الكتاب: البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع المؤلف: محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني (المتوفى: 1250هـ) الناشر: دار المعرفة - بيروت عدد الأجزاء: 2   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع الشوكاني الكتاب: البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع المؤلف: محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني (المتوفى: 1250هـ) الناشر: دار المعرفة - بيروت عدد الأجزاء: 2   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَبِه نستعين الْحَمد لله الَّذِي جعل النّظر فِي أَخْبَار من غبر من أعظم العبر وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على صفوة الصفوة من الْبشر وعَلى آله قرناء الْقُرْآن كَمَا صَحَّ بذلك الْخَبَر وعَلى أَصْحَابه الَّذين أرْغم الله بفضائلهم وفواضلهم أنف من كفر وَبعد فانه لما شاع على ألسن جمَاعَة من الرعاع اخْتِصَاص سلف هَذِه الْأمة باحراز فَضِيلَة السَّبق فِي الْعُلُوم دون خلفهَا حَتَّى اشْتهر عَن جمَاعَة من أهل الْمذَاهب الْأَرْبَعَة تعذر وجود مُجْتَهد بعد الْمِائَة السَّادِسَة كَمَا نقل عَن الْبَعْض أَو بعد الْمِائَة السَّابِعَة كَمَا زَعمه اخرون وَكَانَت هَذِه الْمقَالة بمَكَان من الْجَهَالَة لَا يخفى على من لَهُ أدنى حَظّ من علم وأنزر نصيب من عرفان وأحقر حِصَّة من فهم لِأَنَّهَا قصر للتفضل الالهى والفيض الربانى على بعض الْعباد دون الْبَعْض وعَلى أهل عصر دون عصر وَأَبْنَاء دهر دون دهر بِدُونِ برهَان وَلَا قرَان على أَن هَذِه الْمقَالة المخذولة والحكاية المرذولة تَسْتَلْزِم خلو هَذِه الْأَعْصَار الْمُتَأَخِّرَة عَن قَائِم بحجج الله ومترجم عَن كِتَابه وَسنة رَسُوله ومبين لما شَرعه لِعِبَادِهِ وَذَلِكَ هُوَ ضيَاع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 2 الشَّرِيعَة بِلَا مربة وَذَهَاب الدَّين بِلَا شكّ وَهُوَ تَعَالَى قد تكفل بِحِفْظ دينه وَلَيْسَ المُرَاد حفظه فِي بطُون الصُّحُف والدفاتر بل ايجاد من يُبينهُ للنَّاس فِي كل وَقت وَعند كل حَاجَة حدانى ذَلِك الى وضع كتاب يشْتَمل على تراجم أكَابِر الْعلمَاء من أهل الْقرن الثَّامِن وَمن بعدهمْ مِمَّا بلغنى خَبره الى عصرنا هَذَا ليعلم صَاحب تِلْكَ الْمقَالة أَن الله وَله الْمِنَّة قد تفضل على الْخلف كَمَا تفضل على السّلف بل رُبمَا كَانَ فِي أهل العصور الْمُتَأَخِّرَة من الْعلمَاء المحيطين بالمعارف العلمية على اخْتِلَاف أَنْوَاعهَا من يقل نظيرة من أهل العصور الْمُتَقَدّمَة كَمَا سيقف على ذَلِك من أمعن النّظر فِي هَذَا الْكتاب وَحل عَن عُنُقه عرى التَّقْلِيد وَقد ضممت الى الْعلمَاء من بلغنى خَبره من الْعباد وَالْخُلَفَاء والملوك والرؤساء والأدباء وَلم أذكر مِنْهُم إِلَّا من لَهُ جلالة قدر ونبالة ذكر وفخامة شَأْن دون من لم يكن كَذَلِك فَالْحَاصِل ان الْمَذْكُورين فِي هَذَا الْكتاب هم أَعْيَان الْأَعْيَان وأكابر أَبنَاء الزَّمَان من أهل الْقرن الثَّامِن وَمن بعدهمْ الى الان وَرُبمَا أذكر من أهل عصرى مِمَّن أخذت عَنهُ أَو أَخذ عَنى أَو رافقنى فِي الطّلب أَو كاتبنى أَو كاتبته من لم يكن بِالْمحل الْمُتَقَدّم ذكره لما جبل عَلَيْهِ الانسان من محبَّة أَبنَاء عصره ومصره وَرُبمَا أذكر من أهل عصرى من لم يجر بينى وَبَينه شئ من ذَلِك وَقد استكثر الْمُتَأَخّرُونَ من المشتغلين بأخبار النَّاس المؤلفين فِيهَا من تسجيع الْأَلْفَاظ والتأنق فِي تنقيحها وتهذيبها مَعَ اهمال بَيَان الاحوال والمولد والوفاه وَمثل ذَلِك لَا يعد من علم التَّارِيخ فان مطمح نظر مُؤَلفه وقصارى مَقْصُوده هُوَ مُرَاعَاة الْأَلْفَاظ وابراز النكات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 البديعة وَهَذَا علم آخر غير علم التَّارِيخ إِنَّمَا يرغب اليه من أَرَادَ أَن يتدرب فِي البلاغة وَيتَخَرَّج فِي فن الانشاء فَرُبمَا ألجأتنى الضَّرُورَة الى نقل تَرْجَمَة بعض الْأَعْيَان من مثل تِلْكَ المؤلفات وَلم أجد لَهُ ذكرا فِي غَيرهَا فأذكره مهملا عَن ذكر المولد والوفاة منبها على عصره اجمالا مُبينًا لما أمكن بَيَانه من أَحْوَاله وَهَذَا هُوَ الْقَلِيل النَّادِر والمرجو من الله جلّ جَلَاله الاعانة على اتمام هَذَا الْكتاب وبروزه فِي الْخَارِج على مادار فِي الْخلد من التَّصَوُّر فَيكون ان شَاءَ الله من أنفس الْكتب وأنفعها لطَالب هَذَا الْفَنّ وَيصير من أمعن النّظر فِي مطالعته بعد امعانه فِي مطالعة تَارِيخ الاسلام والنبلاء وكامل ابْن الْأَثِير وتاريخ ابْن خلكان محيطا باعيان أَبنَاء الزَّمَان من سلف هَذِه الامة وَخَلفهَا وسميته الْبَدْر الطالع بمحاسن من بعد الْقرن السَّابِع قَالَ مُؤَلفه الحقير أَسِير التَّقْصِير مُحَمَّد بن على بن مُحَمَّد الشوكانى غفر الله لَهُ ذنُوبه وَستر عيوبه وَهَذَا أَوَان الشُّرُوع فِي الْمَقْصُود بمعونة الْملك المعبود وَقد جعلته على حُرُوف المعجم مقدما لمن قَدمته حُرُوف اسْمه وان كَانَ غَيره أقدم مِنْهُ مبتدئا بقطب الْيمن وجنيد ذَلِك الزَّمن الناسك المتأله (1) إبراهيم بن احْمَد بن علي بن أَحْمد الكينعي بلّ الله بوابل الرَّحْمَة ثراه وَلم أَقف على تَارِيخ مولده بعد الْبَحْث عَنهُ وَبَنُو الكينعي عرب لَهُم رياسة وَكَانُوا يسكنون قَرْيَة من قرى الْيمن بَينهَا وَبَين ذمار مِقْدَار بريد وَبهَا مولده وانتقل بِهِ أَبوهُ إلى قَرْيَة معبر وَكَانَ قريع أَوَانه وفريد زَمَانه فِي الإقبال على الله والاشتغال بِالْعبَادَة والمعاملة الربانية وبيته معمور بِالْعلمِ والزهد وَالصَّلَاح وَقد تَرْجمهُ بعض معاصريه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 بمجلد ضخم وقفت عَلَيْهِ فِي أَيَّام مُتَقَدّمَة وَأَطْنَبَ فِي ذكره جَمِيع من لَهُ اشْتِغَال بِهَذَا الْعلم مُنْذُ عصره إلى الْآن فَمنهمْ السَّيِّد الْعَلامَة الهادي بن إبراهيم الْوَزير وَالسَّيِّد الْعَلامَة يحيى بن المهدي بن قَاسم بن المطهر وَغَيرهمَا وَكَانَ أحسن النَّاس وَجها وأتمهم خلقَة وَقد غشيه نور الإيمان وسيماء الصَّالِحين وَإِذا خرج نَهَارا ازْدحم النَّاس على تَقْبِيل يَده والتبرك بِرُؤْيَة وَجهه وَهُوَ يكره ذَلِك وينفر عَنهُ يغْضب إِذا مدح ويستبشر إِذا نصح ارتحل بعد موت وَالِده وَهُوَ فِي سن الْبلُوغ إلى صنعاء ولازم ولي الله الزَّاهِد العابد حَاتِم بن مَنْصُور الحملاني فَقَرَأَ عَلَيْهِ فِي الْفِقْه وَقَرَأَ فِي الْفَرَائِض على الشَّيْخ الْخضر بن سُلَيْمَان الهرش وَفِي الْجَبْر والمقابلة وفَاق فِي جَمِيع ذَلِك حَتَّى أقر لَهُ أقرانه وَقَالَ عَن نَفسه أَنه يقتدر على تَقْدِير مَا فِي الْبركَة الْكَبِيرَة من المَاء بالأرطال وَكَانَ يتكسب بِالتِّجَارَة مَعَ قنوع وعفاف واشتغال بأنواع الْعِبَادَة فَجمع مَالا حَلَالا عَاد بِهِ على أَهله وإخوانه وَمن يَقْصِدهُ وَكرر السفر إلى مَكَّة المشرفة وَهُوَ يزْدَاد فِي أَوْصَاف الْخَيْر على اخْتِلَاف أَنْوَاعهَا حَتَّى خالط الْخَوْف قلبه وشغل بوظائف الْعِبَادَة قالبه واستوحش من كل معارفه وَمَال إلى الانعزال عَن النَّاس وانجمع عَن المخالطة لَهُم وَعَكَفَ على معالجة قلبه عَن مرض حب الدُّنْيَا وَلزِمَ المحاسبة لنَفسِهِ عَن كل جليل ودقيق وَصَامَ الْأَبَد إِلَّا الْعِيدَيْنِ والتشريق وَأَحْيَا ليله بِالْقيامِ لمناجاة ربه وتناقل النَّاس عَنهُ كَلِمَات نافعة هِيَ الدَّوَاء المجرب لاصلاح الْقُلُوب القاسية كَقَوْلِه لَيْسَ الزَّاهِد من يملك شَيْئا إِنَّمَا الزَّاهِد من لَا يملك شَيْئا وَكَقَوْلِه لبَعض إخوانه يَا أخي جدد السَّفِينَة فإن الْبَحْر عميق وَأكْثر الزَّاد فإن الطَّرِيق بعيد وأخلص الْعَمَل فان النَّاقِد بَصِير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 بَصِير وَكَقَوْلِه بالفقر والافتقار والذل والانكسار تحيى قُلُوب العارفين وَمن شعره الَّذِي تحيى بِهِ الْقُلُوب قَوْله ببابك عبد وَاقِف متضرع ... مقل فَقير سَائل متطلع) (حَزِين كئيب من جلالك مطرق ... ذليل عليل قلبه مُنْقَطع) وَمِنْهَا (فُؤَادِي محزون ونومي مشرد ... ودمعي مسفوح وقلبي مروع) وَكَانَ مجاب الدعْوَة فِي كل مَا يتَوَجَّه لَهُ وَله فِي ذَلِك حكايات وَرِوَايَات وَكَانَ إِذا دعي إلى طَعَام لَيْسَ من الْحَلَال الْخَالِص يَبِسَتْ يَده وَلم يقدر على مدها إليه وَقد رَآهُ بعض الصَّالِحين بعد مَوته وَهُوَ فِي مَكَان أرفع من مَكَان إبراهيم بن أدهم فَقَالَ سُبْحَانَ الله منزلَة إبراهيم الكينعي أرفع من منزلَة إبراهيم بن أدهم فَسمع قَائِلا يَقُول لَوْلَا أَن منَازِل الْأَنْبِيَاء لَا يحل بهَا غَيرهم لَكَانَ بهَا إبراهيم الكينعي وجاور فِي آخر عمره ثَلَاث سِنِين بِالْبَيْتِ الْحَرَام فوصل إلى جازان وَكَانَ قد انْقَطع عَنْهُم الْمَطَر مُدَّة طَوِيلَة فَسَأَلُوهُ أَن يَدْعُو لَهُم بالمطر فَدَعَا لَهُم فَحصل من الْمَطَر مَا عَم نَفعه وبركته جَمِيع تِلْكَ الْبلدَانِ ثمَّ وصل إلى صعده وَكَانَ بهَا مَوته رَحمَه الله فِي صبح نَهَار الْأَرْبَعَاء السَّابِع وَالْعِشْرين من ربيع الأول سنة 793 ثَلَاث وَتِسْعين وَسَبْعمائة وَوهم الصَّفَدِي فِي كِتَابه الوافي بوفيات الأعيان فَقَالَ إنه توفي فِي سنة 784 أَربع وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة وَالصَّحِيح مَا ذَكرْنَاهُ وقبر بِرَأْس الميدان غربي مَدِينَة صعدة وَعمر عَلَيْهِ مشْهد وَهُوَ مَشْهُور يزأر فِي تِلْكَ الديار وَقد رثاه جمَاعَة من الشُّعَرَاء مِنْهُم السَّيِّد الْعَلامَة الْهَادِي إبراهيم بقصيدة طنانة مطْلعهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 (شجر السَّلامَة والكرامة أينعي ... للقاء سيدنَا الإمام الكينعي) والإحاطة بِبَعْض الْبَعْض من مَنَاقِب هَذَا الإمام تقصر عَنْهَا ألسن الأقلام فَمن رام الْوُقُوف على مَا يكون لَهُ من أعظم العبر فَلْينْظر فِي سيرته الَّتِى قدمت الإشارة إليها وَقد بسط فِيهَا الْكَلَام على أَحْوَاله ووظايف عباداته (2) إبراهيم بن احْمَد اليافعي الصَّنْعَانِيّ المولد وَالدَّار والوفاة الشَّاعِر الْمَشْهُور الْمجِيد الْفَائِق فِي جَمِيع الأنواع فَمن شعره القصيدة الَّتِى مطْلعهَا (هَذَا العذيب بدا فَقل بشرا كَا ... والزم اخائي لاعدمت أخاكا) وَمن شعره القصيدة الَّتِي مطْلعهَا (أعيدوا على سمعي الحَدِيث وكرروا ... قديم اللِّقَاء وَالْوَقْت كالعيش أَخْضَر) وَمِنْهَا فِي الِاسْتِخْدَام (وأصبوا إلى وَادي العقيق وسفحه ... على وجنتي من مقلتي يتحدر) وَقَبله فِي الِاسْتِخْدَام أَيْضا (أميل إلى ذكر الغضا وأنثني ... ونيرانه فِي مهجتي تتسعّر) وَمَا أحسن قَوْله فِيهَا (أهيم بِذكر المنحنا وسويلع ... وأنشق أنفاس الصباحين تعبر) (وَمَا هَمت فِي قد وجيد ومقلة ... وَلَا شاقني ثغر شنيب معطر) وَهُوَ مَوْجُود فِي دولة الإمام الْمهْدي مُحَمَّد بن أَحْمد صَاحب الْمَوَاهِب وَفِي دولة من قبله من الْخُلَفَاء وَمَات يَوْم السبت الثَّالِث وَالْعِشْرين فِي شهر رَجَب سنة 1110 عشر وَمِائَة وَألف وَقد بَالغ فِي حَقه صَاحب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 نسمَة السحر وَقدمه على شعراء عصره فَلم يُصِيب فَهُوَ لم يرتق إلى منزلَة رَفِيقه ومعاصره الشَّيْخ إبراهيم الْهِنْدِيّ الْآتِي ذكره وَلَا كَاد وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ منسجم الشّعْر قَلِيل التَّكَلُّف (3) إبراهيم بن أَحْمد خَان سُلْطَان الروم استولى على السلطنة فِي أَيَّام أَخِيه السُّلْطَان مُرَاد بن احْمَد وَتمّ لَهُ الدست وَكَانَ سَبَب ذَلِك أَن السُّلْطَان مُرَاد تجهز بجيوشه إلى محاصرة بَغْدَاد وَقد كَانَ استولى عَلَيْهَا الشاه سُلْطَان الْعَجم وَهِي كَانَت من ممالك السُّلْطَان مُرَاد فَلَمَّا بلغه أَن أَخَاهُ السُّلْطَان إبراهيم قد استولى على الدست مَاتَ كمداً واستقرت قدم صَاحب التَّرْجَمَة فِي السلطنة وَكَانَ قعوده على دستها فِي سنة 1050 خمسين وَألف وَله جهادات وفتوحات مَشْهُورَة وَاسْتمرّ سُلْطَانا إلى أَن مَاتَ فِي سنة 1063 ثَلَاث وَسِتِّينَ وألف وَصَارَت السلطنة إلى وَلَده مُحَمَّد بن إبراهيم وَكَانَ يَوْمئِذٍ فِي سنّ الْبلُوغ وابتدأء سلطنته بمصاولة الإفرنج وغزوهم إلى دِيَارهمْ (4) إبراهيم بن احْمَد بن نَاصِر بن خَليفَة بن فرج بن يحيى بن عبد الرَّحْمَن الْمَقْدِسِي الناصري الباعوني الدمشقي الصَّالِحِي الشافعي وباعون بِالْمُوَحَّدَةِ والمهملة المضمومة قَرْيَة من قرى حوران بِالْقربِ من عجلون والناصرة قَرْيَة من عمل صفد ولد فِي لَيْلَة الْجُمُعَة سَابِع عشر رَمَضَان سنة 777 سبع وَسبعين وَسَبْعمائة بصفد وَنَشَأ بهَا فحفظ الْقُرْآن تجويدا على الشهَاب حسن بن حسن الفرغني إمام جَامعهَا وَحفظ بعض الْمِنْهَاج ثمَّ انْتقل مِنْهَا قَرِيبا من سنّ الْبلُوغ مَعَ أَبِيه إلى الشَّام فَأخذ الْفِقْه عَن الشرف الغزي وَغَيره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 ولازم النُّور الأنباري حَتَّى حمل عَنهُ الْكثير من الْفِقْه والعربية واللغة وَبِه انْتفع فِي عُلُوم الْأَدَب وَغَيرهَا وَدخل مصر لَعَلَّه قَرِيبا من سنة 804 أَربع وثمان مائَة فَأخذ عَن السراج البلقيني ولازمه سنة وَأخذ عَن الْكَمَال الدميري شَيْئا من مصنفاته ولازمه وَسمع إِذْ ذَاك على العراقي والهيثمي وَتردد بهَا إلى غير وَاحِد من شيوخها ثمَّ عَاد إلى بَلَده فَأَقَامَ بهَا على أحسن حَال وأجمل طَريقَة وَسمع على أَبِيه وَالْجمال ابْن الشرائحي والتقى صَالح بن خَلِيل بن سَالم وَعَائِشَة ابْنة عبد الهادى وَالشَّمْس بن حطاب وباشر نِيَابَة الحكم عَن أَبِيه والخطابة بِجَامِع بني أُمِّيّه ومشيخة الشُّيُوخ وَنظر الْحَرَمَيْنِ ثمَّ صرف وجهز إليه الْقَضَاء حِين اسْتَقر الْكَمَال بن البارزي في كِتَابَة سر الديار المصرية فَامْتنعَ وصمم وراجعه النَّائِب وَغَيره من أَعْيَان الرؤساء فَمَا أذعن وتكرر خطبه لذَلِك مرة بعد أُخْرَى إلى أَن قيل لَهُ فعين لنا من يصلح فعين أَخَاهُ وَولى مشيخة الخانقاه الباسطيه من صالحية دمشق وروي عَنهُ حِكَايَة عَجِيبَة وهي أَنه دخل على واقفها قبل أَن يَجْعَلهَا مدرسة فَأَعْجَبتهُ وَقَالَ فِي نَفسه إنه لَا يتهيأ لَهُ سُكُون مثلهَا الا فِي الْجنَّة فَلَمَّا انْفَصل عَنهُ بعد السَّلَام عَلَيْهِ لم يصل إلى بَابهَا إلا وَبَعض جمَاعَة صَاحبهَا قد تبعه وَأخْبر أَنه تحدث عقب خُرُوجه بأنه سيجعلها مدرسة ويقرره في مشيختها ثمَّ جعلهَا كَذَلِك وَقَررهُ فِيهَا وَهُوَ مَحْمُود الْمُبَاشرَة في جَمِيع مَا تولاه يصمم على الْحق وَلَا يلْتَفت إلى رسائل الكبراء في شفاعات وَنَحْوهَا وَله مؤلفات مِنْهَا مُخْتَصر الصِّحَاح للجوهري وَهُوَ مُخْتَصر حسن وَله ديوَان خطب ورسائل وديوان شعر ومؤلف سَمَّاهُ الْغَيْث الهاتن في وصف العذار الفاتن أَتَى فِيهِ بمقاطيع فائقة نَحْو مائَة وَخمسين مَقْطُوعًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 أودع كلاً مِنْهَا معنى غَرِيبا غير الآخر مَعَ كَثْرَة مَا قَالَ النَّاس فى ذَلِك وَله رسائل عاطلة عَن النقط من عجائب الْوَضع في السلاسة والانسجام وَصَارَ شيخ الْأَدَب بالبلاد الشامية بِغَيْر مدافع كَذَا قَالَ السخاوي في تَارِيخه وَابْن حجر في مُعْجَمه وَقَالَ المقريزي أَنه مهر في عدَّة فنون سِيمَا الأدب فَلهُ النظم الْجيد وَكَانَ يحْكى أَن الزيني عبد الباسط قَالَ لَهُ إن مراسلاتك المسجعة إلينا تبلغ أَربع مجلدات وإذا كَانَ هَذَا مِقْدَار مَا كتبه إلى فَرد من أَفْرَاد النَّاس فَمَا ظَنك بِمَجْمُوع مَا كتبه وَالْحَاصِل أَنه وَقع الِاتِّفَاق من جَمِيع من تَرْجمهُ على أَنه لم يكن في عصره من يدانيه فى النّظم والنثر مَاتَ يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشر ربيع الأول سنة 870 سبعين وثمان مائَة وَصلى عَلَيْهِ بالجامع المظفري وَدفن بالروضة من سفح قاسيون يوصية مِنْهُ وَمن شعره (سل الله رَبك مَا عِنْده ... وَلَا تسْأَل النَّاس مَا عِنْدهم) (وَلَا تبتغي من سواهُ الْغِنَا ... وَكن عَبده لَا تكن عبدهم) وَله (سئمت من الدُّنْيَا وصحبة أَهلهَا ... وأصبحت مرتاحا الى نقلتى مِنْهَا) (وَوَاللَّه مَا آسى عَلَيْهَا وأننى ... وَإِن رغبت فِي صحبتى رَاغِب عَنْهَا) وَله (اذا اسْتغنى الصّديق وصا ... رذا وصل وَذَا قطع) (وَلم يبد احتفالابى ... وَلم يحرص على نفعى) (فأنأى عَنهُ استغى ... بجاه الصَّبْر والقنع) (وأحسب أَنه مَا مرّ ... في الدُّنْيَا على سمعي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 (5) إبراهيم بن حسن بن أَحْمد بن مُحَمَّد اليعمري زاهد الْعَصْر وناسك الدَّهْر ولد سنة 1164 أَربع وَسِتِّينَ وَمِائَة وَألف وتلى الْكتاب الْعَزِيز على شيخ الْقُرْآن الْعَظِيم صَالح الجرادي وَأخذ في الْآلَات على شَيخنَا السَّيِّد الْعَلامَة عبد الله بن الْحسن بن علي بن حُسَيْن بن علي بن المتَوَكل وَأخذ الْفِقْه والفرائض على السَّيِّد بن حسن الصعدى وَأخذ في علم السنّة على السَّيِّد الْعَلامَة الْحُسَيْن بن عبد الله الكبسي وانتفع بِعِلْمِهِ فَعمل بِهِ وَعَكَفَ على الْعِبَادَة وتحلّى بالزهد وَصَارَ عَابِد الْعَصْر وزاهده وانْتهى إليه الْوَرع وَحسن السمت والتواضع والاشتغال بِخَاصَّة النَّفس وَاتفقَ النَّاس على الثَّنَاء عَلَيْهِ والمدح لشمائله فَصَارَ الْمشَار إليه في هَذَا الْبَاب وانتفع النَّاس بصلاح دعواته وقصدوه لذَلِك وَهُوَ الْآن حَسَنَة الزَّمن وزينة الْيمن مَعَ الْمُحَافظَة على الشَّرْع والاقتداء برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم والاستكثار من النَّوَافِل والأوراد وَكَانَ جده أَحْمد على هَذِه الصفة الَّتِى حفيده هَذَا عَلَيْهَا زَاده الله مِمَّا أولاه ونفع بِهِ وَمَات رَحمَه الله لعشرين خلت من شهر شَوَّال سنة 1223 ثَلَاث وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وألف (6) إبراهيم بن حسن بن شهَاب الدَّين الكوراني الشهرزوري الشهراني الكردي الشافعي الإمام الْكَبِير الْمُجْتَهد ولد فِي سنة 1025 خمس وَعشْرين وَألف بِبِلَاد شَهْرَان من جبال الكرد وَنَشَأ في عفة طَاهِرَة فَأخذ في بِلَاده الْعَرَبيَّة والمنطق والحساب والهيئة والهندسة وَغير ذَلِك وَكَانَ دأبه إذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 عرضت لَهُ مَسْأَلَة في فن أتقن ذَلِك الْفَنّ غَايَة الإتقان ثمَّ قَرَأَ في الْمعَانى وَالْبَيَان والأصول وَالْفِقْه وَالتَّفْسِير ثمَّ سمع الحَدِيث عَن جمَاعَة في غير بِلَاده كالشام ومصر والحجاز والحرمين وَقد ذكر مشايخه في الْأُمَم وَترْجم لكل وَاحِد مِنْهُم وَله مصنفات كَثِيرَة حَتَّى قيل إِنَّهَا تنيف على ثَمَانِينَ مِنْهَا إتحاف الْخلف بتحقيق مَذْهَب السّلف واتحاف الْمُنِيب الأواه بِفضل الْجَهْر بِذكر الله واعمال الْفِكر وَالرِّوَايَات في شرح حَدِيث إِنَّمَا الأعمال بِالنِّيَّاتِ ولوامع اللآل فى الْأَرْبَعين العوال ومسلك الارشاد الى الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فى الْجِهَاد وانباه الإنباه في إعراب لَا إِلَه إِلَّا الله وَقصد السَّبِيل وَغير ذَلِك وبرع في جَمِيع الْفُنُون وأقرأ باللغة الْعَرَبيَّة والفارسية والتركية وَسكن بعد ذَلِك مَكَّة المشرفة وانتفع بِهِ النَّاس ورحلوا اليه وَأخذُوا عَنهُ في كل فن حَتَّى مَاتَ في ثامن عشر شهر جُمَادَى الأولى سنة 1101 وَاحِدَة وَمِائَة وَألف وَدفن بعد الْمغرب ببقيع الْغَرْقَد وَأَنا أروي عَن يُوسُف بن مُحَمَّد بن عَلَاء الدَّين عَن أَبِيه عَن جده عَنهُ بِالسَّمَاعِ من عَلَاء الدَّين مِنْهُ (7) إبراهيم بن خَالِد بن أَحْمد بن قَاسم العلفي ثمَّ الصنعاني ولد على رَأس الْقرن الحادي عشر تَقْرِيبًا وَقيل سنة 1106 سِتّ وَمِائَة وَألف أوفى الَّتِى بعْدهَا وَنَشَأ بِصَنْعَاء فَطلب علم الْفُرُوع وحققه ثمَّ طلب بَقِيَّة عُلُوم الِاجْتِهَاد فشارك فِيهَا مُشَاركَة قَوِيَّة واشتهر بِصَنْعَاء وَبعد صيته وقصده طلبة علم الْفُرُوع فَأخذُوا عَنهُ وتنافسوا في ذَلِك واستفادوا وصاروا أعياناً وَكَانَ يقْصد بالفتاوى من الْعَامَّة والخاصة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 ويعارض باجتهاداته وصحيح أنظاره أنضار أكَابِر عُلَمَاء عصره كالسيد الْعَلامَة مُحَمَّد بن إسماعيل الأمير وَغَيره وَلِلنَّاسِ بِمَا يصدر عَنهُ من الْفَتَاوَى اشْتِغَال ورغبة عَظِيمَة وهي مَجْمُوعَة في مُجَلد جمعهَا الْعَلامَة حَامِد بن حسن شَاكر الآتي ذكره وَشرع في جمع حَاشِيَة على الأزهار وَلم تكمل وَهُوَ مِمَّن يضْرب بزهده الْمثل وَمَات وَلم يتَزَوَّج وَكَانَ مَوته في وسط الْقرن الثاني عشر وأرّخه بَعضهم في ثامن عشر شعْبَان سنة 1156 سِتّ وَخمسين وَمِائَة وَألف وَمن مشايخه السَّيِّد الْعَلامَة هَاشم ابْن يحيى الشامى وَالسَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن إسماعيل الأمير وَالسَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن زيد بن مُحَمَّد بن الْحسن بن الْقَاسِم ومولده برداع ثمَّ هَاجر إلى ذمار وارتحل بعد ذَلِك إلى صنعاء وَاسْتقر بهَا حَتَّى مَاتَ (8) إبراهيم بن شيخ الأمير صارم الدَّين بن السُّلْطَان شيخ الآتي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى ولد بالبلاد الشامية فِي أوائل الْقرن الثَّامِن تَقْرِيبًا وَأمه أم ولد اسْمهَا نور مَاتَت قبل سلطنة أَبِيه ذكره ابْن خطيب الناصرية فَقَالَ كَانَ مَعَ أَبِيه وَهُوَ صَغِير حِين كَانَ نَائِب حلب ثمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 قدمهَا مَعَه فِي أَيَّام سلطنته ثمَّ لما جرده أَبوهُ فِي سنة 822 اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وثمان مائَة لفتح الْبِلَاد القرمانية وَمَعَهُ عدَّة من المقدمين كططر وجقمق وَغَيرهمَا فَفَتحهَا وَفتح غَيرهَا وَأقَام هُنَالك ثَلَاثَة أشهر ثمَّ عَاد إلى حلب فِي أثْنَاء رَجَب وَنزل بقلعتها وَأقَام بهَا إلى الْعشْر الأخيرة من شعْبَان إلى أَن رسم لَهُ بِالرُّجُوعِ إلى الديار المصرية فَرجع بالعساكر فِي أَوَاخِر شعْبَان وبرز أَبوهُ لملاقاته فِي سَابِع عشر رَمَضَان وتيمن بطلعته فَلم يلبث أَن مَاتَ فِي يَوْم الْجُمُعَة منتصف جُمَادَى الْآخِرَة سنة 823 ثَلَاث وَعشْرين وثمان مائَة مسموماً وَكَانَ شَابًّا حسنا شجاعاً عِنْده حشمة وملوكية كَرِيمًا عَاقِلا مائلاً إلى الْخَيْر وَالْعدْل والعفة عَن أَمْوَال النَّاس وَلما لقِيه الأمراء سلم عَلَيْهِم وَهُوَ رَاكب وبمجرد أَن عاين النَّاصِر بن البارزي كَاتب السِّرّ نزل عَن فرسه وتعانقا لعلمه بتمكنه عِنْد أَبِيه ثمَّ عَاد الْجَمِيع في خدمته إلى منزله فَلَقوا السُّلْطَان هُنَالك فَنزل الْأُمَرَاء القادمون صُحْبَة الأمير إبراهيم ثمَّ نزل هُوَ وَقبل الأَرْض ثمَّ قَامَ وَمَشى حَتَّى قبل ركاب أَبِيه فبكي لفرحه بِهِ وَبكى النَّاس لبكائه وَكَانَت سَاعَة عَظِيمَة ثمَّ سارا بموكبهما إلى خانقاه سريا قوسي وباتا بهَا لَيْلَة الْخَمِيس تَاسِع عشر وَركب السُّلْطَان من اللَّيْل فَرمى الطير بِالْبركَةِ واصطاد وَدخل السُّلْطَان الْقَاهِرَة من بَاب النَّصْر وَقد احتفل النَّاس بالزينة لوَلَده وَهُوَ بتشريف هائل وَخَلفه الأسرى الَّذين جاءبهم وهم نَحْو الْمِائَتَيْنِ فى الأغلال وَكَانَ يَوْمًا مشهوداً وَنزل إلى دَاره وَاسْتمرّ على حَاله فَدس كَاتب السِّرّ إِلَى أَبِيه فى غُضُون ذَلِك من يُخبرهُ أَنه صَار يتوعد أَبَاهُ بِالْقَتْلِ وأنه يتَمَنَّى مَوته لكَونه يحب بعض حظاياه وَلَا يتَمَكَّن مِنْهَا إِلَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 خُفْيَة وَبرهن على ذَلِك بأمارات وعلامات وأنه صمم على قَتله بالسم أَو غَيره إن لم يمت عَاجلا من الْمَرَض مَعَ مَا فِي نَفسه من محبَّة الاستبداد وإنه يعد الأمراء بمواعيد فَحِينَئِذٍ أذن السُّلْطَان لبَعض خواصه أَن يُعْطِيهِ مَا يكون سَببا لقَتله من غير إسراع فدسوا إليه من سقَاهُ من المَاء الذي يطفى فِيهِ الْحَدِيد فَلَمَّا شربه أحس بالمغص فِي جزفه فعالجه الْأَطِبَّاء مُدَّة وَنَدم السُّلْطَان على مَا فرط مِنْهُ وَأمر الْأَطِبَّاء بِالِاجْتِهَادِ فِي علاجه فلازموه نصف شهر إلى أَن تراجعت إليه بعض الصِّحَّة وَركب فِي محفة وَكَاد أَن يتعافى فدسوا عَلَيْهِ من سقَاهُ ثَانِيًا من غير علم أَبِيه فانتكس وَاسْتمرّ إلى خَامِس عشر جُمَادَى الأولى وَنزل أَبوهُ لعيادته ثمَّ مَاتَ فِي التَّارِيخ الْمُتَقَدّم وَاشْتَدَّ جزع أَبِيه عَلَيْهِ إلا أَنه تجلد وأسف النَّاس كَافَّة على فَقده وشاع بَينهم أن أَبَاهُ سمه إِلَّا أَنهم لَا يَسْتَطِيعُونَ التَّصْرِيح بذلك قَالَ السخاوي وَلم يَعش أَبوهُ بعده سوى سِتَّة أشهر وأياماً كدأب من قتل أَبَاهُ أَو ابْنه على الْملك فَتلك عَادَة مُسْتَقِرَّة وَطَرِيقَة مستقرأة وَكَذَا قَالَ ابْن حجر وَصَارَ الَّذين حسّنوا لَهُ ذَلِك الْفِعْل يبالغون فِي ذكر معايبه وينسبونه إلى الإسراف على نَفسه والتبذير والمجاهرة بِالْفِسْقِ من اللواط وَالزِّنَا وَالْخمر والتعرّض لحرم أَبِيه وَغير ذَلِك مِمَّا كَانَ برَاء عَن أَكْثَره وَعند الله يجْتَمع الْخُصُوم وخطب ابْن خطيب الناصرية يَوْم مَوته وَهُوَ يَوْم الْجُمُعَة خطْبَة حَسَنَة سبك فِيهَا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم تَدْمَع الْعين ويحزن الْقلب وَلَا نقُول مَا يسْخط الرب وإنا عَلَيْك يَا إبراهيم لَمَحْزُونُونَ فأبكى السُّلْطَان وَمن حضر وَبعد مَوته وَقع الْخلَل فِي دولة وَالِده السُّلْطَان وَمَات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 الساعون فِي هَلَاك وَلَده وَاحِدًا بعد وَاحِد وَلم يستكمل بعده ابْن البارزى أَرْبَعَة أشهر (9) الشَّيْخ ابراهيم بن صَالح الهندى الصَّنعاني الشَّاعِر الْمَشْهُور كَانَ أشعر أهل عصره غير مدافع وَله ديوَان شعر فِي مُجَلد ضخم رَأَيْته فِي أَيَّام قديمَة فَوجدت فِيهِ مَا هُوَ فِي الطَّبَقَة الْعليا والمتوسطة والسافلة وَلَكِن الْجيد أغلب وَكَانَ يتشبه فِي مدحه وحماسته بأبي الطيب وَمن فائق مقطعاته قَوْله (أشبه ثغره والقات فِيهِ ... وَقد لانت لرقَّته الْقُلُوب) (لآل قد نبتن على عقيق ... وَبَينهمَا زمردة تذوب) وَمن مقطعاته فِي مليح يسبح فِي مَاء (وأبيض عاينته سابحاً ... فِي لجة للْمَاء زرقاء) (فَقلت هَذَا الْبَدْر فِي لجة ... أم ذَا خيال الشَّمْس فِي المَاء وَكَانَ وَالِده من جملَة البانيان الواصلين إلى صنعاء فَأسلم على يَد بعض آل الإمام وَحسن إسلامه وَنَشَأ وَلَده هَذَا مشغوفاً بالأدب مُولَعا بعالي الرتب وَأكْثر مدائحه فِي الإمام المهدي أَحْمد بن الْحسن بن الْقَاسِم بن مُحَمَّد ومدح الإمام المتَوَكل إسماعيل بن الْقَاسِم وَابْنه علي بن المتَوَكل وَمُحَمّد ابْن الْحسن وَلما صَارَت الْخلَافَة إلى المهدي صَاحب الْمَوَاهِب وَفد إليه صَاحب التَّرْجَمَة وَقد كَانَ بلغه عَنهُ شئ فَقَالَ لَهُ بأيِّ شَفِيع جِئْت فَقَالَ لَهُ بِهَذَا وَأخرج الْمُصحف من صَدره فَقَالَ قد قبلنَا هَذَا الشَّفِيع وَلَكِن لَا أَرَاك بعد الْيَوْم فتغيب عَنهُ من ذَلِك الْيَوْم ولازم الْعِبَادَة والتزهد وَكَانَ إِذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 قَامَ إلى الصَّلَاة اصفر لَونه وَحج وَمَات عقب عوده فِي سنة 1100 مائَة وألف أَو فِي الَّتِى قبلهَا (10) السَّيِّد إبراهيم بن عبد الْقَادِر بن أَحْمد بن عبد الْقَادِر بن النَّاصِر بن عبد الرب بن علي بن شمس الدَّين بن الإمام شرف الدَّين الْعَلامَة ابْن شَيخنَا الإمام الآتي ذكره إن شَاءَ الله تَعَالَى ولد فِي لَيْلَة ثامن عشر رَمَضَان سنة 1169 تسع وَسِتِّينَ وَمِائَة وَألف وَتخرج بشيخنا وَالِده رَحْمَة الله فِي النَّحْو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 وَالصرْف والمنطق والمعاني وَالْبَيَان وَالْأُصُول وَالْعرُوض واللغة والْحَدِيث وَالتَّفْسِير وبرع فِي جَمِيع هَذِه المعارف وَصَارَ الْآن من أَعْيَان عُلَمَاء الْعَصْر المفيدين المجيدين ارتحل مَعَ وَالِده من كوكبان إلى مَدِينَة صنعاء وَمَا زَالَ مكبّا على الْقِرَاءَة على وَالِده ورافقني فِي بعض مَا سمعته مِنْهُ وَبعد موت وَالِده في تَارِيخه الآتي قَصده الطّلبَة إلى منزله وقرأوا عَلَيْهِ فِي فنون مُتعَدِّدَة وَله رسائل ومسائل مفيدة مَعَ تواضع وَحسن أَخْلَاق وكرم وعفاف وشهامة نفس وصلابة دين وَحسن محاضرة وَقُوَّة عارضة وفصاحة ورجاحة وقدرة على النّظم والنثر وسيلان ذهن جمَّل الله بِوُجُودِهِ ونفع بِعُلُومِهِ وَهُوَ الْآن فِي قيد الحيوة مَا بَين الْأَرْبَعين وَالْخمسين وَله تلامذة نبلاء فضلاء تخْرجُوا بِهِ ولزموا طَرِيقَته فصاروا من أعيان الْعلمَاء والمترجم لَهُ عافاه الله لَا تقيد بِمذهب وَلَا يُقَلّد فِي شَيْء من أُمُور دينه بل يعْمل بنصوص الْكتاب وَالسّنة ويجتهد رَأْيه وَهُوَ أهل لذَلِك وَله معرفَة بعلوم أُخْرَى غير مَا قدمنَا ذكره مِنْهَا مَا اسْتَفَادَ عَن وَالِده وَمِنْهَا مَا عرفه بفاضل ذهنه وقويم فكره وَتُوفِّي رَحْمَة الله فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء لَعَلَّه ثَالِث عشر شهر رَمَضَان سنة 1223 ثَلَاث وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ والف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 (11) السَّيِّد إبراهيم بن عبد الله بن إسماعيل الحوثيِّ ثمَّ الصَّنعاني ولد ثامن شهر شَوَّال سنة 1187 سبع وَثَمَانِينَ وَمِائَة وألف وَقَرَأَ على شَيخنَا الْعَلامَة الْقَاسِم بن يحيى الخولاني وعَلى السَّيِّد الْعَلامَة علي بن عبد الله الْجلَال وعَلى السَّيِّد الْعَلامَة إبراهيم بن عبد الْقَادِر بن أَحْمد وَلَعَلَّه أَخذ عَن شَيخنَا الإمام السَّيِّد عبد الْقَادِر بن أَحْمد في آخر مدَّته واستفاد صَاحب التَّرْجَمَة فِي عدَّة عُلُوم مِنْهَا النَّحْو وَالصرْف والمنطق والمعاني وَالْبَيَان والأصول والْحَدِيث وَالتَّفْسِير وبرع فِي هَذِه الْعُلُوم وتاقت نَفسه إلى مطالعة فنون من علم الْمَعْقُول فادرك فِيهِ إدراكاً جيداً لجودة فهمه وَحسن تصَوره وَهُوَ الْآن ملازم للسَّيِّد الْعَلامَة إبراهيم بن عبد الْقَادِر الْمَذْكُور قبله وَلَا يُفَارِقهُ فِي غَالب الْأَوْقَات فيستفيد مِنْهُ ويفيد وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ من محَاسِن الزَّمن وَمن الضاربين بِسَهْم وافر في كل فن وَهُوَ الْآن يشْتَغل بِجمع تراجم عُلَمَاء الْقرن الثاني عشر من أهل الْيمن وَقد بعث إليَّ بَعْضهَا فرأيته قد جوّد غَالب تِلْكَ التراجم وطولها وَهُوَ كمشايخه في اجْتِهَاد رَأْيه وَالْعَمَل بِمَا يَقْتَضِيهِ الدَّلِيل ثمَّ مَاتَ رَحمَه الله فِي يَوْم الْأَحَد ثامن شهر شَوَّال سنة 1223 ثَلَاث وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَألف (12) إبراهيم بن عمر بن حسن بن الرِّبَاط بِضَم الرَّاء بعْدهَا مُوَحدَة خَفِيفَة ابْن علي بن أَبى بكر البقاعي نزيل الْقَاهِرَة ثمَّ دمشق الإمام الْكَبِير برهَان الدَّين ولد تَقْرِيبًا سنة 809 تسع وثمان مائَة بقرية من عمل الْبِقَاع وَنَشَأ بهَا ثمَّ تحوَّل إلى دمشق ثمَّ فَارقهَا وَدخل بَيت الْمُقَدّس ثمَّ الْقَاهِرَة وَقَرَأَ على التَّاج بن بهادر فِي الْفِقْه والنحو وعَلى الجزرى فِي القرا آتٍ جَمِيعًا للعشرة على أثْنَاء سُورَة الْبَقَرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 وَأخذ عَن التقي الحصني والتاج الغرابيلي والعماد بن شرف والشرف السبكي والْعَلَاء القلقشندي والقاياني والحافظ ابْن حجر وأبي الْفضل المغربي وبرع فِي جَمِيع الْعُلُوم وفَاق الأقران لَا كَمَا قَالَ السخاوي أَنه مَا بلغ رُتْبَة الْعلمَاء بل قصارى أمره إدراجه فِي الْفُضَلَاء وَأَنه مَا علمه أتقن فَنًّا قَالَ وتصانيفه شاهدة بِمَا قلته قلت بل تصانيفه شاهدة بِخِلَاف مَا قَالَه وَأَنه من الْأَئِمَّة المتقنين المتبحرين فِي جَمِيع المعارف وَلَكِن هَذَا من كَلَام الأقران فِي بَعضهم بعض بِمَا يُخَالف الإنصاف لما يجري بَينهم من المنافسات تَارَة على الْعلم وَتارَة على الدُّنْيَا وَقد كَانَ المترجم لَهُ منحرفاً عَن السخاوي والسخاوي منحرفاً عَنهُ وَجرى بَينهمَا من المناقضة والمراسلة والمخالفة مَا يُوجب عدم قبُول أَحدهمَا على الآخر وَمن أمعن النظر فِي كتاب المترجم لَهُ فِي التَّفْسِير الَّذِي جعله فِي الْمُنَاسبَة بَين الآي والسور علم أَنه من أوعية الْعلم المفرطين فِي الذكاء الجامعين بَين علمي الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول وَكَثِيرًا مَا يشكل على شئ فِي الْكتاب الْعَزِيز فأرجع إلى مطولات التفاسير ومختصراتها فَلَا أجد مَا يشفي وأرجع إلى هَذَا الْكتاب فأجد مَا يُفِيد فِي الْغَالِب وَقد نَالَ مِنْهُ عُلَمَاء عصره بِسَبَب تصنيف هَذَا الْكتاب وأنكروا عَلَيْهِ النَّقْل من التَّوْرَاة والإنجيل وترسلوا عَلَيْهِ وَأغْروا بِهِ الرؤساء وَرَأَيْت لَهُ رِسَالَة يُجيب بهَا عَنْهُم وينقل الْأَدِلَّة على جَوَاز النَّقْل من الْكِتَابَيْنِ وفيهَا مَا يشفي وَقد حجّ ورابط وانجمع فَأخذ عَنهُ الطّلبَة فِي فنون وصنَّف التصانيف وَلما تنكر لَهُ النَّاس وبالغوا فِي أَذَاهُ لمّ أَطْرَافه وَتوجه إلى دمشق وَقد كَانَ بلغ جمَاعَة من أهل الْعلم فِي التَّعَرُّض لَهُ بِكُل مَا يكره إلى حد التَّكْفِير حَتَّى رتبوا عَلَيْهِ دَعْوَى عِنْد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 القاضي المالكي أَنه قَالَ إن بعض المغاربة سَأَلَهُ أَن يفصل في تَفْسِيره بَين كَلَام الله وَبَين تَفْسِيره بقوله أي أَو نَحْوهَا دفعاً لما لَعَلَّه يتَوَهَّم وَقد كَانَ رام المالكي الحكم بِكُفْرِهِ وإراقة دَمه بِهَذِهِ الْمقَالة حَتَّى ترامى المترجم لَهُ على القاضي الزيني بن مزهر فعذره وَحكم بإسلامه وَقد امتحن الله أهل تِلْكَ الديار بقضاه من الْمَالِكِيَّة يتجرون على سفك الدِّمَاء بِمَا لَا يحل بِهِ أدنى تَعْزِير فأراقوا دِمَاء جمَاعَة من أهل الْعلم جَهَالَة وضلالة وجرأة على الله وَمُخَالفَة لشريعة رَسُول الله وتلاعباً بِدِينِهِ بِمُجَرَّد نُصُوص فقهية واستنباطات فروعية لَيْسَ عَلَيْهَا اثارة من علم فانا لله وإنا إليه رَاجِعُون وَلم يزل المترجم لَهُ رَحمَه الله يكابد الشدائد ويناهد العظائم قبل رحلته من مصر وَبعد رحلته إلى دمشق حَتَّى توفاه الله بعد أَن تفتت كبده كَمَا قيل في لَيْلَة السبت ثامن عشر رَجَب سنة 885 خمس وَثَمَانِينَ وثمان مائَة وَدفن خَارج دمشق من جِهَة قبر عَاتِكَة وَقد ترْجم لَهُ السخاوي تَرْجَمَة مظْلمَة كلهَا سب وانتقاص وطولها بالمثالب بل مَا زَالَ يحط عَلَيْهِ فى جَمِيع كِتَابه الْمُسَمّى بالضوء اللامع لِأَن المترجم لَهُ كتب لأهل عصره تراجم ونال من أَعْرَاض جمَاعَة مِنْهُم لاسيما الأكابر الَّذين أَنْكَرُوا عَلَيْهِ فَكَانَ السخاوي ينْقل قَوْله في تَرْجَمَة أُولَئِكَ الأكابر ويناقضه وينتقصه ولشعراء عصره فِيهِ أمداح وأهاجى وَمَا زَالَت الأشراف تهجى وتمدح وَهُوَ كثير النظم جيد النثر في تراجمه ومراسلاته ومصنفاته وَهُوَ مِمَّن رثى نَفسه فى حيوته فَقَالَ (نعم إنني عَمَّا قريب لمَيت ... وَمن ذَا الذي يبْقى على الْحدثَان) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 (كَأَنَّك بي أنعى عَلَيْك وَعِنْدهَا ... ترى خَبرا صمّت لَهُ الأذنان) (فَلَا حسد يبْقى لديك وَلَا قلى ... فينطق في مدحي بأي معَان) (وَتنظر أوصافى فتعلم أَنَّهَا ... علت عَن مدان في أعز مَكَان) (ويمسي رجَالًا قد تهدّم ركنهم ... فمدمعهم لي دَائِم الهملان) (فكم من عَزِيز بي يذل جماحه ... ويطمع فِيهِ ذُو شقا وهوان) (فيارب من تفجأ بهول يوده ... وَلَو كنت مَوْجُودا لَدَيْهِ دعانى) (ويارب شخص قد دهته مُصِيبَة ... لَهَا الْقلب أَمْسَى دَائِم الخفقان) (فيطلب من يجلو صداها فَلَا يرى ... وَلَو كنت جلتها يدي ولساني) (وَكم ظَالِم نالته مني غَضَاضَة ... لنصرة مظلوم ضَعِيف وجنان) (وَكم خطة سامت ذووها معرة ... أُعِيدَت بِضَرْب من يَدي وطعان) (فإن يرثني من كنت أجمع شَمله ... بتشتيت شملي فالوفاء رثاني) وَمن محاسنه الَّتِى جعلهَا السخاوي من جملَة عيوبه مَا نَقله عَنهُ أَنه قَالَ في وصف نَفسه أَنه لَا يخرج عَن الْكتاب وَالسّنة بل هُوَ متطبع بطباع الصَّحَابَة انْتهى وَهَذِه منقبة شريفة ومرتبة منيفة (13) السَّيِّد ابراهيم بن الْقَاسِم بن المؤبد بِاللَّه مُحَمَّد بن الإمام الْقَاسِم بن مُحَمَّد الْعَلامَة الْحَافِظ المؤرخ مُصَنف طَبَقَات الزيدية وَهُوَ كتاب لم يؤلَّف مثله في بَابه جعله ثَلَاثَة أَقسَام الْقسم الأول في من روى عَن أَئِمَّة الْآل من الصَّحَابَة وَالْقسم الثانى فِيمَن بعدهمْ الى رَأس خَمْسمِائَة وَالْقسم الثَّالِث في أهل الْخَمْسمِائَةِ وَمن بعدهمْ إلى أَيَّامه وَذكر جمَاعَة من أَعْيَان الْقرن الثاني عشر وَمَات فِيهِ وَلم أَقف لَهُ على تَرْجَمَة وَقد ذكر فى الْكتاب الْمَذْكُور مشايخه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 وماسمعه مِنْهُم وكل طبقَة من الطَّبَقَات الثَّلَاث الْمَذْكُورَة جعلهَا على حُرُوف المعجم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 (14) السَّيِّد ابراهيم بن مُحَمَّد بن أسحق بن المهدي أَحْمد ابْن الْحسن بن الإمام الْقَاسِم بن مُحَمَّد ولد سنة 1140 أَرْبَعِينَ وَمِائَة وَألف وَنَشَأ بِصَنْعَاء وَأخذ الْعلم عَن وَالِده وَعَن شَيخنَا السَّيِّد الْعَلامَة علي بن إبراهيم بن علي بن إبراهيم بن احْمَد بن عَامر وَغَيرهمَا وجدَّ فِي ذَلِك حَتَّى صَار من أَعْيَان الزَّمن ومحاسن بني الْحسن لَهُ مَكَارِم وفضائل وَحسن أخلاق واشتغال بالعلوم والعبادات وَالْقِيَام بوظائف الطَّاعَات وَقَضَاء حوائج المحتاجين والسعى فى صَلَاح الْمُسلمين مَالا يقدر على الْقيام بِهِ غَيره وَكم تصل إليَّ مِنْهُ رسائل ونصائح فِيمَا يتَعَلَّق بشأن الدولة وَيَأْخُذ عليَّ أَنه لَا يحل السُّكُوت وَله رَغْبَة في المباحثات العلمية شَدِيدَة بِحَيْثُ أَنه لَا يعرض الْبَحْث في مَسْأَلَة من الْمسَائِل إِلَّا وفحّص عَنهُ وَسَأَلَ وراجع وَكَثِيرًا مَا تفد عليّ مِنْهُ سُؤَالَات أُجِيب عَنْهَا برسائل كَمَا يحْكى ذَلِك مَجْمُوع رسائلي مَعَ أَنه نفع الله بِهِ إِذْ ذَاك عالى السن قد قَارب السّبْعين وَأَنا في نَحْو الثَّلَاثِينَ وَهَذَا أعظم دَلِيل على تواضعه ثمَّ مَا زَالَ هَذَا دأبه إلى الْآن وَهُوَ صديقي وحبيبي يدعوني إلى بَيته الْمرة بعد الْمرة وَله في المكارم مَسْلَك لَا يقدر عَلَيْهِ غَيره وَفِي حسن الْأَخْلَاق وتفويض الأمور إلى الْمُهَيْمِن الخلاق أَمر عَجِيب وَقد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 أَعَانَهُ الله على بر وَالِده وَالْقِيَام بِوَاجِب حَقه والمشي على مَا يُريدهُ وَكَانَ وَالِده رَحمَه الله رَئِيس آل اسحق والمتولي لأمورهم بعد أَن دَعَا إلى نَفسه وَبَايَعَهُ النَّاس قاطبة ثمَّ اخْتَار الله لَهُ التَّخَلُّص من ذَلِك فَمَا زَالَ على رئاسة أهل بَيته حَتَّى مَاتَ ثمَّ قَامَ وَلَده هَذَا مقَامه أَيَّامًا فَلم تطب نفس أَخِيه الأكبر السَّيِّد الْعَلامَة أَحْمد بن مُحَمَّد فَخرج من صنعاء مغاضبّا للإمام المهدي رَحمَه الله وسيأتي شرح ذَلِك في تَرْجَمته إن شَاءَ الله تَعَالَى وَحَاصِله أَنه صَار مَكَان وَالِده وَرغب صَاحب التَّرْجَمَة عَن الرِّئَاسَة الدُّنْيَوِيَّة فاستبدل بِالْخَيْلِ والخول الزّهْد والتقشف وَترك زي أَبنَاء جنسه من بَيت الْخلَافَة والمملكة وَمَعَ هَذَا فَلهُ جلالة في الْقُلُوب ونبالة في النُّفُوس وضخامة زَائِدَة عِنْد جَمِيع النَّاس إِذا مرَّ بِهِ رَاكب من آل الامام أَو من أكَابِر الوزراء والأمراء وَالْقَضَاء ترجل لَهُ وَسلم عَلَيْهِ وَمَا رَأَيْت مَوْلَانَا الْخَلِيفَة يجلُّ أحداً كإجلاله لَهُ وَهُوَ حقيق بِذَاكَ وَهُوَ الْآن حيٌّ ينْتَفع بِهِ النَّاس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 (15) إبراهيم بن مُحَمَّد بن أَبى بكر بن علي بن مَسْعُود بن رضوَان المقدسي ثمَّ القاهري الشافعي أَخُو الْكَمَال مُحَمَّد الآتي ذكره ولد لَيْلَة الثُّلَاثَاء ثامن عشر ذي الْقعدَة سنة 836 سِتّ وَثَلَاثِينَ وثمان مائَة بِبَيْت الْمُقَدّس ونشأبه فحفظ الْقُرْآن وَهُوَ ابْن سبع وتلاه تجويداً لِابْنِ كثير وأبي عَمْرو وَأخذ عَن سراج الرومي في الْعَرَبيَّة وَالْأُصُول والمنطق وَعَن يَعْقُوب الرومي فِي الْعَرَبيَّة والمعاني وَالْبَيَان بل سمع عَلَيْهِمَا كثيراً من فقه الْحَنَفِيَّة وَسمع على التقى القلقشندى المقدسى والزين ماهر وَآخَرين وَأَجَازَ لَهُ خلق ثمَّ لما قدم الْقَاهِرَة قَرَأَ على الإمامين الأقصراني في شرح العقائد والجلال الْمحلى فى شَرحه لجمع الْجَوَامِع وَقَرَأَ على جمَاعَة كَثِيرَة في فنون مُتعَدِّدَة ثمَّ حجّ سنة 853 ثَلَاث وَخمسين وثمان مائَة وَقَرَأَ في مَكَّة على التقي بن فَهد وابى الْفَتْح المراغى والمحب الطبري وَجَمَاعَة وبرع فِي الْفُنُون وَأذن لَهُ غير وَاحِد بالإقراء والإفتاء وصنَّف التصانيف مِنْهَا شرح الحاوي فِي مُجَلد ضخم وَمِنْهَا شرح قَوَاعِد الاعراب فِي نَحْو عشرَة كراريس وَشرح العقائد لِابْنِ دَقِيق الْعِيد وَشرح الْمِنْهَاج الفرعي ونظم النخبة ومختصرات كَثِيرَة كتهذيب الْمنطق للتفتازانى والورقات لامام الْحَرَمَيْنِ وشذورالذهب وعقائد النسفي وَاخْتصرَ الرسَالَة القشيرية وَله مصنفات غير هَذِه ودرس في عدَّة فنون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 وَأخذ عَنهُ الطّلبَة وَاسْتقر في تدريس التَّفْسِير بِجَامِع ابْن طولون وَفِي غَيره من الْجَوَامِع والمدارس وَولى قَضَاء الشَّافِعِيَّة بِالْقَاهِرَةِ في ذِي الْحجَّة سنة 906 عوض عبد الْقَادِر بن النَّقِيب وَاسْتمرّ إلى ثَالِث ربيع الأول سنة 910 عشر وَتِسْعمِائَة فعزل بقاضي الشَّام الشهابي وَصَارَ رَئِيس مصر وعالمها وَعَلِيهِ الْمدَار فِي الْفتيا وَمن صلابته في الدَّين أَنه اتفق للقضاة محنة مَعَ الْأَشْرَف الْمَذْكُور بِسَبَب اقرار الزَّانِيَيْنِ اللَّذين أَرَادَ الْأَشْرَف رجمهما قَاصِدا لإحياء هَذِه السنة فصمم صَاحب التَّرْجَمَة على عدم مُوَافَقَته في ذَلِك فعزل الْقُضَاة الْأَرْبَعَة وشنق الزَّانِيَيْنِ فَوقف صَاحب التَّرْجَمَة عَلَيْهِمَا وَقَالَ أشهد بَين يدي الله بظلمهما وَأَن قاتلهما يقتل بهما فَبلغ الْأَشْرَف ذَلِك فَعَزله عَن مشيخة مدرسته ثمَّ بلغه الله إلى أَن كَانَ قتل الْملك فِي حَيَاته وانقراض دولته فَرد إليه معلومهما من أول ولَايَته لَهما وعد ذَلِك من شهامته وَكَمَال دينه فَعظم بِهِ عِنْد الْخَاص وَالْعَام مَعَ لُزُوم منزله وَتردد النَّاس إليه للِانْتِفَاع بِهِ فِي الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة والعقلية حَتَّى مَاتَ فِي يَوْم الْجُمُعَة ثاني شهر الْمحرم سنة 923 ثَلَاث وَعشْرين وَتِسْعمِائَة وَصلى عَلَيْهِ الْخَلِيفَة المتَوَكل على الله العباسي صَاحب مصر عقب صَلَاة الْجُمُعَة وَدفن بتربته الَّتِى أعدهَا فِي ساباط وَله نظم فَمِنْهُ من قصيدة (دموعي قد نمت بسرِّ غرامي ... وباح بوجدي للوشاة سقامي) (فأضحى حديثي بالصبابة مُسْندًا ... بمرسل دمعى من جفون دوامى) وَمن أُخْرَى (مَا خلت برقاً بأرجاء الشآم بدا ... إِلَّا تنفست من أشواقي الصعدا) (وَلَا شممت عبيراً من نسيمكم ... إِلَّا قضيت بَان أقضي بِهِ كمدا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 (16) إبراهيم بن مُحَمَّد بن خَلِيل الْبُرْهَان الطرابلسي الأَصْل الشامي المولد وَالدَّار الشافعي ولد في ثاني عشر رَجَب سنة 753 ثَلَاث وَخمسين وَسَبْعمائة بالجلوم بِفَتْح الْجِيم وَتَشْديد اللَّام المضمومة وَمَات أَبوهُ وَهُوَ صَغِير فكفلته أمه وانتقلت بِهِ إلى دمشق فحفظ بهَا بعض الْقُرْآن ثمَّ رجعت بِهِ إلى حلب فَنَشَأَ بهَا وأدخلته مكتب الْأَيْتَام فأكمل بِهِ حفظه وَصلى بِهِ على الْعَادة التَّرَاوِيح فِي رَمَضَان وتلا تجويدا على الْحسن السايس المصري وعَلى الشهَاب ابْن أبي الرضى والحراني وَقَرَأَ في الْفِقْه على ابْن العجمي وَجَمَاعَة كالبلقيني وَابْن الملقن وفي اللُّغَة على مجد الدَّين صَاحب الْقَامُوس وفي الحَدِيث علي الزين العراقي والبلقيني وَابْن الملقن أَيْضا وَجَمَاعَة كَثِيرَة وارتحل إلى مصر مرَّتَيْنِ لقي بهَا جمَاعَة من أعيان الْعلمَاء وإلى دمشق وإسكندرية وَبَيت الْمُقَدّس وغزة والرملة ونابلس وحماه وحمص وطرابلس وبعلبك وروي عَنهُ أَنه قَالَ مشايخي في الحَدِيث نَحْو الْمِائَتَيْنِ وَمن رويت عَنهُ شيئاً من الشّعْر دون الحَدِيث بضع وَثَلَاثُونَ وفي الْعُلُوم غير الحَدِيث نَحْو الثَّلَاثِينَ وَقد جمع الْكل النَّجْم ابْن فَهد في مُجَلد ضخم وَكَذَلِكَ الْحَافِظ ابْن حجر وَاسْتقر بحلب وَلما هجمها تيمور لنك طلع بكتبه الى القلعة فَلَمَّا دخل الْبَلَد وسلبوا النَّاس كَانَ فِيمَن سلب حَتَّى لم يبْق عَلَيْهِ شئ ثمَّ أسروه وبقي مَعَهم إلى أَن رحلوا إلى دمشق فَأطلق وَرجع إلى بَلَده فَلم يجد أحداً من أَهله وَأَوْلَاده قَالَ فَبَقيت قَلِيلا ثمَّ تَوَجَّهت إلى الْقرى الَّتِى حول حلب مَعَ جمَاعَة فَلم أزل هُنَالك إلى أَن رَجَعَ الطغاة جِهَة بِلَادهمْ فَدخلت بيتى فَعَادَت إِلَى أمتى نرجس وَلَقِيت زَوْجَتي وأولادي مِنْهَا وصعدت حِينَئِذٍ القلعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 فَوجدت أَكثر كتبي فأخذتها وَرجعت وَقد اجْتهد المترجم لَهُ فى الحَدِيث اجْتِهَاد كَبِيرا وَسمع العالي والنازل وَقَرَأَ البخاري أَكثر من سِتِّينَ مرة وَمُسلمًا نَحْو الْعشْرين واشتغل بالتصنيف فَكتب تَعْلِيقا لطيفاً على سنَن ابْن مَاجَه وشرحّا مُخْتَصرا على البخاري سَمَّاهُ التلقيح لفهم قَارِئ الصَّحِيح وَهُوَ في أَرْبَعَة مجلدات والمقتضى فِي ضبط الفاظ الشفا فى مُجَلد وَنور النبراس على سيرة ابْن سيد النَّاس فِي مجلدين والتيسير على ألفية العراقي وَشَرحهَا مَعَ زِيَادَة أَبْيَات فى الأَصْل غير مُسْتَغْنى عَنْهَا وَنِهَايَة السؤل في رُوَاة السِّتَّة الْأُصُول في مُجَلد ضخم والكشف الحثيث عَمَّن رمى بِوَضْع الحَدِيث في مُجَلد لطيف والتبيين لأسماء المدلسين فِي كراستين وَتَذْكِرَة الطَّالِب الْمعلم فِيمَن يُقَال انه مخضرم كَذَلِك والاعتباط فِيمَن رمي بالاختلاط قَالَ السخاوي وَكَانَ إماماً عَلامَة حَافِظًا خيراً ديّناً ورعاً متواضعاً وافر الْعقل حسن الْأَخْلَاق متخلقا بجميل الصِّفَات جميل الْعشْرَة محبا للْحَدِيث وَأَهله كثير النصح والمحبة لأَصْحَابه سَاكِنا منجمعاً عَن النَّاس متعففاً عَن التَّرَدُّد إلى بني الدُّنْيَا قانعاً باليسير طارحاً للتكلف رَأْسا في الْعِبَادَة والزهد والورع مديم الصيام وَالْقِيَام سهلاً في التحدث كثير الانصاف والبشر لمن يَقْصِدهُ للأخذ عَنهُ خُصُوصا الغرباء مواظباً على الِاشْتِغَال والإشغال والإقبال على الْقِرَاءَة بِنَفسِهِ حَافِظًا لكتاب الله كثير التِّلَاوَة لَهُ صبوراً على الإسماع رُبمَا أسمع الْيَوْم الْكَامِل من غير ملل وَلَا ضجر عرض عَلَيْهِ قَضَاء الشَّافِعِيَّة بِبَلَدِهِ فَامْتنعَ وأصرّ على الِامْتِنَاع فَصَارَ بعد ذَلِك كل وَاحِد من قاضيها الشافعي والحنفي من تلامذته وَاتفقَ أَنه في بعض الْأَوْقَات حوصرت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 حلب فَرَأى بعض أَهلهَا في الْمَنَام السراج البلقيني فَقَالَ لَهُ لَيْسَ على أهل حلب بَأْس وَلَكِن رح إلى خَادِم السنّة إبراهيم الْمُحدث وَقل لَهُ يقْرَأ عُمْدَة الْأَحْكَام ليفرج عَن الْمُسلمين فَاسْتَيْقَظَ فَاعْلَم الشَّيْخ فبادر إلى قرَاءَتهَا في جمع من طلبة الْعلم وَغَيرهم يَوْم الْجُمُعَة بكرَة النَّهَار ودعا للْمُسلمين بالفرح فاتفق أَنه في آخر ذَلِك النَّهَار نصر الله أهل حلب وَقد حدث بالكثير وَأخذ عَنهُ الْأَئِمَّة طبقَة بعد طبقَة وَألْحق الأصاغر بالأكابر وَصَارَ شيخ الحَدِيث بالبلاد الحلبية بلامدافع وَمِمَّنْ أَخذ عَنهُ من الأكابر ابْن خطيب الناصرية والحافظ ابْن حجر وامتحنه فَأدْخل عَلَيْهِ شَيخا في حَدِيث مسلسل رام بذلك اختباره هَل يفْطن أم لَا فَتنبه الْبُرْهَان لذَلِك وَقَالَ لبَعض خواصه إن هَذَا الرجل يعْنى ابْن حجر لم يلقني إِلَّا وَقد صرت نصف رجل إِشَارَة إِلَى أَنه قد كَانَ عرض لَهُ قبل ذَلِك الفالج وأنسي كل شئ حَتَّى الْفَاتِحَة ثمَّ عوفي وَصَارَ يتراجع إليه حفظه كالطفل شَيْئا فَشَيْئًا وَلما دخل التقي الحصني حلب بلغني أَنه لم يتَوَجَّه لزيارته لكَونه كَانَ يُنكر على لابسي الأثواب النفيسة وعَلى المتقشفين فَمَا وسع المترجم لَهُ إِلَّا المجئ إليه فَوَجَدَهُ نَائِما بِالْمَدْرَسَةِ الشرفية فَجَلَسَ حَتَّى انتبه ثمَّ سلم عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ لَعَلَّك التقي الحصني ثمَّ سَأَلَهُ عَن شُيُوخه فسماهم فَقَالَ لَهُ إِن شيوخك الَّذين سميتهم عبيد ابْن تَيْمِية أَو عبيد من أَخذ عَنهُ فَمَا بالك تحط أَنْت عَلَيْهِ فَمَا وسع التقي إِلَّا أَن أَخذ نَعله وَانْصَرف وَلم يَجْسُر يرد عَلَيْهِ وَلم يزل على جلالته وعلو مَكَانَهُ حَتَّى مَاتَ مطعوناً في يَوْم الاثنين سادس عشر شَوَّال سنة 841 إحدى وَأَرْبَعين وثمان مائَة وَهُوَ يَتْلُو وَلم يغب لَهُ عقل وَدفن بالجبيل عِنْد أَقَاربه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 (17) إبراهيم بن مُحَمَّد بن عبد الله بن الهادي بن إبراهيم بن علي بن المرتضى الوزيرى الْعَلامَة الْكَبِير مُصَنف الْهِدَايَة والفصول اللؤلؤية ولد تَقْرِيبًا سنة 860 سِتِّينَ وثمان مائَة وَقَرَأَ بِصَنْعَاء وصعدة على جمَاعَة من الشُّيُوخ في الْأُصُول والعربية وَالْفِقْه والْحَدِيث وَالتَّفْسِير وَسَائِر الْفُنُون وَمن مشايخه السَّيِّد علي بن مُحَمَّد بن المرتضى وَالسَّيِّد عبد الله بن يحيى بن المهدي والإمام المتَوَكل على الله المطهر بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان والقاضى على بن مُوسَى الدوَّاري والغزولي المصري الْوَاصِل إلى الْيمن وَغير هَؤُلَاءِ وبرع في جَمِيع الْفُنُون وَصَارَ الْمرجع في عصره والمشار إليه بالفضيلة وَله مصنفات أشهرها وأجلّها مَا تقدم وَله نظم رائق فَمِنْهُ قَوْله (وإني وحبِّي للنبي وَآله ... وَمَا اشْتَمَلت مني عَلَيْهِ ضلوع) (وَأَن أفلت مِنْهُم شموس طوالع ... يكون لَهَا بعد الأفول طُلُوع) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 وَقد تَرْجمهُ السّخاوي في الضَّوْء اللامع فَلم يزدْ على أن قَالَ السَّيِّد إبراهيم بن مُحَمَّد بن عبد الله الصّنعاني الآتي أَبوهُ وَابْنه علي كهل فَاضل من أدباء صنعاء الْمَوْجُودين بهَا بعد السّبْعين وثمان مائَة أنشدني وَلَده الْمشَار إليه عَنهُ من قَوْله في أَبْيَات (وَلَا صدعنى ماجد ذُو حفيظة ... وَلَا هجرتني زَيْنَب وسعاد) (وَلَكِن شعري مِثْلَمَا قَالَ شَاعِر ... حَكِيم زُهَيْر دونه وَزِيَاد) (إِذا أنكرتني بَلْدَة أَو نكرتها ... خرجت مَعَ البازي عليّ سَواد) (أَبَت لي نفس حرَّة أَن أهينها ... وَقد شرفتها طيبَة ومعاد) (فَلَيْسَتْ على خسف تقيم ببلدة ... وَلَا بزمام الاحتقار تقاد) انْتهى ماذكره السخاوي وَلم يزدْ عَلَيْهِ وَقد وهم في قَوْله وَلَده علي فَلَيْسَ لَهُ ولد اسْمه علي بل أَوْلَاده هم احْمَد وَمُحَمّد والهادي شيخ الْأَمَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 شرف الدَّين وَهَذِه الأبيات لَيست لَهُ بل هى لجده الهادى بن ابراهيم ابْن علي بن المرتضى وفي الأبيات خلط وَلم يزل المترجم لَهُ على حَاله الْجَمِيل حَتَّى مَاتَ قبل الْعشَاء الْأَخِيرَة من لَيْلَة الْأَحَد ثاني شهر جُمَادَى الْآخِرَة سنة 914 أَربع عشرَة وَتِسْعمِائَة (18) السَّيِّد ابراهيم بن مُحَمَّد بن إسماعيل الْأَمِير سيأتي ذكره في تَرْجَمَة وَلَده السَّيِّد علي بن إبراهيم (19) إبراهيم بن يحيى بن مُحَمَّد بن صَلَاح السحولي الشجري سيأتي ذكره في تَرْجَمَة وَلَده مُحَمَّد ذكر من اسْمه أَحْمد (20) أَحْمد بن إبراهيم بن الزّبير بن مُحَمَّد بن إبراهيم بن عَاصِم بن مُسلم بن كَعْب الْعَلامَة أَبُو جَعْفَر الأندلسي الْحَافِظ النحوي ولد سنة 627 سبع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 وَعشْرين وسِتمِائَة وتلى بالسبع على أَبى الْحسن الساوي وَسمع مِنْهُ وَمن إسحاق بن إبراهيم الطوسي بِفَتْح الطَّاء وإبراهيم بن مُحَمَّد بن الْكَمَال والمؤرخ أَحْمد يُوسُف وأبي الْوَلِيد إسماعيل بن يحيى الأزدي وأبي الْحُسَيْن بن السراج وَمُحَمّد بن أَحْمد بن خَلِيل السلوي وَغَيرهم وَجمع وصنّف وَحدث بالكثير وَبِه تخرّج الْعَلامَة أَبُو حَيَّان وَصَارَ عَلامَة عصره فِي الحَدِيث وَالْقِرَاءَة وَله ذيل على تَارِيخ ابْن بشكوال وَجمع كتاباً في التَّفْسِير سَمَّاهُ ملاك التَّأْوِيل وَقَالَ أَبُو حَيَّان كَانَ يحرر اللُّغَة وَكَانَ أفْصح عَالم رَأَيْته وتفقه عَلَيْهِ خلق وَقَالَ غَيره إنه انفرد بالإفادة وَنشر الْعلم وَحفظ الحَدِيث وتمييز صَحِيحه من سقيمه وصنّف تَارِيخ عُلَمَاء الأندلس وَله كتاب الإعلام فِيمَن ختم بِهِ الْقطر الأندلسي من الْأَعْلَام وَمَا زَالَ على حَاله الْجَمِيل الى أَن توفى سنة 708 ثَمَان وَسَبْعمائة في ثاني عشر شهر ربيع الأول مِنْهَا وَمن مناقبه أَن الفازاري السَّاحر أدعى النُّبُوَّة فَقَامَ عَلَيْهِ فاستظهر عَلَيْهِ بتقربه الى أميرها بِالسحرِ وأوذى أَبُو جَعْفَر فتحول الى غرناطه فاتفق قدوم الفازاري رَسُولا من أمير مالقة فَاجْتمع أَبُو جَعْفَر بِصَاحِب غرناطه وَوصف لَهُ حَال الفازارى فأذن لَهُ إذا انْصَرف بِجَوَاب رسَالَته أَن يخرج إليه بِبَعْض أهل الْبَلَد ويطالبه من نَائِب الشَّرْع فَفعل فَثَبت عَلَيْهِ الْحَد وَحكم بقتْله فَضرب بِالسَّيْفِ فَلم يُؤثر فِيهِ فَقَالَ أَبُو جَعْفَر جرّدوه فجردوه فوجدوا جسده مَكْتُوبًا فَغسل ثمَّ وجد تَحت لِسَانه حجراً لطيفاً فَنَزَعَهُ فَعمل فِيهِ السَّيْف فَقتله قَالَ بعض من تَرْجمهُ كَانَ ثِقَة قَائِما بِالْمَعْرُوفِ والنهي عَن الْمُنكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 دامغاً لأهل الْبدع وَله مَعَ مُلُوك عصره وقائع وَكَانَ مُعظما عِنْد الْخَاصَّة والعامة (21) أَحْمد بن أَحْمد بن عبد الْوَاحِد بن عبد الْغنى ابْن مُحَمَّد بن أَحْمد بن سَالم ابْن دَاوُد بن يُوسُف بن خَالِد الشَّيْخ شهَاب الدَّين الأذرعيّ ولد بأذرعات الشَّام في سنة 708 ثَمَان وَسَبْعمائة وَسمع من الحجاري والمزي وَحضر عِنْد الذهبي وتفقه على ابْن النَّقِيب وَدخل الْقَاهِرَة فَأخذ عَن جمَاعَة مِنْهُم الْفَخر المصري ثمَّ ألزم بالتّوجه إلى حلب وناب عَن قاضيها نجم الدَّين بن الصَّائِغ فَلَمَّا مَاتَ ترك ذَلِك وَأَقْبل على الِاشْتِغَال والأشغال وراسل السبكي بالمسائل الحلبيات وهي في مُجَلد مَشْهُور واشتهرت فَتَاوِيهِ بالبلاد الحلبية وَكَانَ سريع الْكِتَابَة منطرح النَّفس صَادِق اللهجة شَدِيد الْخَوْف من الله وَله مُصَنف سَمَّاهُ جمع التَّوَسُّط وَالْفَتْح بَين الرَّوْضَة وَالشَّرْح فِي عشْرين مجلدا وَشرح الْمِنْهَاج بشرح سَمَّاهُ غنية الْمُحْتَاج وباخر سَمَّاهُ فَوت الْمُحْتَاج وفي كل مِنْهُمَا مَا لَيْسَ في الآخر وَقدم الْقَاهِرَة بعد موت الشَّيْخ جمال الدَّين الأسنوى وَذَلِكَ فِي جماد الأولى سنة 772 اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَسَبْعمائة وَأخذ عَنهُ بعض أَهلهَا وَلما قدم دمشق أَخذ عَنهُ جمَاعَة وَحكى عَن نَفسه أَنه كَانَ يكْتب في اللَّيْل كراساً تصنيفاً وفي النَّهَار كراساً تصنيفاً لَا يقطع ذَلِك وَلَو كَانَ ذَلِك مَعَ الْمُوَاظبَة لكَانَتْ تصانيفه كَثِيرَة جداً وَكَانَ فَقِيه النَّفس لطيف الذَّوْق كثير الإنشاد للشعر وَكَانَ يَقُول الْحق وينكر الْمُنكر ويخاطب نواب حلب بالغلظة وَكَانَ محباً للغرباء محسناً إليهم مُعْتَقدًا لأهل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 الْخَيْر وَقد ذكر عَنهُ كرامات ومكاشفات وَبَالغ ابْن حبيب في الثَّنَاء عَلَيْهِ وَمن نظمه (يَا موجدي من الْعَدَم ... أقل فقد زلّ الْقدَم) (واغفر ذنوباً قد مضى ... وُقُوعهَا من الْقدَم) (لَا عذر في اكتسابها ... إِلَّا الخضوع والندم) (إِن الْجواد شَأْنه ... غفران زلات الخدم) مَاتَ رَحمَه الله في خَامِس عشر جُمَادَى الْآخِرَة سنة 783 ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة 22 - السَّيِّد أَحْمد بن أَحْمد الأنسي القهدة اليماني الْمَعْرُوف بالزنمة الشَّاعِر الْمَشْهُور نَشأ بِصَنْعَاء ومدح الإمام الْمُؤَيد مُحَمَّد بن إسماعيل بن الْقَاسِم وَكَانَ حاد الطَّبْع سريع الانجراف فعامله الْمُؤَيد بِاللَّه بالحلم ومدح المهدى صَاحب الْمَوَاهِب مُحَمَّد بن احْمَد وَجَرت لَهُ مَعَه خطوب كَثِيرَة فلحق بِمَكَّة ومدح أميرها الشريف أَحْمد بن غَالب بقصيدة طنانة حثه فِيهَا على أَخذ الْيمن لما جبل عَلَيْهِ من القحة وأولها (عج بالكثيب وحيِّ الحي من كثب ... فثمّ يذهب مَا بالصب من وصب) (وَانْزِلْ بِحَيْثُ ترى الآرام سانحة ... بَين الخميسين والهندية القضب) فَأحْسن الشريف نزله وَاجْتمعَ هُنَالك بِجَمَاعَة من أدباء الْعَصْر من مَكَّة ومصر والهند وَالشَّام وَمِنْهُم حفيد الخفاجى صَاحب الربحانه وَابْن مَعْصُوم وَالسَّيِّد حُسَيْن بن عبد الْقَادِر فَاجْتمعُوا فِي منزل الشريف فَقَالَ الخفاجي هَا نَحن قد اجْتَمَعنَا هَذَا الِاجْتِمَاع وَهَؤُلَاء أدباء الْيمن الحديث: 22 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 المشهورون وأدباء الْهِنْد وَالشَّام ومصر وَأَنا أعمل ذيل الربحانه فَهَلُمُّوا فلينظم كل وَاحِد منا قصيدة نبوية هَذِه اللَّيْلَة وَمن أحرز قصبات السَّبق حكمت بانحياز الْأَدَب إلى قطره فنظم كل وَاحِد مِنْهُم قصيدة ونظم صَاحب التَّرْجَمَة قصيدته الْمَشْهُورَة (أَلا حى ذَاك من ساكني صنعا ... فكم أَحْسنُوا بالنازلين بهم صنعا) فَحكم الخفاجي لَهُ بِالسَّبقِ فحسدوه وتعصبوا فَفَارَقَ مَكَّة وَعَاد إلى حَضْرَة المهدي صَاحب الْمَوَاهِب تَائِبًا ومدحه بغرر القصائد ونال مِنْهُ دنيا عريضة وَمن محَاسِن شعره مَا رَاجع بِهِ بعض أَصْحَابه قَائِلا في مطلع قصيدته (أعقود نظمك أم حباب الراح ... قد رَاح يجلوها خضيب الراح) وَمن قصائده الفائقة القصيدة الَّتِى مطْلعهَا (ألمت تهادى والمعنف قد أغفى ... ) وَالْقَصِيدَة الَّتِى مطْلعهَا (أفي أوج الْمَوَاهِب أصفهان ... أم التخت الرفيع وشاهجان) مدح بهَا المهدي لما وصل إليه رَسُول ملك الْعَجم وَجَرت لَهُ وقائع مَعَ المهدي تَارَة يغْضب عَلَيْهِ وَتارَة يرضى عَنهُ إلى أَن توفي في سنة 1119 تسع عشرَة وَمِائَة وألف بِجَزِيرَة زيلع وشعره تَارَة يكون فِي أعلا طبقَة وَتارَة يكون سافلاً وَرُبمَا وجد فِيهِ لحن ووالده شَاعِر مَشْهُور مدح المتَوَكل على الله اسماعيل وَهُوَ دون وَلَده هَذَا فِي الشّعْر (23) أَحْمد بن إسماعيل بن أَبى بكر بن عمر بن بُرَيْدَة بموحدة وَرَاء ودال مُهْملَة ثمَّ هَاء مُصَغرًا الشهَاب الابشيطى ثمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 القاهري الأزهري الشافعي نزيل طيبة وَأحد السادات ولد فى سنة 802 اثْنَتَيْنِ وثمان مائَة بابشيط بِكَسْر الْهمزَة ثمَّ مُوَحدَة سَاكِنة بعْدهَا مُعْجمَة ثمَّ تَحْتَانِيَّة وطاء مُهْملَة قَرْيَة من قرى الْمحلة من الغربية وَنَشَأ بهَا فحفظ الْقُرْآن وَكَذَا الْعُمْدَة والتبريزي وأخذ الْفِقْه عَن ابْن الصَّواف وَابْن حميد وَابْن قطب الدَّين وتلى الْقُرْآن على الرمسيسي ثمَّ انْتقل إلى الْقَاهِرَة في سنة 820 عشْرين وَثَمَانمِائَة فقطن جَامع الْأَزْهَر مُدَّة وَأخذ بهَا الْفِقْه عَن الْبُرْهَان البيجوري وَالشَّمْس البرماوي والولي العراقي وَجَمَاعَة وَأخذ الْمنطق عَن الْعِزّ بن عبد السَّلَام والنحو عَن الشهَاب أَحْمد الصنهاجي وَالشَّمْس الشنطوفي والمحلي والمحب بن نصر الله والشرف السبكي وَسمع الحَدِيث عَن جمَاعَة مِنْهُم الولي العراقي والحافظ ابْن حجر وبرع فِي الْفِقْه وأصوله والعربية والفرائض والحساب وَالْعرُوض والمنطق وَغير ذَلِك وتصدر للإقراء فَانْتَفع بِهِ جمَاعَة كالبكري والجوجري وصنَّف تصانيف مِنْهَا نَاسخ الْقُرْآن ومنسوخه ونظم أَبى شُجَاع والناسخ والمنسوخ للبارزي وَشرح الرحبية والمنهاج الآصلي ومختصر ابْن الْحَاجِب وتصريف ابْن مَالك وايساغوجي والخزرجية وَغير ذَلِك وَعرف بالزهد وَالْعِبَادَة ومزيد التقشف والإيثار والانعزال والإقبال على وظائف الْخَيْر مَعَ قلَّة ذَات يَده بِحَيْثُ لم يكن فى بَيته شئ يفرشه لَا حَصِير وَلَا غَيره بل ينَام على بَاب هُنَالك ثمَّ جح في سنة 757 سبع وَخمسين وَسَبْعمائة وزار النبي صلى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم وَانْقطع بِالْمَدِينَةِ الْمُبَارَكَة وَعظم انْتِفَاع أَهلهَا بِهِ وحفظوا من كراماته وبديع إشاراته مَا يفوق الْوَصْف وَكَانَ ذَلِك كلمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 إجماع وَصَارَ فِي غَالب السنين يحج مِنْهَا بل جاور بِمَكَّة في سنة 771 إحدى وَسبعين وَسَبْعمائة وَامْتنع من التحديث في الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة أدباً مَعَ أَبى الْفرج المراغي فِيمَا قيل قَالَ السخاوي وَالظَّاهِر أَنه للأدب مَعَ النبي صلى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم مَاتَ بعد عصر يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع رَمَضَان سنة 783 ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة وَدفن بِالبَقِيعِ بِالْقربِ من قبر الإمام مَالك وَمن نظمه فِي السَّبع المنجيات (المنجيات السَّبع مِنْهَا الواقعة ... وَقبلهَا ياسين تِلْكَ الجامعة) (وَالْخمس الانشراح وَالدُّخَان ... وَالْملك والبروج والإنسان) (24) أَحْمد بن إسماعيل بن عُثْمَان بن أَحْمد بن رشيد ابْن إبراهيم شرف الدَّين التبريزي الكوراني القاهري ثمَّ الرومي الشافعي عَالم بِلَاد الروم ولد في سنة 813 ثَلَاث عشرَة وثمان مائَة بقرية من كوران وَحفظ الْقُرْآن وتلي السَّبع على القزويني البغدادي وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْكَشَّاف وحاشيته للتفتازاني وَأخذ عَنهُ النَّحْو مَعَ علمي الْمعَانى وَالْبَيَان وَالْعرُوض وَكَذَا اشْتغل على غَيره فِي الْعُلُوم وتميّز في الْأَصْلَيْنِ والمنطق وَغَيرهَا وفى النَّحْو والمعاني وَالْبَيَان وَغير ذَلِك من العقليات وشارك فِي الْفِقْه ثمَّ تحوّل إلى حصن كيفا فَأخذ عَن الْجلَال الحلواني في الْعَرَبيَّة وجال فى بَغْدَاد ودياربكر وَقدم دمشق في حُدُود الثَّلَاثِينَ فلازم الْعَلَاء البخاري وانتفع بِهِ وَكَانَ يرجح الْجلَال عَلَيْهِ وَكَذَا قدم مَعَ الْجلَال بَيت الْمُقَدّس وَقَرَأَ عَلَيْهِ في الْكَشَّاف ثمَّ قدم الْقَاهِرَة في حُدُود سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَهُوَ فَقير جداً فَأخذ عَن ابْن حجرٍ فِي البخاري وَشرح الألفية للعراقي ولازمه وَغَيره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 وَسمع صَحِيح مُسلم عَن ابْن الزركشي ولازم الشرواني كثيراً وَقَرَأَ عَلَيْهِ صَحِيح مُسلم والشاطبية وأكبّ على الاشتغال والأشغال بِحَيْثُ قَرَأَ على الْعَلَاء القلقشندي في الحاوي ولازم حُضُور الْمجَالِس الْكِبَار كمجلس قِرَاءَة البخاري بِحَضْرَة السُّلْطَان وَغَيره واتصل بالكمال البارزي فَنَوَّهَ بِهِ وبالزيني عبد الباسط وَغَيرهمَا من المباشرين والأمراء بِحَيْثُ اشْتهر وناظر الأماثل وَذكر بالطلاقة والبراعة والجرأة الزَّائِدَة فَلَمَّا ولي الظَّاهِر جقمق وَكَانَ يَصْحَبهُ تردّد اليه فاكثر وَصَارَ أحد ندمائه وخواصه فانثالت عَلَيْهِ الدُّنْيَا فَتزَوج مرة بعد أُخْرَى لمزيد رغبته فى النِّسَاء مَعَ كَونه مطلاقا قَالَ السخاوي وَظهر لما ترفَّع حَاله مَا كَانَ كامناً عَلَيْهِ من اعْتِقَاد نَفسه الَّذِي جرّ إليه الطيش والخفة وَلم يلبث أَن وَقع بَينه وَبَين حميد الدَّين النعماني الْمَنْسُوب إِلَى أَبى حنيفَة والمحكي أَنه من ذُريَّته مبَاحث تسطَّا فِيهَا عَلَيْهِ وتشاتما بِحَيْثُ تعدى هَذَا الى ابائه وَوصل علم ذَلِك إِلَى السُّلْطَان فأمر بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ وسجنه بالبرج ثمَّ ادعى عَلَيْهِ عِنْد قاضي الْحَنَفِيَّة ابْن الديرى وأقيمت الْبَيِّنَة بالشتم وبكون المشتوم من ذُرِّيَّة الإمام أَبى حنيفَة وعزر بِحَضْرَة السُّلْطَان نَحْو ثَمَانِينَ ضَرْبَة وَأمر بنفيه وَأخرج عَن تدريس الْفِقْه بالبرقوقية فاستقر فِيهِ الْجلَال الْمحلى اه قلت وَقد لطف الله بالمترجم لَهُ بمرافعته إِلَى حَاكم ضفى فَلَو روفع إِلَى مالكي لحكم بِضَرْب عُنُقه وقبَّح الله هَذِه المجازفات والاستحلال للدماء والأعراض بِمُجَرَّد أشياء لم يُوجب الله فِيهَا إِرَاقَة دم وَلَا هتك عرض فان ضرب هَذَا الْعَالم الْكَبِير نَحْو ثَمَانِينَ جلدَة ونفيه وتمزيق عرضه والوضع من شَأْنه بِمُجَرَّد كَونه شاتم من شاتمه ظلم بَين وعسف ظَاهر وَلَا سِيمَا إِذا كَانَ لَا يدري بانتساب من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 ذكر إِلَى ذَلِك الإمام لَا جرم قد أبدله الله بسُلْطَان خيّر من سُلْطَانه وجيران أفضل من جِيرَانه ورزق أوسع مِمَّا منعُوهُ مِنْهُ وجاه أرفع مِمَّا حسدوه عَلَيْهِ فإنه لما خرج توجه الى مملكة الرّوم وَمَا زَالَ يترقى بهَا حَتَّى اسْتَقر في قَضَاء الْعَسْكَر وَغَيره وتحول حنفياً وَعظم اخْتِصَاصه بِملك الروم ومدحه وَغَيره بقصائد طنانة وَحسنت حَاله هُنَالك جداً بِحَيْثُ لم يصر عِنْد السُّلْطَان مُحَمَّد مُرَاد أحظى مِنْهُ وانتقل من قَضَاء الْعَسْكَر إلى منصب الْفَتْوَى وَتردد إليه الأكابر وَشرح جمع الْجَوَامِع وَكثر تعقبه للمحلي وَعمل تَفْسِيرا وشرحاً على البخاري وقصيدة في علم الْعرُوض نَحْو سِتّمائَة بَيت وَأَنْشَأَ باسطنبول جَامعا ومدرسة سَمَّاهَا دَار الحَدِيث وانثالت عَلَيْهِ الدِّينَا وَعمر الدور وانتشر علمه فَأخذ عَلَيْهِ الأكابر وَحج فى سنة 861 إحدى وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة وَلم يزل على جلالته حَتَّى مَاتَ فى أَوَاخِر سنة 893 ثَلَاث وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة وَصلى عَلَيْهِ السُّلْطَان فَمن دونه وَمن مطالع قصائده في مدح سُلْطَانه (هُوَ الشَّمْس إلا أَنه اللَّيْث باسلاً ... هُوَ الْبَحْر إلا أَنه مَالك الْبر) وَقد تَرْجمهُ صَاحب الشقائق النعمانية تَرْجَمَة حافلة وَذكر فِيهَا أن سُلْطَان الروم السُّلْطَان مُحَمَّد عرض عَلَيْهِ الوزارة فَلم يقبلهَا وَأَنه أَتَاهُ مرة مرسوم من السُّلْطَان فِيهِ مُخَالفَة للْوَجْه الشرعي فمزقه وَأَنه كَانَ يُخَاطب السُّلْطَان باسمه وَلَا ينحني لَهُ وَلَا يقبل يَده بل يصافحه مصافحة وانه كَانَ لَا يأتى الى السُّلْطَان إِلَّا إِذا أرسل اليه وَكَانَ يَقُول لَهُ مطعمك حرَام وملبسك حرَام فَعَلَيْك بِالِاحْتِيَاطِ وَذكر لَهُ مَنَاقِب جمّة تدل على أَنه من الْعلمَاء العاملين لَا كَمَا قَالَ السخاوي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 (25) أَحْمد بن أويس بن الشَّيْخ حسن بن الْحُسَيْن بن اقبغا أبن ايلكان ابْن القان غياث الدَّين صَاحب بَغْدَاد وتبريز وسلطانهما ملك بعد أَبِيه الْمُتَوفَّى بتبريز فِي سنة 676 سِتّ وَسبعين وسِتمِائَة فَأَقَامَ إلى سنة 695 خمس وَتِسْعين وسِتمِائَة ثمَّ قدم حلب وَمَعَهُ نَحْو أَرْبَعمِائَة فَارس من أَصْحَابه جافلاً من تيمورلنك حِين استيلائه على بَغْدَاد لائذاً بالطاهر برقوق فأرسل الْأَمر بإكرامه ثمَّ استقدمه الْقَاهِرَة وَبَالغ في إكرامه بِحَيْثُ تَلقاهُ وَأرْسل لَهُ نَحْو عشرَة آلاف دِينَار ومائتي قِطْعَة قماش وعدة خُيُول وَعشْرين جَارِيَة وَمثلهَا مماليك وَتزَوج السُّلْطَان أُخْتا لَهُ وَأقَام في ظله إِلَى أَن سَافر مَعَه حِين توجهه بالعساكر إلى جِهَة الشَّام وحلب فَلَمَّا رَجَعَ عَاد أَحْمد إلى بِلَاده بعد أَن ألبسهُ تَشْرِيفًا وتزايدت وجاهته وجلالته فَلم يلبث أَن ساءت سيرته وَقتل جمَاعَة فَوَثَبَ عَلَيْهِ الْبَاقُونَ وأخرجوه وكاتبوا نَائِب تيمورلنك بشيراز ليستلمها فَفعل وهرب هَذَا إلى قرا يُوسُف التركماني بالموصل فسافر مَعَه إلى بَغْدَاد فَالتقى بِهِ أَهلهَا فكسروه وانهزما نَحْو الشَّام وقطعا الْفُرَات ومعهما جمع كَبِير من عَسْكَر بَغْدَاد والتركمان وَنزلا بالساجور قَرِيبا من حلب فَخرج إليهما نَائِب حلب وَغَيره من النواب فَكَانَت وقعة فظيعة انْكَسَرَ فِيهَا الْعَسْكَر الحلبي وأسر نَائِب حماه وتوجها نَحْو بِلَاد الروم فَلَمَّا كَانَ قَرِيبا من بهسنى التقاه نائبها وَجَمَاعَة فكسروه واستلبوا مِنْهُ سَيْفا يُقَال لَهُ سيف الْخلَافَة وَغير ذَلِك وَعَاد إلى بَغْدَاد فَدَخلَهَا وَمكث بهَا مُدَّة حَاكما ثمَّ جَاءَ إليها التتار فَخرج هَارِبا بمفرده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 وَجَاء إلى حلب في صفر سنة 706 سِتّ وَسَبْعمائة وَهُوَ بزي الْفُقَرَاء فَأَقَامَ بهَا مُدَّة ثمَّ رسم النَّاصِر باعتقاله فاعتقل بهَا ثمَّ طلب إلى الْقَاهِرَة فَتوجه إليها واعتقل في توجهه بقلعة دمشق ثمَّ أطلق بِغَيْر رِضَاء السُّلْطَان وَعَاد إلى بَغْدَاد ودخلها بعد أن نزل التتار عَنْهَا بوفاة تيمور لنك وَاسْتمرّ على عَادَته وتنازع هُوَ وقرا يُوسُف فَكَانَت الكسرة عَلَيْهِ فَأسرهُ وَقَتله خنفا في لَيْلَة الْأَحَد سلخ شهر ربيع الآخر سنة 713 ثَلَاث عشر وَسَبْعمائة وَقد طوّل ابْن حجر تَرْجَمته في أنبائه وَقَالَ أَنه سَار السِّيرَة الحائرة وَقتل في يَوْم وَاحِد ثَمَانمِائَة نفس من الأعيان قَالَ وَكَانَ سفاكاً للدماء متجاهراً بالقبائح وَله مُشَاركَة في عدَّة عُلُوم كَالنُّجُومِ والموسيقى وَله شعر كثير بِالْعَرَبِيَّةِ وَغَيرهَا وَكتب الْخط الْمَنْسُوب مَعَ شجاعة ودهاء وحيل ومحبة لأهل الْعلم وَقَالَ ابْن خطيب الناصرية كَانَ مهيباً لَهُ سطوة على الرعية فتاكاً منهمكاً على الشّرْب وَاللَّذَّات لَهُ يَد طولى فِي علم الموسيقى (26) الإمام المهدي أَحْمد بن الْحسن بن الإمام الْقَاسِم بن مُحَمَّد سيأتي تَمام نسبه في تَرْجَمَة وَالِده ولد رَحمَه الله سنة 1029 تسع وَعشْرين وَألف ثمَّ لما بلغ مبلغ الرِّجَال ظَهرت مِنْهُ شجاعة وبراعة وَقُوَّة جنان وإقدام زَائِد وَوَقع مِنْهُ في أَيَّام عَمه الْمُؤَيد بِاللَّه مُحَمَّد بن الْقَاسِم بعد موت وَالِده الْمُجَاهِد الْحسن بن الإمام بعض مُخَالفَة ثمَّ عَاد الْأَمر إِلَى الْمُوَافقَة وَاسْتمرّ فِي أَيَّام الْمُؤَيد إِلَى آخرهَا ثمَّ في أَيَّام عَمه الإمام المتَوَكل على الله إسماعيل وجاهد في أَيَّامه الجهادات الْمَشْهُورَة وأوقع بِأَهْل البغي الوقعات المأثورة وَدخل بالجيش مرة بعد أُخْرَى الى خضرموت ودوخ تِلْكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 الممالك وأذعن لَهُ سلاطين يافع بل وصلوا تَحت ركابه إلى الإمام ثمَّ دخل الْجوف مرّة بعد مرّة وَمَا زَالَ في مجاهدة ومناصرة للحق ومدافعة للظلمة والبغاة حَتَّى مَاتَ عَمه المتَوَكل على الله فاجتمعت الْكَلِمَة من الْعلمَاء والرؤساء والسادة والأكابر عَلَيْهِ وَبَايَعُوهُ وَوَقع من قَاسم بن الْمُؤَيد بعض الْمُخَالفَة ثمَّ عَاد الأمر إلى الْمُوَافقَة وَكَانَت بيعَته عِنْد موت الإمام المتَوَكل على الله في التَّارِيخ الآتي في تَرْجَمته وَاسْتمرّ كَذَلِك مُجَاهدًا قَائِما بِالدفع عَن الْمُسلمين إِلَى أَن توفاه الله تَعَالَى في جُمَادَى الْآخِرَة سنة 1092 اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَألف وقبر بمشهده الْمَشْهُور بالغراس ومازال مَقْصُودا بالزيارة من كثير من النَّاس إلى هَذَا التَّارِيخ وَهُوَ من أعظم الْأَئِمَّة الْمُجَاهدين الباذلين نُفُوسهم لدفع المعاندين بل الله ثراه بوابل رضوانه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 (27) السَّيِّد أَحْمد بن الْحسن بن أَحْمد بن حميد الدَّين ابْن المطهر بن الامام شرف الدَّين الشَّاعِر الأديب الصَّنعاني مؤلف ترويح المشوق في تلويح البروق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 ذكر فِيهِ مادار بَينه وَبَين جمَاعَة من أهل عصره وَقد ترْجم لَهُ مُحَمَّد أَمِين في نفحة الريحانة وَترْجم لَهُ صَاحب مطلع البدور وَمن نظمه الْفَائِق القصيدة الَّتِى أَنْشَأَهَا على روي قصيدة ابْن مطروح (بأبي وبي طيف طرق ... عذب اللما والمعتنق) (فَقَالَ صَاحب التَّرْجَمَة (إياك من سود الحدق ... فهي الَّتِى تكسو القلق) (لَا يخدعنك حسنها ... فالأمن يتبعهُ الْفرق) (وَاحْذَرْ ملاطفة الغوا ... نى بالتذلل والملق) (يَا أَيهَا الْمولى الذي ... أَنا من موَالِيه ارق) ثمَّ أَطَالَ من هَذَا وَهُوَ لَيْسَ بطائل وَمن شعره القصيدة الَّتِى مطْلعهَا (يارشاء أشمت بي العواذلا ... مَالك جانبت الْوَفَاء عادلا) (مازلت توليني صدوداً دَائِما ... قد نصبت لي هدبك الحبائلا) (أوقعتني فِيهَا فَلَمَّا وَقعت ... نفسي مَا حصلت مِنْهَا طائلا) وَهِي قصيدة طَوِيلَة وَمن نظمه القصيدة الَّتِى مطْلعهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 (لله أَيَّام الْغَزل ... مابين معترك الْمقل) (أَيَّام ركضى فِي ميا ... دين المسرة والجذل) وهي قصيدة طَوِيلَة وَمن شعره الأبيات الَّتِى أَولهَا (سبقى الأثل كل سَحَاب مظله ... عَلَيْهِ وَلَا بَرحت مستهله) وَمن شعره (قدم الربيع وَخير مقدم ... والغيث أثجم ثمَّ أثجم) (ومقدم الأنواء لَو ... صلى الولي وَرَاه سلّم) (والجوُّ ينشر مطرفاً ... لَك فاختي اللَّوْن معلّم) (والسحب مدّ رواق ديباج بساحتنا وخيّم) (وَالرَّوْض نمقه الغما ... م بِحسن صَنعته ونمّم) (فَبَدَا يروق الناظرين ... كَأَنَّهُ برد مسهم) وهي أَبْيَات جَيِّدَة وَتُوفِّي في سنة 1080 ثَمَانِينَ وَألف (28) أَحْمد بن الْحسن الْمَعْرُوف بالجاربرّدي نزيل تبريز أحد الْعلمَاء الْمَشْهُورين أَخذ عَن الشَّيْخ عمر بن نجم الدَّين وَعَن نظام الدَّين الطوسى وَغَيرهمَا وَأخذ عَنهُ جمَاعَة وَلَعَلَّ من جملَة من أَخذ عَنهُ الْعَضُد شَارِح مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب قَالَ الأسنوي كَانَ عَالما ديّناً وقوراً مواظباً على الِاشْتِغَال والتصنيف وَقَالَ غَيره كَانَ اُحْدُ الشُّيُوخ بِتِلْكَ الْجِهَات وَله مصنفات مِنْهَا شرح منهاج البيضاوي وَشرح الحاوي الصَّغِير وَشرح شافية ابْن الْحَاجِب وَله على الْكَشَّاف حواش مفيدة وَمَات سنة 742 اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 (29) الْفَقِيه أَحْمد بن حسن الزهيري أديب الْعَصْر وشاعره ولد تَقْرِيبًا سنة 1140 أَرْبَعِينَ وَمِائَة وَألف وَله في النظم الْيَد الطُّولى وجميعه غرر والسافل مِنْهُ قَلِيل وَقد وقفت على ديوانه فى مُجَلد لطيف وَأكْثر فى مدح أهل كوكبان السَّيِّد أَحْمد ابْن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن وأخيه عبد الْقَادِر وإبراهيم وَعِيسَى وَقَلِيل مِنْهُ في غير هَؤُلَاءِ من أَعْيَان كوكبان كأولاد الْأَرْبَعَة الْأُخوة الْمَذْكُورين وَله في مدح مَوْلَانَا الْأَمَام المهدي الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن رَحمَه الله قصائد وَمَعَ طول بَاعه فِي الْأَدَب لَهُ في الْوَعْظ مَسْلَك حسن ويأتى فِيهِ بالرقائق ويستطرد كثيراً من الْأَشْعَار الَّتِى لَهَا موقع في الْقُلُوب ومطابقة في الْمقَام وَكَانَ يجْتَمع عَلَيْهِ بِجَامِع صنعاء جم غفير ولوعظه فِي الْقُلُوب قبُول وَله معرفَة تَامَّة بِعلم الآلة والْحَدِيث وَالتَّفْسِير وَالْأَدب وَفِيه ميل إِلَى الطَّرِيقَة وتشبه بِأَهْلِهَا وَله في حسن المحاضرة وحلاوة المفاكهة وملاحة النادرة وإملاء غرائب الْأَخْبَار والأشعار مَا لَيْسَ لغيره فَهُوَ لَا يمل جليسه وَقد وَفد إليّ مَرَّات مُتعَدِّدَة وَجرى بيني وَبَينه من المطارحات الأدبية والمسائل العلمية مَا لَا يأتي عَلَيْهِ الْحصْر وَلَا أقدم عَلَيْهِ فِي جودة الشّعْر أحدا مِمَّن أَدْرَكته من أهل الْعَصْر وشعره مَشْهُور بأيدي النَّاس وَلَهُم إليه رَغْبَة كَامِلَة وَهُوَ حقيق بِذَاكَ فإنه جَامع بَين الجزالة والجودة وَحسن السبك وَقُوَّة الْمعَانى وَكَثِيرًا مَا يمشي فِي شعره على نمط الْعَرَب ويتشبه بهم وينتحي طريقهم من غرر شعره قصيدته الَّتِى يَقُول فِيهَا (بُلُوغ المنى وصل الْأَحِبَّة فَاعْلَم ... وَلم تلْتَفت عَن مغنمٍ خوف مغرم) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 (وَمن حاول الْأَمر الْمحَال بعزمه ... ينله وَمن يعجز عَن الحزم يحرم) (معاهد أنس من أراكة أسلم ... أصخت لَهَا أذني فَلم تَتَكَلَّم) (دعتنى فلباها فؤادى وأدمع ... سقى وادييها مثل صوب مثجم) (أسائلها عَن أَهلهَا فتجيبني ... فأصغي وَلَكِن الصدى صَوت أعجم) (وَمَا الْعِزّ إِلَّا فَوق كل مطهم ... من الجرد مابين الخميسين أدهم) (من الصخر إِلَّا أَنه فَوق أَربع ... من الهوج قد شدّت بِخلق مطهم) (إِذا قلت من حرّ الهجير بظلّه ... فَقل أَنا ضاح تَحت ظل المقلم) (وَخير النُّفُوس السايلات على القنا ... وَخير المنايا تَحت أَزْرَق سلجم) وَمن قصائده الطنانة القصيدة الَّتِى مطْلعهَا (وعدت بوصل عميدها بشر ... صدقت وَمَا صدق المنى صَبر) وَكم لَهُ من قصائد فرائد وَهُوَ الْآن فى الحيوة إِلَّا أَنه قد ضعف عَن الْحَرَكَة بِسَبَب فالج أَصَابَهُ وَلَعَلَّه قد جَاوز السّبْعين وَمَات يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن محرم سنة 1214 أَربع عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَألف بِصَنْعَاء (30) أَحْمد بن حُسَيْن بن حسن بن على بن يُوسُف ابْن علي بن أرسلان بِالْهَمْزَةِ وَقد تحذف في الْأَكْثَر بل هُوَ الذي عَلَيْهِ الْأَلْسِنَة الشهَاب أَبُو الْعَبَّاس الرملى الشافعي نزيل بَيت الْمُقَدّس وَيعرف بِابْن رسْلَان ولد فِي سنة 773 ثَلَاث وَسبعين وَسَبْعمائة وَقيل في سنة 775 خمس وَسبعين وَسَبْعمائة برملة وَنَشَأ بهَا لم يعلم لَهُ صبوة فحفظ الْقُرْآن وَله نَحْو عشر سِنِين وَكَانَ فِي الِابْتِدَاء يشْتَغل بالنحو واللغة والشواهد وَالنّظم وَقَرَأَ الحاوي على القلقشندي وَابْن الهائم وَأخذ عَنهُ الْفَرَائِض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 والحساب وَولى تدريس الخاصكية ودرس بهَا مُدَّة ثمَّ تَركهَا وَأَقْبل على الله وعَلى الاشتغال تَبَرعا وعَلى التصوف وَجلسَ في الْخلْوَة مُدَّة لَا يكلم أحداً وَأخذ عَن جمَاعَة من أهل الطَّرِيقَة وَسمع من جمَاعَة فِي الحَدِيث وَغَيره حَتَّى صَار إِمَامًا فِي الْفِقْه وأصوله والعربية مشاركاً في الحَدِيث وَالتَّفْسِير وَالْكَلَام وَغير ذَلِك مَعَ حرصه على سَائِر أَنْوَاع الطَّاعَات من صَلَاة وَصِيَام وتهجد ومرابطة بِحَيْثُ لم تكن تَخْلُو سنة من سنيه عَن إِقَامَة على جَانب الْبَحْر قَائِما بِالدُّعَاءِ إِلَى الله سراً وجهراً آخذاً على أيدي الظلمَة مؤثراً محبَّة الخمول والشغف بِعَدَمِ الظُّهُور تَارِكًا لقبُول مَا يعرض عَلَيْهِ من الدُّنْيَا ووظائفها حَتَّى أَن الْأَمِير حسام الدَّين حسن جدد بالقدس مدرسة وَعرض عَلَيْهِ مشيختها وقررله فِيهَا كل يَوْم عشرَة دَرَاهِم فضَّة فَأبى بل كَانَ يمْتَنع من أَخذ مَا يُرْسل بِهِ هُوَ وَغَيره إليه من المَال ليفرقه على الْفُقَرَاء وَرُبمَا أَمر صَاحبه بتعاطي تفرقته بِنَفسِهِ وَله مُحَافظَة على الْأَذْكَار والأوراد وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ والنهي عَن الْمُنكر معرضاً عَن الدُّنْيَا وبنيها جملَة حَتَّى أَنه لما سَافر الْأَشْرَف إِلَى آمد هرب من الرملة إِلَى الْقُدس في ذَهَابه وإيابه لِئَلَّا يجْتَمع بِهِ وَمَا زَالَ فى ازدياد من الْخَيْر وَالْعلم حَتَّى صَار الْمشَار إليه بالزهد فِي تِلْكَ النواحى وَقصد للزيارة من سائرالآفاق وَكَثُرت تلامذته ومريدوه وتهذب بِهِ جمَاعَة وعادت على النَّاس بركته قَالَ السخاوي وَهُوَ في الزّهْد والورع والتقشّف وَاتِّبَاع السنّة وَصِحَّة العقيدة كلمة إجماع بِحَيْثُ لَا أعلم فِي وقته من يدانيه في ذَلِك وانتشر ذكره وَبعد صيته وَشهد بخيره كل من رَآهُ انْتهى وَقَالَ ابْن أَبى عذيبة وَكَانَ شَيخا طَويلا تعلوه صفرَة حسن المأكل والملبس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 والملتقى لَهُ مكاشفات ودعوات مستجابات وَلما اجْتمع مَعَ الْعَلَاء البخاري الآتي ذكره إِن شَاءَ الله وَذَلِكَ في ضِيَافَة عِنْد ابْن أَبى الْوَفَاء بَالغ الْعَلَاء فِي تَعْظِيمه بِحَيْثُ أَنه بعد الْفَرَاغ من الْأكل بَادر يصب المَاء على يَدَيْهِ ورام الشَّيْخ فعل ذَلِك مَعَه فَمَا مكنه وَصرح بِأَنَّهُ لم ير مثله واجتمعا اجتماعاً آخر عِنْد قدوم الْعَلَاء البخاري إِلَى الْقُدس فإنه اجْتمع بِهِ ثَلَاث مَرَّات الأولى جَاءَ إليه مُسلما وجلسا ساكتين فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ ابْن أَبى الْوَفَاء يَا سيدي هَذَا ابْن رسْلَان فَقَالَ اعرف ثمَّ قَرَأَ الْفَاتِحَة وتفارقا وَالثَّانيَِة أول يَوْم من رَمَضَان اجْتمعَا وَشرع الْعَلَاء يُقرر أَدِلَّة ثُبُوت رُؤْيَة هِلَال رَمَضَان بِشَاهِد وَيذكر الْخلاف في ذَلِك وَابْن رسْلَان لَا يزِيد على قَوْله نعم وانصرفا ثمَّ أن الْعَلَاء في اللَّيْلَة الْعَاشِرَة سَأَلَ ابْن أَبى الْوَفَاء في الْفطر مَعَ ابْن رسْلَان فَسَأَلَهُ فَامْتنعَ فَلم يزل يلح عَلَيْهِ حَتَّى أجَاب فَلَمَّا أفطر أحضر خَادِم الْعَلَاء الطشت والإبريق بَين يدي الْعَلَاء فَحمل الْعَلَاء الطشت بيدَيْهِ مَعًا وَوَضعه بَين يدي ابْن رسْلَان وَأخذ الإبريق من الْخَادِم وصب عَلَيْهِ حَتَّى غسل وَلم يحلف عَلَيْهِ حَتَّى وَلَا تشوش وَلَا توجه لفعل نَظِير مَا فعله الْعَلَاء مَعَه غير أَنه لما فرغ الْعَلَاء من الصب عَلَيْهِ دَعَا لَهُ بالمغفرة فشرع يُؤمن على دُعَائِهِ ويبكي وَله مصنفات مِنْهَا في التَّفْسِير قطع مُتَفَرِّقَة وَشَرحه لسنن أَبى دَاوُد وَهُوَ في أحد عشر مجلداً وَشرع في شرح البخاري وَوصل فِيهِ إِلَى آخر الْحَج في ثَلَاثَة مجلدات وَشرح جمع الْجَوَامِع في مُجَلد ومنهاج البيضاوي في مجلدين ومختصر ابْن الْحَاجِب وَله غير ذَلِك مِمَّا يكثر تعداده وَله نظم في أَنْوَاع من الْعلم كالمنظومة فى الثَّلَاث القرا آتٍ الزَّائِدَة على السَّبع وفي الثَّلَاث الزَّائِدَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 على الْعشْر وَمَا زَالَ رَحمَه الله على وَصفه الْجَمِيل حَتَّى مَاتَ في يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشر شعْبَان سنة 844 أَربع وَأَرْبَعين وثمان مائَة وَحكى السخاوي فِي الضَّوْء اللامع أَنه قيل لما الْحَد سَمعه الحفّار يَقُول ربِّ أنزلني منزلاً مُبَارَكًا وَأَنت خير المنزلين وَرَآهُ حُسَيْن الكردي أحد الصَّالِحين بعد مَوته فَقَالَ لَهُ مَا فعل الله بك قَالَ أوقفني بَين يَدَيْهِ وَقَالَ يَا أَحْمد أَعطيتك الْعلم فَمَا عملت بِهِ قَالَ عَلمته وعملت بِهِ فَقَالَ صدقت يَا أَحْمد تمنَّ عليَّ فَقلت تغْفر لمن صلى عليَّ فَقَالَ قد غفرت لمن صلى عَلَيْك وَحضر جنازتك وَلم يلبث الرائي أَن مَاتَ (31) أَحْمد بن الْحُسَيْن الرقيحي نِسْبَة إِلَى الرقيح بِضَم الرَّاء وَفتح الْقَاف وَسُكُون الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة بعْدهَا مُهْملَة وَهُوَ بَلْدَة من أَعمال يحصب ثمَّ الصنعاني الأديب صَاحب المقطعات الفائقة الرائقة وَكَانَ يتعيش بالصباغة فَلَا تزَال كَفه سَوْدَاء كأكف الصباغين فعوتب على ذَلِك فَقَالَ (الْمجد في الْعلم والكف المسود من ... فن الصباغة لَا في صُحْبَة الدول) (فَمَا سعيت إلى هَذَا وَذَاكَ مَعًا ... إلا لأجمع بَين الْعلم وَالْعَمَل) وَمن مقطعاته (قد بلغت الْكَمَال في كل معنى ... ثمَّ ترجو أَن تسلم الحسادا) (أَنْت أمرضتهم فَدَعْهُمْ فَمن حق لئيم الطباع أَن لَا يعادا) وَله (هَذِه الأطماع رِجْس وَبهَا ... سل إِذا مَا شِئْت أَرْبَاب الْوَرع) (فاصرف الراحات عَن إمساكها ... إِنَّمَا الرَّاحَة في ترك الطمع) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 وَمن شعره (أفدي الَّذِي صلى بميدانه ... ثمَّ تَلا التَّسْلِيم بِالْوَاجِبِ) (قلت وَقد كلمني طرفه ... لَا يتبع الْمسنون بِالْوَاجِبِ) وَله (أَرَاك جهلت أصُول الرِّجَال ... فأنعمت يَا عَمْرو في سكرها) (وَلَكِن من بعد بالاختبار ... ستعرف مَا الحلو من مرّها) (فسل عَن معادنها عَارِفًا ... يبين لَك الصفر من تبرها) (فإن الصداقة محتاجة ... إلى عَارِف بانتها أمرهَا) وَكَانَت وَفَاته آخر دولة الْأَمَام الْمَنْصُور بِاللَّه الْحُسَيْن بن الْقَاسِم رَحمَه الله (32) أَحْمد بن حُسَيْن الْوزان الصّنعاني المولد والمنشأ ولد سنة وَأخذ الْعلم عَن مَشَايِخ الْعَصْر فبرع في الْعُلُوم الآلية ثمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 اشْتغل بِالْحَدِيثِ فَسمع الْكثير مِنْهُ وَهُوَ قوي الْحِفْظ جيد الْفَهم حسن التَّصَوُّر سمع مني سنَن الترمذي وَهُوَ عِنْد تَحْرِير هَذَا يقْرَأ عليّ فِي الْكَشَّاف وحواشيه وَقد صَار مدرساً فِي الْعُلُوم الآلية والكتب الحديثية وَهُوَ من أفراد عُلَمَاء الْعَصْر جمّله الله بِوُجُودِهِ وَله شعر في غَايَة الْجَوْدَة يعجز عَنهُ غَالب أهل الْعَصْر مَعَ طول نفس وَحسن انسجام وَقُوَّة معَان ثمَّ سمع عليَّ بعد هَذَا في الصَّحِيحَيْنِ وَسنَن أَبى دَاوُد وفي كثير من مؤلفاتي وفي الْكَشَّاف والمطول وَغير ذَلِك وَهُوَ إِلَى الْآن مُسْتَمر على السماع عليَّ مَعَ عناية قَوِيَّة وَفهم صَادِق وتصور تَامّ وَمن مشايخه شَيخنَا الْعَلامَة الْقَاسِم بن يحيى الخولاني وَالسَّيِّد الْعَلامَة عبد الله بن مُحَمَّد الْأَمِير وَغَيرهمَا من أَعْلَام الْعَصْر (33) أَحْمد بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عِيسَى ابْن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُسلم الشهَاب المكي الشافعي الْمَعْرُوف بِابْن العليف بِضَم الْعين الْمُهْملَة تَصْغِير علف ولد فِي جُمَادَى الأولى سنة 851 إِحْدَى وَخمسين وثمان مائَة بِمَكَّة وَنَشَأ بهَا فحفظ الْقُرْآن والألفية النحوية وَالْأَرْبَعِينَ النووية وعرضهما وَبَعض الْمِنْهَاج وَسمع بِمَكَّة على التقي ابْن فَهد وَولده النَّجْم والزين عبد الرَّحِيم الآميوطي وأبي الْفضل المرجاني وَيحيى العلمى ولازم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 النُّور الفاكهاني فِي كثير من دروسه الْفِقْهِيَّة والنحوية وَسمع بِالْقَاهِرَةِ على الخضيري والجوجري وَجَمَاعَة ودخلها مرَارًا وَله نظم مَقْبُول وَمِنْه هَذِه القصيدة الطنانة (خُذ جَانب الْعليا ودع مَا ينزل ... فرضى الْبَريَّة غَايَة لَا تدْرك) (وَاجعَل سَبِيل الذل عَنْك بمعزل ... فالعز أحسن مَا بِهِ يتَمَسَّك) (وامنح مودتك الْكِرَام فَرُبمَا ... عز الْكَرِيم وَفَاتَ مَا يسْتَدرك) (وَإِذا بَدَت لَك من عَدو فرْصَة ... فافتك فإن أَخا الْعلَا من يفتك) (ودع الأماني للغبي فإنما ... عقب المنى للْحرّ دَاء منهك) (من يقتضي سَببا بِدُونِ عَزِيمَة ... ضلت مذاهبه وَعز الْمدْرك) (تعست مداراة الْعَدو فإنها ... دَاء تحول بِهِ الجسوم وتوعك) (لَا يدْرك الغايات إِلَّا من لَهُ ... في كل حيّ من عداهُ منسك) (ندب غريق لَا يرام مرحب ... ضرب جزيل في الورى محكك) (ذُو هضبة لَا ترتقي وشكيمة ... عزت يدين لَهُ الألد الأمحك) (لَا فائل عِنْد الحفيظة رَأْيه ... لَكِن بتجريب الزَّمَان محنك) (واركب سَنَام العزفى طلب العلى ... حتام تسكن والنوى تتحرك) (واستفرغ المجهود فى تَحْصِيل مَا ... فِيهِ النُّفُوس تكَاد حبا تهْلك) (وَإِذا نبابك منزل فانبذ بِهِ ... ودع المطية تستقل وتبرك) (وارغب بِنَفْسِك إِن ترى في ساحة ... يشقى بهَا الْحر الْكَرِيم المرمك) (وارحل عَن الأوطان لَا مستعظماً ... خطراً وَلَو عز المدى والمسلك) (فالحر يُنكر ضد مَا يعتاده ... ويميط ثوب الذل عَنهُ ويبتك) (وَإِذا تغشاه الهوان ببلدة ... يَأْبَى الْأَذَى أَو سيم خسفاً يفتك) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 (وَمَتى تنكرت المعارف خلته ... يثنى الْعَنَان عَن الديار ويعنك) وَمِنْهَا (بهراً لنَفس لَا تكون عزيزة ... وَلها الى طرق لمعالى مَسْلَك) (ولواجد سبل الْكِرَام وَلم يزل ... يغضى الجفون عَن القذى ويفنك) (تبت يَد الْأَيَّام تلقى للفتى ... سلماً وتسلبه غَدا مَا يملك) (تبكي اللبيب على تقاعس حَظه ... حينا وتطعمه الرجا فيضحك) وهي قصيدة فريدة طَوِيلَة وَفِي هَذَا الْمِقْدَار دلَالَة على الْبَقِيَّة وَله رد على السيوطي في مُصَنفه الَّذِي سَمَّاهُ الكاوي لدماغ السخاوي فأجاب عَنهُ صَاحب التَّرْجَمَة بمؤلف سَمَّاهُ الهاوي على الكاوي وَألف لسلطان الروم بايزيد عُثْمَان كتاباً سَمَّاهُ الدر المنظوم ومدحه وَغَيره من أمرائه فرتب لَهُ خمسين دِينَارا في كل سنة فتجمل بهَا ومدح صَاحب مَكَّة السَّيِّد بَرَكَات بن مُحَمَّد الْحسنى وَاقْتصر على مدحه فَأتى بِهِ وَقرر لَهُ مبلغاً لبلاغته وَحسن نظمه قَالَ الشَّيْخ جَار الله بن فَهد وَصَارَ متنبي زَمَانه والمشار إليه فِي نظمه مَعَ سُكُون وَقلة حَرَكَة وبقي فِي مَكَّة حَتَّى مَاتَ في ضحى يَوْم الثُّلَاثَاء من ذي الْحجَّة سنة 926 سِتّ وَعشْرين وَتِسْعمِائَة (34) أَحْمد بن رَجَب بن طنبغا الْمجد بن الشهَاب القاهري الشافعي وَيعرف بِابْن المجدي نِسْبَة لجده ولد في الْعشْر الأولى من ذي الْقعدَة سنة 767 سبع وَسِتِّينَ وسبعمائة بِالْقَاهِرَةِ وَنَشَأ بهَا فحفظ الْقُرْآن وَبَعض الْمِنْهَاج ثمَّ جَمِيع الحاوي وألفية النَّحْو وَغير ذَلِك وتفقه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 بالبلقيني وَابْن الملقن والكمال الدميري والشرف مُوسَى بن البابا وَبِه انْتفع في الحاوي لمزيد تقدمه فِيهِ وَالشَّمْس العراقي وَعنهُ أَخذ الْفَرَائِض وَغَيرهَا وَكَذَا أَخذ الْفَرَائِض والحساب عَن التقي بن عز الدَّين الجنبلى والعربية عَن الشَّمْس العجيمي وجد فِي الطلب واجتهد وَتقدم فى الْفُنُون مَعَ ذكاء مفرط وأشير إليه بالتقدم وَصَارَ رَأْسا في أَنْوَاع الْحساب والهندسة والهيئة والفرائض وَعلم الْوَقْت بِلَا مُنَازع وَلَا مدافع وانتفع بِهِ الْأَعْيَان ولازموه فِي فنونه وصنف التصانيف المفيدة مِنْهَا إبراز لطائف الغوامض فِي إحراز صناعَة الْفَرَائِض وَشرح الجعبرية والرسالة الْكُبْرَى وهي سِتُّونَ بَابا لشيخه المارواني وَشرح أيضاً تَلْخِيص ابْن الْبناء في الْحساب وَهُوَ عَظِيم الْفَائِدَة وَله إرشاد الحائر فِي الْعَمَل بِربع الدَّوَائِر وَالْقَوْل الْمُفِيد فِي جَامع الْأُصُول والمواليد والمنهل العذب الزلَال فِي معرفَة حِسَاب الْهلَال والفصول فى الْعَمَل بالمقنطرات والرسالة فى الْعَمَل بالجيب والضوء اللائح في وضع الخطوط على الصفائح ورسالة في الربع الْمسير وَأُخْرَى في الربع الهلالي وكراسة في معرفَة الأوساط وَأُخْرَى فِي اسْتِخْرَاج التواريخ بَعْضهَا من بعض وَغير ذَلِك من التصانيف المفيدة كل ذَلِك مَعَ التَّوَاضُع والأمانة والسكون والسمت الْحسن وإيراد النُّكْتَة والنادرة والطرف والانجماع عَن النَّاس بمنزله المجاور للأزهر والاستغناء عَنْهُم بإقطاع بِيَدِهِ وَكَانَ يبرُّ الطّلبَة والفقراء ودرّس في الْمدرسَة الجانبكية وَمِمَّا حكي عَنهُ أَنه صعد القلعة للاجتماع بِالْملكِ الْأَشْرَف في قَضِيَّة ضَاقَ بهَا صدره فَمَا تيَسّر وَرجع وَقد تزايد كربه فاتفق أَنه دخل مدرسة قريبَة من القلعة فَتَوَضَّأ وَصلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 رَكْعَتَيْنِ وَرفع رَأسه فَوجدَ بِجَانِب مِحْرَابهَا مَكْتُوبًا (دعها سَمَاوِيَّة تجري على قدر ... لَا تعترضها بِأَمْر مِنْك تنفسد) فَاسْتَبْشَرَ بذلك وآلى إِن قضى أمره أَن ينظمه فِي أَبْيَات فَلم يشْعر إِلَّا وَقد جَاءَ قَاصد السُّلْطَان يَطْلُبهُ وَحصل الْغَرَض فَقَالَ (فَقلت للقلب لما ضَاقَ مضطرباً ... وخانني الصَّبْر والتفريط وَالْجَلد) (دعها سَمَاوِيَّة تجري على قدر ... لَا تعترضها بِأَمْر مِنْك تنفسد) (فخفنى بخفيَّ اللطف خالقنا ... نعم الْوَكِيل وَنعم العون والمدد) وَمَا زَالَ مستمراً على حَاله الْجَمِيل حَتَّى مَاتَ لَيْلَة السبت حادي عشر ذي الْقعدَة سنة 850 خمسين وثمان مائَة وَلم يخلف بعده في فنونه مثله 35 - أَحْمد بن سعد الدَّين بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن علي بن غَانِم بن يُوسُف ابْن الهادي بن علي بن عبد الْعَزِيز بن عبد الْوَاحِد بن عبد الحميد الْأَصْغَر ابْن عبد الحميد الْأَكْبَر المسورى الزيدى القاضى الْفَاضِل المترسل البليغ المنشئ الْعَارِف شَارك في الْفُنُون وتميَّز فِي كثير مِنْهَا وحرر رسائل وفتاوى واتصل في أول عمره بالإمام الْقَاسِم بن مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام وَأخذ عَنهُ وَكتب لَدَيْهِ وَكَانَ يؤثره ثمَّ اتَّصل بعد ذَلِك بولده الإمام الْمُؤَيد بِاللَّه فارتفعت دَرَجَته لَدَيْهِ وَصَارَ أَكثر الْأُمُور مَنُوطًا بِهِ وَلم يكن لغيره مَعَه كَلَام ثمَّ اتَّصل بعد موت الْمُؤَيد بِاللَّه بأَخيه الإمام المتَوَكل على الله وشارك في أُمُور وَنقص حَظه قَلِيلا بِسَبَب أَنه بَادر إلى مبايعة أَحْمد بن الإمام الْقَاسِم عِنْد موت الْمُؤَيد ثمَّ لم تتم تِلْكَ الْبيعَة وَتمّ الْأَمر للمتوكل على الله ومازال على جلالته وفخامته حَتَّى مَاتَ يَوْم الثُّلَاثَاء سادس عشر شهر محرم سنة 1079 تسع الحديث: 35 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 وَسبعين وَألف وقبر بجوار قبر الْأَمَام الْقَاسِم بن مُحَمَّد وَولده الْمُؤَيد وَقد تَرْجمهُ تِلْمِيذه القاضي احْمَد بن صَالح بن أَبى الرِّجَال في مطلع البدور تَرْجَمَة نفيسة وأطال الثَّنَاء عَلَيْهِ وَوَصفه بأوصاف فخيمة وَله شهرة كَبِيرَة بالديار اليمنية الى الآن وَلَعَلَّ ذَلِك بِسَبَب متاخمته للأئمة وارتفاع حَظه في تِلْكَ الدولة ومشيه في جَمِيع مُبَاشَرَته على طَريقَة الْعلمَاء (36) أَحْمد بن صَالح بن أَبى الرِّجَال وَصَالح هُوَ ابْن مُحَمَّد بن علي بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن مُحَمَّد ابْن أَحْمد بن عبد الله بن أَحْمد بن سُلَيْمَان بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن علي بن الْحسن الْمَعْرُوف بأبي الرِّجَال بن سرح بن يحيى بن عبد الرَّحْمَن ابْن عبد الله بن أَبى حَفْص عمر بن الْخطاب الْخَلِيفَة الصحابى ولد فى لَيْلَة الْجُمُعَة من شهر شعْبَان سنة 1029 تسع وَعشْرين وَألف في جِهَات الأهنوم وَأخذ عَن جمَاعَة من أَعْيَان الْعلمَاء مِنْهُم الإمام الْمُؤَيد بِاللَّه مُحَمَّد بن الْقَاسِم بن مُحَمَّد وَالسَّيِّد إبراهيم بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عز الدَّين المؤيدي وَالسَّيِّد عز الدَّين بن دريب وَالسَّيِّد الرئيس مُحَمَّد بن الْحسن بن الإمام الْقَاسِم والقاضي أَحْمد بن سعد الدَّين الْمَذْكُور قبله والقاضي إبراهيم بن يحيى السحولي وَجَمَاعَة غير هَؤُلَاءِ وَأَجَازَ لَهُ جمَاعَة وَآخَرُونَ وبرع فِي كثير من المعارف وَهُوَ صَاحب مطلع البدور وَمجمع البحور ترْجم فِيهِ لأعيان الزيدية فجَاء كتاباً حافلاً وَلَوْلَا كَمَال عنايته واتساع اطِّلَاعه لما تيَسّر لَهُ جمع ذَلِك الْكتاب لِأَن الزبدية مَعَ كَثْرَة فضلائهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 وَوُجُود أَعْيَان مِنْهُم فِي كل مكرمَة على تعاقب الْأَعْصَار لَهُم عناية كَامِلَة ورغبة وافرة في دفن محَاسِن أكابرهم وطمس آثَار مفاخرهم فَلَا يرفعون إلى مَا يصدر عَن أعيانهم من نظم أَو نثر أَو تصنيف رَأْسا وَهَذَا مَعَ توفر رغباتهم إلى الِاطِّلَاع على مَا يصدر من غَيرهم والاشتغال الْكَامِل بِمَعْرِِفَة أَحْوَال سَائِر الطوائف والإكباب على كتبهمْ التاريخية وَغَيرهَا وإني لأكْثر التَّعَجُّب من اخْتِصَاص الْمَذْكُورين بِهَذِهِ الْخصْلَة الَّتِى كَانَت سَببا لدفن سابقهم ولاحقهم وغمط رفيع قدر عالمهم وفاضلهم وشاعرهم وَسَائِر أكابرهم وَلِهَذَا أهملهم المصنفون في التَّارِيخ على الْعُمُوم كمن يترجم لأهل قرن من الْقُرُون أَو عصر من العصور وَإِن ذكرُوا النَّادِر مِنْهُم ترجموه تَرْجَمَة مغسولة عَن الْفَائِدَة عاطلة عَن بعض مَا يسْتَحقّهُ لَيْسَ فِيهَا ذكر مولد وَلَا وَفَاة وَلَا شُيُوخ وَلَا مسموعات وَلَا مقروءات وَلَا أشعار وَلَا أَخْبَار لِأَن الَّذين ينقلون أَحْوَال الشَّخْص إِلَى غَيره هم معارفه وَأهل بَلَده فإذا أهملوه أهمله غَيرهم وجهلوا أمره وَمن هَذِه الْحَيْثِيَّة تجدني في هَذَا الْكتاب إِذا ترجمت أحداً مِنْهُم لم أدر مَا أَقُول لِأَن أهل عصره أهملوه فَلم يبْق لَدَى من بعدهمْ إِلَّا مُجَرّد أَنه فلَان بن فلَان لَا يدري مَتى ولد وَلَا فِي أَي وَقت مَاتَ وَمَا صنع فِي حَيَاته فَمن عرف مَا ذَكرْنَاهُ علم أَن المترجم لَهُ رَحمَه الله قد أَجَاد في ذَلِك الْكتاب فِي كثير من التراجم وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة من الْعلمَاء المشاركين فى فنون عدَّة وَله أبحاث ورسائل وقفت عَلَيْهَا وهي نفيسة ممتعة ونظمه ونثره في رُتْبَة متوسطة وَتوفى لَيْلَة الثُّلَاثَاء لَعَلَّه خَامِس ربيع الأول سنة 1092 اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَألف ورثاه جمَاعَة من الْفُضَلَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 بمراثٍ وَقد ذكر في تَارِيخه شَيْئا كثيراً من شعره مفرقا في تراجم شُيُوخه وَغَيرهم (37) القاضي أَحْمد بن صَالح بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن صَالح الْمَذْكُور قبله الْمَعْرُوف بِابْن أَبى الرِّجَال الصَّنعاني ولد يَوْم السبت خَامِس شهر محرم سنة 1140 أَرْبَعِينَ وَمِائَة وَألف وَنَشَأ بِصَنْعَاء فَقَرَأَ على جمَاعَة من أعيانها مِنْهُم القاضي الْعَلامَة أَحْمد ابْن زيد الهبل وَالسَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن إسماعيل الْأَمِير وَالسَّيِّد الْعَلامَة محسن بن اسماعيل الشامى وَالسَّيِّد عبد الله بن أَحْمد بن اسحاق ابْن المهدى وَالسَّيِّد الْعَلامَة إسماعيل بن مُحَمَّد بن إسحاق بن المهدي وَالسَّيِّد يُوسُف العجمي وَالسَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن زيد بن مُحَمَّد بن الْحسن بن الإمام الْقَاسِم وبرع في جَمِيع المعارف وَهُوَ شيخ مَشَايِخنَا وَله يَد طولى في النَّحْو وَالصرْف والمعاني وَالْبَيَان والأصول وَالتَّفْسِير ومشاركة فِيمَا عدا ذَلِك وَقد عكف عَلَيْهِ جمَاعَة من الْأَعْيَان وَأخذُوا عَنهُ في فنون مُتعَدِّدَة وتخرجوا بِهِ وصاروا أَعْيَان عصرهم فَمنهمْ شَيخنَا الْعَلامَة الْحسن بن إسماعيل المغربي رَحمَه الله وَمِنْهُم شَيخنَا الْعَلامَة الْقَاسِم بن يحيى الخولاني وَمِنْهُم سيخنا الْعَلامَة عبد الله بن الْحسن بن علي الْأَبْيَض وَمِنْهُم شَيخنَا الْعَلامَة على ابْن هادي عرهب وَالسَّيِّد الْعَلامَة إسماعيل الْمُفْتى وسيأتي ذكرهم انشاء الله تَعَالَى وَقد اتَّصل المترجم لَهُ بالإمام المهدي الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن رَحمَه الله ليقرئ أَوْلَاده فِيمَا يَحْتَاجُونَ إليه من الْعلم ثمَّ ارْتَفَعت دَرَجَته عِنْد الإمام وَكَانَ يجالسه ويحادثه وَيَأْخُذ عَنهُ من فَوَائده وأركبه الْخَيل واختصه وَرفع مَنْزِلَته حَتَّى كَانَ تَارَة بِمَنْزِلَة الْوَزير وَأُخْرَى بِمَنْزِلَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 المشير وَمَعَ ذَلِك فَلم يَنْقَطِع عَن نشر الْعلم بِحَسب الطَّاقَة وَلم يزل على حَاله الْجَمِيل حَتَّى مَاتَ سنة 1191 إحدى وَتِسْعين وَمِائَة وَألف وَله حواش على شرح الْغَايَة والكشاف وحواشيه مفيدة جدّاً في غَايَة من الدقة وَالتَّحْقِيق نقلهَا عَنهُ شَيخنَا المغربي الْمُتَقَدّم في كتبه 38 - السَّيِّد أَحْمد بن صَلَاح بن يحيى الْخَطِيب الكوكباني ثمَّ الصّنعاني أَخذ الْعلم عَن السَّيِّد الْعَلامَة إسحق بن إبراهيم بن المهدي وَبِه تخرج وَعَلِيهِ عوّل وبرع فِي المعارف وَجمع رسائل مِنْهَا رِسَالَة في كَون الفرجين من أَعْضَاء الْوضُوء سَمَّاهَا الرياض الندية وَقد أجبْت عَلَيْهِ برسالة سميتها الصوارم الْهِنْدِيَّة المسلولة على الرياض الندية وَمِنْهَا رِسَالَة أجَاب بهَا على رِسَالَة السَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن إسماعيل الأمير جمعهَا فِي مسَائِل ثَمَان وَمِنْهَا رِسَالَة فِي تَحْرِيم الْمُتْعَة وَحصل مَعَه خفَّة فِي الدِّمَاغ فَكَانَ يتَرَدَّد مَا بَين صنعاء وشبام ثمَّ تراجع عقله وتصوّف وَمَال إليه جمَاعَة من النَّاس وأخبروا عَنهُ بمكاشفات وأحوال وابتلى آخر الْمدَّة بذهاب بَصَره وَلَعَلَّ مَوته على رَأس الْقرن الثاني عشر أَو قبله بِقَلِيل (39) أَحْمد بن عَامر الحدائى ثمَّ الصّنعاني أَخذ علم الْفِقْه والفرائض بِصَنْعَاء عَن جمَاعَة من علمائها وتصدّر للتدريس فِي الفنين بِجَامِع صنعاء واستفاد عَلَيْهِ جمَاعَة من الْأَعْيَان وَكَانَ في لِسَانه ثقل لَا يكَاد يعرف عِبَارَته ويفهمها إلا من مارس ذَلِك الحديث: 38 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 وَكَانَ زاهداً متقللاً من الدُّنْيَا مواظباً على الطَّاعَات آمراً بِالْمَعْرُوفِ ناهياً عَن الْمُنكر يغْضب إِذا بلغه مَا يُخَالف الشَّرْع وَفِيه سَلامَة صدر زَائِدَة قَرَأت عَلَيْهِ في الأزهار وَشَرحه مرَّتَيْنِ وفي الْفَرَائِض وَشَرحهَا للناظري مَرَّات وَكَانَ مواظباً على التدريس لَا يمنعهُ مِنْهُ مَانع فإنه يَقع الْمَطَر الْعَظِيم الَّذِي يمْنَع من خُرُوج من هُوَ في سن الشَّبَاب فَلَا يكون ذَلِك عذراً لَدَى صَاحب التَّرْجَمَة لرغبته فِي الْخَيْر وحرصه على إفادة الطّلبَة وَلَقَد اسْتمرّ انصباب الْمَطَر في بعض السنين من قبل الْفجْر إلى قريب وَقت الظّهْر وَكَانَ مَعنا درس عَلَيْهِ وَقت الشروق فَمَا تركت الذهاب إلى الْجَامِع لعلمي بَان مثل ذَلِك لَا يمنعهُ مَعَ علو سنه فانتظرت لَهُ فِي الْمَكَان الْمعد للدرس فَلم يأت هُوَ وَلَا أحد من الطّلبَة وهم كَثِيرُونَ فجَاء الْيَوْم الثاني وَقَالَ لي هَل أتيت إلى هُنَا قلت نعم قَالَ لَو علمت أَنَّك أتيت مَا اخْتلفت ثمَّ تأسف كثيرا على فَوت الدَّرْس وَمَا زَالَ كَذَلِك حَتَّى مَاتَ في شهر رَجَب أَو شعْبَان سنة 1197 سبع وَتِسْعين وَمِائَة وَألف وَلَعَلَّه قد جَاوز السّبْعين ورثيته بِأَبْيَات غَابَتْ عَنى وَذكرت فِيهَا تَارِيخ مَوته وَهُوَ حط بجنات الخلود أَحْمد رَحمَه الله وإياي (40) أَحْمد بن عبد الْحَلِيم بن عبد السَّلَام بن عبد الله بن الْقَاسِم بن تَيْمِية الحرّاني الدمشقي الحنبلي تقي الدَّين أَبُو الْعَبَّاس شيخ الإسلام إمام الْأَئِمَّة الْمُجْتَهد الْمُطلق ولد سنة 661 إحدى وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وتحول بِهِ أَبوهُ من حران سنة 667 سبع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة فَسمع من ابْن عبد الدايم وَالقَاسِم الأريلى وَالْمُسلم ابْن عَلان وَابْن أَبى نمر وَالْفَخْر وَمن آخَرين قَالَ ابْن حجر فِي الدُّرَر وَقَرَأَ بِنَفسِهِ وَنسخ سنَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 أَبى دَاوُد وَحصل الْأَجْزَاء وَنظر في الرِّجَال والعلل وتفقه وتمهّر وَتقدم وصنّف ودرس وَأفْتى وفَاق الأقران وَصَارَ عجباً في سرعَة الاستحضار وَقُوَّة الْجنان والتوسع فى الْمَنْقُول والمقعول والاطلاع على مَذَاهِب السلف وَالْخلف انْتهى وَأَقُول أَنا لَا أعلم بعد ابْن حزم مثله وَمَا أَظُنهُ سمح الزَّمَان مَا بَين عصر الرجلَيْن بِمن شابههما أَو يقاربهما قَالَ الذهبي مَا ملخصه كَانَ يقْضى مِنْهُ الْعجب إِذا ذكر مَسْأَلَة من مسَائِل الْخلاف الَّتِى يوردها مِنْهُ وَلَا أَشد استحضاراً للمتون وعزوها مِنْهُ وَكَانَت السنة نصب عَيْنَيْهِ وعَلى طرف لِسَانه بِعِبَارَة رشيقة وَكَانَ آية من آيَات الله في التَّفْسِير والتوسع فِيهِ وَأما أصُول الدّيانَة وَمَعْرِفَة أَقْوَال الْمُخَالفين فَكَانَ لَا يشق غباره فِيهِ هَذَا مَعَ مَا كَانَ عَلَيْهِ من الْكَرم والشجاعة والفراغ عَن ملاذ النَّفس وَلَعَلَّ فَتَاوِيهِ في الْفُنُون تبلغ ثَلَاثمِائَة مُجَلد بل أَكثر وَكَانَ قوالاً بِالْحَقِّ لَا تَأْخُذهُ بِاللَّه لومة لائم ثمَّ قَالَ وَمن خالطه وعرفه قد ينسبني إِلَى التَّقْصِير فِيهِ وَمن نابذه وَخَالفهُ قد ينسبني إِلَى التغالي فِيهِ وَقد أوذيت من الْفَرِيقَيْنِ من أَصْحَابه وأضداده وَكَانَ أَبيض اسود الرَّأْس واللحية قَلِيل الشيب شعره إِلَى شحمة أُذُنَيْهِ كَأَن عَيْنَيْهِ لسانان ناطقان ربعَة من الرِّجَال بعيد مَا بَين الْمَنْكِبَيْنِ جهوريّ الصَّوْت فصيحاً سريع الْقِرَاءَة تعتريه حِدة لَكِن يقهرها بالحلم قَالَ وَلم أرمثله في ابتهاله واستعانته بِاللَّه وَكَثْرَة توجهه وَأَنا لَا أعتقد فِيهِ عصمَة بل أَنا مُخَالف لَهُ في مسَائِل أَصْلِيَّة وفرعية فَأَنَّهُ كَانَ مَعَ سَعَة علمه وفرط شجاعته وسيلان ذهنه وتعظيمه لحرمات الدَّين بشراً من الْبشر تعتريه حِدة فِي الْبَحْث وَغَضب وصدمة للخصوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 تزرع لَهُ عَدَاوَة فى النُّفُوس وَلَولَا ذَلِك لَكَانَ كلمة إجماع فإن كبارهم خاضعون لعلومه معترفون بأنه بَحر لَا سَاحل لَهُ وكنز لَيْسَ لَهُ نَظِير وَلَكِن ينقمون عَلَيْهِ أخلاقاً وأفعالاً وكل أحد يُؤْخَذ من قَوْله وَيتْرك قَالَ وَكَانَ محافظاً على الصَّلَاة وَالصَّوْم مُعظما للشرائع ظَاهرا وَبَاطنا لَا يُؤْتى من سوء فهم فإن لَهُ الذكاء المفرط وَلَا من قلَّة علم فإنه بَحر زاخر وَلَا كَانَ متلاعباً بِالدّينِ وَلَا ينْفَرد بمسائل بالتشّهي وَلَا يُطلق لِسَانه بِمَا اتفق بل يحْتَج بِالْقُرْآنِ والْحَدِيث وَالْقِيَاس ويبرهن ويناظر أُسْوَة بِمن تقدمه من الْأَئِمَّة فَلهُ أجر على خطأه وأجران على إصابته انْتهى وَمَعَ هَذَا فقد وَقع لَهُ مَعَ أهل عصره قلاقل وزلازل وامتحن مرة بعد أُخْرَى في حَيَاته وَجَرت فتن عديدة وَالنَّاس قِسْمَانِ فِي شَأْنه فبعض مِنْهُم مقصر بِهِ عَن الْمِقْدَار الَّذِي يسْتَحقّهُ بل يرميه بالعظائم وَبَعض آخر يُبَالغ في وَصفه ويجاوز بِهِ الْحَد ويتعصب لَهُ كَمَا يتعصب أهل الْقسم الأول عَلَيْهِ وَهَذِه قَاعِدَة مطردَة في كل عَالم يتبحر في المعارف العلمية ويفوق أهل عصره ويدين بِالْكتاب وَالسّنة فإنه لَا بُد أَن يستنكره المقصرون وَيَقَع لَهُ مَعَهم محنة بعد محنة ثمَّ يكون أمره الْأَعْلَى وَقَوله الأولى وَيصير لَهُ بِتِلْكَ الزلازل لِسَان صدق في الآخرين وَيكون لعلمه حَظّ لَا يكون لغيره وَهَكَذَا حَال هَذَا الإمام فإنه بعد مَوته عرف النَّاس مِقْدَاره واتفقت الألسن بالثناء عَلَيْهِ إلا من لَا يعْتد بِهِ وطارت مصنفاته واشتهرت مقالاته وَأول مَا أنكر عَلَيْهِ أهل عصره فِي شهر ربيع الأول سنة 698 أَنْكَرُوا عَلَيْهِ شيأ من مقالاته فَقَامَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاء وَبَحَثُوا مَعَه وَمنع من الْكَلَام ثمَّ طلب ثاني مرة في سنة 705 إِلَى مصر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 فتعصب عَلَيْهِ بعض أَرْكَان الدولة وَهُوَ بيبرس الجاشنكير وانتصر لَهُ ركن آخر وَهُوَ الْأَمِير سلار ثمَّ آل أمره أَن حبس في خزانَة البنود مُدَّة ثمَّ نقل في صفر سنة 9 إلى الإسكندرية ثمَّ أفرج عَنهُ وأعيد إِلَى الْقَاهِرَة ثمَّ أُعِيد إِلَى الإسكندرية ثمَّ حضر السُّلْطَان النَّاصِر من الكرك فأطلقه وَوصل إلى دمشق في آخر سنة 712 وَكَانَ السَّبَب فِي هَذِه المحنة أَن مرسوم السُّلْطَان ورد على النَّائِب بامتحانه في معتقده لما رفع إليه من أُمُور تنكر في ذَلِك فعقد لَهُ مجْلِس فِي سَابِع رَجَب فَسئلَ عَن عقيدته فأملى مِنْهَا ثمَّ أحضروا العقيدة الَّتِى تعرف بالواسطية فَقَرَأَ مِنْهَا وَبَحَثُوا في مَوَاضِع ثمَّ اجْتَمعُوا في ثاني عشرة وقرروا الصفي الهندي يبْحَث مَعَه ثمَّ أخروه وَقدمُوا الْكَمَال الزملكاني ثمَّ انْفَصل الْأَمر على أَنه أشهد على نَفسه أَنه شافعي المعتقد فأشاع أَتْبَاعه أَنه انتصر فَغَضب خصومه وَرفعُوا وَاحِدًا من أَتبَاع ابْن تَيْمِية إلى الْجلَال القزوينى نَائِب الحكم بالعادلية فعزره وَكَذَا فعل الحنفى بِاثْنَيْنِ مِنْهُم وفى ثاني عشر رَجَب قَرَأَ المزي فصلاً من الْكتاب أَفعَال الْعباد للبخاري في الْجَامِع فَسمع بعض الشَّافِعِيَّة فَغَضب وَقَالَ نَحن المقصودون بِهَذَا ورفعوه إلى القاضي الشافعي فَأمر بحبسه فَبلغ ابْن تَيْمِية فَتوجه إلى الْحَبْس فَأخْرجهُ بِيَدِهِ فَبلغ القاضي فطلع إلى القلعة فوافاه ابْن تَيْمِية فتشاجرا بِحَضْرَة النَّائِب فَأمر النَّائِب من يُنَادى أَن من تكلم فِي العقائد فعل بِهِ كَذَا وَقصد بذلك تسكين الْفِتْنَة ثمَّ عقد لَهُ مجْلِس في سلخ شهر رَجَب وَجرى فِيهِ من ابْن الزملكاني وَابْن الْوَكِيل مباحثة فَقَالَ ابْن الزملكاني لِابْنِ الْوَكِيل مَا جرى على الشَّافِعِيَّة قَلِيل حَيْثُ تكون أَنْت رئيسهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 فَظن القاضي ابْن صصري أَنه يعرض بِهِ فعزل نَفسه ثمَّ وصل بربد من عِنْد السُّلْطَان إلى دمشق أَن يرسلوا بِصُورَة مَا جرى في سنة 698 ثمَّ وصل مَمْلُوك النَّائِب وَأخْبر أَن بيبرس وَالْقَاضِي المالكي قد قاما في الإنكار على ابْن تَيْمِية وَأَن الْأَمر قد اشْتَدَّ على الْحَنَابِلَة حَتَّى صفع بَعضهم ثمَّ توجه القاضي ابْن صصري وَابْن تَيْمِية صُحْبَة الْبَرِيد إلى الْقَاهِرَة ومعهما جمَاعَة فوصلا في الْعشْر الْأَخِيرَة من رَمَضَان وَعقد مجْلِس في ثاني عشرينه بعد صَلَاة الْجُمُعَة فَادّعى على ابْن تَيْمِية عِنْد المالكي فَقَالَ هَذَا عدوى وَلم يجب عَن الدَّعْوَى فكرّر عَلَيْهِ فأصرَّ فَحكم المالكي بحبسه فأقيم من الْمجْلس وَحبس فِي برج ثمَّ بلغ المالكي أَن النَّاس يَتَرَدَّدُونَ إليه فَقَالَ يجب التَّضْيِيق عَلَيْهِ ان لم يقتل والا فقد ثَبت كفره فنقلوه لَيْلَة عيد الْفطر إلى الْجب وَلَقَد أحسن المترجم لَهُ رَحمَه الله بالتصميم على عدم الإجابة عِنْد ذَلِك القاضى الجرئ الْجَاهِل الغبي وَلَو وَقعت مِنْهُ الإجابة لم يبعد الحكم بإراقة دم هَذَا الإمام الَّذِي سمح الزَّمَان بِهِ وَهُوَ بِمثلِهِ بخيل وَلَا سِيمَا هَذَا القَاضِي من الْمَالِكِيَّة الَّذِي يُقَال لَهُ ابْن مخلوف فَإِنَّهُ من شياطينهم المتجرئين على سفك دِمَاء الْمُسلمين بِمُجَرَّد أكاذيب وكلمات لَيْسَ المُرَاد بهَا مَا يحملونها عَلَيْهِ وناهيك بقوله أَن هَذَا الإمام قد اسْتحق الْقَتْل وَثَبت لَدَيْهِ كفره وَلَا يساوي شَعْرَة من شعراته بل لَا يصلح لِأَن يكون شسعاً لنعله وَمَا زَالَ هَذَا القاضى الشَّيْطَان يتطلب الفرص الَّتِى يتَوَصَّل بهَا إلى إِرَاقَة دم هَذَا الإمام فحجبه الله عَنهُ وَحَال بَينه وَبَينه وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين ثمَّ بعد هَذَا نودي بِدِمَشْق أَن من اعْتقد عقيدة ابْن تَيْمِية حلَّ دَمه وَمَاله خُصُوصا الْحَنَابِلَة فنودي بذلك وَقُرِئَ المرسوم قَرَأَهُ ابْن الشهَاب مَحْمُود في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 الْجَامِع ثمَّ جمعُوا الْحَنَابِلَة من الصالحية وَغَيرهَا وَأشْهدُوا على أنفسهم أَنهم على مُعْتَقد الإمام الشافعي وَكَانَ من أعظم القائمين على المترجم لَهُ الشَّيْخ نصر المنبجي لِأَنَّهُ كَانَ بلغ ابْن تَيْمِية أَنه يتعصب لِابْنِ العربي فَكتب إليه كتاباً يعاتبه على ذَلِك فَمَا أعجبه لكَونه بَالغ في الْحَط على ابْن العربي وكفّره فَصَارَ هُوَ يحط على ابْن تَيْمِية ويغرى بيبرس الَّذِي يفرط في محبَّة نصر وتعظيمه وَقَامَ القاضي المالكي الْمُتَقَدّم ذكره مَعَ الشَّيْخ نصر وَبَالغ في أذية الْحَنَابِلَة وَاتفقَ أَن قاضي الْحَنَابِلَة كَانَ قَلِيل البضاعة في الْعلم فبادر إلى إجابتهم في المعتقد واستكتبوا خطه بذلك وَاتفقَ أَن قاضي الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق وَهُوَ شمس الدَّين ابْن الجزرى انتصر لاين تَيْمِية وَكتب في حَقه محضراً بالثناء عَلَيْهِ بِالْعلمِ والفهم وَكتب فِيهِ بِخَطِّهِ ثَلَاثَة عشر سطرا من جُمْلَتهَا أَنه مُنْذُ ثلثمِائة سنة مَا رأى النَّاس مثله فَبلغ ذَلِك ابْن مخلوف فسعى في عزل ابْن الجزري فعزل وَقرر عوضه شمس الدَّين الأذرعى ثمَّ لم يلبث الأذرعي أَن عزل في السنة الْمُقبلَة وتعصّب سلاّر لِابْنِ تيمية وأحضر الْقُضَاة الثَّلَاثَة الشافعي والمالكي والحنفي وَتكلم مَعَهم فِي إخراجه فاتفقوا على أَنهم يشترطون فِيهِ شُرُوطًا وَأَن يرجع عَن بعض العقيدة فأرسلوا إِلَيْهِ مَرَّات فَامْتنعَ من الْحُضُور إليهم وَاسْتمرّ على ذَلِك وَلم يزل ابْن تَيْمِية في الْجب إلى أَن تشفع فِيهِ مهنّا أَمِير آل فضل فَأخْرج في ربيع الأول في الثَّالِث وَالْعِشْرين مِنْهُ وأحضر إِلَى القلعة وَوَقع الْبَحْث مَعَ بعض الْفُقَهَاء فَكتب عَلَيْهِ محْضر بأنه قَالَ أَنا أشعري ثمَّ اجْتمع جمَاعَة من الصُّوفِيَّة عِنْد تَاج الدَّين بن عَطاء فطلعوا في الْعشْر الأوسط من شَوَّال إِلَى القلعة وَشَكوا من ابْن تَيْمِية أَنه يتَكَلَّم فِي حق مَشَايِخ الطَّرِيقَة وَأَنه قَالَ لَا يستغاث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 بالنبى صلى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم فاقتصى الْحَال أَن أَمر بتسييره إلى الشَّام فَتوجه على خيل الْبَرِيد وكل ذَلِك والقاضي زين الدَّين ابْن مخلوف مشتغل بِالْمرضِ وَقد أشرف على الْمَوْت فَبَلغهُ سير ابْن تَيْمِية فراسل النَّائِب فَرده من نابلس وَادّعى عَلَيْهِ عِنْد ابْن جمَاعَة وَشهد عَلَيْهِ شرف الدَّين ابْن الصابونى وَقيل ان عَلَاء الدَّين القونوى شهد عَلَيْهِ أَيْضا فاعتقل بسجن حارة الديلمة في ثامن عشر شَوَّال إلى سلخ شهر صفر سنة 709 فَنقل عَنهُ أَن جمَاعَة يَتَرَدَّدُونَ إليه وَأَنه يتَكَلَّم عَلَيْهِم في نَحْو مَا تقدم فَأمر بنقله إِلَى الإسكندرية فَنقل إليها في سلخ صفر وَكَانَ سَفَره صُحْبَة أَمِير مقدم وَلم يُمكن أحداً من جِهَته من السفر مَعَه وَحبس ببرج شرقي ثمَّ توجه إليه بعض أَصْحَابه فَلم يمنعوا مِنْهُ فتوجهت طَائِفَة مِنْهُم بعد طَائِفَة وَكَانَ مَوْضِعه فسيحاً فَصَارَ النَّاس يدْخلُونَ إليه ويقرأون عَلَيْهِ ويبحثون مَعَه فَلم يزل إِلَى أَن عَاد النَّاصِر إلى السلطنة فشفع فِيهِ عِنْده فَأمر بإحضاره فَاجْتمع بِهِ في ثامن عشر شَوَّال سنة 709 فَأكْرمه وَجمع الْقُضَاة فَأصْلح بَينه وَبَين القاضي المالكى فَاشْترط المالكي أَن لَا يعود فَقَالَ لَهُ السُّلْطَان قد تَابَ وَسكن الْقَاهِرَة وَتردد النَّاس إليه إِلَى أَن توجه صُحْبَة النَّاصِر إِلَى الشَّام بنية الْغَزْو سنة 712 فوصل إِلَى دمشق وَكَانَت غيبته مِنْهَا أَكثر من سبع سِنِين وتلقاه جمع كثير فَرحا بمقدمه وَكَانَت والدته إِذْ ذَاك حَيَّة ثمَّ قَامُوا عَلَيْهِ في شهر رَمَضَان سنة 719 بِسَبَب قَوْله أن الطَّلَاق الثَّلَاث من دون تخَلّل رَجْعَة بِمَنْزِلَة طَلْقَة وَاحِدَة ثمَّ عقد لَهُ مجْلِس آخر في رَجَب سنة 720 ثمَّ حبس بالقلعة ثمَّ أخرج في عَاشُورَاء سنة 721 ثمَّ قَامُوا عَلَيْهِ مرة أُخْرَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 في شعْبَان سنة 722 بِسَبَب مَسْأَلَة الزِّيَارَة واعتقل بالقلعة فَلم يزل بهَا إِلَى أَن مَاتَ في لَيْلَة الِاثْنَيْنِ لعشرين من شهر الْقعدَة سنة 738 بِجَامِع دمشق وَصَارَ يضْرب الْمثل بِكَثْرَة من حضر جنَازَته وَأَقل مَا قيل في عَددهمْ أَنهم خَمْسُونَ ألفاً قَالَ ابْن فضل الله لما قدم ابْن تَيْمِية على الْبَرِيد إلى الْقَاهِرَة فِي سنة 700 حض أهل المملكة على الْجِهَاد وَأَغْلظ القَوْل للسُّلْطَان والأمراء ورتبوا لَهُ كل يَوْم دِينَارا وَطَعَامًا فَلم يقبل ذَلِك ثمَّ قَالَ حضر عِنْده شَيخنَا أَبُو حَيَّان فَقَالَ مَا رَأَتْ عيناي مثل هَذَا الرجل ومدحه بِأَبْيَات ذكر أَنه نظمها بديهة مِنْهَا (لما أَتَانَا تقي الدَّين لَاحَ لنا ... دَاع إلى الله فَرد مَاله وزرُ) (على محياه سيماء الأولى صحبوا ... خير الْبَريَّة نور دونه الْقَمَر) قَالَ ثمَّ دَار بَينهمَا كَلَام فَجرى ذكر سِيبَوَيْهٍ فَأَغْلَظ ابْن تَيْمِية القَوْل في سِيبَوَيْهٍ فنافره أَبُو حَيَّان وقطعه وصير ذَلِك ذَنبا لَا يغْفر وَسُئِلَ عَن السَّبَب فَقَالَ ناظرته فى شئ من الْعَرَبيَّة فَذكرت لَهُ كَلَام سِيبَوَيْهٍ فَقَالَ مَا كَانَ سِيبَوَيْهٍ نبيّ النَّحْو وَلَا كَانَ مَعْصُوما بل أَخطَأ فِي الْكتاب في ثَمَانِينَ موضعاً مَا تفهمها أَنْت فَكَانَ ذَلِك سَبَب مقاطعته إِيَّاه وَذكره في تَفْسِيره الْبَحْر بِكُل سوء وَكَذَلِكَ في مُخْتَصره النَّهر وَقد ترْجم لَهُ جمَاعَة وبالغوا في الثَّنَاء عَلَيْهِ ورثاه كثير من الشُّعَرَاء وَقَالَ جمال الدَّين السرمدي فِي أَمَالِيهِ وَمن عجائب زَمَاننَا في الْحِفْظ ابْن تيميه كَانَ يمر بِالْكتاب مرّة مطالعة فينقش في ذهنه وينقله في مصنفاته بِلَفْظِهِ وَمَعْنَاهُ وَحكى بَعضهم عَنهُ أَنه قَالَ من سألني مستفيداً حققت لَهُ وَمن سألني مُتَعَنتًا ناقصته فَلَا يلبث أن يَنْقَطِع فأكفى مُؤْنَته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 وَقد ترْجم لَهُ الصفدي وسرد أَسمَاء تصانيفه في ثَلَاثَة أوراق كبار وَمن أنفعها كِتَابه فِي ابطال الْحِيَل فانه نَفِيس جدا وَكتاب الْمِنْهَاج فى الرَّد على الروافض فِي غَايَة الْحسن لَوْلَا أَنه بَالغ فِي الدفع حَتَّى وَقعت لَهُ عِبَارَات وألفاظ فِيهَا بعض التحامل وَقد نسبه بَعضهم إلى طلب الْملك لِأَنَّهُ كَانَ يلهج بِذكر ابْن تومرت ونظرائه فَكَانَ ذَلِك مولداً لطول سجنه وَله وقائع مَشْهُورَة وَكَانَ إِذا حوقق وألزم يَقُول لم أرد هَذَا وَإِنَّمَا أردْت كَذَا فيذكر احْتِمَالا بَعيدا وَلَعَلَّ ذَلِك وَالله أعلم أَنه يُصَرح بِالْحَقِّ فتأباه الأذهان وتنبوا عَنهُ الطبائع لقُصُور الأفهام فيحوله إِلَى احْتِمَال آخر دفعاً للفتنة وَهَكَذَا ينبغي للْعَالم الْكَامِل أَن يفعل يَقُول الْحق كَمَا يجب عَلَيْهِ ثمَّ يدْفع الْمفْسدَة بِمَا يُمكنهُ وَحكى عَنهُ أَنه لما وصل إِلَيْهِ السُّؤَال الَّذِي وَضعه السكاكيني على لِسَان يهودي وَهُوَ (أيا عُلَمَاء الدَّين ذميُّ دينكُمْ ... تحيّر دلّوه بأعظم حجَّة) (إِذا مَا قضى ربي بكفري بزعمكم ... وَلم يرضه مني فَمَا وَجه حيلتي) إلى آخرهَا فَوقف ابْن تَيْمِية على هَذِه الأبيات فَثنى إِحْدَى رجلَيْهِ على الْأُخْرَى وَأجَاب في مَجْلِسه قبل ان يقوم بِمِائَة وَتِسْعَة عشر بَيْتا أَولهَا (سؤالك ياهذا سُؤال معاند ... مخاصم ربّ الْعَرْش ربّ الْبَريَّة) وَقَالَ ابْن سيّد النَّاس اليعمري في تَرْجَمَة ابْن تَيْمِية إنه برز في كل فن على أَبنَاء جنسه وَلم تَرَ عين من رَآهُ مثله وَلَا رَأَتْ عينه مثل نَفسه وَقَالَ الذَّهَبِيّ مترجماً لَهُ فِي بعض الإجازات قَرَأَ الْقُرْآن وَالْفِقْه وناظر وَاسْتدلَّ وَهُوَ دون الْبلُوغ وَبلغ في الْعُلُوم وَالتَّفْسِير وَأفْتى ودرّس وَهُوَ دون الْعشْرين وصنّف التصانيف وَصَارَ من أكَابِر الْعلمَاء فى حَيَاة مشايخه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 وتصانيفه نَحْو أَرْبَعَة آلاف كراسة وَأكْثر وَقَالَ وَأما نَقله للفقه ومذاهب الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فضلاً عَن الْمذَاهب الْأَرْبَعَة فَلَيْسَ لَهُ فِيهِ نَظِير وَقَالَ أَنه لَا يذكر مَسْأَلَة إِلَّا وَيذكر فِيهَا مَذَاهِب الْأَئِمَّة وَقد خَالف الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة في عدَّة مسَائِل صنّف فِيهَا وَاحْتج لَهَا بِالْكتاب وَالسّنة وَقد أثنى عَلَيْهِ جمَاعَة من أكَابِر عُلَمَاء عصره فَمن بعدهمْ ووصفوه بالتفرد وأطلقوا في نَعته عِبَارَات ضخمة وَهُوَ حقيق بِذَاكَ وَالظَّاهِر أنه لَو سلم مِمَّا عرض لَهُ من المحن المستغرقة لأكْثر أَيَّامه المكدرة لذهنه المشوشة لفهمه لَكَانَ لَهُ من المؤلفات والاجتهادات مَا لم يكن لغيره قَالَ الصفدي وَكَانَ كثيراً مَا ينشد (تَمُوت النُّفُوس بأوصابها ... وَلم يدر عوادها مَا بهَا) (وَمَا أنصفت مهجة تشتكى ... أذاها إِلَى غير أَرْبَابهَا) وَمِمَّا أنْشد لَهُ على لِسَان الْفُقَرَاء) (وَالله مَا فقرنا اخْتِيَار ... وَإِنَّمَا فقرنا اضطرار) (جمَاعَة كلنا كسَالَى ... وأكلنا مَاله عيار) (تسمع منا إِذا اجْتَمَعنَا ... حَقِيقَة كلهَا فشار) (41) أَحْمد بن عبد الرَّحِيم بن الْحُسَيْن بن عبد الرَّحْمَن بن ابراهيم ابْن أَبى بكر بن إبراهيم الولي بن الزين العراقى الآتى أَبوهُ انشاء الله تَعَالَى ولد في سحر يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث ذي الْحجَّة سنة 792 اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَسَبْعمائة بِالْقَاهِرَةِ وأحضره وَالِده على جمَاعَة من الشُّيُوخ ورحل بِهِ إلى دمشق فَأحْضرهُ بهَا على أَعْيَان علمائها ثمَّ لما عَاد من الرحلة إلى مصر اجْتهد فِي اسْتِيفَاء شُيُوخ الديار المصرية وَأخذ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 عَمَّن دبّ ودرج وَكتب الطباق وَضبط الْأَسْمَاء وتدرب بوالده في الحَدِيث وفنونه وَكَذَا في غَيره من فقه وأصول وعربيه وَمَعَان وَبَيَان وبرع في جَمِيع ذَلِك وشارك في غَيرهَا من الْفَضَائِل وَأذن لَهُ غير وَاحِد من شُيُوخه بالإفتاء والتدريس وَاسْتمرّ يترقّى لمزيد ذكائه حَتَّى سَاد وأبدا وَأعَاد وَظَهَرت نجابته ونباهته واشتهر فَضله وبهر عقله مَعَ حسن خلقه وخُلقه وَشرف نَفسه وتواضعه وانجماعه وصيانته وديانته وأمانته وعفته وضيق حَاله وكثرة عِيَاله ودرّس وَهُوَ شَاب فِي حَيَاة أَبِيه وَقَالَ أَبوهُ فِي دروسه (دروس أَحْمد خير من دروس أبه ... وَذَاكَ عِنْد أَبِيه مُنْتَهى أربه) وَلما توجه وَالِده لقَضَاء الْمَدِينَة وخطابتها قَامَ بِجَمِيعِ وظائفه إِلَّا مشيخة دَار الحَدِيث فإنه انتزعها مِنْهُ شَيْخه ابْن الملقّن فَتحَرك لمعارضته ثمَّ سكنه بعض مشايخه فسكن ثمَّ أضيفت إليه جِهَات أَبِيه بعد مَوته فزادت رئاسته وانتشرت في الْعُلُوم وجاهته وأضيف إليه في بعض الْأَوْقَات قَضَاء منوف وناب فى الْقَضَاء عَن الْعِمَاد الكركي نَحْو عشْرين سنة ثمَّ ترفع عَن ذَلِك وَفرغ نَفسه للإفتاء والتدريس والتصنيف إلى أَن خطبه الطَّاهِر ططر بِغَيْر سُؤال إلى قَضَاء الديار المصرية فِي منتصف شَوَّال سنة 824 مَعَ وجود السعاة فِيهِ بالبذل وَذَلِكَ عقب موت الْجلَال البلقيني بأَرْبعَة أَيَّام فَسَار فِيهِ أحسن سيرة بعفة ونزاهة وَحُرْمَة وصرامة وشهامة وَمَعْرِفَة وَكَانَ يحضّ أَصْحَابه على الاهتمام بإجابة من يلْتَمس مِنْهُم الشَّفَاعَة عِنْده عملاً بِالسنةِ وَقَامَ عَلَيْهِ جماعته حَتَّى ألزموه بتفضيل الرفيع من الثِّيَاب وقرروا لَهُ أَن في ذَلِك قُوَّة في الشَّرْع وتعظيماً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 للقائم بِهِ والا فَلم يكن عزمه التَّحَوُّل عَن جنس لِبَاسه من قبل وَاسْتمرّ حَتَّى صرف لتصميمه على الْحق وَعدم مداراته لأهل الدولة فِي أُمُور لَا يحتملونها حَتَّى شقّ ذَلِك عَلَيْهِم فتمالئوا عَلَيْهِ وَكَانَت مُدَّة ولَايَته سنة دون شَهْرَيْن فتمالئت وتكدرت الخواطر الصافية لعزله وتنغصت معيشته وَلكنه لزم طَرِيقَته فِي الاكباب على نشرالعلم وتصنيفه إِلَى أَن مَاتَ قبل استكمال سنة من صرفه مبطوناً شَهِيدا آخر يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشر من شعْبَان سنة 826 سِتّ وَعشْرين وثمان مائَة ثمَّ دفن الى جنب وَالِده بتربته قَالَ ابْن حجر وَلما صرف من الْقَضَاء حصل لَهُ سوء مزاج من كَونه صرف بِبَعْض تلامذته بل بِبَعْض من لَا يفهم عَنهُ كَمَا ينبغى فَكَانَ يَقُول لَو عزلت بِغَيْر فلَان مَا صَعب عليَّ وَله مؤلفات مِنْهَا الْبَيَان والتوضيح لمن أخرج لَهُ في الصَّحِيح وَقد مس بِضَرْب من التجريح والمستجاد فى مهمات الْمَتْن والاسناد وتحفة التَّحْصِيل فى ذكر رُوَاة الْمَرَاسِيل وأخبار المدلّسين والذيل على الكاشف للذهبي وأضاف إليه رجال مُسْند أَحْمد والأطراف بأوهام الأطراف للمزي وَشرح السّنَن لأبي دَاوُد كتب قِطْعَة مِنْهُ وَعمل التعقيبات على الرافعي كتب مِنْهُ نَحْو سِتَّة مجلدات وَشرح جمع الْجَوَامِع شرحاً مُخْتَصرا وَاخْتصرَ الْكَشَّاف مَعَ تَخْرِيج أَحَادِيثه وتتمات وَنَحْوهَا وَله تذكرة مفيدة فِي عدَّة مجلدات وأقرأ مصنفاته فِي حَيَاته وَكَانَ يسرّ بِذكرِهِ وَله نظم ونثر كثير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 (42) أَحْمد بن عبد الله بن بدر بن مفرح بن بدر بن عُثْمَان بن كَامِل بن ثَعْلَب الشهَاب العامري الغزي ثمَّ الدمشقي الشافعي ولد في ربيع الأول سنة 770 سبعين وَسَبْعمائة بغزة وَنَشَأ بهَا فحفظ الْقُرْآن والتنبيه ثمَّ في كبره الحاوي وَأخذ عَن قاضيها الْعَلَاء على ابْن خلف وَسمع عَلَيْهِ الصَّحِيح ثمَّ تحوّل إلى دمشق بعد الثَّمَانِينَ وَهُوَ فَاضل فقطنها وَأخذ بهَا عَن جمَاعَة من أَهلهَا ورحل إِلَى الْقُدس فَأخذ عَن التقي القلقشندي وبرع في الْفِقْه وأصوله وشارك في غَيرهمَا مَعَ مذاكرة حَسَنَة في الحَدِيث ومتعلقاته وناب في الحكم عَن الشَّمْس الاحنائى وَعين مرّة للْقَضَاء اسْتِقْلَالا فَلم يتم وَولى افتاء دَار الْعدْل والتدريس بعدة أَمَاكِن وتصدر للإقراء والإفتاء واشتهر برئاسة الْفَتْوَى بِدِمَشْق فَلم يبْق في أَوَاخِر عمره من يُقَارِبه وَله تصانيف مِنْهَا شرح الحاوي الصَّغِير فِي أَربع مجلدات وَشرح جمع الْجَوَامِع وَشرح مُخْتَصر الْمُهِمَّات للأسنوي في خَمْسَة أسفار وَحج من دمشق غير مرة وجاور بِمَكَّة ثَلَاث سِنِين مُتَفَرِّقَة وَكَانَت وَفَاته بهَا مبطوناً في ظهر يَوْم الْخَمِيس سادس شَوَّال سنة 822 اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وثمان مائَة وَصلى عَلَيْهِ عِنْد بَاب الْكَعْبَة وَدفن في المعلاة قَالَ ابْن حجر في أنبائه وبلغني أَن صديقه النَّجْم المرجاني رَآهُ في النوم فَقَالَ لَهُ مَا فعل الله بك فتلى عَلَيْهِ {يَا لَيْت قومِي يعلمُونَ} السَّيِّد أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن الْحُسَيْن بن عز الدَّين بن الْحسن الشامي ولد تَاسِع شهر ذي الْحجَّة سنة 1095 خمس وَتِسْعين وَألف وَكَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 من أكَابِر عُلَمَاء صنعاء قَرَأَ في فنون الْعلم على مشايخها فبرع في الْآلَات وَالْفِقْه والْحَدِيث ثمَّ إِن المتَوَكل قَاسم بن حُسَيْن أرسل لَهُ ورغّبه في أَن يَجْعَل بنظره من وصل من القاصدين من تهامة فأسعد وَكَانَ يُرْسل إليه بِمَا يَحْتَاجُونَ إليه من نقد وَكِسْوَة ثمَّ بعد ذَلِك ولاه الْقَضَاء الأكبر بِحَضْرَتِهِ في صنعاء فاستمر في ذَلِك إلى أَن توفي المتَوَكل ثمَّ اسْتمرّ على ذَلِك في أَيَّام وَلَده الْمَنْصُور حَتَّى مَاتَ ثمَّ اسْتمرّ فِي ذَلِك فِي أَيَّام الإمام الْمهْدي وَقد ارْتَفَعت دَرَجَته في أَيَّام الْمَنْصُور ارتفاعاً زَائِدا حَتَّى كَانَ مَقْبُول القَوْل فِي الْجَلِيل والدقيق وَصَارَ أَمر الْقَضَاء في جَمِيع جِهَات الْيمن مَنُوطًا بِهِ وَكَانَ يصدع بِالْحَقِّ مَعَ حسن صناعته فِي الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ والنهي عَن الْمُنكر وَله شهرة كَبِيرَة وصولة عَظِيمَة فِي مملكة الْيمن وَكَانَ يضْرب بعقله ورصانته الْمثل وَإِلَى الْآن كَذَلِك وَله شغف بِالْعلمِ والتدريس وَله تلامذة مِنْهُم القاضي الْعَلامَة أَحْمد بن مُحَمَّد قاطن الآتي ذكره إنْشَاء الله وَمن حسن أخلاقه وَقُوَّة اصطباره واحتماله أَنه سمّه رجل ظن أَنه غير عَلَيْهِ بعض أُمُور دُنْيَاهُ فاستمر الإسهال مَعَه مِقْدَار سنة وَلم يحدث بذلك أحداً وكافاً الَّذِي سمه بإيصاله إِلَى مطلبه وَالْقِيَام في قَضَاء غَرَضه فَللَّه در هَذِه الْأَخْلَاق الشَّرِيفَة وَتوفى رَحمَه الله يَوْم الْأَحَد السَّادِس وَالْعِشْرين من شهر جُمَادَى الْآخِرَة سنة 1172 اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَمِائَة ألف (44) أَحْمد بن عبد الله الضّمدي ولد في سنة 1170 سبعين وَمِائَة وَألف تَقْرِيبًا وَقَرَأَ بِبَلَدِهِ على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 من بهَا من أهل الْعلم ثمَّ ارتحل إِلَى صنعاء فَأخذ عَن جمَاعَة من أكَابِر علمائها كشيخنا السَّيِّد الامام عبد الْقَادِر بن أَحْمد والقاضي الْعَلامَة أَحْمد بن مُحَمَّد قاطن وَشَيخنَا الْعَلامَة قَاسم بن يحيى الخولاني وَغَيرهم وَعَاد إِلَى وَطنه وَقد برع في الْفِقْه والْحَدِيث والعربية ثمَّ بعد وُصُوله إلى بَلَده عكف عَلَيْهِ الطّلبَة من أَهلهَا وَرَغبُوا فِيهِ وَأخذُوا عَنهُ فنونا من الْعلم وَعظم شَأْنه هُنَالك وَصَارَ الْمرجع إِلَيْهِ في التدريس والإفتاء فِي ضمد وَغَيرهَا كصبيا وأبي عَرِيش ثمَّ ارتحل إلى صنعاء رحْلَة أُخْرَى فَقَرَأَ عليّ في شرح الْغَايَة وسألنى بمسائل عديدة أجبْت عَلَيْهَا بِجَوَاب سميته العقد المنضد فى جيد مسَائِل عَلامَة ضمد ثمَّ عَاد إِلَى بِلَاده وَهُوَ الْآن مُسْتَمر على حَاله الْجَمِيل فِي نشر الْعلم وَالْفَتْوَى والزهد والاشتغال بِخَاصَّة النَّفس ثمَّ مَاتَ رَحمَه الله فِي سنة 1222 اثنتين وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَألف تَقْرِيبًا (45) مَوْلَانَا الإمام المتَوَكل على الله أَحْمد بن الإمام الْمَنْصُور بِاللَّه علي بن الإمام المهدي الْعَبَّاس ابْن الإمام الْمَنْصُور بن الْحُسَيْن بن الإمام المتَوَكل الْقَاسِم بن حُسَيْن ابْن أَحْمد بن حسن بن الْقَاسِم وسيأتي تَمام نسبه في تَرْجَمَة جده الْحسن بن الْقَاسِم مولده حفظه الله حَسْبَمَا أخبرني بِهِ في أول شهر محرم سنة 1170 سبعين وَمِائَة وألف وَهُوَ أكبر أَوْلَاد أَبِيه وَلما صَارَت الْخلَافَة إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 أَبِيه جعل إليه بعد مضي نَحْو نصف سنة إِمَارَة الأجناد وَولَايَة صنعاء وَمَا إليها فباشر ذَلِك بِحرْمَة وافرة ومهابة ونجابة وَحسن سياسة وَبَعثه وَالِده لِحَرْب من يناوئه غير مرّة فظفر وانتصر وَهُوَ مَيْمُون النقيبه مَا بَاشر حَربًا من الحروب إِلَّا وَكَانَ الغلب لَهُ وَله فِي ذَلِك مَوَاقِف لَا يَتَّسِع الْمقَام لبسطها مِنْهَا حَرْب حَده بَينه وَبَين بكيل لما خرج بهم سيدي على بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أسحق بن المهدي وَمِنْهَا خُرُوجه بجنده إِلَى بني الْحَارِث لما أفسدوا فاستولى على جَمِيعهم وَمِنْهَا حَرْب الرَّوْضَة لما خرج أَهلهَا عَن الطَّاعَة بِسَبَب تغرير جمَاعَة من السَّادة الكباسية وَال أبي طَالب عَلَيْهِم وعاضدهم على ذَلِك سيدي أَحْمد بن عبد الله بن المهدي فاستولى عَلَيْهِم مَوْلَانَا المتَوَكل على الله في أَيَّام وَالِده رَحمَه الله وَمَا زَالَ في خلَافَة وَالِده جَمِيعهَا يسوس أَمر النَّاس وينوب عَن أَبِيه فِي كثير من الْأُمُور ويفاوضه الوزراء في غَالب مَا تَدْعُو إليه الْحَاجة حَتَّى ولّيَ الوزارة الْفَقِيه حسن بن حسن عُثْمَان بعد وَالِده فَلم يسْلك مَسْلَك الوزراء بل مازال يواحش بَين الإمام الْمَنْصُور بِاللَّه رَحمَه الله وَولده وتزايد الْأَمر مَعَ سوء تَدْبِير الْوَزير الْمَذْكُور وَضعف رَأْيه حَتَّى كَادَت الدولة أَن تذْهب وتقاصر ظلها وَهَلَكت الرعايا وانقطعت الطرق وَمَات كثير من أهل صنعاء جوعا بِسَبَب حصارها فَعِنْدَ ذَلِك وَقع من مَوْلَانَا المتَوَكل على الله مَا سيأتي في تَرْجَمَة وَالِده رَحمَه الله وَكَانَت الْبيعَة لَهُ في اللَّيْلَة الَّتِى مَاتَ فِيهَا وَالِده وَهِي لَيْلَة خَامِس عشر شهر رَمَضَان سنة 1224 أَربع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَألف وَكنت أول من بَايعه وتوليت قبض الْبيعَة لَهُ من أخوته وأعمامه وَسَائِر آل الإمام الْقَاسِم وأعيان الْعلمَاء والرؤساء وَكَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 تَحْرِير هَذِه التَّرْجَمَة فِي الْيَوْم الثاني من بيعَته وَتَوَلَّى وزارته الْفَقِيه على ابْن إسماعيل فارع وشاركه في بعض الْأَعْمَال القاضي حسن بن على عبد الْوَاسِع ثمَّ توفى رَحمَه الله لَيْلَة الْأَرْبَعَاء لَعَلَّه سَابِع عشر شهر شَوَّال سنة 1231 إحدى وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَألف وَقَامَ بعده وَلَده عبد الله وتلقب بالمهدي وَكنت المتولي لأخذ الْبيعَة لَهُ بعد مبايعتي لَهُ وستأتى لَهُ تَرْجَمَة مُسْتَقلَّة انشاء الله تَعَالَى 46 - أَحْمد بن علي بن عبد الْقَادِر بن مُحَمَّد بن إبراهيم بن مُحَمَّد بن تَمِيم ابْن عبد الصَّمد بن أَبى الْحسن بن عبد الصَّمد بن تَمِيم التقي أَبُو الْعَبَّاس الحسيني العبيدي البعلي الأَصْل القاهري وَيعرف بِابْن المقريزي وهي نِسْبَة لحارة فِي بعلبك تعرف بحارة المقارزة قَالَ السخاوي كَانَ مولده حَسْبَمَا كَانَ يخبر بِهِ ويكتبه بعد السِّتين يعْنى وَسَبْعمائة وَقَالَ ابْن حجر إنه رأى بِخَطِّهِ مَا يدل على تَعْيِينه فِي سنة 66 سِتّ وَسِتِّينَ بِالْقَاهِرَةِ ونشأ بهَا نشأة حَسَنَة فحفظ الْقُرْآن وَسمع من جمَاعَة من الشُّيُوخ كالا مدى والبلقيني والعراقي والهيثمي وَحج فَسمع بِمَكَّة من علمائها وَسمع في الشَّام من جمَاعَة واشتغل كثيراً وَطَاف على الشُّيُوخ ولقي الْكِبَار وجالس الْأَئِمَّة وتفقّه حنفيّاً على مَذْهَب جده لأمه ثمَّ تحول شافعياً قَالَ السخاوي وَلَكِن كَانَ مائلاً إِلَى الظَّاهِر وَكَذَا قَالَ ابْن حجر إنه أحب الحَدِيث فواظب عَلَيْهِ حَتَّى كَانَ يتهم بِمذهب ابْن حزم انْتهى وَنظر في عدَّة فنون وشارك في الْفَضَائِل وَقَالَ النظم والنثر وناب في الحكم وَكتب التوقيع وَولى الْحِسْبَة بِالْقَاهِرَةِ غير مرّة والخطابة بِجَامِع عَمْرو والإمامة بِجَامِع الْحَاكِم وَقِرَاءَة الحَدِيث بالمؤيدة الحديث: 46 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 وحمدت سيرته في مباشراته كلهَا وَكَانَ قد اتَّصل بِالظَّاهِرِ برقوق وَدخل دمشق مَعَ وَلَده النَّاصِر وَعرض عَلَيْهِ قَضَائهَا مرَارًا فَأبى وَصَحب بشيك الدوادار وقتاً ونالته مِنْهُ دنيا وَحج غير مرة وجاور وَكَذَا دخل دمشق مرَارًا وَتَوَلَّى بهَا تداريس ثمَّ أعرض عَن جَمِيع ذَلِك وَأقَام بِبَلَدِهِ عاكفاً على الِاشْتِغَال بالتاريخ حَتَّى اشْتهر بِهِ ذكره وَبعد فِيهِ صيته وَصَارَت لَهُ فِيهِ جملَة تصانيف كالخطط والْآثَار للقاهرة وَهُوَ من أحسن الْكتب وأنفعها وَفِيه عجائب ومواعظ وَكَانَ فِيهِ ينشر محَاسِن العبيدية ويفخم شانهم ويشيد بِذكر مناقبهم وَكنت قبل أَن أعرف انتسابه إليهم أعجب من ذَلِك كَونه على غير مَذْهَبهم فَلَمَّا وقفت على نسبه علمت أَنه استروح إلى ذكر مَنَاقِب سلفه قَالَ السخاوي أَن المترجم لَهُ ظفر بمسودة للأوحدي في خطط الْقَاهِرَة وآثارها فأخذها وَزَاد فِيهَا زَوَائِد غير طائلة ونسبها لنَفسِهِ انْتهى وَالرجل غير مَدْفُوع عَن فضل لَا سِيمَا فِي التَّارِيخ وَمَا يتَعَلَّق بِهِ وَالله أعلم وَمن مؤلفاته دُرَر الْعُقُود الفريدة في تراجم الْأَعْيَان المفيدة ذكر فِيهِ من عاصره وإمتاع الاسماع بِمَا للرسول من الأنباء والحفدة وَالْمَتَاع وَعقد جَوَاهِر الاسفاط فى مُلُوك مصر والفسطاظ وَالْبَيَان والإعراب عَمَّا في أَرض مصر من الأعراب والالمام فِيمَا بِأَرْض الْحَبَشَة من مُلُوك الاسلام والطرفة الغريبة فى أَخْبَار وادى حَضرمَوْت العجيبة وَمَعْرِفَة مَا يجب لأهل الْبَيْت النبوي على من عداهم وايقاظ الحنفاء بأخبار الْأَئِمَّة الفاطميين الْخُلَفَاء والسلوك بِمَعْرِِفَة دوَل الْمُلُوك والتاريخ الْكَبِير وَهُوَ في سِتَّة عشر مجلداً وَله مؤلفات غير هَذِه وجد بِخَطِّهِ أَن تصانيفه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 زَادَت على مائتي مُجَلد وَأَن كبار شُيُوخه بلغت سِتّمائَة نفس وَكَانَ متبحراً في التَّارِيخ على اخْتِلَاف أَنْوَاعه ومؤلفاته تشهد لَهُ بذلك وإن جَحده السخاوي فَذَلِك دأبه في غَالب أَعْيَان معاصريه وَكَانَ حسن الْخِبْرَة بالزايرجة والأسطرلاب والرمل والميقات قَالَ ابْن حجر فِي تَرْجَمته لَهُ النظم الْفَائِق والنثر الرَّائِق والتصانيف الباهرة خُصُوصا في تَارِيخ الْقَاهِرَة فإنه أَحْيَا معالمها وأوضح مجاهلها وجدد مآثرها وَترْجم أعيانها قَالَ وَكَانَ حسن الصُّحْبَة حُلْو المحاضرة مَاتَ في عصر يَوْم الْخَمِيس سادس عشر رَمَضَان سنة 845 خمس وَأَرْبَعين وثمان مائَة بِالْقَاهِرَةِ وَمن شعره (سقى عهد دمياط وحيّاه من عهد ... فقد زادني ذكرَاهُ وجداً على وجدي) (وَلَا زَالَت الأنواء يسقى سحابها ... دياراً حكت من حسنها جنَّة الْخلد) (47) (أَحْمد بن علي بن عبد الْكَافِي بن يحيى بن تَمام بن يُوسُف بن مُوسَى بن تَمام بن حَامِد بن يحيى بن سليم السُّبْكِيّ أَبُو حَامِد بهاء الدَّين ولد بعد الْمغرب من لَيْلَة الْعشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة سنة 719 تسع عشرَة وَسَبْعمائة وأحضر على الحجار في الْخَامِسَة وَسمع علي الدبوسي والبدر بن جمَاعَة وبدمشق على ابْن الجزري والمزي وَغَيرهمَا قَالَ الذهبي في المعجم الْمُخْتَص الْأَمَام الْعَلامَة الْمدرس لَهُ فَضَائِل وَعلم جيد وَفِيه أدب وتقوى وساد وَهُوَ ابْن عشْرين سنة وأسرع إليه الشيب فاتقى وَهُوَ في حُدُود الْعشْرين قَالَ ابْن حجر وَكَانَت لَهُ الْيَد الطُّولى في علم اللِّسَان الْعَرَبيَّة والمعاني وَالْبَيَان وَله عروس الأفراح شرح تَلْخِيص الْمِفْتَاح أبان عَن سمعة دَائِرَة في الْفَنّ وَله تَعْلِيق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 على الحاوى وَعمل قِطْعَة على شرح الْمِنْهَاج لِأَبِيهِ وَكَانَ أديباً فَاضلا متعبداً كثير الصَّدَقَة وَالْحج والمجاورة سريع الدمعة قَائِما مَعَ أَصْحَابه وَولى قَضَاء الشَّام عوضاً عَن أَخِيه في سنة 762 فأقام سنة وَلم يصنع ذَلِك إِلَّا حفظاً للوظيفة على أَخِيه ثمَّ ولي قَضَاء الْعَسْكَر وَكَانَ شرع في شرح مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب فَكتب مِنْهُ قِطْعَة لَطِيفَة في مُجَلد وَلَو أتمه لَكَانَ عشر مجلدات أَو أَكثر وَقَالَ وَالِده الشَّيْخ تقي الدَّين لما درس وَلَده هَذَا (دروس أَحْمد خير من دروس علي ... وَذَاكَ عِنْد عليّ غَايَة الأمل) وَكَانَ من رحّالي الْعَالم وَكَانَ أَبوهُ قاضي الشَّام فكثرت جهاته واتسع مَاله لِأَنَّهُ نَاب عَن وَالِده في جَمِيع جهاته وَضم إِلَى ذَلِك وظايف عدَّة وَكَانَ إِذا مَاتَ من لَهُ تدريس أَو نَحوه سعى فِيهِ لنَفسِهِ وَمَات مجاوراً بِمَكَّة لَيْلَة الْخَمِيس السَّابِع عشر من شهر رَجَب سنة 763 ثَلَاث وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَله أَربع وَخَمْسُونَ سنة وَبَعض أشهر (48) السَّيِّد احْمَد بن علي بن محسن بن الْأَمَام المتَوَكل على الله إسماعيل بن الْقَاسِم الصنعاني ولد تَقْرِيبًا سنة 1150 خمسين وَمِائَة وَألف واشتغل بِطَلَب الْعلم بعد أَن قَارب الْخمسين من عمره ثمَّ قَرَأَ عليّ في النَّحْو وَالصرْف والمنطق والمعاني وَالْبَيَان والْحَدِيث وَالتَّفْسِير وَأدْركَ إدراكاً كَامِلا لاسيما في الْعُلُوم الآلية وفهمه جيد وفكره صَحِيح وتصوره حسن وإدراكه كَامِل وأكبَّ على الِاشْتِغَال عليّ نَحْو عشر سِنِين مَعَ جمَاعَة من الطّلبَة ثمَّ جرى بَينه وَبَين بَعضهم مَا يجري بَين أمثالهم من المنافسة فانزعج وَمَعَ كَثْرَة تحيله ظن أَنى مُؤثر لمن نافسه عَلَيْهِ فَصَارَ بعد ذَلِك يرْوى ماقد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 حفظه عَنى من اجتهاداتي الْجَارِيَة على نمط الدَّلِيل الَّتِى يُخَالف مَا عَلَيْهِ غَالب من لَا تَمْيِيز لَهُ وَكَانَ لَدَيْهِ كتاب لي عَارِية أَحْسَنت إليه بعاريته فَرَأى فِيهِ بخطي في مَسْأَلَة الْفرْقَة النَّاجِية كلَاما مضمونه أَنهم لَيْسُوا بعض هَذِه الْمذَاهب الإسلامية على التَّعْيِين بل هم من تمسك بالشريعة المطهرة واهتدى بهدي الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم على أى مَذْهَب كَانَ وفي أيّ عصر وجد وَدفعت قَول من قَالَ انهم فرقته كَمَا وَقع لكثير من المتعصبين فَأَقَامَ هَذَا الْقِيَامَة وَمَا زَالَ يعرضه على كل من لَهُ اشْتِغَال بِالْعلمِ فَلم يُوَافقهُ أحد على ذَلِك فَعَاد يعرضه على الْمُقَصِّرِينَ والعوام ويوهمهم بأوهام لَا حَقِيقَة لَهَا فَكَادَتْ تثور فتْنَة وقى الله شَرها ثمَّ طلبت مِنْهُ إرجاع كتابي فَمَا ساعد كل هَذَا وَله من الْفَهم والعرفان نصيب تَامّ وَهُوَ لَا يخفى عَلَيْهِ خطأ نَفسه وَبطلَان مَا زَعمه وَلم يرع حق التَّعْلِيم وَبعد ذَلِك ترك الِاشْتِغَال بِالْعلمِ وَلم يبْق عَلَيْهِ من رونقه شئ ورام أَن يعود للْقِرَاءَة عليّ فَمَا ساعدته وأرجع الْكتاب الْمشَار إليه بعد سِنِين ومدحني بِأَبْيَات وَأظْهر النَّدَم على مَا سلف مِنْهُ عفى الله عَنهُ وَمن جملَة مَا كتبه إِلَى هَذِه القصيدة وفيهَا إِشَارَة إِلَى مَا قَدمته (ياقاضيا لفظ مَاض إِذْ تنَاوله ... زهى بِهِ كل مَنْقُوص من الْكَلم) (وَلم يزل كلِّ مَمْدُود يمد إلى ... مَا نَالَ عَيْنَيْهِ من فَخر وَمن كرم) (وكل مَا نَالَ مَقْصُور عَلَيْهِ فيا ... ذَا الْمَدّ اقصر وَلَا تطمع وَلَا تحم) (فالاسم مرجع مَا يحويه من شرف ... إلى مُسَمَّاهُ من نعت وَمن علم) (قَاض بهجته الْأَيَّام مشرقة ... كَالشَّمْسِ لَكِن نور الشَّمْس لم يدم) (فَالْحَمْد لله دُنْيَانَا بهجته ... إشراقها غير مسلوخ عَن الظُّلم) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 (قَاض إِذا جِئْته يَوْمًا لقِيت بِهِ ... كل الأفاضل من عرب وَمن عجم) (يخْشَى الْخُصُوم ارتعاداً من مهابته ... حَتَّى كَأَن بهم ضرب من اللمم) (لِأَن مَا أضمروه فِي فراسته ... من حسن إيمَانه نَار على علم) (كم من أَلد بِلَا مَا زَالَ مُلْتَزما ... من خَوفه عادلاً عَنْهَا إِلَى نعم) (فالمبتغون لغير الْحق في نقم ... مِنْهُ وكل محق مِنْهُ في نعم) (صحبته زمن التدريس مقتطفاً ... من روض أملاه نور الحكم وَالْحكم) (فَكَانَ براً رؤوفا بى ومغتفرا ... لزلتي لم يعاتبني وَلم يلم) (أرَاهُ إِن طَال قولي فِي بشاعته ... كَأَنَّهُ عَن كلامي الغث فى صمم) (وغبت عَنهُ زَمَانا واتصلت بِهِ ... فِي رُتْبَة هُوَ فِيهَا صَاحب الْعلم) (قاضي قُضَاة أَمِير الْمُؤمنِينَ على ... يَمِينه قَاعِدا فِي الصَّدْر لم يقم) (فَقَامَ تَعْظِيمه فِي صدر كلّ فَتى ... مُسلم للأكف الطُّهْر مستلم) (وشاع تَعْظِيمه في النَّاس ثمَّ غَدا ... عِنْد الْجَنِين كرأي الْعين فِي الرَّحِم) (وَمثل ذَاك أعادي تواتره ... ... فِينَا وفي الْغَيْر من مُسْتَقْبل الْأُمَم) (فَمَا تغير شئ كنت أعهده ... قبل التصدر في القاضي من الشيم) (كأنه للندامى من تواضعه ... على جلالته من أَصْغَر الخدم) (فَقَامَ ذَاك دَلِيلا أَن همته ... من فَوق ذَاك الَّذِي يعْطى ذَوُو الهمم) (وَلَو أحلّ الْفَتى فِي النَّاس رتبته ... دهراً لأصبح ربّ السَّيْف والقلم) (مملّكاً كلّ إقليم وناصية ... عمّاله فِي نواحي مصر وَالْحرم) (يامن يرى أَن نظمي قد قضيت بِهِ ... حق المديح فقد أَخْطَأت فاستقم) (لَيست مبالغتي فِيهِ مُبَالغَة ... وَلَا الغلو غلوا يَا أَخا الهمم) (وَلَو أتيت بأنواع البديع لما ... قضيت حَقًا وَكَانَ الْعَجز ملتزمي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 وَهُوَ الآن في قيد الْحَيَاة لَعَلَّه قد صَار في سِتِّينَ سنة من عمره وَله إِلَى أشعار غيرهذه ومسائل سألني عَنْهَا وأجبته بأجوبة هي في مَجْمُوع جواباتي ثمَّ توفي رَحمَه الله لَعَلَّه في سنة 1223 ثَلَاث وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَألف (49) أَحْمد بن علي بن مُحَمَّد بن أَحْمد طشِي الصّعدي ثمَّ الرداعي ولد تَقْرِيبًا سنة 1190 تسعين وَمِائَة وَألف وَقَرَأَ في ذمّار وَغَيرهَا فَصَارَ عَارِفًا بالفقه والآلات يفهم ذَلِك فهماً جيداً وَله ذكاء عَظِيم وفطنة باهرة وَقُوَّة عارضة وَحسن محاضرة ورقة طبع وانسجام خلق عَجِيب ويشعر شعراً حسناً سمع مني مُدَّة إقامتي فِي مَدِينَة ذي جبلة عِنْد قدومي إليها مَعَ مَوْلَانَا المتَوَكل على الله فِي سنة 1226 فِي صَحِيح مُسلم وَسمع فِي غَيره وَكَانَ يحضر للْقِرَاءَة عِنْد إقامتي هُنَالك وَهُوَ الْآن مُقيم بِمَدِينَة رداع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 (50) أَحْمد بن لطف الباري بن أَحْمد بن عبد الْقَادِر الْورْد خطيب صنعاء وَابْن خطيبها ولد في شهر رَمَضَان سنة 1192 اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَمِائَة وَألف وولاه الْأَمَام الْمَنْصُور بِاللَّه علي بن الْعَبَّاس الخطابة مَكَان وَالِده الْعَلامَة التقى الْفَاضِل الْوَرع الزَّاهِد الْمسند وَكَانَ كل أحد من النَّاس لَا يظن أَنه يلْحق بِهِ فِي الخطابة أحد فَلَمَّا مَاتَ استشرف للخطابة جمَاعَة وَكَانَ سن صَاحب التَّرْجَمَة إِذْ ذَاك ثَمَان عشرَة سنة فَقَامَ بالخطابة قيَاما لَا يقوم بِهِ أحد وفَاق وَالِده عَن قرب وَهُوَ الْآن مُسْتَمر على ذَلِك وَله شغلة بِطَلَب الْعلم كَبِيرَة مَعَ ذهن وقاد وطبع منقاد وَفهم سليم وفكر مُسْتَقِيم وَقد صَار معدوداً من الْعلمَاء مَعَ حَدَاثَة سنه قَرَأَ عليّ في شرح الْجلَال الْمَعْرُوف بضوء النَّهَار وفي شرح جمع الْجَوَامِع للمحلي وَهُوَ الْآن مُسْتَمر على ذَلِك وعمره عِنْد تَحْرِير هَذِه الأحرف نَحْو الْعشْرين سنة وَمن أعلم مشايخه اللَّذين تخرج بهم وَالِده وَمِنْهُم السَّيِّد الْعَلامَة إبراهيم بن عبد الْقَادِر وَالسَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن يُوسُف بن أَحْمد بن يُوسُف وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ من محَاسِن الزَّمن في غَالب أَوْصَافه بِحَيْثُ يقصر عَن حسن سمته ورصانة عقله وطهارة لِسَانه وعفته ونزاهته كثير من أهل الْأَسْنَان الْعَالِيَة ثمَّ انجمع وَاعْتَزل النَّاس أما زهدا أوفرارا من الْخطْبَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 كَمَا يَفْعَله كثير من عباد الله الصَّالِحين وَالْعُلَمَاء العاملين أَو أَنه حدث فِي مزاجه سَوْدَاء أوجبت لَهُ الاستيحاش من النَّاس وَقَامَ مقَامه أَخُوهُ الْعَلامَة مُحَمَّد بن لطف الباري وَهُوَ تلوه فِي الْفَضَائِل وَله قِرَاءَة عليّ في أُمَّهَات الحَدِيث وَسمع مني بَعْضًا من تفسيري وقرأ على أخي يحيى فى الْأُصُول وَغَيرهَا وَصَارَ ثَابت الْقدَم فِي الخطابة بِحَيْثُ إنه يفوق كثيراً من الخطباء مَعَ حسن أَدَاء وفصاحة لِسَان وثبات جنان وَحسن أَخْلَاق وَعمل بِمَا في السنة المطهرة وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ من محَاسِن الْعَصْر (51) أَحْمد بن علي بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن علي بن أَحْمد الشهَاب أبو الْفضل الكنانى العسقلانى القاهرى الشافعى الْمَعْرُوف بِابْن حجر وَهُوَ لقب لبَعض آبَائِهِ الْحَافِظ الْكَبِير الشهير الإمام الْمُنْفَرد بِمَعْرِِفَة الحَدِيث وَعلله في الْأَزْمِنَة الْمُتَأَخِّرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 ولد في ثاني عشر شعْبَان سنة 773 ثَلَاث وَسبعين وَسَبْعمائة بِمصْر وَنَشَأ بهَا يَتِيما في كنف أحد أوصيائه فحفظ الْقُرْآن وَهُوَ ابْن تسع ثمَّ حفظ الْعُمْدَة وألفية الحَدِيث للعراقي والحاوي الصَّغِير ومختصر ابْن الْحَاجِب فِي الْأُصُول والملحة وَبحث في ذَلِك على الشُّيُوخ وتفقه بالبلقيني والبرماوي وَابْن الملقن والعز بن جمَاعَة وَعَلِيهِ أَخذ غَالب الْعُلُوم الآلية والأصولية كالمنهاج وَجمع الْجَوَامِع وَشرح الْمُخْتَصر والمطول ثمَّ حبب الله إليه فن الحَدِيث فَأقبل عَلَيْهِ بكليته وَطَلَبه من سنة 793 وَمَا بعْدهَا فعكف على الزين العراقي وَحمل عَنهُ جملَة نافعة من علم الحَدِيث سنداً ومتناً وعللاً وَاصْطِلَاحا وارتحل إِلَى بِلَاد الشَّام والحجاز واليمن وَمَكَّة وَمَا بَين هَذِه النواحي وَأكْثر جداً من المسموع والشيوخ وَسمع العالي والنازل وَاجْتمعَ لَهُ من ذَلِك مالم يجْتَمع لغيره وَأدْركَ من الشُّيُوخ جمَاعَة كل وَاحِد رَأس فِي فنه الَّذِي اشْتهر بِهِ فالتنوخى فى معرفَة القرا آتٍ والعراقي في الحَدِيث والبلقيني فِي سَعَة الْحِفْظ وَكَثْرَة الِاطِّلَاع وَابْن الملقن فِي كَثْرَة التصانيف وَالْمجد صَاحب الْقَامُوس في حفظ اللُّغَة والعز بن جمَاعَة في تفننه فِي عُلُوم كَثِيرَة بِحَيْثُ كَانَ يَقُول أنا أقرأ في خَمْسَة عشر علماً لَا يعرف عُلَمَاء عصري أسمائها ثمَّ تصدى لنشر الحَدِيث وَقصر نَفسه عَلَيْهِ مطالعة واقراءً وتصنيفاً وإفتاءً وَتفرد بذلك وَشهد لَهُ بِالْحِفْظِ والإتقان الْقَرِيب والبعيد والعدو وَالصديق حَتَّى صَار إطلاق لفظ الْحَافِظ عَلَيْهِ كلمة إجماع ورحل الطّلبَة إليه من الأقطار وطارت مؤلفاته فِي حَيَاته وانتشرت في الْبِلَاد وتكاتبت الْمُلُوك من قطر إِلَى قطر في شَأْنهَا وهي كَثِيرَة جداً مِنْهَا مَا كمل وَمِنْهَا مَا لم يكمل وَقد عَددهَا السخاوي في الضَّوْء اللامع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 وَكَذَلِكَ عدد مصنفاته فى الأربعينيات والمعاجم وَتَخْرِيج الشُّيُوخ والأطراف والطرق والشروح وعلوم الحَدِيث وفنونه وَرِجَاله في أوراق من تَرْجَمته وَنقل عَنهُ أَنه قَالَ لست رَاضِيا عَن شئ من تصانيفي لأني عملتها في ابتداء الْأَمر ثمَّ لم يتهيأ لي من يحرّرها معي سوى شرح البخارى وقدمته والمشتبه والتهذيب ولسان الْمِيزَان وروى عَنهُ في مَوضِع آخر أَنه أثنى على شرح البخارى وَالتَّعْلِيق والنخبة ولاريب أَن أجلّ مصنفاته فتح الباري وَكَانَ شُرُوعه في تصنيفه سنة 817 على طَرِيق الإملاء ثمَّ صَار يكْتب من خطه يداوله بَين الطّلبَة شَيْئا فَشَيْئًا والاجتماع في يَوْم من الْأُسْبُوع للمقابلة والمباحثة إِلَى أَن انْتهى في أول يَوْم من رَجَب سنة 842 سوى مَا الْحق فِيهِ بعد ذَلِك وَجَاء بِخَطِّهِ في ثَلَاثَة عشرَة سفراً وبيض في عشرَة وَعشْرين وَثَلَاثِينَ وَأَقل وَأكْثر وَقد سبقه إِلَى هَذِه التَّسْمِيَة شَيْخه صَاحب الْقَامُوس فَأَنَّهُ وجد لَهُ فِي أَسمَاء مصنفاته أَن من جُمْلَتهَا فتح الباري في شرح صَحِيح البخاري وَأَنه كمل ربعه في عشْرين مجلداً وَله مؤلفات في الْفِقْه وأصوله وَالْعرُوض والآداب سردها السخاوي وَقَالَ بعد ذَلِك أنها تهادت تصانيفه الْمُلُوك بسؤال عُلَمَائهمْ لَهُم في ذَلِك حَتَّى ورد كتاب في سنة 833 من شاه رخ بن تيمور ملك الشرق يستدعي من السُّلْطَان الْأَشْرَف برسباي هَدَايَا من جُمْلَتهَا فتح الباري فَجهز لَهُ صَاحب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 التَّرْجَمَة ثَلَاث مجلدات من أَوَائِله ثمَّ أعَاد الطلب في سنة 839 وَلم يتَّفق أَن الْكتاب قد كمل فَأرْسل إليه أَيْضا قِطْعَة أُخْرَى ثمَّ في زمن الطَّاهِر جقمق جهزت لَهُ نُسْخَة كَامِلَة وَكَذَا وَقع لسلطان الغرب أَبى فَارس عبد الْعَزِيز الحفصي فَأَنَّهُ أرسل يستدعيه فَجهز لَهُ مَا كمل من الْكتاب وَكَانَ يُجهز لكتبة الشَّرْح ولجماعة مجْلِس الإملاء ذَهَبا يفرق عَلَيْهِم هَذَا ومصنفه حي رَحمَه الله وَلما كمل شرح البخاري تصنيفاً وَقِرَاءَة عمل مُصَنفه رَحمَه الله وَلِيمَة عَظِيمَة بِالْمَكَانِ الَّذِي بناه الْمُؤَيد خَارج الْقَاهِرَة في يَوْم السبت ثامن شعْبَان سنة 842 وَقَرَأَ الْمجْلس الْأَخير هُنَالك وَجلسَ الْمنصف على الكرسي قَالَ تِلْمِيذه السخاوي وَكَانَ يَوْمًا مشهوداً لم يعْهَد أهل الْعَصْر مثله بِمحضر من الْعلمَاء والقضاة والرؤساء والفضلاء وَقَالَ الشُّعَرَاء في ذَلِك فَأَكْثرُوا وَفرق عَلَيْهِم الذَّهَب وَكَانَ الْمُسْتَغْرق فِي الْوَلِيمَة الْمَذْكُورَة نَحْو خَمْسمِائَة دِينَار وَوَقعت في ذَلِك الْيَوْم مطارحة أدبية فَمِنْهَا أَن الْمقَام الناصرى قَالَ للْمُصَنف يامولانا شيخ الإسلام هَذَا يَوْم طيب فَلَعَلَّ أَن تنعشونا فِيهِ بِبَيْت من مفرداتكم لَعَلَّ أَن نمشي خلفكم فِيهِ فَقَالَ المترجم لَهُ أخْشَى ان إبتدأت أَن لَا يكون مُوَافقا لما وَقع فِي خاطرك وَالْأَحْسَن أَن تبتدأ أَنْت فَقَالَ الناصري (هويتها بَيْضَاء رعبوبة ... قد شغفت قلبي خود رداح) فَقَالَ صَاحب التَّرْجَمَة (سَأَلتهَا الْوَصْل فضنت بِهِ ... إنّ قَلِيلا فِي الملاح السماح) فَقَالَ علي الدوساني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 (قد جرحت قلبى لما رنت ... عيونها السودا لمراض الصِّحَاح) فهمهم الشرف الطنوني وَلم يُمكنهُ أَن يَقُول شَيْئا فَقَالَ صَاحب التَّرْجَمَة (مَا للطنوني غَدا حائرا ... ) فَقَالَ الناصري لعلي الْمُتَقَدّم أجزه فَقَالَ وحياة أَبِيك السلاّري وَالْفرس فَقَالَ هما لَك من غير مُهْملَة وتراخ فَقَالَ (وَخرب الْبَيْت وخلى وَرَاح) وَكَانَ للمترجم لَهُ يَد طولى في الشّعْر قد أورد مِنْهُ جمَاعَة من الأدباء المصنفين أَشْيَاء حَسَنَة جداً كَابْن حجَّة في شرح البديعية وَغَيره وهم معترفون بعلو دَرَجَته فى ذَلِك وَمِمَّا أحفظه الان حَال تَحْرِير هَذِه الْكَلِمَات قَوْله (بنده الْأَزْرَق لما ... شده من قد سباني) (جدول فَوق كثيب ... دَار يسقي غُصْن بَان) وَهَذَا غَايَة في الْحسن لَا يلْحق وَأورد لَهُ السخاوي في الضَّوْء اللامع قَوْله (خليلي ولّى الْعُمر منا وَلم نتبْ ... وننوي فعال الصَّالِحَات وَلَكنَّا) (فحتى مَتى نبنى الْبيُوت مشيدة ... وأعمارنا منا تهد وَمَا تبنى وَقد كَانَ رَحمَه الله مصمّماً على عدم الدُّخُول فِي الْقَضَاء ثمَّ قدّر أَن الْمُؤَيد ولاه الحكم في بعض القضايا ثمَّ عرض عَلَيْهِ الاستقلال بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 والزم من أحبائه بقبوله فَقبل وَاسْتقر في الْمحرم سنة 827 بعد أَن كَانَ عرض عَلَيْهِ قبل ذَلِك وَهُوَ يَأْبَى وتزايد ندمه على الْقبُول لعدم فرق أَرْبَاب الدولة بَين الْعلمَاء وَغَيرهم ومبالغتهم فِي اللوم لرد إشاداتهم وإن لم تكن على وفْق الْحق واحتياجه لمداراة كَبِيرهمْ وصغيرهم بِحَيْثُ لَا يُمكنهُ مَعَ ذَلِك الْقيام بِمَا يرومونه وَصرح بِأَنَّهُ جنى على نَفسه بذلك وَلم يلبث أَن صرف ثمَّ أُعِيد وَلَا زَالَ كَذَلِك إِلَى أَن أخْلص فِي الإقلاع عَنهُ عقب صرفه فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة 852 وَجَمِيع مدد قَضَائِهِ إِحْدَى وَعِشْرُونَ سنة وزهد في الْقَضَاء زهداً كَبِيرا لِكَثْرَة مَا توالى عَلَيْهِ من المحن والأنكاد بِسَبَبِهِ وَصرح بِأَنَّهُ لم يبْق في بدنه شَعْرَة تقبل اسمه وَقد درّس بمواطن مُتعَدِّدَة واشتهر ذكره وَبعد صيته وارتحل اليه الْعلمَاء وتبجح الْأَعْيَان بلقائه وَأخذ عَنهُ وَأخذ النَّاس عَنهُ طبقَة بعد طبقَة وَألْحق الأصاغر بالأكابر وامتدحه الْكِبَار وتبجح فحول الشُّعَرَاء بمطارحته وَاسْتمرّ على طَرِيقَته حَتَّى مَاتَ في أَوَاخِر ذى الْحجَّة سنة 852 اثْنَتَيْنِ وَخمسين وثمان مائَة وَكَانَ لَهُ مشْهد لم ير مثله من حَضَره من الشُّيُوخ فضلاً عَمَّن دونهم وشهده أَمِير الْمُؤمنِينَ وَالسُّلْطَان فَمن دونهمَا وَقدم الْخَلِيفَة للصَّلَاة عَلَيْهِ وَدفن تجاه تربة الديلمي بالقرافة وتزاحم الْأُمَرَاء والكبراء على حمل نعشه 52 - أَحْمد بن علي بن هادي النهمي ثمَّ الصنعانى ولد سنة 1130 ثَلَاثِينَ وَمِائَة وَألف وَنَشَأ بِصَنْعَاء واتصل بالإمام المهدي الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن قبل أَن يلي الْخلَافَة وَبعد أَن ولي الْخلَافَة جعله الْوَزير الْأَعْظَم وَاسْتمرّ وزيراً حَتَّى مَاتَ وَكَانَ صَادِق اللهجة الحديث: 52 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 كثير الْبر والإحسان ملازماً للطاعات وَالْجَمَاعَات مُقبلا على أهل الْعلم وَالْفضل كثير السعي فِيمَا فِيهِ صَلَاح الْمُسلمين لَا رَغْبَة لَهُ في الشَّرّ وَلَا يجلبه إِلَى أحد وأحبه الْأَمَام المهدي محبَّة شَدِيدَة وَكَانَ يعول عَلَيْهِ فِي جَمِيع الْأُمُور وَلم يكن كثير المَال مَعَ كَونه قد ولي الوزارة زِيَادَة على خمس وَعشْرين سنة لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَأْخُذ إلا على وَجه يَأْمَن من عاقبته وَلَو فعل كَمَا يفعل غَيره لترك من المَال مالم يسمع بِمثلِهِ في وزراء الْخُلَفَاء بِالْيمن وَمَات لَيْلَة الاثنين ثاني وَعشْرين ربيع الآخر سنة 1186 سِتّ وَثَمَانِينَ وَمِائَة وَألف (53) أَحْمد بن عماد بن يُوسُف بن عبد النبيّ الشهَاب أَبُو الْعَبَّاس الأقفهسي ثمَّ القاهري الشافعي وَيعرف بِابْن الْعِمَاد قَرَأَ على الأسنوي والبلقيني والباجي وآخرين وَمهر وَتقدم في الْفِقْه وَكتب على مهمات الأسنوي كتاباً سَمَّاهُ التعقبات على الْمُهِمَّات وَشرح الْمِنْهَاج عدَّة شُرُوح وَله مؤلف في أَحْكَام الْمَأْمُوم والإمام وآخر في موقف الْأَمَام وَالْمَأْمُوم وَله منظومات مِنْهَا منظومة فِيمَا يحل وَيحرم من الْحَيَوَان تزيد على أَربع مائَة بَيت والتبيان فِي آدَاب حَملَة الْقُرْآن تزيد على سِتّ مائَة بَيت وفي العقائد منظومة تزيد على خَمْسمِائَة بَيت وَله مصنفات غير ذَلِك قَالَ ابْن حجر في أنبائه أحد أَئِمَّة الشَّافِعِيَّة في هَذَا الْعَصْر قَالَ وَكَانَ كثير الْفَوَائِد كثير الإطلاع والتصانيف دمث الْأَخْلَاق وفي لِسَانه بعض حبسة مَاتَ فِي شهر جماد سنة 808 ثَمَان وثمان مائَة وَكَانَ في تعقباته على الأسنوي يكثر من تخطئته وَرُبمَا أقذع في بعض ذَلِك وَنسبه إِلَى سوء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 الْفَهم وَفَسَاد التَّصَوُّر مَعَ أَنه شَيْخه لَكِن قَالَ بعض الْفُضَلَاء رُبمَا كَانَ مقْصده حسناً في ذَلِك لتَضَمّنه الْتِفَات النَّاس إِلَى سَماع مَا رأى وَأَن غَيره أَخطَأ لِأَنَّهُ لَو أورد الْكَلَام ساذجاً بِدُونِهِ لم يلتفتوا إليه لكَون الأسنوي عِنْدهم جليل الْمِقْدَار انْتهى وَهَذَا محمل حسن فإنّ في مثل ذَلِك تَأْثِيرا ظَاهرا ولمثل هَذَا الْمَقْصد سلكت فِي حاشيتي على شِفَاء الأوام ذَلِك المسلك ونسأل الله إصْلَاح الْأَقْوَال والأعمال (54) أَحْمد بن أَبى الْفرج بَرَكَات الفارقاني تَاج الدَّين كَانَ أَبوهُ نَصْرَانِيّا يعرف بِسَعْد الدولة فَأسلم ولقب بشرف الدَّين وخدم وَلَده عِنْد بهادر رَأس النّوبَة فَتقدم إِلَى أَن صَار مُسْتَوفى الدولة فَلَمَّا ولي الْأَعَز الوزارة الْمرة الثَّامِنَة صادره وضربه بالمقارع فَترك الْمُبَاشرَة وَانْقطع بزاوية الشَّيْخ نصر المنبجي وَكَانَ الشَّيْخ نصر صديق السُّلْطَان بيبرس الجاشنكير وَقل أَن يُخَالِفهُ فى شئ فَكَلمهُ في أمره فأعفاه من الْمُبَاشرَة وَاسْتمرّ بالزاوية إِلَى أَن حفظ الْبَقَرَة وَآل عمرَان وتوصل إِلَى أَن استخدمه بيبرس وَحصل لَهُ أَمْوَالًا جمة في مُدَّة يسيرَة وَتقدم عِنْده إِلَى أَن صَار هُوَ المتحدث في الدولة باسرها وَلَا يعْمل فِيهَا شئ إلا بعد مُرَاجعَته وَكَانَ كثير الإعجاب والزهو بِنَفسِهِ والتعاظم بِحَيْثُ كَانَ الشَّخْص إِذا كَلمه وَهُوَ رَاكب امْر بضربه بالمقارع فَصنعَ ذَلِك مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا فَلم يَجْسُر اُحْدُ أَن يتحدث مَعَه وَهُوَ رَاكب وَإِذا نزل وَدخل منزله لم يَجْسُر أحد على الهجوم عَلَيْهِ فيصبر النَّاس على اخْتِلَاف مَرَاتِبهمْ على بَابه حَتَّى الْقُضَاة فَصَارَ مهاباً مُحْتَرما جداً وَمَعَ ذَلِك فَلَا يقبل هَدِيَّة وَلَا يخالط أحداً وَلَا يجْتَمع بغريب ويقتصد في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 ملبسه فَلَا يلبس في الصَّيف إلا الشامي الرفيع الْأَبْيَض وَلَا في الشتَاء إلا الملطي الصُّوف الْأَبْيَض وَلَا يرى عَلَيْهِ الافرجية بَيْضَاء ثمَّ إن سلاّر ألزمهُ بِلبْس خلعة الوزارة وَكَانَ شَدِيد البغض لَهُ فَلم يسْتَطع مُخَالفَته فلبسها فِي النّصْف من الْمحرم سنة 706 فَعمل بالوزارة ذَلِك الْيَوْم بالقلعة على الْعَادة إِلَى أَن انْصَرف إِلَى منزله وشيّعه النَّاس ثمَّ أَصْبحُوا إِلَى بَابه ليركبوا في خدمته فأقام حَتَّى تَعَالَى النَّهَار وَأرْسل يَقُول لَهُ مَعَ غُلَامه أَنه عزل نَفسه وَتوجه إِلَى زَاوِيَة الشَّيْخ نصر فَكتب نصر إِلَى بيبرس يشفع فِيهِ وَلم يزل حَتَّى أعفي عَن الوزارة وبقي على عَادَته وَالْأَمر كُله إِلَيْهِ في جَمِيع مَا يرجع إِلَى الدولة وَلم يكن السُّلْطَان يكْتب علامته على شئ حَتَّى يرى خطه فِيهِ كَذَا ترْجم لَهُ ابْن حجر في الدُّرَر وَلم يذكر وَفَاته (55) أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن جاد الله مشحم الصعدي ثمَّ الصنّعاني ولد سنة 1155 خمس وَخمسين ومائة وَألف وَنَشَأ بِصَنْعَاء وَقَرَأَ على شَيخنَا الْعَلامَة الْحسن بن إسماعيل المغربي في الْفِقْه وعَلى غَيره في الْعَرَبيَّة واشتغل بِالْحَدِيثِ وَكتب بِخَطِّهِ الْحُسَيْن كتباً وَلما مَاتَ وَالِده وَكَانَ قَاضِيا ولاه الْأَمَام المهدي الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن الْقَضَاء بِصَنْعَاء من جملَة قضاتها وَجعل لَهُ مقرراً فباشر ذَلِك مُبَاشرَة حَسَنَة بعفة ونزاهة وديانة وَأَمَانَة وسكينة ووقار فَمَا زَالَت دَرَجَته ترْتَفع فِيهِ وَلما مَاتَ الْأَمَام المهدي وَقَامَ مقَامه مَوْلَانَا الْأَمَام الْمَنْصُور بِاللَّه خَليفَة الْعَصْر عظمه وركن عَلَيْهِ في أُمُور جليلة وَهُوَ الآن من أَعْيَان الْقُضَاة ونبلائهم وكل مَا تولاه وَحكم بِهِ انشرحت الخواطر وَطَابَتْ بِهِ النُّفُوس وَهُوَ مُسْتَمر على حَاله الْجَمِيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 مقبل على شَأْنه وَله ولد عَلامَة هُوَ مُحَمَّد بن أَحْمد سيأتي لَهُ تَرْجَمَة مُسْتَقلَّة إِن شَاءَ الله تَعَالَى (56) احْمَد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مطهر القابلي نِسْبَة إِلَى جمَاعَة مَعْرُوفَة يسكنون بِالْقربِ من حصن شبّام حراز الْمَعْرُوف بالحرازي شيخ شُيُوخ الْفُرُوع بِلَا مدافع ولد حَسْبَمَا كتبه إِلَى بِخَطِّهِ في يَوْم الْأَضْحَى من شهر الْحجَّة سنة 1158 ثَمَان وَخمسين وَمِائَة وَألف بذمار ثمَّ نشأ بهَا وَقَرَأَ على الْعَلامَة عبد الْقَادِر بن حُسَيْن الشويطر وعَلى السَّيِّد الْعَلامَة الْحُسَيْن بن يحيى الديلمي وبرز في الْفِقْه والفرائض وارتحل فِي أول شبابه إِلَى مَدِينَة صنعاء فاتصل بِجَمَاعَة من أكَابِر أَهلهَا كالقاضي الْعَلامَة أَحْمد بن مُحَمَّد قاطن والقاضي الْعَلامَة إسماعيل ابْن يحيى الصّديق ثمَّ أَقرَأ الطّلبَة في جَامع صنعاء فِي شرح الأزهار لِابْنِ مِفْتَاح وَفِيمَا عَلَيْهِ من الحواشي الواسعة وَفِي بَيَان ابْن مظفر وفي شرح الناظري على الْفَرَائِض وَعَكَفَ عَلَيْهِ الطّلبَة وانتفعوا بِهِ وتنافسوا فِي الْأَخْذ عَنهُ وَصَارَت تلامذته شُيُوخًا ومفتيين وحكاماً وَله عافاه الله قدره على حسن التَّعْبِير وجودة التَّصْوِير مَعَ فصاحة لِسَان ورجاحة عقل وجمال صُورَة ووفور حَظّ عِنْد جَمِيع الْخلق لَا ترد لَهُ شَفَاعَة وَلَا يكسر لَهُ جاه وَقد خطب للأعمال الْكَبِيرَة فَقبل مِنْهَا مَا فِيهِ السَّلامَة فى دينه ودنياه وأرجع مَا عداهُ وَاجْتمعَ لَهُ من ذَلِك دنيا عريضة صانه الله بهَا عَن الْوُقُوع فِيمَا لَا يشتهى من التورطات وَقد بَاشر قسْمَة تَرِكَة الامام الْمَنْصُور بِاللَّه الْحُسَيْن بن الْقَاسِم وتركة الامام المهدى لدين الله الْعَبَّاس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 ابْن الْحُسَيْن فَأحْسن الْعَمَل فى التركتين جَمِيعًا مَعَ كَثْرَة الْوَرَثَة ذُكُورا وأناثا وَقد صارمولانا خَليفَة الْعَصْر حفظه الله يعْتَمد عَلَيْهِ في كثير من الْأَعْمَال وَلَو رغب فِي الْقَضَاء لَكَانَ أَهلا لَهُ وَقد اعْتمد النَّاس عَلَيْهِ في الْفَتْوَى وقصدوه بالمشكلات من كل مَكَان وَتفرد في معرفَة الْفِقْه وَلم يبْق لَهُ الْآن فِيهِ نَظِير لَا فى صنعاء ولافى ذمار فان شَيْخه الْعَلامَة الْحُسَيْن ابْن يحيى الْمُتَقَدّم ذكره هُوَ الْآن حَيّ وَلكنه لَا يبلغ رتبته في خُصُوص هَذَا الْفَنّ وَإِن كَانَ لَهُ فنون أُخْرَى وَقد لازمته في الْفُرُوع نَحْو ثَلَاث عشرَة سنة وانتفعت بِهِ وتخرجت عَلَيْهِ وقرأت عَلَيْهِ في الأزهار وَشَرحه وحواشيه ثَلَاث دفعات الدفعتين الْأَوليين اقتصرنا على ماتدعو إليه الْحَاجة والدفعة الثَّالِثَة استكملنا الدَّقِيق والجليل من ذَلِك مَعَ بحث وَتَحْقِيق ثمَّ قَرَأت عَلَيْهِ الْفَرَائِض للعصيفري وَشَرحهَا للناظري وَمَا عَلَيْهِ من الحواشي وقرأت عَلَيْهِ بَيَان ابْن مظفر وحواشيه وَكَانَت هَذِه الْقِرَاءَة بحث وإتقان وتحرير وَتَقْرِير وَهُوَ الآن حفظه الله حي ينْتَفع النَّاس بِهِ في الْقِرَاءَة وَالْفَتْوَى وَقَضَاء أغراضهم وَالْقِيَام بِمَا توجه إليه من الْأَعْمَال وأحواله جميلَة وغالب حركاته جليلة عافاه الله ونفع بِعُلُومِهِ وَمَات رَحمَه الله فِي شهر شَوَّال سنة 1227 سبع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَألف (57) السَّيِّد أَحْمد بن مُحَمَّد بن أسحق بن المهدى أَحْمد ابْن الْحسن بن الإمام الْقَاسِم ولد فِي سَابِع وَعشْرين شهر شعْبَان سنة 1123 ثَلَاث وَعشْرين وَمِائَة وَألف وَنَشَأ بِصَنْعَاء وَقَرَأَ على علمائها فِي علم الْآلَة وَالْأُصُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 والْحَدِيث وَالتَّفْسِير فبرع فِي جَمِيع هَذِه المعارف وَكَانَ لَهُ عناية بتصحيح النسخ والكتب على هوامشها وتوضيح غامضها وَعَكَفَ عَلَيْهِ الطّلبَة أَيَّامًا متداولة وَمن جملَة تلامذته شَيخنَا الْعَلامَة عَليّ ابْن إبراهيم بن عَامر الْآتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَله رئاسة عَظِيمَة وجلالة فخيمة وَهُوَ الْمُتَوَلِي لأمور آل إِسْحَاق بعد موت وَالِده وَقد كَانَ تولاها صنوه الْعَلامَة إِبْرَاهِيم فتعقب ذَلِك خُرُوج صَاحب التَّرْجَمَة من صنعاء مغاضباً للْإِمَام المهدي الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن ثمَّ جرت خطوب كَثِيرَة وَال الْأَمر أَنه صولح على أَنه يعود وَيكون لَهُ مَا كَانَ لوالده وَيقوم هُوَ مقَامه فوصل إِلَى صنعاء وَاسْتمرّ على ذَلِك إِلَى وَفَاته في شهر جُمَادَى الآخرة سنة 1190 تسعين وَمِائَة وَألف وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ من أكَابِر الْعلمَاء الْمُحَقِّقين وأفاضل السَّادة القادة الْمَشْهُورين وَقَامَ وَلَده الْعَلامَة الأديب الرئيس علي بن أَحْمد مقَامه فِي تجميع مَا كَانَ إليه وستأتي لَهُ تَرْجَمَة مُسْتَقلَّة (58) أَحْمد بن مُحَمَّد الْمَشْهُور بِابْن مَعْصُوم الحسيني الحجازي المولد ذكره وَلَده علي فِي سلافة الْعَصْر لَهُ أَن مولده لَيْلَة الْجُمُعَة خَامِس عشر شهر شعْبَان سنة 1027 سبع وَعشْرين وَألف بِالطَّائِف وَحفظ الْقُرْآن وتلاه بالسبع وَأخذ الْفِقْه عَن شرف الدَّين اليافعي والْحَدِيث عَن السَّيِّد نور الدَّين الشامي والعربية عَن علي المكي والمعقول عَن الشَّمْس الجيلاني وبرع فِي الْفُنُون سِيمَا الْعَرَبيَّة واعتنى بالأدب فنظم نظماً جيداً وارتحل إِلَى الْهِنْد فوصل إِلَى سلطانها قطب الدَّين شاه صَاحب حيدر آباد في شهر شَوَّال سنة 1054 فَعَظمهُ وأكرمه وَكَانَ قد اشتاق اليه غَايَة الاشتياق واحتال على وُصُوله فَلَمَّا وصل إليه زوّجه ابْنَته واستوزره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 وَيُقَال انه استولى على المملكة بعده وَهَذِه من الغرائب وَمن شعره قَوْله فِي غُلَام لَهُ ضربه فَبكى (ترَاءى كظبي نافر من حبائل ... يصول بِطرف فاتن مِنْهُ فاتر) (وَقد ملئت عَيناهُ من سحب جفْنه ... كنرجس روض جاده وبل ماطر) وَأَجَازَهُ وزيره أَحْمد بن مُحَمَّد الجوهري بقوله (وظبي غرير بالدلال محجب ... يرى أَن فرض الْعين ستر المحاجر) (رماني بِطرف أسبل الدمع دونه ... لكي لَا أرى عَيْنَيْهِ من غير سَاتِر) وَمَات المترجم لَهُ فِي يَوْم السبت لثلاث بَقينَ من صفر سنة 1085 خمس وَثَمَانِينَ وَألف وَهُوَ امامى الْمَذْهَب غفر الله لَهُ (59) أَحْمد بن مُحَمَّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الرَّحِيم بن يُوسُف بن سمير بن حَازِم أَبُو حَازِم المصري التيمي وَيعرف بِابْن الْبُرْهَان ولد فِيمَا بَين الْقَاهِرَة ومصر في ربيع الأول سنة 754 أَربع وَخمسين وَسَبْعمائة واشتغل بالفقه شافعيّاً وَسمع الحَدِيث وأحبه ثمَّ صحب بعض الظَّاهِرِيَّة فَجَذَبَهُ إِلَى النظر في كَلَام ابْن حزم فَأَحبهُ ثمَّ نظر في كَلَام ابْن تَيْمِية فغلب عَلَيْهِ بِحَيْثُ صَار لَا يعْتَقد أَن أحداً أعلم مِنْهُ وَكَانَت لَهُ نفس أبيَّة ومروءة وعصبية وَنظر في أَخْبَار النَّاس فطمحت نَفسه إِلَى الْمُشَاركَة في الْملك مَعَ أَنه لَيْسَ لَهُ فِيهِ قدم وَلَا لَهُ سلف في ذَلِك وَلَا مَعَه مَال فَلَمَّا غلب الظَّاهِر برقوق على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 المملكة وَحبس الْخَلِيفَة رام جعل ذَلِك وَسِيلَة لما حدثته بِهِ نَفسه فَغَضب من ذَلِك وَخرج فِي سنة 785 إِلَى الشَّام ثمَّ إِلَى الْعرَاق يَدْعُو إِلَى طلب رجل من قُرَيْش فاستقرى جَمِيع الممالك وَدخل حلب فَلم يبلغ قصداً ثمَّ رَجَعَ إِلَى الشَّام فاستغوى كثيراً من أَهلهَا وَكَانَ من أكبر الموافقين لَهُ مِمَّن يتدين مِنْهُم الياسوفي والحسباني لما ظهر من فَسَاد الْأَحْوَال وَكَثْرَة المعاصي وفشوّ الرِّشْوَة فِي الْأَحْكَام وَغير ذَلِك فَلم يزل على هَذِه الطَّرِيقَة إِلَى أَن نمى أمره إِلَى بيدمر نَائِب الشَّام فَسمع كَلَامه وأصغى إليه وَلم يشوش عَلَيْهِ لعلمه أَنه لَا يجِئ من يَدَيْهِ شئ ثمَّ نمى أمره إِلَى نَائِب القلعة شهَاب الدَّين الحمصي وَكَانَت بَينه وَبَين بيدمر عَدَاوَة شَدِيدَة فَوجدَ فرْصَة فى التأليب عَلَيْهِ بذلك فَاسْتَحْضر ابْن الْبُرْهَان واستخبره وَأظْهر أَنه مَال إِلَى مقَالَته فَبَثَّ إليه جَمِيع مَا كَانَ يَدْعُو إليه فَتَركه ثمَّ كَاتب السُّلْطَان بذلك كُله فَلَمَّا علم بِهِ كتب إِلَى النَّائِب يَأْمُرهُ بتحصيل ابْن الْبُرْهَان وَمن وَافقه على رَأْيه وبتشهيرهم فتورّع النَّائِب عَن ذَلِك وتكاسل عَنهُ وَأجَاب بالشفاعة فيهم وَالْعَفو عَنْهُم وَأَن أَمرهم متلاشي وَإِنَّمَا هم قوم خفت أدمغتهم من الدَّرْس وَاسْتمرّ ابْن الحمصي في انتهاز الفرصة فكاتب أيضاً بِأَن النَّائِب قد عزم على المخامرة فوصل إليه الْجَواب بمسك ابْن الْبُرْهَان وَمن كَانَ على رأيه وإن آل الْأَمر في ذَلِك إِلَى قتل بيدمر فَمَاتَ الياسوفي خوفاً بعد أَن قبض عَلَيْهِ وفرّ الحسباني وَلما حضر الْبُرْهَان إِلَى السُّلْطَان استدناه واستفهمه عَن سَبَب قِيَامه عَلَيْهِ فَأعلمهُ أَن غَرَضه أَن يقوم رجل من قُرَيْش يحكم بِالْعَدْلِ فإن هَذَا هُوَ الدَّين الَّذِي لَا يجوز غَيره وَزَاد في نَحْو هَذَا فَسَأَلَهُ عَمَّن مَعَه على مثل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 رَأْيه من الْأُمَرَاء فبرأهم فَأمر بضربه فَضرب هُوَ وَأَصْحَابه وحبسوا في الخزانة حبس أهل الجرائم وَذَلِكَ في ذي الْحجَّة سنة 788 ثمَّ أفرج عَنْهُم في ربيع الأول سنة 791 فاستمر ابْن الْبُرْهَان مُقيما بِالْقَاهِرَةِ على صُورَة إملاق إِلَى أَن مَاتَ لأَرْبَع بَقينَ من جُمَادَى الأولى سنة 808 ثَمَان وَثَمَانمِائَة وحيداً فريدا بِحَيْثُ لم يحضر فى جنازنه إِلَّا سَبْعَة أنفس لَا غير وَكَانَ ذَا مُرُوءَة علية وَنَفس أَبِيه حسن المذاكرة والمحاضرة عَارِفًا بأكثر الْمسَائِل الَّتِى يُخَالف فِيهَا أهل الظَّاهِر الْجُمْهُور يكثر الِانْتِصَار لَهَا ويستحضر أدلتها وأملى وَهُوَ في الْحَبْس بِغَيْر مطالعة مَسْأَلَة رفع الْيَدَيْنِ فِي السُّجُود وَمَسْأَلَة وضع الْيُمْنَى على الْيُسْرَى في الصَّلَاة ورسالة في الإمامة وَذَلِكَ يدل على وفور اطِّلَاعه قَالَ ابْن حجر وَقد جالسته كثيراً وَسمعت من فَوَائده كثيراً وَكَانَ كثير الإنذار بِمَا حدث بعده من الْفِتَن والشرور لما جبل عَلَيْهِ من الِاطِّلَاع على أَحْوَال النَّاس وَلَا سِيمَا مَا حدث من الغلاء وَالْفساد بِسَبَب رخص الْفُلُوس بِالْقَاهِرَةِ بِحَيْثُ أَنه رأى عندي قَدِيما مرة مِنْهَا جانباً كثيراً فَقَالَ لي أحذر أَن تقتنيها فإنها لَيست رَأس مَال فَكَانَ كَذَلِك لِأَنَّهَا كَانَت في ذَلِك الْوَقْت يساوي القنطار مِنْهَا عشْرين مِثْقَالا فأكثر وَصَارَ الْأَمر في هَذَا الْعَصْر إِلَى أَنَّهَا تساوي أربعة مَثَاقِيل ثمَّ صَار تساوى ثَلَاثَة ثمَّ اثْنَيْنِ وَربع وَنَحْو ذَلِك ثمَّ انعكس الْأَمر بعد ذَلِك وَصَارَت من عِنْده شئ مِنْهَا اغتبط فِيهِ لما رفعت قيمتهَا من كل رَطْل إِلَى اثني عشر ثمَّ إِلَى أَرْبَعَة وَعشْرين ثمَّ انعكس الْأَمر فَظهر أَنَّهَا لَيست مَالا يقتنى لوُجُود الْخلَل في قيمتهَا وَعدم ثباتها على قيمَة وَاحِدَة انْتهى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 (60) أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَبى بكر بن عبد الْملك بن الزين أَحْمد بن الْجمال مُحَمَّد بن الصفيّ مُحَمَّد بن الْمجد حُسَيْن بن التَّاج علي القسطلاني الأَصْل المصري الشّافعي وَيعرف بالقسطلاني ولد في ثاني عشر ذي الْقعدَة سنة 851 إِحْدَى وَخمسين وثمان مائَة بِمصْر ونشأ بهَا فحفظ الْقُرْآن والشاطبيتين وَنصف الطّيبَة الجزرية والوردية في النَّحْو وتلى بالسبع على السراج عمر بن قَاسم الأنصاري الساوي وبالثلاث إِلَى وَقَالَ الَّذين لَا يرجون لقاءنا على الزين عبد الْغنى الهيثمي وبالسبع ثمَّ بالعشر في ختمتين على الشهَاب بن أَسد وَأخذ القرا آتٍ عَن جمَاعَة أَيْضا وَأخذ الْفِقْه عَن الْفَخر المقسي تقسيماً والشهاب العيادي وَقَرَأَ ربع الْعِبَادَات من الْمِنْهَاج وَمن البيع وَغَيره من الْبَهْجَة على الشَّمْس اليامي وَقطعَة من الحاوي على الْبُرْهَان وَمن أول حَاشِيَة الْجلَال البكري على الْمِنْهَاج إِلَى أثْنَاء النِّكَاح بِفَوَات في أَثْنَائِهَا على مؤلفها وَسمع مَوَاضِع فِي شرح الألفية وَسمع على المليونى والرضى الأوحاقى والسخاوي وَسمع صَحِيح البخاري بِتَمَامِهِ في خَمْسَة مجَالِس على الشاوي وَقَرَأَ فِي الْفُنُون على جمَاعَة ثمَّ حجّ غير مرة وجاور سنة ارْبَعْ وَثَمَانِينَ ثمَّ جاور مجاورة أُخْرَى سنة أَربع وَتِسْعين وَسمع بهَا عَن جمَاعَة وَجلسَ للوعظ بالجامع الْعُمْرَى وَكَانَ يجْتَمع عِنْده جمع جم ثمَّ جلس بِمصْر شَاهدا رَفِيقًا لبَعض الْفُضَلَاء وَبعده انجمع وَكتب بِخَطِّهِ لنَفسِهِ أَشْيَاء بل جمع فى القرا ات الْعُقُود السّنيَّة فِي شرح الْمُقدمَة الجزرية في التجويد والكنز في وقف حَمْزَة وَهِشَام على الْهَمْز وشرحاً على الشاطبية وصل فِيهِ إِلَى الإدغام الصَّغِير زَاد فِيهِ زيادات ابْن الجزرى مَعَ فَوَائِد غَرِيبَة لَا تُوجد فِي شرح غَيره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 وَكتب على الطّيبَة قِطْعَة مزجاً وعَلى الْبردَة مزجاً أَيْضا سَمَّاهُ مَشَارِق الْأَنْوَار المضية في مدح خير الْبَريَّة وتحفة السَّامع والقارى بِخَتْم صَحِيح البخاري وَمن مؤلفاته الْمَشْهُورَة شرح البخاري الْمُسَمّى إرشاد الساري على صَحِيح البخاري فِي أَربع مجلدات وَشرح صَحِيح مُسلم مثله وَلم يكمل والمواهب اللدنية بالمنح المحمدية وَكَانَ متعففاً جيد الْقِرَاءَة لِلْقُرْآنِ والْحَدِيث والخطابة شجي الصَّوْت مشارك فِي الْفَضَائِل متواضع متودد لطيف الْعشْرَة سريع الْحَرَكَة كثرت أسقامه واشتهر بالصلاح وَالتَّعَفُّف على طَرِيق أهل الْفَلاح قَالَ الشَّيْخ جَار الله ابْن فَهد وَلما اجْتمعت بِهِ فِي الرحلة الأولى أجازني بمؤلفاته ومروياته وفي الرحلة الثَّانِيَة عظّمني واعترف لي بِمَعْرِِفَة فني وتأدب معي وَلم يجلس على مرتبته بحضرتي فَالله يزِيد فِي إكرامه ويبلغه غَايَة مرامه قَالَ ثمَّ بلغني فِي رحلتي إِلَى الشَّام أَنه مَاتَ في لَيْلَة الْجُمُعَة سَابِع الْمحرم سنة 923 ثَلَاث وعشربن وَتِسْعمِائَة وَصلى عَلَيْهِ بعد الْجُمُعَة بالجامع الْأَزْهَر وَدفن بِالْمَدْرَسَةِ جوَار منزلَة تغمده الله برحمته (61) أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحسن بن أَحْمد الحيمي الكوكباني الْخَطِيب البليغ الشَّاعِر نَشأ بكوكبان وَأخذ الْعلم عَن جمَاعَة من أَعْيَان الْعلمَاء ذكرهم في كِتَابه الْمُسَمّى طيب السمر وَهُوَ كتاب حافل ترْجم فِيهِ لجَماعَة من الْأَعْيَان تراجم مسجعة كَمَا هُوَ صنع غَالب المؤرخين الْمُتَأَخِّرين وَمن مصنفاته شرح قصيدة مُحَمَّد بن عبد الله ابْن الإمام شرف الدَّين سَمَّاهُ الأصداف المشحونة باللئالي المكنونة وَهُوَ شرح مُفِيد طالعته فرايته فائقاً في بَابه وَله شرح على رِسَالَة الواثق الْمَشْهُورَة سلك فِيهَا مَسْلَك الصفدي فِي شرح لامية الْعَجم وَله مؤلفات أدبية تزيد على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 الْأَرْبَعين وَهُوَ مجيد في كل مَا يصنفه وَمن شعره الأبيات الَّتِى مطْلعهَا (لعب النسيم بِغُصْن قد أهيف ... لابل من دَاء السقام وَلَا شفى) (وَمن شعره) (نسيم الرَّوْض عَن وبل بلَيْل ... تنفس لَا بسا برد الْأَصِيل) (ووافى رَاوِيا خَبرا صَحِيحا ... من الأنباء عَن جسم عليل) (لقد سهرت عيوني حِين وافا ... لذكرى من يعدّوا خير جيل) (فَمَا اكتحلت بنوم قط إلا ... بميل في الْمسَافَة بعد ميل) وَله نظم كَثِيرَة ونثر وَاسع وَكله في رُتْبَة متوسطة وَهُوَ طَوِيل النَّفس فِي جَمِيع مَا يأتي بِهِ توفي سنة 1151 إِحْدَى وَخمسين وَمِائَة وَألف (62) أَحْمد بن مُحَمَّد الحجازي الينبعي الأَصْل الصنعاني المولد والوفاة الشَّاعِر الْمَشْهُور هُوَ من مشاهير الشُّعَرَاء وَله قصائد طنانة ومعاني رائقة لَو لم يكن لَهُ مِنْهَا إلا مَا وَقع لَهُ من تَشْبِيه الْهلَال الَّذِي فاق من قبله وَلم يلْحق بِهِ من بعده وَهُوَ قَوْله من قصيدة (وَنَنْظُر في الغرب الْهلَال كَأَنَّهُ ... من العاج مشط غاص في آخر الْفَرْع وَتوفى بِصَنْعَاء تَقْرِيبًا سنة 1095 خمس وَتِسْعين وَألف (63) السَّيِّد أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عبد الْقَادِر بن النَّاصِر بن عبد الرب بن علي بن شمس الدَّين بن الإمام شرف الدَّين الكوكباني أَمِير كوكبان وبلادها ولد في خَامِس وَعشْرين شهر الْقعدَة سنة 1122 اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَمِائَة وَألف وَأخذ الْعلم عَن جمَاعَة من أهل جِهَته كالسيّد الْعَلامَة صَلَاح بن يحيى الْخَطِيب والفقيه عبد الله القاعي وَشَيخنَا السَّيِّد الْعَلامَة عبد الْقَادِر بن أَحْمد الآتى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 ذكره وبرع فِي الْعُلُوم واشتهرت فضائله وسارت الركْبَان بعد لَهُ فِي رَعيته بِحَيْثُ كَانَت مباشراته على وفْق الشَّرِيعَة المطهرة وَولى الإمارة في حَيَاة أَبِيه وَلما مَاتَ الإمام الْمَنْصُور بِاللَّه الْحُسَيْن بن الْقَاسِم دَعَا إِلَى نَفسه وثوقاً مِنْهُ بكتب وصلت إِلَيْهِ من جمَاعَة من أهل صنعاء وَغَيرهم ثمَّ أرسل الإمام المهدي طَائِفَة من جُنُوده وَوَقعت خطوب وحروب وآخر الْأَمر بَايع صَاحب التَّرْجَمَة للإمام المهدي وَاسْتقر اميرا لكوكبان وبلادهما ناشرا للعدل محييا للشريعة حَتَّى مَاتَ لعشرين خلت من شعْبَان سنة 1181 إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَة وَألف وَصَارَت الإمارة بعده إِلَى أَخِيه عبد الْقَادِر بن مُحَمَّد وَمَشى على طَرِيقَته ثمَّ صَارَت الإمارة بعده إِلَى أَخِيه السَّيِّد إبراهيم بن مُحَمَّد ثمَّ إِلَى وَلَده السَّيِّد الْعَبَّاس بن إبراهيم ثمَّ عَادَتْ إِلَى أخي صَاحب التَّرْجَمَة السَّيِّد الْعَلامَة عِيسَى بن مُحَمَّد وستأتي تَرْجَمته ثمَّ انْتَقَلت عَنهُ إِلَى ابْن صَاحب التَّرْجَمَة وَهُوَ السَّيِّد شرف الدَّين ابْن أَحْمد بن مُحَمَّد وستأتي تَرْجَمته أيضاً وَهُوَ الْأَمِير حَال تَحْرِير هَذِه الأحرف وَلِصَاحِب التَّرْجَمَة نظم فَمِنْهُ قَوْله (كَأَنَّمَا الْعَارِض لما بدا ... كتائب قد صففت لِلْقِتَالِ) (ورعده والبرق قد أشبها ... بِنَا دقافي الصَّوْت والأشتعال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 (وَبَعْضهمْ رام بقوس وَمن ... تراكس السحب بجر النبال) (64) أَحْمد بن مُحَمَّد بن سَالم بن ابى الْمَوَاهِب الْحسن بن هبة ابْن مَحْفُوظ بن الْحسن بن صصري الملقب نجم الدَّين الدمشقي ولد في ذي القعدة سنة 655 خمس وَخمسين وسِتمِائَة وأحضر على الرشيد الْعَطَّار سنة 658 وبدمشق على ابْن عبد الدَّائِم وعَلى جدّه لأمه الْمُسلم بن عَدْلَانِ وعَلى ابْن أَبى الْيُسْر وتفقه على التَّاج ابْن الفركاح وَأخذ بِمصْر عَن شمس الدَّين الاصبهانى وَكتب في ديوَان الإنشاء وَكَانَ جيد الْخط فائق النظم والنثر سريع الْكِتَابَة جداً حَتَّى قيل أنه كتب خمس كراريس في يَوْم وَكَانَ فصيح الْعبارَة طَوِيل الدُّرُوس ينطوي على دين وَتعبد وَمَكَارِم وَولى قَضَاء دمشق سنة 702 ودام فِيهِ إِلَى أَن مَاتَ في شهر ربيع الأول سنة 723 ثَلَاث وَعشْرين وَسَبْعمائة وط الت مدَّته وَكَانَ كثير التودّد والمكارم والمواددة قَالَ ابْن الزملكاني كَانَ طلق الْعبارَة لَا يكَاد يتَكَلَّم في فن إِلَّا وَيذكر دروساً طَوِيلَة وَلم يزل في نمو وارتفاع إِلَى أَن مَاتَ في التَّارِيخ الْمَذْكُور بحماه ولشعراء عصره فِيهِ غرر المدائح كالشهاب مَحْمُود وَالْجمال بن نباتة وَغَيرهمَا وَخرج لَهُ العلائي مشيخة فَأَجَازَهُ بجملة دَرَاهِم وَأول مادرس بالعادلية سنة 682 ثمَّ درس بالأرمستية ثمَّ درس بالغزالية ثمَّ ولي قَضَاء الْعَسْكَر ومشيخة الشُّيُوخ ثمَّ الْقَضَاء الأكبر بِدِمَشْق في التَّارِيخ السَّابِق وَكَانَ يتفضل على كل من قدم إليه من كَبِير وصغير وهداياه لَا تَنْقَطِع عَن أهل الشَّام وَلَا عَن أهل مصر مَعَ التودد والتواضع الزايد والحلم وَالصَّبْر على الْأَذَى هجاه ابْن الْمرجل بِأَبْيَات فتحيل حَتَّى وصلت إليه بِخَط النَّاظِم فاتفق أَنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 دخل عَلَيْهِ فغمز مَمْلُوكه فَوضع الأبيات أَمَامه مَفْتُوحَة فَلَمَّا جلس ابْن الْمرجل لمحها فعرفها فَلَمَّا تحقق القاضي أَنه عرفهَا أَشَارَ برفعها ثمَّ أحضر لَهُ قماش وصرة فضة وَقَالَ لَهُ هَذِه جائزة الأبيات فَأَخذهَا ومدحه وَدخل عَلَيْهِ شَاعِر وَمَعَهُ قصيدتان في إحداهما هجو وفي الْأُخْرَى مدح وأضمر أَن يُعْطِيهِ الْمَدْح فإن أرضاه وإلاّ أعطَاهُ الهجو فغلط فَأعْطَاهُ الهجو فقرأه وَأَعْطَاهُ جَائِزَة وأوهم من حضر أَنه مدح فَلَمَّا خرج الشَّاعِر وجد قصيدة الْمَدْح فَعَاد وَدفعهَا إليه وَأظْهر الِاعْتِذَار فَمَا واخذه (65) أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم بن عَطاء الله تَاج الدَّين أَبُو الْفضل الإسكندراني الشاذلي صحب الشَّيْخ أَبَا الْعَبَّاس المرسي صَاحب الشاذلية وصنّف مناقبه ومناقب شَيْخه وَكَانَ الْمُتَكَلّم على لِسَان الصوفية في زَمَانه وَهُوَ مِمَّن قَامَ على الشَّيْخ تقى الدَّين ابْن تَيْمِية فَبَالغ في ذَلِك وَكَانَ يتَكَلَّم على النَّاس وَله فِي ذَلِك تصانيف قَالَ الذهبي كَانَت لَهُ خلال عَجِيبَة وَوَقع في النُّفُوس ومشاركة فِي الْفَضَائِل وَرَأَيْت الشَّيْخ تَاج الدَّين الفارقي لما رَجَعَ من مصر مُعظما لوعظه وإشارته وَكَانَ يتَكَلَّم بالجامع الْأَزْهَر يمزج كَلَام الْقَوْم بآثار عَن السلف وفنون من الْعلم فَكثر أَتْبَاعه وَكَانَ عَلَيْهِ سيماء الْخَيْر وَيُقَال أن ثَلَاثَة قصدُوا مَجْلِسه فَقَالَ أحدهم لَو سلمت من العائلة لتجردت وَقَالَ الآخر أَنا أصلي وَأَصُوم وَلَا أجد من الصلاح ذرة فَقَالَ الثَّالِث إن صلاتي مَا ترضيني فَكيف ترْضى ربي فَلَمَّا حَضَرُوا مَجْلِسه قَالَ في أثْنَاء كَلَامه وَمن النَّاس من يَقُول فَأَعَادَ كَلَامهم بِعَيْنِه وَمن جملَة من أَخذ عَنهُ الشَّيْخ تقي الدَّين السبكي وَقَالَ الْكَمَال جَعْفَر سمع من الأبرقوهي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 وَقَرَأَ النَّحْو على المحيى وشارك فِي الْفِقْه وَالْأَدب وَصَحب المرسي فَتكلم على النَّاس فسارعت إليه الْعَامَّة وَكثير من المتفقهة وَكثر أَتْبَاعه قَالَ أَبُو حَيَّان وَقَالَ الْكَمَال ابْن المكين حكى لَهُ المراكشي قَالَ كنت أصحب فَقِيرا فَحَضَرَ اليه الخليلى الْوَزير يزوره فَقَالَ لَهُ جاءني ابْن عَطاء الله فَقَالَ لي اللَّيْلَة ترى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم فِي الْمَنَام فَاجْعَلْ بشارتي أَن توليني الخطابة بالإسكندرية فمضت اللَّيْلَة وَمَا رَأَيْت شَيْئا وَقد عزمت على ضربه فَلم يزل الْفَقِير يتلطف بِهِ حَتَّى عَفا عَنهُ وَإِذا صَحَّ هَذَا فَهُوَ محتال وَلَيْسَ من الرِّجَال وَهُوَ صَاحب الحكم الْمَشْهُورَة الآن بِحكم ابْن عَطاء الله الَّتِى يلهج كثير من متصوفه زمننا بِحِفْظ كَلِمَات مِنْهَا وَمَات في نصف جُمَادَى الْآخِرَة سنة 709 تسع وَسَبْعمائة (66) أَحْمد بن مُحَمَّد بن عُثْمَان الأزديّ الْعَدْوى أَبُو الْعَبَّاس ابْن الْبناء أَخذ عَن قاضي الْجَمَاعَة مُحَمَّد بن على المراكشى وأبى عبد الله مُحَمَّد ابْن أَبى البركات أَبى الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد الْمَدْعُو ابْن أَبى عَطاء وأبي الْحُسَيْن ابْن أَبى عبد الرَّحْمَن وَغَيرهم وَكَانَ فَاضلا عَاقِلا نبيهاً انْتفع بِهِ جمَاعَة في التَّعْلِيم وَكَانَ يشْتَغل من بعد صَلَاة الصُّبْح إِلَى قريب الزَّوَال مُدَّة إِلَى أَن كَانَ فى سنة 699 فَخرج إِلَى صَلَاة الْجُمُعَة في يَوْم ريح وغبار فتأذى بذلك وأصابه يبس في دماغه وَكَانَ لَهُ مُدَّة لَا يَأْكُل مَا فِيهِ روح فبدت مِنْهُ أَحْوَال لم تعهد وهيئات عَجِيبَة وَصَارَ يكاشف كل من دخل عَلَيْهِ ويخبره بِمَا هُوَ عَلَيْهِ فَأمر الشَّيْخ أَبُو زيد عبد الرَّحْمَن بن عبد الْكَرِيم الأغماتي أَهله أَن يحجبوه فَأَقَامَ سنة ثمَّ صَحَّ وَخرج إلى النَّاس وَصَارَ يذكر مَا جرى لَهُ من ذَلِك وَفِيه عجائب مِنْهَا أَنه رأى صوراً علوِيَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 وُجُوههم مضيئة تكلمُوا بعلوم جمة تتَعَلَّق بمعاني الْقُرْآن بأساليب بديعة قَالَ ثمَّ هجم عليّ جمَاعَة في صور مفزعة فَذكر كلَاما طَويلا وَله مصنفات مِنْهَا التخليص فِي الْحساب فى سفر وَكتاب فِي الأوفاق وَكتاب في الأنواء وَغير ذَلِك وَاسْتمرّ بِبَلَدِهِ يُفِيد النَّاس إِلَى أَن مَاتَ سنة 721 إحدى وَعشْرين وَسَبْعمائة (67) أَحْمد بن مُحَمَّد بن حجر الوائلي السعدي الهيثمي المصري ثمَّ المكي ولد سنة 909 تسع وَتِسْعمِائَة وَنَشَأ بِبَلَدِهِ وَحفظ الْقرَان ثمَّ انْتقل إلى مصر فحفظ مختصرات وَقَرَأَ على الشَّيْخ عمَارَة المصرى والرملى وأبى السحن البكري وَغَيرهم وبرع في جَمِيع الْعُلُوم خُصُوصا فقه الشافعي وصنّف التصانيف الْحَسَنَة ثمَّ انْتقل من مصر إِلَى مَكَّة المشرفة وَسبب انْتِقَاله أَنه اختصر الرَّوْض للمقري وَشرع في شَرحه فأخذه بعض الحساد وفتته وأعدمه فَعظم عَلَيْهِ الْأَمر وَاشْتَدَّ حزنه وانتقل إلى مَكَّة وصنّف بهَا الْكتب المفيدة مِنْهَا الامداد وَفتح الْجواد شرحاً على الإرشاد الأول بسيط والثاني مُخْتَصر وتحفة الْمُحْتَاج شرح الْمِنْهَاج وَالصَّوَاعِق المحرقة وَشرح الهمزية وَشرح الْعباب وَكَانَ زاهداً متقللاً على طَريقَة السلف أمراً بِالْمَعْرُوفِ ناهياً عَن الْمُنكر وَاسْتمرّ على ذَلِك حَتَّى مَاتَ في سنة 973 ثَلَاث وَسبعين وَتِسْعمِائَة (68) أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن إبراهيم بن أَبى نصر مُحَمَّد بن عرب شاه الدمشقي الأَصْل الرومي الحنفي وَيعرف بالعجمي وبابن عرب شاه وَهُوَ الْأَكْثَر وَلَيْسَ هُوَ بقريب لداود وَصَالح ابني مُحَمَّد بن عرب شاه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 الهمذانيين الأَصْل الدمشقيين الحنفيين ولد فِي لَيْلَة الْجُمُعَة منتصف ذي الْقعدَة سنة 791 إحدى وَتِسْعين وَسَبْعمائة بِدِمَشْق وَنَشَأ بهَا فَقَرَأَ الْقرَان على الزين عمر بن اللبان المقري ثمَّ تحول في سنة ثَلَاث وثمان مائَة في زمن الْفِتْنَة مَعَ أخوته وأمهم وَابْن أُخْته عبد الرَّحْمَن بن إبراهيم بن حولان إِلَى سَمَرْقَنْد ثمَّ بمفرده إِلَى بِلَاد الخطا وَأقَام بِبِلَاد مَا وَرَاء النَّهر مديماً للاشتغال وَالْأَخْذ عَن من هُنَاكَ من الأستاذين فَكَانَ مِنْهُم السَّيِّد مُحَمَّد الجرجاني وَابْن الجزري وهما نزيلا سَمَرْقَنْد وعصام الدَّين ابْن الْعَلامَة عبد الْملك وَجَمَاعَة ولقي بسمرقند الشَّيْخ الْعُرْيَان الأدهمي الَّذِي استفيض هُنَالك أَنه ابْن ثلثمِائة وَخمسين سنة وبرع فى الْفُنُون ثمَّ توجه إِلَى خوارزم فَأخذ عَن نور الله وَأحمد بن شمس الْأَئِمَّة ثمَّ إِلَى بِلَاد الدشت وَتلك النواحى ثمَّ قطع بَحر الرّوم إِلَى مملكة ابْن عُثْمَان فَأَقَامَ بهَا نَحْو عشر سِنِين وَترْجم فِيهَا للْملك غياث الدَّين أَبى الْفَتْح مُحَمَّد بن أَبى يزِيد مُرَاد بن عُثْمَان كتاب جَامع الحكايات ولامع الرِّوَايَات من الفارسي إِلَى التركي فِي نَحْو سِتّ مجلدات وَتَفْسِير أبي اللَّيْث السَّمرقَنْدِي القادري بالتركي نظماً وباشر عِنْده ديوَان الإنشاء وَكتب عَنهُ إِلَى مُلُوك الْأَطْرَاف عَرَبيا وشامياً وتركياً ومغولياً وعجمياً كل ذَلِك مَعَ حرصه على الاستفادة بِحَيْثُ قَرَأَ الْمِفْتَاح على الْبُرْهَان الحوافي وَأخذ عَنهُ الْعَرَبيَّة أَيْضا فَلَمَّا مَاتَ ابْن عُثْمَان رَجَعَ إِلَى وَطنه الْقَدِيم فَدخل حلب فَأَقَامَ بهَا نَحْو ثَلَاث سِنِين ثمَّ الشَّام وَكَانَ دُخُوله إليها في جُمَادَى الآخرة سنة 825 فَجَلَسَ بحانوت مَسْجِد الْقصب مَعَ شُهُوده يَسِيرا لكَون مُعظم أوقاته الانعزال عَن النَّاس وَقَرَأَ بهَا على القاضي شهَاب الدَّين الْحَنْبَلِيّ صَحِيح مُسلم فى سنة 830 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 فَلَمَّا قدم الْعَلَاء البخاري سنة 832 مَعَ الركب الشامي من الْحجاز انْقَطع إليه ولازمه في الْفِقْه والأصليين والمعاني وَالْبَيَان والتصوف وَغير ذَلِك حَتَّى مَاتَ وَتقدم في غَالب الْعُلُوم وَأَنْشَأَ النظم الْفَائِق والنثر الرَّائِق وصنف نظماً ونثراً وَمن تصانيفه مرآة الْأَدَب في علم الْمعَانى وَالْبَيَان والبديع سلك فِيهِ أسلوباً بديعاً نظم فِيهِ التَّلْخِيص عمله قصائد غزلية كل بَاب مِنْهُ قصيدة مُفْردَة على قافية ومقدمة في النَّحْو عُقُود النَّصِيحَة والرسالة الْمُسَمَّاة العقد الفريد فِي التَّوْحِيد وَهُوَ مؤلف تَارِيخ تيمور وَسَماهُ عجائب الْمَقْدُور في نَوَائِب تيمور وَفِيه بلاغة فائقة وسجعات رائقة وَله فَاكِهَة الْخُلَفَاء ومفاكهة الظرفاء والترجمان المترجم بمنتهى الأرب فِي لُغَة التّرْك والعجم وَالْعرب وأشير إليه بالفضيلة وأجله الأكابر وَكَانَ أحد الْأَفْرَاد في إجادة النظم والنثر وَمَعْرِفَة اللُّغَات والمجئ بالمستظرفات وإجادة الْخط وإتقان الضَّبْط وعذوبة الْكَلَام وملاحة المحاضرة وَكَثْرَة التودد ومزيد التَّوَاضُع وعفة النَّفس ووفور الْعقل وَاسْتمرّ على جميل أَوْصَافه حَتَّى مَاتَ في يَوْم الِاثْنَيْنِ منتصف شهر رَجَب سنة 854 أَربع وَخمسين وثمان مائَة وَجَرت لَهُ محنة من الظَّاهِر جقمق شكى اليه حميد الدَّين فَأدْخلهُ سجن أهل الجرائم فدام فِيهِ خَمْسَة أَيَّام ثمَّ أخرج وَاسْتمرّ مَرِيضا من الْقَهْر حَتَّى مَاتَ بعد اثني عشر يَوْمًا وَمن نظمه (قَمِيص من الْقطن من حله ... وشربة مَاء قراح وقوت) (ينَال بهَا الْمَرْء مَا يبتغي ... وَهَذَا كثير على من يَمُوت) وَمن نظمه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 . فعش مَا شِئْت في الدُّنْيَا وَأدْركَ ... بهَا مَا شِئْت من صيت وَصَوت) (فحبل الْعَيْش مَوْصُول بِقطع ... وخيط الْعُمر مقصوص بِمَوْت) وَله (وَمَا الدَّهْر إِلَّا سلم فبقدر مَا ... يكون صعُود الْمَرْء فِيهِ هُبُوطه) (وهيهات مَا فِيهِ نزُول وإنما ... شُرُوط الَّذِي يرقى إِلَيْهِ سُقُوطه) (فَمن صَار أَعلَى كَانَ أوفى تهشما ... وَفَاء بِمَا قَامَت عَلَيْهِ شُرُوطه) وَحكى السخاوي أَنه اسر مَعَ تيمور لنك وَنقل إِلَى سَمَرْقَنْد ثمَّ خرج مِنْهَا في سنة إِحْدَى عشر وجال بِبِلَاد الشرق وَرجع إِلَى دمشق وَقد جرى بَينه وَبَين الْبُرْهَان الباعوني الْمُقدم ذكره مطارحات مِنْهَا أَن الْبُرْهَان كتب إِلَيْهِ بِسِتَّة أَبْيَات الْتزم فِيهَا قافية الظَّاء المشالة أَولهَا (أأحمد لم تكن وَالله فظاً ... وَلَكِن لَا أرى لى مِنْك حظا) واستوفى كثيراً من اللُّغَة فَحصل لصَاحب التَّرْجَمَة سِتَّة أَبْيَات أُخْرَى قبل نظره في كتب اللُّغَة فَعجب من كَثْرَة اطِّلَاعه وسعة دائرته ثمَّ كتب إِلَيْهِ بِأَبْيَات الْتزم فِيهَا الرَّاء قبل الْألف وَالرَّاء بعْدهَا أَولهَا (من مجيري من ظلوم ... مِنْهُ أبعدت فِرَارًا) وَاسْتوْفى مَا فِي الْبَاب فَكتب إِلَيْهِ صَاحب التَّرْجَمَة قصيدة بغداذية فَلم يقدر على الْجَواب بِمِثْلِهَا وَكتب إِلَيْهِ بقوله (يَا شهَاب الدَّين يَا ... أَحْمد يَابْنَ عرب شاه) وَاسْتوْفى القافية فظفر صَاحب التَّرْجَمَة بأَشْيَاء تَركهَا فَكتب إِلَيْهِ (قد أَتَى الْفضل عَلَيْهِ ... حلل اللَّفْظ موشاه) فتعجب الْبُرْهَان من سَعَة دائرته واطلاعه ثمَّ قَالَ لَهُ أَنا وَالله مَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 عرفتك إِلَّا الْآن فَقَالَ لَهُ وَالله وَإِلَى الْآن مَا عَرفتنِي وطالت الْمُكَاتبَة بَينهَا على هَذَا المنوال حَتَّى اجْتمع من ذَلِك مُجَلد 69 - (أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الْهَادِي بن صَالح بن عبد الله بن أَحْمد قاطن الحبابى ثمَّ الثلائى ثمَّ الكوكباني ثمَّ الصّنعاني كَانَ مولده لَيْلَة أَربع عشرَة محرم سنة 1118 ثَمَان عشرَة وَمِائَة وَألف قَرَأَ في مَدِينَة شبام وحصن كوكبان وتكسب بِالتِّجَارَة فِي مبادئ عمره بشبام مَعَ اشْتِغَاله بِالْعلمِ وإكبابه على الْفُنُون ثمَّ أَخذ في صنعاء عَن السَّيِّد الْعَلامَة هَاشم بن يحيى الشامي وَالسَّيِّد الْعَلامَة صَلَاح بن الْحُسَيْن الْأَخْفَش وَالسَّيِّد الْعَلامَة أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن الشامي وطالت ملازمته للثَّالِث وَقَرَأَ عَلَيْهِ في عدَّة فنون وبقي في بَيته سِنِين فعاونه عِنْد الإمام الْمَنْصُور بِاللَّه الْحُسَيْن بن الْقَاسِم ابْن حُسَيْن بن الإمام المهدي وَكَانَ السَّيِّد الْمَذْكُور إِذْ ذَاك مُتَوَلِّيًا للْقَضَاء الْأَكْبَر بِصَنْعَاء فولى صَاحب التَّرْجَمَة الْقَضَاء وَجعله من جملَة حكامها فاتفقت حَادِثَة كَانَ بِسَبَبِهَا عزل صَاحب التَّرْجَمَة مَعَ أَن الْحق مَعَه ثمَّ لما كَانَت خلَافَة الإمام المهدي لدين الله الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن ولاه الْقَضَاء بِمَدِينَة ثلاء ثمَّ جعل إِلَيْهِ ولَايَة الْأَوْقَاف ثمَّ بعد ذَلِك اعتقله وحصلت لَهُ محن وَخرب بَيته فِي ثلاء بِسَبَب أَن السَّيِّد الْعَلامَة قَاسم بن مُحَمَّد الكبسي احتسب عَلَيْهِ إِذْ ذَاك أَنه عمره فَوق مَقْبرَة ثمَّ عوضه الله فملكه الْأَمَام المهدي دَارا عَظِيمَة بِصَنْعَاء وَبهَا أَوْلَاده الآن وَسَائِر أَهله ثمَّ بعد اعتقاله حج وَبعد أَيَّام ولاه الْأَمَام المهدي الْقَضَاء الْأَكْبَر بِمَدِينَة صنعاء وَاسْتمرّ أَيَّامًا وحمدت مُبَاشَرَته مَعَ اشتهاره بالعفة والنزاهة وَعدم الْمُحَابَاة فى شئ من الْأُمُور لَا لصغير وَلَا لكبير وَكَانَ يكثر الْحَط الحديث: 69 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 والإنكار على بعض المتعلقين بأعمال الْأَمَام المهدي كالفقيه علي الجرافي وَمن يشابهه فَمَا زَالُوا بالإمام المهدي حَتَّى اعتقله قبل مَوته بِنَحْوِ عَام ثمَّ اسْتمرّ مَحْبُوسًا إِلَى أَيَّام مَوْلَانَا الْأَمَام الْمَنْصُور بِاللَّه علي بن الْعَبَّاس حفظه الله فأفرج عَنهُ فَخرج إِلَى بَيته وَقد ثقل سَمعه وضعفت قوته لعلو سنه وَمَعَ ذَلِك فَمَا زَالَ يُقرئ من يطْلب الْقِرَاءَة عَلَيْهِ وَكَانَ لَهُ شغف بِالْعلمِ وَله عرفان تَامّ بفنون الِاجْتِهَاد على اخْتِلَاف أَنْوَاعهَا وَله شُيُوخ عدَّة وَقد اختصر الإصابة وَكتب مجلداً يشْتَمل على أَسَانِيد الْكتب العلمية إِلَى مصنفيها وَترْجم جمَاعَة من رجال الإسناد وَهُوَ في حكم المعجم وَله كتاب آخر ذكر فِيهِ تراجم لأهل عصره وَكَانَ لَهُ عناية كَامِلَة بِعلم السنة وَيَد قَوِيَّة فِي حفظهَا وَهُوَ عَامل بِاجْتِهَاد نَفسه لَا يُقَلّد أحداً وَاسْتمرّ مشتغلاً بنشر الْعلم مُجْتَهدا في الطَّاعَات حَتَّى توفاه الله في لَيْلَة الْجُمُعَة سَابِع عشر جُمَادَى الأولى سنة 1199 تسع وَتِسْعين وَمِائَة وَألف وَله أَوْلَاد أعلمهم عبد الحميد بن أَحْمد وَله عرفان كَامِل فِي عُلُوم الِاجْتِهَاد مَعَ سمت ووفور عقل وجودة فهم وَقُوَّة إِدْرَاك وَهُوَ على طَريقَة وَالِده في الْعَمَل بالأدلة ومولده حَسْبَمَا ذكر لي بِخَطِّهِ سَابِع عشر شهر جُمَادَى الأولى سنة 1175 خمس وَسبعين وَمِائَة وَألف وَهُوَ الان مكب على طلب الْعُلُوم مشتغل بِالنّظرِ في أَمر معاشه ومعاده مقبل على شَأْنه قد شغلته نَفسه عَن غَيره وَمن شعر وَالِده المترجم لَهُ حَسْبَمَا رَأَيْت ذَلِك بِخَطِّهِ مَنْسُوبا إِلَيْهِ (يَا ساريا لسرى الْحسن كم أسرت ... عيونه من كميّ حَار في حوره) (نوافث السحر مِنْهَا قيدته ضحى ... وَالله أعلم مَا كَانَ انْتهى خَبره) (فاعقل قلوصك واعقل من سريت لَهُ ... فَأَنَّهُ الشَّمْس تعشوا الْعين من نظره) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 (70) أَحْمد بن مُحَمَّد بن علي بن مربع بن حَازِم بن إبراهيم بن الْعَبَّاس المصري الشافعى الشَّيْخ نجم الدَّين ابْن الرّفْعَة ولد سنة 645 خمس وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَأخذ عَن الضياء جَعْفَر بن الشَّيْخ عبد الرَّحِيم والسديد الأرمي وَابْن بنت الْأَعَز وَابْن دَقِيق الْعِيد وَغَيرهم واشتهر بالفقه إِلَى أَن صَار يضْرب بِهِ الْمثل وَكَانَ إِذا أطلق الْفَقِيه انْصَرف إِلَيْهِ بِغَيْر مشارك مَعَ مشاركته في الْعَرَبيَّة وَالْأُصُول ودرس بالمعزية وَأفْتى وَعمل الْكِفَايَة في شرح التَّنْبِيه ففاق الشُّرُوح ثمَّ شرع فِي شرح الْوَسِيط فَعمل بِهِ فِي أول الرّبع الثاني إِلَى آخر الْكتاب وَشرع فِي الربع الأول إِلَى أثْنَاء الصَّلَاة وَمَات فأكمله غَيره وَله تصانيف لطاف وَولى حسبَة مصر وناب في الحكم ثمَّ عزل نَفسه وَحج سنة 707 وَكَانَ حسن الشكل فصيحاً ذكياً محسناً إِلَى الطّلبَة كثير السعي في قَضَاء حوائجهم وَكَانَ قد ندب لمناظرة ابْن تَيْمِية وَسُئِلَ ابْن تَيْمِية عَنهُ بعد ذَلِك فَقَالَ رَأَيْت شَيخا يتقاطر فقه الشَّافِعِيَّة من لحيته هَكَذَا ذكر ابْن حجر فِي الدُّرَر وَندب صَاحب التَّرْجَمَة لمناظرة ابْن تَيْمِية لَا يَفْعَله الا من لَا يفهم وَلَا يدري بمقادير الْعلمَاء فَابْن تَيْمِية هُوَ ذَلِك الإمام المتبحر فِي جَمِيع المعارف على اخْتِلَاف أَنْوَاعهَا وَأَيْنَ يَقع صَاحب التَّرْجَمَة مِنْهُ وماذا عساه يفعل فِي مناظرته اللَّهُمَّ إِلَّا أَن تكون المناظرة بَينهمَا في فقه الشَّافِعِيَّة فَصَاحب التَّرْجَمَة أهل للمناظرة وَأما فِيمَا عدا ذَلِك فَلَا يُقَابل ابْن تَيْمِية بِمثلِهِ إِلَّا من لَا يفهم وَلَعَلَّ النادب لَهُ بعض أُولَئِكَ الْأُمَرَاء الَّذين كَانُوا يشتغلون بِمَا لَا يعنيهم من أَمر الْعلمَاء كسلار وبيبرس وأضرا بهما وَلَا ريب أَن صَاحب التَّرْجَمَة غير مَدْفُوع عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 تقدّمه في فقه الشَّافِعِيَّة وَلَكِن لَا مدْخل للمناظرة فِيهِ بَين مُجْتَهد ومقلد وَقد أثنى ابْن دَقِيق الْعِيد على صَاحب التَّرْجَمَة وَكَذَلِكَ السبكي وَقَالَ كَانَ افقه من الروياني صَاحب الْبَحْر قَالَ الْكَمَال جَعْفَر برع فِي التفقه وانتهت إِلَيْهِ رياسة الشَّافِعِيَّة في عصره وَكَانَ ديّناً حسن الشكل جميل الصُّورَة فصيحاً مفوهاً كثير الإحسان إِلَى الطّلبَة قَالَ القاضي أَبُو الطَّاهِر السقطي كَانَت لي حَاجَة عِنْد القاضي لتوليه الْعُقُود فَتوجه ابْن الرّفْعَة معي إِلَى الْقَاهِرَة فحضرنا درس القاضي فبحث معي ابْن الرّفْعَة فِي ذَلِك الدَّرْس ثمَّ جعل يَقُول ياسيدنا يازين الدَّين ترفق بى ثمَّ عرف القاصى بي فَقضى حاجتي وَلما تولى ابْن دَقِيق الْعِيد الْقَضَاء توجه معي إليه وَلم يكن لَهُ بي معرفَة فَقَالَ لَهُ مَا تذكر سيدنَا لما درس العَبْد بالمعزية وشرفتهم بالحضور وَأورد سيدنَا الْبَحْث الفلاني وَأجَاب فَقِيه في الْمجْلس بِكَذَا فَاسْتحْسن سيدنَا جَوَابه هُوَ هَذَا فولانى وحكاياته في ذَلِك كَثِيرَة قَالَ وَكَانَ أَولا فَقِيرا مضيقاً عَلَيْهِ فباشر في حِرْفَة لَا تلِيق بِهِ فلامه الشَّيْخ تقي الدَّين ابْن الصايغ فَاعْتَذر إليه بِالضَّرُورَةِ فَتكلم لَهُ مَعَ القاضي وأحضره درسه فبحث وَأورد نَظَائِر وفوائد فأعجب بِهِ القاضي وَقَالَ لَهُ إلزم الدَّرْس فَفعل ثمَّ ولاه قَضَاء الْوَاجِبَات فحسنت حَاله ثمَّ ولى أَمَانَة الحكم بِمصْر فَوَقع بَينه وَبَين بعض الْفُقَهَاء شئ فَشَهِدُوا عَلَيْهِ أَنه نزّل فَقِيه الْمدرسَة عُريَانا فاسقط الْعلم السمهودي نَائِب الحكم عَدَالَته فتعصب لَهُ جمَاعَة وَرفعُوا امْرَهْ إِلَى القاضي فَقَالَ إنه لم يَأْذَن لنائبه فِي الإسقاط فَعَاد لحاله ومؤلفاته تشهد لَهُ بالتبحر في فقه الشَّافِعِيَّة وَلما ولي ابْن دَقِيق الْعِيد اسْتمرّ على نِيَابَة الحكم حَتَّى حصل لَهُ أَمر عزل فِيهِ نَفسه فَلم يعده ابْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 دَقِيق الْعِيد وَسُئِلَ عَن ذَلِك فَقَالَ أَنا مَا صرفته ثمَّ تولى الْحِسْبَة فِي مصر إِلَى أن مَاتَ لَيْلَة الْجُمُعَة ثامن عشر شهر رَجَب سنة 710 عشر وَسَبْعمائة وَكَانَ كثير الصَّدَقَة مكباً على الاشتغال حَتَّى عرض لَهُ وجع المفاصل بِحَيْثُ كَانَ الثَّوْب إِذا لمس جسده المه وَمَعَ ذَلِك فَلَا يَخْلُو من كتاب مَعَه ينظر إِلَيْهِ وَرُبمَا انكب على وَجهه وَهُوَ يطالع (71) أَحْمد بن مُحَمَّد بن عماد بن علي الشهَاب أَبُو الْعَبَّاس القرافى المصري ثمَّ المقدسي الشافعي الْمَعْرُوف بِابْن الهائم ولد في سنة 756 سِتّ وَخمسين وَسَبْعمائة وَسمع في كبره من التقي ابْن حَاتِم وَالْجمال الأسيوطى والعراقى وَنَحْوهم واشتعل كثيراً وبرع في الْفِقْه والعربية وَتقدم في الْفَرَائِض ومتعلقاتها وارتحل إِلَى بَيت الْمُقَدّس فَانْقَطع بِهِ للتدريس والإفتاء وناب هُنَالك في تدريس الصلاحية وانتفع بِهِ النَّاس وَكَانَ خيّرا مهاباً معلماً قوالا بِالْحَقِّ عَلامَة فِي فنون انْتَهَت إِلَيْهِ الرِّئَاسَة في الْحساب والفرائض وَجمع فِي ذَلِك عدَّة تآليف عَلَيْهَا يعول النَّاس من بعده مِنْهَا كتاب الْفُصُول والجمل الوجيزة والأرجوزة الألفية كلهَا فِي الْفَرَائِض وَكتاب المعونة واللمع المرشدة ومختصر تَلْخِيص ابْن الْبناء كل ذَلِك في الْحساب والمنظومة اللامية في الْجَبْر والمقابلة والطريقة في المناسخة الْمَشْهُورَة الْآن وَفِي الْفِقْه شرح قِطْعَة من الْمِنْهَاج فى مُجَلد وَغَايَة السؤل فى الدَّين الْمَجْهُول وَتَحْقِيق الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول في رفع الحكم الشرعي قبل بعثة الرَّسُول ورسائل فِي مسَائِل عدَّة وَاخْتصرَ اللمع لأبي إسحاق الشِّيرَازِيّ فِي الْأُصُول وَله في الْعَرَبيَّة الضوابط الحسان فِيمَا يقوم بِهِ اللِّسَان ونظم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 قَوَاعِد الْأَعْرَاب وَشَرحهَا والتبيان فى تَفْسِير غَرِيب الْقُرْآن وَالْعقد النضيد فِي تَحْقِيق كلمة التَّوْحِيد كتب مِنْهُ ثَلَاثِينَ كراسا وَالْبَحْر العجاج في شرح الْمِنْهَاج وَقطعَة من التَّفْسِير وابراز الخفايا في فن الْوَصَايَا وسارت بمؤلفاته وفضائله الركْبَان وَتخرج بِهِ كثير من الْفُضَلَاء ورحلوا اليه من الآفاق وَأخذ النَّاس عَنهُ طبقَة بعد طبقَة وَتوفى في الْعشْر الْأَوَاخِر من جُمَادَى الآخرة سنة 815 خمس عشرَة وثمان مائَة وَكَانَ نادرة عصره في الْفَرَائِض والحساب رَحمَه الله (72) السَّيِّد أَحْمد بن مُحَمَّد بن لُقْمَان بن أَحْمد بن شمس الدَّين بن الإمام المهدي أَحْمد بن يحيى أحد عُلَمَاء الزيدية الْمَشَاهِير لقي جمَاعَة من أَعْيَان الْعلمَاء وَأخذ عَنْهُم وَشهد لَهُ بِالْفَضْلِ أكَابِر مِنْهُم السَّيِّد الْعَلامَة الْحُسَيْن بن الإمام الْقَاسِم فإنه وَصفه بِالِاجْتِهَادِ وَمن مشايخه الشَّيْخ لطف الله بن مُحَمَّد الغياث وَالسَّيِّد أَحْمد الشرفي الْمَذْكُور بعده وَكَانَ يدرس الطّلبَة بِجَامِع شهاره وَله تصانيف مِنْهَا شرح الكافل وَشرح الأساس وَشرح التَّهْذِيب للتفتازانى وَكتب تعاليق على الْمفصل والفصول اللؤلؤية وأوائل الْمِنْهَاج وَشرح بَعْضًا من الْبَحْر الزخار وَكَانَ أحد أُمَرَاء الجيوش في أَيَّام الإمام الْمُؤَيد بِاللَّه مُحَمَّد بن الْقَاسِم وَله في ذَلِك مقامات مَشْهُورَة وَتُوفِّي فِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع شهر رَجَب سنة 1039 تسع وَثَلَاثِينَ وَألف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 (73) السَّيِّد أَحْمد بن مُحَمَّد الشّرفي الْعَلامَة المؤرّخ مُصَنف اللئالى المضية جعلهَا شرحاً لقصيدة السَّيِّد صارم الدَّين إبراهيم بن مُحَمَّد الَّتِى عَارض بهَا البسّامة وَهُوَ شرح حافل فِي ثَلَاث مجلدات وَتوفى فِي شهر الْحجَّة سنة 1055 خمس وَخمسين وَألف سنة وَمن مصنفاته شرح الأساس وَشرح الأزهار في أَرْبَعَة مجلدات وَله أشعار وأخبار وَجِهَاد واجتهاد ومولده سنة 975 خمس وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَمن جملَة مشايخه الإمام الْقَاسِم بن مُحَمَّد وَله تلامذة جهابذة (74) أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حسن بن علي بن يحيى بن مُحَمَّد بن خلف الله بن خَليفَة التقي أَبُو الْعَبَّاس الهيمي الداري القسنطيني الأَصْل السكندري المولد القاهري المنشأ المالكي ثمَّ الحنفي وَيعرف بالشُمني بِضَم الْمُعْجَمَة وَالْمِيم ثمَّ نون مُشَدّدَة نِسْبَة إِلَى مرزعة بِبَعْض بِلَاد الْمغرب أَو إِلَى قَرْيَة ولد في الْعشْر الْأَخِيرَة من رَمَضَان سنة 801 إِحْدَى وثمان مائَة باسكندرية وَقدم الْقَاهِرَة مَعَ أَبِيه فاسمعه عَن ابْن الكويك وَالْجمال الحنبلي والولي العراقي وَجَمَاعَة وَأَجَازَ لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 آخرون وَقَرَأَ في الْأَصْلَيْنِ والنحو والمعاني وَالْبَيَان والمنطق وَغَيرهمَا وَمن جملَة مشايخه الْعَلَاء البخاري والصيرامي وتحول حَنِيفا في سنة 834 وبرع في جَمِيع المعارف وصنف حَاشِيَة المغنى لخصها من حَاشِيَة الدمامينى وَكَذَلِكَ مزيل الخفاء عَن أَلْفَاظ الشِّفَاء وشرحاً متوسطاً للنقاية فِي فقه الْحَنَفِيَّة وَقَرَأَ ذَلِك مرَارًا وتنافس النَّاس في تَحْصِيل الْحَاشِيَة وتوسل بعض المغاربة بسلطانهم عِنْد من ارتحل إليه وكتبها في أعاربها كَذَا قَالَ السخاوي وَقد رَأَيْت حَاشِيَته على المغني وَحَضَرت عِنْد قِرَاءَة الطّلبَة عليّ فِي الأَصْل فَمَا وَجدتهَا مِمَّا يرغب فِيهِ لَا بِكَثْرَة فَوَائِد وَلَا بتوضيح خفي وَلَا بمباحثة مَعَ المُصَنّف بل غايتها نقُول من كَلَام الدمامينى وإنى لأعجب من تنافس النَّاس فى مثلهَا وَكَذَلِكَ حَاشِيَة الشِّفَاء فإنها في نَحْو أَربع كراريس وفيهَا تَفْسِير أَلْفَاظ غَرِيبَة من اللُّغَة يقوم بذلك أدنى الطّلبَة إذا حضر لَدَيْهِ الْقَامُوس فضلاً عَن غَيره وَقد انْتفع النَّاس بِصَاحِب التَّرْجَمَة في فنون مُتعَدِّدَة وَقَرَأَ عَلَيْهِ طبقَة بعد طبقَة وَأخذُوا عَنهُ علوما جمة لاسيما الْكتب الْكَبِيرَة الدقيقة كالكشاف والبيضاوي وَشرح المواقف وَشرح الْمَقَاصِد والعضد والرضي والمطوّل وَانْفَرَدَ بتقرير جَمِيع ذَلِك من دون مُلَاحظَة للحواشي وَقد انْتفع بِهِ جمَاعَة من الأكابر كالأسيوطي والسخٍاوي وَغَيرهمَا وَكَانَ إماماً متفنناً متين الدّيانَة زاهداً عفيفاً متواضعاً حسن الصِّفَات قوي الإدراك ورسم لَهُ السُّلْطَان بفرس يركبهَا فركبها قَلِيلا ثمَّ عجز وَنزل عَنْهَا وَتركهَا فَقَالُوا لَهُ إِذا لم تركبها فَانْتَفع بِثمنِهَا وَلم يَنْفَكّ الْفُضَلَاء عَن ملازمته والأكابر عَن الْأَخْذ عَنهُ وَكَانَ لَا يكْتب على الْفَتَاوَى وَلَا يُجيب مافيه شهرة من الْأُمُور بل غَالب مَا يهواه الأنجماع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 والخمول وَقد كَانَ عرض عَلَيْهِ الْقَضَاء وجاءه كَاتب السِّرّ وَأخْبرهُ أَنه إن لم يجب نزل السُّلْطَان إليه فصمم وَقَالَ الاختفاء مُمكن فَقَالَ لَهُ فِيمَا تجيب إِذا سَأَلَك الله عَن امتناعك مَعَ تعينه عَلَيْك فَقَالَ يفتح الله حِينَئِذٍ بِالْجَوَابِ وَلم يكن يحابي فِي الدَّين أحداً التمس مِنْهُ بعض الشَّبَاب من ذوي الْبيُوت أَن يَأْذَن لَهُ بالتدريس بعد أَن أهْدى اليه شيا فبادر إلى رد الْهَدِيَّة وَامْتنع من الإذن وَقد تزاحم النَّاس عَلَيْهِ فى آخر أَيَّامه وَصَارَ شيخ الْفُنُون بِلَا مدافع وَجَمِيع الْأَعْيَان من جَمِيع الْمذَاهب تلامذته وَمَات فِي سَابِع عشر ذي الْحجَّة سنة 872 اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَلم يخلف بعده فِي مَجْمُوعَة مثله وَخلف ألف دِينَار وذكرين وَأُنْثَى من جَارِيَة (75) أَحْمد بن مصطفى بن خَلِيل الرومي الحنفي الْمَعْرُوف بطاشكبري ولد لَيْلَة الرَّابِع عشرَة من شهر ربيع الأول سنة 901 إِحْدَى وَتِسْعمِائَة وقرأ على جمَاعَة من عُلَمَاء الروم فِي عدَّة فنون وَتَوَلَّى الْقَضَاء بِمَدِينَة بروسا إحدى مَدَائِن الروم ثمَّ بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ وَهُوَ مُصَنف الشقائق النعمانية فِي عُلَمَاء الدولة العثمانية وَقد ترْجم لنَفسِهِ في آخرها وَذكر مشايخه ومقروءاته وَذكر أَنه عمى فِي سنة 961 وَلم أَقف على تَارِيخ مَوته (76) أَحْمد بن مُوسَى الخيالي الرومي قَرَأَ على وَالِده وعَلى خضر بك وبرع في الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة وفَاق أقرانه ودرس بمدارس الروم وَكَانَ دَقِيق الذِّهْن باهر الذكاء أفحم أكَابِر عُلَمَاء عصره فِي دقائق الْعُلُوم وَكَانَ كثير الدَّرْس قَلِيل الْأكل حَتَّى صَار نحيفاً بِحَيْثُ إنه كَانَ يحلق بإصبعه السبابَة والإبهام وَيدخل فِيهَا يَده فينتهي الى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 عضده وَله مصنفات مِنْهَا حواشي شرح العقائد وحاشية على أوائل حَاشِيَة التَّجْرِيد وَمَات وَله ثَلَاث وَثَلَاثُونَ سنة شَابًّا وَلَو عَاشَ لزاحم الشريف وَأَضْرَابه وَهُوَ مَوْجُود فِي دولة السُّلْطَان مُحَمَّد خَان بن مُرَاد خَان وَكَانَ قعوده على تخت السلطنة سنة 855 كَمَا سيأتي إن شَاءَ الله (77) الإمام المهدي احْمَد بن يحيى بن المرتضى بن مفضل بن مَنْصُور بن مفضّل ابْن حجاج بن علي بن يحيى بن الْقَاسِم بن يُوسُف الداعي بن يحيى الْمَنْصُور ابْن أَحْمد النَّاصِر بن يحيى الهادي بن الْحُسَيْن بن الْقَاسِم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الْحسن بن الْحسن بن علي بن أَبى طَالب الإمام الْكَبِير المُصَنّف في جَمِيع الْعُلُوم ولد بِمَدِينَة ذمّار يَوْم الِاثْنَيْنِ لَعَلَّه سَابِع شهر رَجَب سنة 775 خمس وَسبعين وَسَبْعمائة قَرَأَ فِي علم الْعَرَبيَّة فَلبث في قِرَاءَة النَّحْو والتصريف والمعاني وَالْبَيَان قدر سبع سِنِين وبرع فِي هَذِه الْعُلُوم الثَّلَاثَة وفَاق غَيره من أَبنَاء زَمَانه ثمَّ أَخذ فِي علم الْكَلَام على صنوه الهادي وعَلى القاضي يحيى بن مُحَمَّد المدحجي فَسمع على الآخر الْخُلَاصَة وَحفظ الغياضة ثمَّ شرح الْأُصُول للسَّيِّد مَا نكديم ثمَّ أَخذ في علم اللَّطِيف فَقَرَأَ تذكرة ابْن متويه على القاضي الْمَذْكُور مرة ثمَّ على القاضي علي بن عبد الله بن أَبى الْخَيْر مرة أُخْرَى ثمَّ قَرَأَ عَلَيْهِ الْمُحِيط وَالْمُعْتَمد لأبي الْحُسَيْن البصري ومنتهى السؤل وَسمع على الْفَقِيه علي بن صَالح السِّيرَة النَّبَوِيَّة ونظام الْغَرِيب ومقامات الحريري وعَلى الْمُقْرِئ الْمَعْرُوف بِابْن النسّاخ الْكَشَّاف وعَلى أَخِيه الهادي الْمُتَقَدّم علم الْفِقْه وَقَرَأَ غير ذَلِك وتبحر في الْعُلُوم واشتهر فَضله وَبعد صيته وصنف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 التصانيف ففى أصُول الدَّين نكت الفرائد في معرفَة الْملك الْوَاحِد والقلائد وَشَرحهَا الدُّرَر الفرائد والملل وَشَرحهَا الأمنية والأمل ورياضة الأفهام في لطيف الْكَلَام وَشَرحهَا دامغ الأوهام وَفِي أصُول الْفِقْه كتاب الْفُصُول في معاني جَوْهَرَة الْأُصُول ومعيار الْعُقُول وَشَرحه منهاج الْوُصُول وفي علم النَّحْو الْكَوْكَب الزَّاهِر شرح مُقَدّمَة طَاهِر والشافية شرح الكافية والمكلل بفرائد معانى الْمفصل وتاج عُلُوم الْأَدَب فى قانون كَلَام الْعَرَب واكليل التَّاج وجوهرة الْوَهَّاج وفي الْفِقْه الأزهار وَشَرحه الْغَيْث المدرار فى أَرْبَعَة مجلدات وَالْبَحْر الزخار فى مجلدين وفى الحَدِيث كتاب الْأَنْوَار فى الْآثَار الناصة على مسَائِل الأزهار فِي مُجَلد لطيف وَكتاب الْقَمَر النوار فى الرَّد على المرخصين في الملاهي والمزمار وفي علم الطَّرِيقَة تَكْمِلَة الْأَحْكَام وفي الْفَرَائِض كتاب الفائض وفي الْمنطق القسطاس وفى التَّارِيخ الْجَوَاهِر والدرر وَشَرحهَا يَوَاقِيت السّير وَقد انْتفع النَّاس بمصنفاته لَا سِيمَا الْفِقْهِيَّة فان عُمْدَة زيدية الْيمن في جَمِيع جهاته على الأزهار وَشَرحه وَالْبَحْر الزخار وَلما اشتهرت فضائله وَكَثُرت مناقبه بَايعه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 النَّاس عِنْد موت الإمام النَّاصِر في شهر شَوَّال سنة 793 يمدينة صنعاء بِمَسْجِد جمال الدَّين ثمَّ خَرجُوا إِلَى بَيت بوس فترجح لأهل بَيت بوس أَن تكون الدعْوَة من مكانهم وأظهروا الْكَلَام والتنصير فبادر رجل من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 صنعاء فَوجدَ أهل صنعاء فِي صَلَاة الْجُمُعَة وَقد كَانَت وَقعت الْمُبَايعَة بِاللَّيْلِ لولد الْأَمَام النَّاصِر وَهُوَ الامام الْمَنْصُور على بن صَلَاح الدَّين فَلَمَّا بَلغهُمْ ذَلِك انزعجوا وَجعلُوا مخرجهم من الْجَامِع الى حِصَار بَيت بوس فأحاطوا بِهِ وَوَقع الْقِتَال فَقتل من أهل بَيت بوس نَحْو عشرَة وَمن جَيش الْمَنْصُور علي بن صَلَاح قدر خمسين في ثَلَاثَة عشر يَوْمًا ثمَّ وَقع الصُّلْح بَين الْجَمِيع على أَن يرجِعوا إِلَى مَا يَقُوله الْعلمَاء وَرَجَعُوا جَمِيعًا إِلَى صنعاء وَمَعَهُمْ صَاحب التَّرْجَمَة فَلَمَّا وصلوا إلى صنعاء لم يحصل مِنْهُم الْوَفَاء بِمَا وَقع عَلَيْهِ التصالح فَرجع من نَاحيَة بَاب شعوب هُوَ وَسَبْعَة أَنْفَار فِي اللَّيْل ووصلوا إِلَى بني شهَاب فَأَجَابُوا دَعوته وامتثلوا أمره وَمَضَت أوامره هُنَالك وَجَرت أحكامه فَأخْرج الْمَنْصُور إلى قِتَاله بعض المقدمين من أمرائه فَكَانَ النَّصْر لصَاحب التَّرْجَمَة ثمَّ اسْتخْلف على جِهَات أنس السَّيِّد علي بن أَبى الْفَضَائِل وعزم ووصلته الْكتب من أهل الْجِهَات الْعليا وَمن الأشراف آل يحيى وَأهل الظَّاهِر واستدعوه للنهوض إِلَى صعده فَمَا وصل إلى محيب من جِهَة نَاحيَة حُضُور لقِيه الْعلمَاء والقبائل ثمَّ وصلته رسل الْأُمَرَاء بني تَاج الدَّين أهل الطَّوِيلَة وكوكبان فَتقدم الى الطَّوِيلَة وصلحت جَمِيع تِلْكَ الْجِهَات وَدخلت تَحت طَاعَته فَلَمَّا علم الْمَنْصُور وأمراؤه بذلك خَافُوا مِنْهُ على صعده فراسلوا السَّيِّد علي بن أَبى الْفَضَائِل بأنهم لَا يُرِيدُونَ إلا الْحق وَأَنَّهُمْ مَعَ اخْتِلَاف الْكَلِمَة يخَافُونَ على الْبِلَاد من سُلْطَان الْيمن وعرفوه أَنه يسترجع الإمام فوصلت إليه كتب السَّيِّد يستنهضه ويحرج عَلَيْهِ بأنه لَا يجوز التَّأَخُّر سَاعَة وَاحِدَة فَرجع فَلم يَقع الْوَفَاء بِمَا وعده الْمَنْصُور فأقام الإمام فِي رصابه ثمَّ خرج جَيش من صنعاء من جَيش الْمَنْصُور على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 غرَّة فَلم يشْعر الإمام إلا وَقد أحاطوا بِهِ فَلَمَّا علم أَنه لَا طَاقَة لَهُ بهم وَقع الصُّلْح على سَلامَة من مَعَه من الْعلمَاء وَسَائِر أَصْحَابه وَيخرج هُوَ إليهم يذهبون بِهِ مَعَهم فَلَمَّا صَار في جَامع معبر نقضوا عَهدهم وَقتلُوا من كَانَ فِي الدَّار وَكَانَ في المقتولين ثَمَانِيَة من الْفُقَهَاء وَسلم مِنْهُم جمَاعَة فأسروا مَعَه ودخلوا بهم ذمّار دخلة مُنكرَة ثمَّ قيدوه وقيدوا مَعَه السَّيِّد على بن الهادى ابْن المهدي والفقيه سُلَيْمَان وَغَيرهم بقيود ثَقيلَة وأطلقوا بَقِيَّة الْفُقَهَاء ثمَّ سَارُوا إِلَى صنعاء فَلَمَّا قربوا مِنْهَا أحَاط بهم السُّفَهَاء يؤذونهم بالْكلَام وهم في الْمحمل فَقَالَ الْفَقِيه سُلَيْمَان ادع عَلَيْهِم فَرفع سجاف الْمحمل وَسلم عَلَيْهِم فَلَمَّا رَأَوْهُ كفوا عَن الأذية ودعوا الله أَن يَنْفَعهُمْ بِهِ ثمَّ سجن بقصر صنعاء من سنة 794 إِلَى سنة 801 وفي الْحَبْس صنف الأزهار ثمَّ خرج بعناية من الَّذين وضعُوا لحفظه وَكَانَ خُرُوجه بَين الْمغرب وَالْعشَاء وَسَار إلى هِجْرَة الْعين ثمَّ طلع في جَوف اللَّيْل إلى حصن ثلا وَطلب النَّاس مِنْهُ اظهار الْأَمر الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ فرجح التَّأْخِير حَتَّى يختبرهم ثمَّ بعد ذَلِك تقدّم على صعدة مَعَ علي بن الْمُؤَيد وَقد دَعَا فِي أَيَّام حَبسه فافتتحا صعدة ثمَّ قدّم الْمَنْصُور بعض امرائه ثمَّ تلاشى الْأَمر وتثبط النَّاس عَن نصرته فأراح قلبه عَن التَّعَلُّق بِهَذَا الْأَمر وَعَكَفَ على التصنيف وأكب على الْعلم حَتَّى توفاه الله تَعَالَى في شهر الْقعدَة سنة 840 أَرْبَعِينَ وثمان مائَة بالطاعون الْكَبِير الَّذِي مَاتَ مِنْهُ أَكثر الْأَعْيَان وقبره بظفير حجه مَشْهُور مزورومات الْمَنْصُور علي بن صَلَاح فِي هَذِه السنة في شهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 (78) أَحْمد بن بحيى حَابِس الصّعدي اليماني أحد مشاهير عُلَمَاء الزيدية وَله مَشَايِخ كبراء مِنْهُم الإمام الْقَاسِم بن مُحَمَّد وبرع فِي عُلُوم عدَّة وصنّف تصانيف مِنْهَا شرح تَكْمِلَة الأحكام وَشرح الشافية لِابْنِ الْحَاجِب وَلم يكمل وَشرح الكافل وتكميل شرح الأزهار والمقصد الْحسن وَجَمِيع تصانيفه مقبولة وَله شرح على الثَّلَاثِينَ مَسْأَلَة فِي أصول الدَّين وَتَوَلَّى الْقَضَاء بصعدة وَاسْتمرّ فِيهِ حَتَّى مَاتَ في لَيْلَة الِاثْنَيْنِ رَابِع عشر شهر ربيع الأول سنة 1061 احدى وَسِتِّينَ والف (79) أَحْمد الْمَكْر بِفَتْح الْمِيم وَالْكَاف وَتَشْديد الرَّاء الْمُهْملَة رجل من أهل الْيمن الْأَسْفَل رَأَيْته في سنة 1215 وَقد صَار في سن عالية أخبرني أَنه فِي مائَة وَأَرْبع وَعشْرين سنة وَنصف سنة وَمَعَ هَذَا فَهُوَ صَحِيح الْعقل والحواس مُسْتَقِيم الْقَامَة حسن الْعبارَة وَله تعلق بالتصوف تَامّ ورأيته كثير المكاشفة ثمَّ بعد هَذِه السن تزوج وَولد لَهُ كَمَا أخبرني عَن نَفسه في سنة 1216 وأخبرني غَيره وَرَأَيْت رجلاً آخر على رَأس الْقرن الثاني عشر يذكر أَنه قد صَار في مائَة سنة وَسبع وَعشْرين سنة وَنصف سنة وَيذكر أَنه من بني الهبل فصدقوه في علو سنه وَهَذَا الْعُمر خَارج عَن الْعَادة الْمَعْرُوفَة في هَذِه الأزمنة مَعَ كَون كل وَاحِد من الرجلَيْن صَحِيح الْحَواس قوي الْبدن وَمِمَّا يحسن ذكره هُنَا أَن رجلاً يُقَال لَهُ حُسَيْن عَامر الداغية من بِلَاد الحدا بلغ في الْعُمر إلى نَحْو تسعين سنة ثمَّ ظهر بِرَأْسِهِ قرنان كقرون الْمعز فَوق أُذُنَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 وانعطفا على أُذُنَيْهِ وشاعت الْأَخْبَار بذلك إلى أَن بلغت الينا إلى مَدِينَة صنعاء وَكَانَ المخبرون ثِقَات من أهل الْعلم ثمَّ لما بلغ الْخَبَر خَليفَة الْعَصْر حفظه الله أرسل رَسُولا يأتي بِهِ وَكَانَ ذَلِك باطلاعي فَرَجَعت جوابات من شيخ ذَلِك الْمحل وَهُوَ رجل يُقَال لَهُ سعد مِفْتَاح أَن صَاحب الْقُرُون مَوْجُود لديهم بِيَقِين وَلكنه قطعهمَا لما تأذى بهما وَرَأَيْت الجوابات ثمَّ تَوَاتَرَتْ الْقَضِيَّة تواتراً لم يبْق فِيهِ شك وَذَلِكَ في سنة 1215 وَمن الغرائب الْحَادِثَة فِي هَذَا الْعَام أن امْرَأَة قد كَانَت قريب الْبلُوغ فَخرج لَهَا في فرجهَا ذكر وَصَارَت رجلاً بعد أَن كَانَت امْرَأَة وَقد أخبرني بذلك السَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن يحيى الكيسي وَقَالَ إن فرجهَا كَانَ ثقباً صَغِيرا وَأَنه أمرها بعد ظُهُور الذكر أن تلبس لبس الرِّجَال فلبسته وهي الآن كَذَلِك (80) السَّيِّد أَحْمد بن يُوسُف بن الْحُسَيْن ين الْحسن ابْن الإمام الْقَاسِم الْمُحَقق الْعَلامَة الْمُحدث البارع في علم السّنة الْمَشْهُور بحفظها وَحفظ رجالها حَتَّى لقب الحَدِيث لغلبته عَلَيْهِ كَانَ عَارِفًا بفنون الآلة جَمِيعًا وَله يَد طولى في علم الْأَدَب وقصائد طنانة وَله تَخْرِيج لمجموع الإمام زيد بن علي نَفِيس يدل على طول بَاعه فِي علم الرِّوَايَة وَكَانَ مَشْهُورا بدماثة الْأَخْلَاق والتواضع والاحتمال وَالصَّبْر وَسُكُون الطَّبْع وَالْوَقار وَله فِي ذَلِك أَحْوَال عَجِيبَة حَتَّى كَانَ إِذا تَركه أَهله من طَعَامه وَشَرَابه أوشئ مِمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ لَا يطْلب ذَلِك مِنْهُم وَلَا يظْهر عَلَيْهِ غضب بل يحْتَمل كل شَيْء وَهَذَا فِي خَواص أَهله الَّذين هم مَحل تبذل الإنسان وَعدم تحفظه فَمَا ظَنك بِسَائِر النَّاس فَمن قصائده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 الطنانة القصيدة الَّتِي أَولهَا (أَيهَا الْقَاصِر الفعال على اللَّهْو ... ألما يَئِن لَك الإقصار) (قد أَتَاك المشيب فِيهِ من الله ... إِلَيْك الْأَعْذَار والإنذار) (فاترك اللَّهْو جانباً واحتشمه ... فَهُوَ ضيف قراه مِنْك الْوَقار) (إن سكر الشَّبَاب لم يبْق مِنْهُ ... بعد صحو المشيب إلا الْخمار) (قد تولى ريعانه وَهُوَ ليل ... وأنار القتير وَهُوَ نَهَار) (أضلال من بعد أَن وضح الصُّبْح لرائيه فاستبان الْمنَار) (صخك الشيب مِنْهُ فابك خَطَايَا ... ك وأقلل فحتفك الإكثار) (لَيْسَ خَمْسُونَ حجَّة بعْدهَا عز ... ف وَلَا صبوة وَلَا استهتار) (ذهب المتقون بِاللَّه بالعز ... وذل العصاة والذل عَار) (وَاتبع فِي الورى الَّذين قفوا أَحْمد في فعله وَمَا عَنهُ جاروا) (سلكوا نهجه القويم فللحق على الْخلق عِنْدهم إيثار) (مَالهم مَذْهَب سوى الْخَبَر المر ... وي عَنهُ وَلَا لَهُم اخْتِيَار) وَهِي ابيات طَوِيلَة وَمن نظمه (ياليلة بِالْقصرِ قصرهَا ... طيب عَلَيْهَا لذّ لي قصر) (قد أمكنت كفى من قمر ... أَلْقَت الى عنائه الْخمر) (فَغَدَوْت أجنى الْهم مِنْهُ وَقد ... أدنى الى قَضِيَّة الهصر) (وسكرت من فِيهِ وَمن يَده ... خمرين خيرهما حوى الثغر) (وَغدا لِسَان الْحَال ينشدني ... متمثلا شعرًا هُوَ السحر) (يامنة امتنها السكر ... لَا ينقضي مني لَهَا الشُّكْر) وَاسْتمرّ على حَاله الْجَمِيل ناشراً لعلومه متواضعاً في كل أَحْوَاله حَتَّى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 توفاه الله تَعَالَى فِي أَوَاخِر شهر جُمَادَى الآخرة سنة 1191 وَكَانَ مولده بعد سنة 1120 وَنَشَأ بِصَنْعَاء وَأخذ عَن علمائها (81) السَّيِّد أَحْمد بن يُوسُف بن الْحُسَيْن بن أَحْمد بن صَلَاح ابْن أَحْمد بن الْحُسَيْن بن علي زبارة بِفَتْح الزاي بعْدهَا مُوَحدَة وَبعد الْألف رَاء مُهْملَة نِسْبَة الى مَحل يُقَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 لَهُ زبار في بِلَاد خولان ولد سنة 1166 أَو فِي الَّتِى بعْدهَا وَقَرَأَ على مَشَايِخ صنعاء فَمن جملَة مقروءاته الْقرَاءَات السَّبع تَلَاهَا على الشَّيْخ الْعَلامَة هادي بن حُسَيْن القارني الآتي ذكره إن شَاءَ الله تَعَالَى وَقَرَأَ النَّحْو وَالصرْف والمعاني وَالْبَيَان والأصول على مَشَايِخ صنعاء وَمن حملتهم شَيخنَا الْعَلامَة الْحسن بن اسمعيل المغربى الآتى ذكره انشاء الله وَقَرَأَ الفقه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 على الْفَقِيه الْعَارِف شَيخنَا أَحْمد بن عَامر الحدائى وعَلى الْفَقِيه الْعَارِف سعيد ابْن اسمعيل الرشيدي وَقَرَأَ في الحَدِيث على السَّيِّد الْعَلامَة الْحُسَيْن بن يحيى الديلمي وفي التَّفْسِير على المغربي الْمُتَقَدّم وبرع فِي أكثر هَذِه المعارف وَأفْتى ودرّس وَصَارَ الآن من شُيُوخ الْعَصْر ورافقني فِي قِرَاءَة التَّفْسِير على شَيخنَا المغربي وَحضر فِي قِرَاءَة الطّلبَة عليّ فِي شرحي للمنتقى وَطلب مني إجازته لَهُ وَقد كنت في أَيَّام الصغر حضرت عِنْده وَهُوَ يقْرَأ في شرح الفاكهي للملحة وَهُوَ أكبر مني فإنه كَانَ اذ ذَاك في نَحْو ثَلَاثِينَ سنة وَهُوَ حسن المحاضرة جميل الْمُرُوءَة كثير التَّوَاضُع لَا يعد نَفسه شَيْئا يَعْتَرِيه في بعض الْحَالَات حِدة ثمَّ يرجع سَرِيعا وَقد يقهرها بالحلم وَلَيْسَ بمتصنع في ملبسه وَجَمِيع شؤونه وبيني وَبَينه مجالسة ومؤانسة ومحبة أكيدة من قديم الْأَيَّام وَلما كَانَ شهر رَجَب سنة 1213 صَار قَاضِيا من جملَة قُضَاة الحضرة المنصورية أعزها الله وعظّمه مَوْلَانَا الإمام تَعْظِيمًا كَبِيرا بعد أَن أشرت عَلَيْهِ بنصبه وعرفته بجليل مِقْدَاره وَهُوَ الآن حَال تَحْرِير هَذِه الأحرف مُسْتَمر على الْقيام بوظيفة الْقَضَاء ناشر للْعلم بِقدر الطَّاقَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 (82) أَحْمد بن يُوسُف الرباعي ولد بِصَنْعَاء سنة 1155 خمس وَخمسين وَمِائَة وَألف وَنَشَأ بهَا فَأخذ عَن جمَاعَة من علمائها في الْفِقْه والعربية والْحَدِيث وَمن جملَة من أَخذ عَنهُ السَّيِّد ابراهيم بن مُحَمَّد الْأَمِير واتصل بالحاكم الْأَكْبَر يحيى بن صَالح السحولي فَكَانَ يلي لَهُ أعمالاً فيحكمها ويتقنها ثمَّ بعد مَوته اتَّصل بي وَأخذ عَنى في الحَدِيث فَقَرَأَ عليّ في البخاري وفي الْأَحْكَام للهادي وَحضر عندي في كثير من الدُّرُوس وَصَارَ الآن من جملَة الْحُكَّام في صنعاء وَهُوَ مُسْتَمر على ملازمتي وَكَثِيرًا مَا أفوض إليه أعمالاً فَيقوم بهَا أتم قيام وَله فهم قويّ وعرفان تَامّ وإنصاف وَفهم للْحَقِيقَة وَعدم جمود على التَّقْلِيد مَعَ حسن سمت وَسُكُون ووقار وَهُوَ عِنْد تَحْرِير هَذَا يقْرَأ عليّ في شرحي للمنتقى وفي مؤلفى الْمُسَمّى بالدرر وَشَرحه الْمُسَمّى بالدرارى وَولده حسن ابْن أَحْمد من أذكياء الطّلبَة وَله سَماع على فى المؤلفين الْمَذْكُورين وَهُوَ مَعَ حَدَاثَة سنة يسابق في فهمه وستأتي لَهُ تَرْجَمَة مُسْتَقلَّة إِن شَاءَ الله تَعَالَى (83) اسحق بن مُحَمَّد العبدي الصعدي اليماني ولد تَقْرِيبًا في وسط الْقرن الحادي عشر وَقَرَأَ على شُيُوخ عصره في جَمِيع الْفُنُون وبرع وفَاق الأقران وَصَارَ مُنْفَردا فِي جَمِيع علومه وَله شُيُوخ أجلاء مِنْهُم القاضي صَالح بن مهدي المقبلي الآتي ذكره واتصل بالإمام المهدي صَاحب الْمَوَاهِب فَعَظمهُ وَصَارَ من جملَة وزرائه بعد أَن كَانَ في غَايَة الْفقر وَنِهَايَة المكابدة للْحَاجة ثمَّ جرى بَينه وَبَينه شئ فارتحل الْمَذْكُور إلى بِلَاد الْهِنْد وأكرمه سلطانها إكراماً عَظِيما وطوف تِلْكَ الْبِلَاد وَتردد فِي الْجِهَات واتصل بالعلماء والملوك وَغَيرهم وظفر بكتب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 وَاسِعَة وتبحر في المعارف ودرّس وصنّف فَمن مصنّفاته الحافلة المفيدة الْمُؤلف الَّذِي سَمَّاهُ الاحتراس مجيبا على الكردى مؤلف النبراس الَّذِي اعْترض بِهِ على مؤلف الامام الْقَاسِم بن مُحَمَّد الْمُسَمّى بالأساس وَلَقَد أَتَى صَاحب التَّرْجَمَة في مُؤَلفه هَذَا بِمَا يفوق الْوَصْف من التحقيقات الباهرة وضايق الكردي مَعَ تبحره فِي الْعُلُوم مضايقة شَدِيدَة وَكَانَ يبين مَوَاضِع نقل الكردي ثمَّ ينْقل بَقِيَّة الْكَلَام الَّذِي تَركه فِي الْمَنْقُول مِنْهُ كالمواقف والمقاصد وَشرح التَّجْرِيد وَنَحْو ذَلِك وَكَثِيرًا مَا يُوجد في الْكَلَام مَا يدْفع مَا أوردهُ الكردي ثمَّ بعد ذَلِك يتَكَلَّم بِكَلَام لَا يعرف قدره إلا من تبحر في عُلُوم الْعقل وَالنَّقْل وَلَقَد سلك مسالك في هَذَا الْكتاب يبعد الْوُصُول إليها من كثير من الْمُحَقِّقين وَله أشعار رائقة ورسائل فائقة وترسلات بليغة وخطه في الطَّبَقَة الْعليا من الْحسن وَحَاصِله أَن مثله فِي مَجْمُوعه قَلِيل النظير وَتوفى فِي سنة 1115 خمس عشرَة وَمِائَة وَألف بأبي عَرِيش وقبر هُنَالك وَمن نظمه (قف بالرسوم العافيات نادباً ... وأدّ من حق الْبكاء وَاجِبا) (وناد وصل الغانيات نَادِما ... يَا آيباً أَن لَا يكون آيبا) (فَلَا تلام إن وقفت شاكياً ... وإن وقفت الدمع فِيهَا ساكبا) (معاهد عهدتها ملاعبا ... فقد غَدَتْ برغمنا متاعبا) (مازلت فِي شرع الغرام قَاضِيا ... لكنّه غَدا عليّ قاضبا) (وَلم تكن عزايمى نوائباً ... وَكم وقفت في النَّوَى نوائبا) (فَمَا لمخضوب البنان معرضاً ... عَن وصل مسلوب الْجنان جانبا) وَمن شعره أَيْضا قَوْله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 (أَمر بدارها فأطوف سبعاً ... وألثم ركنها من بعد لمس) (فسموني بِعَبْد الدَّار جهلاً ... وَمَا علمُوا بانى عبد شمس) (84) السَّيِّد اسحق بن يُوسُف بن المتَوَكل على الله إسماعيل بن الإمام الْقَاسِم بن مُحَمَّد ولد حَسْبَمَا وجد بِخَطِّهِ فى سنة 1111 إحدى عشرَة وَمِائَة وَألف وَهُوَ إمام الْآدَاب وَالْفَائِق فِي كل بَاب على ذوي الْأَلْبَاب قَرَأَ فِي الآلات وَلم تطل أَيَّام طلبه بل هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلى أيام طلب غَيره من الطّلبَة لَا تعد وَلكنه نَالَ بِقُوَّة فكرته الصادقة وجودة ذهنه الفائقة مَالا يَنَالهُ غَيره من أهل الِاشْتِغَال الطَّوِيل ثمَّ قَرَأَ بعد ذَلِك في علم الحَدِيث على السَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن إسماعيل الْأَمِير وَكَانَ يتعجب من ذكائه وَله مصنفات مِنْهَا تفريج الكروب في مَنَاقِب علي بن أَبى طَالب كرم الله وَجهه وَهُوَ كتاب نَفِيس وَله رسائل كالرسالة الَّتِى سَمَّاهَا الْوَجْه الْحسن الْمَذْهَب للحزن وفيهَا من البلاغة وَحسن المسلك مَا يشْهد لَهُ بالتفرد ومضمونها الإنكار على من عادى علم السنة من الْفُقَهَاء الزيدية وعَلى من عادى علم الْفِقْه من أهل السنة وَكَانَ يمِيل إِلَى الإنصاف وَلكنه لَا يظْهر ذَلِك لشدَّة الجامدين من الْفُقَهَاء على من أنصف وَلم يتعصّب للْمَذْهَب وَهُوَ الَّذِي أورد السُّؤَال واستشكا لَهُ بقوله فِي أَوله (أَيهَا الْأَعْلَام من سَادَاتنَا ... ومصابيح دياجي الْمُشكل) (خبرونا هَل لنا من مَذْهَب ... يقتفى فى القَوْل أوفى الْعَمَل) (أم تركنَا هملاً نرعى بِلَا ... سائم نقفوه نهج السبل) (فإذا قُلْنَا ليحيى قيل لَا ... هَهُنَا الْحق لزيد بن علي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 (وَإِذا قُلْنَا لزيد حكمُوا ... أَن يحيى قَوْله النَّص الجلى) (واذا قُلْنَا لهَذَا وَلذَا ... فهم خير جَمِيع الْملَل) (أَو سواهُم من بني فَاطِمَة ... أُمَنَاء الوحي بعد الرُّسُل) (قرروا الْمَذْهَب قولاً خَارِجا ... عَن نُصُوص الآل فابحث وسل) (إن يكن مُجْتَهدا قَرَّرَهُ ... كَانَ تقليداً لَهُ كَالْأولِ) (إن يكن قَرَّرَهُ من دونه ... فقد انسدّ طَرِيق الجدل) (ثمَّ من نَاظر أَو جادل أَو ... رام كشفا لقذى لم ينجلى) (قَدَحُوا في دينه وَاتَّخذُوا ... عرضه مرمى سِهَام المنصل) ثمَّ أجَاب عَن هَذَا السُّؤَال عُلَمَاء عصره وَكَثُرت الجوابات الى غَايَة وهى مَجْمُوعَة عِنْد كثير من النَّاس وَلم يعجب المترجم لَهُ شئ مِنْهَا ثمَّ أنه رام كشف الإشكال وَجمع رِسَالَة سَمَّاهَا التفكيك لعقود التشكيك فَلَمَّا وقفت عَلَيْهَا لم أستحسنها بل كتبت عَلَيْهَا جَوَابا سميته التشكيك على التفكيك وَلَعَلَّ الَّذِي حمله على ذَلِك الْجَواب تعويل جمَاعَة عَلَيْهِ مِمَّن علم أَنه السَّائِل وَالظَّاهِر أَنه قصد بالسؤال ترغيب النَّاس إلى الْأَدِلَّة وتنفيرهم عَن التَّقْلِيد كَمَا يدل على ذَلِك قصيدته الَّتِى أوردهَا القاضي الْعَلامَة أَحْمد بن مُحَمَّد قاطن في كِتَابه الَّذِي سَمَّاهُ تحفة الأخوان بِسَنَد سيد ولد عدنان وأولها (تَأمل وفكر في المقالات وأنصت ... وعدعن ضلالات التعصب والفتّ) وَقد ذيلت أَنا هَذِه القصيدة بقصيدة أطول مِنْهَا وأولها (مسامع من ناديت يَا عَمْرو سدّت ... وَصمت لَدَى صفو من النصح صمت) وهي مَوْجُودَة في مَجْمُوع شعري وَقد أوردت كثيراً مِنْهَا في الْجَواب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 على التفكيك الْمشَار إليه وَسكن المترجم لَهُ سربه وهي نزهة قريب ذمار جَارِيَة الْأَنْهَار باسقة الْأَشْجَار ثمَّ بَاعهَا وفرّ إلى أَبى عَرِيش إلى شريفها وَكَاتب من هُنَالك أَنه يُرِيد رُجُوع مَا بَاعه ثمَّ جرت خطوب آخرها أَنه عَاد إلى حَضْرَة مَوْلَانَا الإمام المهدي الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن وَقد كَانَ يكثر الإحسان إليه كَمَا كَانَ وَالِده الْمَنْصُور يكثر الإحسان إليه كَذَلِك وَكَانَ مفرط الْكَرم لَا يبالى بِمَا أخذولا بِمَا أعْطى وَله أشعار رائقة فائقة مَجْمُوعَة في كراريس جمعهَا السَّيِّد الأديب مُحَمَّد بن هَاشم بن يحيى الشامي رَحمَه الله وهي مَشْهُورَة بأيدي النَّاس فَلَا حَاجَة إلى إيراد شئ مِنْهَا وَمَات في سنة 1173 ثَلَاث وَسبعين وَمِائَة وألف وَقد كَانَ يحْكى عَن نَفسه أَن أَجود شعره القصيدة الَّتِى مدح بهَا الإمام الْمَنْصُور بِاللَّه الْحُسَيْن بن الْقَاسِم رَحمَه الله وهي (حَقِيقَة عشق في الْفُؤَاد مجازها ... لَهَا فرض عين في الخدود جَوَازهَا) (وَمَا كنت أدري أَن للعشق دولة ... تذل لَهَا أبطالها وعزازها) وهي قصيدة طَوِيلَة مُشْتَمِلَة على بلاغة بليغة (85) السَّيِّد إسماعيل بن إبراهيم ابْن الْحُسَيْن بن الْحسن بن يُوسُف بن الإمام المهدي لدين الله مُحَمَّد بن المهدي لدين الله أَحْمد بن الْحسن بن الإمام الْقَاسِم رَحِمهم الله ولد سنة 1165 خمس وَسِتِّينَ وَمِائَة وألف بِصَنْعَاء المحمية بِاللَّه وَنَشَأ بهَا واشتغل بالمعارف العلمية وَهُوَ ذُو فكر صَحِيح وَنظر قويم رجيح وَفهم صَادِق وإدراك تَامّ وَكَمَال تصور وعقل يقل وجود نَظِيره وَحسن سمت فائق وتأدب رائق وبشاشة أَخْلَاق وكرم أعراق أَخذ عَنى فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 الْفِقْه والأصول والْحَدِيث فَقَرَأَ عليّ في شرح الأزهار وَشرح الْغَايَة وشفاء الْأَمِير الْحُسَيْن وأمالي أَحْمد بن عِيسَى وَالْأَحْكَام للهادي وَفِي البخاري وَالْهدى وشرحى للمنتقى ومؤلفي الْمُسَمّى بالدرر وَشَرحه الْمُسَمّى بالدراري وفي الْكَشَّاف وَغير ذَلِك وَهُوَ الآن مكبّ على الطلب لَهُ فِيهِ أكمل رَغْبَة وَأتم نشاط وَعظم إقبال وَصَارَ الآن يكْتب تفسيري الَّذِي سميته فتح الْقَدِير بعد أَن كتب غَالب مصنفاتي وسمعها عليّ وَله اشْتِغَال بِالْعبَادَة ومحبة للاستكثار مِنْهَا وَمن حسن أخلاقه واحتماله أَنى لم أعرفهُ مَعَ طول ملازمته لي أَنه قد غضب مرة وَاحِدَة مَعَ كَثْرَة مَا يَدُور بَين الطّلبَة من المذاكرة والمناظرة المفضية فِي بعض الْحَالَات إِلَى تكدر الْأَخْلَاق وَظُهُور بعض القلق وَهَذِه منقبة عزيزة الْوُجُود وَكَانَ وَالِده رَحمَه الله معدوداً من عُلَمَاء الْفِقْه وَأَخُوهُ الْعَلامَة الْعلم ستأتي لَهُ تَرْجَمَة مُسْتَقلَّة إِن شَاءَ الله وَلِصَاحِب التَّرْجَمَة نظم حسن فَمِنْهُ مَا كتب إِلَى وَقد أهْدى لي طَاقَة زهر منثور (إليك ياعز الْهدى ... نظام منثور أَتَى) (هَدِيَّة أبرزها الر ... بيع في فصل الشتا) (حقيرة لَكِنَّهَا ... طابت شذى ومنبتا) (كأصلك الزاكي الَّذِي ... أبدى لنا خير فَتى) (فاقبل وسامح ناظماً ... قصّر فِيمَا نعتا) فأجبت بقولى (يَابْنَ الأولى فِي شَأْنهمْ ... بهل أَتَى الْمَدْح أَتَى) (وَمن هم القادة إِن ... أعضل خطب أَو عتا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 (بحلق من فضَّة ... بعثت ياخير فَتى) (كأنه الجامات في ... فيروزج قد نعتا) (أَو الثريا أَو عقو ... د الدرّ إِن مانبتا) (نظمك والمنثور وَا ... فاني مَتى الْوَصْل مَتى) (86) إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الصَّمد الهاشمى العقيلى الجبرتى ثمَّ الزبيدي الشافعي ولد سنة 722 اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَسَبْعمائة وَكَانَ لَهُ أَحْوَال ومقامات وَلأَهل زبيد فِيهِ اعْتِقَاد كَبِير وَكَانَ يلازم قِرَاءَة سُورَة يس وَيَأْمُر بهَا وَيَزْعُم أَن قرَاءَتهَا لقَضَاء كل حَاجَة وَكَانَ أول ظُهُور أمره أنه بشر السُّلْطَان الْأَشْرَف بانهزام جند قصدوه وَكَانَ الْأَمر كَذَلِك وَصَارَت لَهُ بذلك عِنْده منزلَة وَكلمَة لَا ترد وَكَانَ منزلَة ملْجأ لأهل الْعِبَادَة وَلأَهل البطالة وَأهل الْحَاجَات فَأهل الْعِبَادَة يحْضرُون للذكر وَالصَّلَاة وَأهل البطالة للسماع وَاللَّهْو وَأهل الْحَاجَات لوجاهته فَأَنَّهُ تتلمذ لَهُ أَحْمد بن الرداد وَمُحَمّد المزجاجي فجالسا السُّلْطَان وَكَانَ مغريّ بِالسَّمَاعِ والرقص دَاعيا إِلَى نحلة ابْن عربى حَتَّى صَار من لايحصل نُسْخَة من الفصوص تنقص مَنْزِلَته عِنْده وَاشْتَدَّ الْبلَاء على الْعلمَاء الصادعين بِالْحَقِّ بِسَبَبِهِ وَفِيه يَقُول بعض الأدباء وَكَانَ منحرفاً عَنهُ ومعتقداً لصلاح صَالح المصري (صَالح المصريّ قَالُوا صَالح ... ولعمري أنه للمنتخب) (كَانَ ظني أَنه من فتية تمتحنهم تختلب) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 (رَهْط إسماعيل قطاع الطر ... يق إِلَى الله وأرباب الريب) (سفل حمقى رعاع غاغة ... أكلب فيهم على الدُّنْيَا كلب) وَقد كَانَ قَامَ صَالح الْمصْرِيّ هَذَا على صَاحب التَّرْجَمَة فتعصبوا لَهُ حَتَّى نفوه إِلَى الْهِنْد ثمَّ كَانَ الْفَقِيه أَحْمد الناشري عَالم زبيد يقوم عَلَيْهِ وعَلى أَصْحَابه وَلَا يَسْتَطِيع أَن يغيّرهم عَمَّا هم فِيهِ لميل السُّلْطَان اليه وبالع فِي تَعْظِيمه الحزرجي فِي تَارِيخه وَقَالَ كَانَ فِي أول أمره معلم أَوْلَاد ثمَّ اشْتغل بالنسك وَالْعِبَادَة وَصَحب الشُّيُوخ فَفتح عَلَيْهِ وتسلّك على يَدَيْهِ الجم الْغَفِير وَبعد صيته وانتشرت كراماته وَارْتَفَعت مكانته عِنْد الْخَاص وَالْعَام وَبَالغ الْأَشْرَف إسماعيل بن الْعَبَّاس في امْتِثَال أوامره مَاتَ في نصف شهر رَجَب سنة 806 سِتّ وثمان مائَة (87) السَّيِّد إسماعيل بن أَحْمد الكّبسي ولد تَقْرِيبًا بعد سنة 1150 خمسين وَمِائَة وَألف وَهُوَ أحد عُلَمَاء صنعاء المعاصرين لَهُ عرفان بالنحو وَالصرْف والمعاني وَالْبَيَان وَالْفِقْه وإلمام بالأصول لَا سِيمَا أصُول الدَّين وَهُوَ بمَكَان من الزّهْد والعفة والأنجماع عَن بنى الدِّينَا والقنوع بِمَا يصل إليه وإن كَانَ يَسِيرا وَله عناية بقول الْحق والمناصحة لأهل الولايات وَأكْثر مَا يكْتب إِلَى فِي ذَلِك من كَلِمَاته المقبولة وَله شعر جيّد فَمن شعره مَا كتبه إِلَى يعاتبني لما شددت على جمَاعَة من الْقُضَاة الَّذين يَأْخُذُونَ الْأُجْرَة من النَّاس وَكَانَ فيهم ثَلَاثَة حكام من الكباسية وَمن جملَة أبياته قَوْله (عزّ الْأَنَام مُحَمَّد فَهُوَ الَّذِي ... طابت عناصره وَأكْرم من سُئِلَ) (الحبر وَالْبَحْر الخضّم وحاكم ... الإسلام عالمنا وملجأ من وَجل) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 (يَا من علاكيوان إنّ زَمَاننَا ... أرسى على الْآل الوبال فَهَل جهل) وهي أَبْيَات طَوِيلَة مَذْكُورَة في غير هَذَا الْموضع وَله إِلَى سُؤَالَات وَكَانَ سَاكِنا في الرَّوْضَة فأرسلها إِلَى مَعَ شَيخنَا الْعَلامَة الْحسن بن إسماعيل المغربي رَحمَه الله فأجبت عَلَيْهَا بِجَوَاب طَوِيل وأرسلتها إليه مَعَ شَيخنَا الْمَذْكُور وَهُوَ الآن يقْرَأ عَلَيْهِ في فنون مُتعَدِّدَة وَلِلنَّاسِ إليه رَغْبَة لزهده وورعه (88) السَّيِّد إسماعيل بن أَحْمد الكبسي الملقب مغلس ولد سنة وَقَرَأَ على جمَاعَة من أهل الْعلم كالسيّد الْعَلامَة علي بن عبد الله الْجلَال وَشَيخنَا الْعَلامَة أَحْمد بن مُحَمَّد الحرازي وَغَيرهمَا من مَشَايِخ صنعاء وَهُوَ الآن من المدرسين في جَامع صنعاء فِي الْفِقْه والآلات وَله معرفَة تَامَّة وفطرة سليمَة وفاهمة قَوِيَّة وَهُوَ الآن يقْرَأ عليّ من جملَة الطّلبَة في شرح الْعَضُد على مُخْتَصر الْمُنْتَهى وحواشيه وَهُوَ كثير الطَّاعَة قَلِيل الفضول كثير الإقبال على شَأْنه صَلِيب الدّيانَة تعتريه حِدة لَا سِيمَا إذا شَاهد شَيْئا من الْمُنْكَرَات كثّر الله أَمْثَاله وَقد خرج من صنعاء فِي أَوَاخِر سنة 21 الى خصن الظفير هُوَ وَجَمَاعَة ودعا إلى نَفسه وَبث دَعوته إلى الأقطار وَجَرت أُمُور طَوِيلَة وَبعد ذَلِك ترك الدعْوَة وَاسْتقر هُنَالك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 (89) إسماعيل بن أَبى بكر بن عبد الله بن إبراهيم ابْن علي بن عَطِيَّة بن علي الشّرف الشرجى اليمانى الشافعى الْمَعْرُوف بالمقرئ الزبيدي ولد سنة 754 أَربع وَخمسين وَسَبْعمائة وتفقه بالجمال الراعي وَقَرَأَ الْعَرَبيَّة على مُحَمَّد بن زَكَرِيَّا وَعبد اللَّطِيف الشرجي وَغَيرهمَا وَقَرَأَ في عدَّة فنون وبرز في جَمِيعهَا وفَاق أهل عصره وَطَالَ صيته وأشتهر ذكره وَمهر فِي صناعَة النّظم والنثر وَجَاء بمالا يقدر عَلَيْهِ غَيره وَأَقْبل عَلَيْهِ مُلُوك الْيمن وَصَارَ لَهُ حَظّ عَظِيم عِنْد الْخَاص وَالْعَام وولاه الْملك الْأَشْرَف تدريس المجاهدية بتعز والنظامية بزبيد فَأفَاد الطّلبَة وَعين للسفارة الى الديار المصرية ثمَّ تَأَخّر ذَلِك لطمعه في الِاسْتِقْرَار في قَضَاء الْأَقْضِيَة بعد الْمجد الشيرازي صَاحب الْقَامُوس الانى ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَلم يتم لَهُ مناه بل كَانَ يرجوه في حَيَاة الْمجد ويتحامل عَلَيْهِ بِحَيْثُ إن الْمجد عمل للسُّلْطَان كتاباً وَجعل أول كل سطر مِنْهُ الْألف فاستعظمه السُّلْطَان فَعمل لَهُ صَاحب التَّرْجَمَة كِتَابه الَّذِي لم يسْبق اليه الْمَعْرُوف بعنوان الشرف وَالْتزم أن يخرج من أواخره ووسطه علوماً غير الْعلم الَّذِي يخرج من جَمِيعه وَهُوَ الْفِقْه وَلم يتم في حَيَاة الْأَشْرَف فقدّمه لوَلَده النَّاصِر وَوَقع عِنْده بل وَعند سَائِر عُلَمَاء عصره بِبَلَدِهِ وَغَيرهَا موقعاً عَظِيما وَمن تَأمله رأى فِيهِ مَا يعجز عَنهُ غَالب الطباع البشرية فإنه إِذا قَرَأَهُ الْقَارئ جَمِيعًا وجده فقهاً وَإِذا قرأ أَوَائِل السطور فَقَط وأوساطها فَقَط وأواخرها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 فَقَط استخرج من ذَلِك علم النَّحْو والتاريخ وَالْعرُوض والقوافي وَمن مصنفاته الرَّوْض مُخْتَصر الرَّوْضَة فَكَانَ الِاسْم مُخْتَصرا من اسْم الأَصْل والارشاد وَهُوَ كتاب نَفِيس فِي فروع الشَّافِعِيَّة رَشِيق الْعبارَة حُلْو الْكَلَام في غَايَة الإيجاز مَعَ كَثْرَة الْمعَانى وَشَرحه فِي مجلدين وَقد طَار في الآفاق واشتغل بِهِ عُلَمَاء الشَّافِعِيَّة في الأقطار وَشَرحه جمَاعَة مِنْهُم وَله بديعية بديعة وَله تصانيف غير هَذِه وارتقى في جَمِيع المعارف إلى رُتْبَة لم يشْتَمل على مجموعها غَيره بل قيل أن الْيمن لم ينجب مثله وشعره في الذروة الْعَالِيَة حَتَّى قَالَ بعض معاصريه أنه أشعر من المتنبي وَلَعَلَّه بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا يأتي بِهِ في شعره من الْأَنْوَاع الغريبة والأساليب العجيبة كالقصيدة الَّتِى تقْرَأ حُرُوف رويها بِالضَّمِّ وَالنّصب والجر وَمن شعره مَا يخرج من الْبَيْت الْوَاحِد وُجُوه تزيد على الْألف وَكَانَ مَعَ إجادته في الشّعْر يكره أن ينتسب إليه حَتَّى قَالَ (بِعَين الشّعْر أبصرني أنَاس ... فَلَمَّا ساءني أخرجت عينه) (خُرُوجًا بعد رَاء كَانَ رأيي ... فَصَارَ الشّعْر مني الشَّرْع عينه) قَالَ ابْن حجر فِي أنبائه إنه اجْتمع بِهِ فِي سنة 800 ثمَّ فِي سنة 806 قَالَ وَفِي كل مرة يحصل لي مِنْهُ الود الزَّائِد والإقبال وتنقلت بِهِ الأحوال وَولى بعض الْبِلَاد فِي دولة الْأَشْرَف وناله من النَّاصِر جَائِحَة تَارَة وإقبال أُخْرَى وَكَانَ يتشوق لولاية الْقَضَاء بِتِلْكَ الْبِلَاد فَلم يتَّفق لَهُ قَالَ وَمن نظمه بديعية الْتزم في كل بَيت مِنْهَا تورية مَعَ التورية باسم النَّوْع البديعي وَله مسَائِل وفضائل وَعمل مرة مَا يتَفَرَّع من الْخلاف فِي مَسْأَلَة المَاء المشمس فبلغت آلافاً قَالَ وَله خُصُوصِيَّة بالسلطان وَولى عدَّة ولايات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 دون قدره وَله تصانيف وحذق تَامّ وَنظر مليح مارأيت بِالْيمن أذكى مِنْهُ انْتهى وَالْحَاصِل أنه إمام في الْفِقْه والعربية والمنطق وَالْأُصُول وَذُو يَد طولى فِي الْأَدَب نظماً ونثراً ومتفرد بالذكاء وَقُوَّة الْفَهم وجودة الْفِكر وَله في هَذَا الشَّأْن عجائب وغرائب لَا يقدر عَلَيْهَا غَيره وَلم يبلغ رتبته فِي الذكاء واستخراج الدقائق أحد من أَبنَاء عصره بل وَلَا من غَيرهم سمع بعض النَّاس يذكر بيتى الحريري في المقامات اللَّذين قَالَ أنه قد أَمن أَن يعززا بثالث وهما (سم سمة تحمد آثارها ... فاشكر لمن أعْطى وَلَو سمسمه) (وَالْمَكْر مهما اسطعت لاتأته ... لتقتفي السؤدد والمكرمة فَقَالَ إن تعزيزهما بثالث غير مُمْتَنع فَجحد ذَلِك الْبَعْض وَطَالَ بَينهمَا النزاع فَرجع إِلَى بَيته وَعمل على هَذَا النمط توفية خمسين بَيْتا وَأرْسل بهَا إلى من جادله وَقَالَ قد صَارا خمسين وَأول أبياته (من كلّ مهدي ودعا أحمدا ... أُجِيب مَا أسعد من كَلمه) وَقد كَانَ بعض الْمُتَأَخِّرين مِمَّن عاصره قبل عصر صَاحب التَّرْجَمَة قد عزز بَيْتِي الحريري بثالث وَهُوَ (والمس لمهوى الضَّيْف خير الْقرى ... وَسلم الْمُسلم والمسلّمه) وَمَعَ كَونه بِهَذِهِ الْمنزلَة من الذكاء كَانَ غَايَة في النسْيَان حَتَّى قيل أنه لَا يذكر مَا كَانَ في أول يَوْمه وَمن أعجب مَا يحْكى فِي نسيانه أَنه نسي مرة ألف دِينَار ثمَّ وَقع عَلَيْهَا بعد مُدَّة اتِّفَاقًا فَتذكر ذَلِك مَعَ عدم توسعه فى الدِّينَا بل مَعَ مزِيد حَاجته إِلَى ماهو أقل من ذَلِك وَكَانَ يُنكر نحلة ابْن عربي وَأَتْبَاعه وَبَينه وَبَين متبعيه معارك وَله في ذَلِك رسالتان وقصائد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 كَثِيرَة مَاتَ في سنة 837 سبع وَثَلَاثِينَ وثمان مائَة وترجمته تحْتَمل كراريس (90) السَّيِّد إسماعيل بن الْحسن بن أَحْمد بن الْحسن ين الإمام الْقَاسِم بن مُحَمَّد شَيخنَا الْعَلامَة الْمدرس ولد تَقْرِيبًا بعد سنة 1120 عشْرين وَمِائَة والف وَنَشَأ بِصَنْعَاء وَأخذ عَن أكَابِر علمائها ثمَّ انْتفع بِهِ الطّلبَة في الْعَرَبيَّة واشتهر على الألسن أَنه من افْتتح طلبه عَلَيْهِ في علم الْعَرَبيَّة اسْتَفَادَ وَكنت من جملَة من افْتتح عَلَيْهِ فِي الْعَرَبيَّة فَقَرَأت عَلَيْهِ ملحة الإعراب للحريري وَشَرحهَا الْمَعْرُوف بشرح بحرق وَكَانَ لَهُ فِي عناية كَامِلَة وَله مُشَاركَة قَوِيَّة في علم الصّرْف والمعاني وَالْبَيَان وَالْأُصُول وَمن بركته المجربة أَنى تصدّرت للتدريس فِي الملحة وَشَرحهَا قبل الْفَرَاغ من قرائتها عَلَيْهِ وَكَانَ رَحمَه الله يواظب على التدريس مَعَ ضعفه وعلو سنه وَكنت أرَاهُ يأتي الْجَامِع الْمُقَدّس فِي أَيَّام الشتَاء وَشدَّة الْبرد فيقعد للتدريس وَقد أثر فِيهِ الْبرد مَعَ الْحَرَكَة تَأْثِيرا قَوِيا وَاسْتمرّ رَحمَه الله على ذَلِك حَتَّى توفاه الله تَعَالَى فى يَوْم الْجُمُعَة لست عشرَة لَيْلَة خلت من شهر صفر سنة 1206 سِتّ وَمِائَتَيْنِ وَألف (91) السَّيِّد اسمعيل بن الْحسن الشامي مولده سنة 1154 أَربع وَخمسين وَمِائَة وألف وَله شغله بالزهد والورع والاشتغال بِخَاصَّة نَفسه واتصل بالسيّد علي بن مُحَمَّد بن عَامر أَيَّام تَوليته للأوقاف فَكَانَ يَنُوب عَنهُ فِي كثير من الْأَعْمَال ثمَّ اسْتَقر بعد مُدَّة فى وقف مَدِينَة ثلاثم اسْتَقر بعد ذَلِك فِي ولَايَة وقف صنعاء وَهُوَ الآن مُسْتَمر على ذَلِك وبيني وَبَينه مَوَدَّة صَادِقَة ومحبة خَالِصَة وَلنَا اجتماعات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 نفيسة وَهُوَ كثير التَّوَاضُع حسن الْأَخْلَاق عالي الهمة كثير الْمُرُوءَة كثير الْبر والإحسان لَا برح في حماية الْملك الديَّان وَله يَد في المعارف العلمية وَعمل بِمَا يَقْتَضِيهِ الدَّلِيل وإنصاف فِي جَمِيع مسَائِل الْخلاف وَتوفى رَحمَه الله في شهر شعْبَان سنة 1234 أَربع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَألف (92) الإمام المتَوَكل على الله إسماعيل بن الإمام الْقَاسِم بن مُحَمَّد رضي الله عَنْهُمَا وَسَيَأْتِي تَمام نسبه فِي تَرْجَمَة أَخِيه الْحسن إِن شَاءَ الله ولد فِي نصف شعْبَان فِي سنة 1019 تسع عشرَة وألف فِي شهارة وَنَشَأ بهَا وَكَانَ كَامِل الْخلق معتدل الْقَامَة أسمر اللَّوْن عَظِيم اللِّحْيَة أشعر الذراعين قوي الْحَرَكَة كثير التبسم حسن الْخلق قَرَأَ على جمَاعَة من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 أَعْيَان عُلَمَاء عصره فِي الْفِقْه وَسَائِر الْفُنُون فبرع فِي الْفِقْه وفَاق على عُلَمَاء عصره فِي ذَلِك وَأقر لَهُ الْكثير مِنْهُم وَالصَّغِير وَرَجَعُوا إِلَيْهِ فِي المعضلات وشارك فِي بَقِيَّة الْفُنُون مُشَاركَة قَوِيَّة وَكَانَ يقرئ فِيهَا أَعْيَان عُلَمَاء عصره وصنّف مصنّفات مِنْهَا العقيدة الصَّحِيحَة وَشَرحهَا الْمسَائِل المرتضاة إِلَى جَمِيع الْقُضَاة وحاشية على منهاج الإمام المهدي في الْأُصُول بلغ فِيهَا إلى بعضه ورسالة في الطَّلَاق للثلاث وَفِي المحايرة في إبطال الدور وَفِي الْخلْع وَفِيمَا وَقع إهداره في أَيَّام الْبُغَاة وَفِيمَا يُؤْخَذ من الجبايات وَكَانَ وَاسع الْحلم قوي الصَّبْر شَدِيد الإغضاء وَلما اشتهرت فضائله وتمت مناقبه دَعَا إلى نَفسه بعد موت أخيه الإمام الْمُؤَيد بِاللَّه مُحَمَّد بن الْقَاسِم فى يَوْم الْأَحَد سلخ رَجَب سنة 1054 أَربع وَخمسين وَألف وَقد كَانَ تقدمه صنوه أَحْمد بن الْقَاسِم ودعا إلى نَفسه لأنه كَانَ عِنْد الْمُؤَيد بِاللَّه في شهارة فقوى عزمه على الدعْوَة القاضي أَحْمد بن سعد الدَّين الْمُتَقَدّم ذكره فَدَعَا وتأخرت دَعْوَة المتَوَكل لأنه كَانَ عِنْد موت أَخِيه فى صوران وَبَين المحلين مَسَافَة وَلم يعد دَعْوَة أَخِيه أَحْمد مَانِعَة من دَعوته لكَونه لم يكن جَامعا لشروط الإمامة الْمُعْتَبرَة فِي مَذْهَبهمَا الَّتِى مِنْهَا الِاجْتِهَاد وَلم يكن أَحْمد بِهَذِهِ الْمنزلَة في الْعلم وَلما ظَهرت دَعْوَة المتَوَكل على الله تلقاها النَّاس بِالْقبُولِ ودخلوا تَحت طَاعَته وَقد كَانَ أَيْضا دَعَا ابْن أَخِيه مُحَمَّد بن الْحسن بن الْقَاسِم فِي الْيمن وَلكنه لما بلغته دَعْوَة عَمه إسماعيل ترك ودعا في الشَّام بِلَاد صعدة السَّيِّد إبراهيم بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عز الدَّين بن على بن الْحُسَيْن بن الإمام عز الدَّين بن الْحسن وَاسْتمرّ أَحْمد بن الْقَاسِم على دَعوته وَبعث العساكر إلى الْجِهَات المتفرقة لحفظ الْأَطْرَاف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 من غير إيذان بِحَرب وَلكنه مَا زَالَ أمره يتناقص وَلَا سِيمَا بعد مبايعة السيّدين الأعظمين مُحَمَّد بن الْحسن بن الْقَاسِم وأخيه أَحْمد ابْن الْحسن للمتوكل على الله فإنه ضعف جَانب احْمَد غَايَة الضعْف وَلم يتقاعد عَن الْقيام بالدعوة وتجهيز الجيوش وَوَقعت حروب قتل فِيهَا جمَاعَة قَليلَة ثمَّ ارتحل أَحْمد إلى عمرَان ثمَّ إلى ثلا وأحيط بِهِ فِيهَا فَجرى الصُّلْح على أَن يَقع الِاجْتِمَاع بَين الأخوين وَمن غلب الآخر في الْعلم اسْتَقل بالإمامة فَظهر فضل صَاحب التَّرْجَمَة فَبَايعهُ أخوه أَحْمد ثمَّ بَايعه النَّاس الَّذين مَعَه وسكنت الْأُمُور وَأما السَّيِّد إبراهيم فَمَا زَالَ أمره يضطرب فَتَارَة يُبَالغ وَتارَة يظْهر بَقَاءَهُ على دَعوته وتكرر مِنْهُ ذَلِك وَلم يكن مَعَه مَا يعول بِهِ من جند وَلَا أَتبَاع وَصَارَت الْيمن جَمِيعهَا تَحت طَاعَة صَاحب التَّرْجَمَة وَصفا لَهُ الْوَقْت وقهر الأضداد وَلم يبْق لَهُ مُخَالف وَكَانَ أكبر رُؤَسَاء دولته ابْن أخيه مُحَمَّد بن الْحسن بن الْقَاسِم فإنه كَانَ يقبض حواصل أحسن الْبِلَاد ثمَّ بعده أَحْمد ابْن الْحسن بن الْقَاسِم وَكَانَ مُجَاهدًا وَيبْعَث بِهِ الإمام إلى الأقطار النائية للغزو فيظفر وَيعود وَقد دوخ مَا بَعثه إليه كَمَا فعل لما بَعثه المتَوَكل إلى يافع فإنه استولى عَلَيْهَا جَمِيعًا وقهر سلاطينها وَفتح حصونها ودخلوا تَحت طَاعَته وَكَذَلِكَ فعل مرة بعد مرة ثمَّ وَجهه إلى عدن ولحج وَأبين فَفعل فِيهَا كَمَا فعل فِي يافع وَكَذَلِكَ توجه إِلَى حَضرمَوْت فافتتحها بعد فَرَاغه من افْتِتَاح يافع وأذعنت هَذِه الْبِلَاد كلهَا بِالطَّاعَةِ لصَاحب التَّرْجَمَة وَلم ير النَّاس أحسن من دولته في الْأَمْن والدعة وَالْخصب وَالْبركَة وَمَا زَالَت الرعايا مَعَه في نعْمَة والبلاد جَمِيعهَا مجبورة كَثِيرَة الْخيرَات وَكَثُرت أَمْوَال الرعايا وكل أحد آمن على مَا في يَده لعلمه بَان الامام سيمنعه عدله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 عَن أَن يتَعَرَّض لشئ من مَاله وَغير الإمام تَمنعهُ هَيْبَة الإمام عَن الاقدام الى شئ من الْحَرَام وَقد كَانَ النَّاس حديثي عهد بجور الأتراك قد نهكتهم الْحَرْب الْوَاقِعَة بَينهم وَبينهمْ على طول أَيَّامهَا قَالَ السَّيِّد عَامر بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عَامر الشَّهِيد في بغية المريد أن الإمام المترجم لَهُ مَاتَ وَمَعَهُ من أَنْوَاع الطيب مَا قِيمَته مائَة ألف أُوقِيَّة فضَّة وَذكر أَنه خلّف من النَّقْد وَالْعرُوض مَا لَا يأتي عَلَيْهِ الْحصْر وَخلف من الطَّعَام ثَلَاث مائَة ألف قدح صنعاني هَذَا معنى مَا ذكره والامام مَا زَالَ يتنقل من مَكَان إلى مَكَان وَمن بلد إلى بلد وصحبته أكَابِر الْعلمَاء وطلبة الْعلم يَأْخُذُونَ عَنهُ مَا يُرِيدُونَ وَهُوَ يبْذل لَهُم ذَلِك وَيفِيض عَلَيْهِم من بيُوت الْأَمْوَال مَا يَحْتَاجُونَ إليه وَكَانَ الْغَالِب بَقَاؤُهُ في ضوران وَمَا زَالَ على هَذَا الْحَال الْجَمِيل والعيش الْحسن وَقد دخل تَحت طَاعَته السلاطين من يافع وحضرموت وعدن وظفار وعير هَذِه الديار فَمنهمْ من وَفد رَاغِبًا وَمِنْهُم من وَفد رَاهِبًا وَمِنْهُم من وصل اسيرا وجيوش الامام تقَاتل فى الاطراف دَائِما وَمن جملَة من والى الامام وَتَابعه الشريف صَاحب مَكَّة وَاسْتمرّ على حَاله الْجَمِيل حَتَّى توفي فِي لَيْلَة الْجُمُعَة خَامِس جُمَادَى الآخرة سنة 1087 سبع وَثَمَانِينَ وَألف وَله جوابات مسَائِل سَأَلَهُ بهَا عُلَمَاء عصره وهي كَثِيرَة جداً مُتَفَرِّقَة بأيدي النَّاس لَو جمعت لجاءت مجلدا وَلِلنَّاسِ عَلَيْهَا اعْتِمَاد كَبِير لَا سِيمَا الْحُكَّام (93) السَّيِّد اسماعيل بن على بن حسن بن أَحْمد بن حميد الدَّين بن مطهر بن الإمام شرف الدَّين ولد فِي سنة 1133 ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وماية وألف بِصَنْعَاء وَنَشَأ بهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 فَقَرَأَ على جمَاعَة من أعيانها مِنْهُم السَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن إسماعيل الْأَمِير وَالسَّيِّد يُوسُف العجمي وَجَمَاعَة آخرين في علم الْعَرَبيَّة وَغَيره ودرس وَأفَاد وَهُوَ من السَّادة القادة النجباء الكملاء والعقلاء وَفِيه مُرُوءَة وفتوة وَحسن أَخْلَاق وملاحة محاضرة وجودة بادرة وَحفظ الْأَخْبَار النادرة والأشعار الرائقة وَقد مَال إليه مَوْلَانَا الإمام الْمَنْصُور بِاللَّه علي بن الْعَبَّاس حفظه الله فَصَارَ يَدعُوهُ إلى مقَامه في كثير من الْأَوْقَات ويجالسه وَكَثِيرًا مَا يَقع الِاجْتِمَاع بيني وَبَينه هُنَالك أما في يَوْم الْجُمُعَة للحضور عِنْد الْخَلِيفَة حفظه الله للعشاء والقهوة فعلى سَبِيل الِاسْتِمْرَار ويجري بَيْننَا هُنَالك من المذاكرات الأدبية والعلمية مَا تشنف الأسماع وَهُوَ يُورد مَا يُطَابق الْمقَام ويوافق مُقْتَضى الْحَال ويبحث معي في كثير من الْمعَانى الدقيقة والطرائق الرقيقة وَالْأَخْبَار الرشيقة وَفِيه من سمو الهمة عزة النَّفس مَا لَا يقدر عَلَيْهِ غَيره لاسيما في مثل هَذِه المواطن الَّتِى يظْهر فِيهَا جَوَاهِر الرِّجَال فإني لم أسمع مِنْهُ على طول مُدَّة اجتماعي بِهِ هُنَالك كلمة مؤذنة بالخضوع لمطلب من مطَالب الدُّنْيَا الدُّنْيَا لَا تَصْرِيحًا وَلَا تَلْوِيحًا بل يستطرد فِي كَلَامه قصصاً ووقائع فِيهَا مواعظ لَهَا وَقع في الْقُلُوب قَاصِدا بذلك التَّعَرُّض للثَّواب الأخروي وَقد صَار حَال تَحْرِير هَذِه الأحرف وَهُوَ سنة 1213 في ثَمَانِينَ سنة وَله نشاط تَامّ إلى الْحَرَكَة وركوب الْخَيل الَّتِى يهاب ركُوبهَا أَكثر الشَّبَاب فإن مَوْلَانَا حفظه الله يركبه على خيله الْمعدة لركوبه عَلَيْهَا في كثير من الْحَالَات وَلم ينقص شئ من حواسه الظَّاهِرَة والباطنة إِلَّا مُجَرّد ثقل يسير فِي سَمعه وَهُوَ مواظب على الطَّاعَات يعين الضُّعَفَاء بِمَا يقدر عَلَيْهِ من ملكه أَو بالشفاعة ثمَّ مَاتَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 رَحمَه الله في شهر شَوَّال سنة 1215 خمس عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَألف وَولده علي لَهُ شغلة بِالْعلمِ كَبِيرَة وعناية تَامَّة قَرَأَ فِي الآلات على أَعْيَان عُلَمَاء الْعَصْر ورافقني فِي قِرَاءَة الْكَشَّاف والعضد والمطول وحواشي هَذِه الْكتب على شَيخنَا الْعَلامَة الْحسن بن اسمعيل المغربي وَهُوَ الآن مكب على الطلب ملازم لمعالي الرتب وَله قِرَاءَة على السَّيِّد الْعَلامَة شرف الدَّين بن أسمعيل بن مُحَمَّد بن إسحاق وَرُبمَا قَرَأَ عَلَيْهِ بعض الطّلبَة في الآلات وَله من حسن الْأَخْلَاق ولطافة الطَّبْع وبشاشة الْوَجْه للخاص وَالْعَام مَالا يقدر عَلَيْهِ غَيره وَهُوَ حَال تَحْرِير هَذَا مناهز للخمسين وَأخْبر لي أَن مولده في سنة 1166 سِتّ وَسِتِّينَ وماية وَألف وَولده حسن بن على ين إسماعيل قد صَار من الطّلبَة المستفيدين لَهُ اشْتِغَال بالفقه وَعلم الْعَرَبيَّة وَسَائِر الْعُلُوم وَهُوَ كأبيه وجده في حسن الْأَخْلَاق واللطافة والظرافة وَمَات رَحمَه الله في سنة 1215 خمس عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَألف قبل موت جده بأشهر وَهُوَ فى عنفوان شبابه (94) اسمعيل بن علي بن مَحْمُود بن مُحَمَّد بن عمر بن شاهنشاه بن أَيُّوب الْملك الْمُؤَيد صَاحب حماه ولد سنة 672 اثْنَتَيْنِ وَسبعين وسِتمِائَة وَأمره النَّاصِر فخدمه لما كَانَ بالكرك فَبَالغ فَلَمَّا عَاد النَّاصِر إلى السلطنة وعده بسلطنة حماه ثمَّ سلطنه بهَا يفعل فِيهَا مَا يَشَاء من إقطاع وَغير ذَلِك وَلَا يُؤمر وَلَا ينْهَى أركبه النَّاصِر شعار الملكة والسلطنة وَمَشى في خدمته أكَابِر أُمَرَاء النَّاصِر فَمن بعدهمْ وَاسْتقر بحماه ثمَّ قدم إلى مصر على السُّلْطَان النَّاصِر فِي سنة 716 فَبَالغ السُّلْطَان في إكرامه ثمَّ قدم مرة أُخْرَى فحج مَعَ السُّلْطَان سنة 719 فَلَمَّا عَاد عظم فى عين السُّلْطَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 لما رَآهُ من آدابه وفضائله وَألبسهُ بعد الْعود شعار السلطنة وَبَين يَدَيْهِ جَمِيع خَواص النَّاصِر وَسَائِر النَّاس وَمَشى السلحدار بِالسِّلَاحِ والدويدار الْكَبِير بالدواة والغاشية والعصايب وَجَمِيع دست السُّلْطَان بَين يَدَيْهِ وَكَانَ جملَة مَا وصل إلى أهل الدولة بِسَبَبِهِ في هَذَا الْيَوْم مائَة وَثَلَاثِينَ تَشْرِيفًا مِنْهَا ثلَاثه عشر أطلس وَكَانَ يزور السُّلْطَان فِي كل سنة غَالِبا وَمَعَهُ الْهَدَايَا والتحف وَأمر السُّلْطَان جَمِيع النواب أَن يكتبو اليه يقبل الأَرْض وَهَذَا لفظ يخْتَص بالسلطان الْأَعْظَم وَكَانَ النَّاصِر نَفسه يكْتب إليه ذَلِك وَكَانَ جواداً شجاعاً عَالما بفنون عدَّة لاسيما الْأَدَب فَلهُ فِيهِ يَد طولى نظم الحاوي فِي الْفِقْه وصنف تَارِيخه الْمَشْهُور ونظم الشّعْر والموشحات وَكَانَ لَهُ معرفَة بِعلم الْهَيْئَة قَالَ ابْن حجر في الدُّرَر الكامنة وَلَا أعرف فِي اُحْدُ من الْمُلُوك من المدايح مالابن نَبَاته والشهاب مَحْمُود وَغَيرهمَا فِيهِ إلا سيف الدولة وَقد مدح النَّاس غَيرهمَا من الْمُلُوك لَكِن اجتمع لهذين من الْكَثْرَة والإجادة من الفحول مالم يتَّفق لغَيْرِهِمَا وَكَانَ يحب أهل الْعلم ويقربهم وَكَانَ لِابْنِ نَبَاته عَلَيْهِ راتب في كل سنة يصل إليه سوى مَا يتحفه بِهِ إذا قدم عَلَيْهِ وَكَانَ النَّاصِر يكْتب إليه اعز الله أنصار الْمقَام الشريف العالي السلطاني الملكى المؤيدى وَهَذَا وَهُوَ نَائِب من نوابه وَكَانَ نَائِب النَّاصِر في الشَّام وَهُوَ أكبر النواب يكْتب إلى صَاحب التَّرْجَمَة يقبل الأَرْض وَأما غير نَائِب الشَّام فَيكْتب إليه يقبل الأَرْض وَينْهى وَاسْتمرّ على حَاله الْجَمِيل حَتَّى مَاتَ في شهر محرم سنة 732 وَمن نظمه (أحسن بِهِ طرفاً أفوت بِهِ القضا ... إن رمته فِي مطلب أَو مهرب) (مثل الغزالة مَا بَدَت في مشرق ... إلا بَدَت أنوارها في الْمغرب) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 (95) عماد الدَّين اسمعيل بن عمر بن كثير البصروي الأصل الدمشقي الشافعي ولد بقرية من أَعمال مَدِينَة بصرى سنة 701 ثمَّ انْتقل إلى دمشق سنة سِتّ وَسَبْعمائة وتفقه بالشيخ برهَان الدَّين الفرارى وَغَيره وَسمع من الْقَاسِم بن عَسَاكِر والمزي وَغَيرهمَا وبرع في الْفِقْه وَالتَّفْسِير والنحو وأمعن النظر في الرِّجَال والعلل وَمن جملَة مشايخه شيخ الاسلام تقى الدَّين ابْن تَيْمِية ولازمه وأحبه حبا عَظِيما كَمَا ذكر معنى هَذَا ابْن حجر في الدُّرَر وأفتى ودرّس وَله تصانيف مفيدة مِنْهَا التَّفْسِير الْمَشْهُور وَهُوَ فِي مجلدات وَقد جمع فِيهِ فأوعى وَنقل الْمذَاهب والأخبار والْآثَار وَتكلم بِأَحْسَن كَلَام وأنفسه وَهُوَ من أحسن التفاسير إن لم يكن أحْسنهَا وَمن مصنفاته كتاب التَّكْمِيل فِي معرفَة الثقاة والضعفاء والمجاهيل فِي خَمْسَة مجلدات وَكتاب الْبِدَايَة وَالنِّهَايَة فى أَرْبَعَة وَخمسين جزأ وَكتاب الْهدى وَالسّنَن فى أَحَادِيث المسانيد وَالسّنَن جمع فِيهِ بَين مُسْند الامام أَحْمد وَالْبَزَّار وأبي يعلى وَابْن أَبى شيبَة إلى الْكتب السِّتَّة وَله التَّارِيخ الْمَشْهُور وَقد انْتفع النَّاس بمصنفاته وَلَا سِيمَا التَّفْسِير مَاتَ فى شعْبَان سنة 774 (96) السَّيِّد اسمعيل بن مُحَمَّد بن أسحق بن المهدي أَحْمد بن الْحسن بن الإمام الْقَاسِم بن مُحَمَّد ولد سنة 1110 عشر وَمِائَة وَألف ونشأ بِمَدِينَة صنعاء وَقَرَأَ على وَالِده وعَلى السَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن اسمعيل الْأَمِير وبرع في الْعُلُوم لاسيما الْأُصُول وَشرح منظومة الكافل في الأصول لشيخه السَّيِّد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 مُحَمَّد الْأَمِير شرحاً حافلاً في مجلدين جَاءَ فِيهِ بِمَا فِي المطولات من الْفَوَائِد وَكَانَ من جملَة من خرج مَعَ وَالِده أَيَّام وُقُوع الْمُنَازعَة بَينه وَبَين الإمام الْمَنْصُور بِاللَّه الْحُسَيْن بن الْقَاسِم بن الإمام المهدي واعتقله الْمَنْصُور ثمَّ أفرج عَنهُ الإمام المهدي الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن وَله نظم فائق فَمِنْهُ (طَال النَّوَى شهراً فشهراً ... حَتَّى قطعت الدَّهْر هجرا) (هجراً طَويلا لم أطق ... لزمانه عداً وحصرا) (ياهند رقى للَّذي ... أضرمت فى أحشاه جمرا) وهي أَبْيَات طَوِيلَة وَمِنْه (لَا وخمر في الشفات ... أسكرت بالرشفات) (ولآل من ثغور ... في عقيق من شفات) (وغصون من قدود ... بنهود مثمرات) (ورياض في خدود ... زاهيات ناعمات) وهى أَبْيَات من قصيدة كتب بهَا الى السَّيِّد الْعَلامَة اسحق بن يُوسُف وأجابه بِأَبْيَات أَولهَا (اسمعوا عَن زفراتي ... فهي في الْحبّ رواتي) وَلِصَاحِب التَّرْجَمَة رسائل نفيسة وأبحاث شريفة وقفنا على بَعْضهَا عِنْد وَلَده السَّيِّد الْعَلامَة شرف الدَّين بن اسمعيل وستأتى تَرْجَمته وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة رَئِيسا كَبِيرا وعالماً شهيراً وأشعاره كَثِيرَة فِي غَايَة الرقة والانسجام وَله ماجريات لَا يَتَّسِع لَهَا الْمقَام وَمَات فِي شهر ذي الْقعدَة سنة 1164 أَربع وَسِتِّينَ وَمِائَة وَألف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 (97) السَّيِّد اسمعيل بن مُحَمَّد بن الْحسن بن الإمام الْقَاسِم بن مُحَمَّد الرئيس الْمَشْهُور المؤرخ الأديب مؤلف سمط اللآل في شعراء الْآل وَهُوَ كتاب ترْجم فِيهِ لكل من شعر من العلوية وَلم يحط بمشاهيرهم فضلاً عَن أهل الخمول مِنْهُم وَلَكِن في الْجُمْلَة كتاب مُفِيد قيل إِنَّه أنكر عَلَيْهِ الإمام المتَوَكل على الله إكثاره من الشّعْر فَجمع هَذَا الْكتاب وَجعله كالرد عَلَيْهِ وَمن شعره (غطى على خَدّه بكم ... فَأشبه الْورْد في الكمايم) (وَقَالَ لي ناطقاً بِصَوْت ... كَأَنَّهُ ساجع الحمايم) (أخْشَى من الْعين قلت مهلا ... عَيْنَاك يامنيتى تمايم) وشعره كثير غالبه الْجَوْدَة ومدحه كثير من الشُّعَرَاء وَمَات سنة 1111 إِحْدَى عشرَة وَمِائَة وَألف بِبَيْت الْفَقِيه الزيدية (98) السَّيِّد اسمعيل بن هادي الْمُفْتى الصنعاني أَخذ الْعلم عَن الْعَلامَة أَحْمد بن صَالح بن أَبى الرِّجَال مرافقا لشَيْخِنَا الْعَلامَة الْحسن بن اسمعيل المغربي وَأخذ الْعلم أَيْضا عَن جمَاعَة من أَعْيَان عصره وبرع في النَّحْو وَالصرْف والمعاني وَالْبَيَان وَالْأُصُول والْحَدِيث وَالتَّفْسِير وَأخذ عَنهُ جمَاعَة من عُلَمَاء الْعَصْر وَكَانَ يدرس فِي جَمِيع الْفُنُون بِمَسْجِد الفليحي بِصَنْعَاء وَهُوَ قرين شَيخنَا المغربى فى الطّلب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 والتدريس وَمَا زَالَ على ذَلِك حَتَّى توفي فِي شهر رَجَب سنة 1198 ثَمَان وَتِسْعين وَمِائَة وَألف ورثاه تِلْمِيذه السَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحسن بن علي بن المتَوَكل على الله اسمعيل بقصيدة فائقة مطْلعهَا (ياله فادحٌ ألم وخطب ... مِنْهُ كَادَت شمّ الْجبَال تمور) (99) اسمعيل بن يحيى بن حسن الصديق الصعدي ثمَّ الذمّاري ثمَّ الصنعاني ولد بعد سنة 1130 بذمار وَطلب الْعلم هُنَالك فَقَرَأَ الْفِقْه على الْحسن ابْن أَحْمد الشبيبي فبرع فِيهِ وَصَارَ محققاً للأزهار وَشَرحه ولبيان ابْن مظفر وَكَانَ وَالِده قَاضِيا فى حُبَيْش ثمَّ تولى هَذَا الْقَضَاء في أَيَّام صغره بذمار من جملَة حكام السَّبِيل ثمَّ ولي قَضَاء حُبَيْش مَكَان وَالِده في حَيَاته ثمَّ عزل فَعَاد إلى صنعاء وَقَرَأَ على جمَاعَة من الْعلمَاء كالفقيه الْعَلامَة إبراهيم خَالِد وَقَرَأَ أَيْضا على السَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن اسمعيل الْأَمِير فِي الحَدِيث وشارك في غير الْفِقْه مُشَاركَة لَطِيفَة ثمَّ جعله الإمام المهدي الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن من جملَة حكامه بِصَنْعَاء وعظمه وأجلّه وركن عَلَيْهِ فِي أمور كَثِيرَة مِنْهَا تَركه وَالِده فإنه جعلهَا بنظره وَكَانَ لَهُ أبهة عَظِيمَة وجلالة فِي الصُّدُور وتبحّر في الْفِقْه وتقعر فِي الْعبارَات مَعَ سكينَة ووقار ومحافظة على ناموس الْقَضَاء وملازمة لما يجلب الهيبة وَالْعَظَمَة في صُدُور الْعَامَّة من لبس الثِّيَاب الفاخرة وَعدم التزيد في الْكَلَام وَترك مَا لَا ينْهض بِهِ من الامور مَخَافَة ان يعجز عَنهُ بعد ظُهُوره فَيكون عَلَيْهِ في ذَلِك وصمة كَمَا كَانَ يَقع بَينه وَبَين الْحَاكِم الْأَكْبَر الْعَلامَة يحيى بن صَالح السحولي فإنهما قد يتعارضان في أَمر فيدع صَاحب التَّرْجَمَة التصميم على مَا يظْهر لَهُ مَخَافَة أَن يتم غير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 كَلَامه وَكَانَ إذا وَفد عَلَيْهِ من لَهُ خبْرَة بِعلم الْفِقْه أورد عَلَيْهِ مسَائِل قد حفظهَا من علم الأصول وَالتَّفْسِير والْحَدِيث وإذا وَفد عَلَيْهِ من يعرف عُلُوم الِاجْتِهَاد أَو بَعْضهَا أورد عَلَيْهِ مسَائِل من دقائق الْفِقْه فيظن الْفَقِيه أنه مبرز في غير الْفِقْه ويظن غَيره الْعَكْس من ذَلِك فتولد لَهُ من هَذَا عَظمَة فِي الصُّدُور كَبِيرَة وَكَانَ كثيراً مَا يسْتَخْرج رايات شريفة إمامية لجَماعَة من أهل الْعلم الَّذين يلازمون حَضرته بأنهم يقضون بَين النَّاس ويقبضون مِنْهُم أجرتهم الَّتِى يستحقونها وَمن كَانَ بِهَذِهِ المثابة من الْقُضَاة فَهُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ حَاكم السَّبِيل فِي الْعرف أي لَا تَقْرِير لَهُ من بَيت المَال فَكَانَ مثل هَذَا أَيْضا من مُوجبَات تَعْظِيمه وَالْحَاصِل أنه كَانَ صَدرا من الصُّدُور عَظِيم الهمة شرِيف النَّفس كَبِير الْقدر نَافِذ الْكَلِمَة لَهُ دنيا وَاسِعَة وأملاك جليلة أصلها من فضلات رزقه عِنْد تَوليته قَضَاء حُبَيْش فإنه كَانَ يشتري بِمَا فضل لَهُ أَرضًا للزَّرْع ثمَّ تكاثرت تِلْكَ الأرض وَكَانَ يكْتَسب بِمَا فضل من غلاتها ثمَّ تضاعفت غَايَة المضاعفة وَصَارَ من الْمَشْهُورين بِكَثْرَة الْأَمْلَاك وَكَانَ يَجْعَل ضيافات عَظِيمَة وَيجمع فِيهَا الْأَعْيَان والأكابر وَقد دعاني في أَيَّام طلبي للْعلم إلى بَيته مَرَّات وَيظْهر من التَّعْظِيم والآجلال مَالا يُوصف وَآخر ذَلِك قبيل مَوته بِنَحْوِ نصف سنة فإنه أضافني مُنْفَردا وَقد كَانَ اشْتغل جمَاعَة فِي تِلْكَ الْأَيَّام بالحط على بِمَا يَقْتَضِيهِ اجتهادي فِي كثير من الْمسَائِل كَمَا هُوَ دأب الْيمن وَأَهله بل دأب جَمِيع الْمُقَصِّرِينَ مَعَ من يمشي مَعَ الدَّلِيل من الْعلمَاء فَقَالَ لي رَحمَه الله مَا مضمونه إن فِي التظهر بذلك فتْنَة وَذكر لي قضايا جرت مَعَ السَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن اسمعيل الْأَمِير شَاهدهَا وَعرفهَا وَمَا زَالَ يضْرب لي الْأَمْثَال بِكَلَام رصين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 وخطاب متين من جملَته أَن السَّيِّد مُحَمَّد الْأَمِير قد عرفت مَا ناله من النَّاس من الْأَذَى بالْقَوْل وَالْفِعْل وَمَعَ ذَلِك فمعه الْوَزير فلَان والأمير فلَان وَفُلَان وَفُلَان يقومُونَ بنصره ويدفعون عَنهُ مَا يكره وَأَنت يَا وَلَدي قد انقبضت عَن النَّاس وعكفت على الْعلم وانجمعت عَن الأكابر ثمَّ إن السَّيِّد مُحَمَّد قد كَانَ عِنْد مُخَالفَته للنَّاس في سن عالية فِي أَوَاخِر عمره وَأَنت فى عنفوان الشَّبَاب فقد لاتحتمل النَّاس مِنْك مَا كَانُوا يحْتَملُونَ مِنْهُ وَأطَال معي في هَذَا الشَّأْن رَحمَه الله وَمَا زَالَ على حَاله الْجَمِيل حَتَّى مَاتَ فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء تَاسِع شهر صفر سنة 1209 تسع وَمِائَتَيْنِ وَألف وَله شرح على مُقَدّمَة بَيَان ابْن مظفر وَشرع فِي شرح الْمسَائِل المرتضاة للإمام المتَوَكل على الله وَلم يكمل ورسالة فِي الْبَسْمَلَة وَولده يُوسُف بن اسمعيل أصلح أَوْلَاده بعده جعل الْخَلِيفَة مَوْلَانَا الْمَنْصُور بِاللَّه حفظه الله إليه مَا كَانَ إلى وَالِده من الْقَضَاء وَغَيره وَهُوَ الْآن قَائِم بذلك أتمّ قيام على طَريقَة حَسَنَة مَعَ عفة ونزاهة وَله قِرَاءَة عليّ فِي أَوَائِل بَيَان ابْن مظفر (100) أَمِير كَاتب بن أَمِير عمر ابْن العميد ابْن الأتقاني الحنفي ولد في شَوَّال سنة 695 خمس وَتِسْعين وسِتمِائَة واشتغل ببلاده وَمهر وَتقدم وَقدم دمشق في سنة 720 ودرس وناظر وَظَهَرت فضائله وَدخل مصر ثمَّ رَجَعَ فَدخل بَغْدَاد وَولى قضاءها ثمَّ قدم دمشق نَائِبا فِي سنة 747 وَولى بهَا تدريس دَار الحَدِيث الظَّاهِرِيَّة بعد وَفَاة الذهبى وَتكلم فِي رفع الْيَدَيْنِ عِنْد الرُّكُوع وَالرَّفْع وَادّعى بطلَان صَلَاة من فعل ذَلِك وصنف فِيهِ مصنفاً رد عَلَيْهِ السبكي وَفَارق دمشق وَدخل الديار المصرية سنة 751 فَأقبل عَلَيْهِ بعض أمرائها وعظّمه وَجعله شَيخا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 لمدرسة بناها ونظّم فِي ذَلِك قصيدة مدحه بهَا وَكَانَ ذَلِك في جُمَادَى الأولى سنة 757 وَكَانَ معادياً للشَّافِعِيَّة كثير الْحَط على عُلَمَائهمْ وَفِيه تيه زَائِد وَكبر شَدِيد وبأو عَظِيم وتعصب لنَفسِهِ جداً قَالَ فِي بعض مصنفاته مَا لَفظه لَو كَانَ الأسلاف في الْحَيَاة لقَالَ أَبُو حنيفَة اجتهدت ولقال أَبُو يُوسُف نَار الْبَيَان أوقدت ولقال مُحَمَّد أَحْسَنت وَاسْتمرّ هَكَذَا حَتَّى سرد غَالب أَعْيَان الْحَنَفِيَّة وَشرح الْهِدَايَة شرحاً حافلاً وَادّعى أَن بَينه وَبَين الزمخشري رجلَيْنِ فَقَط وَأنكر عَلَيْهِ ذَلِك وَمَات في حادي عشر شَوَّال سنة 758 ثَمَان وَخمسين وَسَبْعمائة (101) السَّيِّد أَمِير الدَّين بن عبد الله بن نهشل ابْن المطهر بن أَحْمد بن عبد الله بن عز الدَّين بن مُحَمَّد بن إبراهيم بن الإمام المطهّر بن يحيى هُوَ أحد عُلَمَاء الزيدية الْمَشَاهِير قَرَأَ على الإمام شرف الدَّين وَأخذ عَنهُ جمَاعَة مِنْهُم الإمام الْقَاسِم بن مُحَمَّد وَكَانَ سَاكِنا بِهِجْرَة حوث وَمَات بهَا فى يَوْم الثُّلَاثَاء التَّاسِع وَالْعِشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة سنة 1029 تسع وَعشْرين وَألف (102) أَيمن بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد أربعة عشر أَبَا فِي نسق وَاحِد قَالَ ابْن حجر في الدُّرَر لم يُوجد لَهُ نَظِير فِي ذَلِك إن كَانَ ثَابتا ولد بتونس ثمَّ قدم الْقَاهِرَة وَكَانَ كثير الهجاء والوقيعة ثمَّ قدم الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة فجاور بهَا وَتَابَ وَالْتزم أَن يمدح النبي صلى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم خَاصَّة إلى أَن يَمُوت فوفى بذلك وَأَرَادَ الرحلة عَن الْمَدِينَة فَذكر أَنه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 في النوم فَقَالَ يَا أَبَا البركات كَيفَ ترْضى بفراقنا فَترك الرحيل وَأقَام بِالْمَدِينَةِ إلى أَن مَاتَ وسمى نَفسه عاشق النبي وَذكر أَن صَاحب تونس بعث اليه يطْلب مِنْهُ الْعود إلى بَلَده ويرغبه فِيهِ فَأجَاب أَنى لَو أَعْطَيْت ملك الْمغرب والمشرق لم أَرغب عَن جوَار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم فَذكر أَنه رأى النبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأطعمه ثَلَاث لقمات قَالَ وَقَالَ لي كلَاما لَا أقوله لَاحَدَّ غير أَن في آخره وَاعْلَم أنّي عَنْك رَاض فَعمل قصيدة مِنْهَا (فَرَرْت من الدُّنْيَا إلى سَاكن الْحمى ... فرار محب عَائِذ بحبيبه) (لجأت إلى هَذَا الجناب وانما ... لجأت الى سامى الْعباد رحيبه) قَالَ ابْن فضل الله وَذكر أَبُو البركات أَنه رأى النبي صلى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم فَأَنْشد بَين يَدَيْهِ هَذَا الْبَيْت (لولاك لم أدر الْهوى ... لولاك لم أدر الطَّرِيق) مَاتَ في سنة 734 أَربع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة حرف الْبَاء الْمُوَحدَة (103) بايزيد خَان بن مُرَاد بن أورخان ابْن عُثْمَان الغازي سُلْطَان الروم وَمَا إليها ولد سنة 748 ثَمَان وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وَجلسَ على التخت سنة 792 وَفتح كثيراً من بِلَاد النَّصَارَى وقلاعهم وَاسْتولى على من كَانَ بالروم من مُلُوك الطوائف وَخرج عَلَيْهِ تيمورلنك إلى بِلَاده وَكَانَ قد لقِيه بِجَيْش الروم وَفِيهِمْ طَائِفَة من التتار فخدع تيمور من كَانَ مَعَ صَاحب التَّرْجَمَة من التتار فمالوا اليه فقاتل هُوَ وَمن مَعَه قتالاً شَدِيدا وَكَانَ شجاعاً فَمَا زَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 يضْرب بِسَيْفِهِ حَتَّى كَاد يصل إلى تيمور فرموا عَلَيْهِ بساطاً وأمسكوه وحبسوه فَمَاتَ كمداً في الْأسر سنة 805 خمس وثمان مائَة (104) بايزيد خَان بن مُحَمَّد بن مُرَاد بن مُحَمَّد بن بايزيد الْمَذْكُور قبله ولد سنة 855 خمس وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَجلسَ على التخت بعد وَالِده سنة 886 وعظمت سلطنته وافتتح عدَّة قلاع لِلنَّصَارَى وَخرج عَلَيْهِ أَخُوهُ جم فَانْهَزَمَ من صَاحب التَّرْجَمَة لما وَقع المصاف وفرّ إلى بِلَاد النَّصَارَى فَأرْسل إليه حلاقاً مَعَه سم فَمَا زَالَ يتَقرَّب إلى جم حَتَّى اتَّصل بِهِ وَحلق لَهُ بسكين مَسْمُومَة وهرب فسرى السم وَمَات وَكَانَ السُّلْطَان بايزيد سُلْطَانا مُجَاهدًا مثاغرا مرابطاً محباً لأهل الْعلم محسناً إليهم وَمَات سنة 918 ثَمَان عشرَة وَتِسْعمِائَة وفي أَيَّامه ظهر شاه اسمعيل الآتي ذكره وَكَانَ الْحَرْب بَينه وَبَين السُّلْطَان سليم ابْن صَاحب الترجمة كَمَا سيأتي تَحْقِيقه بعد أَن غلب سليم على السلطنة وَأَخذهَا من وَالِده كَمَا سيأتي إِن شَاءَ الله تَعَالَى (105) برسباي الدقماقي الظّاهري البرقوقي الْملك الْأَشْرَف اشْتَرَاهُ برقوق ثمَّ أعْتقهُ وَاسْتمرّ في خدمَة ابْنه النَّاصِر ثمَّ صَار مَعَ الْمُؤَيد بعد قتل النَّاصِر وَحضر مَعَه إلى مصر فولاه نِيَابَة طرابلس ثمَّ غضب عَلَيْهِ فاعتقله فَلَمَّا دخل ططر الشَّام بعد الْمُؤَيد استصحبه إلى الْقَاهِرَة وَقَررهُ دواداراً كَبِيرا فَلَمَّا اسْتَقر ابْنه الصَّالح مُحَمَّد كَانَ نَائِبا عَنهُ في التَّكَلُّم مُدَّة أشهر إلى أَن أجمع الرأي على خلعه وسلطنة صَاحب التَّرْجَمَة وَذَلِكَ في ثامن ربيع الآخر سنة 825 وأذعن الْأُمَرَاء والنواب لذَلِك وساس الْملك ونالته السَّعَادَة ودانت لَهُ الْبِلَاد وأهلها وَفتحت فِي أَيَّامه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 بِلَاد كَثِيرَة من غير قتال وَاسْتمرّ إلى أن مَاتَ في عصر يَوْم السبت ثَالِث عشر ذي الْحجَّة سنة 841 إحدى وَأَرْبَعين وثمان مائَة وعهد إلى ابْنه الْعَزِيز بالسلطنة وَأَن يكون الأتابك جقمق نظام المملكة وَكثر تزاحم النَّاس عَلَيْهِ وَكَانَت أَيَّامه هُدُوا وسكونا وَلكنه كَانَ مَوْصُوفا بالشح وَالْبخل والطمع مَعَ الْجُبْن والخور وَكَثْرَة التلون وَسُرْعَة الْحَرَكَة والتقلب فِي الأمور وَشَمل بِلَاد مصر وَالشَّام الخراب وَقلت الأموال بهَا وافتقر النَّاس وسائت سيرة الْحُكَّام والولاة مَعَ بُلُوغ آماله ونيل أغراضه وقهر أعاديه وقتلهم بيد غَيره وَله مآثر في أَرض مصر عَظِيمَة مِنْهَا الْمدرسَة المنسوبة إليه ومدحه بعض الْعلمَاء بتوسيعه على الطّلبَة فَوق مَا كَانَ يَفْعَله من قبله فَقَالَ السَّبَب إن من تقدم من الْفُقَهَاء لم يَكُونُوا يوافقون الْمُلُوك على أغراضهم فَلم يسمحوا لَهُم بِكَثِير أَمر وَأما فُقَهَاء زَمَاننَا فهم لأجل كَونهم في قبضتنا وطوع أمرنَا نسمح لَهُم بِهَذَا النزر الْيَسِير قَالَ السخاوي وَهَذَا كَانَ إِذْ ذَاك وإلا فالآن مَعَ موافقتهم لَهُم في إشاراتهم فضلاً عَن عباراتهم لَا يعطونهم شَيْئا بل يتلفتون لما بِأَيْدِيهِم ويحسدونهم على الْيَسِير انْتهى (106) برقوق الْملك الظَّاهِر أَبُو سعيد الجركسي واسْمه الطنبغا وَلكنه سمي بذلك الِاسْم لنتوء فِي عَيْنَيْهِ كَأَنَّهُمَا البرقوق كَانَ مَمْلُوكا لرجل يُقَال لَهُ الخواجة عُثْمَان ثمَّ ملكه الْأَشْرَف شعْبَان فَلَمَّا قتل ترقى إلى أَن صَار أَمِير أَرْبَعِينَ ثمَّ مَا زَالَ يترقى حَتَّى قبض على بعض الْأُمَرَاء الْكِبَار وَتَوَلَّى التَّدْبِير للدولة مَكَانَهُ ثمَّ حصل التنافس بَينه وَبَين أَمِير يُقَال لَهُ بركه وَوَقع بَينهمَا حَرْب وَكَانَ الغلب لبرقوق فَقبض على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 بركه وسجنه ثمَّ مَا زَالَ يعْمل فِي توليه للسلطنة اسْتِقْلَالا وخلع مخدومه الصَّالح حاجي إلى أَن اسْتَقل في رَمَضَان سنة 784 فَجَلَسَ على التخت ولقب بِالظَّاهِرِ وَبَايَعَهُ الْخَلِيفَة والقضاة والأمراء فَمن دونهم وخلعوا الصَّالح بن الْأَشْرَف وأدخلوه إلى دور أَهله بالقلعة فَلَمَّا كَانَ بعد ذَلِك بِمدَّة خرج جمَاعَة من الْأُمَرَاء على برقوق فبرز إليهم فتسلل من مَعَه وخذلوه فتغيب حِينَئِذٍ واختفى في دَار بِقرب الْمدرسَة الشيخونية ظَاهر الْقَاهِرَة ثمَّ إن الْأُمَرَاء أعادوا الصَّالح إلى المملكة ولقب بالمنصور وَصَارَ يلبغا الناصري أتابكاً لَهُ وَأَرَادَ منطاش قتل برقوق فَلم يُوَافقهُ الناصري بل شيّعه إلى الكرك وسجنه بهَا ثمَّ بعد ذَلِك ثار منطاش على الناصري فحاربه إلى أَن قبض عَلَيْهِ وسجنه بالإسكندرية واستقل منطاش بِالتَّدْبِيرِ وَكَانَ أهوج فَلم يَنْتَظِم لَهُ أَمر وانتقضت عَلَيْهِ الْأَطْرَاف فَجمع العساكر وَخرج إلى جِهَة الشَّام فاتفق خُرُوج برقوق من الكرك وانضم إليه جمع قَلِيل فَالْتَقوا بمنطاش فانكسر إِلَى جِهَة الشَّام فاستولى الظَّاهِر برقوق على جَمِيع الأثقال وَفِيهِمْ الْخَلِيفَة والقضاة وأتباعهم فساقهم إلى الْقَاهِرَة واستقرت قدمه في الْملك وَأعَاد الصَّالح بن الأشرف إلى مَكَانَهُ الَّذِي كَانَ فِيهِ كل ذَلِك فِي أَوَائِل سنة 792 ثمَّ جمع العساكر وَتوجه إلى الشَّام لمحاربة منطاش فحصرها وهرع إليه الأمراء وتعصب الشاميون لمنطاش فَمَا أَفَادَ بل انهزم منطاش بعد أَن دَامَت الْحَرْب بَينهمَا مُدَّة وثبث برقوق في الْملك إلى أَن مَاتَ سنة 801 إحدى وثمان مائَة وعهد بالسلطنة لوَلَده فرج وَله يَوْمئِذٍ تسع سِنِين واستحلف القاضي الشافعي فَحلف لَهُ وَكَذَلِكَ الْخَلِيفَة وَجَمِيع الأمراء وَكَانَت مُدَّة اسْتِقْلَال برقوق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 بالمملكة من غير مشارك تسع عشرَة سنة وَمن آثاره الْمدرسَة الَّتِى عمرها بَين القصرين وَكَانَ شجاعاً ذكياً خَبِيرا بالأمور حازماً مهاباً فإن تيمورلنك لم يقدر على التَّقَدُّم على مصر فِي سلطنته لما بلغه عَنهُ من الحزم والعزم والشدة وَالْقُوَّة وَلما بلغه موت برقوق أعْطى من بشره مبلغاً من المَال كثيرا وَحصل مَعَه الطمع فِي أَخذ مصر فَدفع الله عَنْهَا كَمَا سيأتي بَيَان ذَلِك في تَرْجَمته إن شَاءَ الله تَعَالَى وَكَانَ برقوق أول من أَخذ الْبَذْل على الولايات حَتَّى وَظِيفَة الْقَضَاء وَسَائِر الْوَظَائِف الدِّينِيَّة وَهُوَ أول مُلُوك الجراكسة في مصر (107) أَبُو بكر بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عمر بن لَعَلَّه ذُؤَيْب شرف الْمَعْرُوف تنكر بِابْن قاضي شهبة الدمشقي الشافعي ولد سنة 779 تسع وَسبعين وَسَبْعمائة وَأخذ الْعلم عَن جمَاعَة كالسراج البلقيني وطبقته وَله مصنفات مِنْهَا الذيل على تَارِيخ ابْن حجر وطبقات الشَّافِعِيَّة وَشرح الْمِنْهَاج إلى الْخلْع في أَربع مجلدات وَشرح التَّنْبِيه وَله التَّارِيخ الْكَبِير من سنة 200 إلى 792 وَله ذيل على تَارِيخ الذهبي في ثَمَان مجلدات وَمَات عَاشر ذي الْقعدَة سنة 851 إحدى وَخمسين وثمان مائَة (108) أَبُو بكر بن على بن عبد الله التقي الحموي الإزراري الْمَعْرُوف بِابْن حجَّة قَالَ السّخاوي بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة ولد تَقْرِيبًا سنة 767 سبع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة بحماه وَنَشَأ بهَا وَأخذ فنوناً من الْعلم ومعاني الأدب وارتحل إلى الشَّام ومصر ومدح الأكابر ثمَّ عَاد إلى بِلَاده وَدخل الْقَاهِرَة فِي الايام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 المؤيدية فَعظم أمره وَتَوَلَّى كِتَابَة الإنشاء ثمَّ توقف أمره فَعَاد إلى بِلَاده فَأَقَامَ بهَا ملازماً للْعلم وَالْأَدب إلى أَن مَاتَ وَله يَد طولى في النظم والنثر مَعَ زهو وإعجاب وَقد يأتي في نظمه بِمَا هُوَ حسن وَبِمَا هُوَ في غَايَة الركة والتكلف وَمَعَ ذَلِك فيفضله على ماهو من أشعار غَيره في السَّمَاء وَهُوَ في الأرض كَمَا يفعل ذَلِك في شرح بديعته الْمَشْهُورَة بأيدي النَّاس وَهُوَ من أحسن تصانيفه وَمِنْهَا بُلُوغ المرام من سيرة ابْن هِشَام وَالرَّوْض الْأنف والأعلام وأمان الْخَائِفِينَ من أمة سيد الْمُرْسلين وبلوغ المُرَاد من الْحَيَوَان والنبات والجماد في مجلدين وبروق الغبث على الْغَيْث الذى انسجم وكشف اللثام عَن وَجه التورية والاستخدام وقهوة الإنشاء في مجلدين جمع فِيهِ مَا أنشأه عَن الْمُلُوك وتأهل الْغَرِيب فِي أَربع مجلدات وَغير ذَلِك من المصنفات وشعره كثير وبسبب عجبه وتيهه هجاه كثير من معاصريه بمقاطيع مقذعة وَزَاد في التحامل عَلَيْهِ النواجي الآتي ذكره إِن شَاءَ الله حَتَّى صنّف كتاباً سَمَّاهُ الْحجَّة في سرقات ابْن حجَّة رَأَيْته فِي مُجَلد لطيف تكلف فِيهِ غَايَة التَّكَلُّف وشعره مَشْهُور قد ذكر مِنْهُ في شرح بديعته كثيراً وَذكر أَيْضا فِيهِ بَعْضًا من نثره وَهُوَ أحسن من نظمه وَمَات فِي الْعشْر الْأَوَاخِر من شعْبَان سنة 837 سبع وَثَلَاثِينَ وثمان مائَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 (109) أَبُو بكر بن علي الْحداد الزبيدي الحنفي قَرَأَ على وَالِده وعَلى على بن نوح وعَلى علي بن عمر العلوي وبرع في أَنْوَاع من الْعلم واشتهر ذكره وطار صيته وصنّف مصنّفات في فقه الْحَنَفِيَّة مِنْهَا شرحان لمختصر القدوري صَغِير وكبير وَجمع تَفْسِيرا حسناً هُوَ الْآن مَشْهُور عِنْد النَّاس يسمونه تَفْسِير الْحداد وَله مصنفات كَثِيرَة تبلغ عشْرين مجلداً وَمَات سنة 800 ثَمَان مائَة بِمَدِينَة زبيد وَله زهد وورع وعفة وَعبادَة (110) السَّيِّد أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن عبد الْمُؤمن بن حريز بمهملتين وَآخره زاي العلوي الحسيني الحصني ثمَّ الدمشقي الشافعي الْمَعْرُوف بالتقي الحصني ولد سنة 752 اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَسَبْعمائة وَأخذ الْعلم عَن جمَاعَة من أهل عصره وبرع وقصده الطّلبَة وصنّف التصانيف كشرح التَّنْبِيه في خمس مجلدات وَشرح الْمِنْهَاج وَشرح صَحِيح مُسلم في ثَلَاث مجلدات وَشرح أَرْبَعِينَ النَّوَوِيّ فِي مُجَلد وَشرح مُخْتَصر أبي شُجَاع فِي مُجَلد وَشرح الْأَسْمَاء الْحسنى في مُجَلد وتلخيص مهمات الأسنوي في مجلدين وقواعد الْفِقْه فِي مجلدين وَله في التصوف مصنفات وَمَات لَيْلَة الْأَرْبَعَاء منتصف جُمَادَى الْآخِرَة سنة 829 تسع وَعشْرين وثمان مائَة 111 - بيبرس العثماني الجاشنكير الْملك المظفر كَانَ من مماليك الْمَنْصُور قلاون وترقى إلى أَن جعله أَمِير طبلخانة وَكَانَ أشقر اللَّوْن مستدير اللِّحْيَة مَوْصُوفا بِالْعقلِ التَّام وَالْفِقْه وَهُوَ من جملَة الأمراء الَّذين تعصبوا للناصر حَتَّى أقاموه في السلطنة وَبعد استقراره الحديث: 111 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 صَار صَاحب التَّرْجَمَة من أكَابِر أمرائه وَولى الأستاذ دارية لَهُ ثمَّ قَامَ بنصرة النَّاصِر مرة أُخْرَى وَأَعَادَهُ إلى السلطنة وَصَارَ مُدبرا للملكة هُوَ وسلار فَكَانَ هَذَا الاستاذ دَار وسلار نَائِب السلطنة وَعظم قدره ثمَّ خرج لِلْحَجِّ بعد سنة 701 وَصَحبه كثير من الأمراء وَحج بِالنَّاسِ فَصنعَ من الْمَعْرُوف شَيْئا كثيراً وَمن محاسنه أَنه قلع المسمار الَّذِي كَانَ في وسط الْكَعْبَة وَكَانَ الْعَوام يسمونه سرة الدُّنْيَا وينبطح الْوَاحِد مِنْهُم على وَجهه وَيَضَع سرته مكشوفة عَلَيْهِ ويعتقد أَن من فعل ذَلِك عتق من النَّار وَكَانَ بِدعَة شنيعة وَكَذَلِكَ أَزَال الْحلقَة الَّتِى يسمونها العروة الوثقى وَهُوَ الَّذِي كَانَ السَّبَب في الْقيام على النَّصَارَى وَالْيَهُود حَتَّى منعُوا من ركُوب الْخَيل والملابس الفاخرة وَاسْتقر الْحَال على أَن النصراني يلبس الْعِمَامَة الزَّرْقَاء واليهودي يلبس الْعِمَامَة الصَّفْرَاء فِي جَمِيع الديار المصرية والشامية وَلَا يركب أحد مِنْهُم فرساً وَلَا يتظاهر بملبوس فاخر وَلَا يضاهى الْمُسلمين فى شئ من ذَلِك وصمم في ذَلِك بعد أَن بذلوا أَمْوَالًا كَثِيرَة فَامْتنعَ وضاق بهم الأمر جداً حَتَّى أسلم كثير مِنْهُم وهدمت في هَذِه الكائنة عدَّة كنايس وأبطل عيد الشَّهِيد وَهُوَ موسم من مواسم النَّصَارَى كَانَ يخرجُون إلى النيل فيلقون فِيهِ أصبعاً لبَعض من سلف مِنْهُم يَزْعمُونَ أَن النيل لَا يزِيد إلا إن وضع الأصبع فِيهِ وَكَانَ يحصل فِي ذَلِك الْعِيد من الْفُجُور وَالْفِسْق والمجاهرة بالمعاصي أَمر عَظِيم وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة قد غلب هُوَ وسلاّر على سلطنة النَّاصِر وَلم يبْق بِيَدِهِ إلا الِاسْم وَكَانَ يُبَالغ فِي التأدب مَعَ رَفِيقه سلار فَلَمَّا حجروا على النَّاصِر التَّصَرُّف فِي المملكة وَصَارَ مَعَهُمَا صُورَة بِلَا حَقِيقَة أظهر أَنه يُرِيد الْحَج ثمَّ خرج وَعدل من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 الطَّرِيق إلى الكرك وَأرْسل إلى الأمراء بِمصْر بأنه قد ترك الْملك فاضطرب الأمراء عِنْد ذَلِك وَتَشَاوَرُوا فِي من يسْتَقرّ في السلطنة مَكَانَهُ فَحسن سلار لبيبرس أَن يتسلطن فَأَجَابَهُ إلى ذَلِك بعد تمنع كَبِير وَأَفْتَاهُ جمَاعَة من الْعلمَاء بِجَوَاز ذَلِك فتسلطن وتلقب بالمظفر وَكتب عَهده عَن الْخَلِيفَة وَركب بالعمامة المدورة والتقليد على رَأس الْوَزير وناب عَنهُ سلاّر على عَادَته وأطاعه أهل الشَّام وَذَلِكَ كُله فِي شهر شَوَّال سنة 708 وَيُقَال أن التشاريف الَّتِى أَعْطَاهَا الْأُمَرَاء وَغَيرهم كَانَت ألف تشريف وَمِائَتَيْنِ وأبطل ضَمَان الْخمر من طرابلس وَكَانَ ذَلِك من حَسَنَاته فَلَمَّا كَانَ وسط سنة 709 خامر عَلَيْهِ جمَاعَة من الْأُمَرَاء وتوجهوا إلى النَّاصِر فَأَخَذُوهُ من الكرك فتوجهوا مَعَه إلى دمشق وَسَارُوا في عَسْكَر كثير فَلَمَّا تحقق حَرَكَة النَّاصِر جرد إليه عسكراً كثيراً فخامروا وانهزموا ثمَّ لم يُرْسل أحداً إلا خامر عَلَيْهِ حَتَّى صهره وزج ابْنَته وفي غُضُون ذَلِك زين بعض الْفُقَهَاء لبيبرس أَن يجدد لَهُ الْخَلِيفَة عهداً بالسلطنة فَفعل وَقَرَأَ ذَلِك وَأرْسل بنسخة إِلَى الْأُمَرَاء الخارجين عَلَيْهِ وَكَانَ أَوله (إِنَّه من سُلَيْمَان وَإنَّهُ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم) فَلَمَّا قرئَ على كَبِيرهمْ قَالَ ولسليمان الريح وَأمر بِقِرَاءَة هَذَا الْعَهْد على المنابر يَوْم الْجُمُعَة فَلَمَّا سَمعه الْعَامَّة صاحوا فَمنهمْ من يَقُول نصر الله النَّاصِر وَمِنْهُم من يَقُول يَا نَاصِر يَا مَنْصُور وَاتفقَ أَنه نصب أَمِيرا في شهر رَمَضَان ومروا بِهِ من وسط الْقَاهِرَة عَلَيْهِ الزِّينَة فَكَانَ الْعَامَّة يَقُولُونَ يافرحة لاتتم وَكَانَ الْأَمر كَذَلِك ثمَّ أَشَارَ عَلَيْهِ جمَاعَة مِمَّن تَأَخّر مَعَه أَن يشْهد عَلَيْهِ بالنزول عَن السلطنة وَيتَوَجَّهُ إلى أطفيح ويكاتب النَّاصِر ويستعطفه من هُنَالك وينتظر جَوَابه فَفعل وَخرج عَلَيْهِم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 الْقَوْم فسبّوه وشتموه ورجموه بِالْحِجَارَةِ فَفرق فيهم دَرَاهِم فَلم يرجِعوا فسل مماليكه عَلَيْهِم السيوف فَرَجَعُوا عَنهُ فَأَقَامَ بأطفيح يَوْمًا ثمَّ رَحل طَالبا للصعيد فوصل إلى إخميم فَقدم عَلَيْهِم الْأمان من النَّاصِر وَأَنه أقطعه صيهون فَقبل ذل وَرجع مُتَوَجها إلى غَزَّة فَلَمَّا وصل غَزَّة وجد هُنَاكَ نَائِب الشَّام وَغَيره فقبضوا عَلَيْهِ وسيّروه إلى مصر فَتَلقاهُمْ قَاصد النَّاصِر فقيده وأركبه بغلاً حَتَّى قدم بِهِ إلى القلعة في ذي الْقعدَة فَلَمَّا حضر بَين يَدَيْهِ عاتبه وَعدد عَلَيْهِ ذنوباً فَيُقَال أنه خنق بِحَضْرَتِهِ بِوتْر حَتَّى مَاتَ وَقيل سقَاهُ سما وَكَانَ مَوْصُوفا بِالْخَيرِ والأمانة وَالتَّعَفُّف وَكَانَ قَتله فِي شهر الْقعدَة سنة 709 وَقد كَانَ تعكست عَلَيْهِ الْأُمُور وكل مادبره عَاد عَلَيْهِ بالخذلان حرف التَّاء الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة (112) تنكر نَائِب الشَّام جلب إلى مصر وَهُوَ صَغِير فَاشْتَرَاهُ الْأَشْرَف ثمَّ صَار إلى النَّاصِر فَجعله أَمِير عشرَة قبل أَن يعْزل نَفسه ويفر إلى الكرك ثمَّ كَانَ فى صحبته بالكرك يترسل بَينه وَبَين الأفرم وَكَانَ الأقرم إِذْ ذَاك نَائِب الشَّام ففي بِبَعْض الْأَوْقَات اتهمه الأفرم بَان مَعَه كتباً إلى أُمَرَاء الشَّام ففتشه وَعرض عَلَيْهِ الْعقُوبَة فَرجع إلى النَّاصِر وشكى عَلَيْهِ مالاقاه من الإهانة فَقَالَ لَهُ إِن عدت إلى الْملك فأنت نَائِب الشَّام عوضه فَلَمَّا عَاد إلى الْملك جهزه لنيابة الشَّام في ربيع الآخر سنة 712 وَأرْسل مَعَه من ييعرفه بِمَا يحْتَاج إليه فباشر ذَلِك وَتمكن وسلك سَبِيل الْحُرْمَة والناموس الْبَالِغ وَفتح الله على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 يَدَيْهِ ملطية فى سنة 715 وَذَلِكَ أَنه اسْتَأْذن السُّلْطَان في ذَلِك فَأذن لَهُ فأظهر أَنه يُرِيد التَّوَجُّه إلى مَحل آخر فَخرج وَخرجت العساكر مَعَه وَهُوَ في دست السلطنة بالعصايب والكوسات وَمَعَهُ الْقُضَاة فَلَمَّا وصل إلى حلب جرد عسكراً إلى مطلية ثمَّ توجّه في أَثَره فنازلها إلى أَن فتحهَا ورحل بأسرى وَغَنَائِم وَمَال كثير فَعظم شَأْنه وهابه الأمراء والنواب قَالَ الصفدي سَار السِّيرَة الْحَسَنَة العادلة بِحَيْثُ لم يكن لَهُ همة في مأكل وَلَا مشرب وَلَا ملبس وَلَا منكح بل فِي الفكرة فى تَأْمِين الرعايا فأمنت السبل فِي أَيَّامه ورخصت الأسعار وَلم يكن أحد في ولَايَته يتَمَكَّن من ظلم أحد وَلَو كَانَ كَافِرًا ثمَّ إن النَّاصِر بَالغ فِي تَعْظِيمه وَتقدم أمره إلى جَمِيع النواب بالبلاد الشامية أَن يكاتبوا تنكر بِجَمِيعِ مَا كَانُوا يكاتبون بِهِ السُّلْطَان وَزَاد في الترقي حَتَّى كَانَ النَّاصِر لَا يفعل شَيْئا إلا بعد مشاورته وَلم يكْتب هُوَ الى السُّلْطَان فى شئ فَيردهُ فِيهِ إلا نَادرا وَلم يتَّفق في طول ولَايَته أَنه ولي أَمِيرا وَلَا نَائِبا وَلَا قَاضِيا وَلَا وزيراً وَلَا كَاتبا إلى غير ذَلِك من جليل الْوَظَائِف وحقيرها برشوة وَلَا طلب مُكَافَأَة بل رُبمَا كَانَ يدْفع إليه المَال الجزيل لأجل ذَلِك فَيردهُ ويمقت صَاحبه وَكَانَ يتَرَدَّد إلى الْقَاهِرَة بإذن السُّلْطَان فيبالغ في إكرامه واحترامه حَتَّى قَالَ النشو مرة أن الَّذِي خص تنكر فِي سنة 733 خَاصَّة مبلغ ألف ألف وَخمسين ألف خَارِجا عَن الْخَيل والسروج وَكَانَ قد سمع الحَدِيث من عِيسَى الْمطعم وأبي بكر بن أَحْمد بن عبد الدايم وَابْن الشّحْنَة وَغَيرهم وَلما حج قَرَأَ عَلَيْهِ بعض الْمُحدثين بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة ثلاثيات البخاري وَمن مُبَالغَة السُّلْطَان فِي تَعْظِيمه أَنه روى عَنهُ الأمير سيف الدَّين أَنه قَالَ لَهُ مرة لي مُدَّة طَوِيلَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 أطلب من النَّاس شَيْئا لَا يفهمونه مني وَهُوَ أَنى لَا أقضي لأحد حَاجَة إلا على لِسَان تنكر ودعا لَهُ بطول الْعُمر قَالَ فنقلت ذَلِك إلى تنكر فَقَالَ بل أَمُوت أَنا فِي حَيَاة السُّلْطَان قَالَ فبلغت السُّلْطَان ذَلِك فَقَالَ لَا قل لَهُ أَنْت إذا عِشْت بعدي نفعتني في أولادي وأهلي وَأَنت إذا مت قبلى ايش أعمل أنامع أولادك أَكثر مِمَّا عملت مَعَهم في حياتك ولتنكر مآثر في دمشق مَسَاجِد ومدارس ورباطات وَحج في سنة 721 وَيُقَال أنه قدم الْقَاهِرَة بعد حجة فَأمر السُّلْطَان الْأُمَرَاء يهادونه وَكَانَت جملَة مَا قدم اليه ثَمَانِينَ ألف دِينَار وَكَانَ النَّاس فِي ولَايَته آمِنين على أنفسهم وَأَمْوَالهمْ وحريمهم وَأَوْلَادهمْ وَكَانَ يتَوَجَّه في كل سنة إلى الصَّيْد ويصيد أَيَّامًا وَكَانَ مثابراً على الْحق وَنصر الشَّرْع إلا أَنه كَانَ كثير التخيل سريع الْغَضَب شَدِيد الحدة وَلَا يقدر أحد على مُرَاجعَته مهابة لَهُ وَإِذا بَطش بَطش بطشة الجبارين وَإِذا غضب على اُحْدُ لَا يزَال ذَلِك المغضوب عَلَيْهِ فِي انعكاس وخمول إلى أَن يَمُوت غَالِبا وَكَانَ يَقُول أي لَذَّة لحَاكم إذا كَانَت رعاياه يدعونَ عَلَيْهِ وَمَا كَانَ يَخْلُو ليلة من قيام وَدُعَاء وَكَانَ يعظم أهل الْعلم وإذا كَانَ عِنْده أحد مِنْهُم لم يسند ظَهره بل يقبل إليه بِوَجْهِهِ ويؤنسه بالْقَوْل وَالْفِعْل وَكَانَ سليم الْبَاطِن لَيْسَ عِنْده دهاء وَلَا مكر وَلَا يصبر على الْأَذَى لَا يداري أحداً من الأمراء وَقدم إلى مصر في سنة 738 فَخرج السُّلْطَان لملاقاته فَلَمَّا رَآهُ ترجل لَهُ فترجل جَمِيع من مَعَه من الامراء فَألْقى تنكر نَفسه من فَوق الْفرس إلى الأرض وأسرع وَهُوَ يقبل الأرض حَتَّى انكب على قدمي السُّلْطَان فقبلهما فأمسك رَأسه بِيَدِهِ وَأمره بالركوب وَقدم فِي سنة 739 فَكَانَت قيمَة تقادمه للسُّلْطَان والامراء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 مائتي ألف دِينَار وَعشْرين ألف دِينَار وَبَالغ السُّلْطَان فِي إكرامه حَتَّى أخرج لَهُ نِسَاءَهُ فقبلن يَده وَله محَاسِن مِنْهَا أَنه نظر فِي أوقاف الْمدَارِس والجوامع والمساجد والخوانق والزوايا والربط فَمنع أن يصرف لَاحَدَّ جامكية حَتَّى يلم شعثها فعمرت كلهَا في زَمَانه أحسن عمَارَة وَأمر بكسح الأوساخ الَّتِى فِي مقاسم الْمِيَاه الَّتِى تتخلل الدور وَفتح منافذها وَكَانَت انسدت فَكَانَ الوباء يحصل بِدِمَشْق كثيراً بِسَبَب العفونات فَلَمَّا صلح ذَلِك زَالَ مَا كَانَ يعتادهم كل سنة من كَثْرَة الأمراض فَكثر الدُّعَاء لَهُ وأجرى الْعين إلى بَيت الْمُقَدّس بعد أَن كَانَ المَاء بهَا قَلِيلا وَأَقَامُوا في عَملهَا سنة وَأكْثر من فكاك الأسرى وَأعظم ربح التُّجَّار الَّذين يجلبونهم وَجمع الْكلاب فألقاها في الخَنْدَق واستراح النَّاس من أذاها وَلما انْتهى حَظه وَبلغ الْغَايَة في هَذِه الدُّنْيَا أشهر فِي النَّاس أَنه عزم على التَّوَجُّه إلى بِلَاد التتار حَتَّى بلغ ذَلِك السُّلْطَان وَتغَير عَلَيْهِ وتنكر لتنكر وجهز العساكر لإمساكه مَعَ جمَاعَة من الْأُمَرَاء وَلَيْسَ عِنْده خبر فَلَمَّا بلغه الْخَبَر بوصول الْجند والأمراء لإمساكه بهت لذَلِك وَقَالَ مَا الْعَمَل قَالُوا تستسلم فاستسلم وجهز سَيْفه إلى السُّلْطَان وَذَلِكَ فِي ذي الْحجَّة سنة 740 وتأسف أهل دمشق عَلَيْهِ ثمَّ بعد الْقَبْض عَلَيْهِ أحيط بموجوده وَوجد لَهُ مَا يُجَاوز الْوَصْف فَمن الذَّهَب الْعين ثَلَاث مائَة وَثَلَاثُونَ ألف دِينَار وَمن الدَّرَاهِم ألف ألف دِرْهَم وَخمْس مائَة ألف دِرْهَم وَأما الْجَوَاهِر والحوايص والأقمشة والخيول وَنَحْو ذَلِك فشئ كثير جداً ثمَّ لما دخل الْقَاهِرَة أَمر السُّلْطَان جَمِيع المماليك والأمراء أَن يقعدوا لَهُ بالطرقات من حد بَاب القلعة وَأَن لَا يقوم لَهُ أحد وفي بعض الْأَوْقَات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 قَالَ لَهُ السُّلْطَان انْظُر من يكون وصيك فَقَالَ لَهُ خدمتك ونصحتك فَلم تتْرك لي صديقاً وَأمر بتجهيزه إلى الإسكندرية فَلم يزل في الاعتقال دون شهر ثمَّ مَاتَ في أَوَائِل سنة 741 إحدى وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة قَالَ الذهبي في أَوَاخِر كِتَابه سير النبلاء كَانَ ذَا سطوة وهيبة وزعامة وإقدام على الدِّمَاء وَله نفس سبعية وَفِيه عتو وحرص مَعَ ديانَة فِي الْجُمْلَة وَكَانَ فِيهِ حِدة وَقلة رأفة وَكَانَ لَا يفكر فى عَاقِبَة وَلَا رأي لَهُ وَلَا دهاء إلى آخر كَلَامه وَتعقبه الْحَافِظ صَلَاح الدَّين الغلائي فَقَالَ لقد بَالغ المُصَنّف وَتجَاوز الْحَد فِي تَرْجَمَة تنكر وأين مثله وَأعْرض عَن محاسنه الطافحة من الْعدْل وقمع الظلمَة وكف الْأَذَى عَن النَّاس ومحبة إِيصَال الْحق إلى مُسْتَحقّه وتولية الوظايف أَهلهَا وحسبك أَن المُصَنّف يعْنى الذهبي كَانَ فَقِيرا فَلَمَّا خلت دَار الحَدِيث الأشرفية وتربة أم الصَّالح ولى تنكر المزي والذهبي بِغَيْر سُؤال مِنْهُمَا وَلَا ببذل لأنه أعلم بحالهما واستحقاقهما ثمَّ ولي الذهبي دَار الحَدِيث الظَّاهِرِيَّة ثمَّ النفيسية ثمَّ دَار الحَدِيث التنكرية ثمَّ قَالَ الغلائي ذَنْب تنكرانه كَانَ يحط كثيراً على ابْن تَيْمِية وفي هَذِه الإشارة كِفَايَة انْتهى وَهُوَ يُشِير بِهَذَا إلى أَن الذهبي تحيز إِلَى الْحَنَابِلَة (113) تيمورلنك بن طرغاي السُّلْطَان الْأَعْظَم الطاغية الْكُبْرَى الْأَعْرَج وَهُوَ اللّنك في لغتهم كَانَ ابْتِدَاء ملكه أَنَّهَا لما انقرضت دولة بنى جنكزخان وتلاشت في جَمِيع النواحي ظهر هَذَا بتركستان وسمرقند وتغلب على ملكهم مَحْمُود بعد أَن كَانَ أتابكه وَتزَوج أمه فاستبد عَلَيْهِ وَكَانَ فى عصره أَمِير بحارى يعرف بِحسن من أكَابِر الْمغل وآخر بخوارزم يعرف بالحاج حسن الصوفي وَهُوَ من كبار التتر فنبذ إليهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 تيمور بالعهد وزحف إلى بُخَارى فملكها من يَد الْأَمِير حسن ثمَّ زحف إلى خوارزم وتحرش بهَا وَهلك الْحَاج حسن فِي خلال ذَلِك وَولى أَخُوهُ يُوسُف فملكها تيمور من يَده وخربها في حِصَار طَوِيل ثمَّ كلف بعمارتها وتشييد ماخرب مِنْهَا وانتظم لَهُ ملك مَا ورا النَّهر وَنزل إلى بُخَارى ثمَّ انْتقل إلى سَمَرْقَنْد ثمَّ زحف إلى خُرَاسَان وَطَالَ تحرشه بهَا وحروبه لصَاحِبهَا شاه ولي إلى أَن ملكهَا عَلَيْهِ سنة 784 وَنَجَا شاه ولي إلى تبريز وَبهَا أَحْمد بن أويس صَاحب الْعرَاق وأذربيجان إلى أَن زحف عَلَيْهِم تيمور سنة 788 فَهَلَك شاه ولي في حروبه عَلَيْهَا وملكها تيمور ثمَّ زحف إلى أصبهان فأطاعوه طَاعَة ممرضة وخالفه فِي قومه كَبِير من أهل نسبة يعرف بقمر الدَّين فكرّ رَاجعا وحاربه إلى أَن محى أثره واشتغل بسُلْطَان الْمغل وزاحم طقتمش مرَارًا حَتَّى أوهن أمره ثمَّ رَجَعَ إلى أصبهان سنة 794 ثمَّ زحف إلى بَغْدَاد سنة 795 ففرّ مِنْهَا أَحْمد بن أويس المتغلب عَلَيْهَا بعد بني هولاكو وَاسْتولى عَلَيْهَا تيمور ونهبها وبلغه حَرَكَة طقتمش في جَمِيع الْمغل فأحجم وَتَأَخر إلى قلاع الأكراد وأطراف بِلَاد الروم وأناخ على قراباغ وَرجع طقتمش ثمَّ سَار إليه تيمور أول سنة 799 وغلبه على ملكه وَأخرجه من سَائِر أَعماله فلحق ببلغار وَرجع سَائِلًا الْمغل الَّذين كَانُوا مَعَه إلى تيمور فأضحت أُمَم الْمغل والتتر كلهَا في جملَته وصاروا تَحت لوائه وَالْملك لله فَلَمَّا بلغه موت الظَّاهِر برقوق فَرح وَأعْطى من بشره بذلك خَمْسَة عشرَة ألف دِينَار وتهيأ للمسير إلى بِلَاد الشَّام فجَاء إلى بَغْدَاد فَأَخذهَا ثَانِيًا فإنها كَانَت استرجعت نَائِبه ثمَّ قصد سيواس في آخر سنة 802 فحاصرها مُدَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 وَلم يَأْخُذهَا ثمَّ إلى عين تَابَ فأجفل أهل الْقرى بَين يَدَيْهِ وَأهل الْبِلَاد الحلبية وَاجْتمعَ عَسَاكِر المماليك الشامية بحلب وَوصل تيمور مرج دابق وجهز رَسُولا إلى حلب فَأمر سدون نَائِب حلب بقتْله ثمَّ نزل في يَوْم الْخَمِيس تَاسِع ربيع الأول سنة 803 على حلب ونازلها وحاصرها فَخرج النواب بالعسكر إلى ظَاهرهَا من جِهَة الشمَال وتقاتلوا يَوْم الْخَمِيس وَيَوْم الْجُمُعَة فَلَمَّا كَانَ يَوْم السبت حادي عشر الشَّهْر ركب تيمور فِي جمع وحشدوا الفيلة تقاد بَين يَدَيْهِ وهى فى مَا قيل ثَمَانِيَة وَثَلَاثُونَ وَكَانَ مَعَه جمع لَا يُحْصِيه إلا الله من ترك وتركمان وعجم وأكراد وتتار وزحف على حلب فَانْهَزَمَ الْمُسلمُونَ من بَين أَيْديهم وَجعلُوا يلقون أنفسهم من الأسوار والخنادق والتتار في أَثَرهم يَقْتُلُونَهُمْ ويأسرونهم إلى أَن دخلُوا حلب عنْوَة بِالسَّيْفِ فلجأت النِّسَاء والأطفال إلى الْجَوَامِع والمساجد فَلم يفد ذَلِك شَيْئا وَاسْتمرّ الْقَتْل والأسر فِي أهل حلب فَقتلُوا الرِّجَال وَسبوا النِّسَاء والأطفال وَقتل خلق كثير من الْأَطْفَال تَحت حوافر الْخَيل وعَلى الطرقات وأحرقوا الْمَدِينَة ثمَّ في يَوْم الثُّلَاثَاء تسلّم قلعتها بالأمان وَصعد إليها فِي الْيَوْم الَّذِي يَلِيهِ وَجلسَ فِي أَبْوَابهَا وَطلب الْقُضَاة وَالْعُلَمَاء للسلام عَلَيْهِ فامتثلوا أمره وجاؤا إليه لَيْلَة الْخَمِيس فَلم يكرمهم وَجعل يتعنتهم بالسؤال وَكَانَ اخر ماسألهم عَنهُ أن قَالَ مَا تَقولُونَ في مُعَاوِيَة وَيزِيد هَل يجوز لعنهما أم لَا وَعَن قتال علي وَمُعَاوِيَة فَأَجَابَهُ القاضي علم الدَّين القفصي المالكي بَان علياً اجْتهد فَأصَاب فَلهُ أَجْرَانِ وَمُعَاوِيَة اجْتهد فأحطأ فَلهُ أجر فتغيظ من ذَلِك ثمَّ أجَاب الشرف أَبُو البركات الأنصاري الشافعي بَان مُعَاوِيَة لَا يجوز لَعنه لِأَنَّهُ صحابي فَقَالَ تيمور مَا حد الصحابي فَأجَاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 القاضي شرف الدَّين أَنه كل من رأى النبي صلى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم فَقَالَ تيمور فاليهود وَالنَّصَارَى رَأَوْا النبي صلى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم فَأجَاب بَان ذَلِك بِشَرْط كَون الرائي مُسلما وَأجَاب القاضي شرف الدَّين الْمَذْكُور أَنه رأى فِي حَاشِيَة على بعض الْكتب أَنه يجوز لعن يزِيد فتغيظ لذَلِك وَلَا عتب عَلَيْهِ إذا تغيّظ فالتعويل فِي مثل هَذَا الْموقف الْعَظِيم في مناظرة هَذَا الطاغية الْكَبِير فِي ذَلِك الامر الَّذِي مَا زَالَت الْمُرَاجَعَة بِهِ بَين أهل الْعلم فِي قديم الزَّمَان وَحَدِيثه على حَاشِيَة وجدهَا على بعض الْكتب مِمَّا يُوجب الغيظ سَوَاء كَانَ محقاً أَو مُبْطلًا وَقد سألهم في هَذَا الْموقف أَو فى موقف اخر بمسئلة عَجِيبَة فَقَالَ مَا مضمونه أنه قد قتل منا ومنكم من قتل فَمن في الْجنَّة وَمن في النَّار هَل قَتْلَانَا أَو قَتْلَاكُمْ فَقَالَ بعض الْعلمَاء الْحَاضِرين وَهُوَ ابْن الشّحْنَة كَمَا سيأتي إِن شَاءَ الله هَذَا سُؤال قد سُئِلَ عَنهُ رَسُول الله فاستنكر تيمور ذَلِك وَقَالَ كَيفَ قلت قَالَ ثَبت فِي الحَدِيث الصَّحِيح أَن قَائِلا قَالَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم يَا رَسُول الله الرجل يُقَاتل حمية وَقَاتل شجاعة وَيُقَاتل ليرى مَوْضِعه فَقَالَ من قَاتل لتَكون كلمة الله هي الْعليا فَهُوَ في الْجنَّة أَو كَمَا قَالَ فَلَمَّا سمع تيمور هَذَا الْجَواب أعجبه وأطربه وَللَّه در هَذَا الْمُجيب فَلَقَد وَفقه الله في هَذَا الْجَواب وَهَكَذَا فلتكن جوابات الْعلمَاء لَا كَمَا قَالَه القاضي شرف الدَّين أنه رأى فِي حَاشِيَة ثمَّ إن تيمور توجه إلى قاعة السُّلْطَان الكائنة بقلعة حلب وَأمر بِطَلَب دَرَاهِم مِمَّن بالقلعة من الحلبيين فَكتب أَسمَاء النَّاس وَقبض عَلَيْهِم وعوقبوا بانواع من الغذاب بِحَيْثُ لم يسلم من الْعقُوبَة إلا الْقَلِيل ونهبوا القلعة وَأخذُوا من الأموال والأقمشة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 مَا أذهل التتار وَلم يظفروا فِي مملكة بِمثلِهِ ثمَّ رَحل يَوْم السبت مستهل ربيع الآخر إلى جِهَة دمشق وَترك بحلب طَائِفَة من التتار بالقلعة وبالمدينة فوصل إلى دمشق وَقد كَانَ وصل اليها النَّاصِر فرج بعساكر الديار المصرية لدفع التتار وَحصل بَينهم قتال أياماً ثمَّ إنه وَقع الِاخْتِلَاف بَين الْعَسْكَر المصري وداخلهم الفشل فانكسروا وولوا رَاجِعين إلى جِهَة مصر واقتفى التتار آثارهم يسلبون من قدرُوا عَلَيْهِ أَو لحقوه وَرجع السُّلْطَان إلى مصر فَأخذ تيمور دمشق وَفعل بِأَهْلِهَا أعظم من فعله بحلب فقصد من بالقلعة أَن يمتنعوا مِنْهُ فَأمر بالأخشاب وَالتُّرَاب وَالْحِجَارَة وَبنى برجين قبالة القلعة فأذعنوا حِينَئِذٍ ونزلوا فتسلمها وَنهب الْمَدِينَة وخربها خراباً فَاحِشا لم يسمع بِمثلِهِ وَلم يصل التتار أَيَّام هولاكو إلى قريب مِمَّا فعل بهَا التتار أَيَّام تيمور وَاسْتمرّ بِدِمَشْق إلى شعْبَان ثمَّ رَجَعَ إلى نَاحيَة حلب قَاصِدا بِلَاده وَلما وصل الى بِلَاده اسْتَقر إلى السنة الثَّانِيَة ثمَّ قصد بِلَاد الروم فَجمع سلطانها بايزيد عسكره وَتقدم كل من الْفَرِيقَيْنِ إلى الآخر فحصلت مَقْتَله عَظِيمَة انْكَسَرَ فِيهَا صَاحب الروم وَأسر وتفرق شَمل عسكره فَأخذ تيمور مايلى أَطْرَاف الشَّام من بِلَادهمْ وأخذ برصا وهي كرسي مملكة الروم ثمَّ رَجَعَ إلى بِلَاده وَمَعَهُ أَبُو يزِيد صَاحب الروم معتقلاً فتوفي في اعتقاله من تِلْكَ السنة ثمَّ دخل تيمور بِلَاد الْهِنْد ونازل مملكة الْمُسلمين حَتَّى غلب عَلَيْهَا وَالْحَاصِل أَنه دوّخ الممالك وَاسْتولى على غَالب الْبِلَاد الإسلامية بل والعجم وَجَمِيع ماوراء النَّهر وَالشَّام وَالْعراق وَالروم والهند ومابين هَذِه الممالك وَمن أحب الِاطِّلَاع على ماوقع لَهُ من الْمَلَاحِم وَكَيف صنع بالبلاد والعباد فَعَلَيهِ بِالْكتاب والمؤلف فِي سيرته وَهُوَ مُجَلد لطيف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 وَقد قدمنَا الإشارة إليه عِنْد تَرْجَمَة مُؤَلفه ابْن عرب شاه وَقد وصف فِيهِ من عجائب تيمور وغرائبه مَا ينبهر لَهُ كل من وقف عَلَيْهِ وَيعرف مِقْدَار هَذَا الْملك الَّذِي لم يَأْتِ قبله وَلَا بعده مثله فان جنكزخان ملك التتار وإن كَانَ قد أهلك من الْعباد والبلاد زِيَادَة على مَا أهلك هَذَا الا ان ذَاك لم يُبَاشر مابا شَره هَذَا وَلَا بعضه وَلَا كَانَ جَمِيع مافعله في حَيَاته بل الْغَالِب بعد مَوته في سلطنة أَوْلَاده وأحفاده وَأما هَذَا الطاغية فَهُوَ الْمُبَاشر لكل فتوحاته الْمُدبر لجَمِيع معاركه وَلَقَد كَانَ من أَعَاجِيب الزَّمن في حركاته وسكناته وَكَانَ شَيخا طَويلا مهولاً طَوِيل اللِّحْيَة حسن الْوَجْه أعرج شَدِيد العرج سلبت رجله أَوَائِل أمره وَمَعَ ذَلِك يصلى من قيام مهاباً بطلاً شجاعاً جباراً ظلوماً سفاكاً للدماء مقداماً على ذَلِك أفنى فِي مُدَّة سلطنته من الْأُمَم مَالا يحصيهم الا الله وَخرب بلدانا كَثِيرَة تفوت الْحصْر وَكَانَ جهير الصَّوْت يسْلك الْجد مَعَ الْقَرِيب والبعيد وَلَا يحب المزاح وَيُحب الشطرنج وَله فِيهِ يَد طولى ومهارة زَائِدَة وَزَاد فِيهِ جملاً وبغلاً وَجعل رقعته عشرَة في أحد عشر بِحَيْثُ لم يكن يلاعبه فِيهِ إلا أَفْرَاد وَيقرب الْعلمَاء والصلحاء والشجعان والأشراف وينزلهم مَنَازِلهمْ وَلَكِن من خَالف أمره أدنى مُخَالفَة استباح دَمه فَكَانَت هيبته لَا تدانى بِهَذَا السَّبَب وَمَا أخرب الْبِلَاد إلا بذلك فإنه كَانَ من أطاعه من أول وهلة أَمن وَمن خَالفه أدنى مُخَالفَة هلك وَله فكر صائب ومكايد في الْحَرْب عَجِيبَة وفراسة قلّ أَن تخطأ وَمَعْرِفَة بالتواريخ لإدمانه على سماعهَا وَعدم خلو مَجْلِسه عَن قِرَاءَة شئ مِنْهَا سفراً وحضراً وَكَانَ مغرى بِمن لَهُ معرفَة بصناعة مَا إِذا كَانَ حاذقاً فِيهَا مَعَ كَونه أميالا يحسن الْكِتَابَة وَلَا الْقِرَاءَة وَله حذق باللغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 الفارسية والتركية والمغلية ويعتمد قَوَاعِد جنكزخان ويجعلها أصلاً وَلذَلِك أفنى الْعَالم مَعَ تظهره بالإسلام وشعائره وَكَانَ لَهُ جواسيس في جَمِيع الْبِلَاد الَّتِى ملكهَا والتي لم يملكهَا فَكَانُوا ينهون إليه الْحَوَادِث الكائنة على جليتها ويكاتبونه بِجَمِيعِ مَا يروم فَلَا يتَوَجَّه إِلَى جِهَة إلا وَهُوَ على بَصِيرَة من أَهلهَا وَبلغ من دهائه أَنه كَانَ إِذا أَرَادَ قصد جِهَة جمع أكَابِر الدولة وَتَشَاوَرُوا إلى أَن يَقع الرأي على التَّوَجُّه في الْوَقْت الفلاني إِلَى الْجِهَة الْفُلَانِيَّة فيكاتب جواسيس تِلْكَ الْجِهَات أَهلهَا فَيَأْخُذُونَ الحذر ويأمن غَيرهم فإذا ضرب النفير وَأَصْبحُوا سائرين ذَات الشمَال عرّج بهم ذَات الْيَمين فيدهم الْجِهَة الَّتِى يُرِيد وَأَهْلهَا غافلون مَاتَ وَهُوَ مُتَوَجّه لأخذ بِلَاد الخطا بِسَبَب ثلوج تنزلت مَعَ شدَّة برد وَكَانَ لَا يُسَافر فِي أَيَّام الشتَاء فَلَمَّا أَرَادَ الله هَلَاكه قوي عزمه على هَذَا السفر وَكَانَ مَوته يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع عشر شهر شعْبَان سنة 807 سبع وثمان مائَة وَلم يكن مَعَه من بنيه وأحفاده سوى حفيده خَلِيل بن ميران شاه بن تيمور فاتفق رَأْيهمْ على اسْتِقْرَار خَلِيل الْمَذْكُور فِي السلطنة مَعَ كَون أَبِيه وَعَمه موجودين وبذل لَهُم أَمْوَالًا عَظِيمَة وَرجع إِلَى بِلَاده سَمَرْقَنْد فإنها كَانَت كرسي مملكة تيمور فَلَمَّا قرب مِنْهَا تَلقاهُ من بهَا وَعَلَيْهِم ثِيَاب الْحداد وهم يَبْكُونَ وجثة تيمور في تَابُوت أبنوس وَجَمِيع الْمُلُوك والأمراء مشَاة مكشوفة رُؤْسهمْ وَعَلَيْهِم ثِيَاب الْحداد حَتَّى دفنوه وَأَقَامُوا عَلَيْهِ العزاء أَيَّامًا قَالَ السخاوي وَلَعَلَّه قَارب الثَّمَانِينَ فإنه قَالَ للقاضي شرف الدَّين الأنصاري وَغَيره كم سنكم فَقَالَ لَهُ الشرف سني الْآن سبع وَخَمْسُونَ سنة وَأجَاب غَيره بِنَحْوِ ذَلِك فَقَالَ أَنا أصلح أَن أكون والدكم وَكَانَت لَهُ همة عَظِيمَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 لم يبلغ إلى سَموهَا همة ملك من الْمُلُوك من جَمِيع الطوائف فإنه مازال يفتح الْبِلَاد ويقهر الْمُلُوك ويستولي على الأقاليم مُنْذُ قِيَامه فِي بِلَاده واستيلائه على مملكة أرضه إلى أَن مَاتَ وناهيك أَنه مَاتَ في الْغَزْو وَلم يصده عَن ذَلِك كَثْرَة مَا قد صَار بِيَدِهِ من الممالك وَلَا كَفاهُ مَا قد استولى عَلَيْهِ من الأراضي الَّتِى كَانَت قَائِمَة بعدة مُلُوك هم تَحت ركابه وَمن جملَة خدمه وَللَّه الْأَمر وَهُوَ الْملك حَقًا وَكَانَ مغرى بغزو الْمُسلمين دون الْكفَّار وصنع كَذَلِك في بِلَاد الروم والهند وأنشأ بِظَاهِر سَمَرْقَنْد عدَّة بساتين وقصور عَجِيبَة فَكَانَت من أعظم النزه وَبنى عدَّة قصبات سَمَّاهَا بأسماء الْبِلَاد الْكِبَار كحمص ودمشق وبغداد وشيراز وَكَانَ يجمع الْعلمَاء ويأمرهم بالمناظرة في مقَامه ويسائلهم ويتعنتهم وَبِالْجُمْلَةِ فَكَانَ من الغرائب البارزة إلى الْعَالم الدَّالَّة على الْقُدْرَة الالاهية وَأَنه يُسَلط من يَشَاء على من يَشَاء وَكَانَ لَهُ من الْأَوْلَاد عِنْد مَوته مير شاهان وشاه رخ وَمن الزَّوْجَات ثَلَاث وَمن السرارى شئ كثير وترجمته تحْتَمل كراريس فَمن رام الِاطِّلَاع على أَحْوَاله فَليرْجع الى كتاب سيرته الَّذِي قدمنَا الإشارة إليه حرف الثَّاء الْمُثَلَّثَة (114) ثَابت بن مُحَمَّد بن ثَابت الطرابلسي أَمِير طرابلس الغرب ولي الإمرة بعد أَبِيه وَكَانَ شَابًّا غرّا فاحتال عَلَيْهِ الإفرنج بَان قدم مِنْهُم طَائِفَة فِي عدَّة مراكب فِي صُورَة التُّجَّار وهم مقاتلة فراسلوا من في الْبَلَد من الفرنج وأطلعوهم على سرهم وَأَرْسلُوا من عِنْدهم ترجمانا مجربا فَرَأى فى الْبَلَد غلاء لقلَّة الْحبّ عِنْدهم إِذا ذَاك فتمت لَهُ الْحِيلَة وَأَشَارَ على ثَابت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 أَن يجمع الأسلحة الَّتِى مَعَ جند الْبَلَد ويجعلها عِنْده في القلعة لتطمئن إليه تجار الإفرنج وينزلوا من مراكبهم ويبيعوا مَا مَعَهم من البضائع وَذكر لَهُ أَن الْخمس الَّذِي يَخُصُّهُ من البضائع يجْتَمع مِنْهُ مَال كثير وَينْتَفع النَّاس بِمَا مَعَهم من المأكولات فَفعل فَلَمَّا بلغ الفرنج ذَلِك أنزلوا من مركبهم بعض البضائع الَّتِى مَعَهم وَكَانَ مَعَهم عدَّة أعدال من التِّين ففرح أهل الْبَلَد وسارعوا إلى شراها مِنْهُم فَلَمَّا اطمئنوا إليهم هجموا على الْبَلَد بِاللَّيْلِ دفْعَة وَاحِدَة وأهلها غافلون فَقتلُوا فيهم كَيفَ شاؤا وحاصروا القلعة فهرب ثَابت متدلياً بعمامته من الْقصر فَفطن بِهِ بعض الْعَرَب مِمَّن يعاديه فَقتله وَاسْتولى الفرنج على الْبَلَد وَكَانَ ذَلِك فِي سنة 756 سِتّ وَخمسين وَسَبْعمائة (115) ثقبة بن رميثة بن مُحَمَّد بن أَبى سعد بن علي بن قَتَادَة الْحسنى الشريف أَمِير مَكَّة أَخُو عجلَان تأمّراً جَمِيعًا بعد موت والدهما مُدَّة ثمَّ اخْتلفَا واستقل عجلَان ثمَّ قدم ثقبة بن رميثة الى مصر في رَمَضَان سنة 746 وَمَعَهُ هَدِيَّة جليلة وَقدم مرة أُخْرَى سنة 756 وَقدم هَدِيَّة جليلة وَطلب أَن يكون أَخُوهُ عجلَان مُسْتقِلّا فأجيب وخلع عليه فاستمر الأخوان مُخْتَلفين وتأذى الْحَاج بسببهما ثمَّ جهز اليهما عسكراً فَقبض على ثقبة في موسم سنة 754 فسجن بِمصْر ثمَّ أطلق في سنة 756 بشفاعة فياض بن مهنا ثمَّ هرب ثقبة من مصر وَتَبعهُ الْعَسْكَر فَلم يدركوه وَاسْتمرّ خَارج مَكَّة إلى موسم سنة 761 فهجم مَكَّة بعد توجه الْحَاج وَفعل بهَا أفعالاً قبيحة وَنهب خُيُول الأمراء الَّذين من جِهَة المصريين وَاسْتولى على مافى بُيُوتهم ووفع بَين الطَّائِفَتَيْنِ مقتلة عَظِيمَة في الْحرم حَتَّى انْكَسَرَ الأتراك فَقتل أَكْثَرهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 وَبَاعُوا من أسر مِنْهُم بأبخس ثمن وَأسر أَمِير التّرْك فَأَجَارَتْهُ امْرَأَة من الْقَتْل فغذب بانواع الغذاب ثمَّ أطلقهُ ثقبة بشفاعة القاضي تقي الدَّين الحراري على شريطة أَن يخرج من مَكَّة فَخرج إلى البقيع فَلَحقُوا الركب المصري فسافروا مَعَهم واستقل بعد ذَلِك بِمَكَّة فأدركه الْمَوْت في أَوَاخِر رَمَضَان سنة 762 اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة حرف الْجِيم (116) جَعْفَر بن تغلب بن جَعْفَر بن كَمَال الدَّين أبوالفضل الأدفويي الأديب الْفَقِيه الشافعي ولد بعد سنة 680 ثَمَانِينَ وسِتمِائَة قَالَ الشَّيْخ تقي الدَّين السبكي كَانَ يُسمى وعد الله قَالَ الصفدي اشْتغل فِي بِلَاده فمهر فِي الْفُنُون ولازم ابْن دَقِيق الْعِيد وَغَيره وتأدب بِجَمَاعَة مِنْهُم أبوحيان وَحمل عَنهُ كثيراً وَكَانَ يُقيم في بُسْتَان بِبَلَدِهِ وصنف الِاتِّبَاع فى أَحْكَام السماع والطالع السعيد فى تَارِيخ الصَّعِيد والبدر السافر في تحفة الْمُسَافِر وكل مجاميعه جَيِّدَة وَكَانَت لَهُ خبْرَة بالموسيقى وَله النظم والنثر الْحسن فَمِنْهُ (إِن الدُّرُوس بمصرنا في عصرنا ... طبعت على غلط وفرط عياط) (ومباحث لَا تنتهي لنهاية ... جدلاً وَنقل ظَاهر الأغلاط) (ومدرس يبدي مبَاحث كلهَا ... نشأت عَن التَّخْلِيط والأخلاط) (ومحدث قد صَار غَايَة علمه ... أَجزَاء يَرْوِيهَا عَن الدمياطى) (وفلانة تروى حَدِيثا عالبا ... وَفُلَان يرْوى ذَاك عَن أَسْبَاط) (وَالْفرق بَين عزيزهم وغريرهم ... وافصح عَن الْخياط والحناط) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 (والفاضل النحرير فيهم دأبه ... قَول ارسطاطاليس أَو بقراط) (وعلوم دين الله نادت جهرة ... هَذَا زمَان فِيهِ طيّ بساطي) وَكَانَ عَالما فَاضلا متقللاً من الدُّنْيَا وَمَعَ ذَلِك لَا يَخْلُو من المآكل الطّيبَة مَاتَ في أول سنة 748 ثَمَان وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة (117) السَّيِّد جَعْفَر بن مطهر بن مُحَمَّد الجرموزي الرئيس الْكَاتِب الشَّاعِر ولاه المتَوَكل على الله إسماعيل بِلَاد العدين وَبعد ذَلِك صَار كَاتبا مَعَ السَّيِّد عبد الله بن يحيى بن مُحَمَّد بن الْحسن بن الإمام الْقَاسِم لما استولى على بِلَاد العدين وَغَيرهمَا وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة متشبهاً بالصاحب بن عباد وأبي إسحاق الصابي مكثراً من ذكرهمَا حَتَّى في شعره وَمَا أحسن قَوْله في ذَلِك بعد الترشيح الْفَائِق (تعانقت أَغْصَان بَان النقا ... فشابهت أعطاف أحبابى) و (مذ صبا قلبي صبا صاحبي ... آه على الصاحب والصابي) وَقَوله في المجون وأجاد (تشابه ذقني حِين شبت وبغلتي ... فكلتاهما في اللَّوْن أشيب أَشهب) (فوَاللَّه مَا أدرى علام أتيتكم ... على لحيتى أم بغلتى كنت أركب) وَكَانَت وَفَاته في حُدُود سنة 1096 سِتّ وَتِسْعين وَألف بالعدين ووالده هُوَ الْجَامِع لسيرة الإمام الْقَاسِم بن مُحَمَّد وَولده الْمُؤَيد السِّيرَة الحافلة الْمَشْهُورَة وَكَانَ لَهُ فِي حَرْب الأتراك عناية كُلية وولاه الإمام المتَوَكل على الله إسماعيل عتمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 (118) جقمق الظَّاهِر أَبُو سعيد الجركسي جلبه إِلَى مصر الخواجا وَهُوَ صَغِير ثمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ الْعَلَاء بن الأتابك ثمَّ أعْتقهُ وَكَلمه الظَّاهِر فى أَن يُعْطِيهِ اياه فسلمه إِلَيْهِ من غير أَن يُعلمهُ بِعِتْقِهِ فَدفعهُ الظَّاهِر لِأَخِيهِ إينال ثمَّ صَار في الدولة الناصرية أَمِير عشرَة ثمَّ صَار في أَيَّام الْمُؤَيد أَمِير طبلخاناه ثمَّ جعله خَازِن دَارا ثمَّ صَار بعد الْمُؤَيد أحد المقدمين ثمَّ اسْتَقر فِي الحجوبية الْكُبْرَى أَيَّام الْأَشْرَف برسباى ثمَّ نَقله فِي سنة 826 إِلَى الأتابكية وَاسْتمرّ فِيهَا إِلَى أَن مَاتَ الاشرف بعد أَن أوصاه على وَلَده المستقر بعده في السلطنة الملّقب بالعزيز فَصَارَت أُمُور السلطنة كلهَا معقودة بِصَاحِب التَّرْجَمَة والعزيز إِنَّمَا هُوَ مَعَه صُورَة ثمَّ خلعه بعد أَيَّام يسيرَة وتسلطن فِي يَوْم الأربعاء تَاسِع عشر ربيع الأول سنة 842 ثمَّ اتفق في أَوَائِل سلطنته بعض الكدر إلى أَن صفا لَهُ الْوَقْت وَقد كَانَ أخبرهُ شخص فِي سنة 804 أَنه سَيكون صَاحب التَّرْجَمَة سُلْطَانا وَهُوَ في ذَلِك الْوَقْت غير مَنْظُور بِذَاكَ بل مظهر للوله والتغفيل عَن أَحْوَال النَّاس وتعاطي الأسباب المقللة للهيبة وَكَذَا بشر بِهِ قَدِيما جمَاعَة من الصَّالِحين وَاسْتمرّ فِي السلطنة وَثَبت قدمه وَكَانَ ملكا عادلا كثير الصلواة وَالصَّوْم وَالْعِبَادَة عفيفاً عَن الْمُنْكَرَات والقاذورات لَا يضْبط عَنهُ فِي ذَلِك زلَّة وَلَا تحفظ لَهُ هفوة متقشفا بِحَيْثُ لم يمشى على سنَن الْمُلُوك فى كثير من ملبسه وهيئته وجلوسه وحركاته وأفعاله متواضعاً يقوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 للفقهاء وَالصَّالِحِينَ إِذا دخلُوا عَلَيْهِ ويبالغ في تقريبهم مِنْهُ وَلَا يرْتَفع في الْمجْلس بحضرتهم وَله إلمام بِالْعلمِ واستحضار لبَعض الْمسَائِل لِكَثْرَة تردد الْعلمَاء إليه في حَال أَمرته ورغبته في الاستفادة مِنْهُم وَله كرم زَائِد بِحَيْثُ ينْسب إلى التبذير فإنه قد يعْطى بعض أهل الْعلم ألف دِينَار فَصَاعِدا وَله عناية في إِزَالَة كثير من الْمُنْكَرَات وإن كَانَت من شعار السلطنة وَكَانَ كثير الإحسان إلى الْأَيْتَام بِحَيْثُ كَانَ يُرْسل من يحضرهم إلى حَضرته فيمسح رؤوسهم وَيُعْطى كل وَاحِد مِنْهُم وَأصْلح كثيراً من الْمصَالح الْعَامَّة كالقناظر والجوامع والمدارس وَقرر لأهل الْحَرَمَيْنِ رواتب في كل سنة خُصُوصا الْفُقَرَاء مِنْهُم يحمل إليهم من مائَة دِينَار وَأَقل وَأكْثر وَكثر الدُّعَاء لَهُ بذلك وهادن مُلُوك الْأَطْرَاف وَهَا داهم وَتردد إِلَيْهِم لَا عَن عجز أَو ضعف قُوَّة بل كَانَ يَقُول كل مَا أَفعلهُ مَعَ الْمُلُوك لَا يفى بنعل الْخَيل لَو أردْت الْمسير إِلَيْهِم كل ذَلِك والأقدار تساعده والسعادة تعاضده مَعَ حِدة تعتريه في بعض الْأَحْوَال وَسُرْعَة بَطش وبادرة مفرطة والكمال لله وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ من محَاسِن الْمُلُوك في غَالب أَوْصَافه وَقد كَانَ كثير التَّعْظِيم لأهل الْعلم وَله معرفَة بمقاديرهم حَتَّى كَانَ يتأسف على فقد الْحَافِظ ابْن حجر ويسميه أَمِير الْمُؤمنِينَ وَهُوَ مِمَّن ظَهرت سعادته في مماليكه بِحَيْثُ تسلطن جمَاعَة مِنْهُم وَلم يزل على ملكه إِلَى أَن ابْتَدَأَ بِهِ الْمَرَض وَصَارَ يظْهر التجلّد لَا يمْتَنع من الْكِتَابَة حَتَّى غلب عَلَيْهِ الْحَال فعجز وانحط وَلزِمَ الْفراش نَحْو شهر حَتَّى مَاتَ بَين الْمغرب وَالْعشَاء لَيْلَة الثُّلَاثَاء ثَالِث شهر صفر سنة 857 سبع وَخمسين وثمان مائَة وعهد لوَلَده الْمَنْصُور بالسلطنة وَقد كَانَ سنه عِنْد مَوته زِيَادَة على ثَمَانِينَ سنة وَرَآهُ بعض الصلحاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 بعد مَوته فَقَالَ لَهُ مافعل الله بك فَقَالَ وَالله لقد أَعْطَانَا الْملك من قبل أَن نرد عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ ماهو الْملك الَّذِي أَعْطَاك إِيَّاه قَالَ الْجنَّة ثمَّ قَالَ وَجَاء جمَاعَة بَعدنَا لَيْسَ لَهُم فِيهَا وَقت وَلَا مَكَان (119) جلال بن أَحْمد بن يُوسُف التبريزي الْمَعْرُوف بالتبّاني بمثناة ثمَّ مُوَحدَة ثَقيلَة نِسْبَة إِلَى التبّانة ظَاهر الْقَاهِرَة قدم الْقَاهِرَة قبل سنة 750 وَأخذ عَن جمَاعَة من أَهلهَا في فنون عديدة وبرع في الْجَمِيع مَعَ الدَّين وَالْخَيْر وصنّف عدَّة تصانيف مِنْهَا الْمَنْظُومَة في الْفِقْه وَشَرحهَا في أَربع مجلدات وَشرح الْمَشَارِق والمنار وَالتَّلْخِيص وَاخْتصرَ شرج مغلطاي على البخاري وَله مُصَنف في منع تعدد الْجمع وَآخر في أَن الإيمان يزِيد وَنقص وَكَانَ محباً للْحَدِيث حسن الِاعْتِقَاد شَدِيدا على الاتحادية والمبتدعة وانتهت إليه رياسة الحنيفة وَعرض عَلَيْهِ الْقَضَاء غير مرة فأصرّ على الِامْتِنَاع وَقَالَ هَذَا امْر يحْتَاج إلى دراية وَمَعْرِفَة اصْطِلَاح وَلَا يكفي فِيهِ مُجَرّد الاتساع في الْعلم وَمَات فِي ثَالِث رَجَب سنة 793 ثَلَاث وَتِسْعين وَسَبْعمائة بِالْقَاهِرَةِ عَن بضع وَسِتِّينَ سنة حرف الْحَاء الْمُهْملَة (120) حاجي بن الْأَشْرَف شعْبَان بن حُسَيْن بن النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاون اسْتَقر في السلطنة بعد أَخِيه الْمَنْصُور علي بن الأشرف وَهُوَ ابْن زِيَادَة على عشر سِنِين ولقب بالصالح ثمَّ عزل بعد سنة وَنصف بأتابكه الظَّاهِر برقوق الْمُتَقَدّم ذكره فِي شهر رَمَضَان سنة 784 وَأمره بالاقامة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 فى دَاره قلعة الْجَبَل جَريا على عَادَة بني الْمُلُوك فاستمر إلى أَن خلع برقوق وسجن بقلعة الكرك فاعيد ثَانِيًا الى السلطنة ولقب بالمنصور فَأَقَامَ دوره تِسْعَة أشهر وَعَاد برقوق إلى السلطنة وخلعه فِي صفر سنة 792 وَاسْتمرّ الْمَنْصُور ملازماً لداره إلى أَن مَاتَ فِي تسع عشرَة شَوَّال سنة 814 أَربع عشرَة وثمان مائَة بعد أَن تعطلت حَرَكَة يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ مُنْذُ سِنِين وَدفن بتربة جدته قَالَ العيني كَانَ شَدِيد الْبَأْس على جواريه لسوء خلقه لغَلَبَة السَّوْدَاء عَلَيْهِ وَكَانَ مشتغلاً باللهو وَالسكر وَقد جَاوز الأربعين من عمره (121) حاجي بن مُحَمَّد بن قلاون الْملك المظفر سيف الدَّين بن النَّاصِر بن الْمَنْصُور ولد سنة 732 اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة فَلَمَّا كَانَ في آخر سلطنة أَخِيه الْكَامِل شعْبَان قبض عَلَيْهِ وسجنه هُوَ وَأَخُوهُ حُسَيْن وَالِد الأشرف شعْبَان وَذَلِكَ فِي جُمَادَى الاولى سنة 747 فاتفق أَن دولته زَالَت بِقِيَام الْأُمَرَاء عَلَيْهِ فى يَوْم الِاثْنَيْنِ أول جُمَادَى الْآخِرَة من تِلْكَ السنة فَأمْسك وسجن حَيْثُ كَانَ حاجي وَنقل حاجي إلى تخت السلطنة فمدوا لَهُ السماط الَّذِي أعد للكامل وأدخلو للكامل السماط الَّذِي أعد لحاجي وأحيط بِمَال الْكَامِل وخواصه وصودروا وَاتفقَ رخص الأسعار أول ماولى المظفر ففرح النَّاس بِهِ لكنه أقبل على اللَّهْو والشغف بِالنسَاء حَتَّى وصلت قيمَة حظيته الْمُسَمَّاة إنفاق مائَة ألف دِينَار وَصَارَ يحضر الأوباش يَلْعَبُونَ بالمصارعة بَين يَدَيْهِ وَكَانَ جُلُوسه على التخت فِي مستهل جُمَادَى الْآخِرَة سنة 747 فبقى سنة وَأَرْبَعَة أشهر وخلع فى ثانى عشر شهر رَمَضَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 سنة 748 وكاقد قتل جمَاعَة من أكَابِر الْأُمَرَاء فنفرت عَنهُ الْقُلُوب واستوحش مِنْهُ بَقِيَّة الأمراء وَكَانَ كثير اللعب بالحمام فلامه على ذَلِك بعض أكَابِر أمرائه فَقَالَ لَهُ اذْبَحْهَا فذبح الْأَمِير مِنْهَا طيرين فطار عقل السُّلْطَان وَقَالَ لخواصه إذا دخل إِلَى فبضعوه بِالسُّيُوفِ فَبَلغهُ ذَلِك فَأخذ حذره مِنْهُ ثمَّ اجْتمع الْأُمَرَاء إِلَى قبَّة النَّصْر فَبلغ ذَلِك المظفر فَخرج فى من بقي مَعَه فَلَمَّا ترَاءى الْجَمْعَانِ حمل عَلَيْهِ أميران طعنه أَحدهمَا وضربه الآخر فقتلاه ثمَّ قرروا أَخَاهُ النَّاصِر حسن في السلطنة (122) حَامِد بن حسن شَاكر الصنعاني نَشأ بِصَنْعَاء وَأخذ عَن جمَاعَة من أكَابِر الْعلمَاء كالسيّد الْعَلامَة صَلَاح بن الْحُسَيْن الأحفش وَالسَّيِّد الْعَلامَة هَاشم بن يحيى الشامي وَالسَّيِّد الْعَلامَة أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن الشامي وَغَيرهم وأكبّ على علم الحَدِيث غَايَة الإكباب حَتَّى فاق فِيهِ وشارك في سَائِر الْفُنُون مُشَاركَة قَوِيَّة وانتفع بِهِ النَّاس في الْوَعْظ وَكَانَ لَهُ في الْجَامِع حَلقَة كَبِيرَة يحْضرُون عَلَيْهِ لسَمَاع وعظه ولوعظه وَقع فِي الْقُلُوب لما هُوَ عَلَيْهِ من الزّهْد والتقشف وَعدم الِاشْتِغَال بالدنيا وَقد أخبرني جمَاعَة مِمَّن أَخذ عَنهُ أَنه كَانَ فَقِيرا قانعاً يلبس الثِّيَاب الخشنة ويباشر شِرَاء حاجاته بِنَفسِهِ ويتواضع في جَمِيع أُمُوره وَكتبه مضبوطة غَايَة الضَّبْط وَلَا يضْبط إِلَّا عَن بَصِيرَة حَتَّى صَارَت مرجعاً بعد مَوته وَله مؤلفات دَالَّة على سَعَة حفظه للْحَدِيث واتقانه لهَذَا الْعلم رَأَيْت مِنْهَا الا نموذج اللَّطِيف في حَدِيث امْر معَاذ بِالتَّخْفِيفِ وَله شرح لعدة الحص الْحصين لَيْسَ على نمط الشُّرُوح بل يكْتب أَحَادِيث وَلَا يشْتَغل بالْكلَام على أَحَادِيث الْعدة لاتخريجا وَلَا تَفْسِيرا وقفت عَلَيْهِ بعد شرحي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 للعدة وَجمع حَاشِيَة على ضوء النَّهَار للعلاّمة الْجلَال وَصَارَ تَارَة يرجح مَا فِي ضوء النَّهَار وَتارَة يرجح مافي حَاشِيَته منحة الْغفار للعلاّمة السَّيِّد مُحَمَّد الْأَمِير وَلكنه لَيْسَ بمتقن لعلم الأصول وَسَائِر الْعُلُوم الَّتِى يحْتَاج اليها من حرر الْمسَائِل وأما بِالنِّسْبَةِ إلى مَا يرجع إلى متون الأحاديث وَالْكَلَام على أسانيدها فَهُوَ قَلِيل النظير وَقد أَكثر من التعقبات في تِلْكَ الْحَاشِيَة لما فِي حَاشِيَة الْأَمِير وَله رسائل ومسائل مَاتَ رَحمَه الله فَجْأَة فِي بضع وَسبعين بعد الْمِائَة والألف وَسمعت من يرْوى عَن السَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن اسمعيل الْأَمِير أَنه قَالَ لمابلغه أَن صَاحب التَّرْجَمَة بِجمع حَاشِيَة على الْكَشَّاف إن على الْكَشَّاف حَاشِيَة السعد وحاشية صَاحب التَّرْجَمَة ينبغي أَن يُقَال لَهَا حَاشِيَة الشقب والشقب فِي لِسَان أهل الْيمن عبارَة عَن مُقَابل السعد وَهُوَ النحس وَكَانَ السَّيِّد الْمَذْكُور يتحامل عَلَيْهِ لما بلغه أَنه يتعقّب حَاشِيَته الْمُتَقَدّم ذكرهَا روى لي ذَلِك من عرف الرجلَيْن رحمهمَا الله تَعَالَى وإيانا (123) الْحسن بن أَحْمد بن صَلَاح اليوسفي الجمالى اليمانى الْمَعْرُوف بالحيمى أحد أَعْيَان دولة الإمام الْمُؤَيد بِاللَّه بن الْقَاسِم وأخيه الإمام المتَوَكل على الله وَهُوَ من أكَابِر الْعلمَاء وأفاضل الأدباء وَكَانَ يقوم بالامور الْعَظِيمَة الْمُتَعَلّقَة بالدولة ثمَّ يشْتَغل بِالْعلمِ درساً وتدريساً وَكَانَ يوجهه الإمام المتَوَكل على الله في الْمُهِمَّات لفصاحته ورجاحة عقله وَقُوَّة تَدْبيره فَمن جملَة مَا بَعثه إِلَيْهِ من الْمُهِمَّات إرساله إِلَى حَضرمَوْت لما وَقع الِاخْتِلَاف بَين السلاطين آل كثير فَقَامَ بِالْأَمر أتمّ قيام وصلحت الْأُمُور بحميد رَأْيه وَجَمِيل عنايته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 وَوَجهه أَيْضا إِلَى سُلْطَان الْحَبَشَة لما وصلت اليه مِنْهُ كتب تَتَضَمَّن وغوبه في الإسلام وَيطْلب وُصُول جمَاعَة من آل الإمام إليه ليسلم على أَيْديهم فَتوجه في نَحْو خمسين رجلا وَركب من بندر المخاثم توجّه من هُنَالك ولاقى مشاقاً عَظِيمَة وَاسْتمرّ في الطَّرِيق سفراً وإقامة نَحْو تِسْعَة أشهر فوصل إِلَى سُلْطَان الْحَبَشَة في يَوْم عيد لِلنَّصَارَى فَدخل على السُّلْطَان لابساً شعار الإسلام من الثِّيَاب الْبيض وَكَانَ السُّلْطَان غير مربد لما أظهره في كتبه من الرغوب في الإسلام بل مُعظم قَصده المراسلة كَمَا يَفْعَله الْمُلُوك وَأَنه يُرِيد إصْلَاح الطَّرِيق فَلَمَّا اسْتَقر صَاحب التَّرْجَمَة في مَدِينَة السُّلْطَان أَضَافَهُ وَأكْرم أَصْحَابه وَأَرَادَ أَن يخلع عَلَيْهِ خلعة حَرِير خَالص وسوارين من الذَّهَب فَقَالَ لَهُ هَذَا لَا يحل في شريعتنا وَكَانَ لصَاحب التَّرْجَمَة في تِلْكَ الْبِلَاد صولة عَظِيمَة حَتَّى كَانَ أَصْحَابه يبطشون بالنصارى إِذا تعرضوا لَهُم ويضربونهم وشاع عِنْد الْحَبَشَة أَن الْعَرَب الَّذين هم أَصْحَاب المترجم لَهُ يَأْكُلُون النَّاس فزادت مهابتهم فِي صُدُورهمْ وَكَانَ أعظم معِين لَهُم على ذَلِك البنادق فإنه لَا يعرفهَا أهل الْحَبَشَة إِذْ ذَاك ولولاهى مَا قدرُوا على مُرُور الطَّرِيق فإنهم كَانُوا ينصبون عَلَيْهِم كالجراد فيرمونهم بالبنادق فيقتلون مِنْهُم وينهزمون ويفزعون لأصواتها وتأثيرها ثمَّ لما أيس صَاحب التَّرْجَمَة من إسلام السُّلْطَان طَالبه بالإذن لَهُ بِالرُّجُوعِ إِلَى ديار الْإِسْلَام فتثاقل عَنهُ ثمَّ بعد حِين أذن لَهُ وَكَانَ لايصحى من شرب الْخمر فعين لَهُ وقتاً يصل اليه للوداغ وَترك شرب الْخمر في ذَلِك الْيَوْم وَجمع وزراءه وأمراءه وأعيان دولته فَأمر صَاحب التَّرْجَمَة أَصْحَابه أَن يرموا بالبنادق عِنْد وصولهم إلى بَاب السُّلْطَان كَمَا يَفْعَله أهل الْيمن ويسمون ذَلِك تعشيرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 فَلَمَّا سمع السُّلْطَان أصوات البنادق هرب من أيوانه وهرب الوزراء وَسَائِر أَصْحَاب السُّلْطَان فَدخل صَاحب التَّرْجَمَة الدَّار ثمَّ بعد ذَلِك عَاد السُّلْطَان إلى مَكَانَهُ وَأخذ في أهبة تَوْجِيهه إلى بِلَاد الإسلام وَكَانَ جملَة بَقَائِهِ لَدَيْهِ ثَلَاث سِنِين وَرجع إلى حَضْرَة الإمام سالماً وَهَذِه الرحلة مُشْتَمِلَة على عجائب وغرئب قد جمعهَا صَاحب التَّرْجَمَة في كراريس هي بأيدي النَّاس وَمن شعره أَيَّام إقامته بِالْحَبَشَةِ هَذِه الأبيات (على كلّ سعي في الصلاح ثَوَاب ... وكلّ اجْتِهَاد فِي الرشاد صَوَاب) (وَلَيْسَ على الإنسان إدراك غَايَة ... وَدون مداها للعيون حجاب) (وَلَو علم الساعون غَايَة أَمرهم ... لما كَانَ شخص بالشرور يصاب) (فَقل لأمير الْمُؤمنِينَ لقد دَعَا ... وَحقّ لَهُ بعد الدُّعَاء يُجَاب) (وَلَكِن دَعَا قوماً يظنون أَنهم ... رموا غَرضا في دينهم فَأَصَابُوا) وهي أَبْيَات طَوِيلَة جَيِّدَة وَله أشعار أَيَّام إقامته هُنَالك وشعره جيد مَاتَ في شهر ذي الْحجَّة سنة 1070 سبعين وَألف (124) السَّيِّد الْحسن بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن علي بن صَلَاح بن أَحْمد بن الهادي بن الْجلَال ابْن صَلَاح بن مُحَمَّد بن الْحسن بن المهدي بن علي بن المحسن بن يحيى بن يحيى النَّاصِر بن الْحسن بن عبد الله بن مُحَمَّد بن الْمُخْتَار لدين الله الْقَاسِم بن النَّاصِر ابْن الهادي يحيى بن الْحُسَيْن بن الْقَاسِم بن ابراهيم بن اسمعيل بن ابراهيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 ابْن الْحسن بن الْحسن بن علي بن أَبى طَالب رضي الله عَنْهُم الْمَعْرُوف بالجلال الْعَلامَة الْكَبِير ولد فِي شهر رَجَب سنة 1014 أَربع عشرَة وألف بِهِجْرَة رغافة بِضَم الرَّاء الْمُهْملَة بعْدهَا مُعْجمَة وَبعد الألف فَاء قَرْيَة مَا بَين الْحجاز وصعده ونشأبها ثمَّ رَحل إلى صعدة وَأخذ عَن علمائها ثمَّ رَحل إلى شهارة وَأخذ عَن أَهلهَا ثمَّ رَحل إِلَى صنعاء وَأخذ عَن أكَابِر علمائها وَمَا حواليها من الْجِهَات وَمن جملَة مشايخه القاضي عبد الرَّحْمَن الحيمي والعلاّمة الْحُسَيْن بن الْقَاسِم بن مُحَمَّد والعلاّمة مُحَمَّد عز الدَّين الْمُفْتى وَسَائِر أَعْيَان الْقرن الحادي عشر وبرع في جَمِيع الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة والنقلية وصنف التصانيف الجليلة فَمِنْهَا ضوء النَّهَار جعله شرحاً للأزهار للإمام المهدي وحرر اجتهاداته على مُقْتَضى الدَّلِيل وَلم يعبأ بِمن يُوَافقهُ من الْعلمَاء أَو خِلَافه وَهُوَ شرح لم تشرح الأزهار بِمثلِهِ بل لَا نَظِير لَهُ فِي الْكتب الْمُدَوَّنَة فِي الْفِقْه وَفِيه مَا هُوَ مَقْبُول وَمَا هُوَ غير مَقْبُول وَهَذَا شَأْن الْبشر وكل أحد يُؤْخَذ من قَوْله وَيتْرك إِلَّا الْمَعْصُوم وَمَا أَظن سَبَب كَثْرَة الْوَهم فِي ذَلِك الْكتاب إِلَّا أَن هَذَا السَّيِّد كالبحر الزخار وذهنه كشعلة نَار فيبادر إلى تَحْرِيم مَا يظْهر لَهُ واثقاً بِكَثْرَة علمه وسعة دائرته وَقُوَّة ذهنه وَلَا أَقُول كَمَا قَالَ السَّيِّد الْعَلامَة صرح بن الْحُسَيْن الاخفش فِي وَصفه لبَعض مصنفات صَاحب التَّرْجَمَة إنه عِظَام لالحم عَلَيْهَا بل أَقُول هُوَ بَحر عجاج متلاطم الامواج وَله فى أصُول الدَّين شرح الْفُصُول وَشرح مُخْتَصر الْمُنْتَهى وفى الْمنطق شرح التَّهْذِيب وَفِي أصُول الدَّين عِصَام المتورعين وَغير ذَلِك من المؤلفات في غَالب الْفُنُون وَله حَاشِيَة كمّل بهَا حَاشِيَة السعد على الْكَشَّاف وحاشية على شرح القلائد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 ومجموعات مفيدة ورسائل عديدة وَله القصيدة الَّتِى سَمَّاهَا فيض الشعاع أَولهَا (الدَّين دين مُحَمَّد وصحابه ... ياهائما بقياسه وَكتابه) وَشَرحهَا شرحاً نفيساً فِيهِ فَوَائِد جمة ولي كثير من المناقشات في ترجيحاته الَّتِى يحررها في مؤلفاته وَلَكِن مَعَ اعترافي بعظيم قدره وَطول بَاعه وتبريزه فِي جَمِيع أَنْوَاع المعارف وَكَانَ لَهُ مَعَ أبناء دهره قلاقل وزلازل كَمَا جرت بِهِ عَادَة أهل الْقطر الْيُمْنَى من وضع جَانب أكَابِر عُلَمَائهمْ المؤثرين لنصوص الْأَدِلَّة على أَقْوَال الرِّجَال وَقد كَانَ الإمام المتَوَكل على الله إسماعيل بن الْقَاسِم الْمُتَقَدّم ذكره يجلّه غَايَة الإجلال وَلَا يعرف أهل الْفضل إِلَّا أَهله واستوطن الجراف وَمَات فِيهِ وقبره هُنَالك وَكَانَ مَوته لَيْلَة الأحد لثمان بَقينَ من ربيع الآخر سنة 1084 أَربع وَثَمَانِينَ وألف وَكَانَ جيد النظم وَمَا أحسن قَوْله فِي القصيدة الَّتِى تقدمت الإشارة إليها مُخَاطبا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَقل ابْنك الْحسن الْجلَال مباين ... من قد غلا فِي الدَّين من تلعابه) (لَا عَاجِزا عَن مثل أَقْوَال الورى ... أَو هائباً من علمهمْ لصعابه) (فالمشكلات شَوَاهِد لي أنني ... أشرقت كل مُحَقّق بلعابه) (لَوْلَا محبَّة قدوتي بِمُحَمد ... زاحمت رسطاليس في أبوابه) وَمِنْه (وشادن يغرق أهل الْهوى ... فِي حسنه فابك على وارده) (مذ لَاحَ في الخد أَخُو أمّه ... عَايَنت تَصْحِيف أخي وَالِده) وَله مضمناً مَعَ حسن التَّصَرُّف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 (رفعت عمامتي فرأت ... برأسي شيباً اشتعلا) (فَعَادَت بعد تنكرني ... فَقلت لَهَا أَنا ابْن جلا) (125) السَّيِّد الْحسن بن أسحق بن المهدي أَحْمد بن الْحسن ابْن الامام الْقَاسِم بن مُحَمَّد ولد سنة 1093 ثَلَاث وَتِسْعين وألف وَنَشَأ بِصَنْعَاء فَقَرَأَ على السَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن اسمعيل الأمير وَغَيره وفَاق في غَالب الْعُلُوم وصنّف تصانيف مِنْهَا منظومة الْهَدْي النَّبَوِيّ لِابْنِ الْقيم ثمَّ شرحها شرحاً نفيساً وَمِنْهَا رسائل نفيسة فى عُلُوم عدَّة وَكَانَ أحد الرؤسا مَعَ أَخِيه السَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن اسحق الآتي ذكره إن شَاءَ الله تَعَالَى ثمَّ اعتقله الإمام الْمَنْصُور الْحُسَيْن بن الْقَاسِم وَكَانَ قد اعتقله الإمام المتَوَكل على الله الْقَاسِم ابْن حُسَيْن وَله أشعار فائقة مِنْهَا وَهُوَ بالسجن (وعدت أَسِير الوجد ظَبْيَة حاجر ... بالطيف يطْرق في الظلام محاجري) وهي أَبْيَات جَيِّدَة وَله قصيدة أُخْرَى مطْلعهَا (ياصاحبى مالنسيم نجدي ... قد عطّرت سوحي بعرف الند) مدح بهَا شَيْخه الْعَلامَة مُحَمَّد ابْن اسمعيل الأمير وَله شعر كثير سَائِر مَجْمُوع عِنْد أَهله وكل أهل هَذَا الْبَيْت الشريف عُلَمَاء شعراء لَا يَخْلُو عَن ذَلِك إلا النَّادِر وَصَاحب التَّرْجَمَة من أكابرهم وأفاضلهم الجامعين بَين الْعلم والأدب والرياسة وَمَكَارِم الأخلاق وَجَمِيع صِفَات الْكَمَال وَمَات في سنة 1160 سِتِّينَ وَمِائَة وألف 126 - حسن بن أَحْمد بن يُوسُف الرباعي الصنعاني ولد تَقْرِيبًا على رَأس الْقرن الثَّانِي عشر وَقَرَأَ على جمَاعَة من شُيُوخ الحديث: 126 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 الْعَصْر كالسيد الْعَلامَة الْحسن بن يحيى الكبسي والقاضي الْعَلامَة مُحَمَّد بن أَحْمد السودي وَغَيرهمَا واستفاد فى جَمِيع الْعُلُوم الآلية وفي علم السنة المطهّرة وَله فهم صَادِق وَإِدْرَاك قوي وتصور صَحِيح وإنصاف وَعمل بِمَا تَقْتَضِيه الأدلة وَله قِرَاءَة على فى علم الْمعَانى وَالْبَيَان وفي علم التَّفْسِير وفي الصَّحِيحَيْنِ وَالسّنَن وفي مؤلفاتي وَهُوَ الْآن من أَعْيَان أهل الْعرْفَان ومحاس حَملَة الْعلم بِمَدِينَة صنعاء وَقد تقدمت تَرْجَمَة وَالِده 127 - الْحسن بن اسمعيل بن الْحسن بن مُحَمَّد المغربي نِسْبَة إلى مغارب صنعاء ثمَّ الصنعاني حفيد شَارِح بُلُوغ المرام الآتي ذكره هُوَ شيخ شُيُوخ الْعَصْر ولد بعد سنة 1140 أَرْبَعِينَ وَمِائَة وألف وَنَشَأ بِصَنْعَاء كسلفه وَقَرَأَ على جمَاعَة من أعيان عُلَمَاء صنعاء مِنْهُم الْعَلامَة أَحْمد بن صَالح بن أَبى الرِّجَال والعلامة محسن بن اسمعيل الشامي وَغير وَاحِد في عدَّة فنون كالنحو وَالصرْف والمنطق والمعاني وَالْبَيَان والْحَدِيث وَالتَّفْسِير وَالْفِقْه وانتفع بِهِ الطّلبَة في جَمِيع هَذِه الْفُنُون وَأخذ عَنهُ أَعْيَان الْعلمَاء وتخرجوا بِهِ وصاروا مبرزين فى حيوته وَكَانَ رَحمَه الله زاهداً ورعاً عفيفاً متواضعاً متقشفاً لَا يعد نَفسه فِي الْعلمَاء وَلَا يرى لَهُ حَقًا على تلامذته فضلاً عَن غَيرهم وَلَا يتصنّع في ملبوس بل يقْتَصر على عِمَامَة صَغِيرَة وقميص وَسَرَاويل وثوب يَضَعهُ على جَنْبَيْهِ وَتارَة يَجْعَل إزاراً مَكَان الثَّوْب الحديث: 127 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 وَيقْضى حَاجته من الأسواق بِنَفسِهِ ويباشر دقيقها وجليلها وَيحمل على ظَهره مَا يحْتَاج الى الْحمل مِنْهَا ويقود دَابَّته ويسقيها بِنَفسِهِ وَلَا يتصدر لما يتصدر لَهُ من هُوَ مَعْدُود من صغَار تلامذته من تَحْرِير الْفَتَاوَى ومماراة أهل الْعلم بل جلّ مَقْصُوده الِاشْتِغَال بِخَاصَّة نَفسه وَنشر الْعلم بإلقائه إلى أَهله وَالْقِيَام بِمَا لَا بُد مِنْهُ من المعيشة يكْتَفى بِمَا يحصل لَهُ من مستغلاته الَّتِى ورثهَا عَن سلفه الصَّالح مَعَ حقارتها وخطب للْقَضَاء في أَيَّام شبابه فَلم يساعد بل صمم على الِامْتِنَاع بعد أن رغبّه شَيْخه أَحْمد بن صَالح الْمُتَقَدّم ذكره وَالْحَاصِل أَنه من الْعلمَاء الَّذين اذا رَأَيْتهمْ ذكرت الله عز وَجل وكل شؤونه جَارِيَة على نمط السلف الصَّالح وَكَانَ إذا سَأَلَهُ سَائل أَحَالهُ في الْجَواب على أحد تلامذته واذا أشكل عَلَيْهِ شئ في الدَّرْس اَوْ فِيمَا يتَعَلَّق بِالْعَمَلِ سَأَلَ عَنهُ غير مبال سَوَاء كَانَ الْمَسْئُول عَنهُ خفِيا أَو جلياً لأنه جبل على التَّوَاضُع وَمَعَ هَذَا ففي تلامذته القاعدين بَين يَدَيْهِ نَحْو عشرَة مجتهدين وَالْبَعْض مِنْهُم يصنّف في أَنْوَاع الْعُلُوم إذ ذَاك وَهُوَ لَا يزْدَاد الا تواضعا قَرَأت عَلَيْهِ رَحمَه الله في المطوّل وحواشيه والعضد وحواشيه من أَولهمَا إلى آخرهما والكشاف وَبَعض حَوَاشِيه من أَوله إلى آخِره إلا فوتاً يَسِيرا وَبَعض الرسَالَة الشمسية وَشَرحهَا للقطب وحاشيتها للشريف وَبَعض تَنْقِيح الأنظار في عُلُوم الحَدِيث وقطعة من صَحِيح مُسلم وقطعة من شَرحه للنووي وَجَمِيع سنَن أَبى دَاوُد ومختصر المنذري عَلَيْهَا وَبَعض شرح ابْن رسْلَان والخطابي لَهَا وَشرح بُلُوغ المرام لجده إِلَّا قَلِيلا من أَوَائِله وَاسْتمرّ على حَاله الْجَمِيل لَا يزْدَاد إِلَّا تواضعا وتصاغرا وتحقيرا لنَفسِهِ وَهَكَذَا فليصنع من أَرَادَ الْوُصُول إِلَى ثَمَرَة الْعلم وَالْبُلُوغ إِلَى فَائِدَته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 الأخروية وَكَانَ رَحمَه الله يقبل علي إقبالاً زَائِدا ويعينني على الطلب بكتبه وَهُوَ من جملَة من أرشدني إِلَى شرح الْمُنْتَقى وشرعت في حَيَاته بل شرحت أَكْثَره وأتممته بعد مَوته وَكَانَ كثيراً مَا يتحدث في غيبتي أَنه يخْشَى عليّ من عوارض الْعلم الْمُوجبَة للاشتغال عَنهُ فَمَا أصدق حدسه وأوقع فراسته فَأنى ابْتليت بِالْقضَاءِ بعد مَوته بِدُونِ سنة وانتقلت روحه الطاهرة إِلَى جوَار الله فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث وَعشْرين ذي الْحجَّة سنة 1208 ثَمَان وَمِائَتَيْنِ وَألف ورثيته بقصيدة أَولهَا (كَذَا فَلْيَكُن رزء الْعلَا والعوالم ... وَمن مثل ذَا ينهدّ ركن المعالم) وريثته أَيْضا بِأَبْيَات أُخْرَى أَولهَا (جفن المعارف من فراقك سافح ... والعذب مِنْهَا بعد بعْدك مالح) 127 - السَّيِّد الْحسن بن الْحُسَيْن بن الإمام الْقَاسِم بن مُحَمَّد الصنعاني المولد والوفاة وَالدَّار الْعَلامَة المبرّز في عدَّة فنون لَا سِيمَا علم الْمَعْقُول فَهُوَ فِيهِ فريد عصره وَله تصانيف في الْمنطق جعله حَاشِيَة على شرح الْعَلامَة الْجلَال في التَّهْذِيب وتلامذته جمَاعَة نبلاء كَانُوا يقصدونه للْقِرَاءَة عَلَيْهِ إِلَى منزله وَله أشعار حسان مِنْهَا القصيدة الَّتِى مطْلعهَا لجمال ذاتك في الْوُجُود تطلعي ... ولنيل وصلك في الْحَيَاة تطمعي) (ولوجهك الزاهي بِحسن جماله ... حجّي وتطوافي بِذَاكَ المربع) وَله يَد في علم التصوف قَوِيَّة وَكَذَلِكَ فى علم الأسماء وَقد أثنى عَلَيْهِ صَاحب نسمَة السحر وَذكر لَهُ مؤلفات وَقَالَ أنه كتب لَهُ بخطه أَنه ولد بضوران سنة 1044 أَربع وَأَرْبَعين وَألف وَذكر لَهُ شعراً كتبه إليه مطلعه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 (ترنم حادى الشوق فَهُوَ مزمزم ... فرعياً لحاد بالهوى يترنّم) وَذكر مَا يدل على أَن صَاحب التَّرْجَمَة وقف على نسمَة السحر وقرضها وَقد بلغ عمره ثَمَانِينَ سنة وَلم يذكر وَفَاته 128 - السَّيِّد الْحسن بن زيد بن الْحُسَيْن الشامي قَرَأَ بِصَنْعَاء على أَعْيَان علمائها كالسيد الْعَلامَة هَاشم بن يحيى الشامي وطبقته وبرع في علم الحَدِيث وشارك فِي غَيره من الْفُنُون مُشَاركَة قَوِيَّة وَنشر الْعلم وأتعب نَفسه في الإرشاد إلى الْحق من الْعَمَل بِالدَّلِيلِ وَأَقْبل عَلَيْهِ الْخَاص وَالْعَام وَأخذُوا عَنهُ وتخلقوا بأخلاقه وَمَشوا على طَرِيقَته وَكَانَ لَا يمل من ذَلِك فِي جَمِيع الأوقات فظهرت بركته وَعم النَّفْع بِهِ فإنه سكن في صنعاء فَصَارَ لَهُ اتِّبَاع لَا يعْملُونَ إلا بالأدلة ثمَّ سكن في هِجْرَة سناع فَصَارَ أَهلهَا جَمِيعًا مشتغلين بِالطَّاعَةِ مواظبين على الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة وَكَذَلِكَ سكن في ذهبان وَصَارَ أَهله كَذَلِك وَله في حسن التَّعْلِيم طَريقَة لَا يقدر عَلَيْهَا غَيره وَكَانَ مَقْبُول الْكَلِمَة عِنْد الإمام المهدي الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن وَعند وزيره أَحْمد بن علي النهمي فنفع بِهِ جمَاعَة من المحاويج وَصَارَ يبْذل جاهه لَهُم فيجلب إليهم خيراً كثيراً وَلَا يَأْخُذ لنَفسِهِ شَيْئا مَعَ كَونه فَقِيرا وَكَانَ هَذَا دأبه طول حَيَاته وَلَا مطمع لَهُ في مُوَاصلَة أَرْبَاب الدولة الا ذَلِك وَله فى الزّهْد والتقشف وَكَثْرَة الْعِبَادَة وظائف لَا يقدر عَلَيْهَا غَيره مَعَ قِيَامه بِالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ والنهي عَن الْمُنكر والترسلات في ذَلِك على الإمام فَمن دونه والإرشاد إلى الرِّفْق بالرعية وَلَقَد كَانَ خيراً كُله وَلم أعرفهُ وَلكنه الحديث: 128 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 أَخْبرنِي باخباره كل من يعرفهُ وَمَا زَالَ مستمراً على ذَلِك حَتَّى مَاتَ في سنة 1196 سِتّ وَتِسْعين وَمِائَة وَألف فِي جُمَادَى الأولى مِنْهَا 129 - الْحسن بن علي بن جَابر الهبل اليمانى الشَّاعِر المفلق الْفَائِق المكثر الْمجِيد ولد سنة 1048 ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف وَله شعر يكَاد يسيل رقة ولطافة وجودة وسبك حسن معاني وغالبه الْجَوْدَة وَله ديوَان شعر مَوْجُود بايدى النَّاس وَمِنْه (أَتَرَى يسلو الْهوى وَله ... عِنْد سكان الْحمى وَله) (مغرم في قلبه حزن ... فصل الهجران مجمله) (عظمت أسقامه فغدا ... لَا يرَاهُ من تَأمله) (لَو رأى من ظل يعذله ... وَجه من في الْحبّ أنحله) (قَالَ أما فِيك لَا حرج ... إن قضى وجداً يحِق لَهُ) وَله (ياقليل الْحِفْظ للذمم ... أيّ شرع حلّ فِيهِ دمى) (هَل لمن أتلفت مهجته ... ياشقيق الرّوح من حكم) وَله (لاذقت حرّ صبابتي ... وكفيت مَا ألْقى بهَا) (فَالنَّار من أسمائها ... وَالْمَوْت من ألقابها) وَله القصيدة الطنانة الَّتِى مطْلعهَا (لَو كَانَ يعلم أَنَّهَا الأحداق ... يَوْم النقا مَا خاطر المشتاق) (جهل الْهوى حَتَّى غَدا في أسره ... وَالْحب مَا لأ سيره اطلاق) وَكلهَا غرر لَوْلَا مَا كدرها بِهِ من ثلب الاعراض المصونة أَعْرَاض الحديث: 129 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 خير الْقُرُون وَلما ارْتَفَعت دَرَجَته عِنْد الإمام المهدي أَحْمد بن الْحسن وَكَانَ كالوزير لَهُ قبل الْخلَافَة وتصدى للقعود في دستها توفي في شهر صفر سنة 1079 تسع وَسبعين وَألف فَيكون عمره احدى وَثَلَاثِينَ سنة وَلَو طَال عمر هَذَا الشَّاب الظريف وَلم يشب صافى شعره بذلك المشرب السخيف لَكَانَ أشعر شعراء الْيمن بعد الْألف على الاطلاق وَأَصله من قَرْيَة بنى الهبل وهي هِجْرَة من هجر خولان وَمحله ومحلي وَاحِد لَيْسَ بَينهمَا مَسَافَة بل بَينهمَا من الْقرب بِحَيْثُ يسمع كل وَاحِد مِمَّن فيهمَا كَلَام الآخر وَقد بَالغ صَاحب نسمَة السحر في حَقه فَقَالَ إنه لم يُوجد بِالْيمن اشعر مِنْهُ من أول الإسلام وَهَذَا مَعْلُوم الْبطلَان فَالصَّوَاب مَا قلته سَابِقًا 130 - الْحسن بن علي بن الْحسن بن علي بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن ابْن صَالح بن مُحَمَّد بن صَالح بن مُحَمَّد بن يحيى بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن يحيى بن أَحْمد بن حَنش وَبَقِيَّة نسبه مَعْرُوفَة فَلهُ سلف صَالح فيهم الْعلمَاء والقضاة والصلحاء وبيتهم مَشْهُور فى الديار اليمنية ولد بشهاره في سنة 1153 ثَلَاث وَخمسين وَمِائَة وَألف ورحل من وَطنه لطلب الْعلم إِلَى مَدِينَة صنعاء فَأخذ عَن جمَاعَة من أعيانها كالسيد الْعَلامَة مُحَمَّد ابْن اسماعيل الْأَمِير فِي الحَدِيث الحديث: 130 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 والقاضى الْعَلامَة أَحْمد بن مُحَمَّد قاطن قَرَأَ عَلَيْهِ فى مغنى اللبيب ورسالة الْوَضع للهروى وَغَيرهمَا وَالسَّيِّد الْعَلامَة إسحاق بن يُوسُف بن المتَوَكل قَرَأَ عَلَيْهِ في المعالجة والقاضي الْعَلامَة أَحْمد بن صَالح بن أَبى الرِّجَال في الْعَرَبيَّة والقاضى حسن ابْن مُحَمَّد المغربي في شرح بُلُوغ المرام وَشَيخنَا الْعَلامَة علي بن إبراهيم بن عَامر وَقَرَأَ عَلَيْهِ فِي غَايَة السؤل وَشَرحهَا وسيرة الشامي وَشَيخنَا الْعَلامَة الْأَكْبَر السَّيِّد عبد الْقَادِر بن أَحْمد قرأ عَلَيْهِ فِي جَامع الْأُصُول لِابْنِ الأثير وَغَيره وَولده الْعَلامَة إبراهيم بن عبد الْقَادِر قَرَأَ عَلَيْهِ في الْغَايَة وَشَرحهَا وفي صَحِيح البُخَارِيّ وَقَرَأَ القراآت السَّبع على شيخها المتفرد بمعرفتها الْفَقِيه علي اليدومي وَأول من اتَّصل بِهِ عِنْد وُصُوله إلى صنعاء الْفَقِيه إسماعيل بن مُحَمَّد حَنش وَقَرَأَ عَلَيْهِ وأعانه على الطلب وَولى في أَوَائِل عمره أعمالاً من وقف وَغَيره ثمَّ أمره مَوْلَانَا الإمام المهدي أَن يتَّصل بولده مَوْلَانَا خَليفَة الْعَصْر الْمَنْصُور بِاللَّه حفظه الله ليقْرَأ عَلَيْهِ فاتصل بِهِ وَقَرَأَ عَلَيْهِ ولازمه مُدَّة ثمَّ لما مَاتَ الإمام الْمهْدي وبويع مَوْلَانَا الإمام الْمَنْصُور بِاللَّه أناط بِصَاحِب التَّرْجَمَة أعمالاً وصيره أحد وزرائه المقربين عِنْده وَجعل بنظره بعض الْبِلَاد اليمنية وَبَالغ في تَعْظِيمه لكَونه شَيْخه في الْعلم وَلم يعامله مُعَاملَة سَائِر الوزراء وَإِذا نَاب الدولة أَمر يتَعَلَّق بالأمور الشَّرْعِيَّة كَانَ التعويل عَلَيْهِ فى الْغَالِب وغالب مَا يتَحَصَّل لَهُ يُنْفِقهُ على الْعلمَاء ويواسي بِهِ الْفُضَلَاء والفقراء على وَجه لايحب أَن يطلع عَلَيْهِ أحد وَمَا زَالَ هَذَا دأبه وديدنه من أول وزارته إِلَى حَال تَحْرِير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 هَذَا نَحْو ثَلَاث وَعشْرين سنة وَهُوَ لَا يزْدَاد إلا خيّراً وإنفاقاً على من يسْتَحق ذَلِك وَهُوَ فى هَذِه الْخصْلَة مُنْقَطع القرين عديم النظير لَا سِيمَا في هَذَا الْعَصْر فإنه قد يعْطى بعض المحاويج الَّذين لَا يتصلون بِهِ عَطاء يُجَاوز الْوَصْف في الْكَثْرَة ويشتري الْبيُوت ويهبها لمن لَا بَيت لَهُ ويعين من أَرَادَ أَن يشترى بَيْتا اذا كَانَ مُسْتَحقّا لَا كثر الثّمن أوكله وَقد صنع هَذَا المصنع مَعَ أنَاس كثيرين وَهُوَ يكره ظُهُور ذَلِك واطلاع النَّاس عَلَيْهِ وَذَلِكَ دَلِيل الخلوص وأنى لَا كثر التَّعَجُّب من كَثْرَة صدقاته الَّتِى مِنْهَا مَا يبلغ الْمِائَة القرش وفوقها ودونها بل أخبرني بعض الْعلمَاء أَنه اطلع على مَا وهبه لبَعض الْعلمَاء وَكَانَت جملَته ألف قِرْش دفْعَة وَاحِدَة وأخبرني آخر أَنه بلغ إعطاؤه لعالم آخر اثنتي عشرَة مائَة قِرْش دفْعَة وَاحِدَة وناهيك بِهَذَا فإن عَطاء الْمُلُوك في عصرنا يتقاصر عَنهُ ويزداد التَّعَجُّب من استمراره على ذَلِك كَيفَ قدر على الْقيام بِهِ مَعَ أَن غَيره مِمَّن بنظره أَعمال أَكثر من أَعماله ومدخولات أوفر من مدخزلاته قد لَا يقوم مَا يتَحَصَّل لَهُ بِمَا يستغرقه لخاصة نَفسه وَأَهله فضلاً عَن غير ذَلِك ثمَّ أذكر قَول الله تَعَالَى وَمَا أنفقتم من شئ فَهُوَ يخلفه وَقَول النبى صلى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم أنْفق ينْفق عَلَيْك فَأعْلم عِنْد ذَلِك السَّبَب وَمَعَ هَذَا فَهُوَ فِي عَيْش فائق مترفه فِي ملبوسه ومأكوله ومسكنه ومركبه وَجَمِيع أَحْوَاله على حد يقصر عَنهُ أَمْثَاله قد جمع الله لَهُ من نعم الدُّنْيَا مَالا يُدْرِكهُ غَيره وَأَعْطَاهُ من الكمالات مَالا يُوجد مجتمعاً فِي سواهُ فإنه مَعَ إحكامه لما يتَعَلَّق بِهِ من الْأَعْمَال الدولية مَعْدُود من الْعلمَاء مَذْكُور فِي الفرسان مَشْهُور بِحسن الرماية جيد الْخط قوي النثر حسن الْأَخْلَاق وَكَانَ بشوشاً متواضعاً سيوساً جلياً وقوراً سَاكِنا عفيفا مواظبا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 على الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة كثير الأذكار محباً للْفُقَرَاء وَلَا سِيمَا إذا كَانُوا من أهل بَيت النُّبُوَّة رَاغِبًا في الْخَيْر كافاً لنَفسِهِ عَن الشَّرّ مُعظما للشَّرْع مجالسه مُشْتَمِلَة على المباحثات العلمية والمفاكهات الأدبية مقرباً لأهل الْفضل مُبْعدًا لأهل البطالة حسن المحاضرة قوي المباحثة جيد الْفَهم حسن الادراك ينشط اذا سُئِلَ عَن مسئلة علمية ويبحث ويستخرج بدقيق ذهنه فرائد بديعة يعرف النَّحْو وَالصرْف والمعاني وَالْبَيَان والأصول والقراآت وَالتَّفْسِير وَيعْمل بِجَمِيعِ هَذِه الْفُنُون وَله كَمَال الِاشْتِغَال والعناية بِعلم الحَدِيث وَالتَّفْسِير وَالْعَمَل بِمَا تَقْتَضِيه الأدلة وَلَا يبالي بِمَا عدا ذَلِك ولديه من الْكتب النفيسة مَالا يُوجد عِنْد غَيره وبيني وَبَينه من خَالص الوداد مَالا أقدر على التَّعْبِير عَن بعضه وَمَا أعده إِلَّا بِمَنْزِلَة الْوَالِد وَهُوَ ينزلني منزلَة الْوَلَد ويجلّني إجلال الْوَالِد وَقد اتفقت الألسن على الثَّنَاء عَلَيْهِ وَنشر محاسنه مَعَ أَن النَّاس لَا يرضون عَن المتعلقين بأعمال الدولة وَلَكِن رَأَوْا فِيهِ من المحاسن مَالا يُمكن جَحده وَالْحَاصِل أَنه للدولة جمال وَلأَهل الْعلم جلال وللفقراء ذخيرة أفضال طَالَتْ أَيَّامه ومدت أعوامه وَفِي سنة إحدى وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَألف حصل لَهُ نِسْيَان وَكَثْرَة سَهْو فباشر مَا بنظره من الأعمال بعض قرَابَته فَلم يحسن الْمُبَاشرَة وَمَا زَالَ ذَلِك الْعَارِض يتزايد وفي سنة ثَلَاث وَعشْرين رجح رفع يَده عَن الْأَعْمَال الَّتِى كَانَ يُبَاشِرهَا ثمَّ أحاطت الدُّيُون بغالب مَا يملكهُ بِسَبَب مُبَاشرَة ذَلِك الْقَرِيب ثمَّ توفي إِلَى رَحْمَة الله يَوْم السبت خَامِس عشر شهر شعْبَان سنة 1225 خمس وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَألف بِصَنْعَاء وقبر بمقبرتها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 131 - الإمام الْحسن بن علي بن دَاوُد المؤيدي رَأَيْت سيرته فِي مُجَلد وَصفه مؤلفها بالتبحر فِي عُلُوم عديدة كالنحو وَالصرْف والمنطق والمعاني وَالْبَيَان والأصول وَالتَّفْسِير وَالْفِقْه والْحَدِيث وَرَأَيْت لَهُ رسائل تدل على بلاغته وَقُوَّة تصرفه دَعَا إِلَى نَفسه سنة 984 في نصف شهر رَمَضَان مِنْهَا فاجتمعت إِلَيْهِ الزيدية وَأَجَابُوا دَعوته وَبَايَعُوهُ في بِلَاد صعدة وَخرج مِنْهَا بِجَيْش إِلَى الأهنوم واشتعلت الأرض نَارا بقيامه على الأتراك وَدخل في طَاعَته بعض أَوْلَاد الإمام شرف الدَّين وَأسر عبد الله بن المطهر وأودعه السجْن ثمَّ توجه بجند وَاسع لأخذ بِلَاد هَمدَان فَفتح أكثرها وَخرج الأتراك من صنعاء وأميرهم سِنَان فَمَا زَالَت الْحَرْب بَينهمَا سجالاً وفي سنة 993 افْتتح سِنَان بِلَاد الأهنوم وانحصر الإمام الْحسن في مَحل يُقَال لَهُ الصاب ودعا الى السّلم فاجاب وَخرج الى يدسنان فِي نصف شهر رَمَضَان مِنْهَا وَهَذَا من غرائب الزَّمَان كَون قِيَامه في نصف شهر رَمَضَان وأسره في نصف شهر رَمَضَان ثمَّ دخل بِهِ سِنَان إلى صنعاء فوصل بِهِ الى الباشا حسن فسجنه وَقد كَانَ أسر أَوْلَاد المطهر بن شرف الدَّين الأربعة لطف وعَلى يحيى وَحفظ الله وغوث الدَّين وسجنهم مَعَ الإمام وفي شهر شَوَّال من هَذِه السنة أرسل الباشا بهم جَمِيعًا إلى الروم وَكَانَ آخر الْعَهْد بهم وَقد روي أَنه مَاتَ الإمام الْحسن في الروم مَحْبُوسًا في شهر شَوَّال سنة 1024 أَربع وَعشْرين وَألف سنة وَالله أعلم وَله أَخْبَار حسان استوفى مؤلف سيرته فَمن رام الِاطِّلَاع عَلَيْهَا فليقف على السِّيرَة الْمَذْكُورَة ليعرف مِقْدَار هَذَا الإمام وسعة دائرته في المعارف العلمية الحديث: 131 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 132 - الْحسن بن عمر بن الْحسن بن حبيب بن عمر بن شُرَيْح بن عمر المقلب بدر الدَّين الدمشقي الحلبي ولد سنة 710 عشر وَسَبْعمائة بِشَهْر شعْبَان مِنْهَا وَنَشَأ مغرماً بِعلم الْأَدَب وَأخذ عَن جمَاعَة من الأدباء مِنْهُم ابْن نَبَاته وَله مؤلف في الأدب سَمَّاهُ نسيم الصِّبَا يشْتَمل على نفائس وَاسْتعْمل مفاصل شِفَاء القاضي عِيَاض فسبكها سجعّا وألف درة الأسلاك فِي دولة الأتراك سجع كُله يدل على مزِيد اطِّلَاعه وفصاحته وَسمع الحَدِيث على جمَاعَة من أَعْيَان عُلَمَاء عصره قَالَ ابْن حجر وَكَانَ فَاضلا كيساً صَحِيح النَّقْل حدث عَنهُ جمَاعَة وَكَانَ يُوقع عَن الْقُضَاة وَانْقطع فِي آخر مدَّته بِمَنْزِلَة وَله تذكرة النبيه في أَيَّام الْمَنْصُور وبنيه سجعاً وباشر نِيَابَة الْقَضَاء ونيابة كِتَابَة السِّرّ مَاتَ في شهر ربيع الآخر سنة 779 تسع وَسبعين وَسَبْعمائة وَمن شعره (ألحاظه شهِدت بأني ظَالِم ... وَأَتَتْ بِخَط عذاره تذكارا) (يَا حَاكم الْحبّ اتئد فى قصتى ... فالخط زورو الشُّهُود سكارى) 133 - السَّيِّد الْحسن بن الإمام الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن علي بن مُحَمَّد بن على بن الرشيد بن أَحْمد بن الأمير الْحُسَيْن بن علي بن يحيى بن مُحَمَّد بن يُوسُف الأصغر الملقب الأشل ابْن الْقَاسِم ابْن الإمام الداعي يُوسُف الأكبر ابْن الإمام الْمَنْصُور يحيى ابْن الإمام النَّاصِر احْمَد بن الإمام الهادي يحيى بن الْحُسَيْن بن الْقَاسِم بن إبراهيم بن اسمعيل بن إبراهيم بن الْحسن ابْن الْحسن ابْن أَمِير الْمُؤمنِينَ علي بن أَبى طَالب سَلام الله عَلَيْهِ وَعَلَيْهِم وَرَحمته وَبَرَكَاته ولد بعد صلوة الْعشَاء من لَيْلَة الِاثْنَيْنِ غرَّة شهر شعْبَان سنة 996 سِتّ وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَقَرَأَ على جمَاعَة الحديث: 132 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 من الشُّيُوخ وَأدْركَ حِصَّة نافعة من المعارف وَفرغ نَفسه للْجِهَاد مَعَ وَالِده فَنَهَضَ بِمَا لاينهض بِهِ غَيره ونال من الاتراك مالم ينله أحد وأوقع بهم وقعات مُتعَدِّدَة حَتَّى استأصلهم وأخرجهم من الديار اليمنية بعد أَن حَارب جمَاعَة من كبرائهم كحيدر باشا وقانصوه باشا وَأخذ جَمِيع مَا بِأَيْدِيهِم من مدن الْيمن ووقعاته وملاحمه لَا يَتَّسِع لَهَا هَذَا الْمُخْتَصر وَقد سرد جَمِيع ذَلِك الجرموزي في سيرته وهي كتاب حافل وَلم يكن لأحد من الْعِنَايَة التَّامَّة بمجاهدة الأتراك مَا كَانَ لَهُ رَحمَه الله وَأسر فِي أَيَّام وَالِده وَحبس بِصَنْعَاء وبقي أَيَّامًا طائلة ثمَّ خرج خُفْيَة وهيأ الله لَهُ أَسبَاب ذَلِك فَلم يشْعر بِهِ أحد وَفِيه من الشجَاعَة والإقدام في المعارك مَا يبهر الْعُقُول فإنه وَحده يقوم مقَام الْجَيْش الْكثير وَقد أحَاط بِهِ في قاع صنعاء أَيَّام محاصرته لَهَا جمَاعَة من فرسَان الأتراك الْمَشْهُورين وهم عدد وَاسع يزِيد خيلهم على الألف فضلاً عَن سَائِر الْجَيْش وَلم يكن عِنْده إذ ذَاك إلا أَخُوهُ الْعَلامَة الْحُسَيْن الآتي ذكره وَنَفر يسير فدار الْقِتَال عَلَيْهِ وعَلى أَخِيه ومازال يصاولهم طَعنا وَضَربا ويجدل شجعانهم حَتَّى خرج من بَينهم سالما هُوَ وَمن مَعَه من النَّفر الْيَسِير وَكم أعدد من إقدامات هَذَا السَّيِّد الَّذِي تقصر الأقلام عَن حصر بعض مناقبه وَهُوَ نَظِير المطهّر ابْن شرف الدَّين أَو أرفع دَرَجَة مِنْهُ في الشجَاعَة والرياسة وَحسن التَّدْبِير وَقد بلغت جيوشه فِي بعض المواطن نَحْو ثَمَانِينَ الْفَا وَله في الْكَرم يَد طولى قَالَ السَّيِّد عَامر بن مُحَمَّد عبد الله بن عَامر الشَّهِيد في بغية المريد أنه أعطى الشريف طَاهِر الادريسى خَمْسَة وَعشْرين ألف قِرْش من النَّقْد وَمن الْجَوَاهِر والنفائس مَا يخرج عَن الْفِكر انْتهى ثمَّ بعد أَن أجلى الأتراك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 من أَرض الْيمن جَمِيعهَا اختط حصن الدامغ في حُدُود سنة 1040 فعمره عمَارَة بليغة وأجرى فِيهِ الأنهار وغرس فِي جوانبه الأشجار وشيّد الديار حَتَّى صَار مَدِينَة كَبِيرَة وَاسْتقر فِيهِ حَتَّى توفاه الله في وَقت الْمغرب من لَيْلَة الْأَحَد ثَالِث شَوَّال سنة 1048 ثَمَان وَأَرْبَعين وألف في خلَافَة أخيه الإمام الْمُؤَيد بِاللَّه مُحَمَّد بن الْقَاسِم ورثاه شعراء عصره بمراثي جَيِّدَة مِنْهَا قَول بَعضهم (أدرى الذي ينعى إلينا من نعى ... لَو كَانَ يدري مَا أشاد وأسمعا) (أتراه يدري أنه ينعي إِلَى ... كل الأنام الدَّين وَالدُّنْيَا مَعًا) (وحياتهم ومعاشهم ورياشهم ... ونعيمهم هَذِه الْخِصَال الأربعا) وَكَانَ مَوته فِي مَدِينَة الْحصين الَّتِي عمرها تَحت حصنه الْمُتَقَدّم وَله نظم فَمِنْهُ مَا قَالَه في أَيَّام اعتقاله يرغب وَالِده فِي الصُّلْح بأبيات أَولهَا (مولاي أن الصُّلْح أعذب موردا ... فاسلك لَهُ جدداً سوياً أجردا) وهي أَبْيَات مَشْهُورَة وَكَانَ يلازم في أَسْفَاره وجهاداته الْقِرَاءَة على الشُّيُوخ والمطالعة لكتب الْعلم ولازم في آخر أَيَّامه السَّيِّد مُحَمَّد بن عز الدَّين الْمُفْتى فَقَرَأَ عَلَيْهِ فِي الاصول وَغَيرهَا وَقد جمع إلى شجاعته الباهرة الْكَرم الفائض حَتَّى كَانَ يعْطى عَطاء من لَا يخَاف الْفقر وَالْحَاصِل أنه من أعظم سلاطين الْجِهَاد وأساطين مصَالح الْعباد 134 - حسن بن مُحَمَّد بن قلاون الصالحي الْملك النَّاصِر بن النَّاصِر بن الْمَنْصُور ولد سنة 735 خمس وَثَلَاثِينَ وسبعمائة وسمي أَولا قمارى فَلَمَّا جلس على التخت قَالَ للنائب يَا أبي مَا اسْمِي قمارى اسْمِي حسن فَقَالَ على خيرة الله وَاسْتقر اسْمه الحديث: 134 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 حسناً وَولى السلطنة بعد أَخِيه المظفر سنة 748 وَقبض على حَاشِيَة أَخِيه وصودروا لتخليص الأموال فَوجدَ لديهم من الْجَوَاهِر مَا قِيمَته مائَة الف دِينَار فَمَا كَانَ يَوْم السبت رَابِع عشر شَوَّال سنة 751 قَالَ النَّاصِر لأهل المملكة إن كنت سُلْطَانا فاقبضوا هَذَا فأمسك وَأرْسل إلى الإسكندرية ثمَّ مَا زَالَ يقبض الأمراء وَاحِدًا بعد وَاحِد فنفروا مِنْهُ وركبوا عَلَيْهِ في سَابِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة سنة 752 وخلعوه وقرروا أَخَاهُ الصَّالح وأعيد النَّاصِر فِي شَوَّال سنة 755 واستبد بالمملكة وَصفا لَهُ الْوَقْت وَلم يُشَارِكهُ أحد في التَّدْبِير فَبَالغ فِي أَسبَاب الطمع واستحوذ على إهلاك بَيت المَال وَأكْثر من سفك الدِّمَاء وَشرع في عمَارَة الْمدرسَة الْمَعْرُوفَة بالرميلة وَلَيْسَ لَهَا نَظِير بالديار المصرية وَمَات وَلم تكمل ثمَّ عزم على قتل بعض أكَابِر أمرائه فاستعد لَهُ وتقاتلا فَكَانَت الدائرة على النَّاصِر فَانْهَزَمَ ثمَّ أمسك وَقتل في تَاسِع جُمَادَى الأولى سنة 762 اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَكَانَ ذكياً مفرطاً وَله بعض اشْتِغَال بِالْعلمِ 135 - الْحسن بن مُحَمَّد شاه الفنّاري الْمَعْرُوف بالشلبي صَاحب حَاشِيَة المطوّل قَرَأَ على عُلَمَاء الروم ثمَّ ارتحل إلى مصر لقِرَاءَة مغني اللبيب على رجل مغربي وَكَانَ علي الفنّاري قاضي السُّلْطَان مُحَمَّد خَان عَم صَاحب التَّرْجَمَة فَقَالَ لَهُ اسْتَأْذن السُّلْطَان في عزمي على مصر لقِرَاءَة مغني اللبيب على شيخ مغربي هُنَالك لَيْسَ لَهُ نَظِير في معرفَة هَذَا الْكتاب فَاسْتَأْذن الْمَذْكُور السُّلْطَان فَقَالَ لَعَلَّه قد اخْتَلَّ دماغه وَكَانَ منحرفاً عَنهُ بِسَبَب أَنه صنّف حَاشِيَة التَّلْوِيح باسم ابْن السُّلْطَان وَهُوَ بايزيد بن مُحَمَّد فَرَحل الى الحديث: 135 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 مصر وَقَرَأَ الْكتاب الْمَذْكُور قِرَاءَة متقنة وَكتب لَهُ المغربي فِي ظهر كِتَابه إجازة ثمَّ عَاد إِلَى بِلَاد الروم وَأرْسل كتاب مغني اللبيب إلى السُّلْطَان مُحَمَّد خَان فَلَمَّا نظر فِيهِ زَالَ عَنهُ مَا كَانَ فَأعْطَاهُ مدرسة يدرس بهَا ثمَّ في دولة السُّلْطَان بايزيد عيّن لَهُ كل يَوْم ثَمَانِينَ درهماً وَله مصنفات مِنْهَا حَاشِيَة المطوّل الْمُتَقَدّم ذكرهَا وهي حَاشِيَة مفيدة وَمِنْهَا حَاشِيَة على شرح المواقف للشريف وحاشية على التَّلْوِيح وَكلهَا مقبولة وَسمع في مصر صَحِيح البخارى على بعض تلاميذة الْحَافِظ ابْن حجر وَمَات فِي دولة السُّلْطَان بايزيد خَان وَكَانَ جُلُوسه على تخت السلطنة سنة 886 136 - الْحسن بن قَاسم الْمُجَاهِد القاضي الْعَلامَة الذكى ولد تَقْرِيبًا سنة 1190 تسعين وماية وَألف أَو قبلهَا بِيَسِير أَو بعْدهَا بِيَسِير ومسكنه هُوَ وَأَهله في مَدِينَة ذي جبلة انتقلوا إليها من مَدِينَة ذمار وَهُوَ عَارِف بالفقه والفرائض والنحو والاصول وَله مُشَاركَة في علم الحَدِيث وَفهم جيد وذهنه صَحِيح قَرَأَ علي عِنْد وصولي مَدِينَة جبلة مَعَ مَوْلَانَا الإمام المتَوَكل على الله في الحَدِيث والأصول ولازمني مُدَّة إقامتي في تِلْكَ الْمَدِينَة من جملَة من لازمني من أَهلهَا للْقِرَاءَة وَقد أجزت لَهُ أَن يروي عَنى مروياتي وَهُوَ أهل لذَلِك لرغوبه إلى الْعلم وإكبابه عَلَيْهِ وَقد كتب بعض مؤلفاتي كالدرر والدراري والفوائد الْمَجْمُوعَة فِي الأحاديث الْمَوْضُوعَة وحاشية شِفَاء الأوام والسيل الجرار وَغير ذَلِك وَله سماعات علي عِنْد قدومه إلى صنعاء وَقد قدم مَرَّات وَصَارَ قَاضِيا فِي مَوَاضِع ورسخت مَعْرفَته وَعمل بِالدَّلِيلِ الحديث: 136 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 137 - الْحسن بن مُحَمَّد بن الْحسن بن سَابق الدَّين بن علي بن أَحْمد بن أسعد بن أَبى السُّعُود بن يعِيش الْمَعْرُوف بالنحوي الصنعاني الزيدي عَالم الزيدية فِي زَمَانه وَشَيخ شيوخهم وناشر علومهم كَانَ يحضر حَلقَة تدريسه زهاء ثَمَانِينَ عَالما وَله تَحْقِيق وإتقان لاسيما لعلم الْفِقْه يفوق الرصف وَله مصنّفات مِنْهَا في الْفِقْه كتاب التَّذْكِرَة الفاخرة أودعهُ من الْمسَائِل مَالا يُحِيط بِهِ الْحصْر مَعَ إيجاز وَحسن تَعْبِير وَهُوَ كَانَ مدرس الزيدية وعمدتهم حَتَّى اخْتَصَرَهُ الإمام المهدي أَحْمد بن يحيى وجرّد مِنْهُ الأزهار فَمَال الطّلبَة من حِينَئِذٍ إلى هَذَا الْمُخْتَصر وَله تَفْسِير وَله تَعْلِيق على اللمع وَاخْتصرَ الِانْتِصَار للإمام يحيى في مُجَلد وَكَانَ زاهداً ورعاً متقشفاً متواضعاً وَولى قَضَاء صنعاء وانتفع النَّاس بِهِ وَكَانَ يَأْكُل من عمل يَده وَاسْتمرّ على حَاله الْجَمِيل إلى أن مَاتَ فى سنة 791 احدى وَتِسْعين وَسَبْعمائة وقبر فِي عدني صنعاء قريب من بَاب الْيمن وقبره مَشْهُور مزور 138 - السَّيِّد الْحسن بن مطهر بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله بن مُحَمَّد ابْن الداعي الْمُنْتَصر بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْقَاسِم بن الإمام يُوسُف الدَّاعِي ابْن يحيى الْمَنْصُور بن احْمَد النَّاصِر بن يحيى الهادى بن الْحُسَيْن بن الْقَاسِم ابْن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الْحسن بن الْحسن بن علي بن أَبى طَالب رضى لله عَنْهُم الْحسنى الْيُمْنَى الجرموزي ولد بعتمة سنة 1044 أَربع وأربعين وَألف وَقَرَأَ على القاضي عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الحيمي والقاضى مُحَمَّد بن إبراهيم السحولي والقاضي علي الطَّبَرِيّ وَغَيرهم من عُلَمَاء الحديث: 137 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 صنعاء وبرع في النَّحْو وَالصرْف والمعاني وَالْبَيَان والمنطق وَالْفِقْه والْحَدِيث وَالتَّفْسِير وَله مؤلفات مِنْهَا شرح نهج البلاغة ونظم الكافل وَله شعر حسن فَمِنْهُ في تَشْبِيه الزنبق (انْظُر إِلَى الزنبق الأنيق وَقد ... أبدع في شكله وفي نمطه) (كَمثل قنديل فضَّة غرست ... شموع تبر تضئ فِي وَسطه) وَله أشعار رائقة واتصل بالمتوكل على الله اسماعيل وتنقل فى الولايات فولى حرازتم بندر المخاومدحه أَعْيَان الشُّعَرَاء فِي زَمَنه كالشيخ إبراهيم الْهِنْدِيّ وَغَيره من شعراء الْيمن وَجَمَاعَة من شعراء الْبَحْرين وعمان وعظمت رياسته وطار صيته ونال من الْعِزّ مالم يكن لَهُ في حِسَاب وَمَات يَوْم الِاثْنَيْنِ الثَّامِن وَالْعِشْرين من جُمَادَى الآخرة سنة 1100 إحدى عشر ماية بِصَنْعَاء بعد أَن تَغَيَّرت لَهُ الأحوال 139 - السَّيِّد الْحسن بن يحيى بن أَحْمد بن علي بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْقَاسِم الحمزي الكبسي ثمَّ الصنعاني ولد بصفر سنة 1167 سبع وَسِتِّينَ وماية ألف وَنَشَأ بِصَنْعَاء فَقَرَأَ فِيهَا على جمَاعَة من الْعلمَاء وأكثر انتفاعه على شَيخنَا الْعَلامَة الْحسن بن إسماعيل المغربي فإنه لَازمه في جَمِيع الْفُنُون فَقَرَأَ عَلَيْهِ النَّحْو وَالصرْف والمنطق والمعاني وَالْبَيَان والْحَدِيث وَالتَّفْسِير وبرع في جَمِيع هَذِه الْفُنُون وَصَارَ من أَعْيَان عُلَمَاء الْعَصْر الْمشَار إليهم بالتحقيق والإتقان وَهُوَ جيد التَّحْرِير حسن المباحثة وَله رسائل في مسَائِل مُتَفَرِّقَة متقنة غَايَة الإتقان وَقد رافقني في قِرَاءَة الْكَشَّاف على شَيخنَا الْمُتَقَدّم فَكَانَ يسْتَخْرج بفاضل ذهنه فَوَائِد نفيسة وَبعد موت شَيخنَا اسْتَقر المترجم لَهُ بِهِجْرَة الحديث: 139 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 الكبس وَعَكَفَ عَلَيْهِ طلبة الْعلم هُنَالك وَمَا زَالَ يرشدهم إلى المعارف العلمية ويدرس في كثير من الْفُنُون وَله شعر حسن ونثر جيد فَمِنْهُ مَا كتبه إلى من هُنَالك نظماّ ونثراً وَهَذَا لَفظه (سَلام من الله السَّلَام وَرَحْمَة ... عَلَيْك إمام الْعلم وَالدّين وَالْهدى) (يفوحان كالمسك الذكى بسوحكم ... دواما كَمَا دَامَت معاليك سرمدا) (فياراكبا بلغ سلامي ليشتفي ... فؤادي بِهِ إن مَا بلغت مُحَمَّدًا) من ضرب سرادقات مجده على هام الْكَوَاكِب وَسبح فلك فخره فِي بحار أَعلَى الْمَرَاتِب وحازت جِيَاد مساعيه قصبات الْفَضَائِل فِي غَايَة المناقب وتفردت أفكاره باستخراج دقائق الْعُلُوم بنظره الثاقب وَنشر أَعْلَام الْحق فِي قناة الِاجْتِهَاد فِي رَأْيه الصائب الْعَلامَة على الإطلاق في جَمِيع مسارح الْمذَاهب عُمْدَة الْخَاصَّة والعامة بالِاتِّفَاقِ فَالْكل رَاغِب وراهب (الْعِزّ مَوْلَانَا الْكَرِيم مُحَمَّد ... شيخ الشُّيُوخ وفيصل الْحُكَّام) (هش إذا نزل الْوُفُود بِبَابِهِ ... سهل الْحجاب مؤدب الخدّام) (وَإِذا رَأَيْت شقيقه وَصديقه ... لم تدر أَيهمَا أَخُو الأرحام) (أبقاه ربي للعلوم ونشرها ... يحيى موَات شرائع الإسلام) وَبعد هَذَا نثر طَوِيل فأجبت بمالفظه السدة الَّتِى ضربت خيامها على هام السماك والعقوة الَّتِى تتضاءل عِنْد تعاظمها أَعْنَاق الأملاك والحسنة الَّتِى صَارَت لمحاس الدَّهْر غرَّة والمكرمة الكائنة في ذَات المكارم طرة (أعني بِهِ الْحسن بن يحيى من غَدا ... فَرد الزَّمَان وحبره المتبحرا) (السَّابِق الأعلام فَهُوَ مقدم ... يَوْم الرِّهَان وَغَيره فِيهِ ورا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 لَا برح زِينَة للزمان ومنقبة يفتخر بهَا نوع الإنسان وَخَصه الله بجزيل سَلَامه وَجَمِيل إكرامه وجليل انعامه وَالله الْمَسْئُول أَن يُقيم بِهِ سوق الْمجد على سَاق ويجعله بفضائله وفواضله مَاشِيا فَوق الأعناق وَبعد هَذَا نثر طَوِيل والمترجم لَهُ حَال تَحْرِير هَذِه الأحرف مُسْتَمر على حَاله الْجَمِيل مشتغل بنشر الْعلم وأعمال الْخَيْر قد قنع من عيشه بالكفاف من غلات أَمْوَال يسيرَة ورثهَا عَن وَالِده وَكَثِيرًا مَا يَقع بيني وَبَينه مباحثات علمية وتحريرات لما يَدُور مِنْهَا وَلما مَاتَ أَخُوهُ الْعَلامَة مُحَمَّد بن يحيى قَامَ هَذَا مقَامه في الْقَضَاء بالجهات الخولانية وَمَا يتَّصل بهَا وعظّمه مَوْلَانَا الإمام بِمَا يَلِيق بجلاله وَقدره بعد أَن عَرفته حفظ الله بَان الْمَذْكُور بِالْمحل العالي في الْعلم وَالْعَمَل وَأَخُوهُ الْعَلامَة مُحَمَّد بن يحيى ستأتي تَرْجَمته إن شَاءَ الله 140 - الْحسن بن يحيى سيلان السفياني ثمَّ الصعدي أحد الْعلمَاء الْمَشَاهِير أَخذ الْعلم عَن القاضي صديق بن رسام وَالسَّيِّد إبراهيم بن مُحَمَّد حورية وبرع فِي عدَّة فنون وَله مؤلفات مِنْهَا حَاشِيَة على شرح غَايَة السؤل للحسين بن الْقَاسِم وَله حَاشِيَة على شرح الْآيَات للنجري وحاشية على القلائد وحاشية على حَاشِيَة الشلبي على المطول اقْتصر فِيهَا على إيضاح مَا أشكل من عِبَارَات الشلبي وَلم يزل مدرساً بصعدة ونواحيها حَتَّى مَاتَ في شهر الْقعدَة سنة 1110 عشر وَمِائَة وَألف الحديث: 140 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 141 - الْحُسَيْن بن أَحْمد بن الْحُسَيْن بن أَحْمد بن علي بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان ابْن صَالح بن مُحَمَّد السياغي الحيمي ثمَّ الصنعاني ولد سنة 1180 ثَمَانِينَ وَمِائَة وَألف وَنَشَأ بِصَنْعَاء فَقَرَأَ على أَعْيَان علمائها وَهُوَ رفيقي في بعض مسموعاتى على شيوخي ورافقني فِي قِرَاءَة الخبيصي والرضي شرحيّ الكافية وَشرح السعد الْمُخْتَصر على التَّلْخِيص وحاشية الشَّيْخ لطف الله وَشرح اليزدي على التَّهْذِيب وَشرح الشافية للطف الله على شَيخنَا الْعَلامَة الْقَاسِم بن يحيى الخولاني رَحمَه الله ورافقني أَيْضا في قِرَاءَة سنَن أَبى دَاوُد والعضد وحواشيه والمطول وحواشيه والكشاف وحواشيه على شَيخنَا الْعَلامَة الْحسن بن إسماعيل المغربي وَحضر مَعنا قَلِيلا على شَيخنَا السَّيِّد الإمام عبد الْقَادِر بن أَحْمد في قِرَاءَة الحَدِيث وَقِرَاءَة الْفِقْه كشرح الأزهار وَالْبَيَان على وَالِده وَقَرَأَ مَجْمُوع الإمام زيد بن علي على القاضي الْعَلامَة يحيى بن صَالح السحولي وعَلى آخَرين وبرع في هَذِه المعارف كلهَا وفَاق وَصَارَ من أَعْيَان عُلَمَاء الْعَصْر المفيدين في عدَّة فنون وَكتب الْكثير بِخَطِّهِ الْحسن الْفَائِق وَله إكباب على الْعلم واشتغال بِهِ عَمَّا سواهُ مَعَ ذهن قوي وَفهم صَحِيح وادراك جيد وسمت حسن ورصانة وعقل ومتانة دين وغالب انتفاعه على الشَّيْخَيْنِ الأولين وَقد قَرَأَ عَلَيْهِمَا غير مَا تقدم ذكره كالصحيحين وَشرح الْعُمْدَة ووفقت على حَاشِيَة لَهُ نفيسة على شرح الْجلَال لِآدَابِ الْبَحْث وَرَأَيْت لَهُ حلاً للغز السَّيِّد الْعَلامَة اسحق بن يُوسُف الْمُتَقَدّم ذكره جعله شرحاً لأبيات الحديث: 141 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 اللغز وأجاد فِيهِ كل الإجادة وَهُوَ الْآن يشْرَح مَجْمُوع الامام زيد بن على شرحاً حافلاً وبيني وَبَينه مكاتبات ومشاعرات ومباحثات في عدَّة مسَائِل وَله نظم جيد ونثر حسن واذا حرر بحثا فى مسئلة أتقنه غَايَة الإتقان وَهُوَ الْآن مُسْتَمر على حَاله الْجَمِيل في الِاشْتِغَال بالمعارف العلمية درساً وتدريساً ثمَّ مَاتَ رَحمَه الله شهر جُمَادَى الأولى سنة 1221 إحدى وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وألف وقبر بمقبرة صنعاء ووالده من عُلَمَاء الْفِقْه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 المبرزين فِيهِ وَهُوَ أحد الْحُكَّام بِصَنْعَاء الْآن وَتوفى في رَمَضَان سنة 1224 أَربع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَألف وجد صَاحب التَّرْجَمَة هُوَ من المتقنين فى علم الْفِقْه والفرائض أَخذ عَن أكَابِر عُلَمَاء عصره وَأخذ عَنهُ الأكابر وَتَوَلَّى الْقَضَاء مُدَّة طَوِيلَة حَتَّى مَاتَ في شهر شَوَّال سنة 1164 142 - السَّيِّد الْحُسَيْن بن أَحْمد بن صَلَاح بن أَحْمد بن الْحُسَيْن ابْن علي الْمَعْرُوف بزبارة نِسْبَة إلى مَوضِع كَمَا تقدم في تَرْجَمَة حفيده أَحْمد بن يُوسُف ولد تَاسِع عشر شهر رَمَضَان سنة 1088 ثَمَان وَثَمَانِينَ وألف وَأخذ عَن الْعَلامَة الْحُسَيْن بن مُحَمَّد المغربي وأخيه الْحسن بن مُحَمَّد والعلاّمة علي بن يحيى الحديث: 142 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 البرطي وَعَن الْعَلامَة السَّيِّد زيد بن مُحَمَّد وَسَائِر أَعْيَان ذَلِك الزَّمَان وبرع فى جَمِيع المعارف وَله عناية كَامِلَة بأسانيد مسموعاته وَغَيرهَا وَكَانَ لَهُ بالسيّد يُوسُف بن المتَوَكل اتِّصَال ومحبة ومعاضدة وولاه الإمام المتَوَكل الْقَاسِم بن الْحُسَيْن الْقَضَاء بضوران وَكَانَ يتخوف قبل ذَلِك من المهدي صَاحب الْمَوَاهِب بِسَبَب صحبته ليوسف بن المتَوَكل اسمعيل وَهُوَ من أكَابِر الْعلمَاء وَأَنا أروي عَن شَيخنَا الْعَلامَة عبد الْقَادِر بن أَحْمد عَن يُوسُف ابْن صَاحب التَّرْجَمَة عَنهُ وَتوفى فِي سنة 1141 وَقيل سنة 1135 وَقيل سنة 1136 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 143 - السَّيِّد الْحُسَيْن بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن علي الحسيني العلوي الشافعي الْمَعْرُوف بالأهدل ولد تَقْرِيبًا سنة 779 تسع وَسبعين وَسَبْعمائة قَرَأَ على الزيلعى وعَلى الازرق والرضى الطبرى وَمُحَمّد الموزعي وَابْن الرداد والناشري وبرع في الحديث: 143 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 عدَّة عُلُوم وصنّف حَاشِيَة على البخاري انتقاها من شرح الْكرْمَانِي مَعَ زِيَادَة سَمَّاهَا مِفْتَاح القارى لجامع البخارى واللمعة المقنعة فى ذكر الْفرق المبتدعة والرسائل المرضية في نصر مَذْهَب الأشعرية وَبَيَان فَسَاد مَذْهَب الحشوية وَشرح الأسماء الْحسنى ومؤلف في مروق ابْن العربى وَابْن الفارض واتباعهما وتحفة الزَّمن في تَارِيخ سَادَات الْيمن وَله مصنفات غير هَذِه وَهُوَ شيخ عصره بِلَا مدافع دارت عَلَيْهِ الْفتيا ورحل إليه النَّاس للتدريس وَاسْتقر بِأَبْيَات حُسَيْن واشتهر ذكره وطار صيته وَمَات بهَا في صبح يَوْم الْخَمِيس تَاسِع شهر محرم سنة 855 خمس وَخمسين وثمان مائَة وَدفن بهَا وَهُوَ من مشاهير عُلَمَاء الْيمن المبرزين في علمي الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 144 - السَّيِّد الْحُسَيْن بن عبد الله الكبسي ولد سنة 1147 سبع وَأَرْبَعين وَمِائَة وَألف وَهُوَ أحد عُلَمَاء الْعَصْر المبرزين قَرَأَ على عُلَمَاء صنعاء وَالرَّوْضَة وترافق هُوَ وَشَيخنَا الْعَلامَة الْحسن ابْن إسماعيل المغربي وَقَرَأَ كل وَاحِد مِنْهُمَا على الآخر وَاسْتقر بالروضة الَّتِى هي من أعظم نزه مَدِينَة صنعاء وَنشر الْعلم هُنَالك واستفاد عَلَيْهِ جمَاعَة من الطّلبَة ثمَّ ارتحل إلى كوكبان بسؤال أميرها لَهُ السَّيِّد إبراهيم بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن وَكَانَ ارتحاله بعد رحْلَة شَيخنَا السَّيِّد الْعَلامَة عبد الْقَادِر بن أَحْمد من كوكبان فَاحْتَاجَ أَهله الى من يقوم مقَام شَيخنَا هُنَالك فاستدعوا صَاحب التَّرْجَمَة وَهُوَ من المبرزين في عُلُوم الِاجْتِهَاد وَله رسائل ومسائل وَقد كتب إِلَى بمسائل مشكلة أجبْت عَلَيْهَا بجوابات هي في محموع رسائلى وَهُوَ الان مُقيم بكوكبان وَلَعَلَّه قد جَاوز السِّتين وَهُوَ متين الدّيانَة كثير الْعِبَادَة قَلِيل الِاشْتِغَال بمالا يُعينهُ على طَريقَة السلف الصَّالح ثمَّ رَحل عَن كوكبان لأمور جرت بَينه وَبَين صَاحبهَا وَاسْتقر في الرَّوْضَة إماماً لجامعها وولاه إمام الْعَصْر الْقَضَاء في الرَّوْضَة وَلم يقبل إِلَّا بعد أن كثرت عَلَيْهِ في ذَلِك وأشرت على مَوْلَانَا الإمام بِعَدَمِ قبُول عذره وفي أَوَاخِر شهر شَوَّال سنة 1222 أظهر الْمَذْكُور هُوَ وَجَمَاعَة من الكباسيه وَآل أَبى طَالب الْخُرُوج عَن طَاعَة الدولة وَخرج إليهم أَحْمد بن عبد الله بن الإمام الْمهْدي الْعَبَّاس بن الْمَنْصُور وانضم إِلَيْهِم جَمِيع أهل الرَّوْضَة طَوْعًا وَكرها وَوصل إِلَيْهِم بعض الْقَبَائِل وردوا أَمر الدولة وطردوا الْعَامِل وراموا خلع الْخَلِيفَة مَوْلَانَا الاماما الْمَنْصُور بِاللَّه حفظه الله وَكَتَبُوا إلى جَمِيع الأقطار اليمنية وَكَاد صَاحب التَّرْجَمَة أن يَدْعُو إلى نَفسه وَعرض عَلَيْهِم الحديث: 144 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 الإجابة إلى كل مَا يطلبونه وَخرج شَيخنَا القاضي الْعَلامَة أَحْمد بن مُحَمَّد الحرازي من الحضرة الإمامية وَمَعَهُ مكاتيب فِي كل مَا طلبوه من الْعدْل والأمان لَهُم وَكَانَت تِلْكَ المكاتيب بخطي فَمَا رجعُوا بل صمموا على ماعزموا عَلَيْهِ فَخرج إليهم بالجيش سيف الْخلَافَة سيدي أَحْمد بن الإمام وناجزهم وتحصّنوا في بعض سور الرَّوْضَة ثمَّ أحَاط بهم الْجَيْش وَأسر صَاحب التَّرْجَمَة وَجَمَاعَة من الكباسية ووصلوا بهم إلى تَحت طَاقَة الْخَلِيفَة وبالغت في الشَّفَاعَة لَهُم من الْقَتْل بعد أن كَانَ قد وَقع الْعَزْم عَلَيْهِ وَقمت بِالْحجَّةِ الشَّرْعِيَّة الْمُقْتَضِيَة لحقن دِمَائِهِمْ فأودعوا السجْن وَصَاحب التَّرْجَمَة وَقع التَّغْرِير عَلَيْهِ وَالْخداع لَهُ من بعض شياطين الإنس وَقد كَانَ الِاسْتِيلَاء عَلَيْهِم في أول يَوْم من شهر الْحجَّة من هَذِه السنة وَمَات رَحمَه الله مسجونا بعدان بقي فِي السجْن نَحْو عَاميْنِ أَو ثَلَاثَة 145 - السَّيِّد الْحُسَيْن بن عبد الْقَادِر بن النَّاصِر بن عبد الرب بن علي ابْن شمس الدَّين بن الإمام شرف الدَّين الكوكباني الشَّاعِر الْمَشْهُور الْمجِيد المكثر الْمُبْدع الْفَائِق فِي الْأَدَب ترْجم لَهُ جمَاعَة من الأدباء كالقاضي يُوسُف بن علي بن هادي فِي طوق الصادح ويوسف بن يحيى فى نسمَة السحر والحيمي في طيب السمر وَهُوَ ذُو رياسة وكياسة وَمَكَارِم وفضائل وفواضل وَلما دَعَا المهدي مُحَمَّد بن أَحْمد صَاحب الْمَوَاهِب فرّ مِنْهُ صَاحب التَّرْجَمَة إلى مَكَّة لأمور لَا يَتَّسِع الْمقَام لشرحها وَمن نظمه الْفَائِق قَوْله من قصيدة الحديث: 145 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 (مَا أعجب الْحبّ يشتاق العميد إلى ... ظبي الصريم وَقد أرداه بالحدق) (ياوردى الخد دع إنكار قتل فَتى ... مَا قط أبقت لَهُ عَيْنَاك من رَمق) (في خدّك الشَّفق القاني بدا وعَلى ... قتل الْحُسَيْن دَلِيل حمرَة الشَّفق) وَأعَاد هَذَا الْمَعْنى في قصيدة أُخْرَى فَقَالَ (فى خدك الشَّفق القانى وَفِيه على ... قتل الْحُسَيْن كَمَا قَالُوا أَمَارَات) وَمن محَاسِن قصائده القصيدة الَّتِى مطْلعهَا (خفف على ذِي لوعة وشجون ... واحفظ فُؤَادك من عُيُون الْعين) وَمن لطائفة هَذَانِ البيتان قالهما لما قتل السَّيِّد أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن ابْن الْقَاسِم الملقب بِحجر رَحمَه الله وَفِيهِمَا تضمين مطرب (وددت مصرع مَوْلَانَا الصفي وَلَا ال ... رُجُوع فى سلك قوم بعد مَا كسروا) (وصرت أنْشد من كرب وَمن أَسف ... مَا أطيب الْعَيْش لَو أَن الْفَتى حجر) وَمن قصائده الطنانة القصيدة الَّتِى مطْلعهَا (لفؤادي في الْهوى كد وكدح ... ولطرفي بالدما سحٌ وسفح) وأشعاره كلهَا غرر وكلماته جَمِيعهَا دُرَر وَهُوَ من محَاسِن الْيمن ومفاخر الزَّمن وَمَات في يَوْم السبت الثاني عشر من ربيع الآخر سنة 1112 اثنتي عشر وَمِائَة وَألف بشبام وَدفن هُنَالك 146 - السَّيِّد الْحُسَيْن بن علي بن الإمام المتَوَكل على الله إسماعيل بن الإمام الْقَاسِم الرئيس الْكَبِير الشَّاعِر الْمَشْهُور ولد فِي سنة 1072 اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَألف وَكَانَ في أَيَّام شبابه مائلاً إلى ملاذ الدُّنْيَا والتمتع بمحاسنها مرخياً لنَفسِهِ الْعَنَان غير كَاف لَهَا عَن التفلت في رياض محَاسِن الحسان ثمَّ تزهد الحديث: 146 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 وَتعبد وانجمع وتمسّح وتألّه وأقلع عَن جَمِيع مَا كَانَ عَلَيْهِ وجاد بِجَمِيعِ موجوده وَله في المكارم أَحَادِيث حاتمية تلتذ لسماعها الأسماع وَكَانَ إذا لم يجد النَّقْد تصدق بثيابه وفراشه وَمَال الى مُخَالطَة الْفُقَرَاء وَلَيْسَ ملبوسهم وَقعد في مَقَاعِدهمْ وَمَعَ هَذَا فابنه على بن الْحُسَيْن إِذْ ذَاك رَئِيس كَبِير لَهُ خيل وخول وحاشية عَظِيمَة ورياسة فخيمة وَلَكِن صَاحب التَّرْجَمَة قد حبب الله إليه الانعزال عَن بنى الدُّنْيَا حَتَّى عَن وَلَده وَمن شعره الْفَائِق هَذَانِ البيتان (لَا تحسبن لِبَاس الصُّوف في مَلأ ... تَدعِي بِهِ بَين أهل الْفضل بالصوفي) (وانما من صفا قلباً وَمَال إلى ... صقالة النَّفس من أوصافها صوفي) وَمن محَاسِن شعره القصيدة الْمَشْهُورَة الَّتِى أَولهَا (آه كم أطوي على الضيم جناحي ... وأداجي فِي الْهوى قَالَ ولاحي) وَله القصيدة الطَّوِيلَة عَارض بهَا قصيدة ابْن الوردي أَولهَا (اترك الدُّنْيَا ودع عَنْك الأمل ... طَال مَا عَن نيلها حَال الاجل) وفيهَا مواعظ وَحكم وَمَا زَالَ مُقبلا على الطَّاعَة عاكفاً على الْعِبَادَة حَتَّى توفاه الله تَعَالَى قَالَ بعض من ترْجم لَهُ أَنه كَانَ في سنة 1145 حَيا وأرّخ مَوته بعض المشتغلين بِهَذَا الشأن سنة 1149 تسع وَأَرْبَعين وَمِائَة وَألف 147 - حُسَيْن بن علي بن صَالح العماري الصَّنْعَانِيّ ولد في سنة 1170 سبعين وَمِائَة وَألف تَقْرِيبًا اَوْ فِيمَا بعْدهَا وَنَشَأ بِصَنْعَاء وَطلب الْعلم فَقَرَأَ على جمَاعَة من مَشَايِخ صنعاء في النَّحْو وَالصرْف والمعاني وَالْبَيَان والمنطق والأصول وَقَرَأَ علي في شرح الرضي على الكافية الحديث: 147 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 وفي مغني اللبيب وفي شرح غَايَة السؤل وفي شرح مُخْتَصر الْمُنْتَهى للعضد وَرغب بعد أَن طلب الْعلم في سُكُون وطنهم الأصلي وَهُوَ بِلَاد عمار فعزم إليها وَسكن فِيهَا وَهُوَ الآن هُنَالك وَله نظم جيد فَمِنْهُ مَا كتبه إلي يطْلب الْقِرَاءَة علي في شرح الْغَايَة بعد ان فرغ من قرائتها على الْعَلامَة أَحْمد بن عبد الله الضّمدي الْمُتَقَدّم ذكره وَهُوَ (مولَايَ عز الْهدى والفرد فى مَلأ ... لم يعرفوا الْفرق بَين الشّعْر وَالشعر) (وَمن إذا جال فِي الأنظار ناظره ... جَلَاله الْفِكر مَا أغْنى عَن النظر) (عَلامَة الْعَصْر والفرد الَّذِي جمعت ... لَهُ المحاسن جمعا عير منكسر) (إن الصفي ابْن عبد الله من بلغت ... بِهِ لعلوم إلى الغايات في الْبشر) (بُلُوغ مَا رام يَا بدر التَّمام لَهُ ... قد تمّ مِنْك وَحَازَ الْفَوْز بالظفر) (فامنح بِفَضْلِك هَذَا الدول طَالبه ... لَا زلت مَطْلُوب فضل غير معتذر) (وَهَا هُوَ الْآن من صنعاء مرتحل ... وَمن أَقَامَ فَهُوَ مِنْهَا على سفر) فأجبت عَلَيْهِ بقولي (صغت الدراري أم عقد من الدُّرَر ... يَا أوحد الْعَصْر بَين البدو والحضر) (لَا زلت ترقى عروجاً للكمال وَلَا ... بَرحت تطرب سمع الدَّهْر بالفقر) (فالحال مَا حَال والعهد الْقَدِيم هُوَ الْعَهْد ... الْقَدِيم وَلَا عهد لمبتكر) (لَا تحسب الدَّرْس متروكاً وَأَنت على ... نِهَايَة الْجد والتحصيل للوطر) (من كَانَ غَايَة سؤلي كَيفَ أمْنَعهُ ... مِنْهَا وأحجب عَنهُ نخبة الْفِكر) (ودمت تحيي ربوع الْعلم مَا صدحت ... وَرقا على فنن لدن من الشجر) وَكَانَ موت صَاحب التَّرْجَمَة رَحمَه الله فى سنة 1225 خمس وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وألف بِبِلَاد عمار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 148 - الإمام الْمَنْصُور بِاللَّه الْحُسَيْن بن المتَوَكل على الله الْقَاسِم بن حُسَيْن بن أَحْمد بن حسن بن الإمام الْقَاسِم بُويِعَ بالخلافة عِنْد موت وَالِده في رَمَضَان سنة 1139 ثمَّ تنَازع هُوَ وَالسَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن إسحاق بن المهدي وَكَانَ قد دَعَا إلى نَفسه ولقب بالنّاصر وَبَايَعَهُ عُلَمَاء الْيمن ورؤسائها وَجَمِيع أَهلهَا ثمَّ إن الإمام الْمَنْصُور بَايعه على شُرُوط اشترطها فَلم يَقع الْوَفَاء فاستمر الْمَنْصُور على دَعوته وَغلب على الْقطر الْيُمْنَى وَبَايَعَهُ النَّاس وظفر بجيوش النَّاصِر وَأسر أَوْلَاده وأخوته وقرابته ورؤساء أجناده وَمِنْهُم السَّيِّد يحيى بن إسحاق وَالسَّيِّد الْعَلامَة الْحسن بن إسحاق وَالسَّيِّد الْعَلامَة إسماعيل بن مُحَمَّد بن إسحاق وَالسَّيِّد عبد الله بن طَالب وكل وَاحِد من هَؤُلَاءِ رَئِيس كَبِير يَقُود الجيوش الْكَثِيرَة وَكَانَ استيلاؤه على الْمَذْكُورين فِي أسْرع وَقت وَأقرب مُدَّة وَكَانَ الْمَنْصُور مَشْهُورا بالشجاعة وعلوّ الهمة ومصابرة الْقِتَال وَاحْتِمَال مشاق الْغَزْو وَآخر الْأَمر بَايعه النَّاصِر وَاجْتمعَ النَّاس عَلَيْهِ وَلم يبْق لَهُ مُخَالف إلا أَخُوهُ السَّيِّد أَحْمد بن المتَوَكل وَلم يزل الْحَرْب بَينهمَا إلى أَن مَاتَ وَلكنه لم يدع إلى نَفسه وَتَأَخر مَوته بعد أَخِيه الْمَنْصُور نَحْو سنة وَبَايع وَلَده المهدي الْعَبَّاس وَكَانَ الْمَنْصُور إماماً عَظِيما وسلطاناً فخيماً وَكَانَ قد وَقع بَينه وَبَين وَالِده الإمام المتَوَكل بعض مُخَالفَة فِي آخر مُدَّة المتَوَكل وَلما حضرت المتَوَكل الْوَفَاة دخل الْمَنْصُور صنعاء وَاسْتقر بهَا ودامت خِلَافَته مَعَ سَعَادَة كَبِيرَة وظفر بالأعداء لم يسمع بِمثلِهِ فى الازمنة الْقَرِيبَة وَجَمِيع الْقطر الْيُمْنَى دَاخل تَحت طَاعَته لم يخرج عَن طَاعَته الا بِلَاد تعز الحديث: 148 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 والحجرية فإن أَخَاهُ أَحْمد كَانَ مستولياً عَلَيْهَا وَكَانَ مَوته في سنة 1161 إحدى وَسِتِّينَ وَمِائَة وَألف 149 - السَّيِّد الْحُسَيْن بن الإمام الْقَاسِم بن مُحَمَّد تقدم تَمام نسبه في تَرْجَمَة أَخِيه الْحسن ولد يَوْم الأحد رَابِع عشر شهر ربيع الآخر سنة 999 تسع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة قَرَأَ على الشَّيْخ لطف الله بن مُحَمَّد الغياث وَكَانَ يتعجب من فهمه وَحسن إدراكه وَقَرَأَ على جمَاعَة من عُلَمَاء عصره وبرع في كل الْفُنُون وفَاق فِي الدقائق الأصولية والبيانية والمنطقية والنحوية وَله مَعَ ذَلِك شغلة بِالْحَدِيثِ وَالتَّفْسِير وَالْفِقْه وَألف الْغَايَة وَشَرحهَا الْكتاب الْمَشْهُور الَّذِي صَار الْآن مدرس الطّلبَة وَعَلِيهِ الْمعول فِي صنعاء وجهاتها وَهُوَ كتاب نَفِيس يدل على طول بَاعَ مُصَنفه وَقُوَّة ساعده وتبحّره في الْفَنّ اعتصره من مُخْتَصر الْمُنْتَهى وشروحه وحواشيه وَمن مؤلفات آبَائِهِ من الْأَئِمَّة فِي الأصول وسَاق الأدلة سوقاً حسناً وجود المباحث وَاسْتوْفى مَا تَدْعُو إليه الْحَاجة وَلم يكن الْآن في كتب الاصول من مؤلفات أهل النمين مثله وَمَعَ هَذَا فَهُوَ أَلفه وَهُوَ يَقُود الجيوش ويحاصر الأتراك في كل مَوَاطِن ويضايقهم ويوردهم المهالك ويشن عَلَيْهِ الغارات وَله مَعَهم ملاحم تذهل الْمشَاهد لبعضها عَن النظر في كتاب من كتب الْعلم فَكيف بِهِ رَحمَه الله وَهُوَ قَائِد الجيوش وأمير العساكر والمرجوع إليه هُوَ وَأَخُوهُ الْحسن الْمُقدم ذكره فِيمَا دق وَجل من أَمر الْجِهَاد فإن بعض الْبَعْض من هَذَا يُوجد تكدر الذِّهْن وتشوشه ونسيان المحفوظات فضلاً عَن تصنيف الدقائق وتحرير الْحَقَائِق الحديث: 149 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 والمزاحمة لعضد الدَّين والسعد التَّفْتَازَانِيّ والاستدراك عَلَيْهِمَا وعَلى أمثالهما من المشتهرين بتحقيق الْفَنّ فَمَا هَذِه الاشجاعة تتقاعس عَنْهَا الشجعان ورصانة لَا يقعقع لَهَا بالشنآن وَقُوَّة جنان تبهر الْأَلْبَاب وثبات قدم في الْعُلُوم لم يكن لغيره في حِسَاب ومازال رَحمَه الله مُجَاهدًا وَقَائِمًا فى حَرْب الاتراك قَاعِدا وناشراً للعلوم ومحققاً لحدودها والرسوم حَتَّى توفاه الله تَعَالَى في آخر لَيْلَة الْجُمُعَة ثاني شهر ربيع الآخر سننة 1050 خمسين وَألف بِمَدِينَة ذمار وَدفن بهَا فِي قُبَّته الْمَشْهُورَة وَله نظم حسن فَمِنْهُ (مولاي جد بوصال صب مدنف ... وتلافه قبل التلاف بموقف) (وَارْحَمْ فديت قَتِيل سيف مرهف ... من مقلتيك طعين قدّ أهيف) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 150 - السَّيِّد الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن الْحسن ابْن زيد بن الْحُسَيْن الحسيني العلوي الْمَعْرُوف بِابْن قاضي الْعَسْكَر ولد في سنة 698 ثَمَان وَتِسْعين وسِتمِائَة وَولى التوقيع بِالْقَاهِرَةِ ونقابة الأشراف وَمهر في ذَلِك وفي النظم والنثر وَلم يكن لَهُ نَظِير فِي الاقتدار على سرعَة النظم والنثر كتب بديوان الإنشاء من التقاليد والتواقيع مَا لَا يدْخل تَحت الْحصْر وَله إجازة من ابْن دَقِيق الْعِيد والدمياطي وَحفظ في صغره التَّنْبِيه ودرس فِي بعض الْمدَارِس وَمن شعره (إذا الْعلم لم يعضده جاه وثروة ... فصاحبه في الْقَهْر يمسي وَيُصْبِح) (وإن أسعد الْمَقْدُور فالصعب هَين ... وَذُو الْجَهْل مَعَ نقصانه يتَرَجَّح) وَله (تلق الْأُمُور بصبر جميل ... وَصدر رحيب وخلّ الْحَرج) (وَسلم لِرَبِّك فِي حكمه ... فإما الْمَمَات واما الْفرج) قَالَ الصفدى وَبنى مدرسة بحارة بهاء الدَّين ووقف عَلَيْهَا وَقفا جيدا ووقف فِيهَا كتبا كَثِيرَة جَيِّدَة وَكَانَ دمث الأخلاق متواضعاً وَله ديوَان خطب سَمَّاهَا الْمقَال المحبر في مقَام الْمِنْبَر عَارض بهَا خطب ابْن نَبَاته مَاتَ فِي سَابِع عشر شعْبَان سنة 762 اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة 151 - الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن عبد الله العنسي ثمَّ الصنعاني ولد سنة 1188 ثَمَان وَثَمَانِينَ وَمِائَة وَألف واشتغل بِطَلَب الْعلم فَأخذ عَن السَّيِّد الْعَلامَة إبراهيم بن عبد الْقَادِر وَعَن غَيره من مَشَايِخ الْعَصْر واستفاد في النَّحْو وَالصرْف والمنطق والمعاني وَالْبَيَان والأصول وَله إدراك كَامِل وعرفان تَامّ وَفهم فائق وقرأ عليّ في شرح الرضي على الكافية الحديث: 150 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 وَهُوَ الْآن يقْرَأ علي في شرحي للمنتقى وَقد صَار من الْعلمَاء الْمُحَقِّقين مَعَ كَونه في عنفوان الشَّبَاب وَهُوَ قَلِيل النظير في فهم الدقائق وَحسن التَّصَوُّر وَقُوَّة الإدراك نفع الله بِهِ وَقَرَأَ عليّ أَيْضا في الْعَضُد وحواشيه قِرَاءَة تشد إليها الرحال وَله قِرَاءَة على فى غير ذَلِك من مؤلفاتى وَغَيرهَا كالكشاف وحواشيه والمطول وحواشيه 152 - الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن عبد الله الطيبي الإمام الْمَشْهُور صَاحب شرح الْمشكاة وحاشية الْكَشَّاف وَغَيرهمَا كَانَ في مبادئ عمره صَاحب ثروة كَبِيرَة فَلم يزل ينْفق ذَلِك في وُجُوه الْخيرَات إلى أَن كَانَ في آخر عمره فَقِيرا وَكَانَ كَرِيمًا متواضعاً حسن المعتقد شَدِيد الرَّد على الفلاسفة والمبتدعة مظْهرا فضائحهم مَعَ استيلائهم على بِلَاد الْمُسلمين فِي عصره شَدِيد الْمحبَّة لله وَلِرَسُولِهِ كثير الْحيَاء ملازماً للْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة ملازماً لتدريس الطّلبَة فِي الْعُلُوم الإسلامية وَعِنْده كتب نفيسة يبذلها لطلبته ولغيرهم من أهل بَلَده بل ولسائر الْبلدَانِ من يعرفهُ وَمن لَا يعرفهُ وَله إقبال على اسْتِخْرَاج الدقائق من الْكتاب وَالسّنة وحاشيته على الْكَشَّاف هي أنفس حَوَاشِيه على الإطلاق مَعَ مَا فِيهَا من الْكَلَام على الأحاديث فِي بعض الْحَالَات إذا اقْتضى الْحَال ذَلِك على طَريقَة الْمُحدثين مِمَّا يدل على ارْتِفَاع طبقته فِي الحديث: 152 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 علمى الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول وَله كتاب فِي الْمعَانى وَالْبَيَان سَمَّاهُ التِّبْيَان وَشَرحه وَأمر بعض تلامذته باختصاره ثمَّ شرع في جمع كتاب فِي التَّفْسِير وَعقد مَجْلِسا عَظِيما لقِرَاءَة كتاب البخاري وَكَانَ يقْرَأ في التَّفْسِير من بكرَة الى الظّهْر وَمن بعده الى الْعَصْر لَا سَماع البخاري إلى أن كَانَ يَوْم وَفَاته ففرغ عَن قِرَاءَة التَّفْسِير وَتوجه إلى مجْلِس الحَدِيث فَدخل مَسْجِدا عِنْد بَيته فصلى النَّافِلَة قَاعِدا وَجلسَ ينْتَظر الإقامة للفريضة فَقضى نحبه مُتَوَجها الى الْقبْلَة فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشر شعْبَان سنة 743 ثَلَاث وأربعين وَسَبْعمائة 153 - الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن سعيد بن عِيسَى اللاعي الْمَعْرُوف بالمغربي قَاضِي صنعاء وعالمها ومحدثها جد شَيخنَا الْحسن بن إسماعيل بن الْحُسَيْن ولد سنة 1048 ثَمَان وَأَرْبَعين وألف وَأخذ الْعلم عَن السَّيِّد عز الدَّين العبّالي وَعبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الحيمي وعَلى بن يحيى البرطى وَغَيرهم وبرع في عدَّة عُلُوم وَأخذ عَنهُ جمَاعَة من الْعلمَاء كالسيّد عبد الله بن علي الْوَزير وَغَيره وَتَوَلَّى الْقَضَاء للإمام المهدي احْمَد بن الْحسن وَاسْتمرّ قَاضِيا إلى أيام الإمام المهدي مُحَمَّد بن احْمَد وَهُوَ مُصَنف الْبَدْر التَّمام شرح بُلُوغ المرام وَهُوَ شرح حافل نقل مَا فِي التَّلْخِيص من الْكَلَام على متون الأحاديث وأسانيدها ثمَّ إذا كَانَ الحَدِيث في البخاري نقل شَرحه من فتح الباري وإذا كَانَ فى صَحِيح مُسلم نقل شَرحه من شرح النووي وَتارَة ينْقل من شرح السّنَن لِابْنِ رسْلَان وَلكنه لَا ينْسب هَذِه النقول الى اهلها غَالِبا مَعَ كَونه يَسُوقهَا بِاللَّفْظِ وينقل الخلافات من الْبَحْر الزخار للإمام المهدي احْمَد بن يحيى وفي بعض الأحوال من نِهَايَة ابْن رشد وَيتْرك التَّعَرُّض للترجيح في غَالب الْحَالَات وَهُوَ ثَمَرَة الِاجْتِهَاد وعَلى كل حَال فَهُوَ شرح مُفِيد وَقد الحديث: 153 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 اخْتَصَرَهُ السَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن إسماعيل الأمير وسمى الْمُخْتَصر سبل السَّلَام وَله رِسَالَة فِي حَدِيث أخرجُوا الْيَهُود من جَزِيرَة الْعَرَب رجح فِيهَا إنه إنما يجب إخراجهم من الْحجاز فَقَط محتجاً بِمَا فِي رِوَايَة بِلَفْظ أخرجُوا الْيَهُود من الْحجاز وَكَانَ أَخُوهُ الْحسن من محَاسِن الْيمن وَله حَاشِيَة على شرح القلائد للإمام المهدي وَهُوَ مبرز فِي جَمِيع الْفُنُون ولهذين الأخوين ذُرِّيَّة صَالِحَة هم مَا بَين عَالم وعامل وإلى الْآن وهم كَذَلِك وبيتهم معمور بالفضائل وَتوفى صَاحب التَّرْجَمَة سنة 1119 وَقيل سنة 1115 خمس عشر وَمِائَة وألف وَتُوفِّي أَخُوهُ الْحسن الْمَذْكُور سنة 1140 أَرْبَعِينَ وَمِائَة وألف وَقد ترْجم لَهما الحيمي في طيب السمر وَذكر لَهما شعرًا كشعر الْعلمَاء 154 - الْحُسَيْن بن نَاصِر بن عبد الحفيظ الْمَعْرُوف كسلفه بالمهلاّ الشرفي اليماني الْعَالم الْكَبِير صَاحب الْمَوَاهِب القدسية شرح البوسية وَهُوَ شرح نَفِيس يبين مَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ القصيدة من الْمعَانى والمسائل ثمَّ ينْقل الدَّلِيل ويحرره تحريراً قَوِيا وينقل من ضوء النَّهَار للجلال مبَاحث ويجيب عَلَيْهِ في كثير من ذَلِك ويصفه بِأَنَّهُ شَيْخه في الْعلم وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ شرح مُفِيد وقفت على مجلدات مِنْهُ وبلغني أنه في سبع مجلدات وَهَذِه الْمَنْظُومَة الَّتِى شرحها هي في الْفِقْه للبوسي على نمط الشاطبية في الْوَزْن والروي والقافية والإشارة إلى مَذَاهِب الْعلمَاء بالرمز مَعَ جودة الشّعْر وقوته وسلاسته وَجُمْلَة أبياتها أربعة آلَاف بَيت وَخَمْسمِائة وَثَمَانُونَ بَيْتا والبوسي الْمَذْكُور هُوَ أحد عُلَمَاء الزيدية بالديار اليمنية وَلِصَاحِب التَّرْجَمَة مؤلفات هَذَا أشهرها وَقد ترْجم لَهُ الحيمي فِي طيب السمر وَذكر أنه كَانَ أطلس لَا لحية لَهُ وَتُوفِّي شَهِيدا قَتله أصحاب المحطوري فِي فتنته حَسْبَمَا سيأتي شَرحه الحديث: 154 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 فِي تَرْجَمَة المهدى مُحَمَّد بن احْمَد صَاحب الْمَوَاهِب وَكَانَت تِلْكَ الْفِتْنَة فِي سنة 1111 وَله نظم حسن فَمِنْهُ (هي الدَّار مَا الآمال إِلَّا فجائع ... عَلَيْهَا وَمَا اللَّذَّات إِلَّا مصائب) (فكم سخنت بالْأَمْس عين قريرة ... وقرّت عُيُون دمعها قبل ساكب) (فَلَا تكتحل عَيْنَاك مِنْهَا بعبرة ... على ذَاهِب مِنْهَا فإنك ذَاهِب) 155 - السَّيِّد الْحُسَيْن بن يحيى بن إبراهيم الديلمي الذمّاري ولد في سنة 1149 تسع وأربعين وَمِائَة وَألف وَنَشَأ بذمار وَأخذ عَن علمائها كالفقيه عبد الله بن حُسَيْن دلامة والفقيه حسن بن أَحْمد الشبيبي وهما الْمرجع هُنَالك في علم الْفِقْه ثمَّ ارتحل إلى صنعاء وَقَرَأَ في الْعَرَبيَّة وَله قِرَاءَة فِي الحَدِيث على السَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن إسماعيل الْأَمِير ثمَّ عَاد إلى ذمّار وَاسْتقر بهَا وَكَانَ فَقِيرا فَتزَوج بِامْرَأَة لَهَا ثروة ثمَّ اشْتغل بِالتِّجَارَة وتكاثرت أَمْوَاله وَلم يكن يتجر بِنَفسِهِ بل كَانَ يَنُوب عَنهُ غَيره وَهُوَ مكب على الْعلم ودرس في الْفِقْه وَغَيره وَتخرج بِهِ جمَاعَة مِنْهُم شَيخنَا الْعَلامَة احْمَد بن مُحَمَّد الحرازي الْمُتَقَدّم ذكره ثمَّ رَحل إِلَى صنعاء رحْلَة ثَانِيَة بعد سنة 1200 ورافقني في الْقِرَاءَة على شَيخنَا الْعَلامَة الْحسن بن إسماعيل المغربي فَقَرَأَ مَعنا في صَحِيح مُسلم وأقرأ الطّلبَة في الْفِقْه بِجَامِع صنعاء وبقي مُدَّة وعزم على استيطان صنعاء ثمَّ بعد ذَلِك رجح الْعود إلى ذمّار فَعَاد اليها الحديث: 155 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 وَهُوَ الْآن عالمها المرجوع إليه المتفرّد بهَا من دون مدافع وَصَارَ الطّلبَة هُنَالك يقرأون عَلَيْهِ فِي الْفِقْه والنحو وَالصرْف والأصول وَالتَّفْسِير والْحَدِيث وبينى وَبَينه من الْمَوَدَّة مَالا يعبر عَنهُ وَقد جرى بَيْننَا مباحثة علمية مدونة فِي رسائل هى فى مَجْمُوع مالي من الْفَتَاوَى والرسائل وَلَا يزَال يعاهدني بعد رُجُوعه الى ذمار ويتشوق إلى اللِّقَاء وَأَنا كَذَلِك وَالْمُكَاتبَة بَيْننَا مستمرة إِلَى الآن وَهُوَ من جملَة من رغّبني في شرح الْمُنْتَقى فَلَمَّا أعَان الله على تَمَامه صَار يراسلني فِي الإرسال إليه بنسخة وَلم يكن قد تيَسّر ذَلِك وَلما ألفت الرسَالَة الَّتِى سميتها إرشاد الغبي إِلَى مَذْهَب أهل الْبَيْت في صحب النبي ونقلت إجماعهم من ثَلَاث عشرَة طَريقَة على عدم ذكر الصَّحَابَة بسب أوما يُقَارِبه وَقعت هَذِه الرسَالَة بأيدي جمَاعَة من الرافضة الَّذين بِصَنْعَاء الْمُخَالفين لمذاهب أهل الْبَيْت فجالوا وصالوا وتعصبوا وتحزبوا وَأَجَابُوا بأجوبة لَيْسَ فِيهَا إِلَّا مَحْض السباب والمشاتمة وَكَتَبُوا أبحاثاً نقلوها من كتب الإمامية والجارودية وَكَثُرت الْأَجْوِبَة حَتَّى جَاوَزت الْعشْرين وأكثرها لَا يعرف صَاحبه واشتغل النَّاس بذلك أَيَّامًا وَزَاد الشَّرّ وعظمت الْفِتْنَة فَلم يبْق صَغِير وَلَا كَبِير وَلَا امام وَلَا مَأْمُوم الا وَعِنْده من ذَلِك شئ وَأَعَانَهُمْ على ذَلِك جمَاعَة مِمَّن لَهُ صولة ودولة ثمَّ ان تِلْكَ الرسَالَة اتنشرت فِي الاقطار اليمنية وَحصل الِاخْتِلَاف في شَأْنهَا وتعصب أهل الْعلم لَهَا وَعَلَيْهَا حَتَّى وَقعت الْمُرَاجَعَة والمجاوبة وَالْمُكَاتبَة في شَأْنهَا في الْجِهَات التهامية وكل من عِنْده أدنى معرفَة يعلم أَنى لم أذكر فِيهَا إلا مُجَرّد الذب عَن أَعْرَاض الصَّحَابَة الَّذين هم خير الْقُرُون مُقْتَصرا على نُصُوص الْأَئِمَّة من أهل الْبَيْت ليَكُون ذَلِك أوقع في نفوس من يكذب عَلَيْهِم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 وينسب الى مذاهبهم ماهم مِنْهُ بُرَآء وَلَكِن كَانَ أهل الْعلم يخَافُونَ على أنفسهم ويحمون أعراضهم فيسكتون عَن الْعَامَّة وَكَثِيرًا مِنْهُم كَانَ يصوبهم مداراة لَهُم وَهَذِه الدسيسة هي الْمُوجبَة لاضطهاد عُلَمَاء الْيمن وتسلط الْعَامَّة عَلَيْهِم وخمول ذكرهم وَسُقُوط مَرَاتِبهمْ لأَنهم يكتمون الْحق فإذا تكلم بِهِ وَاحِد مِنْهُم وثارت عَلَيْهِ الْعَامَّة صانعوهم وداهنوهم وأوهموهم إنهم على الصَّوَاب فيتجرأون بِهَذِهِ الذريعة على وضع مقادير الْعلمَاء وهضم شَأْنهمْ وَلَو تكلمُوا بِالصَّوَابِ أَو نصروا من يتَكَلَّم بِهِ أَو عرفُوا الْعَامَّة إذا سألوهم الْحق وزجروهم عَن الِاشْتِغَال بِمَا لَيْسَ من شَأْنهمْ لكانو يداً وَاحِدَة على الْحق وَلم يسْتَطع الْعَامَّة وَمن يلْتَحق بهم من جهلة المتفقهة اثارة شئ من الْفِتَن فَإنَّا لله وَإِنَّا إليه رَاجِعُون وَكَانَ تأليفى لتِلْك الرسلة فِي سنة 1208 وَمن جملَة من اشْتغل بهَا فُقَهَاء ذمار وَقَامُوا وقعدوا وكانو يسْأَلُون صَاحب التَّرْجَمَة عَن ذَلِك ويتهمونه بالموافقة لما في الرسَالَة لما يعلمونه من الْمَوَدَّة الَّتِى بيني وَبَينه فسلك مَسْلَك غَيره مِمَّن قدمت الإشارة إليهم من أهل الْعلم بل زَاد على ذَلِك فحرر جَوَابا طَويلا على تِلْكَ الرسَالَة موهماً لَهُم أَنه قد أنكر بعض مَا فِيهَا فَلَمَّا بلغني أَنه أجَاب ازْدَادَ تعجبي لعلمي أَنه لَا يجهل مثل ذَلِك وَلَا يخفى عَلَيْهِ الصَّوَاب فَلَمَّا وقفت على الْجَواب وَهُوَ في كراريس رَأَيْته لم يبعد عَن الْحق وَلكنه قد أثار فتْنَة بجوابه لظن الْعَامَّة وَمن شابههم أَن مثل هَذَا الْعَالم الَّذِي هُوَ لى من المجين لَا يُجيب إلا وَمَا فعلته مُخَالف للصَّوَاب فأجبت عَلَيْهِ بِجَوَاب مُخْتَصر تناقله المشتغلون بذلك وَفِيه بعض التخشين ثمَّ إنه عافاه الله اعتذر إليّ مَرَّات وَلم اشْتغل بِجَوَاب على غَيره لأَنهم لَيْسُوا بَاهل لذَلِك وفي الجوابات مَالا يقدر على تحريره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 إلا عَالم وَلَكنهُمْ لم يسموا أنفسهم فَلم اشْتغل بِجَوَاب من لَا أعرفهُ إلا أَنه وَقع في هَذِه الْحَادِثَة من بعض شيوخي مَا يقْضى مِنْهُ الْعجب وَهُوَ أَنه بلغني أَنه من جملَة المجيبين فَلم اصدق لعلمي أَنه مِمَّن يعرف الْحق وَلَا يخفى عَلَيْهِ الصَّوَاب وَله معرفَة بعلوم الْكتاب وَالسّنة فَبعد أَيَّام وقفت على جَوَابه بِخَطِّهِ فَرَأَيْت مَالا يظن بِمثلِهِ من المجازفة في الْكَلَام والاستناد إلى نقُول نقلهَا من كتب رافضة الإمامية والجارودية وقررها ورجحها وَأَنا أعلم أَنه يعلم أَنَّهَا بَاطِلَة بل يعلم أَنَّهَا مَحْض الْكَذِب وليته اقْتصر على هَذَا وَلكنه جَاءَ بعبارات شنيعة وتحامل عليّ تحاملاً فظيعاً وَالسَّبَب أَنه أصلحه الله نظر بعض وزارء الدولة وَقد قَامَ في هَذِه الْحَادِثَة وَقعد وأبرق وأرعد فخدم حَضرته بِتِلْكَ الرسَالَة الَّتِى جنابها على أَعْرَاض الصَّحَابَة فضلاً عَن غَيرهم فَمَا ظفر بطائل واتفقت لصَاحب التَّرْجَمَة محنة وَذَلِكَ أن رجلا يُقَال لَهُ مُحَمَّد حُسَيْن من أولاد المهدي صَاحب الْمَوَاهِب غَابَ عَن الْمَوَاهِب نَحْو عشْرين سنة ثمَّ لم يشْعر أَهله بعد هَذِه الْمدَّة إلا وَقد وصل رجل يزْعم أنه هُوَ فَصدقهُ أهل الْغَائِب كزوجته ووالدته وأخوته وشاع أَنه دخل بِالْمَرْأَةِ وَاسْتمرّ كَذَلِك أياماً فوصل بعد ذَلِك رجل من بَيت النَّجْم الساكنين في زبيد وَقَالَ لأهل ذمّار وعاملها إن هَذَا لم يكن الْغَائِب بل رجل من بَيت صعصعة المزاينة أهل شعسان صعلوك متحيل متلصص كثير السياحة وَكَانَ عِنْد وُصُوله قد لبس الثِّيَاب المختصة بآل الامام فَطَلَبه الْعَامِل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 فصمم على أَنه مُحَمَّد بن حُسَيْن من آل الإمام وَشد عضد دَعْوَاهُ مصادقة أم الْغَائِب وَزَوجته وأخوته ثمَّ طلبه مَوْلَانَا الإمام إلى حَضرته ثمَّ بعد ذَلِك حضر شُهُود شهدُوا أَنه صعصعة المزين ثمَّ تعقب ذَلِك صُدُور الاقرار فعزر تعزيرا بليغاً وطرد وَمَات عَن قرب وَقد كَانَ صَاحب الترجمة حكم لَهُ بأنه مُحَمَّد بن حُسَيْن استناداً إلى الظَّاهِر وَهُوَ إقرار الأهل فَطلب من الحضرة العلية وَأرْسل عَلَيْهِ رَسُول ثمَّ أعفي عَن الْوُصُول والمترجم لَهُ عافاه الله مُسْتَمر على حَاله الْجَمِيل ناشر للْعلم في مَدِينَة ذمار مكثر من أَعمال الْخَيْر قَائِم بِالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ والنهي عَن الْمُنكر بِمِقْدَار مَا يُمكن مَعَ سَلامَة صدر وكرامة أَخْلَاق وَحسن محاضرة وجمييل مذاكرة وَاحْتِمَال لما يلاقيه من الْجفَاء الزَّائِد من أهل بَلَده بِسَبَب نشره لعلم الحَدِيث بَينهم وميله إلى الإنصاف في بعض الْمسَائِل مَعَ مبالغته في التكتم وَشدَّة احترازه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 156 - الْحُسَيْن بن يحيى السلفي الصّنعاني ولد تَقْرِيبًا بعد سنة 1160 سِتِّينَ وَمِائَة وَألف وَأخذ الْعلم عَن جمَاعَة من عُلَمَاء صنعاء وَمِنْهُم شَيخنَا السَّيِّد الْعَلامَة عبد الْقَادِر بن أَحْمد وَشَيخنَا السَّيِّد الْعَلامَة علي بن إبراهيم بن عَامر وَشَيخنَا الْعَلامَة أَحْمد بن مُحَمَّد الحرازي وآخرين وَأخذ عَنى في أمالي الإمام أَحْمد بن عِيسَى وَحضر في الْقِرَاءَة عليّ في أدوال مُتعَدِّدَة وَهُوَ رجل سَاكن عَاقل حسن السمت قوي الْمُشَاركَة فِي عُلُوم الِاجْتِهَاد عَامل بِمَا تَقْتَضِيه الأدلة جيد الْفَهم وَهُوَ الآن أحد المدرسين في الْفُنُون بِجَامِع صنعاء نفع الله بِهِ وَلِصَاحِب التَّرْجَمَة أَخ عَالم شَاعِر وَهُوَ إسماعيل بن يحيى توفي وَهُوَ في سن الشَّبَاب بِمَكَّة المشرفة فِي فِي شهر الْحجَّة سنة 1194 وَمَات المترجم لَهُ رَحمَه الله في سنة 1230 ثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَألف 157 - السَّيِّد الْحُسَيْن ين يُوسُف بن الْحُسَيْن بن أَحْمد زبارة قد تقدم رفع نسبه ومولده على التَّقْرِيب بعد سنة 1150 نَشأ بِصَنْعَاء وَأخذ الْعلم عَن جمَاعَة من علمائها وَهُوَ أحد عُلَمَاء الْعَصْر المفيدين حسن السمت والخلق والأخلاق متين الدّيانَة حَافظ لِلِسَانِهِ كثير الْعِبَادَة والأذكار مقبل على أَعمال الْخَيْر مستكثر مِنْهَا عاكف على الْعلم وَالْعَمَل وَقد أجَاز لي جَمِيع مَا يرويهِ عَن ابيه عَن جده الْحُسَيْن وَهُوَ الْآن حي نفع الله بِهِ ثمَّ توفي رَحمَه الله في أوائل شهر محرم سنة 1231 إحدى وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَألف الحديث: 156 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 158 - حَمْزَة بن عبد الله بن مُحَمَّد بن علي بن أَبى بكر التقي الناشري الزبيدي الشافعي ولد في ثَالِث عشر شَوَّال سنة 833 ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وثمان مائَة بِنَخْل وادي زبيد ونشأ بزبيد فحفظ الْقُرْآن والشاطبية وألفية ابْن مَالك وَبَعض الْحَاوِي وتلى بالسبع على مُحَمَّد بن أَبى بكر الْمقري وقرأ على جمَاعَة من عُلَمَاء زبيد في فنون من الْعلم وَأَجَازَ لَهُ آخَرُونَ من جِهَات وَمن جملَة مشايخه صديق بن أَبى الطيب والزين الشرجي والتقي بن فَهد وَابْن ظهيرة وَتردد إلى مَكَّة وَأخذ عَن السخاوي وناب في قَضَاء زبيد وَأفْتى ونظم وَألف مؤلفات مِنْهَا مسالك التحبير في مسَائِل التَّكْبِير والبستان الزَّاهِر فى طَبَقَات بنى ناشر وانتهاز الفرص في الصَّيْد والقنص أَلفه للْملك المظفر والفية في غَرِيب الْقُرْآن وَكَانَ كثير الزواج ورزق كثيراً من الْأَوْلَاد وَمَات غالبهم وَطَالَ عمره حَتَّى قَارب الْمِائَة وَهُوَ متمتع بحواسه يستفض الْأَبْكَار وَمَات فِي صبح يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشر ذي الْقعدَة سنة 926 سِتّ وَعشْرين وَتِسْعمِائَة وَدفن بتربة سلفه فِي بَاب سِهَام 159 - حميضة بن أبي نميّ مُحَمَّد بن حسن بن علي بن قَتَادَة بن إدريس الْحسنى الشريف عز الدَّين أمير مَكَّة كَانَ هُوَ وَأَخُوهُ رميثة وليا أَمر مَكَّة في حَيَاة أَبِيهِمَا سنة 701 ثمَّ استقلا بالامرة وَاسْتمرّ إِلَى الْمَوْسِم فحج بيبرس تِلْكَ السنة فَلَمَّا كَانَ في طواف الْوَدَاع كَلمه أبو الْغَيْث وعطيفة في أَمر أخويهما حميضة ورميثة وأنهما منعاهما ميراثهما فَأنْكر عَلَيْهِمَا بيبرس فَقَالَ لَهُ حميضة يَا أَمِير نَحن نتصرف فِي أخوتنا وَأَنْتُم قضيتم حَجكُمْ فَلَا تدْخلُوا بَيْننَا فَغَضب بيبرس الحديث: 158 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 وَقبض على حميضة ورميثة وحملهما إِلَى الْقَاهِرَة وَأقَام أَبَا الْغَيْث وعطيفة موضعهما ثمَّ أفرج عَنْهُمَا في أَوَائِل سنة 702 وخلع عَلَيْهِمَا وتوجها إِلَى مَكَّة ففرّ أَبُو الْغَيْث ثمَّ فرّ حميضة من أَمِير الْحَج فِي سنة 707 فقرر أَبَا الْغَيْث مَكَانَهُ فَلَمَّا رَجَعَ الْعَسْكَر عَاد حميضة مختفياً في زي امْرَأَة وفرّ إِلَى الْعرَاق مستجيرا بملكها خربيدا فَتَلقاهُ وأكرمه وَبَالغ في الإحسان إليه وَندب مَعَه أَربع آلَاف فَارس وراسل أَخَاهُ رميثة أَن يَأْذَن لَهُ بِدُخُول مَكَّة ويشاركه الأمرة كعادته فَامْتنعَ وَكَاتب النَّاصِر فأجابه بَان لَا يفعل إِلَّا أن دخل حميضة إلى مصر فوصل حميضة بالعسكر ونازل رميثة فَانْهَزَمَ وَدخل حميضة مَكَّة عنْوَة وَقطع خطْبَة النَّاصِر وخطب لخربيدا وَأخذ أَمْوَال التُّجَّار فَجرد النَّاصِر عَسْكَر فَانْهَزَمَ مِنْهُم من غير قتال ثمَّ عَاد بعد ذهَاب الْحَج فأرسل رميثة يطْلب الْأمان فَأَمنهُ ثمَّ اصطلحا فَبلغ ذَلِك النَّاصِر فَغَضب وَقرر عطيفة في أمره مَكَّة فَخرج حميضة عَن مَكَّة فَلَمَّا حج النَّاصِر سنة 719 وَعَاد عَاد حميضة وَأخذ أَمْوَال النَّاس من النَّقْد وَغَيره وَحمل مِنْهُ مائَة جمل وأحرق الباقي وتحصن بحصنه الَّذِي لَهُ بالجديدة وَقطع ألفي نَخْلَة فَأرْسل النَّاصِر عسكراً وَدخل مَكَّة الْعَسْكَر فِي ذِي القعده سنة 715 ثمَّ تبعوه إِلَى مَكَانَهُ فأحرقوا الْحصن وَأخذُوا مَا مَعَ حميضة من الْأَمْوَال وَأخذُوا ابْن حميضة أَسِيرًا وسلّموه لِعَمِّهِ رميثة وَاسْتقر رميثة أَمِيرا وَلحق حميضة بالعراق ثمَّ اتَّصل بخربيدا وَقَامَ في بِلَاده وجهز لَهُ جَيْشًا بعد أَن أطمعه أن يخْطب لَهُ بهَا فَمَاتَ خربيداً وَلم يتم ذَلِك فَعَاد حميضة إِلَى مَكَّة وَاتفقَ أَنه هرب من مماليك النَّاصِر ثَلَاثَة أنفس فَمروا بحميضة فأضافهم فَرَأى فيهم شَابًّا جيلا فَمَال إِلَيْهِ وَكَانَ مَعْرُوف بذلك واوسع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 لَهُ في المواعيد إِلَى أَن أطاعه وَاسْتمرّ فِي خدمته فَلَمَّا رأى ذَلِك رفيقاه أَقَامَا في خدمَة حميضة واختص بذلك الشَّاب فَصَارَ لَا يكَاد يصبر عَنهُ سَاعَة وَتَمَادَى حَالهم عِنْد حميضة فخشوا مِنْهُ أَن يتَقرَّب بهم إِلَى النَّاصِر فَقَتَلُوهُ في وادي بني شُعْبَة وظفر بهم عطيفة فقيد الَّذِي تولى قَتله وجهزه الى النَّاصِر فَقتله بِهِ وَذَلِكَ في جُمَادَى الْآخِرَة سنة 725 وَكَانَ شجاعاً فاتكاً كَرِيمًا وافر الْحُرْمَة عَظِيم المهابة اتفق أن رجلا مديده لاخذ شئ وجده مطروحا فَقطع يَده فَصَارَت الْأَمْوَال تُوجد وَلَا يتَعَرَّض لَهَا أحد من مهابته 160 - الشريف حمود بن مُحَمَّد الْحسنى صَاحب أَبى عَرِيش ولد بعد سنة 1160 تَقْرِيبًا ثمَّ اسْتَقل بِولَايَة أَبى عَرِيش وَسَائِر الْولَايَة الراجعة إِلَى أبي عَرِيش كصبياً وضمد والمخلاف السُّلَيْمَانِي وَكَانَ مُتَوَلِّيًا لذَلِك من طرف مَوْلَانَا الإمام الْمَنْصُور بِاللَّه رَحمَه الله ثمَّ حدث مَا حدث من قيام صَاحب نجد واستيلائه على الْبِلَاد الَّتِى بَينه وَبَين أَبى عَرِيش فَأمر عبد الْوَهَّاب بن عَامر العسيري الْمَعْرُوف بأبي نقطة بِأَن يتَقَدَّم فِي جَيْشه على بِلَاد الشريف حمود فَتقدم في نَحْو عشْرين ألفاً والشريف حمود اسْتَقر فِي أَبى عَرِيش لقلَّة جَيْشه فَتقدم عَلَيْهِ أَبُو نقطة إِلَى أَبى عَرِيش فَدَخلَهَا في سنة 1217 وَقتل من الْفَرِيقَيْنِ فَوق الألف ثمَّ استسلم الشريف حمود وَدخل في الدعْوَة النجدية ثمَّ خرج على الْبِلَاد الامامية فاستولى على بندر اللِّحْيَة وعَلى بندر الحديدة وعَلى زبيدو الحيس وَمَا يرجع إلى هَذِه الولايات واختط مَدِينَة الزهراء وَصَارَ الْآن ملكاً مُسْتقِلّا ثمَّ فسد مَا بَينه وَبَين النجدي فأمر أبا نقطة الْمَذْكُور بَان يغزوه فغزاه والتقيا بأطراف الْبِلَاد فَقتل أَبُو نقطة وَانْهَزَمَ جَيش الشريف وَقتل الحديث: 160 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 مِنْهُم نَحْو أَلفَيْنِ وَكَانَ جَيْشه من يام وبكيل وقبائل تهامه زهاء سَبْعَة عشر ألفاً وَكَانَ جَيش أَبى نقطة كَمَا قيل مائَة ألف لِأَنَّهُ أمده النجدي بِجَمَاعَة من أمرائه كَابْن شكيان والمضايفي ثمَّ أن جَيش صَاحب نجد بعد قتل أَبى نقطة وهزيمة الشريف تقدم على بِلَاد أَبى عَرِيش وَجَرت بَينهم ملاحم كَبِيرَة وانحصر الشريف فِي أَبى عَرِيش وشحن سَائِر بِلَاد أَبى عَرِيش بالمقاتلة ثمَّ رَجَعَ سَائِر الامراء النجدية وبقى بَقِيَّة من الْجَيْش فِي بِلَاد أَبى عَرِيش وَالْحَرب بَينهم سِجَال وَكَانَ هَذَا الْحَرْب الَّذِي قتل فِيهِ أَبُو نقطة في سنة 1224 وَبِالْجُمْلَةِ فَصَاحب التَّرْجَمَة من الْأَبْطَال وَقد جرت بَينه وَبَين الأجناد الإمامية عِنْد استيلائه على الْبِلَاد الَّتِى قدمنَا ذكرهَا ملاحم عَظِيمَة لَا يَتَّسِع الْمقَام لبسطها وفي سنة 1224 وَقع الصُّلْح بَينه وَبَين مَوْلَانَا المتَوَكل على الله قبل دَعوته وَكَانَ ذَلِك بإطلاعي أَن يثبت الشريف على ماقد صَار تَحت يَده من الْبِلَاد ثمَّ بعد هَذَا انْتقض الصُّلْح بَينه وَبَين مَوْلَانَا المتَوَكل وَلم يزل الْحَرْب ثائراً بَينه وَبَين الإمام إِلَى هَذَا التَّارِيخ وَهُوَ سنة 1229 وَهُوَ مستر على الانتماء إلى صَاحب نجد وَمَات في سنة 1233 ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَألف حرف الْخَاء الْمُعْجَمَة 161 - خشقدم الْملك الظَّاهِر أَبُو سعيد الرومي الناصرى نِسْبَة الى تَاجر ملكه ثمَّ اشْتَرَاهُ الْملك الْمُؤَيد وَهُوَ ابْن عشر سِنِين الحديث: 161 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 ثمَّ أعْتقهُ بعد مُدَّة وَصَارَ من المقدمين بِدِمَشْق ثمَّ عَاد إلى مصر وَصَارَ الْحَاجِب الأكبر ثمَّ صَار فِي دولة الأشرف أَمِير سلَاح ثمَّ صَار أتابكا لِابْنِهِ ثمَّ صَار سُلْطَانا فى يَوْم الاحد تَاسِع عشر رَمَضَان سنة 865 ولقب بِالظَّاهِرِ وَلم يزل يتودد ويتهدد ويصافي وينافي ويراشي ويماشي حَتَّى رسّخ قدمه ونالته السَّعَادَة الدُّنْيَوِيَّة مَعَ مزِيد الشره في جمع المَال على أي وَجه لاسيما بعد تمكنه بِحَيْثُ اقتنى من كل شئ أحْسنه وَأَنْشَأَ مدرسة بالصحراء بِالْقربِ من قبَّة النَّصْر وَكَثُرت مماليكه فَعَظمُوا محاسنه وَعظم وضخم وهابته الْمُلُوك وَانْقطع معاندوه إلى أَن مرض في أَوَائِل الْمحرم وَلزِمَ الْفراش حَتَّى مَاتَ يَوْم السبت عَاشر ربيع الأول سنة 872 اثْنَتَيْنِ وَسبعين وثمان مائَة وَقد ناهز خمْسا وَسِتِّينَ وَدفن بالقبة الَّتِى أَنْشَأَهَا بمدرسته وَكَانَ عَاقِلا مهاباً عَارِفًا صبورا بشوشاً مُدبرا متحملاً في شؤونه كلهَا عَارِفًا بأنواع الملاعب كالرمح والكرة مكرّما للْعُلَمَاء مُعْتَقدًا فِيمَن ينْسب إلى الْخَيْر 162 - خضر بن عَطاء الموصلّي مُصَنف كتاب الإسعاف شرح شَوَاهِد الْبَيْضَاوِيّ والكشاف قَالَ فى الريحانة كعبة فضل مُرْتَفعَة الْمقَام تَضَمَّنت ألسن الروَاة الْتِزَامه فَللَّه ذَلِك التضمن والالتزام أقام بِمَكَّة مَعَ بني حسن مخضر الأكناف وصنّف باسم الشريف حسن شرح شَوَاهِد الْكَشَّاف انْتهى قلت وَهَذَا الشريف هُوَ حسن بن أَبى نميّ شرِيف مكة وَابْن شريفها وَقد ذكر العصامي في تَارِيخه أَن الشريف الْمَذْكُور أجَازه بألف دِينَار ذَهَبا وأرخ مَوته سنه 1107 سبع وَمِائَة وَألف وَهَذَا التَّارِيخ الَّذِي أَلفه صَاحب التَّرْجَمَة من أحسن التواريخ الحديث: 162 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 وأنفسها وأجمعها يذكر فِيهِ الْبَيْت الشَّاهِد ثمَّ يشرحه شرحاً مُسْتَوفى ثمَّ يترجم لقائله تَرْجَمَة كَامِلَة وَيذكر القصيدة الَّتِى مِنْهَا ذَلِك الْبَيْت 163 - خَلِيل بن أيبك بن عبد الله الْمَعْرُوف بصلاح الدَّين الصفدي الأديب الْمَشْهُور ولد سنة 697 سبع وَتِسْعين وسِتمِائَة وَكتب الْخط الْجيد وَذكر عَن نَفسه أَن أَبَاهُ لم يُمكنهُ من الِاشْتِغَال حَتَّى استوفى عشْرين سنة وَطلب بِنَفسِهِ فَأخذ عَن الشهَاب مَحْمُود وَابْن سيد النَّاس وَابْن نَبَاته وأبي حَيَّان وَسمع من المزي والدبوسي وَطَاف مَعَ الطّلبَة وَكتب الطباق وَقَالَ الشّعْر الْحسن وَأكْثر مِنْهُ جداً وَترسل وَألف كتباً مِنْهَا التَّارِيخ الْكَبِير الَّذِي سَمَّاهُ الوافي بالوفيات فِي نَحْو ثَلَاثِينَ مجلداً على حُرُوف المعجم وأفرد مِنْهُ أهل عصره فِي كتاب سَمَّاهُ أعوان النَّصْر وأعيان الْعَصْر في سِتّ مجلدات وَشرح لامية الْعَجم بمجلدين وَله الحان السواجع بَين المبادئ والمراجع مجلدان وجر الذيل فى وصف الْخَيل وكشف الْحَال فِي وصف الْخَال وَأول مَا ولى كِتَابَة الدرج بصفد ثمَّ بِالْقَاهِرَةِ كِتَابَة السِّرّ وَغير ذَلِك من الاعمال وَكَانَ حسن المعاشرة جمييل الْمُرُوءَة وَكَانَ إليه الْمُنْتَهى في مَكَارِم الأخلاق ومحاسن الشيم قَالَ ابْن كثير مصنفاته بلغت المئين من المجلدات قَالَ وَلَعَلَّ الَّذِي كتبه في ديوَان الإنشاء ضعف ذَلِك وَمن تصانيفه فض الختام عَن التورية والاستخدام ونظمه مَشْهُور الحديث: 163 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 قد أودع مِنْهُ في شرح لامية الْعَجم وَغَيرهَا مِمَّا يعرف بِهِ مِقْدَاره ولكثرة ملاحظته للمعاني البديعية صَار الغث من شعره كثيراً وينضم إلى ذَلِك مايطريه بِهِ من الْمُبَالغَة فِي حسنه فَيَزْدَاد ثقلاً وَقد يَأْتِي لَهُ مَا هُوَ من الْحسن بمَكَان كَقَوْلِه (بِسَهْم أجفانه رماني ... وذبت من هجره وَبَينه) (إن مت مالي سواهُ خصم ... لأنه قاتلي بِعَيْنِه) وَكَانَ يختلس معاني شعر شَيْخه ابْن نباته وينظمها لنَفسِهِ وَقد صنّف ابْن نَبَاته في ذَلِك مصنفاً سَمَّاهُ خبز الشّعير الْمَأْكُول المذموم وَبَين سرقانه لشعره وَمَات بِدِمَشْق لَيْلَة عَاشر شَوَّال سنة 764 أَربع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة 164 - خَلِيل بن أَمِير ان شاه بن تيمورلنك ملك بعد موت جده تيمور كَمَا تقدم تَحْقِيقه فِي تَرْجَمته وَكَانَ ذَلِك فِي حَيَاة وَالِده وأعمامه لكَونه كَانَ مَعَه عِنْد وَفَاته فِي سنة 807 فَلم يجد النَّاس بدامن سلطنته وَاسْتولى على الخزائن وَتمكن من الأمراء ببذله وَفِيه رفق وتودّد مَعَ حسن سياسة وَصدق لهجة وجمال صُورَة وَأخذ فِي تمهيد مكله وَملك قُلُوب الرعية فاستفحل أمره وَجَرت حوادث إلى أَن مَاتَ بالري مسموماً في سنة 809 تسع وثمان مائَة ونحرت زَوجته الْمُسَمَّاة شادملك نَفسهَا بخنجر من قفاها فَهَلَكت من ساعتها وَقد وصف مؤلف سيرة تيمور من أَحْوَاله وأشعاره بِلِسَان قومه ومزيد عشقه لزوجته هَذِه وإفراط محبته لَهَا مَا يقْضى مِنْهُ الْعجب حَتَّى قَالَ إنه يقف مَعهَا في قَمِيص وَاحِد يدخلَانِ فِيهِ جَمِيعًا لمزيد شغف كل وَاحِد مِنْهُمَا بالآخر فَلهَذَا الحديث: 164 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 قتلت نَفسهَا بعد مَوته وَوصف من جماله مَا تعذر مَعَه زَوجته وَكَذَلِكَ وصف من جمَالهَا مَا يُخَفف عَنهُ الْمَلَامَة فِيمَا تهتك بِهِ من عَشِقَهَا حَتَّى كَانَ ذَلِك سَبَب ذهَاب ملكه وَنَفسه والأمر لله 165 - خَلِيل بن كيكلدى العلانى ولد في ربيع سنة 694 أَربع وَتِسْعين وسِتمِائَة وَأول سَمَاعه للْحَدِيث في سنة 703 سمع على شرف الدَّين الفزارى وبرهان الدَّين الذهبى وَابْن عبد الدايم وَالقَاسِم بن عَسَاكِر وَجَمَاعَة كَثِيرَة بلغُوا إِلَى سَبْعمِائة ورحل إِلَى الأقطار واشتغل قبل ذَلِك بالفقه والعربية وَمهر وصنف التصانيف في الْفِقْه وَالْأُصُول والْحَدِيث وَمِنْهَا تحفة الرائض في علم الْفَرَائِض والاربعين في أَعمال الْمُتَّقِينَ وَشرح حَدِيث ذي الْيَدَيْنِ فى مُجَلد والوشى الْمعلم في من روى عَن أَبِيه عَن جده عَن النبي صلى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم قَالَ ابْن حجر في الدُّرَر إنه صنّف كتباً كَثِيرَة جداً سائرة مَشْهُورَة نافعة وَكَانَ بزي الْجند ثمَّ لبس زي الْفُقَهَاء وَحفظ التَّنْبِيه ومختصر ابْن الْحَاجِب ومقدمته فِي النَّحْو والتصريف وَولي تدريس الحَدِيث بالناصرية ثمَّ الصلاحية بالقدس وقطن بِهِ إلى أَن مَاتَ وَحج مرَارًا وجاور وَكَانَ ممتعاً بِكُل بَاب وبحفظ تراجم أهل عصره وَمن قبلهم وَوَصفه الذهبي بِالْحِفْظِ وَكَانَ يستحضر الرِّجَال والعلل وَتقدم فِي هَذَا الشَّأْن مَعَ صِحَة الذِّهْن وَسُرْعَة الْفَهم وَقَالَ غَيره كَانَ إماماً في الْفِقْه والنحو وَالْأُصُول والْحَدِيث وفنونه حَتَّى صَار بَقِيَّة الْحفاظ عَارِفًا بِالرِّجَالِ عَلامَة في الْمُتُون والأسانيد ومصنفاته تنبئ عَن إمامته فِي كل فن وَقَالَ الأسنوي كَانَ حَافظ زَمَانه إماماً في الْفِقْه وَالْأُصُول وَغَيرهمَا ذكبا نظارا الحديث: 165 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 فصيحاً كَرِيمًا وَله نظم حسن وَاسْتمرّ على حَاله حَتَّى مَاتَ فِي الْقُدس خَامِس الْمحرم سنة 761 إحدى وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة حرف الدَّال الْمُهْملَة 166 - الشَّيْخ دَاوُد بن عمر الانطاكى الضَّرِير رَئِيس الأطباء قَالَ العصامي هُوَ المتوحد بأنواع الْفَضَائِل والمتفرد بِمَعْرِِفَة عُلُوم الْأَوَائِل شيخ الْعُلُوم الرياضية سِيمَا الفلسفية وَعلم الأبدان القسيم لعلم الأديان فإنه بلغ فِيهِ الغاية الَّتِى لَا تدْرك وانْتهى إلى الْغَايَة الَّتِى لَا تكَاد تملك لَهُ فضل لَيْسَ لَاحَدَّ وَرَاءه فضل وَعلم لم يحز أحد فِي عصره مثله قَالَ حكى أَن الشريف حسن لما اجْتمع بِهِ أَمر بعض أخوانه أن يُعْطِيهِ يَده ليجس نبضه وَقَالَ لَهُ الشريف حسن جس نبضي فَأخذ يَده فَقَالَ هَذِه لَيست يَد الْملك فَأعْطَاهُ الْأَخ الثاني يَده فَقَالَ كَذَلِك فَأعْطَاهُ الشريف حسن يَده فحين جسها قبلهَا وَأخْبر كلاً بِمَا هُوَ ملتبس بِهِ قَالَ وَحكى أَنه استدعاه يعْنى الشريف لبَعض نِسَائِهِ فَلَمَّا دخل قادته جَارِيَة وَلما خرجت بِهِ قَالَ للشريف حسن أن الْجَارِيَة لما دخلت بي كَانَت بكراً وَلما خرجت بِي كَانَت ثَيِّبًا فَسَأَلَهَا الشريف وأمنها فَأَخْبَرته أَن فلَانا استفضها قهراً فَسَأَلَهُ فاعترف بذلك وَله عجائب من هَذَا الْجِنْس وَقد أرّخ العصامي مَوته سنة 1007 سبع وَألف وَهُوَ مُصَنف التَّذْكِرَة الْكتاب الْمَشْهُور في الطِّبّ 167 - السَّيِّد دَاوُد بن الهادي بن أَحْمد بن المهدي بن أَمِير الْمُؤمنِينَ عزّ الدَّين بن الْحسن ولد سنة 980 ثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وَهُوَ شيخ الشُّيُوخ الزبدية فى زَمَانه الحديث: 166 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 وَكَانَ عَالما بعدة عُلُوم وَمن تلامذته القاضي أَحْمد بن يحيى حَابِس والقاضي أَحْمد بن سعد الدَّين وَغَيرهم مِمَّن في طبقتهم وَله شرح على أساس الإمام الْقَاسِم بن مُحَمَّد وَكتب إِلَيْهِ القاضي أَحْمد بن علي بن أَبى الرِّجَال وَهُوَ من تلامذته قصيدة مِنْهَا (سؤلي وَجل مطالبي ومرامي ... تَقْبِيل كفّ الأروع الصمصام) (الْعَالم الْعلم الحميد فعاله ... نور الْأَنَام وَسيد الأقرام) وَلِصَاحِب التَّرْجَمَة نظم فَمِنْهُ (إلى الله أَشْكُو عَالم السِّرّ والنجوى ... تحمل هم لَا يُطيق لَهُ رضوى) (وجور زمَان دأبه خفض كَامِل ... وَرفع الَّذِي لَا خير فِيهِ وَلَا جدوى) (عتبت على دهري فَقلت إلى مَتى ... تعاملني بالضد من كل مَا أَهْوى) (فَقَالَ مجيباً لي بعنف وغلظة ... وأيّ كريم قد أجبْت لَهُ شكوى) وَتوفى رَحمَه الله بدرب الأمير بِحَضْرَة الإمام الْمُؤَيد بِاللَّه مُحَمَّد بن الْقَاسِم ابْن مُحَمَّد في ضحوة يَوْم الْأَرْبَعَاء لست بَقينَ من شهر ربيع الأول سنة 1035 خمس وَثَلَاثِينَ وَألف وعمرت عَلَيْهِ قبَّة هُنَالك 168 - دَاوُد بن يُوسُف بن عمر بن علي بن رَسُول الْملك الْمُؤَيد بن المظفر التركماني الأَصْل صَاحب الْيمن كَانَ لَهُ شغلة بِالْعلمِ حفظ مُقَدّمَة ابْن بابشاذ فِي النَّحْو وكفاية المتحفظ فِي اللُّغَة وَسمع من الْمُحب الطبري وَغَيره وَكَانَ أَبوهُ قد آثر أَخَاهُ الْأَشْرَف بالسلطنة فَلَمَّا مَاتَ أَبوهُ وتسلطن أَخُوهُ الأشرف أقبل الْمُؤَيد وَكَانَ في جِهَة الْيمن فغلب على عدن فَجهز الأشرف وَلَده الْمَنْصُور فَهَزَمَهُمْ الْمُؤَيد ثمَّ سَار طَائِعا إِلَى أَخِيه فَتَلقاهُ وَأمره فَلَمَّا مَاتَ في أول سنة 696 سِتّ وَتِسْعين الحديث: 168 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 وسِتمِائَة تسلطن الْمُؤَيد وَتَابعه النَّاصِر ولد أَخِيه الْأَشْرَف وَخرج عَلَيْهِ أَخُوهُ المسعود فَلم تقم لَهُ قَائِمَة وَدخل في طَاعَة الْمُؤَيد وَلما عرف النَّاس محبته للفضائل قصدوه من الْآفَاق بِكُل تحفة وَكَانَ يُبَالغ في إنصافهم حَتَّى أنها أهديت لَهُ نُسْخَة من الأغاني بِخَط ياقوت الحموي فبذل فِيهَا مائتي دِينَار مصرية ولشعراء عصره فِيهِ مدايح واشتملت خزانَة كتبه على مائتي ألف مُجَلد وأنشا بتعز الْقُصُور الْعَظِيمَة البديعة ودام فى الْملك خمْسا وَعشْرين سنة حَتَّى مَاتَ في ذي الْحجَّة سنة 721 إحدى وَعشْرين وَسَبْعمائة 169 - الشَّرِيفَة دهماء بنت يحيى بن المرتضى أُخْت الإمام المهدي أَحْمد بن يحيى الْمُتَقَدّم ذكره عَالِمَة فاضلة أخذت الْعلم عَن أَخِيهَا قَرَأت عَلَيْهِ هي والإمام مطهّر وَلها مصنّفات مِنْهَا شرح للأزهار فِي أَرْبَعَة مجلدات وَشرح لمنظومة الْكُوفِي فِي الْفِقْه والفرائض وَشرح لمختصر الْمُنْتَهى ودرست الطّلبَة بِمَدِينَة ثلا حَتَّى مَاتَت هُنَالك وقبرها مَشْهُور مزور وَعَلَيْهَا قبَّة وَتَزَوجهَا السَّيِّد مُحَمَّد بن أبي الْفَضَائِل وأولدها ولداً سمي إدريس ابْن مُحَمَّد وَلها شعر مِنْهُ فِي مدح كتاب أَخِيهَا الأزهار (يَا كتاباً فِيهِ شِفَاء النُّفُوس ... أنتجته أفكار من فى الحبوس) (أَنْت للْعلم فِي الْحَقِيقَة نور ... وضياء وبهجة كالشموس) الحديث: 169 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 حرف الذَّال الْمُعْجَمَة 170 - ذيبان الماردي نَاصِر الدَّين والي الْقَاهِرَة ورد من الشرق صُحْبَة عبد الرَّحْمَن التكريتي إلى الْمَنْصُور قلاون وتعانى الْخياطَة للكوافي بِدِمَشْق ثمَّ توصل بِخِدْمَة بيبرس الجاشنكير وتقرب مِنْهُ إلى أَن ولي الْقَاهِرَة ثمَّ عُوقِبَ وصودر ثمَّ تولى شد الدَّوَاوِين في جُمَادَى الْآخِرَة سنة 694 ثمَّ نقل إلى ولَايَة الْقَاهِرَة ثمَّ ولي الجيزة فَوَقَعت بَينه وَبَين القبط مرافعة فالتزم أن تسلمهم أَن يحمل ثلثمِائة ألف دِينَار فتسلمهم وضيّق عَلَيْهِم وَأخذ مِنْهُم جملَة مستكثرة ثمَّ سعى فِي الوزارة فاستقر في شَوَّال سنة 703 فباشرها بتعاظم وَحُرْمَة وَاتفقَ أَنه توجه إلى الإسكندرية وَتوجه النَّاصِر إلى الجيزة وَهُوَ يَوْمئِذٍ تَحت حجر بيبرس وسلار فأرسل وَكيله يستدين لَهُ من التُّجَّار مبلغاً يشتري بِهِ هَدِيَّة لحرمه إذا رَجَعَ فَقدم لَهُ صَاحب التَّرْجَمَة ألفى دِينَار فأعجبة وقربه وشكى إليه حَاله فوعده وَبسط أمله فَنقل ذَلِك إلى الأميرين الْمَذْكُورين فقبضا عَلَيْهِ وسجناه وصادراه وَمَات في ذي الْقعدَة سنة 704 أَربع وَسَبْعمائة حرف الرَّاء 171 - رضوَان بن مُحَمَّد بن يُوسُف بن سَلامَة بن الْبَهَاء بن سعيد الزين الشافعي الْحَافِظ الْكَبِير القاهري الصحراوي ولد صبح جُمُعَة من رَجَب سنة 769 تسع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة بمنية عقبَة بالجيزة وَحفظ الْقُرْآن والتنبيه وجوّد بعض الْقُرْآن وتلى بالسبع على الحديث: 170 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 جمَاعَة وَحضر درس البلقيني وَابْن الملقن والصدر المناوى والعز ين جمَاعَة وَقَرَأَ عَلَيْهِم وَغَيرهم في فنون مُتعَدِّدَة كالنحو وَالصرْف والمنطق والمعاني وَالْبَيَان والأصول والجدل والفرائض والحساب وَحج مَرَّات وزار بَيت الْمُقَدّس والخليل وَمَا تيسرت لَهُ رحْلَة لكنه أخذ بالحرمين والقدس عَن جمَاعَة وَسمع الأمهات ومسند أَحْمد ومسند الشافعي والموطأ ومسند أَبى حنيفَة ومعاني الْآثَار للطحاوي وَالسّنَن للدَّار قطني وَغير ذَلِك وَأخذ عَن مَشَايِخ الْعَصْر وَعرف العالي والنازل وفَاق الأقران وانتفع بِهِ النَّاس وَأخذُوا عَنهُ واشتهرت فضائله وَله تخرجات خرّجها لشيوخه وَله شعر على نمط أشعار الْمُحدثين رَحمَه الله مَاتَ يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث شهر رَجَب سنة 852 اثْنَتَيْنِ وَخمسين وثمان مائَة 172 - رميثة بمثلثة مُصَغرًا ابْن أَبى نمى قدم تقدّم ذكر بعض نسبه في تَرْجَمَة أَخِيه حميضة ولي أَمر مَكَّة مَعَ أَخِيه حميضة ثمَّ اسْتَقل سنة 715 ثمَّ قبض عَلَيْهِ في ذي الْحجَّة سنة 718 فَلَمَّا كَانَ فِي سنة 731 تحارب هُوَ وَأَخُوهُ عطيفة ثمَّ اصطلحا وَكثر تضرر النَّاس مِنْهُمَا ثمَّ بلغ النَّاصِر أَنه أظهر مَذْهَب الزيدية فأنكر عَلَيْهِ فأرسل إليه عسكرا ففر فَلم يزل أَمِير الْحَاج يستيمله حَتَّى عَاد ثمَّ أَمنه السُّلْطَان فَرجع إلى مَكَّة سنة 731 وَلبس الخلعة ثمَّ حج السُّلْطَان سنة 732 فَتَلقاهُ رميثة إلى يَنْبع فأكرمه السُّلْطَان وَاسْتمرّ رميثة وعطيفة إلى أَن تفرد رميثة سنة 738 فَلم يزل على ذَلِك إلى سنة 744 فَترك الأمر لِوَلَدَيْهِ ثقبة وعجلان ثمَّ كتب لَهُ من الْقَاهِرَة باستقراره فباشر الحديث: 172 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 الأمر عَنهُ وَلَده عجلَان حَتَّى مَاتَ رميثة في سنة 748 ثَمَان وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة حرف الزاي 174 - زَكَرِيَّا بن احْمَد بن مُحَمَّد بن يحيى بن عبد الْوَاحِد بن الشَّيْخ أَبى حَفْص عمر الشاوي الحفصي اللحياني الْقَائِم بِأَمْر الله صَاحب الْمغرب ولد سنة نَيف وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وتفقه وأتقن النَّحْو واستوزره ابْن عَمه الْمُسْتَنْصر مُدَّة ثمَّ ملك سنة 685 ثمَّ خلع فَتوجه إلى الْحَج سنة 709 ثمَّ رَجَعَ إلى الْقَاهِرَة سنة 710 فَجهز مَعَه النَّاصِر عسكراً فَملك طرابلس وخطب للناصر بهَا ثمَّ صبّحوا تونس فِي ثامن جُمَادَى الأولى فنازلوها وصاحبها أَبُو الْبَقَاء مَرِيض فَدخل زَكَرِيَّا الْبَلَد وَأشْهد ابو الْبَقَاء على ة نَفسه بِالْخلْعِ فَلَمَّا استوثق لَهُ الأمر قطع ذكر الْمهْدي من الْخطْبَة ثمَّ أرسل إلى صَاحب سحانة فهادنه فَسَار صَاحب سحانة إلى أفريقية رجال في بِلَاد هوَازن فخشي مِنْهُ صَاحب التَّرْجَمَة فَجمع مَا قدر عَلَيْهِ من المَال وَخرج من تونس سنة 717 قَاصِدا فاس فأقام بهَا ثمَّ توجه من فاس إلى طرابلس ثمَّ حمل أَهله وأمواله في الْبَحْر وَتوجه إلى الإسكندرية ثمَّ اسْتَأْذن النَّاصِر في الْقدوم عَلَيْهِ فأذن لَهُ وَدخل الْقَاهِرَة سنة 721 وَأَرَادَ الْحَج فَمَرض فأقام بهَا ورفض الْملك إلى أَن مَاتَ سنة 727 سبع وَعشْرين وَسَبْعمائة وَكَانَ فَاضلا متقناً للعربية حسن النظم ويعاب بالشح وَأنكر عَلَيْهِ أهل بَيته إسقاط ذكر المهدي من الْخطْبَة وَكَانَ جده أَبُو حَفْص من كبار أَصْحَاب الحديث: 174 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 ابْن تومرت وَولى السلطنة بعده أَبُو ضَرْبَة فنازله أَبُو بكر الْمُتَقَدّم 175 - زَكَرِيَّا بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن زَكَرِيَّا الأنصاري القاهري الأزهري القاضي الشافعي ولد سنة 826 سِتّ وَعشْرين وثمان مائَة فحفظ الْقُرْآن وعمدة الأحكام وَبَعض مُخْتَصر التبريزي في الْفِقْه ثمَّ تحوّل إلى الْقَاهِرَة فِي سنة 841 فقطن الأزهر وأكمل حفظ الْمُخْتَصر الْمَذْكُور وَحفظ الْمِنْهَاج الفرعي وألفية النَّحْو والشاطبيتين وَبَعض الْمِنْهَاج الأصلي وَبَعض ألفية الحَدِيث وَمن التسهيل إِلَى كَاد وأتمه من بعد ثمَّ جدّ في الطلب وَأخذ عَن جمَاعَة مِنْهُم البلقينى والقاياتى والشرف السبكى وَابْن حجر والزين رضوَان وَغَيرهم وَقَرَأَ في جَمِيع الْفُنُون وَأذن لَهُ شُيُوخه بالإفتاء والتدريس وتصدر وَأفْتى وأقرأ وصنف التصانيف مِنْهَا فتح الْوَهَّاب شرح الْآدَاب وَغَايَة الْوُصُول فِي شرح الْفُصُول وَشرح الرَّوْض مُخْتَصر الرَّوْضَة لِابْنِ المقري وَله حَاشِيَة على شرح الْبَهْجَة للولي العراقي وَشرح لشذور الذَّهَب وَله شُرُوح ومختصرات في كل فن من الْفُنُون انْتفع النَّاس بهَا وتنافسوا فِيهَا ودرّس في أمكنة معتددة وَزَاد فِي الترقي وَحسن الطلاقة والتلقي مَعَ كَثْرَة حاسديه وَارْتَفَعت دَرَجَته عِنْد السُّلْطَان قايتباى وَكثر توسل النَّاس بِهِ إِلَيْهِ وَكَانَ السُّلْطَان يلهج بتوليه الْقَضَاء مَعَ علمه بِعَدَمِ قبُوله لَهُ فِي سلطنة خشقدم ثمَّ ولاه الْقَضَاء قايتباى وصمم عَلَيْهِ فأذعن بعد مَجِيء أكَابِر الدولة إِلَيْهِ فباشره بعفة ونزاهة ثمَّ عزل سنة 906 ثمَّ عرض عَلَيْهِ بعد ذَلِك فَأَعْرض عَنهُ لكف بَصَره وانجمع فِي مَحَله واشتهرت مصنفاته وَكَثُرت تلامذته وَألْحق الأحفاد بالأجداد وَعمر حَتَّى جَاوز الحديث: 175 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 الْمِائَة أَو قاربها وَمَات في يَوْم الْجُمُعَة رَابِع ذي الْحجَّة سنة 926 وحزن النَّاس عَلَيْهِ كثيراً لمزيد محاسنة ورثاه جمَاعَة من تلامذته فَمن ذَلِك قَول عبد اللَّطِيف (قضى زَكَرِيَّا نحبه فتفجرت ... عَلَيْهِ عُيُون النيل يَوْم حمامه) (ليعلم أَن الدَّهْر رَاح أَمَامه ... وَمَا الدَّهْر يبْقى بعد فقد امامه) (سفى الله قبراضمه غوث صيب ... عَلَيْهِ مدى الأيام صبح غمامه) 175 - السَّيِّد زيد بن مُحَمَّد بن الْحسن بن الإمام الْقَاسِم بن مُحَمَّد الْمُحَقق الْكَبِير شيخ مَشَايِخ صنعاء فِي عصره في الْعُلُوم الآلية بأسرها أَخذهَا عَنهُ جمَاعَة من أكابرهم كالسيّد هَاشم بن يحيى الشامي وَالسَّيِّد مُحَمَّد الأمير وَالسَّيِّد أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن الشامي وَغَيرهم ولد فى سننة 1075 خمس وَسبعين وألف وَأخذ الْعلم عَن جمَاعَة من اعيان الْعلمَاء كالقاضى الْعَلامَة على ابْن يحيى البرطى والقاضى الْعَلامَة الْحُسَيْن بن مُحَمَّد المغربي وَالسَّيِّد الْعَلامَة الْحسن بن الْحُسَيْن بن الْقَاسِم وَكَانَ صَدرا مبجلاً مُعظما مفخماً لَهُ صُورَة كَبِيرَة وُصُوله شهيرة يهابه وُلَاة صنعاء وَيَخَافُونَ من أَن ينْهَى أمرهم إِلَى الإمام المهدي مُحَمَّد بن أَحْمد صَاحب الْمَوَاهِب وَكَانَ كثير الإجلال لَهُ إِلَى غَايَة ويطلبه إلى حَضرته مَرَّات وَيُعْطِيه الْعَطاء الْوَاسِع وَكَانَ يؤهل للإمامة ويرجى لَهَا وَقد برع في جَمِيع المعارف لاسيما علم الْمعَانى وَالْبَيَان فإنه فنه الَّذِي لَا يدانيه فِيهِ مدان وَلَا يخْتَلف في تفرده بِهَذَا الشأن اثْنَان وَشَرحه الْمجَاز لمختصر الشَّيْخ لطف الله الغياث الَّذِي سَمَّاهُ الإيجاز في الْمعَانى وَالْبَيَان يشْهد بفضله في هَذَا الْعلم فإنه شرح يشْرَح صدر طَالب فن الْمعَانى وَالْبَيَان لَان الشَّيْخ لطف الله ألف هَذَا الْمُخْتَصر معتصراً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 لَهُ من تَلْخِيص الْمِفْتَاح لكنه ترك من عباراته مَا وَقعت فِيهِ مناقشة لأحد من الشُّرَّاح أَو أهل الحواشى وَزَاد مَالا بُد من زِيَادَته ثمَّ أَتَى صَاحب التَّرْجَمَة فاعتصر المطول وحواشيه والمختصر وحواشيه فِي شَرحه وَترك مَا فيهمَا من المباحث الَّتِى وَقع الِاعْتِرَاض عَلَيْهَا من أهل الحواشي ورسم مَا هُوَ الصَّوَاب وَأَنا أَظن أَن الشَّيْخ لطف الله إِنَّمَا جمع هَذَا الْمَتْن مَعَ قِرَاءَة الطّلبَة عَلَيْهِ للتلخيص وشروحه وحواشيه وَكَذَلِكَ صَاحب التَّرْجَمَة إِنَّمَا جمع الشَّرْح مَعَ قِرَاءَته كَذَلِك وَكَانَ كثير الْأَخْذ من حَاشِيَة الشَّيْخ لطف الله على شرح التَّلْخِيص وَقد قوبل هَذَا الشَّرْح بِالْقبُولِ من أَعْيَان الْعلمَاء ونقّادهم وَإِن لم يشْتَهر بَين الطّلبَة وَمَا أَحَق من رام حفظ التَّلْخِيص أَن يسْتَغْنى عَنهُ بِحِفْظ مُخْتَصر الشَّيْخ لطف الله وَمن رام الْقِرَاءَة في المطوّل والمختصر وحواشيهما أَن يقْتَصر على الْقِرَاءَة في شرح صَاحب التَّرْجَمَة فانه يسْتَغْنى بذلك عَن مهمات مافى غَيره وإن كَانَ الطَّالِب الرَّاغِب لَا يقنع الا بالتبحر فِي كل المعارف فانه لاريب أَن في المطوّل والمختصر وحواشيهما من الْفَوَائِد وَالْقَوَاعِد مَالا يسْتَغْنى عَنهُ طَالب علم الْمعَانى وَالْبَيَان وَقد كَانَ شَيخنَا السَّيِّد الْعَلامَة عبد الْقَادِر بن أَحْمد كثير الثَّنَاء على شرح صَاحب التَّرْجَمَة وَكَانَ يرشد طلبة هَذَا الْفَنّ إِلَيْهِ وأقرأ وَلَده إبراهيم الْمُتَقَدّم ذكره فِيهِ وَاسْتغْنى بذلك عَن غَيره من كتب الْمعَانى وَالْبَيَان وَكنت أهم في أَيَّام الطلب بِجمع حَاشِيَة على ذَلِك الشَّرْح وَأَنا إلى الْآن غير مُنْقَطع الرَّجَاء إن شَاءَ الله وَكَانَ لصَاحب التَّرْجَمَة اعْتِقَاد في الصُّوفِيَّة وَجَرت بَينه وَبَين السَّيِّد صَلَاح بن الْحُسَيْن الأخفش فِي ذَلِك منافرة بِسَبَب رجل كَانَ يملى الاذكار فِي جَامع صنعاء جَهرا يُقَال لَهُ القبتين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 فَأنْكر عَلَيْهِ السَّيِّد صَلَاح فألف صَاحب التَّرْجَمَة رِسَالَة سَمَّاهَا تشييد أَرْكَان القبتين ذكر فِيهَا مبَاحث أصولية وَأَحَادِيث وَرَأَيْت لَهُ رِسَالَة أُخْرَى في تَبْيِين الْفرْقَة النَّاجِية وَأحسن القَوْل فِيهَا وَرجح أَنهم من كَانَ على النمط الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَة وَله جَوَاب على النبراس الَّذِي اعْترض بِهِ الكردي على الأساس وَلكنه مَاتَ قبل تَمَامه وَكَانَ قد سَمَّاهُ الرَّد بالقسطاس وَمَات رَحمَه الله فِي سنة 1123 ثَلَاث وَعشْرين وَمِائَة وَألف ورثاه السَّيِّد الْعَلامَة عبد الله بن علي الْوَزير بِأَبْيَات مُشْتَمِلَة على تَارِيخ وَفَاته وهي هَذِه (هَاهُنَا عَلامَة الدُّنْيَا فزر ... قَبره تحظى بأنوار وتسعد) (هُوَ سعد الدَّين في تَحْقِيقه ... وَهُوَ عِنْد الله في التَّحْقِيق اسعد) (لقى الله فأرخ جال فِي ... جنَّة الفردوس زيد بن مُحَمَّد) سنة 1123 وقبر بقبته الْمُتَّصِلَة بمدرسة الإمام شرف الدَّين بِصَنْعَاء وَله شعر حسن فَمِنْهُ (جمع الْحسن فأضحى ... سَاكِنا بَين ضلوعي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 (بِأبي جَامع حسن ... وَقفه جاري دموعي) وَله قصيدة عَارض بهَا قصيدة ابْن زُرَيْق الَّتِى أَولهَا (لَا تعذليه فإنّ العذل يولعه ... قد قلت حَقًا وَلَكِن لَيْسَ يسمعهُ) ومطلع قصيدة صَاحب التَّرْجَمَة (بانوا فسالت على خدّيه أدمعه ... مُورق الجفن مغرى الْقلب موجعه) وَولد صَاحب التَّرْجَمَة هُوَ الْعَلامَة مُحَمَّد بن زبد من أَعْيَان الْعلمَاء لاسيما في علم الْمعَانى وَالْبَيَان فإنه من المبرزين فِيهِ وَكَانَ مَقْبُول الْكَلِمَة عِنْد الإمام الْمَنْصُور بِاللَّه الْحُسَيْن بن الْقَاسِم وَله بِهِ اتِّصَال وَمن ذُرِّيَّة صَاحب التَّرْجَمَة في عصرنا هَذَا 176 - السَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن يحيى بن أَحْمد بن زيد بن مُحَمَّد وَهُوَ من أَعْيَان السَّادة آل الإمام وَله معرفَة تَامَّة بفنون من الْعلم وَقد رافقته فِي قِرَاءَة كتاب الله عز وَجل في الْمكتب وترافقنا في قِرَاءَة الْفِقْه وَبَعض الآلات فِي أَيَّام الصغر وَلَعَلَّ مولده سنة 1170 أَو قبلهَا بِقَلِيل أَو بعْدهَا بِقَلِيل وبيني وَبَينه مَوَدَّة أكيدة ومحبة صَادِقَة وَله عرفان بِعلم الطِّبّ وَقد انْتفع بِهِ النَّاس فِيهِ لاسيما في هَذِه الأيام بعد موت السَّيِّد يحيى بن مُحَمَّد بن عبد الله بن الْحُسَيْن بن الْقَاسِم فان النَّاس عولوا عَلَيْهِ وانتفعوا بِهِ وَهُوَ الْآن مُسْتَمر على حَاله الْجَمِيل من أكَابِر آل الإمام رياسة ورفعة وشهرة 177 - السَّيِّد زيد بن يحيى بن الْحُسَيْن بن الْمُؤَيد بن الإمام الْقَاسِم بن مُحَمَّد الصنعاني ولد يَوْم الْخَمِيس لخمس لَيَال بَقينَ من ذي الْحجَّة سنة 1077 سبع وَسبعين وألف وَقَرَأَ على السَّيِّد الْحسن بن الْحُسَيْن بن الْقَاسِم الْمُتَقَدّم الحديث: 176 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 ذكره وعَلى القاضي حُسَيْن بن عبد الله المسعودي وبرع في الْعُلُوم الأدبية وَقَالَ الشّعْر الْحسن فَمِنْهُ القصيدة الَّتِى مطْلعهَا (قُم فقد أَلممْت صبا الإبكار ... واكتسى الأفق حلَّة الأنوار) (واحتلى جَيِّدَة قلادة تبر ... من سنا الشَّمْس بعددرالدرار) (دب جمر الصَّباح فى فَحْمَة اللَّيْل ... وطارت نجومه كالشّرار) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 وهي قصيدة طنانة روضية وَقد ترْجم لَهُ صَاحب نسمَة السحر وَهُوَ أَخُوهُ تَرْجَمَة فائقة طَوِيلَة وَذكر من شعره مَا يدل على أَنه في أَعلَى رتب البلاغة وأرّخ مَوته يَوْم عيد النَّحْر سنة 1104 أَربع وَمِائَة وَألف 178 - الشَّرِيفَة زَيْنَب بنت مُحَمَّد بن أَحْمد بن الإمام الْحسن بن على ابْن دَاوُد المؤيدى الادبية الشاعرة المجيدة من شعرهَا القصيدة الَّتِى كتبتها إِلَى زَوجهَا السَّيِّد على بن الإمام المتَوَكل على الله إسماعيل ومطلعها (أصخ لي أَيهَا الْملك الْهمام ... عَلَيْك صلوة رَبك وَالسَّلَام) وَمن شعرهَا الْمَقْطُوع الَّذِي فضلت فِيهِ شهارة على صنعاء وَهُوَ (وَقَائِل لي أَزَال لَيْسَ تشبهها ... شهارة قلت قف لي واستمع مثلي) (أَلَيْسَ صنعاء تَحت الظّهْر مَعَ ضلع ... أما شهارة فَوق النَّحْر والمقل) الحديث: 178 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 والنحر والمقل موضعان بشهارة كَمَا أَن وادى ظهر وضلع موضعان قريب صنعاء وَلها أشعار كَثِيرَة وَقد فَارقهَا علي بن المتَوَكل ثمَّ تزَوجهَا غَيره وَكَانَت تعرف النَّحْو وَالْأُصُول والمنطق والنجوم والرمل والسيمياء وَمَاتَتْ فِي شهر محرم سنة 1114 أَربع عشرَة وماية وألف بشهاره 179 - زين العابدين بن حُسَيْن الحكمي أحد الْعلمَاء الْمَشْهُورين المعاصرين من أهل الْقطر النهامى كثيرا مَا يكْتب الى من هُنَالك بمذاكرات وَله نثر متوسط فَمِنْهُ مَا كتبه إليّ عِنْد أَن وليت الْقَضَاء وَلَفظه الْحَمد لله الَّذِي ألهم مَوْلَانَا الإمام الأعظم والطود الباذخ الاشم أَمِير الْمُؤمنِينَ وَسيد الْمُسلمين المؤبد بالنصر والتمكين وَالظفر وَالْفَتْح الْمُبين الْمَنْصُور بِاللَّه رب الْعَالمين بإقامة من انتعشت بِهِ الشَّرِيعَة المحمدية من مَرضهَا وَقَامَت بِهِ قناتها مفصحة عَن مرادها خَالِصَة من مضضها واختصاصه من بَين الأنجم الزاهرة من عُلَمَاء العترة الأعلام بِالْفَضْلِ بَين الأنام والتصدّر للإصدار والإيراد عَن الْخَاص وَالْعَام وإعطاء الْقوس باريه وتقليد هَذَا الامر خريته الماهر بفجاجه ومراميه عين أَعْيَان سكان صنعاء وَمن حسنت بِهِ الأيام صنعاء القاضي الثبت الْعَلامَة الحلاحل الْعُمْدَة النحرير الفهامة الْغَيْث المدرار المقتطف من بُسْتَان عوارفه نوافح الأزهار ويانع الأثمار المقتبس من ثاقب فهومه أنوار الشموس والأقمار الكافل بغاية السؤل وَالتَّحْقِيق وَمن هُوَ بِكُل ثَنَاء خليق الَّذِي إذا اجْتمعت الْفَضَائِل فَهُوَ مُنْتَهى الجموع بغية الحديث: 179 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 المستفيد بِالْعلمِ النافع الَّذِي لَيْسَ بمقطوع وَلَا مَمْنُوع من لَيْسَ لَهُ في تَحْقِيق الْعُلُوم ثاني مُحَمَّد بن علي بن مُحَمَّد الشوكاني حفظه الله وأمده بالتوفيق في جَمِيع الأمور وَأصْلح بتسديد آرائه الثاقبة ومقاصده الْحَسَنَة أَحْوَال الْجُمْهُور وَلَا زَالَ مَرْفُوع الجناب إلى الْغَايَة مَنْصُوبَة رايات مجده بداية وَنِهَايَة مُسْند إليه صَحِيح أَحَادِيث كل فَضِيلَة على الْحَقِيقَة لَا الْمجَاز مَحْكُوم لَهُ بِصدق المقدمتين بِأَنَّهُ كعبة أولي التَّحْقِيق الَّتِى لَيْسَ بَينهَا وَبَين طَالب الإفادة حجاز فَلَو مثلت كتب النُّحَاة بنعته لما جَازَ أَن يجري على نَعته النَّقْص وَالله الْمَسْئُول أَن يُعينهُ ويعافيه وَعَلِيهِ من السَّلَام مَا يحفل بِهِ وَمن الإكرام مَا يراوحه ويغاديه (تَحِيَّة صبّ مَا الْفُرَات وماؤه ... بأعذب مِنْهَا وَهُوَ أَزْرَق سلسال) (تخصّ خدين الْفضل بدر أَوَانه ... سليل على من بِهِ حسن الْحَال) (أَخا الْعلم وَالتَّحْقِيق فِي كل مَبْحَث ... فَمَا غَيره يُرْجَى إذا عَن إشكال) (هُوَ الْحَاكِم الفيصول والعالم الَّذِي ... لَهُ في عُلُوم الشَّرْع ورد ومنهال) ثمَّ أَطَالَ النَّفس وَختم النثر بقصيدة من شعره أَولهَا (سر يابريد بهَا بِغَيْر تمنع ... وارو الحَدِيث عَن اللواو الاجرع) (واحفظ حَدِيثهمْ الصَّحِيح وَلَا تزل ... ترويه عَنْهُم عَالِيا في الْمجمع) (فالعلم فِي علم الحَدِيث وَأَهله ... أَتبَاع أشرف شَافِع وَمُشَفَّع) (لازال طَائِفَة هداة مِنْهُم ... يَرْوُونَهُ من أورع عَن أورع) (لاسيما بَحر الْعُلُوم وحايز الْمَنْطُوق ... وَالْمَفْهُوم شمس المطلع) (حاوى الاصول مَعَ الْفُرُوع وناثر ... أزهارها من بَحر علم أَنْفَع) (سمع الحَدِيث رِوَايَة ودراية ... عَن كل شيخ عَالم متضلع) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 (أعنى بِهِ عز الْأَنَام مُحَمَّدًا ... نجل الْجمال الْحَاكِم المتورّع) (علم السراة الغر في علم وفي ... كرم وَحسن شمائل لم تجمع) (من خصّ من كنز الأنام بِمنْصب ... بشريف تَرْجِيح منيف ارجع) (محيي عُلُوم الطاهرين وَسنة ... الْمُخْتَار من فضل الْحَكِيم الْمُبْدع) وهي قصيدة طَوِيلَة وَلكنهَا من جنس شعر الْعلمَاء لامن شعر الأدباء وَهُوَ الْآن حَيّ يُفِيد في وَطنه وأخباره تبلغنَا جملَة لَا تَفْصِيلًا حرف السِّين الْمُهْملَة 180 - أَبُو السُّعُود أفندي الإِمَام الْكَبِير عَالم الروم برع في جَمِيع الْفُنُون وفَاق الأقران ومولده سنة تِسْعمائَة وَأخذ عَن أكَابِر علمائها ودرس بمدارسها وَصَارَ قَاضِيا بِمَدِينَة بروسا ثمَّ صَار قَاضِيا للعسكر ثمَّ صَار مفتياً بقسطنطينية وَعين لَهُ السُّلْطَان كل يَوْم مِائَتَيْنِ وَخمسين درهماً وَله تصانيف مِنْهَا التَّفْسِير الْمَشْهُور عِنْد النَّاس بَابي السُّعُود في مجلدين ضخمين سَمَّاهُ إرشاد الْعقل السَّلِيم إِلَى مزايا الْكتاب الْكَرِيم وَهُوَ من أجل التفاسير وأحسنها وأكثرها تَحْقِيقا وتدقيقاً وأهداه للسُّلْطَان سُلَيْمَان خَان فأنعم عَلَيْهِ بنعم عَظِيمَة وَزَاد في معلومه اليومي زِيَادَة وَاسِعَة وَكَانَ قد تناهت عَظمته فِي الممالك الرومية وَصَارَ الْمرجع في جَمِيع مَا يتَعَلَّق بِالْعلمِ وَمَات في سنة 982 اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة الحديث: 180 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 181 - سعود بن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن سعود ولد تَقْرِيبًا سنة 1160 سِتِّينَ وَمِائَة وَألف أَو قبلهَا بِقَلِيل أَو بعْدهَا بِقَلِيل فى وَطنه ووطن اهله الْقرْيَة الْمَعْرُوفَة بالدرعية من الْبِلَاد النجدية وَكَانَ قَائِد جيوش أَبِيه عبد الْعَزِيز وَكَانَ جدّه مُحَمَّد شَيخا لقريته الَّتِى هُوَ فِيهَا فوصل إِلَيْهِ الشَّيْخ الْعَلامَة مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب الداعي إِلَى التَّوْحِيد الْمُنكر على المعتقدين في الْأَمْوَات فَأَجَابَهُ وَقَامَ بنصره وَمَا زَالَ يُجَاهد من يُخَالِفهُ وَكَانَت تِلْكَ الْبِلَاد قد غلبت عَلَيْهَا أُمُور الْجَاهِلِيَّة وَصَارَ الإسلام فِيهَا غَرِيبا ثمَّ مَاتَ مُحَمَّد بن سعود وَقد دخل فى الدَّين بعض بِلَاد النجدية وَقَامَ وَلَده عبد الْعَزِيز مقَامه فَافْتتحَ جَمِيع الديار النجدية والبلاد العارضية والحسا والقطيف وجاوزها إِلَى فتح كثير من الْبِلَاد الحجازية ثمَّ استولى على الطَّائِف وَمَكَّة وَالْمَدينَة وغالب جَزِيرَة الْعَرَب وغالب هَذِه الْفتُوح على يَد وَلَده سعود ثمَّ قَامَ بعده وَلَده سعود فتكاثرت جُنُوده واتسعت فتوحه ووصلت جُنُوده إِلَى الْيمن فافتتحوا بِلَاد أَبى عَرِيش وَمَا يتَّصل بهَا ثمَّ تَابعهمْ الشريف حمود بن مُحَمَّد شرِيف أَبى عَرِيش وَقد تقدمت تَرْجَمته وأمدوه بالجنود فَفتح الْبِلَاد التهامية كاللحية والحديدة وَبَيت الْفَقِيه وزبيد وَمَا يتَّصل بِهَذِهِ الْبِلَاد ومازال الوافدون من سعود يفدون إلينا إِلَى صنعاء إِلَى حَضْرَة الامام الْمَنْصُور والى حَضْرَة وَلَده الامام المتَوَكل بمكاتيب اليهما بالدعوة إلى التَّوْحِيد وَهدم الْقُبُور المشيدة والقباب المرتفعة وَيكْتب إليّ أَيْضا مَعَ مَا يصل من الْكتب إلى الإماميين ثمَّ وَقع الْهدم للقباب والقبور المشيدة في صنعاء وَفِي كثير من الامكنة الْمُجَاورَة الحديث: 181 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 وَلها وفى جِهَة ذمّار وَمَا يتَّصل بهَا ثمَّ خرج باشة مصر إلى مَكَّة بعد إرساله بِجُنُود افتتحوا مَكَّة وَالْمَدينَة والطائف وغلبوا عَلَيْهَا وَهُوَ الآن فِي مَكَّة وَالْحَرب بَينه وَبَين سعود مُسْتَمر وَمَات سعود في هَذِه السنة 1229 تسع وَعشْرين وماتين وألف وَقَامَ بالأمر وَلَده عبد الله بن سعود وَقد أفردت هَذِه الْحَوَادِث الْعَظِيمَة بمصنف مُسْتَقل وسيأتي في تَرْجَمَة الشريف غَالب شرِيف مَكَّة إشارة إلى طرف من هَذِه الْحَوَادِث 182 - سعيد بن علي القرواني الشبّامي ثمَّ الصّنعاني الأديب الْفَائِق في نظمه ونثره الْمجِيد في جَمِيع مَا يبديه من ذَلِك كَانَ من جملَة ندماء الْفَقِيه احْمَد بن علي النهمي وَزِير الإمام الْمهْدي الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن وبسببه اتَّصل بالإمام وَجعل بنظره صدقَات القاصدين لحضرته فسلك فِي ذَلِك مسلكاً مشكوراً ونظمه كُله غرر وَلكنه كَانَ لَا يعتنى بجمعه وَمِنْه من قصيدة (فِي خدها زهر المحاس يَانِع ... وبثغرها درّ جرى جريالا) (والخصر مِنْهَا كالنسيم رشاقة ... متحمل من ردفها أثقالا) وَمِنْهَا فِي المديح (من فتية غرسوا الْجَمِيل أجنة ... وجنوا ثمار المكرمات رجَالًا) (المسرعين إلى المكارم كلّما ... وجدوا إلى إسراعهن مجالا) (وَأَبُوك من حَاز العلى طفْلا وَمن ... أغْلى الفخار وأرخص الآجالا) (الناسك الأواه وَالْملك الَّذِي ... عَمت يَدَاهُ الْعَالمين نوالا) (كالبحر صَدرا وَالْجِبَال رجاحة ... وَالنَّار ذهنا والهلال منالا) وَتوفى سنة 1204 أَربع وماتين وَألف وَولده عبد الله لَهُ شعر فائق الحديث: 182 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 مَعَ لطافة وظرافة وَحسن محاضرة وعفاف وقنوع بالكفاف وَهُوَ الْآن حَيّ 183 - سعيد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن سعد بن أبي بكر المقدسي الحنفي نزيل الْقَاهِرَة الْمَعْرُوف بِابْن الدّيري نِسْبَة إلى مَكَان يُقَال لَهُ الدَّيْر اَوْ إلى دير في بَيت الْمُقَدّس ولد في يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع عشر رَجَب سنة 868 ثَمَان وَسِتِّينَ وثمان مائَة وَحفظ في صغره الْقُرْآن ومختصر ابْن الْحَاجِب الأصلي والمشارق لعياض وَكَانَ سريع الْحِفْظ مفرط الذكاء وأكب على الِاشْتِغَال وتفقه بِأَبِيهِ وبالكمال السريحي وَابْن النَّقِيب وَالشَّمْس بن الْخَطِيب والمحب الفاسي وَجَمَاعَة كَثِيرَة في فنون عدَّة وبرع فِي الْفِقْه حَتَّى صَار المرجوع إِلَيْهِ فِيهِ وشارك فِي سَائِر الْفُنُون وَتَوَلَّى قَضَاء الْحَنَفِيَّة وَصَارَ مُعظما عِنْد الْمُلُوك والوزارء والأمراء وَقد عرض الْقَضَاء على ابْن الْهمام والامين والاقصرايى فامتنعا وَقَالا لَا يقدران على ذَلِك مَعَ وجودة وَقد انْتفع بِهِ النَّاس وَكَثُرت تلامذته وتبجح الاكابر بالقعود بَين يَدَيْهِ وَأخذ عَنهُ أهل كل مَذْهَب وَقصد بالفتاوى من سَائِر الْآفَاق وَله تصانيف مِنْهَا شرح عقائد النسفى وَالْكَوَاكِب النيرات فِي وُصُول ثَوَاب الطَّاعَة إِلَى الأموات والسهام المارقة في كبد الزَّنَادِقَة وفتوى في الْحَبْس في التُّهْمَة فِي جُزْء ورسالة في نوم الْمَلَائِكَة هَل هُوَ كَائِن أم لَا وَهل منع الشّعْر مَخْصُوص بنبينا صلى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم أم هُوَ عَام لكل الْأَنْبِيَاء وَشرع في تَكْمِلَة شرح الْهِدَايَة للسروجي فَكتب مِنْهُ مجلدات وَله نظم فَمِنْهُ قصيدة مطْلعهَا (مابال سرك بالهوى قد لاحا ... وخفي أَمرك صَار مِنْك بواحا) وَلم يزل على جلالته إِلَى أَن مَاتَ في تَاسِع ربيع الآخر سنة 867 الحديث: 183 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 سبع وَسِتِّينَ وثمان مائَة وأكرمه الله قبل مَوته بِشَهْر بانفصاله عَن الْقَضَاء 184 - سُلَيْمَان بن إبراهيم بن عمر بن علي بن عمر بن نَفِيس الدَّين العكي العدنانى الزبيدى التعزي الحنفي وَيعرف بنفيس الدَّين العلوي نِسْبَة إِلَى علي بن رَاشد شَيْخه ولد فِي ظهر يَوْم الثُّلَاثَاء سادس عشر رَجَب سنة 745 خمس وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وَأخذ عَن وَالِده والشمّاخي وعَلى بن رَاشد وَالْمجد صَاحب الْقَامُوس وَغَيرهم وَأَجَازَ لَهُ البلقيني وَابْن الملقن والعراقي والهيتمي والمناوي وبرع فِي الحَدِيث وَصَارَ شيخ الْمُحدثين بِبِلَاد الْيمن وحافظهم وَأخذ عَنهُ النَّاس طبقَة بعد طبقَة وَارْتَحَلُوا إِلَيْهِ من الافاق وتتلمذ لَهُ مَالا يُحِيط بِهِ الْحصْر حدث عَن نَفسه أَنه قَرَأَ البخاري أَكثر من خمسين مرة وَوَصفه شَيْخه صَاحب الْقَامُوس فَقَالَ إمام السنة وأما ابْن حجر فَقَالَ فِي أنبائه إنه مَعَ محبته للْحَدِيث وإكبابه على الرِّوَايَة غير ماهر فِيهِ انتهى وَقد درّس بعدة مدارس حَتَّى مَاتَ في سَابِع عشر جُمَادَى الأولى سنة 825 خمس وَعشْرين وثمان مائَة 185 - سليم بن بايزيد بن مُحَمَّد بن مُرَاد بن مُحَمَّد بن بايزيد بن مُرَاد ابْن أورخان بن عُثْمَان الغازي سُلْطَان الروم وَابْن سلاطينها ولد سنة 872 اثْنَتَيْنِ وَسبعين وثمان مائَة وَاسْتولى على جَمِيع مَا كَانَ تَحت يَد أَبِيه واستفتح مصر وَالشَّام وانتزعهما من يَد سُلْطَان الجراكسة إذ ذَاك وَهُوَ قانصوه الغوري وَقَتله وغزى إلى بِلَاد الْعَجم وَحَارب شاه اسماعيل الاني ذكره وغلبه وَقتل رِجَاله وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة سُلْطَانا عَظِيما شَدِيد الْبَطْش عَظِيم الصولة سفّاكاً للدماء طائش السَّيْف وَكَانَ قد أخبر وَالِده بعض الْكُهَّان أَنه يكون ذهَاب الحديث: 184 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 ملكه على يَد ولد لَهُ سيولد فَأمر الْقيمَة على نِسَائِهِ أَن تقتل كل مَوْلُود ذكر فولد صَاحب التَّرْجَمَة فَأَرَادَتْ قَتله فأدركتها الشَّفَقَة عَلَيْهِ فتركته وأظهرت أنه أُنْثَى اسْمهَا سليمَة فمضت على ذَلِك أَيَّام ثمَّ إن السُّلْطَان أَرَادَ أَن يجمع بَنَاته فجمعهن وفيهن صَاحب التَّرْجَمَة فَوضع لَهُنَّ حلوى فَمَا زَالَ صَاحب التَّرْجَمَة يَأْخُذ مافي أيدي أخواته ويضربهن وَالسُّلْطَان ينظر إِلَى ذَلِك ثمَّ مرزنبور فَأَخذه ومرسه بِيَدِهِ حَتَّى مَاتَ فَقَالَ السُّلْطَان هَذَا لَا يكون إِلَّا ذكرا فأصدقوه الْخَبَر فأذعن للْقَضَاء وَكَانَ زَوَال ملكه على يَد صَاحب التَّرْجَمَة فإنه قهره وَأخذ الْملك من يَده وسمى عِنْد أَن تبين لوالده أنه ذكر سليماً وَله فتوحات عَظِيمَة وَمَات سنة 926 سِتّ وَعشْرين وَتِسْعمِائَة وجلوسه على سَرِير السلطنة سنة 917 وَتَوَلَّى بعده السلطنة وَلَده سُلَيْمَان ابْن سليم ومولده سنة 900 تِسْعمائَة وتسلطن سنة 929 وَله الفتوحات الْعَظِيمَة والجهادات الْمَشْهُورَة وَهُوَ الَّذِي أرسل الْجنُود إِلَى الْيمن فِي أيام المطهر بن شرف الدَّين وَمَات سنة 974 أَربع وَسبعين وَتِسْعمِائَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 وَتَوَلَّى السلطنة بعده سليم بن سُلَيْمَان بن سليم وَكَانَ مولده سنة 929 تسع وعشربن وَتِسْعمِائَة وجلوسه على التخت سنة 974 وَمَوته سنة 983 ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وَقد ذكرت هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَهْ السلاطين هُنَا لكَوْنهم جَمِيعًا متفقين في حرف الِاسْم 186 - سُلَيْمَان بن حَمْزَة بن أَحْمد بن عمر بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن قدامَة القاضي تقي الدَّين ولد فِي رَجَب سنة 628 ثَمَان وَعشْرين وستمائة وَسمع من كَرِيمَة والحافظ الضياء وَقَرَأَ في الْفِقْه على جمَاعَة وتميّز فى الحَدِيث وجد واجتهد وشارك فِي ساير الْفُنُون وَحدث وَهُوَ شَاب ثمَّ تكاثروا عَلَيْهِ بعد ذَلِك وَحدث بالكثير وَتخرج بِهِ جمَاعَة وَولى الْقَضَاء عشْرين سنة فاشتهر بِالْعَدْلِ وَعدم الْمُحَابَاة والتصميم على الْحق وَلما وَقعت محنة ابْن تَيْمِية وألزم الْحَنَابِلَة بِالرُّجُوعِ عَن معتقدهم تطلف صَاحب التَّرْجَمَة ومازال كَذَلِك حَتَّى سكنت الْفِتْنَة وَلم يزل على حَاله الْجَمِيل حَتَّى توفي فِي ذي الْقعدَة سنة 715 خمس عشرَة وَسَبْعمائة 187 - السَّيِّد سُلَيْمَان بن يحيى بن عمر الأهدل الزبيدي الشَّافِعِي أَخذ عَن جمَاعَة من أَعْيَان بَلَده مِنْهُم وَالِده وَمُحَمّد بن عَلَاء الدَّين المزجاجي وَغَيره وبرع فِي الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة والنقلية وَعَكَفَ على التدريس فَأخذ عَنهُ الطّلبَة من أهل بَلَده وَغَيرهم وَصَارَ مُحدث الديار اليمنية غير مدافع الحديث: 186 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 ورحل إليه الطّلبَة من سَائِر الْبِلَاد وَتفرد بِهَذَا الشأن وَاجْتمعَ لَدَيْهِ آخر أَيَّامه مِنْهُم جمَاعَة وافرة وَهُوَ الْمُفْتى في الْجِهَات الزبيدية والمرجوع إليه في جَمِيع المشكلات وَلما مَاتَ في يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشر شهر شَوَّال سنة 1197 سبع وَتِسْعين وَمِائَة وألف قَامَ مقَامه وَلَده الْعَلامَة عبد الرَّحْمَن سُلَيْمَان في وَظِيفَة التدريس والإفتاء مَعَ حَدَاثَة سنه وَله شغلة كَبِيرَة بالعلوم والعقلية والنقلية وميل إلى التَّعَبُّد وأفعال الْخَيْر وَهُوَ الآن حي وفتاويه تصل إلينا وهي فَتَاوَى متقنة ينْقل في كل مَا يرد عَلَيْهِ من السؤالات نُصُوص أَئِمَّة مذْهبه من الشَّافِعِيَّة وَقد كتب إليّ معاهدة مُشْتَمِلَة على نثر حسن يدل على تعلقه بالأدب ووالد المترجم لَهُ السَّيِّد يحيى بن عمر هُوَ مُسْند الديار اليمينة وَله مَجْمُوع في الأسانيد نَفِيس وَمن بعده من المشتغلين بِعلم الرِّوَايَة عِيَال عَلَيْهِ 188 - سلاّر التتري المنصوري كَانَ من مماليك الصَّالح علي بن قلاون فَلَمَّا مَاتَ صَار من خَواص ابْنه ثمَّ من خَواص الأشرف وناب في الْملك عَن النَّاصِر وَاسْتمرّ في ذَلِك فَوق عشر سِنِين وانتدب إلى الكرك لإحضار النَّاصِر فركن إليه وَسَار مَعَه وَلما عَاد إلى السلطنة قدمه على الْكل وَغلب على الأمور وَصَارَ الأمر بِيَدِهِ وبيد بيبرس الْمُتَقَدّم ذكره وَكَانَ يُقَال إن إقطاعاته بلغت نَحْو أَرْبَعِينَ طبلخانة واشتهر بَين الْعَوام أَن دخله فِي كل يَوْم مائَة ألف دِرْهَم وَلما غلب على المملكة هُوَ وبيبرس سَار النَّاصِر إلى الكرك مغاضباً وعزل نَفسه عَن السلطنة فَوَقع الِاتِّفَاق على سلطنة سلاّر فَامْتنعَ واصر فتسلطن بيبرس وبقى على حَاله فى النِّيَابَة ثمَّ بلغه أَن حَاشِيَة بيبرس ألحت الحديث: 188 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 عَلَيْهِ فى الْقَبْض على سلار فتمارض وَاتفقَ انحلال أَمر بيبرس على الصفة الَّتِى تقدم ذكرهَا وَرُجُوع النَّاصِر إلى السلطنة فَسَأَلَهُ سلاّر أَن ينعم عَلَيْهِ بِولَايَة الشوبك فَفعل ذَلِك ثمَّ قبض النَّاصِر على مماليكه ثمَّ أرسل لَهُ يَطْلُبهُ فأشاروا عَلَيْهِ بالفرار إلى الْحجاز أَو إلى التتر فَلم يفعل وَقدم إلى النَّاصِر فَقبض عَلَيْهِ فى سلخ ربيع الاول سنة 715 وَمنع مِنْهُ الطَّعَام حَتَّى مَاتَ جوعاً وَوجد لَهُ ثَلَاث مائَة ألف ألف دِينَار كَمَا حَكَاهُ الجزري واستبعد ذَلِك الذهبي وَقَالَ إن هَذَا الْمِقْدَار يكون حمل خَمْسَة آلَاف بغل وَمَا سمع بذلك عَن أحد من كبار السلاطين ولاسيما وَهُوَ خَارج عَن الْجَوَاهِر والحلى وَالْخَيْل وَالسِّلَاح وَغير ذَلِك وَمن عجب الدَّهْر أنه دخل عَلَيْهِ في عَام مَوته من غلاته ستماية ألف إردب وَمَات جوعاً وَكَانَ أعجوبة فِي الْكَرم فإنه أعطى وَاحِدًا ألف دِينَار وأربعة آلَاف أردب وأعطى لآخر أَرْبَعَة آلَاف أردب وَألف رَأس غنم وَكَانَ مَشْهُورا بالشجاعة والفروسة حَتَّى كَانَ لَا يَتَحَرَّك على ظهر فرسه اذا رَكبه 189 - سيف بن مُوسَى بن جَعْفَر البحرانى المسكتى وَفد الينا إلى صنعاء سنة 1234 رَاجعا من الْحَج وَله حرص على الْعلم وشغف بالبحث عَن الْمسَائِل كَانَ يصل إليّ وَقد كتب مسَائِل في قَرَاطِيس ثمَّ يسْأَل عَنْهَا فَأُجِيب عَلَيْهِ فَيكْتب الجوابات في تِلْكَ الْقَرَاطِيس وَهُوَ أديب لَبِيب متودد حسن الأخلاق فصيح اللِّسَان قَرَأَ في بِلَاده في الآلات وَالْفِقْه والْحَدِيث وَالتَّفْسِير والأصول وَالْكَلَام وَعلم الْحِكْمَة الحديث: 189 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 الالهية وَذكر لنا أَنه قد ولى قَضَاء بعض الْبِلَاد الراجعة الى مسكات وَهُوَ مَكَان يُقَال لَهُ صحار بمهملات وَذكر لنا أَنه لم يبْقى على مَذْهَب الخارجية فى بندر مسكات الاصاحب أمرهَا وَمن يلوذ بِهِ وَالْبَاقُونَ على مَذْهَب الشَّافِعِيَّة وَالْحَنَفِيَّة وفيهَا إمامية هُوَ مِنْهُم وَلَكِن مَعَ إنصاف وَفهم كتب الى من شعره هَذِه الثَّلَاثَة الابيات (يامن أَتَى صنعاء يَبْغِي مفخرا ... ويروم مجداً أَو علو الشان) (فليأت نَادَى حبرها وعميدها ... قطب الأوان مُحَمَّد الشوكانى) (جبر تدفق مثل بَحر علمه ... هَذَا وَلَيْسَ لَهُ بصنعا ثَانِي) وَله أشعار كَثِيرَة جَيِّدَة وَهَذَا الْمَقْطُوع يدل على مَا وَرَاءه وسافر من صنعاء فى شهر شَوَّال سنة 1234 حرف الشين الْمُعْجَمَة 190 - شاه إسماعيل بن حيدر بن جُنَيْد بن إبراهيم بن على بن مُوسَى ابْن إسحاق الأردبيلي سُلْطَان الْعَجم لم أَقف على تَارِيخ مولده وَلَا على تَارِيخ وَفَاته وَلكنه معَارض لسلطان الروم السُّلْطَان سليم وَقد تقدم تَارِيخ مَوته وَكَانَ سلف صَاحب التَّرْجَمَة مَشَايِخ متصوفة يعتقدهم الْمُلُوك ويعظمهم النَّاس ويقفون عِنْدهم في زواياهم وَقد كَانَ تيمور يعْتَقد مُوسَى بن إسحاق الْمَذْكُور فِي نسب صَاحب التَّرْجَمَة وَكَانَ شاه رخ الآتي ذكره يعْتَقد علي بن مُوسَى الْمَذْكُور فَلَمَّا جلس في الزاوية جُنَيْد الْمَذْكُور كثرت اتِّبَاعه فَتوهم مِنْهُ صَاحب أذربيجان فَأخْرجهُ هُوَ وَأَتْبَاعه فَخَرجُوا فَقتل سُلْطَان شرْوَان جنيداً ثمَّ الحديث: 190 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 اجْتَمعُوا بعد مُدَّة على حيدر وَالِد صَاحب التَّرْجَمَة فألبس أَصْحَابه التيجان الْحمر فسمّاهم النَّاس قزل باش فَصَارَ كأحد السلاطين فَقتل ثمَّ اجْتَمعُوا بعد مُدَّة على شاه إسماعيل صَاحب التَّرْجَمَة وَكَثُرت اتِّبَاعه فغزا سُلْطَان شرْوَان فَكَانَ الغلب لصَاحب التَّرْجَمَة وَأسر جَيْشه سُلْطَان شرْوَان فَأَمرهمْ أَن يضعوه في قدر كَبِير ويأكلوه ثمَّ افْتتح ممالك الْعَجم جَمِيعهَا وَكَانَ يقتل من ظفر بِهِ ومانهبه من الأموال قسمه بَين أصحابه وَلَا يَأْخُذ مِنْهُ شَيْئا وَمن جملَة مَا ملك تبريز وأذربيجان وبغداد وعراق الْعَجم وعراق الْعَرَب وخراسان وَكَاد أَن يدعي الربوبية وَكَانَ يسْجد لَهُ عسكره ويأتمرون بأَمْره قَالَ قطب الدَّين الحنفي في الْأَعْلَام أنه قتل زِيَادَة على ألف ألف نفس قَالَ بِحَيْثُ لَا يعْهَد في الْجَاهِلِيَّة وَلَا في الإسلام وَلَا فِي الْأُمَم السَّابِقَة من قبل من قتل النُّفُوس مَا قَتله شاه إسماعيل وَقتل عدَّة من أعاظم الْعلمَاء بِحَيْثُ لم يبْق من أهل الْعلم أحد في بِلَاد الْعَجم وأحرق جَمِيع كتبهمْ ومصاحفهم وَكَانَ شَدِيد الرَّفْض بِخِلَاف آبَائِهِ وَمن جملَة تَعْظِيم أَصْحَابه لَهُ أَنه سقط مرة منديل من يَده إلى الْبَحْر وَكَانَ على جبل شَاهِق مشرف على ذَلِك الْبَحْر فَرمى نَفسه خلف المنديل فَوق الف نفس تحطموا وتكسروا وغرقوا وَكَانُوا يَعْتَقِدُونَ فِيهِ الألوهية ذكر ذَلِك القطب الْمَذْكُور وَلم تنهزم لَهُ راية حَتَّى حاربه السُّلْطَان سليم الْمُتَقَدّم ذكره فَهَزَمَهُ ثمَّ صَالحه بعد ذَلِك 191 - شاه رخّ بن تيمورلنك صَاحب هراة وسمرقند وبخارى وشيراز وَمَا والاها من بِلَاد الْعَجم وَغَيرهَا بل ملك الشرق على الإطلاق تولى الْملك بعد ابْن أَخِيه خَلِيل ابْن أميران شاه بن تيمور الْمُتَقَدّم ذكره وحمدت سيرته وَكَانَ يُكَاتب الحديث: 191 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 مُلُوك مصر ويكاتبونه ويهاديهم ويهادونه وَكَانَ ضخماً وافر الحرمة نَافِذ الْكَلِمَة نَحوا من أَبِيه مَعَ عفة وَعدل فِي الْجُمْلَة وميل إلى الْعلم وَأَهله ووصلت مِنْهُ كتب إلى سُلْطَان مصر يستدعي فتح الباري وَلم يكن قد فرغ مِنْهُ مُؤَلفه فجهزله بعضه وجهزت بَقِيَّته بعد ذَلِك وَكَانَ متواضعاً محببا الى رَعيته مكرما لأهل الْعلم قَاضِيا لحوايجهم لَا يضع المَال إلا في حَقه ضَعِيفا فِي بدنه يَعْتَرِيه الفالج كثيراً يحب السماع بل يعرفهُ وَيضْرب بِالْعودِ مَعَ حَظّ من الْعِبَادَة والأوراد ومحافظة على الطَّهَارَة الْكَامِلَة وَيجْلس مُسْتَقْبل الْقبْلَة والمصحف بَين يَدَيْهِ وَاتفقَ أَنه طلب من الأشرف برسباي الْمُتَقَدّم ذكره أن يَأْذَن لَهُ في كسْوَة الْبَيْت لكَونه نذر بذلك فأبى الأشرف وخشن لَهُ في الرَّد وترددت الرُّسُل بَينهمَا مرَارًا وَبَالغ في طلب ذَلِك وَلَو تكون الْكسْوَة الَّتِى يرسلها من دَاخل الْكَعْبَة أَو يرسلها إلى الأشرف وَهُوَ يُرْسل بهَا وَفَاء لنذرة وَهُوَ يمْتَنع محتجاً بأجوبة أجَاب بهَا عَلَيْهِ جمَاعَة من المفتيين ثمَّ أن المترجم لَهُ أرسل إلى برسباي جمَاعَة زعم أَنهم أَشْرَاف وعَلى يدهم خلعة لَهُ فَاشْتَدَّ غَضَبه من ذَلِك ثمَّ جلس بالأصطبل السلطاني واستدعاهم ثمَّ أَمر بالخلعة فمزقت وضربهم بِحَيْثُ اشرف عظيمهم على الْهَلَاك ثمَّ ألقوا منكسين فِي فسقية مَاء بالإسطبل والخدم ممسكون بأرجلهم يغمسونهم بِالْمَاءِ حَتَّى أشرفوا على الْهَلَاك وَالسُّلْطَان مَعَ ذَلِك يسب مرسلهم جهاراً ويحط من قدره مَعَ مزِيد تغير لَونه لشدَّة غَضَبه ثمَّ قَالَ لَهُم وَقد جِيءَ بهم إلى بَين يَدَيْهِ بعد ذَلِك قُولُوا لشاه رخ الْكَلَام الْكثير لَا يصلح إلا من النِّسَاء وَكَلَام الرِّجَال لاسيما الْمُلُوك إنما هُوَ فعل وَهَا أَنا قد أبدعت فِيكُم كسراً لِحُرْمَتِهِ فإن كَانَ لَهُ مَادَّة وَقُوَّة فليتقدم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 فَلَمَّا بلغ ذَلِك إِلَيْهِ سكت عَن مَطْلُوبه مُدَّة حَيَاة الأشرف وَلما اسْتَقر الْملك الظَّاهِر بعد الْأَشْرَف أرسل إِلَيْهِ بِهَدَايَا وتحف وَأظْهر السرُور بسلطنته وَذكر أَنَّهَا دقَّتْ لذَلِك البشائر بهراة وزينت أَيَّامًا فَأكْرم الظَّاهِر قصاده وأنعم عَلَيْهِم ثمَّ أرسل في سنة 846 سِتّ وَأَرْبَعين وثمان مائَة يسْتَأْذن في وَفَاء نَذره فَأذن لَهُ حسماً لمادة الشَّرّ ودفعاً للفتنة فصعب ذَلِك على الأمراء والأعيان فَلم يلْتَفت السُّلْطَان إلى كَلَامهم وَوصل رسله بهَا فِي رَمَضَان سنة 848 فِي نَحْو مأته نفس مِنْهُم قاضي الْملك وَهُوَ مَشْهُور بِالْعلمِ ببلادهم وتلقاهم الأمراء والقضاة والمباشرون وأنزلوا وأكرموا ثمَّ صعدوا بالكسوة وهدية فَأمر أَن يَأْخُذهَا نَاظر الْكسْوَة بِالْقَاهِرَةِ ويبعثها لتلبس من دَاخل الْبَيْت وَانْصَرفُوا فَلَمَّا وصلوا بَاب القلعة أَخذهم الرَّجْم من الْعَامَّة والسب واللعن وناهبوهم وتألم السُّلْطَان لذَلِك وَأمْسك بعض المثيرين للفتنة وَقطع أيدي جمَاعَة مِنْهُم وَضرب جمَاعَة وَبَالغ في إكرامهم لجبر الخواطر وَمَعَ ذَلِك تحرّك صَاحب التَّرْجَمَة للبلاد الشامية فَلَمَّا وصل النواحي السُّلْطَانِيَّة مَاتَ وَذَلِكَ في سنة 851 إِحْدَى وَخمسين وثمان مائَة وَيُقَال إن الْكسْوَة كَانَت لَا تساوي ألف دِينَار 192 - شاه شُجَاع بن مُحَمَّد بن مظفر ملك شيراز وعراق الْعَجم اسْتَقر فِي الْملك بعد أَن سجن أَبَاهُ وَقرر أَخَاهُ شاه مَحْمُود فى بِلَاد أصفهان وقم وقاشان وَكَانَ لصَاحب التَّرْجَمَة اشْتِغَال بِالْعلمِ واشتهار بِقُوَّة الْفَهم ومحبة الْعلمَاء وَكَانَ ينظم الشّعْر وَيُحب الأدباء ويجيز على المدايح وَقصد من سَائِر الْبِلَاد وَيُقَال انه كَانَ يقْرَأ الْكَشَّاف وَكتب مِنْهُ نُسْخَة بِخَطِّهِ الْفَائِق وَكَانَ يعرف الاصول والعربية وَله أشعار كَثِيرَة بِالْفَارِسِيَّةِ وطالت أَيَّامه الحديث: 192 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 وَكَانَ حسن السِّيرَة وَلما استولى تيمور على بِلَاد الْعَجم راسل مُلُوك عراق الْعَجم وعراق الْعَرَب فبادر إِلَى مهادنته ومهاداته ليكفى شَره فَلَمَّا حَضَره الْمَوْت أوصى بمملكته لوَلَده زين العابدين وَأرْسل إِلَى تيمور يوصيه عَلَيْهِ فاستقر وَلَده مَكَانَهُ وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة قد ابتلى بِكَثْرَة الْأكل فَكَانَ يأكل وَلَا يشْبع حَتَّى كَانَ إِذا توجه إِلَى جِهَة تسير البغال محملة بالقدور الَّتِى عَلَيْهَا الأطعمة وَلَا يزَال يَأْكُل وَهُوَ يسير وَلم يكن يقدر على الصَّوْم وَكَانَ يكفر وَكَانَ يتبهل إِلَى الله كثيراً أَن لَا يجمع بَينه وَبَين تيمور فأجيبت دَعوته وَمَات فِي سنة 787 سبع وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة قبل مَجِيء تيمور إِلَى عراق الْعَجم 193 - السَّيِّد شرف الدَّين بن احْمَد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن ين عبد الْقَادِر ابْن النَّاصِر بن عبد الرب بن علي ابْن شمس الدَّين بن الإمام شرف الدَّين أَمِير كوكبان وبلادها ولد فِي ربيع الآخر سنة 1159 تسع وَخمسين وَمِائَة وَألف وَاسْتقر في الإمارة بعد عَمه عِيسَى بن مُحَمَّد بن الْحسن وَهُوَ الآن مُسْتَمر على الإمارة وَفِيه عدل ورفق برعيته وَلكنه يتَعَرَّض للْكَلَام فِي الْمسَائِل العلمية إذا عرض مَا يقتضي ذَلِك فَيَأْتِي بِمَا لَا يُنَاسب رفيع قدره وَقد كاتبني غير مرّة وذاكرنى فِي مسَائِل ونصحته فأظهر الْقبُول وَلم يفعل وَاتفقَ في سنة 1213 وهي السنة الَّتِى حررت فِيهَا هَذِه التراجم أَنه وصل مِنْهُ كتاب يتَضَمَّن أنه قد صَحَّ لَدَيْهِ أَن أول شهر شعْبَان يَوْم الِاثْنَيْنِ وأن أول رَمَضَان يَوْم الاربعاء على كَمَال الْعدة وأرسل بِهِ إلى خَليفَة الْعَصْر حفظه الله فَأرْسل بِهِ الْخَلِيفَة الى فأجبت أَن ذَلِك لَيْسَ بِسَبَب شرعي يجب الصَّوْم عِنْده الحديث: 193 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 لِأَن صَاحب التَّرْجَمَة لم يكن مفتيا حَتَّى يكون قَوْله صَحَّ عندى سَببا يحب لَهُ الصَّوْم وَلم يذكر الشُّهُود حَتَّى ينظر في شأنهم وَلَا كتب الْكتاب من بِحَضْرَتِهِ من الْعلمَاء حَتَّى يحب علينا الْعَمَل بأقوالهم فَلَمَّا وصل ذَلِك إلى مَوْلَانَا الإمام حفظه الله بنى عَلَيْهِ وَترك الإشعار بِدُخُول رَمَضَان وَلم يشْعر بِالصَّوْمِ إلا لَيْلَة الْخَمِيس فَلَمَّا بلغ ذَلِك صَاحب التَّرْجَمَة وَقع عِنْده بموقع وَكتب إلى مَوْلَانَا يعاتبه وَيَقُول أنها لم ترد شَهَادَتهم على الشَّهْر الا هَذِه الْمرة وانه قد كثرالتعنت في شَأْن الشَّهَادَات فَلم يلْتَفت مَوْلَانَا حفظه الله إلى ذَلِك وَمن الغرائب أَنه انْكَشَفَ رُجُوع بعض الشُّهُود الَّذين اسنتد إليهم وَقد اتفق بيني وَبَينه تنَازع في رجل من رَعيته طلبه إلى موقف الشَّرْع رجل من أهل صنعاء فَلم يحضر فَأرْسلت لَهُ رَسُولا ففرّ إلى كوكبان فَعَاد الرَّسُول بِكِتَاب مِنْهُ مضمونه أنها لم تجر الْعَادة بالإرسال لرعيته فَأرْسلت رسولين وأمرتهما بِالْبَقَاءِ فِي بَيت الرجل فوصلا إِلَى بَيته ففر إِلَى كوكبان فبقيا فِي بَيته فَعظم الْأَمر على صَاحب التَّرْجَمَة وتوجّع من ذَلِك غَايَة التوجع ثمَّ بعد ذَلِك توَسط بعض النَّاس على أَن يحضر الرجل وَيسلم أُجْرَة الرسولين وَكَثِيرًا مَا يجرى بينى وبنيه من هَذَا وَمَا كنت أودّ لَهُ التصميم فى مثل هَذَا الأمور الشَّرْعِيَّة فإنه كثير المحاسن لَوْلَا هَذِه الْخصْلَة الَّتِى كَادَت تغطي على محاسنه وَهُوَ غير مَدْفُوع عَن بعض عرفان وَحفظ للآداب وَلكنه لَيْسَ مِمَّن يناظر فِي الْمسَائِل ويعارض في الدَّلَائِل وَهُوَ مَحْبُوب عِنْد رَعيته وَذَلِكَ دَلِيل عدله فيهم وَلم أعرفهُ لعدم معرفتي لمحله ثمَّ في صفر سنة 1228 غزا مَوْلَانَا الإمام المتَوَكل على الله بِنَفسِهِ مَعَ بعض جنده إِلَى بِلَاد كوكبان لأمر اقتضى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 ذَلِك وَكنت مَعَه وَاسْتولى على كوكبان وبلادها وَبَقينَا في حصن كوكبان نَحْو ثَلَاثَة أشهر وَكنت قد نصحت الإمام بترك هَذِه الْغَزْوَة وأنه لَا سَبَب شَرْعِي يقتضي ذَلِك فصمم وَلم يقبل ثمَّ رَجَعَ صنعاء وَأدْخل مَعَه صَاحب التَّرْجَمَة وَجَمِيع أَعْيَان آل الإمام شرف الدَّين وَلم يبْق إِلَّا الْأَقَل مِنْهُم فِي تِلْكَ الْجِهَة وَجعل للبلاد الكوكبانية والياً وَجعل صُورَة الْولَايَة لوَاحِد من أهل كوكبان وَهُوَ السَّيِّد حُسَيْن بن علي بن مُحَمَّد بن علي وَلم يكن لَهُ من الْأَمر شئ إلا مُجَرّد الصُّورَة فَقَط ثمَّ اسْتمرّ بَقَاء صَاحب التَّرْجَمَة وَبَعض الداخلين مَعَ الإمام في صنعاء سنة كَامِلَة وَزِيَادَة أَيَّام يسيرَة وَأذن الإمام حفظه الله برجوعهم بِلَادهمْ وفوض أمرهَا إِلَى صَاحب التَّرْجَمَة كَمَا كَانَت قبل ذَلِك وَهُوَ الآن مُسْتَمر على ولَايَته وَعند الِاجْتِمَاع بِهِ فى كثير من الْأَوْقَات لَا سِيمَا بعد دُخُوله صنعاء فِي الحضرة الإمامية وجدت فِيهِ من الظرافة واللطافة وَحسن المحاضرة وَجَمِيل المعاشرة وَقُوَّة الدَّين وَكَثْرَة الْعِبَادَة مَا يفوق الْوَصْف وَمَا زلت أعول على مَوْلَانَا الإمام حفظ الله بإرجاعه بِلَاده على مَا كَانَ عَلَيْهِ وَكَثُرت فِي ذَلِك حَتَّى ألهمه الله إِلَى ذَلِك فَللَّه الْحَمد ثمَّ في سنة 1233 غزا الْبِلَاد الكوكبانية مَوْلَانَا الامام المهدى ابْن الامام المتَوَكل وَوَقعت حروب طَوِيلَة بَينه وَبَين سيدي شرف الدَّين صَاحب كوكبان ثمَّ رَجَعَ الإمام بعد أَن حاصر كوكبان ثَمَانِيَة عشر يَوْمًا وأمرني بِالْبَقَاءِ فِي شبام لتَمام الصُّلْح فَبَقيت هُنَالك ثمَّ تمّ الصُّلْح على يدي وَرجعت إِلَى صنعاء وَمَعِي سيدي عبد الله بن شرف الدَّين وسيدي أَحْمد بن عَبَّاس بن إبراهيم فِي أهبة لَهما كَبِيرَة وجيش وخيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 وسكنت الْفِتْنَة بِحَمْد الله 194 - السَّيِّد شرف الدَّين بن اسمعيل بن مُحَمَّد بن إسحاق بن المهدي أَحْمد بن الْحسن بن الْقَاسِم بن مُحَمَّد ولد سنة 1140 أربعين وَمِائَة وَألف وَهُوَ أحد عُلَمَاء الْعَصْر وفضلائه ونبلائه لَهُ فى كل علم نصيب وافر وَلَا سِيمَا علم الْأُصُول فَهُوَ المتفرد بِهِ غير مدافع وَقد صَار الآن في نَيف وَسبعين سنة وَهُوَ من الْعلمَاء العاملين والفضلاء المتورعين مَعَ حسن أَخْلَاق وتواضع وَطيب محاضرة وكرم أنفاس وَقد خرج في آخر أيام الإمام المهدي الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن إِلَى بِلَاد أرحب مغاضباً لسَبَب اقْتضى ذَلِك وَجَرت حروب ثمَّ بقي هُنَالك إِلَى بعد موت الإمام المهدي وَدخل صنعاء في خلَافَة مَوْلَانَا الإمام الْمَنْصُور بِاللَّه حفظه الله واغتنم الفرصة فَرَأى لَهُ الْخَلِيفَة حفظه الله بذلك حَقًا وَمَا زَالَ مُعظما لَهُ مكرما لشأنه وفي سنة 1213 توفي عَمه الْعَبَّاس بن مُحَمَّد بن اسحق وَكَانَ أَمر آل اسحق رَاجعا إليه فَجعل مَوْلَانَا الْخَلِيفَة ذَلِك إلى صَاحب التَّرْجَمَة فباشر ذَلِك مُبَاشرَة حَسَنَة وَقد أخبرني أَنه نقل من رسائلي الَّتِى يطلع عَلَيْهَا نَحْو ثَلَاث أَو أَربع وَذَلِكَ لشغفه بِالْعلمِ ومزيد رغبته فِيهِ وإلا فَهُوَ عافاه الله لَا يحْتَاج إلى مثل مَا يحرره مثلي وَهَذَا يعد من حسن أخلافه وتواضعه ومحبته للفوائد العلمية وَله رسائل الحديث: 194 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 رصينة وإذا حرر بحثاً جَاءَ بِمَا يشفي ويكفي وَهُوَ من بقايا الْخَيْر في هَذَا الْعَصْر لجمعه بَين طول الباع فِي جَمِيع الْعُلُوم مَعَ علو السن والشرف بَارك الله في أوقاته ثمَّ توفي رَحمَه الله في آخر شهر رَجَب سنة 1223 ثَلَاث وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَألف 195 - الإمام المتَوَكل على الله شرف الدَّين بن شمس الدَّين بن الإمام المهدي أَحْمد بن يحيى قد تقدم تَمام نسبه في تَرْجَمَة جده وَلِصَاحِب التَّرْجَمَة اسمان أحدهما شرف الدَّين وَهُوَ الَّذِي اشْتهر بِهِ وَالْآخر يحيى وَلم يشْتَهر بِهِ ولد خَامِس عشر شهر رَمَضَان سنة 877 سبع وَسبعين وثمان مائَة بحصن حُضُور وَقَرَأَ على جمَاعَة من الْعلمَاء مِنْهُم عبد الله بن احْمَد الشظبي فِي التَّذْكِرَة والأزهار وَشَرحه وَفِي الْخُلَاصَة فِي علم الْكَلَام وَكَانَ ذَلِك في أَيَّام صغره ثمَّ أعَاد قِرَاءَة التذكرة على عبد الله بن يحيى الناظري ثمَّ قَرَأَ على وَالِده شمس الدَّين الطاهرية وَشَرحهَا لِابْنِ هطيل ثمَّ الكافية وَشَرحهَا وَالنّصف الاول من الْمفصل ثمَّ رَحل إلى صنعاء فِي سنة 883 فتمم قِرَاءَة الْمفصل على الْفَقِيه علي بن صَالح العلفى ثمَّ قَرَأَ شَرحه على الْفَقِيه مُحَمَّد بن إبراهيم الظفاري وَقَرَأَ عَلَيْهِ الرضي شرح الكافية وَقَرَأَ عَلَيْهِ الشافية فِي الصّرْف وَشَرحهَا وتلخيص الْمِفْتَاح والمفتاح للسكاكي على السَّيِّد الهادي بن مُحَمَّد وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْكَشَّاف ومختصر الْمُنْتَهى وَشَرحه للعضد وَقَرَأَ في الحَدِيث شِفَاء الأوام وأصول الْأَحْكَام وَبَعض جَامع الْأُصُول على الإمام مُحَمَّد بن علي الوشلي وَقَرَأَ فِي كثير من الْفُنُون وبرع في الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة والنقلية واشتهر علمه وَظَهَرت نجابته وأكبّ على نشر الْعلم ثمَّ دَعَا إِلَى نَفسه فِي الْعشْر الأولى الحديث: 195 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 من جُمَادَى الأولى سنة 912 وَكَانَ بالظفير فَبَايعهُ الْعلمَاء والأكابر وتلقاها أهل جبال الْيمن بِالْقبُولِ وَكَانَت جِهَات تهَامَة واليمن الاسفل إِلَى السُّلْطَان عَامر بن عبد الْوَهَّاب وَمَا زَالَت بَينه وَبَين الإمام مجاولات ومصاولات ثمَّ اتفق خُرُوج طَائِفَة من الجراكسة إِلَى سواحل الْيمن فِي سنة 921 فكاتبوا السُّلْطَان عَامر بن عبد الْوَهَّاب أَن يعينهم بشئ من الْميرَة لكَوْنهم خَرجُوا من الديار المصرية لمقاتلة الافرنج الَّذين فى الْبَحْر يتخطفون مراكب الْمُسلمين فَامْتنعَ عَامر فَدَخَلُوا بِلَاده وَمَعَهُمْ البنادق وَلم يكن لاهل الْيمن بهَا عهد إِذْ ذَاك فَبعث إليهم جَيْشًا كثيراً من أَصْحَابه وهم فِي قلَّة فَوَقع التلاقي فَرمى الجراكسة بالبنادق فَلَمَّا سمع جَيش عَامر أصواتها وَرَأَوا الْقَتْلَى مِنْهُم فروا فَتَبِعهُمْ الجراكسة يقتلُون كَيفَ شاؤا ثمَّ فرّ مِنْهُم عَامر وتبعوه من مَكَان إِلَى مَكَان حَتَّى وصل إِلَى قريب من صنعاء فَقَتَلُوهُ ثمَّ دخلُوا صنعاء فَفَعَلُوا أفاعيل مُنكرَة ثمَّ خَرجُوا قَاصِدين للامام فَوَقع الصُّلْح على أَنهم يبقون في صنعاء والإمام يبْقى فِي ثلا واشترطوا ملاقاة الإمام فأشير عَلَيْهِ بِعَدَمِ ذَلِك لما جبل عَلَيْهِ الجراكسة من الْغدر وَالْمَكْر فَفعل فَلَمَّا علمُوا ذَلِك عَادوا إلى الْقِتَال فَلم يظفروا بطائل ثمَّ في خلال ذَلِك بَلغهُمْ قتل سلطانهم قانصوه الغوري على يَد ابْن عُثْمَان صَاحب الروم فَرَجَعُوا وَلَكِن قد عبثوا بِالْيمن وَقتلُوا النُّفُوس وهتكوا الْحرم ونهبوا الأموال وَبعد ذَلِك دَانَتْ صنعاء وبلادها وصعدة وَمَا بَينهمَا من المدن بِطَاعَة الإمام ثمَّ إن الإمام غزا إلى بِلَاد بني طَاهِر فَافْتتحَ التعكر وقاهرة تعز وحراز ثمَّ كَانَ خُرُوج سُلَيْمَان باشا بجند من الأتراك وَوصل إلى زبيد وتعز ثمَّ استفتح الإمام جازان وبلاد أبى عَرِيش الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 وَسَائِر الْجِهَات التهامية ثمَّ حصل بَين الإمام وَولده المطهر بعض مواحشة لأسباب مشروحة فِي سيرته وَوَقع من المطهر بعض الْحَرْب لوالده ولأخيه شمس الدَّين واتفقت أُمُور يطول شرحها كَانَت من أعظم أَسبَاب اسْتِيلَاء الأتراك على كثير من جِهَات الْيمن وَاسْتقر الإمام بكوكبان ثمَّ انْتقل إلى الظفير وامتحن بذهاب بَصَره فَصَبر واحتسب وَأقَام لاشغلة لَهُ بِغَيْر الطَّاعَات حَتَّى توفاه الله لَيْلَة الأحد وَقت صَلَاة الْعشَاء الْآخِرَة سَابِع شهر جُمَادَى الْآخِرَة سنة 965 خمس وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة وَدفن بحصن الظفير ومشهده هُنَالك مَشْهُور وَله مصنفات مِنْهَا كتاب الأثمار اختصر فِيهِ الأزهار وَجَاء بعبارات موجزة نفيسة شَامِلَة لما فِي الازهار وَحذف مافيه تكْرَار وَكَانَ على خلاف الصَّوَاب وَله شعر جيد فَمِنْهُ القصيدة الْمُسَمَّاة بقصص الْحق الَّتِى مطْلعهَا (لكم من الْحبّ صَافِيَة ووافيه ... وَمن هوى الْقلب باديه وخافيه) وَمن شعره القصيدة الَّتِى قَالَهَا عِنْد فَتحه لصعدة وزيارته لمشهد الإمام الهادي وأولها (زرناك في زرد الْحَدِيد وفي القنا ... والمشرفية والجياد الشزّب) (وجحافل مثل الْجبَال تلاطمت ... أمواجهنّ بِكُل أصيد أغلب) (من كل أبلج من ذؤابة هَاشم ... وَبِكُل أروع من سلاله يعرب) (وأعاجم ترك وروم قادة ... وأحابش مثل الأسود الوثّب) 196 - شعْبَان بن سليم بن عُثْمَان الرومى الاصل الصنعاتى المولد والمشأ والوفاة الشَّاعِر الْمَشْهُور والحكيم الماهر وَهُوَ من أَوْلَاد من تخلف من الحديث: 196 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 الأتراك عَن الرُّجُوع إلى بِلَاد الروم بعد زَوَال دولتهم بدولة الْأَئِمَّة الإمام الْقَاسِم وَأَوْلَاده وَكَانَ وَالِده من أجناد علي بن الإمام الْمُؤَيد بِاللَّه ثمَّ ولد وَلَده شعْبَان سنة 1065 خمس وَسِتِّينَ وَألف وَكَانَ لَهُ معرف بالطب كَامِلَة وَله الْمَنْظُومَة فِي خَواص النباتات جَاءَ فِيهَا بفوائد جمة وَله ديوَان شعر فِيهِ الْجيد فَمن مقطعاته الفائقة قَوْله (يَا أسرة الْحبّ إن عز التَّخَلُّص من ... اسر الغرام وذقتم فِي الْهوى الهونا) (قيلوا بِنَا عِنْد من بعنا بحبهم ... قُلُوبنَا فعساهم أَن يقيلونا) وَكَانَ الفقيه الأديب أَحْمد بن حُسَيْن الرقيحى يذكر أَنه يودان يكون لَهُ هَذَا الْمَقْطُوع بِجَمِيعِ شعره وَكَانَ يعتاش بالتطبب ويمدح الأكابر بآدابه ثمَّ بعد ذَلِك عجز وأقعد وَكَانَ يحْتَاج فيبيع بَنَات فكره بأبخس الأثمان من كل من يَطْلُبهُ ذَلِك من السوقة إذا راموا شَيْئا من الشّعْر فِي مَحْبُوب لَهُ أَو نَحْو ذَلِك ومازال يكابد الْفقر والفاقة حَتَّى مَاتَ فِي شهر ربيع الآخر سنة 1149 تسع وَأَرْبَعين وَمِائَة وَألف وَمِمَّا أَجَاد فِيهِ قَوْله فِي الْحَمَامَة (شَكَوْت إلى الْحَمَامَة حِين غنت ... صنى جسدى وأشجانى وشوقى) (فرقّت لي وَقَالَت مثل هَذَا ... وحقك لَيْسَ يدْخل تَحت طوقى) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 197 - شعْبَان بن مُحَمَّد بن قلاون الْملك الْكَامِل بن النَّاصِر بن الْمَنْصُور ولي السلطنة في ربيع الآخر سنة 746 بعد أَخِيه الصَّالح إسماعيل بِعَهْد مِنْهُ وَكَانَ شقيقه وَامْتنع جمَاعَة من الأمراء من مبايعته ثمَّ وافقوا وسلطنوه فاتفق أَنه لما ركب من بَاب الْقصر لعب بِهِ الْفرس فَنزل عَنهُ وَمَشى خطوَات حَتَّى دخل الإيوان فتطير النَّاس من ذَلِك وَقَالُوا لَا يُقيم إلا قَلِيلا فَكَانَ الْأَمر كَذَلِك واستعفى النَّائِب من النِّيَابَة لما يعرف من طيش شعْبَان وباشر السلطنة بمهابة فخافوه ثمَّ أقبل على اللَّهْو وَالنِّسَاء وَصَارَ يُبَالغ فِي تَحْصِيل الْأَمْوَال وإنفاقها عَلَيْهِنَّ واشتغل باللعب بالحمام فَقَامَ عَلَيْهِ الأمراء وَاحْتَجُّوا بَان وَالِده النَّاصِر قَالَ من تسلطن من أَوْلَاده الحديث: 197 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 وَلم يسْلك الطَّرِيق المرضية فجروا بِرجلِهِ وملكوا غَيره فخلعوه بعد سنة وَدون اشهر وقرروا أَخَاهُ المظفر حاجي الْمُتَقَدّم وَذَلِكَ فِي أول يَوْم من جُمَادَى الْآخِرَة سنة 747 سبع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وأعدم بعد ذَلِك 198 - شيخ المحمودي ثمَّ الظاهري الجركسي ولد تَقْرِيبًا سنة 770 سبعين وَسَبْعمائة فَعرض على الظَّاهِر برقوق وَكَانَ جميل الصُّورَة فرام شِرَاءَهُ من جالبه فاشتط فِي الثمن وَكَانَ ذَلِك قبل أن يلي برقوق السلطنة ثمَّ مَاتَ مَالِكه فَاشْتَرَاهُ الخواجة مَحْمُود بِثمن يسير فنسب إليه وَقدمه لبرقوق وَهُوَ يَوْمئِذٍ أتابك الْعَسْكَر فأعجبه وأعتقه فَنَشَأَ ذكيّاً فتعلم الفروسية من اللعب بِالرُّمْحِ والرمي بالنشاب وَالضَّرْب بِالسَّيْفِ والصراع وسباق الْخَيل غير ذَلِك وَمهر فِي جَمِيع ذَلِك مَعَ جمال الصُّورَة وَكَمَال الْقَامَة وَحسن الْعشْرَة وَمَا زَالَ يترقى حَتَّى صَار أَمِير عشرَة وتأمر على الْحَاج سنة 801 بعد موت برقوق وناب فِي طرابلس وَلما حاصر تيمور حلب خرج مَعَ الْعَسْكَر فَأسر ثمَّ خلص مِنْهُ بحيلة عَجِيبَة وهي أَنه ألْقى نَفسه بَين الدَّوَابّ فستره الله وَمَشى إلى قَرْيَة من أَعمال صفد وَدخل الْقَاهِرَة وأعيد كَمَا كَانَ لنيابة طرابلس ثمَّ وليّ نِيَابَة الشَّام وَجَرت لَهُ خطوب وحروب ثمَّ تغلب على السلطنة وَتمّ لَهُ ذَلِك وَاسْتمرّ سُلْطَانا خمس سِنِين وَخَمْسَة أشهر وَثَمَانِية أَيَّام وَكَانَ شهماً شجاعاً عالي الهمة كثير الرُّجُوع إلى الْحق محبّا للْعُلَمَاء مكرماً لَهُم يمِيل إلى الْعدْل وَيحسن إلى أَصْحَابه ويصفح عَن جرائمهم يحب الْهزْل والمجون ومحاسنه جمة وَحدث بِصَحِيح البخاري عَن السراج البلقيني وَفتح حصوناً ثمَّ جهز وَلَده إبراهيم الْمُتَقَدّم ذكره فظفر بِابْن قرمان وأحضره أَسِيرًا وَلما أَصَابَته عين الْكَمَال مَاتَ الحديث: 198 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 وَلَده ابراهيم بِالسَّبَبِ الَّذِي قدمنَا ذكره ثمَّ مَاتَ هُوَ بعده بِقَلِيل وَذَلِكَ في أول الْمحرم سنة 824 أَربع وَعشْرين وثمان مائَة قَالَ العيني لما مَاتَ كَانَ في الخزانة ألف ألف دِينَار وَخَمْسمِائة ألف دِينَار من الذَّهَب وَجمع ابْن ناهض سيرته في مُجَلد حافل قرّظه لَهُ كل عَالم وأديب وَكَانَ يجل الشَّرْع وَلَا يُنكر على من مضى من بَين يَدَيْهِ طَالبا للشَّرْع بل يُعجبهُ ذَلِك وينكر على أمرائه مُعَارضَة الْقُضَاة فِي أحكامهم غير مائل إِلَى شئ من الْبدع لَهُ قيام في اللَّيْل وَكَانَ يعاب بالشح والحسد وَكَثْرَة الْمَظَالِم الَّتِى أحدثها وَاتفقَ في مَوته موعظة فِيهَا أعظم عِبْرَة وهي أنه لما غسل لم تُوجد منشفة ينشف بهَا فنشف بمنديل بعض من حضر غسله وَلم يُوجد لَهُ مئزر يستر عَوْرَته حَتَّى أَخذ لَهُ مئزر صوف من فَوق رَأس بعض جواريه وَلم يُوجد لَهُ طاسة يصب عَلَيْهِ بهَا المَاء مَعَ كَثْرَة مَا خَلفه من أَنْوَاع المَال وَله مآثر كالجامع الذي بِبَاب زويلة قيل أَنه لم يعمر مثله في الإسلام بعد الْجَامِع الأموي وَله مدارس وسبل ومكاتب وجسور حرف الصَّاد الْمُهْملَة 199 - صَالح بن صدّيق النمّازي بالنُّون والزاي الخزرجي الأنصاري الشافعي رَحل إلى زبيد فاخد عَن جمَاعَة من علمائها وَمن جملَة مشايخه عبد الرَّحْمَن بن على الديبع ثمَّ عَاد الى وَطنه مَدِينَة صَبيا فَلم يطب لَهُ الْمقَام بهَا فَرَحل إلى حَضْرَة الإمام شرف الدَّين ولازمه وَحضر مجالسه وَشرح الحديث: 199 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 الأثمار شرحاً مُفِيدا وَمَات بِمَدِينَة جبلة سنة 975 خمس وَسبعين وَتِسْعمِائَة 200 - السَّيِّد صَالح بن عبد الله بن علي بن دَاوُد بن الْقَاسِم بن ابراهيم ابْن الْقَاسِم بن إبراهيم بن الأمير مُحَمَّد ذي الشرفين الْمَعْرُوف بِابْن مغل ولد في رَجَب سنة 960 سِتِّينَ وَتِسْعمِائَة في بلد حبور من جِهَة ظليمة واتصل بالإمام الْحسن بن علي بن دَاوُد الْمُتَقَدّم ذكره ثمَّ اتَّصل بعده بالإمام الْقَاسِم بن مُحَمَّد وَولده الْمُؤَيد بِاللَّه وَكَانَ يكْتب للائمة في جَمِيع مَا ينوبهم وَله فصاحة ورجاحة وَتعبد وتأله وَله شعر فألق فَمِنْهُ القصيدة الْمَشْهُورَة الَّتِى أَولهَا (ضَاعَ الْوَفَاء وضاعت بعده الهمم ... وَالدّين ضَاعَ وَضاع الْمجد وَالْكَرم) (والجور في النَّاس لَا تخفى معالمه ... وَالْعدْل من دونه الاستار وَالظُّلم) (وكل من تَابع الشَّيْطَان مُحْتَرم ... وكلّ من عبد الرَّحْمَن مهتضم) وهي طَوِيلَة وفيهَا مواعظ وَاسْتمرّ مُتَّصِلا بالأئمة قَائِما بأعمالهم الحديث: 200 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 على أوفر حُرْمَة حَتَّى مَاتَ يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع رَجَب سنة 1048 ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف بشهارة وقبر عِنْد قبر جده ذي الشرفين مُتَّصِلا بقبره من جِهَة الشرق 201 - صَالح بن عمر بن رسْلَان بن نصير بن صَالح علم الدَّين العسقلاني البلقيني الأَصْل القاهري الشافعي ولد في لَيْلَة الِاثْنَيْنِ ثَالِث عشر جُمَادَى الأولى سنة 791 إحدى وَتِسْعين وَسَبْعمائة بِالْقَاهِرَةِ وَنَشَأ بهَا في كنف وَالِده سراج الدَّين فحفظ الْقُرْآن والعمدة وألفية النَّحْو ومنهاج الأصول والتدريب لأبيه والمنهاج وَأخذ عَن أَبِيه والزين العراقي وَالْمجد البرماوي والبيجوري والعز بن جمَاعَة والولى العراقى والحافظ بن حجر وَغير هَؤُلَاءِ من مَشَايِخ عصره في فنون عدَّة ودرس وَأفْتى وَوعظ حَتَّى قَالَ بعض أهل الْأَدَب (وعظ الأنام إمامنا الحبر الذي ... سكب الْعُلُوم كبحر فضل طافح) (فشفى الْقُلُوب بعلمه وبوعظه ... والوعظ لَا يشفي سوى من صَالح) ثمَّ اسْتَقر بعد صرف شَيْخه الولي العراقي في قَضَاء الشَّافِعِيَّة بالديار المصرية في سادس ذي الْحجَّة سنة 826 فأقام سنة وَأكْثر من شهر ثمَّ صرف وتكرر عوده ثمَّ صرفه حَتَّى كَانَت مُدَّة ولَايَته في جَمِيع المدد الحديث: 201 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 ثَلَاث عشرَة سنة وَنصف سنة وَكَانَ إماماً فَقِيها قوي الحافظة كثير التودد بساماً طلق الْمحيا مهاباً لَهُ جلالة وَوَقع في صُدُور الْخَاصَّة والعامة يتحاشى اللحن في مخاطباته بِحَيْثُ لَا يضْبط عَلَيْهِ في ذَلِك شَاذَّة وَلَا فاذة سريع الْغَضَب وَالرُّجُوع سليم الصَّدْر وَقد مدحه عدَّة من شعراء عصره وطارت فَتَاوِيهِ في الْآفَاق وَأخذ عَنهُ الْفُضَلَاء من كل نَاحيَة طبقَة بعد أُخْرَى حَتَّى صَار أَكثر الْفُضَلَاء تلامذته وصنّف تَفْسِيرا وشرحا على البخاري وَلم يكمله وأفرد فَتَاوَى أَبِيه والمهم من فَتَاوِيهِ وأكمل تدريب أَبِيه وَله القَوْل الْمُفِيد في اشْتِرَاط التَّرْتِيب بَين كلمتي التَّوْحِيد وَله نظم ونثر فِي الرُّتْبَة الْوُسْطَى وَمَات يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس رَجَب سنة 868 ثَمَان وَسِتِّينَ وثمان مائَة 202 - صَالح بن مُحَمَّد بن عبد الله العنسي ثمَّ الصنعاني ولد تَقْرِيبًا على رَأس الْقرن الثاني عشر وَأخذ الْعلم عَن جمَاعَة من أهل الْعلم واستفاد لاسيما في علم الحَدِيث وَرِجَاله فإنه قوي الْفَائِدَة فِيهِ جيد الإدراك لَهُ وَهُوَ من صالحي الفتيان ونجباء شُبَّان الزَّمَان وَله قِرَاءَة عليّ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَسنَن أَبى دَاوُد وفي بعض مؤلفاتي 203 - صَالح بن مُحَمَّد بن قلاون ولد سنة 728 ثَمَان وَعشْرين وَسَبْعمائة وَولى السلطنة بعد خلع النَّاصِر حسن في جُمَادَى الآخرة سنة 752 وَلكنه لَا تصرف لَهُ الحديث: 202 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 وَإِنَّمَا التَّصَرُّف للأمراء ثمَّ خلع عَن السلطنة في شهر شَوَّال سنة 755 وَكَانَ قوي الذكاء يعرف عدَّة صناعات وَحبس بعد خلعه بالقلعة عِنْد أمه إِلَى أَن مَاتَ فِي صفر سنة 762 اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَمن مآثره الْحَسَنَة الْوَقْف الَّذِي وَقفه بالديار المصرية على كسْوَة الْكَعْبَة 204 - صَالح بن مهدي بن علي بن عبد الله بن سُلَيْمَان بن مُحَمَّد بن عبد الله ابْن سُلَيْمَان بن أسعد بن مَنْصُور المقبلي ثمَّ الصنعاني ثمَّ المكي ولد فِي سنة 1047 سبع وَأَرْبَعين وَألف في قَرْيَة الْمقبل من أَعمال بِلَاد كوكبان وَأخذ الْعلم عَن جمَاعَة من أكَابِر عُلَمَاء الْيمن مِنْهُم السَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن إبراهيم بن الْمفضل كَانَ ينزل للْقِرَاءَة عَلَيْهِ من مَدِينَة ثلا إِلَى شبام كل يَوْم وَبِه تخرج وانتفع ثمَّ دخل بعد ذَلِك صنعاء وَجَرت بَينه وَبَين علمائها مناظرات أوجبت المنافرة لما فِيهِ من الحدة والتصميم على مَا تَقْتَضِيه الأدلة وَعدم الِالْتِفَات إِلَى التَّقْلِيد ثمَّ ارتحل إِلَى مَكَّة وَوَقعت لَهُ امتحانات هُنَالك وَاسْتقر بهَا حَتَّى مَاتَ في سنة 1108 ثَمَان واحدى عشرَة مائَة كتبت مولده فِيمَا علق بذهني من كتبه فإنه ذكر فِيهَا مَا يُفِيد ذَلِك وَهُوَ مِمَّن برع في جَمِيع عُلُوم الْكتاب وَالسّنة وحقق الاصولين والعربية والمعانى وَالْبَيَان والْحَدِيث وَالتَّفْسِير وفَاق في جَمِيع ذَلِك وَله مؤلفات مقبولة كلهَا عِنْد الْعلمَاء محبوبة إليهم متنافسون فِيهَا ويحتجون بترجيحاته وَهُوَ حقيق بذلك وَفِي عباراته قُوَّة وفصاحة وسلاسة تعشقها الأسماع وتلتذ بهَا الْقُلُوب ولكلامه وَقع فِي الأذهان قلّ أَن يمعن في مطالعته من لَهُ فهم فَيبقى على التَّقْلِيد بعد ذَلِك وَإِذا رَأْي كلَاما متهافتاً زيّفه ومزّقه بِعِبَارَة عذبة حلوة وَقد أَكثر الْحَط على الْمُعْتَزلَة فِي بعض الحديث: 204 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 الْمسَائِل الكلامية وعَلى الأشعرية فِي بعض آخر وعَلى الصُّوفِيَّة في غَالب مسائلهم وعَلى الْفُقَهَاء في كثير من تفريعاتهم وعَلى الْمُحدثين فِي بعض غلوهم وَلَا يبالي إِذا تمسّك بِالدَّلِيلِ بِمن يُخَالِفهُ كَائِنا من كَانَ فَمن مؤلفاته الفائقة حَاشِيَة الْبَحْر الزخار للإمام المهدي الْمُسَمَّاة بالمنار سلك فِيهَا مَسْلَك الإنصاف وَمَعَ ذَلِك فَهُوَ بشر يُخطئ ويصيب وَلَكِن قد قيّد نَفسه بِالدَّلِيلِ لَا بالقال والقيل وَمن كَانَ كَذَلِك فَهُوَ الْمُجْتَهد الَّذِي إِذا أصَاب كَانَ لَهُ أَجْرَانِ وإن أَخطَأ كَانَ لَهُ أجر وَمِنْهَا الْعلم الشامخ اعْترض فِيهِ على عُلَمَاء الْكَلَام والصوفية وَمِنْهَا في الأصول نجاح الطَّالِب على مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب جعله حَاشِيَة عَلَيْهِ ذكر فِيهَا مَا يختاره من الْمسَائِل الْأُصُولِيَّة وَمِنْهَا فِي التَّفْسِير الإتحاف لطلبة الْكَشَّاف انتقد فِيهِ على الزمخشري كثيراً من المباحث وَذكر مَا هُوَ الرَّاجِح لَدَيْهِ وَمِنْهَا الْأَرْوَاح النوافخ والأبحاث المسددة جمع مبَاحث تفسيرية وحديثية وفقهية وأصولية وَلما وقفت عَلَيْهِ في أَيَّام الطلب كتبت فِيهِ أبياتاً وأشرت فِيهَا إِلَى سَائِر مؤلفاته وهي (لله در المقبلى فانه ... بَحر خضم جَان بالإنصاف) (أبحاثه قد سدّدت سَهْما إِلَى ... نحر التعصّب مرهف الْأَطْرَاف) (ومنارة علم النجاح لطَالب ... مذ روّح الْأَرْوَاح بالإتحاف) وَقد كَانَ ألزم نَفسه السلوك مَسْلَك الصَّحَابَة وَعدم التعويل على تَقْلِيد أهل الْعلم في جَمِيع الْفُنُون وَلما سكن مَكَّة وقف عالمها البرزنجى مُحَمَّد ابْن عبد الرَّسُول المدني على الْعلم الشامخ فِي الرَّد على الْآبَاء والمشايخ فَكتب عَلَيْهِ اعتراضات فَرد عَلَيْهِ بمؤلف سَمَّاهُ الْأَرْوَاح النوافخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 فَكَانَ ذَلِك سَبَب الإنكار عَلَيْهِ من عُلَمَاء مَكَّة ونسبوه إِلَى الزندقة بِسَبَب عدم التَّقْلِيد والاعتراض على أسلافهم ثمَّ رفعوا الْأَمر إلى سُلْطَان الروم فَأرْسل بعض عُلَمَاء حَضرته لاختباره فَلم يرمنه إلا الْجَمِيل وسلك مسلكه وَأخذ عَنهُ بعض أهل داغستان ونقلوا بعض مؤلفاته وَقد وصل بعض الْعلمَاء من تِلْكَ الْجِهَة إِلَى صنعاء وَكَانَ لَهُ معرفَة بأنواع من الْعلم فَلَقِيته بمدرسة الامام شرف الدَّين بِصَنْعَاء فَسَأَلته عَن سَبَب ارتحاله من دياره هَل هُوَ قَضَاء فَرِيضَة الْحَج فَقَالَ لى بِلِسَان فِي غَايَة الفصاحة والطلاقة انه لم يكن مستطيعاً وَإِنَّمَا خرج لطلب الْبَحْر الزخار للإمام المهدي أَحْمد بن يحيى لِأَن لديهم حَاشِيَة الْمنَار للمقبلي وَقد ولع بمباحثها أَعْيَان عُلَمَاء جهاتهم داغستان وهي خلف الروم بِشَهْر حَسْبَمَا أخبرنى بذلك قَالَ وفى حَال مطالعتهم واشتغالهم بِتِلْكَ الْحَاشِيَة يلتبس عَلَيْهِم بعض أبحاثها لكَونهَا معلقَة على الْكتاب الَّذِي هي حَاشِيَة لَهُ وَهُوَ الْبَحْر فتجرّد الْمَذْكُور لطلب نُسْخَة الْبَحْر وَوصل إِلَى مَكَّة فَسَأَلَ عَنهُ فَلم يظفر بِخَبَرِهِ عِنْد أحد فلقي هُنَالك السَّيِّد الْعَلامَة إبراهيم بن مُحَمَّد بن إسماعيل الْأَمِير فَعرفهُ أَن كتاب الْبَحْر مَوْجُود في صنعاء عِنْد كثير من علمائها قَالَ فوصلت إلى هُنَا لذَلِك ورايته في الْيَوْم الثاني وَهُوَ مكب في الْمدرسَة على نُسْخَة من الْبَحْر يطالعها مطالعة من لَهُ كَمَال رَغْبَة وَقد سر بذلك غَايَة السرُور وَمَا رَأَيْت مثله في حسن التَّعْبِير وَاسْتِعْمَال خَالص اللُّغَة وتحاشي اللحن في مخاطبته وَحسن النغمة عِنْد الْكَلَام فإني أدْركْت لسَمَاع كَلَامه من الطَّرب والنشاط مَا علاني مَعَه قشعريرة وَلكنه رَحمَه الله مَاتَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 بعد وُصُوله إلى صنعاء بِمدَّة يسيرَة وَلم يكْتب الله لَهُ الرُّجُوع بِالْكتاب الْمَطْلُوب إلى وَطنه والمترجم لَهُ مَعَ اتساع دائرته فِي الْعُلُوم لَيْسَ لَهُ الْتِفَات إلى اصْطِلَاحَات الْمُحدثين فِي الحَدِيث وَلكنه يعْمل بِمَا حصل لَهُ عِنْده ظن صِحَّته كَمَا هُوَ الْمُعْتَبر عِنْد أهل الْأُصُول مَعَ أنه لَا ينْقل الأحاديث إِلَّا من كتبهَا الْمُعْتَبرَة كالأمهات وَمَا يلْتَحق بهَا وإذا وجد الحَدِيث قد خرج من طرق وان كَانَ فِيهَا من الوهن مَالا ينتهض مَعَه للاحتجاج وَلَا يبلغ بِهِ إلى رُتْبَة الْحسن لغيره عمل بِهِ وَكَذَلِكَ يعْمل بِمَا كَانَت لَهُ علل حفيفية فينبغي للطَّالِب أَن يتثبت في مثل هَذِه المواطن وَقد ذكر في مؤلفاته من أشعاره وَلكنهَا سافلة بِخِلَاف نثره فإنه فِي الذرْوَة وَمن أحسن شعره أبياته الَّتِى يَقُول فِيهَا (قبّح الإله مفرّقا ... بَين الْقَرَابَة وَالصَّحَابَة) وَقد أجَاب عَلَيْهِ بعض جارودية الْيمن بِجَوَاب أقذع فِيهِ وأوله (أطرق كراً يَا مقبلي ... فلأنت أَحْقَر من ذُبَابَة) ثمَّ هجاه بعض الجارودية فَقَالَ (المقبلي ناصبيّ ... أعمى الشَّقَاء بَصَره) وَبعده بَيت أقذع فِيهِ وَهَكَذَا شَأْن غَالب أهل الْيمن مَعَ عُلَمَائهمْ وَلَعَلَّ ذَلِك لما يُريدهُ الله لَهُم من توفير الْأجر الأخروي وَكَانَ يُنكر مَا يَدعِيهِ الصُّوفِيَّة من الْكَشْف فمرضت ابْنَته زَيْنَب في بَيته من مَكَّة وَكَانَ ملاصقاً للحرم فَكَانَت تخبره وهي من وَرَاء جِدَار بِمَا فعل في الْحرم وَكَانَ يغلق عَلَيْهَا مرَارًا وتذكر أَنَّهَا تشاهد كَذَا وَكَذَا فَيخرج إلى الْحرم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 فيجد مَا قَالَت حَقًا وَذكر رَحمَه الله في بعض مؤلفاته أَنه أَخذ فِي مَكَّة على الشَّيْخ إبراهيم الكردي الْمُتَقَدّم ذكره 205 - صديق بن رسّام بن نَاصِر السوادي الصعدي قَرَأَ على الشَّيْخ لطف الله بن مُحَمَّد الغياث في علم الآلة وفَاق فِيهِ الأقران وَصَارَ بعد شَيْخه المرجوع إليه في ذَلِك الْفَنّ وَأخذ عَنهُ جمَاعَة من النبلاء وتميزوا فِي حَيَاته ورحل بعد موت شَيْخه لطف الله وَهُوَ من مشاهير الْعلمَاء وأكابر النبلاء وَله خلف صَالح فيهم الْعلمَاء والفضلاء والنبلاء واتصل في آخر أَيَّامه بالإمام المتَوَكل على الله اسمعيل بن الْقَاسِم فولاه الْقَضَاء فِي بِلَاد خولان الشَّام بمغارب صعدة وَلم يزل على ذَلِك حَتَّى توفاه الله وَله حواش على كتب النَّحْو وَالصرْف مفيدة منقولة في كتب أهل صعدة وَكَانَ مَوته فِي سنة 1079 تسع وَسبعين وَألف 206 - صدّيق بن علي المزجاجي الزبيدي الحنفي ولد تَقْرِيبًا سنة 1150 خمسين وماية وَألف وَقَرَأَ في زبيد على الشَّيْخ مُحَمَّد بن عَلَاء الدَّين صَحِيح البُخَارِيّ وَسنَن أَبى دَاوُد وَغَيرهمَا من الأمهات وَقَرَأَ على السَّيِّد سُلَيْمَان بن يحيى الْمُتَقَدّم الأمهات كلهَا سَمَاعا مكررا وَله قِرَاءَة في الآلات وَهُوَ مُحَقّق في فقه الْحَنَفِيَّة وَقد أجَاز لَهُ شيخاه الْمَذْكُورَان إجازة عَامَّة بجمبع مَا يجوز لَهما رِوَايَته وانتقل إلى المخا للتدريس هُنَالك وبقي أَيَّامًا ثمَّ وصل إلى صنعاء في شهر الْقعدَة سنة 1203 وَوصل إليّ وَلم أكن قد عَرفته قبل ذَلِك وَلَا عرفنى وَجَرت بينى وَبَينه مذاكرات في عدَّة فنون ثمَّ خطر ببالي أن أطلب مِنْهُ الإجازة فَعِنْدَ ذَلِك الخاطر طلب منى هُوَ الاجازة فَكَانَ ذَلِك من المكاشفة فأجزت لَهُ وَأَجَازَ لي وَكَانَ سنه الحديث: 205 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 إِذْ ذَاك فَوق خمسين سنة وعمري دون الثَّلَاثِينَ ثمَّ مَا زَالَ يتَرَدَّد إليّ وفي بعض المواقف بِمحضر جمَاعَة وَقعت بيني وَبَينه مُرَاجعَة في مسَائِل وَأَكْثَرت الِاعْتِرَاض على مسَائِل من فقه الْحَنَفِيَّة وأوردت الدَّلِيل وَمَا زَالَ يتطلب المحامل لما تَقوله الْحَنَفِيَّة فَلَمَّا خلوت بِهِ قلت لَهُ أصدقني هَل ماتبدية فِي الْمُرَاجَعَة تعتقده اعتقاداً جَازِمًا فإن مثلك فِي علمك بِالسنةِ لَا يظن بِهِ أنه يُؤثر مذْهبه الَّذِي هُوَ مَحْض الرَّأْي في بعض الْمسَائِل على مَا يُعلمهُ صَحِيحا ثَابتا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم فَقَالَ لَا أعتقد صِحَة مَا يُخَالف الدَّلِيل وإن قَالَ بِهِ من قَالَ وَلَا أدين الله بِمَا يَقُوله أَبُو حنيفَة وأصحابه إِذا خَالف الحَدِيث الصَّحِيح وَلَكِن الْمَرْء يدافع عَن مذْهبه في الظَّاهِر ثمَّ وَفد إلى صنعاء مُدَّة أُخْرَى بعد سنة 1209 وَوصل إليّ وَرجع إلى وَطنه وَبلغ بعد ذَلِك مَوته رَحمَه الله وَكَانَ ذكياً فطناً سَاكِنا متواضعاً جيد الْفَهم قوي الإدراك 207 - السَّيِّد صَلَاح بن أَحْمد بن مهدي المؤيدي كَانَ من عجائب الدَّهْر وغرائبه فإن مَجْمُوع عمره تسع وَعِشْرُونَ سنة وَقد فَازَ من كل فن بِنَصِيب وافر وَصَارَ لَهُ فِي الْأَدَب قصائد طنانة يعجز أهل الْأَعْمَار الطَّوِيلَة عَن اللحاق بِهِ فِيهَا وصنف في هَذَا الْعُمر الْقصير التصانيف المفيدة والفوائد الفريدة العديدة فَمن مصنفاته شرح شَوَاهِد النَّحْو وَاخْتصرَ شرح العباسى لشواهد التَّلْخِيص وَشرح الْفُصُول شرحاً حافلاً وَشرح الْهِدَايَة ففرغ من الْخطْبَة وَقد اجْتمع من الشَّرْح مُجَلد وَله مَعَ ذَلِك ديوَان شعر كُله غررودرر وَفِيه مغانى مبتكره فَمِنْهُ الحديث: 207 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 (وصغيرة حاولت فضّ ختامها ... من بعد فرط تَحَنن وتلطّف) (وقلبتها نحوي فَقَالَت عِنْد ذَا ... قلبي يحدثني بأنّك متلفي) وَهَذَا تضمين يطرب لَهُ الجماد وترقّ لحسنه الصم الصلاد وَمَعَ هَذِه الْفَضَائِل الَّتِى نالها فِي هَذَا الأمد الْقَرِيب فَهُوَ مُجَاهِد للأتراك محاصر لصنعاء مَعَ الْحسن وَالْحُسَيْن ابني الإمام الْقَاسِم كَانَ مطرحه فِي الجراف يَشن الغارات على الأروام في جَمِيع الأيام وافتتح مَدِينَة أَبى عَرِيش وغزا إلى جِهَات مُتعَدِّدَة وَكَانَ منصوراً فِي جَمِيع حروبه وَكَانَ مَجْلِسه معموراً بالعلماء والأدباء وَأهل الْفَضَائِل قَالَ القاضي أَحْمد بن صَالح في مطلع البدور رَأَيْته في بعض الأيام خَارِجا إلى بعض المنتزهات بصعدة فَسمِعت الرهج وحركة الْخَيل فوقفت لأنظر فَخرج فِي نَحْو خَمْسَة وَثَلَاثِينَ فَارِسًا إلى منتزه وهم يتراجعون في الطَّرِيق بالأدبيات وَمِنْهُم من ينشد صَاحبه الشّعْر ويستنشده وَكَانَ هَذَا دأبه وإذا سَافر أول مَا تضرب خيمة الْكتب وإذا ضربت دخل إليها وَنشر الْكتب والخدم يصلحون الخيم الأخرى وَلَا يزَال ليله جَمِيعه ينظر فِي الْعلم وَيُحَرر ويقرر مَعَ سَلامَة ذوقه وَكَانَ مَعَ هَذِه الْجَلالَة يلاطف أَصْحَابه وَكتابه بالادبيات والاشعار السحريات من ذَلِك أَبْيَات كَاتب بهَا السَّيِّد الْعَلامَة الْحسن بن أَحْمد الْجلَال مِنْهَا (أفدي الحبيب الَّذِي قد زارني وَمضى ... ولاح مبسمه كالبرق إذ ومضا) (نضا عليّ حساما من لواحظه ... فظلت الثم ذَاك اللحظ حِين نضا) فأجابه السَّيِّد الْحسن بأبيات مِنْهَا (قد لَاحَ سعدك فاغتنم حسن الرِّضَا ... من أهل ودّك واستعض عَمَّا مضى) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 (لما بعثت لَهُم بطيفك زَائِرًا ... تَحت الدجى ولفضلهم متعرّضا) (بعثوا إليك كتائباً من كتبهمْ ... هزموا بهَا جَيش اصطبارك فانقضى) وهي أَبْيَات طَوِيلَة وَكَذَلِكَ الابيات الاولى وَمن شعر صَاحب التَّرْجَمَة الْفَائِق قَوْله فِي التورية (ومايش أرشفنى رِيقه ... لله من غُصْن وريق وريق) (لقى خد فَوْقه حمرَة ... فصرت مَا بَين النقا والعقيق) وَتوفى رَحمَه الله فِي سنة 1048 ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف وعَلى هَذَا فَيكون مولده سنة 1019 وَكَانَ مَوته بقلعة غمار من جبل رازج وقبر بالقبة الَّتِى فِيهَا السَّيِّد أَحْمد بن لُقْمَان وَالسَّيِّد أَحْمد بن المهدي ورثاه جمَاعَة من شعراء عصره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 208 - السَّيِّد صَلَاح بن حُسَيْن بن يحيى بن على الاحفش الصّنعاني الْعَالم الْمُحَقق الزَّاهِد الْمَشْهُور المتقشّف الْمُتَعَفِّف أَخذ الْعلم عَن جمَاعَة من عُلَمَاء عصره مِنْهُم العبالى الْمَشْهُور والقاضى مُحَمَّد إبراهيم السحولي والقاضي علي بن يحيى البرطي وبرع في النَّحْو وَالصرْف والمعاني وَالْبَيَان وأصول الْفِقْه وَكَانَ يؤم النَّاس أول عمره بِمَسْجِد دَاوُد بِصَنْعَاء ثمَّ بالجامع الْكَبِير بهَا ثمَّ عَاد إِلَى مَسْجِد دَاوُد لأمور اتّفقت وَكَانَ لَا يَأْكُل إلا من عمل يَده يعْمل القلانس ويبيعها وَيَأْكُل مَا تحصل لَهُ من ثمنهَا وَلَا يقبل من أحد شَيْئا كَائِنا من كَانَ وَكَانَ للنَّاس فِيهِ اعْتِقَاد كَبِير وَهُوَ ينفر من ذَلِك غَايَة النفور وَله في إنكار الْمُنكر مقامات محمودة وَهُوَ مَقْبُول القَوْل عَظِيم الْحُرْمَة مهاب الجناب وَله مَعَ الإمام المتَوَكل على الله الْقَاسِم بن الْحُسَيْن الإمام وَولده الإمام الْمَنْصُور بِاللَّه الْحُسَيْن بن الْقَاسِم من هَذَا الْقَبِيل امور يطول شرحها وَكَانَ لايخاف فِي الله لومة لائم وَلَا يبالي بِأحد مُخَالف للحق وَله شهرة عَظِيمَة في الديار اليمنية وَلَا سِيمَا صنعاء وَمَا يتَّصل بهَا فإنه يضْرب بِهِ الْمثل في الزّهْد إِلَى حَال تَحْرِير هَذِه الأحرف وَله مُنْذُ مَاتَ زِيَادَة على الحديث: 208 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 سبعين سنة وَكَانَ طلبة الْعلم في عصره يتنافسون في الأخذ عَنهُ وَهُوَ يمتحنهم بالأسئلة فاذا رأى من اُحْدُ فطنة مَال إِلَيْهِ وعظمه ونوّه بِذكرِهِ وَله مؤلف في النَّحْو سَمَّاهُ نزهة الطرف في الْجَار وَالْمَجْرُور والظرف جمع فِيهِ فَوَائِد نفيسة وَشَرحه شَيخنَا السَّيِّد الْعَلامَة عبد الْقَادِر بن احْمَد بشرح حافل وَله رِسَالَة في الصَّحَابَة سلك فِيهَا مَسْلَك التنزية لَهُم على مافيها من تطفيف لما يستحقونه وَمَعَ ذَلِك اعْترض عَلَيْهَا السَّيِّد الْعَلامَة عبد الله ابْن على الْوَزير باعتراض سَمَّاهُ ارسال الذؤابة بَين جنبى مسئلة الصَّحَابَة وَحَاصِل مَا فِي هَذَا الِاعْتِرَاض هدم مَا بناه السَّيِّد صَلَاح من التنزيه للصحابة عَن السب والثلب فإنا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون وَكَانَ بَين هذَيْن السيدين مُنَافَسَة عَظِيمَة ومناقضة ظَاهِرَة ومازال الأقران هَكَذَا وَلَكِن إذا بلغت المنافسة إلى حد الْحَط على خير الْقُرُون فابعدها الله وَلِصَاحِب التَّرْجَمَة نظم فائق فَمن ذَلِك القصيدة الطَّوِيلَة الَّتِى ذكر فِيهَا عُلُوم الِاجْتِهَاد مَا يرجحه في الْمِقْدَار الْمُعْتَبر مِنْهَا وتزييف قَول من قَالَ إن علم الْمنطق من جملَة عُلُوم الِاجْتِهَاد وَلَعَلَّه يُشِير إلى السَّيِّد عبد الله الْوَزير الْمَذْكُور فانه كَانَ مشتغلالا بِهَذَا الْفَنّ ومطلع القصيدة (بتحميدك اللَّهُمَّ فِي البدأ أنطق ... وإن لم يقم مني بحَمْدك منطق) وَلم يزل مستمرا على حَاله الْجَمِيل في نشر الْعلم وَعمارَة معالم الْعَمَل وإشادة ربوع الزّهْد حَتَّى توفاه الله فِي سنة 1142 اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَمِائَة وَألف فِي يَوْم الأربعاء سَابِع وَعشْرين من رَجَب من هَذِه السنة وازدحم النَّاس على جنَازَته وغلقت الأسواق وأرّخ مَوته الأديب احْمَد الرقيحي فَقَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 (قضى صَلَاح نحبه ... أفضل من فِيهَا مَشى) (السَّيِّد الحبر الَّذِي ... مَا مثله قط نشا) (لَا شكّ ان ربه ... قد خصّه بِمَا يشا) إن تأنس الْحور بِهِ ... فكم لنا قد أوحشا) (فِي رَجَب من عَامه ... أرّخ صَلَاح الأخفشا) سنة 1142 209 - السَّيِّد صَلَاح بن جلال بن صَلَاح الدَّين بن مُحَمَّد بن الْحسن ابْن المهدي بن الأمير علي بن المحسن بن يحيى بن يحيى ولد بِهِجْرَة رغافة سنة 744 أَربع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وَهُوَ صَاحب تَتِمَّة شِفَاء الْأَمِير الْحُسَيْن لَان الأمير الْحُسَيْن رَحمَه الله شرع بتصنيف الْجُزْء الآخر من كتاب الْبيُوع إِلَى آخِره ثمَّ شرع فِي تصنيف الْجُزْء الأول فوضل إِلَى بعض كتاب النِّكَاح وعاقه عَن تَمَامه الأجل فكمله من كتاب النِّكَاح إِلَى آخر كتاب الطَّلَاق دون كتاب الرَّضَاع السَّيِّد الحديث: 209 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 الْعَلامَة صَلَاح بن أَمِير الْمُؤمنِينَ إبراهيم بن تَاج الدَّين أَحْمد بن مُحَمَّد ثمَّ كمل هَذَا المترجم لَهُ كتاب الرَّضَاع وَمَات فِي سنة 805 خمس وثمان مائَة وَقد سلك هَذَانِ السيدان في تَتِمَّة كتاب الشِّفَاء مَسْلَك مُصَنفه الأمير الْحُسَيْن رَحمَه الله في النَّقْل وَالتَّرْجِيح والتصحيح وَلَوْلَا قيامهما بِتَمَامِهِ لم يبلغ من الْحَظ مَا بلغ من اشْتِغَال لناس بِهِ مُنْذُ زمَان مُصَنفه إِلَى الآن كَمَا هُوَ شَأْن مالم يكن كَامِلا من الْكتب فإن الرَّغْبَة تقل فِيهِ وَقد كنت أَرْجُو أن أجعَل على هَذَا الْكتاب حَاشِيَة أبين فِيهَا مَا لَعَلَّه يحك في الخاطر من مَوَاضِع مِنْهُ فَأَعَانَ الله وَله الْحَمد والْمنَّة على ذَلِك وكتبت عَلَيْهِ حَاشِيَة تَأتي في مِقْدَار حجمه أَو أقل سميتها وبل الْغَمَام على شِفَاء الأوام وَكَانَ الْفَرَاغ مِنْهَا في رَجَب سنة 1213 وَهُوَ الْعَام الذي شرعت فِيهِ في تَحْرِير هَذِه التراجم وَقد سلكت في تِلْكَ الْحَاشِيَة مَسْلَك الإنصاف كَمَا هُوَ دأب من كَانَ فَرْضه الِاجْتِهَاد وَمن نظر فِيهَا بِعَين الإنصاف مَعَ كَمَال أَهْلِيَّته عرف مقدارها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 حرف الضَّاد الْمُعْجَمَة 210 - ضِيَاء بن سعد بن مُحَمَّد بن عمر الفومى ابْن قاضي الْقَوْم العقيقي القزويني الشافعي أَخذ عَن أَبِيه والخلخالى والبدر القشيري وَغَيرهم وَسمع الحَدِيث لما حج وَقدم الْقَاهِرَة وحظي عِنْد الأشرف شعْبَان وَولى مشيخة البيبرسية فِي سنة 767 وتدريس الشَّافِعِيَّة بالسجونية وولاه الأشرف مشيخة مدرسته وَسَماهُ شيخ الشُّيُوخ وَكَانَ ماهرا فى الْفِقْه والاصول والمعانى وَالْبَيَان ملازماً للتدريس لَا يمل من ذَلِك وَكَانَ من ذوي المروءات كثير الإحسان إِلَى الطّلبَة سليم الْبَاطِن مَاتَ فِي ذِي الْقعدَة سنة 780 ثَمَانِينَ وَسَبْعمائة وعمره خمس وَخَمْسُونَ سنة وَقد كتب إليه طَاهِر بن حسن بن حبيب هذَيْن الْبَيْتَيْنِ (قل لربّ الْعلَا وَمن طلب الْعلم ... مجداً إلى سَبِيل السوَاء) (إن أردت الْخَلَاص من ظلمَة الْجَهْل ... فَمَا تهتدي بِغَيْر الضّياء) فَأَجَابَهُ صَاحب التَّرْجَمَة بقوله (قل لمن يطْلب الْهِدَايَة منى ... خلت لمع السراب بركَة مَاء) (لَيْسَ عندي من الضّياء شُعَاع ... كَيفَ تبغي الْهدى من اسْم الضّياء) 211 - ضِيَاء العجمي قدم إلى دمشق وَقرر في الخانكاه وأقرا في النَّحْو وَكَانَ يثني على مُقَدّمَة ابْن الْحَاجِب واستفاد مِنْهُ جمَاعَة وَكَانَ حسن الْأَخْلَاق لكنه كَانَ مغرماً بمشاهدة الحسان من المردان لَا يَنْفَكّ عَن هوى وَاحِد الحديث: 210 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 يتهتك فِيهِ وَيخرج عَن طور الْعقل مَعَ الْعِفَّة وَكَانَ يمشي وَفِي يَده حزمة من الرياحين فَمن لقِيه من المرد أدناها إلى أَنفه فيشمها إِيَّاه فإن التمس مِنْهُ ذَلِك ذُو لحية قَلبهَا وضربه على أَنفه ثمَّ علق بصبي من أَبنَاء الْجند وَكَانَ يخرج إلى سوق الْخَيل ليشاهده إذا ركب فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ كَمَال الدَّين بن الزملكاني لم عشقت هَذَا وَلم تعشق أَخَاهُ وَهُوَ أحسن مِنْهُ قَالَ أعشقه أنت فَقَالَ ان أَذِنت لى قَالَ انت ماتحتاج إلى إذن وَقَالَ شخص فِي مجْلِس ابْن فضل إلى مَتى أَنْت في عشقة بعد عشقة فَأَنْشد ابْن فضل الله (الْحبّ أولى بذاتي في تصرّفه ... من أَن يغادرني يَوْمًا بِلَا شجن) فصاح وخرّ مغشياً عَلَيْهِ فَلَمَّا أَفَاق قَالَ نطقت عَن ضميري وأنشده الشهَاب مَحْمُود يَوْمًا (يَقُولُونَ لَو دبرت بِالْعقلِ حبها ... ولاخير فِي حب يدبّر بِالْعقلِ) فصاح حَتَّى سقط مغشياً عَلَيْهِ وَاتفقَ أنه دخل مصر فَرَأى نَصْرَانِيّا نازعه في أَمر من الْأُمُور فَضَربهُ بعكاز فِي يَده ضَرْبَة قضى مِنْهَا فِي الْحَال فتعصب عَلَيْهِ بعض الرؤساء إلى أَن أَمر السُّلْطَان بقتْله فَقتل رَحمَه الله وَهُوَ مظلوم لَا محَالة لِأَن الْقَائِل بقتل الْمُسلم بالكافر وهم الْحَنَفِيَّة لَا يوجبون الْقصاص فِي الْقَتْل بالمثقل وَسَائِر الْعلمَاء لَا يَقُولُونَ إنه يقتل مُسلم بِكَافِر وَكَانَ وجود صَاحب التَّرْجَمَة في الْقرن الثَّامِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 حرف الطَّاء الْمُهْملَة 212 - ططر الْملك الظَّاهِر كَانَ في الِابْتِدَاء من ممالك الظَّاهِر برقوق ثمَّ ترقى فِي سلطنة المؤبد حَتَّى صَار أحد المقدمين ثمَّ جعله في مرض مَوته متكلماً على ابْنه المظفر احْمَد وسافر بِهِ بعد موت أبيه ثمَّ اسْتَقر أتابكا وَأخذ في تمهيد الْأَمر لنَفسِهِ إلى أَن خلع المظفر وَاسْتقر عوضه في المملكة يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع عشر شعْبَان سنة 724 ثمَّ برز فى سَابِع عشر رَمَضَان عائداالى الْقَاهِرَة فوصلها فِي رَابِع شَوَّال ثمَّ مرض وَلزِمَ الْفراش الى مستهل ذي الْقعدَة وانتعش قَلِيلا ثمَّ أَخذ يتزايد مَرضه إلى ثاني ذي الْحجَّة فَجمع الْقُضَاة وَالْعُلَمَاء وعهد إِلَى وَالِده مُحَمَّد ثمَّ مَاتَ في رَابِع ذي الْحجَّة من السنة الْمَذْكُورَة وَله نَحْو خمسين سنة وَدفن من يَوْمه بالقرافة فَكَانَت مدَّته نيفا وَتِسْعين يَوْمًا وَكَانَ يحب الْعلمَاء ويعظمهم مَعَ حسن الْخلق والمكارم الزَّائِدَة وَالعطَاء الواسنع وَقد كَانَ فِي آخر أَيَّام الْمُؤَيد يحْتَاج إِلَى الْقَلِيل فَلَا يجده لِكَثْرَة عطائه حَتَّى انه أَرَادَ مُكَافَأَة شخص قدم لَهُ مَأْكُولا فَلم يجد شَيْئا فَسَأَلَ خواصه هَل عِنْدهم شئ يقرضونه فَكل وَاحِد مِنْهُم يحلف أَنه لَيْسَ عِنْده شئ الا وَاحِدًا مِنْهُم فَلم يكن بَين هَذَا وَبَين استيلائه على المملكة بأسرها وعَلى جَمِيع مَا في الخزائن السُّلْطَانِيَّة الَّتِى جمعهَا الْمُؤَيد سوى أُسْبُوع قَالَ المقريزي كَانَ يمِيل إلى تدين وَفِيه لين واعطاء وكرم مَعَ طيش وخفة وَشدَّة تعصب لمَذْهَب الْحَنَفِيَّة يُرِيد أَن لَا يدع أحداً من الْفُقَهَاء غير الْحَنَفِيَّة وأتلف في مدَّته مَعَ قصرهَا أَمْوَالًا عَظِيمَة وَحمل الدولة كلفاً الحديث: 212 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 كَبِيرَة اتعب بهَا من بعده وَقَالَ ابْن خطيب الناصرية إنه كَانَ مائلاً إلى الْعدْل وَأهل الْعلم يُحِبهُمْ ويكرمهم وَيتَكَلَّم فِي مسَائِل من الْفِقْه على مَذْهَب أَبى حنيفَة 213 - طقطاي بن منكوتمر بن سابر خَان بن جنكزخان المغلي ملك التتار كَانَ وَاسع المملكة جداً وعساكره تفوت الْحصْر حَتَّى يُقَال إنه جهّز جَيْشًا فَأخْرج من كل عشرَة وَاحِدًا فبلغوا مأتي ألف كَذَا قَالَ ابْن حجر في الدُّرَر الكامنة وَهَذَا شئ لم يسمع في جَيش ملك من الْمُلُوك وَكَانَت مُدَّة ملكه ثَلَاثًا وَعشْرين سنة وَكَانَت وَفَاته سنة 712 اثنتي عشر وَسَبْعمائة وَلم يسلم بل كَانَ يحب الْمُسلمين خُصُوصا الْفُضَلَاء مِنْهُم وَمن كل الْملَل ويميل إِلَى الْأَطِبَّاء والسحرة وَأسلم وَلَده وَيُقَال إن عرض مَمْلَكَته ثَمَانِيَة أشهر وطولها سنة قَالَ بَعضهم وَفِيه عدل وميل إِلَى أهل الْخَيْر وَكَانَ يحب الأطباء ومملكته وَاسِعَة جداً حَتَّى يُقَال ثماني مائَة فَرسَخ في سِتّمائَة فَرسَخ وَكَانَ لَهُ ولد حسن الشكل فَأسلم وَأحب الْقُرْآن وسماعه 214 - طهماسب ملك بِلَاد الْعَجم طارت أخباره إلى الْيمن في وسط الْمِائَة الثَّانِيَة عشر من الْهِجْرَة وَأخْبر عَنهُ الأغراب بِقُوَّة باهرة وسلطنة عَظِيمَة ومحصل مَا بلغ عَنهُ حَسْبَمَا نَقله من إدراك تِلْكَ الأيام من أهل هَذِه الأرض انه كَانَ خَادِمًا فِي بعض مشَاهد الْأَئِمَّة الَّتِى هُنَالك ثمَّ بعد ذَلِك خرج إلى بعض الأمكنة ودعا جمَاعَة من النَّاس إلى اتِّبَاعه فَاتَّبعُوهُ وَمَا زَالَ امْرَهْ يظْهر حَتَّى استولى على ملك تِلْكَ الديار وعَلى سَائِر ممالك الْعَجم وعَلى ممالك الْعرَاق ثمَّ لما تقرر الحديث: 213 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 ملكه لَهَا غزا بجيوش لَا تحصى إلى بِلَاد الْهِنْد وَكَانَ ملكهَا إذ ذَاك يُقَال لَهُ مُحَمَّد شاه فَتَلقاهُ بجيوش عَظِيمَة فَوَقع المصاف بَين الجيشين وتطاول أَيَّامًا وَقتل في بَعْضهَا أَمِير أُمَرَاء ملك الْهِنْد وَكَانَ من يَلِيهِ في الرُّتْبَة من أمراء السُّلْطَان يطْمع فِي أَن يكون مَكَانَهُ فولى السُّلْطَان رجلاً آخر فخامر عَلَيْهِ ذَلِك الأمير وانخزل بطَائفَة من جُنُوده إلى طهماسب فضعف بذلك السَّبَب سُلْطَان الْهِنْد ثمَّ سعى ذَلِك الأمير في الصُّلْح بَين الْملكَيْنِ فتواعدا للاجتماع إلى مَكَان عَيناهُ فَسبق إليه سُلْطَان الْهِنْد ثمَّ وصل طهماسب فَقعدَ وَنظر إلى سُلْطَان الْهِنْد وَهُوَ يشرب التنباك ولحيته محلوقة فأنكر عَلَيْهِ ذَلِك ووبخّه ثمَّ تم الصُّلْح على أَن يدْخل طهماسب بجيوشه إلى مَدِينَة السُّلْطَان وهى مَدِينَة عَظِيمَة تسمى نى خور وَيكون أَهلهَا في أمان وَيعود سُلْطَان الْهِنْد مَعَه مكرماً وَيبقى في مَمْلَكَته فدخلا تِلْكَ الْمَدِينَة وَلما حضرت صَلَاة الْجُمُعَة خَافَ أهل الْهِنْد أَن يُغير طهماسب رسومهم فى الْخطْبَة إِلَى رسوم الْعَجم فَلم يفعل بل تَركهم على حَالهم فَفَرِحُوا بذلك وَكَانَ جَيْشه منتشراً فِي جَمِيع الْمَدِينَة نازلين مَعَ أهلها فَكَانَ أوباش الْهِنْد إِذا ظفروا بِوَاحِد من جيوش طهماسب قَتَلُوهُ غيلَة وأفنوا بِهَذَا السَّبَب جمَاعَة كَثِيرَة فَبلغ السُّلْطَان طهماسب ذَلِك فبحث عَنهُ وتفقد أَصْحَابه ففقد كثيراً مِنْهُم فَأمر جيوشه بقتل أهل الْمَدِينَة فَمَا زَالُوا يقتلُون من وجدوه فِي ثَلَاثَة أَيَّام حَتَّى بلغ الْقَتْلَى من الْهِنْد زِيَادَة على مائَة ألف ثمَّ أَمرهم بعد الْيَوْم الثَّالِث بِرَفْع السَّيْف ونادى بالأمان وصادر أهل الْمَدِينَة واستخرج مَا مَعَهم من الأموال وأخذ من خَزَائِن سلطانهم مَا أحب أَخذه ثمَّ ارتحل وَقد دوخ بِلَاد الْهِنْد وَصَارَ سلطانها الْمَذْكُور نَائِبا لَهُ فِيهَا وَعَاد إِلَى بِلَادهمْ ثمَّ عزم على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 الْغَزْو إِلَى مصر وَالشَّام وَالروم وَقد خافته الْمُلُوك وأيقنوا بِأَنَّهُ لَا طَاقَة لَهُم بِهِ فَكفى الله شَره وَدفع عَن الْمُسلمين ضره وسلط عَلَيْهِ جمَاعَة من غلمانه تواطؤا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ وَهُوَ على فرَاشه وَكَانَت مُدَّة ملكه تسع سِنِين هَذَا حَاصِل مَا علق بحفظي من أَخْبَار من أخبرنَا عَن أَخْبَار من أخْبرهُم فِي تِلْكَ الأيام من الغرباء الواصلين إِلَى هَذِه الديار ثمَّ وصل إِلَى صنعاء السَّيِّد إبراهيم العجمي الْحَكِيم وَكَانَ أَبوهُ من جملَة الأطباء لطهماسب وَذكر لنا من أخباره غرائب وعجائب وَأخْبرنَا أنه كَانَ فِي ابْتِدَاء أمره سايسا من سواس الْجمال وَكَانَ عَظِيم الْخلقَة قوي الْبدن فاتفق أَن ملك الْهِنْد غزا بِلَاد الْعَجم وَكَانَ سلطانها إِذا ذَاك مشتغلاً باللهو والبطالة فَمَا زَالَ سُلْطَان الْهِنْد يفتحها إقليماً بعد إقليم ومدينة بعد مَدِينَة حَتَّى لم يبْق الا الْمَدِينَة الَّتِى فِيهَا سُلْطَان الْعَجم وسلطان الْعَجم مشتغل بِمَا هُوَ فِيهِ من البطالة ثمَّ التجأ سُلْطَان الْعَجم إِلَى بعض الْمشَاهد المعتقد فِيهَا فِي تِلْكَ الْمَدِينَة خوفاً من صَاحب الْهِنْد فَلَمَّا وَقع مِنْهُ ذَلِك قَامَ صَاحب التَّرْجَمَة يَدْعُو النَّاس إِلَى جِهَاد سُلْطَان الْهِنْد وَدفعه عَن مَدِينَة سُلْطَان الْعَجم الَّتِى قد أشرف على أَخذهَا فَتَبِعَهُ جمَاعَة وَخَرجُوا من الْمَدِينَة وَهُوَ أمامهم فهزموا جيوش سُلْطَان الْهِنْد وتبعوهم وأخرجوا من قد كَانَ مِنْهُم في مَدَائِن الْعَجم حَتَّى أخرجوهم من بِلَاد الْعَجم ثمَّ رجعُوا إِلَى الْمَدِينَة فَصَارَ صَاحب التَّرْجَمَة الْمُتَكَلّم فى مملكة الْعَجم ومازال أمره يقوى حَتَّى خلع السُّلْطَان العجمي الْمَذْكُور سَابِقًا وَبعد ذَلِك غزا بِلَاد الْهِنْد مكافئاً لَهُم بِمَا فعلوا فى بِلَاد الْعَجم وَقع مِنْهُ فِي بِلَادهمْ من الْقَتْل والاسر والنهب ملا ياتى عَلَيْهِ الْحصْر وصف لنا أَنه لما كَانَ من الهنود مَا قدمنَا من الْقَتْل لاصحابه غيلَة خرج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 الْيَوْم الثاني إِلَى سطح جَامعهَا وَهُوَ مَكَان مُرْتَفع وَحَوله فسحة كَبِيرَة من جَمِيع الْجِهَات وَكَانَ لابساً للحمرة وَذَلِكَ عَلامَة الْقَتْل ثمَّ صعد على سطح الْجَامِع وجيوشه حول الْجَامِع من جَمِيع جهاته ينظرُونَ إِلَيْهِ ويرتقبون مَا يَأْمر بِهِ فاستقر سَاعَة ثمَّ أَخذ سَيْفه وسله من غمده وَوَضعه مسلولاً وَصَاح الْجَيْش صَيْحَة وَاحِدَة وشهروا سِلَاحهمْ وَسعوا نَحْو الْمَدِينَة يقتلُون من وجدوه ثمَّ اسْتمرّ ذَلِك من أول يَوْم الى وَقت الْعَصْر فوصل سُلْطَان الْهِنْد وَكَانَ قد أَمنه وَعلم أَنه لَا ذَنْب لَهُ فِيمَا وَقع من الهنود وَوصل وَعَلِيهِ كفن منشور وَسيف مَشْهُور وَاضع لَهُ على رقبته ثمَّ رمى نَفسه بَين يدي صَاحب التَّرْجَمَة وَقَالَ أَيهَا السُّلْطَان قد كَانَ هلك غَالب أهل الْمَدِينَة وَوصل الْقَتْل إلى الأخيار وَلم يَقع مَا وَقع الامن جمَاعَة يسيرَة من الأشرار فَلَمَّا سمع ذَلِك أَخذ السَّيْف الَّذِي قد كَانَ سَله فِي أول الْيَوْم فأغمده فِي غمده فَذهب جمَاعَة كَثِيرَة من البَاقِينَ حوله يصيحون للجيش الَّذِي صَار يقتل أهل الْهِنْد فَمن سمع الصائح رَجَعَ وَترك الْقَتْل ثمَّ من جملَة مَا ذكره لنا السَّيِّد إبراهيم أَن صَاحب التَّرْجَمَة صَار لَا يصبر بعد ذَلِك عَن سفك الدِّمَاء وَصَارَ يقتل من لَا ذَنْب لَهُ من أَصْحَابه ورعيته فأجمع رأي ابْن أَخِيه وَنَحْو ثلثمِائة نفر من جنده على قَتله وَهُوَ فِي الْغَزْو فَدَخَلُوا عَلَيْهِ وَقد تساقط أَكْثَرهم فِي الْخيام من هيبته ثمَّ قَتَلُوهُ وَله أخيار طَوِيلَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 حرف الظَّاء الْمُعْجَمَة 215 - ظافر بن مُحَمَّد بن صَالح بن ثَابت الأنصاريّ الْعَدْوى من شعراء الْمِائَة الثَّامِنَة لَهُ نظم جيد رَوَاهُ عَنهُ الشَّيْخ ابو حَيَّان وَغَيره وَكَانَ فَقِيرا خيرا فَمِنْهُ (تميس فتخجل الاغصان تيها ... وتزرى فِي التلفت بالغزال) (وتحسب بالإزار لقد تغطّت ... وَقد أبدت بِهِ كلّ الْجمال) (سلوها لم تغطي الْبَدْر تيهاً ... وتسمح للنواظر بالهلال) (وَلم تصلى الحشا بالعتب نَارا ... وَفِي ألفاظها بردّ الزلَال) 216 - ظَاهر بن احْمَد بن شرف الغصيني الفيومي ولد تَقْرِيبًا على رَأس الْقرن الثَّامِن وَله فَضِيلَة فِي النَّحْو وَالْفِقْه مَعَ فهم ونظم كثير فِي مجلدات وباشر الأمر كأسلافه فِي تِلْكَ النَّاحِيَة ثمَّ اعْرِض عَنْهَا لوَلَده شرف الدَّين وَاقْبَلْ على الْعِبَادَة والأوراد وَصَحب الشَّيْخ مُحَمَّد بن أَحْمد بن مهلهل فَعَادَت بركته عَلَيْهِ وَحج وَدخل مصر وَمن شعره معرضاً بالعروض (تَوَاتَرَتْ لكَمَال الدا بلياتي ... تحكي طَوِيل مديد الذابليات) (وَقد تقَارب حقفي بالسريع إلى ... خَفِيف منسرح الأهوا المضلاّت) وَله ديوَان شعر مُخْتَصّ بالمدائح النَّبَوِيَّة وَمَات فِي بضع وَسبعين وثمان مائَة الحديث: 215 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 217 - ظهيرة بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حُسَيْن بن على بن احْمَد ابْن عَطِيَّة بن ظهيرة القرشي المكّي المالكي الْمَعْرُوف كسلفه بِابْن ظهيرة ولد فِي ذي الْحجَّة سنة 1841 إحدى وأربعين وثمان مائَة فحفظ الْقُرْآن وَالْأَرْبَعِينَ النووية ومختصر ابْن الْحَاجِب الأصلي والفرعي والرسالة لِابْنِ أَبى زيد وألفية الحَدِيث والنحو وَعرض على ابْن الْهمام وآخرين وتفقه بالقاضي عبد الْقَادِر وَعنهُ أَخذ الْعَرَبيَّة وَأخذ الأصول والمنطق على ابْن مَرْزُوق وَغَيره وَكَانَ ديّناً كثير المحاسن بارعاً فِي الْفِقْه والعربية ولي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بِمَكَّة بعد ابْن أبي الْيمن فِي سنة 868 وباشره بعفة ونزاهة ثمَّ انْفَصل عَنهُ لضعف بَصَره وَلم يلبث أَن مان لَيْلَة الْأَحَد ثامن ذي الْحجَّة من تِلْكَ السنة حرف الْعين الْمُهْملَة 218 - عَامر بن عبد الْوَهَّاب بن دَاوُد بن طَاهِر ولد سنة 866 سِتّ وَسِتِّينَ وثمان مائَة بالمقرانة مَحل سلفه وَنَشَأ فِي كَفَالَة أَبِيه فحفظ الْقُرْآن واشتغل قَلِيلا ثمَّ ملك الْيمن بعد أَبِيه ولقب الْملك الظافر فَاخْتلف عَلَيْهِ بَنو عَامر فقهرهم وأذعنوا وَملك الْيمن الأسفل وتهامة ثمَّ صنعاء وصعدة وغالب مَا بَينهمَا من الْحُصُون وَلما خرج الجراكسة إِلَى الْيمن غلبوه بِالسَّبَبِ الَّذِي قَدمته فِي تَرْجَمَة الإمام شرف الدَّين واستولوا على جَمِيع ذخايره وَهِي شئ يفوق الْحصْر وأخرجوه من مداينه وقتلوه قريب صنعاء فِي آخر شهر ربيع سنة 923 ثَلَاث وَعشْرين وَتِسْعمِائَة وَقد شرح ماجرى لَهُ الديبع فِي بغية المستفيد بأخبار مَدِينَة زبيد وَفِي الحديث: 217 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 قُرَّة الْعُيُون بأخبار الْيمن الميمون وَكَانَ يحب الْعلمَاء ويكرمهم وَيُحب الْكتب حَتَّى اهتمّ بتحصيل فتح الْبَارِي وَلم يكن إذ ذَاك بِالْيمن وَكَذَلِكَ كتاب الْخَادِم للزركشي وَلم تزل الْحَرْب قَائِمَة بَينه وَبَين جمَاعَة من أئمة أهل الْبَيْت سَلام الله عَلَيْهِم فَتَارَة لَهُ وَتارَة عَلَيْهِ ومحبة الرياسة والتنافس فِيهَا من أعظم مصايب الْأَدْيَان نسْأَل الله السَّلامَة والعافية وقدرثاه الديبع بقوله (أخلاى ضَاعَ الدَّين بعد عَامر ... وَبعد أَخِيه أعدل النَّاس فِي النَّاس) (فمذ فقدا وَالله وَالله إنّنا ... من الْأَمْن والإيناس فِي غَايَة الياس) 219 - السَّيِّد عَامر بن عليّ بن مُحَمَّد بن علي عَم الإمام الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن علي قد تقدم تَمام نسبه فِي تَرْجَمَة الْحسن بن الْقَاسِم وَهُوَ الْمَعْرُوف بعامر الشَّهِيد ولد سنة 965 خمس وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة وَقَرَأَ على القاضي عبد الرَّحْمَن الرحمي وَقَرَأَ الْعَرَبيَّة والكشاف على السَّيِّد عُثْمَان بن علي بن الإمام شرف الدَّين بشبّام قبل دَعْوَة الإمام الْقَاسِم وَسكن بأهله هُنَالك لطلب الْعلم وَلما دَعَا ابْن أَخِيه الإمام الْقَاسِم بِبِلَاد قارة كتب اليه فوصل ثمَّ توجه بِجُنُود فَافْتتحَ من بِلَاد الأمراء آل شمس الدَّين كثيراً وَكَانُوا أعضاد الْوَزير حسن والكخيا سِنَان فَمَا زَالَ كَذَلِك من سنة 1006 إلى سنة 1008 ثمَّ إن جمَاعَة من أهل قاعة غدروا بِهِ وَقد كَانَ تزوج بِامْرَأَة مِنْهُم هُنَالك وتفرق عَنهُ أَصْحَابه وَلم يبْق سواهُ فسعوا إِلَى الأتراك وأخبروهم بتفرده فأقبلوا إِلَيْهِ واحاطوا بِهِ ثمَّ اسروه وادخلوا شبام فطافوا بِهِ فِي كوكبان وشبّام على جمل وأمير كوكبان يَوْمئِذٍ السَّيِّد احْمَد بن مُحَمَّد بن شمس الدَّين الحديث: 219 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 ثمَّ أنه أرسل بِهِ إِلَى الأتراك مَعَ جمَاعَة إِلَى الكخيا سِنَان وَكَانَ فِي بني صريم فأمر بِهِ أَن يسلخ فسلخ جلده وصبر فَلم يسمع لَهُ أَنِين وَلَا شكوى بل كَانَ يَتْلُو سُورَة الإخلاص وَكَانَ ذَلِك يَوْم الأحد الْخَامِس عشر من رَجَب سنة 1008 ثَمَان وَألف ثمَّ إن سِنَانًا أملى جلده الشريف تينا وَأرْسل بِهِ على جمل إلى صنعاء إلى الْوَزير حسن فشهره على الدائر على ميمنة بَاب الْيمن وَدفن سَائِر جسده بجمومة من بني صريم ثمَّ نقل إلى خمر بأمر الإمام وقبره هُنَالك مَشْهُور مزور ثمَّ احتال بعض الشِّيعَة فأخذ الْجلد وَدَفنه على خُفْيَة وَعَلِيهِ ضريح هُنَالك وقبة على يَمِين الدَّاخِل بَاب الْيمن ورثاه القاضي أَحْمد بن سعد الدَّين المسوّري بأبيات مِنْهَا (أزائر هَذَا الْقَبْر إن جِئْت زَائِرًا ... ونلت بِهِ سَهْما من الأجر قامرا) (وَأديت حقّ الْمُصْطَفى ووصيه ... وأهليه لمّا زرت فِي الله عَامِرًا) (سليل الْكِرَام الشّمّ من آل أَحْمد ... وَمن كَانَ للدين الحنيفي عَامِرًا) 220 - الإمام المهدي لدين الله الْعَبَّاس بن الامام الْمَنْصُور بِاللَّه الْحُسَيْن ابْن الإمام المتَوَكل الْقَاسِم بن الْحُسَيْن بن الإمام المهدي أَحْمد بن الْحسن بن الإمام الْقَاسِم ابْن مُحَمَّد ولد فِي سنة 1131 إحدى وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وَألف وَقَرَأَ قبل خِلَافَته وَبعدهَا فَمِمَّنْ قَرَأَ عَلَيْهِ قبل خِلَافَته السَّيِّد الْعَلامَة عبد الله بن لطف الباري الكبسي ثمَّ كَانَ فِي أَيَّام وَالِده الإمام الْمَنْصُور بِاللَّه رَئِيسا عَظِيما فخيما ولمامات وَالِده فِي سنة 1161 أجمع النَّاس على صَاحب التَّرْجَمَة فَبَايعُوهُ واتفقت عَلَيْهِ الْكَلِمَة وَبَايَعَهُ من كَانَ خَارِجا عَن طَاعَة وَالِده كعمه أَحْمد بن المتَوَكل وَكَانَ إماماً فطناً ذكياً عادلاً قوي التَّدْبِير عالي الهمة منقاداً إِلَى الْخَيْر مايلا الحديث: 220 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 إِلَى أهل الْعلم محبا للعدل مصنفا للمظلوم سيوساً حازماً مطلعاً على أَحْوَال رَعيته باحثاً عَن سيرة عماله فيهم لَا تخفى عَلَيْهِ خافية من الأحوال لَهُ عُيُون يوصلون إِلَيْهِ ذَلِك وَله هَيْبَة شَدِيدَة فِي قُلُوب خواصه لَا يَفْعَلُونَ شَيْئا الاوهم يعلمُونَ أَنه سينقل إِلَيْهِ وَبِهَذَا السَّبَب اندفعت كثير من الْمَظَالِم وَكَانَ يدْفع عَن الرعايا مَا ينوبهم من الْبُغَاة الَّذين يخرجُون فِي الصُّورَة على الْخَلِيفَة وَفِي الْحَقِيقَة لإهلاك الرعية فَكَانَ تَارَة يتألّفهم بالعطاء وَتارَة يُرْسل طَائِفَة من أجناده تحول بَينهم وَبَين الرعية وَعظم سُلْطَانه فِي الْيمن وَبعد صيته واشتهر ذكره وقصده أهل الْعلم وَالْأَدب من الْجِهَات الْبَعِيدَة لمزيد اكرامه لمن كَانَ لَهُ فَضِيلَة لَا سِيمَا غرباء الديار وَكَانَ مشتغلاً بِالْعلمِ بعد دُخُوله فِي الْخلَافَة شفلة كَبِيرَة لَا يبرح إذا خلى نَاظرا فِي كتاب من الْكتب وَقَرَأَ على جمَاعَة من الْعلمَاء وَكَانَ إذا حدث حَادث من بغي بَاغ أَو خُرُوج خَارج عَن طَاعَة أهمه ذَلِك وأقلقه وَلَا يزَال فِي تَدْبِير دَفعه حَتَّى يَدْفَعهُ وَله صدقَات وصلات وافرة جَارِيَة على كثيرين من الْفُقَرَاء والضعفاء والقصاد والوافدين وَفِيه محَاسِن جمة وَله سنَن حَسَنَة سنّهَا وَبِه اندفعت مفاسد كَثِيرَة كَانَت مَوْجُودَة قبل خِلَافَته وَالْحَاصِل أَنه من أفراد الدَّهْر وَمن محَاسِن الْيمن بل الزَّمن وَلم يزل قاهراً لأضداده قامعاً لحساده وأنداده حَافِظًا لأطراف مَمْلَكَته بِقُوَّة صولة وَشدَّة شكيمة لَا يطْمع فِيهِ طامع وَلَا ينجع فِيهِ خدع خَادع بل يتَصَرَّف بالأمور حسب اخْتِيَاره ويتفرد بتدبير الْمُهِمَّات وَلَيْسَ لوزرائه مَعَه كَلَام بل يعْملُونَ مَا يَأْمُرهُم بِهِ وَلَا يَسْتَطِيعُونَ أَن يلبسوا عَلَيْهِ شَيْئا من أَمر المملكة أَو يخادعونه فِي قَضِيَّة من القضايا وَكَانَ لَهُ نقادة كُلية فِي الرِّجَال وخبرة كَامِلَة بأبناء دهره وإذا الْتبس عَلَيْهِ حَال شخص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 مِنْهُم امتحنه بِمَا يَلِيق بِهِ حَتَّى يعرف حَقِيقَة حَاله وَله قدرَة كَامِلَة على هتك ستر من يتظاهر بالزهد والعفاف والانقباض عَن الدُّنْيَا فِي ظَاهر الأمر لَا فِي الْوَاقِع فَإِنَّهُ يدْخل عَلَيْهِ من مدَاخِل دقيقة بجودة فطنته وَقُوَّة فكرته فيتضح لَهُ أمره ويحيط بِهِ خَبرا وَله من هَذَا الْقَبِيل عجائب وغرائب وَمَا زَالَ على الْحَال الْجَمِيل حَتَّى توفاه الله تَعَالَى فِي شهر رَجَب سنة 1189 تسع وَثَمَانِينَ وَمِائَة وَألف وأيامه كلهَا غرر ودولته صَافِيَة عَن شوائب الكدر وَمَا قَامَ عَلَيْهِ قَائِم الا دمره وَلَا خرج عَلَيْهِ خَارج الا قهره وَكَانَ استقراره فِي جَمِيع خِلَافَته بِصَنْعَاء وَمَات بهَا وَدفن بقبته الَّتِى أعدهَا لنَفسِهِ رَحمَه الله ورضي عَنهُ وبويع عِنْد مَوته مَوْلَانَا خَليفَة الْعَصْر وَلَده الْمَنْصُور بِاللَّه رب الْعَالمين عَليّ بن الْعَبَّاس حفظه الله وَسَتَأْتِي لَهُ تَرْجَمَة مُسْتَقلَّة إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَكَانَ وزيره الأكبر الْفَقِيه أَحْمد بن على النهمى مَا زَالَ قَائِما بالمهم من أُمُوره وَأمر أَكثر بِلَاده إِلَيْهِ من أول خِلَافَته إلى قبيل مَوته بِقَلِيل وَكَانَ هَذَا الْوَزير من محَاسِن الزَّمن لَهُ محبَّة للخير وإقبال على الطَّاعَة وميل إلى أهل الْعلم وَالصَّلَاح ومواساة الضُّعَفَاء مَعَ صدق لهجة وَحسن اعْتِقَاد وَكَانَ يغْضب اذا قَالَ لَهُ قَائِل انه وَزِير أَو عظمه أَو وَصفه بِوَصْف لَهُ مدح لَهُ وَلم يَأْتِ بعده فِي مَجْمُوع خصاله مثله إلا الْحسن بن علي حَنش الْمُتَقَدّم ذكره فَإِنَّهُ سلك طَرِيقَته وفاقه بِكَثْرَة الْبَذْل وَالعطَاء وَلَكِن لم يكن إليه من الأعمال مَا كَانَ إلى هَذَا فإن الَّذِي إلى هَذَا من الْبِلَاد هُوَ غَالب الْبِلَاد اليمنية وَلِصَاحِب التَّرْجَمَة أَوْلَادهم سَادَات السادات وكل وَاحِد مِنْهُم لَا يَخْلُو عَن فَضِيلَة ويجمعهم جَمِيعًا حسن الفروسية وجودة الْخلق والتمسك بِنَصِيب من الْعرْفَان وأكبرهم عبد الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 توفى فِي حَيَاة وَالِده وَبعده مَوْلَانَا الإمام خَليفَة الْعَصْر الْمَنْصُور بِاللَّه علي وستأتي تَرْجَمته وَبعده مُحَمَّد وَهُوَ من أكَابِر آل الإمام وَله نصيب من الكمالات وافر وَبعده الْقَاسِم وَهُوَ من فحول السادات وأعيان القادات وَله مُشَاركَة فِي الْعلم جَيِّدَة وَبعده يُوسُف وَهُوَ حسن الْأَخْلَاق كريم الأعراق وَبعده أَحْمد وَهُوَ أوسعهم علماً وَأَقْوَاهُمْ فهماً لَهُ اطلَاع كلي على علم التَّارِيخ وَالْأَدب وَمَعْرِفَة بفنون من الْعلم ومشاركة كُلية فِي أَنْوَاع مِنْهُ وَله شعر وَفِيه رَغْبَة إلى المباحثة وَهُوَ كريم مُطلق قَلِيل النظير فِي مَجْمُوعه وَبعده اسمعيل وَهُوَ قَلِيل النظير فِي حسن أخلاقه وتواضعه وسلامة فطرته وعفافه وهؤلاءهم الْكِبَار من أولاد صَاحب التَّرْجَمَة وهم كَثِيرُونَ وجميعهم كَمَا قَالَ الْقَائِل (من تلق مِنْهُم تقل لاقيت سيدهم ... مثل النُّجُوم الَّتِى يسرى بهَا الساري) 221 - السَّيِّد الْعَبَّاس بن مُحَمَّد المغربيّ التونسي قدم إِلَى صنعاء فِي سنة 1200 وَله معرفَة بِعلم الْحُرُوف والأوفاق الحديث: 221 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 رَأينَا مِنْهُ فِي ذَلِك عجائب وغرائب وأخذنا عَنهُ فِي علم الأوفاق لقصد التجريب لَا لاعتقاد شئ من ذَلِك وَكَانَ إذا احْتَاجَ إِلَى دَرَاهِم أَخذ بَيَاضًا وقطعه قطعاً على صور الضَّرْبَة المتعامل بهَا ثمَّ يَجْعَلهَا فِي وعَاء وَيَتْلُو عَلَيْهَا فتنقلب دَرَاهِم وَكنت فِي الِابْتِدَاء أَظن ذَلِك حِيلَة وشعوذة فَأخذت ذَلِك الْوِعَاء وفتشته فَلم أقف على الْحَقِيقَة فَسَأَلته أَن يصدقني فَقَالَ ان تِلْكَ الدَّرَاهِم يجِئ بهَا خَادِم من الْجِنّ يَضَعهَا فِي ذَلِك الْوِعَاء بِقدر مَا جعله من قطع الْبيَاض وَيكون ذَلِك قرضاً حَتَّى يتَمَكَّن من الْقَضَاء فَيَقْضِي وَكَانَ يضع خَاتم أحد الْحَاضِرين فِي اناء وَيجْعَل فِيهِ مَاء ويرتب فَيسمع الْحَاضِرُونَ فِي ذَلِك الإناء صَوتا مفزعاً ويرتفع ذَلِك الْخَاتم فَيَقَع فِي حجر صَاحبه فَظَنَنْت أنه يضع فِي الإناء تَحت الْخَاتم شَيْئا من الْمَعَادِن يكون لَهُ قُوَّة يدْفع بهَا الْخَاتم فتركته حَتَّى وضع الإناء وَوضع فِيهِ الْخَاتم فَقُمْت فأخذته فَلم أجد فِيهِ شَيْئا ثمَّ أمرنى أَن آخذ إِنَاء آخر وأضع فِيهِ مَاء بيدي وَاضع الْخَاتم من دون أَن يمس هُوَ شَيْئا من ذَلِك فَفعل وتلا فسمعنا ذَلِك الصَّوْت وارتفع الْخَاتم وَوَقع فِي حجر صَاحبه وَله من هَذَا الْجِنْس عجائب وغرائب واتصل بخليفة الْعَصْر حفظه الله وكساه كسْوَة عَظِيمَة وَأَعْطَاهُ عَطاء وَاسِعًا وَكَانَ يكثر التَّرَدُّد الى وأنا إِذْ ذَاك مشتغل بِطَلَب الْعلم ثمَّ عزم صُحْبَة الْحجَّاج فوصل إلى مَكَّة وإذا جمَاعَة من حجاج الغرب يسْأَلُون عَنهُ حجاج الْيمن وَمن جملَة من سألوا رفقته الَّذين حجّ مَعَهم من أهل الْيمن فَسَأَلُوهُمْ عَن حَاله فَأَخْبرُوهُمْ أَن أَبَاهُ من أكَابِر تجار الغرب وَأَنه مَاتَ وَخلف دنيا عريضة وَكَذَلِكَ وصف لنا من رافقه من حجاج الْيمن فِي الطَّرِيق من مروءته وإحسانه إليهم فِي الطَّرِيق وشكره لأهل الْيمن عِنْد أَصْحَابه وَغَيرهم مَا يدل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 على أَنه من أهل المروءات وَمن جملَة مَا وصفوه أَنهم وصلوا إلى الْبَحْر فَعدم المَاء فِي السَّفِينَة وهم بِقرب جَزِيرَة فِيهَا مَاء عذب وَلَكِن فِيهَا جمَاعَة من اللُّصُوص قد حالوا بَين أهل السَّفِينَة وَبَين المَاء واشتدت حَاجتهم إلى المَاء وَلم يقدر أحد على الْخُرُوج فَاشْتَمَلَ هَذَا السَّيِّد على سَيْفه وَخرج وَأخرج مَعَه قرب المَاء فَلَمَّا رَآهُ اللُّصُوص هربوا وَكَانَ طَويلا ضخماً حسن الْأَخْلَاق ابيض اللَّوْن شَدِيد الْقُوَّة ويحفظ منظومة فِي فقه الْمَالِكِيَّة وَله معرفَة بمسائل من أصُول الدَّين وَكَانَ يصمم على مَا يعرفهُ فإذا ظهر لَهُ الْحق مَال إليه وَكنت مرة أَنا وشخص عندي كَانَ يحضر عِنْد اجتماعي بالسيّد فاخذنا من تَحْرِير أوفاق قد خفظناها مِنْهُ وَلم يكن حَاضرا فَلَمَّا فَرغْنَا من تَحْرِير بَعْضهَا وضعناه فِي النَّار حَتَّى التهب ثمَّ جَعَلْنَاهُ فِي الطَّاقَة فَلم نشعر إلا بطائر قد انقضّ على تِلْكَ الْوَرق الَّتِى تلتهب فأخذها وَذهب فعجبنا من ذَلِك غَايَة الْعجب وَلم نقف للمترجم لَهُ على خبر بعد ارتحاله وَقد كَانَ يحْكى لنا من أَحْوَال أهل الغرب حكايات عَجِيبَة وَكَانَ مُدَّة الِاجْتِمَاع بِهِ نَحْو ثَلَاثَة أشهر أَو أَكثر 222 - عبد الباسط بن خَلِيل بن إبراهيم الدمشقي ثمَّ القاهري قَالَ السخاوي هُوَ أول من سمي بِعَبْد الباسط ولد سنة 784 أَربع وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة وَنَشَأ فِي خدمَة كَاتب سرها مُحَمَّد ين مُوسَى بن مُحَمَّد الشهَاب مَحْمُود واختص بِهِ ثمَّ اتَّصل بالمؤيد شيخ حِين كَانَ نَائِبا بِدِمَشْق ولازمه حَتَّى قدم مَعَه إلى الديار المصرية فَلَمَّا تسلطن الْمُؤَيد أعطَاهُ نظر الخزانة وَالْكِتَابَة بهَا وسلك مَسْلَك عُظَمَاء الدولة فِي الحشم والخدم والمماليك من سَائِر الأجناس والندماء وَرُبمَا ركب بالسرج الذَّهَب الحديث: 222 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 وَالسُّلْطَان زَائِد الإقبال عَلَيْهِ والتقريب لَهُ وتكرر نُزُوله غير مرّة فتزايدت وجاهته بذلك كُله وَزَاد تعاظمه حَتَّى صَار لَا يسلم على أحد الا نَادرا فمقتته الْعَامَّة واسمعوه الْمَكْرُوه كَقَوْلِهِم ياباسط خُذ عَبدك فَشَكَاهُمْ إلى الْمُؤَيد فتوعدهم بِكُل سوء فأخذوا فِي قَوْلهم يَا جبال يَا رمال يَا الله يَا لطيف فَلَمَّا طَال ذَلِك عَلَيْهِ الْتفت اليهم بِالسَّلَامِ وخفض الْجنَاح فَسَكَتُوا عَنهُ واحبوه وَلَا يزَال يترقى إلى أَن أثرى جداً وَأَنْشَأَ القيسارية الْمَعْرُوفَة بالباسطية وَعمر الاملاك الجليلة ثمَّ صَار فِي دولة السُّلْطَان ططر نَاظر الْجَيْش عوضاً عَن الْكَمَال بن البارزي فِي سَابِع ذي الْقعدَة سنة 824 فَلَمَّا اسْتَقر السُّلْطَان الأشرف بَالغ فِي التَّقَرُّب إليه بالتقادم والتحف وَفتح لَهُ أبواباً فِي جَمِيع الأموال فَزَاد اخْتِصَاصه بِهِ وَصَارَ هُوَ الْمعول عَلَيْهِ وأضاف إليه الوزارة والأستاذ داريه فسدهما بِنَفسِهِ وَبَعض خدمه إلى أَن مَاتَ الأشرف وَاسْتقر ابْنه الْعَزِيز وَكَانَ من أعظم القائمين فِي سلطنته ثمَّ صَارَت السلطنة إلى السُّلْطَان جقمق فَخلع عَلَيْهِ باستمراره فِي نظر الْجَيْش ثمَّ قبض عَلَيْهِ وحبسه وَطلب مِنْهُ ألف ألف دِينَار فتلطف بِهِ الْكَمَال بن البارزي وَغَيره من أَعْيَان الدولة حَتَّى صَارَت إلى ثَلَاث مائَة ألف دِينَار ثمَّ أطلق وَأمر بالتوجه إلى الْحجاز فسافر بعد أَن خلع عَلَيْهِ وعَلى عِيَاله وحواشيه فِي ثامن شهر ربيع الآخر سنة 843 فأقام بِمَكَّة سنة ثمَّ رَجَعَ مَعَ الركب الشامي إلى دمشق امتثالاً لما أَمر بِهِ فَأَقَامَ بهَا سِنِين وزار مِنْهَا بَيت الْمُقَدّس وأرسل بهدية من هُنَاكَ إلى السُّلْطَان ثمَّ قدم الْقَاهِرَة فَكَانَ يَوْمًا مَشْهُورا وخلع عَلَيْهِ وعَلى أَوْلَاده ثمَّ أرسل بتقدمة هائلة وَعَاد إلى دمشق بعد أَن أنعم عَلَيْهِ السُّلْطَان بأمرة عشْرين بهَا ثمَّ بعد سِنِين عَاد إلى الْقَاهِرَة مستوطناً لَهَا ثمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 حج وَعَاد فَأَقَامَ قَلِيلا وَمَات يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع شَوَّال سنة 854 أَربع وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَكَانَ رَئِيسا محتشماً سائساً كَرِيمًا وَاسع الْعَطاء ممدوحاً محبا للْعُلَمَاء مفضلا عَلَيْهِم وَكَانَ الْحَافِظ ابْن حجر من جملَة من اتَّصل بِهِ وَهُوَ الذي ذكره في فتح الباري لما ذكر كسْوَة الْكَعْبَة حَيْثُ قَالَ وَلم يزل الْمُلُوك يتداولون كسوتها إلى ان وقف عَلَيْهَا الصَّالح إسماعيل بن النَّاصِر فِي سنة 743 قَرْيَة من ضواحي الْقَاهِرَة يُقَال لَهَا بيسوس كَانَ اشْترى الثُّلثَيْنِ مِنْهَا من وَكيل بَيت المَال ثمَّ وَقفهَا على هَذِه الْجِهَة قَالَ وَلم تزل تُكْسَى من هَذَا الْوَقْف إلى سلطنة الْمُؤَيد شيخ فكساها من عِنْده سنة لضعف وَقفهَا ثمَّ فوض أمرهَا إلى بعض أمنائه وَهُوَ القاضي زين الدَّين عبد الباسط بسط الله في رزقه وعمره فَبَالغ في تحسينها بِحَيْثُ يعجز الواصف عَن وصف حسنها جزاه الله على ذَلِك أفضل المجازاة انْتهى وَمن غرائب مَا اتفق لصَاحب التَّرْجَمَة أَن جَوْهَر القيقباي رام ان يخْدم عِنْده فَمَا وَافق ثمَّ ترقى حَتَّى صَار صَاحب التَّرْجَمَة خاضعاً لَهُ مَاشِيا فِي أغراضه رَاضِيا وكارهاً وَكَذَلِكَ أحضرت أم الْعَزِيز إلى صَاحب التَّرْجَمَة ليشتريها قبل وصولها إلى الْأَشْرَف فَامْتنعَ فَصَارَت إلى الْأَشْرَف وحظيت عِنْده فَصَارَ المترجم لَهُ يمشي فِي خدمتها وَسَار مَعهَا إِلَى مَكَّة يخدمها وَرُبمَا مَشى وَهَذَا شَأْن هَذِه الدُّنْيَا 223 - عبد الباقي بن عبد الْمجِيد بن عبد الله بن مثّنى بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عِيسَى بن يُوسُف بن عبد الْمجِيد اليماني المخزومي تَاج الدَّين ولد فِي رَجَب سنة 685 خمس وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة بِمَكَّة وَدخل الْيمن فأقام بهَا مُدَّة ثمَّ قدم مصر بعد السبعمائة بِيَسِير فَأَقَامَ بهَا مُدَّة وَقدم الشَّام فى الحديث: 223 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 زمن الأقرم فرتب لَهُ راتباً واشتغل النَّاس عَلَيْهِ في الْعرُوض والمقامات ثمَّ رَجَعَ إلى الْيمن في سنة 716 وولاه الْمُؤَيد الرسولي الوزارة فاستمر فِيهَا إلى أن مَاتَ الْمُؤَيد وولاه ابْنه الظافر فقربه وعظمه ثمَّ صادره الْمُجَاهِد واجتاح أَمْوَاله ففرّ مِنْهُ إلى مَكَّة وَدخل الديار المصرية في سنة 730 فدرس بالمشهد النفيسي ثمَّ استوطن بَيت الْمُقَدّس ومازال يتَرَدَّد بَين حلب ودمشق ومصر وطرابلس حَتَّى مَاتَ فِي سنة 744 أَربع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وَكَانَ لَهُ قدرَة على النظم والنثر وَكَانَ يحط على القاضي الْفَاضِل ويرجح عَلَيْهِ ابْن الأثير وَعمل تَارِيخا لليمن وتاريخاً للنحاة وَاخْتصرَ تَارِيخ ابْن خلكان في جُزْء وذيل عَلَيْهِ إلى زَمَانه وَضبط ألفاظ الشِّفَاء لعياض في جُزْء وَله مطرب السمع في حَدِيث أم زرع وَغير ذَلِك وَله اشْتِغَال كَبِير بالفقه وَالْأُصُول وفنون الْأَدَب وَله اخْتِصَار الصِّحَاح وَحكى عَن بعض معاصريه أَنه قَالَ لَا يعْتَمد عَلَيْهِ في الرِّوَايَة وَمن شعره (تجنّب أَن تذمّ بك اللّيالي ... وحاول أَن يذم لَك الزَّمَان) (وَلَا تحفل إذا كملت ذاتاً ... أصبت الْعِزّ أم حصل الهوان) 224 - عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن الْحسن على البهكلى الضمدى ثمَّ الصبيانى ولد سنة 1180 ثَمَانِينَ وَمِائَة وَألف تَقْرِيبًا بصبيا وَنَشَأ بهَا وَقَرَأَ على وَالِده وَغَيره من أهل صَبيا ثمَّ رَحل إِلَى صنعاء سنة 1202 فَأخذ عَن أكَابِر علمائها كشيخنا السَّيِّد الْعَلامَة عبد الْقَادِر بن احْمَد وَالسَّيِّد الْعَلامَة على بن عبد الله الْجلَال وَالسَّيِّد الْعَلامَة عبد الله بن مُحَمَّد الْأَمِير وَشَيخنَا الْعَلامَة الْحسن بن اسمعيل المغربي وَشَيخنَا السَّيِّد الْعَلامَة عبد الله بن الْحسن بن الحديث: 224 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 عَليّ بن الْحُسَيْن بن علي بن المتَوَكل والعلامة علي بن هادي عرهب وَغير هَؤُلَاءِ وَأخذ عَنى في فنون مُتعَدِّدَة واختص بي اختصاصاً كَامِلا وسألني مسَائِل كَثِيرَة فأجبت عَلَيْهِ بأجوبة مُطَوَّلَة ومختصر وَعَاد إِلَى وَطنه وَقد برع فِي النَّحْو وَالصرْف والمنطق والمعاني وَالْبَيَان وَالْأُصُول وَالتَّفْسِير والْحَدِيث فِي أقرب مُدَّة لحسن فهمه وجودة تصَوره وَكَمَال اداركه وَقُوَّة ذهنه ثمَّ مازال بعد رُجُوعه إِلَى وَطنه يكاتبني بالأشعار الرايقة فَأُجِيب عَلَيْهِ بمضمون مَا يَكْتُبهُ إِلَى وَهُوَ مَعَ ذَلِك يتأسف على مفارقتى وأتاسف على مُفَارقَته لما بيني وَبَينه من الْمَوَدَّة الصادقة والمحبة الزَّائِدَة الَّتِى تفوق الْوَصْف بل قد لَا يتَّفق مثلهَا بَين الأخوين الشقيقين وَقد جرت بينى وَبَينه من المطارحات الأدبية نظماً ونثراً مَالا يَتَّسِع لَهُ الا مجلدا وَفِيه فصاحة ورجاحة مَعَ حسن تودد ولطافة طبع وكرم أَخْلَاق وملاحة محاضرة واستحضار لرايق الاشعار وفائق الاخبار لَا يمل جليسه لماجبل عَلَيْهِ من مُوَافقَة كل جليس وجلب خاطره بِمَا يلايمه وَالْوُقُوف على الْحَد الَّذِي يُريدهُ وَلِهَذَا أحبته الْقُلُوب وانجذبت إِلَيْهِ الخواطر وَرغب إِلَيْهِ كل اُحْدُ فعاشر أهل صنعاء وَعرف طباعهم وَاخْتِلَاف أوضاعهم وَصَارَ أخبر بهم من أحدهم لَا يخفى عَلَيْهِ من أَحْوَالهم دَقِيق وَلَا جليل ثمَّ ارتحل إلى صنعاء رحْلَة ثَانِيَة وَكنت إِذْ ذَاك مَشْغُولًا بالتدريس والتأليف والإفتاء وَلكنه قد جفاني جمَاعَة من الَّذين لَا يعْرفُونَ الْحَقَائِق لصدور اجتهادات مني مُخَالفَة لما ألفوه وعرفوه وَهَذَا دأبهم سلفاً عَن خلف لَا يزالون يعادون من بلغ رُتْبَة الِاجْتِهَاد وَخَالف مادبوا عَلَيْهِ ودرجوا من مَذَاهِب الْآبَاء والأجداد فوصل صَاحب التَّرْجَمَة فِي سنة 1209 والمواحشة بيني وَبَين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 الْمَذْكُورين زَائِدَة وَلَهَب نَار الِاخْتِلَاف صادعة فَقَرَأَ على فِي مُخْتَصر الْمُنْتَهى وَشَرحه لعضد الدَّين وحاشيته للسعد وَقَرَأَ على فى الخرازبة وَشَرحهَا فى الْعرُوض ومازال يعادى اعداى ويوادد أوداي وَيقوم في غيبتي مقَام الْأَخ الْحَمِيم ويتوجع من أَحْوَال أَبنَاء الزَّمن وَمَا جبل عَلَيْهِ طلبة الْعلم في قطر الْيمن ثمَّ وصل إِلَى صنعاء مرة ثَالِثَة فِي شهر رَمَضَان سنة 1211 وَكنت إِذْ ذَاك قد امتحنت بِقبُول الْقَضَاء الْأَكْبَر بعد الإلزام بِهِ من مَوْلَانَا خَليفَة الْعَصْر حفظه الله فاستقر المترجم لَهُ فِي صنعاء نَحْو نصف سنة يتَّصل بِي فِي كل وَقت ويحضر فِي مَوَاقِف التدريس ومجالس المنادمة والتأنيس ويطارحني بأدبياته ويواصلني بفقرة الفايقة وأبياته حَتَّى ولاه مَوْلَانَا الإمام حفظه الله قَضَاء بَيت الفقيه بن عجيل بعد موت القَاضِي الْعَلامَة عبد الفتاح بن أَحْمد العواجي وَهُوَ الْآن قَاض هُنَالك وَقد بَاشرهُ مُبَاشرَة حَسَنَة بعفة ونزاهة وَحُرْمَة كَامِلَة وصدع بِالْحَقِّ بِحَسب الْحَال وَمِقْدَار مَا يبلغ إِلَيْهِ الطَّاقَة وَقد أجزته بِكُل مَا يجوز لى رِوَايَته وَهُوَ مشارك لي فِي السماع من أكابر شيوخي وَله قدرَة على النظم والنثر وملكة كَامِلَة فِي جَمِيع الْعُلُوم عقلاً ونقلاً وَلَا يُقَلّد أحداً بل يجْتَهد برأيه وَهُوَ حقيق بذلك وَلما وقف على أَبْيَات لي من الحماسة رضت القريحة بهَا مرغباً في الرُّتْبَة وَالْوُسْطَى اذا أعجزت الْغَايَة وهي (إذا أعوز الْمَرْء الصعُود إلى الَّتِى ... اليها تناهى كل أروع أصيد) (فَمن دون تحليق النسور منَازِل ... تروح بهَا رقش البزاة وتغتدي) (ودع عَنْك أدنى مسرح الْعِزّ إنه ... مطار بغاث الطير عِنْد التبلد) (فهم الْفَتى كل الْفَتى غير وَاقِف ... على الدون إن الدون غير مُحَمَّد) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 (وَفِي الْغَايَة الْوُسْطَى تعلّل مغرم ... على الْغَايَة القصوى مقَام التفرد) (أيا منزلاً من دون مضربه السهى ... ويامقعدا من دونه كل مقغد) (أبرى دون مرقا شأوك الْمَوْت وَاقِفًا ... لكلّ الذي يهوى لقاك بِمَرْصَد) فَقَالَ هَذِه الأبيات الَّتِى هي السحر الْحَلَال وَقد غَابَ عَنى أَولهَا (فَتى لَا وَحقّ الله لَوْلَا قِيَامه ... بِبَاب الْعلَا وَالْمجد لم يَتَجَدَّد) (وأبلج مَا من آله وقبيلة ... على قلَّة السادات من لم يسود) (أَخُو همة مَا حَاجِب بن زُرَارَة ... أَخُوهَا وَلَا العالي يزِيد بن مزِيد) (وَذُو سلف مَا فيهم من مذمم ... لئيم وَلَا فِي غَيرهم من مُحَمَّد) (وأيمن أن تصدم بِهِ الْفقر يَنْقَلِب ... غَنِيا وان تصدم بِهِ النحس تسعد) ووقف على أَبْيَات لي من ذَلِك الطراز الأول نظمتها لقصد امتحان الْفِكر وَهِي (ولي سلف فَوق المجرّة خيموا ... سرادقهم من دونه كلّ كَوْكَب) (رقوا في مراقي الْعِزّ شأوا ممنعاً ... وذادوا الورى عَنهُ بخطب المشطب) (فَمَا مِنْهُم في قومه غير سيد ... يروح وَيَغْدُو وَهُوَ بالمجد محتبي) (وَمَا بِي عَن أوساطهم من تخلف ... وَلَا ركبُوا في مجدهم غير مركبي) (وَلكنهَا الْأَيَّام يلبسهَا الْفَتى ... على قدر من غَالب أَو مغلب) (واني امْرأ أما نجاري فخالص ... وَأما فعالي فاسأل الدَّهْر واكتب) (وَلست بلباس لثوب مزور ... وَلَكِن ضوء الشَّمْس غير محجب) (وإن فَتى يغشى الدنايا وبيته ... على قمة الْعليا فَتى غير معتب) (فَمَا الْمَرْء الامن ينوء بِنَفسِهِ ... إلى منزل فَوق السَّمَاء مطنب) (وَلَا خير فِي حفظ من الْعَيْش دونه ... تجرّع كأس الذل من أى مشرب) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 فَقَالَ عافاه ذُو الْجلَال (فديتك يامن ألبس الدَّهْر أدرعا ... بنظم يروع الْجَيْش عَن كل مطلب) (نماك الاولى خطت أسنة ذبلهم ... سطورا بمحمر النحيع المترب) (خطوب إذا جرّد السلاهب أغمدت ... حفاظهم أكرم بهم خير مقنب) (إذا النَّقْع غطى آيَة الشَّمْس أطلعت ... أسنّتهم شهباً على كل أَشهب) وَكَانَ الاولى بالْمقَام مادار بيني وَبَينه من الأشعار الرقيقة والمكاتبات الَّتِى دخلت الى معاهد اللطافة من كل طَريقَة وَلَكِن الْعذر أَنه لم يحضر حَال تَحْرِير التَّرْجَمَة غير هَذَا وَأما الرسائل والمسائل الَّتِى أجبْت بهَا على سؤالاته فهي كَثِيرَة جداً مَوْجُود أَكْثَرهَا في محموع رسائلي وإذ قد تعرضنا لذكر بعض مَنَاقِب هَذَا الْفَاضِل فلنذكرههنا بعض قرَابَته الَّذين بلغتنا أخبارهم بأخصر عبارَة وأوجز إشارة فَمنهمْ وَالِده الْعَلامَة الْمُحَقق أَحْمد بن الْحسن قاضي صَبيا هُوَ من أكَابِر الْعلمَاء الجامعين بَين علم الْعَرَبيَّة والاصول والْحَدِيث وَالتَّفْسِير وَالْفِقْه وَله رسائل ومسائل وأشعار أنيقة وَقد وصل إلى صنعاء وَأَنا فِي أَوَائِل أَيَّام الطلب وَاجْتمعت بِهِ فِي موقفين فرايته من أحسن النَّاس مذاكرة وأملحهم محاضرة مَعَ ظرافة ولطافة وجودة تَعْبِير ودقة ذهن وَقُوَّة فهم وَقد دارت بيني وَبَينه مُكَاتبَة متضمنة لمشاعرة ومذاكرة وَلم يحضرلى الْآن مِنْهَا شئ وَلَعَلَّه قد قَارب السِّتين من عمره حَال تَحْرِير هَذِه الأحرف وَمِنْهُم أَخُوهُ عَم صَاحب التَّرْجَمَة عبد الرَّحْمَن بن الْحسن البهكليّ قاضي الْأَشْرَاف بأبي عَرِيش وَسَائِر جهاته وَهُوَ من أكَابِر الْعلمَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 لَهُ يَد طولى في عُلُوم الِاجْتِهَاد وَعِنْده من التَّحْقِيق والتدقيق مَا يقصر عَن الْبلُوغ إليه كثير من عُلَمَاء الْعَصْر وَقد كتب إليّ بمسائل تعرض فِي جهاته وأجبت عَنْهَا بأجوبة لَعَلَّهَا لَدَيْهِ وَهُوَ الْآن حي طول الله مدَّته وَهُوَ أكبر من أَخِيه أَحْمد الْمَذْكُور قبله وَمِنْهُم أَخُو صَاحب التَّرْجَمَة إسماعيل بن أَحْمد وصل إلى صنعاء لَعَلَّ ذَلِك في سنة 1215 وبقي بهَا نَحْو عَاميْنِ وَقد كَانَ شرع يقْرَأ على الشُّيُوخ في الْعُلُوم الدِّينِيَّة ثمَّ بدا لَهُ الِاشْتِغَال بِعلم الفلسفة فَلم يظفر مِنْهَا بطائل سوى تَضْييع الْوَقْت وَبطلَان السَّعْي وَذَهَاب هجرته سدى وَمِنْهُم أَخُو صَاحب التَّرْجَمَة الْحسن بن أَحْمد وَهُوَ أَصْغَر من الذي قبله وصل الى صنعاء سنة 1218 طَالبا للْعلم بجد وَجهد وعقل وَسُكُون وجودة تصور وَقُوَّة ادراك وَهُوَ الْآن ياخذ عَن أَعْيَان مَشَايِخ صنعاء فى عُلُوم الِاجْتِهَاد وَله قرءة عليّ في شرحي للمنتقى وَغَيره وَمن قرَابَة صَاحب التَّرْجَمَة ابْن عَمه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 أَحْمد بن مُحَمَّد البهكليّ هُوَ من الْعلمَاء الْمُحَقِّقين وَهُوَ الْآن عِنْد صَاحب التَّرْجَمَة وَلَعَلَّ عمره مَا بَين الثَّلَاثِينَ والأربعين وَقد كتب إليّ بِأَبْيَات مِنْهَا (الْبَدْر يابدر الْعُلُوم الَّذِي ... سناؤه الباهر بِالنورِ لَاحَ) (لَا يَعْتَرِيه النَّقْص إن ذمّه ... من الورى النَّاقِص والافتضاح) (فاكبت أعاديك وَلَا تختشى ... فَسَوف يَأْتِيك المنى بالنجاح) (وانض لَهُم غضب مقَال غَدا ... يقدد الاعناق قد الصفاح) (وارخ عنان الطّرف إن خلته ... فِي حلبة الأبحاث يروي الصِّحَاح) (وصل عَلَيْهِم صولة اللَّيْث فِي ... برازه معتقلاً للرماح) وَلما مَاتَ والدي تغشاه الله برحمته ورضوانه كتب الى عافاه الله بقصيدة رثاه بهَا مطْلعهَا (هَكَذَا الدَّهْر شَأْنه لَا يبالي ... قد رمانا بأسهم ونصال) وَمَات سنة 1227 وَمن قرَابَة صَاحب التَّرْجَمَة خَاله القاضي الْعَلامَة الْمُحَقق علي بن حسن العواجي عافاه الله هُوَ فائق في جَمِيع صِفَات الْكَمَال جَامع بَين الْعلم وَالْعَمَل والرياسة والكياسة قَائِم بأعمال الدُّنْيَا وَالْآخِرَة أتم قيام وَهُوَ حَال تَحْرِير هَذِه الأحرف حَاكم ببندر اللِّحْيَة وَكنت رأيته قبل عزمه إلى هُنَالك عِنْد وُصُوله إلى حَضْرَة الْخلَافَة وَلم أجتمع بِهِ لكوني تِلْكَ الْأَيَّام إلى الصغر اقرب وَهُوَ جميل الصُّورَة تَامّ الْخلقَة بهي الشكل حسن الْهَيْئَة يسْتَدلّ من رَآهُ بِذَاتِهِ على جميل صِفَاته وجليل سماته وَكَمَال طرافته وَلَعَلَّه الْآن قد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 قَارب السِّتين من عمره وَولده الْعَلامَة عز الْكَمَال مُحَمَّد بن علي بن الْحسن العواجيّ هُوَ مِمَّن ارتحل إلى صنعاء لطلب الْعلم وأخذ عَنى في النَّحْو وَالْفِقْه وأجزت لَهُ إجازة عَامَّة في جَمِيع مَا يجوز لي رِوَايَته وَهُوَ الآن سَاكن عِنْد وَالِده في بندر اللِّحْيَة وَلَعَلَّه قد قَارب الثَّلَاثِينَ وَمَات هَذَا ووالده قبله بعد وُقُوع الِاضْطِرَاب فِي تهَامَة وَقيام الشريف حمود بهَا وكل وَاحِد من هَؤُلَاءِ كَانَ يسْتَحق أَن يفرد بترجمة مُسْتَقلَّة وَلَكِن لم يكن لديّ من أخبارهم الا أَشْيَاء يسيرَة وفى سنة 1243 وصلت الْجنُود الروميه إلى تهَامَة وأسروا الشريف أَحْمد بن حمود الْقَائِم مقَام أَبِيه وَقتلُوا عَالم الأشراف وقائد جنودهم الشريف حسن بن خَالِد الحازمي وأدخلوا جمَاعَة من الْأَشْرَاف إلى الروم مِنْهُم أَحْمد بن حمود ونكّلوا بِجَمَاعَة من المتولين لأمورهم من الْقُضَاة وَغَيرهم وامتحن صَاحب التَّرْجَمَة وَحبس ثمَّ أطلق وَهُوَ الآن خَائِف يترقب مَا نزل بِغَيْرِهِ دفع الله عَنهُ كل مَكْرُوه وَقد تشفعت لَهُ عِنْد الباشا الْوَاصِل بالجنود الرومية وَهُوَ الباشا خَلِيل فَلم يصب بعد ذَلِك بِمَا أصيب بِهِ غَيره والمرجو من الله عز وَجل أَن يصرف عَنهُ كل شَرّ فإنه من أكَابِر الْعلمَاء العاملين وَمن عباد الله الصَّالِحين ثمَّ بعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 هَذَا أجْرى الصُّلْح بَين سيدي الْمولى وَبَين الرّوم على ارجاع الْبِلَاد الَّتِى اغتصبها الشريف إلى الإمام فَعرفت الإمام حفظه الله أَن يقرره لقَضَاء بَيت الْفَقِيه كَمَا كَانَ فقرره على ذَلِك وَعَاد كَمَا كَانَ وَالله الْحَمد 225 - عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن عبد الْغفار القاضي عضد الدَّين الإيجي ولد بإيج من نواحي شيراز بعد السَّبع مائَة وَأخذ عَن مَشَايِخ عصره ولازم زين الدَّين تلميذ البيضاوي وَكَانَ إماماً في الْمَعْقُول قَائِما بالأصول والمعاني وَالْبَيَان والعربية مشاركاً في سَائِر الْفُنُون وَله شرح مُخْتَصر الْمُنْتَهى وَقد انْتفع النَّاس بِهِ من بعده وَسَار في الأقطار وَاعْتَمدهُ الْعلمَاء الْكِبَار وَهُوَ من أحسن شُرُوح الْمُخْتَصر من تدبره عرف طول بَاعَ مُؤَلفه فإنه يأتي بالشرح على نمط سِيَاق المشروح ويوضح مَا فِيهِ خَفَاء وَيصْلح مَا عَلَيْهِ مناقشة من دون تَصْرِيح بالاعتراض كَمَا يَفْعَله غَيره من الشُّرَّاح وَقل أَن يفوتهُ شئ مِمَّا ينبغى ذكره مَعَ اخْتِصَار في الْعبارَة يقوم مقَام التَّطْوِيل بل يفوق وَله المواقف في الْكَلَام ومقدماته وَهُوَ كتاب يقصر عَنهُ وَالْوَصْف لَا يسْتَغْنى عَنهُ من رام تَحْقِيق الْفَنّ وَله السُّؤَال الْمَشْهُور الذي حَرَّره إلى الْمُحَقق الجاربردي في كَلَام صَاحب الْكَشَّاف على قَوْله تَعَالَى {فَأتوا بِسُورَة من مثله} وأجابه بِجَوَاب فِيهِ بعض خشونة فاعترضه صَاحب التَّرْجَمَة باعتراضات وتلاعب بِهِ وبكلامه وَهُوَ شَيْخه وَلكنه لم ينصفه في الْجَواب حَتَّى يسْتَحق التأدب مَعَه وَقد أجَاب عَن اعتراضات الحديث: 225 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 صَاحب التَّرْجَمَة ابْن الجاربردي وأودع ذَلِك مؤلفاً مُسْتقِلّا وَقد ولي قَضَاء الْمَالِكِيَّة فِي أَيَّام أَبى سعيد وَكَانَ كثير الأفضال على الطّلبَة كريم النَّفس وَجَرت بَينه وَبَين الأبهري منازعات وَمَا جريات وَله تلامذة نبلاء مِنْهُم السعد التفتازاني صَاحب التصانيف الْمَشْهُورَة سيأتي ذكره إن شَاءَ الله تَعَالَى وَمِنْهُم شمس الدَّين الكرماني وَغَيرهمَا وَجَرت لَهُ محنة مَعَ صَاحب كرمان فحبسه بالقلعة وَمَات مسجوناً في سنة 756 سِتّ وَخمسين وَسَبْعمائة 226 - عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد الجّامي ولد بجام من قصبات خُرَاسَان واشتغل بالعلوم أكمل اشْتِغَال حَتَّى برع في جَمِيع المعارف ثمَّ صحب مَشَايِخ الصُّوفِيَّة فنال من ذَلِك حظاً وافراً وَكَانَ لَهُ شهرة بِالْعلمِ فِي خُرَاسَان وَغَيرهَا من الديار حَتَّى إنه استدعاه سُلْطَان الروم بايزيد خَان إلى مَمْلَكَته وَأرْسل إليه بجوائز سنية فسافر من بِلَاد خُرَاسَان إِلَى جِهَات الروم فَلَمَّا انْتهى إلى هَمدَان قَالَ للذي أرْسلهُ السُّلْطَان اليه إني قد امتثلت امْر السُّلْطَان حَتَّى وصلت إلى هُنَا وَبعد ذَلِك أتشبث بذيل الِاعْتِذَار لأنى لَا أقدر على الدُّخُول إلى بِلَاد الروم لما أسمع فِيهَا من مرض الطَّاعُون وَكَانَ غَرَض السُّلْطَان فِي استدعائه أَنه خطر لَهُ فى بعض الْأَوْقَات الِاخْتِلَاف مابين الصُّوفِيَّة وعلماء الْكَلَام والحكماء فَأَرَادَ أَن يَجْعَل صَاحب التَّرْجَمَة حكما بَين هَذِه الطوايف فَمَا تمّ وَله مصنفات مِنْهَا شرح الكافية الْمَشْهُور بالجامي وَشرع فِي تَفْسِير الْقُرْآن وَله كتاب شَوَاهِد النُّبُوَّة بِالْفَارِسِيَّةِ ونفحات الأنس بِالْفَارِسِيَّةِ أَيْضا وَله مصنفات غير الحديث: 226 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 ذَلِك ونظم بِالْفَارِسِيَّةِ يتنافس فى خفظه أهل تِلْكَ اللِّسَان وَتوفى بهرأة سنة 898 ثَمَان وَتِسْعين وثمان مائَة 227 - عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن رَجَب البغدادي ثمَّ الدمشقي الحنبلي الْحَافِظ سمع خلقاً مِنْهُم القلانسي وَابْن الْعَطَّار وَغَيرهمَا وصنف التصانيف المفيدة مِنْهَا شرح البخاري بلغ فِيهِ الى كتاب الجنايز وَله شرح على الترمذي وذيل على كتاب طَبَقَات الْحَنَابِلَة وَغير ذَلِك وَمَات عى شهر رَجَب سنة 795 خمس وَتِسْعين وَسَبْعمائة 228 - عبد الرَّحْمَن بن أَبى بكر بن مُحَمَّد بن أبي بكر بن عمر بن خَلِيل بن نصر بن الْخضر بن الْهمام الْجلَال الأسيوطى الأصل الطولوي الشافعي الإمام الْكَبِير صَاحب التصانيف ولد فى أول لَيْلَة مستهل رَجَب سنة 849 تسع وَأَرْبَعين وثمان مائَة وَنَشَأ يتميا فحفظ الْقُرْآن والعمدة والمنهاج الفرعي وَبَعض الأصلي وألفية النَّحْو وَأخذ عَن الشَّمْس مُحَمَّد بن مُوسَى الحنفي فِي النَّحْو وعَلى الْعلم البلقيني والشرف المناوي والشمني والكافياجي فِي فنون عديدة وَجَمَاعَة كَثِيرَة كالبقاعي وَسمع الحَدِيث من جمَاعَة وسافر إِلَى الفيوم ودمياط والمحلة وَغَيرهَا وَأَجَازَ لَهُ أكَابِر عُلَمَاء عصره من ساير الْأَمْصَار وبرز في جَمِيع الْفُنُون وفَاق الأقران واشتهر ذكره وَبعد صيته وصنّف التصانيف المفيدة كالجامعين فى الحَدِيث والدر المنثور فى التَّفْسِير والاتقان فِي عُلُوم الْقُرْآن وتصانيفه في كل فن من الْفُنُون مَقْبُولَة قد سَارَتْ في الأقطار مسير النَّهَار وَلكنه لم يسلم من حَاسِد الحديث: 227 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 لفضله وجاحد لمناقبه فإن السخاوي فِي الضَّوْء اللامع وَهُوَ من أقرانه تَرْجَمَة مظْلمَة غالبها ثلب فظيع وَسَب شنيع وانتقاص وغمط لمناقبه تَصْرِيحًا وتلويحاً وَلَا جرم فَذَلِك دأبه فِي جَمِيع الْفُضَلَاء من أقرانه وَقد تنافس هُوَ وَصَاحب التَّرْجَمَة مُنَافَسَة أوجبت تأليف صَاحب التَّرْجَمَة لرسالة سَمَّاهَا الكاوي لدماغ السخاوي فليعرف المطلع على تَرْجَمَة هَذَا الْفَاضِل في الضَّوْء اللامع أنها صدرت من خصم لَهُ غير مَقْبُول عَلَيْهِ فَمِمَّنْ جملَة مَا قَالَه في تَرْجَمته إنه لم يمعن الطلب في كل الْفُنُون بل قَالَ بعد أَن عدد شُيُوخه إنه حِين كَانَ يتَرَدَّد عَلَيْهِ كثيراً من مصنّفاته كالخصال الْمُوجبَة للظلال والاسماء النَّبَوِيَّة وَالصَّلَاة على النبي صلى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم وَمَوْت الانبياء ومالا يحصره قَالَ بل أَخذ من كتب المحمودية وَغَيرهَا كثيرا من التصانيف الْمُتَقَدّمَة الَّتِى لاعهد لكثير من العصريين بهَا فى فنون فَغير فِيهَا يَسِيرا وَقدم وَأخر ونسبها إِلَى نَفسه وهوّل فِي مقدماتها بِمَا يتَوَهَّم مِنْهُ الْجَاهِل شَيْئا مِمَّا لَا يُوفى بِبَعْضِه وَأول مَا أبرز جُزْء لَهُ في تَحْرِيم الْمنطق جرده من مُصَنف لِابْنِ تَيْمِية واستعان في أكثره فَقَامَ عَلَيْهِ الْفُضَلَاء قَالَ وَكَذَا درّس جمعاً من الْعَوام بِجَامِع ابْن طولون بل صَار يملي على بَعضهم مِمَّن لَا يحسن شَيْئا ثمَّ قَالَ كل هَذَا مَعَ أنه لم يصل وَلَا كَاد وَلِهَذَا قيل انه تزيب قبل أن يكون حصرماً وَأطلق لِسَانه وقلمه في شُيُوخه فَمن فَوْقهم بِحَيْثُ قَالَ عَن القاضي الْعَضُد أنه لَا يكون طعنةً في نعل ابْن الصّلاح وعزر على ذَلِك من بعض نواب الْحَنَابِلَة بِحَضْرَة قاضيهم وَنقص السَّيِّد والرضى فى النَّحْو بمالم يبد فِيهِ مُسْتَندا مَقْبُولًا بِحَيْثُ انه أظهر لبَعض الغرباء الرُّجُوع عَن ذَلِك فإنه لما اجْتمعَا قَالَ لَهُ قلت السَّيِّد الجرجاني قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 إن الْحَرْف لَا معنى لَهُ في نَفسه وَلَا في غَيره وَهَذَا كَلَام السَّيِّد نَاطِق بتكذيبك فِيمَا نسبته إليه فأوجدنا مُسْتَندا فِيمَا تزعمته فَقَالَ انى لم أرله كلَاما ولكني لما كنت بِمَكَّة تجاذبت مَعَ بعض الْفُضَلَاء الْكَلَام فى المسئلة فَنقل لى مَا حكيته وقلدته فِيهِ فَقَالَ هَذَا عَجِيب مِمَّا يتَصَدَّى للتصنيف يُقَلّد في مثل هَذَا مَعَ هَذَا الأستاذ انْتهى وَقَالَ من قَرَأَ الرضى وَنَحْوه لم يترق إلى دَرَجَة ان يُسمى مشاركا فى النَّحْو ولازال يسترسل حَتَّى قَالَ إنه رزق التبحر في سَبْعَة عُلُوم التَّفْسِير والْحَدِيث وَالْفِقْه والنحو والمعاني وَالْبَيَان والبديع قَالَ والذي اعتقده إن الذي وصلت إِلَيْهِ من الْفِقْه والنقول الَّتِى اطَّلَعت عَلَيْهَا مِمَّا لم يصل إِلَيْهِ وَلَا وقف عَلَيْهِ أحد من أشياخي فضلاً عَمَّن دونهم قَالَ وَدون هَذِه السَّبْعَة أصُول الْفِقْه والجدل وَالصرْف ودونهما الانشاء والترسل والفرائض ودونها القراآت وَلم آخذها عَن شيخ ودونها الطِّبّ واما الْحساب فأعسر شئ علي وأبعده عَن ذهني وإذا نظرت في مسئلة تتَعَلَّق بِهِ فَكَأَنَّمَا احاول جبلا أحملهُ قَالَ وَقد كملت عندي آلات الِاجْتِهَاد بِحَمْد الله إلى أن قَالَ وَلَو شِئْت أَن اكْتُبْ فى كل مسئلة تصينف بأقوالها وأدلتها النقلية والقياسية ومداركها ونقوضها وأجوبتها والمقارنة بَين اخْتِلَاف الْمذَاهب فِيهَا لقدرت على ذَلِك وَقَالَ إن الْعلمَاء الْمَوْجُودين يرتبون لَهُ من الاسئلة الوفا فَيكْتب عَلَيْهَا أجوبة على طَريقَة الِاجْتِهَاد قَالَ السخاوي بعد أن نقل هَذَا الْكَلَام عَن صَاحب التَّرْجَمَة في وصف نَفسه مَا أحسن قَول بعض الأستاذين في الْحساب مَا اعْترف بِهِ عَن نَفسه مِمَّا توهم بِهِ أَنه متصف أول دَلِيل على بلادته وَبعد فهمه لتصريح ايمة الْفَنّ بأنه فن ذكاء وَنَحْو ذَلِك وَكَذَا قَول بَعضهم دَعْوَاهُ الِاجْتِهَاد ليستر خطأه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 وَنَحْو هَذَا وَقد اجْتمع بِهِ بعض الْفُضَلَاء ورام التَّكَلُّم مَعَه فِي مسئلة فَقَالَ إن بضاعتي في علم النَّحْو مزجاة وَقَول آخر لَهُ أعلمني عَن آلات الِاجْتِهَاد مَا بقي أحد يعرفهَا فَقَالَ لَهُ نعم مَا بقي من لَهُ مُشَاركَة فِيهَا على وَجه الِاجْتِمَاع في وَاحِد بل مفرقاً فَقَالَ لَهُ فاذكرهم لي وَنحن نجمعهم لَك ونتكلم مَعَهم فإن اعْترف كل وَاحِد لَك بِعِلْمِهِ وتميزك فِيهِ امكن ان نوافقك فى دعواك فَسكت وَلم يبد شَيْئا وَذكر أَن تصانيفه زَادَت على ثلثمِائة كتاب رَأَيْت مِنْهَا مَا هُوَ في ورقة وأما مَا هُوَ دون كراسة فكثير وسمى مِنْهَا شرح الشاطبية وألفية في القراآت مَعَ اعترفه بأنه لَا شيخ لَهُ فِيهَا وَمِنْهَا مَا اختلسه من تصانيف شَيخنَا يعْنى ابْن حجر مِنْهَا كتاب النقول فى أَسبَاب النُّزُول وَعين الاصابة فى معرفَة الصَّحَابَة والنكت البديعات على الموضوعات والمدرج الى المدرج وَتَذْكِرَة المؤتسى بِمن حدث ونسى وتحفة النابه بتلخيص الْمُتَشَابه وَمَا رَوَاهُ الواعون فى أَخْبَار الطَّاعُون والاساس فى مَنَاقِب بنى الْعَبَّاس وجزء فى أَسمَاء المدلسين وكشف النقاب عَن الالقاب وَنشر العبير فِي تَخْرِيج أَحَادِيث الشَّرْح الْكَبِير قَالَ فَكل هَذِه مصنفات شَيخنَا وليته إِذا اختلسها لم يمسخها وَلَو مسخها على وَجههَا لَكَانَ أَنْفَع وَمِنْهَا ماهو لغيره وَهُوَ الْكثير هَذَا إن كَانَت المسخيات مَوْجُودَة كلهَا وإلا فَهُوَ كثير المجازفة جاءني مرّة فَزعم أَنه فرأ مُسْند الشافعي على القميصي في يَوْم فَلم يلبث أن جَاءَ القميصي وأخبرني مُتَبَرعا بِمَا تضمن كذبه حَيْثُ أخبر أَنه بقي مِنْهُ جَانب قَالَ السخاوي وَقَالَ أنه عمل النفحة المسكية والتحفة المكية في كراسة وَهُوَ بِمَكَّة على نمط عنوان الشرف لِابْنِ المقري في يَوْم وَاحِد وانه عمل ألفية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 في الحَدِيث فايقة على ألفية العراقي إِلَى غير ذَلِك مِمَّا يطول شَرحه ثمَّ قَالَ كل ذَلِك مَعَ كَثْرَة مَا يَقع لَهُ من التحريف والتصحيف وَمَا ينشأ عَن عدم فهم المُرَاد لكَونه لم يزاحم الْفُضَلَاء في دروسهم وَلَا جلس مَعَهم في شأنهم وتعريسهم بل اسْتندَ بأخذه من بطُون الدفاتر والكتب وَاعْتمد مَا لَا يرتضيه من اللاتقان صحب وَقد قَامَ النَّاس عَلَيْهِ كَافَّة لما ادعى الِاجْتِهَاد ثمَّ قَالَ وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ سريع الْكِتَابَة لم أزل أعرفهُ بالهوس ومزيد الترفع حَتَّى على أمه بِحَيْثُ كَانَ تزيد فِي التشكّي مِنْهُ وَلَا يزَال أمره في تزايد من ذَلِك فَالله يلهمه رشده وَنقل عَنهُ أَنه قَالَ تركت الإفتاء والإقراء وأقبلت على الله وَزعم أنه رأى مناماً يقتضي ذم النبي صلى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم لَهُ وَأمر خَلِيفَته الصديق بحبسه سنة ليراجع الإقراء والإفتاء وأنه اسْتغْفر الله بعد ذَلِك وَاقْبَلْ على الافتاء بِحَيْثُ لوجئ إليه بِفُتْيَا وَهُوَ مشرف على الْغَرق لأخذها ليكتب عَلَيْهَا قَالَ وَمن ذَلِك أَنه توسّل عِنْد الإمام الْبُرْهَان الكركي في تَعْيِينه لحجة كَانَت تَحت نظره فَأَجَابَهُ وَزَاد من عِنْده ضعف الأصل فَمَا قَالَ لَهُ جزيت خيراً وَلَا أبدى كلمة تؤذن بشكره قَالَ وَمن هوسه أَنه قَالَ لبَعض تلامذته إِذا صَار إلينا الْقَضَاء قَررنَا لَك كَذَا وَكَذَا بل تصير أَنْت الْكل هَذَا حَاصِل ماذكره السخاوي فى كِتَابَة الضَّوْء اللامع فى تَرْجَمَة الْجلَال السيوطى وختمها بقوله أنه ألّف مؤلفاً سَمَّاهُ الكاوي في الرَّد على السخاوي وَأَقُول لَا يخفى على الْمنصف مَا فِي هَذَا الْمَنْقُول من التحامل على هَذَا الإمام فإنه مَا اعْترف بِهِ من صعوبة علم الْحساب عَلَيْهِ لَا يدل على مَا ذكره من عدم الذكاء فإن هَذَا الْفَنّ لَا يفتح فِيهِ على ذكى إِلَّا نَادرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 كَمَا نشاهده الْآن في أهل عصرنا وَكَذَلِكَ سُكُوته عِنْد قَول القايل لَهُ تجمع لَك أهل كل فن من فنون الِاجْتِهَاد فإن هَذَا كَلَام خَارج عَن الإنصاف لِأَن رب الْفُنُون الْكَثِيرَة لَا يبلغ تَحْقِيق كل وَاحِد مِنْهَا مَا يبلغهُ من هُوَ مشتغل بِهِ على انْفِرَاده وَهَذَا مَعْلُوم لكل اُحْدُ وَكَذَا قَوْله إنه مسخ كَذَا وَأخذ كَذَا لَيْسَ بِعَيْب فإن هَذَا مازال دأب المصنفين يأتي الآخر فَيَأْخُذ من كتب من قبله فيختصر أَو يُوضح اَوْ يعْتَرض أَو نَحْو ذَلِك من الْأَغْرَاض الَّتِى هي الباعثة على التصنيف وَمن ذَاك الذي يعمد إلى فن قد صنف فِيهِ من قبله فَلَا يَأْخُذ من كَلَامه وَقَوله إنه رأى بَعْضهَا في ورقة لَا يُخَالف مَا حَكَاهُ صَاحب التَّرْجَمَة من ذكر عدد مصنفاته فإنه لم يقل انها زَادَت على ثلثمِائة مُجَلد بل قَالَ انها زَادَت على ثلثماية كتاب وَهَذَا الِاسْم يصدق على الورقة وَمَا فَوْقهَا وَقَوله إنه كذبه القميصي بتصريحه أَنه بقي من الْمسند بَقِيَّة لَيْسَ بتكذيب فَرُبمَا كَانَت تِلْكَ الْبَقِيَّة يسيرَة وَالْحكم للأغلب لاسيما والسهو وَالنِّسْيَان من الْعَوَارِض البشرية فَيمكن أَنه حصل أَحدهمَا للشَّيْخ أَو تِلْمِيذه وَقَوله أنه كثير التَّصْحِيف والتحريف مُجَرّد دَعْوَى عاطلة عَن الْبُرْهَان فَهَذِهِ مؤلفاته على ظهر البسيطة محررة أحسن تَحْرِير ومتقنة أبلغ إتقان وعَلى كل حَال فَهُوَ غير مَقْبُول عَلَيْهِ لما عرفت من قَول أَئِمَّة الْجرْح وَالتَّعْدِيل بِعَدَمِ قبُول الأقران في بَعضهم بَعْضًا مَعَ ظُهُور أدنى مُنَافَسَة فَكيف بِمثل المنافسة بَين هذَيْن الرجلَيْن الَّتِى أفضت إِلَى تأليف بَعضهم في بعض فإن أقل من هَذَا يُوجب عدم الْقبُول والسخاوي رَحمَه الله وإن كَانَ إماماً غير مَدْفُوع لكنه كثير التحامل على أكَابِر أقرانه كَمَا يعرف ذَلِك من طالع كِتَابه الضَّوْء اللامع فإنه لَا يُقيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 لَهُم وزنا بل لَا يسلم غالبهم من الْحَط مِنْهُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يعظم شُيُوخه وتلامذته وَمن لم يعرفهُ مِمَّن مَاتَ في أول الْقرن التَّاسِع قبل مَوته أَو من كَانَ من غير مصره أَو يَرْجُو خَيره اَوْ يخَاف شَره وَمَا أحسن ماذكره فِي كِتَابَة الضَّوْء اللامع في تَرْجَمَة عبد الباسط بن يحيى شرف الدَّين فإنه قَالَ وَرُبمَا صرح بالإنكار على الْفُقَهَاء فِيمَا يسلكونه من تنقيص بَعضهم لبَعض وَقد حكي أنه بَيْنَمَا هُوَ عِنْد الدوادار وَبَين يَدَيْهِ فَقِيه وإذا بآخر ظهر من الدوار فَاسْتَقْبلهُ ذَلِك الْجَالِس بالتنقيص عِنْد صَاحب الْمجْلس وَاسْتمرّ كَذَلِك حَتَّى وصل إليهم فَقَامَ إِلَيْهِ ثمَّ انْصَرف فاستبدبره الْقَائِم حَتَّى اكْتفى ثمَّ توجه قَالَ فسألني الدوادر من الصَّادِق مِنْهُمَا فَقلت أَنْتُم أخبر فَقَالَ إنهما كاذبان فاسقان وَنَحْو ذَلِك انْتهى وَأما مَا نَقله من اقوال مَا ذكره من الْعلمَاء مِمَّا يُؤذن بالحط على صَاحب التَّرْجَمَة فسبب ذَلِك دَعْوَاهُ الِاجْتِهَاد كَمَا صرح بِهِ ومازال هَذَا دأب النَّاس مَعَ من بلغ إِلَى تِلْكَ الرُّتْبَة وَلَكِن قد عرفناك في تَرْجَمَة ابْن تَيْمِية أَنَّهَا جرت عَادَة الله سُبْحَانَهُ كَمَا يدل عَلَيْهِ الاستقراء بِرَفْع شأن من عودى لسَبَب علمه وتصريحه بِالْحَقِّ وانتشار محاسنه بعد مَوته وارتفاع ذكره وانتفاع النَّاس بِعِلْمِهِ وَهَكَذَا كَانَ أَمر صَاحب التَّرْجَمَة فإن مؤلفاته انتشرت في الأقطار وسارت بهَا الركْبَان إلى الأنجاد والأغوار وَرفع الله لَهُ من الذّكر الْحسن وَالثنَاء الْجَمِيل مالم يكن لَاحَدَّ من معاصريه وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين وَلم يذكر السخاوي تَارِيخ وَفَاة المترجم لَهُ لأنه عَاشَ بعد مَوته فإن السخاوي مَاتَ في سنة 902 كَمَا سيأتى فِي تَرْجَمته ان شَاءَ الله تَعَالَى تجَاوز الله عَنْهُمَا جَمِيعًا وعنا بفضله وَكَرمه وَكَانَ موت صَاحب التَّرْجَمَة بعد أَذَان الْفجْر المسفر صباحه عَن يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 عشر جُمَادَى الأولى سنة 911 إحدى عشرَة وَتِسْعمِائَة 229 - عبد الرَّحْمَن بن الْحسن الْأَكْوَع شيخ الْفُرُوع ومحققها قَرَأَهَا بِمَدِينَة ذمار على أكَابِر شيوخها كالعلاّمة الْحسن بن أَحْمد الشبيبي وأقرانه ثمَّ ارتحل إلى صنعاء ودرس في شرح الأزهار وَبَيَان ابْن مظفر في جَامعهَا وَرغب إليه الطّلبَة واجتمعوا إليه فَكَانَ يحضر درسه جمَاعَة نَحْو الثَّلَاثِينَ وَالْأَرْبَعِينَ ثمَّ مازال النَّاس يَأْخُذُونَ عَنهُ أَيَّامًا طَوِيلَة وَكَانَ أَخُوهُ علي بن حسن الْأَكْوَع وَزِير الإمام المهدي الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن ثمَّ وزيراً لوَلَده مَوْلَانَا خَليفَة الْعَصْر الْمَنْصُور بِاللَّه فى أَوَائِل خِلَافَته الْمُبَارَكَة ثمَّ نكبه ونكبه جَمِيع قرَابَته وَكَانَ من جُمْلَتهمْ صَاحب التَّرْجَمَة وصودروا جَمِيعًا على تَسْلِيم أَمْوَال أخذت مِنْهُم وَكَانَ ذَلِك فِي سنة 1193 ثمَّ أفرح عَنْهُم وَتعقب ذَلِك أَنه ضعف بصر المترجم لَهُ ثمَّ ترك التدريس حَتَّى مَاتَ وَكَانَ ملازماً للطاعات محافظاً على الْجَمَاعَات أَيَّام ذهَاب بَصَره وَكَانَ قبل ذَلِك رافه الْعَيْش متأنقاً في مطعمه ومشربه وملبسه لَا شغلة لَهُ بِطَلَب الرزق وَلَا الْتِفَات مِنْهُ إلى ذَلِك قد كَفاهُ أَخَوَاهُ مُؤنَة الطلب وَأَحَدهمَا علي الْمُتَقَدّم ذكره والآخر عبد الله ابْن الْحسن وَكَانَ مُتَعَلقا بِالْأَعْمَالِ الجليلة من أَعمال الدولة حَتَّى ولي بندر المخاومات في أَيَّام الإمام المهدي وقرأت على صَاحب التَّرْجَمَة أَوَائِل شِفَاء الْأَمِير الْحُسَيْن وَمَات في شهر ذي الْحجَّة سنة 1206 سِتّ وماتين وألف 230 - عبد الرَّحْمَن بن علي بن مُحَمَّد بن عمر بن على بن يُوسُف ابْن أَحْمد بن عمر الشَّيْبَانِيّ الزبيدي الشافعي الْمَعْرُوف بِابْن الديبع وَهُوَ لقب لجده الأعلى علي بن يُوسُف وَمَعْنَاهُ بلغَة النوبية الأبيض الحديث: 229 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 ولد في عصر يَوْم الْخَمِيس رَابِع الْمحرم سنة 866 سِتّ وَسِتِّينَ وثمان مائَة بزبيد وَنَشَأ بهَا فحفظ الْقُرْآن وتلاه للسبع على خَاله أَبى النجا والشاطبية والزبد للبارزي وَبَعض الْبَهْجَة واستغل فى علم الْحساب والجبر والمقابلة والهندسة والفرايض وَالْفِقْه والعربية على خَاله الْمشَار إليه وعَلى إبراهيم بن جعمان وَفِي الحَدِيث وَالتَّفْسِير على الزين احْمَد الشرحى وَحج مرَارًا أَولهَا فِي سنة 883 وَقَرَأَ بِمَكَّة على السخاوي ثمَّ برع لاسيما في فن الحَدِيث واشتهر ذكره وَبعد صيته وصنّف التصانيف مِنْهَا تيسير الْوُصُول إِلَى جَامع الْأُصُول اخْتَصَرَهُ اختصاراً حسناً وتداوله الطّلبَة وانتفعوا بِهِ وفي التَّارِيخ قُرَّة الْعُيُون بأخبار الْيمن الميمون وبغية المستفيد بأخبار مَدِينَة زبيد وَكَانَ السُّلْطَان عَامر بن عبد الْوَهَّاب قد عظمه وولاه تداريس وَله أشعار في مسَائِل علمية وضوابط وتحصيلات وَله شهرة في الْيمن طايلة إِلَى الآن 231 - السَّيِّد عبد الرَّحْمَن بن قَاسم المداني قَرَأَ علم الْفِقْه بِمَدِينَة ذمار ثمَّ رَحل إِلَى صنعاء وَأخذ في غَيره فشارك مُشَاركَة ركيكة لغَلَبَة علم الْفِقْه عَلَيْهِ ثمَّ درس في علم الْفِقْه بِصَنْعَاء وَأخذ عَنهُ النَّاس طبقَة بعد طبقَة وَأخذت عَنهُ في شرح الأزهار فِي أَوَائِل أَيَّام طلبي وَكَانَ زاهداً ورعاً متقللاً من الدُّنْيَا عفيفاً حسن الْأَخْلَاق جميل المحاضرة رَاعيا في الْفَوَائِد العلمية بِحَيْثُ أنّه صَار عَاجِزا لَا يمشى الا متوكياً على الْعَصَا وَكَانَ إذا لقيني قَامَ وَاعْتمد على عصاته ثمَّ باحثنى بمباحث فقهية الحديث: 231 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 دقيقة وَكنت إِذْ ذَاك قد أمعنت فِي طلب علم الْفِقْه على غَيره وَكَانَ يحب المجون من دون مُجَاوزَة للحد مَعَ ظرافة زايدة وتواضع كَامِل مَاتَ في شهر ذي الْقعدَة سنة 1211 احدى عشر وَمِائَتَيْنِ وَألف وَأَظنهُ قد قَارب التسعين رَحمَه الله 232 - عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْحسن بن مُحَمَّد بن جَابر ابْن مُحَمَّد بن إبراهيم بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم ولي الدَّين الإشبيلي الأصل التونسي ثمَّ القاهري المالكي الْمَعْرُوف بِابْن خلدون ولد في أول رَمَضَان سنة 732 اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة بتونس وَحفظ الْقُرْآن والشاطبيتين ومختصر ابْن الْحَاجِب الفرعي والتسهيل فِي النَّحْو وتفقه بِجَمَاعَة من أهل بَلَده وَسمع الحَدِيث هُنَالك وَقَرَأَ في كثير من الْفُنُون وَمهر في جَمِيع ذَلِك لاسيما الأدب وفن الْكِتَابَة ثمَّ توجه في سنة 753 إِلَى فاس فَوَقع بَين يدي سلطانها ثمَّ امتحن واعتقل نَحْو عَاميْنِ ثمَّ ولي كِتَابَة السِّرّ وَكَذَا النظر في الْمَظَالِم ثمَّ دخل الأندلس فَقدم غرناطة في أَوَائِل ربيع الأول سنة 764 وتلقاه سلطانها ابْن الأحمر عِنْد قدومه ونظمه فِي أهل مَجْلِسه وَكَانَ رَسُوله إلى عَظِيم الفرنج بإشبيلية فَقَامَ بالأمر الذى ندب اليه ثمَّ توجه فِي سنة 766 إلى بجاية ففوض إليه صَاحبهَا تَدْبِير مَمْلَكَته مُدَّة ثمَّ اسْتَأْذن في الْحَج فَأذن لَهُ فَقدم الديار المصرية في ذي الْقعدَة سنة 784 فحج ثمَّ عَاد إلى مصر فَتَلقاهُ أَهلهَا وأكرموه وَأَكْثرُوا من ملازمنه والتودد إليه وتصدر للاقراء فِي الْجَامِع الأزهر مُدَّة ثمَّ قَرَّرَهُ الظَّاهِر برقوق في قَضَاء الْمَالِكِيَّة بالديار المصرية فِي جُمَادَى الآخرة سنة 786 وفتك بِكَثِير من الموقعين وَصَارَ يُعَزّر بالصفح ويسميه الزج فإذا الحديث: 232 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 غضب على إنسان قَالَ زجوه فيصفع حَتَّى تحمّر رقبته وعزل ثمَّ أُعِيد وتكرر لَهُ ذَلِك حَتَّى مَاتَ قَاضِيا فجاءه فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء لأَرْبَع بَقينَ من رَمَضَان سنة 808 ثَمَان وثمان مائَة وَدفن بمقابر الصُّوفِيَّة خَارج بَاب النَّصْر وَدخل مَعَ الْعَسْكَر فِي أَيَّام انْفِصَاله عَن الْقَضَاء لقِتَال تيمور فَقدر اجتماعه بِهِ وخادعه وخلص مِنْهُ بعد أَن أكْرمه وزوده قَالَ بعض من تَرْجَمَة انه كَانَ فِي بعض لاياته يكثر من سَماع المطربات ومعاشرة الأحداث وَقَالَ آخر كَانَ فصيحاً مفوّها جميل الصُّورَة حسن الْعشْرَة اذا كَانَ معزولاً فأما إذا ولي فَلَا يعاشر بل يَنْبَغِي أن لَا يرى وَقَالَ ابْن الْخَطِيب أنه رجل فَاضل جم الْفَضَائِل رفيع الْقدر أصيل الْمجد وقور الْمجْلس عالي الهمة قوي الجأش مُتَقَدم في فنون عقلية ونقلية مُتَعَدد المزايا شَدِيد الْبَحْث كثير الْحِفْظ صَحِيح التَّصَوُّر بارع الْخط حسن الْعشْرَة وَأثْنى عَلَيْهِ المقريزي وَكَانَ الْحَافِظ أَبُو الْحسن الهيثمي يُبَالغ في الغض مِنْهُ قَالَ الْحَافِظ بن حجر فَلَمَّا سَأَلته عَن سَبَب ذَلِك ذكر لي أَنه بلغه أَنه قَالَ في الْحُسَيْن السبط رضي الله عَنهُ أنه قتل بِسيف جده ثمَّ أرْدف ذَلِك بلعن ابْن خلدون وسبه وَهُوَ يبكي قَالَ ابْن حجر لم تُوجد هَذِه الْكَلِمَة في التَّارِيخ الْمَوْجُود الآن وَكَأَنَّهُ كَانَ ذكرهَا فِي النُّسْخَة الَّتِى رَجَعَ عَنْهَا قَالَ وَالْعجب أن صاحبنا المقريزي كَانَ يفرط في تَعْظِيم ابْن خلدون لكَونه كَانَ يجْزم بِصِحَّة نسب بني عبيد الدَّين كَانُوا خلفاء يمصر وَيُخَالف غَيره فِي ذَلِك وَيدْفَع مَا نقل عَن الْأَئِمَّة من الطعْن فِي نسبهم وَيَقُول إنما كتبُوا ذَلِك الْمحْضر مُرَاعَاة للخليفة العباسي وَكَانَ المقريزي ينتمي إِلَى الفاطميين كَمَا سبق فَأحب ابْن خلدون لكَونه أثبت نسبهم وَجَهل مُرَاد ابْن خلدون فإنه كَانَ لانحرافه عَن العلوية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 يثبت نسبه العبيديين اليهم لما اشْتهر من سوء معتقدهم وَكَون بَعضهم نسب إلى الزندقة وادعاء الإلهية كالحاكم فَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَن يَجْعَل ذَلِك ذَرِيعَة إلى الطعْن هَكَذَا حَكَاهُ السخاوي عَن ابْن حجر وَالله أعلم بِالْحَقِيقَةِ وإذا صَحَّ صُدُور تِلْكَ الْكَلِمَة عَن صَاحب التَّرْجَمَة فَهُوَ مِمَّن أضلّهُ الله على علم وَقد صنّف تَارِيخا كَبِيرا فِي سبع مجلدات ضخمة أبان فِيهَا عَن فصاحة وبراعة وَكَانَ لَا يتزيا بزي الْقُضَاة بل مُسْتَمر على زي بِلَاده وَله نظم حسن فَمِنْهُ (أسرفن في هجري وَفِي تعذيبي ... وأطلن موقف عبرتى ونحيبى) (وأبيين يَوْم الْبَين وَقْفَة سَاعَة ... لوداع مشغوف الْفُؤَاد كئيب) وترجمه ابْن عمار أحد من أَخذ عَنهُ فَقَالَ الْأُسْتَاذ المنوّه بِلِسَانِهِ سيف المحاضرة كَانَ يسْلك في أقرائه للأصول مَسْلَك الأقدمين كالغزالي وَالْفَخْر الرازي مَعَ الإنكار على الطَّرِيقَة الْمُتَأَخِّرَة الَّتِى أحدثها طلبة الْعَجم وَمن تَبِعَهُمْ من التوغل في المشاحة اللفظية والتسلسل في الحدبة والرسمية اللَّتَيْنِ أثارهما الْعَضُد وَأَتْبَاعه فِي الحواشى عَلَيْهِ وَينْهى النَّاقِل غُضُون اقرأئه عَن شئ من هَذِه الْكتب مُسْتَندا إِلَى أَن طَريقَة الأقدمين من الْعَرَب والعجم وكتبهم في هَذَا الْفَنّ على خلاف ذَلِك وَأَن اخْتِصَار الْكتب في كل فن والتقيد بالألفاظ على طَريقَة الْعَضُد وَغَيره من محدثات الْمُتَأَخِّرين وَالْعلم وَرَاء ذَلِك كُله قَالَ وَله من المؤلفات غير الانشاآت النثرية والشعرية الَّتِى هى كالسحر التَّارِيخ الْعَظِيم المترجم بالعبر فِي تَارِيخ الْمُلُوك والأمم والبربر حوت مقدمته جَمِيع الْعُلُوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 233 - عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن نهشل الحيمي الْحَافِظ الْكَبِير الْعَلامَة الشهير كَانَ من الْعلمَاء الجامعين بَين علم الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول وَله اشْتِغَال بالتدريس فِي الْأُمَّهَات ونشرها وبمثل الْعَضُد وحواشيه والمطول وحواشيه والرضي فِي النَّحْو وَسَائِر الْكتب المفيدة وَقد أَخذ عَنهُ النَّاس واشتهر وَمن جملَة تلامذته الْعَلامَة الْحسن بن أَحْمد الْجلَال وَجَمَاعَة أكَابِر وَمِنْهُم القاضي أَحْمد بن سعد الدَّين المسوّري والقاضي أَحْمد بن صَالح بن أَبى الرِّجَال وَلكنه ماسلم من الامتحان من أهل عصره لسَبَب اشْتِغَاله بالامهات علما وَعَملا وتدريسا وَلَيْسَ ذَلِك ببدع فَهَذَا شَأْن هَذِه الديار من قديم الأعصار وَمن مشايخه السَّيِّد الْحسن بن شمس الدَّين وَيحيى بن احْمَد الصابوني والحافظ بن عَلان وَبِالْجُمْلَةِ فَصَاحب التَّرْجَمَة من أكابر الْعلمَاء المتبحرين فِي جمع الْعُلُوم ومازال مكباً على ذَلِك حَتَّى توقاه الله تَعَالَى سَابِع وَعشْرين ربيع الأول سنة 1068 ثَمَان وَسِتِّينَ وَألف بِصَنْعَاء وَدفن بجربة الرَّوْض 234 - عبد الرَّحْمَن بن يحيى الآنسي ثمَّ الصنّعاني ولد فِي شهر ذي الْقعدَة سنة 1168 ثَمَان وَسِتِّينَ وَمِائَة وَألف ونشأ بِصَنْعَاء فَأخذ فِي علم الْعَرَبيَّة وَغَيره عَن جمَاعَة كالسيد اسمعيل بن اسمعيل ابْن نَاصِر الدَّين وَالسَّيِّد الْعَلامَة عبد الله بن مُحَمَّد الْأَمِير وَغَيرهمَا وَأخذ فِي الْفِقْه على شَيخنَا الْعَلامَة احْمَد بن مُحَمَّد الحرازي وَفِي الحَدِيث على الْمُحدث الْعَلامَة لطف البارى بن احْمَد الوردواكب على المطالعة واستفاد بصافي ذهنه الْوَقَّاد ووافي فكرة النقاد علوماً جمة ولاسيما فِي الْعُلُوم الأدبية الحديث: 233 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 فَهُوَ فِيهَا أحد أَعْيَان الْعَصْر المجيدين وولاه خَليفَة الْعَصْر حفظه الله الْقَضَاء فِي بعض الْبِلَاد اليمنية ثمَّ نَقله إِلَى بِلَاد حجَّة وولاه قَضَاء تِلْكَ الْجِهَات وَمَا والاها وباشره مُبَاشرَة حَسَنَة بعفة وصيانة وَحُرْمَة ومهابة وصرامة بِحَيْثُ صَار أمره فِيهَا أنفذ من أَمر الْعمَّال وَقد يَغْزُو بعض المبطلين اَوْ الْمُخَالفين للشَّرْع بِجَمَاعَة مَعَه وَيقدم إقداماً يدل على شجاعة ويسلك مسالك يَقُودهُ اليها حسن التَّدْبِير فبمجموع هَذِه الأوصاف صَار لَا يسد غَيره مسده وَلَا يقوم مقَامه سواهُ مَعَ أَن هَذِه الْولَايَة هي دون جليل قدره وَلَكِن مثل تِلْكَ الْجِهَات مَعَ شرارة أَهلهَا وتعجر فهم وَقُوَّة صولتهم لَا ينفذ الأحكام الشَّرْعِيَّة فيهم الامثلة وَمَعَ هَذَا فَهُوَ عاكف على مطالعة الْعُلُوم على اخْتِلَاف أَنْوَاعهَا مُسْتَغْرق غَالب ساعاته فِي ذَلِك كثير المذاكرة والمباحثة فِي الْمسَائِل الدقيقة مغرم بنظم الْأَشْعَار الفائقة الْجَارِيَة على نمط الْعَرَب المحبرة بخالص اللُّغَة وغريبها وَله من النثر البليغ مايفوق الْوَصْف وَقد اجتمعت بِهِ فَرَأَيْت من حسن محاضرته وَطيب منادمته وَقُوَّة ذهنه وَسُرْعَة فهمه مَا يقصر عَنهُ الْوَصْف وَقد كتب الى رِسَالَة مُشْتَمِلَة على عشرَة أسئلة أجبْت عَلَيْهَا برسالة سميتها طيب النشر فِي جَوَاب الْمسَائِل الْعشْر وهى مَوْجُودَة فِي مَجْمُوع رسايلى وَكتب إليّ هَذِه القصيدة الطنانة بعد أَن قدم بَين يَديهَا هَذَا النثر الْفَائِق وَلَفظه من عبد الرَّحْمَن ابْن يحيى غفر الله لَهما إِلَى الْمولى الْمَنْسُوب إلى كل علم نِسْبَة مُؤثرَة فِي الْعين عَن ملكة قَوِيَّة الْبَنَّا على عناية وعنا الْمَوْضُوع بأول الأولى من طَبَقَات أَهله لَا تَقْتَضِيه المعاجيم بل بأحقية التَّقْدِيم الْمسلمَة إليه من كل عَظِيم الْمَوْصُوف بِهِ على أفعل التَّفْضِيل وصيغ التكثير التَّامَّة وتأنيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 الْمُبَالغَة ذِي الْعَلامَة من الأعلم والعلام والعلامة (عَلامَة الْعلمَاء وَالْبَحْر الَّذِي ... لَا ينتهي وَلكُل بَحر سَاحل) من لَا تضرب الْيَوْم آباط الْمطِي الا إِلَى مثله وَلَا يخط فِي بَيَاض النَّهَار كسواد ظله والقاضى المقرون بمعية اللَّام لوُجُود مقتضيها وَانْتِفَاء مانعها المسدد بِالْملكِ فِي مطالع قضاياه ومقاطعها (قَاض اذا اشْتبهَ الامر إن عَن لَهُ ... رَأْي يفرّق بَين المَاء وَاللَّبن) (بَحر الإسلام حَسَنَة الأيام أكرم ... من شرب مَاء الْغَمَام مدت مدَّته) (وعدت عدته وحرست مهجته ... وَحسنت نهجته وأونست بهجته) أما بعد فإني أَحْمد إليك الله على تَمام مَا أولاه وَحسن بلاه على أَنِّي لم أكن عبداً شكُورًا وَكَانَ الإنسان لرَبه كفوراً وأنهي إِلَى حَضْرَة علمك المنورة وروضة أدبك المنورة كمدى بمفارقتها وشوقى لمشاهدتها وكلفى بفايدتها وحاجتى لعايدتها وإني لَا أذكر مِنْك ذَلِك الْمجْلس الْقصير واللقاء بالملتقى من جناج طاير يطير الا وقفت بِهِ من علمك على شاطئ بَحر لجي فاغترفت غرفَة بيدى لم ينقع صداى وَلم يبلغ ثلجى الا أنشدت برنة المتشجى (بَاهل إِلَى سرحة الوادي مؤوبة ... قبل الْمَمَات بذي وجدبها ناشي) (ألمّ إلمامة لم تجتن ثمراً ... وَلَا تفيأ ظلاً غير أكباش) وَلَوْلَا تروحي بأملي أَن أملا لزامك والمثول أمامك مثولاً أُصِيب بِهِ من علمك خيراً يزْجر لي بيمن طيرا ويقينى أَن ماذلك على الله بعزيز وَلَا نايله من سايله فِي حرز حريز لقد ذهبت نفسي حسرات وَضَاقَتْ بي فسيحات البسيطات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 (أعلل النَّفس بالآمال أرقبها ... مَا أضيق الْعَيْش لَوْلَا فسحة الأمل) هَذَا وَقد تكلف الْفِكر الجامد بِمصْر البليات والذهن الخامد بصرصر النكبات عمل هَذِه القصيدة بشئ من مدائحك العديدة على أَنى لم أحل بهَا عاطلاً وَلم أرفع بهَا خاملاً وصفات ضوء الشَّمْس تذْهب بَاطِلا لِأَن الْوَصْف مارفع احْتِمَالا أَو قلل اشتراكاً أَو كشف معنى وَالشَّمْس عَن كل فِي غنى وَمَا لَهَا فِي أي غنا ووصفك أَيهَا السَّيِّد الْجَلِيل من ذَلِك الْقَبِيل فِي ذَلِك السَّبِيل على أَنى لَو بصرت أمري لما سيرت إليك شعرى فقد قَالَ حسان بن ثَابت (وإنما الشّعْر لبّ الْمَرْء يعرضه ... على الْمجَالِس ان كيساوان حمقا) وَلَكِن غلبت المقة على مُقْتَضى عدم الثِّقَة وشجعني قَوْله أَيْضا (وإنّ اصدق بَيت أَنْت قَائِله ... بَيت يُقَال إذا أنشدته صدقا) فَقلت وَمَا ضرّ شعراً مُقَابلا بالتصديق الصَّرِيح أَن لَا يكون ذَا معنى فِي لفظ فصيح وَبعد فأمامه مِنْك عين الرِّضَا ذَات الكلال عَن الْعَيْب والاغضا وَالسَّلَام ختام (ألا قَامَت تنازعنى ردائى ... غَدَاة نفضت أحلاس الثواء) (مفهفهة كخوط البان تهفو ... إليّ بعنق خاذلة الظباء) (يلوح القرط مِنْهُ على هَوَاء ... يروقك ذَاهِبًا فِيهِ وجائي) (وحابسة لذي نظر طموح ... عَلَيْهِ بِلَا أَمَام وَلَا وَرَاء) (وَقد أرْخى مدامعها ارتحالي ... وَكَانَت لَيْسَ تدري بالبكاء) (وَقَالَت لَو أَقمت لَكَانَ مَاذَا ... حنانيك التَّفَرُّق والتنائي) (وعيشك لَو تركت وَمَا تشائي ... لما بَعدت سماؤك من سمائى) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 (وَلَكِن الزَّمَان لَهُ صروف ... وَقد تعدو على الْقَوْم الْبَراء) (وقبلي مَا نبت أَرض بَحر ... ففارقها بحب اَوْ قلاء) (فعني لست بِالرجلِ المروي ... وَلَا طوع الحسان من النِّسَاء) (وعزمي قد علمت إذا ستطارت ... بِهِ نِيَّة تغلغل ذَا مضاء) (فكم أغرى إلى وادي هبوطي ... ذياباً بالتضور والعواء) (وراع العصم فِي نيق صعودي ... وهاج الربد فِي خبت نجائي) (على وجناء تخترق الموامي ... وتجتاز الْمِيَاه على الظماء) (يعارضها اللُّصُوص ليدركوها ... وَمن يعلق براكبة الْهَوَاء) (فقادتها الادلة اقتبالى ... وساقتها لثانية انثنائى) (وَمَا انقشعت غيابتها وفيهَا ... من الابطاء من ايلى بلائي) (وَكنت على معسكرها وحكمي ... لَهُم أما علمت على سوائي) (بوضاح ضَمَان المَال عاف ... جنايا الْعمد شَدَّاخٍ الدِّمَاء) (وسل عَنى العداة فعندهم من ... ممارستي مصدقة ادعائي) (وَمَا أَنا بالبخيل بنائيات الْحُقُوق ... على الإضافة والثراء) (وَلَا كلّ على الأخوان عى ... وَلَا شاكى الصديق من الْجفَاء) (وَلَا بمفحم أن ناغمتني ... بَنَات الشّعْر مِنْهُ بالحداء) (وَقد جربت هَذَا الدَّهْر حَتَّى ... مرنت على المراضي والمسائي) (وَلم أعدم على الْخطب اصطباري ... وَلم افقد على الهول اجترائي) (وَلَا استوحشت من شئ أمامى ... وَلم أَحْزَن على شئ ورائي) (وَلَوْلَا عَالم الْمصر الذي سر ... ت عَنهُ لما حننت إليه نائي) (لنعم مُحَمَّد رجلا وَحقّ ... لَهُ وَعَلِيهِ طيبَة الثَّنَاء) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 (هوالبحر الذي جَاشَتْ بِعلم ... غوارب موجه ذَات ارتماء) (فطبقت الْبِلَاد وَعَاد مِنْهَا ... إِلَيْهِ الْفضل عَن عذر ملاء) (تَعَالَى الله معطية امتناناً ... وَلَيْسَ الله مَحْظُور الْعَطاء) (لقد آتَاهُ علماً من لَدنه ... يضيق بوسعه ذَات الْقَضَاء) (وَلَكِن صَدره المشروح أضخى ... كَمَا بَين الثريا والثراء) (وَحين لَقيته بادي بداء ... بِوَقْت مثل ابهام القطاء) (لقِيت بِهِ الْأَئِمَّة فِي فنون ... بفرد الشَّخْص مُتحد الرواء) (ففي علم الْكَلَام أَبَا علي ... وفي علم اللُّغَات أَبَا الْعَلَاء) (وَفِي التصريف عُثْمَان بن جني ... وَفِي النَّحْو الْمبرد والكسائي) (وجار الله فِي علم الْمعَانى ... وإبراز النكات من الخفاء) (وَابْن كثير الشَّيْخ المعالي ... من التَّفْسِير خافقة اللِّوَاء) (وزين الدَّين فِي التحديث حفظاً ... لإسناد وَمتْن ذَا وكاء) (وَيحيى فِي الرِّجَال بِنَقْد قَول ... جرى فِيهِ بصفو أَو جفَاء) (وَفِي التَّارِيخ وَالْأَخْبَار جما ... عها الذهبي فهاق الإناء) (وَفِي الْفِقْه ابْن رشد من تحلت ... نهايته بِحسن الابتناء) (وَعند قَضَائِهِ ولدى فَتَاوَاهُ ... عَن تبريزه كشف الغطاء) (فَلَو لازمته من بعد أوكا ... ن حظى مِنْهُ تكْرَار اللِّقَاء) (اذا لغدوت رَأْسا فِي عُلُوم ... يكون بهديه فِيهَا اهتدائى) (أنادي قَائِلا قولاً سديداً ... يصدق بَين مستمعي النداء) (بانك صَاحب السهْم المعلا ... بَين سِهَام إرث الْأَنْبِيَاء) (وأنّك عَالم الْقطر الْمُسَمّى ... ومجتهد الزَّمَان بِلَا مراء) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 (وَأَن مُجَدد الْمِائَة الَّتِى نَحن ... فِيهَا لَهو أَنْت بِلَا امتراء) (وَأَنَّك لَا نرى لَك من مثيل ... وَلم تَرَ مثل نَفسك فِي المرائي) (وَأَن شَرِيعَة الدَّين استنارت ... بِمَا سميت فِيهَا للْقَضَاء) (أصَاب بك الْخَلِيفَة فرض عين ... عَلَيْك مضيّقاً وَقت الْأَدَاء) فَلَو لم تقض بَين النَّاس طَوْعًا ... أثمت بِمَا جنحت إلى الآباء) (جزيت عَن الْيَتِيم وَأمه والضعيف ... وَقَومه خير الْجَزَاء) (أخذت لَهُم بحقهم فَبَاتُوا ... وَقد أمنُوا تعدي الأقوياء) (وَطَائِفَة على قَاض ومفت ... ترادوها بِثَوْب الأعمياء) (وَسَاعَة مَا أتتك فَككت مِنْهَا ... معماها بواضحة السناء) (وَهَذَا ربح علمك فاستف خَيره ... فِي الِابْتِدَاء والانتهاء) (وَلَا بَرحت سوارى الْغَيْث صنعاء ... مَا طرفتك حيافى الحواء) (فإن تهْلك فَلَا شامت عَلَيْهَا ... عُيُون النَّاس بارقة الْحيَاء) (وَلَا حملت عقيب الطُّهْر أنثى ... وَلَا ولدت غُلَاما ذَا ذكاء) فأجبت عَن هَذَا النظم والنثر بقولي من جمع أشتات الْفَضَائِل والفواضل وَبلغ فِي مجده إِلَى مَكَان يقصر عَنهُ المتطاول نور حدقة أَوَانه وإنسان عين زَمَانه من ضرب النَّجْم سرادقه دون مَكَانَهُ وخفي سِنَان السماك عِنْد سنا سنانه قريع أَوَانه فريع خلانه وأخدانه من أشاد بأبياته المشيدات شرعة الآداب وأحيا ببلاغته البليغة أَرْوَاح أموات رسوم الْكتاب فَهُوَ الْفَرد الْكَامِل ذاتا الْكل الْمُسْتَحق لنسبة جَمِيع الْفَضَائِل إِلَيْهِ أنعاتا (لَيْسَ على الله بمستنكر ... أَن بِجمع الْعَالم فِي وَاحِد) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 وَبعد فإنه وصل إِلَى الحقير ذَلِك العقد الجوهري الَّذِي هُوَ بِكُل الأمداح الصِّحَاح الفصاح الصَّباح حري وَأَقُول سُبْحَانَ المانح الفاتح فَلَقَد تلهت وولهت ودلهت بِمَا خبر بِهِ كل غاد ورائح لعمرك مَا كنت أَحسب أَنه بَقِي من يسمو إِلَى هَذِه الطَّبَقَة الَّتِى هى فَوق الطباق وَلَا كَانَ يمر بفكري أَنه قد نشأ لهَذِهِ الصِّنَاعَة من رقي فِيهَا إِلَى هَذِه الْغَايَة الَّتِى لَا تطاق وَالْحَمْد لله الذي زين الْعَصْر بمثلك وَحفظ شرعة الْآدَاب بوافر علمك وفضلك ونبلك وليعلم الْأَخ أيده الله أن جواد قريحتي القريحة لَا يجري بِهَذَا الميدان وَسنَان فكرتي السقيمة العقيمة لَا تغني عِنْد تطاعن الفرسان بالمران فإني على مُرُور الأعصار لم أتلبس بشعار الْأَشْعَار وَلَا رضت ذهنى الكليل بالطراد فِي هَذَا الْمِضْمَار (وَمَا الشّعْر هَذَا من شعاري وإنما ... أجرب فكري كَيفَ يجري نجيبه) فَلم يكن لي من ذَلِك الا نظم الْفَقِيه فِي الأحكام أَو مَا يجري مجْرى الْكَلَام عِنْد اقْتِضَاء الْمقَام وَكنت قد عزمت أَن أتطفل على مَكَارِم أخلاقك بِطَلَب بسط الْعذر عَن الْجَواب فِرَارًا مِمَّا قَالَه ابْن الخازن فِي نظم آداب الآداب وهرباً من عراضة صحيفَة الْعقل على أنظار أَرْبَاب الألباب وحذراً من الْوُقُوع فِيمَا قَالَه أخو الْأَعْرَاب (وأنما الشّعْر صَعب سلمه ... إِذا ارْتقى فِيهِ الَّذِي لَا يُعلمهُ) (يُرِيد أن يعرّبه فيعجّمه ... زلت بِهِ إِلَى الحضيض قدمه) غير أَنه لَاحَ للخاطر الفاتر وَقُوَّة النّظر الْقَاصِر أَن مكاتبات الاحباب ومراجعات خلص الْأَصْحَاب مفيدة بقيود ومحدودة برسوم وحدود مِنْهَا التسامح وأطراح التكلفات وغض طرف الانتقاد عِنْد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 عرُوض الكبوات كَمَا جرت بِهِ المألوفات من جواري الْعَادَات وَثَانِيهمَا إسبال ذيول الستور على مَا أبرزته إلى قالب العثور أيدي الْقُصُور وَثَالِثهَا أَن الْمَقْصد الأهم وَالْمطلب الأعظم لَيْسَ إِلَّا ماذكره أَرْبَاب الْبَيَان من نُكْتَة التَّلَذُّذ بإرخاء عنان اللِّسَان فِي مخاطبات الخلان فَلَمَّا ارتسمت فِي الذِّهْن هَذِه التصورات انْتقل بعد شرح هَذِه الْمَاهِيّة إِلَى مَقَاصِد التصديقات فانتج لَهُ التَّرْتِيب الرضى بَان يُقَال مُجيب غير مُصِيب لامصيب غير مُجيب فعطل من سَاعَات أشغاله سَاعَة أزجي فِيهَا إلى سوحك هَذِه البضاعة بفكر علم الله كليل وذهن شهد الله عليل على أَنَّهُمَا فِيمَا عهِدت سيف صقيل وَلَا ريب فإن لطيف الكدر إذا انطبع فِي الْمرْآة تشوش النَّاظر فَكيف بِمن يطْرق قلبه فِي الْيَوْم الْقصير من ريَاح الارواح وقتام الأشباح أعاصير فدون الدون من تِلْكَ الْأُمُور تنصدع لَهُ الصخور وتغور مِنْهُ البحور (لولابس الصخر الْأَصَم بعض مَا ... يلقاه قلبي فضّ أصلاد الصَّفَا) فدونك أَيهَا الحبيب مُرَاجعَة من لم يحظ من قربك بِنَصِيب وَشرب من صاب بَيْنك بأقداح وغصّ لفراقك بِالْمَاءِ القراح (دعي لومي على فرط الْهَوَاء ... وداوي أن قدرت على الدَّوَاء) (وكوني عَن سلوى فِي سلو ... إِذا أنوى الحبيب على النواء) (أبانوا يَوْم بانوا عَن فؤادى ... عرى صيرى فبانوا بالعراء) (فَلَا حملت هوادجها الهوادي ... وَلَا سَمِعت تراجيع الحداء) (تخبّ بِكُل عامرة وقفر ... وتخترق الموامي للتنائي) (فانحي حاذر يَوْمًا عَلَيْهَا ... وضرّج قادميها بالدماء) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 وناشتّها السبَاع ومزّقتها ... القشاعم بَين أدلاج الفضاء) (وياحادى المطى إلا رثاء ... وَشر النَّاس مسلوب الرثاء) (حدوت فكم عقول طايشات ... وأرواح تروح إِلَى الفناء) (فَلَا رفعت يداك إليك سَوْطًا ... وَلَا نقلتك مسرعة الخطاء) (تروعنى ببين بعد بَين ... طَوِيل فِي قصير من لِقَاء) (امابسوى الْفِرَاق لقِيت قلبي ... لتعلم فِي الْحَوَادِث مَا عنائي) فإني إن ألمّ الْخطب يَوْمًا ... وضاق بِحمْلِهِ وَجه الثراء) (وطاشت عِنْده أَحْلَام قوم ... وحاد الْآخرُونَ إلى الوراء) (أقوم بِهِ إذا قعدوا لَدَيْهِ ... وادفعه إذا أعيا سواي) (وَمَا الْمَرْء المكمّل غير حر ... لَهُ عِنْد العنا كل الْغناء) (تساوي عِنْده خير وَشر ... يرى طعم الْمنية كالمناء) (يحوز السَّبق فِي أَمن وَخَوف ... وَيكرم عِنْد فقر أَو غناء) (ترَاهُ وَهُوَ ذُو طمرين يمشي ... بهمته على هام السَّمَاء) (تقدمه فضائله إذا مَا ... تفاخر بالملا كل الملاء) (أَلا أن الْفَتى ربّ المعالي ... إِذا حققت لارب الثراء) (وَمن حَاز الْفَضَائِل غير وان ... فَذَاك هُوَ الْفَتى كل الفتاء) (فَمَا الشرف الرفيع بِحسن ثوب ... وَلَا دَار مشيدة الْبناء) (وَلَا بنفوذ قَول فِي البرايا ... فإن نُفُوذه أصل الْبلَاء) (فرأس الْمجد عِنْد الْحر علم ... يجود بِهِ على غاد وجائي) (إِذا مَا الْمَرْء قَامَ بِكُل فن ... قيَاما فِي السمو إِلَى السَّمَاء) (وَصَارَ لَهُ بمدرجة صعُود ... إِلَى عين الْحَقِيقَة والجلاء) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 (وَقَامَ لدفع معضلة وَحل ... لمشكلة وَرفع للخفاء) (فَذَاك الْفَرد فِي مَلأ المعالي ... كَمَا الْفَرد ابْن يحيى فِي الملاء) (فَتى يَهْتَز عطف الدَّهْر شوقاً ... إليه لأنه ربّ الْعَلَاء) (إذا مَا جال فِي بحث ذكاه ... تنحّى عَنهُ أَرْبَاب الذكاء) (وإن مَا رَاه ذُو لدد أَتَاهُ ... بِمَا يثنيه عَن فرط المراء) (تقاصر عَن مداه كل حبر ... لما يلقاه من بعد المداء) (فيامن صَار فِي سلك المعالي ... هُوَ الدرّ النفيس لكل رَاء) (وضمّخ مسمع الأيام طيباً ... بِمَا قد طَابَ من حسن الثَّنَاء) (وَقَامَ بفترة الْآدَاب يَدْعُو ... وفي يمناه خافقة اللِّوَاء) (بلغت من الْعُلُوم إلى مَكَان ... تمكّن في السمو وَفِي السناء) (قعدت من البلاغة فِي مَحل ... بِهِ الصابي يعود إلى الصباء) (وصغت من القريض بَنَات فكر ... دفعت بهَا الورى نَحْو الوراء) (وجيه الدَّين دمت لكل فن ... تبهرج فِيهِ أهل الإدعاء) (تذود الشائنين لَهُ بِجَهْل ... فيصفو الْعلم عَن شوب القذاء) (علومك زانها سمت بهى ... وَحسن السمت من حلل الْبَهَاء) (أتانى يَابْنَ يحيى مِنْك نظم ... تَعَالَى عَن نظام أَبى الْعَلَاء) (على نمط الأعارب في لُغَات ... وفي حسن الروي وفى الرواء) (تحدى من تعاوزه هموم ... يعود بهَا الْجَلِيّ إلى الخفاء) (يعاني من خصوم أَو خصام ... خطوباً في الصَّباح وَفِي الْمسَاء) (فحيناً في صُرَاخ أَو عويل ... وحيناً في شكاء أَو بكاء) (وأن يصفو لَهُ وَقت ترَاهُ ... يُوقع فى رقاع الادعاء) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 (ويمضى اللَّيْل فى نشر وطى ... لاسجال قد يمات الْبناء) (وقفنا يَابْنَ ودي في شَفير ... وَمن زار الشفير على شِفَاء) (بذا قد جَاءَنَا نَص صَرِيح ... فَمَا ذَاك السَّبِيل إلى النَّجَاء) (فإن قلت النُّصُوص بعكس هَذَا ... أتتنا بالأجور وبالرجاء) (كَمَا في أجر من يقْضى بِحَق ... وَيعْمل بِاجْتِهَاد فى الْقَضَاء) (ويعدل فى حكومته بِرِفْق ... ويلتف المكاره بالرضاء) (ويلبس بالقنوع رِدَاء عز ... يطرزه بوشي الاتقاء) (ويدرع التصبران دهاه ... من الْخَصْمَيْنِ لافحة الْبلَاء) (فَذَاك كَمَا يَقُول وَأَيْنَ هَذَا ... هُوَ العنقاء بَين أولي النهاء) (قصارى مَا ترَاهُ بِغَيْر شك ... مراء أَو فضول من مرائى) (وَمن لم يعقل الْبُرْهَان يَوْمًا ... فأنّى ينتحيه في الْقَضَاء) (إِذا لم يفْطن التَّرْكِيب قَاض ... فَقل لي كَيفَ يفْطن بالخطاء) (وَمن خفيت عَلَيْهِ الشمي حيناً ... فَكيف ترَاهُ يظفر بالسهاء) (وَمن أعياه نور من نَهَار ... فَكيف يروم إدراك الْبَهَاء) (وهذي نفثة من صدر حر ... أَطَالَ ذيولها صدق الإخاء) (وانزر مَا يبوح بهَا شجيّ ... إِلَى أحبابه بَث الشجاء) (وأعظم مُسْتَفَاد من عهاد ... تواصلنا باصناف الدُّعَاء) (وَدم يَابْنَ الْكِرَام فِي نعيم ... عَظِيم في الصِّفَات وفي الصفاء) وَقد طَال شوط الْقَلَم وَلَكِن أَحْبَبْت أن لَا أخلي تَرْجَمَة هَذَا الْفَاضِل من ذكر مثل هَذِه العقيلة الَّتِى زفها من بَنَات فكره فإنها من أعظم الْأَدِلَّة على أَن هَذِه الْأَعْصَار غيرخالية عَن قَائِم بِحِفْظ شرعة الْآدَاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 وَأما ذكر قصيدتى عَقبهَا فَلَيْسَ إِلَّا للتصريح بِبَعْض مَا يسْتَحقّهُ المترجم لَهُ من الممادح الَّتِى اشْتَمَلت عَلَيْهَا وَكتب إِلَى قصيدة فريدة مطْلعهَا) (وأوله سيطت بقلبي من الْهوى ... فَقل بالهوى بالأولية بادي) وأجبت عَلَيْهِ بقصيدة مطْلعهَا (وُفُود حبيب أم وُرُود عهاد ... وَصَوت بشير أم ترنم شاد) ثمَّ سمح الزَّمَان باجتماعي بِهِ فِي صنعاء وَغَيرهَا وَكثر اتصالنا وَكتب إِلَى من نظمه الْفَائِق ونثره الرَّائِق الْكثير الطّيب وَهُوَ مَوْجُود فى مَجْمُوع مادار بيني وَبَين أهل الأدب وموجود في ديوَان شعره الذي قد صَار من جملَة كتبي وَهُوَ الْآن طَالَتْ أيامه قَائِم بِالْقضَاءِ في حجَّة وبلادها ويفد إِلَى صنعاء لقصد زِيَارَة أَقَاربه وأحبابه وَله شعر كثير جَمِيعه غرر وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ غَرِيب الأسلوب غزير الشؤبوب مطرد الأنبوب 235 - عبد الرَّحِيم بن الْحسن بن علي بن عمر بن علي بن إبراهيم الأرموي الأسنوي نزيل الْقَاهِرَة الشَّيْخ جمال الدَّين أبو مُحَمَّد ولد في الْعشْر الْأَوَاخِر من ذي الْحجَّة سنة 704 أَربع وَسَبْعمائة وَقدم الْقَاهِرَة سنة 721 وَحفظ التَّنْبِيه وَسمع الحَدِيث من الدبوسي والصابوني وَغَيرهمَا وَحدث بِالْقَلِيلِ وَأخذ الْعلم عَن الْجلَال القزويني والقونوي وَغَيرهمَا وَأخذ الْعَرَبيَّة عَن أَبى حَيَّان ثمَّ لَازم بعد ذَلِك التدريس والتصنيف فصنف التصانيف المفيدة مِنْهَا الْمُهِمَّات والتنقيح فَمَا يرد على الصَّحِيح وَالْهِدَايَة إِلَى أَوْهَام الْكِفَايَة وزائد الْأُصُول وتلخيص الرافعى الْكَبِير وَله الْأَشْبَاه والنظاير وَلم يبيضه وَله الحديث: 235 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 البدور الطوالع في الفروق والجوامع وَشرح الْمِنْهَاج للنووي وَلم يكمل وَشرح الْمِنْهَاج للبيضاوي وَغير ذَلِك وَكَانَ فَقِيها ماهراً ومعلماً ناصحاً ومفيداً صَالحا مَعَ الْبر وَالدّين والتودد والتواضع وَكَانَ يقرب الضَّعِيف المستهان بِهِ من طلبته ويحرص على ايصال الفايدة الى البليد وَرُبمَا ذكر عِنْده المتبدئ الْفَائِدَة المطروقة فيصغي كَأَنَّهُ لم يسْمعهَا جبراً لخاطره وَله مثابرة على إيصال الْبر وَالْخَيْر إِلَى كل مُحْتَاج مَعَ فصاحة عبارَة وحلاوة محاضرة ومروءة بَالِغَة وَقد ولي وكَالَة بَيت المَال والحسبة ودرّس مدارس ثمَّ عزل نَفسه عَن الْحِسْبَة لكَلَام وَقع بَينه وَبَين الْوَزير في سنة 762 ثمَّ عزل نَفسه من الْوكَالَة في سنة 766 وانتفع بِهِ جمع جم وَقد أفرد لَهُ العراقى تَرْجَمَة ذكر فِيهَا يَسِيرا من مناقبه وفضايله ونظمه وَبَالغ فِي الثَّنَاء عَلَيْهِ وَكَانَ هُوَ يُحِبهُ ويعظمه وَذكره فِي طَبَقَات الشَّافِعِيَّة في أثْنَاء تَرْجَمَة ابْن سيد النَّاس وَوَصفه بِأَنَّهُ حَافظ عصره وَذكره فِي مَوضِع آخر من الْمُهِمَّات قَالَ ابْن حبيب إمام بَحر علمه عجاج وَمَاء فَضله ثجاج ولسان قلمه عَن المشكلات فراج كَانَ بحراً في الْفُرُوع وَالْأُصُول محققاً لما يَقُول من النقول تخرج بِهِ الْفُضَلَاء وانتفع بِهِ الْعلمَاء وَذكر ان فَرَاغه من تصنيف جَوَاهِر الْبَحْرين سنة 735 وَمن الْمُهِمَّات سنة 760 قَالَ القاضي تقي الدَّين الأسدي أنه شرع فِي التصنيف بعد الثَّلَاثِينَ وَشرح الْمِنْهَاج مهذب منقح وهوأنفع شروحه مَعَ كثرتها وَكَانَت وَفَاته لَيْلَة الْأَحَد ثامن عش جُمَادَى الأولى سنة 772 اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَسَبْعمائة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 236 - عبد الرَّحِيم بن الْحُسَيْن بن عبد الرَّحِيم بن أَبى بكر بن إبراهيم بن الزين أَبُو الْفضل الكردي الأَصْل الشافعي الْمَعْرُوف بالعراقي الْحَافِظ الْكَبِير ولد في حادي وَعشْرين جُمَادَى الأولى سنة 725 خمس وَعشْرين وسبعماية بِمصْر بعد أَن تحول وَالِده اليها وَسمع من القاضي سنجر والقاضي تقي الدَّين الأحبائي المالكي وَسمع من آخَرين وَحفظ الْحَاوِي والإلمام لِابْنِ دَقِيق الْعِيد وَكَانَ رُبمَا حفظ في الْيَوْم أَرْبَعمِائَة سطر ولازم الشُّيُوخ في الدِّرَايَة فَقَرَأَ القرا ات السَّبع وَنظر فِي الْفِقْه وأصوله على جمَاعَة كَابْن عَدْلَانِ والأسنوي وفي أثْنَاء ذَلِك أقبل على علم الحَدِيث فَأخذ عَن جمَاعَة مِنْهُم الْعَلَاء التركماني وَبِه انْتفع ورحل إِلَى بَيت الْمُقَدّس وَمَكَّة وَالشَّام فَأخذ عَن شُيُوخ هَذِه الْجِهَات وحبب الله إليه هَذَا الشَّأْن فأكبّ عَلَيْهِ من سنة 752 حَتَّى غلب عَلَيْهِ وتوغل فِيهِ وَصَارَ لَا يعرف إلا بِهِ وَتفرد مَعَ وجود شُيُوخه وَقَالَ الْعِزّ بن جمَاعَة وَهُوَ من شُيُوخه كل من يدعي الحَدِيث بالديار المصرية سواهُ فَهُوَ مَدْفُوع وتصدى للتصنيف والتدريس وَمن جملَة مصنفاته تَخْرِيج أَحَادِيث الإحياء والألفية في علم الحَدِيث وَشَرحهَا ونظم منظومة في السِّيرَة النَّبَوِيَّة وأخرى في غَرِيب الْقُرْآن ونظم الاقتراح لِابْنِ دَقِيق الْعِيد وَشرح التِّرْمِذِيّ لِابْنِ سيد النَّاس فَكتب مِنْهُ تسع مجلدات وَلم يكمل وَشرع فِيهِ من أَوَائِل كتاب الصلوة من حَيْثُ بلغ الْحَافِظ بن سيد النَّاس لأنه قد كَانَ شرع في شرح الترمذي فَكتب مجلداً بلغ فِيهِ إِلَى أوايل كتاب الصلوة ووقفت عَلَيْهِ بِخَطِّهِ رَحمَه الله ووقفت على المجلد الأول من شرح صَاحب التَّرْجَمَة وَهُوَ الحديث: 236 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 إِلَى أَوَاخِر كتاب الصلوة وَهَذَا المجلد الذى وقفت عَلَيْهِ هُوَ بِخَط الْحَافِظ ابْن حجر وَفِيه بِخَط مُصَنفه وَهُوَ شرح حافل ممتع فِيهِ فوايد لَا تُوجد فى غَيره وَلَا سِيمَا فِي الْكَلَام على أَحَادِيث الترمذي وَجَمِيع مَا يُشِير إليه فِي الْبَاب وفي نقل الْمذَاهب على نمط غَرِيب وأسلوب عَجِيب وَمن مصنفاته الِاسْتِعَاذَة بِالْوَاحِدِ من إِقَامَة جمعتين في مَكَان وَاحِد وتكملة شرح الْمُهَذّب للنووي واستدرك على الْمُهِمَّات للاسنوى ونظم الْمِنْهَاج للبيضاوى وغيرذلك وَولى تدريس الحَدِيث بدار الحَدِيث الكاملية والظاهرية وجامع ابْن طولون وَحج مرَارًا وجاور وأملى هُنَالك وَولى قَضَاء الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة وخطابتها وإمامتها في ثاني عشر جُمَادَى الأولى سنة 788 ثمَّ صرف بعد مُضِيّ ثَلَاث سِنِين وَخَمْسَة أشهر وَعَاد إِلَى الْقَاهِرَة فشرع في الإملاء من سنة 895 فأملى أَرْبَعمِائَة مجْلِس وَسِتَّة عشر مَجْلِسا وَكَانَ منور الشيبة جميل الصُّورَة كثير الْوَقار نزر الْكَلَام طارحاً للتكلف ضيق الْعَيْش شَدِيد التوقي في الطَّهَارَة لَا يعْتَمد إِلَّا على نَفسه أَو على رَفِيقه الهيثمى وَكَانَ كثير الْحيَاء منجمعاً عَن النَّاس حسن النادرة والفكاهة قَالَ تِلْمِيذه الْحَافِظ ابْن حجر وَقد لازمته مُدَّة فَلم أره ترك قيام اللَّيْل بل صَار كالمألوف ويتطوع بصيام ثَلَاثَة أَيَّام في كل شهر وَقد رزق السَّعَادَة في وَلَده الولى فإنه كَانَ إِمَامًا كَمَا تقدم في تَرْجَمته وفي رَفِيقه الهيثمي فإنه كَانَ حَافِظًا كَبِيرا ورزق أيضاً السَّعَادَة في تلامذته فإن مِنْهُم الْحَافِظ ابْن حجر وطبقته وَكَانَ عَالما بالنحو واللغة والغريب والقراءات وَالْفِقْه وأصوله غير أَنه غلب عَلَيْهِ الحَدِيث فاشتهر بِهِ وَانْفَرَدَ بمعرفته وَقد تَرْجمهُ جمَاعَة من معاصريه وَمن تلامذته وَمن بعدهمْ وأثنوا عَلَيْهِ جَمِيعًا وبالغوا في تَعْظِيمه ورثاه ابْن الجزري فَقَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 (رَحمَه الله للعراقي تترى ... حَافظ الأَرْض حبرها بِاتِّفَاق) (إنني مقسم أليه صدق ... لم يكن في الْبِلَاد مثل العراقي) مَاتَ عقيب خُرُوجه من الْحمام في لَيْلَة الأربعاء ثامن شعْبَان سنة 806 سِتّ وثمان مائَة بِالْقَاهِرَةِ وَدفن بهَا وَله شعر فَمِنْهُ (إذاقرأ الحَدِيث عليّ شخص ... وأمل ميتتي ليروح بعدي) (فَمَاذَا مِنْهُ إنصاف لأني ... أريد بَقَاءَهُ وَيُرِيد بعدي) وأملى فِي صفر سنة مَوته مَجْلِسا لما توقف النيل وَوَقع الغلاء المفرط وختمه بقصيدة أَولهَا أَقُول لمن يشكو توقف نيلنا ... سل الله يمدده بِفضل وتأييد) وختمها بقوله (وَأَنت فغفار الذُّنُوب وساتر ال ... عُيُوب وكشّاف الكروب إذا نودي) وَصلى بِالنَّاسِ صَلَاة الاسْتِسْقَاء وخطب خطْبَة بليغة فرأ وَالْبركَة بعد ذَلِك وَجَاء النّيل عَالِيا 237 - عبد الرازق بن احْمَد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عمر بن أَبى المعالي مُحَمَّد بن مَحْمُود بن أَحْمد بن مُحَمَّد ابْن أَبى المعالى الْمفضل بن عَبَّاس بن عبد الله بن معن بن زايدة الشيباني الْمَعْرُوف بِابْن القرطي المروزي الأصل البغدادي ولد في الْمحرم سنة 642 اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وأسر في كائنة بَغْدَاد فاتصل بالنصير الطوسي فخدمه واشتغل عَلَيْهِ وَسمع من محيي الدَّين بن الجزري وباشر كتب خزانَة مراغة وَهُوَ على مانقل أَرْبَعمِائَة ألف مُصَنف واطلع على نفايس الْكتب فَعمل تَارِيخا حافلاً جداً ثمَّ اخْتَصَرَهُ فى آخر سَمَّاهُ مجمع الْآدَاب ومعجم الحديث: 237 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 الْأَسْمَاء والالقاب فى خمس مجلدات وَله دُرَر الأصداف فِي نحور الْأَوْصَاف والدرر الناصعة فِي شعراء الْمِائَة السَّابِعَة وعنى بِالْحَدِيثِ وَقَرَأَ بِنَفسِهِ وَكتب بِخَطِّهِ الْمليح كثيراً وَقَالَ ان شُيُوخه يبلغون خَمْسمِائَة وَكَانَ لَهُ نظم حسن وَخط بديع جدا وَنظر في عُلُوم الْأَوَائِل وَكَانَ مَعَ حسن خطه يكْتب في الْيَوْم ارْبَعْ كراريس قَالَ الصفدي أخبرني من رَآهُ ينَام وَيَضَع ظَهره إلى الأَرْض وَيكْتب ويداه إِلَى جِهَة السقف وَقَالَ الذهبي كَانَت لَهُ يَد بَيْضَاء فِي النظم وترصيع التراجم وَله ذهن سَالم وقلم سريع وَخط بديع وبصر بالْمَنْطق وَالْحكمَة وَيُقَال إنه كَانَ يتَنَاوَل الْمُسكر ثمَّ تَابَ وَصلح حَاله وَكَانَ رَوْضَة معارف وبحر أَخْبَار وَقد ذكر في بعض تواليفه أَنه طالع تواريخ الإسلام ثمَّ سردها تَارِيخ خوارزم تَارِيخ أَصْبَهَان تَارِيخ قزوين تَارِيخ الرى تَارِيخ مراغة تَارِيخ الْبَصْرَة تَارِيخ الْكُوفَة تَارِيخ وَاسِط تَارِيخ سامرا تَارِيخ تكريت تَارِيخ الْموصل تَارِيخ ميافارقين تَارِيخ صقلية تَارِيخ الْيمن وسرد شَيْئا كثيراً وَمَات في ثَالِث الْمحرم سنة 722 إثنتين وَعشْرين وَسَبْعمائة 238 - عبد الرءوف المناوي شَارِح الْجَامِع الصَّغِير شَرحه شرحاً بسيطاً وشرحا مُخْتَصرا وَشرح الشهَاب وَشرح آدَاب الْقَضَاء وطبقات الصُّوفِيَّة وَغير ذَلِك توفي سنة 1029 تسع وَعشْرين وَألف أوفى الَّتِى بعْدهَا وَلم أَقف لَهُ على تَرْجَمَة مبسوطة 239 - عبد الْعَزِيز بن أَحْمد النُّعْمَان الضمدي أحد الْعلمَاء الْمَوْجُودين في الْقرن الحادي عشر لَهُ مؤلفات مَشْهُورَة مِنْهَا حَاشِيَة على الكافية شرح الخبيصي على الكافية وَمِنْهَا شرح المعيار للامام الحديث: 238 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 المهدي وَمِنْهَا تَخْرِيج أَحَادِيث الشِّفَاء للأمير الْحُسَيْن وَتَوَلَّى الْقَضَاء بمواضع من الديار اليمنية كزبيد والمخا وَلم أَقف على تعْيين مولده وَلَا وَفَاته وَلكنه مَوْجُود في الْقرن الحادي عشر كَمَا قدمنَا ويروى أَن وَالِد المترجم لَهُ مُحَمَّد لَا أَحْمد 240 - عبد الْعَزِيز بن سَرَايَا بن علي بن أَبى الْقَاسِم بن أَحْمد بن نصر الطَّائِي الحلي صفي الدَّين ولد في شهر ربيع الآخر سنة 677 سبع وَسبعين وسِتمِائَة وتعانى الأدب فمهر في فنون الشّعْر كلهَا وفي علم الْمعَانِي وَالْبَيَان والعربية وتعانى التِّجَارَة فَكَانَ يرحل إلى الشَّام ومصر وماردين وَغَيرهَا في التِّجَارَة ثمَّ يرجع إلى بِلَاده وفي غُضُون ذَلِك يمدح الْمُلُوك والأعيان وَانْقطع مُدَّة إلى مُلُوك ماردين وَله في مدائحهم الْغرَر وامتدح النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاون والمؤيد وَكَانَ يتهم بالرفض قَالَ ابْن حجر وفي شعره مَا يشْعر بِهِ وَكَانَ مَعَ ذَلِك يتنصل بِلِسَانِهِ وَهُوَ فِي أشعاره مَوْجُود فإن فِيهَا مَا يُنَاقض ذَلِك وَأول مَا دخل الْقَاهِرَة سنة بضع وَعشْرين فمدح عَلَاء الدَّين ين الاثير فاقبل عَلَيْهِ وأوصله إلى السُّلْطَان وَاجْتمعَ بِابْن سيد النَّاس وأبي حَيَّان وفضلاء ذَلِك الْعَصْر فَاعْتَرفُوا بفضائله وَكَانَ الصَّدْر شمس الدَّين عبد اللَّطِيف يعْتَقد أَنه مَا نظم الشّعْر أحد مثله وَهَذَا لَا يُسلمهُ من لَهُ معرفَة بالأدب بِالنِّسْبَةِ إلى أهل عصره فضلاء عَن غَيرهم وديوان شعره مَشْهُور يشْتَمل على فنون كَثِيرَة وَله البديعية الْمَشْهُورَة وَجعل لَهَا شرحاً وَذكر فِيهِ أَنه استمد من مائَة وَأَرْبَعين كتاباً وَمن محَاسِن شعره وَفِيه الِاسْتِخْدَام فى كلا الْبَيْتَيْنِ الحديث: 240 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 (إذا لم أبرقع بالحيا وَجه عفتي ... فَلَا أشبهته راحتي في التّكرم) (وَلَا كنت مِمَّن يكسر الجفن فى الوغى ... إذا أَنا لم أغضضه عَن فعل محرّم) مَاتَ سنة 752 اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَسَبْعمائة 241 - عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن إبراهيم بن سعد الله بن جمَاعَة بن صَخْر الكناني الشافعي ولد في تَاسِع عشر الْمحرم سنة 694 أَربع وَتِسْعين وسِتمِائَة وأحضر على عمر بن القواس وأبي الْفضل بن عَسَاكِر وَأَجَازَ لَهُ جمَاعَة كالدمياطي وطبقته وَبلغ عدد شُيُوخه ألفاً وثلثمائة نفس وتفقه على وَالِده وَأخذ عَن عَلَاء الدَّين الباجى وأبي حَيَّان ودرس فِي سنة 754 إلى أَن مَاتَ وَكَانَ حسن الْأَخْلَاق كثير الْفَضَائِل قَالَ الذهبي سمع وَكتب الطباق وعنى بِهَذَا الشَّأْن وَولى الْقَضَاء بالديار المصرية سنة 728 وباشره بعفة وَلم يزل على ذَلِك إلى أَن عزل نَفسه فى سنة 754 واسأذن في الْحَج فَأذن لَهُ وَلم يزل بِهِ أُمَرَاء الدولة إلى أَن عَاد إلى الْقَضَاء ثمَّ كَانَ بعض عُظَمَاء الدولة يعانده فِي الْأُمُور الشَّرْعِيَّة فعزل نَفسه في سنة 766 وَحمل في كمه ختمة شريفة فتوسل بهَا إلى السُّلْطَان فأعفاه وَاسْتمرّ يدرس في مَوَاضِع ثمَّ حج وجاور وَله مصنفات قَالَ ابْن رَافع جمع شَيْئا على الْمَذْهَب وَعمل الْمَنَاسِك الْكُبْرَى وَالصُّغْرَى وَخرج أَحَادِيث الرافعي وَتكلم على مَوَاضِع من الْمِنْهَاج وَقَالَ الحديث: 241 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 الأسنوي فِي الطَّبَقَات نَشأ في الْعلم ودرّس وأفتى وصنّف تصانيف حساناً وخطب بالجامع الْجَدِيد وَسَار سيرة حَسَنَة في الْقَضَاء وَكَانَ حسن المحاضرة سريع الْخط سليم الصَّدْر محباً لأهل الْعلم شَدِيد التصميم في الْأُمُور الَّتِى تصل اليه وَكَانَت فِيهِ عجلة في الْجَواب وَلم يكن فِيهِ حذق وغالب أُمُوره بِحَسب من يتوسط بِخَير أَو شَرّ قَالَ ابْن حجر وَلم يكن فِيهِ مَا يعاب الا أَنه كَانَ غير ماهر فى الْفِقْه وَكَانَ يتَمَنَّى الْمَوْت بأحد الْحَرَمَيْنِ معزولاً عَن الْقَضَاء فنال مَا تمنى فإنه حجّ وجاور فَمَاتَ بِمَكَّة في سنة 767 سبع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَدفن بالحجون وَقد وَقع الإلحاح عَلَيْهِ في أَن يعود إلى الْقَضَاء حَتَّى وصل إليه الامراء وقضاة الْمذَاهب وراودوه بِكُل مُمكن فصمّم على الِامْتِنَاع وَحلف إيماناً مُغَلّظَة أَنه لَا يعود فَللَّه دره 242 - عبد الْقَادِر بن احْمَد الفاكهي ثمَّ المكي الْعَالم الْمَشْهُور لَهُ تصانيف مِنْهَا شرح مَنْهَج القاضي زَكَرِيَّا وَشرح قصيدة الصفي الحلي وَكتاب في زِيَارَة النبى صلى الله عَلَيْهِ واله وَسلم وَكتاب في فَضَائِل شَيْخه ابْن حجر الهيثمي وَمَات سنة 989 تسع وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة 243 - السَّيِّد عبد الْقَادِر بن احْمَد بن عبد الْقَادِر بن النَّاصِر بن عبد الرب بن علي بن شمس الدَّين بن الإمام شرف الدَّين بن شمس الدَّين بن الإمام المهدي احْمَد بن يحيى قد تقدم تَمام نِسْبَة في تَرْجَمَة الإمام المهدي احْمَد بن يحيى وَهُوَ شَيخنَا الإمام الْمُحدث الْحَافِظ الْمسند الْمُجْتَهد الْمُطلق ولد كَمَا نقلته من خطه في شهر الْقعدَة سنة 1135 خمس وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وَألف وَنَشَأ بكوكبان فَقَرَأَ على من بِهِ من الْعلمَاء ثمَّ ارتحل إلى صنعاء فَأخذ عَن أكَابِر علمائها كالسيد الحديث: 242 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 الْعَلامَة مُحَمَّد بن إسماعيل الأمير وَالسَّيِّد الْعَلامَة هَاشم بن يحيى وَغَيرهم ثمَّ ارتحل إلى مَدِينَة ذمّار وَهِي إِذْ ذَاك مشحونة بعلماء الْفِقْه والفرائض فأخذ عَن شيوخها فِي الْفِقْه والفرائض ثمَّ تردد في جَمِيع مَدَائِن الْيمن وَأخذ عَن كل من لقِيه من الْعلمَاء ثمَّ ارتحل إلى مَكَّة وَالْمَدينَة فأخذ عَن عُلَمَاء الْحَرَمَيْنِ وشيوخه قد اشْتَمَل عَلَيْهِم مُجَلد حافل ذكر فِيهِ من أَخذ عَنهُ وَمن أجَاز لَهُ والأسانيد الَّتِى تلقاها عَن شُيُوخه وبقي مُهَاجرا فِي الْحَرَمَيْنِ نَحْو عَاميْنِ ثمَّ عَاد الى كوكبان وَصَنْعَاء ثمَّ استوطن كوكبان وَاسْتقر هُنَالك ينشر الْعلم ويفيد الطالبين وَمن جملَة من أَخذ عَنهُ أميركوكبان إِذْ ذَاك السَّيِّد الْعَلامَة أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن وَجَمَاعَة كَثِيرَة مِنْهُم السَّيِّد الْعَلامَة علي بن مُحَمَّد بن على وَمِنْهُم وَلَده السَّيِّد الْعَلامَة إبراهيم بن عبد الْقَادِر الْمُتَقَدّم ذكره وَكَانَ يفد إلى صنعاء فِي الأمور المهمة كوفوده عِنْد موت الإمام المهدي رَحمَه الله لمبايعة وَلَده مَوْلَانَا خَليفَة الْعَصْر الْمَنْصُور بِاللَّه حفظه الله وَكَانَ في مُدَّة إقامته هُنَالك قد طَار صيته في جَمِيع الأقطار اليمنية وَأقر لَهُ بالتفرد في جَمِيع أَنْوَاع الْعلم كل أحد بعد موت شَيْخه السَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن إسماعيل الأمير وأني أذكر وَأَنا فِي الْمكتب مَعَ الصبيان أَنى سَأَلت وَالِدي رَحمَه الله عَن أعلم من بالديار اليمنية إذ ذَاك فَقَالَ فلَان يعْنى صَاحب التَّرْجَمَة وأخبرني الْعَالم الْفَاضِل عبد الرَّحْمَن بن الْحسن الريمي أَنه حضر في بعض المواقف بِصَنْعَاء وَقد كَانَ اجْتمع فِيهِ أكَابِر عُلَمَاء صنعاء وَسَمَّاهُمْ لي وكل وَاحِد لَهُ شهرة كَبِيرَة بِالْعلمِ والتفنن فِيهِ قَالَ وَمن جملَة الْحَاضِرين صَاحب التَّرْجَمَة وَهُوَ أَصْغَرهم سناً وَكَانَ ذَلِك في إحدى قدماته إلى صنعاء قَالَ فرأيتهم يتواضعون لَهُ ويخضعون لعلمه ويستفيدون مِنْهُ ويعترفون بارتفاع دَرَجَته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 عَلَيْهِم وَهَذَا الِاجْتِمَاع بَينه وَبَين قدوم شَيخنَا إلى صنعاء واستقراره فِيهَا سنُون كَثِيرَة فإنه قدم هَذَا الْقدوم الآخر الذي اسْتَقر فِيهِ وَلم يبْق من أُولَئِكَ الأعيان الَّذين كَانُوا في ذَلِك الْموقف أحد ثمَّ لما أَرَادَ الله إحياء عُلُوم الحَدِيث بل وَسَائِر الْعُلُوم بِصَنْعَاء جرت بَينه وَبَين أَمِير كوكبان السَّيِّد إبراهيم بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن مناكدة فأظهر أَنه يُرِيد الْخُرُوج من كوكبان إلى وادي ظهر للتنزه بِهِ أَيَّام الخريف فَأذن لَهُ السَّيِّد إبراهيم فَخرج وَاسْتقر أَيَّامًا بوادى ظهر وَمَا زَالَ يُرْسل لأَهله ولكتبه وَلِجَمِيعِ مَا يحْتَاج إليه ثمَّ كتب إِلَى الْوَزير الخطير الْحسن بن على حَنش الْمُتَقَدّم ذكره بِأَنَّهُ يُرِيد الِانْتِقَال إِلَى صنعاء فَرفع الْقَضِيَّة إِلَى خَليفَة الْعَصْر حفظه الله فَأذن بذلك وأنزله بدار الْفرج من بير الْعَرَب فسكن فِيهَا ووفد إِلَيْهِ أكَابِر عُلَمَاء صنعا وَأخذ عَنهُ جمَاعَة من أعيانهم كشيخنا الْعَلامَة الْقَاسِم ابْن يحيى الخولاني وَالسَّيِّد الْعَلامَة على بن عبد الله الْجلَال وَالسَّيِّد الْعَلامَة عبد الله بن مُحَمَّد الْأَمِير وَجَمَاعَة كَثِيرَة وَمِنْهُم الْعَلامَة الْحسن بن علي حَنش وَأخذت عَنهُ في عُلُوم عدَّة فَقَرَأت عَلَيْهِ في صَحِيح مُسلم من أَوله إِلَى آخِره بِلَا فَوت مَعَ بعض شَرحه للنووي وَبَعض صَحِيح البخاري مَعَ بعض من شَرحه فتح الباري وَبَعض جَامع الْأُصُول لِابْنِ الْأَثِير وَسنَن الترمذي من أَولهَا إلى آخرهَا بِلَا فَوت وَبَعض سنَن ابْن مَاجَه وَبَعض الْمُوَطَّأ وَبَعض الْمُنْتَقى لِابْنِ تَيْمِية وَبَعض شِفَاء القاضي عِيَاض وَسمعت مِنْهُ كثيراً من الأحاديث المسلسلة كالحديث المسلسل بِيَوْم الْعِيد والمسلسل بالمصافحة والمسلسل بالمشابكة وَغير ذَلِك وقرأت عَلَيْهِ في علم الِاصْطِلَاح بعض منظومة الزين العراقي وَشَرحهَا وفي الْفِقْه بعض ضوء النَّهَار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 وَبَعض الْبَحْر الزخار مَعَ حواشيهما وفي علم أصُول الدَّين بعض المواقف العضدية وَشَرحهَا للشريف وَبَعض القلايد وَشَرحهَا وَفِي أصُول الْفِقْه بعض جمع الْجَوَامِع وَشَرحه للمحلى وفى اللُّغَة بعض الصِّحَاح وَبَعض الْقَامُوس ومؤلفه الذي سَمَّاهُ فلك الْقَامُوس وفي الْعرُوض الجزازية وَشَرحهَا جَمِيعًا وَسمعت مِنْهُ في غير هَذِه الْكتب مِمَّا لم استحضره حَال تَحْرِير هَذِه التَّرْجَمَة وَكَانَت الْقرَاءَات جَمِيعهَا يجري فِيهَا من المباحث الْجَارِيَة على نمط الِاجْتِهَاد في الإصدار والإيراد مَا تشدّ إليه الرحال وَرُبمَا أنجرّ الْبَحْث إِلَى تَحْرِير رسائل مُطَوَّلَة وَوَقع من هَذَا كثير وَكنت أحرر مَا يظْهر لى فى بعض الْمسَائِل وأعرضه عَلَيْهِ فان وَافق مالديه من اجْتِهَاده فى تِلْكَ المسئلة قرظه تَارَة بالنظم الْفَائِق وَتارَة بالنثر الرَّائِق وَإِن لم يُوَافق كتب عَلَيْهِ ثمَّ أكتب على مَا كتبه ثمَّ كَذَلِك فإن بعض الْمسَائِل الَّتِى وَقعت فِيهَا المباحثة حَال الْقِرَاءَة اجْتمع مَا حررته وحرره فِيهَا إِلَى سبع رسائل وَكَانَ رَحمَه الله متبحراً في جَمِيع المعارف العلمية على اخْتِلَاف أَنْوَاعهَا يعرف كل فن مِنْهَا معرفَة يظن من باحثه فِيهِ أَنه لَا يحسن سواهُ وَالْحَاصِل أنه من عجائب الزَّمن ومحاسن الْيمن يرجع إِلَيْهِ أهل كل فن في فنهم الذي لَا يحسنون سواهُ فيفيدهم ثمَّ ينْفَرد عَن النَّاس بفنون لَا يعْرفُونَ أسماءها فضلاً عَن زِيَادَة على ذَلِك وَله في الأدب يَد طولى فإنه ينظم القصيدة الفائقة فِي لَحْظَة مختطفة بِحَيْثُ لَا يصدق بذلك إِلَّا من لَهُ بِهِ مزِيد اختبار وَمَعَ هَذَا فَفِيهِ من لطف الطَّبْع وَحسن المحاضرة وَجَمِيل المذاكرة والبشاش ومزيد التَّوَاضُع وَكَمَال التودّد وملاحه النادرة مَالا يُمكن إِلَّا حاطة بوصفه ومجالسته هي نزهة الأذهان والعقول لما لَدَيْهِ من الاخبار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 الَّتِى تشنف الاسماع والأشعار المهذبة للطباع والحكايات عَن الأقطار الْبَعِيدَة وَأَهْلهَا وعجائبهابحيث يظن السَّامع أَنه قد عرفهَا بِالْمُشَاهَدَةِ وَلم يكن الأمر كَذَلِك فإنه لم يعرف غير الْيمن والحرمين وَلكنه كَانَ باهر الذكاء قوي التَّصَوُّر كثير الْبَحْث عَن الْحَقَائِق فاستفاد ذَلِك في أَيَّام مجاورته في الْحَرَمَيْنِ لوفود أهل الأقطار الْبَعِيدَة إلى هُنَالك وَكنت أَظن عِنْد ابْتِدَاء اتصالي بِهِ أَنه قد عرف بِلَاد مصر لِكَثْرَة حكاياته عَن أَهلهَا وَعَن عجائب وغرائب مَوْجُودَة فِيهَا في عصره لَا فِيمَا تقدم فإنه لَا يستنكر ذَلِك لِأَنَّهُ قد صنّف النَّاس في أَخْبَارهَا مصنّفات يَسْتَفِيد بهَا من أكبّ على مطالعتها مَا يقرب من الْمشَاهد كالخطط والْآثَار للمقريزي وَحسن المحاضرة في أَخْبَار مصر والقاهرة للسيوطي إنما الشَّأْن فِيمَا يحكيه صَاحب التَّرْجَمَة على ماجرت في عصره فإن ذَلِك هُوَ الأمر العجيب الدَّال على اخْتِصَاصه بمالا يقوم بِهِ غَيره (لَيْسَ على الله بمستنكر ... أَن يجمع الْعَالم في وَاحِد) وَله في حسن التَّعْلِيم صناعَة لَا يقدر عَلَيْهَا غَيره فإنه يجذب الى محبته وإلى الْعَمَل بالأدلة من طبعه أكثف من الصخر وإذا جالسه منحرف الْأَخْلَاق أَو من لَهُ في الْمسَائِل الدِّينِيَّة بعض شقَاق جَاءَ من سحر بَيَانه بِمَا يؤلف بَين المَاء وَالنَّار وَيجمع بَين الضَّب وَالنُّون فَلَا يُفَارِقهُ إِلَّا هُوَ عَنهُ رَاض وَلَقَد كنت أرى مِنْهُ من هَذَا الْجِنْس مَا يزْدَاد مِنْهُ تعجبى ولذاتم خَبره بأحوال النَّاس وَبِمَا يَلِيق بِكُل وَاحِد مِنْهُم وَمَا يُنَاسِبه ومالا يُنَاسِبه وَله في علم الطِّبّ مُشَاركَة قَوِيَّة وَله في كل الصناعات العملية كائنة مَا كَانَت أتمّ اختبار وَكَانَ النَّاس يقصدونه على اخْتِلَاف طبقاتهم فَأهل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 الْعلم يقصدونه ليستفيدوا من علمه والأدباء ليأخذوا من أدبه ويعرضوا عَلَيْهِ أشعارهم والمحاويج يأتونه ليشفع لَهُم عِنْد أَرْبَاب الدُّنْيَا ويواسيهم بِمَا يُمكنهُ وَكَرمه كلمة اجماع والمرضى يلوذون بِهِ لمداواتهم وغرباء الديار من أهل الْعلم ينزلهم في منزله ويفضل عَلَيْهِم بِجَمِيعِ مَا يحتاجونه وَيسْعَى فِي قَضَاء أغراضهم ونيل مطالبهم وَهُوَ مَقْبُول الشَّفَاعَة وافر الْحُرْمَة عَظِيم الجاه وَبِالْجُمْلَةِ فَلم ترعينى مثله في كمالاته وَلم آخذ عَن أحد يُسَاوِيه في مَجْمُوع علومه وَلم يكن بالديار اليمنية في آخر مدَّته لَهُ نَظِير وَكَانَ لما جبل عَلَيْهِ من حسن الْأَخْلَاق لَا يبدى من علومه عِنْد المناظرة مَا يَنْقَطِع بِهِ من يناظره لاسيما إذا كَانَ من يناظره من الْمُقَصِّرِينَ كل ذَلِك محبَّة مِنْهُ لجبر الخواطر وائتلاف الْقُلُوب وَرُبمَا يتأثر عَن ذَلِك لبَعض من لم يحط بِهِ خَبرا أَنه لَيْسَ كَمَا يَقُول النَّاس فِي التفرد بِالْعلمِ وَقد سَمِعت هَذَا من كثير من الَّذين لم يبلغُوا فِي الْعلم مبالغ الْكَمَال وَلَو عرفوه كَمَا عرفه أهل الْكَمَال الممارسون لَهُ لعلموا بَان الْحَامِل لَهُ على التسامح فِي مناظرتهم مَا جبل عَلَيْهِ من سحاحة الْخلق وَكَانَ رَحمَه الله لَا يتَعَرَّض لتنقيص أحد كَائِنا من كَانَ بل يذكر من كل أحد مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ من المحاسن ويغطى عَن مساويه وَهُوَ أعرف بهَا من غَيره ويبالغ في وصف من لَهُ اشْتِغَال بِالْعلمِ وينشر من محاسنه مَالا يسمح بِهِ غَيره بعبارات تعشقها الْقُلُوب وترتشفها الأسماع وَتقبل عَلَيْهَا الطباع وَهُوَ رَحمَه الله من جملَة من رغّبني فِي تأليف شرح على الْمُنْتَقى فشرعت فِيهِ فِي حَيَاته وَعرضت عَلَيْهِ كراريس من أَوله فَقَالَ إِذا كمل على هَذِه الْكَيْفِيَّة كَانَ فِي نَحْو عشْرين مجلداً وَأهل الْعَصْر لَا يرغبون فِيمَا بلغ من التَّطْوِيل الى دون هَذَا الْمِقْدَار ثمَّ أرشدني إِلَى الِاخْتِصَار فَفعلت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 فكمل بِحَمْد الله وبيّضته فِي أَربع مجلدات وَلم يكمل إِلَّا بعد مَوته بِنَحْوِ ثَلَاث سِنِين وَقد أجازني اجازة عَامَّة كتبهَا الى بعد أَن مكنني من كتاب أسانيده فنقلت مِنْهُ مَا أُرِيد نَقله وَلم يكن لَهُ كَثْرَة اشْتِغَال بالتأليف وَلَو أَرَادَ ذَلِك لَكَانَ لَهُ فِي كل فن مَالا يقدر عَلَيْهِ غَيره وَله رسائل حافلة ومباحث مُطَوَّلَة هى مَجْمُوعَة فى مُجَلد وَالْكثير مِنْهَا لم يكن فِيهِ فإنه كَانَ مَقْصُودا بالمشكلات فِي كل فن من جَمِيع الأقطار اليمنية وَلكنه لم يحرص على جمع ذَلِك كُلية الْحِرْص وَمن مؤلفاته شرح نزهة الطرف في الْجَار وَالْمَجْرُور والظرف للسَّيِّد الْعَلامَة صَلَاح بن الْحُسَيْن الْأَخْفَش الْمُتَقَدّم ذكره وَهُوَ شرح نَفِيس مُفِيد فِي مُجَلد لطيف وَله فلك الْقَامُوس في كراريس وَله حواش على ضوء النَّهَار في نسخته لَو جمعت لكَانَتْ حَاشِيَة مُسْتَقلَّة وَقد كَانَ وَلَده الْعَلامَة إبراهيم شرع فِي جمعهَا وَضم اليها أنظارا لَهُ وَلم أَقف على شئ مِنْهَا وَلَعَلَّه لم يَتَيَسَّر لَهُ تَمامهَا وبيني وَبَينه رَحمَه الله مطارحات أدبية فَمِنْهَا قصيدة كتبتها إِلَيْهِ وهى (من دونهَا ياعمرو وخز الرماح ... وَعِنْدهَا فَاعْلَم صليل الصفاح) (لَا يسمع السَّامع في حيها ... غير جلاد مفزع أَو كفاح) (فسر اليها سير متهور ... مستبدل فِيهَا الحيا بالوقاح) (مشمرا قد حم لاينثنى ... عَن حبها لعاذل أَو للاح) (فَمَا يهاب العتب من فَازَ من ... غَايَة أمْنِيته بالنجاح) (سعى فَلَمَّا ظَفرت بالمنى ... يَمِينه ألْقى الْعَصَا واستراح) (قد أتعب السير رحالي وَقد ... آن لَهَا بعد الوجى أَن تراح) (فقد أقامتني عَداهَا الردى ... بِربع طود الْعلم بَحر السماح) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 (من هز للعليا قناة وَمن ... حمى حماها فهي لَا تستباح) (من شاد للسنة أعلامها ... من كافح الْبِدْعَة كل الكفاح) (مجدّداً مُجْتَهدا جاهدا ... للدّين فى علم الْهدى وَالصَّلَاح) (ياعالم السنّة في دَهْرنَا ... وقطب أَرْبَاب النهى والفلاح) (مايال من أنصف فِي عصرنا ... وَمَال نَحْو المسندات الصِّحَاح) (واطرح التَّقْلِيد من حالق (مقطّعاً ربقته والوشاح) (يرْمى بداء النصب في قومه ... وَمَا على الرامي لَهُ من جنَاح) (يمزقون الْعرض مِنْهُ إذا ... جَاءَ بمرّ الْحق فيهم وَرَاح) (يلقى لديهم من صنوف الأذى ... كلّ قَبِيح فى المسا والصباح) (ابْن قزند البهت مِنْهُم غَدا ... منقدحاً في الْقلب أيّ انقداح) فأحاب رَحمَه الله تَعَالَى بقوله (دع قَول واشٍ فعذول فلاح ... فَلَيْسَ فِيمَا نمّقوه فلاح) (وَفَارق الرَّوْض وماراق من ... طيب عَيْش فاق ان لَاحَ لَاحَ) (نفسي فدا أَحْمد والآل من ... في حبهم نيل النجا والنجاح) (من حلّ في نجد وغور وفي ... كل مَكَان ومهبّ الرِّيَاح) (عاملهم ركني على أنني ... أَدْعُو لكل مِنْهُم بالصلاح) (وأنصح الْجَاهِل مِنْهُم وهم ... كلهم أفضل من جا وَرَاح) (أحبّ من أهلي هم دَائِما ... وَلَو لقاني عاذلي بالكفاح) (فحبهم أفضل مَا أرتجي ... من فعل خير وَاجِب أَو مُبَاح) (وكل قَول لَهُم ارتضى ... يرويهِ في الْبَحْر إمام الْفَلاح) (تعساً لمن عاداهم يدعي ... تشيّعاً وَهُوَ عَدو براح) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 (وَيقصر الْحق على خَمْسَة ... وَقَول باقبهم لَدَيْهِ نباح) (وكلّ من عاصره مِنْهُم ... يودّ لَو قِطْعَة بالصفاح) (كَأَنَّهُمْ لَيْسُوا بني الْمُصْطَفى ... لَدَيْهِ تَبًّا لبغيض وقاح) (تقليدهم قد أَجمعُوا أَنه ... لعالم بِالنَّصِّ لَا يستباح) (وأوجبوا الْمَشْي مَعَ النَّص إن ... لم يَك للْعَالم بُد سجَاح) (فَمن أَبى هَذَا فَدَعْهُ وَلَا ... تَلقاهُ يَوْمًا غدْوَة أَو رواح) (عَلَيْك الْآل تمسك بهم ... وان تلقاك العدى بِالسِّلَاحِ) (ياعالم السنة في عصرنا ... وَمن بِهِ يمتاز مِنْهَا الصِّحَاح) (دمت تجلي كل مستشكل ... بِنور فهم مِنْهُ نور الصَّباح) (يهدى بِعلم كلما أنشدت ... دع قَول واش فعذول فلاح) وبيني وَبَينه مكاتبات أدبية من نظم ونثر وَلم يحضر حَال تَحْرِير هَذَا إِلَّا هَذِه وَقد كَانَ رَحمَه الله يمِيل إِلَى كل الْميل ويؤثرني ابلغ تَأْثِير وَمَا سَأَلته الْقِرَاءَة عَلَيْهِ فِي كتاب فَأبى قط بل كَانَ يبتديني تارات وَيَقُول تقْرَأ في كَذَا وَكَانَ يبْذل لي كتبه ويؤثرني بهَا على نَفسه ومازال ناشراً للعلوم قَائِما بتفهيم منثورها والمنظوم حَتَّى توفاه الله تَعَالَى فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ خَامِس ربيع الأول سنة 1207 سبع وَمِائَتَيْنِ وألف وتأسّف النَّاس على فَقده ورثاه الشُّعَرَاء بمراث حسان هى مَجْمُوعَة فى كراريس وَأَنا من جملَة من رثاه بقصيدة مطْلعهَا (تهدّم من ربع المعارف جَانِبه ... وَأصْبح في شغل عَن الْعلم طَالبه) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 244 - عبد الْقَادِر بن أَحْمد بن علي بن عبد الْمُؤمن النزيلى الْخَطِيب بِجَامِع صنعاء في أَيَّام الإمام المتَوَكل على الله الْقَاسِم بن الْحُسَيْن وَبَعض أَيَّام وَلَده الْمَنْصُور بِاللَّه هُوَ من البلغاء فِي النظم والنثر فَمن شعره مَا كتبه إلى السَّيِّد الْعَلامَة عبد الله بن علي الْوَزير (عد عَن ذكر الْحمى والكثب ... وأدر ذكر بديع الشنب) (واروعن مَكْحُول طرف مِنْهُ قد ... ارشق الْقلب نبال الوصب) (وأدركاس طلاً من ذكره ... مازجاً من رِيقه بِالضَّرْبِ) (لَا تغالطني بغزلان النقا ... فغزال الْحسن أقْصَى أربى) (أَنا أدري أَيْن قلبي موثق ... وبمن هام وَمن أَيْن سبي) (لَا أسمي من سبانى حسنه ... انما التمويه فِيهِ مذهبي) وهي أَبْيَات طَوِيلَة وَله شعر كثير منسجم الى الغابة وَكَانَ لَهُ معرفَة بمواقع الْخطب على حسب الْحَوَادِث ويجودها ببلاغته وَكَانَ جَلِيسا للإمام المتَوَكل على الله وَفِيه خفَّة روح وظرافة وَخلف دنيا وَاسِعَة عَاشَ فِيهَا من بعده وَالْمَوْجُود الْآن أَوْلَاد وَلَده وهم فِي غنية بِمَا خَلفه جدهم من الأموال وَمَات في شعْبَان سنة 1154 أَربع وَخمسين وَمِائَة وَألف 245 - عبد الْقَادِر بن على البدرى الثلائى الْعَلامَة الْمُجْتَهد المتبحّر في جَمِيع الْعُلُوم ولد سنة 1070 سبعين وَألف وَأخذ الْعلم عَن جمَاعَة من أكَابِر الْعلمَاء كالعلامة المقبلي الْمُتَقَدّم ذكره وَله مسَائِل ورسائل يسْلك فِيهَا مسالك الْمُجْتَهدين ويحررها تَحْرِير امتقنا ويمشي مَعَ الدَّلِيل وَلَا يعبأ بِمَا يُخَالِفهُ من القال والقيل وَكَانَ قَاضِيا لمدينة ثلا وامتحن في أَوَائِل دولة الإمام الْمَنْصُور بِاللَّه الْحُسَيْن بن الْقَاسِم لسَبَب الحديث: 244 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 مفترى وَكَانَ قَصِيرا جدا فَحَمله بعض الْعَامَّة وَكَانَ يترقص بِهِ وَيَقُول (مَتى يَا طلعت البدريّ ... تواصل مغرمك) فعاقبه الله سُبْحَانَهُ وَقتل شَرّ قتلة وسيأتي لَهُ ذكر في تَرْجَمَة السَّيِّد عبد الله الْوَزير وَمَات سنة 1160 سِتِّينَ وَمِائَة وَألف رَحمَه الله وَولده يُوسُف من أكَابِر الْعلمَاء وأفاضل الْعباد وحفيد صَاحب التَّرْجَمَة أَحْمد بن يُوسُف بن عبد الْقَادِر هُوَ حَال تَحْرِير هَذِه الأحرف قاضي ثلا وَهُوَ من خيرة قُضَاة الْعَصْر وَله عرفان تَامّ 246 - عبد الْقَادِر بن علي المحيرسي الزّيدي الحيمي اليماني صَاحب الْحَاشِيَة على شرح الأزهار وهي حَاشِيَة نفيسة وفيهَا أبحاث تدل على أَن صَاحب التَّرْجَمَة لَهُ عرفان بِغَيْر الْفِقْه وتطلع إِلَى النظر في الْمسَائِل لَا كَغَيْرِهِ من الجامدين على علم الْفُرُوع أَخذ الْعلم عَن جمَاعَة مِنْهُم السَّيِّد مُحَمَّد بن عز الدَّين الْمُفْتى وَكَانَ من الْمُجَاهدين للأروام يَقُود العساكر من الحيمة وَيقدم غَايَة الإقدام وَكَانَ بَين وَالِده وَبَين صَاحب كوكبان حروب كَبِيرَة وَاسْتشْهدَ في أَحدهَا وَيُقَال أنه كَانَ لَهُ هيكل لَا يُصِيبهُ شئ وَهُوَ مَعَه فَكَانَ يمارس الحروب غير مبال بِمَا يَقع من الْخُصُوم فاحتالوا عَلَيْهِ فِي أَخذه فأصيب ثمَّ صَار هَذَا الهيكل إِلَى وَلَده صَاحب التَّرْجَمَة وبسببه سلم مَكَانَهُ في الْحمى من الْحَرِيق بعد أَن أحرق جَمِيع الْأَمْكِنَة وَقيل أنه كَانَ لَهُ صَاحب من مؤمني الْجِنّ يصلّي مَعَه ويجالسه وَكَانَ قوالاً بِالْحَقِّ كثير الصَّدَقَة واطعام الطَّعَام وَمَات في رَجَب سنة 1077 سبع وَسبعين وَألف وَكَانَ لَهُ أَخ من نَوَادِر الزَّمَان في قُوَّة الذكاء وَسُرْعَة الْحِفْظ والتمكن من معرفَة مذهبَة الحديث: 246 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 ثمَّ قَرَأَ فقه الْحَنَفِيَّة وَتَوَلَّى الْقَضَاء للأروام بِصَنْعَاء وَكَانَ يقْضى بمذهبهم ويفتيهم بلسانهم ويفتي أهل فَارس باللغة الفارسية وَالْعرب باللغة الْعَرَبيَّة مَعَ تبحر في علم الْمَعْقُول وَشَيْخه في فقه مذهبَة السَّيِّد الْمُفْتى الزيدي ثمَّ أنه اخْتَلَط بِآخِرهِ لدقة فكره واشتغال ذهنه وَكَانَ يذكر أَنه المهدي المنتظر وَتارَة يَقُول هُوَ الدَّابَّة الَّتِى تكلم النَّاس وَله أشعار فائقة ثمَّ دخل مَكَّة وَتوفى بهَا في أَفْرَاد الْخمسين بعد الألف 249 - عبد الْقَادِر بن مُحَمَّد الطَّبَرِيّ الْمَكِّيّ الشافعي ولد سنة 972 اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَتِسْعمِائَة وبرع في جَمِيع الْفُنُون وفَاق وَله مصنفات مِنْهَا شرح الدريدية الْمُسَمّى بِالْآيَاتِ الْمَقْصُورَة على الابيات الْمَقْصُورَة وَحسن السريرة فى حسن السِّيرَة وَله بديعية وَشَرحهَا وسماها عليّ الْحجَّة بِتَأْخِير أَبى بكر ابْن حجَّة وَله نشاءات السلافة بمنشآت الْخلَافَة وَشرح قِطْعَة من ديوَان المتنبي وَله عدَّة رسائل وَكَانَ شرِيف مَكَّة حسن ابْن أبي نميّ يُكرمهُ إكراماً عَظِيما وَلِهَذَا كَانَ أَكثر مصنفاته باسمه وَمن لطيف مَا وَقع لَهُ أَنه لما صنّف شرح الدريدية الْمُتَقَدّم ذكره باسم الشريف الْمَذْكُور وَوصل بِهِ اليه كَانَ ذكر لَهُ أَنه أنشأ بَيْتَيْنِ فيهمَا تَارِيخ تَمام تأليفه على لِسَان الْكتاب وهما (أرخني مؤلفي ... بِبَيْت شعر مَا ذهب) (أَحْمد جود ماجد ... أجازني ألف ذهب) فَتَبَسَّمَ الشريف وَوضع الْكتاب في حجره وَوضع يَده على رأسه وَقَالَ على الرَّأْس وَالْعين وَالله إن ذَلِك نزر يسير في مُقَابلَته وإني أَحْمد الله الَّذِي أوجد مثلك فِي زمني واتفقت لَهُ محنة كَانَت سَبَب مَوته وَذَلِكَ أَنه الحديث: 249 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 استناب وَلَده يخْطب للعيد وَكَانَت أول خطْبَة حصلت لَهُ فتهيأ لذَلِك فَمَنعه بعض أُمَرَاء الأروام الواردين إلى مَكَّة ذَلِك الْعَام وَرغب في أَن يكون الْخَطِيب حنفياً فَعظم ذَلِك على صَاحب التَّرْجَمَة جداً وفاضت نَفسه في الْحَال كمداً وَذَلِكَ في سنة 1032 اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَألف وَكَانَ مَوته والخطيب على الْمِنْبَر وَقدم للصَّلَاة عَلَيْهِ بعد تِلْكَ الْخطْبَة 248 - السَّيِّد عبد الْكَرِيم بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن إسحاق ابْن المهدي أَحْمد بن الْحسن ابْن الإمام الْقَاسِم مولده سنة 1159 تسع وَخمسين وَمِائَة وَألف وَنَشَأ بِصَنْعَاء وَأخذ الْعلم عَن وَالِده وَعَن شَيخنَا السَّيِّد الْعَلامَة علي بن إبراهيم بن عَامر وَقَرَأَ على شَيخنَا الْعَلامَة الْحسن بن إسماعيل المغربي وتميز في أَنْوَاع من الْعلم وَله نظم لم يحضرنى مِنْهُ الْآن شئ وَفِيه سُكُون وَحسن سمت ووقار وعفة ونزاهة وديانة وبشاش وكرم انفاس وعلو همة وشهامة نفس ورياسة وكياسة وانجماع لَا سِيمَا عَن بني الدُّنْيَا وتودد إلى أَصْحَابه ومعارفه وَهُوَ الْآن حى ثمَّ مَاتَ رَحمَه الله في دن وصاب انْهَدم عَلَيْهِ الْمنزل الذي كَانَ فِيهِ فِي أحد شهري جُمَادَى سنة 1225 خمس وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَألف 249 - عبد الْكَرِيم بن هبة الله ابْن السديد الْمصْرِيّ الملقّب كريم الدَّين الْكَبِير أَبُو الْفَضَائِل وَكيل السُّلْطَان ومدبر الدولة الناصرية أسلم كهلاً أَيَّام بيبرس الجاشنكير وَكَانَ كَاتبه فَلَمَّا هرب بيبرس وَدخل النَّاصِر الْقَاهِرَة تطلبه إلى أَن ظفر بِهِ وصادره على مائَة ألف دِينَار فالتزم بهَا وَلم يزل جمَاعَة من الْأُمَرَاء يتلطفون للسُّلْطَان إلى أَن سمح بجملة من ذَلِك وَقَررهُ في نظر الْخَاصَّة فَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 أول من بَاشَرَهَا وَتقدم بعد ذَلِك عِنْد النَّاصِر حَتَّى صَارَت الخزائن كلهَا في يَده وإذا طلب النَّاصِر شَيْئا يُرْسل إليه قَاصِدا من عِنْده يستدعي مِنْهُ مَا يُرِيد فيجهز لَهُ ذَلِك من بَيته وَعظم جداً وَصَارَ يركب في عدَّة مماليك نَحْو السّبْعين والأمراء يركبون في خدمته وَبلغ من عظم قدره أنه مرض مرة فَلَمَّا عوفي دخل إلى مصر فزينت لَهُ وَكَانَ عدد الشمع ألفاً وَسَبْعمائة شمعة وَركب حراقة فلاقاه التُّجَّار ونثروا عَلَيْهِ الذَّهَب وَالْفِضَّة وَعمر الْجَوَامِع وَفعل المحاسن وَكَانَ السُّلْطَان إذا أَرَادَ أَن يحدث شراً على أحد فَحَضَرَ كريم الدَّين تَركه وَقَالَ القاضي عَلَاء الدَّين هَذِه المكارم مَا يَفْعَلهَا كريم الدَّين الا لمن يخافه فأسرها في نَفسه وَرَاح إليه يَوْمًا على غَفلَة فأضافه بِمَا حضر إليه ثمَّ أرسل كريم الدَّين من أحضر إليه أنواعاً من المآكل والملابس وَدفع إليه كيساُ فِيهِ خَمْسَة الآف دِرْهَم وتوفيع بِزِيَادَة فِي رواتبه من الدَّرَاهِم وَالْغلَّة والملبوس وَغير ذَلِك وَخرج من عِنْده فَلَمَّا خرج عَلَاء الدَّين يودعه قَالَ لَهُ يَا مَوْلَانَا وَالله مَا افْعَل هَذَا تكلفاً وَأَنا وَالله لَا أرجوك وَلَا أخاف وَكَانَ يتَصَدَّق بصدقات طايلة ويجتمع لذَلِك الْفُقَرَاء حَتَّى مَاتَ مرّة من الزحمة على تِلْكَ الصَّدَقَة ثَلَاثَة أنفس وَمن رياسته أنه كَانَ إِذا قَالَ نعم استمرت وإذا قَالَ لَا استمرت وَكَانَ يُوفي دُيُون من فِي الْحَبْس وَيُطلق من فِيهَا دَائِما وَكَانَ مَعَ جودة عادلاً وقوراً جزل الرأي بعيد الْغَوْر يحب الْعلمَاء والفضلاء وَيحسن اليهم كثيراً قَالَ الذهبي وَكَانَ لَا يتَكَلَّف في ملبس ولازى وَلما انحرف عَنهُ السُّلْطَان أوقع الحوطة على دوره وموجوده وَذَلِكَ فِي رَابِع عشر ربيع الآخر سنة 723 ثمَّ أَمر بِلُزُوم بَيته بالقرافة ثمَّ نقل إِلَى الشوبك ثمَّ إلى الْقُدس ثمَّ أُعِيد إلى الْقَاهِرَة سنة 724 ثمَّ سفّر إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 أسوان فأصبح مشنوقاً وَيُقَال أنه لما أُرِيد قَتله تَوَضَّأ وَصلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ قَالَ هاتوا عِشْنَا سعداء ومتنا شُهَدَاء وَكَانَ الْعَوام يَقُولُونَ مَا أحسن النَّاصِر إلى اُحْدُ مَا أحسن الى كريم الدَّين أسعده فى الدُّنْيَا والاخرة ولماأمر السُّلْطَان بِنَقْل موجوده إِلَى القلعة على بغال فَكَانَ أَولهَا بِبَاب بَيته واخرها بِبَاب القلعة وَحمل على الافقاص مائَة وَثَمَانُونَ قفصاً ثَلَاثَة أيام فِي كل يَوْم ثَلَاث دفعات أَو دفعتين سوى مَا كَانَ ينْقل مَعَ الخدام من الْأَشْيَاء الفاخرة الَّتِى لَا يُؤمن عَلَيْهَا مَعَ غَيرهم وَوجد لَهُ من النَّقْد خَاصَّة ثَمَانُون ألف قِنْطَار وَكَانَ عدد الصناديق الَّتِى فِيهَا أَصْنَاف الْعطر من الْعود والعنبر والمسك أحد وأربعين صندوقاً 250 - عبد اللَّطِيف بن عبد الْعَزِيز بن أَمِين الدَّين ابْن فرشتا الحنفيّ وفرشتا هُوَ الْملك لَهُ تصانيف مِنْهَا شرح الْمَشَارِق للصغاني وَشرح الْمنَار والوقاية وَشرح المصابيح وَكَانَ من عُلَمَاء الروم الْمَوْجُودين في أَيَّام السُّلْطَان مُرَاد وَكَانَ معلماً للأمير مُحَمَّد بن آيدين ومدرساً بمدرسة تيرة وَتلك الْمدرسَة مُضَافَة إليه إِلَى الْآن وَهُوَ ماهر في جَمِيع الْعُلُوم خُصُوصا الشَّرْعِيَّة وَمن جملَة تصانيفه شرح مجمع الْبَحْرين وَهُوَ كثير الفوايد مُعْتَمد في بِلَاد الروم وَله رِسَالَة لَطِيفَة في علم التصوف وَله حَظّ عَظِيم فِي المعارف الصُّوفِيَّة قَالَ صَاحب الشقايق النعمانية إنه كَانَ مَوْجُودا في سنة 791 وَكَانَ لَهُ أَخ مايل إِلَى الْخَوَارِج أَصْحَاب فضل الله رَئِيس الْفرْقَة الخارجية الحديث: 250 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 251 - عبد الله بن احْمَد بن إسحاق بن ابراهيم ابْن المهدى احْمَد ابْن الْحسن بن الإمام الْقَاسِم بن مُحَمَّد هُوَ أحد الْعلمَاء المبرّزين بِصَنْعَاء أَخذ عَن وَالِده وَعَن غَيره وأتقن النَّحْو وَالصرْف والمنطق والمعاني وَالْبَيَان ودرس في هَذِه الْعُلُوم بِجَامِع صنعاء وَأخذ عَنهُ جمَاعَة من شُيُوخنَا وَقَرَأَ الْكتب الحديثية وَعمل بِمَا فِيهَا وَمن شُيُوخه القاضي الْعَلامَة احْمَد بن مُحَمَّد قاطن قَرَأَ عَلَيْهِ في سنَن الترمذي وَكَانَ قوالاً بِالْحَقِّ صَادِق اللهجة وَبَينه وَبَين الْوَزير أَحْمد بن علي النهمي اتِّصَال ومخاللة وَكَانَ مَقْبُول الْكَلِمَة عِنْد الإمام المهدي الْعَبَّاس ابْن الْحُسَيْن رَحمَه الله وَله شعر رايق وَمِنْه (مَاذَا يفيدك ندب الْأَرْبَع الدَّرْس ... وَشرح سالف عَيْش بالعذيب نسيى) (فشنّف السمع من ذكرى مُعتقة ... جلوتها كشموس فِي دجى الْغَلَس) ووالدالمترجم من أكَابِر الْعلمَاء المرجوع إليهم بِصَنْعَاء أَخذ الْعلم عَن السَّيِّد الْعَلامَة هَاشم بن يحيى الشامي وَالسَّيِّد الْعَلامَة عبد الله بن علي الْوَزير وَغَيرهمَا وبرع في جَمِيع الْفُنُون وَله أنظار مُحَققَة متقنة على الْكتب الَّتِى كَانَ يدرس الطّلبَة فِيهَا كشرح الْغَايَة فِي الأصول وَشرح الْعُمْدَة في الحَدِيث وَله رسائل ومسائل وَهُوَ كَانَ حَقِيقا بترجمة مُسْتَقلَّة وكلنى اكتفيت بِذكرِهِ هَهُنَا وَمَات سنة 1170 سبعين وَمِائَة وَألف وَمَات ولد الْمَذْكُور في شهر شَوَّال سنة 1191 إحدى وَتِسْعين وَمِائَة وَألف 252 - عبد الله بن أَحْمد بن تَمام بن حسّان الحنبلي ولد سنة 651 إحدى وَخمسين وسِتمِائَة وَقيل غير ذَلِك وَسمع من جمَاعَة وَقَرَأَ النَّحْو على ابْن مَالك وعَلى وَلَده بدر الدَّين ولازمه وَصَحبه وَكَانَ الحديث: 251 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 صَالحا خيّراً مليح المذاكرة حسن النظم وَصَحب الشهَاب مَحْمُود واختص بِهِ حَتَّى كَانَ الشهَاب يَقُول لخازنداره مهما طلب مِنْك أعْطه بِغَيْر مشورة وَلم يكن لَهُ ثِيَاب وَلَا قماش وَلَا شئ فى بَيته الْبَتَّةَ وَكَانَ جيد النظم كتب إليه الشهَاب قصيدة مطْلعهَا) (هَل عِنْدَمَا عِنْدهم برئي وأسقامي ... علم بَان نواهم أصل آلامي) فَأَجَابَهُ بقصيدة مطْلعهَا (ياساكنى مصر فِيكُم سَاكن الشَّام ... يكابد الشوق من عَام إلى عَام) وَمن شعره (معَان كنت أشهدها عيَانًا ... وإن لم تشهد الْمَعْنى الْعُيُون) (وألفاظ إذا فَكرت فِيهَا ... فَفِيهَا من محاسنها فنون) وَهُوَ القايل (يخال الخدّ من مَاء وجمر ... وَفِيه الْخَال نشوان يجول) (وَكم لَام العذول عَلَيْهِ جهلاً ... وَآخر ماجرى عشق العذول) وَكَانَ ظريفاً حسن المحاضرة والصحبة سمع من الْكِبَار وَخرج لَهُ البرزالي جُزْءا وَأثْنى عَلَيْهِ الشهَاب مَحْمُود وعظمه وَمَات في ثَالِث ربيع الآخر سنة 718 ثَمَان عشرَة وَسَبْعمائة 253 - مَوْلَانَا الإمام المهدي عبد الله بن أَحْمد المتَوَكل ابْن علي الْمَنْصُور ولد فِي سنة 1208 ثَمَان وَمِائَتَيْنِ وألف وَنَشَأ بِحجر الْخلَافَة فِي أَيَّام جده ثمَّ في أَيَّام أَبِيه وَفِي كل حِين يزْدَاد كمالاً مَعَ عقل تَامّ وأخلاق شريفة وخصال محمودة وفراسة بديعة ورماية فايقة ورصانة بَالِغَة وَهُوَ أكبر أَوْلَاد أَبِيه ولي أعمالا مِنْهُ ريمة ثمَّ ولَايَة عمرَان ثمَّ لما توفي وَالِده لَيْلَة الاربعاء لَعَلَّه الحديث: 253 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 سَابِع شهر شَوَّال سنة 1231 إحدى وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَألف وَقعت الْمُبَايعَة مني لَهُ بعد طُلُوع الْفجْر من يَوْم الْأَرْبَعَاء الْمَذْكُور ثمَّ أخذت لَهُ الْبيعَة من جَمِيع أُمَرَاء صنعاء وحكامها وَجَمِيع آل الإمام وَجَمِيع الرؤساء والأعيان وَبَايَعَهُ بعد ذَلِك جَمِيع أهل الْقطر الْيُمْنَى وَاسْتَبْشَرُوا بدولته وغتطبوا بهَا وَالله يَجْعَل فِيهِ الْخَيْر وَالْبركَة للْمُسلمين 254 - السَّيِّد عبد الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن حُسَيْن قد تقدّم تَمام نِسْبَة فِي تَرْجَمَة أَخِيه شرف الدَّين ولد تَقْرِيبًا سنة 1170 سبعين وَمِائَة وَألف أَو قبلهَا بِقَلِيل وَله عرفان تَامّ ونظم رايق وكرم فايض ورياسة كَامِلَة وأخلاق شريفة ولطافة تَامَّة اجْتمعت بِهِ فِي كوكبان لما وصل إليها مَوْلَانَا الامام المتَوَكل على الله ثمَّ كثر احتماعى بِهِ في صنعاء مَعَ سكونه فِيهَا عِنْد رجوعنا من كوكبان وَهُوَ كثير النظم منسجم الشّعْر سريع البادرة قوي الْعَارِضَة حسن الشكل ثمَّ رَجَعَ إلى كوكبان في سنة 1229 مَعَ اخيه الْمُتَقَدّم ذكره وَهُوَ القايم بغالب أُمُور دولته وَبَينه وَبَين أخي يحيى بن علي مطارحات أدبية مُشْتَمِلَة على أحسن أسلوب وأبلغ نظم وأبرع معنى الحديث: 254 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 255 - عبد الله بن اسعد بن علي بن سُلَيْمَان بن فلاح اليافعي الشافعي الْيُمْنَى ثمَّ المكي عفيف الدَّين أَبُو السعادات ولد قبل السبعماية بِسنتَيْنِ أَو ثَلَاث وَأخذ بِالْيمن عَن جمَاعَة من الْعلمَاء وَنَشَأ على خير وَصَلَاح وَحج سنة 712 وَحفظ الحاوي والجمل ثمَّ جاور بِمَكَّة فى سنة 718 وَتزَوج بهَا ولازم مَشَايِخ الْعلم كالفقيه نجم الدَّين الطبري والرضي الطبري ثمَّ فَارق ذَلِك وتجرد عشر سِنِين يتَرَدَّد فِيهَا بَين الْحَرَمَيْنِ ورحل إلى الْقُدس سنة 734 وَدخل دمشق ومصر ثمَّ رَجَعَ الْحجاز وجاور بِالْمَدِينَةِ ثمَّ رَجَعَ إلى مَكَّة وَلم يفته الْحَج في جَمِيع هَذِه الْمدَّة وَأثْنى عَلَيْهِ الأسنوى فى الطَّبَقَات وَقَالَ كَانَ كثير التصانيف وَله قصيدة تشْتَمل على عشْرين علماً اَوْ أزيد وَكَانَ كثير الإحسان إلى الطّلبَة انْتهى وَلَعَلَّه صَاحب التَّارِيخ الَّذِي اعْتمد فِيهِ على تَارِيخ ابْن خلكان وتاريخ الذهبي وَقد ترْجم فِيهِ جمَاعَة من الشَّافِعِيَّة والأشعرية وَفِيه من التعصبات للأشعري أَشْيَاء مُنكرَة وَوصف فِيهِ نَفسه بوصايف ضخمة قَالَ ابْن رَافع اشْتهر ذكره وَبعد صيته وصنّف فِي التصوف وَفِي أصُول الدَّين وَكَانَ يتعصب للأشعري وَله كَلَام في ذم ابْن تَيْمِية وَلذَلِك غمزه بعض من يتعصب لِابْنِ تَيْمِية من الْحَنَابِلَة وَغَيرهم انْتهى وَهُوَ من جملَة المعظمين لِابْنِ عَرَبِيّ وَله فِي ذَلِك مُبَالغَة مَاتَ فِي الْعشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة سنة 768 ثَمَان وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة الحديث: 255 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 256 - عبد الله بن إسماعيل بن حسن بن هادي النّهمي لَعَلَّه ولد بعد سنة 1150 خمسين وَمِائَة وَألف وَنَشَأ بِصَنْعَاء وَكَانَ وَالِده والياً عَلَيْهَا فَقَرَأَ على جمَاعَة من مشايخها وبرع فى النَّحْو وَالصرْف وشارك مُشَاركَة قَوِيَّة فِي الْمنطق والمعاني وَالْبَيَان وَالْأُصُول وَدون ذَلِك فِي الْفِقْه والْحَدِيث وَالتَّفْسِير ودرس وانتفع بِهِ الطّلبَة وَهُوَ أحد شيوخي فِي اوائل طلبى للْعلم قَرَأت عَلَيْهِ شرح السَّيِّد الْمُفْتى على كَافِيَة ابْن الْحَاجِب من أَوله إلى آخِره بِلَا فَوت وَفِي شرح الخبيصي عَلَيْهَا من أَوله إلى آخِره بِلَا فَوت وَمَا عَلَيْهِ من الحواشي وقواعد الإعراب وَشَرحهَا للأزهري وَمَا عَلَيْهِ من الحواشي من أَوله إلى آخِره وإيساغوجي للأبهري فِي الْمنطق وَشَرحه للقاضي زَكَرِيَّا جَمِيعًا والكافل في الْأُصُول وَشَرحه لِابْنِ لُقْمَان جَمِيعًا وشفاء الْأَمِير الْحُسَيْن في الحَدِيث من اوله الى آخِره وَله عناية تَامَّة بتخريخ الطّلبَة والمواظبة على التدريس وتوسيع الْأَخْذ وجلب الْفَوَائِد إليهم بِكُل مُمكن وَلَا يمل حَتَّى يمل الطَّالِب وَكَانَ يؤثرني على الطّلبَة وإذا انْقَطَعت الْقِرَاءَة يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ لعذر تأسف على ذَلِك ولمااختلف بعض أُسْبُوع لعذر كتب إليّ هَذِه الأبيات (مولاى عز الدَّين يامن حوى ... أفضل مافى النَّقْل والسمع) (وَمن غَدا من بَين أقرانه ... بِلَا نَظِير قطّ في الْجمع) (عذراً فدتك النَّفس من زلَّة ... أَو جبها السئ من طبعي) (منعت لَا من عِلّة فَاعْفُ عَن ... تركيب مزج جَاءَ فى الْمَنْع) (فَرب نقص راق من بعده ... ثمَّ وخفض زيّن بِالرَّفْع) فأجبته بِأَبْيَات وجهت فِيهَا بِكَثِير من الْقَوَاعِد المنطقية كَمَا وَجه هُوَ الحديث: 256 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 بقواعد نحوية وَلكنهَا قد غَابَتْ عَنى أَبْيَات الْجَواب وَله أشعار رائقة وَفِيه كرم أنفاس وبسبب ذَلِك أتلف ماورثه من وَالِده وَهُوَ شئ وَاسع وَصَارَ الْآن مملقاً لطف الله بِهِ وَلما فرغت من الْقِرَاءَة عَلَيْهِ وَلم يبْق عِنْده مَا يُوجب الْبَقَاء وقرأت على من لَهُ خبْرَة بِمَا لم يكن لَدَيْهِ من الْعُلُوم لم تطب نَفسه بذلك في الْبَاطِن لافي الظَّاهِر ثمَّ لما مَضَت أَيَّام طَوِيلَة وَقَعَدت لنشر الْعلم في الْجَامِع الْمُقَدّس بِصَنْعَاء وَكنت إِذْ ذَاك مَقْصُودا بالفتاوى الْكَبِيرَة والمسائل المشكلة وجمعت الرسَالَة الَّتِى حكيتها في تَرْجَمَة السَّيِّد الْعَلامَة الْحُسَيْن بن يحيى الديلمي كَانَ شَيخنَا هَذَا أحد المجيبين وَهُوَ الَّذِي أَشرت إِلَيْهِ إجمالاً هُنَالك عَفا الله عَنهُ وَحَال تَحْرِير هَذِه الأحرف قد فتر عزمه عَن التدريس وَلم يبْق للطلبة رغوب إِلَيْهِ وَصَارَ مُعظم اشْتِغَاله بِمَا لابد مِنْهُ من امْر المعاش مَعَ ركة حَاله لَا طفه الله وَلم أزل رَاعيا لحقه مُعظما لشأنه معرضًا عَمَّا بدر مِنْهُ مماسلف وأبلغ الطَّاقَة في جلب الْخَيْر إِلَيْهِ بِحَسب الامكان وَهُوَ يكثر التَّرَدُّد الى تَارَة لخصومات تعرض لَهُ وَتارَة لامور تخصه وَمَات رَحمَه الله في شهر صفر سنة 1228 ثَمَان وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَألف 257 - السَّيِّد عبد الله بن الْحسن بن علي بن الْحُسَيْن بن على ابْن الإمام المتَوَكل على الله إسماعيل بن الْقَاسِم بن مُحَمَّد ولد سنة 1165 خمس وَسِتِّينَ وَمِائَة وَألف وَقَرَأَ على مَشَايِخ عصره كالقاضي الْعَلامَة احْمَد بن صَالح بن أَبى الرِّجَال وَشَيخنَا الْعَلامَة الْحسن بن إسماعيل المغربي الْمُتَقَدّم ذكره وَشَيخنَا الْعَلامَة إسماعيل بن الْحسن بن المهدي الْمُتَقَدّم أَيْضا وترافقنا في قِرَاءَة الْكَشَّاف عَلَيْهِ أَنا وَصَاحب الحديث: 257 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 التَّرْجَمَة وَله قِرَاءَة على غير هَؤُلَاءِ وَشرع فى قِرَاءَة الحَدِيث على شَيخنَا السَّيِّد الْعَلامَة علي بن إبراهيم الآتي ذكره وَله يَد قَوِيَّة فى النَّحْو وَالصرْف والمنطق والمعاني وَالْبَيَان ومشاركة في التَّفْسِير وَالْفِقْه والْحَدِيث وَالْأُصُول وَكَانَ يدرس الطّلبَة في جَامع صنعاء فِي الْعُلُوم الآلية وَلَهُم إِلَيْهِ رغوب كَامِل وَهُوَ من أكَابِر آل الإمام وَفِيه تواضع ظائد وَحسن أَخْلَاق فائق وبشاش كَامِل وَقد أخذت عَنهُ في أَوَائِل أَيَّام الطلب شرح الجامي من أوله إِلَى آخِره وَاتفقَ أَنه مَاتَ أَبُو أمه السَّيِّد الْعَلامَة يحيى بن مُحَمَّد ابْن عبد الله بن الْحُسَيْن بن الْقَاسِم بن مُحَمَّد ثمَّ مَاتَ بعد ذَلِك وَلَده السَّيِّد الْعَارِف الْقَاسِم بن يحيى بن مُحَمَّد وَكَانَ لَهُ تَرِكَة وَاسِعَة جداً وأوصى إلى صَاحب التَّرْجَمَة وأمرني خَليفَة الْعَصْر مَوْلَانَا الإمام الْمَنْصُور بِاللَّه حفظه الله أَن أعين من يقسم هَذِه التَّرِكَة من نواب الشَّرْع فعينت بعض مشايخى الْأَعْلَام وَجَرت أُمُور أوجبت تكدّر صَاحب التَّرْجَمَة ثمَّ ظَهرت لَهُ الْحَقِيقَة فَزَالَ عَنهُ ذَلِك وَطَابَتْ نَفسه وَكتب إِلَى كتاباً يَدْعُو لي فِيهِ دُعَاء مَقْبُولًا وَيذكر أَنه كَانَ في أَمر مريج حَتَّى وَقع التَّفْرِيج عَنهُ بِمَا فعلته وَتعقب ذَلِك بِلَا فصل مَوته رَحمَه الله في رَابِع شهر الْقعدَة سنة 1210 عشر وَمِائَتَيْنِ وَألف وَكَانَ سيداً سرياً وشريفاً جَلِيلًا فِيهِ مَنَاقِب جمة وَله فَضَائِل كَثِيرَة رَحمَه الله وإياى 258 - عبد الله بن الْحسن اليمانى الصعدى الزبدى الملقب الدواري باسم أحد أجداده وَهُوَ دوار بن احْمَد وَالْمَعْرُوف بسُلْطَان الْعلمَاء ولدسنة 715 خمس عشرَة وسبعماية وَقَرَأَ على عُلَمَاء عصره وتبحر في غَالب الْعُلُوم وصنّف التصانيف الحافلة مِنْهَا فِي الأصول شرح الحديث: 258 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 جَوْهَرَة الرصاص وَهُوَ أحسن شروحها وَقد ترك النَّاس شروحها بعد هَذَا الشَّرْح وَله فى الْفُرُوع الديباج النَّضِير وَهُوَ كتاب حاف ممتع وَله مصنفات أُخْرَى وَكَانَ الطّلبَة للفنون العلمية يرحلون إِلَيْهِ ويتنافسون في الأخذ عَنهُ وَلَيْسَ لَاحَدَّ من عُلَمَاء عصره مَاله من تلامذة وَقبُول الْكَلِمَة وارتفاع الذكر وَعظم الجاه بِحَيْثُ كَانَ يتَوَقَّف النَّاس عَن مبايعة الْأَئِمَّة حَتَّى يحضر كَمَا اتفق عِنْد دَعْوَة الإمام المهدي احْمَد بن يحيى الْمُتَقَدّم ذكره ومعارضة الْمَنْصُور بِاللَّه على بن صَلَاح فإن أُمَرَاء الدولة أرسلوا لَهُ من صنعاء إلى صعدة وَتوقف الْأَمر حَتَّى حضر وَبعد حُضُوره وَقع ماهو مَشْهُور في السير وَمَعَ هَذَا فَهُوَ زاهد متقلّل من الدُّنْيَا حَتَّى قيل أنه كَانَ يستنفق من غلات أَمْوَال حقيرة تَركهَا لَهُ وَالِده وَكَانَ يحمل إِلَيْهِ غلات أوقاف يصرفهَا فى طلبة الْعلم ومازال ناشر للعلوم مكبّا على التصانيف حَتَّى توفاه الله في صبح يَوْم الْأَحَد سادس شهر صفر سنة 800 ثَمَان مائَة 259 - عبد الله بن شرف الدَّين المهلّل ولد تَقْرِيبًا سنة 1170 سبعين وَمِائَة وَألف أَو قبلهَا بِقَلِيل وَسكن هُوَ وَأَهله مَدِينَة ذي جبلة وَله معرفَة تَامَّة بِفقه الشَّافِعِيَّة وَفهم صَحِيح فِي غير الْفِقْه وزهد تَامّ وتأله بَالغ قَرَأَ عليّ عِنْد وفودي إلى مَدِينَة جبلة مَعَ مَوْلَانَا الإمام المتَوَكل على الله فى مشكاة المصابيح وَسمع فى غَيرهَا من كتب الحديث: 259 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 لحَدِيث من جملَة من كَانَ يلازمني فِي ذَلِك الْمحل وَهُوَ من مكثري الْأَذْكَار وَالْعِبَادَة والزهد والقنوع بِمَا تيَسّر من المعشة 260 - السَّيِّد عبد الله ابْن الإمام شرف الدَّين بن شمس الدَّين ابْن الإمام المهدي أَحْمد بن يحيى قد تقدم تَمام نسبه فِي تَرْجَمَة الإمام المهدي هُوَ من الْعلمَاء الْمُحَقِّقين في عدَّة فنون وَله مصنّفات مِنْهَا شرح قصيدة وَالِده الْمُسَمَّاة الْقَصَص الْحق ذكر فِيهِ فَوَائِد جليلة وَمِنْهَا كتاب اعْترض بِهِ على الْقَامُوس وَسَماهُ كسر الناموس وَاعْترض عَلَيْهِ في هَذِه التَّسْمِيَة بأنها لَيست لغوية بل عرفية وَبَعض شرح معيار النجرى وَكتب تراجم لفضلاء الزيدية وَمِنْهَا شرح مُقَدّمَة الأثمار لوالده وَله في الأدب يَد طولى وشعره فائق منسجم جزل اللَّفْظ رائق الْمَعْنى فَمِنْهُ (باصية الْخَيْر فِي يَد الْأَدَب ... وسره فى قرايح الْعَرَب) (فاعكف على النَّحْو والبلاغة والآ ... دَاب تظفر بأرفع الرتب) (وتعرف الْقَصْد في الْكتاب وَفِي ... السّنة من وحى خير كل نبى) (بِقدر عقل الْفَتى تأدبه ... وَصُورَة الْعقل صُورَة الْأَدَب) وَمِنْه (صَحا الْقلب عَن سلمى وَمَا كَاد أَن يصحو ... وَبَان لَهُ فِي عذل عاذله النصح) (وَلَا غروفى أَن يستبين رشاده ... وَقد بَان فِي ديجور عَارضه الصُّبْح) (شموس نَهَار قد تجلّت لناظري ... واضحت لِليْل الغي فِي خلدى تمحو) (إِذا كَانَ رَأس المَال من عمري انْقَضى ... ضيَاعًا فأنى بعده يحصل الرِّبْح) (شباب تقضى في سبات وغرّة ... وشيخوخة جَاءَت على أَثَره تنحو الحديث: 260 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 (وَمِنْه سقتني رضاب الثغر من در مبسم ... برقته وَالله قد ملكت رقي) (وَنحن بروض قد جرى المَاء تَحْتَهُ ... فساقية تجري وَجَارِيَة تسقي) وَبَينه وَبَين وَلَده مُحَمَّد الآتية تَرْجَمته إن شَاءَ الله مطارحات أدبية وَتوفى في شهر ربيع الآخر سنة 993 ثَلَاث وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وقبر بِمَدِينَة ثلا 261 - السَّيِّد عبد الله بن صَلَاح الْعَادِل الصنعاني الشَّاعِر الْمَشْهُور كَانَ مُتَّصِلا بالوزير الْكَبِير على بن أَحْمد رَاجِح وَله فِيهِ غرر المدايح وَكَذَلِكَ مدح أَخَاهُ الْوَزير محسن بن أَحْمد رَاجِح وهما وزيران للإمام الْمَنْصُور بِاللَّه الْحُسَيْن بن الْقَاسِم بن الْحُسَيْن وبعدهما اتَّصل بوزير الإمام المهدي الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن الْفَقِيه أَحْمد بن علي النهمي وشعره جيد والردئ مِنْهُ قَلِيل فَمِنْهُ هَذِه القصيدة بخلص فِيهَا إِلَى مدح محسن رَاجِح (أما وَا بتسام الطلع عَن شنب درى ... بأخضر روض حفه أَزْرَق النَّهر) (وَيَاقُوت ورد فِي غصون زمرد ... بلؤلؤ دمع كللته يَد الْقطر) (ورقص غصون كلما هبت الصِّبَا ... كغيد تثنّت فِي غلائلها الْخضر) (وتغريد شحرور بالحان معبد ... أذاب فوادى شجوه وَهُوَ لَا يدري) (وومض لبرق زَاد فِي نَار لوعتي ... كإيماء مَحْبُوب بسقط من التّبر) وَله وَقد وصل إليه من بعض السَّادة ذرة لَا ينْتَفع بهَا (ياحبذاذرة وافت وَقد عدمت ... من لبّها فاعتراها الطيش والخيلا) الحديث: 261 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 (فَكلما سنحت ريح لَهَا رقصت ... وشببت فِيك أما فِي سواك فَلَا) (دَنَوْت مِنْهَا فَنَادَى ملك وقزتها ... هي الْمنَازل فاخلع دونهَا الكللا) (فَقلت مهلاً أعاذ الله منزلنا ... من رُؤْيَة الْجِنّ فِي ساحاته نزلا) (فاسترجعت ثمَّ قَالَت وهي باكية ... أحي وايسر مَالا قيت ماقتلا) (سَأَلتهَا عَن تغير لَوْنهَا فتلت ... وَمن نعمره ثمَّ استرجعت خجلا) (فَقلت كم حقب عمرت في حقب ... قَالَت أصخ ودع التَّفْصِيل والجملا) (سكنت دهرا بادار كَانَ ساكنها ... داراوداريت أهل الأعصر الأولا) وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة مايلا الى أكَابِر الْعلمَاء اخذ من فوائدهم فرجح لَهُ الْعَمَل بالأدلة فِي صلَاته وَغَيرهَا فَكَانَت الْعَامَّة تنسبه إلى النصب كَمَا جرت بذلك عادالتهم فِيمَن سلك ذَلِك المسلك فَلم يصبر لذَلِك وضاق بِهِ ذرعاً وَتوجه إلى مَكَّة وعزم على المهاجرة فَعَاد إلى صنعاء بعد نَحْو سنة فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ إنه نبز فِي مَكَّة بالرفض فَكَانَ ذَلِك سَبَب رُجُوعه وَلم أَقف على تَارِيخ وَفَاته وَلَعَلَّه فِي أَيَّام الإمام المهدي الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن ثمَّ وقفت عَلَيْهَا بعد هَذِه فَكَانَت في ربيع الأول سنة 1165 خمس وَسِتِّينَ وَمِائَة وَألف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 171 - عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن عقيل بن عبد الله بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الحلبي نزيل الْقَاهِرَة ولد سنة سَبْعمِائة وَقدم الْقَاهِرَة فلازم الِاشْتِغَال إلى أَن مهر ولازم أَبَا حَيَّان فَقَالَ فِي حَقه مَا تَحت أَدِيم السَّمَاء أنحى من ابْن عقيل ولازم القونوى والقزويني وَجَمَاعَة من أكَابِر عُلَمَاء عصره وناب فِي الحكم عَن عز الدَّين بن جمَاعَة ثمَّ تولى الْقَضَاء مَكَان ابْن جمَاعَة ثمَّ عزل وَعَاد ابْن جمَاعَة وَكَانَ قوي النَّفس ينتبه على أَرْبَاب الدولة وهم يخضعون لَهُ ويعظمونه وَكَانَ إماماً في الْعَرَبيَّة والمعاني وَالْبَيَان مشاركاً فِي الْفِقْه والأصول عَارِفًا بالقراءات السَّبع وَله تصانيف مِنْهَا شرح التسهيل وَمِنْهَا شرح الألفية وَقطعَة في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 التَّفْسِير وَكَانَ جوادا مهيبا لَا يتَرَدَّد إلى اُحْدُ من أرباب الدولة وَمن كرمه أنّه فرق على الْفُقَرَاء والطلبة في ولَايَته للْقَضَاء نَحْو سِتِّينَ ألف دِرْهَم مَعَ أَن مُدَّة ولَايَته للْقَضَاء ثَمَانُون يَوْمًا فَقَط وَكَانَ يدرس بمدارس كَثِيرَة حَتَّى مَاتَ في ثَالِث وَعشْرين شهر ربيع الأول سنة 769 تسع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة 172 - السَّيِّد عبد الله بن علي بن عبد الله الْجلَال ولد تَقْرِيبًا على رَأس الْقرن الثَّانِي عشر اَوْ أول الْقرن الثَّالِث عشر وقرا على وَالِده وَغير فِي الآلات وَغَيرهَا وَهُوَ حاد الذِّهْن جيد الْفَهم حسن الإدراك قوي التَّصَوُّر وَله شعر بديع جداً لَا يلْحقهُ فِيهِ غَيره وَقد كتب الى مِنْهُ بقصائد طنانة وَله قِرَاءَة عليّ الْآن فِي المطول وَحُضُور في سَماع كثير من كتب الحَدِيث وشروحها وَهُوَ فِي سنّ الشَّاب جمّل الله بِهِ الْعَصْر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 173 - السَّيِّد عبد الله بن علي بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الإله بن أَحْمد بن إبراهيم مؤلف الْهِدَايَة ابْن مُحَمَّد بن عبد الله بن الهادي بن إبراهيم بن على بن المرتضى بن الْمفضل ابْن الْمَنْصُور بن مُحَمَّد بن الْعَفِيف بن مفضل بن الْحجَّاج بن علي بن يحيى بن الْقَاسِم بن الإمام الدعي يُوسُف بن الإمام الْمَنْصُور يحيى بن النَّاصِر احْمَد بن الهادي يحيى بن الْحُسَيْن بن الْقَاسِم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الْحسن بن الْحسن بن علي بن أَبى طَالب سَلام الله عَلَيْهِم الْمَعْرُوف بالوزير الصنعاني الدَّار والنشأة الْعَالم الْمَشْهُور والشاعر الْمجِيد ولد سنة 1074 أَربع وَسبعين وَألف في شعبانها وَقَرَأَ على جمَاعَة من عُلَمَاء عصره من أكبرهم القاضي الْعَلامَة علي بن يحيى البرطي والقاضي حُسَيْن بن مُحَمَّد المغربي والقاضي مُحَمَّد بن إبراهيم السحولي وَغَيرهم وبرع في الْعُلُوم الآلية وَالتَّفْسِير وَكَانَ الإمام المتَوَكل على الله الْقَاسِم بن الْحُسَيْن يقْرَأ عَلَيْهِ في الْكَشَّاف بِحُضُور أَعْيَان عُلَمَاء صنعاء وَاتفقَ وُصُول القاضي الْعَلامَة عبد الْقَادِر بن علي البدري من ثلا إلى حَضْرَة المتَوَكل وهم حَال الْقِرَاءَة في بحث إنما الصَّدقَات للْفُقَرَاء فباحثه القاضي عبد الْقَادِر ثمَّ انجرت المباحثة إلى مَا ذكره عُلَمَاء الْبَيَان في بحث انما ثمَّ غاضا فِي مبَاحث دقيقة بِحَيْثُ لم يفهم أَكثر الْحَاضِرين مَا هما فِيهِ وَطَالَ ذَلِك وَاسْتدلَّ بعض الْحَاضِرين بتهليل وَجه القاضي عبد الْقَادِر حَال تِلْكَ المباحثة وَعدم ظُهُور مثل ذَلِك على صَاحب التَّرْجَمَة أَن الْحق بيد القاضي وَلم يكن ثمَّ سَبِيل للحاضرين إلى معرفَة من مَعَه الْحق بسوى ذَلِك وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة فِي آخر مدَّته قد ترك التدريس وَمَال إلى السّكُون والدعة وَله في الْأَدَب يَد طولى وشعره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 مَجْمُوع في ديوَان كَبِير وَمِنْه مَا هُوَ في غَايَة الْقُوَّة كَقَوْلِه من أَبْيَات كتبهَا إلى السَّيِّد الْحُسَيْن بن علي بن المتَوَكل (زفها بكرا على الشرط عقارا ... وتخيّر حبب الكأس نثارا) وَله أَبْيَات اخرى روضية جَيِّدَة مطلها (هَذَا الغدير وَحَوله زهر الربى ... يملي الهزار عَلَيْهِ سجعاً مطربا) وَله قصيدة طَوِيلَة بديعة مطْلعهَا (لي فِيكُم يَا ذوى أم الْقرى ذمم ... بِالْقربِ حاشا كم أَن يقطع الرَّحِم) وَمن محَاسِن شعره القصيدة الَّتِى على طَرِيق أهل الطَّرِيقَة ومطلعها (حَضْرَة الْحق في الْمقَام النفيس ... أذهلتني عَن صاحبي وجليسي) وَكَانَ إِذا لم يتَكَلَّف ملاحظات النكات البديعية فِي شعره جَاءَ على أحسن أسلوب فإن تكلّف ذَلِك صَار من الضعْف بمَكَان وإن ظن من لَا يعرف محَاسِن الشّعْر إلا بالنكات البديعية المتكلفة خلاف مَا ذَكرْنَاهُ فَهُوَ غير مُصِيب فإن غَالب أشعار الْمُتَأَخِّرين إنما صَارَت بمَكَان من السماجة لتكلفهم لذَلِك كقصيدة صَاحب التَّرْجَمَة الَّتِى سَمَّاهَا أهرام مصر وَالْتزم فِيهَا التورية في كل بَيت ومطلعها (أنادم من دمع الْعُيُون حواريا ... فَلَا غروان نادمت مِنْهَا سواقيا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 وَلِصَاحِب التَّرْجَمَة مصنّفات مِنْهَا طبق الْحَلْوَى وَهُوَ تَارِيخ جعله على السنين وَذكر فِيهِ حوادث وَمِنْهَا إقراط الذَّهَب في الْمُفَاخَرَة بَين الرَّوْضَة وبئر الْعَرَب وَمِنْهَا رِسَالَة أجَاب بهَا على رِسَالَة للسَّيِّد صَلَاح الأخفش الْمُتَقَدّم ذكره في شَأْن الصَّحَابَة وسمى المترجم لَهُ رسَالَته إرسال الذؤابة بَين جنبى مسئلة الصَّحَابَة وَمَا أَجود قَوْله مادحاً للمتوكل الْقَاسِم ابْن الْحُسَيْن بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ (الْمجد قد آلى على نَفسه ... ألية لَيْسَ أَرَاهَا يَمِين) (لَا صافحت رَاحَته رَاحَة ... غير يَمِين الْقَاسِم بن الْحُسَيْن) وَكَانَت وَفَاته سنة 1147 سبع وَأَرْبَعين وَمِائَة وَألف فِي شوالها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 174 - السَّيِّد عبد الله بن عِيسَى بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الكوكباني ولد بعد سنة 1170 سبعين وَمِائَة وألف تَقْرِيبًا وَأخذ الْعلم عَن وَالِده وَعَن شَيخنَا الْعَلامَة عبد الْقَادِر بن أَحْمد وَعَن السَّيِّد الْعَلامَة علي بن مُحَمَّد بن علي الكوكباني وَعَن السَّيِّد الْعَلامَة الْحُسَيْن بن عبد الله الكبسي والفقيه يحيى بن صَالح الشهاري والفقيه يحيى بن أَحْمد زيد الشامي والفقيه حُسَيْن يحيى القاعي وَشَيخنَا السَّيِّد الْعَلامَة على بن إبراهيم بن عَامر وبرع في الْآلَات والْحَدِيث والأدب وَهُوَ الْآن من أَعْيَان عُلَمَاء كوكبان وبيني وَبَينه مراجعات وَله جَوَاب على رسالتى الَّتِى أَحْبَبْت بهَا على سُؤال وَالِده وسميتها حل الإشكال في إجبار الْيَهُود على الْتِقَاط الأذيال وسمي جَوَابه إرسال الْمقَال إلى حل الإشكال وأجبت عَن جَوَابه برسالة سميتها تفويق النبال إلى إرسال الْمقَال والجميع مَوْجُود بِمَجْمُوع رسائلى وَوَقعت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 بيني وَبَينه مباحثة فِي شُرُوط صَلَاة الْجُمُعَة اشْتَمَلت على رسائل وَله كتاب ترْجم فِيهِ لشعراء عصره وَهُوَ فِي غَايَة النفاسة رَأَيْته فِي مُجَلد سَمَّاهُ الحدائق المطلعة من زهور أَبنَاء الْعَصْر شقائق وَله مؤلف آخر سَمَّاهُ اللواحق بالحدائق ومختصر فِي تَرْجَمَة جده السَّيِّد مُحَمَّد بن الْحُسَيْن وَآخر في تَرْجَمَة وَالِده السَّيِّد الْعَلامَة عِيسَى بن مُحَمَّد الآتي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَله خلع العذار فِي ريحَان العذار ورسالة في تَحْرِيم الزَّكَاة على بني هَاشم وديوان من نظمه ونثره وَلم يكن لَدَى من شعره مَا أذكرهُ هُنَا وَهُوَ سَاكن عَاقل رصين الْكَلَام جيد الْفَهم حسن الإدراك كَمَا يفهم ذَلِك من تحريراته وَلم أكن قد عَرفته وأرسل إليّ بِطَلَب الإرسال إليه بشئ من شرحي للمنتقى فأرسلت إليه بالمجلد الأول وَهُوَ حَال تَحْرِير هَذِه الأحرف لَدَيْهِ وَله شعر لم يكن لَدَى الْآن شئ مِنْهُ ثمَّ توفي في شهر شَوَّال سنة 1224 أَربع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَألف بعد أن صَار مُنْفَردا بفنون الْعلم في كوكبان وَلم يخلف بعده مثله وَلَا من يُقَارِبه 175 - السَّيِّد عبد الله بن لطف الباري الكبسي ثمَّ الصنعاني ولد في سنة 1113 ثَلَاث عشرَة وَمِائَة وَألف وَهُوَ أحد عُلَمَاء صنعاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 المبرزين في علم الْقرَاءَات والآلات والْحَدِيث وَالتَّفْسِير وَكَانَ يقرئ فى جَمِيع هَذِه الْعُلُوم وَله تلامذة صَارُوا عُلَمَاء نبلاء وَمن جملَة من قَرَأَ عَلَيْهِ الإمام المهدي الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن قبل مصير الْخلَافَة اليه وَكَانَ زاهداً متقللاً من الدُّنْيَا آمراً بِالْمَعْرُوفِ ناهياً عَن الْمُنكر وَله في ذَلِك مقامات جليلة وَكَانَ مَقْبُول الْكَلِمَة عِنْد الإمام المهدي لَا ترد لَهُ شَفَاعَة كائنة مَا كَانَت لمزيد ورعه وَعدم طمعه فِي شئ من الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ سَائِر أَرْبَاب الدولة كَانُوا يجلونه ويهابونه وَكَانَ يعْمل بالأدلة ويرشد النَّاس اليها وينفرهم عَن التَّقْلِيد وَله في نهي الْمُنكر عناية عَظِيمَة اخبرني بعض الثِّقَات أَنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 مَشى مَعَه فِي بعض شوارع صنعاء فَرَأى رجلاً جندياً وَقد أَرَادَ الْفَاحِشَة من امْرَأَة أَو صَار يفعل الْفَاحِشَة بهَا فَفرق صَاحب التَّرْجَمَة بَينهمَا فَسَبهُ ذَلِك الجندي سباً فظيعاً فَمر وَلم يلْتَفت الى ذَلِك فَقَالَ لَهُ الذي كَانَ مَعَه لَو تدعني اعرف هَذَا الجندي حَتَّى ترفع أمره إلى الدولة ليعاقبوه فَقَالَ الذى وَجب علينا من إنكار الْمُنكر قد فَعَلْنَاهُ لله وَلَا أُرِيد أَن أفعل شَيْئا لنفسي دَعه يسبني كَيفَ شَاءَ وَكَانَ لايسمع بمنكر الا أتعب نَفسه في الْقيام على صَاحبه حَتَّى يُزِيلهُ وإذا أُصِيب رجل بمظلمة فرّ إليه فَيقوم مَعَه قومة صَادِقَة حَتَّى ة ينصف لَهُ فرحمه الله وكافاه بِالْحُسْنَى فَلَقَد كَانَ من محَاسِن الدَّهْر وَمَا زَالَ كَذَلِك حَتَّى توفاه الله فى سنة 1173 ثَلَاث وَسبعين وَمِائَة ألف وَله أولاد أمجاد مِنْهُم الْعَلامَة مُحرز بن عبد الله من الْعلمَاء العاملين الورعين المنجمعين عَن بنى الدُّنْيَا المنقطعين إلى الله وستأتي لَهُ تَرْجَمَة مستقلة إن شَاءَ الله وعَلى بن عبد الله ولطف البارى بن عبد الله هما من الجامعين بَين الْعلم وَالْعَمَل بِالدَّلِيلِ والاشتغال بِخَاصَّة النَّفس وَلم يسلمُوا مَعَ ذَلِك من محن الزَّمن الَّتِى هن شَأْن أَرْبَاب الْفَضَائِل 176 - عبد الله بن أَبى الْقَاسِم بن مِفْتَاح شَارِح الأزهار الشَّرْح الذي عَلَيْهِ اعْتِمَاد الطّلبَة الى الْآن كَانَ محققاً للفقه وَلَعَلَّه قَرَأَ على الإمام المهدي مُصَنف الأزهار وَكَانَ مَشْهُورا بالصلاح وميل النَّاس إلى شَرحه وعكوفهم عَلَيْهِ مَعَ أَنه لم يشْتَمل على مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ سَائِر الشُّرُوح من الْفَوَائِد دَلِيل على ينْتَه وَصَلَاح مقْصده وَهُوَ مُخْتَصر من الشَّرْح الْكَبِير للإمام المهدي الْمُسَمّى بالغيث وَتوفى رَحمَه الله يَوْم السبت سَابِع شهر ربيع الآخر سنة 877 سبع وَسبعين وثمان مائَة وقبره يماني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 صنعاء وَكَانَ عَلَيْهِ مشْهد وَقد تهدّم ورثاه مُحَمَّد بن على الزحيف بِأَبْيَات مِنْهَا (سقى جدثاً أضحى بِصَنْعَاء ثاوياً ... من الدَّلْو والجوزاء غاد ورايح) ورثاه يحيى بن مُحَمَّد بن صَالح حَنش بقصيدة مطْلعهَا (أما عَلَيْك فقلبي دَائِم الْفَزع ... وَكَيف أسلو ووجدي غير مُنْقَطع) 177 - عبد الله بن محسن الحيمي ثمَّ الصّنعاني ولد تَقْرِيبًا سنة 1170 سبعين وَمِائَة وألف بِصَنْعَاء وتشأ بهَا وتلا بعض الْقرَاءَات على بعض شُيُوخ الْقُرْآن ثمَّ قَرَأَ فِي الْفِقْه على شَيخنَا أَحْمد بن عَامر الحدايى قبل قراءتي عَلَيْهِ ورافقني في قِرَاءَة النَّحْو على شَيخنَا عبد الله بن إسماعيل النهمي وَقَرَأَ عليّ في الْأُصُول فِي شرح غَايَة السؤل وَسمع مني جَمِيع تيسير الديبع واستفاد في عدَّة فنون ودرس في كثير مِنْهَا وَنقل كثيراً من رسائلي ومازال ملازماً لي فِي كثير من الْأَوْقَات وبيني وَبَينه صداقة خَالِصَة ومحبة صَحِيحَة وَلم يسلم من التعصبات عَلَيْهِ من جمَاعَة من الْجُهَّال حَتَّى جرت لَهُ بِسَبَب ذَلِك محن وَهُوَ صابر محتسب وَهَذَا شَأْن هَذِه الديار وَأَهْلهَا والعالم المُصَنّف فِي غربَة لَا يزَال يكابد شَدَائِد ويجاهد وَاحِدًا بعد وَاحِد وَللَّه الْأَمر من قبل وَمن بعد وإنما يُوفي الصَّابِرُونَ أجرهم بِغَيْر حِسَاب وَصَاحب التَّرْجَمَة الْآن حي نفع الله بِهِ 178 - عبد الله بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن جَار الله مشحم الصعدي ثمَّ الصَّنْعَانِيّ ولد تَقْرِيبًا بعد سنة 1160 سِتِّينَ وَمِائَة وَألف وَنَشَأ بِصَنْعَاء فأخذ الْعلم عَن جمَاعَة من علمائها كشيخنا الْعَلامَة الْقَاسِم بن يحيى الخولاني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 وَغَيره وبرع في النَّحْو وَالصرْف والمعاني وَالْبَيَان وَالْأُصُول وشارك فِيمَا عدا ذَلِك ودرس الطّلبَة بِجَامِع صنعاء في هَذِه الْفُنُون وَهُوَ كثير الصمت منجمع عَن النَّاس قَلِيل المخالطة لَهُم لَا يتَرَدَّد إلى بني الدُّنْيَا وَلَا يشْتَغل بِمَا لَا يعنيه وَلَا يتظهر بِالْعلمِ وَلَا يكَاد ينْطق الا جَوَابا فضلاً عَن أَن يُمَارِي أَو يبدي مالديه من الْعلم وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ قَلِيل النظير عديم المثيل وَهُوَ حي الْآن نفع الله بِهِ وَتوفى رَحمَه الله فِي يَوْم الأربعاء لَعَلَّه رَابِع وَعِشْرُونَ شهر شَوَّال سنة 1223 ثَلَاث وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَألف 179 - السَّيِّد عبد الله بن مُحَمَّد بن اسمعيل بن صَلَاح الْأَمِير الصّنعاني سيأتي تَمام نسبه في تَرْجَمَة أبيه ولد سنة 1160 سِتِّينَ وَمِائَة وَألف وَقَرَأَ على وَالِده وعَلى السَّيِّد الْعَلامَة قَاسم بن مُحَمَّد الكبسي وعَلى السَّيِّد الْعَلامَة محسن بن اسمعيل الشامي وعَلى الْعَلامَة لطف الباري بن احْمَد الْورْد خطيب صنعاء وعَلى السَّيِّد الْعَلامَة اسمعيل بن هادي الْمُفْتى وعَلى شَيخنَا الْعَلامَة السَّيِّد عبد الْقَادِر بن احْمَد وَشَيخنَا الْعَلامَة علي بن هادي عرهب وعَلى غير هَؤُلَاءِ وبرع فِي النَّحْو وَالصرْف والمعاني وَالْبَيَان والأصول والْحَدِيث وَالتَّفْسِير وَهُوَ اُحْدُ عُلَمَاء الْعَصْر المفيدين العاملين بالأدلة الراغبين عَن التَّقْلِيد مَعَ قُوَّة ذهن وجودة فهم ووفارة ذكاء وَحسن تَعْبِير وخبرة لمسالك الِاسْتِدْلَال ومحبة للْفُقَرَاء وعناية في إيصال الْخَيْر اليهم بِكُل مُمكن ومتانة دين واشتغال بِالْعبَادَة ودراية كَامِلَة بمؤلفات وَالِده ورسائله وأشعاره وَهُوَ الذي جمع شعره في مُجَلد وبلغني أَنه نظم بلغ المرام وأنه الْآن يشرحه وَله جوابات في مشكلات وفتاوى وَقد تخرج بِهِ جمَاعَة مِنْهُم الْعَلامَة عبد الحميد بن احْمَد قاطن وَلَا شغلة لَهُ بِغَيْر الْعلم والإكباب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 على كتب الحَدِيث وتحرير مسَائِله وَتَقْرِير دلائله وَله نظم كنظم الْعلمَاء مِنْهُ قصيدة أجاب بهَا على السَّيِّد الْعَلامَة اسمعيل بن احْمَد الكبسى الْمُتَقَدّم ذكره ومطعلها (لله دَرك أَيهَا الْبَدْر الذي ... يهدي إلى نهج الصَّوَاب الظَّاهِر) (أبرزت من تيار علمك درة ... فِي سلك تبر قَعْر بَحر زاخر) وَهُوَ الْآن حَيّ ينْتَفع بِهِ النَّاس وَلَعَلَّه قد جَاوز خمسين عَاما من عمره عافاه الله 180 - عبد الله بن مُحَمَّد بن أَبى الْقَاسِم بن علي بن ثامر بن فضل ابْن مُحَمَّد بن إبراهيم بن مُحَمَّد بن إبراهيم الزيدى العبسى العكى الْمَعْرُوف بالنجري ولد في أحد الربيعين سنة 825 خمس وَعشْرين وثمان مائَة وَنَشَأ بِمَدِينَة حوث وَقَرَأَ على وَالِده فِي النَّحْو والأصلين وَالْفِقْه وعَلى أَخِيه علي بن مُحَمَّد ثمَّ حج سنة 838 وارتحل إلى الديار المصرية فوصلها في ربيع الأول من الَّتِى يَليهَا فبحث فِيهَا في النَّحْو وَالصرْف على ابْن قديد وَأبي الْقَاسِم النويري وفي الْمعَانى وَالْبَيَان على الشمني وفي الْمنطق على التقي الحصني وفي علم الْوَقْت على الْعِزّ عبد الْعَزِيز الميقاتي وَحضر في الهندسة قَلِيلا عِنْد أَبى الْفضل المغربي بل كَانَ يطالع وَمهما أشكل يُرَاجِعهُ فِيهِ فطالع شرح الشريف الجرجاني على الجغميني والتبصرة لجَابِر بن أَفْلح وَقَرَأَ في الْفِقْه على الْأمين الأقصراني والعضد الصيرامي وَتقدم فِي غَالب هَذِه الْفُنُون كَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 قَالَ البقاعي الْمُتَقَدّم ذكره قَالَ واشتهر فَضله وَبعد صيته وَكتب عَنهُ في سنة 853 قَوْله (بشاطئ حوث من ديار بني حَرْب ... لقلبي أشجان معذبة قلبي) (فَهَل لي إلى تِلْكَ الْمنَازل عودة ... فيفرج من غمي ويكشف من كربي) وتستّر مُدَّة بَقَائِهِ هُنَالك فَلم ينتسب زيديا بِهِ انتسب حنفياً وَلِهَذَا تَرْجمهُ البقاعي والسخاوي فَقَالَ الحنفي ثمَّ عَاد إلى الْيمن وصنّف مصنفات مِنْهَا المعيار في المناسبات بَين الْقَوَاعِد الْفِقْهِيَّة جعله على نمط قَوَاعِد ابْن عبد السَّلَام وَهُوَ كتاب نَفِيس مُفِيد وَمِنْهَا شرح آيَات الْأَحْكَام اخْتَصَرَهُ من الثمرات وَمِنْهَا شرح مُقَدّمَة الْبَحْر للإمام المهدي وَله مصنفات في غير ذَلِك وَمن جملَة مَا كتبه وَهُوَ بِمصْر إلى وَالِده (فراقك غصتي ولقاك روحي ... وقربك لي شِفَاء من قروحي) (وَمَا إن أذكر الاوطان إِلَّا ... يضيق لى من الأوطان سوحى) (فعفوك والدى عَنى وَإِلَّا ... فنوحى ياعيون على نوحى) وَهَؤُلَاء الْمَشَايِخ من المصريين الْمَذْكُورين فِي التَّرْجَمَة هم أكابر شُيُوخ مصر فى ذَلِك الزَّمن كَمَا يُفِيد ذَلِك من ترْجم لَهُم وَلَعَلَّ بَقَاءَهُ في مصر خمس سِنِين كَمَا يدل عَلَيْهِ مَا سلف وَيُمكن أن يكون أَكثر من ذَلِك وَخرج من مصر بمغني اللبيب وَهُوَ أول من وصل بِهِ إلى الْيمن وَحكى عَنهُ أنه ألف شرح مُقَدّمَة الْبَحْر في سَفَره قَافِلًا من مصر وَتوفى سنة 877 سبع وَسبعين وثمان مائَة وأرّخ مَوته الضّمدي في الوافي سنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 874 - أَربع وَسبعين وثمان مائَة 181 - عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله العنسي ثمَّ الصَّنْعَانِيّ ولد تَقْرِيبًا سنة 1190 تسعين وَمِائَة وألف أَو بعْدهَا بِقَلِيل وَقَرَأَ على جمَاعَة من الْمَشَايِخ واستفاد لاسيما في الْعُلُوم الآلية وَهُوَ حسن الإدراك جيد الْفَهم قوي التَّصَوُّر وَله قِرَاءَة عليّ في الْمعَانى وَالْبَيَان وَالتَّفْسِير وفي صَحِيح البخاري وَمُسلم وَسنَن أَبى دَاوُد وَفِي بعض مؤلفاتي وَله في الصلاح وَالْعِبَادَة وَالْعَمَل بالأدلة مَسْلَك حسن وَله فِي حسن الْخلق والتودد وَحفظ اللِّسَان مَالا يقدر عليه إِلَّا من هُوَ مثله 182 - السَّيِّد عبد الله بن الإمام المطهر بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الحمزي كَانَ من الأذكياء النبلاء الْعلمَاء وَله مصنفات مِنْهَا الْيَاقُوت المنظم الذي شرح بِهِ قصيدة وَالِده وَهُوَ كتاب حافل نَفِيس فِيهِ فَوَائِد بديعة وَمِنْهَا كتاب رياحين الأنفاس المهتزة فِي بساتين الأكياس فِي براهين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلى كَافَّة النَّاس وَهُوَ كتاب نَفِيس اسْتَخْلَفَهُ وَالِده في مَدِينَة ذمار بعد فتحهَا ثمَّ فسد مَا بَينه وَبَين أهل الْمَدِينَة فأخرجوه فَدخل صنعاء فَأخذُوا عَلَيْهِ من دروعه وَآلَة ملكة شَيْئا كثيراً وَلما فتح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 عَامر بن عبد الْوَهَّاب صنعاء سيّره مَعَه إلى تعز وَتوفى هُنَالك وَله شعر فَمِنْهُ قصيدة مطْلعهَا (أوما النسيم يبلغن إذا سرى ... طرساً إلى صنعاء من أم الْقرى) وَله قصيدة أُخْرَى مطْلعهَا (حَيّ الْغَدَاة وَأقر الْحَيّ والحرما ... عَنى السَّلَام سَلاما زَاده حرما) 183 - عبد الله بن المهلا بن سعيد بن علي الشرفي اليماني الْمَعْرُوف بالمهلاّ ولد في شهر صفر سنة 950 خمسين وَتِسْعمِائَة بالشرف الْأَعْلَى وأخذ عَن جمَاعَة مِنْهُم وَالِده المهلا والفقية عِنْد الله الرَّاغِب وَالسَّيِّد هادي الوشلي والقاضي علي بن عطف الله وَالسَّيِّد أَحْمد بن الْمُنْتَصر والفقيه عبد الرَّحْمَن النزيلي وبرع فِي جَمِيع الْعُلُوم وفَاق الأقران ورحل إليه طلبة الْعلم من الْآفَاق وَمن جملَة تلامذته الإمام الْقَاسِم بن مُحَمَّد وَاتفقَ أَن الباشا جَعْفَر امتحن الْعلمَاء بِحَدِيث اختلقه ونمّق ألفاظه وأملاه عَلَيْهِم فابتدر الْحَاضِرُونَ لكتابته فَلم يَتَحَرَّك صَاحب التَّرْجَمَة لشئ من ذَلِك فَسَأَلَ الباشا لم لَا يكْتب فَقَالَ يَا مَوْلَانَا قد أفدتم وَالْجَمَاعَة قد كتبُوا وَنحن حفظنا فَقَالَ هَذَا وَالله هُوَ الْعَالم ثمَّ أخْبرهُم أَن الحَدِيث هُوَ الذي وَضعه وإنما أَرَادَ امتحانهم وَتُوفِّي سنة 1028 ثَمَان وَعشْرين وَألف وَلَيْسَ هَذَا هُوَ مؤلف الْمَوَاهِب القدسية شرح البوسية فَذَاك مُتَأَخّر وَقد تقدمت تَرْجَمته واسْمه الْحُسَيْن بن نَاصِر 184 - عبد الله بن يُوسُف بن عبد الله بن يُوسُف بن أَحْمد ابْن عبد الله بن هِشَام ولد فى ذى الْقعدَة سنة 708 ثَمَان وَسَبْعمائة وَلزِمَ الشهَاب عبد اللَّطِيف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 وَسمع من أَبى حَيَّان وَلم يلازمه وَحضر درس الشَّيْخ تَاج الدَّين التبريزي وَقَرَأَ على الفكهانى وَكَانَ شافعياً ثمَّ تحنبل وأتقن الْعَرَبيَّة ففاق الأقران وَلم يبْق لَهُ نَظِير فِيهَا وصنّف مغني اللبيب وَهُوَ كتاب لم يؤلف في بَابه مثله واشتهر فِي حَيَاته وَله تَعْلِيق على ألفية بن مَالك وعمدة الطَّالِب في تَحْقِيق تَعْرِيف ابْن الْحَاجِب مجلدان وَرفع الْخَصَاصَة عَن قراء الْخُلَاصَة ارْبَعْ مجلدات والتحصيل وَالتَّفْصِيل لكتاب التذييل والتكميل عدَّة مجلدات وَشرح الشواهد الْكُبْرَى وَالصُّغْرَى وقواعد الاعراب وشذور الذَّهَب وَشَرحه وقطر الندى وَشَرحه والكوكب الدرية شرح اللمحة البدرية لأبي حَيَّان وَشرح بَانَتْ سعاد وَشرح الْبردَة والتذكرة فِي خَمْسَة عشر مجلداً وَشرح التسهيل وَلم يبيضه وَكَانَ كثير الْمُخَالفَة لأبي حَيَّان شَدِيد الانحراف عَنهُ وَلَعَلَّ ذَلِك وَالله اعْلَم لكَون أَبى حَيَّان كَانَ مُنْفَردا بِهَذَا الْفَنّ في ذَلِك الْعَصْر غير مدافع عَن السَّبق فِيهِ ثمَّ كَانَ الْمُنْفَرد بعده هُوَ صَاحب التَّرْجَمَة وَكَثِيرًا مَا ينافس الرجل من كَانَ قبله في رتبته الَّتِى صَار اليها إظهاراً لفضل نَفسه بالاقتدار على مزاحمته لمن كَانَ قبله أَو بالتمكن من الْبلُوغ إلى مَا لم يبلغ اليه والا فَأَبُو حَيَّان هُوَ من التَّمَكُّن من هَذَا الْفَنّ بمَكَان وَلم يكن للمتأخرين مثله وَمثل صَاحب التَّرْجَمَة وَهَكَذَا نافس أَبُو حَيَّان الزمخشري فَأكْثر من الِاعْتِرَاض عَلَيْهِ في النَّحْو وَالنّهر الماد لكَون الزمخشري مِمَّن تفرد بِهَذَا الشَّأْن وإن لم يكن عصره مُتَّصِلا بعصره وَهَذِه دقيقة ينبغي لمن أَرَادَ إخلاص الْعَمَل أَن يتَنَبَّه لَهَا فإنها كَثِيرَة الْوُقُوع بعيدَة الإخلاص وَقد تصدر صَاحب التَّرْجَمَة للتدريس وانتفع بِهِ النَّاس وَتفرد بِهَذَا الْفَنّ وأحاط بدقائقه وحقائقه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 وَصَارَ لَهُ من الملكة فِيهِ مالم يكن لغيره واشتهر صيته في الأقطار وطارت مصنّفاته في غَالب الديار حَتَّى قَالَ ابْن خلدون مازلنا نَحن بالغرب نسْمع أَنه قد ظهر بِمصْر عَالم يُقَال لَهُ ابْن هِشَام أنحى من سِيبَوَيْهٍ وَمَات في لَيْلَة الْجُمُعَة خَامِس ذي الْقعدَة سنة 761 إِحْدَى وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَله نظم فَمِنْهُ (وَمن يصطبر للْعلم يظفر بنيله ... وَمن يخْطب الْحَسْنَاء يصبر على الْبَذْل) (وَمن لم يذلّ النَّفس في طلب الْعلَا ... يَسِيرا يَعش دهراً طَويلا أخاذل) ورثاه ابْن نباتة فَقَالَ (سقى ابْن هِشَام في الثرى نور رَحْمَة ... تجرّ على مثواه ذيل غمام) (سأروي لَهُ من سيرة الْمَدْح مُسْندًا ... فَمَا زلت اروي سيرة ابْن هِشَام 185 - عبد الله بن يُوسُف بن مُحَمَّد الزَّيْلَعِيّ الحنفي جمال الدَّين اشْتغل كثيراً وأخذ عَن أَصْحَاب النحيب وَعَن القاضي عَلَاء الدَّين التركماني وَعَن جمَاعَة ولازم مطالعة كتب الحَدِيث إلى أَن خرج أَحَادِيث الْهِدَايَة وَأَحَادِيث الْكَشَّاف كَانَ يترافق هُوَ وزين الدَّين العراقي فِي مطالعة الْكتب الحديثية فالعراقي لتخريج الإحياء والزيلعي لتخريج أَحَادِيث الْكِتَابَيْنِ الْمَذْكُورين وَكَانَ كل مِنْهُمَا يعين الآخر وَلابْن حجر تَخْرِيج لأحاديث الْكَشَّاف فَلَعَلَّهُ استمد من تَخْرِيج صَاحب التَّرْجَمَة وَمَات بِالْقَاهِرَةِ في الْمحرم سنة 762 اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة 186 - عبد الْملك بن حُسَيْن بن عبد الْملك العصامي الشافعي المكي صَاحب التَّارِيخ الْمَشْهُور الْمُسَمّى سمط النُّجُوم الغوالى فى أَبنَاء الاوائل التوالى وَهُوَ مجلدان ضخمان الأول إلى أَيَّام مُعَاوِيَة والثاني إلى آخر الْقرن الثاني عشر وَبسط فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 تراجم بعض الْخُلَفَاء والملوك والأمراء وَاخْتصرَ تراجم آخَرين وَلم أقف لَهُ على تَرْجَمَة 187 - عبد الْملك بن جمال الدَّين بن إسماعيل العصامي جدّ الْمَذْكُور قبله ولد سنة 978 ثَمَان وَسبعين وَتِسْعمِائَة بِمَكَّة وَنَشَأ بهَا وَأخذ عَن مشايخها وبرع في الْعُلُوم وصنّف مصنفات مِنْهَا شرح الشذور وَشرح الْقطر وَشرح الشَّمَائِل وَشرح الألفية وَغير ذَلِك قَالَ حفيده الْمُتَقَدّم قبله انها بلغت مصنفاته سِتِّينَ مصنفا وَمَات سنة 1037 سبع وَثَلَاثِينَ وَألف 188 - عبد الْمُؤمن بن خلف بن أَبى الْحسن بن شرف الدّمياطي شرف الدَّين ولد في آخر سنة 613 ثَلَاث عشرَة وسِتمِائَة وَنَشَأ بدمياط وَكَانَ يعرف بِابْن الْمَاجِد وَكَانَ جميل الصُّورَة جداً حَتَّى كَانَ أهل دمياط إذا بالغوا في وصف الْعَرُوس قَالُوا كأنها ابْن الْمَاجِد وتشاغل أَولا بالفقه ثمَّ طلب الحَدِيث بعد أَن دخل الْعشْرين وجاوزها فَسمع بالإسكندرية في سنة 632 من أَصْحَاب السلفي وبالقاهرة مِنْهُم وَغَيرهم ولازم المنذري وَحج فِي سنة 643 فَسمع بالحرمين وَدخل الشَّام سنة 645 ثمَّ دخل الجزيرة وَالْعراق وَكتب الْكثير وَبَالغ وَجمع مُعْجم شُيُوخه فِي أَربع مجلدات وَبلغ عَددهمْ ألف شيخ ومائتي شيخ وَخمسين شَيخا وأملى فِي حَيَاة مشايخه وَكتب عَن جمَاعَة من رفقائه قَالَ المزي مَا رَأَيْت أحفظ مِنْهُ وَقَالَ الذهبي كَانَ مليح الْهَيْئَة حسن الْخلق بسّاماً فصيحاً لغوياً مقريا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 جيد الْعبارَة كَبِير النَّفس صَحِيح الْكتب مُفِيدا جداً فِي المذاكرة وَقَالَ ابْن سيد النَّاس سمعته يَقُول دخلت على جمَاعَة يقرؤن الحَدِيث فَمن ذكر عبد الله بن سَلام فشددوا لامه فَقلت سَلام عَلَيْكُم سَلام عَلَيْكُم وصنّف كتاباً فِي الصَّلَاة الْوُسْطَى وَآخر في الْخَيل وقبائل الْخَزْرَج وقبائل الأوس وَالْعقد الثّمن فِيمَن اسْمه عبد الْمُؤمن والمسانية والسيرة النبويه وَغير ذَلِك وَكَانَ لَهُ نظم متوسط وروى عَنهُ جمَاعَة مَاتُوا قبله بدهر وَطَالَ عمره وَتفرد بأَشْيَاء وَحمل عَن الصّنعاني عشْرين كتاباً من تصانيف فِي اللُّغَة والْحَدِيث وأزكى في علم النّسَب على الْمُتَقَدِّمين وَوَصفه أَبُو حَيَّان بحافظ الْمشرق وَالْمغْرب قَالَ الذهبي كَانَ موسعاً عَلَيْهِ فِي الرزق وَله حُرْمَة وجلالة مَاتَ في خَامِس ذي الْقعدَة سنة 705 خمس وَسَبْعمائة 189 - عبد الْمُؤمن بن عبد الْحق بن عبد الله بن علي بن مَسْعُود البغدادي الحنبلي أَبُو الْفَضَائِل صفي الدَّين ولد سنة 658 ثَمَان وَخمسين وسِتمِائَة وتفقه على جمَاعَة وعني بِالْحَدِيثِ فَسمع من عبد الصَّمد وَآخَرين ورحل إلى دمشق فَسمع من ابْن عَسَاكِر وَخرج لنَفسِهِ عَن نَحْو ثلثمِائة شيخ وَحدث وَتخرج بالفضلاء وأثنوا عَلَيْهِ وَكَانَ عَلامَة في الْفَرَائِض والحساب والجبر والمقابلة وَأَجَازَ لَهُ في بَغْدَاد جمَاعَة وَكَذَلِكَ من دمشق وَكَانَ زاهداً خيّراً ذَا مُرُوءَة وفتوة وتواضع ومحاسن كَثِيرَة طارحاً للتكلف على طَرِيق السلف محبّاً للخمول وَكَانَ شيخ الْعرَاق على الإطلاق وَله مصنّفات مِنْهَا شرح الْمُحَرر ومختصر فى الْفَرَائِض وادراك الْعِنَايَة فِي اخْتِصَار الْهِدَايَة وَتَحْقِيق الامل فِي الْأُصُول والجدل وتحرير الْمُقَرّر فِي تَقْرِير الْمُحَرر وَالْعدة شرح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 الْعُمْدَة وَله نظم رائق ومحاسن وَلم يتَزَوَّج واخذ عَنهُ جمَاعَة وَمَات في صفر سنة 739 تسع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة 190 - عبد الهادي بن أَحْمد بن صَلَاح بن مُحَمَّد بن الْحسن الثلائى الْمَعْرُوف بالحسوسة بمهملات الزيدي قَالَ القاضي أَحْمد بن سعد الدَّين إنه كَانَ يحفظ مجموعات الْقَاسِم والهادى وَغَيرهمَا من الْأَئِمَّة ويمليها عَن ظهر قلبه بِمَا يبهر الْعُقُول مَعَ سَائِر عُلُوم أهل الْكَلَام وَكَانَ يحفظ أَحْوَال النَّاس ولقى الْفُضَلَاء وَقَرَأَ عَلَيْهِم فَمن جملَة شُيُوخه عبد الرَّحْمَن بن عبد الله الحيمي شيخ الإمام الْقَاسِم وَعِيسَى زعفان وعَلى بن الْحَاج قَالَ يحمل القاضي عبد الهادي من جليل الْكَلَام ودقيقه مَالا يُشبههُ فِيهِ أحد حَتَّى قَالَ الإمام الْقَاسِم إنه يظن أَنه أوسع علماً من أَبى الْهُذيْل لانه اطلع على ماحصله أبو الْهُذيْل وَغَيره وَكَانَ مطلعاً على قَوَاعِد البهشمية لَا يشذ عَنهُ مِنْهَا شئ وَلَا يخفى عَلَيْهِ شئ من احوال أهل الْعلم الكلامي وَقد كَانَ ينَال مِنْهُ المقصرون وَيَقُولُونَ أنه يمِيل إلى مَذْهَب الْمُعْتَزلَة في أَمِير الْمُؤمنِينَ على بن أَبى طَالب فتألم لما بلغه ذَلِك وأملى من فضائله مَا بهرهم مِمَّا يعرفوه وَولى الْقَضَاء بِصَنْعَاء فباشره مُبَاشرَة حَسَنَة وَله في حسن السياسة أَحَادِيث وانتقل من صنعاء الى ثلا فى أوايل مَرضه ثمَّ توفي بهَا لَيْلَة الْجُمُعَة الثاني عشر من ذي الْحجَّة سنة 1048 ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف 191 - السَّيِّد عبد الْوَهَّاب بن حُسَيْن بن يحيى الديلمى الْمُتَقَدّم ذكر وَالِده في حرف الْحَاء ولد تَقْرِيبًا على رَأس سنة 1200 مِائَتَيْنِ وَألف وَقَرَأَ على وَالِده فِي الْفِقْه والآلات وعَلى غَيره مِمَّن يجد عِنْده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 علماً في جِهَته وهي مَدِينَة ذمار ثمَّ فهم أنواعاً من الْعُلُوم الدقيقة بذهنه الْفَائِق وفهمه الذى يقل وجود نَظِيره وَحفظه الْحسن فَصَارَ يذاكر في كل علم من الْعُلُوم ويفهمه أحسن فهم وَلما وصلت إلى ذمار مَعَ مَوْلَانَا الإمام المتَوَكل عل الله فى سنة 1225 لازمنى الْمَذْكُور لَيْلًا وَنَهَارًا لمحل الصداقة بيني وَبَين وَالِده ولكوني نزلت في بَيتهمْ فَسمع عليّ أَوَائِل كتب لَا أحصى عَددهَا وَلَا أذكر أسمائها الْآن لكثرتها واستفاد بالمذاكرة والمباحثة شَيْئا كثيراً وَصَارَ في مَدِينَة ذمار مَعَ حدث سنة مرجعا فى الْعُلُوم حَتَّى علم الطِّبّ فإن لَهُ الْيَد الطُّولى ومازال يُفِيد الطّلبَة هُنَالك مَعَ قلَّة الراغبين في عُلُوم الِاجْتِهَاد بذمار وفي سنة 1226 في الرحلة الثَّانِيَة للْجِهَاد مَعَ مَوْلَانَا الامام المتَوَكل على الله ولامنى مُلَازمَة كَامِلَة لَيْلًا وَنَهَارًا وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ من أَفْرَاد المشتغلين بالعلوم في هَذَا الْوَقْت زَاده الله علماً وتوفيقاً وَله إليّ أشعار جَيِّدَة لَعَلَّهَا مَوْجُودَة في مَجْمُوع الْأَشْعَار عِنْدِي 192 - السَّيِّد عبد الْوَهَّاب بن مُحَمَّد شَاكر بن عبد الْوَهَّاب بن حُسَيْن ابْن الْعَبَّاس بن جَعْفَر الْحسنى من قبل الحسيني من قبل الْأَب الموصلي مولداً وبلداً ومنشأ ولد شهر جُمَادَى الأولى سنة 1184 أَربع وَثَمَانِينَ وَمِائَة وَألف وَقدم علينا إلى صنعاء في سنة 1234 وَكثر اتِّصَاله بي وَهُوَ جَامع بَين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 علم الأديان والأبدان جيد الْفَهم فصيح اللِّسَان حسن الْعبارَة حسن الإشارة قد عرف كثيراً من الْبِلَاد كمصر وَالشَّام وَالْعراق (والحرمين وَدخل إلى الروم دفعات واتصل بعلماء الْبِلَاد وأعيانها وملوكها وَأخْبرنَا عَن هَذِه الْبِلَاد وَأَهْلهَا بأحسن الأخبار مَعَ صدق لهجة وتحر للصدق وَكتب إليّ من شعره بنظم فائق رائق وَمن جملَة ماخبرنا بِهِ من خبر عَجِيب ونبأ غَرِيب وَهُوَ أَنه وجد في جبل قيسون من جبال الشَّام رجل من الْجِنّ يُقَال لَهُ قاضي الْجِنّ واسْمه شمهورش وَأَنه أدْرك الإمام مُحَمَّد بن إسماعيل البخاري وَأخذ عَنهُ فأخبرنا صَاحب التَّرْجَمَة قَالَ أخبرنَا السَّيِّد إسماعيل بن عبد الله الأيدين جكلي نِسْبَة إلى قَرْيَة بالروم قَالَ أخبرنَا أَحْمد بن مُحَمَّد المنينى نزيل دمشق الشَّام قَالَ أخبرنَا عبد الْغنى بن اسماعيل النابلسى عَن القاضى شمهورش قاضى الْجِنّ بِصَحِيح البخارى عَن البخاري وَمِمَّا أخبرنَا بِهِ صَاحب التَّرْجَمَة أَن اعْتِمَاد حنفية هَذَا الزَّمَان في جَمِيع ديار الروم وَالشَّام ومصر وَغَيرهَا فِي الْفِقْه على مؤلفين أَحدهمَا مؤلف الملاخسرو الرومي الْمُسَمّى الدُّرَر وَالْغرر متْنا وشرحاً والمؤلف الآخر لمُحَمد أفندي مفتي دمشق الْمُسَمّى الدر الْمُخْتَار وَاسْتشْهدَ فِي خطْبَة الْكتاب بقول الْقَائِل (ترى الْفَتى يُنكر فضل الْفَتى ... في وقته حَتَّى إذا مَا ذهب) (يحثه الْحِرْص على نُكْتَة ... يَكْتُبهَا عَنهُ بِمَاء الذَّهَب) وَأخْبرنَا أَن هَذَا مُحَمَّد أفندي من أهل الْقرن الحادى عشر وَقد طلب صَاحب التَّرْجَمَة بعض مؤلفاتي فأعطيته الدُّرَر وَشَرحهَا الدراري وَقد كتب إليّ من نظمه شعراً فائقاً قد ذكرته في مجموعي فَليرْجع إليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 وَقد تلقيت مِنْهُ الذكر على الطَّرِيقَة النقشبندية 193 - عبد الهادي بن مُحَمَّد السودي ثمَّ الصنعاني الصُّوفِي الشَّاعِر الْمَشْهُور ولد في نَيف وَسبعين وثمان مائَة ونشأ بِصَنْعَاء وَقَرَأَ بهَا الْفِقْه وَغَيره ثمَّ لحقته جذبة فَخرج هائماً من صنعاء وَسكن مَدِينَة تعز وَذكر الإمام شرف الدَّين أَنه إنما حصل لَهُ الهيام بِسَبَب أكله للقات وَله شعر حسن فَمِنْهُ (كَيفَ حاروا فِيك وَاعجَبا ... يامنى سمعي وَيَا بصري) (أَنْت لَا تخفى على أحد ... غير أعمى الْفِكر وَالنَّظَر) (حيرة عَمت وأيّ فَتى ... رام عرفاناً وَلم يحر) (وَمِنْه) (لَا وَقد مِنْك معتدل ... عَن غرامي فِيك لم أمل) (لَيْسَ لى عطف على اُحْدُ ... لَا وَلَا ميل إلى بدل) (بك يَا سؤلي ظَفرت فَلم ... الْتفت للدَّار والطّلل) (وَمِنْه) (عاذلي في الْحبّ أَو خطره ... لست من ليلى وَلَا سمره) (أَنا فى وَاد أَظُنك مَا ... قلت فِي الأفياء من شَجَرَة) (لَا تطل فِيهِ الملام إلى ... أَن تذوق الحلو من ثَمَرَة) (يَا حُلُول الشعب من اضمٍ ... انشقوني النشر من زهرَة) وَفِي هَذَا الشّعْر من شعر أَبى نواس وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة في أَيَّام الإمام شرف الدَّين وَمَات سنة 932 اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَتِسْعمِائَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 194 - عبد الْوَاسِع بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد القرشي الأموي العلفي ينتهي نسبه إلى عبد الْملك بن مَرْوَان بن الحكم بن الْعَاصِ بن أُميَّة ولد سنة 1026 سِتّ وَعشْرين وَألف أَو في الَّتِى بعْدهَا بِبِلَاد حيدان بِسَبَب أَخْوَاله بني مدحف فَخذ من حيدان ثمَّ انْتقل هُوَ ووالدته إلى هجرتهم بني علفة فى بِلَاد الكلبيين فبقى بهَا مُدَّة ثمَّ ارتحل إلى صنعاء وَهُوَ فِي سن الطلب فأخذ عَن جمَاعَة من شيوخها كالفقيه الْفَاضِل مُحَمَّد بن أَحْمد الحربي فِي النَّحْو وعَلى التهامى فِي الصّرْف وعَلى عبد الرَّحْمَن ابْن مُحَمَّد الحيمى فى انواع من الْعلم وعَلى السَّيِّد مُحَمَّد بن عز الدَّين الْمُفْتى وَالسَّيِّد الْحسن بن احْمَد الْجلَال والقاضي صَلَاح الذنوبى والقاضى أَحْمد ابْن سعيد الهبل وبرع فِي عُلُوم كالنحو وَالصرْف والاصول وَالْفِقْه والفرائض وَمن جملَة مشايخه الإمام المتَوَكل على الله إسماعيل بن الْقَاسِم والقاضي الْحُسَيْن بن علي الشوكاني والقاضي أَحْمد بن سعد الدَّين وَأخذ عَنهُ جمَاعَة كالسيد مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الكبسي وَولده احْمَد وَالسَّيِّد الْحُسَيْن بن أَحْمد زبارة وعَلى بن مُحَمَّد الشطبى وَكَانَ الامام المتَوَكل على الله يَقُوله من أَرَادَ النَّحْو فليقرأ على القاضي عبد الْوَاسِع وَله تَفْسِير لطيف على سُورَة الإخلاص وَله مَجْمُوع فى خطب السّنة ومختصر سَمَّاهُ الْوَعْظ النافع فِيمَا أنشأه القاضي عبد الْوَاسِع وَلم يزل مُقيما على التدريس حَتَّى مَاتَ فِي ثاني عشر شهر جُمَادَى الْآخِرَة سنة 1108 ثَمَان وَمِائَة وَألف وقبره فِي الْغِرَاس بجوار الإمام المهدي أَحْمد بن الْحسن وَلِهَذَا القاضى ذُرِّيَّة صَالِحَة مباركة فيهم رُؤَسَاء وفضلاء وكملاء فَمنهمْ في تَارِيخ تَحْرِير هَذِه الأحرف مُحَمَّد بن علي بن أَحْمد بن عبد الْوَاسِع اُحْدُ رُؤَسَاء الدولة وأعيانها وَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 كثير الْخَيْر كثير الْعدْل قوي الْعقل مَحْمُود السِّيرَة طيب السريرة وَمِنْهُم أَخُوهُ الْحسن بن علي وَهُوَ تلو أَخِيه مُحَمَّد في محاسنه مَعَ صدق لهجة وَحسن خلق وشهامة نفس وَكَمَال مُرُوءَة وَمِنْهُم يحيى بن مُحَمَّد بن على وَهُوَ الْآن فِي عنفوان الشَّبَاب وَله أشعار فائقة تشْتَمل على معَان رائقة 195 - عبد الْوَهَّاب بن علي بن عبد الكافي بن علي بن تَمام السبكي تَاج الدَّين ولد سنة 727 سبع وَعشْرين وَسَبْعمائة وَأَجَازَ لَهُ جمَاعَة كَابْن سيد النَّاس وطبقته ثمَّ قدم دمشق سنة 739 فَسمع بهَا من زَيْنَب بنت الْكَمَال والمزي والذهبي ومعن في طلب الحَدِيث وَكتب الْأَجْزَاء والطباق حَتَّى مهر وَهُوَ شَاب مَعَ ملازمته الِاشْتِغَال بالفقه وَالْأُصُول والعربية وصنف تصانيف مِنْهَا شرح مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب وَشرح منهاج البيضاوى وَعمل الفوايد الْمُشْتَملَة على الْأَشْبَاه والنظاير والطبقات الْكُبْرَى وَالْوُسْطَى وَالصُّغْرَى ورزق السَّعَادَة فِي تصانيفه فانتشرت فِي حيوته وَكَانَ ذَا بلاغة وطلاقة جيد البديهة طلق اللِّسَان حسن النظم والنثر ودرس في غَالب مدارس دمشق وناب عَن أَبِيه فِي الحكم ثمَّ أشتغل بِهِ بِاخْتِيَار أَبِيه وَولى خطابة الْجَامِع وانتهت إليه رياسة الْقَضَاء والمناصب بِالشَّام وَحصل لَهُ بِسَبَب الْقَضَاء محنة بعد محنة وَهُوَ مَعَ ذَلِك فِي غَايَة الثَّبَات وعزل مَرَّات وكشفوا عَلَيْهِ فِي بَعْضهَا وَحكم بعض الْقُضَاة بحبسه واجتهدوا فِي طلب غَيره من عثراته فَلم يَجدوا قَالَ ابْن كثير جرى عَلَيْهِ من المحن والشدايد مالم يجر على قَاض قبله وَحصل لَهُ من المناصب والرياسة مالم يحصل لأحد قبله وانتهت اليه الرياسة بِالشَّام وَأَبَان فِي أَيَّام محنته عَن شجاعة وَقُوَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 مناظرة حَتَّى أفحم خصومه مَعَ كثرتهم وَلما عَاد على وظايفه صفح عَن القايمين عَلَيْهِ وَكَانَ كَرِيمًا مهابا وَمَات فِي سَابِع ذي الْحجَّة سنة 771 إحدى وَسبعين وَسَبْعمائة 196 - السَّيِّد عبد الله بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله السَّيِّد نور الدَّين أَبُو حَامِد الحسيني الأيجي الشافعي ولد يَوْم السبت خَامِس وَعشْرين ذي الْقعدَة سنة 842 اثْنَتَيْنِ واربعين وثمان مائَة بشيراز وتحول إِلَى مَكَّة وَقَرَأَ على جمَاعَة كالمحب الطبري وأبي الْفَتْح المراغي وَحفظ الْقُرْآن وَبَعض الْحَاوِي وَفِي الصّرْف النخبة لجده وفي النَّحْو الكافية وشيئاً من الطوالع وَغير ذَلِك وَأخذ عَن الصفي جده لأمه فِي عُلُوم عدَّة وعَلى النورأبى الْفتُوح وَأَجَازَ لَهُ كثير من أَمْصَار مُخْتَلفَة وَقدم الْقَاهِرَة وَدخل الشَّام وزار الْقُدس والخليل وَأخذ فى هَذِه الْأَمْكِنَة عَن جمَاعَة كالبقاعى والسخاوي وتصدر فِي أيج للإفتاء والإقراء والتحديث وَكتب على الْمِنْهَاج والتيسير للبارزي وعَلى القونوي وَجمع كتاباً طَويلا سَمَّاهُ مجمع الْبحار جعله أَولا مُخْتَصرا للروضة ثمَّ بسط الْكَلَام وَاسْتوْفى كَلَام الشَّافِعِيَّة مَعَ ذكر الْأَدِلَّة والعلل تَرْجَمَة السخاوي وَذكر أَنه فَارقه فِي سنة ارْبَعْ وَتِسْعين يعْنى وثمان مائَة فَلَعَلَّهُ عَاشَ إِلَى الْقرن التَّاسِع وَالله أعلم 179 - السَّيِّد عبد الله بن مُحَمَّد الهاشمي الحسيني الملقّب العبري بِكَسْر الْمُهْملَة وَسُكُون الْمُوَحدَة ذكره الذهبي فِي المشتبه فَقَالَ عَالم كَبِير فِي وقتنا وتصانيفه سايرة وَقَالَ الأسنوى فِي طَبَقَات الشَّافِعِيَّة كَانَ أَولا حنفياً ثمَّ صَار شافعياً وَكَانَ يقرئ المذهبين وَوَصفه بعض أهل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 بِلَاده فَقَالَ كَانَ قاضي الْقُضَاة عضد السلاطين مَشْهُورا في الْآفَاق مشاراً إليه فِي جَمِيع الْفُنُون ملاذاً للضعفاء كثير التَّوَاضُع والإنصاف وَمَال فى آخر عمره إِلَى الِاشْتِغَال بالعلوم الدِّينِيَّة وَله من المصنفات عدَّة مِنْهَا شُرُوح مصنّفات القاضي البيضاوي الْمِنْهَاج والمطالع والغاية والمصباح وَشرح المصابيح وَسكن سلطانية ثمَّ تبريز وَولى قضاءها وَعبارَته فصيحة قريبَة من الأفهام وَكَانَت وَفَاته بتبريز في شهر رَجَب سنة 742 اثْنَتَيْنِ وأربعين وَسَبْعمائة في الْعَام الذي حصل فِيهِ الغلاء المفرط بخراسان وَالْعراق وَفَارِس وأذربيجان ودياربكر حَتَّى جَاوز الْوَصْف وَأكل الْأَب ابْنه وَالِابْن أَبَاهُ وبيعت لُحُوم الْآدَمِيّين فِي الْأَسْوَاق جَهرا ودام ذَلِك سِتَّة أشهر كَذَا في الدُّرَر لِابْنِ حجر حاكياعن بعض فضلاء الْعَجم 198 - عُثْمَان بن عليّ بن عمر بن إسماعيل بن إبراهيم بن يُوسُف بن يَعْقُوب بن علي بن عبد الله الطائيّ الحلبى فَخر الدَّين ابْن خطيب حبرين الشافعي ولد في ربيع الأول سنة 662 اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَمهر في الْفُنُون حَتَّى كَانَ يدرس كل من قَصده في أي كتاب أَرَادَ من أي علم أحضرهُ وَلم ير النَّاس لَهُ فى ذَلِك نظيرا إِلَّا مَا حكى عَن ابْن يُونُس فَكَانَ يقرئ في الحاوي وَغَيره من الْفُرُوع وفي الْمَحْصُول وَغَيره من أصُول الْفِقْه وفي الشاطبية وَغَيرهَا من الْقرَاءَات وفى الفرايض وأنواع الْحساب وفي الْعَرَبيَّة والتصريف وَالْحكمَة والطب وَغير ذَلِك وناب الحكم وَكَانَ فِي خلال الدَّرْس وخلال الحكم يلازم السبحة وَمن تصانيفه شرح التفجير وَشرح الشَّامِل الصَّغِير وَشرح مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب وَشرح الحاوي وَشرح مُخْتَصر مُسلم للمنذري ثمَّ طلب إِلَى الْقَاهِرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 فَمثل بَين يدي السُّلْطَان فبدر من السُّلْطَان كَلَام في حَقه أغْلظ لَهُ فِيهِ فَرجع مَرْعُوبًا فَمَرض وَكَانَ مَعَه وَلَده فَمَرض كَذَلِك وَمَاتَا جَمِيعًا بعد جُمُعَة فِي الْمحرم سنة 738 ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَأثْنى عَلَيْهِ ابْن حبيب فَقَالَ حَاكم قدره كَبِير وعالم لَيْسَ لَهُ نَظِير قدوة فى معرفَة الْأُصُول وَالْفُرُوع مشار اليه بالتقدم في المحافل والجموع ثمَّ ذكر أَنه بَاشر توقيع الحكم وَنظر الأوقاف ووكالة بَيت المَال ثمَّ اشْتغل بِالْقضَاءِ بحلب مُدَّة 199 - عُثْمَان بن قطلو بك التركمان أَمِير التركمان بديار بكر وَصَاحب آمدو ماردين وَغَيرهَا كَانَ أَبوهُ من جملَة الْأُمَرَاء بالدولة الأرتقية ثمَّ انْتَمَى ابْنه هَذَا إِلَى تيمورلنك وَصَارَ من أعوانه وَدخل مَعَه الْبِلَاد الشامية لما طرقها ثمَّ رَجَعَ إِلَى بِلَاده فاستولى على مَا تقدم ذكره في أَيَّام النَّاصِر فرج بن برقوق صَاحب مصر وَالشَّام وولاه الرها وضخم أمره وَمَا زَالَ فِي علو إِلَى أَن تجرّد الْمُؤَيد شيخ الْبِلَاد الشرقية وَعَاد إِلَى نَحْو بَغْدَاد فَأرْسل قصاده إِلَى الْمُؤَيد يعْتَذر عَن نَفسه في ذَنْب مِنْهُ سَابق وَيَقُول إن لم يعف عَنى السُّلْطَان لَا أجد لي بداً من مُوَافقَة خصومه فَأَجَابَهُ وَكَانَ من الرِّجَال قُوَّة وشجاعة وإقداماً قتل ملوكاً وَلما سلطن الْأَشْرَف برسباي الْمُتَقَدّم ذكره وطالت أَيَّامه تغيّر مَا بَينهمَا فَجهز لقتاله عسكراً غير مرة وَأخذ مِنْهُ الرها وَقبض على ابْنه هابيل وَحبس بقلعة الْجَبَل حَتَّى مَاتَ ثمَّ تجرّد الْأَشْرَف بِنَفسِهِ إليه فِي سنة 836 وَوصل إِلَى آمد وَنزل عَلَيْهَا وحاصرها زِيَادَة على شهر ثمَّ رَحل عَنْهَا بعد وُقُوع الصُّلْح بَينهمَا وَأرْسل لَهُ بخلعة وسرج فرس ذهب وَاسْتمرّ على حَاله إِلَى سنة 839 فَسَار إِلَى إسكندر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 من تبريز وَبلغ على صَاحب التَّرْجَمَة فَجهز علي بك ابْنه فِي فرقة من الْعَسْكَر وَهُوَ على أَثَرهم فَالتقى الْفَرِيقَانِ فاستظهر عَسْكَر هَذَا فَثَبت اسكندر بِمن مَعَه ثمَّ حملُوا حَملَة رجل وَاحِد على عَسْكَر هَذَا فكسروه وَسَار اسكندر خَلفهم فتبعوا صَاحب التَّرْجَمَة فَرمى بِنَفسِهِ إِلَى خَنْدَق القلعة ليفوز بمهجته وَعَلِيهِ آلَة الْحَرْب فَوَقع على حجر فشدخ دماغه ثمَّ حمل وعلق إِلَى القلعة بحبال فدام بهَا أَيَّامًا قلايل ثمَّ مَاتَ وَذَلِكَ في الْعشْر الأول من صفر سنة 839 تسع وَثَلَاثِينَ وثمان مائَة وَقد بلغ التسعين أَو زَاد عَلَيْهَا ودام سُلْطَانه زِيَادَة على خمسين سنة 200 - عُثْمَان بن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن أَحْمد بن أَبى بكر بن يحيى بن إبراهيم بن يحيى بن عبد الْوَاحِد بن أَبى حَفْص عمر الملقب المتَوَكل على الله الهنتاتي بِفَتْح الْهَاء ثمَّ نون بعْدهَا مثناة ثمَّ مثلهَا بعد ألف قَبيلَة من البربر وجده أَبُو حفض عمر هُوَ أحد الْعشْرَة من أَصْحَاب مُحَمَّد بن تومرث الْمَعْرُوف بالمهدي ولد تَقْرِيبًا بعد الْعشْرين وثمان مائَة بتونس وَبهَا نَشأ فِي كنف أبيه وجده وَقَرَأَ الْقُرْآن وشيئاً من الْعلم وَصَارَ إليه الْملك وَهُوَ ابْن ثَمَان عشرَة سنة فَخَالف عَلَيْهِ عَمه أَبُو الْحسن فظفر بِهِ وتمهدت لَهُ الْأُمُور وطالت أَيَّامه فإنه ولي ملك تونس وَهُوَ في تِلْكَ السن في سنة 839 ودام فِي الْملك أَرْبعا وَخمسين سنة وَنصف سنة ودانت لَهُ الْبِلَاد والرعية وَاجْتمعَ لَهُ من الْأَمْوَال وَغَيرهَا مَا يفوق الْوَصْف وَأَنْشَأَ الأبنية الهايلة والخزانة الشرقية بِجَامِع الزَّيْتُون وَجعل بهَا كتباً نفيسة للطلبة وَبعد صيته وطارت شهرته وهادن مُلُوك تِلْكَ الأقطار وَكَذَا مُلُوك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 الافرنج وخطب لَهُ بالجزاير وتلمسان وجائته بيعَة صَاحب فاس وأثنى عَلَيْهِ غير وَاحِد مِمَّن لقِيه وَلم يزل بحالته حَتَّى مَاتَ فِي صَبِيحَة يَوْم السبت تَاسِع وَعشْرين شهر رَمَضَان سنة 893 ثَلَاث وَتِسْعين وثمان مائَة 201 - الإمام الْهَادِي عز الدَّين بن الْحسن بن الْمُؤَيد ولد بأعلا فَللَّه بِفَتْح الْفَاء واللامين بعْدهَا بِعشر بَقينَ من شَوَّال سنة 845 خمس وَأَرْبَعين وثمان مائَة وَقَرَأَ فِي وَطنه ثمَّ رَحل إِلَى صعدة فَقَرَأَ على على بن مُوسَى الدوارى فنونا من الْعلم وَقَرَأَ أَيْضا على غَيره ثمَّ رَحل إِلَى تهَامَة فَسمع الحَدِيث على شَيْخه يحيى بن أَبى بكر العامري الْمَشْهُور مؤلف الْبَهْجَة وَغَيرهَا سمع مِنْهُ سنَن أَبى دَاوُد وَأَجَازَهُ في ساير كتب الحَدِيث وبرع فى جَمِيع الْعُلُوم وصنف وَهُوَ دون الْعشْرين فَمن مصنفاته شرح منهاج القرش في مجلدين ضخمين وَشرح الْبَحْر للامام الْمهْدي بلغ فِيهِ إِلَى كتاب الْحَج وَهُوَ شرح مُفِيد سلك فِيهِ طَريقَة الإنصاف وَهُوَ يدل على تبحّره فِي عدَّة عُلُوم وَله فتاوى مَجْمُوعَة فِي مُجَلد ضخم مفيدة وَمن جملَة شُيُوخه الإمام مُحَمَّد بن علي الوشلي فإنه لَازمه في الْحَضَر وَالسّفر ثمَّ لما كمل فِي جَمِيع الْعُلُوم دَعَا النَّاس إِلَى مبايعته فَبَايعُوهُ فى تَاسِع شَوَّال سنة 879 تسع وَسبعين وثمان مائَة وَكَانَت الدعْوَة بوطنه هِجْرَة فَللَّه وَدخل تَحت طَاعَته بِلَاد السودة وكحلان والشرفين والبلاد الشامية وعلماء ساير محلات الزيدية قد بَايعُوهُ وإن لم يجبهُ جَمِيع أَهلهَا وَهُوَ من أكَابِر أَئِمَّة الْآل في الْعلم وَالْعَمَل وَالْكَرم وساير الْخِصَال الشَّرِيفَة وَله شغف بِالْعلمِ عَظِيم ولديه من التَّسْلِيم للحق وَاتِّبَاع الدَّلِيل مالم يكن لغيره حَتَّى رَأَيْته قد حرر بحثاً فى مسئلة انحصار الامامة فى بعض بطُون قُرَيْش الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 وَتكلم بِالصَّوَابِ مَعَ كَونه إِذْ ذَاك إِمَامًا واستمرت إمامته إِلَى أَن مَاتَ فِي شهر رَجَب سنة 900 تِسْعمائَة وَمُدَّة خِلَافَته إحدى وَعِشْرُونَ سنة 202 - السَّيِّد علي بن إبراهيم بن علي بن إبراهيم بن احْمَد بن عَامر الشَّهِيد الْمُتَقَدّم ذكره ولد بشهارة سنة 1143 ثَلَاث وَأَرْبَعين وَمِائَة وَألف وَقيل سنة 1139 وَقَرَأَ بهَا على أهل الْعلم هُنَالك ثمَّ ارتحل إلى كوكبان وَقَرَأَ على من بِهِ من الْعلمَاء كالسيّد عِيسَى بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن ثمَّ ارتحل إلى صنعاء وَقَرَأَ على السَّيِّد الْعَلامَة احْمَد بن مُحَمَّد بن اسحق وَغَيره كالقاضي احْمَد بن صَالح بن أبي الرِّجَال وَاسْتقر بهَا وَتزَوج وَكَانَ إِمَامًا في جَمِيع الْعُلُوم محققاً لكل فن ذَا سكينَة ووقار قلّ أَن يُوجد لَهُ نَظِير فِي ذَلِك كَانَ إذا اجْتمع بِأَهْل الْعلم وَجَرت المباحثة فِي فن من فنون الْعلم لَا يتَكَلَّم قط بل ينظر إليهم ساكتاً فيرجعون إليه بعد ذَلِك فيتكلم بِكَلَام يقبله الْجَمِيع ويقنع بِهِ كل سامع وَكَانَ هَذَا دأبه على مُرُور الْأَيَّام لَا يَعْتَرِيه الطيش والخفة في شئ كَائِنا مَا كَانَ وَلَا يُوجد لَهُ عَدو قطّ لحفظ لِسَانه والتفاته الى مَا يعنيه وَعدم اشْتِغَاله بِمَا لَا يعنيه مَعَ كَونه غير مُتَعَلق بالمناصب الدُّنْيَوِيَّة الَّتِى هي منشأ الْعَدَاوَة إما لحسد أَو لغيرة فَلهَذَا كَانَ الثَّنَاء عَلَيْهِ كلمة إجماع وَالِاعْتِرَاف بفضله لَيْسَ فِيهِ نزاع وَكَانَ يسْلك هَذَا المسلك مَعَ أَهله وَأَوْلَاده فإنهم إذا وَقع لَهُم السَّهْو عَن شئ مِمَّا يحْتَاج إليه من طَعَام أَو شراب أَو نَحْوهمَا لم يَقع مِنْهُ الطلب لذَلِك مِنْهُم فضلاً عَن أَن يتجرد عَلَيْهِم ويلومهم وَلَقَد أخبرني أَنه خرج يَوْمًا مَعَ جَنَازَة وَقت الْغَدَاء وَمَا رَجَعَ إِلَّا قبل الظّهْر فَظن أَهله أَنه قد تغدى لِأَنَّهُ كَانَ كثير الضيافات عِنْد معارفه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 فوصل الى مَكَانَهُ وَاسْتمرّ جَالِسا الى وَقت الْعشَاء لم يطْلب مِنْهُم شَيْئا وَمثل هَذَا عَجِيب وأخبرني أَنه دخل لَيْلَة منزله ووقف فِي الْمَكَان الذى يأوى اليه وَلم يشْعر أَهله بذلك فبقى إِلَى مِقْدَار نصف اللَّيْل في ظلمَة بِلَا مِصْبَاح وَلَا قهوة وَلَا غير ذَلِك مِمَّا يحْتَاج اليه في السمر مَعَ أَنه كَانَ محباً للسمر وإذا كَانَت هَذِه مُعَامَلَته لأَهله فَمَا ظَنك بمعاملته لغَيرهم وَلَا أعلم أَنه غضب قط أَو خَاصم فى شئ مُنْذُ عَرفته الى أَن مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ نَظِير في حفظ الْأَشْعَار لأهل الْجَاهِلِيَّة والإسلام وَحفظ الْأَخْبَار الَّتِى لَا يدرى بشئ مِنْهَا غَالب أهل الْعَصْر وَمَعَ هَذَا فإنه يحضر مَوَاقِف الِاجْتِمَاع فيتحدث متحدث بِخَبَر من الأخبار فيزيد وَينْقص ويغلط ويصحف ويحرف وَهُوَ مصغ اليه مقبل عَلَيْهِ كَأَن لَا يعرف من ذَلِك شَيْئا فإذا فرغ ذَلِك المتحدث من حَدِيثه استحسنه صَاحب التَّرْجَمَة وَسكت وَلَا يسْتَدرك عَلَيْهِ فى شئ مَعَ أَنه يعلم بتفصيل ذَلِك الْخَبَر وَصَحِيحه وفاسده اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يسْأَله سَائل عَن تِلْكَ الْحِكَايَة أَو يسترشد مِنْهُ الحاكي فإنه حِينَئِذٍ يُمْلِيهَا بِعِبَارَة عذبة ويصوغها بِأَلْفَاظ فصيحة واذا كَانَت مُشْتَمِلَة على شئ من الشّعْر ذكره لَا يُغَادر مِنْهُ شَيْئا حَتَّى يخجل حاكي تِلْكَ الْقَضِيَّة ويندم على اقدامه وَهَكَذَا اذا روى اُحْدُ من هُوَ بِحَضْرَتِهِ شَيْئا من الشّعْر أصغى اليه وَقد لَا يدري ذَلِك الرَّاوِي لمن الشّعْر وَقد يصحّف في بعضه وَقد لَا يحفظ إِلَّا شَيْئا يَسِيرا من القصيدة وَصَاحب التَّرْجَمَة سَاكِت لَا يتَكَلَّم فإذا سَأَلَهُ سَائل عَن ذَلِك روى تِلْكَ القصيدة من أَولهَا إلى آخرهَا وَذكر السَّبَب الذي قيلت لأَجله وَترْجم لقائلها تَرْجَمَة لَا يدع من أَحْوَاله شَيْئا وَقل أَن يجرى بِحَضْرَتِهِ شئ لَا يعرفهُ وَهُوَ قَلِيل التَّكَلُّف مائل إلى الخمول لَيْسَ لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 رَغْبَة فِي الظُّهُور وَلَا يتَكَلَّم في مَسْأَلَة إِلَّا وَهُوَ على قدم راسخة والارجع الى الْبَحْث بل كثيرا مَا يرجع الى الْبَحْث وان كَانَ يعلم بالمسئلة فإني سَمِعت مِنْهُ صَحِيح البخاري من أوله الى آخِره بِلَا فَوت فَكَانَت تعرض مباحثات حَال الْقِرَاءَة فَيسمع السُّؤَال ثمَّ يصمت وَيَأْخُذ الشُّرُوح فَينْظر فِيهَا فإن وجد مَا يُفِيد أملاه وَإِن لم يجد تكلم من عِنْد نَفسه بِكَلَام في غَايَة الْحسن والافادة وَمِمَّا كتبته اليه فى أَيَّام قرائتى عَلَيْهِ هَذَانِ البيتان وَفِيهِمَا طرد عَجِيب (إمام البهاليل الأولى سبقوا إلى ... سَمَاء المعالي آمراً بعد آمُر) (علي بن إبراهيم بن علي ب ... ن إبراهيم بن أَحْمد بن عَامر) وَقد أَخذ عَنهُ الطّلبَة في فنون مُتعَدِّدَة وَكَانُوا يقصدونه في الْغَالِب إلى بَيته وَكَانَ للعصر بِهِ جمال وللعلم وَأَهله بِهِ أنس وَله في الشّعْر يَد طولى وقصائده الطنانة مَوْجُودَة بأيدي النَّاس فَمن شَعْرَة في وصف البنادق من جملَة قصيدة (فواغر أَفْوَاه الثعابين كلما ... نفخن قتاما تستطار مشاعل) (حكى شكلها الْحَيَّات لَكِن صفيرها ... زئير وفي الأحشاء مِنْهَا الغوائل) (كراسيها أذنابها وعيونها ... وَرَاء وَلَا يخفى عَلَيْهَا الْمقَاتل) ولولم يكن لَهُ إلا هَذِه الأبيات لكفته فإنها غَايَة لَا تدْرك وهي تدل على مَا أولاها من أدبه الغض وَمن قصائده الطنانة هَذِه القصيدة (خلس اللحظ تذيب المهجا ... فبها الدمع يرى ممنزجا) (اتسم لحظك في مرعى الْهوى ... فيلاقي الْقلب مِنْهُ حرجا) (راشقات وَتسَمى نظراً ... بِنِبَالٍ وَتسَمى دعجا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 (لم تُؤثر فيّ سوى أَفْئِدَة ... وهي فِيهِنَّ تبين الشخجا) (كَانَ عهدي قبلهَا أَن النهى ... للتصابى مَانع أَن يلجا) (يَا خليلى أَرَاهَا مِنْكُمَا ... ظلة بالسفح ان لم تعجا) (وإذا ظللتماه فانشقا ... من شميم الدَّار عرفا ارجا) (انما عتد من عمري بِمَا ... كنت فِيهِ بالصبا مبتهجا) (يمْلَأ التهويم عينيّ وَلم ... يَك قلبي بالهوى منزعجا) (كم سرقنا باللوى في غَفلَة ... من عوادى الدَّهْر غيثا سجسجا) (ترقص الاغصان فِيهِ طَربا ... وَعَلِيهِ الطير تشدو هزجا) (ودجى قد ألف الشمل إلى ... أَن فرى الصُّبْح لأفق ودجا) (وليالي بالتداني لُؤْلُؤ ... قد أُعِيدَت بالتنائي سبجا) (اذ يلف الْحبّ مشتاقى هوى ... وعفاف بالغرام امتزجا) (لم يشقني ظلّ أفنان الْحمى ... انما اشتاق بَدْرًا غنجا) (حركات الْحسن في أعطافه ... يستميل اللب عَن أهل الحجا) (آه من عين بِهِ دامية ... وهي في الدمع تخوض اللججا) (كلما لَام عَلَيْهِ عاذل ... وجد المسمع بَابا مرتجا) (لَا سمت بي عقوة من هَاشم ... وبخال بالمعالى وشجا) (ان أخافتني القنا من دونه ... بعواليها حُسَيْنًا سرجا) (لأقيمن على رغم النَّوَى ... منسم الْحبّ واعلو الثبجا) (أَتَرَى آساده فِي وَهن ... من سهاد ظلّ فِيهِ مدلجا) (آه من عسجد شعر صغته ... وَأرَاهُ فِي الْهوى قد سمجا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 (لَو رأى قَيْصر مِنْهُ مَا رَأَوْا ... صاغ مِنْهُ لملوك دملجا) وَلم يشْتَغل رَحْمَة الله بالتأليف مَعَ أَنه أهل لَهُ وَلَو وَجه نَفسه اليه لجاء بِمَا بعجز عَنهُ غَيره وَلَعَلَّ السَّبَب فِي ذَلِك محبته للخمول حَيا وَمَيتًا وَكتب من نفايس الْكتب بِخَطِّهِ شَيْئا كثيراً وَكنت اعْجَبْ من سرعَة مَا يتَحَصَّل لَهُ من ذَلِك مَعَ شغلته بالتدريس فَسَأَلته بعض الْأَيَّام عَن هَذَا فَقَالَ إنه لَا يتْرك النسخ يَوْمًا وَاحِدًا وإذا عرض مَا يمْنَع فعل من النسخ شَيْئا يَسِيرا وَلَو سطراً أَو سطرين فلزمت قَاعِدَته هَذِه فَرَأَيْت في ذَلِك مَنْفَعَة عَظِيمَة وَكَانَ لَهُ رَحمَه الله ميل إلى السَّيِّد الْعَلامَة أَحْمد بن مُحَمَّد ابْن اسحق وَخرج مَعَه من صنعاء إلى وصاب أَيَّام وُقُوع الْحَرْب بَينه وَبَين الإمام المهدي الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن وانتفع بِصُحْبَتِهِ وَكَانَ يُعينهُ على أمور دُنْيَاهُ وَكَانَ لَهُ لطايف وظرائف وكلمات مستحسنة مِنْهَا أنه كَانَ بعض أَبنَاء الأكابر يتَّصل بِهِ وَيقْرَأ عَلَيْهِ ويديم الْجُلُوس مَعَه وَهُوَ فائق الْجمال بديع الْأَوْصَاف فَتزَوج وَانْقطع عَنهُ فَقيل لَهُ فى ذَلِك فَقَالَ انْصَرف ندمان لوُجُود ندماته فتمت لَهُ الإشارة إلى الْوَاقِع مَعَ مُرَاعَاة التَّوْجِيه بالقاعدة النحوية على أحسن أسلوب وَلم يزل رَحمَه الله مستمراً على حَاله الْجَمِيل حَتَّى توفاه الله في الْيَوْم السَّابِع وَالْعِشْرين من شهر رَمَضَان سنة 1207 سبع وَمِائَتَيْنِ وَألف ورثيته بقصيدة مطْلعهَا (هَب أَن بدر الْأُفق يَوْمًا يأفل ... أوأنه يهوى السماك الأعزل) 203 - السَّيِّد علي بن إبراهيم بن مُحَمَّد بن إسماعيل بن صَلَاح الْأَمِير حفيد السَّيِّد مُحَمَّد صَاحب التصانيف الآتي إنشاء الله ولد شهر الْقعدَة سنة 1171 إِحْدَى وَسبعين وَمِائَة وَألف وَقَرَأَ في الْعَرَبيَّة والْحَدِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 واستفاد في أسْرع مُدَّة مَعَ أَنه لم يشْتَغل كثيراً وَلكنه مفرط الذكاء سريع الْفَهم قوي الإدراك جيد الفطنة يتوقد ذكاء فصيح الْعبارَة فايق النظم والنثر وَله مصنفات مِنْهَا السِّرّ المصون في نكتة الإظهار والإضمار في أَكثر النَّاس وَأَكْثَرهم لَا يعلمُونَ ورسالة فِي تَحْرِيم تحلية السِّلَاح بِالذَّهَب وتأنيس أَرْبَاب الصَّفَا في مولد الْمُصْطَفى وَكتاب النفحات الربانية واللمحات الرحمانية فى احراز ذخاير الصلات بابراز ضماير الصَّلَوَات وَالْفَتْح الالاهى بتبيه اللاهي وَكلهَا حَسَنَة وَحج مَرَّات وَتردد مَا بَين صنعاء وَمَكَّة وَمَال إِلَى الْأَدَب ونظم القصايد الطنانة والمقاطيع الْحَسَنَة وَأكْثر من ذَلِك واشتهرت أشعاره وطارت فِي الأقطار اليمنية واشتغل بهَا النَّاس وكتبوها وحفظوها وَكَانَ يكثر من مطارحة الأدباء ومجالستهم ومجاذبتهم للطايف وفنونن الْأَدَب ثمَّ انجمع وَترك الشّعْر والتفت إلى الْعِبَادَة والأذكار والوعظ وَتَعْلِيم الْعَامَّة أُمُور الدَّين فعقد مجَالِس بِجَامِع صنعاء وَبِغَيْرِهِ من مساجدها وبجامع الرَّوْضَة وَكَانَ يجْتَمع عَلَيْهِ جمع جم وَرغب النَّاس إليه وَأَقْبلُوا على وعظه وَكَانَ ينحدر عِنْد مَا يتَكَلَّم عَن النَّاس من أول الْمجْلس إلى آخره لَا يتلعثم في عبارَة وَلَا يتَرَدَّد فِي لفظ كَأَنَّهُ يملي من كتاب ويستطرد الْآيَات القرآنية وَالْأَحَادِيث النَّبَوِيَّة ويسرد من ذَلِك شَيْئا كثيراً بِعِبَارَة حَسَنَة ومسالك مستحسنة وَجمع مجاميع حَسَنَة مِنْهَا رِسَالَة فِي تَفْسِير أَلْفَاظ الْأَذَان وَأُخْرَى في تَحْرِيم التحلي بِالذَّهَب وَله من ذَلِك أَشْيَاء نفيسة وَله فصاحة وبراعة وَقُوَّة نفس وعفة وإنكار للْمُنكر بِمَا يستطيعه وتبلغ إليه قدرته وَكَثِيرًا مَا يصل إليّ إِذا حدث شئ من ذَلِك وَلَا يزَال حَتَّى أساعده على الْقيام في دفع ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 الْحَادِث وأحواله كلهَا حَسَنَة وَله في الذب عَن الْغَيْبَة والنميمة غَايَة كَامِلَة لَا يدع أحدا يذكر بِسوء في مَجْلِسه وَله أذكار وصبر على تَعْلِيم الْعَامَّة مَا يهمم من امْر دينهم وَهُوَ الان مُسْتَمر على هَذِه الْأَحْوَال الجميلة وَلِلنَّاسِ بِهِ انْتِفَاع كثير وَمَعَ هَذَا فَلم يسلم من المنافسة لَهُ وَالْمُبَالغَة في الْحَط عَلَيْهِ والتظهر بثلبه وَهُوَ صابر محتسب وَقد كتب الى أبياتا بعد تَركه لنظم الشّعْر وهي (طبل شيطاني ومزمار الْهوى ... ضربا وَالنَّفس باتت ترقص) (ورياض الْقلب قد أهملها ... عدم التَّقْوَى فباتت تنقص) (أعرب اللَّفْظ بقرآني وَكم ... ألحن الْمَعْنى فَهَل لي مخلص) (يالقومى لم أجد محتسباً ... فَاضلا عَن منكراتي يفحص) (فَعَسَى ربى بجاه الْمُصْطَفى ... يذهب الدافتزول الْغصَص) فأجبته عَنهُ بقولي (قد شققت الطبل والمزمارما ... مثلك الْيَوْم لزمر يرقص) (وكذاك النَّفس قد ألجمتها ... بلجام الزّهْد وَهُوَ المخلص) (أنت لَا تفحص عَن عيب امرء ... تبّ من ظل لعيب يفحص) (فرض النَّفس إِذا زَاد الْهوى ... فَهُوَ إِن مَا رضتها ينتقص) (يالحا الله أناساً كلما ... لَاحَ للأطماع برق بصبصوا) (وإذا نَالَ الْفَتى مكرمَة ... كَانَ من ذَاك لديهم غصص) وَهُوَ الْآن مَا بَين الأربعين وَالْخمسين من عمره دَامَت فوايده ثمَّ مَاتَ رَحمَه الله فى شهر ذي الْحجَّة سنة 1219 تسع عشرَة وَمِائَتَيْنِ وألف ووالد المترجم لَهُ هُوَ من أَعْيَان الْعلمَاء وأكابر الْفُضَلَاء جَامع بَين الشَّرِيعَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 والطريقة عَارِف بفنون من الْعلم لَا سِيمَا الحَدِيث وَالتَّفْسِير وَله في التصوف والتسليك يَد طولى قَرَأَ على وَالِده وعَلى غَيره وأقرأ فى جَامع صنعاء في صَحِيح البخاري وَغَيره وَله فِي الْوَعْظ يَد طولى وَقد قعد لذَلِك في مَوَاطِن فَانْتَفع بِهِ النَّاس ثمَّ رَحل إِلَى مَكَّة واستوطنها بِسَبَب أُمُور جرت لَهُ مُشْتَمِلَة على امتحانات وَهُوَ الْآن مُقيم هُنَالك وَقد رعب عَن الرُّجُوع إِلَى الْيمن وَهُوَ وافر الجاه عِنْد أَهلهَا عَظِيم الْحُرْمَة رفيع الدرجَة وَصَارَ هُنَالك مأوى لمن دخل مَكَّة لِلْحَجِّ من أَعْيَان أهل الْيمن وَقد كتب إِلَى كتاباً يتَضَمَّن المعاهدة وَلم يكن قد عرفني قبل ارتحاله إِلَى هُنَالك لأني كنت إِذْ ذَاك في أَيَّام الصغر وَأَنا رَأَيْته مرة وَاحِدَة يصلي بِالنَّاسِ في بعض الْمَسَاجِد بِصَنْعَاء فَسمِعت قِرَاءَة فايقة بِصَوْت مطرب مَعَ هَيْئَة جميلَة وَشَيْبَة منورة وَله مصنفات فى الْوَعْظ والرقايق والتصوف وَهُوَ مشحونة بالفصاحة والبلاغة وَهُوَ كَانَ يسْتَحق إفراده بترجمة وَلَكِن اكتفيت بِذكرِهِ هَهُنَا وَمَات ثاني عشر شَوَّال سنة 1213 ثَلَاث عشرَة وَمِائَتَيْنِ وألف ومولده سنة 1141 إحدى وَأَرْبَعين وَمِائَة وألف وَمن مصنفاته الْفلك المشحون شرح أسماء من يَقُول للشئ كن فَيكون وَشرح للأربعين الجوهرية وَله تَفْسِير غَرِيب الأسلوب سَمَّاهُ مَفَاتِيح الرضْوَان في تَفْسِير الْقُرْآن بِالْقُرْآنِ كتب مِنْهُ مجلداً ضخماً وَجمع مجموعاً في تَرْجَمَة وَالِده ذكر فِيهِ مؤلفاته وشيوخه وتلامذته وَقد وقفت على جَمِيع ذَلِك وَولده يُوسُف بن إبراهيم سَاكن عِنْده هُنَالك وَهُوَ من المشتغلين بِالْعلمِ والزهد وسلوك طَرِيق الْخَيْر وَالْعِبَادَة والاشتغال بِأَمْر الْآخِرَة وَله في الْأَدَب مسرح قوي وَهُوَ أَصْغَر من أَخِيه على المترجم لَهُ وَقد خرج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 إِلَى صنعاء وَسمعت تِلَاوَته وهى تِلَاوَة فايقة بنغمات رايقة ورايته يقْرَأ على عَمه عبد الله بن مُحَمَّد الْمُتَقَدّم ذكره في مدرسة الإمام شرف الدَّين بِصَنْعَاء في صَحِيح البخاري 204 - عليّ بن أَحْمد بن رَاجِح بن سعيد وَزِير الإمام الْمَنْصُور بِاللَّه الْحُسَيْن بن الْقَاسِم كَانَ من محَاسِن الدَّهْر فى الْكَرم والرياسة والكياسة وَله ولأخيه محسن بن أَحْمد رَاجِح قصَص في الْكَرم يتناقلها النَّاس إلى الْآن ويضربون بهَا الامثال ولشعراء عصرهما فيهمَا غرر الممادح وَكَانَا مستوليين على الْمَنْصُور بِاللَّه لَا يعْمل الا بماقالاه وَلَا سِيمَا صَاحب التَّرْجَمَة فَهُوَ الْوَزير الأعظم الذي لَا يَقع فى المملكة شئ إلا بإذنه ومفاوضته وَاسْتمرّ كَذَلِك مُدَّة خلَافَة الْمَنْصُور وَكَانَ ملازماً لَهُ قبل الْخلَافَة وَلما مَاتَ الْمَنْصُور وَقَامَ بعده الإمام المهدي نكب صَاحب التَّرْجَمَة وأخاه الْمَذْكُورين وَأخذ من أموالهما شَيْئا كثيراً فأما صَاحب التَّرْجَمَة فَمَاتَ بعد ذَلِك بأيام يسيرَة في سنة 1163 ثَلَاث وَسِتِّينَ وَمِائَة وَألف فبقي لوَرثَته دنيا وَاسِعَة ووقف ثلث تركته على الْعلمَاء والمحاويج وَهُوَ جُمْهُور وَاسع وَصَارَت الْآن صَدَقَة جَارِيَة على الْمُسْتَحقّين يحصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 مِنْهَا فِي كل عَام شئ وَاسع وَأما أَخُوهُ فَتَأَخر مَوته إلى سنة 1173 ثَلَاث وَسبعين وَمِائَة وألف 205 - عليّ بن أَحْمد بن سعيد بن مُحَمَّد بن سعيد بن الأثير الحلبي الأصل المصري ولد في حُدُود الثَّمَانِينَ وسِتمِائَة وتعانى الخدم الديوانية وَكَانَ أَبوهُ من الأعيان الموقعين وباشر الدِّيوَان وَكتب الإنشاء فَلَمَّا توجه النَّاصِر إلى الكرك توجه صحبته ووعده بِكِتَابَة السِّرّ فَلَمَّا قدم النَّاصِر الْقَاهِرَة قدم لَهُ عَلَاء الدَّين حلوى بِمِائَة وَعشْرين درهما وَبَاعَ لأجل شِرَائهَا بعض مَتَاعه فَلَمَّا وصلت الْهَدِيَّة إلى النَّاصِر تذكره وَقَالَ لدويداره اكْتُبْ إلى محيي الدَّين ابْن فضل الله يكْتب إلى أَخِيه شهَاب الدَّين دستور إلى الشَّام فإني اسْتَحى أن أواجهه بذلك فَكتب محيى الدَّين الى أَخِيه فل يلْتَفت اليه فَلَمَّا بلغ السُّلْطَان ذَلِك لم يجد بداً أَن يفصح لَهُ بالأمر فرسم لَهُ أَن يَسْتَقِيم في كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق عوضاً عَن أَخِيه فَخرج من الْقَاهِرَة إلى دمشق وَاسْتقر صَاحب التَّرْجَمَة مَكَانَهُ فَعَظمهُ السُّلْطَان وأكرمه ونوه بِقَدرِهِ وَبلغ عِنْده مَا لم يبلغهُ غَيره حَتَّى كَانَ يَأْمُرهُ أَن يكْتب إلى نواب الشَّام بأشياء يأمرهم بهَا عَن نَفسه فَعظم قدره جداً وباشر الْوَظِيفَة مُبَاشرَة جَيِّدَة وَكَانَ يركب في سِتَّة عشر مَمْلُوكا من الأتراك كل وَاحِد مِنْهُ قِيمَته أَكثر من خَمْسمِائَة دِينَار وكانو يقومُونَ بالديوان سماطين وَلَا يتَكَلَّم مَعَ اُحْدُ مِنْهُم إلا بالتركية وهم يترجمون عَنهُ للنَّاس وَكَانَ يكْتب خطاً قَوِيا مَنْسُوبا وَله اقتدار على إصلاح اللَّفْظَة وإبرازها من صُورَة إلى صُورَة وَمَا كَانَ يخرج من الدِّيوَان كتاب حَتَّى يتأمله وَلَا بُد أَن يزِيد فِيهِ شَيْئا وَقد مدحه شعراء عصره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 كالشهاب مَحْمُود وَابْن نباته وَغَيرهمَا وَلم يزل فِي سعادته الى أَن حصل لَهُ مبادئ فالج ثمَّ تزايد بِهِ وَظهر ذَلِك للسُّلْطَان فَصَبر عَلَيْهِ الى أَن أَرَادَ يَوْمًا أَن يقوم من بَين يَدَيْهِ فَسَقَطت الدواة من يَده فتألم لَهُ السُّلْطَان وَقَالَ للدويدار اكْتُبْ إلى نَائِب الشَّام فليجهز لنا القاضي محيي الدَّين بن فضل الله وَأرْسل عَلَاء الدَّين أَن ينزل إلى بَيته فتغافل عَن ذَلِك وَلزِمَ الدِّيوَان مَرِيضا إلى أَن وصل محيي الدَّين فَحَضَرَ إليه الدويدار وَقَالَ لَهُ انْزِلْ بَيْتك فقد وصل صَاحب الْوَظِيفَة فَنزل فِي أَوَائِل الْمحرم وعالجه الاطباء فَلم ينجع بل تزايد إلى أَن صَار لَا يَتَحَرَّك مِنْهُ شئ أصلاً إلا جفونه فَكَانَ إذا أَرَادَ شَيْئا قَرَأَ لَهُ خادمه حُرُوف المعجم فإذا مر بِحرف هُوَ أول الْكَلِمَة أطبق جفْنه ثمَّ يعود إلى أَن يتَحَصَّل لَهُ كلمة بعد كلمة فَيعرف مِنْهَا مُرَاده وَلم يطلّ ذَلِك بل مَاتَ في منتصف الْمحرم سنة 730 ثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة قَالَ ابْن حبيب ماجد سَاد عصره بِوُجُودِهِ على الأعصار وَكَانَ يتلطف لذوي الْحَاجَات وَيفتح لَهُم أَبْوَاب الْخَيْر وَمن مدح ابْن نباتة فِيهِ (لَا عدمنا لِابْنِ الأثير يراعا ... جَارِيا للعباد بالأرزاق) (كلما مَاس فِي المهارق كالغص ... ن رَأَيْت الندى على الأوراق 206 - علي بن أَحْمد هَاجر الصنعاني ولد تَقْرِيبًا سنة 1180 ثَمَانِينَ وَمِائَة وَألف وَقَرَأَ فِي الْعُلُوم الآلية قِرَاءَة متقنة وفهمها فهماً جيداً وفَاق كثيراً من الطّلبَة في فهم الدقائق والنكات اللطيفة وَله قِرَاءَة عليّ فِي علم الْمنطق فِي مُدَّة سَابِقَة وَهُوَ يفهمهُ فهماً بديعاً ويتقنه إتقاناً عجيباً وَله قِرَاءَة عليّ أَيْضا فِي الْكَشَّاف والمطول وفي شرحي على الْمُنْتَقى وَفِي كثير من كتب السّنة وَهُوَ قوي الْفَهم جيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 الإدراك صَحِيح التَّصَوُّر قل أَن يُوجد نَظِيره مَعَ صلابة فِي الدَّين واشتغال بِخَاصَّة النَّفس وَصدق لهجة وَهُوَ الْآن من محَاسِن المشتغلين بِالْعلمِ في هَذَا الْعَصْر 207 - السَّيِّد علي بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أسحق بن المهدي أَحْمد بن الْحسن بن الإمام الْقَاسِم بن مُحَمَّد ولد تَقْرِيبًا سنة 1150 خمسين وَمِائَة وَألف أوقبلها بِيَسِير وَنَشَأ بِصَنْعَاء وَقَرَأَ على وَالِده وَغَيره من أَعْيَان وبرع فِي عُلُوم عدَّة لَا سِيمَا علم الْأَدَب فان لَهُ فِيهِ يداً طولى ونظمه كثير جداً مَوْجُود بأيدي النَّاس وَكثير مِنْهُ فِي مدح أَمِير الْمُؤمنِينَ علي بن أَبى طَالب كرم الله وَجهه وَلما مَاتَ وَالِده وَكَانَ المتولي لأمور آل إسحق قَامَ وَلَده هَذَا مقَامه وَصَارَ لَهُ جلال وسياسة ضخمة وَظهر من كرمه مَا هُوَ ظَاهر مَشْهُور وَكَانَ موقفه محفوفاً بأعيان الْعلمَاء والأدباء معموراً بالمسائل العلمية واللطائف الأدبية وَاسْتمرّ على ذَلِك أَيَّامًا ثمَّ فر من صنعاء في اللَّيْل مغاضباً لخليفة الْعَصْر مَوْلَانَا الْمَنْصُور بِاللَّه على بن الْعَبَّاس حفظه الله وَاسْتقر بِبِلَاد أرحب وَقَامَ بنصره أهل تِلْكَ الْجِهَة فارتجت الديار اليمنية لذَلِك ثمَّ أن الْخَلِيفَة حفظه الله بعث أَمِيرا من أمرائه وَهُوَ الْأَمِير سرُور الْمَنْصُور لمناحرة صَاحب التَّرْجَمَة فَوَقَعت بَينهمَا حروب وَآخر الْأَمر وَقع صلح على أَن يبْقى هُنَالك بِجَيْش وينوب عَنهُ فى تولى أُمُور آل إسحق آخر وَيصير إليه مَا كَانَ لَهُ ثمَّ انْتقض ذَلِك وَاتفقَ خُرُوج بعض أهل البغي من برط على الْبِلَاد الأمامية فَخرج صَاحب التَّرْجَمَة مَعَهم وَكَانَ يتألم لما يصدر مِنْهُم من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 سفك الدِّمَاء وهتك الْحرم ووصلوا أَولا إلى حِدة النزهة الَّتِى قريب صنعاء واستقروا أَيَّامًا فَخرج اليه الْخَلِيفَة حفظه الله وَتَقَدَّمت ظائفة من جُنُوده فيهم وَلَده مَوْلَانَا صفي الإسلام احْمَد بن الإمام حمى الله وَوَقعت حروب شَدِيدَة انجلت عَن قتل الفقيه عبد الله بن احْمَد النهمي وَكَانَ اُحْدُ الوزراء وَعَن قتل الْأَمِير ناجي وَجَمَاعَة من الْجند وَظَهَرت من مَوْلَانَا الصفي شجاعة وبراعة وَكثر الثَّنَاء عَلَيْهِ ثمَّ عزم ذَلِك الْجَيْش وَفِيهِمْ صَاحب التَّرْجَمَة إلى الْيمن الْأَسْفَل وَجرى الصُّلْح مَا بَينه وَبَين الْخَلِيفَة حفظه الله على يَد الْوَزير الْحسن بن علي حَنش الْمُتَقَدّم ذكره فوصل صَاحب التَّرْجَمَة إلى صنعاء وَاسْتقر ببيته موسعاً عَلَيْهِ بِجَمِيعِ مَا يحْتَاج اليه وإما تَوْلِيَة أُمُور آل اسحق فقد صَارَت إلى عَمه الْعَبَّاس مُحَمَّد بن إسحاق وَاسْتمرّ على ذَلِك أَيَّامًا يفد إليه الْعلمَاء والفضلاء ويطارح الأدباء واستأذن بِأَن يسكن في الرَّوْضَة فَأذن لَهُ ثمَّ بعد ذَلِك جرت أُمُور الله اعْلَم بِصِحَّتِهَا فأودعه الْخَلِيفَة حفظه الله السجْن وَهُوَ إلى حَالَة تَحْرِير هَذِه الأحرف شهر شَوَّال سنة 1213 بَاقٍ كَذَلِك فرج الله عَنهُ وَله من حسن الْخلق ولطف الطَّبْع وكرم الشيم والمحبة لأهل الْعلم وَالْفضل وفصاحة اللِّسَان وَقُوَّة الْحِفْظ وَسُرْعَة الادراك مَالا يعبر عَنهُ بِوَصْف ثمَّ أطلق وَتوفى في سنة 1220 عشْرين وَمِائَتَيْنِ وَألف 208 - السَّيِّد علي بن أَحْمد الْمَعْرُوف بِابْن مَعْصُوم قد تقدمت تَرْجَمَة وَالِده وَولد هَذَا في الْمَدِينَة وَدخل بِلَاد الْهِنْد وَله مؤلفات مِنْهَا سلافة الْعَصْر ترْجم فِيهَا لأدباء الْمِائَة الْحَادِيَة عشرَة وَلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 أَقف عَلَيْهِ وَله البديعية الموسومة بِتَقْدِيم علي عَارض بِهَذِهِ التَّسْمِيَة بديعية أَبى بكر بن حجَّة لِأَنَّهُ سَمَّاهَا تَقْدِيم أَبى بكر وكل وَاحِد تمت لَهُ التورية في التَّسْمِيَة وَله نظم حسن (مِنْهُ ... لَيْسَ احمرار لحاظه من عِلّة ... لَكِن دم الْقَتْلَى على الأسياف) (قَالُوا تشابه طرفه وبنانه ... وَمن البديع تشابه الْأَطْرَاف) وَله (بدا بَدْرًا ولاح لنا هلالاً ... وأشرق كوكباً واهتزّ غصنا) (وثنى قده الْحسن ارتياحاً ... فهام الْقلب بالْحسنِ الْمثنى) وَهُوَ إمامي الْمَذْهَب وَلم أَقف على تَارِيخ وَفَاته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 209 - علي بن أَحْمد بن مُحَمَّد الملقّب عَلَاء الدَّين الحنفي الرومي قَرَأَ في صغره على حَمْزَة القرمانى وَحفظ مُخْتَصر القدورى ثمَّ أَنى قسطنطينية وَقَرَأَ على الملا خسرو وعَلى مصلح الدَّين بن حسام الدَّين الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة والشرعية ثمَّ صَار معيداً لدرسه ثمَّ تزوج بابنته وَحصل لَهُ مِنْهُمَا أَوْلَاد اعطاه السُّلْطَان مُحَمَّد خَان ملك الرّوم الْمدرسَة الحجرية وَعين لَهُ كل يَوْم ثَلَاثِينَ درهماً وأعطاه خَمْسَة آلاف دِرْهَم وَلما صَار مُحَمَّد باشا القرماني وزيراً للسُّلْطَان نَقله من تِلْكَ الْمدرسَة إلى مدرسة أُخْرَى وَنقص من تَقْرِيره اليومي خَمْسَة دَرَاهِم فاشمأز صَاحب التَّرْجَمَة وَترك التدريس واتصل بالشيخ الْعَارِف مصلح الدَّين بن الْوَفَاء ثمَّ مَاتَ السُّلْطَان مُحَمَّد خَان وَقتل الْوَزير الْمَذْكُور وَجلسَ السُّلْطَان بايزيد خَان على سَرِير السلطنة فأرسل إلى صَاحب التَّرْجَمَة الوزراء وَدعَاهُ إليه فَلم يجب ثمَّ أرسل إليه مرسوماً بتفويضه في الْفَتْوَى في بلد اماسية وَعين لَهُ كل يَوْم ثَلَاثِينَ درهماً وَأمره أَن يدرّس بمدرسة السُّلْطَان مُرَاد الغازي بِمَدِينَة بروسا فَلم يقبل التدريس وَسَار إلى أماسيه لزيارة ابْن عَمه ثمَّ أعطَاهُ السُّلْطَان مدرسة وَعين لَهُ كل يَوْم خمسين درهماً ثمَّ أعطَاهُ إحدى الْمدَارِس الثمان فدرس هُنَالك مُدَّة كَثِيرَة ثمَّ توجه لِلْحَجِّ فَلم يَتَيَسَّر لَهُ تِلْكَ السنة وبقي بِمصْر وَاتفقَ أَنه توفي مفتي قسطنطينية فعينه السُّلْطَان للإفتاء بهَا وأمر من يَنُوب عَنهُ حَتَّى يعود فَلَمَّا عَاد بَاشر الإفتاء وَعين لَهُ السُّلْطَان كل يَوْم مائَة دِرْهَم وَعين لَهُ مدرسة وَجعل لَهُ خمسين درهماً فِي كل يَوْم فَصَارَ مقرره كل يَوْم مائَة وَخمسين درهماً فحسده على ذَلِك بعض الْعلمَاء فَجمع بعض فَتَاوِيهِ وَقَالَ إنه أَخطَأ فِيهَا وأرسلها إلى ديوَان السُّلْطَان فأرسلها الوزراء إلى صَاحب التَّرْجَمَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 فأجاب عَنْهَا ودعا على ذَلِك الْحَاسِد فَمَاتَ قبل أَن يمر عَلَيْهِ أُسْبُوع وَكَانَ كثيير التِّلَاوَة وَالْعِبَادَة مديماً لصَلَاة الْجَمَاعَات حسن الأخلاق كريم النَّفس وَكَانَ يقْعد في علو دَاره والزنبيل مُعَلّق فَيلقى المستفتي الورقة فِيهِ ويحركه فيجذبه وبكتب جَوَابه ثمَّ يدليه إليه وإنما فعل كَذَلِك لِئَلَّا ينْتَظر النَّاس بِبَابِهِ للْفَتْوَى فَكَانَ يَأْمر بِالْمَعْرُوفِ وَينْهى عَن الْمُنكر وَاسْتمرّ على ذَلِك إلى زمَان السُّلْطَان سليم خَان فاتفق أَنه أَمر بقتل مائَة وَخمسين رجلاً من حفاظ الخزائن فَبلغ صَاحب التَّرْجَمَة فَذهب إلى ديوَان السُّلْطَان وَلم يكن من عَادَة الْمُفْتى أن يذهب إلى هُنَالك إلا لحادث عَظِيم فتحير أهل الدِّيوَان واستقبله الوزراء وأجلسوه فِي صدر الْمجْلس ثمَّ سَأَلُوهُ عَن سَبَب مَجِيئه فَقَالَ أُرِيد أَن ألاقي السُّلْطَان ولي مَعَه كلان فبلغوا ذَلِك فأذن لَهُ السُّلْطَان فَدخل وَسلم وَجلسَ ثمَّ قَالَ وَظِيفَة أَرْبَاب الْفَتْوَى أَن يحفظوا آخِرَة السُّلْطَان وَقد سَمِعت أَنَّك قد أمرت بقتل مائَة وَخمسين رجلاً لَا يجوز قَتلهمْ شرعاً فَغَضب السُّلْطَان وَقَالَ إنك تتعرض لأمر السلطنة وَلَيْسَ ذَلِك من وظيفتك فَقَالَ بل أتعرض الْأَمر آخرتك وَأَنه من وظيفتي فإن عَفَوْت فلك النجَاة وإلا كَانَت عَلَيْك الْعقُوبَة الْعَظِيمَة فَانْكَسَرت عِنْد ذَلِك سُورَة السُّلْطَان وَعَفا عَن الْكل فَقَالَ تَكَلَّمت في أخرتك وبقي لي كَلَام يتَعَلَّق بالمروءة قَالَ السُّلْطَان مَا هُوَ قَالَ إن هَؤُلَاءِ من عبيد السُّلْطَان فَهَل يَلِيق لَهُم أَن يتكففوا النَّاس قَالَ لَا قَالَ فقررهم في منصبهم فَفعل السُّلْطَان ذَلِك ثمَّ اتفقت قَضِيَّة أُخْرَى وهي أَن السُّلْطَان الْمَذْكُور سَافر الى بعض مدنه وَصَاحب التَّرْجَمَة مَعَه فاتفق أَنه رأى أربعمائة رجل في الطَّرِيق مشدودين بالحبال فَسَأَلَ عَن حَالهم فَقَالُوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 أنهم خالفوا أَمر السُّلْطَان فاشتروا الْحَرِير وَقد كَانَ منع السُّلْطَان ذَلِك فَذهب إلى السُّلْطَان وَهُوَ رَاكب فَكَلمهُ وَقَالَ لَا يحل قَتلهمْ لغضب السُّلْطَان وَقَالَ أَيهَا الْمولى مَا يحل لى قتل ثلث الْعَالم لنظام الباقي قَالَ نعم وَلَكِن إذا أدى إلى خلل عَظِيم قَالَ السُّلْطَان وأي خلل أعظم من مُخَالفَة الأمر قَالَ هَؤُلَاءِ لم يخالفوا أَمرك لأنك نصبت الْأُمَنَاء على الْحَرِير وَهَذَا إذن بطرِيق الدّلَالَة قَالَ السُّلْطَان لَيْسَ أُمُور السلطنة من وظيفتك قَالَ إنه من أُمُور الْآخِرَة وَأَن التَّعَرُّض من وظيفتي ثمَّ فَارقه وَلم يسلم عَلَيْهِ فَحصل للسُّلْطَان غضب عَظِيم حَتَّى وقف على فرسه زَمَانا كثيراً وَالنَّاس واقفون قدامه وَخَلفه متحيرين من ذَلِك الأمر ثمَّ إن السُّلْطَان عَفا عَن الْكل ثمَّ لما وصل إلى مقْصده أرسل لصَاحب التَّرْجَمَة أَمِيرا وَقَالَ قل لَهُ إني قد أَعْطيته قَضَاء الْعَسْكَر إلى وَظِيفَة الإفتاء والتدريس لأني علمت أنه يتَكَلَّم بِالْحَقِّ فَأجَاب عَلَيْهِ مَعَ الأمير بِمَا نَصه وصل إلى كتابك سلمك الله وأبقاك تأمرني فِيهِ بِالْقضَاءِ وإني ممتثل أَمرك إلا أَن لي مَعَ الله عهداً أَن لَا يصدر عَنى لفظ حكمت فَأَحبهُ السُّلْطَان محبَّة شَدِيدَة وَزَاد في تَعْظِيمه وَأرْسل إليه خَمْسمِائَة دِينَار فقبلها ثمَّ إنّ السُّلْطَان المتولي للسلطنة بعد سليم زَاده فِي مقرره خمسين درهماً فَصَارَ مَجْمُوع تَقْرِيره اليومي مائتي درهماً وَقد صنّف كتاباً جمع فِيهِ مختارات الْمسَائِل وَسَماهُ الْمُخْتَار وَمَات في سنة 932 اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَتِسْعمِائَة 210 - علي بن اسمعيل بن حسن بن هادي النهمي ثمَّ الصنعاني مولده سنة 1170 سبعين وَمِائَة وَألف وَنَشَأ بِصَنْعَاء وَقَرَأَ على علماءها كشيخنا الْعَلامَة الْحسن بن اسمعيل المغربى والقاضى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 الْعَلامَة أَحْمد بن مُحَمَّد قاطن وَغَيرهمَا وَهُوَ بارع الذكاء فايق الذِّهْن جيد الإدراك حسن الْأَخْلَاق كريم الصُّحْبَة وَله شغلة كَبِيرَة بالعلوم الْعَقْلِيَّة والنقلية وَقد اسْتَفَادَ بفاضل ذهنه الْوَقَّاد من غَرِيب الْمسَائِل عجايب وَله ميل إِلَى الْأَدِلَّة وَعمل بِمَا يَصح مِنْهَا وَعدم الْتِفَات إِلَى مَحْض الرأي وَله قُوَّة في المباحثة والتصرفات الذهنية والاستنباطات العجيبة وَلَو دَامَ على الِاشْتِغَال لفاق في كثير من أَنْوَاع المعارف وَلكنه لَا يُفَارق المطالعة ويستفيد مِنْهَا ويفيد وَله شعر يمدح بِهِ خَليفَة الْعَصْر مَوْلَانَا الإمام الْمَنْصُور بِاللَّه حفظه الله وَهُوَ جيد فِي الْغَالِب وَيضمنهُ معاني دقيقة نفيسة وَله قدرَة على المشي مَعَ كل جنس بِمَا يَلِيق بِهِ وإقبال على معالى الْأُمُور ورغبة فى الشّرف وهوالآن حَيّ عافاه الله ثمَّ مَاتَ رَحمَه الله أَظُنهُ سنة 1232 اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَألف 211 - السَّيِّد على بن اسمعيل بن علي بن الْقَاسِم بن احْمَد بن الامام المتَوَكل على الله اسمعيل بن الْقَاسِم بن مُحَمَّد ولد سنة 1151 إحدى وَخمسين وَمِائَة وَألف بشهارة وَنَشَأ بهَا وَقَرَأَ فى الْعُلُوم الأدبية وَالْفِقْه وَمن جملَة مشايخه شَيخنَا السَّيِّد الْعَلامَة على بن إبراهيم الْمُتَقَدّم ذكره وَالشَّيْخ الْعَلامَة نَاصِر بن الْحُسَيْن المحبشي والقاضي الْعَلامَة محسن بن أَحْمد الشامى ثمَّ الشهارى وبرع فى الْأَدَب وَصَارَ يكْتب القصيدة في الْوَقْت الحقير مَعَ مافى شعره من الانسجام والسهولة والمعانى الفايقة وَقد جمعه فى سفينة بعث بهَا إِلَى وطالعت بعض مافيها وَلم يَتَيَسَّر لى النَّقْل مِنْهَا وَلما أرجعتها إليه كتبت إليه هَذِه الأبيات (بعثت نحوى زادك الله من ... تيارك العذب بدر القريض) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 (سرحت طرفى مِنْهُ فى جنَّة ... لم يحكها فى الْحسن روض اريض) (نظمت مايقصر عَن شأوه ... من خيرة القَوْل الطَّوِيل العريض) (فدمت تحي للعلى مربعاً ... فمربع الْعليا كسير مهيض) فَأجَاب بِأَبْيَات لم أحفظها وَهُوَ من أكَابِر آل الامام وَله رياسة كَبِيرَة في تِلْكَ الديار ويفد إِلَى صنعاء في الْأَرْبَعَة الْخَمْسَة الأعوام مرة وَاجْتمعت بِهِ في وفوده فِي سنة 1208 وَكَانَ لنا في كل أُسْبُوع يَوْم نَجْتَمِع فِيهِ وَهُوَ يَوْم الْأَرْبَعَاء من بعد الظّهْر إِلَى آخر اللَّيْل وَجَرت بيني وَبَينه مطارحات أدبية في فنون من ذَلِك أَنه كتب أبياتاً مضمونها أَنه لما عقد هَذَا الِاجْتِمَاع فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء زَالَ عَنهُ مايوصف بِهِ من النحاسة وَأَنه صَار بذلك أسعد الْأَيَّام وأبركها وَله فِي ذَلِك نظم بديع وَكَانَ إِذا وَقع التراخي من بعض من يضمه ذَلِك الْمجْلس كتب اليه أَنه إِذا لم يصل وَقع الرُّجُوع عَن تَقْرِير سَعَادَة يَوْم الْأَرْبَعَاء وَهُوَ حسن المحاضرة لَا يمل جليسه لما يُورِدهُ من الْأَخْبَار والأشعار والظرايف واللطايف والمباحثات العلمية والاستفادة فِيمَا لم يكن لَدَيْهِ مِنْهَا وتحرير الأسئلة الْحَسَنَة وَقد كتب إِلَى من ذَلِك شَيْئا كثيرا وأجبت عَلَيْهِ برسايل هي فِي مَجْمُوع رسائلي وَله حرص على الفوايد وهمة فِي تَقْيِيد الشوارد وَله من علوّ الهمة وَشرف النَّفس حَظّ وافر وَلما رَحل من صنعاء إِلَى وَطنه مَدِينَة شهارة كتب إِلَى من هُنَاكَ (أشارت إِلَى عهد اللقا بالحواجب ... وَمَا كنت عَن ذكرَاهُ مهمل وَاجِب) (سلي إن شَككت الْحَال قبلك إِذْ غَدا ... يناجيه قلبي هَل رأى غير وَاجِب) (وَعَن أرقى لَا تسألى غير عَارِف ... وَأعرف شئ فِيهِ زهر الْكَوَاكِب) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 (أَبيت أراعيها فَمَا بَين طالع ... أدير لَهُ طرفي وَمَا بَين غارب) (وتغرب جيلاً بعد جيل فَلَا أرى ... سوى القطب أوفى من سمير لصَاحب) (يُقيم لمن لَا يطْرق النوم جفْنه ... فقلبي مغناطيسه فِي التجاذب) (أعلياء لَوْلَا أَن سكناك مهجتي ... لما عذبت لي بعد بعدِي مشارب) (بلَى أن نَار الْبعد أذهبت الحشا ... فَهَل في الْقَتِيل الطالبي من مطَالب) (عَسى أَن يرق الْقلب مِنْهَا لرقتي ... ويرفق بِي فالرفق فعل الأطايب) (فتبعث لي حَتَّى مَعَ الريح يالها التح ... ية والبشرى بنيل مآربى) (كمثلى ماهب النسيم وَلَا حدت ... حداة إِلَى أوطانها بالركايب) (وَلم أمْلى تسليمي وأشهد أدمعي ... على وصب مني لصبري مغالب)) (سَلاما لنشر الرَّوْض ينفح عرفه ... ذكياً بمسك تبتي مصاحب) (سَلام أرق من النسيم إِذا هَب وأذكى من العبير والعنبر الأشهب يخْتَص من هوالمراد وان موه النظام ويهدى إِلَى من هُوَ المرام وإن احتملت الْعبارَة سواهُ فَمَا سواهُ المرام القاضي الْفَاضِل الناسك والسالك بِلَا نَكِير أحسن المسالك الْعَالم الرباني الْبَدْر مُحَمَّد بن على الشوكانى حفظه الله وأحله فِي رِضَاهُ أعلا المباني (وبلغه المأمول فِيمَا يرومه ... وسَاق إليه متحفات الرغايب) (وَمد لنا فِي عمره فَهُوَ نعْمَة ... تعم وأولاه جزيل الْمَوَاهِب) وإنها صدرت الأحرف الحقيرة للتحية وتجديد العهاد ومستمدة للدُّعَاء كماهو مبذول معوّل فِي وُصُوله على رب الْعباد (وتنبيك عَن شوق تأجج ناره ... وَلم يطفها صبّ الدُّمُوع السواكب) (لذكرى لَيَال كَانَ طرفي بوصلكم ... قريراً عَسى للوصل عودة غايب) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 . فَللَّه فِينَا مايشاء وَمَا قضى ... مضى كَيفَ شا وَالله أغلب غَالب) وللتهنية لكم بِمَا بلغ فَبلغ الْغَايَة عندي من المسرة من الأعراس الحميد جعل الله لأعينكم فِيهِ أعظم قُرَّة وَبَارك لَك وَعَلَيْك وأصلح لَك زَوجك وشؤنك كلهَا وسَاق ماشاء من برّه الهني إليك (أهنيك بالأعراس فاحمد مُقَدرا ... لذَلِك واشكر يَا ابْن ودي لواهب) (لَك الْحَمد مالاحت بروق وَمَا سرت ... نُجُوم وَمَا انهلت دموع السحايب) (ودمت على خفض من الْعَيْش رَافع ... لقدرك مَخْصُوصًا بأصفى المطالب) (وَلَا زلت في أفق الْخلَافَة مشرقا ... فانك بدر بن تِلْكَ الْكَوَاكِب) (خلَافَة مَوْلَانَا الذي شرّفت بِهِ ... أَزَال على شَرق الدنا والمغارب) فأجبت بقولي) (ايا بَين كم كدرت صفو المشارب ... وياهجركم هيجت لوعة غايب) (وَيَا دهركم جرعتني فقد صَاحب ... بكاس نوى من بعده فقد صَاحب) (إِلَى الله أَشْكُو ماجنته يَد النَّوَى ... على كبدي والدهر جمّ العجايب) (أحنّ إِلَى وصل تقادم عَهده ... وإن حنين الْمَرْء أَحْقَر وَاجِب) (وأندب دهر الْجمع بعد تفرق ... وأبكي عَلَيْهِ بالدموع السواكب) (فيا منزل اللقياء صافحك الحيا ... بجود ملث أدكن الردن ساكب) (بعيشك هَل من عودة بعد فرقة ... تعود لصبّ مغرم الْقلب دايب) وهي أَبْيَات طَوِيلَة غير طائلة وَهُوَ الْآن عافاه الله حى ووالده كَانَ شَاعِرًا كثير الشّعْر رَئِيسا كَبِيرا وشعره مَجْمُوع عِنْد وَلَده المترجم لَهُ ثمَّ قدم صَاحب التَّرْجَمَة عافاه الله إلى صنعاء المحروسة في شهر رَمَضَان سنة 1215 وَكَانَ يحضر مَعنا فِي الْقِرَاءَة في ليالي رَمَضَان بمنزلي ويجري بَيْننَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 مطارحات أدبية ومذكرات علمية فَمن ذَلِك أَنه حضر فِي بعض الليالي أَغْصَان زنبق قد تفتح نورها فَقلت من يشبه هَذِه الاغصان بتشبيه غير مِمَّا قد شبهها بِهِ الأولون ثمَّ قلت عقب ذَلِك بَيْتا وَهُوَ (تحكي رماح زمرد ... قد نظمت فِيهَا الْكَوَاكِب) فَأخذ هَذَا الْبَيْت وَكتب بعده وَقَبله هَكَذَا (غُصْن كَأَن قوامه ... قدّ لَدَى التَّشْبِيه كاعب) (تحكي رماح زمرد ... قد نظمت فِيهَا الْكَوَاكِب) (أَو سالفات نواعم ... جالت عَلَيْهِنَّ الذوايب) (بقرامل مصفوفة ... من لُؤْلُؤ فِيهِنَّ لازب) وَلم يتَوَقَّف إلا مِقْدَار الْكتب بالقلم من دون روية وَلَا تدبر ووفد أَيْضا إلى صنعاء سنة 1218 وَكثر اجتماعنا وَسمع مني رسالتي الْمُسَمَّاة الدر النضيد فِي إخلاص التَّوْحِيد وَكَذَلِكَ حضر مَعنا فِي قِرَاءَة مؤلفي الْمُسَمّى إتحاف الأكابر بإسناد الدفاتر وَحصل كلا المؤلفين بِخَطِّهِ وَبِالْجُمْلَةِ فقد دَار بينى وَبَينه من المساجلات الأدبية والمكاتبات الشعرية مايكثر سرد بعضه وَقد رقمت بعض ذَلِك في مَجْمُوع شعرى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 212 - السَّيِّد على بن الإمام المتَوَكل على الله اسمعيل بن الْقَاسِم بن مُحَمَّد الرئيس الْكَبِير المستقل بغالب الْيمن الأسفل كَانَ لَهُ اطلَاع على الْعُلُوم الأدبية وتمهرّ في الصِّنَاعَة الشعرية ولشعراء عصره فِيهِ غرر المدايح وَهُوَ من مفاخر الْيمن ومحاسن ذَلِك الزَّمن وشعره مَشْهُور عِنْد النَّاس وَمن جيده القصيدة الَّتِى مطْلعهَا (أكذا المشتاق يؤرقه ... تغريد الْوَرق ويقلقه) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 وَمن أحسن قَوْله فِيهَا (آه يَا برق أما خبر ... عَن أهل الْغَوْر تحَققه) (فتزيل جوى لاسير هوى ... مضني قد طَال تشوقه) وَمن أحسن شعره الأبيات هَذِه (أيكتم مَا بِهِ الصبّ المشوق ... وَقد لاحت لَهُ وَهنا بروق) (وَهل يخفى الغرام على ولوع ... يؤرق جفْنه الْبَرْق الخفوق) (ويسلو عَن أهل الْجزع صبّ ... جرى من جفن عَيْنَيْهِ العقيق) ( ... اليك إليك عَنى يَا عذولي ... فلست من الصبابة أستفيق) (فلي قلب إلى بانات حزوي ... طروب لَا يمل وَلَا يفِيق) وَقد كتب الى وَالِده قصيدة لما صدّ الركب الْيَمَانِيّ عَن الْحَج سنة 1088 يحثه على الْجِهَاد ومطلعها (لعمرك لَيْسَ يدْرك بالتواني ... وَلَا بِالْعَجزِ غايات الأماني) وهي غَايَة فِي بَابهَا وَكَانَت بَينه وَبَين المهدي مُحَمَّد بن أَحْمد صَاحب الْمَوَاهِب مُنَافَسَة على الْملك والبلاد قبل أَن يلي المهدي الْخلَافَة واتفقت بَينهمَا حروب وَفتن كَبِيرَة وَمن سعادته أَنه أدْركهُ الْأَجَل قبل أَن يلي المهدي الْخلَافَة فَمَاتَ في يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث شهر رَمَضَان سنة 1096 سِتّ وَتِسْعين وَألف بِمَدِينَة اب وقبره بهَا 213 - على بن اسمعيل بن يُوسُف القونوي عَلَاء الدَّين الشافعي ولد بقونية من بِلَاد الروم سنة 668 ثَمَان وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَقدم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 دمشق سنة 693 فدرّس بالإقبالية ثمَّ قدم بِالْقَاهِرَةِ فَسمع من جمَاعَة كابى الْفضل بن عَسَاكِر وَابْن الْقيم والدمياطي وَابْن الصَّواف وَابْن دَقِيق الْعِيد وَقَرَأَ فِي الْأُصُول على تَاج الدَّين الجيلاني وَتقدم فِي معرفَة التَّفْسِير وَالْفِقْه والأصول وَأقَام على قدم وَاحِد ثَلَاثِينَ سنة يصلي الصُّبْح جمَاعَة ثمَّ يقْرَأ إلى الظّهْر ثمَّ يُصليهَا وَيَأْكُل في بَيته شَيْئا ثمَّ يتَوَجَّه إلى زِيَارَة صَاحب أَو عِيَادَة مَرِيض أَو شَفَاعَة أَو تهنية أَو تَعْزِيَة ثمَّ يرجع ويشتغل بِالذكر إلى آخر النَّهَار وَكَانَ السُّلْطَان النَّاصِر يعظمه ويثني عَلَيْهِ ثمَّ ولاه قَضَاء دمشق فَتوجه اليها فِي سنة 727 فباشره أحسن مُبَاشرَة مَعَ تصلب زايد وعفة لم يكن لَهُ فِي الحكم نهمة بل هُوَ على عَادَته في الإقبال على الْعلم وَكَانَ كثير الْفُنُون كثير الإنصاف كثير الْكتب ولمااستقر بِدِمَشْق أعطى الشَّافِعِيَّة ألف دِينَار وَقَالَ هَذِه حضرت معي من الْقَاهِرَة وَله مصنفات مِنْهَا شرح الحاوي وَشرح مُخْتَصر الْمِنْهَاج للحليمي ثمَّ طلب الإعفاء من الْقَضَاء فَلم يجبهُ السُّلْطَان وَكَانَ يعظّم الشَّيْخ تقي الدَّين ابْن تَيْمِية ويذب عَنهُ وَيُقَال ان النَّاصِر قَالَ لَهُ إِذا وصلت إلى دمشق قل للنائب يفرج عَن ابْن تَيْمِية قَالَ ياخوند لأيّ معنى سجن قَالَ لأجل الْفَتَاوَى قَالَ فإن كَانَ رَاجعا عَنْهَا أفرجنا عَنهُ فَيُقَال كَانَ هَذَا الْجَواب سَببا لاستمرار ابْن تَيْمِية في السجْن إلى أن مَاتَ لأنه كَانَ لايذعن للرُّجُوع وَلما خرج ابْن الْقيم من القلعة وأتاه سربه وأكرمه وَوَصله وَكَانَ يثني على أبحاثه قَالَ الأسنوي فِي تَرْجَمته وَكَانَ أجمع من رَأينَا للعلوم مَعَ الاتساع فِيهَا خُصُوصا الْعَقْلِيَّة واللغوية لَا يشار بهَا الا إليه وَتخرج بِهِ أكثر الْعلمَاء المصريين قَالَ وتحيل عَلَيْهِ جمَاعَة من الْكِبَار في أَن يبعد عَن الديار المصرية لأغراض فَحسن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 للسُّلْطَان تَوليته قَضَاء الشَّام فَفعل فَسَأَلَهُ السُّلْطَان فِي ذَلِك وتلطف بِهِ فَاعْتَذر وَمن جملَة مَا قَالَ للسُّلْطَان ان لَهُ أطفالاً يتأذون بالحركة فَقَالَ لَهُ السُّلْطَان أنا أحملهم على كفي وَبسط يَده وَمن شعره (غمرتني المكارم الغرّ مِنْكُم ... وتوالت عليّ مِنْهَا فنون) (شَرط إحسانكم تحقق عندي ... لَيْت شعرى الْجَزَاء كَيفَ يكون) وَكَانَ مَوته فِي رَابِع عشر ذِي الْقعدَة سنة 729 تسع وَعشْرين وَسَبْعمائة بِدِمَشْق وتأسّف النَّاس على فَقده 214 - علي بن أَبى بكر بن سُلَيْمَان بن أبي بكر بن عمر بن صَالح نور الدَّين الهيثمي الشافعي الْحَافِظ ولد فِي رَجَب سنة 735 خمس وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة بِالْقَاهِرَةِ وَنَشَأ بهَا فَقَرَأَ الْقُرْآن ثمَّ صحب الزين العراقي وَلم يُفَارِقهُ سفراً وحضراً حَتَّى مَاتَ ورافقه فِي جَمِيع مسموعاته بِمصْر والقاهرة والحرمين وَبَيت الْمُقَدّس ودمشق وبعلبك وحماه وحلب وحمص وطرابلس وَغَيرهَا وَلم ينْفَرد أَحدهمَا عَن الآخر إلا بمسموعات يسيرَة ومشائخ قَليلَة وَصَاحب التَّرْجَمَة مكثر سَمَاعا وشيوخاً وَلم يكن الزين يعْتَمد فِي شئ من أُمُوره إلا عَلَيْهِ وزوّجه ابْنَته ورزق مِنْهَا عدَّة أَوْلَاد وَكتب الْكثير من تصانيف الزين وَقَرَأَ عَلَيْهِ أَكْثَرهَا وَتخرج بِهِ وورى بِهِ فى افراد زَوَائِد كتب كالمعاجم الثَّلَاثَة للطبراني وَالْمَسَانِيد لأحمد وَالْبَزَّار وأبي يعلى على الْكتب السِّتَّة وابتدأ أَولا بزوائد أَحْمد فجَاء فِي مجلدين وكل وَاحِد من الْخَمْسَة الْبَاقِيَة فى تصنيف مُسْتَقل الا الطبرانى الاوسط وَالصَّغِير فهما في تصنيف ثمَّ جمع الْجَمِيع فى كتاب وَاحِد مَحْذُوف الأسانيد سَمَّاهُ مجمع الزَّوَائِد وَكَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 أفرد زَوَائِد صَحِيح ابْن حبَان على الصحيحيين ورتب أَحَادِيث الْحِلْية لابى نعيم على الأبواب وَمَات عَنهُ مسودة فبيّضه وأكمله ابنحجر فى مجلديم وَأَحَادِيث الغيلانيات والخلعيات وفوايد تَمام الأفراد للدَّار قطني أَيْضا على الْأَبْوَاب فو مجلديم ورتب كلا من ثِقَات بن حبَان ثِقَات العجلي على الْحُرُوف وأعانه بكتبه ثمَّ بالمرور عَلَيْهَا وتحريرها وَعلم خطبهَا وَنَحْو ذَلِك وعادت بركَة الزين عَلَيْهِ فِي ذَلِك وَفِي غَيره وَكَانَ عجباً في الدَّين وَالتَّقوى والزهد والإقبال على الْعلم وَالْعِبَادَة وخدمة الزين وَعدم مُخَالطَة النَّاس فِي شئ من الْأُمُور والمحبة للْحَدِيث وَأَهله وَحدث بالكثير رَفِيقًا للزين وَبعد موت الزين أَخذ عَنهُ النَّاس وَأَكْثرُوا وَمَعَ ذَلِك فَلم يُغير حَاله وَلَا تصدر وَلَا تمشيخ ولميزل على طَرِيقَته حَتَّى مَاتَ في لَيْلَة الثُّلَاثَاء تَاسِع وعشين رَمَضَان سنة 807 سبع وثمان مائَة قَالَ ابْن حجر أنّه تتبع أَوْهَامه في مجمع الزَّوَائِد فَبَلغهُ فَعَاتَبَهُ فَترك التتبع قَالَ وَكَانَ كثير الاستحضار للمتون يسْرع الْجَواب بِحَضْرَة المين فيعجب الزين ذَلِك قَالَ وَكَانَ من لَا يدرى يظنّ لسرعة جَوَابه بِحَضْرَة الزين أَنه أحفظ مِنْهُ وَلَيْسَ كَذَلِك بل الْحِفْظ الْمعرفَة على بن الْحُسَيْن بن الْقَاسِم بن مَنْصُور بن على الموصلى زين الدَّين ين شيخ القوفية بِالتَّصْغِيرِ اسْم مَكَان كَانَ جده الأعلى مُنْقَطِعًا بمَكَان بالموصل وَكَانَ المَاء بَعيدا عَنهُ فَرَأى رُؤْيا فحفر حفيرة فى ذَلِك الْمَكَان فجرت مِنْهُ عين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 لَطِيفَة فَقيل لَهُ شيخ القوفيه ولد صَاحب التَّرْجَمَة في رَجَب سنة 681 إحدى وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة بالموصل وَنَشَأ بهَا وَقَرَأَ الْقُرْآن وَأخذ الشاطبية وَشَرحهَا عَن الشَّيْخ شمس الدَّين بن الْوراق وَأخذ سَائِر الْعُلُوم عَن جمَاعَة وَسمع الحَدِيث عَن زَيْنَب بنت الْكَمَال والمزيّ وَغَيرهمَا وَشرع فِي التصانيف فشرح مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب وفروع ابْن الساعاتي ونظم الحاوي الصَّغِير وَشرح الْمِنْهَاج وَشرع فِي شرح التسهيل لِابْنِ مَالك وَغير ذَلِك قَالَ ابْن رَافع في ذيل تَارِيخ بَغْدَاد كَانَ حسن الْعبارَة لطيف المحاضرة مليح البزة جميل الْهَيْئَة كثير التودّد خيراً ديناً وَهُوَ الذي كتب إليه الصفدي السُّؤَال الْمَشْهُور في قَوْله تَعَالَى استطعما أَهلهَا وَجعله نظماً فَقَالَ (أَلا إنما الْقُرْآن أكبر معجز ... لافضل من يهدي بِهِ الثَّقَلَان) (وَمن جملَة الإعجاز كَون اختصاره ... بإيجاز ألفاظ وَبسط معَان) (ولكنني في الْكَهْف أَبْصرت آيَة ... بهَا الْفِكر في طول الزَّمَان عناني) (وَمَا ذَاك إلا استطعما أَهلهَا فقد ... يرى استطعماهم مثله بِبَيَان) (فَمَا الْحِكْمَة الغراء فِي وضع ظَاهر ... مَكَان ضمير إنّ ذَاك لشان) فأجاب صَاحب التَّرْجَمَة (سَأَلت لماذا استطعما أَهلهَا أَنى ... عَن استطعماهم ان ذَاك لشان) (وَفِيه اخْتِصَار لَيْسَ ثمَّ وَلم تقف ... على سَبَب الرجحان مُنْذُ زمَان) (فهاك جَوَابا رَافعا لنقابه ... يصير بِهِ الْمَعْنى كرأي عيان) (إذا مَا اسْتَوَى الحالان في الحكم رجح ال ... ضمير وَأما حِين يَلْتَقِيَانِ) (فإن كَانَ في التَّصْرِيح أظهر حِكْمَة ... لرفعة شَأْن أَو حقارة جَان) (كَمثل أَمِير الْمُؤمنِينَ يَقُول ذَا ... وَمَا نَحن فِيهِ صَرَّحُوا بِأَمَان) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 (وَهَذَا على الإيجاز وَاللَّفْظ جَاءَ فِي ... جوابي منثوراً بِحسن بَيَان) (فَلَا تمتحن بالنظم من بعد عَالما ... فَلَيْسَ لكلّ بالقريض يدان) (وَقد قيل إنّ الشّعْر يزري بهم فَلَا ... يكَاد ترى من سَابق برهَان) (واستغفر الله الْعَظِيم بِمَا طَغى ... بِهِ قلمي أَو طَال فِيهِ لساني) قَالَ ابْن حجر وشعره أَكثر انسجاماً وَأَقل تكلفاً من شعر الصفدي وَمَات بالموصل فِي رَمَضَان سنة 755 خمس وَخمسين وَسَبْعمائة 216 - علي بن دادو بن يُوسُف بن عمر بن علي بن رَسُول الْملك الْمُجَاهِد ابْن الْمُؤَيد بن المظفربن الْمَنْصُور صَاحب الْيمن ولي السلطنة بعد أَبِيه فِي ذي الْحجَّة سنة 721 وثار عَلَيْهِ ابْن عَمه الظَّاهِر بن الْمَنْصُور وَجَرت حروب بَينهمَا ثمَّ اسْتَقر الْمُجَاهِد بزبيد فحاصره الظَّاهِر فجربت من الْحصار ثمَّ كَاتب الْمُجَاهِد الإمام صَلَاح الدَّين صَاحب صنعاء فَأرْسل إليه عسكراً فجرت لَهُم قصَص طَوِيلَة إِلَى أَن آل الْأَمر إلى الْمُجَاهِد وَاسْتولى على الْبِلَاد كلهَا وَحج سنة 742 وأحضر كسْوَة الْكَعْبَة وباباً لَهَا على أَنه يركبه ويكسو الْكَعْبَة وَفرق على المكيين مَالا كثيراً فَلم يمكنوه من ذَلِك فَلَمَّا رَجَعَ وجد وَلَده قد غلب على المملكة ولقب الْمُؤَيد فحاربه إلى أَن قبض عَلَيْهِ وَقَتله ثمَّ حج سنة 751 فَقدم محمله على محمل المصريين فَاخْتَلَفُوا وَوَقع بَينهم الْحَرْب وساعد أهل مَكَّة الْمُجَاهِد ثمَّ اسْتمرّ الْقَتْل في أهل الْيمن فَانْهَزَمُوا وَأسر الْمُجَاهِد وَأمْسك وَحمل إلى الْقَاهِرَة فأكرمه السُّلْطَان النَّاصِر وَحل قَيده وَقرر عَلَيْهِ مَالا يحملهُ وخلع عَلَيْهِ وجهزّه إلى بِلَاده وَأرْسل مَعَه بعض أمراءه فَلَمَّا وصل إلى الينبع فرّ مِنْهُ فأمسكه وأعيد إلى مصر فَجهز إلى الكرك فحبس بِهِ إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 أَن خلع النَّاصِر حسن فأفرج عَنهُ فِي شعْبَان سنة 752 واعيد الى بِلَاده ومملكته وَكَانَ ذَلِك بشفاعة بعض الْأُمَرَاء وَوصل إلى الْيمن فأقام في مَمْلَكَته إلى أَن مَاتَ وَكَانَت والدته لما حج قد دبرت المملكة وَلما بلغَهَا أسره أَقَامَت وَلَده الصَّالح وكتبت إلى التُّجَّار وروي أَنه ركب بعد أَن أطلق حصاناً وَمر على شاطئ النيل فعطش الحصان ونازعه الى شربه المَاء فَسَقَاهُ ثمَّ بَكَى أحر بكاء فَسَأَلَهُ بعض من كَانَ عِنْده عَن سَبَب بكائه فَقَالَ إن بعض المنجمين ذكر لَهُ وَهُوَ بِالْيمن أَنه يملك الديار المصرية ويسقي فرسه من النيل وَكَانَ يظن وُقُوع ذَلِك فَلَمَّا رأى فرسه في ذَلِك الْوَقْت يشرب من مَاء النيل عرف أَن ذَلِك الْقدر هُوَ الذي أُشير اليه وَمَات في جُمَادَى سنة 764 أَربع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة 217 - الشَّيْخ ملا علي قاري بن سُلْطَان بن مُحَمَّد الهروي الحنفي ولد بهراة ورحل إلى مَكَّة وَاسْتقر بهَا وَأخذ عَن جمَاعَة من الْمُحَقِّقين كَابْن حجر الهيثمي وَله مصنفات مِنْهَا شرح الْمشكاة وَشرح الشمايل وَشرح الوتريه وَشرح الجزرية وَشرح النخبة وَشرح الشِّفَاء وَشرح الشاطبية ولخص الْقَامُوس وَسَماهُ الناموس وَله الثِّمَار الجنية فِي أَسمَاء الْحَنَفِيَّة وَله غير ذَلِك قَالَ العصامي فِي وَصفه الْجَامِع للعلوم النقلية والعقلية والمتضلع من السنة النَّبَوِيَّة أحد جَمَاهِير والاعلام مشاهير أولي الْحِفْظ والأفهام ثمَّ قَالَ لكنه امتحن بالاعتراض على الْأَئِمَّة لاسيما الشافعى وَأَصْحَابه وَاعْترض على الإمام مَالك في إرسال يَدَيْهِ وَلِهَذَا تَجِد مؤلفاته لَيْسَ عَلَيْهَا نور الْعلم وَمن ثمَّة نهى عَن مطالعتها كثير من الْعلمَاء والأولياء انْتهى وَأَقُول هَذَا دَلِيل على علو مَنْزِلَته فان الْمُجْتَهد شَأْنه أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 يبين مَا يُخَالف الْأَدِلَّة الصَّحِيحَة ويعترضه سَوَاء كَانَ قَائِله عَظِيما أَو حَقِيرًا تِلْكَ شكاة ظَاهر عَنْك عارها وَكَانَ وَفَاة صَاحب التَّرْجَمَة سنة 1014 أَربع عشرَة وَألف 218 - علي بن سُلَيْمَان بن أَحْمد بن مُحَمَّد الْعَلَاء الدمشقي الصَّالِحِي الحنبلي وَيعرف بالمرداوي ولد تَقْرِيبًا من سنة 820 عشْرين وثمان مائَة بِمُرَاد ونشأبها فحفظ الْقُرْآن وَقَرَأَ فِي الْفِقْه على احْمَد بن يُوسُف ثمَّ تحول إِلَى دمشق وَقَرَأَ على علمائها في الْفُنُون ثمَّ قدم الْقَاهِرَة وَأخذ عَن علمائها وتصدى للإقراء بِدِمَشْق ومصر وللافتاء وصف التصانيف مِنْهَا الإنصاف في معرفَة الرَّاجِح من الْخلاف أَربع مجلدات كبار وَاخْتَصَرَهُ في مُجَلد وتحرير الْمَنْقُول في تمهيد علم الْأُصُول وَشَرحه وَسَماهُ التحبير في شرح التَّحْرِير في مجلدين وَله تصانيف غير ذَلِك وَهُوَ عَالم متقن مُحَقّق لكثير من الْفُنُون منصف منقاد إلى الْحق متعفف ورع وَمَات فِي جُمَادَى الأولى سنة 885 خمس وَثَمَانِينَ وثمان مائَة 219 - علي بن صَالح العماري ثمَّ الصنّعاني ولد تَقْرِيبًا سنة 1150 خمسين وماية وَألف أَو قبلهَا بِيَسِير أَو بعْدهَا بِيَسِير وَقَرَأَ على عُلَمَاء عصره في كثير من الْفُنُون وبرع في عُلُوم الْأَدَب وشارك فِي التَّفْسِير والْحَدِيث مُشَاركَة قَوِيَّة وَتفرد بِمَعْرِِفَة فنون كعلم الْهَيْئَة والهندسة والنجوم وَكتب الْخط الفايق ونظم الشّعْر الْحسن وَهُوَ متفرد بِكَثِير من المحاسن قَلِيل النظير فِي مَجْمُوعَة ذكي قوى الادراك بديع التَّصَوُّر ضخم الرياسة جيد التَّدْبِير اتَّصل أول أمره بمولانا الإمام المهدي الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن رَحمَه الله وولاه أعمالاً وَصَارَ بعد ذَلِك أحد وزرائه وَكَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 يمِيل إليه ويؤثره لما لَدَيْهِ من الْفَضَائِل ثمَّ انحرف عَنهُ قَلِيلا ثمَّ عَاد لَهُ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وعزم قبل مَوته على تَفْوِيض الوزارة اليه فَمَاتَ وبويع مَوْلَانَا خَليفَة الْعَصْر الْمَنْصُور بِاللَّه حفظه اله فولاه بندر المخا وَهُوَ أكبر ولَايَة فى القطراليمنى وبقي هُنَالك نَحْو خمس سِنِين وشكر النَّاس ولَايَته وَحسن تَدْبيره وَهُوَ مَعَ ذَلِك مورد لأهل الْعلم والفضائل وَيَأْخُذ عَن كل من رأى لَدَيْهِ علماً لَا يعرفهُ ويستفيده في أسرع مُدَّة ثمَّ عَاد من المخا إِلَى صنعاء وَقد جمع دنيا عريضة وَكَانَ يتَّصل بالخليفة حفظه الله في كثير من الْأَوْقَات فحسده جمَاعَة من الوزراء فأبعدوه ثمَّ بعد أَيَّام فوّض إِلَيْهِ مَوْلَانَا الإمام وساطة بعض مداين الْيمن والمشارفة على بعض أملاكه فَصَارَ من جملَة الوزراء وَاجْتمعت بِهِ فِي مقَام مَوْلَانَا الْخَلِيفَة مَرَّات عديدة وَكَانَ يذاكر هُنَالك بمسائل مفيدة وسألنى بمسائل أجبْت عَلَيْهَا برسائل هي مَوْجُودَة فِي مَجْمُوع رسائلي وَآخر مَا سَأَلَني عَنهُ قبل مَوته عَن كَلَام المفترين فِي قَوْله تَعَالَى {وَالْقَمَر قدرناه منَازِل} وَأورد فى السُّؤَال اعترضات على الزمخشري والسعد وأجبت عَنهُ برسالة سميتها جَوَاب السَّائِل عَن تَفْسِير تَقْدِير الْقَمَر منَازِل وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ متفرد بمواد كِتَابَة الإنشاء وَمَا يحْتَاج إليه من عُلُوم الأدب وَغَيرهَا مَعَ جودة النّظم والنثر الى غَايَة والاقتدار من ذَلِك على مالم يقتدر عَلَيْهِ غَيره ولعمري أَنه يفضل كثيراً من الافاضل الْمُتَقَدِّمين المتفردين بالبلاغة لمَاله من دقة الذِّهْن وممارسة الْعُلُوم الدقيقة وَحسن الْخط على حد يقصر عَنهُ الْوَصْف وَالْقُدْرَة على اخراج كثير من الصَّنَائِع من الْقُوَّة إلى الْفِعْل وَله من ذَلِك مَا ينبهر لَهُ من يعرف الْحَقِيقَة وسأذكر من أَدِلَّة تفرده وَصدق مَا شرحته فِي حَقه مَالا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 يَسْتَطِيع الْمُنكر إنكاره ليعلم المطلع على ذَلِك أَنه فَوق مَا وَصفته بل هُوَ مِمَّن يفتخر بِهِ الْعَصْر على مَا تقدمه من العصور ويكفى فى تَصْحِيح هَذِه الدَّعْوَى ذكر النظم والنثر الذي كتبه إلى الإمام المهدي يستعطفه بِهِ في سنة 1179 وَقد اشْتَمَلت كل فقرة من فقر النثر على تَارِيخ هَذِه السنة وكل بَيت من بيُوت النّظم على تاريخين كَذَلِك في الصَّدْر تَارِيخ وَفِي الْعَجز تَارِيخ مَعَ سلاسة النّظم والنثر وَعدم التَّكَلُّف وَهَذَا شئ لَا يبلغ اليه قرايح أهل هَذَا الْعَصْر بل لَا يظن اقتدار أهل العصور المتقدمة عَلَيْهِ وإن قدر عَلَيْهِ فَرد من الْأَفْرَاد جَاءَ بِهِ في كَلَام معقّد متكلّف قد روعيت فِيهِ الْأَلْفَاظ وهجرت الْمعَانى وَهَذِه الْأَلْفَاظ الَّتِى اشرنا اليها يَقُول أفقر عباد الإله على العماري عمته مَكَارِم الْحَلِيم الْبَارِي بِحَمْد الله استهل الإنشاء كَمَا بدا وَجه الْهلَال وبجدى أشكره في الْبكر وَالْآصَال جل جَلَاله عَن مُشَاركَة لَهُ فِي ملكه وَعَن ندّ ينشئ السَّحَاب الثقال بِمد ويمتن تَعَالَى دَائِما أبداً بِلَا عد وَصلَاته وَسَلَامه الأكملان أبدا على سيدنَا مُحَمَّد وَآله ماغاب هِلَال وجدد ونادى المهدي مهني بِلِسَانِهِ وَاسْتشْهدَ (مليك الورى لَا زلت في قايم العلى ... هلالا منيرا مشرقا قَائِما باهى) لازلت في نعم توالي وَبهَا نصر من الرب تَعَالَى (وتبدئ للدنيا سُرُورًا وأنعما ... فدمت لنا ركن الْهدى أمراً ناهي (فَلَا بَرحت في عَيْش جَدِيد نايلا بجد ماتهوى وتريد لَك فوز الْأجر في الشَّهْر السعيد مبشرا بنيل رجواك بِهِ من الْعَزِيز الحميد (تقدم شهر الصَّوْم بالفوز مُعْلنا ... وَطيب الثَّنَاء وافاك من طيبه الشاهى) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 لعز ذُو الْجلَال والاكرام مدلك الْأجر بِهَذَا الْعَام وَبِهَذَا هنئت وحزت بِهِ مَا شِئْت (وفي كل عَام نلْت أجراً لرَبه ... وَمَا بت عَن شكر بجد لَهُ لاهي) زادك رب الْخلق بجود مِمَّا أولى وبوأك بِحَدّ الشرف الرفيع الأعلى وولاك رِقَاب الْخلق أبداً وَأولى فَنعم مَا أولاك تَعَالَى وَجها وَنعم الْمولى (ودونك قولا للحب مؤرخ ... على كل شطر لَيْسَ شين وَلَا لاهي) وَلما ورخ بِهِ كل سجعه زيد تمنعاً على من رام مَنعه فَلهَذَا جَاءَهُ مُحكم الصنعة وأعجز فِيهَا من يروم تأليفه وَجمعه) (ينبيك لما جا بحالى مذكرا ... وماصرت عَنى بعد طول الجفا ساهي) (عجب فهمك الشريف يفهم لمقالي لست بالساهي عَن أمري فأنبهك لحالي) (فكمال عافيتك من ربي هُوَ جل مالي وَلَئِن بقيت بهَا كملت آمالي) (وَدم صاعداً في الْمجد أشرف مقْعد ... على حسن عَيْش نوره منوّر زاهي) آمنا بِهِ سالماً من حُدُوث ريب الزَّمن محجوباً عَن بوادى الْفِتَن وشوائب حبك الاحن فاكثر حمدا لله تصلح بِهِ كل نِيَّة وأشكر بِهِ دَائِما في السِّرّ وَالْعَلَانِيَة (فَهَذَا هِلَال الصَّوْم وافى هلاله ... بمبدأ عمر دهره لَيْسَ متناهي) فاستأنف الْآن عزا بدا وعمراً جَدِيدا وعش بدوام نعيم سعد عَيْشًا حميداً وأخلق بدوام أيامه ولياليه عيداً فعيدا فتهن اجرابه دَائِما وعمراً مديداً (تهن بِمَا أَعْطَيْت فِيهِ مهناء ... هوالخير بالإقبال والعزّ والجاه) وأنجز وَتمّ مَا كتب بالقلم وَمَا أبدعه مداده ونظم وانقضى بجيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 الْمقَال وَبعد أَن بشر بالنصر والإقبال (وَقد جَاءَ نصر الله بِالْفَتْح قَابلا ... وتبّت لَهَا الأعداء فَالْحَمْد لله) أسأَل من رَبنَا تَعَالَى بَان يحسن إليك بإتمام نعْمَته عَلَيْك ويخولك بكرمه وبجود مهنيا بِمَا لديك ويحوطك بامنه من خَلفك وَمن بَين يَديك وحساب هَذِه الْفقر ومصاريع الأبيات واف وَلَا نقص في شئ مِنْهُ إلا في مَوضِع وَاحِد فإنه نقص مِنْهُ وَاحِد فَقَط فَمن ظنّ أَن ثمَّة نقصاً في غير ذَلِك فَهُوَ إما لتصحيف من الظَّان أَو تَحْرِيف وَمن تَأمل هَذِه الْقطعَة بِعَين الْحَقِيقَة علم مِقْدَار منشيها ومرتبته في الْفضل وَبَعض الأبيات والفقر وإن كَانَ يظن بعض من لم يمارس عُلُوم الاعراب أَن فِيهِ لحناً فَمَا ذَلِك إلا من قُصُور بَاعه فإن لكل من ذَلِك وَجها وجيهاً فِي الْعَرَبيَّة ثمَّ لما أَرَادَ الْحَج كتب إلى الإمام المهدي هَذَا النظم والنثر مودعاً لَهُ ومستعطفاً وَلَفظه بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم ونحمده تَعَالَى وإن نطق الْقَلَم بالتشبيب وعنى عَن الْغَرَض الْبعيد بالقريب فقصده مُنَاسبَة الْقَصْد لَا النسيب فَلهَذَا صرخَ بالاستهلال وَصرح بالخفي فَقَالَ (أجرم مَا يُقَال لَهُ عثار ... وذنب لَا يكون لَهُ اغتفار) (وَهل يسْتَوْجب التعذيب طرف ... جرى مِنْهُ انهمال وانهمار) (وقلب لَا يفِيق عَن التصابي ... وَلَا ينهاه ضعف وانكسار) (بِهِ ظبي لَهُ الجوزاء قرط ... مليح والهلال لَهُ سوار) (لَهُ مالي بِلَا من وروحي ... ولي مِنْهُ الملالة والنفار) جرح فؤادي بأسياف الْعُيُون وَضعف قلبي بسهام الجفون وَلما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 صَحَّ لَهُ عَن الْقلب حَدِيث الْهوى وروت لَهُ الجفون على الطرف مَرَاسِيل النَّوَى وَعلم الدَّهْر أَن قلبي موثق في يَدَيْهِ وموصول دمعي مَوْقُوف عَلَيْهِ علل بالجفاء ذَلِك الْوِصَال فَقَالَ عَنهُ بِلِسَان الْحَال (سقى دهرا نعمنافيه عَيْشًا ... وأياما لياليها قصار) (وَمر كَأَنَّهُ اصغاث نوم ... فَمَا عندي لماضيه ادكار) أنساني معرفَة تنكير الزَّمن لما نصبت صروفه على الْحَال خيام المحن وَلما ولع بخفض عَيْش الْمَرْفُوع أهملت كَلَام العاذل الْمَوْضُوع وصرفته عَن الإغراء فَهُوَ الْمَمْنُوع وَقلت مُبينًا مَا كَفاهُ من اتِّبَاع العذل عَن الْمَتْبُوع وأغناه عَن الْمثنى من الملام وَالْمَجْمُوع (أعاذل قد كَفاك العذل دهر ... وَقَامَ بِمَا جناه الاغترار) (تلوم فَتى أَصَابَته الرزايا ... وفارقه الشَّبَاب الْمُسْتَعَار) (أبعد الْخمس وَالْعِشْرين يصبو ... لعمر أَبِيك هَذَا الاغترار) (ذهب عَنهُ تصريف الْهوى وَمَعْنَاهُ وانقلبت عينه غيناً فَتغير مبناه جرد الْوَقار زِيَادَته بتخفيفه واسقط الزَّمَان تعديه بتضعيفه وَغير أُصُوله بِالتَّصْغِيرِ من أَصله حَتَّى أنسانى بِذكر صَحِيحه ولفيفه ومعتله (وَلم أنس الَّتِى قَامَت لعزمي ... تودعني وأدمعها غزار) (تخوفني نوىً عرضت وطالت ... وتخشي أَن يكون فَلَا مَزَار) (تَقول وَقد أجد الْبَين مهلاً ... بِنَفْسِك لَا يشقّ بك البدار) (وَلم تكسب يداك سوى ثَنَاء ... فَلَيْسَ عَلَيْك مهما كنت عَار) (وَمَا لطخت عرضك بالدنايا ... وَلَا دارت على فِيك الْعقار) (سَوَاء والإقامة مِنْك عزم ... وسيّان الخفا والاشتهار) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 (وَمن شرفت لَهُ نفس وَعرض ... فأنى كَانَ كَانَ لَهُ افتخار) تَكَلَّمت بمنطق غير مَمْنُوع تساوى بِهِ الْمَحْمُول والموضوع مَا أقربها إلى الْقيَاس بالمحال وَمَا ابعدها عَن الْوَهم بالخيال أيظن الْفَصْل يغني عَن الْعرض الْعَام أَو يخال الْجِنْس يعين الْحَد على التَّمام فَقلت لما قصدت الْخُلُو بِالْجمعِ وساوت بَين الشَّرْط وَالْمَنْع) (دعينى لَا ابالك أن قصدي ... إِلَى بَاب الْكَرِيم هُوَ الفخار) (أيرضى بالهوان فؤاد حر ... يعزّ عَلَيْهِ للضيم اصطبار) (وَمَا دَار الْأَحِبَّة لي بدار ... إِذا مانالنى فِيهَا احتقار) (فبالأحباب أحباب وداري ... هي الدُّنْيَا وبالجيران جَار) وكل النَّاس أخوالى وتربي ... لَهُم ترب وكل الأرض دَار) إذا اتّحدت معانيهم فى الظَّاهِر وزالت الغرابة بخلوص التنافر وَكَانَ الْأَب آدم وَالأُم حَوَّاء فقد اقْتضى الْحَال تطابق الأهواء بعد عَن جبلتهم من شرفة خالقه بالمجاز إلى الْحَقِيقَة الْعَقْلِيَّة وَأَنْشَأَ اختراعه من أسلوب تعذّر فِيهِ الإخبار عَنهُ بِالصِّفَاتِ البشرية فَلِذَا لذت بِهِ من نَوَائِب الزَّمن وَقلت مُصَرحًا باستنكار ماجنته المحن (معذ الْمجد والعلياء أني ... أضام ولي إلى الْمهْدي ائتمار) (منيع الْجَار لَو يشكي هِلَال ... عَلَيْهِ النَّقْص فَارقه السرَار) (وَلَو وافاه ليل خَائفًا من ... هجوم الصُّبْح مَا طلع النَّهَار) (مليك هذب الْأَيَّام حَتَّى ... خشت سطواته الصمّ الحجار) (وطيرفي بقاع الأَرْض قسرا ... عداهُ فَكل قلب مستطار) (وَلَوْلَا سطوة لليث تخشى ... لزاحمه على الغاب الْحمار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 (كريم لَا يشوب عطاه من ... حَلِيم لَا يخف لَهُ وقار) (اذالمست يَدَاهُ لقصد جود ... بيبس الْعود عَاد لَهُ اخضرار) (وإن لمست يَدَاهُ بِيَوْم فتك ... نصال السَّيْف كَانَ لَهُ احمرار) (ففي يمناه للعافين يمن ... وفي يسراه للساري يسَار) (يهون عَلَيْهِ فى كسب المعالي ... وفي أخذ العدى الذَّهَب النضار) (بِهِ اغتفرت جنايات الليالي ... وجاد بوعده الْفلك الْمدَار) (يضمن صَدره حلماً وعلماً ... غزيراً لَا تقاس بِهِ الْبحار) (فَلَو كشف الغطا مَا ازددت علماً ... على علم هُوَ الْعلم الْمنَار) (فداؤك عَالم لم يبْق فيهم ... بجدواك احْتِيَاج وافتقار) كرم بنانه الْمَجْمُوع مغن عَن الْبَيَان وَكَمَال جوده الْمُفْرد غني عَن التَّشْبِيه بالإمكان فَكيف لَا أقوم بشكر برّه وإنعامه وإن أطلت الثَّنَاء فَكيف لي أَن أمدحه بِعشر معشارا كرامه فَهُوَ الذى ربانى صَغِيرا وغذانى بلبان أنعامه كَبِيرا لَهُ أياد علي سَابِقَة أعد مِنْهَا وَلَا أعددها لذا مددت إليه كف الِاعْتِذَار وَقلت مُصَرحًا بِمَا أَشْكُو من الزَّمن الجوال (أَمِير الْمُؤمنِينَ فدَاك عبد ... أناحت عِنْده النوب الْكِبَار) (رَمَاه الدَّهْر محتالاً بقوس ... من الْحدثَان أسهمه الْبَوَار) (أينسفني الزَّمَان ولي انتماء ... اليك ولي بخدمتك انتصار) (إذا مَا كنت وَالْأَيَّام عوناً ... عليّ وجورها فلك الْخِيَار) (فإما أن اقيم بضنك عَيْش ... وثوباى المذلة وَالصغَار) (واما أَن أقيم بِثَوْب عز ... خلت عَنهُ الْمضرَّة والضرار) عبد رفعته على يَقِين الِابْتِدَاء وخفضته على توهم الاعتداء رق لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 الْحَاسِد ورثى لَهُ الشامت وكادت أَن تتحرك رَحْمَة لَهُ النُّجُوم الثوابت نصبت بربعه خيام المصايب وركضت في ميدانه خُيُول النوايب وَهل يفزع الخايف إِلَى غير حضرتك أَو يعزّ الذَّلِيل بِغَيْر سدتك (وَأَنت أَحَق من يرْعَى ذماما ... وَمن تحمى بِحَضْرَتِهِ الذمار) (نعم من ذَا الذي مَا حَاز نقصاً ... وَمن أغناه عَن قدر حذار) (الْيَسْ المرأ من مَاء وطين ... وَقد نقص الْهلَال المستنار) (اذا مالم تخنك يَد وَعين ... وَلَا قلب فقد خفّ القطار) كَيفَ تخونه يَده أَو قلبه من ملئ من فرنه الى قدمه من حبه تبت يَد مدّت إلى مالم يشتهيه وعميت عين لحظت مَالا يرتضيه وخرست لِسَان فاهت بِغَيْر الْمَدْح فِيهِ (أمير الْمُؤمنِينَ فأى ذَنْب ... أتيت وَكَانَ لى مِنْهُ اخْتِيَار) (لقد كثرت حسّادي فجازوا ... على حسّاد آدم حِين جاروا) (وَقد ألبست من علياك فخراً ... ومجداً لَا يُبَاع وَلَا يعار) (وَلم يكسبني الإقلال ذلاً ... وأني ذَا وجودك لي عقار) مَا أكئبنى غير سخطك وَلَا أهمني سوى عتبك وَأَن الْعَفو ثَمَرَة الذُّنُوب والخطأ وَكَمَال الإحسان التجاوز عَن الاعتدا (أَمِير الْمُؤمنِينَ أطلت سخطاً ... ومثلي من يُقَال لَهُ العثار) (لسخطك لَا أقيم بأرض عز ... وإن عزّت فلي عَنْهَا نفار) (وإني إن نأوت فَغير ناء ... بودك وهولى أبداً شعار) (وَمَا سَافَرت في الآفاق إلا ... وَمن جدواك عيشي والدثار) (مُقيم الظَّن عنْدك والأماني ... وإن شطت بي النوق العشار) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 (مقامك كعبتى وحماك ركني ... ولي حج ببابك واعتمار) (أَطُوف بِهِ وأرم كلّ يَوْم ... جمار الْهم إن رمى الْجمار) (أَمِير الْمُؤمنِينَ اليك وافت ... تهادي والمديح لَهَا شنار) (مودّعة وَمَا التوديع فِيهَا ... قلاء أوملال أَو نفار) (برغم الْمجد أَن يرضى فِرَاق ... لحضرتك الْعلية أَو سفار) (وَدون بعاد يَوْم مِنْك عِنْدِي ... يهون الصاب أكلاً والمرار) (وَهَذَا ان تعذر مدكف ... لتوديعي وداع واختصار) (وَدم للْملك مَا هبّت شمال ... وَمَا غنى على الْغُصْن الهزار) أنظر مَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ هَذِه الْقطعَة من الانسجام والسهولة والسلامة من الحشو والتكلف مَعَ مَا فِي ضمن النثر من التَّوْجِيه بالعلوم فشرع بالتوجيه بِعلم اصْطِلَاح الحَدِيث ثمَّ النَّحْو ثمَّ الصّرْف ثمَّ الْمنطق ثمَّ الْمعَانِي وَالْبَيَان وَمَعَ هَذَا فسنه ذَا ذَاك خمس وَعشْرين سنة كَمَا يفِيدهُ قَوْله (أبعد الْخمس وَالْعِشْرين يصبو ... لعمر أَبِيك هَذَا الاغترار) والقطعة الأولى الْمُشْتَملَة على التواريخ هُوَ أَنْشَأَهَا أَيْضا قبل أَن يستكمل ثَلَاثِينَ من عمره وَله أشعار فِي آخر عمره أَعلَى من هَذِه الْقطعَة الْمَذْكُورَة سَابِقًا وَقد أنشدني من ذَلِك كثيراً وَمَا أحسن قَوْله فِي بعض قصائده (وإذا رامت الذبابة للشم ... س غطاء مدت عَلَيْهَا جنَاحا) وَاسْتمرّ على اتِّصَاله بالإمام المهدي ثمَّ بمولانا خَليفَة الْعَصْر حَتَّى توفاه الله تَعَالَى في يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع شهر جُمَادَى الأولى سنة 1213 ثَلَاث عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَألف قبل تَحْرِير هَذِه التَّرْجَمَة بِنَحْوِ نصف سنة فرحمه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 الله وَتجَاوز عَنهُ فَلَقَد كَانَ من محَاسِن الْعَصْر ومفاخر الدَّهْر وَله أَوْلَاد أكبرهم أَحْمد وَهُوَ الذي قَامَ مقَامه وَهُوَ ماش على طَرِيقَته في الكمالات لَهُ النظم الْفَائِق والنثر الرَّائِق والخط الْحسن والعرفان التَّام وتلوه في الْعُمر حُسَيْن وَقد تقدّمت تَرْجَمته ثمَّ إسماعيل وَمُحَمّد وقاسم وَهَؤُلَاء كل وَاحِد مِنْهُم على حَدَاثَة أسنانهم لَهُ شغلة بِالْعلمِ والبلاغة وَالنّظم والنثر والكمال في فنون الأدب 220 - عليّ بن صَالح بن مُحَمَّد بن أَبى الرِّجَال الصَّنْعَانِيّ الشَّاعِر الْمجِيد من شعره (وَلَقَد أَقُول وَقد تغنّت في الْحمى ... وَرْقَاء ذَات صبَابَة وولوع) (وَالْعود فى يَدهَا يمِيل والفها ... يختال بَين خمائل وفروع) (وَالْعين قد سفحت وهاج لَهَا البكا ... تذكارها لاحبة وربوع) (أحمامة الايك الَّتِى قد هيجت ... شجو الكئيب بِأَنَّهُ وسجوع) (مهلا فنفخك للسوالف في الفضا ... أذكى غضا الأشجان بَين ضلوعي) (فدعي الْهوى ثمَّ اسبحي فتخيري ... درا لطوقك من بحار دموعي) وَله أشعار كَثِيرَة وَقد ترْجم لَهُ صَاحب طوق الصادح وَصَاحب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 نسمَة السحر وَلم أَقف على تَارِيخ وَفَاته 221 - السَّيِّد علي بن صَلَاح بن مُحَمَّد العبالي بِالْمُهْمَلَةِ مَضْمُومَة بعْدهَا مُوَحدَة أَصله من الحرجة بمهملتين مفتوحتين ثمَّ جِيم قَرْيَة مَا بَين الْحجاز وصعدة وَهُوَ من أكَابِر الْعلمَاء وَمن جملَة أنصار الإمام الْقَاسِم بن مُحَمَّد كَانَ يَبْعَثهُ فى مهماته ويصفه بالاوصاف الجميلة حَتَّى قَالَ فِيهِ لَا أَخَاف على أهل الْيمن وَفِيهِمْ هَذَا يعْنى صَاحب التَّرْجَمَة وأرسله في أول دَعوته إلى القاضي الْعَلامَة يُوسُف الحماطي ليَأْخُذ مِنْهُ الْبيعَة فَقَالَ القاضي لَا معرفَة لي بِمِقْدَار الإمام فِي الْعلم ولابد أَن أورد عَلَيْهِ مسَائِل فَقَالَ هَات مَا تُرِيدُ إيراده عَلَيْهِ من الْمسَائِل فَذكر لَهُ مسَائِل مشكلة فَأَجَابَهُ في الْحَال بجوابات ارتضاها فَقَالَ لَهُ امدد يدك أُبَايِعك فأنت أهل للامامة فَقَالَ لَهُ لَا تفعل فَلَيْسَ علمى بِالنِّسْبَةِ إلى علم الإمام شَيْئا فاطمأنت نفس القاضي وَبَايع وَمَات في شهر رَجَب سنة 1019 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 تسع عشرَة وَألف بشهارة وَله أَوْلَاد أمجاد مِنْهُم الْحُسَيْن وَهُوَ من الْعلمَاء المبرزين وَهُوَ الذي كمّل شرح الشَّيْخ لطف الله الغياث على الكافية وَولده السحن بن علي من أكَابِر الْعلمَاء المدرسين المفيدين وَولده مُحَمَّد بن علي هُوَ الْقَائِل) (من خَالَفت أَقْوَاله أَفعاله ... تحوّلت أَفعاله أَفْعَى لَهُ) (من أظهر السِّرّ الذي في صَدره ... لغيره وهاله وهى لَهُ) (من لم يكن لِسَانه طَوْعًا لَهُ ... فَتَركه أَقْوَاله أقوى لَهُ) (وَمن نأى عَن الْحَرَام طَالبا ... من رشده حَلَاله حلى لَهُ) وهي أَبْيَات جَيِّدَة وفي الْبَيْت الأول نظر لَان أَفعاله فَاعل تحولت فَهُوَ مَرْفُوع وأفعى لَهُ لامه مَفْتُوح بِخِلَاف بَقِيَّة الأبيات فهي متوافقة الجناس بالحروف والحركات وَجرى الْقَلَم عِنْد كتب هَذِه الابيات بشئ من جِنْسهَا مثل عَددهَا وَهُوَ (لَا تشتغل بملبس فَكل ذي ... فضل ترى أسما لَهُ أسمى لَهُ) (من يطْلب الشئ الْعَظِيم عَاجِزا ... عَن حَملَة وناله ونى لَهُ) (من لم يذد رقيبه عَن مربع ... يلقى بِهِ غزاله غزى لَهُ) (فِي رَاحَة الْمَرْء وفى ترويحه ... فُؤَاده وباله وبى لَهُ 222 - السَّيِّد على بن الإمام شرف الدَّين بن شمس الدَّين ولد فِي رَجَب سنة 927 سبع وَعشْرين وَتِسْعمِائَة وَأخذ عَن وَالِده وَغَيره وفَاق في فنون كَثِيرَة واشتهر بِالْعلمِ وَمَات فِي رَجَب سنة 978 ثَمَان وَسبعين وَتِسْعمِائَة بحصن حب مسموماً في سفرجلة أهداها لَهُ رجل وَولده ابراهييم من أكَابِر الْعلمَاء أَخذ عَن وَالِده وَغَيره وَأخذ عَنهُ جمَاعَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 من الأكابر مِنْهُم الشَّيْخ لطف الله بن مُحَمَّد الغياث وقبره بشبام 223 - مَوْلَانَا الإمام خَليفَة الْعَصْر أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمَنْصُور بِاللَّه رب الْعَالمين علي بن الإمام المهديّ الْعَبَّاس بن الْمَنْصُور حُسَيْن بن المتَوَكل الْقَاسِم بن حُسَيْن بن المهدي أَحْمد بن الْحسن بن الإمام الْمَنْصُور الْقَاسِم بن مُحَمَّد قد تقدم تَمام نسبه في تَرْجَمَة جده الْحسن بن الْقَاسِم ولد حَسْبَمَا سمعته مِنْهُ حفظه الله في سنة 1151 إحدى وَخمسين وَمِائَة وألف بِصَنْعَاء وَنَشَأ بهَا وفى سنة 1172 أَو فى الَّتِى قبلهَا فوض إليه وَالِده الإمام المهدي ولَايَة صنعاء وَجعله أَمِير الأجناد وَأمره بِسُكُون قصر صنعاء فَقَامَ بذلك قيَاما تَاما بحزم ومهابة وَحُرْمَة وافرة وَمَكَارِم وَاسِعَة وَحسن أَخْلَاق وصبر على الامور وسياسة لاحوال الْجُمْهُور فاستمر على ذَلِك ودام فِيهِ مُدَّة أَيَّام وَالِده وَاتفقَ في سنة 1184 أَن حسن العنسى السَّاكِن بجبل برط المتريس على ذوى مُحَمَّد وذوى حُسَيْن الساكنين فِي جبل برط وهم جَمْرَة عرب الْيمن إذ ذَاك وَأهل الشَّوْكَة مِنْهُم وَمن لَا يقوم لَهُم غَيرهم من سَائِر الْقَبَائِل وَقع بَينه وَبَين الإمام المهدي رَحمَه الله خطوب كَانَت سَببا لِخُرُوجِهِ عَلَيْهِ فَخرج بِجَيْش من الْمَذْكُورين وَمن غَيرهم لم يخرج بِمثلِهِ أحد من أهل تِلْكَ الْجِهَات فاستعد لَهُ مَوْلَانَا الإمام المهدي وَجمع العساكر وَأرْسل اُحْدُ أُمَرَاء أبناده وَهُوَ الامير سندوس بمعظم جيوشه من خيل وَرجل وَسَائِر العساكر الْمَطْلُوبَة من الْقَبَائِل حَتَّى اجْتمع لَهُ جَيش كثير وَأمر أَمِير الأجناد وَمن مَعَه من الجيوش أَن يلتقي حسن العنسي إلى بعض الطَّرِيق فَلَمَّا علم بذلك حسن العنسي سلك طَرِيقا أُخْرَى فَلم يشْعر أهل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 صنعاء إلا وَهُوَ فِي سعوان وَهُوَ مَحل شرقي صنعاء قريب مِنْهَا فحصلت بذلك رجّة في صنعاء كَبِيرَة وَكَانَ الإمام المهدي سَاكِنا فِي الْجَانِب الغربى من صنعاء ومولانا ولد هـ صَاحب التَّرْجَمَة سَاكِنا فِي الْقصر وَهُوَ في الْجَانِب الشرقي فَخرج عِنْد أَن بلغه ذَلِك الْخَبَر فى طَائِفَة يسيرَة من أَصْحَابه لَا يبلغون خمس مائَة رجل وَطَائِفَة يسيرَة من الْخَيل أَكْثَرهم لَا نفع فِيهِ لكَون مُعظم الْخَيل المنتخبة قد صَارَت صُحْبَة الأمير سندروس فاصطف لَهُ حسن العنسي وَأَصْحَابه وهم أُلُوف مؤلفة وَفِيهِمْ من أهل الشجَاعَة والتجربة للحروب والاعتياد للشرّ من هُوَ أَضْعَاف أَضْعَاف من مَعَ مَوْلَانَا بل مازال ذَلِك الْمِقْدَار الْيَسِير يتناقص بفرار من لَا يستحي من الْعَسْكَر وتسترهم بَين الإثل وَنَحْوه قبل الْوُصُول إِلَى المعركة فَلَمَّا ترَاءى الْجَمْعَانِ كَانَ من بَين يدى مَوْلَانَا بِالنِّسْبَةِ الى الْجمع الآخر كلا شئ وَهُوَ يقدم وَلَا ينثني ويحث من بَين يَدَيْهِ على المصابرة والإقدام ويحول بَينهم وَبَين الإحجام حَتَّى وصل بهم إلى نحر الْعَدو وضايقوهم غَايَة المضايقة وَقتلُوا مِنْهُم كثيراً وَلَكنهُمْ انثالوا عَلَيْهِم من جَمِيع الجوانب كأنهم الْجَرَاد فتاخر بِأَصْحَابِهِ قَلِيلا قَلِيلا وَهُوَ يدافع عَنْهُم وَخرج وَالِده الإمام المهدى مغيرا اليه ومغيثا لَهُ فالتقاه وَهُوَ يتهلهل لم يظْهر عَلَيْهِ فزع وَلَا جزع وَلَا طيش وَلَا خفَّة وَلَا وَجل وَلَا خطل بل من رَآهُ ظن أَنه جَاءَ من بعض المتنزهات وَهُوَ قد خرج من معركة تطيل لَهَا الْعُقُول وتشيب لَهَا الْولدَان وترجف مِنْهَا الأفئدة وتخرس عِنْدهَا الألسن وَهَكَذَا فلتكن الشجَاعَة وَبعد هَذِه الموقعة اعْترف لَهُ الْكَبِير وَالصَّغِير والجليل والحقير حَتَّى خصومه بِأَنَّهُ بمَكَان من ثبات الْجنان يقصر عَنهُ أَبنَاء الزَّمَان ثمَّ انه اسْتمرّ على امارة الْجَيْش الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 وَولَايَة صنعاء وَمَا يرجع اليها حَتَّى مَاتَ وَالِده الإمام المهدي في شهر رَجَب سنة 1189 فَبَايعهُ الْعلمَاء والحكام آل الإمام وَسَائِر النَّاس على اخْتِلَاف طبقاتهم وَلم يتَخَلَّف عَنهُ أحد وفرحوا بِهِ واغتبطوا بخلافته وأحبهم وأحبوه وَتَوَلَّى وزارته جمَاعَة مِنْهُم السَّيِّد علي بن يحيى الشامي إلى عِنْد مَوته ثمَّ الْفَقِيه الْحسن بن عُثْمَان القرشي ثمَّ وَلَده الفقيه حسن بن حسن وَمن جملَة وزرائه السَّيِّد أَحْمد بن اسمعيل فايع وَولى الْقَضَاء الأكبر عِنْد مبايعته القاضي العلاّمة يحيى بن صَالح السحولى وَأما أُمَرَاء أجناده فهم في أول خِلَافَته الْأُمَرَاء الَّذين كَانُوا في أَيَّام وَالِده الْأَمِير فَيْرُوز والنقيب ريحَان وَغَيرهمَا ثمَّ مَاتُوا وَصَارَت الإمارة إِلَى الْأَمِير سرُور الْمَنْصُور أَيَّامًا وَإِلَى النَّقِيب جَوْهَر وَأما ولَايَة صنعاء وإمارة الْجَيْش الذي كَانَ أَمِيرا عَلَيْهِم قبل خِلَافَته فَصَارَت أَيَّامًا يسيرَة إِلَى أَخِيه الْقَاسِم بن المهدي ثمَّ بعد ذَلِك صَارَت إِلَى وَلَده الْهمام صفي الإسلام أَحْمد بن أَمِير الْمُؤمنِينَ وَهُوَ الْآن الْقَائِم بتدبير الأجناد والمتولى لجَمِيع الْأُمُور بِصَنْعَاء وَمَا يَليهَا وَله من كَمَال الرياسة وَحسن مسك السياسة والمهابة والصرامة والفطنة بدقائق الْأُمُور والاطلاع على أَحْوَال الْجُمْهُور وجودة التَّدْبِير والخبرة بالجلي والخفى مَالا يُمكن وَصفه مَعَ النقادة التَّامَّة والشهامة الْكَامِلَة وعلو الهمة والمعرفة للأدب ومطالعة كتبه والإشراف على كتب التَّارِيخ ومحبة أهل الْفَضَائِل وَكَرَاهَة أَرْبَاب الرذائل والنزاهة والصيانة والميل إِلَى معالي الْأُمُور وَهُوَ أكبر أَوْلَاد الإمام وَقد تقدمت لَهُ تَرْجَمَة مُسْتَقلَّة ويليه في السن أخوه شرف الإسلام الْحسن بن أمير الْمُؤمنِينَ وَهُوَ حسن الْأَخْلَاق عَظِيم الهمة كريم السجية شرِيف النَّفس مطلع على ماتمس اليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 الْحَاجة من أُمُور الدَّين وَالدُّنْيَا ويليه أَخُوهُ فَخر الإسلام عبد الله بن أَمِير الْمُؤمنِينَ وَهُوَ اُحْدُ أُمَرَاء الأجناد وَجعل إليه وَالِده الامام الاشراف على الدِّيوَان واستنابه فى الْحُضُور مَعَ الْحُكَّام عِنْد فصل الْخِصَام في يومي الِاجْتِمَاع من كل أُسْبُوع وَجعل إليه ولَايَة بعض الْبِلَاد كالحيمة وبلاد الْبُسْتَان وَفِيه من حسن الْخلق ومزيد التَّوَاضُع وكرم السجايا وَمَعْرِفَة حقائق القضايا مَا هُوَ غَايَة وَنِهَايَة ولوالده اليه ميل عَظِيم ومحبة زايدة وَفِيه خبْرَة كَامِلَة ومحبة لقَضَاء حوايج المحتاجين والتبليغ إِلَى وَالِده بمطالب الطالبين والشفاعة لمن يلوذ بِهِ من القاصدين وَالدّلَالَة على سَبِيل الْخَيْر بِكُل مُمكن ويليه أَخُوهُ عز الإسلام مُحَمَّد بن أَمِير الْمُؤمنِينَ وَهُوَ اُحْدُ أُمَرَاء الأجناد وَهُوَ من فحول الرِّجَال في جَمِيع الْأَحْوَال وَله من معرفَة الْحَقَائِق ومحبة معالي الْأُمُور ونزاهة النَّفس والعفة والصيانة مَا هُوَ متفرد بِهِ وَقد ولاه وَالِده الإمام الْجِهَات العمرانية فعزم بجنده إِلَى هُنَالك وَهُوَ الْآن مُقيم بهَا وَهَؤُلَاء الْأَرْبَعَة هم البالغون مبالغ الرِّجَال من أَوْلَاد مَوْلَانَا الإمام وَأما الْبَاقُونَ فهم صغَار لم يبلغُوا سن التَّكْلِيف عِنْد تَحْرِير هَذَا التَّارِيخ وَلَهُم جَمِيعًا فى الفراسة طرايق يعجز عَنْهَا غَيرهم وَلَا يدانيهم فِيهَا ساير النَّاس فَكل وَاحِد مِنْهُم إِذا لعب بفرسه بَين الفرسان صَار نزهة للناظرين وَلَا يفوقهم فى هَذَا الشَّأْن أحد إِلَى والدهم مَوْلَانَا الإمام فإنه في ذَلِك لَا يُبَارى وَلَا يُسَاوِيه أحد من النَّاس فإنه إذا طارد الفرسان وحرك خصانه بِجَانِب الميدان صَار المتفرد بِهَذَا الشان الفايق فِيهِ جَمِيع نوع الإنسان بِحَيْثُ لَا يَسْتَطِيع من رَآهُ كَذَلِك أَن يمِيل نظره عَنهُ لما يرَاهُ من حسن الصِّنَاعَة والفروسية الْبَالِغَة إِلَى غَايَة البراعة وَله فِي التَّوَاضُع مَالا يُسَاوِيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 فِيهِ أحد وَلَا يصدق بذلك إلا من تاخمه وجالسه فانه لَا يعد نَفسه إِلَّا كَأحد النَّاس بل قد رَأينَا كثيراً مِمَّن هُوَ أَصْغَر خدمه بل مِمَّن هُوَ مُتَعَلق بأحقر عمل من عِنْد بعض خدمه يترفع فَوق ترفعه وَيرى لنَفسِهِ من الْحق فَوق مَا يرى لنَفسِهِ وَهَذِه خصيصة اختصه الله بهَا ومزيّة شرّفه الله بالتحلي بهَا فان التَّوَاضُع مَعَ مزِيد الشّرف أحب من الشّرف ثمَّ لَهُ من حسن الْأَخْلَاق أوفر حَظّ وَأكْرم نصيب قلّ أن يجد الإنسان مثل حسن خلقه عِنْد أَصْغَر المتعلقين بخدمته مَعَ مَا جبل عَلَيْهِ من حسن النِّيَّة وكرم الطوية وتفويض الْأُمُور إِلَى خالقه وَالْوُقُوف تَحت الْمَشِيئَة وَبِهَذَا السَّبَب ظفره الله بِمن يناويه وَنَصره على جَمِيع من يعاديه فَلم تقم لباغ عَلَيْهِ قايمة وَهُوَ مجبول على الغريزتين اللَّتَيْنِ يحبهما الله وَرَسُوله الْكَرم والشجاعة وَإِذا وَقع في الظَّاهِر شئ مِمَّا يظن من لم يطلع على الْحَقِيقَة أَنه يُخَالف ذَلِك فَهُوَ لعذر لَو اطلع عَلَيْهِ لوجده الصَّوَاب الذى لَا ينبغى سواهُ وَلَا يَلِيق غَيره وَقد يكون ذَلِك لسَبَب بعض المتصلين بمقامه العالى وَهَكَذَا إِذا وَقع فِي جَانب الرّعية مَالا يُنَاسب الشَّرْع فَهُوَ بِسَبَب من غَيره وَأما هُوَ فَلَا يحب إِلَّا الْخَيْر وَلَا يُرِيد إِلَّا الْعدْل وإذا اتَّضَح لَهُ ذَلِك أبْطلهُ وَلم يرض بِهِ وَكَثِيرًا مَا يخفى عَلَيْهِ ذَلِك بِسَبَب مصانعه بعض من يتَّصل بِهِ للْبَعْض الآخر فَمن هَذِه الْحَيْثِيَّة قد يَقع أَمر لَا يُريدهُ وَلَا يرضى بِهِ وَقد اشْتهر هَذَا بَين النَّاس حَتَّى لَا يَقع التوجع مِنْهُ فِي شئ أبداً بل لجَمِيع الرعية فِيهِ غَايَة الْمحبَّة بِحَيْثُ أنه مرض فِي بعض السنين فَكَانُوا يَجْتَمعُونَ ويبكون وَيدعونَ لَهُ بِالْبَقَاءِ وَقل أَن يتَّفق مثل هَذَا لأحد من الْأَئِمَّة والسلاطين في الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين وَهُوَ آخذ من علم الشَّرْع بِنَصِيب قرأ قبل مصير الْخلَافَة إليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 في الْفِقْه والنحو على الْعَلامَة الْحسن بن علي حَنش الذي صَار وزيراً لَهُ كَمَا تقدم وَله شغف شَدِيد بالكتب النفيسة ومطالعتها بِحَيْثُ لَا يقف في مَكَان إِلَّا وَعِنْده مِنْهَا عدَّة وَلما كَانَ في شهر رَجَب سنة 1209 مَاتَ قاضيه الْمُتَقَدّم ذكره وَكَانَ صَدرا من الصُّدُور وعارفا بقوانين الْأُمُور وَقد تولى الْقَضَاء الْأَكْبَر في أَيَّام جده الْمَنْصُور بِاللَّه الْحُسَيْن بن الْقَاسِم وفي أَيَّام وَالِده الإمام المهدي وَضم إليه الوزارة ثمَّ نكبه وَأَعَادَهُ مَوْلَانَا الامام عِنْد أَن بُويِعَ بالخلافة وولاه الْقَضَاء الْأَكْبَر فَكَانَ يقوم بِأُمُور الْقَضَاء وَينْتَفع الامام ووزراه بسديد رَأْيه لمزيد اختباره وَكَمَال ممارسته وَكَانَ يَقْصِدهُ الوزراء إِذا نابهم امْر إلى بَيته ويطلبه الْخَلِيفَة إِذا عرض مُهِمّ فَكَانَ أَكثر الأمور تصدر عَن رَأْيه وَله فِي الصُّدُور مهابة عَظِيمَة وَحُرْمَة وافرة وجلالة تَامَّة ولعلها تَأتي لَهُ تَرْجَمَة مُسْتَقلَّة إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَلَمَّا مَاتَ فى ذَلِك التَّارِيخ وَكنت إِذْ ذَاك مشتغلا بالتدريس فِي عُلُوم الِاجْتِهَاد والافتاء والتضنيف منجمعاً عَن النَّاس لاسيما أهل الْأَمر وأرباب الدولة فإني لَا اتصل بِأحد مِنْهُم كَائِنا من كَانَ وَلم يكن لى رَغْبَة فى سوى الْعُلُوم وَكنت أدرس الطّلبَة فِي الْيَوْم الْوَاحِد نَحْو ثَلَاثَة عشر درساً مِنْهَا مَا هُوَ في التَّفْسِير كالكشاف وحواشيه وَمِنْهَا مَا هُوَ في الْأُصُول كالعضد وحواشيه والغاية وحاشيتها وَجمع الْجَوَامِع وَشَرحه وحاشيته وَمِنْهَا مَا هُوَ في الْمعَانى وَالْبَيَان كالمطوّل والمختصر وحواشيهما وَمِنْهَا مَا هُوَ فِي النَّحْو كشرح الرضى على الكافية والمغنى وَمِنْهَا مَا هُوَ فى الْفِقْه كالبحر وضوء النَّهَار وَمِنْهَا مَا هُوَ في الحَدِيث كالصحيحين وَغَيرهمَا مَعَ مَا يعرض من تَحْرِير الْفَتَاوَى وَيُمكن من التصنيف فَلم أشعر إِلَّا بطلاب لي من الْخَلِيفَة بعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 موت القاضي الْمَذْكُور بِنَحْوِ أُسْبُوع فعزمت إِلَى مقَامه العالي فَذكر لي أَنه قد رجّح قيامي مقَام القاضي الْمَذْكُور فاعتذرت لَهُ بِمَا كنت فِيهِ من الِاشْتِغَال بِالْعلمِ فَقَالَ الْقيام بالأمرين مُمكن وَلَيْسَ المُرَاد إِلَّا الْقيام بفصل مَا يصل من الْخُصُومَات إِلَى ديوانه العالي في يومي اجْتِمَاع الْحُكَّام فِيهِ فَقلت سيقع منى الاسخارة لله والاستشارة لأهل الْفضل وَمَا اخْتَارَهُ الله فَفِيهِ الْخَيْر فَلَمَّا فارقته مازلت مترددا نحواسبوع وَلكنه وَفد إِلَى غَالب من ينتسب إلى الْعلم فِي مَدِينَة صنعاء وَأَجْمعُوا على أَن الاجابة وَاجِبَة وَأَنَّهُمْ يَخْشونَ أَن يدْخل في هَذَا المنصب الذي إليه مرجع الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة في جَمِيع الأقطار اليمنية من لَا يوثق بِدِينِهِ وَعلمه وَأَكْثرُوا من هَذَا وارسلوا إِلَى بالرسائل المطوّلة فَقبلت مستعيناً بِاللَّه ومتكلاً عَلَيْهِ وَلم يَقع التَّوَقُّف على مُبَاشرَة الْخُصُومَات في الْيَوْمَيْنِ فَقَط بل انثال النَّاس من كل مَحل فاستغرقت فِي ذَلِك جَمِيع الأوقات إِلَّا لحظات يسيرَة قد أفرغتها للنَّظَر فى شئ من كتب الْعلم أَو لشئ من التَّحْصِيل وتتميم مَا قد كنت شرعت فِيهِ واشتغل الذِّهْن شغلة كَبِيرَة وتكدّر الخاطر تكدراً زايدا وَلَا سِيمَا وَأَنا لَا أعرف الْأُمُور الاصطلاحية في هَذَا الشَّأْن وَلم أحضر عِنْد قَاض فِي خُصُومَة وَلَا في غَيرهَا بل كنت لَا أحضر في مجَالِس الْخُصُومَة عِنْد والدي رَحمَه الله من أَيَّام الصغر فَمَا بعْدهَا وَلَكِن شرح الله الصَّدْر وأعان على الْقيام بذلك الشَّأْن ومولانا الْخَلِيفَة حفظه الله مَا ترك شَيْئا من التَّعْظِيم إلا وَفعله وَكَانَ يجلني إجلالاً عَظِيما وَينفذ الشَّرِيعَة على قرَابَته وأعوانه بل على نَفسه وَأَنا حَال تَحْرِير هَذِه الأحرف في سنة 1213 مُسْتَمر على مُبَاشرَة تِلْكَ الْوَظِيفَة مُؤثر للتدريس للطلبة في بعض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 والاوقات فى مصنفاتى وَغَيرهَا وأسأل الله بحوله وَطوله أَن يرشدني إلى مراضيه ويحول بيني وَبَين مَعَاصيه وييسر لى الْخَبَر حَيْثُ كَانَ وَيدْفَع عَنى الشَّرّ ويقيمني في مقَام الْعدْل ويختار لي مَا فِيهِ الْخَيْر فِي الدَّين وَالدُّنْيَا ولمولانا حفظه الله في خِلَافَته الغراء من الأمور الْعَظِيمَة مَالا يَتَّسِع لَهُ الا سيرة مُسْتَقلَّة فى مجلدات سدده الله في جَمِيع أُمُوره وأعانه على مَا فِيهِ رِضَاهُ وَجمع لَهُ بَين خيري الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وفي آخر شهر رَجَب سنة 1223 ثَلَاث وَعشْرين بعد الْمِائَتَيْنِ والألف اتفقت حَادِثَة عَظِيمَة في صنعاء وهي أَن وَزِير مَوْلَانَا الإمام الْفَقِيه حسن بن حسن عُثْمَان العلفي تمكن تمَكنا كَبِيرا وَصَارَت الْأُمُور مقرونة بِهِ وَجَمِيع التدبيرات مَقْصُورَة عَلَيْهِ وَكَانَ بَينه وَبَين سيدي أَحْمد بن الإمام مواحشة بِسَبَب أُمُور تصدر في مقَام الْخَلِيفَة وبسبب تَقْصِيره في أرزاق الأجناد ثمَّ تزايدت الوحشة وَلم يسمع الْوَزير المناصحة منى لَهُ ادلالا بِمَالِه من الْحَظ عِنْد الْخَلِيفَة وصدرت مِنْهُ أُمُور مشعرة بالاستخفاف بِكَثِير من أقَارِب الْخَلِيفَة وَأَصْحَابه وتقصير فى الجرايات الَّتِى لقبايل بكيل حَتَّى كَانُوا يقطعون الطرق حول صنعاء وينهبون الأموال ويسفكون الدِّمَاء وَطَالَ ذَلِك وأضرّ بِالنَّاسِ وتقطعت الطّرق ووثب كثير من القبايل على الطرق الَّتِى بِقرب مِنْهُم فَجمع سيدي أَحْمد بن الإمام أَصْحَابه في التَّارِيخ الْمُتَقَدّم وَطلب الْوَزير الْمَذْكُور فَأبى فأرسل إليه جمَاعَة من الْجند فوصل وَقبض عَلَيْهِ وعَلى جمَاعَة من قرَابَته فَعظم ذَلِك على الْخَلِيفَة وَأَرَادَ استخلاصه فأرسل سيدي أَحْمد جمَاعَة من الْجند وَأَحَاطُوا بدار الْخلَافَة وَقد كَانَ فِيهَا سيدي عبد الله بن الإمام بِجَمَاعَة من أَصْحَابه فَوَقع حَرْب وَأرْسل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 إلى الْخَلِيفَة وأصلحت الْأَمر على أَن سيدي أَحْمد يكون تَدْبِير الْبِلَاد الإمامية إليه وَيكون لوالده بِمَنْزِلَة الْوَزير وَيبقى الْوَزير في اعتقاله وَفِي أول سَاعَة من لَيْلَة الأربعاء لَعَلَّه خَامِس عشر شهر رَمَضَان سنة 1224 أَربع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَألف توفي مَوْلَانَا الإمام رَحمَه الله بداره بِصَنْعَاء الْمُسَمَّاة بدار الإسعاد ثمَّ صلى عَلَيْهِ فِي قبَّة وَالِده المهدي في جمع جم وَكَانَ الذي صلى عَلَيْهِ رَاقِم هَذِه الأحرف وقبر في طرف بُسْتَان المتَوَكل وَوَقعت الْبيعَة لوَلَده مَوْلَانَا الإمام المتَوَكل على الله أَحْمد بن الْمَنْصُور فِي اللَّيْلَة الَّتِى مَاتَ فِيهَا الإمام وَكنت أول من بَايعه ثمَّ كنت المتولي لأخذ الْبيعَة لَهُ من أخوته وأعمامه وَسَائِر آل الإمام الْقَاسِم وَجَمِيع أَعْيَان الْعلمَاء والرؤساء وَكَانَت الْبيعَة مِنْهُم في أَوْقَات وَالله المسؤل أَن يَجْعَل للْمُسلمين فِيهِ صلاحاً وفلاحاً 224 - علي بن عبد الْكَافِي بن علي بن تَمام بن يُوسُف بن مُوسَى بن تَمام ابْن حَامِد بن يحيى بن عمر بن عُثْمَان بن علي بن سوار بن سليم السبكي تقى الدَّين أبوالحسن الشافعي ولد أول يَوْم من صفر سنة 683 ثَلَاث وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وتفقه على وَالِده وَدخل الْقَاهِرَة فاشتغل على ابْن الرّفْعَة وَأخذ الأصلين عَن القاضي وَالْخلاف عَن السَّيْف البغدادي والنحو عَن أَبى حَيَّان وَالتَّفْسِير عَن الْعلم العراقي والقراءات عَن التقي الصايغ والْحَدِيث عَن الدمياطى والتصريف عَن ابْن عَطاء والفرايض عَن الشَّيْخ عبد الله العماري وَطلب الحَدِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 بِنَفسِهِ ورحل فِيهِ إِلَى الشَّام والإسكندرية والحجاز فأحذ عَن الْحفاظ وَولى بِالْقَاهِرَةِ تدريس المنصورية وَغَيرهَا وَكَانَ الأكابر من أَرْكَان الدولة يعظمونه وَلما توفي القَاضِي جلال الدَّين القزويني بِدِمَشْق طلبه النَّاصِر فى جمَاعَة ليختار مِنْهَا من يقرره مَكَانَهُ فَوَقع الِاخْتِيَار على صَاحب التَّرْجَمَة فوليها في جُمَادَى الْآخِرَة سنة 739 فباشر الْقَضَاء بِحرْمَة وعفة ونزاهة وأضيفت إليه الخطابة وَولى التدريس بدار الحَدِيث الأشرفية وَطلب إلى الْقَاهِرَة لتولية قَضَائهَا فبقي قَلِيلا وَلم يتم فأعيد وَكَانَ لَا يَقع لَهُ مسئلة مشكلة أَو مستغربة إلا وَيعْمل فِيهَا تصنيفاً وَقد جمع مسَائِله وَلَده تَاج الدَّين في أَرْبَعَة مجلدات قَالَ الصفدي مَا تعرض لَهُ أحد من نواب الشَّام أوغيرهم الا أُصِيب إِمَّا بعزل أَو موت قَالَ الأسنوي في الطَّبَقَات كَانَ أنظر من رَأَيْنَاهُ من أهل الْعلم وَمن اجمعهم للعلوم وَأَحْسَنهمْ كلَاما مَا فى الاشياء الدقيقة وأجلدهم على ذَلِك وَكَانَ في غَايَة الإنصاف وَالرُّجُوع إِلَى الْحق في المباحث وَلَو على لِسَان أحد الطّلبَة مواظبا على وظايف الْعِبَادَات مراعياً لأرباب الْفُنُون وَتوفى رَحمَه الله فِي ثَالِث جُمَادَى الْآخِرَة سنة 756 سِتّ وَخمسين وَسَبْعمائة وَله شعر جيد فَمِنْهُ (إِن الْولَايَة لَيْسَ فِيهَا رَاحَة ... إِلَّا ثَلَاث يبتغيها الْعَاقِل) (حكم بِحَق أَو إِزَالَة بَاطِل ... أَو نفع مُحْتَاج سواهَا بَاطِل) وَمن شعره (لعمرك إن لى نفسا تسامى ... إِلَى مالم ينل دَارا بن دَارا) (فَمن هَذَا أرى الدُّنْيَا هباء ... وَلَا أرْضى سوى الفردوس دَارا) وَكَانَ قد نزل عَن منصب الْقَضَاء لوَلَده تَاج الدَّين بعد أَن مرض ثمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 عوفي وَمَات بعد أَيَّام فِي تَارِيخه الْمُتَقَدّم 225 - السَّيِّد علي بن عبد الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن محسن الْجلَال الصَّنْعَانِيّ المولد وَالدَّار والنشأة ولد في شَوَّال سنة 1169 وَقَرَأَ على عُلَمَاء صنعاء كالسيد الْعَلامَة اسمعيل بن هادى الْمُفْتى وَشَيخنَا الْعَلامَة الْحسن ابْن اسمعيل المغربى وَشَيخنَا الْعَلامَة السَّيِّد عبد الْقَادِر بن أَحْمد وَله مَشَايِخ في فنون عديدة وبرع في النَّحْو وَالصرْف والمنطق والمعاني وَالْبَيَان والْحَدِيث وَالتَّفْسِير وشارك في الْفُرُوع مُشَاركَة قَوِيَّة وتتبع الادلة فَعمل بهَا وَلم يُقَلّد أحدا وانتفع بِهِ الطّلبَة فى جَمِيع الْفُنُون وَأخذُوا عَنهُ في جَمِيع عُلُوم الِاجْتِهَاد وَفِيهِمْ من النبلاء جمَاعَة كَثِيرَة وَهُوَ من محَاسِن الْعَصْر وافراد الدَّهْر مكب على الْعُلُوم فِي جَمِيع الأوقات قوي الْحِفْظ سريع الْفَهم صَحِيح الذِّهْن مَعَ مزِيد التَّوَاضُع والتودد والبشاش وَحسن الأخلاق والسكينة وَالْوَقار ورصانة الْعقل وصيانة الدَّين وَالتَّعَفُّف وفي عَام تَحْرِير هَذِه الأحرف جعله مَوْلَانَا الإمام الْمَنْصُور بِاللَّه حفظه الله من جملَة قُضَاة صنعاء وعظّمه بِمَا يسْتَحقّهُ بعد أَن عَرفته حفظه الله بجلالة مِقْدَار صَاحب التَّرْجَمَة وأشرت عَلَيْهِ بنصبه فباشر الْقَضَاء مُبَاشرَة حَسَنَة مشكورة وابتهج النَّاس بقبوله لذَلِك وأثنوا على الْخَلِيفَة حفظه الله بانتخاب مثله فإنه من أكَابِر عُلَمَاء الْعَصْر وأفاضل أَبنَاء الدَّهْر وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وهومع اشْتِغَاله بِمنْصب الْقَضَاء لم يدع الِاشْتِغَال بِالْعلمِ بل هُوَ مُسْتَمر على التدريس للطلبة فِي الْكتب الحافلة وَقد دَار بيني وَبَينه مباحثات نافعة ومراجعات جَيِّدَة وترافقنا فِي الْقِرَاءَة على شَيخنَا المغربي في الْكَشَّاف وَفِي شرح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 بُلُوغ المرام وبيني وَبَينه مطارحات أدبية فَمن ذَلِك أَنى كتبت إليه قصيدة أَيَّام الطلب مطْلعهَا (برق ثرى فأثار فى أحشائى ... نَار الْهوى بعد انداراس هوائي) فَأجَاب صَاحب التَّرْجَمَة بقصيدة طَوِيلَة أَولهَا (أرياض روض أشرقت أزهاره ... تفترّ عَن بشر وَعَن سراء) (أم لُؤْلُؤ الأصداف قد صادفته ... فى رقة وملاحة وبهاء) (أم يُوشَع فِي الْعَصْر قد ردَّتْ لَهُ ... شمس النَّهَار بحندس الظلماء) (أم هَذِه عين البلاغة قلدت ... بقلائد العقيان للبلغاء) (ودلايل الأعجاز في تبيانها ... تبدوا بإيضاح لَدَى الفصحاء) (أسرار لطف الله حلّت لَفظهَا ... فتنزّهت عَن وصمة وخطاء) (والسعد لمالاح في إيجازها ... صَار الشريف لَهَا من الخدماء) (وهي أَبْيَات طَوِيلَة كالأصل ونظمه الْآن عافاه الله أَعلَى من هَذِه الطَّبَقَة فهي من أَوَائِل نظمه وَله رسائل يحررها إذا ورد إليه سُؤال أَو وَقعت المباحثة بَينه وَبَين أحد الْعلمَاء وَقد كَانَ شرع في جمع تَارِيخ وَلَعَلَّه لم يكمل 226 - السَّيِّد علي بن عبد الله بن أَحْمد بن علي بن عِيسَى الحسيني الملقب نور الدَّين الْمَعْرُوف بالسمهودي ولد سنة 844 أَربع وَأَرْبَعين وثمان مائَة بسمهود وَنَشَأ بهَا فحفظ الْقُرْآن والمنهاج ولازم وَالِده وَقَرَأَ عَلَيْهِ وَقدم الْقَاهِرَة وَقَرَأَ على جمَاعَة مِنْهُم الجوجري والمناوي وزين زَكَرِيَّا والبلقيني والمحلي ثمَّ حج وجاور وَسمع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 من السخاوي وَتردد مَا بَين مَكَّة وَالْمَدينَة وَعمل للمدينة تَارِيخا وصنّف حَاشِيَة على إيضاح النووى لى الْمَنَاسِك وَعَاد إِلَى الْقَاهِرَة ولقي السُّلْطَان فأحسن إليه وَجعل لَهُ جراية ووقف على الْمَدِينَة كتباً لأَجله ثمَّ سَافر لزيارة والدته وزار بَيت الْمُقَدّس وَعَاد إلى الْمَدِينَة ثمَّ إلى مَكَّة فحج وَرجع إلى الْمَدِينَة وَصَارَ شيخها غير مدافع وَله فَتَاوَى مجموعات ومؤلفات غير مَا ذكر وَمَوته تَقْرِيبًا سنة اثنتي عشر وَتِسْعمِائَة 227 - عَليّ بن عبد الله بن علي بن راوع الْعَلامَة الزبدى القاضي أَخذ عَن الإمام شرف الدَّين وَغَيره وبرع فِي فنون لاسيما علم الْفِقْه وَتَوَلَّى الْقَضَاء بِصَنْعَاء للإمام شرف الدَّين وَله شرح على الاثمار وَقيل أنّ لَهُ شرحاً على الأزهار وَمَات سنة 959 تسع وَخمسين وَتِسْعمِائَة وقبر بِبَلَد عَاشر من بِلَاد خولان وَكَانَ سَبَب مَوته أَنه سقط من صرح دَاره بعاشر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 228 - علي بن قَاسم حَنش ولد فِي شهر محرم سنة 1143 ثَلَاث وَأَرْبَعين وَمِائَة وألف وَنَشَأ بوطنه ذيبين ثمَّ ارتحل إلى كوكبان وَقَرَأَ على علمائها ثمَّ وصل إلى صنعاء وأخذ عَن أَهلهَا وَتردد في الديار اليمنية حَتَّى عرف أَكْثَرهَا أَو كلهَا واختبر بِأَهْلِهَا خاصتهم وعامتهم وَحج وَعَاد وَوصل إلى صنعاء فاتصل بالإمام المهدي الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن فقرّبه وَأَدْنَاهُ وجالسه وَشرع في ترشيحه للوزارة لما رأى من تأهله لذَلِك مَعَ فَصَاحَته ورجاحة عقله واختباره بِالنَّاسِ ومعرفته بطبقاتهم وَحفظه لأخبارهم وامتناعه فِي جَمِيع ذَلِك وَحسن محاضرته وذلاقة لِسَانه وفرط ذكائه فحسده جمَاعَة من الوزراء فأغروا بِهِ الإمام حَتَّى أبعده عَنهُ وَحبس دهراً طَويلا ثمَّ أفرج عَنهُ وَسكن صنعاء وَهُوَ من نَوَادِر الدَّهْر فِي جَمِيع أَوْصَافه لَا يخفى عَلَيْهِ من أَحْوَال أَبنَاء دهره خافية وَلَا يسمع مُتَكَلم يتَكَلَّم في علم أَو أدب أَو تَارِيخ من تقدم أَو تَأَخّر إلا ويجري مَعَه ويحكي مثل حكايته وَله في الْعلم حَظّ وافر وَفِي الأدب سهم قامر وَفِيه كرم مفرط يجود بموجوده مَعَ قلَّة ذَات يَده وَقد يتَصَدَّق في بعض أوقاته بثيابه وَلَا يمسك شَيْئا وَقد كَانَ يصل اليه عِنْد اتِّصَاله بالامام المهدى شئ وَاسع فينفقه وَلَا يدخر مِنْهُ شَيْئا وَهُوَ من رجال الدَّهْر قد حنكته التجارب وحلب الدَّهْر أشطره ومارس مالم يمارسه غَيره من مَحْبُوب ومكروه وصديق وعدو وَشدَّة ورخاء وَهُوَ أسْرع النَّاس جَوَابا في كل مَا يرد عَلَيْهِ لَا يعجم وَلَا يتلعثم وَلَا يَعْتَرِيه خور وَكَثِيرًا مَا يتفرس فِي الْحَوَادِث قبيل وُقُوعهَا فيتفق وُقُوعهَا فى الْغَالِب كَمَا يحدس وَله اتِّصَال باكابر النَّاس واصاغرهم قد اسْتَوَت لَدَيْهِ طبقاتهم كَمَا اسْتَوَت لَدَيْهِ الشدَّة والرخاء والاقبال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 والإدبار والمحبوب وَالْمَكْرُوه قد رأى نَفسه أميراً كَمَا رأها فَقِيرا ورأها تَارَة فى اليفاع وَتارَة في أَخفض الْبِقَاع وَهُوَ الْآن في الْحَيَاة قد جَاوز السّبْعين وَلم يفتر نشاطه وَلَا خف ضَبطه وَلَا تكدرت أخلاقه وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ قَلِيل النظير في مَجْمُوعه وَمن محَاسِن كَلَامه الذي سمعته مِنْهُ النَّاس على طَبَقَات ثَلَاث فالطبقة الْعَالِيَة الْعلمَاء الأكابر وهم يعْرفُونَ الْحق وَالْبَاطِل وإن اخْتلفُوا لم ينشأ عَن اخْتلَافهمْ الْفِتَن لعلمهم بِمَا عِنْد بَعضهم بَعْضًا والطبقة السافلة عَامَّة على الْفطْرَة لَا ينفرون عَن الْحق وهم أَتبَاع من يقتدون بِهِ إن كَانَ محقاً كَانُوا مثله وإن كَانَ مُبْطلًا كَانُوا كَذَلِك والطبقة المتوسطة هي منشأ الشَّرّ وَاصل الْفِتَن الناشئة في الدَّين وهم الَّذين لم يمعنوا في الْعلم حَتَّى يرتقوا إلى رُتْبَة الطَّبَقَة الأولى وَلَا تَرَكُوهُ حَتَّى يَكُونُوا من أهل الطَّبَقَة السافلة فإنهم إذا رَأَوْا أحداً من أهل الطَّبَقَة الْعليا يَقُول مَالا يعرفونه مِمَّا يُخَالف عقائدهم الَّتِى أوقعهم فِيهَا الْقُصُور فوقوا اليه سِهَام الترقيع ونسبوه إلى كل قَول شنيع وغيّروا فطر أهل الطَّبَقَة السُّفْلى عَن قبُول الْحق بتمويهات بَاطِلَة فَعِنْدَ ذَلِك تقوم الْفِتَن الدِّينِيَّة على سَاق هَذَا معنى كَلَامه الذي سمعناه مِنْهُ وَقد صدق فإنّ من تَأمل ذَلِك وجده كَذَلِك ثمَّ مَاتَ رَحمَه الله تَعَالَى فِي شهر محرم سنة 1219 تسع عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَألف وَقد كَانَ اشْتغل بتاريخ دولة الإمام المهدي الْعَبَّاس بن الْمَنْصُور فأملى حوادثها من حفظه بِمَا يتعجب مِنْهُ ثمَّ شرع فِي تَارِيخ وَلَده مَوْلَانَا إمام الْعَصْر حفظه الله فَمَاتَ بعد الشُّرُوع فِي ذَلِك 229 - علي بن قَاسم السنحاني بِالْمُهْمَلَةِ وَالنُّون بعْدهَا نِسْبَة إلى بِلَاد سنحان اسْم لقبيلة قريبَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 من مَدِينَة صنعاء كَانَ صَاحب التَّرْجَمَة هُوَ القايم بِمذهب الزيدية أَيَّام ولَايَة الأتراك على صنعاء وَكَانُوا يَجْتَمعُونَ إليه إلى مَسْجِد دَاوُد أحد مَسَاجِد صنعاء وَيَأْخُذُونَ عَنهُ فقه الزيدية ويقصده أهل الْأَمْوَال مِنْهُم بالنذور الواسعة فَيصْرف ذَلِك فِي تلامذته وَبَالغ أُمَرَاء الأروام فِي اتِّصَاله بهم فَلم يفعل وَاتفقَ فِي أَيَّامه قَضِيَّة هي أن بعض أَوْلَاد الْأَشْرَاف من أهل صنعاء دخل يتَوَضَّأ فِي ذَلِك الْمَسْجِد فَلم يشْعر إِلَى بتركي قد دخل عَلَيْهِ وَأَرَادَ بِهِ الْفَاحِشَة فطعنه بسكين فَمَاتَ وَخرج من مطاهير المَاء الى الْمَسْجِد وَصَاحب التَّرْجَمَة يقرئ الطّلبَة فساره بِمَا وَيَقَع ثمَّ طلب الساني الذي يسنى من الْبِئْر إلى المطاهير وَأمره أَن يكثر المسنى إلى المطاهير وَأمر بتغليق أَبْوَاب المطاهير فانتصب المَاء حَتَّى مَلأ ساحات المطاهير ثمَّ أَمر بتقطيع التركي قطعاً صغَارًا وأخرج إِلَى مَحل بعيد وَمِمَّا يحْكى عَنهُ أَنه بلغه أَن رجلاً من أهل صنعاء لَهُ ولدان أمردان جميلان وَأَن لَهما دكانين يقعدان فيهمَا ويصل اليهما أهل الْفساد من الاتراك فَيَقَع المعاصي والمغاني وَنَحْوهَا هُنَالك فَقَالَ صَاحب التَّرْجَمَة لرجل من أهل الصلاح هَل يمكنك أَن تَدعِي أَن الدكانين لَك وَأحكم لَك بذلك فَقَالَ لَيْسَ لي فيهمَا ملك فَقَالَ قد علمت ذَلِك وَلَكِن هَذَا مِمَّا يسوغه الشَّرْع فَفعل الرجل ذَلِك وَحكم لَهُ صَاحب التَّرْجَمَة وَكَانَ لَهُ من إنكار الْمُنْكَرَات قضايا مستحسنة وَله تلامذة نبلاء مِنْهُم القاضي يُوسُف الحماطي وَكَانَ اعْتِمَاد أهل صنعاء فى الْفَتَاوَى عَلَيْهِ وَلَهُم فِيهِ اعْتِقَاد عَظِيم وَلَعَلَّ مَوته فِي حُدُود الْألف الْألف من سنى الْهِجْرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 230 - علي بن مُحَمَّد بن أَحْمد العنسيّ الصنعاني الشَّاعِر البليغ القاضي الْمَشْهُور أَخذ الْعلم عَن جمَاعَة من أَعْيَان عصره وَقَالَ الشّعْر الْحسن فَمن مقطعاته الفائقة قَوْله (اما عذار الحبيب قد أسرا ... قلبي الْمَعْنى وأرّقا عيني) (ملّكته الْقلب إِذْ نظرتهما ... فالقلب ملك لَهُ بلامين) وَمن قصائده القصيدة الَّتِى مطْلعهَا (أما ودموع فِيك تكْتب ماأملى ... لقد صدحتى شح بالكتب وَالرسل) وهي قصيدة جَيِّدَة وَمن بَدَائِع قصائده القصيدة الْمَشْهُورَة وهى (ياسميرى وللفتوة قوم ... خلقُوا من سلافة الانسجام) (بطراز الرفا بتشبيب مهيا ... ر بلطف البها بطبع السلامى) (قُم فعرج بِنَا على مرقص الشع ... ر وفتش بِنَا طَرِيق الغرام) (كعيون المها وياظيبة البا ... ن ألافاسقنى أدر يَا غلامي) (وأرحني من الْكَلَام الذي يشم ... خَ أنفاً بالبأس والإقدام) (كلبسنا الْحَدِيد ثمَّ اعتنقنا ... ألفاً من مثقف فَوق لأم) (وَمن الناسك المشمر كمي ... هـ كنظم الْفَقِيه في الْأَحْكَام) (ثمَّ دعني من الصعُود إلى رضو ... ى وأعني بذا وعور الْكَلَام) (كقفانبك أَو أقِيمُوا بنى أ ... مى وَتلك الصخور فَوق الآكام) (مالنا والبكا على رسم دَار ... خل هَذَا لعروة بن حزَام) (مَا ترى رقة النسيم وَقد هَب ... كشكوى متيّم مستهام) (ورياض برزن كالغيد حَتَّى ... إِنَّهَا مَا خلت من النمام) (وَكَأن الوسمي صب شكى البي ... ن إليها بلوعة وغرام) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 (وَعلا بالرعود مِنْهُ نحيب ... عَن حَشا بالبروق ذَات اضطرام) (وَكَأن الزهور حِين تغطّت ... عِنْد ذَاك النحيب بالأكمام) (خجلت والشقيق فِيهَا خدود ... صبغت بِالْحَيَاءِ فهي دوامي) (فبحسن الرياض بل بودادي ... لَك يَا منيتي على الْأَيَّام) (لَا تقل اطَّلَعت سَمَاء الدياجي ... شفقاً عِنْد روضنا البسّام) (غير أَن المريخ غَار من الور ... د فأغرى بِهِ نُجُوم الظلام) (فاستعار الذِّرَاع كفّ الثريا ... واجتناه من تَحت كم الْغَمَام) أنظر مافى هَذِه القصيدة من الانسجام والرقة والمسلك العذب والمعاني الجزلة وغالب شعره على هَذَا الأسلوب وَهُوَ مَجْمُوع في مُجَلد لطيف وَكَانَ لَهُ تعلق بِالْعلمِ وتدريس في فنون فَمن تلامذته السَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن اسماعيل الْأَمِير وذكرانه قَرَأَ عَلَيْهِ في النَّحْو والمنطق وَمَات فَجْأَة في شهر جُمَادَى الأولى أَو الآخرة سنة 1139 تسع وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وألف 231 - عليّ بن مُحَمَّد بن سعد بن مُحَمَّد بن علي بن عُثْمَان بن اسماعيل ابْن إبراهيم بن يَعْقُوب بن علي بن هبة الله بن نَاجِية الْمَشْهُور بِابْن خطيب الناصرية الحلبي الشَّافِعِي ولد سنة 774 أَربع وَسبعين وَسَبْعمائة بحلب وَنَشَأ بهَا وَأخذ عَن وَالِده والسراج البلقيني رَحل إلى مصر والقدس وَأخذ على عُلَمَاء ذَلِك الزَّمن وَكَانَ إماماً فِي الْفِقْه والْحَدِيث عَالما بالأصول والعربية حَافِظًا للتاريخ اشْتهر ذكره في الأقطار وَترْجم أَعْيَان حلب وَجَمِيع من دخل إليها وَجمع لَهَا تَارِيخا حافلاً جعله ذيلاً على تَارِيخ الْكَمَال بن العديم وَهُوَ نظيف اللِّسَان والقلم وَله تصانيف كالطبية الرَّائِحَة فِي تَفْسِير الْفَاتِحَة وسيرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 الْمُؤَيد وَشرح حَدِيث أم زرع وَغير ذَلِك وَولى قَضَاء بَلَده غير مرة ثمَّ ولي قَضَاء طرابلس وحمدت سيرته فِي جَمِيع مباشراته وَولى الخطابة بِبَلَدِهِ ودرس وَأفْتى وَاسْتمرّ على ذَلِك حَتَّى مَاتَ بحلب يَوْم الْخَمِيس نصف ذي الْقعدَة سنة 843 ثَلَاث وأربعين وثمان مائَة وَخلف دنيا وَاسِعَة 232 - علي بن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن فتوح بن ابراهيم بن أبي بكر ابْن الْقَاسِم بن سعد بن مُحَمَّد بن هِشَام بن عمر الثَّعْلَبِيّ الدمشقي الشافعي الموصلي تَاج الدَّين الْمَعْرُوف بِابْن الدّريهم وبابن أبي الْخَيْر ولد في شعْبَان سنة 712 اثنتي عشرَة وَسَبْعمائة وَقَرَأَ على ابْن الشَّيْخ القوفية الْمُقدم ذكره وعلاء الدَّين التركماني وأبي حَيَّان وارتحل إلى الْقَاهِرَة وَكَانَ يتجر وَيبِيع من مُلُوك ذَلِك الْعَصْر وَله مَال كثير ثمَّ درس بِدِمَشْق ثمَّ دخل مصر فَبَعثه النَّاصِر رَسُولا إلى ملك الْحَبَشَة وَكَانَ ماهراً فِي الأحاجي والألغاز والأوفاق وَالْكَلَام على الْحُرُوف وخواصها وَكَانَت لَهُ معرفَة بالفقه والْحَدِيث والاصول والقراءات وَالتَّفْسِير والحساب وَيتَكَلَّم في جَمِيع ذَلِك وَله تصانيف كَثِيرَة مِنْهَا النسمات الفايحة لما في آيَات الْفَاتِحَة إشراف النَّفس في الحمدلات الْخمس الْآثَار الرائعة في أسرار الْوَاقِعَة كنز الدُّرَر في حُرُوف أَوَائِل السُّور غَايَة النعم في الِاسْم الْأَعْظَم نفع الجدوى في الْجمع بَين أَحَادِيث الْعَدْوى الْمُبْهم في حل المترجم غَايَة الاعجاز فِي الاحاجى والألغاز سلم الحراسة فى علم الفراسة بسط الْفَوَائِد في حِسَاب الْقَوَاعِد وَغير ذَلِك وَمَات في سنة 766 سِتّ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 233 - عليّ بن مُحَمَّد الشوكاني وَالِد جَامع هَذَا الْكتاب غفر الله لَهما وَسِيَاق نسبه هَكَذَا علي بن مُحَمَّد بن عبد الله بن الْحسن بن مُحَمَّد بن صَلَاح بن إبراهيم بن مُحَمَّد الْعَفِيف بن مُحَمَّد بن رزق ينتهي إلى خيشنة بخاء مُعْجمَة مَفْتُوحَة فمثناة تحتية سَاكِنة فشين مُعْجمَة مَفْتُوحَة فنون فهاء ابْن زبّاد بِالْمُعْجَمَةِ ثمَّ مُوَحدَة مُشَدّدَة وَبعد الْألف مُهْملَة ابْن قَاسم بن مرهبة الْأَكْبَر بن مَالك بن ربيعَة بن الدعام الذي كَانَ يذكرهُ الهادي عَلَيْهِ السَّلَام في خطبَته لكَونه من أنصاره وَمِمَّنْ لَهُ الْعِنَايَة في خُرُوجه من الرس الى الْيمن ابْن ابراهيم بن عبد الله بن ردي بن مَالك هَكَذَا وَقع سِيَاق نسب خيشنة فِي بعض كتب الْأَنْسَاب وَوَقع سِيَاق نسبه فِي كتاب الشريف أَبى عَلامَة الْمُؤَيد الْمَعْرُوف بروضة الألباب في معرفَة الأنساب هَكَذَا خيشنة بن زبّاد بن قيلم بن ربيعَة بن مرهبة بن أجدع بن سعيد بن مَسْعُود بن وَائِل بن الْحَارِث الأصغر بن ربيعَة بن الْحَارِث الأكبر بن ربيعَة بن مرهبة الاكبر بن الدعام بن مَالك ابْن ربيعَة انْتهى وفي مشجر الأشرف الغساني أَن الدعام بن ابراهيم هُوَ ابْن عبد الله بن ياسين بن حجيل بن عمَارَة بن زَاهِر بن ثُمَامَة بن سعد بن عمَارَة بن عبد بن عليان بن الدعام بن رُومَان بن بكيل انْتهى وفي كتاب أَبى نصر النهلاوي أن الدعام بن إبراهيم بن عبد الله بن ابراهيم بن الْحُسَيْن ابْن عبد الله بن الأزهر بن ناشر بن حجل بن عميرَة بن عبد بن عليان بن أرحب بن الدعام بن مُعَاوِيَة انْتهى ثمَّ اتَّفقُوا فَقَالُوا ابْن صَعب بن رُومَان ابْن بكليل بن خيران بن نوف بن تبع بن زيد بن عمر بن هَمدَان بن مَالك ابْن زيد بن أوسلة بن ربيعَة وفي بعض الْكتب الْمَذْكُورَة سَابِقًا ابْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 الْخِيَار مَكَان ربيعَة ثمَّ اتَّفقُوا فَقَالُوا ابْن النيت بن مَالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن هود بن عَابِر بن سالخ بن ارفخشد ابْن سَام بن نوح بن لمك بن متوشلح بن أَخْنُوخ بن لود بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شِيث بن آدم وحوى سَلام الله عَلَيْهِمَا وَذكر المسعودي في المروج أَن هِشَام بن الكلبي حكى عَن أَبِيه وَعَن شرقي القطامي أَنَّهُمَا كَانَا يذهبان إلى أَن قحطان هُوَ ابْن الهميسع بن نبت وَهُوَ نابت بن اسمعيل بن إبراهيم خَلِيل الرَّحْمَن عَلَيْهِ السَّلَام ثمَّ ذكر المسعودي بعد ذَلِك أَن أَنْسَاب الْيمن تَنْتَهِي إلى حمير وكهلان ابني سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان وأن قحطان هُوَ ابْن عَابِر قَالَ هَذَا هوالمتفق عَلَيْهِ عِنْد أهل الْخِبْرَة قَالَ وَكَانَ الحيثم بن عدي يُنكر أيضاً أن يكون قحطان من ولد اسمعيل وَقد أَطَالَ الْبَحْث في ذَلِك فَليرْجع إليه وَلَا شك أَن قَول من زعم أَن قحطان لَيْسَ هُوَ ابْن هود مُخَالف للصَّوَاب وَلما أطبق النَّاس عَلَيْهِ قَدِيما وحديثاً حَتَّى ذكر ذَلِك في الْأَشْعَار كَمَا قَالَ بعض القحطانية يفتخر على بعض العدنانية (أَبونَا نبيّ الله هود بن عَابِر ... فها نَحن أَبنَاء النبي المطهر) (ملكنا بِلَاد الله شرقاً ومغرباً ... ومفخرنا يسمو على كل مفخر) وإنما قلت إن رزق ينتهى نسبه الى خيشنة وَلم أقل رزق بن خيشنة لقصد الِاحْتِيَاط لِأَن الشَّك معي حَاصِل في رزق هَل ابْن خيشنة بِلَا فصل كَمَا سَمِعت من بعض الاكابر الْقَرَابَة وَهُوَ الْمَشْهُور عِنْد جَمِيع من لَهُ فطنة من أَوْلَاد رزق الْمَذْكُور أَو بَينه وَبَينه وَاسِطَة فَالله أعلم هَذَا سِيَاق نسب والدي المترجم لَهُ رَحمَه الله ومولده تَقْرِيبًا في سنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 ثَلَاثِينَ وَمِائَة وَألف وَعرف في صنعاء بالشوكاني نِسْبَة إلى شوكان وهي قَرْيَة من قرى السحامية إحدى قبائل خولان بَينهَا وَبَين صنعاء دون مَسَافَة يَوْم وَهُوَ أحد الْمَوَاضِع الَّتِى يُطلق عَلَيْهَا شوكان قَالَ فى الْقَامُوس شوكان مَوضِع بِالْبَحْرَيْنِ وحصن بِالْيمن وبلدة بن سرخس وأيبورد مِنْهُ عقيق بن مُحَمَّد بن عنيس وَأَخُوهُ أَبُو الْعَلَاء عنيس بن مُحَمَّد الشَّوْكَانِيّ انْتهى وَهُوَ الْحصن الذي ذكره فإن هَذِه الْقرْيَة الَّتِى ينْسب اليها صَاحب التَّرْجَمَة من أعظم الْحُصُون بِالْيمن وَقَالَ الخيضري في كِتَابه الذي سَمَّاهُ الِاكْتِسَاب في الأنساب في حرف الشين الْمُعْجَمَة مَا لَفظه الشوكاني بِفَتْح أَوله وَسُكُون ثَانِيه وكاف بعْدهَا ألف وَنون نِسْبَة إلى بَلْدَة من نَاحيَة جازان بَين سرخس وأيبورد مِنْهَا أَبُو الْعَلَاء عنيس بن مُحَمَّد بن عنيس الشَّوْكَانِيّ كَانَ شَيخا عَالما دخل مرو وتفقه بهَا على أَبى المظفر السَّمْعَانِيّ وَسمع مِنْهُ الحَدِيث وَمن وَالِد مُحَمَّد بن عنيس صم ولي الْقَضَاء ببلاده مُدَّة سمع مِنْهُ المُصَنّف وَمَات فى حُدُود الثَّلَاثِينَ وَخمْس مائَة وَأما الْفضل كَرِيمَة بنت أَبى الْحسن علي بن اسحق بن علي بن مُحَمَّد المالكي الشَّوْكَانِيّ امْرَأَة من بَيت الحَدِيث والدها أَبُو الْحسن كَانَ لَهُ رحْلَة إلى نيسابور وَسمع الْكثير بِقِرَاءَة أبى المظفر السمعاني وَحصل بهَا الإجازة عَن جمَاعَة من الشُّيُوخ مثل أَبى مُحَمَّد بن الحميد بن عبد الرَّحْمَن البحري وَأَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن علي بن مُحَمَّد الشَّوْكَانِيّ المالكي من أهل شوكاني كَانَ من أهل الْخَيْر وَالصَّلَاح ووالده أبو طَاهِر كَانَ من مشاهير الْمُحدثين بخراسان سمع أَبَاهُ طَاهِر وَأَبا الْفضل مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي الْحسن الْعَارِف المهيني ولد في حُدُود سِتِّينَ وَأَرْبع مائَة وَتوفى في شعْبَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 سنة 532 بشوكان انْتهى مَا في الِاكْتِسَاب وَهُوَ وإن كَانَ خَارِجا عَن التَّرْجَمَة غير أَنه لَا يَخْلُو من فايدة وثمة مَوضِع بِالْيمن آخر يُقَال لَهُ شوكان بِقرب مَدِينَة ذمار وَسمعت من بعض الثِّقَات أَن ثمَّة موضعاً ثَالِثا بِبِلَاد وَادعَة يُقَال لَهُ شوكان فإن لم يكن أحد المحلين حصنا كَانَ مُرَاد صَاحب الْقَامُوس هُوَ الْموضع الَّذِي ينْسب إليه صَاحب التَّرْجَمَة وإن كَانَ حصنين أَو أَحدهمَا لم يحسن الْجَزْم بِأَن مُرَاده أَحدهمَا دون الآخر وَفِي سيرة الإمام الهادي يحيى بن الْحُسَيْن أَنه نزل بِمحل يُقَال لَهُ شوكان من بِلَاد نَجْرَان وهذ يُفِيد أن بِالْيمن أَرْبَعَة مَوَاضِع يُسمى كل وَاحِد مِنْهُمَا شوكان وَنسبَة صَاحب التَّرْجَمَة إلى شوكان لَيست حَقِيقِيَّة لِأَن وَطنه ووطن سلفه وقرابته هُوَ مَكَان عدني شوكان بَينه وَبَينهَا جبل كَبِير مستطيل يُقَال لَهُ الْهِجْرَة وَبَعْضهمْ يَقُول لَهُ هِجْرَة شوكان فَمن هَذِه الْحَيْثِيَّة كَانَ انتساب أَهله الى شوكان وَهَذِه الْهِجْرَة معمورة بِأَهْل الْفضل وَالصَّلَاح وَالدّين من قديم الْأَزْمَان لَا يَخْلُو وجود عَالم مِنْهُم في كل زمن وَلكنه يكون تَارَة فى بعض الْبُطُون وَتارَة في بطن أُخْرَى وَلَهُم عِنْد سلف الْأَئِمَّة جلالة عَظِيمَة وَفِيهِمْ رُؤَسَاء كبار ناصروا الْأَئِمَّة ولاسيما في حروب الأتراك فإن لَهُم فِي ذَلِك الْيَد الْبَيْضَاء وَكَانَ فيهم إِذْ ذَاك عُلَمَاء وفضلاء يعْرفُونَ في سَائِر الْبِلَاد الخولانية بالقضاة وَكَانُوا يتفرقون في الْقَبَائِل ويدعونهم إلى الْجِهَاد ويحثونهم على حَرْب الأتراك وَكَانَ من بِصَنْعَاء من الأتراك يغزون إلى هَذَا الْمحل غَزْوَة بعد غَزْوَة ويخربون فِيهِ الْبيُوت ويعودون إلى صنعاء وغزوهم في بعض السنين فى يَوْم الْعِيد تركوهم حَتَّى اجْتَمعُوا في الْمَسْجِد لصَلَاة الْعِيد فَلم يشعروا إلا وجنود الأتراك قائمون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 على أبوابه فقاتلوهم فَقتل مِنْهُم جمَاعَة وفر آخرون وَأسر الأتراك أكابرهم ودخلوا بهم صنعاء وَقد أخبرني عمي الْحسن بن مُحَمَّد بن عبد الله أَخُو صَاحب التَّرْجَمَة بعجائب وغرائب مِمَّا اتفق وَهُوَ يرْوى ذَلِك عَن جده عبد الله وَكَانَ مِمَّن قَاتل الاتراك وعمره مائَة وَعشْرين سنة وعمي الْحسن الْمَذْكُور عَاشَ زِيَادَة على تسعين سنة فأنا أروي قتال الأتراك بِوَاسِطَة وَاحِد بيني وَبَين من قَاتلهم وَبَين تَحْرِير هَذِه الأحرف وَبَين اخراج الاتراك من جمبع الأقطار اليمنية زِيَادَة مائَة وَسبعين سنة وَهَذَا علو في الرِّوَايَة قل أَن يتَّفق مثله فان بَين كثير من أهل الْعَصْر وبن من حضر قتال الأتراك من سلفهم سَبْعَة أَبَا وَثَمَانِية وهذاعارض من القَوْل وَلكنه لَا يَخْلُو عَن فَائِدَة وَقد اشْتهر جمَاعَة من أهل الْمحل الْمَذْكُور أعني هِجْرَة شوكان بِالْعلمِ فَمنهمْ الْعَلامَة الْحُسَيْن بن علي الشَّوْكَانِيّ كَانَ من أكَابِر الْعلمَاء الْمُحَقِّقين لعلم الْفُرُوع وَقد ترْجم لَهُ السَّيِّد الْعَلامَة إبراهيم بن الْقَاسِم بن الْمُؤَيد في كتاب طَبَقَات الزيدية فَقَالَ مالفظه الْحُسَيْن بن على الشوكانى بِمُعْجَمَة الْفَقِيه الْعَلامَة قَرَأَ في الْفِقْه على القَاضِي إبراهيم بن يحيى السحولي وَأحمد بن سعيد الهبل وَقَرَأَ على أبناء الزَّمَان كالشيخ هادي الشاطبي وَمُحَمّد بن أَحْمد الهبل وَكَانَ فَقِيها إماماً في الْفُرُوع ثمَّ بيّض لباقي التَّرْجَمَة انْتهى وَمِنْهُم القاضي الْعَلامَة الْحُسَيْن بن صَالح الشوكانى كَانَ من المتقنين لعلم الْفِقْه وَغَيره وَهُوَ أحد قَضَاهُ المتَوَكل على الله اسمعيل فَمن بعده من الْأَئِمَّة وَرَأَيْت لَهُ مكاتبات ومراجعات إلى الْأَئِمَّة وَكَانَ يقْصد بالمشكلات من الْفَتَاوَى إلى تِلْكَ الْهِجْرَة وَكَانَ مولد والدي رَحمَه الله في ذَلِك التَّارِيخ بِتِلْكَ الْهِجْرَة ونشأبها فحفظ الْقُرْآن ثمَّ ارتحل إلى صنعاء لطلب الْعلم فَقَرَأَ على جمَاعَة من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 علمائها مِنْهُم السَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الكبسي وَالسَّيِّد الْعَلامَة علي بن حسن الكبسي وَالسَّيِّد الْعَلامَة الْحسن بن مُحَمَّد الاحفش والقاضى الْعَلامَة مُحصن بن أَحْمد العابد وَجَمَاعَة كَثِيرَة وبرع في علم الْفِقْه والفرائض فحقق الأزهار وَشَرحه لِابْنِ مِفْتَاح وحواشيه وَبَيَان ابْن مظفر وَالْبَحْر الزخار ومختصر الْفَرَائِض للعصيفرى وَشَرحه للناظرى وَشرح الخالدين وَعلم الضَّرْب والمساحة وَقَرَأَ في كتب الحَدِيث الشِّفَاء للأمير حُسَيْن وَالشَّمَائِل للترمذي وَمن كتب التَّفْسِير الثمرات للفقيه يُوسُف وَشرح الْآيَات للنجري وفي النَّحْو الملحة وَبَعض شروحها والحاجبية وَشَرحهَا للسَّيِّد الْمُفْتى وَفِي الْأُصُول الكافل لِابْنِ بهران وَشَرحه لِابْنِ لُقْمَان وَغير هَذِه المسموعات مِمَّا لَا يحضرنى الْآن وَمَا زَالَ يدأب فى تَحْصِيل الْعلم مفارقا لاهله ووطنه مغتربا عَنْهُمَا اياما طَوِيلَة ودرس وافتى فى صنعاء فى أَوَاخِر ايام طلبه وولاه الإمام المهدي الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن الْقَضَاء بالجهات الخولانبة خولان صنعاء ثمَّ اعتذر عَنهُ فولاه الْقَضَاء بِصَنْعَاء المحروسة وَاسْتقر بهَا هُوَ وَأَهله وَمَا ترك الطّلب فى أَيَّام تَوليته للْقَضَاء ولارغب عَن التدريس للطلبة بل كَانَ يقرئ فِي مَسْجِد صَلَاح الدَّين وَفِي مَسْجِد الابزر في الْفِقْه وفي الْجَامِع الْكَبِير فِي الْفَرَائِض فِي شهر رَمَضَان وَكَانَ رَحمَه الله مَحْمُود السِّيرَة والسريرة متعففاً قانعاً باليسير طارحاً للتكلف منجمعا عَن النَّاس مشتغلا بِخَاصَّة نَفسه صَابِرًا على نَوَائِب الزَّمن وحوادث الدَّهْر مَعَ كَثْرَة مَا يطرقه من ذَلِك محافظاً على أمور دينه مواظبا على الطَّاعَة مؤاثر للْفُقَرَاء بِمَا يفضل عَن كِفَايَته غير متصنع فِي كَلَامه وَلَا فِي ملبسه لَا يبالي بأي ثوب برز للنَّاس وَلَا في أَي هَيْئَة لَقِيَهُمْ وَكَانَ سليم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 الصَّدْر لَا يَعْتَرِيه غل وَلَا حقد وَلَا سخط وَلَا حسد وَلَا يذكر أحداً بِسوء كَائِنا من كَانَ محسناً إلى أَهله قَائِما بِمَا يحتاجونه متعباً نَفسه فِي ذَلِك صَابِرًا محتسباً لما كَانَ يجْرِي عَلَيْهِ من بعض الْقُضَاة الَّذين لَهُم كلمة مقبولة وصولة مَعَ كَونه مَظْلُوما في جَمِيع مَا يَنَالهُ من المحن ونوائب الزَّمن وَالْحَاصِل أَنه على نمط السلف الصَّالح في جَمِيع أَحْوَاله وَلَقَد كَانَ تغشاه الله تَعَالَى برحمته ورضوانه من عجائب الزَّمن وَمن عرفه حق الْمعرفَة تَيَقّن أَنه من أَوْلِيَاء الله وَلَقَد بلغ معي إلى حد من الْبر والشفقة والإعانة على طلب الْعلم وَالْقِيَام بِمَا أحتاج إليه مبلغاً عَظِيما بِحَيْثُ لم يكن لي شغلة بِغَيْر الطلب فجزاه الله خيراً وكافاه بِالْحُسْنَى وَهُوَ زاهد من الدُّنْيَا لَيْسَ لَهُ نهمة في جمع وَلَا كسب بل غَايَة مَقْصُوده مِنْهَا مَا يقوم بكفاية أرحامه فإنه اسْتمرّ في الْقَضَاء أَرْبَعِينَ سنة وَهُوَ لَا يملك بَيْتا يسكنهُ فضلاً عَن غير ذَلِك بل بَاعَ بعض مَا تَلقاهُ مِيرَاثا من أَبِيه من أموال يسيرَة في وَطنه وَلم يتْرك عِنْد مَوته إلا أَشْيَاء لَا مِقْدَار لَهَا وقرأت عَلَيْهِ رَحمَه الله فِي ايام الصغر فِي شرع الأزهار وَشرح الناظري مَعَ غيري من الطّلبَة وَهُوَ في آخر أَيَّامه قَرَأَ عليّ في صَحِيح البخاري وَلم يزل مستمراً على حَاله الْجَمِيل معرضاً عَن القال والقيل مَاشِيا على أهْدى سَبِيل حَتَّى توفاه الله تَعَالَى بِصَنْعَاء لَيْلَة الِاثْنَيْنِ بعد أَذَان الْعشَاء وَهِي اللَّيْلَة المسفرة عَن رَابِع شهر الْقعدَة سنة 1211 إحدى عشر وَمِائَتَيْنِ وَألف وَلم يُبَاشر شَيْئا مِمَّا يتَعَلَّق بِالْقضَاءِ قبل مَوته بِنَحْوِ سنتَيْن بل تجرد للاشتغال بِالطَّاعَةِ والمواظبة على الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة وَلم يكن لَهُ الْتِفَات إلى غير أَعمال الْآخِرَة رَحمَه الله وَترك وَلدين أكبرهما مُحَمَّد وَهُوَ جَامع هَذَا الْكتاب وَيحيى وَهُوَ الآن مشتغل بِقِرَاءَة عُلُوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 الِاجْتِهَاد قد انْتفع فى أَنْوَاع مِنْهَا مَعَ كَمَال اشْتِغَاله بِعلم الْفُرُوع وَهُوَ ذوفهم صَادِق وعقل رصين وَدين متين ولعلها تأتي لَهُ ولأخيه الْمَذْكُور تَرْجَمَة مُسْتَقلَّة لكل وَاحِد مِنْهُمَا فِي حرفه إن شَاءَ الله تَعَالَى 234 - السَّيِّد علي بن مُحَمَّد بن أَبى الْقَاسِم ابْن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن احْمَد بن يحيى بن عبد الله ابْن يحيى بن النَّاصِر بن الهادي يحيى بن الْحُسَيْن الْعَلامَة الْكَبِير مؤلف تَجْرِيد الْكَشَّاف التَّفْسِير الْمَشْهُور وروي أَن لَهُ تَفْسِيرا حافلاً في ثَمَانِيَة مجلدات وَمن جملَة تلامذته السَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن إبراهيم الْوَزير وَلكنه لما اجْتهد السَّيِّد مُحَمَّد الْمَذْكُور ورفض التَّقْلِيد وتبحّر في المعارف قَامَ عَلَيْهِ صَاحب التَّرْجَمَة في جملَة القائمين عَلَيْهِ وَترسل عَلَيْهِ برسالة تدل على عدم إنصافه ومزيد تعصبه سامحه الله وَأجَاب السَّيِّد مُحَمَّد عَن هَذِه الرسَالَة بالعواصم والقواصم الْكتاب الْمَشْهُور الذي لم يؤلف في هَذِه الديار اليمنية مثله وهوفي ثَلَاثَة مجلدات كبار وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة يقرئ الطّلبَة في جَمِيع عُلُوم الِاجْتِهَاد وفي الأمهات وَسَائِر كتب التَّفْسِير وَمَات سنة 837 سبع وَثَلَاثِينَ وثمان مائَة 235 - الإمام المهدي علي بن مُحَمَّد بن علي ابْن مَنْصُور بن يحيى بن مَنْصُور بن مفضل بن الْحجَّاج بن علي بن يحيى بن الْقَاسِم بن يُوسُف الداعي بن يحيى بن الْمَنْصُور بن أَحْمد بن النَّاصِر ابْن الهادي يحيى بن الْحُسَيْن ولد في شهر ربيع الآخر سنة 705 خمس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 وَسَبْعمائة في هِجْرَة من جِهَات الهان وَنَشَأ على مَا نَشأ عَلَيْهِ سلفه الصَّالح من الِاشْتِغَال بِالْعلمِ وَالْعَمَل ثمَّ دَعَا إلى نَفسه فبويع بالخلافة في شهر جُمَادَى الْآخِرَة سنة 750 في مَدِينَة ثلا وَاجْتمعَ النَّاس عَلَيْهِ حَتَّى قيل إن الْعلمَاء الَّذين حَضَرُوا بيعَته يزِيدُونَ على خمس مائَة وعارضه الواثق بِاللَّه المطهر بن مُحَمَّد وشمس الدَّين احْمَد بن علي بن أَبى الْفَتْح ثمَّ أذعن لَهُ الواثق وَأما السَّيِّد شمس الدَّين فَلم يزل على دَعوته وافتتح صنعاء وملكها وَملك صعدة وذمار وَمَا بَين هَذِه المدن وداننت لَهُ الْبِلَاد وَاسْتمرّ على ذَلِك حَتَّى ابتدأه الفالج فِي سنة 772 في ذمار وَكَانَ وَلَده مُحَمَّد قَائِما بالأمور ناظماً للأحوال ثمَّ نَهَضَ القاضي الْعَلامَة عبد الله بن الْحسن الدواري من صعدة فِي الْمحرم سنة 773 فوصل إلى ذمار وَسعه جمَاعَة من السَّادة وَالْعُلَمَاء وَأجْمع رأي القاضي وَمن مَعَه على أَن لَا يصلح للإمامة إلا وَلَده الإمام مُحَمَّد الْمَذْكُور فَلَمَّا سمع ذَلِك تبَاعد عَنهُ وَاعْتذر فَلم يعذروه وألزموه الْحجَّة فَقَامَ بالإمامة بعد أَن بَايعُوهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 وتكنى بالناصر واشتهر بصلاح الدَّين وستأتى لَهُ إِن شَاءَ الله تَرْجَمَة مُسْتَقلَّة فِي حرفة 236 - الإمام الْمَنْصُور علي بن مُحَمَّد النَّاصِر صَلَاح الدَّين ابْن علي المهدي الْمَذْكُور قبله ولد سنة 775 خمس وَسبعين وَسَبْعمائة وَلما مَاتَ وَالِده الإمام صَلَاح الدَّين مُحَمَّد بن علي بن مُحَمَّد في سنة 793 وَكَانَت خِلَافَته قد تمكنت في الديار اليمنية وعظمت سطوته وَكَثُرت جيوشه وَبعد صيته أرسل أمراءه ووزراءه إلى القاضي الْعَلامَة عبد الله بن الْحسن الدواري إلى صعدة فوصل إلى صنعاء ثمَّ أجمع رَأْيه وَرَأى أَرْبَاب الدولة على مبايعة صَاحب التَّرْجَمَة وَرَأَوا في ذَلِك صلاحاً لكَونه ناهضاً بِالْملكِ والا فَهُوَ لم يكن قد نَالَ من الْعلم في ذَلِك الْوَقْت مَا هُوَ شَرط الإمامة عِنْد الزيدية وَلَكِن جعل الله في هَذَا الرأي الْخَيْر وَالْبركَة فإنه وليّ الْخلَافَة وَحفظ بَيْضَة الإسلام وَدفع أهل الظُّلم وَأحسن الى الْعلمَاء وقمع رُؤْس البغي واشتغل بالمعارف العلمية في خِلَافَته حَتَّى فاق في كثير من المعارف وَلَقَد أثنى عَلَيْهِ السَّيِّد الإمام الْعَلامَة مُحَمَّد بن إبراهيم الْوَزير ثَنَاء طائلاً وصنّف في ذَلِك مصنفاً سَمَّاهُ الحسام الْمَشْهُور في الذب عَن دولة الامام الْمَنْصُور وَذكر أَنه أَخذ عَن صَاحب التَّرْجَمَة وناهيك بِهَذَا من مثل هَذَا الْمجمع على إمامته في جَمِيع الْعُلُوم وَقد تعَارض صَاحب التَّرْجَمَة هُوَ الإمام المهدي أَحْمد بن يحيى الْمُتَقَدّم ذكره وَوَقع مَا تقدمت الإشارة إليه وَقد طَالَتْ أَيَّامه وعظمت مَمْلَكَته واتسعت بِلَاده وتكاثرت أجناده حَتَّى مَاتَ في سَابِع وَعشْرين شهر صفر سنة 840 أَرْبَعِينَ وثمان مائَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 237 - السَّيِّد علي بن مُحَمَّد بن علي الحسيني الجرجاني عَالم الشرق وَيعرف بالسيد الشريف وَهُوَ من أَوْلَاد مُحَمَّد بن زيد الدَّاعِي بَينه وَبَينه ثَلَاثَة عشر أَبَا ولد سنة 740 أَرْبَعِينَ وسبعماية اشتغل ببلاده وَقَرَأَ الْمِفْتَاح على شَارِحه وَكَذَا أَخذ شرح الْمِفْتَاح للقطب عَن ابْن مُؤَلفه مخلص الدَّين بن أبي الْخَيْر علي وَقدم الْقَاهِرَة وَأخذ بهَا عَن أكمل الدَّين وَغَيره وَأقَام بِسَعِيد السُّعَدَاء أَربع سِنِين ثمَّ خرج إلى بِلَاد الروم ثمَّ لحق بِبِلَاد الْعَجم وَصَارَ إماماً فِي جَمِيع الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة وَغَيرهَا متفرداً بهَا مصنفا فِي جَمِيع أَنْوَاعهَا مبتحرا فى دقيقها وجليلها وطار صيته في الْآفَاق وانتفع النَّاس بمصنفاته في جَمِيع الْبِلَاد وَهِي مَشْهُورَة فِي كل فن يحْتَج بهَا أكَابِر الْعلمَاء وينقلون مِنْهَا ويوردون وَيَصْدُرُونَ عَنْهَا فَمن مصنفاته الْمَشْهُورَة شرح الْمِفْتَاح وَشرح المواقف العضدية وَشرح تذكرة الطوس وَشرح الجغميني في علم الْهَيْئَة وَشرح فَرَائض الْحَنَفِيَّة وَشرح الْوِقَايَة وَشرح الكافية بالعجمية وَله من الحواشي حَاشِيَة على أَوَائِل الْكَشَّاف وعَلى أَوَائِل شرح مُخْتَصر الْمُنْتَهى للعضد وعَلى أَوَائِل البيضاوى وعَلى الْخُلَاصَة للطيبى وعل العوارف وَالْهِدَايَة وعَلى التَّجْرِيد لنصير الدَّين وعَلى الْمطَالع وعَلى المطول وعَلى شرح الشمسية وعَلى الطوالع للأصبهاني وعَلى شرح هِدَايَة الْحِكْمَة وعَلى شرح حِكْمَة الْعين وَحِكْمَة الإشراق وعَلى الرضي في النَّحْو وعَلى الخبيصي وعَلى العوامل الجرجانية وعَلى رِسَالَة الْوَضع وعَلى شرح الإشارات للطوسي وعَلى التَّلْوِيح والتوضيح وعَلى أشكال التأسيس وعَلى تَحْرِير اقليدس وَله تَفْسِير الزهراوين وَله مُقَدّمَة في الصّرْف بالعجمية ورسالة في الْوُجُود وَله كتاب التعريفات وَله مصنفات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 غير هَذِه وتصدى للإقراء والإفتاء وَأخذ عَنهُ الاكابر وبالغوافى تَعْظِيمه لاسيما عُلَمَاء الْعَجم وَالروم فإنهم جَعَلُوهُ هُوَ والسعد التفتازاني حجَّة فِي علومهما وَقد جرى بَينهمَا مباحثات في مجْلِس تيمورلنك وَاخْتلف النَّاس فِي عصرهما وَفِيمَا بعده من العصور من المحق مِنْهُمَا وَمَا زَالَ الِاخْتِلَاف بَين الْعلمَاء فِي ذَلِك دائراً فِي جَمِيع الازمنة وَلَا سِيمَا عُلَمَاء الروم فإنهم يجْعَلُونَ من جملَة أَوْصَاف أكَابِر عُلَمَائهمْ أَنه كَانَ يمِيل إلى تَرْجِيح جَانب الشريف أَو إلى تَرْجِيح جَانب السعد لما لَهُم بهما وَبِمَا جرى بَينهمَا من الشغلة وَقد كَانَ أهل عصر صَاحب التَّرْجَمَة يفتخرون بالأخذ عَنهُ ثمَّ صَار من بعدهمْ يفتخرون بالأخذ عَن تلامذته ومصنفاته نافعة كَثِيرَة الْمعَانى وَاضِحَة الألفاظ قَليلَة التَّكَلُّف والتعقيد الذي يُوقع فِيهِ عجمة اللِّسَان كَمَا يَقع فِي مصنفات كثير من الْعَجم وَتوفى يَوْم الأربعاء سادس ربيع الآخر سنة 816 سِتّ عشرَة وثمان مائَة بشيراز وَقيل في ارْبَعْ عشرَة وثمان مائَة ويروى أَنه رَحل إلى القطب الشيرازي شَارِح الشمسية فَطلب مِنْهُ الْقِرَاءَة عَلَيْهِ في شَرحه فَاعْتَذر عَنهُ بعلو السن وَضعف الْبَصَر ثمَّ دله على بعض تلامذته الْمُحَقِّقين الَّذين أخذُوا عَنهُ ذَلِك الشَّرْح وَهُوَ بِبِلَاد أُخْرَى فَرَحل إليه فوصل وَبَعض أَبنَاء الأكابر يقْرَأ على الْمَذْكُور فِي ذَلِك الشَّرْح فَطلب مِنْهُ أَن يقْرَأ عَلَيْهِ فاذن لَهُ فِي الْحُضُور بِشَرْط أَن لَا يتَكَلَّم وَلَيْسَ لَهُ درس مُسْتَقل بل شَرط عَلَيْهِ أَن يحضر فَقَط مَعَ ذَلِك الذي يقْرَأ على الشَّيْخ من أَوْلَاد الأكابر فَكَانَ الشريف يحضر ساكتاً وفي اللَّيْل يأوي إلى خلْوَة فِي الْمَسْجِد وَكَانَ يُقرر فى أَكثر اللَّيْل ماسمعه من شرح الشمسية وَيرْفَع صَوته فَيَقُول قَالَ المُصَنّف كَذَا يعْنى صَاحب الشمسية وَقَالَ الشَّارِح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 كَذَا يعْنى القطب وَقَالَ الشَّيْخ كَذَا يعْنى الذي يقْرَأ عَلَيْهِ وَقلت أَنا كَذَا ثمَّ يُقرر كلَاما نفيساً ويعترض اعتراضات فائقة فصادف مُرُور ذَلِك الشَّيْخ من بَاب خلوته فَسمع صَوته فَوقف فطرب لذَلِك حَتَّى رقص ثمَّ أذن لَهُ أَن يتَكَلَّم بِمَا شَاءَ فَيُقَال إنّ صَاحب التَّرْجَمَة حصل حَاشِيَة شرح الشمسية حَال قِرَاءَته على ذَلِك الشَّيْخ 238 - السَّيِّد علي بن مُحَمَّد بن علي بن أَحْمد بن النَّاصِر الكوكباني المولد وَالدَّار والوفاة ولد فِي شهر سوال سنة 1149 تسع وأربعين وَمِائَة وَألف وَأخذ عَن شَيخنَا الْعَلامَة السَّيِّد عبد الْقَادِر بن أَحْمد وَعَن غَيره من عُلَمَاء كوكبان وبرع في النَّحْو وَالصرْف والمعاني وَالْبَيَان والأصول وشارك في غير ذَلِك وَله نظم جيد فَمِنْهُ مَا كتبه الى وَقد اطلع على بعض رسائلي (أي بحث قد جاءني من فريد ال ... عصر مُحي معالم التِّبْيَان) (الْهمام الذى اذا الْتبس الام ... رِجْلَاهُ بواضح الْبُرْهَان) (عِنْده سلم المجاري إذا ج ... لى فصلى مُسلما في الرِّهَان) فأجبت عَلَيْهِ بقولي (قلّد الْجيد وَهُوَ ربّ اجْتِهَاد ... وانتقاد قلائد العقيان) (نظمه الدرّ دلّ من غير شك ... أَنه الْبَحْر فِي عُلُوم الْبَيَان) (قد تيقنت أنني السعد لما ... صَار هَذَا الشريف من خلانى) (يَا قريع الأوان يَا سيد الأق ... ران يَا فَرد أهل هَذَا الزَّمَان) (دمت تحيي عُلُوم أبائك الغر ... وتجلى بهَا صدا الأذهان) (وَعَلَيْك السَّلَام يَا زِينَة الأع ... لَام يَا ابْن الْكِرَام من عدنان) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 وَله تلامذة أخذُوا عَنهُ هُنَالك فِي عُلُوم الْآلَات وَلَعَلَّ من جملَة شُيُوخه السَّيِّد الْعَلامَة عِيسَى بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن أَمِير كوكبان وَمِنْهُم السَّيِّد الْعَلامَة الْحُسَيْن بن عبد الله الكبسي الْمُتَقَدّم ذكره وَله شعر سَائِر وَعند تَحْرِير هَذِه الأحرف قد توفي رَحمَه الله وَمَوته سنة 1312 اثنتي عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَألف في شهر جُمَادَى الأولى مِنْهَا 239 - الشَّيْخ علي بن مُحَمَّد بن علي المقدسي الخزرجي الحنفي الْمَعْرُوف بأبي غَانِم قَالَ العصامي هُوَ شمس الْعُلُوم والمعارف بدر الْمَفْهُوم واللطائف قُرَّة عين أَصْحَاب أَبى حنيفَة الراقي من معارج التَّحْقِيق حَقِيقَة وَقَالَ الشَّيْخ عبد الرَّزَّاق المناوى هُوَ شيخ الْوَقْت حَالا وعلماً وتحقيقاً وفهماً وإمام الْمُحَقِّقين حَقِيقَة ورسماً وَكَانَت وَفَاته سنة 1004 أَربع وَألف 240 - علي بن مُحَمَّد بن عِيسَى بن يُوسُف بن مُحَمَّد الاشمونى الأصل ثمَّ القاهري الشافعي ولد فِي شعْبَان سنة 838 ثَمَان وَثَلَاثِينَ وثمان مائَة وَأخذ على الْمحلى والبلقيني والمناوي والكافياجي وبرع فِي جَمِيع الْعُلُوم وتصدى للإقراء وصنّف شرحاً للألفية وَشرح بعض التسهيل ونظم جمع الْجَوَامِع وايساغوجي قَالَ السخاوي وراج وَرجح على الْجلَال السيوطي مَعَ اشتراكهما فِي الْحمق غير أَن ذَاك أرجح انْتهى قلت وَهَذَا غير مَقْبُول من السخاوي فِي كلا الرجلَيْن على أَن صَاحب التَّرْجَمَة لَيْسَ مِمَّن ينبغي أَن يَجْعَل قريناً للجلال فبينهما مفاوز وَتوفى صَاحب التَّرْجَمَة يَوْم السبت سَابِع عشر ذي الْحجَّة سنة 918 ثَمَان عشرَة وَتِسْعمِائَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 241 - علي بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن علي بن يحيى البكري الزيدي أحد الْعلمَاء اليمنيين الْمُحَقِّقين لَهُ مصنّفات مِنْهَا شرح مُقَدّمَة بَيَان ابْن مظفر وَشرح منهاج القرشي وَشرح مُقَدّمَة الأزهار وَكَانَ بعض أهل الْعلم يفضله على عبد الله النجري الْمُتَقَدّم ذكره وَقد كتب إليه الإمام عز الدَّين بن الْحسن كلَاما فى مسئلة الإمامة وَأجَاب عَنهُ بِجَوَاب هُوَ مَوْجُود فِي فَتَاوَى الإمام عز الدَّين وَكَانَ مُتَّصِلا بالإمام المطهر بن مُحَمَّد ابْن سُلَيْمَان وَقَائِمًا بِكَثِير من أُمُور خِلَافَته قَالَ صَاحب مطلع البدور وَهُوَ الذي حكى صفة الْكتاب الْوَاصِل الى الامام المطهر من الْفَقِيه مُحَمَّد بن الأصم أَنَّهَا اتفقت فِي زمن الإمام الْمَذْكُور قصَّة عَجِيبَة ونكتة غَرِيبَة فِي بلد شامى الحرجة تسمى الْحمرَة وَذَلِكَ أَنه كَانَ فِيهَا رجل من الزرعة وَكَانَ ذادين وَصدقَة فاتفق أَنه بنى مَسْجِدا يصلي فِيهِ وَجعل يأتي ذَلِك الْمَسْجِد كل لَيْلَة بالسراج وبعشائه فإن وجد فِي الْمَسْجِد من يتَصَدَّق عَلَيْهِ أعطَاهُ ذَلِك الْعشَاء وإلا أكله وَصلى صلَاته وَاسْتمرّ على ذَلِك الْحَال ثمَّ أنها اتفقت شدَّة ونضب مَاء الْآبَار وَكَانَت لَهُ بير فَلَمَّا قل مَاؤُهَا أَخذ يحتفرها هُوَ وَأَوْلَاده فخربت تِلْكَ البير وَالرجل فِي أَسْفَلهَا خراباً عَظِيما حَتَّى إنه سقط مَا حولهَا من الارض اليها فأيس مِنْهُ أَوْلَاده وَلم يحفروا لَهُ وَقَالُوا قد صَار هَذَا قَبره وَكَانَ ذَلِك الرجل عِنْد خراب الْبِئْر فِي كَهْف فِيهَا فَوَقَعت إلى بَابه خَشَبَة منعت الْحِجَارَة من أَن تصيبه فأقام فِي ظلمَة عَظِيمَة ثمَّ إنه بعد ذَلِك جَاءَهُ السراج الذي كَانَ يحملهُ إلى الْمَسْجِد وَذَلِكَ الطَّعَام الذي كَانَ يحملهُ كل لَيْلَة وَكَانَ بِهِ يفرق مَا بَين اللَّيْل وَالنَّهَار وَاسْتمرّ لَهُ ذَلِك مُدَّة سِتّ سِنِين وَالرجل مُقيم في ذَلِك الْمَكَان على تِلْكَ الْحَال ثمَّ انه بدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 لأولاده أَن يحفروا الْبِئْر لإعادة عمارتها فحفروها حَتَّى انْتَهوا إلى أَسْفَلهَا فوجدوا أباهم حَيا فَسَأَلُوهُ عَن حَاله فَقَالَ لَهُم ذَلِك السراج وَالطَّعَام الذي كنت أحمل إلى الْمَسْجِد يأتيني على مَا كنت أحملهُ تِلْكَ الْمدَّة فعجبوا من ذَلِك فَصَارَت قَضِيَّة موعظة يتوعظ بهَا النَّاس فى أسواق تِلْكَ الْبِلَاد وَقَالَ في مطلع البدور وَمن جملَة من زار هَذَا الرجل مُحَمَّد بن الأصم انْتهى وَتُوفِّي صَاحب التَّرْجَمَة يَوْم الأحد ثامن وَعشْرين رَمَضَان سنة 882 اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وثمان مائَة 242 - علي بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن هطيل النجري الْمَشْهُور اليماني صَاحب التصانيف كشرحه للمفصل وَله شرح على الظَّاهِرِيَّة صنفه للإمام الْمَنْصُور علي بن صَلَاح الدَّين الْمُتَقَدّم ذكره وَكَانَ سَاكِنا بِصَنْعَاء وَقد طَار صيته فِي الآفاق وَكَانَ مديماً لمطالعة شرح الرضي على كَافِيَة ابْن الْحَاجِب لَا يُفَارِقهُ فِي غَالب أوقاته ويحكى أَنه لما حَضرته الْوَفَاة أَمر من يدْفع إليه شرح الرضي فَدفعهُ إليه فَوَضعه على صَدره ثمَّ أنْشد (تمتّع من شميم عرار نجد ... فَمَا بعد العشية من عرار) ويحكى عَنهُ أَنه دخل مَكَّة لِلْحَجِّ فَأخْبر أن قاضي الْمحمل الاشمى من أكَابِر الْعلمَاء فَتَلقاهُ إلى الطَّرِيق ووجده فِي محمل فناداه وَقَالَ مسئلة أَيهَا القاضي فكشف عَن الْمحمل وَقَالَ قل فَسَأَلَهُ كَذَلِك وَأجَاب بِجَوَاب حسن ثمَّ سَأَلَهُ بِمَسْأَلَة ثَانِيَة كَذَلِك وَأجَاب بِجَوَاب أحسن وَقَالَ لَهُ لَعَلَّك من الْيمن قَالَ نعم قَالَ أَنْت من صنعاء قَالَ نعم قَالَ أَنْت ابْن هطيل قَالَ نعم قَالَ قد ألفيت كَذَا وَكَذَا قَالَ نعم وَمَا يدْريك بِهَذَا فإن جيران دَاري لَعَلَّهُم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 لَا يعْرفُونَ ذَلِك فَقَالَ لَهُ أَنْتُم يَا عُلَمَاء صنعاء وضعتم أَنفسكُم بِالسُّكُونِ فِيهَا فِي مضيعة توفي سنة 812 اثنتي عشرَة وثمان مائَة فِي يَوْم الأربعاء حادي عشر ذي الْحجَّة مِنْهَا بِمَدِينَة صنعاء وَكَانَ منشاؤه وَطَلَبه بِمَدِينَة حوث ثمَّ فَارقهَا لأمر جرى بَينه وَبَين أَهلهَا وَقَالَ قصيدة بذمها مطْلعهَا (قوّض خيامك راحلاً عَن حوث ... حوث الْخَبيث مَحل كل خَبِيث) وَمن مشايخه ابراهيم بن عَظِيمَة النجراني وَمن تلامذته المرتضى ابْن الهادي بن ابراهيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 243 - على بن مُحَمَّد القوشجى بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الْوَاو وَفتح الشين الْمُعْجَمَة بعْدهَا جِيم وياء النِّسْبَة ومعنا هَذَا اللَّفْظ بِالْعَرَبِيَّةِ حَافظ البازي وَكَانَ أَبوهُ من خدام ملك مَا وَرَاء النَّهر يحفظ البازي قَرَأَ على عُلَمَاء سَمَرْقَنْد ثمَّ رَحل إلى الروم وَقَرَأَ على قاضي زَاده الرومي ثمَّ رَحل إلى بِلَاد كرمان فَقَرَأَ على علمائها وسود هُنَالك شَرحه للتجريد ثمَّ عَاد الى ملك ماوراء النَّهر وَلم يدرى أَيْن ذهب فَلَمَّا وصل إليه عاتبه على الاغتراب فَاعْتَذر بأنه اغترب لطلب الْعلم فَقَالَ لَهُ باى هَدِيَّة جِئْت قَالَ رِسَالَة حللت بهَا إشكال الْقَمَر وَهُوَ إشكال تحير فِي حله الأقدمون فَقَالَ هَات أنظر فِيهَا فقرأها قَائِما فأعجبته وَقد كَانَ ذَلِك الْملك بنى رصداً وَأمر جمَاعَة من الْعلمَاء بِعِلْمِهِ فماتوا فأمر صَاحب التَّرْجَمَة فأكمله وَكَتَبُوا عَنهُ مَا حصل وَهُوَ الْمَشْهُور بالزيج الْجَدِيد وَهُوَ أحسن الزيجات ثمَّ لما توفي ذَلِك الْملك وَتَوَلَّى مَكَانَهُ بعض أَوْلَاده لم يعرف قدر صَاحب الترحمة فاستأذنه لِلْحَجِّ فَلَمَّا وصل إلى تبريز أكْرمه سلطانها إكراماً عَظِيما وأرسله إلى سُلْطَان الروم مُحَمَّد خَان فَلَمَّا وصل إليه أكْرمه إكراماً زَائِدا على إكرام سُلْطَان تبريز لَهُ وَسَأَلَهُ أَن يسكن لَدَيْهِ فأجابه إلى ذَلِك ووعده الرُّجُوع بعد أَن يُوصل جَوَاب الرسَالَة وَأخذ عَلَيْهِ عهداً على ذَلِك فَلَمَّا أدى الرسَالَة أرسل السُّلْطَان مُحَمَّد خَان إليه من خُدَّامه جمَاعَة فخدموه وأكرموه وصرفوا اليه فِي كل مرحلة ألف دِرْهَم بأمر السُّلْطَان مُحَمَّد خَان فوصل إلى مَدِينَة قسطنطينية فِي حشمة وافرة وَعند ملاقاته للسُّلْطَان أهْدى إليه رِسَالَة فِي علم الْحساب سَمَّاهَا المحمدية ثمَّ صنف رِسَالَة أُخْرَى فِي علم الْهَيْئَة باسم السُّلْطَان مُحَمَّد خَان وسماها الرسَالَة الفتحية لمصادفتها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 لفتح عراف الْعَجم وَجعله السُّلْطَان مدرساً فِي بعض الْمدَارِس وَعين لَهُ كل يَوْم مائتي دِرْهَم وَعين لكل من أَوْلَاده وأتباعه شَيْئا خَارِجا عَن ذَلِك وَكَانُوا كثيرين يزِيدُونَ على مائتي نفس وَلما قدم قسطنطينية أول قدمة تَلقاهُ علماؤها فَذكر لَهُم مارآه من الجزر وَالْمدّ فِي الْبَحْر فَتكلم أكبر عُلَمَاء الروم فِي ذَلِك الزَّمن وَهُوَ خواجة زَاده الآتى ذكره إِن شَاءَ الله فِي سَبَب ذَلِك ثمَّ ذكر صَاحب التَّرْجَمَة مَا جرى بَين السعد والشريف من المباحثة وَرجح جَانب السعد فخالفه خواجة زَاده وَرجح جَانب الشريف وَله تصانيف مِنْهَا شرح التَّجْرِيد الذي تقدمت الإشارة إليه وَهُوَ شرح عَظِيم سَائِر فِي الاقطار كثير الْفَوَائِد وَله حَاشِيَة على أوائل حَاشِيَة السعد على الْكَشَّاف وَله كتاب عنقود الزهور فِي الصّرْف وَهُوَ من مشاهير الْعلمَاء وَلم أَقف على تَارِيخ وَفَاته وَلكنه كَانَ موت السُّلْطَان مُحَمَّد خَان الذي قدم الروم فِي زَمَنه سنة 886 سِتّ وَثَمَانِينَ وثمان مائَة 244 - علي بن مُحَمَّد العقيني الأنصاري التّعزي الشافعي ولد سنة 1033 ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَألف وَقَرَأَ بتعز على مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز الْمُفْتى وَقَرَأَ فِي غَيرهَا على مُحَمَّد بن علي مطير وَجَمَاعَة آخَرين ورحل إلى مَكَّة فَقَرَأَ على ابْن عَلان وَغَيره وبرع فِي فنون وصنّف تصانيف مِنْهَا شرح ألفية ابْن مَالك وَشرح الْمدْخل فِي الْمعَانى وَالْبَيَان وَشرح زيد بن رسْلَان وَشرح على الْمَنْظُومَة في شعب الإيمان وَشرح على النخبة وحاشية على التَّيْسِير وَمَات في ثَالِث ربيع الآخر سنة 1101 إحدى وَمِائَة وَألف بتعز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 245 - على بن مجد الدَّين مُحَمَّد بن مَسْعُود بن مَحْمُود بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد ابْن عمر الْمَعْرُوف بالمولى مصنفك لقب بذلك لاشتغاله بالتصنيف فِي حداثة سنه وَالْكَاف للتصغير فِي لُغَة الْعَجم وَهُوَ من أَوْلَاد الإمام فَخر الدَّين الرازي وفخر الدَّين هُوَ عمر الْمَذْكُور فِي النّسَب وَكَانَ الإمام يُصَرح فِي مصنفاته بأنه من أَوْلَاد عمر ابْن الْخطاب ولد صَاحب التَّرْجَمَة فِي سنة 803 ثَلَاث وثمان مائَة بخراسان وسافر مَعَ أَخِيه إلى هراة لطلب الْعلم فِي سنة 812 وصنف الإرشاد فِي سنة 823 وَشرح الْمِصْبَاح فِي النَّحْو سنة 825 وَشرح آداب الْبَحْث فِي سنة 826 وَشرح اللّبَاب فِي سنة 828 وحاشية المطول فِي سنة 832 وحاشية شرح الْمِفْتَاح للتفتازاني سنة 834 وحاشية التَّلْوِيح سنة 835 ثمَّ ارتحل فِي سنة 839 رحْلَة أُخْرَى إلى هراة وصنف هُنَالك الْوِقَايَة وَشرح الْهِدَايَة فِي سنة 839 وارتحل فِي سنة 848 إلى ممالك الروم وصنف هُنَالك فِي سنة 855 شرح المصابيح للبغوي وَشرح تِلْكَ السنة أَيْضا شرح الْمِفْتَاح للشريف وصنف فِي هَذِه السنة حَاشِيَة شرح الْمطَالع وَشرح أَيْضا بعض أصُول فَخر الإسلام البزدوي وصنف فِي سنة 856 حَاشِيَة الْكَشَّاف وَله مصنفات فارسية كأنوار الأحداق وَحَدَائِق الإيمان وتحفة السلاطين وَله غير ذَلِك من المصنفات كحاشية شرح العقائد وَمن مشايخه جلال الدَّين يُوسُف أحد تلامذة سعد الدَّين التَّفْتَازَانِيّ ودرس بِبِلَاد الروم وَغَيرهَا ثمَّ وَقع لَهُ صمم فِي آخر مدَّته وَعين لَهُ السُّلْطَان مُحَمَّد خَان كل يَوْم ثَمَانِينَ درهماً وَمَات بقسطنطينية سنة 875 خمس وَسبعين وثمان مائَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 246 - على بن المظفر بن ابراهيم ابْن عمر ابْن يزِيد الوادعي الكندي الإسكندراني ثمَّ الدمشقي ولد سنة 640 أَرْبَعِينَ وسِتمِائَة تَقْرِيبًا وَسمع من جمَاعَة نَحْو مِائَتَيْنِ واشتغل بالأدب فمهر فِي الْعَرَبيَّة وَقَالَ الشّعْر فأجاد ثمَّ دخل ديوَان الإنشاء فِي آخر عمره وَكَانَ كثير الهجاء فنفر النَّاس عَنهُ وَكَانَ يتشيع من غير سبّ وَلَا رفض وَجمع التَّذْكِرَة فِي عدَّة مجلدات تقرب من الْخمسين وفيهَا فَوَائِد كَثِيرَة وَمن شعره (فتنت بِمن محاسنه ... إلى عرب النقا تنمي) (عذار من بني لَام ... وطرف من بني سهم) (وعذالي بَنو ذهل ... وحسادي بَنو فهم) وَله في هَذَا الْجِنْس (قسماً بمرآك الْجَمِيل فانه ... عربى حسن من بنى زهران) (احلت عَنْك وَلَو رَأَيْتُك من بنى ... لحيان لابل من بني شَيبَان) وَمن مقطعاته الرائقة (قَالَ لي عاذلي المفنّد فِيهَا ... حِين وافت وسلّمت مختالة) (قُم بناندعى النبؤة فِي العش ... ق فقد سلمت علينا الغزالة) وَمِنْهَا) (إذا رَأَيْت عارضاً مسلسلاً ... فِي وجنة كجنة يَا عاذلي) (فَاعْلَم يَقِينا أنني من أمة ... تقاد للجنة بالسلاسل) وَمِنْهَا (وَفِي أَسَانِيد الأراك حَافظ ... للْعهد يروي صبره عَن عَلْقَمَة) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 (فَكلما ناحت بِهِ حمامة ... روى حَدِيث دمعه عَن عِكْرِمَة) وَفِي هَذَا من اللطافة مَالا يخفى لَان عِكْرِمَة من أَسمَاء الْحَمَامَة وَهُوَ شَاعِر مجيد مبدع وَقد ذكر جمَاعَة من متأخرى الادباء أَن ابْن نَبَاته كَانَ يتطفل على مَعَانِيه الرائقة وَقد أورد ابْن حجَّة فِي كشف اللثام عَن التورية والاستخدام جملَة مِمَّا وَقع فِيهِ ذَلِك قَالَ الذهبي كَانَ يخل بِالصَّلَاةِ ويرمي بعظائم وَكَانَت الحماسة من بعض محفوظاته حملني الشره على السماع من مثله وَقَالَ ابْن رَافع سمع مِنْهُ الْحَافِظ المزي وَغَيره وَكَانَ قد سمع الْكثير وَقَرَأَ بِنَفسِهِ وَحصل الأصول وَمهر فِي الأدب وَكتب الْخط الْمَنْسُوب وَكَانَ يكْتب للوزير ابْن ودَاعَة ويلازمه وإنما قيل لَهُ الوادعي نِسْبَة إليه وَكَانَ يُبَاشر مشيخة دَار الحَدِيث النفيسة إلى أَن مَاتَ فِي شهر رَجَب سنة 716 سِتّ عشرَة وَسَبْعمائة 247 - عليّ بن هادي عرهب الصنعاني المولد وَالدَّار والمنشأ أحد عُلَمَاء الْعَصْر الْمَشَاهِير ولد سنة 1164 ارْبَعْ وَسِتِّينَ وَمِائَة وَألف وَقَرَأَ على جمَاعَة من الْعلمَاء كالقاضي الْعَلامَة أَحْمد بن صَالح بن أَبى الرِّجَال وعَلى وَالِده وعَلى السَّيِّد الْعَلامَة شرف الدَّين بن إسماعيل بن مُحَمَّد بن إسحاق وعَلى جمَاعَة آخرين وبرع فِي النَّحْو وَالصرْف والمعاني وَالْبَيَان والأصول والْحَدِيث وَالتَّفْسِير وَأخذ عَنهُ أهل الْعلم وَقَرَأَ عَلَيْهِ فِي أَوَائِل أَيَّام الطلب فِي شرح التَّلْخِيص الصغيير للتفتازاني وَفِي حَوَاشِيه فاستمرت الْقِرَاءَة إلى بعض الْمُقدمَة ثمَّ انْقَطَعت لِكَثْرَة عرُوض الأعذار من جِهَته فأتممته على شَيخنَا الْعَلامَة الْقَاسِم بن يحيى الخلانى رَحمَه الله وَلِصَاحِب التَّرْجَمَة فِي قُوَّة الْفَهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 وَسُرْعَة الإدراك وَتَحْقِيق المباحث الدقيقة مَالا يُوجد لغيره وَلكنه كثير الْعَوَارِض الْمُوجبَة لانْقِطَاع التدريس وَلَوْلَا ذَلِك لعكف الطّلبَة عَلَيْهِ وفَاق معاصريه وَصَارَ متفردا برياسة التدريس وَلَكِن الْعلم تكْثر موانعه وَهُوَ غير مقلد بل يجْتَهد رَأْيه فِي جَمِيع مَا يحْتَاج إليه من مسَائِل الْعِبَادَة وَغَيرهَا وَمَا أحقه بذلك فإن الْعُلُوم الاجتهادية حَاصِلَة لَدَيْهِ وَزِيَادَة عَلَيْهَا وَهُوَ الْآن حي وَأكْثر سكونه بالروضة وَفِي سنة ثَلَاث عشرَة وَمِائَة وَألف استمديت لَهُ رَأيا شريفاً من حَضْرَة مَوْلَانَا الإمام الْمَنْصُور بِاللَّه حفظه الله فِي تَوليته للْقَضَاء بالروضة وَهُوَ أكبر من مثل هَذَا وَأجل فإن كثيراً من أكَابِر قُضَاة الْعَصْر المتولين للْقَضَاء فِي الحضرة الإمامية وَغَيرهَا لَيْسَ علمهمْ بِالنِّسْبَةِ إلى علم هَذَا شَيْئا وَلم يبْق لَاحَدَّ من قُضَاة الرَّوْضَة مَعَه كَلَام ثمَّ فِي شهر رَمَضَان سنة 1214 وصلت مُكَاتبَة من أَمِير كوكبان السَّيِّد الأجل شرف الدَّين بن أَحْمد بن مُحَمَّد يتَضَمَّن أَن كوكبان وجهاته يحْتَاج إلى عَالم من أكَابِر عُلَمَاء صنعاء للاحياء بالتدريس وللقيام بِعَهْد الْقَضَاء هُنَالك فارسلت بِصَاحِب التَّرْجَمَة وَهُوَ إلى الْآن هُنَالك 248 - علي بن يحيى بن علي بن رَاجِح بن سعيد الكينعي الصنعاني المولد والمنشأ وَالدَّار ولد سنة 1151 إِحْدَى وَخمسين وَمِائَة وَألف وَقَرَأَ على السَّيِّد الْعَلامَة الْحسن بن زيد الشامي وعَلى شَيخنَا الْعَلامَة الْحسن بن اسمعيل المغربي وَحضر على جمَاعَة من عُلَمَاء صنعاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 وَحفظ الْمسَائِل المهمة الْمُتَعَلّقَة بأمر الدَّين وَمَال إلى الْعَمَل والزهد وَله يَد طولى فِي علم التَّارِيخ وَحفظ غرائب الْأَخْبَار وطرائف الْأَشْعَار وَحسن المحاضرة وَجَمِيل المذاكرة مَعَ شهامة نفس وعلو همة وخبرة تَامَّة بأبناء عصره لَا يخفى عَلَيْهِ مِنْهُم خافية مَعَ انجماعه وميله إلى الخمول وَهُوَ من الأجواد الَّذين يُنْفقُونَ أَمْوَالهم فِي وُجُوه الْخَيْر فإنه مَعَ قلَّة ذَات يَده يجود بموجوده ويؤثر على نَفسه وَقد رَأَيْت من مكارمه مَالا يقدر عَلَيْهِ غَيره وَهُوَ فِي هَذَا الشَّأْن من محاس الزَّمَان وَلَو اتَّسع نطاق مَاله لطارله من الذّكر واشتهر لَهُ من الصيت مَا يزاحم بِهِ البرامكة فضلاً عَمَّن هُوَ دونهم وَلكنه يُؤثر الخمول ويميل إلى القنوع من الدُّنْيَا بالبلغة ونعمت الْخصْلَة وَمَا أحقه بِمَا قلته من أَبْيَات (ترَاهُ وَهُوَ ذُو طمرين يمشي ... بهمته على هام السّماك) وَهُوَ حَال تَحْرِير هَذِه الأحرف حَيّ ومنزله نزهة أَرْبَاب الْأَلْبَاب وَحَدِيثه روح أَرْوَاح بني الْآدَاب 249 - علي بن يحيى بن أَحْمد بن مَضْمُون البرطي ثمَّ الصَّنْعَانِيّ الْعَالم الْكَبِير الْمَشْهُور بالتحقيق فِي أَنْوَاع من الْعُلُوم ولد سنة 1061 إحدى وَسِتِّينَ وَألف وَكَانَ لَهُ بِالْعلمِ شغف شَدِيد حَتَّى قيل انه يقطع اللَّيْل جَمِيعًا فِي المطالعة بِمَسْجِد الْبُسْتَان من صنعاء وإذا غَلبه النوم اغْتسل بِالْمَاءِ وَمن مشايخه القاضي الْعَلامَة أَحْمد بن علي بن أَبى الرِّجَال والقاضى مُحَمَّد بن ابراهيم السحولى والامام المتَوَكل على الله اسمعيل وَغَيرهم وَأخذ عَنهُ جمَاعَة مِنْهُم السَّيِّد الْعَلامَة زيد بن مُحَمَّد بن الْحسن بن الإمام الْقَاسِم والقاضي الْعَلامَة الْحُسَيْن بن مُحَمَّد المغربي وَأَخُوهُ الْعَلامَة الْحسن بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 مُحَمَّد وَالسَّيِّد الْعَلامَة عبد الله بن علي الْوَزير ولازمه مُلَازمَة طَوِيلَة نَحْو اثنتي عشرَة سنة وَغَيرهم وَكَانَ يكثر مِنْهُ التَّخَلُّف عَن الدَّرْس ويتضجر لذَلِك الطّلبَة وَسبب ذَلِك شدَّة عنايته بمطالعة مَا يدرس فِيهِ الطّلبَة وَكَانَ لَهُ بتصحيح النسخ عناية عَظِيمَة بِحَيْثُ لَا يلْحق فِي ذَلِك وَرَأَيْت فَتَاوِيهِ مَجْمُوعَة فِي مُجَلد وَجمع تِلْمِيذه السَّيِّد عبد الله بن علي الْوَزير تَرْجَمته فِي مُصَنف سَمَّاهُ نشر العبير وَمَات فِي سنة 1119 تسع عشرَة وَمِائَة وَألف فِي ثاني وَعشْرين من شهر صفر مِنْهَا وَقيل سنة 1115 خمس عشرَة وَمِائَة وَألف 250 - السَّيِّد علي بن يحيى أَبُو طَالب ولد سنة 1159 تسع وَخمسين وَمِائَة وَألف أَو فِي الَّتِى قبلهَا أَو فِي الَّتِى بعْدهَا وَقَرَأَ على جمَاعَة من الْمَشَايِخ الْمُتَقَدِّمين كالقاضى الْعَلامَة أَحْمد ابْن صَالح بن أَبى الرِّجَال وَالسَّيِّد الْعَلامَة اسمعيل الْمُفْتى وَغَيرهمَا مِمَّن هم مَشَايِخ مَشَايِخنَا واستفاد فِي الْعُلُوم والآلية والحديثية وَسَائِر الْفُنُون ودرس للطلبة فِي كتب الْآلَة وَغَيرهَا وَقَرَأَ عليّ أخيراً فِي التَّفْسِير للزمخشرى وَفِي تفسيريّ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَسنَن أَبى دَاوُد وَهُوَ الْآن من محَاسِن الزَّمن وَمن بَقِيَّة شُيُوخ العترة المطهرة فتح الله لَهُ فِي مدَّته 251 - علي بن يَعْقُوب بن جِبْرِيل البكري نور الدَّين المصري الشافعي ولد سنة 673 ثَلَاث وَسبعين وسِتمِائَة واشتغل بالفقه والأصول وَقَرَأَ بِنَفسِهِ على سِتّ الوزراء وَجَرت لَهُ محنة بِسَبَب القبط وهي أَنه لما كَانَ فِي النّصْف من محرم سنة 714 بلغه أَن النَّصَارَى قد استعاروا من قناديل جَامع عَمْرو بن الْعَاصِ بِمصْر شَيْئا وعلقوه بكنيسة فاخذ مَعَه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 طَائِفَة كَثِيرَة من النَّاس وهجم الْكَنِيسَة وَنكل النَّصَارَى وَبلغ مِنْهُم مبلغاً عَظِيما وَعَاد إلى الْجَامِع وأهان من فعل ذَلِك وَكثر من الوقيعة فِي خَطِيبه فَبلغ السُّلْطَان فأمر بإحضار الْقُضَاة وَفِيهِمْ ابْن الْوَكِيل وأحضر صَاحب التَّرْجَمَة فَتكلم وَوعظ وَذكر آيَات من الْقُرْآن وَأَحَادِيث وَاتفقَ أَنه أغْلظ فِي عبارَة السُّلْطَان ثمَّ قَالَ أفضل الْجِهَاد كلمة حق عِنْد سُلْطَان جاير فَاشْتَدَّ غضب السُّلْطَان وَقَالَ لَهُ أَنا جاير قَالَ نعم أَنْت سلطت الأقباط على الْمُسلمين وقوّيت أَمرهم فَلم يَتَمَالَك السُّلْطَان أَن أَخذ السَّيْف وهمّ بِالْقيامِ ليضربه فبادر بعض الْأُمَرَاء وَأمْسك يَده فَالْتَفت إلى قاضي الْمَالِكِيَّة وَقَالَ يَا قاضى تجرأ على هَذَا مَا الذي يجب عَلَيْهِ فَقَالَ القاضي لم يقل شَيْئا يُوجب عُقُوبَة فصاح السُّلْطَان بِصَاحِب التَّرْجَمَة وَقَالَ اخْرُج عَنى فَقَامَ وَخرج فَقَالَ ابْن جمَاعَة قد تجرأ وَمَا بقي إلا أَن يزاحم السُّلْطَان فانزعج السُّلْطَان وَقَالَ اقْطَعُوا لِسَانه فبادر الْأُمَرَاء ليفعلوا بِهِ ذَلِك وأحضروا صَاحب التَّرْجَمَة فارتعد وَصَاح واستغاث بالأمراء فرقوا لَهُ وألحو على السُّلْطَان فِي الشَّفَاعَة وَدخل ابْن الْوَكِيل وَهُوَ ينتحب ويبكي فَظن السُّلْطَان أَنه أَصَابَهُ شئ فَقَالَ لَهُ خير خير فَقَالَ هَذَا رجل عَالم صَالح لكنه ناشف الدِّمَاغ قَالَ صدقت وَسكن غَضَبه فَانْظُر مَا فعله ابْن جمَاعَة بكلمته الحمقاء وَمَا فعله صدر الدَّين بن الْوَكِيل رَحمَه الله من التَّوَصُّل إلى سَلامَة هَذَا الْمِسْكِين وَهَكَذَا ينبغي لمن كَانَ لَهُ قبُول عِنْد السلاطين أَن يتحيل عَلَيْهِم فِي مَنَافِع الْمُسلمين وحقن دِمَائِهِمْ بِمَا أمكنه فإن صَاحب التَّرْجَمَة لم يكن ناشف الدِّمَاغ وَلكنه كَانَ فِي هَذِه الْوَسِيلَة سَلَامَته من تِلْكَ البلية وَمَات فِي شهر ربيع الآخر سنة 724 أَربع وَعشْرين وَسَبْعمائة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 252 - علي بن يُوسُف بن شمس الدَّين الفناري الرومي ارتحل من الروم إلى بِلَاد الْعَجم فَقَرَأَ على مَشَايِخ هراة وسمرقند وبخارى وبرع فِي جَمِيع الْعُلُوم ودرس هُنَالك ثمَّ عَاد الى الرّوم فِي سلطنة مُحَمَّد خَان فأمره السُّلْطَان أَن يدرس بمدرسة بروسة وَعين لَهُ كل يَوْم خمسين درهماً ثمَّ نقل إلى مدرسة أُخْرَى وَعين لَهُ سِتِّينَ درهماً ثمَّ جعله قَاضِيا بِمَدِينَة بروسة ثمَّ جعله قَاضِيا بالعسكر وَمكث فِيهِ عشر سِنِين وَارْتَفَعت بِسَبَب ولَايَته منزلَة الْعلمَاء والقضاة ثمَّ عَزله السُّلْطَان مُحَمَّد خَان وَعين لَهُ كل يَوْم خمسين درهماً ولأولاده تسعين درهماً فِي كل يَوْم وَعين لَهُ فِي كل سنة عشرَة آلاف درهماً فَلَمَّا مَاتَ السُّلْطَان مُحَمَّد وَقَامَ وَلَده بايزيد مقَامه أَعَادَهُ على قَضَاء الْعَسْكَر وَمكث فِيهِ مِقْدَار ثَمَان سِنِين ثمَّ عزل عَنهُ ثمَّ عين لَهُ كل يَوْم سبعين درهماً وَعشرَة آلاف دِرْهَم فِي كل سنة وَصَارَ مشتغلاً بِالْعلمِ فِي جَمِيع أوقاته لشدَّة شغفة بِالْعلمِ لَا ينَام على فرَاش وإذا غلب عَلَيْهِ النوم اسْتندَ إلى الْجِدَار والكتب بَين يَدَيْهِ فإذا اسْتَيْقَظَ نظر فِيهَا وَله شرح على الكافية نَفِيس وَكَانَ فِيهِ كرم مفرط وَرُبمَا ضَاقَتْ يَده فِي بعض الأحوال فَلَا يجد مَا يُرِيد فَقيل لَهُ إنك قد توليت قَضَاء الْعَسْكَر وَهُوَ منصب عَظِيم فَكيف لم تحفظ مَا يحصل لَك إذ ذَاك قَالَ كنت رجلا سَكرَان فَلم احفظ شَيْئا فَقيل لَهُ اذاعاد إليك المنصب فَعَلَيْك بِحِفْظ المَال فَقَالَ إذا عَاد المنصب عَاد السكر مَعَه وَكَانَ يغلب عَلَيْهِ الصمت إلا إذا سَأَلَهُ أحد عَن خدمته للسلاطين سرد من ذَلِك حكايات عَجِيبَة وَمن ذَلِك أَنه سَأَلَهُ بعض النَّاس عَن أعظم لَذَّة وجدهَا فِي أَيَّام اتِّصَاله بالسلطان فَقَالَ سَافر السُّلْطَان مُحَمَّد خَان فِي أَيَّام الشتَاء وَكَانَ ينزل ويبسط لَهُ بِسَاط صَغِيرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 يجلس عَلَيْهِ إلى أَن تضرب الْخَيْمَة وإذا أَرَادَ الْجُلُوس على الْبسَاط يخرج وَاحِد من غلمانه الْخُف عَن رجلَيْهِ وَعند ذَلِك يسْتَند الى شخص معِين وَكَانَت تِلْكَ عَادَته فاتفق فِي بعض الْأَيَّام أَنه لم يحضر ذَلِك الرجل فاستند إليّ وَهَذَا أعظم لَذَّة وَجدتهَا فِي صُحْبَة السلاطين وَحكى عَنهُ بعض تلامذته أَنه قَرَأَ عَلَيْهِ فِي المطول فَكَانُوا يقرأون عَلَيْهِ كل يَوْم مِقْدَار سطر أَو سطرين من ضحوة النَّهَار إلى وَقت الْعَصْر وَلما مَضَت على ذَلِك سِتَّة أشهر قَالَ إنّ الذي قرأتموه عليّ إلى الْآن يُقَال لَهُ قِرَاءَة كتاب وَبعد هَذَا اقرأوا قِرَاءَة الْفَنّ فقرأنا بعد ذَلِك كل يَوْم ورقتين وأتممنا بَقِيَّة الْكتاب فِي سِتَّة أشهر وَاسْتمرّ يُفِيد الطّلبَة حَتَّى مَاتَ فِي سنة 903 ثَلَاث وَتِسْعمِائَة 253 - عمر بن إسحاق بن أَحْمد الغزنوي الْعَلامَة الحنفي سراج الدَّين الهندي صَاحب التصانيف قدم الْقَاهِرَة قبل الأربعين وَسَبْعمائة وَسمع من بعض أَصْحَاب النجيب وَكَانَ عَلامَة فِي الأصول والمنطق وَالْفُرُوع تخرج فِي ذَلِك بالشمس الأصبهاني وَابْن التركماني وَمن مصنفاته شرح المغني وأصول الْفِقْه وَشرح البديع لِابْنِ الساعاتي وَشرح الْهِدَايَة وَهُوَ مطول لم يكمل وَكَانَ دمث الأخلاق طلق الْعبارَة ولي قَضَاء الْعَسْكَر ثمَّ ولى الْقَضَاء اسْتِقْلَالا فِي شعْبَان سنة 769 وَمَات رَابِع شهر رَجَب سنة 773 ثَلَاث وَسبعين وَسَبْعمائة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 254 - عمر بن رسْلَان بن بَصِير بن صَالح بن شهَاب بن عبد الْخَالِق ابْن عبد الْحق السراج البلقيني ثمَّ القاهري الشافعي ولد فِي لَيْلَة الْجُمُعَة سنة أَربع وَعشْرين وَسَبْعمائة ببلقينة فحفظ بهَا الْقرَان وَهُوَ ابْن سبع والشاطبية وَالْمُحَرر والكافية والشافية والمختصر الأصلي ثمَّ أقدمه أَبوهُ الْقَاهِرَة وَهُوَ ابْن اثنتي عشرَة سنة فَعرض محافيظه على جمَاعَة كالتقي السبكي والجلال القزويني وفَاق بذكائه وَكَثْرَة محفوظاته وَسُرْعَة فهمه ثمَّ رَجَعَ بِهِ أَبوهُ ثمَّ عَاد مَعَه وَقد ناهز الِاحْتِلَام فاستوطن الْقَاهِرَة وَقَرَأَ على أَعْيَان الْعلمَاء فِي الْفُنُون كالشيخين الْمُتَقَدِّمين والعز بن جمَاعَة وَابْن عَدْلَانِ وَسمع من خلق وَأَجَازَ لَهُ الأكابر وَمِمَّا يحْكى من حفظه أَنه أول مَا دخل الكاملية طلب من ناظرها بَيْتا فَامْتنعَ وَاتفقَ مجئ شَاعِر النَّاصِر بقصيدة وأنشده اياها بِحَضْرَة صَاحب التَّرْجَمَة فَقَالَ للنَّاظِر قد حَفظتهَا فَقَالَ لَهُ النَّاظر ان كَانَ كَذَلِك أَعطيتك بَيْتا فأملاها لَهُ من حفظه جَمِيعهَا فاعطاه الْبَيْت وَمَا زَالَ يطْلب الْعلم على عُلَمَاء الْقَاهِرَة حَتَّى برع فِي جَمِيع الْعُلُوم وفَاق الاقران وَتفرد بِكَثِير من المعارف وَقَالَ لَهُ ابْن كثير أذكرتنا ابْن تَيْمِية وَكَذَلِكَ قَالَ لَهُ ابْن شيخ الْجَبَل مَا رَأَيْت بعد ابْن تَيْمِية أحفظ مِنْك وَدخل حلب فِي سنة 793 صُحْبَة الظَّاهِر برقوق وَأخذ بهَا عَن جمَاعَة وَعين لقَضَاء مصر غير مرة وَلم يتم مَعَ كَونه فِي ذَلِك يترفع عَنهُ وَيجْلس فَوق كبار الْقُضَاة بل ولى ابْنه فِي حَيَاته وشاع ذكره فِي الممالك وعظمته الأكابر فَمن دونهم وَأثْنى عَلَيْهِ أكَابِر شُيُوخه قَالَ ابْن حجي كَانَ أحفظ النَّاس لمَذْهَب الشافعي واشتهر بذلك وشيوخه موجودون قدم علينا دمشق قَاضِيا وَهُوَ كهل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 فبهر النَّاس بحفظه وَحسن عِبَارَته وجودة مَعْرفَته وخضع لَهُ الشُّيُوخ فِي ذَلِك الْوَقْت واعترفوا بفضله ثمَّ بعد ذَلِك تصدر للفتيا والتدريس فكثرت طلبته وصاروا شُيُوخًا فِي حَيَاته وَله تصانيف كَثِيرَة لم تتم لِأَنَّهُ يَبْتَدِئ كتاباً فيصنّف مِنْهُ قِطْعَة ثمَّ يتْركهُ قَالَ الْبُرْهَان الحلبي رَأَيْته رجلاً فريد دهره لم تَرَ عيناي أحفظ مِنْهُ للفقه وَأَحَادِيث الأحكام وَقد حضرت دروسه مرَارًا وَهُوَ يقرئ فِي مُخْتَصر مُسلم للقرطبي يقرأه عَلَيْهِ شخص مالكي ويحضر عِنْده فُقَهَاء الْمذَاهب الْأَرْبَعَة فيتكلم على الحَدِيث الْوَاجِد من بكرَة إلى قريب الظّهْر وَرُبمَا أذن الظّهْر وَلم يفرغ من الحَدِيث انْتهى وَهَذَا تبحر عَظِيم وَتوسع باهر فان استغراق هَذَا الْوَقْت الطَّوِيل فِي الْكَلَام على حَدِيث وَاحِد يتَحَصَّل مِنْهُ كراريس وَقد كَانَ وَقع الِاتِّفَاق على أَنه أحفظ أهل عصره وأوسعهم معارفاً وَأَكْثَرهم علوماً وَمَعَ هَذَا فَكَانَ يتعانى نظم الشّعْر فيأتى يما يستحي مِنْهُ بل قد لَا يُقيم وَزنه والكمال لله قَالَ ابْن حجر وَكَانَت آلات الِاجْتِهَاد فِيهِ كَامِلَة قَالَ وَلم يكمل من مصنفاته إلا الْقَلِيل لأنه كَانَ يشرع فِي الشئ فلسعة علمه يطول عَلَيْهِ الأمر حَتَّى أنه كتب من شرح البخاري على نَحْو عشْرين حَدِيثا مجلدين وعَلى الرَّوْضَة عدَّة مجلدات تعقبات وعَلى الْبَدْر للزركشي مجلداً ضخماً قَالَ الْبَدْر البشبكي أنّ الشَّيْطَان وجد طرقه عَن البلقيني مسدودة فَحسن لَهُ نظم الشّعْر وَله مصنفات كَثِيرَة قد سردها وَلَده الْجلَال فِي تَرْجَمته وَلم يزل متفرداً فِي جَمِيع الأنواع العلمية حفظاً وسرداً لَهَا كَمَا هي حَتَّى توفاه الله تَعَالَى فِي يَوْم الْجُمُعَة حادي عشْرين الْقعدَة سنة 805 خمس وثمان مائَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 255 - عمر بن علي بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله السراج الأنصاري الأندلسي التكروري الأصل المصري الشافعي الْمَعْرُوف بِابْن الملقن ولد فِي ربيع الأول سنة 723 ثَلَاث وَعشْرين وَسَبْعمائة بِالْقَاهِرَةِ وَكَانَ أصل أَبِيه من الأندلس فتحول مِنْهَا إلى التكرور ثمَّ قدم الْقَاهِرَة ثمَّ مَاتَ بعد أَن ولد لَهُ صَاحب التَّرْجَمَة بِسنة فأوصى بِهِ إلى الشَّيْخ عِيسَى المغربي وَكَانَ يلقن الْقُرْآن فنسب اليه وَكَانَ يغْضب من ذَلِك وَلم يَكْتُبهُ بِخَطِّهِ إنما كَانَ يكْتب ابْن النحوي وَبهَا استهر فِي بعض الْبِلَاد كاليمن وَنَشَأ فِي كَفَالَة زوج أمه ووصيه وتفقه بالتقي السبكي والعز بن جمَاعَة وَغَيرهمَا وَأخذ فِي العرببية عَن أَبى حَيَّان وَالْجمال ابْن هِشَام وَغَيرهمَا وَفِي القرآت عَن الْبُرْهَان الرشيدي قَالَ الْبُرْهَان الحلبي أنه اشْتغل فِي كل فن حَتَّى قَرَأَ فِي كل مَذْهَب كتاباً وَسمع على الْحفاظ كَابْن سيد النَّاس والقطب الحلبي وَغَيرهمَا وَأَجَازَ لَهُ جمَاعَة كالمزي ورحل إلى الشَّام وَبَيت الْمُقَدّس وَله مصنفات كَثِيرَة مِنْهَا تَخْرِيج أَحَادِيث الرافعي سبع مجلدات ومختصر الْخُلَاصَة فِي مُجَلد ومختصره للمنتقى فِي جُزْء وَتَخْرِيج أَحَادِيث الْوَسِيط للغزالى الْمُسَمّى بتذكرة الاحبار بِمَا فِي الْوَسِيط من الاخبار فِي مُجَلد وَتَخْرِيج أَحَادِيث الْمُهَذّب المسمى بالمحرر الْمَذْهَب فِي تَخْرِيج أَحَادِيث الْمُهَذّب فِي مجلدين وَتَخْرِيج أَحَادِيث الْمِنْهَاج الأصلي فِي جُزْء وَتَخْرِيج أَحَادِيث مُخْتَصر الْمُنْتَهى لِابْنِ الْحَاجِب فِي جُزْء وَشرح الْعُمْدَة الْمُسَمّى بالأعلام فِي ثَلَاث مجلدات وَأَسْمَاء رجالها فِي مُجَلد وَقطعَة من شرح الْمُنْتَقى فِي الأحكام للمجد ابْن تَيْمِية وَلكنه قَالَ صَاحب التَّرْجَمَة فِي تَخْرِيج أَحَادِيث الرَّافِعِيّ أنه إنما كتب شَيْئا من ذَلِك على هوامش نسخته كالتخريج لأحاديث الْمُنْتَقى ثمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 رغب من يأتي بعده فِي شرح هَذَا الْكتاب حَسْبَمَا نقلته من كَلَامه فِي أوائل شرحي للمنتقى وَمن مصنفاته طَبَقَات الْفُقَهَاء الشَّافِعِيَّة وطبقات الْمُحدثين وَفِي الْفِقْه شرح الْمِنْهَاج سِتّ مجلدات وَآخر صَغِير فِي مجلدين ولغاته فِي مُجَلد والتحفة فِي الحَدِيث على أبوابه كَذَلِك وَالْبُلغَة على أبوابه فِي جُزْء لطيف والاعتراضات عَلَيْهِ فِي مُجَلد وَشرح التَّنْبِيه فِي أَربع مجلدات وَآخر لطيف سَمَّاهُ هادي النبيه إلى تدريس النتبيه وَالْخُلَاصَة على أبوابه فِي الحَدِيث فِي مجلدو أُمْنِية النبيه فِيمَا يرد على النووى فِي التَّصْحِيح والتنبيه فِي مُجَلد ولخصه فِي جُزْء وَشرح الحاوى الصَّغِير فِي مجلدين صخمين وَآخر فِي مُجَلد وَشرح التبريزي فِي مُجَلد وَشرع فِي كتاب جمع فِيهِ بَين كتب الْفِقْه الْمُعْتَمدَة فِي عصره للشَّافِعِيَّة وَنبهَ على مَا أهملوه وَسَماهُ جمع الْجَوَامِع وَله فِي علم الحَدِيث الْمقنع فِي مُجَلد قَالَ ابْن حجران صَاحب التَّرْجَمَة شرح الْمِنْهَاج عدَّة شُرُوح أكبرها فِي ثَمَانِيَة مجلدات وأصغرها فِي مُجَلد والتبينه كَذَلِك والبخاري فِي عشْرين مجلداً وَشرح زَوَائِد مُسلم على البخاري فِي أَرْبَعَة أَجزَاء وزوائد أبي دَاوُد على الصَّحِيحَيْنِ فِي مجلدين وزوائد التِّرْمِذِيّ على الثَّلَاثَة كتب مِنْهُ قِطْعَة وزوائد النسائي على الْأَرْبَعَة كتب مِنْهُ جُزْءا وزوائد ابْن مَاجَه على الْخَمْسَة فِي ثَلَاث مجلدات وإكمال تَهْذِيب الْكَمَال قَالَ ابْن حجر إنه لم يقف عَلَيْهِ وَقَالَ السخاوي إنه وقف مِنْهُ على مُجَلد وَله مصنفات غير هَذِه كشرح ألفية ابْن مَالك وَشرح الْمِنْهَاج الأصلى وَشرح مُخْتَصر الْمُنْتَهى لِابْنِ الحاحب وَقد رزق الإكثار من التصنيف وانتفع النَّاس بغالب ذَلِك وَلكنه قَالَ الْحَافِظ بن حجر إنه كَانَ يكْتب فِي كل فن سَوَاء أتقنه أولم يتقنه قَالَ وَلم يكن فِي الحَدِيث بالمتقن وَلَا لَهُ ذوق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 أهل الْفَنّ وَقَالَ ان الَّذين قرأوا عَلَيْهِ قَالُوا انه لم يكن ماهرا فِي الْفَتْوَى وَلَا التدريس وإنما كَانَت تقْرَأ عَلَيْهِ مصنفاته فِي الْغَالِب فيقررما فِيهَا وَقَالَ ابْن حجر كَانَ لَا يستحضر شَيْئا وَلَا يُحَقّق علماً وغالب تصانيفه كالسرقة من كتب النَّاس وَفِي هَذَا الْكَلَام من التحامل مَالا يخفى على منصف فَكَتبهُ شاهدة بِخِلَاف ذَلِك منادية بأنه من الْأَئِمَّة فِي جَمِيع الْعُلُوم وَقد اشْتهر صيته وطار ذكره وسارت مؤلفاته فِي الدُّنْيَا وَحكى السخاوي أَنه طلب الِاسْتِقْلَال بِالْقضَاءِ وخدعه بعض النَّاس حَتَّى كتب بِخَطِّهِ بِمَال على ذَلِك فَغَضب برقوق عَلَيْهِ لمزيد اخْتِصَاصه بِهِ وَكَونه لم يُعلمهُ بذلك وَلَو أعلمهُ لَكَانَ يَأْخُذهُ لَهُ بلابذل وَأَرَادَ الإيقاع بِهِ فسلمه الله من ذَلِك ثمَّ اسْتَقر فِي التدريس بأماكن وَقد تَرْجمهُ جمَاعَة من أقرانه الَّذين مَاتُوا قبله كالعثماني قاضي صفد فإنه قَالَ فِي طَبَقَات الْفُقَهَاء انه اُحْدُ مَشَايِخ الاسلام صَاحب التصانيف الَّتِى مافتح على غَيره بِمِثْلِهَا فِي هَذِه الْأَوْقَات وَقَالَ الْبُرْهَان الحلبى كَانَ فريد وقته فِي كَثْرَة التصنيف وَعبارَته فِيهَا جلية جَيِّدَة وغرايبه كَثِيرَة وَقَالَ ابْن حجر فِي أنبائه أنه كَانَ موسعاً عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا مَشْهُورا بِكَثْرَة التصانيف حَتَّى كَانَ يُقَال إنها بلغت ثلثمِائة مجلدة مَا بَين كَبِير وصغير وَعِنْده من الْكتب مَالا يدْخل تَحت الْحصْر مِنْهَا مَا هُوَ ملكه وَمِنْهَا ماهو من أوقاف الْمدَارِس ثمَّ إنها احترقت مَعَ أَكثر مسوداته فِي آخر عمره ففقد أَكْثَرهَا وَتغَير حَاله بعْدهَا فحجبه وَلَده إلى أَن مَاتَ قَالَ رَاوِيا عَن بعض من حكى لَهُ أَنه دخل على صَاحب التَّرْجَمَة يَوْمًا وَهُوَ يكْتب فَدفع إليه الْكتاب الَّذِي يكْتب مِنْهُ وَقَالَ لَهُ أمْلى عليّ قَالَ فأمليت عَلَيْهِ وَهُوَ يكْتب إلى أَن فرغ فَقلت لَهُ يَا سيدى أتنسخ هَذَا الْكتاب فَقَالَ بل أَخْتَصِرهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 قَالَ ابْن حجران العراقي والبلقيني وَصَاحب التَّرْجَمَة كَانُوا أعجوبة ذَلِك الْعَصْر الأول فِي معرفَة الحَدِيث وفنونه وَالثَّانِي فِي التَّوَسُّع فِي معرفَة مَذْهَب الشَّافِعِي وَالثَّالِث فِي كَثْرَة التصانيف وَلَك وَاحِد من الثَّلَاثَة ولد قبل الآخر بِسنة وَمَات قبله بِسنة فأولهم ابْن الملقن ثمَّ البلقيني ثمَّ العراقي وَمَات فِي لَيْلَة الْجُمُعَة سَاس عشر ربيع الأول سنة 804 أَربع وثمان مائَة 256 - عمر بن مُحَمَّد بن عمر ابْن أَحْمد بن هبة الله بن أَحْمد بن أَبى جَرَادَة العقيلى والحنفى الحلبي نجم الدَّين بن جمال الدَّين بن صَاحب كَمَال الدَّين العديم ولد سنة 689 تسع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة سمع الحَدِيث وتفقه وَولى عدَّة تداريس ثمَّ ولي الْقَضَاء وَكَانَ حَافِظًا لِلِسَانِهِ لم يسمع مِنْهُ سب أحد وَله نظم جيد فَمِنْهُ (كَأَن وَجه النَّهر اذحفت بِهِ ... أشجاره فصافحته الأغصن) (مرْآة غيد قد وقفن حولهَا ... ينظرن فِيهَا أيّهن أحسن) وَهَذَا غَايَة فِي بَابه وَقد كنت نظمت قبل الْوُقُوف عَلَيْهِ بأعوام بَيْتَيْنِ فِي الْمَعْنى هما (كَأَنَّمَا الأغصان إذ أحدقت ... بالنهر من بعد بكاء الْغَمَام) (غيد على مرْآة حسن تنا ... فسنّ فأذرين دموع الْخِصَام) فَلَمَّا وقفت على بيتي صَاحب التَّرْجَمَة هَمَمْت بَان اضْرِب على هذَيْن لكنى رأيتهما قد اشتملا على مالم يشْتَمل عَلَيْهِ بَيْتا المترجم لَهُ وَذَلِكَ زِيَادَة بكاء الْغَمَام فِي الْمُشبه ومقابلتهما ببكاء الغواني فِي الْمُشبه بِهِ مَعَ ذكر التنافس وَالْخِصَام وَرَأَيْت بعد نظم الْبَيْتَيْنِ أَن مَا يقرب من مَعْنَاهُمَا فِي طيب السمر للحيمي وَلَا أحفظه حَال تَحْرِير هَذِه الأحرف وَلَا أحفظ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 511 قائلة وَلكنه لم يشْتَمل على مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ البيتان الْمَذْكُورَان وَمَات صَاحب التَّرْجَمَة فِي صفر سنة 734 أَربع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة ورثاه ابْن الوردي بقوله (قد كَانَ نجم الدَّين شمسا أشرقث ... بحماة للدانى بهَا والقاصى) (عدمت ضِيَاء بن العديم فأنشدت ... مَاتَ الْمُطِيع فيا هَلَاك العاصي) وَمَا أحسن من التورية فِي قَوْله فِي هَلَاك العاصى لِأَن بحماة نَهرا يُقَال لَهُ العاصى 257 - عمر بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أبي الْخَيْر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن فَهد النَّجْم القرشي الْهَاشِمِي المكي الشافعي الْمَعْرُوف كسلفه بِابْن فَهد ولد لَيْلَة الْجُمُعَة سلخ جُمَادَى الْآخِرَة سنة 812 اثنتي عشرَة وثمان مائَة ونشأبها فحفظ الْقُرْآن وكتاباً فِي الحَدِيث أَلفه لَهُ وَالِده وَشرع فِي قِرَاءَة فقه الإمام احْمَد فحوله أَبوهُ شافعياً وَحفظ النّصْف الأول من الْمِنْهَاج وَبَعض الألفية لِابْنِ مَالك وَبَعض ألفية العراقى وَسمع فِي صغره بِمَكَّة على مشايخها والقادمين اليها كالمراغي وَالْجمال بن ظهيرة والولي العراقي وَابْن الجزرى والنجم بن حجي والكازرونى وأجازله جمَاعَة من جِهَات شَتَّى وَأَقْبل على الطلب بِنَفسِهِ وَتخرج بوالده ورحل إلى الْقَاهِرَة فَسمع من أَهلهَا ولازم الْحَافِظ ابْن حجر وَدخل الشَّام فَسمع على علمائها ولازم الْحَافِظ بن نَاصِر وسافر إلى الْقُدس والخليل وَسمع مِمَّن هُنَالك وَطَاف الْبلدَانِ وَطول الرحلة وَتردد فِي جَمِيع مداين مصر وَالشَّام وَغَيرهمَا وَكتب الْكثير بِخَطِّهِ وَسمع العالي والنازل وَمهر فِي الحَدِيث وصنّف فِيهِ مصنفات وَخرج لنَفسِهِ معجماً وَعمل مسلسلا وذيل على تَارِيخ مَكَّة للتقى النَّاس وَله كتاب المدلسين ثمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 المخضرمين ثمَّ المغير اسمهم ثمَّ المواخا بَينهم ثمَّ اللّبَاب فِي الألقاب ثمَّ بذل الْجهد فِي من سمي بفهد وَابْن فَهد والمشارق المنيرة فِي ذكر بني ظهيرة وَله فِي كل بَيت من بيُوت مَكَّة الْمَشْهُورَة بِالْعلمِ مُصَنف وَله غير ذَلِك من المصنّفات وَمَات يَوْم الْجُمُعَة سَابِع شهر رَمَضَان سنة 885 خمس وَثَمَانِينَ وثمان مائَة 349 - عمر بن مجد السّراج أبوحفص اليماني الزبيدي الشافعي وَيعرف بالفتى من الفتوة وَهُوَ لقب أَبِيه ولد سنة 801 وَاحِدَة وثمان مائو بزبيد وَنَشَأ بهَا وَقَرَأَ على الْفَقِيه مُحَمَّد بن صَالح والشرف بن المقرى ولازمه أتم دهرا مُلَازمَة طَويلا ثمَّ انْتقل إلى بِلَاد أصَاب فَمَكثَ بِبَعْض قراها وارتحل إليه الطّلبَة واشتغل بالتدريس والتصنيف وقصده الطّلبَة من الأماكن الْبَعِيدَة كل ذَلِك فِي حَيَاة شَيْخه وَلما استولى علي بن طَاهِر على الْيمن أكْرم صَاحب التَّرْجَمَة ورتب لَهُ من الْوَقْف مَا يَكْفِيهِ ثمَّ قَلّدهُ أَمر الأوقاف وصرفها لمستحقها والإذن فِي النِّيَابَة لمن لَا يحسن الْمُبَاشرَة وَله تصانيف مِنْهَا مهمات الْمُهِمَّات اختصر فِيهَا مهمات الأسنوي والابريز فِي تَصْحِيح الْوَجِيز والالهمام لما فِي الرَّوْض من الأوهام مُصَنف شَيْخه ابْن الْمقري وأفرد زَوَائِد الأنوار على الرَّوْضَة وَسَماهُ أنوار الأنوار وَكَذَا فعل فِي جَوَاهِر القمولى وَشرح الْمِنْهَاج لِابْنِ الملقن وَقد انْتفع بِهِ فِي الْفِقْه أهل الْيمن طبقَة بعد طبقَة حَتَّى صَار غالبهم من تلامذته وَمَات فِي صفر سنة 887 سبع وَثَمَانِينَ وثمان مائَة وارتجت النواحي لمَوْته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 350 - عمر بن مظفر بن عمر بن مُحَمَّد بن أَبى الفوارس زين الدَّين ابْن الوردي الْفَقِيه الشافعي الحلبي نَشأ بحلب وتفقّه بهَا ففاق الأقران وَأخذ من شرف الدَّين ابْن الْبَارِزِيّ وَغَيره ونظم الْبَهْجَة الوردية فِي خَمْسَة آلاف بَيت وَثَلَاثَة وَسِتِّينَ بَيْتا أَتَى على الحاوي الصَّغِير بغالب أَلْفَاظه قَالَ ابْن حجر وَأقسم بِاللَّه مَا نظم أحد بعده الْفِقْه إلا وَقصر دونه وَله ضوء الدرة على ألفية ابْن معطي وَشرح الألفية لِابْنِ مَالك وَله مقامات ومنطق الطير نظم ونثر وَله فِي الْكَلَام على مائَة غُلَام مائَة مَقْطُوع لَطِيفَة والدراري السارية فِي مائَة جَارِيَة مائَة مَقْطُوع كَذَلِك وَضمن كثيراً من الملحة للحريري فِي أرجوزة غزل وَاخْتصرَ الألفية لِابْنِ مَالك فِي مائَة وَخمسين بَيْتا وَشَرحهَا وَكَانَ يَنُوب فِي الحكم بحلب وَولى قَضَاء منبج ثمَّ اعْرِض عَن ذَلِك وَمَات فِي الطَّاعُون آخر سنة 749 تسع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وديوان شعره فِي مُجَلد لطيف وَذكر الصفدي فِي أَعْيَان النَّصْر أَنه اختلس مَعَاني شعره وأنشده من ذَلِك شَيْئا كثيراً وَلم يَأْتِ بِدَلِيل على أَن ابْن الوردي هُوَ المختلس قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر بل الْمُتَبَادر الْعَكْس وَاسْتشْهدَ الصفدي على صِحَة دَعْوَاهُ بقول صَاحب التَّرْجَمَة (وأسرق مَا اردت من الْمعَانى ... فإن فقت الْقَدِيم حمدت سيري) (وإن ساويته نظماً فحسبي ... مُسَاوَاة الْقَدِيم وَذَا لخيري) (وإن كَانَ الْقَدِيم أتم معنى ... فَهَذَا مبلغيى ومطار طيري) (وإن الدِّرْهَم الْمَضْرُوب عندي ... أحبّ الى من دِينَار غيري) وَمن جملَة مَا أورده الصفدى لصَاحب التَّرْجَمَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 (سل الله رَبك من فَضله ... إذا عرضت حَاجَة مقلقة) (وَلَا تقصد التّرْك فِي حَاجَة ... فأعينهم أعين ضيقة) قَالَ الصفدي وهما مأخوذان من قولي (أترك هوى الأتراك إن رمت أن ... لَا تبتلي فيهم بهم وضير) (وَلَا ترجّ الْجُود من وصلهم ... مَا ضَاقَتْ الأعين فيهم لخير) وَمن شعر صَاحب التَّرْجَمَة (قيل لي تبذل الذَّهَب ... بتولي قضا حلب) (قلت هم يحرقونني ... وَأَنا أشتري الْحَطب) وَمِنْه أَخذ ابْن عشاير (قيل برطل على القضا ... ترغم الْحَسَد العدى) (قلت هم يذبحونني ... وَأَنا أشحذ المدى) وَمن شعر صَاحب التَّرْجَمَة (إني تركت عقودهم وفسوخهم ... وفروضهم وَالْحكم بَين اثْنَيْنِ) (ولزمت بيتى قانعا ومطالعا ... كتب الْعُلُوم وَذَاكَ زين الدَّين) 351 - عِيسَى بن عُثْمَان بن عِيسَى الغزيّ شرف الدَّين الشَّافِعِي ولد قبل الأربعين وَسَبْعمائة وَقدم دمشق فأخذ عَن علمائها ولازم تَاج الدَّين السبكي ودرس بالجامع الأموي وَأفْتى وصنف فَمن مصنفاته شرح الْمِنْهَاج الشَّرْح الْكَبِير والمتوسط وَالصَّغِير وَاخْتصرَ الرَّوْضَة مَعَ زيادات وَاخْتصرَ مهمات الأسنوي وَله كتاب فِي آدَاب الْقَضَاء ولخص زيادات الْكِفَايَة على الرافعي فِي مجلدين مَاتَ فِي شهر رَمَضَان سنة 799 تسع وَتِسْعين وَسَبْعمائة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 515 352 - السَّيِّد عِيسَى بن لطف الله بن المطهر ابْن الإمام شرف الدَّين اليماني الكوكباني الشَّاعِر المنجّم المؤرّخ لَهُ تَارِيخ سَمَّاهُ روح الروح صنف واختص بالوزير مُحَمَّد باشا فصنف هَذَا التَّارِيخ بعنايته وَذكر فِيهِ مَا كَانَ بعد الْمِائَة التَّاسِعَة من الْفتُوح وصنّف لَهُ النفحة اليمنية فِي الدولة المحمدية وَمن نظمه (لَا تلمني فِي حب أهيف كالغص ... ن بِغَيْر الشموس فِي الاشراق) (لدغتنى فِي حَبَّة الوج ... هـ فَمَا غير وَصله من راق) وَكَانَ يهوى غُلَاما جميلاً فَقتله الأتراك فِي بعض الحروب فَقَالَ فِي ذَلِك قصيدة مِنْهَا (قد كنت أَهْوى بَان تأوي إلى نظري ... فَالْآن من لي بِجعْل الْقلب تابوتا) (عذبتنى بالجفا وَقت الْحَيَاة وفي ... مماتك الْيَوْم قد أحرمتني القوتا) (قتلت مِنْك غَدَاة الْحَالَتَيْنِ مَعًا ... حَيا وَمَيتًا فيا طول الجو هيتا) (يازهرة قطفت من بَعْدَمَا بسمت ... وزهرة غربت مذ وافت الحوتا) (لهفى على المقلة الكحلا الى قصرت ... عَن سحر نفثتها أسحار هاروتا) وَله قصيدة كتبهَا إلى الإمام الْقَاسِم بن مُحَمَّد ينتصل فِيهَا عَمَّا ينْسب إليه من تفضيله للدولة التركية على الدولة القاسمية ومطلعها (مَا شاقني سجع الحمامة ... سحراً وَلَا برق الغمامة) وَكَانَ مَوته فِي دولة الإمام الْمُؤَيد بِاللَّه مُحَمَّد بن الْقَاسِم فِي سنة 1048 ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف وَكَانَ يفد اليه ويكرمه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 516 353 - السَّيِّد عِيسَى بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الكوكباني قد تقدم تَمام نسبه ومولده على التَّقْرِيب بعد سنة 1130 وَله يَد فِي عُلُوم الِاجْتِهَاد قَوِيَّة وَكَانَ مكباً طول عمره على المعارف العلمية وأفاده الطّلبَة حَتَّى شاخ وعلت سنة فَصَارَ عِنْد ذَلِك أَمِيرا لكوكبان وبلادها من غير سعي مِنْهُ فِي ذَلِك بل قَصده أَقَاربه بالإمارة وَذَلِكَ أنه اتفق أَن السَّيِّد إبراهيم بن مُحَمَّد أَمِير كوكبان وَهُوَ أَخُو صَاحب التَّرْجَمَة مَاتَ فَصَارَت الإمارة بعده إلى وَلَده الأكبر الْعَبَّاس بن إبراهيم فنافسه على ذَلِك أخوه يحيى بن إبراهيم ومازال يترقب لَهُ الفرص حَتَّى صَادف مِنْهُ غرَّة وهم فِي دَار وَاحِدَة فَدخل عَلَيْهِ هُوَ وَجَمَاعَة مَعَه وضربوه ضرباً مبرحاً ثمَّ كتفوه وأخرجوه من دَاره على رُءُوس الأشهاد بعد أَن قيّدوه فَخرج مُقَيّدا مكتوفاً وَالنَّاس ينظرونه وسجنوه فِي دَار هُنَالك معدة لمثل ذَلِك ثمَّ إن أَخَاهُ يحيى الْمَذْكُور علم أَن أهل كوكبان لَا يفوضون الإمارة إليه وَفِيهِمْ صَاحب التَّرْجَمَة لعلو سنه فقصده وَعرض عَلَيْهِ الإمارة فقبلها وَكَانَت الأمور فِي أيام إمارته منوطة بالسيّد شرف الدَّين بن احْمَد الذي صَار بعد صَاحب التَّرْجَمَة أَمِيرا ثمَّ إن السادات وَسَائِر الأعيان أجمع أَمرهم على اعتقال السَّيِّد يحيى بن إبراهيم فِي الْيَوْم الثاني من اعتقاله لأخيه فعقدوا مَجْلِسا وَأَرْسلُوا للمذكور فجَاء وَبَين يَدَيْهِ الْجند وَعَلِيهِ أبهة الإمارة فكتفوه وقيدوه وأخرجوه كَمَا أخرجُوا أَخَاهُ وأدخلوه الدَّار الَّتِى أَدخل أَخَاهُ فِيهَا وَكَانَ ذَلِك من أعظم العبر وفي أثْنَاء هَذِه الأمور قتل السَّيِّد عبد الله بن إبراهيم وَكَانَ عِنْد اعتقال أَخِيه يحيى لاخيه عَبَّاس بشبام فَلَمَّا بلغه ذَلِك جمع جمَاعَة من أهل شبام وطلع بهم إلى كوكبان قَاصِدا لنصر أَخِيه عَبَّاس فلقي الحديث: 353 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 517 فِي الطَّرِيق عَبَّاس بن مُحَمَّد بن يحيى وَهُوَ مِمَّن أعَان السَّيِّد يحيى بن إبراهيم على اعتقال أَخِيه بل لولاه ماتم ذَلِك فَلَمَّا رأى السَّيِّد عبد الله الْمَذْكُور السَّيِّد عَبَّاس بن مُحَمَّد فِي عقبَة كوكبان سلّ سَيْفه وَحمل عَلَيْهِ على دهش وطيش فوصل إليه وضربه بِالسَّيْفِ ضربة غير طائلة فاخذ السَّيِّد عَبَّاس ابْن مُحَمَّد الجنبية وطعنه بهَا طعنة كَانَ بهَا مَوته وَلم ينفع السَّيِّد عبد الله من مَعَه من الْجَيْش ثمَّ إن السَّيِّد عَبَّاس بن مُحَمَّد سجن بقصر صنعاء نَحْو سبع سِنِين وَصَحَّ عندي أَنه مدافع فأطلقه مَوْلَانَا الإمام حفظه الله وَأما صَاحب التَّرْجَمَة فاستمر على امارته حَتَّى مَاتَ يَوْم الْأَرْبَعَاء الْخَامِس وَالْعِشْرين من شهر شَوَّال سنة 1207 سبع وَمِائَتَيْنِ وألف ثمَّ صَارَت الإمارة بعده إلى السَّيِّد شرف الدَّين الْمُتَقَدّم ذكره وَهُوَ من أكَابِر الْعلمَاء المتوسعين فِي عدَّة فنون وَولده الْعَلامَة عبد الله قد سبقت تَرْجَمته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 354 - عِيسَى بن مَسْعُود بن مَنْصُور بن يحيى بن يُونُس الزواوي المالكي الحديث: 354 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 ولد سنة 664 أَربع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة بزواوة وتفقّه على أَبى يُوسُف الزواوي ثمَّ قدم الإسكندرية فتفقه بهَا ثمَّ رَجَعَ إلى قابس وَولى الْقَضَاء بهَا ثمَّ رَجَعَ إلى الإسكندرية ثمَّ دخل مصر فَقَرَأَ عَلَيْهِ النَّاس بالجامع الْأَزْهَر وَسمع من جمَاعَة مِنْهُم الدمياطي وَكَانَ يذكر أَنه حفظ مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب فِي سِتَّة أشهر وَأَنه حفظ الْمُوَطَّأ ثمَّ دخل أَيْضا دمشق وناب عَن حاكمهما المالكي وَرجع إلى مصر وناب أَيْضا عَن حاكمها المالكي ثمَّ أعرض عَن ذَلِك وَأَقْبل على التصنيف فصنّف شرحاً لمُسلم فِي اثني عشر مجلداً جمع فِيهِ بَين الْمعلم وإكماله وَشرح النووي عَلَيْهِ وَسَماهُ إكمال الإكمال وَزَاد فِيهِ فَوَائِد ومسائل من كَلَام الْبَاجِيّ وَابْن عبد الْبر وَأبْدى فِيهِ سُؤَالَات مفيدة وَأجَاب عَنْهَا وَشرح مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب الفرعي فوصل إلى الصَّيْد فِي سَبْعَة أسفار وَشرح مُخْتَصر ابْن يُوسُف فِي سِتَّة أسفار وَله كتاب فِي الْمَنَاسِك ورد على ابْن تَيْمِية فِي مسئلة الطَّلَاق وَشرع فِي جمع تَارِيخ كتب مِنْهُ عشرَة أسفار وَمَات فِي مستهل رَجَب سنة 743 ثَلَاث وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة تمّ بِحَمْد الله وفضله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 520 بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَبِه نستعين حرف الْغَيْن الْمُعْجَمَة غازان بن آرغون بن أبغابن هلا كو بن تولى بن جنكز خَان السُّلْطَان معز الدَّين سُلْطَان التتار كَانَ جُلُوسه على تخت الْملك سنة 693 وَحسن لَهُ نايبه نوروز الْإِسْلَام فَأسلم في سنة 694 ونثر الذَّهَب وَالْفِضَّة واللؤلؤ على رُؤْس النَّاس وَفَشَا الْإِسْلَام فِي التتار وَكَانَ ملك خُرَاسَان بأسرها وَالْعراق وَفَارِس وَالروم وأذربيجان والجزيرة وَكَانَ يتَكَلَّم بِالْفَارِسِيَّةِ وَيفهم أَكثر اللِّسَان العربي وَلما ملك أَخذ نَفسه بطرِيق جده الْأَعْلَى جنكزخان الطاغية الذي أهلك الْعباد والبلاد وَصرف همته إِلَى توفير الْعَسْكَر وسد الثغور وَعمارَة الْبِلَاد والكف عَن سفك الدِّمَاء وَلما أسلم قيل لَهُ إِن دين الْإِسْلَام يحرم نِكَاح نسَاء الْآبَاء وَقد كَانَ استضاف نسَاء أَبِيه إِلَى نِسَائِهِ وَكَانَ أحبهنَّ إِلَيْهِ خاتون وهي أكبر نسَاء أَبِيه فهم أَن يرْتَد عَن الْإِسْلَام فَقَالَ لَهُ بعض خواصه إِن أَبَاك كَانَ كَافِرًا وَلم تكن خاتون مَعَه في عقد صَحِيح إِنَّمَا كَانَ مسافحاً بهَا فاعقد أَنْت عَلَيْهَا فَإِنَّهَا تحل لَك فَفعل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 2 وَلَوْلَا ذَلِك لارتد عَن الْإِسْلَام وَاسْتحْسن ذَلِك من الذي أفتاه بِهِ لهَذِهِ الْمصلحَة بل هُوَ حسن وَلَو كَانَ تَحْتَهُ ألف امْرَأَة على سفاح فَإِن مثل هَذَا السُّلْطَان المتولي على أَكثر بِلَاد الْإِسْلَام في إِسْلَامه من الْمصلحَة مَا يسوغ مَا هُوَ أكبر من ذَلِك حَيْثُ يُؤدى التحريج عَلَيْهِ والمشي مَعَه على أَمر الْحق إِلَى ردته فرحم الله ذَلِك الْمُفْتى وَكَانَ وَالِد صَاحب التَّرْجَمَة وَمن قبله من الْمُلُوك يعدون أنفسهم نواباً لملك السراى فَلَمَّا اسْتَقَرَّتْ قدم غازان في الْملك تسمى بالخان وَقطع مَا كَانَ يحملهُ إِلَيْهِم من إتاوة وأفرد نَفسه بِالذكر وَالْخطْبَة وَضرب السِّكَّة باسمه وطرد نائبهم من بِلَاد الروم وَقَالَ أَنا أخذت الْبِلَاد بسيفي لَا بغيري وَكَانَ إِذا غضب خرج إِلَى الفضاء وَيَقُول إِن الْغَضَب إِذا خزنته زَاد فَإِن كَانَ جائعاً أكل أَو بعيد عهد بِالْجِمَاعِ جَامع وَيَقُول آفَة الْعقل الْغَضَب وَلَا يصلح للْملك من يتعاطى مَا يضر عقله وَأول مَا وَقع لَهُ الْقِتَال مَعَ نوروز بن أرغون الذي كَانَ حسن لَهُ الْإِسْلَام فَإِن نوروز خرج عَلَيْهِ فحاربه ثمَّ لجاء نوروز إِلَى قلعة خُرَاسَان ثمَّ إِن غازان قتل الأكراد الَّذين قَامُوا مَعَ نوروز وَكَانَ جملَة من قتل مِنْهُم في المعركة خمسين ألفاً وَأسر مِنْهُم أسراً كثيراً حَتَّى بيع الصبي الْجَمِيل الْمُرَاهق وَمن هُوَ أكبر مِنْهُ باثني عشر درهماً ثمَّ إِن غازان طرق الْبِلَاد الشامية في سنة 699 وَكَانَت ملحمة عَظِيمَة ظفر فِيهَا غازان وَدخل دمشق وخطب لَهُ بهَا واستمرت لَهُ الْخطْبَة أَيَّامًا وَحصل في تِلْكَ الْأَيَّام لأهل الشَّام من الْقَتْل وَسبي الْحَرِيم والذرية والتعذيب مَالا يُوصف بِسَبَب ماصودروا بِهِ من الْأَمْوَال وَهلك خلائق من الْعَذَاب والجوع ثمَّ رَجَعَ ثمَّ عَاد مرة أُخْرَى سنة 700 فأوقع بِبِلَاد حلب ثمَّ أرسل بعض أمرائه بالعساكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 3 إِلَى مصر فَوَقَعت على عسكرة كسرة عَظِيمَة وَقتل مِنْهُم من لَا يُحْصى وَكَانَ ذَلِك في سنة 703 وَلما بلغ ذَلِك غازان حصل لَهُ غم شَدِيد كَانَ سَبَب مَوته كَمَا قَالَ ابْن حجر فَمَاتَ في شهر شَوَّال سنة 703 ثَلَاث وَسَبْعمائة قَالَ الذهبي كَانَ شَابًّا عَاقِلا شجاعاً مهيباً مليح الشكل مَاتَ وَلم يتكهل واشتهر أَنه سم في منديل يمسح بِهِ بعد الْجِمَاع فتعلل وَهلك انْتهى وَقد امتحن أهل الشَّام بِهَذَا على رَأس الْقرن السَّابِع كَمَا امتحنوا هم وغالب بِلَاد الإسلام بجده الْأَعْلَى على رَأس الْقرن السَّادِس وكما امتحنوا بتيمورلنك على رَأس الْقرن الثَّامِن وَكلهمْ من التتار وَالْحكم لله الْقَادِر الْمُخْتَار السَّيِّد غَالب بن مساعد شرِيف مَكَّة وأميرها عِنْد تَحْرِير هَذِه الأحرف ولي الْإِمَارَة بعد أَبِيه مساعد أَخُوهُ سرُور ابْن مساعد الذي طَار صيته في الْآفَاق وَبلغ من الْمجد والسعي في أَعمال الْخَيْر وتأمين السبل مَا لم يبلغ إِلَيْهِ أحد من آبَائِهِ وَلَقَد كَانَت أَحَادِيث الوافدين لِلْحَجِّ إِلَى بَيت الله الْحَرَام تخبر عَنهُ بأخبار تسر الْقُلُوب وتشنف الأسماع وَتَروح الطباع وَكَانَ عَظِيم السطوة شَدِيد الصولة قامعاً للْفَسَاد رَاعيا لمصَالح الْعباد كثير الْغَزْو لمردة الْأَعْرَاب الَّذين يتخفطون النَّاس في الطرقات ثمَّ مَاتَ في شهر رَجَب سنة 1202 اثْنَتَيْنِ ومايتين وَألف وَقَامَ مقَامه أَخُوهُ عبد الْمعِين ثمَّ رغب عَن الْأَمر لصَاحب التَّرْجَمَة بعد أَيَّام يسيرَة من ولَايَته فَقَامَ بِهِ هَذَا أتم قيام وَهُوَ الْآن فِي سن الشَّبَاب حَسْبَمَا نَسْمَعهُ من الْحجَّاج وَله شغلة عَظِيمَة بِصَاحِب نجد عبد الْعَزِيز بن سعود المستولي الْآن على الْبِلَاد النجدية وَغَيرهَا مِمَّا هُوَ مجاور لَهَا وَكَثِيرًا مَا يجمع صَاحب التَّرْجَمَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 4 الجيوش ثمَّ يَغْزُو أَرض نجد فيصل أطرافها فيبلغنا أَنه يقوم لحربه طايفة يسيرَة من أَطْرَاف الْبِلَاد فيهزمونه وَيعود إِلَى مَكَّة وَآخر مَا وَقع مِنْهُ ذَلِك سنة 1212 فَإِنَّهُ جمع جَيْشًا كثيراً وغزا نجداً وأوقع بِبَعْض الْبِلَاد الراجعة إِلَى سُلْطَان نجد الْمَذْكُور فَلم يشْعر إِلَّا وَقد دهمه جَيش لَا طَاقَة لَهُ بِهِ أرْسلهُ صَاحب نجد فَهَزَمَهُ وَاسْتولى على غَالب جَيْشه قتلاً وأسرا بل جائت الْأَخْبَار بِأَنَّهُ لم يسلم من جَيش صَاحب التَّرْجَمَة إِلَّا طَائِفَة يسيرَة وَقتل جمَاعَة من أَشْرَاف مَكَّة في المعركة وتمت الْهَزِيمَة إِلَى مَكَّة وَلَو ترك ذَلِك واشتغل بِغَيْرِهِ لَكَانَ أولى لَهُ فَإِن من حَارب من لَا يقوى لحربه جرّ إِلَيْهِ الْبلوى فَإِن صَاحب نجد تبلغ عَنهُ قُوَّة عَظِيمَة لَا يقوم لمثلهَا صَاحب التَّرْجَمَة فقد سمعنَا أَنه قد استولى على بِلَاد الحسا والقطيف وبلاد الدواسر وغالب بِلَاد الْحجاز وَمن دخل تَحت حوزته أَقَامَ الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالصِّيَام وَسَائِر شَعَائِر الْإِسْلَام وَدخل في طَاعَته من عرب الشَّام الساكنين مَا بَين الْحجاز وصعدة غالبهم إِمَّا رَغْبَة وَإِمَّا رهبة وصاروا مقيمين لفرائض الدَّين بعد أَن كَانُوا لَا يعْرفُونَ من الْإِسْلَام شَيْئا وَلَا يقومُونَ بشئ من واجباته إِلَّا مُجَرّد التَّكَلُّم بِلَفْظ الشَّهَادَتَيْنِ على مافى لَفظهمْ بهَا من عوج وَبِالْجُمْلَةِ فَكَانُوا جَاهِلِيَّة جهلاء كَمَا تَوَاتَرَتْ بذلك الْأَخْبَار إِلَيْنَا ثمَّ صَارُوا الْآن يصلونَ الصَّلَوَات لأوقاتها ويأتون بِسَائِر الْأَركان الإسلامية على أبلغ صفاتها وَلَكنهُمْ يرَوْنَ أَن من لم يكن دَاخِلا تَحت دولة صَاحب نجد وممتثلاً لأوامره خَارج عَن الْإِسْلَام وَلَقَد أخبرني أَمِير حجاج الْيمن السَّيِّد مُحَمَّد بن حُسَيْن المراجل الكبسي أَن جمَاعَة مِنْهُم خاطبوه هُوَ وَمن مَعَه من حجاج الْيمن بِأَنَّهُم كفار وَأَنَّهُمْ غير معذورين عَن الْوُصُول إِلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 صَاحب نجد لينْظر فِي إسْلَامهمْ فَمَا تخلصوا مِنْهُ إِلَّا بِجهْد جهيد وَقد صَارَت جيوش صَاحب نجد في بِلَاد يام وفي بِلَاد السراة المجاورين لبلاد أبي عَرِيش وَمن تبعه من هَذِه الْأَجْنَاس اغتبط بمتابعته وَقَاتل من يجاوره من الخارجين عَن طَاعَته فَبِهَذَا السَّبَب صَار مُعظم تِلْكَ الْبِلَاد رَاجعا إِلَيْهِ وتبلغنا عَنهُ أَخْبَار الله أعلم بِصِحَّتِهَا من ذَلِك أَنه يسْتَحل دم من اسْتَغَاثَ بِغَيْر الله من نبي أَو ولي وَغير ذَلِك وَلَا ريب أَن ذَلِك إِذا كَانَ عَن اعْتِقَاد تَأْثِير المستغاث كتأثير الله كفر يصير بِهِ صَاحبه مُرْتَدا كَمَا يَقع فى كثير من هَؤُلَاءِ المعتقدين للأموات الَّذين يَسْأَلُونَهُمْ قَضَاء حوائجهم ويعولون عَلَيْهِ زِيَادَة على تعويلهم على الله سُبْحَانَهُ وَلَا ينادون الله جل وَعلا إِلَّا مقترناً بِأَسْمَائِهِمْ ويخصونهم بالنداء منفردين عَن الرب فَهَذَا أَمر الْكفْر الذى لَا شكّ فِيهِ وَلَا شُبْهَة وَصَاحبه إِذا لم يتب كَانَ حَلَال الدَّم وَالْمَال كَسَائِر الْمُرْتَدين وَمن جملَة مَا يبلغنَا عَن صَاحب نجد أَنه يسْتَحل سفك دم من لم يحضر الصَّلَاة في جمَاعَة وَهَذَا إِن صَحَّ غير مُنَاسِب لقانون الشَّرْع نعم من ترك صَلَاة فَلم يَفْعَلهَا مُنْفَردا وَلَا في جمَاعَة فقد دلت أَدِلَّة صَحِيحَة على كفره وعورضت بِأُخْرَى فَلَا حرج على من ذهب إِلَى القَوْل بالْكفْر إِنَّمَا الشَّأْن في استحلال دم من ترك الْجَمَاعَة وَلم يَتْرُكهَا مُنْفَردا وتبلغ أُمُور غير هَذِه الله أعلم بِصِحَّتِهَا وَبَعض النَّاس يزْعم أَنه يعْتَقد اعْتِقَاد الْخَوَارِج وَمَا أَظن ذَلِك صَحِيحا فَإِن صَاحب نجد وَجَمِيع أَتْبَاعه يعْملُونَ بِمَا تعلموه من مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب وَكَانَ حنبليا ثمَّ طلب الحَدِيث بِالْمَدِينَةِ المشرفة فَعَاد إِلَى نجد وَصَارَ يعْمل باجتهادات جمَاعَة من متأخرى الْحَنَابِلَة كَابْن تَيْمِية وَابْن الْقيم وأضرابهما وهما من أَشد النَّاس على معتقدى الْأَمْوَات وَقد رَأَيْت كتابا من صَاحب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 نجد الذى هُوَ الْآن صَاحب تِلْكَ الْجِهَات أجَاب بِهِ على بعض أهل الْعلم وَقد كَاتبه وَسَأَلَهُ بَيَان مَا يَعْتَقِدهُ فَرَأَيْت جَوَابه مُشْتَمِلًا على اعْتِقَاد حسن مُوَافق للْكتاب وَالسّنة فَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال وَأما أهل مَكَّة فصاروا يكفرونه ويطلقون عَلَيْهِ اسْم الْكَافِر وبلغنا أَنه وصل إِلَى مَكَّة بعض عُلَمَاء نجد لقصد المناظرة فناظر عُلَمَاء مَكَّة بِحَضْرَة الشريف في مسَائِل تدل على ثبات قدمه وَقدم صَاحبه فِي الدَّين وفي سنة 1215 وصل من صَاحب نجد الْمَذْكُور مجلدان لطيفان أرسل بهما إِلَى حَضْرَة مَوْلَانَا الإِمَام حفظه الله أَحدهمَا يشْتَمل على رسائل لمُحَمد بن عبد الْوَهَّاب كلهَا في الْإِرْشَاد إِلَى إخلاص التَّوْحِيد والتنفير من الشرك الذي يَفْعَله المعتقدون فِي الْقُبُور وهي رسائل جَيِّدَة مشحونة بأدلة الْكتاب وَالسّنة والمجلد الآخر يتَضَمَّن الرَّد على جمَاعَة من الْمُقَصِّرِينَ من فُقَهَاء صنعاء وصعدة ذاكروه في مسَائِل مُتَعَلقَة بأصول الدَّين وبجماعة من الصَّحَابَة فَأجَاب عَلَيْهِم جوابات محررة مقررة مُحَققَة تدل على أَن الْمُجيب من الْعلمَاء الْمُحَقِّقين العارفين بِالْكتاب وَالسّنة وَقد هدم عَلَيْهِم جَمِيع مَا بنوه وأبطل جَمِيع مَا دونوه لأَنهم مقصرون متعصبون فَصَارَ مَا فَعَلُوهُ خزياً عَلَيْهِم وعَلى أهل صنعاء وصعدة وَهَكَذَا من تصدر وَلم يعرف مِقْدَار نَفسه وَأرْسل صَاحب نجد مَعَ الْكِتَابَيْنِ الْمَذْكُورين بمكاتبة مِنْهُ إِلَى سيدي الْمولى الإِمَام فَدفع حفظه الله جَمِيع ذَلِك إِلَى فأجبت عَن كِتَابه الذي كتب إِلَى مَوْلَانَا الإِمَام حفظه الله على لِسَانه بِمَا مَعْنَاهُ أَن الْجَمَاعَة الَّذين أرْسلُوا إِلَيْهِ بالمذاكرة لَا ندري من هم وَكَلَامهم يدل على أَنهم جهال وَالْأَصْل وَالْجَوَاب مَوْجُود ان في مجموعي وَفِي سنة 1217 دخلت بِلَاد أَبى عَرِيش وأشرافها في طَاعَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 صَاحب نجد ثمَّ تزلزلت الديار اليمنية بذلك وَاسْتولى أَصْحَابه على بعض ديار تهَامَة وَجَرت أُمُور يطول شرحها وَهِي الْآن في سريان وَقد أفردت مَا بلغنَا من ذَلِك في مُصَنف مُسْتَقل لِأَن هَذِه الْحَادِثَة قد عَمت وطمت وارتجفت لَهَا أقطار الديار الشامية والمصرية والعراقية والرومية بل وَسَائِر الديار لَا سِيمَا بعد دُخُول أَصْحَاب النجدي مَكَّة المشرفة وطرد أَشْرَافهَا عَنْهَا وَللَّه أَمر هُوَ بالغه ثمَّ في سنة 1222 وصل إِلَيْنَا جمَاعَة من صَاحب نجد سعود بن عبد الْعَزِيز لبَعْضهِم معرفَة في الْعلم وَمَعَهُمْ مكاتيب من سعود إِلَى الإِمَام الْمَنْصُور بِاللَّه رَحمَه الله تَعَالَى وَإِلَى أَيْضا ثمَّ وصل جمَاعَة آخَرُونَ كَذَلِك فِي سنة 1227 ثمَّ وصل جمَاعَة آخَرُونَ كَذَلِك في سنة 1228 وَدَار مَعَ هَؤُلَاءِ الواردين وَمَعَ غَيرهم من الْمُكَاتبَة مَالا يَتَّسِع الْمقَام لبسطه ثمَّ بعد هَذَا في سنة 1229 خرج باشة مصر الباشا مُحَمَّد علي بِجُنُود السُّلْطَان وَوصل إِلَى مَكَّة وَأسر الشريف غَالب وجهزه إِلَى الروم ثمَّ بلغ مَوته هُنَالك وَهَذَا عَارض من القَوْل فلنرجع إِلَى تَرْجَمَة الشريف غَالب فَنَقُول وَمِمَّا ينبغي ذكره هَهُنَا أَنه وصل من الشريف الْمَذْكُور في عَام تَحْرِير هَذَا الأحرف وَهُوَ سنة 1213 في شهر رَجَب مِنْهَا كتاب إِلَى مَوْلَانَا خَليفَة الْعَصْر الْمَنْصُور بِاللَّه علي بن الْعَبَّاس حفظه الله يتَضَمَّن الْإِخْبَار بالرزية الْعُظْمَى والمصيبة الْكُبْرَى والبلية الَّتِى تبكي لَهَا عُيُون الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين وهي اسْتِيلَاء طَائِفَة من الفرنج يُقَال لَهُم الفرنسيس على الديار المصرية جَمِيعهَا ووصولهم إِلَى الْقَاهِرَة وحكمهم على من بِتِلْكَ الديار من الْمُسلمين وَهَذَا خطب لم يصب الْإِسْلَام بِمثلِهِ فان مصر مَا زَالَت بأيدى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 الْمُسلمين مُنْذُ فتحت فِي زمن عمر بن الْخطاب رضي الله عَنهُ إِلَى الْآن وَلم نجد فِي شئ من الْكتب التاريخية مَا يدل على أَنه قد دخل مَدِينَة مصر دولة كفرية والإفرنج الَّذين وصلوا إِلَيْهَا فى أَيَّام العاضد ووزيره شاوور وَكَذَلِكَ الَّذين وصلوا إِلَيْهَا فِي دولة بنى أَيُّوب لم يدخلُوا مَدِينَة مصر بل غَايَة مَا بلغُوا إِلَيْهِ دمياط وَنَحْوهَا وَمَا زَالَت تِلْكَ الْمَدِينَة وَسَائِر بلادها محروسة عَن الدول الكفرية فَإِن التتار دوخوا جَمِيع بِلَاد الْإِسْلَام وَلم يسلطهم الله على مصر بل عَادوا عَنْهَا خائبين مقهورين مهزومين وَكَذَلِكَ تيمورلنك مَعَ تدويخه لسَائِر الممالك لم يُسَلط عَلَيْهِم وَالله ينصر الْإِسْلَام وَأَهله وَأرْسل الشريف في طي كِتَابه بِكِتَاب من سُلْطَان الروم ثمَّ بعد ذَلِك وصل من الشريف كتاب فِيهِ التبشير باستيلاء الْمُسلمين على من بِالْقَاهِرَةِ فضلاً عَن الَّذين مِنْهُم بِسَائِر الأقطار المصرية وبالإسكندرية وَسَنذكر هَهُنَا كتاب السُّلْطَان ثمَّ كتاب الشريف الأول ثمَّ كِتَابه الثاني ثمَّ الْجَواب من مَوْلَانَا الإِمَام حفظه الله تكميلاً للفائدة وتبييناً للقضية فَإِنَّهَا من الْحَوَادِث الْعَظِيمَة الَّتِى ينبغي التَّعْرِيف بهَا والإعلام بشأنها فَلفظ كتاب السُّلْطَان ملك الروم إِلَى شرِيف مَكَّة غَالب بن مساعد هَكَذَا وَبعد فَهَذَا مرسومنا المبجل الشريف وخطابنا الْمُعظم المنيف لَا زَالَ نَافِذا بعون الله في سَائِر الأرجاء والأقطار مَا دَامَ الْفلك الدوار أصدرناه مَبْنِيا على نظيم فرائد التَّحِيَّة وَالتَّسْلِيم ومنصوباً على قلائد التبجيل والتكريم محتوياً على قَوَاعِد صِيَانة الدَّين مؤكداً لمعاقد حماية سنَن سيد الْمُرْسلين صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله وَصَحبه أَجْمَعِينَ أصدرنا إِلَى عالي جناب الْأَمِير الأمجد المبجّل الْأَجَل الأوحد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 المقتفي آثَار أسلافه الْأَشْرَاف من آبَائِهِ الغرّ صَنَادِيد آل عبد منَاف وأجداده السعيدي السير الجميلي الْأَوْصَاف فرع الشَّجَرَة الزكية النَّبَوِيَّة طراز الْعِصَابَة العلوية المصطفوية قُرَّة عين الزهراء البتول المحفوف بصنوف عواطف الْملك الْمَاجِد حَالا شرِيف مَكَّة المشرفة الشريف غَالب بن مساعد لَا زَالَت الْعِنَايَة الربانية لَهُ مُلَاحظَة والكلاية الصمدانية عَلَيْهِ حافظة وإلى قدوة الْعلمَاء وعمدة الْفُضَلَاء نَائِب مَكَّة المشرفة وكافة السادات الْأَشْرَاف الأجلاء الميامين ومفاتي الْمذَاهب الْأَرْبَعَة وَالْعُلَمَاء وَالْأَئِمَّة المحترمين ووجوه كَافَّة الْمُسلمين من ساكني بلد الله الْأمين من حَاضر وباد وفقهم الله إِلَى سَبِيل الرشاد يحيطون علماً أَن طَائِفَة كفار الفرانسة جعل الله دِيَارهمْ دارسة وأعلامهم ناكسة قد نقضوا العهود وخانوا مواثيق المعبود وَخَرجُوا من أطور الْحُدُود وهجموا على بدوان مصر وسكانها على حِين غَفلَة من أَهلهَا فملكوا الْبِلَاد وأفشوا الْكفْر وَالْفساد وخاضوا بَحر الضلال والطغيان وتحشدوا تَحت راية الشَّيْطَان وَتمكن البغي في أحشائهم وَإِن الشَّيَاطِين ليوحون إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لَا حَاكم يردعهم وَلَا دين واعتقاد يجمعهُمْ يعدون النهب غنيمَة والنميمة أكمل شِيمَة قد اتفقت آراؤهم وارتبطت أشوارهم على الهجوم على سَائِر بلدان الْمُسلمين وأقطار عباد الله الْمُوَحِّدين بِأَن أهل الْإِسْلَام قويين وَلَهُم مزِيد الصلابة في الدَّين فَإِذا وصلنا أقطارهم وحللنا دِيَارهمْ فالضعيف مِنْهُم نباشره بِالْحَرْبِ وَالضَّرْب وَالْقَتْل والنهب والقوى مِنْهُم ننصب لَهُ شرائك الْمَكْر والحيل حَتَّى تطمئِن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 خواطرهم وتأمن ضمائرهم إِلَى أَن يقعوا فِي أشراكنا ونعمل فيهم مَا شِئْنَا من مقاصدنا ونلقي بَين سَائِر الْمُسلمين المكايد الْخفية بِالْفَسَادِ لإيقاع الْعَدَاوَة المباينة للاتحاد فِي أَحْوَالهم وأديانهم وَلم يعلمُوا لعنهم الله أَن الْإِسْلَام مغروس فِي قُلُوبنَا وَالْإِيمَان ممزوج بلحمنا ودمنا أكفر بعد إِيمَان أضلال بعد هدى كلا وَرب الأَرْض وَالسَّمَاء رَبنَا لَا تزغ قُلُوبنَا بعد إِذْ هديتنا وخصوصاً فِي طوائف الْعَرَب لنبلغ فيهم أقْصَى مرام وأعزّ مطلب ونبذل الْجهد فِي تَخْرِيج الرعايا من الْإِسْلَام عَن طَاعَة من ولي عَلَيْهِم من الْحُكَّام حَتَّى يكون لنا الصولة الْعُظْمَى ويصيرون الْجَمِيع لنا مغنماً فَيَنْقَطِع بذلك سلك نظامهم وينفصم عقد انتظامهم فنملك حِينَئِذٍ رقابهم وَأَمْوَالهمْ فَإِن الْعَرَب أسْرع مَا يستولي على دِيَارهمْ لتفرقهم فِي أَوْدِيَتهمْ من أقطارهم وغفلتهم عَن حزم أَحْوَالهم فَإِن أعظم مَا يشتت جموع الْإِسْلَام ويفل حد سنانهم عَن الانتظام هدم قبلتهم وَحرق مَسَاجِدهمْ فَإِذا ظفرنا بأقطارهم وهدمت كعبتهم وَمَسْجِد نَبِيّهم وَبَيت مقدس عزهم انْقَطع أملهم وتفرق شملهم وملكنا دِيَارهمْ فَإِن الْأُمُور لَا يُدْرِكهَا إِلَّا اتِّفَاق الْجُمْهُور فنقتل جَمِيع رِجَالهمْ وَمن يعقل من صبيانهم فَحِينَئِذٍ نقتسم دِيَارهمْ وَأَمْوَالهمْ وأملاكهم ونحول بَقِيَّة النَّاس إِلَى أصولنا وقواعدنا ولساننا وَدِيننَا فبه يمحى الْإِسْلَام وقواعده وشرائعه ويندرس رسومه وآثاره من وَجه الأَرْض من شرقها وغربها وجنوبها وشمالها وعربها وعجمها فَهَذَا مَا اتّفق رأى الفرنسيس اللعين من سوء الْمَقَاصِد في الْمُسلمين جعل الله دَائِرَة السوء عَلَيْهِم فَلَا يَسْتَطِيعُونَ صرفاً وَلَا نصرا وَنَرْجُو الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 أَن يعاملهم بعدله فِي قَوْله وَلَا يَحِيق الْمَكْر السَّيئ إِلَّا بأَهْله فَهَذَا حَال الفرانسة فِي إلحادهم وجدالهم وعنادهم وَمَا اقْتَضَاهُ فَاسد اجتهادهم يُرِيدُونَ ليطفؤا نور الله بأفواههم وَالله متم نوره وَلَو كره الْكَافِرُونَ فَكيف لَا يكون فرضاً على كل أحد من مُسلم موحد أَن يشمر عَن ساعد الْجد ويبذل نَفسه وَمَاله في مرضاة الْوَاحِد الْفَرد ويمتثل قَول أصدق الْقَائِلين سارعوا إلى مغْفرَة من ربكُم وجنة عرضهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض أعدت لِلْمُتقين وَيكون رابحاً فِي بَيْعه عَن الخسران مُسْتَبْشِرًا ببذل نَفسه في سَبِيل الرَّحْمَن لقَوْله إِن الله اشْترى من الْمُؤمنِينَ أنفسهم وَأَمْوَالهمْ بِأَن لَهُم الْجنَّة يُقَاتلُون فى سَبِيل الله فيقتلون وَيقْتلُونَ وَعدا عَلَيْهِ حَقًا فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالْقُرْآن إِلَى غير ذَلِك من الْآيَات الْبَينَات وَالْأَحَادِيث الصَّحِيحَة المروية عَن الثِّقَات مِمَّا يحث على نصْرَة الدَّين ويلم شعث الْمُوَحِّدين فَالْآن يَا شرِيف مَكَّة وَيَا سَادَات الْأَشْرَاف وقادات الْعَرَب وحماة الدَّين وكماة الْمُسلمين وغزاة الْمُوَحِّدين وأبطال الحروب الماحين بصوارم عزمهم عَن الدَّين ظلام الكروب يَا رجال الغارات وَيَا أَرْكَان الشَّرِيعَة والعبادات وَيَا حفظَة الدَّين والأمانات وَيَا باذلين النُّفُوس عِنْد انتهاك الحرمات وَيَا كَافَّة إِخْوَاننَا في الدَّين وَالَّذين هم لشريعة رَبهم ناصرين البدار البدار إِلَى طَاعَة الْملك الْغفار لمحافظة قبلتكم ومحتد نَبِيكُم منشأ الْإِسْلَام وَمَسْجِد نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومواطن مضاعفة عبادتكم من ساحة بَيت الله الْحَرَام فالغيرة الْغيرَة وَالْحمية الحمية من صولة أَعدَاء الدَّين الَّذين هم عَن كل مِلَّة فارقين ولكتب رسل الله مكذبين فشدوا عزائمكم للقائهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 واحفظوا جهاتكم وسواحلكم ومنافذ بلدانكم وسارعوا إِلَى الرِّبَاط إِلَى حُدُود الْكَفَرَة اللئام ببندر جدة وينبع وَمَا والا هما مِمَّا فِيهِ صِيَانة الْمُسلمين وَحفظ أَعْرَاض الْمُوَحِّدين وَكُونُوا عباد الله إخْوَانًا وَلَا تنازعو فتفشلوا وَفِي سَبِيل الله أَنْفقُوا وتجملوا وَكُونُوا كلمتكم وَاحِدَة وَأَيْدِيكُمْ متناصرة ولتكن سُيُوفكُمْ بارقة وسهامكم راشقة وأسنتكم في الطعْن متلاحقة ومدافعكم صَاعِقَة ونبالكم إِلَى أفئدتهم متسابقة ولتقصدوا بذلك إعلاء كلمة الدَّين والذب عَن بَيت الله وَمَسْجِد رَسُول الله وَنَرْجُو الله أَنكُمْ مؤيدون بنصر الله محفوظون بروحانية رَسُول الله وَلَا يكون لكم تخلف عَن ذَلِك وَلَا تراخ في حفظ تِلْكَ المسالك وَنحن في طرف السلطنة السّنيَّة ننشر رايتنا الْعلية فبحول الله وقوته وباهر عَظمته تملكهم عساكرنا المنصورة وتقطعهم سُيُوفنَا الْمَشْهُورَة وَقد سيّرنا عَلَيْهِم شجعاناً لَا يبالون بِالْمَوْتِ لإعلاء كلمة الدَّين وغزاة يقتحمون على النَّار محبَّة فِي دين الله فنتعقب بقدرة الله أدبارهم لَعَلَّ الله يرزقنا هلاكهم ودمارهم فنجعلهم إِن شَاءَ الله هباءً منثوراً كَأَن لم يَكُونُوا شَيْئا مَذْكُورا فبادروا أَيهَا الْمُسلمُونَ إِلَى الرِّبَاط بجدة وينبع وَمن تخلّف فقد عصى الله وَخَالف أمرنَا فَإِن ذَلِك أمرنَا إِلَيْكُم وحتمنا عَلَيْكُم يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابطُوا وَاتَّقوا الله لَعَلَّكُمْ تفلحون واستجلبوا صَالح الدَّعْوَات من عجازكم وصالحيكم وأفاضلكم عِنْد الْبَيْت الْحَرَام وَقد قَالَ تَعَالَى انفروا خفافا وثقالا وَجَاهدُوا بأموالكم وَأَنْفُسكُمْ وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُؤْمِنُونَ كالبنيان يشد بَعضهم بَعْضًا وَهَذَا يَوْم ينفع الصَّادِقين صدقهم يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن تطيعوا فريقاً من الَّذين أُوتُوا الْكتاب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 يردوكم بعد إيمَانكُمْ كَافِرين وَكَيف تكفرون وَأَنْتُم تتلى عَلَيْكُم آيَات الله وَفِيكُمْ رَسُوله وَمن يعتصم بِاللَّه فقد هدي إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله حق تُقَاته وَلَا تموتن إِلَّا وَأَنْتُم مُسلمُونَ واعتصموا بِحَبل الله جَمِيعًا وَلَا تفَرقُوا واذْكُرُوا نعْمَة الله عَلَيْكُم إِذْ كُنْتُم أَعدَاء فألف بَين قُلُوبكُمْ فأصبحتم بنعمته إخْوَانًا وكنتم على شفا حُفْرَة من النَّار فأنقذكم مِنْهَا كَذَلِك يبين الله لكم آيَاته لَعَلَّكُمْ تهتدون ولتكن مِنْكُم أمة يدعونَ إِلَى الْخَيْر ويأمرون بِالْمَعْرُوفِ وَينْهَوْنَ عَن الْمُنكر وَأُولَئِكَ هم المفلحون وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِين تفَرقُوا وَاخْتلفُوا من بعد مَا جَاءَهُم الْبَينَات وَأُولَئِكَ لَهُم عَذَاب عَظِيم يَوْم تسود وُجُوه وتبيض وُجُوه فَأَما الَّذين اسودت وُجُوههم أكفرتم بعد إيمَانكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَاب بِمَا كُنْتُم تكفرون وَأما الَّذين ابْيَضَّتْ وُجُوههم ففي رَحْمَة الله هم فِيهَا خَالدُونَ تِلْكَ آيَات الله نتلوها عَلَيْك بِالْحَقِّ وَمَا الله يُرِيد ظلماً للْعَالمين وَللَّه مَا في السَّمَوَات وَمَا فى الأَرْض وَإِلَى الله ترجع الْأُمُور كُنْتُم خير أمة أخرجت للنَّاس تأمرون بِالْمَعْرُوفِ وتنهون عَن الْمُنكر وتؤمنون بِاللَّه وَلَو آمن أهل الْكتاب لَكَانَ خيراً لَهُم مِنْهُم الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرهم الْفَاسِقُونَ لن يضروكم إِلَّا أَذَى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يولوكم الأدبار ثمَّ لَا ينْصرُونَ ضربت عَلَيْهِم الذلة أَيْنَمَا ثقفوا إِلَّا بِحَبل من الله وحبل من النَّاس وباءوا بغضب من الله ذَلِك بِأَنَّهُم كَانُوا يكفرون بآيَات الله وَيقْتلُونَ الْأَنْبِيَاء بِغَيْر حق ذَلِك بِمَا عصوا وَكَانُوا يعتدون فالبدار البدار إِلَى مَا أمرناكم من الرِّبَاط والحذار والحذار من خلاف ذَلِك هَذَا مَا انْتهى أمرنَا إِلَيْكُم لَا زلتم موفقين بعون الْملك الْمعِين وَصلى الله على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه وَسلم انتهى كتاب السُّلْطَان لَا برح فِي حماية الْملك الديَّان وَهَذِه صُورَة كتاب مَوْلَانَا شرِيف مَكَّة غَالب بن مساعد إِلَى مَوْلَانَا الإِمَام الْمَنْصُور بِاللَّه علي بن الْعَبَّاس حفظه الله وفي طيه كتاب السُّلْطَان السَّابِق ذكره وَلَفظ كتاب الشريف الْحَمد لله الذي كل يَوْم هُوَ في شَأْن وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيد ولد عدنان وعَلى آله الطاهرين وَصَحبه وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَان إِلَى يَوْم الدَّين ثمَّ نهدي مزِيد سَلام نَشأ من خَالص الْفُؤَاد وأعرب عَن صدق الْمحبَّة والاتحاد مَعَ تحيّات طَابَ نشرها من المآثر الْعِظَام وَبَيت الله الْحَرَام وزمزم وَالْمقَام إِلَى الحضرة الباهرة المنصورية والعقوة الزاهرة الهاشمية والسدة الْعلية العلوية ساحة الْخلَافَة اليمنية وَاسِطَة نظام السَّادة الحسنية الجناب العالي الْكَرِيم والمآب الغالي الوسيم أخينا الأكرم وعالي الهمم الإِمَام ابْن الإِمَام حَضْرَة الإِمَام الْمَنْصُور وَفقه الله لصلاح الْجُمْهُور وَلَا زَالَت الْعِنَايَة الربانية لَهُ مُلَاحظَة والكلاية الصمدانية عَلَيْهِ حافظة آمين بجاه سيد الْمُرْسلين وَبعد إهداء شرِيف السَّلَام وإسداء وَاجِب التَّحِيَّة وَالْإِكْرَام فالسؤال عَن حالكم كثير لموجب مالكم عندنَا من جميل الوداد الوافر وَإِن سَأَلْتُم عَنَّا فنحمده سُبْحَانَهُ على جزيل فَضله وعظيم أمتنانه طيبين بِخَير وعافية ونعمة من الْمولى وافية والذي نبديه إِلَى مسامعكم الْعلية وأفهامكم الزكية من الْأُمُور الْحَادِثَة فِي الْوُجُود وجزيل أَحْكَام الْملك المعبود لموجب احْتِيَاج أهل الْإِسْلَام إِلَى الترفهات عَن نهج المهام وَترك حزم الْأُمُور وغفلتهم عَن حفظ الثغور حَتَّى صَار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 مَا صَار من شرذمة أهل البغي وَالْإِنْكَار من التهجم على بِلَاد أسكندرية ومصر الْقَاهِرَة بِجُنُود من الْبَحْر على سفاين متواترة وهم طَائِفَة من جُمْهُور الفرانسة وَالْملَّة الباغية الَّتِى بِفضل الله أعلامهم ناكسة لمشاهدتهم فى أَحْوَال الْمُسلمين ترك الثغور عَن التحصين فَهَجَمُوا على تِلْكَ الْبِلَاد فَلم يَجدوا لجامحهم مدافع وَلَا راد فافسدوا كَافَّة من بجوارها من العربان بأنواع السياسة الموهمة بِأَنَّهُم من طَائِفَة السُّلْطَان وأبرزوا للبوادي كتبا مزورة بِأَلْفَاظ عَرَبِيَّة بتعظيم الله وَرَسُوله مصدرة حَتَّى انقادوا لَهُ بِالطَّاعَةِ ظناً مِنْهُم بِأَنَّهُم من جنود الدولة المطاعة وَلَيْسَ يخفى عَلَيْكُم حَال البوادي الطغام الَّذين لَا يعْقلُونَ إِن هم إِلَّا كالأنعام فسلكو بهم الطَّرِيق وصاروا للْمُشْرِكين أعظم مساعد وأعز رَفِيق فَجرى قدر رَبنَا سُبْحَانَهُ باستدراج جند الشَّيْطَان أَرْبَاب الْخِيَانَة بتملكهم للقاهرة ودخولهم إِلَى مصر بِحِكْمَتِهِ الباهرة فلاراد لقضائه وَلَا محيص عَمَّا ارْتَضَاهُ فَهُوَ الْملك الْمُخْتَار وَله المشية فِيمَا يخْتَار فَحِينَئِذٍ بلغ ذَلِك الْخَبَر حَضْرَة سُلْطَان الْإِسْلَام أدحض الله بصوارم سطوته جنود اللئام فَجهز عَلَيْهِم من أبطال الأجناد مَا يعجز عَن حصره جموع الْأَعْدَاد وسير عَلَيْهِم من جيوش الْإِسْلَام ووزرائه الْعِظَام وَجعل مقدمهم الْوَزير الشهير الجزار أَحْمد باشا بلغه الله من الْخَيْر ماشا فاجتمعت عَلَيْهِ طوائف العربان وتحشدت تَحت رايته كَافَّة أهل الْإِيمَان وهرع إِلَى جهادهم الْمُسلمُونَ من كل مَكَان حَتَّى أقطارنا الحرمية ظَهرت منا للْجِهَاد سَبْعَة آلَاف يردون في طَاعَة الله موارد الْمَوْت والإتلاف وَنَرْجُو الْعَظِيم من فَضله العميم أَن يُؤَيّد بالنصر أجناد الْمُوَحِّدين ويبدد بالقهر شَمل الْكَفَرَة الْمُلْحِدِينَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 وَالْحَمْد الله قد وَردت إِلَيْنَا الْأَخْبَار بتضايق حَال الْمُشْركين من الْحصار لتزاحف جنود أهل الْإِسْلَام وإحاطتهم بِجَمِيعِ المنافذ المصرية والمسام فانتظم أَمر التَّجْهِيز وانتدب لنصرة الْإِسْلَام كل ذليل وعزيز ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عَزِيز وفى هَذَا الأوان ورد الينا هَذَا الفرمان الصَّادِر إليكم مِنْهُ صُورَتَانِ الْمُعْلن بدواعي الْفَلاح والمحرض لكافة الْمُسلمين على مَا يُرْجَى مِنْهُ النجاح من استعداد الْقُوَّة للمصادمة والكفاح كَمَا هُوَ متحتم على أهل الْإِسْلَام خُصُوصا فى مثل هَذِه الْأَيَّام وَمن أعظم الشيم والمروءة امْتِثَال قَول الله تَعَالَى وَأَعدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُم من قُوَّة فبذل غَايَة المجهود لمحافظة الثغور وتحصين الْحُدُود والمرابطة في بلدان السواحل والذبّ على الْأَدْيَان بِسَهْم المرامي وبيض الصواهل أَمر محتوم على كَافَّة مُلُوك الْإِسْلَام وَسَائِر الْقَبَائِل فوصلكم صُورَة الْأَمر الشريف وَالْخطاب المنيف وَمَا الْقَصْد من إرساله إِلَّا تنبيهكم لحفظ الْبِلَاد والتحذير من ارباب الْكفْر والعناد كَمَا هُوَ مُصَرح فِي الفرمان السلطاني من ذكر مكايد الْكَفَرَة فى جَمِيع المغانى وَلَا يعزب عَن فهمكم الثاقب أَن مُلُوك الروم أحس بِمَا يبْنى الْكَفَرَة أُمُورهم من المعاطب فحثوا على المرابطة جَمِيع الْمُسلمين وقووا ثغور بلدانكم بالتحصن الرصين من الْبُنيان وتشييد بروج المناتق بدوى الْبَأْس من الفتيان فإن بَحر الْهِنْد تجري فِيهِ سفاينهم وَقد ظَهرت فِيهِ بِأحد المواسم ضرايرهم فَيجب بن عَزِيز جنابكم كَمَال التحري لدفع مفاسدهم والاستعانة بِاللَّه تَعَالَى في إدحاض مكايدهم وَمن آكد اللوازم نشر هذَيْن الفرمانين في كَافَّة أقطار أوامركم وأقصى مَا يحادد بلدانكم ومحاكمكم هَذَا مَا عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 لنا بِهِ الْأَخْبَار لَا زلتم فِي كلاية الْملك الستار وَإِن شَاءَ الله عَن قريب نفيدكم بمسرة نصْرَة الْإِسْلَام فالمرجو من جنابكم عدم إخراجنا من الضَّمِير الْمُنِير بأسنى صِحَة اخباركم لَا سِيمَا تفيدوا بِمَا تجدد وَحدث وبلغكم من الْإِعْلَام وَالْأَخْبَار ودمتم سَالِمين وبعين عناية الله ملحوظين وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه وَسلم انْتهى كتاب الشريف عافاه الله وَهَذِه صُورَة كتاب آخر وصل من الشريف غَالب بن مساعد حماه الله بعد وُصُول الْكتاب الأول وَلَفظه نهدي سَلاما أعبق الْكَوْن شذاه وأخجل الْبَدْر بِحسن طلعته ورياه وتحيات مَكِّيَّة الأرج مَدَنِيَّة المدد تحمل النَّصْر والفرج إِلَى جناب مَعْدن الْخلَافَة العلوية ومنبع الكمالات الحسنية وطراز عِصَابَة الهواشم وصفوة القادة الفواطم من دَانَتْ لَهُ رِقَاب الفراعنة فى أفطاره وخضعت لَهُ رُؤْس الأكابر في جَمِيع أمصاره ذي الْأَخْلَاق الرضية وَالشَّمَائِل المرضية المنظور بِعَين عناية الله الْمُبين والمنصور بسلطانه في كل حِين أخينا وعزيزنا الإِمَام ابْن الإِمَام أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمَنْصُور بِاللَّه رب الْعَالمين أدام الله لَهُ الإقبال وبلغه بجاه جده الآمال وَبعد فباعث تحريره وَمُوجب تنميقه وتصديره حمد الله سُبْحَانَهُ على نعمه وآلائه ومننه ونعمائه وَالسُّؤَال عَن جنابكم والتفحص عَن أخباركم بإعلان الدُّعَاء وتبيان صدق الْوَفَاء وَثَانِيا غير خافي جنابكم أَنه قبل هَذَا صدر منا إليكم كتاب بإخبار حوادث الْمُشْركين بِمصْر وَصُورَة جَمِيع مَا ورد الينا من الْخطاب الْمُعْلن بنصح مضمونه نهج الصَّوَاب وَله الْحَمد سُبْحَانَهُ على جزيل فَضله وعظيم امتنانه الذي أعَان على الْحق أعوانه بنصر عباده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 الْمُسلمين وَتَمام إحسانه والذي نبديه إِلَى مسامعكم الزكية أَنه ورد الينا يَوْم تَارِيخه نجاب من جَانب مصر ببشاير النَّصْر وأهنأ الْخطاب وَذَلِكَ أَن أَمِير الْجُمْهُور الفرنساوي اللعين جمع كَافَّة أَعْيَان رعايا مصر الْمُسلمين وَضبط عَلَيْهِم جَمِيع الْبيُوت والحارات وَحط على كل بَيت من الْمُسلمين شَيْئا من المبالغ والبليصات بِحَيْثُ لَا طَاقَة لأهل الْإِسْلَام على تَسْلِيم مَا فرض عَلَيْهِم من الْجور الْعَام وَقد حدد عَلَيْهِم جمع تِلْكَ الْأَمْوَال فِي نهارين وواعد من لم ينجز وعده بِالْهَلَاكِ والشين فَخرج من عِنْده الْمُسلمُونَ فِي حيرة واجتمعو في أماكنهم لأجل التشاور والبصيرة فألهم الله قُلُوبهم الإسلامية ووفق حميد آرائهم الإيمانية بالهجوم من كل جَانب على الْمُشْركين وبذلوا نُفُوسهم لمرضاة رب الْعَالمين فَخرجت كَافَّة رعايا الْمُسلمين من منازلها وهجمت على الْمُشْركين في أماكنها وَصَارَ الْجِهَاد خلال بُيُوتهم والقتال في مجامع الْمُشْركين ودورهم وابتهجت مصابيح وُجُوه الْإِسْلَام وسطعت صوارم سيوفهم فِي أَعْنَاق الْكَفَرَة اللئام وأيد الله جنود الرعايا الْمُسلمين بعظمته الباهرة وَأهْلك بسيوفهم كَافَّة الْمُشْركين بِالْقَاهِرَةِ وَكَانَ ذَلِك يَوْم حادي عشر جُمَادَى الأولى وَله الْحَمد في الْآخِرَة وَالْأولَى فَأرْسلت الرعايا المنصورين نجاجيب الرّعية لأمراء مصر المخدمين وَكَانَ أقربهم بمسيرة يَوْم عَن الجلاد محبنا الْأَمِير مُرَاد فَفَزعَ بكافة من حوله من العشائر والأجناد وَدخل بِلَاد مصر يَوْم ثانى عشر شهر جماد ظفر بقتل من بقي من الْكفَّار وانتظم شَمل الْمُسلمين بصفاء الدَّار فَللَّه مزِيد الْحَمد وَالثنَاء على تِلْكَ المسرة والهناء فلقصد مسرتكم على الْفَوْر حررنا هَذَا الرقيم لحُصُول الْخَبَر على نصر الْمُسلمين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 القويم هَذَا مَا عَن لنا بِهِ اخباركم لَا زلتم في حفظ مولاكم ودمتم سَالِمين وَمهما تجدد عرّفناكم وَمَا حدث تعرّفونا بِهِ وَتَكون الْأَخْبَار بَيْننَا غير مُنْقَطِعَة هَذَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُحَمَّد وَآله وَصَحبه وَسلم قَالَ حرر في خَامِس شهرنا جماد سنة 1213 ثمَّ قَالَ عقيب هَذَا مالفظه وَلَا يخفاكم من حَال داواتنا المتعودة بالوفود إِلَى مراسي بنادركم لَا تزَال دَائِما مُتَأَخِّرَة في شحنتها إِلَى بندر جدة وَنَرْجُو الله بهمتكم يسْتَدرك الآمال وينتظم مراجينا في كل حَال فالمرجو من حميد توجهات هممكم الْعَالِيَة بروز أَمركُم لكافة من كَانَ بالبنادر البحرية من أمارائكم بِأَن تكون داواتنا مُقَدّمَة في التشحين قبل كل داو وغراب وَيكون جَارِيَة تِلْكَ الْقَاعِدَة بهمتكم في جَمِيع مراسيكم كَمَا هُوَ المأمول من جنابكم والمسئول من مزايا أخلاقكم وَنَرْجُو الله أَن رجانا غير مَرْدُود وَفضل الله غير مَحْدُود هَذَا مَا عَن لنا التماسه دمتم بِالْخَيرِ انْتهى هَذَا الْكتاب والذي قبله منقولان من الْخط الذي عَلَيْهِ عَلامَة الشريف غَالب بن مساعد دَامَت معاليه وَهَذَا جَوَاب مَوْلَانَا الإِمَام خَليفَة الْعَصْر الْمَنْصُور بِاللَّه حفظه الله وَهُوَ جَوَاب عَن مَجْمُوع كتابي الشريف والمنشئ لَهُ على لِسَان مَوْلَانَا الإِمَام هُوَ الحقير مؤلف هَذِه التراجم الَّتِى اشْتَمَل عَلَيْهَا هَذَا الْكتاب عَن أَمر مَوْلَانَا الإِمَام حفظه الله وَهُوَ على نمط مَا قبله من كتابي الشريف فِي عدم انتخاب أَعلَى طَبَقَات بلاغات الْكتاب إِذْ الْمقَام مقَام مكالمة في رزية فِي الدَّين ومصيبة عَمت الْمُسلمين فمعظم المُرَاد وَغَايَة الْقَصْد هُوَ الإفهام بِلِسَان الأقلام لَا التأنق في تَحْرِير الْكَلَام على أتم نظام وَلَفظ جَوَاب مَوْلَانَا الإِمَام لَا برح فِي حماية الْملك العلام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 كتب الله لأغلبن أَنا ورسلي إن الله قوي عَزِيز سَلام تتضمخ أردان الْأَمْصَار بنوافح نشره وتتعطر أكوان الْأَعْصَار بروائح بشره وتتضاحك ثغور الأزهار لشميم شذاه وتتمايل قدود الْأَبْكَار لنسيم رياه وتطلع أنوار بدوره في سَمَاء الْمعَاهد الشَّرِيفَة المعظمة وتسطع وتسطع أشعة شموسه في فلك الْمشَاهد المنيفة المفخمة يخص حَضْرَة جناب سليل الهواشم وَيحل بِسَاحَة نبيل الدوحة المطهرة من أَبنَاء الفواطم مُقيم شعار الْجِهَاد هَادِم أَرْكَان الْفساد والعناد أخينا الأكرم حبيبنا الطَّاهِر الشيم أَمِير الشرفاء شرِيف الْأُمَرَاء كَبِير العظماء عَظِيم الكبراء الشريف الأوحد غَالب بن مساعد أدام الله إسعاده وَثَبت من ملكه اطنابه وأوتاده وَكثر أعداده وأجناده وأباد حساده وأضداده وَتَوَلَّى بعون عنايته إصداره وإيراده وَبعد حمد وَاجِب الْوُجُود وشكر مفيض الْكَرم والجود وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على حَامِل لِوَاء شرايع الْإِسْلَام القايم بأعباء الرسَالَة أنهض قيام وعَلى آله الناشرين لأعلام الدَّين القامعين بسطواتهم رُءُوس المعاندين وعَلى أَصْحَابه القاصمين حبائل الكفران الفاصمين عقد الشرك والطغيان فَإِنَّهُ وصل من جنابكم الْعَظِيم ومقامكم الفخيم كتاب كريم يحْكى مَا صنعت أيدى الْكفْر بِمصْر صانها الله عَن كل نكر فياله من حَادث يبلبل الْأَلْبَاب ويجلب من الأحزان مَا لم يكن في حِسَاب فَلَقَد أبكى وأنكى وروع وأوجع وَأقَام وأقعد وشتت شَمل كل أنس وبدد وواهاله من خطب يصك مسامع الْإِسْلَام ويخدد الخدود بفيض مدامع الْأَنَام لَا سِيمَا وَتلك ديار مطهرة عَن أدناس الكفران مُقَدَّسَة عَن أرجاس الطغيان معمورة بِالْإِيمَان وَعبادَة الْملك الديَّان على مُرُور الْأَزْمَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 مُنْذُ افتتحتها سيوف حزب الله ومحت أردان كفرانها صوارم أَصْحَاب رَسُول الله فَلَقَد أظلم الْخطب وادلهم الكرب وَضَاقَتْ الصُّدُور وغلت من الأحزان قدور وَرغب إِلَى النفير إِلَى سَبِيل الله الصَّغِير وَالْكَبِير وَتَشَوُّقِ إِلَى جِهَاد أَعدَاء الله كل جليل وخطير وَكَيف لَا وَهَذِه نازلة قد نزلت بِالْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمين وفادحة قد عَمت الْمُؤمنِينَ أَجْمَعِينَ لِأَنَّهَا في الدَّين وَمن بَعدت عَنهُ ديارها فقد أحرقت قلبه وقالبه نيارها وَلَقَد كُنَّا على عزم شن الْغَارة وإرسال طَائِفَة من جنودنا المختارة ليكونوا من الفائزين بجهاد الْكَافرين والظافرين بِثَوَاب هَذِه الطَّاعَة الَّتِى هي سَنَام الدَّين كَمَا صَحَّ ذَلِك عَن سيد الْمُرْسلين وَأما الثغور في جهاتنا فهي بِحَمْد الله مَحْفُوظَة وبعين الْعِنَايَة الربانية إن شَاءَ الله ملحوظة فقد وكلنَا بحفظها من الأجناد من يقوم بهم الْكِفَايَة فِي الإصدار والإيراد وَعند ذَلِك الْعَزْم المتين وافى كتابكُمْ الآخر المشير بِالْفَتْح الْمُبين الحاكي لاستئصال شأفة الْكَافرين أَجْمَعِينَ فأنشدنا لِسَان حَال السرُور وحدى بِنَا حادي الحبور الذي عَم الْجُمْهُور (هناء محيّ ذَاك العزا المتقدما ... فَمَا عبس المحزون حَتَّى تبسّما) فَلَقَد انجابت ظلمات الهموم وتقشعت غيوم الغموم وابتلجت الخواطر وقرت النواظر وَعند بُلُوغ تِلْكَ الْأَخْبَار اشعرنا هَذِه المسار الْكِبَار بِمَا شاع في جَمِيع الأقطار وذاع بَين البوادى والحضار فيالها من مسرات شدت من عضد الدَّين وفتت سواعد الْمُلْحِدِينَ وقصمت ظُهُور الْكَافرين وقلقلت معاهد المعاندين واللهم إِنَّا نحمدك حمداً لَا يُحِيط بِهِ الْحصْر ونشكرك على مَا منحت أمة نبيك من هَذَا الْفَتْح والنصر وَمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 لمحت إِلَيْهِ أَيهَا الجناب الْعَظِيم وَالْأَخ الفخيم الْكَرِيم من أَمر الداوات فَمَا زَالَت أوامرنا إِلَى نوابنا في الْجِهَات بِرَفْع الظلامات والأعمال بِالنِّيَّاتِ وَغير خَافَ على ذهنكم السَّلِيم وفكركم الرَّاجِح القويم أَن من الْعدْل الذي قَامَت بِهِ الأَرْض وَالسَّمَوَات أَن يستوى القوى والضعيف والوضيع والشريف في أَنْوَاع المكاسب والتجارات كَمَا حكم بذلك باري البريات وَلَا زلتم في حفظ الله محوطين بِعَين كلايته ورعايته وحمايته وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه وَسلم حرر يَوْم تَاسِع عشر من شهر رَجَب سنة 1213 انْتهى جَوَاب مَوْلَانَا الإِمَام حفظه الله وَقد وصلت من الشريف فِيمَا يتَعَلَّق بِهَذِهِ الْقَضِيَّة كتب كَثِيرَة بعد هَذَا إِلَى مَوْلَانَا الإِمَام حفظه الله وَأَنْشَأَ رَاقِم الأحرف جواباتها عَن أَمر مَوْلَانَا الإِمَام وَالْمقَام لَا يَتَّسِع لبسطها وَبعد الْإِرْسَال بِهَذَا الْجَواب من حَضْرَة الْخلَافَة إِلَى حَضْرَة الشريف جَاءَت الْأَخْبَار من أهل بنادر الْيمن بِأَن الإفرنج أقماهم الله باقون بِمصْر والإسكندرية وَسَائِر تِلْكَ الْأَعْمَال وَقد صَارَت الدولة دولتهم هُنَالك فَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه العلي الْعَظِيم وَلم يبلغ مَا فعله المقدمون من جِهَة السلطنة إِلَى حَال تَحْرِير هَذِه الأحرف فِي خَوَاتِم شهر شَوَّال سنة 1213 وَلَعَلَّ وَرَاء الْغَيْب أمراً يسرنَا اللَّهُمَّ انصر الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين يَا مُجيب الداعين وسيأتي في تَرْجَمَة يُوسُف باشا ذكر بعض مَا جرى وَمَا دَار من الْمُكَاتبَة ويأتي أيضاً هُنَالك أَنه كَانَ خُرُوج الفرنج من مصر سنة 1216 فَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَأما الشريف غَالب فَلَمَّا استولى صَاحب نجد على مَكَّة وَالْمَدينَة تَابعه وَدخل تَحت أمره وَنَهْيه وَاسْتمرّ نايباً لَهُ مُنْذُ دُخُول جيوشه مَكَّة وَكَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 القادم بالجيوش سعود بن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن سعود ثمَّ مَاتَ عبد الْعَزِيز وَصَارَ الْأَمر بعده إِلَى وَلَده سعود وَمَا زَالَ يأتي لِلْحَجِّ في كل عَام إِلَى سنة 1218 فَخرج باشة مصر الباشا مُحَمَّد علي بِجُنُود متكاثرة وَاسْتولى على مَكَّة وَالْمَدينَة عَن مواطأة بَينه وَبَين الشريف غَالب ثمَّ لما اسْتَقر بِمَكَّة قبض على الشريف غَالب وَاسْتولى على جَمِيع أملاكه وذخائره وهي كَثِيرَة جداً وأرسله في سفينة هُوَ وخواص أَهله إِلَى الروم وَالله أعلم مَا كَانَ آخر أمره فَإِنَّهُ لم يبغلنا لى الْآن خبر صَحِيح مِمَّا كَانَ من أمره بعد إخراجه من مَكَّة وإدخاله إِلَى تِلْكَ الديار والباشا مُحَمَّد علي مُسْتَقر في مَكَّة وَجدّة إِلَى الْآن وهي سنة 1229 وَالْحَرب بَينه وَبَين أهل نجد مستمرة وَمَات فِي هَذَا الْعَام أمير الْعَرَب صَاحب نجد وَهُوَ سعود بن عبد الْعَزِيز وَقَامَ مقَامه وَلَده عبد الله بن سعود وَمَا زَالَ يُجهز الْجند إِلَى مَكَّة وَمن بهَا وَالْحَرب بَينهم سِجَال حرف الْفَاء الشَّرِيفَة فَاطِمَة بنت الإِمَام الْمهْدي أَحْمد بن يحيى الْمُتَقَدّم ذكره هي مَشْهُورَة بِالْعلمِ وَلها مَعَ والدها مراجعات فى مسَائِل كمسئلة الخضاب بالعصفر فإنه قَالَ إن فَاطِمَة ترجع إِلَى نَفسهَا في استنباط الْأَحْكَام وَهَذِه الْمقَالة تدل على أَنَّهَا كَانَت مبرزة في الْعلم فَإِن الإِمَام لَا يَقُول مثل هَذِه الْمقَالة إِلَّا لمن هُوَ حقيق بهَا وَكَانَ زَوجهَا الإِمَام المطهر يرجع إِلَيْهَا فِيمَا يشكل عَلَيْهِ من مسَائِل وَإِذا ضايقه التلامذة فِي بحث دخل إِلَيْهَا فتفيده الصَّوَاب فَيخرج بذلك إِلَيْهِم فَيَقُولُونَ لَيْسَ هَذَا مِنْك هُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 من خلف الْحجاب وَمَاتَتْ قبل والدها رَحمَه الله وَقد تقدم تَارِيخ مَوته فَاطِمَة بنت القاضي كَمَال الدَّين مَحْمُود بن شيريز الحنفي المدعوة ستيتة ولدت سادس الْمحرم سنة 855 خمس وَخمسين وثمان مائَة بِالْقَاهِرَةِ ونشأت فتعلمت الْكِتَابَة وَتَزَوَّجت النَّاصِر مُحَمَّد بن الطنبنا واستولدها أَوْلَادًا ثمَّ مَاتَ عَنْهَا فَتَزَوجهَا علي بن مُحَمَّد بن بيبرس حفيد ابْن أخت الظَّاهِر برقوق فاستولدها وَلها نظم وَحسن فهم وحجت مرَارًا وجاورت وَمن نظمها قصيدة كتبتها إِلَى السخاوي مطْلعهَا (قفا واسمعا مني حَدِيث أحبتي ... فأوصاف معناهم عَن الْحسن جلت) كتبت إِلَى قاضي مَكَّة بقصيدة مطْلعهَا (يَا بدر تمّ أزال الشَّك عَن راي ... انْعمْ بِقرب حبيب فِيك عَن راي) وَلها مكاتبات إِلَى جمَاعَة من الأدباء والأعيان والأكابر وَمن ذَلِك أَن الشهَاب المنصوري كتب إِلَى الزين سَالم ببيتين هما (أيا سيداً قد أحسن الْخَالِق اسْمه ... وجمّله وَالله بالخلق عَالم) (أعن بيد فِيهَا أياد لسائل ... وَلَا تخش حسّاداً فَإنَّك سَالم) فَقَالَت صَاحِبَة التَّرْجَمَة في هَذَا الْمَعْنى ارتجالاً (أيا سيد أعمّ الْخَلَائق برّه ... وإحسانه فرض تضَاعف لَازم) (أعن سَائِلًا يَأْتِيك والدمع سَائل ... وَلَا تخش من سوء فَإنَّك سَالم) وَكَانَ ذَلِك بِحَضْرَة جمَاعَة من الأدباء ففضلوا مَا قالته على مَا قَالَ الشهَاب واعترف الشهَاب بذلك واستمرت على نظم الْأَدَب ومدح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 أَرْبَاب الرتب حَتَّى مَاتَت في سنة 941 إِحْدَى وَأَرْبَعين وَتِسْعمِائَة بِالْقَاهِرَةِ ودفنت بالقرافة فرج بن برقوق الجركسى الملقب النَّاصِر ولد سنة 791 إِحْدَى وَتِسْعين وَسَبْعمائة في أَيَّام الْفِتْنَة الَّتِى وَقعت لوالده حَسْبَمَا تقدم فِي تَرْجَمته فَسَماهُ فرج اسْتَقر فِي السلطنة بِعَهْد من أَبِيه إليه بعد مَوته فِي شهر شَوَّال سنة 801 وسنه دون عشر سِنِين وَاخْتلف مماليك أَبِيه عَلَيْهِ وَجَرت لَهُ حروب مَعَ الْمُؤَيد شيخ فَانْهَزَمَ هَذَا وفرّ على الهجن إِلَى دمشق فَدَخلَهَا وتحصّن بقلعتها فَتَبِعَهُ شيخ وَمن مَعَه فحاصروه إِلَى أَن نزل إِلَيْهِم بالأمان فاعتقل وَذَلِكَ فِي صفر سنة 815 واستفتوا الْعلمَاء فأفتوا بِوُجُوب قَتله لما كَانَ يرتكبه من الْمُحرمَات والمظالم والفتك الْعَظِيم فَقتل في لَيْلَة السبت سَابِع عشر شهر صفر الْمَذْكُور وَكَانَ سُلْطَانا مهيباً فَارِسًا كَرِيمًا فتاكاً ظَالِما جباراً منهمكاً على الْخمر وَاللَّذَّات طامعاً في أَمْوَال النَّاس وَقد كَانَ خلع فِي سنة 808 بأَخيه الْمَنْصُور عبد الْعَزِيز نَحْو شَهْرَيْن ثمَّ أُعِيد فِي جُمَادَى الْآخِرَة مِنْهَا وَأمْسك أخاه فحبسه ثمَّ قَتله وَالْعجب أَن هَذَا السُّلْطَان الْمُشْتَمل على هَذِه الْأَوْصَاف هُوَ الْمُحدث للمقامات في بَيت الله الْحَرَام الَّتِى كَانَت سَببا لتفريق الْجَمَاعَات وَاخْتِلَاف الْقُلُوب والتباين الْكُلِّي في أشرف بقاع الأَرْض فَإنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون وَلَيْسَ الْعجب من صَاحب التَّرْجَمَة فَإِنَّهَا إِحْدَى مساويه وجهالاته وَلَكِن الْعجب من تَقْرِير من بعده لذَلِك وسكوت الْعلمَاء إِلَى الْآن وَقد ذكر قطب الدَّين الحنفي في الْأَعْلَام مَا يدل على أَنه أنكر هَذِه المقامات عُلَمَاء ذَلِك الْعَصْر فَقَالَ في تَرْجَمَة السُّلْطَان سليم خَان سُلْطَان الروم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 مَا لَفظه إِن تعدد المقامات في مَسْجِد وَاحِد لاستقلال كل مَذْهَب بِإِمَام مَا أجَازه كثير من الْعلمَاء وأنكروه غَايَة الْإِنْكَار فِي ذَلِك الْعَهْد وَلَهُم في ذَلِك الْعَصْر رسالات مُتعَدِّدَة بأيدي النَّاس إِلَى الْآن وَأَن عُلَمَاء مصر افتوا بِعَدَمِ جوازم ذَلِك وخطأوا من قَالَ بِجَوَاز ذَلِك انْتهى فضل الله بن عبد الله بن عبد الرَّزَّاق بن إِبْرَاهِيم بن مكانس الْمجد ابْن الْفَخر المصري القبطي الحنفي الْمَعْرُوف بِابْن مكانس ولد في شعْبَان سنة 769 تسع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَنَشَأ في عزّ ونعمة في كنف أَبِيه فَتخرج وتأدب وَمهر ونظم الشّعْر وَهُوَ صَغِير جداً فَإِن أَبَاهُ كَانَ صحب الْبَدْر البشتكي فانتدبه لتأديبه فخرّجه في أسْرع مُدَّة فنظم الشّعْر الْفَائِق وباشر في حَيَاة أبيه توقيع الدست بِدِمَشْق وَكَانَ أَبوهُ وزيراً هُنَالك ثمَّ قدم الْقَاهِرَة فَلَمَّا مَاتَ أَبوهُ ساءت حَاله ثمَّ خدم في ديوَان الْإِنْشَاء وتنقلت رتبته فِيهِ إِلَى أَن جَاءَت الدولة المؤيدية فامتدح الْمُؤَيد بقصائد فَأحْسن القَاضِي ابْن البارزي السفارة لَهُ عِنْده بِحَيْثُ أثابه ثَوابًا حسناً وشعره في الذرْوَة الْعليا وَهُوَ اُحْدُ المجيدين من الْمُتَأَخِّرين مَعَ قلَّة بضاعته في الْعَرَبيَّة وَلذَلِك يَقع لَهُ اللحن نَادرا وَقد جمع ديوَان أَبِيه ورتبه ولأبيه فِيهِ مورياً باسمه (أرى وَلَدي قد زَاده الله بهجة ... وكمّله فِي الْخلق والخلق مذنشا) (سأشكر ربي حِين أُوتيت مثله ... وَذَلِكَ فضل الله يؤتيه من يشا) وَمن نظم صَاحب التَّرْجَمَة مهنياً لِأَبِيهِ بعوده من سفر (هنيتَ يَا أبتي بعودك سالماً ... وَبقيت مَا طرد الظلام نَهَار) (ملئت بطُون الْكتب فِيك مدايحاً ... حَقًا لقد عظمت بك الْأَسْفَار) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 وَمن مقطعاته العذبة (بِحَق الله دع ظلم الْمَعْنى ... ومتعه كَمَا يهوى بأنسك) (وكف الصديا مولَايَ عَمَّن ... بيومك رحت تهجره وَأمْسك) وَمِنْهَا (قَالَت وَقد عشقتهم ... قاماتهم والأعينا) (إن رمت تلقانا فلج ... بَين السيوف والقنا) (وَمِنْهَا (ربّ خُذ بِالْعَدْلِ قوماً ... أهل ظلم متوالي) (كلّفوني بيع خيلي ... برخيص وبغالي وشعره كثير وَكله غرر وَمَات بالطاعون فِي يَوْم الْأَحَد خَامِس وَعشْرين ربيع الآخر سنة 822 اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَثَمَانمِائَة فضل الله بن غالي الْهَمدَانِي الْوَزير الملقب رشيد الدولة كَانَ أَبوهُ عطاراً يَهُودِيّا فَأسلم ابْنه هَذَا واتصل بغازان سُلْطَان التتار الْمُتَقَدّم فخدمه وَتقدم عِنْده بالطب إِلَى أَن استوزره وَكَانَ يناصح الْمُسلمين ويذب عَنْهُم وَيسْعَى في حقن دِمَائِهِمْ وَله في تبريز آثَار عَظِيمَة من الْبر وَكَانَ شَدِيدا على من يعاديه أَو ينتقصه لَا يزَال يسْعَى في هَلَاكه حَتَّى يهلكه وَكَانَ متواضعاً سخياً كثير الْبَذْل للْعُلَمَاء والصلحاء وَله تَفْسِير لِلْقُرْآنِ فسره على طَريقَة الفلاسفة فنسب إِلَى الإلحاد وَقد احترقت تواليفه بعد قَتله واتفقت لَهُ محنة كَانَ فِيهَا هَلَاكه وَذَلِكَ أَنه لما مَاتَ خربيدا ملك التتار طلبه السُّلْطَان جوابان على الْبَرِيد فَقَالَ لَهُ أَنْت قتلت الخان فَقَالَ معَاذ الله أَنا كنت رجلاً عطاراً ضَعِيفا بَين النَّاس فصرت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 فِي أَيَّامه وَأَيَّام أَخِيه متصرفاً في الممالك فَكيف أَقتلهُ فأحضروا الطَّبِيب ابْن الحران اليهودي طَبِيب خربيدا فَسَأَلُوهُ عَن سَبَب موت خربيدا فَقَالَ أَصَابَته عِلّة فَوَقع لَهُ إسهال بِسَبَبِهَا نَحْو ثَلَاث مائَة مجْلِس فطلبني بِحُضُور رشيد الدولة وَطلب الْأَطِبَّاء فاتفقنا على أَن نُعْطِيه ادوية قابضة حابسة فَقَالَ رشيد الدولة هُوَ الْآن يحْتَاج إِلَى الاستفراغ فسقيناه مسهلاً فَوَقع لَهُ من ذَلِك نَحْو سبعين مَجْلِسا فَسَقَطت قوته فَمَاتَ وَصدقه رشيد الدولة على ذَلِك فَقَالَ جوابان لرشيد الدولة فَأَنت قتلته وَأمر بقتْله فَقتل وفصلوا اعضاه وبعثوا إِلَى كل بلد بعضو وَيُقَال أنه وجد لَهُ بعد قَتله ألف ألف مِثْقَال وَكَانَ قَتله فى سنة 716 سِتّ عشر وَسَبْعمائة وعمره فَوق ثَمَانِينَ سنة قَالَ الذَّهَبِيّ كَانَ لَهُ رَأْي ودهاء ومروءة وَكَانَ الشَّيْخ تَاج الدَّين الْأَفْضَل يذمه ويرميه بدين الْأَوَائِل حرف الْقَاف السَّيِّد الْقَاسِم بن إِبْرَاهِيم بن الْحسن بن يُوسُف ابْن المهدي مُحَمَّد بن المهدي أَحْمد بن الْحسن ابْن الإِمَام الْقَاسِم بن مُحَمَّد ولد بعد أَخِيه إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الْمُتَقَدّم تَارِيخ وِلَادَته في تَرْجَمته وَنَشَأ بِصَنْعَاء وَأخذ الْعلم عَن جمَاعَة من علمائها وَمِنْهُم شَيخنَا أَحْمد بن مُحَمَّد الْحرَازِي الْمُتَقَدّم ذكره والقاضي علي بن أَحْمد الْحكمِي وَغَيرهمَا وَقَرَأَ على فى شرح غَايَة السول وفي شرحي على الْمُنْتَقى وفي مؤلفي الْمُسَمّى بالدرر وَشَرحه الْمُسَمّى بالدراري وفي البخاري وأمالي الإِمَام أَحْمد بن عِيسَى وَهُوَ من فضلاء آل الإِمَام علما وَعَملا وَحسن اخلاق وَله نظم حسن فَمِنْهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 مَا كتبه إِلَى أَيَّام قرائته علي (إِلَيْك وَإِلَّا لَا يساق ركاب ... وعنك وَإِلَّا لايجاز كتاب) (عَلَيْك وَإِلَّا من عَلَيْهِ معول ... ولولاك مَا للمشكلات جَوَاب) (وفيك وَإِلَّا لَيْسَ في الشّعْر حِكْمَة ... ومنك وَإِلَّا فالشراب سراب) (وَأَنت وَإِلَّا الشَّمْس فى الأَرْض مشرق ... يداك وَإِلَّا للسخاء سَحَاب) (برزت وَإِلَّا فالتشخص للعلا ... محَال وأنّى للعزيز طلاب) (وَمن ذَا الذي قرّت وَطَابَتْ وطولت ... عُيُون وأنفاس بِهِ ورقاب) (سوى الْعلم البدرالذي صَار منصفاً ... لَهُ فِي كَمَال المكرمات مآب) (هُوَ ابْن علي من لَهُ الْآن شَوْكَة ... يعزبها دين الْهدى ويهاب) (فَلَا زَالَ مَرْفُوعا بِنصب جوازم ... من الْأَمر فِيهَا حِكْمَة وصواب) (وَلَا زَالَ شمساً للعلوم بأسرها ... وعمدة هَذَا انتقاه كتاب) (لمجموع أَحْكَام الْفُنُون ملخص ... وَمُنْتَخب غيثاً حواه عباب) (سَلام عَلَيْهِ يحْكى الرَّوْض عرفه ... وَقد باكرته نسمَة وسحاب) وَهُوَ الْآن حَيّ يسْعَى في تَحْصِيل الْعُلُوم ويجهد في طَاعَة الحى القيوم مستمرا على الْقِرَاءَة عليّ بلغه الله الأمل السَّيِّد الْقَاسِم بن إِبْرَاهِيم الظّفري ولد فِي شعْبَان سنة 1179 تسع وَسبعين وَمِائَة وَألف وَنَشَأ بِصَنْعَاء فَأخذ عَن جمَاعَة من علمائها كشيخنا الْعَلامَة عبد الله بن الْحسن بن علي وَالسَّيِّد الْعَلامَة على بن عبد الله الْجلَال وَالسَّيِّد الْعَلامَة إبراهيم بن عبد الْقَادِر وَلَعَلَّ لَهُ قِرَاءَة على شَيخنَا الْعَلامَة السَّيِّد عبد الْقَادِر بن أَحْمد والقاضى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 الْعَلامَة أَحْمد بن مُحَمَّد قاطن واستقاد في النَّحْو وَالصرْف والمنطق والمعاني وَالْبَيَان وَالْأُصُول وَله فهم قوي وذهن سوي وَحفظ الْأَدَب وَحسن المحاضرة وَقُوَّة عارضة فِي المذاكرة وعزم من صنعاء إِلَى ذي جبلة مُتَوَلِّيًا على أوقاف تِلْكَ الْجِهَة وَهُوَ الْآن هُنَالك وَلَو تفرّغ للاشتغال وَسلم عَن عوارض الإشغال لنال بفهمه السَّلِيم وفكره الْكَرِيم أَعلَى مَرَاتِب الْكَمَال وَولى ولايات وَجَرت لَهُ قصَص وحروب وَمَات في شهر رَجَب سنة 1227 سبع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَألف السَّيِّد الْقَاسِم بن أَحْمد بن عبد الله بن الْقَاسِم بن أَحْمد بن لُقْمَان ابْن أَحْمد بن شمس الدَّين ابْن الإِمَام المهدي أَحْمد بن يحيى وَتَمام نسبه قد تقدم في تَرْجَمَة الإِمَام المهدي ولد فِي سنة 1166 سِتّ وَسِتِّينَ وَمِائَة وَألف بِموضع يُقَال لَهُ صَنْعَة بِضَم الصَّاد الْمُهْملَة وَسُكُون الْمُوَحدَة ثمَّ مُهْملَة وهي قَرْيَة بِقرب مَدِينَة ذمّار فِيهَا جمَاعَة من السادات آل لُقْمَان ثمَّ انْتقل صَاحب التَّرْجَمَة إِلَى مَدِينَة ذمار فَقَرَأَ على جمَاعَة من مَشَايِخ الْفِقْه كالسيد الْعَلامَة أَحْمد بن علي بن سُلَيْمَان والفقيه الْعَلامَة محسن ابْن حسن الشويطر وَغَيرهمَا وبرع في علم الْفُرُوع وَقَرَأَ هُنَالك في علم النَّحْو ثمَّ ارتحل إِلَى صنعاء لسَبَب اقْتضى ذَلِك فوصل إِلَيْهَا في سنة 1193 وَقَرَأَ في الْعَرَبيَّة وَالْأُصُول على جمَاعَة وَأخذ عَنى في الْعَرَبيَّة وَحضر فِي دروسي الحديثية وَهُوَ مفرط الذكاء سريع الْفَهم قوي الْإِدْرَاك اسْتَفَادَ بدرايته أَكثر مِمَّا اسْتَفَادَ بروايته ونظم الشّعْر الْفَائِق وطارح بِشعرِهِ جمَاعَة من الأدباء وَاسْتقر بِصَنْعَاء وَتزَوج بهَا وأضرب عَن الْعود إِلَى وَطنه وَله همة عليه وشهامة علوِيَّة وَنَفس أَبِيه وسيادة هاشمية لَا يخضع فِي مطلب من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 مطَالب الدِّينَا وَلَا يدنو لأربابها بل يكْتَفى مِنْهَا بِمَا يصل إِلَيْهِ من أَمْوَال لَهُ ورثهَا عَن أَبِيه وَقد يَنُوب في الْأَعْمَال الشَّرْعِيَّة إِذا عوّل عَلَيْهِ من يألف بِهِ من الْقُضَاة فيفصلها على أحسن أسلوب مَعَ عفة ونزاهة وَهُوَ أجل من كثير من قُضَاة الْعَصْر بل يصغر عَن عَظِيم قدره الْقَضَاء وتحريراته في القضايا الشَّرْعِيَّة مَقْبُولَة عِنْد الْخَاص وَالْعَام مرضية عِنْد الصَّغِير وَالْكَبِير يقنع بهَا الْمَحْكُوم عَلَيْهِ كَمَا يقنع بهَا الْمَحْكُوم لَهُ وبيني وَبَينه مَوَدَّة أكيدة ومحبة قَوِيَّة وَهُوَ لَا يمل جليسه وَلَا يستوحش أنيسه لما جبل عَلَيْهِ من لطف الطَّبْع وَكَمَال الظّرْف وَقد اسْتمرّ الِاتِّصَال بيني وَبَينه زِيَادَة على خمس عشرَة سنة قلّ أَن يمضي يَوْم من الْأَيَّام لَا نَجْتَمِع فِيهِ ويجري بَيْننَا مطارحات أدبية فِي كثير من الْأَوْقَات ومراجعات علمية فى عدَّة مسَائِل مِنْهَا مَا هُوَ منظوم وَمِنْهَا مَا هُوَ منثور فَمن ذَلِك هَذَا السُّؤَال الذي اشْتَمَل على نظم ونثر يَأْخُذ بِمَجَامِع الْقُلُوب كتبه إِلَى في أَيَّام سَابِقَة وَلَفظه حرس الله سَمَاء المفاخر بجماية بدرها الزاهى الزَّاهِر وأتحف روضها النَّاظر بكلاية غيثها الهامي الهامر وَأهْدى إِلَيْهِ تَحِيَّة عطرة وبركة خضرَة نَضرة مَا مسحت أَقْلَام الكتبة مفارق المحابر ورتعت أنظار الطّلبَة في حدائق الدفاتر صدرت هَذِه الأبيات في غَايَة الْقُصُور أقيلوا عثارها إن كَانَ لكم عَلَيْهَا عثور تستمنح مِنْكُم الفرائد وتستمد مِنْكُم الْفَوَائِد أوجب تحريرها أَنه ذكر عِنْد بعض الأماثل جمَاعَة المتصوفة فَأثْنى عَلَيْهِم وَأَطْنَبَ وأطرى وأطرب واستشهدني فَقلت بِمُوجب قَوْله مستثنياً مِنْهُم الحلاج وَابْن عَرَبِيّ وَمن يساويهما فأصر واستكبر وأبدا قولاً يستنكر فَجرى بَيْننَا خلاف مفرط فاحكم بَيْننَا بِالْحَقِّ وَلَا تشطط الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 (أعن العذول يُطيق يكتم مابه ... والجفن يغرق فِي خليج سحابه) (جَازَت ركايبه الْحمى فتعلقت ... أحشاؤه بشعابه وهضابه) (نفد الزَّمَان وَمَا نفدن مسائلي ... في الْحبّ والتنفير عَن أربابه) (فركضت في ميدانه وكرعت من ... غدرانه وركعت في محرابه) (وَسَأَلت عَن تَحْقِيقه وبحثت عَن ... تَدْقِيقه وكشفت عَن أَسبَابه) (فَوجدت أَخْبَار الغرام كواذباً ... فِي أَكثر الفتيان من طلابه) (فيميت من شهواته لِحَيَاتِهِ ... وَيرد فضل ذَهَابه لإيابه) (ولقلّ مَا يلقى امْرَءًا متصوفاً ... ينحو طَرِيق الْحبّ من أبوابه) (يجد الْخَطِيئَة كالقذاة لعَينه ... فَرمى بهَا في الدمع عَن تسكابه) (أَخذ الطَّرِيقَة بِالْحَقِيقَةِ سالكاً ... نهج النبيّ قد اقْتدى بصوابه) (تمضي بِهِ اللحظات وَهُوَ محاسب ... للنَّفس قبل وُقُوفه لحسابه) (هذي الطَّرِيقَة للمريد مبلغ ... مخ التصوّف وَهِي لبّ لبابه) (وَجَمَاعَة رقصوا على أوتارهم ... يتجاذبون الْخمر عَن أكوابه) (يتواجدون لكلّ أحوى أحور ... يتعلّلون من الْهوى برضابه) (الوحدة جعلُوا المثاني مونساً ... واللّحن عِنْد الذكر من إعرابه) (أَصْحَاب أَحْوَال تعدّوا طورهم ... فتنكروا فِي الْحَال عَن أحزابه) (زجروا مطاياهم إِلَيْهِ وَإِنَّمَا ... نكص الغرام بهم على أعقابه) (دعواك معرفَة الْعُيُون سفاهة ... وَالشَّرْع قَاض والنهي بكذابه) (فَمن الْمحَال ترى المهامه تنطوي ... لمشعبذ من دون وخد ركابه) (وخرافة بشر يرى متشكلاً ... مُتَمَكنًا من لبس غير إهابه) (رجحت نهاي فَلَا اصدق مَا سوى ... رسل المليك وترجمان كِتَابه) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 (فدع التّصوف واثقاً بِحَقِيقَة ... واحرص وَلَا يغررك لمع سرابه) (للْقَوْم تَعْبِير بِهِ يسبي النّهى ... طَربا ويثني الصبّ عَن أحبابه) (فيرون حقّ الْغَيْر غير محرم ... بل يَزْعمُونَ بِأَنَّهُم أولى بِهِ) (لبسو المدارع واستراحوا جرْأَة ... عَن أَمر باريهم وَعَن إِيجَابه) (خَرجُوا عَن الْإِسْلَام ثمَّ تمسكوا ... بتصوّف فتستروا بحجابه) (فَأُولَئِك الْقَوْم الَّذين جهادهم ... فرض فَلَا يعدوك نيل ثَوَابه) (وَإِذا أَرَابَك مَا أَقُول فسل بِهِ ... من عِنْده فى الحكم فصل خطابه) (عَلامَة الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول من ... حكمت لَهُ الْعليا على أترابه) (فذ الزَّمَان وتوأم الْمجد الذي ... سَاد الأكابر فِي أَوَان شباب) (بدر الْهدى النّظار سَله مُقبلا ... كفّيه ملتمساً لرد جَوَابه) (فمحمد بن على ابْن مُحَمَّد ... منى ومنك مُحَقّق ادرى بِهِ) (سَله زَكَاة الِاجْتِهَاد فَإِنَّهُ ... إن صَحَّ فقرك مُحرز لنصابه) فأجبت عَن هَذَا السُّؤَال برسالة في كراريس سميتها الصوارم الْحداد القاطعة لعلائق مقالات أَرْبَاب الِاتِّحَاد وسأذكر هَهُنَا مَا أجبْت بِهِ عَن النظم فَقَط وَهُوَ (هَذَا العقيق فقف على أبوابه ... متمايلاً طَربا لوصل غرابه) (يَا طالما قد جبت كلّ تنوفةٍ ... مغبرة ترجو لقا أربابه) (وَقطعت أنساع الرَّوَاحِل مُعْلنا ... في كلّ حيّ جِئْته بطلابه) (حَتَّى غَدَتْ غُدْرَان دمعك فيضاً ... بالسّفح في ذَا السّفح من تسكابه) (والعمر وَهُوَ أجلّ مَا خولته ... أنفقته فِي الدور في أدرابه) (وعصيت فِيهِ قَول كل مُفند ... وسددت سمعاً عَن سَماع خطابه) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 (بشراي بعد الْيَأْس وَهُوَ خَطِيبه ... بتبدّلي سهل الْهوى بصعابه) (قد أنجح الله الذي أملته ... وكدحت فِيهِ لنيل لبّ لبابه) (وهجرت فِيهِ ملاعبى وَلَقِيت فِيهِ ... متاعبي ومنيت من أوصابه) (وشربت كاسات الْفِرَاق وَقد غَدَتْ ... ممزوجة بزعافه وبصابه) (وبذلت للهادي إِلَيْهِ نفائسي ... ومنحته مني بملء وطابه) (فحططت رحلي بَين سكان الْحمى ... وأنخته في مخصبات شعابه) (وشفيت نفسي بعد طول عنائها ... في قطع حزن فلاته وهضابه) (وَوضعت عَن عنقي عصى الترحال لَا ... أخْشَى العذول وَلَا قَبِيح عتابه) (فَأَنا وَلَا فَخر الْخَبِير بأرضه ... وَأَنا العروف بشامخات عِقَابه) (وَأَنا الْعَلِيم بِكُل مافى شَرحه ... وَأَنا المترجم عَن خفيّ جَوَابه) (يَا ابْن الرَّسُول وعالم الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول ... أَنْت بِمثل ذَا أدرى بِهِ) (لَا تسألنّ عَن العقيق فَإِنَّهَا ... قد ذللت لَك جامحات ركابه) (وكرعت فِي تِلْكَ المناهل بُرْهَة ... وشربت صفو الْورْد من أربابه) (وَقَعَدت فِي عرصاته متمايلاً ... مُتَبَسِّمًا نشوان من إطرابه) (واسلم وَدم أَنْت الْمعد لمعضل ... أعنا الورى يَوْمًا بكشف نقابه) (وَخذ الْجَواب فَمَا بِهِ خطل وَلَا ... عصبية قدحت بِعَين صَوَابه) (سكانه صنفان صنف قد غَدا ... متجرداً للحبّ بَين صحابه) (قد طلق الدُّنْيَا فَلَيْسَ بضارع ... يَوْمًا لنيل طَعَامه وَشَرَابه) (يمشي على سنَن الرَّسُول مفوضاً ... لِلْأَمْرِ لَا يلوى للمع سرابه) (يرضى بميسور من الدُّنْيَا وَلَا ... يغتمّ عِنْد نفارها عَن بَابه 0 - متقللاً مِنْهَا تقلل موقن ... بدروس رونقها وَقرب ذَهَابه) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 (متزهداً فِيمَا يَزُول مزايلاً ... إدراك مَا يبْقى عَظِيم ثَوَابه) (جعل الشعار لَهُ محبَّة ربّه ... وثنى عنان الْحبّ عَن أحبابه) (أكْرم بِهَذَا الصِّنْف من سكانه ... أحبب بِهَذَا الْجِنْس من أحزابه) (فهم الَّذين أَصَابُوا الْغَرَض الذي ... هُوَ لامرا فِي الدَّين لبّ لبابه) (وَلكم مَشى هذي الطَّرِيقَة صَاحب ... لمُحَمد فَمَشَوْا على أعقابه) (فِيهَا الغفاري قد أَنَاخَ مَطِيَّة ... وَمَشى بهَا القرني بسبق ركابه) (وَبهَا فُضَيْل والجنيد تجاذبا ... كأس الْهوى وتعلّلا برضابه) (وكذاك بشر وَابْن أدهم أَسْرعَا ... مشياً بِهِ والكينعي مَشى بِهِ) (أمّا الَّذين غدوا على أوتارهم ... يتجاذبون الْخمر في أكوابه) (ولوحدة جعلُوا المثاني مونساً ... واللّحن عِنْد الذكر من إعرابه) (ويرون حقّ الْغَيْر غير محرّم ... بل يَزْعمُونَ بِأَنَّهُم أولى بِهِ) (فهم الَّذين تلاعبوا بَين الورى ... بِالدّينِ وانتدبوا لقصد خرابه) (قد نهج الحلاج طرق ضلالهم ... وكذاك محيي الدَّين لاحيا بِهِ) (وكذاك فارضهم بتائياته ... فرض الضلال عَلَيْهِم ودعا بِهِ) (وَكَذَا ابْن سبعين المهين فقد عدا ... متطورا فى جَهله ولعابه) (رام النبؤة لالعا لعثوره ... روم الذُّبَاب مصيره كعقابه) (وَكَذَلِكَ الجيلي أجال جَوَاده ... فِي ذَلِك الميدان ثمَّ سعى بِهِ) (إنسانه إِنْسَان عين الْكفْر لَا ... يرتاب فِيهِ سابح بعبابه) (والتلمسانى قَالَ قد حلت لَهُ ... كلّ الْفروج فَخذ بذا وَكفى بِهِ) (نهقوا بوحدتهم على روس الملا ... وَمن الْمقَال أَتَوا بِعَين كَذَا بِهِ) (إن صَحَّ مَا نقل الْأَئِمَّة عَنْهُم ... فالكفر ضَرْبَة لازب لصحابه) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 (لاكفر في الدُّنْيَا على كلّ الورى ... إن كَانَ هَذَا القَوْل دون نصابه) (قد ألزمونا أن ندين بكفرهم ... وَالْكفْر شَرّ الْخلق من يرضى بِهِ) (فدع التعسف في التأول لَا تكن ... كفتى يُغطي جيفة بثيابه) (قد صَرَّحُوا أَن الذي يبغونه ... هُوَ ظَاهر الْأَمر الَّذِي قُلْنَا بِهِ) (هذي فتوحات الشؤم شَوَاهِد ... أَن المُرَاد لَهُ نُصُوص كِتَابه) (وَقد أوضحت في تِلْكَ الرسَالَة حَال كل وَاحِد من هَؤُلَاءِ وأوردت نُصُوص كتبهمْ وبينت أَقْوَال الْعلمَاء في شَأْنهمْ وَكَانَ تَحْرِير هَذَا الْجَواب فِي عنفوان الشَّبَاب وَأَنا الْآن أتوقف في حَال هَؤُلَاءِ وأتبرأ من كل مَا كَانَ من أَقْوَالهم وأفعالهم مُخَالفا لهَذِهِ الشَّرِيعَة الْبَيْضَاء الْوَاضِحَة الَّتِى لَيْلهَا كنهارها وَلم يتعبدني الله بتكفير من صَار في ظَاهر أمره من أهل الْإِسْلَام وهب أَن المُرَاد بِمَا في كتبهمْ وَمَا نقل عَنْهُم من الْكَلِمَات المستنكرة الْمَعْنى الظَّاهِر والمدلول العربي وَأَنه قَاض على قَائِله بالْكفْر البواح والضلال الصراح فَمن أَيْن لنا أَن قَائِله لم يتب عَنهُ وَنحن لَو كُنَّا فِي عصره بل فِي مصره بل في منزله الذي يعالج فِيهِ سَكَرَات الْمَوْت لم يكن لنا إِلَى الْقطع بِعَدَمِ التَّوْبَة سَبِيل لِأَنَّهَا تقع من العَبْد بِمُجَرَّد عقد الْقلب مالم يُغَرْغر بِالْمَوْتِ فَكيف وبيننا وَبينهمْ من السنين عدَّة مئين وَلَا يَصح الِاعْتِرَاض على هَذَا بالكفار فَيُقَال هَذَا التجويز مُمكن في الْكفَّار على اخْتِلَاف أنواعهم لأَنا نقُول فرق بَين من أَصله الْإِسْلَام وَمن أَصله الْكفْر فَإِن الْحمل على الأَصْل مَعَ اللّبْس هُوَ الْوَاجِب لاسيما وَالْخُرُوج من الْكفْر إِلَى الْإِسْلَام لَا يكون إِلَّا بأقوال وأفعال لَا بِمُجَرَّد عقد الْقلب والتوجه بِالنِّيَّةِ المشتملين على النَّدَم والعزم على عدم المعاودة فَإِن ذَلِك يكفي في التَّوْبَة وَلَا يكفي في مصير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 الْكَافِر مُسلما وَأَيْضًا فرق بَين كفر التَّأْوِيل وَكفر التَّصْرِيح على أَنى لَا أثبت كفر التَّأْوِيل كَمَا حققته في غير هَذَا الموطن وَفِي هَذِه الْإِشَارَة كِفَايَة لمن لَهُ هِدَايَة وفي ذنوبنا الَّتِى قد اثقلت ظُهُورنَا لقلوبنا أعظم شغلة وطوبى لمن شغلته عيوبه وَمن حسن إِسْلَام الْمَرْء تَركه مَالا يعنيه فالراحلة الَّتِى قد حملت مَالا تكَاد تنوء بِهِ إِذا وضع عَلَيْهَا زِيَادَة عَلَيْهِ انْقَطع ظهرهَا وَقَعَدت على الطَّرِيق قبل وُصُول الْمنزل وَبلا شك أَن التوئب على ثلب أَعْرَاض الْمَشْكُوك فِي إسلامهم فضلاً عَن الْمَقْطُوع بِإِسْلَامِهِمْ جَرَاءَة غير محمودة فَرُبمَا كذب الظَّن وَبَطل الحَدِيث وتقشعت سحائب الشكوك وتجلت ظلمات الظنون وطاحت الدقائق وحقت الْحَقَائِق وَأَن يَوْمًا يفرّ الْمَرْء من أَبِيه ويشح بِمَا مَعَه من الْحَسَنَات على أحبابه وَذَوِيهِ لحقيق بِأَن يحافظ فِيهِ على الْحَسَنَات وَلَا يَدعهَا يَوْم الْقِيَامَة نهباً بَين قوم قد صَارُوا تَحت أطباق الثرى قبل أَن يخرج إِلَى هَذَا الْعَالم بدهور وَهُوَ غير مَحْمُود على ذَلِك وَلَا مأجور فَهَذَا مَالا يَفْعَله بِنَفسِهِ الْعَاقِل وَأَشد من ذَلِك أَن ينثر جراب طاعاته وينثل كنَانَة حَسَنَاته على أعدائه غير مشكور بل مقهور وَهَكَذَا يفعل عِنْد الْحُضُور لِلْحسابِ بَين يدي الْجَبَّار بالمغتابين والنمامين والهمازين واللمازين فَإِنَّهُ قد علم بِالضَّرُورَةِ الدِّينِيَّة أَن مظْلمَة الْعرض كمظلمة المَال وَالدَّم وَمُجَرَّد التَّفَاوُت فِي مِقْدَار الْمظْلمَة لَا يُوجب عدم انصاف ذَلِك الشئ المتفاوت أَو بعضه بِكَوْنِهِ مظْلمَة فَكل وَاحِدَة من هَذِه الثَّلَاث مظْلمَة لآدمي وكل مظْلمَة لآدمى لَا تسْقط الا بعفوه ومالم يعف عَنهُ بَاقٍ على فَاعله يوافي عرصات الْقِيَامَة فَقل لي كَيفَ يَرْجُو من ظلم مَيتا بثلب عرضه أَن يعْفُو عَنهُ وَمن ذَاك الذي يعْفُو فِي هَذَا الْموقف وَهُوَ أحْوج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 مَا كَانَ إِلَى مَا يَقِيه عَن النَّار وَإِذا الْتبس عَلَيْك هَذَا فَانْظُر مَا تَجدهُ من الطباع البشرية في هَذِه الدَّار فَإِنَّهُ لَو ألْقى الْوَاحِد من هَذَا النَّوْع الإنساني إِلَى نَار من نيار هَذِه الدُّنْيَا وَأمكنهُ أَن يتّقيها بِأَبِيهِ أَو بِأمة أَو بِابْنِهِ أَو بحبيبه لفعل فَكيف بِنَار الْآخِرَة الَّتِى لَيست نَار هَذِه الدُّنْيَا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا شَيْئا وَمن هَذِه الْحَيْثِيَّة قَالَ بعض من نظر بِعَين الْحَقِيقَة لَو كنت مغتاباً أحداً لاغتبت أَبى وأمي لِأَنَّهُمَا أَحَق بحسناتي الَّتِى تُؤْخَذ مني قسراً وَمَا أحسن هَذَا الْكَلَام وَلَا ريب أَن أَشد أَنْوَاع الْغَيْبَة وأضرّها وأشرّها وأكثرها بلَاء وعقاباً مَا بلغ مِنْهَا إِلَى حد التَّكْفِير واللعن فَإِنَّهُ قد صَحَّ أَن تَكْفِير الْمُؤمن كفر ولعنه رَاجع على فَاعله وسبابه فسق وَهَذِه عُقُوبَة من جِهَة الله سُبْحَانَهُ وَأما من وَقع لَهُ التَّكْفِير واللعن والسب فمظلمة بَاقِيَة على ظهر الْمُكَفّر واللاّعن والسباب فَانْظُر كَيفَ صَار الْمُكَفّر كَافِرًا واللاعن ملعوناً والسباب فَاسِقًا وَلم يكن ذَلِك حد عُقُوبَته بل غَرِيمه ينْتَظر بعرصات الْمَحْشَر ليَأْخُذ من حَسَنَاته أَو يضع عَلَيْهِ من سيئاته بِمِقْدَار تِلْكَ الْمظْلمَة وَمَعَ ذَلِك فَلَا بُد من شئ غير ذَلِك وَهُوَ الْعقُوبَة على مُخَالفَة النهي لِأَن الله قد نهى فِي كِتَابه وعَلى لِسَان وَرَسُوله عَن الْغَيْبَة بِجَمِيعِ أقسامها ومخالف النَّهْي فَاعل محرم وفاعل الْمحرم معاقب عَلَيْهِ وَهَذَا عَارض من القَوْل جرى بِهِ الْقَلَم ثمَّ أحجم عَن الْكَلَام سَائِلًا من الله حسن الختام رَاجعا إِلَى كَمَال تَرْجَمَة ذَلِك السَّيِّد الْهمام فَنَقُول صَاحب التَّرْجَمَة حَال تَحْرِير هَذِه الأحرف مُسْتَمر على تِلْكَ الْخِصَال الجميلة والمناقب الجليلة قَانِع بميسور من الْعَيْش مُؤثر للخمول الذي هُوَ الرَّاحَة وَالنعْمَة المجهولة زَاده الله من أفضاله وأنجح لَهُ مَا يرجوه من آماله وَتوفى رَحمَه الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 في سنة ... الْقَاسِم ابْن أَمِير الْمُؤمنِينَ المتَوَكل على الله أَحْمد ابْن أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمَنْصُور بِاللَّه علي ابْن أَمِير الْمُؤمنِينَ المهدي الْعَبَّاس ابْن أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمَنْصُور حُسَيْن ابْن أَمِير الْمُؤمنِينَ المتَوَكل الْقَاسِم ابْن حُسَيْن بن أَحْمد بن أحسن ابْن الإِمَام الْقَاسِم بن مُحَمَّد ولد سنة 1211 إحدى عشر وَمِائَتَيْنِ وَألف وَنَشَأ فِي حجر الْخلَافَة نشواً طَاهِرا فَلَمَّا قَارب سن الْبلُوغ قَرَأَ بُلُوغ المرام على الشَّيْخ الْعَلامَة مُحَمَّد عَابِد السندي عِنْد وفوده إِلَى حَضْرَة أَبِيه ثمَّ حفظه من أَوله إِلَى آخِره عَن ظهر قلب وَوصل إِلَى وأسمعه عليّ من حفظه من أَوله إِلَى آخِره وَالْكتاب بيدي فسبحان الفاتح المانح وَهُوَ الْآن يسمع عليّ صَحِيح البخارى وَمُسلم يفد إِلَى في بعض أَيَّام الْأُسْبُوع ويواظب على ذَلِك مواظبة عَظِيمَة وَيفهم فهماً جيداً ويحفظ حفظاً صَالحا مَعَ اشْتِغَاله بِقِرَاءَة علم الْآلَة وإكبابه على مطالعة الْكتب الحديثية وَله بِالسنةِ المطهرة شغف عَظِيم ومحبة زَائِدَة وَيعْمل بِكُل مَا صَحَّ مِنْهَا وَلَا يبالي أطار لوم من يلومه أم وَقع وَلَا يلْتَفت إِلَى من يُرِيد صده عَن ذَلِك لِأَنَّهُ قد عرف أَن هَذَا هُوَ الْحق الذي بعث الله بِهِ رَسُوله وَأنزل بِهِ كِتَابه ووالده مَوْلَانَا الإِمَام حفظه الله يرغبه في ذَلِك ويقوي عزمه عَلَيْهِ وَيُعْجِبهُ مَا يرى مِنْهُ وَالْحَمْد لله الذي أخرج من هَذَا الْبَيْت الشّريف مثل هَذَا الْفَاضِل زَاده الله علماً وكمالاً وَعَملا بِالْحَقِّ وانقياداً لَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 وَجعله من أنصار السنة المطهّرة وعمره عِنْد تَحْرِير هَذِه التَّرْجَمَة نَحْو سبع عشرَة سنة السَّيِّد الْقَاسِم بن الْحسن بن مطّهر بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الجرموزي الصّنعاني منشأ ووفاة ولد ببندر المخافي أَيَّام ولَايَة وَالِده لَهَا ثمَّ انْتقل إِلَى صنعاء وَطلب الْعلم على جمَاعَة من الْعلمَاء وَقد ذكر جَمِيع مسموعاته ومشايخه في تَرْجَمته لنَفسِهِ فِي مُصَنفه الَّذِي سَمَّاهُ صفوة العاصر في آدَاب المعاصر وَهُوَ كتاب حسن ذكره فِيهِ جمَاعَة من أهل عصره وَمن قرَابَته وخصص الشُّعَرَاء وَذكر من أشعارهم وَمَا دَار بَينه وَبينهمْ وَمَا يتَعَلَّق بذلك وولاّه المهدي صَاحب الْمَوَاهِب أعمالاً ثمَّ ولاّه آخراً الْقَضَاء بِصَنْعَاء فباشره مُبَاشرَة حَسَنَة بعفة ونزاهة وديانة وَله مؤلف سَمَّاهُ نزهة الفطن في من ملك الْيمن وَله شعر حسن فَمِنْهُ فِي تَشْبِيه الْبَرْق (كَأَنَّمَا الْبَرْق إِذا مَا اختفى ... فلاح في الْعَارِض غبّ الْقصار) (وجنة عذرى رابّها مبصر ... فاستترت من خَوفه بالخمار) وَله قصائد منسجمة وأبيات قَليلَة التَّكَلُّف كَقَوْلِه (أغار عَلَيْك من نَظَرِي ... وَإِن بلغتني وطري) (وأحسد خاطري من أَن ... تمرّ عَلَيْهِ فِي فكري) (بنفسي أَنْت من قمر ... علا عَن بهجة الْقَمَر) (وَمَا قد حزت من هيف ... وَقد كلقنا النَّضر) (وطرف من لطافته ... استعارت نسمَة السحر) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 وَمن ذَلِك قَوْله (لم لَا ترقوا سادتي ... وترحموا صبابتي) (وتذكروا هجري الذي ... ذَابَتْ لَهُ حشاشتي) (وترحموا لي حَالَة ... قد رق مِنْهَا شامتي) (ويلاه من بدر دجّى ... ضلت بِهِ هدايتي) وشعره غالبه على هَذَا الأسلوب وَمَات في سنة 1146 سِتّ وَأَرْبَعين وَمِائَة وَألف الإِمَام المتَوَكل على الله الْقَاسِم بن الْحُسَيْن بن أَحْمد ابْن الْحسن ابْن الإِمَام الْقَاسِم بن مُحَمَّد ولد سنة ... وَنَشَأ منشأ آبَائِهِ الْأَمْثَال ومارس كثيراً من معارك الْقِتَال وَصَارَ مَعَ عَمه الإِمَام المهدي صَاحب الْمَوَاهِب من أعظم الرؤساء وَكَانَ يَبْعَثهُ في الْمُهِمَّات فيدفعها وَيقوم بحلّها وَتارَة كَانَ يعتقله لما يرى من ميل النَّاس إِلَيْهِ وعلو همته وترشيحه للخلافة وَاتفقَ فِي أَيَّام اعتقاله أَنه عرض للمهدي مُهِمّ عَظِيم لَا يقوم بِهِ إلا صَاحب التَّرْجَمَة فَأخْرجهُ من الْحَبْس وأرسله فى طَائِفَة من الجيوش ثمَّ نَدم على ذَلِك وَعرف أَنه قد أَخطَأ فَبعث إِلَيْهِ ليعود فَمَا أسعد وَمضى لذَلِك المهم فقضاه ثمَّ بعد ذَلِك رغب النَّاس إِلَيْهِ وَأَرَادُوا أَن يبايعوه فَامْتنعَ معتذراً بِأَنَّهُ لم يكن في الْعلم مُسْتَوْفيا للِاجْتِهَاد محيطاً بِمَا يحْتَاج إِلَيْهِ في الإصدار والإيراد بل أَمرهم بِأَن يبايعوا الْحُسَيْن بن الْقَاسِم ابْن الْمُؤَيد صَاحب شهارة وَكَانَ من مشاهير الْعلمَاء وَبَايَعَهُ صَاحب التَّرْجَمَة وتلقب بالمنصور بِاللَّه والحل وَالْعقد بيد صَاحب التَّرْجَمَة وَلَيْسَ للحسين إلا الاسم ثمَّ شرع في مناجزة المهدي فقاد إِلَيْهِ الجيوش وحاصره في الْمَوَاهِب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 وَكَانَ ابْتِدَاء ذَلِك فى سنة 1126 ثمَّ ان المهدي خلع نَفسه وَبَايع الْحُسَيْن بن الْقَاسِم ابْن الْمُؤَيد وَكَانَ ذَلِك بعد محاصرة عَظِيمَة وحروب شَدِيدَة ثمَّ كثر الِاضْطِرَاب من الْحُسَيْن بن الْقَاسِم فخلعه صَاحب التَّرْجَمَة وَمَال النَّاس إِلَيْهِ فَبَايعُوهُ في سنة 1128 فَامْتنعَ المهدي عَن ذَلِك متعللاً بِأَنَّهُ إنما خلع نَفسه بِشَرْط أَن يكون الْخَلِيفَة الْحُسَيْن بن الْقَاسِم لاصاحب التَّرْجَمَة فَأَعَادَ صَاحب التَّرْجَمَة الْحصار لَهُ وقاد إِلَيْهِ الجيوش فأذعن وَبَايع فِي سنة 1129 وَلم يخْتَلف بعد ذَلِك على المترجم لَهُ أحد من النَّاس وصفت لَهُ الْيمن وَثبتت قدمه وَكَانَ يسْتَقرّ غَالب الْأَيَّام بِصَنْعَاء وَيخرج فِي بعض الْأَوْقَات إِلَى حِدة فيستقر فِيهَا وَله بهَا دَار عَظِيمَة عمّرها ومسجداً بجنبها وَقد صَار الْجَمِيع حَال تَحْرِير هَذِه الأحرف خراباً وَكَانَ لَهُ من الشجَاعَة مالم يكن لغيره فَإِنَّهَا اتفقت مِنْهُ قضايا تدل على أَنه فِي قُوَّة الْقلب وثبات الْجنان بِمحل يقصر عَنهُ غَالب نوع الْإِنْسَان وَلَو لم يكن من ذَلِك الا ماوقع مِنْهُ من الْقَتْل لرئيس حاشد وبكيل الْمَعْرُوف بِابْن حُبَيْش فَإِنَّهُ قَتله فِي بَيته وَبَين قبيلته وَلَيْسَ مَعَه من يقوم بِحَرب بعض الْبَعْض من اتِّبَاع ابْن حُبَيْش ثمَّ تم ذَلِك الْأَمر وَسلمهُ الله وَصَارَت هَذِه الْقَضِيَّة تضرب بهَا الْأَمْثَال وَلَا سِيمَا فِي عصره وَمَا يقرب من عصره لاستعظامهم لمقدار ابْن حُبَيْش ولكثرة اتِّبَاعه وَلِصَاحِب التَّرْجَمَة من الْمحبَّة للْفُقَرَاء والإحسان إِلَيْهِم وإنفاق بيُوت الْأَمْوَال عَلَيْهِم مَالا يُمكن الْقيام بوصفه وَمَعَ هَذَا فَلهُ إِلَى آل الإِمَام من الْبر والبذل أَمر عَظِيم وَلم يرعوا لَهُ ذَلِك بل خَرجُوا عَلَيْهِ وفرّوا إِلَى بِلَاد الْقبْلَة وَاجْتمعَ مِنْهُم جمع كثير وَمن أعيانهم السَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن عبد الله بن الْحُسَيْن ابْن الإِمَام الْقَاسِم بن مُحَمَّد وَالسَّيِّد محسن بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 الْمُؤَيد وَجَمَاعَة كَثِيرَة وَكَانَ سَبَب ذَلِك أَن رجلاً يُقَال لَهُ الشجني كَانَ يلي بعض أَعمال صَاحب التَّرْجَمَة فَوَقع مِنْهُ إِلَى جناب جمَاعَة من أَعْيَان السَّادة مالم تجر لَهُم بِهِ عَادَة من التَّسْوِيَة بَين أَمْوَالهم وأموال سَائِر الرعايا وَمَعَ ذَلِك فَمَا فازوا بشئ وَلَا نالوا خيراً وَمَات السَّيِّد مُحَمَّد بن عبد الله فِي قَرْيَة يُقَال لَهَا هاوم وَهُوَ كَانَ كَبِيرهمْ الذي يرشحونه للخلافة فَتَفَرَّقُوا بعد ذَلِك وَكَانَ جَمِيع ذَلِك فِي سنة 1136 وَلِصَاحِب التَّرْجَمَة من المحاسن والحروب والفتكات مَالا يَتَّسِع لَهُ إلا سيرة مُسْتَقلَّة وَقد جمع لَهُ سيرة السَّيِّد محسن بن حسن بن أَحْمد بن الْقَاسِم بن مُحَمَّد وَكَانَ موت صَاحب التَّرْجَمَة فِي ثاني شهر رَمَضَان سنة 1139 تسع وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وَألف وَولى بعده وَلَده الإِمَام الْمَنْصُور بِاللَّه الْحُسَيْن بن الْقَاسِم حَسْبَمَا تقدّم فِي تَرْجَمته الْفَقِيه قَاسم بن سعد بن لطف الله الجبلى ولد تَقْرِيبًا فِي سنة الثَّمَانِينَ من الْمِائَة الثَّانِيَة عشر أَو قبلهَا بِقَلِيل أَو بعْدهَا بِقَلِيل وَقَرَأَ فى الْآلَات وَفقه الشَّافِعِيَّة ورحل إِلَى زبيد فَقَرَأَ على مشايخها وَقَرَأَ في علم الطِّبّ فَصَارَ طَبِيبا ماهراً وَقَرَأَ على فى أَوَائِل الْأُمَّهَات السِّت وأوائل المسندات وَمَا يلْتَحق بهَا وَقَرَأَ على فى شرح الْعُمْدَة لِابْنِ دَقِيق الْعِيد وَكَانَت قِرَاءَته عليّ فِي مَدِينَة ذي جبلة عِنْد قدومي إِلَيْهَا مَعَ مَوْلَانَا الإِمَام المتَوَكل على الله ولازمني مُلَازمَة تَامَّة وَهُوَ فايق الذكاء جيد الْفَهم حسن الْإِدْرَاك حسن المحاضرة لَهُ في الْأَدَب يَد حَسَنَة وَكَانَ سَمَاعه منى فِي سنة 1226 في ذي جبلة وفي ذِي السفال وأجزت لَهُ جَمِيع مروياتي ثمَّ سمع مني في صنعاء فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا وَصَارَ الْآن في صنعاء في الحضرة الإمامية وَهُوَ طَبِيب الْخلَافَة وَله معرفَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 تَامَّة بالفقه وَالْعلم والْحَدِيث وَعلم الْآلَة السَّيِّد الْقَاسِم بن عبد الرب بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الكوكباني ولد فِي ذي الْحجَّة سنة 1173 ثَلَاث وَسبعين وَمِائَة ألف بكوكبان وَنَشَأ بهَا فَقَرَأَ على السَّيِّد الْعَلامَة عِيسَى بن مُحَمَّد الْمُتَقَدّم ذكره وعَلى غَيره من أهل تِلْكَ الْجِهَة وتعانى النظم فجَاء مِنْهُ بِمَا هُوَ فِي الْغَايَة القصوى بِحَيْثُ سَارَتْ قصائده واشتهر نظمه وطارحه الأدباء من كثير من الْجِهَات وفَاق فِي هَذَا الشَّأْن وَقد ترْجم لَهُ ابْن عَمه السَّيِّد الْعَلامَة عبد الله بن عِيسَى بن مُحَمَّد الْمُتَقَدّم ذكره في الحدائق تَرْجَمَة حافلة وَمِمَّا أوردهُ لَهُ قَوْله في القَوْل بِالْمُوجبِ مَعَ التورية وأجاد (أفدي الذي قد قَالَ لي مرة ... وعاذلي يسمع من قرب) (مَا القَوْل بِالْمُوجبِ يَا سيدي ... قلت مناجاتك بِالْقَلْبِ) وَهُوَ الْآن بدر طالع بكوكبان قد حمل خافقة لِوَاء الْأَدَب وَسلم لَهُ السَّبق أَبنَاء هَذَا الشَّأْن فَلم يخْتَلف في تَقْدِيمه على أهل بَلَده اثْنَان وَله في الْعلم بَاعَ وساع واطلاع أى اطلَاع ثمَّ مَاتَ رَحمَه الله فَجْأَة في شهر محرم سنة 1216 سِتّ عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَألف قَاسم بن قطلوبغا زين الدَّين السودني الْمَعْرُوف بقاسم الحنفي ولد في الْمحرم سنة 802 اثْنَتَيْنِ وثمان مائَة بِالْقَاهِرَةِ وَمَات أَبوهُ وَهُوَ صَغِير فَنَشَأَ يَتِيما وَحفظ الْقُرْآن وكتباً عرض بَعْضهَا على الْعِزّ بن جمَاعَة ثمَّ أقبل على الاشتعال على جمَاعَة من عُلَمَاء عصره كالعلاء البخاري والشرف السبكي وَابْن الْهمام وَقَرَأَ فِي غَالب الْفُنُون وتصدر للتدريس والإفتاء قَدِيما وَأخذ عَنهُ الْفُضَلَاء فِي فنون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 كَثِيرَة وَصَارَ الْمشَار إِلَيْهِ في الْحَنَفِيَّة وَلم يخلف بعده مثله وَله مؤلفات مِنْهَا شرح منظومة ابْن الْجَزرِي في مجلدين وحاشية شرح الألفية للعراقي وَشرح النخبة لِابْنِ حجر وَخرج أَحَادِيث عوارف المعارف للسهروردى وَأَحَادِيث الاختيارشرح الْمُخْتَار فِي مجلدين وَكَذَلِكَ خرج أَحَادِيث البزدوي في أصُول الْفِقْه وَتَفْسِير أَبى اللَّيْث ومنهاج العابدين وَالْأَرْبَعِينَ فِي أصُول الدَّين وجواهر الْقُرْآن وبداية الْهِدَايَة والشفاء وإتحاف الْأَحْيَاء بِمَا فَاتَ من تَخْرِيج احاديث الْأَحْيَاء ومنية الألمعى بِمَا فَاتَ الزَّيْلَعِيّ وبغية الرائد فى تَخْرِيج أَحَادِيث شرح العقائد ونزهة الرايض في أَدِلَّة الْفَرَائِض ورتب مُسْند أَبى حنيفَة لِابْنِ المقري وَبَوَّبَ مُسْند أَبى حنيفَة أَيْضا للحارثي والأمالي على مُسْند أبي حنيفَة فِي مجلدين والموطأ بِرِوَايَة مُحَمَّد بن الْحسن ومسند عقبَة بن عَامر الصحابي وعوالي كل من أَبى اللَّيْث والطحاوي وَتَعْلِيق مُسْند الفردوس وأسئلة الْحَاكِم للدارقطنى وَمن روى عَن أَبِيه عَن جده في مُجَلد والاهتمام الكلي بإصلاح ثِقَات العجلي في مُجَلد وزوائد رجال كل من الْمُوَطَّأ ومسند الشافعى وَسنَن الدارقطنى على السِّتَّة والثقات مِمَّن لم يَقع فِي الْكتب السِّتَّة في أَربع مجلدات وتقويم اللِّسَان فِي الضُّعَفَاء فِي مجلدين وفضول اللِّسَان وحاشية على كل من المشتبه والتقريب لِابْنِ حجر والأجوبة على اعْتِرَاض ابْن أَبى شيبَة عَليّ أَبى حنيفَة في الحَدِيث وتبصرة النَّاقِد فى كبت الْحَاسِد في الدفع عَن أَبى حنيفَة وترصيع الْجَوْهَر النقي كتب مِنْهُ إِلَى أثْنَاء التَّيَمُّم وتلخيص سيرة مغلطاي وتلخيص دولة التّرْك وَكتاب ترْجم فِيهِ لمن صنف من الْحَنَفِيَّة وَسَماهُ تَاج التراجم وَكتاب ترْجم فِيهِ مَشَايِخ مشايخه ومشايخ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 شُيُوخ الْعَصْر ومعجم شُيُوخه وَشرح كتباً من كتب فقه الْحَنَفِيَّة كالقدوري والنقاية ومختصر الْمنَار ودرر الْبحار في الْمذَاهب الْأَرْبَعَة وأجوبة على اعتراضات الْعِزّ بن جمَاعَة على أصُول الْحَنَفِيَّة وتعليقة على الأندلسية في الْعرُوض ومختصر تَلْخِيص الْمِفْتَاح وَشرح منار النّظر فى الْمنطق لِابْنِ سيناء وَله مصنفات غير هَذِه وَقد برع في عدَّة فنون وَلم ينل مَا يَلِيق بجلاله من المناصب حَتَّى التدريس في الْأَمْكِنَة الَّتِى صَار يدرس بهَا من هُوَ دونه في جَمِيع الْأَوْصَاف وَله نظم كنظم الْعلمَاء فَمِنْهُ رادا على من قَالَ (إن كنت كَاذِبَة الذي حدثتني ... فَعَلَيْك إثم أَبى حنيفَة أَو زفر) (الواثبين على الْقيَاس تمرداً ... والراغبين عَن التَّمَسُّك بالأثر) فَقَالَ (كذب الذي نسب المآثم للذي ... قَاس الْمسَائِل بِالْكتاب وبالأثر) (إنّ الْكتاب وَسنة الْمُخْتَار قد ... دلا عَلَيْهِ فدع مقَالَة من فشر) وَتوفى في لَيْلَة الْخَمِيس رَابِع ربيع الآخر سنة 879 تسع وَسبعين وثمان مائَة 370 - الإِمَام الْأَعْظَم الْمَنْصُور بِاللَّه الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن على ابْن مُحَمَّد بن الرشيد قد تقدّم تَمام نسبه فِي تَرْجَمَة وَلَده الْحسن ولد لَيْلَة الِاثْنَيْنِ ثاني عشر شهر صفر سنة 967 سبع وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة ثمَّ اشْتغل بِطَلَب الْعلم على شُيُوخ ذَلِك الْعَصْر فبرع فِي الْفُنُون الشَّرْعِيَّة ومشايخه مَشْهُورُونَ مذكورون وأعيانهم قد اشْتَمَل على تراجمهم هَذَا الْكتاب وَله مصنفات الحديث: 370 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 جليلة نبيلة مِنْهَا في الحَدِيث كتاب الِاعْتِصَام جمع فِيهِ بَين كتب أَئِمَّة الْآل وَكتب الْمُحدثين من الْأُمَّهَات وَغَيرهَا وَرجح فى كل مسئلة مَا يَقْتَضِيهِ وَلكنهَا اخترمته الْمنية قبل تَمَامه فَإِنَّهُ لم يبلغ إِلَّا إِلَى كتاب الصيام وَكَانَ ذَلِك الْمِقْدَار في مُجَلد ضخم وَمِنْهَا فِي أصُول الدَّين الأساس في مُجَلد وَقد شَرحه جمَاعَة وَاعْتَرضهُ الكردي صَاحب الْحَرَمَيْنِ بِكِتَاب سَمَّاهُ النبراس وَأجَاب عَلَيْهِ العبدي بِكِتَاب سَمَّاهُ الاحتراس كَمَا تقدم في تَرْجَمته وَكَذَلِكَ أجَاب عَلَيْهِ السَّيِّد زيد بن مُحَمَّد بِكِتَاب وَلم يكمل حَسْبَمَا تقدم في تَرْجَمته وَله كتاب الإرشاد في كراريس ذكر فِيهِ فصولاً مفيدة نفيسة جَيِّدَة وَله رسائل ومسائل مَشْهُورَة مَعْرُوفَة وَلما فاق في الْعُلُوم وحقق منطوقها وَالْمَفْهُوم وَكَانَت الْيمن إِذْ ذَاك تشتعل من الدولة التركية اشتعالا لما جبلوا عَلَيْهِ من الْجور وَالْفساد الذي لَا تحتمله طباع أهل هَذِه الْبِلَاد دَعَا هَذَا الإِمَام النَّاس إِلَى مبايعته وَكَانَ ذَلِك في شهر محرم سنة 1006 سِتّ وَألف في جبل قارة بِالْقَافِ وَالرَّاء الْمُهْملَة فَلَمَّا ظَهرت دَعوته اشْتَدَّ طلب الأتراك لَهُ في كل مَكَان فَصَارَ يتنقل من مَكَان إِلَى مَكَان وَالْحَاصِل أَنَّهَا جرت لَهُ خطوب وحروب وكروب قد اشْتَمَل عَلَيْهَا كتاب سيرته وَكَانَ تَارَة ينتصر فَيفتح بعض الْبِلَاد اليمنية وَتارَة تتكاثر عَلَيْهِ جيوش الأتراك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 فيخرجونه عَنْهَا فَيذْهب هُوَ وَجَمَاعَة من خلص أَصْحَابه الَّذين يَأْخُذُونَ عَنهُ الْعلم إِلَى فلاة من الأرض بِحَيْثُ تَنْقَطِع أخبارهم عَن النَّاس وَلَا يَدْرُونَ أَيْن هم فتمضي أَيَّام على ذَلِك فَلَا يشْعر الأتراك إلا وَهُوَ فِي الْبِلَاد اليمنية قد استولى على مَوَاضِع وَمَا زَالَ هَكَذَا مَعَ إقدام وشجاعة وصبر لَا يقدر عَلَيْهِ غَيره حَتَّى أنه كَانَ في بعض الْأَوْقَات قد لَا يجد هُوَ وَمن مَعَه مَا يَأْكُلُون عِنْد اختفائهم فَيَأْكُلُونَ من نَبَات الأَرْض وَقد يكابد من الشدائد مَا يظن كل اُحْدُ أَنه لَا يعود بعد ذَلِك إِلَى مناجزرة الأتراك فبينماهم على يأس من رُجُوعه إذ هُوَ قد وثب على بعض الأقطار وَكَانَ آخر الْأَمر أَنه وَقع الصُّلْح بَينه وَبَين الأتراك على أَن تثبت يَده على مَا قد استولى عَلَيْهِ من الْبِلَاد وَهُوَ غَالب الْجبَال وَكَانَ الْأَمر كَذَلِك حَتَّى مَاتَ رَحمَه الله فَأخْرج الأتراك من جَمِيع الأقطار اليمنية أَوْلَاده وصفت لَهُم الديار اليمنية وَلم يبْق لَهُم فِيهَا مُنَازع وَصَارَت الدولة القاسمية في الديار اليمنية ثَابِتَة الأساس إِلَى عصرنا هَذَا وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَلِهَذَا الإِمَام كرامات قد اشْتَمَلت عَلَيْهَا المطولات وجهادات لَا يَتَّسِع لَهَا إلا مجلدات وإقدامات يحجم عَنْهَا الْأَبْطَال وَله في إنكار الْمُنْكَرَات قبل دَعوته يَد طولى فَمن ذَلِك مَا حَكَاهُ صَاحب نسمَة السحر قَالَ أخبرني شَيْخي الزَّاهِد الصُّوفِي الْحسن بن الْحُسَيْن حفيد صَاحب التَّرْجَمَة أنّ صوفياً بِصَنْعَاء كَانَ شَدِيد الخلاعة وَكَانَ يَأْكُل الْحَشِيش أكل الْحمار ويستبيح الْمُحرمَات عَامَّة فكمن لَهُ الإِمَام الْقَاسِم فِي بعض الْأَزِقَّة كمون الأفعوان حَتَّى إِذا مر ضربه بعمود فَأخْرج دماغه من بَين الآذان ثمَّ خرج من الْمَدِينَة خايفاً يترقب انْتهى وَكَانَ لَهُ قُوَّة عَظِيمَة وَهُوَ ربعَة معتدل الْقَامَة إِلَى السمن أقرب وَاسع الْجَبْهَة عَظِيم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 الْعنين أشم الْأنف طَوِيل اللِّحْيَة عظيمها عبل الذراعين أشعرهما فصيح الْعبارَة سريع الاستحضار للأدلة كثير الْحلم يصبر على المكاره ويتحمل العظائم وَلَا تفزعه القعاقع وَلَا تحركه إلا هول العظايم كَانَ يقدم على الجيوش الَّتِى هي أُلُوف مؤلفة وَهُوَ في نفر يسير وَلِهَذَا كَانَت لَهُ الْعَاقِبَة وقهر الْأَعْدَاء وأزال ملك الدولة الْعَظِيمَة ومهد لعقبة هَذِه الدولة الجليلة الَّتِى صَارَت من غرر الدهور ومحاسن العصور وَفِيهِمْ من هُوَ من أَئِمَّة الْعلم المصنفين وَمن أَئِمَّة الْجِهَاد المثاغرين وَمن الشُّعَرَاء المجيدين وَمن الْخُلَفَاء الرَّاشِدين وَمن الفرسان المعتبرين وَمن الشجعان الفائقين وَقد اشْتَمَل هَذَا الْكتاب على تراجم جمَاعَة من أعيانهم هم طراز هَذِه التراجم وتاجها وَله نظم في المواعظ والعلوم والزجر والتهديد فَمن ذَلِك (يَاذَا المريد لنَفسِهِ تثبيتاً ... ولدينه عِنْد الْإِلَه ثبوتا) (أسلك طَريقَة آل أَحْمد واسألن ... سفن النجا إن يسْأَلُوا ياقوتا) (لَا تعدلن بآل أَحْمد غَيرهم ... وَهل الْحَصَى يشاكل الياقوتا) وَله قصيدة يرد بهَا على السَّيِّد مُحَمَّد بن عبد الله ابْن الإِمَام شرف الدَّين مَشْهُورَة وَله إِلَى السَّيِّد عبد الله بن علي المؤيدي وَقت أن دَعَا إِلَى نَفسه ورام معارضته (إن كنت تبغي هدم دين مُحَمَّد ... فَأَنا المريد أقيمه بداعايم) (أَو كنت تخبط في غيابه بَاطِل ... فَأَنا المزيل ظلامها بعزائم) (لَوْلَا اشتغالي بالحروب وَأَهْلهَا ... لوجدت نَفسك لقْمَة للاقم) وَكَانَ وَفَاته لَيْلَة الثُّلَاثَاء الثانى عشر من ربيع الأول سنة 1029 تسع وَعشْرين وَألف بشهارة بعلة البرسام وَتَوَلَّى بعده الْخلَافَة وَلَده الإِمَام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 الْمُؤَيد بِاللَّه مُحَمَّد بن الْقَاسِم وسيأتي ذكره إن شَاءَ الله تَعَالَى الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن يُوسُف بن مُحَمَّد بن يُوسُف البرزالي علم الدَّين بن بهاء الدَّين الدمشقي الْحَافِظ ولد في جُمَادَى الأولى سنة 665 خمس وَسِتِّينَ وست مائَة وَأَجَازَ لَهُ ابْن عبد الدَّائِم وَابْن عَلان وَغَيرهمَا ثمَّ أمعن فِي الطلب وَدَار على الشُّيُوخ ورحل إِلَى حلب وبعلبك ومصر والحرمين وَغَيرهمَا وَأخذ عَن حفاظ هَذِه الْجِهَات وَخرج لنَفسِهِ أَرْبَعِينَ بلدية وَكَانَ ابْن تَيْمِية يَقُول نقد البرزالي نقرفى حجر وَولى تدريس الحَدِيث بمواضع وَألف تَارِيخا بَدَأَ فِيهِ من عَام مولده وهي السنة الَّتِى مَاتَ فِيهَا أبوشامة فَجعله ذيلاً على تَارِيخ أَبى شامة وَجمع لنَفسِهِ ثبتاً في بضع وَعشْرين مجلداً قَالَ الذهبي إنه كَانَ رَأْسا في صدق اللهجة وَالْأَمَانَة صَاحب سنة وَاتِّبَاع وَلُزُوم للفرائض وَأثْنى عَلَيْهِ كثيراً حَتَّى قَالَ وَهُوَ الذي حبّب إِلَى طلب الحَدِيث فَإِنَّهُ رأى خطي فَقَالَ خطك يشبه خط الْمُحدثين فاثّر قَوْله فيّ وَسمعت مِنْهُ وتخرجت بِهِ قَالَ الصفدي كَانَ يصحب الْخَصْمَيْنِ وكل مِنْهُمَا رَاض لصحبته واثق بِهِ حَتَّى كَانَ كل وَاحِد من ابْن تَيْمِية وَابْن الزملكاني يذيع سره في الآخر إِلَيْهِ وثوقاً بِهِ وسعى في صَلَاح ذَات بَينهمَا ومدحه الذهبي فَقَالَ (إن رمت تفتيش الخزائن كلهَا ... وَظُهُور أَجزَاء بَدَت وعوالي) (وتفوق أَشْيَاخ الْوُجُود ومارووا ... طالع أَو اسْمَع مُعْجم البرزالي) وَتوفى ذَاهِبًا إِلَى مَكَّة غَرِيبا في رَابِع ذي الْحجَّة سنة 739 تسع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 السَّيِّد الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن عبد الله الكبسنى ولد سنة 1121 إِحْدَى وَعشْرين وَمِائَة وَألف ثمَّ طلب الْعلم فَقَرَأَ على مَشَايِخ مَدِينَة صنعاء وبرع في الْعُلُوم ولاسيما علم الحَدِيث فَإِنَّهُ صَار فِيهِ إماماً كَبِيرا وَأخذ عَنهُ النَّاس في صنعاء طبقَة بعد طبقَة وانتفعوا بِهِ وَكَانَ يتَوَلَّى في بعض الْأَوْقَات فَتَوَلّى وقف ثلا وبقى هُنَالك أَيَّامًا وَعَاد إِلَى صنعاء وَاسْتمرّ على نشر الْعلم وَطَالَ عمره وَضعف عَن الْحَرَكَة في آخر عمره وَهُوَ شيخ شُيُوخنَا وَلَو سَمِعت مِنْهُ لَكَانَ ذَلِك مُمكنا وَله رسائل وأجوبة مفيدة مَوْجُودَة وَمَات سنة 1201 إحدى وَمِائَتَيْنِ وَألف السَّيِّد الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن صَلَاح الْمَعْرُوف بالأمير ابْن الْعَلامَة الْكَبِير الْبَدْر الآتي ذكره إن شَاءَ الله تَعَالَى مولده سنة سِتّ وَسِتِّينَ بعد الْمِائَة وَالْألف في سادس وَعشْرين شهر ربيع الأول مِنْهَا بِصَنْعَاء وَنَشَأ بهَا فَأخذ الْعلم عَن جمَاعَة من الْعلمَاء كأخيه السَّيِّد الْعَلامَة عبد الله بن مُحَمَّد والعلامة لطف الباري بن أَحْمد الْورْد والعلامة علي بن هادي عرهب ولازم الثَّالِث وَأخذ عَنهُ في فنون عدَّة وانتفع بِهِ انتفاعاً تَاما وَهُوَ الْآن مكب على الْأَخْذ عَنهُ وَقد اسْتَقر هُوَ وَشَيْخه الْمَذْكُور فِي الرَّوْضَة وَله ذهن دَقِيق وفكر عميق وَفهم صَحِيح وفطنة زَائِدَة وَقد برع فى عُلُوم الِاجْتِهَاد وَعمل بالأدلة وَله صَلَاح تَامّ وهدي حسن وَعبادَة وزهادة واشتغال بِخَاصَّة النَّفس ومحبة للخمول واستكثار من الطَّاعَة وَالْحَاصِل أَنه من حَسَنَات الزَّمن في جَمِيع خصاله وَهُوَ الْآن حي مكب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 على الِاشْتِغَال لَا برح فى حماية ذي الْجلَال الْقَاسِم بن يحيى الخولاني ثمَّ الصنعاني شَيخنَا الْعَلامَة الْأَكْبَر ولد في شهر رَمَضَان سنة 1162 اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَمِائَة وَألف وَنَشَأ بِصَنْعَاء فَأخذ عَن جمَاعَة من أكَابِر علمائها مِنْهُم الْعَلامَة أَحْمد بن صَالح بن أَبى الرِّجَال وَشَيخنَا الْعَلامَة السَّيِّد عبد الْقَادِر بن أَحْمد وَشَيخنَا الْعَلامَة الْحسن بن إِسْمَاعِيل المغربي والخطيب الْعَلامَة لطف الباري بن أَحْمد الْورْد وَغير هَؤُلَاءِ وبرع في جَمِيع الْعُلُوم وفَاق الأقران وانتفع بِهِ الطّلبَة في جَمِيع الْفُنُون وَأخذت عَنهُ في أَوَائِل الطلب ولازمته وانتفعت بِهِ فَقَرَأت عَلَيْهِ الكافية فِي النَّحْو وَشَرحهَا للسَّيِّد الْمُفْتى جَمِيعًا وَشَرحهَا للخبيصي جَمِيعًا وحواشيها وَشرح الرضى إِلَّا شيأ يَسِيرا من أواخره والشافية في الصّرْف وَشَرحهَا للشَّيْخ لطف الله جَمِيعًا والتهذيب للسعد فِي الْمنطق وَشَرحه للشيرازي جَمِيعًا وَشَرحه للبزدى جَمِيعًا وتلخيص الْمِفْتَاح وحاشيته للطف الله جَمِيعًا وفي الْأُصُول غَايَة السؤل وَشَرحهَا وحاشيتها إِلَّا فوتا يَسِيرا والرسالة العضدية فى آدَاب الْبَحْث وَشَرحهَا لملا حنفى وَمَا عَلَيْهَا من الحواشى وفى علم الِاصْطِلَاح النخبة لِابْنِ حجر وَشَرحهَا لَهُ جَمِيعًا وفي شُرُوح الحَدِيث بعض شرح الْعُمْدَة لِابْنِ دَقِيق الْعِيد ولعلى سَمِعت مِنْهُ غير مَا تقدم وَكَانَ رَحمَه الله يطارحني فِي الْبَحْث مطارحة المستفيد تواضعاً مِنْهُ ثمَّ ترافقنا في الطلب على شَيخنَا السَّيِّد الْعَلامَة عبد الْقَادِر بن أَحْمد وعَلى شَيخنَا الْعَلامَة الْحسن بن إِسْمَاعِيل المغربي وَجَرت بيني وَبَينه مباحثات في مسَائِل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 يشْتَمل عَلَيْهَا رسائل وَلم تَرَ عَيْنَايَ مثله فِي التَّوَاضُع وَعدم التلفت إِلَى مناصب الدُّنْيَا مَعَ قلَّة ذَات يَده وَكَثْرَة مكارمه وَله فِي الزّهْد طَريقَة لَا يلْحقهُ فِيهَا غَيره بِحَيْثُ كَانَ يكْتَفى بِمَا يحصل لَهُ من أُجْرَة تِلَاوَة الْقُرْآن وَمَا يحصل لَهُ من أُجْرَة مَا ينسخه بِخَطِّهِ الْحسن وَله من قُوَّة الْفَهم وَسُرْعَة الْإِدْرَاك وَحل الدقائق مَا يبهر من عرفه وَلَو طَال عمره وَأَقْبل عليّ التصنيف لجاء بالعجاب وَمَات رَحمَه الله فِي الْيَوْم الثاني من شهر شَوَّال سنة 1209 تسع وَمِائَتَيْنِ وَألف السُّلْطَان قانصوه سُلْطَان مصر كَانَ فى أَوَائِل الْأَمر أحد مماليك السُّلْطَان قايتباي وَكَانَ أميالا يعرف شيأ لِأَنَّهُ جلب من بِلَاده وَهُوَ كَبِير قد شرع فِيهِ الشيب وَصَارَ السُّلْطَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 قايتباي يرقيه لكَونه أَخا لزوجته وهي الَّتِى بذلت الْأَمْوَال للجند ومكنته من الخزائن حَتَّى ملكوه بعد السُّلْطَان قايتباي فاستمر سُلْطَانا سنة وَسَبْعَة أشهر ثمَّ خلعوه وَكَانَ قد تلقب بالأشرف وأخرجوه من المملكة سنة 905 وَولى بعده أميران وَلم يثبت قدمهما في السلطنة ثمَّ أجمع الأجناد على تَوْلِيَة السُّلْطَان قانصوه الغوري وَهُوَ غير الْمُتَقَدّم ذكره وَكَانَ من أَصْغَر الْأُمَرَاء وأحقرهم وَلَكِن الْأُمَرَاء الْكِبَار تحاموا الْأَقْدَام على السلطنة خوفًا من بَعضهم الْبَعْض فَوَلوا هَذَا فَقبل بعد أَن شَرط عَلَيْهِم أَنهم لَا يقتلونه إِذا أَرَادوا خلعه فقبلوا مِنْهُ ذَلِك فولي السلطنة في سنة 906 وَكَانَ عَظِيم الدهاء قوي التَّدْبِير فَثَبت قدمه في السلطنة ثباتاً عَظِيما وَمَا زَالَ يقتل أكَابِر الْأُمَرَاء حَتَّى أفناهم وصفت لَهُ المملكة وَلم يبْق لَهُ فِيهَا مُنَازع وَلكنه مَال إِلَى الظُّلم والعسف وانتهب أَمْوَال النَّاس وانقطعت بِسَبَبِهِ الْمَوَارِيث فَضَجَّ أهل مصر وَمن تَحت طَاعَته من أَخذه لأموالهم فَسلط الله عَلَيْهِ السُّلْطَان سليم سُلْطَان الروم فَإِنَّهُ غزاه إِلَى دياره وَوَقع بَينهمَا مصَاف فَقتل صَاحب التَّرْجَمَة تَحت سنابك الْخَيل وَاسْتولى السُّلْطَان سليم على مملكة مصر وَالشَّام وَصَارَت إِلَى أَوْلَاده من بعده إِلَى الْآن وَكَانَ ذَلِك في سنة 923 ثَلَاث وَعشْرين وَتِسْعمِائَة السُّلْطَان قايتباي الجركسي المحمودي الأشرفي ثمَّ الظَّاهِرِيّ ملك الديار المصرية ولد تَقْرِيبًا في بضع وَعشْرين وثمان مائَة وَقدم بِهِ تَاجر يُقَال لَهُ مَحْمُود إِلَى ديار مصر في سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثمان مائَة فَاشْتَرَاهُ الْأَشْرَف برسباى ثمَّ ملكه الظَّاهِر جقمق ثمَّ ترقى في الخدم حَتَّى صَار أَمِير عشرَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 ثمَّ أَمِير طبلخانة ثمَّ صَار أتابكاً ثمَّ صَار سُلْطَانا فى يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَالِث رَجَب سنة 872 وَثَبت قدمه فِي السلطنة وتمكنت هيبته وَصَارَ مُقبلا على أَفعَال الْخَيْر مقربا للْعُلَمَاء والصلحاء محبا للْفُقَرَاء كثير الْعدْل كثير الْعِبَادَة مائلاً إِلَى الْعلم كُلية الْميل عفيفاً عَن شهوات الْمُلُوك حَسَنَة من حَسَنَات الدَّهْر لم يكن لَهُ نَظِير في مُلُوك الجراكسة وَلَا فِيمَن قبلهم من مُلُوك الأتراك وَحج في أَيَّام سلطنته وَفعل من المحاسن مَا لم يَفْعَله غَيره وَأحسن إِلَى الْخَاص وَالْعَام وَله عمارات في كثير من أَنْوَاع القربات وَقد طول السخاوي تَرْجَمته في الضَّوْء اللامع وَذكر كثيراً من محاسنه الَّتِى لَا يهتدى إِلَيْهَا غَيره من الْمُلُوك وَلكنه كدر صفوها فَجعل التَّرْجَمَة من أَولهَا إِلَى آخرهَا سجعاً بَارِدًا جداً وَلم يفعل ذَلِك في تَرْجَمَة غَيره وَالسَّبَب أَنه كَانَ معاصراً لَهُ وَقد تَرْجمهُ قطب الدَّين الحنفي فِي الْأَعْلَام تَرْجَمَة جَيِّدَة وفى سنة 901 أَرَادَ أَن يعْزل جمَاعَة من الْأُمَرَاء ويولى آخَرين وَكَانَ مَرِيضا إِذْ ذَاك وَأنْفق بِهَذَا السَّبَب نَحْو سِتّمائَة ألف دِينَار وَاسْتمرّ تَارَة يزِيد وعكه وَتارَة ينقص وَلكنه يظْهر الْجلد إِلَى أَن عجز وَزَاد توعكه بِحَيْثُ حجب النَّاس عَنهُ وَالْخلاف بَين سَائِر عساكره متزايد وَأعظم أمرائه قانصوه أَخُوهُ زَوجته وَهُوَ الذي صَار سُلْطَانا بعده كَمَا تقدم وَمَات صَاحب التَّرْجَمَة يَوْم الْأَحَد سَابِع عشر ذي الْقعدَة سنة 901 وَاحِدَة وَتِسْعمِائَة قرأ يُوسُف بن مُحَمَّد التركماني كَانَ في أول أمره من التركمان الرحالة فتنقلت بِهِ الْأَحْوَال إِلَى أن استولى بعد تيمورلنك على عراق الْعَرَب والعجم ثمَّ ملك تبريز وبغداد وماردين وأذربيجان ودياربكر وَمَا والاها واتسعت مَمْلَكَته حَتَّى كَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 يركب في أَرْبَعِينَ ألف نفس ثمَّ ملك الْموصل سنة 791 ثمَّ وَقع بَينه وَبَين مرز بن بكر بن مرز بن تيمور حَرْب فَقتله صَاحب التَّرْجَمَة في سنة 813 واستمد بِملك الْعرَاق وسلطن ابْنه مُحَمَّد شاه بِبَغْدَاد وَله وقايع مَعَ جمَاعَة من الْمُلُوك مِنْهُم شاه رخ بن تيمور وَكَانَ شَدِيد الظُّلم قاسي الْقلب لَا يتَمَسَّك بدين واشتهر عَنهُ أَنه كَانَ تَحْتَهُ أَرْبَعُونَ امْرَأَة وَكَانَ شجاعاً سفاكاً للدماء حَتَّى أنه غزا إِلَى بعض الْبلدَانِ فدمر أَهلهَا قتلاً وسبياً وَبيع الصبى بِدِرْهَمَيْنِ وَمَات فِي ذى الْقعدَة سنة 823 ثَلَاث وَعشْرين وثمان مائَة قطب الدَّين بن عَلَاء الدَّين النهرواني ثمَّ المكي الحنفي الْعَالم الْكَبِير أحد المدرسين بِالْحرم الشريف في الْفِقْه وَالتَّفْسِير والأصلين وَسَائِر الْعُلُوم وَكَانَ يكْتب الْإِنْشَاء لأشراف مَكَّة وَله فصاحة عَظِيمَة يعرف ذَلِك من اطلع على مُؤَلفه الَّذِي سَمَّاهُ الْبَرْق اليماني فى الْفَتْح العثمانى وَهُوَ مؤلف الْإِعْلَام في أَخْبَار بَيت الله الْحَرَام وَكَانَ عَظِيم الجاه عِنْد الأتراك لَا يحج أحد من كبرائهم إلا وَهُوَ الذي يطوف بِهِ وَلَا يرتضون بِغَيْرِهِ وَكَانُوا يعطونه الْعَطاء الْوَاسِع وَكَانَ يشترى بِمَا يحصله مِنْهُم نفائس الْكتب ويبذلها لمن يحتاجها وَاجْتمعَ عِنْده مِنْهَا مالم يجْتَمع عِنْد غَيره وَكَانَ كثير التنزهات فِي الْبَسَاتِين وَكَثِيرًا مَا يخرج إِلَى الطَّائِف ويستصحب مَعَه جمَاعَة من الْعلمَاء والأدباء وَيقوم بكفاية الْجَمِيع وَمَات سنة 988 ثَمَان وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة هَكَذَا أرخ مَوته الضمدي في ذيل الغربال وَقَالَ العصامي في تَارِيخه أنه توفي في يَوْم السبت السَّادِس وَالْعِشْرين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 من ربيع الثاني سنة 990 تِسْعمائَة وَتِسْعين قَالَ وأرخ بَعضهم مَوته فَقَالَ قد مَاتَ قطب الدَّين أجل عُلَمَاء مَكَّة ثمَّ قَالَ وَهُوَ يزِيد على تَارِيخ مَوته بِوَاحِد حرف الْكَاف كتبغا المغلي المنصوري أسر من عَسْكَر هلاكو ملك التتار سنة 658 وَكَانَ أسمر قَصِيرا صَغِير الْوَجْه وتنقلت بِهِ الْأَحْوَال وَعظم في دولة الْملك الْمَنْصُور ثمَّ ازْدَادَ فى دولة الْأَشْرَف ثمَّ ولي النِّيَابَة فِي أَيَّام النَّاصِر وَغلب على أُمُور المملكة ثمَّ اسْتَقل بالسلطنة ولقب الْعَادِل وَذَلِكَ في حادي عشر الْمحرم سنة 694 وَتوجه إِلَى حمص ثمَّ توجه إِلَى مصر فَوَثَبَ عَلَيْهِ جمَاعَة من أمرائه وأسروه وسجنوه بقلعة صرخد ثمَّ لما عَاد النَّاصِر إِلَى السلطنة جعله نَائِبا بحماء وَكَانَ قَلِيل الشَّرّ يُؤثر أُمُور الدّيانَة شجاعاً مقداماً سليم الْبَاطِن عادلاً فِي الرعية وَوَقع في سلطنته غلاء عَظِيم بِمصْر إِلَى أَن بلغ سعر الأردب مائَة وَتِسْعين درهماً ثمَّ وَقع بِالْقَاهِرَةِ وباء عَظِيم حَتَّى مَاتَ فِي يَوْم وَاحِد مِمَّن ضبط ميراثهم في ديوَان بَيت المَال سَبْعَة آلَاف نفس فضلاً عَن غَيرهم فَفرق صَاحب التَّرْجَمَة الْفُقَرَاء على الْأُمَرَاء وَلَوْلَا أَنه فعل كَذَلِك مَاتُوا جَمِيعًا وَمَات فى يَوْم النَّحْر سنة 702 اثْنَتَيْنِ وَسَبْعمائة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 حرف اللَّام لطف الْبَارِي بن أَحْمد بن عبد الْقَادِر الْورْد الثلائى ثمَّ الصنعاني خطيب صنعاء وَاحِد مشاهير علمائها نَشأ بثلا وَأخذ الْعلم عَن جمَاعَة من أَهلهَا ثمَّ ارتحل إِلَى صنعاء وَأخذ عَن جمَاعَة من الْعلمَاء وَأكْثر من مُلَازمَة السَّيِّد الْعَلامَة الْقَاسِم بن مُحَمَّد الكبسي وَبِه انْتفع وَأخذ عَن القاضي الْعَلامَة أَحْمد بن مُحَمَّد قاطن وبرع في جَمِيع الْعُلُوم لَا سِيمَا علم الحَدِيث وَالتَّفْسِير فإنه فيهمَا من المبرزين وَبعد ارتحاله إِلَى صنعاء جعله الإِمَام المهدي الْعَبَّاس بن الْحسن خَطِيبًا بِجَامِع صنعاء فاستمر على ذَلِك حَتَّى مَاتَ الإِمَام المهدي ثمَّ اسْتمرّ فِي خلَافَة الإِمَام مَوْلَانَا خَليفَة الْعَصْر الْمَنْصُور بِاللَّه خفظه الله إِلَى أَن مَاتَ في يَوْم السبت سادس شعْبَان سنة 1211 إِحْدَى وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَألف فأقام مَوْلَانَا في الخطابة ابْن صَاحب التَّرْجَمَة الْعَلامَة الْخَطِيب المصقع أَحْمد بن لطف الْبَارِي كَمَا تقدم فِي تَرْجَمته وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة متفرداً فِي أُمُور مِنْهَا الْوَرع الشحيح والاشتغال بِخَاصَّة النَّفس والإقبال على الْعِبَادَة والاستكثار من الطَّاعَة وَحسن الْخلق والتواضع والبشاش والانجماع عَن النَّاس إِلَّا فِيمَا لَا بُد مِنْهُ وَحفظ اللِّسَان عَن الهفوات والكبوات لاسيما بِمَا فِيهِ تبعه كالغيبة والنميمة فَإِنَّهُ لَا يحفظ عَنهُ فى ذَلِك شئ بل لَا ينْطق لِسَانه إلا بِذكر الله والتذكير أَو بإملاء تَفْسِير كتاب الله وَأَحَادِيث رَسُول الله وَلَيْسَ لَهُ الْتِفَات إِلَى شَيْء من أَحْوَال بني الدُّنْيَا وَلم يكن لَهُ شغل بسوى أَعمال الْآخِرَة ولوعظه في الْقُلُوب وَقع ولكلامه في النُّفُوس تَأْثِير مَعَ فصاحة زايدة وَحسن سمت ورجاحة عقل وجمال هَيْئَة وَنور شيبَة وملاحة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 شكل وَكَمَال خلقَة وَالْحَاصِل أَنه من محَاسِن الدَّهْر وَلم يخلف بعده مثله في مَجْمُوعه وَله أتم عناية وأكمل رَغْبَة بِالْعَمَلِ بِمَا جَاءَت بِهِ السنة والمشي على نمط السلف الصَّالح وَعدم التَّقْلِيد بالرأي وَله في حسن التَّعْلِيم مَسْلَك حسن لَا يقدر عَلَيْهِ غَيره وَقد تخرج بِهِ جمَاعَة من أكَابِر الْعلمَاء كشيخنا الْعَلامَة الْقَاسِم بن يحيى الخولاني وَالسَّيِّد الْعَلامَة عبد الله بن مُحَمَّد الْأَمِير وَولده الْعَلامَة أَحْمد بن لطف الباري وَغير هَؤُلَاءِ من عُلَمَاء الْعَصْر وَأَنا سَمِعت مجَالِس تَفْسِيره الْقُرْآن ومواقف املائه للْحَدِيث وَلَكِن كَانَ ذَلِك حضوراً فَقَط وَكَانَ يبْذل نَفسه في قَضَاء حوائج من يَسْتَعِين بِهِ ويبالغ فِي ذَلِك وَلم يتْرك طَرِيقا من طرق الْخَيْر إلا سلكها وفَاق فِيهَا ووالد صَاحب التَّرْجَمَة كَانَ من أكَابِر الْعلمَاء أَخذ عَن جمَاعَة من أهل الْعلم مِنْهُم الْمُحدث الْكَبِير عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الحيمي الْمُتَقَدّم ذكره والمحقق الْعَلامَة صَالح بن مهدي المقبلي وَكَانَ يحيى اللَّيْل بدرس كتاب الله وَإِذا غَلبه النوم نَام مُتكئا قَلِيلا ثمَّ يعود للتلاوة وَحصل بِخَطِّهِ كتبا فِي عدَّة فنون وَكَانَ يخْطب بِمَدِينَة ثلا وَاسْتمرّ على ذَلِك حَتَّى توفاه الله تَعَالَى لطف الله بن أَحْمد بن لطف الله بن أَحْمد بن لطف الله بن أَحْمد جحاف الصنعاني المولد وَالدَّار والمنشأ ولد نصف شعْبَان سنة 1189 تسع وَثَمَانِينَ وَمِائَة وَألف وَأخذ الْعلم عَن جمَاعَة من عُلَمَاء الْعَصْر مِنْهُم شَيخنَا الْعَلامَة السَّيِّد علي بن إِبْرَاهِيم بن عَامر وَالسَّيِّد الْعَلامَة علي بن عبد الله الْجلَال وَشَيخنَا الْعَلامَة الْقَاسِم بن يحيى الخولاني وَالسَّيِّد الْعَلامَة إِبْرَاهِيم ابْن عبد الْقَادِر وَغير هَؤُلَاءِ من أَعْيَان الْعلمَاء ولازمني دهرا طَويلا فَقَرَأَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 علي فِي النَّحْو وَالصرْف والمنطق والمعاني وَالْبَيَان وَالْأُصُول والْحَدِيث وبرع في هَذِه المعارف كلهَا وَصَارَ من أَعْيَان عُلَمَاء الْعَصْر وَهُوَ في سن الشَّبَاب ودرس في فنون وصنف رسائل أفرد فِيهَا مسَائِل ونظم الشّعْر الْحسن وغالبه في أَعلَى طَبَقَات البلاغة وباحث كثيرا من عُلَمَاء الْعَصْر بمباحث مفيدة يكْتب فِيهَا مَا ظهر لَهُ ثمَّ يعرضهَا على مشايخه أَو بَعضهم ويعترض مَا فِيهِ اعْتِرَاض من الْأَجْوِبَة وَقد كتب إِلَى من ذَلِك بِكَثِير بِحَيْثُ لَو جمع هُوَ وَمَا أكتبه عَلَيْهِ من الجوابات لَكَانَ مجلدا وَلَعَلَّ غَالب ذَلِك مَحْفُوظ لَدَيْهِ وعندي مِنْهُ الْقَلِيل وَهُوَ قوي الْإِدْرَاك جيد الْفَهم حسن الْحِفْظ مليح الْعبارَة فصيح اللَّفْظ بليغ النظم والنثر ينظم القصيدة الطَّوِيلَة فِي أسْرع وَقت بِلَا تَعب وَيكْتب النثر الْحسن والسجع الْفَائِق بِلَا تروي وَلَا تفكر وَهُوَ طَوِيل النَّفس ممتع الحَدِيث كثير المحفوظات الأدبية لَا يتلعثم وَلَا يتَرَدَّد فِيمَا يسرده من الْقَصَص الحسان وَلَا يَنْقَطِع كَلَامه بل يخرج من الشئ إِلَى مَا يُشبههُ ثمَّ كَذَلِك حَتَّى ينقضي الْمجْلس وَإِن طَال وَله ملكة في المباحث الدقيقة مَعَ سَعَة صدر إِذا رام من يباحثه أَن يقطعهُ فِي بحث لم يَنْقَطِع بل يخرج من فن إِلَى فن وَإِذا لَاحَ لَهُ الصَّوَاب انْقَادَ لَهُ وَفِيه سَلامَة صدر زايدة بِحَيْثُ لَا يكَاد يحقد على من أغضبهُ وَلَا يتأثر لما يتأثر غَيره بِدُونِهِ وَهُوَ الْآن من محَاسِن الْعَصْر وَله إقبال على الطَّاعَة وتلاوة الْقُرْآن بِصَوْتِهِ المطرب وَفِيه محبَّة للحق لَا يبالي بِمَا كَانَ دَلِيله ضَعِيفا وَإِن قَالَ بِهِ من قَالَ ويتقيد بِالدَّلِيلِ الصَّحِيح وَإِن خَالفه من خَالف وَهُوَ الْآن يقْرَأ علي في صَحِيح البخاري وفي شرحي للمنتقى وَقد سمع مني غير هَذَا من مؤلفاتي وَغَيرهَا وَقد اخْتصَّ بالوزير الْعَلامَة الْحسن بن علي حَنش وَصَارَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 لَدَيْهِ بِمَنْزِلَة وَلَده لَا يُفَارِقهُ في غَالب الْأَوْقَات وتستمر المباحثة بَينهمَا في عدَّة فنون وَإِذا طَال بَينهمَا الْخلاف أشركاني فِي الْبَحْث وأرسلا إِلَى بِمَا تحصل من ذَلِك فَاكْتُبْ مَا يظْهر وأرجعه إِلَيْهِمَا وَلم يكن في طلبة الْعلم الْآن من لَهُ في الرَّغْبَة فى المذاكرة على الِاسْتِمْرَار مالصاحب التَّرْجَمَة وَقد طارحني بقصايد فرايد كتبتها فِي مَجْمُوع شعري وَمِمَّا لم أكتبه هُنَالك مَا كتبه إِلَى في الْأُسْبُوع الذي حررت فِيهِ هَذِه التراجم وَهُوَ قصيدتان القصيدة الأولى هَذِه (إِلَى مُنْتَهى السؤل الذي بحياته ... يقوم على سَاق المناضلة الْمجد) (إِلَى دولة الْعلم الذى حام حولهَا التقى ... وانثنى عَن سوحها الْكفْر والجحد) (إِلَى حَيْثُمَا قَامَ الفخار وحيثما استقام الْعلَا ... حَيْثُ انْتهى حَيْثُمَا يَبْدُو) (إِلَى حَيْثُمَا النَّقْع اسْتَدَارَ وحيثما البواتر ... حَيْثُ اشتدت الضمر الجرد) (إِلَى حَيْثُمَا خط العلافى صحايف ... المحاسن آثارا بهَا يزدْ هى العَبْد) (إِلَى مُنْتَهى أُمْنِية حَيْثُ تبتدى المنايا ... الَّتِى إن قَامَ ذُو غيلَة تعدو) (إِلَى رَوْضَة غنا إِلَى ربوة بهَا ... معِين بِهِ تربو الفوايد والرفد) (إِلَى بَحر علم عَن نداه تدفقت ... جداول تَحْقِيق بهَا استعذب الْورْد) (فَتى ماربى إِلَّا بِحجر التقى وَلَا ... نشا فَاضلا إلا وسيمته الزّهْد) (جرى في ميادين الْفَضَائِل ساحبا ... ذيول الرضى لمادهى غَيره الحقد) (وأرضعه ثدى الفصاحة من لبانه ... فَرَأى حَقًا على الْكبر المهد) (إِذا اقتطفت أثمار تَحْقِيق علمه ... أنامل فكري أسعف الْحل وَالْعقد) (وَإِن غردت في رَوْضَة الحكم نشوة ... بلابله هزت معاطفها الملد) (وَبَين يَدَيْهِ الشّعْر مد بصائغ القوافى ... وَمَا فِي طيها ربطة جرد) (وحاك لَهُ المنثور مَا بطرازه ... تبختر بشار وَقَالَ أَبى برد) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 (وَمَا اتجرت أقلامه غير معجز ... ينمق فى تَحْقِيقه الْجَوْهَر الْفَرد) (وَلما نشا فى النَّاس فذ أَتَيْته ... فصافح إذ وافيته بَيْننَا الود) (وشاهدت إنساناً بِخلق مُحَمَّد ... تخلق فاستيقنته أَنه الرشد) (وَحين استمالتني الليالي بحكمها ... رجعت وَقَامَ الشوق من طرب يعدو) (وناديت أى نفسى انتباها فَإِنَّمَا ... الليالى بِعُذْر للمنعم تَعْتَد) (وفى شَيخنَا الْبَدْر الْمُنِير مُحَمَّد ... لرفعة قدري أُسْوَة دونهَا الْقَصْد) (هُوَ الْبر وَالْبَحْر الذي علم صَدره ... يفِيض على الطلاب إن جزر الْمَدّ) (ومعتقدي في النَّاس أن وداده ... من الْقرب اللاتي ينَال بهَا الْحَمد) (إليك نظاما وجهته قريحة ... بمرهفها الْبيض السلاهب تنقد) فأجبت بِهَذِهِ الأبيات (أَتَى مِنْك يَا فَخر الأوان وزينة الزَّمَان ... نظام دونه الْجَوْهَر الْفَرد) (كَمَا الدر لَا بل كالدراري بل غَدا ... كبدر السما لَا بل هُوَ الشَّمْس إذ تبدو) (وماذا عَسى من لم يكن رب نصفةٍ ... يَقُول وَهل في مثل ذَا يحسن الْجحْد) (وَهل ضر شمس الْأُفق وهي منيرة ... إِذا ضعفت عَن نورها الْأَعْين الرمد) (وماذا على الْبَحْر الخضم لَدَى الورى ... إِذا بَال في إحدى جوانبه القرد) (وماعيب بَيْضَاء الترائب في الدنى ... إِذا عافها ذُو عفة مَاله جهد) (وَمن قَالَ هَذَا الشهد مر فَقل لَهُ ... مرَارَة فِيك المرمر بهَا الشهد) (وَإِن قَالَ هَذَا السَّيْف لَيْسَ بقاطع ... فَقل حَده مَا بَيْننَا الْفَصْل وَالْحَد) (مَنَاقِب لطف الله جلت فَمن غَدا ... يُرَدِّدهَا جهلا بهَا بَطل الرَّد) (فَتى قد رقى فِي مدرج الْعِزّ وارتدى ... بِثَوْب الْهدى وانقاد طَوْعًا لَهُ الْمجد) (وسؤدده في كل بَاب من العلى ... برغم أعاديه هوالسؤدد الْعد) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 وَهَذِه القصيدة الثَّانِيَة الْمشَار إِلَيْهَا سَابِقًا وَقد أَشَارَ فِي الْأَرْبَعَة الأبيات الَّتِى في آخرهَا إِلَى الْوَزير الْمُتَقَدّم ذكره وَكتب قبلهَا نثراً من نثره الذي يعرف بِهِ صدق مَا أسلفناه فَقَالَ الْحَمد لله بِرَفْع الْقَلَم إِلَى مسامع عَاقد ألوية الهمم سُلْطَان عُلَمَاء الْإِسْلَام من الْعَرَب والعجم كعبة الْفضل المرتفعة الْمقَام حَافظ الْعَصْر بالإطباق من أهل الْحل والإبرام من تَضَمَّنت بطُون الدفاتر محامده فَللَّه ذَلِك التضمن والالتزام وَجرى قلمه بروايع البدايع فأعيا من لَهُ بالنظم إلمام المحيي من ربوع الْمدَارِس كل مهند داثر دارس السَّابِق في حلبة ميدان الْفَضَائِل المرتدي برد التبجيل وشملة محَاسِن الشَّمَائِل رَيْحَانَة فضلاء الْيمن سلوة المتحلي بِعقد الْفَرَائِض وَالسّنَن سَلاما يعبق بِطيبَة نسمَة الصِّبَا وَيُعِيد لَفظه إِلَى الأجسان نشاط زمن الصِّبَا ثمَّ ذكر بعد هَذَا التصدير القصيدة وهي (لأغالبن الشوق فِيمَا أبرما ... ولاطفين من الجوى مَا أضرما) (ولأ شغلن الْقلب عِنْد تذكر الْبيض ... الحسان وَإِن أَبى وتأثما) (فَلَقَد سقاني اللَّهْو من خمر الْهوى ... قدحا وعدت إِلَى الْهدى مستعصما) (من بعد أَن قد كنت أنهى عَن مجانية ... السلاف وَلَا أطيع اللوما) (وأحرض الصاحي فَلَا اثم وَلَا ... جنف وأزجر بالخنا من حرما) (ثمَّ انثنيت وَقد قضيت مآربا ... ورجوت رَبًّا بِالرِّضَا أَن يختما) (وَإِلَى مقَام الْعِزّ قدت نجيبة ... فِي الدو دون هواي تحْتَمل الظما) (تجرى فتتبعها ريَاح ذَات اعصار ... فَلَا يلفى براكبه السما) (لم تدر مَا تسْعَى إِلَيْهِ وَإِنَّمَا ... رجل تخولها الرِّضَا والأنعما) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 (حَتَّى أظل الرحل مِنْهَا مقصد ... تجب الْحُقُوق بِهِ فتنسى المغرما) (ومليحة كشفت خمارا تَحْتَهُ ... قمر تقود بِهِ السوَاد الأعظما) (وأحالت اللبات عَن كافورتي ... نهد يشاكل في الْبيَاض المعصما) (ولوت على ذي عفة كلف بهَا ... جيدا تزان بِمثلِهِ الْبيض الدما) (ونأت مزارا واستطابت موردا ... من دونه الْورْد الدلهمس حمحما) (مرموزة بَيْضَاء يمْنَعهَا الحيا ... بكليم ذي شغف بهَا قد أكلما) (تدعى بسافرة الجبين نتيجة الْفِتَن ... المثيرة في الْمَكْر المقتما) (لَيست لمن بذل النفيسة كَفه ... بمجيبة حَتَّى يَذُوق العلقما) (لَو نازلت باللحظ أَشْرَس فتية ... لثنى الركاب أَصمّ سمع أبكما) (وعدت بوصل عميدها وَتَخَلَّفت ... فأذاع في الْمَلأ الْهوى متظلما) (وَأَبَان معذرة وَجَاء محجة ... وَإِلَى الَّتِى وعدته آب مكلما) (لَو كَانَ برد الْوَصْل أثر حرارة ... الْأَعْرَاض كَانَ علي أَن تتكتما) (وَيَقُول مثلي يضْرب الْأَمْثَال فِي ... أَمر يعود إِلَى الْمُعتقَة اللما) (لَا يَحسبن أَخا الْهوى يسلو وَإِن ... أصغى إِلَى عذاله متندما) (فالصب يستمع العذول وَقَلبه ... لمقال ذي عذل أبى أَن يفهما) (والمرء لَيْسَ لمن إِلَيْهِ أتى سوى ... الْأُذُنَيْنِ يلقف بِالْقبُولِ المؤلما) (ولرب ملفوظ يُقَال وَلَا مساغ ... لَهُ وقائله بحنث أقسما) (وَلَقَد أَقُول لَهَا وقلبي خافق ... وَجل بِهِ مَا يذهل المتوسما) (يامى هَل نفذت بجسم مثل بارقة ... الْعُيُون ظبا تشق الأعظما) (فَأجَاب ناظرها سَأَلت عَن الذي ... فِي الجو يسفع بازه والقشعما) (ويعفر الْأسد الهصور ويصفد السَّبع ... الغيور ويسترق الأعصما) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 (وَعَن الَّذِي بالكف ينبو مرة ... وبضربة أُخْرَى يعود مِثْلَمَا) (فَالْفرق مثل الْحَد بَينهمَا يُمَيّز ... بَين مشتبهين فِيمَا أبهما) (فَوَقَعت بعد الْعلم هَذَا جَاهِلا ... لَا تعلمن من الْيَمين الاشأما) (فثنت بحاجبها الْخطاب وَقد قضى ... بنباله لحشاي فِيمَا أسهما) (قَالَت أَبَا لصبر اتزرت فَقلت من ... شيمي التصبر مَا حييت مُسلما) (قَالَت فَفِيمَ ومم يجْرِي طافح ... من ماق جفنيك إِذا تدفق عِنْدَمَا) (فأجبت فِيك ومنك حِين نأيت عَن ... وَطن بك استدعى السلو فخيما) (قَالَت فَهَلا كنت مطرحا لما ... ألهاك عَن سنَن الْهِدَايَة مهرما) (قلت الغرام لَهُ يَد لَوْلَا مجاهرتي ... بِهِ بك مَا دعيت المغرما) (قَالَت فقد فرطت فاسمع طَائِعا ... إِن كنت ذارشد حَنِيفا مُسلما) (ماقد مضى فبحكم لولم تذنبوا ... فَارْجِع هديت إِلَى الرشاد ميمما) وازمم مطايا الاستفادة واقطع ... لأمتى مجدا جيلها والديلما) (وأرحل إِلَى من لَاحَ في عنق الْعلَا ... بَدْرًا وأغنى المستميح المعدما) (وَأنزل باعلاً ذرْوَة المنن الَّتِى ... فِيهَا معِين الْفضل يبري الأغتما) (تلقى ابْن بجدتها الْكَرِيم الْعَالم ... المفضال خير فَتى إِلَى الْعليا سما) (عز الْأَنَام الْمَاجِد الْبَدْر الذي ... تبع الأولى شهماً فَكَانَ الأقدما) (وَحمى حمى الشَّرْع الشريف وخاض في ... مالم يخضه الأقدمون فتمما) (حفظ الدقائق وَهُوَ يعلم أَنَّهَا ... لسواه من أقرانه لن تفهما) (وَلَو أنها اتضحت لذي رشد لما ... عرف الصَّوَاب بهَا وَلَا كشف العما) (أَتَرَى النسا ولدت نجيبياً مثله ... إن قلت قد ولدت كفرت المنعما) (وَركبت متن الذَّنب لَا متخوفا ... من شُؤْم فاقرة تضاهي المأثما) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 (وجنيت من شجر الأساند مَا وَمن ... حَيْثُ انبعاث الْكفْر حَيْثُ جهنما) (وَعدلت عَن سنَن الْهدى وكتبت في ... صحف الْكِرَام بِلَا ارتياب مجرما) (فَهُوَ الذي ظَفرت يَدَاهُ بطائل ... وأشاد ربعا قبل كَانَ تهدما) (وَهدى إِلَى سنَن التقى وَأفَاد واستقصى ... المباحث واستفاد وعلما) (وجلا ظلام دجى الجلاد بهيبة ... تدلى الرؤس على الصُّدُور ليحكما) (فيدين شرعا كل أصيد أغلب ... وينغص الْأسد الهصور المطعما) (ويجازم الإصدار رجح كِتَابه ... يجري على الْقدر النزيل من السما) (قلم بأبكار المعارف مولع ... وَبِمَا يحج الْخصم أضحى مغرما) (وَإِذا استمد لما يسوء ويتقي ... كسر القنى الخطى وفل المخذما) (وبيوم بَأْس لَو تنَاول كَفه ... سَيْفا لأمر مَا لخاض بِهِ الدما) (وبلفظ بدر لقبوه لِبَأْسِهِ ... بَدْرًا يجلي الْخطب إِن مَا أظلما) (فَهُوَ الذي لم تلق إلا دافعا ... يَوْم الكتيبة بِالْكتاب الصيلما) (وَلكُل منشٍ زلَّة ظَفرت بهَا ... الأعدا سواهُ وَلَا أحاشى أعلما) (خرس إِذا كتبُوا أثاروا فتْنَة ... وَإِذا كتبت جعلت طرسك طلسما) (وَالنَّاس مُخْتَلفُونَ إِلَّا أَنه ... يأتي اتِّفَاقهم ولادَة آدما) (وَالْفرق فى الآرا فَمن عان وَمن ... ذكر بِحسن الرأي أطفى المضرما) (سلابٌ من ناواه أسهم حربه ... غلاب من ماراه فِيمَا أبرما) (يجري على حق وَرب مفوقٍ ... جهلا لمهجته أراش الأسهما (وَالْحق أن يخفيه قَول مكذب ... فالسمت عَن سر الْفَتى قد ترجما) (وَلَعَلَّ ذَا حمق يَقُول مباهتا ... أغرقت في حسن الثنا متجشما) (وَكَأن مَا نظمت يداك تمجه ... الأسماع فامدح إن أردْت الأكرما) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 (فأجبت من يدعي بأكرم ضَاحِك ... وَمن الَّذِي يهدي بِهِ رب العما) (وَمن الذي الْأَعْلَام بَين يَدَيْهِ في ... أَمر كَبِيرهمْ جثى متعلما) (فَأجَاب بدر الدَّين لَكِن عاقه ... من بعد إنكار فسَاء اللوما) (فتكلفوا للحق حَتَّى قَالَ ... أرشدهم أرى مَا قلت دينا قيما) (وَلَو أَن في الدُّنْيَا أَخا رشد لما ... جهل الصَّوَاب وَقد انار مؤمما) (لاغال قدرك صرف دهر واهتدى ... لمرادك الزَّمن العصي فالزما) (وعَلى محياك التَّحِيَّات الَّتِى ... وَجَبت بلطف الله من باني السما) (وَلها مشفعة تَحِيَّة جهبذ ... مِمَّن إِلَيْهِ الْفضل فِي الْخلق أنتما) (حسن الفعال مَعَ اسْمه أزكى بني ... حَنش وَأهْدى من مَشى متلثما) (الْعَالم الْبر الْكَرِيم الْمَاجِد ... النّدب الْمُصدق في الورى إن كلما) (وَهُوَ الذي في راحتيه وَاصل بن ... عَطاء ادخر المحامد مغنما) (لَا زلتما بدري سَمَاء إفادة ... وعليكما صلى الْإِلَه وسلما) وَمن سهولة النظم عَلَيْهِ إني لما سَأَلته عَن مولده كتب إِلَى هَذَا الْبَيْت مُشْتَمِلًا على تَارِيخ السنة مَعَ ذكر الشَّهْر وَذكر اسْمه وَقَبله بَيت وهما (قد قلت للبدر الذي ... غذى الورى إفادته) (أرخ لطف الله في ... شعبانهم وِلَادَته) سنة 1189 وَله إِلَى قصائد فرائد مُشْتَمِلَة على فَوَائِد وَهُوَ الْآن مُسْتَمر على حَاله الْجَمِيل مكب على المعارف العلمية ووالده من أهل الْخَيْر وَالصَّلَاح وَالدّين المتين والاشتغال بِالْعبَادَة والإقبال على الْعَمَل بالأدلة مَعَ اطِّلَاعه على الْأَخْبَار والأشعار وَحسن محاضرته وجودة بادرته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 وفصاحة لِسَانه وَحسن فهمه وعقله وَحفظه الْكثير من الْأَحَادِيث ومذاكرته بهَا وَهُوَ يلازم مجَالِس تدريسي وَيقْرَأ علي في مثل البخاري وَغَيره ويحضر في غير ذَلِك حضورا وَيفهم ويتدبر ويستخرج بفكرته الصافية مَالا يَسْتَخْرِجهُ من هُوَ فَوْقه في الْعرْفَان وَله في علم الْمَوَاقِيت يَد طولى وَكَذَلِكَ فِي علم التَّارِيخ ويزاحم فِي حفظ أَحَادِيث الْأَحْكَام أكَابِر الْعلمَاء بل قد يحفظ مَالا يحفظون وَيفهم مَالا يفهمون وَهُوَ رجل سَاكن فَاضل منجمع يقتفي آثَار السلف ويهتدي بهديهم ويمشي على طريقتهم وَمَات رَحمَه الله في سنة 1223 ثَلَاث وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَألف وَولده صَاحب التَّرْجَمَة صَار الْآن مُتَّصِلا بمولانا المتَوَكل على الله احْمَد بن الْمَنْصُور وَله عِنْده حَظّ وافر وَلكنهَا لَا تزَال تقع مِنْهُ سعايات إِلَيْهِ بأخبار النَّاس وَمَا يَقُولُونَهُ وَاسْتعْمل ذَلِك حَتَّى في أصدقائه وَأكْثر السّعَايَة إِلَيْهِ بِمن هُوَ أَكثر النَّاس إحسانا إِلَيْهِ وَهُوَ الْعَلامَة الْحسن بن علي حَنش وقرابته ونالتهم بِسَبَبِهِ مصائب عَظِيمَة حَتَّى أخرجُوا من بُيُوتهم وَهَكَذَا أَكثر السّعَايَة بغيرهم مِمَّن لَهُ عَلَيْهِ جميل وإحسان وَأظْهر الترفع والتعاظم على من كَانَ فِي حكم خَادِم من خُدَّامه يتشرف بالوصول إِلَيْهِ والمجالسة لَهُ وكشف قناع الْحيَاء وَكَاشف بالمكروه من يقدر على مكاشفته وَأكْثر التحرش والسعاية في السِّرّ بِمن لَا يقدر على مكاشفته وَكَانَ يثب على الْوَصَايَا والأوقاف فَيَأْخُذ أَكْثَرهَا لنَفسِهِ وَيحرم الضُّعَفَاء من مصارفها ويصول عَلَيْهِم باتصاله بِالْإِمَامِ فَصَارَ اتِّصَاله بِهِ من أعظم مَا يعده النَّاس من مثالب الإِمَام المتَوَكل رَحمَه الله على كَثْرَة محاسنه ثمَّ صَار يتَكَلَّم في مسَائِل ويأتي فِيهَا بِمَا يضْحك مِنْهُ وَلَا مقصد لَهُ إلا بَان يُقَال أنه جَاءَ بِمَا لم يسْبق إِلَيْهِ مَعَ أَنه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 يعلم بِحَقِيقَة الْحَال كَمَا قدمنَا لَك في صدر هَذِه التَّرْجَمَة من عنايته بِالطَّلَبِ وَحسن فهمه وَصَارَ ذَلِك مِنْهُ سَببا للاستهزاء بِهِ والتضاحك مِنْهُ وَهُوَ مصمم على ذَلِك كَقَوْلِه ان المشمس نجس يغسل مِنْهُ مَا وَقع فِي الثَّوْب وَالْبدن وخرافات كَثِيرَة يطول بسطها وَكنت أنصحه فَلَا ينتصح وَرُبمَا يخْطر ببالي أَنه قد أُصِيب في عقله ولكني أنظر إِلَى شدَّة مكره وعظيم سعاياته في النَّاس ومحبة إنزاله للمكروه بالمحسنين إِلَيْهِ على مسالك دقيقة لَا يهتدي إِلَيْهَا إلا من عظم فكره وخبث خداعه مَعَ مكالبته على أَمْوَال الْوَصَايَا والأوقاف واحتجانه لما ظفر بِهِ مِنْهَا على أَي صفة كَانَ فَأَقُول لَيْسَ هَذَا صَنِيع من في عقله خلل بل صَنِيع من يحب أَن يتحدث النَّاس عَنهُ وَلَو مَا فِيهِ عَلَيْهِ مزِيد شناعة دع عَنْك هَذَا فالشأن كل الشَّأْن أَن الرجل صَار يتَكَلَّم فِي مَوَاقِف الإِمَام بمسائل فِيهَا الترخيص فِيمَا حرمه الله تحببا وتقربا بِحَيْثُ إن السَّامع إِذا سَمعه اقشعر جلده وَكَانَ يتَجَنَّب ذَلِك في حضوري كثيرا ويفعله إِذا غبت وَبِالْجُمْلَةِ فقد انمحى عَنهُ نور الْعلم وَلم يبْق عَلَيْهِ شئ من بهجته وَصَارَ يتَّصل بالظلمة من الوزراء وَيحسن لَهُم مَا هم فِيهِ وهم يحاسنونه لعلمهم بِمَا هُوَ فِيهِ من التَّجَسُّس للْأَخْبَار ورفعها إِلَى الإِمَام ثمَّ لما مَاتَ الإِمَام المتَوَكل رَحمَه الله اتَّصل بولده مَوْلَانَا الإِمَام المهدي وَلَكِن دون اتِّصَاله بِأَبِيهِ فَصَارَ يتَّصل بِمن هُوَ مَشْهُور بِالشَّرِّ من وزرائه فيمشي مَعَهم على طَرِيقَته ترخيصا وترويجا مَعَ عدم احتفالهم بِهِ واحتقارهم لَهُ لكنه إِذا جَاءَ بِمَا يُطَابق مَا هم فِيهِ من الظُّلم والنهب للأموال قَالُوا للْإِمَام وَغَيره قَالَ سيدنَا فلَان كَذَا فيجعلون ذَلِك ذَرِيعَة لما هُوَ فِي التَّحْرِيم من قطعيات الشَّرِيعَة وَمن فواقره أَنه فِي مواقفه يكثر الثَّنَاء على الْحجَّاج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 ابْن يُوسُف الثقفي الذي صَار أشهر أهل الْملَّة الإسلامية بالظلم ويصفه بالأوصاف المادحة المرغبة للسلوك في مسلكه وناهيك بِهَذَا وَكفى لَهُ وَلَا يستنكر المطلع على هَذِه التَّرْجَمَة مناقضة أَولهَا لآخرها فَإِن الرجل انْسَلَخَ عَمَّا كَانَ فِيهِ بالمرّة وتخلق بأخلاق يتحاشى عَن التخلق بهَا أهل الْجَهْل والسفه والوقاحة وَمَا ذكرت هَهُنَا إلا حَقًا كَمَا أَنى مَا ذكرت في أول التَّرْجَمَة إِلَّا حَقًا وَلَكِن اخْتلفت الْأَحْوَال فَاخْتلف الْمقَال وَبعد مضي قريب سنتَيْن من خلَافَة مَوْلَانَا الإِمَام المهدي أودعهُ الْحَبْس وتشفعت لَهُ فأطلق وأبعده من حَضرته فَالله يُصْلِحنَا ويصلحه لطف الله بن مُحَمَّد الغياث بن الشجاع بن الْكَمَال ابْن دَاوُد الظفيري اليماني الْعَلامَة الشهير الْمُحَقق الْكَبِير تَرْجمهُ صَاحب مطلع البدور وَلم يذكر لَهُ شُيُوخًا وَلَا مولدا وَلم أَقف أَنا على ذَلِك وَلَعَلَّه اسْتَفَادَ تِلْكَ المعارف المحققة فِي رحلته إِلَى مَكَّة واستقراره هُنَالك فَإِنَّهُ لم يكن بِالْيمن إذ ذَاك من يبلغ في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 تَحْقِيق علم الْمعَانى وَالْبَيَان وَالْأُصُول والنحو الصّرْف إِلَى دَرَجَته فضلا عَن أَن يكون شَيخا لَهُ وَقد تبحر في جَمِيع المعارف العلمية وصنف التصانيف المقبولة كشرح الشافية لِابْنِ الْحَاجِب فى الصّرْف فانه شرحها شرحا مُخْتَصرا نفيسا اشْتغل بِهِ الطّلبَة من عصره إِلَى الْآن وَقد لخص فِيهِ شرح الرضي على الشافية وَاعْتمد كثيرا على شرح الجاربردي وَمن مصنفاته المقبولة حَاشِيَته لشرح التَّلْخِيص الْمُخْتَصر للسعد فإنها حَاشِيَة مفيدة لخصها من حواشى الْمُخْتَصر كحاشية الخطائى والسمرقندى وَمن حواشى المطول كحاشية الشريف والشلبي والسمرقندي أَيْضا وَكَانَ يحرر مَا يحررونه من الاعتراضات على ألفاظ الشرحين ويجيب عَنْهَا بِمَا يجيبون ويبالغ في الِاخْتِصَار وَلَا يأتي بِكَلَام من لَدَيْهِ إلا فِي أندر الْحَالَات وأقلها وَله كتاب الإيجاز فِي الْمعَانى وَالْبَيَان لخصه من التَّلْخِيص للقزويني وَلكنه حذف مَا وَقع عَلَيْهِ الِاعْتِرَاض من شراحه وَأهل الحواشي وأبدله بِعِبَارَة لَا يرد عَلَيْهَا مَا أوردوه وَبَالغ في الِاخْتِصَار من دون إهمال لما تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجة مِمَّا في الأَصْل وَقد شَرحه وَلم أَقف على الشَّرْح ثمَّ وقفت عَلَيْهِ بعد أَيَّام وَهُوَ شرح مُخْتَصر مُفِيد ثمَّ شَرحه السَّيِّد الْعَلامَة زيد بن مُحَمَّد بن الْحسن بن الْقَاسِم كَمَا تقدم في تَرْجَمته شرحا نفيسا جدا وَاعْتمد فِيهِ على حَاشِيَة صَاحب التَّرْجَمَة الْمُتَقَدّم ذكرهَا وَله شرح على الْفُصُول اللؤلؤية لِابْنِ الْوَزير وَلم يكمل وَله مُخْتَصر فِي الْفِقْه لخص فِيهِ مَا في الأزهار للْإِمَام المهدي وَحذف بعضه وَزَاد فِيهِ قيودا مفيدة وَله في الطِّبّ يَد قَوِيَّة وَكَذَلِكَ في مثل علم الجفر والزيجات ويروى أَن صَاحب التَّرْجَمَة كَانَ كثير الْإِنْكَار على مَا يَسْتَعْمِلهُ أهل مَكَّة من اللَّهْو فَوَقع مَعَه مرض من نوع السكتة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 أثر مَعَه تغيرا فِي حواسه فَقَالَ بعض الْأَطِبَّاء إن السماع من أدويته فعرفوه بِأَن صَاحب التَّرْجَمَة يكره ذَلِك وينكره فَقَالَ لَا بُد من ذَلِك فَفَعَلُوا فَتحَرك لذَلِك وَصَحَّ من مَرضه وَرجع إِلَيْهِ حواسه فَأمر من صَار يعْمل السماع عِنْده بِالسُّكُوتِ وَله تلامذة نبلاء مِنْهُم الْمُحَقق الْكَبِير الْحُسَيْن ابْن الإِمَام الْقَاسِم وَتوفى رَحمَه الله في وَطنه ظفير حجَّة في رَجَب سنة 1035 خمس وَثَلَاثِينَ وَألف وَقد التمس مِنْهُ الشريف جَعْفَر صَاحب مَكَّة أن يصنف كتابا في الْفِقْه والفرايض وَكتب إِلَيْهِ فى ذَلِك نظما فَقَالَ (أياشيخ لطف الله أَنى لقَائِل ... بِلَا شك من سماك فَهُوَ مُصِيب) (وإني رَأَيْت اللطف مِنْك سجية ... وَللَّه في كل الْأُمُور حبيب) (سَأَلتك سفرا نستعين بِهِ على ... عبَادَة ربي لَا بَرحت تجيب) (فتوضح لي يَا شَيخنَا مَا أقوله ... فَأَنت لداء الْجَاهِلين طَبِيب) (وَأَنت لنا في الدَّين عون وقدوة ... بقيت على مر الزَّمَان تصيب) فنظم لَهُ الشَّيْخ أرجوزة في الْفَرَائِض وَجمع لَهُ مُخْتَصرا في الْفِقْه يخْتَص بالعبادات وَأجَاب على النّظم بقوله (أمولاي يامن فاق مجدا وسؤددا ... ومان ان لَهُ في الْخَافِقين ضريب) (أتاني عقد يخجل الدر نظمه ... ويعجز عَنهُ أَحْمد وحبِيب) (معَان وألفاظ زكتْ وتناسقت ... فَكل لكل في الْبَيَان نسيب) (وَمَا كَانَ قدري يَقْتَضِي أَن أُجِيبهُ ... ومثلي لذاك السمط لَيْسَ يُجيب) (وقلتم بِأَن اسمي يُشِير بِأَن لي ... نَصِيبا وكلا لَيْسَ فِيهِ نصيب) (أتحسب مَا أعطيت من لطف سيمة ... تقصر عَنْهَا شمال وجنوب) (تعدى إِلَى مثلي وأني وَكَيف ذَا ... وإني عَن أدنى الْكَمَال سليب) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 (وَلَكِن حويت اللطف أَنْت جَمِيعه ... فَقلت على ذَا الْبَأْس أَنْت عَجِيب) (وأمركم مَاض وحظى قبولكم ... وإني على قدر الْقُصُور مُجيب) حرف الْمِيم السَّيِّد محسن ابْن المتَوَكل على الله إِسْمَاعِيل ابْن الإِمَام الْقَاسِم بن مُحَمَّد ولد سنة 1070 سبعين وَألف أَو في السنة الَّتِى بعْدهَا وَكَانَ مولده بالسودة وَبهَا نَشأ وَكَانَ مَعَ أَخِيه يُوسُف أَيَّام خُرُوجه على المهدي صَاحب الْمَوَاهِب ودعوته إِلَى نَفسه وظفر بِهِ المهدي فسجنه ثمَّ أفرج عَنهُ فَعَاد إِلَى السودة وكابد فِي تِلْكَ الْمدَّة شدَّة ثمَّ عطف عَلَيْهِ المهدي فولاه أوقاف صنعاء وَكَانَ مَشْهُورا بالفروسية والشجاعة وعلو الهمة وَمَعْرِفَة الْأَدَب وَالْبُلُوغ إِلَى أعالي الرتب فَمن نظمه (شرى الْبَرْق فَوق اللوا واستطارا ... وأورى بقلبي الْمَعْنى أوارا) (وساجلني بِلِسَان الوميض ... فأبكى سرارا ويبكي جهارا) (وباتت جفوني تريه البكا ... وَبَات سناه يريني افترارا) (فيا برق لَا تسق إلا العقيق ... وَذَاكَ الجناب وَتلك الديارا) (وتوج ذراها بذر الْغَمَام ... وكلل بِهِ رشدها والبهارا) (وَبلغ تَحِيَّة عانى الْفُؤَاد ... لَا يعرف النّوم الإغرارا) (وَعرض بذكرى وَقل مغرم ... سرى في سَبِيل الْهوى ثمَّ حارا) وَمن شعره فِي المديح (مَا زلت أضْرب آباط الْمطِي إِلَى ... ملك أعز يزين التَّاج مفرقه) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 (من معشر كرموا فرعا وأوشجة ... أكرم بِهِ أصل فرع طَابَ معرقه) (تهتز من ذكرهم أَعْوَاد منبرهم ... كَمَا ترنح تَحت الطير مورقه) (إِذا ترسل اهدى الطير مَنْطِقه ... اوارسل الْجَيْش سد الْأُفق فيلقه) (حكى الصَّفَا قلبه بَأْسا غداه حكى ... مِنْهُ قُلُوب الكماة الصَّيْد سنجقه) (كالبرق حاشاه من نَار الوميض لقد ... ضاهى جدي كَفه لَوْلَا تألقه) وَمِنْه (يرديد الجاني إِلَى فِيهِ منطقي ... وأحلم عَنهُ تَارَة لَا أُجِيبهُ) (أَبى قادها شعث النواصي وذادها ... عَن السرج سرج الْملك لَا تستريبه) (وماالشعر هَذَا من شعاري وَإِنَّمَا ... أجرب فكري كَيفَ يجري نجيبه) (فانظم في جيد الزَّمَان قلائداً ... من اللُّؤْلُؤ الْمكنون في رطيبه) (تقلده الْبيض الغواني مخانقا ... ويصبو شباب الحي مِنْهُ وشيبه) وَمن نظمه الْفَائِق (ورشيقه الأعطاف مَا سمحت ... يَوْمًا بِغَيْر رواشق النبل) (هيفا بأرقم شعرهَا رقمت ... فى الرمل مَا املالها نملى) وَله فى التَّشْبِيه (كَأَن الزنبق المخضل ... فِي افنانه المخضر) (أنامل غادة حملت ... بهَا كأسا من الْخمر) (ونرجسنا الأنيق حكى ... عَشِيَّة بل بالقطر) (صحافا من لجين ... وَسطهَا لمع من التبر) (وَأما الْورْد فى تشبيهه ... قد حرت في أمري) (فَأكْثر مَا أمثله ... بخد الكاعب الْبكر) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 وَمَات بِصَنْعَاء سنة 1124 أَربع وَعشْرين وَمِائَة وَألف أَو في الَّتِى بعْدهَا وَهُوَ أَصْغَر أَوْلَاد الإِمَام المتَوَكل على الله رَحمَه الله السَّيِّد محسن بن إِسْمَاعِيل الشامي أحد عُلَمَاء صنعاء الْمَشَاهِير وَشَيخ مَشَايِخنَا قَرَأَ على السَّيِّد الْعَلامَة أَحْمد بن إسحاق بن إِبْرَاهِيم وعَلى القاضي الْعَلامَة أَحْمد بن مُحَمَّد قاطن وعَلى غَيرهمَا من عُلَمَاء عصره وبرع في النَّحْو وَالصرْف والمنطق والمعاني وَالْبَيَان وَالْأُصُول وشارك فِيمَا عدا ذَلِك وَكَانَ مَشْهُورا بِقُوَّة الْفَهم وَسُرْعَة الْإِدْرَاك حَتَّى قَالَ شَيْخه القاضي أَحْمد الْمَذْكُور أنه لَيْسَ لَهُ نَظِير في الْفَهم والغوص على الْمعَانى الدقيقة واتصل بِالْإِمَامِ المهدي الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن بعد موت وزيره الْفَقِيه أَحْمد بن علي النهمي فَأَرَادَ ترشيحه للوزارة وَلكنه لم يتم ذَلِك وَقد اتَّصل بِهِ كاتصال الوزراء أَيَّامًا يسيرَة ثمَّ صرفه لأسباب اقْتَضَت ذَلِك وَمن جملَة تلامذته شَيخنَا الْعَلامَة الْحسن بن إِسْمَاعِيل المغربي وَالسَّيِّد الْعَلامَة عبد الله بن مُحَمَّد الْأَمِير وَمَات في يَوْم الْجُمُعَة أحد أَيَّام شهر شعْبَان سنة 1194 أَربع وَتِسْعين وَمِائَة وَألف السَّيِّد محسن بن الْحسن بن الْقَاسِم بن أَحْمد ابْن الإِمَام الْقَاسِم بن مُحَمَّد ولد يَوْم الْخَمِيس الثَّالِث من ذي الْحجَّة سنة 1103 ثَلَاث وَمِائَة وَألف وَنَشَأ بالروضة وَصَنْعَاء وَقَرَأَ فِي عُلُوم الْأَدَب قَلِيلا ثمَّ قَالَ الشّعْر ومدح الأكابر واتصل بالوزير الْكَبِير علي بن أَحْمد رَاجِح وَزِير الإِمَام الْمَنْصُور بِاللَّه الْحُسَيْن بن الْقَاسِم وبأخيه الْوَزير محسن بن أَحْمد رَاجِح ومدحهما وَبَالغ فِي ذَلِك وصنف لَهما مصنفات يطرزها بمدحهما واستكثر من ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 وَبعد مَوْتهمَا اتَّصل بالفقيه إِسْمَاعِيل النهمي وَكَانَ مُتَوَلِّيًا لصنعاء وَعند إن تولى بندر المخا عزم مَعَه إِلَى هُنَالك وَكَانَ لَهُ مَعَه قصَص يطول حَدِيثهَا مُشْتَمِلَة على مجون ومزح وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة متطلعاً على أَحْوَال أهل عصره وأخبارهم وَبَينه وَبَين جمَاعَة من أكابرهم مشاعرات وَجمع كتابا سَمَّاهُ ذوب الذَّهَب بمحاسن من بعصره من أهل الْأَدَب وَجمع سيرة للْإِمَام الْمَنْصُور بِاللَّه الْحُسَيْن بن الْقَاسِم وهي فِي الْحَقِيقَة سيرة للوزيرين السَّابِقين وَلَهُمَا جمعهَا وَله مؤلفات مسجوعة وَكَانَ فِيهِ بلاغة في الْجُمْلَة وَلكنه لم يكن ماهرا في الْعُلُوم الأدبية فَكَانَ يأتي في اسجاعه تَارَة ملحون وَتارَة يأتي باللغة العامية وشعره فِيهِ مَا هُوَ جيد وَقد اشْتَمَلت مصنفاته على كثير مِنْهُ وَمِنْه مَا قَالَ فى الْوَزير على رَاجِح مقتديا بِمَا قَالَه الْقَائِل فِي ابْن عباد (ورثت الوزارة كَابِرًا عَن كَابر ... مَوْصُولَة الْإِسْنَاد بِالْإِسْنَادِ) (يرْوى عَن الْعَبَّاس عباد وزارته ... وَإِسْمَاعِيل عَن عباد) فَقَالَ صَاحب التَّرْجَمَة (لقد ورث الوزارة عَن سعيد ... علي بعد أَحْمد خير مانح) (بتلقين وَإسْنَاد صَحِيح ... تسلسل عَن سعيد ثمَّ رَاجِح) وَمن شعره في مدحه (مالى وللبين أصلي مهجتي لهبا ... وزادني مَعَ هيامي في الْهوى وصبا) (وهيج الشوق برق الْغَوْر حِين شرى ... فَبَاعَ جفني الْكرَى مسترخصا وصبا) وَمِنْهَا (قلب يذوب وأكباد مفتة ... وأعين دمعها مازال منسكبا) (كَأَنَّهُ وابل جاد الْوَزير بِهِ ... من أنمل للعطايا تمطر الذهبا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 وَمَوْت صَاحب التَّرْجَمَة في أَيَّام الإِمَام المهدي الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن وَلَا يحضرني تَعْيِينه السَّيِّد محسن بن عبد الْكَرِيم بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن إسحاق بن المهدي احْمَد بن الْحسن ابْن الإِمَام الْقَاسِم بن مُحَمَّد ولد سنة 1191 إِحْدَى وَتِسْعين وَمِائَة وَألف وَنَشَأ نشأة لم يكن لغيره من أَبنَاء عصره فَإِنَّهُ قَالَ الشّعْر الْحسن وَهُوَ في الْمكتب وَلم يكن إِذْ ذَاك قد اشْتغل بِالطَّلَبِ ثمَّ قَرَأَ على جمَاعَة من عُلَمَاء الْعَصْر مِنْهُم السَّيِّد الْعَلامَة إِبْرَاهِيم بن عبد الْقَادِر والقاضي الْعَلامَة الْحُسَيْن بن أَحْمد السياغي وَغَيرهمَا وَقَرَأَ علي فِي شرح الرضي على الكافية وفي مغنى اللبيب وفي الْكَشَّاف وحواشيه وَله ذهن شرِيف وطبع ظريف وَفهم فائق وعقل تَامّ وأدب غض وَله قصائد قد طارح بهَا أكَابِر الْعلمَاء وأفاضل الأدباء وَهُوَ إِذْ ذَاك في سن الْبلُوغ وَهُوَ الْآن في سن الشَّبَاب وَقد صَار معدودا في الْعلمَاء ومذكورا بَين أَعْيَان الشُّعَرَاء من أهل صنعاء وَلم يكن لَدَى الْآن من شعره مَا أكتبه هَهُنَا وَبلغ أَنه صَار ينظم مغني اللبيب نظما حسنا ويشرح ذَلِك النظم شرحا مُفِيدا وَلم أَقف على ذَلِك وَاتفقَ فِي سِنِين قديمَة أني خرجت أَنا وَجَمَاعَة من شيوخي مِنْهُم شَيخنَا الْعَلامَة السَّيِّد عبد الْقَادِر بن أَحْمد وَشَيخنَا الْعَلامَة الْحسن بن إِسْمَاعِيل المغربي وَجَمَاعَة من عُلَمَاء الزَّمن وأعيان صنعاء الْيمن وَفِيهِمْ وَالِد صَاحب التَّرْجَمَة وَعَمه وفي الْجَمَاعَة صبيان في نَحْو الْعشْر السنين وَأَقل وَأكْثر وَمِنْهُم صَاحب التَّرْجَمَة فَكَانَ الصبيان يَلْعَبُونَ ويشتغلون بِمَا يشْتَغل بِهِ أمثالهم وَالْمَذْكُور يصغي إِلَى مَا يَدُور بَين أُولَئِكَ الْأَعْلَام من المراجعات العلمية والمطارحات الأدبية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 وَلَا يلْتَفت على شئ مِمَّا الصغار فِيهِ فعجبت من حَاله وأشرت إِلَى جمَاعَة من الْعلمَاء ينظرُونَ إِلَيْهِ فَأخْبرنَا وَالِده إِذْ ذَاك بِأَن صَاحب التَّرْجَمَة قد صَار لَهُ شعر فى تِلْكَ السن كثير من الملحون الذي يُسَمِّيه أهل الْيمن الحميني وروى لَهُ شعرا من غَيره فَعجب من ذَلِك جَمِيع أُولَئِكَ الْأَعْلَام وَأَقْبلُوا عَلَيْهِ وامتدت أَعْنَاقهم إِلَيْهِ فَلم تمر إلا أَيَّام قَلَائِل بعد ذَلِك حَتَّى ظهر لَهُ النظم الْجيد الْفَائِق ومازال يَنْمُو نمو الْهلَال حَتَّى بلغ أَعلَى مَرَاتِب الْكَمَال مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن ساعد السنجاري الأَصْل المصري الْمَعْرُوف بِابْن الأكفاني ولد بسنجار وَطلب الْعلم ففاق الأقران في عدَّة فنون وأتقن الرياضي وَالْحكمَة وصنف فيهمَا التصانيف الْكَثِيرَة وَكَانَ يحل إقليدس بِلَا كلفة كَأَنَّهُ ممثل بَين عَيْنَيْهِ وَيقدم إِلَى معرفَة الطِّبّ فَكَانَ يُصِيب حَتَّى يتعجب الحذاق في الْفَنّ مِنْهُ فَإِنَّهُ يأتي بالدواء إِلَى الْمَرِيض فبمجرد مَا يتَنَاوَلهُ يبرأ وَكَانَ مستحضراً للتاريخ وأخبار النَّاس حَافِظًا للأشعار عَارِفًا بفنون الْأَدَب وَله فِيهِ تصانيف قَالَ ابْن سيد النَّاس مَا رَأَيْت من يعبر عَمَّا فِي ضَمِيره بأوجز من عِبَارَته وَلم أر أمتع مِنْهُ وَلَا أفكه من محاضراته وَكَانَ يحفظ من الرقى والعزائم شَيْئا كثيراً لَا يُشَارِكهُ فِيهِ أحد وَله الْيَد الطُّولى فِي الروحانيات وَمهر أَيْضا فِي معرفَة الْجَوَاهِر والعقاقير حَتَّى ألزم السُّلْطَان النَّاظر لَا يشتري أحد شَيْئا إلا بعد عرضه عَلَيْهِ وَمن تصانيفه إرشاد القاصد إِلَى أَسْنَى الْمَقَاصِد عِنْد غيبَة الطَّبِيب وَكَانَ كثيرالتجمل فى ملبسه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 ومركبه وَمَات في الطَّاعُون الْعَام سنة 749 تسع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وَهُوَ الْقَائِل (وَلَقَد عجبت لعاكس للكيميا ... فِي حكمه قد جَاءَ بالشنعاء) (يلقى على الْعين النحاس يحيلها ... في لمحة كالفضة الْبَيْضَاء) مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن على بن مُحَمَّد ابْن أَبى السُّعُود مُحَمَّد بن حُسَيْن بن علي بن أَحْمد بن عَطِيَّة بن ظهيرة ولد لَيْلَة الثُّلَاثَاء ثامن وَعشْرين ذي الْحجَّة سنة 859 تسع وَخمسين وثمان مائَة وَحفظ الْأَرْبَعين النووية والمنهاج وألفية الحَدِيث وألفية النَّحْو ومختصر ابْن الْحَاجِب وَالتَّلْخِيص والطوالع وَبَعض الشاطبية وَعرض في سنة 872 على عُلَمَاء بَلَده وَقَرَأَ على وَالِده كتبا كَثِيرَة فِي فنون مُتعَدِّدَة وعَلى عَمه كَذَلِك وعَلى جمَاعَة آخَرين وَأَجَازَ لَهُ أكَابِر عُلَمَاء عصره من الأقطار الْبَعِيدَة وبرع فِي فنون كَثِيرَة وفَاق في خِصَال حميدة وَتَوَلَّى قَضَاء مَكَّة المشرفة بعد أَبِيه ومدحه شعراء عصره وَكَانَ كثير الأفضال على من يَقْصِدهُ وعَلى الْمُسْتَحقّين وَقد تَرْجمهُ السخاوي تَرْجَمَة جَيِّدَة وَأثْنى عَلَيْهِ ثَنَاء طائلاً وَاسْتمرّ مُتَوَلِّيًا للْقَضَاء بِمَكَّة حَتَّى قبض عَلَيْهِ شرِيف مَكَّة السَّيِّد بَرَكَات ابْن مُحَمَّد الْحسنى لتخيله مِنْهُ أَنه السَّبَب فِي الْفِتْنَة بَينه وَبَين إخوانه وَاسْتولى على بعض أَمْوَاله وجهزه بحرا مَعَ أَوْلَاده فوصلوا إِلَى جَزِيرَة القنفذة ثمَّ أَمر الشريف بتغريقه فغرق بجانبها في يَوْم الْجُمُعَة حادي عشر ذي الْحجَّة سنة 907 سبع وَتِسْعمِائَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 السَّيِّد مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن علي بن المرتضى بن الْمفضل بن الْمَنْصُور ابْن مُحَمَّد بن الْعَفِيف بن مفضل بن الْحجَّاج بن على بن يحيى بن الْقَاسِم ابْن الإِمَام الداعي يُوسُف ابْن الإِمَام الْمَنْصُور بِاللَّه يحيى بن النَّاصِر احْمَد بن الهادي يحيى بن الْحُسَيْن بن الْقَاسِم بن إِبْرَاهِيم بن اسمعيل بن إِبْرَاهِيم بن الْحسن بن الْحسن بن علي بن أَبى طَالب رضي الله عَنْهُم جَمِيعًا وَقد سردت نسبة هَهُنَا وإن كَانَ قد تقدم في تَرْجمهُ السَّيِّد عبد الله بن علي الْوَزير لكنني رَأَيْت السخاوي تَرْجَمَة فغلط في نسبة وَقَالَ مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن علي بن المرتضى بن الهادي بن يحيى بن الْحُسَيْن بن الْقَاسِم وَذكر النّسَب إِلَى علي كرم الله وَجهه فَجعل المرتضى بن الهادي وَجعل الهادي بن يحيى بن الْحُسَيْن وَهَذَا غلط بَين وَصَاحب التَّرْجَمَة هُوَ الإِمَام الْكَبِير الْمُجْتَهد الْمُطلق الْمَعْرُوف بِابْن الْوَزير ولد فِي شهر رَجَب سنة 775 خمس وَسبعين وَسَبْعمائة بهجر الظهراوين من شطب وَقَالَ السخاوي إنه ولد تَقْرِيبًا سنة 765 وَهَذَا التَّقْرِيب بعيد وَالصَّوَاب الأول قَرَأَ فِي الْعَرَبيَّة على أَخِيه الْعَلامَة الهادي ابْن إِبْرَاهِيم وعَلى القاضي الْعَلامَة مُحَمَّد بن حَمْزَة بن مظفر وَقَرَأَ علم الْكَلَام على القاضي الْعَلامَة علي بن عبد الله بن أَبى الْخَيْر كشرح الْأُصُول وَالْخُلَاصَة والغياصة وَتَذْكِرَة ابْن متويه وَقَرَأَ علم أصُول الْفِقْه على السَّيِّد الْعَلامَة علي بن مُحَمَّد بن أَبى الْقَاسِم وَقَرَأَ عَلَيْهِ أَيْضا علم التَّفْسِير وَقَرَأَ الْفُرُوع على القاضي الْعَلامَة عبد الله بن الْحسن الدواري وَغَيره من مَشَايِخ صعدة وَمن مشايخه السَّيِّد الْعَلامَة النَّاصِر بن احْمَد ابْن أَمِير الْمُؤمنِينَ المطهر وَقَرَأَ الحَدِيث بِمَكَّة على مُحَمَّد بن عبد الله بن ظهيرة وفي غَيرهَا على نَفِيس الدَّين العلوي وعَلى جمَاعَة عدَّة وَالْحَاصِل أَنه قَرَأَ على أكَابِر مَشَايِخ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 صنعاء وصعدة وَسَائِر المداين اليمنية وَمَكَّة وتبحر فِي جَمِيع الْعُلُوم وفَاق الأقران واشتهر صيته وَبعد ذكره وطار علمه فِي الأقطار قَالَ صَاحب مطلع البدور وَقد ترْجم لَهُ الطوائف وَأقر لَهُ المؤالف والمخالف ترْجم لَهُ ابْن حجر الْعَسْقَلَانِي فِي الدُّرَر الكامنة وَترْجم لَهُ مُصَنف سيرة العراقي عَلامَة وقته بِمَكَّة انْتهى وَمَا ذكره من أَن ابْن حجر ترْجم لَهُ فى الدُّرَر فَلَا أصل لَهُ فَإِنَّهُ لم يترجم لَهُ فِيهَا أصلاً بل هي مُخْتَصَّة بِمن مَاتَ فِي الْقرن الثَّامِن وَلم يترجم لمن تَأَخّر مَوته إِلَى الْقرن التَّاسِع حَتَّى أكَابِر مشايخه كالعراقي والبلقيني وَابْن الملقن مَعَ أَنهم مَاتُوا فِي أول الْقرن التَّاسِع كَمَا تقدم ذَلِك وَأما صَاحب التَّرْجَمَة فَهُوَ تَأَخّر مَوته إِلَى سنة 840 أَرْبَعِينَ وثمان مائَة فَكيف يترجم لَهُ بل ترْجم لَهُ الْحَافِظ ابْن حجر العسقلاني فِي أنبائه وَترْجم لَهُ السخاوي كَمَا تقدمت الْإِشَارَة إِلَى ذَلِك وَترْجم لَهُ التقي ابْن فَهد فِي مُعْجَمه فَقَالَ السخاوي إنه تعاني النظم فبرع فِيهِ وصنف فِي الرَّد على الزيدية العواصم والقواصم فِي الذب عَن سنة أَبى الْقَاسِم وَاخْتَصَرَهُ فِي الرَّوْض الباسم وَرُوِيَ عَن التقي بن فَهد أَنه أنْشد لصَاحب التَّرْجَمَة فِي مُعْجَمه قَوْله (الْعلم مِيرَاث النبي كَذَا أَتَى ... فِي النَّص وَالْعُلَمَاء هم ورَّاثه) (فَإِذا أردْت حَقِيقَة تدري لمن ... وّراثه وَعرفت مَا مِيرَاثه) (مَا ورث الْمُخْتَار غير حَدِيثه ... فِينَا فَذَاك مَتَاعه وأثاثه) (فلنا الحَدِيث وراثة نبوية ... وَلكُل مُحدث بِدعَة أحداثه) وَإِنَّمَا اقْتصر على رِوَايَة هَذَا الشّعْر مَعَ أَن فِي شعر صَاحب التَّرْجَمَة مَا هُوَ أرفع مِنْهُ بدرجات لِأَن لِقَائِه لَهُ كَانَ فِي سنة 816 وَقد نظم بعد ذَلِك نظما كثيرا جدا وَارْتَفَعت طبقته فِي الْعلم وَهَكَذَا ابْن حجر فَإِنَّهُ ذكره فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 أنبائه في تَرْجَمَة أَخِيه الهادي لِأَن صَاحب التَّرْجَمَة إذ ذَاك كَانَ صَغِيرا فَقَالَ وَله أَخ يُقَال لَهُ مُحَمَّد مقبل على الِاشْتِغَال بِالْحَدِيثِ شَدِيد الْميل إِلَى السنة بِخِلَاف أهل بَيته انْتهى وَلَو لقِيه الْحَافِظ ابْن حجر بعد أَن تبحر فِي الْعُلُوم لأطال عنان قلمه فِي الثَّنَاء عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يثني على من هُوَ دونه بمراحل ولعلها لم تبلغ أخباره إِلَيْهِ وَإِلَّا فَابْن حجر قد عَاشَ بعد صَاحب التَّرْجَمَة زِيَادَة على اثني عشر سنة كَمَا تقدم فِي تَرْجَمته وَكَذَلِكَ السخاوي لَو وقف على العواصم والقواصم لرَأى فِيهَا مَا يمْلَأ عَيْنَيْهِ وَقَلبه ولطال عنان قلمه فِي تَرْجَمته وَلَكِن لَعَلَّه بلغه الاسم دون الْمُسَمّى وَلَا ريب أن عُلَمَاء الطوائف لَا يكثرون الْعِنَايَة بِأَهْل هَذِه الديار لاعتقادهم فِي الزيدية مَالا مُقْتَضى لَهُ إلا مُجَرّد التَّقْلِيد لمن لم يطلع على الْأَحْوَال فَإِن فِي ديار الزيدية من أَئِمَّة الْكتاب وَالسّنة عددا يُجَاوز الْوَصْف يتقيدون بِالْعَمَلِ بنصوص الْأَدِلَّة ويعتمدون على مَا صَحَّ فِي الْأُمَّهَات الحديثية وَمَا يلْتَحق بهَا من دواوين الْإِسْلَام الْمُشْتَملَة على سنة سيد الْأَنَام وَلَا يرفعون إِلَى التَّقْلِيد رَأْسا لَا يشوبون دينهم بشئ من الْبدع الَّتِى لَا يَخْلُو أهل مَذْهَب من الْمذَاهب من شَيْء مِنْهَا بل هم على نمط السلف الصَّالح فِي الْعَمَل بِمَا يدل عَلَيْهِ كتاب الله وَمَا صَحَّ من سنة رَسُول الله مَعَ كَثْرَة اشتغالهم بالعلوم الَّتِى هِيَ آلَات علم الْكتاب وَالسّنة من نَحْو وَصرف وَبَيَان وأصول ولغة وَعدم إخلالهم بِمَا عدا ذَلِك من الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة وَلَو لم يكن لَهُم من المزية إلا التقيد بنصوص الْكتاب وَالسّنة وَطرح التَّقْلِيد فَإِن هَذِه خصيصة خص الله بهَا أهل هَذِه الديار فِي هَذِه الْأَزْمِنَة الْأَخِيرَة وَلَا تُوجد فِي غَيرهم إلا نَادرا وَلَا ريب أَن فِي سَائِر الديار المصرية والشامية من الْعلمَاء الْكِبَار من لَا يبلغ غَالب أهل دِيَارنَا هَذِه إِلَى رتبته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 وَلَكنهُمْ لَا يفارقون التَّقْلِيد الذي هُوَ دأب من لَا يعقل حجج الله وَرَسُوله وَمن لم يُفَارق التَّقْلِيد لم يكن لعلمه كثير فَائِدَة وَإِن وجد مِنْهُم من يعْمل بالأدلة ويدع التعويل على التَّقْلِيد فَهُوَ الْقَلِيل النَّادِر كَابْن تَيْمِية وَأَمْثَاله وإني لأكْثر التَّعَجُّب من جمَاعَة من أكَابِر الْعلمَاء الْمُتَأَخِّرين الْمَوْجُودين فِي الْقرن الرَّابِع وَمَا بعده كَيفَ يقفون على تَقْلِيد عَالم من الْعلمَاء ويقدمونه على كتاب الله وَسنة رَسُوله مَعَ كَونهم قد عرفُوا من علم اللِّسَان مَا يكفي فِي فهم الْكتاب وَالسّنة بعضه فَإِن الرجل إِذا عرف من لُغَة الْعَرَب مَا يكون بِهِ فاهما لما يسمعهُ مِنْهَا صَار كَأحد الصَّحَابَة الَّذين كَانُوا فِي زَمَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله وَسلم وَمن صَار كَذَلِك وَجب عَلَيْهِ التَّمَسُّك بِمَا جَاءَ بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله وَسلم وَترك التعويل على مَحْض الآراء فَكيف بِمن وقف على دقائق اللُّغَة وجلايلها إفرادا وتركيبا وإعرابا وَبِنَاء وَصَارَ فِي الدقائق النحوية والصرفية والأسرار البيانية والحقائق الْأُصُولِيَّة بمقام لَا يخفى عَلَيْهِ من لِسَان الْعَرَب خافية وَلَا يشذ عَنهُ مِنْهَا شَاذَّة وَلَا فاذة وَصَارَ عَارِفًا بِمَا صَحَّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله وَسلم فِي تَفْسِير كتاب الله وَمَا صَحَّ عَن عُلَمَاء الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمن بعدهمْ إِلَى زَمَنه وأتعب نَفسه فِي سَماع دوادين السنة الَّتِى صنفتها أَئِمَّة هَذَا الشَّأْن فِي قديم الْأَزْمَان وَفِيمَا بعده فَمن كَانَ بِهَذِهِ المثابة كَيفَ يسوغ لَهُ أَن يعدل عَن آيَة صَرِيحَة أَو حَدِيث صَحِيح إِلَى رأي رَآهُ اُحْدُ الْمُجْتَهدين حَتَّى كَأَنَّهُ أحد الْعَوام الأعتام الَّذين لَا يعْرفُونَ من رسوم الشَّرِيعَة رسما فيالله الْعجب إِذا كَانَت نِهَايَة الْعَالم كبدايته وَآخر أمره كأوله فَقل لي أَي فَائِدَة لتضييع الْأَوْقَات فِي المعارف العلمية فَإِن قَول امامه الذي يقلده هُوَ كَانَ يفهمهُ قبل أَن يشْتَغل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 بشئ من الْعُلُوم سواهُ كَمَا نشاهده فِي المقتصرين على علم الْفِقْه فَإِنَّهُم يفهمونه بل يصيرون فِيهِ من التَّحْقِيق إِلَى غَايَة لَا يخفي عَلَيْهِم مِنْهُ شئ ويدرسون فِيهِ ويفتون بِهِ وهم لَا يعْرفُونَ سواهُ بل لَا يميزون بَين الْفَاعِل وَالْمَفْعُول والذى أدين الله بِهِ أَنه لَا رخصَة لمن علم من لُغَة الْعَرَب مَا يفهم بِهِ كتاب الله بعد أَن يُقيم لِسَانه بشئ من علم النَّحْو وَالصرْف وَشطر من مهمات كليات أصُول الْفِقْه فِي ترك الْعَمَل بِمَا يفهمهُ من آيَات الْكتاب الْعَزِيز ثمَّ إِذا انْضَمَّ إِلَى ذَلِك الِاطِّلَاع على كتب السنة المطهرة الَّتِى جمعهَا الْأَئِمَّة المعتبرون وَعمل بهَا المتقدمون والمتأخرون كالصحيحين وَمَا يلْتَحق بهما مِمَّا الْتزم فِيهِ مصنفوه الصِّحَّة أَو جمعُوا فِيهِ بَين الصَّحِيح وَغَيره مَعَ الْبَيَان لما هُوَ صَحِيح وَلما هُوَ حسن وَلما هُوَ ضَعِيف وَجب الْعَمَل بِمَا كَانَ كَذَلِك من السنة وَلَا يحل التَّمَسُّك بِمَا يُخَالِفهُ من الرأي سَوَاء كَانَ قايله وَاحِدًا أَو جمَاعَة أَو الْجُمْهُور فَلم يَأْتِ فِي هَذِه الشَّرِيعَة الغراء مَا يدل على وجوب التَّمَسُّك بالآراء المتجردة عَن مُعَارضَة الْكتاب أَو السنة فَكيف بِمَا كَانَ مِنْهَا كَذَلِك بل الذي جَاءَنَا فِي كتاب الله على لِسَان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنهُ فَانْتَهوا قل إن كُنْتُم تحبون الله فَاتبعُوني لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة إلى غير ذَلِك وَصَحَّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ كل أَمر لَيْسَ عَلَيْهِ أمرنَا فَهُوَ رد فَالْحَاصِل أَن من بلغ فِي الْعلم إِلَى رُتْبَة يفهم بهَا تراكيب كتاب الله ويرجح بهَا بَين مَا ورد مُخْتَلفا من تَفْسِير السّلف الصَّالح ويهتدى بِهِ إِلَى كتب السّنة الَّتِى يعرف بهَا مَا هُوَ صَحِيح وَمَا لَيْسَ بِصَحِيح فَهُوَ مُجْتَهد لَا يحل لَهُ أَن يُقَلّد غَيره كَائِنا من كَانَ فِي مسئلة من مسَائِل الدَّين بل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 يستروي النُّصُوص من أهل الرِّوَايَة ويتمرن فِي علم الدِّرَايَة بِأَهْل الدِّرَايَة ويقتصر من كل فن على مِقْدَار الْحَاجة والمقدار الْكَافِي من تِلْكَ الْفُنُون هُوَ مَا يتَّصل بِهِ إِلَى الْفَهم والتمييز وَلَا شك أَن التبحر فِي المعارف وَتَطْوِيل الباع فِي أَنْوَاعهَا هُوَ خير كُله لَا سِيمَا الاستكثار من علم السنة وَحفظ الْمُتُون وَمَعْرِفَة أَحْوَال رجال الْإِسْنَاد والكشف عَن كَلَام الْأَئِمَّة فِي هَذَا الشَّأْن فَإِن ذَلِك مِمَّا يُوجب تفَاوت الْمَرَاتِب بَين الْمُجْتَهدين لَا أنه يتَوَقَّف الِاجْتِهَاد عَلَيْهِ فَإِن قلت رُبمَا يقف على هَذَا الْكَلَام من هومتهئ لطلب الْعلم فَلَا يدري بِمَا ذَاك يشْتَغل وَلَا يعرف مَا هُوَ الَّذِي إِذا اقْتصر عَلَيْهِ فِي كل فن بلغ إِلَى رُتْبَة الِاجْتِهَاد وَالَّذِي يجب عَلَيْهِ عِنْده الْعَمَل بِالْكتاب وَالسّنة قلت لَا يخفي عَلَيْك أن القرايح مُخْتَلفَة والفطن متفاوتة والأفهام متباينة فَمن النَّاس من يرْتَفع بِالْقَلِيلِ إِلَى رُتْبَة علية وَمن النَّاس من لَا يرْتَفع من حضيض التَّقْصِير بالكثير وَهَذَا مَعْلُوم بالوجدان ولكني هَهُنَا أذكر مَا يكفي بِهِ من كَانَ متوسطاً بَين الغايتين فَأَقُول يَكْفِيهِ من علم مُفْرَدَات اللُّغَة مثل الْقَامُوس وَلَيْسَ المُرَاد إحاطته بِهِ حفظاً بل المُرَاد الممارسة لمثل هَذَا الْكتاب أَو مَا يشابهه على وَجه يَهْتَدِي بِهِ إِلَى وجدان مَا يَطْلُبهُ مِنْهُ عِنْد الْحَاجة ويكفيه فِي النَّحْو مثل الكافية لِابْنِ الْحَاجِب والألفية وَشرح مُخْتَصر من شروحها وَفِي الصّرْف مثل الشافية وَشرح من شروحها المختصرة مَعَ ان فِيهَا مَالا تَدْعُو إِلَيْهِ حَاجَة وَفِي أصُول الْفِقْه مثل جمع الْجَوَامِع والتنقيح لِابْنِ صدر الشَّرِيعَة والمنار للنسفي أَو مُخْتَصر الْمُنْتَهى لِابْنِ الْحَاجِب أَو غَايَة السول لِابْنِ الإِمَام وَشرح من شُرُوح هَذِه المختصرات الْمَذْكُورَة مَعَ أَن فِيهَا جميعهامالا تَدْعُو إِلَيْهِ حَاجَة بل غالبها كَذَلِك وَلَا سِيمَا تِلْكَ التدقيقات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 الَّتِى فِي شروحها وحواشيها فَإِنَّهَا عَن علم الْكتاب وَالسّنة بمعزل وَلكنه جَاءَ فِي الْمُتَأَخِّرين من اشْتغل بعلوم أُخْرَى خَارِجَة عَن الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة ثمَّ استعملها فِي الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة فجَاء من بعده فَظن أنها من عُلُوم الشَّرِيعَة فبعدت عَلَيْهِ الْمسَافَة وطالت عَلَيْهِ الطرق فَرُبمَا بَات دون الْمنزل وَلم يبلغ إِلَى مقْصده فَإِن وصل بذهن كليل وَفهم عليل لِأَنَّهُ قد استفرغ قوته فِي مقدماته وَهَذَا مشَاهد مَعْلُوم فَإِن غَالب طلبة عُلُوم الِاجْتِهَاد تنقضي أعمارهم فِي تَحْقِيق الْآلَات وتدقيقها وَمِنْهُم من لَا يفتح كتابا من كتب السنة وَلَا سفرا من أسفار التَّفْسِير فحال هَذَا كَحال من حصل الكاغد والحبر وبرى أقلامه ولاك دواته وَلم يكْتب حرفا فَلم يفعل الْمَقْصُود إِذْ لَا ريب أَن الْمَقْصُود من هَذِه الْآلَات هُوَ الْكِتَابَة كَذَلِك حَال من قبله وَمن عرف مَا ذَكرْنَاهُ سَابِقًا لم يحْتَج إِلَى قِرَاءَة كتب التَّفْسِير على الشُّيُوخ لِأَنَّهُ قد حصل مَا يفهم بِهِ الْكتاب الْعَزِيز وَإِذا أشكل عَلَيْهِ شئ من مُفْرَدَات الْقُرْآن رَجَعَ إِلَى مَا قدمنَا من أَنه يَكْفِيهِ من علم اللُّغَة وَإِذا أشكل عَلَيْهِ إعراب فَعنده من علم النَّحْو مايكفيه وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ الْإِشْكَال يرجع إِلَى علم الصّرْف وَإِذا وجد اخْتِلَافا فِي تفاسير السلف الَّتِى يقف عَلَيْهَا مطالعة فالقرآن عربي والمرجع لُغَة الْعَرَب فَمَا كَانَ أقرب إِلَيْهَا فَهُوَ أَحَق مِمَّا كَانَ أبعد وَمَا كَانَ من تفاسير الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ مَعَ كَونه شَيْئا يَسِيرا مَوْجُود فِي كتب السنة ثمَّ هَذَا الْمِقْدَار الذي قدمنَا يكفي فِي معرفَة معاني متون الحَدِيث وَأما مَا يَكْفِيهِ فِي معرفَة كَون الحَدِيث صَحِيحا أَو غير صَحِيح فقد قدمنَا الْإِشَارَة إِلَى ذَلِك ونزيده ايضاحا فَنَقُول إِذا قَالَ امام من أَئِمَّة الحَدِيث الْمَشْهُورين بِالْحِفْظِ وَالْعَدَالَة وَحسن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 الْمعرفَة أَنه لم يذكر فِي كِتَابه الاما كَانَ صَحِيحا وَكَانَ مِمَّن مارس هَذَا الشَّأْن ممارسة كُلية كصاحبى الصَّحِيحَيْنِ وبعدهما صَحِيح ابْن حبَان وصحيح ابْن خُزَيْمَة وَنَحْوهمَا فَهَذَا القَوْل مسوغ للْعَمَل بِمَا وجد فِي تِلْكَ الْكتب وَمُوجب لتقديمه على التَّقْلِيد وَلَيْسَ هَذَا من التَّقْلِيد لِأَنَّهُ عمل بِرِوَايَة الثِّقَة والتقليد عمل بِرَأْيهِ وَهَذَا الْفرق أوضح من الشَّمْس وَإِن الْتبس على كثير من النَّاس وَأما مَا يدندن حوله أَرْبَاب علم الْمعَانى وَالْبَيَان من اشْتِرَاط ذَلِك وَعدم الْوُقُوف على حَقِيقَة مَعَاني الْكتاب وَالسّنة بِدُونِهِ فَأَقُول لَيْسَ الْأَمر كَمَا قَالُوا لِأَن مَا تمس الْحَاجة إِلَيْهِ فِي معرفَة الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة قد أغْنى عَنهُ مَا قدمنَا ذكره من اللُّغَة والنحو الصّرْف وَالْأُصُول والزايد عَلَيْهِ وَإِن كَانَ من دقايق الْعَرَبيَّة وأسرارها ومماله مزِيد تَأْثِير فِي معرفَة بلاغة الْكتاب الْعَزِيز لَكِن ذَلِك أَمر وَرَاء مانحن بصدده وَرُبمَا يَقُول قايل بِأَن هَذِه الْمقَالة مقَالَة من لم يعرف ذَلِك الْفَنّ حق مَعْرفَته وَلَيْسَ الْأَمر كَمَا يَقُول فإنى قد شغلت بُرْهَة من الْعُمر فِي هَذَا الْفَنّ فَمِنْهُ مَا قعدت فِيهِ بَين أيدي الشُّيُوخ كشرح التَّلْخِيص الْمُخْتَصر وحواشيه وَشَرحه المطول وحواشيه وَشَرحه الأطول وَمِنْه مَا طالعته مطالعة متعقب وَهُوَ ماعدا مَا قَدمته وَقد كنت أَظن فِي مبادئ طلب هَذَا الْفَنّ مَا يَظُنّهُ هَذَا الْقَائِل ثمَّ قلت مَا قلت عَن خبْرَة وممارسة وتجريب والزمخشري وَأَمْثَاله وَإِن رَغِبُوا فِي هَذَا الْفَنّ فَذَلِك من حَيْثُ كَون لَهُ مدخلاً فِي معرفَة البلاغة كَمَا قدمنَا وَهَذَا الْجَواب الذي ذكرته هَهُنَا هُوَ الْجَواب عَن الْمُعْتَرض فِي سَائِر مَا أهملته مِمَّا يظن أَنه مُعْتَبر فِي الِاجْتِهَاد وَمَعَ ذَلِك كُله فلسنا إلا بصدد بَيَان الْقدر الذي يجب عِنْده الْعَمَل بِالْكتاب وَالسّنة وَإِلَّا فَنحْن مِمَّن يرغب الطّلبَة فِي الأستكثار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 من المعارف العلمية على اخْتِلَاف أَنْوَاعهَا كَمَا تقدمت الْإِشَارَة إِلَى ذَلِك وَمن رام الْوُقُوف على مَا يحْتَاج إِلَيْهِ طَالب الْعلم من الْعُلُوم على التَّفْصِيل وَالتَّحْقِيق فَليرْجع إِلَى الْكتاب الذي جمعته فِي هَذَا وسميته أدب الطلب ومنتهى الأرب فَهُوَ كتاب لَا يسْتَغْنى عَنهُ طَالب الْحق على أَنِّي أَقُول بعد هَذَا أَن من كَانَ عاطلا عَن الْعُلُوم الْوَاجِب عَلَيْهِ أَن يسْأَل من يَثِق بِدِينِهِ وَعلمه عَن نُصُوص الْكتاب وَالسّنة فِي الْأُمُور الَّتِى تجب عَلَيْهِ من عبَادَة أَو مُعَاملَة وَسَائِر مَا يحدث لَهُ فَيَقُول لمن يسْأَله علمني أصح مَا ثَبت فِي ذَلِك من الْأَدِلَّة حَتَّى أعمل بِهِ وَلَيْسَ هَذَا من التَّقْلِيد فِي شئ لِأَنَّهُ لم يسْأَله عَن رَأْيه بل عَن رِوَايَته وَلكنه لما كَانَ لجهله لَا يفْطن ألفاظ الْكتاب وَالسّنة وَجب عَلَيْهِ أَن يسْأَل من يفْطن ذَلِك فَهُوَ عَامل بِالْكتاب وَالسّنة بِوَاسِطَة المسؤل وَمن أحرز مَا قدمنَا من الْعُلُوم عمل بهَا بِلَا وَاسِطَة فِي التفهيم وَهَذَا يُقَال لَهُ مُجْتَهد والعامي الْمُعْتَمد على السُّؤَال لَيْسَ بمقلد وَلَا مُجْتَهد بل عَامل بِدَلِيل بِوَاسِطَة مُجْتَهد يفهمهُ مَعَانِيه وَقد كَانَ غَالب السلف من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وتابعيهم الَّذين هم خير الْقُرُون من هَذِه الطَّبَقَة وَلَا ريب أَن الْعلمَاء بِالنِّسْبَةِ إِلَى غير الْعلمَاء أقل قَلِيل فَمن قَالَ أنه لَا وَاسِطَة بَين الْمُقَلّد والمجتهد قُلْنَا لَهُ قد كَانَ غَالب السلف الصَّالح لَيْسُوا بمقلدين وَلَا مجتهدين أما كَونهم لَيْسُوا بمقلدين فَلِأَنَّهُ لم يسمع عَن أحد من مقصري الصَّحَابَة أَنه قلد عَالما من عُلَمَاء الصَّحَابَة الْمَشَاهِير بل كَانَ جَمِيع الْمُقَصِّرِينَ مِنْهُم يستروون عُلَمَائهمْ نُصُوص الْأَدِلَّة ويعملون بهَا وَكَذَلِكَ من بعدهمْ من التَّابِعين وتابعيهم وَمن قَالَ إن جَمِيع الصَّحَابَة مجتهدون وَجَمِيع التَّابِعين وتابعيهم فقد أعظم الْفِرْيَة وَجَاء بِمَا لَا يقبله عَارِف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 وَهَذِه الْمذَاهب والتقليدات الَّتِى مَعْنَاهَا قبُول قَول الْغَيْر دون حجَّة لم تحدث إلا بعد انْقِرَاض خير الْقُرُون ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ (وَخير الْأُمُور السالفات على الْهدى ... وَشر الْأُمُور المحدثات الْبَدَائِع) وَإِذا لم يسع غير الْعَالم فِي عصور الْخلف مَا وَسعه فِي عصور السلف فَلَا وسع الله عَلَيْهِ وَهَذَا عَارض من القَوْل اقْتَضَاهُ مَا قدمْنَاهُ فلنرجع إِلَى مَا نَحن بصدده من تَرْجَمَة هَذَا السَّيِّد الإِمَام فَنَقُول وَهُوَ شَاهد على مَا قدمنَا ذكره إن صَاحب التَّرْجَمَة لما ارتحل إِلَى مَكَّة وَقَرَأَ علم الحَدِيث على شَيْخه ابْن ظهيرة قَالَ للسَّيِّد مَا أحسن يَا مَوْلَانَا لَو انتسبت إِلَى إمام الشافعي أَو أَبى حنيفَة فَغَضب وَقَالَ لَو احتجت إِلَى هَذَا النّسَب والتقليدات مَا اخْتَرْت غير الإِمَام الْقَاسِم بن إِبْرَاهِيم أَو حفيده الهادي وَبِالْجُمْلَةِ فَصَاحب التَّرْجَمَة مِمَّن يقصر الْقَلَم عَن التَّعْرِيف بِحَالهِ وَكَيف يُمكن شرح حَال من يزاحم أَئِمَّة الْمذَاهب الْأَرْبَعَة فَمن بعدهمْ من الْأَئِمَّة الْمُجْتَهدين فِي اجتهاداتهم ويضايق أَئِمَّة الأشعرية والمعتزلة فِي مقالاتهم وَيتَكَلَّم فِي الحَدِيث بِكَلَام أئمته المعتبرين مَعَ إحاطته بِحِفْظ غَالب الْمُتُون وَمَعْرِفَة رجال الْأَسَانِيد شخصا وَحَالا وزمانا ومكانا وتبحره فِي جَمِيع الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة والنقلية على حد يقصر عَنهُ الْوَصْف وَمن رام أن يعرف حَاله وَمِقْدَار علمه فَعَلَيهِ بمطالعة مصنفاته فَإِنَّهَا شَاهد عدل على علو طبقته فَإِنَّهُ يسْرد فِي المسئلة الْوَاحِدَة من الْوُجُوه مَا يبهر لب مطالعه ويعرفه بقصر بَاعه بِالنِّسْبَةِ إِلَى علم هَذَا الإِمَام كَمَا يَفْعَله فِي العواصم والقواصم فَإِنَّهُ يُورد كَلَام شَيْخه السَّيِّد الْعَلامَة علي بن مُحَمَّد بن أَبى الْقَاسِم فِي رسَالَته الَّتِى اعْترض بهَا عَلَيْهِ ثمَّ ينسفه نسفا بإيراد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 مَا يزيفه بِهِ من الْحجَج الْكَثِيرَة الَّتِى لَا يجد الْعَالم الْكَبِير فِي قوته اسْتِخْرَاج الْبَعْض مِنْهَا وَهُوَ فِي أَرْبَعَة مجلدات يشْتَمل على فَوَائِد فِي أَنْوَاع من الْعُلُوم لَا تُوجد فِي شَيْء من الْكتب وَلَو خرج هَذَا الْكتاب إِلَى غير الديار اليمنية لَكَانَ من مفاخر الْيمن وَأَهله وَلَكِن أَبى ذَلِك لَهُم مَا جبلوا عَلَيْهِ من غمط محَاسِن بَعضهم لبَعض وَدفن مَنَاقِب أفاضلهم وَمن مصنفاته تَرْجِيح أساليب الْقُرْآن على أساليب اليونان وَهُوَ كتاب فِي غَايَة الإفادة والإجادة على أسلوب مخترع لَا يقدر على مثله إلا مثله وَمِنْهَا كتاب الرَّوْض الباسم فِي مُجَلد اخْتَصَرَهُ من العواصم وَكتاب إيثار الْحق على الْخلق وَهُوَ غَرِيب الأسلوب مُفِيد فِي بَابه وَله كتاب جمعه فِي التَّفْسِير النبوي وَمِنْهَا مؤلف فِي مدح الْعزبَة وَالْعُزْلَة ومؤلف فِي الرَّد على المعري سَمَّاهُ نصر الْأَعْيَان على شَرّ العميان وَله كتاب الْبُرْهَان الْقَاطِع فِي معرفَة الصَّانِع وَله كتاب التَّنْقِيح فِي عُلُوم الحَدِيث وَله مؤلفات غير هَذِه ومسائل أفردها بالتصنيف وَهُوَ إِذا تكلم فِي مسئلة لَا يحْتَاج النَّاظر بعده إِلَى النظر فِي غَيره من أي علم كَانَت وَقد وقفت من مسَائِله الَّتِى أفردها بالتصنيف على عدد كثير تكون فِي مُجَلد وَمَا لم أَقف عَلَيْهِ أَكثر مِمَّا وقفت عَلَيْهِ وَكَلَامه لَا يشبه كَلَام أهل عصره وَلَا كَلَام من بعده بل هُوَ من نمط كَلَام ابْن حزم وَابْن تَيْمِية وَقد يأتي فِي كثير من المباحث بفوائد لم يَأْتِ بهَا غَيره كايناً من كَانَ وديوان شعره مُجَلد وشعره غالبه فِي التوسلات وَالرَّقَائِق وَتَقْيِيد الشوارد العلمية والمجاوبة لمن امتحن بِهِ من أهل عصره فإن لَهُ مَعَهم قلاقل وزلازل وَكَانُوا يثورون عَلَيْهِ ثورة بعد ثورة وينظمون فِي الِاعْتِرَاض عَلَيْهِ القصائد وأفضى ذَلِك إِلَى أَن اعْترض عَلَيْهِ شَيْخه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 الْمُتَقَدّم ذكره برسالة مستلقة فأجابها بِمَا تقدم وَكَانَ يجاوبهم ويصاولهم ويجاولهم فيقهرهم بِالْحجَّةِ وَلم يكن فِي زَمَنه من يقوم لَهُ لكَونه فِي طبقَة لَيْسَ فِيهَا أحد من شُيُوخه فضلا عَن معارضيه والذي يغلب على الظَّن أَن شُيُوخه لَو جمعُوا جَمِيعًا فِي ذَات وَاحِدَة لم يبلغ علمهمْ إِلَى مِقْدَار علمه وناهيك بِهَذَا ثمَّ بعد هَذَا انجمع وَأَقْبل على الْعِبَادَة وتمشيخ وتوحش فِي الفلوات وَانْقطع عَن النَّاس وَلم يبْق لَهُ شغله بِغَيْر ذَلِك وتأسف على مَا مضى من عمره فِي تِلْكَ المعارك الَّتِى جرت بَينه وَبَين معاصريه مَعَ أَنه فِي جَمِيعهَا مَشْغُول بالتصنيف والتدريس والذب عَن السنة وَالرَّفْع عَن إعراض أكَابِر الْعلمَاء وأفاضل الْأمة والمناضلة لأهل الْبدع وَنشر علم الحَدِيث وَسَائِر الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة فِي أَرض لم يألف أَهلهَا ذَلِك لَا سِيمَا فِي تِلْكَ الْأَيَّام فَلهُ أجر الْعلمَاء العاملين وَأجر الْمُجَاهدين الْمُجْتَهدين وَلكنه ذاق حلاوة الْعِبَادَة وَطعم لَذَّة الِانْقِطَاع إِلَى جناب الْحق فصغر فِي عَيْنَيْهِ مَا سوى ذَلِك وَقد تَرْجمهُ بعض بني الْوَزير فِي كراريس وَاسْتوْفى أَحْوَاله وَلَو تَرْجمهُ فِي مُجَلد لم يكن وافيا بِحقِّهِ وترجمه أَيْضا جمَاعَة من عُلَمَاء الزيدية وَمن غَيرهم من قدمنَا ذكره كالوجيه العطاب اليمني والشريف الفاسي المالكي فِي كِتَابه العقد الثمين الذي جعله تَارِيخا لمَكَّة والبريهي ومدحه غير وَاحِد من أَعْيَان الْعلمَاء وَالْحَاصِل أَنه رجل عرفه الأكابر وجهله الأصاغر وَلَيْسَ ذَلِك مُخْتَصًّا بعصره بل هُوَ كاين فِيمَا بعده من العصور إِلَى عصرنا هَذَا وَلَو قلت أن الْيمن لم ينجب مثله لم أبعد عَن الصَّوَاب وَفِي هَذَا الْوَصْف مَالا يحْتَاج مَعَه إِلَى غَيره وَمَا أحسن قَوْله فِي معاتبة شَيْخه الْمُتَقَدّم ذكره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 (عرفت قدري ثمَّ أنكرته ... فَمَا عدا بِاللَّه ممابدا) (وكل يَوْم لَك بي موقف ... أسرفت فِي القَوْل بِسوء البدا) (أمس الثنا وَالْيَوْم سوء الْأَذَى ... ياليت شعري كَيفَ نضحي غَدا) (يَا شيبَة العترة فِي وقته ... ومنصب التَّعْلِيم والاهتدا) (قد خلع الْعلم رِدَاء الْهدى ... عَلَيْك والشيب رِدَاء الردى) (فصن ردائيك وطهرهما ... عَن دنس الْإِسْرَاف والاعتدا) وَكَانَت وَفَاته تغمده الله بغفرانه فِي سَابِع وَعشْرين شهر محرم سنة 840 أَرْبَعِينَ وثمان مائَة مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْبَدْر أَبُو الْبَقَاء الأنصاري المصري الأَصْل الْمَعْرُوف بالبدر البشتكي الشَّاعِر الْمَشْهُور ولد فِي أحد الربيعين سنة 748 ثَمَان وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة بجوار جَامع بشتك الناصري فَقَرَأَ الْقُرْآن وَحفظ الْكتاب فِي فقه الْحَنَفِيَّة ثمَّ تحول شافعيا وَصَحب الْبَهَاء مُحَمَّد بن عبد الله الكازروني وَكَانَ عجبا فِي جذب النَّاس إِلَى الْإِقَامَة عِنْده بِحَيْثُ يهجروا أَهَالِيهمْ خُصُوصا المردان فَاجْتمع بِهِ صَاحب التَّرْجَمَة وَهُوَ كَذَلِك مَعَ كَونه من أجمل أهل عصره فلازمه وَلم يُفَارِقهُ وأمعن النظر فِي كتب ابْن حزم فغلب عَلَيْهِ حبه وتزيا بِكُل زي وسلك كل طَرِيق واشتغل فِي فنون كَثِيرَة وَلكنه لم يتقن شَيْئا مِنْهَا وَأخذ الْأَدَب عَن ابْن نَبَاته وَقَالَ الشّعْر الْحسن فكاد يحكيه فِي الرقة والانسجام وَجمع كتابا حافلا فِي طَبَقَات الشُّعَرَاء وَجمع ديوَان شَيْخه ابْن نَبَاته وَفَاته كثير مِنْهُ فاستدارك عَلَيْهِ ابْن حجر مِمَّا فَاتَهُ من شعر ابْن نَبَاته نَحْو مُجَلد وَلم يجمع هُوَ نظم نَفسه مَعَ كثرته فَجَمعه الشهَاب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 الحجازي وَكَانَ لصَاحب التَّرْجَمَة قدرَة على النسيخ بِحَيْثُ يكْتب فِي الْيَوْم خمس كراريس فَأكْثر وَرُبمَا تَعب فيضطجع على جنبه فَيكْتب وَكتب لنَفسِهِ وَلغيره مَالا يدْخل تَحت الْحصْر وَكَانَ لأجل مَا يَكْتُبهُ موسعا عَلَيْهِ فِي دُنْيَاهُ وَلَا يتقلد لأحد مِنْهُ حَتَّى إن بعض الأكابر أرسل إِلَيْهِ بِعشْرَة دَنَانِير فشتم الرَّسُول وَقَالَ لَا حَاجَة لي فِي ذَلِك فَأخذ جرابه فنثر مَا فِيهِ من ذهب وَفِضة وفلوس بِحَضْرَتِهِ وَكَانَ يسخر بِجَمَاعَة من الْأَعْيَان وَمن ذَلِك أَنه قَالَ للكمال الدميري لما بلغه أَنه شرح سنَن ابْن مَاجَه سَمَّاهُ بَعرَة الدَّجَاجَة وَلما سمى البلقيني مؤلفاته الْفَوَائِد المنتهضة على الرافعي وَالرَّوْضَة كَانَ المترجم لَهُ يَقُول الرَّوْضَة بِفَتْح الْوَاو يُشِير إِلَى أن السجعة غير متناسب فَغير البلقيني التَّسْمِيَة إِلَى الْفَوَائِد الْمَحْضَة وَكتب إِلَيْهِ الْحَافِظ ابْن حجر (أَلَيْسَ عجيبا بِأَنا نَصُوم ... وَلَا نشتكي من أَذَى الصَّوْم غما) (ونسغب وَالله فِي نسكنا ... إِذا نَحن لم نرو نثرا ونظما) فَأجَاب المترجم لَهُ (ألا يَا شهابا رقى فِي العلى ... فأمطرنا نوه العذب قطرا) (إِلَى فقر مِنْك يَا فقرنا ... ونستغن إن قلت نظما ونثرا) وشعره سَائِر وَقد ذكر مِنْهُ المصنفون فِي الْأَدَب من الْمُتَأَخِّرين شَيْئا كثيرا وَمَات يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَالِث وَعشْرين جُمَادَى الأولى سنة 830 ثَلَاثِينَ وثمان مائَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 السَّيِّد مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْمفضل بن إِبْرَاهِيم بن علي ابْن الإِمَام شرف الدَّين الشبامى الْيُمْنَى ولد سنة 1022 اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَألف وَقَرَأَ على الْعَلامَة عبد الرَّحْمَن ابْن مُحَمَّد الحيمي وعَلى السَّيِّد عز الدَّين بن دريب وعَلى غَيرهمَا من مَشَايِخ صنعاء وشبام وبرع فِي جَمِيع الْعُلُوم وفَاق أهل عصره وَأخذ عَنهُ النَّاس طبقَة بعد طبقَة وَفِي تلامذته جمَاعَة هم أَئِمَّة مصنفون كالعلامة صَالح ابْن مهدي المقبلي وَغَيره وَلم يشْتَغل مَعَ جلالة قدره وتبحره فِي الْعُلُوم بالتصنيف بل كَانَ يُجيب فِي مسَائِل ترد عَلَيْهِ أجوبة مفيدة وَله سيرة حَسَنَة جمعهَا لجده الإِمَام شرف الدَّين وَكَانَ كثير الصمت قَلِيل المباهاة والمماراة ومحبة الظُّهُور وَمن غرائب مَا وَقع لَهُ مِمَّا يدل على مزِيد عقله وسكونه وَحسن سمته أَنه حضر مجْلِس الإِمَام المتَوَكل على الله إِسْمَاعِيل وَهُوَ غاص بأعيان الْعلمَاء فدار الْكَلَام فِي مسئلة نحوية فَتكلم كل وَاحِد من الْحَاضِرين بمالديه وَصَاحب التَّرْجَمَة سَاكِت لم يتَكَلَّم بِكَلِمَة مَعَ كَونه أَكثر أهل ذَلِك الْمجْلس علما وَلما طَال الْكَلَام فِي تِلْكَ المسئلة الْتفت اليه من فِي ذَلِك الْمجْلس وَمِنْهُم الإِمَام وعولوا جَمِيعًا فِي ذَلِك عَلَيْهِ فَقَالَ هَذِه المسئلة ذكرهَا صَاحب المغنى فجاؤا بِالْكتاب فَأَخذه وَفتح فَقلب ورقة أَرَاهُم تِلْكَ المسئلة بلفظها فعجبوا من تَحْقِيقه أَولا وَمن سُكُوته مَعَ علمه بالمسئلة لاسيما وَقد كثر الْكَلَام فِيهَا وَطَالَ وَعرض خُصُوصا فِي مثل ذَلِك الْمجْلس الَّذِي لَا يمسك نَفسه فِيهِ إلا من كَانَ جبلا من جبال التَّقْوَى وَكَانَ حسن الشكل مليح الْهَيْئَة حَتَّى قَالَ بعض الْفُضَلَاء إنه لَو اجْتمع أهل الْمَحْشَر وَخرج صَاحب التَّرْجَمَة علم كل وَاحِد أَنه عَالم وَكَانَ متواضعا متوددا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 ملاطفا وَهُوَ مِمَّن اتفق أهل عصره على تَعْظِيمه وخضعوا لعلمه واعترفوا بتفرده وأقروا لَهُ بِالْجمعِ بَين علم الْعقل وَالنَّقْل وَالْبُلُوغ فِي التَّحْقِيق إِلَى أَعلَى الطَّبَقَات وَمَات فِي نَهَار الِاثْنَيْنِ غرَّة شهر رَجَب سنة 1085 خمس وَثَمَانِينَ وَألف بمنزله بشبام وتأسف النَّاس على فَقده ورثاه الشُّعَرَاء كمحمد ابْن الْحُسَيْن الحيمي وَالشَّيْخ إبراهيم الهندي والقاضي أَحْمد بن صَالح بن أبي الرِّجَال صَاحب مطلع البدور والقاضي علي بن صَالح بن أَبى الرِّجَال مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن يحيى بن مُحَمَّد بن صَلَاح الشجرى السحولى ثمَّ الصنعاني أحد الْعلمَاء المبرزين والأدباء المجيدين أَخذ الْعلم عَن وَالِده وَغَيره وَأخذ عَنهُ جمَاعَة من أكَابِر الْعلمَاء وَكَانَ خَطِيبًا بِجَامِع صنعاء ثمَّ صَار خَطِيبًا برداع وَفِي آخر مدَّته ولاه المهدي صَاحب الْمَوَاهِب الخطابة بالخضراء الَّتِى اختطها وَكَانَ مبرزا فِي الْعُلُوم الآلية وَالْأَدب وَله شعر منسجم جيد فَمِنْهُ قَوْله فِي مدح شرخ الرضى على الكافية (عَلَيْك بِالنَّجْمِ إِذا مَا دجت ... ظلمَة نَحْو إن أردْت المضي) (من شَاءَ يدعي السَّيِّد المرتضى ... فِي قومه كَانَ أَخا للرضى) وَمن نظمه (كم قَالَت الورقا لَا غصاننا ... هَذَا الْمصلى فاسجدي واركعي) (وَأَنت يَا وَرْقَاء بَان اللوى ... غن على العيدان ثمَّ اسجعي) وَمن نظمه القصيدة الَّتِى رَاجع بهَا السَّيِّد الْحسن الجرموزي ومطلعها (بَين المعاجر والمحاجر ... فتن الأصاغر والأكابر) وَله نظم كثير وَقد ترْجم لَهُ صَاحب ترويح المشوق وَصَاحب نسمَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 السحر وَكَانَت وَفَاته سنة تسع وَمِائَة وَألف ووالد صَاحب التَّرْجَمَة هُوَ أحد أكَابِر عُلَمَاء صنعاء المفيدين لَا سِيمَا فِي علم الْفُرُوع وَله مصنفات مِنْهَا حَاشِيَة شرح الأزهار الْمَشْهُورَة وَمِنْهَا شرح على الثَّلَاثِينَ المسئلة وَقد تخرج بِهِ غَالب أهل عصره فِي علم الْفِقْه وَمن مشايخه وَالِده والعلامة مُحَمَّد بن عز الدَّين الْمُفْتى والقاضي أَحْمد بن معوضة الجربي والفقيه إِبْرَاهِيم بن يحيى حميد والفقيه أَحْمد الضمدي وَالسَّيِّد حسن بن شمس الدَّين جحاف وَعبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الحيمي وَعبد الهادي ابْن أَحْمد الحسوسة ومولده لَيْلَة الْجُمُعَة ثَالِث وَعشْرين جُمَادَى الأولى سنة 987 سبع وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة بِمَدِينَة ذمار وَتُوفِّي يَوْم السبت لعشرين خلت من جُمَادَى الأولى سنة 1060 سِتِّينَ وَألف بِصَنْعَاء وَقد تَرْجمهُ صَاحب مطالع البدور تَرْجَمَة وافية الإِمَام المهدي مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحسن ابْن الإِمَام الْقَاسِم بن مُحَمَّد ولد فِي سنة 1047 سبع وَأَرْبَعين وَألف فِي سَابِع جُمَادَى الْآخِرَة مِنْهَا وَكَانَ بعد موت وَالِده أحد الرؤساء الأكابر فِي الديار اليمنية وَولى الْخلَافَة بعد موت الإِمَام الْمُؤَيد بِاللَّه مُحَمَّد بن المتَوَكل على الله إِسْمَاعِيل بعد نزاع شَدِيد وحروب طَوِيلَة وَاجْتمعَ لحربه جَمِيع أكَابِر سَادَات الْيمن من أَقَاربه وَغَيرهم وحصروه وكادوا يحيطون بِهِ وبمن مَعَه فَخرج إِلَيْهِم بِمن مَعَه من الأجناد وهم الْيَسِير فَهَزَمَهُمْ وَأسر جمَاعَة من أكابرهم وشرد آخَرين ودانت الْيمن وَصفا لَهُ الْوَقْت وَلم يبْق لَهُ مُخَالف إلا قهره ونازعه بعد ذَلِك جمَاعَة فَغَلَبَهُمْ وسجنهم كالسيد يُوسُف بن المتَوَكل وكالسيد حُسَيْن بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 الْحسن بن الإِمَام وَهُوَ عَمه وَغير هَؤُلَاءِ وَالْحَاصِل أَنه ملك من أكابر الْمُلُوك كَانَ يَأْخُذ المَال من الرعايا بِلَا تَقْدِير وينفقه بِلَا تَقْدِير وَكَانَت الْيمن من بعد خُرُوج الأتراك مِنْهَا إِلَى أَن ملكهَا صَاحب التَّرْجَمَة مصونة عَن الْجور والجبانات وَأخذ مَالا يسوغه الشَّرْع فَلَمَّا قَامَ هَذَا أَخذ المَال من حله وَغير حله فعظمت دولته وجلت هيبته وتمكنت سطوته وتكاثرت أجناده وَصَارَ بالملوك أشبه مِنْهُ بالخلفاء وَمَعَ ذَلِك فَهُوَ يتزهد فِي ملبوسه فَإِنَّهُ كَانَ لَا يلبس الْحَرِير وَلَا رفيع الثِّيَاب وَكَانَ يُسمى صَاحب السَّجْدَة لِأَنَّهُ كَانَ إِذا خرج من موكبه وَرَأى مَا بَين يَدَيْهِ من الأجناد الْمَالِيَّة للْقَضَاء ترجل عَن جَوَاده وَسجد شكرا لله وتواضعا ومرغ وَجهه بِالْأَرْضِ وَكَانَ سفاكا للدماء بِمُجَرَّد الظنون والشكوك وَقد قتل عَالما بذلك السَّبَب وشاع على الألسن أَنه كَانَ يَأْتِيهِ فِي اللَّيْل من يخاطبه بِأَنَّهُ يقتل فلَانا وينهب مَال فلَان وَيُعْطى فلَانا وَيمْنَع فلَانا فَإِذا كَانَ النَّهَار عمل بِجَمِيعِ ذَلِك وَلَعَلَّ هَذَا الْمُخَاطب لَهُ من مَرَدَة الْجِنّ وَكَانَ يمِيل إِلَى أهل الْعلم ويجالسهم ويتشبه بهم وَرُبمَا قرأوا عَلَيْهِ وَلم يكن عَالما وَلَكِن كَانَ يحب التظهر بِالْعلمِ فيساعده على ذَلِك عُلَمَاء حَضرته رغبا ورهبا وَله تصنيف سَمَّاهُ الشَّمْس المنيرة فِي مُجَلد لطيف وقفت عَلَيْهِ وَفِيه نقل مسَائِل من مؤلفات جد ابيه الإِمَام الْقَاسِم ابْن مُحَمَّد وَلكنهَا غير مرتبَة وَلَا منقولة على أسلوب بل لَا يدري المطلع على ذَلِك الْكتاب مَا مَوْضُوعه وَلَا مَا غَرَض مُؤَلفه وَسبب ذَلِك كَون مُؤَلفه لَيْسَ من الْعلمَاء وَمَعَ هَذَا فَكَانَ يقرأه عَلَيْهِ جمَاعَة من أكَابِر الْعلمَاء وَلَيْسَ فِي موسعهم نصحه وتعريفه بِالْحَقِيقَةِ لما جبل عَلَيْهِ من الطيش وتعجيل الْعقُوبَة وَمن علو همته أَنه إِذا أراد الْإِيقَاع بوزير من وزرائه أَو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 أَمِير من أمرائه أَمر بالجند بانتهاب مَاله وَلَا يَأْخُذ مِنْهُ شَيْئا وَقد يكون مَالا جَلِيلًا وَكَانَ تملكه لليمن واستيلاؤه عَلَيْهَا بعد موت الْمُؤَيد بِاللَّه مُحَمَّد ابْن المتَوَكل على الله كَمَا تقدم وَذَلِكَ فِي سنة 1097 وَاسْتمرّ على ذَلِك إِلَى سنة 1126 وَشرع المتَوَكل على الله الْقَاسِم بن الْحُسَيْن فِي معارضته وَإِخْرَاج الْبِلَاد عَن مَمْلَكَته حَتَّى خلع نَفسه فِي سنة 1129 فَكَانَ ملكه الديار اليمنية بأسرها زِيَادَة على ثَلَاثِينَ سنة فسبحان الفعال لما يُرِيد وَمن أعظم الْحَوَادِث فِي أَيَّامه حَادِثَة السَّيِّد إِبْرَاهِيم المحطورى الشرفى الذى يُسَمِّيه النَّاس الْيَوْم المحدورى بِالدَّال الْمُهْملَة مَكَان الطَّاء الْمُهْملَة وَكَانَ بارعا فِي علم الطلسمات والشعوذة وَبِالْجُمْلَةِ فَكَانَ من أعظم السَّحَرَة وَظُهُور أمره فِي سنة 1111 وَله أَتبَاع مجاذيب ينطقون بِلَفْظ الْجَلالَة فسفك الدِّمَاء وَنهب الْأَمْوَال وَكَانَ لَا تُؤثر الرصاص فِي أَصْحَابه وَلَا يقطع أجسامهم السِّلَاح فَكَانَت الرصاصة إِذا بلغت إِلَى أَصْحَابه أمْسكهَا بِيَدِهِ وأرجعها إِلَى صَاحبهَا وارتجت الديار اليمنية لهَذِهِ الْحَادِثَة بل وَسَائِر الديار حَتَّى قيل ان سُلْطَان الرّوم كتب إِلَى نَائِبه بِمصْر يسْأَله عَن هَذَا القايم بِالْيمن الذي لَا يعْمل فِي أَصْحَابه السِّلَاح وَلَا الرصاص وَوَقعت لَهُ ملاحم دمر فِيهَا عَالما لَا يُحصونَ فَأرْسل إِلَيْهِ صَاحب التَّرْجَمَة جَيْشًا بعد جَيش وَهُوَ يهزمهم وَيقتل أَكْثَرهم وامتد أصحابه فِي مَوَاضِع من الْيمن وَلم يكن عِنْده من الْعلم شئ فَكَانَ إِذا سُئِلَ عَن وَجه مَا يسفك من الدِّمَاء ويهتك من الْحرم وينهب من الْأَمْوَال قَالَ إن سَيْفه هُوَ الذي يَأْمُرهُ بذلك ويحكى أَن سَيْفه الْمَذْكُور كَانَ يسمع لَهُ صليل وَهُوَ فِي غمده وَلَعَلَّ ذَلِك من جملَة أثر سحره وَكَانَ تَارَة يَقُول أنه لَا يخرج إلا لأجل شرب النَّاس للتنباك وتقريرهم للبانيات على الْبَقَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 فِي أَرض الْيمن وكل هَذَا من أعظم المشعرات بمزيد جَهله وَكَانَ أَصْحَابه إِذا توجهوا إِلَى حصن من الْحُصُون فتحوه فِي أسْرع وَقت وَإِن كَانَ من غَايَة الحصانة لأَنهم يرمونهم فَلَا يُؤثر ذَلِك ويضربونهم بِالسِّلَاحِ فَلَا يُؤثر ذَلِك فَإِذا لم يستسلموا ويفتحوا لَهُم الْأَبْوَاب تسوروا من الجدارات ودخلوا فاتفق فِي فتحهم لحصن ثلا إن أمْرَأَة أرْسلت على أحدهم حجرا فهشمته فَلَمَّا رَأَوْا أهل الْمحل ذَلِك أخذُوا الْأَحْجَار ورموهم بهَا فشدخوهم وَقتلُوا جمَاعَة مِنْهُم وَلم يزل صَاحب التَّرْجَمَة يُجهز جَيْشًا بعد جَيش حَتَّى جهز فِي آخر الْأَمر أَوْلَاده فِي جَيش ضخم فَكَانَ الْفَتْح وتقهقر امْر هَذَا الناجم وتفرق أَصْحَابه بعد أَن فعلوا الأفاعيل وهزموا الجيوش وفتحوا الْحُصُون ثمَّ نجا بِنَفسِهِ إِلَى جِهَات صعدة وَشرع فِي إفساد أَهلهَا وكادت الْفِتْنَة أن تعود فتلطف أَمِير صعدة إذ ذَاك وَهُوَ السَّيِّد علي بن أَحْمد بن الإِمَام الْقَاسِم بن مُحَمَّد حَتَّى وصل إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَن سَبَب سفكه للدماء ونهبه للأموال وتحليله للمحرمات فَأَجَابَهُ بِمثل مَا أعتذر بِهِ سَابِقًا مِمَّا يُؤذن بإفراط جَهله فسجنه ثمَّ ضرب عُنُقه وَأرْسل إِلَى صَاحب التَّرْجَمَة يُخبرهُ بذلك وَقد اتفق مثل هَذِه الْفِتْنَة فِي أَوَائِل أَيَّام الإِمَام الْمهْدي الْعَبَّاس ابْن الْحُسَيْن وَالِد مَوْلَانَا خَليفَة الْعَصْر الإِمَام الْمَنْصُور بِاللَّه حفظه الله وَذَلِكَ أن رجلا من السودَان يُقَال لَهُ أَبُو عَلامَة ظهر من الْمحل الذي ظهر مِنْهُ المحطوري وَهُوَ بِلَاد الشرق وَصَارَ لَهُ اتِّبَاع كثير مجاذيب لَا يعْمل فيهم سلَاح وَلَا رصاص وَاجْتمعَ مِنْهُم ألوف مؤلفة وفتحوا غَالب حصون بِلَاد حاشد وبكيل ثمَّ بعد ذَلِك استفتحوا مَوَاضِع من الْبِلَاد الإمامية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 وانتهوا إِلَى تهَامَة وَقتلُوا من النَّاس من لَا يأتي عَلَيْهِ الْحصْر ورجفت الْيمن لذَلِك وتضعضعت أركان المملكة وَصَارَ النَّاس لَا يجْرِي فِي حَدِيثهمْ غَيره وَصَارَ النِّسَاء وَمن يشابههن من الْعَوام إِذا سقط صبي لَهُم نادوا باسم هَذَا الناجم وعظمت فتنته واشتملت الأَرْض بِهِ وَمَا زَالَ الإِمَام المهدي يُرْسل إِلَيْهِ بالجيوش ويدافع بهَا عَن بِلَاده الَّتِى قد انْتَشَر فِيهَا أَصْحَاب أَبى عَلامَة الْمَذْكُور وَآخر الْأَمر عملت فيهم الأسلحة وأثرت فيهم الرصاص وَلَكنهُمْ قد صَارُوا جيوشا متكاثرة فَتَارَة تكون الدائرة لَهُم وَتارَة عَلَيْهِم وغالبهم من السودَان ثمَّ اتفق أَن أَبَا عَلامَة أرسل إِلَى الشَّام صعدة أَنهم يمدونه بِجَيْش فَخَرجُوا فِي جَيش كثير فوصلوا إِلَيْهِ وَقد أدبر أمره فَقتله جمَاعَة مِنْهُم وحملوا رَأسه إِلَى الإِمَام المهدي الْعَبَّاس وَقد أخبرني بأخبار هَذَا الناجم شَيخنَا الْعَلامَة السَّيِّد عبد الْقَادِر بن أَحْمد الْمُتَقَدّم ذكره وَكَذَلِكَ أخبرني بأخباره الْفَقِيه علي بن الْقَاسِم حَنش الْمُتَقَدّم ذكره وَكَانَا قد وصلا إِلَيْهِ اما شَيخنَا فأرسله الإِمَام المهدي وَأما الْفَقِيه عَليّ فَأرْسلهُ أَمِير كوكبان وأخبرني شَيخنَا أَنه سَأَلَ عَن سَبَب مَا هُوَ فِيهِ فَقَالَ أنه دخل صنعاء فِي أَيَّام سَابِقَة وَكَانَ المؤذنون يسبحون من المنارات فِي آخر اللَّيْل ثَلَاث تسبيحات ثمَّ دخل مرّة اخرى فَوَجَدَهُمْ قد تساهلوا بذلك فَمنهمْ من يسبح تسبيحتين وَمِنْهُم من يسبح تَسْبِيحَة وَاحِدَة وَمِنْهُم من لَا يسبح فَانْظُر إِلَى هَذَا الْجَهْل العجيب الذي اسْتحلَّ بِهِ هَذَا الطاغية سفك الدِّمَاء وهتك الْحرم وَكَانَ ظُهُوره فِي سنة 1164 أَو فِي الَّتِى بعْدهَا فانتقم الله مِنْهُ وأهلكه وَكَانَ موت الْمهْدي صَاحبه الْمَوَاهِب المترجم لَهُ فِي سنة 1130 ثَلَاثِينَ وَمِائَة وَألف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 مُحَمَّد بن أَحْمد بن جَار الله مشحم الصعدي ثمَّ الصنعاني لَهُ شُيُوخ مِنْهُم السَّيِّد الْعَلامَة احْمَد بن عبد الرَّحْمَن الشامي وَأَجَازَ لَهُ جمَاعَة من أهل الْحَرَمَيْنِ كالشيخ مُحَمَّد حبوه السندي وَكَانَ لَهُ اطلَاع على عدَّة عُلُوم مَعَ بلاغة فائقة وَعبارَة رائقة وَله مؤلفات مَجْمُوعَة فِي مجلدة وفيهَا رسائل نفيسة وَكَانَ خَطِيبًا للْإِمَام الْمَنْصُور بِاللَّه الْحُسَيْن بن الْقَاسِم ثمَّ ولاه الْقَضَاء بمحلات من الْمَدَائِن اليمنية وَفِيه كرم مفرط وَله شعر متوسط وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ من محَاسِن الْقُضَاة وَكَذَلِكَ ولاه الإِمَام المهدي الْقَضَاء بمواضع من مَدَائِن الْيمن وَله قصائد فِي مدحه فَمِنْهَا هَذِه القصيدة (زارت وَقد جن دامس الْغَلَس ... وَلم تخف أعينا من الحرس) (تخطر فِي تيهها فنم بهَا ... طيب شذاها ومنطق الجرس) (فيالها خلسة ألذ بهَا ... ألذ وصل الحبيب فِي الخلس) (عقيلة حجبت بسمر قنى ... وبيض هِنْد وأسهم وقسي) (ترمي بِسَهْم الرنا فكم قتلت ... من دارع فِي الْهوى ومترس) وهي طَوِيلَة وَلَعَلَّ مَجْمُوع أشعاره مَوْجُودَة عِنْد وَلَده القاضي الْعَلامَة أَحْمد بن مُحَمَّد الْمُتَقَدّم ذكره وَمَوته فِي أيام الْمهْدي الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن سنة 1181 إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَة وَألف وسيأتي ذكر حفيده إن شَاءَ الله مُحَمَّد بن أَحْمد بن حَمْزَة الرملي المصري الْعَالم الْمَشْهُور ولد سنة 919 تسع عشرَة وَتِسْعمِائَة وَمَوته سنة 1004 ارْبَعْ وَألف وَلم أَقف لَهُ على تَرْجَمَة مبسوطة لكنه قَالَ العصامي فِي وَصفه إمام الْحَرَمَيْنِ وَشَيخ المصريين من كَانَت الْعلمَاء تكْتب عَنهُ مَا يملي مَوْلَانَا شمس الدَّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن حَمْزَة الرملي فاتح أقفال مشكلات الْعُلُوم ومحيي مَا اندرس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 مِنْهَا من الْآثَار والرسوم أستاذ الأستاذين وَأحد عُلَمَاء الدَّين عَلامَة الْمُحَقِّقين على الإطلاق وفهامة المدققين بالِاتِّفَاقِ انْتهى مُحَمَّد بن أَحْمد بن سعد السودي ثمَّ الصنعاني المولد والمنشأ وَالدَّار ولد فِي لَيْلَة الْجُمُعَة مستهل جُمَادَى الْآخِرَة سنة 1178 ثَمَان وَسبعين وَمِائَة وَألف وَحفظ الْقُرْآن ثمَّ لازمني مُنْذُ ابْتِدَاء طلبه إِلَى انتهائه فَقَرَأَ علي فِي النَّحْو الملحة وَشَرحهَا لبحرق وَشَرحهَا للفاكهى وَالْقَوَاعِد وَشَرحهَا والكافية وَشَرحهَا للسَّيِّد الْمُفْتى ثمَّ شرحها للخبيصي ثمَّ شرحها للجامي ثمَّ شرحها للرضي ثمَّ مغني اللبيب وَقَرَأَ علي فِي الْمنطق ايساغوجي وَشَرحه للقاضي زَكَرِيَّا ثمَّ التَّهْذِيب للسعد وَشَرحه للشيرازى وَشَرحه لليزدى ثمَّ قَرَأَ علي الشافية وَشَرحهَا للشَّيْخ لطف الله الْمُسَمّى بالمناهل الصافية ثمَّ قَرَأَ على من كتب الْمعَانى وَالْبَيَان التَّلْخِيص للقزوينى وَشَرحه الْمُخْتَصر للسعد وحاشيته للطف الله وَشَرحه المطول للسعد أَيْضا وحاشيته للشريف وحاشيته للشلبي وَقَرَأَ علي من كتب الْأُصُول الكافل لِابْنِ بهران وَشَرحه لِابْنِ لُقْمَان وَغَايَة السؤل لِابْنِ الإِمَام وَشَرحهَا لَهُ وحاشيتها لسيلان ومختصر الْمُنْتَهى وَشَرحه للعضد وحاشيته للسعد والكشاف وحاشيته للسعد والنخبة وَشَرحهَا لِابْنِ حجر وآداب الْبَحْث ورسالة الْوَضع والبخاري وَمُسلم وَسنَن أَبى دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالْهَدْي لِابْنِ الْقيم وجامع الْأُصُول والشفاء للأمير الْحُسَيْن وَالْأَحْكَام للهادي والموطأ لمَالِك وغالب هَذِه الْكتب أكملها وَبَعضهَا بقيت مِنْهُ بَقِيَّة وَلَعَلَّ الله يعين على تَمامهَا وَهُوَ الْآن يقْرَأ علي فِي شرحي للمنتقى وَفِي مؤلفي الْمُسَمّى بالدرر وَشَرحه الْمُسَمّى بالدراري وَغير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 ذَلِك من مؤلفاتي فَهَذَا جملَة مَا قَرَأَهُ صَاحب التَّرْجَمَة على وَلَعَلَّه قَرَأَ على غير ذَلِك مِمَّا لَا يحضرني حَال تَحْرِير هَذِه الأحرف وَقَرَأَ فِي الْفِقْه على الْفَقِيه الْعَارِف مُحَمَّد بن حُسَيْن الويناني فِي الأزهار وَشَرحه وَقَرَأَ على شَيخنَا الْعَلامَة أَحْمد بن الحرازي فِي بَيَان ابْن مظفر وَقد برع فِي جَمِيع الْفُنُون الْمُتَقَدّم سردها وفَاق الأقران ودرس الطّلبَة بالجامع الْمُقَدّس وَهُوَ الْآن من أَعْيَان عُلَمَاء صنعاء وَمن أعظم المفيدين للطلبة وَله ذهن وقاد وَفهم إِلَى تصور الدقائق منقاد وفكرة صَحِيحَة وَإِدْرَاك تَامّ وعقل حسن وَعمل بِمَا يرجحه من الْأَدِلَّة وَطرح التَّقْلِيد ومحبة للحق وانقياد للصَّوَاب وفصاحة ورجاحة وَقُوَّة عارضة وملكة تَامَّة وقدرة على المناظرة وَسُرْعَة استحضار وَحسن تطبيق للأدلة على الْقَوَاعِد الْأُصُولِيَّة مَعَ علو همة وشهامة نفس وتعفف وقنوع وانجماع لَا سِيمَا عَن بني الدُّنْيَا وَله فِي الْأَدَب يَد قَوِيَّة واطلاع تَامّ وَله نظم جيد فَمِنْهُ مَا كتبه إِلَى فِي أَيَّام قديمَة وَهُوَ (كَفاك سموا زِينَة الدَّهْر واحده ... وتاج العلى وَالْمجد من عز وافده) (رَئِيس المعالي الْفَخر مَحْمُود عصره ... كَمَال كَمَال الدَّين والنجم شَاهده) (فَتى سَاد بِالْعلمِ الشريف شريفه ... وجلى فخار السَّبق والسعد قاصده) (بِهِ جرت الْأَيَّام أرادان زهوها ... وطالت يَمِين الْعِزّ وَاشْتَدَّ ساعده) (وجادت سَحَاب الْجُود من درمزنها ... بِمَا عَم فِي الأقطار وهي محامده) (وأثمر دوح الْعلم من بعد ماذوى ... وراقت مَعَانِيه وَطَابَتْ موارده) (وَلما تجلى الْبَدْر تما تصدعت ... دجى الْجَهْل واهتانت لدينا حواسده) (فَخذهَا وَأَنت الحبر منى عقيلة ... اغار سناها الشَّمْس والصدع عاقده) (أكافيه أَنى فِي الورى حَامِد لَهُ ... بمدحي وَقد كافى على الْعرف حامده) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 (كسانى من الْإِحْسَان مَالا أَقَله ... وإني بِهِ فَوق السماكين صاعده) فأجبت بقولي (نظام من الدر الثمين فرائده ... تزين بِهِ جيد الزَّمَان قلائده) (لمن ذهنه سيف إِذا عَن معضل ... ونار اشتعال إن أنارت مشاهده) (وَمن حَظه فِي كل علم موفر ... وأشياخه برهانه وشواهده) (اعز المعالى أَنْت للدهر زِينَة ... وَأَنت على رغم الحواسد ماجده) (وَإِن كنت محسودا على مَا حويته ... فمثلك مغبوط كثير حواسده) (فشمر على اسْم الله فِي نشر سنة ... لخير الورى واصبر على مَا تكابده) (فَإنَّك فِي دهر بِهِ قد تنكرت ... من الدَّين فَاعْلَم يَا ابْن ودى معاهده) (إِذا قلت قَالَ الله قَالَ رَسُوله ... يَقُولُونَ هَذَا مورد ضل وارده) (وَإِن قلت هَذَا قَرّرته مَشَايِخ ... يَقُولُونَ هَذَا عَالم الْعَصْر واحده) (فَلَا قدس الرَّحْمَن عصرا ترى بِهِ ... جهولا يعادي الْحق ثمَّ يعانده) (الا نَاصِر للدّين مُحَمَّد ... الاعاضد يَا للرِّجَال تعاضده) (الاغاضب يَوْمًا لسنة أَحْمد ... فَمن كَانَ منشودا فإنى ناشده) (أيا معشر الْأَعْلَام هَل من حمية ... أتهجر من قَول الرَّسُول موائده) (أينكر مَعْرُوف وَيعرف مُنكر ... وَيقبل فِي الدَّين المطهر جاحده) (لتبك عُيُون الْعلم فهي جديرة ... بفيض دموع مترعات موارده) (لتبك عُيُون الْأُمَّهَات فَإِنَّهَا ... غَدَتْ فِي عقوق من بنيها تكابده) (ألا يَا رَسُول الله قوم تلاعبت ... بهديك وَهُوَ العذب فِينَا موارده) (ونصرك مرجو على كل حَالَة ... لقد عز من خير الْخَلَائق عاضده) (وَلِصَاحِب التَّرْجَمَة أشعار فائقة وَلكنه مَشْغُول عَن الاستكثار مِنْهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 بتقييد الشوارد العلمية وتهذيب طلب عُلُوم الِاجْتِهَاد لَا برح مُسَددًا فِي كل إصدار وإيراد وَقد صَار الْآن قَاضِيا من قُضَاة مَدِينَة صنعاء وَلِلنَّاسِ إِلَيْهِ رغوب وَله قدرَة تَامَّة على فصل الْخُصُومَات وإيضاح الْمُهِمَّات مُحَمَّد بن أَحْمد بن سُلَيْمَان بن يَعْقُوب بن علي بن سَلامَة بن عَسَاكِر بن حُسَيْن بن قَاسم بن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الْجلَال أَبُو المعاطي الدمشقي الشافعي الْمَعْرُوف بِابْن خطيب داريا ولد بليلة الْأَرْبَعَاء ثَالِث ربيع الأول سنة 745 خمس وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة واشتغل بالفقه والعربية واللغة وَسَائِر فنون الْأَدَب وشارك فِي العقليات وَكثر استحضاره للغة واشتهر بوفور الذكاء حَتَّى كَانَ يقتدر على تَصْوِير الْبَاطِل حَقًا وَالْحق بَاطِلا وَكَانَ يتلاعب بالأكابر بِاسْتِعْمَال نوع من الْكَلَام منسجم تفهم مفرداته وَأما تراكيبه فمهملة يتحير سامعه لِخُرُوجِهِ من علم إِلَى علم بِحَيْثُ يظن أَنه سرد جَمِيع الْعُلُوم وَمن جملَة مَا وَقع مِنْهُ أَنه أَرَادَ يتلاعب بالقاضي برهَان الدَّين بن جمَاعَة فحرر رقما فِي بيع جَانب من مَسْجِد بني أُميَّة يعرف بالغزالية وَتصرف فِي الْكَلَام على قَاعِدَته وَذكر الْحُدُود وَكتب لفظ الغزالية العرابية ليتَمَكَّن من إصلاحها بعد ذَلِك ويبلغ مُرَاده من التشنيع على القاضي فِي كَونه أذن فِي بيع قِطْعَة من الْجَامِع الأموي فَفطن القاضي لصنعه ورام الْإِيقَاع بِهِ ففر إِلَى الْقَاهِرَة وَبِالْجُمْلَةِ فالغالب عَلَيْهِ المجون والهزل مَعَ تقدمه فِي فنون الْأَدَب حَتَّى صَار شَاعِر الشَّام فِي وقته بِدُونِ مدافع وسلك آخر مدَّته طَريقَة مثلى فِي التصوف وَالتَّعَفُّف وَله تصانيف كَثِيرَة مِنْهَا الامتاع بالإتباع ورتبه على الْحُرُوف والإمداد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 فِي الأضداد ومحبوب الْقُلُوب وملاذ الشواذ ذكر فِيهِ شواذ الْقُرْآن وطرف اللِّسَان بظرف الزَّمَان ذكر فِيهِ أَسمَاء الْأَيَّام والشهور الْوَاقِعَة فِي اللُّغَة وَكتاب فِي اللُّغَة رتبه على الْحُرُوف وخاتمة فِي النَّوَادِر والنكت وأرجوزة نَحْو ثَلَاث مائَة بَيت ذكر فِيهَا من روى عَن النبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الصحابة وَعدد كل مَا وجد روى من الحَدِيث وَتَحْصِيل الأدوات بتفصيل الوفيات فِي بَيَان من علم مَحل مَوته من الصَّحَابَة ومطالب المطالب فِي معرفَة تَعْلِيم الْعُلُوم وَمَعْرِفَة من هُوَ أهل لذَلِك وَنَهْيه الأمنيات فِي الْكَلَام على حَدِيث إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَشرح الفيه بن مَالك شرحا سَمَّاهُ طرح الْخَصَاصَة شرح الْخُلَاصَة وَكَانَ قد صاهر الْمجد اللغوي فلازمه وَسمع مَعَه على جمَاعَة ومدح الأكابر وَهُوَ الْقَائِل (يَا عين إن بعد الحبيب وداره ... ونأت مرابعه وشط مزاره) (فَلَقَد حظيت من الزَّمَان بطائل ... إن لم تربه فَهَذِهِ آثاره) وَمِنْه (إذ الْمَرْء أبدى فِيك فرط محبَّة ... وَبَالغ فِي بذل الوداد وأكثرا) (فإياك أَن تغتر من بذل وده ... وَلَو مد مَا بَين الثريا إِلَى الثرا) (فَمَا حبه للذات فِيك وَإِنَّمَا ... لأمر إِذا مَا زَالَ عَنْك تغيرا) وَمِنْه (اقبل نصيحة واعظ ... وَلَو أَنه فِيهَا مرائي) (فلربما نفع الطَّبِيب ... وَكَانَ أحْوج للدواء) وَمِنْه (لعمرك مَا فِي الأَرْض من تَسْتَحي لَهُ ... وَلَا من تداري أَو تخَاف لَهُ عتبا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 (فعش ملقيا عَنْك التَّكَلُّف جانبا ... وَلَا ترض بَين النَّاس من اُحْدُ قربا) وَأقَام فِي آخر مدَّته بِالْقَاهِرَةِ حَتَّى مَاتَ فِي ربيع الأول سنة 811 إحدى عشرَة وثمان مائَة مُحَمَّد بن احْمَد بن عبد الهادي ابْن عبد الصَّمد بن عبد الهادى ابْن يُوسُف بن مُحَمَّد بن قدامَة الْمَقْدِسِي الحنبلي شمس الدَّين ولد فِي رَجَب سنة 705 خمس وَسَبْعمائة وَسمع من التقي سُلَيْمَان وَابْن سعد وطبقتهم وتفقه بِابْن مُسلم وَتردد إِلَى ابْن تَيْمِية وَمهر فِي الحَدِيث وَالْفِقْه وَالْأُصُول الْعَرَبيَّة وَغَيرهَا قَالَ الصفدي لَو عَاشَ لَكَانَ آيَة كنب إِذا لَقيته سَأَلته عَن مسَائِل أدبية وفوائد عَرَبِيَّة فينحدر كالسيل وَكنت أرَاهُ يرد على المزي فِي أَسمَاء الرِّجَال فَيقبل مِنْهُ وَقَالَ الذهبي فِي مُعْجَمه الْمُخْتَصر الْفَقِيه البارع المقري المجود الْمُحدث الْحَافِظ النحوي الحاذق ذُو الْفُنُون كتب علي واستفدت مِنْهُ وَقَالَ ابْن كثير كَانَ حَافِظًا عَلامَة ناقدا حصل من الْعُلُوم مَالا يبلغهُ الشُّيُوخ الْكِبَار وبرع فِي الْفُنُون وَكَانَ جبلا فِي الْعِلَل والطرق وَالرِّجَال حسن الْفَهم جدا صَحِيح الذِّهْن وَمن الغرائب أَنه حدث الذهبي عَن المزي عَن السروجي عَنهُ وَقَالَ المزي مَا التقيت بِهِ إِلَّا واستفدت مِنْهُ وَله كتاب الْأَحْكَام فِي ثَمَان مجلدات وَالرَّدّ على السبكي فِي رده على ابْن تَيْمِية وَالْمُحَرر فِي الحَدِيث اخْتَصَرَهُ من الْإِلْمَام لِابْنِ دَقِيق الْعِيد فجوده جدا وَاخْتصرَ التَّعْلِيق لِابْنِ الجوزي وَزَاد عَلَيْهِ وحرره وَشرح التسهيل فِي مجلدين وَله منافسات لِابْنِ حَيَّان فِيمَا اعْترض بِهِ على ابْن مَالك فِي الألفية وَغير ذَلِك وَله الْكَلَام على أَحَادِيث مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب وَشرع فِي كتاب الْعِلَل على تَرْتِيب كتاب الْفِقْه وَجمع التَّفْسِير الْمسند وَلم يكمل قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 الذهبي مَا اجْتمعت بِهِ قط إلا واستفدت مِنْهُ وَمَات فِي عَاشر جُمَادَى الأولى سنة 744 أَربع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة فَكَانَ عمره دون أَرْبَعِينَ سنة وتأسف النَّاس عَلَيْهِ مُحَمَّد بن أَحْمد بن عُثْمَان بن إِبْرَاهِيم بن عَدْلَانِ بن مَحْمُود بن لَاحق بن دَاوُد الْمصْرِيّ الشافعي الْمَعْرُوف بِابْن عَدْلَانِ ولد فِي سنة 663 ثَلَاث وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَسمع من الدمياطي وَابْن دَقِيق الْعِيد وَجَمَاعَة وتفقه على آخَرين وبرع فِي الْفِقْه ودرس وَأفْتى وناب فِي الحكم عَن ابْن دَقِيق الْعِيد وَتوجه رَسُولا إِلَى الْيمن فِي سلطنة بيبرس الجاشنكير فَمَا عَاد إلا وَقد قتل السُّلْطَان وَعَاد الْملك النَّاصِر إِلَى السلطنة فَلم يرفع لَهُ رَأْسا وَلَا ولاه شَيْئا فِي حَيَاته ثمَّ ولي قَضَاء الْعَسْكَر بعد موت السُّلْطَان وَكَانَ قد شرع فِي شرح مُخْتَصر المزني شرحا مطولا فَلم يكمله وَكَانَ من أفقه النَّاس فِي زَمَنه من الشَّافِعِيَّة ودارت عَلَيْهِ الْفتيا قَالَ الأسنوي كَانَ إِمَامًا فِي الْفِقْه يضْرب بِهِ الْمثل مَعَ معرفَة بالأصلين والعربية وَالْقِرَاءَة وَكَانَ ذكيا نظارا فصيحا يعبر عَن الْأُمُور الجلية بالعبارات الوجيزة مَعَ السرعة والديانة والمروءة وسلامة الصَّدْر ودرس بالناصرية وَكَانَت الْعَادة أَن يقْرَأ الْقَارئ آيَة فيتكلم عَلَيْهَا ابْن عَدْلَانِ كلَاما وَاسِعًا بِحَيْثُ يظن من سَمعه أَنه طالع التَّفْسِير وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِن الْقَارئ لِلْآيَةِ كَانَ إِذْ ذَاك من قوم بَينه وَبينهمْ مُنَافَسَة وَمَات فِي ذي الْقعدَة سنة 749 تسع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 مُحَمَّد بن أَحْمد بن عُثْمَان بن قايماز بن عبد الله التركماني الأَصْل الفارقي ثمَّ الدمشقي أَبُو عبد الله شمس الدَّين الذهبي الْحَافِظ الْكَبِير المؤرخ صَاحب التصانيف السائرة فِي الأقطار ولد ثَالِث شهر ربيع الآخر سنة 773 ثَلَاث وَسبعين وَسَبْعمائة وَأَجَازَ لَهُ فِي سنة مولده جمَاعَة بعناية أَخِيه من الرَّضَاع وَطلب بِنَفسِهِ بعد سنة 690 فَأكْثر عَن ابْن عَسَاكِر وطبقته ثمَّ رَحل إِلَى الْقَاهِرَة وَأخذ عَن الدمياطي وَابْن الصَّواف وَغَيرهمَا وَخرج لنَفسِهِ ثَلَاثِينَ بَلَدا وَمهر فِي فن الحَدِيث وَجمع فِيهِ المجاميع المفيدة الْكَثِيرَة قَالَ ابْن حجر حَتَّى كَانَ أَكثر أهل عصره تصنيفا وَجمع تَارِيخ الْإِسْلَام فأربى فِيهِ على من تقدمه بتحرير أَخْبَار الْمُحدثين خُصُوصا انْتهى أي لَا بِاعْتِبَار تَحْرِير أَخْبَار غَيرهم فَإِن غَيره ابْسُطْ مِنْهُ وَاخْتصرَ مِنْهُ مختصرات كَثِيرَة مِنْهَا النبلاء والعبر وتلخيص التَّارِيخ وطبقات الْحفاظ وطبقات الْقُرَّاء وَلَعَلَّ تَارِيخ الْإِسْلَام فِي زِيَادَة على عشْرين مجلدا وقفت مِنْهُ على أَجزَاء والنبلاء فِي نَحْو الْعشْرين مجلدا وقفت مِنْهُ على أَجزَاء وَهُوَ مُخْتَصر من تَارِيخ الْإِسْلَام بِاعْتِبَار أَن الأَصْل لمن نبل وَلمن لم ينبل فِي الْغَالِب والنبلاء لَيْسَ إلا لمن نبل لكنه أَطَالَ تراجم النبلاء فِيهِ بمالم يكن فِي تَارِيخ الْإِسْلَام وَمن مصنفاته الْمِيزَان فِي نقد الرِّجَال جعله مُخْتَصًّا بالضعفاء الَّذين قد تكلم فيهم مُتَكَلم وَهُوَ كتاب مُفِيد فِي ثَلَاثَة مجلدات كبار وَله كتاب الكاشف الْمَعْرُوف ومختصر سنَن البيهقي الْكُبْرَى ومختصر تَهْذِيب الْكَمَال لشيخه المزي وَخرج لنَفسِهِ المعجم الصَّغِير وَالْكَبِير والمختص بالمحدثين فَذكر فِيهِ غَالب الطّلبَة من أهل ذَلِك الْعَصْر وعاش الْكثير مِنْهُم بعده إِلَى نَحْو أربعين سنة وَخرج لغيره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 من شُيُوخه وأقرانه وتلامذته وَجَمِيع مصنفاته مَقْبُولَة مَرْغُوب فِيهَا رَحل النَّاس لأَجلهَا وأخذوها عَنهُ وتداولوها وقرأوها وكتبوها فِي حَيَاته وطارت فِي جَمِيع بقاع الأَرْض وَله فِيهَا تعبيرات رائقة وألفاظ رشيقة غَالِبا لم يسْلك مسلكه فِيهَا أهل عصره وَلَا من قبلهم وَلَا من بعدهمْ وَبِالْجُمْلَةِ فَالنَّاس فِي التَّارِيخ من أهل عصره فَمن بعدهمْ عِيَال عَلَيْهِ وَلم يجمع أحد فِي هَذَا الْفَنّ كجمعه وَلَا حَرَّره كتحريره قَالَ الْبَدْر النابلسي فِي مشيخته كَانَ عَلامَة زَمَانه فِي الرِّجَال وأحوالهم جيد الْفَهم ثاقب الذِّهْن وشهرته تغني عَن الإطناب فِيهِ وَقد أَكثر التشنيع عَلَيْهِ تِلْمِيذه السبكي وَذكر فِي مَوَاضِع من طبقاته للشَّافِعِيَّة وَلم يَأْتِ بطائل بل غَايَة مَا قَالَه إنه كَانَ إِذا ترْجم الظَّاهِرِيَّة والحنابلة أَطَالَ فِي تقريظهم وَإِذا ترْجم غَيرهم من شافعي أَو حنفي لم يسْتَوْف مايستحقه وعندي أَن هَذَا كَمَا قَالَ الأول (وَتلك شكاة ظَاهر عَنْك عارها) فَإِن الرجل قد ملئ حبا للْحَدِيث وَغلب عَلَيْهِ فَصَارَ النَّاس عِنْده هم أَهله وَأكْثر محققيهم وأكابرهم هم من كَانَ يُطِيل الثَّنَاء عَلَيْهِ إلا من غلب عَلَيْهِ التَّقْلِيد وَقطع عمره فِي اشْتِغَال بِمَا لَا يُفِيد وَمن جملَة مَا قَالَه السبكي فِي صَاحب التَّرْجَمَة أَنه كَانَ إِذا أَخذ الْقَلَم غضب حَتَّى لَا يدرى مايقول وَهَذَا بَاطِل فمصنفاته تشهد بِخِلَاف هَذِه الْمقَالة وغالبها الْإِنْصَاف والذب عَن الأفاضل وَإِذا جرى قلمه بالوقيعة فِي أحد لم يكن من معاصريه فَهُوَ إنما روى ذَلِك عَن غَيره وَإِن كَانَ من معاصريه فالغالب أَنه لَا يفعل ذَلِك إلا مَعَ من يسْتَحقّهُ وَإِن وَقع مَا يُخَالف ذَلِك نَادرا فَهَذَا شَأْن الْبشر وكل أحد يُؤْخَذ من قَوْله وَيتْرك إلا الْمَعْصُوم والأهوية تخْتَلف والمقاصد تتباين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 وَرَبك يحكم بَينهم فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ وَقد تصدر للتدريس بمواضع من دمشق وَكَانَ قد أضر قبل مَوته بسنوات وَكَانَ يغْضب إِذا قيل لَهُ يقْدَح عَيْنَيْهِ وَيَقُول مَا زلت أعرف بصري ينقص قَلِيلا قَلِيلا إِلَى أَن تَكَامل عَدمه قَالَ الصَّفَدِي لم يكن عِنْده جمود الْمُحدثين بل كَانَ فَقِيه النَّفس لَهُ دراية بأقوال النَّاس وَهُوَ الْقَائِل مضمنا (إِذا قَرَأَ الحَدِيث علي شخص ... وأخلى موضعا لوفاة مثلى) (فَمَا جازى بِإِحْسَان لأني ... أُرِيد حَيَاته وَيُرِيد قَتْلَى) قَالَ الصَّفَدِي فَأَنْشَدته لنفسى (خليك مَاله فِي ذَا مُرَاد ... فدم كَالشَّمْسِ فِي أعلى مَحل) (وحظي أَن تعيس مدى الليالي ... وَأَنَّك لَا تمل وَأَنت تملي) قَالَ الصفدي فأعجبه قولي خليك لِأَن فِيهِ إشارة إِلَى بَقِيَّة الْبَيْت الذي ضمنه هُوَ مَعَ الاتفاق فِي اسْم خَلِيل وَمَات فِي لَيْلَة الثَّالِث من ذي الْقعدَة سنة 748 ثَمَان وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة مُحَمَّد بن أَحْمد بن عُثْمَان بن نعيم بِفَتْح النُّون وَكسر الْعين ابْن مقدم بِكَسْر الدَّال الْمُهْملَة الْمُشَدّدَة بن مُحَمَّد بن حسن بن غَانِم بن مُحَمَّد بن عليم بِضَم الْعين الْمُهْملَة شمس الدَّين البسطي ثمَّ القاهري المالكي ولد فِي سنة 760 سِتِّينَ وَسَبْعمائة واشتغل بِالْعلمِ فَأخذ عَن مَشَايِخ عصره وارتحل إِلَى الْقَاهِرَة وَمن جملَة من أَخذ عَنهُ المغربي المالكي ولازمه نَحْو عشر سِنِين والعز بن جمَاعَة وَابْن خلدون وعَلى سَائِر عُلَمَاء الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول فِي ذَلِك الْعَصْر وبرع فِي الْفِقْه والأصلين والعربية واللغة والمعاني وَالْبَيَان والمنطق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 وَالْحكمَة والجبر والمقابلة والطب والهيئة والهندسة والحساب وَصَارَ فريد عصره ويروى عَنهُ أَنه قَالَ أعرف نَحْو عشْرين علما مَا سُئِلت عَن مسئلة مِنْهَا وَمَعَ ذَلِك فَكَانَ شَدِيد الْفَاقَة رُبمَا مَضَت الْأَيَّام والليالي وَلَا يجد درهما بِحَيْثُ يضْطَر إِلَى بيع بعض نفائس كتبه ثمَّ تحرّك لَهُ الْحَظ فَأولى مَا ولي تدريس الشيخونية فِي سنة 805 ثمَّ ولي بعد ذَلِك التدريس فِي أَمَاكِن ثمَّ قَضَاء الْمَالِكِيَّة بالديار المصرية فِي سنة 823 وسافر مَعَ السُّلْطَان مرة بعد أُخْرَى وَحج وجاور بِمَكَّة سنة كَانَ فِي الْمُجَاورَة على قدم عَظِيم من الْعِبَادَة وَكَثْرَة التِّلَاوَة وَنشر الْعلم وَقد تفرد فِي عصره بِكَثْرَة الْفُنُون وتزاحم الطّلبَة بل الْعلمَاء بل الْأَئِمَّة فِي الْأَخْذ عَنهُ من جَمِيع الطوائف وَله تصانيف مِنْهَا المغني فِي الْفِقْه وَلم يكمل وشفاء الغليل على مُخْتَصر الشَّيْخ الْجَلِيل وَلم يكمل أَيْضا وحاشية على المطول للتفتازاني وعَلى شرح الطوالع للقطب وعَلى المواقف للعضد وَله نكت على الطوالع للبيضاوي ومقدمة مُشْتَمِلَة على مَقَاصِد الشَّامِل فِي الْكَلَام وَأُخْرَى فِي الْعَرَبيَّة وَله نظم فَمِنْهُ (وَلم أنس ذَاك الْإِنْس وَالْقَوْم هجع ... وَنحن ضيوف والقراء منوع) (وعشاق ليلى بَين باك وصارخ ... وَآخر مِنْهُم بالوصال ممتع) (وَآخر فِي السّتْر الإلهي متيم ... تغوص بِهِ الأمواج حينا وترفع) (وَآخر قرت حَاله فتميزت ... معارفه فِيمَا يروم وَيدْفَع) (وَآخر أفنى الْكل عَن كل ذَاته ... فَكل الذي فِي الْكَوْن مرأى ومسمع) (وَآخر لَا كَون لَدَيْهِ ولاله ... رَقِيب يلاحظه يثنى وَيجمع) وَلم يزل على ارْتِفَاع مَكَانَهُ فِي أُمُور الدُّنْيَا وَالدّين حَتَّى مَاتَ فِي لَيْلَة الْجُمُعَة ثَالِث عشر رَمَضَان سنة 842 اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وثمان مائَة بِالْقَاهِرَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 مُحَمَّد بن أَحْمد بن علي بن أَبى عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن علي بن عبد الرَّحْمَن بن سعيد بن عبد الْملك التقى الفاسي المكي المالكي شيخ الْحرم ولد فِي ربيع الأول سنة 775 خمس وَسبعين وَسَبْعمائة بِمَكَّة وَنَشَأ بهَا وبالمدينة وَطلب بِنَفسِهِ فَسمع من ابْن صديق والنويري وَغَيرهمَا وَدخل الْقَاهِرَة غير مرّة فَقَرَأَ على البليقنى وَابْن الملقن والعراقى والهيتمى وَغَيرهم وَكَذَا دخل دمشق مرَارًا وَقَرَأَ على مشايخها وسافر إِلَى غَزَّة والرملة ونابلس والإسكندرية وَدخل الْيمن مرَارًا وَسمع مشايخها وَبَلغت عدَّة شُيُوخه بِالسَّمَاعِ وَالْإِجَازَة نَحْو خمس مائَة وعني بِعلم الحَدِيث أتم عناية وَكتب الْكثير وَأفَاد وانتفع النَّاس بِهِ وَأخذُوا عَنهُ ودرس وَأفْتى وَحدث بالحرمين والقاهرة ودمشق واليمن وَكَانَ ذَا يَد طولى فِي التَّارِيخ والْحَدِيث وَاسع الْحِفْظ واعتنى بأخبار بَلَده فأحيا معالمها وأوضح مجاهلها وحدد مآثرها وَترْجم أعيانها فَكتب لَهُ تَارِيخا حافلا سَمَّاهُ شِفَاء الغرام بأخبار الْبَلَد الْحَرَام فِي مجلدين جمع فِيهِ مَا فِي الأزرقي وَزَاد عَلَيْهِ مَا تجدد بعده وَعمل العقد الثمين فِي تَارِيخ الْبَلَد الْأمين فِي أَربع مجلدات وصنف ذيلا على سيرة النبلاء للذهبى وَعمل على التَّقْيِيد لِابْنِ نقطة وَفِي الْأَذْكَار والدعوات والمناسك على مَذْهَب الشَّافِعِي وَمَالك وَاخْتصرَ حَيَاة الْحَيَوَان للدميري وَخرج الْأَرْبَعين المتباينات لنَفسِهِ وتصانيفه كَثِيرَة وَولى قَضَاء الْمَالِكِيَّة بِمَكَّة فِي شَوَّال سنة 807 سبع وثمان مائَة وعزل مرَارًا وَمَات وَهُوَ مَعْزُول بِمَكَّة فِي شَوَّال 832 اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وثمان مائَة وَقد ترْجم نَفسه فِي تَارِيخ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 مَكَّة بِزِيَادَة على كراس مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن أَحْمد بن هَاشم الْجلَال أَبُو عبد الله الْمحلى الأَصْل نِسْبَة إِلَى المحلة الْكُبْرَى بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة من الْقَاهِرَة الشافعي وَيعرف بالجلال الْمحلى ولد فِي مستهل شَوَّال سنة 719 إحدى وَتِسْعين وَسَبْعمائة بِالْقَاهِرَةِ وَنَشَأ بهَا واشتغل فِي فنون فَأخذ الْفِقْه وأصوله والعربية عَن الشَّمْس البرماوي وَعَن الْجلَال البلقيني والولي العراقي والعز بن جمَاعَة والمنطق والجدل والمعاني وَالْبَيَان وَالْعرُوض عَن الْبَدْر الأقصرائي ولازم البساطي فِي التَّفْسِير وأصول الدَّين وَغَيرهمَا والْعَلَاء بن البخاري وَقَرَأَ على غير هَؤُلَاءِ وَأخذ عُلُوم الحَدِيث عَن الولي العراقي والحافظ بن حجر وَمهر وَتقدم على غَالب أقرانه وتفنن فِي الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة والنقلية وتصدى للتصنيف والتدريس فشرح جمع الْجَوَامِع والورقات والمنهاج الفرعي والبردة شروحا متقنة مختصرة وَعمل لنَفسِهِ منسكا وتفسيرا لم يكمل وَرغب الْأَئِمَّة فِي تَحْصِيل تصانيفه وقراءتها وإقرائها وَقَرَأَ عَلَيْهِ من لَا يُحْصى كَثْرَة وارتحل الْفُضَلَاء للأخذ عَنهُ وَهُوَ حاد المزاج لَا سِيمَا فِي الْحر وَإِذا ظهر لَهُ الصَّوَاب على يَد من كَانَ رَجَعَ إِلَيْهِ وَقد ولي التدريس بمواضع وَكَانَ مفرط الذكاء صَحِيح الذِّهْن لَا يقبل ذهنه الْغَلَط قوي المباحثة مُعظما عِنْد الْخَاصَّة والعامة مَشْهُور الذكر بعيد الصيت مَقْصُودا بالفتاوى من الْأَمَاكِن الْبَعِيدَة قَالَ السخاوي وترجمته تحْتَمل كراريس وَقد حج مرار وَمَات بعد أَن تعلل بالإسهال فِي يَوْم السبت مستهل سنة 864 أَربع وَسِتِّينَ وثمان مائَة وتأسف النَّاس على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 فَقده وَلم يخلف بعده فِي مَجْمُوعه مثله مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن جَار الله مشحم الصعدي الأَصْل الصنعاني المولد والمنشأ ولد سنة 1168 سِتّ وَثَمَانِينَ وَمِائَة وَألف وَقَرَأَ الْفِقْه على السَّيِّد الْعَلامَة الْحُسَيْن بن يحيى الديلمى والفقيه الْعَلامَة سعيد بن إِسْمَاعِيل الرشيدي وَشَيخنَا الْعَلامَة أَحْمد بن مُحَمَّد الحرازي وَقَرَأَ فِي سَائِر الْعُلُوم على عَمه الْعَلامَة عبد الله بن مُحَمَّد مشحم وَالسَّيِّد الْعَلامَة على بن عبد الله الْجلَال وَالسَّيِّد الْعَلامَة إِبْرَاهِيم بن عبد الْقَادِر وَشَيخنَا الْعَلامَة عبد الله بن إِسْمَاعِيل النهمي وَقَرَأَ على فِي الْفَرَائِض وَشرح الرضى للكافية ومغني اللبيب وَفِي الترمذي وَسنَن أَبى دَاوُد وَغير ذَلِك وبرع فِي النَّحْو وَالصرْف والمنطق والمعاني وَالْبَيَان وَالْأُصُول وَالْفِقْه والْحَدِيث وشارك فِي سَائِر الْفُنُون وَله ذهن قويم وَفهم جيد وذكاء متوقد وَحسن تصور باهر وَقُوَّة إدراك مفرط بِحَيْثُ يرتقى بِأَدْنَى اشْتِغَال إِلَى مَالا يرتقى إِلَيْهِ من هُوَ أَكثر مِنْهُ اشتغالاً وَهُوَ مِمَّن لَا يعول على التَّقْلِيد بل يعْمل بِمَا يرجحه من الْأَدِلَّة وولاه مَوْلَانَا الإِمَام الْمَنْصُور بِاللَّه حفظه الله الْقَضَاء الصَّنْعَانِيّ بِصَنْعَاء من جملَة قضاتها فَكَانَ يقْضى بَين النَّاس بمَكَان وَالِده وَأثْنى النَّاس عَلَيْهِ وَرَغبُوا فِيهِ لما هُوَ عَلَيْهِ من الصلابة فِي الدَّين وَسُرْعَة الْفَصْل للقضايا المشكلة وَلَعَلَّ توليه للْقَضَاء كَانَ فِي سنة 1210 ثمَّ حجر فِي سنة 1211 ثمَّ ولاه مَوْلَانَا الإِمَام قَضَاء بِلَاد ريمة فِي سنة 1212 ثمَّ نَقله إِلَى قَضَاء الحديدة وَهُوَ الْآن هُنَالك مُسْتَمر على الْقَضَاء متأسف على فِرَاق صنعاء متلهب على مَا فَاتَهُ من الطلب للعلوم على مشايخها وَكَانَ قبل ارتحاله من صنعاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 إِلَى تِلْكَ الْجِهَة يكثر الِاتِّصَال بَيْننَا ويجري من المباحث العلمية فِي أَنْوَاع الْعلم أَشْيَاء كَثِيرَة وبيني وَبَينه مَوَدَّة أكيدة ومحبة زَائِدَة وَمَا زَالَت كتبه تصل من هُنَالك تَارَة بمسائل علمية وَتارَة بمطارحة أدبية وَمِمَّا كتبه إِلَى من هُنَالك هَذِه القصيدة الَّتِى هي ذَات قافيتين (صب يورقه النسيم إِذا سرى ... من نَحْو صنعا ... حَامِلا طيب الرسائل) (ويثير لوعته الْحمام إِذا علت ... فِي الدوح فرعا ... والزهور لَهُ غلائل) (وغدت تردد فِي الغصون هديرها ... وتميد سجعا ... تدعى شجو البلابل) (اذ كَيْت ياورق الغرام وَأَنت لم ... تدنيه قطعا ... والغرام لَهُ دَلَائِل) (طوقت جيدك وَالْخطاب أجدته ... فِي الْكَفّ وضعا ... لم يكن عَنْهَا بفاصل) (ووقفت بَين أرايك قد دبجت ... زهرا وزرعا ... وارتقصت على الخمائل) (وجمعت شملك بالأليف مُوَافقا ... جِنْسا ونوعا ... مشبها لَك فِي الشَّمَائِل) (لَا در دَرك يافراق قطعت حَبل ... الْوَصْل قطعا ... ثمَّ بددت الْوَسَائِل) (وتركتني أرعى السهى وأذيل فِي ... الْخَدين دمعا ... يخجل السحب الهواطل) (وتذود عَن عيني الْكرَى وَأَيْنَ ... أَيْن النوم يسْعَى ... فِي الْعُيُون وهي هوامل) (ياليت شعري هَل يكون لنا من ... الْأَيَّام رجعاً ... بَين هاتيك الْمنَازل) (وَأرى الْفِرَاق مصفدا متصدعاً ... بالوصل صدعا ... لَا تروعنا النَّوَازِل) (وزمام دهري فِي يدي أجيله ... فِي كل مسعى ... لايني وَلَا يخاذل) (فِي ذَلِك الربع الممنع يَا سقَاهُ الله ربعا ... فِي الغدوة والأصائل) (كم غازلتنى فِيهِ من تركت لَهَا ... العشاق صرعى ... لَا تجيب وَلَا تسائل) (هيفا بعامل قدها رفعت مَنَام ... الْعين رفعا ... لَيْسَ من عمل العوامل) (وَلَكِن صبوت وَكم هززت من العلى ... وَالْمجد جذعا ... جانيا ثَمَر الْفَضَائِل) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 (حَتَّى أتيح لي النَّوَى فَغَدَوْت فِي ... الْمَقْدُور اسعى ... عَن ديارى ثمَّ راحل) (فتبدلت عرر اللَّيَالِي بالدواهي والليا لي ... حلن جزعا ... مثل حَال الصب حَائِل) (يَا دهر عد بالوصل أَو ناصقت ... حظي مِنْك شرعا ... عِنْد حاكمنا الحلاحل) (قاضي الْقَضَاء مُحَمَّد الْبَدْر الذى دَانَتْ لَهُ ... الْعليا طَوْعًا ... زِينَة الفضلا الأماثل) (حاوي المعارف كلهَا ومحامد ... الْأَوْصَاف جمعا ... نخبة النخب الأفاضل) فأجبت بقولى (قلب تقلب فِي فنون من جُنُون ... الْعِشْق طبعا ... فِي ربى تِلْكَ الْمنَازل) (يذري دموع عيونه محمرة ... وترا وشفعا ... من هوى ظبي الخمائل) (سل عَنهُ هَل طابت لَهُ ياريم رامت ... ارْض صنعا ... فِي ضحاها والأصائل) (مَا الْعَيْش إلا فِي ذرى الأحباب ... والأتراب قطعا ... كم على هَذَا دلايل) (يَا عز دين الله لَا تجزع لبين ... شت جمعي ... الصَّبْر شِيمَة كل فَاضل) (لَا تجز عَن من الْفِرَاق فَلَيْسَ ذَاك ... الْبعد بدعا ... مالازم الأوطان كَامِل) (صبرا على الزَّمن الذي مَا زَالَ بالمكروه ... يسْعَى ... وَبِكُل مانهواه باخل) (وَأعلم بأنك تَحت تَدْبِير القضا ... نصبا ورفعا ... يالقاك فِيهِ كل عَامل) (مَا أَنْت مضطهد وَلَا تَحت امتنان ... لِابْنِ لكعا ... يَا ابْن الأكارم والأماثل) (بل نَافِذ الْأَقْوَال تصدع إن تشا ... بِالْحَقِّ صدعا ... وتكف صولة كل صائل) (وتخفف الأثقال عَن مستضعف ... دفعا ونفعا ... وتحط عَنهُ كل بَاطِل) (وتصول صولة فاتك أن ينتهك ... فِي النَّاس شرعا ... فدم من الإعتام جَاهِل) (كم بَين من يقْضِي بِمَا قَامَ الدَّلِيل ... عَلَيْهِ قطعا ... وفتى على التَّحْقِيق عاطل) (يرْوى من الرأي الْمُجَرّد كل ... فاقرة وشنعا ... مَقْصُودَة قد قَالَ قَائِل) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 (كم بَين ذَاك وَبَين ذَا من غَايَة ... رفعا ووضعا ... ايْنَ العقال من المعاقل) (إياك يَا بدر الأفاضل ان ... تطِيق بِذَاكَ ذرعا ... الصَّبْر من دأب الأفاضل) (قل لى رعاك الله مَا وَجه التشوق ... نَحْو صنعا ... تنظر إِلَى طالع ونازل) (إن قلت مربع من هويت ويارعاه ... الله ربعا ... كم فِيهِ من شخص مشاكل) (فالتبر يَا مولاي فِي أوطانه ... كالترب نفعا ... وأسأل لهَذَا كل عَاقل) (والبدر لَو لزم السّكُون لَكَانَ ... طول الدَّهْر بدعا ... بَين الْأَنَام هِلَال ناحل) (وَاللَّيْث لَوْلَا سَعْيه فِي كل قفر ... مَاتَ جوعا ... اسْمَع هديت وَلَا تجَادل) وَهَذَا الْجَواب أَكْثَره لَا يعجبني فإني كتبته إِلَى صَاحب التَّرْجَمَة حَال تَحْرِير جَوَاب كِتَابه بِدُونِ تدبر وَلَا تفكر بل قَالَ رَسُوله أنه عازم فِي تِلْكَ السَّاعَة فكتبته وَهُوَ قَائِم على الْبَاب والمترجم لَهُ عافاه الله مُسْتَمر على حَاله الْحسن صرف الله عَنهُ جَمِيع المحن ثمَّ إن صَاحب التَّرْجَمَة رغب عَن الْقَضَاء لأجل مَا حصل من الْفِتَن بتهامة وَوصل إِلَى صنعاء وَأخذ عَنى فِي فنون الحَدِيث ثمَّ مرض مَرضا طَويلا وانتقل إِلَى رَحمَه الله فِي شهر رَجَب سنة 1223 ثَلَاث وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَألف مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن بكر بن مُحَمَّد ابْن مَرْزُوق بن عبد الله العجيسي التلمساني المالكي الْمَعْرُوف بِابْن مَرْزُوق ولد فِي ثَالِث عشر ربيع الأول سنة 766 سِتّ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة واشتغل ببلاده على جمَاعَة من أَهلهَا وَحج وَسمع من الْبَهَاء الدماميني بالإسكندرية والنويري بِمَكَّة وَدخل الْقَاهِرَة وَقَرَأَ على البلقيني وَابْن الملقن والعراقي وَغَيرهم ولازم الْمُحب بن هِشَام فِي الْعَرَبيَّة وَحج مرة أُخْرَى ولقي جمَاعَة من الْأَعْيَان وَأخذ عَنهُ ابْن حجر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 وَهُوَ أَخذ عَنهُ قِطْعَة من شرح البخاري وَأخذ عَنهُ جمَاعَة من عُلَمَاء الْقَاهِرَة وَله تصانيف مِنْهَا المتجر الربيح والمسعى الرجيح والمرحب الفسيح فِي شرح الْجَامِع الصَّحِيح وَلم يكمل وأنواع الدرارى فِي مكررات البُخَارِيّ واظهار الْمَوَدَّة فِي شرح الْبردَة وَاخْتَصَرَهُ أَيْضا فِي مُخْتَصر سَمَّاهُ الِاسْتِيعَاب وَشرح التسهيل والألفية ومختصر ابْن الْحَاجِب والتهذيب والجمل للجوينى ومصنفاته كَثِيرَة منظومة ومنثورة وَمَات بتلمسان فِي عَشِيَّة الْخَمِيس رَابِع شهر شعْبَان سنة 842 اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وثمان مائَة مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن سعيد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عمر بن يُوسُف بن علي بن إِسْمَاعِيل الْبَهَاء الصاغاني الأَصْل المكي الحنفي الْمَعْرُوف بِابْن الضياء ولد فِي لَيْلَة تَاسِع الْمحرم سنة 789 تسع وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة بِمَكَّة وَنَشَأ بهَا وَقَرَأَ على أعيانها كالنويري والمراغي وارتحل غير مرة إِلَى الْقَاهِرَة فَأخذ عَن علمائها كَابْن حجر وطبقته وَأَجَازَ لَهُ آخَرُونَ كالبلقيني وَابْن الملقن والعراقى وبرع فِي جَمِيع الْعُلُوم وصنف التصانيف مِنْهَا المسرع فِي شرح الْمجمع فِي أَربع مجلدات وَالْبَحْر العميق فِي مَنَاسِك حج بَيت الله الْعَتِيق وتنزيه الْمَسْجِد الْحَرَام عَن بدع جهلة الْعَوام فِي مُجَلد وَشرح الوافي مطول ومختصر وَشرح مُقَدّمَة الغزنوي فِي الْعِبَادَات فِي مجلدين وَشرح الْبَزْدَوِيّ وَلم يكمل قَالَ السخاوي وَكَانَ إماما عَلامَة مُتَقَدما فِي الْفِقْه والأصلين والعربية مشاركا فِي فنون حسن الكتابة وَالتَّقْيِيد عَظِيم الرَّغْبَة فِي المطالعة والانتقاد وَله تَفْسِير سَمَّاهُ المتدارك على المدارك والشافى فِي مُخْتَصر الكافي وَقد رَحل وطوف الْبِلَاد وَلم يفته الْحَج فِي سنة من السنين مُنْذُ احْتَلَمَ إِلَى أَن مَاتَ فِي ذِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 الْقعدَة سنة 854 أَربع وَخمسين وثمان مائَة مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن مَحْمُود بن إِبْرَاهِيم بن أَحْمد بن روزبة الكازروني الأَصْل المدني الشَّافِعِي ولد فِي لَيْلَة الْجُمُعَة سَابِع عشر ذي الْقعدَة سنة 757 سبع وَخمسين وَسَبْعمائة بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة وَسمع من أَهلهَا والقادمين إِلَيْهَا كالعز بن جمَاعَة والنويري وَابْن صديق والعراقي والمراغي وَأَجَازَ لَهُ جمَاعَة من الأكابر وارتحل إِلَى الديار المصرية وَالشَّام وَغَيرهمَا وَأخذ عَن الْبَهَاء السبكي والسراج البلقيني وتصدر للْقِرَاءَة والإفتاء والتحديث بِالْمَدِينَةِ المنورة وَصَارَ عالمها وصنف مصنفات مِنْهَا مُخْتَصر المغني للبارزي وَشرح مُخْتَصر التَّنْبِيه فِي ثَلَاثَة أسفار وَلم يبيضه وَكتب شرحا على شرح التَّنْبِيه وشرحا على فروع ابْن الْحداد فِي مُجَلد وَكتب تَفْسِيرا اعْتمد فِيهِ على تَفْسِير القرطبي وَولى قَضَاء الْمَدِينَة فِي سنة 812 وانفصل عَنهُ واشتغل بِالْعبَادَة حَتَّى مَاتَ فِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ الثاني وَالْعِشْرين من شَوَّال سنة 843 ثَلَاث وَأَرْبَعين وثمان مائَة مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد مرغم الزيدي اليماني ولد سنة 836 سِتّ وَثَلَاثِينَ وثمان مائَة وَأخذ الْعلم عَن أَعْيَان مَدِينَة صنعاء وَغَيرهَا وبرع لاسيما فِي الْفِقْه وَصَارَ أحد الْعلمَاء المرجوع إِلَيْهِم فِي زَمَانه وَكَانَ ملازما للْإِمَام النَّاصِر الْحسن بن عز الدَّين بن الْحسن وَكَانَ السُّلْطَان عَامر بن عبد الْوَهَّاب لما افْتتح صنعاء وَمَا يَليهَا من الْبِلَاد يجله وَيقبل شَفَاعَته لأجل اتِّصَاله بِالْإِمَامِ الْمَذْكُور رِعَايَة لما كَانَ بَين السُّلْطَان عَامر وَبَين الْحسن من الْمَوَدَّة وَلما صلى السُّلْطَان عَامر بِجَامِع صنعاء أول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 جُمُعَة فَأَرَادَ الْمُؤَذّن أَن يسْقط من الْأَذَان حي على خير الْعَمَل فَمَنعه صَاحب التَّرْجَمَة فَأذن الْمُؤَذّن حَتَّى بلغ حي على خير الْعَمَل فَالْتَفت إِلَيْهِ جَمِيع من فِي الْمَسْجِد من جند السُّلْطَان وهم ألوف مؤلفة وعد ذَلِك من تصلبه فِي مذْهبه وَكَانَ لَهُ تلامذة يقرأون عَلَيْهِ وَمِنْهُم عبد الهادي السودي الْمُتَقَدّم ذكره وَلما كثرت إقامة المترجم لَهُ بالأبناء مَحل قريب صنعاء وَترك الْإِقَامَة بِصَنْعَاء وَكَانَ فِي عزم عبد الهادي الْمَذْكُور أَنه يقْرَأ عَلَيْهِ الْكَشَّاف فَكتب إِلَيْهِ (حاشاك أَن تبقى معنى دايما ... مَا بَين حراث وسان سَاق) (يملى عَلَيْك حدابها يمه الَّتِى ... تملي الدلاء بِمَائِهَا الدفاق) فَأَجَابَهُ صَاحب التَّرْجَمَة (كلم أَتَت من طيب الأعراق ... صافي الوداد مهذب الْأَخْلَاق) وَمن جملَة ذَلِك (أهلي وأولادي ومالي دَائِما ... قد أوثقوني فِي أَشد وثاق) وَمَات فجر يَوْم السبت الثَّالِث من رَجَب سنة 931 إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَتِسْعمِائَة وَدفن بمشهده بالأبناء من جِهَات السِّرّ رثاه تِلْمِيذه ابْن عقبَة بِأَبْيَات مِنْهَا (امام عُلُوم الِاجْتِهَاد سميدع ... الْفَرِيقَيْنِ من عرب وعجم لِسَان) (مُحَمَّد القاضي ابْن مرغم الذى ... اقمت زَمَانا عِنْده فحبانى) (أصولى ذوي عقل وفقها ومنطقا ... ونحوا وتصريفا وفن وَبَيَان) (وَتَفْسِير كشاف وجامع سنة ... وَمَا قد روي فِي مُعْجم الطَّبَرَانِيّ) (وَأَحْكَام تَقْوِيم الْحساب لراصد ... بروجا وافلا كامع الدوران) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد الحرازي ابْن شَيخنَا الْمُتَقَدّمَة تَرْجَمته ولد سنة 1194 أَربع وَتِسْعين وَمِائَة وَألف بِصَنْعَاء وَقَرَأَ فِي علم الْفِقْه على مَشَايِخ الْفُرُوع واستفاد فِي ذَلِك وَقَرَأَ علي فِي كتب الحَدِيث وَفِي النَّحْو وَالتَّفْسِير وَهُوَ حسن الْأَخْلَاق كريم الأعراق كثير الْخَيْر جيد الْإِدْرَاك قوي الْعقل وَلما توفي وَالِده رَحمَه الله خضت مَعَ الإِمَام المتَوَكل رَحمَه الله أَن يقيمه مقَامه فِي جَمِيع مَا كَانَ إِلَيْهِ من الْقَضَاء والتوسط على بيُوت من بيُوت آل الإِمَام فَثَبت فِي ذَلِك أحسن ثُبُوت وَأقَام بِهِ أتم قيام وَفِي سنة 1234 لما وصلت التّرْك إِلَى تهَامَة واستولوا على مَا كَانَ بيد الْأَشْرَاف وَوصل من باشة الْجَيْش الرومي وَهُوَ الباشا خَلِيل أَنه يصل إِلَيْهِ رجل مركون من حَضْرَة الْخَلِيفَة ليعرفه بِمَا لَدَيْهِ فَوَقَعت الْمُفَاوضَة بيني وَبَين مَوْلَانَا الإِمَام المهدي حفظه الله على نُفُوذ صَاحب التَّرْجَمَة فنفذ مَعَ الرُّسُل الواصلين من جِهَة الباشا وَنفذ مَعَه جمَاعَة وَوصل إِلَى الباشا خَلِيل إِلَى أَبى عَرِيش وَعَاد وَمَعَهُ جمَاعَة من الأتراك إِلَى صنعاء ثمَّ رَجَعَ مرة أُخْرَى ثمَّ فصل الْخَوْض بَين مَوْلَانَا الإِمَام وَبَين الباشا على إرجاع الْبِلَاد وَقد أوضحت ذَلِك فِي تَرْجَمَة الآغا يُوسُف الَّتِى ستأتي ان شَاءَ الله وأشرت إِلَى شئ من ذَلِك فِي تَرْجَمَة وَالِد صَاحب التَّرْجَمَة وَالْحَاصِل إن صَاحب التَّرْجَمَة يقل نَظِيره فِي مَجْمُوعه وَقد ظهر كَمَاله وَحسن رَأْيه وجودة تَدْبيره فِي هَذِه المراسلة الْمَذْكُورَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 مُحَمَّد بن أَحْمد بن مظفر تَرْجمهُ صَاحب مطلع البدور وَلم يذكر مولده وَلَا وَفَاته وَلَا شُيُوخه وَهُوَ مؤلف الْبُسْتَان شرح كتاب الْبَيَان لجده وَهُوَ شرح مُفِيد عول فِيهِ على النَّقْل من الِانْتِصَار للْإِمَام يحيى بن حَمْزَة وَألف أَيْضا الترجمان وَفِيه فَوَائِد وصف فِيهِ متفقة وَقعت لَهُ عِنْد وُصُول السُّلْطَان عَامر بن عبد الْوَهَّاب إِلَى صنعاء وَخُرُوج أجناده إِلَى جِهَة السِّرّ لِأَن الْمَذْكُور كَانَ سَاكِنا هُنَالك وفيهَا امتحان زَائِد وَقد أخبر عَنهُ بعض معاصريه أَنه لم يكن محققا للعلوم الَّتِى يحْتَاج إِلَيْهَا من يؤلف وَيدل على ذَلِك كَلَامه إِذا تكلم من قبل نَفسه وَلم ينْقل عَن غَيره ككلامه فِي شرح المتفقة لَهُ الْمشَار إِلَيْهَا فَإِنَّهُ سَاقهَا بِأَلْفَاظ فِي الترجمان يعرف بهَا مِقْدَاره فِي الْعلم وَهُوَ من المعاصرين للْإِمَام شرف الدَّين فَهُوَ من أهل الْقرن الْعَاشِر مُحَمَّد بن أَحْمد بن خَلِيل الهمداني ثمَّ الصنعاني ولد تَقْرِيبًا سنة 1160 سِتِّينَ وَمِائَة وَألف وَكَانَ واليا على الْبِلَاد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 الهمدانية اتَّصل بمولانا الإِمَام خَليفَة الْعَصْر الْمَنْصُور بِاللَّه قبل أَن يلي الْخلَافَة وجالسه وَتردد إِلَيْهِ فَلَمَّا ولي الْخلَافَة قربه ثمَّ جعله اُحْدُ وزرائه فِي سنة 1194 أَو فِي الَّتِى بعْدهَا وَاسْتمرّ وزيره إِلَيْهِ بعض الْبِلَاد الأمامية والأجناد من حاشد وبكيل وَغَيرهم وَهُوَ إنسان كَامِل كثير المطالعة عَارِف بالأدب حسن الْخط وَاسْتمرّ قايما بوظيفة الوزارة حَتَّى نكبه مَوْلَانَا الإِمَام فِي شهر شعْبَان سنة 1211 واستأصل غَالب أملاكه وَلزِمَ بَيته إِلَى حَال تَحْرِير هَذِه الأحرف وَلم يتَرَدَّد إِلَى الأكابر كَمَا يَفْعَله كثير من أَرْبَاب الدولة بعد زَوَال دولتهم بل لَا يُوجد فِي غير بَيته وَله نظم فَمِنْهُ مَا كتبه إِلَى فِي أَيَّام وزارته وَهُوَ (حجَّة الْعَصْر أبلغ النَّاس بِالْإِجْمَاع ... مِنْهُم معارفا وخطابه) (خير من شرف الْإِلَه معاليه ... وزكى بَين الورى أنسابه) (رجل اِدَّرَكَ الْكَمَال كَمَا ... أدْرك فِي الِاجْتِهَاد حَقًا نصابه) وَكتب مَعَ هَذِه الأبيات أبياتا أُخْرَى وهي (شغفت بِهِ لما تيقنت فَضله ... وفى حبه بِالرّقِّ أصحبت سيدا) (فيا ماجدا أربى على الطود مجده ... فَأصْبح للوفاد كهفا ومقصدا) (مُحَرر أَحْكَام القضايا وَمن غَدا ... لما حازه بِالِاجْتِهَادِ مُقَلدًا) (مُحَمَّد الْبر التقي أَخُو الْعلَا ... غَدا سالما من كل شين مسودا) فأجبت عَن الأبيات الأولى وَالْأُخْرَى بِهَذِهِ الأبيات (وَاحِد الْعَصْر فِي الكمالات ... والآداب من فاق سؤددا ونجابه) (الرئيس النفيس والفارس السباق ... والخضرم الشهي خطابه) (يَا قريع الأوان يَا فايق الأقران ... حلما وَحِكْمَة ومهابه) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 (دمت تحيى مآثر الْعِزّ ... مادامت معاليك للعلى وهابة) (قد جمعت الذي تفرق فِي ... النَّاس فدم سالما لفن الْكِتَابَة) وَهُوَ حسن الشكالة جدا وَكَانَ متأنقا فِي جَمِيع أَحْوَاله ضخم الرياسة كثير الحشم والأتباع وَكَانَت لَهُ أَيَّام وزارته دَار بالروضة وَدَار بوادي ظهر وَدَار ببئر العزب وَدَار بِصَنْعَاء فَأخذت دوره جَمِيعًا فِي نكبه وَلم يبْق مَعَه إلا الَّتِى بِصَنْعَاء وَهُوَ الْآن حي لطف الله بِهِ وَتوفى سنة 1220 عشْرين وَمِائَتَيْنِ وَألف السَّيِّد مُحَمَّد بن إدريس بن النَّاصِر علي بن عبد الله بن الْحسن بن حَمْزَة بن سُلَيْمَان تَرْجمهُ صَاحب مطلع البدور فَلم يذكر لَهُ مولدا وَلَا وَفَاة وَلَا بَلَدا وَلَا شُيُوخًا وَلَا تلامذة بل قَالَ إنه صنف فِي التَّفْسِير كتبا أَحدهَا التَّيْسِير وَالْآخر الإكسير الا بريز فِي تَفْسِير الْقُرْآن الْعَزِيز وَله الحسام المرهف تَفْسِير غَرِيب الْمُصحف وَله الدرة المضية فِي الْآيَات المنسوخة الفقهية وَله فِي الْفِقْه شِفَاء غلَّة الصادى فِي فقه الهادى والنور المحصور فِي فقه الْمَنْصُور والذخيرة الذاخرة فِي مَنَاقِب العترة الطاهرة وَشرح على اللمع والنهج القويم فِي تَفْسِير الْقُرْآن الْكَرِيم هَذَا غَايَة مَا ذكر لَهُ من المصنفات وَقَالَ إنه تَرْجمهُ السَّيِّد صارم الدَّين بن مُحَمَّد تَرْجَمَة غير مبسوطة انْتهى وَذكر بعض المؤرخين أَنه أَخذ عَن الإِمَام المهدي مُحَمَّد بن المطهر بن يحيى وَأخذ عَنهُ جمَاعَة كيوسف الْأَكْوَع صَاحب الحفيظ وَآخَرُونَ وَقَالَ ابْن أَبى مخرمَة فِي ذكر وَالِد المترجم لَهُ وَكَانَ وَلَده مُحَمَّد بن إِدْرِيس فَقِيها عَارِفًا بارعا متقنا عَارِفًا بالأصول وَالْفُرُوع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 وَله شعر حسن ومصنفات كَثِيرَة انْتهى وأرخ مَوته بَعضهم فِي عشر الثَّلَاثِينَ وَسَبْعمائة السَّيِّد مُحَمَّد بن إسحاق بن الإِمَام المهدي أَحْمد بن الْحسن ابْن الإِمَام الْقَاسِم بن مُحَمَّد ولد نَهَار الْأَرْبَعَاء لخمس عشرَة لَيْلَة مَضَت من ذي الْحجَّة سنة 1090 تسعين وَألف بالغراس فِي حَضْرَة جده الإِمَام الْمهْدي أَحْمد بن الْحسن وَقَرَأَ بِصَنْعَاء على جمَاعَة من أَعْيَان علمائها كالسيد الْعَلامَة هَاشم بن يحيى الشامي والقاضي إِبْرَاهِيم بن أَبى الرِّجَال والقاضي مُحَمَّد الحيمي وبرع فِي جَمِيع الْعُلُوم وفَاق الأقران وترشح للخلافة وَجرى بَينه وَبَين الإِمَام المتَوَكل على الله الْقَاسِم بن الْحُسَيْن مَا جرى وَآل الْأَمر إِلَى اعتقال صَاحب التَّرْجَمَة مُدَّة ثمَّ أفرج عَنهُ وَلما مَاتَ الإِمَام المتَوَكل دَعَا إِلَى نَفسه وتكنى بالناصر وَبَايَعَهُ جَمِيع أهل الْيمن ونفذت أوامره فِي غَالب الْقطر الْيُمْنَى وعارضه فِي الابتداء الإِمَام الْمَنْصُور بِاللَّه الْحُسَيْن بن المتَوَكل على الله وَجَرت خطوب وتعقبها الصُّلْح على أَن يكون للمنصور بِاللَّه صنعاء ومواضع سَمَّاهَا فَوَقع ذَلِك وَتمّ الْأَمر وَبَايع الْمَنْصُور بِاللَّه لصَاحب التَّرْجَمَة وخطب لَهُ بِصَنْعَاء وَغَيرهَا من الأقطار اليمنية ثمَّ بعد أَيَّام انْتقض ذَلِك الصُّلْح ورام قرَابَة المترجم لَهُ الحطاط على الْمَنْصُور بِاللَّه بِصَنْعَاء ومحاصرته ونزعها مِنْهُ فأقبلوا من الْجِهَات اليمنية وَمَعَهُمْ من الْجَيْش عدد كثير وَمَعَهُمْ السَّيِّد عبد الله بن طَالب بن الْمهْدي فَخرج الإِمَام الْمَنْصُور بِاللَّه بجيشه من صنعاء وَكَانَت الدائرة لَهُ فَأسر السَّيِّد يحيى بن إسحاق بن المهدي وَمَعَهُ جَيش كثير وَأسر السَّيِّد عبد الله الْمُقدم ذكره ثمَّ بعد ذَلِك أسر السَّيِّد الْعَلامَة الْحسن بن اسحاق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 ابْن المهدى وَالسَّيِّد الْعَلامَة إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن إسحاق وسجنهم جَمِيعًا بقصر صنعاء ثمَّ انتقضت الْبِلَاد اليمنية جَمِيعهَا على صَاحب التَّرْجَمَة وَدخلت فِي طَاعَة الإِمَام الْمَنْصُور بِاللَّه وَآخر الْأَمر أَن صَاحب التَّرْجَمَة بَايع الإِمَام الْمَنْصُور بِاللَّه وَسكن بِصَنْعَاء محييا للْعلم وَالْعِبَادَة فِي رياسة كَبِيرَة مَعَ حشمة وافرة وَكَثْرَة اتِّبَاع وإفضال عَام وشفقة على الضُّعَفَاء ومزيد إبرار بهم وَكَثْرَة تواضع وَكَانَ الإِمَام الْمَنْصُور بِاللَّه يجله ويكرمه ويعظمه وَهُوَ حقيق بذلك فَإِنَّهُ من أَئِمَّة الْعلم الْمجمع على جلالتهم ونبالتهم وإحاطتهم بعلوم الِاجْتِهَاد وَله فِي الْآدَاب يَد طولى وَله نظم كثير غالبه الْجَوْدَة والسلاسة وَقد تَرْجمهُ صَاحب طيب السمر تَرْجَمَة طَوِيلَة جدا وَذكر غررا من قصائده ومقطعاته وَقد جمع وَلَده الْعَلامَة إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد أشعاره على تَرْتِيب الْحُرُوف فِي مُجَلد لطيف وَمن نظمه البيتان المشهوران فِي الزِّمَام الذي تَجْعَلهُ الجواري فِي آنافها وَهُوَ حَلقَة فضَّة أَو ذهب وَقد يكون فِيهَا شئ من الْجَوَاهِر وهما (رَأَيْت الزِّمَام فَقلت المرام ... تأنى سينقاد هَذَا الأبي) (فَقَالَت بِهِ أَنْت تنقاد لي ... وَتمّ الْكَلَام وَلم تكذبي) وَقد قرض جمَاعَة من شعراء الْعَصْر بعد موت صَاحب التَّرْجَمَة بِمدَّة هذَيْن الْبَيْتَيْنِ بِأَبْيَات كَثِيرَة بل صنف شَيخنَا الْعَلامَة السَّيِّد عبد الْقَادِر ابْن أَحْمد رِسَالَة ذكر فِيهَا مَا فِي الْبَيْتَيْنِ من النكات البيانية والبديعية وَقد جمع جَمِيع ذَلِك ولد صَاحب التَّرْجَمَة الْعَلامَة إِبْرَاهِيم فِي رِسَالَة وَمن نظمه إِلَى السَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الْأَمِير رَحمَه الله (أتبلغ نفسي من سعاد مناها ... سقى الله ماضى عهدها وسقاها) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 . فَمَا لذلى شئ سوى عهدها وَلَا ... تملك قلبي المستهام سواهَا ... نأت عَن عيوني دارها فَمَتَى مَتى ... أرى بعيونى دارها وأراها ... فَمَا لليالي لَا استنارت نجومها ... وَلَا أضحكت شمس الظهيرة فاها ... وهي قصيدة رائقة منسجمة وجميعها مَوْجُودَة فِي ديوانه وَمن محاسنه هَذِه الأبيات الَّتِى ضمن فِيهَا بَيت الحاجري ... لَا كَانَ هَذَا الطَّبِيب من رجل ... أَهْوى لقلع الثَّنية الحسنة ... صيرها فِي يَدَيْهِ مُفْردَة ... كمستهام مفارق وَطنه ... ينشدان لَاحَ برق مبسمها ... وهي لَدَى كلبتيه مرتهنة ... يابارقا يذكي الحشا سناه ... منزلنا بالعقيق من سكنه ... وَمِنْه وَهُوَ فِي غَايَة الْحسن ... تفاءلت لما أَطَالَ المطال ... فبشرني الفال بالاتصال ... فَقَالُوا وَقد زارني هَل وفا ... فَقلت وفالي وفالي وفال وَمِنْه وَهُوَ فِي السجْن ... سرى طيفها لَيْلًا إِلَى السجْن مشفقا ... وَقد كَانَ قدما لَا يقر بإشفاق ... فَمَا راعه إِلَّا الْقُيُود الَّتِى أرى ... علي وَقد قامن لحربي على سَاق ... فَقلت لَهُ هون علي فَأَنَّهَا ... خلاخل مجد لاسلاسل فساق ... وقف لي قَلِيلا دمت يَا طيف طايفا ... بِأَحْسَن من فك الْقُيُود وإطلاق ... وَله وَهُوَ فِي السجْن أَيْضا ... حبست عَن أهلي وصحبى وَعَن ... فَوَائِد الْعلم الَّتِى تجتنى ... وَصَارَ دمعي سَائِلًا مُطلقًا ... يَا ليتني دمعي ودمعي أَنا وَمَات رَحمَه الله ببيته فِي النزهة الْمَعْرُوفَة ببيرالعزب آخر نَهَار 130 الْخَمِيس رَابِع شهر شَوَّال سنة 1167 سبع وَسِتِّينَ وَمِائَة وَألف وَله أَوْلَاد نجباء وهم كَثِيرُونَ وَقد تقدمت تَرْجَمَة بَعضهم وَبَعض أحفاده وَبَعض أَوْلَاد أحفاده مُحَمَّد بن أسعد الملقب جلال الدَّين الدواني نِسْبَة إِلَى دوان وعى قَرْيَة من قرى كازرون الشافعي عَالم الْعَجم بأرض فَارس وإمام المعقولات وَصَاحب المصنفات أَخذ الْعلم علن المحيوي والبقال وفَاق فِي جَمِيع الْعُلُوم لاسيما الْعَقْلِيَّة وَأخذ عَنهُ أهل تِلْكَ النواحي وارتحل إِلَيْهِ أهل الرّوم وخراسان وَمَا وَرَاء النَّهر وَله شهرة كَبِيرَة وصيت عَظِيم وتكاثر تلامذته وَكَانَ من أدبهم أَنه إِذا تكلم نكسوا رُؤْسهمْ تأدبا وَلم يتَكَلَّم أحد مِنْهُم بشئ وولاه سُلْطَان تِلْكَ الديار الْقَضَاء بهَا وَله مصنفات كَثِيرَة مَقْبُولَة مِنْهَا شرح التَّجْرِيد للطوسي وَشرح التَّهْذِيب وحاشية على الْعَضُد وَله فصاحة زَائِدَة وبلاغة وتواضع وَمَات سنة 918 ثَمَان عشرَة وَتِسْعمِائَة قَالَ السخاوي إنه فِي سنة 897 كَانَ حَيا وَكَانَ عمره إِذْ ذَاك بضع وَسبعين ثمَّ أرخ غَيره مَوته فِي التَّارِيخ الذي قدمنَا ذكره فَيكون على هَذَا قد عَاشَ نَحْو تسعين سنة السَّيِّد مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن حسن الشامي من بطن من السَّادة الساكنين فِي مسور خولان يُقَال لَهُم بني الشامي ولد سنة 1194 أَربع وَتِسْعين وَمِائَة وَألف وَنَشَأ بِصَنْعَاء وَأخذ الْعلم عَن جمَاعَة كالسيد الْعَلامَة إِبْرَاهِيم بن عبد الله الحوثي وَهُوَ أَكثر من أَخذ عَنهُ ولازمه وَأخذ آخرين وَأخذ علي فِي علم السنة واستفاد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 الْخَمِيس رَابِع شهر شَوَّال سنة 1167 سبع وَسِتِّينَ وَمِائَة وَألف وَله أَوْلَاد نجباء وهم كَثِيرُونَ وَقد تقدمت تَرْجَمَة بَعضهم وَبَعض أحفاده وَبَعض أَوْلَاد أحفاده مُحَمَّد بن أسعد الملقب جلال الدَّين الدواني نِسْبَة إِلَى دوان وَهِي قَرْيَة من قرى كازرون الشافعي عَالم الْعَجم بِأَرْض فَارس وَإِمَام المعقولات وَصَاحب المصنفات أَخذ الْعلم عَن المحيوي والبقال وفَاق فِي جَمِيع الْعُلُوم لاسيما الْعَقْلِيَّة وَأخذ عَنهُ أهل تِلْكَ النواحي وارتحل إِلَيْهِ أهل الرّوم وخراسان وَمَا وَرَاء النَّهر وَله شهرة كَبِيرَة وصيت عَظِيم وتكاثر تلامذته وَكَانَ من أدبهم أَنه إِذا تكلم نكسوا رُؤْسهمْ تأدبا وَلم يتَكَلَّم أحد مِنْهُم بشئ وولاه سُلْطَان تِلْكَ الديار الْقَضَاء بهَا وَله مصنفات كَثِيرَة مَقْبُولَة مِنْهَا شرح التَّجْرِيد للطوسي وَشرح التَّهْذِيب وحاشية على الْعَضُد وَله فصاحة زَائِدَة وبلاغة وتواضع وَمَات سنة 918 ثَمَان عشرَة وَتِسْعمِائَة قَالَ السخاوي إنه فِي سنة 897 كَانَ حَيا وَكَانَ عمره إِذْ ذَاك بضع وَسبعين ثمَّ أرخ غَيره مَوته فِي التَّارِيخ الذي قدمنَا ذكره فَيكون على هَذَا قد عَاشَ نَحْو تسعين سنة السَّيِّد مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن حسن الشامي من بطن من السَّادة الساكنين فِي مسور خولان يُقَال لَهُم بني الشامي ولد سنة 1194 أَربع وَتِسْعين وَمِائَة وَألف وَنَشَأ بِصَنْعَاء وَأخذ الْعلم عَن جمَاعَة كالسيد الْعَلامَة إِبْرَاهِيم بن عبد الله الحوثي وَهُوَ أَكثر من أَخذ عَنهُ ولازمه وَأخذ عَن آخَرين وَأخذ علي فِي علم السنة واستفاد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 فِي الْآلَات ونظم الشّعْر الرَّائِق المطبوع المنسجم وَله إِلَى قصيدة رائقة فائقة مطْلعهَا (يَا دَار علوة بالكثيب النائي ... حياك كل مهمر بكاء) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 وفيهَا كل معنى حسن وهي نَحْو ثَلَاثِينَ بَيْتا وأجبت عَلَيْهِ بِثَلَاثَة أبيات هي (لله دَرك يَا ابْن إِسْمَاعِيل بل ... لله دَرك فَهُوَ عقد بهاء) (يَا جوهري النظم بل يَا جَوْهَر ... الفتيان فِي علم وفرط ذكاء) (يَا معشر الفتيان هَذَا معجز ... لمُحَمد ينبيكم بنباء) وَصَاحب التَّرْجَمَة من محَاسِن الفتيان جمع الله لَهُ بَين حسن الْخلق والخلق واللطافة وسيلان الذِّهْن وَقُوَّة الْفَهم والتحبب إِلَى النَّاس وَولى النِّيَابَة على أوقاف صنعاء وَغَيرهَا وَاسْتمرّ أَيَّامًا وَمَات شبَابًا فِي يَوْم الْخَمِيس لَعَلَّه سَابِع وَعِشْرُونَ شهر ربيع الأول سنة 1224 أَربع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 وَألف ووالده من فضلاء الزَّمن وأعيانه وَأهل الْفضل وَقد كَانَ كَفاهُ أَمر دُنْيَاهُ وَولى عهدته الَّتِى كَانَ فِيهَا تَخْفِيفًا عَنهُ وَهُوَ عِنْد تَحْرِير هَذَا حيي فِي نَحْو سبعين سنة وَهُوَ من أَفْرَاد الزَّمن عصم الله قلبه بِالصبرِ على مِثَال هَذَا الشَّاب الظريف ورحمنا جَمِيعًا برحمته الواسعة وَقد تقدمت لَهُ تَرْجَمَة مُسْتَقلَّة فِي حرفه السَّيِّد مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن صَلَاح بن مُحَمَّد بن علي بن حفظ الدَّين بن شرف الدَّين بن صَلَاح بن الْحسن بن المهدي بن مُحَمَّد بن ادريس بن على ابْن مُحَمَّد بن احْمَد بن يحيى بن حَمْزَة بن سُلَيْمَان بن حَمْزَة بن الْحسن بن عبد الرَّحْمَن بن يحيى بن عبد الله بن الْحُسَيْن بن الْقَاسِم بن إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل ابْن إِبْرَاهِيم بن الْحسن بن الْحسن بن علي بن أَبى طَالب رضي الله عَنْهُم الكحلاني ثمَّ الصنعاني الْمَعْرُوف بالأمير الإِمَام الْكَبِير الْمُجْتَهد الْمُطلق صَاحب التصانيف ولد لَيْلَة الْجُمُعَة نصف جُمَادَى الْآخِرَة سنة 1099 تسع وَتِسْعين وَألف بكحلان ثمَّ انْتقل مَعَ وَالِده إِلَى مَدِينَة صنعاء سنة 1107 وَأخذ عَن علمائها كالسيد الْعَلامَة زيد بن مُحَمَّد بن الْحسن وَالسَّيِّد الْعَلامَة صَلَاح بن الْحُسَيْن الاخفش وَالسَّيِّد الْعَلامَة عبد الله بن علي الْوَزير والقاضي الْعَلامَة عَليّ بن مُحَمَّد العنسي ورحل إِلَى مَكَّة وَقَرَأَ الحَدِيث على أكَابِر علمائها وعلماء الْمَدِينَة وبرع فِي جَمِيع الْعُلُوم وفَاق الأقران وَتفرد برئاسة الْعلم فِي صنعاء وَتظهر بِالِاجْتِهَادِ وَعمل بالأدلة وَنَفر عَن التَّقْلِيد وزيف مَالا دَلِيل عَلَيْهِ من الآراء الْفِقْهِيَّة وَجَرت لَهُ مَعَ أهل عصره خطوب ومحن مِنْهَا فِي أَيَّام المتَوَكل على الله الْقَاسِم بن الْحُسَيْن ثمَّ فِي أَيَّام وَلَده الإِمَام الْمَنْصُور بِاللَّه الْحُسَيْن بن الْقَاسِم ثمَّ فِي أَيَّام وَلَده الإِمَام المهدى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن وَتجمع الْعَوام لقَتله مرة بعد أُخْرَى وَحفظه الله من كيدهم ومكرهم وَكَفاهُ شرهم وولاه الإِمَام الْمَنْصُور بِاللَّه الخطابة بِجَامِع صنعاء فاستمر كَذَلِك إِلَى أَيَّام وَلَده الإِمَام المهدي وَاتفقَ فِي بعض الْجمع أنه لم يذكر الْأَئِمَّة الَّذين جرت الْعَادة بذكرهم فِي الْخطْبَة الْأُخْرَى فثار عَلَيْهِ جمَاعَة من آل الإِمَام الَّذين لَا أنسة لَهُم بِالْعلمِ وعضدهم جمَاعَة من الْعَوام وتواعدوا فِيمَا بَينهم على قَتله فِي الْمِنْبَر يَوْم الْجُمُعَة الْمُقبلَة وَكَانَ من أعظم المحشدين لذَلِك السَّيِّد يُوسُف العجمى الإمامى القادم فِي أَيَّام الإِمَام الْمَنْصُور بِاللَّه والمدرس بِحَضْرَتِهِ فَبلغ الإِمَام المهدي مَا قد وَقع التواطأ عَلَيْهِ فَأرْسل لجَماعَة من أكابر آل الإِمَام وسجنهم وَأرْسل لصَاحب التَّرْجَمَة أَيْضا وسجنه وَأمر من يطرد السَّيِّد يُوسُف الْمَذْكُور حَتَّى يُخرجهُ من الديار اليمنية فَكنت عِنْد ذَلِك الْفِتْنَة وبقي صَاحب التَّرْجَمَة نَحْو شَهْرَيْن ثمَّ خرج من السجْن وَولى الخطابة غَيره وَاسْتمرّ ناشرا للْعلم تدريسا وإفتاء وتصنيفا وَمَا زَالَ فِي محن من أهل عصره وَكَانَت الْعَامَّة ترميه بِالنّصب مستدلين على ذَلِك بِكَوْنِهِ عاكفا على الْأُمَّهَات وَسَائِر كتب الحَدِيث عَاملا بِمَا فِيهَا وَمن صنع هَذَا الصنع رمته الْعَامَّة بذلك لَا سِيمَا إِذا تظهر بِفعل شئ من سنَن الصَّلَاة كرفع الْيَدَيْنِ وضمهما وَنَحْو ذَلِك فَإِنَّهُم ينفرون عَنهُ ويعادونه وَلَا يُقِيمُونَ لَهُ وزنا مَعَ أَنهم فِي جَمِيع هَذِه الديار منتسبون إِلَى الإِمَام زيد بن علي وَهُوَ من الْقَائِلين بمشروعية الرّفْع وَالضَّم وَكَذَلِكَ مَا زَالَ الْأَئِمَّة من الزيدية يقرأون كتب الحَدِيث الْأُمَّهَات وَغَيرهَا مُنْذُ خرجت إِلَى الْيمن ونقلوها فِي مصنفاتهم الأولى فَالْأول لَا يُنكره إِلَّا جَاهِل أَو متجاهل وَلَيْسَ الذَّنب فِي معاداة من كَانَ كَذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 للعامة الَّذين لَا تعلق لَهُم بشئ من المعارف العلمية فَإِنَّهُم اتِّبَاع كل ناعق إِذا قَالَ لَهُم من لَهُ هَيْئَة أهل الْعلم إن هَذَا الْأَمر حق قَالُوا حق وَإِن قَالَ بَاطِل قَالُوا بَاطِل إِنَّمَا الذَّنب لجَماعَة قرأوا شَيْئا من كتب الْفِقْه وَلم يمعنوا فِيهَا وَلَا عرفُوا غَيرهَا فظنوا لقصورهم أَن الْمُخَالفَة لشئ مِنْهَا مُخَالفَة للشريعة بل الْقطعِي من قطعياتها مَعَ أَنهم يقرأون فِي تِلْكَ الْكتب مُخَالفَة أكَابِر الْأَئِمَّة وأصاغرهم لما هُوَ مُخْتَار لمصنفها وَلَكِن لَا يعْقلُونَ حَقِيقَة وَلَا يَهْتَدُونَ إِلَى طَريقَة بل إِذا بلغ بعض معاصريهم إِلَى رُتْبَة الاجتهاد وَخَالف شَيْئا بِاجْتِهَادِهِ جَعَلُوهُ خَارِجا عَن الدَّين وَالْغَالِب عَلَيْهِم أن ذَلِك لَيْسَ لمقاصد دينية بل لمنافع دنيوية تظهر لمن تأملها وهي أَن يشيع فِي النَّاس أَن من أنكر على أكَابِر الْعلمَاء مَا خَالف الْمَذْهَب من اجتهاداتهم كَانَ من خلص الشِّيعَة الذابين عَن مَذْهَب الْآل وَتَكون تِلْكَ الشُّهْرَة مفيدة فِي الْغَالِب لشئ من مَنَافِع الدُّنْيَا وفوائدها فَلَا يزالون قَائِمين وثائرين فِي تخطئة أكَابِر الْعلمَاء ورميهم بِالنّصب وَمُخَالفَة أهل الْبَيْت فَتسمع ذَلِك الْعَامَّة فتظنه حَقًا وتعظم ذَلِك الْمُنكر لِأَنَّهُ قد نفق على عقولها صدق قَوْله وظنوه من المحامين عَن مَذْهَب الْأَئِمَّة وَلَو كشفوا عَن الْحَقِيقَة لوجدوا ذَلِك الْمُنكر هُوَ الْمُخَالف لمَذْهَب الْأَئِمَّة من أهل الْبَيْت بل الْخَارِج عَن إجماعهم لأَنهم جَمِيعًا حرمُوا التَّقْلِيد على من بلغ رُتْبَة الِاجْتِهَاد وأوجبوا عَلَيْهِ أَن يجْتَهد رأي نَفسه وَلم يخصوا ذَلِك بمسئلة دون مسئلة وَلَكِن المتعصب أعمى والمقصر لَا يهتدي إِلَى صَوَاب وَلَا يخرج عَن معتقده إِلَّا إِذا كَانَ من ذوى الْأَلْبَاب مَعَ أَن مسئلة تَحْرِيم التَّقْلِيد على الْمُجْتَهد هِيَ محررة فِي الْكتب الَّتِى هى مدارس صغَار الطّلبَة فضلا عَن كبارهم بل هي فِي أول بحث من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 مباحثها يتلقنها الصبيان وهم فِي الْمكتب وَمن جملَة مَا اتفق لصَاحب التَّرْجَمَة من الامتحانات أَنه لما شاع فِي الْعَامَّة ماشاع عَنهُ بلغ ذَلِك أهل جبل برط من ذوي مُحَمَّد وذوي حُسَيْن وهم إِذْ ذَاك جَمْرَة الْيمن الَّذين لَا يقوم لَهُم قَائِم فَاجْتمع أكابرهم وَمن أعظم رُؤَسَائِهِمْ حسن بن مُحَمَّد العنسي البرطي وَخَرجُوا على الإِمَام المهدي فِي جيوش عَظِيمَة ووصلت مِنْهُم الْكتب أَنهم خارجون لنصرة الْمَذْهَب وَأَن صَاحب التَّرْجَمَة قد كَاد يهدمه وَأَن الإِمَام مساعد لَهُ على ذَلِك فترسل عَلَيْهِم الْعلمَاء الَّذين لَهُم خبْرَة بِالْحَقِّ وَأَهله ورتبة فِي الْعلم فَمَا أَفَادَ ذَلِك وَآخر الْأَمر جعل لَهُم الإِمَام زِيَادَة فِي مقرراتهم قيل أَنَّهَا نَحْو عشْرين ألف قِرْش فِي كل عَام فعادوا إِلَى دِيَارهمْ وَتركُوا الْخُرُوج لِأَنَّهُ لَا مطمع لَهُم فِي غير الدُّنْيَا وَلَا يعْرفُونَ من الدَّين إِلَّا رسوما بل يخالفون مَا هُوَ من القطعيات كَقطع مِيرَاث النِّسَاء والتحاكم إِلَى الطاغوت وَاسْتِحْلَال الدِّمَاء وَالْأَمْوَال وَلَيْسوا من الدَّين فِي ورد وَلَا صدر وَمن محن الدُّنْيَا أَن هَؤُلَاءِ الأشرار يدْخلُونَ صنعاء لمقررات لَهُم فِي كل سنة ويجتمع مِنْهُم ألوف مؤلفة فَإِذا رَأَوْا من يعْمل بِاجْتِهَادِهِ فِي الصَّلَاة كَأَن يرفع يَدَيْهِ أَو يضمها إِلَى صَدره أَو يتورك أَنْكَرُوا ذَلِك عَلَيْهِ وَقد تحدث بِسَبَب ذَلِك فتْنَة ويتجمعون ويذهبون إِلَى الْمَسَاجِد الَّتِى تقْرَأ فِيهَا كتب الحَدِيث على عَالم من الْعلمَاء فيثيرون الْفِتَن وكل ذَلِك بِسَبَب شياطين الْفُقَهَاء الَّذين قدمنَا ذكرهم وَأما هَؤُلَاءِ الْأَعْرَاب الجفاة فأكثرهم لَا يصلي وَلَا يَصُوم وَلَا يقوم من فروض الْإِسْلَام سوى الشَّهَادَتَيْنِ على مَا فِي لَفظه بهما من عوج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 وَاتفقَ فِي شهر الذي حررت فِيهِ التَّرْجَمَة أَنه دخل جمَاعَة مِنْهُم وَفِيهِمْ عجب وتيه واستخفاف بِأَهْل صنعاء على عَادَتهم وَقد كَانُوا نهبوا فِي الطرقات فوصلوا إِلَى بَاب مَوْلَانَا الإِمَام حفظه الله فَرَأى رجل بقرة لَهُ مَعَهم فرام أَخذهَا فسل من هِيَ مَعَه من أهل بكيل السِّلَاح على ذَلِك الذي رام أَخذ بقرته فثار عَلَيْهِم أهل صنعاء الَّذين كَانُوا مُجْتَمعين فِي بَاب الْخَلِيفَة وهم جمَاعَة قَلِيلُونَ من الْعَوام وَهَؤُلَاء نَحْو أربعمائة فَوَقع الرَّجْم لهَؤُلَاء من الْعَامَّة ثمَّ بعد ذَلِك أخذُوا مَا مَعَهم من الْجمال الَّتِى يملكونها وَكَذَلِكَ سَائِر دوابهم فضلا عَن الدَّوَابّ الَّتِى نهبوها على الْمُسلمين وَأكْثر بنادقهم وَسَائِر سِلَاحهمْ وَقتلُوا مِنْهُم نَحْو أَرْبَعَة أنفار أَو زِيَادَة وجنوا على جمَاعَة مِنْهُم وَمَا وسعهم إلا الْفِرَار إِلَى الْمَسَاجِد وَإِلَى محلات قَضَاء الْحَاجة وَلَوْلَا أَن الْخَلِيفَة بَادر بزجر الْعَامَّة عِنْد ثوران الْفِتْنَة لما تركُوا مِنْهُم أحد فصاروا الْآن فِي ذلة عَظِيمَة زادهم الله ذلة وقلل عَددهمْ وَقد كَانَ كثر اتِّبَاع صَاحب التَّرْجَمَة من الْخَاصَّة والعامة وعملو بِاجْتِهَادِهِ وتظهروا بذلك وقرأوا عَلَيْهِ كتب الحَدِيث وَفهم جمَاعَة من الأجناد بل كَانَ الإِمَام المهدي يُعجبهُ التظهر بذلك وَكَذَلِكَ وزيره الْكَبِير الْفَقِيه أَحْمد بن علي النهمي وأميره الْكَبِير الماس المهدي وَمَا زَالَ ناشرا لذَلِك فِي الْخَاصَّة والعامة غير مبال بِمَا يتوعده بِهِ المخالفون لَهُ وَوَقعت فِي أثناء ذَلِك فتن كبار وَقَاه الله شَرها وَله مصنفات جليلة حافلة مِنْهَا سبل السَّلَام اخْتَصَرَهُ من الْبَدْر التَّمام للمغربي وَمِنْهَا منحة الْغفار جعلهَا حَاشِيَة على ضوء النَّهَار للجلال وَمِنْهَا الْعدة جعلهَا حَاشِيَة على شرح الْعُمْدَة لِابْنِ دَقِيق الْعِيد وَمِنْهَا شرح الْجَامِع الصَّغِير للأسيوطي فِي أَرْبَعَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 مجلدات شَرحه قبل أَن يقف على شرح المناوي وَمِنْهَا شرح التَّنْقِيح فِي عُلُوم الحَدِيث للسَّيِّد الإِمَام مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْوَزير وَسَماهُ التَّوْضِيح وَمِنْهَا منظومة الكافل لِابْنِ مهْرَان فِي الْأُصُول وَشَرحهَا شرحا مُفِيدا وَله مصنفات غير هَذِه وَقد أفرد كثيرا من الْمسَائِل بالتصنيف بِمَا يكون جَمِيعه فِي مجلدات وَله شعر فصيح منسجم جمعه وَلَده الْعَلامَة عبد الله بن مُحَمَّد فِي مُجَلد وغالبه فِي المباحث العلمية والتوجع من أَبنَاء عصره والردود عَلَيْهِم وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ من الْأَئِمَّة المجددين لمعالم الدَّين وَقد رَأَيْته فِي الْمَنَام فِي سنة 1206 وَهُوَ يمشي رَاجِلا وَأَنا رَاكب فِي جمَاعَة معي فَلَمَّا رَأَيْته نزلت وسلمت عَلَيْهِ فدار بيني وَبَينه كَلَام حفظت مِنْهُ أَنه قَالَ دقق الْإِسْنَاد وتأنق فِي تَفْسِير كَلَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فخطر ببالي عِنْد ذَلِك أَنه يُشِير إِلَى مَا أصنعه فِي قِرَاءَة البخاري فِي الْجَامِع وَكَانَ يحضر تِلْكَ الْقِرَاءَة جمَاعَة من الْعلمَاء ويجتمع من الْعَوام عَالم لَا يُحصونَ فَكنت فِي بعض الْأَوْقَات أفسر الْأَلْفَاظ الحديثية بِمَا يفهم أُولَئِكَ الْعَوام الْحَاضِرُونَ فَأَرَدْت أَن أَقُول لَهُ إِنَّه يحضر جمَاعَة لَا يفهمون بعض الْأَلْفَاظ الْعَرَبيَّة فبادر وَقَالَ قبل أَن أَتكَلّم قد علمت أَنه يقْرَأ عَلَيْك جمَاعَة وَفِيهِمْ عَامَّة وَلَكِن دقق الْإِسْنَاد وتأنق فِي تَفْسِير كَلَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ سَأَلته عِنْد ذَلِك عَن أهل الحَدِيث مَا حَالهم فِي الْآخِرَة فَقَالَ بلغُوا بِحَدِيثِهِمْ الْجنَّة أَو بلغُوا بِحَدِيثِهِمْ بَين يدي الرَّحْمَن الشَّك مني ثمَّ بَكَى بكاء عَالِيا وضمني إِلَيْهِ وفارقني فقصصت ذَلِك على بعض من لَهُ يَد فِي التَّعْبِير وَسَأَلته عَن تَأْوِيل الْبكاء وللضم فَقَالَ لَا بُد أَن يجري لَك شَيْء مِمَّا جرى لَهُ من الامتحان فَوَقع من ذَلِك بعد تِلْكَ الرُّؤْيَا عجائب وغرائب كفى الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 شَرها وَتُوفِّي رَحمَه الله سنة 1182 اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَمِائَة وَألف فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث شهر شعْبَان مِنْهَا ونظم بَعضهم تَارِيخه فَكَانَ هَكَذَا مُحَمَّد فِي جنان الْخلد قد وصلا ورثاه شعراء الْعَصْر وتأسفوا عَلَيْهِ وَله تلامذة نبلاء عُلَمَاء مجتهدون مِنْهُم شَيخنَا السَّيِّد الْعَلامَة عبد الْقَادِر بن أَحْمد والقاضي الْعَلامَة أَحْمد بن مُحَمَّد قاطن والقاضي الْعَلامَة احْمَد بن صَالح بن أَبى الرِّجَال وَالسَّيِّد الْعَلامَة الْحسن بن إسحاق بن المهدي وَالسَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن إسحاق بن المهدي وَقد تقدمت تراجمهم وَغَيرهم مِمَّا لَا يُحِيط بهم الْحصْر ووالده كَانَ من الْفُضَلَاء الزاهدين فِي الدُّنْيَا الراغبين فِي الْعَمَل وَله عرفان تَامّ وَشعر جيد وَمَات فِي ثَالِث شهر ذي الْحجَّة سنة 1142 اثنتين وَأَرْبَعين وَمِائَة وَألف وَكَانَ وَلَده صَاحب التَّرْجَمَة إِذْ ذَاك بشهارة الإِمَام الْمُؤَيد بِاللَّه مُحَمَّد ابْن الإِمَام المتَوَكل على الله إِسْمَاعِيل ابْن الإِمَام الْقَاسِم بن مُحَمَّد ولد سنة 1044 أَربع وَأَرْبَعين وَألف تَقْرِيبًا وَقَرَأَ على عُلَمَاء عصره فِي أَنْوَاع من الْعلم حَتَّى فاق فِي كثير من المعارف العلمية ثمَّ لما مَاتَ الإِمَام المهدي أَحْمد بن الْحسن فِي سنة 1092 بُويِعَ هَذَا بالخلافة وَاجْتمعَ عَلَيْهِ رُؤَسَاء الْيمن إِذْ ذَاك وهم السَّيِّد على بن المتَوَكل وَالسَّيِّد مُحَمَّد بن أَحْمد الذي صَارَت إِلَيْهِ الْخلَافَة بعد صَاحب التَّرْجَمَة وَالسَّيِّد بن الْحُسَيْن بن الْحسن بن الإِمَام الْقَاسِم وَالسَّيِّد الْقَاسِم بن الْمُؤَيد وَالسَّيِّد علي بن المتَوَكل صنو صَاحب التَّرْجَمَة وَلَكِن كَانَت الْبِلَاد الإمامية مقسمة بَين هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورين وَلم يكن لصَاحب التَّرْجَمَة إِلَّا الاسم وَالْخطْبَة وَكَانَ من أَوْلِيَاء الله وَمن أعدل الْخُلَفَاء لم يسمع عَنهُ الْجور فِي شئ من أُمُوره وَكَانَ كثير الْعِبَادَة كثير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 الْبكاء دَائِم الخشية لله لَا يَأْكُل إِلَّا من نذور تصل إِلَيْهِ بعد أَن يعلم أَنَّهَا من جِهَة تحل لَهُ وَلَا يتَنَاوَل شَيْئا من بيُوت الْأَمْوَال ومجلسه معمور بالعلماء وَالصَّالِحِينَ وَقِرَاءَة الْعلم وتلاوة الْقُرْآن لَا يزَال رطب اللِّسَان بِذكر الله على جَمِيع حَالَته وَقد صَار عدله فِي الرعية مثلا مَضْرُوبا وَكَانَ أهل عصره يكنونه فَيَقُولُونَ أَبُو عَافِيَة لِأَنَّهُ لَا يضر أحدا مِنْهُم فِي مَال وَلَا بدن بل قد يحْتَاج فِي بعض الْأَوْقَات لنائبه من نوائبه فَيسْأَل أهل الثروة من التُّجَّار وَأَمْوَالهمْ متوفرة أَن يقرضوه فَلَا يَفْعَلُونَ لأَنهم لَا يخَافُونَ فِي الْحَال وَلَا فِي الْمُسْتَقْبل واستوطن هِجْرَة معبر الْمَشْهُورَة وَمَات لَيْلَة الْجُمُعَة ثَالِث شهر جُمَادَى الْآخِرَة سنة 1097 سبع وَتِسْعين وَألف وَصَارَت الْخلَافَة بعده إِلَى مُحَمَّد بن أَحْمد المهدي صَاحب الْمَوَاهِب كَمَا تقدم ذكر ذَلِك فِي تَرْجَمته السَّيِّد مُحَمَّد بن بَرَكَات بن حسن بن عجلَان الْحسنى أَمِير مَكَّة وَابْن أمرائها ولد فِي رَمَضَان سنة 840 أَرْبَعِينَ وثمان مائَة بِمَكَّة وَأَجَازَ لَهُ جمَاعَة من الْأَعْيَان وَنَشَأ فِي كنف أَبِيه ثمَّ سَأَلَ الْأَب إشراك وَلَده مَعَه فِي الْأَمر فَفعل السُّلْطَان ذَلِك فوصل المرسوم إِلَى مَكَّة بذلك ودعي لَهُ على زَمْزَم كعادتهم وَكَانَ غايبا بِالْيمن وَلما وصل إِلَيْهِ الْخَبَر بذلك عَاد إِلَى مَكَّة وحمدت سيرته وَتوجه إِلَى بِلَاد الشرق غير مرة وَأكْثر من زِيَارَة الْقَبْر النبوي على صَاحبه أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام وَمَعَ زيارته يحسن إِلَى أهل الْمَدِينَة وَكَانَ كثير التفقد لأهل مَكَّة لَا سِيمَا الْفُقَرَاء والغرباء وَأمن النَّاس فِي أَيَّامه وَكَثُرت أَمْوَاله وَأَتْبَاعه وفَاق أسلافه وَمَا زَالَ أمره فِي نمو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 وأضيفت إِلَيْهِ سَائِر بِلَاد الْحجاز ليستنيب من يختاره ودعي لَهُ على مِنْبَر مَكَّة وَالْمَدينَة وَكَانَ يغزوا إِلَى ديار من يُخَالِفهُ فيحيط بِهِ وَكَذَا أطاعه صَاحب جازان وَقد أثنى عَلَيْهِ السخاوي كثيرا لِأَنَّهُ كَانَ معاصرا لَهُ وَوَصفه بِالْعقلِ والفهم والتواضع وَحسن الشكالة والمداومة على الْجَمَاعَات والسكون وكف الأتباع عَن الرعية وَعدم الطمع فِي أَمْوَالهم بمالم يسمع بِمثلِهِ فِي دولة من قبله وَاسْتمرّ على ولَايَته حَتَّى مَاتَ فِي الحادي وَالْعِشْرين من محرم سنة 903 ثَلَاث وَتِسْعمِائَة وَخلف من الْأَوْلَاد ذُكُورا وإناثا نَحْو الْأَرْبَعين السُّلْطَان مُحَمَّد خَان ين بايزيد بن مرداخان بن أورخان الْغَازِي ابْن عُثْمَان الغازي سُلْطَان الروم وَابْن سلاطينها ولد سنة 777 سبع وَسبعين وَسَبْعمائة وَصَارَت إِلَيْهِ السلطنة بعد موت أَبِيه فِي سنة 816 وَكَانَ شجاعاً مقداماً مُجَاهدًا فِي سَبِيل الله افْتتح فِي دولته عدَّة مَوَاضِع من بِلَاد الإفرنح وَعمر فِي بِلَاد الرّوم عماير كَثِيرَة مدارس ومساجد وَهُوَ أول من عمل الصرة لأهل الْحَرَمَيْنِ من آل عُثْمَان فَصَارَ ذَلِك مستمرا وَهَذِه منقبة عَظِيمَة وَكَانَ مُعظما للْعُلَمَاء عَارِفًا بدرجاتهم منعما عَلَيْهِم بالمقررات الواسعة مُرَتبا لَهُم فِي مدارس الروم مبالغا فِي استجلاب خواطرهم حَتَّى كَأَنَّهُ أحدهم وَإِذا سمع بعالم فِي جِهَة من الْجِهَات كَاتبه ورغبه فِي الْقدوم عَلَيْهِ وأجرى لَهُ من النَّفَقَات مَا يَكْفِيهِ بعضه وَكَانَ يقْرَأ على أكَابِر الْعلمَاء وَيَأْخُذ عَن كل عَالم فِي علمه ويتناظرون بَين يَدَيْهِ وَقد حكى صَاحب الشقائق النعمانية من أفضاله على الْعلمَاء وتعظيمه لَهُم مَا يتعجب النَّاظر فِيهِ وَمَات فِي سنة 825 خمس وَعشْرين وثمان مائَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 مُحَمَّد بن أَبى البركات بن أَحْمد بن علي بن مُحَمَّد بن عمر الجبرتي الحنفي الْمَعْرُوف بِابْن سعد الدَّين سُلْطَان الْمُسلمين بِالْحَبَشَةِ أصلهم فِيمَا قيل من قُرَيْش فَرَحل بعض سلفهم من الْحجاز حَتَّى نزل بِأَرْض جبرت فسكنها إِلَى أَن ملك ملك الْحَبَشَة بَعضهم مَدِينَة أقات وأعمالها فَعظم وقويت شوكته وحمدت سيرته وتداولها ذُريَّته حَتَّى انْتَهَت إِلَى صَاحب التَّرْجَمَة فِي سنة 828 فَملك كثيرا من تِلْكَ الْبِلَاد وامتلأت الأقطار من الرَّقِيق الَّذين سباهم ودام على ذَلِك حَتَّى مَاتَ شَهِيدا فِي بعض غَزَوَاته فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة 835 خمس وَثَلَاثِينَ وثمان مائَة قَالَ السخاوي وَكَانَ دينا عَاقِلا عادلا خيرا وقورا مهابا ذَا سطوة على الْحَبَشَة أعز الله الْإِسْلَام فِي أَيَّامه وَملك بعده أَخُوهُ فاقتفى أَثَره فِي غزاوته وشدته قَالَ ابْن حجر فِي أنبائه وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة شجاعا بطلا مديما للْجِهَاد عِنْده أَمِير يُقَال لَهُ حَرْب لَا يُطَاق فِي الْقِتَال كَانَ نَصْرَانِيّا فَأسلم وَحسن إسلامه فَهزمَ الْكفَّار من الْحَبَشَة مرَارًا وغزاهم السُّلْطَان مرة وَهُوَ مَعَه فغنم غَنَائِم عَظِيمَة بِحَيْثُ بيع الرَّأْس من الرَّقِيق بربطة ورقة أَوْقَات وَكَانَ من خير الْمُلُوك دينا وَمَعْرِفَة يصحب الْفُقَهَاء والصلحاء وينشر الْعدْل فِي أَعماله حَتَّى فِي وَلَده وَأَهله وَأسلم على يَدَيْهِ خلائق من الْحَبَشَة حَتَّى ثار عَلَيْهِ بنوعمه فَقَتَلُوهُ فِي التَّارِيخ الْمُتَقَدّم مُحَمَّد بن أَبى بكر بن آيد غدى بن عبد الله الشَّمْس القاهري الحنفي الْمَعْرُوف بِابْن الجندى ولد تَقْرِيبًا سنة 765 خمس وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة بِالْقَاهِرَةِ وَنَشَأ بهَا وَأخذ عَن جمَاعَة من مشاهير علمائها فِي أَنْوَاع من الْعلم وبرع فِي الْعَرَبيَّة وَالْفِقْه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 وَالْأُصُول والفرائض والحساب والمعاني وَالْبَيَان مَعَ الْخِبْرَة بأنواع الفروسية والدربة فِي لعب الشطرنج وَأخذ عَنهُ الْفُضَلَاء وَاخْتصرَ المغني لِابْنِ هِشَام اختصارا حسنا متحريا فِيهِ إبدال الْعبارَة المنتقدة وصنف مُقَدّمَة فِي الْعَرَبيَّة سَمَّاهَا مشتهى السمع وَشَرحهَا بشرح سَمَّاهُ مُنْتَهى الْجمع وَله الزبدة والقطرة ومقدمة فِي الْفَرَائِض ومختصر فِي الْمعَانى وَالْبَيَان وَشرح كل مِنْهُمَا وَشرح الْمجمع فِي مجلدين وَمَات فِي يَوْم الْخَمِيس مستهل الْمحرم سنة 844 أَربع وَأَرْبَعين وثمان مائَة مُحَمَّد بن أَبى بكر بن أَيُّوب بن سعد بن جرير الزرعي الدمشقي شمس الدَّين ابْن قيم الجوزية الحنبلي الْعَلامَة الْكَبِير الْمُجْتَهد الْمُطلق المُصَنّف الْمَشْهُور ولد سنة 691 إِحْدَى وَتِسْعين وسِتمِائَة وَسمع من ابْن تَيْمِية ودرس بالصدرية وَأم بالجوزية وَأخذ الْفَرَائِض عَن أَبِيه وَأخذ الْأُصُول عَن الصفي الهندي وَابْن تَيْمِية وبرع فِي جَمِيع الْعُلُوم وفَاق الأقران واشتهر فِي الْآفَاق وبتحر فِي معرفَة مَذَاهِب السلف وَغلب عَلَيْهِ حب ابْن تَيْمِية حَتَّى كَانَ لَا يخرج عَن شئ من أَقْوَاله بل ينتصر لَهُ فِي جَمِيع ذَلِك وَهُوَ الذي نشر علمه بِمَا صنفه من التصانيف الْحَسَنَة المقبولة واعتقل مَعَ ابْن تَيْمِية وأهين وطيف بِهِ على جمل مَضْرُوبا بِالدرةِ فَلَمَّا مَاتَ ابْن تَيْمِية أفرج عَنهُ وامتحن محنة أُخْرَى بِسَبَب فَتَاوَى ابْن تَيْمِية وَكَانَ ينَال من عُلَمَاء عصره وينالون مِنْهُ قَالَ الذهبي فِي الْمُخْتَصر جلس مُدَّة لإنكار شدّ الرحل لزيارة قبر الْخَلِيل ثمَّ تصدر للاشتغال وَنشر الْعلم وَلكنه معجب بِرَأْيهِ جرئ على أُمُور انْتهى قلت بل كَانَ متقيدا بالأدلة الصَّحِيحَة معجبا بِالْعَمَلِ بهَا غير معول على الرَّأْي صادعا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 بِالْحَقِّ لَا يحابي فِيهِ أحداً ونعمت الجرأة وَقَالَ ابْن كثير كَانَ ملازما للاشتغال لَيْلًا وَنَهَارًا كثير الصَّلَاة والتلاوة حسن الْخلق كثير التودد لَا يحْسد وَلَا يحقد إِلَى أَن قَالَ لَا أعرف فِي زَمَاننَا من أهل الْعلم أَكثر عبَادَة مِنْهُ وَكَانَ يُطِيل الصَّلَاة جدا ويمد ركوعها وسجودها وَكَانَ يقْصد للإفتاء بمسئلة الطَّلَاق وَكَانَ إِذا صلي الصُّبْح جلس مَكَانَهُ يذكر الله تَعَالَى حَتَّى يتعالى النَّهَار وَيَقُول هَذِه غذوتي لَو لم أَفعَلهَا سَقَطت قواي وَكَانَ يَقُول بِالصبرِ والتيسير تنَال الْإِمَامَة فِي الدَّين وَكَانَ يَقُول لَا بُد للسالك من همة تسيره وترقيه وَعلم يبصره ويهديه وَكَانَ مغرى بِجمع الْكتب فَحصل مِنْهَا مَا لَا تحصر حَتَّى كَانَ أَوْلَاده يبيعون مِنْهَا بعد مَوته دهرا طَويلا سوى مَا اصطفوه لأَنْفُسِهِمْ مِنْهَا وَله من التصانيف الْهَدْي وأعلام الموقعين وبدائع الْفَوَائِد وطرق السعادتين وَشرح منَازِل السائرين وَالْقَضَاء وَالْقدر وجلاء الأفهام فِي الصَّلَاة وَالسَّلَام على خير الْأَنَام ومصايد الشَّيْطَان ومفاتيح دَار السَّعَادَة وَالروح وحادي الْأَرْوَاح وَرفع الْيَدَيْنِ وَالصَّوَاعِق الْمُرْسلَة على الْجَهْمِية والمعطلة والداء والدواء ومولد النبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْجَوَاب الشافي لمن سَأَلَهُ عَن ثَمَرَة الدُّعَاء إِذا كَانَ مَا قد قدر وَاقع وَغير ذَلِك وكل تصانيفه مَرْغُوب فِيهَا بَين الطوائف قَالَ ابْن حجر فِي الدُّرَر قَالَ وَهُوَ طَوِيل النَّفس فِيهَا يتعانى الْإِيضَاح جهده فيسهب جدا ومعظمها من كَلَام شَيْخه متصرف فِي ذَلِك وَله ملكة قَوِيَّة وَلَا يزَال يدندن حول مفرداته وينصرها ويحتج لَهَا انْتهى وَله من حسن التَّصَرُّف مَعَ العذوبة الزَّائِدَة وَحسن السِّيَاق مَالا يقدر عَلَيْهِ غَالب المصنفين بِحَيْثُ تعشق الإفهام كَلَامه وتميل إِلَيْهِ الأذهان وتحبه الْقُلُوب وَلَيْسَ لَهُ على غير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 الدَّلِيل معول فِي الْغَالِب وَقد يمِيل نَادرا إِلَى مَذْهَب الَّذِي نَشأ عَلَيْهِ وَلكنه لَا يتجاسر على الدّفع فِي وُجُوه الْأَدِلَّة بالمحامل الْبَارِدَة كَمَا يَفْعَله غَيره من المتهذبين بل لَا بدله من مُسْتَند فِي ذَلِك وغالب أبحاثه الْإِنْصَاف والميل مَعَ الدَّلِيل حَيْثُ مَال وَعدم التعويل على القيل والقال وَإِذا استوعب الْكَلَام فِي بحث وَطول ذيوله أُتِي بمالم يَأْتِ بِهِ غَيره وسَاق مَا ينشرح لَهُ صُدُور الراغبين فِي أَخذ مذاهبهم عَن الدَّلِيل وأظنها سرت إِلَيْهِ بركَة ملازمته لشيخه ابْن تَيْمِية فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْقِيَام مَعَه فِي محنه ومؤاساته بِنَفسِهِ وَطول تردده إِلَيْهِ فَإِنَّهُ مَا زَالَ ملازما لَهُ من سنة 712 إِلَى تَارِيخ وَفَاته الْمُتَقَدّم فِي تَرْجَمته وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ أحد من قَامَ بنشر السنة وَجعلهَا بَينه وَبَين الآراء المحدثة أعظم جنَّة فرحمه الله وجزاه عَن الْمُسلمين خيرا وَحكى عَنهُ قبل مَوته بِمدَّة أَنه رأى شَيْخه ابْن تَيْمِية فِي الْمَنَام وَأَنه سَأَلَهُ عَن مَنْزِلَته أي منزلَة الشَّيْخ فَقَالَ إنه أنزل فَوق فلَان وسمى بعض الأكابر وَقَالَ لَهُ وَأَنت كدت تلْحق بِهِ وَلَكِن أَنْت فِي طبقَة ابْن خُزَيْمَة وَمَات فِي ثَالِث شهر رَجَب سنة 751 إِحْدَى وَخمسين وَسَبْعمائة وَأورد لَهُ ابْن حجر أبياتا وهي (بني أَبى بكر كثير ذنُوبه ... فَلَيْسَ على من نَالَ من عرضه إثم) (بني أَبى بكر غَدا متصدرا ... تعلم علما وَهُوَ لَيْسَ لَهُ علم) (بني أَبى بكر جهول بِنَفسِهِ ... جهول بِأَمْر الله أنى لَهُ الْعلم) (بني أَبى بكر يروم ترقيا ... إِلَى جنَّة المأوى وَلَيْسَ لَهُ عزم) (بني أَبى بكر لقد خَابَ سَعْيه ... إِذا لم يكن فِي الصَّالِحَات لَهُ سهم) (بني أَبى بكر كَمَا قَالَ ربه ... هلوع كنُود وَصفه الْجَهْل وَالظُّلم) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 (بني أَبى بكر وَأَمْثَاله غَدَتْ ... بفتواهم هَذِه الخليقة تأتم) (وَلَيْسَ لَهُ فِي الْعلم بَاعَ وَلَا التقى ... وَلَا الزّهْد وَالدُّنْيَا لديهم هي الْهم) (بني أَبى بكر غَدا متمنيا ... وصال المعالي والذنُوب لَهُ هم) مُحَمَّد بن أَبى بكر الأشخر بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الْخَاء الْمُعْجَمَة أَيْضا ثمَّ رَاء مُهْملَة الزبيدي أَخذ الْعلم عَن الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن زِيَادَة والفقيه عبد الله بن إِبْرَاهِيم بن مطهر وَقَرَأَ بِمَكَّة على ابْن حجر الهيتمى وَله تصانيف مِنْهَا نظم الْإِرْشَاد ومنظمومة فِي أصُول الْفِقْه وحاشية على الْبَهْجَة للعامري وَشرح على شذور الذَّهَب وَغير ذَلِك وَمَات سنة 989 وَبَنُو الأشخر بَيت علم وَصَلَاح يسكنون قَرْيَة قريب بَيت الشَّيْخ قَرِيبا من الضُّحَى وَبهَا قبر صَاحب التَّرْجَمَة مُحَمَّد بن أَبى بكر بن الْحُسَيْن بن عمر بن مُحَمَّد بن يُونُس ابْن أَبى الْفَخر عبد الرَّحْمَن القرشي العثماني المراغي القاهري الأَصْل المدني ولد فِي أَوَاخِر سنة 775 خمس وَسبعين وَسَبْعمائة بِالْمَدِينَةِ وَنَشَأ بهَا وَقَرَأَ على البلقيني وَابْن الملقن فِي الْقَاهِرَة عِنْد رحلته مَعَ بنه وَسمع على عُلَمَاء الْمَدِينَة والقادمين إِلَيْهَا وَمن مشايخه الزين العراقى والهيتمى والنويرى وتكرر دُخُوله الْقَاهِرَة وسماعه على من بهَا وَدخل الْيمن مرَارًا فَسمع من جمَاعَة من أعيانها كأحمد بن أَبى بكر الرداد وَالْمجد الشيرازي والنفيس العلوي وتفقه بالدميري والبلقيني أَيْضا وَآخَرين وَأخذ الْأُصُول عَن الولي العراقي والنحو عَن وَالِده والمحب بن هِشَام وَبِالْجُمْلَةِ فَسمع على جمَاعَة من أَعْيَان الْعلمَاء فِي جِهَات وَأخذ سَائِر الْعُلُوم عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 آخَرين وَأَجَازَ لَهُ أكَابِر من محلات مُخْتَلفَة وبرع فِي الْفِقْه وأصوله والنحو والتصوف وأتقن جملَة من الحَدِيث وغريب الرِّوَايَة وصنف شرح الْمِنْهَاج الفرعي فِي أَربع مجلدات وَسَماهُ المشرع الروي فِي شرح منهاج النووي وَاخْتصرَ فتح الْبَارِي لِابْنِ حجر فِي نَحْو أَربع مجلدات وَسَماهُ تَلْخِيص أَبى الْفَتْح لمقاصد الْفَتْح ودرس فِي الْيمن بمواضع وَفِي الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة وبمكة وَحدث بالأمهات وَغَيرهَا حَتَّى مَاتَ بِمَكَّة لَيْلَة الْأَحَد سادس عشر الْمحرم سنة 859 تسع وَخمسين وثمان مائَة وَله أَخ اسْمه مُحَمَّد كاسمه برع فِي الْفُنُون وَصَارَ شيخ الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة وَكَانَ مولده سنة 764 أَربع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وقتلته اللُّصُوص لما سَافر إِلَى الشَّام سنة 819 تسع عشرَة وثمان مائَة وَقتلُوا مَعَه ولديه مُحَمَّد وَالْحُسَيْن وَلِصَاحِب التَّرْجَمَة أَخ ثَالِث اسْمه أَيْضا مُحَمَّد ولد فِي سنة 806 سِتّ وثمان مائَة وبرع فِي جَمِيع الْعُلُوم وَصَارَ مُسْند الْمَدِينَة ومدرسها وَمَات سنة 880 ثَمَانِينَ وثمان مائَة مُحَمَّد بن أَبى بكر بن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن سعد الله بن جمَاعَة ابْن حَازِم بن صَخْر بن عبد الله الْعِزّ بن الشرف بن الْعِزّ الحموي الأَصْل المصري الشَّافِعِي وَيعرف كسلفه بِابْن جمَاعَة ولد سنة 746 سِتّ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وَسمع فِي صغره من جمَاعَة من الأكابر وَأَجَازَ لَهُ آخَرُونَ ثمَّ مَال إِلَى عُلُوم الْعقل فَقَرَأَ على الْعلمَاء السيرامي والعز الرازى وَابْن خلدون وتفقه بالبلقيني وَنظر فِي كل فن حَتَّى فِي الْأَشْيَاء الصناعية كلعب الرمْح وَرمى النشاب وَضرب السَّيْف والنفط حَتَّى الشعوذة وَعلم الْحَرْف والرمل والنجوم والزيج وفنون الطِّبّ وَكَانَ يقْضى بِمَعْرِِفَة جَمِيع الْعُلُوم وَصَارَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 الطَّهَارَة فَلَا يحدث حَدثا إِلَّا تَوَضَّأ مَعَ مَا فِيهِ من محبَّة الفكاهة والمزاح واستحسان النادرة ومشيه بَين الْعَوام وَالْوُقُوف على من يلْعَب فِي نوع من أَنْوَاع اللعب لينْظر إِلَيْهِم وَلم يتَزَوَّج وَكَانَ يعاب بالتزيي بزي الْعَجم من طول الشَّارِب وَعدم السِّوَاك وَقد تَرْجمهُ الْحَافِظ ابْن حجر فِي أنبائه وَذكر حَاصِل مَا تقدم وَقَالَ انه لَازمه من سنة 790 إِلَى أَن مَاتَ وَأَنه كَانَ يُسمى صَاحب التَّرْجَمَة إمام الْأَئِمَّة قَالَ المقريزي وَقد تخرج بِهِ فِي الْأُصُول والمنطق والمعاني وَالْبَيَان وَالْحكمَة خلائق من المصريين والغرباء وطار اسْمه وانتشر ذكره فِي الأقطار وقصده النَّاس من الشرق والغرب وَلم يخلق فِي فنونه بعده مثله وَمَات فِي الْعشْرين من ربيع الآخر سنة 819 تسع عشرَة وثمان مائَة مُحَمَّد بن أَبى بكر بن علي بن عبد الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْبَهَاء المشهدي القاهري الأزهري ولد فِي لَيْلَة الْجُمُعَة ثاني عشر صفر سنة 811 إِحْدَى عشرَة وثمان مائَة بِالْقربِ من الْأَزْهَر وَأخذ عَن جمَاعَة كالولى العراقى والجلال البلقيني وَابْن الجزيري وأبي الْفضل المغربي والكافياجي وَابْن حجر ودرس بمواضع وصنف شرحا لمختصر ابْن الْحَاجِب الأصلي وشرحا لجامع المختصرات وعلق على الْمِنْهَاج الفرعي فَوَائِد وَعمل جُزْءا فِي التسلية عَن موت الْأَوْلَاد وشرحا على البخاري متلقطا من الشُّرُوح فِي مجلدين وَمَات فِي يَوْم السبت عَاشر جُمَادَى الْآخِرَة سنة 889 تسع وَثَمَانِينَ وثمان مائَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 مُحَمَّد بن أبي بكر بن عمر بن أَبى بكر بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان ابْن جَعْفَر بن يحيى بن حُسَيْن بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن أَبى بكر ابْن يُوسُف ابْن علي بن صَالح بن إِبْرَاهِيم الْبَدْر المخزومي السكندري المالكي وَيعرف بِابْن الدماميني ولد سنة 763 ثَلَاث وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة بإسكندرية وَسمع بهَا من الْبَهَاء بن الدماميني وَآخَرين وبالقاهرة من السراج بن الملقن وَغَيره وبمكة من النويري واشتغل بِبَلَدِهِ على علمائها فمهر فِي الْعَرَبيَّة وَالْأَدب وشارك فِي الْفِقْه ودرس فِي الْإسْكَنْدَريَّة بعدة مدارس وناب فِي الْقَضَاء بِبَلَدِهِ وبالقاهرة وتصدر بالجامع الْأَزْهَر لإقراء النَّحْو وَدخل دمشق وَعين فِي أَيَّام الْمُؤَيد لقَضَاء الْمَالِكِيَّة فَرمى بقوادح وَدخل بِلَاد الْيمن فدرس بِجَامِع زبيد بَحر سنة وَلم يرج لَهُ بهَا أَمر فَركب الْبَحْر إِلَى الْهِنْد فَأقبل عَلَيْهِ أَهلهَا كثيرا وَأخذُوا عَنهُ وعظموه وَحصل دنيا عريضة فَلم يلبث أن مَاتَ وَكَانَ أحد الكملة فِي فنون الْأَدَب أقر لَهُ الأدباء بالتقدم فِيهِ وبإجادة النظم والنثر وَله مصنفات مِنْهَا نزُول الْغَيْث انتقد فِيهِ على الصفدي فِي أَمَاكِن من شرح الْغَيْث على لامية الْعَجم وَمَا أحسن مِنْهَا هَذِه التَّسْمِيَة وأجود مَا فِيهَا من التورية وصنف حَاشِيَة على المغني سَمَّاهَا تحفة الْغَرِيب وصنف حَاشِيَة أُخْرَى على المغنى إحد الحاشيتين هندية وَالْأُخْرَى يمنية وَقد تعقب الشمني فِي ذَلِك عقبا كثيرا وَشرح البخاري فِي مُجَلد غالبه فِي إعراب الْأَلْفَاظ وَله شرح على التسهيل والخزرحية وَله جَوَاهِر النحور فِي الْعرُوض وَشَرحه والفواكه البدرية من نظمه ومختصر حَيَاة الْحَيَوَان للدميري وَغير ذَلِك وَمَات فِي شعْبَان سنة 827 سبع وَعشْرين وثمان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 مائَة بِالْهِنْدِ وَله نظم جيد سَائِر مَشْهُور فَمِنْهُ (قلت لَهُ والدجى مول ... وَنحن بالأنس فِي التلاقي) (قد عطس الصُّبْح يَا حَبِيبِي ... فَلَا تشمتنه بالفراق) وَمن نظمه (يَا عذولي فِي مغن مطرب ... حرك الأوتار لما سفرا) (كم يهز الْعَطف مِنْهُ طَربا ... عِنْدَمَا يسمع مِنْهُ وترا) وَمن شعره (لاما عذاريك هما أوقعا ... قلب الْمُحب الصب فِي الْحِين) (فجدله بالوصل واسمح بِهِ ... ففيك قد هام بلامين) وَمِنْه (الله أكبر يَا محراب طرته ... كم ذَا تصلي بِنَار الْحبّ من صابي) (وَكم أَقمت بأحشائي حروب هوى ... فمنك قلبي مفتون بمحراب) مُحَمَّد بن أَبى بكر بن أَبى الْقَاسِم الهمداني ثمَّ الدمشقي الْمَعْرُوف بالسكاكيني ولد سنة 635 خمس وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة بِدِمَشْق وَطلب الحَدِيث وتأدب وَسمع وَهُوَ شَاب من جمَاعَة وَقعد فِي صناعَة السكاكين عِنْد شيخ رَافِضِي فأفسد عقيدته فَأخذ عَن جمَاعَة من الإمامية وَله نظم وفضائل ورد على الْعَفِيف التلمساني فِي الاتحاد وَأقَام بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة عِنْد أميرها وَلم يحفظ عَنهُ سب للصحابة بل لَهُ نظم فِي فضائلهم إلا أَنه كَانَ كَمَا قَالَ ابْن حجر يناظر على الْقدر وينكر الْجَبْر وَعِنْده تعبد وسعة رزق قَالَ ابْن تَيْمِية هُوَ مِمَّن يتسنن بِهِ الشيعي ويتشيع بِهِ السني وَقَالَ الذهبي كَانَ حُلْو المجالسة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 ذكيا عَالما فِيهِ اعتزال وينطوي على دين وإسلام وَتعبد سمعنَا مِنْهُ وَيُقَال أنه رَجَعَ فِي آخر عمره وَنسخ صَحِيح البخاري قَالَ ابْن حجر وَوجد بعد مَوته بِمدَّة بِخَط يشبه خطه كتاب سَمَّاهُ الطرائف فِي معرفَة الطوائف يتَضَمَّن الطعْن على دين الْإِسْلَام وَأورد فِيهِ أحاديث مشكلة وَتكلم على متونها بِكَلَام عَارِف بِمَا يَقُول إِلَّا أَن وضع الْكتاب يدل على زندقة مِنْهُ وَقَالَ فِي آخِره وَكتبه مُصَنفه عبد الحميد بن دَاوُد المصري وَهَذَا الاسم لَا وجود لَهُ وَشهد جمَاعَة من أهل دمشق أَنه خطه وَأَخذه تقي الدَّين السبكي عِنْده وقطعه فِي اللَّيْل وغسله بِالْمَاءِ وَنسب إِلَيْهِ عماد الدَّين بن كَبِير الأبيات ( ... أيا معشر الْإِسْلَام ذمِّي دينكُمْ) وَقد أجَاب عَلَيْهَا ابْن تَيْمِية كَمَا سبقت الْإِشَارَة إِلَى ذَلِك وَمَات فِي صفر سنة 821 إِحْدَى وَعشْرين وثمان مائَة قلت وَمُجَرَّد كَون الْخط يشبه خطه فِي ذَلِك الْكتاب لَا يحل الْجَزْم بِأَنَّهُ مُصَنفه لاحْتِمَال أن الْخط غير خطه وعَلى فرض أنه خطه فقد يكون الْوَاضِع لَهُ غَيره وَكتبه بِخَطِّهِ وَلَا ريب أَن لكثير من غلاة الرافضة أَشْيَاء من هَذَا الْجِنْس وَمن ذَلِك كتاب النُّصْرَة المنسوبة إِلَى رجل يَهُودِيّ ذكر فِي أوائلها أَنه أَرَادَ أَن يسلم فَرَأى اخْتِلَاف أهل الْإِسْلَام فِي التَّشَيُّع والتسنن فتوقف عَن الْإِسْلَام وَأخذ كتبا من كتب الحَدِيث فَنظر فِيهَا ثمَّ أظهر فِي مبادئ أمره الانتصار للشيعة ومطمح نظره غير ذَلِك فَإِنَّهُ كَانَ ينْقل الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الْمَوْجُودَة فِي الامهات الَّتِى فِيهَا تعَارض فِي الظَّاهِر فيوسع دَائِرَة الْإِشْكَال ويأتي بمسالك عَارِف بمدارك الاستدلال ويتغاضى عَن الْجمع والتأويل وَيُصَرح بِمَا يُفِيد الطعْن فِي الشَّرِيعَة موهما لجهلة الشِّيعَة أَنه بصدد نصرتهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 والطعن فِي كتب خصومهم فَمن نظر إِلَيْهِ بِعَين التَّحْقِيق وجده طَعنا على الشَّرِيعَة وثلبا لِلْإِسْلَامِ وتشكيكا فِي الدَّين وواضعه لَا شك أَنه بعض متزندقة الرافضة وَمن الْغَرِيب أَنه صَار يتداوله جمَاعَة من جهلة الشِّيعَة فِي هَذِه الْأَزْمِنَة فإنالله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون مُحَمَّد بن الْحسن بن أَحْمد الحيمي الكوكباني القاضي الأديب كَانَ قَاضِيا بكوكبان وَله نظم منسجم فَمِنْهُ القصيدة الَّتِى مطْلعهَا (نعم هَذِه أنفاس عرف الصِّبَا النجدي ... سرت فطوت من أرضها شقة الْبعد) وَله قصيدة أُخْرَى مطْلعهَا (نسمَة اهدت لقلبى نفسا ... حِين زارتني وَمَرَّتْ غلسا) وَله شعر كثير وَقد ترْجم لَهُ صَاحب نسمَة السحر وَحكى عَنهُ أَنه أخبرهُ فِي شَوَّال سنة 1111 أَنه كَانَ بشبام رجل يتظاهر بعشق أمْرَأَة وَهُوَ مَشْهُور بالشطارة والإقدام وَكَانَ لَا يزَال يجْتَمع بهَا وَلَا تقدر أن تمْتَنع مِنْهُ لشدَّة بطشه مَتى أرادها وَاتفقَ أَنه كَانَ فِي أَيَّام الْحَصاد يحرس زرعا لَهُ فِي بَيت لَهُ لطيف بِظَاهِر شبام وَقد خلا بِتِلْكَ الْمَرْأَة بِاللَّيْلِ وَهُوَ لَيْلَة النّصْف من شعْبَان الْمَشْهُورَة بِالْبركَةِ فَلَمَّا هدأت الْعُيُون سمع أهل شبام صَوتا يشبه صَوت الصاعقة قَالَ صَاحب التَّرْجَمَة وَأَنا مِنْهُم فَفَزعَ النَّاس وخافوا خوفا شَدِيدا وصعدوا السطوح وَإِذا الحرس يتبادرون إِلَى بَيت ذَلِك الرجل وهم يَقُولُونَ إنه انقض كَوْكَب عَظِيم وَله صَوت عَظِيم ماسمع بِمثلِهِ إِلَى بَيته فَلَمَّا وصلوا إِلَيْهِ وجدوا الْبَيْت قد صَار كوم تُرَاب وَالرجل فِيهِ وهم لَا يعلمُونَ بمبيت الْمَرْأَة مَعَه قَالَ صَاحب التَّرْجَمَة فأرسلوا إِلَيّ لأحضر على الْحفر عَنهُ وَكنت قَاضِيا فَحَفَرُوا عَنهُ إِلَى الصَّباح حَتَّى ظهر لَهُم وَهُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 على تِلْكَ الْمَرْأَة فِي الْفَاحِشَة وَقد صَارا حممة فأخرجا ودفنا وَكَانَ عِبْرَة قَالَ صَاحب نسمَة السحر أَيْضا انه حَدثهُ المترجم لَهُ أَن رجلا اسْمه احْمَد بن صَلَاح الغفاري الْفَقِيه من سكان قلعة شهارة مرض وأغمى عَلَيْهِ وأيس مِنْهُ أَهله ووجهوه إِلَى الْقبْلَة وَقعد ويقرأون الْقُرْآن حوله وَاتفقَ أَن مِسْكينا جَاءَ إِلَى بَابه فأعطته زَوجته حبا فِي طبق ثمَّ بعد مَا مضى السَّائِل أفاق ذَلِك الْمَرِيض وَطلب مَأْكُولا وكلمهم وَقَالَ بَيْنَمَا أنا فِي شدَّة لَا أعقل إذ دخل عَلَيْهِ من الْبَاب شخص كالجزار مشمر عَن سَاقيه وذراعيه وَبِيَدِهِ سكين عَظِيمَة فَأخْرج من نطاقه مسنا وَجعل يسن السكين ثمَّ يقدم إِلَى لذبحي وَقعد فَوق صدري وَأَنا شاخص إِلَيْهِ فَبَيْنَمَا هُوَ فِي ذَلِك اذ انْفَلق السّقف وَنزل من شخصان أبيضان فِي غَايَة الوسامة وَطيب الرَّائِحَة وبيد أَحدهمَا طبق فِيهِ حب فكفاه عَن قَتْلَى وساراه بشئ وأشارا إِلَى الطَّبَق وفهمت مِنْهُمَا أن الله زَاد فِي عمرى بركَة الصَّدَقَة فَرد السكين وَقَالا اذْهَبْ إِلَى فلَان جَار لي ثمَّ صعد إِلَى السقف الذي تدلى مِنْهُ وَخرج ذَلِك الشَّخْص فَسمع الصُّرَاخ فِي دَار جَاره انْتهى وَمَات صَاحب التَّرْجَمَة فِي سنة 1115 خمس عشرَة وَإِحْدَى عشر مائَة السَّيِّد مُحَمَّد بن الْحسن بن عبد الله الظفري ثمَّ الصنعاني ولد بعد سنة 1170 سبعين وَمِائَة وَألف فَأخذ عَن أَبِيه وَعَن شَيخنَا السَّيِّد الْعَلامَة عبد الْقَادِر بن أَحْمد وَعَن السَّيِّد الْعَلامَة شرف الدَّين بن إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن إسحاق وَعَن آخرين وبرع فِي الْعُلُوم الإلهية وشارك فِي غَيرهَا وَله فهم جيد وَإِدْرَاك قوي وسمت حسن وعقل رصين وَبعد موت وَالِده اشْتغل بِالسَّفرِ كل عَام إِلَى بَلْدَة أصاب والبقاء هُنَالك بعض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 السنة لتَحْصِيل غلات أَمْوَال وَهُوَ مِمَّن يعْمل بِاجْتِهَادِهِ ويتقيد بنصوص الْأَدِلَّة وَلَا يعول على غير ذَلِك وَأَخُوهُ السَّيِّد الْعَلامَة عبد الله بن الْحسن كَانَ أحد أَعْيَان الطّلبَة أَخذ عَنى فِي النَّحْو وَالصرْف والمعاني وَالْبَيَان وَالْأُصُول وَكَانَ فِي غَايَة السّكُون وَنِهَايَة الْعقل مَعَ فهم مُسْتَقِيم وإقبال على الطلب وَلكنهَا اخترمته الْمنية فِي سن الشَّبَاب فَمَاتَ فِي سنة 1212 اثنتي عشر وَمِائَتَيْنِ وَألف ووالد المترجم لَهُ من أكَابِر الْعلمَاء المبرزين فِي عدَّة فنون وَقد درس للطلبة بِصَنْعَاء فِي النَّحْو وَالصرْف والمنطق والمعاني وَالْبَيَان وَالْأُصُول وانتفع بِهِ كثير مِنْهُم ثمَّ بعد ذَلِك ولاه الإِمَام المهدي الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن بِلَاد ذي جبلة فَشرط لنَفسِهِ أَن تكون مُبَاشَرَته على قانون الشَّرْع بِدُونِ جري على الْأَعْرَاف فساعده الإِمَام فباشر ذَلِك مُبَاشرَة حَسَنَة على القانون الشَّرْعِيّ بِحَيْثُ لم يسمع فِي الْأَعْصَار الْأَخِيرَة بِمثل هَذِه الْولَايَة وَكَانَ يعْتَرض على القاضي فِي ذي جبلة لكَونه أعلم مِنْهُ بدرجات وَهُوَ كَانَ يسْتَحق إفراده بترجمة ولكني اكتفيت بِذكرِهِ هَهُنَا وَتوفى فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة 1203 ألف وَمِائَتَيْنِ وَثَلَاث مُحَمَّد بن حسن السماوي ولد بعد سنة 1170 سبعين وَمِائَة وَألف بسماة من بِلَاد عتمة وارتحل إِلَى ذمار لطلب الْعلم فَقَرَأَ هُنَالك علم الْفِقْه واستفاد فِيهِ ثمَّ رَحل إِلَى صنعاء فَقَرَأَ على جمَاعَة من علمائها مِنْهُم شَيخنَا السَّيِّد الْعَلامَة علي بن إِبْرَاهِيم بن عَامر فِي الصّرْف والنحو وَشَيخنَا الْعَلامَة أَحْمد بن مُحَمَّد فِي الْفُرُوع وَقَرَأَ علي فِي النَّحْو وَالصرْف والمنطق والمعاني وَالْبَيَان وَالْأُصُول والْحَدِيث وَالْفِقْه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 واستفاد فِي غَالب هَذِه الْفُنُون ثمَّ انْتقل إِلَى بِلَاد خبان لتدريس طلبة الْعلم بهَا وَهُوَ الْآن هُنَالك ثمَّ صارأحد القصاة بخبان مُحَمَّد بن حسن بن علي بن عُثْمَان الشَّمْس النواجى نِسْبَة إِلَى نواجى بِضَم النُّون ثمَّ الْجِيم ثمَّ القاهري الشافعي الشَّاعِر الْمَشْهُور ولد بِالْقَاهِرَةِ بعد سنة 785 خمس وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة وَأخذ عَن البرماوي والعز بن جمَاعَة والْحَدِيث عَن الولي العراقي وَابْن حجر وَدخل دمياط والإسكندرية وأمعن النظر فِي عُلُوم الْأَدَب حَتَّى فاق أهل عصره وَكتب حَاشِيَة على التَّوْضِيح فِي مجلدة وَبَعض حَاشِيَة على الجاربردي وشرحا للخزرجية فِي الْعرُوض وكتابا يشْتَمل على قصائد مطولات كلهَا غزل والشفاء فِي بديع الِاكْتِفَاء وخلع العذار فِي وصف العذار وروضة المجالسة فِي بديع المجانسة ومراتع الغزلان فِي وصف الحسان من الغلمان وحلبة الْكُمَيْت فِي وصف الْخمر وحصلت لَهُ محنة بِسَبَب ذَلِك وعقود اللآل فِي الموحشات والأزجال وَالْأُصُول الجامعة لحكم حُرُوف المضارعة والمطالع البهية فِي المدائح النَّبَوِيَّة وصنف كتابا سَمَّاهُ الْحجَّة فِي سرقات ابْن حجَّة تكلف فِيهِ غَايَة التَّكَلُّف وَتعرض لنظمه ونثره ونال مِنْهُ فَوق مَا ينبغي وَلذَلِك جوزي بِمَا صنعه بعض أهل الْأَدَب مَعَه فَإِنَّهُ صنف كتابا سَمَّاهُ قبح الأهاجى فِي النواجى وأوصله إِلَيْهِ بطرق طريفة فَإِنَّهُ أَمر بِدَفْعِهِ إِلَى دلال بسوق الْكتب وَهُوَ جَالس على عَادَته عِنْد بعض التُّجَّار فدار بِهِ الدَّلال على أَرْبَاب الحوانيت حَتَّى وصل إِلَى النواجي فَأَخذه وتأمله وَعلم مضمونه ثمَّ أعاده إِلَى الدَّلال فاسترجعه صَاحبه من الدَّلال فكاد النواجي يهْلك وَقد اشْتهر ذكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 صَاحب التَّرْجَمَة وَبعد صيته وَقَالَ الشّعْر الْفَائِق وَلَوْلَا كَثْرَة تلونه لَكَانَ فَضله كلمة إجماع وَمَات فِي يَوْم الثُّلَاثَاء الْخَامِس وَالْعِشْرين من جُمَادَى الأولى سنة 859 تسع وَخمسين وثمان مائَة وَمن نظمه فِي الْحَافِظ ابْن حجر (أيا قاضى الْقُضَاة وَمن نداه ... يُؤثر بالأحاديث الصِّحَاح) (وحقك مَا قصدت حماك إلا ... لآخذ عَنْك أَخْبَار السماح) (فأروي عَن يَديك حَدِيث وهب ... وَأسْندَ عَن عطا بن أَبى رَبَاح) وَمن نظمه (يَا من حَدِيث غرامي فِي محبتهم ... مسلسل وفؤادي مِنْهُ مَعْلُول) (رَوَت جفونكم اني قتلت بهَا ... فياله خَبرا يرويهِ مَكْحُول) وَمِنْه (إِذا شهِدت محاسنه بأنى ... سلوت وَذَاكَ شئ لَا يكون) (أَقُول حَدِيث جفنك فِيهِ ضعف ... يرويهِ وعطفك فِيهِ لين) مُحَمَّد بن الْحسن بن عِيسَى بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُسلم كمحمد بن محيي بِضَم الْمِيم وَفتح الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء ابْن العليف بِضَم الْعين الْمُهْملَة مُصَغرًا المالكي الشافعي وَيعرف بِابْن العليف ولد سنة 742 اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة بِبِلَاد حاي بن يَعْقُوب وَتردد إِلَى مَكَّة غير مرة سمع بهَا فِي بعض قدماته على الْعِزّ بن جمَاعَة وَقَالَ الشّعْر فمهر فِيهِ ونظم الْكثير وَانْقطع لى الشريف حسن بن عجلَان ومدحه بقصائد كَثِيرَة وَقدم إِلَى الإِمَام النَّاصِر صَلَاح الدَّين مُحَمَّد بن علي إِلَى الْيمن فمدحه بقصائد مِنْهَا القصيدة الْمَشْهُورَة الَّتِى يَقُول فِيهَا (جادك الْغَيْث من طلول بوالي ... كبروج من النُّجُوم خوالي) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 (فقدت بيض أُنْسُهَا فتساوى ... بيض أَيَّامهَا وسود الليلى) وَمِنْهَا فِي الْمَدْح (وَترى الأَرْض أذيهم بمغزى ... هى فِي رعدة وفى زلزالي) قَالَ السخاوي يحْكى أنه لما فرغ مِنْهَا قَالَ لَهُ الإِمَام أحسنت لَا كَمَا قَالَ الْفَاسِق أَبُو نواس (صدح الديك الصدوح ... فاسقني طَابَ الصبوح) فَقَالَ للْإِمَام مَا يقنعني هَذَا إنما أُرِيد مِنْك أَن يحكم لي بأني أشعر من المتنبي فَقَالَ الإِمَام لَيْسَ هَذَا إِلَى هَذَا إِلَى السَّيِّد مطهر صَاحب الفص فَإِنَّهُ هُوَ الْمشَار إِلَيْهِ فِي عُلُوم الْأَدَب ومعرفتها فَقَامَ إِلَيْهِ وَعرض عَلَيْهِ ذَلِك بِإِشَارَة الإِمَام فَقَالَ لَهُ هَذَا المتنبي يَقُول فِي صباه (أبلى الْهوى أسفا يَوْم النَّوَى بدني) ثمَّ قَالَ لَهُ يَا هَذَا إن للمتنبي ثَلَاثمِائَة وَسِتِّينَ مثلا يتَمَثَّل بهَا الْخَلِيفَة فَمن دونه وَأَمْثَاله لَا اعْتِرَاض فِيهَا لأحد فائتنا أَنْت بِثَلَاثَة أَمْثَال لم يسْبق إِلَيْهَا فَقَامَ من عِنْده وَرجع إِلَى الإِمَام وَقَالَ لَهُ إن السَّيِّد لَهُ إلمام بالأدب ولي بِهِ إلمام فحسدني وَلم يقْض لى بشئ فَقَالَ لَهُ الإِمَام لَا يفضلك أحد على المتنبي بعده وَلَكِن أَقُول لَك يَا مُحَمَّد لَو نطقت فِي أذن حمَار لصهل وَكَانَ معجبا بِشعرِهِ متغالياً فِي استحسانه بِحَيْثُ يفضله على شعر المتنبي فيستهجن لذَلِك وَمن مدحه فِي الإِمَام الْمَذْكُور (يَا وَجه آل مُحَمَّد فِي وقته ... لم يبْق بعْدك مِنْهُ إلا قفا) (لَو كَانَت الْأَبْرَار آل مُحَمَّد ... كتب الْعُلُوم لَكُنْت مِنْهَا مُصحفا) (أَو كَانَت الأسباط آل مُحَمَّد ... يَا ابْن الرَّسُول لَكُنْت مِنْهُم يوسفا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 وَتوفى لَيْلَة الْجُمُعَة سَابِع رَجَب سنة 815 خمس عشرَة وثمان مائَة بِمَكَّة السَّيِّد مُحَمَّد بن الْحسن ابْن الإِمَام الْقَاسِم بن مُحَمَّد ولد لليلتين بَقِيَتَا من جُمَادَى الْآخِرَة سنة 1010 عشر وَألف وَهُوَ الرئيس الْكَبِير والأمير الخطير ربي فِي حجر الْخلَافَة وترقى فِي الكمالات حَتَّى بلغ مِنْهَا الْغَايَة وَقَرَأَ على جمَاعَة كالقاضي أَحْمد بن يحيى حَابِس والقاضي صديق بن رسام وَلما مَاتَ وَالِده فِي تَارِيخ مَوته الْمُتَقَدّم فِي تَرْجَمته وَبلغ الإِمَام الْمُؤَيد بِاللَّه مُحَمَّد بن الْقَاسِم أمره بالنفوذ إِلَى بِلَاد ضوران وَمَا زَالَ مترددا فِي الديار اليمنية وَسكن فِي آخر مدَّته مدينتي أَب وذي جبلة وَكثر جَيْشه وعظمت ولَايَته وَصَارَ غَالب الْجِهَات اليمنية تَحت ولَايَته لَا ينفذ فِيهَا أَمر لغيره وَهُوَ يمتثل أَمر الإِمَام الْمُؤَيد بِاللَّه تدينا وانقيادا لَا قهرا وَلما مَاتَ الإِمَام الْمُؤَيد بِاللَّه دَعَا صَاحب التَّرْجَمَة إِلَى الرضي من آل مُحَمَّد فَلَمَّا بلغته دَعْوَة عَمه المتَوَكل على الله إِسْمَاعِيل بن الْقَاسِم انْقَادَ وأطاع وَبَايع وولاه الإِمَام المتَوَكل على الله جَمِيع الْيمن الْأَسْفَل وَهُوَ مُشْتَمل على مدن كَثِيرَة ومواد المملكة فِي الْغَالِب مِنْهُ وَمَا زَالَ أمره فِي ازدياد وسعادته فِي ظُهُور وَأمره فِي نمو إِلَى أن مَاتَ وَكَانَ يَجْعَل شطر إقامته بِالْيمن والشطر الآخر بِصَنْعَاء وَالرَّوْضَة وَقَرَأَ فِي هَذِه الْمدَّة تذكرة النحوي على مُحَمَّد بن صَلَاح السلامي والفقيه أَحْمد بن سعيد الهبل وَقَرَأَ الْفُصُول اللؤلؤية على القاضي إِبْرَاهِيم بن يحيى السحولي وَفِي سنة 1079 طلع من الْيمن إِلَى صنعاء وَاجْتمعَ بِالْإِمَامِ المتَوَكل على الله ثمَّ بدأ بِهِ الْمَرَض قيل وَهُوَ ذَات الْجنب فَمَاتَ بدرب السلاطين من الرَّوْضَة فِي لَيْلَة الْخَمِيس ثامن شهر ربيع الأول سنة 1079 تسع وَسبعين وَألف وَأقر الإِمَام ولَايَة الْبِلَاد الَّتِى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 كَانَت تَحت يَده بيد ولديه السَّيِّد يحيى بن مُحَمَّد وَالسَّيِّد إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد فَمَاتَ يحيى عقب موت وَالِده فبقى بيد إِسْمَاعِيل جِهَة العدين فَتوجه إِلَيْهَا فَمَرض عِنْد وُصُوله إِلَيْهَا وَمَات بهَا وَقد رثى صَاحب التَّرْجَمَة جمَاعَة من شعراء عصره وَمن جملَة من رثاه وَلَده إِسْمَاعِيل بقصيدة مطْلعهَا (هَل أقَال الْمَوْت ذَا حذره ... سَاعَة عِنْد انْتِهَاء عمره) ورثاه الشَّيْخ إِبْرَاهِيم الهندي بقصيدة مطْلعهَا (قضى الفخار فَلَا عين وَلَا أثر ... واحلولك الْخطب لَا شمس وَلَا قمر) وَله مؤلف سَمَّاهُ سَبِيل الرشاد إِلَى معرفَة رب الْعباد فِي علم الْكَلَام وَشرح الْمرقاة تأليف جده الإِمَام الْقَاسِم وَله جَوَاب مَبْسُوط فِي حَدِيث سَتَفْتَرِقُ أمتي على شيخ أَحْمد بن مطير كَذَا قَالَ فِي مطلع البدور السَّيِّد مُحَمَّد بن الْحسن الْمَعْرُوف بالمحتسب ولد تَقْرِيبًا سنة 1170 سبعين وَمِائَة وَألف أَو قبلهَا بِقَلِيل وَأخذ الْعلم عَن جمَاعَة من عُلَمَاء صنعاء ولازم السَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالبنوس واستفاد فِي الْعُلُوم الآلية وشارك فِي علم السنة مُشَاركَة قَوِيَّة وَعمل بالأدلة وَلم يُقَلّد أحدا وَهُوَ بمَكَان عَظِيم من حسن الْخلق والتودد واطراح الدَّعَاوَى الَّتِى يتَعَلَّق بهَا كثير من أهل الْعلم وَله اتِّصَال بمولانا الإِمَام المتَوَكل وبأولاده وَهُوَ صَالح سَاكن متواضع صَادِق اللهجة قوي الدَّين وَله قِرَاءَة علي فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 السَّيِّد مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الحوثي ثمَّ الصنعاني ولد تَقْرِيبًا سنة 1150 خمسين وَمِائَة وَألف وَأخذ الْعلم عَن جمَاعَة من عُلَمَاء صنعاء مِنْهُم السَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الْأَمِير وَالْقَاضِي الْعَلامَة أَحْمد بن مُحَمَّد قاطن وَغَيرهمَا وَصَارَ أحد عُلَمَاء صنعاء المفيدين ودرس فِي فنون وَكَانَ مائلا إِلَى الْعَمَل بالأدلة مطرحا للتقليد حسن الْأَخْلَاق متواضعا متعففا ممتع المحاضرة وَله مبَاحث علمية جَيِّدَة ونظم كنظم الْعلمَاء كتب إِلَى قصيدة مُشْتَمِلَة على مدح لَا اسْتَحَقَّه مطْلعهَا (يثير الشوق تذكار المغاني ... ويذكي ناره الْبَرْق اليماني) فأجبت بقصيدة مطْلعهَا (عُقُود مانظمت من الجمان ... أم الصَّهْبَاء أرقت من الدنان) (أم الرَّوْض الأريض أم ابتسام ... لثغر الزهر أم زهر الْمعَانى) والقصيدتان موجودتان فِي مجموعي وَمن أحسن مَا يحْكى عَنهُ أَنى لما ابْتليت بِالْقضَاءِ كتب الشُّعَرَاء إِلَى تهانئ وَهُوَ كتب إِلَى بتعزية فِي أَبْيَات حَسَنَة وَذكر فِيهَا عجائب فَوَقع لذَلِك عندي موقع عَظِيم وَلَعَلَّ مَوته رَحمَه الله كَانَ فِي سنة 1211 إِحْدَى عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَألف مُحَمَّد بن حُسَيْن دلامة بِضَم الدَّال الْمُهْملَة الذماري ثمَّ الصنعاني ولد تَقْرِيبًا سنة 1150 خمسين وَمِائَة وَألف وَنَشَأ بذمار فَقَرَأَ فِيهَا علم الْفُرُوع واشتغل بالأدب فَقَالَ الشّعْر الْحسن ثمَّ ارتحل إِلَى صنعاء وَاسْتمرّ بهَا وَكَانَ يمدح أكابرها الْخَلِيفَة فَمن دونه وشعره كثير سَائِر وتأتي لَهُ فِيهِ معاني بديعة وَكَانَ حسن المحاضرة رَقِيق الْحَاشِيَة وَكثير الْميل إِلَى الصُّور الحسان مَعَ عفة ونزاهة بِحَيْثُ أَنه قد ناهز السِّتين وَهُوَ كالشباب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 فِي الغرام وكابن الثَّمَانِينَ فِي الْهَرم وَضعف البنية ويغلب على الظَّن أَنه مَاتَ عشقا فَإِنَّهُ كَانَ قبل مَوته يهيم بِبَعْض الملاح ثمَّ أخبرنَا من كَانَ يتَرَدَّد إِلَيْهِ فِي مرض مَوته بأوصاف لذَلِك الْمَرَض يقوي مَا ذَكرْنَاهُ وَالله أعلم وَكَانَ قَلِيل ذَات الْيَد ضيق الْعَيْش صَابِرًا على مكابدة الْحَاجة وَكنت أتعجب من تسلط الغرام عَلَيْهِ مَعَ ضعف الْبدن وَكَثْرَة الْأَمْرَاض ومزيد الْفقر وعلو السن وَهُوَ لَا يكره نِسْبَة مَا ذكرته إِلَيْهِ فإني كنت أمازحه قبل تَحْرِير هَذِه التراجم بِزِيَادَة على خمس سِنِين أَنى سأكتب لَهُ تَرْجَمَة أذكر فِيهَا ماصار فِيهِ من مكابدة غرام بعد غرام وهيام عقب هيام فَكَانَ يَأْذَن بذلك وَلَو علمت أَنه يكرههُ مَا ذكرته لأني صنت هَذَا الْكتاب عَن ذكر المعايب وطهرته عَن نشر المثالب لَا كَمَا يَفْعَله كثير من المترجمين من الاستكثار من ذَلِك فَإِن الْغَيْبَة قبيحة إِذا كَانَت بفلتات اللِّسَان الَّتِى لَا تحفظ وَلَا يبْقى أَثَرهَا بل تنسى فِي ساعتها فَكيف بهَا إِذا حررت بالأقلام وَبقيت أعواما وَلَا سِيمَا إِذا لم يتَعَلَّق بهَا غَرَض الْجرْح وَالتَّعْدِيل فَإِنَّهَا من حصايد الْأَلْسِنَة الَّتِى تكب صَاحبهَا على منخره فِي نَار جَهَنَّم نسْأَل الله السَّلامَة وَمن نظمه رَحمَه الله مَا كتبه إِلَى خَليفَة الْعَصْر حفظه الله عِنْد إن ولانى الْقَضَاء وهى هَذِه الأبيات وَذكر آخرهَا تَارِيخ ذَلِك (قل للْإِمَام أدام الله دولته ... مَا دَار نجم على الْآفَاق أَو أَفلا) (لقد رميت فَمَا أَخْطَأت منتقدا ... عين الْإِصَابَة فِي الْأَعْلَام والنبلا) (لما رَأَيْت وُلَاة الحكم قد قصرت ... عين الْكَمَال الذي يرضى بِهِ الكملا) (اخْتَرْت عز المعالى للعلا علما ... هَذَا لعمري هُوَ الرأي المنيف علا) (طوقت جيد زمَان أنت مَالِكه ... طوقا من الدر استحلى بِهِ فحلا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 (لله مَوْلَاهُ مَا أولاه من حلل ... وحلة الْعلم وَالتَّقوى أجل حلا) (أقسمت مَا فِي الورى شخص يماثله ... من ذَا يماثل بدر التم إذ كملا) (إن خَاضَ بَحر عُلُوم خَاضَ مُنْفَردا ... فِي لج بَحر رست فِي لجة النبلا) (أوخاض فِي لجة الْآدَاب فَهُوَ لَهَا ... مَا الأصمعي وَمَا المرداس وَابْن جلا) (لَا يصدر الحكم إلا عَن مشورة ... كَيْمَا يكون غَدا فِي حزب من عدلا) (فَمن توليه فاستوليه متكلا ... بِهِ على الله وأعزل كل من عزلا) (فقد أراك إله الْعَرْش خير فَتى ... فاسمع لما قَالَ وانجز كل مَا فعلا) (فَذَاك آكِد من ترجو النجَاة بِهِ ... مِمَّن يقلده لَا تختشى الزللا) (وَعَامة النَّاس لَا يرضون من كملت ... فِيهِ الصِّفَات فَلَا تعبأ بِمن جهلا) (فاسمح بِعَين ترى التَّارِيخ مُشْتَمِلًا ... مُحَمَّد بن عَليّ أكمل الكملا) 1209 - وَمَات رَحمَه الله فِي سنة 1209 عَام إنشائه لهَذَا النظم وَله ولد من أَعْيَان عُلَمَاء الْفُرُوع المشاركين فِي غَيرهَا وَهُوَ حُسَيْن بن مُحَمَّد نَشأ بذمار وَقَرَأَ الْفُرُوع على أَهلهَا كالقاضي سعيد بن حسن العنسي وَغَيره ثمَّ ارتحل إِلَى صنعاء وَقَرَأَ على جمَاعَة من علمائها وَقَرَأَ علي فِي سنَن أبي دَاوُد وَهُوَ الْآن بَاقٍ فِي صنعاء وَله همة علية وَنَفس شريفة وطباع ظريفة ومناقب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 منيفة وَلَعَلَّ مولده فِي سنة 1170 سبعين وَمِائَة وَألف أَو قبلهَا بِيَسِير أَو بعْدهَا بِيَسِير مُحَمَّد بن حُسَيْن المرهبي الشرفي ثمَّ الجبلي بِكَسْر الْجِيم وَسُكُون الْبَاء نِسْبَة إِلَى ذي جبلة من مَدَائِن الْيمن الاسفل الشَّاعِر البليغ وَالْكَاتِب الْمجِيد كَانَ كَاتبا للسَّيِّد الْأَمِير علي بن المتَوَكل وَله فِيهِ غرر المدائح وَمن محَاسِن شعره قَوْله (ذَات الْحَلَاوَة حلوة الثغر ... هجرت وَمَا طبعت على الهجر) (بَيْضَاء لَو أهدت ذؤابتها ... لِليْل فل صَفَائِح الْفجْر) (هيفاء تَحت نطاقها كفل ... ملْء الْإِزَار كَأَنَّهُ وزري) وهي قصيدة كلهَا غرر وَمن قصائده الطنانة القصيدة الَّتِى مدح بهَا مخدومه الْأَمِير الْمُتَقَدّم ومطلعها (أما آن أَن ترقى الدُّمُوع السواجم ... وتهدأ هاتيك الْقُلُوب الحوائم) وَمن رسائله الدَّالَّة على اطِّلَاعه على الْعُلُوم مَا كتبه إِلَى السَّيِّد الْحسن ابْن مطهر الجرموزى فَقَالَ مَوْلَانَا السَّيِّد الإِمَام أبقاه الله مرشدا إِلَى الْأَقْوَال الشارحة مُعَرفا للحجة الْوَاضِحَة مجددا للأوضاع الْحكمِيَّة مقررا للقوانين النظرية باحثا فِي الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة والنقلية نَاظرا فِي أوضاعها التصورية والتصديقية ملزوما للإسعاد معروضا للعناية والإزدياد قَابلا للألطاف الإلهية قبُول الْجِسْم للأبعاد ثمَّ أَطَالَ الْخطاب موجها بأنواع من الْفُنُون وملمحا إِلَى وقائع مَشْهُورَة على نمط رِسَالَة ابْن زيدون الجدية قَالَ صَاحب نسمَة السحر انه سمع السَّيِّد الْعَلامَة زيد بن مُحَمَّد بن حسن الْمُتَقَدّم ذكره يَقُول إن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 صَاحب التَّرْجَمَة كَانَ قل أَن يسلم لأحد فضلا وَلما مَاتَ مخدومه الْمُتَقَدّم تعكست أَحْوَاله وَكَثُرت شكايته ثمَّ توجه إِلَى الْحَج سنة 1113 ثَلَاث عشرَة وَمِائَة وَألف فَمَاتَ فِي الطرق بِبَعْض نواحي تهَامَة وشعره مَشْهُور عِنْد أهل الْيمن السَّيِّد مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن الْحسن ابْن الإِمَام الْقَاسِم بن مُحَمَّد ولد بِصَنْعَاء فِي صفر سنة 1062 اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَألف وَأخذ الْعلم عَن جمَاعَة من أَعْيَان عُلَمَاء عصره وَمن الواردين إِلَى الْيمن كالشيخ صَالح النجراني الطَّبِيب وأتقن عَلَيْهِ علم الطِّبّ وَمن مشايخه مُحَمَّد بن صَالح الْحَكِيم الآتي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 ذكره وَله مؤلفات مِنْهَا الرسَالَة الكلامية وشعره حسن فَمِنْهُ الأبيات الَّتِى مطْلعهَا (غُصْن نقا فِي الْقُلُوب يَنْعَطِف ... يُثمر بَدْرًا بقله هيف) وَله قصيدة أُخْرَى مطْلعهَا (نعم نفحة من حاجر نفحة الْمسك ... وأوصل مكوي الحشا شادن التّرْك) وَله شعر كثير وَلَيْسَ بالشهير وَقد تَرْجمهُ صَاحب نسمَة السحر وَلم يذكر تَارِيخ وَفَاته لِأَنَّهُ من معاصريه مُحَمَّد بن حَمْزَة الدمشقي ثمَّ الرومي الْمَعْرُوف بِابْن شمس الدَّين الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه ولد بِدِمَشْق ثمَّ ارتحل مَعَ وَالِده إِلَى الروم وَقَرَأَ على علمائها حَتَّى صَار مدرسا بِبَعْض مدارسها ثمَّ مَال إِلَى التصوف فخدم الْحَاج بيرام ثمَّ خدم الشَّيْخ زين الدَّين الخافي رَحل إِلَيْهِ إِلَى حلب ثمَّ عَاد إِلَى خدمَة الشَّيْخ الأول فَحصل عِنْده الطَّرِيقَة وَصَارَ مَعَ كَونه طَبِيبا للقلوب طَبِيبا للأبدان فَإِنَّهُ اشْتهر أَن الشجر كَانَت تناديه وَتقول أَنا شِفَاء من الْمَرَض الفلاني ثمَّ اشتهرت بركته وَظهر فَضله حَتَّى إن السُّلْطَان مُحَمَّد خَان سُلْطَان الروم لما أَرَادَ فتح الْقُسْطَنْطِينِيَّة دَعَاهُ للْجِهَاد فَقَالَ صَاحب التَّرْجَمَة للسُّلْطَان سيدخل الْمُسلمُونَ القلعة فِي يَوْم كَذَا فجَاء ذَلِك الْوَقْت الَّذِي عينه لفتح القلعة فَحصل مَعَ بعض أَصْحَابه فزع شَدِيد من السُّلْطَان على الشَّيْخ إِذا لم يَصح الْخَبَر فَذهب إِلَيْهِ فِي تِلْكَ الْحَال فَوَجَدَهُ فِي خيمته سَاجِدا على التُّرَاب مَكْشُوف الرَّأْس وَهُوَ يتَضَرَّع ويبكي فَرفع رَأسه وَقَامَ على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 رجلَيْهِ وَكبر وَقَالَ الْحَمد لله منحنا فتح القلعة قَالَ الراوي فَنَظَرت إِلَى القلعة فَإِذا الْعَسْكَر قد دخلُوا بأجمعهم ففرح السُّلْطَان بذلك وَقَالَ لَيْسَ فرحي لفتح القلعة إنما فرحي بِوُجُود مثل هَذَا الرجل فِي زمني ثمَّ بعد يَوْم جَاءَ السُّلْطَان إِلَى خيمة صَاحب التَّرْجَمَة وَهُوَ مُضْطَجع فَلم يقم لَهُ فَقبل السُّلْطَان يَده وَقَالَ لَهُ جئْتُك لحَاجَة قَالَ وَمَا هي قَالَ أن أدخل الْخلْوَة عنْدك فَأبى فأبرم عَلَيْهِ السُّلْطَان مرَارًا وَهُوَ يَقُول لَا فَغَضب السُّلْطَان وَقَالَ إنه يَأْتِي إليك وَاحِد من الأتراك فتدخله الْخلْوَة بِكَلِمَة وَاحِدَة وَأَنا تأبى علي فَقَالَ الشَّيْخ إِنَّك إِذا دخلت الْخلْوَة تَجِد لَذَّة تسْقط عِنْدهَا السلطنة من عَيْنَيْك فتختل أمورها فيمقت الله علينا ذَلِك وَالْغَرَض من الْخلْوَة تَحْصِيل الْعَدَالَة فَعَلَيْك أَن تفعل كَذَا وَكَذَا وَذكر لَهُ شَيْئا من النصائح ثمَّ أرسل إِلَيْهِ ألف دِينَار فَلم يقبل وَلما خرج السُّلْطَان مُحَمَّد خَان قَالَ لبَعض من مَعَه مَا قَامَ الشَّيْخ لي فَقَالَ لَهُ لَعَلَّه شَاهد فِيك من الزهو بِسَبَب هَذَا الْفَتْح الَّذِي لم يَتَيَسَّر مثله للسلاطين الْعِظَام فَأَرَادَ بذلك أَن يدْفع عَنْك بعض الزهو ثمَّ إن السُّلْطَان دَعَا صَاحب التَّرْجَمَة فِي الثُّلُث الْأَخير من اللَّيْل فخاف عَلَيْهِ أَصْحَابه فَذهب إِلَيْهِ فَلَمَّا وصل تبادر الْأُمَرَاء يقبلُونَ يَده وَجَاء السُّلْطَان يلقاه وَاللَّيْل مظلم فعانقه بِالْقَلْبِ لَا بالبصر فعانقه الشَّيْخ وضمه إِلَيْهِ ضما شَدِيدا حَتَّى ارتعد وَكَاد يسْقط من الهيبة وتحدث السُّلْطَان بعد ذَلِك أَنه كَانَ فِي قلبه شئ فِي حق الشَّيْخ فَلَمَّا ضمه زَالَ ذَلِك ثمَّ إن الشَّيْخ جلس مَعَ السُّلْطَان فِي خيمته إِلَى أَن صلى بِهِ الْفجْر وَالسُّلْطَان جَالس أَمَامه على ركبته يسمع الأوراد فَلَمَّا أتمهَا التمس مِنْهُ السُّلْطَان أن يعين قبر أَبى أَيُّوب لِأَنَّهُ كَانَ يرى فِي التواريخ أَن قَبره قريب سور قسطنطينية فَذهب الشَّيْخ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 إِلَى هُنَالك وَقَالَ لعلي أَجِدهُ فَعَاد وَقَالَ التقيت أَنا وروح أَبى أَيُّوب وهنأني بِالْفَتْح وَقَالَ شكر الله سعيكم حَيْثُ خلصتموني من ظلمَة الْكفْر فَقَالَ السُّلْطَان إني أصدقك وَلَكِن ألتمس مِنْك أَن تعين عَلامَة أراها بعيني ويطمئن قلبي فَقَالَ الشَّيْخ احفروا هَذَا الْموضع وستجدون بعد أَن تحفروا ذراعين رخاما عَلَيْهِ خط فَلَمَّا حفروا مِقْدَار ذراعين ظهر الرخام عَلَيْهِ خطّ فقرأه من يعرفهُ فَإِذا هُوَ قبر أَبى أَيُّوب فتحير السُّلْطَان مُحَمَّد خَان وَغلب الْحَال عَلَيْهِ حَتَّى كَاد يسْقط لَوْلَا أَن أَخَذُوهُ ثمَّ أَمر بِبِنَاء قبَّة على الْقَبْر وَلما عَاد لقي رجلا من أجلاف بِلَاد الروم وَتَحْته فرس نَفِيس يمِيل إِلَيْهِ كل قلب وَذهب الرجل وَلم يلْتَفت إِلَى الشَّيْخ وَلم يسلم عَلَيْهِ فَلم يذهب إِلَّا قَلِيلا حَتَّى رَجَعَ وَنزل عَن فرسه وَدفعه إِلَى الرجل وَركب فرس الرجل فَسَأَلَ الشَّيْخ بعض أَصْحَابه عَن ذَلِك فَقَالَ لوكان لرجل عبد وَكَانَ فِي طَاعَته واستدعى مِنْهُ يَوْمًا شَيْئا حَقِيرًا هَل يمعنه فَقَالُوا لَا فَقَالَ وَأَنا مُنْذُ ثَلَاثِينَ سنة لم أخرج عَن طَاعَة الله فَلَمَّا مَال قلبي إِلَى هَذَا الْفرس الْهم الله ذَلِك الرجل حَتَّى وهبه لي وَله رَحمَه الله مصنفات مِنْهَا رِسَالَة فِي التصويف ورسالة أُخْرَى فِي دفع مطاعن الصُّوفِيَّة ورسالة فِي علم الطِّبّ وَكَانَ لَهُ ابْن صَغِير ولد مجذوبا فأنفق أنه دخل عِنْد وَالِده أَمِير يُقَال لَهُ ابْن قطار وَكَانَ أطلس لَا شعر بِوَجْهِهِ فَقَالَ ابْن الشَّيْخ لمارآه مَا هَذَا رجل هَذِه امْرَأَة فَغَضب عَلَيْهِ وَالِده فَقَالَ الْأَمِير للشَّيْخ أَنه يَدعه وَلَا يزجره عَن الْكَلَام وتضرع إِلَى الشَّيْخ ثمَّ قَالَ الْأَمِير للْوَلَد الْمَذْكُور ادْع لي أَن ينْبت لحيتي فَأخذ المجذوب من فَمه بصاقا كثيرا وَمسح بِيَدِهِ وَجه الْأَمِير فطلعت لحيته فَلَمَّا دخل الْأَمِير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 على السُّلْطَان قَالَ للوزراء اسألوه من أَيْن حصلت لَهُ هَذِه اللِّحْيَة فَحكى لَهُ مَا جرى فَوقف على ذَلِك الصَّغِير أوقافا وَصَاحب التَّرْجَمَة كَمَا عرفت فِي زمن السُّلْطَان مُحَمَّد خَان وَقد ذكرنَا تَارِيخ دولته مُحَمَّد بن خلفه بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون اللَّام وَبعدهَا فَاء الأبي بِضَم الْهمزَة نِسْبَة إِلَى قَرْيَة من تونس التونسي قَرَأَ على ابْن عَرَفَة وَغَيره وَكَانَ عَالما محققا أَخذ عَنهُ جمَاعَة وَوَصفه ابْن حجر بِأَنَّهُ عَالم الْمغرب بالمعقول وَأَنه سكن تونس وَله شرح مُسلم الذي سَمَّاهُ إكمال إكمال الْمعلم فِي شرح مُسلم الذي جمع فِيهِ بَين المازري وعياض والقرطبي وَالنَّوَوِيّ مَعَ زيادات من كَلَام شَيْخه ابْن عَرَفَة فِي ثَلَاث مجلدات ويحكى عَنهُ من سَلامَة الْفطْرَة مَا يُخرجهُ إِلَى حد الْغَفْلَة مَعَ مزِيد تقدمه فِي الْعُلُوم وَمَات سنة 827 سبع وَعشْرين وثمان مائَة مُحَمَّد بن خَلِيل بن يُوسُف بن علي بن أَحْمد بن عبد الله الْمُحب أَبُو حَامِد الرملي المقدسي الشافعي نزيل الْقَاهِرَة وَهُوَ بكنيته أشهر وَرُبمَا قيل لَهُ ابْن الموقت لِأَن أَبَاهُ كَانَ مولد ولد فِي آخر رَمَضَان سنة 819 تسع عشر وثمان وَمِائَة وَقيل سنة 817 بالرملة وَحفظ كثيرا من المختصرات وَأخذ عَن الشهَاب ابْن رسْلَان ولازمه وتدرب بِهِ وَأخذ عَنهُ الْكثير من مصنفاته وَغَيرهَا وَعَن الْعِزّ عبد السَّلَام القدسي والنويري وَغَيرهم ثمَّ ارتحل إِلَى الْقَاهِرَة وَأخذ عَن الْحَافِظ بن حجر والمناوي وَجَمَاعَة كالشمني والزركشي والزين رضوَان وَحج فَأخذ عَن مشائخ الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة وَمَكَّة ودرس بمواطن وناب فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 الْقَضَاء عَن جمَاعَة وصنف شرحا للمنهاج والبهجة وَجمع الْجَوَامِع وَغير ذَلِك وانتقصه السخاوي وَبَالغ فِي ذَلِك على عَادَته المألوفة فِي أكَابِر أقرانه وَمَات فِي شهر صفر سنة 888 ثَمَان وَثَمَانِينَ وثمان مائَة مُحَمَّد بن الدمدمكي قَالَ السخاوي فِي الضَّوْء اللامع هُوَ شخص عَابِد فِي مغارة بجبل قريب من إقليم شرْوَان وَعَلِيهِ مَا يستره من الثِّيَاب وَفَوق رَأسه قلنسوة تغطي عَيْنَيْهِ وَالنَّاس يدْخلُونَ عَلَيْهِ أَفْوَاجًا لرُؤْيَته فَإِذا قربوا مِنْهُ وصلوا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حرك رَأسه وَيَزْعُم من يرد علينا من هُنَالك أن خَبره لشهرته قَطْعِيّ وَأَنه مَاتَ فِي حُدُود سنة 836 وَأَنه بَاقٍ إِلَى تَارِيخ سنة 834 على مَا وَصفنَا ذكره المقريزي فِي عقوده هَكَذَا بل نقل عَن بَعضهم أَنه مَاتَ من مُدَّة تزيد على أربعمائة سنة وَهُوَ جَالس على كَيْفيَّة التَّشَهُّد فِي الصَّلَاة مُسْتَقْبل الْقبْلَة فِي مغارة إِلَى آخر مَا قيل وَأَن السَّبَب فِي هَذَا أَن شَيْخه أعلمهُ بِدُخُول الْوَقْت ليؤذن فَقَالَ لَهُ بل أصبر سَاعَة فكرر عَلَيْهِ أمره وَهُوَ يُعِيد مَا قَالَه فَقَالَ لَهُ شَيْخه مَا أنت إلا دمدمكي أَي ساعاتي فَقَالَ لَهُ فضع رجلك على قدمي الْيُمْنَى وَانْظُر نَحْو السَّمَاء فَفعل فَرَأى بَابا مَفْتُوحًا إِلَيْهَا وَرَأى ديكا قد فرش أجنحته وَهُوَ يُؤذن فَقَالَ لَهُ صَاحب التَّرْجَمَة فإني لَا أؤذن فِي الْأَوْقَات الْخَمْسَة إلا بعد هَذَا الديك فَقَالَ لَهُ شَيْخه مرزا أَي لَا ابلاك الله أَو لاتبلى فاستجيب دَعَاهُ فَلِذَا لم يبل وَهَذِه الْحِكَايَة تؤذن بِأَن الدمدكي وَصفه لَا وصف أَبِيه وَمن جملَة مَا قيل أَن تيمورلنك دَفنه فِي التُّرَاب فَأرْسل عَلَيْهِ مطر عَظِيم وَبرد أهلك من عسكره خلقا بِحَيْثُ صَار يتمرغ بِالْأَرْضِ وَيَقُول التَّوْبَة يَا شيخ مُحَمَّد وَالله أعلم انْتهى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 مَا ذكره السخاوى مُحَمَّد بن ذانيال بن يُوسُف الموصلي الْحَكِيم شمس الدَّين الكحال الْفَاضِل الأديب الشَّاعِر الْمَشْهُور السالك طَريقَة ابْن حجاج لَهُ أشياء مخترعة وَله تصانيف مِنْهَا الْكتاب الْمُسَمّى طيف الخيال وَله أرجوزة سَمَّاهَا عُقُود النظام فِيمَن ولي مصر من الْحُكَّام وَله نَوَادِر مضحكة مِنْهَا أَن خَصيا من خدم الْأَمِير خرج إِلَى نزهة مَعَ شخص من اتِّبَاع الْأَمِير يُقَال الحليق فبحث الْأَمِير عَنْهُمَا إِلَى ان وجدهما فأحضرهما وَأَرَادَ معاقبتهما فَنَهَضَ بن ذانيال فَقَالَ للأمير احْلق ذقن هَذَا القواد وَأَشَارَ للحليق وأخص هَذَا الْخَادِم وَأَشَارَ إِلَى الخصى فَضَحِك الْأَمِير وَسكن غَضَبه وَمن ذَلِك أَنه أعطاه الْأَشْرَف فرسا يركبه إِذا طلع القلعة للْخدمَة فَرَآهُ على حمَار أعرج فاستدعاه وَسَأَلَهُ فَقَالَ يَا خوند بِعْت الْفرس وزدت عَلَيْهِ واشتريت هَذَا الْحمار فَضَحِك مِنْهُ وَمن نظمه السائر قَوْله (قد عقلنا وَالْعقل أي وثاق ... وصبرنا وَالصَّبْر مر المذاق) (كل من كَانَ فَاضلا كَانَ مثلى ... فَاضلا عِنْد قسْمَة الأرزاق) وَمن نظمه (يَا سائلي عَن ضيعتي فِي الورى ... وصنعتي فيهم وإفلاس) (مَا حَال من دِرْهَم إنفاقه ... يَأْخُذهُ من أعين النَّاس) وَمَات فِي ثاني عشر جُمَادَى الآخر سنة 710 عشر وَسَبْعمائة مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن سعيد بن مَسْعُود الرومي الحنفي ولد فِي سنة 788 ثَمَان وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة كَمَا قَالَ الأسيوطي وَأخذ عَن الخافي وآخرين وَأكْثر من قِرَاءَة الكافية لِابْنِ الْحَاجِب وأقرائها حَتَّى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 نسب إِلَيْهَا بِزِيَادَة جِيم كماهى قَاعِدَة التّرْك فِي النّسَب وَدخل إِلَى بِلَاد الْعَجم والتتر وَمن جملَة من أَخذ عَنهُ ابْن فرشته الْمُتَقَدّم ذكره دخل الْقُدس ثمَّ قدم الْقَاهِرَة وَأخذ عَن جمَاعَة من أعيانها وَظَهَرت كمالاته وَأَقْبل عَلَيْهِ الْفُضَلَاء ودرس وَأفْتى وصنف وخضعت لَهُ الرِّجَال وذلت لَهُ الْأَعْنَاق وَصَارَ إِلَى صيت عَظِيم وجلالة وشاع ذكره وانتشر تلامذته وَأخذ عَنهُ النَّاس طبقَة بعد طبقَة وَتَقَدَّمت طلبته فِي حَيَاته وصاروا أَعْيَان الْوَقْت وتزاحموا عِنْده قَالَ السخاوي وزادت تصانيفه على الْمِائَة وغالبها صَغِير وَمن محاسنها شرح الْقَوَاعِد الْكُبْرَى لِابْنِ هِشَام وَقَالَ وَله شرح كلمتي الشَّهَادَة والأسماء الْحسنى ومختصر فِي علم الْأَثر والمختصر الْمُفِيد فِي علم التَّارِيخ وَشرح فِي محاكمات بَين الْمُتَكَلِّمين على الْكَشَّاف وَله حَاشِيَة عَلَيْهِ مُسْتَقلَّة وحاشية على شرح الْهِدَايَة وتلخيص الْجَامِع الْكَبِير وَالْجمع وَكَذَا كتب على تَفْسِير البيضاوى والمطول والمواقف وَشرح الجغميني فِي الْهَيْئَة قَالَ الأسيوطي وَكَانَ إماماً كَبِيرا فِي المعقولات كلهَا الْكَلَام وَالْأُصُول والنحو والتصريف والمعاني وَالْبَيَان والجدل والفلسفة والهيئة بِحَيْثُ لَا يشق غباره فِي شئ من هَذِه الْعُلُوم وَله الْيَد الْحَسَنَة فِي الْفِقْه وَالتَّفْسِير وَالنَّظَر فِي عُلُوم الحَدِيث وَأما تصانيفه فِي الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة فَلَا تحصى بِحَيْثُ إني سَأَلته أن يُسمى لي جَمِيعهَا لأكتبها فِي تَرْجَمته فَقَالَ لي لَا أقدر على ذَلِك قَالَ ولى مؤلفات كَثِيرَة نسيتهَا فَلَا أعرف الْآن اسمائها انْتهى وَقد عظمه الْمُلُوك خُصُوصا ملك الروم ابْن عُثْمَان فَإِنَّهُ لَا يزَال يكاتبه ويهدي إِلَيْهِ الْهَدَايَا السّنيَّة وَمَات يَوْم الْجُمُعَة رَابِع جُمَادَى الْآخِرَة سنة 899 تسع وَتِسْعين وثمان مائَة بِمصْر قَالَ السيوطي أَنه لَازمه أَربع عشرَة سنة وَمَا جَاءَهُ مرة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 إِلَّا وَسمع من التحقيقات والعجائب مالم يسمع قبل ذَلِك قَالَ قَالَ لي يَوْمًا مَا إعراب زيد قَائِم فَقلت قد صرنا مقَام الصغار نسئل عَن هَذَا فَقَالَ لَهُ فِي زيد قَائِم مائَة وَثَلَاثَة عشر بحثا فَقلت لَا أقوم من هَذَا الْمجْلس حَتَّى استفيدها فَأخْرج لى تذكرتها فكتبتها مِنْهُ مُحَمَّد بن شهَاب بن مَحْمُود بن يُوسُف بن الْحسن العجمعى الخافي بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالْفَاء الحنفي نزيل سَمَرْقَنْد ولد فِي ربيع الأول سنة 777 سبع وَسبعين وَسَبْعمائة بِمَدِينَة سلومد بِفَتْح الْمُهْملَة وَضم اللَّام وَكسر الْمِيم وَآخره مُهْملَة وهي كرسي خواف وَقَرَأَ بهَا على عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد البخاري والسراج البرهاني وَأخذ عَن آخَرين فِي أَمَاكِن مُتَفَرِّقَة وَمِنْهُم السَّيِّد الشريف الجرجاني وَسمع مِنْهُ من تصانيفه شَرحه للمفتاح والمواقف ولتذكرة الطوسي وحاشيته على شرح الْمطَالع وَبَعض الْكَشَّاف والبيضاوي وَغير ذَلِك وَمن شُيُوخه ركن الدَّين الطوسي وَسمع الحَدِيث على ابْن الجزري وَله مصنفات مِنْهَا فِي الْعَرَبيَّة نَحْو ثَلَاثَة كراريس عمله فِي لَيْلَة وَاحِدَة لم يُرَاجع فِيهَا كتاباً وَآخر مثله فِي الْمنطق عمله فِي يَوْم أَو أقل وحاشية لشرح الْمِفْتَاح للتفتازاني وحاشية للعضد وحاشية للمنهاج الأصلى وللطوالع وغالبها لم يتم وَقد حج واستدعاه الظَّاهِر جقمق وَكَانَ عَالما متقنا محققا بحرا فِي جَمِيع الْعُلُوم يكَاد يستحضر الْكَشَّاف وَكَذَا غَيره من المعقولات أجمع الْأَعَاجِم على أنهم لم يرَوا احفظ مِنْهُ مَعَ حسن التَّصَرُّف والفصاحة وجودة الذِّهْن وَقُوَّة الْفَهم ويحكى أَنه اضافه النَّاصِر بن الظَّاهِر وَجمع الْعلمَاء فَمَا تكلم مَعَ أحد مِنْهُم إلا فِي الْفَنّ الذي يذكر بِهِ وَلم يبد سؤالا إنما كَانَ يسئل فيتكلم فعد ذَلِك من انصافه قيل انه مَاتَ فِي سنة 852 اثْنَتَيْنِ وَخمسين وثمان مائَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 مُحَمَّد بن صَالح الجيلاني الفارسي ثمَّ الْيُمْنَى نَشأ بِبِلَاد الْعَجم وَأخذ علم الطِّبّ عَن أَهلهَا ثمَّ ارتحل إِلَى الْهِنْد فِي أَيَّام السُّلْطَان أبي الْحسن قطب شاه ملك الدكن فنال هُنَالك دنيا عريضة وطار ذكره ثمَّ توجه لِلْحَجِّ فَركب الْبَحْر وَمَعَهُ ذخائر وَكتب نفيسة فانكسر الْمركب وَلم يخرج إلا بِنَفسِهِ وَأقَام بِمَكَّة زَمَانا ثمَّ ركب الْبَحْر أَيْضا يُرِيد بِلَاد الْهِنْد فاجتاز بِالْيمن والخليفة فِيهَا الإِمَام المتَوَكل على الله إِسْمَاعِيل ابْن الْقَاسِم فَلَمَّا تحقق فَضله فِي الطِّبّ استدعاه إِلَى حَضرته وَأحسن إِلَيْهِ ورغبه فِي السّكُون بِالْيمن فَرغب وأجرى لَهُ النَّفَقَات الواسعة ونال من آل الإِمَام الْقَاسِم الرغائب وانتفع بِهِ النَّاس وطار صيته واشتهر ذكره وَلم يدْخل الْيمن فِيمَا أظن أعرف مِنْهُ بالطب وَلم يزل ذكره مَشْهُورا فِي النَّاس إِلَى الْآن يحكون عَنهُ غرائب فِي الطِّبّ تتحير لَهَا الأذهان وتطرب لسماعها الآذان وَمِمَّا يحْكى عَنهُ مَا ذكره صَاحب نسمَة السحر فِي تَرْجَمته قَالَ سَمِعت أَن بعض نسَاء الْأَغْنِيَاء كَانَت حَامِلا فَلَمَّا أثقلت أصبحت فِي بعض الْأَيَّام ميتَة لَا حراك بهَا وَلم يكن ظهر بهَا مرض فاستدعى أَهلهَا جمَاعَة من الْأَطِبَّاء فقضوا بموتها فَجْأَة فَلم تطب نفس أَهلهَا دون أن ينظر إِلَيْهَا صَاحب التَّرْجَمَة فَلَمَّا رَآهَا قَالَ لوالدها إن أعطيتني مائَة قِرْش رَأَيْتهَا السَّاعَة فِي عَافِيَة فالتزم لَهُ بذلك فجس فؤادها ثمَّ اخْرُج إبرة مَعَه فَجعل ينقش بهَا على فواءدها بِرِفْق فَقَامَتْ فِي عَافِيَة فسر بذلك أهلها ثمَّ سَأَلُوهُ عَن سَبَب الْعلَّة فَقَالَ إن الْجَنِين قبض بِيَدِهِ على الشريان الذي ينفذ فِيهِ النَّفس من الرئة فَلَمَّا أحس بالإبرة ارسل يَده فَذهب الْمَانِع لكني رَأَيْت هَذِه الْوَاقِعَة بِعَينهَا فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 كتاب الشقائق النعمانية وَذكر مُؤَلفه انها اتّفقت للحكيم يَعْقُوب الإسرائيلي مَعَ بعض نسَاء الروم وَيجوز وُقُوعهَا لَهما جَمِيعًا قَالَ صَاحب النَّسمَة وَقَرَأَ عَلَيْهِ والدى فِي الطِّبّ وَكَانَ رسمه ان يجِئ إِلَيْهِ فَيَأْخُذ مِنْهُ أُجْرَة الْمَشْي كل يَوْم ربع قِرْش لِئَلَّا ينْفق حركاته فِي غير نفع على رأي الْحُكَمَاء وَسَأَلَهُ القاضي مُحَمَّد بن الْحسن الحيمي أن يفِيدهُ الطِّبّ فَقَالَ أَنا آخذ من مَوْلَانَا يحيى بن الْحُسَيْن كل يَوْم ربع قِرْش وأروح إِلَيْهِ وَأَنت تجئ إِلَى وآخذ مِنْك كل يَوْم ثمن قِرْش إلا أنه لم يكن يعالج الْفُقَرَاء احتسابا كَسنة بقراط فِي الْأَوَائِل وَابْن زهرَة وَصَاحب الحاوي وَغَيرهم فِي الْمُتَأَخِّرين ويحتج بِأَن الْمَوْت خير للْفُقَرَاء وَكَانَ لَهُ معرفَة بأنواع من الْعلم كالمنطق والرياضي وَالصرْف والنحو وَالْأَدب وَله شعر أورد لَهُ صَاحب نسمَة السحر بَيْتَيْنِ فِي هجو علي أفندي كَاتب السَّيِّد علي بن الْمُؤَيد صَاحب صنعاء وهما (على عَليّ أفندي ... لَا تأسفن وَلَا تَئِنُّ) (الْعَن من أخبث من ... أنجس من أكذب من) وَرَأَيْت فِي بعض المجاميع بَيْتَيْنِ منسوبين إِلَيْهِ فَإِن صحت النِّسْبَة فَلَو لم يكن لَهُ إلا هما لَكَانَ من أشعر النَّاس وهما (وَمَا الطِّبّ إلا علم ظن وشبهة ... وَلَيْسَ لأحكام الظنون ثُبُوت) (إِذا كَانَ علم الطِّبّ يُنجى من الردى ... وَيحيى فَمَا بَال الطَّبِيب يَمُوت) وَبِالْجُمْلَةِ فَإِن صَحَّ عَنهُ مِمَّا يتواصفه النَّاس من علاجاته فَهُوَ متفرد بِهَذَا الْفَنّ مُطلقًا فَإِنَّهُم يحكون من الغرائب مالم يحك مثله عَن القدماء وَصَارَ مثلا يضْرب فِي هَذَا الْفَنّ وَقد رَأَيْت مجموعا فِي الطِّبّ ذكر مُؤَلفه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 أَنه جمع فِيهِ مجريات صَاحب التَّرْجَمَة وَمن جملَة مَا ذكره فِيهِ أن أحسن الْأَدْوِيَة لأهل الْيمن مُطلقًا الأطر يقل الْأَصْغَر وَأَنه مُوَافق للْأَرْض وَالله اعْلَم وَمَات سنة 1088 ثَمَان وَثَمَانِينَ وَألف وَلما مرض طلب بطيخا وَكَانَ يَقُول إن جَاءَ الْبِطِّيخ عَاشَ مُحَمَّد صَالح سنة فَمَا جَاءَ إِلَّا بعد مَوته مُحَمَّد بن صَالح بن مُحَمَّد بن احْمَد بن صَالح بن أبي الرِّجَال قد تقدم تَمام نسبة فِي تَرْجَمَة جد أبيه وَهُوَ أحد أَعْيَان الْعَصْر وأوحد أدبائه ولد سنة 1146 سِتّ وَأَرْبَعين وَمِائَة وَألف وَأخذ الْعلم عَن جمَاعَة من أَعْيَان ذَلِك الْعَصْر وَمِنْهُم أَخُوهُ الْعَلامَة أَحْمد بن صَالح الْمُتَقَدّم ذكره وَمهر فِي الْأَدَب فنظم الشّعْر الْفَائِق وَله يَد طولى فِي حفظ الْأَشْعَار وَالْأَخْبَار والظرائف واللطائف والماجريات لَا يسمع شخصا يحْكى حِكَايَة من أي نوع كَانَت إلا وَجَاء بأمثالها ومجالسته نزهة الْقُلُوب وروح الْأَرْوَاح وَفَاكِهَة الأذهان وَله فهم للنكت والدقائق فِي غَايَة الْجَوْدَة إِذا سُئِلَ عَن مُشكل من مشكلات الْأَدَب أفاد فِيهِ بِدُونِ كلفة وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ يتوقد ذكاء وفطنة وَحسن عشرَة وَمَكَارِم أَخْلَاق وعفة وصيانة وديانة وعلو همة ورياسة واطلاع تَامّ على علم اللُّغَة وَكَثِيرًا مَا يَدعُوهُ مَوْلَانَا الإِمَام الْمَنْصُور بِاللَّه خَليفَة الْعَصْر حفظه الله ويرغب إِلَى مُجَالَسَته ومحادثته وَقد سَمِعت من فَوَائده فِي مقَام مَوْلَانَا الإِمَام كثيرا ويجري بَيْننَا هُنَالك مذاكرات أدبية ومحاضرات تاريخية وَمن محاسنه أنه إِذا رأى مُنْكرا استشاط غيظا واضطرب والتهب مزاجه فإني فِي بعض الْأَيَّام رَأَيْته فِي موكب الْخَلِيفَة وَقد رأى رجلا يشتكي ويستغيث والخدم يطردونه ويكفونه عَن ذَلِك قبل أَن يسمع الْخَلِيفَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 شكايته فَغَضب صَاحب التَّرْجَمَة غَضبا زَائِدا وارتفع صَوته واضطرب حَتَّى كَاد يسْقط من ظهر مركوبه وَمن رائق نظمه قَوْله (كَأَنَّك حِين تغشى كل نكر ... وتخشى فِي ابْنة الْكَرم الجناحا) (زُهَيْر حِين مر بِجمع قوم ... بهم هرم فَقَالَ عموا صباحا) فِيهِ تلميح إِلَى الْقِصَّة الْمَشْهُورَة وهي أن زُهَيْر بن أبي سلمى كَانَ يمدح هرم بن سِنَان وَكَانَ قد حلف هرم أن لَا يمدحه زُهَيْر أَو يسلم عَلَيْهِ إِلَّا أعطاه وَلما كثر مِنْهُ ذَلِك احتشم زُهَيْر مِنْهُ وخجل من كَثْرَة عطائه فَكَانَ إِذا لقِيه لَا يسلم عَلَيْهِ وَإِذا مر بِقوم هُوَ فيهم حياهم بِتَحِيَّة الْعَرَب واستثناه فَيَقُول عموا صباحا عدا هرما وخيركم تركت وَلما رأى صَاحب التَّرْجَمَة شخصا يعانى حفرغيل بجبل نقم المجاور لصنعاء من جِهَة الْمشرق يُرِيد زِيَادَة مائَة فَلم يزدْ على مَا كَانَ عَلَيْهِ قبل الْحفر فَقَالَ (سَأَلُوا من جبل صلد الصَّفَا ... نَهرا يجري عَلَيْهِم فنهر) (وتراءت عينه غامضة ... فقفوا فِي طلب الْعين الْأَثر (نحتوا أحجارهم فأعجب لَهُم ... يشتهون المَاء من عين الْحجر) أَشَارَ بِالْبَيْتِ الآخر إِلَى مثل يضْربهُ النَّاس إِذا رَأَوْا من يطْلب أمرا مستحيلا أوشاقا فَيَقُولُونَ يُرِيد كَذَا من عين الْحجر وَخرج مَوْلَانَا الإِمَام إِلَى الرَّوْضَة فِي بعض السنين فَلحقه صَاحب التَّرْجَمَة فَلم يسلم عَلَيْهِ إلا بعد صَلَاة الْجُمُعَة فَكتب إِلَيْهِ (مولاي رقك إن تَأَخّر ... فَهُوَ تالي من تقدم) (إن فَازَ من جلى ... بصحبتكم بتكم فقد صلى وَسلم) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 وَهُوَ عِنْد تَحْرِير هَذِه التَّرْجَمَة حي نفع الله بِهِ ثمَّ مَاتَ رَحمَه الله ثَالِث عشر رَمَضَان سنة 1224 أَربع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَألف مُحَمَّد بن صَالح النهمي ثمَّ الصنعاني الْمَعْرُوف بالجرادي بِالْجِيم وَالرَّاء وَالدَّال الْمُهْملَة ولد تَقْرِيبًا سنة 1170 سبعين وَمِائَة وَألف وَنَشَأ بِصَنْعَاء وَكَانَ وَالِده شيخ مَشَايِخ القرآات السَّبع بِصَنْعَاء اسْتَفَادَ بِهِ طلبة هَذَا الشَّأْن ثمَّ تَلا وَلَده هَذَا عَلَيْهِ وعَلى الْفَقِيه القاري علي اليدومي بالسبع وأتقنها وتلا عَلَيْهِ جمَاعَة وَقَرَأَ فِي الْآلَات على جمَاعَة من مَشَايِخ صنعاء فاستفاد فِيهَا وَقَرَأَ عَلَيْهِ جمَاعَة من الطّلبَة وَقَرَأَ الْفِقْه أَيْضا على شَيخنَا السَّيِّد الْعَلامَة عبد الرَّحْمَن بن قَاسم المداني الْمُتَقَدّم ذكره وَغَيره وَقَرَأَ علي فِي الْبَحْر الزخار مَعَ جمَاعَة من الطّلبَة وَحصل بِخَطِّهِ الْحسن نُسْخَة مِنْهُ فِي غَايَة الْحسن وَهُوَ الْآن مشتغل ينفع من يَقْصِدهُ للتلاوة عَلَيْهِ والاستفادة نفع الله بِهِ مُحَمَّد بن صَالح العصامي الصنعاني ولد فِي سنة 1188 ثَمَان وَثَمَانِينَ وَمِائَة وَألف ثمَّ أَخذ عَن جمَاعَة من أهل الْعلم وَقَرَأَ علي فِي الحَدِيث وَالْأُصُول وَله ذهن وقاد وفكر منقاد وحافظة باهرة وفاهمة فِي الدقائق ماهرة واطلاع على التَّارِيخ فائق وَحفظ للأشعار رائق وَله يَد فِي الترسل قَوِيَّة وقريحة فِي النظم لَو ذعية وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ مَعْدُود فِي الْعلمَاء والأدباء وَهُوَ من لَا يمل جليسه وَلَا يسمح بمفارقته أنيسه وَله إِلَى مطارحة نظمية ونثرية لَا يقدر عَلَيْهَا سواهُ من أَمْثَاله وَلَا من فَوْقهم وهي مودوعة فِي مَجْمُوع أشعاري ومكاتباتي وَمَعَ هَذَا فَهُوَ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 عنفوان الشَّبَاب وَأَيَّام الحداثة وَقد تدرب حَتَّى قوي إدراكه فِي علم الْآلَات وَالْكَلَام بِحَيْثُ ينبهر مِنْهُ عِنْد المذاكرة كثير من أكَابِر الْعلمَاء جمل الله بِوُجُودِهِ وَكثر فِي النَّاس من أَمْثَاله وَمن جملَة مَا كتبه إِلَى فِي طي رِسَالَة فائقة قَوْله (فَلَا عدمت مِنْك المعالي جمَالهَا ... فروض رباها فِي بقائك مونق) (وَلَا فقدت مِنْك الليالي ثمالها ... فغيث نداك الجم فِيهِنَّ مغدق) (وَلَا فقد الْمِحْرَاب مِنْك أنيسه ... فلأ لاؤه من نور وَجهك مشرق) (وَلَا فقدت مِنْك المنابر زينها ... فأعوادها من وطئ رجلك تورق) (وَلَا فقدت صنعاء مِنْك عميدها ... الذى جاهه سور عَلَيْهَا وَخَنْدَق) (مفرج غماها وَكَاشف كربها ... إِذا الْقَوْم من صم الْحَوَادِث أطرقوا) (ترى الْعين مِنْهُ وَاحِدًا وَهُوَ وَاحِد ... كمالا وَلَكِن بَين جَنْبَيْهِ فيلق) (فَلم يران أعيى المفوه سَاكِت الْجَواب ... وَلَا الثرثارة المتفيهق) (مَكَارِم يعيى مصقع عَن أقلهَا ... ويحصر منطيق ويفحم مغلق) (هُوَ الشَّمْس إشراقا أيجهل مغرب ... بموضعه مِنْهُ وَيجْعَل مشرق) وَهَذَا مِمَّا يستعظم من أكَابِر الشُّعَرَاء الْمُتَقَدّمَة عصورهم فَكيف مِنْهُ وَمِمَّا كتبه إِلَى قَوْله (يَا أَيهَا الْبَدْر الْمُنِير ... وأيها الصَّدْر الْكَبِير) (يَا خير من فخرت ... بطلعته المنابر والسرير) (من لَا يضاهى حلمه ... الجبلان ثَوْر أَو ثبير) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 (من لَا يساوي جوده ... بَحر وَلَا سحب غزير) (من لَا يداني علمه ... أحد قديم اَوْ أخير) مُحَمَّد بن طقلقشاه الْهِنْدِيّ ملك الْهِنْد أَخذ المملكة عَن أَبِيه وَكَانَ أَبوهُ تركيا من مماليك صَاحب الْهِنْد فتنقل إِلَى أن ولي السلطنة واتسعت مَمْلَكَته جدا فَكَانَ مِنْهَا السَّنَد وَسَائِر أقطار الْهِنْد وَفتح فتوحات كَبِيرَة حَتَّى يُقَال إن جملَة مَا فتح تِسْعَة آلَاف قَرْيَة وَكَانَ جوادا متواضعا عَالما بِفقه الْحَنَفِيَّة مشاركا فِي الْحِكْمَة وَمن محبته للْعلم أَنه أهْدى لَهُ شخص عجمي الشِّفَاء لِابْنِ سيناء بِخَط ياقوت الحموي فِي مُجَلد وَاحِد فَأَجَازَهُ بِمَال عَظِيم يُقَال بِأَن قدره مِائَتَا ألف مِثْقَال اَوْ أَكثر وَورد كِتَابه على النَّاصِر صَاحب مصر فِي مقلمة ذهب زنتها ألفا مِثْقَال مرصعة بجوهر قوم بِثَلَاثَة آلَاف دِينَار وجهز إِلَيْهِ مرة مركبا قد أمْلى من التفاصيل الْهِنْدِيَّة الفاخرة الفائقة وَأَرْبَعَة عشر حَقًا قد ملئت من فصوص الماس وَغير ذَلِك فاتفق أَن رسله اخْتلفُوا فَقتل بضعهم بَعْضًا فنمى ذَلِك إِلَى صَاحب الْيمن فَقتل البَاقِينَ بِمن قتلوا وَاسْتولى على الْهَدِيَّة فَبلغ النَّاصِر فَغَضب وَكَاتب صَاحب الْيمن فِي معنى ذَلِك وَجرى مَا يطول شَرحه وَكَانَ مَعَ سَعَة مَمْلَكَته عنينا لِأَنَّهُ كوي على صلبه وَهُوَ حدث لعِلَّة حصلت لَهُ وَيُقَال أن عساكره بلغت سِتّمائَة ألف وَأَنه كَانَ لَهُ ألف وَسَبْعمائة فيل وَفِي خدمته من الْأَطِبَّاء والحكماء وَالْعُلَمَاء والندماء عدد كثير لم يجْتَمع لغيره وَكَانَ يخْطب لَهُ على مَنَابِر بِلَاده سُلْطَان الْعَالم اسكندر الزَّمَان خَليفَة الله فِي أرضه وَكَانَت وَفَاته فِي حُدُود سنة 752 اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَسَبْعمائة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 مُحَمَّد بن عبد الدايم بن مُوسَى بن عبد الدايم بن فَارس ابْن مُحَمَّد بن رَحْمَة بن إبراهيم الشَّمْس أَبُو عبد الله النعيمي الْعَسْقَلَانِي الأَصْل الْبرمَاوِيّ ثمَّ القاهري الشافعي ولد فِي منتصف الْقعدَة سنة 763 ثَلَاث وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة واشتغل وَهُوَ شَاب وَسمع الحَدِيث على جمَاعَة مِنْهُم الْبُرْهَان ابْن جمَاعَة ولازم الْبَدْر الزركشي وَحضر درس البلقيني وَابْن الملقن والعراقي ثمَّ توجه إِلَى دمشق وأقرأ الطّلبَة هُنَالك ودرس فِي مدارس ثمَّ عَاد إِلَى الْقَاهِرَة وتصدى للإفتاء والتدريس والتصنيف وانتفع بِهِ النَّاس وطار صيته وَصَارَ طلبته رُؤَسَاء فِي حَيَاته ثمَّ حج وجاور وَنشر الْعلم هُنَالك وَتوجه إِلَى الْقُدس فدرس فِي بعض مدارسها وَكَانَ إِمَامًا فِي الْفِقْه وأصوله والعربية وَغير ذَلِك وَله تصانيف مِنْهَا شرح البخارى فِي أَربع مجلدات وَشرح الْعُمْدَة وَله ألفية فِي أصُول الْفِقْه وَشَرحهَا ومنظومة فِي الْفَرَائِض وَشرح لامية الْأَفْعَال لِابْنِ مَالك والبهجة الوردية وزوائد الشذور وَعمل مُخْتَصرا فِي السِّيرَة النَّبَوِيَّة ولخص الْمُهِمَّات للأسنوي وَلم يزل قَائِما بنشر الْعلم تصنيفا وتدريسا حَتَّى مَاتَ فِي يَوْم الْخَمِيس ثاني عشر جُمَادَى الْآخِرَة سنة 831 إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وثمان مائَة بِبَيْت الْمُقَدّس وَقد انْتَشَر تلامذته فِي الْآفَاق وَمِنْهُم الْمحلى والمناوي والعبادي وطبقتهم ثمَّ طبقَة تليهم السَّيِّد مُحَمَّد بن عبد الرب بن مُحَمَّد بن زيد بن المتَوَكل بن الْقَاسِم ولد تَقْرِيبًا بَين السّبْعين والثمانين بعد الْمِائَة وَالْألف ثمَّ قَرَأَ على جمَاعَة من أهل الْعلم وَأكْثر قِرَاءَته على السَّيِّد الْعَلامَة علي بن عبد الله الْجلَال فاستفاد فِي الْعُلُوم الآلية كلهَا فَائِدَة جليلة وَقَرَأَ أَيْضا فِي علم التَّفْسِير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 وَالْفِقْه والْحَدِيث وَصَارَ الْآن من مَشَايِخ الْعلم بِصَنْعَاء وَعَكَفَ عَلَيْهِ الطّلبَة وَأخذُوا عَنهُ فِي أَنْوَاع الْعُلُوم واستفادوا بِهِ وَهُوَ سَاكن متواضع قَانِع من الدُّنْيَا باليسير حسن الْأَخْلَاق قَلِيل الْخَوْض فِيمَا لَا يعنيه غير متعرض للمجادلة والمناظرة وَالْحَاصِل أنه فِي مَجْمُوعه قَلِيل النظير وَقد ترك مَا عَلَيْهِ آل الإِمَام وبقي فِي منزله فِي مَسْجِد حجر والطلبة يقصدونه إِلَى مَكَانَهُ وَإِلَى الْمَسْجِد الْمَذْكُور وكل أوقاته مستغرقة للتدريس للطلبة كثر الله فِي أهل هَذَا الْبَيْت الشريف من أَمْثَاله مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن احْمَد بن مُحَمَّد بن احْمَد بن مُحَمَّد بن أَحْمد ابْن مُحَمَّد بن عوض بن عبد الْخَالِق بن عبد الْمُنعم بن يحيى ابْن مُوسَى بن الْحسن بن عِيسَى بن شعْبَان ابْن دَاوُد بن مُحَمَّد بن نوح بن طَلْحَة بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن ابْن أبي بكر الصديق رضي الله عَنهُ الْجلَال أَبُو القباء البكري ثمَّ المصري ثمَّ القاهري الشافعي الْمَعْرُوف بالجلال البكري ولد فِي ثاني صفر سنة 807 سبع وثمان وَمِائَة وَقَرَأَ على التقي بن عبد الباري وَالشَّمْس سبط ابْن اللبان والبرماوى والجلال البلقينى والحافظ بن حجر وبرع فِي الْفِقْه وشارك فِي الْأُصُول والعربية وَشرح الْمِنْهَاج الفرعي ومختصر التبريزي وَبَعض التدريب للبلقيني وَالرَّوْض لِابْنِ المقري وتنقيح اللّبَاب وَشرع فِي شرح البخاري وَتفرد فِي عصره بِحِفْظ فقه الشَّافِعِيَّة وَكَانَ يترفع على أهل عصره فِي هَذَا الْفَنّ لعدم وجود من يقارنه فِيهِ وَكَانَ يشافه جمَاعَة من الأكابر الدَّين يتقدمون عَلَيْهِ فِي الصَّلَاة على الْجَنَائِز بِبُطْلَان صلَاتهم لظَنّه بِأَنَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 أَحَق بذلك ودافع العبادي عَن الْجُلُوس فَوْقه فَترك الْعَبَّادِيّ جِهَته وَجلسَ فِي جهة أُخْرَى كَمَا أَن العبادي دَافع التقى الحصني فحبذه التقي وَجلسَ مَكَانَهُ فأعجب لمثل هَذِه الْأَفْعَال من أهل الْعلم وَمَات صَاحب التَّرْجَمَة يَوْم الْخَمِيس منتصف ربيع الآخر سنة 891 إِحْدَى وَتِسْعين وثمان مائَة مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عمر بن احْمَد بن مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم بن الْحسن بن علي بن إِبْرَاهِيم بن على بن احْمَد ابْن دلف ابْن أَبى دلف العجلي القزويني جلال الدَّين مؤلف تَلْخِيص الْمِفْتَاح الذي شَرحه السعد بالمختصر والمطول وَشَرحه جمَاعَة من الْعلمَاء ولد سنة 666 سِتّ وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَسكن الروم مَعَ وَالِده وأخيه واشتغل وتفقه حَتَّى ولي الْقَضَاء بالروم وَهُوَ دون الْعشْرين ثمَّ قدم دمشق وَسمع من جمَاعَة من أَهلهَا واشتغل فِي الْفُنُون وأتقن الْأُصُول والعربية والمعاني وَالْبَيَان وَكَانَ فهما ذكيا فصيحا مفوها حسن الْإِيرَاد جميل المعاشرة وَلما ولي أَخُوهُ قَضَاء دمشق نَاب عَنهُ ثمَّ عَن ابْن صصري ثمَّ طلبه النَّاصِر وشافهه بِقَضَاء الشَّام فِي سنة 724 وَكَانَ قدومه على النَّاصِر فِي يَوْم الْجُمُعَة فاتفق أَنه اجْتمع بالناصر سَاعَة وُصُوله فَأمره أَن يخْطب بِجَامِع القلعة فَفعل ثمَّ لما فرغ فَقبل يَد السُّلْطَان وَاعْتذر بِأَنَّهُ على أثر السفر وَلم يكن يظنّ أَن السُّلْطَان يَأْمُرهُ بالخطابة فشكره السُّلْطَان وَسَأَلَهُ كم عَلَيْهِ من الدَّين فَقَالَ ثَلَاثُونَ ألفا فَأمر بوفائها عَنهُ فاستقر فِي قَضَاء الشَّام حَتَّى استدعي فِي سنة 727 وَولى قَضَاء الديار المصرية وَكَانَ جوادا ممدحا كثير الْبر وَالْإِحْسَان وَعظم قدره فِي ولَايَته بالديار المصرية فَكَانَ السُّلْطَان لَا يرد لَهُ شَفَاعَة وَكَانَ أَوْلَاده يسرفون فِي الرِّشْوَة ومعاشرة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 الْأَحْدَاث فَكَانَ ذَلِك سَبَب صرفه عَن قَضَاء الديار المصرية وَعَاد إِلَى قَضَاء الديار الشامية وَرفعت عَلَيْهِ قصَّة إِلَى السُّلْطَان وفيهَا أَنه يشرب الْخمر وَيفْعل وَيفْعل فاتهم السُّلْطَان بكتابتها جمَاعَة ثمَّ تأملها كَاتب السِّرّ فَوجدَ فِيهَا عَلَاء الدَّين الكونوي بِالْكَاف مَكَان الْقَاف فَعلم أَن كاتبها هندي ثمَّ فحصوا عَنهُ فوجدوه فَكَانَ سَاكِنا بِدِمَشْق وَوَقع بَينه وَبَين القَاضِي كَلَام فزور تِلْكَ الْقِصَّة كذبا فَأمر بتعزيره وَمَات صَاحب التَّرْجَمَة منتصف جُمَادَى الأول سنة 739 تسع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن أَبى بكر بن عُثْمَان بن مُحَمَّد شمس الدَّين السخاوي الأَصْل القاهرى الشافعى ولد فِي ربيع الأول سنة 831 إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وثمان مائَة وَحفظ كثيرا من المختصرات وَقَرَأَ على ابْن حضر وَالْجمال ابْن هِشَام الحنبلي وَصَالح البلقيني والشرف المناوي والشمني وَابْن الْهمام وَابْن حجر ولازمه وانتفع بِهِ وَتخرج بِهِ فِي الحَدِيث وَأَقْبل على هَذَا الشَّأْن بكليته وتدرب فِيهِ وَسمع العالي والنازل وَأخذ عَن مَشَايِخ عصره بِمصْر ونواحيها حَتَّى بلغُوا أَرْبَعمِائَة شيخ ثمَّ حج وَأخذ عَن مَشَايِخ مَكَّة وَالْمَدينَة ثمَّ عَاد إِلَى وَطنه وارتحل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة والقدس والخليل ودمياط ودمشق وَسَائِر جِهَات الشَّام ومصر وبرع فِي هَذَا الشَّأْن وفَاق الأقران وَحفظ من الحَدِيث ماصار بِهِ متفردا عَن أهل عصره ثمَّ حج فِي سنة 870 هُوَ وَأَهله وَأَوْلَاده وجاور وانتفع بِهِ أهل الْحَرَمَيْنِ ثمَّ عَاد إِلَى الْقَاهِرَة وأملى الحَدِيث على مَا كَانَ عَلَيْهِ أكَابِر مشايخه ومشايخهم وانتفع النَّاس بِهِ ثمَّ حج مَرَّات وجاور مجاورات وَخرج لجَماعَة من شُيُوخه أَحَادِيث وَجمع كتابا فِي تراجم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 شُيُوخه فِي ثَلَاث مجلدات كَذَلِك والتذكرة فِي مجلدات وَتَخْرِيج أربعين النَّوَوِيّ فِي مُجَلد لطيف وتكملة تَخْرِيج ابْن حجر للأذكار وَتَخْرِيج أَحَادِيث العالين لأبى نعيم وَفتح المغيت بشرح ألفية الحَدِيث فِي مُجَلد ضخم وَشرح التَّقْرِيب للنووي فِي مُجَلد وبلوغ الأمل فِي تَلْخِيص كتاب الدارقطنى فِي الْعِلَل وَشرح الشَّمَائِل للترمذي فِي مُجَلد وَالْقَوْل الْمُفِيد فِي إيضاح شرح الْعُمْدَة لِابْنِ دَقِيق الْعِيد كتب مِنْهُ الْيَسِير من أَوله وَله ذيل على تَارِيخ المقريزى فِي الحواداث من سنة خمس وَأَرْبَعين وثمان مائَة إِلَى رَأس الْقرن التَّاسِع فِي ارْبَعْ مجلدات والضوء اللامع لأهل الْقرن التَّاسِع فِي ارْبَعْ مجلدات والذيل على تَارِيخ ابْن حجر لقضاة مصر فِي مُجَلد والذيل على طَبَقَات الْقُرَّاء لِابْنِ الجزرى والذيل على دوَل الْإِسْلَام للذهبى والوفيات لأهل الْقرن الثَّامِن وَالتَّاسِع فِي مجلدات سَمَّاهُ الشافي من الْأَلَم فِي وفيات الْأُمَم ومصنف فِي تَرْجَمَة النَّوَوِيّ وَآخر فِي تَرْجَمَة ابْن هِشَام وَآخر فِي تَرْجَمَة الْعَضُد وَآخر فِي تَرْجَمَة الْحَافِظ بن حجر وَآخر فِي تَرْجَمَة ابْن الْهمام وَآخر فِي تَرْجَمَة نَفسه والتاريخ الْمُحِيط فِي عدَّة مجلدات وَالْقَوْل المنبي فِي ذم ابْن عَرَبِيّ فِي مُجَلد وَقد أفرد عدَّة مسَائِل بالتصنيف وَقد ترْجم لنَفسِهِ تَرْجَمَة مُطَوَّلَة وَفِي مُصَنفه الضَّوْء اللامع وَعدد شُيُوخه مقرواته ومصنفاته وَمَا مدحه بِهِ جمَاعَة من شُيُوخه وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ من الْأَئِمَّة الأكابر حَتَّى قَالَ تِلْمِيذه الشَّيْخ جَار الله بن فَهد فِيمَا كتبه عقب تَرْجَمَة صَاحب التَّرْجَمَة لنَفسِهِ فِي الضَّوْء اللامع مانصه قَالَ تِلْمِيذه الشَّيْخ جَار الله بن فَهد المكي إن شَيخنَا صَاحب التَّرْجَمَة حقيق بِمَا ذكره لنَفسِهِ من الْأَوْصَاف الْحَسَنَة وَلَقَد وَالله الْعَظِيم لم أر فِي الْحفاظ الْمُتَأَخِّرين مثله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 وَيعلم ذَلِك كل من اطلع على مؤلفاته أَو شَاهده وَهُوَ عَارِف بفنه منصف فِي تراجمه ورحم الله جدي حَيْثُ قَالَ فِي تَرْجَمته إنه انْفَرد بفنه وطار اسْمه فِي الآفاق بِهِ وَكَثُرت مصنفاته فِيهِ وَفِي غَيره وَكثير مِنْهَا طَار شرقا وغربا شاما ويمنا وَلَا أعلم الْآن من يعرف عُلُوم الحَدِيث مثله وَلَا أَكثر تصنيفا وَلَا أحسن وَكَذَلِكَ أَخذهَا عَنهُ عُلَمَاء الْآفَاق من الْمَشَايِخ والطلبة والرفاق وَله الْيَد الطُّولى فِي الْمعرفَة بأسماء الرِّجَال وأحوال الروَاة وَالْجرْح وَالتَّعْدِيل وَإِلَيْهِ يشار فِي ذَلِك وَلَقَد قَالَ بعض الْعلمَاء لم يَأْتِ بعد الْحَافِظ الذهبى مثله سلك هَذَا الْمسك وَبعده مَاتَ فن الحَدِيث وأسف النَّاس على فَقده وَلم يخلف بعده مثله وَكَانَت وَفَاته فِي مجاورته الْأَخِيرَة بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة فِي عصر يَوْم الْأَحَد سادس عشر شعْبَان سنة 902 اثْنَتَيْنِ وَتِسْعمِائَة انْتهى مَا ذكره ابْن فَهد وَلَو لم يكن لصَاحب التَّرْجَمَة من التصانيف إلا الضَّوْء اللامع لَكَانَ أعظم دَلِيل على إمامته فَإِنَّهُ ترْجم فِيهِ أهل الديار الإسلامية وسرد فِي تَرْجَمَة كل أحد محفوظاته ومقرواته وشيوخه ومصنفاته وأحواله ومولده ووفاته على نمط حسن وأسلوب لطيف ينبهر لَهُ من لَدَيْهِ معرفَة بِهَذَا الشَّأْن ويتعجب من احاطته بذلك وسعة دائرته فِي الِاطِّلَاع على أَحْوَال النَّاس فَإِنَّهُ قد لَا يعرف الرجل لَا سِيمَا فِي دِيَارنَا اليمنية جَمِيع مسموعات ابْنه أَو أَبِيه أَو أَخِيه فضلا عَن غير ذَلِك وَمن قرن هَذَا الْكتاب الذي جعله صَاحب التَّرْجَمَة لأهل الْقرن التَّاسِع بالدرر الكامنة لشيخه ابْن حجر فِي أهل الْمِائَة الثَّامِنَة عرف فضل مُصَنف صَاحب التَّرْجَمَة على مُصَنف شَيْخه بل وجد بَينهمَا من التَّفَاوُت مَا بَين الثرى والثريا وَلَعَلَّ الْعذر لِابْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 حجر فِي تَقْصِيره عَن تِلْمِيذه فِي هَذَا أَنه لم يَعش فِي الْمِائَة الثَّامِنَة الا سبع وَعشْرين سنة بِخِلَاف صَاحب التَّرْجَمَة فَإِنَّهُ عَاشَ فِي الْمِائَة التَّاسِعَة تسع وَسِتِّينَ سنة فَهُوَ مشَاهد لغالب أَهله وَابْن حجر لم يُشَاهد غَالب أهل الْقرن الثَّامِن ثمَّ إن صَاحب التَّرْجَمَة لم يتَقَيَّد فِي كِتَابه بِمن مَاتَ فِي الْقرن التَّاسِع بل ترْجم لجَمِيع من وجد فِيهِ مِمَّن عَاشَ إِلَى الْقرن الْعَاشِر وَابْن حجر لم يترجم فِي الدُّرَر إلا لمن مَاتَ فِي الْقرن الثَّامِن وليت أن صَاحب التَّرْجَمَة صان ذَلِك الْكتاب الْفَائِق عَن الوقيعة فِي أكَابِر الْعلمَاء من أقرانه وَلَكِن رُبمَا كَانَ لَهُ مقصد صَالح وَقد غلبت عَلَيْهِ محبَّة شَيْخه الْحَافِظ ابْن حجر فَصَارَ لَا يخرج عَن غَالب أقواله كَمَا غلبت على ابْن الْقيم محبَّة شَيْخه ابْن تَيْمِية وعَلى الهيثمي محبَّة شَيْخه العراقي مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم بن مُحَمَّد صفي الدَّين الهندي الْفَقِيه الشافعي الأصولي ولد بِالْهِنْدِ فِي ربيع الآخر سنة 644 ارْبَعْ وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَأخذ عَن جده لأمه وَخرج عَن بَلَده فِي رَجَب سنة 667 وَقدم الْيمن فَأكْرمه المظفر وَأَعْطَاهُ تِسْعمائَة دِينَار ثمَّ حج فَأَقَامَ بِمَكَّة ثَلَاثَة أشهر وَرَأى بهَا ابْن سبعين وَسمع كَلَامه ثمَّ دخل الْقَاهِرَة فِي سنة 671 وَدخل الْبِلَاد الرومية وَخرج مِنْهَا سنة 685 وَقدم دمشق فاستوطنها وَسمع من الْفَخر بن البخاري وَقعد فِي الْجَامِع ودرس بمدارس وَكتب على الْفَتَاوَى مَعَ الْخَيْر وَالدّين وَالْبر للْفُقَرَاء وصنف فِي أصُول الدَّين الْفَائِق وَفِي أصُول الْفِقْه النِّهَايَة وَلما عقد بعض الْمجَالِس لِابْنِ تَيْمِية عين صَاحب التَّرْجَمَة لمناظرته فَقَالَ لِابْنِ تَيْمِية فِي أثْنَاء الْبَحْث أَنْت مثل العصفور تزط من هُنَا إِلَى هُنَا إِلَى هُنَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 وَلَعَلَّه قَالَ ذَلِك لما رأى من كَثْرَة فنون ابْن تَيْمِية وسعة دائرته فِي الْعُلُوم الإسلامية وَالرجل لَيْسَ بكفوء لمناظرة ذَلِك الإِمَام إلا فِي فنونه الَّتِى يعرفهَا وَقد كَانَ عريا عَن سواهَا وَلِهَذَا قيل أنه مَا كَانَ يحفظ من الْقُرْآن إِلَّا ربعه حَتَّى نقل عَنهُ أنه قَرَأَ المص بِفَتْح الْمِيم وَتَشْديد الصَّاد وتوفى فِي آخر صفر سنة 715 خمس عشرَة وَسَبْعمائة مُحَمَّد بن عبد الله بن إِبْرَاهِيم المرشدى ولد بعد سنة 670 سبعين وسِتمِائَة وَقَرَأَ فِي الْفِقْه على الضياء بن عبد الرَّحِيم وتلا بالسبع على التقي الصَّائِغ وتفقه ثمَّ انْقَطع فِي زاويته الْمَشْهُورَة بمنية بني مرشد وَكَانَت لَهُ أَحْوَال وهمة فِي خدمَة النَّاس وضيافتهم بِحَيْثُ يطعم كل من مر بِهِ من كَبِير وصغير وَقَلِيل وَكثير وَيقدم لكل اُحْدُ مَا يَقع فِي خاطره فاشتهر بِهَذَا وذاع وَمَعَ ذَلِك لم يكن يقبل لأحد شَيْئا حَتَّى إن السُّلْطَان بعث إِلَيْهِ بِذَهَب مَعَ بعض أمرائه فَلم يقبله وَحج فِي هَيْئَة كَبِيرَة وتلامذة فَكَانَ ينْفق فِي كل يَوْم زِيَادَة على ألف دِينَار وَأنْفق فِي خمس لَيَال مَا قِيمَته نَحْو خَمْسَة وَعشْرين دِينَارا وَكَانَ كل من يُنكر عَلَيْهِ إِذا اجْتمع بِهِ زَالَ ذَلِك مِنْهُم ابْن سيد النَّاس وَغَيره وَمن جملَة مَا أنكروا عَلَيْهِ أَن فِي زاويته منبرا للخطيب فيصلي النَّاس الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة وَلَا يصلي مَعَهم قَالَ الذهبي كَانَ صَاحب أَحْوَال وَاخْتلفت الْأَقَاوِيل فِيهِ ويحكى عَنهُ عجائب فِي إحضار الْأَطْعِمَة وَكَانَ يخْدم الواردين فِي نَفسه وَلَا يقبل لأحد شَيْئا وَيتَكَلَّم على الخواطر وَكَانَ قَلِيل الدَّعْوَى عديم السَّطْح حسن المعتقد وَكَانَ يخرج للحاضرين الْأَطْعِمَة الفاخرة من خلوته وَلَا يدخلهَا غَيره قَالَ والذي يظْهر لي أَنه كَانَ مخدوما وَعظم شَأْنه فِي الدولة جدا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 حَتَّى كَانَ يكْتب ورقته إِلَى كَاتب السِّرّ وَسَائِر أعيان الدولة فَلَا يَسْتَطِيعُونَ ردهَا وَذكر ابْن فضل الله فِي تَرْجَمته نَحْو مَا تقدم وَزَاد أن الذي يحْكى عَنهُ لم يسمع بِمثلِهِ فِي سالف الدَّهْر من رجل مُنْقَطع فِي زَاوِيَة صَغِيرَة فِي طَرِيق الرمل لَا يُوجد فِيهَا شئ من هَذِه الْأَنْوَاع مَعَ أن الشايع الذائع أَنه كَانَ يَأْتِيهِ الْجَمَاعَة وكل وَاحِد مِنْهُم يشتهى شَيْئا مِمَّا لَا يُوجد إلا فِي الْقَاهِرَة أَو دمشق فَإِذا حَضَرُوا غَابَ هنيهة وأحضر لكل وَاحِد مِنْهُم مَا اقترح وَأكْثر مَا كَانَ يحضرهُ بِنَفسِهِ وَلَيْسَ لَهُ خَادِم وَلَا عرف لَهُ طباخ وَلَا قدرَة وَلَا معرفَة وَلَا موقد نَار مَعَ اشْتِغَاله أَكثر نَهَاره بِالنَّاسِ وَلَا يخْتَص ذَلِك بِوَقْت دون وَقت بل لَو أَتَاهُ فِي الْيَوْم الْوَاحِد من أَتَاهُ لَا بُد من أَن يحضر لَهُ مَا يشتهيه قَالَ وَلَا يَخْلُو أَكْثَرهَا من مجازفة وَلَكِن اشتهارها وشيوعها يدل على أَن لَهَا أصلا ثمَّ حكى عَن جمَاعَة متنوعة وُقُوع ذَلِك لَهُم بِغَيْر وَاسِطَة إِلَى أن قَالَ وَقد زعم قوم أَن جَمِيع مَا كَانَ يأتي بِهِ كَانَ يمده بِهِ قاضي فوة فَإِنَّهُ كَانَ يخْتَص بالشيخ فَكَانَ القاضي لَا يقدر على عَزله أحد من أرباب الدولة بِسَبَب صحبته للشَّيْخ فطالت مدَّته وانبسطت يَده وَأكْثر من التِّجَارَة والزراعة والولاة ترعاه لجاهه بالشيخ فَنمت أَحْوَاله واتسعت دائرته فَلم يكن لَهُ شغل الا تلقى من يقبل زَائِرًا للشَّيْخ فينزله ويحادثه حَتَّى يقف على مَا فِي خاطره ثمَّ يُرْسل إِلَى الشَّيْخ ذَلِك بأمارات ويمده بِمَا يحْتَاج إِلَيْهِ وَلَا يخفى مَا فِي هَذَا من التَّكَلُّف وَقد سلك هَذِه الطَّرِيقَة جمَاعَة من متصوفة الْيمن يُقَال لَهُم بَنو المشرع بِضَم الْمِيم وَفتح الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء الْمَكْسُورَة ثمَّ عين مُهْملَة وَلِلنَّاسِ الواردين إِلَيْهِم أَحَادِيث غَرِيبَة فِي شرح مَا يرونه من نَحْو مَا وصف عَن صَاحب التَّرْجَمَة وقصص يطول شرحها وَلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 يسمع بِمثل هَذِه الطَّرِيقَة لأحد قبل صَاحب التَّرْجَمَة كَمَا يدل على ذَلِك كَلَام من ترْجم لَهُ من معاصريه وَمَات فِي رَمَضَان سنة 737 سبع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَحكى الذهبي أَنه كَانَ فِي عَافِيَة فَأرْسل إِلَى من حوله أَنه عرض أَمر مُهِمّ وَأَنَّهُمْ يحْضرُون فَحَضَرُوا فَدخل خلوته فَأَبْطَأَ فطلبوه فوجدوه مَيتا رَحمَه الله السَّيِّد مُحَمَّد بن عبد الله بن الْحُسَيْن ابْن الإِمَام الْقَاسِم بن مُحَمَّد ولد بِمَدِينَة ذمار وَأخذ علم الْفُرُوع عَن أَهلهَا ثمَّ انْتقل إِلَى صنعاء وَقَرَأَ فِي فنون عدَّة وانتهت إِلَيْهِ رياسة الْفتيا بهَا وَصَارَ أحد أكَابِر آل الإِمَام المنظور إِلَيْهِم فِي الْعلم والرياسة وجلالة الْقدر وَلما كَانَ إِلَى دولة الإِمَام المتَوَكل على الله الْقَاسِم بن الْحُسَيْن خرج عَن طَاعَته جمَاعَة من أكَابِر آل الإِمَام وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة عظيمهم وزعيمهم والمؤهل للخلافة فيهم فَخرج مَعَهم مَعَ كَون الإِمَام محسنا إِلَيْهِ مكرما لَهُ مُعظما لشأنه وَلما بلغ إِلَى بِلَاد أرحب حصل الِاخْتِلَاف بَينه وَبَين الخارجين مَعَه وأفصحوا لَهُ بِمَا يدل على أَنهم قد رشحوا غَيره للخلافة فتأسف على مُفَارقَته لأوطانه والتهب لذَلِك وَمرض فَمَاتَ هُنَالك وَكَانَ ذَلِك فِي سنة 1136 سِتّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وَألف وَله نظم حسن فَمِنْهُ القصيدة الَّتِى طارح بهَا القَاضِي على العنسي مطْلعهَا (كرر أَحَادِيث سلع لي وَمن فِيهِ ... من الْأَحِبَّة فِيمَا أَنْت رَاوِيه) وَله مكاتبات إِلَى صَاحب نسمَة السحر أوردهَا فِي تَرْجَمته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 مُحَمَّد بن عبد الله بن سعيد بن عبد الله بن سعيد بن على ابْن أَحْمد التلمساني القرطبي الأَصْل كَانَ سلفه نزلُوا طليطلة ثمَّ لوسة ثمَّ غرناطة ولد فِي الْخَامِس وَالْعِشْرين من رَجَب سنة 713 ثَلَاث عشرَة وَسَبْعمائة بلوسة وَكَانَ سلفه قَدِيما يعْرفُونَ ببني وَزِير ثمَّ صَارُوا يعْرفُونَ ببني خطيب نِسْبَة إِلَى سعيد جده الْأَعْلَى واشتهر صَاحب التَّرْجَمَة بِلِسَان الدَّين بن الْخَطِيب وَنَشَأ فَقَرَأَ الْقُرْآن والعربية على أَبى الْقَاسِم بن جزي وأبي عبد الله بن النجار وَسمع من أَبى عبد الله بن جَابر وَجَمَاعَة عدَّة وتأدب بِابْن الجناب وَأخذ الطِّبّ والمنطق والحساب عَن يحيى بن هُذَيْل الفيلسوف وبرز فِي الطِّبّ وتولع بالشعر فبرع فِيهِ وَترسل فأجاد وفَاق أقرانه واتصل بالسلطان أَبى الْحجَّاج يُوسُف ابْن أَبى الْوَلِيد بن نصر الْأَحْمَر فمدحه وتقرب مِنْهُ واستكتبه من تَحت يَد أَبى الْحسن بن الجناب إِلَى أَن مَاتَ أَبُو الْحسن فِي الطَّاعُون الْعَام فاستقل بِكِتَابَة السِّرّ وأضاف إِلَيْهِ رسوم الوزارة وَاسْتَعْملهُ فِي السفارة إِلَى الْمُلُوك واستنابه فِي جَمِيع مَا يملكهُ فَلَمَّا قتل ابْن الْحجَّاج سنة 755 وَقَامَ ابْنه مُحَمَّد اسْتمرّ ابْن الْخَطِيب على وزارته واستكتب مَعَه غَيره ثمَّ أرْسلهُ إِلَى عيان المرسي بفاس ليستنجده فمدحه فاهتز لَهُ وَبَالغ فِي اكرامه فَلَمَّا خلع مُحَمَّد وتغلب أَخُوهُ إِسْمَاعِيل على السلطنة قبض على صَاحب التَّرْجَمَة بعد أن كَانَ أَمنه واستأصل نعْمَته وَلم يكن بالأندلس مثلهَا من المستغلات وَالْعَقار والمنقولات وسجن وَاسْتمرّ مسجونا إِلَى أَن وَردت شَفَاعَة أَبى سَالم ابْن أبي عيان فِيهِ وَجعل خلاصه شرطا فِي مسالمة الدولة وَكَذَلِكَ خلاص السُّلْطَان مُحَمَّد بن أَبى الْحجَّاج من السجْن فخلصا وانتقلا إِلَى أَبى عيان فاستقرا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 فِي مَدِينَة فاس وَبَالغ فِي إكرامهما ثمَّ نقل صَاحب التَّرْجَمَة إِلَى مَدِينَة مراكش فَأكْرمه عمالها ثمَّ شفع لَهُ أَبُو سَالم مرة ثَانِيَة فَردَّتْ عَلَيْهِ ضيَاعه بغرناطة إِلَى أَن عَاد السُّلْطَان مُحَمَّد إِلَى السلطنة فَقدم عَلَيْهِ صَاحب التَّرْجَمَة بأَهْله فَأكْرمه وقلده مَا وَرَاء بَابه فباشر ذَلِك مُقْتَصرا على الْكِفَايَة رَاضِيا بالدون من الثِّيَاب هاجرا للتأنق فِي جَمِيع أَحْوَاله صادعا بِالْحَقِّ وَعمر زَاوِيَة ومدرسة وصلحت أُمُور سُلْطَانه على يَده فَلم يزل على ذَلِك إِلَى أَن وَقع بَينه وَبَين عُثْمَان بن يحيى بن عمر شيخ الْقرَاءَات منافرة أدَّت إِلَى نفي عُثْمَان الْمَذْكُور فِي شهر رَمَضَان سنة 764 فَظن ابْن الْخَطِيب أَن الْوَقْت صفا لَهُ وَأَقْبل سُلْطَانه على اللَّهْو وَانْفَرَدَ هُوَ بتدبير المملكة فكثرت القالة فِيهِ من الحسدة واستشعر فِي آخر الْأَمر أَنهم سعوا بِهِ إِلَى السُّلْطَان وخشى البادرة فَأخذ فِي التحيل فِي الْخَلَاص وراسل أبي سَالم صَاحب فاس فِي اللحاق بِهِ وَخرج مظْهرا أَنه يُرِيد تفقد الثغور الغربية فَلم يزل حَتَّى حَاذَى جبل الْفَتْح فَركب الْبَحْر إِلَى سبتة وَدخل مَدِينَة فاس سنة 773 فَتَلقاهُ أَبُو سَالم وَبَالغ فِي إكرامه وأجرى لَهُ الرَّوَاتِب فَاشْترى بهَا ضيَاعًا وبساتين فَبلغ ذَلِك أعداءه بالأندلس فسعوا بِهِ عِنْد السُّلْطَان مُحَمَّد حَتَّى أذن لَهُم فِي الدَّعْوَى عَلَيْهِ بِمَجْلِس الْحَاكِم بِكَلِمَات كَانَت تصدر مِنْهُ وينسب إليه واثبتوا ذَلِك وسألوه الحكم بِهِ فَحكم بزندقته وإراقة دَمه وَأَرْسلُوا صُورَة الْمَكْتُوب إِلَى فاس فَامْتنعَ أَبُو سَالم وَقَالَ هلا أقمتم ذَلِك عَلَيْهِ وَهُوَ عنْدكُمْ فأما مَا دَامَ عندي فَلَا يُوصل إِلَيْهِ فاستمر على حَالَته بفاس إِلَى أَن مَاتَ أَبُو سَالم فَلَمَّا تسلطن أَبُو الْعَبَّاس بعده أغراه بِهِ أعداؤه فَلم يزَالُوا بِهِ حَتَّى قبض عَلَيْهِ وسجن فَبلغ ذَلِك سُلْطَان غرناطة فأرسل وزيره أَبَا عبد الله إِلَى أَبى الْعَبَّاس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 بِسَبَبِهِ فَلم يزل بِهِ حَتَّى أذن لَهُم فِي الدَّعْوَى عَلَيْهِ عِنْد القاضي فباشر الدَّعْوَى أَبُو عبد الله فِي مجْلِس السُّلْطَان فَأَقَامَ الْبَيِّنَة بالكلمات الَّتِى أَثْبَتَت عَلَيْهِ فعزره القاضي بالْكلَام ثمَّ بالعقوبة ثمَّ بالسجن فطرق عَلَيْهِ السجْن بعد أَيَّام لَيْلًا فخنق وَأخرج من الْغَد فَدفن فَلَمَّا كَانَ من الْغَد وجد على شَفير قَبره محروقا فأعيد إِلَى حفرته وَقد احْتَرَقَ شعره واسودت بَشرته وَذَلِكَ فِي سنة 776 سِتّ وَسبعين وَسَبْعمائة وَتكلم عِنْد أن أَرَادوا قَتله الأبيات الَّتِى مِنْهَا (فَقل للعدا ذهب ابْن الْخَطِيب ... وَفَاتَ فسبحان من لَا يفوت) (فَمن كَانَ يشمت مِنْكُم بِهِ ... فَقل يشمت الْيَوْم من لَا يَمُوت) وَذكر الشَّيْخ مُحَمَّد القصباني إن ابْن الْأَحْمَر وَجهه رَسُولا إِلَى ملك الإفرنج فَلَمَّا أراد الرُّجُوع أخرج لَهُ ملك الإفرنج كتابا من ابْن الْخَطِيب بِخَطِّهِ يشْتَمل على نظم ونثر فِي غَايَة الْحسن والبلاغة فأقرأه إِيَّاه فَلَمَّا فرغ من قِرَاءَته قَالَ لَهُ مثل هَذَا يقتل وَبكى حَتَّى بل لحيته وثيابه وَمن مصنفات صَاحب التَّرْجَمَة التَّاج فِي أدباء الماءة الثَّامِنَة والإكليل الزَّاهِر وَهَذَانِ الكتابان يشتملان على تراجم أدباء الْمغرب وَجَمِيع مَا فيهمَا من الْكَلَام مسجوع وَله طرفَة الْعَصْر فِي دولة بنى نصر ثَلَاث مجلدات وديوان شعره فِي مجلدين وَحمل الْجُمْهُور على السّنَن الْمَشْهُور واليوسفى فِي الطِّبّ مجلدان ونفاضة الجراب فِي علالة الاغتراب أَرْبَعَة أسفار ورقم الْحلَل فِي نظم الدول أرجوزة ونثر لَو جمع لزاد على عشرَة مجلدات وَمن نظمه (مَا ضرني أن لم أجئ مُتَقَدما ... السَّبق يعرف آخر الْمِضْمَار) (وَلَئِن غَدا ربع البلاغة بلقعا ... فلرب كنز فِي أساس جِدَار) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 وَمن نظمه (يامن بِأَكْنَافِ فؤادي رتع ... قد ضَاقَ بِي عَن حبك المتسع) (مافيك لي جدوى وَلَا ارعواء ... منح مُطَاع وَهوى مُتبع) وَلَعَلَّ صَاحب التَّرْجَمَة هُوَ الذي ألف الْمقري فِي مناقبه الْكتاب الْمُسَمّى نفح الطيب فِي مَنَاقِب لِسَان الدَّين بن الْخَطِيب والمؤلف من الْمَوْجُودين بعد الْألف وَقد وصف من محاسنه مَا يشنف الأسماع وَقَتله على الصفة الْمَذْكُورَة هُوَ من تِلْكَ المجازفات الَّتِي صَار يرتكبها قُضَاة الْمَالِكِيَّة ويريقون بهَا الدِّمَاء الْمُسلمين بِلَا قُرْآن وَلَا برهَان وَأما وجوده على شَفير الْقَبْر محرقا فَلَا ريب أَن ذَلِك من صنع أعدائه وَلَيْسَ بجرم وَلَا فِيهِ دَلِيل على صِحَة مَا امتحن بِهِ فَإِن الأَرْض قد قبلت فِرْعَوْن وهامان وَسَائِر أساطين الكفران السَّيِّد مُحَمَّد بن عبد الله ابْن الإِمَام شرف الدَّين بن شمس الدَّين ابْن الإِمَام المهدي أَحْمد بن يحيى الشَّاعِر الْمَشْهُور الْمجِيد وغالب شعره موشحات فِي غَايَة الرقة والانسجام وَلِلنَّاسِ إِلَيْهَا ميل وَمن نظمه العذب هَذِه الأبيات (أفدي الَّتِى بت أبل الجوى ... من رِيقهَا باللثم والمص) (قَالُوا لَهَا لما رَأَوْا خدها ... وَفِيه أثر العض والقرص) (مَاذَا بخديك فَقَالَت لَهُم ... نمت وَلم أشعر على خرص) (ياحسن خديها وعضي على ... ناعم خد ترف رخص) (كفص ياقوت على درة ... آه على الدرة والفص) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 وَمن محَاسِن شعره القصيدة الَّتِى مطْلعهَا (خطرت فَقل للغصن صل على النبي ... وبدت فَقُلْنَا للبدور تحجبي) وَقد جمع ديوَان شعره السَّيِّد عِيسَى بن لطف الله بن المطهر الْمُتَقَدّم ذكره وَمن جملَة مَا حَكَاهُ عَنهُ فِي ذَلِك الدِّيوَان أَنه أَقَامَ بِصَنْعَاء عِنْد آل لطف الله بن المطهر خَالِيا عَن الأنيس فَاحْتَاجَ إِلَى جَارِيَة سَرِيَّة فَاشْترى جَارِيَة اسْمهَا غزال حبشية فلاطفه فِي بعض الْأَيَّام إِسْمَاعِيل بن لطف الله وَقَالَ يَا سيدي أرى هَذِه الْجَارِيَة مُسِنَّة ولعلها قد ولدت فِي الْحَبَشَة قَالَ ذَلِك مداعبا لَهُ فَلَمَّا رَجَعَ سَأَلَهَا صَاحب التَّرْجَمَة هَل خرجت من الْحَبَشَة صَغِيرَة أَو كَبِيرَة وَهل ولدت فَأَخْبَرته أَنَّهَا ولدت لسَيِّدهَا ولدا وَاحِدًا وَهُوَ رجل من مسلمى الْحَبَشَة وَأَنه فَقِيه فَاضل فَسَأَلَهُ عَن سَبَب خُرُوجهَا عَن ملكه وَكَيف بَاعهَا فَقَالَت لم يبعني وَإِنَّمَا أرسلني فِي بعض الْأَيَّام من بستانه إِلَى بَيته فأخذني اللُّصُوص وَلم أستطع الْخَلَاص مِنْهُم فباعوني فَلَمَّا سمع ذَلِك تغير لبه وَذهل عقله خوفا من الله أن يَطَأهَا وهي حرَام فَشكى ذَلِك إِلَى بعض الْعلمَاء فَقَالَ لَهُ ذَلِك الْعَالم أما إِذا قد صادقتها فِي الْكَلَام فَالْوَاجِب الْكَفّ عَنْهَا فَعِنْدَ ذَلِك آيس وتزايد وجده وهجر الطَّعَام وَلما أخْبرهَا بذلك صرخت صرخة عَظِيمَة أبكت من فِي الْبَيْت وعقدت مأتما وَقَالَ فِيهَا قصيدة موشحة أَولهَا (الله يعلم يَا غزال أَنى ... عَلَيْك سهران باكي الْعين) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 ثمَّ أرسل إِلَى زبيد للبحث عَن خَبَرهَا فأخبروه أَنه صَحَّ لَهُم أَنَّهَا هربت من سَيِّدهَا وارتدت ثمَّ أخذت ثَانِيًا من دَار الْحَرْب فَعَاد إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وتمتع بهَا وتمتعت بِهِ وَهَذِه الْقِصَّة تدل على تورعه وأرخ السَّيِّد عِيسَى مَوته فِي جُمَادَى الأولى سنة 1016 سِتّ عشرَة وَألف وَصَاحب التَّرْجَمَة كَانَ مائلا إِلَى الصُّوفِيَّة ميلا زَائِدا وَوَقعت بَينه وَبَين الإِمَام الْقَاسِم ابْن مُحَمَّد بذلك السَّبَب مشاعرة طَوِيلَة مَوْجُودَة بأيدي النَّاس الْآن مُحَمَّد بن عبد الله بن ظهيرة بن أَحْمد بن عَطِيَّة بن ظهيرة ابْن مَرْزُوق بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الْجمال أَبُو حَامِد القرشي المخزومي المكي الشافعي وَيعرف كسلفه بِابْن ظهيرة ولد لَيْلَة عيد الْفطر سنة 751 إِحْدَى وَخمسين وَسَبْعمائة بِمَكَّة وَنَشَأ بهَا فَسمع على الشَّيْخ خَلِيل المالكي وَمُحَمّد بن سَالم الحضرمي والعز بن جمَاعَة والموفق الحنبلي وَجَمَاعَة آخَرين وَأَجَازَ لَهُ جمَاعَة جم وَحصل الْإِجْزَاء والنسخ وَالْأُصُول وَلم يقْتَصر على الرِّوَايَة بل اجْتهد فِي غُضُون ذَلِك فِي الْفُنُون وَقرأَهَا بِمصْر على النويري والزين العراقي والسبكي والبلقيني وَابْن الملقن وَغَيرهم وبدمشق على الأذرعي وَجَمَاعَة وبرع فِي الْفُنُون وانتهت إِلَيْهِ رياسة الشَّافِعِيَّة بِبَلَدِهِ ولقب عَالم الْحجاز وتصدى لنشر الْعلم بعد السّبْعين وَأفْتى ودرس وَقصد بالفتاوى من بِلَاد الْيمن وَاسْتمرّ ناشرا للْعلم نَحْو أَرْبَعِينَ سنة وازدحم عَلَيْهِ الطّلبَة ورحلوا إِلَيْهِ وَشرح قطعا من الحاوي الصَّغِير وَمن جملَة من أَخذ عَنهُ الْحَافِظ ابْن حجر والعلامة مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْوَزير الْمُتَقَدّم ذكره وَمَات فِي لليلة الْجُمُعَة سادس عشر رَمَضَان سنة 817 سبع عشرَة وثمان مائَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن شرف بن مَنْصُور بن مَحْمُود بن توفيق بن مُحَمَّد بن عبد الله نجم الدَّين الزرعي ثمَّ الدمشقي الشافعي الْمَعْرُوف بِابْن قاضي عجلون ولد يَوْم السبت الثاني وَالْعِشْرين من ربيع الأول سنة 831 إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وثمان مائَة بِدِمَشْق وَنَشَأ بهَا فحفظ شَيْئا كثيرا من المختصرات زِيَادَة على اثْنَيْنِ وَعشْرين كتابا ولازم الشرواني فِي عدَّة عُلُوم والْعَلَاء الكرماني وأبي الْفضل الغزي وَقدم الْقَاهِرَة وَقَرَأَ على ابْن حجر والمحلي والعيني وَابْن الْهمام والشمني وَغَيرهم وتميز فِي غَالب الْفُنُون ودرس بمواطن وتصدر بِجَامِع بني أُميَّة وَله تصانيف مِنْهَا تَصْحِيح الْمِنْهَاج فِي مطول ومختصر ومتوسط والتاج فِي زَوَائِد الرَّوْضَة على الْمِنْهَاج والتحرير علقه على الْمِنْهَاج فِي نَحْو أربعمائة كراسة بل عمل على جَمِيع محافيظه إِمَّا شرحا اَوْ حَاشِيَة وَكَانَ إِمَامًا عَلامَة متقنا حجَّة ضابطا جيد الْفَهم لم يكن بِالشَّام من يناظره وَلَا بالديار المصرية بِالنِّسْبَةِ إِلَى استحضار الْفُنُون لفظا وَمعنى وإن كَانَ قد يُوجد فِي التَّحْقِيق من هُوَ أمتن مِنْهُ ذكر معنى ذَلِك السخاوي مَاتَ يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث عشر شَوَّال سنة 876 سِتّ وَسبعين وثمان مائَة السَّيِّد مُحَمَّد بن عبد الله بن لطف الباري الكبسي ثمَّ الصنعاني ولد سنة وَطلب الْعلم فنال مِنْهُ حظا مُبَارَكًا ونصيبا وافرا وأكب على كتب السنة المطهرة وَكتب التَّفْسِير وَأخذ عَنهُ النَّاس وَهُوَ من أهل الْوَرع الشحيح والتسنن الصَّحِيح وَالْعِبَادَة والمداومة على ذكر الله والاقتداء بالسلف الصَّالح وَهُوَ مِمَّن إِذا رَأَيْته ذكرت الله عز وَجل وَإِذا جالسته خرجت من الدُّنْيَا وَقد أطبق أهل الْعَصْر على فَضله وَله أخوان على نمطه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 فِي هَدْيه وسمته وهما على ولطف الباري وَكَانَ والدهم رَحمَه الله من أَعْيَان عُلَمَاء الْقرن الثانى عشر وأفاضله وَمن القائمين بِالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ والنهى عَن الْمُنكر وهداية الْعباد إِلَى الْعَمَل بِالسنةِ وَكَانَ الإِمَام المهدي الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن رَحمَه الله يعظمه ويجله وَيعْمل بِمَا يرشده إِلَيْهِ ويدله عَلَيْهِ وَله من الوقائع الَّتِى قَامَ فِيهَا لله مَا لَا يُحِيط بِهِ الْحصْر وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ من حَسَنَات صنعاء ومفاخرها رَحمَه الله وَقد تقدمت لَهُ تَرْجَمَة مستقلة فِي هَذَا الْكتاب ثمَّ مَاتَ رَحمَه الله فِي سنة 1233 ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَألف عِنْد دُخُوله الْحَج مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُجَاهِد بن يُوسُف بن مُحَمَّد ابْن احْمَد بن علي الشَّمْس أبو عبد الله الحموي الأَصْل الدمشقي الشافعي الْمَعْرُوف بِابْن نَاصِر الدَّين ولد فِي الْعشْر الأول من الْمحرم سنة 777 سبع وَسبعين وَسَبْعمائة بِدِمَشْق وَنَشَأ بهَا فحفظ عدَّة مختصرات وَحمل عَن شُيُوخ بَلَده والقادمين إِلَيْهَا بقرَاءَته وَقِرَاءَة غَيره وارتحل إِلَى بعلبك وحلب وَمَكَّة وَغَيرهَا وَمن شُيُوخه ابْن خطيب الناصرية والسرايجي وَغَيرهمَا وأتقن فن الحَدِيث واشتهر بِهِ حَتَّى صَار الْمشَار إِلَيْهِ فِيهِ بِبَلَدِهِ وَمَا حولهَا واستفاد مِنْهُ النَّاس وصنف التصانيف مِنْهَا طَبَقَات شُيُوخه فجعلهم ثَمَان طَبَقَات وجامع الْآثَار فِي مولد الْمُخْتَار فِي ثَلَاثَة أسفار ومورد الصادى فِي مولد الْهَادِي فِي كراسة وَاللَّفْظ الرَّائِق فِي مولد خير الْخَلَائق فِي أقل من كراسة ومنهاج الْأُصُول فِي مِعْرَاج الرَّسُول وَاللَّفْظ الْمحرم بِفضل العاشور الْمحرم ومجلس فِي فضل يَوْم عَرَفَة وافتتاح الْقَارئ لصحيح البخارى وَبرد الأكباد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 عَن فقد الْأَوْلَاد ومسند تَمِيم الداري وترجمة حجر بن عدى الكندى وتوضيح المشتبه فِي أسماء الرِّجَال فِي ثَلَاثَة أسفار والإعلام بِمَا وَقع فِي مشتبه الذهبي من الأوهام وأرجوزة سَمَّاهَا عُقُود الدُّرَر فِي علم الْأَثر وَشَرحهَا فِي مطول ومختصر وَأُخْرَى فِي الْحفاظ وَشَرحهَا أَيْضا وبديعة الْبَيَان عَن موت الْأَعْيَان نَحْو ألف بَيت وَشَرحهَا أَيْضا وَعرف العنبر فِي وصف الْمِنْبَر وبراعة الفكرة فِي حوادث الْهِجْرَة نظم أَيْضا ومنهاج السَّلامَة فِي ميزَان يَوْم الْقِيَامَة وَشرح حَدِيث أم زرع فِي كراريس وَزَوَال البوسى عَمَّن أشكل عَلَيْهِ نجاح آدم ومُوسَى وَغير ذَلِك من المؤلفات وَقد قَامَ عَلَيْهِ الْعَلَاء البخاري لكَونه صنف الرَّد الوافر على من زعم أَن من أطلق على ابْن تَيْمِية أَنه شيخ الْإِسْلَام كَافِر وَكَانَ ذَلِك كالرد على الْعَلَاء البخاري لكَونه كَانَ من أعظم المنكرين على ابْن تَيْمِية ثمَّ جَاوز فِي ذَلِك الْحَد حَتَّى أفتى بِكفْر ابْن تَيْمِية صانه الله عَن ذَلِك واتفقت بِسَبَب ذَلِك حوادث شنيعة وَبِالْجُمْلَةِ فَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة إِمَامًا حَافِظًا مُفِيدا للطلبة وَقد أثنى عَلَيْهِ جمَاعَة من معاصريه كَابْن حجر والبرهان الحلبي والمقريزي وَمَات فِي ربيع الثاني سنة 842 اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وثمان مائَة وَله نظم فَمِنْهُ (لعبت بالشطرنج مَعَ شادن ... رمى بقلبي من سناه سِهَام) (وجدت شامات على خَدّه ... فمت من وجدي بِهِ وَالسَّلَام) مُحَمَّد بن عبد الله الغشم الآنسي اليماني ترْجم لَهُ صَاحب مطلع البدور فَلم يذكر لَهُ مولدا وَلَا وَفَاة وَلكنه ذكر لَهُ قصَّة غَرِيبَة هي أَن الْعَامَّة من أهل بِلَاد آنس وَغَيرهَا كثرت عِنْدهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 الشكوك لما يرَوْنَ من أكل بعض السُّفَهَاء لما حرمه الله بِالْإِجْمَاع من الْحَيَّات والحنشان قَالُوا هَؤُلَاءِ لَا شك أَنهم على الْحق بِدَلِيل هَذِه الْكَرَامَة فَإِن لم يَأْتِ من عُلَمَائِنَا مَا يقاومها انتقلنا عَن مَذْهَب أهل الْبَيْت فعظمت الْقِصَّة على الْعلمَاء فتكابت الْفُقَهَاء من الْمغرب وآنس وذمار واجتمعوا وَأمرُوا الْعَامَّة بِجمع حطب فَاجْتمع كالجبل الْعَظِيم ثمَّ أشعلوه فَلم يزل يَتَّسِع حَتَّى صَار يرْمى بشرر كبار فَقرب الْفُقَهَاء بالمصاحف وقرؤا الْقُرْآن وَلم يزَالُوا على ذَلِك مَعَ أدعية أخرجها وَالِد صَاحب التَّرْجَمَة حَتَّى اصْفَرَّتْ النَّار وَدخل الْفُقَهَاء وحملوا مِنْهُم فِي ثِيَابهمْ ودخلوا فِيهَا كَمَا يدْخل المَاء والطين واشتهرت الْقِصَّة قَالَ صَاحب مطلع البدور وَلما سَمِعت هَذِه لم أزل أبحث عَنْهَا فبلغت عندي مبلغ التَّوَاتُر وَلَيْسَ ذَلِك بَعيدا من فضل الله تكريما لكتابه الْعَزِيز وعلماء الْإِسْلَام انْتهى وَذكر قبل هَذِه الْقِصَّة أَن لصَاحب التَّرْجَمَة رسائل وَله تَفْسِير وَلَعَلَّ وجوده فِي زمن صَاحب مطلع البدور وَقد تقدم تَارِيخ مولده ووفاته ثمَّ وقفت على تَارِيخ مَوته فِي سنة 1043 ثَلَاث وَأَرْبَعين وَألف وقبر بِبِلَاد لاعة فِي مَحل يُقَال لَهُ بَنو الذواد مُحَمَّد بن عبد الْمُنعم بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الْمُنعم بن إِسْمَاعِيل الجرجري بجيمين ومهملتين ثمَّ القاهري الشافعي ولد فِي أحد الجمادين سنة 821 إِحْدَى وَعشْرين وثمان مائَة أَو فِي الَّتِى بعْدهَا بجرجر وتحول مِنْهَا إِلَى الْقَاهِرَة صَغِيرا فحفظ كثيرا من المختصرات ثمَّ اشْتغل بالفنون فَأخذ عَن النويري وَابْن الْهمام والشمني والمحلي والكافياجي والشرف السبكى وَالْعلم البلقينى والحافظ بن حجر وناب فِي الْقَضَاء ثمَّ تعفف عَن ذَلِك ودرس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 وَرغب الطّلبَة إِلَيْهِ وَقصد بالفتاوى وَكتب على عُمْدَة السالك لِابْنِ النَّقِيب شرحا سَمَّاهُ تسهيل المسالك إِلَى عُمْدَة السالك فِي مُجَلد وَشرح الْإِرْشَاد لِابْنِ المقري فِي أَربع مجلدات وَشرح شذور الذَّهَب شرحا مطولا وشرحا مُخْتَصرا وَشرح الهمزية شرحين أحدهما مطول سمي أحدهما خير الْقرى فِي شرح أم الْقرى وَكَانَ متواضعا ممتهنا لنَفسِهِ غير متأنق فِي شئ وَقد عكف عَلَيْهِ الطّلبَة وتنافسوا فِي الْأَخْذ عَنهُ وتجرأ عَلَيْهِ بعض أهل الْعلم وصنف كتابا سَمَّاهُ اللَّفْظ الجوهري فِي بَيَان غلط الجوجري وانتدب بعض تلامذة صَاحب التَّرْجَمَة فَرد عَلَيْهِ وَمَات فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثاني عشر رَجَب سنة 889 تسع وَثَمَانِينَ وثمان مائَة بِمصْر مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بن عبد الحميد بن مَسْعُود الْكَمَال ابْن الْهمام السيواسي الأَصْل ثمَّ القاهري الحنفي ولد سنة 790 تسعين وَسَبْعمائة وَقدم الْقَاهِرَة صَغِيرا وَحفظ عدَّة من المختصرات وعرضها على شُيُوخ عصره ثمَّ شرع فِي الطلب فَقَرَأَ على بعض أهل بَلَده بعد أَن عَاد إليها ثمَّ رَجَعَ الى الْقَاهِرَة فَقَرَأَ على الْعِزّ ابْن عبد السَّلَام والبساطي والشمني والجلال الهندي والولي العراقى والعز ابْن جمَاعَة وسافر إِلَى الْقُدس وَقَرَأَ على علمائه وَسمع من جمَاعَة كالحافظ بن حجر وَغَيره وَلم يكثر من علم الرِّوَايَة وتبحر فِي غَيره من الْعُلُوم وفَاق الأقران وأشير إِلَيْهِ بِالْفَضْلِ التَّام حَتَّى قَالَ بَعضهم فِي حَقه لَو طلبت حجج الدَّين مَا كَانَ فِي بلدنا من يقوم بهَا غَيره وَكَانَ دَقِيق الذِّهْن عميق الْفِكر يدقق المباحث حَتَّى يحير شُيُوخه فضلا عَن من عداهم بِحَيْثُ كَانَ يشكك عَلَيْهِم فِي الِاصْطِلَاح وَنَحْوه حَتَّى لَا يَدْرُونَ مَا يَقُولُونَ وَقَالَ يحيى بن الْعَطَّار لم يزل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 يضْرب بِهِ الْمثل فِي الْجمال المفرط مَعَ الصيانة وَفِي حسن النِّعْمَة مَعَ الدّيانَة وَفِي الفصاحة واستقامة الْبَحْث مَعَ الْأَدَب وَبِالْجُمْلَةِ فقد تفرد ي عصره بِعُلُومِهِ وطار صيته واشتهر ذكره وأذعن لَهُ الأكابر عَن الأصاغر وفضله كثير من شُيُوخه على أنفسهم وَقد درس بمدارس وَقَررهُ الأشرف برسباي فِي مدرسته وَألبسهُ الخلعة وَلما عورض فِي ذَلِك قَالَ بعد بعض دروسه فِيهَا أنه قد عزل نَفسه مِنْهَا وخلع طياسانه وَرمى بِهِ وَبلغ ذَلِك السطان فشق عَلَيْهِ واستعطفه فَلم يجب وانقبض وانجمع عَن النَّاس مَعَ الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ والنهي عَن الْمُنكر والإغلاظ على الْمُلُوك فَمن دونهم وصنف التصانيف النافعة كشرح الْهِدَايَة فِي الْفِقْه والتحرير فِي أصُول الْفِقْه والمسايرة فِي أصُول الدَّين وجزء فِي حَدِيث كلمتان خفيفتان ي اللِّسَان وَقد تخرج بِهِ جمَاعَة صَارُوا رُؤَسَاء فِي حيانه كالشمني والزين قَاسم وَسيف الدَّين وَابْن حضر والمناوي وَالْجمال بن هِشَام وَكَانَ إماما فِي الْأُصُول وَالتَّفْسِير وَالْفِقْه والفرائض والحساب والتصوف والنحو وَالصرْف والمعانى وَالْبَيَان والبديع والمنطق والجدل والدب والموسيقا حَتَّى قَالَ السخاوي فِي حَقه إنه عَالم أهل الأَرْض ومحقق أولي الْعَصْر وَمَات فِي يَوْم الْجُمُعَة سَابِع رَمَضَان سنة 861 إِحْدَى وَسِتِّينَ وثمان مائَة بِمصْر وَحضر السُّلْطَان فَمن دونه وتأسف النَّاس على فَقده وَلم يخلف بعده مثله السَّيِّد مُحَمَّد بن عز الدَّين بن صَلَاح بن الْحسن ابْن أَمِير الْمُؤمنِينَ علي بن الْمُؤَيد ترْجم لَهُ صَاحب مطلع البدور وَلم يذكر لَهُ مولدا وَلَا وَفَاة وَلكنه حكى عَن القاضي أَحْمد بن صَلَاح الدواري أَنه قَالَ أنه أدْرك صَاحب التَّرْجَمَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 وَقَرَأَ عَلَيْهِ الحاجبية وحاشيته عَلَيْهَا وَبَعض الْمفصل وَبَعض مُقَدمَات الْبَحْر والأزهار ثمَّ قَرَأَ عَلَيْهِ كتاب الْأَحْكَام من الْبَحْر الزخار إِلَى أَن مَاتَ قبل أَن يكمل الْقِرَاءَة هَذَا خُلَاصَة مَا ذكره فِي التَّرْجَمَة والحاشية الَّتِى ذكرهَا على الحاجبية هي شرح لَهَا مُسْتَكْمل وَلكنهَا كَانَت تكْتب فِي الهوامش ثمَّ كتبهَا الْمُتَأَخّرُونَ كَمَا تكْتب الشُّرُوح وَقد رغب إِلَيْهَا الطّلبَة فِي هَذِه العصور وصاروا يقرأونها فِي مبادئ الطلب وهي لَا تصلح إِلَّا لمن كَانَ فِي أَوَائِل الطلب لِأَن عبارتها غير محررة كَمَا يَنْبَغِي وَصَاحب التَّرْجَمَة كَانَ مَوْجُودا فِي الْقرن الْعَاشِر السَّيِّد مُحَمَّد بن عز الدَّين بن مُحَمَّد بن عز الدَّين الْمَعْرُوف بالمفتي حفيد الْمَذْكُور قبله تَرْجمهُ أَيْضا صَاحب مطلع البدور وَلم يذكر لَهُ مولدا وَلَا وَفَاة وَلكنه قَالَ إمام الْعُلُوم الْمُطلق مُنْتَهى الْمُحَقِّقين وفقيه المدققين قَرَأَ على أَحْمد الضمدي فِي الحاجبية وَقَرَأَ المطول على الْعَلامَة عبد الله المهلا وَقَرَأَ عَلَيْهِ أَكثر نجم الدَّين وَقَرَأَ بعض نجم الدَّين على السَّيِّد علي ابْن بنت النَّاصِر وَفِي أصُول الْفِقْه على السَّيِّد صَلَاح بن أَحْمد ابْن الْوَزير وَعنهُ أَخذ طرق الحَدِيث وَقَرَأَ فِي أصول الْفِقْه على وَالِده وعَلى الْفَقِيه الصلاح الشطبي وَفِي الْكَشَّاف على وَالِده وَفِي الْفُرُوع على صنوه المهدي وعَلى السَّيِّد عبد الله بن احْمَد بن الْحُسَيْن المؤيدي وَقَرَأَ فِي الحَدِيث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 على الشَّيْخ الحنفي وَأَجَازَهُ فِيهِ وَفِي غَيره وَقَرَأَ على الْعَلامَة الصابوني وعَلى الْعَلامَة مُحَمَّد بن شلبي الرومي وَقَرَأَ الشمسية على الشَّيْخ أَحْمد بن عَلان البكري المصري انْتهى وَهُوَ شيخ مَشَايِخ الْفُرُوع الذى ينتهى أسانيدهم إِلَيْهِ وَمن جملَة تلامذته القاضي إِبْرَاهِيم بن يحيى السحولي وَالسَّيِّد أَحْمد بن علي الشَّامي وَجَمَاعَة من الْمُحَقِّقين كالعلامة الْحسن بن أَحْمد الْجلَال وَله مؤلفات مِنْهَا الْبَدْر الساري فِي أصُول الدَّين وَشَرحه وَاسِطَة الدراري وَمِنْهَا شرح تَكْمِلَة الْبَحْر وَهُوَ شرح مُفِيد يدل على علو دَرَجَته وارتفاع مَنْزِلَته فِي الْعُلُوم وَله أنظار فِي الْفُرُوع منقولة فِي كتب التدريس كشرح الأزهار وَالْبَيَان وَالْبَحْر وهي فِي غَايَة الإتقان وَهُوَ من أهل الْقرن الحادي عشر وَالله أعلم وأرخ مَوته الضمدي فِي الوافي فِي شعْبَان سنة 1049 تسع وَأَرْبَعين وَألف وَقَالَ السَّيِّد إِبْرَاهِيم بن الْقَاسِم بن الْمُؤَيد فِي الطَّبَقَات إنه مَاتَ لاثني عشر يَوْمًا من شعْبَان سنة 1050 خمسين وَألف وقبر بخزيمة مَقْبرَة صنعاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 السَّيِّد مُحَمَّد بن عز الدَّين النعمي التهامي ولد تَقْرِيبًا سنة 1180 ثَمَانِينَ وَمِائَة وَألف بالعذير بفتخ الْمُهْملَة وَكسر الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْمُثَنَّاة من تَحت ثمَّ رَاء مُهْملَة وهي بِقرب بندر اللِّحْيَة من بنادر تهَامَة ثمَّ ارتحل إِلَى صنعاء فَقَرَأَ فِي علم الْفُرُوع على شَيخنَا الْعَلامَة احْمَد بن مُحَمَّد الحرازي وَغَيره ولازمني مُدَّة طَوِيلَة فَقَرَأَ علي فِي النَّحْو وَالصرْف والمنطق والمعاني وَالْبَيَان وَالْأُصُول والْحَدِيث وَالْفِقْه وتميز فِي جَمِيع هَذِه الْعُلُوم وَصَارَ اُحْدُ الْعلمَاء الْمشَار إِلَيْهِم مَعَ الْعقل الوافر والسكون والتواضع والعفة والشهامة والإقبال على الْعلم بكليته والملازمة للطاعة والانجماع عَن النَّاس وَلما نَالَ مَا كَانَ سَببا للارتحال عَاد إِلَى دياره التهامية وَهُوَ بِلَا مدافع أعلم الْمَوْجُودين من السَّادة النعامية وَكَثِيرًا مَا يكْتب إِلَى من تِلْكَ الْجِهَات فِيمَا يعرض لَهُ من الْمُهِمَّات وَهُوَ الْآن حيى ينْتَفع بِهِ أهل تِلْكَ الديار ويرجعون إِلَيْهِ فِيمَا ينوبهم من الْمسَائِل الشَّرْعِيَّة مَعَ مزِيد تحسره وتأسفه على مُفَارقَة صنعاء وَانْقِطَاع مَا كَانَ فِيهِ من الطلب لعلوم الِاجْتِهَاد وَلكنه عاقه عَن الْعود احْتِيَاج أهل بَلَده إِلَيْهِ خُصُوصا قرَابَته بعد موت أَخِيه أَحْمد بن عز الدَّين وَأما أخوه السَّيِّد إِسْمَاعِيل بن عز الدَّين فَهُوَ أكبر مِنْهُ سنا وَصَارَ يُؤجر نَفسه لِلْحَجِّ إِلَى بَيت الله الْحَرَام كل عَام وَيعود إِلَى صنعاء وَلم يكن لَهُ اشْتِغَال بِالْعلمِ لكنه فِي الْمدَّة الْقَرِيبَة شغل نَفسه بِجمع مؤلف نقل غالبه من كتب الرافضة ثمَّ تشدد فِي الرَّفْض وَصَارَ يملي مَا جمعه بِجَامِع صنعاء فِي أَيَّام رَمَضَان على جمَاعَة جهال وَصَارَ فتْنَة للنَّاس مَعَ جَهله وركاكة عقله ونصحته فَلم ينتصح وَهُوَ من جملَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 المجيبين على فِي الرسَالَة الَّتِى سميتها إرشاد الغبي إِلَى مَذْهَب أهل الْبَيْت فِي صحب النبي وأفرط فِي السب وَالْكذب وَصَارَ الْآن فِي حبس زيلع بِسَبَب مَا سيأتي شَرحه فِي تَرْجَمَة يحيى الخولي ثمَّ بلغ إلينا أَنه مَاتَ هُنَالك قبل سنة 1220 عشْرين وَمِائَتَيْنِ وَألف وَمَات صَاحب التَّرْجَمَة رَحمَه الله فِي سنة 1232 اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَألف فِي تهَامَة بعد أَن تولى بهَا الْقَضَاء للشريف حمود بن مُحَمَّد مُدَّة أَيَّامه مُحَمَّد بن عَطاء الله الرازي الأَصْل الهروي الشافعي وَكَانَ يذكر أنه من ذُرِّيَّة الْفَخر الرازي ولد بهراة سنة 767 سبع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة واشتغل فِي بِلَاده وَكَانَ حَنِيفا ثمَّ تحول شافعيا وَأخذ عَن السعد التفتازاني وَغَيره واتصل بتيمورلنك الْمُتَقَدّم ذكره ثمَّ حصل لَهُ مِنْهُ جفَاء فتحول إِلَى بِلَاد الرّوم ثمَّ انْفَصل مِنْهَا وَقدم الْقُدس سنة 814 فحج وَعَاد إِلَيْهِ فِي الَّتِى بعْدهَا فاشتهر أمره بهَا وأشاع اتِّبَاعه أَنه يحفظ الصَّحِيحَيْنِ وَأَنه إمام النَّاس فِي الْمَذْهَب الشافعي والحنفي وَفِي غير ذَلِك من الْعُلُوم على جاري عَادَة الْعَجم فِي التفخيم والتهويل ثمَّ قدم الْقَاهِرَة فِي سنة 818 فَعَظمهُ السُّلْطَان وأكرمه وَأَجْلسهُ عَن يَمِينه ثمَّ أنزله بدار أعدت لَهُ وأنعم عَلَيْهِ بفرس بسرج ذهب وقماش ورتب لَهُ فِي كل يَوْم ثَلَاثِينَ رطلا من اللَّحْم ومائتي دِرْهَم وَتَبعهُ كثير من الْأُمَرَاء المباشرين والأعيان فِي الْإِكْرَام والهدايا الوافرة وَكَانَت لَهُ دعاوى عريضة مِنْهَا أَنه يحفظ الصَّحِيحَيْنِ عَن ظهر قلب صَحِيح مُسلم بأسانيده وصحيح البخاري متْنا بِلَا إسناد وَتارَة يَقُول أنه يحفظ اثني عشر ألف حَدِيث بأسانيدها فعقد لَهُ السُّلْطَان الْمُؤَيد مَجْلِسا بَين يَدَيْهِ وَجمع الْعلمَاء وألزموه بإملاء اثني عشر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 حَدِيثا متباينة فَلم يفْطن لذَلِك وَلَا عرف المُرَاد بِهِ وَلَا أمْلى شَيْئا بل لم يُورد حَدِيثا إلا وَظهر خطأه فِيهِ بِحَيْثُ ظهر فِي ذَلِك مجازفته وإن كل مَا ادَّعَاهُ لَا صِحَة لَهُ وَمَا أمكنه إِلَّا التبري مِمَّا نسب إِلَيْهِ كَذَا قَالَ السخاوي وَكَانَ مِمَّا وَقع أَنه سُئِلَ عَن سَنَده لصحيح البخارى فَذكر شُيُوخًا لَا يعْرفُونَ وَقَالَ ابْن حجر إنه لَا وجود لأحد مِنْهُم وَبعد عقد الْمجْلس بِقَلِيل ولي نظر الْقُدس والخليل مَعَ تدريس الصلاحية فَتوجه لذَلِك ثمَّ عَاد إِلَى الْقَاهِرَة فِي سنة 821 فَاجْتمع بالسلطان وأكرمه كالمرة الأولى ثمَّ ولاه الْقَضَاء بِمصْر مَكَان البلقيني وَلم يحمده النَّاس فِي ذَلِك فصرف قبل أَن يستكمل سنة وَلزِمَ بَيته وأعيد إِلَى الْقُدس على تدريس الصلاحية ثمَّ قدم الْقَاهِرَة سنة 827 فولي كِتَابَة السِّرّ ثمَّ انْفَصل وأعيد لقَضَاء الشَّافِعِيَّة ثمَّ عَاد إِلَى بَيت الْمُقَدّس وَقد انتقصه الْحَافِظ بن حجر وَوَصفه بِالْكَذِبِ وَكَذَلِكَ قَالَ السخاوي وَقَالَ ابْن قَاضِي شُهْبَة إنه كَانَ إماما عَالما غواصا على الْمعَانى يحفظ متونا كَثِيرَة ويسرد جملَة من تواريخ الْعَجم مَعَ الْوَضَاءَة والمهابة وَحسن الشكالة والضخامة ولين الْجَانِب وَقَالَ العيني إنه كَانَ عَالما فَاضلا متفننا لَهُ تصانيف كشرح الْمَشَارِق وَشرح صَحِيح مُسلم الْمُسَمّى فضل الْمُنعم قَالَ وَكَانَ قد اِدَّرَكَ الْكِبَار مثل التفتازاني وَالسَّيِّد وَصَارَت لَهُ حُرْمَة وافرة بِبِلَاد سَمَرْقَنْد وهراة وَغَيرهمَا حَتَّى كَانَ تيمورلنك يعظمه ويحترمه ويميزه على غَيره بِحَيْثُ يدْخل عِنْده فِي حريمه ويستشيره ويرسله فِي مهماته وذكربعض من تَرْجمهُ أَن الْفُقَهَاء تعصبوا عَلَيْهِ وبالغوا فِي التشنيع ورموه بعظايم الظَّن برأته عَن أَكْثَرهَا قلت وَهَذَا غير بعيد لاسيما وَقد صَار مُعظما عِنْد سلطانهم مقدما فِي مناسبهم مَعَ كَونه لَيْسَ مِنْهُم فَإِن ذَلِك مِمَّا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 يُؤثر الطعْن بِغَيْر سَبَب وَمَات فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ تَاسِع عشر ذِي الْحجَّة سنة 829 تسع وَعشْرين وثمان مائَة مُحَمَّد بن عَلَاء الدَّين البابلي القاهري الشَّافِعِي أَبُو عبد الله الإِمَام الْكَبِير مُسْند الدُّنْيَا أَخذ عَنهُ النَّاس طبقَة بعد طبقَة من جَمِيع الطوائف وَكَانَ ضريرا يملي دواوين الْإِسْلَام جَمِيعًا من حفظه وَطَالَ عمره وجاور بِالْحرم مرَّتَيْنِ وَأَرَادَ سُلْطَان الرّوم إشخاصه إِلَيْهِ فَامْتنعَ وَلَعَلَّه جَاوز الْمِائَة أَو ناهزها وَمَات فِي عشر الثَّمَانِينَ بعد الْألف وَله مَجْمُوع ذكر فِيهِ أسانيده ورواياته وَهُوَ مَوْجُود بأيدي المشتغلين بِهَذَا الشَّأْن مُحَمَّد بن على بن أيبك السروجي أَبُو عبد الله الْحَافِظ وَقيل أَبُو حَامِد ولد سنة 714 أَربع عشرَة وَسَبْعمائة وعني بالرواية فَسمع الْكثير من محدثي مصر وَالشَّام كالدبوسي وَابْن الْمصْرِيّ وَأَصْحَاب النجيب وَابْن عبد الدَّائِم وَابْن سيد النَّاس وَمهر إِلَى أَن بلغ الْغَايَة فِي الْحِفْظ وَكَانَ سريع الْكِتَابَة وَالْقِرَاءَة دينا ظريفا وَكتب مَالا يُحْصى وَقَرَأَ الْكتب المطولة كمعجم الطبراني الْكَبِير ومستخرج أَبى نعيم على مُسلم وَغير ذَلِك وَوَصفه المزى والبرزالى والذهبي وَابْن حجر بِالْحِفْظِ قَالَ الصفدي مَا رَأَيْت بعد ابْن سيد النَّاس من يقْرَأ أسْرع مِنْهُ وَلَا أفْصح وَمَا سَأَلته عَن شئ من تراجم النَّاس ووفياتهم وأعصارهم وتصانيفهم إلا وجدته فِي حفظه لَا يغيب عَنهُ شئ وَشرع فِي جمع الثِّقَات فَكتب بعضه وَلَو كمل لَكَانَ فِي أَكثر من عشْرين مجلدا وَخرج لنَفسِهِ مائَة حَدِيث متباينة أَجَاد فِيهَا قَالَ الذهبي سمعنَا مِنْهُ تسعين مِنْهَا قَالَ الصفدي وَكَانَ فِيهِ مَعَ ذَلِك ذوق الأدباء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 وَفهم الشُّعَرَاء وخفة روح الظرفاء يستحضر من الشّعْر الْقَدِيم والْحَدِيث جملَة كَثِيرَة وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ مَعْدُود فِي زمرة الْحفاظ وَلَو علت سنه لَكَانَ أعجوبة الزَّمَان لكنه مَاتَ سنة 744 أَربع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة عَن ثَلَاثِينَ سنة السَّيِّد مُحَمَّد بن علي بن الْحسن بن حَمْزَة بن مُحَمَّد بن نَاصِر ابْن علي بن علي بن الْحُسَيْن بن إِسْمَاعِيل بن الْحُسَيْن بن أَحْمد ابْن إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر الصَّادِق الْحَافِظ شمس الدَّين أَبُو المحاسن الدمشقي ولد سنة 715 خمس عشرَة وَسَبْعمائة وَسمع من ابْن عبد الدَّائِم والمزى وخلائق وَطلب بِنَفسِهِ فَأكْثر وَكتب بِخَطِّهِ فَبَالغ ورحل إِلَى مصر فَسمع من الميدومي وَغَيره قَالَ الذهبي فِي الْمُخْتَص الْعَلامَة الْفَقِيه الْمُحدث طلب وَكتب وَهُوَ فِي زِيَادَة من التَّحْصِيل والتخريج والإفادة وَقَالَ ابْن كثير جمع رجال الْمسند وَجمع كتابا سَمَّاهُ التَّذْكِرَة فِي رجال الْعشْرَة اختصر التَّهْذِيب وَحذف مِنْهُ مَا لَيْسَ فِي السِّتَّة وأضاف إِلَيْهِم من فِي الْمُوَطَّأ والمسند ومسند الشافعى ومسند أَبى حنيفَة للجاربى وَاخْتصرَ الْأَطْرَاف ورتبه على الْأَلْفَاظ وَله مُجَلد لطيف فِي لذات الْحمام وَله الْعرف الذكي فِي النّسَب الزكي وَله ذيل على العبر للذهبي وَولى مشيخه دَار الحَدِيث وَله تَعْلِيق على الْمِيزَان بَين فِيهِ كثيراً من الأوهام وَشرع فِي شرح سنَن النَّسَائِيّ وذيل على طَبَقَات الذهبي وَمَات كهلا فِي آخر شعْبَان سنة 765 خمس وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَلَو طَال عمره كَغَيْرِهِ من الْحفاظ لَكَانَ من محَاسِن متأخريهم على أنه كَذَلِك مَعَ قصر عمره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 مُحَمَّد بن على بن حُسَيْن العمراني ثمَّ الصنعاني ولد فِي شهر سنة 1194 أَربع وَتِسْعين وَمِائَة وَألف واشتغل بِطَلَب عُلُوم الِاجْتِهَاد على جمَاعَة من عُلَمَاء الْعَصْر كالسيد الْعَلامَة الْحسن ابْن يحيى الكبسي وَالْقَاضِي الْعَلامَة عبد الله بن مُحَمَّد مشحم وَالسَّيِّد الْعَلامَة إِبْرَاهِيم بن عبد الْقَادِر بن أَحْمد وَغير هَؤُلَاءِ من المدرسين وبرع فِي الْعُلُوم الاجتهادية وَصَارَ فِي عداد من يعْمل بِالدَّلِيلِ وَلَا يعرج على القال والقيل وَبلغ فِي المعارف إِلَى مَكَان جليل وَقد أَخذ عَنى من جملَة الطّلبَة وَهُوَ قوي الذِّهْن سريع الْفَهم جيد الْإِدْرَاك ثاقب النظر يقل وجود نَظِيره فِي هَذَا الْعَصْر مَعَ تواضع وإعراض عَن الدُّنْيَا وَعدم اشْتِغَال بِمَا يشْتَغل بِهِ من هُوَ دونه بمراحل من تَحْسِين الْهَيْئَة وَلَيْسَ مَا يشابه المتظهر بِالْعلمِ كثر الله فَوَائده ونفع بِعُلُومِهِ وَهُوَ يزْدَاد من المعارف العلمية فِي كل وَقت وَقد سمع علي غَالب الْأُمَّهَات السِّت وَفِي الْعَضُد وحواشيه والمطول وحواشيه والكشاف وحواشيه وَغير هَذِه الْكتب وَسمع مني أَكثر مصنفاتي وَكثر اشْتِغَاله بِعلم الحَدِيث وَرِجَاله حَتَّى صَار الْآن من أعظم رجال هَذَا الشَّأْن وَله مُصَنف على سنَن ابْن مَاجَه جعله أَولا كالتخريج ثمَّ جَاوز ذَلِك إِلَى شرح الْكتاب وَهُوَ إِلَى الْآن فِي عمله وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ قَلِيل النظير فِي مَجْمُوعه وَكَثْرَة فنونه وإتقانه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 مُحَمَّد بن علي بن جَعْفَر بن مُخْتَار الشَّمْس أَبُو عبد الله القاهرى الحسينى الشافعي الْمَعْرُوف بِابْن قمر ولد على رَأس الْقرن الثَّامِن وَقيل سنة 803 ثَلَاث وثمان مائَة وَنَشَأ بِالْقَاهِرَةِ فحفظ عدَّة مختصرات وعرضها على جمَاعَة من الْعلمَاء وَأخذ عَن الْعِزّ بن جمَاعَة والبلقيني والبرماوي والولى العراقى والحافظ بن حجر ولازمه حَتَّى حمل عَنهُ جملَة من الْكتب الْكِبَار وَطلب بِنَفسِهِ وَكتب الْكثير وارتحل إِلَى الشَّام وَبَيت الْمُقَدّس والخليل وَمَكَّة ودمشق وحلب وإسكندرية وَغَيرهَا وَأخذ عَن مشائخ هَذِه الديار واشتهر بِالْحَدِيثِ ودرس بمدارس عدَّة وَتَوَلَّى قَضَاء بعض الْجِهَات وصنف تصانيف مِنْهَا معِين الطلاب فِي معرفَة الْأَنْسَاب وَشرع فِي اخْتِصَار أطراف المزي وَسَماهُ ألطاف الْأَشْرَاف بزهر الْأَطْرَاف وَغير ذَلِك مَعَ الْمُلَازمَة للطاعات والتواضع وَطرح التَّكَلُّف والانجماع وَقد وَصفه السخاوي بِكَثِير الأوهام وَعدم حسن التَّصَرُّف وَكَونه غير بارع بفن الحَدِيث وَلَا غَيره فَالله أعلم وَمَات فِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ ثَالِث عشر جُمَادَى الأولى سنة 876 سِتّ وَسبعين وثمان مائَة مُحَمَّد بن علي بن عبد الْوَاحِد بن يحيى بن عبد الرَّحِيم الدكالي أَبُو أُمَامَة ابْن النقاش ولد فِي نصف رَجَب سنة 725 خمس وَعشْرين وَسَبْعمائة وَأخذ الْقرَاءَات عَن الْبُرْهَان الرشيدي والعربية عَن ابْن الصَّانِع وأبي حَيَّان وَحفظ الحاوي الصَّغِير وَكَانَ يَقُول أنه أول من حفظه بِالْقَاهِرَةِ وَتقدم فِي الْفُنُون وصنف شرح الْعُمْدَة فِي ثَمَان مجلدات وَتَخْرِيج أَحَادِيث الرَّافِعِيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 وشرحا على الألفية وكتابا فِي الْفرق وكتابا فِي التَّفْسِير مطولا جدا وَالْتزم أَن لَا ينْقل حرفا عَن تَفْسِير أحد مِمَّن تقدمه قَالَ الصفدي وَكَانَت طَرِيقَته فِي التَّفْسِير غَرِيبَة مَا رَأَيْت لَهُ فِي ذَلِك نظيرا وَله نظم فَمِنْهُ أبيات من جُمْلَتهَا هَذَا الْبَيْت (وَأَتَتْ وَلم تضرب لوصل موعدا ... أحلى المنى مالم يكن عَن موعد) وَمَات فِي شهر ربيع سنة 763 ثَلَاث وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَلم يبلغ أَرْبَعِينَ سنة مُحَمَّد بن علي بن عبد الْوَاحِد الْأنْصَارِيّ الدمشقي ابْن الزملكاني كَمَال الدَّين ولد فِي شهر شَوَّال سنة 667 سبع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَسمع من الْمُسلم ابْن عَلان وَابْن الواسطي وَابْن القواس وَغَيرهم وَطلب الحَدِيث بِنَفسِهِ وَكَانَ فصيح الْقِرَاءَة سريعها لَهُ خبْرَة بالمتون وتفقه على الشَّيْخ تَاج الدَّين ابْن الفركاج وَأخذ الْعَرَبيَّة عَن بدر الدَّين بن مَالك قَالَ الأدفوئي هُوَ أحد الْمُتَقَدِّمين فِي الْفَتَاوَى والتدريس والمجالس والمرجوع إِلَيْهِم فِي المناظرة وَكَانَ ذكى الْفطْرَة نَافِذ الذِّهْن فصيح الْعبارَة وَأطلق عَلَيْهِ الذهبي عَالم الْعَصْر وكبير الشَّافِعِيَّة قَالَ وَكَانَ بَصيرًا بِالْمذهبِ وأصوله قوي الْعَرَبيَّة ذكيا فطنا فَقِيه النَّفس لَهُ الْيَد الْبَيْضَاء فِي النظم والنثر وَكَانَ يضْرب بذكائه الْمثل افتى وَله نَيف وَعشْرين سنة وَتخرج غَالب عُلَمَاء الْعَصْر عَلَيْهِ وَلم يرَوا غَيره فِي كرم نَفسه وعلو همته وتجمله فِي مأكله وملبسه وصنف رِسَالَة فِي الرَّد على ابْن تَيْمِية فِي الطَّلَاق وَأُخْرَى فِي الرَّد عَلَيْهِ فِي الزِّيَارَة وعلق على الْمِنْهَاج وَكَانَ يلقي دروسه فِي النِّهَايَة لإِمَام الْحَرَمَيْنِ وَدخل ديوَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 الْإِنْشَاء وَوَقع فِي الدست وَولى نظر المارستان ودرس بمدارس وَولى نظر الدِّيوَان ووكالة بَيت المَال وَنظر الخزانة قَالَ ابْن كثير انْتَهَت إِلَيْهِ رياسة الْمَذْهَب تدريسا وافتاء ومناظرة وساد أقرانه بذهنه الْوَقَّاد وتحصيله الذي مَنعه الرقاد وَعبارَته الرايقة وكلماته الفائقة وَلم يسمع أحد من النَّاس يدرس أحسن مِنْهُ وَلَا سَمِعت أحلى من عِبَارَته وجودة تَقْرِيره وَصِحَّة ذهنه وَقُوَّة قريحته انْتهى ثمَّ لما ولي قَضَاء حلب وَطَلَبه النَّاصِر على الْبَرِيد ليوليه قَضَاء دمشق فَتوجه إلى الْقَاهِرَة فَمَاتَ فِي الطَّرِيق فَيُقَال أَنه مَاتَ مسموما وروى أنه لما مرض قَالَ أَنا ميت وَلَا أتولى بعد قَضَاء حلب شَيْئا لِأَنَّهُ كَانَ لي شيخ أدخلني الْخلْوَة وأمرني بصيام ثَلَاثَة أَيَّام أفطر فِيهَا على المَاء واللبان فاتفق آخر الثَّلَاث يَوْم النّصْف من شعْبَان فخيل إِلَى وَأَنا فِي الصَّلَاة قبَّة عَظِيمَة بَين السَّمَاء وَالْأَرْض وظاهرها مراقى فَصَعدت فَكنت أرى على مرقاة مَكْتُوبًا نظر الخزانة وعَلى آخر الْوكَالَة وعَلى آخر مدرسة كَذَا وعَلى آخر مرقاة قَضَاء حلب وأفقت من غيبتي وعدت إِلَى حسيى فَقَالَ لي الشَّيْخ الْقبَّة الدُّنْيَا والمراقي الْمَرَاتِب والذي رَأَيْته تناله كُله فَكَانَ كَذَلِك وَكَانَ مَوته فِي سادس عشر رَمَضَان سنة 727 سبع وَعشْرين وَسَبْعمائة وَدفن بالقرافة بِالْقربِ من الإِمَام الشَّافِعِي الإِمَام الْمَنْصُور بِاللَّه مُحَمَّد بن علي بن مُحَمَّد بن احْمَد الْمَعْرُوف بالسراجي ولد سنة 845 خمس وَأَرْبَعين وثمان وَمِائَة وَقَرَأَ الْعُلُوم حَتَّى صَار من أكَابِر عُلَمَاء عصره ودعا إِلَى نَفسه سنة 900 وَبَايَعَهُ جمَاعَة من عُلَمَاء الزيدية وأجابه كثير من الرعية وَفتح مَوَاضِع وَوَقعت بَينه وَبَين السُّلْطَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 عَامر بن عبد الْوَهَّاب حروب كَانَ فِي آخرهَا أسر صَاحب التَّرْجَمَة فسجنه وَفرج الله عَنهُ بِالْمَوْتِ بعد ثَلَاثَة أشهر وَكَانَ أسره وَمَوته فِي سنة 910 عشر وَتِسْعمِائَة وَدفن عِنْد جده بِمَسْجِد من مَسَاجِد صنعاء يُقَال لَهُ مَسْجِد الأجذم مُحَمَّد بن علي بن مُحَمَّد بن أَبى بكر بن مُحَمَّد بن أَحْمد الْجمال أَبُو المحاسن القرشي العبدرى المكى الشافعى المشيبي ولد فِي رَمَضَان سنة 779 تسع وَسبعين وَسَبْعمائة بِمَكَّة وَنَشَأ بهَا فَسمع من النويري وَابْن صديق والصدر المناوي والزين العراقي وَآخَرين وتفقه بالجمال بن ظهيرة وَغَيره واشتغل فِي فنون ونظم الشّعْر الْحسن وتمهر فِي الْأَدَب وَصرف أوقاته إِلَيْهِ حَتَّى كَانَ لَا يعرف الْآيَة وَجمع كتابا فِيمَا لَا يَسْتَحِيل بالانعكاس فِي ثَلَاث مجلدات وتمثال الْأَمْثَال فِي مُجَلد وذيلا لحياة الْحَيَوَان مَعَ اخْتِصَار الأَصْل وَشرح الْحَاوِي الصَّغِير وَدخل بِلَاد الشرق وبلاد الْيمن وَأقَام بهَا مُدَّة ورزق من ملكهَا النَّاصِر الْحَظ الوافر وَولى سدانة الْكَعْبَة ثمَّ قَضَاء مَكَّة وَنظر الْحرم قَالَ ابْن حجر بعد ثنائه عَلَيْهِ وَلم يكن يعاب إلا بِمَا يرْمى بِهِ من تنَاول لبن الخشخاش وَهُوَ الأفيون وَمن تصانيفه اللطف فِي الْقَضَاء وحوادث زَمَانه وَمَات فِي لَيْلَة الْجُمُعَة ثامن عشر ربيع الأول سنة 837 سبع وَثَلَاثِينَ وثمان مائَة مُحَمَّد بن علي بن مُحَمَّد بن عبد الله الشوكاني ثمَّ الصنعاني مُصَنف هَذَا الْكتاب قد تقدم بِمَا نسبة إِلَى آدم عَلَيْهِ السَّلَام فِي تَرْجَمَة وَالِده رَحمَه الله ولد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 حَسْبَمَا وجد بِخَط وَالِده فِي وسط نَهَار يَوْم الِاثْنَيْنِ الثَّامِن وَالْعِشْرين من شهر الْقعدَة سنة 1173 ثَلَاث وَسبعين وَمِائَة وَألف بِمحل سلفه الْمُتَقَدّم ذكره فِي تَرْجَمَة وَالِده وَهُوَ هِجْرَة شوكان وَكَانَ إذ ذَاك قد انْتقل وَالِده إِلَى صنعاء واستوطنها وَلكنه خرج إِلَى وَطنه الْقَدِيم فِي أيام الخريف فولد لَهُ صَاحب التَّرْجَمَة هُنَالك وَنَشَأ بِصَنْعَاء فَقَرَأَ الْقُرْآن على جمَاعَة من المعلمين وختمه على الْفَقِيه حسن بن عبد الله الهبل وجوده على جمَاعَة من مشائخ الْقُرْآن بِصَنْعَاء ثمَّ حفظ الأزهار للإمام المهدي ومختصر الْفَرَائِض للعصيفري والملحة للحريري والكافية والشافية لِابْنِ الْحَاجِب والتهذيب للتفتازاني وَالتَّلْخِيص للقزويني والغاية لِابْنِ الإمام وَبَعض مُخْتَصر الْمُنْتَهى لِابْنِ الْحَاجِب ومنظومة الجزري ومنظومة الجزاز فِي الْعرُوض وآداب الْبَحْث للعضد ورسالة الْوَضع لَهُ أَيْضا وَكَانَ حفظه لهَذِهِ المختصرات قبل الشُّرُوع فِي الطلب وَبَعضهَا بعد ذَلِك ثمَّ قبل شُرُوعه فِي الطّلب كَانَ كثير الِاشْتِغَال بمطالعة كتب التواريخ ومجاميع الْأَدَب من أَيَّام كَونه فِي الْمكتب فطالع كتبا عدَّة ومجاميع كَثِيرَة ثمَّ شرع فِي الطلب وَقَرَأَ على وَالِده رَحمَه الله فِي شرح الأزهار وَشرح الناظري لمختصر العصيفري وَقَرَأَ فِي شرح الأزهار أَيْضا على السَّيِّد الْعَلامَة عبد الرَّحْمَن بن قَاسم المداني والعلامة أَحْمد بن عَامر الحدائي والعلامة أَحْمد بن مُحَمَّد بن الحرازي وَبِه انْتفع فِي الْفِقْه وَعَلِيهِ تخرج وطالت ملازمته لَهُ نَحْو ثَلَاث عشرَة سنة وَكرر عَلَيْهِ قِرَاءَة شرح الأزهار وحواشيه وَقَرَأَ عَلَيْهِ بَيَان ابْن مظفر وَشرح الناظري وحواشيه وَفِي أَيَّام قِرَاءَته فِي الْفُرُوع شرع فِي قِرَاءَة النَّحْو فَقَرَأَ الملحة وَشَرحهَا على السَّيِّد الْعَلامَة إِسْمَاعِيل بن الْحسن بن أَحْمد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 ابْن الْحُسَيْن ابْن الإِمَام الْقَاسِم بن مُحَمَّد وقواعد الْإِعْرَاب وَشَرحهَا للأزهري والحواشي جَمِيعًا على الْعَلامَة عبد الله بن إِسْمَاعِيل النهمي وَشرح السَّيِّد الْمُفْتى على الكافية على الْعَلامَة الْقَاسِم بن يحيى الْخَولَانِيّ والعلامة عبد الله ابْن إِسْمَاعِيل النهمي وأكمله من أَوله إِلَى آخِره على كل وَاحِد مِنْهُمَا وَقَرَأَ شرح الخبيصي على الكافية وحواشيه على الْعَلامَة عبد الله بن إِسْمَاعِيل النهمي من أَوله إِلَى آخِره وَكَذَلِكَ قَرَأَهُ من أَوله إِلَى آخِره على شَيخنَا الْعَلامَة الْقَاسِم بن يحيى الخولاني وَقَرَأَ شرح الجامي من أَوله لآخره وَقَرَأَ شرح الرضى على الكافية على الْعَلامَة الْقَاسِم بن يحيى الْخَولَانِيّ وبقى مِنْهُ بَقِيَّة يسيرَة وَقَرَأَ شرح الشافية للطف الله الغياث جَمِيعًا على الْعَلامَة الْقَاسِم بن يحيى الْخَولَانِيّ وَقَرَأَ شرح ايساغوجى للقاضى زَكَرِيَّا على الْعَلامَة عبد الله بن إِسْمَاعِيل النهمي جَمِيعًا وَشرح التَّهْذِيب للشيرازى واليزدي على شَيْخه الْعَلامَة الْقَاسِم بن يحيى الخولاني من أَولهمَا إِلَى آخرهما وَشرح الشمسية للقطب وحاشيته للشريف على شَيْخه الْعَلامَة الْحسن بن إِسْمَاعِيل المغربي وَاقْتصر على الْبَعْض من ذَلِك وَشرح التخليص الْمُخْتَصر للسعد وحاشيته للطف الله الغياث على الْعَلامَة الْقَاسِم بن يحيى الْخَولَانِيّ جَمِيعًا مَا عدا بعض الْمُقدمَة فعلى الْعَلامَة علي بن هادي عرهب وَالشَّرْح المطول للسعد التفتازاني أَيْضا وحاشيته للشلبي وللشريف أما المطول فجميعه وَكَذَلِكَ حَاشِيَة الشلبى وَأما حَاشِيَة الشريف فَمَا تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجة وَقَرَأَ الكافل وَشَرحه لِابْنِ لُقْمَان على الْعَلامَة عبد الله بن إِسْمَاعِيل النهمي جَمِيعًا وَشرح الْغَايَة على الْعَلامَة الْقَاسِم بن يحيى الخولاني وحاشيته لسيلان وَشرح الْعَضُد على الْمُخْتَصر وحاشيته للسعد وَمَا تَدْعُو الْحَاجة إِلَيْهِ من سَائِر الحواشى وكمل ذَلِك على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 الْعَلامَة الْحسن بن إِسْمَاعِيل المغربي وَشرح جمع الْجَوَامِع للمحلي وحاشيته لِابْنِ أَبى شرِيف على شَيْخه السَّيِّد الإِمَام عبد الْقَادِر بن أَحْمد وَكَذَلِكَ شرح القلائد للنجري وَشرح المواقف العضدية للشريف وَاقْتصر على الْبَعْض من ذَلِك وَقَرَأَ شرح الجزرية على الْعَلامَة هادي بن حُسَيْن القارني وَقَرَأَ جَمِيع شِفَاء الْأَمِير الْحُسَيْن على الْعَلامَة عبد الله بن إِسْمَاعِيل النهمي وَسمع أَوَائِله على الْعَلامَة عبد الرَّحْمَن بن حسن الْأَكْوَع وَقَرَأَ الْبَحْر الزخار وحاشيته وتخريجه وضوء النَّهَار على شرح الأزهار على السَّيِّد الْعَلامَة عبد الْقَادِر بن أَحْمد وَلم يكملا وَقَرَأَ الْكَشَّاف وحاشيته للسعد وَبعد انقطاعها حَاشِيَته للسراج مَعَ مُرَاجعَة غير ذَلِك من الحواشي على شَيْخه الْعَلامَة الْحسن بن إِسْمَاعِيل المغربي وَتمّ ذَلِك إِلَّا فوتا يَسِيرا فِي آخر الثُّلُث الْأَوْسَط وَسمع البخاري من أَوله إِلَى آخِره على السَّيِّد الْعَلامَة على ابْن إِبْرَاهِيم بن علي بن إِبْرَاهِيم بن أَحْمد بن عَامر وَسمع صَحِيح مُسلم جَمِيعًا وَسنَن الترمذي جَمِيعًا وَبَعض موطأ مَالك وَبَعض شِفَاء القاضي عِيَاض على السَّيِّد الْعَلامَة عبد الْقَادِر بن أَحْمد وَكَذَلِكَ سمع مِنْهُ بعض جَامع الْأُصُول وَبَعض سنَن النسائي وَبَعض سنَن ابْن مَاجَه وَسمع جَمِيع سنَن أَبى دَاوُد وتخريجها للمنذري وَبَعض المعالم للخطابي وَبَعض شرح ابْن رسْلَان على الْعَلامَة الْحسن بن إِسْمَاعِيل المغربي وَكَذَلِكَ بعض الْمُنْتَقى لِابْنِ تَيْمِية على السَّيِّد عبد الْقَادِر بن أَحْمد وَكَذَلِكَ سمع شرح بُلُوغ المرام على الْعَلامَة الْحسن بن إِسْمَاعِيل المغربي وَفَاتَ بعض من أَوله وَكَذَلِكَ سمع على الْعَلامَة عبد الْقَادِر بن أَحْمد بعض فتح البارى وعَلى الْحسن ابْن إِسْمَاعِيل المغربي بعض شرح مُسلم للنووي وَبَعض شرح الْعُمْدَة على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 الْعَلامَة الْقَاسِم بن يحيى الْخَولَانِيّ والتنقيح فِي عُلُوم الحَدِيث على الْعَلامَة الْحسن بن إِسْمَاعِيل المغربي والنخبة وَشَرحهَا على الْعَلامَة الْقَاسِم بن يحيى وَبَعض ألفية الزين العراقي وَشَرحهَا لَهُ على الْعَلامَة عبد الْقَادِر بن أَحْمد وَجَمِيع منظومة الجزاز وَجَمِيع شرحها لَهُ فِي الْعرُوض على شَيخنَا الْمَذْكُور وَشرح آدَاب الْبَحْث وحواشيه على الْعَلامَة الْقَاسِم بن يحيى الْخَولَانِيّ والخالدي فِي الفرايض وَالضَّرْب والوصايا والمساحة وَطَرِيقَة ابْن الهايم فِي المناسخة على السَّيِّد الْعَارِف يحيى بن مُحَمَّد الحوثي وَبَعض صِحَاح الجوهري وَبَعض الْقَامُوس على السَّيِّد الْعَلامَة عبد الْقَادِر بن أَحْمد مَعَ مُؤَلفه الذي سَمَّاهُ فلك الْقَامُوس هَذَا مَا أمكن سرده من مسموعات صَاحب التَّرْجَمَة ومقرواته وَله غير ذَلِك من المسموعات والمقروات وَأما مَا يجوز لَهُ رِوَايَته بِمَا مَا مَعَه من الإجازات فَلَا يدْخل تَحت الْحصْر كَمَا يحْكى ذَلِك مَجْمُوع أسانيده وَكَانَت قِرَاءَته لما تقدم ذكره فِي صنعاء الْيمن وَلم يرحل لأعذار أَحدهَا عدم الْإِذْن من الْأَبَوَيْنِ وَقد درس فِي جَمِيع مَا تقدم ذكره وَأَخذه عَنهُ الطّلبَة وتكرر أَخذهم عَنهُ فِي كل يَوْم من تِلْكَ الْكتب وَكَثِيرًا مَا كَانَ يقْرَأ على مشايخه فَإذْ أفرغ من كتاب قِرَاءَة أَخذه عَنهُ تلامذته بل رُبمَا اجْتَمعُوا على الْأَخْذ عَنهُ قبل أَن يفرغ من قِرَاءَة الْكتاب على شَيْخه وَكَانَ يبلغ دروسه فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة إِلَى نَحْو ثَلَاثَة عشر درسا مِنْهَا مَا يَأْخُذهُ عَن مشايخه وَمِنْهَا مَا يَأْخُذهُ عَنهُ تلامذته وَاسْتمرّ على ذَلِك مُدَّة حَتَّى لم يبْق عِنْد اُحْدُ من شُيُوخه مالم يكن من جملَة مَا قد قَرَأَهُ صَاحب التَّرْجَمَة بل انْفَرد بمقروات بِالنِّسْبَةِ إِلَى كل وَاحِد مِنْهُم على انْفِرَاده إلا شَيْخه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 الْعَلامَة عبد الْقَادِر بن أَحْمد فَإِنَّهُ مَاتَ وَلم يكن قد استوفى مَا عِنْده ثمَّ إن صَاحب التَّرْجَمَة فرغ نَفسه لإِفَادَة الطّلبَة فَكَانُوا يَأْخُذُونَ عَنهُ فِي كل يَوْم زِيَادَة على عشرَة دروس فِي فنون متعدة وَاجْتمعَ مِنْهَا فِي بعض الْأَوْقَات التَّفْسِير والْحَدِيث وَالْأُصُول والنحو وَالصرْف والمعاني وَالْبَيَان والمنطق وَالْفِقْه والجدل وَالْعرُوض وَكَانَ فِي أَيَّام قِرَاءَته على الشُّيُوخ وإقرائه لتلامذته يُفْتى أهل مَدِينَة صنعاء بل وَمن وَفد إِلَيْهَا بل ترد عَلَيْهِ الْفَتَاوَى من الديار التهامية وشيوخه إذ ذَاك أَحيَاء وكادت الْفتيا تَدور عَلَيْهِ من أَعْوَام النَّاس وخواصتهم وَاسْتمرّ يُفْتى من نَحْو الْعشْرين من عمره فَمَا بعد ذَلِك وَكَانَ لَا يَأْخُذ على الْفتيا شَيْئا تنزها فَإِذا عوتب فِي ذَلِك قَالَ أَنا أخذت الْعلم بِلَا ثمن فَأُرِيد إنفاقه كَذَلِك وَأخذ عَنهُ الطّلبَة كتبا غير الْكتب المتقدمه مِمَّا لَا طَرِيق لَهُ فِيهَا الا الاجارة وهي كَثِيرَة جدا فِي فنون عدَّة بل أخذُوا عَنهُ فِي فنون دقيقة لم يقْرَأ فِي شئ مِنْهَا كعلم الْحِكْمَة الَّتِى مِنْهَا علم الرياضي والطبيعي والإلهي وكعلم الْهَيْئَة وَعلم المناظر وَعلم الْوَضع وصنف تصانيف مطولات ومختصرات فَمِنْهَا شرح الْمُنْتَقى كَانَ تبييضه فِي أَربع مجلدات كبار أرشده إِلَى ذَلِك جمَاعَة من شُيُوخه كالسيد الْعَلامَة عبد الْقَادِر بن أَحْمد والعلامة الْحسن بن إِسْمَاعِيل المغربي وَعرض عَلَيْهِمَا بَعْضًا مِنْهُ وَمَاتَا قبل تَمَامه وَمِنْهَا حَاشِيَة شِفَاء الأوام فِي مُجَلد والدرر البهية وَشَرحهَا الدرارى المضية فِي مُجَلد والفوائد الْمَجْمُوعَة فِي الْأَحَادِيث الْمَوْضُوعَة فِي مُجَلد وَهَذَا الْكتاب فِي مُجَلد وَمن المختصرات الْإِعْلَام بالمشايخ الْأَعْلَام والتلامذة الْكِرَام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 جعله كالمعجم لشيوخه وتلامذته وَقد ذكر أكابرهم فِيمَا يتَقَدَّم وَيَأْتِي من هَذَا الْكتاب وبغية الأريب من مغني اللبيب نظم ذكر فِيهَا مَا تمس الْحَاجة إِلَيْهِ وَشَرحهَا ونظم كِفَايَة المحتظ وَلم يبيض وَكَانَ نظمه لهاتين المنظومتين فِي أَوَائِل أَيَّام طلبه والمختصر البديع فِي الْخلق الوسيع ذكر فِيهَا خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْمَلَائِكَة وَالْجِنّ والإنس وسرد غَالب ماورد من الْآيَات وَالْأَحَادِيث وَتكلم عَلَيْهَا فَصَارَ فِي مُجَلد لطيف وَلكنه لم يبيضه والمختصر الكافى من الْجَواب الشافي وَطيب النشر فِي جَوَاب الْمسَائِل الْعشْر وعقود الزبرجد فِي جيد مسَائِل عَلامَة ضمد والصوارم الْهِنْدِيَّة المسلولة على الرياض الندية ورسالة فِي أحكام الِاسْتِجْمَار ورسالة فِي أحكام النفاس ورسالة فِي كَون تَطْهِير الثِّيَاب وَالْبدن من شَرَائِط الصَّلَاة أم لَا ورسالة فِي الْكَلَام على وجوب الصَّلَاة على النبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الصَّلَاة ورسالة فِي صَلَاة التَّحِيَّة وَالْقَوْل الصَّادِق فِي إمامة الْفَاسِق ورسالة فِي أَسبَاب سُجُود السَّهْو وتشنيف السمع بِإِبْطَال أَدِلَّة الْجمع والرسالة المكملة فِي أَدِلَّة الْبَسْمَلَة واطلاع أَرْبَاب الْكَمَال على مَا فِي رِسَالَة الْجلَال فِي الْهلَال من الاختلال ورسالة فِي وجوب الصَّوْم على من لم يفْطر إِذا وَقع الإشعار فِي دُخُول رَمَضَان فِي النَّهَار ورسالة فِي زِيَادَة ثَوَاب من بَاشر الْعِبَادَة مَعَ مشقة ورسالة فِي كَون أُجْرَة الْحَج من الثُّلُث ورسالة فِي كَون الْخلْع طَلَاقا أَو فسخا ورسالة فِي حكم الطَّلَاق ثَلَاثًا ورسالة فِي الطَّلَاق البدعي ورسالة فِي نَفَقَة الْمُطلقَة ورسالة فِي كَون رضَاع الْكَبِير يقتضي التَّحْرِيم لعذر وَفِيمَا يقتضي التَّحْرِيم من الرَّضَاع ورسالة فِي من حلف ليقضين دينه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 غَدا إن شَاءَ الله ورسالة فِي بيع الشئ قبل قَبضه وتنبيه ذوى الحجى فِي حكم بيع الرجا وشفاء الْعِلَل فِي حكم زِيَادَة الثمن لأجل الْأَجَل ورسالة فِي الْهَيْئَة لبَعض الأولاد ورسالة فِي جَوَاز استناد الْحَاكِم فِي حكمه إِلَى تَقْوِيم الْعُدُول وَالْقَوْل الْمُحَرر فِي حكم لبس المعصفر وَسَائِر أَنْوَاع الاحمر والبحث المسفر عَن تَحْرِيم كل مُسكر ومفتر ورسالة فِي الْوَصِيَّة بِالثُّلثِ ضِرَارًا ورسالة فِي الْقيام للواصل لمُجَرّد التَّعْظِيم ورسائل فِي أحكام لبس الْحَرِير ورسالة فِي حكم المخابرة واتحاف المهرة بالْكلَام على حَدِيث لَا عدوى وَلَا طيرة ورسالة فِي حكم بيع المَاء ورسالة فِي حكم صبيان الذميين إِذا مَاتَ أبواهم ورسائل على مسَائِل من السَّيِّد الْعَلامَة علي ابْن إِسْمَاعِيل ورسالة فِي حكم طَلَاق الْمُكْره وابطال دَعْوَى الإجماع على تَحْرِيم مُطلق السماع ورسالة فِي حكم الْجَهْر بِالذكر وعقود الجمان فِي شَأْن حُدُود الْبلدَانِ وَمَا يتَعَلَّق بهَا من الضَّمَان ورسالة على مسَائِل لبَعض عُلَمَاء الْحجاز ورسالة فِي الْكُسُوف هَل لَا يكون إلا فِي وَقت معِين على الْقطع أم ذَلِك يتَخَلَّف وزهر النسرين الفائح بفضائل العمرين وَحل الْإِشْكَال فِي إجبار الْيَهُود على الْتِقَاط الأزبال والإبطال لدعوى الاختلال فِي حل الاشكال وتفويق النبال إِلَى إرسال الْمقَال ورسالة فِي مسَائِل وَقع الِاخْتِلَاف فِيهَا بَين عُلَمَاء كوكبان ورسالة فِي لُحُوق ثَوَاب الْقِرَاءَة المهداة من الْأَحْيَاء إِلَى الْأَمْوَات والتشكيك على التفكيك لعقود التشكيك وارشاد الغبي إِلَى مَذْهَب أهل الْبَيْت فِي صحب النبى وَرفع الْجنَاح عَن نافي الْمُبَاح والبغية فِي مسئلة الرُّؤْيَة ورسالة فِي حكم المولد وَالْقَوْل المقبول فِي رد خبر الْمَجْهُول من غير صحابة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 الرَّسُول وأمنية المتشوق فِي تَحْقِيق حكم الْمنطق وإرشاد المستفيد إِلَى رفع كَلَام ابْن دَقِيق الْعِيد فِي الْإِطْلَاق والتقليد والصوارم الْحداد القاطعة لعلائق مقالات أَرْبَاب الِاتِّحَاد والبحث الملم بقوله تَعَالَى الا من ظلم وَجَوَاب السَّائِل عَن تَفْسِير تَقْدِير الْقَمَر منَازِل ووبل الغمامة فِي تَفْسِير وجاعل الَّذين اتبعوك فَوق الَّذين كفرُوا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وتحرير الدَّلَائِل فِيمَا يجوز بَين الإِمَام والمؤتم من الِارْتفَاع والاحتفاظ والبعد والحائل وَفتح الْقَدِير فِي الْفرق بَين المعذرة والتعذير واتحاف الأكابر باسناد الدفاتر وتنبيه الْأَعْلَام على تَفْسِير المشتبهات بَين الْحَلَال وَالْحرَام وَرفع الْخِصَام فِي الحكم بِالْعلمِ من الْأَحْكَام والدر النضيد فِي اخلاص التَّوْحِيد وايضاح الدلالات على أَحْكَام الخيارات وَدفع الاعتراضات على ايضاح الدلالات والتوضيح فِي تَوَاتر مَا جَاءَ فِي المنتظر والدجال والمسيح والأبحاث الوضية فِي الْكَلَام على حَدِيث حب الدُّنْيَا رَأس كل خطية وإشراق النيرين فِي بَيَان الحكم إِذا تخلف عَن الْوَعْد أحد الْخَصْمَيْنِ وَالْقَوْل الجلى فِي لبس النِّسَاء الحلى والأبحاث البديعة فِي وجوب الْإِجَابَة إِلَى حكام الشَّرِيعَة وَالْقَوْل الْمُفِيد فِي حكم التَّقْلِيد والوشى المرقوم فِي تَحْرِيم حلية الذَّهَب على الْعُمُوم وإرشاد السَّائِل إِلَى دَلَائِل الْمسَائِل وكشف الرين عَن حَدِيث ذى الْيَدَيْنِ وهداية القَاضِي إِلَى نُجُوم الْأَرَاضِي وإيضاح القَوْل فِي إِثْبَات الْعَوْل واللمعة فِي الِاعْتِدَاد بِرَكْعَة من الْجُمُعَة وأدب الطّلب ومنتهى الأرب وَقد يعقب هَذِه المصنفات مصنفات كَثِيرَة يطول تعدادها وَهُوَ الْآن يجمع تَفْسِيرا لكتاب الله جَامعا بَين الدارية وَالرِّوَايَة ويرجو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 الله أَن يعين على تَمَامه بمنه وفضله ثمَّ منّ الله وَله الْحَمد بِتَمَامِهِ فِي أَرْبَعَة مجلدات كبار وَشرع فِي كتاب فِي أصُول الْفِقْه سَمَّاهُ إرشاد الفحول إِلَى تَحْقِيق الْحق من علم الْأُصُول وَهُوَ الْآن فِي عمله أعَان الله على تَمَامه ثمَّ تم ذَلِك بِحَمْد الله فِي مُجَلد وَقد جمع من رسائله ثَلَاث مجلدات كبار ثمَّ لحق بعد ذَلِك قدر مُجَلد وسمى الْجَمِيع الْفَتْح الرباني فِي فَتَاوَى الشوكاني وَجَمِيع ذَلِك رسائل مُسْتَقلَّة وأبحاث مطولة وَأما الْفَتَاوَى المختصرة لَا تَنْحَصِر أبداًَ وَهُوَ الْآن يشْتَغل بتصنيف الْحَاشِيَة الَّتِى جعلهَا على الأزهار وَقد بلغ فِيهَا إِلَى كتاب الْجِنَايَات وسماها السَّيْل الجرار على حدائق الأزهار وهي مُشْتَمِلَة على تَقْرِير مادل عَلَيْهِ الدَّلِيل وَدفع مَا خَالفه والتعرض لما ينبغي التَّعَرُّض لَهُ والاعتراض عَلَيْهِ من شرح الْجلَال وحاشيته وَهَذَا الْكتاب إن أعَان الله على تَمَامه فسيعرف قدره من يعْتَرف بالفضائل وَمَا وهب الله لِعِبَادِهِ من الْخَيْر هَذِه مَا أمكن خطوره بالبال حَال تَحْرِير هَذِه التَّرْجَمَة وَلَعَلَّ مالم يذكر أَكثر مِمَّا ذكر وَقد كَانَ جَمِيع مَا تقدم من الْقِرَاءَة على شُيُوخه فِي تِلْكَ الْفُنُون وَقِرَاءَة تلامذته لَهَا عَلَيْهِ مَعَ غَيرهَا وتصنيف بعض مَا تقدم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 تحريره قبل أَن يبلغ صَاحب التَّرْجَمَة أَرْبَعِينَ سنة بل درس فِي شَرحه للمنتقى قبل ذَلِك وَترك التَّقْلِيد واجتهد رَأْيه اجْتِهَادًا مُطلقًا غير مُقَيّد وَهُوَ قبل الثَّلَاثِينَ وَكَانَ منجمعا عَن بني الدُّنْيَا لم يقف بِبَاب أَمِير وَلَا قَاض وَلَا صحب أحدا من أهل الدُّنْيَا وَلَا خضع لمطلب من مطالبنا بل كَانَ مشتغلا فِي جَمِيع أوقاته بِالْعلمِ درسا وتدريسا وإفتاء وتصنيفا عائشا فِي كنف وَالِده رَحمَه الله رَاغِبًا فِي مجالسة أهل الْعلم وَالْأَدب وملاقاتهم والاستفادة مِنْهُم وإفادتهم وَرُبمَا قَالَ الشّعْر إِذا دعت لذَلِك حَاجَة كجواب مَا يَكْتُبهُ إِلَيْهِ بعض الشُّعَرَاء من سوأل أَو مطارحة أدبية أَو نَحْو ذَلِك وَقد جمع مَا كتبه من الْأَشْعَار لنَفسِهِ وَمَا كتب بِهِ إِلَيْهِ فِي نَحْو مُجَلد وابتلي بِالْقضَاءِ فِي مَدِينَة صنعاء بعد موت من كَانَ مُتَوَلِّيًا للْقَضَاء الْأَكْبَر بهَا وَقد تقدم شرح ذَلِك فِي تَرْجَمَة مَوْلَانَا الإِمَام حفظه الله فِي حرف الْعين وَهُوَ حَال تَحْرِير هَذِه الأحرف مُسْتَمر على ذَلِك وَلم يدع الِاشْتِغَال بِالْعلمِ وَإِن كَانَ اشْتِغَاله الْآن بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ لَيْسَ شَيْئا وَكَانَ دُخُوله فِي الْقَضَاء وَهُوَ مَا بَين الثَّلَاثِينَ وَالْأَرْبَعِينَ وَهُوَ الْآن يسْأَل الله الذي لَا إِلَه إلا هُوَ الْحَلِيم الْكَرِيم رب الْعَرْش الْعَظِيم أن يحسن ختامه وينيله من خيري الدَّاريْنِ مرامه ويسدده فِي أَقْوَاله وأفعاله وَينْزع حب الدُّنْيَا من قلبه حَتَّى ينظر إِلَى الْحَقِيقَة فيفوز نيل دقائق الطَّرِيقَة اللَّهُمَّ اجذبه إِلَى جنابك العلى جذبة يصحى عِنْدهَا من سكر غروروه افْتَحْ لَهُ خوخة يتَخَلَّص بهَا عَن حجابة المظلم إِلَى المعارف الحقة وَلَا تخرجه من هَذِه الدُّنْيَا إلا بعد أَن يسبح فِي بحار حبك وَيغسل أدران قلبه بمياه قربك فَأَنت إِذا شِئْت جعلت المريد مرَادا فنال مرَادا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 (إِذا كَانَ هَذَا الدمع يجري صبَابَة ... على غير ليلى فَهُوَ دمع مضيع) وَلست أَقُول كَمَا قَالَ من قَالَ (وَكَيف ترى ليلى بِعَين ترى بهَا ... سواهَا وَمَا طهرتها بالمدامع) (ويلتذ مِنْهَا بِالْحَدِيثِ وَقد جرى ... حَدِيث سواهَا فِي خروت المسامع (بل أَقُول كَمَا قَالَ الآخر (أَلا إن وادي الْجزع أضحى ترابه ... من الْمس كافورا وأعواده زبدا) (وَمَا ذَاك إِلَّا أَن هنداً عَشِيَّة ... تمشت وَجَرت فِي جوانبه بردا) وَأَقُول (أَنا رَاض بِمَا قضى ... وَاقِف تَحت حكمه) (سَائل أَن أفوز بِالْخَيرِ ... من حسن خَتمه) وَمَا أحسن قَول من قَالَ (الْعَفو يُرْجَى من بني آدم ... فَكيف لَا يُرْجَى من الرب) وَأَقُول مجيزا لهَذَا الْبَيْت (فَإِنَّهُ أرأف بي مِنْهُم ... حسبي بِهِ حسبي بِهِ حسبي) الإِمَام النَّاصِر مُحَمَّد بن علي بن مُحَمَّد بن عَليّ الْمَشْهُور بصلاح الدَّين قد تقدم تَمام نسبه فِي تَرْجَمَة وَالِده الإِمَام المهدي ولد لَيْلَة الْجُمُعَة سَابِع عشر شهر صفر سنة 739 تسع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة واشتغل بِالْعلمِ حَتَّى تأهل للْإِمَامَة وبرز فِي فنون قَالَ السَّيِّد الهادى بن إِبْرَاهِيم فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 كاشفة الْغُمَّة إنه بلغ فَوق رُتْبَة الِاجْتِهَاد وبرز فِي الْعُلُوم كلهَا تَفْسِيرهَا وحديثها وَنَحْوهَا ولغاتها ومعانيها وبيانها ومنطوقها وأصولها وفروعها ومعقولها ومسموعها وَكتب الزّهْد والتاريخ والفلك والهيئة والنجوم انْتهى ثمَّ لما مَاتَ وَالِده بَايعه عُلَمَاء الزيدية وَكَانَ الْبيعَة فِي يَوْم السبت من صفر سنة 773 وَملك غَالب الْيمن وَاسْتقر بِصَنْعَاء وعظمت دولته واشتدت صولته وغزا إِلَى بِلَاد سلاطين الْيمن الْأَسْفَل ودوخ بِلَادهمْ وَكَانَ جيد الرأي قوي التَّدْبِير كثير الْجنُود حسن السياسة كثير الْعدْل متورعاً متعففا عالي الهمة مديم الذكر وَالْعِبَادَة ودرس الْعلم وتقريب أَهله وَقد زلزل الباطنية وهد أركانهم وَسَفك دِمَائِهِمْ وَنهب أَمْوَالهم وَاسْتمرّ على ذَلِك حَتَّى مَاتَ فِي شهر الْقعدَة سنة 793 ثَلَاث وَتِسْعين وَسَبْعمائة فِي قصر صنعاء وَدفن بقبته الَّتِى إِلَى جَانب مَسْجده الْمَشْهُور الْآن بِمَسْجِد صَلَاح الدَّين مُحَمَّد بن علي بن مُحَمَّد بن عمر بن عِيسَى بن مُحَمَّد السمهودي الأَصْل المصري الشافعي الْمَعْرُوف بالشمس بن الْقطَّان ولد سنة 737 سبع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَأخذ عَن ابْن الملقن والعماد والبهاء بن عقيل وَمهر فِي فنون كَثِيرَة وَلم يكن لَهُ عناية بِالْحَدِيثِ وصنف كتابا فِي القراآت السَّبع وَكتاب فِي الْفَرَائِض والحساب والهندسة وَله ذيل على طَبَقَات الاسنوي وَشرح الألفية لِابْنِ مَالك فِي ارْبَعْ مجلدات وَشرح على مُخْتَصر المزني وشئ من التَّفْسِير وَمَات فِي آخر شَوَّال سنة 813 ثَلَاث عشرَة وثمان مائَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 مُحَمَّد عَابِد بن علي بن احْمَد بن مُحَمَّد مُرَاد السندي ثمَّ الأنصاري وَله اسمان ولجده اسمان وَذَلِكَ عرفهم ولد تَقْرِيبًا فِي سنة 1190 تسعين وَمِائَة وَألف ووالده كَانَ لَهُ حَظّ فِي الْعلم وَأما جده فَمن أكَابِر الْعلمَاء لَهُ تصانيف حَكَاهَا عَنهُ حفيده صَاحب التَّرْجَمَة وَكَانَ مُسْتَقر جده السَّنَد ثمَّ حج وجاور حَتَّى مَاتَ ثمَّ مَاتَ ابْنه وَخرج صَاحب التَّرْجَمَة إِلَى بندر الحديدة مَعَ عَمه وَكَانَ عَمه مَشْهُورا بِعلم الطِّبّ مشاركا فِي غَيره وَصَاحب التَّرْجَمَة لَهُ يَد طولى فِي علم الطِّبّ وَمَعْرِفَة متقنة بالنحو وَالصرْف وَفقه الْحَنَفِيَّة وأصوله ومشاركة فِي سَائِر الْعُلُوم وَفهم صَحِيح سريع طلبه خَليفَة الْعَصْر مَوْلَانَا الإِمَام الْمَنْصُور بِاللَّه إِلَى حَضرته الْعلية من الحديدة لاشتهاره بِعلم الطِّبّ فوصل إِلَى الحضرة وانتفع جمَاعَة من النَّاس بأدويته وَكَانَ وُصُوله إِلَى صنعاء سنة 1213 وَتردد إِلَى وَقَرَأَ علي فِي هِدَايَة الأبهري وَشَرحهَا المبيدي فِي علم الْحِكْمَة الآلهية وَكَانَ يفهم ذَلِك فهما جيدا مَعَ كَون الْكتاب وَشَرحه فِي غَايَة الدقة والخفاء بِحَيْثُ كَانَ يحضر جمَاعَة من أَعْيَان الْعلمَاء العارفين بعدة فنون فَلَا يفهمون غَالب ذَلِك ثمَّ عَاد إِلَى الحديدة فِي شهر شَوَّال من تِلْكَ السنة بعد أَن أحسن إِلَيْهِ الْخَلِيفَة وَقرر لَهُ مَعْلُوما نَافِعًا وكساه ونال من فايض عطاه ثمَّ تكَرر وفوده إِلَى صنعاء مرة بعد مرة فِي أيام الإِمَام الْمَنْصُور كَمَا ذكرنَا ثمَّ فِي أَيَّام الإِمَام المتَوَكل ثمَّ فِي أَيَّام مَوْلَانَا الإِمَام المهدي وأرسله إِلَى مصر إِلَى الباشا مُحَمَّد علي بهدية مِنْهَا فيل وَكَانَ ذَلِك فِي سنة 1232 وَرجع وَأخْبرنَا باندراس الْعلم فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 الديار المصرية وَأَنه لم يبْق إِلَّا التَّقْلِيد والتصوف مُحَمَّد الكردي أحد طلبة الْعلم القادمين إِلَى مَدِينَة صنعاء وَأَصله من الكرد وهي قرى مجاورة لبغداد خرج من بِلَاده لطلب الْعلم وتنقل فِي الْبلدَانِ وَذكر لنا أَن بَغْدَاد وَمَا حولهَا من الْبِلَاد قد صَار أَكثر أَهلهَا رافضة من روافض الإمامية وَكَذَلِكَ غَالب بِلَاد خُرَاسَان وَحكى لنا أَن أَكثر النَّاس اشتغالا بِالْعلمِ أهل أصفهان وَلَكِن غَالب اشتغالهم بعلوم الْعقل وَفِيهِمْ رافضة يجري بَينهم وَبَين غَيرهم فتن عَظِيمَة وَكَانَ قدومه إِلَى صنعاء فِي أَوَائِل الْقرن الثَّالِث عشر وَقدم مَعَه بكتب من أحْسنهَا رِسَالَة فِي علم المناظرة طَوِيلَة جدا بِالنِّسْبَةِ إِلَى آدَاب الْبَحْث العضدية وَلها شرح نَفِيس مُفِيد فِي كراريس وَسَأَلته عَن مؤلف تِلْكَ الرسَالَة وَشَرحهَا فَقَالَ هي مَعْرُوفَة فِي بِلَاد الْهِنْد وَغَيرهَا بمناظرة يُوسُف فَسَأَلته عَن يُوسُف هَذَا ابْن من هُوَ وَفِي أي زمَان هُوَ فَقَالَ لَا يدرى وَقد طلب مني الْقِرَاءَة فِي تِلْكَ الرسَالَة وَشَرحهَا فَقَالَ لَهُ هَذِه الرسَالَة لم يقف عَلَيْهَا إِلَّا مِنْك فَكيف تأخذها عَنى فَقَالَ لابد من ذَلِك فقرأها علي وَقد كتبهَا جمَاعَة من أَعْيَان عُلَمَاء الْعَصْر وَكثير من الطّلبَة وهي من أنفس المؤلفات وأكثرها فَوَائِد وَلَا يَنْبَغِي لطَالب علم بعد وُقُوفه عَلَيْهَا أَن يشْتَغل بآداب الْبَحْث وشروحها فَإِنَّهَا لَيست بشئ بِالنِّسْبَةِ إِلَى تِلْكَ الرسَالَة وَشَرحهَا وَكَانَ عمر صَاحب التَّرْجَمَة عِنْد قدومه إِلَى صنعاء نَحْو أَرْبَعِينَ سنة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 مُحَمَّد بن علي بن وهب بن مُطِيع بن أَبى الطَّاعَة تقي الدَّين القشيري المنفلوطي الأَصْل المصري القوصي المنشأ المالكي ثمَّ الشافعي نزيل الْقَاهِرَة الْمَعْرُوف بِابْن دَقِيق الْعِيد الإِمَام الْكَبِير صَاحب التصانيف الْمَشْهُورَة ولد فِي شعْبَان سنة 625 خمس وَعشْرين وسِتمِائَة بِنَاحِيَة يَنْبع فِي الْبَحْر وَسمع بِمصْر من جمَاعَة ورحل إِلَى دمشق فَسمع من أَحْمد بن عبد الدَّائِم والزين خَالِد وَغَيرهمَا وَأخذ أَيْضا عَن الرشيد الْعَطَّار والزكى والمنذرى وَابْن عبد السَّلَام وتبحر فِي جَمِيع الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة وفَاق الأقران وخضع لَهُ أكَابِر الزَّمَان وطار صيته واشتهر ذكره وَأخذ عَنهُ الطّلبَة وصنف التصانيف الفائقة فَمِنْهَا الْإِلْمَام فِي أَحَادِيث الْأَحْكَام وَشرع فِي شَرحه فَخرج مِنْهُ أَحَادِيث يسيرَة فِي مجلدين أَتَى فِيهَا كَمَا قَالَ الْحَافِظ بن حجر بالعجائب الدَّالَّة على سَعَة دائرته فِي الْعُلُوم خُصُوصا فِي الاستنباط وَجمع كتاب الإِمَام فِي عشْرين مجلدا قَالَ ابْن حجر عدم أَكْثَره بعده وصنف الاقتراح فِي عُلُوم الحَدِيث وَمن مصنفاته شرح الْعُمْدَة الْمَشْهُور وَشرح مُقَدّمَة المطرزي فِي أصُول الْفِقْه وَشرح بعض مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب فِي الْفِقْه قَالَ الذهبي كَانَ إِمَامًا متفننا مدققا أصوليا مدْركا أديبا نحويا ذكيا غواصا على الْمعَانى وافر الْعقل كثير السكينَة تَامّ الْوَرع مديم السّنَن مكبا على المطالعة وَالْجمع سَمحا جوادا ذكي النَّفس نزر الْكَلَام عديم الدَّعْوَى لَهُ الْيَد الطُّولى فِي الْفُرُوع وَالْأُصُول بَصيرًا بِعلم الْمَنْقُول والمعقول وَغلب عَلَيْهِ الوسواس فِي الْمِيَاه والنجاسة وَله فِي ذَلِك أَخْبَار قَالَ واشتهر اسْمه فِي حَيَاة مشايخه وشاع ذكره وَتخرج بِهِ أَئِمَّة وَكَانَ لَا يسْلك المراء فِي بَحثه بل يتَكَلَّم بِكَلِمَات يسيرَة وَلَا يُرَاجع حَتَّى حكي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 عَنهُ أَنه قَالَ لكاتب الشمَال سِنِين لم يكْتب علي شَيْئا وَقَالَ قطب الدَّين الحلبي كَانَ مِمَّن فاق بِالْعلمِ والزهد عَارِفًا بالمذهبين إِمَامًا فِي الْأَصْلَيْنِ حَافِظًا فِي الحَدِيث وعلومه يضْرب بِهِ الْمثل فِي ذَلِك وَكَانَ آيَة فِي الإتقان والتحري شَدِيد الْخَوْف دَائِم الذكر لَا ينَام من اللَّيْل إِلَّا قَلِيلا يقطعهُ مطالعة وذكرا وتهجدا وَكَانَت أوقاته كلهَا معمورة وَكَانَ شفوقاً على المشتغلين وَكثير الْبر لَهُم قَالَ أَتَيْته بِجُزْء سَمعه من ابْن رواح والطبقة بِخَطِّهِ فَقَالَ حَتَّى أنظر فِيهِ ثمَّ عدت إِلَيْهِ فَقَالَ هُوَ خطي لَكِن مَا أحقق سَمَاعه وَلَا أذكرهُ وَلم يحدث بِهِ وَكَذَلِكَ لم يحدث عَن ابْن الْمُنِير مَعَ صِحَة سَمَاعه مِنْهُ قَالَ الذهبي بلغني أَن السُّلْطَان لاجين لما طلع إِلَيْهِ الشَّيْخ قَامَ لَهُ وخطا من مرتبته وَقَالَ البرزالى مجمع على غزارة علمه وجودة ذهنه وتفننه فِي الْعُلُوم واشتغاله بِنَفسِهِ وَقلة مخالطته مَعَ الدَّين المتين وَالْعقل الرصين قَرَأَ مَذْهَب مَالك ثمَّ مَذْهَب الشافعي ودرس فيهمَا وَهُوَ خَبِير بصناعة الحَدِيث عَالم بالأسماء والمتون واللغات وَالرِّجَال وَله الْيَد الطُّولى فِي الْأَصْلَيْنِ والعربية وَالْأَدب نَشأ بقوص وَتردد إِلَى الْقَاهِرَة وَكَانَ شيخ الْبِلَاد وعالم الْعَصْر فِي آخر عمره وَيذكر أَنه من ذُرِّيَّة بهر بن حَكِيم القشيري وَكَانَ لَا يُجِيز إِلَّا بِمَا يحدث بِهِ وَقَالَ ابْن الزملكاني إمام الْأَئِمَّة فِي فنه وعلامة الْعلمَاء فِي عصره بل وَلم يكن من قبله سِنِين مثله فِي الْعلم وَالدّين والزهد والورع تفرد فِي عُلُوم كَثِيرَة وَكَانَ يعرف التَّفْسِير والْحَدِيث ويحقق المذهبين تَحْقِيقا عَظِيما وَيعرف الْأَصْلَيْنِ والنحو واللغة وَإِلَيْهِ الْمُنْتَهى فِي التَّحْقِيق والتدقيق والغوص على الْمعَانى أقر لَهُ الْمُوَافق والمخالف وعظمته الْمُلُوك وَكَانَ السُّلْطَان لاجين ينزل عَن سَرِيره وَيقبل يَده قَالَ ابْن سيد النَّاس لم أر مثله فِي من رَأَيْت وَلَا حملت عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 أجل مِنْهُ فِيمَن رويت وَكَانَ للعلوم جَامعا وَفِي فنونها بارعا وَلم يزل حَافِظًا لِلِسَانِهِ مُقبلا على شَأْنه وَلَو شَاءَ الْعَاد أَن يحصر كَلِمَاته لحصرها وَله تخلق وبكرامات الصَّالِحين تحقق وعلامات العارفين تعلق وَله فِي الْأَدَب بَاعَ وساع وكرم طباع وَحسن انطباع حَتَّى لقد كَانَ الشهَاب مَحْمُود يَقُول لم تَرَ عيني آدب مِنْهُ وَلَو لم يدْخل فِي الْقَضَاء لَكَانَ ثوري زَمَانه وأوزعي أَوَانه انْتهى كَلَام ابْن سيد النَّاس قَالَ البرزالى وَفِي يَوْم السبت الثَّامِن عشر من جُمَادَى الأولى سنة 695 ولي الْقَضَاء بالديار المصرية قَالَ ابْن حجر وَاسْتمرّ فِيهِ إِلَى أن مَاتَ فِي صفر سنة 702 اثْنَتَيْنِ وَسَبْعمائة قَالَ الصاحب شمس الدَّين سَمِعت الشَّيْخ الإِمَام شهَاب الدَّين أَحْمد بن إِدْرِيس القرافي المالكي يَقُول أَقَامَ الشَّيْخ تقي الدَّين أَرْبَعِينَ سنة لَا ينَام اللَّيْل إلا أَنه إِذا كَانَ صلى الصُّبْح اضْطجع على جنبه إِلَى حِين يضحى النَّهَار قَالَ زكي الدَّين عبد الْعَظِيم بن أَبى الْأَصْبَغ صَاحب البديع ذكرت للشَّيْخ تقي الدَّين بن دَقِيق الْعِيد وُجُوه الْمُبَالغَة فِي قَوْله تَعَالَى {أيود أحدكُم أَن تكون لَهُ جنَّة من نخيل وأعناب} الْآيَة وهي عشرَة وَلم أذكر لَهُ مفصلا وغبت عَنهُ قَلِيلا ثمَّ اجْتمعت بِهِ فَذكر لي أَنه استنبط مِنْهَا أَرْبَعَة وَعشْرين وَجها من الْمُبَالغَة فَسَأَلته أَن يَكْتُبهَا لي فكتبها بِخَطِّهِ وَسمعتهَا مِنْهُ بقرَاءَته وَاعْتَرَفت لَهُ بِالْفَضْلِ فِي ذَلِك انْتهى وَقد عَاشَ تقي الدَّين بعد ابْن الْأَصْبَغ زِيَادَة على أَرْبَعِينَ سنة قَالَ ابْن حجر قَرَأت بِخَط مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم العثماني قاضي صفد أخبرني الْأَمِير سيف الدَّين الحسامي قَالَ خرجت يَوْمًا إِلَى الصَّحرَاء فَوجدت ابْن دَقِيق الْعِيد وَاقِفًا فِي الْجَبانَة يقْرَأ وَيَدْعُو ويبكي فَسَأَلته فَقَالَ صَاحب هَذَا الْقَبْر كَانَ من أصحابي وَكَانَ يقْرَأ علي فَمَاتَ فرأيته البارحة فَسَأَلته عَن حَاله فَقَالَ لما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 وضعتموني فِي الْقَبْر جاءني كلب أنقط كالسبع وَجعل يروعني فارتعت فجَاء شخص لطيف فِي هَيْئَة حَسَنَة فطرده وَجلسَ عندي يؤنسني فَقلت من أَنْت فَقَالَ أَنا ثَوَاب قراءتك الْكَهْف يَوْم الْجُمُعَة انْتهى وَله أشعار حَسَنَة محكمَة قَوِيَّة الْمعَانِي جَيِّدَة المباني قد أورد مِنْهَا جملَة نافعة من تَرْجمهُ من الأدباء وَغَيرهم وَبِالْجُمْلَةِ فقد اعْترف لَهُ أَئِمَّة كل فن بفنهم رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد بن علي بن يُونُس بن علي بن الزحيف بزاي مَضْمُومَة ومهملة مَفْتُوحَة وتحتية سَاكِنة وَفَاء الْمَعْرُوف قَدِيما بِابْن فند بفاء ثمَّ نون ثمَّ مُهْملَة وَالْمَشْهُور أخيرا بالزحيف اسْم جده الْمَذْكُور وَهُوَ مؤلف شرح البسالمة الْمُسَمّى مآثر الْأَبْرَار وَفرغ من تأليفه سنة 916 فَالله أعلم كم عَاشَ بعد ذَلِك مُحَمَّد بن عمار بن مُحَمَّد بن أَحْمد القاهري المصري المالكي الْمَعْرُوف بِابْن عمار ولد يَوْم السبت الْعشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة سنة 768 ثَمَان وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة بقناطر السبَاع وَنَشَأ فِي كنف وَالِده وَحفظ عدَّة مختصرات وَأخذ عَن العراقي وَابْن الملقن والبلقيني وَالْمجد بن هِشَام والعز بن جمَاعَة وَابْن خلدون وَطلب الحَدِيث بِنَفسِهِ وَسمع بِالْقَاهِرَةِ على جمَاعَة من الْمُحدثين ودرس بمواطن وَله تصانيف مِنْهَا غَايَة الإلهام فِي شرح عُمْدَة الْأَحْكَام فِي ثَلَاث مجلدات وَزَوَال الْمَانِع عَن شرح جمع الْجَوَامِع وعلاب الموائد فِي شرح تسهيل الْفَوَائِد فِي ثَمَان مجلدات والكافى فِي شرح المغني لِابْنِ هِشَام فِي أَربع مجلدات وَشرح مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب الفرعي وَشرح الفية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 العراقي وَكَانَ إماما عَلامَة فِي الْفِقْه وأصوله والعربية وَالصرْف مشاركا فِي كثير من الْفُنُون أمارا بِالْمَعْرُوفِ قَالَ السخاوي وَلَوْلَا مزِيد حِدته الَّتِى أدَّت إِلَى أن خرج فِيهِ جذام قبل مَوته بِسنتَيْنِ وَاسْتمرّ يتزايد إِلَى مَوته لأخذ عَنهُ الجم الْغَفِير وَمَات يَوْم السبت رَابِع عشر ذِي الْحجَّة سنة 844 أَربع وَأَرْبَعين وثمان مائَة مُحَمَّد بن عمر بن أَحْمد الشَّمْس أَبُو عبد الله الوَاسِطِيّ ثمَّ الْمحلى الشافعي وَالِد أَبى الْعَبَّاس أَحْمد وَيعرف بالغمرى بالغين المعجة ولد سنة 786 سِتّ وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة تَقْرِيبًا بمنية غمرة وانتفع بِجَمَاعَة من عُلَمَاء الْقَاهِرَة ثمَّ لَازم التجرد وَالْعِبَادَة وَصَحب غير وَاحِد من مَشَايِخ الصُّوفِيَّة كالشيخ عمر الوفائى الحائك وَالشَّيْخ أَحْمد الزَّاهِد وَكَانَ غَالب انتفاعه بالثاني وَأذن لَهُ بالإرشاد وتصدى لذَلِك بِكَثِير من الْبِلَاد وانتفع النَّاس بِهِ واشتهر صيته وَكثر اتِّبَاعه وَذكر لَهُ أَحْوَال وكرامات وجدد عدَّة مَسَاجِد وَأَنْشَأَ عدَّة زَوَايَا مَعَ صِحَة العقيدة والمشي على قانون السلف والتحذير من الْبدع والإعراض عَن بني الدُّنْيَا وَعدم قبُول مَا يهدى إِلَيْهِ وَله تصانيف مِنْهَا النُّصْرَة فِي أَحْكَام الْفطْرَة ومحاسن الْخِصَال فِي بَيَان وُجُوه الْحَلَال والعنوان فِي تَحْرِيم معاشرة الشبَّان والنسوان وَالْحكم المضبوط فِي تَحْرِيم عمل قوم لوط والانتصار لطريق الْأَخْبَار والرياض المزهرة فِي اسباب الْمَغْفِرَة ومنح الْمِنَّة فِي التَّلَبُّس بِالسنةِ فِي أَربع مجلدات وَمَات فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء سلخ شعْبَان سنة 849 تسع وَأَرْبَعين وثمان مائَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 مُحَمَّد بن عمر بن مُحَمَّد بن عمر بن مُحَمَّد بن ادريس بن سعيد ابْن مَسْعُود بن حسن بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن رشيد أَبُو عبد الله الفهري السبتي ولد فِي جُمَادَى الأولى سنة 657 سبع وَخمسين وسِتمِائَة وَأخذ عَن أَبى الْحُسَيْن بن أَبى الربيع الْعَرَبيَّة وَسمع من أَبى مُحَمَّد بن هرون وَغَيره فَأكْثر واحتفل فِي صباه بالأدبيات حَتَّى برع فِي ذَلِك ثمَّ رَحل إِلَى فاس وَطلب الحَدِيث فجهد فِيهِ وتفقه وأقرأ وَأخذ الْأَصْلَيْنِ عَن جمَاعَة وَحج وجاور وَدخل مصر وَالشَّام فَسمع من الْفَخر أَبى البُخَارِيّ والقطب القسطلاني وَابْن دَقِيق الْعِيد وَله مصنفات مِنْهَا الرحلة المشرفية فِي سِتّ مجلدات مُشْتَمِلَة على فَوَائِد كَثِيرَة وإيضاخ الْمذَاهب فِيمَن ينْطَلق عَلَيْهِ اسْم الصاحب وَكتاب ترجمان التراجم على أَبْوَاب البخاري وَله غير ذَلِك قَالَ الذهبي فِي النبلاء وَلما رَجَعَ من رحلته سكن سبتة ملحوظا عِنْد الْخَاصَّة والعامة مَاتَ فِي أَوَاخِر محرم سنة 721 إحدى وَعشْرين وَسَبْعمائة بِمَدِينَة فاس مُحَمَّد بن عمر بن علي بن عبد الصَّمد بن عَطِيَّة بن أَحْمد الأموي صدر الدَّين بن الْوَكِيل وَابْن المرحل وَكَانَ يُقَال لَهُ ابْن الْخَطِيب ولد فِي شَوَّال سنة 665 خمس وَسِتِّينَ وسِتمِائَة بدمياط وَسمع من ابْن عَلان وَالقَاسِم الأربلي وَغَيرهمَا وتفقه بوالده وَشرف الدَّين الْمَقْدِسِي وَأخذ عَن بدر الدَّين بن مَالك والصفي الهندي وَتقدم فِي الْفُنُون وفَاق الأقران وَقَالَ الشّعْر الْحسن وَكَانَ أعجوبة فِي الذكاء وَالْحِفْظ وَحفظ الْمفصل فِي مائَة يَوْم وَحفظ ديوَان المتنبي فِي جُمُعَة والمقامات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 فِي كل يَوْم مقامة وَكَانَ لَا يمر بِشَاهِد المعرب إِلَّا حفظ القصيدة كلهَا وَأفْتى وَهُوَ ابْن عشْرين سنة قَالَ ابْن حجر وَكَانَ لَا يقوم لمناظرة ابْن تَيْمِية أحد سواهُ ودرس بالمدارس وَكثر حاسدوه حَتَّى انه بلغه أَنهم رتبوا عَلَيْهِ دَعْوَى فِي أُمُور أَرَادوا إثباتها عَلَيْهِ فبادر إِلَى القاضي سُلَيْمَان الحنبلي وَسَأَلَهُ أَن يحكم بِصِحَّة إسلامه وحقن دَمه وَرفع التعزيز عَنهُ وعدالته وإبقائه على وظائفه فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِك كُله وكبسه جمَاعَة فوجدوه مَعَ جمَاعَة يشربون الْخمر فَأمر النَّائِب بمصادرته فبادر الْيَوْم الثاني إِلَى القاضي وَأثبت محضرا شهد فِيهِ الَّذين كبسوه أَنهم لم يروه سكرانا وَلَا شموا مِنْهُ رَائِحَة الْخمر وَإِنَّمَا وجدوه فِي ذَلِك الْبَيْت وَفِي الْمَكَان زبدية خمر وشفع لَهُ بعض النَّاس فأعفي من المصادرة ثمَّ جَاءَ كتاب من السُّلْطَان يعزله من جَمِيع جهاته الَّتِى كَانَ يدرس فِيهَا ثمَّ عينت لَهُ بعد أَيَّام وظائف كَثِيرَة وَتقدم واشتهر صيته وَكَانَت لَهُ وجاهة عِنْد الدولة وَكَانَ مِمَّن أفتى بِأَن النَّاصِر لَا يصلح للْملك ودس أعداؤه إِلَى النَّاصِر قصيدة ذكرُوا أَنه هجاه بهَا فَأَرَادَ الْقَبْض عَلَيْهِ بعض أُمَرَاء السُّلْطَان ففر إِلَى غَزَّة قَالَ جلال الدَّين القزويني كنت عِنْد النَّاصِر فَدخل الْحَاجِب فَقَالَ صدر الدَّين بن الْوَكِيل بِالْبَابِ فَقَالَ يدْخل فَلَمَّا دخل قَالَ لَهُ الْحَاجِب بس الأَرْض فَامْتنعَ وَقَالَ مثلي لَا يبوس الأَرْض إِلَّا لله قَالَ فَمَا شَككت أَن دَمه يسفك فَقَالَ لَهُ النَّاصِر أَنْت فَقِيه تركب الْبَرِيد وَتَروح إِلَى مصر وَتدْخل بَين الْمُلُوك وَتعير الدول وتهجو السُّلْطَان فَقَالَ حاشا لله وَإِنَّمَا أعدائي وحسادي نظموا مَا أَرَادوا على لساني وَهَذَا الذي تكلمته أَنا معي ثمَّ أخرج قصيدة فِي وزن تِلْكَ القصيدة الَّتِى نسبوها إِلَيْهِ نَحْو مأتي بَيت فأنشدها فصفح عَنهُ قَالَ جلال الدَّين فَلَمَّا أَصْبَحْنَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 رَأَيْت ابْن الْوَكِيل يسائر السُّلْطَان فِي الموكب والعسكر ساير وَعظم عِنْد السُّلْطَان وَله مصنفات مِنْهَا كتاب الأشباه والنظاير من أحسن المصنفات وَشرع فِي شرح الْأَحْكَام لعبد الْحق فَكتب مِنْهُ ثَلَاث مجلدات قَالَ ابْن حجر وَكَانَ فِيهِ لعب وَلَهو قَالَ الصفدي حكى لي جمَاعَة مِمَّن كَانَ يعاشره فِي خلواته أَنه كَانَ إِذا فرغ تَوَضَّأ وَلبس ثيابا نظافا وَصلى ومرغ وَجهه انْتهى وَكَانَ جوادا قَالَ السجدي كنت مَعَه لَيْلَة عيد فَوقف لَهُ فَقير فَقَالَ شئ لله فَالْتَفت إِلَى وَقَالَ مَا مَعَك قلت مايتا دِرْهَم قَالَ ادفعها إِلَيْهِ فدفعتها إِلَيْهِ ثمَّ قلت لَهُ يَا سَيِّدي غَدا الْعِيد وَلَيْسَ عندنَا شئ فَقَالَ امْضِ إِلَى القاضى كريم الدَّين فَقل لَهُ الشَّيْخ يهنيك بِهَذَا الْعِيد فَفعلت فَقَالَ كَأَن الشَّيْخ يطْلب نَفَقَة أَعْطوهُ ألفي دِرْهَم فَرَجَعت بهَا إِلَيْهِ فَقَالَ الْحَسَنَة بِعشر أَمْثَالهَا وَمَات فِي رَابِع وَعشْرين ذي الْحجَّة سنة 716 سِتّ عشرَة وَسَبْعمائة مُحَمَّد بن قلاون بن عبد الله الصالحى الْملك النَّاصِر ابْن الْمَنْصُور ولد فِي صفر سنة 684 أَربع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وشوهد عِنْد وِلَادَته وَكَفاهُ مقبوضتان ففتحتهما الداية فَسَالَ مِنْهُمَا دم كثير ثمَّ صَار يقبضهما فَإِذا فتحا سَالَ مِنْهُمَا دم كثير فاستدل بذلك أَنه يسفك دِمَاء كَثِيرَة فَكَانَ الْأَمر كَذَلِك وَأول مَا ولي السلطنة عقب قتل أَخِيه الْأَشْرَف فِي نصف الْمحرم سنة 693 وعمره تسع سِنِين وَغلب على الْأَمر كتبغا وتسلطن وعزل صَاحب التَّرْجَمَة وَكَذَلِكَ فِي الْمحرم سنة 694 ثمَّ خلع كتبغا فِي صفر سنة 696 وَكَانَ قد جهز النَّاصِر إِلَى الكرك وَحلف لَهُ أَنه إِذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 ترعرع أَعَادَهُ إِلَى المملكة بِشَرْط أَن يُعْطي مملكة الشَّام اسْتِقْلَالا وَلما خلع كتبغا سلطن لاجين وَاسْتمرّ سُلْطَانا حَتَّى قتل فِي شهر ربيع الآخر سنة 689 فأحضر النَّاصِر من الكرك وتسلطن الْمرة الثَّانِيَة وَله يَوْمئِذٍ أَربع عشرَة سنة وَأَرْبَعَة أشهر وَاسْتقر فِي نِيَابَة السلطنة سلار الْمُتَقَدّم ذكره وبيبرس الْمُتَقَدّم أَيْضا فَلم يكن للناصر مَعَهُمَا كَلَام وَلما كَانَ فِي رَمَضَان سنة 708 أظهر النَّاصِر أَنه يُرِيد الْحَج فَتوجه إِلَى الكرك وَأقَام بِهِ وطرد نَائِب الكرك إِلَى مصر وَأعْرض عَن المملكة لاستبداد سلار وبيبرس دونه بالأمور وَكتب إِلَى الْأُمَرَاء بِمصْر يستعفيهم من السلطنة ويسألهم أن يتْركُوا لَهُ الكرك وبلادها فوافقوه على ذَلِك وَاتفقَ أَنه يَوْم دخل الكرك انْكَسَرَ الجسر فَسلم هُوَ وَبَعض خواصه وَسقط نَحْو الْخمسين من أَصْحَابه فَمَاتَ مِنْهُم أَرْبَعَة وَخرج من أبقى مصابا وَأقَام بالكرك يدبر أمورها وَيحكم بَين من يتحاكم إِلَيْهِ وتسلطن مَكَانَهُ بيبرس حَسبنَا تقدم فِي ثَالِث وَعشْرين من شَوَّال من تِلْكَ السنة وَاسْتمرّ إِلَى رَجَب سنة 709 فَخرج جمَاعَة من أمراء مصر إِلَى كرك وحملوا النَّاصِر إِلَى دمشق فتلاحق بِهِ أَكثر الْأُمَرَاء وَنزل بِالْقصرِ ثمَّ توارد عَلَيْهِ نواب الْبِلَاد فقصد مصر فِي رَمَضَان ففر بيبرس وَلم يفر سلار بل أَقَامَ وَخرج للقاء النَّاصِر وَأظْهر الطَّاعَة فوصل النَّاصِر إِلَى القلعة وَاسْتقر فِي مَمْلَكَته وهي السلطنة الثَّالِثَة وَذَلِكَ فِي يَوْم عيد الْفطر من تِلْكَ السنة وَلما اسْتَقر قدمه قبض على أَكثر الْأُمَرَاء وَلم يبْق لَهُ مُنَازع وَفتحت فِي أيامه بِلَاد كَبِيرَة وَاشْترى المماليك فَبَالغ فِي ذَلِك حَتَّى اشْترى وَاحِدًا بِنَحْوِ أَرْبَعَة آلَاف دِينَار بل أَزِيد كَمَا قَالَ ابْن حجر وَلم ير أحد مثل سَعَادَة ملكه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 وَعدم حَرَكَة الأعادي عَلَيْهِ برا وبحرا مَعَ طول الْمدَّة وَكَانَ مُطَاعًا مهيبا عَارِفًا بالأمور يعظم أهل الْعلم وَلَا يُقرر فِي المناصب الشَّرْعِيَّة إِلَّا من يكون أَهلا لَهَا ويتحرى لذَلِك ويبحث عَنهُ ويبالغ وَحج بعد استقراره فِي السلطنة ثَلَاث حجات وَكَانَ عَظِيم الْمَكْر طَوِيل الصَّبْر على مَا يكره إِذا حاول أمرا لَا يسْرع فِيهِ بل يحْتَاط غَايَة الِاحْتِيَاط وَكَانَت وَفَاته تَاسِع عشر ذي الْحجَّة سنة 741 إحدى وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وسلطن من أَوْلَاده ثَمَانِيَة أنفس وَهَذَا من أعجب مايحكى الإِمَام الْمُؤَيد بِاللَّه مُحَمَّد بن الْقَاسِم بن مُحَمَّد قد تقدم تَمام نسبه فِي تَرْجَمَة أَخِيه الْحسن ولد سنة 990 تسعين وَتِسْعمِائَة فِي رَمَضَان مِنْهَا وَقيل فِي شعْبَان وَأخذ الْعلم عَن عُلَمَاء الْيمن الْمَشْهُورين بِذَاكَ الزَّمن وَمِنْهُم وَالِده الإِمَام وبرع فِي عدَّة عُلُوم ودرس وَأفْتى واشتهر فَضله وزهده وورعه وعفته وَحسن تَدْبيره وَلما مَاتَ وَالِده فِي التَّارِيخ الْمُتَقَدّم أجمع الْعلمَاء عَلَيْهِ وَبَايَعُوهُ وَذَلِكَ فِي سنة 1029 ثمَّ كَانَ من التأييد والنصر خُرُوج أَخِيه سيف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 الْإِسْلَام الْحسن بن الإِمَام من سجن الأتراك فِي سنة 1030 وَكَانَت مُدَّة الْمُصَالحَة الَّتِى كَانَت بَين وَالِده وَبَين الأتراك بَاقِيَة لأَنهم كاتبوا صَاحب التَّرْجَمَة بتقرير الصُّلْح إِلَى أن انْتَهَت الْمدَّة الْمَعْلُومَة فأجابهم وَلما كَانَ فِي شهر محرم سنة 1036 أرسل بِجَيْش إِلَى الحيمة وَرَئِيس ذَلِك الْجَيْش أَخُوهُ الْعَلامَة الْحُسَيْن بن الإِمَام وَبث سراياه وَكتبه إِلَى الأقطار اليمنية وتكاثرت جيوشه حَتَّى حصلت فتوحات فِي مُدَّة يسيرَة كفتح بِلَاد الْمغرب وريمة وعتمة وَأصَاب وحفاش وملحان وجبل تَيْس وبلاد خولان وَكَانَ إِذْ ذَاك الْحسن بن الإِمَام فِي جِهَات صعدة مثاغرا لمن هُنَالك من الأتراك معاضدا لصنوه أَحْمد بن الإِمَام فَاسْتَأْذن أَخَاهُ الإِمَام صَاحب التَّرْجَمَة فِي الْخُرُوج من صعدة والوصول إِلَى محاربة الأتراك بِالْمَدَائِنِ اليمنية فَأذن لَهُ فَعظم الْأَمر على الأتراك لعلمهم بشجاعته ورياسته وَطَاعَة النَّاس لَهُ فوصل إِلَى نواحي صنعاء وضايق من بهَا من الأتراك وَوَقعت بَينهم وَبَينه ملاحم عَظِيمَة كَانَت الْيَد فِيهَا لِلْحسنِ ثمَّ وصل إِلَيْهِ أَخُوهُ الْحُسَيْن بجيوشه بِأَمْر صَاحب التَّرْجَمَة وَفتحت جيوشهما فِي أثْنَاء هَذِه الْمدَّة حصن كوكبان وبلاده وثلا ثمَّ توجه الْحسن بجيوشه إِلَى الْيمن الْأَسْفَل وَاسْتقر الْحُسَيْن وَأحمد أَبنَاء الإِمَام محاصرين لصنعاء فَفتح الْحسن مَدِينَة أَب وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا زَالَ الْحسن وَالْحُسَيْن يقودان الجيوش الْعَظِيمَة على من بمدائن الْيمن من الأتراك بِأَمْر أخيهما صَاحب التَّرْجَمَة حَتَّى أخرجَا جَمِيع من بهَا من جيوش الأتراك إلا من رغب إِلَى الْجُلُوس وأطاع الإِمَام وَصَارَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 من أجناده فصفت الْيمن من صعدة إلى عدن واستقل صَاحب التَّرْجَمَة بهَا جَمِيعهَا بمناصرة أَخَوَيْهِ الْمَذْكُورين لَهُ وبذلهما الْعِنَايَة فِي ذَلِك بعد ملاحم عَظِيمَة ومعارك شَدِيدَة اشْتَمَلت عَلَيْهَا كتب السير الْخَاصَّة بِصَاحِب التَّرْجَمَة وَأَبِيهِ وأخوته كسيرة الشريفي وسيرة الجرموزي وَنَحْوهمَا وَلم تَجْتَمِع الأقطار اليمنية بأسرها من دون معَارض وَلَا مُنَازع لأحد من الْأَئِمَّة قبل صَاحب التَّرْجَمَة وَمَات فِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع وَعشْرين رَجَب سنة 1054 أَربع وَخمسين وَألف وقبر بشهارة بِالْقربِ من وَالِده وَكَانَ مَشْهُورا بِالْعَدْلِ وَالْمَشْي على مَنْهَج الشَّرْع وَالْوُقُوف عِنْد حُدُوده وَحمل النَّاس عَلَيْهِ مَعَ لين الْجَانِب وَحسن الْأَخْلَاق والتواضع والإحسان إِلَى أهل الْعلم والميل إلى الْفُقَرَاء وَوضع بيُوت الْأَمْوَال فِي موَاضعهَا 495 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْمصْرِيّ الأَصْل ثمَّ الْعَدنِي الشَّافِعِي الْمَعْرُوف بِابْن الصارم وَرُبمَا يُقَال لَهُ النقايقي حِرْفَة لِأَبِيهِ القماط ولد بِمصْر سَابِع الْمحرم سنة 880 ثَمَانِينَ وثمان مائَة وَكَانَ ضريرا فاشتغل عِنْد جمَاعَة كمحمد بن حُسَيْن القماط والبدر حُسَيْن الأهدل وَبحث فِي الْعُلُوم وَالْأَدب وفَاق الأقران وصنف التصانيف فِي أَيَّام شبابه بِحَيْثُ كملت مصنفاته عشْرين مصنفا قبل أَن يبلغ عمره عشْرين سنة فَمِنْهَا كتاب ملْجأ الْمُحَقِّقين الْأَعْلَام فِي قَوَاعِد الْأَحْكَام وَكتاب الإبريز فِي تَفْسِير كتاب الله الْعَزِيز وَشرح إرشاد المقري وَسَماهُ الْبَحْر الْوَقَّاد فِي شرح الإرشاد وَله مصنفات كَثِيرَة نافعة عدد السخاوي كثيرا مِنْهَا نَاقِلا لذَلِك عَن الأهدل وَلم يذكر وَفَاته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 السَّيِّد مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحُسَيْن بن على ابْن الإِمَام المتَوَكل على الله إِسْمَاعِيل بن الْقَاسِم بن مُحَمَّد الصنعاني الملقب النبوس بلقب أحد آبَائِهِ وَهُوَ يكره ذَلِك وَلكنه لَا يكَاد يعرف الْآن إلا بِهِ ولد تَقْرِيبًا بعد سنة 1150 خمسين وَمِائَة وَألف وَأخذ الْعلم عَن جمَاعَة من عُلَمَاء صنعاء كالسيّد الْعَلامَة إِسْمَاعِيل بن هادي الْمُفْتى وَشَيخنَا السَّيِّد الْعَلامَة علي بن إِبْرَاهِيم بن علي بن إِبْرَاهِيم بن أَحْمد بن عَامر والقاضى الْعَلامَة أَحْمد بن مُحَمَّد قاطن وَغَيرهم وشارك مُشَاركَة قَوِيَّة فِي فنون عدَّة ونظم الشّعْر الْفَائِق وسلك مَسْلَك الإنصاف فِي عمله بِمَا علم مَعَ حسن أَخْلَاق وتواضع وَفِيه محاضرة وتودد وبشاش وعفة وشهامة وبلاغة زِيَادَة ودرس فِي عُلُوم الْآلَة والْحَدِيث وَمن نظمه (غزال كحيل الطرف أحور إِن رنى ... يراع لماضي لحظه الْأسد الْورْد) (تفنن روض الْحسن مِنْهُ فَإِن ترد ... فَمن ثغره ورد وَمن خَدّه ورد) وَمِنْه (ملعس الثغر معسول لَهُ شفة ... من شدَّة الْبرد يعلوها كَمَا الحبب) (قد قَالَ مَا شمته يَا صَاح من ضرب ... فَقلت كلا وَلَكِن ذَاك من ضرب) وَهُوَ الْآن مُسْتَمر على حَال الْجَمِيل متع الله بِهِ ثمَّ سَافر فِي سنة 1215 لتأدية فَرِيضَة الْحَج فَمَرض فِي الْبَحْر وَمَات فِي شهر الْقعدَة من هَذِه السنة رَحمَه الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد النُّور بن أَحْمد الْبَدْر الأنصاري المهلبي الفيومي الأَصْل القاهري الشافعي الْمَعْرُوف بِابْن خطيب الفخرية ولد لَيْلَة الْأَرْبَعَاء ثامن عشر جُمَادَى الْآخِرَة سنة 830 ثَلَاثِينَ وثمان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 مائَة بِالْقَاهِرَةِ وَنَشَأ بهَا فحفظ مختصرات وَأخذ عَن البلقيني والمحلي والتقي الحصني والشرواني والشمني والكافياجي وَسمع من ابْن حجر وَغَيره وَاسْتقر فِي الخطابة بالفخرية وتصدى للإقراء واشتهر بِحسن التَّصَوُّر وَالتَّدْبِير وَالتَّحْقِيق وصنف حَاشِيَة على شرح جَامع الْجَوَامِع وحاشية على الْعَضُد وعَلى شرح العقائد وَغير ذَلِك وَمَات فِي صفر سنة 893 ثَلَاث وَتِسْعين وثمان مائَة مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد الْبَدْر الدمشقي الأَصْل القاهري سبط الْجمال عبد الله المارداني ولد لَيْلَة رَابِع عشر الْقعدَة سنة 826 سِتّ وَعشْرين وثمان مائَة بِالْقَاهِرَةِ وَنَشَأ بهَا فحفظ مختصرات وَأخذ عَن القلقشندي وَابْن الْمجد والمحلي والبلقيني وَابْن حجر والمراغي وَدخل الشَّام والقدس وحماه وَحج وجاور واشتهر بالذكاء وتصدى للإقراء وانتفع بِهِ النَّاس فِي الْفَرَائِض والحساب والميقات والعربية وَغير ذَلِك وَكتب فِي الْمِيقَات مُقَدمَات وَعمل متْنا فِي الْفَرَائِض سَمَّاهُ كشف الغوامض وَشَرحه وَشرح بعض مصنفات ابْن الهايم وَشرح الألفية والجعبرية والرحبية وَله فِي الْحساب الحاوي واللمع وَفِي الْجَبْر والمقابلة مصنفات وَفِي النَّحْو شرح الشذور والقطر والتوضيح وَمَات فِي سنة مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن يحيى بن عبد الرَّحْمَن ابْن يُوسُف بن حرى الكلبي أَبُو عبد الله الغرناطي الأديب المؤرخ ولد سنة 820 عشْرين وثمان مائَة وَكَانَ أَبوهُ من أَعْلَام المرفعين وتعانى هَذَا الْأَدَب وابتدأ فِي جمع تَارِيخ لغرناطة فَحصل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 مِنْهُ جملَة مستكثر وَكَانَ وَاسع الْحِفْظ ثاقب الْفَهم وانتقل إِلَى فاس فَكتب لملكها أَبى عنان وَمن شعره (قسما بوضاح السنا الْوَهَّاج ... من تَحت مسدول الذوائب داجي) (وبأبلج كالمسك خطت نونه ... من فَوق وَسنَان اللواحظ ساجي) (وَبِحسن قد ذبحت صفحاته ... فغدت تحاكى مَذْهَب الدبياج) وهي قصيدة طَوِيلَة جَيِّدَة وَمن شعره (أفنيت فِيهِ نسيب شعري طامعا ... وسفكت دمعي كالحيا المدرار) (وَأرَاهُ مَا حفظ الوداد وَلَا رعى ... ذمم النسيب وَلَا حُقُوق الْجَار) مَاتَ فِي شَوَّال سنة 756 سِتّ وَخمسين وَسَبْعمائة وعمره سِتّ وَثَلَاثُونَ سنة مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَبى بكر بن علي بن مَسْعُود بن رضوَان الْكَمَال المري بِالْمُهْمَلَةِ القدسي الشافعي الْمَعْرُوف بِابْن أبي شرِيف ولد لَيْلَة السبت خَامِس من ذي الْحجَّة سنة 822 اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وثمان مائَة بَيت الْمُقَدّس وَنَشَأ بِهِ فِي كنف أَبِيه فحفظ عدَّة مختصرات وتلا بالسبع مَا عدا حَمْزَة والكسائي على النويري وَعنهُ أَخذ علم الْأُصُول والْحَدِيث وَالصرْف وَالْعرُوض والقافية والمنطق وَغَيرهَا من الْعُلُوم ولازم السراج الرومي فِي الْمنطق والمعاني وَالْبَيَان والشهاب بن رسْلَان وارتحل إِلَى الْقَاهِرَة فَأخذ عَن ابْن الْهمام وَابْن حجر وبرع فِي الْعُلُوم وَعرف بالذكاء وثقوب الذِّهْن وَحسن التَّصَوُّر وَسُرْعَة الْفَهم وتصدى للتدريس وَاجْتمعَ عَلَيْهِ جمَاعَة لقِرَاءَة جمع الْجَوَامِع للمحلي استمد فِيهَا من شرح جمع الْجَوَامِع لِلشِّهَابِ الكوراني وَله حَاشِيَة أخرى على تَفْسِير البيضاوي وَلم يكمل وَشرح على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 الْإِرْشَاد لِابْنِ المقري وَشرح على فُصُول ابْن الْهمام وعَلى الزبد لِابْنِ رسْلَان وعَلى مُخْتَصر التَّنْبِيه لِابْنِ النَّقِيب وعَلى الشِّفَاء لعياض وَأكْثر من الانجماع وَتوفى بالقدس يَوْم الْخَمِيس الْخَامِس وَالْعِشْرين من جُمَادَى الأولى سنة 906 سِتّ وَتِسْعمِائَة مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن علي بن يُوسُف بن مَنْصُور الْكَمَال القاهري الشافعي إمام الكاملية وَابْن إمامها وَيعرف بِابْن إمام الكاملية ولد فِي يَوْم الْخَمِيس ثامن عشر شَوَّال سنة 808 ثَمَان وثمان مائَة بِالْقَاهِرَةِ وَنَشَأ بهَا وَحفظ عدَّة كتب وَأخذ عَن الشَّمْس البوصيري والبرماوي والشرف السبكي والولي العراقي وَابْن الجزري وَابْن حجر وفَاق فِي كثير من الْعُلُوم وَأفَاد الطّلبَة ودرس بمدارس وصنف شرحا على البيضاوي فِي الْأُصُول وَهُوَ الذي تداولته النَّاس وشرحا على مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب الأصلي وصل فِيهِ إِلَى آخر الْإِجْمَاع وعَلى الورقات وعَلى الوردية فِي النَّحْو وصل فِيهِ إِلَى التَّرْخِيم وعَلى أَرْبَعِينَ النووي وَاخْتصرَ تَفْسِير البيضاوي وَشرح البخاري للحلبي وَشرح الْعُمْدَة وَله طَبَقَات للأشاعرة ورسالة فِي حَيَاة الْخِنْصر ومختصر فِي الْفِقْه وَمَات سنة 874 أَربع وَسبعين وثمان مائَة مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عمر بن رسْلَان بن نصير الدَّين أَبُو السعادات الكناني البلقيني الأَصْل القاهري الشافعي ولد رَابِع عشر ذي الْحجَّة سنة 821 إِحْدَى وَعشْرين وثمان مائَة وَقيل سنة 819 وَحفظ عدَّة محافيظ وَأخذ عَن الشهَاب السبكى والبساطى والكافياجى والمحلي والشرواني وَغَيرهم وَسمع الحَدِيث على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 ابْن حجر وَغَيره وبرع فِي عدَّة عُلُوم وَأفْتى ودرس وَولى قَضَاء الْعَسْكَر ثمَّ قَضَاء مصر وَشرع فِي تأليف محاكمات بَين الْمُهِمَّات والتعقبات وَشرح مُقَدّمَة الحناوي فِي النَّحْو وَله حواش على شرح البيضاوي والأسنوي وعَلى خبايا الزوايا للزركشي وَمَات يَوْم السبت ثاني ربيع الأول سنة 890 تسعين وثمان مائَة مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن خيضر بن سُلَيْمَان بن دَاوُد ابْن فلاح الدمشقى الشافعى الْمَعْرُوف بالخيضري بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة ثمَّ الْمُثَنَّاة من تَحت ثمَّ الضَّاد الْمُعْجَمَة نِسْبَة إِلَى جده الْمَذْكُور ولد فِي لَيْلَة الاثنين نصف رَمَضَان سنة 821 إِحْدَى وَعشْرين وثمان مائَة بِبَيْت الْمُقَدّس وَنَشَأ بِدِمَشْق وَأخذ عَن جمَاعَة مِنْهُم ابْن قاضي شُهْبَة والْعَلَاء بن الصيرفي وَسمع الحَدِيث من شُيُوخ بَلَده والقادمين إِلَيْهَا وتدرب بِالْحَافِظِ بن نَاصِر والنجم بن فَهد وَقد زَاد عدد مشايخه بِبَلَدِهِ على الْمِائَتَيْنِ ثمَّ ارتحل إِلَى الْقَاهِرَة فَسمع من ابْن حجر ولازمه وَأخذ عَنهُ جملَة من تصانيفه وَسمع على غَيره وَسمع بِبَيْت الْمُقَدّس على ابْن رسْلَان وطبقته وَسمع الْكثير وَكتب الطباق وصنف طَبَقَات للشَّافِعِيَّة والبرق اللموع لكشف الحَدِيث الْمَوْضُوع والاكتساب فِي الْأَنْسَاب فِي نَحْو أَربع مجلدات كبار وَله مصنفات أخرى وَمِنْهَا مَا أفرد فِيهِ مسَائِل بمصنفات وَولى قَضَاء الشَّافِعِيَّة بِالشَّام وانفصل مَرَّات ثمَّ ثَبت قدمه فِي ذَلِك وَصَارَت الْأُمُور معقودة بِهِ واتسعت أَمْوَاله ووفد الْقَاهِرَة مَرَّات وقربه السُّلْطَان وَقد تَرْجمهُ السخاوي تَرْجَمَة طَوِيلَة كلهَا ثلب وَشتم كعادته فِي أقرانه وَمن أعجب مَا رَأَيْته فِيهَا من التعصب أَنه قدح فِي مؤلفات المترجم لَهُ ثمَّ قَالَ انه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 مَا رَآهَا وَهَذَا غَرِيب وَلكنه قد أبان الْعلَّة فِي آخر التَّرْجَمَة فَقَالَ وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ مِمَّن فِيهِ رَائِحَة الْفَنّ بل هُوَ من قدماء الْأَصْحَاب وَأحد الْعشْرَة الَّذين ذكرهم شَيخنَا يعْنى ابْن حجر فِي وَصيته وإن فعل معي مَا أرجو أَن يجازى بمقصده عَلَيْهِ انْتهى وَلَعَلَّ مَوته بعد كَمَال الْمِائَة التَّاسِعَة مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عمر بن قطلوبغا المصري ثمَّ القاهري سيف الدَّين الحنفي ولد تَقْرِيبًا سنة 798 ثَمَان وَتِسْعين وَسَبْعمائة وَنَشَأ فحفظ جملَة من المختصرات وَأخذ عَن ابْن الْهمام والسراج قاري الْهِدَايَة وَكَانَ جل انتفاعه على ابْن الْهمام وَكَانَ يصفه بِأَنَّهُ مُحَقّق الديار المصرية وَاجْتمعَ بالأذكاوي ودعا لَهُ بل حكى صَاحب الضَّوْء اللامع عَن صَاحب التَّرْجَمَة أَنه قَالَ إنه رأى الأذكاوي الْمَذْكُور فِي الْمَنَام وَالْتمس مِنْهُ الدُّعَاء بِنَزْع حب الدُّنْيَا فبادر إِلَى مدحه وَالثنَاء عَلَيْهِ بِكَلِمَات من جُمْلَتهَا أَنْت السَّيْف الآمدي وَالسيف الأبهري فَخَجِلَ من ذَلِك فَقَالَ الأذكاوي إِذا أَرَادَ الله أمرا كَانَ ثمَّ بعد ذَلِك أَكثر من الْعُزْلَة والانجماع فَقَالَ لَهُ ابْن الْهمام وَالله لَو دخلت مَكَانا وطينت عَلَيْهِ لظهرت ثمَّ درس بمدارس واشتهر صيته وطار ذكره وَكَثُرت تلامذته وَصَارَ إماما محققا فِي الْفِقْه وأصوله والعربية التَّفْسِير وأصول الدَّين وصنف تصانيف مِنْهَا شرح التَّوْضِيح لِابْنِ هِشَام وَشرح البيضاوى للأسنوى وَشرح التَّنْقِيح للقرافي وَشرح الْمنَار والعقائد والطوالع شروحا بديعة مُحَققَة مفيدة وَكَانَ على طَريقَة السلف كثير الْعِبَادَة والتهجد والتلاوة والأذكار وَصَارَ مُعظما مشارا إِلَيْهِ مكرما حَتَّى إن سُلْطَان مصر سُلْطَان قايتباي أَرَادَ أَن يَقْصِدهُ إِلَى مَحَله فَبَلغهُ فبادر بالعزم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 إِلَيْهِ وَاسْتمرّ على حَاله الْجَمِيل حَتَّى مَاتَ فِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ الرَّابِع وَالْعِشْرين من ذي الْقعدَة سنة 881 إِحْدَى وَثَمَانِينَ وثمان مائَة مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَبى الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن عبد الصَّمد بن حسن ابْن عبد المحسن أَبُو الْفضل المشدالي بِفَتْح الْمِيم الْمُعْجَمَة وَتَشْديد اللَّام نِسْبَة إِلَى قَبيلَة من زواوة البجالي المغربي المالكي وَيعرف فِي الْمشرق بابي الْفضل وَفِي الْمغرب بِابْن أَبى الْقَاسِم ولد فِي لَيْلَة النّصْف من رَجَب سنة 821 إِحْدَى وَعشْرين وثمان مائَة أَو فِي الَّتِى بعْدهَا أَو فِي الَّتِى قبلهَا ببجالة وَحفظ بهَا الْقُرْآن وتلا بالسبع على أَبِيه وَحفظ شَيْئا كثيرا من المختصرات بل والمطولات وَأخذ عَن أَبى يَعْقُوب يُوسُف الربعي الصّرْف وَالْعرُوض وعَلى أَبى بكر التلمسانى الْعَرَبيَّة والمنطق وَالْأُصُول والميقات وعَلى البيروي فِي النَّحْو وعَلى إِبْرَاهِيم بن أَحْمد ابْن أَبى بكر فِيهِ وَفِي الْمنطق وعَلى الحسناوي فِي الْحساب وعَلى أَبِيه فِيمَا تقدم وَفِي الْأُصُول والمعاني وَالْبَيَان وَالتَّفْسِير والْحَدِيث وَالْفِقْه ثمَّ رَحل إِلَى تلمسان فبحث على ابْن مَرْزُوق وعَلى سَائِر علمائها فِي عدَّة عُلُوم مِنْهَا مَا تقدم وَمِنْهَا الْجَبْر والمقابلة والهيئة والمرايا والمناظر والأوفاق والطب والأسطرلاب والصفائح والجيوب والأرتماطيقي والموسيقا والطلمسات ثمَّ عَاد بجاية فِي سنة 844 وَقد برع فِي الْعُلُوم واتسعت دائرته وَكَثُرت معارفه وبرز على أقرانه بل على مشايخه وتصدر للإقراء ببجالة إِلَى أَن رَحل مِنْهَا فَدخل بلد عيناب وقسطينة وَحضر عِنْد علمائها ساكتا ثمَّ دخل تونس فِي سنة 850 وَحضر عِنْد جَمِيع علمائها ساكتا أَيْضا ثمَّ رَحل نَحْو المملكة المصرية فَركب الْبَحْر فساقته الريح إِلَى جَزِيرَة قبرس ثمَّ دخل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 بيروت ورحل إِلَى دمشق ثمَّ طوف بِلَاد الشَّام وقطن الْقُدس مُدَّة وشاع ذكره إِلَى أَن مَلأ الأسماع وَالْبِقَاع ثمَّ حج وَرجع إِلَى الْقَاهِرَة مَعَ الْكَمَال ابْن الباري فزادت حظوته عِنْد السُّلْطَان وأركان الدولة ودرس النَّاس فِي عدَّة فنون فبهر الْعُقُول وأدهش الْأَلْبَاب على أسلوب غَرِيب بِعِبَارَة جزلة وطلاقة كَأَنَّهَا السَّيْل بِحَيْثُ يكون جهد الْفَاضِل البحاث أَن يفهم مَا يلقيه حَتَّى قَالَ لَهُ الطّلبَة تنزل لنا فِي الْعبارَة فَإنَّا لَا نفهم جَمِيع مَا تَقول فَقَالَ لَا تنزلوني إليكم ودعوني أرقيكم إِلَى فَبعد كَذَا وَكَذَا مُدَّة حَدهَا تصيرون إِلَى فهم كلامي فَكَانَ الْأَمر كَمَا قَالَ وَكَانَ جمَاعَة من أَعْيَان تلامذته يطالعون الدَّرْس ويجتهدون فِي ذَلِك غَايَة الِاجْتِهَاد حَتَّى يظن بَعضهم أَنه يفوق عَلَيْهِ فَإِذا وَقع الدَّرْس أظهر لَهُم من المباحث مالم يخْطر لَهُم ببال مَعَ امتحانهم لَهُ مرَارًا فيجدونه فِي خلوته نَائِما غير مكترث بمطالعة وَلَا غَيرهَا قَالَ البقاعي حضرت درسه بالجامع الْأَزْهَر فِي فقه الْمَالِكِيَّة فَظهر لي أنني مَا رَأَيْت مثله وَلَا رأى هُوَ مثل نَفسه وَأَن من لم يحضر درسه لم يحضر الْعلم وَلَا سمع كَلَام الْعَرَب وَلَا رأى النَّاس بل وَلَا خرج إِلَى الْوُجُود وَقَالَ ابْن الْهمام هَذَا الرجل لَا ينْتَفع بِكَلَامِهِ وَلَا ينبغي أَن يحضر درسه إِلَّا حذاق الْعلمَاء وَذكر البقاعي أَن صَاحب التَّرْجَمَة هُوَ الذي أرشده إِلَى مَا وَضعه فِي التَّفْسِير من المناسبات بَين الْآيَات والسور وَأَنه قَالَ لَهُ الْأَمر الكلي الْمُفِيد بعرفان مناسبات الْآيَات فِي جَمِيع الْقُرْآن هُوَ أَنَّك تنظر الْغَرَض الذي سيقت إِلَيْهِ السُّورَة وَتنظر مَا يحْتَاج إِلَيْهِ ذَلِك الْغَرَض من الْمُقدمَات وَتنظر إِلَى مَرَاتِب تِلْكَ الْمُقدمَات فِي الْقرب والبعد من الْمَطْلُوب وَتنظر عِنْد انجرار الْكَلَام فِي الْمُقدمَات إِلَى ماسيتبعه من إشراف نفس السَّامع إِلَى الْأَحْكَام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 واللوازم التابعة لَهُ الَّتِى تَقْتَضِي البلاغة شِفَاء العليل بِدفع عناء الاستشراف إِلَى الْوُقُوف عَلَيْهَا فَهَذَا هُوَ الْأَمر الْكُلِّي على حكم الرَّبْط بَين جَمِيع أَجزَاء الْقُرْآن فَإِذا فعلت ذَلِك تبين لَك إن شَاءَ الله وَجه النظم مفصلا بَين كل آيَة آيَة فِي كل سُورَة سُورَة وَالله الهادي انْتهى وَمن مؤلفاته شرح جمل الخونجي وَله نظم فَمِنْهُ (برق الْفُؤَاد بدابافق بعاديا ... فتضعضعت أركاننا لرعوده) (كَيفَ الْفِرَاق وَقد تبدت شملنا ... والبين شق قُلُوبنَا بعموده) (لله أَيَّام مَضَت بسبيلها ... والدهر ينظم شملنا بعقوده) ثمَّ لم يلبث أن رغب فِي السفر عَن مصر وطوف الْبِلَاد وَركب الْبَحْر وتطور على انحاء مُخْتَلفَة وَهَيَّأْت متنوعة إِلَى أن مَاتَ غَرِيبا فريدا فِي عيناب سنة 864 أَربع وَسِتِّينَ وثمان مائَة فِي شوالها أَو الَّذِي بعده وَقد رام السخاوي رَحمَه الله مناقضة البقاعي فِيمَا وصف بِهِ صَاحب التَّرْجَمَة وَلَعَلَّ الْحَامِل لَهُ على ذَلِك مَا بَينه وَبَين البقاعي من الْعَدَاوَة كَمَا تقدم مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن يحيى ابْن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أبي الْقَاسِم بن عبد الله بن عبد الْعَزِيز بن سيد النَّاس ابْن أَبى الْوَلِيد بن مُنْذر بن عبد الْجَبَّار بن سُلَيْمَان أَبُو الْفَتْح فتح الدَّين اليعمري الإِمَام الْحَافِظ الْعَلامَة الأديب الْمَعْرُوف بِابْن سيد النَّاس ولد فِي ذي الْقعدَة سنة 671 إِحْدَى وَسبعين وسِتمِائَة وَهُوَ من بَيت رياسة بإشبيلية وَكَانَ أَبوهُ قد قدم الديار المصرية وَمَعَهُ أُمَّهَات من الْكتب كمصنف ابْن أَبى أشته وَمُسْنَده ومصنف عبد الرَّزَّاق والمحلى والتمهيد والاستيعاب والاستذكار وتاريخ ابْن أَبى خَيْثَمَة ومسند الْبَزَّار وأحضره أَبوهُ فِي سنة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 مولده على النجيب فَقبله وَأَجْلسهُ على فَخذه وكناه أَبَا الْفَتْح ثمَّ أحضرهُ فِي الرَّابِعَة على شمس الدَّين المقدسي وَسمع على القطب الْقُسْطَلَانِيّ وَابْن الْأنمَاطِي وَأكْثر عَن أَصْحَاب الكندي وَابْن طبرزذ ورحل إِلَى دمشق فَسمع من الصُّورِي وَابْن عَسَاكِر وَغَيرهمَا وَأَجَازَ لَهُ جمع جم من جِهَات مُخْتَلفَة ولازم ابْن دَقِيق الْعِيد وَتخرج بِهِ فِي أصُول الْفِقْه قَالَ الذهبي وَلَعَلَّ مشيخته يقاربون الْألف وَنسخ بِخَطِّهِ وانتقى ولازم الشَّهَادَة مُدَّة وَكَانَ طيب الْأَخْلَاق بساما صَاحب دعابة وَلعب صَدُوقًا حجَّة فِيمَا يَنْقُلهُ لَهُ بصر ناقد بالفن وخبرة بِالرِّجَالِ وَمَعْرِفَة الِاخْتِلَاف وَيَد طولى فِي علم اللِّسَان ومحاسنه جمة وَلَو أكب على الْعلم كَمَا يَنْبَغِي لشدت إِلَيْهِ الرحال وَقَالَ البرزالي كَانَ أحد الْأَعْيَان إتقانا وحفظا للْحَدِيث وتفهما فِي علله وَأَسَانِيده عَالما بصحيحه وسقيمه مستحضراً للسيرة لَهُ حَظّ من الْعَرَبيَّة حسن التصنيف صَحِيح العقيدة سريع الْقِرَاءَة جميل الْهَيْئَة كثير التَّوَاضُع طيب المجالسة خَفِيف الروح ظريف اللِّسَان لَهُ الشّعْر الرَّائِق والنثر الْفَائِق وَكَانَ محبا لطلبة الحَدِيث وَلم يخلف فِي مَجْمُوعه مثله وَقَالَ ابْن فضل الله كَانَ أحد أَعْلَام الْحفاظ وَإِمَام أهل البلاغة الواقفين بعكاظ بَحر مكثار وخبير فِي نقل الْآثَار انْتهى وَله تصانيف مِنْهَا السِّيرَة النَّبَوِيَّة الْمَشْهُورَة الَّتِى انْتفع بهَا النَّاس من أهل عصره فَمن بعدهمْ وَشرع بشرح الترمذي كتب مِنْهُ مجلدا إِلَى أَوَائِل الصَّلَاة وقفت عَلَيْهِ بِخَطِّهِ الْحسن وَلَعَلَّ تِلْكَ النُّسْخَة الَّتِى وقفت عَلَيْهَا هى المسودة فَإِنَّهَا كَثِيرَة الضَّرْب والتصحيح وَهُوَ متمتع فِي جَمِيع مَا تكلم عَلَيْهِ من فن الحَدِيث وَغَيره مَعَ الْتِزَامه لإِخْرَاج الْأَحَادِيث الَّتِى يُشِير إِلَيْهَا الترمذي بقوله وَفِي الْبَاب عَن فلَان وَفُلَان الخ وَلما وقفت على الْجُزْء الذي من شرح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 الترمذي الذي يلي هَذَا الْجُزْء للزين العراقي بهرني ذَلِك ورأيته فَوق مَا شَرحه صَاحب التَّرْجَمَة بدرجات وَله بشرى الكئيب بِذكر الحبيب قصائد نبوية وَشَرحهَا فِي مُجَلد وَله منح الْمَدْح والمقامات الْعلية فِي الكرامات الجلية وَولى التدريس بمدارس وَكَانَ محببا إِلَى النَّاس مَقْبُولًا عِنْدهم يعظمه كل أحد لاسيما أُمَرَاء مصر وأرباب رياستها قَالَ الصفدي وأقمت عِنْده بالظاهرية قَرِيبا من سنتَيْن فَكنت أرَاهُ يصلي كل صَلَاة مَرَّات كَثِيرَة فَسَأَلته عَن ذَلِك فَقَالَ خطر إِلَى أَن أصلي كل صَلَاة مرَّتَيْنِ فَفعلت ثمَّ ثَلَاثًا فَفعلت وَسَهل علي ثمَّ أَرْبعا فَفعلت قَالَ واشك هَل قَالَ خمْسا انْتهى وَهَذَا وَإِن كَانَ فِيهِ الاستكثار من الصَّلَاة الَّتِى هي خير مَوْضُوع وأجمل مَرْفُوع لَكِن الأولى أَن يتعود التَّنَفُّل بعد الْفَرَائِض على غير صفة الْفَرِيضَة فَإِن حَدِيث النهي عَن أَن تصلي صَلَاة فِي يَوْم مرَّتَيْنِ رُبمَا كَانَ شَامِلًا لمثل صُورَة صَلَاة صَاحب التَّرْجَمَة وَلَعَلَّه يَجعله خَاصّا بتكرير الْفَرِيضَة بنية الافتراض وَمن نظمه (تمناها وَمَا عقد التمائم ... وشاب وحبها فِي الْقلب دَائِم) (وطارحها الغرام بهَا فَقَالَت ... علمت فَقَالَ مَاذَا فعل عَالم) وَمن قصائده القصيدة الَّتِى مطْلعهَا (يَا بديع الْجمال سل من جمالك ... أَن يوافى عشاقه من وصالك) وَمِنْه من أَبْيَات (ظبى من التّرْك هضيم الحشا ... مهفهف الْقد رَشِيق القوام) وَكَانَ مَوته فِي شعْبَان سنة 734 أَربع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله بن نور الدَّين ابْن مفرح بن بدر الدَّين بن عُثْمَان بن جَابر ابْن ثَعْلَب بن شَدَّاد بن عَامر الْقرشِي العامري الْمَعْرُوف بِابْن الغزي الدمشقي الْعَالم الْكَبِير الْمُحَقق صَاحب التَّفْسِير الْغَرِيب جعله نظما فِي مائتي ألف بَيت وَزِيَادَة وَاخْتَصَرَهُ أَيْضا نظما وَقدمه إِلَى السُّلْطَان سُلَيْمَان بن سليم صَاحب الروم فقابله بالإجلال وَالْقَبُول وَطلب عُلَمَاء الروم وَعرض عَلَيْهِم ذَلِك التَّفْسِير وَقَالَ مَا رَأْيكُمْ فَقَالُوا نَجْتَمِع ونبذل النَّصِيحَة فَإِن وجدنَا فِيهِ زِيَادَة أَو نُقْصَانا أَو تبديلا فِي الْقُرْآن الْعَظِيم فِي حُرُوفه أَو شكله رفعنَا ذَلِك إليكم وَاسْتحق مَا يَقْتَضِيهِ الشَّرْع وَإِن وَجَدْنَاهُ على سنَن الاسْتقَامَة اسْتحق مُؤَلفه الْجَائِزَة والكرامة لِأَنَّهُ قد فعل فِي زمنك مَا لم يَفْعَله غَيره فَقَالَ لَهُم السُّلْطَان أَنْتُم مقلدون فِي هَذَا الشَّأْن فتأملوه حرفاً حرفاً فَلم يَجدوا فِيهِ تحريفاً وَلَا تغييراً وَلَا تكلفاً وَلَا تعسفاً فقضوا من ذَلِك الْعجب وأخبروا السُّلْطَان فأعظم جائزته وانفصل الْمُؤلف من الْقُسْطَنْطِينِيَّة بِمَال عَظِيم فِي غَايَة من التَّعْظِيم وَله مؤلفات كَثِيرَة وَمَات فِي سنة 985 خمس وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْحسن بن أبي الْحسن بن صَالح ابْن علي بن يحيى بن طَاهِر بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم الفارقي الأَصْل المصري أَبُو الْفَضَائِل وَأَبُو الْفَتْح وَأَبُو بكر وَهِي أشهر الْمَعْرُوف بِابْن نباتة الشَّاعِر الْمَشْهُور الْمجِيد الْمُبْدع الْفَائِق فِي جَمِيع أَنْوَاع النظم لأهل عصره وَلمن أَتَى بعدهمْ بل ولكثير مِمَّن كَانَ قبله ولد فِي ربيع الأول سنة 686 سِتّ وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وأحضره أَبوهُ على عاري الحلاوي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 فَسمع عَنهُ من الغيلانيات أَرْبَعَة أَجزَاء فَكَانَ أحد من حدث بهَا وَحدث عَن الآخرين كبهاء الدَّين بن النّحاس وَعبد الرَّحِيم بن الدميري وَأَجَازَ لَهُ جمَاعَة مِنْهُم الْفَخر بن البخاري وَنَشَأ بِمصْر وتعانى الْأَدَب فمهر فِي النّظم والنثر وَالْكِتَابَة قَالَ الْحَافِظ بن حجر فِي الدُّرَر حَتَّى فاق أقرانه وَمن تقدم ورحل إِلَى دمشق سنة 716 وَتردد إِلَى حلب وحماه وَغَيرهَا ومدح رُؤَسَاء هَذِه الْجِهَات وَله فِي الْمُؤَيد صَاحب حماه غرر المدايح وَكَذَلِكَ فِي وَلَده وَكَانَ متقللا من الدُّنْيَا لَا يزَال يشكو حَاله وَقلة مَا بِيَدِهِ وَكَثْرَة عِيَاله قَالَ الذهبي أَبُو الْفَضَائِل جمال الدَّين صَاحب النظم البديع وَله مُشَاركَة حَسَنَة فِي فنون الْعلم وشعره فِي الذرْوَة وَقَالَ ابْن رَافع حدث وبرع فِي الْأَدَب وَقَالَ ابْن كثير كَانَ حَامِل لِوَاء الشّعْر فِي زَمَانه وَله تصانيف رائقة مِنْهَا الْقطر النباتي اقْتصر فِيهِ على مقاطيع شعره وَمِنْهَا سوق الرَّقِيق اقْتصر فِيهِ على غزل قصائده وَمِنْهَا مطالع الْفَوَائِد وَهُوَ نَفِيس فِي الْأَدَب وقرظه جمَاعَة من الْفُضَلَاء فَجمع لَهُم تراجم وسماها سجع المطوق وَله الْفَاضِل من إنشاء الْفَاضِل وَشرح رِسَالَة ابْن زيدون وَغير ذَلِك وَفِي آخر عمره استدعاه النَّاصِر حسن إِلَى مصر وَذَلِكَ فِي سنة 761 وَكتب لَهُ مرسوما أنه يصرف إِلَيْهِ مَا يتجهز بِهِ وَيجمع لَهُ مَا انْقَطع من معاليمه إِلَى تَارِيخه فَجمع ذَلِك وتجهز إِلَى مصر فَقَدمهَا وَهُوَ شيخ كَبِير عَاجز فَلم يتمش لَهُ حَال وَقرر موقعا فِي الدست ثمَّ أعفي عَن الْحُضُور وَأجر لَهُ السُّلْطَان مَعْلُوما فَرُبمَا صرف إِلَيْهِ وَرُبمَا لم يصرف وَأقَام خاملا إِلَى أَن مَاتَ فِي صفر سنة 768 ثَمَان وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَله اثْنَان وَثَمَانُونَ سنة وديوان شعره مُجَلد لطيف كُله غرر وَهُوَ مَوْجُود بأيدي النَّاس وَهُوَ أشعر الْمُتَأَخِّرين على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 الاطلاق فِيمَا اعْتقد وَلَا سِيمَا فِي الغزليات مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حسن بن علي بن سُلَيْمَان بن عمر ابْن مُحَمَّد شمس الحلبي الحنفي الْمَعْرُوف بِابْن أَمِير حَاج وبابن الموقت ولد فِي ثامن عشر ربيع الأول سنة 825 خمس وَعشْرين وثمان مائَة بحلب وَنَشَأ بهَا وَأخذ عَن الزين عبد الرَّزَّاق وَغَيره وارتحل إِلَى حما فَسمع بهَا عَن ابْن الأسفر ثمَّ إِلَى الْقَاهِرَة فَسمع بهَا على الْحَافِظ بن حجر ولازم ابْن الْهمام وبرع فِي فنون وتصدى للإقراء والإفتاء وَشرح منية الْمصلى وتحرير شَيْخه ابْن الْهمام والعوامل وَغير ذَلِك وَاعْترض على شَيْخه ابْن الْهمام باعتراضات على شَرحه للهداية وأرسلها إِلَيْهِ فَأجَاب عَلَيْهِ بِمَا يقتضي عدم الرضاء بذلك وَعدم الْإِصَابَة وَمَات لَيْلَة الْجُمُعَة التَّاسِع وَالْعِشْرين من رَجَب سنة 879 تسع وَسبعين وثمان مائَة مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْخضر بن سمري الشَّمْس الزبيري العبزري الغزي الشافعي سرد ابْن حجر نسبة إِلَى الزبير بن الْعَوام وَهُوَ مَعْرُوف بالعبزري ولد بالقدس فِي ربيع الآخر سنة 724 أَربع وَعشْرين وَسَبْعمائة وَنَشَأ بِالْقَاهِرَةِ وتفقه على الشَّمْس بن عَدْلَانِ والتقى الْعَطَّار ومحى الدَّين ابْن شَارِح التَّنْبِيه وَقَرَأَ الْقرَاءَات على الْبُرْهَان الجكري ثمَّ فَارق الْقَاهِرَة وَسكن غَزَّة ثمَّ دخل دمشق فَأخذ بهَا عَن ابْن كثير والتقي السبكي وَابْن الْقيم وَغَيرهم وصنف كثيرا فَمن ذَلِك تَعْلِيق على الرافعي فِي أَربع مجلدات ومختصر الْقُوت للْأَذْرَعِيّ وأوضح المسالك فِي الْمَنَاسِك وأسنى الْمَقَاصِد فِي تَحْرِير الْقَوَاعِد وَشرح على الألفية وتوضيح مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب الأصلي وَشرح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 على جمع الْجَوَامِع سَمَّاهُ تشنيف المسامع فِي شرح جمع الْجَوَامِع وَله على الْمَتْن مناقشات سَمَّاهَا البروق اللوامع فِيمَا أورد على جمع الْجَوَامِع فَأَجَابَهُ مُصَنفه عَنْهَا فِي شَرحه الَّذِي سَمَّاهُ منع الْمَوَانِع ونظم فِي الْعَرَبيَّة أرجوزة وأفرد لنَفسِهِ تَرْجَمَة فِي جُزْء وَله سلَاح الِاحْتِجَاج فِي الذب عَن الْمِنْهَاج والغياث فِي تَفْصِيل الْمِيرَاث وآداب الْفَتْوَى والانتظام فِي أَحْوَال الْأَيْتَام وغرائب السّير ورغائب الْفِكر فِي علم الحَدِيث وتهذيب الْأَخْلَاق بِذكر مسَائِل الْخلاف والاتفاق ورسائل الْإِنْصَاف فِي علم الْخلاف وتحبير الظَّوَاهِر فِي تَحْرِير الْجَوَاهِر وأخلاق الأخيار فِي فهم الْأَذْكَار والكوكب الْمشرق فِي الْمنطق ومصباح الزَّمَان فِي الْمعَانى وَالْبَيَان وَشَرحه وسلسال الغرب فِي كَلَام الْعَرَب ودقائق الْآثَار فِي مُخْتَصر مَشَارِق الانوار والمناهل الصافية فِي حل الكافية لِابْنِ الْحَاجِب ومصنفاته كَثِيرَة جدا وَله نظم حسن فَمِنْهُ (عَدوك إما معلن أَو مكاتم ... وكل بِأَن تخشاه أَو تتقي قمن) (وزد حذرا مِمَّن تَجدهُ مكاتما ... فَلَيْسَ الَّذِي يرميك جَهرا كمن كمن) وَمَات فِي منتصف ذِي الْحجَّة سنة 808 ثَمَان وثمان مائَة مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَرَفَة أَبُو عبد الله الورغمي بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْمِيم نِسْبَة إِلَى ورغمة قَرْيَة من أفريقية التونسي المالكي عَالم الْمغرب الْمَعْرُوف بِابْن عَرَفَة ولد سنة 716 سِتّ عشرَة وَسَبْعمائة وتفقه ببلاده على أبي عبد الله بن عبد السَّلَام الهواري شَارِح مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب الفرعي وَعنهُ أَخذ الْأُصُول وَقَرَأَ الْقرَاءَات على ابْن سَلامَة الْأنْصَارِيّ وَسمع على جمَاعَة هُنَاكَ وَمهر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 فِي الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول وَصَارَ المرجوع إِلَيْهِ بالمغرب وتصدى لنشر الْعلم مَعَ الْجَلالَة عِنْد السُّلْطَان فَمن دونه وَالدّين المتين والتوسع فِي الدُّنْيَا والتظاهر بِالنعْمَةِ فِي مأكله وملبسه وَكَثْرَة الصَّدَقَة وَالْإِحْسَان إِلَى الطّلبَة مَعَ إخفائه لذَلِك وَقدم لِلْحَجِّ فِي سنة 796 وَأَجَازَ لِابْنِ حجر وصنف مجموعا فِي الْفِقْه سَمَّاهُ الْمَبْسُوط فِي سَبْعَة أسفار وَاخْتصرَ الجوفي فِي الْفَرَائِض وعلق عَنهُ بعض أهل الْعلم كلَاما فِي التَّفْسِير فِي مجلدين كَانَ يلتقطه حَال الْقِرَاءَة عَلَيْهِ وصنف فِي كل من الْأَصْلَيْنِ مُخْتَصرا وَكَذَا فِي الْمنطق وَمَات فِي رَابِع وَعشْرين جُمَادَى الْآخِرَة سنة 803 ثَلَاث وثمان مائَة مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن إِبْرَاهِيم بن عبد الْخَالِق الْمُحب أَبُو الْقَاسِم النويري الْمَيْمُونِيّ القاهري الْمَالِكِي الْمَعْرُوف بِأبي الْقَاسِم النويري نِسْبَة إِلَى نُوَيْرَة قَرْيَة من قرى الصَّعِيد ولد فِي رَجَب سنة 801 إحدى وثمان مائَة بالميمون وَهُوَ أَيْضا قَرْيَة من قرى مصر وَقدم الْقَاهِرَة فحفظ الْقُرْآن وعدة مختصرات وتلا بالعشر على غير وَاحِد مِنْهُم ابْن الجزري لقِيه بِمَكَّة ولازم الْبِسَاطِيّ وَأخذ عَن الهروي وَابْن حجر والزين الزركشي وَأخذ عَن غَيرهم وبرع فِي الْفِقْه والأصلين والنحو وَالصرْف وَالْعرُوض والقوافي والمنطق والمعاني وَالْبَيَان والحساب والفلك والقراءات وَغَيرهَا وصنف فِي أَكثر هَذِه الْفُنُون فَمن ذَلِك تَكْمِيل شرح الْمُخْتَصر الفرعي وَشرح أَيْضا كلا مختصري ابْن الْحَاجِب الأصلي والفرعي وَشرح التَّنْقِيح للقرافي فِي مُجَلد ونظم أرجوزة فِي النَّحْو وَالصرْف وَالْعرُوض والقوافي فِي خمس مائَة بَيت وَخَمْسَة وَأَرْبَعين بَيْتا وَشَرحهَا وَله مُقَدّمَة فِي النَّحْو ومنظومة فِي الْقرَاءَات الثَّلَاث الزايدة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 على السَّبع وَشَرحهَا ونظم نزهة ابْن الهايم وَشَرحهَا وَله قصيدة فِي علم الْفلك وَشَرحهَا وَشرح طيبَة النشر فِي الْقرَاءَات الْعشْر لشيخه ابْن الجزري فِي مجلدين وَله القَوْل الجاز من قَرَأَ بالشاذ وَحج وجاور وَأقَام بغزة والقدس ودمشق وَغَيرهَا من الْبِلَاد وانتفع بِهِ النَّاس فِي هَذِه النواحي قَالَ السخاوي وَكَانَ إماما عَلامَة متفننا فصيحا مفوها بحاثاً ذكياً آمراً بِالْمَعْرُوفِ ناهياً عَن الْمُنكر صَحِيح العقيدة شهما مترفعا على بني الدُّنْيَا مغلظا لَهُم فِي القَوْل متواضعا للطلبة والفقراء وَرُبمَا يفرط ذَا كرم بِالْمَالِ وَالْإِطْعَام يتكسب بِالتِّجَارَة بِنَفسِهِ وَبِغَيْرِهِ مستغنيا عَن وظائف الْفُقَهَاء عرض عَلَيْهِ التدريس بمدارس وَالْقَضَاء فَأبى مَاتَ يَوْم الِاثْنَيْنِ رَابِع جُمَادَى الأولى سنة 897 سبع وَتِسْعين وثمان مائَة بِمَكَّة مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن علي بن يُوسُف الدمشقي ثمَّ الشيرازي المقري الشافعي الْمَعْرُوف بِابْن الجزري نِسْبَة إِلَى جَزِيرَة ابْن عمر قرب الْموصل كَانَ أَبوهُ تَاجِرًا فَمَكثَ أَرْبَعِينَ سنة لَا يُولد لَهُ ولد ثمَّ حج فَشرب مَاء زَمْزَم بنية أَن يرزقه الله ولدا عَالما فولد لَهُ صَاحب التَّرْجَمَة فِي لَيْلَة السبت الْخَامِس وَالْعِشْرين من رَمَضَان سنة 751 إحدى وَخمسين وَسَبْعمائة بِدِمَشْق فَنَشَأَ بهَا فَأخذ الْقرَاءَات عَن جمَاعَة ثمَّ رَحل إِلَى الْقَاهِرَة فَسمع من جمَاعَة كأصحاب الْفَخر بن البخاري وَأَصْحَاب الدمياطي ورحل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فَقَرَأَ على أَهلهَا كَابْن الدماميني وجد فِي طلب الحَدِيث بِنَفسِهِ وَكتب الطباق وَأخذ الْفِقْه عَن الأسنوي والبلقيني والبهاء السبكي وَأخذ الْأُصُول والمعاني وَالْبَيَان عَن الضياء القرمي والْحَدِيث عَن الْعِمَاد بن كثير والعراقي وَاشْتَدَّ شغفه بالقراءات حَتَّى جمع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 الْعشْر ثمَّ الثَّلَاث عشرَة وتصدى للإقراء بِجَامِع بني أُميَّة ثمَّ دخل بِلَاد الروم سنة 798 واتصل بالسلطان بايزيد خَان فَأكْرمه وعظمه فنشر هُنَالك علم الْقرَاءَات والْحَدِيث وانتفعوا بِهِ فَلَمَّا دخل تيمورلنك بِلَاد الروم أَخذه مَعَه إِلَى سَمَرْقَنْد فَأَقَامَ بهَا ناشرا للْعلم وَكَانَ وُصُوله إِلَيْهَا سنة 805 وَلما مَاتَ تيمور فِي شعْبَان سنة 807 خرج من سَمَرْقَنْد إِلَى خُرَاسَان وَدخل هراة ثمَّ دخل مَدِينَة يزدْ ثمَّ أصبهان ثمَّ شيراز وانتفع بِهِ النَّاس فِي جَمِيع هَذِه الْجِهَات لَا سِيمَا فِي الْقرَاءَات وألزمه سُلْطَان شيراز أَن يلي قضاءها فَأجَاب مكْرها ثمَّ خرج مِنْهَا إِلَى الْبَصْرَة ثمَّ جاور بِمَكَّة وَالْمَدينَة سنة 823 ثمَّ قدم دمشق سنة 827 ثمَّ الْقَاهِرَة وَاجْتمعَ بالسلطان الْأَشْرَف فَعَظمهُ وأكرمه وتصدى للإقراء والتحديث ثمَّ عَاد إِلَى مَكَّة وَدخل الْيمن فَعَظمهُ صَاحبهَا وأكرمه وَأخذ عَنهُ جمَاعَة من عُلَمَاء الْيمن وَعَاد إِلَى مَكَّة ثمَّ إِلَى الْقَاهِرَة ثمَّ إِلَى الشيراز وَله تصانيف كَثِيرَة نافعة مِنْهَا النشر فِي الْقرَاءَات الْعشْر فِي مجلدين والتمهيد فِي التجويد واتحاف المهرة فِي تَتِمَّة الْعشْرَة وإعانة المهرة فِي الزِّيَادَة على الْعشْرَة ونظم طيبَة النشر فِي الْقرَاءَات الْعشْر فِي ألف بَيت ونظم الْمُقدمَة فِيمَا على قاريه أَن يُعلمهُ والتوضيح فِي شرح المصابيح والبداية فِي عُلُوم الرِّوَايَة وَالْهِدَايَة فِي فنون الحَدِيث وطبقات الْقُرَّاء فِي مُجَلد ضخم وغايات النهايات فِي أَسمَاء رجال القراآت والحصن الْحصين من كَلَام سيد الْمُرْسلين وعدة الْحصن الْحصين وجنة الْحصن الْحصين والتعريف بالمولد الشريف وَعقد اللئالى فِي الْأَحَادِيث المسلسلة الغوالى والمسند الأحمد فِيمَا يتَعَلَّق بِمُسْنَد أَحْمد وَالْقَصْد الأحمد فِي رجال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 مُسْند أَحْمد والمقصد الأحمد فِي ختم مُسْند أَحْمد وأسنى المناقب فِي فضل علي بن أبي طَالب والجوهرة فِي النَّحْو وَغير ذَلِك وَكَانَ تصنيفه لهَذِهِ المصنفات فِي الْجِهَات الَّتِى تقدم ذكرهَا وَقد تفرد بِعلم القراآت فِي جَمِيع الدُّنْيَا ونشره فِي كثير من الْبِلَاد وَكَانَ أعظم فنونه وَأجل مَا عِنْده وَمَات بشيراز يَوْم الْجُمُعَة خَامِس ربيع الأول سنة 833 ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وثمان مائَة وَحكى صَاحب الشقائق النعمانية فِي عُلَمَاء الدولة العثمانية أَن صَاحب التَّرْجَمَة لما وصل هُوَ وتيمور إِلَى سَمَرْقَنْد عمل تيمور هُنَالك وَلِيمَة عَظِيمَة وَجعل على يسَاره أكَابِر الْأُمَرَاء وعَلى يَمِينه الْعلمَاء فَقدم صَاحب التَّرْجَمَة على السَّيِّد شرِيف الجرجانى الْمُقدم ذكره فعوتب فِي ذَلِك فَقَالَ فَكيف لَا أقدم رجلا عَارِفًا بِالْكتاب وَالسّنة السَّيِّد مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد ابْن عبد الله بن فَهد التقي الهاشمي العلوي الأصفوني ثمَّ المكي الشافعي الْمَعْرُوف كسلفه بِابْن فَهد ولد فِي عَشِيَّة الثُّلَاثَاء خَامِس ربيع الثاني سنة 787 سبع وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة بأصفون من صَعِيد مصر ثمَّ انْتقل بِهِ أَبوهُ إِلَى مَكَّة فحفظ بهَا مختصرات وَسمع الْكثير على مَشَايِخ بَلَده والقادمين إِلَيْهَا وَكتب عَمَّن دب ودرج وَكَانَ من جملَة من أَخذ عَنهُ المراغي وَأَبُو الْيمن الطبري وَسمع بِالْمَدِينَةِ عَن أَهلهَا وَدخل الْيمن فلقي أكابرها كالمجد صَاحب الْقَامُوس وَسمع مِنْهُ وَمن غَيره وبرع فِي الحَدِيث وفَاق أقرانه وَصَارَ الْمعول عَلَيْهِ فِي هَذَا الشَّأْن بِبِلَاد الْحجاز قاطبة وانتفع بِهِ النَّاس وَألف مؤلفات مِنْهَا الباهر الساطع من سيرة ذي الْبُرْهَان الْقَاطِع وَفِي سيرة الْخُلَفَاء والملوك فِي مجلدين وَكَذَا فِي أذكار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 الْكتاب وَالسّنة والمطالب السّنيَّة العوالي بِمَا لقريش من المفاخر والمعالي وبهجة الدماثة بِمَا ورد فِي فضل الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة وطرق الْإِصَابَة بِمَا جَاءَ فِي فَضَائِل الصَّحَابَة وتحفة الْعلمَاء الأتقياء بِمَا جَاءَ فِي قصَص الْأَنْبِيَاء وتأميل نِهَايَة التَّقْرِيب وتكميل التَّهْذِيب جمع فِيهِ بَين تَهْذِيب الْكَمَال ومختصريه للذهبي وَابْن حجر والأشراف على جَمِيع النكت الظراف وتحفة الْأَشْرَاف بِمَعْرِِفَة الْأَطْرَاف فِي ثَلَاث مجلدات وذيل على طَبَقَات الْحفاظ وَمَات يَوْم السبت سَابِع ربيع الأول سنة 871 إحدى وَسبعين وَثَمَانمِائَة بِمَكَّة وَمن نظمه (قَالَت حَبِيبَة قلبي عِنْدَمَا نظرت ... دموع عيني على الْخَدين تستبق) (فِيمَا الْبكاء وَقد نلْت المنى زَمنا ... فَقلت خوف الْفِرَاق الدمع يندفق) مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْعَلَاء البخاري العجمي الحنفي ولد سنة 779 تسع وَسبعين وَسَبْعمائة بِبِلَاد الْعَجم وَنَشَأ بهَا فَأخذ عَن أَبِيه وَعَن السعد التفتازاني وَآخَرين وارتحل فِي شبيبته إِلَى الأقطار لطلب الْعلم إِلَى أَن تقدم فِي الْفِقْه والأصلين والعربية واللغة والمنطق والجدل والمعاني وَالْبَيَان والبديع وَغير ذَلِك من المعقولات والمنقولات وترقى فِي التصوف وَمهر فِي الأدبيات وَتوجه إِلَى بِلَاد الْهِنْد وَنشر الْعلم هُنَالك وَكَانَ مِمَّن قَرَأَ عَلَيْهِ ملكهَا ثمَّ قدم مَكَّة فجاور بهَا ثمَّ قدم الْقَاهِرَة فَأَقَامَ بهَا سِنِين وانثال عَلَيْهِ الطّلبَة من كل مَذْهَب وعظمه الأكابر وَغَيرهم بِحَيْثُ كَانَ إِذا اجْتمع عِنْده الْقُضَاة يكونُونَ عَن يَمِينه وَعَن يسَاره كالسلطان وَإِذا حضر عِنْده أَعْيَان الدولة بَالغ فِي وعظهم والإغلاظ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 عَلَيْهِم وتراسل السُّلْطَان مَعَهم بِمَا هُوَ أَشد فِي الإغلاظ مَعَ كَونه لَا يحضر مَجْلِسه وَهُوَ مَعَ هَذَا لَا يزْدَاد إلا جلالا ورفعة ومهابة فِي الْقُلُوب وَاتفقَ فِي بعض الْمجَالِس عِنْده جرى ذكر ابْن عربي وَكَانَ يكفره ويقبحه وكل من يَقُول بمقالته فشرع الْعَلَاء فِي تَقْرِير ذَلِك وَوَافَقَهُ أَكثر من حضر إِلَّا الْبِسَاطِيّ فَقَالَ إِنَّمَا يُنكر النَّاس عَلَيْهِ ظَاهر الْأَلْفَاظ الَّتِى يَقُولهَا وَإِلَّا فَلَيْسَ فِي كَلَامه مَا يُنكر إِذا حمل لَفظه على معنى صَحِيح بِضَرْب من التَّأْوِيل وَمن جملَة مَا دَار فِي ذَلِك إنكار الْوحدَة وَقرر الْعَلَاء إنكار ذَلِك فَقَالَ لَهُ البساطي أَنْتُم مَا تعرفُون الْوحدَة الْمُطلقَة فَلَمَّا سمع ذَلِك استشاط غَضبا وَصَاح بِأَعْلَى صَوته أَنْت مَعْزُول وَلَو لم يعزلك السُّلْطَان يعْنى لتضمن ذَلِك كفره عِنْده وَاسْتمرّ يَصِيح وَأقسم بِاللَّه إِن السُّلْطَان إِن لم يعزله من الْقَضَاء ليخرجن من مصر فأشير على البساطي بمفارقة الْمجْلس إخمادا للفتنة وَبلغ السُّلْطَان ذَلِك فَأمر بإحضار الْقُضَاة عِنْده فَحَضَرُوا فَسَأَلَهُمْ عَن مجْلِس الْعَلَاء فقصه كَاتب السِّرّ وَهُوَ مِمَّن حضر الْمجْلس فَسَأَلَ السُّلْطَان الْحَافِظ بن حجر عَن تَكْفِير الْعَلَاء للبساطي وماذا يستحسن هَل الْعَزْل أَو التَّعْزِير فَقَالَ ابْن حجر لَا يجب عَلَيْهِ شئ بعد اعترافه وَكَانَ البساطي قد اعْترف بِكفْر ابْن عربي فِي مجْلِس السُّلْطَان وَأرْسل السُّلْطَان إلى الْعَلَاء يترضاه فَأبى ورحل عَن مصر وَكَانَ قد أرسل إِلَيْهِ قبل رحلته عَن مصر سُلْطَان الْهِنْد بِثَلَاثَة آلَاف شاش ففرقها على الطّلبَة الملازمين لَهُ وَبعد ارتحاله سكن دمشق وصنف رِسَالَة سَمَّاهَا فاضحة الْمُلْحِدِينَ زيف فِيهَا ابْن عربي وَأَتْبَاعه واتفقت لَهُ حوادث بِدِمَشْق مِنْهَا أَنه كَانَ يسئل عَن مقالات ابْن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 تَيْمِية الَّتِى انْفَرد بهَا فيجيب بِمَا يظْهر لَهُ من الْخَطَأ وينفر عَنهُ قلبه إِلَى أَن استحكم ذَلِك عَلَيْهِ فَصرحَ بتبديعه ثمَّ تكفيره ثمَّ صَار يُصَرح فِي مَجْلِسه أَن من أطلق على ابْن تَيْمِية أَنه شيخ الْإِسْلَام فَهُوَ بِهَذَا الإطلاق كَافِر فَانْتدبَ للرَّدّ عَلَيْهِ الْحَافِظ بن نَاصِر وصنف كتابا سَمَّاهُ الرَّد الوافر على من زعم أَن من أطلق على ابْن تَيْمِية أَنه شيخ الْإِسْلَام كَافِر جمع فِيهِ كَلَام من أطلق عَلَيْهِ ذَلِك من الْأَئِمَّة الْأَعْلَام من أهل عصره من جَمِيع أهل الْمذَاهب سوى الْحَنَابِلَة وَضَمنَهُ الْكثير من تَرْجَمَة ابْن تَيْمِية وَذكر مناقبه وَأرْسل بنسخة مِنْهُ إِلَى الْقَاهِرَة فقرظه جمَاعَة من أعيانها كَابْن حجر وَالْعلم البلقيني والعيني والبساطي وَكتب الْعَلَاء كتابا إِلَى السُّلْطَان يغريه بمصنف الرسَالَة وبالحنابلة فَلم يلْتَفت السُّلْطَان إِلَى ذَلِك وَمَا كَانَ أغْنى صَاحب التَّرْجَمَة ذَلِك وَلَكِن الشَّيْطَان لَهُ دقايق لَا سِيمَا فِي مثل من هُوَ فِي هَذِه الطَّبَقَة من الزّهْد وَالْعلم قَالَ السخاوي وَيُقَال أن جنية كَانَت تَابِعَة للعلاء وَكَانَت تَأتيه فِي شكل حسن وَتارَة فِي شكل قَبِيح فتتراءى لَهُ من بعيد وَهُوَ مَعَ النَّاس فيغمض عَيْنَيْهِ وَيقْرَأ ويغيب عَن النَّاس فيظن أَنه خشوع وتلاوة وَكَانَ شَدِيد النفرة مِمَّن يلي الْقَضَاء وَنَحْوه من جماعته وَلَكِن لما ولي الْكَمَال بن البراري قَضَاء الشَّام أظهر السرُور وَقَالَ الْآن أَمن النَّاس على دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالهمْ وَكَانَ كثير الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ والنهي عَن الْمُنكر وَمَات يَوْم الْخَمِيس الثَّالِث وَالْعِشْرين من رَمَضَان سنة 814 إحدى وَأَرْبَعين وثمان مائَة بالمرة وَدفن بسطحها وَقَالَ المقري فِي عقوده كَانَ يسْلك طَرِيقا من الْوَرع فيسمح فِي أَشْيَاء يحملهُ عَلَيْهَا بعده عَن معرفَة السّنَن والْآثَار وانحرافه عَن الحَدِيث وَأَهله بِحَيْثُ كَانَ ينْهَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 عَن النظر فِي كَلَام النووي وَيَقُول هُوَ ظَاهر ويحض على كتب الغزالى انْتهى ومن هَذِه الْحَيْثِيَّة قَالَ فِي ابْن تَيْمِية مَا قَالَ وَلَيْسَ فِي علم إنسان خير إِذا كَانَ لَا يعرف علم الحَدِيث وَإِن بلغ فِي التَّحْقِيق إِلَى مَا ينَال مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مَحْمُود بن الشهَاب غازى بن ايوب ابْن حسام الدَّين مَحْمُود شحنة حلب الْمُحب أَبُو الْفضل الحلبي الحنفي الْمَعْرُوف كسلفه بِابْن الشّحْنَة ولد فِي رَجَب سنة 804 أَربع وثمان مائَة بحلب وَنَشَأ بهَا فَأخذ عَن جمَاعَة من أعيانها كالبدر بن سَلامَة وَابْن خطيب الناصرية ورحل إِلَى دمشق والقاهرة فَأخذ عَن أعيانهما وَكَانَ يتوقد ذكاء وفطنة حَتَّى أنه سَأَلَهُ عَمه وَهُوَ ابْن اثنتي عشر سنة أنه يُعَارض قَول الشَّاعِر (أمط اللثام عَن العذار السايل ... ليقوم عذري فِيك بَين عواذلي) فَقَالَ بديهة (اكشف لثامك عَن عذارك قاتلي ... لتَمُوت غبنا ان رأتك عواذلى) وَولى قَضَاء حلب وَكَثِيرًا من أمورها حَتَّى صَار الْمرجع إِلَيْهِ فِي غَالب الْأَشْيَاء بهَا ثمَّ ولي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِمصْر وَكِتَابَة سرها وَجَرت لَهُ أُمُور يطول شرحها حَسْبَمَا بَسطه السخاوى فِي الضَّوْء اللامع وَله تصانيف مِنْهَا شرح الْهِدَايَة كتب مِنْهُ إِلَى آخر الْغسْل فِي خَمْسَة مجلدات واختصار الْمنَار واختصار النشر وَشرح العقائد وَالْكَلَام على التَّلْخِيص وترتيب مبهمات ابْن بشكوال وطبقات الْحَنَفِيَّة فِي مجلدات وَكَانَ فصيحا مفوها ذَا رياسة وحشمة وافرة وجلالة عِنْد السلاطين فَمن دونهم وأبهة زَائِدَة وميل إلى المناصب وقدرة على تَحْصِيلهَا ودراية فِي كل ذَلِك وَمَات يَوْم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 الْأَرْبَعَاء سادس عشر الْمحرم سنة 890 تسعين وثمان مائَة مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مَحْمُود الحلبي الحنفي الْمَعْرُوف بِابْن الشّحْنَة الْكَبِير وَالِد الْمَذْكُور قبله ولد سنة 749 تسع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة بحلب وَنَشَأ بهَا وَأخذ عَن شُيُوخ بَلَده والقادمين إِلَيْهَا وارتحل إِلَى دمشق والقاهرة فَأخذ عَن أعيانها وَأذن لَهُ شَيْخه فِي الْإِفْتَاء والتدريس قبل أَن يلتحي واشتهرت فضايله وَولى قَضَاء بَلَده وَولى قَضَاء مصر ودمشق وَلما فتح تيمورلنك حلب وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة بهَا فَاسْتَحْضرهُ هُوَ وَطَائِفَة من الْعلمَاء وسألهم عَن الْقَتْلَى من الطَّائِفَتَيْنِ من أَصْحَابه وَمن أهل حلب من فِي الْجنَّة مِنْهُم وَمن فِي النَّار فَقَالَ صَاحب التَّرْجَمَة هَذَا سُؤال قد سُئِلَ عَنهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاستنكر تيمورذلك فَقَالَ لَهُ إن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن الرجل يُقَاتل شجاعة وَالرجل يُقَاتل حمية كَمَا فِي الحَدِيث فَقَالَ من قَاتل لتَكون كلمة الله هِيَ الْعليا فَهُوَ فِي سَبِيل الله فَاسْتحْسن تيمور كَلَامه وَللَّه دره فَلَقَد لقن الصَّوَاب وَجَاء بِمَا لم يكن فِي حِسَاب وَلم يكن لتيمور مقصد بالسؤال الْمَذْكُور إِلَّا التَّوَصُّل إِلَى سفك دَمه وَدم من مَعَه من الْعلمَاء كَمَا جرت بذلك عاداته فَإِنَّهُم إن قَالُوا إن المحقين أَصْحَابهم لم يأمنوا شَره وَإِن قَالُوا إن المحقين أَصْحَابه أقرُّوا على أنفسهم بالغي ويجد بذلك السَّبِيل إِلَى سفك دِمَائِهِمْ وَله مؤلف فِي التَّفْسِير وحاشية على الْكَشَّاف وَلم يكمل ومختصر فِي الْفِقْه وَاخْتصرَ منظومة النسفي فِي ألف بَيت مَعَ زِيَادَة مَذْهَب أَحْمد ونظم ألف بَيت فِي عشرَة عُلُوم وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ من أَفْرَاد الدَّهْر علماً وفصاحة وعقلاً ورياسة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 وانْتهى أمره إِلَى أَن ترك التَّقْلِيد واجتهد وناهيك بذلك من مثله فِي عصره ومصره فَإِن هَذَا بَاب قد سد مُنْذُ دهر وَله تَارِيخ مُخْتَصر وقفت عَلَيْهِ جعله مُخْتَصرا من تَارِيخ الْمُؤَيد صَاحب حماه وَزَاد عَلَيْهِ إِلَى زَمَانه وَشرح فِيهِ واقعته مَعَ تيمور حَسْبَمَا تقدمت الْإِشَارَة إِلَى ذَلِك وَله سيرة نبوية ورحلة وَمن نظمه (كنت بخفض الْعَيْش فِي رفْعَة ... منتصب الْقَامَة ظلي ظَلِيل) (فاحدودب الظّهْر وَهَا أضلعي ... تعد والأعين مني تسيل) وَمَات يَوْم الْجُمُعَة ثاني ربيع الآخر سنة 815 خمس عشرَة وثمان مائَة السَّيِّد مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن هَاشم بن يحيى الشَّامي نِسْبَة إِلَى جمَاعَة من السَّادة الواصلين إِلَى الْيمن من الشَّام يسكنون بِبِلَاد خولان الصَّنْعَانِيّ سَيَأْتِي تَمام نسبه فِي تَرْجَمَة جده ولد سنة 1178 ثَمَان وَسبعين وَمِائَة وَألف وَنَشَأ بِصَنْعَاء فَأخذ فِي أَنْوَاع من الْعلم على جمَاعَة من أعيانها وَقَرَأَ علي فِي النَّحْو وَالصرْف والمنطق والمعاني وَالْبَيَان وَالْأُصُول والْحَدِيث وَهُوَ من خِيَار السَّادة ونبلاء الْفُضَلَاء القادة لَهُ من محَاسِن الْأَخْلَاق وَمَكَارِم الصِّفَات ماليس لغيره مَعَ عقل رصين وَدين متين واشتغال بِخَاصَّة النَّفس وتفويض للأمور وعفاف وَعزة نفس وَهُوَ من بَيت معمور بالآدب والعلوم وَسَيَأْتِي ذكر أبيه وجده إن شَاءَ الله وَهُوَ الْآن فِي الْحَيَاة عَامله الله بألطافه وَله نظم قد كتب إلي مِنْهُ كثيرا وَلم يحضر حَال تَحْرِير هَذِه التَّرْجَمَة شَيْء مِنْهُ وَهُوَ الْآن يقْرَأ علي فِي شرحي للمنتقى ويحصله بِخَطِّهِ وَفِي مؤلفي الْمُسَمّى بالدرر وَشَرحه المسمى بالدراري الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 وَغير ذَلِك من مؤلفاتي وَغَيرهَا مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن وَقيل مُحَمَّد بن حَمْزَة الفنادي وَيُقَال الفناري بالراء مَكَان الدَّال الْمُهْملَة نِسْبَة إِلَى قَرْيَة مُسَمَّاة كفساد كَمَا قَالَ الأسيوطي حاكيا لذَلِك عَن جد صَاحب التَّرْجَمَة ولد فِي صفر سنة 751 إِحْدَى وَخمسين وَسَبْعمائة وَأخذ عَن عَلَاء الدَّين الْأسود وشارح المغني والوقاية وَعَن مُحَمَّد الأقسرائي ببلاده وارتحل إِلَى مصر وَأخذ عَن الشَّيْخ أكمل الدَّين وَغَيره ثمَّ رَجَعَ إِلَى الروم فولي قَضَاء بروسا وارتفع قدره عِنْد ابْن عُثْمَان جدا وَحل عِنْده الْمحل الْأَعْلَى فَصَارَ فِي معنى الْوَزير واشتهر ذكره وشاع فَضله قَالَ ابْن حجر كَانَ عَارِفًا بِعلم الْعَرَبيَّة والمعاني وَالْبَيَان والقراآت كثير الْمُشَاركَة فِي الْفُنُون وَكَانَ حسن السمت كثير الْفضل والإفضال وَلما دخل الْقَاهِرَة يُرِيد الْحَج اجْتمع بِهِ فضلاء الْعَصْر وذاكروه وباحثوا وشهدوا لَهُ بالفضيلة ثمَّ رَجَعَ وَكَانَ قد أثرى إِلَى الْغَايَة حَتَّى يُقَال إن عِنْده من النَّقْد خَاصَّة مائَة وَخمسين ألف دِينَار وَحج سنة 823 فَلَمَّا رَجَعَ طلبه الْمُؤَيد فَدخل الْقَاهِرَة وَاجْتمعَ بفضلائها ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْقُدس فزار ثمَّ رَجَعَ إِلَى بِلَاده ثمَّ حج فِي سنة 833 وَرجع إِلَى بِلَاده وَمَات بِشَهْر رَجَب من هَذِه السّنة وَقيل فِي الَّتِي بعْدهَا وَهُوَ مُصَنف فُصُول الْبَدَائِع فِي أصُول الشَّرَائِع جمع فِيهِ الْمنَار والبزدوى ومحصول الإِمَام الرازى ومختصر ابْن الحاحب وَغير ذَلِك وَأقَام فِي عمله ثَلَاثِينَ سنة وَهُوَ من أجل الْكتب الْأُصُولِيَّة وأنفعها وأكثرها فَوَائِد وَله تَفْسِير للفاتحة ورسالة أَتَى فِيهَا بمسائل من مائَة فن وَتكلم فِيهَا على مسَائِل مشكلة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 وسماها نموذج الْعُلُوم وَله منظومة فِي عشْرين فَنًّا أَتَى فِي كل فن بمسئلة وَغير أَسمَاء تِلْكَ الْفُنُون بطرق الألغاز امتحانا لفضلاء دهره وَلم يقدروا على تعْيين فنونها فضلا عَن حل مسائلها مَعَ إنه قَالَ إنه عمل ذَلِك فِي يَوْم وَقد حلهَا ابْنه مُحَمَّد وَكتب منظومة يتَضَمَّن الْجَواب على منظومة وَالِده وَلِصَاحِب التَّرْجَمَة شرح على الرسَالَة الأثيرية فِي الْمنطق وَذكر أنه عمل ذَلِك فِي يَوْم وَشرح الفرايض السِّرَاجِيَّة وَله تعليقة على شرح المواقف للسَّيِّد شرِيف الجرجاني وَأَخذه مؤاخذات لَطِيفَة وَقد انْتفع بِعِلْمِهِ الطّلبَة فِي بِلَاد الروم مَعَ اشْتِغَاله بِالْقضَاءِ وَكَانَ لَهُ جلالة وأبهة بِحَيْثُ ان عبيده لَا يكَاد يُحصونَ مِنْهُم اثْنَا عشر مُلْبسُونَ الثِّيَاب الفاخرة النفيسة وَله جوَار عدَّة مِنْهُنَّ أربعون تلبس القلانس الذهبية وَمَعَ ذَلِك كَانَ متزهدا فِي ملبوسه على زي الصُّوفِيَّة وَكَانَ يَقُول إِذا عوتب فِي ذَلِك إن ثيابي وطعامي من كسب يدي وَلَا يفي كسبي بِأَحْسَن من ذَلِك وَخلف ثروة عَظِيمَة فِيهَا من الْكتب نَحْو عشرَة آلَاف وَمن تصلبه فِي الدَّين وتثبته فِي الْقَضَاء أَنه رد شَهَادَة سُلْطَان الروم فِي قَضِيَّة فَسَأَلَهُ السُّلْطَان عَن سَبَب ذَلِك فَقَالَ إنك تَارِك للْجَمَاعَة فَبنى السُّلْطَان قُدَّام قصره جَامعا وَعين لنَفسِهِ فِيهِ موضعا وَلم يتْرك الْجَمَاعَة بعد ذَلِك فَللَّه در هَذَا الْعَالم الصادع بِالْحَقِّ مَعَ مَا هُوَ فِيهِ من التقلب فِي نعْمَة سُلْطَانه الَّتِى سَمِعت بعض وصفهَا وَرب عَالم لَا يقدر على الْكَلِمَة الْوَاحِدَة فِي الْحق لمن لَهُ عَلَيْهِ أدنى نعْمَة مَخَافَة من زَوَالهَا بل رب عَالم يمنعهُ رَجَاء الْعَطِيَّة ونيل الرُّتْبَة السّنيَّة عَن التَّكَلُّم بِالْحَقِّ وَلم يكن بِيَدِهِ إلا مُجَرّد الأماني الأشعبية ورحم الله هَذَا السُّلْطَان الذي سمع الْحق فَاتبع وَلم تصده سُورَة الْملك وَمَا هُوَ فِيهِ من سُلْطَان الذي كَاد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 يطبق الأَرْض عَن قبُول ذَلِك وَهَذَا السُّلْطَان المرحوم هُوَ السُّلْطَان بايزيد ابْن مُرَاد الْمُتَقَدّم ذكره ثمَّ إنه جرى بَين صَاحب التَّرْجَمَة وَبَين السُّلْطَان الْمَذْكُور بعض الْمُخَالفَة فارتحل إِلَى بِلَاد قرمان وَترك مناصبه قَالَ صَاحب الشقايق النعمانية وَعين لَهُ صَاحب قرمان فِي كل يَوْم ألف دِرْهَم ولطلبته كل يَوْم خَمْسمِائَة دِرْهَم ثمَّ إن السُّلْطَان الْمَذْكُور نَدم على مَا فعل فِي حق صَاحب التَّرْجَمَة فَأرْسل إِلَى صَاحب قرمان يستدعيه مِنْهُ فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِك وَعَاد إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَقد كَانَ ضعف بَصَره ثمَّ شفي فحج شكرا لله الْحجَّة الْآخِرَة الْمُتَقَدّم ذكرهَا ويروي أَن وَزِير السُّلْطَان قَالَ فِي بعض الْأَيَّام أَرْجُو الله أَن أصلي على هَذَا الشَّيْخ الْأَعْمَى يعْنى صَاحب التَّرْجَمَة فَسَمعهُ فَقَالَ إنه جَاهِل لَا يحسن الصَّلَاة على الْمَيِّت وَأَرْجُو الله أَن يشفيني ويعميه واصلي عَلَيْهِ فشفاه الله وكحل السُّلْطَان الْوَزير بحديدة محماة فَعمى ثمَّ مَاتَ وَصلى عَلَيْهِ صَاحب التَّرْجَمَة ويروي فِي سَبَب عمى المترجم لَهُ انه لما سمع أَن الأَرْض لَا تَأْكُل لُحُوم الْعلمَاء العاملين نبش قبر أستاذه عَلَاء الدَّين الْأسود ليتَحَقَّق ذَلِك فَوَجَدَهُ كَمَا وضع مَعَ أَنه قد مر عَلَيْهِ زمَان طَوِيل فَسمع عِنْد ذَلِك صَوتا يَقُول هَل صدقت أعمى الله بَصرك وَقد تَرْجمهُ السخاوي فِي الضَّوْء اللامع تَرْجَمَة مختصرة فَقَالَ مُحَمَّد بن حَمْزَة بن مُحَمَّد العثماني الشهير بِابْن الفناري كتب على استدعاء فِي ثاني عشر ذي الْحجَّة سنة 822 حِين حج بِمَكَّة ومولده فِي منتصف سنة 751 وَلَقَد لقِيت بعض أَصْحَابه فَكتبت عَنهُ من نظم صَاحب التَّرْجَمَة انْتهى وَكَانَ يسْتَحق التَّطْوِيل فَإِن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 السخاوي يُطِيل تراجم من لَا يبلغ إِلَى بعض رتبته وَلَعَلَّ عذره فِي ذَلِك بعد الديار مُحَمَّد خَان بن مُرَاد خَان بن مُحَمَّد خَان بن بايزيد خَان بن أورخان ابْن عُثْمَان الغازي سُلْطَان الروم وَابْن سلاطينها ولد سنة 836 سِتّ وَثَلَاثِينَ وثمان مائَة وَهُوَ الَّذِي أسس ملك بني عُثْمَان وَقرر قَوَاعِده ومهد قوانينه وَهُوَ الَّذِي افْتتح القسطنطينة الْكُبْرَى وسَاق إِلَيْهَا السفن برا وبحرا وَكَانَ فتحهَا فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء من جُمَادَى الْآخِرَة سنة 857 وَاسْتقر بهَا هُوَ وَمن بعده من السلاطين وَبنى بهَا الْمدَارِس الثمان الْمَشْهُورَة وَكَانَ مائلا إِلَى الْعلمَاء مقربا لَهُم يخلطهم بِنَفسِهِ وَيَأْخُذ عَنْهُم فِي كل علم وَيحسن إِلَيْهِم ويستجلبهم من الأقطار النائية ويراسلهم ويفرح إِذا دخل إِلَى مَمْلَكَته وَاحِد مِنْهُم وَله مَعَهم أَخْبَار مبسوطة فِي الشقائق النعمانية عِنْد ذكر عُلَمَاء دولته وَتُوفِّي سنة 886 سِتّ وَثَمَانِينَ وثمان مائَة السُّلْطَان مُحَمَّد بن مُرَاد بن سليم بن سُلَيْمَان جلس على سَرِير السلطنة سنة 1003 وَمَات سنة 1012 السُّلْطَان مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن أَحْمد بن مُحَمَّد الْمَذْكُور قبله ولد سنة 1049 وَجلسَ على تخت السلطنة سنة 1058 وَله فتوحات عَظِيمَة ومناقب جمة وَمَات سنة 1099 مُحَمَّد بن مصلح الدَّين القوجوي الرومي الحنفي محيي الدَّين الْمَعْرُوف بشيخ زَاده قَرَأَ على عُلَمَاء عصره الروميين ولازم ابْن فضل الدَّين وبرع فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 الْعُلُوم ودرس بمدارس الروم ثمَّ رغب عَن ذَلِك ولازم بَيته وَعين لَهُ السطان بعد ترك التدريس كل يَوْم خَمْسَة عشرَة درهما وَكَانَ يَقُول أنه يَكْفِيهِ عشرَة دَرَاهِم وَهُوَ مؤلف حَاشِيَة تَفْسِير الْبَيْضَاوِيّ فِي سِتَّة مجلدات بعبارات وَاضِحَة جلية ينْتَفع بهَا الْمُبْتَدِئ وَله شرح على الْوِقَايَة فِي الْفِقْه وَشرح للفرائض السِّرَاجِيَّة وَشرح لمفتاح الْعُلُوم للسكاكي وَشرح للبردة ويحكى عَنهُ أَنه قَالَ إِذا أشكلت عَلَيْهِ آيَة من آيَات كتاب الله تَعَالَى توجه إِلَى الله تَعَالَى فيتسع صَدره حَتَّى يكون قدر الدُّنْيَا فَيطلع فِيهِ قمران لَا يدري أي شَيْء هما ثمَّ يظْهر نور فَيكون دَلِيلا إِلَى اللَّوْح الْمَحْفُوظ فيستخرج مِنْهُ معنى الْآيَة حكى ذَلِك عَنهُ صَاحب الشقائق النعمانية وَحكى عَنهُ أَنه قَالَ إِذا عملت الْيَوْم بالعزيمة لَا أُرِيد الْيَوْم إِلَّا وَأَنا فِي الْجنَّة وَإِذا عملت بِالرُّخْصَةِ لَا يحصل لي هَذَا الْحَال وَحكى عَنهُ صَاحب الشقائق أَيْضا أَنه تولى الْقَضَاء وَكَانَ يرى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كل أُسْبُوع مرة فَترك الْقَضَاء طَمَعا فِي كَثْرَة رُؤْيَته فِي الْمَنَام لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يره بعد تَركه للْقَضَاء فَدخل فِي الْقَضَاء ثَانِيًا قرآه فَقَالَ لَهُ يَا رَسُول الله انى تركت الْقَضَاء ليزِيد قربى مِنْكُم فَلم يَقع كَمَا رَجَوْت فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الْمُنَاسبَة بيني وَبَيْنك عِنْد الْقَضَاء أَزِيد من الْمُنَاسبَة عِنْد التّرْك لِأَنَّك عِنْد الْقَضَاء تشتغل بإصلاح نَفسك وَإِصْلَاح أمتي وَعند التّرْك لَا تشتغل إلا بإصلاح نَفسك وَمَتى زِدْت فِي الْإِصْلَاح زِدْت تقربا منى وَمَات فِي سنة 951 إِحْدَى وَخمسين وَتِسْعمِائَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 الإِمَام المهدي مُحَمَّد بن المطهر بن يحيى بن المرتضى بن المطهر بن الْقَاسِم بن المطهر بن علي بن النَّاصِر بن الهادي يحيى بن الْحُسَيْن بُويِعَ بالخلافة عِنْد موت وَالِده سنة 690 وافتتح مَوَاضِع مِنْهَا عدن أبين وَله علم وَاسع يدل على ذَلِك مُصَنفه الذي سَمَّاهُ الْمِنْهَاج الجلي فِي فقه زيد بن على وَمن مصنفاته عُقُود العقيان فِي النَّاسِخ والمنسوخ من الْقُرْآن والسراج الْوَهَّاج فِي حصر مسَائِل الْمِنْهَاج وَالْكَوَاكِب الدرية شرح الأبيات البدرية قَالَ صَاحب الإفادة فِي سيرة الْأَئِمَّة السَّادة وَلم يقل بإمامته أَكثر شيعَة زَمَانه قَالَ فِي كاشف الْغُمَّة وَاعْلَم وفقك الله أَن عُلَمَاء الظَّاهِر تحاملوا عَلَيْهِ وأنكروا فَضله حَتَّى إن بعض أفاضلهم كَانَ يَقُول لَا فرق بَينه وَبَين صَاحب ظفار مَعْنَاهُ فِي الظُّلم وَأَن مقْعدا ركب دَابَّة وَجِيء بِهِ إِلَيْهِ فَمسح عَلَيْهِ فشفاه الله تَعَالَى من فوره فَبلغ ذَلِك أهل الظَّاهِر فَقَالُوا هَذِه عِلّة تَزُول بالهزهزة فَلَمَّا ركب الدَّابَّة زَالَت الْعلَّة وَكَانَت بَينه وَبَين سلاطين الْيمن بني رَسُول وقعات كَثِيرَة وَملك آخر الْأَمر صنعاء وَكَانَ وَفَاته فِي حصن ذي مرمر وَنقل إِلَى صنعاء ومشهده فِي جَامعهَا قريب من قبر السَّيِّد يحيى صَاحب الياقوتة والجوهرة وَمَوته بعد السَّابِعَة فَلهَذَا ذكرته ثمَّ وقفت على تَارِيخ مَوته فِي طَبَقَات السَّيِّد إِبْرَاهِيم بن الْقَاسِم ابْن الْمُؤَيد قَالَ إنه مَاتَ فِي ذي مرمر لثمان بَقينَ من ذى الْحجَّة سنة 728 ثَمَان وَعشْرين وَسَبْعمائة قَالَ وَكَانَت دَعوته سنة 701 وَهَذَا يُخَالف مَا تقدم وأرخ مَوته يحيى بن الْحُسَيْن بن الْقَاسِم فِي أنباء الزَّمن سنة 729 وَذكر لَهُ وقائع كَثِيرَة وافتتاح حصون عديدة من جُمْلَتهَا ذي مرمر وافتتاح مدن من جُمْلَتهَا صنعاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 مُحَمَّد بن مُوسَى بن عِيسَى بن علي الْكَمَال أَبُو الْبَقَاء الدميري الأَصْل القاهري الشافعي ولد فِي أَوَائِل سنة 742 اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة تَقْرِيبًا كَمَا كتب ذَلِك بِخَطِّهِ وَنَشَأ بِالْقَاهِرَةِ فتكسب بالخياطة ثمَّ أقبل على الْعلم فَقَرَأَ على التقي السبكي وأبي الْفضل النويري وَالْجمال الأسنوى وَابْن الملقن والبلقينى وَأخذ الْأَدَب عَن القيراطي والعربية وَغَيرهَا عَن الْبَهَاء بن عقيل وَسمع من جمَاعَة وبرع فِي التَّفْسِير والْحَدِيث وَالْفِقْه وأصوله والعربية وَالْأَدب وَغير ذَلِك وتصدى للإقراء والإفتاء وصنف مصنفات جَيِّدَة مِنْهَا شرح سنَن ابْن مَاجَه فِي نَحْو خمس مجلدات سَمَّاهُ الديباجة مَاتَ قبل تبييضه وَشرح الْمِنْهَاج فِي أَربع مجلدات سَمَّاهُ النَّجْم الْوَهَّاج لخصه من شرح السبكي والأسنوي وَغَيرهمَا وَزَاد على ذَلِك زَوَائِد نفيسة ونظم فِي الْفِقْه أرجوزة مفيدة وَله تذكرة حَسَنَة وَمن مصنفاته حَيَاة الْحَيَوَان الْكتاب الْمَشْهُور الْكثير الْفَوَائِد مَعَ كَثْرَة مافيه من الْمَنَاكِير وَاخْتصرَ شرح الصفدي للأمية الْعَجم وَأفْتى بِمَكَّة ودرس بهَا فِي أَيَّام مجاورته قَالَ ابْن حجر اشْتهر عَنهُ كرامات وأخبار بِأُمُور مغيبات يسندها إِلَى المنامات تَارَة وَإِلَى بعض الشُّيُوخ أخرى وغالب النَّاس يعْتَقد أَنه يقْصد بذلك السّتْر وَمَات فِي ثَالِث جُمَادَى الأولى سنة 808 ثَمَان وثمان مائَة وَمن نظمه (بمكارم الْأَخْلَاق كن متخلقا ... ليفوح ند ثنائك الْعطر الشذي) (وأصدق صديقك إن صدقت صداقة ... وادفع عَدوك بالتي فَإِذا الَّذِي) السَّيِّد مُحَمَّد بن هَاشم بن يحيى الشامي ثمَّ الصنعاني سيأتي تَمام نسبه فِي تَرْجَمَة وَالِده وَهُوَ الأديب البارع الْفَائِق ولد تَقْرِيبًا سنة 1140 أَرْبَعِينَ وَمِائَة وَألف أَو قبلهَا وَنَشَأ بِصَنْعَاء فَأخذ عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 جمَاعَة من أَهلهَا وَمِنْهُم وَالِده الْعَلامَة وَكَانَ زاهدا متعففا متقللا من الدُّنْيَا لَا يبالي بِمَا ظفر مِنْهَا وَلَا بِمَا فَاتَهُ مَعَ كَونه كَانَ نديما للوزير الْكَبِير الْفَقِيه أَحْمد ابْن علي النهمي بل كَانَ يتَّصل بِالْإِمَامِ المهدي الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن كثيرا وَعرضت عَلَيْهِ الْأَعْمَال فأباها تزهدا وتدينا ونظمه كُله فِي الذرْوَة الْعليا بِحَيْثُ يفضل على كثير من الْمُتَقَدِّمين وَمِنْه من قصيدة (يَا بارقا أوهمني تكراره ... إذ لَاحَ من أَرض بهَا فؤادي) (فلست أدري هَل حكى خفوقه ... خفوقه حول حمى سعاد) (أم اكتسى من لاعجي صقيلة ... فانعكست أشعة الترداد) (ايه أحاديثك يابرق الْحمى ... إن كنت عَمَّن فيهم تنادي) (هَات عَن الأينق أَيْن عرست ... وَلَا أَقُول هَات عَن مرادي) (أَيْن اسْتَقَلت بالفريق إنما ... عهدي بهَا حِين حداها الحادي) (وَحين شيعت فؤادي مَعَهم ... بأدمع تملأ كل وادي) (إِذْ قوضوا تِلْكَ الْخيام والنقا ... يرعد من قعقعة الأغماد) (بانوا فَلَا كاس المدام بعدهمْ ... كاسي وَلَا يطرب كل شادي) (واغدودف اللَّيْل فكاد فجره ... لَو لَاحَ أَن ينظم فِي السوَاد) (وَجَاء نجم بعدهمْ كَانَ بهم ... أمضى من الضمر فِي الطراد) (يسبل للمقلة من شعاعه ... حمايلا مسبلة الْحداد) (يَا روع الله النَّوَى ترويعه ... لمهجة مَمْلُوكَة القياد) (وَأَنت يَا عهد اللقا حييت من ... دمع وَمن منهلة الغوادي) (هَل عودة يرتقص الْأُفق بهَا ... ويرتوي مِنْهَا ظما الأكباد) (وَيرجع الْقلب بهَا مقره ... ويطبق الجفن على السوَاد) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 وَمن محَاسِن نظمه مَا وصف بِهِ غُبَار موكب الْخَلِيفَة وأجاد إِلَى الْغَايَة (سلاهب الْمجد نَهرا سَالَ منحدرا ... من السوابغ تَحت الْبيض واليلب) (فِي ظلمَة اللَّيْل يحْكى فِي تعطفه ... وللأسنة فِيهِ زَاهِر الشهب) (ملاعب المَاء فِي جَوف الدجنة ... يجرى الشمع فِيهِ بألواح من الْخشب) (مَاء هُوَ النَّار فِي الهيجاء يتْرك ... أَرْوَاح الأعادى فراشا عِنْد ملتهب) وَمن غَرِيب صنعه وبديع اختراعه هَذَانِ البيتان فِيمَا لَا يَسْتَحِيل بالانعكاس وهما يَفُوقَانِ على مَا نظمه من قبله فِي ذَلِك (أما لسلامكم قرب ورقم ... أمقرو برقمكم السلاما) (أمالك لَا ترد صداه أنا ... فَإنَّا هاد صدرت الكلاما) ودعاني رَحمَه الله إِلَى منزله فِي بعض الْأَيَّام فاحتفل فِي ذَلِك احتفالاً زَائِدا وَكَانَ معى صديق لى من أَعْيَان أهل الْعلم فَكتب صَاحب التَّرْجَمَة إِلَى وَإِلَى صاحبي بعد ذَلِك الْمجْلس بأيام هَذِه الأبيات (يانيرى فلك العلياء دَامَ لنا ... من نور علمكما مَا يكْشف الظلما) (وَلَا تكدر هَذَا النُّور إِن حجبت ... نور الزواهر سحب تمطر الديما) (مَاذَا تقولان فِيمَا قد تقرر ... بالاجماع حقق هَذَا من بِهِ حكما) (وَمَا علمنَا خلافًا فِيهِ قط لمن ... مضى وَخَبره فِي الشّعْر أَو نظما) (قَالُوا بِأَن شَهَادَات الْقُلُوب إِذا ... قَامَت بِصدق وداد صَار مُلْتَزما) (وَمن أحب امْرأ صَحَّ الْقيَاس لَهُ ... قطعا بانهما فِي السلك قد نظما) (وَقد تضمن تَصْدِيقًا تصَوره ... بِنِسْبَة لتساوى الود بَينهَا) (وَإِنَّمَا الشوق من قسم المشكك هَل ... فِي اعْتِرَاض قِيَاس فِي استوائهما) فأجبت عَن هَذَا السُّؤَال بقولى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 (وَقد تردد فِي أشكاله فَاء ... فيدوا مغرما صَار مشتاقا لَو صلكما) (يَا ابْن البهاليل والأطواد من مُضر ... والمنعمين بسيب يخجل الديما) (قد دل نظمك للدر الثمين بِلَا ... شك بأنك بَحر للعلوم طما) (ورمت إبداء عتب فِي ملاطفة ... وَقد أَسَأْت ببعدي فَاحْتمل كرما) (فالشوق بالشوق منقاس ومعتبر ... قضى بذلك خير الرُّسُل والحكما) (وَلَا تشكك بالتشكيك فَهُوَ على ... تواطؤ باتحاد الْجِنْس قد نظما) (وموجبات ودادى فِيك مِمَّا سلبت ... وَلَا غَدا عقد ود عَنْك منفصما) (وَلَا انفصلت لمنع الْجمع مذ دلهت ... نفسي بِمَنْع خلو صَار مُلْتَزما) (محصلات ودادي مَا رضيت لَهَا ... عَنْك الْعُدُول وَلَا وليتها العدما) (وَقد تألف شكلانا على نمط ... لَهُ نتائج ود يمْنَع العقما) وشعره فِي كل فن جيد وَمن رام الْوُقُوف على مَا حكيته فَلْينْظر فِي قصيدته الحائية الَّتِى قَابل فِيهَا بَين الأضداد وَضرب فِيهَا الْأَمْثَال وَجَاء بمالا يقدر عَلَيْهِ غَيره فَمِنْهَا (وكل محسب الْأَشْيَاء مِمَّا ... يعانيه كئيبا أَو مراحا) (إِذا صدح الْحمام يَقُول غنى الْمُنعم ... والشجى يَقُول ناحا) (وَإِن برق أنار يَقُول هَذَا ... افترار ان يقل ذَاك اقتداحا) (وقطر المزن شبههه دموعا ... حَلِيف شجى ومنتجع سماحا) (وَقَالَ الشهب حايرة إناس ... وَقَالَ الْآخرُونَ مَضَت جماحا) (وَجمع الفرقدين يَقُول وصل ... كَمَا قد قيل للشكوى استراحا) (وَقَالَ الْفجْر قَاطع لَذَّة من ... لهى ومسهد فرج ألاحا) (وَقيل الْغُصْن لما مَال قد ... ثنى أَن يُقَال حلى النياحا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 (وَقضى الصُّبْح وَالْآصَال نوحا ... فَتى وفتى غبوقاً واصطباحا) (وميزان الزَّمَان بكفتيه ... ترى جد الْعَجَائِب والمزاحا) (يقرب هازلا ويزيح جدا ... وَكم عكس المقرب والمزاحا) (وَكم يأسوا بِوَزْن رَاجِح كي ... يُوفى من يزين لَهُ جراحا) (وَكم دَار الزَّمَان فراح يسقي ... بكاسيه الورى صابا وراحا) (وَكم أعطى فَتى من بعد سلب ... وَكم سلب الْعَطِيَّة إِذْ أتاحا) (وَكم سهم يريش وَرب طير ... لَهُ قد بَات يسلبه الجناحا) وَكم رقى إِلَى العلياء ندبا ... وَآخر من شواهقها أطاحا) (وَكم قد أخرس المنطيق يَوْمًا ... وَأعْطى الخرس أَلْسِنَة فصاحا) (وَكم من حِكْمَة خفيت علينا ... وَأُخْرَى وَجههَا الوضاح لاحا) (وَكم أَمر نشاهده فَسَادًا ... وَذَاكَ فَسَاده كَانَ الصلاحا) (وَكم ضَاقَ الْفَتى بالخطب ذرعا ... وطى مضيقعه لقى الفساحا) فَلَو لم يكن لَهُ إِلَّا هَذِه القصيدة بل لَو لم يكن لَهُ إِلَّا بعض أبياتها لَكَانَ ذَلِك مُوجبا لعلو طبقته وَكَانَ مَوته رَابِع شهر محرم سنة 1207 سبع وَمِائَتَيْنِ وَألف مُحَمَّد بن يحيى بن أَحْمد بن دغرة بن زهرَة الشَّمْس الدمشقي الطرابلسي الشافعي الْمَعْرُوف بِابْن زهرَة بِضَم الزاى ولد سنة 758 ثَمَان وَخمسين وَسَبْعمائة وَنَشَأ بطرابلس فحفظ مختصرات وتفقه بِابْن قاضي شُهْبَة والشرف الغزي وَدخل الْقَاهِرَة فلقي البلقيني وَأخذ الْأُصُول عَن الشهَاب الزهري وَغَيره وَسمع من جمَاعَة كَابْن صديق والكمال بن النحاس وتصدر بالجامع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 الأموي ثمَّ انْتقل إِلَى طرابلس وَصَارَ شيخها وعالمها وتصدى لنشر الْعلم وانتفع النَّاس بِهِ طبقَة بعد طبقَة وصنف شرحا للتّنْبِيه فِي ارْبَعْ مجلدات احْتَرَقَ فِي الْفِتْنَة وشرحا للتبريزي فِي ثَلَاث مجلدات وتفسيرا فِي نَحْو عشر مجلدات سَمَّاهُ فتح المنان فِي تَفْسِير الْقُرْآن وتعليقا على الشَّرْح وَالرَّوْضَة فِي ثَمَان مجلدات وَله تعليقة فِي مُجَلد كَبِير كالتذكرة يشْتَمل على مسَائِل وَهُوَ الَّذِي قَامَ على السراج الْحِمصِي بِسَبَب نظمه للقصيدة الَّتِى نظمها فِي الِانْتِصَار لِابْنِ تَيْمِية وتكفير من كفره فتعصب عَلَيْهِ صَاحب التَّرْجَمَة وكفره وَتَبعهُ أهل بَلَده حبا فِيهِ وتعصبا مَعَه فَلم يسع الحمصي إِلَّا الْفِرَار مَاتَ لَيْلَة الْجُمُعَة الثَّامِن وَالْعِشْرين من جُمَادَى الأولى سنة 848 ثَمَان وَأَرْبَعين وثمان مائَة مُحَمَّد بن يحيى بن أَحْمد بن حَنش اليماني الزيدي ولد بعد سنة 650 خمسين وسِتمِائَة وَقَرَأَ على عُلَمَاء عصره حَتَّى برع فِي فنون عدَّة وَبلغ رُتْبَة الِاجْتِهَاد وَأخذ عَنهُ جمَاعَة من أكَابِر الْعلمَاء كَالْإِمَامِ مُحَمَّد بن المطهر الْمُتَقَدّم ذكره وَله مصنفات مِنْهَا التَّمْهِيد وَالتَّفْسِير لفوائد التَّحْرِير فِي الْفِقْه والغياصة فِي أصُول الدَّين جعله شرحا للخلاصة للشَّيْخ أَحْمد الرصاص وَله تعليقات على اللمع فِي الْفِقْه وَشرح للتقرير للأمير الْحُسَيْن والقاطعة فِي الرَّد على الباطنية فِي مجلدين وَكَانَ زاهدا عابدا مائلا إِلَى الخمول فصيح الْعبارَة سريع الْجَواب مستحضرا للفنون محققا فِي جَمِيع مباحثه وَمَات يَوْم الثُّلَاثَاء الْخَامِس من ذي الْقعدَة سنة 719 تسع عشر وَسَبْعمائة وقبر بظفار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 السَّيِّد مُحَمَّد بن يحيى بن أَحْمد بن علي بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْقَاسِم الحمزي الكبسي ثمَّ الصَّنْعَانِيّ ولد شهر جُمَادَى الْآخِرَة سنة 1154 أَربع وَخمسين وَمِائَة وَألف ورحل من وَطنه إِلَى صنعاء وَأخذ عَن جمَاعَة من أَعْيَان علمائها كشيخنا الْعَلامَة الْحسن بن إِسْمَاعِيل المغربي وَالسَّيِّد الْعَلامَة الْقَاسِم بن مُحَمَّد الكبسي والقاضي الْعَلامَة يحيى بن صَالح السحولي وَآخَرين وبرع فِي النَّحْو وَالصرْف والمعاني وَالْبَيَان وَالْأُصُول والْحَدِيث وَالتَّفْسِير وَالْفِقْه وَصَارَ من أكَابِر عُلَمَاء الْعَصْر وَلما مَاتَ وَالِده ولي الْقَضَاء مَكَانَهُ فِي الْجِهَات الخولانية وَاسْتقر فِي غَالب أَيَّامه بوطنه هِجْرَة الكبس وَفِي بعض أَيَّامه يسْتَقرّ بِصَنْعَاء ويفد إِلَيْهِ النَّاس لفصل الْخُصُومَات وَهُوَ من أعظم قُضَاة الزَّمن وَأَكْثَرهم معارفا وورعا وعفة وَله اطلَاع على علم التَّارِيخ وأحوال من تقدم خُصُوصا رجال الحَدِيث فَإِنَّهُ ماهر فِي ذَلِك مَعَ حفظه لكثير من متون الْأَحَادِيث وَعلل الْأَسَانِيد وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ من محَاسِن الدَّهْر وَلَوْلَا اشْتِغَاله بِالْقضَاءِ لَكَانَ لَهُ فِي نشر الْعلم بالتدريس والتأليف يَد طولى وَهُوَ الْآن حي نفع الله بِهِ ثمَّ مَاتَ رَحمَه الله فِي شهر ربيع الأول سنة 1219 تسع عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَألف فِي هِجْرَة الكبس وَتَوَلَّى مَا كَانَ إِلَيْهِ أَخُوهُ الْعَلامَة الْحسن حَسْبَمَا تقدم فِي تَرْجَمته مُحَمَّد بن يحيى بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُوسَى بن أَحْمد ابْن يُونُس بن حسن بن حجاج بن حسن بن إِسْمَاعِيل ابْن إِبْرَاهِيم بن حميدان بن قمران بن مَالك ابْن عمر بن رازح بن اسعد بن يحيى بن ربيعَة بن كَعْب بن سعد بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 زيد مناة بن تَمِيم بن مر اليماني الصعدي الْمَعْرُوف ببهران الزيدي أحد عُلَمَاء الْيمن الْمَشَاهِير كَانَ فِي أَوَائِل عمره يتنقل فِي الْمَدَائِن اليمنية للتِّجَارَة وَدخل إِلَى جِهَة الْحَبَشَة وَهُوَ مَعَ ذَلِك يطْلب الْعلم فِي كل مَحل يتجر فِيهِ وَمن مشاهير مشايخه السَّيِّد المرتضى بن قَاسم وبرع فِي جَمِيع الْفُنُون وفَاق أقرانه وَتفرد برياسة الْعلم فِي عصره وصنف التصانيف الحافلة مِنْهَا فِي الْفِقْه شرح الأثمار للْإِمَام شرف الدَّين فِي أَربع مجلدات وَفِي الْعَرَبيَّة التُّحْفَة وَفِي الْأُصُول الكافل وَله مُصَنف فِي الْمعَانى وَالْبَيَان ومصنف فِي الْعرُوض والقوافي سَمَّاهُ الشافي وَله تَخْرِيج الْبَحْر الزخار للْإِمَام المهدى وَالْمُعْتَمد جمع فِيهِ الْأُمَّهَات السِّت ورتبه على أَبْوَاب الْفِقْه وَله حَاشِيَة على الْكَشَّاف اختصرها من حَاشِيَة العلوي وَله التَّفْسِير الْكَبِير جمع فِيهِ بَين تَفْسِير الزمخشري وَتَفْسِير ابْن كثير وَقد عَم النَّفْع بشرحه للأثمار الْمُتَقَدّم ذكره فَإِنَّهُ ذكر فِيهِ من دقائق الْفِقْه وحقائقه مالم يُوجد فِي غَيره وَذكر الْأَدِلَّة على مسَائِله ونقحه أحسن تَنْقِيح ويروى أَنه لما وصل إِلَى الإِمَام شرف الدَّين مُصَنف الْمَتْن أَمر بزفافه بالطبولخانة وطافوا بِهِ فِي الْمشَاهد والمدارس وَمَعَهُ أَعْيَان الْعلمَاء والمتعلمين وَقيل أنه فعل ذَلِك فِي التَّفْسِير الْمَذْكُور وَله نظم مَشْهُور مِنْهُ القصيدة الَّتِى سلك فِيهَا مَسْلَك الطغرائي فِي لامية الْعَجم ومطلعها (الْجد فِي الْجد والحرمان فِي الكسل ... فانصب تصب عَن قريب غَايَة الأمل) (وهي قصيدة فائقة مُشْتَمِلَة على حكم نافعة وَمن نظمه الأبيات الَّتِى مِنْهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 (سرى وجلى عَن مقلة النَّائِم الغمض ... عَشِيَّة حن الرَّعْد وابتسم الومض) (وأسبل جفن الْغَيْم واكف دمعه ... على صحن خد الْأُفق فاهتزت الأَرْض) (ولاعبت الأغصان وهنايد الصِّبَا ... فَأصْبح يحْكى السندس الْوَرق الغض) وَمَات بصعدة سنة 957 سبع وَخمسين وَتِسْعمِائَة مُحَمَّد بن يَعْقُوب بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عمر بن أَبى بكر بن أَحْمد ابْن مَحْمُود بن ادريس بن فضل الله ابْن الشَّيْخ أَبى اسحاق إِبْرَاهِيم ابْن علي بن يُوسُف بن عبد الله الْمجد أَبُو طَاهِر الفيروزباذى الشيرازى اللغوي الشافعي الإِمَام الْكَبِير الماهر فِي اللُّغَة وَغَيرهَا من الْفُنُون ولد سنة 729 تسع وَعشْرين وَسَبْعمائة بكازرون من أَعمال شيراز فحفظ الْقُرْآن وَهُوَ ابْن سبع سِنِين وَحفظ كتابا من اللُّغَة وانتقل إِلَى الشيراز وَهُوَ ابْن ثَمَان سِنِين وَأخذ عَن وَالِده وَعَن القوام عبد الله ابْن النَّجْم وَغَيرهمَا من عُلَمَاء شيراز وَسمع على مُحَمَّد بن يُوسُف الْأنْصَارِيّ وارتحل إِلَى الْعرَاق وَدخل وَاسِط وَقَرَأَ بهَا القراآت الْعشْر ثمَّ دخل بَغْدَاد فَأخذ عَن التَّاج بن السباك والسراج عمر بن علي القزويني وَغَيرهمَا ثمَّ ارتحل إِلَى دمشق فَدَخلَهَا سنة 755 فَسمع من التقي السبكي وَجَمَاعَة زِيَادَة على مائَة كَابْن الْقيم وطبقته وَدخل بعلبك وحماه وحلب والقدس وَسمع من جمَاعَة من أهل هَذِه الْجِهَات وَاسْتقر بالقدس نَحْو عشر سِنِين ودرس وتصدر وَظَهَرت فضائله وَكثر الْأَخْذ عَنهُ وتتلمذ لَهُ جمَاعَة من الأكابر كالصلاح الصفدي ثمَّ دخل الْقَاهِرَة فلقي بهَا جمَاعَة كالعز بن جمَاعَة والأسنوي وَابْن هِشَام والبهاء بن عقيل وَحج فَسمع بِمَكَّة من اليافعي وَغَيره وجال فِي الْبِلَاد الشمالية والمشرقية وَدخل الروم والهند ولقي جمعا من الْفُضَلَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 وَحمل عَنْهُم شَيْئا كثيرا ثمَّ دخل الْيمن فوصل إِلَى زبيد فِي سنة 796 بعد وَفَاة قاضي الْأَقْضِيَة بِالْيمن كُله الْجمال الريمي شَارِح التَّنْبِيه فَتَلقاهُ الْملك الْأَشْرَف إِسْمَاعِيل بِالْقبُولِ وَبَالغ فِي إكرامه وَصرف لَهُ ألف دِينَار سوى ألف كَانَ أَمر نَاظر عدن يجهزه بهَا وَاسْتمرّ مُقيما لَدَيْهِ ينشر الْعلم فَكثر الِانْتِفَاع بِهِ وَبعد مضي نَحْو سنة أضاف إِلَيْهِ قَضَاء الْيمن كُله بعد ابْن عجيل فقصده الطّلبَة وَقَرَأَ عَلَيْهِ السُّلْطَان فَمن دونه فِي الحَدِيث وَاسْتقر قدمه بزبيد إِلَى أَن مَاتَ وَكَانَ السُّلْطَان الْأَشْرَف قد تزوج ابْنَته لمزيد جمَالهَا ونال مِنْهُ برا ورفعة بِحَيْثُ صنف لَهُ كتابا وأهداه على أطباق فملأها لَهُ دَرَاهِم وَفِي أثْنَاء هَذِه الْمدَّة قدم مَكَّة مرَارًا فجاور بهَا وبالمدينة وطائف وَعمل مآثر حَسَنَة وَكَانَ زَائِد الْحَظ مَقْبُولًا عِنْد السلاطين فَلم يدْخل بَلَدا إِلَّا وأكرمه صَاحبهَا مَعَ كَثْرَة دُخُوله إِلَى الممالك وَمن جملَة الْمُكرمين لَهُ تيمورلنك وسلطان الروم ابْن عُثْمَان وشاه مَنْصُور صَاحب تبريز وَأحمد ابْن أويس صَاحب بَغْدَاد والأشرف صَاحب الْيمن وَغَيرهم وَوصل إِلَيْهِ من عطاياهم شَيْء كثير فاقتنى من ذَلِك كتبا نفيسة حَتَّى قَالَ إنه اشْترى مِنْهَا بِخَمْسِينَ ألف مِثْقَال من الذَّهَب وَكَانَ لَا يُسَافر إِلَّا وَمَعَهُ مِنْهَا عدَّة أحمال وَيخرج أَكْثَرهَا فِي كل منزل فَينْظر فِيهَا ثمَّ يُعِيدهَا وَكَانَت لَهُ دنيا طائلة وَلكنه كَانَ لَا يَدْفَعهَا إِلَى من يسرف فِي إنفاقها بِحَيْثُ أنه قد يملق أَحْيَانًا فيبيع بعض كتبه وَله مصنفات كَثِيرَة نافعة مِنْهَا فِي التَّفْسِير لطائف ذوي التَّمْيِيز فِي لطائف الْكتاب الْعَزِيز فِي مجلدات وتنوير المقباس فِي تَفْسِير ابْن عَبَّاس أَربع مجلدات وتيسير فَاتِحَة الإياب فِي تَفْسِير فَاتِحَة الْكتاب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 فِي مُجَلد كَبِير والدر النظيم المرشد إِلَى مَقَاصِد الْقُرْآن الْعَظِيم وَحَاصِل كورة الْخَلَاص فِي فَضَائِل سُورَة الْإِخْلَاص وَشرح قُطْبَة الخشاف فِي شرح خطْبَة الْكَشَّاف وَفِي الحَدِيث والتاريخ شوارق الْعلية فِي شرح مَشَارِق الْأَنْوَار النَّبَوِيَّة أَربع مجلدات وَفتح البارى فِي شرح صَحِيح البخارى وَلَعَلَّ ابْن حجر لم يسمع بذلك حَيْثُ سمي شَرحه بِهَذَا الِاسْم كمل مِنْهُ نَحْو عشْرين مجلدا وَكَانَ يقدر اتمامه فِي أَرْبَعِينَ وعمدة الْحُكَّام فِي شرح عُمْدَة الْأَحْكَام فِي مجلدات وامتضاض السهاد فِي افتراض الْجِهَاد فِي مُجَلد والإسعاد بالإصعاد إِلَى دَرَجَة الِاجْتِهَاد ثَلَاث مجلدات والمرقاة الوفية فِي طَبَقَات الْحَنَفِيَّة وَالْبُلغَة فِي تراجم أَئِمَّة النُّحَاة واللغة وَالْفضل الوفى فِي الْعدْل الأشرفى ونزهة الأذهان فِي تَارِيخ أَصْبَهَان وتسهيل طَرِيق الْفُصُول فِي الْأَحَادِيث الزَّائِدَة على جَامع الْأُصُول وَالْأَحَادِيث الضعيفة والدر الغالى فِي الْأَحَادِيث العوالى وسفر السَّعَادَة والمتفق وضعا والمختلف صقعا وَفِي اللُّغَة اللامع الْمعلم العجاب الْجَامِع بَين الْمُحكم والعباب وزيادات امْتَلَأَ بهَا الوطاب وَكَانَ يقدر تَمَامه فِي مائَة مُجَلد كل مُجَلد يقرب من صِحَاح الجوهرى والقاموس الْمُحِيط والقابوس الْوَسِيط الْجَامِع لما ذهب من لُغَة الْعَرَب شماطيط فِي مجلدين وَهُوَ كتاب لَيْسَ لَهُ نَظِير وَقد انْتفع بِهِ النَّاس وَلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 يلتفتوا بعده إِلَى غَيره وَالْمَقْصُود لذوى الْأَلْبَاب من علم الْإِعْرَاب وتحبير الموشين فِيمَا يُقَال بِالسِّين والشين والمثلث الْكَبِير فِي خمس مجلدات وَالصَّغِير وَالرَّوْض المسلوف فِيمَن لَهُ اسمان إِلَى ألوف وَغير ذَلِك من المصنفات الْكَثِيرَة الواسعة الشهيرة قَالَ التقي الكرماني كَانَ عديم النظير فِي زَمَانه نظما ونثرا بالفارسي والعربي وَكَانَ كثير الِاقْتِدَاء بالصنعاني مَاشِيا على طَرِيقَته تَابعا لمنهجه حَتَّى فِي كَثْرَة المحاورة وَحكى الخزرجي أنه رام التَّوَجُّه فِي سنة 799 إِلَى مَكَّة فَكتب إِلَى السُّلْطَان مَا مِثَاله وَمِمَّا ينهيه إِلَى الْعُلُوم الشَّرِيفَة أنه غير خَافَ عَلَيْكُم ضعف أقل العبيد ورقة جِسْمه ودقة بنيته وعلو سنه وَقد آل أمره إِلَى أَن صَار كالمسافر الذي تحزم وانتقل إِذْ وَهن الْعظم بل وَالرَّأْس اشتعل وتضعضع السن وتقعقع الشن فَمَا هُوَ إِلَّا عِظَام فِي جراب وبنيان مشرف على الخراب وَقد ناهز الْعشْر الَّتِى تسميها الْعَرَب دقاقة الرقاب وَقد مر على المسامع الشَّرِيفَة غير مرة فِي صَحِيح البخاري قَول سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا بلغ الْمَرْء سِتِّينَ سنة فقد أعذر الله إِلَيْهِ فَكيف من نَيف على السّبْعين وأشرف على الثَّمَانِينَ وَلَا يجهل بالمومن أَن تمضي عَلَيْهِ ارْبَعْ سِنِين وَلَا يَتَجَدَّد لَهُ شوق وعزم إِلَى بَيت رب الْعَالمين وزيارة سيد الْمُرْسلين وَقد ثَبت فِي الحَدِيث النبوي ذَلِك وَأَقل العبيد لَهُ سِتّ سِنِين عَن تِلْكَ المسالك وَقد غلب عَلَيْهِ الشوق حَتَّى جل عمره عَن الطوق وَمن أقْصَى أمْنِيته أَن يجدد الْعَهْد بِتِلْكَ الْمعَاهد ويفوز مرة أُخْرَى بتقبيل تِلْكَ الْمشَاهد وسؤاله من المراحم الْحَسَنَة الصَّدَقَة عَلَيْهِ بتجهيزه فِي هَذِه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 الْأَيَّام مُجَردا عَن الأهالي والأقوام قبل اشتداد الْحر وَغَلَبَة الأوام فَإِن الْفَصْل أطيب وَالرِّيح أزيب وَمن الْمُمكن أَن يفوز الْإِنْسَان بإقامة شهر فِي كل حرم ويحظى بالتملي فِي مهابط الرَّحْمَة وَالْكَرم وَأَيْضًا كَانَ من عَادَة الْخُلَفَاء سلفا وخلفأ وَأَنَّهُمْ كَانُوا ببردون الْبَرِيد عمدا قصد التَّبْلِيغ سلامهم إِلَى حَضْرَة سيد الْمُرْسلين فاجعلني جعلني الله فدَاك ذَلِك الْبَرِيد فَلَا أَتَمَنَّى شَيْئا سواهُ وَلَا أَزِيد (شوقي إِلَى الْكَعْبَة الغراء قد زادا ... فاستحمل القلص الوخادة الزادا) (وَاسْتَأْذَنَ الْملك المنعام زيد على ... واستودع الله أصحاباً وأولادا) فَلَمَّا وصل هَذَا إِلَى السُّلْطَان كتب فِي طرة الْكتاب مَا مِثَاله صدر الْجمال المصري على لساني مَا يحققه لَك شفاها إن هَذَا شَيْء لَا ينْطق بِهِ لساني وَلَا يجري بِهِ قلمي فَلَقَد كَانَت الْيمن عمياء فاستنارت فَكيف يُمكن أَن تتقدم وَأَن تعلم أَن الله قد أحيى بك مَا كَانَ مَيتا من الْعلم فبالله عَلَيْك إِلَّا مَا وهبت لَهُ بَقِيَّة هَذَا الْعُمر وَالله يَا مجد الدَّين يَمِينا بارة إني أرى فِرَاق الدُّنْيَا وَنَعِيمهَا وَلَا فراقك أَنْت الْيمن وَأَهله انْتهى وَفِي هَذَا الْكَلَام عِبْرَة للمعتبرين من أفاضل السلاطين بتعظيم قدر عُلَمَاء الدَّين وَقد أَخذ عَنهُ الأكابر فِي كل بِلَاد وصل إِلَيْهَا وَمن جملَة تلامذته الْحَافِظ بن حجر والمقريزي والبرهان الحلبي وَمَات ممتعا بسمعه وحواسه فِي لَيْلَة عشْرين من شَوَّال سنة 817 سبع عشرَة وثمان مائَة بزبيد وَقد ناهز التسعين السَّيِّد مُحَمَّد بن يُوسُف بن أَحْمد بن يُوسُف بن الْحُسَيْن بن الْحسن ابْن الإِمَام الْقَاسِم بن مُحَمَّد الصنعاني ولد شهر رَمَضَان سنة 1175 خمس وَسبعين وَمِائَة وَألف وَنَشَأ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 بِصَنْعَاء فَأخذ عَن وَالِده وَعَن شَيخنَا الْعَلامَة الْحسن بن إِسْمَاعِيل المغربي وَالسَّيِّد الْعَلامَة شرف الدَّين بن إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن إسحاق وَالسَّيِّد الْعَلامَة على بن عبد الله الْجلَال وَعَن الْجَمَاعَة آخَرين وبرع فِي الْمنطق والنحو وَالصرْف وشارك فِي غير ذَلِك وَهُوَ ممتع المحاضرة حسن الْأَخْلَاق كثير المحفوظات فِي الْأَشْعَار وَالْأَخْبَار متقللا من الدُّنْيَا مقتصدا فِي ملبوسه مائلا إِلَى طَريقَة الصُّوفِيَّة وَكَثِيرًا مَا يشْتَغل عَلَيْهِ الطّلبَة فِي علم النَّحْو والمنطق واستفادوا مِنْهُ وَكَانَ وَالِده عَارِفًا بالنحو والمنطق أَيْضا وَأما جده فقد تقدم ذكره فِي تَرْجَمَة مُسْتَقلَّة وَصَاحب التَّرْجَمَة فِي قيد الْحَيَاة مشتغلا بِالْعلمِ أتم اشْتِغَال لَا برح فِي حماية ذي الْجلَال وَقد كَانَ حضر مَعنا فِي قراءتنا للعضد على شَيخنَا المغربي فَكَانَ يجيد المباحثة فِي الْمُقدمَات المنطقية وَاسْتمرّ حَتَّى انْقَضتْ ثمَّ ترك الْحُضُور الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 مُحَمَّد بن يُوسُف بن عبد الله الدمشقي الحنفى شمس الدَّين الْخياط الشَّاعِر الْمَشْهُور الملقب ضفدع ولد فِي رَجَب سنة 693 ثَلَاث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 وَتِسْعين وسِتمِائَة وتعانى الْأَدَب فلازم شمس الدَّين بن الصَّانِع الدمشقي ثمَّ تردد إِلَى الشهَاب مَحْمُود ومدح ابْن صصري بقصيدة أَولهَا (أما ولواحظ الحدق السواجي ... لقد أَصبَحت مِنْهَا غير نَاجِي) (فقرضها الشهَاب مَحْمُود ثمَّ أَكثر من النظم وَكَانَ سهلا عَلَيْهِ قَالَ ابْن حجر فِي الدُّرَر وديوانه قدر سِتّ مجلدات وَهُوَ ابْن عشْرين سنة وَلِصَاحِب التَّرْجَمَة سَماع فِي الحَدِيث من ابْن الشّحْنَة وطبقته وَكَانَ مسلطا على ابْن نَبَاته كلما نظم شَيْئا عَارضه وناقضه وَمن ذَلِك ان ابْن نَبَاته نظم تائية فِي مدح ابْن الزملكاني وَجعل غزلها فِي وصف الْخمر عارضها وَعرض بِهِ فَقَالَ فِي آخر قصيدته (مَا شَاب مدحي لكم ذكر المدام وَلَا ... أضحت جَوَامِع لفظي وهي حانات) (وَلَا طرقت حمى خمارة سحرا ... وَلَا اكتست لي بكاس الراح راحات) قَالَ ابْن حجر وَلَكِن ايْنَ الثرى من الثريا وَمن شعره فِيمَن التحى (كم تظهر الْحسن البديع وتدعي ... وَبَيَاض وَجهك فِي النواظر مظلم) (هَل يصدق الدَّعْوَى لمن فِي وَجهه ... بالذقن كذبه السوَاد الْأَعْظَم) قَالَ الصفدي كَانَ طَوِيل النَّفس فِي الشّعْر لَكِن لم يكن لَهُ غوص على الْمعَانى والاحتفال بطريقة الْمُتَأَخِّرين لكنه مقراض الإعراض كَانَ هجوه أَكثر من مدحه وَقد أهين بِسَبَب ذَلِك وصفع وَذَلِكَ أَنه حج سنة 755 فَلم يتْرك فِي الركب أحدا من الْأَعْيَان إلا هجاه فَأَجْمعُوا عَلَيْهِ بِسَبَب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 ذَلِك ورفعوه إِلَى أَمِير الركب فَاسْتَحْضرهُ وأهانه جدا وَحلق لحيته وَصَرفه يُنَادى عَلَيْهِ فانزعج من ذَلِك وَمَات كمدا وَكَانَ مَعَ ذَلِك كثير التِّلَاوَة حج مَرَّات وقدرت وَفَاته بعد أَن رَجَعَ من الْحَج سنة 756 سِتّ وَخمسين وَسَبْعمائة فِي شهر محرم وَدفن على قَارِعَة الطَّرِيق قَالَ ابْن كثير كَانَ يذاكر بِشَيْء من التَّارِيخ ويحفظ شعرا كثيرا وَكَانَ قد أثري من كَثْرَة مَا أَخذ من النَّاس بِسَبَب المديح والهجاء وَكَانَ النَّاس يخَافُونَ مِنْهُ لبذاءة لِسَانه مُحَمَّد بن يُوسُف بن علي بن يُوسُف الغرناطي أثير الدَّين أَبُو حَيَّان الأندلسي الإِمَام الْكَبِير فِي الْعَرَبيَّة وَالتَّفْسِير ولد أَوَاخِر شَوَّال سنة 654 أَربع وَخمسين وسِتمِائَة وتلا القراآت أفرادا وجمعا على مشائخ الأندلس وَسمع الْكثير بهَا وبأفريقيا ثمَّ تقدم الْإسْكَنْدَريَّة ومصر ولازم ابْن النّحاس وَمن مشايخه الْوَجِيه بن الدهان والقطب القسطلاني وَابْن الأنماطي وَغَيرهم حَتَّى قَالَ إن عدَّة من أَخذ عَنهُ أَرْبَعمِائَة وَخَمْسُونَ شخصا وَأما من أجَاز لَهُ فكثير جداً وتبحر فِي اللُّغَة والعربية وَالتَّفْسِير وفَاق الأقران وَتفرد بذلك فِي جَمِيع أقطار الدُّنْيَا وَلم يكن بعصره من يماثله قَالَ الصفدى لم أره قط إِلَّا يسمع أَو يشْتَغل أَو يكْتب أَو ينظر فِي كتاب وَلم أره على غير ذَلِك وَكَانَ لَهُ إقبال على أذكياء الطّلبَة يعظمهم وينوه بقدرهم وَكَانَ كثير النظم ثبتا فِيمَا يَنْقُلهُ عَارِفًا باللغة وَأما النَّحْو والتصريف فَهُوَ الإِمَام الْمُطلق فيهمَا خدم هَذَا الْفَنّ أَكثر عمره حَتَّى صَار لَا يذكر أحد فِي أقطار الأَرْض فِيهَا غَيره وَله الْيَد الطُّولى فِي التَّفْسِير والْحَدِيث وتراجم النَّاس وَمَعْرِفَة طبقاتهم خُصُوصا المغاربة وَله التصانيف الَّتِى سَارَتْ فِي آفَاق الأَرْض واشتهرت فِي حَيَاته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 وَأخذ النَّاس عَنهُ طبقَة بعد طبقَة حَتَّى صَار تلاميذه أَئِمَّة وأشياخا فِي حَيَاته وَهُوَ الَّذِي رغب النَّاس إِلَى قِرَاءَة كتب ابْن مَالك وَشرح لَهُم غامضها وَكَانَ يَقُول إن مُقَدّمَة ابْن الْحَاجِب نَحْو الْفُقَهَاء وألزم نَفسه أَن لَا يقريء أحدا إِلَّا فِي كتب سِيبَوَيْهٍ أَو فِي التسهيل أَو فِي مصنفاته وَكَانَ هَذَا دأبه فِي آخر أَيَّامه وَمن مصنفاته الْبَحْر الْمُحِيط فِي التَّفْسِير وغريب الْقُرْآن فِي مُجَلد والأسفار الملخص من كتاب الصغار وَشرح التسهيل والتذكرة والموفور والتذكير والمبدع والتقريب والتدريب وَغَايَة الْإِحْسَان بالنكت الحسان والشذى فِي مسئلة كَذَا واللمحة والشذرة والارتضاء وَعقد اللئالى ونكت الْإِمْلَاء والنافع والمورد الْغمر وَالرَّوْض الباسم والمزن الهامر والرمزة وَغَايَة الْمَطْلُوب والنير الجلى والوهاج مُخْتَصر الْمِنْهَاج وَالْأَمر الأحلى فِي اخْتِصَار الْمحلى والأعلام ويواقيت السحر وتحفة السندس فِي نحاة الأندلس والإدراك للسان الأتراك منطق الخرس بِلِسَان الْفرس نور الغيش فِي لِسَان الْجَيْش ومسك الرشد ومنهج السالك وَنِهَايَة الْإِعْرَاب وخلاصة التِّبْيَان وَغير ذَلِك مِمَّا حَكَاهُ ابْن حجر فِي الدّرّ مَنْقُولًا من خط صَاحب التَّرْجَمَة وَمِمَّا لم يذكر النَّهر الماد فِي التَّفْسِير وَهُوَ مُخْتَصر الْبَحْر الْمُحِيط الْمُتَقَدّم ذكره قَالَ ابْن الْخَطِيب كَانَ سَبَب رحلته عَن غرناطة أَنَّهَا حَملته حِدة الشَّبَاب على التَّعَرُّض للأستاذ أَبى جَعْفَر بن الطباع وَقد وَقعت بَينه وَبَين أستاذه أَبى جَعْفَر بن الزبير وَحْشَة فنال مِنْهُ وتصدى للتأليف فِي الرَّد عَلَيْهِ فَرفع أمره إِلَى السُّلْطَان بغرناطة فانتصر لَهُ وَأمر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 بإحضار صَاحب التَّرْجَمَة وتنكيله فاختفى ثمَّ لحق بالمشرق وَحضر مجْلِس الشَّيْخ شمس الدَّين الأصبهاني وَكَانَ ظاهريا وَبعد ذَلِك انْتَمَى إِلَى الشافعي وَكَانَ أَبُو الْبَقَاء يَقُول أنه لم يزل ظاهريا قَالَ ابْن حجر كَانَ أَبُو حَيَّان يَقُول محَال أَن يرجع عَن مَذْهَب الظَّاهِر من علق بذهنه انْتهى وَلَقَد صدق فِي مقاله فمذهب الظَّاهِر هُوَ أول الْفِكر آخر الْعَمَل عِنْد من منح الْإِنْصَاف وَلم يرد على فطرته مَا يغيرها عَن أَصْلهَا وَلَيْسَ وَهُوَ مَذْهَب دَاوُد الظاهري وَأَتْبَاعه فَقَط بل هُوَ مَذْهَب أكَابِر الْعلمَاء المتقيدين بنصوص الشَّرْع من عصر الصَّحَابَة إِلَى الْآن وَدَاوُد وَاحِد مِنْهُم وَإِنَّمَا اشْتهر عَنهُ الجمود فِي مسَائِل وقف فِيهَا على الظَّاهِر حَيْثُ لَا ينبغي الْوُقُوف وأهمل من أَنْوَاع الْقيَاس مَالا يَنْبَغِي لمنصف إهماله وَبِالْجُمْلَةِ فمذهب الظَّاهِر وَهُوَ الْعَمَل بِظَاهِر الْكتاب وَالسّنة بِجَمِيعِ الدلالات وَطرح التعويل على مَحْض الرأي الذي لَا يرجع إِلَيْهِمَا بِوَجْه من وُجُوه الدّلَالَة وَأَنت إذا أمعنت النّظر فِي مقالات أكَابِر الْمُجْتَهدين المشتغلين بالأدلة وَجدتهَا من مَذْهَب الظَّاهِر بِعَيْنِه بل إِذا رزقت الإنصاف وَعرفت الْعُلُوم الاجتهادية كَمَا ينبغي وَنظرت فِي عُلُوم الْكتاب وَالسّنة حق النظر كنت ظاهريا أَي عَاملا بِظَاهِر الشَّرْع مَنْسُوبا إِلَيْهِ لَا إِلَى دَاوُد الظاهري فَإِن نسبتك ونسبته إِلَى الظَّاهِر متفقة وَهَذِه النِّسْبَة هي مُسَاوِيَة للنسبة إِلَى الْإِيمَان وَالْإِسْلَام وَإِلَى خَاتم الرُّسُل عَلَيْهِ أفضل الصَّلَوَات التَّسْلِيم وَإِلَى مَذْهَب الظَّاهِر بِالْمَعْنَى الذي أوضحناه أَشَارَ ابْن حزم بقوله (وَمَا أَنا إِلَّا ظاهري وأنني ... على مَا بدا حَتَّى يقوم دَلِيل) وتصانيف صَاحب التَّرْجَمَة يزِيد على الْخمسين وَمِنْهَا منظومة فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 القراآت على وزن الشاطبية بِغَيْر رموز وفيهَا فَوَائِد وَلكنهَا لم ترزق حَظّ الشاطبية وَكَانَ عريا من الفلسفة والاعتزال والتجسيم على نمط السلف الصَّالح كثير الْخُشُوع والتلاوة وَالْعِبَادَة مائلا إِلَى محبَّة أَمِير الْمُؤمنِينَ على ابْن أَبى طَالب كرم الله وَجهه متجافياً عَن مُقَاتِلِيهِ قَالَ الأدفوئى جرى على طَرِيقه كثير من النجَاة فِي حب على حَتَّى قَالَ مرة لبدر الدَّين بن جمَاعَة قد روى عَن النبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ عهد إِلَى النبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يحبني إِلَّا مُؤمن وَلَا يبغضني إِلَّا مُنَافِق هَل صدق فِي هَذِه الرِّوَايَة فَقَالَ لَهُ ابْن جمَاعَة نعم قَالَ وَالَّذين قَاتلُوهُ وسلوا السيوف فِي وَجهه كَانُوا يحبونه أَو يبغضونه وَكَانَ يجري على مَذْهَب أهل الْأَدَب فِي الْميل إِلَى محَاسِن الشَّبَاب وَهُوَ مَشْهُور بالبخل حَتَّى كَانَ يفتخر بِهِ كَمَا يفتخر النَّاس بِالْكَرمِ وأضر قبل مَوته بِقَلِيل وَمَات فِي ثامن صفر سنة 745 خمس وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وَله شعر فَمِنْهُ (رَاض حَبِيبِي عَارض قد بدا ... ياحسنه من عَارض رائض) (وضن قوم إن قلبي سلا ... وَالْأَصْل لَا يعْتد بالعارض) وَمن شعره (عداي لَهُم فضل علي ومنة ... فَلَا صرف الرَّحْمَن عَنى الأعاديا) (هم بحثوا عَن زلتي فاجتنبتها ... وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا) وَمن شعره الْمشعر ببخله (رجاؤك فلسا قد غَدا فِي حبائلي ... قنيصاً رَجَاء للنتاج من العقم) (أأتعب فِي تَحْصِيله وأضيعه ... إِذا كنت معتاضا من الْبُرْء بِالسقمِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 مُحَمَّد بن يُوسُف بن علي الكرماني ثمَّ البغدادي ولد فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة 717 سبع عشرَة وَسَبْعمائة وَأخذ عَن جمَاعَة بِبَلَدِهِ ثمَّ ارتحل إِلَى الشيراز وَأخذ عَن القاضي عضد الدَّين ولازمه اثنتي عشرَة سنة حَتَّى قَرَأَ عَلَيْهِ تصانيفه ثمَّ جح واستوطن بَغْدَاد وَدخل الشَّام ومصر وَسمع البخاري بالجامع الْأَزْهَر من لفظ الْمُحدث نَاصِر الدَّين الفارقي وصنف شرحا للبخاري سَمَّاهُ الْكَوَاكِب الدراري وَهُوَ فِي مجلدين ضخمين وَقد يُوجد فِي أَرْبَعَة فِي الْغَالِب وسَمعه مِنْهُ جمَاعَة واشتهر فِي جَمِيع الأقطار وعان فِي خطبَته على شرح ابْن بطال وَشرح الحلبي وَشرح مغلطاي قَالَ ابْن حجر فِي الدرران شرح صَاحب التَّرْجَمَة مُفِيد على أَوْهَام فِيهِ فِي النَّقْل لِأَنَّهُ لم يَأْخُذهُ إلا من الصُّحُف وَله شرح على مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب سَمَّاهُ السَّبْعَة السيارة لكَونه جمع فِيهِ سَبْعَة شُرُوح وَالْتزم استيفاءها وَذكر أنه أردفها بسبعة أُخْرَى من دون استعياب فجَاء شرحاً حافلاً مَعَ مَا فِيهِ من التّكْرَار الذي أوقعه فِيهِ مُرَاعَاة نقل الْأَلْفَاظ من تِلْكَ الشُّرُوح وصنف فِي الْعَرَبيَّة والمنطق قَالَ ابْن حجر تصدى لنشر الْعلم بِبَغْدَاد ثَلَاثِينَ سنة وَكَانَ مُقبلا على شَأْنه لَا يتَرَدَّد إِلَى أَبنَاء الدُّنْيَا قانعا باليسير ملازما للْعلم متواضعاً وَتوفى مرجعه من الْحَج فِي محرم سنة 786 سِتّ وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة مَحْمُود بن أَحْمد بن حسن بن إِسْمَاعِيل بن يَعْقُوب بن إِسْمَاعِيل مظفر الدَّين العيني الأَصْل القاهري الحنفي وَيعرف بِابْن الأمشاطي لِأَن جده كَانَ يتجر فِيهَا ولد فِي حُدُود سنة 812 اثنتي عشر وثمان مائَة بِالْقَاهِرَةِ وَنَشَأ بهَا وَحفظ مختصرات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 واشتغل فِي الْفِقْه على ابْن الديري والشمني وَفِي النَّحْو على الثاني وَغَيره وَسمع على جمَاعَة كَابْن حجر وطبقته وَدخل دمشق وَحج غير مرة وجاور ورابط فِي بعض الثغور وسافر للْجِهَاد واعتنى بالسباحة والتجليد وَرمى النشاب وَرمى المدافع وَأخذ ذَلِك عَن الأستاذين وَتقدم فِي أَكْثَره واشتغل بالطب وصنف فِيهِ وَأعْرض عَن جَمِيع مَا عداهُ وَمن تصانيفه فِيهِ شرح الموجز للعلاء بن نَفِيس فِي مجلدين وَهُوَ شرح حسن تداوله الأفاضل وَشرح اللمحة لِابْنِ أَمِير الدولة وَمن تصانيفه فِي غير الطِّبّ شرح النقاية استمد فِيهِ من شرح شَيْخه الشمني قَالَ السخاوي إنه سَمعه يحْكى أَنه رأى وَهُوَ صبي فِي يَوْم ذي غيم رجلا يمشي فِي الْغَمَام لَا يشك فِي ذَلِك وَلَا يتمارى انْتهى وَيُمكن أَن يكون رأى قِطْعَة من قطع السَّحَاب متشكلة بشكل الْإِنْسَان فَإِن النَّاظر فِي أطباق السَّحَاب إِذا تخيل فِي شَيْء مِنْهَا أَنه على صُورَة حَيَوَان أَو شَيْء من الجمادات خيل إِلَيْهِ ذَلِك إِذا أدام النظر إِلَيْهَا وَلَعَلَّ سَبَب ذَلِك كَونهَا متحركة دَائِما ولطافة الْهَوَاء وَكَانَ للحاسة المخيلة فِيمَا كَانَ كَذَلِك اختراعا يُخَالف مَا جرت بِهِ عَادَتهَا من عدم تخييل مَا يُخَالف المحسوس بحاسة الْبَصَر عِنْد الْمُشَاهدَة وَمَات فِي شهر ربيع الأول سنة 902 اثْنَتَيْنِ وَتِسْعمِائَة بِالْقَاهِرَةِ وَدفن بهَا مَحْمُود بن أَحْمد بن مُحَمَّد النُّور الهمذاني الفيومي الأَصْل الحموي الشافعي الْمَعْرُوف بِابْن خطيب الدهشة تحول أَبوهُ من الفيوم إِلَى حماه فاستوطنها وَولى خطابة الدهشة وصنف بهَا الْمِصْبَاح الْمُنِير فِي غَرِيب الشَّرْح الْكَبِير مجلدين وَشرح عرُوض ابْن الْحَاجِب وَله ديوَان خطب وَولد لَهُ ابْنه هَذَا فِي سنة 750 خمسين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 وَسَبْعمائة وَنَشَأ فحفظ الْقُرْآن وكتباً وَسمع من جمَاعَة وتفقه على أهل بَلَده وارتحل إِلَى مصر وَالشَّام فَأخذ عَن أئمتهما وَتقدم فِي الْفِقْه وأصوله والعربية واللغة وَغَيرهَا وَولى قَضَاء حماه ثمَّ صرف وَلزِمَ منزله متصديا للإقراء والفتاوى والتصنيف فَانْتَفع بِهِ أهل بَلَده واشتهر ذكره وصنف كثيرا كمختصر الْقُوت للأذرعي فِي أَرْبَعَة أَجزَاء وَسَماهُ إغاثة الْمُحْتَاج إِلَى شرح الْمِنْهَاج وتكملة شرح الْمِنْهَاج للسبكي وَهُوَ فِي ثَلَاثَة عشر مجلدا والتحفة فِي المبهمات وَشرح ألفية ابْن مَالك والكافية فِي ثَلَاث مجلدات وتهذيب الْمطَالع لِابْنِ قرقول فِي سِتّ مجلدات واليواقيت المضية فِي الْمَوَاقِيت الشَّرْعِيَّة وَعمل منظومة نَحْو تسعين بَيْتا فِي الْخط وَشَرحهَا وَمَات بحماه يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشر شَوَّال سنة 834 أَربع وَثَلَاثِينَ وثمان مائَة مَحْمُود بن أَحْمد بن مُوسَى بن أَحْمد بن حُسَيْن بن يُوسُف ابْن مُحَمَّد الْبَدْر الحلبى الأصلى القاهري الحنفي الْمَعْرُوف بالعيني ولد سَابِع عشر رَمَضَان سنة 762 اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَحفظ كتبا فِي فنون وَأخذ عَن جمَاعَة كالرهاوي وذي النُّون والسرمارى وَغَيرهم ومشايخه فِي النَّحْو وَالصرْف والمنطق وَالْأُصُول والمعاني وَالْبَيَان بَعضهم من تلامذة الجاربردى وَبَعْضهمْ من تلامذة الطَّيِّبِيّ وَبَعْضهمْ من تلامذة السعد التفتازاني وبرع فِي جَمِيع هَذِه الْعُلُوم وارتحل إِلَى حلب ودمشق وَبَيت الْمُقَدّس وَحج وَدخل الْقَاهِرَة وَأخذ عَن غَالب أهل هَذِه المحلات وَاسْتقر بِالْقَاهِرَةِ ودرس فِي مَوَاطِن مِنْهَا وَتَوَلَّى قَضَاء الْحَنَفِيَّة بهَا فِي سنة 829 وَصرف وأعيد وَصرف فَلَزِمَ بَيته مُقبلا على الْجمع والتصنيف مستمرا على تدريس الحَدِيث وتصانيفه كَثِيرَة جدا وانتفع بِهِ النَّاس وَأخذ عَنهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 الطّلبَة من كل مَذْهَب وَله حَظّ عِنْد الْمُلُوك وَمن تصانيفه شرح البخاري فِي اُحْدُ وَعشْرين مجلدا أسماه عُمْدَة الْقَارئ وَكَانَ ينْقل فِيهِ من شرح الْحَافِظ بن حجر وَرُبمَا يتعقب ذَلِك وَقد أجَاب ابْن حجر عَن تِلْكَ التعقبات لِأَنَّهُمَا متعاصران وَبَينهمَا مُنَافَسَة شَدِيدَة وَشرح معاني الْآثَار للطحاوي فِي عشر مجلدات وَقطعَة من سنَن أبي دَاوُد فِي مجلدين وَقطعَة كَبِيرَة من سيرة ابْن هِشَام سَمَّاهُ كشف اللثام وَشرح الْكَلم الطيب لِابْنِ تَيْمِية والكنز وَسَماهُ رمز الْحَقَائِق فِي شرح كنز الدقائق وَكَذَلِكَ شرح التُّحْفَة وَالْهِدَايَة فِي إِحْدَى عشرَة مُجَلد وَشرح الْمجمع والبحار الزاخرة والمنار والشواهد الْوَاقِعَة فِي شُرُوح الألفية والتسهيل لِابْنِ مَالك وَالْمُحِيط وَله حواش مِنْهَا على شرح الألفية وعَلى التَّوْضِيح وعَلى شرح الجاربردي فِي التصريف وَله مُقَدّمَة فِي الصّرْف وَأُخْرَى فِي الْعرُوض وتاريخ كَبِير فِي تِسْعَة عشر مجلدا ومتوسط فِي ثَمَانِيَة ومختصر فِي ثَلَاثَة وتاريخ الأكاسرة وطبقات الْحَنَفِيَّة وطبقات الشُّعَرَاء ومعجم شُيُوخه وَاخْتصرَ تَارِيخ ابْن خلكان وَله تحفة الْمُلُوك فِي المواعظ وَكتاب آخر فِي الرَّقَائِق والمواعظ فِي ثَمَان مجلدات وَغير ذَلِك مَاتَ لَيْلَة الثُّلَاثَاء رَابِع ذي الْحجَّة سنة 855 خمس وَخمسين وثمان مائَة وَدفن بِالْقَاهِرَةِ مَحْمُود بن سُلَيْمَان بن فَهد بن مَحْمُود الحلبي ثمَّ الدمشقي الحنبلي شهَاب الدَّين ولد فِي شعْبَان سنة 644 أَربع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَسمع من الرضي بن الْبُرْهَان وَيحيى بن عبد الرَّحِيم الحنبلي وجمال الدَّين بن مَالك وتأدب بِهِ وبرع إِلَى أَن عين غير مرة لقَضَاء الْحَنَابِلَة وفَاق الأقران فِي حسن النظم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 والنثر وَالْكِتَابَة وَكتب الْإِنْشَاء بِدِمَشْق ثمَّ بِمصْر وَولى كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق إِلَى أَن مَاتَ ونظمه كثير يزِيد على ثَلَاث مجلدات ونثره يدْخل فِي ثَلَاثِينَ مجلدا كَذَا قَالَ الصفدي وَله كتاب حسن التوسل فِي صناعَة الترسل قَالَ البرزالي فِي مُعْجَمه فَاضل فِي الْإِنْشَاء وجودة الشّعْر فاق أهل عصره وأربى على كثير مِمَّن تقدمه وَمن نظمه (تثنى وأغصان الْأَرَاك نواظر ... فنحت وأسراب من الطير عكف) (فَعلم بأنات النقا كَيفَ تنثنى ... وَعلم وَرْقَاء الْحمى كَيفَ تهتف) وَمن غرر قصائد القصيدة الَّتِى مطْلعهَا (هَل الْبَدْر إِلَّا مَا حواه لثامها ... أَو الصُّبْح إِلَّا مَا جلاه ابتسامها) وشعره مَشْهُور قد أورد مِنْهُ المصنفون فِي الْأَدَب بعده شَيْئا كثيرا وَكَذَلِكَ نثره وَمَات بِدِمَشْق فِي ثاني وَعشْرين شعْبَان سنة 725 خمس وَعشْرين وَسَبْعمائة السُّلْطَان مَحْمُود بن عبد الحميد سُلْطَان الروم فِي هَذَا الْوَقْت أخبرنَا من وَفد إلينا من أهل تِلْكَ الْجِهَات أَنه ولي السلطنة فِي سنة 1222 ووصفوه بِالْعلمِ والزهد وَحسن الْخط وَالْعدْل وَأَنه يَأْكُل من عمل يَده تحريا للْحَلَال هَذَا وَهُوَ سُلْطَان الدُّنْيَا وَملك الْعَالم وَهُوَ الَّذِي امْر الباشا بِمصْر أَن يُجهز الجيوش على صَاحب بخد الْمُتَقَدّم ذكره فَجهز عَلَيْهِ جَيْشًا بعد جَيش ومازال يحاربه عَاما بعد عَام حَتَّى حصره فِي مَحَله ووطنه وهي الْقرْيَة الْمَعْرُوفَة بالدرعية ثمَّ مازال الْجَيْش يضْرب بالمدافع على تِلْكَ الْقرْيَة لَيْلًا وَنَهَارًا حَتَّى أخرب كثيرا مِنْهَا ثمَّ أذعن صَاحبهَا وَهُوَ عبد الله بن سعود بن عبد الْعَزِيز وَسلم نَفسه إِلَى أَيْديهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 وأدخلوه الروم فِي سنة 1233 وَكَانَ الْأَمِير على الْجنُود الرومية ابْن الباشا صَاحب مصر وَهُوَ إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد علي ثمَّ بعث مُحَمَّد على بِابْن أَخِيه الباشا خَلِيل بجيوش الروم وَكَانَ واليا على مَكَّة فَخرج إِلَى الديار التهامية من الْيمن على الشريف أَحْمد بن حمود فاستولى على جَمِيع الْبِلَاد العريشية صفوا عفوا بِلَا ضَرْبَة وَلَا طعنة ثمَّ استولى على جَمِيع مَا قد كَانَ استولى عَلَيْهِ الشريف حمود من البنادر والمدائن اليمنية وهي اللِّحْيَة والحديدة وَبَيت الْفَقِيه وزبيد وَمَا يتَّصل بِهَذِهِ المحلات فارتجف الْيمن بأسره وَلم يبْق عِنْد أحد من أَهله شك أَنه سيطوي الديار اليمنية فِي أسْرع وَقت ثمَّ كَانَ من الألطاف الإلهية أنها وصلت كتب من الباشا مُحَمَّد علي وَمن الباشا خَلِيل مؤذنة بالمصالحة وَعدم التعدي إِلَى غير مَا قد وصلوا إِلَيْهِ وَمَا زَالَت الرُّسُل يخْتَلف من الْجِهَتَيْنِ وَكَانَت الْمُكَاتبَة والمراسلة بَينهم وَبَين مَوْلَانَا الإِمَام حفظه الله تَدور باطلاعي حَتَّى انْتهى الْأَمر إِلَى إرجاع جَمِيع الْبِلَاد الَّتِى كَانَت مَعَ الشريف حمود وَولده إِلَى الإِمَام فَعَادَت كَمَا كَانَت وَللَّه الْحَمد بعد أَن حصل الْيَأْس عَن جَمِيع المملكة اليمنية وَهَكَذَا تجري الألطاف الربانية بِمَا لم يكن فِي حِسَاب العَبْد وَقد نفذ إِلَيْهَا عِنْد تَحْرِير هَذِه الأحرف الْعمَّال والرتب واستقروا بهَا وَجعل مَوْلَانَا الإِمَام على الْبِلَاد العريشية الشريف علي بن حيدر كَمَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَشْرَاف فِي الْمدَّة الْمَاضِيَة قبل ظُهُور مظهر صَاحب نجد واعتزاء الْأَشْرَاف إِلَيْهِ وَقد أدخلُوا احْمَد بن حمود الروم وأدخلوا مَعَه جمَاعَة من الْأَشْرَاف وَكَانَ الشريف حسن بن خَالِد الحازمي وَهُوَ الْمُتَكَلّم فِي دولة الشريف والوزير وَالْقَاضِي والمفتي والأمير للجيش فِي كثير من الْحَالَات والمنفذ للْأَحْكَام قد لَجأ إِلَى بِلَاد عسير فَتَبِعَهُ جمَاعَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 من الروم فَقَتَلُوهُ هُنَالك بعد حروب والآن وَلَده بَاقٍ هُنَالك وَقد تجهز إِلَيْهِ طَائِفَة من الأتراك بعد مفارقتهم للبلاد التهامية والبلاد العريشية وسيأتي تَمام وصف حَادِثَة الروم هَذِه فِي تَرْجَمَة الأغا يُوسُف الْمُتَوَسّط فِي الْقِصَّة انشاء الله مَحْمُود بن عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَبى بكر ابْن علي شمس الدَّين الْأَصْبَهَانِيّ ولد بأصبهان فِي شعْبَان سنة 674 أَربع وَسبعين وسِتمِائَة وَأخذ عَن عُلَمَاء بِلَاده كوالده وجمال الدَّين بن أَبى الرَّجَاء وَمهر فِي الْفُنُون وَحج فِي سنة 724 وَدخل دمشق بعد زِيَارَة الْقُدس فبهرت أَهلهَا فضائله وَقَالَ ابْن تَيْمِية لما سمع كَلَامه أنه مَا دخل الْبِلَاد مثله وَكَانَ يلازم الْجَامِع الأموي لَيْلًا وَنَهَارًا مكبا على التِّلَاوَة وتدريس الطّلبَة وَبَالغ الْفُضَلَاء فِي الثَّنَاء عَلَيْهِ ثمَّ طلب على الْبَرِيد إِلَى مصر فدرس بهَا قَالَ الأسنوي كَانَ بارعا فِي العقليات صَحِيح الِاعْتِقَاد محبا لأهل الصلاح طارحا للتكلف مجموعا على الْعلم انْتهى وصنف شرحا لمختصر ابْن الْحَاجِب قبل أَن يقدم بِلَاد دمشق وشرحا للمطالع وشرحا لتجريد النَّصْر الطوسي وَشرح قصيدة النساوى فِي الْعرُوض وصنف فِي الْمنطق كتابا سَمَّاهُ نَاظر الْعين وَشَرحه وَشرح مُقَدّمَة ابْن الْحَاجِب وَشرح بِالْقَاهِرَةِ البديع لِابْنِ الساعاتي وطوالع البيضاوي ومنهاجه وَعمل تَفْسِيرا وَمِمَّا يحْكى عَنهُ من حرصه على الْعلم وشحه على عدم ضيَاع أوقاته أَن بعض أَصْحَابه كَانَ يرْوى أَنه كَانَ يمْتَنع كثيرا من الْأكل لِئَلَّا يحْتَاج إِلَى الشَّرَاب فَيحْتَاج إِلَى دُخُول الْخَلَاء فيضيع عَلَيْهِ الزَّمَان قَالَ الصفدي رَأَيْته يكْتب تَفْسِيره من خاطره من غير مُرَاجعَة وانتفع النَّاس بِهِ كثيرا وَمَات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 فِي ذي الْقعدَة سنة 794 أَربع وَتِسْعين وَسَبْعمائة بالطاعون الْعَام مَحْمُود بن مَسْعُود بن مصلح الفارسي قطب الدَّين الشيرازي الشافعي الْعَلامَة الْكَبِير ولد بشيراز سنة 634 أَربع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَأخذ عَن أَبِيه وَعَمه وَغَيرهمَا فِي علم الطِّبّ ثمَّ رتب طَبِيبا وَهُوَ شَاب ثمَّ سَافر إِلَى نصير الدَّين الطوسي فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْهَيْئَة وَبحث عَلَيْهِ فِي الإشارات وبرع وَقَالَ لَهُ السُّلْطَان ابغا بن هلاكو أنت أفضل تلامذة النصير وَقد كبر فاجتهد أَن لَا يفوتك شَيْء من علومه فَقَالَ قد فعلت وَمَا بقى لى بِهِ حَاجَة ثمَّ دخل الرّوم فَأكْرمه صَاحبهَا وَولى قَضَاء سيواس وملطية وَقدم الشَّام رَسُولا وَسكن تبريزاً وأقرأ بهَا الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة وَحدث بِجَامِع الْأُصُول عَن الصَّدْر القونوي عَن يَعْقُوب الهديات عَن المُصَنّف وَكَانَ كثير المخالطة للملوك متحرزا ظريفا مزاحا لَا يحمل هما مجيدا للعب الشطرنج مديما لَهُ حَتَّى فِي أَوْقَات اعْتِكَافه كثير الدخل حَتَّى قيل أنه دخله فِي الْعَام ثَلَاثُونَ الْفَا لَا يدّخر مِنْهَا شَيْئا بل يُنْفِقهُ على تلامذته ودرس بِدِمَشْق الْكَشَّاف والقانون والشفاء وَغَيرهَا وَكَانَ إِذا صنف كتابا صَامَ ولازم السهر ومسودته مبيضة وَكَانَ يخضع للْفُقَرَاء ويلازم الصَّلَاة فِي الْجَمَاعَة وَيكثر الشفاعات عِنْد الْمُلُوك وهم يعظمونه وَمن تصانيفه شرح مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب وَشرح الْمِفْتَاح للسكاكي وَشرح الكليات لِابْنِ سينا وَشرح الْأَسْرَار للسهروردى وصنف كتابا فِي الْحِكْمَة سَمَّاهُ غرَّة التَّاج وَكَانَ من أذكياء الْعَالم ولقبه عِنْد الْفُضَلَاء الشَّارِح الْعَلامَة قَالَ الذهبي قيل كَانَ علي دين الْعَجَائِز وَكَانَ يخضع للفقهاء ويوصي بِحِفْظ الْقُرْآن وَكَانَ إِذا مدح تخشع وَكَانَ يَقُول أَتَمَنَّى أني كنت فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يكن لي سمع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 وَلَا بصر رَجَاء أَن يلحظني بنظرة وَكَانَ ذَا مُرُوءَة وأخلاق حسان وتلامذته يبالغون فِي تَعْظِيمه انْتهى وَقد اسْتمرّ على تَعْظِيمه من بعدهمْ حَتَّى صَار الْعَلامَة إِذا أطلق لَا يفهم غَيره بل جَاوز ذَلِك كثير من المصنفين الْمُتَأَخِّرين الَّذين غَالب نظرهم مَقْصُور على مثل علمه فَقَالُوا لَا يُطلق ذَلِك فِي الاصطلاح إِلَّا عَلَيْهِ وَلَا عتب عَلَيْهِم فهم لَا يعلمُونَ بالعلوم الشَّرْعِيَّة حَتَّى يعرفوا مِقْدَار أَهلهَا وَقد عاصر صَاحب التَّرْجَمَة من أَئِمَّة الْعلم من لَا يرتقي هُوَ إِلَى شَيْء بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِم وَكَذَلِكَ جَاءَ بعد عصره أكابر كَمَا مر بك فِي هَذَا الْكتاب وكما سيأتي وَأَكْثَرهم أحق بوصفه بالعلامة فضلا عَن كَونه مُسْتَحقّا وَأَيْنَ يَقع من مثل من جمع مِنْهُم بَين علمي الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول وبهر بِعُلُومِهِ الأفهام والعقول وَمَات فِي رَمَضَان سنة 710 عشر وَسَبْعمائة السُّلْطَان مُرَاد بن احْمَد بن مُحَمَّد بن مُرَاد بن سليم الآتي قَرِيبا ولد سنة 1018 ثَمَان عشرَة وألف وَجلسَ على سَرِير السلطنة سنة 1032 وَكَانَ كثير الْغَزْو وافتتح مدنا كبغداد وَقتل جَمِيع من فِيهَا من الروافض وَكَانَ شَدِيد الْأَيْدِي وَله حكايات فِي ذَلِك مِنْهَا أَنه طعن درقه نَحْو إحدى عشر طبقَة بِعُود فَثَبت فِيهَا وأرسلها إِلَى مصر وَجعل لمن أخرج الْعود من عَسَاكِر مصر زِيَادَة فِي مقرره فَلم يقدر على ذَلِك أحد وَمَات سنة 1049 تسع وَأَرْبَعين وَألف مُرَاد بن أورخان بن عُثْمَان الغازي سُلْطَان الروم وَابْن سلاطينها ولد سنة 727 سبع وَعشْرين وَسَبْعمائة وَجلسَ على التخت سنة 761 وافتتح كثيرا من الْبِلَاد مِنْهَا أدرنه وَهُوَ أول من اتخذ المماليك وألبسهم اللباد الْمثنى إِلَى خلف وَسَمَّاهُمْ الْعَسْكَر الْجَدِيد وَكَانَ عَظِيم الصولة شَدِيد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 المهابة وَاجْتمعت النَّصَارَى عَلَيْهِ مَعَ سلطانهم فقابلهم صَاحب التَّرْجَمَة وَهَزَمَهُمْ وَقتل سلطانهم وَأسر جمَاعَة من مُلُوكهمْ فأظهر وَاحِد من الْمُلُوك الطَّاعَة للسُّلْطَان وَطلب تَقْبِيل كَفه فَأذن لَهُ بذلك فَلَمَّا قرب مِنْهُ أخرج خنجرا كَانَ أعده فِي كمه فَضرب السُّلْطَان مُرَاد فَقتله وفاز بِالشَّهَادَةِ فِي سنة 792 اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَسَبْعمائة فَصَارَ القانون أَلا يدْخل على السُّلْطَان أحد إِلَّا بعد تفتيش ثِيَابه وَيكون بَين رجلَيْنِ يكتنفانه مُرَاد بن سليم بن سُلَيْمَان بن سليم بن بايزيد بن أورخان ابْن عُثْمَان سُلْطَان الروم ولد سنة 953 ثَلَاث وَخمسين وَتِسْعمِائَة وَجلسَ على التخت سنة 982 وَهُوَ من أعظم سلاطين الروم وأكابر مُلُوكهَا استولى على مَا كَانَ تَحت يَد آبَائِهِ من الممالك وَزَاد عَلَيْهِ فتوحات وَاسِعَة وَهُوَ الذي أتم عمَارَة الْحرم الشريف بعد أَن كَانَ حصل فِيهِ حريق أخرب كثيرا مِنْهُ فَأمر بهدمه جَمِيعًا وَالِده السُّلْطَان سليم بن سُلَيْمَان وَشرع فِي عِمَارَته على هَيْئَة نفيسة وأسلوب غَرِيب ثمَّ مَاتَ بعد أَن شرع فِي الْعِمَارَة وكمله صَاحب التَّرْجَمَة وَمَا أحسن مَا قَالَه بعض الشُّعَرَاء فِي تَارِيخ كَمَال الْعِمَارَة وَهُوَ هَذَا الْبَيْت بِتَمَامِهِ فَإِنَّهُ مَعَ انسجامه وسلاسته وَحسن نظمه جَمِيعه تَارِيخ لتَمام الْعِمَارَة وَهُوَ (جدد الْمَسْجِد الْحَرَام مُرَاد ... دَامَ سُلْطَانه ودام زَمَانه) وأرخ تَمام الْعِمَارَة بَعضهم فِي نثر فَقَالَ عمر الْحرم سُلْطَان مُرَاد وَقد وصف القطب الحنفي فِي الْأَعْلَام كَيْفيَّة هَذِه الْعِمَارَة وَأطَال فِي ذَلِك فِي آخر كِتَابه الْأَعْلَام وَختم تَرْجَمَة صَاحب التَّرْجَمَة فِي ذَلِك الْكتاب وَلم يذكر تَارِيخ مَوته وَهُوَ فِي سنة 1003 ثَلَاث وَألف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 مُرَاد خَان بن مُحَمَّد خَان بن بايزيد أورخان ابْن عُثْمَان سُلْطَان الروم ولد سنة 806 سِتّ وثمان مائَة وَجلسَ على التخت سنة 824 وَكَانَ ملكاً مُطَاعًا مقداماً كَرِيمًا عين للحرمين الشريفين من خَاصَّة صدقاته فِي كل عَام ثَلَاثَة آلَاف وَخَمْسمِائة ذهب للسادة الْأَشْرَاف وَمن خزانته فِي كل عَام مثل ذَلِك وَفتح فتوحات وَمن فتوحاته قلعة سمندرة وبلاد مورة وَقَاتل الْكفَّار ونال مِنْهُم وَبعد ذَلِك سلم السلطنة إِلَى وَلَده مُحَمَّد وتخلى عَن الْملك بعد أَن اسْتمرّ فِي السلطنة إحدى وَثَلَاثِينَ سنة وَمَات سنة 855 خمس وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَقد أهمل الْحَافِظ بن حجر ذكر مُلُوك الروم فِي الدُّرَر الكامنة فِي أهل الْمِائَة الثَّامِنَة فَلم يذكر من كَانَ فِيهَا مِنْهُم وَكَذَلِكَ السخاوي أهمل بَعْضًا مِمَّن كَانَ مِنْهُم فِي الْمِائَة التَّاسِعَة وَذكر بَعْضًا وَهَذَا عَجِيب فَإِنَّهُمَا يترجمان لجَماعَة من أهل سَائِر الديار هم معدودون من أَحْقَر مماليك سلاطين الروم مَعَ أنهما يترجمان لكثير من صغَار الْمُلُوك والأمراء الكائنين بالأندلس واليمن والهند وَسَائِر الديار وَهَكَذَا أهملا غَالب عُلَمَاء الرّوم وَلم يذكر إِلَّا شَيْئا يَسِيرا مِنْهُم مَعَ أنهما يترجمان لمن هُوَ أبعد مِنْهُم دَارا وأحقر قدرا فَالله أعلم بِالسَّبَبِ الْمُقْتَضى لذَلِك وَقد ذكرنَا فِي هَذَا الْكتاب كثيرا مِمَّن أهملاه مَسْعُود بن أَحْمد بن مَسْعُود بن زيد الحارثي سعد الدَّين العراقي ثمَّ المصري الحنبلي مَنْسُوب إِلَى الحارثية من قرى بَغْدَاد ولد سنة 652 اثْنَتَيْنِ وَخمسين وسِتمِائَة وعنى بِالْحَدِيثِ فَسمع من الرضي بن الْبُرْهَان والنجيب وطبقتهما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 وَسمع بِدِمَشْق من أَحْمد بن أَبى الْخَيْر وَالْجمال بن الصَّيْرَفِي وَغَيرهمَا وَطلب بِنَفسِهِ وَكتب الْكثير وَسمع العالي والنازل واتسعت معارفه وَولى مشيخة دَار الحَدِيث بِدِمَشْق ثمَّ تَركهَا وَرجع إِلَى مصر ثمَّ ولي الْقَضَاء سنة 709 وَكَانَ ابْن دَقِيق الْعِيد ينفر مِنْهُ لقَوْله بالجهة وَيَقُول هَذَا دَاعِيَة وَيمْتَنع من الِاجْتِمَاع بِهِ وَيُقَال ان صَاحب التَّرْجَمَة هُوَ الذي تعمد إعدام مسودة كتاب الإِمَام لِابْنِ دَقِيق الْعِيد بعد أَن كَانَ أكمله فَلم يبْق مِنْهُ إِلَّا مَا كَانَ بيض فِي حَيَاة مُصَنفه قَالَ ابْن حجر فِي الدُّرَر وَشرح سعد الدَّين قِطْعَة من سنَن أَبى دَاوُد كَبِيرَة أَجَاد فِيهَا وَقطعَة من الْمُنْتَقى للحنابلة أتى فِيهَا بمباحث ونقول فَوَائِد وَلم يكمل وَغير ذَلِك مَاتَ فِي رَابِع عشر ذي الْحجَّة سنة 711 إحدى عشرَة وَسَبْعمائة مَسْعُود بن عمر التفتازاني الإِمَام الْكَبِير صَاحب التصانيف الْمَشْهُورَة الْمَعْرُوف بِسَعْد الدَّين ولد بتفتازان فِي صفر سنة 722 اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَسَبْعمائة وَأخذ عَن أكابر أهل الْعلم فِي عصره كالعضد وطبقته وفَاق فِي النَّحْو وَالصرْف والمنطق والمعاني وَالْبَيَان وَالْأُصُول وَالتَّفْسِير وَالْكَلَام وَكثير من الْعُلُوم وطار صيته واشتهر ذكره ورحل إِلَيْهِ الطّلبَة وَشرع فِي التصنيف وَهُوَ فِي سِتّ عشرَة سنة فصنف الزنجانية وَفرغ مِنْهَا فِي شعْبَان سنة 738 وَفرغ من شرح التَّلْخِيص الْكَبِير فِي صفر سنة 748 بهراة وَمن مُخْتَصره سنة 756 وَمن شرح التَّوْضِيح فِي ذي الْقعدَة سنة 758 بكلشان وَمن شرح العقائد فِي شعْبَان سنة 768 وَمن حَاشِيَة الْعَضُد فِي ذي الحجة سنة 770 وَمن رِسَالَة الْإِرْشَاد سنة 774 كلهَا بخوارزم وَمن الْمَقَاصِد وَشَرحه فِي ذى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 الْقعدَة سنة 784 بسمرقند وَمن تَهْذِيب الْكَلَام فِي رَجَب مِنْهَا وَمن شرح الْمِفْتَاح فِي شَوَّال سنة 789 بسمرقند أيضا وَشرع فِي فَتَاوَى الحنفية يَوْم الْأَحَد التَّاسِع من ذي الْقعدَة سنة 769 بهراة وَفِي تأليف مِفْتَاح الْفِقْه سنة 772 وَفِي شرح تَلْخِيص الْمِفْتَاح سنة 786 كليهمَا بسرخس وَمن حَاشِيَة الْكَشَّاف فِي ثامن ربيع الآخر سنة 789 بِظَاهِر بسمرقند هَكَذَا ذكر ملازادة تَارِيخ مَا فرغ مِنْهُ من مؤلفاته وَمَا شرع فِيهِ وَلم يكمل وَقَالَ فِي أول الترجمة مَا لَفظه أستاذ الْعلمَاء الْمُتَأَخِّرين وَسيد الْفُضَلَاء الْمُتَقَدِّمين مَوْلَانَا سعد الْملَّة وَالدّين معدل ميزَان الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول مفتح أغصان الْفُرُوع وَالْأُصُول أبي سعيد مَسْعُود بن القاضي الإِمَام فَخر الْملَّة وَالدّين عمر ابْن الْمولى الْأَعْظَم سُلْطَان العارفين العادى التفازانى ثمَّ ذكر مَا قدمْنَاهُ من تَارِيخ مولده وَمَا بعده ثمَّ قَالَ وَتوفى يَوْم الاثنين الثاني وَالْعِشْرين من شهر محرم سنة 792 اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَسَبْعمائة بسمرقند وَنقل إِلَى سرخس وَدفن بهَا يَوْم الْأَرْبَعَاء التَّاسِع من جُمَادَى الأولى ثمَّ قَالَ ملازادة الْجَامِع لهَذِهِ التَّرْجَمَة واسْمه مُوسَى بن مُحَمَّد بن مَحْمُود أنه أَخذ عَن عبد الْكَرِيم بن عبد الْغنى وَهُوَ عَن الْمولى سِنَان وَهُوَ عَن الْمولى حيدر وَهُوَ عَن الْمولى سعد الْملَّة يعْنى صَاحب التَّرْجَمَة وَأورد لصَاحب التَّرْجَمَة من الشّعْر قَوْله (فرق فرق الدَّرْس وَحصل مَالا ... فالعمر مضى وَلم تنَلْ آمالا) (لَا ينفعك الْقيَاس وَالْعَكْس وَلَا ... افعنلل يفعنلل افعنلالا) وَأورد لَهُ قَوْله أَيْضا (طويت بإحراز الْعُلُوم ونيلها ... رِدَاء شَبَابِي وَالْجُنُون فنون) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 (وَحين تعاطيت الْفُنُون ونيلها ... تبين لي أَن الْفُنُون جُنُون) قلت وَلم يذكر فِي هَذِه التَّرْجَمَة جَمِيع مصنفات صَاحبهَا بل أهمل مِنْهَا التَّلْوِيح وَهُوَ من أجل مصنفاته وأهمل مِنْهَا شرح الرسَالَة الشمسية وَهُوَ أيضا من أجلهَا وَبِالْجُمْلَةِ فَصَاحب التَّرْجَمَة متفرد بِعُلُومِهِ فِي الْقرن الثَّامِن لم يكن لَهُ فِي أَهله نَظِير فِيهَا وَله من الْحَظ والشهرة والصيت فِي أهل عصره فَمن بعدهمْ مَالا يلْحق بِهِ غَيره ومصنفاته قد طارت فِي حَيَاته إِلَى جَمِيع الْبلدَانِ وتنافس النَّاس فِي تَحْصِيلهَا وَمَعَ هَذَا فَلم يذكرهُ ابْن حجر فِي الدُّرَر الكامنة فِي أهل الماءة الثَّامِنَة مَعَ أَنه يتَعَرَّض لذكره فِي بعض تراجم شُيُوخه اَوْ تلامذته وَتارَة يذكر شَيْئا من مصنفاته عِنْد تَرْجَمَة من درس فِيهَا أَو طلبَهَا فإهمال تَرْجَمته من الْعَجَائِب المفصحة عَن نقص الْبشر وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة قد اتَّصل بالسلطان الْكَبِير الطاغية الشهير تيمورلنك الْمُتَقَدّم ذكره وَجَرت بَينه وَبَين السَّيِّد الشريف الجرجاني الْمُتَقَدّم ذكره مناظرة فِي مجْلِس السُّلْطَان الْمَذْكُور فِي مسئلة كَون إرادة الانتقام سَببا للغضب أَو الْغَضَب سَببا لإِرَادَة الإنتقام فَصَاحب التَّرْجَمَة يَقُول بِالْأولِ والشريف يَقُول بالثاني قَالَ الشَّيْخ مَنْصُور الكازروني وَالْحق فِي جَانب الشريف وَجَرت بَينهمَا أيضا المناظرة الْمَشْهُورَة فِي قَوْله تَعَالَى {ختم الله على قُلُوبهم وعَلى سمعهم وعَلى أَبْصَارهم غشاوة} وَيُقَال بِأَنَّهُ حكم بِأَن الْحق فِي ذَلِك مَعَ الشريف فَاغْتَمَّ صَاحب التَّرْجَمَة وَمَات كمدا وَالله أعلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 مصطفى بن يُوسُف بن صَالح البروسوي الرومي الحنفي الْمَشْهُور بخواجه زادة عَالم الروم الْمَشْهُور بالتحقيق وجودة التَّصَوُّر والذكاء المفرط وإفحام من يناظره كَانَ وَالِده من التُّجَّار وَله ثروة عَظِيمَة فولد لَهُ صَاحب التَّرْجَمَة واشتغل بِالْعلمِ فسخط لذَلِك أَبوهُ وأبعده عَنهُ حَتَّى صَار لَا يملك إلا قَمِيصًا وَاحِدًا وَهُوَ لَا يزْدَاد فِي الْعلم الا شغفا وَرَآهُ بعض مَشَايِخ الصُّوفِيَّة فَقَالَ لَهُ بِأَنَّهُ يكون لَهُ شَأْن عَظِيم وَإِن اخوانه الَّذين صَار وَالِده يعظمهم ويهينه سيقومون عِنْده مقَام الخدم وَالْعَبِيد وَأخذ عَن أكَابِر عُلَمَاء الروم كالعالم الْمَشْهُور بخضر بك وطبقته وبرع فِي الْعَرَبيَّة والأصولين والمعاني وَالْبَيَان وَأمره السُّلْطَان مُرَاد أَن يدرس بمدرسة بروسا وَعين لَهُ كل يَوْم عشرَة دَرَاهِم فَمَكثَ كَذَلِك سِتّ سِنِين مشتغلا بِالْعلمِ مَعَ فقر وحاجة وَحفظ هُنَالك شرح المواقف وَلما تولى السلطنة السُّلْطَان مُحَمَّد خَان بن مُرَاد خَان الْمُتَقَدّم ذكره وَأظْهر الرَّغْبَة إِلَى الْعلم وَأَهله قصد الْعلمَاء حَضرته وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة يُرِيد ذَلِك وَلَكِن لم يَسْتَطِيع أَن يُجهز إِلَيْهِ لشدَّة فقره وَكَانَ لَهُ خَادِم من أَبنَاء التّرْك فأقرضه ثَمَان مائَة دِرْهَم فَاشْترى بهَا فرسا لنَفسِهِ وفرسا لِخَادِمِهِ وَذهب إِلَى السُّلْطَان فَلَقِيَهُ وَهُوَ ذَاهِب من قسطنطينية إِلَى ادرنة فَلَمَّا رَآهُ الْوَزير مَحْمُود باشا قَالَ أصبت بمجئك وَقد ذكرتك عِنْد السُّلْطَان فَاذْهَبْ إِلَيْهِ فَذهب إِلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِ فَقَالَ السُّلْطَان للوزير مَحْمُود باشا من هَذَا قَالَ خواجة زادة فَرَحَّبَ السُّلْطَان بِهِ وَكَانَ عَن يَمِين السُّلْطَان وَعَن يسَاره أَعْيَان عُلَمَاء حَضرته فَجرى بَينهم الْبَحْث بِحَضْرَة السُّلْطَان فَتكلم وَصَاحب التَّرْجَمَة وأفحم جمَاعَة من الْعلمَاء الْحَاضِرين وَمَال السُّلْطَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 إِلَيْهِ حَتَّى أنه بقي لَدَيْهِ بعد خُرُوج الْعلمَاء من عِنْده وَمَشى مَعَه ثمَّ إن السُّلْطَان وصل الْعلمَاء الَّذين بحثوا بِحَضْرَتِهِ بصلات وَلم يُعْط صَاحب التَّرْجَمَة مثلهم فَحصل مَعَه هم وحزن حَتَّى أَن خادمه صَار لَا يَخْدمه ويواجهه بقوله لَو كَانَ لَك علم لأكرمك السُّلْطَان كَمَا أكرمهم وَفِي بعض الْمنَازل نَام الْخَادِم فَتَوَلّى صَاحب التَّرْجَمَة خدمَة فرسه بِنَفسِهِ ثمَّ جلس حَزينًا فِي ظل شَجَرَة فَإِذا ثَلَاثَة نفر قد أَقبلُوا إِلَيْهِ من حجاب السُّلْطَان يسْأَلُون عَن خيمة خواجة زادة ويظنون أَن لَهُ خيمة كَسَائِر الأكابر فَأَشَارَ بعض النَّاس إِلَيْهِ فأنكروا ذَلِك ثمَّ جَاءُوا إِلَيْهِ فَقَالُوا لَهُ أنت خواجة زادة فَقَالَ نعم فقبلوا يَده وَقَالُوا إن السُّلْطَان جعلك معلما لنَفسِهِ قَالَ فَظَنَنْت أَنهم يسخرون بي ثمَّ ضربوا هُنَالك خيمة وَقدمُوا إِلَيْهِ فرسا وعبيدا وملبوسا فاخرا وَعشرَة آلَاف دِرْهَم وَقدمُوا إِلَيْهِ فرسا مِنْهَا وَقَالُوا قُم إِلَى السُّلْطَان وَالْخَادِم الْمَذْكُور نايم فَذهب إِلَيْهِ صَاحب التَّرْجَمَة ونبهه من النوم فَقَالَ الْخَادِم خلني أنام فَقَالَ لَهُ قُم انْظُر إِلَى حالى قَالَ انى اعرف حالك دعنى فأبرم عَلَيْهِ فَقَامَ فَنظر إِلَيْهِ فَقَالَ أَي حَال هَذَا قَالَ إني صرت معلما للسُّلْطَان فَقبل الْخَادِم يَده وتضرع إِلَيْهِ وَاعْتذر فَقبل مِنْهُ وَذهب إِلَى السُّلْطَان فشرع السُّلْطَان يقْرَأ عَلَيْهِ فِي التصريف وَكتب هُوَ شرحا عَلَيْهِ وتقرب مِنْهُ غَايَة التَّقَرُّب فحسده الْوَزير وَقَالَ للسُّلْطَان إن صَاحب التَّرْجَمَة يُرِيد قَضَاء الْعَسْكَر فَقَالَ السُّلْطَان لأي شَيْء يتْرك صحبتي فَقَالَ هُوَ يُرِيد ذَلِك وَقَالَ لخواجة زادة أَمر السُّلْطَان أن تتولى قَضَاء الْعَسْكَر فَقَالَ أَنا لَا أُرِيد ذَلِك قَالَ هَكَذَا جرى الْأَمر فامتثل وَصَارَ قَاضِيا بالعسكر وَكَانَ ذَلِك بِمَنْزِلَة قَضَاء الْأَقْضِيَة فَعِنْدَ ذَلِك بلغ وَالِده أَن وَلَده قد صَار قَاضِيا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 للعسكر فَلم يصدق فَلَمَّا تَوَاتر إِلَيْهِ الْخَبَر قدم من بروسا إِلَى أدرنة لزيارة وَلَده فَلَمَّا قرب من بَلْدَة أدرنة تَلقاهُ وَلَده وَتَبعهُ عُلَمَاء الْبَلَد وأشرافه فَلَمَّا نظر وَالِده إِلَى ذَلِك الْجمع الْعَظِيم قَالَ من هَؤُلَاءِ قَالُوا ابْنك فَنزل صَاحب التَّرْجَمَة من فرسه وَسلم على أَبِيه وأخوته وأدخلهم على السُّلْطَان وَعمل ضِيَافَة كَبِيرَة اجْتمع فِيهَا أَعْيَان المملكة وَجلسَ فِي صدر الْمجْلس وَجلسَ الأكابر على قدر مَرَاتِبهمْ وضاق الْمجْلس بِمن فِيهِ فَقَامَ أخوته مقَام الخدم فَكَانَ ذَلِك مَا تقدمت الْإِشَارَة إِلَيْهِ من ذَلِك الصُّوفِي ثمَّ درس بمدارس عدَّة وَقد اشْتهر فِي بِلَاد الروم وطار صيته وَكثر تلامذته وصنف مصنفات مِنْهَا شرح الريحانة الْمُتَقَدّم ذكره وَمِنْهَا حَاشِيَة على التَّلْوِيح وحاشية على المواقف وَلم تكمل وَكتاب التهافت وحاشية على شرح هِدَايَة الْحِكْمَة وَشرح الطوالع وَمَات فِي سنة 893 ثَلَاث وَتِسْعين وثمان مائَة وَلم يذكرهُ السخاوي فِي الضَّوْء اللامع مصطفى القسطلانى ثمَّ الرومي أخذ عَن عُلَمَاء الروم ثمَّ لما برع فِي الْعُلُوم صَار مدرسا بِإِحْدَى الْمدَارِس الثمان ثمَّ جعله السُّلْطَان مُحَمَّد بن مُرَاد قَاضِيا للعسكر ثمَّ لما مَاتَ السُّلْطَان مُحَمَّد وَولى السلطنة ابْنه السُّلْطَان بايزيد عزل صَاحب التَّرْجَمَة عَن الْقَضَاء وَجعل لَهُ كل يَوْم مائَة دِرْهَم وَكَانَ متبحرا فِي جَمِيع الْعُلُوم وَله حَاشِيَة على شرح العقائد ورسالة ذكر فِيهَا إشكالات على المواقف وَشَرحه وحاشية على الْمُقدمَات الْأَرْبَع وَتوفى سنة 901 إحدى وَتِسْعمِائَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 السَّيِّد المطهر ابْن الإِمَام شرف الدَّين بن شمس الدَّين ابْن الإِمَام المهدي احْمَد بن يحيى الْأَمِير الْكَبِير ملك الْيمن وَابْن ائمتها الْمَشْهُور بالشجاعة والحزم والإقدام والمهابة والسياسة والكياسة والرياسة كَانَ من أعظم الْأُمَرَاء مَعَ وَالِده الإِمَام وَكَانَ قد حلت هيبته بقلوب أهل الْيمن قاطبة وَقُلُوب من يرد إِلَيْهَا من الأتراك والجراسة فسعى بعض أَعدَاء الإِمَام بَينه وَبَين وَلَده هَذَا الْهمام بِمَا أوجب تكدر خاطر كل وَاحِد مِنْهُمَا على الآخر وتزايدت الوحشة حَتَّى ألْقى إِلَى المطهر أن وَالِده الإِمَام يُرِيد الْقَبْض عَلَيْهِ بعد صَلَاة الْجُمُعَة فِي قَرْيَة الْقَابِل وَكَانَ بُلُوغ ذَلِك إِلَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِد مَعَ وَالِده منتظرا للصَّلَاة فَأرْسل إِلَى جمَاعَة من أَعْيَان أَصْحَابه فَمَا كملت الصَّلَاة إِلَّا وَقد حَضَرُوا فَخرج عقب الصَّلَاة إِلَى الْجَبَل وَدَار بَينه وَبَين أَخِيه شمس الدَّين كَلَام طَوِيل فَلم يتم أَمر فَكَانَ آخر الْأَمر أَنه ذهب المطهر إِلَى حصن ثلا مغاضبا وَرجع الإِمَام إِلَى الجراف ثمَّ آل الْأَمر إِلَى أَن وَقع بَين صَاحب التَّرْجَمَة وَبَين أَخِيه شمس الدَّين مصَاف وتفاقم الْأَمر حَتَّى غزا بطَائفَة من أَصْحَابه إِلَى الجراف للقبض على وَالِده فَدفع الله عَنهُ وَكَانَ آخر الْأَمر أَن الإِمَام أعْطى وَلَده صَاحب التَّرْجَمَة جَمِيع مَا شَرطه لنَفسِهِ وَاسْتولى على كثير من معاقل الْيمن ومدائنها لَا سِيمَا بعد موت وَالِده فِي تَارِيخه الْمُتَقَدّم فَإِنَّهُ كَاد يستولي على الْيمن بأسره وَجَرت بَينه وَبَين الأتراك خطوب وحروب نَالَ مِنْهُم ونالوا مِنْهُ وَكَانَت ملاحم عَظِيمَة لَا سِيمَا بَينه وَبَين الباشا سِنَان وَقد استوفى ذَلِك قطب الدَّين الحنفي فِي الْبَرْق اليماني وَبِالْجُمْلَةِ فَصَاحب التَّرْجَمَة من أكَابِر الْمُلُوك وأعاظم السلاطين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 بالديار اليمنية وَله ماجريات فِي الشجَاعَة وَحسن السياسة وجودة الرَّأْي وَسَفك الدِّمَاء لم يتَّفق إِلَّا للنادر من الْمُلُوك الأكابر وَتوفى سنة 980 ثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وَقد أهمل ذكره صَاحب مطلع البدور المطهر بن علي بن مُحَمَّد بن على بن حسن بن إِبْرَاهِيم الضمدى اليماني الْعَالم الْمَشْهُور الْمُفَسّر النحوي مُصَنف المنقح على شرح الخبيصى للكافية ومؤلف التَّفْسِير الْمُسَمّى بالفرات وَهُوَ تَفْسِير مُفِيد جدا مَعَ اختصاره يدل على قُوَّة ملكة صَاحب التَّرْجَمَة فِي الْعُلُوم ورسوخ قدمه فِي فنون عدَّة وَكَانَ مَشْهُورا بالذكاء والفطنة وجودة الْحِفْظ وَله شعر سَائِر فِي غَايَة الْجَوْدَة وَمِنْه (ويلاه من جفْنه السقيم ... وخده الأبلج القسيم) (يلوح صبح الجبين مِنْهُ ... تَحت دجى شعره البهيم) (كَأَنَّمَا الخد من نضار ... والثغر من لوءلوء نظيم) (كَأَنَّمَا اللحظ مِنْهُ مُوسَى ... يجرح فِي قلبي الكليم) (إِذا رَآهُ الوشاة قَالُوا ... تبَارك الله من حَكِيم) (يَقُول إِن رمت وَصله مَا ... لظَالِم قط من حميم) (معتزلي رافض لهَذَا ... لَا يعرف الْجَبْر للنديم) وَتوفى بضمد فِي سنة 1049 تسع وَأَرْبَعين وَألف وأرخ مَوته صَاحب الوافي بوفيات الْأَعْيَان تَكْمِيل غربال الزَّمَان عبد الله بن علي الضمدي أَخُو صَاحب التَّرْجَمَة فِي اللَّيْلَة الرَّابِعَة عشر من شهر رَمَضَان لَيْلَة الثُّلَاثَاء سنة 1048 ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف وَذكر من جملَة مصنفاته أَيْضا جلاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 الوهوم مُخْتَصر ضِيَاء الحلوم فِي مُجَلد وَشرع فِي شرح على الأزهار وَأورد الْأَدِلَّة وَمَشى على نمط الِاجْتِهَاد وَبلغ فِيهِ إِلَى آخر كتاب الْحَج الإِمَام الواثق المطهر بن مُحَمَّد بن المطهر بن يحيى قد تقدم تَمام نسبه ولد لَيْلَة سادس عشْرين من ذي الْقعدَة سنة 702 اثْنَتَيْنِ وَسَبْعمائة وَأخذ عَن وَالِده الإِمَام مُحَمَّد بن المطهر الْمُتَقَدّم ذكره وَغَيره وبرع فِي الْعُلُوم لَا سِيمَا علم البلاغة فإنه قَلِيل النظير فِي ذَلِك وأشعاره الفائقة ورسائله الرائقة شاهدة لذَلِك بِحَيْثُ يفوق على رسائل البلغاء الْمَشَاهِير من أهل العصور الْمُتَقَدّمَة وَلما مَاتَ فِي تَارِيخ مَوته كَمَا تقدم دعى صَاحب التَّرْجَمَة إِلَى نَفسه وتكنى بالواثق وَفتح صنعاء ثمَّ عَارضه الإِمَام المهدي علي بن مُحَمَّد الْمُتَقَدّم ذكره فَتنحّى هَذَا وَلما مَاتَ الإِمَام المهدي وَقَامَ وَالِده الإِمَام النَّاصِر صَلَاح الدَّين حاول صَاحب التَّرْجَمَة فِي الْقيام بِالْإِمَامَةِ فَامْتنعَ وَاسْتمرّ مكبا على الْعلم حَتَّى مَاتَ فِي نَيف وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة وعمره زِيَادَة على ثَمَانِينَ سنة الإِمَام المتَوَكل على الله المطهر بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان ابْن يحيى الْحُسَيْن بن علي بن مُحَمَّد ابْن حَمْزَة بن الْحسن بن عبد الرَّحْمَن بن يحيى بن عبد الله بن الْحُسَيْن ابْن الْقَاسِم بن إِبْرَاهِيم بن اسمعيل بن إِبْرَاهِيم بن الْحسن بن الْحسن بن على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 ابْن أَبى طَالب سَلام الله عَلَيْهِ وَعَلَيْهِم هُوَ أحد أَئِمَّة الزيدية القائمين بالديار اليمنية ولد فِي أول الْقرن التَّاسِع ودعا إِلَى نَفسه بعد موت الإِمَام الْمَنْصُور علي بن صَلَاح الْمُتَقَدّم ذكره فِي سنة 840 وأجابه جمَاعَة من الزيدية وَكَانَ عَالما كَبِيرا أَخذ الْعلم عَن الإِمَام المهدي احْمَد بن يحيى ولازمه مُدَّة طَوِيلَة أَخذ عَن غَيره وَملك كحلان وَغَيره من حصون المغارب ثمَّ ملك ذمار وعارضه الْمهْدي صَلَاح بن على ابْن مُحَمَّد بن أَبى الْقَاسِم وعارضهما الْمَنْصُور بِاللَّه النَّاصِر بن مُحَمَّد بن النَّاصِر بن احْمَد بن المطهر بن يحيى فَأسر هَذَا صَاحب التَّرْجَمَة وسجنه بمَكَان يُقَال لَهُ الربغة فَأَنْشَأَ صَاحب التَّرْجَمَة قصيدة يتوسل بهَا أَولهَا (مَاذَا أَقُول وَمَا آتي وَمَا أذر ... فِي مدح من ضمنت مدحا لَهُ السُّور) فَلَمَّا أتمهَا بلغت إِلَى وَزِير الحابس لَهُ فَقَالَ انْظُرُوا فإذنكم تَجِدُونَ الرجل قد خرج من السجْن ببركة هَذَا الشّعْر فَكَانَ الْأَمر كَمَا قَالَ وَبعد خُرُوجه من السجْن مازالت أَحْوَاله مُخْتَلفَة تَارَة يقوى وَتارَة يضعف إِلَى أَن مَاتَ فِي صفر سنة 879 تسع وَسبعين وَثَمَانمِائَة بذمار وَدفن بهَا مغلطاي بن قليج بن عبد الله الجكرى الحنفي الْحَافِظ عَلَاء الدَّين صَاحب التصانيف ولد بعد سنة 690 تسعين وسِتمِائَة وَقيل سنة 689 وَسمع من احْمَد بن علي بن دَقِيق الْعِيد أخى الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين والدبوسى وَغَيرهمَا وَأكْثر جدا من الْقِرَاءَة بِنَفسِهِ وَالسَّمَاع وَكتب الطباق ولازم الْجلَال القزويني ودرس بِالْقَاهِرَةِ فِي الحَدِيث وصنف تصانيف مِنْهَا شرح البخاري وذيل المؤتلف والمختلف والزهر الباسم فِي السِّيرَة النَّبَوِيَّة قَالَ ابْن رَجَب إن مصنفاته نَحْو الْمِائَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 وأزيد قَالَ وَأنْشد لنَفسِهِ فِي الْوَاضِح الْمُبين شعرا يدل على استهتار وَضعف فِي الدَّين قَالَ وغالب شُيُوخه الَّذين ادعى السماع مِنْهُم لَا يَصح سَمَاعه مِنْهُم قَالَ وَذكر أَنه سمع من الدمياطي وَمن تقي الدَّين بن دَقِيق الْعِيد دروسا بالكاملية فِي سنة 702 وَابْن دَقِيق الْعِيد انْقَطع فِي سنة 701 إِلَى أَن مَاتَ وَله ذيل على تَهْذِيب الْكَمَال يكون فِي قدر الأَصْل وَاخْتَصَرَهُ مُقْتَصرا على الاعتراضات على المزي فِي نَحْو مجلدين ثمَّ فِي مُجَلد لطيف وغالب ذَلِك لَا يرد على المزي قَالَ وَكَانَ عَارِفًا بالأنساب معرفَة جَيِّدَة وَأما غَيرهَا من متعلقات الحَدِيث فَلهُ بهَا خبْرَة متوسطة وَشرح قِطْعَة من سنَن أَبى دَاوُد وَقطعَة من سنَن ابْن مَاجَه ورتب الْمُهِمَّات على أَبْوَاب الْفِقْه وصنف زَوَائِد ابْن حبَان على الصَّحِيحَيْنِ وذيل على ابْن نقطة وتصانيفه كَثِيرَة جدا مَاتَ فِي شعْبَان سنة 762 اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة مُوسَى بن احْمَد بن مُوسَى بن احْمَد الرداد الْمَعْرُوف بِابْن الزين اليماني الزبيدي ولد سنة 842 اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة وَحفظ مختصرات وَأخذ عَن الْجمال مُحَمَّد بن أَبى بكر وَعمر الْفَتى والعفيف الناشرى وبرع لَا سِيمَا فِي الْفِقْه وصنف شرحا للإرشاد وَلما فرغ من تبييضه ورام إظهاره وإقراءه وصل من الديار المصرية شرح الجوجري وَابْن أَبى شرِيف فاستأنف عملا آخر وكمل ذَلِك الشَّرْح على أحسن الْأَحْوَال وَسَماهُ الْكَوْكَب الْوَقَّاد وَدَار عَلَيْهِ الْفتيا بِبَلَدِهِ وعظمه سلاطينها فكثرت جهاته وأمواله وَمَات يَوْم الْجُمُعَة التَّاسِع وَالْعِشْرين من شهر محرم سنة 923 ثَلَاث وَعشْرين وَتِسْعمِائَة بزبيد وَدفن بهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 مُوسَى بن أَبى بكر بن سَالم التكروري ملك التكرور قدم حَاجا فِي سنة 724 وَدخل الديار المصرية فِي ولَايَة النَّاصِر مُحَمَّد قلاون الْمُتَقَدّم ذكره وَلما أَمر بتقبيل الأَرْض قَالَ لَا أَسجد لغير الله فأعفاه النَّاصِر وقربه وأكرمه وَأحسن تَجْهِيزه إِلَى الْحجاز وَكَانَ مَعَه من الذَّهَب شَيْء كثير وَأهْدى هَدِيَّة من ذَلِك كَبِيرَة للناصر نَحْو خَمْسَة آلَاف مِثْقَال وَكَذَلِكَ أهْدى للخزانة السُّلْطَانِيَّة شَيْئا كثيرا من الذَّهَب المعدني الذي لم يصنع وَلم يدع أَمِيرا وَلَا صَاحب وَظِيفَة إِلَّا أعطَاهُ من ذَلِك فَكَانَ كَثْرَة مَا أعطَاهُ من الذَّهَب مؤثرا فِي انحطاط سعر الدِّينَار بالديار المصرية وَكَانَ كثير الْإِنْفَاق حَتَّى استغرق جَمِيع مَا مَعَه وَهُوَ مِقْدَار كَبِير نَحْو مائَة حمل وَاحْتَاجَ إلى الاقتراض من التُّجَّار وَكَانَ مُعظما عِنْد أَصْحَابه بِحَيْثُ لَا يكلمهُ أحدهم إِلَّا وَرَأسه مَكْشُوف وبقي فِي الْملك خمْسا وَعشْرين سنة حرف النُّون نَاصِر بن أَحْمد بن يُوسُف بن مَنْصُور بن فضل بن على ابْن أَحْمد بن حسن بن عبد الْمُعْطى بن على الْمَعْرُوف بِابْن مزنى بِفَتْح الْمِيم ثمَّ زاي سَاكِنة بعْدهَا نون ولد فِي الْمحرم سنة 781 إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة وَسمع من جمَاعَة مِنْهُم ابْن عَرَفَة وَقدم الْقَاهِرَة حَاجا وَأَصله من الْمغرب ولازم الْحَافِظ بن حجر وَترْجم لَهُ شَيْخه الْمَذْكُور فَقَالَ جمع تَارِيخا لَو قدر أَن يبيضه لَكَانَ مائَة مُجَلد وَكَانَ قد مارس ذَلِك إِلَى أَن صَار أعرف النَّاس بِهِ فَإِنَّهُ جمع مِنْهُ فِي مسوداته مَالا يعد وَلَا يدْخل تَحت الْحَد وَمَات قبل تبييضه فَتفرق شذر مذر فِي الْعشْرين من شعْبَان سنة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 823 - ثَلَاث وَعشْرين وثمان مائَة السَّيِّد النَّاصِر بن مُحَمَّد بن اسحاق بن المهدى احْمَد ابْن الْحسن ابْن الإِمَام الْقَاسِم بن مُحَمَّد ولد تَقْرِيبًا بعد سنة 1150 خمسين وَمِائَة وَألف وَله تعلق بالأدب تَامّ كتعلق أهل هَذَا الْبَيْت الشريف فَإِن آل اسحق بن الْمهْدي لَا يَخْلُو كل وَاحِد مِنْهُم من فَضِيلَة فغالبهم جَامع بَين الْعلم وَالْأَدب والقليل لَا يَخْلُو عَن أَحدهمَا وَمن نظم صَاحب التَّرْجَمَة مَا كتبه إِلَى مهنئا بأعراس وَهُوَ 33 - (يَا وحيد الْعَصْر لَا ... فَارَقت مَا عِشْت ارتياحك) (وَجرى السعد بِمَا ... تهوى وأعطاك اقتراحك) (بصباح الْعرس فانعم ... أسعد الله صباحك) وَكتب إِلَى قصيدة مطْلعهَا (تَحِيَّة ود مَا الغوالي وَعرفهَا ... بأعطر مِنْهَا وهي فواحة الْعطر) (تأرج أرجاء هى الطّيب انما ... أَتَت بمراعاة النظير من النشر) (وتسمو إِلَى سامي مقَام مُحَمَّد ... لتظفر من تَقْبِيل أنمله الْعشْر) (وحيد الْعلَا عز الشَّرِيعَة وَالْهدى ... وزينة أَرْبَاب الْفَضَائِل فِي الْعَصْر) (إمام عُلُوم سعدها وشريفها ... وفاضلها المربى فخارا على الْفَخر) وهي أَبْيَات طَوِيلَة وأجبت عَلَيْهِ بِأَبْيَات مطْلعهَا (على الْبر نجل الْبَحْر مني تَحِيَّة ... تضوع من نشر تأرج من بشر) وَهُوَ الْآن فِي الْحَيَاة وَله ميل إِلَى الخمول مَعَ حسن أخلاق ولطافة طباع وَحسن محاضرة ومروة ثمَّ مَاتَ فِي شهر شعْبَان سنة 1220 عشْرين وَمِائَتَيْنِ وَألف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 نصر الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عمر الْجلَال أَبُو الْفَتْح التستري البغدادي الحنبلي نزيل الْقَاهِرَة ولد سنة 733 ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة بِبَغْدَاد وَأخذ عَن مُحَمَّد بن السقاء والبدر الأربلي وَالشَّمْس الكرماني وَأكْثر من الِاشْتِغَال بِالْحَدِيثِ وَولى التدريس بالمستنصرية والمجاهدية ثمَّ قدم دمشق لما شاع قدوم تيمور إِلَيْهَا فبالغوا فِي إكرامه ثمَّ قدم الْقَاهِرَة فاستقر فِي تدريس الحَدِيث بهَا وتصدى للتدريس والإفتاء وَكَانَ مقتدرا على النظم والنثر وَله منظومة فِي الْفِقْه تزيد على سَبْعَة آلَاف بَيت قَالَ ابْن حجر اجْتمعت بِهِ واستفدت مِنْهُ وَسمعت من إنشائه وَقد حدث بِجَامِع المسانيد لِابْنِ الجزري وصنف فِي الْفِقْه وأصوله وَاخْتصرَ ابْن الْحَاجِب وَله فِي الْفَرَائِض أرجوزة فِي مائَة بَيت ومدائح نبوية وَله أَيْضا نظم غَرِيب الْقُرْآن وَمَات فِي عشْرين من صفر سنة 812 اثنتي عشر وثمان مائَة حرف الْهَاء السَّيِّد الْهَادِي بن إِبْرَاهِيم بن علي الملقب الْوَزير قد تقدم تَمام نسبه فِي تَرْجَمَة أَخِيه مُحَمَّد وَفِي تَرْجَمَة السَّيِّد عبد الله بن على الْوَزير فَإِن نسبه ينتهي إِلَى صَاحب التَّرْجَمَة كَمَا تقدم ولد يَوْم الْجُمُعَة السَّابِع وَالْعِشْرين من محرم سنة 758 ثَمَان وَخمسين وَسَبْعمائة بِهِجْرَة الظّهْر من شظب ثمَّ ارتحل لطلب الْعلم إِلَى صعدة فَأخذ عَن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم ابْن عَطِيَّة النجراني وَمُحَمّد بن علي بن نَاجِي والعلامة عبد الله بن الْحسن الدواري وَعَمه السَّيِّد المرتضى بن علي وَعَمه السَّيِّد أَحْمد بن علي وارتحل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 لسَمَاع الحَدِيث وَالْملح إِلَى مَكَّة فَسمع جَامع الْأُصُول على القاضي الْعَلامَة مُحَمَّد بن عبد الله بن ظهيرة الْمُتَقَدّم ذكره وبرع فِي عدَّة عُلُوم وصنف تصانيف مِنْهَا كِفَايَة القانع فِي معرفَة الصَّانِع والطرازين المعلمين فِي فَضَائِل الْحَرَمَيْنِ المحرمين ورسالة فِي الرَّد على ابْن العربى وهداية الراغبين إِلَى مَذْهَب أهل الْبَيْت الطاهرين وكاشفة الْغُمَّة عَن حسن سيرة امام الْأَئِمَّة وكريمة العناصر فِي الذب عَن سيرة الإِمَام النَّاصِر وَالسُّيُوف المرهفات على من ألحد فِي الصِّفَات وَنِهَايَة التنويه فِي إزهاق التمويه وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ من أكَابِر عُلَمَاء الزيدية وَله نظم فِي غَايَة الْحسن وَبَينه وَبَين عُلَمَاء عصره مراسلات ومكاتبات ومشاعرات واشتهر ذكره وطار صيته وَمن جملَة من كَاتبه إِسْمَاعِيل المقري الْمُتَقَدّم ذكره بقصيدة طنانة مطْلعهَا (أيملك طرفي دمعي الْيَوْم قانيا ... وَقد حلت الأشواق مني الغراليا) وَشعر صَاحب التَّرْجَمَة مَشْهُور مَوْجُود وَقد ترْجم لَهُ السخاوي فِي الضَّوْء اللامع فَقَالَ ذكره شَيخنَا فِي أنبائه يعْنى الْحَافِظ ابْن حجر فَقَالَ عني بالأدب ففاق فِيهِ ومدح الْمَنْصُور صَاحب صنعاء وَذكره ابْن فَهد فِي مُعْجَمه فَقَالَ إنه حدث سمع مِنْهُ الْفُضَلَاء وَله مؤلفات مِنْهَا الطرازين المعلمين فِي فَضَائِل الْحَرَمَيْنِ المحرمين وَالْقَصِيدَة البديعة فِي الْكَعْبَة اليمنية أَولهَا (سرى طيف ليلى فابتهجت بِهِ وجدا ... وتوج قلبِي من لطائفه مجدا) وَمَات يَوْم عَرَفَة سنة 822 اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وثمان مائَة كَذَا فِي الضَّوْء اللامع وَقَالَ فِي مطلع البدور إنه توفي بذمار آخر نَهَار تَاسِع عشر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 ذي الْحجَّة من تِلْكَ السنة وَأَظنهُ تَاسِع ذي الْحجَّة لِأَنَّهُ قَالَ بعد هَذَا إن موت صَاحب التَّرْجَمَة كَانَ مَانِعا لفعل مَا يعْتَاد فِي الْعِيد فَيمكن ان يكون الزِّيَادَة من النَّاسِخ السَّيِّد الهادي بن أَحْمد بن زكي الدَّين الجرموزي اليماني أحد الرؤساء الأدباء لَهُ شعر حسن فَمِنْهُ قصيدة مكَاتبا بهَا القاضي أَحْمد بن نَاصِر المخلافي مطْلعهَا (فراقكم هاج اشتياقي وأشجاني ... وأغرا جفوني بالسهاد وأشجاني) وَبعد هَذَا الْبَيْت قَوْله (وَأبْدى سقامي فِيكُم مَا كتمته ... وَعبر شاني فِي الصَّحَابَة عَن شاني) وَمن شعره القصيدة الَّتِى مطْلعهَا (سلوه مَا غَيره من بعدي ... حَتَّى لوى وَمَا وَفِي بعهدي) وَمَا زَالَ متنقلا فِي الْأَعْمَال وَآخر مَا تولاه مَدِينَة حيس فَمَاتَ بهَا سنة 1097 سبع وَتِسْعين وَألف السَّيِّد الهادي بن احْمَد الْجلَال أَخُو السَّيِّد الْحسن ابْن أَحْمد الْمُتَقَدّم ذكره أَخذ الْعلم عَن جمَاعَة مِنْهُم علي بن مُحَمَّد العقيني رَحل إِلَيْهِ إِلَى مَدِينَة تعز وَسمع عَلَيْهِ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا ورحل إِلَى عبد الْقَادِر بن زِيَاد الجعاشني فِي سنة 1061 فَسمع مِنْهُ صَحِيح البخاري وَسمع سنَن أَبى دَاوُد على إسحاق بن إِبْرَاهِيم بن جعمان وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة عَالما محققا مائلا إِلَى الخمول لَهُ مصنفات مِنْهَا شرح الْأَسْمَاء الْحسنى وَله مصنفات سَمَّاهُ نور السراج جعله على أبواب الْفِقْه واستكمل فِيهِ البخاري وَلَعَلَّ مَوته كَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 فِي أول الْقرن الثاني عشر هادي بن حُسَيْن القارني ثمَّ الصنعاني ولد سنة 1164 أَربع وَسِتِّينَ وَمِائَة وَألف بِصَنْعَاء وَنَشَأ بهَا فحفظ الْقُرْآن ثمَّ تلاه بالسبع على بعض مشائخ صنعاء فَقدم بعض الغرباء المبرزين فِي القراآت وَهُوَ الشَّيْخ علي بن عُثْمَان بن حجر الرومي فتلاه عَلَيْهِ بالسبع من أَوله إِلَى آخِره وبرع صَاحب التَّرْجَمَة فِي هَذَا الشَّأْن وَصَارَ الْآن مُنْفَردا بِهَذَا الْعلم وشيخا لغالب الْقُرَّاء من أهل صنعاء مِنْهُم من تَلا عَلَيْهِ بالسبع وَمِنْهُم من تَلا عَلَيْهِ بِبَعْضِهَا وَله خبْرَة كَامِلَة بشروح الشاطبية وَغَيرهَا من كتب الْفَنّ وَأخذ الْفِقْه عَن شَيخنَا الْعَلامَة أَحْمد بن مُحَمَّد الحرازي ولازمه مُدَّة وشاركني فِي الْقِرَاءَة عَلَيْهِ فبرع فِي الْفِقْه أَيْضا وَأخذ على علم النَّحْو وَالصرْف عَن جمَاعَة من مشائخ صنعاء مِنْهُم جمَاعَة من شيوخي وَأخذ علم الْمعَانى وَالْبَيَان وَالْأُصُول وَالتَّفْسِير والْحَدِيث عَن شَيخنَا الْعَلامَة الْحسن بن إِسْمَاعِيل المغربي مشاركا لَهُ فِي الْقِرَاءَة عَلَيْهِ واستفاد فِي جَمِيع ذَلِك وَصَارَ مشاركا لعلماء الْعَصْر فِي فنونهم مَعَ تفرده عَنْهُم بِمَعْرِِفَة القراآت وَهُوَ أحد شيوخي فِي التِّلَاوَة وَأخذت عَنهُ فِي شرح الجزرية وقرأت عَلَيْهِ فِي أَيَّام الصغر فِي الملحة وَشَرحهَا ثمَّ بعد ذَلِك أَخذ عَنى فِي مسموعات مِنْهَا فِي شرحي على الْمُنْتَقى بعد أَن كتبه وَقد سمع الْآن بعضه وَهُوَ مُسْتَمر فِي السماع وَسمع من بعض البخارى وَبَعض الْأَحْكَام للْإِمَام الهادي وَهُوَ الْآن يدرس فِي عدَّة فنون مَعَ دين متين وورع وعفاف وقنوع ومحبة لمقاصد الْخَيْر ونفع الْفُقَرَاء والاشتغال بِخَاصَّة النَّفس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 وَالْوُقُوف على مُقْتَضى الشَّرْع والانجماع عَن بني الدُّنْيَا والإقبال على الطَّاعَة والتلاوة والأذكار والتزيد من التودد وَحسن الْخلق وبمجموع مَا حواه من خِصَال الْكَمَال صَار محببا إِلَى النَّاس مَقْبُولًا عِنْدهم مَعْرُوفا بالديانة والصيانة وَالْأَمَانَة وَكَثِيرًا مَا يقصدونه فِي فصل كثير من الْخُصُومَات وَتَخْصِيص التركات فَيحكم ذَلِك غَايَة الإحكام ويقنع بِمَا يطيب بِهِ نُفُوسهم وَقد يفعل ذَلِك بِدُونِ أُجْرَة وَكَثِيرًا مَا يَنُوب عَنى فِي أَعمال شَرْعِيَّة فَيقوم بهَا قيَاما تَاما ويفصلها فصلا حسنا أدام الله النَّفْع بِهِ السَّيِّد الهادي بن المطهر بن مُحَمَّد الجرموزي اليماني اُحْدُ الأدباء بالديار اليمنية المباشرين لكثير من أَعمال الدولة القاسمية ولي بِلَاد عتمة للْإِمَام المتَوَكل على الله إِسْمَاعِيل وَمن نظمه هَذِه الأبيات (إليك الشوق والفكر ... وفيك التوق وَالذكر) (وَأَنت الْمَقْصد الْأَعْلَى ... وَأَنت السِّرّ والجهر) (وَأَنت الشُّكْر وَالسكر ... وَالريحَان والدهر) (وَمن طلعتك الغرا ... تغار الشَّمْس والبدر) (وَفِي جفنيك والأعطاف ... هام الْبيض والسمر) وَتوفى بِصَنْعَاء فِي ذي الْحجَّة سنة 1103 ثَلَاث وَإِحْدَى عشر مائَة وَدفن فِي قبَّة أَخِيه الْحسن بن المطهر بمقبرة خُزَيْمَة الْمَشْهُورَة السَّيِّد الهادي بن يحيى بن المرتضى أَخُو الإِمَام المهدي قَرَأَ على جمَاعَة مِنْهُم الْفَقِيه قَاسم بن أَحْمد حميد وَله تلامذة مِنْهُم صنوه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 الإِمَام الْمهْدي وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة عَالما كَبِيرا وَمَات فِي سنة 785 خمس وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة قبل موت أَخِيه الإِمَام الْمهْدي بِخمْس وَخمسين سنة وَهَذَا عَجِيب السَّيِّد هَاشم بن يحيى بن أَحْمد بن علي بن الْحسن بن مُحَمَّد ابْن صَلَاح بن الْحسن بن جِبْرِيل بن يحيى بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن أَحْمد بن الإِمَام الدَّاعِي يحيى بن المحسن بن مَحْفُوظ بن مُحَمَّد بن يحيى بن يحيى بن النَّاصِر ابْن الْحسن ابْن الْأَمِير عبد الله ابْن الإِمَام الْمُنْتَصر بِاللَّه ابْن الإِمَام الْمُخْتَار الْقَاسِم ابْن الإِمَام النَّاصِر ابْن الإِمَام الهادي يحيى بن الْحُسَيْن بن الْقَاسِم بن إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن الْحسن بن الْحسن بن علي بن أَبى طَالب رضي الله عَنْهُم الشامي ثمَّ الصنعاني أحد الْعلمَاء الْمَشَاهِير والأدباء المجيدين ولد تَقْرِيبًا سنة 1104 أَربع وَمِائَة وَألف وَنَشَأ بِصَنْعَاء وَأخذ الْعلم عَن أكَابِر علمائها كالسيد الْعَلامَة زيد بن مُحَمَّد بن الْحسن ابْن الإِمَام الْقَاسِم والعلامة الْحُسَيْن بن مُحَمَّد المغربي وطبقتهما وبرع فِي جَمِيع الْعُلُوم وفَاق الأقران ودرس للطلبة وانتفع بِهِ أهل صنعاء وَتخرج بِهِ جمَاعَة من الْعلمَاء كشيخنا السَّيِّد الْعَلامَة عبد الْقَادِر بن احْمَد وَالسَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن اسحاق ابْن الإِمَام المهدي والقاضي الْعَلامَة أَحْمد بن مُحَمَّد القاطن وَكثير من الْعلمَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 النبلاء وَتَوَلَّى الْقَضَاء بِصَنْعَاء أَيَّامًا وَله شعر فائق وفصاحة زَائِدَة وَشرع فِي جمع حَاشِيَة على الْبَحْر الزخار سَمَّاهَا نُجُوم الأنظار فَكتب مِنْهَا مجلدا فِي غَايَة الإتقان وَالتَّحْقِيق وَلم تكمل وَمن مقطعاته الفائقة قَوْله (لم يبكني جور الغرام وَلَا شجى ... قبل المتيم بلبل بسجوعه) (لكنه وعد الخيال بوصله ... طرفِي فرش طَرِيقه بدموعه) وَمن ذَلِك قَوْله (قلبي قد ذاب فَلَا تحسبوا ... مبيض دمعي فض أحداقي) (فَهُوَ دم الْقلب وَلكنهَا ... قد صعدته نَار اشواقى) وَمن ذَلِك قَوْله (لاتندبن زَمنا مضى ... أبدا وَلَا دهرا تقادم) (فالدهر يَوْم وَاحِد ... وَالنَّاس من حوا وآدَم وَمَا أحسن قَوْله من أَبْيَات (وَإِذا الْقلب على الْحبّ انطوى ... فاشتراط الْقرب واللقيا غَرِيب) وَقد ترْجم لَهُ الحيمي فِي طيب السمر وَذكر من نظمه قِطْعَة مفيدة وَكَذَلِكَ ترْجم لَهُ صَاحب نسمَة السحر وَمن جملَة من ترْجم لَهُ تِلْمِيذه القاضي الْعَلامَة أَحْمد بن مُحَمَّد قاطن فِي كِتَابه الذي سَمَّاهُ تحفة الأخوان وَفِي كِتَابه الذي سَمَّاهُ إتحاف الأحباب وَقَالَ فِيهِ أنه أخبرهُ ان اقرارات النِّسَاء لقرابتهن وتمليكهن لَهُم وإباحتهن وَنَحْو ذَلِك لَا يَصح عِنْده لضعف إدراكهن وَعدم خبرتهن وَحكى عَنهُ أنه وصل إِلَيْهِ بعض أهل صنعاء بقريبة لَهُ وَقد كتب مرقوما تضمن أنها ملكته أَمْوَالًا وَجَاء بِجَمَاعَة يعرفونها فَقَرَأَ عَلَيْهَا ذَلِك المرقوم فأقرت بِهِ فَقَالَ لَهَا هَل مَعَك حَلقَة فِي يدك قَالَت نعم قَالَ أُرِيد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 أنظر إِلَيْهَا فَأَعْطَتْهُ حَلقَة كَانَت بأصبعها فَقَالَ لَهَا وَهَذِه اجعليها من جملَة التَّمْلِيك فَقَالَت لَا افْعَل إنها لي وَكرر ذَلِك عَلَيْهَا فَلَنْ تسعد قَالَ فَعلمت من ذَلِك أَن الْمَرْأَة لَا تعد مَا غَابَ عَنْهَا ملكا لَهَا ثمَّ مزق الْمَكْتُوب وَأَقُول لَا ريب أَن غَالب النِّسَاء ينخدعن ويفعلن لَا سِيمَا لِلْقَرَابَةِ كَمَا يريدونه بِأَدْنَى ترغيب أَو ترهيب خُصُوصا المحجبات وَقد يُوجد فِيهِنَّ نَادرا من لَهَا من كَمَال الْإِدْرَاك ومعرفات التَّصَرُّفَات وحقائق الْأُمُور مَا للرِّجَال الكملاء وَقد رَأَيْت من ذَلِك عجائب وغرائب والذي يَنْبَغِي الِاعْتِمَاد عَلَيْهِ وَالْوُقُوف عِنْده وَهُوَ الْبَحْث عَن حَال الْمَرْأَة الَّتِى وَقع مِنْهَا ذَلِك فَإِن كَانَت ممارسة للتصرفات ومطلعة على حقائق الْأُمُور وفيهَا من الشدَّة والرشد مَا يذهب مَعَه مَظَنَّة التَّغْرِير عَلَيْهَا فتصرفها صَحِيح كتصرف الرِّجَال وَإِن لم يكن كَذَلِك فَالْحكم بَاطِل لِأَن وصاياها الَّتِى لَا تتَعَلَّق بقربة يَخُصهَا من حج أَو صَدَقَة أَو كَفَّارَة هُوَ الْوَاجِب وَكَذَلِكَ تخصيصها لبَعض الْقَرَابَة دون بعض بِنذر أَو هبة أَو تمْلِيك أَو إقرار يظْهر فِيهِ التوليج وَأما تصرفاتها بِالْبيعِ إِلَى الْغَيْر والمعاوضة فَالظَّاهِر الصِّحَّة وَإِذا ادَّعَت الْغبن كَانَت دَعْوَاهَا مَقْبُولَة وَإِن طابقت الْوَاقِع وَلَا يحل دَفعهَا بِمُجَرَّد كَونهَا مكلفة متولية للْبيع وَلَا غبن على مُكَلّف فَإِنَّهَا بِمن لَيْسَ بمكلف أشبه إِلَّا فِي النَّادِر وَجَرت لصَاحب التَّرْجَمَة محنة فِي أول خلَافَة الإِمَام الْمَنْصُور بِاللَّه الْحُسَيْن بن الْقَاسِم بِسَبَب ميله إِلَى السَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن إسحاق لما عَارض الْمَنْصُور فاختفى اياما ثمَّ بعد ذَلِك رَضِي عَنهُ الْمَنْصُور وَكَانَ يعظمه ويكرمه وَلما مرض صَاحب التَّرْجَمَة زَارَهُ إِلَى بَيته وَكَانَ مَوته فِي آخر خِلَافَته وَذَلِكَ فِي ضحوة يَوْم السبت الثَّالِث وَالْعِشْرين من شهر صفر سنة 1158 ثَمَان وَخمسين وَمِائَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 وَألف وَجَمِيع عمره أَربع وَخَمْسُونَ سنة كَمَا ذكره السَّيِّد الْعَلامَة إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْأَمِير فِي مَجْمُوع لَهُ هبة الله بن عبد الرَّحِيم بن إِبْرَاهِيم بن الْمُسلم بن هبة الله الشَّيْخ شرف الدَّين ابْن البارزي الْجُهَنِىّ الحموي الشافعي ولد سنة 645 خمس وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَسمع من أَبِيه وجده وإبراهيم ابْن الْخَلِيل وَابْن الْكَامِل وتفقه بِأَبِيهِ وجده أَيْضا وَابْن العديم وَابْن عبد السَّلَام وفَاق الأقران فِي الْفِقْه وَأخذ النَّاس عَنهُ فَأَكْثرُوا وَعظم قدره جدا وباشر قَضَاء حماه بِدُونِ مُقَرر وَعين لقَضَاء الديار المصرية فَلم يُوَافق وَله تصانيف مِنْهَا التَّمْيِيز فِي الْفِقْه وَشرح الشاطبية وَتَفْسِير وَكتاب السرعة فِي السَّبْعَة وَاخْتصرَ جَامع الْأُصُول مرَّتَيْنِ وَمن مُخْتَصره نقل الديبع التَّيْسِير وَله كتاب فِي الْأَحْكَام وتوضيح الحاوي وَكَانَ فصيحا وَمن لطيف كَلَامه سور حماه بربها محروس وَهُوَ مِمَّا لَا يَسْتَحِيل بالانعكاس قَالَ الذهبي برع فِي كل الْفُنُون وشارك فِي الْفَضَائِل وانتهت إِلَيْهِ الْإِمَامَة فِي زَمَانه وَكَانَ من بحور الْعلم قوي الذكاء مكبا على الطلب قوي التَّصَوُّر وَقَالَ الأسنوي فِي الطَّبَقَات كَانَ إماما راسخا فِي الْعلم لَهُ المصنفات العديدة المفيدة وَصَارَت إِلَيْهِ الرحلة مَاتَ يَوْم الْأَرْبَعَاء الْعشْرين من ذي الْحجَّة سنة 738 ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 حرف الْوَاو وجيهة بنت علي بن يحيى بن سُلْطَان الْأَنْصَارِيَّة الصعدية ثمَّ الْإسْكَنْدَريَّة ولدت قبل سنة 640 أَرْبَعِينَ وسِتمِائَة وَقَالَ ابْن رَافع والصفدي ولدت سنة 639 وَسمعت من ابْن النحاس وَأحمد بن عبد المحسن القرافي مجلسين من حَدِيث أَبى المظفر ابْن السمعاني لسماعه مِنْهُ وَسمعت كثيرا وَأَجَازَ لَهَا جمَاعَة وَخرج لَهَا بعض أهل الحَدِيث مشيخة وَحدث عَنْهَا جمَاعَة كَثِيرَة وَمَاتَتْ فِي رَجَب سنة 732 اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة بالإسكندرية ودي بِضَم الْوَاو وَفتح الدَّال ابْن حَمَّاد بن شخه الْحسنى أَمِير الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة الملقب بدر الدَّين ذكره الشهَاب بن فضل الله وَأنْشد لَهُ شعرا مَقْبُولًا كتب بِهِ إِلَيْهِ فِي الْحَبْس سنة 729 ومطلعه (أَنا ابْن الْكِرَام الطيبين بني عمر ... وَمن بهم فِي الجدب يسْتَنْزل الْمَطَر) وَقَالَ فِي وَصفه وَسَنَد الوادى وَسيد النادي مُقيم السنة وملبيها ورافض الرافضة ومقصيها وَكَانَ السُّلْطَان قبض عَلَيْهِ ثمَّ أطلقهُ وَلم يذكر تَارِيخ مَوته حرف الْيَاء التَّحْتِيَّة يحيى بن أَحْمد بن مظفر مؤلف الْبَيَان ترْجم لَهُ فِي مطلع البدور وَاقْتصر على ذكر اسْمه وَاسم أبيه وجده وَقَالَ إنه كَانَ عَارِفًا مُجَردا وَلم يزدْ على هَذَا وبيض لترجمته وَهُوَ أحد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 الْعلمَاء المبرزين من الزيدية فِي علم الْفِقْه أَخذه عَن عُلَمَاء عصره كالفقيه يُوسُف ابْن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عُثْمَان كَمَا صرح بذلك صَاحب التَّرْجَمَة فِي أول مُصَنفه الذي سَمَّاهُ الْبَيَان فَإِنَّهُ قَالَ وَجعلت فِيهِ مَا كَانَ مُطلقًا فَهُوَ من كتابي التَّذْكِرَة والزهور أَو مَا نقلته عَن شيخي الْمَشْهُور عَالم الزَّمَان يُوسُف بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عُثْمَان أَو مِمَّا استحسنته من الْبَحْر الزخار وَقد عكف الطّلبَة على كِتَابه الْمَذْكُور فِي ديار الزيدية كصنعاء وذمار وصعدة وَغَيرهَا وَصَارَ لديهم من أعظم مَا يعتمدونه فِي الْفِقْه وَمن جملَة مشايخه الإِمَام الْمهْدي أَحْمد بن يحيى كَمَا صرح بذلك إِبْرَاهِيم بن الْقَاسِم بن الْمُؤَيد فِي طبقاته وَقَالَ إن من جملَة مصنفاته الْكَوَاكِب على التَّذْكِرَة وَالْبَيَان وَغير ذَلِك وأرخ مَوته سنة 875 خمس وَسبعين وثمان مائَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 يحيى بن أَبى بكر بن مُحَمَّد بن يحيى بن مُحَمَّد بن حُسَيْن العامري الحرضي اليماني الشافعي ولد سنة 816 سِتّ عشرَة وثمان مائَة وَهُوَ مُحدث الْيمن وشيخها سمع من أَبى الْفَتْح المراغي بِمَكَّة وعَلى بن إِبْرَاهِيم النحوى بِالْيمن وَمُحَمّد بن أَبى الْغَيْث الكرماني بِأَبْيَات حُسَيْن وتفقه بِأَبِيهِ وَمن جملَة شُيُوخه التقي بن فَهد الْمُتَقَدّم ذكره واستفاد مِنْهُ طلبة الْعلم ورحلوا إِلَيْهِ وَله مصنفات مِنْهَا الْعدَد فِيمَا لَا يسْتَغْنى عَنهُ أحد فِي عمل الْيَوْم وَاللَّيْلَة وغربال الزَّمَان فِي التَّارِيخ وبهجة المحافل وبغية الأماثل فِي السِّيرَة والتحفة فِي الطِّبّ والرياض المستطابة فِي معرفَة من روى فِي الصَّحِيحَيْنِ من الصَّحَابَة ومؤلفاته مَشْهُورَة مقبولة نافعة مفيدة وَمَات بحرض فِي سنة 893 ثَلَاث وَتِسْعين وثمان مائَة وَدفن بهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 327 السَّيِّد يحيى بن الْحُسَيْن ابْن الإِمَام الْقَاسِم بن مُحَمَّد ولد تَقْرِيبًا سنة 1035 خمس وَثَلَاثِينَ وَألف وَهُوَ أحد أكَابِر عُلَمَاء آل الإِمَام الْقَاسِم وَلم أجد لَهُ تَرْجَمَة اسْتُفِيدَ مِنْهَا تَارِيخ مولده أَو مَوته على التَّعْيِين أَو شَيْئا من أَحْوَاله بل أهمل ذكره أهل عصره فَمن بعدهمْ وَلَعَلَّ سَبَب ذَلِك وَالله أعلم ميله إِلَى الْعَمَل بِمَا فِي أُمَّهَات الحَدِيث ورده على من خَالف النُّصُوص الصَّحِيحَة وَقد رَأَيْت لَهُ مؤلفا رد بِهِ على رِسَالَة للقاضي أَحْمد بن سعد الدَّين الْمُتَقَدّم ذكره يتَضَمَّن الرَّد على أَئِمَّة الحَدِيث وسمى صَاحب التَّرْجَمَة مُؤَلفه صوارم الْيَقِين لقطع شكوك القاضي أَحْمد بن سعد الدَّين وَهُوَ مؤلف ممتع يدل على طول بَاعَ مُصَنفه وَكَذَلِكَ رَأَيْت لَهُ مصنفا سَمَّاهُ الْإِيضَاح لما خفي من الِاتِّفَاق على تَعْظِيم صحابة الْمُصْطَفى وَوَقع بَينه وَبَين أهل عصره قلاقل بِسَبَب تظهره بِمَا تقدم وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ من أهل الْقرن الْحَادِي عشر نعم رَأَيْت السَّيِّد إِبْرَاهِيم بن الْقَاسِم بن الْمُؤَيد ذكره فِي طبقاته مهملا لمولده ووفاته وَلكنه قَالَ أنه قَرَأَ على السَّيِّد أَحْمد بن علي الشامي وعَلى السَّيِّد الْحُسَيْن بن مُحَمَّد التهامي وَقَرَأَ الْأُصُول على أَحْمد بن صَالح العنسي وَأَجَازَ لَهُ أَحْمد بن سعد الدَّين وَذكر لَهُ رِوَايَات فِي كتب الحَدِيث قَالَ وَأخذ عَنهُ جمَاعَة قَالَ وَكَانَ إماما محققا لَهُ تصانيف جليلة مِنْهَا كتاب التَّارِيخ فِي مجلدين وَشرح مَجْمُوع زيد بن علي وَهُوَ يدل على تمكن واطلاع فِي جَمِيع الْعُلُوم انْتهى مَنْقُولًا بِاخْتِصَار وَله مصنفات كَثِيرَة وَقد عَددهَا فِي آخر كِتَابه الْمُسَمّى الزهر فِي أَعْيَان الْعَصْر وسرد مِنْهَا زِيَادَة على أَرْبَعِينَ مِنْهَا مَا هُوَ فِي مجلدات وأرخ مَوته بعض الْمُتَأَخِّرين فِي سنة نَيف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 وَثَمَانِينَ وَألف السَّيِّد يحيى بن الْحُسَيْن ابْن الإِمَام الْمُؤَيد بِاللَّه مُحَمَّد ابْن الإِمَام الْقَاسِم ابْن مُحَمَّد الشهاري الزيدي الْعَالم الْمَشْهُور ترْجم لَهُ وَلَده يُوسُف بن يحيى فِي نسمَة السحر وَقَالَ انه ولد بشهارة وَلم يَقع لَهُ تَارِيخ وِلَادَته قلت وَلكنه قد وَقع لإِبْرَاهِيم بن الْقَاسِم فَقَالَ فِي طبقاته أنه ولد لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ المسفر صباحه عَن رَابِع شهر الْحجَّة سنة 1044 أَربع وَأَرْبَعين وَألف وَقَالَ إنه نقل ذَلِك من خط وَالِده صَاحب التَّرْجَمَة وَأخذ عَن القاضي أَحْمد بن سعد الدَّين وَذكر وَلَده الْمَذْكُور فِي ذَلِك الْكتاب مَا يدل على أَن مشائخ صَاحب التَّرْجَمَة اثْنَا عشر وَلكنه لم يسم غير القاضي الْمَذْكُور ثمَّ إن صَاحب التَّرْجَمَة ارتحل إِلَى صنعاء وَكَانَ الْأَمِير بهَا إذ ذَاك عَمه السَّيِّد علي بن الْمُؤَيد فَزَوجهُ ابْنَته وَأَعْطَاهُ الدَّار الْمَعْرُوفَة إِلَى الْآن بدار حَرِير وَاسْتقر بِصَنْعَاء وَأخذ عَنهُ الطّلبَة وَكَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329 مَشْهُورا بِالْحِفْظِ وَأخذ علم الطِّبّ عَن الْحَكِيم مُحَمَّد بن صَالح الجيلاني الْمُتَقَدّم ذكره وَله منظومة تشْتَمل على عقيدة الإِمَام المتَوَكل على الله إِسْمَاعِيل بن الْقَاسِم صنفها فِي حَيَاته وَشَرحهَا وَجمع رِسَالَة فِي تَوْثِيق أبي خَالِد الواسطي راوي الْمَجْمُوع وولاه الإِمَام الْمهْدي أَحْمد بن الْحسن بن الإِمَام الْقَاسِم بريم وذمار وعفار وَحج مَرَّات وَفِي آخرهَا عَاد مَرِيضا إِلَى شهارة مَحْمُولا فَمَاتَ فِي صفر سنة 1090 تسعين وَألف وَله تلامذة نبلاء مِنْهُم القاضي أَحْمد بن نَاصِر بن عبد الْحق والأديب أَحْمد بن مُحَمَّد الآنسي الْمُتَقَدّم ذكره وَكَذَلِكَ الشَّاعِر الْمَشْهُور الْحسن بن علي بن جَابر الهبل وَكَانَ متظهراً بالرفض وثلب الأعراض المصونة من أكَابِر الصَّحَابَة وَمَشى على طَرِيقَته تلامذته وَرَأَيْت بِخَط السَّيِّد يحيى بن الْحُسَيْن الْمَذْكُور قبله أَن صَاحب التَّرْجَمَة تواطأ هُوَ وتلامذته على حذف أَبْوَاب من مَجْمُوع زيد بن علي وَهِي مَا فِيهِ ذكر الرّفْع وَالضَّم والتأمين وَنَحْو ذَلِك ثمَّ جعلُوا نسخاً وبثوها فِي النَّاس وَهَذَا أَمر عَظِيم وَجِنَايَة كَبِيرَة وَفِي ذَلِك دلَالَة على مزِيد الْجَهْل وفرط التعصب وَهَذِه النسخ الَّتِى بثوها فِي النَّاس مَوْجُودَة الْآن فَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَله نظم أوردهُ وَلَده فِي نسمَة السحر وَهُوَ (لحى الله شخصا يرتضي بمهانة ... ذليلا مهانا عَاجز النَّفس حائرا) (مرج لشخص كل يَوْم وَلَيْلَة ... وَرَبك رب الْعَرْش يَكْفِيك ناصرا) السَّيِّد يحيى بن الْحُسَيْن بن يحيى بن علي بن الْحُسَيْن مُصَنف الياقوتة والجوهرة الْمَشْهُور الْمَذْكُور فِي كتب الْفِقْه وَمن مؤلفاته اللّبَاب فِي الْفِقْه وَتوفى سنة 729 تسع وَعشْرين وَسَبْعمائة عَن نَيف وَسِتِّينَ سنة وَدفن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 بجوار جَامع صنعاء بِمحل يُقَال لَهُ العوسجة الإِمَام الْمُؤَيد بِاللَّه يحيى بن حَمْزَة بن علي بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن إدريس بن علي بن جَعْفَر بن علي ابْن علي بن مُوسَى بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن علي بن الْحُسَيْن السبط بن علي بن أَبى طَالب رضي الله عَنْهُم ولد بِمَدِينَة صنعاء سَابِع وَعشْرين من صفر سنة 669 تسع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة واشتغل بالمعارف العلمية وَهُوَ صبي فَأخذ فِي جَمِيع أَنْوَاعهَا على أكَابِر عُلَمَاء الديار اليمنية وتبحر فِي جَمِيع الْعُلُوم وفَاق أقرانه وصنف التصانيف الحافلة فِي جَمِيع الْفُنُون فَمِنْهَا الشَّامِل فِي أَربع مجلدات وَنِهَايَة الْوُصُول إِلَى علم الْأُصُول ثَلَاث مجلدات والتمهيد لعلوم الْعدْل والتوحيد مجلدان وَالتَّحْقِيق فِي الأكفار والتفسيق مُجَلد والمعالم مُجَلد هَذِه جَمِيعهَا فِي أصُول الدَّين وَفِي أصُول الْفِقْه الحاوي فِي ثَلَاث مجلدات وَفِي النَّحْو الاقتصاد فِي مُجَلد والحاصر لفوائد مُقَدّمَة طَاهِر مُجَلد والمنهاج مجلدان والمحصل فِي شرح أسرار الْمفصل ارْبَعْ مجلدات وَفِي علم الْمعَانى وَالْبَيَان الإيجاز فِي مجلدين والطراز مجلدان وَفِي الْفِقْه الِانْتِصَار ثَمَانِيَة عشر مجلدا والاختيارات مُجَلد وَمن مصنفاته الْأَنْوَار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 المضية شرح الْأَحَادِيث النَّبَوِيَّة على السيلقية مجلدان والسيلقية هي الْمَعْرُوفَة عِنْد الْمُحدثين بالودعانية وَله الديباج الوضي فِي شرح كَلَام الرضي من كَلَام علي بن أَبى طَالب كرم الله وَجهه وَله فِي علم الْفَرَائِض الْإِيضَاح لمعانى الْمِفْتَاح مُجَلد والتصفية فِي الزّهْد مُجَلد والقانون الْمُحَقق فِي علم الْمنطق وَالْجَوَاب الْقَاطِع للتمويه عَمَّا يرد على الْحِكْمَة والتنزيه وَالْجَوَاب الرايق فِي تَنْزِيه الْخَالِق والجوابات الوافية بالبراهين الشافية والكاشف للغمة عَن الِاعْتِرَاض عَن الْأمة والرسالة الوازعة لذوى الْأَلْبَاب عَن فرط الشَّك والارتياب والرسالة الوازعة للمعتدين عَن سب أَصْحَاب سيد الْمُرْسلين وَله غير ذَلِك من المصنفات الْكَثِيرَة حَتَّى قيل أَنَّهَا بلغت إِلَى مائَة مُجَلد ويروى أَنَّهَا زَادَت كراريس تصانيفه على عدد أَيَّام عمره وَهُوَ من أكَابِر أَئِمَّة الزيدية بالديار اليمنية وَله ميل إِلَى الْإِنْصَاف مَعَ طَهَارَة لِسَان وسلامة صدر وَعدم إقدام على التَّكْفِير والتفسيق بالتأويل ومبالغة فِي الْحمل على السَّلامَة على وَجه حسن وَهُوَ كثير الذب عَن أَعْرَاض الصَّحَابَة المصونة رضي الله عَنْهُم وَعَن أكَابِر عُلَمَاء الطوايف رَحِمهم الله وَقد دَعَا إِلَى نَفسه عقب موت الإِمَام المهدي مُحَمَّد بن المطهر الْمُتَقَدّم ذكره وعارضه الإِمَام علي بن صَلَاح بن إِبْرَاهِيم بن تَاج الدَّين وَالْإِمَام الواثق المطهر بن مُحَمَّد بن المطهر الفصيح الْمَشْهُور صَاحب الرسَالَة المتداولة إِلَى شرحها الحيمي من الْمُتَأَخِّرين وَمن جملَة المعارضين لَهُ السَّيِّد أَحْمد بن على ابْن أبي الْفَتْح الديلمي وَلَكِن أجَاب النَّاس فِي الديار اليمنية دَعْوَة صَاحب التَّرْجَمَة وَلم يلتفتوا إِلَى غَيره وَكَانَ من الْأَئِمَّة العادلين الزاهدين فِي الدُّنْيَا المتقللين مِنْهَا وَهُوَ مَشْهُور بإجابة الدعْوَة وَله كرامات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 عديدة وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ مِمَّن جمع الله لَهُ بَين الْعلم وَالْعَمَل وَالْقِيَام بِالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ والنهي عَن الْمُنكر وَمَات فِي سنة 705 خمس وَسَبْعمائة بِمَدِينَة ذمار وَدفن بهَا وقبره الْآن مَشْهُور مزورو مِمَّا شاع على الألسن أنه إِذا دخل رجل يزوره وَمَعَهُ شَيْء من الْحَدِيد لم تعْمل فِيهِ النَّار بعد ذَلِك وَقد جربت ذَلِك فَلم يَصح وَكَذَلِكَ اشْتهر انه إِذا دخل شَيْء من الْحَيَّات قُبَّته مَاتَ من حِينه يحيى بن صَالح بن يحيى الشجري ثمَّ الصنعاني الْمَعْرُوف بالسحولي ولد فِي الرَّابِع وَالْعِشْرين من ذِي الْحجَّة سنة 1134 أَربع وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وَألف وَنَشَأ بِصَنْعَاء وَأخذ عَن وَالِده وَعَن جمَاعَة من الْعلمَاء فِي الْفِقْه وَفِي الحَدِيث عَن السَّيِّد الْعَلامَة عبد الله بن لطف الباري الكبسي الْمُتَقَدّم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 ذكره وبرع فِي الْفُرُوع وشارك فِي غَيرهَا واتصل بِالْإِمَامِ الْمَنْصُور بِاللَّه الْحُسَيْن بن الْقَاسِم فولاه الْقَضَاء فباشر بصرامة وشهامة وفطانة وَهُوَ دون الْعشْرين ففاق على المباشرين للْقَضَاء وَتقدم عَلَيْهِم وتصدر فِي الدِّيوَان وَفِيه عُلَمَاء أكَابِر كالسيد الْعَلامَة أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن الْمُتَقَدّم ذكره وبهر النَّاس بِحسن تصرفه وجودة ذكائه وَحفظه لقضايا الشجار واستحضاره لما تقدم عَهده مِنْهَا فقر بِهِ الإِمَام الْمَنْصُور بِاللَّه وعظمه وفوض إِلَيْهِ غَالب أُمُور الْقَضَاء فَلَمَّا مَاتَ الإِمَام الْمَنْصُور بِاللَّه فِي سنة 1161 وَقَامَ بعده وَلَده الإِمَام المهدي لدين الله الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن بَالغ فِي تَعْظِيم صَاحب التَّرْجَمَة وَضم إِلَيْهِ الوزارة إِلَى الْقَضَاء وَصَارَ غَالب أُمُور الْخلَافَة تَدور عَلَيْهِ وعظمت هيبته فِي الْقُلُوب واشتهر صيته وطار ذكره فاستمر كَذَلِك إِلَى سنة 1172 فنكبه الإِمَام المهدي واستأصل غَالب أَمْوَاله وسجنه فاستمر مسجوناً أعواما ثمَّ أفرج عَنهُ وَلزِمَ بَيته وَالنَّاس يَتَرَدَّدُونَ إِلَيْهِ لأخذ الْعلم عَنهُ ويستفتونه فِي المعضلات فاستمر كَذَلِك حَتَّى مَاتَ الإِمَام المهدي فِي سنة 1189 وَصَارَت الْخلَافَة إِلَى مَوْلَانَا الإِمَام الْمَنْصُور بِاللَّه علي بن الْعَبَّاس حفظه الله فَأَعَادَ صَاحب التَّرْجَمَة إِلَى الْقَضَاء الْأَكْبَر وفوض إِلَيْهِ جَمِيع مَا يتَعَلَّق بذلك وَصَارَ إِلَيْهِ الْمرجع من جَمِيع قُضَاة الديار اليمانية فباشر ذَلِك بِحرْمَة وافرة ومهابة زَائِدَة وفخامة عَظِيمَة وَصَارَ المتصدر فِي الدِّيوَان وَلَيْسَ لأحد من الْقُضَاة مَعَه كَلَام بل مَا أبرمه لَا يطْمع أحد فِي نقضه وَمَا أبْطلهُ لَا يقدر غَيره على تَصْحِيحه وَكَانَ الْخَلِيفَة حفظه الله يشاوره فِيمَا يعرض من الْأُمُور المهمة الْخَاصَّة بِأُمُور الْخلَافَة بل كَانَ الوزراء جَمِيعًا يَتَرَدَّدُونَ إِلَيْهِ ويعملون بِمَا يرشدهم إِلَيْهِ وَبِالْجُمْلَةِ فَكَانَ صَدرا من الصُّدُور متأهلا للرياسة ذَا دراية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 بالأمور قد حنكته التجارب ومارس جَمِيع الْأُمُور الْمُتَعَلّقَة بالمملكة وَعرف أَحْوَال النَّاس وأحاط بِجَمِيعِ الْأُمُور الْعُرْفِيَّة مَعَ فطنة عَظِيمَة وذكاوة مفرطة وحافظة باهرة حَتَّى اشْتهر فِي النَّاس بِأَنَّهُ إِذا ذهب سجل من أسجال الْخُصُومَات على رجل متمسك بِهِ وَجَاء إِلَيْهِ بعد سِنِين كتبه بِلَفْظِهِ لَا من ديوَان يجمع فِيهِ مَا يتَّفق من ذَلِك بل من حفظه وَهَذَا شَيْء يتقاصر عَنهُ غَالب الْقدر البشرية وَكَانَ لعظمته فِي الصُّدُور وجلالته عِنْد الْجُمْهُور بِمحل يقصر عَنهُ الْوَصْف بل كَانَ يُقَال فِي حَيَاته إنه إِذا مَاتَ اخْتَلَّ نظام المملكة فضلا عَن نظام الْقَضَاء وَاسْتمرّ على ذَلِك إِلَى أَن مَاتَ وَكَانَ لَهُ اطلَاع تَامّ على كتب الْأَئِمَّة وَسَائِر عُلَمَاء الزيدية وشغلة عَظِيمَة بذلك وَكَذَلِكَ بغَيْرهَا فَإِنَّهُ كَانَ يقْرَأ عَلَيْهِ جمَاعَة من عُلَمَاء صنعاء فِي صَحِيح مُسلم وَفِيه من سَعَة الصَّدْر وَحسن الْخلق وَكَمَال السياسة وجودة الرأى مالم يسمع بِمثلِهِ فِي أهل الْعَصْر وَالْحَاصِل أنه من رجال الدَّهْر حزما وعزما وإقداما وإحجاما ودهاء وتوددا وخبرة ورياسة وسياسة وجلالة ومهابة وفصاحة ورجاحة وشهامة وَلما مَاتَ فِي أول يَوْم من رَجَب سنة 1209 تسع وَمِائَتَيْنِ وَألف أمرنى مولاى الإِمَام الْمَنْصُور بِاللَّه حفظه الله بِالْقيامِ بِمَا كَانَ صَاحب التَّرْجَمَة يقوم بِهِ من الْقَضَاء حَسْبَمَا شرحته فِي تَرْجَمَة مَوْلَانَا الإِمَام حفظه الله من هَذَا الْكتاب وَلِصَاحِب التَّرْجَمَة رسائل وفتاوى رَأَيْتهَا مَجْمُوعَة فِي مُجَلد لطيف وَله رِسَالَة سَمَّاهَا التثبيت وَالْجَوَاز أجَاب بهَا على اعْتِرَاض الْعَلامَة الْحسن الْجلَال على مؤلف القاضي الْعَلامَة إِبْرَاهِيم بن يحيى السحولي الذي جمعه فِي اسناد الْمَذْهَب وَسَماهُ الطّراز الْمَذْهَب وَلِصَاحِب التَّرْجَمَة نظم كنظم الْعلمَاء وَمِنْه مَا كتبه إِلَى قبل مَوته بِنَحْوِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 سنة ابتلاء وَلم يكن بيني وَبَينه اتِّصَال بل لم أجتمع بِهِ قط وَهُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 (يَا أَنْفَع النَّاس فِي التدريس فِي الْبَلَد ... وباذلا نَفسه فِي طَاعَة الصَّمد) (وَيَا جمال أولى التَّحْقِيق عَن كمل ... على تواضع هَل الْفضل والرشد) (وَمن لَهُ الْقلب يقْضى بالمحبة فِي ... حب الْمُهَيْمِن لَا زَالَت على الْأَبَد) (بقيت تحيي ربوع الْعلم مُجْتَهدا ... فِي نشرها عَن أولي التَّحْقِيق والسند) (وَلَا شغلت بآفات الْعُلُوم وَلَا ... بَرحت فِي اللطف من خلاقنا الْأَحَد) وهي أَبْيَات أَكثر من هَذَا فأجبته بقولى (يامن لَهُ فِي المعالي أرفع السَّنَد ... وَمن غَدا بِاتِّفَاق بَيْضَة الْبَلَد) (نظامك الدر يَا ابْن الأكرمين أَتَى ... أهداه خير أَب بر إِلَى ولد) (لَا زلت تفري أَدِيم الْجَهْل عَن نفر ... لَا يعرفوا الْفرق بَين النَّقْد والنقد) (ودمت ترفع من رام التوثب فِي ... مسارح الشَّرْع عطلانا عَن الْعدَد) (لولاك صَار القضافي الْعَصْر ملعبة ... سياسة باسم شرع الْوَاحِد الصَّمد) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 (فَالله يبقيك تحيي من مراسمه ... معاهدا وتحوط الدَّين عَن أود) يحيى بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن صَالح بن علي بن عمر بن عقيل بِفَتْح الْمُهْملَة ابْن زرمان بِتَقْدِيم الزَّاي العجيسي البُخَارِيّ المالكي نزيل الْقَاهِرَة الْمَعْرُوف بالعجيسي ولد فِي سنة 777 سبع وَسبعين وَسَبْعمائة بِأَرْض عجيسة وَمكث فِي بطن أمه أَربع سِنِين وَنَشَأ بهَا وَحفظ الْقُرْآن وكتبا ثمَّ ارتحل للطلب إِلَى بجاية فَأخذ عَن يَعْقُوب بن يُوسُف والزواوي وَابْن صابر ثمَّ جال فِي مَدَائِن الْمغرب فَأخذ عَن أَحْمد بن الْخَطِيب وَابْن عَرَفَة وأبي عبد الله المراكشى وَجَمَاعَة عدَّة فِي فنون كَثِيرَة ثمَّ رَحل إِلَى بِلَاد الشرق فَدخل قابس وطرابلس وإسكندرية فلقي أَهلهَا وَأخذ عَنْهُم وَمن جملَة من أَخذ عَنهُ الْبَدْر بن الدماميني وَدخل الْقَاهِرَة ثمَّ حج وزار وَرجع إِلَى دمشق وحلب وَسَائِر مَدَائِن الشَّام وَاسْتقر بِالْقَاهِرَةِ متقيدا للإقراء والتأليف والمطالعة وَمن جملَة مصنفاته شُرُوح عدَّة كتبهَا على الألفية وَاحِد مِنْهَا فِي أَربع مجلدات وَعمل تذكرة فِيهَا فَوَائِد وَكَانَ مِمَّن قَرَأَ عَلَيْهِ فِي الِابْتِدَاء ابْن الْهمام ودرس بعده بعده مدارس وَكَانَ حَافِظًا للْأَخْبَار والنوادر فَكَانَ يسْرد أَخْبَار الصَّحَابَة من الِاسْتِيعَاب لِابْنِ عبد الْبر سردا حلوا حَتَّى يكَاد يَأْتِي على جَمِيع مافيه وَمَات فِي يَوْم الْأَحَد السَّابِع وَالْعِشْرين من شعْبَان سنة 862 اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة بِالْقَاهِرَةِ يحيى بن علي بن مُحَمَّد بن عبد الله الشوكاني الصنعاني أَخُو مؤلف هَذَا الْكتاب قد تقدم تَمام نسبه فِي تَرْجَمَة وَالِده ولد ضحوة يَوْم الْأَرْبَعَاء الثَّامِن وَالْعِشْرين من شهر رَجَب سنة 1190 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 تسعين وَمِائَة وَألف بِصَنْعَاء وَنَشَأ بهَا وَقَرَأَ على جمَاعَة من المتصدرين الْآن بِجَامِع صنعاء كالعلامة مُحَمَّد بن علي السودي الْمُتَقَدّم ذكره والعلامة سعيد بن إِسْمَاعِيل الرشيدي وَآخَرين وَهُوَ الْآن قد قَرَأَ عدَّة من كتب النَّحْو وَالصرْف والمنطق وَالْفِقْه وَبَعض مختصرات الْأُصُول وَله عناية كَامِلَة بِهَذَا الشَّأْن ورغبة ونشاط وإقبال على الطَّاعَة ورصانة وَحفظ اللِّسَان عَن الفلتات الَّتِى لَا يَخْلُو عَنْهَا غَالب أَمْثَاله ونجابة كَامِلَة وذهن وقاد وفكر إِلَى إدراك الْحَقَائِق منقاد وَحسن سمت وقنوع وعفاف ومحاسن أَوْصَاف فتح الله عَلَيْهِ بالمعارف وَجعله من الْعلمَاء العاملين وَبعد هَذَا قَرَأَ على جمَاعَة من أكَابِر الْعلمَاء كالسيد الْعَلامَة الْحسن بن يحيى الكبسي والقاضي الْعَلامَة عبد الله بن مُحَمَّد مشحم والقاضي الْعَلامَة الْحُسَيْن بن أَحْمد السياغي واستفاد فِي عُلُوم الِاجْتِهَاد وَصَارَ من عُلَمَاء الْعَصْر وَقَرَأَ علي فِي مصنفاتي وَغَيرهَا وَصَارَ الْآن يقرئ الطّلبَة فِي عُلُوم مُتعَدِّدَة آلية وتفسيرية وحديثية كالأمهات وَغَيرهَا وَقد سمع مني الْأُمَّهَات وَغَيرهَا من كتب الحَدِيث وَسمع مني تَفْسِير الزمخشري والمطول وحواشيهما والرضي فِي النَّحْو وَغير ذَلِك وَمن كتب الْآل الْأَحْكَام للْإِمَام الهادي وأمالي أَحْمد بن عِيسَى والتجريد للْإِمَام الْمُؤَيد بِاللَّه وشفاء الْأَمِير الْحُسَيْن وَغير ذَلِك وَسمع مني من مؤلفاتي السَّيْل الجرار ونيل الأوطار وتحفة الذَّاكِرِينَ بعدة الْحصن الْحصين وتفسيري الْمُسَمّى فتح الْقَدِير الْجَامِع بَين فني الرِّوَايَة والدراية من علم التَّفْسِير وَغَيرهَا وَقد أَخذ عَنى الْعُلُوم بطرِيق السماع ثمَّ أكدت ذَلِك بِالْإِجَازَةِ الْعَامَّة لَهُ فِي جَمِيع مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ كتابي الذي سميته إتحاف الأكابر بِإِسْنَاد الدفاتر وَجَمِيع مصنفاتي وَجَمِيع مالى من نظم ونثر وَهُوَ كثر الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 فَوَائده ومتع بحياته جيد النظم إِلَى الْغَايَة القصوى وَله من ذَلِك قصائد فرايد وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ حَسَنَة من حَسَنَات الزَّمن وفرد من أَفْرَاد قطر الْيمن وَله شُيُوخ غير من ذكرته سَابِقًا كالقاضي الْعَلامَة أَحْمد بن مُحَمَّد الحرازي شَيخنَا رَحمَه الله فَإِنَّهُ قَرَأَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوع والقاضي الْعَلامَة عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد البهكلي فَإِنَّهُ قَرَأَ عَلَيْهِ فِي النَّحْو والقاضي الْعَلامَة حُسَيْن بن مُحَمَّد الْعَنسِي قَرَأَ عَلَيْهِ فِي الْمنطق والنحو وَالْأُصُول وَسَيِّدنَا الْعَلامَة يحيى بن مُحَمَّد الحبوري رَحمَه الله قَرَأَ عَلَيْهِ فِي النَّحْو وسيدي الْعَلامَة مُحَمَّد بن عبد الرب بن مُحَمَّد بن زيد قَرَأَ عَلَيْهِ فِي النَّحْو وَقد برع فِي كثير من الْعُلُوم زَاده كمالا السَّيِّد يحيى بن الْقَاسِم بن عمر بن علي العلوي الْحسنى اليماني الصنعاني عز الدَّين ولد سنة 680 ثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَقَرَأَ على مشائخ الْيمن ثمَّ ارتحل إِلَى بَغْدَاد وَالشَّام وخراسان وَقَرَأَ على عُلَمَاء هَذِه الديار وبرع فِي عُلُوم كَثِيرَة وَأكْثر الِاشْتِغَال بالكشاف وصنف حَاشِيَته الْمَشْهُورَة بحاشية العلوي وَهُوَ الذي يُشِير إِلَيْهِ الْمُتَأَخّرُونَ بالفاضل الْيُمْنَى وَتارَة بالفاضل العلوي وَقد تَرْجمهُ الصفدي وَذكر قدومه عَلَيْهِم إِلَى الشَّام فِي سنة 749 وَلم يذكرهُ ابْن حجر فِي الدُّرَر الكامنة فَهُوَ مِمَّن فَاتَهُ من الأكابر الْمَشْهُورين وَذكر صَاحب مطلع البدور أَنه يُقَال إن قبر صَاحب التَّرْجَمَة بِجِهَة اللجب من الشرق الْأَشْرَف أحد الْمَوَاضِع الْمَشْهُورَة بِالْيمن قَالَ وتسميه أهل اللجب الشولبي قَالَ وَذكر بعض المطلعين على التَّارِيخ أَنه مَاتَ قَافِلًا من رحلته الْكَبِيرَة بالشرحة وَلَعَلَّ الذي فِي اللجب مؤلف سيرة الإِمَام على بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 صَلَاح فَالله أعلم وَمن شعر صَاحب التَّرْجَمَة السائر الْمَشْهُور قَوْله (إن الْمفصل والمفتاح قد شغلا ... صباي واستغرقا بالدرس أوقاتى) (وَوَافَقَ الْفَائِق الْكَشَّاف آونة ... مَعَ الأساس على كدي وأعناتى) (وَلَا تسل عَن داووين القريض ودع ... ذكر المقامات عَنى والمقالات) (وَالله يعلم مَا عنيت من تَعب ... فِي الجامعين وَتَخْرِيج الزِّيَادَات) (وَفِي الْأُصُول وَفِي فن الْخلاف على ... رأي العميدي ثمَّ الأبهريات) (وخضت فِي أبحر الرَّازِيّ أعبر من ... شرح الْعُيُون إِلَى شرح الإشارات) (وَكم نسخت وَكم صححت من نسخ ... وَكم تصرفت فِي محو وَإِثْبَات (وَكم لقِيت شُيُوخًا برزوا قدما ... فِي الصَّالِحَات وفاقوا فِي الرِّوَايَات) (فَمَا اسْتَفَدْت بِمَا حصلت فِي عمري ... سوى عقارب تؤذيني وحيات) (والآن سن أشدي قد أرتني من ... وَخط المشيب على فودي آيَات) (وَالله أسأَل تَوْفِيقًا يعين على ... قَضَاء مافات من فرض الْعِبَادَات) (وتوبة من معاصي سودت صحفي ... وغرقتني فِي لج الخطيئات) (فَتلك عصبَة دهر مَا يسوغ بهَا ... لي مطعم فِي غدوي والعشيات) يحيى بن مُحَمَّد بن حسن بن حميد بن مَسْعُود المقراي بَلَدا الحارثي المدحجي نسبا الزيدي مذهبا ولد سنة 908 ثَمَان وَتِسْعمِائَة وَقَرَأَ على جمَاعَة مِنْهُم مُحَمَّد بن أَحْمد مرغم وَمُحَمّد بن يحيى بهران وَمُحَمّد بن أَبى بكر الشافعي وَغَيرهم ورحل إِلَى مَكَّة ولقي ابْن حجر الهيثمي وَسَأَلَهُ بمسائل وَأخذ عَنهُ جمَاعَة من الْعلمَاء وَله مصنفات مِنْهَا شرح الأثمار سَمَّاهُ الوابل المغرار وَمِنْهَا الْفَتْح وَشَرحه والتوضيح ومصباح الْفَرَائِض وَشَرحه ونزهة الأنظار وَمَات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 فِي رَجَب سنة 990 تسعين وَتِسْعمِائَة يحيى بن مُحَمَّد بن سعيد بن فلاح بن عمر الشرف العبسي القاهري الشافعي الْمَعْرُوف بالقباني ولد فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة 827 سبع وَعشْرين وثمان مائَة بِالْقَاهِرَةِ فحفظ الْقُرْآن ومختصرات كَثِيرَة وتلا بالسبع على جمَاعَة وَأخذ عَن آخَرين كالحافظ بن حجر والمناوي وَالْعلم البلقيني وَابْن الْهمام والجلال الْمحلى وَطلب الحَدِيث بِنَفسِهِ وَتردد إِلَى الشُّيُوخ كالرشيدى والصالحى وَحج وجاور وَأخذ عَن المراغي والتقي بن فَهد وَله مصنفات مِنْهَا بشرى الْأَنَام بسيرة خير الْأَنَام وبغبة السؤول فِي مدح الرَّسُول وَالْكَوَاكِب المضية فِي مدح خير الْبَريَّة وَالْمَجْمُوع الْحسن من الْخلق الْحسن وَفتح الْمُنعم على مُسلم والابتهاج على الْمِنْهَاج وَغير ذَلِك وَعرض لَهُ وسواس حَتَّى قرب من حد الْجُنُون وَزَاد ذَلِك حَتَّى تضعضع حَاله حَتَّى مَاتَ فِي ذي الْحجَّة سنة 900 تِسْعمائَة السَّيِّد يحيى بن مُحَمَّد بن عبد الله بن الْحُسَيْن ابْن الإِمَام الْقَاسِم ابْن مُحَمَّد الصنعاني أَخذ الْعلم بِصَنْعَاء عَن جمَاعَة من الْعلمَاء وشارك فِي الْفِقْه وَغَيره وَكَانَ أحد قُضَاة الحضرة الإمامية بل كَانَ رَئِيس الْقُضَاة وَلكنه لم يكن بِيَدِهِ من الْأَمر شَيْء مَعَ القاضي الْعَلامَة يحيى بن صَالح السحولي وَكَانَ سَاكِنا وقورا قَلِيل الْخلاف غير محب للرياسة وَلَا مُقْتَحِمًا للأمور الخطرة فِي فصل الْخُصُومَات وَلَو أَرَادَ ذَلِك لَكَانَ لَهُ يَد قَوِيَّة وصولة عَظِيمَة لكَونه من آل الإِمَام ولعلو سنه وَكَانَ غَالب اشْتِغَاله بالطب والمعول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 342 عَلَيْهِ فِي صنعاء فِي مداواة المرضى وَفِيه بركَة ظَاهِرَة قل أَن يداوي مَرِيضا فَلَا يشفى وَلم يكن ليَأْخُذ على ذَلِك أجرا بل قد يسمح بأدوية لَهَا قيمَة وَمِقْدَار لكثير من الْفُقَرَاء وَله مَا جريات فِي العلاجات يتواصفها النَّاس فَمِنْهَا مَا أخبرني بِهِ بعض الثِّقَات أَن رجلا حصل مَعَه مرض وورمت عضداه حَتَّى صارتا فِي الْعظم والصلابة بِحَيْثُ إِذا غمزتا بالإصبع غمزا شَدِيدا لَا تدخل فيهمَا وَلَا يظْهر لذَلِك أثر فَذهب الْمخبر لي إِلَى صَاحب التَّرْجَمَة وَوصف لَهُ ذَلِك فَقَالَ هَذَا الْمَرَض سَببه أَنه وضع قلنسوته الَّتِى تباشر رَأسه وتتلوث بالعرق فلدغتها عقرب فَصَارَ فِيهَا شَيْء من السم ثمَّ وضع بعد ذَلِك القلنسوة على رَأسه وعرق فتنزل ذَلِك فِي مسام الشّعْر واحتقن بالعضدين فَهُوَ لَا شك ميت فَكَانَ الْأَمر كَمَا ذكره من موت ذَلِك الْمَرِيض وَله من ذَلِك عجائب وغرائب مَعَ أَنه لم يَأْخُذ علم الطِّبّ عَن شُيُوخ مشهورين بل كَانَت فايدته بالمطالعة والتجريب المتكرر والممارسة وَلم يخلف بعده مثله بِحَيْثُ كثر تأسف النَّاس عَلَيْهِ وَمن جملَة مَا اتفق باطلاعي أَنه حصل مَعَ الْوَالِد رَحمَه الله انتفاخ فِي الْبَطن وتقلص شَدِيد فَكتبت إِلَى صَاحب التَّرْجَمَة أصف لَهُ ذَلِك فَأجَاب أَنه يحسن أَن يشرب مَاء ورد بعد أَن يخلط بِهِ بزر قطنا فعجبت من ذَلِك وَقلت فِي نفسي هَذَا الدَّوَاء إنما يصلح لمن كَانَ محروراً وانتفاخ الْبَطن لَا يكو إِلَّا من الْبُرُودَة وهممت أَن لَا أظهر ذَلِك للوالد فَزَاد مَرضه حَتَّى خشيت عَلَيْهِ أَن يَمُوت فعرفته بِمَا وَصفه صَاحب التَّرْجَمَة من الدَّوَاء فاستدعاه وشربه فشفي من سَاعَته وَذهب أثر الانتفاخ مَعَ أَن عمره حِينَئِذٍ فِي نَحْو السّبْعين سنة وَمَات صَاحب التَّرْجَمَة فِي غرَّة شهر رَجَب سنة 1201 إِحْدَى وَمِائَتَيْنِ وَألف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 السَّيِّد يحيى بن مُحَمَّد الحوثي ثمَّ الصنعاني ولد تَقْرِيبًا سنة 1160 سِتِّينَ وَمِائَة وَألف أَو قبلهَا بِيَسِير أَو بعْدهَا بِيَسِير وَنَشَأ بِصَنْعَاء فاشتغل بِعلم الْفَرَائِض والحساب وَالضَّرْب والمساحة ففاق فِي ذَلِك أهل عصره وَتفرد بِهِ وَلم يُشَارِكهُ فِيهِ أحد وَصَارَ النَّاس عيالا عَلَيْهِ فِي ذَلِك وَلم يكن لَهُ بِغَيْر هَذَا الْعلم إلمام مَعَ أَنه قد توجه إِلَى الطلب وَلَكِن كَانَ كل حَظه فِي هَذَا الْعلم وَهُوَ رجل خاشع متواضع كثير الْأَذْكَار سليم الصَّدْر إِلَى غَايَة يَعْتَرِيه فِي بعض الْأَحْوَال حِدة مفرطة وَكَانَ قد حصل مَعَه جُنُون فِي أَيَّام شبابه ثمَّ عافاه الله من ذَلِك وَمَا زَالَ مواظبا على الْخَيْر لكنه قَلِيل ذَات الْيَد بِمَا يضيق صَدره لذَلِك مَعَ كَثْرَة عائلته وَيسر الله لَهُ مَا يقوم بِهِ بعد مزِيد امتحان وَهُوَ شيخى فِي علم أخذت عَنهُ علم الْفَرَائِض والوصايا وَالضَّرْب والمساحة وَفِي لَيْلَة رَابِع عشر شهر رَمَضَان سنة 1216 ثارت بِسَبَبِهِ فتْنَة عَظِيمَة بِصَنْعَاء وَذَلِكَ أن بعض أهل الدولة مِمَّن يتظهر بالتشيع مَعَ الْجَهْل المفرط والرفض بَاطِنا أقعد صَاحب التَّرْجَمَة على الكرسي الذي يقْعد عَلَيْهِ أكَابِر الْعلمَاء المتصدرون للوعظ وَأمره أَن يملي على الْعَامَّة كتاب تفريج الكروب للسَّيِّد إسحاق بن يُوسُف المتَوَكل الْمُتَقَدّم ذكره وَهُوَ فِي مَنَاقِب علي كرم الله وَجهه وَلَكِن لم يتَوَقَّف صَاحب التَّرْجَمَة على مَا فِيهِ بل جَاوز ذَلِك إِلَى سب بعض السلف مُطَابقَة لغَرَض من حمله على ذَلِك لقصد الإغاظة لبَعض أهل الدولة المنتسبين إِلَى بني أُميَّة كل ذَلِك لما بَين الرجلَيْن من المنافسة على الدُّنْيَا والمهافتة على الْقرب من الدولة وعَلى جمع الحطام فَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة يصْرخ باللعن على الكرسي فيصرخ مَعَه من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 يحضر لَدَيْهِ من الْعَامَّة وهم جمع جم وَسبب حضورهم هُوَ النظر إِلَى مَا كَانَ يسرج من الشمع وَإِلَى الكرسي لبعد عَهدهم بِهِ وَلَيْسوا مِمَّن يرغب فِي الْعلم فَكَانَ يرتج الْجَامِع وَيكثر الرهج ويرتفع الصُّرَاخ وَمَعَ هَذَا فَصَاحب التَّرْجَمَة لَا يفهم مَا فِي الْكتاب لفظا وَلَا معنى بل يصحف تصحيفا كثيرا ويلحن لحنا فَاحِشا ويعبر بالعبارت الَّتِى يعتادها الْعَامَّة ويتحاورون بهَا فِي الْأَسْوَاق وَقد كَانَ فِي سَائِر الْأَيَّام يجْتَمع مَعَهم ويملي عَلَيْهِم على الصفة الَّتِى قدمنَا ذكرهَا فِي مَسْجِد الإِمَام صَلَاح الدَّين فَأَرَادَ أن يكون ذَلِك فِي جَامع صنعاء الذي هُوَ مجمع النَّاس وَمحل الْعلمَاء والتعليم لقصد نشر اللَّعْن والثلب والتظاهر بِهِ فَلَمَّا بلغ ذَلِك مَوْلَانَا خَليفَة الْعَصْر حفظه الله جعل إشارة مِنْهُ إِلَى عَامل الْأَوْقَاف السَّيِّد إِسْمَاعِيل بن الْحسن الشامي أنه يَأْمر صَاحب التَّرْجَمَة أن يرجع إِلَى مَسْجِد صَلَاح الدَّين فَأمر السَّيِّد الْمَذْكُور الْفَقِيه أَحْمد بن محسن حَاتِم رَئِيس المأذنة أَن يبلغ ذَلِك إِلَى صَاحب التَّرْجَمَة فأبلغه فَحَضَرَ الْعَامَّة تِلْكَ اللَّيْلَة على الْعَادة وَمَعَهُمْ جمَاعَة من الْفُقَهَاء الَّذين وَقع الظُّلم بِهَذَا الِاسْم باطلاقه عَلَيْهِم فَإِنَّهُ أَجْهَل من الْعَامَّة فَلَمَّا لم يحضر صَاحب التَّرْجَمَة فِي الْوَقْت الْمُعْتَاد لذَلِك وَهُوَ قبل صَلَاة الْعشَاء ثَارُوا فِي الْجَامِع وَرفعُوا أَصْوَاتهم باللعن وَمنعُوا من إِقَامَة صَلَاة الْعشَاء ثمَّ انْضَمَّ إِلَيْهِم من فِي نَفسه دغل للدولة أَو متستر بالرفض ثمَّ اقْتدى بهم سَائِر الْعَامَّة فَخَرجُوا من الْجَامِع يصرخون فِي الشوارع بلعن الْأَمْوَات والأحياء وَقد صَارُوا ألوفا مؤلفة ثمَّ قصدُوا بَيت الْفَقِيه أَحْمد حَاتِم فرجموه ثمَّ بَيت السَّيِّد إِسْمَاعِيل بن الْحسن الشامي فرجموه وأفرطوا فِي ذَلِك حَتَّى كسروا كثيرا من الطاقات وَنَحْوهَا وقصدوه إِلَى مدرسة الإِمَام شرف الدَّين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 يُرِيدُونَ قَتله فَنَجَّاهُ الله وهرب من حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ وَقد كَانُوا أَيْضا قصدُوا قتل الْفَقِيه أَحْمد حَاتِم فهرب من الْجَامِع إِلَى بيتي وَنحن إذ ذَاك نملي فِي شرحي للمنتقى مَعَ حُضُور جمَاعَة من الْعلمَاء ثمَّ بعد ذَلِك عزم هَؤُلَاءِ الْعَامَّة وَقد تكاثف عَددهمْ إِلَى بَيت السَّيِّد علي بن إِبْرَاهِيم الْأَمِير الْمُتَقَدّم ذكره ورجموه وأفزعوا فِي هَذِه الْبيُوت أطفالا وَنسَاء وهتكوا حرما وَكَانَ السَّبَب فِي رجمهم بَيت السَّيِّد الْمَذْكُور أنه كَانَ فِي تِلْكَ الْأَيَّام يتصدر للوعظ فِي الْجَامِع وَلم يكن رَافِضِيًّا لعانا ثمَّ عزموا جَمِيعًا وهم يصرخون إِلَى بَيت الْوَزير الْحسن بن عُثْمَان العلفي وَإِلَى بَيت الْوَزير الْحسن بن علي حَنش الْمُتَقَدّم ذكره والبيتان متجاوران فرجموهما وَسبب رجم بَيت الأول كَونه أموي النّسَب ورجم بَيت الآخر كَونه متظهرا بِالسنةِ متبريا من الرَّفْض فَأَما بَيت الْفِقْه حسن حَنش فَصَعدَ جمَاعَة من قرَابَته على سطحه ورجموهم حَتَّى تفَرقُوا عَنهُ وَأَصَابُوا جمَاعَة مِنْهُم أما بَيت الْفَقِيه حسن عُثْمَان فرجموه رجما شَدِيدا واستمروا على ذَلِك نَحْو أَربع سَاعَات حَتَّى كَادُوا يهدمونه وشرعوا فِي فتح أبوابه وَوَقع الرمي لَهُم بالبنادق فَلم ينكفوا لكَونه لم يظْهر لذَلِك فيهم أثر إِذْ الْمَقْصُود بالرمي لَيْسَ إِلَّا مُجَرّد الإفزاع لَهُم ثمَّ بعد ذَلِك غَار بعض أَوْلَاد الْخَلِيفَة حفظه الله وَبَعض أَصْحَابه فكفوهم فانكفوا وَقد فعلوا مَا لايفعله مُؤمن وَلَا كَافِر وَفِي الْيَوْم الآخر أرسل الْخَلِيفَة حفظه الله للوزير والأمراء وَقد حصل الْخَوْف الْعَظِيم من ثورة الْعَامَّة وَطَالَ التراود والمشاورة بَينهم وَمن بعد ذَلِك أرسل لي حفظه الله فوصلت إِلَيْهِ حفظه الله فاستشارني فأشرت عَلَيْهِ أَن الصَّوَاب الْمُبَادرَة بِحَبْس جمَاعَة من المتصدرين فِي الْجَامِع للتشويش على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 الْعَوام وإيهامهم أَن النَّاس فيهم من هُوَ منحرف عَن العترة وَأَن التظاهر بِمَا يتظاهرون بِهِ من اللَّعْن لَيْسَ الْمَقْصُود بِهِ إِلَّا إغاظة المنحرفين وَنَحْو هَذَا من الخيالات الَّتِى لَا حَامِل لَهُم عَلَيْهَا إِلَّا طلب المعاش والرياسة والتحبب إِلَى الْعَامَّة وَكَانَ من أَشَّدهم فِي ذَلِك السَّيِّد إِسْمَاعِيل بن عز الدَّين النعمي فَإِنَّهُ كَانَ رَافِضِيًّا جلدا مَعَ كَونه جَاهِلا جهلا مركبا وَفِيه حِدة تفضي بِهِ إِلَى نوع من الْجُنُون وَصَارَ يجمع مؤلفات من كتب الرافضة ويمليها فِي الْجَامِع على من هُوَ أَجْهَل مِنْهُ وَيسْعَى فِي تَفْرِيق الْمُسلمين ويوهمهم أَن أكَابِر الْعلمَاء وأعيانهم ناصبة يبغضون عليا كرم الله وَجهه بل جمع كتابا يذكر فِيهِ أَعْيَان الْعلمَاء وينفر النَّاس عَنْهُم وَتارَة يسميهم سنية وَتارَة يسميهم ناصبة وَمَعَ هَذَا فَهُوَ لَا يدري بِنَحْوِ وَلَا صرف وَلَا أصُول وَلَا فروع وَلَا تَفْسِير وَلَا حَدِيث بل هُوَ كصاحب التَّرْجَمَة فِي التعطل عَن المعارف العلمية لَكِن صَاحب التَّرْجَمَة يعرف فَنًّا من فنون الْعلم كَمَا قدمنَا وَأما هَذَا فَلَا يعرف شَيْئا إلا مُجَرّد المطالعة لمؤلفات الرافضة الإمامية وَنَحْوهم الَّذين هم أَجْهَل مِنْهُ وَيُشبه الرجلَيْن رجل آخر هُوَ أحد عبيد مَوْلَانَا الإِمَام حفظه الله اسْمه ضرغام رَأس مَاله الِاطِّلَاع على بعض كتب الرافضة الْمُشْتَملَة على السب للخلفاء وَغَيرهم من أكابر الصَّحَابَة فَصَارَ هَذَا يقْعد فِي الْجَامِع ويملي سب الصَّحَابَة على من هُوَ أَجْهَل مِنْهُ فَهَذِهِ الْأُمُور هي سَبَب مَا قدمنَا ذكره فَلَمَّا أشرت على مَوْلَانَا الإِمَام حفظه الله بِحَبْس هَؤُلَاءِ وَجَمَاعَة مِمَّن يماثلهم حصل الِاخْتِلَاف الطَّوِيل العريض فِي مقَامه الشريف بَين من حضر من أَوْلَاده ووزرائه ومنشأ الْخلاف أَن من كَانَ مِنْهُم مائلا إِلَى الرَّفْض وَأَهله فَهُوَ لَا يُرِيد هَذَا وَمن كَانَ على خلاف ذَلِك فَهُوَ يعلم أَنه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 الصَّوَاب وأنها لَا تنْدَفع الْفِتْنَة أَلا بذلك فصمم مَوْلَانَا حفظه الله على حبس من ذكر ثمَّ أَشرت عَلَيْهِ حفظه الله أَن يتتبع من وَقع مِنْهُ الرَّجْم وَمن فعل تِلْكَ الأفاعيل فَوَقع الْبَحْث الْكُلِّي مِنْهُ وَمن خواصه فَمن تبين انه مِنْهُم أودع الْحَبْس والقيد ومازال الْبَحْث بَقِيَّة شهر رَمَضَان حَتَّى حصل فِي الْحَبْس جمَاعَة كَثِيرَة فَلَمَّا كَانَ رَابِع شَوَّال طلب الإِمَام حفظه الله الْفُقَهَاء المباشرين للرجم فبطحوا تَحت طاقته وضربوا ضربا مبرحا ثمَّ عَادوا إِلَى الْحَبْس ثمَّ طلب فِي الْيَوْم الثاني سَائِر الْعَامَّة من أهل صنعاء وَغَيرهم المباشرين للرجم فَفعل بهم كَمَا فعل بالأولين وَضربت المدافع على ظُهُور جمَاعَة مِنْهُم ثمَّ بعد أَيَّام جعلُوا فِي سلاسل حَدِيد وأرسل بِجَمَاعَة مِنْهُم إِلَى حبس زيلع وَجَمَاعَة إِلَى حبس كمران وَفِيهِمْ مِمَّن لم بياشر الرَّجْم السَّيِّد إِسْمَاعِيل بن عز الدَّين النعمي الْمُتَقَدّم وَسبب ذَلِك أنه جَاوز الْحَد فِي التَّشْدِيد فِي الْغَرَض كَمَا قدمنَا وَأما صَاحب التَّرْجَمَة وَمن شابههه فِي هَذَا المسلك فإنه حبس نَحْو شَهْرَيْن ثمَّ أطلق هُوَ وَمن مَعَه وَكَذَلِكَ عَامل الْوَقْف السَّيِّد إِسْمَاعِيل بن الْحسن الشامي وَالسَّيِّد علي بن إِبْرَاهِيم الأمير والفقيه أَحْمد حَاتِم فإنهم حبسوا مَعَ الْجَمَاعَة وأطلقوا مَعَهم وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذِهِ فتْنَة وقى الله شَرها بالحزم الْوَاقِع بعد أَن وجلت الْقُلُوب وَخَافَ النَّاس وَاشْتَدَّ الخجطب وَعظم الكرب وَشَرحهَا يطول وَبعد هَذِه الْوَاقِعَة بِنَحْوِ سنة عول صَاحب التَّرْجَمَة فِي أن يكون أحدأعوان الشَّرْع وَمن جملَة من يحضر لَدَى فأذنت لَهُ وَصَارَ يعتاش بِمَا يحصل لَهُ من أُجْرَة تَحْرِير الْوَرق وَذَلِكَ خير لَهُ مِمَّا كَانَ فِيهِ انشاء الله 349 السَّيِّد الْعَلامَة يحيى بن مطهر بن إِسْمَاعِيل بن يحيى ابْن الْحُسَيْن بن الْقَاسِم ولد شهر جُمَادَى الأولى سنة 1190 تسعين وَمِائَة وَألف وَطلب الْعلم على جمَاعَة من مَشَايِخ صنعاء كالقاضي الْعَلامَة عبد الله بن مُحَمَّد مشحم وطبقته وَله سماعات كَثِيرَة وشغلة تَامَّة بِالْعلمِ وتقيد بِالدَّلِيلِ ومحبة للإنصاف كَمَا كَانَ جد أَبِيه المذكورقريبا وَهُوَ حَال تَحْرِير هَذِه التَّرْجَمَة يقْرَأ علي فِي الْعَضُد وحواشيه وَفِي شرح التَّجْرِيد للمؤيد بِاللَّه وَفِي شرحي على الْمُنْتَقى وَفِي مؤلفي الْمُسَمّى إتحاف الأكابر بإسناد الدفاتر وَفِي مؤلفي الْمُسَمّى بالدرر وَشَرحه الْمُسَمّى بالدراري وَفِي الْكَشَّاف وحواشيه وَفتح الباري والعواصم وَفِي البخاري وَمُسلم والنسائي وَابْن مَاجَه والموطاء وَفِي تفسيري للقرآن وَفِي الرضي وَفِي النَّحْو وَفِي المطول وَغير ذَلِك وَله قراءات علي فِي سنَن أبي دَاوُد والترمذي وَغير ذَلِك وَله أبحاث ومسائل وَهُوَ على مَنْهَج سلفه فِي الْبعد عَن أَعمال الدولة والتكفي بِمَا خلفوه لَهُ وَهُوَ كثير الطّيب وَفِيه علو همة ومكارن وسيادة زَاد الله فِي الرِّجَال من أَمْثَاله وَفِي كل وَقت يزْدَاد علما وفضلا وَحسن سمت ووقار وَهُوَ الْآن فِي عمل تراجم لأهل الْعَصْر وَقد رَأَيْت بَعْضًا مِنْهَا فَوجدت ذَلِك فائقا فِي بَابه مَعَ عِبَارَات رصينة ومعاني جَيِّدَة وَقد سألني بسؤالات وأجبت عَلَيْهَا برسائل هي فِي مجموعات الْفَتَاوَى وَله جدول مُفِيد جدا وأشعار فائقة ومعاني رائقة ومكاتباته إِلَى مَوْجُودَة فِي مَجْمُوع الاشعار الْمَكْتُوبَة إِلَى وَلَوْلَا ضيق الْمَكَان لذكرت مِنْهَا مَا يسنف الامساع وَيروح الطباع وَإِن مد الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 348 السَّيِّد الْعَلامَة يحيى بن مطهر بن إِسْمَاعِيل بن يحيى ابْن الْحُسَيْن بن الْقَاسِم ولد فِي شهر جُمَادَى الأولى سنة 1190 تسعين وَمِائَة وَألف وَطلب الْعلم على جمَاعَة من مَشَايِخ صنعاء كالقاضي الْعَلامَة عبد الله بن مُحَمَّد مشحم وطبقته وَله سماعات كَثِيرَة وشغلة تَامَّة بِالْعلمِ وتقيد بِالدَّلِيلِ ومحبة للإنصاف كَمَا كَانَ جد أَبِيه الْمَذْكُور قَرِيبا وَهُوَ حَال تَحْرِير هَذِه التَّرْجَمَة يقْرَأ علي فِي الْعَضُد وحواشيه وَفِي شرح التَّجْرِيد للمؤيد بِاللَّه وَفِي شرحي على الْمُنْتَقى وَفِي مؤلفي الْمُسَمّى إتحاف الأكابر باسناد الدفاتر وَفِي مؤلفي الْمُسَمّى بالدرر وَشَرحه الْمُسَمّى بالدراري وَفِي الْكَشَّاف وحواشيه وَفتح الباري والعواصم وَفِي البخارى وَمُسلم والنسائى وَابْن مَاجَه والموطاء وَفِي تفسيري لِلْقُرْآنِ وَفِي الرضي وَفِي النَّحْو وَفِي المطول وَغير ذَلِك وَله قراءات علي فِي سنَن أبي دَاوُد والترمذي وَغير ذَلِك وَله أبحاث ومسائل وَهُوَ على مَنْهَج سلفه فِي الْبعد عَن أَعمال الدولة والتكفي بِمَا خلفوه لَهُ وَهُوَ الْكثير الطيب وَفِيه علو همة وَمَكَارِم وسيادة زَاد الله فِي الرِّجَال من أَمْثَاله وَفِي كل وَقت يزْدَاد علما وفضلا وَحسن سمت ووقار وَهُوَ الْآن فِي عمل تراجم لأهل الْعَصْر وَقد رَأَيْت بَعْضًا مِنْهَا فَوجدت ذَلِك فائقا فِي بَابه مَعَ عِبَارَات رصينة ومعاني جَيِّدَة وَقد سألني بسؤالات وأجبت عَلَيْهَا برسائل هي فِي مجموعات الْفَتَاوَى وَله جدول مُفِيد جدا وأشعار فائقة ومعاني رائقة ومكاتباته إِلَى مَوْجُودَة فِي مَجْمُوع الْأَشْعَار الْمَكْتُوبَة إِلَى وَلَوْلَا ضيق الْمَكَان هُنَا لذكرت مِنْهَا مَا يشنف الأسماع وَيروح الطباع وَإِن مد الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 فِي الْمدَّة فسأحرر لَهُ تَرْجَمَة مستوفاة مُطَوَّلَة فَهُوَ حقيق بذلك يُوسُف بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عُثْمَان اليماني الزيدي المُصَنّف الشهير كَانَ مُسْتَقرًّا بِهِجْرَة الْعين من ثلا والطلبة يرحلون إِلَيْهِ من جَمِيع أقطار الْيمن فَيَأْخُذُونَ عَنهُ فِي جَمِيع الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة وَكَانَ مسكن سلفه بِصرْم بنى قيس من بِلَاد خبان وَله مصنفات نافعة مِنْهَا مُخْتَصر الِانْتِصَار وَمِنْهَا الرياض على التَّذْكِرَة والزهور على اللمع والثمرات فِي تَفْسِير آيَات الْأَحْكَام وَله تَعْلِيق على الزِّيَادَات وَكَانَ بَين تلامذته وتلامذة الإِمَام أَحْمد بن يحيى مُنَافَسَة ومفاخرة أي الرجلَيْن أوسع علماً وَمن مصنفات صَاحب التَّرْجَمَة الْجَوَاهِر وَالْغرر فِي كشف أسرار الدُّرَر فِي الْفَرَائِض وبرهان التَّحْقِيق وصناعة التدقيق فِي المساحة وَالضَّرْب وَمَات فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة 832 اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ ثَمَانمِائَة السَّيِّد يُوسُف ابْن الإِمَام المتَوَكل على الله إِسْمَاعِيل ابْن الإِمَام الْقَاسِم بن مُحَمَّد ولد يَوْم الثُّلَاثَاء سادس عشر جُمَادَى الأولى سنة 1068 ثَمَان وَسِتِّينَ وَألف وربي فِي حجر الْخلَافَة واشتغل بالعلوم حَتَّى اشْتهر ذكره وطار صيته ورام الْخلَافَة فِي أَيَّام المهدي صَاحب الْمَوَاهِب فَدَعَا إِلَى نَفسه بعد وَفَاة أَخِيه الْمُؤَيد بِاللَّه مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل فَلم يتم لَهُ أَمر ثمَّ كَاتبه أهل خولان بِأَنَّهُم سيقومون بنصرته فَخرج إِلَيْهِم فَلم يفوا لَهُ فرام الذهاب إِلَى جبل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 350 برط فَمر بِمحل يُقَال لَهُ صرف شرقي الرَّوْضَة فسعى بِهِ بعض السعاة فَقبض عَلَيْهِ هُنَالك وسجنه المهدى نَحْو سبع عشرَة سنة وَله نظم حسن فَمِنْهُ فِي جَارِيَة اسْمهَا عيناء (وَرب رَاء للفتاة الَّتِى ... قد أبرزت طرتها سينا) (صَاد إِلَى ريقتها عاجب ... من حَاجِب يحْكى لَهَا نونا) (وصدغها كاللام مَعَ مبسم ... كالميم قد جَاءَ كَمَا شينا) (من جَاءَنَا يسْأَل عَن وصفهَا ... يروم إيضاحا وتبيينا) (كَيفَ الْمحيا كَيفَ ذَاك البها ... ماالاسم كَيفَ الخد قل عينا) وَلما كَانَت الدولة المتوكلية دولة الْقَاسِم بن الْحُسَيْن ارْتَفع قدره بهَا وَأعْطى حَقه وَلما مَاتَ المتَوَكل وَقَامَ وَلَده الإِمَام الْمَنْصُور بِاللَّه الْحُسَيْن بن الْقَاسِم كَانَ من جملَة الخارجين عَلَيْهِ وَلم يظفر بطائل بل مَاتَ فِي عمرَان فِي جُمَادَى الأولى سنة 1140 أَرْبَعِينَ وَمِائَة وَألف وَكَانَ ممتحنا على جلالة قدره ونبالة ذكره يطْلب الْخلَافَة بِدُونِ ترقب للفرص يُوسُف بن تغري بردي الْجمال أَبُو المحاسن ابْن الأتابكي بالديار المصرية ولد بشوال سنة 813 ثَلَاث عشرَة وثمان مائَة وَحفظ مختصرات كَثِيرَة وَأخذ عَن العيني والشمني والكافياجي والزين قَاسم وَابْن عرب شاه وَغَيرهم وَحج واعتنى بِكِتَابَة الْحَوَادِث وَله مصنفات مِنْهَا المنهل الصافي فِي سِتّ مجلدات تراجم على الْحُرُوف المعجم من دولة الأتراك بِمصْر ومورد اللطافة فِيمَن ولى السلطنة والخلافة والبشارة فِي تَكْمِيل الْإِشَارَة للذهبى وَحلية الصِّفَات فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات وَقد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 351 وَقد قَالَ السخاوي فِي تَرْجَمته أَن مؤلفاته فِيهَا كثير من الْخَلْط وَالوهم وَهُوَ من معاصريه فَالله أعلم وَقد أَكثر من الْحَط عَلَيْهِ وَأطَال تَرْجَمته متتبعا لغلطاته وَمَات يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس ذي الْحجَّة سنة 874 أَربع وَسبعين وثمان مائَة يُوسُف بن الْحسن بن مُحَمَّد الْحسن بن مَسْعُود بن علي بن عبد الله الْجمال أَبُو المحاسن الحموي الشافعي الْمَعْرُوف بِابْن خطيب المنصورية ولد فِي ثَالِث عشر ذي الْحجَّة سنة 737 سبع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة واشتغل بحماه وَغَيرهَا فَأخذ فِي الْأَصْلَيْنِ عَن الْبَهَاء الأخيمي وَالْفِقْه عَن التقي الحصني والتاج السبكي وَغَيرهمَا والنحو واللغة والفرائض والحساب وَالْبَيَان عَن ابْن هاني اللخمي المالكي واشتغل بِالْحَدِيثِ فَسمع وَحصل وَكَانَ عَارِفًا بعدة عُلُوم ودرس وَأفْتى وصنف وَمن مصنفاته الاهتمام فِي شرح أَحَادِيث الْأَحْكَام فِي سِتّ مجلدات كبار وَشرح فَرَائض الْمِنْهَاج الفرعي فِي مُجَلد وألفية ابْن معطي وَله نظم حسن وانتهت إِلَيْهِ مشيخة الْعلم ببلاده ورحل إِلَيْهِ النَّاس قَالَ ابْن حجر فاق الأقران وَقَالَ ابْن حجر دأب وَحصل إِلَى أَن تميز وَمهر وفَاق أقرانه فِي الْعَرَبيَّة وَغَيرهَا من الْعُلُوم وَشرح الاهتمام مُخْتَصر الإِمَام وَمن شعره (أيعذل المستهام المغرم الصادي ... إِذا حدى باسم سكان الْحمى الْحَادِي) (لَا تنكروا وجد معشوق اضربه ... بعد وَقد قرب النادي من النادي) (إِذا تعارفت الْأَرْوَاح وائتلفت ... فَلَا يضر تناء بَين أجساد) (هَذَا ريَاح الرِّضَا بالوصل قد عصفت ... وكوكب السعد فِي أفق السنابادى) قَالَ ابْن حجر فِي مُعْجَمه لَهُ مؤلفات عديدة وتلامذة كَثِيرَة وَمَات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 352 بحماه فِي شَوَّال سنة 809 تسع وثمان مائَة يُوسُف بن الزكي عبد الرَّحْمَن بن يُوسُف بن عبد الْملك ابْن يُوسُف بن علي بن أَبى الزَّاهِر الحلبي الأَصْل المزي أَبُو الْحجَّاج جمال الدَّين الإِمَام الْكَبِير الْحَافِظ صَاحب التصانيف ولد فِي ربيع الآخر سنة 654 أَربع وَخمسين وسِتمِائَة وَطلب بِنَفسِهِ فَأكْثر عَن أَحْمد بن أَبى الْخَيْر وَالْمُسلم بن عَلان وَالْفَخْر بن البخاري وَنَحْوهم من أَصْحَاب ابْن طبرزد والكندي وَسمع الْكتب الطوَال والأجزاء ومشايخه نَحْو ألف شيخ وَمن مشايخه النووي وَسمع بِالشَّام والحرمين ومصر وحلب والإسكندرية وَغَيرهَا وأتقن اللُّغَة والتصريف وتبحر فِي الحَدِيث ودرس بمدارس مِنْهَا دَار الحَدِيث الأشرفية وَلما ولي تدريسها قَالَ ابْن تَيْمِية لم يلها من حِين بنيت إِلَى الْآن أَحَق بِشَرْط الْوَاقِف مِنْهُ قَالَ الذهبي مَا رَأَيْت أحدا فِي هَذَا الشَّأْن أحفظ مِنْهُ وأوذي مرة بِسَبَب ابْن تَيْمِية لِأَنَّهَا لما وَقعت لَهُ المناظرة مَعَ الشَّافِعِيَّة وَبحث مَعَ الصفي الهندي وَابْن الزملكاني كَمَا تقدمت الْإِشَارَة إِلَى ذَلِك شرع صَاحب التَّرْجَمَة يقْرَأ كتاب خلق أَفعَال الْعباد للبخاري قَاصِدا بذلك الرَّد على الْمُخَالفين لِابْنِ تَيْمِية فَغَضب الْفُقَهَاء وَقَالُوا نَحن المقصودون بِهَذَا فَبلغ ذَلِك القَاضِي الشافعي يَوْمئِذٍ فَأمر بسجنه فَتوجه ابْن تَيْمِية يَوْمئِذٍ وَأخرجه من السجْن بِيَدِهِ فَغَضب النَّائِب فأعيد ثمَّ أفرج عَنهُ وَأمر النَّائِب أن يُنَادى بِأَن من يتَكَلَّم فِي العقائد يقتل وَمن مصنفاته تَهْذِيب الْكَمَال اشْتهر فِي زَمَانه وَحدث بِهِ خمس مَرَّات وَكتاب الْأَطْرَاف وَهُوَ كتاب مُفِيد جدا وَقد أَخذ عَنهُ الأكابر وترجموا لَهُ وعظموه جدا قَالَ ابْن سيد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 النَّاس فِي تَرْجَمته أنه أحفظ النَّاس للتراجم وأعلمهم بالرواة من أعارب وأعاجم وَأطَال الثَّنَاء عَلَيْهِ وَوَصفه بأوصاف ضخمة وَقَالَ إنه فِي اللُّغَة امام وَله فِي الْفَرَائِض معرفَة وإلمام وَقَالَ الصفدي سمعنَا صَحِيح مُسلم على السَّيِّد تيجي وَهُوَ حَاضر فَكَانَ يرد على الْقَارئ فَيَقُول الْقَارئ مَا عندي إلا مَا قَرَأت فيوافق المزي بعض من حضر مِمَّن بِيَدِهِ نُسْخَة إما بِأَن يُوجد فِيهَا كَمَا قَالَ أَو يُوجد مضيفا عَلَيْهِ أَو فِي الْحَاشِيَة وَلما كثر ذَلِك مِنْهُ قلت لَهُ مَا النُّسْخَة الصَّحِيحَة إلا أَنْت قَالَ وَلم أر بعد أَبى حَيَّان مثله فِي الْعَرَبيَّة خُصُوصا التصريف وَلم يكن مَعَ توسعه فِي معرفَة الرِّجَال يستحضر تراجم غير الْمُحدثين لَا من الْمُلُوك وَلَا من الوزراء والقضاة والأدباء وَقَالَ الذهبي كَانَ خَاتم الْحفاظ وناقد الْأَسَانِيد والألفاظ وَهُوَ صَاحب معضلاتنا ومرجع مشكلاتنا قَالَ وَفِيه حَيَاء وكرم وسكينة وَاحْتِمَال وقناعة وَترك للتجمل وانجماع عَن النَّاس وَمَات يَوْم السبت ثاني عشر صفر سنة 744 أَربع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة يُوسُف بن شاهين الْجمال أَبُو المحاسن ابْن الْأَمِير أَبى أَحْمد العلائي قطلوبغا الكركي القاهري الحنفي ثمَّ الشافعي سبط الْحَافِظ ابْن حجر ولد لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ ثامن ربيع الأول سنة 828 ثَمَان وَعشْرين وثمان مائَة وَسمع على جده أَبُو امهِ الْمَذْكُور كثيرا وعَلى الْبُرْهَان بن حصر والبدر بن الْقطَّان وَجَمَاعَة آخَرين وَقَرَأَ فِي الْفُنُون على أَبى الْجُود والجلال الْمحلى والرشيدي وأمعن فِي الطلب وَدَار على الشُّيُوخ وَكتب الْأَجْزَاء والطباق وصنف مصنفات مِنْهَا رونق الْأَلْفَاظ لمعجم الْحفاظ وتعريف الْقدر بليلة الْقدر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 والمنتجب شرح الْمُنْتَخب فِي عُلُوم الحَدِيث للعلاء التركماني وروى الظمان من صافي الزلالة بتخريج أَحَادِيث الرسَالَة وبلوغ الرَّجَاء بالخطب على حُرُوف الهجاء والنفع الْعَام بخطب الْعَام ومنحة الْكِرَام بشرح بُلُوغ المرام وَالْمجْمَع النفيس لمعجم اتِّبَاع ابْن إدريس فِي أَربع مجلدات وَغير ذَلِك وَقد طَار ذكره فِي الْآفَاق وتناقلت مؤلفاته الرفاق وَأما السخاوي فِي الضَّوْء اللامع فَجرى على قَاعِدَته المألوفة فِي معاصريه وأقرانه فترجم صَاحب التَّرْجَمَة بِمَا هُوَ مَحْض السباب والانتقاض لَا لسَبَب يُوجب ذَلِك بل لمُجَرّد كَونه كَانَ يعْتَرض على جده الْحَافِظ بن حجر أَو يغلط فِي بعض الْأَحْوَال كَمَا هُوَ شَأْن الْبشر وَمَات فِي سنة 899 تسع وَتِسْعين وثمان مائَة يُوسُف بن علي بن الهادي الكوكباني ثمَّ الصنعاني القاضي الأديب الشَّاعِر الْمجِيد مُصَنف طوق الصادح الْمفصل بجوهر الْبَيَان الْوَاضِح ترْجم فِيهِ لكل من شعر فِي الْحَمَامَة وَجعله مسجعا بسجع غالبه البلاغة والجودة وَمن تصانيفه سوانح فكر الأفهام وبوارح فقر الأقلام وَله قصيدة همزية سَمَّاهَا البغية الْمَقْصُودَة فِي السِّيرَة المحمودة وَله ديوَان شعر سَمَّاهُ محَاسِن يُوسُف وَقد جرت لَهُ محن مَعَ أهل عصره لِأَنَّهُ برع فِي الْأَدَب وفَاق الأقران وَهَذَا شَأْن من نبل من نوع الْإِنْسَان وَحبس مرَارًا وسافر مَعَ بعض الْأُمَرَاء إِلَى زبيد فَجرى بَينه وَبَينه مُرَاجعَة فِي الْكَلَام حَتَّى أَمر بقتْله ثمَّ شفع فِيهِ وَحبس فَمَرض غيظا وكمدا وشارف الْمَوْت فَأطلق وَحمل على حمَار فَسقط من فَوْقه حَتَّى انْكَسَرت إحدى يَدَيْهِ تَمامًا للامتحان وتجلد حَتَّى وصل إِلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 355 بَيته فَمَاتَ وَمن نظمه القصيدة الَّتِى يَقُول فِيهَا (فلق الأماني قد تبلج ... وشذى المسرة قد تأرج) (والدهر قد وهب الحبور ... وهب روح رِضَاهُ سَجْسَج) (وأتى الرّبيع بَحر فضل ... مروطة لما تبرج) (فتزخرفت لقدومه الدُّنْيَا ... فَمَا أبهى وأبهج) (والجو أصبح لازوردى ... المطارف لم يضرج) (وَالرَّوْض زاه زَاهِر ... خضر ملابسه مزبرج) وَهَذِه قصيدة طَوِيلَة كلهَا غرر وشعره فِي الذرْوَة وَإِن أنكر فَضله حَاسِد وَجحد مناقبه جَاحد وَقد ذكر الحيمي فِي طيب السمر وَوَصفه بِسَرِقَة الْأَشْعَار وَهُوَ أجل قدرا من ذَلِك فَإِنَّهُ مقتدر على أَن يأتي بِمَا يُرِيد اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون ذَلِك اخْتِيَارا لَا اضطراراً وَلم أَقف على تَارِيخ وَفَاته وَهُوَ من أهل الْقرن الثاني عشر وَفَاة لَا مولدا وَقد بَالغ فِي تَعْظِيمه الجرموزي فِي صفوة العاصر وَأطَال الثَّنَاء عَلَيْهِ بِمَا هُوَ بِهِ حقيق ثمَّ وقفت على تَارِيخ مَوته فِي سنة 1115 خمس عشرَة وَمِائَة وَألف يُوسُف بن مُحَمَّد بن عَلَاء الدَّين المزجاجي الزبيدي الحنفي شَيخنَا الْمسند الْحَافِظ ولد تَقْرِيبًا سنة 1140 أَرْبَعِينَ وَمِائَة وَألف أَو قبلهَا بِيَسِير اَوْ بعْدهَا بِيَسِير وَنَشَأ بزبيد وَأخذ عَن علمائها وَمِنْهُم وَالِده وبرع فِي الْعُلُوم دراية وَرِوَايَة وَصَارَ حَامِل لِوَاء الْإِسْنَاد فِي آخر أَيَّامه ووفد إِلَى صنعاء فِي شهر الْحجَّة سنة 1207 فاجتمعت بِهِ وَسمعت مِنْهُ وأجازني لفظا بِجَمِيعِ مَا يجوز لَهُ رِوَايَته ثمَّ كتب لي إجازة بعد وُصُوله إِلَى وَطنه وَأرْسل بهَا إِلَى وَكَانَ الْكَاتِب لَهَا ابْن أَخِيه عَن أمره لأني أَدْرَكته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 356 ضريرا وَمن جملَة مَا أرويه عَنهُ أَسَانِيد الشَّيْخ الْحَافِظ إِبْرَاهِيم الْكرْدِي الْمُتَقَدّم ذكره الْمُسَمّى بالأمم وَهُوَ يَرْوِيهَا عَن أَبِيه عَن جده عَلَاء الدَّين عَن الشَّيْخ إِبْرَاهِيم هَذَا طَريقَة السماع ويرويها أَيْضا عَن أَبِيه عَن الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بِالْإِجَازَةِ لِأَن الشَّيْخ إِبْرَاهِيم أجَاز لجد صَاحب التَّرْجَمَة ولأولاده وَقد أوقفني على تِلْكَ الْإِجَازَة بِخَط الشَّيْخ إِبْرَاهِيم فوالد صَاحب التَّرْجَمَة مِمَّن شملته الْإِجَازَة لكنه أخبرني رَحمَه الله أَن الْإِجَازَة من الشَّيْخ إِبْرَاهِيم لعلاء الدَّين كَانَت قبل وجود وَلَده مُحَمَّد وَالِد المترجم لَهُ فَيكون الْعَمَل بهَا متنزلاً على الْخلاف فِي جَوَاز الإحازة لمن سيوجد وَكَانَ موت صَاحب التَّرْجَمَة فِي سنة 1213 ثَلَاث عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَألف رَحمَه الله يُوسُف باشا أَمِير الْمَدِينَة الشَّرِيفَة النَّبَوِيَّة وبندر جدة وصلت إلينا الْأَخْبَار بِأَنَّهُ من أعظم الْأُمَرَاء فِي الدولة العثمانية وَأَن لَهُ من الْجِهَاد فِي بِلَاد الإفرنج مَا لم يكن لغيره وَله فتوحات عَظِيمَة وَوصل فِي عَام اُحْدُ عشر واثني عشر وَمِائَتَيْنِ وَألف إِلَى صنعاء رجل يُقَال لَهُ السَّيِّد مُحَمَّد الكتابجي الرومي وَله فصاحة وذلاقة وَقُوَّة عارضة فَأخْبرنَا ان صَاحب التَّرْجَمَة بعد رُجُوعه من جِهَاد النَّصَارَى وَفتح كثير من معاقلهم ولاه سُلْطَان الروم الوزارة الْعُظْمَى وهي عِنْدهم الْقيام بِجَمِيعِ أُمُور السلطنة قَالَ الراوى فَلَمَّا ولاه سُلْطَان الرّوم ماوراء بَابه نزل إِلَى صحن دَار السلطنة فَطلب الوزراء الَّذين ترجع أمورهم إلى الْوَزير الْأَعْظَم فعاتبهم على التَّفْرِيط فِي عدم إعلام السُّلْطَان فِي كثير من الفتوق الْوَاقِعَة فِي الْبِلَاد الَّتِى إِلَيْهِم ثمَّ ضرب أَعْنَاقهم جَمِيعًا وَكَانَ السُّلْطَان رجل يسخر بِهِ ويجالسه وَله عِنْده منزلَة عَظِيمَة لَا يصل إِلَيْهَا غَيره فَقَالَ لصَاحب التَّرْجَمَة عِنْد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 357 خُرُوجه من دَار السُّلْطَان بعد أَن ولاه الوزارة كلَاما فِي السِّرّ مَعْنَاهُ أَنه رغب السُّلْطَان فِي جعله وزيرا فَأمر صَاحب التَّرْجَمَة فِي الْحَال بِضَرْب عنق ذَلِك المسخرة فَضربت فَلَمَّا بلغ السُّلْطَان استدعاه وَهُوَ شَدِيد الْغَضَب ثمَّ قَالَ لَهُ قد عرفنَا الْوَجْه فِي قَتلك للوزراء فَمَا سَبَب قَتلك لفُلَان يعْنى المسخرة فَقَالَ يَا مَوْلَانَا السُّلْطَان هَذَا المائق قَالَ لي إِنَّه سعى لي عنْدك فِي الوزارة فَقتلته لأعْلم صِحَة قَوْله فَإِن كنت إنما وليتني الوزارة بمعاونة مثله فَلَا حَاجَة لي فِيهَا وَهَذَا الْعَهْد الذي عهدته إِلَى خُذْهُ وَإِن كنت وليتني ذَلِك لكوني أَهلا لَهَا فَلَا بَأْس وَلَا يضرني قتل مثل هَذَا المفتري عَلَيْك فسكن عِنْد ذَلِك غضب السُّلْطَان ثمَّ بقي فِي الوزارة نَحْو أَربع سِنِين ثمَّ رغب فِي مجاورة الْحرم الشريف والقبر النبوي فَطلب من السُّلْطَان أَن يوليه بندر جدة وَيجْعَل إِلَيْهِ مَعَ ذَلِك ولَايَة الْمَدِينَة الشَّرِيفَة وَهَذِه الْولَايَة هي دون مِقْدَاره وَلكنه أَرَادَ أَن يتفرغ لِلْعِبَادَةِ فَلَمَّا ولي ذَلِك وصل بجيوش كَثِيرَة وَعدد عَظِيمَة وقمع المتمردين حَتَّى أمنت الْمَدِينَة وَمَا حولهَا وَلم يبْق من الْخَوْف مَا يعتادونه وَلَا بعضه وَوصل مِنْهُ فِي سنة 1214 كتاب إِلَى حَضْرَة مَوْلَانَا الإِمَام الْمَنْصُور بِاللَّه وَذكر فِيهِ أنه وصل إِلَيْهِ كتاب من مَوْلَانَا الإِمَام حفظه الله وَلَا حَقِيقَة لذَلِك فَلَعَلَّهُ افتعله بعض المفتعلين وصور كِتَابه الْحَمد لله حمدا لَا نحصي ثَنَاء عَلَيْهِ جل وَعلا وَكم وَكفى إِنَّا مُؤمنُونَ وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا وسندنا رَسُول الله نَحن فِي جواره من جَاهد فِي الله حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِين وعَلى آله وَصَحبه الَّذين بذلوا أنفسهم ابْتِغَاء مرضاة الله رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ وَبعد نبدي ذَلِك ونهديه إِلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 358 الْمُحب فِي الله وَالصديق لنا وإلينا مخلصا لوجه الله الْأَجَل الأمثل الأبر المؤتمن الْعَظِيم إمام الزَّمن فِي أقطار الْيمن كَانَ محروسا ومطهرا من كل ألم ودرن بِحرْمَة النبي الْأمين بعد السَّلَام عَلَيْكُم الذي نعلمكم بِهِ وَهُوَ كل خير لما بَيْننَا من الْمحبَّة السَّابِقَة والأخوة الإسلامية ياحبذا هي الرابطة القوية تقدمت إلينا من طرفكم كتب مفصحة لنا واستعلام وقائع الطَّائِفَة المنحوسة الفرنساوية دمرهم الله وخذلهم بجاه مُحَمَّد خير الْبَريَّة وطلبتم منا إِيضَاح الْمُبْهم وأحوال طوائف الإنكليزية وَأَن الْمُؤمنِينَ لبَعْضهِم مُعينين فِي نصْرَة الدَّين وَلما أوعد الله مترقبين كَمَا قَالَ فِي مُحكم التَّبْيِين وَكَانَ حَقًا علينا نصر الْمُؤمنِينَ وَلَا مداد الدولة الْعلية منتظرين فَلَمَّا أَن علمنَا مِنْكُم ذَلِك أعدنا الْجَواب إليكم سَرِيعا وأعلمناكم عَمَّا هُنَالك هُوَ أَن طَائِفَة الفرانسة جعل الله دِيَارهمْ دارسة وأعلامهم ناكسة اخْتلفُوا وَنَقَضُوا الْعَهْد الْقَدِيم والميثاقه وتعدوا بقهر مصر والآفاقه وَطَوَائِف الإنكليز بَيْننَا وَبينهمْ رابطة قَوِيَّة وَصَحب لِلْإِسْلَامِ فَمن أَتَاكُم من طوائف الفرنساوية اللئام جرعوه كؤوس الْحمام وَلَا تبلغوه المرام وأصدقاؤنا الانكليز أعطوهم مَا يهوى من مطاعم الشَّهَوَات ومشارب الْحَلْوَى هَذَا وَحين ماورد إِلَى كتابكُمْ أرْسلت من خَواص أتباعي إِلَى الدولة الْعلية وشرحت لَهُم صلابتكم فِي الدَّين وشجاعتكم فِي الميادين وإقدامكم مَعَ إخوانكم الْمُؤمنِينَ متيقظين لَسْتُم بغافلين كَمَا صدق من نطق فِيمَا بِهِ الله عَلَيْكُم قد تفضل وامتن الإيمان يمن فَبعد أَن عملت الدولة الْعلية أحوالكم وأوصافكم وَمَا أَنْتُم عَلَيْهِ شكروا صنعكم على قَوْلكُم وَأَرْسلُوا إِلَى جَوَاب كتابكُمْ من صَاحب الدولة الْعلية العثمانية وَهُوَ وَزِير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359 الختام الْآن مُدبر الْجُمْهُور الصَّدْر الْمُعظم ضِيَاء الْحَاج يُوسُف باشا وَهَا هُوَ مُرْسل إليكم صُحْبَة كتَابنَا هَذَا على يَد تابعينا الْحَاج إِسْمَاعِيل أغا والحاج يحيى أغا فَمَعَ سَلامَة الله إِذا وصلا إليكم وقرأتموهما أعلمتم الْحَاضِر والباد يلْزم لكم بعد الْآن أتم الْجِهَاد وَالِاجْتِهَاد فِي ذَلِك الناد لِأَن الفرنسيس عَدو الدَّين رُبمَا يفر اُحْدُ مِنْهُم من طرف الْقصير ويأتي من نواحيكم فأذيقوه الْحَرْب الْحَار ليتوصل بِهِ إلى أمه الهاوية وَبئسَ الْقَرار وَلَا تهابوه فَإِن قلبه قد طَار وَقصد النجَاة لَا أبلغه الله إلا وطار فَلَا تغفلوا واحذروا مكر أُولَئِكَ الْفجار وَكُونُوا على قلب وَاحِد أَيهَا الْمُؤْمِنُونَ فَإِن الله مَعنا والنبي الْمُخْتَار وَقد كَانَ سَابِقًا فِي وسط شَوَّال تعدى الْكَفَرَة اللئام إِلَى أطراف الشَّام وحصروا عكة بلد الجزار بعسكر ينيف على خمسين ألفا من الْكفَّار وَتمّ الْحصار بِتِلْكَ النواحي أَرْبَعَة وَسِتِّينَ يَوْمًا وَاشْتَدَّ الكرب على الْمُسلمين فوفدت نجدة من الدولة الْعلية ثَمَانِيَة عشر مركبا بمدافعها وبارودها وَمن يعْطى حَقّهَا رجالها فقابلوا الْكفَّار قتلوا مَا ينيف على سِتَّة وَعشْرين ألفا مِنْهُم إِلَى النَّار والجرحى ينيف على ثَمَانِيَة آلَاف اللَّهُمَّ عجل بأرواحهم إِلَى بئس الْقَرار وَاسْتشْهدَ من الْمُسلمين مِقْدَار فَبعد إذ عاين أَعدَاء الله الْقَتْلَى وَالْآيَة الْكُبْرَى انْهَزمُوا وولوا الأدبار إِلَى أطراف مصر طلبا للفرار وَإِلَى يَوْم تَارِيخ كتَابنَا نرجو أَن الْمُسلمين بلغُوا مِنْهُم الأوطار وَإِن شَاءَ الله عَمَّا قريب نسمعكم بشراها وَنَحْمَد عُقبى مسراها بِحَق بِسم الله مجْراهَا وَمرْسَاهَا هَذَا ونبشركم مِمَّا جرى سَابِقًا ولاحقا مَا يُوجب تلقيب ملكنا ويتلى لَهُ على المنابر غازيا صَادِقا أَنه لما بغ الدولة الْعلية خبر قهر مصر جهزوا على ساقية عَدو الدَّين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 360 وَذَلِكَ إقليم اللونديك الَّتِى فِيهَا دَار الضَّرْب للمشخص العتيك الَّتِى هِيَ من حور حُكُومَة الفرنسيس وَتَحْت تصرفه برا وبحرا وضبطوا ذَلِك الإقليم جَمِيعه وَتلك النواحي وَمِمَّا فِي ذَلِك الإقليم فِي الْبر ثَمَان بلدان بقلاع من أحسن مَا يسمع ومقر سلطنتهم بَلْدَة أوصف وأوسع وَغير ذَلِك قلاع صغَار وقرى لَا تعد فَقتلُوا من صد وأسروا أسرا لَا يُوصف بِحَدّ مَا ذَكرْنَاهُ فِي الْبر وَفِي الْبَحْر لَهُ أَربع جزائر منيعات حصينات صَارَت الْجَمِيع فِي قَبْضَة الْإِسْلَام ومحي عَنْهَا شرك الظلام وَبعد مَا قطعُوا ساقية عَدو الدَّين وجهت الدولة الْعلية وَجه وجهتها إِلَى أَخذ الثأر إِلَى مصر برا وبحرا وَهَذَا الْخَبَر ورد إلينا مَعَ تابعنا الَّذِي أرسلناه إلى الدولة الْعلية وَكَانَ وُصُوله إِلَى الْمَدِينَة فِي السَّابِع عشر من صفر الْخَيْر بتحريرات من الدولة الْعلية العثمانية مُوضحَة لنا مَا شرحناه لكم من فتوحات إقليم اللونديك والتوجه إِلَى أَخذ الثأر وقمع أُولَئِكَ الْفجار وَهَا حَضْرَة صَاحب الختام أقبل بعساكره الصافنات الْجِيَاد برا والسفن السائرات بحراً قَاصِدين مصر وتخليصها من لوث الشرك وَالْكفْر نرجو مَوْلَانَا سامع دَعَانَا أَن يدمر الْأَعْدَاء حَيْثُمَا دانوا ويعلي ويعمر كلمة الْإِيمَان أينما كَانُوا بِحَق من أنزل عَلَيْهِ نصر من الله وَفتح قريب إِنَّه سميع مُجيب وكما شرحناه إليكم رُبمَا أَن بعض الْكَفَرَة الفرنسيس اللئام يفرون من الْقصير إِلَى نحوكم فَإِن رَأَيْتُمْ أحدا مِنْهُم اقْتُلُوهُ وأسروه حَيْثُمَا ثقفتموه وأتباعنا الْمُرْسلين اليكم سهلوهما إلينا بِجَوَاب كتاب صَاحب الدولة الْعلية وَجَوَاب كتَابنَا وأخبار تِلْكَ الأقطار أفصحوا لنا عَنْهَا سَرِيعا انه جلّ المرام وَالسَّلَام ختام انْتهى كتاب صَاحب التَّرْجَمَة وَفِي آخِره علامته الْمُحْتَاج إِلَى عَفْو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 361 الله الْحَاج يُوسُف باشا وَإِلَى جدة ومحافظ الْمَدِينَة المنورة وَهَذِه صُورَة كتاب وَزِير الختام وَزِير السُّلْطَان ابْن عُثْمَان الذي صدر بِهِ صَاحب التَّرْجَمَة إِلَى مَوْلَانَا الإِمَام طي كِتَابه السَّابِق وَلَفظه سَلام يقطر رباه رياض الوداد وثناء يسيل بفيض سلساله حِيَاض السداد إِلَى حَضْرَة من حف بالأنظار الإلهية والعترة المحمدية وأنواع المنن إمام صنعاء الْيمن وَبعد فالذي ننهي إليكم ونبديه لديكم أَن الطَّائِفَة الفرنساوية دمرهم الله بنواير صواعقه القوية نقضوا عهود الصُّلْح والميثاق وَسعوا فِي الأَرْض الْفساد والشقاق وخانوا الْملَّة الأحمدية الْبَيْضَاء وَقَامُوا على الْملَّة الأحدية السمحاء حَيْثُ هجموا بَغْتَة على بِلَاد الْإِسْلَام وَمَا رعوا قوانين الدول فِي الْأَخْبَار والأعلام وأبدعوا من الدسائس والحيل والخدع مَا لم يرتكبه أحد من أهل الغى البغى والبدع فاستولوا فَجْأَة على الْإسْكَنْدَريَّة ومصر الْقَاهِرَة وتحكموا على علمائها وفضلائها وساداتها الفاخرة وَسبوا صبيانها وهتكوا أَعْرَاض نسوانها الطاهرة فَفرضت علينا فرض الْعين إقامة الْغَزْو وَالْجهَاد والمحاربة مَعَهم فِي كل نَاحيَة وناد لَا زَالَت جَمِيعهم طعمة لسيوف الْمُوَحِّدين وحملتهم مشتتة بسطوة صنوف الْمُؤمنِينَ فانعقدت بَيْننَا وَبَين الدولة الإنجليزية والروسية على محاربتهم روابط الِاتِّفَاق والاتحاد وَظَهَرت من هَاتين الدولتين آثَار الْإِقْدَام والإحجام لأولئك الْفساد حَيْثُ ترافعت سفن الروسية مَعَ سفائن سلطاننا الْأَعْظَم وخاقاننا الأفخم لَا زَالَت روض السلطنته منضرة بنسيم النَّصْر والنجاح وشمس شوكته مشرقة فِي سَمَاء الْفَوْز والفلاح وهجموا على قلعة قورفة الَّتِى كَانَت أخذتها تِلْكَ الطَّائِفَة الباغية من أيدي اللونديك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 362 جبرا وحاصرها جَيش من جيوشنا المنصورة الْمُرْسلَة برا فنزعوها مِنْهُم فاستؤصل مِنْهُم الْأَكْثَرُونَ واسترق الْبَاقُونَ فَجَاءَت مفاتحها إِلَى يَد سلطاننا سُلْطَان الْإِسْلَام وَدخلت بِحَمْد الله فِي حوزة ممالك الْإِسْلَام فَعَسَى الله أن ياتي بِالْفَتْح أَو أَمر من عِنْده فَيُصْبِح من شَرّ ذمتهم السائرة بَعضهم جريحا طريحا وَبَعْضهمْ قَتِيلا ملعونين أينما ثقفوا أخذُوا وَقتلُوا تقتيلا وسفائن الإنكليز أَيْضا مَعَ سفائننا السائرة صدوا سَبِيل المستولين على مصر الْقَاهِرَة من أُولَئِكَ الفجرة الْكَفَرَة وقصدوا إِلَى محاربتهم بالغيرة الكاسرة فَأخذُوا من سفائنهم المخذولة بَعْضًا وأغرقوا بَعْضًا ونهضت عَلَيْهِم عساكرنا المنصورة من طرف الْبر فتضيق بعون الله عَلَيْهِم الأَرْض بِمَا رَحبَتْ طولا وعرضا وَهَذَا الْمُحب الْوَدُود بعون الْملك المعبود ناهض بِالذَّاتِ عَلَيْهِم بترتيبات مهمات السفر وتداركات أَسبَاب الظفر بِجُنُود لَا قبل لَهُم بهَا من الأتراك والأعجام واللزكية والأكراد وَغَيرهم مِمَّن لَهُم فِي الْمُحَاربَة صولة واعتياد فَفِيمَا صدر من أُولَئِكَ المخذولين الخاسرين عَلَيْهِم لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ من الْخِيَانَة والخباثة وَالْفساد والعلو والعتو والعناد لفرض على كل مُؤمن فرض الْعين أن يعين الدَّين ويهين الْكَافرين ويعامل من كَانَ بَيْننَا وَبينهمْ الاتفاق والاتحاد مُعَاملَة الْحبّ والوداد فالمأمول من غيرتكم الدِّينِيَّة وحميتكم الْعَرَبيَّة أَن تَكُونُوا متنبهين متيقظين وَأَن تراعوا مَعَ طَائِفَة الانكليز والروسية مراسم الوداد والوفاق وتخابروا دَائِما مَعَ الْوَزير المكرم وَإِلَى جدة ومحافظ الْمَدِينَة المنورة أخينا يُوسُف باشا دَامَ فِي حفظ الله الخلاق وتكونوا على رَأْيه وتدبيره وَمُقْتَضى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 363 تفهيمه وتحريره ودمتم سَالِمين بجاه مُحَمَّد الْأمين آمين حرر فِي أواسط ذي الْقعدَة الشَّرِيفَة لسنة ثَلَاث عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَألف وَآخره علامته المستمد من الله الأكرم الْحَاج يُوسُف ضِيَاء الْوَزير الْأَعْظَم انْتهى كتاب يُوسُف باشا وَزِير السلطنة الذي صدر بِهِ يُوسُف باشا الآخر وَإِلَى الْمَدِينَة الشَّرِيفَة وَجدّة وَهَذِه صُورَة جَوَاب مَوْلَانَا الإِمَام الْمَنْصُور بِاللَّه أدام الله عَلَيْهِ الإنعام وَهُوَ من إنشاء الحقير جَامع هَذِه التراجم الَّتِى اشْتَمَل عَلَيْهَا هَذَا الْكتاب وَهَذَا الْجَواب على يُوسُف باشا صَاحب الْمَدِينَة وَجدّة وَلَفظه الْحَمد لله الذي نصر جنده وَهزمَ الْأَحْزَاب وَحده وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على من أطلع الله ببعثته شموس الْإِسْلَام وطمس بدعوته رسوم الْكَفَرَة اللئام وَهدم بنبؤته الغراء معاقل المردة الطغام وعَلى آله وَأَصْحَابه الَّذين هم لأوليائه نُجُوم ولأعدائه رجوم وَبعد فَإنَّا نهدي من السَّلَام التَّام والتحيات الفخام إِلَى حَضْرَة الْوَزير الأكرم والباشا الأفخم ذي السَّابِقَة المحمودة والمنقبة الَّتِى هي على مُرُور الْأَيَّام مَعْدُودَة سيف الدولة السُّلْطَانِيَّة ومقدام الجيوش الخاقانية الْحَاج يُوسُف باشا أمده الله من ألطافه بِمَا شا ونخبره أَنه وصل إلينا من جنابه العالى كتاب بدره على أفق البلاغة متلالي يتَضَمَّن الْأَخْبَار بتعدي طَائِفَة الْكفَّار إلى تِلْكَ الديار وَمَا تعقب ذَلِك من المسار الْكِبَار بِفَتْح الجيوش السُّلْطَانِيَّة لتِلْك الأقطار وَتوجه وَزِير الختام وَصَاحب الدولة فِي هَذِه الْأَيَّام إِلَى مناجزة أَعدَاء الدَّين وحزب مَرَدَة الشَّيَاطِين من الفرنسيس الملاعين فَالله الْمَسْئُول وَهُوَ أكْرم مرجو ومأمول أن ينصر حزبه ويخذل حزب الشَّيْطَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 364 وَيرْفَع دينه وملة رَسُوله على جَمِيع الْأَدْيَان فقد عود الله هَذِه الْملَّة الإسلامية فِي جَمِيع الْأَعْصَار مُنْذُ بَعثه النبي الْمُخْتَار بنصرهم على طوائف الْكفَّار وقهرهم لمن ناوأهم من الأشرار الْفجار فأبشروا بنصر الله فَنحْن معاشر الْإِسْلَام جند الله وحزب الله وَهَؤُلَاء الملاعين جند عَدو الله إِبْلِيس عَلَيْهِ اللَّعْنَة وَعَلَيْهِم أَجْمَعِينَ وَلنَا إن شَاءَ الله الْعَاقِبَة وجنودنا بمعونة الله الْغَالِبَة وَلنْ يَجْعَل الله للْكَافِرِينَ على الْمُؤمنِينَ سَبِيلا فَعَن قريب يبدد الله شملهم ويشتت جَمِيعهم ويذيقهم الوبال بأيدي أبطال الرِّجَال من جند ذى الْجلَال وهم بمعونة الله أقل وأذل وأحقر وأنزر من أَن يقوم باطلهم فِي وَجه حَقنا أَو يثور عجاج كفرهم فِي ديار ديننَا بل هم إِن شَاءَ الله فريسة الْمُجَاهدين وغنيمة جنود الله المرابطين وَلَهُم بأسلافهم من الْكَافرين أعظم عِبْرَة للمعتبرين فَإِنَّهُم عَلَيْهِ لعنة اللاعنين مَا زَالُوا بَين قَتِيل وأسير وسليب وعقير وسيوف الْإِسْلَام الَّتِى أذاقتهم الْحمام وَتركت أَوْلَادهم الْأَيْتَام فِي سالف الْأَيَّام هي بِحَمْد الله بَاقِيَة وَإِلَى دِمَائِهِمْ صادية فَلَا جرم ساقتهم الْآجَال إِلَى مَوَاطِن النزال ودفعتهم الْقُدْرَة إِلَى تِلْكَ الحفرة وَمَا ذكرْتُمْ من التوصية بإعانة المعاضدين للمجاهدين إِذا رأيناهم فِي الْأَطْرَاف نازلين وَكَذَلِكَ مَا أرشدتم إِلَيْهِ من إصداق العزائم الإسلامية فِي أَعدَاء الدَّين من الْكَافرين فَنحْن على ذَلِك راغبون فِيمَا هُنَالك قاطعون على الفرانسة أقماهم الله جَمِيع المسالك وَكَيف لَا نرغب فِي مناجرة هَؤُلَاءِ الطغام وَطلب الْجِهَاد فِي رِضَاء الْملك العلام ونخبركم أَن قد بعثنَا من كساكرنا الْجُمْهُور وأمرناهم بالمرابطة فِي أَطْرَاف الثغور وأخذنا عَلَيْهِم إعلامنا بِمَا حدث لديهم لنكون أول القادمين عَلَيْهِم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 وَنحن وَأَنْتُم يَد وَاحِدَة على جِهَاد هَؤُلَاءِ المعاندة فَإِذا حدث وَالْعِيَاذ بِاللَّه لدينا أَمر بادرنا بإعلامكم والمؤمنون كالبنيان كَمَا قَالَ سيد ولد عدنان وَصدر جَوَاب وَزِير الختام لَا برح فِي حماية الْملك العلام ودمتم فِي أجل نعْمَة وأوفر قسْمَة وَهَذِه صُورَة جَوَاب مَوْلَانَا الإِمَام حفظه الله على وَزِير السلطنة من انشاء الحقير أَيْضا لَفظه سَلام عابق الأرج وتحيات تحمل النَّصْر والفرج يخص حَضْرَة الْوَزير الْكَبِير الْمِقْدَام الخطير عضد السدة السُّلْطَانِيَّة سردار الْعَسْكَر الخاقانية حَامِل لِوَاء الدولة الْعلية العثمانية وَزِير الختام مُدبر الْجُمْهُور من الْأَنَام ضِيَاء الْحَاج يُوسُف باشا أناله الله من الْخَيْر ماشا وننهي إِلَيْهِ دَامَ لَهُ الإسعاد وَلَا برح مُسَددًا فِي الإصدار والإيراد أَنه وَفد إلينا من سوحه كتاب كريم وَقدم علينا من جنابه خطاب هُوَ الدر النظيم يحْكى مَا حل بِأَرْض الْإِسْلَام من طوائف الفرانسة اللئام جعلهم الله طعمة لسيوف الْمُجَاهدين وفريسة لجنود الْحق من عباده الْمُسلمين وَقد وعدنا الله فِي كِتَابه الذي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه أَن حزبه هم الغالبون وجنده هم المنصورون وَهُوَ صَادِق الْوَعْد لَا يخلف الميعاد ومتم نوره وَإِن رغمت أنوف أهل الِاتِّحَاد وَلَا بُد للباطل صولة وللمنكر جَوْلَة وَلَكِن الْعَاقِبَة لِلْمُتقين وَالْغَلَبَة بمعونة الله لِعِبَادِهِ الْمُؤمنِينَ فابشروا بنصر الله الديَّان وثقوا بوعده فِي مُحكم الْقُرْآن فَعَن قريب يقطع الله دابرهم وَيهْلك واردهم وصادرهم وَكم لهَؤُلَاء الملاعين من جيوش مركوسة ورايات بَاطِل على ممر الْأَيَّام منكوسة وتدبيرات مَكَائِد هى عَلَيْهِم بمعونة الله معكوسة وَكم أطلت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 366 على ديار الْمُسلمين مِنْهُم سحائب تقشعت عَن قَلِيل وَكم قصدت ثغور الْمُسلمين مِنْهُم كتائب تمزقت فِي كل سَبِيل فالنعل لما يدب من هَذِه العقارب حَاضِرَة والأحجار إِذا نبحت هَذِه الْكلاب بِمصْر الْقَاهِرَة وافرة متكاثرة وذكرتم مَا انْعَقَد بَين الحضرة السُّلْطَانِيَّة والطائفة الإنكليزية والروسية من المظاهرة على الطَّائِفَة الْكَافِرَة الفرنسيسية فَذَلِك إن شَاءَ الله من أعظم دَلَائِل هَلَاك هَؤُلَاءِ الملاعين وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَنحن إن شَاءَ الله حَرْب لمن حَارب الْمُسلمين سلم لمن سَالم أهل هَذَا الدَّين الْمُبين مترقبين لانتهاز الفرص منتظرين لتجريع الْكَافرين أعظم الْغصَص قد شحنا بنادرنا بِالرِّجَالِ وأمرناهم بالاستعداد لِلْقِتَالِ وأخذنا عَلَيْهِم المعاضدة للمعاضدين والمعاندة للمعاندين فَإِن نجم وَالْعِيَاذ بِاللَّه ناجم وثارت فِي أَطْرَاف ثغورنا قساطل الْمَلَاحِم فَنحْن إِن شَاءَ الله فِي الرعيل الأول وعَلى الله سُبْحَانَهُ فِي النَّصْر الْمعول نجاهد فِي الله حق جهاده ونرابط فِي الثغور لحفظ عباده وبلاده والوزير المكرم والباشا الْمُعظم محافظ الْمَدِينَة ووالي بندر جدة هُوَ أقرب الجيوش السُّلْطَانِيَّة إِلَى دِيَارنَا فَإِن عرض لدينا أَو لَدَيْهِ عَارض فَنحْن يَد وَاحِدَة وَالْإِسْلَام أعظم رابطة والمؤمنون أخوة ودمتم فِي خير آمِنين من كل بؤس وضير انْتهى جَوَاب مَوْلَانَا الإِمَام على وَزِير الختام وَبعد وُصُول الْكتب السَّابِقَة وَرُجُوع الجوابين عَنْهَا بلغ أَن وَزِير الختام خرج بجيوش السلطنة من اصطنبول إِلَى مصر وضايق الفرنج المتغلبين عَلَيْهَا مضايقة شَدِيدَة وأخرجهم من أَكْثَرهَا ثمَّ بعد ذَلِك انْعَقَد بَينهم الصُّلْح على أَن يخرج الإفرنج عَن مصر ويعودوا إِلَى بِلَادهمْ فَاجْتمعُوا وَخرجت مِنْهُم فرقة فِي المراكب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 367 فوصلوا إِلَى الْبَحْر واعترضتهم طَائِفَة الإنكليز من الإفرنج واستولوا على بعض مراكبهم فَرَجَعُوا إِلَى أَصْحَابهم البَاقِينَ بِمصْر وأخبروهم بِمَا وَقع من الإنكليز من الْغدر وظنوا جَمِيعًا إِن ذَلِك مكيدة من وَزِير الختام فَاجْتمعُوا وَأَقْبلُوا إِلَيْهِ مقاتلين وَقد كَانَ فرق من عِنْده من جيوش الْإِسْلَام ركونا إِلَى الصُّلْح وتفريطا مِنْهُ فِي الحزم فَانْهَزَمَ من الإفرنج فَقيل انهزم إِلَى الشَّام وَقيل قتل وَقيل مَاتَ حتف أَنفه وَالله أعلم أي ذَلِك كَانَ واستولت الإفرنج على إقليم مصر وَلم يبلغنَا إِلَى الْآن وهوسنة 1215 مَا كَانَ وَصَاحب التَّرْجَمَة يُوسُف باشا صَاحب الْمَدِينَة توفي فِي هَذَا الْعَام عَام خمس عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَألف ثمَّ جَاءَت الْأَخْبَار الصَّحِيحَة والكتب من شرِيف مَكَّة وَغَيره فِي شهر جُمَادَى الْآخِرَة سنة 1316 سِتّ عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَألف أَن الْجنُود الإسلامية السُّلْطَانِيَّة أخرجت طَائِفَة الإفرنج أقماهم الله من الديار المصرية بعد أَن ضايقوهم وحاصروهم وَقتلُوا أكثرهم وَخرج الْبَاقُونَ فِي أَمَان وعادوا إِلَى دِيَارهمْ وتواترت هَذِه الْأَخْبَار وَصحت وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين فَإِن هَذِه الْحَادِثَة الْعَظِيمَة اضْطَرَبَتْ لَهَا جَمِيع الديار الإسلامية ورجفت عِنْدهَا قُلُوب الْمُوَحِّدين وتزلزلت بِسَبَبِهَا أَقْدَام كثير من الْمُجَاهدين فَالْحَمْد لله الذي نصر دينه يُوسُف آغا الرومي أحد خَواص الباشا خَلِيل الْوَاصِل لِحَرْب الْأَشْرَاف المستولي على المملكة الَّتِى كَانَت بيد الشريف حمود وَولده احْمَد وهي الْبِلَاد العريشية وَمَا أَخذه حمود من الْبِلَاد الإمامية بإعانة أَصْحَاب النجدي لَهُ وَذَلِكَ اللِّحْيَة والحديدة وزبيد وَبَيت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 368 الْفَقِيه والزيدية وَمَا دخل فِي حكم هَذِه المحلات فانها ثبتَتْ عَلَيْهَا يَد الشريف حمود من سنة 1217 إِلَى أَن مَاتَ فِي تَارِيخه سنة 1233 الْمُتَقَدّم ثمَّ ثَبت عَلَيْهَا وَلَده احْمَد بعده مِقْدَار سنة فوصلت الْجنُود التركية مَعَ الباشا خَلِيل وانتزعت الْبِلَاد من يَده من غير ضَرْبَة وَلَا طعنة بل استسلم وَألقى بِيَدِهِ إلقاء الْأمة الوكعاء وأمروه أَن يكْتب إِلَى البنادر اليمنية بِأَن يخرج مِنْهَا المرتبون من جِهَته وَيدخل فِيهَا المرتبون من جِهَة الباشا فَفعل فَخَرجُوا مِنْهَا جَمِيعًا وَلم ينتطح فِيهَا عنزان وهي قليع حَصِينَة فِيهَا رتب متوافرة ثمَّ لما ثبتَتْ يَد الباشا على مَا كَانَ بيد الشريف حمود وَولده وصل من عِنْده كتاب على أيدي رسل من التّرْك وَفِي طيه كتاب من الباشا الْكَبِير باشة مصر مُحَمَّد علي وَهُوَ الْمُرْسل للباشا خَلِيل إِلَى الْيمن ومضمون كتاب الباشا مُحَمَّد علي أنه قد جهز الْجنُود علي الْأَشْرَاف لانتزاع الْبِلَاد من تَحت أَيْديهم وَفِيه الْوَعْد بإرجاعها إلى مَوْلَانَا الإِمَام وَكَانَ تَارِيخ الْكتاب قبل اسْتِيلَاء من بَعثه من الْجند عَلَيْهَا ومضمون كتاب الباشا خَلِيل طلب رجل من جِهَة الإِمَام إِلَى عِنْده مِمَّن يركن عَلَيْهِ ليَقَع الْخَوْض مَعَه شفاها فَبعث الإِمَام الْوَلَد القاضي الْعَلامَة مُحَمَّد بن احْمَد الحرازي بعد الْمُشَاورَة بيني وَبَينه فِي ذَلِك فنفذ الْوَلَد مُحَمَّد وَنفذ صحبته جمَاعَة وَاسْتقر هُنَالك نَحْو أُسْبُوع ثمَّ رَجَعَ وَمَعَهُ جمَاعَة من الأتراك مِنْهُم صَاحب التَّرْجَمَة وَهُوَ الْأَمِير عَلَيْهِم فوصل إِلَى حَضْرَة الإمامية ثمَّ وصل إِلَى فَوَجَدته رجلا فِي أَعلَى دَرَجَات الْكَمَال من كل وَجه بِحَيْثُ لَا يُوجد نَظِيره فِي رجال الْعَرَب إِلَّا نَادرا وَكَانَ حَاصِل مَا وصل بِهِ مَا عبر عَنهُ بِلِسَانِهِ وَمَا هُوَ مَضْمُون كتاب الباشا أَنَّهَا تعود تِلْكَ الْبِلَاد إِلَى الإِمَام على شريطة وهي تَسْلِيم مَا كَانَ عَلَيْهَا فِيمَا مضى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 369 وَلم يكن عَلَيْهَا فِيمَا مضى شَيْء وَلَكِن بعض تجار الْيمن الَّذين يرتحلون إِلَى مصر كذب على الباشا مُحَمَّد علي إِنَّه كَانَ عَلَيْهَا مرجوع إِلَى السلطنة فَوَقع التصميم من الباشا خَلِيل وَرَسُوله هَذَا إِنَّه لابد من ذَلِك فأوضحنا لَهُم إِنَّه لم يكن عَلَيْهَا شَيْء مُنْذُ انتزعها أَوْلَاد الإِمَام الْقَاسِم إِلَى الْآن زِيَادَة على مائتي سنة وَفِي خلال ذَلِك وصل كتاب من الباشا خَلِيل إِنَّه يَقع مِقْدَار من البن فِي كل عَام وَهُوَ شئ يسير يصير إِلَى مطبخ السُّلْطَان وَيَقَع تَسْلِيم شئ من النَّقْد فِي حكم بغشيش للجنود الرومية المنتزعة للبلاد من يَد الْأَشْرَاف فَوَقَعت المساعدة إِلَى ذَلِك لكَوْنهم قد بدأوا بِالْإِحْسَانِ وتبرعوا بالجميل وَلم يصدق النَّاس ذَلِك وَلَا خطر ببال أحدهم صِحَّته وعدوه مكرا وخداعا وناصحوني بالرسائل من الْجِهَات الْبَعِيدَة فضلا عَن الْجِهَات الْقَرِيبَة بِمَا حَاصله أَن الركون إِلَى هَذَا لَا يَقع من عَاقل وَلَا يدْخل فِيهِ من لَهُ فطنة وحذروني من ذَلِك غَايَة التحذير فَكنت أُجِيب عَلَيْهِم أَن هَؤُلَاءِ عرضوا علينا المسالمة والمصالحة ابْتِدَاء فَلَيْسَ لنا أَن نرد مَا عرضوه علينا بادئ بَدَأَ وَإِن الله سُبْحَانَهُ يَقُول {وَإِن جنحوا للسلم فاجنح لَهَا} وَمَعَ هَذَا فقد اعْتقد الْخَاص وَالْعَام وَالْكَبِير وَالصَّغِير أنهم سيطوون جَمِيع الديار اليمنية بأيسر عمل لِأَن الْقُلُوب قد ارتجفت بعد استيلائهم على صَاحب نجد وَهُوَ صَاحب الجيوش الْكَثِيرَة وَالْأَحْوَال المتضاعفة حَسْبَمَا قدمنَا فِي تَرْجَمته ثمَّ أخذُوا مَا بيد الْأَشْرَاف صفوا عفوا وَبِهَذَا السَّبَب كَانَت جنود الْيمن من جَمِيع الْقَبَائِل متفاشلة متخاذلة مرتجفة لم يبْق هَمهمْ إِلَّا بِأَنْفسِهِم وحريمهم وَكَانُوا يبذلون الْجِهَاد كذبا وافتراء فَإِنَّهَا لَو خرجت الأتراك على بَقِيَّة الْبِلَاد لم تَنْتَشِر لَهُم راية وَلَا اجْتمع لَهُم جَيش الجزء: 2 ¦ الصفحة: 370 بل كَانَ كل قَبيلَة مِنْهُم ستلزم محلهَا فَإِذا قرب الأتراك مِنْهُم هربوا من أوطانهم كَمَا هرب المتابعون للنجدي من طوائف الْعَرَب وَهُوَ غَالب أهل جَزِيرَة الْعَرَب فجَاء الله بِأَمْر لم يكن فِي حِسَاب وَجَرت من الألطاف مَالا تقبله الْعُقُول ثمَّ عَاد الأغا يُوسُف صَاحب التَّرْجَمَة وَمَعَهُ الْوَلَد مُحَمَّد بن أَحْمد الحرازي إلى تِلْكَ الْجِهَات ونفذت عُمَّال الإِمَام إِلَيْهَا مَعَ كل وَاحِد طَائِفَة من الْجند فَخرج من فِي تِلْكَ المحلات من الأتراك وَدخلت إِلَيْهَا عُمَّال رتبوها من جند الإِمَام وَتمّ الْأَمر بمعونة الله سُبْحَانَهُ وَإِذا أَرَادَ الله أمرا هيأ أَسبَابه وَجعل مَوْلَانَا الإِمَام الوالي فِي الْبِلَاد العريشية الشريف علي بن حيدر بن علي حسب الْقَاعِدَة المستمرة أنه يتَوَلَّى تِلْكَ الْبِلَاد شرِيف من الْأَشْرَاف من جِهَة الْأَئِمَّة وَعَلَيْهَا كل عَام شئ يرسلونه إِلَى الْأَئِمَّة وَكَانَ من أعظم أَسبَاب ولَايَة الشريف علي بن حيدر إِنَّهَا وصلت إِلَى مَوْلَانَا الإِمَام شَفَاعَة لَهُ من الباشا خَلِيل بِأَن يوليه الإِمَام الْبِلَاد العريشية كَمَا كَانَ عَلَيْهِ أسلافه مَعَ أسلاف الإمام وَعَلِيهِ مَا عَلَيْهِم فَوَقَعت المساعدة إِلَى ذَلِك وَنفذ لَهُ عهد الْولَايَة وَالْكِسْوَة والمركوب وارتحل الباشا خَلِيل وَسَائِر من مَعَه من جنود الروم من الْبِلَاد العريشية لمناجزة الْبِلَاد العسيرية لأَنهم قد كَانُوا متابعين للأشراف وَأما الشريف أَحْمد بن حمود فأدخلوه إِلَى باشة مصر وَلَعَلَّه يدْخل إِلَى السُّلْطَان وَهَكَذَا ادخُلُوا جمَاعَة من الْأَشْرَاف مِمَّن كَانَ من المقربين عِنْد حمود وَولده كَانَ الْمُتَكَلّم فِي دولة الشريف حمود وَولده الشريف حسن بن خَالِد الحازمي وَكَانَ من أهل الْعلم فَكَانَ يتَوَقَّف الشريف حمود وَولده من بعده فِي الْأُمُور الشَّرْعِيَّة وَفِي جَمِيع الْأُمُور الدولية على رَأْيه وَلَا يرد لَهُ قَول كَانَ يجمع الجيوش ويغزو بهم إِلَى الْأَطْرَاف الْمُجَاورَة للبلاد الَّتِى كَانَت بيد الْأَشْرَاف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 371 وَكَانَ هُوَ السَّبَب فِي تَفْرِيق كلمة الْأَشْرَاف وَإِدْخَال الشحناء بَينهم وَكَانَ ذَلِك سَببا لفرار الشريف علي بن حيدر إِلَى الباشا بِمَكَّة واستجارته بالأتراك وبقائه لديهم نَحْو خمس سِنِين وَكَانَ هَذَا أحد الْأَسْبَاب فِي خُرُوج الأتراك إِلَى الْيمن وَالسَّبَب الآخر أَن الشريف حسن بن خَالِد الحازمى جمع طَائِفَة من قبائل عسير وغزا بهم إِلَى قريب الطَّائِف فارتجف من ذَلِك من فِي مَكَّة من الْأَشْرَاف وَهَذَا وَقد كَانُوا استولوا على النجدي وعَلى بِلَاده وأدخلوه الروم فأعجب من طيش الشريف حسن بن خَالِد فَإِنَّهُ تسبب أَولا وَثَانِيا إِلَى هَذِه النَّازِلَة الَّتِى نزلت بالأشراف وَمَا شَاءَ الله كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لم يكن وَكَانَ الشريف حسن بن خَالِد عِنْد وُصُول التّرْك إِلَى الْبِلَاد العريشية فِي بِلَاد عسير فَتقدم عَلَيْهِ طَائِفَة مِنْهُم وَجَرت هُنَالك حروب آخرهَا قتل الشريف حسن بن خَالِد وَللَّه الْأَمر من قبل وَمن بعد السَّيِّد يُوسُف بن يحيى بن الْحُسَيْن ابْن الإِمَام الْمُؤَيد مُحَمَّد ابْن الإِمَام الْقَاسِم الصنعاني أَخذ الْعلم عَن وَالِده وَعَن السَّيِّد الْعَلامَة الْحسن بن الْحُسَيْن وَمَال إِلَى الْأَدَب ونظم الشّعْر وصنف نسمَة السحر فِي ذكر من تشيع وَشعر ذكر فِيهَا جمَاعَة من الشُّعَرَاء الْمُتَقَدِّمين الْمَشْهُورين وَمن أهل عصره وَمن يقرب من أهل عصره وَهُوَ كتاب حسن لَوْلَا مَا شابه بِهِ من التسخط على أهل عصره ورميهم بِكُل عيب والتنويه بِذكر العبيديين وَغَيرهم من الرافضة وانتقاص الْأَئِمَّة وأكابر السَّادة الَّذين هم عنصره وَأهل بَيته وذوو قرَابَته كَمَا وَقع مِنْهُ ذَلِك فِي تَرْجَمَة ابراهيم اليافعى وَفِي سَائِر الْكتاب وَكَثِيرًا مايذكر قولا من أَقْوَال الإمامية فِي غَايَة السُّقُوط فيميل إِلَى تَرْجِيحه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 372 وتقويته تَصْرِيحًا وتلويحا وَلكنه يأتي بحجج لَا تشبه حجج الْعلمَاء وَهُوَ إمامي المعتقد وَلم يكن فِي أهل بَيته من هُوَ كَذَلِك فَإِن وَالِده الْمُتَقَدّم ذكره كَانَ زيديا وَكَذَلِكَ سَائِر قرَابَته وَبِالْجُمْلَةِ فكتابه الْمَذْكُور من أحسن الْكتب المصنفة فِي الْأَدَب وأنفسها وَكَثِيرًا مَا يفوتهُ التَّرْتِيب بِاعْتِبَار الْأَب وَالْجد فَيقدم مثلا من كَانَ حرف وَالِده مُتَأَخِّرًا على حرف وَالِد من بعده كتقديمه إبراهيم بن الْعَبَّاس الصولي على إبراهيم بن أَحْمد اليافعى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 373 وَالصَّوَاب الْعَكْس وكتقديمه تَرْجَمَة مُحَمَّد بن هَانِئ على تَرْجَمَة مُحَمَّد بن الْحُسَيْن المرهبي وَكَانَ الصَّوَاب الْعَكْس وَكَذَلِكَ تَقْدِيمه للمذكورين على مُحَمَّد بن إبراهيم السحولي وَالْأولَى الْعَكْس وَنَحْو ذَلِك مِمَّا فِي تَرْتِيب ذَلِك الْكتاب وَالَّذِي ينبغي لمن تصدى للْجمع على الْحُرُوف أَن يقدم بِاعْتِبَار أول حُرُوف اسْم المترجم لَهُ ثمَّ الثَّانِي إِلَى آخِره وَمَعَ الِاتِّفَاق فِي الاسم يقدم من كَانَت حُرُوف أبيه أقدم وَمَعَ الِاتِّفَاق فِي اسْم الْأَب أَيْضا ينظر إِلَى حُرُوف اسْم الْجد ثمَّ كَذَلِك كَمَا فعله المصنفون على الْحُرُوف وَهُوَ شَيْء وَاضح وَمن شعر صَاحب التَّرْجَمَة قَوْله من قصيدة كتبهَا إِلَى السَّيِّد علي بن أَحْمد بن مَعْصُوم الْمدنِي (وَقد عمم الْغَيْم الرواني فَأرْسلت ... ذوايب برق لوحت فِي الدجى رقطا) (وَإِن عميد الْحبّ مِنْهُ لواله ... وَلَا سِيمَا عَنهُ إِذا زَعَمُوا الشحطا) أراجعة تِلْكَ الليالي فأرتجى ... سلوي أم ضنت بإحسانها سخطا) (بلَى رُبمَا ظن السماك نبوة ... وجاد فروى وبله التبع والسبطا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 374 (كَمَا جاد لي حَتَّى رَأَيْت ابْن أَحْمد ... عليا ووافى فِي اقتراحي لَهُ الشرطا) وَقد ترْجم لَهُ الحيمي فِي طيب السمر تَرْجَمَة طَوِيلَة أورد فِيهَا قِطْعَة من شعره وَتوفى فِي ربيع الأول سنة 1121 إحدى وَعشْرين وَمِائَة وَألف قَالَ الْمُؤلف قدس الله روحه إِلَى هُنَا انْتهى الْكتاب فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء ثاني شهر الْحجَّة الْحَرَام سنة 1213 ثَلَاث عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَألف وَكَانَ مُدَّة جمعة نَحْو أَرْبَعَة أشهر وليال يَسِيرا وَأكْثر الْأَيَّام يعرض الشغل فَلَا يُمكن تَحْرِير شئ وَكَانَ النَّقْل لهَذِهِ النُّسْخَة من نُسْخَة بِخَط القاضى الْعَلامَة مُحَمَّد بن عبد الْملك بن حُسَيْن بن مُحَمَّد بن عبد الفتاح بن احْمَد بن يحيى الآنسى رَحمَه الله ذكر فِيهَا أَنه نقل تِلْكَ النُّسْخَة من مسودة التصنيف الَّتِى بِخَط الْمُؤلف رَحمَه الله وفيهَا ملحقات وزوائد فِي الهوامش والسواقط بِخَط الْمُؤلف قد صَارَت فِي النُّسْخَة الَّتِى بِخَطِّهِ أصلا لكَونه مصححا عَلَيْهَا بِخَط الْمُؤلف وَلذَا تَجِد فِي بعض الْمَوَاضِع مَا تَارِيخه مُتَأَخّر عَن تَارِيخ تَمام الْكتاب الْمَذْكُور أعلا هَذَا وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 375