا تعد ... مفاخراً بِالدّينِ للْإنْسَان بِالْعلمِ وَالنّسب الشرييف وبالتقى ... وَالسَّعْي دأباً فِي رضَا الرَّحْمَن فتهن يَا ابْن العيدروس بختمك ... الْأَحْيَاء تَمامًا فِي أقل أَوَان ختم عَلَيْهِ من المهابة رونق ... زينته بجمالك الفتان لَا زلت فِي درس الْعُلُوم مواصلاً ... ختماً لدرس بابتداء ثَانِي وَأسلم وَدم فِي عزة ومكانة ... فِي ذرْوَة الْعليا بِكُل زمَان وَعَلَيْك من رب الْأَنَام تَحِيَّة ... مَا غردت ورق على الأغصان ... سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ بعد التسْعمائَة (981) هـ وَفِي سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ فقد مركب سَيِّدي الشَّيْخ الْوَالِد الْمُسَمّى بالعيدروسي وَهُوَ مُسَافر من الشحر إِلَى الديو وَكَانَ فِيهِ جمَاعَة من الْأَشْرَاف وَغَيرهم فحصلت لَهُم الشَّهَادَة وفيهَا قدم الإِمَام أَبُو بكر بن الإِمَام برهَان الدّين إِبْرَاهِيم مطير بندر المخا فَكتب إِلَيْهِ الشريف الْفَاضِل الْوَلِيّ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى السَّيِّد الْخَاتم حَاتِم بن أَحْمد الأهدل هَذَا السُّؤَال وَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 .. يَا من لَهُ فِي النَّحْو فهم ثاقب ... ودراية فِي الشّعْر من بَين الملا اوضح بِفَضْلِك فِي جَوَابا شافيا ... عَن بَيت شعر شكله قد أشكلا الْبَيْت هَذَا من قصيد قَالَه عبد الرَّحِيم فصح لنظم قد حلا ذكر الْمعَاهد وَالزَّمَان الأولا ... فَبكى لأيام العندليب وأعولا وبدا لَهُ برق بابرق رامة ... وَهنا فَبَاتَ من الجوى متململا نَامَتْ عُيُون الْعَالمين فَلم ينم ... وسلت قولب العاشقين وَمَا سلا إِن كَانَ فَارقه الْفَرِيق فروحه ... مَعَهم تسير مَعَ الهوادج فِي الفلا هَل أَن ترَاهَا فِي الْأَخير بكسرة ... أَو فَتْحة حقق هديت تفضلا ... فَأجَاب ... إِن فِي الْكَلَام بكسرة شَرْطِيَّة ... والفآء جَوَابا جآء بعد مفصلا وَيُرِيد ان هم فارقوه فروحه ... مَعَهم مُلَازمَة تساير فِي الفلا وَالْفَتْح لم يظْهر لَهُ معنى وَأَن ... قُلْنَا بِهِ جآء الْجَواب معطلا وَلَقَد أَجَاد الشَّاعِر الْمنطق فِي ... لفظ بديع مَعَ فَصَاحَته حلا حَالَتْ بلاغته القريظ فخلته ... وشياً على الحسنا يفوق على الحلا لازالت الْأَلْفَاظ طوع مُرَاده ... وفؤاده بالدر صَار مكللا ثمَّ الصَّلَاة على النَّبِي وَآله ... وصحابه واتابعين على الولا ... وفيهَا جَاءَ السُّلْطَان أكبر إِلَى كجرات وَذَلِكَ أَنه بعد أَن أَخذهَا ترك فِيهَا بعض الوزراء وَرجع فحاول من بَقِي من أُمَرَاء كجرات أَن يستنزعوها من يَد ذَلِك الْوَزير وحاصروه بجموع عديدة وكادوا أَن يظهروا عَلَيْهِ فَلَمَّا سمع السُّلْطَان بِهَذَا الْخَبَر دهمهم بِجُنُود كَثِيرَة وَوصل إِلَيْهَا فِي مُدَّة قَليلَة وحاربهم أَشد الْمُحَاربَة حَتَّى قَتلهمْ عَن آخِرهم وَفِيه وَقع باحمد اباد ريح عاصف عَظِيم مَعَ غيار كثير حَتَّى أظلمت الأَرْض وَعقبَة رعد وبرق وَقَلِيل مطر سنة اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ بعد التسْعمائَة (982) هـ وَفِي سنة اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ توفّي الْفَقِيه الْعَالم الْعَلامَة المتبحر سراج الدّين عمر بن عبد الْوَهَّاب النَّاشِرِيّ رحجمه الله تَعَالَى بِمَدِينَة زبيد وَكَانَ سُئِلَ عَمَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 يعتاده أهل زبيد من الْعِيد الَّذِي فِي أول خَمِيس من رَجَب هَل لَهُ أصل وَهل هُوَ سنة أم لَا فَأجَاب بِهَذِهِ الأبيات ... وَسَائِل سَأَلَ عَن قوم وعادتهم ... عيد الْخَمِيس الَّذِي فِي مبتدا رَجَب أسنة هُوَ أَو لَا أَو ضحوه لنا ... وَمَا لتمييز هَذَا الْيَوْم من سَبَب فَقلت ذَا مبدأ الْإِسْلَام فِي يمن ... عيد الْخَمِيس الَّذِي فِي مُبْتَدأ رَجَب أَتَى معَاذ بِأَمْر الله فِيهِ لنا ... بالاتبااع إِلَى منهاج خير نَبِي فَصَارَ ذَلِك عيد عيدنا فَلِذَا ... نخصه بمزيد الْحبّ فِي الْقرب وَلَا نقُول بتخصيص الصّيام لَهُ ... وَلَا صَلَاة وَلَا شَيْء من الْقرب نعم لنا فِيهِ تَخْصِيص الْمحبَّة إِذْ ... كَانَ النجَاة لنا فِيهِ مكن العطب فَصَارَ غقباله فِيهِ الْقبُول على ... قوابل القابلين الْأكل عَن ارب ثمَّ الصَّلَاة مَعَ التَّسْلِيم لَا برحا ... على مُحَمَّد خير الْعَجم وَالْعرب والآل والصحب ثمَّ التَّابِعين لَهُم ... مَا انهل مزن على الْأَشْجَار والكثب ... وفيهَا توفّي الشَّيْخ الْفَاضِل عبد الْقَادِر بن أَحْمد بن عَليّ الفاكهي الْمَكِّيّ بِمَكَّة وَكَانَ مولده فِي شهر ربيع الأول من عَام عشْرين وَتِسْعمِائَة وَله تصانيف مفيدة مِنْهَا شرحان على البدتاؤة للغزالي أَحدهمَا أكبر من الآخر ومصنفاته كَثِيرَة لاتنحصر وَرَأَيْت مِنْهَا جملَة عديدة فِي فنون شَتَّى ولعمري أَنه يشبه الْجلَال السُّيُوطِيّ فِي كثرها بِحَيْثُ أَنه يكْتب على كل مَسْأَلَة رِسَالَة مَعَ أَن عِبَارَته مَا خي بذلك رَحمَه الله وَسُئِلَ عَن حِكْمَة مايقع أَيَّام الْمَوْسِم من حُدُوث الْهم والتشاغل لمن لَا عِيَال لَهُ وَلَا دين يثقله ويهمه فَقَالَ إِن السِّرّ فِي ذَلِك وَالله أعلم هُوَ اشْتِغَال أَكثر النَّاس واهتمامهم بمعاشهم وَنَحْوه فيسري ذَلِك مِنْهُم ولغيرهم كَمَا جآء فِي الحَدِيث الْمُؤْمِنُونَ كالجسد الْوَاحِد إِذا اشْتَكَى بعضه شكى الْبَعْض الآخر وَمن شعره ... إِن كَانَ رفضي فِي محبَّة حيدر ... وبنير قاطبة فَإِنِّي رافض حسبي اقتدائي بافمام مقلدي ... الشَّافِعِي بَحر العوم الْحَائِض ... وَمِنْه فِي القهوة ... اشرب القهوة صرفا ... تَجِد الصفو مزاجاً وَاذْكُر الله عَلَيْهَا ... تشهد الْأنس سراحا ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 وَمِنْه تَارِيخ بَيت بناه الشريف أَبُو نمى سُلْطَان مَكَّة ... إِن بَيْتا بناه خير مليك ... أسس الْمجد كَفه وأشاده فاق فِي وَصفه وَحسن بداه ... كل قصر بِهِ الْعلَا والسيادة جَاءَ تَارِيخ وَصفه فِي نصيف ... أَنا بَيت الْمُلُوك دَار السَّعَادَة ... وَكَانَ الْفَقِيه الصَّالح مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم أَبَا جَابر رَحمَه الله قد اجْتمع بِهِ بِمَكَّة سنة سبعين وَتِسْعمِائَة وأنشده هذَيْن الْبَيْتَيْنِ من لَفظه وَذكر أَنَّهُمَا لجده ... بَادر إِلَى طلب الْعلم الْعَزِيز وان ... ضَاقَتْ وَلم تصف أقوات وأوقات وَلَا تُؤخر لصفو وَرَجا سَعَة ... فهم يَقُولُونَ للتأخير آفَات ... وفيهَا توفّي الْعَلامَة المتفنن القَاضِي عِيسَى الْهِنْدِيّ باحمد اباد وَكَانَ من أَعْيَان الْعلمَاء الْمَشْهُورين وأوحد الْمَشَايِخ المدرسين وَله تصانيف نافعة رَحمَه الله وفيهَا توفّي سُلْطَان العثمانيين سلين بن السُّلْطَان سُلَيْمَان وللأديب ماميه الانقشاري فِي تَارِيخ مَوته ... فَارق الْملك سليم الْمُجْتَبى ... وَغدا ضيفاً على بَاب الْكَرِيم وَغدا فِي الشُّهَدَاء تَارِيخه ... رَحمَه الله على حَيّ سليم ... وَقد وضع لوفاته أَيْضا بَعضهم تَارِيخا مطابقاً إِلَّا أَن فِيهِ تجاوزاً من حَيْثُ الْكِتَابَة وَمن حَيْثُ اللَّفْظ أَيْضا وَهُوَ مضا سليما قَالَ بعض أَصْحَابنَا وَهَذَا لَا بَأْس بِهِ وَلَو كَانَ ملحونا فالعلم حَاصِل ولمامية الانقشاري تَارِيخ ابتداه سلطنة سليم نصيف هُوَ تولى سليم الْملك بعد سُلَيْمَان وَتَوَلَّى بعده وَلَده السُّلْطَان مُرَاد ولمامية الانقشاري فِي تَارِيخ ذَلِك ... بالبخت فَوق التخت أصبح جَالِسا ... ملك بِهِ رحم الاله هباده وَبِه سَرِير الْملك سر فارخوا ... حَاز الزَّمَان من السرُور مُرَاده ... ولبعضهم أَيْضا فِي مثل ذَلِك بَيْتَيْنِ ... يَا سائلي تَارِيخ من ... ولي الْخلَافَة وَالْحرم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 .. فاسمعه مني أَنه ... هَذَا المُرَاد لقد حكم ... ومولد هَذَا مُرَاد فِي سنة إِحْدَى وَخمسين وَتِسْعمِائَة فَافْهَم بعض المؤرخين إِن مرَادا هَذَا من الصَّالِحين لكَون تَارِيخ مولده يجمعه عدد حُرُوف الذّكر لقَوْله تَعَالَى {وَلَقَد كتبنَا فِي الزبُور من بعد الذّكر ان الأَرْض يَرِثهَا عبَادي الصالحون} وَتُوفِّي السل طان مرادرحمه الله ثَانِي جُمَادَى الأولى سنة ثَلَاث بعد الْألف وتولي بعده السُّلْطَان مُحَمَّد وَهُوَ السُّلْطَان الْيَوْم وفيهَا عمر الْوَزير درويش باشا حَماما عَظِيما فَعمل الأديب البارع مامية الانقشاري لذَلِك تَارِيخا لطيفاً وَهُوَ حمام رفع الْحَدث ثمَّ نظمه فِي أَبْيَات وَهِي ... فِي دولة السُّلْطَان عدلا مُرَاد ... مكن حكمه شرقاً وغرباً مكث درويش باشا شاد حمامه ... وَمن قديم مثله ماحدث يروي الشفا من مَائه والهوى ... كَأَن روح الله فِيهِ نفث فاجزم على الْغسْل بِهِ كي ترى ... تَارِيخه حمام رفع الْحَدث ... وفيهَا أَيْضا عمر الْوَزير الْمَذْكُور جَامع دمشق المحروس فحعل لَهُ مامية الانقشاري أَيْضا تَارِيخه وَضَمنَهُ فِي هَذَا الأبيات ... فِي دولة السُّلْطَان بِالْعَدْلِ مُرَاد ... من قَامَ بِالْفَرْضِ وَاجِبا وَالسّنة درويش باشا قد أَقَامَ معبدًا ... وَكم لَهُ أجر بِهِ ومنة بناه خير جَامع تَارِيخه ... لله فاسجد واقترب بجنة ... سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ بعد التسْعمائَة (983) هـ فِي الْمحرم سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ طلب السُّلْطَان عبد الله بن بدر الكثيري الْفَقِيه الصَّالح الْعَلامَة مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم أَبَا جَابر من بَلْدَة بروم إِلَى الشحر ليوليه تدريس مدرسة أَبِيه السُّلْطَان بدر بهَا والزمه بذلك فَفعل وانتفع بتدريسه الْأَنَام واستنارت بذلك وُجُوه اللَّيَالِي وَالْأَيَّام وَمَا أحسن مَا قَالَه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 السَّيِّد الشريف القاضل وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد الْبيض أَبَا علوي رَحمَه الله فِي ذَلِك ... شمس الْهدى طلعت وَغَابَ رقيبها ... ونجوم نحس الْجَهْل آن مغيبها بِظُهُور مولاناومالك عصرنا ... نجل الْخلَافَة فَحلهَا ونجيبها مولى مُلُوك الأَرْض غير مدافع ... ومدفع لبعيدها وقريبها عبد الله السُّلْطَان مَنْصُور اللِّوَاء ... مردي العداة بكفيه تعذيبها لما أَتَى للشحر يصلح أمرهَا ... وَجَمِيع دَاعِيَة الْفساد يذيبها ودعى امام الْعَصْر فَرد زَمَانه ... شيخ الْعُلُوم فقيهما وأديبها ادّعى الْفَقِيه مُحَمَّد بن مُزَاحم ... من زاحم الْعلمَاء وَحَازَ نصِيبهَا الْعَالم الحبر المبرز فِي الْعلَا ... سباق غايات الْكِرَام خطيبها جاد الزَّمَان علينافاغتدت ... أَيَّامه مَعْلُومَة من طيبها غفرت ذنوبك يَا زمَان جَمِيعهَا ... إِذْ قد برزت إِلَى الْقُلُوب حبيبها إِن كنت ترغب فِي الْعُلُوم ونقلها ... بَادر غليه وسله فِي تهذيبها فعلى الْخَبِير بهَا سَقَطت فسله عَن ... ماشئت مِمَّن عزيزها وغريبها فَالله يبقيه وَيصْلح شَأْنه ... وَجَمِيع اعداه اللئام يُصِيبهَا ... وفيهَا فِي شعْبَان فرغ وَالِدي رَحمَه الله من كِتَابه الْفَوْز والبشرى فِي الدُّنْيَا وَالْأُخْرَى شرح العقيدة الزهرى وَهَذَا الْكتاب من محَاسِن الدَّهْر لم يسْبق إِلَى مثله فِيمَا علمت وَلما سَمعه بعض الْعلمَاء الصلحاء قَالَ كنت أدور الْأَشْيَاء م جِهَة المعتقدات فَمَا شفانا شَيْء مثله فِيهَا لَا من كتب الْغَزالِيّ وَلَا اليافعي سنة أَربع وَثَمَانِينَ بعد التسْعمائَة (984) هـ وَفِي شهر ذِي الْحجَّة سنة أَربع وَثَمَانِينَ توفّي الشَّيْخ الْعَلامَة المفنن عبد الله بن سعد الدّين الْمدنِي السندي بِمَكَّة رَحمَه الله تَعَالَى وَكَانَ من كبار الْعلمَاء البارعين وأعيان الْأَئِمَّة المتبحرين وَله جملَة مصنفات مِنْهَا حَاشِيَة على العوارف للسهوروردي وفيهَا توفّي الْعَالم الصَّالح الشريف عبد الله الشهير بالنحوي ابْن عبد الرَّحْمَن بن هَارُون أَبَا علوي بتريم وَمن كراماته أَنه كَانَ فِي يَوْم من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 الْأَيَّام جَالِسا وَعِنْده أخي السَّيِّد عبد الله فَقَالَ لَهُ يَا عبد الله أَن معي خاطرا ان فلَان أيفعل كَذَا وَكَذَا وَذكر شَيْئا من الْأَفْعَال المذمومة الَّتِي لَا يبيحها الشَّرْع وَقعد معي أَيَّامًا وَهُوَ من المتعلقين بِنَا وَتجب لَهُ منا النَّصِيحَة فَطَلَبه إِلَى عِنْده وَكَلمه فاعترف بذلك وَتَابَ من وقته وَحسنت تَوْبَته ثمَّ أَن الشريف بَقِي يلوم نَفسه على ذلم وَيَقُول أَخَاف أَن يكون هَذَا من الاستدراج وفيهَا فِي لَيْلَة السبت عَاشر رَجَب توفّي الشَّيْخ جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الرحين بن مُحَمَّد وَهُوَ أَخُو الشَّيْخ الْعَلامَة أَحْمد العمودي الَّذِي تقدم ذكره وهما أَبنَاء الشَّيْخ الْكَبِير الْعَلامَة الشهير الْفَقِيه عُثْمَان بن مُحَمَّد العمودي نفع الله بهم الْحَضْرَمِيّ بِأَحْمَد ى باد وَكَانَ حسن الْأَخْلَاق كريم النَّفس كثير التَّوَاضُع محبوباً عِنْد النَّاس ذَا وجاهة عَظِيمَة وَقبُول عِنْد الْخَاص وَالْعَام رَحمَه الله تَعَالَى وفيهَا فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث شَوَّال توفّي العَبْد الصَّالح سَيِّدي سعيد سلطاني الحبشي بِأَحْمَد آباد وَكَانَ حَنَفِيّ الْمَذْهَب وَكَانَ يعصب للأمام أبي حنيفَة حَتَّى أَنه رُبمَا حمله ذَلِك على تنقص افمام الشَّافِعِي وَكَانَ فَقِيها مشاركاً فِي كثير من الْعُلُوم وَكَانَ يحفظ الْقُرْآن الْعَظِيم وَكَانَ كثير الْعِبَادَة وَكَانَ يخْتم فِي رَمَضَان خمس ختمات وَكَانَ أُمَرَاء الجيوش يحترمونه أَشد الاحترام ويعاملونه بالاجلال والاكرام وَكَانُوا جعلُوا لَهُ مَعْلُوما يوازي خَمْسَة عشر ألف ذهب وَكَانَ محسناً محباً لأهل الْعلم وَلما حج قَرَأَ على الشَّيْخ ابْن حجر الهيتمي وَكَانَ لَهُ رَغْبَة فِي تَحْصِيل الْكتب حَتَّى اني سَمِعت انه كَانَ يصدر لشرائها إِلَى مصر المحروسة وابتنى بِأَحْمَد آباد مَسْجِدا جيد الْعِمَارَة إِلَى غير ذَلِك من أَفعَال الْخَيْر إِلَّا أَنه كَانَ فِيهِ كبر والكمال لله رَحمَه الله وايانا وقبره بمسجده ثمَّ قبر إِلَى جنبه شَيخنَا الشَّيْخ عبد الْمُعْطِي أَبَا كثير وفيهَا كَانَت وَفَاة السُّلْطَان عبد الله بن بدر وفيهَا كَانَ اتمام الْحرم الْمَكِّيّ فِي ايام السُّلْطَان مُرَاد وَكَانَ ابْتَدَأَ فِي عِمَارَته ابوه السُّلْطَان سليم فجَاء تَارِيخه عمر الْحرم سُلْطَان مُرَاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 وفيهَا عمر اقاسم الدابولي مَسْجِدا فِي بندر المخا وَجعل جَامعا للحنفية فَقَالَ السَّيِّد حَاتِم مؤرخاً لذَلِك فِي بَيْتَيْنِ وهما ... مَسْجِد فِيهِ جمال ... فِيهِ انوار بهية وَافق التَّارِيخ مِنْهُ ... مُسْتَقر الْحَنَفِيَّة ... سنة خمس وَثَمَانِينَ بعد التسْعمائَة (985) هـ وَفِي سنة خمس وَثَمَانِينَ طلع نجم ذُو ذؤابة كَهَيئَةِ الذِّئْب طَوِيلَة جدا لَهُ شُعَاع وَمكث كَذَلِك يطلع نخحو شَهْرَيْن وَأكْثر وفيهَا كَانَ ختم صَحِيح البُخَارِيّ بِحَضْرَة سَيِّدي الْوَالِد وانشا الشَّيْخ عبد الْمُعْطِي فِي ذَلِك قصيدة طنانة وَهِي ... حَدِيث غرامي مُسْند ومسلسل ... وَمُطلق دمعبي فَوق خدي مُرْسل وعشقي صَحِيح والعواذل قَوْلهم ... ضَعِيف ومتروك هبا مَنْقُول وَمَا حسن إِلَّا الْأَحَادِيث عَنْكُم ... وَأما حَدِيث عَن سواكم فمعضل أحبتنا طبتم فطاب حديثكم ... وطاب سَمَاعي عَنْكُم حِين ينْقل خلعت عِذَارَيْ فِي هواكم أحبتي ... وَقد لذ لي فِيهِ العنا والتذلل ولي بَين سفحي لعلع وطويلع ... اد كئيب مستهام مُعَلل مُقيم على شط المزار كَأَنَّهُ ... أَسِير بهاتيك العراص مُوكل هَوَاهُ بِنَجْد بل ببطحاء مَكَّة ... وجثته بِالْهِنْدِ كَيفَ التَّحَوُّل فيا عربا بالمنحنى عز جارهم ... فجارهم فِي ذرْوَة الْعِزّ يحمل وَيَا جيرة الْبَيْت الْعَتِيق وَمن لَهُم ... حطيم وأستار وركن مقبل مقَام عَلَيْهِ للخليل مآثر ... وملتزم فِيهِ الدُّعَاء متقيل وزمزم والهجر المشيد والصفا ... ومروة والمسعى فنسعى ونزمل معاهد فيهاللنبي تردد ... مهابط فِيهَا للأمير تنزل عَسى عودة ياجيرة الْحَيّ عَاجلا ... فنرفل فِي ثوب السرو ونحجل ونلقى عَصا التسيار من بعد بَعدنَا ... فَأم الْقرى فِيهَا لمقام مُؤَمل الهي فجد للغائبين باوبة ... يكون لنا فِيهَا الشِّفَاء معجل الهي وسيلتنا إِلَيْك نَبينَا ... نَبِي الْهدى المدثر المزمل مُحَمَّد الْمَبْعُوث من آل هَاشم ... بشير نَذِير لِلْخَلَائِقِ مُرْسل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 .. وعترته الْأَشْرَاف من أنجبت بهم ... لحيدرة الزهراء سر مسلسل أخصص مِنْهُم آل علوي من لَهُم ... فَضَائِل مِنْهَا مُجمل ومفصل فمجملها للمصطفى خير نِسْبَة ... وتفصيلها زهد صَلَاح توكل وَمن بعض مَا خصوا بِهِ أَن عقدهم ... عَن السّنة العراء لَا يتَحَوَّل مقدمهم بَحر الْحَقَائِق سيد ... كَذَا نجله علوي قطب مدلل كَذَا الْفَخر والسقاف قطبا ولَايَة ... فسرهما للعيدروس مكمل وَشَيخ ابْن عبد الله شَيْخي وقدوتي لَهُ باكتساب الْعلم مجد مؤثل إِمَام عَظِيم بالمهابة مُرْتَد همام كريم بالوقار مسربل هُوَ الْبَحْر فِي علم الْحَقِيقَة زاخر ... هُوَ الحبر فِي علم الشَّرِيعَة فيصل فياشيخ يَا ابْن العيدروس وَمن لَهُ ... على هَامة الجوزاء مقَام ومنزل سَمِعت أَحَادِيث البُخَارِيّ مُسْند ... بمجلسك العالي وَأَنت المبجل حَدِيث نَبِي الله جدك أَحْمد ... وَسيرَته قَول وَفعل مفصل منقحة جمع البُخَارِيّ من لَهُ ... لصِحَّة تَحْرِير الحَدِيث توصل أصح كتاب فِي الحَدِيث لِأَنَّهُ ... منقح من حَيْثُ الروَاة مغربل مشايخه عَن شَرطه لَيْسَ يخرجُوا ... جهابذة عدل عَن الْعدْل ينْقل وزينة قَارِئ فصيح مهذب ... لَهُ مقول عذب الْأَدَاء مرتل فيا عيدروس الْخَيْر يَا أوحد الورى ... وَيَا أيهذا السَّيِّد المتنفل وَيَا شيخ يَا غوث الْأَنَام وغيثهم ... إِذا مَا تخط الْعَارِض المتهلل وَيَا من غوادي علمه ونواله ... ومعرفه تهمى علينا وتهطل تهن بِخَتْم ثمَّ ينهاك مبدأ ... كعادتك الْحسنى تحل وترحل صَحِيح البُخَارِيّ والشفاء كِلَاهُمَا ... لدين الْهدى أَمن وَاصل وَمَعْقِل فَلَا زلت يَا ابْن العيدروس تفيدنا ... علوما وأحكاما وَتُعْطِي وتجزل تفِيد عُلُوم الشَّرْع حينا وآونا ... تبث عُلُوم الْقَوْم فِينَا وتبذل وترشد ضلالا وترفد معدماً ... فَفِي الدّين وَالدُّنْيَا عَلَيْك الْمعول فعش وأبق وَأسلم فِي ذرى الْمجد راقياً ... بِعلم ومعروف تَقول وَتفعل وأزكى صَلَاة مَعَ سَلام معطر ... يفوح برياه جنوب وشمأل على المصطفي من شرف الله قدره ... وَمن جَاءَهُ وَحي من الله منزل وعترته مَعَ آله وصحابه ... وتابعهم مَا جاد غيث مجلل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 وفيهَا توفّي الرجل الصَّالح ميان عبد الصَّمد الْهِنْدِيّ وَكَانَ من الأخيار محسناً متواضعاً عَالما فَاضلا وَحكي انه كَانَ إِذا لم يكن على طَهَارَة وَثمّ أحد مِمَّن اسْمه نَبِي لم يتَلَفَّظ باسمه تَعْظِيمًا واحتراماً لذَلِك الِاسْم الشريف رَحمَه الله تَعَالَى آمين قلت وف كتاب الْمدْخل لِابْنِ الْحَاج الْمَالِكِي رَحمَه الله قَالَ وَقد ورد فِي الحَدِيث عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا من أهل بَيت فِيهِ اسْم نَبِي إِلَّا بعث الله تبَارك وَتَعَالَى ملكا يقدسهم بِالْغَدَاةِ والعشي انْتهى سنة سِتّ وَثَمَانِينَ بعد التسْعمائَة (986) هـ وَفِي سادس شَوَّال سنة سِتّ وَثَمَانِينَ اسْتشْهد الرجل الصَّالح الْعَلامَة جمال الدّين مُحَمَّد طَاهِر الملقب بِملك الْمُحدثين الْهِنْدِيّ رَحمَه الله آمين على يَدي المبتدعة من فرقتي الرافضة السبابَة والمهدوبة القتالة وَسبب ذَلِك أَنه كَانَ ينافرهم ويناظرهم ويريدهم يرجعُونَ إِلَى الْحق ويتركون مَا هم عَلَيْهِ من الضلاة والزندقة وَكَانَ هَذَا دأبه ابداً وَجرى لَهُ مَعَهم وقائع كَثِيرَة وقهرهم فِي مجَالِس عديدة وَأظْهر فصائحهم وكشف خزعبلاتهم ودمغهم وادحض حجتهم وابطلها وَبَالغ فِي الرَّد عَلَيْهِم والتحذير مِنْهُم حَتَّى قَالَ بكفرهم وَجزم بخروجهم من الدّين والمنهج القويم وضلالهم عَن الصِّرَاط الْمُسْتَقيم واراد اعدام هَذَا الْمَذْهَب الْقَبِيح راساً وسعى فِي ذَلِك سعياً بليغاً واراد التَّوَصُّل إِلَى سُلْطَان الزَّمَان لذَلِك فاحتالوا عَلَيْهِ حَتَّى قَتَلُوهُ قبل ان يصل إِلَى ذَلِك وَلَا حول ولاقوة إِلَّا بِاللَّه وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالمزية فِي الرُّؤْيَا الَّتِي رَآهَا الشَّيْخ عَليّ المتقي السَّابِقَة وناهيك بهَا من منقبة عَلَيْهِ وَكَانَ على قدم من الصّلاح والورع والتبحر فِي الْعلم وَكَانَت وِلَادَته سنة ثَلَاث عشر وَتِسْعمِائَة وَحفظ الْقُرْآن وَهُوَ لم يبلغ الْحِنْث وجد فِي طلب الْعلم وَمكث كَذَلِك نَحْو خمس عشرَة سنة وبرع فِي فنون عديدة وفَاق الاقران حَتَّى لم يعلم أَن أحدا من عُلَمَاء كجرات بلغ مبلغه فِي فن الحَدِيث كَذَا قَالَه بعض مَشَايِخنَا وَله تصانيف نافعة مِنْهَا مجمع بحار الانوار فِي غرائب التَّنْزِيل ولطائف الاخبار وشيوخه كَثِيرُونَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 وَلما أَخذ عَن الشَّيْخ حسن الْبكْرِيّ وَالشَّيْخ ابْن حجر الهيتمي وَالشَّيْخ عَليّ بن عراق وَالشَّيْخ عَليّ المتقي الْهِنْدِيّ الْمَكِّيّ وَالشَّيْخ جَار الله ابْن فَهد وَأخذ عَن جدي السَّيِّد عبد الله العيدروس فِي التصوف بعدن وَورث من أَبِيه مَالا جزيلا فانفقه على طلبة الْعلم الشريف وَكَانَ يُرْسل إِلَى معلم الصّبيان وَيَقُول أَيّمَا صبي حسن ذكاؤه وجيد فهمه أرْسلهُ إِلَيّ فَيُرْسل إِلَيْهِ فَيَقُول لَهُ كَيفَ حالك فَأن كَانَ غَنِيا يَقُول لَهُ تعلم وغن كَانَ فَقِيرا يَقُول لَهُ تعلم وَلَا تهتم من جِهَة معاشك أَنا أتعهد أَمرك وَجَمِيع عِيَالك على قدر كفايتهم فَكُن فارغ البال واجتهد فِي تَحْصِيل الْعلم فَكَانَ يفعل ذَلِك بِجَمِيعِ من ياتيه من الضعفآء والفقراء ويعطيهم قدر مَا وظفه لَهُم حَتَّى صر مِنْهُم جمَاعَة كطثيرة عُلَمَاء ذووا فنون كَثِيرَة فانفق جَمِيع مَاله فِي ذَلِك وَحكي أَنه فِي أَيَّام تَحْصِيله قاسى من الطّلبَة وَغَيرهم شَدَائِد فَنَذر أَن رزقه الله علما ليقومن بنشره أبتغاء لمرضات الله فَلَمَّا تمّ لَهُ ذَلِك فعل كَذَلِك وَقَامَ بِهِ احتسابا لله فَانْتَفع بتدريسه عوالم لَا تحصى رَحمَه الله وَأعَاد علينا من بركاته آمين سنة سبع وَثَمَانِينَ بعد التسْعمائَة (987) هـ وَفِي سنة سبع وَثَمَانِينَ توفّي الْوَلِيّ الصَّالح الشريف عمر بن عبد الله الهندوان أَبَا علوي بتريم وَسبب شهرته بذلك أَنه كَانَ فِيهِ قُوَّة لقُوته فِي دينه وبدنه شَبِيها بالحديد الهندوان وَمن كراماته أَنه أخبر أخي السَّيِّد عبد الله عَن شَيْء يَقع من بعض النَّاس قبل وُقُوعه وَذكر ذَلِك الشَّخْص بِعَيْنِه فَكَانَ كَمَا قَالَ بعد مَوته بِيَسِير وفيهَا مَاتَ السُّلْطَان حيدره بن حَنش صَاحب أحور وفيهَا توفّي الْفَقِيه الْفَاضِل الصَّالح نور الدّين عَليّ بن صَبر اليافعي الشَّافِعِي وَحكي أَنه كَانَ قصد الْوَزير الفخان فِي آخر الايام إِلَى قَوَارِير وَكَانَ عِنْد الْوَزير الْمَذْكُور جمَاعَة من الْأَشْرَاف آل أَبَا علوي وَغَيرهم فَلَمَّا رَأَوْا إقبال الْوَزير الْمَذْكُور عَلَيْهِ حسدوه وَتَكَلَّمُوا فِيهِ عِنْده حَتَّى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 أعرض عَنهُ فَرَأى بعض اولئك الاشراف جده القطب الْفَقِيه مُحَمَّد بن عَليّ نفع الله بِهِ وَهُوَ يعاتبه من أَجله وَيَقُول لَهُ إِن هَذَا الرجل يحبنا وَأَنت تَتَكَلَّم عَلَيْهِ أَو نَحْو ذَلِك سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ بعد التسْعمائَة (988) هـ وَفِي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ أجريت الْعين إِلَى مَكَّة المشرفة وَكَانَ قد سعى فِي ذَلِك الشريف أَبُو نمى وَالْقَاضِي حُسَيْن شكر الله سعيهما وجزاهما عَن الْمُسلمين خيرا وبذلا فِي ذَلِك مَالا جزيلا وَسبب ذَلِك ان عين مَكَّة كَانَت انْقَطَعت عَنْهُم ومكثوا كَذَلِك كَذَلِك مُدَّة من الزَّمَان وتضرر أَهلهَا بِسَبَب ذَلِك جدا وَكَانَ الرمل هُوَ الَّذِي سد مجْرى المآء إِلَيْهَا فَتوجه الشريف وَالْقَاضِي إِلَى إصلاحها حَتَّى عَادَتْ أحسن مِمَّا كَانَت عَلَيْهِ وَمَا أحسن قَول بعض افضلاء فِي ذَلِك مادحاً للْقَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله تَعَالَى ... أقضى الْقُضَاة الْحُسَيْن أغْنى ... سكان أم الْقرى بِعَيْنِه وجآء بِالْعينِ بعد يأس ... فشكره وأجب لعَينه ... وفيهَا توفّي عَليّ عَادل شاه سُلْطَان بيجافور قَتله بعض الخصيان من عبيده لأمر مَا وفيهَا قَرَأَ الْقُرْآن الْعَظِيم عَن ظهر الْقلب راجا عَليّ خَان سُلْطَان برهَان فَور وَهُوَ يَوْمئِذٍ سُلْطَان وَفِي سنّ الكهولة وَجعل تَارِيخ ذَلِك الْعَام الشَّيْخ عبد اللَّطِيف الدبير حفظ سنة تسع وَثَمَانِينَ بعد التسْعمائَة (989) هـ وَفِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء لثلاث بقينمن ذِي الْحجَّة سنة تسع وَثَمَانِينَ توفّي الشَّيْخ الْفَاضِل الْمُحدث المعمر عبد الْمُعْطِي بن الشَّيْخ حسن بن الشَّيْخ عبد الله أَبَا كثير الْمَكِّيّ ثمَّ الْحَضْرَمِيّ بِأَحْمَد اباد وَكَانَ مولده فِي رَجَب سنة خمس وَتِسْعمِائَة وَكَانَ من الادباء الفاضلين وَالشعرَاء المصقعين ولد بِمَكَّة وَنَشَأ بهَا وَلَقي جمَاعَة من الْعلمَاء الفاضلين وشارك فِي الْمَنْقُول والمعقول وتفنن فِي كثير من الْعُلُوم وَدخل الْهِنْد آخرا وَأقَام بهَا وَكَانَ حسن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 المحاضرة لطيف المحاورة فكها لَهُ ملح ونوادر وَلم يزل على قدم الصّلاح وَالتَّعَفُّف إِلَى أَن مَاتَ وَحكي عَنهُ أَنه قَرَأَ كتاب الشِّفَاء على بعض مشايخه فِي مجْلِس وَاحِد وَذَلِكَ بعد صَلَاة الصَّحِيح إِلَى أول الظّهْر من شُيُوخه شيخ الْإِسْلَام زَكَرِيَّا الْأنْصَارِيّ لِأَنَّهُ سمع عَلَيْهِ صَحِيح البُخَارِيّ بِقِرَاءَة وَالِده فَهُوَ يرويهِ عَنهُ سَمَاعا كَمَا فِي اصْطِلَاح أهل الحَدِيث وَالشَّيْخ زَكَرِيَّا يرويهِ عَن شيخ الاسلام الْحَافِظ بن حجر الْعَسْقَلَانِي وَلِهَذَا اشْتهر صَاحب التَّرْجَمَة فِي زَمَنه بالسند العالي وتميز عَن أقرانه بذلك فازدحم النَّاس على الْأَخْذ مِنْهُ وَصَارَ لَهُ من الْحَظ بِسَبَب 1 ذَلِك مَا لَا مزِيد عَلَيْهِ وَسمعت عَلَيْهِ محالس من صَحِيح البُخَارِيّ وَأَنا صَغِير وتلفظ لي حِينَئِذٍ بِالْإِجَازَةِ وَكَانَ وَالِدي طلب مِنْهُ أَن يَجْعَلهَا فِي ارجوزة حَتَّى يضيفها إِلَى جنب قصائده فَلم يقدر الله ذَلِك وَمن تصانيفه كتاب أَسمَاء رجال البُخَارِيّ يذكر فِيهِ كل من اشْتَمَل عَلَيْهِ الْكتاب الْمَذْكُور من شيخ البُخَارِيّ إِلَى الصَّحَابِيّ رَاوِي الحَدِيث وَلم يتمه وَالْقدر الَّذِي كتبه مِنْهُ نَحْو مُجَلد ضخم وَالظَّاهِر أَنه لَو تمّ يكون فِي مجلدين وَهُوَ مُفِيد فِي بَابه جدا وَمن شعره ... ضَاقَ دِرْعِي مِمَّا أُلَاقِي يَا الهي ... وَإِلَيْك الشكوى من الللاؤء ياعليما بِمَا يجن فُؤَادِي ... يَا رجائي فِي شدتي ورخائي يَا بديع السَّمَاء يَا ملك الْملك ... وَيَا ذَا الْجلَال والآلاء يَا لطيفاً بخلقه ورحيما ... بالبرايا يَا سابغ النعماء لَك ملك السَّمَاء وَالْأَرْض و ... الْخلق وَلَك الْأَمر يَا سميع الدُّعَاء فَأَقل عثرتي الهي وَيسر ... كل عسر يَا أرْحم الرُّحَمَاء وانلني مَا ارتجيه ووسع ... لي رِزْقِي براحة وهناء ... وَمِنْه مضمنا للبيت الثَّانِي ... يَا رب من عَلَيْهِ مستندي ... وَمن على فَضله العميم معتمدي خُذ بيَدي قبل أَن أَقُول لمن ... ألققاه عِنْد الْقيام خُذ بيَدي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 .. فمنن إلهي فِي سَمْعِي وَفِي بَصرِي ... بِصِحَّة دَائِما وَفِي جَسَدِي وَمَا بقى لي من الْحَيَاة يكن ... فِي دعة سَيِّدي وَفِي رغد ... وَمِنْه مضمناً قَوَاعِد الاسلام الْخمس الَّتِي جَاءَ بهَا الحَدِيث إِن الاسلام يبْنى عَلَيْهَا ... هَنِيئًا لمن صَحَّ اسلامه ... ونال من الدّين أوفى نصيب أَقَامَ الصَّلَاة وَآتى الزَّكَاة ... وَصَامَ وَحج وزار الحبيب ... وَمِنْه ... يَا مَالك الْملك يَا فتاح يَا رزاق ... يَا من تكفل لكل الْخلق بالأرزاق فرج علينا الهي كل أَمر ضَاقَ ... وأمنن برزق وسيع فائض دفاق ... قَالَ وَقد جربتهما لِلْفَرجِ بعد الشدَّة مفيدة وَمِنْه فِي الإثنيعشر الْأَئِمَّة ... بالمصطفى وعَلى البتول ... وبالسبطين ثمَّ عَليّ والباقر الْعلم جَعْفَر ومُوسَى عَليّ والجواد كَذَا ... عَليّ الْحسن وَكَذَا الْمهْدي ذِي الشيم ... وَمِنْه ... يَا آل بَيت رَسُول الله حبكم ... فرض وفضلكم قد شاع فِي الْأُمَم يَا آل بَيت رَسُول الله مدحكم ... فِي الذّكر جَاءَ فَمَا مدحي وَمَا كلم ... وَمِنْه ... وميمات الدواة تعد سبعا ... وَسبعا عدهن بِلَا خطاء مداد ثمَّ محبرة مقص ... ومرملة ومصمغة الغراء ومكشطة ومقلمة مقط ... ومصقلة ومموهة لماء ومحراك ومسطرة من ... وممسحة لختم وانتهاء ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 وَمِنْه ... الْورْد سُلْطَان الزهور ... وَمَا سواهُ الحاشيه فللونه المحمر ينْسب ... حسن خَدّه الغانية وَإِذا تضوع نشره ... يهدي إِلَيْهِ الغالية ... وَمِنْه ... قلت إِذا أقبل الرّبيع ووافا ... ورده الغص لَيْت ذَاك نَصِيبي فخدود الملاح تعزي إِلَيْهِ ... وشذاه أربي على كل طيب ... وَمِنْه لغز فِي صَالح ... وصال حبي رَبِّي فقد لرُؤْيَته ... أشهى إِلَيّ من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ... وَمِنْه أَيْضا فِي رَمَضَان ... أَنا صَاد وروائي ... من لما صافي البديد صحفوني وأطرحوني ... بَين رمان النهود ... وَمِنْه أَيْضا فِي شمعته ... ومشوقة هيفاء لدن قوامها ... من الْبيض تزري بالمثقفة السمر إِذا أَصبَحت أمست تحد سنانها ... تفتق درع اللَّيْل من طلعة الْبَدْر فضؤ سناها قدد محى أَيَّة الدجى ... فَصَارَ نَهَارا أبيضاً سَاطِع الْفجْر تمد لِسَانا طائلاً غير نَاطِق وَمن غير أجفان مدامعها تجْرِي وجلبابها تحكي لجيناً بياضة ... وأحشاؤها زرت عِلّة لَهب الْجَمْر إِذا جمعت تسمع بتصحيفه ... ولات حِين مناص جَاءَ فِي مُحكم الذّكر فدونك لغزاً وَاضحا قد شرحته ... وبينته لَكِن بِنَوْع من السّتْر ... وَمِنْه أَيْضا فِي رَمَضَان ... أَي اسْم إِذا خلا الْقلب مِنْهُ ... صَار يَا صَاح قلبه ملآنا فِي زمَان الصِّبَا تَجدهُ فَخذه ... بعد تصحيفه وَلَا تتوانا وَمضى قلبه بِلَا طَرفَيْهِ ... وَإِن هم بالتصحيف تلق امانا أَن تصحف جمعا فَغير مصون ... ومصان أَن زَالَ حرفا وبانا رمت تصحيفه خلا جَمِيعه ... فغدا وَاضحا بَيَانا عيَانًا ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 وَمِنْه فِي القهوة ... أَهلا بصافي قهوة كالاثمد ... جليت فزانت بالخمار الْأسود لما أديرت فِي كؤوس لجينها ... بِيَمِين سَاق كالقضيب الأملد يَحْكِي بَيَاض أنائها وسوادها ... طرفا كحيلا لَا يكحل المرود وَمِنْه ... يَقُولُونَ لي جَاءَ الشتَاء بِبرْدِهِ ... بِمَاذَا تلاقيه وَأَنت عليل فَقلت لَهُم هَذَا الفخان ماجد ... وجود يَدَيْهِ بالدفا كَفِيل ... وَمِنْه مؤرخاً لأخذ جنكيز خَان أَحْمد اباد ... لَا تعجبوا لنصر جنكيز ... خَان فِي عزته نصر من الله لَهُ ... والسعد فِي غرته وَقد أَتَى تَارِيخه ... النَّصْر فِي طلعته ... وَمِنْه هَذَا الأبيات وَكتب بهَا الي وَالِدي وَطلب مِنْهُ جَارِيَته وَالْتزم أَن يكون فِي آخر كل بَيت مِنْهَا هَذِه الْكَلِمَة وكل كلمة مِنْهَا لَهَا معنى ... يَا سيداً نعْمَته ... فَوق الدراري الْجَارِيَة وجود كفيه غَدا ... مثل الرِّيَاح الْجَارِيَة تدوم فِي عزك ... ماجرت ببحر جاريه فَكلما تريده ... الأقدار فِيهِ جَارِيَة انجز لعبد سَيِّدي ... وعد رُجُوع الجاريه هباتكم مبرورة ... من الزَّمَان جاريه وسيل هامي فَضلكُمْ ... كَمَاء عين جَارِيَة ولطفكم بعبدكم ... كف ادموع الجاريه ... وَله قصيدة عَظِيمَة فِي أَسمَاء مَشَايِخ طَبَقَات الشرجي نفعنا الله بهم كاتن اقترحها وَالِدي رحمهمَا الله وَله جملَة قصائد فِي مدح وَالِدي تكون قدر عشرَة كراريس على الْقطع الْكَامِل وَهِي مدونة من جُمْلَتهَا ثَلَاث قصائد تتَعَلَّق بِي احدها تهنئة بولادتي وَثَانِيهمَا بعافيتي لِأَنِّي مَرضت وَأَنا صَغِير مَرضا اشرفت فِيهِ على الْهَلَاك ثمَّ عافاني الله تَعَالَى مِنْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 وَله الْحَمد ففرح الْوَالِد بذلك فَرحا كثيرا وَعمل ضِيَافَة عَظِيمَة لذَلِك وَثَالِثهَا أَيْضا كَانَ اقتراحها عَلَيْهِ الْوَالِد فِيمَا أَظن وَمِنْهَا هَذِه القصيدة الفريدة وَقد أَجَاد فِيهَا كل الاجادة وَللَّه دره ولحسنها أتيت بهَا بكمالها فَإِنَّهَا مِمَّا تشهد لَهُ بِالْفَضْلِ الْعَظِيم والفصاة الْكَامِلَة وَهِي ... قُم يَا نديم الصَّباح قد انْفَلق ... وَهِي بِآيَة نوره ظلم الغسق قرب صبوحك فالزمان مساعد ... وادر مروقه حكت لون الشَّفق قَامَت سقَاهُ كؤوسهافي حَضْرَة ... والمسك والكافور فِيهَا قد عبق قمر يُدِير الشَّمْس فِي كاساته ... وبثغره مثل المدامة بل أرق فد يحاكي السمهرري ومقلة ... كالسيف واللحظ السِّهَام إِذا رشق قَوس الحواجب مؤتر لقتالنا ... وَلذَا قُلُوب العاشقين غَدَتْ درق قلق الوشاح بِحَضْرَة وتراه قد ... صمتت خلاخله ودملجة نطق قرت نواظر عاشقيه بحبه ... لَكِن من الصد المبرح فِي أرق قَرَأَ الْمُحب على صحيفَة خَدّه ... هَذَا لعمر الله أحسن من خلق قد كنت همست بحسنه وجماله ... إِذْ كَانَ جفن شبيبتي فِيهِ رَمق قضيت أيامي سداً وسبهللاً ... ترك الخلاعة والصبابة بِي أَحَق قد آن أَن أثني النعان عَن الْهوى ... وأعود عَنهُ عود عبد قد أبق قدم المشيب فَكَانَ أبلغ زاجر ... وَمضى الشَّبَاب كَأَنَّهُ طيف طرق قصرت خطاي عَن التخطي للخطا ... ولخدمة ابْن العيدروس الْمُجْتَبى شيخ الْفرق قطب الزَّمَان وغوثه وصلاحه ... كل على هذاالمقال قد اتّفق قداح زند الْفضل وَارِث جده ... فِي الْعلم وَالتَّقوى وَفِي النّسَب الأحق قَرَأَ الْعُلُوم وجد فِي طلب العلى ... حَتَّى رقا أفق المعارف واتسق قَالَ لكل مذمة ونقيصة ... وَإِلَى الْكَمَال ترَاهُ أكْرم من سبق قل مَا تشَاء فِي مدحه وَصِفَاته ... فلأنت أولى أَن يُقَال لَهُ صدق قتل الحسود لما رأى فِي وَجهه ... نور النُّبُوَّة فِي أساريره برق قد حَاز فِي شرف النُّبُوَّة نِسْبَة ... فِي آل أَبَا علوي كالنور ائتلق قوم لَهُم فِي كل فضل قسْمَة ... وَلَهُم إِلَى شرف الْمَعَالِي مسبق قَامُوا بِطَاعَة رَبهم فِي سنة ... وجكاعة لَا يحلفُونَ بِمن فسق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 .. قدمت مدحي فِيك يَا ابْن الْمُصْطَفى ... أنجو بِهِ فِي يَوْم يلجمني الْعرق قصرت فِي تعداد وصفك إِذا غَدَتْ ... أَوْصَاف مدحك غَايَة لَا تلتحق قولي بمدحك مَا عَسى هُوَ بَالغ ... وبمدحك الْقُرْآن حَقًا قد نطق ... وَمن شعر وَلَده الْفَاضِل أَحْمد بن الْمُعْطِي فِي القهوة ... ببه مُحكم قهوة تجلى لنا ... فِي أَبيض الصيني طَابَ شرابها فَكَأَنَّمَا هِيَ مقلة مكحولة ... دخانها من فَوْقهَا أهدابها ... فَائِدَة تتَعَلَّق باحمد اباد تشتد الْحَاجة إليهافي بعض الأحيان وَيتَعَيَّن ذكرهَا هُنَا لِأَن جمَاعَة مِمَّن ذكر فِي عذا التَّارِيخ مَاتُوا بهَا فتكرر ذكرهَا فِي هَذَا الْكتاب بِهَذَا السَّبَب وَهِي مَدِينَة كَبِيرَة مَشْهُورَة من مدن الْهِنْد قَالَ السخاوي فِي ضوئه أَحْمد اباد وَمعنى اباد عمر وَكَأَنَّهُ قَالَ عمَارَة أَحْمد وَالَّذِي اختطها أَحْمد بن مُحَمَّد مظفر صَاحب كجرات فِي سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة وَتُوفِّي قَرِيبا من سبّ وَأَرْبَعين فاستقر بعده ابْنه قطب الدّين أَحْمد وَمَات فِي رَجَب سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ فخلفه أَخُوهُ دَاوُد وخلع بعد أَيَّام فاستقر بعده أَخُوهُ أَبُو الْفَتْح مَحْمُود شاه وَهُوَ ابْن خَمْسَة عشر سنة وإقامته بِأَحْمَد الَّتِي اختلطها جده وَهُوَ حَيّ فِي سنة تسع وَتِسْعين ابْن خمسين سنة انْتهى كَلَام السخاوي قلت وعاش بعد السخاوي أَرْبَعَة عشر سنة وَقد مر تَارِيخه وَتَوَلَّى بعده وَلَده السُّلْطَان مظفر وَتَوَلَّى بعده وَلَده السطان اسكندر وَقتل ثمَّ تولى بعده أَخُوهُ السُّلْطَان بهادر وَهُوَ الَّذِي بنى قلعة سرت على يَد وَزِير صفر الرُّومِي ثمك تولى بعده ابْن أَخِيه السُّلْطَان مَحْمُود وَقد مر تَارِيخه أَيْضا وَسبب مَقْتَله ثمَّ تولى بعده السُّلْطَان أَحْمد شاه وَمَات مقتولاً ثمَّ تولى بعده السُّلْطَان مظفر بن مَحْمُود الشَّهِيد وَكَانَت الوزراء سمتغلبة عَلَيْهِمَا جدا خُصُوصا الْأَخير مِنْهُمَا فَمَا كَانَ لَهُ مَعَهم من السلطنة إِلَّا الِاسْم والحل وَالْعقد وَجَمِيع التَّصَرُّفَات للوزراء نَظِير مَا وَقع للخلفاء من بني الْعَبَّاس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 مَعَ الأتراك حَتَّى آلى ذَلِك آخرا إِلَى تحاسدهم فِيمَا بَينهم وَاخْتِلَاف كلمتهم فَأدى ذَلِك إِلَى انْقِرَاض ملكهم وَزَوَال شوكتهم وانتقال الدولة عَنْهُم إِلَى غَيرهم فَأخذ الْبِلَاد المغول على عهد السُّلْطَان مظفر وَقد مر تَارِيخ ذَلِك وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه فزالوا كَأَن لم يَكُونُوا وَلم يبْق إِلَّا أخبارهم الجميلة ومآثرهم الجليلة ... كَأَن لم يكن بَين الْحجُون إِلَى الصَّفَا ... أنيس وَلم يسمر بِمَكَّة سامر ... وَحكى أَن يحيى ابْن خَالِد الْبَرْمَكِي رحجمه الله تَعَالَى سمع رجلا قَائِما ينشد هَذَا الْبَيْت فَأَجَابَهُ أحد ... بِلَاد نَحن كُنَّا أَهلهَا فأبادها ... صروف اللَّيَالِي والحدوث العواثر ... فسبحان من يقلب الْأُمُور وَلَا يتَغَيَّر بِتَغَيُّر الدهور وَتَعَالَى من لَا يزوزل ملكه وَلَا يذهب سُلْطَانه وفيهَا توفّي قطب شاه شسلطان كلكنده وَكَانَ عادلاً كَرِيمًا إِلَّا أَنه كَانَ غالياً فِي التشييع رَحمَه الله وفيهَا دخل سَيِّدي الشَّيْخ مُحَمَّد العيدروس إِلَى الْهِنْد وَفَرح سَيِّدي الْوَالِد بوصوله جدا وَأَنْشَأَ هَذِه القصيدة ... أَلا يَا مرْحَبًا بالعيدروس ... جمال الدّين محيي النُّفُوس مُحَمَّد بن عبد الله جئْتُمْ ... إِلَيْنَا مرْحَبًا شمس الشموس فأهلاً ألف سهلاً ألف مرحب ... ظفرتم زَالَ عَنْكُم كل بوس كسيتم مكن جمال الْقُدس وهباً ... وجللتم بمحول بِهِ فدوس أَلا فابشر وَبشر كل حب ... ومحجبوب بجائزة عروس إِلَّا فَاشْرَبْ هَنِيئًا من سلاف ... بِنور الله ديرت فِي الكؤوس مُعتقة لنا من نور كرم ... شربناها على رغم القسوس شراب الْقَوْم لَا يدريه فدم ... وَلَا من يَدعِي نقل الدُّرُوس قدومك حَافظ للشمل فاجمع ... بِنَا يَا رَبنَا تَاج الرؤوس وعاف اغْفِر وَسلم واعف واستر ... بخاتمة لنا من غير بوس ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 سنة تسعين بعد التسْعمائَة (990) هـ وَفِي لَيْلَة السبت لخمس وَعشْرين خلت من رَمَضَان سنة تسعين توفّي الشَّيْخ الْكَبِير وَالْعلم الشهير الشريف القطب الْعَارِف بِاللَّه شيخ بن عبد الله ابْن شيخ بن الشَّيْخ عبد الله العيدروس باحمد اباد وَدفن بهَا فِي صحن دَاره وَبني عَلَيْهِ قبَّة عَظِيمَة وَمن أحسن تواريخ وَفَاته تَارِيخ صاحبنا الْفَقِيه عبد الله بن أَحْمد بن فلاح الْحَضْرَمِيّ وَقد نظمه فِي بَيْتَيْنِ فَقَالَ ... أرخت نقلة سَيِّدي ... شمس الشموس العيدروس فَانْظُر تَجِد تَارِيخه ... القطب هُوَ شمس الشموس ... ولفضلاء الْآفَاق فِيهِ جملَة مستنكرة ة من المراثي وَمن غَرِيب الِاتِّفَاق أَنه قبيل مَوته بِنَحْوِ شَهْرَيْن كَانَ أَمر بتحصيل رِسَالَة فِي مَنَاقِب الإِمَام النَّوَوِيّ رَحمَه الله ثمَّ أَمر بمقابلتها بَين يَدَيْهِ وَكَانَ مؤلفها ذكر فِيهَا جملَة من المراثي الَّتِي قيلت فِي الإِمَام فَقَالَ ذَات يَوْم أَن المراثي إِذا قَرَأت لَا بُد أَن يَمُوت أحد فاتفق أَن مَاتَ بعد ذَلِك ورثي بمراثي كَثِيرَة حَتَّى أَنِّي لم أر أحدا رثي بِهَذَا الْقدر مِنْهَا سوى الَّتِي ذكرهَا فِي تِلْكَ الرسَالَة من مراثي الإِمَام النَّوَوِيّ وَكَانَ مولده سنة تسع عشرَة وَتِسْعمِائَة بتريم وَرُوِيَ عَن الشَّيْخ الْكَبِير الْوَلِيّ الشهير شهَاب الدّين أَحْمد بن الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن أَنه كَانَ يَقُول عَاد أهل حَضرمَوْت يودون فِيهِ نظرة ويخص بِهِ أهل بلد بعيد من أهل الْمشرق وَكَانَت مُدَّة أقامته بِالْهِنْدِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ سنة لِأَنَّهُ دَخلهَا سنة ثَمَان وَخمسين وَتِسْعمِائَة وَكَانَ شَيخا كأسمه وكما قَالَ فِيهِ بعض الصلحاء فِي وَصفه وَلَقَد صَار بِحَمْد الله شيخ زَمَانه بِاتِّفَاق عارفي وقته وَقد ألهم الله أَهله حَيْثُ سموهُ شَيخا قبل أَوَانه وَوَقته وَذَلِكَ لتحَقّق وراثته من متبوعه كَمَا ألهم الله آل النَّبِي الْمُصْطَفى لتسميته مُحَمَّدًا قبل تجلي صِفَاته الحميدة صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَصَارَ هَذَا الأسم الشريف يصدق فِيهِ من أَربع حيثيات أَحدهَا أَنه أُسَمِّهِ وَثَانِيها انه بلغ فِي السن حد الشيخوخة وَثَالِثهَا انه شيخ أهل التصوف فِي زَمَانه وَرَابِعهَا أَنه شيخ طلبة الْعلم فِي الْعُلُوم الظَّاهِرَة فَهُوَ شيخ أسماً ووصفاً على كل تَقْدِير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 وَبِكُل وجع وَاعْتِبَار وَمَا أحسن قَول الأديب الْفَاضِل عبد اللَّطِيف الدبير حَيْثُ يَقُول فِيهِ ... شيخ إِلَى سبل الرشاد مَسْلَك وَطَرِيقه فِي الْعلم مَا لَا يجهل شيخ بِحسن أَدَائِهِ وَبَيَانه ... لظيم أشكال العويص يسهل ... شيخ تبحر فِي الْعُلُوم فَمن رأى بحراً يسوغ لوارديه المنهل شيخ عَلَيْهِ من المهابة رونق ... كالبدر لَكِن وَجهه يَتَهَلَّل شيخ لَهُ فِي الطالبين مسَائِل ... صوفية إِن جِئْت عَنَّا تسْأَل شيخ تقدم فِي السلوك لِأَنَّهُ أَن عد أَرْبَاب الْكَرَامَة أول العيدروس الحبر قدوة عصره ... وَمن الشدائد مقصد ومؤمل قطب الزَّمَان وغوثه وغياثه ... من يرتجيه لَا يضاع ويهمل ابْن الْعَفِيف أَبُو الشهَاب المرتضى ... بَحر الْحَقَائِق مرشد متفضل عذب الْمَوَارِد من أَتَاهُ واردا ... من فيضه دون القساوة يغسل مَا قيل هَذَا كَامِل فِي ذَاته ... إِلَّا وَقلت الشَّيْخ عِنْدِي أكمل لَا زَالَ فيض كَمَاله متواصلا ... ماذام شيخ فِي الطَّرِيقَة موصل ... وَرُوِيَ عَن الشَّيْخ الْكَبِير وَالْعلم الشهير القطب شمس الشموس أبي بكر بن عبد الله العيدروس أَنه قَالَ لِأَبِيهِ السَّيِّد عبد الله بن شيخ وَكَانَ فِي خدمته وَهُوَ ابْن أَخِيه عِنْد وَفَاته تمن يَا عبد الله فَقَالَ مَا أُرِيد إِلَّا الْبركَة وَالدُّعَاء لي بذرية صَالِحَة فبشره بذلك وَقَالَ لَهُ سيأتيك من الْوَلَد كَذَا وَكَذَا وَكَذَا وَذكرهمْ بِأَسْمَائِهِمْ وعد من جُمْلَتهمْ سَيِّدي الشَّيْخ صَاحب التَّرْجَمَة ثمك أثنى عَلَيْهِ وَأَشَارَ بالسر المصون إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ أَنه وَلَدي وَصَاحب سري وَأم أمه بنت الشَّيْخ عَليّ بن أبي بكر وَحكي أَن الشَّيْخ عَليّ رَضِي الله عَنهُ كَانَ إِذا رأى السَّيِّد عبد الله بن شيخ وَهُوَ صَغِير يَقُول أَرْجُو أَن يتَزَوَّج هَذَا الْوَلَد وَاحِدَة من بَنَاتِي أبنات أَوْلَادِي فَتحصل لَهُ مِنْهُم ذُرِّيَّة صَالِحَة فَلَمَّا عقد السَّيِّد عبد الله بِزَوْجَتِهِ السيدة فضل الله الَّتِي أمهما بنت الشَّيْخ عَليّ حضر جمَاعَة من الاعيان مِنْهُم وَالِده السَّيِّد شيخ وخالها الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن الشَّيْخ عَليّ وَغَيره من إخوانه فَقَالَ الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن أَرْجُو من الله أَن لكَلَام وَالِدي نتيجة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 فَأن كَلَام الصَّالِحين مَا يسْقط فَقَالَ لَهُ السَّيِّد شيخ هَذَا ثَمَرَة تِلْكَ الْبشَارَة قلت وَكَانَ فِي أسمها مَا يشْعر بِهَذِهِ الموهبة الْعَظِيمَة الَّتِي سبقت فِي الازل للسَّيِّد عبد الله بالذرية الصَّالِحَة فَظهر بِفضل الله من بطن فضل الله هَذَا السَّيِّد الْكَرِيم وَذَلِكَ فضل الله يؤتيه من يَشَاء وَالله ذُو الْفضل الْعَظِيم وَرُوِيَ عَن الشَّيْخ الْكَبِير وَالْعلم الشهير أبي بكر بن سَالم أَبَا علوي انه كَانَ يَقُول مَا اُحْدُ من آل أَبَا علوي اولهم وَآخرهمْ اعطي مثله وَرُوِيَ مثل ذَلِك عَن الْوَلِيّ الْعَلامَة عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الشهير بالنحوي أَبَا علوي وَزَاد وَالله مَا هُوَ إِلَّا آيَة الْيَوْم فَهُوَ عديم النّظر وَلما سمع كِتَابه الْفَوْز والبشرى كَانَ لَا يمر بشيئ مِنْهُ غلا وَيَقُول كنت أدور الْأَشْيَاء من جِهَة المعتقدات فَمَا شفاني شَيْء مثله فِيهَا لَا من كتب الْغَزالِيّ وَلَا اليافعي وَحكي من مجاهداته أَنه كَانَ يعْتَمر غَالِبا فِي رَمَضَان أَربع عمرات بِاللَّيْلِ وأربعاً بِالنَّهَارِ وناهيك بهَا منقبة مَا أجلهَا فقد ورد فِي الصَّحِيح أَن عمَّة فِي رَمَضَان كحجة وَفِي رِوَايَة تقضي حجَّة أَو حجَّة مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْعَلامَة حميد وتيسير أَربع بِاللَّيْلِ وأرع بِالنَّهَارِ من الكرامات الخارقة وَلم ينْقل مثله عَن أحد فِيمَا اعْلَم من الأسلاف لسابقين وَمَا أحسن قَول الشَّيْخ عبد الْمُعْطِي بن حسن أَبَا كثير رَحمَه الله حَيْثُ يَقُول فِي أثْنَاء بعض قصائده فِيهِ ... قد عِشْت فِي أَيَّام الْقرى دهرا على ... تَحْصِيل الْعلم ثمَّ درس قُرْآن وَعبادَة وزهادة فِي خلْوَة ... متسترا عَن سَائِر الأخوان وَقيام ليل مَعَ صِيَام جَوَاهِر ... متمسكا بِالْبَيْتِ والأركان وَكتب فِي الْحجَّاج والعمار ... وَالزُّوَّارِ والعباد مُنْذُ زمَان مترددا من مَكَّة الغراء إِلَى ... قبر النَّبِي الْمُصْطَفى السُّلْطَان إِلَّا بلطف عناية وَعبادَة ... ومجاهدات فِي رضَا الرَّحْمَن لَيْسَ الْمَعَالِي بالنماني يَا فَتى ... لَوْلَا الْمَشَقَّة شاهدى وكفاني أَنْت الْوَلِيّ ابْن الْوَلِيّ ابْن الْوَلِيّ ... إِلَى الْوَصِيّ الطَّاهِر الاردان العيدروس أَبوك والسقاف جدك ... والمقدم ثَالِث الرّجلَانِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 .. هذي المفاخر إِن تعد مفاخرا ... بِالذَّاتِ والآباء والاخوان ... وَمن شُيُوخه شيخ الاسلام الْحَافِظ شهَاب الدّين أَحْمد بن حجر الهيتمي الْمصْرِيّ والفقيه الصَّالح الْعَلامَة عبد الله بن أَحْمد أَبَا قُشَيْر الْحَضْرَمِيّ وَله من كل مِنْهُمَا إجَازَة فِي جمَاعَة آخَرين يكثر عَددهمْ وَاجْتمعَ بالعلامة الديبع بزبيد وَأما مقرؤاته فكثيرة جدا من تصانيفه العقد النَّبَوِيّ والسر المصطفوي والفوز والبشرى وشرحان على قصيدته الْمُسَمَّاة تحفة المريد أَحدهمَا أكبر من الآخر أما الْكَبِير فالمسمى حقائق التَّوْحِيد وَأما الصَّغِير فالمسمى سراج التَّوْحِيد ومولدان كَذَلِك أَحدهمَا أكبر من الآخر ومعراج ورسالة فِي الْعدْل وَورد أُسَمِّهِ الحزب النفيس ونفحات الحكم على لأمية الْعَجم وَهُوَ على لِسَان التصوف وَلم يكمله وَله ديوَان شعر وَمن شعره هَذِه الْوَسِيلَة تالتي نظم فِيهَا نِسْبَة إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي ... توسلي بِمُحَمد خَاتم الرُّسُل ... وَفَاطِمَة وأمير الْمُؤمنِينَ عَليّ ثمَّ الْحسن وَالْحُسَيْن مَعَ زيد عَابِد عَليّ ... مُحَمَّد الباقر السَّجَّاد جَعْفَر عَليّ ذَلِك العريضي الإِمَام مُحَمَّد نجله ... عِيسَى الهزبر الْهمام يَا نعم من بَطل باحمد بعبيد الله علويهم ... مُحَمَّد علوي خَالع قسمنا عَليّ مُحَمَّد صَاحب المرباط ثمَّ عَليّ ... وبالفقيه مُحَمَّد علوي وَعلي مولى الدويلة مُحَمَّد ثمَّ سقفافهم ... وَالْفَخْر والعيدروس شيخ الْعَفِيف ولي فَهَؤُلَاءِ بني الزهرا صَحَّ بهم نسبي ... وأرثي بالمختار مُتَّصِل سمطاً تسلسل من أَوْلَاد فَاطِمَة ... نسب كشمس الضُّحَى فِي دَاره الْحمل نشب شرِيف صَرِيح ضاء مشكاته ... من سيد الرُّسُل والزهرا انحدر من على مسلسل كنجوم الزهر عقدهم ... بدا وختما مُحَمَّد خَاتم الرُّسُل ... وَمِنْه فِي وصف العارفين رَضِي الله عَنْهُم ... أُولَئِكَ الْقَوْم سَادَات فَحق لَهُم أَن يسبحوا الذيل فخرا باسم منان قوم علوا فِي معالي مجد موجدهم ... فاقوا البرايا حظوا من فيض رحمان جَوَاهِر السِّرّ فاضت من عوالمهم ... بسر متبوعهم فضلا وأحسان شموس معرفَة ضاءت لمبتهج ... طريقهم حبذا فتحا وبرهان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 وَمِنْه ... سارعوا من قبل فَوت ... وأغنموا فرصاً ووقتا واقرضوا لله قرضا ... لن تنالوا الْبر حَتَّى ... وَمِنْه ... يَا قَارِئ الْخط ادعوا الله يغْفر لي ... ذَنبي وإثمي وعصياني كَذَا زللي ويلحظ العَبْد بالخط إِنَّه قمن ... باستجابة اللَّهُمَّ أَنْت ولي ... وَمِنْه ... يَا آل طعه طوى الاحشاء حبكم ... طي السّجل وطهرتم من الْقدر الْقَوْم أَنْتُم فَلَا يشقى جليسكم ... النَّاس أَنْتُم كفى بالْخبر عَن خبر ... وَمِنْه ... لنا بالرسوم الْمُصْطَفى خير نِسْبَة ... مسلسلة تعلو على كل رُتْبَة أَئِمَّة علم الله جَوْهَر سره ... زواهر حلم قدوة للطريقة شموس تجلت والبدور طوالع ... نُجُوم لنا بالسعد مِنْهُ أستمدت شموس بَدَت فِي عَالم الْغَيْب أشرقت ... بدور أضت أبدال أوتاد صفوة ... وَمِنْه ... كفاني أَن ازهو بجد ووالد ... ولي حسب من فَوق هام الفراقد ولي نسب بالمصطفى وَابْن بنته ... حُسَيْن عَليّ زين زاكي المحامد أَبَا فاباً من سيد الرُّسُل هَكَذَا ... إِلَى العيدروس المجتبي خير ماجد وراثه خير الْخلق أَحْمد جدنا ... وَنحن بِهِ نعلو الْعلَا فِي المعاقد ورثنا الْعلَا أكْرم بِنَا خير سادة ... شذا مَجدنَا يشذو بطي المحامد ... وَمِنْه ... لنا سادة فاقوا على كل سادة ... بتمكين أرث كَابِرًا عَن كَابر لنا قادة فاقوا الكماة بعزمهم ... فَفِي كل وَقت مِنْهُم كم مظَاهر هَنِيئًا لَهُم طُوبَى لَهُم من عشائر ... حقيق لَهُم ذَلِك حظوا بالبشائر هم الْقَوْم لَا يشقى جليس لَهُم بهم ... خُصُوصِيَّة خصوا بِنور البصائر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 .. وَكَيف لَا يكون الْحق حَشْو قُلُوبهم ... وهم بضعَة الْمُخْتَار أهل المفاخر ... وَمِنْه هَذَا الْمُفْرد وَالْتزم فِيهِ الْحُرُوف الْمُقطعَة ... زرد أرود دَان ودود ... دَوَاء رَأْي وَادي زرود ... وَمِنْه هَذِه القصيدة الْعَظِيمَة الْمَشْهُورَة بِالْبركَةِ مطْلعهَا ... حجاب من الله وحرز منيع ... علينا دوَام وَفضل وسيع وحسبيربي لطيف بديع ... عليم بحالي بَصِير سميع عُيُون الْعِنَايَة لنا راعيه ... وَأَسْمَاء عِظَام بِنَا ساميه قطوف المعارف هُنَا دانيه ... فهيا إِلَى حَيّ مي الرفيع إِذا عز رَبِّي مُحِيط بِنَا ... فَلَا تخش قَاضِي وَلَا من دنا فَلَو كل خلق ارادوا بِنَا ... لذلوا وخابوا وباؤا الْجَمِيع ألف لَام وكاف هَا كافيه ... وَيَا عين صَاد نون نورانيه وطا سين حَامِيم قَاف وافيه ... هُوَ الله هُوَ الْقَرِيب السَّرِيع ... ومناقبه وكراماته لَيْسَ هَذَا محلهَا وَقد أفردها غير وَاحِد من الْعلمَاء بالتصنيف كالشيخ الْعَلامَة حميد بن عبد الله السندي فِي رِسَالَة لَهُ وَالشَّيْخ الْعَلامَة شهَاب الدّين أَحْمد بن عَليّ البسكري الْمَكِّيّ فِي كِتَابه نزهة الأخوان والنفوس فِي مَنَاقِب شيخ بن عبد الله العيدروس وَقد ذكرت كثيرا مِنْهَا فِي مُقَدّمَة كتابي الفتوحات القدوسية فِي الْخِرْقَة العيدروسية وَإِنَّمَا قصدنا الْآن الْإِشَارَة إِلَى ذلمك أجمالا ليستدل بِهِ على جلالة قدره وفخامة أمره وَكفى بالنفحة دَلِيلا على الزهر وبالغرفة معرفَة بعذوبة النَّهر وبقلامة الْهلَال تَنْبِيها على إقبال شخص الشَّهْر إِذْ كتَابنَا هَذَا مَبْنِيّ على الإنجاز والاختصار دون الإسهاب والإكثار وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَللَّه در الشَّيْخ عبد الْمُعْطِي أَبَا كثير حَيْثُ يَقُول فِيهِ من قصيدة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 .. فضائله وشاع ثَنَاؤُهُ ... فِي الْخَافِقين وجاوزت بَغْدَاد ... وَمَا أحسن قَول الشَّيْخ الْفَاضِل عبد اللَّطِيف الدبير حَيْثُ يَقُول فِيهِ من قصيدة ... شيخ الْأَنَام مُفِيد كل مُحَقّق ... بَحر الْعُلُوم الْعَارِف الرباني ابْن الْعَفِيف أَبُو الشهَاب الْمُجْتَبى ... قطب الزَّمَان العيدروس الثَّانِي شرف السِّيَادَة والزهادة والتقى ... فَخر الحماة الغر من عدنان هُوَ كالسفينة من تولاه نجا ... وسواه لم يَأْمَن من الطوفان ... وفيهَا توفّي الْعَلامَة المففنن الصَّالح الشَّيْخ عبد النَّبِي الصَّدْر شيدا ورحمه الله تَعَالَى وَكَانَ من المتبحرين فِي الْعلم وَكَانَ مُعظما عِنْد السُّلْطَان أكبر جدا بِحَيْثُ يُقَال أَن السُّلْطَان الْمَذْكُور كَانَ يتَوَلَّى خدمته بِنَفسِهِ فِي بعض الأحيان وثباته فِي الدّين وَصَبره على الامتحان مَشْهُور وَحكي أَن السُّلْطَان كَانَ يُرْسل إِلَيْهِ وَهُوَ فِي السجْن وَقد عذب بأنواع الْعَذَاب أَن أترك مَا أَنْت عَلَيْهِ من الصلارة فِي الدّين وَتَكون كَمَا كنت فِي أوج العظمة فَيرد عِنْد ذَلِك من الْجَواب بِمَا يزْدَاد بِهِ غيظ السُّلْطَان عَلَيْهِ وَحكي أَن السُّلْطَان أَمر بعض الْكفَّار أنيقتله فَمَكثَ مُدَّة يحاول ذَلِك وَمَا يَجِيء إِلَّا ويجده فِي صَلَاة أَو تِلَاوَة فَيتَوَقَّف لذَلِك عَن قَتله وَقَالَ للسُّلْطَان أَمرك مكطاع وَلَو أَمرتنِي بقتل مائَة نفس من مَشَايِخنَا يَعْنِي من الْكفَّار لفَعَلت وَأما هَذَا المسسلم فَمَا قطّ جِئْت لقَتله إِلَّا وجدته فِيهِ مَشْغُولًا بِطَاعَة ربه وَأَنا أتحاشى عَنهُ لذَلِك فاعذرني وَقرب إِلَيْهِ كأس فِيهِ سم فَأبى أَن يتَنَاوَلهُ وَقَالَ أَنا أعلم بِالَّذِي فِيهِ وَلَا أعين على قتل نَفسِي أَي للمحذور فِي ذَلِك من جِهَة الدّين ثمَّ أَن السُّلْطَان بعد ذَلِك أَمر بخنقه رَحمَه الله فَفعل بِهِ ذَلِك وَمَات وَكَانَ ذَلِك فِي لَيْلَة اثي عشر فِي شهر ربيع الأول وَهِي لَيْلَة المولد الشريف فرحمه الله لقد ابقى ذكرا جميلاً وَثَبت ثباتاً عَظِيما قل أَن ينْفق مثله إِلَّا لمن وَفقه الله أعَاد اله علينا من بركاته آمين وفيهَا فِي يَوْم عَاشُورَاء توفّي الشريف أَبُو نمى مُحَمَّد بن بَرَكَات صَاحب مَكَّة ولبعض الْفُضَلَاء من أهل مَكَّة فيتاريخ وَفَاته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 .. يَا من بِهِ طبنا وطاب اوجود ... قد كنت بَدْرًا فِي سَمَاء السُّعُود مَا صرت فِي الترب ولكنما ... اسكنك الله جنَّات الخلود ... وَكَانَ مولده سنة عشر وَتِسْعمِائَة وفيهَا فِي تَاسِع صفر توفّي الشريف الْفَاضِل القَاضِي حُسَيْن الْمَالِكِي وَمن غَرِيب الِاتِّفَاق تَارِيخ يَوْم مَوته كَانَ تَارِيخا لَهُ فَتقدم أَنه مَاتَ فِي تَاسِع صفر وَجَاء تَارِيخه تسع فِي صفر رَحمَه الله وَكَانَ من أَعْيَان أهل مَكَّة وفضلائها وأجودها ورؤسائه لم يخلقه مثله وحزن النَّاس على مَوته ولبعض الْفُضَلَاء من أهل مَكَّة هَذَا التخميس على الْبَيْتَيْنِ الْمَشْهُورين ... لهفي عبى بدر الْوُجُود وسعده ... ومغيبه تَحت الثرى فِي لحده ... مَاتَ الْحُسَيْن الْمَالِكِي بمجده ... يَا دهر بِعْ رتب الْعلَا من بعده ... بيع الهوان ربحت أم لم تربح ... وَافْعل مرادك يازمان كَمَا ترى ... وارفع من الغوغاء وَحط ذَوي الذرى ... لَا تعتذر لِذَوي النهى عَمَّا جرى ... قدم وَأخر من أردْت من الورى ... مَاتَ الَّذِي قد كنت مِنْهُ تسخى ... وَكَانَت لَهُ عقيدة فِي الصَّالِحين وَقيل سَببهَا أَن أمه كَانَت تعتقد بالولي الشهير الشريف عبد الله بن الْفَقِيه أَبَا علوي فَمَرض وَلَدهَا هَذَا مَرضا شَدِيدا أشرف مِنْهُ على الْهَلَاك فطلبت من الشريف حصل الشِّفَاء لَهُ والحت فِي ذَلِك وَكَانَ عِنْده الشَّيْخ الصالحعبد الله بن عمر العمودي فَقَالَ السَّيِّد عبد الله للشَّيْخ عبد الرَّحْمَن عساك تنحمل عَنهُ فَإِن النَّاس يَنْتَفِعُونَ بِبَقَائِهِ فَمن ذَلِك الْوَقْت ابتدأت العافة فِي القَاضِي وَمرض الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن من وقته وَمَات بعد أَيَّام وَشهد جنَازَته القَاضِي الْمَذْكُور رَحمَه الله قلت وَحكى الشَّيْخ مُحي الدّين بن عَرَبِيّ رَحمَه للهتعالى فِي كِتَابه الفتوحات المكية عَن بعض شُيُوخه إِن امْرَأَة من بَنَات الْمُلُوك مِمَّن كَانَ النَّاس يَنْتَفِعُونَ بهَا وَكَانَ لَهَا اعْتِقَاد فِي هَذَا الشَّيْخ فتوجهت إِلَيْهِ ليدْخل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 عَلَيْهَا وَالْملك الَّذِي هُوَ زَوجهَا عِنْدهَا فَقَالَ إِلَيْهِ ثمَّ نظر إِلَيْهَا وَهِي فِي النزع فَقَالَ الشَّيْخ أدركوها قبل أَن تقضي فَقَالَ لَهُ الْملك بِمَاذَا فَقَالَ بديتها اشتروها فجيء إِلَيْهِ بديتها كَامِلَة فتوقف النزع الوكرب الَّذِي كَانَت فِيهِ وَفتحت عينيها وسلمت على الشَّيْخ فَقَالَ لَهَا الشَّيْخ لَا بَأْس عَلَيْك وَلَكِن ثمَّ دقيقة بعد أَن حل الْمَوْت لَا يُمكن أَن يرجع خائبا فَلَا بُد لَهُ من أثر وَنحن قد أخذناك من يَده وَهُوَ يطالبنا بِحقِّهِ فَلَا ينْصَرف إِلَّا بِروح مَقْبُوضَة وَأَنت إِذا عِشْت انْتفع بك النَّاس وَأَنت عَظِيمَة الْقدر فَلَا نفديك إِلَّا بعظيم عِنْدِي من هَذَا الْمَوْت ولي بنت هِيَ أحب النَّبَات الي أَنا أفديك بهَا ثمَّ رد وَجهه إِلَى ملك الْمَوْت وَقَالَ لَا بُد من روح ترجع بهَا إِلَى رَبك هَذِه ابْنَتي تعلم محبتي فِيهَا خُذ روحها بَدَلا من هَذِه الرّوح فَإِنِّي قد اشْتَرَيْتهَا من الْحق وباعني إِيَّاهَا وَابْني جعلك حق مجيئك ثمَّ قَامَ وَخرج إِلَى بَيته وَقَالَ لابنته وَمَا بهَا بَأْس يَا بنية هبيني نَفسك فَإنَّك لَا تقومي للنَّاس مقَام زَيْنَب بنت أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي الْمَنْفَعَة فَقَالَت يَا أَبَت أَنا بحكمك قد وَهبتك نَفسِي فَقَالَ للْمَوْت خُذْهَا فأخذهافماتت من وَقتهَا انْتهى وَلما ابتنى القَاضِي حُسَيْن بنته وَجعل فِي التخريجة قَالَ صَلَاح الدّين الْقرشِي فِي ذَلِك أَبْيَات مِنْهَا ... مَا عرش بلقيس وَمَا مِقْدَاره ... مَا تخت كسْرَى وَالَّذِي مثله 55 أَنا نَادِر وَالْحكم لي ولمالكي وَمن الْعَجَائِب نَادِر وَالْحكم لَهُ وَله أَيْضا تَارِيخ بَيت أنشأه القَاضِي ... شرف العلى لَك منزل يَا بدر فِيهِ فاحلل فالسعد قَالَ مؤرخاً ... للبدر أشرف منزل ... وَلما ولي قَضَاء الْمَدِينَة الشَّرِيفَة قَالَ الأديب مامية الانقشاري فِي تَارِيخ ذَلِك الْعَام ... طيبَة طابت بحسام الْأَحْكَام ... كم مظلوم خوفًا بَات يخفي ريبه والرعايا لما شكروا من عدله ... قلتفي عدله دَامَ قَاضِي طيبه ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 ومدحه بَعضهم بِأَبْيَات مِنْهَا ... إِنْسَان عين إِنْسَان من ... سادوا وشادوا المكرمات الطوَال من جوده والعزم أَو حلمه ... أَو نسب أشرف أَو خِصَال كالبحر وَالسيف ووسع العطا ... وَالشَّمْس والبدر وَمَاء الزلَال لَوْلَا الَّذِي كَلمه الْمُخْتَار ... وزاده فِي الْمجد مَا لَا ينَال مَا كَانَ قد صيره نَاظرا عدلا ... على الْبَيْت العديم المنال والحرمين الْبَالِغين النهى ... أنعم بهَا مرتبَة لَا تزَال وَهُوَ الْحُسَيْن الحسني الَّذِي ... فاق الورى فِي الْجُود نسل الرِّجَال ... وَكتب إِلَيْهِ بَعضهم يهنئه بقدوم رَجَب ... يَا حُسَيْنًا يَا شريفاً ... فِي علاهُ لَا يُشَارك عش وَدم واهن بِشَهْر ... من فَتى وافا جوارك ذَاته قد أرخته ... رج شهر مبارك وَمن شَرعه وَقد أهْدى إِلَيْهِ القطب الْحَنَفِيّ سمكًا ... يَا أَيهَا القطب الَّذِي ... بِوُجُودِهِ دَار الْفلك لَو لم تكن بَحر الندى ... مَا جَاءَنَا مِنْك السّمك ... وفيهَا توفّي الْعَالم الْفَاضِل الْمُفْتِي الشَّيْخ قطب الدّين الْحَنَفِيّ الْمَكِّيّ النهروالي نِسْبَة إِلَى نهرواله من أَعمال الْهِنْد بِمَكَّة المشرفة وَكَانَ من الْأَعْيَان الْمَذْكُورين الْفُضَلَاء الْمَشْهُورين مجلالا مُحْتَرما وَمن شعره هَذِه القصيدة ... بِسيف الحجى عِنْد اهتزاز النوائب ... تقلدت فاستغنت عَن كل قاضب وجردت م رَأْسِي الشَّديد عزائما ... أقل بهَا حد السيوف الغواصب ولي همة أسمو بصارم عزمها ... إِذا السَّيْف قد أعيى صُدُور الْكَتَائِب وَمَا فَاتَنِي فصل أردْت اقتناؤه وَمَا غربت عني صعاب المطالب وَكم خطب العلياء غَيْرِي وَلم ينل ... ونتلت لِأَنِّي كنت أكْرم خَاطب وَلَو شِئْت أدنت فِي رِقَاب كَثِيرَة ... وَلَكِن رَأَيْت الدَّهْر أغدر صَاحب فَمَا الدَّهْر إِلَّا مقبل مَعَ سَاعَة ... وَلَا الْعُمر مَعَ طول المدى غير ناهب وَمَا النَّاس إِلَّا حَاسِد ومعاند ... وَلَا الدَّهْر إِلَّا رَاجع فِي الْمَوَاهِب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 .. وَمَا شاد بُنيان الْعلَا متهور 5 وَلَا سَاد من لم يفتكر فِي العواقب أخالط إخْوَان الزَّمَان بعقلهم ... لأنظر مَا يبدى بِهِ من عجائب وَأظْهر أَنِّي مثلهم تستميلني ... عَذَاب الثنايا سود شعر الذوائب وَإِن أَلِيم الهجر مِمَّا يسوءني ... وَإِن لذيذ الْوَصْل أَسْنَى مآربي وَمَا علمُوا إِن الْهوى دن رتبي ... وَإِن مقَامي فَوْقه بمراتب إِلَّا فِي سَبِيل الْمجد قوم عهدتهم ... يرَوْنَ اكْتِسَاب افضل أزرى المكاسب وَمَا عِنْدهم فضل سوى كَثْرَة الْغنى ... وَمَا الْمجد غلا أَخذ بعض المناصب فضائلهم محصورة فِي ثِيَابهمْ ... وأورادهم اتقان هَذِه المناكب زماني رماني بَينهم يستهينني ... وَلَيْسَ محلي غير هام الْكَوَاكِب وَله رَحمَه الله صُورَة مكبتوب منظوم كتبه إِلَى بعض أَصْحَابه بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة ... بعد إهداء اطيب السَّلَام ... وأبلغ التمجيد وَالْإِكْرَام وَبث شوق لَا يزَال زَائِدا ... وَذكر وجد مفرط تزايدا من كبد إِلَى اللِّقَاء ظاميه ... ومقلة من الْفِرَاق داميه وَمن غليل مهجته عليل ... إِلَى خَلِيل سيد جليل شمس سَمَاء الْفضل والأفضال ... وَبدر تمّ الْمُضِيّ فِي الْكَمَال وزهرة من زهر روض الْأَدَب ... وزهرة تسمو سَمَاء الرتب لازال فِي قلادة الدُّرُوس ... وَاسِطَة كَاللُّؤْلُؤِ النفيس وَبعد فَالْعَبْد لَهُ عتاب ... عَلَيْك إِذْ لم يأتن كتاب مَعَ انني أرْسلت كتبا عده ... وَلم أكن أنسى لَك الموده فَهَل نسيت يَا فَتى ودادي ... أم عغيرك الدَّهْر بالبعاد أم الغراطيس غَدَتْ ثمينه ... أم هِيَ لَا تُوجد فِي المدينه هَذَا وَبِالْجُمْلَةِ وَالتَّفْصِيل ... أَنِّي كَمَا تعهد يَا خَلِيل محبتي من كل غش خَالِصَة ... وخيل ودي لَا تكون ناكصه فَلَا تكن لكتبك الْكِرَام ... تقطع فَهِيَ غَايَة المرام وَالْقَصْد مِنْك يَا أخي البشاره ... أَن تدخل الْمَسْجِد للزياره فتضع الخد على الأَرْض إِذا ... قابلت ذَاك الضريح لابذا ثمَّ تَقول يَا نَبِي الرَّحْمَة ... للْعَالمين وَجَمِيع الْأمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 (أَضْعَف خل الله قطب الدّين) حَملَنِي من السَّلَام الجمله ... إِلَيْك راجيا سُؤال الْفضل لَهُ كَذَا إِلَى ضجيعه الصّديق ... وَعمر الشهير بالفاروق وَبلغ السَّلَام والأكراما ... سيدنَا وَشَيخنَا الهماما إِمَام هَذَا الْعَصْر بل وحيده ... من هُوَ ذُو المناقب العديده شهَاب أهل الشَّرْع والحقية ... وبدره وشمسه الشَّرِيفَة خُلَاصَة المقربين الْأَبْرَار ... الشَّيْخ أَحْمد بن عبد الْغفار سلمه الله تَعَالَى وَجمع ... شملا بِهِ وبعلومه نفع وَأَنت فِي دعَاك لَا تنساني ... يَا سيد الإخوان والخلاني لاسيما فِي سَاعَة الْقبُول ... عَسى أفوز بالمنى والسول وآن أَن أختم هَذَا بِالسَّلَامِ ... وَاجعَل الْحَمد لما قلت ختام ... وَله أَيْضا نظمه لبَعض من فِي الْقَافِلَة يذكر بهَا فيالليل ... إِلَى مَتى يَا عين هَذَا الرقاد ... مَا آن أَن تكتحلي بالسهاد تنبهي من رقدة وأنظري ... مَا فَاتَ من خير على ذِي الرقاد يَا أَيهَا الغافل فِي نَومه ... قُم لترى لطف الْكَرِيم الْجواد مَوْلَاك يَدْعُوك إِلَى بَابه ... وَأَنت فِي النّوم شَبيه الجماد ويبسط الْكَفَّيْنِ هَل تائب ... من ذَنبه هَل من لَهُ مُرَاد وَأَنت من جنب إِلَى جَانب ... تَدور فِي الْفرش اللين المهاد يَدْعُوك مَوْلَاك إِلَى قربه ... وَأَنت تخْتَار الجفا والبعاد كم هَكَذَا التسويف فِي غَفلَة ... لَيْسَ على الْعُمر الْعَزِيز اعْتِمَاد لق مضى ليل الصِّبَا مسرعا ... ونبر صبح الشيب فود القؤاد أفق فَإِن الله سُبْحَانَهُ ... رَحمته عَمت جَمِيع الْعباد ... وَمن شعره أَيْضا ... أقبل كالغصن حِين يَهْتَز ... فِي حلل دون لكطفها الْخَزّ مهفهف الْقد ذُو محيا ... بِعَارِض الخد قد تطرز دَار بحديه وَاو صدغ ... وَالصَّاد من لَحْظَة تلوز وَالْخمر والجمر فِي لماه ... وخده ظَاهر ومغز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 .. يشكو لَهُ الخصر جور ردف ... أعجزه حمله وأعجز طلبت مِنْهُ شِفَاء سقمي ... فَقَالَ لحظي لذاك أعوز قد غفر الله ذَنْب دهر ... لمثل هَذَا الْمليح أبرز جز فُؤَادِي بِسيف لحظ ... أَواه لَو دَامَ ذَلِك الجز أفديه من أغيد مليح ... بالْحسنِ فِي عصره تميز كَانَ نديمي فمذ رَآنِي ... أسيره فِي الْهوى تعزز حرم من وَصله مبباحا ... لما أحل القلا وَجوز يَا قطب لَا تسل عَن هَوَاهُ ... واثبت وَكن فِي هَوَاهُ مَرْكَز ... وَمِنْه مُعَارضا خُذُوا قودي من أَسِير الكلل ... أَلا حلل الله سيف الْمقل ... فكم ذَا أصَاب وَكم ذَا قتل وَمَا من قَتِيل بِهِ فِي الْهوى ... سوى ألف رَاض بِمَا قد فعل لقد نصر الله جيشالملاح ... ببدر بِنَا حسنه قد كمل وَمَا بَطل فِي الوغى فَارس ... إِذا قَابل الغيد إِلَّا بَطل وَإِذا قتلتني عُيُون الظبى ... فيا فرحي قد بلغت الأمل رعى الله لَيْلَة زار الحبيب ... وَغَابَ الرَّقِيب إِلَى حَيْثُ أل فأجلسته فِي سَواد الْعُيُون ... وَقد غسل الدمع ذَاك الْمحل وألصقت خدي بأقدامه ... وأذبلت أَخْمُصُهُ بالقبل فرق وَمَا باعطافه ... فديت بروحي ذَاك الْميل فعانقته وخلعت العذار ... ومزفت ثوب الحيا والخجل وَمَا زلت اشغله بِالْحَدِيثِ ... وَستر الظلام علينا انسدل إِلَى أَن غفى جفْنه ناعساً ... وعني تغافل أَو قد غفل فخليت عَن خصره بنده ... وأنضيت عَن معطفيه الْحلَل وَبت أشاهد صنع الآله ... تبَارك رب البرايا وَجل فَظن بِي الْخَيْر أَولا تظن ... فَمَا أَنْت تسْأَل عَمَّا حصل ... وَمِنْه ... الدن لي والكأس والقرقف ... وللفقيه الْكتب والمصحف لَا تنكروا حَالي وَلَا حَاله ... كل مِمَّا يَنْفَعهُ أعرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 لكنه يُنكر أذواقنا ... وَمَا لَهُ ذوق وَلَا ينصف كم يزدي الراح وشرابها ... أخْشَى على ذَا الْفَتى يقصف دَعْنِي وحالي يَا فَقِيه الورى ... فَأَنت عَن ادراكه تضعف هَيْهَات أَن يدْرك طعم الْهوى ... م لم يكن فِي ذوقه يلطف للعشق سر لم يزل غامضاً ... لغير أهل الْحبّ لَا يكْشف فيا نديمي اشرب على رغمه ... ودعه فِي انكاره يرسف واحبس فِي بَاب الطهارات من ... كِتَابه لعلمه ينظف وَبِي غزال طَابَ مرعاه فِي ... كناس قلبِي وَهُوَ لَا يألف بدر كَمَال لَا يرى حسنه ... نقصا وَلَا محفاً وَلَا يُكَلف فِي خَدّه أنبت مَاء الحيا ... وردا بِغَيْر اللحظ لَا يقطف عَارضه لَام وَفِي صُدْغه ... وَاو وَلَكِن آه لَو يعْطف عَزِيز مصر الْحسن لَو كَانَ فِي ... زَمَانه هام بِهِ يُوسُف ... وَمِنْه ... لَا فرع كدجى اللَّيْل عسق ... وجين مثله تَحت الفلق ومحيا كلف الْبَدْر بِهِ ... وخدود من حواليها شفق وعذار مذ تبدا خَدّه ... يعجز الْكَاتِب عَنهُ أَن مشق مَا أرى الغزلان إِلَّا سرقت ... مِنْهُ جيدا والتفاتاً وحدق ثمَّ خَافت فتولت شرداً ... كَيفَ لَا يشرد خوفًا من سرق ... وَمِنْه ... شمس الضُّحَى بعد العشى ... زارت فَزَالَ تلهف واستقبلت بدر السما ... فَنَظَرت للقمرين فِي ... وَمِنْه ... عذولي زادني فِي الْحبّ عذلا ... وَأكْثر منمغالبي وآذا وَصَارَ يلوم من أهواه حَتَّى شكى من لوم عذالي وآذا ... وَمِنْه ... بلغ حَبِيبِي بعض مَا أَلْقَاهُ إِذا أبصرته ... أما عذولي قل لَهُ دع عَنْك مَا أضمرته ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 وَمِنْه معمي فِي أَحْمد ... لنا دارت الكأس الْعقار ... باطراح الرماح دم مدَار وَكتب إِلَيْهِ الأديب الْفَاضِل جمال الدّين ابْن ملا زَاده فِي مستهل شهر رَمَضَان هَذَانِ البيتان ... يَا قطب أهل الْعلم فِي أم الْقرى ... رَمَضَان هَل ببهجة لم تُوصَف فتهن وَجدك إِن ذاتك أصحبت ... هِيَ أشرف فِي أشرف فِي أشرف ... فَأَجَابَهُ قطب الدّين الْحَنَفِيّ وَأرْسل إِلَيْهِ دِينَارا ... يَا أوحد الْفُضَلَاء أَنْت جمالنا فتهن بالشعر الشريف الْأَشْرَف شعر بِشعر لَا رَبًّا فِيهِ وَإِن ... زَاد الْعيار بِوَزْن هَذَا الْأَشْرَف ... وَكَانَ الشَّيْخ قطب الدّين قد سعى لِأَخِيهِ محب الدّين فِي الْقَضَاء بِبِلَاد ايمن فَلَمَّا مَاتَ الْمَذْكُور سعي كَذَلِك لِابْنِهِ فِيهِ فقرر فِي وَظِيفَة أَبِيه فَقَالَ الأديب الْفَاضِل جمال الدّين ملا زَاده أَيْضا فِي ذَلِك ... وليت قطب ادين صنوك قَاضِيا ... ثمَّ ابْنه فليأمن الآفاتا من مَاتَ بعد ولَايَة قطبية ... كأخيك عِشْت وكأبنه مَا مَاتَا ... وَمن افادات الشَّيْخ قطب الدّين رَحمَه الله تَعَالَى أَن لفظ لن خلكان ظبط على صُورَة الْفِعْلَيْنِ خل أمرا من خلي أَي ترك فعل مَاض وَكَانَ النَّاقِصَة وَسبب تَسْمِيَته بذلك أَنه كَانَ يكثر أَن يَقُول كَانَ وَالِدي كَذَا وَكَانَ جدي كَذَا فَإِنَّهُ من البرامكة فَقيل لَهُ خل كَانَ قَالَ وَرَأَيْت من شبطه بِسُكُون اللَّام وَالْبَاقِي على حَاله وَالله أعلم وفيهَا توفّي الْعَلامَة رَضِي الدّين القازاني المخزوم الْمَكِّيّ بِمَكَّة المشرفة رَحمَه الله تَعَالَى وَكَانَ أوحد عصره فِي الْأَدَب وَالنّظم الْحسن وَمن شعره ... قل للروافض أَنْتُم فِي سبكم ... شَيخا التقى وحبنا علم الْهدى مثل النَّصَارَى لَا نسب لاجلهم ... عِيسَى وَأَن سبوا النَّبِي مُحَمَّدًا ... وفيهَا ظهر جَراد بنواحي كجرات فَقبل للشاه فتح الله صنع لَهُ تاريا فَقَالَ منتشر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 لَطِيفَة نزل الْجَرَاد قرب قَبيلَة زيد وَنزل الْجَرَاد إِلَى جَانب قَرْيَة عَمْرو فَقَامَ أهل قَبيلَة زيد قَالُوا لأهل قَبيلَة عَمْرو مَا نَحن نصيد جَرَادًا احتمى بكم فَلَمَّا سَمِعت قَبيلَة عَمْرو ذَلِك قَالَت لَا سمعة وَلَا طَاعَة وَلَا تمكنه من صيد جووارنا فَقَامَ الْقِتَال بَين الْفَرِيقَيْنِ وَلَا زَالُوا على قِتَالهمْ إِلَى أَن قتلوا هَاتين الفئتين وَأنْشد بعض قَبيلَة عَمْرو يَقُول ... وَمنا من أَجَارَ جَراد نجد ... وَحرمه على المتصيدينا ... غَرِيبَة مرض زيد مَرضا شَدِيدا إِلَى أَن تعبت الْأَطِبَّاء من علاجه لقلَّة ملاقاة أدويته فَلَمَّا أشرف على الْهَلَاك قَالَ الطَّبِيب لِقَرَابَتِهِ اطعموه مَا يَشْتَهِي وَأَرَادَ فَإِنَّهُ من الهالكين فَصَارَ الْمَرِيض يَأْكُل مَا اشتهي واراد إِلَى بعض الْأَيَّام فدار فِي خاطره الْجَرَاد فاترى وامعن فِي الْأكل مِنْهُ فَلَمَّا أَكثر مِنْهُ تعافى من مَرضه وَشَاهده الطَّبِيب فَقَالَ لَهُ بِاللَّه عَلَيْك أَخْبرنِي مَا تناولت من الدَّوَاء وَمَا شربت من الْأَشْرِبَة وَمَا غذاؤك من المأكل فَقَالَ الْجَرَاد فَقَالَ الطَّبِيب صدقت لِأَن الْجَرَاد يكون قد قعد على حشائش أكل مِنْهَا وَلم تصل مَنْفَعَتهَا إِلَى فهم مَخْلُوق إِلَى الْآن وَافق خاصية تِلْكَ الحشائش لدائك بَرِئت وَكَانَ الْجَرَاد وَاسِطَة لعافيتك وَالله غَنِي نظرت فِي جَمِيع كتب اطب على أَن أعرف لدائك دَوَاء فَمَا صَحَّ فِي ذَلِك فَقلت بترك الحمية لَك وَالله أعلم نادرة قَالَ الْأَصْمَعِي أتيت الْبَادِيَة فَإِذا اعرابي قد زرع برا لَهُ فَلَمَّا انْتهى إِلَى سنبلة اتاه الْجَرَاد فَجعله ينر إِلَى ازرع وَلَا يدْرِي مَا يصنع وَأَنْشَأَ يَقُول ... مر الْجَرَاد على زرعي فَقلت لَهُ ... بِاللَّه لَا تشتغل يَوْمًا بافساد فَقَالَ مِنْهُم خطيب فَوق سنبلة ... أَنا على سفر لَا بُد من زَاد ... قلت وَفِي بعض السنين قدم كجرات بعض مَشَايِخ الْعَجم يقْصد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 الْحَج وَكَانَ مَعَه مريدون كَثِيرُونَ فَقَالَ بض الأدباء جَاءَ الملخ من بَلخ شبه بهملكثرتهم بالجراد وهم يسمونه بِالْفَارِسِيَّةِ ملخ سنة إِحْدَى وَتِسْعين بعد التسْعمائَة (991) هـ وَفِي سنة إِحْدَى وَتِسْعين توفّي الْفَقِيه الْعَلامَة جمال الدّين مُحَمَّد مُحَمَّد أبي بكر الأشخر بالشين الْمُعْجَمَة الساكنة وَالْخَاء الْمُعْجَمَة بعْدهَا رَاء مُهْملَة وَاحِد الدَّهْر وشافي الْعَصْر الْفَاضِل الْكَامِل سَابق الْأَوَائِل شيخ الْإِسْلَام مفتي الْأَنَام الْفَرد الإِمَام الْحَافِظ الْحجَّة السالك بالطالبين فِي أوضح المحجة إِمَام الْفُنُون الَّذِي اعْترف بتقديمه المفنون بالتصانيف المفيدة والتآليف العديدة والشروح الفائزة من الْعُلُوم بالقدح الْمُعَلَّى والمناظيم المشحونة بالنكت الَّتِي أقمار دقائقها شارقة فِي كل مجلى قرأعلى جمَاعَة من الأكابر الجلة وَحصل لَهُ منالجميع الْإِجَازَة مِنْهُم شيخ الْإِسْلَام شهَاب الدّين أَحْمد بن حجر الهيتمي وَإِبْرَاهِيم مطير والعلامة ابْن زِيَاد وَأول تَخْرِيجه بِأَبِيهِ وَتخرج بِهِ جمَاعَة من بَلَده وَغَيرهَا مِنْهُم أَخُوهُ الْعَلامَة أَحْمد الأشخر وناهيك أَنه حفظ الْعباب للمزجد وَكَانَ أَخُوهُ يقدمهُ على سَائِر الطّلبَة وَلَا يكْتب شَيْئا إِلَّا ويعرضه عَلَيْهِ أَولا غير أَنه بعد ذَلِك ظَهرت فِيهِ طبيعة السوَاد فتأثر لذَلِك وَترك الِاجْتِمَاع بِالنَّاسِ إِلَّا نَادرا وَمَعَ ذَلِك لما اجْتمع بِهِ صاحبنا الْفَقِيه أَحْمد بن افقيه مُحَمَّد أَبَا جَابر حصل لَهُ عِنْده الخطوة التَّامَّة واختلى بِهِ أَيَّامًا مُدَّة إِقَامَته عِنْده وأملى عَلَيْهِ شَيْئا كثيرا من نظم أَخِيه وَبحث مَعَه فِي مسَائِل فَقِيه وتعجب النَّاس لذَلِك جدا رَجعْنَا إِلَى ذكر صَاحب ارجمة وَمِمَّنْ قرا عَلَيْهِ الْفَقِيه مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل أَبَا فضل والفقيه الصَّالح جما الدّين بن مُحَمَّد الطّيب المكدش وفتاويه ومؤلفاته شاهدة بشرف مقَامه فِي الْعُلُوم ولد رَحمَه الله تَعَالَى فِي الْيَوْم الثَّانِي عشر م شهر ذِي الْحجَّة الْحَرَام سنة خمس وَأَرْبَعين وَتِسْعمِائَة وَله مؤلفات كَثِيرَة مِنْهَا منظومة الارشاد وَشرح الشذوذ ومنظومة فِي أصُول الْفِقْه وَشَرحهَا ومختصر الْمُحَرر للسمهودي فِي تَعْلِيق الطَّلَاق ومنظومة فِي أَسمَاء الرِّجَال والفية فِي النَّحْو نظمها فِي مرض مَوته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 وَشرح حَدِيث أم زرع وَهُوَ آخر مؤلفاته وَله فَتَاوَى فِي مُجَلد ضخم وَله شرح على بهجة المحافل وَاخْتصرَ التفاحة فِي علم المساحة وَله غير ذَلِك من المختصرات وَله نظم جيد حسن وَمِنْه ... رَأَيْتُك إِذا اوميت للْعَبد أَي إِذا ... أتم فلَان شربه فتوخنا كَأَنَّك لم تقْرَأ حَدِيث تيمنوا ... وَتَقْدِيم العرابي إِذْ كَانَ ايمنا وَمِنْه هَذِه القصيدة الْعَظِيمَة وَقد بلغه فِي بعض النَّاس تنقصاً لأهل الْعلم الشريف وَهِي ... عز على الْجُهَّال أَن يطلبوا ... علما فيستهدوا بأنواره وينهجوا نهجاً بِهِ بَينا ... ويجتنوا من طيب أثماره ويسلموا لَو أَنهم فَكروا ... من وصمة الْجَهْل وَمن عاره وينتهوا عَمَّا نهى الله عَن ... اتيانه الْمدنِي إِلَى ناره واستحقروا طلابه إِذا هم ... لم يستطيعوا فض ابكاره واستكبروا تيهاً عليم وَلم ... يخشوامن الْكبر وأوزاره وحاولوا اطفاء نور الْهدى ... بقَوْلهمْ أَو طمس آثاره وحاولوا إخفاء برهانه ... وَالله قد من باظهاره فاعجب لحمقى غَيرهم جهلهم ... فكافحوا الْعلم بإنكاره أضحوامصرين على بعضه ... وَبَعض أهليه وأنصاره وسبهم والسب شتم فَمن ... يرد يزدْ فِيهِ باكثاره وَقَوْلهمْ هَذَا فَقِيه وَذَا ... يزور ذاالفقيه إِلَى دَاره وهم بشبابة إِبْلِيس قد ... أضحوا مطيفين ومزماره وَجل مَا يهوون أَن يسمعوا ... صَوتا من الْعود وأوتاره أَو يسمعوادفا فَيجْرِي بهم ... دَاعِي الْهوى سعياً إِلَى طاره لَا بلغ الله الَّذِي حَاله ... هَذَا إِلَى غَايَة أوطاره تَبًّا لأعمى اجهل يهتم فِي ... درهمه الفاني وديناره ويرقض الْمَطْلُوب مِنْهُ وَقد ... يعتل إِذْ ذَاك بأعذاره وَإِن سعى يَوْمًا إِلَى مطلب ... فَإِن نزا كَالْجمَلِ الفارة فحسبنا الله ماجاء عَن ... نبيه الْهَادِي ومختاره صلى عَلَيْهِ الله ذُو الْعَرْش مَا ... غنى هزار فَوق أشجاره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 .. مُسلما مَا دَامَت الأَرْض لَا ... تَخْلُو من الْعلم وأقماره ... وَله جَامعا غزوات النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله ... غَزْوَة بدر أحد فالخندق ... بني قُرَيْظَة بني المصطلق وخيبر وطائف بالِاتِّفَاقِ ... قَاتل فِيهَا الْمُصْطَفى أهل الشقاق وَالْخلف فِي بني النَّضِير ذكرا ... فتح حنين غَايَة وادى الْقرى وَله فِيهَا مُرَتبا لَهَا على سني الْهِجْرَة الشَّرِيفَة ... فبدر فأحد بعد هذَيْن خَنْدَق ... فذات رقاع والمريسيع خَيْبَر وَفتح تَبُوك رتبت هَذِه على ... سني هِجْرَة كل بِذَاكَ يخبر وَله فِي الْإِجَارَة ... عقد غجارة بِمَوْت مَا انْعَقَد ... لم يَنْفَسِخ إِلَّا بصور وجد أخذت بَيَانهَا فالأوله ... موت مُؤخر وَقد أوصى لَهُ بالنفع مَا عَاشَ وَمَوْت أول ... وَقد أجر للثَّانِي الْوَلِيّ وَسيد أجر من بِمَوْتِهِ ... تستوجب الْعتْق كَأُمّ بنته وَمن عَلَيْهِ الْوَقْف حَيْثُ النّظر ... لَهُ بِدُونِ الْمثل لَا يُؤجر وبطن وقف حَيْثُ وَافق شَرط ... نظره مُدَّة حَقه فَقَط وَقَالَ أَيْضا وَهُوَ ضَابِط يَنْبَغِي حفظه ... الْفَرْع يتبع أشرف الْأَبَوَيْنِ فِي ... دين وَفِي بدل وَأخذ الجزيه والاخس فِي نجس وَحُرْمَة أكله ... ونكاحه فِي حُرْمَة للذبيحة واياه فِي نسب وَيتبع أمه ... فِي سومها وَالرّق والحريه واخف فِي نَحْو الزَّكَاة وَأَغْلظ ... الْأَبَوَيْنِ فِي بَاب الْجَزَاء وتمتي ... وَقَالَ فِي حُقُوق الزَّوْجَة الْوَاجِبَة على ازوج ... حُقُوق النِّكَاح الْوَاجِبَات لزوجة ... على الزَّوْج بالتمكين سبع لَوَازِم طَعَام وادم ثمَّ سُكْنى ... وَكِسْوَة وَآلَة تنظيف مَتَاع وخادم ... وَقَالَ فِيمَا يقبل فِيهِ قَول الْمُمَيز ... ضَابِط مَا يقبل فِيهِ القَوْل من ... مُمَيّز فِي قَوْله زيد اذن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 .. فَأدْخل وإبصال هَدِيَّة وَفِي ... أخباره بِطَلَب المضيف كَذَاك اخْتِيَار فِي الحضانه ... وَفِي ادعِي استعجال بنت العانه كَذَاك فِي الشِّرَاء للحقير ... عَلَيْهِ الاجماع بِنَقْل الْجُورِي ... وَقَالَ أَيْضا فِي الْهِبَة ... هبة لنا تطلب بِمَوْت الْوَاهِب ... من قبل قبض صور مِنْهَا فِي اب مهما يهب للطفل ثمَّ يمت وَلم ... يقبض فاستثني إِذا من غَالب ... وَقَالَ أَيْضا ... وجوزن لبس مورس على ... مَا قَالَه الكثر لَكِن نقلا الزَّرْكَشِيّ حرمته عَن ذِي القضا ... أَعنِي أَبَا الطّيب وَهُوَ المكرتضى عِنْد ابْن صباغ وَقَالا ذَا حري ... بَان نقيسه على المزعفرا ... وَقَالَ أَيْضا ... يجوز بالحرير للمساجد ... ستر بافتاء أبي المحامد أَعنِي الغزال وَكَلَام الْعِزّ فِي ... فتواه مائل إِلَيْهِ فاعرف وَابْن عماد نسب التحريما ... إِلَى الْأَصَح كن بِهِ عليما وَقَالَ أَيْضا فِي مَوَانِع الْإِرْث ... ضعف ثَلَاثَة هِيَ الْمَوَانِع ... حَقِيقَة إِرْث وَزيد سَابِع قتل ورق دور اخْتِلَاف ... دين وعهدة ردة تُضَاف على الْمجَاز مَا بقى إِذا انتفا ... إِرْث لكَون الشَّرْط إِذا ذَاك انتفا وَالسَّابِع الْمَرْء يدعى طائفه ... بنوه لَكِن بهَا مخالفه من حَيْثُ أمّهم لَهُم أَن يورثوا ... وَإِنَّمَا مُمْتَنع أَن يورثوا ... ونظم أَيْضا الْأَطْفَال الَّذين تكلمُوا وهم فِي المهد ... جملَة من فِي المهد قد تكلمُوا ... أَحْمد والخليل وَعِيسَى مَرْيَم يحيى مُجيب لجريح العابد ... بقوله الرَّاعِي فلَان وَالِدي وراجع لأمه فِي قَوْله ... لَا تجعلني سَيِّدي كمثله وَشَاهد ليوسف مَعَ عَامر ... لأمه بقوله لَهَا اصْبِرِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 .. أَنْت لَدَى الْحق على الاخدود ... وامر ماشطة الْوَلِيد وَمن لَهُ قَالَ النَّبِي من أَنا ... قَالَ رَسُول الله مَحْمُود الثنا أَعنِي بِهِ مبارك الْيَمَامَة ... أعطم بهَا معْجزَة كرامه وَبعد صلى ذُو الْجلَال كلما ... سرى الضيا وناطق تكلما على النَّبِي حبه محبه ... مُحَمَّد وَآله وَصَحبه وَقَالَ فِي الَّذين جمعُوا الْقُرْآن ... وَجمع الْقُرْآن حفظا ياأخي ... عُثْمَان مرتضى معَاذ وَأبي ثمَّ أَبُو الدَّرْدَاء وَابْن ثَابت ... ثمَّ أَبُو أَيُّوب وَابْن الصَّامِت سعد أَبُو الزيد هُوَ الْأنْصَارِيّ ... ثمَّ نميم ابْن أَوْس الدَّارِيّ وَقَالَ أَيْضا فِيمَا يتَعَلَّق بالبروج والمنازل ... وزنوا عقرباً بقوس شتاء ... غفروا للبلد لما أسنا شرب الجدي ذَا وحوت ربيعاً ... فَلهُ الذَّابِح حَيْثُ حل الرشا حمل التور جوزة نَحْو صيف ... شارطاً لِلذِّرَاعِ لما أسا سرط اللَّيْث سنبلا بخريف ... ناثرا أنجم السما نشرا ... وَله أَيْضا هَذِه القصيدة البديعة أَنْشَأَهَا الشَّيْخ فِي ختم صَحِيح البُخَارِيّ ... حدثاني عَن الغزال الغريري ... باسانيد مَا لَهَا من نَظِير واملأ مسمعي بِتِلْكَ العوالي ... أُمليهَا عَليّ بالتكرار مَعَ توخيكا مسلسلها ... بالأوليات أَو أخير أخير أَو فعال كالأيتام ... وَأخذ يَد أَو بِاللَّفْظِ كالتحذير وانتساب لبلدةٍ أَو قبيل ... أَو بِلَفْظ التحديث والتخيير بمقاها هدبتهما حبراها ... حسب اجهد أحسن التحبير وَدَعَانِي من عَن وان ... فَفِي ذين يخَاف التَّدْلِيس كل خَبِير فشفاء مهجتي وبرء سقامي ... فِي استعماعي للفظه الْمَأْثُور ولكسر فِي ذَلِك أَي انجبار ... ولعسري تظافر التَّيْسِير ولقلبي وخاطري أَي نزه ... ولسمعي بَوَادِر التبشير ولطرفي فِي ذَاك اب جلاء ... فلطرفي إِذا ذَاك أَي قرير ولشأني إِذا تلاه لساني ... اعتنائي عَن ابتسام الثغور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 .. وَعَن الْمَنّ مَا هُوَ الْمَنّ والسلوى ... واحلى حلوى وَفِي الطُّيُور سنة الوامق التعلل ان فَاتَ ... وصال الموموق بالتشمير كسماعي الْآثَار أَو رُؤْيَة الْآثَار ... كالغار من حراء وثور فَلهَذَا تلقى قُلُوب اولي الْفضل ... اسارى مَا بَين ثَوْر وعير وَحَدِيث المحبوب لَا شكّ مَحْبُوب ... فسل عَنهُ كل حبر خَبِير فَلهَذَا قَالُوا إمارات حب ... المصطفي الْمُجْتَبى البشير النذير اسْتِمَاع الحَدِيث فِي كل حينٍ ... وابتدار السماع بالتبكير ودؤوب الْفَتى عَلَيْهِ صباحاً ... وَمَسَاء فَذَاك خير سمير وارتحال الْفَتى إِلَى كل حبر ... حَافظ فِيهِ بِالتَّحَرِّي شهير وتوخي الصَّحِيح من ذَاك اولى كصحيحي مُحَمَّد والقشيري البُخَارِيّ وَمُسلم فبالإجماع ... كتاباهما اصح الزبُور بعد تَنْزِيل رَبنَا فَلهَذَا ... سميا كل وَاحِد بالامير وَكتاب الْجعْفِيّ اصح لَدَى الجل ... ويربو فوائدا للبصير وَلَقَد فاق مُسلما صَنْعَة ... حَاز بهَا الارتقا لقدر خطير وَله احسن التحرى لَدَى اللَّفْظ ... فيلغي الرديف مثل الْغَيْر وترر عِنْده الكنى غير أَسمَاء ... وَهَذَا من ابلغ التحبير فَلِذَا لذ فِي الْقِرَاءَة والسمع ... لقارئه والسميع القرير فيشنف مِنْهُ المسامع من ... رام اصْطِلَاح الْحفاظ بالتقرير وَلَقَد من ذُو الْجلَال علينا ... ان قرأناه فِي الثَّلَاث الشُّهُور رَجَب وَالَّذِي يَلِيهِ ... وَشهر الصَّبْر فليهن فِيهِ كل صبور سمع الْحَاضِرُونَ مِنْهُ بِلَفْظ ... ولبعض بِلَفْظ بعض الْحُضُور حسب الْجهد لَا يمر بمتن ... مُشكل غير حل بالتفسير والاسانيد لَا يمر بشخص ... باسمه أبكنيته مَشْهُور أَو بِنَحْوِ بنوه ونساب ... أَو لَقَاب كعالم وفقير غير ابدى مستورها فتراه ... ظَاهرا عِنْد ذَاك أَي ظُهُور وختمنا وَالْحَمْد لله وَالشُّكْر لله ... تَعَالَى فِي يَوْم عيد الفطور حضر الْخَتْم جَمعنَا مترجمين ... نوالا من المليك الْقَدِير كلهم مرتج لغفران ذَنْب ... قدره فِي جناب غفر الغفور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 .. لَو كَبِيرا قد كَانَ أَي صَغِير ... فتاوي كبيره بالصغير ولتيسير كل عسر وتسهيل حزون وجبر كل كسير وليقي فتن الغي كل مثر ... وافتتانا بالفقير كل فَقير رب حقق رجاءنا وانلنا ... سؤلنا من نوالك المستطير وتول الْجمع منا بتدبيرك ... كَيْلا نسوء فِي التَّدْبِير ولسلطاننا واجناده انصر ... نصرا على الْعَدو الكفور وعَلى كل من قَاصد وشق ... عصانا بِلَا انتظام الْأُمُور وَلَهُم بهم غلهي فاصلح ... وادفعن كل مهلك ومبير ... وشفيعي حَدِيث خير البرايا ... أَحْمد الْمُصْطَفى السراج الْمُنِير يَا نَبِي هد تلوناني أَحَادِيث ... أَتَت عَنْك ضوءها كابدور قد رَوَاهَا عَنْك النُّجُوم وعنهم ... تابعوهم بالجد والتشمير ثمَّ عَنْهُم قوم فقوم هم ... الْحفاظ حَقًا على ممر العصور حفظوها حفظا منيعاً فَمن ... ايْنَ إِلَيْهَا وُصُول اقوال زور واتتنا كانها اخرجت من ... فِيك حَالا بِغَيْر كرّ دهور فاجزنا يَا احسن النَّاس خلقا ... وسجايا بِكُل فضل وَخير وَبِك الظَّن ذَا فَأَنت غَنِي ... يَا شفي الورى عَن التَّذْكِير صَلَاة عَلَيْك ثمَّ سَلام ... لَيْسَ عد للَّذين بالمحصور بامور بِكُل قلب سليم ... ظاهرات اعظم بِتِلْكَ الامور وعَلى التَّابِعين مَا اتسق فجر ... قَاطع ضوءه دجى الديجور ختم كل من ذين كالمسك فِي ... كل امور فِي بداها والأخير ... وشعره كثير ونظم كثير من المشائل العلمية وَالْقَوَاعِد الْفِقْهِيَّة ليقرب ضَبطهَا ويسهل حفظهَا وَبِالْجُمْلَةِ فَكَانهُ كَانَ آيَة من آيَة الله تَعَالَى وخاتمة الْمُحَقِّقين لم يخلف بعده مثفله لَو وَصفه الواصف بِمَا عَسى فَهُوَ رافل فِي سرابيل التَّقْصِير وعظمت مصيبته بالاسلام وَكثر الاسف عَلَيْهِ من الْخَاص وَالْعَام وَبَلغنِي ان الشَّيْخ الْكَبِير الْعَارِف الشهير الشَّيْخ مُحَمَّد الْبكْرِيّ قدس الله روحه رأى فِي الْمَنَام قبل مَوته كَأَن الرُّكْن الْيَمَانِيّ من الْبَيْت الشريف انهد وَمَا هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 مَعْنَاهُ فَكَانَ تاويلها موت الْمَذْكُور ورثاه صاحبنا الأديب الْفَاضِل النَّازِل من محامد الصِّفَات وأشرف الْمنَازل حُسَيْن بن عبد الْبَاقِي الزَّاهِد الزبيدِيّ الشَّافِعِي بمرثية عَظِيمَة نونية قَرَأت فِي الْيَوْم الثَّالِث من وَفَاته رَحمَه الله تَعَالَى وَهِي ... حسبي الله من صروف الزَّمَان ... ونكايات أسْهم الْحدثَان مالنا فِي مراتع اللَّهْو نصبو ... فِي امان ولات حِين امان مَا اضر اغتباطنا بالملاهي ... واشد اغترارنا بالأماني هَذِه دَار نقلة ونقاد ... فتفطن إِن كنت ذَا عرفان هَذِه بَيْننَا الْقُصُور العوالي ... شامخات الْبناء فاين الْبَانِي كم مَرَرْنَا بدارسات طلول ... فَذَكرنَا الْقطَّان والاوطان حَسبنَا منذرا يُوقع المنايا ... علمنَا أننا من الْحَيَوَان فكفانا نَص التِّلَاوَة وعظاً ... فَاعْتبر كل من عَلَيْهَا فان مَعَ هَذَا الْعلم الْيَقِين كانأ ... فِي وثوق لَا شكّ بالوجدان سفر هَذِه الْحَيَاة لَهَا الأنفاس ... عيس تسوقها الملوان والمحط الْكَرِيم انشأ ذُو ... الْعَرْش فراديس عاليات الْجنان ابداً حولهَا ندندن بَين القاصرات ... الحسان والولدان ايها الغافلون ضمكم النهج ... وآن الرحيل يَا أَخَوان فاعدوا زَاد التقى فنياق ... الْمَوْت قد اهبت لجذب الْعوَان وسوق الْمنون تخطف ارواح ... الورى من جوارح الابدان لَا محيداً عَنْهَا لروح عَزِيز ... أَو ذليل أَو شامخ أَو داني فهبوا لفتة إِلَى الْأُمَم الماضين ... من آدم إِلَى ذَا الْآن من عصي وطيع ووضيع ... ورفيع اربى على كيوان من عماليق حمير وغطاريف ... قُرَيْش والشم من قحطان من آيَات اللَّعْن الَّذين علاهم ... فِي السيوف الرقَاق أَو فِي الجيفان لبسوا الزاغفاث وانتطقوا ... الْبيض وهزوا عوالي المران صرفتهم صوارف الْمَوْت صرف ... السرب عَن مورد النمير الهاني مَا حمتهم تِلْكَ الْحُصُون لعمري ... لَا وَلَا استكملوا لثني عنان فهم عِبْرَة لنا لَو فهمنا ... أَيْن أهل الْعُقُول والعرفان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 . يَا لهذي الرزية الصليم الصما ... والفادح الْعَظِيم الشان معقل من معاقل الدّين اودى ... وخضم قد غَار فِي الأكفان حُفْرَة أطبقت على كَوْكَب الشَّمْس ... فَغَاب الضيا عَن الْأَعْيَان شقّ جيب الْقُلُوب ناعيه إِذا ألقم أَفْوَاه الْحلق بالصوان فِي مقَام مَا انفكت النَّاس فِيهِ ... بَين دمع جَار وعض بنان حِين يُنَادي يَا للجمال جمال ... الْفضل وَالدّين الْعَالم الرباني غَار انسان مقلة الْفِقْه ... فالشحمة من بعده بِلَا انساني درست بعده مدارس درس ... وَهِي كَانَت اهلية الْبُنيان أَي قطب دارت عَلَيْهِ من الطلاب ... افلاك الْعلم بالدوران مضرب من مضَارب الدّين قد فل ... لعمري وَكَانَ ماضي اللِّسَان خلق كالرياض بللها الْقطر ... وَصدر خَال من الاضغان وجنان يمد كالبحر للطلاب ... والسائلين بالخلجان رَاع أَرْبَاب الزيغ بالحجج اللآتي لعمري تفل حد السنان حجج تخرس احْمَد أبي سُرَيج والامام ابْن الطّيب الباقلاني يَا نديم الْعُلُوم أبكيك إِن دارت ... كؤوس المذاكير الحسان الحَدِيث الشريف وَالْفِقْه والتصريف ... والنحو مَعَ فنون الْمعَانِي وليوم تحار فِيهِ ذَوُو الافهام ... فِي ليل مُشكل ظلماني من يحل دجى الْمسَائِل من ... بعْدك يَا شمس افق كل بَيَان هَذِه فِي الورى شموس تضانيفك ... تجلى فِي سَائِر الاكوان هَذِه بَيْننَا فوائدك الزهر ... كزهر السَّمَاء فِي اللمعان فعلى ذاتك الشَّرِيفَة من ذى ... الْعَرْش ازكى السَّلَام والرضوان عظم الله أجركُم يَا بني الأشخر ... والتابعي بالاحسان رب واجبر مصابنا فِيهِ والمم ... صدعنا لَا نبوء بالخسران رب شيد اركان سادتنا ... البَاقِينَ واغمر بهم حمى الإمان رب وفقهم لنصرة شرع ... وَدَلِيل مقَام أَو برهَان واثب جَمعنَا بِحسن قبُول ... وانلهم جوائز الغفران وَصَلَاة الصُّبْح مِنْك على من ... جَاءَ بالمعجزات وَالْقُرْآن وعَلى آله واصحابه مَا ... ناح باك الْهُذيْل فِي الأغصان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 وفيهَا ختم البُخَارِيّ بِقِرَاءَة الْفَقِيه شمي الدّين عَليّ بن الففقيه عبد الرَّحِيم بن مَحْمُود الْقَيْسِي على الْعَلامَة الْحَافِظ مُفِيد الطالبين مُحدث الديار اليمنية الطَّاهِر بن الْحُسَيْن بن عبد الرَّحْمَن الأهدل بزبيد بِمَسْجِد الْوَلِيّ الْكَبِير عبد الرَّحْمَن بن حسن الهدل فَأَنْشَأَ فِي ذَلِك الْعَلامَة حسن بن عبد الْبَاقِي الازهر قصيدة لامية مَكْسُورَة فِي غَايَة الْحسن وَهِي ... عنعن احاديث الحبيب وسلسل ... وارفع أَحَادِيث الحبيب الأول واطلق مُقَيّد جفنك لَيْسَ من ... شَرط الْمحبَّة وقف دمع مُرْسل واذا رَوَت لَك نسمَة من حاجر ... خيرا فتهلك حَدِيثهَا لم يقبل كم ضعفت بحديثها الْمَعْلُول من ... جسم وَكم اوهت بِهِ من مفصل لي بالعقيق الْفَرد قلب هائم ... بشعابه يرْعَى الظبي بهوجل باك يشرب الدّرّ بالمرجان فِي ... جزع العقيق بسفح خد مخضل ويحن ان ذكرت معاهد يثرب ... فاقول لَا تهْلك اسى وتجمل ان لامه العذال يطرب نشوة فَكَانَ فرط العذل ضرب تغزل فنى الصَّبْر وانقضى الْعُمر الَّذِي ... هُوَ فسحة لمسوف ومؤمل كل الَّذِي يرضى الْهوى ويرومه ... سهل عَليّ سوى النَّوَى لم يسهل واله لَا اشتاق برقة تهمد ... أَو منزلا بَين الدُّخُول فحومل لَكِن باكناف العقيق مضَارب ... هِيَ نزهة للنَّاظِر المتأمل هَل امتطى هوجاء مشرفة المطا ... شما كَأَنِّي فَوق هَامة يذبل تسري النجابيد الغرام خزامها ... والشوق سائقها لأكرم منزل يغلي بوطاة خفها فرق الفلا ... كشهاب رجم جَوف ليل ألبيل حَتَّى ترى أطلال طيبَة نخيلها ... خوصا لتعدل بِي لأشراف منزل وأكون أول من يؤم بعزمه ... بَاب السَّلَام مَعَ الطّراز الأول اسعي إِلَى الْحرم المنيع وانتحي ... للروضة الغراء وقبر الْمُرْسل الفاتح السباق أول مبدع ... فِي الْكَوْن بِالنَّصِّ الْجَلِيل الأجلل أصل الاصول وجوهر للْعَالم الشكل ... نور الْوَاجِب الْفَرد الْوَلِيّ سر النُّبُوَّة جَوْهَر الكونين من ... يَوْم الْحساب عَلَيْهِ كل معول إكليل جبهة ذَا الْوُجُود طراز ... حلته البديع جمال كل مُجمل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 .. مخطوب حَضْرَة قدسه ملحوظ ... دورة انسه ختم الْمقَام الاكمل هادي الْبَريَّة للهدى فجميعنا ... بلوائه يَوْم الْقِيَامَة نعتلي شرع الشَّرَائِع موضحاً سنَن الْهدى ... للسالكين فشرعه الشَّرْع الْجَلِيّ فألزمه بسنته الشَّرِيفَة يَا اخا ... الْحجر الْمُنِير ديانَة وَبِه اعْمَلْ وافزع إِلَى آثاره الْحسنى فكم ... جمعت لنا من مُجمل ومفصل وَمَتى اردت جَوَامِع الْكَلم الْتزم ... بالجامع العالي الصَّحِيح الْأَفْضَل فاصح كتب بعد كتب الله مَا ... جمع البُخَارِيّ وَهُوَ احسن مَا تلِي فادر مكررة بكأس لسَانك ... الْمنطق للاسماع دور تسلسل وادفع بِهِ نوب الزَّمَان فكم بِهِ ... من نكبة صرفت وخطب معضل هذي كواكب لَفظه افلاكها ... دارت على قطب شرِيف الْمنزل الْعَالم الْعَلامَة الفهامة ... الحبر البليغ العابد المتبتل الطَّاهِر الاثواب والانساب ... والاسباب والاصحاب عف الْمَقُول ابْن الْحُسَيْن الاهدل ابْن الْحُسَيْن ... شَهِيد طف ابْن سيدنَا عَليّ ابْن البتول وَتلك بنت الْمُصْطَفى ... ناهيك من بَاب لَهُ بَيت عَليّ تمت قراءتنا عَلَيْهِ ودونكم ... مسك الختام نفضه فِي المحفل فَالْحَمْد لله الْمعِين بِلُطْفِهِ ... المسعد المتفضل المتطول فجزاه رب الْعَرْش جلّ ثَنَاؤُهُ ... من فَضله اسنى الْجَزَاء الأجزل وأذاقه تسنيم كأس خطابه ... فِي مقْعد الصدْق الْعَزِيز المعتلي فَهُوَ الَّذِي كشف الْعَمى عَن نور ... عين بصيرتي وَبِه بلغت مؤملي يَا مُسبل النعم المفاضة غَشنَا ... بسوابغ النعم الْجلَال وجلل واشمل بِعَين اللطف نادينا وَمن ... ضمته دورته وجد وَتقبل وعَلى الْقَارئ إِلَّا فافتح لَهُ ... فِي الْعلم فضلا كل بَاب مقفل واغفر لناظمها الْحُسَيْن وَكن لَهُ ... يَا رب فِي الدُّنْيَا وَفِي الْأُخْرَى ولي ليعود فِي افق السَّعَادَة بدره ... بك زاهراً فِي برج سعد تنجلي ولوالديه واهله وشيوخه ... هذي يَدي مبسوطة بتذلل هَا قد مددت يَد السُّؤَال بذلة ... فَلَانَتْ تغْضب رب ان لم تسْأَل فاصلح وُلَاة الْمُسلمين ولاتكل ... اعمالهم يَوْمًا لمن لم يعدل وَاخْتِمْ بِخَير خَوَاتِم اعمالنا ... يَا خير من يدعى واكرم مؤئل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 .. وعَلى متمم الدّور ختم الْمسك ... سر النشا تكْرَار الصَّلَاة من الْعلي والآل والاصحاب والاتباع مَا ... لبّى الْحمام هديرصوت البلبل ... وفيهَا استعاد السُّلْطَان مظفر بن السُّلْطَان مَحْمُود كجرات من المغول وَذَلِكَ فِي آخر شعْبَان وَقبض أَكثر بلادها مث أَحْمد آباد وبروج وبرودلة وكبنايت فَهزمَ عَسْكَر المغول نهبهم وَقتل بعض الوزراء الْكِبَار وَأخذ مَاله وَلم يزل يعظم أمره وَيكثر عسكره إِلَى مستهل الْمحرم من سنة اثْنَيْنِ وَتِسْعين افاختلف عسكره فِيمَا بَينهم وَكَانَ ذَلِك هُوَ السَّبَب لهزيمتهم واختفى الْمَذْكُور فِي بعض الْأَمَاكِن وَرجع أَمر كجرات إِلَى المغول وَلَا حول وَلَا قوى ة إِلَّا بِاللَّه وَأما بروج فَكَانَت قلعتها حَصِينَة متغلبة وَكَانَ فِيهَا جمَاعَة من أَصْحَاب السُّلْطَان مظفر فمنعوها مُدَّة وحاصروها جمَاعَة من وزراء المغول إِلَى أَن أخذوها فِي أخر شهر رَمَضَان من تِلْكَ السّنة وَرَأى بعض الأخيار فِي الْمَنَام رجلا فَسَأَلَهُ عَن مدَّته فَكتب لَهُ سِتّ واوات قَالَ الشَّيْخ فاولتها سِتَّة أشهر فَكَانَ كَذَلِك فَدَخلَهَا فِي شعْبَان وَخرج مِنْهَا فِي محرم سنة اثْنَيْنِ وَتِسْعين بعد التسْعمائَة (992) هـ وَفِي لَيْلَة الْجُمُعَة رَابِع شهر صفر سنة اثْنَيْنِ وَتِسْعين توفّي الشَّيْخ الصَّالح الْعَلامَة شهَاب الدّين أَحْمد بن الشَّيْخ بدر الدّين العباسي الْمصْرِيّ الشَّافِعِي باحمد اباد وعمره نَحْو التسعين وَدفن بهَا بتربة الْعَرَب بِالْقربِ من تِلْمِيذه وَصَاحبه الشَّيْخ مُحَمَّد بن علد الرَّحِيم العمودي رَحمَه الله وَكَانَ بَينهمَا فِي حياتهما إتحاد ومحبة عَظِيمَة حَتَّى كَأَنَّهُمَا كَانَا روحان فِي جَسَد وَكَانَ مولده سنة ثَلَاث وَتِسْعمِائَة بِمصْر وَكَانَ من العلمآء العاملين وَعباد الله الصَّالِحين وَمن مشايخه شيخ الْإِسْلَام زَكَرِيَّا الانصاري وَالشَّيْخ الْعَلامَة برهَان الدّين بن أبي شرِيف وَالشَّيْخ الإِمَام نور الدّين الْمحلي وَالشَّيْخ كَمَال الدّين الطَّوِيل وَالشَّيْخ زين الدّين الْغَزِّي وَالشَّيْخ نور الدّين المليجي بِالْجِيم وَاجْتمعَ بشيخ الْإِسْلَام الشَّيْخ أبي الْعَبَّاس الطبنداوي الْبكْرِيّ بزبيد سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وتعسعمائة واخذ عَنهُ وَمن محفوظاته الْمِنْهَاج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 فِي الْفِقْه للنووي والشاطبية فِي الْقرَاءَات والعمدة فِي الحَدِيث الْمَقْدِسِي وَالْأَرْبَعِينَ النواوية والاجرومية فِي النَّحْو ومختصر أبي شُجَاع وَكَانَت لَهُ الْيَد الطُّولى فِي علم الْحَرْف والفلك والميقات وَكَانَ شَدِيد الْوَرع قَلِيل الِاخْتِلَاط بِالنَّاسِ متمسكاً بِالْكتاب وَالسّنة وَطَرِيقَة السّلف الصَّالِحين مَعَ التَّقْوَى المفرطة والخمول الزَّائِد وَحكي ان وَالِده مرض مَرضا شَدِيدا بِالشَّام فاستغاث بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرَآهُ فِي الْمَنَام وَهُوَ يضْرب على كتفه وَيَقُول لَهُ قُم يَا أَبَا مُحَمَّد فانتبه معافا من ذَلِك امرض وَلم يكن مَعَه اذ ذَاك ولد اسْمه احْمَد وَكَانَ قد ترك زَوجته بِمصْر حَامِلا بِهِ فَبعد ايام جَاءَ الْخَبَر بانها وضعت غُلَاما فَسَماهُ أَحْمد وَمن شعره ... كَانَ البُخَارِيّ حَافِظًا ومحدثا ... جمع الصَّحِيح مكمل التَّحْرِير ميلاده صدق ودة عمره ... فِيهَا حميد وانقضى نور ... وَلما وقف على الابيات الْآتِيَة الَّتِي نظم فِيهَا بَعضهم مَا لكل فصل من الْمنَازل على اصْطِلَاح أهل الْيمن وَهِي ... شَرط البطين ثره يَا دبر هقعتها ... وهنعة الذرع فصل الصَّيف قد كملا فنثرة الطّرف جبهة الزبرة انصرفت ... عوا سماك فَذا فصل الخريف خلا غفر زبانا تكلل قلب شولتها ... نعائم بَلْدَة فصل الشتَاء كملا وَاذْبَحْ بلاعاً سعود واخب فرعهما ... فِي بطن حوت فَذا فصل الرّبيع تَلا ... استحسنها وَقَالَ انه أَجَاد فِيهَا غير انه اعْتمد فِي ذَلِك على حِسَاب الْمُتَقَدِّمين فِي الْمنَازل حَيْثُ بَدَأَ بالشرطين وعَلى حِسَاب الْمُتَأَخِّرين يكون الفرغ الْمُؤخر قَالَ فقفوت اثره فِي القافية وابتدأت بالفرغ الْمُؤخر على حِسَاب الْمُتَأَخِّرين فَقلت ... مُؤَخرا ورشا شَرط البطين ثروا ... دبرا وهقع ففصل الصَّيف قد كملا وهنعة الذرع نثراً لطرف جبهتها ... وزيرة الصّرْف ذَا فصل الخريف تَلا عوى السماك وَغفر الزين كُله ... قلب وشولة ذَا فصل الرّبيع تَلا ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 ثمَّ قَالَ وترتيب الْفُصُول الْمَذْكُورَة فِي هذَيْن النظمين على طَريقَة أهل الْيمن قَالَ ثمَّ أَنِّي رتبتها أَيْضا فِي أَبْيَات على حكم مَا قَالَ الْحُكَمَاء فَقلت ... مُؤخر ورشا البطين ثروا ... دبر وهقع فَذا فصل الرّبيع خلا وهنعة الذرع نثر الطّرف جبهتها ... وزبرة فَذا فصل الصَّيف قد كملا عوى السماك وَغفر الزين كلله ... قلب وشولة ذَا فصل الشتا ارتحلا ... وَكَانَ كثيرا مَا يتَمَثَّل بقول ... كَانَ الله فَقِيها عَالما ... وَله عرض مصون مَا اتهمَ غير لَا يدْرِي مدارة الورى ... ومدارة الورى أَمر مُهِمّ ... وَمِمَّا أملاه عَليّ بعض الصَّالِحين من تلامذته من حفظه قبيل مَوته بِمدَّة يسيرَة ... بمكارم الاخلاق كن مُتَخَلِّفًا ... ليفوح عرف ثنائك الْعطر الشذي وامنح صديقك مَا اسْتَطَعْت صدابة ... وادفع عَدوك بِالَّتِي فَإِذا الَّذِي ... وَمَا أملاه عَلَيْهِ أَيْضا قَالَ أَنْشدني الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس الطبنداوي هذَيْن الْبَيْتَيْنِ من لَفظه ... ومذ كنت مَا اهديت للحب خَاتمًا ... ومسكاً وكافوراً ولابست عينه وَلَا الْقَلَم المبري أخْشَى عَدَاوَة ... تكون مدى الْأَيَّام بيني وَبَينه ... وَمِمَّا أملاه عَلَيْهِ أَيْضا قَالَ سَمِعت الشَّيْخ الْعَلامَة عبد الله أَبَا كثير بِمَكَّة المشرفة قد حُدُود سنة ثَلَاث وَعشْرين وَتِسْعمِائَة يَقُول جَاءَ شخص من عُلَمَاء مصر إِلَى مَكَّة المشرفة فِيمَا تقدم وجاور بهَا وَجلسَ فِي بعض الْأَيَّام على الْكُرْسِيّ ليعظ النَّاس فِي الْحرم الشريف فَكَانَ أول كَلَامه بعد أَن قَالَ الْحَمد لله وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على رَسُول الله صلى الله عله وَسلم مِمَّا أَنْشدني وَالِدي تهذيباً فِي أَيَّام الصِّبَا ... إِذا شِئْت أَن تحيا سليما من الْأَذَى ... وذنبك مغْفُور وعرضك صين فَلَا ينْطق مِنْك اللِّسَان بسوءة ... فللناس سوآت وَلِلنَّاسِ السن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 .. وعينك إِن أَهْدَت إِلَيْك معايبا ... فغمض وَقل يَا عين للنَّاس أعين وعاشر بِمَعْرُوف وسامح من اعْتدى ... وَلَا تدفع إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أحسن قلت وَقد روى عَن أَمَام دَار الْهِجْرَة مَالك بن أنس رَحمَه الله أَنه قَالَ أدْركْت بِهَذِهِ الْبَلدة يَعْنِي الْمَدِينَة أَقْوَامًا لم تكن لَهُم عُيُوب فتكلموا فِي عُيُوب النَّاس فظهرت عيوبهم وَمِمَّا أملاه عَلَيْهِ أَيْضا عَن الشَّيْخ عبد الله أَبَا كثير الْمَذْكُور قَالَ جَاءَ اعرابي إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا مُحَمَّد أَفِي قرانك مثل هَذَا فَقَالَ لَهُ أيش أَو كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ الْأَعرَابِي ... وَحي ذَوي الأظغان تسبي عُقُولهمْ ... تحيتك الْقُرْبَى فقد تدفع النغل فَإِن جهروا بالْقَوْل فَاعْفُ تكرماً ... وَأَن ستروا عَنْك الْمقَالة لم تبل فَإِن الَّذِي يُؤْذِيك مِنْهُ أستماعه ... وَأَن الَّذِي قد قيل خَلفك لم يقل ... قَالَ فَنزلت الْآيَة الشَّرِيفَة {وَلَا تستوي الْحَسَنَة وَلَا السَّيئَة ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحسن فَإِذا الَّذِي بَيْنك وَبَينه عَدَاوَة كَأَنَّهُ ولي حميم} وَمِمَّا أملاه عَلَيْهِ أَيْضا عَن الشَّيْخ عبد الله الْمَذْكُور ... من لم يبكوه ناصحوه ... يضْحك من حَاله عداهُ أدبه الايام والليالي ... من لم يؤدبه والداه ... وفيهَا فِي يَوْم الْجُمُعَة الْحَادِي وَالْعِشْرين من جُمَادَى الأولى توفّي الشَّيْخ الْعَلامَة أَبُو السعادات مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ الفاكهي الْمَكِّيّ الْحَنْبَلِيّ وَكَانَ مولده سنة ثَلَاث وَعشْرين وَتِسْعمِائَة وَكَانَت لَهُ الْيَد الطُّولى فِي جَمِيع الْعُلُوم وَأَنه قَرَأَ فِي الْمذَاهب الْأَرْبَعَة وَمن شُيُوخه الشَّيْخ الْكَبِير الْمُحَقق الْعَلامَة أَبُو الْحسن الْبكْرِيّ وَشَيخ الْإِسْلَام ابْن حجر الهيتمي وَالشَّيْخ مُحَمَّد الْحطاب فِي آخَرين من أهل مَكَّة وحضرموت وزبيد يكثر عَددهمْ وَيُقَال أَن الَّذين أَخذ عَنْهُم يزِيدُونَ على التسعين وأجازوه ومقروءاته كَثِيرَة جدا لَا تَنْحَصِر وَمن محفوظاته الاربعين النواوية والعقائد النسفية وَالْمقنع فِي فقه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 الحنابله وَجمع الْجَوَامِع فِي أصُول الْفِقْه والفية ابْن مَالك فِي النَّحْو وتلخيص الْمِفْتَاح فِي الْمعَانِي وَالْبَيَان والشطبية فِي الْقرَاءَات وَنور الْعُيُون فِي السّير لِابْنِ سيد النَّاس وَكَانَ يحفظ الْقُرْآن الْعَظِيم ويقرا للسبعة مَعَ التجويد ونظم ونثر والف غير وَاحِدَة من الرسائل المفيدة مِنْهَا الَّذِي نُكَلِّم فِيهَا على آيَة الْكُرْسِيّ وَهِي مفيدة جدا وَمِنْهَا شرح مُخْتَصر الانوار الْمُسَمّى نور الْأَبْصَار فِي فقه الشَّافِعِيَّة وَمِنْهَا رِسَالَة فِي اللُّغَة وَمِنْهَا كتاب جليل جعله باسم بعض السلاطين ورزق الْحَظ فِي زَمَانه وسمعته يَقُول الانس بِاللَّه نور سَاطِع والانس بِالنَّاسِ سم قَاطع وَمن غَرِيب الِاتِّفَاق انه قَالَ حضرت مجْلِس بعض الوزراء فَوَقع الْكَلَام فِي الِاسْتِفْهَام الانكاري فَقَالَ بعض أهل الْعلم هَذَا كَقَوْلِه {اتأمرون النَّاس بِالْبرِّ وتنسون انفسكم وانتم تتلون الْكتاب أَفلا تعقلون} وَأَشَارَ إِلَيّ بالعريض ففهمت مِنْهُ ذَلِك فاستحضرت حِينَئِذٍ وَقلت مُخَاطبا لَهُ قَوْله {أَفَرَأَيْت من اتخذ آلهه هَوَاهُ وأضله الله على علم وَختم على سَمعه وَقَلبه وَجعل على بَصَره غشاوة فَمن يهديه من بعد الله أَفلا تذكرُونَ} فَخَجِلَ ذَلِك الرجل وَكَانَ وَالِدي يُسَمِّيه شيخ الاسلام وَكَانَ جواداً قَالَ بَعضهم مَا رايت اسخى مِنْهُ وَقَالَ آخر مَا أَظن أَن أحدا من الْأَشْرَاف وَالْعرب دخل الْهِنْد إِلَّا وَله عَلَيْهِ احسان وَكَانَ لَا يمسك شَيْئا وَلذَلِك كَانَ كثير الاستقراض وَكَانَ تغلب عَلَيْهِ الحدة وَكَانَ من شسدة تواضعه لأَصْحَابه رُبمَا ينسبونه إِلَى التملق وَكَانَ لَهُ عقيدة مفرطة فِي السَّادة آل أَبَا علوي وَذهب إِلَى حَضرمَوْت لزيارتهم فلقى جمَاعَة من اعيانهم وعادت عَلَيْهِ بركتهم وَدخل الْهِنْد وَأقَام بهَا مديدة ثمَّ رَجَعَ إِلَى وَطنه مَكَّة المشرفة فِي سنة سبع وَخمسين فحج ذَلِك الْعَام وزار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ حج فِي السّنة الَّتِي تَلِيهَا وَعَاد إِلَى الْهِنْد فِي سنة سِتِّينَ وَتِسْعمِائَة فاقام بهَا إِلَى أَن توفّي رَحمَه الله وَكَانَ مَعَ جلالة قدره يغْضب من ذكر الفار وَقيل انه لقب اخيه عبد الْقَادِر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 لقبه بِهِ من لَا خلاق لَهُ من أهل مَكَّة فَكَانَ الَّذِي يقصدون اذيته يذكرُونَهُ لَهُ فيتعب من ذَلِك وَكتب إِلَيْهِ بَعضهم هَذَا الاستفتاء ... يَا أَيهَا الشَّيْخ يَا من ... هُوَ بِدِينِهِ فار يَا من إِذا مَا اشْتغل ... نَار الذكاء مِنْهُ فار مَاذَا تَقول لنا ... فِي بركَة مَاتَ بهَا فار تبددت مِنْهُ أجزاؤه ... وَلم يبْق فار اجب لنا مسرعاً ... المَاء فِي التَّنور فار ... وللأديب عَليّ أَبَا كثير الْمَكِّيّ رَحمَه الله فِي الْمَعْنى ... يَا عُلَمَاء الْعَصْر مَا قَوْلكُم ... فِي مُشكل حير كل الْأُمَم رَأَيْت فَارًّا عنْدكُمْ وَهُوَ لَا ... ييقتل فِي الْحل وَلَا فِي الْحرم ... وَمن شعره ... طبعت على حب المعزة وَالثنَاء ... وأرجوهما فِي طول عمري ديدبي وَهَا أَنا أوصِي كل خل معزز ... بَان لَا يداني للدنا من يَدي دني ... ومدحه الشَّيْخ الْفَاضِل عبد اللَّطِيف الابير بقصيدة مِنْهَا ... يَا عَلامَة الدِّينَا وَيَا علم غَدا ... يقصر عَن غاياته فِي العلى الْبَدْر وَمن لَاحَ مثل الصُّبْح فضل كَمَاله ... فضاء بِهِ الأقطار وافتخر الْعَصْر وَيَا أَيهَا الْبَحْر الخضم لعلمه ... وللرفق بالطلاب يَا أَيهَا الْبر وَفَاكِهَة الدِّينَا يهناه ذَا الهنى ... وَجمع عُلُوم فاح من طيبها النشر أَب لسعادات وَاصل محامد ... فَمن أمه بالنجح آل كَذَا الْيُسْر تباهب بِهِ كجرات لما ثوى بهَا ... فَإِن فخرت يَوْمًا يحِق لَهَا الْفَخر وَمن الْعَجَائِب أَن الْمَشَايِخ الثَّلَاثَة هُوَ واخوه الشَّيْخ عبد الله وَالشَّيْخ عبد الْقَادِر كَانُوا كلهم أهل فضل وَعلم وكل وَاحِد من الثَّلَاثَة مَاتَ قبل الآخر بِعشر سِنِين فَكَانَ أَوَّلهمْ موتا الشَّيْخ عبد الله وَآخرهمْ صَاحب التَّرْجَمَة رَحِمهم الله تَعَالَى آمين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 غَرِيبَة ذكر شيخ الاسلام أَبُو حجر الْعَسْقَلَانِي فِي مُعْجَمه أَن الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة وهم الْعِرَاقِيّ والبلقيني وَابْن الملقن كَانُوا أعجوبة هَذَا الْعَصْر على رَأس القرنالأول فِي معرفَة الحَدِيث وفنونه وَالثَّانِي فِي التَّوَسُّع فِي معرفَة مَذْهَب الشَّافِعِي وَالثَّالِث فِي كَثْرَة التصانيف قَالَ وَمن الْعَجَائِب أَن كل وَاحِد من الثَّلَاثَة ولد قبل الآخر بِسنة وَمَات قبله بِسنة فأولهم ابْن الملقن ثمَّ البُلْقِينِيّ ثمَّ الْعِرَاقِيّ وَحكى بعض الْفُقَرَاء الصَّالِحين قَالَ سَمِعت الشَّيْخ أَبَا اللسعادات الفاكهي رَحمَه الله يَقُول لما سمع الْعَلامَة القَاضِي ابْن أبي عقامة اليمني قَول المعرري قابله الله بعدله ... إِذا مَا ذكرنَا آدماً وفعاله ... وتزويج بنتيه بابنيه فِي الدنا علمنَا بِأَن الْخلق مكن أصل زنية ... وَأَن جَمِيع النَّاس من عنصر الزِّنَا ... قَالَ مجيبا لَهُ وراداً عَلَيْهِ ... لعمرك أَن القَوْل فِيك لصَادِق ... وَتكذب فِي البَاقِينَ من شط أَو دنا كَذَلِك اقرار الْفَتى لَازم لَهُ ... وَفِي غَيره لَغْو بذا جَاءَ شرعنا ... قلت وللمعري أَيْضا ... يَد بِخمْس مئين عسجد وديت ... مَا بالها قطعت فِي ربع دِينَار ... قَالَ الشريف الرضي راداً عَلَيْهِ ... صِيَانة النَّفس أغلتها وأرخصتها ... خِيَانَة المَال فَانْظُر حِكْمَة الْبَارِي ... وَله أَيْضا وَهُوَ مِمَّا يدل على عدم إيمَانه بِالْبَعْثِ والنشور قبحه الله ... ضحكنا وَكَانَ الضحك منا سفاهة ... وَحقّ لسكان البسيطة أَن يبكوا تحطمنا الْأَيَّام حَتَّى كأننا ... زجاج وَلَكِن لَا يُعَاد لَهُ سبك ... ورد عَلَيْهِ الإِمَام مُحَمَّد بن عَتيق التَّمِيمِي فَقَالَ ... كذبت وَبَيت الله حلفه صَادِق ... سيبكينا بعد الثوى من لَهُ الْملك وَنَرْجِع أجساماً صحاحا سليمَة ... تعرف فِي الفردوس مَا عندنَا شكّ ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 وَفِي عجائب الْبلدَانِ للقزويني قَالَ وَذكر أَنه فِي آخر عمره تَابَ عَن أَمْثَال هَذِه واستغفر وَحسن اسلامه قَالَ الْمجد الفيروزابادي صَاحب الْقَامُوس فِي كِتَابه الْبلْغَة فِي تَارِيخ أَئِمَّة اللُّغَة وَالنَّاس فِيهِ فرقتان فَمنهمْ من يكفره وَيَزْعُم أَنه كَانَ زنديقاً وَمِنْهُم من هُوَ بضد ذَلِك وَفِي ظَاهر أشعاره زندقة كَثِيرَة على أَن فِي شعره مَا يدل على التَّوْحِيد الصَّرِيح والاعتقاد الصَّحِيح كَقَوْلِه ... خلق النَّاس للبقاء فضلت ... أمة يحسبونها للنفاد إِنَّمَا ينقلون من دَار أَعمال إِلَى دَار شقوة أَو رشاد ... وَذكر عَنهُ أَنه املأ الْمُحكم والمخصص من صَدره وَفِي عجائب الْبلدَانِ أَنه كَانَ لَهُ سَرِير يجلس عَلَيْهِ فجعلوتا فِي غيبته تَحت قوائمه أَرْبَعَة دراهنم تَحت كل قَائِمَة درهما فَقَالَ أَن الأَرْض قد ارْتَفَعت عَن مَكَانهَا شَيْئا يَسِيرا أَو السَّمَاء نزلت قَالَ وَمن الْعجب أَنه مَعَ ذكائه اختفت عَلَيْهِ الموجودات الَّتِي لَيست مجسمة كالجواهر الروحانية فَاعْتقد أَن كل مَوْجُود يكون مجسماً قلت وَلَا عجب لِأَن الْهِدَايَة والضلال ليسَا إِلَّا بِتَوْفِيق الله وهدايته أَو خذلانه وَعدم رعايته وَأَن غير الْعَاقِل قد يلهم كثيرا مِمَّا يحرمه الْعَاقِل قَالَ الله تَعَالَى {فَمن يرد الله أَن يهديه يشْرَح صَدره لِلْإِسْلَامِ وَمن يرد أَن يضله يَجْعَل صَدره ضيقا حرجا كَأَنَّمَا يصعد فِي السَّمَاء} وَمن يهد الله فَلَا مضل لَهُ وَمن يضلل فَلَا هادي لَهُ ولعمري أَن الْعُقُول الَّتِي لم تستضيء بِنور الشَّرْع هِيَ عقول أضلها باريها وَقضى عَلَيْهَا بالشقاء قاضيها رزقنا الله تَعَالَى مُتَابعَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتعظيم شَرِيعَته وَجَعَلنَا من خِيَار أمته وانصار مِلَّته بمنه وَكَرمه آمين وَمَا أحسن قَول البوصري رَحمَه الله ... رب إِن الْهدى هداك وآياتك ... نور تهدي بهَا من تشَاء كم رَأينَا مَا لَيْسَ يعقل قد ... الْهم مَا لَيْسَ يلهم الْعُقَلَاء ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 وَوجدت فِي بعض التَّعَالِيق بِخَط صاحبنا الْعَلامَة الشَّيْخ أَحْمد بن عَليّ البسكري ان الشَّيْخ عبد النافع بن الشَّيْخ أَحْمد بن عراق دَعَا الشَّيْخ أَبَا السعادات الفاكهي إِلَى ضِيَافَة مَعَ صَاحب لَهُ يُسمى بَاب الْمجد وَكتب إِلَيْهِ فِي الاستدعاء هذَيْن الْبَيْتَيْنِ ... أَبَا السعادات وَابْن الْمجد خادمكم ... أَخُو التضرع عبد النافع الدَّاعِي يدعوكم سَاعَة تِلْقَاء منزله ... وَلَيْسَ يخفى الَّذِي فِي الشَّرْع للداعي ... وَرَأَيْت بِخَط صاحبنا الْعَلامَة شهَاب الدّين ابْن الشَّيْخ أَحْمد بن عَليّ البسكري الْمَكِّيّ المغربي الْمَالِكِي رَحمَه الله تَعَالَى مَا صورته وجدت فِي تذكرة مَوْلَانَا الْعَلامَة ذِي الكمالات الشَّيْخ أبي السعادات هذَيْن الْبَيْتَيْنِ وهما ... يَا أهل تدريس الْعُلُوم جَمِيعه ... وَذَوي عقول قد صفت من رِيبَة هَل تعلمُونَ محلّة مَعْرُوفَة ... جمعت كمكة فِي عداد فَضِيلَة ... فَكتبت جوابها زأنا الفقي إِلَى عَفْو الله أَحْمد البسكري فَقلت ... لَا وَالَّذِي برأَ الْأَنَام بأسرها ... مَا مثل مَكَّة شرفت من قَرْيَة وَكَذَلِكَ مَا مثل الْحطيم وزمزم ... والمشعرين وركنها فِي خطه وَكَذَا الصَّفَا وَالْحجر والميزاب ... وَالْبَيْت الشريف فَذَاك أعظم نعْمَة إِلَّا على قَول الهزبر إمامنا ... شيخ الْأَنَام إِمَام أهل السّنة ان الْمَدِينَة شرفت بمقام من ... قد حل فِيهَا فَهِيَ اشرف بقْعَة صلى عَلَيْهِ الله رَبِّي سرمدا ... أبدا دواما مَا توالت غمضة ... وفيهَا فِي لَيْلَة الْأَحَد السَّابِع وَالْعِشْرين من شهر ذِي الْحجَّة الْحَرَام توفّي الْوَلِيّ الْكَبِير والقدوة الشهير الَّذِي وَقع على ولَايَته الاجماع والاتفاق وَقصد بالزيارة من الْآفَاق الشَّيْخ أَبُو بكر بن سَالم أَبَا علوي بعينات وَكَانَ من الْمَشَايِخ الأقراد المقصودين بالزيارة من أقْصَى ابلاد وانتفع ببركته الْحَاضِر والباد وانغمرت بنفحات أنفاسه الْعباد واشتهرت كراماته ومناقبه وآياته فِي الْآفَاق وسارت بِهِ الركْبَان والرفاق وَحصل لَهُ الْقبُول التَّام عِنْد الْخَاص وَالْعَام وعينات بِكَسْر الْمُهْملَة وَسُكُون الْمُثَنَّاة من تَحت وَقبل الْألف نون وَبعدهَا منشأة فوقية قَرْيَة بحضرموت على نصف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 مرحلة من تريم كَانَت إقاتمته بهَا وقصده إِلَيْهَا الزوار من الأقطار حَيا وَمَيتًا وفيهَا توفّي الْحَكِيم شهَاب الدّين مَحْمُود بن شمس الدّين السندي وَكَانَ آيَة فِي الْحِكْمَة والمعالجات وَحكي ان بعض السلاطين اهدى إِلَى السُّلْطَان مَحْمُود صَاحب كجرات أَشْيَاء نفيسة من جُمْلَتهَا جَارِيَة وصيفة فَأَعْطَاهَا السُّلْطَان لبَعض الوزراء فاتفق ان الْحَكِيم الْمَذْكُور جس نبضها قبل أَن يَمَسهَا ذَلِك الْوَزير فحذره من ذَلِك وَقَالَ ان من يُجَامِعهَا سيموت فأرادوا تجربته فِي ذَلِك فجاؤا بِعَبْد وادخلوه عَلَيْهَا فَمَاتَ لوقته فازداد تعجب الْوَزير وَسَأَلَهُ عَن السَّبَب فِيهِ فَقَالَ انهم اطعموا أمهَا فِي حَال حملهَا أَشْيَاء أورثت ذَلِك وان مهديها قصد هَلَاك السُّلْطَان قلت فَللَّه دره من طَبِيب ماهر مَا احذقه وَقد ذكر الْقزْوِينِي فِي عجائب الْبلدَانِ مَا يقرب من هَذَا فَقَالَ عِنْد الْكَلَام على عجائب الْهِنْد وَمن عجائبها البيش وَهُوَ نبت لَا يُوجد إِلَّا فِي الْهِنْد سم قَاتل أَي حَيَوَان يَأْكُل مِنْهُ يَمُوت ويتولد تَحْتَهُ حَيَوَان يُقَال لَهُ فارة البيش تَأْكُل مِنْهُ وَلَا يَضرهَا وَمِمَّا ذكر أَن مُلُوك الْهِنْد إِذا أَرَادوا الْغدر بِأحد عَمدُوا إِلَى الْجَوَارِي إِذا ولدن وفرشوا من هَذَا النبت تَحت مهودهن زَمَانا ثمَّ تَحت فراشهن زَمَانا ثمَّ تَحت ثيابهن زَمَانا ثمَّ يطعموهن مِنْهُ فِي اللَّبن حَتَّى تصير الْجَارِيَة إِذا كَبرت تتَنَاوَل مِنْهُ وَلَا يَضرهَا ثمَّ يبْعَث بهَا مَعَ الْهَدَايَا إِلَى من أَرَادوا الْغدر بِهِ من الْمُلُوك فَإِنَّهُ إِذا غشيها مَاتَ سنة ثَلَاثَة وَتِسْعين بعد التسْعمائَة (993) هـ وَفِي ربيع الثَّانِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين توفّي الْأُسْتَاذ الْأَعْظَم قطب العارفين الشَّيْخ مُحَمَّد بن الشَّيْخ أبي الْحسن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عوض بن عبد الْخَالِق بن عبد الْمُنعم ابْن يحيى بن يَعْقُوب بن نجم الدّين بن عِيسَى بن دَاوُد بن نوح بن طَلْحَة بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ الْبكْرِيّ الصديقي الشَّافِعِي الْأَشْعَرِيّ الْمصْرِيّ وَأم جده الْأَعْلَى أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد فَاطِمَة بنت الشريف تَاج الدّين الْقرشِي بن مُحَمَّد بن عبد الْملك بن يرحم بن حسان بن سُلَيْمَان بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن الْحسن الْمثنى بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 بن حسن السبط وَرُوِيَ أَن الشَّيْخ كَانَ يفتخر بِهَذِهِ النِّسْبَة النَّبَوِيَّة وَيَقُول مَا أحب أَن لي بهَا كَذَا وَكَذَا وَكَانَ هَذَا الشَّيْخ من آيَات الله فِي الدَّرْس والإملاء فَكَانَ إِذا تكلم فِيهِ تكلم بِمَا يحير الْعُقُول وَيذْهل الأفكار بِحَيْثُ لَا يرتاب سامعه فِي أَن مَا يتَكَلَّم بِهِ لَيْسَ من جنس مَا ينَال بِالْكَسْبِ وَرُبمَا كَانَ يتَكَلَّم فِيهِ بِكَلَام لَا يفهمهُ أحد من أهل مَجْلِسه مَعَ كَون كثيبر مِنْهُم أَو أَكْثَرهم على الْغَايَة من التَّمَكُّن فِي سَائِر الْعُلُوم الإسلامية والإحاطة بفنونها فيذكر لَهُ ذَلِك بعد الْقيام من الْمجْلس فَيَقُول لَيْسَ ذَلِك بِأَعْجَب من حَال الْمُتَكَلّم بِهِ فإنني فِيهِ مثله وَكَانَ إِلَيْهِ النِّهَايَة فِي اعْلَم حَتَّى كَانَ بعض أَئِمَّة الْعُلُوم والمعارف هُنَاكَ مِمَّن أفنى عمره فِي كسب الْعُلُوم الدِّينِيَّة والمعارف الربانية يَقُول وَالله لَا نَدْرِي من أَيْن هَذَا الْكَلَام الَّذِي نَسْمَعهُ من هَذَا الْأُسْتَاذ وَلَا نعلم لَهُ أصلا يُؤْخَذ مِنْهُ وَلَوْلَا الْعلم بسد بَاب النُّبُوَّة لاستدلينا بِمَا نَسْمَعهُ مِنْهُ على نبوته وَأما مجالسه فِي التَّفْسِير بوما يقرره فِيهَا من الْمعَانِي الدقيقة والأبحاث الغاضة مَعَ اسْتِيعَاب أَقْوَال آثمة التَّفْسِير من السّلف وَالْخلف وَبَيَان أولاها بالاعتماد عِنْده وَذكر المناسبات بَين السُّور والآيآت وَبَين أسمآء الذَّات المقدسة وَالصِّفَات ومواضعها وَمَا قَالَه آثمكة الطَّرِيق فِي كل آيَة من عُلُوم الْإِشَارَة فَإِن الْقُرْآن نزل بهَا أَيْضا فَذَاك مِمَّا يحير الْعُقُول ويدهش الخواطر مَعَ كَون مَا يلقيه من ذَلِك كُله من أَلْفَاظ مخترعة بَالِغَة فِي الفصاحة والبلاغة والجزالة والإيضاح إِلَى الْغَايَة الَّتِي لَيْسَ وَرَاءَهَا غَايَة مَعَ كَون أَكْثَرهَا أَو جَمِيعهَا مسجعاً مقفى معرباً مَوْضُوعا فِي مَحَله الَّذِي لَا أولى مِنْهُ بِهِ لم يحفظ لَهُ أحدا هفوة فِي لفظ من أَلْفَاظه من جِهَة اعراب أَو تصريف أَو تَقْدِيم أَو تَأْخِير أَو غير ذَلِك من هفوات الْأَلْسِنَة فِي تَقْرِير الْعُلُوم وَمَا من درس من دروسه إِلَّا وَهُوَ مفتتح بِخطْبَة بديهية أَو غير بديهية مُشْتَمِلَة على الْإِشَارَة إِلَى كَا مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ ذَلِك الدَّرْس على طَرِيق براعة الاستهلال وَهَكَذَا كَانَت مجالسه فِي الحَدِيث وَالْفِقْه وكل علم يتصدر لتقريره لَا يظنّ سامعه المتمكن فِي ذَلِك الْعلم الْحَافِظ لأصوله وفرعه أَنه ترك فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 كل بحث كلمة لأحد من الْمُتَكَلِّمين فِيهِ مَعَ مَا يبديه هُوَ من اختياراته الشريفه وَكَانَ الشُّعَرَاء من فضلاء مصر المتمكنين فِي علم اللُّغَة وقواعد الشّعْر ومذاهب الانشاء يقصدون يَوْم خَتمه فيكتبون القصائد البديعة فِي مدحه وَبَيَان مَا من الله بِهِ عَلَيْهِ من سَائِر النعم الظَّاهِرَة والباطنة فتتلى أَو المهم مِنْهُ على رُؤُوس الأشهاد فِي مجْلِس الشريف وَفِيه خلائق من الْخَاصَّة والعامة وَيجْلس هُوَ نفعنا الله ببركاته لاستماع مَا يُتْلَى مِنْهَا بَين يَدَيْهِ ويجيز على كل مِنْهَا وَيظْهر السرُور بهَا لطفاً مِنْهُ بأصحابها وجبراً لخواطرهم ومقابلة لحسن ظنهم وعقائدهم نفعنا الله ببركاته وَكَانَ إِذا قَامَ من كل مجْلِس جلس فِيهِ للتدريس فِي الْجَامِع الْأَزْهَر أَو غَيره يتَقَدَّم إِلَيْهِ النَّاس لتقبيل يَده والتبرك بدعائه إِذْ ذَاك والقرب من مَوْضِعه الشريف الَّذِي هُوَ مَوضِع الرَّحْمَة وَيَقَع بَينهم ازدحام عَظِيم وَرُبمَا سقط بَعضهم تَحت أَقْدَام النَّاس وَحَوله إِذْ ذَاك جمَاعَة من جند السُّلْطَان الرّوم وَغَيرهم قد حَلقُوا على حَضرته بِأَيْدِيهِم خشيَة عَلَيْهِ من الايذاء بالازدحام وَرُبمَا أَخذ وَاحِدًا مِنْهُم بِيَدِهِ الشَّرِيفَة وَهِي ممدودة لتقبيل النَّاس لطول زمن مدها لَهُم إِذْ كَانَ يقف لَهُم بعد درسه نَحْو سَاعَة زمنية ثمَّ يسير إِلَى جِهَة دَابَّته وَالنَّاس على الْغَايَة فِي الازدحام عَلَيْهِ إِلَى أَن يصل إِلَيْهَا وَمِمَّا يشْهد بِكَوْنِهِ بالْمقَام الْأَعْلَى من الْإِحَاطَة بأنواع الْعُلُوم وأصناف المعارف مَا كَانَ يتَكَلَّم بِهِ فِي مجالسه الْخَاصَّة والعامة من منظوم الْكَلَام ومنثوره وَلما مرض وَالِده شيخ الْإِسْلَام وَفَارِس ميدان الْعُلُوم والمعارف أَبُو الْحسن الْبكْرِيّ نفعنا الله ببركاته مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ اختلى بولده الْمَذْكُور وَخَصه من مواهب اله بِمَا خصّه الله بِهِ ثمَّ استدعى بتلامذته ومريديه من شُيُوخ الْإِسْلَام وكبراء الْإِعْلَام مِمَّن أفنوا أعمارهم فِي الاستفادة مِنْهُ وَالْأَخْذ عَنهُ وَأمره بالاستفادة مِنْهُ وَالْأَخْذ عَنهُ وَالدُّخُول تَحت حكمه ثمَّ لما انْتقل وَالِده إِلَى دَار الْكَرَامَة هم بعض من عُظَمَاء تلامذته بِالْجُلُوسِ فِي مجْلِس وَالِده بالجامع الْأَزْهَر ظنا مِنْهُ أَن وَلَده الْمَذْكُور لم يبلغ رُتْبَة الْجُلُوس فِي مجْلِس وَالِده لصِغَر سنه إِذْ ذَاك فَإِن عمره إِذا ذَاك كَانَ نَحوا من إِحْدَى وَعشْرين سنة مَعَ أَنه لم يسْبق لَهُ قبل ذَلِك اشْتِغَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 بِالْعلمِ يَتَرَتَّب عَلَيْهِ التأهل للجلوس فِي مجْلِس وَالِده الَّذِي هُوَ بالْمقَام الْأَعْلَى من كل علم وَمَعْرِفَة وَإِلَّا لم يستبعدوا ذَلِك مِنْهُ وَقد ذكر اليافعي فِي تَارِيخه أَن ابْن سينا فرغ من الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة والنقلية وعمره ثَمَان عشرَة سنة مَعَ مَا قيل فِي ابْن سينا من الْقدح الْمَدْح فتقرر الْأَمر على أَن يعقدوا للمذكور مَجْلِسا يكون فِيهِ أَكثر عُلَمَاء مصر من سَائِر الْمذَاهب أَو كُله فَحَضَرُوا وَشرع الْمَذْكُور فِي تَقْرِير الْعُلُوم عَن ظهر قلب وَفِي ظَنِّي أَن كَلَامه كَانَ مَشْرُوعا فِي تَفْسِير الْقُرْآن فقرر فِي ذَلِك الْمجْلس من أَنْوَاع الْعُلُوم وأصناف المعارف مَا بهر عُقُولهمْ وحير البابهم فِي أَلْفَاظ لم يسمع السامعون فِي زمانهم أفْصح وَلَا أبلغ وَلَا أمتن وَلَا أجزل وَلَا أجمع مِنْهَا فاذعنوا لَهُ من ذَلِك الْآن وَعرفُوا أَنه أَحَق مِنْهُم وَمن غَيرهم من عُلَمَاء مصر وَغَيرهَا بِمَجْلِس أَبِيه وَلم يزل من ذَلِك الْآن الصَّدْر الْمُقدم فِي كل مجْلِس جلس فِيهِ من مجَالِس عُلَمَاء الاسلام وعلماء أَرْكَان الدولية الْإِعْلَام إِلَى أَن توفاه الله تَعَالَى إِلَى مَا منحه الله تَعَالَى فضاهى أَبَاهُ فِي حَاله ومقاله وحذا حذوه فِي الْعُلُوم ونسج على منواله وَتَابعه فِي أخلاقه الحميدة وآثاره الصَّالِحَة حَتَّى قيل مَا أشبه اللَّيْلَة بالبارحة وَقد أَشَارَ رَحمَه الله إِلَى مَا منحه الله من مَرَاتِب الْكَمَال فِي هَذَا السن فَقَالَ ... وصلت وسني عشرُون مَا ... تقاصر عَنهُ فحول الرِّجَال فَمَا ابْن ثَمَانِينَ إِلَّا الْوَلِيد ... ومجدي يزِيد بقومي وآلي ... وَله جملَة تصانيف مِنْهَا شرح على مُخْتَصر أبي شُجَاع فِي الْفِقْه وَكتب أَيْضا على أَوَائِل مَنْهَج شيخ الاسلام زَكَرِيَّا شرحا وَلم تساعد الْقُدْرَة على اتمامه وَله رسائل فِي أَنْوَاع من الْعُلُوم والمعرف والآداب كرسالة فِي الِاسْم الْأَعْظَم ورسالة فِي الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورسالته فِي آدَاب الشَّيْخ والمريد ورسالته فِي الزِّيَارَة وَغَيرهَا من الرسائل الجامعة النافعة الدَّالَّة على كَمَال تمكنه فِي سَائِر الْعُلُوم الإسلامية والمعارف الربانية وديوان شعر كَبِير وَكَانَ على مَا قيل يَقُول وَقت الْوَارِد وَرُبمَا كَانَ بَين النَّاس بمنزله الشريف أَو بَين أَهله أَو وَحده فورد عَلَيْهِ الْوَارِد فاستدعى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 بالدواة والقرطاس وَكتبه إِذْ ذَاك وَمَا من معنى أَشَارَ إِلَيْهِ أَئِمَّة اطريف مِمَّا يتَعَلَّق بِالذَّاتِ المقدسة أَو الصِّفَات المنزهة أَو بِالذَّاتِ المحمدية وَالصِّفَات النَّبَوِيَّة إِلَّا وَله فِيهِ القَوْل الأبلغ وَاللَّفْظ الْأَفْصَح وَمن كَلَامه أقل وَاجِب على الْفَقِير أَن لَا يتَطَهَّر من نَجَاسَة الذُّنُوب بِالتَّوْبَةِ وَهِي الاقلاع عنالمعصية والندم على فعلهَا والعزم على تَركهَا ورد الظلامة إِن كَانَت وَقدر وَعَلِيهِ أَن يتدارك فوائت صلوَات تَركهَا وَأَن يُبَادر بِالنّظرِ والالتفات لأستاذ يَخْدمه ويتمثل أمره ويؤمره على نَفسه ليرج لَهُ خبائثها وينقب لَهُ عَن دسائسها ويستعين بِاللَّه ثمَّ بِهِ على طهراته من ذَلِك فَإِذا صَحَّ ذَلِك للْفَقِير فَهُوَ الْغَنِيمَة الْكَبِيرَة والإكسير الْأَكْبَر والكبري الْحمر وه بعد استنشاق رَوَائِح الْوُصُول آدَاب مِنْهَا أَن لَا تقف عَن مرتبَة بل يتخطاها بِصدق الْيَقِين وَمِنْهَا أَن لَا يشْهد أَنه وصل فَذَلِك حجاب عَظِيم بل يغيب فِي شُهُوده وَذَلِكَ هُوَ الْمقَام الْكَرِيم وَمِنْهَا أَن لَا ينفذ سهم نقمة عَن قَوس نَفسه لأحد من الْخلق وَلَو بَالغ فِي أذيته بل يُبَالغ فِي مُعَامَلَته بِالرَّحْمَةِ حَتَّى يبلغ الامهال أَجله وَيفْعل الله مايشاء وَالسَّلَام وَسُئِلَ رَضِي الله عَنهُ لم كَانَ فِي أهل مَكَّة قسوة الْقلب وَفِي أهل الْمَدِينَة لينها فَقَالَ لِأَن أهل مَكَّة جاوروا الحججر وَأهل الْمَدِينَة جاوروا الْبشر وَأنْشد بَعضهم بِحُضُور الْأُسْتَاذ الْمَذْكُور قَول الشَّاعِر ... لله قَامُوس يطيب وُرُوده ... اغنى الورى عَن كل معنى أَزْهَر نبذ الصِّحَاح بِلَفْظِهِ الْبَحْر من ... عاداته يلقى صِحَاح الْجَوْهَرِي ... فَكسر الصَّاد من صِحَاح فَقَالَ الْأُسْتَاذ الصِّحَاح لَا تكسر فتعجب كل من كَانَ فِي الْمجْلس من هَذَا الْجَواب مَعَ سهولة اللَّفْظ والتروية ويروى عَن شيخ الْإِسْلَام الطبلاوي أَنه قَالَ الصِّحَاح بِالْفَتْح أفْصح وَأكْثر اسْتِعْمَالا وَمَا ألطف قَوْله قدس الله روحه إِذْ يَقُول ... مَا أَرض مفتح الأزهار وبهيج مشعشع الْأَنْوَار ولآل منظمات عقوداً ... لغوان عرائس ابكار وشموس تضيء فِي أفق السعد ... زها ضوءها على الأقمار وغصون بايكها تسجع ... رق فتنسى ترنم الأوتار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 .. مثل قَول الْإِلَه فِي حق جدي ... ثَان اثْنَيْنِ إِذْ هما فِي الْغَار ... ومنم نظمه فِي هَذِه الْوَسِيلَة الْعَظِيمَة وَهِي ... مَا أرسل الرَّحْمَن أَو يُرْسل ... من رَحْمَة تصعد أوتنزل فِي ملكوت الله أَو ملكه ... من كل مَا يخْتَص أَو يَشْمَل إِلَّا وطه امصطفى عَبده ... نبيه مختاره الْمُرْسل وَاسِطَة فِيهَا وَاصل لَهَا ... يعلم هَذَا كل من يعقل فلذ بِهِ فِي كل مَا ترتجي ... فَهُوَ شَفِيع دَائِم يقبل وعذ بِهِ من كل مَا تختشي ... فَإِنَّهُ المأمن والمعقل وَحط احمال الرجا عِنْده ... فَإِنَّهُ الْمرجع والموئل وناده إِن أزمت انشبت ... أظفارها واستحكم المعضل يَا أكْرم الْخلق على ربه ... يَا خير من فيهم بِهِ يسْأَل قد مستني الكرب وَكم مرّة ... فرجت كرباً بعضه يذهل وَلنْ يرى أعجز مني فَمَا ... لشدتي أقوى وَلَا أحمل فبالذي خصك بَين الورى ... برتبة عَنْهَا العلى ينزل عجل باذهاب الَّذِي اشْتَكَى ... فَإِن توقف فَمن أسأَل فحيلتي ضَاقَتْ وصبري انْقَضى ... وَلست أَدْرِي مَا الَّذِي أفعل فَأَنت بَاب الله أَي امرء ... أتاهمن غَيْرك لَا يدْخل صلى عَلَيْك الله مَا صافحت ... زهر الروابي نسة شمال مُسلما مَا فلح عطر الْحمى ... وطاب مِنْهُ الند والمندل والآل والأصحا مَا غردت ... ساجعة أمكلودها مخضل ... وَمِنْه هَذِه الأبيات وأنشدها بَين يَدي الحضرة النَّبَوِيَّة وَحكي أَنه سمع المصراع الْأَخير مِنْهَا من الحضرة النَّبَوِيَّة ... وَلما أَتَيْنَا قبر اشرف مُرْسل ... ولاح لناسر الْعِنَايَة ينجلي وغيب سر الرّوح فِي ملكوته ... فَصَارَ عَن الأكوان فِي أَي معزل وَسَار عَن الْجمع الْمُحِيط لربتبة ... تعالت بسر الذَّات عَن وصف منزل عرضت عَلَيْهِ مَا أُرِيد فَقَالَ لي ... لِسَان تجلى الْحق مني بمقول مجيباً بِمَا أملته من عطائه ... سمعنَا وأعطينا فَوق المؤمل ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 وَمِنْه ... أَتَيْنَا على النجب الْعتاق لطيبة ... وَقد ضَاقَ من نَفسِي فسيح فضائها وأنزلت حاجاتبي بِبَاب مُحَمَّد ... على ثِقَة من نحبها وقضاثها ... وَمِنْه ... أحس من تنظر الْعُيُون فَتى ... عرفه الله أَنه الله أبعد عَنهُ حظوظه فغدا ... فِي حَضْرَة قَصده الله فرغه عَن جَمِيع عالمه ... فَصَارَ بِالْحَقِّ شغله الله ادخله خلوه مُقَدَّسَة ... يذكرهُ فِيهَا وَذكره الله علمه مَا يَشَاء ثمَّ علا ... بِهِ إِلَيْهِ فَعلمه الله حقق فِيهِ الْقبُول مِنْهُ لَهُ ... فَإِن دَعَاهُ أَجَابَهُ الله لطفه فارتقى وَزوج بِهِ ... فِي النُّور فضلا فنوره الله بلغه الْمُنْتَهى وأوصله ... فَعَاد عبدا شُهُوده اله ألبسهُ من ثِيَاب حَضرته ... ملابساً رقمها هُوَ اله وَبعد أَن صَار مُنْفَردا علما ... قَالَ لَهُ إِنِّي أَنا الله ... وَمِنْه ... إِذا صدق صَحَّ العَبْد فِي حب مَوْلَاهُ ... الأح لَهُ معنى الْجمال وابداه وأغناه عَن أَوْصَافه ونعوته ... وَالْجمع فِي غيب الْحَقِيقَة أبقاه وأبلسه تَاج المعارف وَالْهدى ... وآنسه بِالْقربِ مِنْهُ وَأَدْنَاهُ ... وَمِنْه ... إِذْ يعمر قلب بالاله غَدا ... مرآه كل شُهُود كَامِل الرتب واودعت فِيهِ بل لَهُ برزت ... كل العومن فَلم يحْتَج إِلَى كتب وَصَارَ بَيْتا يطوف العارفون بِهِ ... ويدركون بِهِ المأمول من طلب ... وَمِنْه أَي قلب قَابل الْحق فَلم ... ينشرح هَذَا الْخلاف الْوَاقِع وَأي صدر صَار معنى سره ... ثمَّ لم يُغني بِفضل وَاسع أَي عين أَبْصرت أنواره ... ثمَّ تلتاح لابهى سَاطِع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 .. غير أَنِّي ضيق الصَّدْر فَمَا ... ذَاك إِلَّا من وجود الْمَانِع ثمَّ لأحجر عَلَيْكُم سادتي ... إِن رحمتم أَو قطعْتُمْ قَاطع هَكَذَا أبقى كئيباً بائساً ... حاش لله فذلي شَافِع إِنِّي من تعلمُونَ أَنه ... لم يزل فِي الْبَاب أوفى خاضع لم يزل للعفو مِنْكُم راجياً ... لم يزل فِي الْعَفو أقوى طامع عجلوا بالغوث هَذَا وقته ... وارحموا ذل كئيب خاشع عبدكم فقيركم كسيركم ... مَا لكم من جبره من دَافع ... وَمِنْه ... إِذا خطب ذَنْب علينا دجا ... أنرنا دجاه بِنور الدجا فكم شدَّة كمن ذنُوب عِظَام ... لَهَا الله بِالْعَفو قد فرجا كم ضقت ذرعا بجرمي فَمَا ... وجدت سوى الفو لي مخرجا فَللَّه الجأ وَلَا تيأسن ... فَمَا خَابَ عبد إِلَيْهِ التجا ... وَمِنْه ... وَمَالِي شَيْء عَلَيْهِ اعْتِمَاد ... وَلَكِن إِلَى فضلك الِاسْتِنَاد جعلتك ذخري ليَوْم الخطوب ... وغوثي وعوني يَوْم الميعاد ... وَمِنْه ... إِذا ضَاقَ أَمر فَلَا تيأسن ... وَكن راجياً فضل رب مُجيب فكم شدَّة وأتى بعْدهَا ... من الله نصر وَفتح قريب ... وَمِنْه استفتح الْفضل بِخَير الورى ... رَسُول رب الْعَالمين الحبيب وَلَا تخف بِاللَّه من حَاسِد ... فَإِن مَوْلَاك عَلَيْهِ رَقِيب واستعن بِالْحَقِّ وخل السوي ... فَأَنت فِي حفظ الْقَرِيب الْمُجيب واستمنح الْجُود بِهِ واثقاً ... بِاللَّه فَالرَّأْي بِهَذَا مُصِيب وَاجعَل جَمِيع الْعُمر فِي طَاعَة ... فطاعة الْخَالِق أزكى نصيب فَمن يطع الْخَالِق يُولد ... من فيضه الباهر سر عَجِيب فابكي زَمَانا مر فِي غَفلَة ... بأدمع هاطلة كالصيب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 .. وَتب إِلَى الله وخف قهره ... أَو عد إِلَيْهِ عود عبد منيب ... وَمِنْه ... لَيْسَ للْعَبد سوى الله ... فانتهض واصدق مَعَ الله واترك الأكوان وارحل ... عَن سوى الله إِلَى الله وَاحْذَرْ الأغيار واشهد ... كل ذِي الْأَشْيَاء من الله والزم الْآدَاب واترك ... حَاله الْخلق إِلَى الله هَكَذَا من كَانَ عبدا ... فوض الْأَمر إِلَى الله لست تخشى قطّ سوء ... إِن توكلت على الله لَا وَلَا صداً وطرداً ... إِن تَوَجَّهت إِلَى الله كم عُيُوب ستر الله ... كم ذنوبا غفر الله ... وَمِنْه ... إِذا ضَاقَ فَلَا تجزعن ... وسلمك الْمولى بِهِ قد حمكم وَإِيَّاك إياك أَن تعترض ... فمعترض الْحق يلقى النَّدَم وراض بأحكامه يرتقي ... من الْمجد فَوق معالي القمم ويؤتيه مَطْلُوبه عَاجلا ... ويسعفه بسجال الْكَرم وَيذْهب عَنهُ بتفريجه ... مضايقة الدي قد أهم فَمَا سَاد أهل الصَّفَا غَيرهم ... سوى الْوَفَاء بعهود الذمم وتسليمهم للاله الْعَزِيز ... وتفويضهم لمعيد النعم ... وَمِنْه ... أمولاي قل لي ترى الدَّهْر باللقى ... يمن فلي شوق إلييك شَدِيد وَهل تمتلي الْعين مِنْك بنظرة ... وَيقرب من بعد الْفِرَاق بعيد ... وَمِنْه ... أود من الدُّنْيَا صديقا موافياً ... وفياً بِمَا أرضاه يرضى وينشرح فَإِن لم أجد أَعرَضت عَن كل كَابر ... وَقلت لقلبي قد خلا الْكَوْن فاسترح ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 وَمِنْه ... إِن فِي الشاروخ معنى ... يظْهر الْعرْفَان سره ... إِن تعلى فَهُوَ وتر ... أَو تدلى فَهُوَ كثره ... وَمِنْه ... قل لمن زَاد فِي ارْتِكَاب عَظِيم الذَّنب ... دهراً وللحدود تعدى ... مَا جَمِيع الذُّنُوب فِي جنب عَفْو الله ... إِلَّا أقل من أَن تعد ... وَمِنْه ... يَا قلب إِن كنت قلبِي لَا تمل للْغَيْر ... واصبر على حكم من نهواه تلقى الْخَيْر ... واسلك وَلَو كنت فِي الرّفْعَة ضَعِيف السّير ... واصدق مَعَ الله ترزق مثل رزق الطير ... وَمِنْه ... يَا قلب ان كنت قلبِي ارْض بالأقدار ... وراقب الله فِي الاعلان والاسرار ... واشهد بِعَين البصيرة بهجة الْأَنْوَار ... مُسْتَهْلكا لجَمِيع الْحجب والاستار ... وَمِنْه ... يَا قلب ان كنت غب عَن الأكوان ... وطب بنشوة مَا لَهَا ادنان ... خمرة قديمَة علت عَن خير الْحدثَان ... هِيَ المدام وساقي الْقَوْم والندمان ... وَمِنْه ... وَلَو أفرغوا كل الديَّان بباطى ... وَلَو ابتغ سكرا لما مسني سكري ... وَلَو ابْتغِي مُنْكرا وَقَالُوا مدامة ... رَأَيْت فى طاشت بسكرته الْخمر ... وَمِنْه هَذَا الْفَرد وَهُوَ أنْشدهُ السيخ يحيى الخزاعلى وَهُوَ تلميذ وَالِده الشَّيْخ أبي الْحسن وَقَالَ اجز يَا يحيى ... ونفسك دع عَنْك التَّكَلُّف واطرح وَلَا تلْتَفت إِلَّا إِلَى الله تسترح ... فَقَالَ الشَّيْخ يحيى ... ونفسك سر السِّرّ ان فقت تسترح ... فجل فِي مجَال الله بِاللَّه تسترح ... وَمِنْه وَهُوَ مِمَّا قَالَ فِي مرض مَوته وَهُوَ آخر شعر أنْشدهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 .. وَلَقَد اقول لطالبي إحسانهم ... إحسانهم يَأْتِيك سعياً بِلَا طلب ... كم فَرجوا من كربَة عَن عبدهم ... وَكَذَلِكَ هم أهل التَّفْرِيج الكرب ... وَوجدت بِخَط صاحبنا الْعَلامَة شهَاب الدّين الشَّيْخ أَحْمد بن الْعَلامَة عَليّ البسكري الْمَكِّيّ الْمَالِكِي المغربي قَالَ انشدنا شَيخنَا شيخ الْإِسْلَام مُحَمَّد الْبكْرِيّ عِنْد نظره الى المَاء وتكسره وتجمده ... أنظر الى المَاء الذى ... بيد النسيم تجمدا ... قد شبهوه بميرد ... فلأجل ذَا يبرى الصيدا ... وَالشَّيْخ عبد الْعَزِيز الزمزمي الْمَكِّيّ فِيهِ ... وانه قطب هَذَا الْوَقْت دون مرا ... بِهِ الْوُجُود ازدهى عطفا وانتظما ... سمى خير البرايا سبط عتريه ... ونجعل صديقه من فَضله عظما ... قد عَنهُ واسمع بِهِ وَانْظُر اليه نجد ... مَا قد ملا مسمعاً مَعَ مقله وفما ... حدث عَن الْبَحْر ان حَدِيث عَنهُ وَلَا ... عَلَيْك من حرج تخشى بِهِ التهما ... بَحر يفِيض علوماً من جوانبه ... بالبحث فِي كل فن موجه التطما ... من حَضْرَة الْقُدس فيضاً حل عَن ... الشَّيْخ تلقه إِلَّا بتخصيصص لَهُ قسما ... مواهب باكتساب لَا تنَال إِذا ... ادراكها اعجز الْحفاظ والفهما ... وَمَا احسن قَول الأديب إِبْرَاهِيم ابْن المبلط فِيهِ من قصيدة طَوِيلَة ... وكراماته غدته ببنات ... لَيْسَ تخفى على النَّاس ظهورا ... من أَبى بكر الإِمَام لَهُ جد ... وَقد كَانَ للنَّبِي نَصِيرًا ... ورفيقا وصاحبا واتيا ... من عَدو فى الْغَار بَات مغيرا ... حَاز إِسْنَاد علو رفيعاً ... دَرَجَات على الْأَنَام وفورا ... اخذ الْعلم عَن أَبِيه عَن الصّديق ... عَن سيد الورى مأثورا ... لَا نجف عين علمه عين ضد ... فَهِيَ عين قد فجرت تفجيرا ... وَله أَيْضا فِيهِ وَقد رَجَعَ من الْحَج ومدح فييها القهوة فَقَالَ ... كفى شرفا لَهَا انها ... قدار فِي الْحجر والحجره ... وانها تشرب فِي حَضْرَة ... الْأُسْتَاذ شيخ الْوَقْت والحضره ... مُحَمَّد نجل أبي بكر الصّديق ... أَعلَى رَبنَا قدره ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 .. أهللا بِهِ من قادم قد أَتَى ... بعد تَمام الْحَج والعمره ... مُسَافر طلعته أسفرت ... عَن طلعة الشَّمْس يَا لَهَا سَفَره ... فِي كل عَاميْنِ لَهُ حجَّة ... وَالْحج لم يفْرض سوى مره ... إِذا أَرَادَ الْحَج فى عَامه ... لَا يرد يخْشَى وَلَا حره ... مبارك الطلعة ميمونها ... فَمن رأى وَجها لَهُ سره ... قلت إِمَام عَارِف ذَاكر ... لله لَا تاخذه فتره ... لَهُ كرامات غَدَتْ للورى ... ظَاهِرَة مظهرة سره ... وَاعجَبا من حاسديه فَمَا ... ينالهم شَيْء سوى الحسره ... فَلَيْسَ فيهم من حذا حذوه ... وَلَيْسَ فيهم من قفا أَثَره ... مَا مِنْهُم الا قنبل بِلَا ... سيف ومذبوح بِلَا شفره ... يعجز عَن نيل علاهُ أمره ... لَيْسَ لَهُ قدر وَلَا قدره ... مَا اللَّيْث كالهر وَلَا الدّرّ ... كالحصى وَلَا الصارم كالابره ... ان كنت ذَا جهل بِعلم لَهُ ... فاسال أولي الْأَخْبَار والخبره ... وَكَانَ الشَّيْخ يحجّ فِي كل عَاميْنِ مرّة وَلابْن المبلط فِي تَارِيخ مجْلِس بناه الْأُسْتَاذ ... يَا نَاظرا صلي على الْمُصْطَفى ... وَآله الغر وَأَصْحَابه ... وَاعْلَم بِأَن الْعلم كنز الْهدى ... فَمَا قوام الدّين إِلَّا بِهِ ... والزم حمى الْبكْرِيّ شمس العلى ... ومرغ الخد باعتابه ... ابوابه بالسعد مَفْتُوحَة ... يَا سعد من لَاذَ بأبوابه ... أنشأ بَيْتا جَاءَ تَارِيخه ... يسلم من يدْخل من بَابه ... وَكَانَ شيخ أهل هَذَا الطَّرِيق حَالا وَإِمَام اربابها حَقِيقَة ورسما ومحمى رسوم المعارف فعلا واسماً عباب لَا تكدره الدلاء وسحاب تنقاصر عَنهُ الْأَنْوَار مَعَ مَا خصّه الله بِهِ من الْعُلُوم والمعارف والأخلاق وجمال الصُّورَة والهيبة والعرفان والسكينة والعفة والصيانة والجود وَالرَّحْمَة وَالْقِيَام بِحُقُوق الْخَاصَّة والعامة وَلَقَد رَأَيْت من أَقْوَاله وَبَلغنِي من أخلاقه وأحواله مَا لَا تسعها عبارَة وَلَا يهتدى إِلَيْهَا بِإِشَارَة وَذكروا لَهُ كرامات كَثِيرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ لم يكن لَهُ نَظِير فِي زَمَانه وَلم يخلفه بعده مثله رَحمَه الله وَكَانَ وَالِده من كبار أهل الْعلم بل قبل انه كَانَ مُجْتَهد زَمَانه والمجدد على رَأس الْمِائَة التَّاسِعَة وأحق النَّاس بالقضاة وَقد عرض عَلَيْهِ فَامْتنعَ مِنْهُ قولا باتاً وَهُوَ الْمجمع على انه فريد عصره علما وَولَايَة وَحَالا افصح أهل زَمَانه قَلما ومقالاً وأعظمهم سؤددا وجلالة ورفعةً وكمالاً عَالم الْمُسلمين دون نزاع وَشَيخ مَشَايِخ الْإِسْلَام الَّذِي انْقَطَعت عَن مضاهاته الأطماع وانتشرت مصنفاته كالآخذين عَنهُ إِلَى سَائِر الْبِقَاع واشتهرت كراماته ومكاشفاته حَتَّى رونها الألسن ووعتها الأسماع خَاتِمَة الْمُحَقِّقين لِسَان الْمُتَكَلِّمين حجَّة المناظرين بَقِيَّة السّلف الصَّالِحين وَحكي أَن أمه رَأَتْ فِي الْمَنَام وَهِي حَامِل بِهِ كَأَن الشَّمْس أَو الْقَمَر فى سبايتها فَذَهَبت الى عَالم بالتغبير وقصتها عَلَيْهِ فَقَالَ لَهَا حملك هَذَا ذكر بملا الشرق والغرب علما وَكَانَ شيخ الطَّرِيقَة واحفظ من على وَجه الأَرْض بِالْحَقِيقَةِ وأفصح أهل زَمَانه على الاطلاق وأعظمهم نورانية وانشاءاً بالِاتِّفَاقِ ملك الْقُلُوب بعذوبة لَفظه وخدم السعد تَحت ركائب حَظه تعرف بِمن شآء بمعارف فَصَارَ من خاصته واجتنى ثَمَر صحبته ة تنكر على من شآء فَمَنعه استجلاء عرائس عرفانه وحجبه عَن حَضرته سَار فِي منَازِل السائرين سير الْجُنَيْد وفى منهاج العايدين سير أهل التَّجْرِيد أَعماله أغلبها قلبية وعلومه أَكْثَرهَا وهبية أَن تكلم فِي المعارف أبهر أهل العرفة أَو سكت خلت من لم يره قبل بأنواره قد عرفه لَا يتَكَلَّم فِي الْمحبَّة الا رايته ذَا شرف شَدِيد وَلَا يذكر بِاللَّه إِلَّا ألآن قلوباً فِي القساوة كالحديد تخال من حضر مَجْلِسه من الْقَوْم بِسَمَاع كَلَامه سكارى وَقُلُوبهمْ فِي شُهُود جماله عِنْد تنزل التجليات عَلَيْهِ واله حيارى لَا يرتاب ناظره مَعَ سَماع كَلَامه أَنه من أَرْبَاب الْقُلُوب وان المتنزل عَلَيْهِ من الْعلم اللدني قريب عهد بربه بارز من حَضْرَة علام الغيوب كَيفَ وَقد تربى فى حجر الْجلَال وارتضع من ثدي الْكَمَال واتصل نسبه بالذروة الصديقة أَو الشَّجَرَة المحمدية الحسنية بِاعْتِبَار أَنه سبط آل الْحسن وَجَاز كَمَال الْخلق الْحسن والفصاحة واللسن فَهُوَ ربيب أهل تِلْكَ الحضرة أهل الْولَايَة السَّابِقين بِأول نظرة الْمُمَيز من لدنهم فِي الْحَال طفوليته تَمْيِيز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 الْمَوْعُود من قبلهم على لِسَان بَعضهم أَن يكون فِي مملكة الْعرْفَان ملكا عَزِيزًا مشاهداً فى اخر أمره صدق هَذَا الْوَعْد وإنجازه تنجيزا أَلا ترى الى لبسه خلع الرِّئَاسَة الدِّينِيَّة وَحَال العوارف وصون نَفسه عَن الذلة لأبناء الدُّنْيَا مَعَ الْعلم بانه مباجنا بل جنى ثَمَر المعارف جولانه فِي ميدان الرياضات وَقبل أَن ترسي سفينة قدسه الْجَارِيَة فِي بحار انسه على سواحل الْإِرْشَاد لمعالم الديانَات والى ابدائه فِي مجَالِس املائه لكلماته الفتحية العطائية وعرائس الْحَقَائِق الْبَارِدَة عَن حضرات الْفَتْح المحمدي وَاللِّسَان الصديقي ولعمري أَن النَّاظر إِلَيْهِ إِذْ ذَاك يشْهد طلعته عِنْد ذَلِك نورا مَحْضا بل ذَاته وملابسته كلهَا كَذَلِك لكنه نور جمال يتمنع النّظر اليه وَلَا يدع فَذَلِك من أثر التجليات الالهية عَلَيْهِ وَكَانَ مَا هُوَ عَلَيْهِ من الِاشْتِغَال بالتصنيف والإفتاء لَا يزَال يتَكَلَّم على طَرِيق الاملاء وَكَانَ يجلس بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام وَفِي الْمَسْجِد النَّبَوِيّ وَفِي الْمَسْجِد الْأَقْصَى وفى الْجَامِع الْأَزْهَر وناهيك بِهَذِهِ الْمَوَاضِع الَّتِي كَانَ يجلس فِيهَا وَكَانَ كَأَنَّمَا يعْتَرف من بَحر اعاد الله عللينا من بركاته وَحكي أَنه كَانَ لَا يملي على الْقُرْآن والْحَدِيث حَتَّى يطالع الْمحل الَّذِي يتَكَلَّم عَلَيْهِ كعادة غَيره قَالَ فَبَيْنَمَا أَنا أطالع فِي الكراس وَأَنا قَاصد إِلَى الْجَامِع إِذْ نوديت فِي سري يَا أَبَا الْحسن أما الْقُرْآن والْحَدِيث فإلينا وَأما غَيره فإليك فَمن ذَلِك الْعَهْد الى تَارِيخه مَا طالعت لأملأ عَلَيْهِمَا فلى غعلى ذَلِك تسع وَثَلَاثُونَ أَو قَالَ بضع وَعِشْرُونَ سنة وانما اجىء الى مَحل الالقاء ولالا أدرى مَا يلقى على لِسَان فَيجْرِي الله تَعَالَى عَلَيْهِ نَحْو مَا تسمعونه وَله تصافيف كَثِيرَة لَا تحصى من جُمْلَتهَا تَفْسِير الْقرن الْعَظِيم واسْمه تسهيل السَّبِيل فِي فهم مَعَاني التَّنْزِيل وَشرح الْعباب الفقهي بشرحين مَبْسُوط ومختصر وَشرح روض ابْن الْمقري فِي حجم نصف شرح شَيْخه زَكَرِيَّا وَزَاد فِيهِ على شَيْخه اثنى عشر ألف فرع على كل فرع مِنْهَا علاقَة على الحاشبة بِصُورَة ف وَشرح منهاج النَّوَوِيّ بِخَمْسَة شُرُوح مِنْهَا الْكَنْز وَالْمُغني وَالْمطلب وَشرح الوردية فى النَّحْو وَاخْتصرَ من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 ايسا غوجي فِي مِقْدَار ورقة صَغِيرَة وَجمع أَرْبَعِينَ أَرْبَعِينَ حَدِيثا كل أَرْبَعِينَ مِنْهَا فِي نوع مِنْهَا أَرْبَعُونَ فِي الطّواف وَأَرْبَعُونَ فِي الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واربعون فى الشيب واربعون فى السِّوَاك انى غير ذَلِك من المؤلفات الجامعة النافعة الدَّالَّة على كَمَال احاطته وعلو شَأْنه نفعنا الله ببركاته آمين وَيُقَال إِن مؤلفاته تنيف على أَرْبَعمِائَة تأليف وَله حزب عَظِيم يُسمى حزب الْفَتْح وَقد شَرحه الْعَلامَة عبد النووى أَنه لَا يُوصف بِحل وَلَا بَحر الثَّالِث جعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الشُّبْهَة وسطا بَين الْحَلَال وَالْحرَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 قَالَ ابْن سُرَيج فى الودائع أما الشُّبْهَة فهى الشىء الْمَجْهُول تَحْلِيله على الْحَقِيقَة وتحريمه على الْحَقِيقَة فَيجب فِيمَا هَذَا شَأْنه التَّوَقُّف عَن التَّنَاوُل لَهَا فَإِذا لم يجد غنى عَنْهَا تنَاول مِنْهَا على حسب الْكِفَايَة لَا على حسب الاستكثار لِأَن الله تَعَالَى أَبَاحَ الْميتَة عِنْد الضَّرُورَة وهى مُحرمَة فالشبهة دونهَا انْتهى وَتوسع العبادى فَقَالَ فى الزِّيَادَات سُئِلت عَن الشُّبْهَة فى هَذَا الزَّمَان فَقلت هَذَا لَيْسَ زمَان الشُّبْهَة اجْتنب مَا عَرفته حَرَامًا يَقِينا والتحقة قَائِلا بِلِسَان طلق فصيح الله الله مرَارًا مُشِيرا بسبابته وطرقه الى السَّمَاء اشارة تذكيرها قَالَ بِحَيْثُ ان الْجمال سمع لَفظه فَعجب غَايَة الْعجب وَقَالَ مَا شَأْن هَذَا الرَّضِيع وَكم سنه فَقلت لَهُ هَذَا ولد مجدوب وتجاهلت عَلَيْهِ وَكَانَ يَقُول انى اذا دهنى هَذَا الامر لَا دَوَاء إِلَّا الالتجاء إِلَى الله تَعَالَى وَلذَا لما عجب بعض أَرْكَان الدولة من كَثْرَة تَوَجُّهِي إِلَى الحضرة الحرمية مَعَ عَظِيم الْمَشَقَّة والضعف فِي بنيتي وَعظم الْمصرف الَّذِي يبلغ كل عَام ثَلَاثَة آلالف دِينَار بِاعْتِبَار الْمُجَاورَة وَقَالَ لى يَا سَيِّدي اما تتركوا الاكثار من السّفر إِلَى الْحجاز فَقلت لَهُ أَنْت إِذا عرضت لَك حاجات فى أَمر اللملكة مَاذَا تفعل قَالَ أسافر إِلَى بَاب السُّلْطَان لعرضها فَقلت لَهُ فَأَنا تعرض لي حاجات فاسافر إِلَى بَاب السُّلْطَان وَهُوَ بَاب الله تَعَالَى وَمَا أحسن قَوْله فِي كِتَابه نتائج الذّكر فِي حقائق الْفِكر فِي أثْنَاء كَلَام لَهُ أَلا ترى الْحداد إِذا ادخل حَدِيدَة ليحميها فِي النَّار لأَنْت بَعْدَمَا كَانَت قاسية وبررت محمرة اللَّوْن بعد أَن كَانَت سَوْدَاء مظْلمَة وأضاء نورها وقوى اشراقها وانقدح شِرَارهَا فالاستغراق فِي الْمَذْكُور بالتخلي عَن السوي والتجلي بِشُهُود نعوت ذِي الْجلَال وَالْإِكْرَام مُسْتَغْرقا فِيهَا تذْهب أوصصاف البشرية مَا يكسبه الذاكر من أنوار المعارف القدسية فيتبدل وَصفه ويتغبر حلاه وتشرق أنوار علاهُ فهناك تذْهب الرسوم ويتجلى الحى القيوم والى ذَلِك الاشارة بقولى ... أنوار ذاتك أشرقت فى ذاتي ... فمحيت عَن كوني وكل صفاتي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 .. وَخرجت عَن كل الْوُجُود حَقِيقَة ... فجمال وَجهك فائق اللَّذَّات ومنن شعره أَيْضا ... قد كَانَ لي ارب قبل الْوُصُول بكم ... فَمد تجيتم صرنا بِلَا أرب ... ادهشتمونى عَن الاحساس قاطية ... فصرت فَردا لكم فى سَائِر الزئب وَهُوَ الذى افتى يحليه القهوة حَتَّى قَالَ فِي ذَلِك من أَبْيَات ... كاللبن الْخَالِص فِي حلّه ... مَا فارقته بِغَيْر الواد وَله أَيْضا فِيهَا هَذِه الأبيات ... أَقُول لمن قد ضَاقَ بالهم صَدره ... وَأصْبح من كئر التشاغل فى الْفِكر ... عَلَيْك بِشرب الصَّالِحين فَإِنَّهُ ... شراب طهُور سامي الذّكر وَالْقدر ... فمطبوخ قشر البن قد شاع ذكره ... عَلَيْك بِهِ تنجو من الْهم فِي الصَّدْر ... وخل ابْن عبد الْحق يفى بِرَأْيهِ ... وخذها بفتوى من أبي الْحسن الْبكْرِيّ وَاجْتمعَ هُوَ وجدي الشريف عبد الله بن شيخ عِنْد الْحرم الشريف وتعانقا وَكَانَ مَعَ الْأُسْتَاذ وَلَده صَاحب التَّرْجَمَة فَطلب لَهُ الدُّعَاء من الْحس الْبكْرِيّ فَاسْتَجَاب الله دعاؤهما فِي الِاثْنَيْنِ وصارا كِلَاهُمَا آيَتَيْنِ فقاق كل مِنْهُمَا فى عصره الأقران وَصَارَ قدوه لأهل زَمَانه وَكَانَ مولده سنة تسع وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة وَلم اطلع على تَارِيخ وَفَاته هَذَا وَهُوَ الَّذِي مَنَعَنِي من ان اترجم لَهُ فى هَذَا التَّارِيخ بالاستقلال والا فَهُوَ جزى بذلك اذ هُوَ أوحد زَمَانه علما وَحَالا ومقاما ومغرقه رَحمَه الله نعم مَاتَ رَضِي الله عَنهُ فِي عشر السِّتين بِلَا خلاف فانه توفّي وَعمر وَلَده شيخ الْإِسْلَام مُحَمَّد الْبكْرِيّ اُحْدُ وَعِشْرُونَ سنة وَمَات الْمَذْكُور سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وعمره نَيف وَسِتُّونَ سنة فَليعلم وَالله أعلم وَخلف الشَّيْخ مُحَمَّد أَوْلَاد أَجلهم الشَّيْخ زين العابدين مَشى على طَرِيقه وَالِده فِي الْإِمْلَاء والدرس والجود وَالْكَرم ومحاسن الْأَخْلَاق والشيم مَعَ الجاه الْعَظِيم وَالْقَبُول التَّام عِنْد الْخَاص وَالْعَام وَذكروا عَنهُ كرامان وَلم يزل كَذَلِك حَتَّى مَاتَ فِي سنة ثَلَاث عشرَة بعد الْألف رَحمَه الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 قتلة بعض باشوات مصر ظلما لَان الشَّيْخ كَانَ اغلظ لَهُ بالْقَوْل فِي بعض الْأُمُور فَغَضب وَقَتله ثمَّ أَن أهل مصر المحروسة قَامُوا على ذَلِك الرجل وقتلوه وَمن شعره ... دَار فكري يَا رب فِي كل خلق ... لم أجد سواك وحقك ... فاغثى فإنى عبد رقك ... وتطف وامنن عَليّ برزقك وفيهَا توفّي الشَّيْخ الْعَلامَة مُحَمَّد بن عبد الْحق الْعقيلِيّ الْمَالِكِي بِمَكَّة وَكَانَ قد تربى فِي حجر الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة على ابْن مُحَمَّد البكرى المالكى وَأخذ عَنهُ وَقَرَأَ عيله فَهُوَ من أجل تلاميذته وَلِهَذَا اوصى إِلَيْهِ وَقت وَفَاته بتربية وَلَده صاحبنا الشَّيْخ الْعَلامَة أَحْمد بن على البكرى فاخذ عَنهُ وَقَرَأَ عَلَيْهِ حَتَّى برع وانْتهى إِلَى مَا انْتهى إِلَيْهِ رَحمَه الله آمين وَسمعت صاحبنا الشَّيْخ الْعَلامَة أَحْمد بن عَليّ البسكري قَالَ سَمِعت شَيخنَا جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الْحق الْمَالِكِي يَقُول إِن الشَّيْخ الْكَبِير الرباني الْعَارِف بِاللَّه مُحَمَّد بن عراق أرسل إِلَى الشَّيْخ الْعَلامَة أَحْمد بن عبد الْغفار الْمَالِكِي أَن يتْرك شرب القهوة فِيمَا بَين النَّاس ويشربها فِي خلْوَة وان يتْرك السماع وَأَن يتْرك لعب الشطرنج فَقَالَ لَهُ السيخ أَحْمد بن عبد الْغفار اما مَا أَمرتنِي بِهِ من ترك شرب القهوة فِيمَا بَين النَّاس وشربها فِي الخلوه فَكَانَ الأولى أَن تامرنى بعكس ذَلِك وَأما مَا أَمرتنِي بِهِ من ترك السماع فَلَا سمع وَلَا طَاعَة فِي ذَلِك وَأما مَا أَمرتنِي بِهِ من ترك لعب الشطرنج فَهُوَ حق وَصدق غبير أَنى ابْتليت بِهَذَا الدَّاء فاسأل الله لي تَعْجِيل الدَّوَاء وَالسَّلَام قلت وَكَانَ تِلْمِيذه سيدنَا وصاحبنا الشَّيْخ أَحْمد الْمَذْكُور من أهل الْعلم وَالصَّلَاح مُتبعا للْكتاب وَالسّنة سالكا على النهج السّلف الصَّالح متصفا بالعفاف قانعا باكفاف لَا ترى فى أَكثر الْأَوْقَات إِلَّا مَشْغُولًا بمطالقة أَو كِتَابَة مظْهرا للجمالة لَهُ جملَة مصنفات مِنْهَا رِسَالَة فِي القهوة مفيدة جدا وَكَانَ كف بَصَره قبل وَفَاته بِقَلِيل وَكَانَت وَفَاته فِي لَيْلَة السبت ثَالِث عشر شهر ربيع الثَّانِي سنة تسع بعد الْألف باحمد اباد وعمره سَبْعُونَ سنة رَحمَه الله وَمن شعره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 .. أَقْسَمت بِاللَّه مَا حَالَتْ مودتكم ... يَوْمًا وَلَا حلت عَن عهدى وميثاقى ... وَلَا تنقست أنفاساً ارددها ... إِلَّا وَفِي ضمنهَا دمعي وأشواقي ... وَقد لسعت بحيات الْفِرَاق وَلم ... أجد لذذاتى ترياقا وَلَا راقى ... غير العدعاء بَان الله يجمعنا ... فِي سوحه كرماً من غير عواق ... وَمِنْه أَيْضا فِي صدر رِسَالَة أرسل بهَا إِلَى بعض أَصْحَابه بِمَكَّة المشرفة ... وحياة من حل الْحطيم وزمزما ... والمروتين وَمن بِذَاكَ الْوَادي ... مَا حلت عَن حبكم وَلَو أنني ... حاولت ذَاك لما اطاع فُؤَادِي ... وَمِنْه ... تدارك أَيهَا الساقى نقوسا ... ترقت والهموم الى التراق ... بِنِعْمَة شادن توحي يَدَاهُ ... إِلَى الأوتار آيَات اشتياق ... فَقُمْ نملا صحائفنا سُرُورًا ... بِشرب وَالْتزم واعتناق ... وَمِنْه ... إِذا الْعشْرُونَ من شعْبَان وافت ... تهَيَّأ الصّيام وللقيام ... وَلَا تكسل عَن الطَّاعَات فِيهِ ... فَهَذَا الْوَقْت وَقت الاغتنام ... فشهر الصَّوْم قد وافاك حَقًا ... بِكُل المكرمات على الدَّوَام ... وَمِنْه ... إِلَّا قُولُوا لمن قد زَاد طَعنا ... وعد وانا وَلَا يخْشَى رقيبه ... سِهَام اللَّيْل قد قربت مدجاها ... تنبه انها تأتى قَرْيَة ... تيقظ من مَنَامك واخش مِنْهَا ... وحقق انها تَأتي مصيبه ... وَمِنْه ... لله مجْلِس انس ... حاوي جَمِيع المحاسن ... قد تمّ حسنا وظرفاً ... فَانْظُر إِلَيْهِ وعاين ... وَمِنْه مُعَارضا قَول من قَالَ مدحا فى صَحِيح البخارى ... صَحِيح البخارى لَو انصفوا ... لما خطّ إِلَّا بِمَاء الذَّهَب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 فَقَالَ رَحمَه الله ... صَحِيح البخارى لَو انصفوا ... لما خطّ إِلَّا بِمَاء الْبَصَر ... وَمَا ذَاك إِلَّا لضبط الْأُصُول ... وَعدل الروَاة ينْقل الْخَبَر ... وَفِيه عُلُوم الورى جمة ... تضمنها قَول خير الْبشر ... وَقد فاق فضلا على غَيره ... فأضحى إِمَامًا لكتب الْأَثر ... هُوَ الْبَحْر علما فَإِن خضنه ... ظَفرت بكثر الْهدى والدرر ... فُلَانُهُ درسا وَلَا تبتغى ... بِهِ غَيره فى المَاء وَالْبكْر ... فقد قَالَ قوم لَهُم خبْرَة ... هُوَ الْبُرْء من أَمر خطر ... لدنبا وَأُخْرَى وَفِي كل مَا ... ترجي وتبغي بِهِ من وطر ... لجامعه رَحْمَة دَائِما ... كقطر السَّمَاء ورمش النّظر ... وعد الرمال وَمَاء الْبحار ... وعد الطُّيُور وَنبت الشّجر ... الى الْحَشْر والنشر والملتقى ... بدار الْبَقَاء وَحسن الْمقر ... وناظمها يرتجي دَعْوَة ... من الصحب بِالْخَيرِ عِنْد النّظر ... وصل آلهي على الْمُصْطَفى ... وَمن نوره فاق ضوء الْقَمَر ... وَآل وَصَحب وأتباعهم ... وَمن جَاءَ من بعدهمْ فِي الْأَثر وَمِنْه تخميس على هَذِه القصيدة الْعَظِيمَة وَهُوَ هَذَا ... يَا من لَدَيْهِ العَبْد حَقًا يخضع ... وَالروح مِنْهُ والجوارح نضرع ... يَدْعُوك عِنْد الكرب فضلا تدفع ... يامن يرى مَا فى الضَّمِير وَيسمع ... أَنْت المعبد لكل مَا ينوقع ... أَنِّي تعبت من الذُّنُوب وثقلها ... هِيَ كالجبال فَلَا أُطِيق لنقلها ... فامتنن على بمحوها ويغسلها ... بامن يُرْجَى للشدائد كلهَا ... يَا من إِلَيْهِ المشتكى والمفزع ... يَا رب بالفرقان ثمَّ بلم يكن ... هون على الحادثات لكى نهن ... هَا عَبدك العاصى تحقق لايظن ... يَا من خَزَائِن ملكه فِي قَول كن امين فَإِن الْخَيْر عِنْد أجمع ... يَا رب طاعاتي إِلَيْك قَليلَة ... يَا رب أوزارى على ثَقيلَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 .. مَا لى ملاذ لَا وَلَا لى حِيلَة ... مَالِي سوى فقري إِلَيْك وَسِيلَة وبالافتقار إِلَيْك فقري أدفَع ... كَيفَ السُّؤَال حقيرة وذليلة ... وبضاعة التَّقْوَى لذى قَليلَة ... وعوائد الافضال مِنْك جزيلة ... مَالِي سوى فقرى اليك وَسِيلَة فلئن رددت فَأَي بَاب أَقرع ... يَا رب عَبدك يشتكي من سقمه ... يَا رب من يَرْجُو لشدَّة غمه ... إِن أَنْت تدفع عَظِيم ملمة ... فَمن الذى أَدْعُو وَمَا هتف باسمه إِن كَانَ فضلك عَن فقيرك يمْنَع ... يَا رب هَذَا العَبْد اصيح راجيا ... عفوا من الْمَاضِي وَمَا هُوَ آتِيَا ... وَتَكون عني فِي الْقِيَامَة رَاضِيا ... لَو دعك أَن تقنط عاضاة الْفضل أجزل والمواهب أوسع فَائِدَة ذكر ابْن جمَاعَة وَابْن عَسَاكِر والسهيلي أَن الأبيات السَّبْعَة الَّتِي أَولهَا يَا من يرى فِي الضَّمِير وَيسمع فِي خاصيتها الْإِجَابَة زَاد ابْن جمَاعَة وَرَأى ذَلِك مَنْقُولًا بِخَط النَّوَوِيّ عَن بعض العارفين وَمِنْه أَيْضا تخميس هَذِه الأبيات الْمَشْهُورَة الْبركَة وَهُوَ هَذَا ... توسل بِالنَّبِيِّ وبالوصى ... وبالحسين والشهم الزكي ... وَكم لله من فضل وَفِي ... وَكم لله من لطف خَفِي يدق خفاه عَن فهم الذكي ... إِلَيْهِ تَوَجُّهِي فِي كل دهر ... عَلَيْهِ توكلي فِي كل أَمر ... فكم من شدَّة ذهبت وفقر ... وَكم يسر أَتَى من بعد عسر فَفرج كربَة الْقلب الشجي ... فشكراً للَّذي فلق الصباحا ... فكم من أزمة عَنَّا ازاحا ... وَكم هم تعاظم ثمَّ رَاحا ... لَا وَكم أَمر تَاء بِهِ صباحا وتأتيك المسرة بالْعَشي ... إِلَى كم يَا جهول تزيد لؤما ... وَمَا لَك لَا تفيق الدَّهْر نوماً ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 .. دع الأوطان يَا خلى وقوما ... إِذا ضَاقَتْ بك الْأَحْوَال يَوْمًا ... فثق بِالْوَاحِدِ الْفَرد الْعلي ... إِذا ضَاقَ الفضاء وكل رحب ... عَلَيْك بِكُل حَادِثَة وخطب ... وَلم يجد الحبيب وكل صحب ... توسل بِالنَّبِيِّ فَكل صَعب ... يهون إِذا توسل بالنبى ... إِذا لم تلق بالإخوان منعا ... وضاق الْقلب بالأهوال ذرعا ... توسل بالنبى تنَال ... وبالصديق والفاروق جمعا ... وَذي النورين وَالْمولى عَليّ ... زمَان فِيهِ للأعداء أَمر ... وجسم فِيهِ للالآم قهر ... فَكُن يَا قلب ثبتاً فِيك صَبر ... وَلَا تحزن إِذا مَا ضَاقَ صدر ... فكم لله من لطف خَفِي ... رويداً يَا زمَان فكم تعنت ... فروحي نَحْو وَادي الْخيف حنت ... وَنَفْسِي نَحْو خير الرُّسُل أَنْت ... عَلَيْهِ صَلَاة رَبِّي مَا تغنت ... حمامات على ورق رُوِيَ وَمِنْه تخميس على بَيْتِي شيخ الْإِسْلَام ابْن حجر الْعَسْقَلَانِي ... يَا رب كم من نعْمَة أسديتها ... يَا رب كم من رَحْمَة أرسلتها ... شكرا لفضلك كم ذنُوب غفرتها ... يَا رب أَعْضَاء السُّجُود عتقتها ... من فضلك الوافي وَأَنت الواقي ... بِشِرَاك أَعْضَاء السُّجُود لَك الهنا ... بِالْعَفو والغفران جَاءَ شرعنا ... وَلَقَد عتقت الْبَعْض منا رَبنَا ... وَالْعِتْق يسري بالغنا يَا ذَا الْغِنَا ... فَامْنُنْ على الفانى بِعِتْق البافى وَمِنْه أَيْضا تخميس على هذَيْن الْبَيْتَيْنِ وهما للشَّيْخ عبد الْمُعْطى أَبَا كثير ... أَدْعُوك يَا رب فِي الأصباح والأشراق ... تمنن علينا من النيرَان بالاعتاق ... وتبسط الرزق يَا وهاب يَا خلاق ... يَا مَالك الْملك يَا فتاح يَا رزاق ... يامن تكفل الْخلق بالارزاق ... فرج علينا الهي كل أَمر ضَاقَ ... وأمنن برزق وسيع فائض دفاق ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 .. يَا رب عَيْشًا هنيا صافياً قد راق ... يَا رب عطفا علينا مِنْك بالاشفاق ... وَفِيه يَقُول الشَّيْخ الْفَاضِل النحرير عبد اللَّطِيف بن مُحَمَّد الدبير أديب عصره وفريد دهره ... وأفا الْكتاب من الملاذ البكرى ... أزرى حلاوته بطعم السكرِي ... فَغَدَوْت من فرحي بِهِ ومسرتي ... نشوان رَاح فِي ثِيَاب تبخرى ... حصلت بِهِ الى النسيم منورا ... أمينة مثل الصَّباح المسفر ... يَا سَيِّدي خلي صديقي قدوتي ... مسدي إِلَيّ مواهباً لم تصغر ... يَا جَامعا للْعلم طراً والعلى ... وَجَمِيل شيم لَا يشنه ممترى ... أَنْت الذى خضت الْعُلُوم باسرها ... وَبَلغت قصواها وَلَيْسَ بمنكر ... يَا وَارِثا شرفا الْفَضِيلَة كَابِرًا ... عَن كَابر حَقًا بمثلك مفخري ... أَعنِي شهَاب الدّين من فاق الورى ... بِالْفَضْلِ وَالْأَدب الْأَغَر الأنور ... مذ غبت عَنى لم أزل لَك ذَاكِرًا ... بمناقب لَك وَالثنَاء الأعطري ... هَل عطفة مِنْك يَا خل برأفة ... فجواي نَام والتسلي مزدري ... وَالله اسْأَل جمع شَمل عَاجل ... فدعاء ظهر الْغَيْب صَاح مُؤثر ... أبقاك رَبِّي للأفادة دَائِما ... بالمصطفى الهادى الْأمين وجيدر ... وللشيخ عبد اللَّطِيف الْمَذْكُور فِيهِ جملَة قصائد مِنْهَا قصيدته الَّتِي يَقُول فِيهَا ... أَعنِي بِهِ أَحْمد الْمُخْتَار سيرته ... خلقا وخلقا سة اه لَا يُسَاوِيه ... شهَاب الدّين نجل عَليّ البسكري بَلَدا ... الْمَالِكِي مذهبا من ذَا يساميه ... قد خصّه بجزيل الْفضل خالقه ... بسر طي معَان فِي معاليه ... لَهُ بديع بَيَان فِي الْخطاب يرى ... وجيز لفظ وَقد جلت مَعَانِيه ... فكم جلا دررا تسمو الذرارى من ... أَبْيَات أفكاره الْمَخْصُوص من فِيهِ ... أخباره قد أَتَت فِي الْحَال تخبر عَن ... مَاض ومستقب من أَمر باريه ... حَدِيثه الْحسن العالي رِوَايَته ... أعلت لسامعه شَأْنًا وَرَاوِيه ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 وَمِنْهَا قصيدته الَّتِي يَقُول فِيهَا ... شيخ الزَّمَان البسكري المقتدى ... فَالله يَكْفِيهِ الصوارف مَا بقى ... وفيهَا فِي ثَانِي عشر الْمحرم توفّي الشَّيْخ الْفَاضِل الْعَالم الْمُحدث الْفَقِيه رَحمَه الله بن عبد الله السندي الْحَنَفِيّ نزيل الْمَدِينَة المشرفة بِمَكَّة وَدفن بهَا وَكَانَ من الْعلمَاء العاملين وَعباد الله الصَّالِحين رَحمَه الله تَعَالَى وطبق بعض الْفُضَلَاء تَارِيخ مَوته بِحِسَاب الْجمل فجَاء رَحمَه الله قد نَالَ مُرَاده وَزَاد فِي الْعدَد إثنان وَذَلِكَ مسامح فِيهِ عِنْد أهل هَذَا الْفَنّ خُصُوصا إِذا كَانَ التَّارِيخ فِيهِ مُنَاسبَة للْحَال قلت وَأحسن من هَذَا مَا أتفق لوالدي رَحمَه الله فَإِنَّهُ ولد لَهُ ولد سَمَّاهُ فضل الله وَجَاء تَارِيخه أَيْضا فضل الله وَهَذَا من غَرِيب الاتفاقات ولطيف المناسبات قيل وَلما فرغوا من دَفنه مُطِرُوا فِي تِلْكَ السَّاعَة وَقد أَشَارَ صاحبنا الشَّيْخ مُحَمَّد بن الشَّيْخ عبد اللَّطِيف الحامى الْمَكِّيّ الشهير بمخدوم زَاده إِلَى هَذَا فِي القصيدة الَّتِي رثاه بهَا فَقَالَ ... رَحْمَة الله لَا تفارق مثوى ... رَحْمَة الله بالحيا والغمام ... وَكَانَ لَهُ أَخ أُسَمِّهِ حميد وَكَانَ من أهل الْعلم وَالصَّلَاح حسن الاخلاق كثير التَّوَاضُع وافر الْعقل ظَاهر الْفضل جليل الْقدر وَحصل لَهُ فِي آخر الْأَمر جاه عَظِيم جاور بِمَكَّة المشرفة تسع سِنِين وَمَات بهَا سنة تسع بعد الْألف وقبر عِنْد أَخِيه صَاحب التَّرْجَمَة وعمره نَحْو تسعين سنة وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ كَانَ بَقِيَّة السّلف الصَّالح رَحمَه الله وفيهَا فِي لَيْلَة الْخَامِس من الْمحرم توفّي الخان مُحَمَّد الفخان بن ياقوت الفخان سلطاني وَكَانَت وِلَادَته بِأَحْمَد أباد فِي لَيْلَة الْخَمِيس خَامِس شهر صفر سنة اثْنَيْنِ وَخمسين وَتِسْعمِائَة وَكَانَ شَابًّا صَالحا فَاضلا حسن الْأَخْلَاق والشيم مَشْهُورا بالسخاء وَالْكَرم وَغير ذَلِك من الصِّفَات الحميدة كالحياء والمروءة والعفاف والتواضع مفرطا فى الشجَاعَة وَكَانَ محبا لأهل الْفضل مقرباً لَهُم محسناً إِلَيْهِم مؤلفاً لَهُم حسن العقيدة فِي الاولياء وَالصَّالِحِينَ عَظِيم الرأفة بالفقراء وَالْمَسَاكِين وزر بكجرات وخواطب بالفخان بعد موت أَبِيه فحمدت سيرته ودام على ذَلِك بُرْهَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 من الزَّمَان وَلما استولى السُّلْطَان اكبر على كجرات سَار مَعَه إِلَى اكره وولاه كوالير ثمَّ اضاف إِلَيْهَا بهار وَكَانَ من جملَة الامراء الَّذين عينهم على بنكاله وَلم يزل كَذَلِك حَتَّى مَاتَ بهَا رَحمَه الله سنه أَربع وَتِسْعين بعد التسْعمائَة 994 هـ وَفِي سنة أَربع وَتِسْعين توفّي العَبْد الصَّالح اتلخان الحبشي مُرِيد سَيِّدي الشَّيْخ الْوَالِد وَكَانَ مُبَارَكًا سليم الصَّدْر حسن العقيدة فِي الْأَوْلِيَاء وَالصَّالِحِينَ سِيمَا فِي شَيْخه سَيِّدي الْوَالِد فَإِنَّهُ كَانَ فانياً فِيهِ وَفِي محبته باذلا روحه وَمَاله فِي مرضاته وَكَانَ يحفظ لَهُ جملَة من الكرامات وَكَانَ يتَصَرَّف بِهِ وَكَانَ يكْتب للنَّاس التمائم بِخَطِّهِ فتنفع وَحكي أَنه كَانَ لَا يحسن الْكِتَابَة وَلَا الاستخراج فَذكر ذَلِك لشيخه الْمَذْكُور فَقدر عَلَيْهِمَا ببركته وَكَانَ حسن الْأَخْلَاق لين الْجَانِب متواضعا كثيرا الصَّدَقَة والاحسان عفيفاً رَحمَه الله تَعَالَى آمين وفيهَا كَانَ جهز السُّلْطَان أكبر عَسْكَر إِلَى الدكن مدَدا لبرهان شاه فانكسروا وَرَجَعُوا سنة خمس وَتِسْعين بعد التسْعمائَة 995 هـ وَفِي سنة خمس وَتِسْعين أحدث السُّلْطَان مُرَاد بن السُّلْطَان سليم بن السُّلْطَان سُلَيْمَان على بَاب الصَّفَا سَبِيلا للشُّرْب فَجعل الشَّيْخ الْفَاضِل عَليّ بن عبد الْكَبِير أَبَا حميد الْحَضْرَمِيّ أصلا الْمَكِّيّ وطناً لذَلِك تَارِيخا لطيفاً ونظمه فِي أَبْيَات فَقَالَ ... أَنا سَبِيل أشاد مجدي ... مليك كل الورى مُرَاد ... مليك كل الْمُلُوك طراً ... عجماً وعرباً لَهُ تقاد ... فاق على قَيْصر وكسرى ... بعدلله قرت الْبِلَاد ... بأمنه عز كل قطر ... الْغَوْر والسهل والنجاد ... مد على الْخلق فيض بر ... فَعَاشَ فِي فَضله الْعباد ... صَار بِهِ للاله جاراً ... وجاره الدَّهْر لَا يكَاد ... يعم كل الْأَنَام نفعا ... كَأَنَّهُ للورى عهاد ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 .. فَكَانَ لِلْخلقِ من نداه ... مَاء بام الْقرى وَزَاد ... لَهُ من الله سلسبيل ... وكوثر مَا لَهُ نفاد ... جَاءَ بِلَا غَايَة لمجد ... تَارِيخ بُنْيَانه المشاد ... أَسْنَى بالصفا سَبِيلا ... لله سلطاننا مُرَاد ... سنة سِتّ وَتِسْعين بعد التسْعمائَة 996 هـ وَفِي لَيْلَة الْخَمِيس تَاسِع الْمحرم سنة سِتّ وتسعمين توفّي الشريف الْفَاضِل مُحَمَّد بن الْحُسَيْن السَّمرقَنْدِي الحسينى بِالْمَدِينَةِ المشرفة وَكَانَ أهل الدينة إِذا أَرَادوا مُكَاتبَة أحد من الأكابر لَا يَكْتُبُونَ ذَلِك المرسوم إِلَّا باشائه وَلما مَاتَ أحصيت كتبه فَكَانَت ألفا وَتسْعُونَ كتابا وَوجدت بِخَطِّهِ هذَيْن الْبَيْتَيْنِ ... روحي ائتلفت بحبكم فِي الْقدَم ... من قبل وجودهَا فِي الْقدَم ... مَا يحل بِي بعد عرفانكم ... أَن أنقل عَن طرق هواكم قدمى ... وَذكر أَنَّهُمَا لسيدى الشَّيْخ عبد الْقَادِر الجيلاني قدس الله روحه وانهما اذا قرئا فِي اذن المصروع أَفَاق الْبَتَّةَ وَاجْتمعَ هُوَ وَالشَّيْخ عبد الرؤوف الْوَاعِظ تجاه الْحرم الشريف فَحصل غيث فَقَالَ السَّيِّد مُحَمَّد السمر قندى ... لله يَوْمًا بِفنَاء مَكَّة ... تجاه بَيت الله أقْصَى الطّلب ... فَقَالَ نزل الْغَيْث على سطحه ... وسال من ميزاته وانسكب ... فَقَالَ السَّيِّد مُحَمَّد ... سُئِلت أَن أفْصح عَن كنهه ... قلت لجينا قد جرى من ذهب ... وَمن شعره ايضاً هَذِه القصيدة وهى فى مدح الشربف أَحْمد بن سعد الْحُسَيْنِي الْمدنِي رَئِيس الْأَشْرَاف بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة وأولها ... عز الديار بطول السمر والقضب ... وَالْأَخْذ بالثار مَعْدُود من الْحسب ... هَذَا بسعدك يَا ابْن الأكرمين أَتَى ... وَإِن أردْت فَقل سعدي وَسعد أَبى ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 وفيهَا فِي يَوْم الْخَمِيس السَّابِع وَالْعِشْرين فِي شهر ربيع الأول توفيت السيدة سلمى بنت سَيِّدي الشَّيْخ الْوَالِد رحمهمَا الله وخلفت سِتَّة من الْأَوْلَاد الذُّكُور خَمْسَة مِنْهُم ابوهم السَّيِّد مُحَمَّد بن الشَّيْخ أَحْمد بن حُسَيْن العيدروس وهم حُسَيْن وَعلي وَعبد الرَّحْمَن وَأَبُو بكر وعلوي وَالسَّادِس أَبوهُ الْهَادِي بن عبد الرَّحْمَن بن شهَاب ابا علوى واسْمه أَحْمد أَصْلحهم الله بِمَا أصلح بِهِ آبَاءَهُم العارفين ورزقهم مَا رزق أولياءهم المقربين وفيهَا فِي عصر يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع شهر شعْبَان توفّي الشَّيْخ الإِمَام والحبر الْهمام الرحالة الْمُحَقق المعمر الْعَلامَة جمال الدّين مُحَمَّد بن الصّديق الْخَاص الْحَنَفِيّ الزبيدِيّ وَدفن صَبِيحَة الْخَمِيس بِبَاب سِهَام وعمره نَحْو التسعين وَكَانَ من كبار عُلَمَاء زبيد وأعيان المدرسين بهَا وَبَقِيَّة الْمُفْتِينَ على الْمَذْهَب الامام الْأَعْظَم أَبى حنفية بقطر الْيمن وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ كَانَ لَيْسَ لَهُ نَظِير فِي زَمَانه وَلم يخلف بعده مثله وَكَانَ الباشوات فَمن دونهم يعظمونه جدا ويقبلون كَلَامه وَلَا يردون شَفَاعَته غَالِبا رَحمَه الله تَعَالَى وفيهَا وَقعت الزلزلة بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة فَقَالَ بعض الْفُضَلَاء من أهل مَكَّة فِي ذَلِك ... إِذا زلزلت أَرض خير الورى ... فزلزلت الأَرْض زِلْزَالهَا ... فشمر عَن سَاقه عَارِف ... وَقَالَ عني ذَوُو النهى مَالهَا ... وفيهَا خلع مرتضى نظام شاه فِي يَوْم سادس عشر شهر رَجَب وَمَات بعد ثَلَاثَة أَيَّام من خلعه ثمَّ وَلَده حُسَيْن عشرَة أشهر وَقتل يَوْم سادس عشر جُمَادَى الأولى قَتله الخراسانيون ثمَّ تسلطن بعده إِسْمَاعِيل بن برهَان شاه فَحكم إِسْمَاعِيل سنتَيْن وشهرين ثمَّ خلع بوصول أَبِيه برهَان سنة سبع وَتِسْعين بعد التسْعمائَة 997 هـ وَفِي سنة سبع وَتِسْعين توفيت الولية الصَّالِحَة السيدة الْخيرَة فَاطِمَة بنت السَّيِّد وَزَوْجَة السَّيِّد وَأم السادات بنت الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 زَوْجَة سَيِّدي الشَّيْخ الْوَالِد وَأم أَوْلَاده الْكِبَار وَكَانَت من العابدات الصَّالِحَات وَحكي عَنْهَا كثير من الكرامات ويكفيها أَنه يصدق فِيهَا مَا قيل فِي بنت الشَّيْخ عمر المحضار بنت القطب وَزَوْجَة القطب وَأم القطب قلت وَبنت الشَّيْخ عمر الْمَذْكُور لم يكن لَهَا أحد من الْأُخوة وَأما هَذِه فأخوها الشَّيْخ الْكَبِير شهَاب الدّين بن عبد الرَّحْمَن وَقد قيل فِيهِ أَنه قطب فَتكون أُخْت القطب أَيْضا وَهَذِه وَالله هِيَ المناقب الَّتِى لَا تدْرك بِدُونِ الْمَوَاهِب فهنيئا لَهَا ذَلِك وطوبى ثمَّ حَيْثُ أَنَّهَا كَذَلِك رَحمهَا الله تَعَالَى وَكنت التمست من وَلَدهَا أخي السَّيِّد عبد الله أَن يطْلب لي مِنْهَا الدُّعَاء فَأخْبر أَنَّهَا تلفظت عِنْد ذَلِك وَالْحَمْد لله بِأَلْفَاظ تشعر بمزيد الاعتناء وَكَمَال السَّعَادَة بِحُضُور الْوَلِيّ الْكَبِير والعارف الشهير السَّيِّد الْجَلِيل جمال الدّين مُحَمَّد بن عقيل أَبَا علوى أَرْجُو من الله تَعَالَى ثَمَرَة ذَلِك وَمَا ذَلِك على الله بعزيز وفيهَا سَافَرت من أَحْمد اباد إِلَى بروج واقمت بهَا سنة وشهران وَكتب إِلَى الشَّيْخ مُحَمَّد بن عبد اللَّطِيف الشهير بمخدوم زَاده فِي صدر مَكْتُوب شعر ... مذ قدمتم لبروج وحللتم ... برباها غارت جَمِيع النواحي ... فَلِذَا أَرض سورت فِي اغتباط ... لم تزل مثل غَيرهَا فِي نواح ... وَكتب أَيْضا ... أَنْت شمس وبروج لَك برج ... وَكَذَا الشَّمْس فِي أبراجها تتنقل ... فَعَسَى سُورَة بنورك تحظى ... وعَلى خلقك الْعَظِيم الْمعول ... وفيهَا وَقع الشُّرُوع فِي عمَارَة قبَّة ضريح سَيِّدي الشَّيْخ الْوَالِد شيخ بن عبد الله بن شيخ بن الشَّيْخ عبد الله العيدروس أَبَا علوى وَوضع أول لبنة فِيهَا صَبِيحَة يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشر جُمَادَى الأولى وفيهَا فِي رَجَب الْفَرد فرغت من تصنيف كتابي الفتوحات القدوسية فِي الْخِرْقَة العيدروسية وَوَافَقَ تَارِيخ ذَلِك الْعَام بِحِسَاب الْجمل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 عدد حُرُوف لبس خرقَة وَكَانَ جعل هَذَا التَّارِيخ صاحبنا الْعَلامَة جمال الدّين مُحَمَّد بن الشَّيْخ عبد اللَّطِيف الجامي الْمَكِّيّ الشهير بمخدوم زَاده قَالَ وَلما كَانَ مَوْضُوع هَذَا الْكتاب الشريف والتأليف المنيف هُوَ لبس الْخِرْقَة أَتَى تَارِيخ ذَلِك لبس خرقَة وَقل أَن يتَّفق مثل هَذَا التَّارِيخ لَكِن سر نفس العيدروس سرى فأثر وعَلى مثلهم مثل هَذَا لَا يستكثر وَلَا يستنكر وَقد نظمت التَّارِيخ ... لمن حلل الْكَرَامَة مُسْتَحقَّة ... لمن أدّى لِبَاس الْفقر حَقه لمحيي الدّين نجل شرِيف شيخ ... وَمن حلى بدر اللَّفْظ نطقه سليل العيدروس أَبَا وَأما ... وَمن بدر السُّعُود أنار أفقه تفقه فِي الْعُلُوم صَغِير سنّ ... لقد نَالَ السَّعَادَة من تفقه حباه الله علما من لَدنه ... بِلَا كد أَتَاهُ وَلَا مشقة فيا لَك عَالم علم أَمَام ... لَهُ فِي الْعلم تَحْقِيق ودقة وتأليف لَهُ كالبحر وافا ... ابان بِهِ لَدَى الْفُضَلَاء حذقه لما قد نَالَ من خلق وحلم ... لَهُ الْأَحْرَار قد أضحت أرقه فَصدق مَا أَقُول بِلَا نزاع ... فقد أبدى لَك الرَّحْمَن صدقه وَلما كَانَ ذَا التَّأْلِيف فِيمَن ... تشرف فِي الانام بِلبْس خرقه فَلَا عجب وَلَا بدع إِذا مَا ... اتى تَارِيخ ذَلِك لبس خرقه ... قلت وعارض هَذِه القصيدة الْمُبَارَكَة صاحبنا الشَّيْخ الْعَلامَة شهَاب الدّين أَحْمد بن عَليّ البسكري الْمَالِكِي رَحمَه الله تَعَالَى ... تَبَسم فاتنى يَوْمًا ببرقه ... فذابت مهجتي وازددت عشقه وحيرني وصيرني ذليلاً ... واشعل فِي الْفُؤَاد وَقيد حرقه فَقلت لَهُ ترفق بِي وسر بِي ... طَرِيق اللاء قد أضحوا أرقه وَلَا تمنع عبيدك من وصال ... وَلَا تقطع بِفَضْلِك قطّ رزقه فألوى معرضًا يُبْدِي دلالا ... على من زَاد من جفنيه دفقه يواصل صده فِي كل حِين ... وَيمْنَع رفده وكذاك نطقه فَلَمَّا أَن تَمَادى فِي صدودي ... وادمى مقلتي والعظم دقه وصرت مولهاً صبا كئيباً ... حَزِين الْقلب من بعد وَشقه ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 .. ثنيت عنان شكواي إِلَى من ... حباه الله مغربه وشرقه إِمَام الْعَصْر قطب الْوَقْت حَقًا ... واعلمه وأفضله وَافقه هُوَ الحبر الإِمَام ونجل شيخ ... وَمن نَالَ الْعُلُوم بِلَا مشقه هُوَ الفخرالمعظم من تحلى ... بِكُل المكرمات وَحَازَ سبقه مرقى السالكين إِلَى مقَام ... بادنى نظرة مِنْهُ وحدقه رعاه الله مَا أحلى وأغلى ... جواهره وَهَذَا الدّرّ نطقه فعاينه بتصنيف عَظِيم ... يُسمى الْفَتْح فِي الباس خرقه لقد حلى الْمجَالِس حِين يقرا ... جواهره بلطف ثمَّ رقّه لقوم قد علوا عزا وشأناً ... بهم يسقى الرَّحِيم الله خلقه بِهِ أبدى كرامات عِظَام ... وسطرها بِمَعْرِِفَة ودقه لذا قد قَالَ رب الْفضل قبلي ... أبان بِهِ لَدَى الْفُضَلَاء حذقه وَضَابِط عَامه وَالْوَصْف قد جَاءَ ... بِقَوْلِي الْكثير النَّفْع فافقه فَلَا زَالَت دراريه توالي ... علينا سرمداً مَا نَالَ افقه وَعَبْدك أَحْمد يَرْجُو دواماً ... لَهُ وَذَوِيهِ لَا يَنْفَكّ عتقه لكم ولآلكم بَين البرايا ... ويحميه من الاسواء ورفقه بِحَق مُحَمَّد مَا نَار بدر ... وَمَا لمعت بِذَاكَ الْخيف برقه كَذَاك الْآل وَالْأَصْحَاب طراً ... وَمَا ظهر السَّحَاب وجاد ودقه ... سنة ثَمَان وَتِسْعين بعد التسْعمائَة (998) هـ وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع عشر شهر ربيع الأول سنة ثَمَان وَتِسْعين توفّي الْوَلِيّ السعيد الشريف الْعَلامَة ذُو الْولَايَة والإمامة الْحَافِظ الضَّابِط مُسْند الدُّنْيَا مَالك أزمة الشّرف الْعليا مُحدث الديار اليمنية وفقيهها باجماع الْبَريَّة الطَّاهِر بن الْحُسَيْن بن عبد الرَّحْمَن الأهدل جمال الدّين بركَة الْمُسلمين مُفِيد الطالبين وَصلي عَلَيْهِ بِمَسْجِد الأشاعر بعد صَلَاة الْعَصْر وَدفن بمقبرة أَهله بِبَاب سِهَام قَرِيبا من مشْهد الشَّيْخ الصياد ولد سنة أَربع عشرَة وَتِسْعمِائَة بقرية المراوغة وَبهَا نَشأ وَتعلم الْقُرْآن وَقَرَأَ على إِمَام جَامعهَا الشَّيْخ الصَّالح الْفَاضِل الْعَلامَة فَخر الدّين أبي بكر الْمعلم عُلُوم النَّحْو والحساب وَالْفِقْه وَغير ذَلِك وَبِه تخرج ثمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 انْتقل إِلَى مَدِينَة زبيد ولازم شيخ الْإِسْلَام وعلامة الانام الْحَافِظ أَبَا الضياء عبد الرَّحْمَن بن عَليّ الديبع الشَّيْبَانِيّ فَقَرَأَ عَلَيْهِ وانتفع بِهِ انتفاعاً رقى بِهِ إِلَى دَرَجَة الْكَمَال وساد على الْأَمْثَال وَله مَشَايِخ كَثِيرَة فِي الحَدِيث وَغَيره مِنْهُم الْعَلامَة شيخ الْإِسْلَام أَبُو الْعَبَّاس الطبنداوي ومولانا عَلامَة الدَّهْر وَوَاحِد الْعَصْر الشَّيْخ وحيد الدّين عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد وَالسَّيِّد الشريف الْعَلامَة عبد المحسن بن السَّيِّد الأهدل وَالشَّيْخ إِمَام الْمُحَقِّقين وأستاذ الْمُحدثين شيخ الطَّرِيقَة وَإِمَام الْحَقِيقَة وجيه الدّين بركَة الْمُسلمين عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم الْعلوِي وَقَرَأَ على الْأُسْتَاذ مفتي الْمُسلمين مُحَقّق عصره الْمولى برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن أبي الْقَاسِم مطير وَأَجَازَ لَهُ وَأخذ على الْعَلامَة الْفَقِيه الفهامة الشَّيْخ شرف الدّين أبي الْقَاسِم بن الطَّاهِر بن جغمان وَأَجَازَ لَهُ أَيْضا وعَلى جمَاعَة آخَرين من آل جغمان وَغَيرهم وكل مِمَّن تقدم ذكره أَيْضا أجَاز لَهُ وارتحل إِلَى مَكَّة المشرفة وجاور فِيهَا وَاجْتمعَ فِيهَا بِجَمَاعَة من الْعلمَاء مثل شيخ الْإِسْلَام أبي الْحسن الْبكْرِيّ وَقَرَأَ عَلَيْهِ وَالشَّيْخ الْحَافِظ الْأُسْتَاذ أبي السعادات الْمَالِكِي وَأخذ عَلَيْهِ وَغير هَؤُلَاءِ من الْمَشَايِخ ثمَّ أَنه أنفرد بعد شَيْخه ابْن الديبع برئاسة تدريس الحَدِيث واتحد بسؤدد هَذَا الْعلم وَأخذ عَلَيْهِ خلق كثير ورحل إِلَيْهِ للأخذ عَنهُ من كل جِهَة من الأقطار أَخذ عَنهُ جمع كثير من الْبَلَد وَغَيرهَا فَمنهمْ الْعَلامَة الْحَافِظ الْفَقِيه الفهامة شَيخنَا محيي الدّين عبد الْقَادِر أبي الْفَتْح الْبَزَّاز الشَّافِعِي وَالسَّيِّد الْعَلامَة الْفَقِيه الأصولي الْمُحدث مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الحفيظ بن عمر الْبَزَّاز الشَّافِعِي وَالشَّيْخ الْعَلامَة الْأُسْتَاذ المفنن مفتي الْمُسلمين الصّديق ابْن الشَّيْخ مُحَمَّد الْخَاص الْحَنَفِيّ وَالشَّيْخ الْفَقِيه الأديب النبيه مفتي الْحَنَفِيَّة مُحَمَّد بن أَحْمد الصَّابُونِي وَالشَّيْخ الْعَالم الْعَامِل الْفَاضِل الْكَامِل مفتي الْإِسْلَام شَيخنَا برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن جغمان وَشَيخنَا الْفَقِيه ابْن الْفَقِيه الْعَلامَة الْمُفْتِي مُحَمَّد بن الْوَلِيّ المقرب عبد الرَّحْمَن بن الْفَقِيه شيخ الْإِسْلَام أَحْمد بن مُوسَى الضجاعي وَالْقَاضِي الْعَلامَة الأديب الفهامة الرئيس النفيس أَمِين الدّين بن القَاضِي عبد الْعَلِيم الْأَحْمَر الشَّافِعِي كَاتب الخزانة السُّلْطَانِيَّة بالمملكة اليمانية وَالشَّيْخ الْفَقِيه الأديب الْعَالم الْأُسْتَاذ الصُّوفِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 عبد الله بن مُحَمَّد المشرع وَخلق كثير من الطّلبَة وَتخرج بِهِ ابْن ابْنه الْعَلامَة السَّيِّد الشريف الْحُسَيْن بن أبي بكر بن الطَّاهِر وَهُوَ من النجباء أبقاه الله وَهُوَ بِحَمْد الله تَعَالَى مُسْتَمر إِلَى الْآن على قِرَاءَة البُخَارِيّ بِمَسْجِد جده عبد الرَّحْمَن بن حُسَيْن الأهدل على سَيِّدي الشَّيْخ الْعَلامَة الصّديق الْخَاص مُدَّة شهر رَجَب وَشهر رَمَضَان كل سنة على مَا كَانَ زمَان السَّيِّد الطَّاهِر الْمَذْكُور من الْفُقَهَاء الْمُحدثين الْحفاظ وَفقه الله وأدام النَّفْع بِهِ وَحفظ بِهِ هَذَا الْبَيْت فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو من قديم الزَّمَان من ثَلَاثَة أَقسَام فَقِيه ومحدث ومحدث وَقد ذكر صاحبنا الأديب الْفَاضِل حُسَيْن بن عبد الْبَاقِي الزَّاهِر الزبيدِيّ هَذِه الْأَقْسَام فِي قصيدته الَّتِي امتدح بهَا سَيِّدي الشَّيْخ القطب الرباني عَليّ بن عمر الأهدل حِين زار ضريحه سنة أَربع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وأولها ... مَا لَاحَ برق الْقَلِيل ... إِلَّا وأجرى مقل وشاقني لحيرة ... على الْكَثِيب الأهبل ... والأبيات الْمشَار إِلَيْهَا قَوْله ... فَهُوَ أَبُو الاباء ... خير منجب ومنسل وَهُوَ أَبُو الأشبال ... حَيا قَبره كل ولي أَوْلَاده الزهر بهم ... يدْفع كل معضل فهم فريقان وجمعهم ... وَمن الْفرق خلي أما مُحدث فَقِيه ... أَو مُحدث ولي كم فيهم من قطب ... كم فيهم من بدل ... وَهِي طَوِيلَة وَبِالْجُمْلَةِ فَكَانَ المترجم لَهُ أوحد عصره علما وصلاحاً وَمَعْرِفَة تَامَّة ذَا حفظ واتقان وَضبط وَمَعْرِفَة بأسماء الرِّجَال وَجَمِيع علم الحَدِيث عمي آخر عمره بعد أَن حصل بِخَطِّهِ كتبا كَثِيرَة وصنف وَاخْتصرَ شرح دُعَاء أبي حَرْبَة تصنيف جده حُسَيْن بن عبد الرَّحْمَن اختصاراً حسنا نَافِعًا فِي نَحْو خمس وَعشْرين كراساً خلصه مِمَّا كَانَ فِيهِ من الانكارات على أهل الله الصُّوفِيَّة وَسَماهُ مطَالب أهل الْقرْيَة فِي شرح دُعَاء الْوَلِيّ أبي حَرْبَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 وقرض على الْكتاب الْمَذْكُور الْعَلامَة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن أبي الْقَاسِم مطير وَقَالَ مُخَاطبا للمؤلف ... أَحْسَنت فِي طي مَا طَالَتْ مسافته ... طي السّجل فَلم ينقص بل زادا جَزَاك ذُو الْعَرْش خيرات شملن أَبَا ... وأصلهم ثمَّ أَوْلَادًا وأحفادا ... وَكتب عَلَيْهِ عمر بن عبد الْوَهَّاب النَّاشِرِيّ ... تَأَمَّلت مِصْبَاح المطالب مرّة ... فهان مُحِيط الْكَشْف فِي نقطة الْقرب مدارك عرفان هَمت بمعارف ... على عارفيها مثل مهمل السحب فشكراً لمن أَتَاك ذوقاً وَحِكْمَة ... وَفصل خطاب يفصل الْأَمر فِي الْخطب ... ورثاه صاحبنا الأديب حُسَيْن الزَّاهِر بقصيدة على رُوِيَ بَيت الرسَالَة القشيرية ... أما الْخيام فَإِنَّهَا كخيامهم ... وَأرى نسَاء الْحَيّ غير نسائها ... وَأول المرثية ... مَا للنفوس تتيه فِي غلوائها ... لم يثنها التقريع عَن أهوائها ... وَهِي طَوِيلَة أعَاد الله علينا من بركته وبركة تبلغه وعَلى الْمُسلمين أَجْمَعِينَ ورحمه رَحْمَة الْأَبْرَار وَكتب إِلَيْهِ صاحبنا الْفَقِيه أَحْمد بن مُحَمَّد أَبَا جَابر يطْلب مِنْهُ الْإِجَازَة فِي علم الحَدِيث خُصُوصا صَحِيح البُخَارِيّ وَذَلِكَ بعد أَن قَرَأَ عَلَيْهِ نبذة من أَوله بِهَذِهِ الأبيات ... يَا ناثر الدّرّ على مسمعي ... بِحَضْرَة الانجاب فِي مجمع وحافظ الْعَصْر ونحريره ... الْفَاضِل الجهبذ واللوذعي السَّيِّد الطَّاهِر زاكي الورى ... نجل الْحُسَيْن الأروع الأورع اسْمَع مقَالا راق فِي اللَّفْظ ... وَالْمعْنَى وشاق الأنجب الألمعي الجابري لزائر مستمسكاً ... بِهَذِهِ الْآثَار والأربع فقد قرا الْجَامِع مستأنساً ... بسوحك المخضر والممرع وقصده الْمُعظم من فَضلكُمْ ... اجازة تحلو على المسمع بِمَا لكم فِي ذَاك من مُسْند ... عَن كل حبر مفصح مصقع ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 .. وَمَا رويتم مُسْندًا عَالِيا ... عَن الإِمَام الْحَافِظ الديبع وَمَا اخذتم عَنهُ من نثره ... ونظمه المعجب والمبدع أبقاك رب الْعرض فِي نعْمَة ... دائمة فِي جَانب أرفع مَا غنت الورقاء فِي رَوْضَة ... ولعلع الرَّعْد على لعلع ... فَأَجَابَهُ باجازة بِخَط الْعَلامَة الْفَقِيه عبد الله بن مُحَمَّد المشرع أجل تلامذته قَالَ الْفَقِيه أَحْمد أَنْشدني شَيخنَا الطَّاهِر مُسْند البُخَارِيّ ومسند مُسلم فِي هَذِه الأبيات حَال قراءتي عَلَيْهِ البُخَارِيّ ... لنا مُسْند عَال سَمَاعا وَنسبه ... إِلَى الْحَافِظ الحبر البُخَارِيّ يَسْتَعْدِي فجامعه يرويهِ عَن الزين شَيخنَا ... عَن الْعلوِي البُخَارِيّ أخي الرشد عَن العرولي وَهُوَ مُوسَى فَتى مَرْوِيّ ... عَن الْمسند الْحجاز أَحْمد ذِي السعد عَن ابْن الزبيدِيّ عَن أبي الْوَقْت شَيْخه ... عَن الداوودي عَن ابْن حمويه الْفَرد عَن المنسد الحبر الْفربرِي وَهُوَ عَن ... إِمَام الورى الثبت البُخَارِيّ ذِي النَّقْد وَمُسلم يرويهِ عَن الزين شَيخنَا ... عَن الْجَزرِي شمس الْهدى صَالح الْقَصْد عَن المتقن الْعدْل الشهابي ذَاك عَن ... إِمَام الْهدى الشَّمْس ابْن قماح الْمهْدي عَن الوَاسِطِيّ إِبْرَاهِيم الثبت وَهُوَ عَن ... أبي الْفَتْح مَنْصُور الفراوي عَن الجهدي عَن الْفَارِسِي المرتضى عبد غَافِر ... عَن ابْن الجلودي اضمم لَهُ الْجِيم تستهدي عَن ابْن لِسُفْيَان الْفَقِيه الَّذِي رَوَاهُ ... عَن مُسلم فاحفظه إِن كنت ذَا جهد ... وَقد كنت طلبت من الْفَقِيه أَحْمد رَحمَه الله أَن يُخْبِرنِي بِهَذَا السَّنَد فَامْتنعَ عَليّ تأدباً معي ثمَّ أجازني وَللَّه الْحَمد وَطلب مني أَن أجيزه بسندي إِلَى جَامع الصَّحِيح فَفعلت وكتبت لَهُ ذَلِك مَعَ الْإِجَازَة بِلبْس الْخِرْقَة وَالْإِجَازَة بمصنفاتي ومصنفات وَالِدي وَسَائِر رواياتي وَلَا بَأْس أَن أذكر هُنَا اسنادي الْمُتَّصِل إِلَى الإِمَام البُخَارِيّ رَحمَه الله تَعَالَى وَرَضي عَنهُ ونفعنا بِهِ فِي الدَّاريْنِ آمين تتميما للفائدة فَأَقُول أَخْبرنِي الشَّيْخ الإِمَام الْمسند المعمر عبد الْمُعْطِي بن حسن بن الشَّيْخ الإِمَام عبد الله أَبَا كثير قَالَ أَخْبرنِي بِهِ شيخ الْإِسْلَام مُجَدد الدّين خَاتِمَة الْعلمَاء والمسند ابْن أَبُو يحيى زين الدّين زَكَرِيَّا بن مُحَمَّد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 أَحْمد بن أَحْمد بن زَكَرِيَّا الْأنْصَارِيّ الْمصْرِيّ الشَّافِعِي قَالَ أخبرنَا بِهِ حَافظ الْعَصْر وعلامة الدَّهْر أَبُو الْفضل شهَاب الدّين أَحْمد بن عَليّ بن حجر الْعَسْقَلَانِي ثمَّ الْمصْرِيّ الشَّافِعِي قَالَ أخبرنَا بِهِ النَّجْم أَبُو مُحَمَّد عبد الرَّحِيم بن عبد الْوَهَّاب الْحَمَوِيّ الْمصْرِيّ قَالَ أخبرنَا بِهِ الصّلاح أَبُو عَليّ مُحَمَّد بن مُحَمَّد الزفتاوي الْمصْرِيّ قَالَ أخبرنَا بِهِ الشَّيْخ الْمسند المعمر مُلْحق الأحفاد بالأجداد أَبُو الْعَبَّاس شهَاب الدّين أَحْمد بن أبي طَالب الحجار قَالَ أخبرنَا بِهِ أَبُو الْحسن عَليّ بن أبي بكر بن روزويه القلانسي قَالَ أخبرنَا بِهِ أَبُو الْوَقْت عبد الأول بن عِيسَى السبحري الْهَرَوِيّ قَالَ أخبرنَا بِهِ أَبُو الْحسن عبد الرَّحْمَن بن المظفر الداوودي قَالَ أخبرنَا بِهِ أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن أَحْمد بن حمويه السَّرخسِيّ قَالَ أخبرنَا بِهِ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن يُوسُف الْفربرِي قَالَ أخبرنَا بِهِ مُؤَلفه الْحَافِظ الْحجَّة إِمَام الْمُحدثين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ سَمَاعا عَلَيْهِ مرَّتَيْنِ مرّة بفربر وَمرَّة ببخارى فَذكره وَلما وفقني الله تَعَالَى وَله الْحَمد من بَين أهل زماني لخدمة هَذَا الْكتاب الشريف الَّذِي مَا لَهُ فِي فَضله ثَانِي فقريء بِحَمْد الله تَعَالَى على يَدي مرَارًا عديدة فِي أَوْقَات مباركة ومجالس سعيدة واتخذت ذَلِك دأبي على مر الشُّهُور والسنين وَبلغ عدد الْقِرَاءَة إِلَى تَارِيخ الْآن فَوق الْأَرْبَعين وشاع ذَلِك فِي التهائم والنجود وسارت بِذكرِهِ الرفاق والوفود حَتَّى قَالَ بَعضهم من قصيدة امتدحني بهَا ... كل مسلسل يروي صِحَاح حَدِيثه ... وَعَلِيهِ كم صَحِيح بخاري ... وَقَالَ الآخر ... هَذَا البُخَارِيّ لم يزل تاليه فِي ... بَدْء وَختم فِي مقامك شادي يرويهِ عَنْك عَن الَّذين رويته ... عَنْهُم بِصِحَّة مُقْتَضى الاسناد فاشكر آله الْعَرْش جلّ ثَنَاؤُهُ ... لقد اصطفاك فَأَنت أَي مُرَاد ... وانشد فضلاء الْعَصْر فِي ذَلِك القصائد البديعة والخطب البليغة وَمن ذَلِك قصيدة الأديب الْفَاضِل النَّاظِم الناثر الْعَلامَة حُسَيْن بن عبد الْبَاقِي الزَّاهِر الزبيدِيّ وأرسلها إِلَى الْهِنْد من زبيد المحروسة كَانَ الله لَهُ آمين ... كأس الحَدِيث عَن الأحباب معسول ... أطلق مسلسلة فالشمل مشمول ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 .. وهات عَن سَاكِني الجرعاء لي خَبرا ... اسناده مَا لقلبي عَنهُ تَحْويل عمري لقد لذ فِي سَمْعِي مكرره ... وكل شَيْء على التّكْرَار مملول شَبَّبَ لسمعي بِنَاء عَن مواصلتي ... وارفع حَدِيثك عَنهُ فَهُوَ مَوْصُول فطالما وصل العذال من طرق ... اسناد عذل لسمعي وَهُوَ مَعْلُول قَالُوا نرى الْحبّ قد أوهاك قلت لَهُم ... ذَاك الضعْف عِنْد حبيب الْقلب مَقْبُول يَا فارغي الْقلب لي عَن لومكم شغل ... هَل يَسْتَوِي فارغ منا ومشغول لساكني الجرع من وَادي العقيق جرى ... من مطلب الْعين كنز كُله لولو وشهب دمعي حمراً فِي الخدود جرت ... وطرف طرفِي بِقَيْد النَّجْم مشكول لَكِن مسانيد أخباري سترفعها ... نصا حسان صحيحات مَرَاسِيل سأمتطي فِي الفلا هوجاً مشرفة ... فِيهَا على الأين ارقال وتبغيل خَفِيفَة الرّوح لَكِن فِي مسامعها ... وقر إِذا قَالَ حادي عيسنا قيلوا لم تكتحل بمنام فِي فراسخها ... حَتَّى يلوح لَهَا من طيبَة ميل يَا لهف نَفسِي ضَاعَ الْعُمر فِي لعب ... وَلَيْسَ عِنْدِي إِلَّا القال والقيل وواعظ الشيب فَوق الرَّأْس قَالَ افق ... إِلَى مَتى أَنْت باللذات مَشْغُول إِلَى م يَا نفس لَا تلوي الْعَنَان عَن ... الْعِصْيَان غَرَّك من ذِي الْبَطْش تهيل لوذي بِبَاب رَسُول الله واعتذري ... فالعذر عِنْد رَسُول الله مَقْبُول جاه الرَّسُول عَظِيم عِنْد خالقه ... بِهِ تهون على الْخلق التهاويل أعْطى مقَاما شريفاً دونه وقفت ... رسل الآله وروح الْقُدس جِبْرِيل روح من الْفَيْض منشاه يقوم بِهِ ... من مُطلق النُّور تَقْوِيم وتشكيل مَا كَانَ فِي ملاء إِلَّا ولاح بِهِ ... لمظهر الْحق بَين الْخلق تَعْدِيل فكم تنقل من صلب إِلَى رحم ... حَتَّى انْتهى لابيه الطول والطول وَكم لقس وشق مَعَ سطيح بِهِ ... بشائر وتخاويف وَتَأْويل وَانْشَقَّ ايوان كسْرَى عِنْد مولده ... وانحط عَن رَأسه تَاج واكليل وناره خمدت من بعد مَا عبدت ... لَهَا قُرُون وجيل بعده جيل ونكس الله أصنام الطغام لَدَى ... الْبَيْت الْحَرَام وعرش الشّرك مثلول وباءت اللات والعزى بذلتها ... ونالها بعد ذَاك الْعِزّ تذليل رد الآله بِهِ عَن بَيته فرقا ... وافته يقدمهَا فِي سَيرهَا الْفِيل فَلَا وَرَبك مَا بروا وَلَا ثبتوا ... وصرعتهم على الأَرْض الأبابيل ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 .. وَكم لَهُ معجزات كالشموس سنا ... بهَا لاشراق وَجه الْحق تهليل لَا حد يحصرها لَا عد يضبطها ... وَلَيْسَ يجهلها إِلَّا المجاهيل مَا مس بالكف ذَا دَاء أضرّ بِهِ ... إِلَّا وزند يَمِين الدَّاء مشلول وَمن يسير سقى جَيْشًا واطعمه ... وفاض من بعد مشروب ومأكول وَالْعود أَوْرَق والعرجون فِي يَده ... مهند من سيوف الله مسلول والبدر شقّ لَهُ نِصْفَيْنِ أَي بمنى ... وَأشْهد النَّاس طه وَهُوَ مجذول بِهِ شرائع كل الرُّسُل قد نسخت ... وَمَا لشرعته نسخ وتبديل لذاك لَو عَاشَ مُوسَى لم يَسعهُ سوى ... اتِّبَاعه عَنهُ هَذَا القَوْل مَنْقُول بِخَاتم الرُّسُل صرنا أمة وسطا ... لنا على الْأُمَم الماضين تَفْضِيل وَفِي الْقِيَامَة من نور الْوضُوء لنا ... دون الورى غرر زهر وتحجيل كتَابنَا احكمت آيَاته فَكَذَا ... لِسَان كل بليغ عَنهُ مسلول هُوَ الْقَدِيم فَلَا يبْلى محاسنه ... من الجديدين دع مَا قَالَ ضليلي أَخْبَار من قبلنَا فِيهِ محررة ... وَفِيه وللدين تَفْرِيع وتأصيل بِهِ الرَّسُول تحدى كل ذِي لسن ... وَهل تقوم مَعَ الْحق الأباطيل هَل بعث أَحْمد إِلَّا رَحْمَة شملت ... وظلها أبدا فِيهِ لنا طول لنا عَن البوق والناقوس أَي غنى ... إِذْ جَاءَ آذان وتكبير وتهليل ومزق الله جَيش الْمُلْحِدِينَ بِهِ ... وكل من حجَّة الْإِسْلَام مجذول بِسَيْفِهِ دمر الْأَعْدَاء فَلم يقهم ... من نسج دَاوُد فِي الهيجاء سرابيل وَقد أمد بصحب كَالنُّجُومِ هم ... السّعر المغاوير وَالصَّيْد البهاليل هم الليوث العبوس الشوس لَيْسَ لَهُم ... سوى القنا السمر أَو بيض الظياغيل وبالمليك والرغب الْعَظِيم على ... شهير وللريح فِي الْأَعْدَاء تنكيل يَا سَيِّدي يَا رَسُول الله خُذ بيَدي ... فلي عَلَيْك غَدا فِي الْحَشْر تعويل يَا أصدق الناطقين الصَّادِقين لَدَى ... قَول وَفعل وَيَا من قيله القيل يَا من علا ورقى السَّبع الطباق إِلَى ... مقَام قرب تناءى عَنهُ جِبْرِيل كقاب قوسين أدناه وَكَلمه ... مَوْلَاهُ فِي حَيْثُ لَا أَيْن وتمثيل وَهَذِه رُتْبَة مَا نالها ملك ... أَو مُرْسل حبله بِاللَّه مَوْصُول هَذَا حَدِيثك يَا فتح الْجواد قرأناه ... ومسك الختام الْيَوْم تَكْمِيل الفاظه كربيع زَاهِر أنق ... زاه بهتان مَاء المزن مطلول ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 .. بِهِ المعاجم تزهو والجوامع فِي ... عُقُود أَبْوَابهَا مِنْهُ قناديل وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ غنية لَك يَا ... من سر فكرته كالسين مصقول فَهُوَ الإِمَام أَمِير الْمُؤمنِينَ أَمِين ... الْمُصْطَفى عَنهُ هَذَا الْعلم مَحْمُول الْحَافِظ الثِّقَة الْعدْل الْخَبِير بِإِجْمَاع ... الثِّقَات صَدُوق القَوْل مَقْبُول فانظمه يَا رب مَعَ خير الورى فَلهُ ... قلب بسنته الْبَيْضَاء مَشْغُول وَقد سمعناه من لفظ الْخَبِير بِهِ ... قِرَاءَة زانها فِي الْجمع ترتيل حَتَّى ختمناه يَا ختم الْمقَام فسل ... حسن الختام لنا فالفضل مبذول وَاشْفَعْ لنا ولقارئنا ومقرئنا ... والسامعين ففيك الْخَيْر مأمول وَشَيخنَا القطب محيي الدّين من لَهُ ... بِمَا يروم فللانسان تأميل القادري ابْن شيخ العيدروس فلي ... عقيدة ووداد فِيهِ مأمول ولي فؤاد على حسن الْوَلَاء لَك قد ... طويته وعَلى الاخلاص مجبول صلي عَلَيْك صَلَاة الله يَا أملي ... بوصله لي بهَا فِي الْحَشْر توصيل قد قيدتني ذُنُوبِي عَنْك واظماى ... اليك وَالْقلب بالأشواق مغلول وَإِن وَردت عَلَيْك الْحَوْض خُذ بيَدي ... فورده العذب ذَاك الْيَوْم منهول وَتَحْت ظلّ اللِّوَاء الْمَعْقُود قل لي قل ... وَاشْفَعْ فَإنَّك عِنْد الله مَقْبُول وهاك من مدحي لامية شرفت ... بمجد مدحك فِي لاماتها طول تطفلت فلهَا يَا ابْن الْكِرَام على ... أَبْيَات بَانَتْ سعاد الْيَوْم تطفيل خلعت لِابْنِ زُهَيْر خلعة فغدا ... لَهُ بهَا من عَظِيم الجاه تجليل فَهَل أرى روض حَالي زاهراً بك فِي ... دَار النَّعيم وشملي ثمَّ مشمول صلى وَسلم رَبِّي دَائِما أبدا ... عَلَيْك مَا سرحت قوداء شمليل والآل والصحب والاتباع أجمعهم ... وَمن بهديهم المرضي مَشْغُول تمت فَخذ ملحاً من طي عدتهَا ... وَالْحَمْد لله تتميم وتكميل ... وفيهَا توفّي الرجل الصَّالح الْمَشْهُور المعمر وجيه الدّين الْهِنْدِيّ باحمد اباد وَكَانَ من أهل الْعلم والزهد وَحصل لَهُ الْقبُول الْعَظِيم مَعَ النَّاس وانتفع بِهِ الطّلبَة فِي كثير من الْفُنُون واشتهر أمره جدا وفيهَا كَانَت ولادَة وَلَدي شيخ جعله الله من أهل ولَايَته وتولاه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 برعايته وحمايته وكلايته آمين وطبق بعض الْفُضَلَاء تَارِيخ ذَلِك الْعَام بِحِسَاب الْجمل على أحرف سَيِّدي شيخ جَاءَ ثمَّ نظمه بِأَبْيَات فَقَالَ ... لله مَوْلُود سعد ... عَم الْوُجُود سناء أكْرم بِهِ من هِلَال ... فاق البدور ضِيَاء ونشره مذ تبدى ... قد عبق الأرجاء تَارِيخه ان ترمه ... قل سَيِّدي شيخ جَاءَ ... وَكَانَت وِلَادَته بِمَدِينَة بروج من أَعمال كجرات وفيهَا قدم بروج مَوْلَانَا الشَّيْخ مُحَمَّد العيدروس من أَحْمد اباد وَأقَام بهَا أشهراً ثمَّ رَجَعَ إِلَى أَحْمد اباد وَفِي مُدَّة اقامته ببروج كتب إِلَيْهِ الشَّيْخ مُحَمَّد بن عبد اللَّطِيف مخدوم زَاده بِهَذِهِ الأبيات وَهِي ... لقد آنست يَا شمس الشموس ... فأهلاً بالشريف العيدروس بقطب الْوَقْت أَهلا ثمَّ سهلاً ... أيا زين الْمجَالِس والدروس وَيَا شمس الشموس وَمن تحلت ... بِهِ الأفواه منا كالطروس وبروج عِنْدَمَا حليت فِيهَا ... لقد أمست بيمنك كالعروس وسرت مِنْك ترجو الْقرب فضلا ... وَإِلَّا فَهِيَ فِي يَوْم عبوس فقربك سَيِّدي لَا شكّ فِيهِ ... حَيَاة للقلوب وللنفوس فطالع من يودك فِي سعود ... وَمن يثناك فِي نحس النحوس وَلَا زَالَت بك العلياء تسمو ... وَأَنت لافقها شمس الشموس ... وفيهَا توفّي الرجل الصَّالح سَالم بن عَليّ أَبَا موجة ذكر لي رَحمَه الله أَنه صنع للسَّيِّد الْوَلِيّ أَحْمد بن علوي أَبَا جحدب حذاء لطيفاً وَقدمه إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ تمن الَّذِي تُرِيدُ فَقلت لَهُ قد وَكلتك يَا سَيِّدي فاختر لي أَنْت وَكَانَ ذَلِك يَوْم الْجُمُعَة بِحَضْرَة النَّاس وَلما كَانَت الْجُمُعَة الاخرى أعَاد عَليّ السُّؤَال فَذكرت لَهُ مثل ذَلِك الْجَواب فَأَرَادَ أَن يختبرني وَقَالَ لي عساك تُرِيدُ صناديق ذهب فَقلت لَهُ لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 وفيهَا فاض وَادي عدم بسيل هائل فِي نجم الثريا أعظم من سيل الاكليل فأرخه صاحبنا الْفَقِيه عبد الله بن فلاح كَانَ الله لَهُ فَقَالَ ... فاض فِي الْأَحْقَاف سيل ... غادر النَّحْل حويا إِن ترد تَارِيخه قل ... عَم وفان الثريا ... وفيهَا وَقعت بسورت زَلْزَلَة سنة تسع وَتِسْعين بعد التسْعمائَة (999) هـ وَفِي سنة تسع وَتِسْعين كَانَ تَمام عمَارَة قبَّة سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله وَقد جعل صاحبنا الشَّيْخ مُحَمَّد بن عبد اللَّطِيف مخدوم زَاده تَارِيخ ذَلِك بِعَدَد حُرُوف مَحل الْفَيْض ثمَّ نظم التَّارِيخ الْمَذْكُور فِي أَبْيَات فَقَالَ أبقاه الله ... أَلا يَا قبَّة ملئت سُرُورًا ... واضحت مقصداً لِذَوي الصفاء كَأَن هلالها لما تبدى ... هِلَال لَاحَ فِي كبد السَّمَاء ترى السادات والقادات يسعوا ... إِلَيْهَا بالصباح وبالمساء يفوح الطّيب مِنْهَا حِين تبدو ... لما ضمته من طيب الشذاء بهَا قبر الْوَلِيّ شرِيف شيخ ... سلالة من تسجوا بالعباء ولي سره فِي الْخلق سَار ... فيا لله من حسن السداء يفِيض الْفَيْض مِنْهُ لطالبيه ... كفيض الْبَحْر فِي سَعَة الفضاء فيا لَك قبَّة عمرت بفيض ... يكَاد يرَاهُ مِنْهَا كل رائي لِكَثْرَة فيضها قد جَاءَ ضبطاً ... مَحل الْفَيْض تَارِيخ الْبناء وناظمها من السادات يَرْجُو ... بِأَن يصلوه مِنْهُم بالدعا ... وفيهَا سَافَرت من سرت إِلَى جيول بعد أَن أَقمت بسرت سَبْعَة أشهر كَامِلَة لِأَنِّي كنت دَخَلتهَا ثَالِث شهر رَجَب سنة ثَمَان وَتِسْعين وَخرجت مِنْهَا ثَانِي شهر صفر الْخَيْر وَكنت قدمت إِلَيْهَا من بروج بعد أَن مكثت بهَا مُدَّة كَمَا قدمت وَمُدَّة اقامتي ببندر جيول خَمْسَة أشهر ثمَّ طلعت مِنْهَا إِلَى أَحْمد نكر ووصلت إِلَيْهَا فِي شهر شعْبَان من تِلْكَ السّنة وعزمت مِنْهَا فِي شهر الْقعدَة الْحَرَام سنة ألف بعد أَن أَقمت بهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 نَحوا من سنة وَثَلَاثَة أشهر قَاصِدا إِلَى أَحْمد اباد لزيارة الْوَالِد والاجتماع بالوالدة وَالْأَوْلَاد فَدخلت أَحْمد اباد رَابِع شهر ربيع الثَّانِي سنة إِحْدَى بعد الْألف وَكَانَت طريقي على جيول وَركبت من جيول إِلَى الديو وَمن الديو إِلَى قَرْيَة تسمى موربي من أَعمال جوناقر لأمر اقْتضى ذَلِك وَمِنْهَا إِلَى أَحْمد اباد وَفِي مُدَّة اقامتي بجيول ونواحيها اجْتمعت بشيخنا الْعَلامَة الْمُحَقق مُحَمَّد مقري بن الْعَلامَة عَليّ مقري وَشَيخنَا الْعَلامَة المفنن عبد الْقَادِر بن مخدوم الْخَطِيب الكلياني وَأخذت عَنْهُم واستفدت مِنْهُم وَقَالَ صاحبنا الْفَقِيه الْفَاضِل الصَّالح عفيف الدّين عبد الله بن أَحْمد بن فلاح الْحَضْرَمِيّ لما قدمت إِلَى تِلْكَ الديار ... تشرفت الْبِلَاد وَمن يَليهَا ... بِمقدم شَيخنَا شمس الشموس وأضحت تزدهي عجبا وتيهاً ... بِعَبْد الْقَادِر ابْن العيدروس ... وَمن غَرِيب الِاتِّفَاق أَن مُدَّة غيبتي من أَحْمد اباد كَانَت أَربع سِنِين كَامِلَة فَخرجت مِنْهَا رَابِع شهر ربيع الثَّانِي سنة سبع وَتِسْعين ودخلتها أَيْضا رَابِع شهر ربيع الثَّانِي سنة إِحْدَى بعد الْألف واقمت بهَا من ذَلِك التَّارِيخ إِلَى الان وفيهَا فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشر رَجَب زَالَت الدولة المهدوية باحمد نكر وَقتل الْوَزير جمال خَان وَجِيء بِرَأْسِهِ إِلَى أَحْمد نكر وطيف بِهِ فِيهَا ثمَّ علق بعد ذَلِك أَيَّامًا وتسلطن برهَان شاه وَقد تقدم أَنه قد سَار إِلَيْهَا قبل ذَلِك بعد موت أَخِيه فَرجع خائباً وَكَانَ الْمَذْكُور مُنْذُ هرب من عِنْد أَخِيه فِي خدمَة السُّلْطَان أكبر وَهُوَ الَّذِي أَعَانَهُ على ذَلِك وأمده بالعسكر وَنَحْوه حَتَّى ملك وَكَانَت سيرته غير مرضية وَمَات برهَان شاه ثَالِث شعْبَان سنة ثَلَاث بعد الْألف وَمن غَرِيب الِاتِّفَاق أَنه كَانَ فِي تِلْكَ السّنة أَمر بهدم أَحْمد نكر فضجت العوالم لذَلِك وَأمر أَن يَجْعَل مَكَان دورها باغاً وَهُوَ اسْم الْبُسْتَان بالفارسي فَقَالَ صاحبنا الأديب الْفَاضِل عبد الله بن فلاح لطف الله بِهِ مؤرخاً لذَلِك الْعَام فِي بَيْتَيْنِ هما ... هدم حمد انقر ... غَدا فِيهِ للنَّاس مُعْتَبر ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 .. بَاغ تَارِيخه وان ... قلت غَابَ فقد حضر ... فصح غَابَ تَارِيخا لهدمها ولموت برهَان وَمِمَّا جرى فِي ايامه أَنه فِي سنة إِحْدَى وَألف جهز على دنده رازبور ليأخذها من الافرنج فَهَلَكت فِي تِلْكَ الْوَاقِعَة عوالم لَا تحصى وارخ ذَلِك بَعضهم فِي عد ضراً وفيهَا توفّي السَّيِّد عبد الرَّحِيم الحساوي الْمَكِّيّ غَرِيبا بكلكتده وَكَانَ حسن الْأَخْلَاق كريم النَّفس رَحمَه الله وفيهَا توفّي الْفَقِيه الْفَاضِل مُحَمَّد أَبَا شرَاحِيل الْحَضْرَمِيّ بكلكتده ايضاً وفيهَا توفّي الشريف يحيى الحوراني الْمدنِي بكلكتده ايضاً وَكَانَ بارعاً فِي علم الموسيقى إِلَّا أَنه كَانَ منهمكاً فِي الشَّهَوَات منتهكاً للمحرمات رَحمَه الله وايانا آمين وفيهَا قَرَأَ صاحبنا الْفَقِيه الصَّالح عفيف الدّين عبد الله بن فلاح الْحَضْرَمِيّ عَليّ كتاني الفتوحات القدوسية فِي الْخِرْقَة العيدروسية من أَوله إِلَى آخِره وَذَلِكَ باحمد نكر من بِلَاد الدكن وَعمل تَارِيخ ذَلِك الْعَام تجمعه بِهِ صَحَّ فتوحات ثمَّ نظمه فَقَالَ ... تشرفت أوقاتي ... بِمُقَابلَة الفتوحات وَضَابِط ذَاك تجمعه ... بِهِ صَحَّ فتوح آتٍ ... سنة الْألف (1000) هـ وَفِي شهر الْمحرم سنة ألف توفّي الشَّيْخ الْكَبِير وَالْعلم الشهير الْوَلِيّ الصَّالح الْعَلامَة سراج الدّين الشريف عمر بن عبد الله العيدروس بعدن وَدفن بهَا فِي قبَّة جده لأمه سَيِّدي الشَّيْخ أبي بكر العيدروس ملتصقاً بِهِ من الْجَانِب الشَّرْقِي وَكَانَ من الْمَشَايِخ العارفين وَالْعُلَمَاء العاملين وَكَانَ الشَّيْخ الْكَبِير الشريف صَائِم الدَّهْر القديمي الْحُسَيْنِي الَّذِي اشْتهر عَنهُ أَنه قَالَ من رَآنِي دخل الْجنَّة يعظمه وَيُشِير إِلَى أَنه بركَة ذَلِك الْقطر حكى ذَلِك عَنهُ صاحبنا الْفَقِيه أَحْمد بن الْفَقِيه مُحَمَّد أَبَا جَابر وَكَانَ قد اجْتمع بِهِ وَأمه السيدة مزنة بنت الشَّيْخ أَبُو بكر العيدروس فَهَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 الِاعْتِبَار يكون الشَّيْخ عبد الله العيدروس رَضِي الله عَنهُ جده من الطَّرفَيْنِ وَهُوَ أول من وَقع لَهُ ذَلِك فِيمَا علمت وَقد وَقع لأَوْلَاد اختى سلمى مثل ذَلِك وَلم يكن الْآن عقب لسيدي الشَّيْخ أبي بكر إِلَّا من أم صَاحب التَّرْجَمَة وَلذَا تصدر الْمشَار إِلَيْهِ بِمَسْجِد جده بعدن بعد أَخِيه شقيقه السَّيِّد مُحَمَّد المتوفي بِمَكَّة المشرفة فِي سنة ثَمَان وَسبعين وَتِسْعمِائَة فَقَامَ بالْمقَام أتم قيام ومشي فِي ذَلِك على سنَن آبَائِهِ الْكِرَام واشتهر بِتِلْكَ الْجِهَة شهرة عَظِيمَة وَكثر اعْتِقَاد النَّاس فِيهِ ومحبتهم لَهُ وَلم يزل على السِّيرَة الحميدة إِلَى أَن توفّي رَحمَه الله تَعَالَى وَكَانَ قد جمله الله تَعَالَى بعقل كَامِل وزينة بِفضل شَامِل لَهُ أَخْلَاق الطف من نسيم السحر وأوصاف كالمسك إِذا فاح وانتشر ذُو علم فائض زخار وَفضل يتدفق تدفق الْأَنْهَار قد زاحم فِي الْفضل من تقدم وارتقى فِيهِ إِلَى الْمحل الأقوم فَصَارَ مِمَّن يشار إِلَيْهِ بالأصابع وَمِمَّنْ يعول على رَأْيه فِي الْأَمر الشاسع أَخذ الْعُلُوم عَن جمَاعَة لَا يُحصونَ من الْمَشَايِخ ومقروآته كَثِيرَة جدا وبرع فِي عُلُوم شَتَّى وَحكي انه كَانَت لَهُ فِي جَمِيع الْعُلُوم يَد طولى ومهارة تَامَّة وانما ترك التدريس والتصنيف لشدَّة خموله وَكَانَ مُتبعا للْكتاب وَالسّنة سالكاً على طَريقَة السّلف الصَّالح متسما بالإستقامة التَّامَّة مَعَ كَثْرَة الْعِبَادَة ودوام الِاجْتِهَاد وَكَانَ مَعَ جلالة قدره وَعظم جاهه كثير التَّوَاضُع بل ينسبونه إِلَى الافراط فِيهِ ويميل إِلَى الخمول الْكُلِّي حَتَّى قيل انه انشد بَين يَدَيْهِ بعض المنشدين قصيدة فِي مدحه فَغَضب وامر باقامته من ذَلِك الْمجْلس إِلَى غير ذَلِك من المحاسن الَّتِي زينه الله بهَا وشرفها بِهِ وأنعم بهَا عَلَيْهِ فَكَانَ أَحَق بهَا وَأَهْلهَا واجمع على عظم حَاله وجلالته وفضله وكماله غير وَاحِد من الأخيار وكافة عُلَمَاء الْأَمْصَار وَنقل عَن بعض العارفين انه قَالَ إِذا شَاب شعر ذِرَاعَيْهِ بلغ رُتْبَة القطبية وَكَانَت لَهُ كرامات عديدة واحوال سديدة واوصاف حميدة وَبِالْجُمْلَةِ بإنه كَانَ بَقِيَّة الشُّيُوخ الَّذين يقْتَدى بآثارهم ويهتدى بانوارهم بل وَمن عباد الله الَّذين تستنزل الرَّحْمَة بذكرهم وترجى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 من الله الْمَغْفِرَة بركتهم وسرهم وكأنما عناه الْقَائِل بقوله ... لكل زمَان وَاحِد يقْتَدى بِهِ ... وَهَذَا زمَان انت لَا شكّ واحده ... وَلَو أطنبت كل الإطناب وأسهبت غَايَة الإسهاب وأتيت بِكُل عُجاب لعجزت عَن وصف شَأْنه الْعَظِيم وَقصرت عَن الاحاطة بِقَدرِهِ الْجَلِيل وَللَّه در الْقَائِل ... مَا فِي علاهُ مقَالَة لمخالف ... فسائل الاجماع فِيهِ تسطر ... رَحمَه الله تَعَالَى واعاد علينا من بركاته آمين وتاريخ وِلَادَته لم اطلع عَلَيْهِ غير انه مَاتَ وَقد أناف على السّبْعين وَمَا أَظُنهُ بلغ الثَّمَانِينَ وَهَكَذَا كَانَ وَالِده من المعمرين فَلم يمت حَتَّى جَاوز الثَّمَانِينَ ثمَّ أَخْبرنِي بعض أَصْحَابِي إِن وِلَادَته كَانَت فِي سنة سِتّ وَعشْرين وَتِسْعمِائَة فعلى هَذَا يكون عمره حِين مَاتَ سِتا وَسبعين سنة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ آمين وفيهَا فِي لَيْلَة الْأَحَد سَابِع عشر شهر ربيع الثَّانِي توفّي الشَّيْخ الْكَبِير جمال الدّين مُحَمَّد بن على الحشيري باحمد اباد وَكَانَ من الْمَشَايِخ الْمَشْهُورين ورزق الْقبُول فِي حركاته وسكناته وحصلت لَهُ شهرة عَظِيمَة وَرويت عَنهُ كرامات وَلَا يقْدَح فِي جلالته ذمّ بعض الْعلمَاء لَهُ وتنقيصهم إِيَّاه بِحَسب مَا يظْهر لَهُم من أُمُوره من غير نظر إِلَى خصوصيته فقد قيل المعاصر لَا يناصر وَلَا زَالَت الأكابر على هَذَا وَفِيمَا يَقع مِنْهُ من التخريقات والشطحات لَهُ أُسْوَة بِغَيْرِهِ من الصُّوفِيَّة كَمَا أَن للمنكرين اسوة بغيرهم من الْعلمَاء وَحمل مَا يصدر مِنْهُ من الْأَحْوَال الغريبة على احسن المحامل اولى وَحسن الظَّن اسْلَمْ واحسن رَحمَه الله تَعَالَى وَبَنُو حشيبر أهل صَلَاح وَولَايَة ونسبهم فِي بني ذهل بن عَامر بطن من عك بن عدنان وَهُوَ بِفَتْح الْهَاء وَتَشْديد اللَّام كَذَا ضَبطه الجندي وَأما خرقتهم فَهِيَ تعود إِلَى الْوَلِيّ الْكَبِير وَالْعلم الشهير قطب الزَّمن وبهجة الْيمن شمس الشموس أبي الْغَيْث بن جميل اليمني وَذكر مِنْهُم الشرجي فِي الطَّبَقَات جمَاعَة وَمِنْهُم عَليّ بن أَحْمد حشيبر أحد كبار الْمَشَايِخ الْمُتَوفَّى سنة اثْنَيْنِ وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَكَانَ الْوَلِيّ الصَّالح الْفَقِيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 أَبُو بكر بن أبي حَرْبَة يَقُول كل الْمَشَايِخ خَلفهم فِي بركَة سلفهم إِلَّا بني حشيبر فان سلفهم فِي بركَة خَلفهم وَهُوَ الْفَقِيه عَليّ بن أَحْمد وَمِنْهُم مُحَمَّد بن عمر بن أَحْمد بن حشيبر كَانَ فَقِيها عَالما عَارِفًا كَامِلا صَاحب كرامات عَظِيمَة ويحكى ان وَالِده ذهب بِهِ إِلَى الشَّيْخ أبي الْغَيْث بن جميل يلْتَمس مِنْهُ الدُّعَاء وَهُوَ اذ ذَاك صبي فكشف لَهُ عَن عينين للشَّيْخ أبي الْغَيْث فِي قَفاهُ يبصره بهما فَاعْلَم وَالِده بذلك وَاعْلَم وَالِده الشَّيْخ أبي الْغَيْث فَقَالَ الشَّيْخ وَالله يَا وَلَدي مَا رآهما أحد غَيْرك ثمَّ نوه باسمه وعظمه وَمن كَلَامه رَأس مَال الْفَقِير الثِّقَة بِاللَّه تَعَالَى وافلاسه الركون إِلَى خلق الله وَمِنْه يَا اسراء الهمم الارضية وارقاء النُّفُوس الَّتِي غير مرضية هَذِه الجادة فاين السالكون ابعد الْعين ايْنَ وَكَانَت وَفَاته سنة ثَمَان عشرَة وَسَبْعمائة بِبَلَدِهِ وَهِي قريبَة من بَيت حُسَيْن الْمَدِينَة الْمَشْهُورَة قلت فَلَمَّا خربَتْ بَيت حُسَيْن على يَد بني حفيص وانتهكت فِيهَا الْمَحَارِم ونهبت الزوايا الَّتِي فِيهَا وَقتل جمَاعَة من بني عُبَيْدَة على جَامع بني حفيص وَذَلِكَ فِي سنة اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة انْتقل غَالب سكانها إِلَى بَيت الْفَقِيه ابْن حشيبر وَصَارَت مَدِينَة عَظِيمَة وَهِي مُحْتَرمَة معظمة يَأْمَن بهَا الْخَائِف وَمِنْهُم مُحَمَّد بن حسن بن مُحَمَّد بن عمر بن حشيبر كَانَ فَقِيها عَالما شَيخا صوفياً كَامِلا سُئِلَ عَن قَول الشبلي ... اسائل عَن ليلى وَهل من خبر ... يكون لَهُ علم بهَا أَيْن تنزل ... فَأَجَابَهُ بقوله ... تحل قُلُوب العارفين إِذا صفت ... وَلَيْسَ لَهَا قلب سواهن منزل ... قلت وَقَرِيب من هَذَا مَا حَكَاهُ صاحبنا الشَّيْخ الْعَلامَة شهَاب الدّين أَحْمد بن الْوَلِيّ الْعَلامَة مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم أَبَا جَابر رَحِمهم الله قَالَ كنت سائراً إِلَى الْمَدِينَة الشَّرِيفَة فَلَمَّا كَانَ فِي بعض اللَّيَالِي تذكرت فِي نَفسِي الْأَصْحَاب وعظمت عَليّ مفارقتهم وَاشْتَدَّ عَليّ أَمر الاغتراب فتمثلت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 وانا على تِلْكَ الْحَالة من ترادف الهموم وَالْأَحْزَان وَكنت رَاكِبًا على الْجمل بِهَذَا الْبَيْت ... مَا فِي الصحاب اخو وجد نطارحه ... حَدِيث سعد وَلَا خل نجاريه ... فاجابني صَوت من نَاحيَة الْقَافِلَة ... مَا فِي الركاب سوى صب أَخا وَله ... يروي حَدِيث الْهوى حَقًا ويدريه ... فَقلت من الْمُجِيز فَقَالَ فلَان ابْن فلَان وَذكر اسْمه وَاسم أَبِيه وجده الدِّمَشْقِي واذاً هُوَ من أهل الْفضل والادب وحصلت بيني وَبَينه معرفَة واستأنست بِهِ الانس التَّام قَالَ وَبقيت أَنا واياه فِي مذاكرة ومطارحة سَائِر الطَّرِيق من ذَلِك ان اسْم جماله كَانَ قِيَاس وَاسم جمالي عَيَّاش وَكَانَ مَعَ جماله الْمُسَمّى قِيَاس جمال كَثِيرَة فَكَانَ يشْتَغل بأمرها مَعَ المكارين ويغيب عَنهُ يَوْمًا كَامِلا بِحَيْثُ انه يحْتَاج إِلَى المَاء فَلَا يجد من يسْقِيه وَكَانَ حاراً فيأذى بذلك ويتغير مزاجه ويرتجل فِي الْحَال فِي هجوه مقطعات قَالَ واخذ مرّة لَحْمًا وَدفعه إِلَى غُلَامه ليصلحه فَأتى بِهِ قبل ان ينضج فانشد عِنْد ذَلِك ارتجالا يُخَاطب غُلَامه ويوميء إِلَى هجاء الْجمال الْمَذْكُور ... انت لَا تحسن شَيْئا ... اذ اتيت اللَّحْم نيا فاسكب الْقَيْء عَلَيْهِ ... واعطه الْجمال قيا ... قَالَ الْفَقِيه أَحْمد وَقلت انا فِي صَاحِبي الْمُسَمّى عَيَّاش ... ان عَيَّاش قد أَتَت ... من لَدَيْهِ بَدَائِع رَاح عني وَكنت فِي ... جملَة الركب ضائع كَيفَ يَأْتِي وَقَلبه ... فِي المكارين شَائِع ... قَالَ واستهلينا شهر الْمحرم بالزرقاء فَلَمَّا صلينَا الْمغرب وَجَلَسْنَا وَنحن نَنْظُر إِلَى الْهلَال فَقَالَ لي مَا تَقول فِي تشبيهه فَقلت الَّذِي على بالي من ذَلِك قَول ابْن المعتز ... والبدر فِي افق السَّمَاء كدرهم ... ملقى على ديباجة زرقاء ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 فَقَالَ هَذَا التَّشْبِيه لَا يحسن فِيهِ إِلَّا عِنْد طلوعه قبيل الْفجْر حَالَة نَقصه وانتهائه فهات شَيْئا فِي ابْتِدَائه قلت قَوْله أَيْضا ... انْظُر إِلَيْهِ كزورق من فضَّة ... قد أثقلته حمولة من عنبر ... قَالَ فَسكت سَاعَة خَفِيفَة وانشد لنَفسِهِ فِي ذَلِك مرتجلا ... قد رَأينَا الْهلَال بالزرقاء ... ظَاهرا للانام وَقت الْعشَاء قلت للجابرى فهات مِثَالا ... فِيهِ تزري بأفصح الشُّعَرَاء قَالَ قد قيل زورق من لجين ... قد ترآى للناظرين بِمَاء ... ثمَّ سكت نَحْو نصف سَاعَة وَأنْشد أَيْضا مرتجلاً ... قَالَ الشهَاب الجابري تَشْبِيها ... يماثل ذَا الْهلَال السافر فأجبته انْظُر إِلَى دورانه ... فَلَقَد حكى فِي الأَرْض وقْعَة حافر ... ثمَّ قَالَ الْفَقِيه أَحْمد لَو قَالَ ... هُوَ فِي السَّمَاء مدور وَلَقَد حكى ... دورانه فِي الأَرْض وقْعَة حافر ... لَكَانَ أحسن قلت ولبعضهم أَيْضا فِيهِ هَذَا التَّشْبِيه الْحسن ... والبدر فِي وسط السَّمَاء كَأَنَّهُ ... وَجه مضيء تَحت قبَاء أَزْرَق ... وفيهَا أَمر الْوَزير الْكَبِير حسن باشا بعمارة قبَّة الشَّيْخ الْكَبِير وَالْوَلِيّ الشهير عَليّ بن عمر الشاذلي صَاحب المخا بِمُبَاشَرَة على شلبي أَمِير بندر المخا الْحلَبِي فعمرها عمَارَة متقنة وجدد التابوتين وكساهما كسْوَة حَسَنَة من الصُّوف الاخضر وَكَانَ ابْتِدَاء الْعِمَارَة وختامها فِي سنة ألف من الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة ثمَّ أَمر الْوَزير حسن باشا بعمارة جَامع كَبِير شَرْقي الْقبَّة وشاميها فَبنى بِنَاء أكيداً وَتمّ وَنصب فِيهِ منبراً من الْحجر الْأَخْضَر ثمَّ بنيت لَهُ مَنَارَة عَجِيبَة فِي غَايَة الطول والنحافة واللطف ثمَّ صليت فِيهِ الْجُمُعَة واستمرت فِيهِ الْخطْبَة وَصَلَاة الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة تقبل الله ذَلِك مِنْهُ بمنه وَكَرمه ويمنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 ولنختم الْكتاب بِذكر حبيب الأحباب تَاج العابدين على الْإِطْلَاق وأويس زَمَانه بالِاتِّفَاقِ وأسعد السُّعَدَاء وَأكْرمهمْ على ربه المنقذ من الكروب لمن تعلق بِسَبَبِهِ الحري أَن تكْتب أخباره بِمَاء الْعُيُون وَأَن ينَال كاتبها من الرَّحْمَة مَا فَوق الظنون سعد السويني السعيد المتصف بِكُل خلق حميد الَّذِي يحسن بِذكرِهِ الختام كَمَا حسن بِذكر سيد الرُّسُل الْكِرَام الشُّرُوع فِي الْكَلَام ... ختم هَذَا الْكتاب آن ... وبسعد بِحسن الختام فاختم لنا مِنْك بِخَير ... وتوفنا على الْإِسْلَام ... كَيفَ وَفِي اسْمه مَا يشْعر بِبُلُوغِهِ مرتبَة عَظِيمَة من مَرَاتِب السَّعَادَة مَعَ أَن اسْمه ثلاثي الْحُرُوف وَفضل الثلاثي فِي اصْطِلَاح أَهلهَا عِنْدهم مَعْرُوف فطابق اسْمه مَعْنَاهُ وَوَافَقَ فحواه ولي فِي الْمَعْنى ... يَقُول لنا لِسَان الْحَال مِنْهُ ... وَقَول الْحق يعذب للمستفيد فاسمي ووصفي ومريدي ... سعيد فِي سعيد فِي سعيد ... ولي أَيْضا فِيهِ ... ثلاثي بِهِ العَبْد أضحى متصرفاً ... اسْم شرِيف قدره كالمصحفا فسين السَّعَادَة دَلِيل سعادته ... وَعين الْعِنَايَة وحسبك ذَا كفا ودال الدّلَالَة على ربه ... فيا سعد من إِلَيْهِ ربه تعرفا ... هَذَا وَقد قسموا الْحُرُوف إِلَى نورانية وَهِي الَّتِي جَاءَت فِي أَوَائِل السُّور من الْقُرْآن الْعَزِيز بعد حذف المكرر يجمعها قَوْلك من قَطعك صله سحيرا وَهِي ال رك هـ ي ع ص ط س ح م ق ن وَهِي أَرْبَعَة عشر حرفا ذكرُوا أَن سَبْعَة مِنْهُ وَهِي الْكِبَار أشرف من السَّبْعَة الْأُخْرَى وَهِي ال ر هـ س ع ح وظلمانية وَهِي ب ت ث ح خَ ذ د ر ش ض ظ غ ف ووهي أَرْبَعَة عشر أَيْضا وَذكروا أَنَّهَا تَنْقَسِم كَذَلِك إِلَى فَاضل ومفضول فَذكرُوا فِي الْقسم الأول مِنْهَا ب ت د ز غ ف ووما عدا هَذِه السَّبْعَة هِيَ الْحُرُوف المفضولة وَهِي ج خَ ش ض ظ ث ذ وَقد جَاءَ فِي اسْمه الشريف حرفين من أشرف الْحُرُوف النورانية وهما السِّين وَالْعين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 وحرف من الْحُرُوف الظلمانية وَلَكِن من الْقسم الأول مِنْهَا وَهُوَ الدَّال وَقد وَقع هَذَا الْحَرْف من آخر اسْم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَذَلِك وَذَلِكَ مِمَّا يدل على شدَّة مُتَابَعَته لَهُ وَتحقّق وراثته مِنْهُ فَهُوَ دَال الدّلَالَة على وحدانية الله تَعَالَى وَهُوَ دَلِيل على سَابق السَّعَادَة بالعناية الأزلية لَهُ وَمن نصب لَهُ الدّلَالَة على خالقه فعيشه حميد وَمن سبقت لَهُ الْعِنَايَة فِي الْأَزَل فَهُوَ سعيد وَذكروا أَيْضا أَن الْحُرُوف الَّتِي بِلَا نقط أفضل مِمَّا عَداهَا من الْحُرُوف بِدَلِيل أَن الَّذِي جَاءَ فِي أَوَائِل السُّور كَانَ أَكْثَره مِنْهَا وَمَا كَانَ فِيهِ من الْحُرُوف المنقوطة سوى ثَلَاثَة وَهِي الْيَاء وَالْقَاف وَالنُّون وَكَانَت حُرُوف اسْمه الشريف من هَذِه الْحُرُوف الَّتِي بِلَا نقط وَقد وَقع كَذَلِك فِي اسْم الْجَلالَة وَاسم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قلت وَلَعَلَّ فِي حُرُوف اسْمه الثَّلَاثَة إِشَارَة إِلَى مَا من الله تَعَالَى بِهِ عَلَيْهِ ومنحه من فَضله الْعَظِيم وجوده العميم فالسين إِشَارَة إِلَى سعادته وَالْعين اشارة إِلَى عناية الله بِهِ وَالدَّال اشارة إِلَى دوَام الطَّاعَة لَهُ مُدَّة عمره أَو إِلَى الدّلَالَة بالهدية لَهُ إِلَى معرفَة الله تَعَالَى إِلَى غير ذَلِك من الْأَسْرَار العجيبة والمعاني الغريبة الَّتِي لَو تتبعنا بَعْضهَا لطال بِنَا الْكَلَام وَفِيمَا أوردناه مِنْهَا مقنع ومرام وَفِي الاشارات مَا يُغني عَن التَّصْرِيح وَفِي وصف ذَلِك الْمقَام مَا يحير الفصيح ... كل الَّذِي قلت بَعْضًا من محاسنه ... مَا زِدْت إِلَّا لعَلي زِدْت نُقْصَانا ... وَهَذِه وَالله هِيَ المكارم وَهَكَذَا فلتكن فِي الله العزائم هَكَذَا وَإِلَّا فَلَا وَأَرْجُو أَن أكون بمحبتي لَهُ وخدمتي اياه واشتغالي بأخباره مَعَ انتسابي إِلَى علياه مِمَّن سبقت لَهُم من رَبهم الْحسنى وَزِيَادَة وَكَانَت جائزته إِن شَاءَ الله على ذَلِك الغفران وَكَمَال السَّعَادَة ففضل الله مدرارا وأولياء الله كالبحار فهم الْقَوْم لَا يشقى جليسهم وَمن أحب قوما كَانَ مِنْهُم وَإِن لم يعْمل بعملهم كَمَا جَاءَ فِي النَّص الشريف عَن صَاحب الْكَرَامَة والتشريف وَإِذ قد رزقنا الله محبتهم ووفقنا لخدمتهم فَهَذَا أعظم دَلِيل على الْخَيْر إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَالْحَمْد لله الَّذِي هدَانَا لهَذَا وَمَا كُنَّا لنهتدي لَوْلَا أَن هدَانَا الله وَللَّه در من يَقُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 .. وَإِذا حلت الْهِدَايَة قلبا ... نشطت للبعادة الْأَعْضَاء ... وَإِذا سخر الاله أُنَاسًا ... لسَعِيد فانهم سعداء ... وَقلت فِي الْمَعْنى ... يَا سعدي إِن صَحَّ حبي لسعد ... يَا بخْتِي ان بذلت فِيهِ جهدي ... يَا سروري إِن بلغت فِيهِ قصدي ... يَا هنائي إِن فزت بِذَاكَ وحدي ... يَا سروري إِن بلغت فِيهِ قصدي ... يَا منائي إِذا صدق فِيهِ وجدي ... يَا غنائي ان قبل وَقَالَ أَنْت عَبدِي ... وَأَرْجُو أَن أكون فِي الدَّاريْنِ بمحبته سعيدا وَأَن أحْشر إِن شاضء الله تَعَالَى ببركته فِي زمرة السُّعَدَاء وَأدْركَ مَرَاتِب الشُّهَدَاء وَمَا ذَلِك على الله بعزيزوما توفيقي إِلَّا بِاللَّه عَلَيْهِ توكلي واليه أنيب قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرمء مَعَ من أحب قَالَ الإِمَام النَّوَوِيّ رَحمَه الله فِي شرح مُسلم عِنْد الْكَلَام على هَذَا الحَدِيث وَلَا يشْتَرط فِي محبَّة الصَّالِحين أَن يعْمل بأعمالهم اذ لَو عمل بأعمالهم كَانَ مَعَهم وَمِنْهُم وَقَالَ الْبونِي إِن الله تبَارك وَتَعَالَى ينظر إِلَى قُلُوب أوليائه كل يَوْم كَذَا وَكَذَا مرّة فَإِذا وجد فِي قُلُوبهم محلا لعبد وَرَأى همتهم مُتَعَلقَة بِأحد أكلامه وَتجَاوز عَنهُ وألحقه بهم ولنرجع إِلَى مَا نَحن بصدده من ذكر طرف من أَحْوَال هَذَا السَّيِّد الْعَظِيم وَالْوَلِيّ الْكَرِيم ونعترف قَطْرَة من بحره الغزير ليستدل بِالْقَلِيلِ من ذَلِك على الْكثير فَكفى بالنفحة دَلِيلا على طيب الزهر وبالغرفة معرفَة يعذبونه النَّهر وَلِأَن صَاحب النُّور الَّذِي قسم لَهُ نصيب من سعادته إِذا ذكر لَهُ شَيْء من صِفَات الأكابر وَلَو طرفا من أخبارهم أَو لَاحَ لَهُ لامع من بوق أنوارهم هش بِقَلْبِه إِلَيْهَا وَأَقْبل بِالرَّدِّ علهيا وَذَلِكَ لوُجُود المجانسة الْحَقِيقِيَّة كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث الْأَرْوَاح جنود مجندة فَمَا تعارف مِنْهَا إئتلف وَمَا تناكر مِنْهَا اخْتلف فَأهل السَّعَادَة يعرف بَعضهم صِفَات لعض بصفاتهم كَمَا قيل ... يعرفهُ الباحث من جنسه ... وَسَائِر النَّاس لَهُ مُنكر ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 وَذَلِكَ مَعْلُوم عِنْد أَهله فَهُوَ وَاحِد أهل زَمَانه علما وَحَالا وَمَعْرِفَة ومقاماً وورعاً وزهداً واجتهاداً وَعبادَة أحد الْمَشَايِخ الْكِبَار والأولياء الأخيار تعرتجي الرَّحْمَة بِذكرِهِ وتستنزل الْبركَة بحبه ويستمطر الْمُسِيء سحائب الغفران بالتوسل بِهِ قَالَ الْعَلامَة مُحَمَّد بن عمر بحرق الْحَضْرَمِيّ وناهيك بعظيم احواله اعتناء الشَّيْخ العيدروس عبد الله بن أبي كبر بالتصنيف فِيهَا فان الْعَظِيم لَا يعظم فِي عَيْنَيْهِ إِلَّا عَظِيم وَلَا يعرف الْفضل لاهل الْفضل إِلَّا أهل الْفضل وَإِذا وصف العيدرووي فِي مناقبه الجليلة واعتنى باحواله الجميلة فقد اغنى ثَنَاؤُهُ عَن كل وصف وَالشَّهَادَة مِنْهُ خير من شَهَادَة الف الف وَهَا انا أُشير إِلَى بعض مَا ذكره رَضِي الله عَنهُ فِي تَرْجَمته وَسيرَته مُلَخصا لكَلَامه فَقَالَ وَمن خطه الْكَرِيم فَقلت كَانَ شَيخنَا الْعَارِف بِاللَّه تَاج الانوار وقطب الاحوال سعد بن عَليّ بن عبد الله أَبَا مدحج الْحَضْرَمِيّ التريمي عَالما بِاللَّه وبأمر الله على الشَّرِيعَة والطريقة والحقيقة ادركناه وصحبناه وحفظنا مِنْهُ كرامات كَثِيرَة ووقائع عَظِيمَة لَا يُمكن شرحها وَقد أظهرنَا بَعْضهَا قَالَ وَتعلم الْقُرْآن وَحفظه وقرا فِي الْفِقْه التَّنْبِيه والمنهاج وَفِي التَّفْسِير تَفْسِير الواحدي وَالْبَغوِيّ وَتَأْويل الْقُرْآن للسلمي وَفِي الطَّرِيقَة بداية الْهِدَايَة ومنهاج العابدين وَالْأَرْبَعِينَ الأَصْل واحياء عُلُوم الدّين للغزالي وَأخذ خرقَة الصُّوفِيَّة من الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن واكثر مقروآته على وَالِده الْعَارِف بِاللَّه شيخ بن عبد الرَّحْمَن وَكَانَ شَيْخه يُحِبهُ حبا شَدِيدا ويثني عَلَيْهِ ثنيا عَظِيما ويشه رأحواله غَايَة وَنِهَايَة وَكَانَ يَأْمُرهُ ان يرفق بِنَفسِهِ فِي المجاهدة فيعتذر إِلَيْهِ بانه لَا يجد لَهَا كلفة وَلَا مشقة باعانة الله لَهُ قَالَ وَأول شَيْء بدىء بِهِ انه كَانَ نَائِما فِي مَسْجِد سرجيس أَي بسين مُهْملَة مكررة بَينهمَا رَاء ساكنه ثمَّ جِيم مَكْسُورَة ثمَّ يَاء تحتية فَدخل عَلَيْهِ رجل من رجال الْغَيْب فأقامه من نَومه وَقَالَ لَهُ قُم مَا لهَذَا خلقت فشمر بعون الله من وقته فِي المجاهدات والمكابدات والرياضيات والخلوات فَكَانَ يَصُوم الدَّهْر وَيقوم اللَّيْل كُله من حِين بلغ الْحلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 وَكَانَ ملازما لتلاوة الْقرى ن وَرُبمَا قَرَأَ خَتمه باليلل فِي صَلَاة وختمة بِالنَّهَارِ بالترتيل وَكَانَ متورعاً إِلَى الْغَايَة وَالنِّهَايَة مُلْتَزما ان لَا يَأْكُل إِلَّا الْحَلَال الْمَحْض وان لَا يَأْكُل أَيْضا مِنْهُ إِلَّا الْيَسِير وغالب قوته من المطعومات الْمُبَاحَة فِي الْأَشْجَار كالبربر وَهُوَ ثَمَر الاراك والعشرق وَهُوَ ثَمَر السنا والنبق وَهُوَ ثَمَر السدر ولاصار وَهُوَ ثَمَر النّخل الْمقل واذا سَافر إِلَى الشحر اقْتصر على السّمك الصّرْف هَذَا كُله فِي بدايته ثمَّ كَانَ فِي آخر عمره يطوي الْأَرْبَعين فاكثر على المَاء وَحده وَمكث مُدَّة من السنسن لَا ينَام ليلاى وَلَا نَهَارا قَالَ وَكَانَ كثيرا مَا يؤئر الْخلْوَة فِي شعاب تريم والمجاورة عِنْد قبر النَّبِي هود عَلَيْهِ السَّلَام وَكَانَ يظْهر لَهُ فِي خلوته ومجاورته أُمُور عَظِيمَة مِنْهَا انه يظْهر لَهُ ابليس وَجُنُوده لعنهم الله فيرمونه ويرجمونه ويتهددونه بِالسِّلَاحِ خُصُوصا إِذا قَامَ للصَّلَاة قَالَ فاستعين بِاللَّه عَلَيْهِم والتجيء إِلَيْهِ فَلَا يختلج فِي باطني خوف مِنْهُم اصلا فيرجعون خائبين قَالَ وَظهر لي مرّة إِبْلِيس فصارعني فصرعته بمعونة الله تَعَالَى وسلبته سلاحه وأسرته فاستطاع لي وانقاذ بِإِذن الله تَعَالَى قَالَ وَظَهَرت لي صِفَات النَّفس المذمومة فِي صور النِّسَاء فذبحتهن بمعونة الله تَعَالَى قَالَ وَلَقِيت الْخضر عَلَيْهِ السَّلَام مرَارًا فاستفدت مِنْهُ فَوَائِد كَثِيرَة قَالَ وَاجْتمعت بِخلق كثير من رجال الْغَيْب رَضِي الله عَنْهُم قَالَ وَكنت اسْمَع فِي حَال تِلَاوَة الْقُرْآن هواتف كَثِيرَة تَأْمُرنِي بترتيل الْقُرْآن وتنهاني عَن الْهَذْرَمَةُ قَالَ وَكَثِيرًا مَا اسْمَع الهواتف تَقول لي عِنْد التِّلَاوَة قد وهبناك سر هَذِه الاسورة وسر هَذِه السُّورَة خُصُوصا عِنْد قِرَاءَة سُورَة يسين والرحمن والواقعة ثمَّ قَالَ الشَّيْخ عبد الله رَضِي الله عَنهُ هَذَا كُله فِي أول عمره وَأما فِي آخِره قدر نصف عمره قَصرنَا وَنحن واياه كَمَا قيل ... أَنا من أَهْوى وَمن أَهْوى أَنا ... نَحن روحان حللنا بدنا ... قَالَ الشَّيْخ وَكَثِيرًا مَا كنت أشاهده فِي حَال التِّلَاوَة يذوب بِحَيْثُ يصير جسده كَالْمَاءِ الجامد فَرُبمَا فزع إِلَى مُخَالطَة العوانمم وَأهل الكثافات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 الطبعية فَسَأَلته هَل لَك فِي مخالطت 8 هم من فَائِدَة نعم بل فَوَائِد كَثِيرَة مِنْهَا أَنه رُبمَا هجم على الْحَال من وَارِد الْمحبَّة حَتَّى اخشى على جسمي أَن يتْلف فاقرب من النَّاس لتعتدل لطافة الْحَال بكثافتهم وأتوله بِقَضَاء حوائجهم ومخاطباتهم قَالَ الشَّيْخ وَكنت أنظر إِلَيْهِ فِي غلاب أَحْوَاله سَكرَان براح الْمحبَّة فِي ليله ونهاره بل كَانَ فِي جَمِيع لحظاته ممتلئاً بمحبة ربه قَالَ وَهُوَ من أهل الْمقَام الرَّابِع فِي التَّوْحِيد لِأَن الْغَالِب عَلَيْهِ فنَاء الفناء قَالَ وَقد سَأَلته عَن ذَلِك فِي مذاكرة جرت بيني وَبَينه فِي تَوْحِيد الْفِعْل فَأَشَارَ إِلَى نَفسه بذلك وَكَانَ للشَّيْخ سعد بن عَليّ معرفَة تَامَّة فِي أَحْوَال الْقَوْم وَشرح مقاماتهم ودقائق معاملاتهم يشرحها شرحاً حسنا شافياً مَعَ كشف وذوق ومشاهدة ووصول وتخلق وَتحقّق مَعَ دوَام الصفاء بدوام الْجُوع والسهر وَالذكر والفكر وَشدَّة الافتقار ولاذل والانكسار والتواضع والخمول وَقطع العلائق بِالْكُلِّيَّةِ فَلم تكن لَهُ صُورَة فِي صغره وَلَا تزوج فِي كبره رَضِي الله عَنهُ حَتَّى توفاه الله تَاسِع رَجَب الْفَرد سنة سبع وَخمسين وَثَمَانمِائَة من الْهِجْرَة رَحمَه الله تَعَالَى واعاد علينا من بركاته آمين وَمن غَرِيب الِاتِّفَاق أَن تَارِيخ وَفَاته جَاءَ منور للجنة وَقلت فِي ذَلِك ... تَارِيخ فَوت سَيِّدي قدوتي ... سعد السويني السعيد قِبْلَتِي ... نور الْأَنْوَار فَلَا عجب إِذا ... مَا قيل فِيهِ منور الْجنَّة ... وَقلت أَيْضا ... قد أَضَاءَت الأكوان يسْعد سَيِّدي ... تَارِيخه جَاءَ منور للجنة ... وَقد رَأَيْت أَن أضيف إِلَى هَذِه المناقب الشَّرِيفَة مَالِي وشأنه من الأبيات اللطيفة فَمن ذَلِك مَا قلته فِيهِ مفتخراً بانتسابي إِلَيْهِ وكوني من محبيه ... نجم سعدي قد طلع ... من أفق السويني وَنجم ... شرح صَدْرِي بِهِ ابدا ... فِيهِ وجدي مَا انكتم ... هُوَ روحي وخاطري ... بِهِ علق قلبِي من قدم ... هُوَ شَيْخي وعمدتي ... وَهُوَ قصدي من الخيم ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 .. بلغت من سره المنا ... وَحصل لي الْعَطاء الجم ... يَا عذولي فِيهِ وَدعنِي ... إِ ن السَّعَادَة من الله قسم ... قد ظَفرت أَنا بالهنا ... وحظك الصدود ووالهم ... ان عظمت غَيره ... استسمنت ذَا ورم ... ذَا مغيث لكل مكروب ... ذَا ملْجأ الْأُمَم ... قطب الْأَحْوَال والموا ... هَب بَينهم كَالْعلمِ ... ولي فِيهِ أَيْضا ... أَلا يَا سعد أَرْجُو مِنْك اشارة ... فَجعل لعبيدك بالبشارة ... واسقني من شراب الْقَوْم حَتَّى ... أشاهد ذَلِك النُّور بِلَا ستاره ... وَمن عَليّ وجد لي بمقام ... رفيع تضيق عَن شَرحه الْعبارَة ... ولي أَيْضا ... سعد وَالله من حبه ... سعد طول الآباد ... ولي أَيْضا ... سعد وَالله من زَارَهُ يعْطى مناه ... سعد وَالله من حبه ... زَاد فِي عطاه ... سعد وَالله من أمه ... طَابَ مسعاه ... سعد وَالله من فَازَ ... بِالْقربِ من مَوْلَاهُ ... سعد وَالله من نظره ... الْخلد مأوااه ... سعد وَالله من بغضه ... النَّار مثواه ... سعد عاره على العَبْد ... فقد طَال بلواهخ ... سعد وَالله مَا خَابَ ... من أمله ورجاه ... سعد وَالله جدير ... يُجيب أمله من دَعَاهُ ... سعد قَالَ قد نَالَ من ربه ... كل من يَشَاء ... ولي أَيْضا ... لَو درى العاذلون فرط اكتسابي ... وَرَأَوا حالتي عطفوا ورقوا ... مَا معي زاداً ليَوْم معادي ... ارجى أعمالي أَنِّي لسعدون رق ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 وَمن ذَلِك مِمَّا التزمت فِيهِ بِأَن يخرج من أَوَائِل السطور اسْمه الشريف وَيُسمى هَذَا النَّوْع عِنْد أهل الْفَنّ المشجر وَفعلت ذَلِك فِي مقاطعات عديدة مِنْهَا ... س سَأَلت الله يغْفر زلتي ... بجاه سعد الْوَلِيّ ... ع عَظِيم الْحَال حَقًا الزَّاهِد ... الْوَرع التقي ... د دَلِيل الحيارى للنجاة ... ذَاك السويني ابْن عَليّ ... وَمِنْهَا ... سبا فُؤَادِي الرشأ الأشنب ... بمنطق مِنْهُ يحلو ويعذب ... عذب بِمَا شِئْت غير الهجر يَا فَاتَنِي ... وَمَا عَلَيْك فِيمَا فعلت معتب ... دمي حَلَال لَك يَا أملي ... وَغير حبك لَيْسَ لي مَذْهَب ... وَمِنْه ... سلوا قلبِي محَال ... عَن حب ليلى وخدرها ... عاذلي كف عني ... فلست أميل لغَيْرهَا ... دَعْنِي وشأني يَا غبي ... إِنِّي شغفت بذكرها ... وَمِنْهَا ... سلوا عَن ودادي يَا أحبائي قلبكم ... فَيشْهد بِمَا عِنْدِي لكم من حبكم ... عرفتكم فِي الذَّر فَكيف انسى عهدكم ... وَمَا منيتي يَا سادتي غير قربكم ... داوا فُؤَادِي فِي الذَّر فَكيف انسى عهدكم ... وَمَا منيتي يَا سادتي غير قربكم ... داوا فُؤَادِي بلذيذ وصالكم ... فحسبي شرفاً أَن أكون من حزبكم ... وَمِنْهَا ... سروري فِي هَوَاهُ ... وبسطي يَوْم لقاه ... عيدي لَدَى رُؤْيَاهُ ... وقلبي وَالله مثواه ... ديني عقد ولاه ... منيتي والللهه رِضَاهُ ... وَمِنْهَا ... سلمى بوصلها عَليّ منت ... فَزَالَ عني العنا والصدود ... على حَالي وضعفي رقت ... بخْتِي بِهَذَا الهنا والورود ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 .. درت بسقمي وضنائي وحنت ... يَا مرحبابريم وَادي زرود ... وَمِنْهَا ... سفكت فِي الْهوى دمي ... غزال من ظَبْي الْحرم علقت روحي بحبها ... وصبت من سالف الْقدَم درت أَن شفعتي بهَا ... وبهاتيك الخيم ... وَمِنْهَا ... سلو قلبِي محَال عَن حب سعدى أُخْتهَا على ذكرى بفخرها ... طَابَ وقتي من بحتها دَامَ عزي بعْدهَا ... لَيْتَني أكون عَبدهَا ... وَمِمَّنْ ذَلِك أَنِّي لغزت فِي اسْمه الشريف فَقلت ... سري قد سرى لخير عرب ... أَبَاحَ دمي لَهُم من غير ذَنْب ... وَقلت أَيْضا فِي هَذَا الْمَعْنى ... سَأَلت الله الْعَظِيم باسمه ... يشفي دائي ويمن بطبه سر عَزِيز تمثلت من ذكره ... درى عاذلي إِنِّي شغف بحبه ... وَمن ذلم مَا قلت فِيهِ وَفِي صَاحبه سَيِّدي الشَّيْخ عبد الله العيدروس مفتخراً بانتسابي اليهما وَمَا سَاقه الله لي من الْخَيْر بسببهما وعَلى يديهما ... بالشيخ عبد الله وسره ... حصل لي كلما أُرِيد وَسعد السويني ذكره ... حَلَال ورده يَا مُرِيد العَبْد بهم وان قل قدره فَهُوَ فِي النَّاس سعيج وَكلما قيل نقص أمره ... مَا زلت بهم فِي مزِيد ... توشيح ... اقْسمْ بِاللَّه أَنهم عوني ... ومذ لذت بهم جفوني ... وَإِذا ضَاقَ أَمْرِي أنقذوني ... وَعَاد بِسَعْد وفخره ... بحري وربي بسيط مديد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 وَمثله أَيْضا ... بالشيخ عبد الله ومجده ... وفتى قد صَار رائق وَسعد السويني وَحده ... أزاح عني الْعَوَائِق وَالْعَبْد بهم وَأَن قل جهده ... فَهُوَ فِي النَّاس سَابق وَكلما قيل قل وَحده ... مَا زَالَ بهم فخري فائق ... توشيح ... لما انتسبت لجنابهم ... جادوا عَليّ بشرابهم ... وَمن أَنا إِلَّا بهم ... وَعَاد وربي بهم أطول ... وأفخر على كل عاشق ... وَمثله أَيْضا بالشيخ عبد الله واصله ... نلْت المنى وَالْمَقْصُود وَسعد السويني وفضله ... ظَاهرا بِلَا خَفَاء وجحود توشيح ... مت يَا عذولي بِاللَّه ... اخسا مَالك وَلأَهل الله ... وَيلك تُرِيدُ إطفاء نور اله ... مَا على ذَاك من مثلم وجهلك ... مَا حظك غير الفلا والصدود ... وَمثله أَيْضا ... بالشيخ عبد الله ونصيبه ... حصل لي السَّعَادَة وَسعد السويني حَبِيبه ... حبه أَي سيادة وَالْعَبْد بهم وَإِن قل نصِيبه ... صحت لَهُ الإدارة وَكلما قيل برهَان بخته ... مَا زلت وَالله فِي زياده حاشا لَا يضام نسيبه ... أَو يحرم الراجي الافادة ... توشيح ... خصصت بذا فِي الْأَزَل ... ومذاملتهم مَا خَابَ أملي ... وَأَرْجُو بهم أَن يخْتم الله عَمَلي ... وَمن ذَلِك قلت فيهمَا وَفِي سَيِّدي حَاتِم بن أَحْمد الأهدل أعَاد الله علينا من بركاتهم آمين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 لي مطلب مَا مثله مطلب ... قرب مولَايَ وعالي الرتب حَال اسلافي وَطيب المشرب ... وَإِن نلْت ذَا مَا هُوَ وَالله عجب ... توشيح ... بالعيدروس الْجد أعطي السؤل ... وبسعد وحاله أرتجي الْقبُول وحاتم الْفَرد الْوَلِيّ لَيْث الفحول ... مَالِي سى حبهم مَذْهَب ... وَلَا وربي عَن بابهم اذْهَبْ ... وَمِمَّا قلت فيهم نفع الله بهم ... سعد حبي وحاتم سَيِّدي ... والعيدروس القطب شَيْخي وجدي لَيْسَ يعد لَهُم أحد عِنْدِي ... لَا وربي إِن ذَا من جدي ... وَقلت فيهم أَيْضا ... مَا خَابَ بالعيدروس توسل ... وبحاتم الْوَلِيّ رجا وأمل وَمن سعد رام الاسعاد ... بل حقيق بِأَن يُعْطي المنى ... ويفوز بالبشرى والهنا كَذَا ويظفر بِكُل المُرَاد ... وَقلت فيهمَا أَيْضا ... مَا خَابَ من على الله توكل ... وبالهادي ارسول توسل ... إِنَّه لحقيق أَن يُعْطي المُرَاد ... وَمن بحاتم ترجى الندا ... وألح على العيدروس بالندا وَمن سعدهم رام الاسعاد ... ولنختم هَذِه التَّرْجَمَة الْعَظِيمَة بحكاية غَرِيبَة سَمعتهَا من الثِّقَات وَهِي جديرة فِي هَذَا الْمحل بالاثبات حُكيَ أَن الشَّيْخ أَبَا بكر العيدروس صَاحب عدن رَضِي الله عَنهُ كَانَ اذا ذكر الشَّيْخ سعد ينبسط جدا وَكَانَ أَصْحَابه بعد أَن عرفُوا ذَلِك مِنْهُ إِذا رَأَوْهُ مَقْبُوضا يذكرُونَهُ لَهُ فينبسط عِنْد ذَلِك فَفِي بعض الْأَيَّام دعى بصندوق وفتحه وَأخرج مِنْهُ شَيْئا عَلَيْهِ لفائف كَثِيرَة كَمَا يَجْعَل عليى الشَّيْء النفيس مُبَالغَة فِي حفظه وصونه فَمَا زَالَ يفتحها بِيَدِهِ الشَّرِيفَة وَاحِدَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 بعد وَاحِدَة حَتَّى أخرج مِنْهَا حذائين عتيقة وَأخذ يشمها ويقبلها وَقَالَ إِن هَذِه من ملبوسات الشَّيْخ سعد رَضِي الله عَنهُ ثمَّ ردهما مكانهما فتعجب الحاضرو من ذَلِك قلت وَقد وَقع لي بِحَمْد الله قريب من هَذَا وَذَلِكَ أَن بعض الْأَصْحَاب من أهل حَضرمَوْت اهدى لي طَبِيبا فَقلت هلا أهديت لي مكن تُرَاب قبر سَيِّدي الشَّيْخ سعد بن عَليّ رَضِي الله عَنهُ فَإِن ذَلِك عِنْدِي من أشرف الْهَدَايَا وأفخر أَنْوَاع الطّيب ثمَّ انشدت فِي هَذَا الْمَعْنى ... سَأَلت العرفاء عَن طب دائي ... فَقَالُوا تُرَاب ذَلِك الجناب الأقدس على الْخَيْر سَقَطت فاغتنم داؤك ... وربي إِنَّه درياق أنفس دواني يَا سعد وادرك قبل تلافي ... وحقك أَنِّي لَك عبد اكيس ... فَأرْسل الي من الْعَام الْقَابِل قَلِيلا من تُرَاب ذَلِك الضريح الشريف فِي قَارُورَة زجاج وَللَّه الْحَمد وَعلمت أَن للشَّيْخ نفع الله بِهِ بِالْعَبدِ اعتناء عَظِيم وَأَخْبرنِي شَيخنَا الْفَقِيه الصَّالح سراج الدّين عمر بن زيد الدوعني قَالَ وَمن خطه نقلت بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله رب الْعَالمين وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد خَاتم النَّبِيين وعَلى آله وَصَحبه أَجْمَعِينَ أما بعد فَيَقُول العَبْد الْفَقِير الحقير خويدم الْعلمَاء ومحبهم عمر بن زيد غفر الله ذنُوبه وَستر عيوبه آمين لما كَانَ التَّارِيخ لَيْلَة الْجُمُعَة ثامن وَعشْرين شهر شعْبَان المكرم سنة خَمْسَة عشر وَألف رَأَيْت كَأَن سيدنَا وَشَيخنَا السَّيِّد الْعَالم الْعَلامَة الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى وحيد عصره وفريد دهره محيي الدّين الشَّيْخ عبد الْقَادِر بن شيخ بن عبد الله العيدروس مد الله فِي حَيَاته وَأعَاد علينا من بركاته وبركات علومه ومعارفه وأنفاسه آمين فِي بَيت عَظِيم وَعِنْده جمَاعَة من أَصْحَابه عرفت بَعضهم فَخرج من ذَلِك الْبَيْت وَأَشَارَ إِلَيّ فتبعته وفعمت مِنْهُ أَنه يطْلب المَاء فَمشى أَمَامِي وَأَنا وَرَاءه فِي أَمَاكِن معمورة لَا أعرفهَا حَتَّى انتهينا إِلَى مَكَان وَاسع فَإِذا بسيدي الشَّيْخ سعد بن عَليّ أَبَا مدحج إِمَام سَيِّدي يدله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 على المَاء الَّذِي يَطْلُبهُ وَإِذا بطائر فِي الْهَوَاء فَوق رَأس سَيِّدي الشَّيْخ سعد نفع الله بِهِ فَمشى الشَّيْخ إِمَام سَيِّدي غير بعيد فاعترضنا نهر عَظِيم فنزلنا فِي درج إِلَى النَّهر وانتبهت قبل أَن يصل سَيِّدي إِلَى النَّهر وَبِي من الْفَرح وَالسُّرُور مَالا عَلَيْهِ مزِيد زَاده الله من فَضله ورقاه إِلَى أَعلَى المقامات بمنه وَكَرمه وفضله فقصصت رُؤْيَايَ على سَيِّدي فَقَالَ اكتم مَا رَأَيْت وَلَا تخبر بذلك أحدا أعَاد الله علينا من بركاته وبركات الشَّيْخ الْوَلِيّ سعد بن عَليّ وبركات الْأَوْلِيَاء وَالصَّالِحِينَ آمين ختام الْكتاب انْتهى كَلَام سَيِّدي الْفَقِيه بِحُرُوفِهِ وَهَذَا آخر مَا يسر الله جمعه من التَّارِيخ الْمُخْتَصر الْجَامِع وَقد احتوى جرمه الصَّغِير على علم كثير ونكت مفيدة يحْتَاج إِلَيْهَا ذُو البصائر ويهتدي بهَا عِنْد الْوُقُوف هليها كل حائر وَذَلِكَ بقفضل الله وهدايته وَتَخْصِيص من معونته ورعايه وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه أَجْمَعِينَ قَالَ مُؤَلفه فسح الله فِي مدَّته وَقع الْفَرَاغ من تأليف هَذَا التَّارِيخ اللَّطِيف فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشر ربيع الثَّانِي سنة اثنى عشر بعد الْألف باحمد أباد وَالْحَمْد لله حمداً يوافي نعمه ويكافيء مزيده وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم {دَعوَاهُم فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وتحيتهم فِيهَا سَلام وَآخر دَعوَاهُم أَن الْحَمد لله رب الْعَالمين} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428