الكتاب: السلوك لمعرفة دول الملوك المؤلف: أحمد بن علي بن عبد القادر، أبو العباس الحسيني العبيدي، تقي الدين المقريزي (المتوفى: 845هـ) المحقق: محمد عبد القادر عطا الناشر: دار الكتب العلمية - لبنان/ بيروت الطبعة: الأولى، 1418هـ - 1997م عدد الأجزاء: 8   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- السلوك لمعرفة دول الملوك المقريزي الكتاب: السلوك لمعرفة دول الملوك المؤلف: أحمد بن علي بن عبد القادر، أبو العباس الحسيني العبيدي، تقي الدين المقريزي (المتوفى: 845هـ) المحقق: محمد عبد القادر عطا الناشر: دار الكتب العلمية - لبنان/ بيروت الطبعة: الأولى، 1418هـ - 1997م عدد الأجزاء: 8   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] {قل اللَّهُمَّ مَالك الْملك تؤتي الْملك من تشَاء وتنزع الْملك مِمَّن تشَاء وتعز من تشَاء تذل من تشَاء بِيَدِك الْخَيْر إِنَّك على كل شَيْء قدير تولج اللَّيْل فِي النَّهَار وتولج النَّهَار فِي اللَّيْل وَتخرج الْحَيّ من الْمَيِّت وَتخرج الْمَيِّت من الْحَيّ وترزق من تشَاء بِغَيْر حِسَاب} . فسبحان الله من إِلَه حَكِيم قَادر، ومليك مقتدر قاهر، يُعْطي الْعَاجِز الحقير، ويمتع البطل الأيد الْكَبِير، وَيرْفَع الخامل الذَّلِيل، وَيَضَع ذَا الْعِزّ المنيع وَالْمجد الأثيل، ويعز المحتقر الطريد المجفو الشريد، ويذل أولى الْحَد الْحَدِيد، وَالْعد العديد، وأرباب الألوية والبنود، ومالكي أزمة العساكر والجنود، ويؤتي ملكه من لم يكن شَيْئا مَذْكُورا، وَلَا عرف لَهُ أيا نبيها وجدا مَشْهُورا، بل نَشأ كلا على مَوْلَاهُ وخادما لسواه، تجبهه وتشنؤه النَّاس، وَلَا يرعاه سَائِر الْأَجْنَاس، لَا يقدر على نفع نَفسه فضلا عَن الْغَيْر، وَلَا يَسْتَطِيع دفع مَا ينزل بِهِ من مساءة وضير، عَجزا وشقاء وخمولا واختفاء، وَينْزع نعت الْملك مِمَّن نِهَايَة أَسد الشري فِي غيلها، وتخضع لجلالته عتاة الْأَبْطَال يقظها وقيظيظها، وتختع لخنزوانة سُلْطَانه حماة الكماة بجمعها وجميعها، وتذل لسطونه مُلُوك الْجَبَابِرَة وأقبالها، ويأتمر بأوامره العساكر الْكَثِيرَة الْعدَد، ويقتدى بعوائده الْخَلَائق مدى الْأَبَد. وَالْحَمْد الله على حالتي مَنعه وعطائه، وابتلائه وبلائه، وسراته وضرائه، ونعمه وبأسائه، أهل الثَّنَاء وَالْمجد، ومستحق الشُّكْر وَالْحَمْد {لَا يسْأَل عَمَّا يفعل وهم يسْأَلُون} {بِيَدِهِ ملكوت كل شَيْء وَإِلَيْهِ ترجعون} وَلَا إِلَه إِلَّا الله الْوَاحِد الْأَحَد، الْفَرد الصَّمد، الَّذِي {لم يلد وَلم يُولد وَلم يكن لَهُ كفوا أحد} وَالله أكبر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 {لَا يحيطون بِشَيْء من علمه إِلَّا بِمَا شَاءَ} وَلَا تدْرك من عَظمته الْعُقُول إِلَّا مَا أخبر بِهِ عَنهُ الرُّسُل والأنبياء. وَصلى الله على نَبينَا مُحَمَّد الَّذِي أذهب الشّرك من الأكاسرة، ومحا بشر يعته عُظَمَاء الرّوم القياصرة، وأزال بملته الْأَصْنَام والأوثان، وَأحمد بظهوره بيُوت النيرَان، وَجمع لَهُ أسود الْعَرَب وَقد كَانَت فِي جزيرتها مُتَفَرِّقَة، وَلم ببركته شعثها بَعْدَمَا غبرت زَمَانا وَهِي متمزقة، وَألف قلوبها على موالاته وطاعته، وحبب إِلَيْهَا الْمُبَادرَة إِلَى مبايعته على الْمَوْت ومتابعته، فتواصلوا بعد القطيعة والتدابر، وتحابوا فِي الله كَأَن لم ينشئوا على الْبغضَاء والتنافر، حَتَّى صَارُوا بِاتِّبَاع مِلَّته، والاقتداء بِشَرِيعَتِهِ، من رِعَايَة الشَّاء الْبَعِير، إِلَى سياسة الجم الغقير، وَبعد اقتعاد سَنَام النَّاقة والعقود، وملازمة بَيت الشّعْر والعمود، وَأكل القيصوم وَالشَّيْخ، ونزول القفر الفسيح، إِلَى ارتقاء المنابر والسرير، وتوسد الأرائك على الْحَرِير، وارتباط المسومة الْجِيَاد، واقتناء مَا لَا يُحْصى من الخدع والعتاد، بِمَا فتح الله عَلَيْهِم من غَنَائِم مُلُوك الأَرْض، الَّذين أخذوهم بِالْقُوَّةِ والقهر، وحووا ممالكهم بتأييد الله لَهُم وَالنضْر، وأورثوها أَبنَاء أبنائهم، وأحفادهم وأحفاد أحفادهم، فَلَمَّا خالفوا مَا جَاءَهُم بِهِ رسولهم من الْهدى، أحلّهُم الرزايا المجيحة والردى، وسلط عَلَيْهِم من رعاع الغوغاء وآحاد الدهماء من ألحقهم يعد الْملك باهلك، وحطهم بعد الرّفْعَة، وأذلهم بعد المنعة، وصيرهم من رتب الْمُلُوك إِلَى حَالَة العَبْد الْمَمْلُوك، جَزَاء بِمَا اجترحوا من السَّيِّئَات، واقترفوا من الْكَبَائِر الموبقات، وَاسْتَحَلُّوا من الحرمات، واستهواهم بِهِ الشَّيْطَان من اتِّبَاع الشَّهَوَات، ولعتبر أولو البصائر والأفهام، ويخشى أهل النَّهْي مواقع نقم الله الْعَزِيز ذِي الانتقام، لَا إِلَه إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ. أما بعد، فَإِنَّهُ لما يسر الله وَله الْحَمد، بإكمال كتاب ((عقد جَوَاهِر الأسفاط من أَخْبَار مَدِينَة الفساط)) ، وَكتاب ((اتعاظ الحنفاء بأخبار الْخُلَفَاء)) ، وهما يستملان على ذكر من ملك مصر من الْأُمَرَاء وَالْخُلَفَاء، وَمَا كَانَ فِي أيامهم من الْحَوَادِث والأنباء، مُنْذُ فتحت إِلَى أَن زَالَت الدولة الفاطمية وانقرضت، أَحْبَبْت أَن أصل ذَلِك بِذكر من ملك مصر بعدهمْ من الْمُلُوك الأكراد الأيوبية، والسلاطين المماليك التركية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 والجركسية، فِي كتاب يحصر أخبارهم الشائعة، ويستقصى أعلامهم الذائعة، ويحوى أَكثر مَا فِي أيامهم من الْحَوَادِث والماجريات، غير معتن فِيهِ بالتراجم والوفيات، لِأَنِّي أفردت لَهَا تأليفا بديع الْمِثَال بعيد المنال، فألفت هَذَا الدِّيوَان، وسلكت فِيهِ التَّوَسُّط بَين الْإِكْثَار الممل والاختصار المخل، وسميته كتاب ((السلوك لمعْرِفَة دوَل الْمُلُوك)) . وَيَا لله أستعين فَهُوَ الْمعِين، وَبِه أعتضد فِيمَا أُرِيد وأعتمد، فَإِنَّهُ حسبى وَنعم الْوَكِيل. فصل ذكر مَا كَانَ عَلَيْهِ الكافة قبل قيام مِلَّة الْإِسْلَام اعْلَم أَن النَّاس كَانُوا بأجمعهم، قبل مبعث نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَا بَين عَرَبِيّ وعجمي، سبع أُمَم كبار هم: الصين وهم فِي جنوب مشرق الأَرْض، والهند وهم فِي وسط جنوب الأَرْض، والسودان وَلَهُم جنوب مغرب الأَرْض، والبربر وَلَهُم شمال مغرب الأَرْض، وَالروم وهم فِي وسط شمال الأَرْض، وَالتّرْك وهم فِي شمال مشرق الأَرْض، وَالْفرس وهم فِي وسط هَذِه الممالك، قد أحاطت بهم هَذِه الْأُمَم السِّت. وَكَانَت الْأُمَم كلهَا فِي قديم الدَّهْر، قبل ظُهُور الشَّرَائِع الدِّينِيَّة، صفا وَاحِد مسمين باسمين: سمنيين وكلدانيين، ثمَّ صَارُوا على خَمْسَة أَدْيَان، وَهِي الصابئة، وَالْمَجُوس، وَالَّذين أشركوا، وَالْيَهُود، وَالنَّصَارَى. فَأَما الصابئة: فَإِنَّهَا الَّتِي تعبد الْكَوَاكِب، وَترى أَن سَائِر مَا فِي الْعَالم السُّفْلى الْمعبر عَنهُ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا ناشيء وصادر عَن الْكَوَاكِب، وَأَن الشَّمْس هِيَ المفيضة على الْكل. وَهَذَا الدّين أقدم هَذِه الْأَدْيَان، وَبِه كَانَ يدين أهل بابل من الكلدانيين، وإليهم بعث الله نوحًا وَإِبْرَاهِيم، صلوَات الله عَلَيْهِمَا. وَكَانَت الصابئة تتَّخذ التماثيل من الجواهبر والمعادن على أَسمَاء الْكَوَاكِب وتعبدها، فتصلى إِلَيْهَا وتقرب لَهَا القرابين، وتعتقد أَنَّهَا تجلب النَّفْع وتدفع السوء. وَبقيت مِنْهُم بقايا بأر ض السوَاد من الْعرَاق وبحران الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 والرها أدركوا الْإِسْلَام وَعرفُوا بالنبط وبالحرنانيين وَلم يبْق لَهُم إِذْ ذَاك ملك مُنْذُ غلبهم فَارس، فَلَمَّا كَانَت أَيَّام الْمَأْمُون أسقطوا عَن أنفسهم اسْم الكلدانيين، وتسموا بالصابئين. وَأما الْمَجُوس: فَإِنَّهُم الَّذين يَقُولُونَ بإلهين اثْنَيْنِ، أَحدهمَا فَاعل الْخَيْر وَهُوَ النُّور، وَالْآخر فَاعل الشَّرّ وَهُوَ الظلام، وَيُقَال لَهُم الثنوية أَيْضا، وَاتَّخذُوا لَهُم بيُوت نيران لَا تزَال تقد أبدا، وَكَانَت إِلَى هَذِه النيرَان صلواتهم وقرابينهم، ويعتقدون فِيهَا النَّفْع والضر، وعَلى هَذَا الِاعْتِقَاد كَانَت الأكاسرة مُلُوك فَارس بالعراق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 وَولد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أَيَّام كسْرَى أنوشروان وأزال الْعَرَب ملكهم فِي خِلَافه أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ، وملكوا مِنْهُم الْمَدَائِن وجلولاء وَغَيرهَا، وَقتل يزدجرد آخر مُلُوكهمْ فِي خلَافَة أَمِير الْمُؤمنِينَ عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ، وَلم يقم بعده قَائِم من الأكاسرة، وتمزق الْفرس وَذهب ملكهم إِلَى الْيَوْم. وَقد تقدم فِي كتاب عقد جَوَاهِر الأسفاط ذكر مُلُوك الْفرس فَرَاجعه. وَأما الَّذين أشركوا فَإِنَّهُم وَإِن وافقهم الصائبة وَالْمَجُوس فِي عبَادَة التماثيل وَالنَّار من دون الله، فَإِن الْعَرَب الَّذين بعث الله فيهم نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُقَال لَهُم الْمُشْركُونَ سمة لَهُم، واسما لَزِمَهُم، وَكَانُوا يعْبدُونَ الْأَصْنَام والأوثان والطواغيت من دون الله، فيسجدون وَيصلونَ ويذبحون الذَّبَائِح لتماثيل عِنْدهم، قد اتَّخَذُوهَا من الْحجر والخشب وَغَيره ى، ويزعمون أَنَّهَا تجلب لَهُم النَّفْع، وتدفع عَنْهُم الضّر ويعتقد الْمُشْركُونَ مَعَ ذَلِك أَن الله سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي خلقهمْ، وَهُوَ الَّذِي أوجدهم ثمَّ يميتهم، وَهُوَ الَّذِي يرزقهم، وَأَن عِبَادَتهم للأصنام وَسِيلَة تقربهم إِلَى الله سُبْحَانَهُ. وَكَانُوا إِذا مسهم الضّر فِي الْبَحْر من شدَّة هبوب رياحه وَعظم أمواجه، وأشرفوا على الْهَلَاك، نسوا عِنْد ذَلِك الْأَصْنَام الَّتِي كَانُوا يعبدونها، ودعوا الله يسألونه النجَاة وَقد محا الله - وَله الْحَمد بنبينا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الشّرك من الْعَرَب حَتَّى دخلُوا فِي دين الله افواجا، وَجَاهدُوا فِي الله حق جهاده، إِلَى أَن ظهر دين الْإِسْلَام بهم على سَائِر الْأَدْيَان، وملكوا مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا مِمَّا تطؤه الدَّوَابّ، وتمر فِيهِ السفن. وَقد ذكرنَا أَيْضا فِي كتاب عقد جَوَاهِر الأسفاط قبائل الْعَرَب وبطونها ذكر شافيا فَتَأَمّله. وَأما الْيَهُود: فَإِنَّهُم أَتبَاع نَبِي الله مُوسَى بن عمرَان، صلوَات الله عَلَيْهِ، وكتابهم التوارة. ولكهم أَبنَاء إِبْرَاهِيم الْخَلِيل، ويعرفون أَيْضا ببني إِسْرَائِيل، وَهُوَ يَعْقُوب بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، صلوَات الله عَلَيْهِم، وَكَانُوا اثنى عشر سبطا، وملكوا الشَّام بأسره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 إِلَّا قَلِيلا مِنْهُ إِلَى أَن زَالَت دولتهم على يَد بخْتنصر، ثمَّ على يَد طيطش، وَجَاء الله بِالْإِسْلَامِ وَلَيْسَ لَهُم ملك وَلَا دولة، وَإِنَّمَا هم أُمَم متفرقون فِي أقطار الأَرْض، تَحت أَيدي النَّصَارَى. وَقد ذكرنَا أَيْضا جَمِيع مُلُوكهمْ فِي كتاب عقد جَوَاهِر الأسفاط. وَأما النَّصَارَى، فَإِنَّهُم أَتبَاع نَبِي الله الْمَسِيح عِيسَى ابْن مَرْيَم، صلوَات الله عَلَيْهِ، وكتابهم الْإِنْجِيل، وَجَاء الله الْمَسِيح إِلَى بني إِسْرَائِيل فَكَذبُوهُ إِلَّا طَائِفَة مِنْهُم، ثمَّ انْتَشَر دينه بعد رَفعه بدهر، فَدخل فِيهِ الرّوم والقبط والحبشة وَطَائِفَة من الْعَرَب، وَمَا زَالُوا على ذَلِك حَتَّى جَاءَ الله بِالْإِسْلَامِ، فقاتل الْمُسلمُونَ من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ رضى الله وأخرجوه إِلَى جزائر الْبَحْر، ثمَّ قَاتل الْمُسلمُونَ القوط والجلالقة، وملكوا مِنْهُم إقريقية والأندلس وَسَائِر بِلَاد الْمغرب، وتابعوا الْمُسلمُونَ القوط والجلالقة، وملكوا مِنْهُم إفريقية من بعدهمْ الإفرند. وَقد ذكرنَا فِي كتاب عقد جَوَاهِر الأسفاط وَفِي كتاب المواعظ وَالِاعْتِبَار بِذكر الخطط والْآثَار، جملَة من حروب الر وم والفرنج للْمُسلمين. وَإِلَى وقتنا هَذَا مُلُوك الفرنج ورعتيهم، وملوك أَكثر بِلَاد الْحَبَشَة ورعيتهم، يدينون بدين النَّصْرَانِيَّة فَهَذِهِ - أعزّك الله - ديانات أهل الأَرْض عِنْد مبعث نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَكَانَت الممالك يَوْمئِذٍ على خَمْسَة أَقسَام: مملكه فَارس وَيُقَال لمن ملك مِنْهُم كسْرَى، ومملكه الرّوم وَيُقَال لملكها قَيْصر، وَكَانَت الْحَرْب لَا تزَال بَين الرّوم وَفَارِس وبيدهما أَكثر الْمَعْمُور، ومملكه التّرْك وَكَانَت مُلُوكهمْ تحارب مُلُوك الْفرس، وَلم يكن لَهُم قطّ فِيمَا بلغنَا من أَخْبَار الخليقة غَلَبَة على الممالك، ومملكه الْهِنْد وَحسب مُلُوكهمْ ضبط مَا بِيَدِهَا فَقَط، ومملكه الصين. وَأما بنوحام من الْحَبَشَة والزنج والبربر فَلم يكن لَهُم ملك يعْتد بِهِ. فصل ذكر القائمين بالملة الإسلامية من الْخُلَفَاء أعلم أَن الله بعث نَبينَا مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الْمطلب بن هَاشم بن عبد منَاف صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على رَأس أَرْبَعِينَ سنة من عمره، فَدَعَا قومه من قُرَيْش بِمَكَّة ثَلَاث عشرَة سنة، وَهَاجَر من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة فَأَقَامَ بهَا عشر سِنِين، وتوفاه الله وعمره ثَلَاث وَسِتُّونَ سنة، وَقد ذكرنَا جملَة سيرته فِي أول كتاب عقد جَوَاهِر الأسفاط. فَقَامَ بعد وَفَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَمْر الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين وَالْخُلَفَاء الراشدون مُدَّة ثَلَاثِينَ سنة، وعدتهم خَمْسَة هم: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ واسْمه عبد الله بن عُثْمَان أبي قُحَافَة مُدَّة سنتَيْن وَثَلَاثَة أشهر غير خمس لَيَال، وَعمر بن الْخطاب بن نفَيْل الْعَدوي مُدَّة عشر سِنِين وَسِتَّة أشهر وَأَرْبَعَة أَيَّام وَعُثْمَان بن عَفَّان بن أبي العَاصِي بن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد منَاف مُدَّة اثنتى عشرَة سنة إِلَّا اثنى عشر يَوْمًا، وَقيل إِحْدَى عشرَة سنة وَاحِد عشر شهرا وَأَرْبَعَة عشر يَوْمًا، وَقيل ثَمَانِيَة عشر يَوْمًا. وعَلى بن أبي طَالب بن عبد الْمطلب ابْن هَاشم مُدَّة أَربع سِنِين وَتِسْعَة أشهر وَسِتَّة أَيَّام، وَقيل ثَلَاثَة أَيَّام، وَقيل أَرْبَعَة عشر يَوْمًا. وَالْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب مُدَّة خَمْسَة أشهر وَنَحْو نصف شهر، وَقيل سِتَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 أشهر، وَبِه تمت أَيَّام الْخُلَفَاء الرَّاشِدين رَضِي الله عَنْهُم. وَصَارَت الْخلَافَة ملكا عَضُوضًا، أَي فِيهِ عسف وعنف، وانتقل الْأَمر إِلَى بني أُميَّة. وَأول من ولي مِنْهُم مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان، واسْمه صَخْر بن حَرْب بن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد منَاف، ومدته تسع عشرَة سنة وَثَلَاثَة أشهر، وَقيل ثَلَاثَة أشهر إِلَّا إياما. وَقَامَ من بعده ابْنه يزِيد بن مُعَاوِيَة مُدَّة ثَلَاث سِنِين وَسِتَّة أشهر، وَقيل ثَمَانِيَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 أشهر، وَقيل غير ذَلِك، وَلَيْسَ بشىء فولى بعده مُعَاوِيَة بن يزِيد بن مُعَاوِيَة، ثَلَاثَة أشهر وَقيل أَرْبَعِينَ يَوْمًا. وَقَامَ بعد يزِيد أَيْضا عبد الله بن الزبير بن الْعَوام بن خويلد بن أَسد بن عبد الْعُزَّى بن قصي بالحجاز وَخَالف عَلَيْهِ مَرْوَان بِالشَّام، فَكَانَت مُدَّة ابْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 الزبير إِلَى أَن قتل بِمَكَّة تسع سِنِين. وَقَامَ بعد مُعَاوِيَة بن يزِيد بِالشَّام مَرْوَان بن الحكم بن أبي الْعَاصِ بن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد منَاف مُدَّة عشرَة أشهر. وَقَامَ من بعده ابْنه عبد الْملك بن مَرْوَان، وَاسْتعْمل الْحجَّاج بن يُوسُف الثَّقَفِيّ على حَرْب عبد الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 ابْن الزبير فَقتله، وَأقَام عبد الْملك بعد قَتله ثَلَاث عشرَة سنة وَأَرْبَعَة أشهر إِلَّا سبع لَيَال. وَقَامَ بعده ابْنه الْوَلِيد بن عبد الْملك مُدَّة تسع سِنِين وَسَبْعَة أشهر. وَقَامَ بعده أَخُوهُ سُلَيْمَان بن عبد الْملك سنتَيْن وَثَمَانِية أشهر وَخَمْسَة أَيَّام، وَقيل إِلَّا خَمْسَة أَيَّام. وَقَامَ بعده عمر بن عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان بن الحكم سنتَيْن وَخَمْسَة أشهر. ثمَّ قَامَ بعده يزِيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 ابْن عبد الْملك بن مَرْوَان مُدَّة أَربع سِنِين وَشهر أَيَّام. وَقَامَ بعده أَخُوهُ هِشَام بن عبد الْملك تسع عشرَة سنة وَتِسْعَة أشهر وواحدا وَعشْرين يَوْمًا، وَقيل ثَمَانِيَة أشهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 وَنصف. وَكَانَ قد اتخذ طرازا لَهُ قدر، واسكثر مِنْهُ حَتَّى كَانَ يحمل مَا أثر فِيهِ من طرازه على سَبْعمِائة جمل فَهَذِهِ ثِيَابه الَّتِي لبسهَا، فَكيف بِمَا كَانَ عِنْده مِمَّا لم يلْبسهُ؟ فَقَامَ من بعده الْوَلِيد بن يزِيد بن عبد الْملك وَيعرف بِيَزِيد النَّاقِص، وَولى مُدَّة سنة وَثَلَاثَة أشهر، وَقيل وشهرن واثنين وَعشْرين يَوْمًا. فبويع بعده ابْنه يزِيد بن الْوَلِيد، وَفِي أَيَّامه اضْطَرَبَتْ الدولة، وَولى مُدَّة خَمْسَة أشهر وأياما. فَقَامَ بعده أَخُوهُ إِبْرَاهِيم بن الْوَلِيد مُدَّة أَرْبَعَة أشهر، وَقيل سبعين يَوْمًا، وَلم يتم لَهُ أَمر. وَقَامَ بعده مَرْوَان بن مُحَمَّد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 بن مَرْوَان بن الحكم وَيعرف بِمَرْوَان الْجَعْدِي وبمروان الْحمار. وَفِي أَيَّامه ظَهرت دولة بني الْعَبَّاس. وحاربوه حَتَّى قَتَلُوهُ بِأَرْض مصر، وَله فِي الْخلَافَة مُنْذُ بُويِعَ خمس سِنِين وَعشرَة أشهر وَسِتَّة عشر يَوْمًا. وانقرضت بمقتل مَرْوَان دولة بني أُميَّة. وَقَامَت من بعْدهَا دولة بني الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب بن هَاشم بن عبد منَاف مُدَّة خَمْسمِائَة سنة وَثَلَاث وَعشْرين سنة وَعشرَة أشهر وَأَيَّام، فِيهَا افْتَرَقت كلمة الْإِسْلَام، وَسقط اسْم الْعَرَب من الدِّيوَان، وَأدْخل الأتراك فِي الدِّيوَان، واستولت على الديلم ثمَّ الأتراك، وَصَارَت لَهُم دولة عَظِيمَة جدا، وانقسمت ممالك الأَرْض عدَّة أَقسَام، وَصَارَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 بِكُل قطر قَائِم يَأْخُذ النَّاس بالعسف ويملكهم بالقهر. وَكَانَ أول من قَامَ من خلفاء بني الْعَبَّاس السفاح واسْمه عبد الله بن مُحَمَّد بن عَليّ عبد الله بن عَبَّاس، مُدَّة أَربع سِنِين وَثَمَانِية أشهر وَيَوْم، وَكَانَ سَرِيعا إِلَى سفك الدِّمَاء، سفك ألف دم فَاتبعهُ عماله فِي الشرق والغرب فِي فعله، وَكَانَ مَعَ ذَلِك جوادا بِالْمَالِ، فاقتدى بِهِ فِي ذَلِك عماله أَيْضا. ثمَّ ولى بعده أَخُوهُ أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور واسْمه أَيْضا عبد الله بن عَليّ، فَأَقَامَ مُدَّة إِحْدَى وَعشْرين سنة وَاحِد عشر شهرا، وَهُوَ أول من أوقع الْفرْقَة بَين ولد الْعَبَّاس وَولد على ابْن أبي طَالب، وَكَانَ قبل ذَلِك أمره وَاحِدًا، وَهُوَ أول خَليفَة قرب المنجمين، وَعمل بِأَحْكَام النُّجُوم، وَأول خَليفَة ترجمت لَهُ الْكتب من اللُّغَات، وَأول خَليفَة اسْتعْمل موَالِيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 وغلمانه فِي أَعماله، وَقَدَّمَهُمْ على الْعَرَب، فاقتدى بِهِ من بعده من الْخُلَفَاء، حَتَّى سَقَطت قيادات الْعَرَب، وزالت رياستها، وَذَهَبت مراتبها. كَانَ قد نظر فِي الْعلم، فكثرت فِي أَيَّامه رِوَايَات النَّاس واتسعت علومهم، فَقَامَ بعده ابْنه الْمهْدي أَبُو عبد الله مُحَمَّد مُدَّة عشر سِنِين وَشهر وَنصف، وَكَانَ سخيا جوادا، فسلك النَّاس فِي ذَلِك مسلكه، واتسعوا فِي مَعَايشهمْ، وأمعن فِي قتل الْمُلْحِدِينَ لظهورهم فِي أَيَّامه، وانشاء كتبهمْ، وَهُوَ أول من أَمر بتصنيف كتب الجدل فِي الرَّد على الزَّنَادِقَة والملحدين، فصنفت فِي أَيَّامه، وَعمر مَسْجِد مَكَّة وَالْمَدينَة والقدس. ثمَّ ولى بعده ابْنه الْهَادِي بِاللَّه أَبُو مجمد مُوسَى سنة وَثَلَاثَة أشهر، وَكَانَ جبارا، وَهُوَ أول من مشت الرِّجَال بَين يَدَيْهِ بِالسُّيُوفِ المرهفة، والأعمدة المشهرة، والقسى الموترة، فاقتدى بِهِ عماله، وَكثر السِّلَاح فِي محضره فَقَامَ بعده أَخُوهُ هَارُون بن مُحَمَّد الرشيد مُدَّة ثَلَاث وَعشْرين سنة وشهرين وَثَمَانِية عشر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 يَوْمًا، وَقيل شهر وَسِتَّة عشر يَوْمًا وَكَانَ مواظبا على الْحَج، مُتَابعًا للغزو وَاتخذ المصانع والآبار والبرك والقصور بطرِيق مَكَّة، وبمكة وَمنى وعرفات وَالْمَدينَة النَّبَوِيَّة، وَعم النَّاس إحسانه وعدله، بني الثغور ومدن المدن، وحصن فِيهَا الْحُصُون، مثل طرسوس وأدنه، وَعمر المصيصة ومرعش وَغير ذَلِك، فاقتدى النَّاس بِهِ، وَهُوَ أول خَليفَة لعب بالصوالجة فِي الميدان، وَرمي بالنشاب فِي البرجاس، وَلعب بالشطرنج، وَقرب أَرْبَاب هَذِه الْأُمُور وأجرى لَهُم الأزراق، فاقتدى بِهِ النَّاس. وَكَانَت أَيَّامه كَأَنَّهَا من حسنها أعراس. فبويع بعده ابْنه الْأمين مُحَمَّد بن هَارُون، وَأقَام أَربع سِنِين وَثَمَانِية أشهر وَخَمْسَة أَيَّام، فَقدم الخدم، وَرفع مَنَازِلهمْ، وشغف بهم، فاتخذت لَهُ أمه الْجَوَارِي الغلاميات، فَاتخذ النَّاس فِي أَيَّامه ذَلِك فَقَامَ من بعده أَخُوهُ الْمَأْمُون عبد الله بن هَارُون مُدَّة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين سنة مُنْذُ سلم عَلَيْهِ بالخلافة، وَمُدَّة عشْرين سنة وَخَمْسَة أشهر وَثَلَاثَة أَيَّام، وَقيل وَخَمْسَة وَعشْرين يَوْمًا، بعد قتل أَخِيه، وَكَانَ أَولا ينظر فِي أَحْكَام النُّجُوم وَيعْمل بموجبها، وَيكثر النّظر فِي كتب القدماء من الْحُكَمَاء، فَلَمَّا قدم بَغْدَاد أعرض عَن ذَلِك كُله، وَقَالَ بأقوال الْمُعْتَزلَة، وَقرب أَرْبَاب الْعُلُوم، وطلبهم من الْآفَاق، وأجرى عَلَيْهِم الأزراق، فَرغب النَّاس الْمُعْتَزلَة، وَقرب أر بَاب الْعُلُوم، وطلبهم من الْآفَاق، وأجرى عَلَيْهِم الأزراق، فَرغب النَّاس فِي الْعُلُوم الجدلية، وصنف كل أحد فِيهَا مَا ينصر بِهِ مذْهبه، وَكَانَ كَرِيمًا عفوا، فاقتدى النَّاس بِهِ فِي أَحْوَاله كلهَا. وَقَامَ بعد الْمَأْمُون أَخُوهُ المعتصم بِاللَّه أَبُو إِسْحَاق مُحَمَّد بن هَارُون، مده ثَمَانِي سِنِين وَثَمَانِية أشهر أَيَّام، وَهُوَ أول من أَدخل الأتراك الدِّيوَان، وَكَانَ أُمِّيا لَا يقْرَأ وَلَا يكْتب، وَكَانَ يغلب عَلَيْهِ الفروسية، ويتشبهه بالعجم فِي عَامَّة أَحْوَاله [ ... ... ] وَقَامَ من بعده ابْنه الواثق بِاللَّه أَبُو جَعْفَر هَارُون بن مُحَمَّد مُدَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 خمس سِنِين وَتِسْعَة أشهر وَسِتَّة أَيَّام. وَفِي أَيَّامه كَانَت المحنة وَكَانَ كثير الْأكل وَاسع، الطَّعَام. فَقَامَ من بعده المتَوَكل على الله جَعْفَر بن المعتصم مُدَّة أرع عشرَة سنة وَتِسْعَة أشهر وَثَمَانِية أَيَّام، وَقَتله الأتراك، وتحكوا من حِينَئِذٍ فِي ممالك الدُّنْيَا. وَهُوَ الَّذِي رفع المحنة، وَنهى عَن الجدل وعاقب عَلَيْهِ، وَأمر بِإِظْهَار رِوَايَة الحَدِيث. وَأقَام بعده ابْنه الْمُنْتَصر مُحَمَّد بن جَعْفَر، فَمَاتَ بعد سِتَّة أشهر تنقص أَيَّامًا. وأقيم بعده المستعين بِاللَّه أَحْمد بن مُحَمَّد المعتصم فَأَقَامَ ثَلَاث سِنِين وَثَمَانِية أشهر وَثَمَانِية وَعشْرين يَوْمًا، وخلعه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 الأتراك وعذبوه، ثمَّ قَتَلُوهُ بعد تِسْعَة أشهر من خلعه. والمستعين أول من أحدث لبس الْكَمَال الواسعة، فَجعل عرضهَا نَحْو ثَلَاثَة أشبار، وَصغر القلانس وَكَانَت قبله طوَالًا. وأقيم بعده المعتز بِاللَّه مُحَمَّد بن المتَوَكل ثمَّ خلعه الأتراك وعذبوه بِالضَّرْبِ حَتَّى مَاتَ، فَكَانَت خِلَافَته مُدَّة ثَلَاث سِنِين وَسِتَّة أشهر وَوَاحِد وَعشْرين يزما، وَقيل وأربعه وَعشْرين يَوْمًا، وَهُوَ أول خَليفَة أحدث الرّكُوب بحلية الذَّهَب - وَكَانَ من قبله من خلفاء بني أُميَّة وَبني الْعَبَّاس يركبون بالحلية الْخَفِيفَة من الْفضة فِي المناطق - واتخاذ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 السيوف والسروج واللجم، فَلَمَّا ركب المعتز بحلية الذَّهَب تبعه النَّاس فِي فعل ذَلِك. وأقيم بعده الْمُهْتَدي بِاللَّه مُحَمَّد بن الواثق ثمَّ قَتله الأتراك بعد أحد عشر شهرا وَتِسْعَة عشر يَوْمًا. وأقيم بعده الْمُعْتَمد بِاللَّه أَحْمد بن المتَوَكل فغلبه الأتراك، واستبد عَلَيْهِ أَخُوهُ الْمُوفق بِاللَّه أَبُو أَحْمد طَلْحَة وَخرج فِي أَيَّامه صَاحب الزنج، فحاربه الْمُوفق أعواماً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 كَثِيرَة ثمَّ مَاتَ الْمُوفق بعد قَتله صَاحب الزنج، فاختلت أُمُور الْمُعْتَمد وَقتل، وَكَانَت مدَّته اثْنَتَيْنِ وَعشْرين سنة أحد عشر شهرا وَخَمْسَة عشر يَوْمًا، وَهُوَ أول خَليفَة قهر وَحجر عَلَيْهِ ووكل بِهِ، فَقَامَ من بعده المعتضد أَحْمد بن الْمُوفق طَلْحَة واستبد بِالْأَمر، وَخرجت القرامطة فِي أَيَّامه، وَمَات وَله فِي الْخلَافَة مُدَّة عشرَة سِنِين وَتِسْعَة أشهر وَثَلَاثَة أَيَّام، وَقيل تسع سِنِين وَسَبْعَة أشهر واثنين وَعشْرين يَوْمًا وَلما كفن فِي ثَوْبَيْنِ قيمتهمَا سِتَّة عشر قيراطا. فولى بعده ابْنه المكتفى بِاللَّه على وجد فِي حَرْب القرامطة وَهَزَمَهُمْ، وأزال دولة بني طولون من مصر وَالشَّام، وَمَات وَله سِتّ سِنِين وَسِتَّة أشهر وَسِتَّة عشر يَوْمًا وَقيل تِسْعَة عشر يَوْمًا. فأقيم من بعد أَخُوهُ المقتدر بِاللَّه جَعْفَر بن المعتضد، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 وَعمرَة ثَلَاث عشرَة سنة وشهران وَثَلَاثَة أَيَّام، لم يبلغ الْحلم، وَهُوَ أول من ولي الْخلَافَة من الصّبيان، فَغلبَتْ على أُمُوره النِّسَاء والخصيان، وَأكْثر من قتل الوزراء وَمن قَامَ وبتغييرهم، فاضطربت عَلَيْهِ الْأُمُور، فَلم يقم غير أَرْبَعَة أشهر، وخلع بِعَبْد الله بن المعتز ثمَّ قتل ابْن المعتز بعد يَوْم وَلَيْلَة وأعيد المقتدر، وَخرجت القرامطة فِي أَيَّامه، وَأخذُوا الْحجر الْأسود من الْكَعْبَة إِلَى بِلَادهمْ، وَخرج عَلَيْهِ أَيْضا الديلم، وَظهر عبيد الله الْمهْدي بإفريقية ودعا لنَفسِهِ، وَقطع دَعْوَة بني الْعَبَّاس من بِلَاد الْمغرب وبرقة ثمَّ إِن المقتدر خلع مرّة ثَانِيَة، وأقيم بدله القاهر بِاللَّه مُحَمَّد بن المعتضد، ثمَّ أُعِيد المقتدر، وَغلب عَلَيْهِ أَصْحَاب الدَّوَاوِين، وَلم يجْعَلُوا لَهُ أمرا ينفذ، وَصَارَت ثمل القهرمانة إِحْدَى جواريه تجْلِس للمظالم، ويحضرها الوزراء والقضاة وَالْفُقَهَاء، وَفِي أَيَّامه انْقَطع الْحَج، وَكثر الْهزْل والمجون، وَآخر أمره أَنه قتل بَعْدَمَا أَقَامَ فِي الْخلَافَة أَرْبعا وَعشْرين سنة وشهرين وَعشرَة أَيَّام، وَقيل وَأحد عشر شهرا وَأَرْبَعَة عشر يَوْمًا عِنْدَمَا خرج على الْجند وَقد شغبوا وَهُوَ متشح بالبردة النَّبَوِيَّة، فَقتل وتلوثت بِالدَّمِ. فَقَامَ من بعده القاهر باله مُحَمَّد بن المعتضد، ثمَّ خلع وكحل بمسمار، وَقد حمى فِي النَّار مرَّتَيْنِ، حَتَّى سَالَتْ عَيناهُ، بعد سنة وَسِتَّة أشهر وَثَمَانِية أَيَّام. وَآل أمره أَن كَانَ يقوم يَوْم الْجُمُعَة بالجامع، وَيسْأل النَّاس فَيَقُول: يَا معاشر النَّاس، أَنا بالْأَمْس كنت خليفتكم، وَالْيَوْم أَسأَلكُم مَا فِي أَيْدِيكُم، فَيتَصَدَّق عَلَيْهِ. وَقَامَ من بعده فِي الخلافه الراضي بِاللَّه مُحَمَّد بن المقتدر، وَفِي أَيَّامه استولى الرّوم على عَامَّة الثغور وكلان مَغْلُوبًا عَلَيْهِ مَعَ موَالِيه، لَا يقدر على شَيْء، وَمَات بعد سِتّ سِنِين وَعشرَة أشهر وَعشرَة أَيَّام، وَقيل وَتِسْعَة أَيَّام من خِلَافَته. والراضي آخر خَليفَة خَليفَة لَهُ شعر مدون، وَآخر خَليفَة انْفَرد بتدبير الجيوش وَالْأَمْوَال، وَآخر بني، وَآخر خَليفَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 خطب يَوْم جُمُعَة، وَآخر خَليفَة جَالس الندماء، وَوصل إِلَيْهِ العدماء، وَآخر خَليفَة كَانَت نَفَقَته وجوائزه، وعطاياه وخدمه وجراياته وخزائنه، ومطابخه وَشَرَابه، ومجالسه وحجابه وأموره جَارِيَة على تَرْتِيب الْخلَافَة الأول، وَآخر خَليفَة سَافر بزِي الْخُلَفَاء القدماء، وَقد سَافر بعده المتقي والطائع. ثمَّ قَامَ بعده أَخُوهُ المتقى لله إِبْرَاهِيم بن المقتدر، وَكَانَ خيرا عابدا، وَفِي أَيَّامه تغلب بَنو حمدَان على الجزيرة وَالشَّام، وَكثر الِاخْتِلَاف عَلَيْهِ، فخلعه توزون التركي، وكحله كَمَا كحل القاهر، ثمَّ حَبسه مَعَ القاهر وهما مكحولان، فَقَالَ القاهر: (صرت وَإِبْرَاهِيم نخي عمي ... لَا بُد للنخين من صدر) (مَا دَامَ توزون لَهُ إمره ... مطاعة فالميل فِي الْجَمْر) وَكَانَ ذَلِك بعد ثَلَاث سِنِين وَاحِد عشر شهرا، وَمَات بعد خلعه بِخمْس وَعشْرين سنة. وَقَامَ من بعده لما خلع المستكفى بِاللَّه عبد الله بن المكتفي، فاستولت الديلم على الْبِلَاد، وَوَقع الِاخْتِلَاف عَلَيْهِ، فَقبض وكحل على يَد معز الدولة أَحْمد بن بويه فَكَانَت أَيَّامه سنة وَأَرْبَعَة أشهر ويومين. وأقيم من بعده الْمُطِيع لله الْفضل بن المقتدر فَأَقَامَ تسعا وَعشْرين سنة وَأَرْبَعَة أشهر وواحدا وَعشْرين يَوْمًا، لَيْسَ لَهُ سوى الِاسْم، والمدير للأمور معز الدولة، وَقد فرض لنفقه الْمُطِيع فِي كل يَوْم مِائَتي دِينَار، وَفِي أَيَّامه قدمت عسامكر الْمعز لدين الله أبي تَمِيم معد إِلَى مصر، وانقطعت الدعْوَة العباسية من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 الشَّام. وَأقَام الْمُطِيع إِلَى أَن خلع نَفسه، وَأقَام ابْنه الطائع لله عبد الْكَرِيم فَمَكثَ الطائع سبع عشرَة سنة وَتِسْعَة أشهر وَسِتَّة أَيَّام مَحْكُومًا عَلَيْهِ ببني بويه، ثمَّ خلع وَحبس فَقِيرا ذليلا حَتَّى مَاتَ. وَكَانَ الطائع كثير الانحراف على آل عَليّ بن أبي طَالب، وَسَقَطت الهيبة فِي أَيَّامه حَتَّى هجاه الشُّعَرَاء وطولوا. وَقَامَ من بعده الْقَادِر بِاللَّه أَحْمد بن إِسْحَاق ابْن المقتدر فَأَقَامَ إِحْدَى وَأَرْبَعين سنة وَثَلَاثَة أشهر، وَقيل ثَلَاثًا وَأَرْبَعين سنة وَثَلَاثَة أشهر وَأحد عشر يَوْمًا، وَكَانَ دينا بارا بأَهْله وبالطالبين. وَفِي أَيَّامه عظمت الديلم والباطينة. واشتهر مَذْهَب الاعتزال، ومذاهب الباطنية والرافضة، وانتشر ذَلِك فِي الأَرْض. وَفِي أَيَّامه ظهر السُّلْطَان يَمِين الدولة مَحْمُود سبكتكين وغزا الْهِنْد. وَقَامَ من بعده ابْنه الْقَائِم بِأَمْر الله عبد الله، فثار عَلَيْهِ أرسلان البساسيري وَصَارَ يَدعِي لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 على مَنَابِر الْعرَاق والأهواز فَكتب الْقَائِم إِلَى السُّلْطَان طغرلبك بن مِيكَائِيل بن سلجوق التركماني، أول مُلُوك بني سلجوق، فَقدم بَغْدَاد وفر مِنْهُ البساسيري بِمن مَعَه من الأتراك، وانتمى إِلَى الْمُسْتَنْصر بِاللَّه معد بن الظَّاهِر الفاطمي صَاحب مصر، فأمده بالأموال حَتَّى أَخذ بَغْدَاد، وَقطع مِنْهَا دَعْوَة بني الْعَبَّاس، وخطب للمستنصر بهَا نَحْو سنة، والقائم مَحْبُوس، ثمَّ قدم طغرلبك وَأعَاد الْقَائِم إِلَى الْخلَافَة، وَقتل البساسيري، وتحكم فِي سَائِر الْأُمُور، فَلم يزل الْقَائِم فِي الْخلَافَة حَتَّى مَاتَ وَله أَربع وَأَرْبَعين سنة وَثَمَانِية أشهر وَكَانَ دينا خيرا كثير الصَّلَاة، إِلَّا أَنه كَانَ كثير الإصغاء إِلَى من يُشِير عَلَيْهِ، فاتفق أَن وزر لَهُ رجل من سوقة بَغْدَاد يعرف بِابْن السلَّة، فَحسن لَهُ مَجِيء الغز لِأَنَّهُ كَانَ منحرفا عَن الشِّيعَة، فكاتبهم الْقَائِم، فَلَمَّا جَاءُوا كَانَ من أَمرهم وَأمر البساسيري مَا كَانَ. وَقَامَ من بعده الْمُقْتَدِي بِأَمْر الله عبد الله بن ذخيرة الدّين مُحَمَّد بن الْقَائِم، فَلم يكن لَهُ سوى الِاسْم، لَا يتَعَدَّى حكمه بَابه، وَالتَّدْبِير إِلَى ملك شاه بن عضد الدولة، وَأقَام على ذَلِك تسع عشرَة سنة وَثَمَانِية أشهر غير يَوْمَيْنِ، وَقيل إِلَّا خَمْسَة أَيَّام، وأقيم بعده ابْنه المتسظهر بِاللَّه أَحْمد فَأَقَامَ مَحْكُومًا عَلَيْهِ خمْسا وَعشْرين سنة، وَقيل أَرْبعا وَعشْرين سنة وَثَلَاثَة أشهر وواحدا وَعشْرين يَوْمًا، وَمَات. وَفِي أَيَّامه أَخذ الفرنجة بَيت الْمُقَدّس من الْمُسلمين. وَاسْتمرّ ملكهم بِهِ. وَقَامَ من بعده ابْنه المسترشد بِاللَّه الْفضل بن أَحْمد وَقتل بعد سبع عشرَة سنة وَسِتَّة أشهر وَعشْرين يَوْمًا. فَقَامَ بعده ابْنه الراشد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 بِاللَّه مَنْصُور وخلع ثمَّ قتل، فَكَانَت خِلَافَته سنة تنقص عشرَة أَيَّام. وبويع بعده المقتفى لأمر الله مُحَمَّد بن المستظهر فصفت لَهُ الدُّنْيَا، وَسعد بوزيره عون الدّين يحيى ابْن مُحَمَّد بن هُبَيْرَة، وَقبض على جمَاعَة من المتغلبين، وَخرج بِنَفسِهِ وَحَارب من ناوءه، وَأقَام أَرْبعا وَعشْرين سنة وَثَلَاثَة أشهر وواحدا وَعشْرين يَوْمًا، فبويع بعده ابْنه المستنجد بِاللَّه يُوسُف وَأقَام إِحْدَى عشرَة سنة وشهراً وَاحِدًا، وَمَات. فيوبع بعده ابْنه المتسضىء بِأَمْر الله الْحسن وَفِي أَيَّامه أُعِيدَت الْخطْبَة العباسية بِالْقَاهِرَةِ ومصر، بعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 انقطاعها مِائَتَيْنِ وَخمْس عشرَة سنة، على يَد السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب بن شادي الْكرْدِي وَمَات المستضىء بعد عشر سِنِين تنقص أَرْبَعَة أشهر، فَقَامَ بعده ابْنه النَّاصِر لدين الله أَحْمد، مُدَّة سِتّ وأر بِعَين سنة وَعشرَة أشهر وَثَمَانِية وَعشْرين يَوْمًا، وَفِي أَيَّامه ابْتَدَأَ ظُهُور جنكيزخان. وروؤي النَّاصِر مرّة وَعَلِيهِ قبَاء أَبيض برسوم ذهب فِيهِ، وعَلى رَأسه قلنسوه مذهة مطوقة بوبر أسود من فنك أَو نَحوه يتشبه بملوك الأتراك، وَقَامَ من بعده ابْنه الظَّاهِر بِأَمْر الله مُحَمَّد، فَأم تِسْعَة أشهر وَأَرْبَعَة عشر يَوْمًا، وَمَات. فَقَامَ بعده ابْنه الْمُسْتَنْصر بِاللَّه أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور مُدَّة سبع عشر ة سنة غير شهر، وَقيل خمس عشرَة سنة وأحدج عشر شهرا وَخَمْسَة أَيَّام، وَفِي أَيَّامه قصد التار بَغْدَاد، فاستخدم الْخَلِيفَة مِنْهُم العساكر، حَتَّى بلغت عدتهَا نَحْو مائَة ألف. وَقَامَ من بعده ابْنه المستعصم بِاللَّه عبد الله، فَجمع الْأَمْوَال، وَقطع كثيرا من العساكر، فَقدم التتار بَغْدَاد، وقتلوه فِي سادس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 صفر سنة سِتّ وَخمسين وسِتمِائَة، وَله فِي الْخلَافَة خمس عشرَة سنة وَسَبْعَة أشهر وَسِتَّة أَيَّام. وانقرضت دولة بني الْعَبَّاس بزواله، وَصَارَ النَّاس بِغَيْر خَليفَة إِلَى سنة تسع وَخمسين وسِتمِائَة، فأقيم فِي تِلْكَ السّنة خَليفَة بِمصْر قدم إِلَيْهَا من بَغْدَاد، لقب بالمستنصر بِاللَّه أَحْمد بن الظَّاهِر بن النَّاصِر، وَسَار يُرِيد بَغْدَاد فحاربه التتار وقتلوه، قبل أَن تتمّ لَهُ سنة مُنْذُ بُويِعَ بِمصْر، فَصَارَ من بعده مُلُوك مصر الأتراك يُقِيمُونَ رجلا يسمونه الْخَلِيفَة، ويلقبونه بلقب الْخُلَفَاء، وَلَيْسَ لَهُ أَمر وَلَا نهي وَلَا نُفُوذ كلمة، بل يتَرَدَّد إِلَى أَبْوَاب الْأُمَرَاء وأعيان الْكتاب والقضاة، لتهنئتهم بالأعياد والشهور، وَسَيَأْتِي ذكرهم إِن شَاءَ الله. ذكر دولة بني بويه الديلم وَيُقَال فِي أصل الديلم إِن باسل بن ضبة بن أد بن طابخة بن إلْيَاس بن مُضر بن نزار ابْن معد بن عدنان خرج مغاضبا لِأَبِيهِ، فَوَقع فِي أَرض الديلم، فَتزَوج امْرَأَة من الْعَجم، فَولدت لَهُ دَيْلَم بن باسل فَهُوَ أَبُو الديلم كلهم. وهم أفخاذ وعشائر، وَمِنْهُم مُلُوك بني بويه. وَكَانَ سَبَب ظهروهم أَن الْحسن بن عَليّ بن الْحسن بن زيد بن عمر بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب الزيدي الأطروش دخل الديلم، وَأقَام نَحْو أَربع عشرَة سنة يَدعُوهُم إِلَى الْإِسْلَام، ويقتصر مِنْهُم على الْعشْر، ويدافع عَنْهُم، فَأسلم مِنْهُم خلق كثير، وتلقب بالناصر للحق، واجتمعوا عَلَيْهِ، وَبني فِي بِلَادهمْ مَسَاجِد، وحثهم على الْخُرُوج مَعَه إِلَى طبرستان حَتَّى أجابوه، وَقَاتل بهم أَبَا الْعَبَّاس مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم صعلوك وهزمه، وَقتل من أَصْحَابه سَبْعَة آلَاف، وَعَاد إِلَى آمل ظافرا، وَاسْتولى على طبرستان فِي جمادي الْآخِرَه سنة إِحْدَى وثلاثمائة، وَعَاد إِلَى بَغْدَاد. وَمَات النَّاصِر - بعد أَن ملك طبرستان ثَلَاث سِنِين وَثَلَاثَة أشهر وأياما - فِي شعْبَان سنة أر بِعْ وثلاثمائة، وَله تسع وَسَبْعُونَ سنة. فَبَقيت بعده طبرستان فِي أَيدي العلوية اثنتى عشرَة سنة، ثمَّ انْتَقَلت عَنْهُم إِلَى أُمَرَاء الديلم. وَلما مَاتَ النَّاصِر ولى ابْنه أَبُو الْحُسَيْن، فَقدم جرجان وَأقَام بهَا، وَصَاحب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 جَيْشه سرخاب بن وهسوذان، فَكَانَت لَهُ حروب وأنباء مَعَ عَسَاكِر السعيد نصر بن أَحْمد بن صَاحب خُرَاسَان إِلَى أَن مَاتَ سرخاب. فاستخلف أَبُو الْحُسَيْن بن النَّاصِر بعده مَا كَانَ بن كالي على أستراباذ فَاجْتمع إِلَيْهِ الديلم، وقدموه وَأمره على أنفسهم، فَكَانَت لَهُ بِتِلْكَ النواحي أَخْبَار كَثِيرَة إِلَى أَن قوى أَبُو الْحجَّاج مرادويج بن زيار، وَقيل مرداويج بن قافيج الجيلي الديلمي، وَملك جرجان وَغَيرهَا مِمَّا كَانَ، وَعَاد إِلَى أصفهان ظافرا، ودامت الْحَرْب بَينهمَا عدَّة سِنِين، فقوى مرداويج وَاسْتولى على بلد الْجَبَل والرى، وأتته الديلم من كل نَاحيَة، فعظمت جيوشه. وَكَانَ من الديلم رجل يُقَال لَهُ بويه، وكنيته أَبُو شُجَاع، متوسط الْحَال، وَله ثَلَاثَة أَوْلَاد: أَبُو الْحُسَيْن على أكبرهم، وَأَبُو على الْحسن أوسطهم، وَأَبُو الْحُسَيْن أَحْمد أَصْغَرهم، وَكَانَ ينتسب إِلَى الْفرس، وَيَزْعُم أَنه أَبُو شُجَاع بويه بن فَنًّا خسرو بن ثَمَان بن كوهي بن شيرزيل الْأَصْغَر بن شير كذة بن شيرزيل الْأَكْبَر بن شيران شاه بن شيرويه بن شناذر شاه بن سيس فَيْرُوز بن شيزوزيل بن سناذر بن بهْرَام جور الْملك بن يزدجرد الْملك. فبنو بويه من قَبيلَة من قبائل الديلم يُقَال لَهَا شيرزيل أَو ندازه. ثمَّ إِن أَبَا شُجَاع بويه رأى فِي مَنَامه كَأَنَّهُ يَبُول، فَخرج من ذكره نَار عَظِيمَة استطالت وعلت حَتَّى كَادَت تبلغ السَّمَاء، ثمَّ انفرجت فَصَارَت ثَلَاث شعب، وتولد من تِلْكَ الشّعب عدَّة شعب، فَأَضَاءَتْ الدُّنْيَا بِتِلْكَ النيرَان، وَرَأى الْبِلَاد والعباد خاضعين لتِلْك النيرَان. فقصه على منجم، فَقَالَ لَهُ: إِنَّه يكون لَك ثَلَاثَة أَوْلَاد يملكُونَ الأَرْض وَمن عَلَيْهَا، ويعلو ذكرهم فِي الْآفَاق كَمَا علت تِلْكَ النَّار، ويولد لَهُم جمَاعَة مُلُوك بِقدر مَا رَأَيْت من تِلْكَ الشّعب. فَقَالَ لَهُ أَبُو شُجَاع: أَتسخر بِي وَأَنا رجل فَقير، وأولادي هَؤُلَاءِ فُقَرَاء مَسَاكِين يصيرون ملوكا؟ فَقَالَ المنجم: أَخْبرنِي بِوَقْت ميلادهم فَأخْبرهُ، فَجعل يحْسب، ثمَّ قبض على يَد أبي الْحسن على الَّذِي لقب بعد ذَلِك عماد الدولة فقبلها، وَقَالَ: هَذَا وَالله يملك الْبِلَاد، ثمَّ هَذَا من بعده، وَقبض على يَد أُخْته أبي على الْحسن، الَّذِي لقب بعد ذَلِك ركن الدولة ثمَّ هَذَا، وَقبض على يَد أخيهما أبي الْحُسَيْن أَحْمد، الَّذِي لقب معز الدولة. فاغتاظ مِنْهُ أَبُو شُجَاع وَقَالَ لأولاده: اصفعوا هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 فقد أفرط فِي السخرية بِنَا، فصعفوه وَهُوَ يستغيث وهم يَضْحَكُونَ مِنْهُ، ثمَّ أَمْسكُوا. فَقَالَ لَهُم المنجم: اذْكروا لي هَذَا إِذا قصدتكم وَأَنْتُم مُلُوك، وَأَعْطَاهُ أَبُو شُجَاع عشرَة دَرَاهِم، فَلَمَّا خرج الديلم مَعَ مَا كَانَ بن كالي كَانَ أَوْلَاد أبي شُجَاع من جملَة قواده، إِلَى أَن أستولى مرداويج على مَا بيد مَا كَانَ من طبرستان وجرجان وَانْهَزَمَ مَا كَانَ، قَالَ لَهُ عَليّ وَالْحسن ابْنا أبي الشجاع بويه، وَكَانَ ضعفه عجزة: نَحن فِي جمَاعَة، وَقد صرنا ثقلا عَلَيْك وعيالا، وَأَنت مضيق، والأصلح لَك أَن نُفَارِقك لنخفف عَنْك مئونتنا، فَإِذا صلح أَمرك عدنا إِلَيْك. فَأذن لَهما فَسَار إِلَى مرداويج، واقتدى بهما جمَاعَة من قواد مَا كَانَ وتبعوهم. فَأقبل عَلَيْهِم مرداويج، وخلع على ابْني بويه، وقلد عماد الدولة على بن بويه كرج، فَأحْسن السِّيرَة وافتتح قلاعا ظفر مِنْهَا بذخائر كَثِيرَة فاستمال الرِّجَال حَتَّى شاع ذكره وقصده النَّاس واستوحش مِنْهُ مرداويج واستدعاه فدافعه ثمَّ سَار عماد الدولة من كرج إِلَى أَصْبَهَان وَقَاتل المظفر مُحَمَّد بن ياقوت وهزمه، وَملك أَصْبَهَان يَوْم الْأَحَد الْحَادِي عشر من ذِي الْقعدَة سنة إِحْدَى عشرَة وثلاثمائة، فَعظم فِي أعين النَّاس، لِأَنَّهُ كَانَ فِي تِسْعمائَة رجل هزم بهم مَا يُقَارب عشرَة آلَاف. وَبلغ ذَلِك الْخَلِيفَة القاهر باله مُحَمَّد بن المعتضد فاستعظمه، وَخَافَ مرداويج عاقبته، فَأخذ يتحيل فِي أَخذه. وَأخذ ابْن بويه أَيْضا أرجان من أبي بكر بن ياقوت، فِي ذِي الْحجَّة سنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 إِحْدَى وَعشْرين وثلاثمائة، وقوى بهَا. وَبعث أَخَاهُ ركن الدولة الْحسن، فَأخذ كازرون، ثمَّ ملك عماد الدولة شيراز فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين، فَلَمَّا ملك شيراز وَفَارِس كتب إِلَى الْخَلِيفَة الراضي بِاللَّه مُحَمَّد بن المقتدر، وَقد أفضت إِلَيْهِ الْخلَافَة، وَإِلَى وزيرة أبي عَليّ مُحَمَّد بن عَليّ بن مقلة يعرفهما أَنه على الطَّاعَة، وَيطْلب أَن يقاطع على مَا بِيَدِهِ من الْبِلَاد، وبذل ألف ألف دِرْهَم، فَأُجِيب إِلَى ذَلِك، وسيرت لَهُ الْخلْع واللواء، فَلبس الْخلْع وَنشر اللِّوَاء بَين يَدَيْهِ، وغالط الرَّسُول بِالْمَالِ، فَمَاتَ الرَّسُول عِنْده سنة ثَلَاث وَعشْرين، وَعظم شَأْنه، وقصده الرِّجَال من الْأَطْرَاف فَقَامَ مرداويج وَقعد، فَقدر الله قَتله على يَد غلمانه، يَوْم الثُّلَاثَاء الثَّالِث من ربيع الأول سنة ثَلَاث وَعشْرين وثلائمائة، وَسَار أَكثر أَصْحَابه إِلَى ابْن بويه، وَمضى كثير مِنْهُم إِلَى بجكم فَقدم بهم بَغْدَاد، ثمَّ سَار عماد الدولة بن بويه إِلَى كرمان فِي سنة أَربع وَعشْرين، وَكَانَت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 لَهُ بهَا حجروب ظفر فِيهَا، ثمَّ قدم عَلَيْهِ أَبُو عبد الله أَحْمد بن مُحَمَّد البربدي فِي سنة سِتّ وَعشْرين، وأطعمه فِي الْعرَاق والاستيلاء عَلَيْهِ، فَسَار وَملك عدَّة بِلَاد، وسير أَخَاهُ ركن الدولة على عَسَاكِر، وَكَانَ لَهما أنباء وقصص. وَجَرت فِي بَغْدَاد حوادث عَظِيمَة آلت إِلَى مسير معز الدولة أبي الْحُسَيْن أَحْمد بن بويه إِلَى بَغْدَاد فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة، فحاربه أَمِير الْأُمَرَاء توزون فِي ذِي الْقعدَة، وهزمه عَن بَغْدَاد فَلَمَّا مَاتَ توزون قدم معز الدول بَغْدَاد، وَاسْتولى عَلَيْهَا فِي يَوْم السبت حادي عشر جمادي الأول سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة. قَالَ الْوَزير أَبُو عَليّ مُحَمَّد بن عَليّ بن مقلة: ((إِنَّنِي أزلت دولة بني الْعَبَّاس وأسلمتها إِلَى الديلم، لِأَنِّي كاتبت الديلم وَقت إنفاذي إِلَى أَصْبَهَان، وأطمعتهم فِي سَرِير الْملك بِبَغْدَاد، فَإِن اجتنيت ثَمَرَة ذَلِك فِي حَياتِي، وَإِلَّا فَهِيَ تجتنبي بعد موتِي)) ، فَكَانَ كَمَا قَالَ. وَلما ملك معز الدولة بَغْدَاد خلع الْخَلِيفَة المستكفي بِاللَّه عبد الله، وَنهب الديلم دَار الْخلَافَة حَتَّى لم يبْق فِيهَا شَيْء، وَأقَام الْمُطِيع لله الْفضل بن المقتدر، وَلم يَجْعَل لَهُ أمرا وَلَا نهيا وَلَا رَأيا، وَلَا مكنه من إقامه وَزِير، بل صَارَت الوزارة إِلَيْهِ يستوزر لنَفسِهِ من يُرِيد، وشنغ هُوَ والديلم على بني الْعَبَّاس، بِأَنَّهُم غصبوا الْخلَافَة وأخذوها من مستحقيها، وَأَرَادَ معز الدولة إبِْطَال دَعْوَة بني الْعَبَّاس، وَإِقَامَة دَعْوَة الْمعز لدين الله أبي تَمِيم معز الفاطمي، حَتَّى رجعه أَصْحَابه عَن ذَلِك. وَبعث نوابه فتسلموا الْعرَاق، وَلم يبْق بيد الْخَلِيفَة مِنْهُ شَيْء أَلْبَتَّة، إِلَّا مَا أقطعه مِمَّا لَا يقوم بِبَعْض حَاجته، وَملك الْبَصْرَة فناخسرو بن ركن الدولة أبي على الْحسن بن بويه، فَكَانَت مُدَّة إمارته سِتّ عشرَة سنة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 وَلم يتْرك غير بنت وَاحِدَة. وَكَانَ عماد الدولة فِي حَيَاته هُوَ أَمِير الْأُمَرَاء فَلَمَّا مَاتَ صَار أَخُوهُ ركن الدولة أَبُو عَليّ الْحسن بن بويه أَمِير الْأُمَرَاء. وَكَانَ معز الدولة أَبُو الْحسن أَحْمد هُوَ المستولي على الْعرَاق والخلافة، وَهُوَ كالنائب عَنْهُمَا إِلَى ان مَاتَ بِبَغْدَاد، لثلاث عشرَة بقيت من ربيع الآخر سنة سِتّ وَخمسين وثلاثمائة، فَكَانَت مُدَّة ملكه لبغداد إِحْدَى وَعشْرين سنة وَأحد عشر شهرا ويومين. وَقَامَ من بعده ابْنه عز الدول أَبُو مَنْصُور يختيار فَسَار إِلَيْهِ ابْن عَمه عضد الدولة أَبُو شُجَاع فناخسرو بن ركن الدولة فِي سنة أَربع وَسِتِّينَ، وَقبض عَلَيْهِ ثن أطلقهُ، وَضرب عَلَيْهِ الْجند، وَعَاد من بَغْدَاد، فَمَاتَ ركن الدولة لخمس بَقينَ من الْمحرم سنة ستو وَسِتِّينَ وثلاثمائة، واستخلف على ممالكه ابْنه عضد الدولة فَسَار إِلَى الْعرَاق ثَانِيًا وَأخذ بغداغد من بختيار، وخطب لَهُ بهَا، وَلم يكن قبل ذَلِك يخْطب لأحد سوى الْخَلِيفَة وَضرب عضد الدولة أَيْضا على بَابه الطبول ثَلَاث نوبات، وَلم تجر بذلك عَادَة من تقدمه، ونعت الْملك السَّيِّد شاهنشاه الْأَجَل الْمَنْصُور ولي النعم تَاج الْملَّة عضد الدولة أَبَا شُجَاع فناخسرو بن ركن الدولة أبي عَليّ الْحسن بن أبي شُجَاع سبويه بن فناخسروا بن ثَمَان بن كوهي، وَقتل بختيار فِي الْحَرْب لِاثْنَتَيْ عشرَة بقيت من شَوَّال سنة سبع وَسِتِّينَ وثلاثمائة، فَكَانَت مدَّته إِحْدَى عشرَة سنة وَسِتَّة أشهر، وَعظم أَمر عضد الدولة إِلَى أَن مَاتَ لثمان خلون من شَوَّال سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وثلاثمائة، ومدته مُنْذُ مَاتَ عَمه عماد الدولة بِفَارِس أَربع وَثَلَاثُونَ سنة، ملك مِنْهَا بَغْدَاد خمس سِنِين وَسِتَّة أشهر وَأَرْبَعَة أَيَّام. فَقَامَ من بعده ابْنه صمعام الدولة أَبُو كاليجار الْمَرْزُبَان بِبَغْدَاد، أَربع سِنِين وَخَمْسَة أشهر واثنين وَعشْرين يَوْمًا، وَغَلَبَة أَخُوهُ شرف الدول أَبُو الفوارس شيرزيل فِي رَمَضَان سنة سِتّ وَسبعين وثلاثمائة، ثمَّ سمله وَقَامَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 بِالْأَمر، فلقبه الْخَلِيفَة الطائع بشرف الدولة وزين الْملَّة. وَمَات شرف الدولة بعد سنتَيْن وَثَمَانِية أشهر وَأَيَّام بِبَغْدَاد، فِي ثَانِي جمادي الْآخِرَة سنة تسع وَسبعين وثلاثمائة فَملك بعده أَخُوهُ بهاء الدولة أَبُو نصر خره فَيْرُوز بن عضد الدولة، ولقبه الطائع بهاء الدولة وضياء الْملَّة، ثمَّ زَاد الْقَادِر فِي ألقابه غياث الْأمة شاهنشاه، ثمَّ زَاده قوام الدّين وَنَقله عَن مولى أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى صفى أَمِير الْمُؤمنِينَ، وَمَات بأرجان فِي خَامِس جمادي الْآخِرَه سنة ثَلَاث وأربعمائه، فَكَانَت مدَّته اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين سنة وَتِسْعَة أشهر وَثَمَانِية عشر يَوْمًا وَقَامَ من بعده ابْنه سُلْطَان الدولة أَبُو شُجَاع فناخسرو، فَكَانَت أَيَّامه بِبَغْدَاد - سنة وَاحِد وَسِتَّة أشهر تنقص ثَلَاثَة أَيَّام - على انزعاج، لِكَثْرَة مطَالب الأتراك، فَخرج مِنْهَا وَقد رتب اخاه مشرف الدولة أَبَا عَليّ الْحسن، وَسَار إِلَى الأهواز، وَاسْتقر مشرف الدولة فِي ملك الْعرَاق خمس سِنِين وشهرين وأياما. وَمَات سُلْطَان الدولة بِفَارِس، لأَرْبَع بَقينَ من شَوَّال سنة خمس عشرَة وَأَرْبَعمِائَة، فَكَانَت إمارته اثنتى عشرَة سنة وَأَرْبَعَة أشهر وأياما وَمَات بعده أَخُوهُ مشرف الدولة بِبَغْدَاد، لثمان يَقِين من رببع الأول سنة سِتّ عشرَة وَأَرْبَعمِائَة، فَسَار أخوهما جلال الدولة أَبُو طَاهِر فَيْرُوز خره بن بهاء الدولة من الْبَصْرَة إِلَى بَغْدَاد، باستدعاء الْخَلِيفَة الْقَادِر، لما حصل فِي بَغْدَاد من مصادرات الأتراك للنَّاس، فَلَمَّا قدمهَا تَلقاهُ الْقَادِر ولقبه ركن الدّين جلال الدولة وَفِي أَيَّامه انحل أَمر الْخلَافَة والسلطنة بِبَغْدَاد، وَانْطَلَقت الْأَيْدِي، وَعجز جلال الدولة عَن إِقَامَة الْأَمر إِلَى أَن مَاتَ، والسلطنة بِبَغْدَاد، وَانْطَلَقت الْأَيْدِي، وَعجز جلال الدولة عَن إِقَامَة الْأَمر إِلَى أَن مَاتَ، فِي سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة، فَكَانَت مدَّته سِتّ عشرَة سنة وَأحد عشر شهرا فاستدعى الْجند ابْنه الْملك الْعَزِيز أَبَا مَنْصُور خره فَيْرُوز، فَلم يَنْتَظِم لَهُ أَمر، واستنجد الْمُلُوك فَلم ينجدوه، فكاتب عَسْكَر بَغْدَاد عز الْمُلُوك أَبَا كاليجار الْمَرْزُبَان بن سُلْطَان الدولة أبي شُجَاع فناخسرو بن بهاء الدولة أبي نصر خره فَيْرُوز بن عضد الدولة، ولقبه الْخَلِيفَة الْقَائِم بِأَمْر الله شاهنشاه عز الْمُلُوك، وحملت إِلَيْهِ الْخلْع واللواء وخطب لَهُ، فَسَار وَقدم بَغْدَاد، وَمَات سنة أَرْبَعِينَ وَأَرْبَعمِائَة. وَملك بعده ابْنه الْملك الرَّحِيم أَبُو نصر خره فَيْرُوز بن عز الْمُلُوك، وَكَانَ عز الْمُلُوك قد سَار إِلَى كرمان، فَهَلَك فِي طَريقَة لأَرْبَع سِنِين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 من ولَايَته. فَقَامَ من بعده بِبَغْدَاد الْملك الرَّحِيم بمبايعة الْجند لَهُ، وثار فِي أَيَّامه الْأَمِير أرسلان البساسيري وَملك بَغْدَاد، ثمَّ قدم طغرلبك والسلجوقية، وَقبض على الْملك الرَّحِيم وسجنه حَتَّى مَاتَ. فَكَانَت عدَّة من ملك بَغْدَاد من بني بويه أحد عشر، ومدتهم بِبَغْدَاد إِلَى ان انقرضوا على يَد السلجوقية مائَة وَثَلَاث سِنِين وَثَلَاثَة أشهر وَأَرْبَعَة عشر يَوْمًا، أَولهَا يَوْم وصل معز الدولة إِلَى بَغْدَاد وَآخِرهَا يَوْم وُصُول طغرلبك إِلَى بَغْدَاد، ومدتهم مُنْذُ ملك عماد الدولة بِلَاد فَارس مائَة وَخمْس عشرَة سنة وَثَلَاث أشهر وَسِتَّة أَيَّام. ذكر دولة السلجوقية وَكَانَ ابْتِدَاء أَمر السلجوقية أَنهم أخلاط من التّرْك، كانو يصيفون فِي بِلَاد البلغار ويشتون فِي تركستان وينهبون مَا طرقوه. وَكَانَ من مقدميهم رجل يُقَال لَهُ دقاق، فولد لَهُ سلجوق بجموعة مهادر من دَار الْحَرْب إِلَى ديار إلإسلام وَأسلم وَأقَام بنواحي بخاري وَصَارَ يَغْزُو التّرْك، وَكَانَ لَهُ من الْوَلَد أرسلان وميخائيل ومُوسَى. وَمَات سلجوق بجند وَرَاء بخاري، عَن مائَة وَسَبْعَة أَعْوَام، وَبَقِي وَلَده على مَا كَانَ عَلَيْهِ من غَزْو التّرْك، فَقتل ميخائيل شَهِيدا. وَخلف ميخائيل بيغو وطغرلبك وينال وجغري بك دَاوُد. ثمَّ إِنَّهُم قربوا من بخاري فأساء أميرها جوارهم، فَرَجَعُوا إِلَى بغراخاني ملك تركستان وجاوروه، وتعاهد طغرلبك وَأَخُوهُ دَاوُد أَلا يجتمعا عِنْد بغراخان. وحاول على مجتمعها فَلم يطق، فَقبض على طغرلبك وَأرْسل عسكره إِلَى أَخِيه، دَاوُد، فَانْهَزَمَ الْعَسْكَر وأتبعوه وخلصوا طغرلبك من أسريه، وعادوا إِلَى جند، وَأَقَامُوا بهَا إِلَى انْقِرَاض الدولة السامانية وَملك أيلك خَان بخاري، فَعظم عِنْده مَحل أرسلان بن سلجوق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 وَلما رَجَعَ أيلك خَان عَن بخاري ولي عَلَيْهَا على تكين فَبَقيَ مَعَه أرسلان إِلَى أَن عبر مَحْمُود بن سبكيكين النَّهر إِلَى بخاري، وهرب على تكين فَدخل أرسلان وَقَومه الْمَفَازَة، وكاتبه مَحْمُود ولاطفه حَتَّى قدم عَلَيْهِ، فَقَبضهُ وَنهب أحياءه، وَأَجَازَهُمْ النَّهر وفرقهم فِي نواحي خُرَاسَان، وَوضع عَلَيْهِم الْخراج، فلحقهم جور الْعمَّال، فَسَار مِنْهُم جمَاعَة أرسلان إِلَى أَصْبَهَان، وحاربهم عَلَاء الدّين بن كاكوية حروبا كَثِيرَة، إِلَى أنم سَارُوا إِلَى أذربيجان وَكَانُوا يعْرفُونَ بَين التّرْك بالغز. وَسَار طغرلبك وَأَخُوهُ دَاوُد وبيغو من خُرَاسَان إِلَى بخاري، وَجمع على تكين عسكره وأوقع بهم، فعادوا إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 خُرَاسَان وخيموا بِظَاهِر خوارزم فِي سنة خمس وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة، وَاتَّفَقُوا مَعَ خوارزم شاه هَارُون بن التونتاش، ثمَّ عذر بهم وكبسهم، فَسَارُوا إِلَى جِهَة مرو، فَأرْسل إِلَيْهِم مَسْعُود بن مَحْمُود بن سبكتكين جَيْشًا فَهَزَمَهُمْ، واستغل أَصْحَابه بالغنائم فَرجع الغز وهزموهم ونهبوهم، فاستمالهم مَسْعُود بعْدهَا وَكَانَ ببلخ، فطلبوا مِنْهُ إِطْلَاق عمهم أرسلان الَّذِي قَبضه مَحْمُود بن سبكتكين، فَشرط حضورهم فَأَبَوا. وعادت الْحَرْب وهزموا عساكره، وقوى أَمرهم واستولوا على غَالب خُرَاسَان، وَفرقُوا الْعمَّال وخطب لطغرلبك فِي نيسابور. وَسَار دَاوُد إِلَى هرأة، ففرت عَسَاكِر مَسْعُود، وَتركُوا خُرَاسَان حَتَّى أَتَوا غزنة وَسَار مَسْعُود من غزنة إِلَى خُرَاسَان فِي جيوشه، فَفرُّوا أَمَامه وَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 يتبعهُم، حَتَّى قلت الأزواد وَطَالَ الأمد، ودخلوا الْبَريَّة ومسعود فِي إتباعهم مُدَّة ثَلَاث سِنِين، فَانْتقضَ عَلَيْهِ عسكره، وَرجع السلجوقية وهزموهم أقبح هزيمَة، وَولى مَسْعُود وغنموا مِنْهُ مَا لَا يُحْصى، وعادوا إِلَى خُرَاسَان فملكوها، وَثبتت أَقْدَامهم بهَا، وخطب لَهُم على منابرها، وَوصل مَسْعُود إِلَى غزنة، وَاخْتلف عَلَيْهِ أمراؤه حَتَّى قتل وَملك طغرليك جرجان وطبرستان وَملك بعد ذَلِك خوارزم، ثمَّ سَار إِلَى بلد الْجَبَل وَاسْتولى عَلَيْهَا، فَأسلم من التّرْك خَمْسَة آلَاف خركاه وَتَفَرَّقُوا فِي بِلَاد الْإِسْلَام، وَلم يتَأَخَّر عَن الْإِسْلَام سوى الْخَطَأ والتتار بنواحي الصين. وَبعث طغرلبك أَخَاهُ إِبْرَاهِيم ينَال بن ميخائيل فَملك همذان والدينور، ثمَّ استوحش مِنْهُ وقاتله وَأَخذه، فَبعث ملك الرّوم يطْلب الْهُدْنَة من طغرلبك وهاداه، وَعمر مَسْجِد الْقُسْطَنْطِينِيَّة وَأقَام فِيهِ الصَّلَاة وَالْخطْبَة لطغرلبك. ثمَّ سَار طغرلبك وحاصر أَصْبَهَان حَتَّى أَخذهَا صلحا، ونزلها وَنقل إِلَيْهَا ذخائره، وَأَتَاهُ ملك الأكراد فأقره على بِلَاده شهرزور وَغَيرهَا، ثمَّ أنفذ رَسُوله إِلَى الْخَلِيفَة الْقَائِم بِأَمْر الله بالهدايا، وَسَار يُرِيد بَغْدَاد، فَدَخلَهَا لخمس بَقينَ من رَمَضَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 سنة سبع وَأَرْبَعين وأربعمائه. ونعت بالسلطان ركن الدّين أبي طَالب مُحَمَّد طغرليك بن مِيكَائِيل بن سلجوق بن قنق بن جِبْرِيل بن دَاوُد بن أَيُّوب بن دقاق بن إلْيَاس بن بهْرَام ابْن يُوسُف بن عَزِيز بن أَحْمد بن دهقان، وَقبض على الْملك الرَّحِيم أبي نصر وعَلى قواده، وأزال دولة بني بويه. ثمَّ توجه إِلَى نَصِيبين وديار بكر وَاسْتولى على الموسل، وَترك عَلَيْهَا أَخَاهُ ينَال إِبْرَاهِيم، فَخَالف على طغرليك، وَتوجه إِلَى همذان، فَسَار إِلَيْهِ طغرلبك وَقَتله، ثمَّ عَاد إِلَى بَغْدَاد وَقد ملكهَا أَبُو الْحَارِث أرسلان البساسيري، فَأَعَادَ الْقَائِم إِلَى الْخلَافَة وَقتل البساسيري، ثمَّ سَار إِلَى بِلَاد الْجَبَل فَمَاتَ بِالريِّ فِي ثامن شهر رَمَضَان سنة خمس وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة، فَكَانَت مُدَّة ملكة ثَمَانِيَة وَثَلَاثِينَ سنة تنقص عشْرين يَوْمًا، وَلم يخلف ولدا، فَملك بعده ابْن أَخِيه عضد الدولة أَبُو شُجَاع مُحَمَّد ألب أرسلان بن جغري بك بن دَاوُد ميخائيل بن سلجوق، وَسَار إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 حلب وَأقر صَاحبهَا مَحْمُود بن نصر بن صَالح بن مرداس عَلَيْهَا، وَلَقي ملك الرّوم وهزمه، وَبعث جيوشة فَأخذت الْقُدس والرملة من خلفاء مصر الفاطمين وحصرت دمشق. وَمَات ألب أرسلان بَعْدَمَا رَجَعَ من حلب إِلَى مَا وَرَاء النَّهر، فِي ربيع الأول سنة خمس وَسِتِّينَ. وَملك بعده ابْنه السُّلْطَان جلال الدولة أَبُو الْفَتْح مُحَمَّد ملك شاه بن عضد الدولة أبي شُجَاع ألب أرسلان بن دَاوُد بن ميخائيل بن سلجوق تسع عشرَة سنة وشهرا، وَمَات فِي نصف شَوَّال سنة خمس وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة، وَعمرَة سبع ثَلَاثُونَ سنة وَخَمْسَة أشهر، وَكَانَ يخْطب لَهُ من أقْصَى بِلَاد التّرْك إِلَى بِلَاد الْيمن، وَفِي أَيَّامه ملك دمشق أتسز، ثمَّ أَخذهَا مِنْهُ تتش بن ألب أرسلان، فاستمرت بأيدي التّرْك، وَبعث ملك شاه أَيْضا آقسنقر قسيم الدولة فَملك الْموصل، وآقسنقر هَذَا هُوَ وَالِد عماد الدّين زنكي. ثمَّ قدم ملك شاه إِلَى حلب وَسلمهَا إِلَى آقسنقر، وَعَاد إِلَى بَغْدَاد. وَملك بعد ملك شاه ابْنه مَحْمُود وعمره أَربع سِنِين، فَقَامَتْ أمه ترْكَان خاتون بتدبيره، فثار عَلَيْهِ أَخُوهُ بركياروق بن ملكشاه واستبد بِالْأَمر، وَكَانَت لَهُ أَيْضا حروب مَعَ أَخَوَيْهِ مُحَمَّد وسنجر إِلَى أَن مَاتَ ثَانِي شهر ربيع الآخر سنة ثَمَان وَتِسْعين، عَن خمس وَعشْرين سنة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 مِنْهَا مُدَّة وُقُوع اسْم السلطنة عَلَيْهِ اثْنَتَا عشرَة سنة وَأَرْبَعَة أشهر، قاسي فِيهَا من الحروب وَاخْتِلَاف الْأُمُور مَا لم يقاسه غَيره. وأقيم بعده ابْنه ملكشاه بن بركياروق، وعمره أَربع سِنِين وَثَمَانِية أشهر، ولقبه جلال الدولة، وَقَامَ بأَمْره الْأَمِير أياز الأتابك إِلَى أَن قتل فِي ثَالِث عشر جمادي الْآخِرَة، بَعْدَمَا سلم أَمر الدولة إِلَى السُّلْطَان مُحَمَّد بن ملكشاه بن ألب أرسلان. فَقَامَ مُحَمَّد بِأَمْر المملكة إِلَى أَن مَاتَ، فِي رَابِع عشري ذِي الْحجَّة سنة إِحْدَى عشرَة وَخَمْسمِائة، عَن سِتّ وَثَلَاثِينَ سنة وَأَرْبَعَة أشهر، مِنْهَا مُدَّة اجْتِمَاع النَّاس عَلَيْهِ اثْنَتَا عشرَة سنة وشتة أشهر، وَلَقي مشاق وأخطار كَثِيرَة فأقيم بعده ابْنه مَحْمُود بن الْحَارِث سنجر بن ملكشاه بن ألب أرسلان وقاتله، فَانْهَزَمَ مِنْهُ مَحْمُود، خطب لنسجر بِبَغْدَاد فِي سادس عشرى جمادي الأول سنة ثَلَاث عشرَة وَخَمْسمِائة، وَقطعت خطْبَة مَحْمُود، ثمَّ اصطلحا وَجعل سنجر ابْن أَخِيه مَحْمُودًا ولي الْعَهْد بعده، وَكتب إِلَى جَمِيع الْأَعْمَال الَّتِي بيدهك بِأَن يخْطب للسُّلْطَان مَحْمُود بعده، وَأعَاد جَمِيع مَا أَخذ من الْبِلَاد، فَخَطب لَهما بِبَغْدَاد وَغَيرهَا. وَعَاد سنجر إِلَى ولاتيه، وَاسْتمرّ مَحْمُود فِي السلطنة، فتنكر الْحَال بَينه وَبَين الْخَلِيفَة المسترشد بِاللَّه واقتتلا، ثمَّ اصطلحا فِي عَاشر شهر ربيع الآخر سنة إِحْدَى وَعشْرين وَسَار مَحْمُود عَن بَغْدَاد، وَولى عماد الدّين زنكي بن آقسنقر شحنكيتها، ثمَّ نَقله إِلَى الْموصل، وأضاف إِلَيْهِ الجزيرة، فاشتدت وطأته بهَا حَتَّى ملك حلب أول الْمحرم سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين، ثمَّ ملك حماة وعدة حصون بِالشَّام. وَمَات السُّلْطَان مَحْمُود فِي شَوَّال سنة خمس وَعشْرين وَخَمْسمِائة بهمذان عَن سبع وَعشْرين سنة، مِنْهَا ولَايَته السلطنة اثْنَتَيْ عشرَة سنة وَتِسْعَة أشهر وَعشْرين يَوْمًا، فَأقْعدَ بعده فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 السلطنة ابْنه دَاوُد بن مَحْمُود بن مُحَمَّد بن ملكشاه، فنازعه عَمه السُّلْطَان مَسْعُود، وقاتله ثمَّ اصطلحا، وَطلب مَسْعُود من الْخَلِيفَة المسترشد أَن يخْطب لَهُ بِبَغْدَاد، فَأجَاب بِأَن الحكم فِي الْخطْبَة يَنْبَغِي أَن تكون لَهُ وَحده، فَوَافَقَ ذَلِك غَرَض سنجر، فَاشْتَدَّ ذَلِك على مَسْعُود، وعزم على أَخذ السلطنة، فسبقه أَخُوهُ السُّلْطَان سلجوق شاه بن السُّلْطَان مُحَمَّد إِلَى بَغْدَاد، وَكَانَت أُمُور آلت إِلَى ان يكون مَسْعُود بن مُحَمَّد بن السُّلْطَان ملكشاه سُلْطَانا، وسلجوق شاه ولي عَهده، وَقطعت خطْبَة سنجر من الْعرَاق جميعة. وَكَانَ عماد الدّين زنكي قد قدم نصْرَة لمسعود، فَهَزَمَهُ أَصْحَاب سلجوق شاه هزيمَة قبيحة، فَلَمَّا وصل تكريت أَقَامَ لَهُ نجم الدّين أَيُّوب بن شادي الدزدار بهَا المعابر حَتَّى خلص إِلَى بِلَاده، فَشكر ذَلِك لنجم الدّين وقربه، فَكَانَ ذَلِك سَببا لاتصال نجم الدّين بِهِ والمصير فِي جملَته، حَتَّى آل بهم الْأَمر إِلَى ملك مصر وَالشَّام وَغَيرهمَا. واقتتل مَسْعُود وسنجر، فَانْهَزَمَ مَسْعُود وَقتل أَصْحَابه، ثمَّ أحضر إِلَى سنجر فَعَاتَبَهُ، وَأَعَادَهُ إِلَى كنجة وأجلس ابْن أَخِيه الْملك طغرل بن السُّلْطَان مُحَمَّد فِي السلطنة، وخطب لَهُ فِي جَمِيع الْبِلَاد، وَذَلِكَ فِي ثامن رَجَب وَعشْرين فَلَمَّا كَانَ فِي رَمَضَان اقتتل الْملك طغرك بن مُحَمَّد هُوَ وَابْن أَخِيه الْملك دَاوُد بن مَحْمُود، فَانْهَزَمَ دَاوُد، فَلَمَّا سمع ذَلِك السُّلْطَان مَسْعُود بن مُحَمَّد سَار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 إِلَى بَغْدَاد، فَلَقِيَهُ دَاوُد وَدخل مَعَه إِلَيْهَا، فِي صفر سنة سبع وَعشْرين، وأعيدت لَهُ الْخطْبَة بهَا ولداود مَعَه، وخلع عَلَيْهِمَا الْخَلِيفَة. ثمَّ سَار لمحاربة طغرل، فحارباه وهزماه فِي شعْبَان، فامتدت الْحَرْب بَينهم إِلَى شَوَّال. ثمَّ عَاد طغرل بن مُحَمَّد، وَأجلى أَخَاهُ مسعودا عَن بِلَاده فِي رَمَضَان سنة ثَمَان وَعشْرين، فَقدم بمسعود بَغْدَاد فِي نصف شَوَّال، فَأكْرمه الْخَلِيفَة المسترشد وأنزله وأنعم عَلَيْهِ. ثمَّ قدم الْخَبَر بوفاة طغرل بن مُحَمَّد، فِي الْمحرم سنة تسع وَعشْرين، فَسَار مَسْعُود إِلَى همذان وَاسْتولى عَلَيْهَا، وَكَانَ قبل ذَلِك قد نافر الْخَلِيفَة، فَقطع المسترشد خطبَته من بَغْدَاد وَسَار لقتاله، فبرز إِلَيْهِ مَسْعُود وقاتله فِي عَاشر رَمَضَان وَأَخذه أَسِيرًا، وَبعث إِلَى بَغْدَاد فَقبض على أَمْلَاك الْخَلِيفَة، وَكسر ميبره وشباكه. ثمَّ قتل الْخَلِيفَة بيد الباطنية، وأقيم بعده الراشد خَليفَة، فَسَار الْملك دَاوُد بن السُّلْطَان مَحْمُود فِي عَسْكَر أذربيجان إِلَى بَغْدَاد، ققدمها رَابِع صفر سنة ثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة، وَأقَام برنقش على شحنكيتها. وَقطعت خطْبَة السُّلْطَان مَسْعُود وخطب لداود، فَسَار مَسْعُود إِلَى بَغْدَاد وحصرها نيفا وَخمسين يَوْمًا، فَكَانَت أُمُور آلت إِلَى عود الْملك دَاوُد إِلَى بِلَاده فِي ذِي الْقعدَة، وَإِلَى تفرق الْأُمَرَاء الَّذين كَانُوا مَعَه، وَسَار الْخَلِيفَة الراشد من بَغْدَاد إِلَى الْموصل فِي نفر يسير مَعَ عماد الدّين زنكي فَلَمَّا سمع السُّلْطَان مَسْعُود بمفارقة الْخَلِيفَة وزنكي بَغْدَاد سَار إِلَيْهَا ودخلها فِي نصف ذِي الْقعدَة، وخلع الراشد وَأقَام المقتفي لأمر الله أباع عبد الله مُحَمَّد بن المستظهر فِي الْخلَافَة، وزوجه أُخْته فَاطِمَة على مائَة ألف دِينَار صَدَاقا. فَسَار الراشد بِاللَّه من الْموصل إِلَى مراغة فَأَتَاهُ الْملك دَاوُد فِي جمَاعَة ليَرُدهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 إِلَى الْخلَافَة، فَسَار السُّلْطَان مَسْعُود من بَغْدَاد فِي شعْبَان سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ، وحاربهم وَهَزَمَهُمْ، فَحمل عَلَيْهِ بعض من انحاز مِنْهُم إِلَى تل فَلم يثبت لَهُم وَانْهَزَمَ، وَمَا زَالَ حَتَّى صَار إِلَى أذبيجان، وَقصد دَاوُد همذان زمعه الراشد، وَسَار سلجوق شاه بن مُحَمَّد إِلَى بَغْدَاد ليملكها فَمنع مِنْهَا، وَسَار مَسْعُود ليمنع دَاوُد من أَخذ الراشد ومسيره بِهِ إِلَى الْعرَاق، فَترك دَاوُد الراشد، وَعَاد إِلَى فَارس، فَقتل الراشد بيد الباطنية أَيْضا. وَضَاقَتْ الْأُمُور على السُّلْطَان مَسْعُود، وَكَثُرت الْخَوَارِج عَلَيْهِ وَسَار عماد الدّين زنكي إِلَى دمشق، وحصرها مرَّتَيْنِ وَملك بعلبك، وَحَارب السُّلْطَان سنجر بن ملكشاه خوارزم شاه أتسز بن قطب الدّين مُحَمَّد أنوشتكين، فَقتل ابْن خوارزم شاه، فَبعث خوارزم شاه إِلَى الْخَطَأ وهم بِمَا وَرَاء النَّهر فأطعمهم فِي الْبِلَاد وتزود مِنْهُم، فَسَارُوا فِي ثَلَاثمِائَة ألف فَارس، فحاربهم سنجر، فَقتلُوا مِنْهُ نَحْو مائَة ألف، وهزموه فِي صفر سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ، فَأخذ خوارزم شاه مَدِينَة مرو. فَسَار السُّلْطَان مَسْعُود إِلَى الرّيّ، وَقد اسْتَقَرَّتْ دولة الْخَطَأ وَالتّرْك الْكفَّار بِمَا وَرَاء النَّهر، وَأخذ خوارزم شاه نيسابور أَيْضا. وَقطع خطْبَة السُّلْطَان سنجر أول ذِي الْقعدَة، وخطب باسمه، وعاث أَصْحَابه فِي خُرَاسَان وَعَلمُوا أعمالاً قبيحة. ثمَّ آل أَمر أتسز خوارزم شاه إِلَى مصالحة السُّلْطَان سنجر، فِي سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ. وَأقَام بخزارزم على مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَأقَام سنجدر بمرو. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 وَمَات أتابك عماد الدّين زنكي آقسنقر صَاحب الْموصل وَالشَّام، قَتله بعض مماليكه فِي خَامِس ربيع الآخر سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة، فَسَار ابْنه نور الدّين مَحْمُود بن زنكي إِلَى حلب فملكها، وَملك سيف الدّين غَازِي بن زنكي الْموصل. وَمَات السُّلْطَان مَسْعُود بن مُحَمَّد بن ملكشاه بهمذان، أول رَجَب سنة سبع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة، وَمَاتَتْ مَعَه سَعَادَة بني سلجوق، فَلم يقم بعده لَهُم راية يعْتد بهَا. فَقَامَ بعده ملكشاه بن السُّلْطَان مَحْمُود، وخطب لَهُ، فَلَمَّا بلغ الْخَلِيفَة المقتفي لأمر الله موت السُّلْطَان مَسْعُود أحَاط بداره ودور أَصْحَابه، وَأخذ كل مَا لَهُم، وَجمع الرِّجَال والعساكر وَأكْثر من الأجناد، وجهز إِلَى الْحلَّة والكوفة وواسط العساكر فَأَخَذُوهَا. ثمَّ إِن الْأَمِير خَاص بك قبض على ملكشاه وَبَعثه إِلَى خوزستان واستدعي أَخَاهُ مُحَمَّد بن مَحْمُود بن خوزستان، وَأَجْلسهُ على تخت السلطنة، فِي أَوَائِل صفر سنة ثَمَان وَأَرْبَعين، فَقتل مُحَمَّد خَاص بك ثَانِي يَوْم قدومه، وَملك نور الدّين مَحْمُود بن زنكي دمشق فِي صفر سنة تسع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة، واستولي شملة التركماني على خوزستان فِي سنة خمسين وَخَمْسمِائة، وأزاح عَنْهَا ملكشاه بن السُّلْطَان مَحْمُود بن مُحَمَّد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 وضعفت يَد السُّلْطَان سنجر بن ملكشاه بن ألب أرسلان، حَتَّى لم يبْق لَهُ إِلَّا اسْم السلطنة، وَأخذ الغز نيسابور بِالسَّيْفِ، ففر مِنْهُم سنجر فِي رَمَضَان سنة إِحْدَى وَخمسين إِلَى ترم ثمَّ إِلَى جيحون يُرِيد خُرَاسَان، ثمَّ عَاد إِلَى دَار ملكه بمرو. وَسَار السُّلْطَان مُحَمَّد شاه بن مَحْمُود بن همذان، وَحصر بَغْدَاد فِي ذِي الْحجَّة مِنْهَا، لِامْتِنَاع الْخَلِيفَة من الْخطْبَة لَهُ، إِلَى أَن عَاد إِلَى همذان فِي أخريان ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين، وَلم ينل طائلا من بَغْدَاد. وَمَات السُّلْطَان سنجر بن ملكشاه بن ألب أرسلان فِي ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين، وَقد خطب لَهُ على أَكثر مَنَابِر الْإِسْلَام أرسلان نَحْو أَرْبَعِينَ سنة، وَكَانَ قبلهَا يُخَاطب بِالْملكِ عشْرين سنة. واستخلف بعده على خُرَاسَان الْملك مَحْمُود بن مُحَمَّد بن بغراخان وَهُوَ ابْن أُخْته. وَمَات السُّلْطَان مُحَمَّد شاه ابْن مَحْمُود بن مُحَمَّد فِي ذِي الْحجَّة سنة أَربع وَخمسين بهمذان، عَن اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ سنة، وَترك ولدا صَغِيرا، فَاخْتلف الْأُمَرَاء بعده، فَمنهمْ من أَرَادَ أَن يملك ملكشاه بن مَحْمُود، وَمِنْهُم من طلب سُلَيْمَان شاه بن مُحَمَّد وَطلب قوم أرسلان شاه بن طغرل. فَسَار ملكشاه من خوزستان إِلَى أصفهان وملكها، فَخَالف عَلَيْهِ أهل همذان وطلبوا سُلَيْمَان شاه، فَسَار من الْموصل أول سنة خمس وَخمسين يُرِيد همذان، فَقبض عَلَيْهِ بهَا فِي شَوَّال سنة سِتّ وَخمسين، وخطب لأرسلان شاه بن الْملك طغرل بن مُحَمَّد. وَمَات ملشكاه بن مَحْمُود بن مُحَمَّد بن ملكشاه بن ألب أرسلان بأصبهان فِي أثْنَاء السّنة، وخطب بعد لأرسلان شاه بن طغرل بن مُحَمَّد بن ملكشاه بن ألب أرسلان شاه بن جغري بك دَاوُد بن ميخائيل بن سلجوق بهمذان وأعمالها. وَطلب أرسلان شاه من الْخَلِيفَة المستنجد بِاللَّه أَن يخط لَهُ بِبَغْدَاد، كَمَا كَانَت الْعَادة فِي أَيَّام السُّلْطَان مَسْعُود، فأهين رَسُوله وأعيد إِلَيْهِ على أقبح حَالَة، فكير الْخلاف والقتال بَين عَسَاكِر السلجوقية، فَمَاتَ أرسلان فِي سنة ثلا ث وسيعين وخسمائة. وأقيم من بعده ابْنه طغرل بن أرسلان آخر السلاطين السلجوقية، وَكَانَ تَحت أَمر قزل أرسلان إيلدكز، ثمَّ استبد بسلطنته، وَفَارق قزل أرسلان، فَأَقَامَ عوضه معز الدّين سنجر بن سُلَيْمَان بن مُحَمَّد بن ملكشاه، وطرده ثمَّ ظفر بِهِ وسجنه، ثمَّ خلص وَقتل فِي محاربه خوارزم شاه قَرِيبا من الرّيّ، فِي رَابِع عشري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 ربيع الأول سنة تسعين وَخَمْسمِائة، وَحمل رَأسه إِلَى بَغْدَاد فَكَانَ آخر السلجوقية، وَملك بعده خوارزم شاه. فَكَانَت مدتهم، من سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة إِلَى سنة تسعين وَخَمْسمِائة، مائَة وَثَمَانِية وَخمسين سنة. وَكَانَ أَسد الدّين شيركوه بن شادي قد تقدم عِنْد نور الدّين مَحْمُود بن زنكي، وَبَعثه أَمِير الْحَاج من دمشق، ثمَّ سيره مَعَ شاور بن مجير السَّعْدِيّ وَزِير الْخَلِيفَة العاضد الفاطمي على عَسْكَر من الغز إِلَى مصر. وَكَانَ شيركوه هَذَا وَأَخُوهُ نجم الدّين من بلد دوين أحد بِلَاد آذربيجان، وأصلهما من الأكراد، فخدما مُجَاهِد الدّين بهروز شحنة بَغْدَاد، فَجعل أَيُّوب مستحفظا لقلعة تكريت، فَسَار إِلَيْهَا وَمَعَهُ أَخُوهُ شيركوه، وَهُوَ أَصْغَر مِنْهُ سنا، فخدم الشَّهِيد زنكي لما انهزم، فَشكر لَهُ ذَلِك. ثمَّ إِن شيركوه قتل رجلا بتكريت، فطرد وَهُوَ وَأَخُوهُ من القلعة، فَسَار إِلَى زنكي فَأحْسن إِلَيْهِمَا، وأقطعهما إقطاعا حسنا، ثمَّ جعل أَيُّوب مستحفظا لقلعة بعلبك، ثمَّ ترقي وَصَارَ من أُمَرَاء دمشق. واتصل شيركوه بِنور الدّين مَحْمُود بن زنكي، وخدمه فِي أَيَّام أَبِيه، فَلَمَّا ملك حلب بعد أَبِيه، كَانَ لنجم الدّين أَيُّوب عمل كَبِير فِي أَخذه دمشق، فزادت مكانتهما عِنْده، وَلم يرد أحد يَلِيق بِهِ أَن يسير مَعَ شاور إِلَى مصر سوى شيركوه، فَبَعثه إِلَيْهَا وَمَعَهُ ابْن أَخِيه صَلَاح الدّين يُوسُف، فَكَانَ من أمره مَا ذكر فِي أَخْبَار العاضد، فَلَمَّا مَاتَ شيركوه قَامَ من بعد صَلَاح الدّين يُوسُف، كَمَا سنقف عَلَيْهِ فِيمَا يَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى. السُّلْطَان الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب بن شادي بن مَرْوَان بن أبي عَليّ بن عنترة الْحسن بن عَليّ بن أَحْمد بن أبي عَليّ بن عبد الْعَزِيز بن هدبة بن الْحصين بن الْحَارِث ين سِنَان بن عَمْرو بن مرّة ابْن عَوْف. وَمن هُنَا اخْتلف النسابون: فَقيل عَوْف بن أُسَامَة بن نبهش بن الحارثة صَاحب الْحمالَة بن عَوْف بن أبي حَارِثَة بن مرّة بن نشبة بن غيظ بن مرّة بن عَوْف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن إلْيَاس بن مُضر بن نزار بن معد بن عدنان. وَيُقَال إِن عَليّ بن أَحْمد يعرف بالخراساني، مدحه المتنبي بقصيد مِنْهَا: (شَرق الجو بالغبار إِذا ... سَار على بن أَحْمد القمقام) وَقيل إِن مَرْوَان من أَوْلَاد بني أُميَّة، زعم ذَلِك إِسْمَاعِيل بن طغتكين بن أَيُّوب، وَأنكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 ذَلِك عَمه الْعَادِل أَبُو بكر. وَذكر أَن القادسي أَن شادي كَانَ مَمْلُوكا لبهروز الْخَادِم، وَالْحق أَنه من الأكراد الروادية أحد بطُون الهذبانية، من بلد دوين فِي آخر أذربيجان من جِهَة أران وبلاد الكرج. وَكَانَ لَهُ ابْنَانِ، أكبرهما أَيُّوب ثمَّ شيركوه، قدم بهما الْعرَاق فخدما عِنْد بهروز، فَجعل أَيُّوب على قلعة تكريت وَكَانَت فِي إقطاعه، وَقيل جعله بعد أَبِيه شادي، فخدم أَيُّوب وشيركوه عماد الدّين زنكي لما انهزم إِلَيْهَا، ثمَّ أَيُّوب تِلْكَ اللَّيْلَة. فلحقا بزنكي، واتصل أَيُّوب بولده غَازِي بن زنكي، وخدم شيركوه مَحْمُود بن زنكي. فَأَقَامَ عماد الدّين غَازِي أَيُّوب بن شادي على قلعة بعلبك، وَمَا زَالَ يترقي حَتَّى صَار من أُمَرَاء دمشق. ولد صَلَاح الدّين يُوسُف بقلعة تكريت فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة، وَكَانَ أَبوهُ نجم الدّين أَيُّوب واليا بهَا، ثمَّ انْتقل بِابْنِهِ يُوسُف إِلَى الْموصل، وَصَارَ مِنْهَا إِلَى الشَّام، فَأعْطِي بعلبك، فَأَقَامَ بهَا مُدَّة. وَنَشَأ يُوسُف وَعَلِيهِ لوائح السَّعَادَة، وجالس مَشَايِخ أهل الْعلم، فَجمع لَهُ الشَّيْخ الإِمَام قطب الدّين أَبُو الْمَعَالِي مَسْعُود بن مُحَمَّد بن مَسْعُود النَّيْسَابُورِي عقيدة تحوي جَمِيع مَا يحْتَاج إِلَيْهِ، فَمن شدَّة حرصه عَلَيْهَا كَانَ يعلمهَا صغَار أَوْلَاده ويأخذها عَلَيْهِم. وَكَانَ يواظب الصَّلَاة مَعَ الْجَمَاعَة، حَتَّى قَالَ يَوْمًا: ((لي سِنِين مَا صليت إِلَّا فِي جمَاعَة)) . وَكَانَ إِذا مرض استدعي الإِمَام وَحده، وَصلى خَلفه، وَصَارَ فِي خدمَة نور الدّين مَحْمُود بن زنكي، فَخرج مَعَ عَمه أَسد الدّين شيركوه إِلَى مصر، فِي سنة ثَمَان وَخمسين وَخَمْسمِائة، وقدمها. ثمَّ عَاد إِلَى الشَّام، وقدمها ثَانِيًا مَعَ عَمه، وَحضر وقْعَة الْبَابَيْنِ، وحصره الفرنجة بالإسكندرية. ثمَّ خرج مَعَ عَمه إِلَى الشَّام، وَسَار مَعَه فِي الكرة الثَّالِثَة على كره مِنْهُ فِي الْمسير إِلَى مصر، فَقَدمهَا فِي سنة أَربع وَسِتِّينَ. وَلما تقاعد شاور عَن إِجَابَة شيركوه، وإعطائه مَا تقدم بِهِ الْوَعْد لنُور الدّين وللعسكر، تشاوروا على الْإِحَاطَة بِهِ وَالْقَبْض عَلَيْهِ، فَلم يَجْسُر عَلَيْهِ أحد مِنْهُم إِلَّا صَلَاح الدّين، فَإِنَّهُ لما قدم عَلَيْهِم شاور على عَادَته فِي كل يَوْم، وَسَارُوا مَعَه لقصد أَسد، الدّين، سَار صَلَاح الدّين إِلَى جانبة وَأخذ بتلابيبه، وَأمر الْعَسْكَر بِأخذ أَصْحَابه، فَفرُّوا عَن شاور، وَنهب الغز مَا كَانَ مَعَهم، وسيق شاور إِلَى المخيم وَقتل. فاستقر أَسد الدّين شيركوه بعده فِي وزارة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 العاضد إِلَى أَن مَاتَ، فِي ثَانِي عشرى جُمَادَى الْآخِرَه من سنة أَربع وَسِتِّينَ. ففوض العاضد وزراته إِلَى صَلَاح الدّين، ونعته بِالْملكِ النَّاصِر، فَمشى الْأَحْوَال، وبذل الْأَمْوَال، واستعبد الرِّجَال، وَتَابَ عَن الْخمر فَترك معاقرته، وَأعْرض عَن اللَّهْو ودبر الْأَمر فِي نوبَة نزُول الفرنج على دمياط أحسن تَدْبِير، حَتَّى رحلوا عَنْهَا خائبين، فنهبت الآتهم، وأحرقت مجانيقهم، وَقتل مِنْهُم خلق كثير، وَتمكن صَلَاح الدّين فِي مصر، فَقدم عَلَيْهِ أَبوهُ نجم الدّين أَيُّوب وأخوته وَأَهله ثمَّ إِنَّه دأب فِي إِزَالَة الدولة الفاطمية وَقطع دابرها ومحو آثارها، فأعانه الله على ذَلِك، وَمَات العاضد وَقد قطع صَلَاح الدّين خطبَته، وَأمر الخطباء بِالدُّعَاءِ لمتستضىء بِنور الله الْعَبَّاس فاستولى على الْقصر وَمَا يحويه من عَاشر الْمحرم سنة سبع وَسِتِّينَ. وَأخذ يتأهب لغزو الفرنجة، وَقد انْفَرد بسلطنة ديار مصر. وَكتب الْعِمَاد الْأَصْفَهَانِي بِشَارَة تقْرَأ فِي سَائِر بِلَاد الْإِسْلَام بِإِقَامَة الْخطْبَة العباسية بِمصْر، وَبشَارَة ثَانِيَة تقْرَأ بِحَضْرَة الْخَلِيفَة المستضىء بِنور الله فِي بَغْدَاد، على يَد القَاضِي شهَاب الدّين المطهر بن شرف الدّين بن عصرون، فَسَار القَاضِي وَلم يتْرك مَدِينَة وَلَا قَرْيَة إِلَّا وَقَرَأَ فِيهَا المنشور، حَتَّى وصل بَغْدَاد، فَخرج النَّاس إِلَى لِقَائِه، وَدخل يَوْم السبت ثَانِي عشريه، فعلقت أسواق بَغْدَاد بالزينة، وخلع عَلَيْهِ. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة رَابِع عشرَة: أخرج الْكَامِل شُجَاع بن شاور، من الْمَكَان الَّذِي قتل فِيهِ بِالْقصرِ وَدفن فِيهِ، فَوجدت الجثة متخلطة بجثني عَمه وأخبه، فَجمعُوا فِي تَابُوت حمل إِلَى قبر شاور، فنبش عه وَأخرج مِنْهُ، وَكَانَ فِي مَكَان غامض، وَحمل فِي تَابُوت وَسَارُوا بالتابوتين إِلَى تربة طي بن شاور فدفنوا بهَا. وَفِي تَاسِع عشرَة: رَحل السُّلْطَان الْملك النَّاصِر من الْقَاهِرَة، وَنزل الْبِئْر الْبَيْضَاء يُرِيد بِلَاد الشَّام، فوصل إِلَى الشوبك فواقع الفرنج، وَعَاد على أَيْلَة وَهلك مِنْهُ نَحْو الْخَمْسَة آلَاف رَأس، مَا بَين جمل وَفرس، فِي هَذِه السفرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 وفيهَا فرقت الزكوات فِي ثَالِث ربيع الأول على الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين، وَأَبْنَاء السَّبِيل والغارمين، وَرفع إِلَى بَيت المَال سهم العاملين والمؤلفة وَفِي سَبِيل الله وَفِي الرّقاب. وَأخذت الزَّكَاة من البضائع، وعَلى مَا اقتدر عَلَيْهِ من الْمَوَاشِي وَالنَّخْل والخضراوات، وقررت السِّكَّة باسم المستضىء بِأَمْر الله، وباسم الْملك الْعَادِل نور الدّين، فنقش اسْم كل مِنْهُمَا فِي وَجه، وَذَلِكَ فِي سَابِع شهر ربيع الآخر. وَفِيه قلعت المناطق القضة الَّتِي كَانَت بمحاريب جَوَامِع الْقَاهِرَة الَّتِي فِيهَا أَسمَاء الْخُلَفَاء الفاطمين، وَكَانَ وَزنهَا خَمْسَة آلالف دِرْهَم فضَّة نقرة. وَفِيه أنزل الغز بِالْقصرِ الغربي، وَأخرج من كَانَ سَاكِنا فِيهِ، وَورد الْخَبَر بِأَن الْخُمُور - بعد تعطيلها، وغلق حاناتها وَقطع ذكرهَا، بالإسكندرية - أُعِيدَت ببذل مَال لديوان نجم الدّين أَيُّوب، ففتحت موَاضعهَا وَظَهَرت مناكرها. وَفِي جُمَادَى الْآخِرَة: قرر دِينَار الأسطول بِنصْف وَربع دِينَار، بعد أَن كَانَ بِنصْف وَثمن دِينَار. وَفِي سابعة: ولد عُثْمَان الْملك الْعَزِيز. وَفِي ثَالِث عشرِيَّة: كشف حَاصِل الْقصر بالخزائن الخاصرة، فَوجدَ فِيهَا مائَة صندوق كسْوَة فاخرة، مَا بَين موشح ومرصع، وعقود ثمينة، وذخائر فخمة، وجواهر نفيسة. وَغير ذَلِك من ذخائر عَظِيمَة. وَكَانَ الَّذِي تولى كشفها بهاء الدّين قراقوش. وفيهَا كثرت عَادِية الفار فِي أكل ثمار النّخل والأقصاب وَالْأَشْجَار، وانْتهى الْحَال إِلَى أَن اعتصر من مائَة فدان مزروعة قصبا سِتُّونَ أبلوجا. وَمَعَ هَذَا بالأسعار رخيصة، وَالْغلَّة كل ثَلَاثَة أرادب من الْقَمْح بِدِينَار، وَالشعِير كل ثَمَانِيَة أرادب بِدِينَار، والفول كل أَرْبَعَة عشر أردبا بِدِينَار، وَالسكر كل قِنْطَار بِثَلَاثَة دَنَانِير. وَفِي تَاسِع: وصلت الْخلْع الَّتِي نفذت إِلَى نور الدّين من الْخَلِيفَة بِبَغْدَاد، وَهِي فرجية سَوْدَاء وطوق من ذهب، فلبسها نور الدّين، وسيرها إِلَى الْملك النَّاصِر ليلبسها، وَكَانَت نفذت لَهُ خلعة ذكر أَنه استقصرها واستصغرها دون قدره. فَبَاتَ الْوَاصِل بِالْخلْعِ بِرَأْس الطابية، فَلَمَّا كَانَ الْعَاشِر مِنْهُ خرج قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين بن درباس وَالشُّهُود والمقرئون والخطباء إِلَى خيمة الْوَاصِل بالخلعة، وَهُوَ من الْأَصْحَاب النجمية، وَزَيْنَب الْبَلَد. وَفِيه ضربت نوب الطبلخاناه بِالْبَابِ الناصري ثَلَاث مَرَّات فِي كل يَوْم، وَضربت بِدِمَشْق خمس مَرَّات كل يَوْم بِالْبَابِ النوري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 وَفِي حادى عشرَة: ركب السُّلْطَان بِالْخلْعِ، وشق بَين القصرين والقاهرة، فَلَمَّا بلغ بَاب زويلة نَزعهَا وأعادها إِلَى دَاره، وبرز للعب الكرة. وفيهَا عَمت بلوى الضائقة بِأَهْل مصر، لِأَن الذَّهَب وَالْفِضَّة خرجا مِنْهَا وَمَا رجعا، وَعدم فَلم يوجدا، ولهج النَّاس بِمَا عمهم من ذَلِك، وصاروا إِذا قيل دِينَار أَحْمَر فَكَأَنَّمَا ذكرت حُرْمَة الغيور لَهُ، وَإِن حصل فِي يَده فَكَأَنَّمَا جَاءَت بِشَارَة الْجنَّة لَهُ. وَمِقْدَار مَا يحدس أَنه خرج من الْقصر مَا بَين دِينَار وَدِرْهَم ومصاغ وجوهر ونحاس وطبوس وأثاث وقماش وَسلَاح مَا لَا يَفِي بِهِ ملك الأكاسرة، وَلَا تتصوره الخواطر، وَلَا تشْتَمل على نيله الممالك، وَلَا يقد على حسابه إِلَّا من يقدر على حِسَاب الْخلق فِي الْآخِرَة وفيهَا عرض السطان العربان الجذاميين، وَكَانَت عدتهمْ سَبْعَة آلَاف فَارس، فاستقرت على ألف وثلاثمائة فَارس لَا غير، وَأخذ بِهَذَا الحكم عشر الْوَاجِب، وَكَانَ أَصله ألف ألف دِينَار، وكلف الثعالبة مثل ذَلِك فامتعضوا، ولوحوا بالتحيز إِلَى الفرنج. وَفِي ثَانِي عشرى رَجَب: أُقِيمَت الْخطْبَة فِي صَلَاة الْجُمُعَة بِمصْر والقاهرة، وَقد نصبت على المنابر الْأَعْلَام السود، وَلبس الخطباء ثيابًا سُودًا أرسل بهَا من بَغْدَاد. وجرس فِي الْبَلَد بألا يتَأَخَّر أحد عَن الْجُمُعَة وحضورها، وَالْفَرِيضَة وأدائها، وَمن عثر عَلَيْهِ عومل بِالْحَبْسِ وَالتَّقْيِيد واللوم والتنفيذ، فَحَضَرَ من لَا يُرِيد الْحُضُور. وَفِي ثَالِث عشرِيَّة: خلع على الْوَفْد الشَّامي خلع مذهبات من بقايا مَا أَخذ من الْقصر، وأقيمت ضيافاتهم وأدرت أنزلاتهم. وَفِي شعْبَان: وَقع برد فِي الدقهلية والمرتاحية كَأَنَّهُ الْأَحْجَار المدورة، فاستهلك، الغلات، وَأصَاب مِنْهَا وَاحِد رَأس نور فَمَاتَ من سَاعَته. وَبلغ وَزنهَا مَا بَين رَطْل كل بردة إِلَى رطلين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 وَفِيه سَارَتْ الرُّسُل من الْقَاهِرَة إِلَى نور الدّين يلبس الْخلْع، وبتقرير مَا أَمر بِهِ صَلَاح لدين من المَال فِي كل سنة. وَفِيه أَمر السُّلْطَان بِصَرْف أهل الذِّمَّة وَالْمَنْع من استخدامهم فِي أَمر سلطاني وَلَا شغل ديواني، فصرف جمَاعَة، وَلم ينْصَرف وَاحِد مِنْهُم من كِتَابَة الغز، وأرجف بإخراجهم من الْبَلَد وَأخذ مساكنهم. فَلَمَّا كَانَ الْخَاص عشر مِنْهُ صرفت جمَاعَة من وُجُوه أهل الذِّمَّة من الاشغال السُّلْطَانِيَّة، وَبَقِي بَعضهم، وَكتاب الغز على حَالهم، وامتنعوا من صرفهم بِأَنَّهُم قد دبروا أَمرهم، ويخشون بإخراجهم ضيَاع أُمُورهم. وَفِي حادي عشرِيَّة: خرج السُّلْطَان إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة، وَسبب خُرُوجه إِلَيْهَا كَثْرَة رِجَاله وَقلة أَمْوَاله بِحَيْثُ ضَاقَ بِهِ التَّدْبِير، فَقيل بِهِ إِن فِي بِلَاد برقة أَمْوَالًا متسعة، وَلَيْسَ بهَا إِلَّا عربان غير مَانِعَة، فَخرج لذَلِك. وَعقد بالإسكندرية منشورا، حشره أَبوهُ نجم الدّين أَيُّوب وشهاب الدّين الحارمي وتقى الدّين عمر بِسَبَب الْمسير إِلَى بِلَاد الغرب، ومبادرة زَرعهَا قبل حَصَاده. وكوتب من بِمصْر والقاهرة من الْجند بالحضور، وتجهيز. الْأَسْوَاق من السقطين والبياطرة وَغَيرهم، وكوتب العربان بِطَلَب الزكوات وَالْإِنْكَار عَلَيْهِم فِي قطع الطَّرِيق على الجلابين. واتضح أَنه عدم فِي هَذِه السّنة مائَة ألف رَأس من الْغنم. وَاسْتقر الرأى على أَن تَقِيّ الدّين عمر بن شاهنشاه بن نجم الدّين أَيُّوب يتَوَجَّه بعسكره وَمَعَهُ خَمْسمِائَة فَارس آخر، وتقرت حوالتهم فِي النَّفَقَة عَلَيْهِم على كورة الْبحيرَة. وَفِي ذِي الْقعدَة: كثرت المناسر، وهجموا على الدروب بِالسِّلَاحِ والشموع، وحاربوا النَّاس، وَأخذُوا الْمنَازل، وأحرقوا الدّور بِمصْر. وَفِي ذِي الْحجَّة: وصل رَسُول متملك الْحَبَشَة بهدية وَكتاب إِلَى الْخَلِيفَة العاضد، فقرئ كِتَابه وَأخذت هديته. وَوصل عَسْكَر ملك النّوبَة إِلَى الْقرى المتاخمة لثغر أسوان وفيهَا ابتدأت الوحشة والنفرة بَين الْملك الْعَادِل نور الدّين مَحْمُود وَبَين السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف وَذَلِكَ لِأَن نور الدّين بعث إِلَى صَلَاح الدّين يَأْمُرهُ بِجمع العساكر المصرية، والمسير بهَا إِلَى بِلَاد الفرنجة ومحاصرة الكرك، ليجتمع هُوَ وإياه على ذَلِك. فبروز صَلَاح الدّين وَكتب إِلَى نور الدّين بذلك، فخوفه أَصْحَابه من الِاجْتِمَاع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 بِنور الدّين. وَكَانَ نور الدّين قد جمع عساكره، وَأقَام ينْتَظر الْخَبَر، فَلَمَّا أَتَاهُ الْخَبَر بِأَنَّهُ قد برز رَحل عَن دمشق، ونازل الكرك وَهُوَ ينْتَظر قدوم صَلَاح الدّين، فَأَتَاهُ كِتَابه يعْتَذر عَن الْوُصُول باختلال بِلَاد مصر وَالْخَوْف عَلَيْهَا، ويعلمه أَنه عَاد إِلَى الْقَاهِرَة، فَعظم ذَلِك على نور الدّين، وعزم على دُخُول مصر وَقلع صَلَاح الدّين مِنْهَا. فَبلغ ذَلِك صَلَاح الدّين، فخاف وَجمع أَهله وخواصه واستشارهم، فَقَالَ تَقِيّ الدّين عمر بن أَخِيه: ((إِذا جَاءَ قابلناه كلنا، وصددناه عَن الْبِلَاد)) ، وَوَافَقَهُ جمَاعَة من أَهله على ذَلِك. فسبهم نجم الدّين أَيُّوب، وَأنكر عَلَيْهِم، وَكَانَ ذَا رَأْي ومكر، وَقَالَ لِابْنِ ابْنه تَقِيّ الدّين: ((اقعد)) ، وسبه. والتفت إِلَى وَلَده السُّلْطَان صَلَاح الدّين وَقَالَ: ((أَنا أَبوك)) ، وَهَذَا شهَاب الدّين الحارمي خَالك! أتظن فِي هَؤُلَاءِ من يحبك وَيُرِيد لَك الْخَيْر أَكثر منا؟)) قَالَ: ((لَا)) . فَقَالَ نجم الدّين: ((وَالله لَو رَأَيْت أَنا وخالك هَذَا السُّلْطَان نور الدّين لم يمكنا إِلَّا أَن نترجل لَهُ، ونقبل الأَرْض بَين يَدَيْهِ، وَلَو أمرنَا بِضَرْب عُنُقك بِالسَّيْفِ لفعلنَا. فَإِذا كُنَّا نَحن هَكَذَا فَكيف يكون غَيرنَا؟ وكل من ترَاهُ من الْأُمَرَاء والعساكر، وَلَو رأى السُّلْطَان نور الدّين وَحده لم يتجاسر على الثَّبَات فِي سَرْجه، وَمَا يَسعهُ إِلَّا النُّزُول وتقبيل الأَرْض بَين يَدَيْهِ، هَذِه الْبِلَاد لَهُ، وَقد أقامك فِيهَا ثائبا عَنهُ، فَإِن أَرَادَ عزلك فَأَي حَاجَة إِلَى الْمَجِيء؟ يَأْمُرك بِكِتَاب مَعَ نجاب حَتَّى تقصد خدمته، ويوفي الْبِلَاد من يُرِيد)) . وَقَالَ للْجَمَاعَة كلهم: ((قومُوا عَنَّا، فَنحْن مماليك السُّلْطَان نور الدّين وعبيده، يفعل بِنَا مَا يُرِيد)) . فَتَفَرَّقُوا على هَذَا، وَكتب أَكْثَرهم إِلَى نور الدّين بِهَذَا الْخَبَر. ثمَّ إِن نجم الدّين خلا بِابْنِهِ صَلَاح الدّين وَقَالَ لَهُ: ((أَنْت جَاهِل قَلِيل الْمعرفَة، تتجمع هَذَا الْجمع الْكثير وتطلعهم على مَا فِي نَفسك، فَإِذا سمع نور الدّين أَنَّك عازم على مَنعه عَن الْبِلَاد، جعلك أهم أُمُوره وأولاها بِالْقَصْدِ، وَلَو قصدك لم تَرَ مَعَك أحدا من هَذَا لعسكر، وأسلموك إِلَيْهِ. وَأما بعد هَذَا الْمجْلس فَإِنَّهُم سيكتبون إِلَيْهِ بِقَوْلِي، فَاكْتُبْ أَنْت إِلَيْهِ أَيْضا فِي الْمَعْنى وَقل لَهُ: أَي حَاجَة إِلَى قصدي؟ نجاب يجىء فيأخذني بِحَبل يَضَعهُ فِي عنقِي، فَإِنَّهُ إِذا سمع هَذَا عدل عَن قصدك، واشتغل بِمَا هُوَ أهم عِنْده، وَالْأَيَّام تندرج، وَالله عز وَجل كل يَوْم هُوَ فِي شَأْن)) ، فَفعل صَلَاح الدينى مَا أَشَارَ بِهِ أَبوهُ، فانخدع نور الدّين وَعدل عَن قَصده، واندرحت الْأَيَّام كَمَا قَالَ نجم الدّين، وَمَات نور الدّين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 وفيهَا اتخذ نور الدّين مَحْمُود بِالشَّام الْحمام الهوادي لنقل البطائق. وفيهَا ولي أَمِير الينبع خطابة الْجَامِع الْعَتِيق، بعد موت الشريف تَاج الشّرف حسن ابْن أبي الْفتُوح نَاصِر فِي الْمحرم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 تُوجد صفحة فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وخسمائة فِيهَا خرج السُّلْطَان صَلَاح الدّين بعساكره يُرِيد بِلَاد الكرك والشوبك، فَإِنَّهُ كَانَ كلما بلغه عَن قافلة أَنَّهَا خرجت من الشَّام تُرِيدُ مصر خرج إِلَيْهَا ليحميها من الفرنج، فَأَرَادَ التوسيع فِي الطَّرِيق وتسهيلها، وَسَار إِلَيْهَا وحاصرها، فَلم ينل مِنْهَا قصدا وَعَاد. وفيهَا جهز صَلَاح الدّين الْهَدِيَّة إِلَى السُّلْطَان نور الدّين، وفيهَا من الْأَمْتِعَة والآلات الفضية والذهبية والبلور واليشم أَشْيَاء يعز وجود مثلهَا، وَمن الْجَوَاهِر واللآلي شىء عَظِيم الْقدر، وَمن الْعين سِتُّونَ ألف دِينَار، وَكثير من الغرائب المستحسنة، وفيل وحمار عتابي، وَثَلَاث قطع بلخش فِيهَا مَا وَزنه نَيف وَثَلَاثُونَ مِثْقَالا، وَكَانَ ذَلِك فِي شَوَّال. وفيهَا خرج العبيد من بِلَاد النّوبَة لحصار أسوان، وَبهَا كنز الدولة، فَجهز السُّلْطَان الشجاع البعلبكي فِي عَسْكَر كَبِير فَسَار إِلَى أسوان، وَقد رَحل العبيد عَنْهَا، فَتَبِعهُمْ وَمَعَهُ كنز الدولة، وواقعهم وَقتل مِنْهُم كثيرا، وَعَاد إِلَى الْقَاهِرَة. وفيهَا سَار الْملك الْمُعظم شمس الدولة فَخر الدّين تورانشاه بن أَيُّوب أَخُو السُّلْطَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 كتاب ملك النّوبَة إِلَى شمس الدولة وَهُوَ بقوص مَعَ هَدِيَّة فَأكْرم رَسُوله وخلع عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ زَوْجَيْنِ من نشاب وَقَالَ لَهُ: قل للْملك مَالك عِنْدِي جَوَاب إِلَّا هَذَا وجهز مَعَه رَسُولا ليكشف لَهُ خبر الْبِلَاد فَسَار إِلَى دمقلة وَعَاد إِلَيْهِ فَقَالَ: وجدت بلادا ضيقَة لَيْسَ بهَا من الزَّرْع سوى الذّرة ونخل صَغِير مِنْهُ أدامهم وَيخرج الْملك وَهُوَ عُرْيَان على فرس عرى وَقد التف فِي ثوب أطلس وَلَيْسَ على رَأسه شعر. فَلَمَّا قدمت عَلَيْهِ وسلمت ضحك وتغاشى وَأمر بِي فكويت على يَدي هَيْئَة صَلِيب وأنعم عَليّ بِنَحْوِ خمسين رطلا من دَقِيق وَلَيْسَ فِي دمقلة عمَارَة سوى دَار الْملك وباقيها أخصاص. وفيهَا عظم هم السُّلْطَان نور الدّين بِأَمْر مصر وَأَخذه من اسْتِيلَاء صَلَاح الدّين عَلَيْهَا الْمُقِيم المقعد وَأكْثر من مراسلته بِحمْل الْأَمْوَال ثمَّ بعث بوزيره الصاحب موفق الدّين خَالِد بن مُحَمَّد بن نصر بن صَغِير القيسراني إِلَى مصر لعمل حِسَاب الْبِلَاد وكشف أحوالها وَتَقْرِير القطيعة على صَلَاح الدّين فِي كل سنة وَاخْتِيَار طَاعَته فَقدم إِلَى الْقَاهِرَة وَكَانَ من أمره مَا يَأْتِي ذ كره إِن شَاءَ الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 وفيهَا مَاتَ أَيُّوب بن شادي بن مَرْوَان بن يَعْقُوب نجم الدّين الملقب بِالْملكِ الْأَفْضَل أبي سعيد الْكرْدِي وَالِد السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف وَذَلِكَ أَنه خرج من بَاب النَّصْر بِالْقَاهِرَةِ قألقاه الْفرس إِلَى الأَرْض يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشر ذِي الْحجَّة فَحمل إِلَى دَاره فِي تَاسِع عشره وَقيل لثلاث بَقينَ مِنْهُ فقبر عِنْد أَخِيه أَسد الدّين شيركوه ثمَّ نقلا إِلَى الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة فِي سنة ثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 سنة تسع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة فِيهَا وصل إِلَى الْقَاهِرَة موفق الدّين أَبُو الْبَقَاء خَالِد بن مُحَمَّد ين نصر بن صَغِير الْمَعْرُوف بِابْن القيسراني من عِنْد السُّلْطَان الْملك الْعَادِل نور الدّين مطالبا لصلاح الدّين بِالْحِسَابِ عَن جَمِيع مَا أَخذ من قُصُور الْخُلَفَاء وَحصل من الِارْتفَاع. فشق ذَلِك عَلَيْهِ وَقَالَ: إِلَى هَذَا الْحَد وصلنا وَأَوْقفهُ على مَا تحصل لَهُ وَعرض عَلَيْهِ الأجناد وعرفه مبالغ إقطاعاتهم وجامكياتهم ورواتب نفقاتهم ثمَّ قَالَ: وَمَا يضْبط هَذَا الإقليم الْعَظِيم إِلَّا بِالْمَالِ الْكَبِير وَأَنت تعرف أكَابِر الدولة وعظماءها وَأَنَّهُمْ معتادون بِالنعْمَةِ وَالسعَة وَقد تصرفوا فِي أَمَاكِن لَا يُمكن انتزاعها مِنْهُم وَلَا يسمحون بِأَن ينقص من ارتفاعها وَأخذ يجمع المَال. وفيهَا سَار الْأَمِير شمس الدولة تورانشاه أَخُو السُّلْطَان صَلَاح الدّين إِلَى الْيمن وَذَلِكَ لشدَّة خوف صَلَاح الدّين وَأَهله من الْملك الْعَادِل نور الدّين أَن يدْخل إِلَى مصر وينتزعهم مِنْهَا فأحبوا أَن يكون لَهُم مملكة يصيرون إِلَيْهَا. وَكَانَ اختيارهم قد وَقع على النّوبَة فَلَمَّا سَار إِلَيْهَا لم تعجبه وَعَاد. وَكَانَ الْفَقِيه عمَارَة الْيَمَانِيّ قد انْقَطع الى الْأَمِير شمس الدولة ومدحه واختص بِهِ وحدثه عَن بِلَاد الْيمن وَكَثْرَة الْأَمْوَال بهَا وهون أمرهَا عِنْده وأغراه بِأَن يستبد بِملك الْيمن وَتعرض لذَلِك فِي كَلمته الَّتِي أَولهَا: الْعلم مذ كَانَ مُحْتَاج إِلَى الْعلم وشفرة للسيف تَسْتَغْنِي عَن الْقَلَم وَمِنْهَا: فاخلق لنَفسك ملكا لَا تُضَاف بِهِ إِلَى سواك وأور النَّار فِي الْعلم هَذَا ابْن تومرت قد كَانَت بدايته كَمَا يَقُول الورى لَحْمًا على وَضم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 وَكَانَ شمس الدولة مَعَ ذَلِك جوادا كثير الْإِنْفَاق فَلم يقنع بِمَا لَهُ من الإقطاع بِمصْر وَأحب الوسع فَاسْتَأْذن صَلَاح الدّين فِي الْمسير فَأذن لَهُ واستعد لذَلِك وَجمع وحشد وَسَار مستهل رَجَب. فوصل إِلَى مَكَّة فزار ثمَّ خرج مِنْهَا يُرِيد الْيمن وَبهَا يَوْمئِذٍ أَبُو الْحسن عَليّ بن مهدى وَيُقَال لَهُ عبد النَّبِي. فاستولى على زبيد فِي سَابِع شَوَّال وَقبض على عبد النَّبِي وَأخذ مَا سواهَا من مَدَائِن الْيمن وتلقب بِالْملكِ الْمُعظم وخطب لَهُ بذلك بعد الْخَلِيفَة المستضيء بِأَمْر الله فِي جَمِيع مَا فَتحه وَبعث إِلَى الْقَاهِرَة بذلك. فسير السُّلْطَان صَلَاح الدّين إِلَى الْملك الْعَادِل يُعلمهُ بذلك فَبعث بالْخبر إِلَى الْخَلِيفَة المستضيء بِبَغْدَاد. وَفِي سادس شعْبَان: قبض على أَوْلَاد العاضد وأقاربه وأخرجوا من الْقصر إِلَى دَار المظفر بحارة برجوان فِي الْعشْر الْأَخير من رَمَضَان. وفيهَا اجْتمع طَائِفَة من أهل الْقَاهِرَة على إِقَامَة رجل من أَوْلَاد العاضد وَأَن يفتكوا بصلاح الدّين وكاتبوا الفرنج مِنْهُم القَاضِي الْمفضل ضِيَاء الدّين نصر الله بن عبد الله بن كَامِل القَاضِي والشريف الجليس ونجاح الحمامي والفقيه عمَارَة بن عَليّ الْيَمَانِيّ وَعبد الصَّمد الْكَاتِب وَالْقَاضِي الْأَعَز سَلامَة العوريس مُتَوَلِّي ديوَان النّظر ثمَّ الْقَضَاء وداعي الدعاة عبد الْجَبَّار بن إِسْمَاعِيل بن عبد القوى والواعظ زين الدّين بن نجا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 فوشى ابْن نجا بخبرهم إِلَى السُّلْطَان وَسَأَلَهُ فِي أَن ينعم عَلَيْهِ بِجَمِيعِ مَا لِابْنِ كَامِل الدَّاعِي من الدّور وَالْمَوْجُود كُله فَأُجِيب إِلَى ذَلِك فأحيط بهم وشنقوا فِي يَوْم السبت ثَانِي شهر رَمَضَان بَين القصرين فشنق عمَارَة وصلب فِيمَا بَين بَابي الذَّهَب وَبَاب الْبَحْر وَابْن كَامِل ش رَأس الخروقيين الَّتِي تعرف الْيَوْم بسوق أَمِير الجيوش والعوريس على درب السلسلة وَعبد الصَّمد وَابْن سَلامَة وَابْن المظبي مصطنع الدولة والحاج ابْن عبد الْقوي بِالْقَاهِرَةِ وشنق ابْن كَامِل القَاضِي بِالْقَاهِرَةِ يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشر شَوَّال وشنق أَيْضا شبرما وَأَصْحَابه وَجَمَاعَة من الأجناد وَالْعَبِيد والحاشية وَبَعض أُمَرَاء صَلَاح الدّين وَقبض صَلَاح الدّين سَائِر مَا وجد عِنْدهم من مَال وعقار وَلم يُمكن ورثتهم من شَيْء الْبَتَّةَ وتتبع من لَهُ هوى فِي الدولة الفاطمية فَقتل مِنْهُم كثيرا وَأسر كثيرا وَنُودِيَ بِأَن يرحل كَافَّة الأجناد وحاشية الْقصر وراجل السودَان إِلَى أقْصَى بِلَاد الصَّعِيد. وَقبض على رجل يُقَال لَهُ قديد بالإسكندرية من دعاة الفاطميين يَوْم الْأَحَد خَامِس عشرى رَمَضَان وَقبض على كثير من السودَان وكووا بالنَّار فِي وُجُوههم وصدورهم. وفيهَا جهز السُّلْطَان مَعَ الْوَزير ابْن القيسراني مَا تحصل عِنْده من المَال وأصحبه هَدِيَّة لنُور الدّين وَهِي خمس ختمات إِحْدَاهَا فى ثلاتين جُزْءا مغشاة بأطلس أَزْرَق ومضببة بصفائح ذهب وَعَلَيْهَا أقفال من ذهب مَكْتُوبَة بِخَط ذهب وَأُخْرَى فِي عشرَة أَجزَاء مغشاة بديباج فستقي وَأُخْرَى فِي جلد بِخَط ابْن البواب بقفل ذهب وَثَلَاثَة أَحْجَار بلخش مِنْهَا حجر زنته اثْنَان وَعِشْرُونَ مِثْقَالا وَحجر وَزنه اثْنَا عشر مِثْقَالا وَآخر عشرَة مَثَاقِيل وَنصف وست قصبات زمرد إِحْدَاهَا وَزنهَا ثَلَاثَة مَثَاقِيل وَحجر ياقوت أَحْمَر وَزنه سَبْعَة مَثَاقِيل وَحجر ياقوت أَزْرَق وَزنه سِتَّة مَثَاقِيل وَمِائَة عقد جَوْهَر زنتها ثَمَانمِائَة وَسَبْعَة وَخَمْسُونَ مِثْقَالا وَخَمْسُونَ قَارُورَة دهن بِلِسَان وَعِشْرُونَ قِطْعَة بلور وَأَرْبع عشرَة قِطْعَة جزع مَا بَين زبادي سكارج وإبريق يشم وطشت يشم وسقرق مينا مَذْهَب بِعُرْوَة فِيهَا حبتا لُؤْلُؤ وَفِي الْوسط فص ياقوت أَزْرَق وصحون وزبادي وسكارج من صيني عدتهَا أَرْبَعُونَ قِطْعَة وعود قطعتين كبارًا وَعَنْبَر مِنْهُ قِطْعَة زنتها ثَلَاثُونَ رطلا وَأُخْرَى عشرُون رطلا وَمِائَة ثوب أطلس وَأَرْبَعَة وَعِشْرُونَ بقيارا مذهبا وَأَرْبَعَة وَعِشْرُونَ ثوبا وشيا حريرية بَيْضَاء وحلة خَلْفي مَذْهَب وحلة مرايش اصفر مَذْهَب وحلة مرايش أَزْرَق مَذْهَب وحلة مرايش بقصب أَحْمَر وأبيض وحلة فستقي بقصب مذهبَة وقماش كثير قدر قيمتهَا بِمِائَتي ألف دِينَار وَخَمْسَة وَعشْرين ألف دِينَار. وَسَارُوا بذلك فَبَلغهُمْ موت نور الدّين فأعيدت وَهلك بَعْضهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 وفيهَا مَاتَ السُّلْطَان الْعَادِل نور الدّين مَحْمُود بن زنكي فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء حادي عشر شَوَّال بعلة الخوانيق وَكَانَ قد تجهز لأخذ مصر من صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب وَقد خطب لَهُ بِالشَّام ومصر والحرمين واليمن. وَقَامَ من بعده ابْنه الصَّالح إِسْمَاعِيل وعمره إِحْدَى عشرَة سنة فَخَطب لَهُ السُّلْطَان صَلَاح الدّين بِمصْر وَضرب السِّكَّة باسمه وفيهَا نزل أسطول الفرنج بصقلية على ثغر الْإسْكَنْدَريَّة لأَرْبَع بَقينَ من ذِي الْحجَّة بَغْتَة وَكَانَ الَّذِي جهز هَذَا الأسطول غليالم بن غليالم بن رجار متملك صقلية ولي ملك صقلية بعد أَبِيه فِي سنة سِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَهُوَ صَغِير كفلته أمه وَتَوَلَّى التَّدْبِير خَادِم اسْمه باتر مُدَّة سنة ثمَّ فر إِلَى السَّيِّد أبي يَعْقُوب يُوسُف بن عبد الْمُؤمن صَاحب الْبِلَاد المغربية. ثمَّ استبد غليا لم بتدبير ملكه واحتفل فِي سنة إِحْدَى وَسبعين بعمارة هَذَا الأسطول فَاجْتمع لَهُ مَا لم يجْتَمع لجده رجار وَحمل فِي الطرائد ألف فَارس. وَقدم على الأسطول رجلا من دولته يُسمى أكيم موذقة وَقصد الْإسْكَنْدَريَّة وَمَات غليالم فِي سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة. وَلما أرسى هَذَا الأسطول على الْبر أنزلوا من طرائدهم ألفا وَخَمْسمِائة فرس وَكَانَت عدتهمْ ثَلَاثِينَ ألف مقَاتل مَا بَين فَارس وراجل وعدة طرائدهم سِتا وَثَلَاثِينَ طريدة تحمل الْخَيل ومائتي شيني فِي كل شيني مائَة وَخَمْسُونَ رجلا وعدة السفن الَّتِي تحمل آلَات الْحَرْب والحصار سِتّ سفن وللتى تحمل الأزواد وَالرِّجَال أَرْبَعِينَ مركبا فَكَانُوا نَحْو الْخمسين ألف راجل. ونزلوا على الْبر مِمَّا يَلِي المنارة وحملوا على الْمُسلمين حَتَّى أوصلوهم إِلَى السمور وَقتل من الْمُسلمين سَبْعَة. وزحفت مراكب الفرنجة إِلَى الميناء وَكَانَ بهَا مراكب الْمُسلمين فَغَرقُوا مِنْهَا. وغلبوا على الْبر وخيموا بهَا فَأصْبح لَهُم على الْبر ثَلَاثمِائَة خيمة وزحفوا لحصار الْبَلَد ونصبوا ثَلَاث دبابات بكباشها وَثَلَاثَة مجانيق كبارًا تضرب بحجارة سود عَظِيمَة. وَكَانَ السُّلْطَان عَليّ فاقوس فَبَلغهُ الْخَبَر ثَالِث يَوْم نزُول الفرنجة فشرع فِي تجهيز العساكر والقتال الرَّمْي بالمجانيق مُسْتَمر. فوصلت العساكر وَفتحت الْأَبْوَاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 وهاجم الْمُسلمُونَ الفرنجة وحرقوا الدبابات وأيدهم الله بنصره وَاسْتمرّ الْقِتَال يَوْم الْأَرْبَعَاء إِلَى الْعَصْر وَهُوَ الرَّابِع من نزُول الفرنجة. ثمَّ حملُوا حَملَة ثَانِيَة عِنْد اخْتِلَاط الظلام على الْخيام فتسلموها بِمَا فِيهَا وَقتلُوا من الرجالة عددا كثيرا وَمن الفرسان. فاقتحم الْمُسلمُونَ الْبَحْر وَأخذُوا عدَّة مراكب خسفوها فغرقت وَوَلَّتْ بَقِيَّة المراكب منهزمة وَقتل كثير من الفرنجة وغنم الْمُسلمُونَ من الْآلَات والأمتعة والأسلحة مَا لَا يقدر على مثله إِلَّا بعناء وأقلع بَاقِي الفرنجة مستهل سنة سبعين. وفيهَا أَعنِي سنة تسع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وقف السُّلْطَان صَلَاح الدّين نَاحيَة نقادة من عمل قوص بِنَاحِيَة الصَّعِيد الْأَعْلَى وَثلث نَاحيَة سندبيس من القليوبية على أَرْبَعَة وَعشْرين خَادِمًا لخدمة الضريح الشريف النَّبَوِيّ وَضمن ذَلِك كتابا ثَابتا تَارِيخه ثامن عشري شهر ربيع الآخر مِنْهَا فاستمر ذَلِك إِلَى الْيَوْم. وَكَانَ قاع النّيل سِتَّة أَذْرع وَعشْرين أصبعا وَبلغ سَبْعَة عشر ذِرَاعا وَعشْرين أصبعا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 سنة سبعين وَخَمْسمِائة وفيهَا جمع كنز الدولة وَالِي أسوان الْعَرَب والسودان وَقصد الْقَاهِرَة يُرِيد إِعَادَة الدولة الفاطمية وَأنْفق فِي جموعه أَمْوَالًا جزيلة وانضم إِلَيْهِ جمَاعَة مِمَّن يهوى هواهم فَقتل عدَّة من أُمَرَاء صَلَاح الدّين. وَخرج فِي قَرْيَة طود رجل يعرف بعباس بن شادي وَأخذ بِلَاد قوص وانتهب أموالها. فَجهز السُّلْطَان صَلَاح الدّين أَخَاهُ الْملك الْعَادِل فِي جَيش كثيف وَمَعَهُ الخطير مهذب بن مماتي فَسَار وأوقع بشادي وبدد جموعه وَقَتله ثمَّ سَار فَلَقِيَهُ كنز الدولة بِنَاحِيَة طود وَكَانَت بَينهمَا حروب فر مِنْهَا كنز الدولة بَعْدَمَا قتل أَكثر عسكره. ثمَّ قتل كنز الدولة فِي سَابِع صفر وَقدم الْعَادِل إِلَى الْقَاهِرَة فِي ثامن عشريه. وفيهَا ورد الْخَبَر على السُّلْطَان بسير الْملك الصَّالح مجير الدّين إِسْمَاعِيل بن نور الدّين إِلَى حلب ومصالحته للسُّلْطَان سيف الدّين غَازِي صَاحب الْموصل فأهمه وَخرج يُرِيد الْمسير إِلَى الشَّام فَنزل ببركة الْجب أول صفر وَسَار مِنْهَا فِي ثَالِث عشر ربيع الأول على صدر وأيلة فِي سَبْعمِائة فَارس. واستخلف على ديار مصر أَخَاهُ الْملك الْعَادِل. وَنزل بصرى وَخرج مِنْهَا فَنزل الْكسْوَة يَوْم الْأَحَد تَاسِع عشري ربيع الأول وَخرج النَّاس إِلَى لِقَائِه فَدخل إِلَى دمشق يَوْم الْإِثْنَيْنِ أول شهر ربيع الآخر وملكها من غير مدافع. وَأنْفق فِي النَّاس مَالا جزيلا وَأمر فَنُوديَ بإطابة النُّفُوس وَإِزَالَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 المكوس وَإِبْطَال مَا أحدث بعد نور الدّين مَحْمُود من القبائح والمنكرات والضرائب وَأظْهر أَنه إِنَّمَا جَاءَ لتربية الصَّالح بن نور الدّين وَأَنه يَنُوب عَنهُ وَيُدبر دولته وَكَاتب الْأَطْرَاف بذلك. وتسلم قلعة دمشق بعد امْتنَاع فَأنْزل بهَا أَخَاهُ ظهير الْإِسْلَام طغتكين بن أَيُّوب وَبعث بالبشارة إِلَى الْقَاهِرَة وَخرج مستهل جُمَادَى الأولى فنازل حمص حَتَّى تسلمها فِي حادي عشرَة وامتنعت عَلَيْهِ قلعتها فَأَقَامَ على حصارها طَائِفَة وَسَار إِلَى حماة فَنزل عَلَيْهَا فِي ثَالِث عشريه وَبهَا عز الدّين جرديك فسلمها إِلَيْهِ. وفى جُمَادَى الأولى: ولي ابْن عصرون الْقَضَاء بديار مصر. وَسَار صَلَاح الدّين إِلَى حلب وَبعث إِلَى الصَّالح إِسْمَاعِيل فِي الصُّلْح مَعَ جرديك فَأبى أَصْحَابه ذَلِك وقبضوا على جرديك وقيدوه فَبلغ ذَلِك صَلَاح الدّين وَقد سَار عَن حماة يُرِيد حلب فَعَاد إِلَيْهَا. ثمَّ سَار مِنْهَا إِلَى حلب وَنزل حَبل جوش ثَالِث جُمَادَى الْآخِرَة واستعد أهل حلب وَخَرجُوا لقتاله وقاتلوه قتالا شَدِيدا إِلَى أول رَجَب. فَرَحل صَلَاح الدّين يُرِيد حمص وَقد بلغه مسير القومص ملك الفرنج بطرابلس بمكاتبة أهل حلب وَأَنه منَازِل لحمص. فَلَمَّا ترب من حمص عَاد القومص إِلَى بِلَاده فنازل صَلَاح الدّين قلعتها وَنصب المجانيق عَلَيْهَا إِلَى أَن تسلمها بالأمان فِي حادي عشري شعْبَان وَسَار إِلَى بعلبك حَتَّى تسلم قلعتها فِي رَابِع رَمَضَان وَعَاد إِلَى حمص. وَكَانَت بَينه وبن أَصْحَاب الصَّالح وقْعَة على قُرُون ماة فِي يَوْم الْأَحَد تَاسِع عشرَة انتصر فِيهَا صَلَاح الدّين وَهَزَمَهُمْ وغنم كل مَا مَعَهم وَلم يقتل فِيهَا أكتر من سبع أنفس وَسَار حَتَّى نزل على حلب وَقطع الْخطْبَة للصالح وأزال اسْمه عَن السِّكَّة فِي بِلَاده فَبعث أهل الصَّالح إِلَيْهِ يَلْتَمِسُونَ مِنْهُ الصُّلْح فَأجَاب إِلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 على أَن يكون لَهُ مَا بدهر من بِلَاد الشَّام وَلَهُم مَا بِأَيْدِيهِم مِنْهَا واستزاد مِنْهُم المعرة وَكفر طَابَ وكتبت نُسْخَة يَمِين وَعَلَيْهَا خطّ صَلَاح الدّين بَعْدَمَا حلف وَعَاد إِلَى حماة. وَكَانَ صَلَاح الدّين قد كتب إِلَى بَغْدَاد يعدد فتوحاته وجهاده للفرنج وإعادته الْخطْبَة العباسية بِمصْر واستيلاءه على بِلَاد كَثِيرَة من أَطْرَاف الْمغرب وعَلى بِلَاد الْيمن كلهَا وَأَنه قدم إِلَيْهِ فِي هَذِه السّنة وَفد سبعين رَاكِبًا كلهم يطْلب لسلطان بَلَده تقليدا. وَطلب صَلَاح الدّين من الْخَلِيفَة تَقْلِيد مصر واليمن وَالْمغْرب وَالشَّام وكل مَا يَفْتَحهُ بِسَيْفِهِ. فوافته بحماة رسل الْخَلِيفَة المستضيء بِأَمْر الله بالتشريف والأعلام السود وتوقيع بسلطنة بِلَاد مصر الشَّام وَغَيرهَا. فَسَار وَنزل على بعرين وَيُقَال بارين وحاصر حصنها حَتَّى تسلمه فِي الْعشْرين مِنْهُ وَرجع إِلَى حماة. وفيهَا تقرر الْعِمَاد الْأَصْفَهَانِي نَائِبا فِي الْكِتَابَة عَن القَاضِي الْفَاضِل بسعاية نجم الدّين مُحَمَّد بن مصال. وَسَار صَلَاح الدّين إِلَى دمشق ثمَّ رَحل عَنْهَا فَنزل مرج الصفر ووافته بِهِ رسل الفرنج فِي طلب الْهُدْنَة فأجابهم إِلَيْهَا بِشُرُوط اشترطها. وَأذن للعساكر فِي الْمسير إِلَى مصر لجدب الشَّام فَسَارُوا وَرجع هُوَ إِلَى دمشق فِي محرم سنة إِحْدَى وَسبعين وفوض أمرهَا إِلَى ابْن أَخِيه تَقِيّ الدّين عمر بن شاهنشاه بن أَيُّوب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 سنة إِحْدَى وَسبعين وَخَمْسمِائة وفيهَا سَار شرف الدّين قراقوش أحد أَصْحَاب تَقِيّ الدّين عمر إِلَى بِلَاد الْمغرب س حادي عشر محرم فِي جَيش فَأخذ من صَاحب أوجلة عشْرين ألف دِينَار فرقها فِي أَصْحَابه وَعشرَة آلَاف دِينَار لنَفسِهِ وَسَار مِنْهَا إِلَى غَيرهَا ثمَّ بلغه موت صَاحب أوجلة فَعَاد إِلَيْهَا وحاصر أَهلهَا وَقد امْتَنعُوا عَلَيْهِ حَتَّى أَخذهَا عنْوَة وَقتل من أَهلهَا سَبْعمِائة رجل وغنم مِنْهَا غنيمَة عَظِيمَة وَعَاد إِلَى مصر. وفيهَا تجهز الحلبيون لقِتَال صَلَاح الدّين فاستدعى عَسَاكِر مصر فَلَمَّا وافته بِدِمَشْق فِي شعْبَان سَار فِي أول رَمَضَان فَلَقِيَهُمْ فِي عَاشر شَوَّال. وَكَانَت بَينهمَا وقْعَة تَأَخّر فِيهَا السُّلْطَان سيف الدّين غَازِي صَاحب الْموصل فَظن النَّاس أَنَّهَا هزيمَة فَوَلَّتْ عساكرهم وتبعهم صَلَاح الدّين مهلك مِنْهُم جمَاعَة كَثْرَة وَملك خيمة غَازِي وَأسر عَالما عَظِيما واحتوى على أَمْوَال وذخائر وفرش وأطعمة وتحف تجل عَن الْوَصْف. وَقدم عَلَيْهِ أَخُوهُ الْملك الْمُعظم شمس الدولة تورانشاه بن أَيُّوب من الْيمن فَأعْطَاهُ سرادق السُّلْطَان غَازِي بِمَا فِيهِ من الْفرش والآلات وَفرق الإسطبلات والخزائن على من مَعَه وخلع على الأسرى وأطلقهم. وَلحق سيف الدّين غَازِي بِمن مَعَه فالتجأوا جَمِيعًا لحلب ثمَّ سَار إِلَى الْموصل وَهُوَ لَا يصدق أَنه ينجو وَظن أَن صَلَاح الدّين يعبر الْفُرَات ويقصده بالموصل. ورحل صَلَاح الدّين وَنزل على حلب فِي رَابِع عشر شَوَّال فَأَقَامَ عَلَيْهَا إِلَى تَاسِع عشره ورحل إِلَى بزاعة وَقَاتل أهل الْحصن حَتَّى تسلمه. وَسَار إِلَى منبج فَنزل عَلَيْهَا يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشريه وَلم يزل يحاصرها أَيَّامًا حَتَّى ملكهَا واخذ من حصنها ثَلَاثمِائَة ألف دِينَار وَمن الْفضة والآنية والأسلحة مَا يناهز ألفي ألف دِينَار. ورحل إِلَى عزاز وحاصرها من يَوْم السبت رَابِع ذِي الْقعدَة إِلَى حادي عشر ذِي الْحجَّة فتسلمها وَأقَام فِيهَا من يَثِق بِهِ وَعَاد إِلَى حلب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع عشرَة: وثب عدَّة من الإسماعيلية على السُّلْطَان صَلَاح الدّين فظفر بهم بَعْدَمَا جرحوا عدَّة من الْأُمَرَاء والخواص. ثمَّ سَار إِلَى حلب فَنزل عَلَيْهَا فِي سادس عشره وأقطع عسكره ضياعها ؤإمر بجباية أموالها وضيق على أهل حلب من غير قتال بل كَانَ يمْنَع أَن يدخلهَا أحد أَو يخرج مِنْهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين فَلَمَّا كَانَ رَابِع الْمحرم سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين: ركب العسكران وَكَانَت الْحَرْب فَقتل جمَاعَة من أَصْحَاب صَلَاح الدّين. ثمَّ تقرر الصُّلْح بَينه وبن الْملك الصَّالح على أَن يكون للصالح حلب وأعمالها. ورحل صَلَاح الدّين فِي عاشره فنازل مصياب وفيهَا رَاشد الدّين سِنَان بن سلمَان بن مُحَمَّد صَاحب قلاع الإسماعيلية ومقدم الباطنية وَإِلَيْهِ تنْسب الطَّائِفَة السنانية وَنصب عَلَيْهَا المجانيق والعرادات من ثَالِث عشريه إِلَى أَيَّام ثمَّ رَحل وَلم يقدر عَلَيْهِم وَقد امْتَلَأت أَيدي أَصْحَابه بِمَا أَخَذُوهُ من الْقرى. وفوض صَلَاح الدّين قَضَاء دمشق لشرف الدّين أبي سعد عبد الله أبي عصرون عوضا عَن كَمَال الدّين الشهرزوري بعد وَفَاته. وَفِيه أغار الفرنج على الْبِقَاع فَخرج إِلَيْهِم الْأَمِير شمس الدّين مُحَمَّد بن عبد الْملك بن الْمُقدم من بعلبك فأوقع بهم وَقتل مِنْهُم وَأسر. وَخرج إِلَيْهِم الْمُعظم شمس الدولة من دمشق فَلَقِيَهُمْ بِعَين الْحر وأوقع بهم ثمَّ سَار إِلَى حماة وَبهَا صَلَاح الدّين فوافاه فى الثَّانِي من صفر. ثمَّ سَار السُّلْطَان مِنْهَا وَدخل دمشق سَابِع عشره فَأَقَامَ بهَا إِلَى رَابِع شهر ربيع الأول وَخرج مِنْهَا إِلَى الْقَاهِرَة واستخلف على دمشق أَخَاهُ الْملك الْمُعظم شمس الدولة تورانشاه بن أَيُّوب فوصل إِلَيْهَا لأَرْبَع بَقينَ مِنْهُ. وفيهَا أَمر للسُّلْطَان بِبِنَاء السُّور على الْقَاهِرَة والقلعة ومصر ودوره تِسْعَة وَعِشْرُونَ ألف فراع وثلاثمائة وذراعان بِذِرَاع الْعَمَل. فَتَوَلّى ذَلِك الْأَمِير بهاء الدّين قراقوش الْأَسدي وَشرع فِي بِنَاء القلعة وحفر حول السُّور خَنْدَقًا عميقا وحفر واديه وضيق طَرِيقه. وَكَانَ فِي مَكَان القلعة عدَّة مَسَاجِد مِنْهَا مَسْجِد سعد الدولة فَدخلت فِي جملَة القلعة وحفر فِيهَا بِئْرا ينزل لليها بدرج منحوتة فِي الْحجر إِلَى المَاء. وفيهَا أَمر السُّلْطَان بِبِنَاء الْمدرسَة بجوار قبر الشَّافِعِي بالقرافة وَأَن تعْمل خزانَة الْأَشْرِبَة الَّتِي كَانَت للقصر مارستانا للمرضى فَعمل ذَلِك. وَسَار السُّلْطَان إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فِي ثَانِي عشري شعْبَان وَمَعَهُ ابناه الْأَفْضَل عَليّ والعزيز عُثْمَان فصَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 بهَا شهر رَمَضَان وَسمع الحَدِيث عَليّ الْحَافِظ أبي الطَّاهِر أَحْمد السلفى وَأمر بتعمير الأسطول بهَا ووقف صادر الفرنج على الْفُقَهَاء بالاسكندرية. ثمَّ عَاد إِلَى الْقَاهِرَة فصَام بهَا بَقِيَّة رَمَضَان. وفيهَا عَاد شرف الدّين قراقوش غُلَام تَقِيّ الدّين إِلَى بِلَاد الْمغرب وَعَاد فَأخذ جمَاعَة من الْجند وَخرج إِلَى الْمغرب فَأمر الْعَادِل الْأَمِير خطلبا بن مُوسَى وَإِلَى الْقَاهِرَة بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ فَسَار إِلَى الفيوم وَأَخذه مَحْمُولا إِلَى الْقَاهِرَة. وفيهَا أبطل السُّلْطَان المكس الْمَأْخُوذ من الْحجَّاج فِي الْبَحْر إِلَى مَكَّة على طَرِيق عيذاب وَهُوَ سَبْعَة دَنَانِير مصرية وَنصف على كل إِنْسَان وَكَانُوا يؤدون ذَلِك بعيذاب أَو بجدة وَمن لم يؤد ذَلِك منع من الْحَج وعذب بتعليقه بأنثييه وَعوض أَمِير مَكَّة عَن هَذَا المكس بألفي دِينَار وَألف أردب قَمح سوى إقطاعات بصعيد مصر وباليمن وَقيل إِن مبلغ ذَلِك ثَمَانِيَة آلَاف أردب قَمح تحمل إِلَيْهِ إِلَى جدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 سنة ثَلَاث وَسبعين وَخَمْسمِائة وَخرج السُّلْطَان من القاهر لثلاث مضين من جُمَادَى الأولى سنة ثَلَاث وَسبعين لجهاد الفرنج. وَسَار إِلَى عسقلان فسبى وغنم وَقتل وَأسر وَمضى إِلَى الرملة فاعترضه نهر تل الصافية فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي جُمَادَى الْآخِرَة فازدحم النَّاس بأثقالهم عَلَيْهِ وأشرف الفرنج عَلَيْهِم ومقدمهم الْبُرْنُس أرناط صَاحب الكرك فِي جموع كَثِيرَة فَانْهَزَمَ الْمُسلمُونَ وَثَبت السُّلْطَان فِي طَائِفَة فقاتل قتالا شَدِيدا وَاسْتشْهدَ جمَاعَة وَأخذ الفرنج أثقال الْمُسلمين فَمر بهم فِي مَسِيرهمْ إِلَى الْقَاهِرَة من العناء مَا لَا يُوصف وَمَات مِنْهُم وَمن دوابهم كثير وَأسر الفرنج جمَاعَة مِنْهُم الْفَقِيه ضِيَاء الدّين عِيسَى الهكاري. وَدخل السُّلْطَان إِلَى الْقَاهِرَة منتصف جُمَادَى الْآخِرَة لَا تضرب لَهُ نوبَة حَتَّى يكسر الفرنج وَقطع أَخْبَار جمَاعَة من الأكراد من أجل أَنهم كَانُوا السَّبَب فى هَذِه الكسرة. وفيهَا نزل الفرنج على حماة فَقَاتلهُمْ النَّاس أَرْبَعَة أَيَّام حَتَّى رحلوا عَنْهَا ونزلوا على حارم فحاصروها أَرْبَعَة أشهر ثمَّ رحلوا إِلَى بِلَادهمْ. وفيهَا أطلق شرف الدّين قراقوش التَّقْوَى وَسَار إِلَى أوجلة وغرها من بِلَاد الْمغرب. وَخرج السُّلْطَان فِي سادس عشري شعْبَان سنة ثَلَاث وَسبعين من الْقَاهِرَة يُرِيد الشَّام واستخلف بديار مصر أَخَاهُ الْعَادِل فَلم يزل مُقيما على بركَة الْجب إِلَى أَن صلى صَلَاة عيد الْفطر. فَبَلغهُ نزُول الفرنج على حماة فأسرع فِي الْمسير حَتَّى دخل دمشق فِي رَابِع عشري شَوَّال فَرَحل الفرنج عَن حماة. ووافته بِدِمَشْق رسل الْخَلِيفَة بالتشريفات. وفيهَا سَار الفرنج إِلَى قلعة صدر وقاتلوا من بهَا فَلم ينالوا قصدا فَسَارُوا يُرِيدُونَ الْغَارة على نَاحيَة فاقوس ثمَّ عَادوا بنية الحشد وَالْعود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 وفيهَا عصى شمس الدّين بن الْمُقدم بِمَدِينَة بعلبك على السُّلْطَان. وفيهَا ولد الْملك الزَّاهِد مجير الدّين دَاوُد شَقِيق الظَّاهِر غياث الدّين غَازِي بن السُّلْطَان صَلَاح الدّين لسبع بَقينَ من ذِي الْقعدَة. وفيهَا غلت الأسعار بِبِلَاد الشَّام لِكَثْرَة الجدب وَاشْتَدَّ الْأَمر بحلب. وفيهَا سَار الْأَمِير نَاصِر الدّين إِبْرَاهِيم سلَاح دَار تَقِيّ الدّين عمر فِي عَسْكَر إِلَى بِلَاد الْمغرب فوصل إِلَى قراقوش التَّقْوَى وسارا إِلَى مَدِينَة الروحان فنازلاها أَرْبَعِينَ يَوْمًا حَتَّى فتحت وَقتل حاكمها وقررا عَلَيْهَا أَرْبَعَة عشر ألف دِينَار وملكا مَدِينَة غدامس بِغَيْر قتال وتقرر على أَهلهَا اثْنَا عشر ألف دِينَار وَسَار إِبْرَاهِيم إِلَى جبال نفوسة فَملك عدَّة قلاع وَصَارَ إِلَيْهِ مَال كثير وَرِجَال وَسَار الْبَعْث من عِنْد قراقوش إِلَى بِلَاد السودَان فغنموا غنيمَة عَظِيمَة. وفيهَا ظهر الْعَمَل فِي سور الْقَاهِرَة وطلع الْبناء وسلكت بِهِ الطّرق المودية إِلَى السَّاحِل بالمقس. وفيهَا مَاتَ الْأَمِير شهَاب الدّين مَحْمُود بن تكش الحارمي خَال السُّلْطَان صَلَاح الدّين ونائب حماة فِي سَابِع عشري جُمَادَى الْآخِرَة بحماة وَحمل إِلَى حلب فَدفن بهَا وَكَانَ شجاعا عَاقِلا سيوسا ممدحا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 (سنة أَربع وَسبعين وَخَمْسمِائة) وفى أَوَائِل شهر ربيع الآخر سنة أَربع وَسبعين هجم الْعَدو من الفرنج على مَدِينَة حماة فَنَهَضَ إِلَيْهِم الْمُسلمُونَ وأسروا مقدمهم فِي جمَاعَة وبعثوا بهم إِلَى السُّلْطَان بِدِمَشْق فَضرب أَعْنَاقهم. وفيهَا جهز السُّلْطَان أَخَاهُ شمس الدولة تورانشاه إِلَى محاربة شمس الدّين بن الْمُقدم ببعلبك فِي جَيش كثيف فحاصرها مُدَّة ثمَّ سَار إِلَيْهِ السُّلْطَان وَأقَام على الْحصار حَتَّى دخل الشتَاء فَوَقع الصُّلْح وتسلمها السُّلْطَان وَسلمهَا لِأَخِيهِ تورانشاه فِي شَوَّال فَبنى الفرنج فِي مُدَّة اشْتِغَال السُّلْطَان ببعلبك حصنا على مخاضة بَيت الأحزان وَهُوَ بَيت يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام وَبَينه وَبَين دمشق نَحْو يَوْم وَمِنْه إِلَى طبرية وصفد نصف يَوْم. فَعَاد السُّلْطَان إِلَى دمشق وَقدم عَلَيْهِ من الدِّيوَان الْعَزِيز خَادِم اسْمه فَاضل فأصحبه مَعَه للغزو حَيّ وقف على الْحصن وتخطف من حوله من الفرنج ثمَّ عَاد إِلَى دمشق فتواترت الْأَخْبَار باجتماع الفرنج لغزو بِلَاد الْمُسلمين فَأخْرج السُّلْطَان ابْن أَخِيه الْأَمِير عز الدّين فرخشاه أَمَامه فواقعه الفرنج وقْعَة قتل فِيهَا جمَاعَة من مقدمي الفرنج وَغَيرهم مِنْهُم الهنفرى وَصَاحب الناصرة فَانْهَزَمُوا وَأسر مِنْهُم جمَاعَة. فبرز السُّلْطَان من دمشق إِلَى الْكسْوَة لنجدة عز الدّين فوافته الأسرى والرءوس فسر بدذك وَعَاد إِلَى دمشق. وفيهَا أغار أبرنس مَالك الفرنج بأنطاكية على شيزر وغدر القومص ملك طرابلس بالتركمان. وفيهَا سَار شمس الدولة إِلَى مصر بعدة من الْعَسْكَر لجدب الشَّام فى سادس عشري ذِي الْقعدَة وأغار السُّلْطَان على حصن بَيت الأحزان وَعَاد بالغنائم والأسرى ووالى الْغَارة والبعث إِلَى بِلَاد الفرنج. وفيهَا قوي قراقوش التَّقْوَى وَإِبْرَاهِيم السِّلَاح دَار بِبِلَاد الْمغرب وأخذا عدَّة حصون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 سنة خمس وَسبعين وَخَمْسمِائة دخلت سنة خمس وَسبعين وَخَمْسمِائة وَالسُّلْطَان مواصل الإغارة على بِلَاد الفرنج وَكَانَ نازلا على بانياس وسرح العساكر ومقدمها عز الدّين فرخشاه بن أَيُّوب فَأكْثر من قَتلهمْ وأسرهم. وَفتح بَيت الأحزان فِي رَابِع عشري ربيع الآخر بعد قتال وحصار فغنم مِنْهُم مائَة ألف قِطْعَة حَدِيد من أَنْوَاع الأسلحة وشيئا كثيرا من الأقوات وَغَيرهَا وَأسر عدَّة نَحْو السبعمائة وَخرب الْحصن حَتَّى سوى بِهِ الأَرْض وسد الْبِئْر الَّتِي كَانَت بِهِ وَعَاد بَعْدَمَا أَقَامَ عَلَيْهِ أَرْبَعَة عشر يَوْمًا فَأَغَارَ على طبرية وصور وبيروت ثمَّ رَجَعَ إِلَى دمشق وَقد مرض كثير من الْعَسْكَر وَمَات عدَّة من الْأُمَرَاء. وَفِي يَوْم الْأَحَد ثامن الْمحرم: ركب السُّلْطَان وَمَعَهُ صمصام الدّين أجك وَإِلَى بانياس فِي عسكره فَلَقِيَهُ الفرنج فِي ألف رمح وَعشرَة آلَاف مقَاتل مَا بَين فَارس وراجل فَاقْتَتلُوا قتالا كثيرا انهزم فِيهِ الفرنج وَركب الْمُسلمُونَ أقفيتهم يقتلُون وَيَأْسِرُونَ حَتَّى حَال بَينهم اللَّيْل وَعَاد السُّلْطَان إِلَى مخيمه وَقد مض أَكثر اللَّيْل وَعرض الأسرى فَقدم أَوَّلهمْ بادين بن بارزان ثمَّ أود مقدم الداوية وَابْن القومصية وأخو صَاحب جبيل فِي آخَرين فقيدوا بأجمعهم وهم نَحْو الْمِائَتَيْنِ وَسبعين وحملوا إِلَى دمشق فاعتقلوا بهَا وَعَاد السُّلْطَان إِلَى دمشق ففدى ابْن بارزان بعد سنة بِمِائَة وَخمسين ألف دِينَار وَألف أَسِير من الْمُسلمين وفدى ابْن القومصية بِخَمْسَة وَخمسين ألف دِينَار صورية وَمَات أود فَأخذت جيفته بأسير أفرج عَنهُ. وَقدم الْخَبَر بَان الْملك المظفر تَقِيّ الدّين أوقع بعسكر قلج أرسلان صَاحب الرّوم السلجوقية فَهَزَمَهُمْ وَأسر مِنْهُم جمَاعَة فَكتب السُّلْطَان البشائر بظفره بالفرنج على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 مرج عُيُون وبظفر أَخِيه بعسكر الرّوم وسيرها إِلَى الأقطار فَأَتَتْهُ تهاني الشُّعَرَاء من الْأَمْصَار ثمَّ اهتم السُّلْطَان بِأَمْر بَيت الأحزان وَكتب إِلَى الفرنج يَأْمُرهُم بهدمه فَأَبَوا فراجعهم مرّة ثَانِيَة فطلبوا مِنْهُ مَا غرموا عَلَيْهِ فبذل لَهُم حَتَّى وصلهم إِلَى مائَة ألف دنيار فَلم يقبلُوا. فَكتب حِينَئِذٍ إِلَى التركمان وأجناد الْبِلَاد يستدعيهم وَحمل إِلَيْهِم الْأَمْوَال والخيول والتشاريف فَقدم إِلَيْهِ خلق كثر وَسَار الْملك المظفر من حماة فَقدم دمشق أول شهر ربيع الآخر وَقد تَلقاهُ السُّلْطَان ثمَّ سَار السُّلْطَان من دمشق يَوْم الْخَمِيس خامسه فِي عَسْكَر عَظِيم وَنزل على حصن بَيت الأحزان يَوْم الثُّلَاثَاء حادي عشره وَكَانَت قلعة صفد للداوية فَأمر بِقطع كروم ضيَاع صفد وحاصر الْحصن ونقبه من جِهَات وحشاه بالحطب وَأحرقهُ حَتَّى سقط فِي رَابِع عشريه وَأَخذه فَقتل من فِيهِ وأسرهم وَوجد فِيهِ مائَة أَسِير من الْمُسلمين فَقتل عدَّة من أسرى الفرنج وَبعث باقيهم فِي الْحَدِيد إِلَى دمشق وأخرب الْحصن حَتَّى سوى بِهِ الأَرْض فَكَانَت إِقَامَته عَلَيْهِ أَرْبَعَة عشر يَوْمًا وَعَاد إِلَى دمشق فمدحه عدَّة من الْأُمَرَاء وَالشعرَاء وهنأوه بِالْفَتْح. وَفِي صفر: ظهر قُدَّام المقياس بِمصْر وسط النّيل الْحَائِط الَّذِي كَانَ فِي جَوْفه قبر يُوسُف الصّديق وتابوته وَلم ينْكَشف قطّ مُنْذُ نَقله مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام إِلَّا حِينَئِذٍ عِنْد نُقْصَان المَاء فِي قاع المقياس فَإِن الرمل انْكَشَفَ عَنهُ وَظهر للنَّاس وَأكْثر النَّاس مَا علمُوا مَا هُوَ. وفيهَا نَافق جِلْدك الشهابي بالواحات فَأَخذه الْعَادِل بالأمان وسيره إِلَى دمشق. وفيهَا أغار عز الدّين فرخشاه على صفد فَأكْثر من الْقَتْل والسبي وأحرق الربض فِي رَابِع عشر ذِي الْقعدَة وَعَاد إِلَى دمشق. وفيهَا مَاتَ الْخَلِيفَة المستضيء بِأَمْر الله أَبُو المظفر يُوسُف بن المقتفي لأمر الله مُحَمَّد يَوْم الْجُمُعَة لِاثْنَتَيْ عشرَة مَضَت من شَوَّال وَكَانَت خِلَافَته عشر سِنِين غير أَرْبَعَة أشهر. واستخلف من بعده ابْنه النَّاصِر لدين الله أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد فَخرج الشَّيْخ صدر الدّين شيخ الشُّيُوخ عبد الرَّحِيم بن إِسْمَاعِيل من بَغْدَاد رَسُولا إِلَى الْمُلُوك وَإِلَى السُّلْطَان صَلَاح الدّين وَسَار مَعَه إِلَى مصر شهَاب الدّين الْخَاص كَمَا يَأْتِي ذكره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 وفيهَا ختن السطان ابْنه الْملك الْعَزِيز عُثْمَان وَسلمهُ إِلَى صدر الدّين بن المجاور معلما لَهُ. وفيهَا فَشَا الْمَوْت بِمصْر والقاهرة وَعَامة أَعمال مصر وتغيرت رَائِحَة الْهَوَاء وَمَات بِالْقَاهِرَةِ ومصر فِي أَيَّام يسيرَة سَبْعَة عشر ألف إِنْسَان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 سنة سِتّ وَسبعين وَخَمْسمِائة وَدخلت سنة سِتّ وَسبعين وَخَمْسمِائة وفيهَا سَار السُّلْطَان إِلَى حَرْب عز الدّين قلج أرسلان بن مَسْعُود بن قلج أرسلان السلجوقي صَاحب قونية وَعَاد بِغَيْر قتال فَدخل دمشق أول شهر رَجَب. وفيهَا مَاتَ السُّلْطَان سيف الدّين غَازِي بن السُّلْطَان قطب الدّين مودود بن عماد الدّين زنكي بن أقسنقر صَاحب الْموصل فِي ثَالِث صفر وَجلسَ أَخُوهُ عز الدّين مَسْعُود مَكَانَهُ فَكتب السُّلْطَان صَلَاح الدّين إِلَى الْخَلِيفَة النَّاصِر يسْأَل أَن يُفَوض إِلَيْهِ فوصل شيخ الشُّيُوخ صدر الدّين أَبُو الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن وشهاب الدّين بشير الْخَاص بالتفويض والتقليد والتشريف فِي رَجَب فَتَلقاهُمْ السُّلْطَان وترجل لَهُم ونزلوا لَهُ وبلغوه سَلام الْخَلِيفَة فَقبل الأَرْض وَدخل دمشق بِالْخلْعِ وَأعَاد الْجَواب مَعَ بشير وصحبته ضِيَاء الدّين الشهرزورى. وَسَار السُّلْطَان إِلَى بِلَاد الأرمن لقمع ملكهم فأوغل فِيهَا وأطاعه ملكهم ثمَّ عَاد بَعْدَمَا وصل إِلَى بهسنا وأحرق حصنا وَخَرَّبَهُ وَخرج من دمشق يُرِيد مصر فِي ثامن عشر رَجَب وَمَعَهُ شيخ الشُّيُوخ صدر الدّين فوصل إِلَى الْقَاهِرَة ثَالِث عشر شعْبَان وَخرج شيخ الشُّيُوخ إِلَى مَكَّة فِي الْبَحْر وَعَاد مِنْهَا إِلَى بَغْدَاد. وفيهَا مَاتَ الْحَافِظ أَبُو الطَّاهِر أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن سلفة السلَفِي فِي يَوْم الْجُمُعَة خَامِس ربيع الآخر بالإسكندرية عَن نَحْو مائَة سنة. وَمَات الْملك الْمُعظم شمس الدولة تورانشاه بن أَيُّوب بن شادي فِي خَامِس صفر بالإسكندرية وَحمل إِلَى دمشق فَدفن بهَا. وفيهَا ولدت امْرَأَة غرابا. وفيهَا كَانَ قاع النّيل ثَلَاثَة أَذْرع وَعشْرين إصبعا وَبَلغت الزِّيَادَة سِتَّة عشرَة ذِرَاعا وثلثي ذِرَاع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 سنة سبع وَسبعين وَخَمْسمِائة ثمَّ دخلت سنة سبع وَسبعين وَخَمْسمِائة فِي محرم خرج الْأَمر بالحوطة على مستغلات العربان بالشرقية وَأمرُوا بالتعدية إِلَى الْبحيرَة وَوَقعت الحوطة على إقطاع جذام وثعلبة لِكَثْرَة حملهمْ الغلال إِلَى بِلَاد الفرنج وَكثر الفار بالمقاثي والغلال بعد حصادها فأتلف شَيْئا كثيرا وَاحْتَرَقَ النّيل حَتَّى صَار يخاض وتشمر المَاء عَن سَاحل المقس ومصر وربى جزائر رَملَة خيف مِنْهَا على المقياس أَن يَتَقَلَّص المَاء عَنهُ وَيحْتَاج إِلَى عمل غَيره وَبعد المَاء عَن السُّور بالمقس وَصَارَت قوته من بر الغرب وخيم السُّلْطَان فِي بركَة الْجب للصَّيْد وَلعب الأكرة وَعَاد بعد سِتَّة أَيَّام وَورد الْخَبَر بِأَن الأبرنس أرناط ملك الفرنج بالكرك جمع وعزم على الْمسير إِلَى تيماء وَدخُول الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة فَخرج عز الدّين فرخشاه من دمشق بعساكره إِلَى الكرك وَنهب وَحرق وَعَاد إِلَى أَطْرَاف بِلَاد الْإِسْلَام فَأَقَامَ بِهِ وَورد الْخَبَر من نَائِب قلعة أَيْلَة بِشدَّة الْخَوْف من الفرنج. وَفِي صفر: قدم رَسُول ملك الْقُسْطَنْطِينِيَّة إِلَى الْقَاهِرَة فَوَقع الصُّلْح مَعَ صَاحبهَا وَأطلق فِي جُمَادَى الْآخِرَة مائَة وَثَمَانِينَ أَسِيرًا من الْمُسلمين وَسَار صارم الدّين خطلبا إِلَى الفيوم وَقد أضيفت إِلَيْهِ ولايتها وأفردت برسمه الْخَاص وَنقل عَنْهَا مقطوعها ثمَّ صرف عَن ولَايَة الفيوم بِابْن شمس الْخلَافَة وأحضر خطلبا ليسير إِلَى الْيمن وَكتب إِلَى دمياط بترتيب الْمُقَاتلَة على البرجين وسد مراكب السلسلة وتسييرها لِيُقَاتل عَلَيْهَا ويدافع عَن الدُّخُول من بَين البرجين بهَا. وَفِي ربيع الأول: طرق الفرنج سَاحل تنيس وَأخذُوا مركبا للتجار ووصلت مراكب من دمياط كَانَت استدعيت من خمسين مركبا لتَكون فِي سَاحل مصر وكمل بِنَاء برج بالسويس يسع عشْرين فَارِسًا ورتب فِيهِ الفرسان لحفظ طَرِيق الصَّعِيد الَّتِي يجلب مِنْهَا الشب إِلَى بِلَاد الفرنج وَأمر بعمارة قلعة تنيس وَورد تجار الكارم من عدن فَطلب مِنْهُم زَكَاة أَربع سِنِين. وَكَثُرت بيُوت المزر بالإسكندرية فهدم مِنْهَا مائَة وَعِشْرُونَ بَيْتا. وَوصل الْمُفْرد فِي حادي عشْرين ربيع الأول بِالْوَفَاءِ فِي سَابِع عشره فأوفى النّيل بِمصْر فِي سادس عشريه الْمُوَافق يَوْم السَّادِس عشر من مسرى وَلَا يعرف وفاؤه بِهَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 التَّارِيخ فِي زمن مُتَقَدم فَركب السُّلْطَان لتخليق المقياس فِي غده وخلع على ابْن أَبى الرداد فِي سلخه وَفتح الخليج فِي رَابِع ربيع الآخر وَالْمَاء على خَمْسَة عشر إصبعا من سَبْعَة عشر ذِرَاعا بِمحضر وَالِي الْقَاهِرَة. وَفِيه أنْفق السُّلْطَان فِي الأجناد البطالين وجردهم إِلَى الثغور وَأنْفق فِي رجال الشواني وجردهم للغزو وَورد الْخَبَر بِكَثْرَة ولادَة الْحَيَوَان النَّاطِق والصامت للتوأم وَأَن ذَلِك خرج عَن الْحَد فِي الزِّيَادَة على الْمَعْهُود وَأَن الغزال فِي الْبَريَّة كُله أتأم وَكَذَلِكَ النسوان أتأمن أَكثر من الْإِفْرَاد وَكَذَلِكَ الطير فَإِنَّهُ كثر ظُهُوره كَثْرَة ظَهرت. وَفِيه مَاتَت امْرَأَة الصَّالح بن رزيك عَن سنّ كَبِيرَة وَضعف حَال وعمى بعد الدُّنْيَا وَالْملك الَّذِي كَانَت فِيهِ. وَركب السُّلْطَان فِي أول جُمَادَى الأولى لفتح بَحر أبي المنجا وَعَاد إِلَى قلعة الْجَبَل وَركب مِنْهَا إِلَى المخيم بِالْبركَةِ. وَسَار متسلم الْأَمِير صارم الدّين خطلبا إِلَى الْيمن وانتصب السُّلْطَان لَيْلًا وَنَهَارًا فِي تَرْتِيب أَحْوَال الأجناد واقتطع من إقطاعات العربان الثُّلثَيْنِ وَعوض بِهِ مقطعو الفيوم وَصَارَت أَعمال الفيوم كلهَا للسُّلْطَان. وَفِيه قرر ديوَان الأسطول وَفِيه الفيوم وَالْحَبْس الجيوشي والخراجي والنطرون وَضمن الْخراج بِثمَانِيَة آلَاف دِينَار. وَفِي هَذِه السّنة: رتبت الْمُقَاتلَة على البرجين بدمياط وجهزت خَمْسمِائَة دِينَار لعمارة سورها وَالنَّظَر فِي السلسلة الَّتِي بَين البرجين وَعمل تَقْدِير برسم مَا يحْتَاج إِلَيْهِ سور تنيس وإعادته كَمَا كَانَ فِي الْقَدِيم فجَاء ثَلَاثَة آلَاف دِينَار وَكتب إِلَى قوص بِإِبْطَال المكوس الَّتِي تستأدي من الْحجَّاج وتجار الْيمن. وَورد كتاب إِبْرَاهِيم السِّلَاح دَار من الْمغرب أَنه فتح بِلَاد هوارة وزواوة ولواتة وجبل نفوسة وغدامس وأعمالا طولهَا وعرضها خَمْسَة وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَأَنه خطب على منابرها للسُّلْطَان وَضربت السِّكَّة باسمه وانه إِذا أنعم عَلَيْهِ بتقوية بلغ أغراضا بعيدَة وسير أَمْوَالًا عتيدة. وأنشئت أَربع حراريق بصناعة مصر برسم من تجرد إِلَى بِلَاد الْيمن وجردت أُمَرَاء الْعَسْكَر السائرين إِلَى الْيمن وَكبر فِي بَحر تنيس تعدِي العربان على المراكب وعمرت عَلَيْهِم حراريق فِيهَا فَلم يظفر بهم لإيوائهم إِلَى الهيش. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 وَفِي جُمَادَى الْآخِرَة: قطع الفرنج أَكثر نخل الْعَريش وَحَمَلُوهُ إِلَى بِلَادهمْ وسيرت مراكب بالزاد والعلوفات والأسلحة إِلَى الْيمن وَأسْندَ أَمر الجسور إِلَى وَالِي الغربية ووالي الشرقية ليتوفرا على عمارتها وَكتب إِلَى الْأَمِير فَخر الدّين نشر الْملك بن فَرِحُونَ وَالِي الْبحيرَة ومشارفها بذلك. وَفِي رَجَب: اسْتَقَرَّتْ عدَّة الأجناد ثَمَانِيَة آلَاف وسِتمِائَة وَأَرْبَعين وأمراء مائَة أحد عشر وطواشية سِتَّة آلَاف وَتِسْعمِائَة وَسِتَّة وَسبعين وقرا غلامية ألف وَخَمْسمِائة وَثَلَاثَة وَخمسين. والمستقر لَهُم من المَال ثَلَاثَة آلَاف وسِتمِائَة ألف وَسَبْعُونَ ألفا وَخَمْسمِائة دِينَار خَارج عَن المحلولين وَعَن العربان المقطعين بالشرقية والبحيرة والكنانيين والمضريين وَالْفُقَهَاء والقضاة والصوفية والدواوين وَلَا يقصر مَا مَعَهم عَن ألف ألف دِينَار. وَوصل الإبرنس أرناط إِلَى أَيْلَة وَسَار عسكره إِلَى تَبُوك. وَفِي شعْبَان: كثر الْمَطَر بأيلة حَتَّى تهدمت قلعتها وَشرع فِي بِنَاء سور دمياط وذرعه أَرْبَعَة آلَاف وسِتمِائَة وَثَلَاثُونَ ذِرَاعا وَشرع أَيْضا فِي بِنَاء برج بهَا. وَفِي شَوَّال: مَاتَ منكورس الْأَسدي أحد الْأُمَرَاء المماليك وَأخذ إقطاعه يازكج الْأَسدي وَقبض على سيف الدولة مبارك بن منقذ بن كَامِل الْكِنَانِي نَائِب شمس الدولة بِبِلَاد الْيمن وَأخذ مِنْهُ ثَمَانُون ألف دِينَار وَأَفْرج عَنهُ. وَسَار خطلبا وَالِي مصر واليا على زبيد وصحبته خَمْسمِائَة رجل وَمَعَهُمْ الْأَمِير باخل وَقد بلغت النَّفَقَة فيهم عشْرين ألف دِينَار وَكتب للطواشية بِنَفَقَة عشرَة دَنَانِير لكل مِنْهُم على الْيمن إِن كَانَ من الإقطاعية وللبطالين والمترجلة فِي الشَّهْر ثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ دِينَارا وسيرت الحراريق وهى خمس وَقد شحنت بالرماة. وَفِي سَابِع عشره: سَار السُّلْطَان إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فَدخل خَامِس عشري شَوَّال وَشرع فِي قِرَاءَة الْمُوَطَّأ يَوْم الْخَمِيس ثَانِي يَوْم دُخُوله على الْفَقِيه أبي الطَّاهِر بن عَوْف وَأَنْشَأَ بهَا مارستانا ودارا للمغاربة ومدرسة على ضريح الْمُعظم توران شاه وَشرع فِي عمَارَة الخليج وَنقل فوهته إِلَى مَكَان أخر وَسَار مِنْهَا أول ذِي الْقعدَة إِلَى دمياط وَعَاد إِلَى الْقَاهِرَة فِي سابعه. وَفِي تاسعه: أَمر بِفَتْح المارستان الصلاحي وأفرد برسمه من أُجْرَة الرباع الديوانية مشاهرة مبلغها مِائَتَا دِينَار وغلات جِهَتهَا الفيوم واستخدم لَهُ أطباء وَغَيرهم. (تكْرَار: وَفِي جُمَادَى الْآخِرَة: قطع الفرنج أَكثر نخل الْعَريش وَحَمَلُوهُ إِلَى بِلَادهمْ وسيرت مراكب بالزاد والعلوفات والأسلحة إِلَى الْيمن وَأسْندَ أَمر الجسور إِلَى وَالِي الغربية ووالي الشرقية ليتوفرا على وَفِي رَجَب: اسْتَقَرَّتْ عدَّة الأجناد ثَمَانِيَة آلَاف وسِتمِائَة وَأَرْبَعين وأمراء مائَة أحد عشر وطواشية سِتَّة آلَاف وَتِسْعمِائَة وَسِتَّة وَسبعين وقرا غلامية ألف وَخَمْسمِائة وَثَلَاثَة وَخمسين. والمستقر لَهُم من المَال ثَلَاثَة آلَاف وسِتمِائَة ألف وَسَبْعُونَ ألفا وَخَمْسمِائة دِينَار خَارج عَن المحلولين وَعَن العربان المقطعين بالشرقية والبحيرة والكنانيين والمضريين وَالْفُقَهَاء والقضاة والصوفية والدواوين وَلَا يقصر مَا مَعَهم عَن ألف ألف دِينَار. وَوصل الإبرنس أرناط إِلَى أَيْلَة وَسَار عسكره إِلَى تَبُوك. وَفِي شعْبَان: كثر الْمَطَر بأيلة حَتَّى تهدمت قلعتها وَشرع فِي بِنَاء سور دمياط وذرعه أَرْبَعَة آلَاف وسِتمِائَة وَثَلَاثُونَ ذِرَاعا وَشرع أَيْضا فِي بِنَاء برج بهَا. وَفِي شَوَّال: مَاتَ منكورس الْأَسدي أحد الْأُمَرَاء المماليك وَأخذ إقطاعه يازكج الْأَسدي وَقبض على سيف الدولة مبارك بن منقذ بن كَامِل الْكِنَانِي نَائِب شمس الدولة بِبِلَاد الْيمن وَأخذ مِنْهُ ثَمَانُون ألف دِينَار وَأَفْرج عَنهُ. وَسَار خطلبا وَالِي مصر واليا على زبيد وصحبته خَمْسمِائَة رجل وَمَعَهُمْ الْأَمِير باخل وَقد بلغت النَّفَقَة فيهم عشْرين ألف دِينَار وَكتب للطواشية بِنَفَقَة عشرَة دَنَانِير لكل مِنْهُم على الْيمن إِن كَانَ من الإقطاعية وللبطالين والمترجلة فِي الشَّهْر ثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ دِينَارا وسيرت الحراريق وهى خمس وَقد شحنت بالرماة. وَفِي سَابِع عشره: سَار السُّلْطَان إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فَدخل خَامِس عشري شَوَّال وَشرع فِي قِرَاءَة الْمُوَطَّأ يَوْم الْخَمِيس ثَانِي يَوْم دُخُوله على الْفَقِيه أبي الطَّاهِر بن عَوْف وَأَنْشَأَ بهَا مارستانا ودارا للمغاربة ومدرسة على ضريح الْمُعظم توران شاه وَشرع فِي عمَارَة الخليج وَنقل فوهته إِلَى مَكَان أخر وَسَار مِنْهَا أول ذِي الْقعدَة إِلَى دمياط وَعَاد إِلَى الْقَاهِرَة فِي سابعه. وَفِي تاسعه: أَمر بِفَتْح المارستان الصلاحي وأفرد برسمه من أُجْرَة الرباع الديوانية مشاهرة مبلغها مِائَتَا دِينَار وغلات جِهَتهَا الفيوم واستخدم لَهُ أطباء وَغَيرهم.) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 وَفِي حادي عشره: خرج السُّلْطَان إِلَى بركَة الْجب لتجريد العساكر والمسير إِلَى الشَّام وَخرج الْملك الْعَادِل فِي ثَالِث عشره إِلَى المخيم وَنزل نَاحيَة بركَة الْجب وسومح برسوم للولاة بِمصْر والقاهرة ورسوم الفيوم ورسوم الصَّيْد الْأَعْلَى وأخرجت منجنيقات إِلَى الْخيام برسم الْغُزَاة. وَفِي حادي عشره: سَار سيف الْإِسْلَام طغتكين أَخُو السُّلْطَان صَلَاح الدّين إِلَى أخميم لجباية الجوالي وَالنَّظَر فِي أَمر الشب. وظفر وَالِي قوص برجلَيْن من أهل إسنا يدعوان الى مَذْهَب الباطنية. وَفِي ثَالِث عشريه: عقد نِكَاح بَنَات الْعَادِل على أَبنَاء السُّلْطَان صَلَاح الدّين وهم: غياث الدّين غَازِي ومظفر الدّين خضر وَنجم الدّين مَسْعُود وَشرف الدّين يَعْقُوب وَالصَّدَاق فِي كل كتاب عشرُون ألف دِينَار. وَعقد السُّلْطَان الْهُدْنَة مَعَ رَسُول القومص ملك الفرنج بطرابلس وَنُودِيَ بِمَنْع أهل الذِّمَّة من ركُوب الْخَيل وَالْبِغَال من غير اسْتثِْنَاء طَبِيب وَلَا كَاتب. وَمَات الْملك الصَّالح مجير الدّين إِسْمَاعِيل بن الْعَادِل نور الدّين مَحْمُود بن زنكي بن آقسنقر الأتابكي صَاحب حلب فِي يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشري رَجَب فَقَامَ من بعده ابْن عَمه السُّلْطَان عز الدّين مَسْعُود بن مودود بن زنكي. وَكَانَ موت الصَّالح هُوَ المحرك للسُّلْطَان صَلَاح الدّين على السّفر وَكتب لِابْنِ أَخِيه المظفر تَقِيّ الدّين عمر صَاحب حماة وَغَيره من النواب بالتأهب وَكَاتب الْخَلِيفَة النَّاصِر يسْأَل ولَايَة حلب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 سنة ثَمَان وَسبعين وَخَمْسمِائة وأهلت سنة ثَمَان وَسبعين وَالسُّلْطَان مبرز بِظَاهِر الْقَاهِرَة فَلَمَّا خرج النَّاس لوداعه وَقد اجْتمع عِنْده من الْعلمَاء والفضلاء كثير وهم يتناشدون مَا قيل فِي الْوَدَاع فَأخْرج بعض مؤدبي أَوْلَاد السُّلْطَان رَأسه من الْخَيْمَة وَقَالَ: تمتّع من شميم عرار نجد فَمَا بعد العشية من عرار فتطير الْحَاضِرُونَ من ذَلِك وَصحت الطَّيرَة فَإِن السُّلْطَان رَحل من ظَاهر الْقَاهِرَة فِي خَامِس الْمحرم من هَذِه السّنة وَلم يعد بعد ذَلِك إِلَى الْقَاهِرَة فسلك فِي طَرِيقه على أَيْلَة فَأَغَارَ على بِلَاد الفرنج وَسَار على سمت الكرك وَبعث أَخَاهُ تَاج الْمُلُوك بالعسكر على الدَّرْب وَخرج عز الدّين فرخشاه من دمشق فَأَغَارَ على طبرية وعكا وَأخذ الشقيف أرنون وَعَاد بِأَلف أَسِير وَعشْرين ألف رَأس غنم وَأنزل فِيهِ طَائِفَة من الْمُسلمين وألفى الرّيح بطسة للفرنج إِلَى بر دمياط فَأسر مِنْهَا ألف وسِتمِائَة وَتسْعُونَ نفسا سوى من غرق فَدخل السُّلْطَان إِلَى دمشق يَوْم الْإِثْنَيْنِ لثلاث عشرَة بقيت من صفر فَأَقَامَ بهَا يَسِيرا ثمَّ أغار على طبرية وَاشْتَدَّ الْقِتَال مَعَ الفرنج تَحت قلعة كَوْكَب وَاسْتشْهدَ جمَاعَة من الْمُسلمين وَعَاد إِلَى دمشق فِي رَابِع عشر ربيع الأول وخيم بالفوار من عمل حوران وَأقَام بِهِ حَتَّى رَحل إِلَى حلب. وَخرج سيف الْإِسْلَام ظهير الدّين طغتكين بن أَيُّوب بن شادي من الْقَاهِرَة إِلَى الْيمن بعد مسير السُّلْطَان وَوصل إِلَى زبيد فملكها وَأخذ مِنْهَا مَا قِيمَته ألف ألف دِينَار واحتوى على عدن أَيْضا. وَخرج السُّلْطَان من دمشق يُرِيد حلب فَنزل عَلَيْهَا يَوْم الْأَحَد ثامن عشر جُمَادَى الأولى ونازلها ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ رَحل إِلَى الْفُرَات فخيم على غربي البيرة وَمد الجسر وَكَاتب مُلُوك الْأَطْرَاف ورحل إِلَى الرها فتسلمها وَسَار عَنْهَا إِلَى حران فرتبها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 وانفصل عَنْهَا إِلَى الرقة فملكها وَمَا حولهَا ونازل نَصِيبين حَتَّى ملكهَا وقلعتها فورد الْخَبَر بِقصد الفرنج دمشق ونهبهم الْقرى فَسَار ونازل الْموصل فِي يَوْم الْخَمِيس حادي عشر رَجَب وألح فِي الْقِتَال فَلم ينل غَرضا ورحل يُرِيد سنجار فنازلها وضايقها من يَوْم الْأَرْبَعَاء سادس عشري شعْبَان. وَدخل رَمَضَان: فَكف عَن الْقِتَال ثمَّ تسلمها بالأمان يَوْم الْخَمِيس ثَانِيه وَأَعْطَاهَا ابْن أَخِيه الْملك المظفر تَقِيّ الدّين عمر ورحل إِلَى نَصِيبين فَأَقَامَ بهَا لشدَّة الْبرد وَسَار عَنْهَا إِلَى حران ثمَّ رَحل وَنزل على آمد لثلاث عشرَة بقيت من ذِي الْحجَّة. وفيهَا قصد الفرنج بِلَاد الْحجاز وَأَنْشَأَ الْبُرْنُس أرناط صَاحب الكرك سفنا وَحملهَا على الْبر إِلَى بَحر القلزم وأركب فِيهَا الرِّجَال وأوقف مِنْهَا مركبين على حرزة قلعة القلزم لمنع أَهلهَا من استقاء المَاء. وسارت الْبَقِيَّة نَحْو عيذاب فَقتلُوا وأسروا وأحرقوا فِي بَحر القلزم نَحْو سِتّ عشرَة مركبا وَأخذُوا بعيذاب مركبا ياتي بالحجاج من جدة وَأخذُوا فِي الْأسر قافلة كَبِيرَة من الْحجَّاج فِيمَا بَين قوص وعيذاب وَقتلُوا الْجَمِيع وَأخذُوا مركبين فيهمَا بضائع جَاءَت من الْيمن وَأخذُوا أَطْعِمَة كَثِيرَة من السَّاحِل كَانَت معدة لميرة الْحَرَمَيْنِ وأحدثوا حوادث لم يسمع فِي الْإِسْلَام بِمِثْلِهَا وَلَا وصل قبلهم رومي إِلَى ذَلِك الْموضع فَإِنَّهُ لم يبْق بَينهم وَبَين الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة سوى مسيرَة يَوْم وَاحِد ومضوا إِلَى الْحجاز يُرِيدُونَ الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة. فَجهز الْملك الْعَادِل وَهُوَ يخلف السُّلْطَان بِالْقَاهِرَةِ الْحَاجِب حسام الدّين لُؤْلُؤ إِلَى القلزم فعمر مراكب بِمصْر والإسكندرية وَسَار إِلَى أَيْلَة وظفر بمراكب للفرنج فحرقها وَأسر من فِيهَا وَسَار إِلَى عيذاب وَتبع مراكب الفرنج فَوَقع بهَا بعد أَيَّام وَاسْتولى عَلَيْهَا وَأطلق من فِيهَا من التُّجَّار المأسورين ورد عَلَيْهِم مَا أَخذ لَهُم وَصعد الْبر موكب خيل الْعَرَب حَتَّى أدْرك من فر من الفرنج وَأَخذهم فساق مِنْهُم اثْنَيْنِ إِلَى منى ونحرهما بهَا كَمَا تنحر الْبدن وَعَاد إِلَى الْقَاهِرَة بالأسرى فِي ذِي الْحجَّة فَضربت أَعْنَاقهم كلهم. وَعَاد الأسطول من بَحر الرّوم بعد نكاية أهل الجزائر وَمَعَهُ بطسة للفرنج كَانَت تُرِيدُ وَمَات عز الدّين فرخشاه الملقب بِالْملكِ الْمَنْصُور فِي دمشق فِي أول جُمَادَى الْآخِرَة. وَمَات الشَّيْخ الزَّاهِد روزبهار بن أبي بكر بن مُحَمَّد أبي الْقَاسِم الْفَارِسِي الصُّوفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء الْخَامِس من ذِي الْقعدَة وَدفن بقرافة مصر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 وفيهَا انقرضت دولة آل سبكتكين وَكَانَ ابْتِدَاؤُهَا سنة سِتّ وَسِتِّينَ وثلاثمائة فملكوا مِائَتي سنة وَثَلَاث عشرَة سنة. وأولهم مَحْمُود بن سبكتكين وَآخرهمْ خسروشاه بن بهْرَام بن شاه بن مَسْعُود بن مَسْعُود بن إِبْرَاهِيم بن مَحْمُود بن سبكتكين. وَقَامَ بعدهمْ الغورية وأولهم عز الدّين حسن صَاحب بِلَاد الْغَوْر. وفيهَا ورد الْخَبَر بِأَن المَاء الَّذِي فِي زقاق سبتة قل حَتَّى ظَهرت القنطرة الَّتِي كَانَ يعبر النَّاس عَلَيْهَا فِي قديم الدَّهْر إِلَى أَن غلب عَلَيْهَا الْبَحْر وطمها فَلَمَّا قل المَاء فِي هَذِه السّنة عَنْهَا لم يبْق عَلَيْهَا مِنْهُ سوى قامتين وَرَأى النَّاس آثَار بنيانها وَأَن مركبا انْكَسَرَ عَلَيْهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 (سنه تسع وَسبعين وَخَمْسمِائة) وأهلت سنة تسع وَسبعين وَالسُّلْطَان على آمد فتسلمها فِي أوئل الْمحرم فَقدمت عَلَيْهِ رسل مُلُوك الْأَطْرَاف يطْلبُونَ الْأمان. وَخرج الفرنج إِلَى نواحى الداروم ينهبون فبرز إِلَيْهِم عدَّة من وَفِيه سَار الأسطول من مصر فظفر ببطسة فِيهَا ثَلَاثمِائَة وَخَمْسَة وَسَبْعُونَ علجا قدمُوا بهم فِي خَامِس الْمحرم إِلَى الْقَاهِرَة وَتوجه سعد الدّين كمشبه الْأَسدي وَعلم الدّين قَيْصر إِلَى الداروم فأوقعوا بالفرنج على مَاء وقتلوهم جَمِيعًا وَقدمُوا بالرءوس إِلَى الْقَاهِرَة فِي رَابِع عشريه. ورحل السُّلْطَان عَن آمد وَعبر الْفُرَات يُرِيد حلب فَملك عين تَابَ وَغَيرهَا وَنزل على حلب بكرَة يَوْم السبت سادس عشري الْمحرم وَقد خرب السُّلْطَان عماد الدّين زنكي بن مودود بن زنكي قلعته فِي جُمَادَى من سنة ثَمَان وَسبعين وَخَمْسمِائة. وتسلمها صَلَاح الدّين بصلح يَوْم السبت ثامن عشر صفر على أَن تكون لعماد الدّين منجار. وَمَات تَاج الْمُلُوك بوري بن أَيُّوب بن شادي فِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشريه بحلب. وَسَار عماد الدّين إِلَى سنجار فولى السُّلْطَان قَضَاء حلب محيي الدّين مُحَمَّد بن الزكي عَليّ الْقرشِي قَاضِي دمشق فاستناب بهَا زين الدّين ندا بن الْفضل بن سُلَيْمَان البانياسي وَولي يازكج قلعتها وَجعل ابْنه الْملك الظَّاهِر غياث الدّين غَازِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 ملكا بهَا ورحل عَنْهَا لثمان بَقينَ من ربيع الآخر. فَدخل دمشق ثَالِث جُمَادَى الأولى وَأقَام بهَا إِلَى سَابِع عشريه وبرز وَسَار إِلَى بيسان فَعبر نهر الْأُرْدُن فِي تَاسِع جُمَادَى الْآخِرَة وأغار على بيسان فأحرقها ونهبها وَفعل ذَلِك بعدة قلاع وأوقع بِكَثِير من الفرنج وَاجْتمعَ بِعَين جالوت من الفرنج خلق كثير ثمَّ رحلوا وَأسر السُّلْطَان مِنْهُم كثيرا وَخرب من الْحُصُون حصن بيسان وحصن عفر بِلَا وزرعين وَمن الأبراج والقرى عشرَة وَعَاد إِلَى دمشق لست بَقينَ من جُمَادَى الْآخِرَة ثمَّ خرج فِي يَوْم السبت ثَالِث رَجَب يُرِيد الكرك فنازله مُدَّة وَلم ينل مِنْهُ عرضا فَسَار إِلَى دمشق وَقد وصل إِلَيْهِ أَخُوهُ الْملك الْعَادِل من مصر فِي رَابِع شعْبَان. فَاجْتمع السُّلْطَان بأَخيه الْملك الْعَادِل على الكرك وَقد خرج إِلَيْهِ بعسكر مصر. وَفِي يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشره: رَحل الْملك المظفر تَقِيّ الدّين من الكرك إِلَى مصر عوضا عَن الْعَادِل وارتجع عَن الْعَادِل إقطاعه بِمصْر وَهُوَ سَبْعمِائة ألف دِينَار فِي كل سنة فَجهز إِلَيْهَا الْملك المظفر تَقِيّ الدّين عمر بن شاهنشاه بن أَيُّوب وَمَعَهُ القَاضِي الْفَاضِل وأنعم على تَقِيّ الدّين بالفيوم وأعمالها مَعَ القايات وبوش وَأبقى عَلَيْهِ مَدِينَة حماة وَجَمِيع أَعمالهَا. وَوصل السُّلْطَان إِلَى دمشق لثمان بَقينَ من رَمَضَان وَبعث بِالْملكِ الْعَادِل إِلَى حلب فِي ثَانِي رَمَضَان. فَقدم الظَّاهِر على أَبِيه بِدِمَشْق وَمَعَهُ يازكج وَقدم شيخ الشُّيُوخ صدر الدّين وشهاب الدّين بشير من عِنْد الْخَلِيفَة النَّاصِر ليصلحا بَين السُّلْطَان وَبَين عز الدّين صَاحب الْموصل ومعهما القَاضِي محيي الدّين أَبُو حَامِد بن كَمَال الدّين الشهرزورى وبهاء الدّين بن شَدَّاد فأقاموا مُدَّة ورحلوا بِغَيْر طائل فِي سَابِع ذِي الْحجَّة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 وفيهَا ظهر بقرية بوصير بَيت هرمس فَخرج مِنْهُ أَشْيَاء مِنْهَا كباش وقرود وضفادع بازهر ودهنج وأصنام من نُحَاس. وفيهَا قتل شرف الدّين برغش على الكرك فِي ثَانِي عشري رَجَب فَحمل إِلَى زرع وَدفن فِي تربته. وَفِي سنة تسع وَسبعين هَذِه وَقعت بِالْوَجْهِ البحري قطع برد كبيض الأوز أخربت مَا صادفته من العامر ودمرت الزروع وأهلكت كثيرا من الْمَاشِيَة وَالنَّاس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 سنة ثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة فِي خَامِس الْمحرم: تَوَجَّهت قافلة بغلات وَسلَاح وَبدل مُجَرّد إِلَى قلعتي أَيْلَة وَصدر وَخرج من الشرقية جمَاعَة يخفرونها مَعَ قَيْصر وَإِلَى الشرقية فأوصلها إِلَى أَيْلَة وَصدر. وَعَاد فِي خَامِس عشريه وَكَانَ الْعَدو قد نَهَضَ إِلَيْهَا وَعَاد عَنْهَا. وأهلت هَذِه السّنة: وَالسُّلْطَان بِدِمَشْق فَبعث إِلَى الْأَطْرَاف يطْلب العساكر فَقدم عَلَيْهِ ابْن أَخِيه تَقِيّ الدّين بعساكر مصر وَمَعَهُ القَاضِي الْفَاضِل. وَخرج السُّلْطَان من دمشق يَوْم الثُّلَاثَاء النّصْف من ربيع الأول إِلَى جسر الْخشب وَقدم الْملك الْعَادِل من حلب وَمَعَهُ نور الدّين بن قرا أرسلان إِلَى دمشق يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشريه وخرجا إِلَى الْكسْوَة فَرَحل السُّلْطَان فِي ثَانِي ربيع الآخر من رَأس المَاء يُرِيد الكرك وَخرج تَقِيّ الدّين فِي عَسْكَر مصر وَمَعَهُمْ أَوْلَاد الْملك الْعَادِل وَأَهله يَوْم الْأَرْبَعَاء مستهله فَسَارُوا إِلَى أَيْلَة ووصلوا إِلَى السُّلْطَان فِي تَاسِع عشره وَهُوَ على الكرك. وسارت أَوْلَاد الْعَادِل فِي حادي عشريه فَلَقوا الْعَادِل وَهُوَ على الفوار فِي خَامِس عشريه وَوصل مَعَهم زرافة فَاجْتمعُوا بِهِ وَسَارُوا إِلَى حلب وَمَعَهُمْ بكمش بن عين الدولة الياروقي وَعلي بن سُلَيْمَان بن جندر وَنزل الْعَسْكَر الْحلَبِي على عمان مَدِينَة البلقاء فِي ثامن جُمَادَى الأولى ورحل عَنْهَا فِي ثَانِي عشره إِلَى الكرك وَقدم الْعَادِل وَابْن قرا أرسلان إِلَى الكرك فِي سَابِع عشره وعملت المجانيق إِلَى لَيْلَة الْخَمِيس حادي عشريه ثمَّ رميت تِلْكَ اللَّيْلَة ورحل الْعَسْكَر كُله لخَبر ورد عَن اجْتِمَاع الفرنج وَسَارُوا إِلَى اللجون وَنزل الفرنج بالواله. ثمَّ سَار الْعَسْكَر إِلَى نَاحيَة البلقاء فنزلوا حسبان تجاه الفرنج إِلَى نصف نَهَار الْإِثْنَيْنِ سادس عشريه. فَرَحل الفرنج إِلَى الكرك والعسكر وَرَاءَهُمْ إِلَى نابلس فهاجمها الْعَسْكَر يَوْم الْجُمُعَة سلخه وحرقوها ونهبوها وَسَارُوا فَأخذُوا أَرْبَعَة حصون ونزلوا على جينين ونقبوا قلعتها حَتَّى وَقعت وَقتل تحتهَا من النقابين عدَّة وَأخذت عنْوَة وغنم مِنْهَا شَيْء كثير. ورحلوا فِي ليلتهم إِلَى زرعين وَعين جالوت وأحرقوهما فِي اللَّيْل وعبروا الْأُرْدُن يَوْم الْأَحَد ثَانِي جُمَادَى الْآخِرَة ونزلوا الفوار رابعه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 وَدخل السُّلْطَان دمشق يَوْم السبت سابعه وَمَعَهُ عساكره كلهَا وَقدم أَخُوهُ الْعَادِل من حلب وأتته العساكر المشرقية وعساكر الْحصن وآمد وَسَار بهم يُرِيد الكرك لأخذها من الفرنج فنازلها فِي رَابِع عشر جُمَادَى الأولى وَنصب عَلَيْهَا تِسْعَة مجانيق رَمَاهَا بهَا. وقدمت الأمداد من الفرنج فَرَحل السُّلْطَان إِلَى نابلس وَنهب كل مَا مر بِهِ من الْبِلَاد وأحرق نابلس وخربها ونهبها وَقتل وسبى وَأسر واستنقذ عدَّة من الْمُسلمين كَانُوا أسرى وَسَار إِلَى جينين وَعَاد إِلَى دمشق فَقدم عَلَيْهِ رسل الْخَلِيفَة وهما الشَّيْخ صدر الدّين عبد الرَّحِيم بن إِسْمَاعِيل بن أبي سعد أَحْمد وشهاب الدّين بشير الْخَادِم ومعهما خلع السُّلْطَان وَالْملك الْعَادِل فلبساها. وَطلب الرسولان تَقْرِير الصُّلْح بَين السُّلْطَان وبن عز الدّين صَاحب الْموصل فَلم يَتَقَرَّر بَينهمَا صلح وخرجا من دمشق فماتا قبل وصولهما إِلَى بَغْدَاد. وخلع السُّلْطَان على جَمِيع العساكر وَأذن لَهُم فِي الْمسير إِلَى بِلَادهمْ بَعْدَمَا أَعْطَاهُم شَيْئا كثيرا فَسَارُوا. وَفِي نصف شعْبَان: سَار المظفر تَقِيّ الدّين بعساكر مصر يُرِيد الْعود إِلَى الْقَاهِرَة وقرأت وَصِيَّة سلطانية تَضَمَّنت ولَايَة الْملك الْعَزِيز عُثْمَان ابْن السُّلْطَان لمصر بكفالة ابْن عَمه تَقِيّ الدّين عمر وَولَايَة الْملك الْأَفْضَل أكبر أَبنَاء السُّلْطَان على الشَّام بكفالة عَمه الْعَادِل صَاحب حلب وان مُدَّة الْكفَالَة إِلَى أَن يعلم الْمُسلمُونَ باستقلال كل وَاحِد بِالْأَمر ويستقر الكافلان فِي خبزيهما وَمَا بأيديهما وَمن عدم من الْوَلَدَيْنِ قَامَ الأمثل من إخْوَته مقَامه أَو من الكافلين قَامَ الْبَاقِي مِنْهُمَا مقَام الآخر واستحلف الْحَاضِرُونَ من الْأُمَرَاء وَولى قِرَاءَة الْعَهْد بذلك القَاضِي المرتضى بن قُرَيْش. وسومح بهلإلي البهسنا وَهُوَ ألف وَمِائَتَا دِينَار وسومح بالأتبان وَمَا تقصر عَن ألفي دِينَار وَمنع من ضَمَان المزر وَالْخمر والملاهي وَترك مَا كَانَ يُؤْخَذ من رسم ذَلِك للسُّلْطَان بديار مصر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 وَخرج السُّلْطَان من دمشق يُرِيد الْبِلَاد الشرقية فَأَقَامَ بحماة بَقِيَّة السّنة وَكَانَ نُزُوله عَلَيْهَا فِي عشري ذِي الْقعدَة. وَفِي هَذِه السّنة: أُقِيمَت خطْبَة فِي سَابِع الْمحرم عِنْد قبر سَارِيَة بلحف الْجَبَل فِي غير بُنيان وَبِغير سكان وَتمّ ذَلِك بعصبية جمَاعَة ثمَّ أحدث جَامع عِنْد قبَّة موسك وَبقيت سِنِين. وَبلغ النّيل ثَلَاث عشرَة إصبعا من تسع عشرَة ذِرَاعا فأضر ذَلِك بالقرى وَخرج الترع وَكثر الضَّرَر كَمَا حصل فِي سنة أَربع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة. وَفِي هَذِه السّنة: مَاتَ السُّلْطَان أَبُو يَعْقُوب يُوسُف بن عبد الْمُؤمن بن عَليّ ملك الْمغرب لسبع خلون من رَجَب. وَمَات إيلغازي بن نجم الدّين بن ألبي بن تمرتاش بن إيلغازي بن أرتق الأرتقي قطب الدّين صَاحب ماردين فِي جُمَادَى الْآخِرَة. وفيهَا مَاتَ آقسنقر الساقي صهر قراجا الْهمام بحلب فِي يَوْم الْجُمُعَة حادي عشر وفيهَا رسم السُّلْطَان بتقييد أَوْلَاد الْخَلِيفَة العاضد الفاطمي وَمن بَقِي من أَقَاربه. تَتِمَّة سنة ثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة أول الْمحرم يَوْم الْإِثْنَيْنِ: فِيهِ ابتدئ بالتدريس فِي الْمدرسَة الْفَاضِلِيَّةِ بدرب ملوخيا من الْقَاهِرَة. وَفِي خامسه: تَوَجَّهت الْقَافِلَة بِالْبَدَلِ الْمُجَرّد إِلَى قلعتي صدر وأيلة مَعَ قَيْصر وَالِي الشرقية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 وَفِي سابعه: أُقِيمَت الْخطْبَة عِنْد قبر سَارِيَة بلحف الْجَبَل فِي غير بُنيان وَلَا سكان. وَفِي ثامنه: وَردت كتب السُّلْطَان من دمشق باستدعاء العساكر وَجمع الْأَمْوَال والأسلحة والأمتعة. وَفِي حادي عشره: كَانَت فتْنَة بَين الْعَرَب الجذاميين فَخرج عَسْكَر إِلَى الشرقية وعدى الْملك المظفر إِلَى الجيزة بأولاده لدَعْوَة عَملهَا الطواشي قراقوش عِنْد قناة طرة وَعَاد من الْغَد. وَفِي ثامن عشره: وَردت كتب السُّلْطَان من دمشق لاستنهاض العساكر لغزاة الكرك وَأَن يستصحبوا من الراجل مَا قدرُوا عَلَيْهِ فبرزت الْخيام إِلَى بركَة الْجب فِي عشريه وَخرج من الْغَد الْملك المظفر تَقِيّ الدّين النَّائِب بِمصْر. وَفِي ثَانِي عشريه: ورد الْخَبَر من نَاظر قوص بغرق أَربع جلاب بهَا ألف وثلاثمائة رجل من الْحجَّاج هَلَكُوا كلهم. وَفِي خَامِس عشريه: عَاد قَيْصر وَإِلَى الشرقية من صدر بعد أَن أوصل الْقَافِلَة إِلَى أَيْلَة وَعَاد بالقافلة العائدة وَكَانَ الْعَدو قد نَهَضَ إِلَيْهَا ثمَّ عَاد عَنْهَا. وَفِي سلخه: ورد الْخَبَر بِأَن الْمُؤَيد سيف الْإِسْلَام ملك بِلَاد الْيمن واعتقل خطاب ابْن منقذ بزبيد. وَأهل صفر: فِي رابعه: ورد الْخَبَر بوصول تابوتي نجم الدّين أَيُّوب وَأسد الدّين شيركوه إِلَى الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة ودفنهما بهَا وَكَانَ قد حمل بهما إِلَى قوص وعدى بهما من بَحر عيذاب إِلَى الْمَدِينَة وَكَانَ سيرهما فِي أول السّنة الْمَاضِيَة. وَفِي سادسه: سَار الأسطول وَهُوَ أحد وَثَلَاثُونَ شينيا وحراقة. وقِي سابعه: جرت فتْنَة بَين الأشاعرة والحنابلة سَببهَا إِنْكَار الْحَنَابِلَة على الشهَاب الطوسي تكَلمه فِي مَسْأَلَة من مسَائِل الْكَلَام فِي مجْلِس وعظه وترافعوا إِلَى الْملك المظفر بمخيمه فرسم بِرَفْع كراسي وعظ الْفَرِيقَيْنِ وَقد أطلق كل من الْفَرِيقَيْنِ لِسَانه فِي الآخر. وَفِي ثامنه: وَقع مطر عَظِيم ورعد قاصف وريح عاصف وبرق خاطف وَبرد كثير كبار فَحل بالعسكر المبرز بلَاء شَدِيد وعطبت الثِّمَار وتفسخت الْأَشْجَار وانقعر النّخل وعمت الْجَائِحَة الثِّمَار والزروع الَّتِي لم تحصد وَمَا حصد وَتَلفت المقاثي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 وَفِي عاشره: عقد مجْلِس لأَصْحَاب الدَّوَاوِين للمفاضلة مَا بَين ابْن شكر وَابْن عُثْمَان فتسلم ابْن عُثْمَان الدَّوَاوِين بعد أَن أَخذ خطه بِزِيَادَة خَمْسَة عشر ألف دِينَار على الِارْتفَاع ثمَّ صرف بِابْن شكر فِي ثَالِث عشره. وَأهل شهر ربيع الأول: فِي ثَانِي عشره: سَار المظفر تَقِيّ الدّين من بركَة الْجب يُرِيد السُّلْطَان بِدِمَشْق وَعَاد ابْن السلار إِلَى الْقَاهِرَة نَائِبا عَن المظفر. وَعَاد ابْن شكر نَاظر الدَّوَاوِين إِلَى الْقَاهِرَة فِي خَامِس عشره وَمَعَهُ ولد المظفر فَخرج النَّاس لتلقيه. وَأهل شهر ربيع الآخر: فِي عشريه: قدم المظفر على السُّلْطَان صَلَاح الدّين بِالْقربِ من الكرك. وَفِي عَاشر جُمَادَى الْآخِرَة: أخلت أهل بلبيس بلدتهم فِي لَيْلَة وَاحِدَة وَقد سمعُوا بمسير الفرنج إِلَى فاقوس واضطرب النَّاس بِالْقَاهِرَةِ ومصر والجيزة فسميت الهجة الكذابة. وَقدم الْخَبَر بِأَن سيف الْإِسْلَام قتل خطاب بن منقذ وَمثل بِهِ واستصفى أَمْوَاله بِالْيمن وَقبض على ألزامه. وَكَانَ الْعَسْكَر عقيب الهجة خرج إِلَى بلبيس فنهبها الغلمان وَأخذ الفرنج نَحْو مِائَتَيْنِ وَعشْرين أَسِيرًا وَسَاقُوا أغناما لَا تدخل تَحت حصر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 وَفِي رَابِع عشري شعْبَان: قدم المظفر تَقِيّ الدّين إِلَى الْقَاهِرَة بالعسكر بعد شدَّة لحقتهم فِي طريقهم. وَفِي ذِي الْقعدَة: ورد كتاب سيف الْإِسْلَام بِأَنَّهُ فتح بِالْيمن مائَة وثلثتة وَسبعين حصنا وَقدم أهل خطاب بن منقذ وَأَخُوهُ مُحَمَّد إِلَى مصر. وَخرج تَقِيّ الدّين ابْن أخي صَلَاح الدّين إِلَى الْبحيرَة ليكشف أحوالها. وَكَانَ مَعَه كَاتبه الرضى بن سَلامَة فاستدفع من الدَّوَاوِين حساباتهم وَسَار بهَا على بغل صُحْبَة تَقِيّ الدّين فَأرْسل الله صَاعِقَة من السَّمَاء أحرقت الْبَغْل وَمَا عَلَيْهِ من الْحساب وَعَاد تَقِيّ الدّين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وأهلت سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ فَسَار السُّلْطَان وَبلغ حران فِي يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشري صفر فَقبض على صَاحبهَا مظفر الدّين كوكبري وَاسْتولى عَلَيْهَا. ورحل عَنْهَا فِي ثَانِي ربيع الأول فوافته رسل الْملك قلج أرسلان بن مَسْعُود السلجوقي صَاحب الرّوم بِاتِّفَاق مُلُوك الشرق بأجمعهم على قَصده إِن لم يعد عَن الْموصل وماردين فَسَار يُرِيد الْموصل وَكَاتب الْخَلِيفَة بِمَا عزم عَلَيْهِ من حصر الْموصل وَنزل عَلَيْهَا وحاصر أَهلهَا وَقَاتلهمْ. فورد الْخَبَر بِمَوْت شاه أرمن بن سقمان الثَّانِي نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم صَاحب خلاط فِي تَاسِع ربيع الأول فَرَحل صَلَاح الدّين فِي آخِره يُرِيد خلاط ثمَّ عَاد وَلم يملكهَا وَسَار إِلَى ميافارقين فتسلمها ثمَّ عَاد إِلَى الْموصل وَنزل على دجلة فِي شعْبَان وَأقَام إِلَى رَمَضَان فَمَرض مَرضا مخوفا فَرَحل فِي آخر رَمَضَان وَهُوَ لما بِهِ وَقد أيس مِنْهُ فَنزل بحران فتقرر فِيهَا الصُّلْح بَينه وَبَين المواصلة فِي يَوْم عَرَفَة وخطب لَهُ بِجَمِيعِ بِلَاد الْموصل وَقطعت خطْبَة السلجوقية وخطب لَهُ فِي ديار بكر وَجَمِيع الْبِلَاد الأرتقية وَضربت السِّكَّة باسمه وَأمر بالصدقات فِي جَمِيع ممالكه. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع ربيع الأول: حدثت بِمصْر زَلْزَلَة وَفِي مثل تِلْكَ السَّاعَة كَانَت زَلْزَلَة فِي بعلبك أَيْضا. وَفِيه كَانَت بالاسكندرية فتْنَة بَين الْعَوام نهبوا فِيهَا المراكب الرومية فَقبض على عدَّة مِنْهُم وَمثل بهم. وَمَات فِي هده السّنة الْملك القاهر نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أَسد الدّين شيركوه صَاحب حمص لَيْلَة عيد الْأَضْحَى. واتهم السُّلْطَان بِأَنَّهُ سمه فَإِنَّهُ لما اشْتَدَّ مرض السُّلْطَان تحدث بِأَنَّهُ يملك من بعده. وَمَات فَخر الدولة إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن أَحْمد بن نصر الأسواني ابْن أُخْت الرشيد والمهذب ابْني الزبير فِيهَا. وَهُوَ أول من كتب الْإِنْشَاء للسُّلْطَان ثمَّ كتب لِأَخِيهِ الْعَادِل. وَمَات سعد الدّين بن مَسْعُود بن معِين الدّين بآمد.) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 وَمَات الْأَمِير مَالك بن ياروق فِي منبج لَيْلَة السبت مستهل رَجَب محمل إِلَى حلب وَدفن بهَا. وَمَاتَتْ آمِنَة خاتون بنت معِين الدّين أنار الَّتِي تزَوجهَا السُّلْطَان صَلَاح الدّين بعد نور الدّين مَحْمُود لما ملك دمشق وَكَانَت وفاتها يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث ذِي الْقعدَة. وفيهَا خرج المظفر تَقِيّ الدّين عمر إِلَى كشف أَحْوَال الْإسْكَنْدَريَّة وَشرع فِي عمل سور على مَدِينَة مصر بِالْحجرِ فَلم يبْق فَقير وَلَا ضَعِيف إِلَّا خطّ فِيهِ ساحة من درب الصَّفَا إِلَى المشهد النفيسي واتصلت الْعِمَارَة فِي خطّ الخليج إِلَى درب ملوخيا بِمصْر حَتَّى بَين الكومين وبجوار جَامع ابْن طولون والكبش فعمر أَكثر من خَمْسَة آلَاف مَوضِع بشقاف القنز والخرشتف وتراب الأَرْض وتحول النَّاس لجِهَة جَامع ابْن طولون وَالْبركَة وجانب القلعة. وَفِي شعْبَان ورمضان: وَقع وباء بِأَرْض مصر وَفَشَا موت الْفجأَة وَكثر الوباء فِي الدَّجَاج أَيْضا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وأهلت سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ: وَقد أبل السُّلْطَان من مَرضه فَرَحل من حران وَنزل حلب فِي رَابِع عشر الْمحرم وَمر من حلب إِلَى حمص فرتب أمورها واسقط المكوس لمنافرة كَانَت بَينه وبن ابْن عَمه المظفر تَقِيّ الدّين فَقدم عَلَيْهِ بأَهْله وحشمه لسبع بَقينَ من جُمَادَى الأولى وَصرف الْعَادِل عَن حلب ولقرر عوضه بهَا الْملك الظَّاهِر غياث الدّين غَازِي ابْن السُّلْطَان وَعوض الْعَادِل الشرقية بديار مصر. وَصرف المظفر تَقِيّ الدّين عمر من ديار مصر ونيابتها فَغَضب لذَلِك وَعبر بِأَصْحَابِهِ إِلَى الجيزة يُرِيد اللحاق بغلامه شرف الدّين قراقوش التَّقْوَى وَأخذ بِلَاد الْمغرب وَجعل مَمْلُوكه بوري فِي مقدمته فَبلغ ذَلِك السُّلْطَان فَكتب إِلَيْهِ يَأْمُرهُ بالقدوم عَلَيْهِ فقبح الأكابرعليه مشاقته السُّلْطَان وَحَذرُوهُ فَأجَاب وَتوجه إِلَى دمشق فوصلها ثَالِث عشري شعْبَان وَاسْتمرّ على مَا بِيَدِهِ من حماة والمعرة ومنبج وأضيف إِلَيْهِ ميافارقين وَكتب إِلَى أَصْحَابه فقدموا عَلَيْهِ من مصر ماخلا زين الدّين بوري مَمْلُوكه فَإِنَّهُ سَار إِلَى الْمغرب وَملك هُنَاكَ مَوَاضِع كنيرة. ثمَّ قَصده صَاحب الْمغرب وأسره ثمَّ أطلقهُ وَقدمه. وَوصل الْأَفْضَل على ابْن السُّلْطَان من الْقَاهِرَة إِلَى دمشق يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشر جُمَادَى الأولى وَهُوَ أول قدومه إِلَيْهَا وَسَار الْملك الْعَزِيز عُثْمَان إِلَى ملك مصر وَمَعَهُ عَمه الْعَادِل أتابكا. وَكَانَ خُرُوج الْعَادِل من حلب لَيْلَة السبت رَابِع عشري صفر فدخلا إِلَى الْقَاهِرَة فِي خَامِس رَمَضَان. وَوَقع الْخلف بَين الفرنج بطرابلس فالتجأ القومص إِلَى السُّلْطَان وَصَارَ يناصحه وَاسْتولى الإبرنس ملك الفرنج بالكرك على قافلة عَظِيمَة فَأسر من فِيهَا وَامْتنع من إِجَابَة السُّلْطَان إِلَى إِطْلَاقهم فتجهز السُّلْطَان لمحاربته وَكَاتب الْأَطْرَاف بِالْمَسِيرِ لقتاله. وفيهَا مَاتَ بِمصْر عبد الله بن أبي الْوَحْش بري بن عبد الْجَبَّار بن بري النَّحْوِيّ لَيْلَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 السبت لثلاث بَقينَ من شَوَّال ومولده بِدِمَشْق فِي خَامِس رَجَب سنة تسع وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وأهلت سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَقد برز السُّلْطَان من دمشق لجهاد الفرنج يَوْم السبت أول الْمحرم واقر ابْنه الْأَفْضَل على رَأس المَاء وَنزل بصرى فَأَقَامَ لحفظ الْحَاج حَتَّى قدمُوا فِي آخر صفر. فَسَار إِلَى الكرك فِي اثْنَي عشر ألف فَارس ونازلها وَقطع أشجارها ثمَّ قصد الشوبك فَفعل بهَا مثل ذَلِك. وَخرج الْحَاجِب لُؤْلُؤ على الأسطول من مصر وَهُوَ خَمْسَة عشر شينيا ليسير إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة. وَخرج الْعَادِل من الْقَاهِرَة فِي سَابِع الْمحرم وعادا إِلَى الكرك فنازلاها فِي ربيع الأول وضايق السُّلْطَان أَهلهَا ثمَّ رَحل عَنْهَا ونازل طبرية فَاجْتمع من الفرنج نَحْو الْخمسين ألفا بِأَرْض عكا وَرفعُوا صَلِيب الصلبوت فَافْتتحَ السُّلْطَان طبرية عنْوَة فِي ثَالِث عشري ربيع الآخر وغاظ ذَلِك الفرنج وتجمعوا فَسَار إِلَيْهِم السُّلْطَان وَكَانَت وقْعَة حطين الَّتِي نصر الله فِيهَا دينه فِي يَوْم السبت رَابِع عشريه. وَانْهَزَمَ الفرنج بعد عدَّة وقائع وَأخذ الْمُسلمُونَ صَلِيب الصلبوت وأسروا الإبرنس أرناط صَاحب الكرك والشوبك وعدة مُلُوك آخَرين وَقتل وَأسر من سَائِر الفرنج مَا لَا يعد كَثْرَة. ثمَّ قدم الإبرنس أرناط وَضرب السُّلْطَان عُنُقه بِيَدِهِ وَقتل جَمِيع من عِنْده من الفرنج الداوية والاسبتارية ورحل السُّلْطَان إِلَى عكا فنازلها سلخ ربيع الآخر وَمَعَهُ عَالم عَظِيم. قَالَ الْعَلامَة عبد اللَّطِيف بن يُوسُف الْبَغْدَادِيّ: كَانَ السُّوق الَّذِي فِي عَسْكَر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 السُّلْطَان على عكا عَظِيما ذَا مساحة فسيحة فِيهِ مائَة وَأَرْبَعُونَ دكان بيطار وعددت عِنْد طباخ وَاحِد ثمانيا وَعشْرين قدرا كل قدر تسع رَأس غنم. وَكنت أحفظ عدد الدكاكين لِأَنَّهَا كَانَت مَحْفُوظَة عِنْد شحنه السُّوق وأظنها سَبْعَة آلَاف دكان وَلَيْسَت مثل دكاكين الْمَدِينَة بل دكان وَاحِد مثل مائَة دكان لِأَن الْحَوَائِج فِي الأعدال والجوالقات وَيُقَال إِن الْعَسْكَر أنتنت مَنْزِلَتهمْ لطول الْمقَام فَلَمَّا ارتحلوا غير بعيد وزن سمان أُجْرَة نمل مَتَاعه سبعين دِينَارا وَأما سوق الْبَز الْعَتِيق والجديد فشيء يبهر الْعقل. وَكَانَ فِي الْعَسْكَر اكثر من ألف حمام وَكَانَ أَكثر مَا يتولاها المغاربة يجْتَمع مُتَّهم اثْنَان أَو ثَلَاثَة ويحفرون ذراعين فَيطلع المَاء وَيَأْخُذُونَ الطين فيعملون مِنْهُ حوضا وحائطا ويسترونه بحطب وحصير ويقطعون حطبا من الْبَسَاتِين الَّتِي حَولهمْ ويحمون المَاء فِي قدور وَصَارَ حَماما يغسل الرجل رَأسه بدرهم وَأكْثر. فَلم يزل صَلَاح الدّين على محاصرة عكا إِلَى أَن تسلمها بالأمان فِي ثَانِي جُمَادَى الأولى وَاسْتولى على مَا فِيهَا من الْأَمْوَال والبضائع وَأطلق من كَانَ بهَا من الْمُسلمين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 مأسورا وَكَانُوا أَرْبَعَة آلَاف نفس ورتب فِي كنيستها الْعُظْمَى منبرا وأقيم فِيهَا الْجُمُعَة. وأقطع عكا لِابْنِهِ الْأَفْضَل على وَأعْطى جَمِيع مَا للداوية من إقطاع وضياع للفقيه ضِيَاء الدّين عِيسَى الهكاري. وَسَار الْعَادِل بعساكر مصر إِلَى مجدليابا فحصره وفتحه وغنم مَا فِيهِ. وافتتحت عدَّة حصون حول عكا: وَهِي الناصرة وقيسارية وحيفا وصفورية ومعليا والشقيف والتولع وَالطور وَنهب مَا فِيهَا وسبيت للخليفة بِخَبَر فتح هَذِه الْبِلَاد. وَنزل الْعَادِل على يافا حَتَّى ملكهاعنوة ونهبها وسبى الْحَرِيم وَأسر الرِّجَال ونازل المظفر تَقِيّ الدّين عمر تبنين وأدركه السُّلْطَان فوصل إِلَيْهَا فِي حادي عشر جُمَادَى الأولى ومازال محاصرا لَهَا حَتَّى تسلمها فِي ثامن عشره بِأَمَان وجلا أَهلهَا عَنْهَا إِلَى صور وتسلم السُّلْطَان الْعدَد وَالدَّوَاب والخزائن وَسَار فَأخذ صرخد بِغَيْر قتال ثمَّ رَحل إِلَى صيداء ففر أَهلهَا وتركوها فتسلمها السُّلْطَان فِي حادي عشريه. ونازل بيروت وضايقها ثَمَانِيَة أَيَّام إِلَى أَن طلب أَهلهَا الْأمان فأجابهم وَاسْتولى عَلَيْهَا فِي تَاسِع عشريه وَأخذ جبيل فَكَانَ من استنقذ الله من الْمُسلمين المأسورين عِنْد الفرنج فِي هَذِه السّنة مَا يزِيد على عشْرين ألف إِنْسَان وَأسر الْمُسلمُونَ من الفرنج مائَة ألف أَسِير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 وَهلك فِي هَذِه السّنة القومص صَاحب طرابلس وَقدم المركيس أكبر طواغيت الفرنج إِلَى صور وَقد اجْتمع بهَا أُمَم من الفرنج فتملك عَلَيْهِم وحصن الْبَلَد فَسَار السُّلْطَان بعد فتح بيروت وتسلم الرملة والخليل وَبَيت لحم وَاجْتمعَ بأَخيه الْعَادِل ونازلا عسقلان فِي سادس عشر جُمَادَى الْآخِرَة ونصبا المجانيق عَلَيْهَا وَوَقع الْجد فِي الْقِتَال إِلَى أَن تسلم السُّلْطَان الْبَلَد فِي سلخه وَخرج مِنْهُ الفرنج إِلَى بَيت الْمُقَدّس بعد أَن ملكوه خمْسا وَثَلَاثِينَ سنة. وتسلم السُّلْطَان حصون الداوية وَهِي غَزَّة والنطرون وَبَيت جِبْرِيل وَقدم عَلَيْهِ بِظَاهِر عسقلان ابْنه الْعَزِيز عُثْمَان من مصر ووافته الأساطيل وَعَلَيْهَا الْحَاجِب لُؤْلُؤ. وَكَانَت الشَّمْس قد كسفت قبل أَخذ عسقلان بِيَوْم حَتَّى أظلم الجو وَظَهَرت الْكَوَاكِب فِي يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشريه. وَسَار السُّلْطَان وَقد اجْتمعت إِلَيْهِ العساكر يُرِيد فتح بَيت الْمُقَدّس فنازله يَوْم الْأَحَد خَامِس عشر رَجَب وَبِه حشود الفرنج وجميعهم فنصب المجانيق واقتتل الْفَرِيقَانِ أَشد قتال اسْتشْهد فِيهِ جمَاعَة من الْمُسلمين وأيد الله بنصره الْمُسلمين حَتَّى تمكنوا من السُّور ونقبوه وأشرفوا على أخد الْبَلَد فَسَأَلَ الفرنج حِينَئِذٍ الْأمان فَأَعْطوهُ بعد امْتنَاع كثير من السُّلْطَان على أَن يعْطى كل رجل من الفرنج عَن نَفسه عشرَة دَنَانِير مصرية سَوَاء كَانَ غَنِيا أَو فَقِيرا وَعَن الْمَرْأَة خَمْسَة دَنَانِير وَعَن كل طِفْل من الذُّكُور وَالْإِنَاث دينارين. ئم صولح عَن الْفُقَرَاء بِثَلَاثِينَ ألف دِينَار وتسلم الْمُسلمُونَ الْقُدس يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشري رَجَب وَأخرج من فِيهِ من الفرنج وَكَانُوا نَحْو السِّتين ألفا بَعْدَمَا أسر مِنْهُم نَحْو سِتَّة عشر ألفا مابين رجل وَامْرَأَة وَصبي وهم من لايقدر على شِرَاء نَفسه. وَقبض السُّلْطَان من مَال المفاداة ثَلَاثمِائَة ألف دِينَار مصرية سوى مَا أَخذه الْأُمَرَاء وَمَا والتحق من كَانَ بالقدس من الفرنج بصور وتسامع الْمُسلمُونَ بِفَتْح بَيت الْمُقَدّس فَأتوهُ رجَالًا وركابنا من كل جِهَة لزيارته حَتَّى كَانَ من الْجمع مَالا ينْحَصر فأقيمت فِيهِ الْجُمُعَة يَوْم الرَّابِع من شعْبَان وخطب القَاضِي محيي الدّين بن الزاكي بِالسَّوَادِ خطْبَة بليغة دَعَا فِيهَا للخليفة النَّاصِر وَالسُّلْطَان صَلَاح الدّين وانتصب بعد الصَّلَاة زين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 الدّين بن نجا فوعظ النَّاس. وَأمر السُّلْطَان بترميم الْمِحْرَاب الْعمريّ الْقَدِيم وَحمل مِنْبَر مليح من حلب وَنصب بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وأزيل مَا هُنَاكَ من آثَار النَّصْرَانِيَّة وغسلت الصَّخْرَة بعدة أحمال مَاء ورد وبخرت وفرشت ورتب فِي الْمَسْجِد من يقوم بوظائفه وَجعلت بِهِ مدرسة للفقهاء الشَّافِعِيَّة وغلقت كَنِيسَة قمامة ثمَّ فتحت وَقرر على من يرد إِلَيْهَا من الفرنج قطيعة يُؤَدِّيهَا. وَخرجت البشائر إِلَى الْخَلِيفَة بِالْفَتْح وَإِلَى سَائِر الْأَطْرَاف. ورحل السُّلْطَان عَن الْقُدس لخمس بَقينَ من شعْبَان يُرِيد عكا وَسَار الْعَزِيز عُثْمَان إِلَى مصر فَكَانَ آخر الْعَهْد بِهِ. وَسَار الْعَادِل مَعَ السُّلْطَان فَنزلَا على عكا أول شهر رَمَضَان ثمَّ رَحل السُّلْطَان مِنْهَا وَنزل على صور فِي تاسعه وَكَانَت حَصِينَة وَقد استعد الفرنج فِيهَا فتلاحقت العساكر بالسلطان وَنصب على صور عدَّة من المجانيق وحاصرها واستدعى السُّلْطَان الأسطول من مصر فَقدم عَلَيْهِ عشر شواني وَصَارَ الْقِتَال فِي الْبر وَالْبَحْر فَأخذ الفرنج خمس شواني ووردت مُكَاتبَة الْخَلِيفَة على السُّلْطَان وفيهَا غلظة وإنكار أُمُور فَأجَاب بالإعتذار ورحل عَن صور فِي آخر شَوَّال. وعادت العساكر إِلَى بلادها وَأقَام السُّلْطَان بعكا وَسَار الْعَادِل إِلَى مصر فطرق الفرنج قلعة كَوْكَب وَقتلُوا بهَا جمَاعَة من الْمُسلمين ونهبوا مَا كَانَ بهَا وأتته على عكا رسل الْمُلُوك بالتهنئة من الرّوم وَالْعراق وخراسان بِفَتْح بَيت الْمُقَدّس. وَفِي هَذِه السّنة: أَعنِي سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة: اجْتمع الشَّمْس وَالْقَمَر والمريخ والزهرة وَعُطَارِد وَالْمُشْتَرِي وزحل وأظفار الذِّئْب فِي برج الْمِيزَان أَربع عشره سَاعَة فَاجْتمع المنجمون كلهم وحكموا بِكَوْن طوفان الرّيح وَأَنه كَائِن وواقع ولابد فتنقلب الأَرْض من أَولهَا إِلَى آخرهَا وَأَنه لَا يبْقى من الْحَيَوَان شَيْء إِلَّا مَاتَ وَلَا شَجَرَة وَلَا جِدَار إِلَّا سقط. وَكَانَ مُعظم هَذِه الْحُكُومَة عَن بِلَاد الرّوم وأرجفوا بِأَنَّهَا هِيَ الْقِيَامَة فَاتخذ قوم الكهوف والمغائر فِي الْجبَال وبالغوا فِي الِاعْتِدَاد لهول ذَلِك الْيَوْم. وَقَالَ الْقَوْم: كتب القدماء كلهَا أحالت على هَذَا الِاجْتِمَاع وَإِن فِيهِ دمار الدُّنْيَا. وَكَانَ ذَلِك فِي مسرى وَفِي جُمَادَى الْآخِرَة للسابع وَالْعِشْرين مِنْهُ وَهُوَ يَوْم الثُّلَاثَاء مَعَ لَيْلَة الْأَرْبَعَاء إِلَى يَوْم الْأَرْبَعَاء. فَلم تهب ريح وَلَا تحرّك نيل مصر وَهُوَ فِي زِيَادَته فِي مسرى وَمن الْعَادة أَن تهب الرّيح من الْعَصْر إِلَى الْعشَاء فِي وَجه المَاء ليقف بِإِذن الله فَتكون فِيهِ الأمواج فَلم يحدث تِلْكَ اللَّيْلَة وَلَا ثَانِي يَوْم وَلَا قبلهَا بِيَوْم شَيْء من ذَلِك وطلع النَّاس بالسرج الموقدة على السطوحات لاختبار الْهَوَاء فَلم تتحرك نَار الْبَتَّةَ. كَانَ أَشد النَّاس إرجافا بِهَذِهِ الْكَوَاكِب الرّوم فأكذبهم الله وسلط عَلَيْهِم السُّلْطَان الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين يُوسُف فَأخذ كبارهم وملأ الأَرْض من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 الأسرى شرقا وغربا وَأخذ الْقُدس وَأصَاب جمَاعَة مِمَّن كَانَ يرجف بِهَذِهِ الرّيح آفَات مَا بَين موت بَعضهم واعتلال بَعضهم. وفيهَا خرج فِي سادس عشر جُمَادَى الْآخِرَة قفل شَامي إِلَى مصر وَهُوَ أول قفل سلك بِلَاد السَّاحِل بِلَا حق يسمعهُ وَلَا مكس يوديه. وفيهَا سَار قراقوش التَّقْوَى وَاسْتولى على القيروان وحاربه ابْن عبد الْمُؤمن سُلْطَان الْمغرب على ظَاهر تونس فانكسر مِنْهُ وأقيمت الْخطْبَة فِي ربيع الأول بِتِلْكَ الْبِلَاد للسُّلْطَان صَلَاح الدّين. فَجمع ابْن عبد الْمُؤمن وواقع قراقوش وهزمه ففر قراقوش فِي الْبَريَّة. وفيهَا أَمر السُّلْطَان بِأَن تبطل النُّقُود الَّتِي وَقع الِاخْتِلَاف فِيهَا وتضرر الْعَامَّة بهَا وَأَن يكون مَا يضْرب من الدَّنَانِير ذَهَبا مصريا وَمن الدَّرَاهِم الْفضة الْخَالِصَة وأبطل الدَّرَاهِم السود لاستثقال النَّاس الْمِيزَان فسر النَّاس ذَلِك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة فِيهَا نَازل السُّلْطَان حصن كَوْكَب أَيَّامًا وَلم ينل مِنْهَا شَيْئا فَأَقَامَ الْأَمر صارم الدّين قايماز النجمي فِي خَمْسمِائَة فَارس عَلَيْهَا ووكل بصفد الْأَمِير طغرل الخازندار فِي خَمْسمِائَة فَارس وَبعث إِلَى الكرك والشوبك الْأَمِير سعد الدّين كمشبه الْأَسدي واستدعى الْأَمِير بهاء الدّين قراقوش الْأَسدي من مصر فاستخلف على عمَارَة سور الْقَاهِرَة وَقدم وَالسُّلْطَان على كَوْكَب فندبه لعمارة عكا فشرع فِي تَجْدِيد سورها وتعلية أبراجها بِمن قدم بِهِ مَعَه من مصر من الأسرى والأبقار والآلات وَالدَّوَاب وَسَار السُّلْطَان يُرِيد دمشق فَدَخلَهَا سادس ربيع الأول وَقد غَابَ عَنْهَا سنة وشهرين وَخَمْسَة أَيَّام كسر فِيهَا الفرنج وَفتح بَيت الْمُقَدّس فلازم الْجُلُوس فِي دَار الْعدْل بِحَضْرَة الْقُضَاة وَكتب إِلَى الْجِهَات باستدعاء الأجناد للْجِهَاد وَخرج بعد خَمْسَة أَيَّام على بعلبك فوافاه عماد الدّين زنكي بن مودود صَاحب سنجار على أَعمال حمص فَنزلَا على بحيرة قدس. وَبعث السُّلْطَان ابْنه الظَّاهِر وَابْن أَخِيه المظفر صَاحب حماة لحفظ طَرِيق أنطاكية وَسَار أول ربيع الآخر وَشن الغارات على صافيتا وَتلك الْحُصُون الْمُجَاورَة. وَسَار فِي رَابِع جُمَادَى الأولى على تعبية لِقَاء الْعَدو فَأخذ أنطرسوس وَاسْتولى على مَا بهَا من الْمَغَانِم وَخرب سورها وبيعتها وَكَانَت من أعظم البيع وَوضع النَّار فِي الْبَلَد فَأحرق جَمِيعه وَسَار يُرِيد جبلة فنازلها لِاثْنَتَيْ عشرَة بقيت مِنْهُ وتسلمها بِغَيْر حَرْب ثمَّ أَخذ اللاذقية بعد قتال وغنم النَّاس مِنْهَا غنيمَة عَظِيمَة. وَسَار إِلَى صهيون فقاتل أَهلهَا إِلَى أَن ملكهَا فِي ثَانِي جُمَادَى الْآخِرَة وَاسْتولى على قلعتي الشغر وبكاس وعدة حصون وَأسر من فِيهَا وغنم شَيْئا كثيرا. فَلَمَّا فتح بغراس بعث الإبرنس ملك أنطاكية يسْأَل الصُّلْح فَأُجِيب إِلَى ذَلِك على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 شريطة أَن يُطلق من عِنْده من الْأُسَارَى الْمُسلمين وهم ألف إِنْسَان وَعَاد صَاحب سنجار إِلَى بَلَده وَسَار السُّلْطَان إِلَى حلب فَأَقَامَ بهَا ثمَّ سَار عَنْهَا وَدخل إِلَى دمشق فِي آخر شعْبَان وَمَا زَالَ كمشبه محاصرا للكرك حَتَّى تسلم قلعتها وَمَعَهَا الشوبك والسلع وعدة حصون هُنَاكَ فِي رَمَضَان. فَلَمَّا وَردت الْبُشْرَى بذلك على السُّلْطَان سَار من دمشق ونازل صفد حَتَّى ملك قلعتها بالأمان فِي رَابِع عشر شَوَّال وَلحق من كَانَ فِيهَا من الفرنج بصور ثمَّ سَار إِلَى كَوْكَب وضايقها حَتَّى تسلمها فِي نصف ذِي الْقعدَة بِأَمَان وَأرْسل أَهلهَا إِلَى صور. فَكثر بهَا جموع الفرنج وكاتبوا إفرنج صقلية والأندلس وَكتب السُّلْطَان إِلَى الْخَلِيفَة النَّاصِر بِخَبَر هَذِه الْفتُوح ورحل فَنزل فِي صحراء بيسان. وفيهَا ثار بِالْقَاهِرَةِ اثْنَا عشر رجلا من الشِّيعَة فِي اللَّيْل نادوا: يال عَليّ. . يال عَليّ. وسلكوا الدروب وهم ينادون كَذَلِك ظنا مِنْهُم أَن رعية الْبَلَد يلبون دعوتهم ويقومون فِي وَسَار السُّلْطَان إِلَى الْقُدس فَحل بِهِ فِي ثامن ذِي الْحجَّة وَسَار بعد النَّحْر إِلَى عسقلان وجهز أَخَاهُ الْعَادِل إِلَى مصر لمعاضدة الْملك الْعَزِيز وعوضه بالكرك عَن عسقلان وَكَانَ قد وَهبهَا لَهُ ثمَّ نزل بعكا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 (سنة خمس وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة) وَدخلت سنة خمس وَثَمَانِينَ: فَسَار السُّلْطَان عَن عكا وَدخل دمشق أول صفر فورد عَلَيْهِ فِي ثَانِي عشره ضِيَاء الدّين عبد الْوَهَّاب بن سكينَة رَسُول الْخَلِيفَة النَّاصِر بِالْخطْبَةِ لِابْنِهِ ولي الْعَهْد عدَّة الدُّنْيَا وَالدّين أبي نصر مُحَمَّد فأقيمت لَهُ. وجهز الرَّسُول وَمَعَهُ ضِيَاء الدّين الْقَاسِم بن يحيى الشهرزوري وَبعث مَعَه بِهَدَايَا وتحف وأسارى من الفرنج للخليفة وَمَعَهُمْ تَاج ملك الفرنج والصليب الَّذِي كَانَ فَوق صَخْرَة بَيت الْمُقَدّس وَأَشْيَاء كَثِيرَة. فَدفن الصَّلِيب تَحت عتبَة بَاب النوبى بِبَغْدَاد وديس عَلَيْهِ وَكَانَ من نُحَاس مَطْلِي بالنهب. وَخرج السُّلْطَان من دمشق فِي ثَالِث ربيع الأول ونازل شقيف أرنون وَهُوَ منزعج لانقضاء الْهُدْنَة مَعَ صَاحب أنطاكية ولاجتماع الفرنج بصور واتصال الأمداد بهم فَكَانَت للْمُسلمين مَعَ الفرنج فِي بِلَادهمْ الساحلية عدَّة وقائع قتل فِيهَا من الْفَرِيقَيْنِ عدَّة وَكثر الْقَتْل فِي الْمُسلمين واشتدت نكاية الفرنج فيهم فَرَحل السُّلْطَان إِلَى عكا وَقد سبقه الفرنج ونزلوا عَلَيْهَا. وَنزل السُّلْطَان بمرج عكا وَصَارَ محاصرا للفرنج والفرنج محاصرين للبلد. وتلاحقت بِهِ العساكر الإسلامية والأمداد تصل إِلَى الفرنج من الْبَحْر. فَلم يقدر السُّلْطَان على الْوُصُول إِلَى الْبَلَد وَلَا اسْتَطَاعَ أهل عكا أَن يصلوا إِلَى السُّلْطَان. وَشرع السُّلْطَان فِي قتال الفرنج من أول شعْبَان إِلَى أَن تمكن من عكا ودخلها فِي ثَانِيه فَمَا زَالَت الْحَرْب قَائِمَة إِلَى رَابِع رَمَضَان. فتحول إِلَى الخروبة وأغلق من فِي عكا من الْمُسلمين أَبْوَابهَا وحفر الفرنج خَنْدَقًا على معسكرهم حول عكا من الْبَحْر إِلَى الْبَحْر وأداروا حَولهمْ سورا مَسْتُورا بالستائر ورتبوا عَلَيْهِ الرِّجَال فَامْتنعَ وُصُول الْمُسلمين إِلَى عكا. وَقدم الْعَادِل بعسكر مصر فِي نصف شَوَّال وَقدم الأسطول من مصر إِلَى عكا فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 خمسين قِطْعَة وَعَلِيهِ الْحَاجِب لُؤْلُؤ فِي منتصف ذِي الْقعدَة فبدد شَمل مراكب الفرنج وظفر ببطستين للفرنج. فاستظهر الْمُسلمُونَ الَّذين بعكا وَقَوي جأشهم بالأسطول وَكَانُوا نَحْو الْعشْرَة آلَاف. وَبعث السُّلْطَان إِلَى الْأَطْرَاف يحث النَّاس على الْجِهَاد وَأرْسل إِلَى أَخِيه سيف الْإِسْلَام طغتكين بِالْيمن يطْلب مِنْهُ الْإِعَانَة بِالْمَالِ وَإِلَى مظفر الدّين قر أرسلان صَاحب الْعَجم وَكتب إِلَى الْخَلِيفَة. ووصلت الأمداد إِلَى الفرنج وَورد الْخَبَر من حلب بِخُرُوج ملك الألمان من الْقُسْطَنْطِينِيَّة فِي عدَّة عَظِيمَة تتجاور الْألف ألف يُرِيدُونَ الْبِلَاد الإسلامية فَاشْتَدَّ الْأَمر على السُّلْطَان وَمن مَعَه من الْمُسلمين. وَتُوفِّي فِي هَذِه السّنة حسام الدّين سنقر الخلاطي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ سَابِع عشري رَجَب والأمير حسام الدّين طمان يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَالِث عشر شعْبَان والأمير عز الدّين موسك بن جكو فِي شعْبَان وَهُوَ ابْن خَال السُّلْطَان صَلَاح الدّين. وَمَات شرف الدّين أَبُو سعد عبد الله بن أبي عصرون بِدِمَشْق يَوْم الثُّلَاثَاء حادي عشر رَمَضَان ومولده أول سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة. وَمَات ضِيَاء الدّين عِيسَى الهكاري يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع ذِي الْقعدَة بِمَنْزِلَة الخروبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَدخلت سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَالسُّلْطَان بالخروبة على حِصَار الفرنج وقدمت عَسَاكِر الْمُسلمين من الشرق وَمن بَقِيَّة الْبِلَاد فَرَحل من الخروبة لِاثْنَتَيْ عشرَة بقيت من ربيع الأول إِلَى تل كيسَان وتتابع مَجِيء العساكر. وكملت أبراج الفرنج الثَّلَاثَة الَّتِي بنوها تجاه عكا فِي مُدَّة سَبْعَة أشهر حَتَّى علت على الْبَلَد وامتلأت بِالْعدَدِ وَالْعدة وطموا كثيرا من الخَنْدَق وضايقوا الْبَلَد. وَاشْتَدَّ خوف الْمُسلمين واشتدت الْحَرْب بَين الْفَرِيقَيْنِ حَتَّى احترقت الأبراج الثَّلَاثَة وَخرج أهل عكا مِنْهَا فنظفوا الخَنْدَق وسدوا الثغر وغنموا مَا كَانَ فِي الأبراج من الْحَدِيد فَتَقووْا بِهِ. وَكَانَ بَين أسطول المصريين وَبَين مراكب الفرنج عدَّة معارك فتل فِيهَا كثير من الفرنج. وَدخل ملك الألمان بجيوشه إِلَى حُدُود بِلَاد الْإِسْلَام وَقد فني مِنْهُم كثير فواقعهم الْملك عز الدّين قلج بن أرسلان السلجوقي فانكسر مِنْهُم فلحق بِهِ الفرنج إِلَى قونية وهاجموها وأحرقوا أسواقها وَسَارُوا إِلَى طرسوس يُرِيدُونَ بَيت الْمُقَدّس واسترجاع مَا أَخذ مِنْهُم السُّلْطَان من الْبِلَاد والحصون فَمَاتَ بهَا ملكهم. وَقَامَ من بعده ابْنه فَسَار إِلَى أنطاكية. وَندب السُّلْطَان كثيرا مِمَّن كَانَ مَعَه على حَرْب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 عكا إِلَى جِهَة أنطاكية وَوَقع فِيمَن بَقِي مَعَه مرض كثير وَأمر بتخريب سور طبرية ويافا وأرسوف وقيسارية وصيدا وجبيل فخرب ذَلِك وَنقل من كَانَ فِيهَا إِلَى بيروت وطمع الفرنج فِي السُّلْطَان لقلَّة من بَقِي مَعَه فَرَكبُوا لحربه ونهبوا وطاق الْملك الْعَادِل. وَكَانَت للْمُسلمين مَعَهم حَرْب انْكَسَرَ فِيهَا الفرنج إِلَى خيامهم وَقتل مِنْهُم آلَاف فوهت قواهم. غير أَن المدد أَتَاهُم ونصبوا المجانيق على عكا فتحول السُّلْطَان إِلَى الحزوبة فَوَافى كتاب ملك الرّوم بقسطنطينية يخبر بوصول الْمِنْبَر من عِنْد السُّلْطَان وَكَذَلِكَ الْخَطِيب والمؤذنين والقراء وَأَن الْخطْبَة أُقِيمَت وَسَار ابْن ملك الألمان عَن أنطاكية إِلَى طرابلس فِي جيوشه وَركب مِنْهَا الْبَحْر إِلَى عكا فوصل إِلَيْهَا سادس رَمَضَان فَأَقَامَ عَلَيْهَا إِلَى أَن هلك ثَانِي عشر ذِي الْحجَّة بَعْدَمَا حَارب الْمُسلمين فَلم ينل مِنْهُم كَبِير عرض. وَدخل الشتَاء وَقد طَالَتْ مُدَّة البيكار وضجرت العساكر من كَثْرَة الْقِتَال فَرَحل صَاحب سنجار وَصَاحب الجزيرة وَصَاحب الْموصل. وفيهَا تولى سيف الدولة أَبُو الميمون مبارك بن كَامِل بن منقذ شدّ الدَّوَاوِين بديار مصر وباشر الأسعد بن مماتي مَعَه الدِّيوَان فِي محرم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 سنة سبع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَدخلت سنة سبع وَثَمَانِينَ: فَسَار الظَّاهِر صَاحب حلب إِلَيْهَا وَسَار المظفر إِلَى حماة. وَبَقِي السُّلْطَان فِي جمع قَلِيل وَالْحَرب بَين أهل عكا وَأمرهمْ بهاء الدّين قراقوش وَبَين الفرنج. وَدخل فصل الرّبيع فوافت العساكر السُّلْطَان وَوصل إِلَى الفرنج مددهم فضايقوا عكا وجدوا فِي حصارها ونصبوا عَلَيْهَا المجانيق. وتوالت الحروب إِلَى أَن ملكهَا الفرنج يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة وأسروا من فِيهَا من الْمُسلمين وَكَانُوا ألوفا. وَخَرجُوا يُرِيدُونَ الْحَرْب فواقعهم السُّلْطَان وكسرهم وَوَقع كَلَامه فِي فَلَمَّا كَانَ فِي سَابِع عشري رَجَب برز الفرنج بخيامهم وأحضروا أُسَارَى الْمُسلمين وحملوا عَلَيْهِم حَملَة وَاحِدَة قتلوا فِيهَا بأجمعهم فِي سَبِيل الله صبرا واليزك الإسلامي ينظر إِلَيْهِم. فَحمل الْمُسلمُونَ عَلَيْهِم وَجَرت بَينهمَا حَرْب شَدِيدَة قتل فِيهَا عدَّة من الْفَرِيقَيْنِ. وَلما أهل شعْبَان: سَار الفرنج إِلَى عسقلان ورحل السُّلْطَان فِي أَثَرهم وواقعهم فِي رَابِع عشره بأرسوف فَانْهَزَمَ الْمُسلمُونَ وَثَبت السُّلْطَان إِلَى أَن اجْتمع عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ وَعَاد إِلَى الْقِتَال حَتَّى التجأ الفرنج إِلَى جدران أرسوف. ورحل السُّلْطَان فِي تَاسِع عشره وَنزل على عسقلان يُرِيد تخريبها لعَجزه عَن حفظهَا فَفرق أبراجها على الْأُمَرَاء وو قع الضجيج والبكاء فِي النَّاس أسفا وغما لخرابها وَكَانَت من أحسن الْبِلَاد بِنَاء وأحكمها أسوارا وأطيبها سكنا فَلم يزل التخريب والحريق فِيهَا إِلَى سلخ شعْبَان. قَالَ الْحَافِظ عبد الْعَظِيم الْمُنْذِرِيّ فِي المعجم المترجم: سَمِعت الْأَمِير الْأَجَل أياز بن عبد الله يعْنى أَبَا الْمَنْصُور البانياسي الناصري يَقُول: لما هدمنا عسقلان أَعْطَيْت أَنا برج الداوية وَهدم خطلج برجا وجدنَا عَلَيْهِ مَكْتُوبًا عمر على يَدي خطلج وَهَذَا من الْكَاتِب قَالَ: رَأَيْت بعسقلان برج الدَّم وخطلج المعزى يهدمه يَعْنِي فِي شعْبَان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 وَرَأَيْت عَلَيْهِ مَكْتُوبًا: مِمَّا أَمر بعمارته السَّيِّد الْأَجَل أَمِير الجيوش يعْنى بَدْرًا الجمالي على يَد عَبده ووليه خطلج فِي شعْبَان فعجبت من هَذَا الِاتِّفَاق كَيفَ عمر فِي شعْبَان على يَد خطلج وَهدم فِي شعْبَان على يَد خطلج. ثمَّ رَحل السُّلْطَان عَن عسقلان وَقد خربَتْ فِي ثَانِي رَمَضَان وَنزل على الرملة فخرب حصنها وسم كَنِيسَة لد وَركب إِلَى الفدس جَرِيدَة ثمَّ عَاد وَهدم حصن النطرون. وَكَانَت بَين الْمُسلمين والفرنج عدَّة وقائع فِي الْبر وَالْبَحْر فَعَاد السُّلْطَان إِلَى الْقُدس فِي آخر ذِي الْقعدَة. وَقدم أَبُو الهيجاء السمين بعسكر مصر وَوَقع الاهتمام فِي عمَارَة سور بَيت الْمُقَدّس وحفر الخَنْدَق. وفيهَا مَاتَ علم الدّين سُلَيْمَان بن جندر فِي آخر ذِي الْحجَّة. وَمَات الْملك المظفر تَقِيّ الدّين عمر بن نور الدولة شاهنشاه بن أَيُّوب بن شادي صَاحب حماة وَهُوَ الَّذِي أوقف منَازِل الْمعز بِمصْر مدرسة فِي لَيْلَة الْجُمُعَة تَاسِع رَمَضَان وَدفن بحماة. وَمَات نجم الدّين مُحَمَّد بن الْمُوفق بن سعيد بن عَليّ بن حسن بن عبد الله الخبوشاني الْفَقِيه الشَّافِعِي الصُّوفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِي عشري ذِي الْقعدَة وَدفن بالقرافة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 وفيهَا سلم أَمر الأسطول بِمصْر للْملك الْعَادِل فاستخدم فِيهِ من قبله وأفرد برسمه الزَّكَاة بِمصْر وَالْحَبْس الجيوشي بالبرين والنطرون وَالْخَرَاج وَمَا مَعَه من ثمن الْقرظ وساحل السنط والمراكب الديوانية وإشنين وطنبذة فاستناب الْعَادِل فِي مُبَاشرَة ذَلِك واستخدم فِي ديوَان الأسطول صفي الدّين عبد الله بن عَليّ بن شكر. وأحيل الْوَرَثَة الجيوشية على غير الْحَبْس الَّذِي لَهُم. وعظمت زِيَادَة النّيل وغرق النواحي وَكثر رخاء الأسعار بِمصْر فأبيع الْقَمْح كل مائَة أردب بِثَلَاثِينَ دِينَارا وَالْخبْز البائت سِتَّة أَرْطَال بِربع دِرْهَم وَالرّطب الْأُمَّهَات سِتَّة أَرْطَال بدرهم والموز سِتَّة أَرْطَال بدرهم وَالرُّمَّان الْجيد مائَة حَبَّة بدرهم وَحمل الْخِيَار بِدِرْهَمَيْنِ والتين ثَمَانِيَة أَرْطَال بدرهم وَالْعِنَب سِتَّة أَرْطَال بدرهم فِي شهر بَابه بعد انْقِضَاء موسمه الْمَعْهُود بشهرين والياسمين خَمْسَة أَرْطَال بدرهم وثمر الْحِنَّاء عشرَة أَرْطَال بدرهم والبسر الْجيد عشرَة أَرْطَال بدرهم وَمَا دونه خَمْسَة عشر رطلا بدرهم. وكثربمصر والقاهرة التجاهر بمعاصي الله وظفر الأسطول بمركب فِيهِ اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ ألف جبنة كل جبنة قدر الرَّحَى لَا يقلها الراجل. وحصلت بِمصْر زَلْزَلَة وهبت سموم حارة فِيهَا إعصار ثَلَاثَة أَيَّام أتلفت الخضروات الَّتِي فضلت من الْغَرق. وانشقت زريبة جَامع المقس لقُوَّة الزِّيَادَة وَخيف على الْجَامِع أَن يسْقط، فَأمر بعمارتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وأهلت سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ: وَالسُّلْطَان بالقدس مُجْتَهد فِي عِمَارَته. وَفِي ثَالِث الْمحرم: نزل الفرنج على ظَاهر عسقلان لقصد عمارتها فَمَا مكنوا وواقعهم جمَاعَة من الأَسدِية مِنْهُم يازكج وَغَيره وتوالت الوقائع بَينهم. وَفِي صفر: سَار الْملك الْأَفْضَل نور الدّين عَليّ بن السُّلْطَان إِلَى الْبِلَاد الشرقية على مَا كَانَ بيد الْملك المظفر تَقِيّ الدّين عمر من الْبِلَاد الَّتِي هِيَ قَاطع الْفُرَات وَأطلق لَهُ السُّلْطَان عشْرين ألف دِينَار سوى الْخلْع والتشريفات. ثمَّ نزل الْملك الْعَادِل أَبُو بكر عَن كل مَاله فِي الشَّام ماخلا الكرك والشوبك والصلت والبلقاء وَنصف خَاصَّة بديارمصر وَعوض الْبِلَاد الشرقية. وَسَار السُّلْطَان من الْقُدس فِي أَوَائِل جُمَادَى الأولى وَكتب بِعُود الْملك الْأَفْضَل فَعَاد منكسر الْقلب إِلَى السُّلْطَان. وَلحق الْعَادِل بحران والرها وَقرر أَمرهمَا ثمَّ عَاد إِلَى السُّلْطَان فِي أخر جُمَادَى الْآخِرَة. وَفِي جُمَادَى الْآخِرَة: ملك الفرنج قلعة الداروم وَخرج الْعَسْكَر الْمصْرِيّ يُرِيدُونَ السُّلْطَان فكبسهم الفرنج وَأخذُوا جَمِيع مَا مَعَهم وتبدد النَّاس فِي الْبَريَّة. وَأسر الفرنج مِنْهُم خَمْسمِائَة رجل وَأخذُوا نَحْو ثَلَاثَة آلَاف جمل وعادوا إِلَى خيمهم وَقد طمعوا فقصدوا الْمسير إِلَى الْقُدس ثمَّ اخْتلفُوا ونزلوا بالرملة وبعثوا رسلهم فِي طلب الصُّلْح فبرز السُّلْطَان من الْقُدس فِي عَاشر رَجَب وَسَار إِلَى يافا فحاصرها وَلم يزل يُقَاتل من فِيهَا من الفرنج إِلَى أَن أَخذ الْبَلَد عنْوَة وغنم النَّاس مِنْهَا شَيْئا عَظِيما. وتسلم السُّلْطَان القلعة وَأخرج من كَانَ فِيهَا من الفرنج فَقدم من الفرنج نجدة كَبِيرَة فِي خمسين مركبا فغدر أهل يافا بِجَمَاعَة من الْمُسلمين وَعَاد الْقِتَال والمراكب فِي الْبَحْر لم تصل إِلَى الْبر فسارع أهل المراكب إِلَى الْبر وحملوا على السُّلْطَان فَرَحل إِلَى يازور وَأمر بتخريبها وَسَار إِلَى الرملة وَمِنْهَا إِلَى الْقُدس وعزم على لِقَاء الفرنج فَاخْتلف عَلَيْهِ أَصْحَابه وأسمعه بَعضهم كلَاما جَافيا فانثنى عَن ذَلِك. وَقدم عَسْكَر مصر فَخرج إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 الرملة وَوَقع الصُّلْح بَين السُّلْطَان والفرنج لثمان بَقينَ من شعْبَان. وعقدت هدنة عَامَّة فِي الْبر وَالْبَحْر مُدَّة ثَلَاث سِنِين وَثَلَاثَة أشهر أَولهَا حادي عشر شعْبَان وَهُوَ أول شهر أيلول على أَن يكون للفرنج من يافا إِلَى عكا إِلَى صور وطرابلس وأنطاكية. وَنُودِيَ فِي الوطاقات وأسواق الْعَسْكَر: أَلا إِن الصُّلْح قد انتظم فَمن شَاءَ من بِلَادهمْ يدْخل بِلَادنَا فَلْيفْعَل وَمن شَاءَ من بِلَادنَا يدْخل بِلَادهمْ فَلْيفْعَل. وَكَانَ يَوْم الصُّلْح يَوْمًا مشهودا عَم فِيهِ الطَّائِفَتَيْنِ الْفَرح وَالسُّرُور لما نالهم من طول الْحَرْب. فاختلط عَسْكَر الفرنج بعسكر الْمُسلمين ورحل جمَاعَة من الْمُسلمين إِلَى يافا للتِّجَارَة وَدخل خلق عَظِيم من الفرنج إِلَى الْقُدس بِسَبَب الزِّيَارَة فأكرمهم السُّلْطَان وَمد لَهُم الْأَطْعِمَة وباسطهم. ورحل مُلُوك الفرنج إِلَى نَاحيَة عكا ورحل السُّلْطَان إِلَى الْقُدس وَسَار مِنْهَا إِلَى دمشق ملقيه الْأَمر بهاء الدّين قراقوش وَقد تخلص من الْأسر على طبرية. وَدخل السُّلْطَان إِلَى دمشق لخمس بَقينَ من شَوَّال فَكَانَت غيبته عَنْهَا أَربع سِنِين. وَأذن للعساكر فِي التَّفَرُّق إِلَى بِلَادهمْ فَسَارُوا إِلَيْهَا وَبَقِي عِنْد السُّلْطَان ابْنه الْأَفْضَل عَليّ وَالْقَاضِي الْفَاضِل. وفيهَا انْتقل سعر الفول بديار مصر من خَمْسَة عشر دِينَارا إِلَى ثَلَاثِينَ دِينَارا الْمِائَة أردب بِحكم ان المُشْتَرِي لعلوفة الوسية العادلية خَمْسُونَ ألف أردب. وفيهَا عثر على رجل اسْمه عبد الْأَحَد من أَوْلَاد حسن ابْن الْخَلِيفَة الفاطمي الْحَافِظ لدين الله وأحضر إِلَى الْملك الْعَزِيز بِالْقَاهِرَةِ فَقيل لَهُ: أَنْت تَدعِي أَنَّك الْخَلِيفَة قَالَ: نعم. فَقيل لَهُ: أَيْن كنت فِي هَذِه الْمدَّة فَذكر أَن أمه أخرجته من الْقصر فتاه وَوصل إِلَى طنبذة فاختفى بهَا ثمَّ خرج إِلَى مصر فأواه رجل وَشرع يتحدث لَهُ فِي الْخلَافَة وَأَنه وَقع بعدة بِلَاد وأقطع أُنَاسًا مِمَّن بَايعه فسجن. وعثر على بعض أقَارِب الْوَزير شاور وَقد ثار بِالْقَاهِرَةِ فسجن وفيهَا انْعَقَد ارْتِفَاع الدِّيوَان الْخَاص السلطاني على ثَلَاثمِائَة ألف وَأَرْبَعَة وَخمسين ألف دِينَار وَأَرْبَعمِائَة وَأَرْبَعَة وَأَرْبَعين دِينَارا. وَمَات فِيهَا جمال الْملك مُوسَى بن الْمَأْمُون البطائحي جَامع السِّيرَة المأمونية وهوبقية بَيته فِي سادس عشر جُمَادَى الأولى بِالْقَاهِرَةِ. وفيهَا وَقع الشُّرُوع فِي حفر الخَنْدَق من بَاب الْفتُوح إِلَى المقس. وَكتب بِنَقْل جمَاعَة من أَتبَاع الدولة الفاطمية المحبوسين فِي الإيوان وَدَار المظفر لَيْلًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 بِحَيْثُ لَا يشْعر بهم أحد حَتَّى يوصلهم الْمُكَلف بذلك إِلَى صرخد. وفيهَا كتب بإخلاء مَدِينَة تنيس وَنقل أَهلهَا إِلَى دمياط وَقطع أَشجَار بساتين دمياط وَإِخْرَاج النِّسَاء مِنْهَا. فخلت تنيس إِلَّا من الْمُقَاتلَة وحفر خَنْدَق دمياط وَعمل جسر عِنْد سلسلة البرج بهَا. وفيهَا كثرت الأراجيف بِالْقَاهِرَةِ ومصر وعظمت الشناعات وَارْتَفَعت الأسعار. وفيهَا ورد الْخَبَر فِي كتاب من الْيمن بِأَن ثَلَاثَة أَنهَار بِالْحَبَشَةِ تَغَيَّرت بَعْدَمَا كَانَت عذبة فَصَارَ أَحدهَا أجاجا وَالْآخر لَبَنًا وَالْآخر دَمًا. وفيهَا مَاتَ قلج ارسلان بن مَسْعُود بن قلج أرسلان بن سُلَيْمَان صَاحب قونية وَقد تغلب عَلَيْهِ ابْنه قطب الدّين صَاحب سيواس وأقصرا وَزَاد فِي أَن حجر عَلَيْهِ. وَكَانَ مَوته فِي شعْبَان فولى تونية بعده ابْنه غياث الدّين كيخسرو بن قلج أرسلان وَبقيت أخوته على ولاياتهم من عهد أَبِيهِم فَاخْتَلَفُوا وثار عَلَيْهِ أَخُوهُ ركن الدّين سُلَيْمَان صَاحب ووقاط وَملك سيواس وأقصرا وقيسارية وَهِي أَعمال أَخِيه قطب الدّين ثمَّ ملك قونية من غياث الدّين ففر غياث الدّين وَنزل حلب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 سنة تسع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة أهلت: وَالسُّلْطَان بِدِمَشْق فَخرج الْعَادِل إِلَى الكرك وَقدم من الْيمن الْملك الْمعز إِسْمَاعِيل ابْن سيف الْإِسْلَام ظهير الدّين طغتكين فِي نصف صفر فسربه السُّلْطَان. فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة السبت سادس عشره: نزل بالسلطان مرض فَأمر يَوْم السبت وَلَده الْفضل أَن يجلس على الطَّعَام فَجَلَسَ فِي مرضع السُّلْطَان. وتزايد بِهِ الْمَرَض إِلَى الْيَوْم الْحَادِي عشر من مَرضه فَحلف الْأَفْضَل النَّاس وَاسْتمرّ السُّلْطَان فِي تزايد من الْمَرَض إِلَى لَيْلَة الْأَرْبَعَاء سَابِع عشري صفر وهى لَيْلَة الثَّانِي عشر من الْمَرَض فاحتضر وَمَات بعد صَلَاة الصُّبْح من يَوْم الْأَرْبَعَاء الْمَذْكُور. فَركب الْأَفْضَل وَدَار فِي الْأَسْوَاق وَطيب قُلُوب الْعَامَّة. وَكَانَ رَحمَه الله كثير التَّوَاضُع قَرِيبا من النَّاس كثير الِاحْتِمَال شَدِيد المداراة محبا للفقهاء وَأهل الدّين وَالْخَيْر محسنا إِلَيْهِم مائلا إِلَى الْفَضَائِل يستحسن الشّعْر الْجيد ويردده فِي مَجْلِسه. ومدحه كثير من الشُّعَرَاء وانتجعوه من الْبلدَانِ. وَكَانَ شَدِيد التَّمَسُّك بالشريعة سمع الحَدِيث من أبي الْحسن عَليّ بن إِبْرَاهِيم بن الْمُسلم بن بنت أبي سعد وَأبي مُحَمَّد بن بري النَّحْوِيّ وَأبي الْفَتْح مَحْمُود بن أَحْمد الصَّابُونِي وَأبي الطَّاهِر السلَفِي وَابْن عَوْف وَجَمَاعَة غَيرهم. وَكَانَ كَرِيمًا: أطلق من الْخَيل بمرج عكا لمن مَعَه اثْنَي عشر ألف رَأس سوى أَثمَان الْخَيل الَّتِي أُصِيبَت فِي الْجِهَاد. وَلم يكن لَهُ فرس يركبه إِلَّا وَهُوَ موهوب أَو مَوْعُود بِهِ وَصَاحبه ملازم فِي طلبه وَتَأَخر عَنهُ الْأَمِير أَيُّوب بن كنان فِي بعض سفراته لدين لزمَه فَتقبل لغرمائه بِاثْنَيْ عشر ألف دِينَار مصرية. وَكَانَ ورعا رأى يَوْمًا الْعِمَاد الْكَاتِب يكْتب من دَوَاة محلاة بِالْفِضَّةِ فأنكرها وَقَالَ هَذَا حرَام فَلم يعد يكْتب مِنْهَا عِنْده. وَكَانَ لَا يصلى إِلَّا فِي جمَاعَة وَله إِمَام راتب ملازم وَكَانَ يُصَلِّي قبيل الصُّبْح رَكْعَات إِذا اسْتَيْقَظَ وَكَانَ يُسَوِّي فِي المحاكمة بَين أكبر النَّاس وَبَين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 خَصمه. وَكَانَ شجاعا فِي الحروب يمر فِي الصُّفُوف وَلَيْسَ مَعَه سوى صبي. وقرىء عَلَيْهِ جُزْء من الحَدِيث بَين الصفين وَهُوَ على ظهر فرسه وَكَانَ ذَاكِرًا لوقائع الْعَرَب وعجائب الدُّنْيَا ومجلسه طَاهِر من المعايب رَحمَه الله وَغفر لَهُ. وَلما مَاتَ جلس الْأَفْضَل للعزاء وَكثر بكاء النَّاس عَلَيْهِ. وغسله الْفَقِيه خطيب دمشق أخرج بعد صَلَاة الظّهْر وَصلى النَّاس عَلَيْهِ أَرْسَالًا وَدفن بداره الَّتِي مرض فِيهَا بالقلعة ثمَّ نقل فِي يَوْم عَاشُورَاء سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة إِلَى تربة بنيت لَهُ بجوار جَامع بني أُميَّة. وَكتب بوفاته إِلَى الْعَزِيز بِمصْر وَإِلَى الْعَادِل بالكرك. وَكَانَ عمره يَوْم مَاتَ نَحوا من سبع وَخمسين سنة مِنْهَا مُدَّة ملكه بعد موت العاضد اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ سنة وَأَيَّام. وَترك من الْأَوْلَاد سَبْعَة عشر ذكرا وبنتا وَاحِدَة صَغِيرَة وَلم يخلف فِي خزائنه سوى سَبْعَة وَأَرْبَعين درهما وَلم يتْرك دَارا وَلَا عقارا. وَكَانَ القَاضِي الْفَاضِل عبد الرَّحِيم بن عَليّ البيساني صَاحب سره وبمنزلة الْوَزير مِنْهُ. وفيهَا قتل طغرل بن أرسلان بن طغرل بن السُّلْطَان مُحَمَّد بن ملك شاه بن ألب أرسلان بن جغري بك دَاوُد بن مِيكَائِيل بن سلجوق فِي رَابِع عشري شهر ربيع الأول وَهُوَ أخر من ملك بِلَاد الْعَجم من السلاطين السلجوقية وَابْتِدَاء دولتهم فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة وأولهم طغرلبك بن مِيكَائِيل بن سلجوق فَتكون مُدَّة دولتهم مائَة سنة وثمانيا وَخمسين سنة. السُّلْطَان الْملك الْعَزِيز عماد الدّين أَبُو الْفَتْح عُثْمَان ابْن السُّلْطَان الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب ولد بِالْقَاهِرَةِ فِي ثامن جُمَادَى الأولى سنة سبع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَمَات أَبوهُ بِدِمَشْق وَهُوَ على سلطنة ديار مصر مُقيم بِالْقَاهِرَةِ وَعِنْده جلّ العساكر والأمراء من الأَسدِية والصلاحية والأكراد. فَلَمَّا بلغه موت أَبِيه جلس للعزاء وَأخذ بالحزم وَقرر أُمُور دولته وخلع على الْأُمَرَاء وأرباب الدولة يعد انْقِضَاء العزاء. فَقَامَ أَخُوهُ الْأَفْضَل نور الدّين عَليّ بِدِمَشْق وَكتب إِلَى الْخَلِيفَة النَّاصِر يطالعه بوفاة أَبِيه من إنْشَاء الْعِمَاد الْكَاتِب. وَبعث بذلك مَعَ القَاضِي ضِيَاء الدّين أبي الْفَضَائِل الْقَاسِم بن يحيى بن عبد الله الشهرزوري وَمَعَهُ عدد وَالِده وملابسه وخيله وهدية نفيسة. وَسَار الْعَادِل من الكرك إِلَى بِلَاد الْمشرق فَأَقَامَ بقلعة جعبر وَبعث نوابه إِلَى حران والرها واستوزر الْأَفْضَل الْوَزير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 ضِيَاء الدّين نصر الله بن مُحَمَّد بن الأئير وفوض إِلَيْهِ أُمُوره كلهَا فَحسن لَهُ إبعاد أُمَرَاء أَبِيه وأكابر أَصْحَابه وَأَن يستجد أُمَرَاء غَيرهم ففارقه جمَاعَة مِنْهُم الْأَمر فَخر الدّين جهاركس وَفَارِس الدّين مَيْمُون القصري وشمس الدّين سنقر الْكَبِير وَكَانُوا عُظَمَاء الدولة فصاروا إِلَى الْملك الْعَزِيز بِالْقَاهِرَةِ فأكرمهم وَولى فَخر الدّين أستاداره وفوض إِلَيْهِ أمره وَجعل فَارس الدّين وشمس الدّين على صيداء وأعمالها وَكَانَ ذَلِك لَهما وزادهما نابلس وبلادها وَسَار القَاضِي الْفَاضِل أَيْضا من دمشق وَلحق بِالْقَاهِرَةِ فَخرج الْعَزِيز إِلَى لِقَائِه وَأجل قدومه وأكرمه فشرع الْقَوْم فِي تَقْرِير قَوَاعِد ملك الْعَزِيز وَالْأَفْضَل فِي شغل عَنْهُم وَكَانَت مَدِينَة الْقُدس مُضَافَة للأفضل فَكتب إِلَى أَخِيه الْعَزِيز يرغب عَنْهَا لَهُ. وَكَانَ ذَلِك من تَدْبِير وزيره ابْن الْأَثِير لِأَنَّهَا كَانَت تحْتَاج حِينَئِذٍ إِلَى أَمْوَال وَرِجَال لمدافعة الفرنج فسر الْعَزِيز بذلك وجهز عشرَة آلَاف دِينَار إِلَى عز الدّين جرديك النوري مُتَوَلِّي الْقُدس لينفقها فِي عَسْكَر الْقُدس فَخَطب لَهُ بِهِ. وخشي الْعَزِيز من نقض الهدنه بَينه وبن الفرنج فَبعث عسكرا إِلَى الْقُدس احْتِرَازًا من الفرنج. ثمَّ بدا للأفضل أَن يعود فِيمَا رغب عَنهُ لِأَخِيهِ من الْقُدس وَرجع عَن ذَلِك فَتغير الْعَزِيز من هَذَا وَأخذ الْأُمَرَاء فِي الإغراء بَينهمَا وحسنوا للعزيز الاستبداد بِالْملكِ وَالْقِيَام مقَام أَبِيه فَبلغ ذَلِك الْأَفْضَل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 (سنة تسعين وَخَمْسمِائة) وَدخلت سنة تسعين: وَقد تنافرت الْقُلُوب وقويت الوحشة بَين الْأَخَوَيْنِ وَاجْتمعت الْأُمَرَاء الصلاحية على أَن يكون الْأَمر كُله للعزيز فاضطربت أَحْوَال الْأَفْضَل. وَخرج الْعَزِيز من الْقَاهِرَة بعساكر مصر من الصلاحية والأسدية والأكراد وَغَيرهم يُرِيد الشَّام وانتزاعها من أَخِيه الْأَفْضَل من أجل أُمُور مِنْهَا أَن جبيل وَهُوَ من جملَة الْفتُوح الصلاحية كَانَ مَعَ رجل كردِي فَقِيه أَقَامَهُ صَلَاح الدّين مستحفظا بهَا فأرغبه الفرنج بِمَال حَتَّى سلمه لَهُم. وَخرج الْأَفْضَل من دمشق ليستنقذه من الفرثج فَتعذر عَلَيْهِ وَظهر الْعَجز عَن استخلاصه فامتعض الْأُمَرَاء لذَلِك وخوفوا الْعَزِيز من عَاقِبَة أَمر الفرنج فَسَار فِي صفر واستخلف أَخَاهُ الْملك الْمُؤَيد نجم الدّين مَسْعُود وَترك بِالْقَاهِرَةِ بهاء الدّين قراقوش الْأَسدي وصيرم وَسيف الدّين يازكج وخطلج فِي تِسْعمائَة فَارس. وَاتفقَ أَن الْأَمِير صارم الدّين قايماز النجمي أحد أكَابِر الْأُمَرَاء الصلاحية استوحش من الْأَفْضَل لإعراضه عَنهُ فَخرج من دمشق يُرِيد إقطاعه وَلحق بالعزيز فَأكْرمه وَرفع مَحَله. وهم الْأَفْضَل بمراسلة أَخِيه الْعَزِيز واستعطافه فَمَنعه من ذَلِك وزيره ابْن الْأَثِير وعدة من أَصْحَابه وحسنوا لَهُ محاربته فَمَال إِلَيْهِم. وَبعث إِلَى عَمه الْعَادِل وَهُوَ بالشرق وَإِلَى أَخِيه الظَّاهِر بحلب وَإِلَى الْمَنْصُور بحماة وَإِلَى الأمجد صَاحب بعلبك وَإِلَى الْمُجَاهِد شيركوه صَاحب حمص يستنجدهم على أَخِيه الْعَزِيز. فوردت رسلهم فِي جُمَادَى الْآخِرَة يعدون بالقدوم عَلَيْهِ. ثمَّ إِنَّه برز من دمشق وَنزل بِرَأْس المَاء. فَلَمَّا وصل الْعَزِيز إِلَى الْقصير من الْغَوْر ضَاقَ الْأَفْضَل وَرجع من الفوار إِلَى رَأس المَاء فأدركت مُقَدّمَة الْعَزِيز ساقته وكادوا يكبسونه فَانْهَزَمَ إِلَى دمشق ودخلها لخمس مضين مِنْهُ. وَنزل الْعَزِيز فِي غده على دمشق فِي قُوَّة قَوِيَّة ونازل الْبَلَد. وَكَانَ الْأَفْضَل قد استعد لقتاله فَقدم الْعَادِل وَالظَّاهِر والمنصور والمجاهد والأمجد إِلَى دمشق. وَبعث الْعَادِل إِلَى ابْن أَخِيه الْملك الْعَزِيز يشفع فِي الْأَفْضَل ويستأذنه فِي الِاجْتِمَاع بِهِ فَأذن لَهُ. وَخرج الْعَادِل فَاجْتمع بالعزيز وكل مِنْهُمَا رَاكب وتحدث مَعَه فِي الصُّلْح وَأَن ينفس الخناق عَن الْبَلَد وَكَانَ قد اشْتَدَّ الْحصار وَقطعت الْأَنْهَار ونهبت الثِّمَار وَالْوَقْت زمن المشمش. فَوَافَقَ الْعَزِيز عَمه وَتَأَخر إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 داريا وَنزل على العوج وسير الْأَمِير فَخر الدّين جهاركس الأستادار وَهُوَ يَوْمئِذٍ أجل الصلاحية إِلَى الْعَادِل فقرر الصُّلْح على شُرُوط وَعَاد إِلَى الْعَزِيز فَرَحل وَنزل مرج الصفر فَحدث لَهُ مرض شَدِيد وأرجف بِمَوْتِهِ ثمَّ أبل مِنْهُ. وَأمر بِعَمَل نُسْخَة الْيمن وهى جَامِعَة لمقترحات جَمِيع الْمُلُوك وحسم مواد الْخلاف وَأَن الْملك الأمجد بهْرَام شاه بن عز الدّين فرخشاه وَالْملك الْمُجَاهِد شيركوه يكونَانِ مؤازرين للْملك الْأَفْضَل وتابعين لَهُ وَأَن الْملك الْمَنْصُور صَاحب حماة يكون فِي حيّز الْملك الظَّاهِر صَاحب حلب ومؤزرا لَهُ. وَبعث كل من الْمُلُوك أَمِيرا من أمرائه ليحضر الْحلف فَاجْتمعُوا يَوْم السبت ثَانِي عشر شهر رَجَب وَجَرت أُمُور آلت إِلَى الْحلف على دخن. وَتزَوج الْعَزِيز بابنة عَمه الْعَادِل وَقبل العقد عَنهُ القَاضِي المرتضى مُحَمَّد بن القَاضِي الجليس عبد الْعَزِيز السَّعْدِيّ. ووكل الْعَادِل القَاضِي محيي الدّين مُحَمَّد بن شرف الدّين بن عصرون فِي تَزْوِيج ابْنَته من ابْن عَمها الْملك الْعَزِيز وَعقد بَينهمَا قَاضِي الْقُضَاة محيي الدّين. وَكتب الْعِمَاد الْكَاتِب الْكتاب فِي ثوب أطلس وَقُرِئَ بَين يَدي الْملك الظَّاهِر وَعقد العقد عِنْده. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة أول شعْبَان: خرج الْملك الظَّاهِر غَازِي صَاحب حلب لوداع أَخِيه فَركب الْعَزِيز إِلَى لِقَائِه وأنزله مَعَه وأكلا ثمَّ تفَرقا بعد مَا أهْدى كل مِنْهُمَا لِأَخِيهِ هَدِيَّة سنية. ثمَّ خرج الْعَادِل لوداع الْعَزِيز فِي خواصه ثمَّ خرج الْأَفْضَل فودعه أَيْضا وَهُوَ آخر من ودعه. ورحل الْعَزِيز من مرج الصفر فِي ثَالِث شعْبَان يُرِيد مصر فَلَمَّا كَانَ ثَالِث عشره عمل الْأَفْضَل دَعْوَة عَظِيمَة لِعَمِّهِ وَبَقِيَّة الْمُلُوك ووادعهم ثمَّ رحلوا من الْغَد إِلَى بِلَادهمْ إِلَّا الْعَادِل فَإِنَّهُ أَقَامَ إِلَى تَاسِع شهر رَمَضَان ثمَّ رَحل إِلَى بِلَاده بالشرق. وَقدم الْعَزِيز إِلَى الْقَاهِرَة فِي يَوْم وَأما الْأَفْضَل فَإِنَّهُ هم بمكاتبة الْعَزِيز بِمَا يُؤَكد أَسبَاب الصُّلْح فأماله عَن ذَلِك خواصه وأغروه بأَخيه ورموا جمَاعَة من أمرائه بِأَنَّهُم يكاتبون الْعَزِيز فاستوحش مِنْهُم وفطنوا بذلك فَتَفَرَّقُوا عَنهُ. وَسَار الْأَمِير عز الدّين أُسَامَة صَاحب كَوْكَب وعجلون عَن الْأَفْضَل وَلحق بالعزيز فَأكْرمه غَايَة الْإِكْرَام وَأخذ يحرضه على الْفضل ويحثه على الْمسير إِلَى دمشق وانتزاعها مِنْهُ وَيَقُول لَهُ: إِن الْأَفْضَل قد غلب على اخْتِيَاره وَحكم عَلَيْهِ وزيره الضياء ابْن الْأَثِير الْجَزرِي وَقد افسد أَحْوَال دولته بِرَأْيهِ الْفَاسِد وَيحمل أَخَاك على مقاطعتك وَيحسن لَهُ نقض الْيمن فَإِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 من شَرطهَا صفو الوداد وَصِحَّة النِّيَّة وَلم يُوجد ذَلِك فحنثهم فِي الْيَمين قد تحقق وبرئت أَنْت من الْعهْدَة فاقصد الْبِلَاد فَإِنَّهَا فِي يدك قبل أَن يحصل فِي الدولة من الْفساد مَا لَا يُمكن تلافيه وَبينا هُوَ فِي ذَلِك إِذْ فَارق الْأَفْضَل الْأَمِير شمس الدّين أيدمر بن السلار وصل إِلَى الْعَزِيز فساعد الْأَمر أُسَامَة على قَصده ثمَّ وصل أَيْضا إِلَى الْعَزِيز القَاضِي محيي الدّين أَبُو حَامِد مُحَمَّد بن الشَّيْخ شرف الدّين عبد الله بن هبة الله بق أبي عصرون فاحترمه وولاه قَضَاء الديار المصرية وَضم إِلَيْهِ نظر الْأَوْقَاف. وَأَقْبل الْأَفْضَل بِدِمَشْق على اللّعب ليله ونهاره وتظاهر بلذاته وفوض الْأُمُور إِلَى وزيره ثمَّ ترك اللّعب من غير سَبَب وَتَابَ وأزال الْمُنْكَرَات وأراق الْخُمُور وَأَقْبل على الْعِبَادَة وَلبس الخشن من الثِّيَاب وَشرع فِي نسخ مصحف بِخَطِّهِ وَاتخذ لنَفسِهِ مَسْجِدا يَخْلُو فِيهِ بِعبَادة ربه وواظب على الصّيام وجالس الْفُقَرَاء وَبَالغ فِي التقشف حَتَّى صَار يَصُوم النَّهَار وَيقوم اللَّيْل. وَأما الْعَزِيز فَإِنَّهُ قطع خبز الْفَقِيه الْكَمَال الْكرْدِي من مصر فأفسد جمَاعَة على السُّلْطَان وَخرج إِلَى الْعَرَب فَجمع وَنهب الْإسْكَنْدَريَّة فَسَار إِلَيْهِ الْعَسْكَر فَلم يظفروا بِهِ. وَقطع الْعَزِيز أَيْضا خبز الْجنَاح وعلكان ومجد الدّين الْفَقِيه وَعز الدّين صهر الْفَقِيه فَسَارُوا من الْقَاهِرَة إِلَى دمشق فأقطعهم الْملك الْأَفْضَل الإقطاعات. وَفِي شهر رَمَضَان: كسر بَحر أبي المنجا بعد عيد الصَّلِيب بسبعة أَيَّام وتجاهر النَّاس فِيهِ وَفِيه وَقعت الآفة فِي الْبَقر وَالْجمال وَالْحمير مهلك مِنْهَا كثير. وَفِيه كثر حمل الْغلَّة من الْبحيرَة إِلَى بِلَاد الْمغرب لشدَّة الغلاء بهَا وَكَثُرت بَين الْأُمَرَاء إِشَاعَة أَن إقطاعاتهم تُؤْخَذ مِنْهُم فقصروا فِي عمَارَة الْبِلَاد. وارتفع السّعر بالإسكندرية وَنقص مَاء النّيل بَعْدَمَا بلغ اثْنَيْنِ وَعشْرين إصبعا من سَبْعَة عشر ذِرَاعا فَرفعت الأسعار وشرقت الْبِلَاد وَبلغ الْقَمْح كل أردب بِدِينَار وَأخذ فِي الزِّيَادَة وَتعذر وجود الْخبز وضج النَّاس وَكَثُرت الْمُنْكَرَات وغلا سعر الْعِنَب لِكَثْرَة من يعصره. وأقيمت طاحون لطحن الْحَشِيش بالمحمودية وحميت بيُوت المزر وَجعل عَلَيْهَا ضَرَائِب فَمِنْهَا مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي الْيَوْم سِتَّة عشر دِينَارا وَمنع من عمل المزر البيوتي وتجاهر الكافة بِكُل قَبِيح فترقب أهل الْمعرفَة حُلُول الْبلَاء. وفيهَا قدم رَسُول متملك الْقُسْطَنْطِينِيَّة يطْلب صَلِيب الصلبوت فأحضر من الْقُدس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 وَكَانَ مرصعا بالجوهر وَسلم إِلَيْهِ على أَن يُعَاد ثغر جبيل من الفرنج. وَتوجه الْأَمِير شمس الدّين جَعْفَر بن شمس الْخلَافَة بذلك. سنة تسعين وَخَمْسمِائة تَتِمَّة سنة تسعين وَخَمْسمِائة فِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع محرم: عقد مجْلِس بِحَضْرَة السُّلْطَان حَضَره أَصْحَاب الدَّوَاوِين. وَفِي عاشره: قدم الْأَمِير حسام الدّين بِبِشَارَة من عِنْد الْملك الْعَادِل وَبَقِيَّة الْأَوْلَاد الناصرية فَتَلقاهُ السُّلْطَان والأمراء وَحمل إِلَيْهِ سماط السلطنة فَطلب الْمُوَافقَة بَين الْأَهْل. وَفِي سادس عشره: ركب السُّلْطَان للصَّيْد بالجيزة وَمر بِبَاب زويلة فَأنْكر بروز مصاطب الحوانيت فِي الْأَسْوَاق ورسم بهدمها فهدمت بِمُبَاشَرَة محتسب الْقَاهِرَة. وَمر بصناعة العمائر فرسم بسد طلقات الدّور الْمُجَاورَة للنيل فَسدتْ. وَفِي صفر: غيرت وُلَاة الْأَعْمَال. وَفِي عاشره: حلف الْعَزِيز لِعَمِّهِ الْعَادِل. وَفِي ثَالِث عشريه: عَاد الْعَزِيز من الصَّيْد بالجيزة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: غلت الأسعار فَبلغ كل مائَة أردب ثَمَانِينَ دِينَارا. وَفِي خَامِس عشره: قدم فَارس الدّين مَيْمُون القصري مقطع صيداء وَسيف الدّين سنقر المشطوب وشمس الدّين سنقر الْكَبِير مقطع الشقيف مفارقين الْملك الْأَفْضَل فَدفع الْعَزِيز لميمون خَمْسمِائَة دِينَار ولسنقر أَرْبَعمِائَة دِينَار وللمشطوب ثَلَاثمِائَة دِينَار. وَفِي ربيع الأول: اشْتَدَّ الْأَمر فِي للزحام على الْخبز لقلته فِي الْأَسْوَاق وَوَقع الْحَرِيق فِي عدَّة مراضع بِالْقَاهِرَةِ. وَفِي ثَالِث عشره: انحل السّعر قَلِيلا وَوجد الْخبز فِي الْأَسْوَاق. وَفِي نصفه: ورد كتاب علم الدّين قَيْصر بِأَنَّهُ تسلم الْقُدس من جرديك فِي تاسعه وتسلم صَلِيب الصلبوت وَقرر أَيْضا إِعَادَة جبيل من الفرنج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 وَفِي سادس عشره: قدم بدر الدّين لُؤْلُؤ بِكِتَاب الْأَفْضَل بِخَبَر جبيل وَسبب قدوم مَيْمُون ورفيقيه. وَفِيه نزع السّعر وَبلغ كل مائَة أردب إِلَى مائَة وَخَمْسَة وَسبعين دِينَارا وَعظم ضجيج النَّاس من الْجُوع. وَفِي سَابِع عشريه: وصل صَلِيب الصلبوت من الْقُدس وَهُوَ خَشَبَة مرصعة بجواهر فِي ذهب. وَفِي ثامن عشريه: ولى زين الدّين عَليّ بن يُوسُف الدِّمَشْقِي قَضَاء الْقُضَاة بديار مصر عوضا عَن صدر الدّين بن درباس بعناية جمَاعَة من المماليك بِهِ وخلع عَلَيْهِ. وَفِي سلخه: قدم رَسُول الْملك الْعَادِل. وَفِي تَاسِع ربيع الآخر: هدم الْمُحْتَسب حوانيت وإصطبلا كَانَ صدر الدّين بن درباس أَنْشَأَهَا فِي زِيَادَة الْجَامِع الْأَزْهَر بجوار دَاره وَرفع صدر الدّين نقض ذَلِك إِلَى دَاره. وَقَوي عزم السُّلْطَان على السّفر وَبعث بهْرَام يقترض لَهُ مَالا من تجار الْإسْكَنْدَريَّة وَطلب من قَاضِي الْقُضَاة زين الدّين أَن يقْرضهُ مَال الْأَيْتَام وَكَانَ يبلغ أَرْبَعَة عشر ألف دِينَار فَحملت إِلَى الخزانة. وكنب السُّلْطَان خطه بذلك وَأشْهد عَلَيْهِ وأحال بِهِ على بَيت المَال وَقرر استخراجه مِنْهُ وَأمر بِحمْلِهِ إِلَى القَاضِي. هَذَا وَقد تَأَخّر الْقَرْض الَّذِي كَانَ السُّلْطَان صَلَاح الدّين أقْرضهُ فِي نوبَة عكا وَهُوَ ثَلَاثُونَ ألف دِينَار فَلم يوف مِنْهُ إِلَّا يَسِيرا. وَفِي سادس عشره: توجه جَعْفَر بن شمس الْخلَافَة إِلَى الفرنج لإعادة جبيل. وَفِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشره: خرج السُّلْطَان إِلَى مخيمه ببركة الْجب واستناب فِي غيبته بهاء الدّين قراقوش وَمَعَهُ ثَلَاثَة عشر أَمِيرا وَنَحْو سَبْعمِائة فَارس. وَتوجه مَعَ السُّلْطَان سَبْعَة وَعِشْرُونَ أَمِيرا فِي ألفي فَارس وَألف من الْحلقَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 وَفِي ثَالِث جُمَادَى الأولى: اسْتَقل السُّلْطَان بِالْمَسِيرِ وَنزل على دمشق فِي تَاسِع جُمَادَى الْآخِرَة ورحل عَنْهَا فِي ثامن عشريه بشفاعة عَمه الْملك الْعَادِل. وَفِي تَاسِع رَجَب: دخل الْأَفْضَل دمشق بعد أَن تقرر الصُّلْح بَينه وبن أَخِيه الْملك الْعَزِيز فِي سادسه. وَفِي رَابِع شعْبَان: دقَّتْ البشائر بِالْقَاهِرَةِ فَرحا بِالصُّلْحِ بَين الْأَوْلَاد الناصرية وزينت الْأَسْوَاق. وَقدم السُّلْطَان الْملك الْعَزِيز إِلَى الْقَاهِرَة سلخ شعْبَان. وَفِي سَابِع رَمَضَان: وصل الْملك الْمُعظم توران شاه وَإِخْوَته وعيالهم من دمشق والديوان فِي ضائقة شَدِيدَة فعجزوا عَن إِقَامَة وظائفهم ومطابخهم وجراياتهم فنزلوا فِي الدَّار العزيزية. ونزعت الأسعار فِي المأكولات كلهَا. وَفِي تَاسِع عشره: وصل عز الدّين أُسَامَة مفارقا للأفضل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَدخلت سنة إِحْدَى وَتِسْعين والعزيز على عزم الْمسير إِلَى الشَّام فَاسْتَشَارَ الْأَفْضَل أَصْحَابه فَمنهمْ من أَشَارَ عَلَيْهِ بمكاتبة الْعَزِيز واسترضائه وَأَشَارَ الْوَزير ابْن الْأَثِير عَلَيْهِ بالاعتصار بِعَمِّهِ الْعَادِل واستنجاده على الْعَزِيز فأصغى إِلَيْهِ وَكَثُرت الإشاعة بِقصد الْعَزِيز إِقَامَة الْخطْبَة فِي دمشق باسمه وَضرب السِّكَّة لَهُ. فانزعج الْأَفْضَل وَخرج من دمشق فِي رَابِع عشر جُمَادَى الأولى وَسَار جَرِيدَة إِلَى عَمه الْعَادِل فَلَقِيَهُ بصفين فَلَمَّا نزلا ألحف الْأَفْضَل فِي الْمَسْأَلَة لَهُ أَن ينزل عِنْده بِدِمَشْق ليجيره من أَخِيه الْعَزِيز فَأَجَابَهُ وأنزله بقلعة جعبر ثمَّ سَار مَعَه إِلَى دمشق أول جُمَادَى الْآخِرَة فوصل إِلَيْهَا فِي تاسعه وَدخل الْأَفْضَل إِلَى حلب على الْبَريَّة مستصرخا بأَخيه الْملك الظَّاهِر فَتَلقاهُ وَحلف لَهُ على مساعدته ثمَّ رَحل عَنهُ إِلَى حماة فَتَلقاهُ ابْن عَمه الْملك الْمَنْصُور مُحَمَّد ابْن المظفر وَحلف لَهُ ثمَّ سَار عَنهُ إِلَى دمشق فَدَخلَهَا فِي ثَالِث عشره وَبهَا الْعَادِل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 فأفضى إِلَيْهِ بأسراره. وَعلم الْعَادِل اختلال أَحْوَال الْأَفْضَل وَسُوء تَدْبيره وقبيح سيرته فانحرف عَنهُ وَنَهَاهُ فَلم ينْتَه إِلَّا أَنه مبالغ فِي كَرَامَة عَمه حَتَّى أَنه ترك لَهُ السنجق. وَصَارَ الْعَادِل يركب بالسنجق السلطاني فِي كل يَوْم ويركب الْأَفْضَل فِي خدمته. فَمَا هُوَ إِلَّا أَن اسْتَقر ذَلِك إِذْ حدث بَين الظَّاهِر صَاحب حلب وَبَين أَخِيه الْأَفْضَل وَعَمه الْعَادِل وَحْشَة من أجل ميل الْملك الْمَنْصُور صَاحب حماة إِلَى الْعَادِل. فسير الظَّاهِر إِلَى أَخِيه الْعَزِيز يحرضه على قصد الشَّام ووعده بالمساعدة لَهُ على الْأَفْضَل فَوَافَقَ ذَلِك غَرَضه وَخرج من الْقَاهِرَة بعساكره. فَلَمَّا قَارب الْعَزِيز دمشق كَاتب الْملك الْعَادِل الْأُمَرَاء سرا واستمالهم وَكَانَ الْأُمَرَاء الصلاحية قد وَقع بَينهم وَبَين الْأُمَرَاء الأَسدِية تنافس لتقديم الْعَزِيز الصلاحية على الأَسدِية. فَعمِلت حيل الْعَادِل حَتَّى وَقعت الوحشة بَين الطَّائِفَتَيْنِ ونفرت الأَسدِية من الْملك الْعَزِيز. وَكَاتب الْعَادِل الْعَزِيز سرا يخوفه من الأَسدِية ويحثه على إبعادهم عَنهُ وَكَاتب الأَسدِية يخوفهم من الْعَزِيز ويستميلهم إِلَيْهِ. فحاق مَا مكره وَتمّ لَهُ مَا دبره وعزموا على مُفَارقَة الْعَزِيز وحسنوا للأكراد والمهرانية موافقتهم فانقادوا إِلَيْهِم. وَكَانَ مقدم أُمَرَاء الأكراد الْأَمِير حسام الدّين أَبُو الهيجاء السمين فَاجْتمع بالأكراد مَعَ الأَسدِية وَاتَّفَقُوا بأجمعهم على مُفَارقَة الْعَزِيز والانضمام إِلَى الْعَادِل وَالْأَفْضَل ومضايقة الْعَزِيز وعقدوا النِّيَّة على مُكَاتبَة من بَقِي مِنْهُم بِمصْر أَن يستقبلوا الْعَزِيز ويحولوا بَينه وَبَين الْقَاهِرَة فَيصير بذلك بَين الْفَرِيقَيْنِ وَيُؤْخَذ بِالْيَدِ. فَلَمَّا كَانَ فِي عَشِيَّة الرَّابِع من شَوَّال: رَحل الْأَمِير أَبُو الهيجاء بالأكراد والمهرانية والأسدية وهم لابسون لَامة الْحَرْب وَلَحِقُوا بالعادل فسر بهم لأَنهم مُعظم الْجَيْش. فَلَمَّا أصبح نَهَار الْخَامِس من شَوَّال رَحل الْعَزِيز يُرِيد مصر وَهُوَ متخوف من الأَسدِية المقيمين بِالْقَاهِرَةِ. وَكَانَ نَائِبه بهَا الْأَمِير بهاء الدّين قراقوش الْأَسدي فَلم يتَغَيَّر على الْعَزِيز وَوصل إِلَى الْقَاهِرَة فاستقر بهَا. ثمَّ إِن الْعَادِل خرج بالأفضل من دمشق وَمَعَهُ العساكر يُرِيد اخذ الْقَاهِرَة لما دَاخله من الطمع فِي الْعَزِيز وَاتفقَ مَعَ الْأَفْضَل على أَن يكون للعادل ثلث الْبِلَاد المصرية وَيكون ثلثاها للأفضل. فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِك ورحلا من دمشق وَخرج مَعَهم أَيْضا الْمَنْصُور صَاحب حماة وَعز الدّين بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 الْمُقدم وسابق الدّين عُثْمَان بن الداية صَاحب شيزر واستخلف الْأَفْضَل بِدِمَشْق أَخَاهُ الْملك الظافر خضر صَاحب بصرى وانضم إِلَيْهِم عز الدّين جرديك النوري نَائِب الْقُدس فَلَمَّا وصلوا تل العجول أَخْلَع الْأَفْضَل على جَمِيع الأَسدِية وعَلى الأكراد الْأَفْضَلِيَّة وَأَعْطَاهُمْ الكوسات. وَسَار الْأَفْضَل إِلَى الْقُدس وتسلمه من جرديك وَأَعْطَاهُ بيسان وكوكب والجولان والمنيحة ثمَّ سَار الْعَسْكَر حَتَّى نزل على بلبيس وَبهَا جموع الصلاحية والعزيزية ومقدمهم فَخر الدّين جهاركس على الصلاحية والأمير هكدري ابْن يعلي الْحميدِي على طَائِفَة الأكراد فنازلهم الْعَادِل وَالْأَفْضَل. وَكَانَت أَيَّام زِيَادَة مَاء النّيل والأسعار غَالِيَة والعلف مُتَعَذر فَبلغ الْعَسْكَر الْوَاصِل الْجهد وَنَدم أكابرهم على مَا كَانَ مِنْهُم هَذَا والعزيز يمد أهل بلبيس بالمراكب المشحونة بِالرِّجَالِ وَالْعدَد فَبلغ ذَلِك الأَسدِية فَرَكبُوا إِلَى المراكب وَأخذُوا بَعْضهَا وغرقوا بَعْضهَا وأسروا خلقا وَسلم ثَمَانِيَة مراكب عَادَتْ إِلَى الْقَاهِرَة وَاشْتَدَّ الحصارعلى بلبيس حَتَّى كَادَت تُؤْخَذ وضاق الْعَزِيز بِالْقَاهِرَةِ وَقلت الْأَمْوَال عِنْده وَكَانَ محببا إِلَى الرّعية لما فِيهِ من حسن السِّيرَة وَكَثْرَة الْكَرم والرفق فَلَمَّا نَازل الْعَادِل وَالْأَفْضَل بلبيس احْتَاجَ إِلَى اسْتِخْدَام الرِّجَال فَلم يجد عِنْده مَالا فبذل لَهُ الْأَغْنِيَاء جملَة أَمْوَال فَلم يقبلهَا وَكَانَ القَاضِي قد تنزه عَن مُلَابسَة الدولة ومخالطة أَهلهَا وَاعْتَزل لما رأى من اختلال الْأَحْوَال وَكَانَ عبد الْكَرِيم بن عَليّ البيساني يتَوَلَّى الحكم والإشراف فِي الْبحيرَة مُدَّة طَوِيلَة فَحصل من ذَلِك مَالا جما. ثمَّ حدثت بَينه وَبَين أَخِيه القَاضِي الْفَاضِل مشاجرة اقْتَضَت اتضاع حَاله عِنْد النَّاس بعد احترامهم إِيَّاه فصرف عَن عمله. وَكَانَ متزوجا بِامْرَأَة موسرة من بنى ميسر فسكن بهَا فِي ثغر الْإسْكَنْدَريَّة وأساء عشرتها لسوء خلق كَانَ فِيهِ فَسَار أبرها إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَأثبت عِنْد قاضيها ضَرَر ابْنَته فَمضى القَاضِي بِنَفسِهِ إِلَى الدَّار فَلم يقدر على فتح الْبَاب الَّذِي من دَاخله الْمَرْأَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 فَأمر بنقب الدَّار وَأخرج الْمَرْأَة وَسلمهَا لأَبِيهَا وَأعَاد بِنَاء النقب فَغَضب عبد الْكَرِيم وَسَار إِلَى الْقَاهِرَة وبذل للأمير فَخر الدّين جهاركس خَمْسَة آلَاف دِينَار مصرية ووعد خزانَة الْملك الْعَزِيز بِأَرْبَعِينَ ألف دِينَار على ولَايَة قَضَاء الْإسْكَنْدَريَّة وَحمل ذَلِك بأجمعه إِلَى فَخر الدّين جهاركس. فَأحْضرهُ جهاركس إِلَى الْعَزِيز وَهُوَ حِينَئِذٍ فِي غَايَة الضَّرُورَة إِلَى المَال وَقَالَ: هَذِه خزانَة مَال قد أَتَيْتُك بهَا من غير طلب وَلَا تَعب وعرفه الْخَبَر. فَأَطْرَقَ الْعَزِيز مَلِيًّا ثمَّ رفع رَأسه وَقَالَ: أعد المَال إِلَى صَاحبه وَقل لَهُ إياك وَالْعود إِلَى مثلهَا فَمَا كل ملك يكون عادلا وعرفه أَنِّي إِذا قبلت هَذَا مِنْهُ أكون قد بِعْت بِهِ أهل الْإسْكَنْدَريَّة وَهَذَا لَا افعله أبدا. فَلَمَّا سمع هَذَا جهاركس وجم وَظهر فِي وَجهه التَّغَيُّر. فَقَالَ لَهُ الْعَزِيز: أَرَاك واجما أَظُنك أخذت على الوساطة شَيْئا. قَالَ: نعم خَمْسَة آلَاف دِينَار. فَأَطْرَقَ الْعَزِيز ثمَّ قَالَ: أَعْطَاك مَالا تنْتَفع بِهِ وَأَنا أُعْطِيك فِي قبالته مَا تنْتَفع بِهِ مَرَّات عديدة ثمَّ وَقع لَهُ بِخَطِّهِ إِطْلَاق جِهَة طنبدة ومغلها فِي السّنة سَبْعَة آلَاف دِينَار فلامه أَصْحَابه وألحوا عَلَيْهِ فِي الِاقْتِرَاض من القَاضِي الْفَاضِل فاستدعاه إِلَى مَجْلِسه بمنظرة من دَار الوزارة كَانَت تشرف على الطَّرِيق فعندما عاين القَاضِي الْفَاضِل استحيا مِنْهُ وَمضى إِلَى دَار الْحرم احتراما لَهُ من مخاطبته فِي الْقَرْض فَلم يزل الْأُمَرَاء بِهِ حَتَّى أَخْرجُوهُ من عِنْد الْحرم. فَلَمَّا اجْتمع بالفاضل قَالَ لَهُ بعد أَن أطنب فِي الثَّنَاء عَلَيْهِ: قد علمت أَن الْأُمُور قد ضَاقَتْ عَليّ وَقلت الْأَمْوَال عِنْدِي وَلَيْسَ لي إِلَّا حسن نظرك وَإِصْلَاح الْأَمر إِمَّا بِمَالك أَو بِرَأْيِك أَو بِنَفْسِك. فَقَالَ القَاضِي الْفَاضِل: جَمِيع مَا أَنا فِيهِ من نعمتكم وَنحن نقدم أَولا الرَّأْي وَالْحِيلَة وَمَتى احْتِيجَ إِلَى المَال فَهُوَ فِي يَديك. وَاتفقَ أَن الْعَادِل لما اشْتَدَّ على أَصْحَابه الغلاء والضيق استدعى القَاضِي الْفَاضِل برَسُول قدم مِنْهُ على الْعَزِيز فسيره إِلَيْهِ. وَقد قيل إِن الْعَزِيز لما جرى على المراكب الَّتِي جهزها إِلَى بلبيس مَا جرى خَافَ على الْملك أَن يخرج من يَده فسير إِلَى عَمه فِي السِّرّ يعرفهُ أَنه قد أَخطَأ وَأَنه قد عزم على اللحاق بِبِلَاد الْمغرب ويسأله الاحتفاظ بحرمه وَأَوْلَاده. فرق لَهُ الْعَادِل واستدعى القَاضِي الْفَاضِل فَلَمَّا قرب مِنْهُ ركب إِلَى لِقَائِه وأكرمه ومازالا حَتَّى تقرر الْأَمر على أَن الأَسدِية والأكراد يرجعُونَ إِلَى خدمَة الْعَزِيز من غير أَن يؤاخذهم بِشَيْء وَيرد عَلَيْهِم إقطاعاتهم وَيحلف الْعَزِيز لَهُم ويحلفون لَهُ وَأَن يكون الْعَادِل مُقيما بِمصْر عِنْد الْعَزِيز ليقرر قَوَاعِد ملكه وَأَن الْعَزِيز وَالْأَفْضَل يصطلحان ويستقر كل مِنْهُمَا على مَا بِيَدِهِ. فَعَاد القَاضِي الْفَاضِل وَقد تقرر الْأَمر على مَا ذكر وَحلف كل مِنْهُم لصَاحبه على الْوَفَاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 وَخرج الْعَزِيز من الْقَاهِرَة إِلَى بلبيس فالتقاه عَمه الْعَادِل وَأَخُوهُ الْأَفْضَل وَوَقع الصُّلْح التَّام فِي الظَّاهِر. ورحل الْأَفْضَل يُرِيد الشَّام وَمَعَهُ الْأَمِير أَبُو الهيجاء السمين وَصَارَ السَّاحِل جَمِيعه مَعَ الْأَفْضَل وَعَاد الْعَزِيز إِلَى الْقَاهِرَة وصحبته عَمه الْعَادِل فأنزله فِي الْقصر من الْقَاهِرَة. وَأخذ الْعَادِل فِي إصْلَاح أُمُور مصر وَالنَّظَر فِي ضياعها ورباعها وَأظْهر من محبَّة الْعَزِيز شَيْئا زَائِدا وَصَارَ إِلَيْهِ الْأَمر وَالنَّهْي وَالْحكم وَالتَّصَرُّف فِي سَائِر أُمُور الدولة جليلها وحقيرها وَصرف القَاضِي محيي الدّين مُحَمَّد بن أبي عصرون عَن قَضَاء مصر وَولى زين الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن يُوسُف بن عبد الله بن بنْدَار الدِّمَشْقِي. وفيهَا جدد الْعَزِيز الصُّلْح بَينه وَبَين الفرنج. وفيهَا ورد كتاب ملك الرّوم يتَضَمَّن أَن كلمة الرّوم اجْتمعت عَلَيْهِ وَأَنه أحسن إِلَى الْمُسلمين وَأمرهمْ بِإِقَامَة الْجَامِع فأقيمت الصَّلَاة فِيهِ يَوْم الْجُمُعَة الصَّلَاة مَعَ الْخطْبَة وَأَنه عمر جانبا مِنْهُ كَانَ انْهَدم من مَاله فَتمكن من فِي الْقُسْطَنْطِينِيَّة من الْمُسلمين من إِقَامَة الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة بهَا. وَالْتمس ملك الرّوم الْوَصِيَّة بالبطرك وَالنَّصَارَى وَأَن يمكنوا من إِخْرَاج موتاهم بالشمع الموقد وفيهَا عزل زين الدّين عَليّ بن يُوسُف بن بنْدَار عَن الْقَضَاء فِي حادي عشر جُمَادَى الأولى بمحيي الدّين أبي حَامِد مُحَمَّد بن عبد الله بن هبة الله بن عصرون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 (سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة) وأهلت سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين: فَفِي أَولهَا: وصل الْملك الْأَفْضَل إِلَى دمشق وَتَفَرَّقَتْ العساكر إِلَى بلادها وَلزِمَ الْأَفْضَل الزّهْد وَأَقْبل على الْعِبَادَة وَصَارَت أُمُور الدولة بأسرها مفوضة إِلَى وزيره ضِيَاء الدّين ابْن الْأَثر فاختلت بِهِ الْأَحْوَال غَايَة الاختلال وَكثر شاكوه. وَضبط الْعَادِل أُمُور مملكة مصر وَغير الإقطاعات ووفر الارتفاعات وعمال الْأَعْمَال وثمر الْأَمْوَال وَقرب إِلَى الْعَزِيز الْأَمِير عز الدّين أُسَامَة فَصَارَ صَاحب سره وحاجبه والواسطة بَينه وَبَين عَمه. واختص الْأَمِير صارم الدّين قايماز النجمي بالعادل وَصَارَ صفوته. وَفِي يَوْم السبت ثَانِي عشر الْمحرم: رفعت يَد ابْن أبي عصرون وأيدي نوابه من الحكم وَأمر أَن يعتزل فِي بَيته وَأَن يخرج عَن مصر فأغلق بَابه وَشرع فِي تجهيز نَفسه وتوسل فِي إِقَامَته. وَفِي سَابِع عشريه: خلع عَليّ زين الدّين عَليّ بن يُوسُف بن بنْدَار وأعيد إِلَى الْقَضَاء عوضا وَفِي أول صفر: حبس الْملك الْعَزِيز نَاحيَة الخربة من المنوفية على زَاوِيَة الإِمَام الشَّافِعِي بالجامع العميق بِمصْر وَفرض تدريسها إِلَى الْبَهَاء بن الجميزي. وَفِي صفر وَشهر ربيع الأول: كثرت الطرحى من الْأَمْوَات على الطرقات وزادت عدتهمْ بِمصْر والقاهرة فِي كل يَوْم عَن مِائَتي نفس وَبَقِي بِمصْر من لم يُوجد من يُكَفِّنهُ وَأَكْثَرهم يَمُوت جوعا. وانْتهى الْقَمْح إِلَى مائَة وَثَمَانِينَ دِينَارا الْمِائَة أردب وَالْخبْز إِلَى ثَلَاثَة أَرْطَال بدرهم وَعمد الضُّعَفَاء إِلَى شِرَاء الجرار وغدوا إِلَى الْبَحْر وترددوا إِلَيْهِ ليستقوا مِنْهُ فِي الجرار ويبيعوها بِثمن دِرْهَم الجرة وَقد لَا يَجدونَ من يَشْتَرِيهَا مِنْهُم فيصيحون: من يتَصَدَّق علينا بِثمن هَذِه الجرة وَمن يَشْتَرِيهَا منا بكسرة. وَزَاد السّعر وضاق الخناق وَهلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 الضُّعَفَاء وَفَشَا الْمَوْت وَأَكْثَره فِي الجياع. وَصَارَت الأقفاص الَّتِي يحمل فِيهَا الطَّعَام يحمل فِيهَا الْأَمْوَات وَلَا يقدر على النعوش إِلَّا بالنوبة وامتدت الْأَيْدِي إِلَى خطف أَلْوَاح الْخبز وَيضْرب من ينهب ويشج رَأسه ويسال دَمه وَلَا يَنْتَهِي وَلَا يَرْمِي مَا فِي يَده مِمَّا خطفه وَعدم الْقَمْح إِلَّا من جِهَة الشريف ابْن ثَعْلَب فَإِن مراكبه تتواصل وتبيع بشونه. وَورد الْخَبَر فِي تَاسِع صفر بِأَن تَابُوت الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين نقل فِي يَوْم عَاشُورَاء من قلعة وَفِي تَاسِع عشريه: قدم الْملك الزَّاهِر دَاوُد مجير الدّين صَاحب البيرة وسابق الدّين عُثْمَان صَاحب شيرز وبهاء الدّين بن شَدَّاد قَاضِي حلب فَخرج الْعَادِل لتلقيهم ببركة الْجب وَقدم الْعِمَاد الْكَاتِب أَيْضا. وَورد الْخَبَر بِأَن عربان الغرب هَبَطُوا إِلَى الْبحيرَة واشتروا الْقَمْح كل ويبة بِدِينَار وَأَن بِلَاد الغرب قد عدمت فِيهَا الأقوات فِي السّنة الخالية وانقطعت عَنْهَا الأمطار السّنة الْحَاضِرَة وَزَاد الْجَرَاد بِالشَّام وَعظم خطبه وَكَثُرت بِمصْر والقاهرة الْأَمْرَاض الحادة والحميات المحرقة وزادت وأفرطت. وغلت الْأَشْرِبَة وَالسكر وعقاقير الْعَطَّار وبيعت بطيخة بأَرْبعَة وَعشْرين درهما وَصَارَ لفروج لَا يقدر عَلَيْهِ وانْتهى سعر الْقَمْح إِلَى مِائَتي دِينَار كل مائَة أردب وَغلظ الْأَمر فِي الغلاء وَعدم الْقُوت وَكثر السُّؤَال وَكَثُرت الْمَوْتَى بِالْجُوعِ. وخطف الْخبز مَتى ظهر وشوهد من يستف التُّرَاب وَمن يَأْكُل الزبل. وازدحم النَّاس على الطير الَّذِي يرْمى من مطابخ السكر. وَكَثُرت الْأَمْوَات أَيْضا بالإسكندرية وتزايد وجود الطرحى بهَا على الطرقات وعدمت الْمُوَاسَاة وَعظم هَلَاك الْأَغْنِيَاء والفقراء وانكشاف الْأَحْوَال وشوهد من يبْحَث الْمَزَابِل الْقَدِيمَة على قشور الترمس وعَلى نقاضات الموائد وكناسات الآدر وَمن يقفل بَابه وَيَمُوت وَمن عمي من الْجُوع وَيقف على الحوانيت وَيَقُول: أشموني رَائِحَة الْخبز. واستخدم رجل فِي ديوَان الزَّكَاة وَكتب خطه بمبلغ اثْنَيْنِ وَخمسين ألف دِينَار لسنة وَاحِدَة من مَال الزَّكَاة وَجعل الطواشي ببهاء الدّين قراقوش الشاد فِي هَذَا المَال وَألا يتَصَرَّف فِيهِ وَأَن يكون فِي صندوق مودعا للمهمات الَّتِي يُؤمر بهَا. وَوَقع لِابْنِ ثَعْلَب الشريف الْجَعْفَرِي بِخبْز مبلغه فِي السّنة سِتُّونَ ألف دِينَار وَدفع لَهُ كوس وَعلم وَآل الْأَمر إِلَى وقُوف وَظِيفَة الدَّار العزيزية عَلَيْهِ من لحم وخبز وَإِلَى أَن يتمحل فِي بعض الْأَوْقَات لَا كلهَا لبَعض مَا يتبلغ بِهِ أَهلهَا من خبز وَكثر ضجيجهم وشكواهم فَلم يسمع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 وَفِي شهر ربيع الآخر: صرف صارم الدّين خطلج الْغَزِّي عَن شدّ الْأَمْوَال بالدواوين وَسلم الشد إِلَى بهاء الدّين قراقوش مُضَافا إِلَى شدّ الزكوات فكمل شدّ المَال لَهُ. وَفِيه كثر الْمَوْت بِحَيْثُ لم تبْق دَار إِلَّا وفيهَا جَنَازَة أَو مناحة أَو مَرِيض وَاشْتَدَّ الْأَمر وغلت العقاقير وَعدم الطَّبِيب وَصَارَ من يُوجد من الْأَطِبَّاء لَا يخلص إِلَيْهِ من شدَّة الزحام وَصَارَ أَمر الْمَوْتَى أكئر أشغال الْأَحْيَاء وَمَا يَنْقَضِي يَوْم إِلَّا عَن عدَّة جنائز من كل حارة. وَعدم من يحْفر وَإِذا وجد لم يعمق الْحفر فَلَا يلبث الْمَيِّت أَن تظهر لَهُ رَائِحَة وَصَارَت الجبانات لَا يُسْتَطَاع مقالتها وَلَا زِيَارَة قبورها وَأخذت الأسعار فِي الانحلال. وَفِي جُمَادَى الأولى: تَوَاتَرَتْ الْأَخْبَار باختلال الْحَال بِدِمَشْق فَوَقع الْعَزْم على الْمسير إِلَى الشَّام وَوَقع الشُّرُوع فِي الْإِنْفَاق فِي الْحَاشِيَة فقبضوا شهرا وَاحِدًا وَكَانَ قد اسْتحق لَهُم أَرْبَعَة عشر شهرا فَإِن الْمَادَّة قصرت عَن نَفَقَة ذَلِك لَهُم فأحيل بَعضهم على جِهَات. وَامْتنع الجاندارية من قبض شهر وأنهى ذَلِك إِلَى الْعَزِيز فَكتب إِلَى خطلبا بإخراجهم إِلَى المخيم وَمن تقاعد عَن الْخُرُوج قَيده الطواشي قراقوش واستخدمه فِي السُّور فَخَرجُوا بأنفس غير طيبَة وألسنة بالشكوى معلنة وَكَاد المَال الَّذِي أنْفق فِي الْحَاشِيَة قد افْترض من الْأُمَرَاء وأحيل بِهِ على الجوالي لسنة ثَلَاث وَتِسْعين وَخرج الْعَزِيز إِلَى المخيم وحرك الْأُمَرَاء تحريكا قَوِيا وسير الحجات إِلَى الْبِلَاد تَحت الأجناد فتتابع خُرُوج النَّاس وَوَقع الرحيل من بركَة الْجب فِي ثامنه فَرَحل السُّلْطَان الْعَادِل والعزيز وَجَمِيع الأَسدِية والمماليك. وفشت الْأَمْرَاض الحادة فَمَا يَنْقَضِي وَقت إِلَّا عَن عدد كثير من الْجَنَائِز. وغلت الْأَدْوِيَة وَبلغ الْفروج إِلَى ثَلَاثِينَ درهما والبطيخة إِلَى مائَة دِرْهَم. وَورد الْخَبَر بِأَن قوص وأعمالها فِيهَا أمراض فَاشِية وأموات لَا تتلاحق. وَكثر الوباء وَالْمَوْت بالإسكندرية. وَفِي آخِره: انْحَلَّت الأسعار وَنزلت الْغلَّة إِلَى ثَمَانِينَ دِينَارا كل مائَة أردب وأبيع الْخبز سَبْعَة أَرْطَال بدرهم. وَقل السُّؤَال وارتفع الموتان بعد أَن جلب من قو ص فراريج أبيع كل عشرَة فراريج بسبعة دَنَانِير وَهَذَا لم يسمع بِمثلِهِ فِي مصر قبل ذَلِك. وَفِيه نُودي فِي الْقَاهِرَة ومصر بِأَن الشريف ابْن ثَعْلَب مقدم على الْحَاج فليتجهز أَرْبَاب النيات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 وَفِي جُمَادَى الْآخِرَة: وقف الْحَال فِيمَا ينْفق فِي دَار السُّلْطَان وَفِيمَا يصرف إِلَى عِيَاله وَفِيمَا يقتات بِهِ أَوْلَاده وأفضى الْأَمر إِلَى أَن يُؤْخَذ من الْأَسْوَاق مَا لَا يُوزن لَهُ ثمن وَمَا يغصب من أربابه وأفض هَذَا إِلَى غلاء أسعار المأكولات فَإِن المتعيشين من أَرْبَاب الدكاكين يزِيدُونَ فِي الأسعار الْعَامَّة بِقدر مَا يُؤْخَذ مِنْهُم للسُّلْطَان فَاقْتضى ذَلِك النّظر فِي المكاسب الخبيثة. وَضمن بَاب المزر وَالْخمر بِاثْنَيْ عشر ألف دِينَار وفسح فِي إِظْهَاره وَبيعه فِي القاعات والحوانيت وَلم يقدر أحد على إِنْكَار ذَلِك وَصَارَ مَا يُؤْخَذ من هَذَا النيحت ينْفق فِي طَعَام السُّلْطَان وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ وَصَارَ مَال الثغور والجوالي إِلَى من لَا يُبَالِي من أَيْن أَخذ المَال. وَفِيه وصل الْعَادِل والعزيز إِلَى الداروم وَأمر بإخراب حصنها فقسم على الْأُمَرَاء والجاندارية فشق على النَّاس تجريبه لما كَانَ بِهِ من الرِّفْق للمسافرين وانْتهى الْملكَانِ إِلَى دمشق وَقد استعد الْأَفْضَل للحرب فِي أول شهر رَجَب فحاصراها إِلَى أَن ملكاها فِي الْعشْرين مِنْهُ بعد عدَّة حروب خَان الْأَفْضَل فِيهَا أمراءه فَلَمَّا أَخذ الْمَدِينَة نزل الْأَفْضَل من القلعة إِلَيْهِمَا فاستحيا الْعَادِل مِنْهُ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي حمل الْعَزِيز على ذَلِك ليوطيء لنَفسِهِ كَمَا يَأْتِي. وَأمره الْعَادِل أَن يعود إِلَى القلعة فَلم يزل بهَا أَرْبَعَة أَيَّام حَتَّى بعث إِلَيْهِ الْعَزِيز أيبك فطيس أَمِير جاندار وصارم الدّين خطلج الأستادار فأخرجاه عِيَاله وعيال أَبِيه. وَأنزل الْأَفْضَل فِي مَكَان وأوفي مَا كَانَ عَلَيْهِ من دين وَمَا للحواشي من الجوامك. فَبلغ ذَلِك نيفا وَعشْرين ألف دِينَار بيع فِيهَا بركه وجماله وبغاله وَكتبه ومماليكه وَسَائِر مَاله فَلم توف بِمَا عَلَيْهِ وقسا عَلَيْهِ أَخُوهُ وَعَمه لسوء حَظه ثمَّ بعث إِلَيْهِ عَمه الْعَادِل يَأْمُرهُ أَن يسير إِلَى صرخد فَلم يجد عِنْده من يسير بأَهْله حَتَّى بعث إِلَيْهِ جمال الدّين محَاسِن عشرَة أوصلوه إِلَى صرخد. وَأخذت من الْملك الظافر مظفر الدّين خضر بصرى وَأعْطيت للْملك الْعَادِل وَأمر الظافر أَن يسير إِلَى حلب فلحق بأَخيه الظَّاهِر صَاحبهَا. وَيُقَال إِن الْعَادِل كَانَ قد قرر مَعَ الْملك الْعَزِيز وَهُوَ بِالْقَاهِرَةِ أَن الْملك الْعَزِيز إِذا غلب أَخَاهُ الْأَفْضَل على دمشق وَأَخذهَا مِنْهُ أَن يُقيم بهَا وَيعود الْعَادِل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 إِلَى مصر نَائِبا عَن الْعَزِيز فَلَمَّا ملك الْعَزِيز دمشق وَأخرجه أَخَاهُ الْأَفْضَل مِنْهَا انكشفت لَهُ مستورات مَكَائِد عَمه فندم على مَا قَرَّرَهُ مَعَه وَبعث إِلَى أَخِيه الْأَفْضَل سرا يعْتَذر إِلَيْهِ وَيَقُول لَهُ: لَا تنزل عَن ملك دمشق. فَظن الْأَفْضَل هُنَا من أَخِيه خديعة وَأعلم عَمه الْعَادِل بِهِ فَقَامَتْ قِيَامَته وعتب على الْعَزِيز وأنبه. فَأنْكر الْعَزِيز أَن يكون صدر هَذَا مِنْهُ وحنق على أَخِيه الْأَفْضَل وَأخرجه إِلَى صرخد على قبح صُورَة. واختفى الْوَزير ضِيَاء الدّين ابْن الْأَثِير الْجَزرِي خوفًا من الْقَتْل ثمَّ لحق بالموصل. وَاسْتقر الْأَمر بِدِمَشْق للعزيز فِي رَابِع عشر شعْبَان فأظهر الْعدْل وأبطل عدَّة مكوس وَمنع من اسْتِخْدَام أهل الذِّمَّة فِي شَيْء من الخدم السُّلْطَانِيَّة وألزموا لبس الغيار ثمَّ رَحل عَنْهَا لَيْلَة التَّاسِع مِنْهُ يُرِيد الْقَاهِرَة واستخلف عَمه الْعَادِل على دمشق وَسَار إِلَى الْقُدس فملكها من أبي الهيحاء السمين وَسلمهَا إِلَى الْأَمِير شمس الدّين سنقر الْكَبِير وَسَار أَبُو الهيجاء إِلَى بَغْدَاد. وَوصل الْعَزِيز إِلَى الْقَاهِرَة يَوْم الْخَمِيس رَابِع شهر رَمَضَان فَصَارَت دمشق وأعمالها إقطاعا للْملك الْعَادِل وَلَيْسَ للعزيز بهَا سوى الْخطْبَة وَالسِّكَّة فَقَط. وَفِي ثامن عشره: ركب الْعَزِيز إِلَى مقياس مصر وخلقه وَنُودِيَ فِيهِ بِزِيَادَة ثَلَاثَة أَصَابِع من الذِّرَاع السَّابِعَة عشرَة. وَفِي الْعشْرين مِنْهُ: فتح سد الخليج فَركب الْعَزِيز لذَلِك وَكثر المتفرجون وازدحم الغوغاء وحملوا العصي وتراجموا بِالْحِجَارَةِ وقلعت أعين وخطفت مناديل. وَكَانَت الْعَادة جَارِيَة بِأَن يوقر شهر رَمَضَان من اعتصار الْخمر وَألا يجْهر بشرَاء الْعِنَب والجرار وَلَا يحدث نَفسه أحد بِفَسْخ الْحُرْمَة وهتك السّتْر. وَفِي هَذَا الشَّهْر: غلا سعر الأعناب لِكَثْرَة الْعصير مِنْهَا وتظاهر بِهِ أربابه لتحكير تَضْمِينه السلطاني وَاسْتِيفَاء رسمه بأيد مستخدميه وَبلغ ضَمَانه سَبْعَة عشر ألف دِينَار وَحصل مِنْهُ شَيْء حمل إِلَى الْعَزِيز فَصنعَ بِهِ آلَات الشّرْب. وَفِيه كثر اجْتِمَاع النِّسَاء وَالرِّجَال على الخليج لما فتح وعَلى سَاحل مصر وتلوث النّيل بمعاصي قبيحة. وَاسْتمرّ جُلُوس الْعَزِيز للمظالم فِي يومي الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس. وَفِي ثَانِي شَوَّال: كَانَ النوروز فَجرى الْأَمر فِيهِ على الْعَادة من رش المَاء واستجد فِيهِ التراجم بالبيض والتصافع بالأنطاع. وتوالت زِيَادَة النّيل فأفحش النَّاس فِي إِظْهَار الْمُنْكَرَات وَلم ينههم أحد. وَفِيه وقفت وُجُوه المَال وانقطعت جباية الدِّيوَان بِمصْر وأحيل على الْجِهَات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 بأضعاف مَا فِيهَا وَبقيت وُجُوه قصرت الْأَيْدِي عَن استخراجها وانتمى الْعَامِلُونَ إِلَى من حماهم فَلم يَجْسُر صَاحب الدِّيوَان على ذكر من بحميهم فضلا عَن أَخذ الْحق مِنْهُم وَرفع يَده عَن حماية من حماه. وَآل الْأَمر إِلَى أَن صَار مَا يُقَام برسم طوارئ السُّلْطَان وراتب دَاره من ضَمَان الْخمر والمزر. وَكَانَت هَذِه سنة مَا تقدمها أفحش مِنْهَا وَلَا علم أَن همة من الهمم القاصرة انحطت إِلَى مثلهَا. وَفِي رَابِع عشره: خرج الشريف ابْن ثَعْلَب سائرا بالحاج وخيم على سِقَايَة ريدان وَكثر الْقَتْل بِالْقَاهِرَةِ بأيدي السكارى وأعلن الْمُنكر بهَا فَلم تنسلخ لَيْلَة إِلَّا عَن جراح وَقتل بَين المعربدين. واستقرت الْمَظَالِم للطواشي قراقوش يجلس فِيهَا بِظَاهِر الدَّار السُّلْطَانِيَّة وحماية الدِّيوَان وَشد الْأَمْوَال لفخرالدين جهاركس مَعَ انقباضه عَنْهَا وأستادارية الدَّار لصارم الدّين خطلج. وَفِي تَاسِع عشره: كسر بَحر أبي المنجا وباشر الْعَزِيز كَسره وَزَاد النّيل فِيهِ إصبعا وَهِي الإصبع الثَّامِنَة عشرَة من ثَمَانِي عشرَة ذِرَاعا وَهَذَا الْحَد يُسمى عِنْد أهل مصر اللجة الْكُبْرَى. وَفِي ثَانِي عشريه: رَحل الْحَاج وتجدد مَا كَانَ قد درس ذكره وَنسي حكمه فِي مصر مُنْذُ عهد الْخَلِيفَة الْحَافِظ لدين الله من سنة أَرْبَعِينَ وَخَمْسمِائة من الرفايع الَّتِي كَانَ القبط يختلقونها ويتوصلون بهَا إِلَى المصادرات وخراب الْبيُوت وَعمارَة الحبوس وإساءة السمعة عَن سُلْطَان الْوَقْت فأجمع ابْن وهيب وَكَاتب نَصْرَانِيّ وَغَيرهمَا على أوراق عملت وانتدب الأسعد بن مماتي والشاد للكشف وَالرَّفْع إِلَى فَخر الدّين جهاركس. وَفِي ذِي الْقعدَة: كثر وثوب السكارى بِمن يلقونه لَيْلًا وضربهم إِيَّاه بالسكاكين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 فَلَا تَخْلُو لَيْلَة من قَتِيل أَو قَتِيلين وَلم يُؤْخَذ لأحد بثأر وَلَا وَقع كشف عَن مقتول مِنْهُم وَلَا تمكن وَالِي الْقَاهِرَة من مَنعهم. وَوجد فِي الخليج سِتَّة نفر قَتْلَى مربطين فَلم يسْأَل عَنْهُم وَلَا وَقع إِنْكَار لأمرهم. وَفِي ذِي الْحجَّة: عزم الْعَزِيز على نقض الأهرام وَنقل حجارتها إِلَى سور دمياط فَقيل لَهُ إِن الْمُؤْنَة تعظم فِي هدمها والفائدة تقل من حجرها. فانتقل رَأْيه من الهرمين إِلَى الْهَرم الصَّغِير وَهُوَ مَبْنِيّ بِالْحِجَارَةِ الصوان فشرع فِي هَدمه. وَفِيه سَار الْعَزِيز إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة واستخلف بِالْقَاهِرَةِ بهاء الدّين قراقوش وفخر الدّين جهاركس. وَتُوفِّي فِي هَذِه السّنة القَاضِي الْأَشْرَف أَبُو المكارم الْحسن بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن الْحباب قَاضِي الْإسْكَنْدَريَّة وَولى عوضه الْفَقِيه أَبُو الْقَاسِم شرف الدّين عبد الرَّحْمَن بن سَلامَة فِي سَابِع عشري شَوَّال. ومولد بن الْحباب سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة وَأقَام حَاكما بالإسكندرية ثمانيا وَعشْرين سنة. وَكَانَ كريم النَّفس صَحِيح الْمَوَدَّة وطالت مدَّته فِي الحكم بالإسكندرية من سنة أَربع وَسِتِّينَ إِلَى أَن مَاتَ بهَا فِي ثَالِث جُمَادَى الْآخِرَة. وَفِي خَامِس ذِي الْحجَّة: مَاتَ القَاضِي الرشيد ابْن سناء الْملك. قَالَ القَاضِي الْفَاضِل فِيهِ: وَنعم الصاحب الَّذِي لَا تخلفه الْأَيَّام وَلَا يعرف لَهُ نَظِير من الأقوام: أَمَانَة سَمِينَة وعقيدة ود متينة ومحاسن لَيست بِوَاحِدَة ومساع فِي نفع المعارف جاهدة. وَكَانَ حَافِظًا لكتاب الله مشتغلا بالعلوم الأدبية كثير الصَّدقَات نَفعه الله والأعمال الصَّالِحَات عرفه الله بركاتها. وفيهَا حج بِالنَّاسِ الشرفي ابْن ثَعْلَب وَخرجت المراكب الحربية من مصر فظفروا ببطس للفرنج وفيهَا أَمْوَال فغنموها. وفيهَا بنى الْأَمِير فَخر الدّين جهاركس قيساريته بِالْقَاهِرَةِ. وفيهَا زلزلت مصر. وَمَات الْعلم عبد الله بن عَليّ بن عُثْمَان بن يُوسُف المَخْزُومِي يَوْم الْجُمُعَة حادي عشر جُمَادَى الأولى ومولده فِي شهر رَمَضَان سنة تسع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة وَقد قَرَأَ عَليّ بن بري وَله شعر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَدخلت سنة ثَلَاث وَتِسْعين وفيهَا أُقِيمَت الْخطْبَة للعزيز بحلب وَضربت السِّكَّة باسمه بصلح وَقع بَين الْعَزِيز وبن أَخِيه الظَّاهِر وَقد تولاه القَاضِي بهاء الدّين أَبُو المحاسن بن شَدَّاد وغرس الدّين قلج قدما من حلب إِلَى الْعَزِيز بِالْقَاهِرَةِ بِهَدَايَا فانعقد الصُّلْح بَين الْأَخَوَيْنِ على ذَلِك. وعادا إِلَى الظَّاهِر فَخَطب للعزيز فِي شهر ربيع الأول وَضربت السِّكَّة باسمه. وَفِيه تحرّك الفرنج على بِلَاد الْإِسْلَام فَخرج الْعَادِل من دمشق وسير جَيْشًا إِلَى بيروت لهدم وفيهَا مَاتَ الْملك الْعَزِيز ظهير الدّين سيف الْإِسْلَام طغتكين بن نجم الدّين أَيُّوب ملك الْيمن فِي شَوَّال وَقَامَ من بعده بمملكة الْيمن الْمعز ابْنه الْملك فتح الدّين أَبُو الْفِدَاء إِسْمَاعِيل. وفيهَا فتح الْملك الْعَادِل صَاحب دمشق يافا عنْوَة وغنم وَأسر كثيرا يُقَال إِنَّهُم سَبْعَة آلَاف نفس مَا بَين ذكر وَأُنْثَى. وفيهَا سَار الْعَادِل من يافا إِلَى صيداء وبيروت فأخربهما ونهبت بيروت وفر من كَانَ بهَا. وَبعث الْعَادِل إِلَى الْملك الْعَزِيز يستنجده فسير إِلَيْهِ عسكرا خرج من الْقَاهِرَة أول شَوَّال وَسَار إِلَى بلبيس. ثمَّ بدا للعزيز أَمر فَفرق الْعَسْكَر وَلم يسر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 سنة أَربع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَدخلت سنة أَربع وَتِسْعين فانتشر من وصل فِي الْبَحْر من الفرنج بِبِلَاد السَّاحِل وملكوا قلعة بيروت وَقتلُوا عدَّة من الْمُسلمين فِي أَطْرَاف بِلَاد الْقُدس وأسروا وغنموا شَيْئا كثيرا فَبعث الْملك الْعَادِل إِلَى الْقَاهِرَة يطْلب من الْعَزِيز نجدة فسارت إِلَيْهِ العساكر من مصر وَمن الْقُدس وَغَيرهَا. ثمَّ خرج الْملك الْعَزِيز بِنَفسِهِ وَمَعَهُ سَائِر عَسَاكِر مصر لقِتَال الفرنج فَنزل على الرملة فِي سادس عشري صفر وَقدم الصلاحية والأسدية وَعَلَيْهِم الْأَمِير شمس الدّين سنقر الدوادار وسرا سنقر وعلاء الدّين شقير وعدة من الأكراد فَلَحقُوا الْعَادِل وَهُوَ على تبنين. وَسَار الْعَزِيز فِي أَثَرهم فَكَانَت بَينهم وَبَين الفرنج وقائع شهيرة آلت إِلَى رحيل الفرنج إِلَى صور وَركب الْعَادِل والعزيز أقفيتهم فَقتلُوا مِنْهُم. وَترك الْعَزِيز العساكر عِنْد الْعَادِل وَرجع إِلَى الْقَاهِرَة فِي ثامن جُمَادَى الْآخِرَة قبل انْفِصَال الْحَال مَعَ الفرنج من أجل أَن مَيْمُون القصري وَأُسَامَة وسرا سنقر والحجاف وَابْن المشطوب كَانُوا قد عزموا على قَتله فَلَمَّا بلغه ذَلِك رَحل إِلَى الْقَاهِرَة فَخرج النَّاس إِلَى لِقَائِه وَكَانَ يَوْمًا مشهودا. وَوَقعت الْهُدْنَة بَين الْعَادِل وَبَين الفرنج سنة ثَلَاث سِنِين وَعَاد الْعَادِل إِلَى دمشق. وَفِي رَجَب: تجدّد للعادل والعزيز رَأْي فِي تخريب عسقلان وتعفية جدرانها وَهدم بنيانها. فندب من الْقُدس جمَاعَة لتغليقها وَحط أبرجة سورها فَتلفت مَدِينَة لَا مثل لَهَا وثغر لَا نَظِير لَهُ فِي الثغور وَعمارَة لَا تخلف الْأَيَّام مَا تلف بهَا لعجز الْمُلُوك عَن ممانعة الفرنج بِالسِّلَاحِ واضطرارهم إِلَى هدم المدن وتعفية رسومها. وَفِي شعْبَان: ركب قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين بن درباس لرقبة الْهلَال وكلف الشُّهُود مَا بَين شمعتي كل شَاهد إِلَى شمعة. فَخَرجُوا بالشموع وَقد كثر الْجمع والشمع واحتفل الموكب وثقلت على الشُّهُود الْوَطْأَة. وَفِيه أَمر الْملك الْعَزِيز بِمَنْع الْبناء فِي الْمَوَاضِع الَّتِي كَانَ الْأُمَرَاء قد شرعوا فِي بنائها على النّيل واستولوا فِيهَا على السَّاحِل فَخرج الجاندارية وألزموا كل من حفر أساسا بردمه فامتثل الْأَمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 وَفِي شهر رَمَضَان: أَمر الْعَزِيز بِقطع أَشجَار بُسْتَان البغدادية تجاه قصر اللؤلؤة وَجعله ميدانا. وَفِيه كثر التظاهر بعصير الْعِنَب واستباحة الحرمان وَعدم الْمُنكر لهَذَا الْأَمر فغلا الْعِنَب حَتَّى بلغ أَرْبَعَة أَرْطَال بدرهم. وَفِيه قصر مد النّيل وَارْتَفَعت الأسعار وعدمت الأرزاق من جَانب الدِّيوَان وتعذرت وُجُوه المَال حَتَّى عَم المرتزقة الحرمات. واستبيح مَا كَانَ مَحْظُورًا من فتح أَبْوَاب التأويلات وَأخذ مَا بأيدي النَّاس بالمصادرات: فاخذ خطّ شخص يعرف بِابْن خَالِد بمبلغ ألف دِينَار وصودر جمَاعَة آخَرُونَ وَصَارَ الْإِنْفَاق فِي السماط السلطاني فِي هَذِه الْوُجُوه. وَفِي يَوْم عيد الْفطر: أُقِيمَت سنة الْعِيد بِظَاهِر الْبَلَد وَحضر الْعَزِيز الصَّلَاة وَالْخطْبَة وَعم الْأُمَرَاء وأرباب العمائم بخلعه وَقدم سماط توسعت الهمة فِيهِ. وَفِي ثَالِث عشره: وَفِي النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا فَركب الْعَزِيز فِي سادس عشره لتخليق المقياس وَفتح الخليج فِي ثامن عشره وتظاهر النَّاس فِي هَذِه الْأَيَّام بالمنكرات من غير مُنكر. وَفِي يَوْم السبت سَابِع عشر ذِي الْقعدَة: قتل ابْن مَرْزُوق بِالْقَاهِرَةِ قَتله ابْن المنوفي قَاضِي بلبيس غيلَة بدار سكنها بالفهادين وحفر لَهُ فِيهَا وَدَفنه ومملوكا صَغِيرا مَعَه وبلط فَوْقه وَجعل عَلَيْهِ شَعِيرًا فشنق ابْن المنوفي بَعْدَمَا طيف بِهِ على جمل مصر والقاهرة. وَفِي هده السّنة: توجه الْعَادِل من دمشق إِلَى مَدِينَة ماردين ونازلها واخذ ربضها. وفيهَا خرج الْملك الْكَامِل مُحَمَّد بن الْعَادِل من حران وَقَاتل عَسْكَر المواصلة. وفيهَا أغار الفرنج ونهبوا وأسروا خلقا وانتهوا إِلَى عكا. فَعَاد الْعَادِل إِلَى دمشق فِي رَمَضَان ثمَّ خرج بعد شهر إِلَى الشرق يُرِيد ماردين. وفيهَا ادّعى معز الدّين إِسْمَاعِيل بن سيف الْإِسْلَام طغتكين ملك الْيمن الإلهية نصف نَهَار وَكتب كتابا وأرخه من مقرّ الإلهية. ثمَّ رَجَعَ عَن ذَلِك وَادّعى الْخلَافَة وَزعم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 أَنه من بني أُميَّة ودعا لنَفسِهِ فِي سَائِر مَمْلَكَته بالخلافة وَقطع الدُّعَاء من الْخطْبَة لبني الْعَبَّاس وَلبس ثيابًا خضرًا وعمائم خضرًا مذهبَة وأكره من كَانَ فِي مَمْلَكَته من أهل الذِّمَّة على الْإِسْلَام وخطب بِنَفسِهِ وعزم على قصد مَكَّة وجهز من بنى لَهُ بهَا دَارا فأسرهم الشريف أَبُو عَزِيز قَتَادَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 سنة خمس وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَدخلت سنة خمس وتسعن وَخَمْسمِائة والعادل مضايق مَدِينَة ماردين والمعز صَاحب الْيمن قد تجهز يُرِيد مَكَّة والعزيز صَاحب مصر قد سَار إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة من آخر ذِي الْحجَّة. فتصيد الْعَزِيز إِلَى سَابِع الْمحرم وركض خلف ذِئْب فَسقط عَن فرسه ثمَّ ركب وَقد حم فَدخل الْقَاهِرَة يَوْم عَاشُورَاء فَلم يزل لما بِهِ حَتَّى مَاتَ منتصف لَيْلَة السَّابِع وَالْعِشْرين مِنْهُ وَدفن بجوار قبر الشَّافِعِي رَحْمَة الله عَلَيْهِ. وَكَانَ عمره سبعا وَعشْرين سنة وأشهراً وَمُدَّة ملكه سِتّ سِنِين تنقص شهرا وَسِتَّة أَيَّام. وَكَانَ ملكا كَرِيمًا عادلاً رحِيما حسن الْأَخْلَاق شجاعاً سريع الانقياد مفرط السخاء. سمع الحَدِيث من السلَفِي وَابْن عَوْف وَابْن بَرى وَحدث. وَكَانَت الرّعية تحبه محبَّة كَثِيرَة وَكَانَ يعْطى الْعشْرَة آلَاف دِينَار وَيعْمل سماطاً عَظِيما يجمع النَّاس لأكله فَإِذا جَلَسُوا للْأَكْل كره مِنْهُم أكله وَلَا يطيب لَهُ ذَلِك وَهَذَا من غرائب الْأَخْلَاق. وفيهَا عظمت الْفِتْنَة فِي عَسْكَر غياث الدّين مُحَمَّد بن بهاء الدّين سَام ملك الغورية وسببها أَن الإِمَام فَخر الدّين مُحَمَّد بن عمر الرَّازِيّ الْفَقِيه الشَّافِعِي الْمَشْهُور كَانَ قد بَالغ غياث الدّين فِي إكرامه وَبنى لَهُ مدرسة بِقرب جَامع هراة ومعظم أَهلهَا كرامية. فاجمعوا على مناظرته وتجمعوا عِنْد غياث الدّين مَعَه وَكَبِيرهمْ القَاضِي مجد الدّين عبد الْمجِيد بن عمر بن الْقدْوَة. فَتكلم الإِمَام فَخر الدّين مَعَ ابْن الْقدْوَة واستطال عَلَيْهِ وَبَالغ فِي شَتمه وَهُوَ لَا يزجو على أَن يَقُول: لَا يفعل مَوْلَانَا لَا أخذك الله اسْتغْفر الله. فَغَضب الْملك ضِيَاء الدّين لَهُ وَنسب الإِمَام الرَّازِيّ إِلَى الزندقة وَمذهب الفلاسفة. وَقَامَ من الْغَد ابْن عمر بن الْقدْوَة بالجامع وَقَالَ فِي خطبَته. 7 - (رَبنَا آمنا بِمَا أنزلت وَاتَّبَعنَا الرَّسُول فاكتبنا مَعَ الشَّاهِدين) . أَيهَا النَّاس إِنَّا لَا نقُول إِلَّا مَا صَحَّ عندنَا الحديث: 7 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 عَن رَسُول الله وَأما علم أرسطو وكفريات ابْن سينا وفلسفة الفارابي فَلَا نعلمها. فلأي حَال يشْتم بالْأَمْس شيخ من شُيُوخ الْإِسْلَام يذب عَن دين الله وَسنة نبيه. وَبكى وأبكى فثار النَّاس من كل جَانب وامتلأت الْبَلَد فتْنَة فسكتهم السُّلْطَان غياث الدّين وَتقدم إِلَى الإِمَام فَخر الدّين بِالْعودِ إِلَى هراة فَخرج إِلَيْهَا ثمَّ فَارق غياث الدّين ملك الغورية مَذْهَب الكرامية وتقلد الشَّافِعِي رَحمَه الله. السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن الْملك الْعَزِيز عماد الدّين عُثْمَان ابْن السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب ولد بِالْقَاهِرَةِ. جُمَادَى الأولى سنة خمس وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَمَات أَبوهُ وعمره تسع سِنِين وَأشهر. وَقد أوصى لَهُ أَبوهُ بِالْملكِ من بعده وَأَن يكون مُدبر أمره الْأَمِير بهاء الدّين قراقوش الْأَسدي. فأجلس على سَرِير الْملك فِي غَد وَفَاة أَبِيه يَوْم الاثين حادي عشر الْمحرم وَجعل قراقوش أتابكاً. وَحلف لَهُ الْأُمَرَاء كلهم ماخلا عماه الْملك الْمُؤَيد نجم الدّين مَسْعُود وَالْملك الْمعز فانهما أَرَادَا أَن تكون الأتابكية لَهما وَجَرت مِنْهُمَا مُنَازعَة ثمَّ حلفا. وَوَقع الْخلف بِي أُمَرَاء الدولة فطعن عدَّة مِنْهُم فِي قراقوش بِأَنَّهُ مُضْطَرب الرَّأْي ضيق العطن وَلَا يصلح لهَذَا الْأَمر وتعصب جمَاعَة مَعَه وَرَأَوا أَنه أطوع من غَيره. وَكثر النزاع فِي ذَلِك وصاروا إِلَى القَاضِي الْفَاضِل ليأخذوا رَأْيه فَامْتنعَ من المشورة عَلَيْهِم فزكوه. وَأَقَامُوا ثَلَاثَة أَيَّام يمحصون الرَّأْي حَتَّى اسْتَقر على مُكَاتبَة الْملك الْأَفْضَل ليحضر أتابكاً عوض قراقوش بِشَرْط أَلا يرفع فَوق رَأسه السنجق وَلَا يذكر لَهُ اسْم فِي خطْبَة وَلَا سكَّة وَأَن يدبر أَمر الْملك الْمَنْصُور مُدَّة سبع سِنِين فَإِذا تمّ هَذَا الْأَجَل سلم إِلَيْهِ الْأَمر وَالتَّدْبِير وسيروا إِلَيْهِ القصاد بذلك وأقيم الْملك الظافر مظفر الدّين خضر ابْن السُّلْطَان صَلَاح الدّين مبَاشر نِيَابَة السلطنة حَتَّى يقدم الْأَفْضَل. فَخرج الْأَفْضَل من صرخد لليلتين بَقِيَتَا من صفر فِي تِسْعَة عشرَة نفسا متنكراً خوفًا من الْعَادِل. وَكَانَ الْأَمِير فَخر الدّين جهاركس - لما قرر أُمَرَاء مصر أَمر الْأَفْضَل وَكَتَبُوا إِلَيْهِ بالحضور - كره ذَلِك وَكتب إِلَى الْأَمِير فَارس الدّين مَيْمُون الْقصرى صَاحب نابلس ينهاه عَن الْمُوَافقَة على إِقَامَة الْأَفْضَل. فَوَقع الْأَفْضَل على القاصد وَأخذ مِنْهُ الْكتاب وَعلم مَا فِيهِ وَقَالَ لَهُ: ارْجع فقد قضيت الْحَاجة وَسَار الْأَفْضَل وَمَعَهُ ذَلِك القاصد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 حَتَّى وصل بلبيس وَقد خرج الْأُمَرَاء إِلَى لِقَائِه فِي خَامِس شهر ربيع الآخر. فَنزل فِي خيمة أَخِيه الْملك الْمُؤَيد مَسْعُود. وَكَانَ فَخر الدّين جهاركس يؤمل أَنه ينزل فِي خيمته فشق ذَلِك عَلَيْهِ من فعل الْأَفْضَل وَلم يجد بدا من المجىء إِلَى عِنْده فَأكْرمه الْأَفْضَل. ثمَّ لما فرغ الْأَفْضَل من طَعَام أَخِيه صَار إِلَى خيمة فَخر الدّين وَأكل طَعَامه فحانت من فَخر الدّين التفاتة فَرَأى القاصد الَّذِي بَعثه إِلَى نابلس فدهش وَخَافَ من الْأَفْضَل وَأخذ يَسْتَأْذِنهُ فِي التَّوَجُّه إِلَى الْعَرَب الْمُخَالفين ليصلح أَمرهم فَأذن لَهُ. وللحال قَامَ فَخر الدّين وَاجْتمعَ بزين الدّين قراجا وَأسد الدّين سراسنقر وَسَار بهما مجداً إِلَى الْقُدس فَإِذا بِشُجَاعٍ الدّين طغرل السِّلَاح دَار سَائِر إِلَى مصر فألفتوه عَن الْأَفْضَل وَسَارُوا بِهِ إِلَى الْقُدس فاتفق مَعَهم الْأَمر صارم الدّين صَالح نَائِب الْقُدس وَوَافَقَهُمْ أَيْضا الْأَمِير عز الدّين أُسَامَة وَمَيْمُون الْقصرى وقدما إِلَى الْقُدس وَمَعَ مَيْمُون سَبْعمِائة فَارس منتخبة وكاتبوا الْملك الْعَادِل يستدعونه لأتابكية الْملك الْمَنْصُور. وَأما الْأَفْضَل فَإِنَّهُ سَار من بلبيس إِلَى الْقَاهِرَة فَخرج الْمَنْصُور وتلقاه فِي سَابِع ربيع الآخر وَكَانَت مدَّته شَهْرَيْن وتحكم الْأَفْضَل. وَلما استقرا بِالْقَاهِرَةِ كتب الْأَفْضَل إِلَى عَمه الْملك الْعَادِل يُخبرهُ بوصوله إِلَى مصر حفظا لدولة ابْن أَخِيه وَأَنه لَا يخرج عَمَّا يَأْمُرهُ بِهِ فورد جَوَابه بَان الْعَزِيز إِن كَانَ مَاتَ عَن وَصِيَّة فَلَا يعدل عَنْهَا وَإِن كَانَ مَاتَ عَن غير وَصِيَّة فَيكْتب الْأَعْيَان خطوطهم لَك بذلك حَتَّى نرى الرَّأْي. فاستولى الْأَفْضَل على أَمر مصر كُله وَلم يبْق للمنصور غير مُجَرّد الِاسْم فَقَط. وعزم الْأَفْضَل على قبض من بقى من الْأُمَرَاء الصلاحية. بِمصْر ففر مِنْهُم جمَاعَة وَلَحِقُوا بفخر الدّين جهاركس بالقدس. وَقبض الْأَفْضَل على جمَاعَة: مِنْهُم الْأَمِير عَلَاء الدّين شقير والأمير عز الدّين البكى الْفَارِس والأمير عز الدّين أيبك فطيس وخطلبا وَنهب أَمْوَالهم ثمَّ برز إِلَى بركَة الْجب فَأَقَامَ أَرْبَعَة أشهر وَحلف بهَا الْأُمَرَاء والأجناد مبلغه عَن أَخِيه الْملك الْمُؤَيد مَسْعُود أَنه يُرِيد الْوُثُوب عَلَيْهِ فَقَبضهُ وسجنه. وَبعث الْملك الظَّاهِر غَازِي صَاحب حلب إِلَى أَخِيه الْأَفْضَل يحثه على سرعَة الْقدوم من مصر إِلَى دمشق واغتنام الفرصة فِي أمرهَا وَالْملك الْعَادِل غَائِب عَنْهَا فِي حِصَار ماردين. فَقبض الصلاحية بِالشَّام على القاصد وأهانوه ثمَّ أَطْلقُوهُ فَسَار إِلَى الْأَفْضَل وبلغه رِسَالَة أَخِيه الظَّاهِر. فَرَحل الْأَفْضَل من بركَة الْجب ثَالِث شهر رَجَب وَمَعَهُ الْملك الْمَنْصُور فَأَقَامَ بالعباسة خَمْسَة أَيَّام. واستخلف على الْقَاهِرَة سيف الدّين يازكج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 الْأَسدي ثمَّ سَار إِلَى دمشق فَنزل عَلَيْهَا فِي ثَالِث عشر شعْبَان وَقد بلغ الْعَادِل خُرُوجه من مصر وَهُوَ على حِصَار ماردين فرتب ابْنه الْكَامِل مُحَمَّدًا على حصارها وَسَار فِي مِائَتي فَارس إِلَى دمشق فَقَدمهَا فِي ثَمَانِيَة أنفس لِكَثْرَة مَا أسْرع فِي السّير قبل منازلة الْأَفْضَل لَهَا بيومين وتلاحق بِهِ أَصْحَابه وَقدم الْأَفْضَل منزل الشرفين والميدان الْأَخْضَر وهجم بعض أَصْحَابه على الْبَلَد وأحرقوا وصاحوا: يَا أفضل يَا مَنْصُور. فصاحت الْعَامَّة مَعَهم بذلك لميلهم إِلَى الْأَفْضَل فبرز إِلَيْهِم الْعَادِل وأخرجهم من الْبَلَد وَامْتنع بهَا ففر من أُمَرَاء الْأَفْضَل عدَّة فَتَأَخر حِينَئِذٍ عَن دمشق إِلَى نَحْو الْكسْوَة. فَدس الْعَادِل إِلَى جمَاعَة مِمَّن فِي صُحْبَة الْأَفْضَل بِكَلَام مِنْهُ. إِنِّي أُرِيد الرُّجُوع إِلَى الشرق وأترك الشَّام ومصر لأَوْلَاد أخي ففندوا الْأَفْضَل عَن الْحَرْب. وبذل الْعَادِل لَهُم مَالا فَمشى ذَلِك من مكره عَلَيْهِم وخذلوا الْأَفْضَل بِأَن أشاروا عَلَيْهِ بترك الْقِتَال حَتَّى يقدم أَخُوهُ الظَّاهِر من حلب. فَأمْسك الْأَفْضَل عَن الْحَرْب مُدَّة والعادل يُكَاتب الْأُمَرَاء ويستميلهم شَيْئا بعد شَيْء وهم يأتونه فيبذل لَهُم المَال ويوسع عَلَيْهِم إِلَى أَن قدم الظَّاهِر من حلب فِي آخر شعْبَان فقوى بِهِ الْأَفْضَل ورحلا إِلَى مَسْجِد الْقدَم وحاربا الْعَادِل وحاصراه حَتَّى غلت الأقوات بِدِمَشْق لشدَّة الْحصار. فَقدمت الصلاحية من الْقُدس نصْرَة للعادل فَاشْتَدَّ عضد الْعَادِل بقدومهم وجهز إِلَى الْقُدس من يمْنَع الْميرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 الْوَاصِلَة من مصر إِلَى الْأَفْضَل فوجدوا يازكج قد أخرج سَبْعمِائة من عَسْكَر مصر نجدة للأفضل فقاتلوهم وكسروهم وغنموا مَا مَعَهم. وَصَارَت أهل دمشق فِي جهد من الغلاء وَاحْتَاجَ الْعَادِل إِلَى الْقَرْض فَأخذ مَالا من التُّجَّار. وَقَوي الزَّحْف على الْبَلَد حَتَّى أشرف على الْأَخْذ وهم الْعَادِل بِالتَّسْلِيمِ فاتفق وُقُوع الْخلف بَين الظَّاهِر وبن أَخِيه الْأَفْضَل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 (سنة سِتّ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة) وأهلت سنة سِتّ وَتِسْعين والأخوان على حِصَار عَمهمَا الْعَادِل بِدِمَشْق وَقد خربَتْ الْبَسَاتِين والدور وَقطعت الْأَنْهَار وأحرقت الغلال وَقلت الأقوات. وعزم الْعَادِل على تَسْلِيم دمشق لِكَثْرَة من فَارقه وَخرج عَنهُ إِلَى الْأَفْضَل فَكتب إِلَى ابْنه الْكَامِل يستدعيه وَكتب إِلَى نَائِب قلعة جعبر أَن يُسلمهُ مَا يستدعيه من المَال وَكَانَت أَمْوَال الْعَادِل بهَا فَسَار إِلَيْهِ الْكَامِل فِي الْعَسْكَر الَّذِي مَعَه وَأخذ من قلعة جعبر أَرْبَعمِائَة ألف دِينَار وَقدم على أَبِيه فقوي بقدومه قُوَّة عَظِيمَة وَوَقع الوهن فِي عَسْكَر الْأَفْضَل وَالظَّاهِرَة لِكَثْرَة من خامر مِنْهُم ودس الْعَادِل مكيدة بَين الْأَخَوَيْنِ وَهِي أَن الظَّاهِر كَانَ لَهُ مَمْلُوك يُقَال لَهُ أيبك وَقد شغفه حبا فَفَقدهُ وَظن أَنه دخل دمشق فعلق وَبلغ ذَلِك الْعَادِل فَبعث إِلَيْهِ بِكَلَام فِيهِ: أَن مَحْمُود بن الشكري أفسد مملوكك وَحمله إِلَى الْفضل فَقبض الظَّاهِر حِينَئِذٍ على ابْن الشكري وَظهر الْمَمْلُوك عِنْده فَمَا شكّ فِي صدق مَا قَالَه عَمه وَنَفر من أَخِيه وأمتنع من لِقَائِه وَكَانَ الْبرد قد اشْتَدَّ فرحلا إِلَى الْكسْوَة وَسَار إِلَى مرج الصفر ثمَّ سارا إِلَى رَأس المَاء فغلت الأسعار وَقَوي الْبرد فَرَحل الظَّاهِر على القريتن ورحل الْأَفْضَل بعساكره يُرِيد مصر وَتركُوا من أثقالهم مَا عجزوا عَن حمله فَأَحْرقُوهُ وَهلك لَهُم عدَّة مماليك ودواب وَدخل الْأَفْضَل إِلَى بلبيس فِي خَامِس عشرى شهر ربيع الأول فأشير عَلَيْهِ بِالْإِقَامَةِ بهَا. وَورد الْخَبَر بِأَن الْعَادِل خرج من دمشق وَنزل تل العجول وَأَنه كتب الإقامات للعربان واستدعى الكنانية فَجمع الْأَفْضَل الْأُمَرَاء وَركب وَدَار على سور بلبيس وَأمر قراقوش بِحِفْظ قلعة الْجَبَل وَأَن يهتم بِحَفر مَا بَقِي من سور مصر والقاهرة وَأَنه يعمق الْحفر حَتَّى يصل إِلَى الصخر وَيجْعَل التُّرَاب دَاخل الْمَدِينَة على حافة الْحفر ليَكُون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 مثل الباشورة وَيسْتَعْمل الأبقار فِيهِ وَيعْمل ذَلِك فِيمَا بَين الْبَحْر وقلعة المقس حَتَّى لَا يبْقى إِلَى الْبَلَد طَرِيق إِلَّا من أَبْوَابهَا. وَفِي ثَانِي ربيع الآخر: نزل الْعَادِل قطية فهم الْفضل بتحريق بلبيس فنفرت الْقُلُوب مِنْهُ وَقطع أرزاق المرتزقة من جَانب السُّلْطَان وَمن الأحباس على مَكَّة وَالْمَدينَة وَالْفُقَهَاء وأرباب العمائم ليغلق الَّذِي للجند فَمَا سد الْمَأْخُوذ وَلَا انْقَطع الطّلب من الأجناد وثار الضجيج من المساكن. وَوصل الْعَادِل فواقعه الْأَفْضَل فانكسر مِنْهُ وَانْهَزَمَ فَتَبِعهُمْ الْعَادِل إِلَى بركَة الْجب فخيم بهَا وَأقَام ثَمَانِيَة أَيَّام وَلحق الْأَفْضَل بِالْقَاهِرَةِ فَدَخلَهَا يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع ربيع الآخر وخامر جمَاعَة عَلَيْهِ وصاروا إِلَى الْعَادِل وألجأت الضَّرُورَة الْأَفْضَل إِلَى مراسلة الْعَادِل فَطلب مِنْهُ أَن يعوضه عَن ديار مصر بِدِمَشْق فَامْتنعَ الْعَادِل وَقَالَ: لَا تحوجني أَن أخرق ناموس الْقَاهِرَة وآخذها بِالسَّيْفِ اذْهَبْ إِلَى صرخد وَأَنت أَمن على نَفسك فَلم يجد الْأَفْضَل بدا من التَّسْلِيم لتخاذل أَصْحَابه عَنهُ. فتسلم الْعَادِل الْقَاهِرَة ودخلها يَوْم السبت ثامن عشر ربيع الآخر وَخرج مِنْهَا الْفضل مُنْهَزِمًا فِي ذَلِك الْيَوْم وَكَانَ الْوَزير ضِيَاء الدّين ابْن الْأَثِير قد قدم إِلَى مصر وَتمكن من الْأَفْضَل فَلَمَّا تسلم الْعَادِل الْقَاهِرَة فر وَلحق بصرخد وَكَانَت مُدَّة اسْتِيلَاء الْفضل على ديار مصر سنة وَاحِدَة وَثَمَانِية وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَخرج إِلَى بِلَاد الشرق فَأَقَامَ بدمياط وَكَانَ مُدَّة إِقَامَته بِالْقَاهِرَةِ لَا يقدر أَن يَخْلُو بِنَفسِهِ فِي ليل وَلَا نَهَار وَكَانَ الْأُمَرَاء قد حجروا عَلَيْهِ أَن يَخْلُو بِأحد وَكَانَت الضَّرُورَة ملجئة إِلَى موافقتهم. وَأقَام الْعَادِل بِالْقَاهِرَةِ على أتابكية الْملك الْمَنْصُور وَحلف لَهُ الْأُمَرَاء على مساعدته ليقوم بأتابكية الْمَنْصُور إِلَى أَن يتأهل للاستقلال بِالْقيامِ بِأُمُور المملكة فَلم يسْتَمر ذَلِك. فَانْتقضَ الْأَمر فِي الْحَادِي وَالْعِشْرين من شَوَّال وَذَلِكَ أَن الْملك الْعَادِل احضر جمَاعَة من الْأُمَرَاء وَقَالَ لَهُم: إِنَّه قَبِيح بِي أَن أكون أتابك صبي مَعَ الشيخوخة والتقدم وَالْملك لَيْسَ هُوَ بالارث وَإِنَّمَا هُوَ لمن غلب وَأَنه كَانَ يجب أَن أكون بعد أخي الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين غير أَنِّي تركت ذَلِك إِكْرَاما لأخي ورعاية لحقه فَلَمَّا كَانَ من الِاخْتِلَاف مَا قد علمْتُم خفت أَن يخرج الْملك عَن يَدي وَيَد أَوْلَاد أخي فسست الْأَمر إِلَى آخِره فَمَا رَأَيْت الْحَال ينصلح إِلَّا بقيامي فِيهِ ونهوضي بأعبائه فَلَمَّا ملكت هَذِه الْبِلَاد وطنت نَفسِي على أتابكية هَذَا الصَّبِي حَتَّى يبلغ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 أشده فَرَأَيْت العصبيات بَاقِيَة والفتن غير زائلة فَلم آمن أَن يطْرَأ على مَا طَرَأَ على الْملك الْأَفْضَل وَلَا آمن أَن يجْتَمع جمَاعَة وَيطْلبُونَ إِقَامَة إِنْسَان آخر وَمَا يعلم مَا يكون عَاقِبَة ذَلِك والرأي أَن يمْضِي هَذَا الصَّبِي إِلَى الْكتاب وأقيم لَهُ من يؤدبه ويعلمه فَإِذا تأهل وَبلغ أشده نظرت فِي أمره وَقمت بمصالحه. هَذَا والأسدية كلهم مَعَ الْعَادِل على هَذَا الرَّأْي فَلم يجد من عداهم بدا من مُوَافَقَته فَحَلَفُوا لَهُ وخلعوا الْمَنْصُور فِي يَوْم الْخَمِيس وخطب للعادل من الْغَد يَوْم الْجُمُعَة حادي عشرى شَوَّال فَكَانَت سلطنة الْمَنْصُور سنة وَاحِدَة وَثَمَانِية أشهر وَعشْرين يَوْمًا. السُّلْطَان سيف الدّين أَبُو بكر بن أَيُّوب السُّلْطَان الْملك الْعَادِل سيف الدّين أَبُو بكر بن أَيُّوب وَلما حلف لَهُ الْأُمَرَاء استولى على سلطنة مصر فِي حادي عشرى شَوَّال وخطب لَهُ بديار مصر وَأَرْض الشَّام وحران والرها وميافارقن واستحلف النلس بِهَذِهِ الْبِلَاد وَضربت السِّكَّة باسمه واستدعى الْعَادِل ابْنه الْملك الْكَامِل نَاصِر الدّين مُحَمَّدًا فَحَضَرَ إِلَى الْقَاهِرَة فِي يَوْم الْخَمِيس لثمان بَقينَ من رَمَضَان ونصبه نَائِبا عَنهُ بديار مصر وَجعل الْأَعْمَال الشرقية إقطاعه كَمَا كَانَت إقطاعاً للعادل فِي أَيَّام السُّلْطَان صَلَاح الدّين وَجعله ولي عَهده وَحلف لَهُ الْأُمَرَاء. وفيهَا أُقِيمَت الْخطْبَة للعادل بحماة وحلب وَضربت السِّكَّة باسمه. وفيهَا توقفت زِيَادَة النّيل فَلم يجر إِلَّا ثَلَاثَة عشر ذِرَاعا تنقص ثَلَاثَة أَصَابِع وشرق مُعظم أَرض مصر فارتفعت الأسعار. وفيهَا استناب الْعَادِل بِدِمَشْق ابْنه الْملك الْمُعظم شرف الدّين عِيسَى واستناب بِبِلَاد الشرق ابْنه الْملك الفائز وَأقر بحلب ابْن أَخِيه الْملك الظَّاهِر غَازِي بن صَلَاح الدّين وبحماة الْملك الْمَنْصُور بن تَقِيّ الدّين عمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 وفيهَا أخرج الْملك الْعَادِل ابْن ابْن أَخِيه الْملك الْمَنْصُور مُحَمَّد بن الْعَزِيز عُثْمَان بن صَلَاح الدّين من مصر وَمَعَهُ إخْوَته وأخواته ووالدته فَسَارُوا إِلَى الشَّام ثمَّ سيرهم إِلَى الرها فَهَرَبُوا مِنْهَا إِلَى حلب وَبَقِي الْملك الْمَنْصُور. بِمَدِينَة الرها حَتَّى مَاتَ سنة عشْرين وسِتمِائَة وَكَانَ قد أصبح أَمِيرا عِنْد الظَّاهِر صَاحب حلب. إِبْرَاهِيم بن مَنْصُور بن الْمُسلم أَبُو إِسْحَاق الْمَعْرُوف بالعراقي خطيب الْجَامِع الْعَتِيق بِمصْر فِي حادي عشرى جُمَادَى الأولى عَن سِتّ وَثَمَانِينَ سنة. وَمَات القَاضِي الْفَاضِل عبد الرَّحِيم بن عَليّ الْحسن بن الْحسن بن أَحْمد بن الْفرج ابْن أَحْمد اللَّخْمِيّ الْعَسْقَلَانِي مولداً البيساني أَبُو عَليّ محيى الدّين فى سَابِع ربيع الآخر. وَمَات الْأَثِير ذُو الرياستين أَبُو الطَّاهِر مُحَمَّد بن ذِي الرياستين أبي الْفضل مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن بنان الْأَنْبَارِي فِي لَيْلَة الثَّالِث من ربيع الآخر ومولده بِالْقَاهِرَةِ سنة سبع وَخَمْسمِائة. وَفِي هَذِه السّنة: ولد بِالْقَاهِرَةِ مَوْلُود لَهُ جَسَد وَاحِد وَرَأس فِيهِ وَجْهَان فى كل وَجه عينان وأذنان وأنف وحاجب. وَولد أَيْضا بهَا مَوْلُود لَهُ غرَّة كغرة الْفرس ويداه وَرجلَاهُ محجلتان وأليته مُلَمَّعَة. وَولد بهَا أَيْضا مَوْلُود أشيب الرَّأْس ونعجة لَهَا أَربع أيادي وَأَرْبع أرجل. وَوجد فِي بطن نعجة ذبحت خروف صَدره وَوَجهه صُورَة إِنْسَان وَله أظافير الْآدَمِيّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 سنة سبع وَتِسْعين وخمسمائه فِيهَا قبض الْملك الْعَادِل على أَوْلَاد أَخِيه صَلَاح الدّين وهما الْملك الْمُؤَيد مَسْعُود وَالْملك الْمعز إِسْحَاق وسجنهما فى دَار بهاء الدّين قراقوش بِالْقَاهِرَةِ وتسلم الْأَمِير فَخر الدّين جهاركس بانياس من الْأَمِير حسام الدّين بِشَارَة بعد حِصَار وقتال. وفيهَا حدثت الوحشة بَين الْملك الْعَادِل وبن الصلاحية من أجل أَنه خلع الْمَنْصُور ابْن الْعَزِيز وَكتب الْأَمر فَارس الدّين مَيْمُون الْقصرى من نابلس إِلَى الْعَادِل بإنكار خلع الْمَنْصُور فَأَجَابَهُ الْعَادِل جَوَابا خشناً وتكررت الْمُكَاتبَة بَينهمَا غير مرّة فَكتب مَيْمُون إِلَى الصلاحية يغريهم بالعادل فَلم يجد فيهم نهضة للْقِيَام وَفِي أثْنَاء ذَلِك حدثت وَحْشَة بَين الظَّاهِر صَاحب حلب وَبَين عَمه الْعَادِل وسير إِلَيْهِ وزيره علم الدّين قَيْصر ونظام الدّين فمنعهما الْعَادِل أَن يعبرا إِلَى القاهر وَأَمرهمَا أَن يُقِيمَا ببلبيس ويحملا قَاضِي بلبيس مَا مَعَهُمَا من الرسَالَة فعادا مغضبين واجتمعا. بميمون الْقصرى فى نابلس ومازالا بِهِ حَتَّى مَال إِلَى الْفضل وَإِلَى أَخِيه الظَّاهِر فَلَمَّا وصلا إِلَى حلب شقّ على الظَّاهِر مَا كَانَ من عَمه وَكَاتب الصلاحية ورغبهم وَكَاتب مَيْمُون الْقصرى وَشرع الْأَفْضَل أَيْضا فى مكاتبتهم وَهُوَ بصرخد وانضوى إِلَى الْأَفْضَل الْأَمِير عز الدّين أُسَامَة صَاحب عجلون وكوكب وصلت لَهُ فَبلغ ذَلِك الْعَادِل فتيقظ لنَفسِهِ وَكتب إِلَى ابْنه الْمُعظم صَاحب دمشق. بمحاصرة الْأَفْضَل فى صرخد فَجمع وَخرج من دمشق فاستخلف الْأَفْضَل على صرخد أَخَاهُ الْملك الظافر خضر وَسَار إِلَى أَخِيه الظَّاهِر بحلب فى عَاشر جُمَادَى الأولى فَنزل الْمُعظم على بصرى وَكَاتب فَخر الدّين جهاركس وَمَيْمُون الْقصرى يأمرهما بِالْمَسِيرِ إِلَيْهِ لحصار صرخد فَلم يجيبا وجمعا من يوافقهما وصارا إِلَى الظافر بصرخد. وَكَتَبُوا إِلَى الظَّاهِر بحلب يحثونه على الْحَرَكَة وَأخذ دمشق فوافته الْكتب وَعِنْده الْأَفْضَل فَجمع النَّاس وعزم على الْمسير ثمَّ سَار الظَّاهِر فَلم يُوَافقهُ الْمَنْصُور صَاحب حماة فحاصره مُدَّة ثمَّ رَحل عَنهُ بِغَيْر طائل فنازل دمشق وَمَعَهُ الْأَفْضَل وأتته الصلاحية هُنَاكَ فَخرج الْعَادِل من الْقَاهِرَة بعساكره واستخلف على الْقَاهِرَة ابْنه الْملك الْكَامِل مُحَمَّدًا وَسَار حَتَّى نَازل نابلس. وَقدم الْعَادِل طَائِفَة من الْعَسْكَر فَسَارُوا إِلَى دمشق واستولوا عَلَيْهَا قبل نزُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 الْأَفْضَل وَالظَّاهِر عَلَيْهَا فَقدما بعد ذَلِك وضايقا دمشق فى رَابِع عشر ذِي الْقعدَة وَاشْتَدَّ الْقِتَال حَتَّى كادا يأخذان الْبَلَد فَوَقع بَينهمَا الِاخْتِلَاف. بمكيدة دبرهَا الْعَادِل ففترت الهمة عَن الْقِتَال وَذَلِكَ أَن الْعَادِل كتب إِلَى كل من الْأَفْضَل وَإِلَى الظَّاهِر سرا بِأَن: أَخَاك لَا يُرِيد دمشق إِلَّا لنَفسِهِ وَقد اتّفق مَعَه الْعَسْكَر فى الْبَاطِن على ذَلِك فانفعلا لهَذَا الْخَبَر وَطلب كل مِنْهَا من الآخر أَن تكون دمشق لَهُ فَامْتنعَ فَبعث الْعَادِل فى السِّرّ إِلَى الْأَفْضَل يعده بالبلاد الَّتِي عينت لَهُ بالشرق وهى رَأس عين والخابور وميافارقن وَغير ذَلِك وبذل لَهُ مَعَ ذَلِك مَالا من مصر فى كل سنة. بمبلغ خمسين ألف دِينَار فانخدع الْأَفْضَل وَقَالَ لِلْأُمَرَاءِ الصلاحية وَمن قدم إِلَيْهِ من الأجناد: لَا إِن كُنْتُم جئْتُمْ إِذْ فقد أَذِنت لكم فى الْعود إِلَى الْملك الْعَادِل وَإِن كُنْتُم جئْتُمْ إِلَى أخي فَأنْتم بِهِ أخبر. وَكَانُوا يحبونَ الْفضل من أجل أَنه لين العريكة فَقَالُوا كلهم: لَا نُرِيد سواك والعادل أحب إِلَيْنَا من أَخِيك. فَأذن لَهُم فِي الْعود إِلَى الْعَادِل فَسَار إِلَيْهِ الْأَمِير فَخر الدّين جهاركس والأمير زين الدّين قراجا وعلاء الدّين شقير والحجاف وَسعد الدّين بن علم الدّين قَيْصر فَوَقع الوهن وَالتَّقْصِير فى الْقِتَال بَعْدَمَا كَانُوا قد أشفوا على أَخذ دمشق وَانْقَضَت هَذِه السّنة وَالْأَفْضَل وَالظَّاهِر على منازلة دمشق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 وفيهَا تَعَذَّرَتْ الأقوات بديار مصر وتزايدت الأسعار وَعظم الغلاء حَتَّى أكل النَّاس الميتات وَأكل بَعضهم بَعْضًا وَتبع ذَلِك فنَاء عَظِيم وابتدأ الغلاء من أول الْعَام فَبلغ كل أردب قَمح خَمْسَة دَنَانِير وَتَمَادَى الْحَال ثَلَاث سِنِين مُتَوَالِيَة لَا يمد النّيل فِيهَا إِلَّا مدا يَسِيرا حَتَّى عدمت الأقوات وَخرج من مصر عَالم كَبِير بأهليهم وَأَوْلَادهمْ إِلَى الشَّام فماتوا فِي الطرقات جوعا. وشنع الْمَوْت فِي الْأَغْنِيَاء والفقراء فَبلغ من كَفنه الْعَادِل من الْأَمْوَات - فِي مُدَّة يسيرَة - نَحوا من مِائَتي ألف إِنْسَان وَعشْرين ألف إِنْسَان وأكلت الْكلاب بأسرها وَأكل من الْأَطْفَال خلق كثير فَكَانَ الصَّغِير يشويه أَبَوَاهُ ويأكلانه بعد مَوته وَصَارَ هَذَا الْفِعْل لكثرته بِحَيْثُ لَا يُنكر ثمَّ صَار النَّاس يحتال بَعضهم على بعض وَيُؤْخَذ من قدر عَلَيْهِ فيؤكل وَإِذا غلب الْقوي ضَعِيفا ذبحه وَأكله وفقد كثير من الْأَطِبَّاء لِكَثْرَة من كَانَ يستدعيهم إِلَى المرضى فَإِذا صَار الطَّبِيب إِلَى دَاره ذبحه وَأكله وَاتفقَ أَن شخصا استدعى طَبِيبا فخافه الطَّبِيب وَسَار مَعَه على تخوف فَصَارَ ذَلِك الشَّخْص يكثر فى طَرِيقه من ذكر الله تَعَالَى وَلَا يكَاد يمر بفقير إِلَّا وَيتَصَدَّق عَلَيْهِ حَتَّى وصلا إِلَى الدَّار فَإِذا هِيَ خربة. فارتاب الطَّبِيب مِمَّا رأى وَبينا هُوَ يُرِيد الدُّخُول اليها إِذْ خرج رجل من الخربة وَقَالَ للشَّخْص الَّذِي قد أحضر الطّيب: مَعَ هَذَا البطء جِئْت لنا بصيد وَاحِدَة. فارتاع الطَّبِيب وفر على وَجهه هَارِبا. فلولا عناية الله بِهِ وَسُرْعَة عدوه لقبض عَلَيْهِ وخلت مَدِينَة الْقَاهِرَة ومصر أَكثر أَهلهَا وَصَارَ من يَمُوت لَا يجد من يواريه فَيصير عدَّة أشهر حَتَّى يُؤْكَل أَو يبْلى وَاتفقَ أَن النّيل توقف عَن الزِّيَادَة فِي سنة سِتّ وَتِسْعين فخاف النَّاس وَقدم إِلَى الْقَاهِرَة ومصر من أهل الْقرى خلق كثير فَلَمَّا حلت الشَّمْس برج الْحمل تحرّك هَوَاء أعقبه وباء وَكثر الْجُوع وَعدم الْقُوت حَتَّى أكلت صغَار بنى آدم فَكَانَ الْأَب يَأْكُل ابْنه مشوياً ومطبوخاً وَكَذَلِكَ الْأُم وظفر الْحَاكِم مِنْهُم بِجَمَاعَة فعاقبوهم حَتَّى أعياهم ذَلِك وَفَشَا الْأَمر: فَكَانَت الْمَرْأَة تُوجد وَقد خبأت فِي عبها كتف الصَّغِير أَو فَخذه وَكَذَلِكَ الرجل وَكَانَ بَعضهم يدْخل بَيت جَاره فيجد الْقدر على النَّار فينتظرها حَتَّى تنزل ليَأْكُل مِنْهَا فَإِذا فِيهَا لحم الْأَطْفَال وَأكْثر مَا كَانَ يُوجد ذَلِك فى أكَابِر الْبيُوت وَيُوجد النِّسَاء وَالرِّجَال فِي الْأَسْوَاق والطرقات وَمَعَهُمْ لُحُوم الْأَطْفَال واحرق فِي أقل من شَهْرَيْن ثَلَاثُونَ امْرَأَة وجد مَعَهُنَّ لُحُوم الْأَطْفَال لم فَشَا ذَلِك حَتَّى اتَّخذهُ النَّاس غذَاء وعشاء وألفوه وَقل مَنعهم مِنْهُ فَإِنَّهُم لم يَجدوا شَيْئا من الْقُوت لَا الْحُبُوب وَلَا الخضروات. فَلَمَّا كَانَ قبل أَيَّام زِيَادَة النّيل - فى سنة سِتّ وَتِسْعين هَذِه - احْتَرَقَ المَاء فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 برمودة حَتَّى صَار فِيمَا بَين المقياس والجيزة بِغَيْر مَاء وَتغَير طعم المَاء وريحه وَكَانَ القاع ذراعين وَأخذ يزِيد زِيَادَة ضَعِيفَة إِلَى سادس عشر مسرى فَزَاد إصبعاً ثمَّ وقف ثمَّ زَاد زِيَادَة قَوِيَّة أَكْثَرهَا ذِرَاع حَتَّى بلغ خَمْسَة عشر ذِرَاعا وَسِتَّة عشرَة إصبعاً ثمَّ انحط من يَوْمه فَلم ينْتَفع بِهِ وَكَانَ النَّاس قد فنوا بِحَيْثُ بَقِي من أهل الْقرْيَة الَّذين كَانُوا خَمْسمِائَة نفر إِمَّا نفران أَو ثَلَاثَة فَلم تَجِد الجسور من يقوم بهَا وَلَا الْقرى من يعْمل مصالحها وعدمت الأبقار بِحَيْثُ بيع الرَّأْس بسبعين دِينَارا والهزيل بستين دِينَارا. وجافت الطرقات بِمصْر والقاهرة وقراهما ثمَّ أكلت الدودة مَا زرع فَلم يُوجد من التقاوى وَلَا من الْعقر مَا يُمكن بِهِ رده. وَدخلت سنة سبع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَالنَّاس تَأْكُل الْأَطْفَال وَقد صَار أكلهم طبعا وَعَادَة وضجر الْحُكَّام من تأديبهم وأبيع الْقَمْح - إِن وجد - بِثمَانِيَة دَنَانِير الأردب وَالشعِير والفول بِسِتَّة دَنَانِير وَعدم الدَّجَاج من أَرض مصر فجلبه رجل من الشَّام وَبَاعَ كل فروج بِمِائَة دِرْهَم وكل بيضتين بدرهم. هَذَا وَجَمِيع الأفران إِنَّمَا تقد بأخشاب المساكن حَتَّى دخلت سنة ثَمَان وَتِسْعين وَكَانَ كثير من المساتير يخرجُون لَيْلًا وَيَأْخُذُونَ أخشاب الدّور الخالية ويبيعونها نَهَارا وَكَانَت أَزِقَّة الْقَاهِرَة ومصر لَا يُوجد بهَا إِلَّا مسَاكِن قَليلَة وَلم يبْق بِمصْر عَامر إِلَّا شط النّيل وَكَانَت أهل الْقرى تخرج للحرث فَيَمُوت الرجل وَهُوَ ماسك المحراث. وفى هَذِه السّنة: قدم غُلَام سنه نَحْو عشر سِنِين - من عرب الحوف بالشرقية - إِلَى الْقَاهِرَة أسمر حُلْو السمرَة على بَطْنه خطوط بيض ناصعة الْبيَاض مُتَسَاوِيَة الْقِسْمَة من أَعْلَاهُ إِلَى أَسْفَله كأحسن مَا يكون من الخطوط. وفيهَا مَاتَ الْأَمِير بهاء الدّين قراقوش الْأَسدي فى غرَّة شهر رَجَب بِالْقَاهِرَةِ وَدفن بسفح المقطم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 سنة ثَمَان وَتِسْعين وَخَمْسمِائة فِي أول الْمحرم: رَحل الْأَفْضَل وَالظَّاهِر عَن دمشق فَصَارَ الظَّاهِر إِلَى حلب وَمَعَهُ جمَاعَة من الْأُمَرَاء الصلاحية مِنْهُم فَارس الدّين مَيْمُون الْقصرى وسرا سنقر والفارس البكى فاقطعهم الاقطاعات وَأكْرمهمْ وَتوجه الْأَفْضَل إِلَى حمص وَبهَا أمه وَأَهله عِنْد الْملك الْمُجَاهِد وَقدم الْعَادِل إِلَى دمشق وَنزل بالقلعة ثمَّ سَار مِنْهَا إِلَى حماة وَنزل عَلَيْهَا بعساكره فَقَامَ لَهُ الْملك الْمَنْصُور بِجَمِيعِ كلفه ونفقاته وَأظْهر أَنه يُرِيد حلب فخافه الظَّاهِر واستعد للقائه وراسل الْعَادِل وَبعث إِلَيْهِ بِهَدَايَا جليلة ولاطفه فانتظم الصُّلْح بَينهمَا على أَن يكون للعادل مصر ودمشق والسواحل وَبَيت الْمُقَدّس وَجَمِيع مَا هُوَ فى يَده وَيَد أَوْلَاده من بِلَاد الشرق وَأَن يكون للظَّاهِر حلب وَمَا مَعهَا وللمنصور حماة وأعمالها وللمجاهد حمص والرحبة وتسمر وللأمجد بعلبك وأعمالها وللأفضل سميساط وبلادها لَا غير وَأَن يكون الْملك الْعَادِل سُلْطَان الْبِلَاد جَمِيعهَا وحلفوا على ذَلِك. فَخَطب للعادل بحلب فى يَوْم الْجُمُعَة حادي عشر جُمَادَى الْآخِرَة وأقطع الْأَفْضَل قلعة النَّجْم مَعَ سروج وسميساط وجهز الْعَادِل ابْنه الْأَشْرَف مظفر الدّين مُوسَى إِلَى الجزيرة ليتسلم حران والرها وَمَا مَعَهُمَا ويستقر بالجزيرة ويستقر الأوحد أَيُّوب أَخُوهُ فى ميفارقين وترتب بقلعة جعبر ابْنه الْحَافِظ نور الدّين أرسلان. وَأقر الْعَادِل ابْنه الْملك الْمُعظم شرف الدّين عِيسَى بِدِمَشْق وَعَاد الْعَادِل من حماة إِلَى دمشق وَقد اتّفقت كلمة بنى أَيُّوب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 وفيهَا قتل الْمعز إِسْمَاعِيل بن سيف الْإِسْلَام ظهير الدّين طغتكين بن نجم الدّين أَيُّوب وَذَلِكَ لما ملك الْيمن - بعد أَبِيه - خرج عَلَيْهِ الشريف عبد الله الْحسنى ثمَّ خرج عَلَيْهِ نَحْو ثَمَانمِائَة من ممالكيه وحاربوه وامتنعوا مِنْهُ بِصَنْعَاء فكسرهم وجلاهم عَنْهَا فَادّعى الربوبية وَأمر أَن يكْتب عَنهُ ويكاتب بذلك وَكتب صدرت هَذِه الْمُكَاتبَة من مقرّ الالهية. ثمَّ خَافَ الْمعز إِسْمَاعِيل من النَّاس فَادّعى الْخلَافَة وانتسب إِلَى بنى أُميَّة وَجعل شعاره الخضرة وَلبس ثِيَاب الْخلَافَة وَعمل طول كل كم خَمْسَة وَعشْرين شبْرًا فِي سَعَة سِتَّة أشبار وَقطع من الْخطْبَة الدُّعَاء لبنى الْعَبَّاس وخطب لنَفسِهِ على مَنَابِر الْيمن وخطب هُوَ بِنَفسِهِ يَوْم الْجُمُعَة فَلَمَّا بلغ ذَلِك عَمه الْعَادِل سير بالإنكار عَلَيْهِ فَلم يلْتَفت إِلَى قَوْله وأضاف إِلَى ذَلِك سوء السِّيرَة وقبح العقيدة فثار عَلَيْهِ مماليك أَبِيه لهوجه وسفكه الدِّمَاء وحاربوه وقتلوه ونصبوا رَأسه على رمح وداروا بِهِ بِلَاد الْيمن ونهبوا زبيد تِسْعَة أَيَّام وَكَانَ قَتله فِي رَابِع عشر رَجَب من سنة ثَمَان وتسعن وَقَامَ من بعده أَخُوهُ النَّاصِر أَيُّوب - وَقيل: مُحَمَّد - وترتب سيف الدّين سنقر أتابك العساكر ثمَّ اسْتَقل سنقر بالسلطة. وفيهَا كَانَ الغلاء بِمصْر فَلَمَّا طلع النّيل رويت الْبِلَاد وانحل السّعر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 سنة تسع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة فِيهَا وصل الفرنج إِلَى عكا وتحرك أهل صقلية لقصد ديار مصر فَقدم من حلب خَمْسمِائَة فَارس وَمِائَة راجل نجدة إِلَى الْعَادِل وَهُوَ بِدِمَشْق فورد كتاب نَاصِر الدّين منكورس بن خمارتكن صَاحب صهيون يخبر بنزول صَاحب الأرمن على جسر الْحَدِيد لِحَرْب أنطاكية وَأَن أَكثر الفرنج عَادوا من عكا إِلَى الْبَحْر وَلم يبْق بهَا إِلَّا من عجزعن السّفر وَأَن بهَا غلاءً عَظِيما. وفيهَا نَازل الْأَشْرَف مُوسَى بن الْعَادِل ماردين مُدَّة وَمَعَهُ الْأَفْضَل ثمَّ تقرر الصُّلْح على أَن يحمل نَاصِر الدّين أرسلان الأرتقي صَاحب ماردين للعادل مائَة ألف وَخمسين ألف دِينَار صورية ويخطب لَهُ بهَا وَيضْرب السِّكَّة باسمه فَعَاد الْأَشْرَف إِلَى حران. وفيهَا جهز الْعَادِل الْملك الْمَنْصُور بن الْعَزِيز عُثْمَان من صمر إِلَى الرها بِأُمِّهِ وَإِخْوَته خوفًا من شيعته. وفيهَا شرع الْعَادِل فى بِنَاء فصيل دائر على سور دمشق بِالْحجرِ والجير وفى تعميق الخَنْدَق وإجراء المَاء إِلَيْهِ وَقدم من عِنْد الْعَادِل إِلَى الْقَاهِرَة خلق لحفظ دمياط من الفرنج. وفيهَا قصد الفرنج من طرابلس وَمن حصن الأكراد وَغَيرهَا مَدِينَة حماة فَركب إِلَيْهِم الْمَنْصُور فِي ثَالِث رَمَضَان وَقَاتلهمْ فَهَزَمَهُمْ وَأسر مِنْهُم وغنم وَعَاد مظفراً فورد الْخَبَر بوصول الفرنج إِلَى عكا من الْبَحْر فى نَحْو سبعين ألفا وَأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ الصُّلْح مَعَ الأرمن على حَرْب الْمُسلمين وَخرج جمع من الاسبتار من حصن الأكراد والمرقب فِي شهر رَمَضَان أَيْضا وَخرج إِلَيْهِم الْمَنْصُور وَقتل مِنْهُم مقتلة عَظِيمَة وَأسر جمَاعَة وَانْهَزَمَ من بَقِي. وفيهَا بلغ الْعَادِل أَن الْملك الْأَفْضَل على ابْن أَخِيه كَاتب الْأُمَرَاء فَأمر ابْنه الْأَشْرَف مُوسَى أَن ينتزع مِنْهُ رَأس عين وسروج وَكتب إِلَى الظَّاهِر أَن يَأْخُذ مِنْهُ قلعة نجم ففعلا ذَلِك وَلم يبْق مَعَه سوى سميساط لَا غير فسير الْأَفْضَل أمه إِلَى الْعَادِل لتشفع فِيهِ فَقدمت عَلَيْهِ إِلَى دمشق فَلم يقبل شَفَاعَتهَا وأعادها خائبة وَكَانَ هَذَا عِبْرَة فَإِن صَلَاح الدّين لما نَازل الْموصل خرجت إِلَيْهِ الأتابكيات ومنهن ابْنة نور الدّين مَحْمُود بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 زنكى يستغثن إِلَيْهِ فى أَن يبْقى الْموصل على عز الدّين مَسْعُود فَلم يجبهن وردهن خائبات فَعُوقِبَ صَلَاح الدّين فى وَلَده الْأَفْضَل على بِمثل ذَلِك وعادت أمه خائبة من عِنْد الْعَادِل وَلما بلغ الْأَفْضَل امْتنَاع عَمه عَن إِجَابَة سُؤال أمه تُطِع خطبَته ودعا للسُّلْطَان ركن الدّين سُلَيْمَان بن قلج أرسلان السلجوقي صَاحب الرّوم. وفيهَا زَاد مَاء النّيل زِيَادَة كَثِيرَة ورخصت الأسعار. وفيهَا انْقَضتْ دولة الهواشم بِمَكَّة وَقدم إِلَيْهَا حَنْظَلَة بن قَتَادَة بن إِدْرِيس بن مطاعن من يَنْبع فَخرج مِنْهَا مكثر بن عِيسَى بن فليتة إِلَى نَخْلَة فَأَقَامَ بهَا وَمَات سنة سِتّمائَة ثمَّ وصل مُحَمَّد بن مكثر إِلَى مَكَّة فحاربوه وهزموه ثمَّ قدم قَتَادَة أَبُو عَزِيز بن إِدْرِيس فاستمر بِمَكَّة هُوَ وَولده من بعده أُمَرَاء إِلَى أَعْوَام كَثِيرَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 سنة سِتّمائَة فِيهَا تقرر الصُّلْح بَين الْعَادِل وَبَين الفرنج وانعقدت الْهُدْنَة بَينهمَا وَتَفَرَّقَتْ العساكر. وفيهَا نَازل ابْن لاون أنطاكية حَتَّى هجم عَلَيْهَا وَحصر الإبرنس بقلعتها فَخرج الظَّاهِر من حلب نجدة لَهُ ففر ابْن لاون. وفيهَا أوقع الْأَشْرَف مُوسَى بن الْعَادِل بعسكر الْموصل وَهَزَمَهُمْ ونازلها وَبهَا السُّلْطَان نور الدّين أرسلان شاه بن مَسْعُود بن مودود بن عماد الدّين زنكي أتابك بن آقسنقر وَنهب الْأَشْرَف الْبِلَاد نهباً قبيحاً وَبعث إِلَى أَبِيه الْعَادِل بالبشارة فاستعظم ذَلِك وَمَا صدقه وسر بِهِ سُرُورًا كثيرا. وفيهَا ملك الإفرنج مَدِينَة القسطنينية من الرّوم. وفيهَا تجمع الإفرنج بعكا من كل جِهَة يُرِيدُونَ أَخذ بَيت الْمُقَدّس فَخرج الْعَادِل من دمشق وَكتب إِلَى سَائِر الممالك يطْلب النجدات فَنزل قَرِيبا من جبل الطّور على مَسَافَة يسيرَة من عكا وعسكر الفرنج بمرج عكا وأغاروا على كفر كُنَّا وأسروا من كَانَ هُنَاكَ وَسبوا ونهبوا وَانْقَضَت هَذِه السّنة وَالْأَمر على ذَلِك. وفيهَا مَاتَ ركن الدّين سُلَيْمَان بن قلج أرسلان بن مَسْعُود بن قلج أرسلان بن سُلَيْمَان بن قطلوش بن بيغو أرسلان بن سلجوق صَاحب الرّوم فى سادس ذِي الْقعدَة وَقَامَ من بعده ابْنه وفيهَا عَاد الْأَشْرَف مُوسَى بن الْعَادِل إِلَى حران بِأَمْر أَبِيه وهم الْعَادِل برحيله إِلَى مصر فَقدم عَلَيْهِ ابْنه الْأَشْرَف ثمَّ عَاد إِلَى حران. وفيهَا خرج أسطول الفرنج إِلَى مصر وَعبر النّيل من جِهَة رشيد فوصل إِلَى فوة وَأقَام خَمْسَة أَيَّام ينهب والعسكر تجاهه لَيْسَ لَهُ إِلَيْهِ وُصُول لعدم وجود الأسطول العادلي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 وفيهَا أوقع الْأَمِير شرف الدّين قراقوس التَّقْوَى المظفري بِبِلَاد الْمغرب فَقبض عَلَيْهِ وَحمل إِلَى ابْن عبد الْمُؤمن. وفيهَا كَانَت زَلْزَلَة عَظِيمَة عَمت أَكثر أَرض مصر وَالشَّام والجزيرة وبلاد الرّوم وصقلية وقبرص والموصل وَالْعراق وَبَلغت إِلَى سبتة بِبِلَاد الْمغرب وفيهَا ملك الفرنج قسطنطينية من أَيدي الرّوم فَلم يزَالُوا بهَا حَتَّى استعادها الرّوم مِنْهُم فى سنة سِتِّينَ وسِتمِائَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 سنة إِحْدَى وسِتمِائَة فِيهَا تمّ الصُّلْح بَين الْملك الْعَادِل وبن الفرنج وتقررت الْهُدْنَة مُدَّة وشرطوا أَن تكون يافا لَهُم مَعَ مناصفات لد والرملة فأجابهم الْعَادِل إِلَى ذَلِك وَتَفَرَّقَتْ العساكر وَسَار الْعَادِل إِلَى الْقَاهِرَة فَنزل بدار الوزارة وَاسْتمرّ ابْنه الْكَامِل بقلعة الْجَبَل وَشرع فى تَرْتِيب أُمُور مصر. وفيهَا ورد الْخَبَر بِأَن الفرنج أخذُوا الْقُسْطَنْطِينِيَّة من الرّوم. وفيهَا غارت الفرنج الإسبتارية على حماة فى جمع كَبِير لِأَن هدنتهم انْقَضتْ فَقتلُوا ونهبوا ثمَّ عَادوا. وفيهَا قدم الْملك الْمَنْصُور صَاحب حماة على عَمه الْملك الْعَادِل بِالْقَاهِرَةِ فسر بِهِ وأكرمه ثمَّ رَجَعَ بعد أَيَّام. وفيهَا أغار الفرنج على حمص وَقتلُوا وأسروا فَخرج الْعَادِل من الْقَاهِرَة إِلَى بركَة الْجب ثمَّ عَاد. وفيهَا أغار فرنج طرابلس على جبلة واللاذقية وَقتلُوا عدَّة من الْمُسلمين وغنموا وَسبوا شَيْئا كثيرا. وفيهَا أَخذ الصاحب صفي الدّين عبد الله بن شكر يغرى الْملك الْعَادِل بِأبي مُحَمَّد مُخْتَار بن أبي مُحَمَّد بن مُخْتَار الْمَعْرُوف بِابْن قاضى دَارا وَزِير الْملك الْكَامِل حَتَّى نقم عَلَيْهِ وَطَلَبه فخاف عَلَيْهِ الْكَامِل وَأخرجه من مصر - وَمَعَهُ ابناه فَخر الدّين وشهاب الدّين - إِلَى حلب فأكرمهم الْملك الظَّاهِر ثمَّ ورد عَلَيْهِ من الْكَامِل كتاب يستدعيه إِلَى مصر فَخرج وَنزل بِعَين الْمُبَارَكَة ظَاهر حلب. فَلَمَّا كَانَ فى لَيْلَة الرَّابِع وَالْعِشْرين من ذِي الْقعدَة: أحَاط بِهِ - نَحْو الْخمسين فَارِسًا فِي أثْنَاء اللَّيْل وأيقظهوه وقتلوه ثمَّ قَالُوا لِغِلْمَانِهِ: احْفَظُوا أَمْوَالكُم فَمَا كَانَ لنا غَرَض سواهُ. فَبلغ ذَلِك الظَّاهِر فارتاع لَهُ وَركب بِنَفسِهِ حَتَّى شَاهده وَبعث الرِّجَال فى سَائِر الطرقات فَلم يقف لقَتله على خبر فَكَانَت هَذِه الْقَضِيَّة من أعجب مَا سمع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 سنة اثْنَتَيْنِ وسِتمِائَة فِيهَا قبض على السعد أبي المكارم بن مهْدي بن مماتى صَاحب الدِّيوَان فِي جُمَادَى الْآخِرَة وعلق برجليه. وفيهَا قبض على الْأَمِير عبد الْكَرِيم أخي القَاضِي الْفَاضِل وَأخذ خطه بِعشْرين ألف دِينَار وأداها وَأخذ من شرف الدّين إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن قُرَيْش خَمْسَة آلَاف دِينَار. وفيهَا بَاشر التَّاج بن الكعكي ديوَان الْجَيْش. وفيهَا ضرب الصاحب صفي الدّين عبد الله بن عَليّ بن شكر الْفَقِيه نصرا فِي وَجهه بالدواة فأدماه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 سنة ثَلَاث وسِتمِائَة فِيهَا كثرت الغارات من الفرنج على الْبِلَاد فَخرج الْملك الْعَادِل إِلَى العباسة ثمَّ أغذ السّير إِلَى دمشق ثمَّ برز مِنْهَا إِلَى حمص فَأَتَتْهُ العساكر من كل نَاحيَة فَاجْتمع عِنْده عشرات آلَاف وأشاع أَنه يُرِيد طرابلس فَلَمَّا انقض شهر رَمَضَان توجه الى نَاحيَة حصن الأكراد فنازله وَأسر خَمْسمِائَة رجل وغنم وافتتح قلعة أُخْرَى. ثمَّ نَازل طرابلس وعاثت العساكر فى قراها وَلم يزل على ذَلِك إِلَى أَيَّام من ذِي الْحجَّة ثمَّ عَاد إِلَى حمص - وَقد ضجرت العساكر - فَبعث صَاحب طرابلس يلْتَمس الصُّلْح وسير مَالا وثلاثمائة أَسِير وعدة هَدَايَا فانعقد الصُّلْح فى آخر ذِي الْحجَّة. وفيهَا حدثت وَحْشَة بَين الْعَادِل وبن ابْن أَخِيه الْملك الظَّاهِر صَاحب حلب فازدادت بَينهمَا الرُّسُل حَتَّى زَالَت وَحلف كل مِنْهُمَا لصَاحبه. وَكثر فى هَذِه السّنة تخريب الْعَادِل لقلاع الفرنج وحصونهم. وفيهَا عزل الصاحب ابْن شكر الْبَدْر بن الْأَبْيَض قَاضِي الْعَسْكَر وَقرر مَكَانَهُ نجم الدّين خَلِيل بن المصمودي الْحَمَوِيّ. وفيهَا قدم مَانع بن سلمَان شيخ أل دعيج من غزيَّة الَّتِي فِيمَا بَين بَغْدَاد وَمَكَّة. عبد الرَّحْمَن بن سَلامَة قَاض الْإسْكَنْدَريَّة بهَا يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن صفر. وفيهَا نفى الْأَشْرَف. بن عُثْمَان الْأَعْوَر واعتقل أَخُوهُ علم الْملك. وفيهَا مَاتَت أم الْملك الْمُعظم بن الْعَادِل بِدِمَشْق فِي يَوْم الْجُمُعَة عشرى ربيع الأول ودفنت بسفح قاسيون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 (سنة أَربع وسِتمِائَة) فِيهَا عَاد الْملك الْعَادِل إِلَى دمشق بعد انْعِقَاد الصُّلْح بَينه وبن ملك الفرنج بطرابلس. وفيهَا بعث الْعَادِل أستاداره الْأَمر ألذكر العادلي وقاضي الْعَسْكَر نجم الدّين خَلِيل المصمودي إِلَى الْخَلِيفَة فِي طلب التشريف والتقليد بِولَايَة مصر وَالشَّام والشرق وخلاط فَلَمَّا وصلا إِلَى بَغْدَاد أكرمهما الْخَلِيفَة النَّاصِر لدين الله وَأحسن إِلَيْهِمَا وأجابهما وسير الشَّيْخ شهَاب الدّين أَبَا عمر بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عمويه السهروردي وَمَعَهُ التشريف الخليفتي والتقليد وخلعة للصاحب صفي الدّين بن شكر وخلع لأَوْلَاد الْعَادِل وهم الْملك الْمُعظم وَالْملك الْأَشْرَف وَالْملك الْكَامِل فعندما قَارب بالشيخ أَبُو حَفْص حلب خرج الْملك الظَّاهِر بعساكره إِلَى لِقَائِه وَأكْرم نزله. وفى ثَالِث يَوْم من قدومه أَمر بكرسي فنصب لَهُ وَجلسَ عَلَيْهِ للوعظ وَجلسَ الظَّاهِر وَمَعَهُ الْأَعْيَان فصدع بالوعظ حَتَّى وجلت الْقُلُوب ودمعت الْعُيُون وَأخْبر الشَّيْخ فِي وعظه بِأَن الْخَلِيفَة أطلق - فِي بَغْدَاد وَغَيرهَا - من الْمُؤَن والضرائب مَا مبلغه ثَلَاثَة آلَاف ألف دِينَار ثمَّ سَار من حلب وَمَعَهُ القَاضِي بهاء الدّين بن شَدَّاد وَقد دفع إِلَيْهِ الظَّاهِر ثَلَاثَة آلَاف دِينَار برسم النثار إِذا لبس عَمه الْعَادِل خلعة الْخَلِيفَة وَبعث الْملك الْمَنْصُور من حماة أَيْضا مبلغا للنثار وَخرج الْعَسْكَر من دمشق إِلَى لِقَائِه ثمَّ خرج الْعَادِل بابنيه الْأَشْرَف مُوسَى والمعظم عِيسَى وبرز سَائِر النَّاس لمشهادة ذَلِك فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً وَلما دخل الشَّيْخ أَبُو حَفْص دمشق جلس الْعَادِل فى دَار رضوَان وأفيضت عَلَيْهِ الْخلْع وهى جُبَّة أطلس أسود وَاسِعَة الْكمّ بطراز ذهب وعمامة سَوْدَاء بطراز ذهب وطوق ذهب بجوهر ثقيل وقلد الْعَادِل أَيْضا بِسيف محلى جَمِيع قرَابه من ذهب وَركب حصاناً أَشهب بركب ذهب وَنشر على رَأسه علم أسود مَكْتُوب فِيهِ بالبياض ألقاب الْخَلِيفَة مركب فِي قَصَبَة ذهب وَتقدم القَاضِي ابْن شَدَّاد فنثر الذَّهَب وَقدم لَهُ خمسين خلعة وَنَثَرت رسل الْمُلُوك بعده ثمَّ لبس الْأَشْرَف والمعظم خلعتيهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 وهما عِمَامَة سَوْدَاء وثوب أسود وَاسع الْكمّ ثمَّ خلع على الصاحب صفي الدّين بن شكر الْوَزير كَذَلِك وَركب الْعَادِل - وَمَعَهُ ابناه ووزيره - بِالْخلْعِ الخليفتية وَقد زينت الْبَلَد ثمَّ عَادوا إِلَى القلعة واستمرت زِينَة الْبَلَد ثَمَانِيَة أَيَّام وَقَرَأَ التَّقْلِيد الصاحب صفي الدّين على كرْسِي وخوطب الْعَادِل فِيهِ بشاهنشاه ملك الْمُلُوك خَلِيل أَمِير الْمُؤمنِينَ وَكَانَ الْوَزير فِي حَال تركض قَائِما على الْكُرْسِيّ والعادل وَسَائِر النَّاس أَيْضا قيَاما إجلالاً للخليفة ثمَّ سَار الشهَاب السهروردي إِلَى مصر فَأَفَاضَ على الْملك الْكَامِل الخلعة الخليفتية وَجرى من الرَّسْم كَمَا وَقع بِدِمَشْق ثمَّ عَاد إِلَى بَغْدَاد. وفيهَا أَمر الْعَادِل بعمارة قلعة دمشق وَفرق أبراجها على الْمُلُوك فعمروها من أَمْوَالهم وفيهَا اتسعت مملكه الْعَادِل فَلَمَّا تمهدت لَهُ الْأُمُور قسم مَمْلَكَته بَين أَوْلَاده فاعطى ابْنه الْملك الْكَامِل نَاصِر الدّين مُحَمَّدًا مملكة مصر ورتب عِنْده القَاضِي الْأَعَز فَخر الدّين مِقْدَام بن شكر وَأعْطى ابْنه الْمُعظم شرف الدّين عِيسَى من الْعَريش إِلَى حمص وَأدْخل فى ولَايَته بِلَاد السَّاحِل الإسلامية وبلاد الْغَوْر وَأَرْض فلسطين والقدس والكرك والشوفي وصرخد وَأعْطى ابْنه الْملك الْأَشْرَف مظفر الدّين مُوسَى الْبِلَاد الشرقية وهى الرها وَمَا مَعهَا من حران وَغَيرهَا وَأعْطى ابْنه الْملك الأوحد نجم الدّين أَيُّوب خلاط وميافارقن وَتلك النواحي وَكَانَ الأوحد قد بعث إِلَيْهِ أهل خلاط ليملكها فَسَار من ميافارقن وملكها. وفيهَا كمل الْملك الْكَامِل مُحَمَّد بِنَاء قلعة الْجَبَل وتحول إِلَيْهَا من دَار الوزارة بِالْقَاهِرَةِ فَكَانَ أول من سكنها من مُلُوك مصر وَنقل إِلَيْهَا أَوْلَاد الْخَلِيفَة العاضد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 الفاطمي وأقاربه فى بَيت على صُورَة حبس، فأقاموا بِهِ إِلَى أَن حولوا مِنْهُ فِي سنة إِحْدَى وَسبعين وسِتمِائَة. وفيهَا توفى الْأَمِير دَاوُد بن العاضد فى محبسه. وَكَانَت الإسماعيلية تزْعم أَن العاضد عهد إِلَيْهِ وَأَنه الإِمَام من بعده فَاسْتَأْذن أَصْحَابه من الْكَامِل أَن ينوحوا عَلَيْهِ ويندبوه فَأذن لَهُم فبرزت النِّسَاء حاسرات وَالرِّجَال فى ثِيَاب الصُّوف وَالشعر وَأخذُوا فى نَدبه والنياحة عَلَيْهِ وَاجْتمعَ مَعَهم من كَانَ فى الاستتار من دعاتهم فَلَمَّا تَكَامل جمعهم أرسل الْكَامِل إِلَيْهِم طَائِفَة من الأجناد نهبوا مَا عَلَيْهِم وقبضوا على المعروفين مِنْهُم فَمَلَأ بهم السجون واستصفى أَمْوَال ذوى الْيَسَار مِنْهُم ففر من بَقِي وَزَالَ من حِينَئِذٍ أَمر الإسماعيلية من ديار مصر وَلم يَجْسُر أحد بعْدهَا أَن يتظاهر بمذهبهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 سنة خمس وسِتمِائَة فِيهَا سَار الكرج ونهبوا أَعمال خلاط وأسروا وغنموا فَلم يَجْسُر الأوحد أَن يخرج إِلَيْهِم من مَدِينَة خلاط فَلَمَّا بلغ ذَلِك الْملك الْعَادِل أَخذ فِي التَّجْهِيز لِحَرْب الكرج وَسَار الْأَشْرَف من دمشق يُرِيد بِلَاده بالشرق. وفيهَا قتل الْملك معز الدّين سنجر شاه بن غَازِي بن مودود بن زنكي بن آقسنقر الأتابكي صَاحب الجزيزة قَتله ابْنه مَحْمُود وَقَامَ فى الْملك من بعده. وفيهَا بعث الْأَمِير سيف الدّين سنقر أتابك الْيمن عشرَة آلَاف دِينَار مصرية إِلَى الْملك الْعَادِل عَلَيْهَا اسْمه. وفيهَا مَاتَ القَاضِي مكين الدّين مطهر بن حمدَان بقلعة بصرى فِي شهر رَجَب وَمَات هِلَال الدولة وشاب بن رزين وَالِي الْقَاهِرَة وعزل الْأَمر سيف الدّين على بن كهدان عَن ولَايَة مصر وعزل الأسعد بن حمدَان عَن الشرقية وباشرها خشخاش الْوراق. وفيهَا توفى قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين أَبُو الْقَاسِم عبد الْملك بن عِيسَى بن درباس الماراني يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس رَجَب وَكَانَ قد قدم مصر فِي رَابِع رَجَب سنة خمس وَسِتِّينَ خَمْسمِائَة فَتكون مُدَّة مقَامه بديار مصر أَرْبَعِينَ سنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 سنة سِتّ وسِتمِائَة فِيهَا خرج الْعَادِل من دمشق يُرِيد محاربة الكرج وَمَعَهُ الْمُلُوك من بني أَيُّوب. وهم الْملك الْمَنْصُور صَاحب حماة وَالْملك الْمُجَاهِد صَاحب حمص وَالْملك الأمجد صَاحب بعلبك وَأرْسل إِلَيْهِ الْملك الظَّاهِر غَازِي صَاحب حلب جَيْشًا فَنزل الْعَادِل حران وأتته النجدات مَعَ ولديه الْملك الأوحد صَاحب خلاط وميافارقين وَالْملك الْأَشْرَف مُوسَى وَغَيرهمَا فاستولى على نَصِيبين ونازل سنجار وَبهَا الْملك قطب الدّين مُحَمَّد بن زنكي فَكَانَت بَينهمَا عدَّة وقائع بعث فِي أَثْنَائِهَا صَاحب سنجار إِلَى الْخَلِيفَة النَّاصِر لدين الله وَإِلَى الْملك الظَّاهِر غَازِي صَاحب حلب وَإِلَى كيخسرو بن قلج أرسلان صَاحب الرّوم وَغَيرهم يستنجد بهم على الْعَادِل فَمَال إِلَيْهِ عدَّة من الْمُلُوك عونا على الْعَادِل ففارقه عدَّة مِمَّن كَانَ مَعَه على حِصَار سنجار ودسوا إِلَى جمَاعَة من أَصْحَابه الدسائس ففسدت أَحْوَاله وَقدم عَلَيْهِ رَسُول الْخَلِيفَة وَهُوَ هبة الله بن الْمُبَارك بن الضَّحَّاك يَأْمُرهُ بالرحيل فَقَالَ لَهُ عَم الإِمَام الْخَلِيفَة النَّاصِر: قَالَ لَك بحياتي ياخليلي ارحل. فَعَاد الْعَادِل إِلَى حران وَتَفَرَّقَتْ العساكر عَنهُ. وفيهَا حصلت بَين الْعَادِل وبن وزيره الصاحب ابْن شكر منافرة أوجبت غَضَبه وسفره فِي الْبَريَّة فَركب الْمَنْصُور صَاحب حماة وفخر الدّين جهاركس صَاحب بانياس حَتَّى لحقاه فِي رَأس عين وقدما بِهِ على الْعَادِل فَرضِي عَنهُ وَمن حِينَئِذٍ انحطت مَنْزِلَته. وفيهَا مَاتَ الْملك الْمُؤَيد نجم الدّين مَسْعُود بن صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب بِرَأْس عين وَقيل إِنَّه سم فَحمل إِلَى حلب ليدفن بهَا. وفيهَا عَاد الْملك الْعَادِل إِلَى دمشق. وفيهَا ولي الْأَمِير المكرم بن اللمطي قوص فِي ذِي الْقعدَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 سنة سبع وسِتمِائَة فِيهَا ظفر الْملك الأوحد بن الْعَادِل بِملك الكرج ففدى نَفسه مِنْهُ بِمِائَة ألف دِينَار وَخَمْسَة آلَاف أَسِير من الْمُسلمين وَأَن يلْتَزم الصُّلْح ثَلَاثِينَ سنة وَأَن يُزَوجهُ ابْنَته بِشَرْط أَلا تفارق دينهَا فَأَطْلقهُ الأوحد وَردت على الْمُسلمين عدَّة قلاع. وفيهَا مَاتَ الأوحد وَملك خلاط بعده أَخُوهُ الْأَشْرَف. وفيهَا تحرّك الفرنج إِلَى السَّاحِل واجتمعوا فِي عكا فَخرج الْملك الْعَادِل من دمشق فَوَقع بَينه وَبينهمْ صلح وَأخذ الْعَادِل فِي عمَارَة قلعة الطّور بِالْقربِ من عكا وَسَار إِلَى الكرك فَأَقَامَ بهَا أَيَّامًا ثمَّ رَحل إِلَى مصر فَدخل الْقَاهِرَة وَنزل بدار الوزارة. وفيهَا مَاتَ الْأَمِير فَخر الدّين جهاركس. وفيهَا تحرّك الفرنج ثَانِيًا فتجهز الْعَادِل للسَّفر إِلَى الشَّام. وفيهَا كفت يَد الصاحب صفي الدّين بن شكر عَن الْعَمَل. وفيهَا مَاتَ السُّلْطَان نور الدّين أرسلان شاه بن السُّلْطَان مَسْعُود الأتابكي صَاحب الْموصل فِي شهر رَجَب وَكَانَت مُدَّة ملكه سبع عشرَة سنة وَأحد عشر شهرا وَقَامَ من بعده ابْنه الْملك القاهر عز الدّين مَسْعُود وَقَامَ بتدبيره الْأَمِير بدر الدّين لُؤْلُؤ الأتابك مَمْلُوك ابيه. وفيهَا شرب مُلُوك الْأَطْرَاف كأس الفتوة للخليفة النَّاصِر ولبسوا سَرَاوِيل الفتوة أَيْضا فوردت عَلَيْهِم الرُّسُل بذلك ليَكُون انتماؤهم لَهُ وَأمر كل ملك أَن يسْقِي رَعيته ويلبسهم لتنتمي كل رعية إِلَى ملكهَا فَفَعَلُوا ذَلِك وأحضر كل ملك قُضَاة مَمْلَكَته وفقهاءها وأمراءها وأكابرها وألبس كلا مِنْهُم لَهُ وسقاه كأس الفتوة وَكَانَ الْخَلِيفَة النَّاصِر مغرما بِهَذَا الْأَمر وَأمر الْمُلُوك أَيْضا ان تنتسب إِلَيْهِ فِي رمي البندق وتجعله قدوتها فِيهِ. وفيهَا قدم إِلَى الْقَاهِرَة كليام الفرنجى الجنوي تَاجِرًا فاتصل بِالْملكِ الْعَادِل وَأهْدى إِلَيْهِ نفائس فاعجب الْعَادِل بِهِ وَأمره بملازمته وَكَانَ كليام فِي بَاطِن الْأَمر عينا للفرنج يطالعهم بالأحوال فَقيل هَذَا للعادل فَلم يلْتَفت إِلَى مَا قيل عَنهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 وَمَات فِيهَا يُوسُف بن الأسعد بن مماتي فِي الرَّابِع من جُمَادَى الأولى بِالْقَاهِرَةِ. وَمَات الْأَمر سياروخ فِي خَامِس عشر رَجَب. وفيهَا قتل غياث الدّين كيخسرو بن قلج أرسلان السلجوقي صَاحب قونية وَقد حدث ذَلِك فِي أَوَائِل السّنة وَهُوَ يواقع الأرمن حلفاء الرّوم عِنْد بَلَده خونا من أَعمال أذربيجان وَكَانَ قد غَلبه أَخُوهُ ركن الدّين سُلَيْمَان بن قلج أرسلان على قونية وألجأه إِلَى الْفِرَار مِنْهَا سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة ثمَّ مَاتَ ركن الدّين سُلَيْمَان سنه سِتّمائَة وَقَامَ بعده فِي قونية ابْنه قلج أرسلان بن ركن الدّين وَعند ذَلِك عَاد كيخسرو إِلَى بِلَاده بعد فراره إِلَى حلب وَغَيرهَا وَملك كيخسرو قونية ثَانِيًا بعد خطوب جرت لَهُ وَقد قبض أَهلهَا على قلج أرسلان بن ركن الدّين ثمَّ قتل كيخسرو بَعْدَمَا استفحل أمره وَولى ابْنه عز الدّين كيكاوس بن غياث الدّين. وفيهَا كَانَت وقْعَة بَين حَاج الْعرَاق وَبَين أهل مَكَّة بمنى قتل فِيهَا عبد للشريف قَتَادَة اسْمه بِلَال فَقيل لَهَا سنة بِلَال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 سنة ثَمَان وسِتمِائَة فِيهَا قبض الْملك الْعَادِل على الْأَمِير عز الدّين أُسَامَة الصلاحي نَائِب كَوْكَب وعجلون واعتقله وَأخذ مَاله وسيره إِلَى الكرك فاعتقل فِيهَا هُوَ وَولده وتسلم الْمُعظم قلعة كَوْكَب وعجلون وَهدم قلعة كَوْكَب وَعفى أَثَرهَا. وفيهَا توجه الْملك الْعَادِل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة لكشف أحوالها. وفيهَا قدم بهاء الدّين بن شَدَّاد من حلب إِلَى الْقَاهِرَة يخْطب صَفِيَّة خاتون ابْنة الْعَادِل شَقِيقَة الْكَامِل لِابْنِ عَمها الظَّاهِر فَأُجِيب إِلَى ذَلِك وَعَاد مكرما. وفيهَا مَاتَت أم الْملك الْكَامِل يَوْم الْأَحَد خَامِس عشري صفر فدفنت عِنْد قبر الإِمَام الشَّافِعِي ورتب ابْنهَا عِنْد قبرها الْقُرَّاء وَالصَّدقَات وأجرى المَاء من بركَة الْحَبَش إِلَى قبَّة الشَّافِعِي وَلم يكن قبل ذَلِك فَنقل النَّاس أبنية القرافة الْكُبْرَى إِلَى هَذِه القرافة من حِينَئِذٍ وعمروها. وفيهَا خرج الْعَادِل من الْقَاهِرَة فَسَار إِلَى دمشق وبرز مِنْهَا يُرِيد الجزيرة فوصل إِلَيْهَا ورتب أحوالها وَعَاد إِلَى دمشق وَمَعَهُ كليام الفرنجي. وفيهَا انْقَضى أَمر الطَّائِفَة الصلاحية بِانْقِضَاء الْأَمِير قراجا والأمير عز الدّين أُسَامَة والأمير فَخر الدّين جهاركس وصفت حصونهم للعادل وَابْنه الْمُعظم. وفيهَا نقل أَوْلَاد العاضد الفاطمي وأقاربه إِلَى قلعة الْجَبَل فِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشري رَمَضَان وَتَوَلَّى وضع الْقُيُود فِي أَرجُلهم الْأَمِير فَخر الدّين ألطونبا أَبُو شَعْرَة بن الدويك وَإِلَى الْقَاهِرَة وَكَانَت عدتهمْ ثَلَاثَة وَسِتُّونَ نفسا. وفيهَا كَانَت بِمصْر زَلْزَلَة شَدِيدَة هدمت عدَّة دور بِالْقَاهِرَةِ ومصر وزلزت الكرك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 والشوبك فَمَاتَ تَحت الْهدم خلق كثير وَسقط عدَّة من أبراج قلعتها ورؤي بِدِمَشْق دُخان نَازل من السَّمَاء إِلَى الأَرْض فِيمَا بِي الْمغرب وَالْعشَاء عِنْد أَرض قصر عَاتِكَة. وفيهَا مَاتَ الْمُوفق بن أَبى الْكَرم التنيسِي فِي يَوْم الْأَحَد سَابِع عشر ربيع الأول. وَمَات ظافر بن الأرسوفي بِمصْر فِي سلخ رَجَب. وفيهَا اجْتمع بالإسكندرية ثَلَاثَة آلَاف تَاجر وملكان من الفرنج فَسَار الْعَادِل وَقبض على التُّجَّار وَأخذ أَمْوَالهم وسجن الْملكَيْنِ. وفيهَا أَعنِي سنة ثَمَان وسِتمِائَة كَانَت فتْنَة بَين حَاج الْعرَاق وَبَين أهل مَكَّة سَببهَا ان حشيشيا جَاءَ لقتل الشريف قَتَادَة فَقتل شريفا اسْمه أَبُو هَارُون عَزِيز ظنا مِنْهُ أَنه قَتَادَة فثارت الْفِتْنَة وَانْهَزَمَ أَمِير الْحَاج وَنهب الْحَاج عَن أَخّرهُ وفر من مَكَّة من بِمَكَّة من نواب الْخَلِيفَة وَمن المجاورين فَبعث الشريف قَتَادَة وَلَده رَاجِح بن قَتَادَة إِلَى الْخَلِيفَة يعْتَذر لَهُ عَمَّا جرى فَقبل عذره وعفي عَنهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 سنة تسع وسِتمِائَة فِيهَا نزل الْعَادِل بعساكره حول قلعة الطّور وأحضر الصناع من كل بلد اسْتعْمل جَمِيع أُمَرَاء الْعَسْكَر فِي الْبناء وَنقل الْحِجَارَة فَكَانَ فِي الْبناء خَمْسمِائَة بِنَاء سوى الفعلة والنحاتين ومازال مُقيما حَتَّى كملت. وفيهَا قدم ابْن شَدَّاد من حلب إِلَى دمشق بِمَال كثير وخلع برسم عقد نِكَاح صَفِيَّة خاتون ابْنة الْعَادِل على ابْن عَمها الظَّاهِر صَاحب حلب فَخرج إِلَى لِقَائِه عَامَّة الْأُمَرَاء والأعيان وَعقد النِّكَاح فِي الْمحرم على مبلغ خمسين ألف دِينَار ونثر النثار على من حضر بقلعة دمشق وَذَلِكَ فِي الْمحرم ثمَّ جهزت إِلَيْهِ بحلب فِي تجمل عَظِيم من جملَة قماش وآلات ومصاغ يحملهُ خَمْسُونَ بغلا وَمِائَة بخْتِي وثلاثمائة جمل وجواري فِي المحامل على مائَة جمل مِنْهُنَّ مائَة مغنية يلعبن بأنواع الملهى وَمِائَة جَارِيَة يعملن أَنْوَاع الصَّنَائِع البديعة فَكَانَ دُخُولهَا إِلَى حلب يَوْمًا عَظِيما وَقدم لَهَا الظَّاهِر تقادم: مِنْهَا خَمْسَة عُقُود جَوْهَر بِمِائَة وَخمسين ألف دِرْهَم وعصابة جَوْهَر لَا نَظِير لَهَا وَعشر قلأئد عنبر مَذْهَب وَخمْس قلائد بِغَيْر ذهب وَمِائَة وَسَبْعُونَ قِطْعَة من ذهب وَفِضة وَعِشْرُونَ تختا من ثِيَاب وَعِشْرُونَ جَارِيَة وَعشرَة خدام. وفيهَا عزل الْهمام بن هِلَال الدولة من ولَايَة الْقَاهِرَة وَولى فَخر الدّين ألطونبا أبوشعرة مَمْلُوك المهراني فِي. فِيهَا تغير الْملك الْعَادِل على الْوَزير صفي الدّين بن شكر وَرفع يَده من الوزارة وَأبقى عَلَيْهِ مَاله وَأخرجه إِلَى آمد فَلم يزل بهَا حَتَّى مَاتَ الْعَادِل. وفيهَا فوض الْعَادِل تَدْبِير مصر وَالنَّظَر فِي أموالها ومصالحها إِلَى وَلَده الْملك الْكَامِل فرتب الْكَامِل القَاضِي الْأَعَز فَخر الدّين مِقْدَام بن شكر نَاظر الدولتين. وفيهَا خرج الْعَادِل من الشَّام يُرِيد خلاط فَسَار إِلَيْهَا ودخلها وفيهَا ابْنه الْأَشْرَف وَقد استولى على مَا بهَا من الْأَمْوَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 سنة عشر وسِتمِائَة فِيهَا تخوف الظَّاهِر صَاحب حلب من عَمه الْعَادِل وَأخذ فِي الاستعداد ثمَّ تراسلا حَتَّى سكن الْحَال. وفيهَا ولدت صَفِيَّة ابْنة الْعَادِل لِابْنِ عَمها الظَّاهِر مولودا سَمَّاهُ مُحَمَّدًا ولقبه بِالْملكِ الْعَزِيز غياث الدّين وَذَلِكَ فِي خَامِس ذِي الْحجَّة فزينت حلب واحتفل الظَّاهِر احتفالا زَائِدا وَأمر فصيغ لَهُ من الذَّهَب وَالْفِضَّة جَمِيع الصُّور والأشكال مَا وزن بالقناطير وصاغ لَهُ عشرَة مهود من ذهب وَفِضة سوى مَا عمل من الأبنوس والصندل وَالْعود وَغَيره ونسج للصَّبِيّ ثَلَاث فرجيات من لُؤْلُؤ فِي كل فرجية أَرْبَعُونَ حَبَّة ياقوت وَلَعَلَّ وزمرد ودرعان وخوذتان وبركستوان كل ذَلِك من لُؤْلُؤ وَثَلَاثَة سروج مجوهرة فِي كل سرج عدَّة قطع من جَوْهَر رائع وَيَاقُوت وزمرد وَثَلَاثَة سيوف علائقها وقبضاتها من ذهب مرصع بأنواع الْجَوَاهِر وعدة رماح من ذهب أسنتها جَوْهَر. وفيهَا حج الظَّاهِر خضر بن صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب من حلب فَلَمَّا قَارب مَكَّة صده قصاد الْملك الْكَامِل مُحَمَّد بن الْعَادِل عَن الْحَج وَقَالُوا: إِنَّمَا جِئْت لأخذ بِلَاد الْيمن فَقَالَ الظَّاهِر خضر: ياقوم! قيدوني ودعوني أَقْْضِي مَنَاسِك الْحَج. فَقَالُوا: لَيْسَ مَعنا مرسوم إِلَّا بردك. فَرد إِلَى الشَّام من غير أَن يحجّ فتألم النَّاس لذَلِك. وفيهَا مَاتَ الْأَمِير فَخر الدّين إِسْمَاعِيل والى مصر بهَا. وفيهَا دخل بَنو مرين إِحْدَى قبائل زناتة من القفر ونهبوا أَعمال الْمغرب وحاربوا الْمُوَحِّدين وهزموهم وَكَانَ أَمِير بني مرين إِذْ ذَاك عبد الْحق بن محيو بن أبي بكر بن حمامة بن مُحَمَّد بن ورصيص بن فكوس بن كوماط بن مرين. سنة عشر وسِتمِائَة تَتِمَّة سنة عشر وسِتمِائَة فِيهَا حفر خَنْدَق مَدِينَة حلب فَوجدَ فِيهِ بلاطة صوان عَلَيْهَا أحرف مَكْتُوبَة بالقلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 السرياني فترجموه بِالْعَرَبِيَّةِ فَإِذا هُوَ: لما كَانَ الْعَالم مُحدثا دلّ أَن لَهُ مُحدثا لَا كَهُوَ وَكتب تَحت هَذِه الأحرف: لخمسة آلَاف من السنين خلون من الأسطوان الصَّغِير. فَقلعت البلاطة فَوجدَ تحتهَا تسع عشرَة قِطْعَة من ذهب وَفِضة وصورى على هَيْئَة اللَّبن فاعتبرت فَكَانَ الْحَاصِل مِنْهَا ذَهَبا ثَلَاثَة وَسِتِّينَ رطلا بالحلبي وَكَانَ مِنْهَا فضَّة أَرْبَعَة وَعشْرين رطلا وحلقة ذهب وَزنهَا رطلان وَنصف رَطْل وصورى عشرَة أَرْطَال وَنصف فَكَانَ الْجمع زنته قِنْطَار وَاحِد بالحلبي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 سنة إِحْدَى عشر وسِتمِائَة فِيهَا فر الْملك الْمَنْصُور بن الْعَزِيز عُثْمَان بن صَلَاح الدّين يُوسُف من اعتقال عَم أَبِيه الْملك الْعَادِل وَلحق بِالظَّاهِرِ صَاحب حلب ولاذ بِهِ هُوَ وَإِخْوَته فأكرمهم الظَّاهِر. وفيهَا تجمع فرنج قبرس وعكا وطرابلس وأنطاكية وانضم إِلَيْهِم عَسْكَر ابْن ملك الأرمن لقصد بِلَاد الْمُسلمين فخافهم الْمُسلمُونَ وَكَانَ أول مَا بدأوا بِهِ بِلَاد الإسماعيلية فنازلوا قلعة الخوابي ثمَّ سَارُوا عَنْهَا إِلَى أنطاكية. وفيهَا ظفر السُّلْطَان عز الدّين كيكاوس بن كيخسرو بن قلج أرسلان السلجوقي صَاحب بِلَاد الرّوم بالأشكري ملك الرّوم. وفيهَا خرج الْملك الْعَادِل من الشَّام يُرِيد مصر فَنزل فِي الْقَاهِرَة بدار الوزارة وَاسْتمرّ ابْنه الْكَامِل بقلعة الْجَبَل وَأمر الْعَادِل أَن يُقيم مَعَه كليام الفرنجي الجنوي بدار الوزارة. وفيهَا ورد الْخَبَر بِمَوْت سنقر أتابك الْيمن وَاسْتقر بعده الْملك النَّاصِر أَيُّوب صَاحب الْيمن فِي ملكه وَقَامَ بأتابكيته غَازِي. وفيهَا شرع الْملك الْعَادِل فِي تبليط جَامع بني أُميَّة بِدِمَشْق وَكَانَت أرضه حفرا وجورا وَتَوَلَّى الْعَمَل الْوَزير صفي الدّين بن شكر. وفيهَا تعامل أهل دمشق وَغَيرهَا بالقراطيس السود العادلية ثمَّ بطلت بعد ذَلِك وفنيت. وفيهَا تولى سهم الدّين عِيسَى الْقَاهِرَة فِي شَوَّال وَتَوَلَّى جمال الدّين بن أبي الْمَنْصُور وكَالَة بَيت المَال بهَا. وَمَات سعد بن سعد الدّين بن كوجيا فِي عشر ربيع الآخر. وفيهَا حج الْملك الْمُعظم عِيسَى بن الْعَادِل من دمشق وَحج مَعَه الشريف سَالم بن قَاسم بن مهنا الْحُسَيْنِي أَمِير الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة فعزم الشريف قَتَادَة أَمِير مَكَّة على مسكه فَلم يتَمَكَّن مِنْهُ فَعَاد الشريف سَالم صُحْبَة الْملك الْمُعظم إِلَى دمشق فَبَعثه الْمُعظم على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 عَسْكَر إِلَى مَكَّة فَمَاتَ فِي الطَّرِيق قبل وُصُوله مَكَّة فَقَامَ جماز بن قَاسم وَهُوَ ابْن أَخِيه بتدبير الْجَيْش فَجمع قَتَادَة وَسَار إِلَى يَنْبع ولقيه فَهزمَ قَتَادَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 سنة اثْنَتَيْ عشرَة وسِتمِائَة فِيهَا نَازل الفرنج قلعة الخوابي وحاربوا الباطنية ثمَّ صالحوهم. وفيهَا سير الْخَلِيفَة النَّاصِر لدين الله كِتَابه الَّذِي أَلفه وَسَماهُ روح العارفين إِلَى الشَّام ومصر وَغَيرهَا ليسمع. وفيهَا ملك الفرنج أنطالية وَقتلُوا من بهَا من الْمُسلمين وَكَانَت بيد الْملك غياث الدّين كيخسرو مُنْذُ فتحهَا سنة اثْنَتَيْنِ وسِتمِائَة إِلَى أَن أجلاه الفرنج عَنْهَا سنة سبع وسِتمِائَة ثمَّ استردها مِنْهُم الْملك الْغَالِب عز الدّين كيكاوس سنة ثَلَاث عشرَة وسِتمِائَة بعد أَن بقيت بأيدي الفرنج تِلْكَ الْمدَّة. وَفِي هَذِه السّنة أَيْضا: سَار عز الدّين إِلَى بِلَاد الأرمن وحاصر قلعة جَابَان وَهزمَ عِنْدهَا جيوش الأرمن وَرجع إِلَى قيصرية قبل أَن يستولي على قلعة جَابَان ثمَّ طلب الأرمن الصُّلْح وأجابهم إِلَيْهِ عز الدّين فَأخذ فِي مُقَابل الصُّلْح من بِلَاد الأرمن قلعة لؤلؤة ولوزاد. وفيهَا مَاتَ الْملك الْمُعظم أَبُو الْحسن عَليّ ابْن الْخَلِيفَة النَّاصِر لدين الله وَهُوَ أَصْغَر أَوْلَاده فَلَمَّا قدم نعيه على مُلُوك الْأَطْرَاف جَلَسُوا فِي العزاء لابسين شعار الْحزن خدمَة للخليفة. وفيهَا سير الْملك الْكَامِل ابْنه الْملك المسعود صَلَاح الدّين يُوسُف إِلَى الْيمن فَخرج فِي جَيش كثيف من مصر وَسَار إِلَى بِلَاد الْيمن فاستولى على معاقلها وظفر بصاحبها الْملك سُلَيْمَان شاه بن سعد الدّين شاهنشاه ابْن الْملك المظفر تَقِيّ الدّين عمر بن شاهنشاه بن نجم الدّين أَيُّوب فسيره تَحت الحوطة إِلَى مصر فَأَقَامَ بِالْقَاهِرَةِ إِلَى سنة سبع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة فَخرج إِلَى المنصورة غازيا فَقتل شَهِيدا ودانت بِلَاد الْيمن للْملك المسعود. وفيهَا عَاد الْملك الْعَادِل من الشَّام إِلَى الْقَاهِرَة فَلَمَّا قرىء عَلَيْهِ مَا أنْفق على الْملك المسعود فِي خُرُوجه إِلَى الْيمن استكثره وَأنكر الْعَادِل خُرُوجه فَإِنَّهُ كَانَ بِغَيْر أمره وَأمر الْعَادِل بِالْقَاضِي الْأَعَز فَضرب وَقيد واعتقل بقلعة الجزيزة ثمَّ حمله إِلَى قلعة بصرى فسجنه بهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 وفيهَا نقل الْعَادِل أَمْوَاله وذخائره وَأَوْلَاده إِلَى الكرك. وفيهَا أبطل الْملك الْعَادِل ضَمَان الْخمر والقيان. وفيهَا مَاتَ تَقِيّ الدّين اللر شيخ الخانقاه الصلاحية دَار سعيد السُّعَدَاء فِي الْمحرم. وفيهَا مَاتَ ابْن سوروس بن أبي غَالب بطرِيق اليعاقبة فِي يَوْم الْخَمِيس عيد الغطاس سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة للشهداء وَهُوَ الرَّابِع عشر من رَمَضَان وَله فِي البطركية مُدَّة سِتّ وَعشْرين سنة وَأحد عشر شهرا وَثَلَاثَة عشر يَوْمًا وَكَانَ أَولا يتجر إِلَى بِلَاد الْيمن فغرق مرّة وَجَاء الْخَبَر بِأَن لم يسلم سوى بحشاشته وَكَانَ لأَوْلَاد الْجبَاب مَعَه مَال فأيسوا مِنْهُ فَلَمَّا اجْتمع بهم أعلمهم أَن مَالهم سلم فَإِنَّهُ كَانَ قد عمله فِي مَقَابِر من خشب وسمرها فِي المراكب وأحضره إِلَيْهِم فتميز عِنْدهم بذلك حَتَّى مَاتَ البترك مرقص بن زرْعَة فَتحدث ابْن سوروس فِي البتركية للقس أبي يَاسر وَكَانَ مُقيما بالعدوية فَحسن لَهُ بَنو الْجبَاب أَن يقوم هُوَ بِأَمْر البتركية فَتحدث فِي ذَلِك وزكوه فَتَوَلّى وَكَانَ مَعَه يَوْمئِذٍ سَبْعَة عشر ألف دِينَار مصرية فرقها فِي مُدَّة بطركيته على الْفُقَرَاء وأبطل الديارية وَمنع الشرطونية وَلم يَأْكُل فِي ولَايَته كلهَا لأحد من النَّصَارَى خبْزًا وَلَا قبل لصغير وَلَا لكبير مِنْهُم هَدِيَّة وَكَانَ القس دَاوُد بن يوحنا الْمَعْرُوف بِابْن لقلق من أهل الفيوم ملازما للشَّيْخ نشىء الْخلَافَة أبي الْفتُوح بن الميقاط كَاتب الجيوش العادلية وَكَانَ يُسَافر مَعَه وَيصلى بِهِ فَلَمَّا مَاتَ ابْن سوروس سَأَلَ أَبُو الْفتُوح الْملك الْعَادِل أَن يولي القس دَاوُد البتركية فَأَجَابَهُ وَكتب لَهُ توقيعا بذلك من غير أَن يعلم الْملك الْكَامِل فَلم يعجب بعض النَّصَارَى ولَايَة دَاوُد وَقَامَ مِنْهُم رجل يعرف بالأسعد بن صَدَقَة كَاتب دَار التفاح بِمصْر وَجمع كثيرا من النَّصَارَى العصارين بِمصْر وطلع فِي اللَّيْلَة الَّتِي وَقع الِاتِّفَاق على تقدمة القس دَاوُد فِي صبيحتها وَمَعَهُ الْجمع إِلَى تَحت قلعة الْجَبَل واستغاثوا بِالْملكِ الْكَامِل وَقَالُوا: إِن هَذَا الَّذِي يُرِيد أَبُو الْفتُوح يعمله بطركا بِغَيْر أَمرك مَا يصلح وَنحن فِي شريعتنا لَا يقدم البطرك إِلَّا بِاتِّفَاق الْجُمْهُور عَلَيْهِ. فَخرج إِلَيْهِم الْأَمر من عِنْد الْكَامِل بتطييب قُلُوبهم وَفِي سحر النَّهَار ركب القس دَاوُد وَمَعَهُ الأساقفة وعالم كَبِير من النَّصَارَى ليقدموه بكنيسة الْمُعَلقَة بِمصْر وَكَانَ ذَلِك يَوْم الْأَحَد عيد الزيتونة. فَركب الْملك الْكَامِل إِلَى أَبِيه وعرفه أَن النَّصَارَى لم يتفقوا على بطركية دَاوُد وَلَا يجوز عِنْدهم تقدمته إِلَّا بِاتِّفَاق جمهورهم. فسير الْملك الْعَادِل إِلَى الأساقفة ليحضرهم حَتَّى يتَحَقَّق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 الْأَمر فوافاهم الرُّسُل مَعَ القس دَاوُد عِنْد زقاق كَنِيسَة الْحَمْرَاء فأحضرت الأساقفة إِلَى الْملك الْعَادِل وَدخل دَاوُد إِلَى كَنِيسَة الْحَمْرَاء وانحل أمره وَفِي جُمَادَى الأولى: صرف الْملك الْعَادِل زكي الدّين الطَّاهِر بن محيي الدّين مُحَمَّد بن عَليّ الْقرشِي عَن قَضَاء دمشق وألزم جال الدّين عبد الصَّمد بن مُحَمَّد بن أبي الْفضل الحرستاني بِولَايَة الْقَضَاء بهَا وَله من الْعُمر اثْنَتَانِ وَتسْعُونَ سنة. وفيهَا قدم إِلَى الْقَاهِرَة من الشرق رجل مَعَه حمَار لَهُ سَنَام كسنام الْجمل يرقص ويدور ويستجيب لَهُ إِذا دَعَاهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 (سنة ثَلَاث عشرَة وسِتمِائَة) فِيهَا ولي بهاء الدّين بن الجميزي خطابة الْقَاهِرَة فِي ثَالِث عشر الْمحرم. وَولي أَبُو الطَّاهِر الْمحلي خطابة مصر فِي ثَانِي صفر. وفيهَا سَار الْملك الْعَادِل من الْقَاهِرَة إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فرتب أمورها وَعَاد. وفيهَا قدم الْبَهَاء بن شَدَّاد برسالة الظَّاهِر من حلب إِلَى الْعَادِل وَهُوَ بِالْقَاهِرَةِ فَمَرض الظَّاهِر فِي خَامِس عشري جُمَادَى الأول وَمَات فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء الْعشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة عَن أَربع وَأَرْبَعين سنة وَأشهر وَمُدَّة تملكه بحلب إِحْدَى وَثَلَاثُونَ سنة وَكَانَ قد سمع الحَدِيث وأسمعه بحلب وَكَانَ سفاكا للدماء شهما يقظا صَاحب سياسة وَله شعر حسن وَقَامَ من بعده ابْنه الْملك الْعَزِيز غياث الدّين مُحَمَّد وعمره يَوْمئِذٍ سنتَانِ وَأشهر بِعَهْد من أَبِيه وَكَانَ الْملك الْعَادِل عِنْدَمَا مرض الظَّاهِر رتب بريدا من مصر إِلَى حلب يطالعه بِخَبَرِهِ فَأَتَاهُ نعيه قبل كل أحد فأحضر الْملك الْعَادِل ابْن شَدَّاد وَقَالَ لَهُ: ياقاضي! صَاحبك قد مَاتَ فِي سَاعَة كَذَا من يَوْم كَذَا. فَعَاد ابْن شَدَّاد إِلَى حلب. وفيهَا كَانَ ابْتِدَاء خُرُوج التتر من بِلَادهمْ الجوانية إِلَى بِلَاد الْعَجم. وفيهَا قدم الشريف قَاسم من الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة فَأَغَارَ على جدة فَخرج إِلَيْهِ الشريف قَتَادَة أَمِير مَكَّة وكسره يَوْم عيد النَّحْر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 سنة أَربع عشرَة وسِتمِائَة فِيهَا وصل الشَّيْخ صدر الدّين بن حمويه من بَغْدَاد بِجَوَاب رِسَالَة الْملك الْعَادِل إِلَى الْخَلِيفَة النَّاصِر لدين الله. وفيهَا تَتَابَعَت أَمْدَاد الفرنج فِي الْبَحْر من روما وَغَيرهَا إِلَى عكا وَفِيهِمْ عدَّة من مُلُوكهمْ وَقد نقضوا الصُّلْح وعزموا على أَخذ الْقُدس وَسَائِر بِلَاد السَّاحِل وَغَيرهَا فَعظم جمعهم فَخرج الْعَادِل من مصر بعساكره وَسَار إِلَى لد فبرز الفرنج من عكا فِي خلق عَظِيم فَرَحل الْعَادِل على نابلس وَنزل فِي بيسان فَقَالَ لَهُ ابْنه الْمُعظم لما رَحل: إِلَى أَيْن يابه. فَسَبهُ الْعَادِل بالعجمية وَقَالَ: بِمن أقَاتل أقطعت الشَّام مماليك وَتركت من يَنْفَعنِي من أَبنَاء النَّاس الَّذين يرجعُونَ إِلَى الْأُصُول وَذكر كلَاما فِي هَذَا الْمَعْنى. فقصده الفرنج فَلم يطق لقاءهم لقلَّة من مَعَه فَانْدفع من بَين أَيْديهم على عقبَة فيق وَكتب بتحصين دمشق وَنقل الغلات من داريا إِلَى القلعة وإرسال المَاء على أَرَاضِي داريا وَقصر حجاج والشاغور فَفَزعَ النَّاس وابتهلوا إِلَى الله وَكثر ضجيجهم بالجامع فزحف الفرنج على بيسان وَقد اطْمَأَن أَهلهَا بنزول الْعَادِل عَلَيْهِم فانتهبوها وَسَائِر أَعمالهَا وبذلوا فِي أَهلهَا السَّيْف وأسروا وغنموا مَا يجل وَصفه وانبثت سراياهم فِيمَا هُنَالك حَتَّى وصلت إِلَى نوى ونازلوا بانياس ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ عَادوا إِلَى مرج عكا وَقد أنكوا فِي الْمُسلمين أعظم نكاية وامتلأت أَيْديهم بالأسر والسبي والغنائم وأتلفوا بِالْقَتْلِ وَالتَّحْرِيق مَا يتَجَاوَز الْوَصْف. فَلم يمكثوا بالمرج سوى قَلِيل ثمَّ أَغَارُوا ثَانِيًا ونهبوا صيداء والشقيف وَرَجَعُوا وَذَلِكَ كُله من نصف شهر رَمَضَان إِلَى يَوْم عيد الْفطر وَنزل الْعَادِل بمرج الصفر وَرَأى فِي طَرِيقه رجلا يحمل شَيْئا وَهُوَ يمشي تَارَة وَيقْعد أُخْرَى فَقَالَ لَهُ: ياشيخ {لَا تعجل ارْفُقْ بِنَفْسِك. ففال لَهُ: ياسلطان الْمُسلمين} أَنْت لَا تعجل أَو أَنا إِذا رَأَيْنَاك قد سرت من بلادك وَتَرَكتنَا مَعَ الْأَعْدَاء كَيفَ لَا نعجل. وعندما اسْتَقر بمرج الصفر كتب إِلَى مُلُوك الشرق ليقدموا عَلَيْهِ: فَأول من قدم عَلَيْهِ أَسد الدّين شيركوه صَاحب حمص وَهُوَ ابْن نَاصِر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 الدّين مُحَمَّد بن أَسد الدّين شيركوه عَم السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف ثمَّ إِن الْعَادِل جهز ابْنه الْمُعظم عِيسَى صَاحب دمشق بطَائفَة من الْعَسْكَر إِلَى نابلس كي يمْنَع الفرنج من بَيت الْمُقَدّس فنازل الفرنج قلعة الطّور الَّتِي أَنْشَأَهَا الْعَادِل وجدوا فِي قتال أَهلهَا حَتَّى تمكنوا من سورها وأشرفوا على أَخذهَا. فَقدر الله أَن بعض مُلُوكهمْ قتل فانصرفوا عَنْهَا إِلَى عكا بَعْدَمَا أَقَامُوا عَلَيْهَا سَبْعَة عشر يَوْمًا وَانْقَضَت السّنة وَالْحَال على ذَلِك من إِقَامَة الفرنج بمرج عكا والعادل بمرج الصفر. وفيهَا مَاتَ القَاضِي الْأَجَل قَاضِي قُضَاة الشَّام أَبُو الْقَاسِم عبد الصَّمد بن مُحَمَّد بن أبي الْفضل بن عَليّ بن عبد الْوَاحِد الْأنْصَارِيّ الخزرجي الْعَبَّادِيّ السَّعْدِيّ الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي جمال الدّين الحرستاني فِي رَابِع ذِي الْحجَّة ومولده بِدِمَشْق فِي أحد الربيعين سنة عشْرين وَخَمْسمِائة. وَمَات الْأَمِير الْكَبِير بدر الدّين مُحَمَّد بن أبي الْقَاسِم بن مُحَمَّد الهكاري قَتله الفرنج على حصن الطّور فَنقل إِلَى الْقُدس وَدفن بتربته. وَمَات الشجاع مَحْمُود بن الدّباغ مضحك الْملك الْعَادِل وَترك مَالا جزيلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 سنة خمس عشرَة وسِتمِائَة فِيهَا اجْتمع رَأْي الفرنج على الرحيل من عكا إِلَى مصر وَالِاجْتِهَاد فِي تَملكهَا فأقلعوا فِي الْبَحْر وأرسوا على دمياط فِي يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع شهر ربيع الأول الْمُوَافق لثامن حزيران على بر جيزة دمياط فَصَارَ النّيل بَينهم وَبَين الْبَلَد وَكَانَ إِذْ ذَاك على النّيل برج منيع فِي غَايَة الْقُوَّة والامتناع فِيهِ سلاسل من حَدِيد عِظَام الْقدر والغلظ تمتد فِي النّيل لتمنع المراكب الْوَاصِلَة فِي بَحر الْملح من عبور أَرض مصر وتمتد هَذِه السلَاسِل فِي برج آخر يُقَابله وَكَانَا مشحونين بالمقاتلة وَيعرف الْيَوْم مكانهما فِي دمياط ببين البرجين. وَصَارَ الفرنج فِي غربي النّيل فأحاطوا على معسكرهم خَنْدَقًا وبنوا بدائره سورا. وَأخذُوا فِي محاربة أهل دمياط وَعمِلُوا آلَات ومرمات وأبراجا متحركة يزحفون بهَا فِي المراكب إِلَى برج السلسة ليملكوه حَتَّى يتمكنوا من الْبَلَد فَخرج الْكَامِل بِمن بَقِي عِنْده من الْعَسْكَر فِي ثَالِث يَوْم من سُقُوط الطَّائِر لخمس خلون من ربيع الأول وَتقدم إِلَى وَالِي الغربية بِجمع سَائِر العربان وَسَار فِي جمع كثير وَخرج الأسطول فَأَقَامَ تَحت دمياط وَنزل السُّلْطَان الْكَامِل بِنَاحِيَة العادلية قَرِيبا من دمياط وسير الْبعُوث ليمنع الفرنج من العبور وَصَارَ يركب فِي كل يَوْم عدَّة مرار من العادلية إِلَى دمياط بتدبير الْأُمُور وإعمال الْحِيلَة فِي مكايدة الفرنج. وألح الفرنج فِي مقاتلة أهل البرج فَلم يظفروا بِشَيْء وَكسرت مرماتهم وآلاتهم وَتَمَادَى الْأَمر على ذَلِك أَرْبَعَة اشهر هَذَا وَالْملك الْعَادِل يُجهز عَسَاكِر الشَّام شَيْئا بعد شَيْء إِلَى دمياط حَتَّى صَار عِنْد الْكَامِل من الْمُقَاتلَة مَا لَا يكَاد ينْحَصر عدده. وَفِي أثْنَاء ذَلِك ورد الْخَبَر بحركة الْملك الْغَالِب عز الدّين كيكاوس السلجوقي سُلْطَان الرّوم إِلَى الْبِلَاد الشامية بموافقة الْملك الصَّالح صَاحب آمد وَغَيره من مُلُوك الشَّام وَأَنه وصل إِلَى منبج وَأخذ تل بَاشر وَاتفقَ كيكاوس مَعَ الْملك الْأَفْضَل عَليّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 بن صَلَاح الدّين صَاحب سميساط أَنه يُسلمهُ مَا يَفْتَحهُ من الْبِلَاد فَلم يَفِ كيكاوس بِمَا وعد وَسلم مَا فَتحه لنوابه فتقاعد عَنهُ كثير من النَّاس وأوقع الْعَرَب بطَائفَة من عسكره فَقتلُوا وأسروا مِنْهُم كثيرا ونهبوا لَهُم شَيْئا لَهُ قدر فَرجع إِلَى بِلَاده بِغَيْر طائل. هَذَا والعادل بمرج الصفر فَبينا هُوَ فِي الاهتمام بِأَمْر الفرنج إِذْ ورد عَلَيْهِ الْخَبَر بِأخذ الفرنج برج السلسلة بدمياط فتأوه تأوها شَدِيدا ودق بِيَدِهِ على صَدره أسفا وحزنا وَمرض من سَاعَته فَرَحل من المرج إِلَى عالقين وَقد اشْتَدَّ مَرضه فَمَاتَ فِي سَابِع جُمَادَى الْآخِرَة يَوْم الْخَمِيس فكتم أَصْحَابه مَوته وَقَالُوا: قد أَشَارَ الطَّبِيب بعبور دمشق ليتداوى محمل فِي محفة وَعِنْده خَادِم والطبيب رَاكب بِجَانِب المحفة والشربدار يصلح الْأَشْرِبَة ويحملها إِلَى الْخَادِم ليشربها السُّلْطَان يُوهم النَّاس بذلك أَنه حَيّ إِلَى أَن دخل قلعة دمشق وَصَارَت بهَا الخزائن وَالْحرم وَجَمِيع البيوتات فَأعْلم بِمَوْتِهِ بَعْدَمَا استولى ابْنه الْملك الْمُعظم على جَمِيع أَمْوَاله الَّتِي كَانَت مَعَه وَسَائِر رخته وَثقله وَدَفنه بالقلعة فاختبط النَّاس حَتَّى ركب الْمُعظم وَسكن أَمر النَّاس ونادى فِي الْبَلَد: ترحموا على السُّلْطَان الْملك الْعَادِل وَادعوا لسلطانكم الْملك الْمُعظم أبقاه الله فَبكى النَّاس بكاء كثيرا وَاشْتَدَّ حزنهمْ لفقده. وَكَانَ مولده فِي الْمحرم سنة أَرْبَعِينَ وَقيل سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة بِدِمَشْق وَسمع من السلَفِي وَابْن عَوْف وَعرفت مواقفه فِي جِهَاد الْعَدو بثغر دمياط فِي سنة خمس وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة فِي أَيَّام الْخَلِيفَة العاضد وَفِي مَدِينَة عكا وَملك دمشق فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَكَانَت مُدَّة ملكه لَهَا ثَلَاثًا وَعشْرين سنة وَملك مصر فِي سنة سِتّ وَتِسْعين فَكَانَت مُدَّة ملكه لَهَا تسع عشرَة سنة وشهرا وَاحِدًا وَتِسْعَة عشر يَوْمًا ورزق فِي أَوْلَاده سَعَادَة قَلما يتَّفق مثلهَا لملك فبلعوا تِسْعَة عشر ولدا ذكرا سوى الْبَنَات وهم: الْملك الأوحد نجم الدّين أَيُّوب صَاحب خلاط وَكَانَ قَصِيرا فِي الْغَايَة شهما مقداما سفاكا للدماء مَاتَ فِي حَيَاة أَبِيه وَالْملك الفائز إِبْرَاهِيم وَالْملك المغيث عمر وَقد توفيا أَيْضا فِي حَيَاته وَترك عمر ابْنا سمي بِالْملكِ المغيث وشهاب الدّين مَحْمُود رباه عَمه الْملك الْمُعظم عِيسَى وَالْملك الْجواد شمس الدّين مودود وَمَات فِي حَيَاته أَيْضا وَترك الْملك الْجواد ولدا اسْمه مظفر الدّين يُونُس بن مودود بَقِي عِنْد عَمه الْملك الْكَامِل بِمصْر ثمَّ ملك دمشق وَغَيرهَا وَكَانَ جوادا شجاعا وَالْملك الْكَامِل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 نَاصِر الدّين مُحَمَّد صَاحب مصر وَالْملك الْمُعظم شرف الدّين أَبُو العزائم عِيسَى صَاحب دمشق وشقيق الْملك الْعَزِيز عماد الدّين عُثْمَان صَاحب بانياس وَكَانَ جوادا شهما وَالْملك الأمجد مجد الدّين حسن وَمَات فِي حَيَاة أَبِيه بالقدس وَدفن فِي مدرسة بنيت لَهُ ثمَّ نقل إِلَى الكرك وَالْملك الْأَشْرَف مظفر الدّين مُوسَى صَاحب الشرق وخلاط بعد أَخِيه الْملك الأوحد وَالْملك المظفر شهَاب الدّين غَازِي صَاحب ميافارتن وشقيقاه الْملك الْمعز مجير الدّين يَعْقُوب وَالْملك القاهر بهاء الدّين تَاج الْمُلُوك إِسْحَاق وَالْملك الصا لح عماد الدّين إِسْمَاعِيل صَاحب بصرى ثمَّ دمشق وَالْملك الْمفضل قطب الدّين أَحْمد وَمَات بِمصْر فِي أَيَّام أَخِيه الْكَامِل بالفيوم وَوصل فِي تَابُوت إِلَى الْقَاهِرَة فِي نصف رَجَب سنة ثَمَان عشرَة وسِتمِائَة وَالْملك الأمجد تَقِيّ الدّين عَبَّاس وَهُوَ أَصْغَرهم ولد فِي سنة ثَلَاث وسِتمِائَة وَمَات آخِرهم بِدِمَشْق فِي سنة تسع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة فِي أَيَّام الْملك الظَّاهِر بيبرس وَالْملك الْحَافِظ نور الدّين أرسلان صَاحب قلعة جعبر وَالْملك القاهر بهاء الدّين خضر وَالْملك المغيث شهَاب الدّين مَحْمُود وَالْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين خَلِيل. ووزر للْملك الْعَادِل صَنِيعَة الْملك أَبُو سعيد بن أبي الْيمن بن النحال مُدَّة يسيرَة وَكَانَ نَصْرَانِيّا فَأسلم على يَده بعد عوده مَعَ الْأَفْضَل عَليّ بن صَلَاح الدّين إِلَى مصر فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة فَلَمَّا مَاتَ ابْن النحال استوزر الْعَادِل الصاحب صفي الدّين عبد الله بن شكر الدَّمِيرِيّ فتجبر وسطا وَتمكن من السُّلْطَان وَاسْتولى عَلَيْهِ وَعظم قدره. وأوقع ابْن شكر بعدة من الأكابر وصادر أكَابِر كتاب الدولة واستصفى أَمْوَالهم. ففر مِنْهُ القَاضِي الْأَشْرَف ابْن القَاضِي الْفَاضِل إِلَى بَغْدَاد واستشفع بالخليفة النَّاصِر لدين الله وأحضر كتاب شَفَاعَته إِلَى الْعَادِل وفر مِنْهُ علم الدّين بن أبي الْحجَّاج صَاحب ديوَان الْجَيْش والأسعد بن مماتي صَاحب ديوَان المَال إِلَى حلب فأكرمهما الْملك الظَّاهِر حَتَّى مَاتَا عِنْده وصادر بني حمدَان وَبني الْجبَاب وَبني الجليس وأعيان الْكتاب المستوفين والعادل لَا يُعَارضهُ فِي شَيْء هَذَا وَهُوَ يتغضب على السُّلْطَان وَاسْتمرّ على هَذَا الْحَال إِلَى أَن غضب على السُّلْطَان مرّة فِي سنة تسع وسِتمِائَة وَحلف أَنه مَا بَقِي يَخْدمه فَأخْرجهُ السُّلْطَان الْعَادِل من مصر بِجَمِيعِ أَمْوَاله وَحرمه فَكَانَ ثقله على ثَلَاثِينَ جملا وَحسن أعداؤه للسُّلْطَان أَن يَأْخُذ مَاله فَامْتنعَ وَاكْتفى بِإِخْرَاجِهِ إِلَى آمد. وَسَار صفي الدّين إِلَى آمد فَأَقَامَ عِنْد الصَّالح بن أرتق فَأَقَامَ الْعَادِل من بعده القَاضِي فَخر الدّين مِقْدَام بن شكر ثمَّ نقم عَلَيْهِ فِي سنة اثْنَتَيْ عشرَة وسِتمِائَة وضربه وَقَيده وَأخرجه من مصر وَلم يستوزر بعده أحدا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 من أعجب الاتفاقات أَن الْملك الْأَفْضَل عَليّ بن صَلَاح الدّين يُوسُف لم يملك مملكة إِلَّا وَأَخذهَا عَمه الْعَادِل مِنْهُ: فَأول ذَلِك أَن أَبَاهُ أقطعه حران والرها وميافارقن فِي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة فَسَار إِلَيْهَا حَتَّى إِذا بلغ حلب رده أَبوهُ وَبعث الْملك الْعَادِل بدله ثمَّ ملك الْأَفْضَل بعد أَبِيه دمشق فَأَخذهَا الْعَادِل مِنْهُ ثمَّ ملك مصر بعد ذَلِك فَأَخذهَا مِنْهُ الْعَادِل ثمَّ ملك صرخد فَأَخذهَا مِنْهُ الْعَادِل وعوضه قلعة نجم وسروج ثمَّ استرجعهما مِنْهُ بعد ذَلِك. فَلَمَّا تمهدت للْملك الْعَادِل الممالك قسمهَا بَين أَوْلَاده فَملك هُوَ وَأَوْلَاده من خلاط إِلَى الْيمن وَرَأى الْعَادِل فِي أَوْلَاده مَا يحب من اتساع الممالك وَكَثْرَة الظفر بالأعداء بِحَيْثُ لم يسمع عَن ملك أَنه رأى فِي أَوْلَاده مَا رَآهُ الْعَادِل فَإِنَّهُ اجْتمع فِي كل مِنْهُم من النجابة والنبل والكفاية والمعرفة والفضيلة وعلو الهمة مَا لَا مزِيد عَلَيْهِ ودانت لَهُم الْعباد وملكوا خِيَار الْبِلَاد وَكَانَ كثيرا مَا يتَرَدَّد الْعَادِل فِي ممالك أَوْلَاده وَأكْثر أوقاته يصيف بِدِمَشْق ويشتي بِمصْر وَكَانَ أكولا نهما يَأْكُل خروفا مشويا بمفرده وَله اقتدار زَائِد على النِّكَاح ومتع فِي دُنْيَاهُ بأرغد عَيْش وَتمكن من السَّعَادَة فِي سَائِر أَحْوَاله وَكَانَ حميد السِّيرَة حسن العقيدة كثير السياسة صَاحب معرفَة بدقائق الْأُمُور قد حنكته التجارب فسعدت آراؤه ونجحت تدبيراته وَكَانَ لَا يرى محاربة أعدائه وَيسْتَعْمل فِي مقاصده المكائد والخدع فهادنته الفرنج لقُوَّة حزمه وَشدَّة تيقظه وغزارة عقله وَقُوَّة كَيده ومكره ومداومته على المخادعة والمخاتلة وَكَثْرَة صبره وحلمه وأناته بِحَيْثُ إِنَّه كَانَ إِذا سمع مايكره يغضي عَنهُ تجاوزا وصفحا كَأَنَّهُ لم يبلغهُ وَكَانَ لَا يخرج المَال إِلَّا عِنْد الِاحْتِيَاج إِلَى إِخْرَاجه فيسمح حِينَئِذٍ بِبَدَل الْكثير مِنْهُ وَلَا يتَوَقَّف فِيمَا ينْفق فَإِذا لم يحْتَج إِلَى أخرج المَال ضن بِهِ وأمسكه فثابت لَهُ بذلك أغراضه كَمَا يجب وانقادت لَهُ الْأُمُور مثل مَا يخْتَار وَكَانَ يحافظ على أَدَاء الصَّلَوَات فِي أَوْقَاتهَا وَيُحب السّنة وَيكرم الْعلمَاء مَعَ العظمة وَقُوَّة المهابة المتمكنة فِي الْقُلُوب وَله صنف الإِمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ كتاب تأسيس التَّقْدِيس وَبعث بِهِ إِلَيْهِ من بِلَاد خُرَاسَان. وَمَات الْملك الْعَادِل عَن خمس وَسبعين وَقيل ثَلَاث وَسبعين سنة وَترك مَالا كثيرا مِنْهُ فِي خزائنه الَّتِي استولى عَلَيْهَا ابْنه الْمُعظم سَبْعمِائة ألف دِينَار مصرية سوى مَا كَانَ لَهُ فِي الكرك فاحتوى عَلَيْهِ أَيْضا الْملك الْمُعظم وَكتب الْمُعظم إِلَى أخوته بِمَوْت أَبِيه فَجَلَسَ الْملك الْكَامِل للعزاء فِي مُعَسْكَره بِظَاهِر دمياط وارتاع لمَوْت أَبِيه خوفًا من الفرنج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 السُّلْطَان الْملك الْكَامِل نَاصِر الدّين أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّد بن الْملك الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب سادس مُلُوك مصر من الأيوبيين اسْتَقل بمملكة مصر بعد موت أَبِيه بعهده إِلَيْهِ فِي حَيَاته وَكَانَت سلطنته بعد السَّابِع من جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمس عشرَة وسِتمِائَة عِنْدَمَا وصل إِلَيْهِ نعي أَبِيه وَهُوَ بالمنزلة العادلية على محاربة الفرنج وَقد ملكوا الْبر الغربي واستولوا على برج السلسلة وَقَطعُوا السلَاسِل الْمُتَّصِلَة بِهِ لتعبر مراكبهم فِي بَحر النّيل ويتمكنوا من أَرض مصر فنصب الْملك الْكَامِل عوضا من السلَاسِل جِسْرًا عَظِيما يمْنَع الفرنج من عبور النّيل فقاتل الفرنج عَلَيْهِ قتالا كثيرا حَتَّى قطعوه وَكَانَ قد أنْفق على هَذَا البرج والجسر مَا ينيف على سبعين ألف دِينَار فَأمر الْكَامِل بتغريق عدَّة من المراكب فِي النّيل منعت الفرنج من سلوكه فَعدل الفرنج إِلَى خليج هُنَاكَ يعرف بالأزرق كَانَ النّيل يجرى فِيهِ قَدِيما فحفروه حفرا عميقا وأجروا فِيهِ المَاء إِلَى الْبَحْر الْملح فجرت سفنهم فِيهِ إِلَى نَاحيَة بورة على أَرض جيزة دمياط تجاه الْمنزلَة الَّتِي فِيهَا الْكَامِل ليقاتلوه من هُنَاكَ فَلَمَّا استقروا فِي بورة حاذوه وقاتلوه فِي المَاء وزحفوا إِلَيْهِ غير مرّة فَلم ينالوا مِنْهُ غَرضا طائلا وَلم يضر أهل دمياط ذَلِك لتواصل الأمداد والميرة إِلَيْهِم وَكَون النّيل يحجز بَينهم وَبَين الفرنج بِحَيْثُ كَانَت أَبْوَاب الْمَدِينَة مفتحة وَلَيْسَ عَلَيْهَا حصر وَلَا ضيق أَلْبَتَّة. هَذَا والعربان تخطف الفرنج فِي كل لَيْلَة بِحَيْثُ مَنعهم ذَلِك من الرقاد خوفًا من غاراتهم فتكالب الْعَرَب عَلَيْهِم حَتَّى صَارُوا يختطفونهم نَهَارا وَيَأْخُذُونَ الخيم بِمن فِيهَا فأكمن لَهُم الفرنج عدَّة كمناء وَقتلُوا مِنْهُم خلقا كثيرا وَأدْركَ النَّاس الشتَاء فهاج الْبَحْر على معسكر الْمُسلمين وغرق الخيم فَعظم الْبلَاء وَاشْتَدَّ الكرب وألح الفرنج فِي الْقِتَال وَلم يبْق إِلَّا أَن يملكُوا الْبِلَاد فَأرْسل الله سُبْحَانَهُ ريحًا قطعت مراسي مرمة كَانَت للفرنج من عجائب الدُّنْيَا فمرت تِلْكَ المرمة إِلَى الْبر الَّذِي فِيهِ الْمُسلمُونَ فملكوها فَإِذا هِيَ مصفحة بالحديد لَا تعْمل فِيهَا النَّار ومساحتها خَمْسمِائَة ذِرَاع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 وفيهَا من المسامير مَا زنة الْوَاحِد مِنْهَا خَمْسَة وَعِشْرُونَ رطلا وَبعث السُّلْطَان إِلَى الْآفَاق سبعين رَسُولا يستنجد أهل الْإِسْلَام على قتال الفرنج ويستحثهم على إنقاذ الْمُسلمين مِنْهُم واغاثتهم ويخوفهم من تغلب الفرنج على مصر فَإِنَّهُ مَتى ملكوها لَا يمْتَنع عَلَيْهِم شَيْء من الممالك بعْدهَا فسارت الرُّسُل فِي شَوَّال فَقدمت النجدات من حماة وحلب إِلَّا أَنه لما قدم على المعسكر موت الْعَادِل وَقع الطمع فِي الْملك الْكَامِل وثار الْعَرَب بنواحي أَرض مصر وَكثر خلافهم وَاشْتَدَّ ضررهم وَاتفقَ مَعَ ذَلِك قيام الْأَمِير عماد الدّين أَحْمد بن الْأَمِير سيف الدّين أبي الْحسن عَليّ بن أَحْمد الهكاري وَالْمَعْرُوف بِابْن المشطوب وَكَانَ أجل الْأُمَرَاء الأكابر وَله لفيف من الأكراد الهكارية ينقادون إِلَيْهِ ويطيعونه مَعَ أَنه كَانَ وافر الْحُرْمَة عِنْد الْمُلُوك معدودا بَينهم كواحد مِنْهُم مَعْرُوفا بعلو الهمة وَكَثْرَة الْجُود وسعة الْكَرم والشجاعة تهابه الْمُلُوك وَله وقائع مَشْهُورَة فِي الْقيام عَلَيْهِم وَلما مَاتَ أَبوهُ وَكَانَت نابلس إقطاعا لَهُ أرصد ثلثهَا السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب لمصَالح الْقُدس وأقطع ابْنه عماد الدّين هَذَا بقيتها فَلم يزل قَائِم الجاه من الْأَيَّام الصلاحية فاتفق عماد الدّين مَعَ جمَاعَة من الأكراد والجند على خلع الْملك الْكَامِل وتمليك أَخِيه الفائز إِبْرَاهِيم ليصير لَهُم التحكم فِي المملكة وَوَافَقَهُ على ذَلِك الْأَمِير عز الدّين الْحميدِي والأمير أَسد الدّين الهكاري والأمير مُجَاهِد الدّين وعدة من الْأُمَرَاء فَلَمَّا بلغ الْكَامِل ذَلِك دخل عَلَيْهِم فَإِذا هم مجتمعون وَبَين أَيْديهم الْمُصحف وهم يحلفُونَ لِأَخِيهِ الفائز فعندما رَأَوْهُ تفَرقُوا فخشي على نَفسه مِنْهُم وَخرج فاتفق قدوم الصاحب صفي الدّين بن شكر من آمد فَإِنَّهُ كَانَ قد استدعاه الْكَامِل بعد موت أَبِيه فَتَلقاهُ الْكَامِل وأكرمه وَأَوْقفهُ على مَا فِيهِ جمَاعَة الْأُمَرَاء فشجعه وَضمن لَهُ تَحْصِيل المَال وتدبير الْأُمُور فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْل ركب الْكَامِل من الْمنزلَة العادلية فِي اللَّيْل جَرِيدَة وَسَار إِلَى أشموم طناح فَنزل بهَا وَأصْبح الْعَسْكَر وَقد فقدوا السُّلْطَان فَركب كل أحد هَوَاهُ وَلم يعرج وَاحِد مِنْهُم على آخر وَتركُوا أثقالهم وخيامهم وَأَمْوَالهمْ وأسلحتهم وَلم يَأْخُذ كل أحد إِلَّا مَا خف حمله فبادر الفرنج عِنْد ذَلِك وعبروا بر دمياط وهم آمنون من غير مُنَازع وَلَا مدافع وَأخذُوا كل مَا كَانَ فِي معسكر الْمُسلمين وَكَانَ شَيْئا لَا يقدر قدره وَذَلِكَ لبضع عشرَة لَيْلَة خلت من ذِي الْقعدَة فَكَانَ نزُول الفرنج قبالة دمياط فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي شهر ربيع الأول سنة خمس عشرَة وسِتمِائَة ونزولهم فِي الْبر الشَّرْقِي حَيْثُ مَدِينَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 دمياط يَوْم الثُّلَاثَاء سادس ذِي الْقعدَة سنة سِتّ عشرَة فتزلزل الْملك الْكَامِل وهم بمفارقة أَرض مصر ثمَّ تثبت فتلاحق بِهِ الْعَسْكَر وَبعد يَوْمَيْنِ وصل إِلَيْهِ أَخُوهُ الْملك الْمُعظم عِيسَى صَاحب دمشق وَهُوَ بأشموم فِي ثامن عشر ذِي الْقعدَة فَقَوِيت بِهِ شوكته وأعلمه بِمَا كَانَ من أَمر ابْن المشطو ب فوعده بإزالته عَنهُ. ثمَّ ركب الْمُعظم إِلَى خيمة ابْن المشطوب واستدعاه للرُّكُوب مَعَه للمسايرة فاستمهله حَتَّى يلبس خفيه وثيابه فَلم يمهله وأعجله فَركب مَعَه وَهُوَ آمن وسايره حَتَّى خرج بِهِ من المعسكر وَبعد عَنهُ فَالْتَفت إِلَيْهِ الْمُعظم وَقَالَ. يَا عماد الدّين! هَذِه الْبِلَاد لَك أشتهي أَن تهبها لنا. وَأَعْطَاهُ نَفَقَة وأسلمه إِلَى جمَاعَة من أَصْحَابه يَثِق بهم كَانَ قد أعدهم لهَذَا الْأَمر وَأمرهمْ أَن يلازموه إِلَى أَن يخرج من الرمل ويحتفظوا بِهِ إِلَى أَن يدْخل إِلَى الشَّام فَمَا وجد ابْن المشطوب سَبِيلا إِلَى الِامْتِنَاع وَلَا قدر على المدافعة لِأَنَّهُ بمفرده بَينهم فَسَارُوا بِهِ على تِلْكَ الْحَالة إِلَى الشَّام فَنزل بحماة عِنْد الْملك الْمَنْصُور وسه أَرْبَعَة من خدمه وَلما سَار ابْن المشطوب رَجَعَ الْمُعظم إِلَى أَخِيه الْكَامِل وَتقدم إِلَى أَخِيه الفائز بِأَن يمْضِي إِلَى الْمُلُوك الأيوبية بِالشَّام والشرق رَسُولا عَن الْملك الْكَامِل بِسَبَب إرْسَال عَسَاكِر الْإِسْلَام لاستنقاذ دمياط وَأَرْض مصر من الفرنج وَكتب الْكَامِل إِلَى أَخِيه الْأَشْرَف مُوسَى شاه أرمن يامسعدي إِن كنت حَقًا مسعفي فانهض بِغَيْر تلبث وَتوقف واحثث قلوصك مرقلا أَو موجفا بتجشم فِي سَيرهَا وتعسف واطو الْمنَازل مَا اسْتَطَعْت وَلَا تنخ إِلَّا على بَاب المليك الْأَشْرَف واقر السَّلَام عَلَيْهِ من عبد لَهُ متوقع لقدومه متشوف وَإِذا وصلت إِلَى حماة فَقل لَهُ عني بِحسن توصل وتلطف إِن تأت عَبدك عَن قَلِيل تلقه مَا بَين كل مهند ومثقف أَو تبط عَن إنجاده فلقاؤه بل فِي الْقِيَامَة فِي عراص الْموقف فَسَار الفائز وَكَانَ الْغَرَض إِخْرَاجه من أَرض مصر فَمضى إِلَى دمشق ورحل إِلَى حماة ثمَّ سَار إِلَى الشرق فانتظم أَمر الْكَامِل وقوى ساعده وترتبت قَوَاعِد ملكه وَسَار عَنهُ الْمُعظم هَذَا والفرنج قد أحاطوا بدمياط من الْبَحْر وَالْبر وَأَحْدَقُوا بهَا وحصروها وضيقوا على أَهلهَا وَمنعُوا الأقوات أَن تصل إِلَيْهِم وحفروا على معسكرهم الْمُحِيط بدمياط خَنْدَقًا وبنوا عَلَيْهِ سورا وَأهل دمياط يقاتلونهم أَشد قتال وَأنزل الله عَلَيْهِم الصَّبْر فثبتوا مَعَ قلَّة الأقوات عِنْدهم وَشدَّة غلاء الأسعار وَأخذ الْكَامِل فِي محاربة الفرنج وهم قد حالوا بَينه وَبَينهَا وَلم يصل إِلَيْهَا أحد من عِنْده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 سوى رجل من الجاندارية وَكَانَ هَذَا الرجل قد قدم إِلَى الْقَاهِرَة من بعض قرى حماة وَيُسمى شمايل فتوصل حَتَّى صَار يخْدم فِي الركاب السلطاني جاندار وَكَانَ يخاطر بِنَفسِهِ ويسبح فِي النّيل ومراكب الفرنج بِهِ مُحِيطَة والنيل قد امْتَلَأت بِهِ شواني الفرنج فَيدْخل إِلَى مَدِينَة دمياط وَيَأْتِي السُّلْطَان بأخبار أَهلهَا فَإِذا دخل إِلَيْهَا قوى قُلُوب أَهلهَا وَوَعدهمْ بِقرب وُصُول النجدات فحظي بذلك عِنْد الْكَامِل وَتقدم تقدما كثيرا وَجعله أَمِير جانداره وَسيف نقمته وولاه الْقَاهِرَة وَإِلَيْهِ تنْسب خزانَة شمايل وَكَانَ فِي دمياط من أَهلهَا الْأَمِير جمال الدّين الْكِنَانِي فَكتب هَذِه الأبيات وَأَلْقَاهَا إِلَى الْملك الْكَامِل فِي سهم نشاب وهى: يَا مالكي دمياط ثغر هدمت الله ضَامِن أجره وكفيلهشرفاته يقريك من أزكى السَّلَام تَحِيَّة كَادَت تجث أُصُوله وَيَقُول عَن بعد وَإنَّك سامع كالمسك طَابَ دقيقه وجليله يأيها الْملك الَّذِي مَا إِن يرى حَتَّى كَأَنَّك جَاره ونزيله هَذَا كتاب موضح من حالتي بِي الْمُلُوك شبيهه وعديله أَشْكُو إِلَيْك عَدو سوء أحدقت مَا لَيْسَ يمكنني لديك أقوله فالبر قد منعت إِلَيْهِ طَرِيقه بِجَمِيعِهِ فرسانه وخيوله وَلَو اسْتَطَاعَ لأم بابك لائذا وحنينه وبكاؤه وعويله وَرَسُوله فِي أَن تجيب دعاءه لكنه سدت عَلَيْهِ سَبيله فقد انْتَهَت أدواؤه وتحكمت دين الْإِلَه وخلقه وَرَسُوله وَبَقِي لَهُ رَمق يسيريرتجى علاته ونحا عَلَيْهِ نحوله فاحرس حماك بعزمة تشفى بهَا أَن يشتفي لما دعَاك عليله فَالله أَعْطَاك الْكثير بفضله دَاء لمثلك يرتجى تَعْلِيله فالعذر فِي نصر الْإِلَه وَدينه وَرضَاهُ من هَذَا الْكثير قَلِيله والثغر ناظره إِلَيْك محدق مَا سَاغَ عِنْد الْمُسلمين قبُوله وَلَئِن قعدت عَن الْقيام بنصره مَا إِن يمل من الدُّمُوع هموله ووهت قوى الْقُرْآن فِيهِ وَرفعت جَفتْ نضارته وَبَان ذبوله وَعلا صدى الناقوس فِي أرجائه صلبانه وتلى بِهِ إنجيله هَذَا وحقك وصف صُورَة حَاله وخفي على سمع الورى تهليله (وَكَفاك يَابْنَ الأكرمين بِأَنَّهُ حَقًا وَجُمْلَته وَذَا تَفْصِيله حقق رَجَاء فِيك يَا من ام تجب أضحى عَلَيْك من الورى تعويله واذخر ليَوْم فعلا صَالحا أبدا لراجي جوده تأميله) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 فَلَمَّا وقف السُّلْطَان على هَذِه الأبيات أَمر أهل الْقَاهِرَة ومصر بالنفير للْجِهَاد وَخرجت السّنة وَالْحَال على ذَلِك. وفيهَا استدعى الْملك الْغَالِب كيكاوس بن كيخسرو بن قلج أرسلان ملك الرّوم بِالْملكِ الْأَفْضَل نور الدّين عَليّ بن صَلَاح الدّين يُوسُف وَكَانَ بسميساط ويخطب للْملك الْغَالِب فَلَمَّا قدم عَلَيْهِ أكْرمه وَحمل إِلَيْهِ شَيْئا كثيرا من المَال وَالْخَيْل وَالسِّلَاح وَغَيره وتحالفا على الْمسير إِلَى المملكة الحلبية وَأَخذهَا بِشَرْط أَن يَدْفَعهَا الْملك الْغَالِب هِيَ وَسَائِر مَا يَفْتَحهُ إِلَى الْملك الْأَفْضَل ليقيم لَهُ فِيهَا الْخطْبَة وَالسِّكَّة وَيصير فِي طَاعَته فَإِذا تمّ ذَلِك سارا إِلَى الشرق وأخذا حران والرها وَغَيرهَا فسارا يالعساكر وأخذا قلعة رعبان فتسلمها الْأَفْضَل وَمَال إِلَيْهِ النَّاس واجتمعوا على الْملك الْغَالِب لمحبتهم فِي الْأَفْضَل ثمَّ سَار إِلَى قلعة تل بَاشر فحصراها حَتَّى ملكاها فَلم يُسَلِّمهَا الْملك الْغَالِب للأفضل وَأقَام نَائِبا من قبله فنفر مِنْهُ الْأَفْضَل وفترت همته وَعلم أَن هذأ أول الْغدر وَأعْرض أهل الْبِلَاد أَيْضا عَن الْملك الْغَالِب واستعد أهل حلب واستدعوا الْملك الْأَشْرَف من بحيرة قدس وَكَانَ نازلا عَلَيْهَا تجاه الفرنج فَقدم إِلَيْهِم بعساكره وَحَضَرت عرب طَيء وَغَيرهَا إِلَى ظَاهر حلب فَحسن الْأَفْضَل للْملك الْغَالِب التَّوَجُّه إِلَى منبج فسارا إِلَيْهَا فواقع الْعَرَب مُقَدّمَة الْملك الْغَالِب إِلَى بِلَاده وَسَار الْأَشْرَف فاستولى على رعبان وتل بَاشر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 وفيهَا مَاتَ الْملك القاهر عز الدّين مَسْعُود بن أرسلان شاه بن مَسْعُود بن مودود بن عماد الدّين زنكي آقسنقر صَاحب الْموصل لثلاث بَقينَ من ربيع الأول وَكَانَت مُدَّة ملكه سبع سِنِين وَتِسْعَة أشهر وَقَامَ من بعده ابْنه نور الدّين أرسلان شاه وعمره عشر سِنِين فدبر أمره الْأَمِير بدر الدّين لُؤْلُؤ الأتابك فأقرهما الْخَلِيفَة النَّاصِر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 (سنة سِتّ عشرَة وسِتمِائَة) فِيهَا قدم الْملك المظفر تَقِيّ الدّين مَحْمُود بن الْمَنْصُور مُحَمَّد بن عمر بن شاهنشاه بن أَيُّوب - صَاحب حماة - إِلَى الْملك الْكَامِل نجدة فِي عَسْكَر كثيف وَمَعَهُ الطواشي مرشد المنصوري فَتَلقاهُ السُّلْطَان وَأعظم قدره وأنزله على مينته وَهِي الْمنزلَة الَّتِي كَانَت لِأَبِيهِ وجده عِنْد السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف وَوصل الفائز إِبْرَاهِيم بن الْعَادِل إِلَى أَخِيه الْأَشْرَف مُوسَى برسالة أخيهما الْكَامِل للاستنجاد على الفرنج فَأكْرمه وأمسكه عِنْده فَإِن الْغَرَض إِنَّمَا كَانَ إِخْرَاجه من أَرض مصر. وفيهَا اشْتَدَّ قتال الفرنج وعظمت نكايتهم لأهل دمياط وَكَانَ فِيهَا نَحْو الْعشْرين ألف مقَاتل فنهكتهم الْأَمْرَاض وغلت عِنْدهم الأسعار حَتَّى أبيعت الْبَيْضَة الْوَاحِدَة من بيض الدَّجَاج بعدة دَنَانِير وامتلأت الطرقات من الْأَمْوَات وعدمت الأقوات وَصَارَ السكر فِي عزة الْيَاقُوت وفقدت اللحوم فَلم يقدر عَلَيْهَا بِوَجْه وآلت بِالنَّاسِ الْحَال إِلَى أَن لم يبْق عِنْدهم غير شَيْء يسير من الْقَمْح وَالشَّجر فَقَط فتسور الفرنج السُّور وملكوا مِنْهُ الْبَلَد يَوْم الثُّلَاثَاء لخمس بَقينَ من شعْبَان فَكَانَت مُدَّة الْحصار سِتَّة عشر شهرا واثنين وَعشْرين يَوْمًا وعندما أخذُوا دمياط وضعُوا السَّيْف فِي النَّاس فَلم يعرف عدد من قتل لكثرتهم ورحل السُّلْطَان بعد ذَلِك بيومين وَنزل قبالة طلخا على رَأس بَحر أكوم وَرَأس بَحر دمياط وخيم بالمنزلة الَّتِي عرفت بالمنصورة وحصن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 الفرنج أسوار فِي مياط وَجعلُوا جَامعهَا كَنِيسَة وبثوا سراياهم فِي الْقرى يقتلُون وَيَأْسِرُونَ فَعظم الْخطب وَاشْتَدَّ الْبلَاء وَندب السُّلْطَان النَّاس وفرقهم فِي الأَرْض فَخَرجُوا إِلَى الْآفَاق يستصرخون النَّاس لاستنقاذ أَرض مصر من أَيدي الفرنج وَشرع السُّلْطَان فِي بِنَاء الْحور والفنادق والحمامات والأسواق بِمَنْزِلَة المنصورة وجهز الفرنج من حصل فِي أَيْديهم من أُسَارَى الْمُسلمين فِي الْبَحْر إِلَى عكا وبرزوا من مَدِينَة دمياط يُرِيدُونَ أَخذ مصر والقاهرة فنازلوا السُّلْطَان تجاه المنصورة وَصَارَ بَينهم وَبَين الْعَسْكَر بَحر أشموم وبحر دمياط وَكَانَ الفرنج فِي مِائَتي ألف رجل وَعشرَة آلَاف فَارس فَقدم السُّلْطَان الشواني تجاه المنصورة وَهِي مائَة قِطْعَة وَاجْتمعَ النَّاس من أهل ومصر وَسَائِر النواحي مَا بَين أسوان إِلَى الْقَاهِرَة وَوصل الْأَمِير حسام الدّين يُونُس والفقيه تَقِيّ الدّين طَاهِر الْمحلي فأخرجا النَّاس من الْقَاهِرَة ومصر وَنُودِيَ بالنفير الْعَام وَألا يبْقى أحد وَذكروا أَن ملك الفرنج قد أقطع ديار مصر لأَصْحَابه. فَقَالَ: يهددونا بِأَهْل عكا أَن يملكونا وَأهل يافا وَمن لنا أَن يلوا علينا فالروم خير من الريافا يَعْنِي أهل الرِّيف فَإِنَّهُ كَانَ قد كثر تسلطهم وطمعوا فِي أَمر السُّلْطَان واستخفوا بِهِ لشغله بالفرنج عَنْهُم وَخرج الْأَمِير عَلَاء الدّين جِلْدك والأمير جمال الدّين بن صيرم لجمع النَّاس مِمَّا بَين الْقَاهِرَة إِلَى آخر الحوف الشَّرْقِي فأجمع من الْمُسلمين عَالم لَا يَقع عَلَيْهِ حصر وَأنزل السُّلْطَان على نَاحيَة شار مساح ألفي فَارس فِي آلَاف من العربان ليحولوا بَين الفرنج وَبَين دمياط وسارت الشواني - وَمَعَهَا حراقة كَبِيرَة - إِلَى رَأس بَحر الْمحلة وَعَلَيْهَا الْأَمِير بدر الدّين بن حسون فَانْقَطَعت الْميرَة عَن الفرنج من الْبر وَالْبَحْر وقدمت النجمات للْملك الْكَافِي من بِلَاد الشَّام وَخرجت أُمَم الفرنج من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 دَاخل الْبَحْر تُرِيدُ مدد الفرنج على دمياط فَوَافى دمياط مِنْهُم طوائف لَا يحصي لَهُم عدد فَلَمَّا تَكَامل جمعهم بدمياط خَرجُوا مِنْهَا فِي حَدهمْ وحديدهم وَقد زين لَهُم سوء عَمَلهم أَن يملكُوا أَرض مصر ويستولوا مِنْهَا على مماليك البسيطة كلهَا فَلَمَّا قدمت النجدات كَانَ أَولهَا قدومًا الْملك الْأَشْرَف مُوسَى بن الْعَادِل وَآخِرهَا على السِّكَّة الْملك الْمُعظم عِيسَى وَفِيمَا بَينهمَا بَقِيَّة الْمُلُوك: وهم الْمَنْصُور صَاحب حماة والناصر صَلَاح الدّين قلج أرسلان والمجاهد صَاحب حمص والأمجد بهْرَام شاه صَاحب بعلبك وَغَيرهم فهال الفرنج مَا رَأَوْا وَكَانَ قدوم هَذِه النجدات فِي ثَالِث عشري جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَمَان عشرَة وتتابع قدوم النجدات حَتَّى بلغ عدد فرسَان الْمُسلمين نَحْو الْأَرْبَعين ألفا فحاربوا الفرنج فِي الْبر وَالْبَحْر وأخفوا مِنْهُم سِتّ شواني وجلاسة وبطسة وأسروا مِنْهُم أَلفَيْنِ ومائتي رجل ثمَّ ظفروا أَيْضا بِثَلَاث قطائع فتضعضع الفرنج لذَلِك وضاق بهم الْمقَام وبعثوا يسْأَلُون فِي الصُّلْح كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله. وفيهَا مَاتَ قطب الدّين مُحَمَّد بن عماد الدّين زنكي بن مودود صَاحب سنجار وَقَامَ من بعده ابْنه عماد الدّين شاهنشاه ثمَّ قَتله أَخُوهُ الأمجد عمر. وَمَات نور الدّين أرسلان شاه صَاحب الْموصل فَقَامَ من بعده الْأَمِير بَحر الدّين لُؤْلُؤ بِأَمْر أَخِيه نَاصِر الدّين مَحْمُود بن القاهر عز الدّين وعمره ثَلَاث سِنِين. وفيهَا أَمر الْملك الْمُعظم عِيسَى بتخريب الْقُدس خوفًا من اسْتِيلَاء الفرنج عَلَيْهَا فخربت أسوار الْمَدِينَة وأبراجها كلهَا إِلَّا برج دَاوُد - وَكَانَ من غربي الْبَلَد - فَإِنَّهُ أبقاه وَخرج مُعظم من كَانَ فِي الْقُدس من النَّاس وَلم يبْق فِيهِ إِلَّا نفر يسير وَنقل الْمُعظم مَا كَانَ فِي الْقُدس من الأسلحة وآلات الْقِتَال فشق على الْمُسلمين تخريب الْقُدس وَأخذ دمياط. وفيهَا هدم الْمُعظم أَيْضا قلعة الطّور الَّتِي بناها أَبوهُ الْعَادِل وَعفى أثارها. وفيهَا خرجت كتب الْخَلِيفَة النَّاصِر لدين الله إِلَى سَائِر الممالك بإنجاد الْملك الْكَامِل بدمياط. وفيهَا مَاتَ عز الدّين كيكاوس بن غياث الدّين كيخسرو بن قلج أرسلان بن مَسْعُود بن قلج أرسلان ملك قونية بَعْدَمَا ملك أرزن الرّوم من عَمه طغرل شاه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 ابْن قلج شاه بن قلج أرسلان وَملك أنكورية من أَخِيه كيقباد فَصَارَ سُلْطَان الرّوم وَقَامَ من بعده أَخُوهُ عَلَاء الدّين كيقباد. وفيهَا ابْتَدَأَ ظُهُور التتار - ومساكنهم جبال طمغاج من أَرض الصين بَينهَا وَبَين بِلَاد التركستان مَا يزِيد على سِتَّة أشهر - واستولوا على كثير من بِلَاد الْإِسْلَام وَكَانُوا لَا يدينون بدين إِلَّا أَنهم يعْرفُونَ بِاللَّه تَعَالَى من غير اعْتِقَاد شَرِيعَة فملكوا الصين - وَكَانَ ملكهم يُقَال لَهُ جنكزخان - ثمَّ سَارُوا إِلَى تركستان وكاشغر فملكوا تِلْكَ الْبِلَاد وأغاروا على أَطْرَاف بِلَاد السُّلْطَان عَلَاء الدّين مُحَمَّد بن خوارزم شاه تكش بن ألب أرسلان مُحَمَّد بن جغري بك دَاوُد بن مِيكَائِيل بن سلجوق ثمَّ استولوا على بخاري وَغَيرهَا من بِلَاد الْعَجم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 سنة سبع عشرَة وسِتمِائَة أهلت وَانْقَضَت وَالْحَرب قَائِمَة بَين الْمُسلمين وَبَين الفرنج على دمياط فِي منزلَة المنصورة. وفيهَا استولى التتر على سَمَرْقَنْد وهزموا السُّلْطَان عَلَاء الدّين وملكوا الرّيّ وهمذان وقزوين وحاربوا الكرج وملكوا فرغانة والترمذ وخوارزم وخراسان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 ومرو ونيسابور وطوس وهراة وغزنة. وفيهَا ملك الْأَشْرَف مُوسَى بن الْعَادِل ماردين وسنجار. وفيهَا مَاتَ الْملك الْمَنْصُور نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن عمر بن شاهنشاه بن أَيُّوب بن شادي صَاحب حماة - وَكَانَ إِمَامًا مفتياً فِي عدَّة عُلُوم وَله شعر جيد - فِي ذِي الْقعدَة عَن خمسين سنة مِنْهَا مُدَّة ملكه ثَلَاثُونَ سنة وَكَانَ ابْنه الْأَكْبَر الْملك المظفر تَقِيّ الدّين مَحْمُود فِي معسكر خَاله الْملك الْكَامِل بالمنصورة على مقاتلة الفرنج فَقَامَ بمملكة حماة الْملك النَّاصِر قلج أرسلان بن الْمَنْصُور وَكَانَ عمره سبع عشرَة سنة فشق بذلك على أَخِيه المظفر وَاسْتَأْذَنَ الْملك الْكَامِل فِي الْعود إِلَى حماة ظنا مِنْهُ أَنه يملكهَا فَإِنَّهُ كَانَ ولي عهد أَبِيه فَأذن لَهُ الْملك الْكَامِل وَسَار فلقى الْملك الْمُعظم فِي الْغَوْر فخوفه من التَّعَرُّض إِلَى أَخِيه فَأَقَامَ بِدِمَشْق ثمَّ رَجَعَ المظفر إِلَى الْملك الْكَامِل فأقطعه إقطاعاً وَأقَام فِي خدمته. وفيهَا كثرت مصادرة الصاحب صفي الدّين بن شكر أَرْبَاب الْأَمْوَال بِمصْر والقاهرة من التُّجَّار وَالْكتاب: وَقرر التَّبَرُّع على الْأَمْلَاك وَهُوَ مَال جبي من النَّاس وأحدث ابْن شكر حوادث كَثِيرَة وَحصل مَالا جماً. وفيهَا قوي طمع الفرنج فِي ملك ديار مصر وعزموا على التَّقَدُّم إِلَى الْمُسلمين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 ليدفعوهم عَن مَنْزِلَتهمْ ويستولوا على الْبِلَاد فانقضت السّنة وهم تجاه الْمُسلمين على رَأس بَحر أشموم ودمياط. وفيهَا غلت الأسعار بِأَرْض مصر فَبلغ الْقَمْح ثَلَاثَة دَنَانِير كل أردب فَكَانَت من أشق السنين وأشدها على أهل مصر. وفيهَا مَاتَ الشريف أَبُو عَزِيز قَتَادَة بن أبي مَالك إِدْرِيس بن مطاعن بن عبد الْكَرِيم ابْن عِيسَى بن حُسَيْن بن سُلَيْمَان بن على بن عبد الله بن مُحَمَّد بن مُوسَى بن عبد الله ابْن مُوسَى بن عبد الله بن الْحسن بن الْحسن بن على بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ سُلْطَان مَكَّة فِي أخر جُمَادَى الْآخِرَة بِمَكَّة عَن تسعين سنة وَله شعر جيد وَقدم مصر غير مرّة وَمَعَهُ أَخُوهُ أَبُو مُوسَى عِيسَى وَكَانَت وِلَادَته ومرباه بالينبع. وَملك مَكَّة بعده ابْنه حسن بن قَتَادَة فَسَار رَاجِح بن قَتَادَة مغاضباً لَهُ وَقطع الطَّرِيق فِي الْمَوْسِم بَين مَكَّة وعرفة فَقبض عَلَيْهِ أقباش أَمِير الْحَاج الْعِرَاقِيّ فَبعث الشريف حسن لأقباش يعده بِمَال ليسلمه راجحاً فوعده رَاجِح بِأَكْثَرَ من ذَلِك فعزم أقباش على أَن يُسلمهُ مَكَّة وَتقدم لمقاتلة أميرها فَقتل أقباش وفر رَاجِح إِلَى الْملك المسعود بِالْيمن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 سنة ثَمَان عشرَة وسِتمِائَة فِيهَا اشتدت قُوَّة الفرنج بِكَثْرَة من قدم إِلَيْهِم فِي الْبَحْر فتابع الْملك الْكَامِل الرُّسُل فِي طلب النجدات فَقدمت عَلَيْهِ الْمُلُوك كَمَا تقدم وَاشْتَدَّ الْقِتَال بَين الْفَرِيقَيْنِ برا وبحراً وَقد اجْتمع من الفرنج وَالْمُسْلِمين مَا لَا يعلم عَددهمْ إِلَّا الله وَكَانَت الْعَامَّة تكر على الفرنج أَكثر مَا يكر عَلَيْهِم الْعَسْكَر وَتقدم جمَاعَة من الْعَسْكَر إِلَى خليج من النّيل فِي الْبر الغربي يعرف ببحر الْمحلة وقاتلوا الفرنج مِنْهُ وَتَقَدَّمت الشواني الإسلامية فِي بَحر النّيل لتقاتل شواني الفرنج فأخفوا مِنْهَا ثَلَاث قطع برحالها وأسلحتها. هَذَا وَالرسل تَزْدَدْ من عِنْد الفرنج فِي طلب الصُّلْح بِشُرُوط: مِنْهَا أَخذ الْقُدس وعسقلان وطبرية وجبلة واللاذقية وَسَائِر مَا فَتحه السُّلْطَان صَلَاح الدّين من بِلَاد السَّاحِل فأجابهم الْمُلُوك إِلَى ذَلِك ماخلا الكرك والشوبك فَأبى الفرنج وَقَالُوا: لَا نسلم دمياط حَتَّى تسلموا ذَلِك كُله فَرضِي الْكَامِل فَامْتنعَ الفرنج وَقَالُوا: لَا بُد أَن تعطونا خَمْسمِائَة ألف دِينَار لنعمر بهَا مَا خربتم من أسوار الْقُدس مَعَ أَخذ مَا ذكر من الْبِلَاد وَأخذ الكرك والشوبك أَيْضا فاضطر الْمُسلمُونَ إِلَى قِتَالهمْ ومصابرتهم وَعبر جمَاعَة من الْمُسلمين فِي بَحر الْمحلة إِلَى الأَرْض الَّتِي عَلَيْهَا معسكر الفرنج وفتحوا مَكَانا عَظِيما فِي النّيل وَكَانَ الْوَقْت فِي قُوَّة الزِّيَادَة فَإِنَّهُ كَانَ أول لَيْلَة من توت والفرنج لَا معرفَة لَهُم بِحَال أَرض مصر وَلَا بِأَمْر النّيل فَلم يشْعر الفرنج إِلَّا وَالْمَاء قد غرق أَكثر الأَرْض الَّتِي هم عَلَيْهَا وَصَارَ حَائِلا بَينهم وَبَين دمياط وَأَصْبحُوا وَلَيْسَ لَهُم جِهَة يسلكونها سوي جِهَة وَاحِدَة ضيقَة فَأمر السُّلْطَان فِي الْحَال بِنصب الجسور عِنْد بَحر أشموم طناح فتهيأ الْفَرَاغ مِنْهَا وعبرت العساكر الإسلامية عَلَيْهَا وملكت الطَّرِيق الَّتِي تسلكها الفرنج إِلَى دمياط فانحصروا من سَائِر الْجِهَات وَقدر الله سُبْحَانَهُ بوصول فرقة عَظِيمَة فِي الْبَحْر للفرنج وحولها عدَّة حراقات تحميها وسائرها مشحونة بالميرة وَالسِّلَاح وَسَائِر مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فأوقع بهَا شواني الْإِسْلَام وَكَانَت بَينهمَا حَرْب أنزل الله فِيهَا نَصره على الْمُسلمين فظفروا بهَا وَبِمَا مَعهَا من الحراقات ففت ذَلِك فِي أعضاد الفرنج وَأُلْقِي فِي قُلُوبهم الرعب والذلة بَعْدَمَا كَانُوا فِي غَايَة الِاسْتِظْهَار والعنت على الْمُسلمين وَعَلمُوا أَنهم مأخوذون لَا محَالة وعظمت نكاية الْمُسلمين بهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 برميهم إيَّاهُم بِالسِّهَامِ وَحَملهمْ على أَطْرَافهم فاجمعوا أَمرهم على مناهضة الْمُسلمين ظنا مِنْهُم أَنهم يصلونَ إِلَى دمياط فخربوا خيامهم ومجانيقهم وعزموا على أَن يحطموا حطمة وَاحِدَة. فَلم يَجدوا إِلَى ذَلِك سَبِيلا لِكَثْرَة الوحل والمياه الَّتِي قد ركبت الأَرْض من حَولهمْ فعجزوا عَن الْإِقَامَة لقلَّة الأزواد عِنْدهم ولاذوا إِلَى طلب الصُّلْح وبعثوا يسْأَلُون الْملك الْكَامِل - وَإِخْوَته الْأَشْرَف والمعظم - الْأمان لأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّهُمْ يسلمُونَ دمياط بِغَيْر عوض فَاقْتضى رَأْي الْملك الْكَامِل إجابتهم وَاقْتضى رَأْي غَيره من إخْوَته مناهضتهم واجتثاث أصلهم الْبَتَّةَ فخاف الْملك الْكَامِل إِن فعل ذَلِك أَن يمْتَنع من بَقِي مِنْهُم بدمياط أَن يُسَلِّمهَا وَيحْتَاج الْحَال إِلَى منازلتها مُدَّة فَإِنَّهَا كَانَت ذَات أسوار منيعة وَزَاد الفرنج عِنْدَمَا استولوا عَلَيْهَا فِي تحصينها وَلَا يُؤمن فِي طول محاصرتها أَن يفد مُلُوك الفرنج نجدة لمن فِيهَا وطلباً لثأر من قتل من أكابرهم هَذَا وَقد ضجرت عَسَاكِر الْمُسلمين وملت من طول الْحَرْب فَإِنَّهَا مُقِيمَة فِي محاربة الفرنج ثَلَاث سِنِين وأشهراً وَمَا زَالَ الْكَامِل قَائِما فِي تَأْمِين الفرنج إِلَى أَن وَافقه بَقِيَّة الْمُلُوك على أَن يبْعَث الفرنج برهائن من مُلُوكهمْ - لَا من أمرائهم - إِلَى أَن يسلمُوا دمياط فَطلب الفرنج أَن يكون ابْن الْملك الْكَامِل عِنْدهم رهينة إِلَى أَن تعود إِلَيْهِم رهائنهم فتقرر الْأَمر على ذَلِك وَحلف كل من مُلُوك الْمُسلمين والفرنج فِي سَابِع شهر رَجَب وَبعث الفرنج بِعشْرين ملكا من مُلُوكهمْ رهنا مِنْهُم يوحنا صَاحب عكا ونائب البابا وَبعث الْملك الْكَامِل إِلَيْهِم بِابْنِهِ الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب وَله من الْعُمر يَوْمئِذٍ خمس عشرَة سنة وَمَعَهُ جمَاعَة من خواصه وعندما قدم مُلُوك الفرنج جلس لَهُم الْملك الْكَامِل مَجْلِسا عَظِيما ووقف الْمُلُوك من اخوته وَأهل بَيته بَين يَدَيْهِ بِظَاهِر البرمون فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء التَّاسِع عشر من شهر رَجَب فهال الفرنج مَا شاهدوا من تِلْكَ العظمة وبهاء ذَلِك الناموس وقدمت قسوس الفرنج وَرُهْبَانهمْ إِلَى دمياط ليسلموها إِلَى الْمُسلمين فتسلمها الْمُسلمُونَ فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء التَّاسِع عشر من شهر رَجَب فَلَمَّا تسلمها الْمُسلمُونَ قدم فِي ذَلِك الْيَوْم من الفرنج نجدة عَظِيمَة يُقَال أَنَّهَا ألف مركب فعد تأخرهم إِلَى مَا بعد تَسْلِيمهَا من الفرنج صنعا جميلاً من الله سُبْحَانَهُ وَشَاهد الْمُسلمُونَ عِنْدَمَا تسلموا دمياط من تحصين الفرنج لَهَا مَا لَا يُمكن أَخذهَا بِقُوَّة الْبَتَّةَ وَبعث السُّلْطَان بِمن كَانَ عِنْده فِي الرَّهْن من الفرنج وَقدم الْملك الصَّالح وَمن كَانَ مَعَه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 وتقررت الْهُدْنَة بَين الفرنج وَبَين الْمُسلمين مُدَّة ثَمَانِي سِنِين على أَن كلا من الْفَرِيقَيْنِ يُطلق مَا عِنْده من الأسرى وَحلف السُّلْطَان وَإِخْوَته وَحلف مُلُوك الفرنج على ذَلِك وتفرق من كَانَ قد حضر لِلْقِتَالِ فَكَانَت مُدَّة اسْتِيلَاء الفرنج على دمياط سنة وَاحِدَة وَعشرَة أشهر وَأَرْبَعَة وَعشْرين يَوْمًا ثمَّ دخل الْملك الْكَامِل إِلَى دمياط بعساكره وَأَهله وَكَانَ لدُخُوله مَسَرَّة عَظِيمَة وابتهاج زَائِد ثمَّ سَار الفرنج إِلَى بِلَادهمْ وَعَاد السُّلْطَان إِلَى قلعة الْجَبَل فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشر شهر ومضان وَدخل الْوَزير الصاحب صفي الدّين عبد الله بن عَليّ بن شكر فِي الْبَحْر وَأطلق من كَانَ بِمصْر من الأسرى وَكَانَ فيهم من أسر من الْأَيَّام الصلاحية وَأطلق الفرنج من كَانَ فِي بِلَادهمْ من أسرى الْمُسلمين وَاتفقَ أَنه لما رَحل الفرنج اجْتمع فِي لَيْلَة عِنْد الْملك الْكَامِل أَخَوَاهُ الْمُعظم عِيسَى والأشرف مُوسَى على حَالَة أنس فَأمر الْأَشْرَف جَارِيَته سِتّ الْفَخر فغنت على عودهَا: وَلما طَغى فِرْعَوْن عكا ببغيه وَجَاء إِلَى مصر ليفسد فِي الأَرْض أَتَى نحوهم مُوسَى وَفِي يَده الْعَصَا فأغرقهم فِي اليم بَعْضًا على بعض فطرب الْأَشْرَف وَقَالَ لَهَا: كرري فشق ذَلِك على الْملك الْكَامِل وأمرها فَسَكَتَتْ وَقَالَ لجاريته: غن أَنْت فغنت على الْعود: أيا أهل دين الْكفْر قومُوا لتنظروا لما قد جرى فِي وقتنا وتجددا أعباد عِيسَى إِن عِيسَى وَقَومه ومُوسَى جَمِيعًا ينْصرُونَ مُحَمَّدًا فأعجب الْكَامِل بهَا وَأمر لَهَا بِخَمْسِمِائَة دِينَار ولجارية أَخِيه الْأَشْرَف بِخَمْسِمِائَة دِينَار فَنَهَضَ القَاضِي الْأَجَل هبة الله بن محَاسِن قَاضِي غَزَّة وَكَانَ فِي جُمْلَتهمْ وانشد: حبانا إِلَه الْخلق فتحنا لنا بدا مُبينًا وإنعاماً وَعزا مجددا وَلما طَغى الْبَحْر الْخصم بأَهْله ال - طغاة وأضحى بالمراكب مزبدا أَقَامَ لهَذَا الدّين من سل عزمه صقيلاً كَمَا سل الحسام المجردا فَلم تَرَ إِلَّا كل شلو مجدل ثوى مِنْهُم أَو من ترَاهُ مُقَيّدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 ونادى لِسَان الْكَوْن فِي الأَرْض رَافعا عقيرته فِي الْخَافِقين ومنشدا أعباد عِيسَى إِن عِيسَى وَحزبه ومُوسَى جَمِيعًا ينصران مُحَمَّدًا وَيُقَال إِن هَذَا الْمجْلس كَانَ بالمنصورة وَلما اسْتَقر الْملك الْكَامِل على تخت ملكه سَارَتْ الْمُلُوك إِلَى ممالكها وعمت بِشَارَة أَخذ الْمُسلمين دمياط أَفَاق الأَرْض فَإِن التتار كَانُوا قد دمروا ممالك الشرق وكادت مصر مَعَ الشَّام يستأصل شأفة أَهلهَا الفرنج حَتَّى من الله بجميل صنعه وخفي لطفه وَنصر عباده الْمُؤمنِينَ وأيدهم بجنده بَعْدَمَا ابتلى الْمُؤْمِنُونَ وزلزلوا زلزالاً شَدِيدا وقدمت على الْملك الْكَامِل تهاني الشُّعَرَاء بهَا الْفَتْح فَكَانَ أَوَّلهمْ إرْسَالًا شرف الدّين بن عنين بكلمته الَّتِي أَولهَا: سلوا صهوات الْخَيل يَوْم الوغى عَنَّا إِذا جهلت آيَاتنَا والقنا اللدنا غَدَاة الْتَقَيْنَا دون دمياط جحفلاً من الرّوم لَا يُحْصى يَقِينا وَلَا ظنا قد اجْتَمعُوا رَأيا وديناً وهمة وعزماً وَإِن كَانُوا قد اخْتلفُوا سنا وأطمعهم فِينَا غرور فأرقلوا إِلَيْنَا سرَاعًا بِالْجِهَادِ وأرقلنا فَمَا بَرحت سمر الرماح تنوشهم بأطرافها حَتَّى استجاروا بِنَا منا سقيناهم كأساً نفت عَنْهُم الْكرَى وَكَيف ينَام اللَّيْل من عدم الأمنا لقد صَبَرُوا صبرا جميلاً ودافعوا طَويلا فَمَا أجدى دفاع وَلَا أغْنى بِمَا الْمَوْت من زرق الأسنة أحمرا فَألْقوا بِأَيْدِيهِم إِلَيْنَا فأحسنا وَمَا برح الْإِحْسَان منا سجية نورثها من صيد آبَائِنَا الإبنا وَقد جربونا قبلهَا فِي وقائع تعلم غمر الْقَوْم منا بهَا الطعنا أسود وغى لَوْلَا وقائع سمرنا لما لبسوا فِيمَا وَلَا سكنوا سجنا وَكم يَوْم حر مَا وقينا هجيره وَكم يَوْم قر مَا طلبنا لَهُ كُنَّا فَإِن نعيم الْملك فِي وَسطه الشقا ينَال وحلو الْعَيْش من مره يجنى يسير بِنَا من آل أَيُّوب ماجد أبي عزمه أَن يسْتَقرّ بِنَا مغنى كريم الثنا عَار عَن الْعَار باسل جميل الْمحيا كَامِل الْحسن وَالْحُسْنَى منحناهم منا حَيَاة جَدِيدَة فعاشوا بأعناق مقلدة منا وَلَو ملكونا لاستباحوا دمائنا ولوغا وَلَكنَّا ملكنا فأسجحنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 وَقَالَ: قسما بِمَا ضمت أباطح مَكَّة وبمن حواه من الحجيج الْموقف لَو لم يقم مُوسَى بنصر مُحَمَّد لرقى على درج الْخطب الأسقف لولاه مَا ذل الصَّلِيب وَأَهله فِي ثغر دمياط وَعز الْمُصحف ووردت أَيْضا قصيدة القَاضِي الْأَجَل بهاء الدّين زُهَيْر بن مُحَمَّد بن عَليّ القَاضِي وَغَيره من الشُّعَرَاء. وفيهَا ملك التتر مراغة وهمذان وأفربيجان وتبريز. وفيهَا مَاتَ الْملك الصَّالح نَاصِر الدّين مَحْمُود بن مُحَمَّد بن قرا أرسلان بن سقمان بن أرتق الأرتقي صَاحب حصن كيفا وَقَامَ من بعده ابْنه الْملك المسعود دَاوُد. وفيهَا ركب الْملك الْكَامِل من قلعة الْجَبَل إِلَى منظرة الصاحب صفي الدّين بن شكر - الَّتِي على الخليج بِمصْر - فِي ذِي الْقعدَة وتحدث مَعَه فِي نفي الْأُمَرَاء الَّذين وافقوا الفائز وَكَانُوا فِي جيزة دمياط لعمارتها فَكتب لَهُم بالتوجه من أَرض مصر إِلَى حَيْثُ شَاءُوا فَمَضَوْا بأجمعهم من الجيزة إِلَى الشَّام وَلم يتَعَرَّض الْملك الْكَامِل لشَيْء من موجودهم وَفرق أخبازهم على مماليكه. وفيهَا مَاتَ أَمِين الدّين مُرْتَفع بن الشعار وَالِي مصر فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث محرم. وَمَات مُتَوَلِّي تونس وبلاد إفريقية الْأَمِير أَبُو مُحَمَّد عبد الْوَاحِد بن أبي حَفْص عمر بن يحيى بن أبي حَفْص عمر بن ونودين الهنتاتي فِي يَوْم الْخَمِيس أول الْمحرم وَكَانَ قد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 ولي تونس من قبل النَّاصِر أبي عبد الله مُحَمَّد بن يَعْقُوب الْمَنْصُور بن يُوسُف العسري بن عبد الْمُؤمن ملك الْمُوَحِّدين فِي سنة اثْنَتَيْنِ وسِتمِائَة وَكَانَ أَبُو مُحَمَّد قد قدم أكبر بنيه الشَّيْخ أَبَا زيد عبد الرَّحْمَن بن عبد الْوَاحِد فَقَامَ بِأَمْر تونس حَتَّى قدم أَخُوهُ أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن عبد الْوَاحِد مُتَوَلِّيًا إفريقية من قبل الْعَادِل عبد الله بن الْمَنْصُور يَعْقُوب ملك الْمُوَحِّدين فِي خَامِس رَمَضَان مِنْهَا فاستمر أَبُو مُحَمَّد عبد الله حَتَّى قَامَ أَخُوهُ أَبُو زَكَرِيَّا يحيى بن عبد الْوَاحِد. هَذَا والأمير أَبُو مُحَمَّد عبد الْوَاحِد بن أبي حَفْص هُوَ أول من قَامَ من الحفصيين بإمرة تونس وَهُوَ جد مُلُوك تونس الحفصيين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 سنة تسع عشرَة وسِتمِائَة فِيهَا قدم الْأَشْرَف مُوسَى إِلَى مصر فَأَقَامَ بهَا عِنْد أَخِيه السُّلْطَان الْملك الْكَامِل مُدَّة ثمَّ عَاد فِي رَمَضَان. وفيهَا أوقع التتر بالكرج. وفيهَا قدم الْملك المسعود يُوسُف بن الْكَامِل من الْيمن إِلَى مَكَّة فِي ربيع الأول وَقد وَحل عَنْهَا الشريف حسن بن قَتَادَة وَقدم مَعَه رَاجِح بن قَتَادَة إِلَى مَكَّة فَرد الْملك المسعود على أهل الْحجاز أَمْوَالهم ونخلهم وَمَا أَخذ لَهُم من الْحور بِمَكَّة والوادي ثمَّ عَاد إِلَى الْيمن بَعْدَمَا حج وَمنع أَعْلَام الْخَلِيفَة من التَّقَدُّم وَقدم أَعْلَام أَبِيه على أَعْلَام الْخَلِيفَة وبدا مِنْهُ بِمَكَّة مَا لَا يحمد من رمي حمام الْحرم بالبندق من فَوق زَمْزَم وَنَحْو ذَلِك فهم أهل الْعرَاق بقتاله فَلم يقدروا على ذَلِك عَجزا عَنهُ واستناب الْملك المسعود بِمَكَّة الْأَمِير نور الدّين عمر بن عَليّ بن رَسُول ورتب مَعَه ثَلَاثمِائَة فَارس وَكَانَ الشريف حسن بن قَتَادَة قد نزل يَنْبع وَولي الْملك المسعود أَيْضا راحج بن قَتَادَة السرين وحلى وَنصف المخلاف فَجمع الشريف حسن وَسَار إِلَى مَكَّة وَكسر ابْن رَسُول وَملك مِنْهُ مَكَّة. وفيهَا مَاتَ الْأَمِير عماد الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن الْأَمِير سيف الدّين أبي الْحسن عَليّ بن أَحْمد الهكاري الْمَعْرُوف بِابْن المشطوب أحد الْأُمَرَاء الصلاحية فِي الاعتقال بحران فِي ربيع الآخر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 سنة عشْرين وسِتمِائَة فِيهَا أَخذ الْمُعظم عِيسَى المعرة وسليمة ونازل حماة فشق ذَلِك على أَخِيه الْأَشْرَف - وَكَانَ بِمصْر - وتحدث مَعَ الْكَامِل فِي إِنْكَار ذَلِك فَبعث السُّلْطَان الْكَامِل إِلَى الْمُعظم يسْأَله فِي الرحيل عَن حماة فَتَركهَا وَهُوَ حنق. وفيهَا حج الْملك الْجواد وَالْملك الفائز من الْقَاهِرَة وقدما علم الْخَلِيفَة على علم السُّلْطَان الْملك الْكَامِل فِي طُلُوع عَرَفَة. وفيهَا خرج الْأَشْرَف من مصر إِلَى بِلَاده وَمَعَهُ خلع الْملك الْكَامِل والتقليد بسلطة حلب للعزيز نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الظَّاهِر غَازِي فوصل إِلَى حلب فِي شَوَّال وتلقاه الْعَزِيز - وعمره عشر سِنِين - فَأَفَاضَ عَلَيْهِ الْخلْع الكاملية وَحمل الغاشية بَين يَدَيْهِ وَأقَام عِنْده أَيَّامًا ثمَّ سَار إِلَى حران. وفيهَا عَم الْجَرَاد بِلَاد الْعرَاق والجزيرة وديار بكر وَالشَّام. وفيهَا أوقع التتر بالروس. وفيهَا شنق سهم الدّين عِيسَى وَالِي الْقَاهِرَة نَفسه - وَهُوَ معتقل بدار الوزارة - لَيْلَة الْخَمِيس سادس شَوَّال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 سنة إِحْدَى وَعشْرين وسِتمِائَة فِيهَا ملك التتر قُم وقاشان وهمذان. وفيهَا اخْتلف الْحَال بَين المظفر غَازِي صَاحب إربل وَبَين أَخِيه الْأَشْرَف فَخرج الْمُعظم من دمشق يُرِيد محاربة الْأَشْرَف فَبعث إِلَيْهِ الْكَامِل يَقُول لَهُ: إِن تحركت من بلدك سرت وأخذته مِنْك. فخاف وَعَاد إِلَى دمشق. وفيهَا مَاتَ الْوَزير الْأَعَز أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد الْمَعْرُوف بفخر الدّين مِقْدَام بن شكر فِي آخر شعْبَان بِالْقَاهِرَةِ. وفيهَا أَخذ عَسْكَر مصر يَنْبع من بني حسن وَكَانُوا قد اشتروها بأَرْبعَة آلَاف مِثْقَال فَلم تزل بيد المصريين إِلَى سنة ثَلَاثِينَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وسِتمِائَة فِيهَا فر الْملك الْجواد مظفر الدّين يُونُس بن مودود من مصر فِي الْبَحْر خوفًا من عَمه الْملك الْكَامِل وَلحق بعده الْمُعظم. وفيهَا تخوف الْكَامِل من أمرائه لميلهم إِلَى أَخِيه الْملك الْمُعظم فَقبض على جمَاعَة وَبعث إِلَى الطرقات من يحفظها وَبعث عدَّة رسل إِلَى الْمُلُوك الَّذين فِي خدمَة أَخِيه الْأَشْرَف يَأْمُرهُم بالِاتِّفَاقِ وَألا يخالفوه. وفيهَا عَاد السُّلْطَان جلال الدّين بن خورازم شاه عَلَاء الدّين مُحَمَّد بن تكش إِلَى بِلَاده وَقَوي أمره على التتر وَاسْتولى على عراق الْعَجم وَسَار إِلَى ماردين وَأَخذهَا وَسَار إِلَى خوزستان وشاقق جلال الدّين الْخَلِيفَة النَّاصِر لدين الله وَسَار حَتَّى وصل بعقوبا وَبَينهَا وَبَين بَغْدَاد سَبْعَة فراسخ فاستعد الْخَلِيفَة للحصار وَنهب جلال الدّين الْبِلَاد وَأخذ مِنْهَا مَا لَا يَقع عَلَيْهِ حصر وَفعل أشنع مَا يَفْعَله التتر فكاتبه الْملك الْمُعظم وأتفق مَعَه معاندة لِأَخِيهِ الْكَامِل ولأخيه الْملك الْأَشْرَف صَاحب الْبِلَاد الشرقية فسير السُّلْطَان جلال الدّين بن القَاضِي مجد الدّين - قَاضِي الممالك - فِي الرسَالَة إِلَى الْملك الْأَشْرَف ثمَّ إِلَى الْملك الْمُعظم ثمَّ إِلَى الْملك الْكَامِل فَظَاهر بأنواع الفسوق وَسَار جلال الدّين إِلَى عراق الْعَجم فَملك همذان وتيريز وأوقع بالكرج. وفيهَا مَاتَ الْملك الْأَفْضَل عَليّ بن صَلَاح الدّين يُوسُف صَاحب سميساط فَجْأَة بسميساط فِي صفر ومولده بِمصْر يَوْم عيد الْفطر سنة خمس - وَقيل سِتّ - وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَهُوَ أكبر أَوْلَاد أَبِيه وَإِلَيْهِ كَانَت ولَايَة عَهده وَسمع الْأَفْضَل من ابْن عَوْف وَابْن بري واستقل بمملكة دمشق بعد موت أَبِيه فَلم يَنْتَظِم لَهُ أَمر لقلَّة حَظه وَأَخذهَا مِنْهُ أَخُوهُ الْعَزِيز عُثْمَان صَاحب مصر ثمَّ صَار الْأَفْضَل أتابكاً للمنصور بن الْعَزِيز بِمصْر وَحصر دمشق وَبهَا عَمه الْعَادِل وأشرف على أَخذهَا مِنْهُ فَقطع عَلَيْهِ سوء الْحَظ وَعَاد إِلَى مصر وَفِي أَثَره عَمه الْعَادِل فَانْتزع مِنْهُ مصر وَلم يبْق مَعَه سوى صرخد ثمَّ قصد الْأَفْضَل دمشق ثَانِيًا مَعَ أَخِيه الظَّاهِر غَازِي صَاحب حلب فَلم يتم أَمرهمَا لاختلافهما وَصَارَ بِيَدِهِ سميساط لَا غير. فَلَمَّا مَاتَ أَخُوهُ الظَّاهِر طمع فِي حلب وَخرج إِلَيْهَا مَعَ السُّلْطَان عز الدّين كيكاوس السلجوقي ملك الرّوم فَلم يتم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 لَهما أَمر وَعَاد الْأَفْضَل إِلَى سميساط فَلم يزل بهَا يتجرع الْغصَص حَتَّى مَاتَ كمداً وَكَانَ فَاضلا أديباً حَلِيمًا حسن السِّيرَة متجاوزاً يكْتب الْخط الْمليح جَامعا لعدة مَنَاقِب إِلَّا أَنه كَانَ قَلِيل الْحَظ وشعره جيلط كتب إِلَى الْخَلِيفَة النَّاصِر لدين الله - لما انتزع مِنْهُ دمشق أَخُوهُ عُثْمَان وَعَمه الْعَادِل أَبُو بكر - فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة كتابا يشكو إِلَيْهِ اغتصابهما مِيرَاثه من أَبِيه وأوله. مولَايَ إِن أَبَا بكر وَصَاحبه عُثْمَان قد أَخذ بِالسَّيْفِ إِرْث عَليّ فَانْظُر إِلَى حَظّ ههذا اقْسمْ كَيفَ لقى من الْأَوَاخِر مَا لاقي من الأول وَله أَيْضا فِي مَعْنَاهُ: أما آن للسعد الَّذِي أَنا طَالب لإدراكه يَوْمًا يرى وَهُوَ طالبي ترى هَل يريني الدَّهْر أَيدي شيعتي تمكن يَوْمًا من نواصي النواصب فَأَجَابَهُ الْخَلِيفَة بقوله. غصبوا عليا حَقه إِذْ لم يكن بعد النَّبِي لَهُ بِيَثْرِب نَاصِر فابشر فَإِن غَدا يكون حسابهم واصبر فناصرك الإِمَام النَّاصِر وَمن شعره: أيا من يسود شعره بخضابه لعساه من أهل الشبيبة يحصل هَا فاختضب بسواد حظي مرّة وَلَك اللمان بِأَنَّهُ لَا ينصل وَقَامَ من بعده بسميساط أَخُوهُ الْملك الْمفضل قطب الدّين مُوسَى شقيقه فَاخْتلف عَلَيْهِ أَوْلَاد الْأَفْضَل. وفيهَا مَاتَ الْخَلِيفَة النَّاصِر لدين الله أَحْمد بن المستضيئ بِأَمْر الله الْحسن بن المستنجد بِاللَّه يُوسُف فِي ثَانِي شَوَّال ومولده فِي الْعَاشِر من شهر رَجَب سنة ثَلَاث وَخمسين وخمسائة وَله فِي الحلافة سبع وَأَرْبَعُونَ سنة غير سِتَّة وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَكَانَت أمه أم ولد يُقَال لَهَا زمرد وَقيل نرجس وَكَانَ شهماً أبي النَّفس حازماً متيقظاً صَاحب فكر صائب ودهاء ومكر وَكَانَ مهيباً وَله أَصْحَاب أَخْبَار - بالعراق وَفِي الْأَطْرَاف - يطالعونه بجزئيات الْأُمُور وكلياتها فَكَانَ لَا يخفى عَلَيْهِ أَكثر أَحْوَال رَعيته حَتَّى أَن أهل الْعرَاق يخَاف الرجل مِنْهُم أَن يتحدث مَعَ امْرَأَته لما يظنّ أَن ذَلِك يطلع عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 الخليقة فيعاقب عَلَيْهِ وَعمل شخص دَعْوَة بِبَغْدَاد وَغسل يَده قبل أضيافه فَعلم الْخَلِيفَة بذلك من أَصْحَاب أخباره فَكتب فِي الْجَواب: سوء أدب من صَاحب الْبَلَد وفضول من كَاتب المطالعة. وَكَانَ رَدِيء السِّيرَة فِي رَعيته ظَالِما عسوفاً خرب الْعرَاق فِي أَيَّامه وتفرق أَهله فِي الْبِلَاد فَأخذ أملاكهم وَأَمْوَالهمْ وَكَانَ يحب جمع المَال ويباشر الْأُمُور بِنَفسِهِ ويركب بَين النَّاس ويجتمع بهم مَعَ سفكه للدماء وَفعله للأشياء المتضادة: فيغتصب الْأَمْوَال وَيتَصَدَّق وشغف برمي الطير بالبندق وَلبس سراويلات الفتوة وَحمل أهل الْأَمْصَار على ذَلِك وَعمل سَالم بن نصر الله بن وَاصل الْحَمَوِيّ فِي ذَلِك رِسَالَة بديعة وصنف النَّاصِر لدين الله كتابا فِي مروياته سَمَّاهُ روح العارفين وأعده للفقهاء بِمصْر وَالشَّام وَله شعر وَفِي خِلَافَته خرب التتر بِلَاد الْمشرق حَتَّى وصلوا إِلَى همذان وَكَانَ هُوَ السَّبَب فِي ذَلِك فَإِنَّهُ كتب إِلَيْهِم بالعبور إِلَى الْبِلَاد خوفًا من السُّلْطَان عَلَاء الدّين مُحَمَّد بن خوارزم شاه لما هم بِالِاسْتِيلَاءِ على بَغْدَاد وَأَن يَجْعَلهَا دَار ملكه كَمَا كَانَت السلجوقية وَلم يمت الْخَلِيفَة النَّاصِر لدين الله حَتَّى عمي وَقيل كَانَ يبصر بِإِحْدَى عَيْنَيْهِ وَقَامَ من بعده فِي الْخلَافَة ابْنه الظَّاهِر بِأَمْر الله أَبُو نصر مُحَمَّد - بِعَهْد من أَبِيه - يَوْم مَاتَ أَبوهُ وعمره مَا ينيف على خمسين سنة وَكَانَ يَقُول من يفتح دكانه الْعَصْر مَتى يستفتح. وَلما ولي أظهر الْعدْل وأزال عدَّة مظالم وَأطلق أهل السجون وَظهر للنَّاس وَكَانَ من قبله من الْخُلَفَاء لَا يظهرون إِلَّا نَادرا. وفيهَا وصل الْملك المسعود من الْيمن إِلَى مَكَّة وَمضى إِلَى الْقَاهِرَة من طَرِيق عيذاب فَقدم على أَبِيه الْكَامِل بقلعة الْجَبَل وَمَعَهُ هَدَايَا جليلة. وفيهَا مَاتَ الْوَزير الصاحب صفي الدّين عبد الله بن أبي الْحسن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عبد الْخَالِق بن الْحُسَيْن بن الْحسن بن مَنْصُور بن إِبْرَاهِيم بن عمار بن مَنْصُور بن عَليّ الشيبي أَبُو مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن شكر الْفَقِيه الدَّمِيرِيّ الْمَالِكِي فِي يَوْم الْجُمُعَة ثامن شعْبَان - وَقيل شَوَّال - بِالْقَاهِرَةِ وَدفن برباطه مِنْهَا وَكَانَ مولده بدميرة إِحْدَى قرى مصر البحرية فِي تَاسِع صفر سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة وَجمع من ابْن عَوْف وَغَيره وَحدث وَكَانَ جباراً جباها عاتياً عانيا بتقدمة الأراذل وَتَأَخر الأماثل أفقر علقاً كثيرا. وفيهَا قدم الشريف قَاسم الْحُسَيْنِي أَمِير الْمَدِينَة بعسكر إِلَى مَكَّة وحصرها نَحْو شهر وَبهَا نواب الْملك الْكَامِل فَلم يتَمَكَّن مِنْهَا بل قتل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 (سنة ثَلَاث وَعشْرين وسِتمِائَة) فِيهَا تأكدت الوحشة بَين الْمُعظم وَبَين أَخَوَيْهِ الْكَامِل والأشرف. وفيهَا بعث الْخَلِيفَة الظَّاهِر بِأَمْر الله التشاريف لملوك بني أَيُّوب على يَد محيي الدّين أبي المظفر بن الْحَافِظ جمال الدّين أبي الْفرج بن الْجَوْزِيّ: فبمَا بالأشرف مُوسَى صَاحب الْبِلَاد الشرقية وأفاض عَلَيْهِ الْخلْع الخليفتية ثمَّ بالعزيز غياث الدّين مُحَمَّد بن الظَّاهِر صَاحب حلب فَأَفَاضَ عَلَيْهِ فرجية وَاسِعَة الْكمّ سَوْدَاء وعمامة سَوْدَاء مذهبَة وثوباً مطرزاً بِالذَّهَب أَيْضا ثمَّ ألبس الْمُعظم عِيسَى صَاحب دمشق بِدِمَشْق. وَسَار إِلَى الْقَاهِرَة بالتقليد وَالْخلْع للْملك الْكَامِل ولأولاده الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب وَالْملك المسعود وللصاحب صفي الدّين بن شكر فبرز الْملك الْكَامِل إِلَى ظَاهر الْقَاهِرَة وَلبس الْخلْع الخليفتية هُوَ وولداه. وَكَانَ الصاحب صفي الدّين قد مَاتَ فألبس الْكَامِل الخلعة الَّتِي باسمه للْقَاضِي فَخر الدّين سُلَيْمَان بن مَحْمُود بن أبي غَالب أبي الرّبيع الدِّمَشْقِي كَاتب الْإِنْشَاء وَعبر الْكَامِل من بَاب النَّصْر وشق الْقَاهِرَة إِلَى أَن صعد قلعة الْجَبَل فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وفيهَا قبض الْملك الْكَامِل على أَوْلَاد الصاحب صفي الدّين بن شكر وأحاط بِجَمِيعِ موجوده واعتقل ابنيه تَاج الدّين يُوسُف وَعز الدّين مُحَمَّد فِي قاعة سهم الدّين بدرب الأسواني من الْقَاهِرَة وَلم يستوزر الْكَامِل بعد ابْن شكر أحدا. وفيهَا سَافر الْملك المسعود من الْقَاهِرَة إِلَى الْيمن. وفيهَا كثر وهم الْملك الْكَامِل من عسكره فَإِن الْمُعظم أرسل إِلَيْهِ فِي جملَة كَلَام: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 وَإِن قصدتني لَا آخذك إِلَّا بعسكرك. فَوَقع فِي نَفسه الْخَوْف مِمَّن مَعَه وهم آن يخرج من مصر فَلم يَجْسُر وَخرج الْمُعظم فنازل حمص وَخرب قراها ومزارعها وَلم ينل من قلعتها شَيْئا لامتناعها هِيَ وَالْمَدينَة عَلَيْهِ فَلَمَّا طَال مقَامه على حمص رَحل عَنْهَا لما أصَاب عسكره ودوابه من الْمَوْت وَقدم عَلَيْهِ أَخُوهُ الْأَشْرَف جَرِيدَة فسر بِهِ سرُور عَظِيما وأكرمه زَائِدا. وفيهَا مَاتَ الْخَلِيفَة الظَّاهِر بِأَمْر الله أَبُو نصر مُحَمَّد بن النَّاصِر فِي رَابِع عشر شهر رَجَب فَكَانَت خِلَافَته تِسْعَة أشهر وَتِسْعَة أَيَّام وَكَانَ حسن السِّيرَة كثير الْمَعْرُوف وَاسْتقر فِي الْخلَافَة من بعده ابْنه الْمُسْتَنْصر بِاللَّه أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور وعمره عشرُون سنة فوردت عَلَيْهِ رسل مُلُوك الْأَطْرَاف وَبعث الْملك الْكَامِل فِي الرسَالَة معِين الدّين حسن بن شيخ الشُّيُوخ صدر الدّين بن حمويه فَلَمَّا قدم بَغْدَاد قَالَ نِيَابَة عَن الْملك الْكَامِل وَهُوَ بَين يَدي الْوَزير مؤيد الدّين أبي الْحسن مُحَمَّد بن مُحَمَّد القمي: عبد الدولة المقدسة المستنصرية يقبل العتبات الَّتِي يستشفي بتقبيل ثراها ويستكفي بتمسكه من عبوديتها بأوثق عراها ويوالي شكر الله تَعَالَى على إمَاطَة ليل العزاء الَّذِي عَم مصابه بصبح الهناء الَّذِي تمّ نصابه حَتَّى تزحزح عَن شمس الْهدى شفق الإشفاق فَجعل كلمتها الْعليا وَكلمَة معاديها السفلي وزادها شرفاً فِي الْآخِرَة وَالْأولَى. وفيهَا قدم رَسُول عَلَاء الدّين كيقباد ملك الرّوم بتقدمة جليلة إِلَى الْملك الْكَامِل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 سنة أَربع وَعشْرين وسِتمِائَة فِيهَا سَافر الْأَشْرَف إِلَى بِلَاده من دمشق بَعْدَمَا حلف للمعظم أَنه يعاضده على أَخِيه الْملك الْكَامِل وعَلى الْملك الْمُجَاهِد صَاحب حمص والناصر صَاحب حماة. وفيهَا سَافر رَسُول عَلَاء الدّين كيقباد ملك الرّوم من مصر إِلَى مخدومه. وفيهَا تأكدت الوحشة بَين الْكَامِل وَبَين أَخَوَيْهِ الْمُعظم والأشرف وَخَافَ الْكَامِل من انتماء أَخِيه الْمُعظم إِلَى السُّلْطَان جلال الدّين بن خوارزم شاه فَبعث الْأَمِير فَخر الدّين يُوسُف بن شيخ الشُّيُوخ صدر الدّين بن حمويه إِلَى ملك الفرنج يُرِيد مِنْهُ أَن يقدم إِلَى عكا ووعده أَن يُعْطه بعض مَا بيد الْمُسلمين من بِلَاد السَّاحِل ليشغل سر أَخِيه الْمُعظم فتجهز الإمبراطور ملك الفرنج لقصد السَّاحِل وَبلغ ذَلِك الْمُعظم فَكتب إِلَى السُّلْطَان جلال الدّين يسْأَله النجدة على أَخِيه الْكَامِل ووعده أَن يخْطب لَهُ وَيضْرب السِّكَّة بأسمه فسير إِلَيْهِ جلال الدّين خلعة لبسهَا وشق بهَا دمشق وَقطع الْخطْبَة للْملك الْكَامِل فَبلغ ذَلِك الْكَامِل فَخرج من الْقَاهِرَة بعساكره وَنزل بلبيس فِي شهر رَمَضَان فَبعث إِلَيْهِ الْمُعظم: إِنِّي نذرت لله تَعَالَى أَن كل مرحلة ترحلها لقصدي أَتصدق بِأَلف دِينَار فَإِن جَمِيع عسكرك معي وكتبهم عِنْدِي وَأَنا آخذك بعسكرك وَكتب الْمُعظم مُكَاتبَة بِهَذَا فِي السِّرّ وَمَعَهَا مُكَاتبَة فِي الظَّاهِر فِيهَا: بِأَنِّي مملوكك وَمَا خرجت عَن محبتك وطاعتك وحاشاك أَن تخرج وتقابلني وَأَنا أول من أنجدك وَحضر إِلَى خدمتك من جَمِيع مُلُوك الشَّام والشرق فأظهر الْكَامِل هَذَا بَين الْأُمَرَاء وَرجع من العباسة إِلَى قلعة الْجَبَل وَقبض على عدَّة من الْأُمَرَاء ومماليك أَبِيه لمكاتبتهم الْمُعظم: مِنْهُم فَخر ألطبنا الحبيشي وفخر الدّين ألطن الفيومي - وَكَانَ أَمِير جانداره وَقبض أَيْضا على عشرَة أُمَرَاء من البحرية العادلية واعتقلهم وَأخذ سَائِر موجودهم وَأنْفق فِي الْعَسْكَر ليسير إِلَى دمشق. وفيهَا وصل رَسُول ملك الفرنج بهدية سنية وتحف غَرِيبَة إِلَى الْملك الْكَامِل وَكَانَ فِيهَا عدَّة خُيُول مِنْهَا فرس الْملك بمركب ذهب مرصع بجوهر فاخر فَتَلقاهُ الْكَامِل بالإقامات من الْإسْكَنْدَريَّة إِلَى الْقَاهِرَة وتلقاه بِالْقربِ من الْقَاهِرَة بِنَفسِهِ وأكرمه إِكْرَاما زَائِدا وأنزله فِي دَار الْوَزير صفي الدّين بن شكر واهتم الْكَامِل بتجهيز هَدِيَّة سنية إِلَى ملك الفرنج فِيهَا من تحف الْهِنْد واليمن وَالْعراق وَالشَّام ومصر والعجم مَا قِيمَته أَضْعَاف مَا سيره وفيهَا سرج من ذهب وفيهَا جَوْهَر بِعشْرَة آلف دِينَار مصرية وَعين الْكَامِل للسير بِهَذِهِ الْهَدِيَّة جمال الدّين بن منقذ الشيزري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 وفيهَا وصل رَسُول الأشكري فِي الْبَحْر إِلَى الْملك الْكَامِل فَسَار الْمُعظم من دمشق لتخريب الْقُدس فخرب قلاعا وعدة صهاريج بالقدس لما بلغه من حَرَكَة ملك الفرنج. وفيهَا جهز الْملك الْكَامِل كَمَال الدّين ومعين الدّين ولدى شيخ الشُّيُوخ ابْن حمويه - ومعهما الشريف شمس الدّين الأرموي قَاضِي الْعَسْكَر - إِلَى الْمُعظم وَأمر السُّلْطَان الْكَامِل أَن يسير الْكَمَال بِجَوَاب الْمُعظم إِلَى الْملك الْمُجَاهِد أَسد الدّين شركوه بحمص ويعرفه الْحَال وَأَن يتَوَجَّه الْمعِين إِلَى بَغْدَاد برسالة إِلَى الْخَلِيفَة فتوجها فِي شعْبَان. وفيهَا اتّفق عيد الْفطر يَوْم عيد الْيَهُود وَعِيد النَّصَارَى. وفيهَا ختن الْملك الْعَادِل أَبُو بكر بن الْملك الْكَامِل فِي تَاسِع شَوَّال. وفيهَا مَاتَ الْملك الْمُعظم أَبُو الْفَتْح عِيسَى بن الْملك الْعَادِل صَاحب دمشق يَوْم الْجُمُعَة سلخ ذِي الْقعدَة بِدِمَشْق وَدفن بقلعتها ثمَّ نقل إِلَى الصالحية ومولده بِدِمَشْق فِي سنة ثَمَان وَسبعين وَخَمْسمِائة وَكَانَ قد خافه الْملك الْكَامِل فسر بِمَوْتِهِ وَكَانَ كَرِيمًا شجاعاً أديباً لينًا فَقِيها متغالياً فِي التعصب لمنصب أبي حنيفَة - رَحمَه الله - وشارك فِي النَّحْو وَغَيره وَقَالَ لَهُ أَبوهُ مرّة: كَيفَ اخْتَرْت مَذْهَب أبي حنيفَة وَأهْلك كلهم شافعية فَقَالَ: ياخوند أما ترغبون أَن يكون فِيكُم رجل وَاحِد مُسلم. وصنف كتابا سَمَّاهُ السهْم الْمُصِيب فِي الرَّد على الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ أبي بكر أَحْمد بن ثَابت فِيمَا تكلم بِهِ فِي حق أبي حنيفَة وَفِي تَارِيخ بَغْدَاد. وَكَانَ مقداماً لَا يفكر فِي عَاقِبَة جباراً مطرحاً للملابس وَهُوَ الَّذِي أطمع الْخَوَارِزْمِيّ فِي الْبِلَاد وَكَانَت مُدَّة ملكه - بعد أَبِيه - ثَمَانِي سِنِين وَسَبْعَة أشهر غير ثَمَانِيَة أَيَّام فَقَامَ من بعده ابْنه الْملك النَّاصِر دَاوُد وعمره إِحْدَى وَعِشْرُونَ سنة وسير النَّاصِر كتبه إِلَى عَمه الْملك الْكَامِل فَجَلَسَ الْكَامِل للعزاء وَشر إِلَيْهِ الْأَمِير عَلَاء الدّين بن شُجَاع الدّين جِلْدك المظفري التَّقْوَى بالخلعة وسنجق السلطة وَكتب مَعَه بِمَا طيب قلبه فَلبس النَّاصِر خلعة الْكَامِل وَركب بالسنجق ثمَّ أرسل إِلَيْهِ الْكَامِل يُرِيد مِنْهُ أَن يتْرك لَهُ قلعة الشوبك ليجعلها خزانَة لَهُ فَامْتنعَ من ذَلِك وَبِهَذَا وَقعت الوحشة بَينه وَبَين عَمه الْكَامِل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 وفيهَا أَمر الْملك الْكَامِل بتخريب مَدِينَة تنيس فخربت أَرْكَانهَا الحصينة وعمائرها المكينة وَلم يكن بديار مصر أحسن مِنْهَا واستمرت من حِينَئِذٍ خرابا. وَفِي شهر رَجَب من هَذِه السّنة: دَعَا لنَفسِهِ بتونس الْأَمِير أَبُو زَكَرِيَّا يحيى بن عبد الْوَاحِد بن أبي حَفْص وتلقب بالسلطان السعيد فَلم ينازعه أحد فِي مملكة إفريقية وَكَانَ قد ضعف أَمر بني عبد الْمُؤمن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 سنة خمس وَعشْرين وسِتمِائَة فِيهَا سير الْملك الْكَامِل شيخ الشُّيُوخ ابْن حمويه بِالْخلْعِ إِلَى ابْن أَخِيه النَّاصِر دَاوُد ابْن الْمُعظم بِدِمَشْق فَحمل الرَّسُول الغاشية بَين يَدَيْهِ ثمَّ حلهَا عماه: الْملك الْعَزِيز عُثْمَان صَاحب بانياس وَالْملك الصَّالح عماد الدّين إِسْمَاعِيل صَاحب بصرى. وفيهَا استوحش الْملك الْكَامِل من أَخِيه النَّاصِر دَاوُد وعزم على قَصده وَأخذ دمشق مِنْهُ وعهد الْكَامِل إِلَى ابْنه الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب بالسلطنة من بعده بديار مصر وأركبه بشعار السلطنة - وشق الصَّالح الْقَاهِرَة وحملت الغاشية بَين يَدَيْهِ تداول حملهَا الْأُمَرَاء بالنوبة - وأنزله بدار الوزارة وعمره يَوْمئِذٍ نَحْو اثْنَتَيْنِ وَعشْرين سنة. وفيهَا ظلم الأمجد بهْرَام شاه بن عز الدّين فرخشاه - صَاحب بعلبك - وتعدى وَأخذ أَمْوَال أهل بعلبك وَأَوْلَادهمْ فَقَامَ عدَّة من جنده مَعَ الْعَزِيز فَخر الدّين عُثْمَان بن الْعَادِل فِي تَسْلِيمه بعلبك فَسَار الْعَزِيز إِلَيْهَا ونازلها فَقبض الأمجد على أُولَئِكَ الَّذين قَامُوا مَعَه وَقتل بَعضهم واعتقل باقيهم ثمَّ إِن النَّاصِر دَاوُد صَاحب دمشق بعث إِلَيْهِ من رَحْله عَن بعلبك قهرا فَغَضب وَسَار إِلَى الْملك الْكَامِل ملتجئاً إِلَيْهِ فسر بِهِ الْكَامِل ووعده بانتزاع بعلبك من الأمجد وتسليمها إِلَيْهِ. وفيهَا ظلم النَّاصِر دَاوُد أهل دمشق وَأخذ أَمْوَالهم واشتغل باللهو وَأعْرض عَن مصَالح الدولة فشق ذَلِك على الْكَامِل وَجعله سَببا يؤاخذه بِهِ وتجهز فِي شهر رَجَب للسير لمحاربته واستناب على مصر ابْنه الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب وَأقَام مَعَه الْأَمِير فَخر الدّين يُوسُف بن شيخ الشُّيُوخ ليحصل الْأَمْوَال وَيُدبر أُمُور المملكة وَخرج الْكَامِل من الْقَاهِرَة يَوْم الْأَحَد تَاسِع عشر شعْبَان - فِي عساكره المتوافرة - وَمَعَهُ المظفر تَقِيّ الدّين مَحْمُود بن الْمَنْصُور وَقد وعده أَن يُسلمهُ حماة وَكَانَت بيد أَخِيه قلج أرسلان وَالْملك الْجواد مظفر الدّين يُونُس بن مودود بن الْعَادِل وَكَانَ قد رباه عَمه الْملك الْكَامِل بعد موت أَبِيه وأقطعه الْبحيرَة من ديار مصر فَلَمَّا بلغ النَّاصِر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 خُرُوج عَمه لم يمل إِلَى استعطافه والتجأ إِلَى عَمه الْأَشْرَف فَسَار الْكَامِل بالعسكر والعربان إِلَى تل العجول وَبعث مِنْهَا إِلَى نابلس والقدس وأعمالها وَشر الْكَامِل الْأَمِير حسام الدّين أَبَا عَليّ بن مُحَمَّد بن أبي عَليّ الهذباني - أحد أَصْحَاب المظفر تَقِيّ الدّين مَحْمُود - إِلَى الْقَاهِرَة فاستخدمه الْملك الصَّالح وَجعله أستاداره فاستولت أَصْحَاب الْملك الْكَامِل على نابلس والقدس وَبلغ ذَلِك النَّاصِر فَحلف عسكره واستعد للحرب وَقدم إِلَيْهِ عَمه الصَّالح صَاحب بصرى والأمير عز الدّين أيبك من صرخد وَأَصله مَمْلُوك أَبِيه الْمُعظم فَقَوِيت بهما نَفسه وسير بالناصر يَسْتَدْعِي عَمه الْأَشْرَف من لبلاد الشرقية مَعَ الْأَمِير عماد الدّين بن موسك وفخر الْقُضَاة نصر الله بن بصاقة وأردفهما بالأشرف بن القَاضِي الْفَاضِل فَأجَاب الْأَشْرَف إِلَى معاونته واستناب فِي بِلَاده الْملك الْحَافِظ بن الْعَادِل وَسَار إِلَى دمشق فَتَلقاهُ قلج أرسلان صَاحب حماة من سليمَة بأموال وخيول وتلقاه أَسد الدّين شركوه صَاحب حمص وَأَوْلَاده وَقدم لأشرف إِلَى دمشق فَتَلقاهُ النَّاصِر فِي أخريات شهر رَمَضَان وزين دمشق لقدومه فَدخل القلعة وَعَلِيهِ شاش علم كَبِير وَهُوَ مشدود الْوسط بمنديل وَقد سر النَّاصِر بِهِ سُرُورًا كَبِيرا وَحكمه فِي بِلَاده وأمواله فأعجب الْأَشْرَف بِدِمَشْق وَعمل فِي الْبَاطِن على انتزاعها لنَفسِهِ من النَّاصِر ثمَّ قدم إِلَى خدمَة الْأَشْرَف بِدِمَشْق الْمُجَاهِد أَسد الدّين شركوه بن مُحَمَّد صَاحب حمص وَسَار الْعَزِيز بن الْعَادِل إِلَى خدمَة الْملك الْكَامِل وَهُوَ فِي الطَّرِيق فسر بقدومه وَأَعْطَاهُ شَيْئا كثيرا وسير الْأَشْرَف إِلَى الْكَامِل الْأَمِير سيف الدّين عَليّ بن قلج يشفع فِي النَّاصِر وَيطْلب مِنْهُ إبْقَاء دمشق عَلَيْهِ وَيَقُول: إِنَّا كلنا فِي طَاعَتك وَلم نخرج عَن موافقتك فَأكْرم الْملك الْكَامِل الرَّسُول ثمَّ سَار الْأَشْرَف - وَمَعَهُ النَّاصِر - من دمشق يُريدَان ملاقاة الْملك الْكَامِل والترامي عَلَيْهِ ليصلح الْأَشْرَف الْأَمر بَينهمَا فَلَمَّا بلغ الْكَامِل مسيرهما شقّ عَلَيْهِ ورحل من نابلس يُرِيد الْعود إِلَى الْقَاهِرَة فَنزل الْأَشْرَف والناصر بنابلس فَأَقَامَ بهَا النَّاصِر وَمضى الْأَشْرَف والمجاهد إِلَى الْكَامِل فَبَلغهُ قدوم الْأَشْرَف وَهُوَ بتل العجول فَقَامَ إِلَى لِقَائِه وَقدم بِهِ إِلَى مُعَسْكَره وَنزلا فَكَانَ الِاتِّفَاق بَينهمَا على انتزاع دمشق من ابْن أخيهما النَّاصِر دَاوُد وَأَن تكون للْملك الْأَشْرَف وَمَا مَعهَا إِلَى عقبَة فيق وَيكون للكامل مَا بَين عقبَة فيق وغزة من الْبِلَاد والحصون وَهُوَ الْفَتْح الصلاحي بأسره وَيكون للناصر عوضا من دمشق - حران والرقة وسروج رَأس عين وَهِي مَا كَانَ مَعَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 الْأَشْرَف وَأَن تنْزع بعلبك من الأمجد بهْرَام وتعطى لأخيهما الْعَزِيز عُثْمَان وَأَن تنْزع حماة من الْملك النَّاصِر قلج أرسلان بن الْمَنْصُور وتعطى للمظفر تَقِيّ الدّين مَحْمُود بن الْمَنْصُور وَأَن تُؤْخَذ من المظفر سليمَة وتضاف إِلَى الْمُجَاهِد صَاحب حمص. وفيهَا مَاتَ طاغية الْمغل والتتر جنكزخان بِالْقربِ من صارو بالق وَحمل مَيتا إِلَى كرْسِي ملك الخطا. ورتب بعده ابْنه الْأَصْغَر عوضه خَانا كَبِيرا على كرْسِي مملكة الخطا وَأخذ إخْوَته الثَّلَاثَة بَقِيَّة الأقاليم. وفيهَا خرج التتار إِلَى بِلَاد الْإِسْلَام فَكَانَت لَهُم عدَّة حروب مَعَ السُّلْطَان جلال الدّين خوارزم شاه كسر فِيهَا غير مرّة ثمَّ ظفر أخيراً بهم وَهَزَمَهُمْ فَلَمَّا خلا سره مِنْهُم سَار إِلَى خلاط - من بِلَاد الْأَشْرَف - فنهب وَسبي الْحَرِيم واسترق الْأَوْلَاد وَقتل الرِّجَال وَخرب الْقرى وَفعل مَا لَا يَفْعَله أهل الْكفْر ثمَّ عَاد إِلَى بِلَاده وَقد زلزل بِلَاد حران والرها وَمَا هُنَالك ورحل أهل سروج إِلَى منبج وَكَانَ قد عزم على قصد بِلَاد الشَّام لَكِن صرفه الله عَنْهَا. وفيهَا قُم الإمبراطور ملك الفرنج إِلَى عكا باستدعاء الْملك الْكَامِل لَهُ - كَمَا تقدم - ليشغل سر أَخِيه الْمُعظم فاتفق موت الْمُعظم وَلما وصل ملك الفرنج إِلَى عكا بعث رَسُوله إِلَى الْملك الْكَامِل وَأمره أَن يَقُول لَهُ: الْملك يَقُول لَك كَانَ الْجيد والمصلحة للْمُسلمين أَن يبلوا كل شَيْء وَلَا أجيء إِلَيْهِم والآن فقد كُنْتُم بذلتم لنائبي - فِي زمن حِصَار دمياط - السَّاحِل كُله وَإِطْلَاق الْحُقُوق بالإسكندرية وَمَا فعلنَا وَقد فعل الله لكم مَا فعل من ظفركم وإعادتها إِلَيْكُم. وَمن نائبي إِن هُوَ إِلَّا أقل غلماني فَلَا أقل من إعطائي مَا كُنْتُم بذلتموه لَهُ. فتحير الْملك الْكَامِل وَلم يُمكنهُ دَفعه وَلَا محاربته لما كَانَ تقدم بَينهمَا من الِاتِّفَاق فراسله ولاطفه وسفر بَينهمَا الْأَمِير فَخر الدّين بن الشَّيْخ وَشرع الفرنج فِي عمَارَة صيداء - وَكَانَت مُنَاصَفَة بَين الْمُسلمين والفرنج وسورها خراب - فعمروها وأزالوا من فِيهَا من الْمُسلمين وَخرجت السّنة والكامل على تل العجول وَملك الفرنج بعكا وَالرسل تَتَرَدَّد بَينهمَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 سنة سِتّ وَعشْرين وسِتمِائَة فِيهَا غلت الأسعار بالسَّاحل ودمشق ووصلت نجدة من حلب إِلَى الْغَوْر. وفيهَا قفز الْأَمِير عز الدّين أيدمر المعظمي إِلَى الْملك الْكَامِل فَأحْسن إِلَيْهِ. فَفَارَقَ النَّاصِر دَاوُد من نابلس لما بلغه اتِّفَاق الْأَشْرَف مَعَ الْكَامِل عَلَيْهِ وَعَاد إِلَى دمشق فَبلغ الْأَشْرَف وَهُوَ بتل العجول ذَلِك فَسَار ليدركه فوافاه بقصير ابْن معِين الدّين من الْغَوْر تَحت عقبَة فيق وأعلمه الْأَشْرَف - بِحُضُور الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل وَالْملك المغيث والأمير عز الدّين أيبك المعظمي - أَنه اجْتمع بِالْملكِ الْكَامِل للإصلاح بَينهمَا. وَأَنه اجْتهد وحرص على أَن يرجع عَنْك فَامْتنعَ وَأبي إِلَّا أَن يَأْخُذ دمشق وَأَنت تعلم أَنه سُلْطَان الْبَيْت وَكَبِيرهمْ وَصَاحب الديار المصرية وَلَا يُمكن الْخُرُوج عَمَّا يَأْمر بِهِ وَقد وَقع الِاتِّفَاق على أَن تسلم إِلَيْهِ دمشق وتعوض عَنْهَا من الشرق كَذَا وَذكر مَا وَقع الِاتِّفَاق عَلَيْهِ فَلَمَّا فرغ الْأَشْرَف من كَلَامه قَامَ الْأَمِير عز الدّين أيبك وَهُوَ أكبر أَمِير مَعَ النَّاصِر دَاوُد وَقَالَ: لَا كيد وَلَا كَرَامَة وَلَا نسلم من الْبِلَاد حجرا وَاحِدًا وَنحن قادرون على دفع الْجَمِيع ومقاومتهم ومعنا العساكر المتوافرة وَأمر الْملك النَّاصِر بالركوب فركبا وقوضت الْخيام وسارا إِلَى دمشق وتحالف على النَّاصِر عَمه الصَّالح وَابْن عَمه المغيث وَلما وصل النَّاصِر إِلَى دمشق استعد للحصار وَقَامَ مَعَه أهل الْبَلَد لمحبتهم فِي أَبِيه وَسَار الْأَشْرَف بِمن مَعَه وحاصر دمشق وَقطع عَنْهَا أنهارها - باناس والقنوات وَيزِيد وثورا - فَخرج إِلَيْهِ الْعَسْكَر وَأهل الْبَلَد وحاربوه وَفِي أثْنَاء ذَلِك كثر تردد الْأَمِير فَخر الدّين بن شيخ الشُّيُوخ والشريف شمس الدّين الأرموي قَاضِي الْعَسْكَر بَين الإمبراطور فردريك ملك الفرنج إِلَى أَن وَقع الِاتِّفَاق أَن ملك الفرنج يَأْخُذ الْقُدس من الْمُسلمين ويبقيها على مَا هِيَ من الخراب وَلَا يجدد سورها وَأَن يكون سَائِر قوى الْقُدس للْمُسلمين لَا حكم فِيهَا للفرنج وَأَن الْحرم بِمَا حواه من الصَّخْرَة وَالْمَسْجِد الْأَقْصَى - يكون بأيدي الْمُسلمين لَا يدْخلهُ الفرنج إِلَّا للزيارة فَقَط ويتولاه قوام من الْمُسلمين ويقيمون فِيهِ شعار الْإِسْلَام من الْأَذَان وَالصَّلَاة وَأَن تكون الْقرى الَّتِي فِيمَا بَين عكا وَبَين يافا وَبَين الْقُدس بأيدي الفرنج دون مَا عَداهَا من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 قرى الْقُدس وَذَلِكَ أَن الْكَامِل تورط مَعَ ملك الفرنج وَخَافَ من غائلته عَجزا عَن مقاومته فأرضاه بذلك وَصَارَ يَقُول: إِنَّا لم بسمح للفرنج إِلَّا بكنائس وأدر خراب وَالْمَسْجِد على حَاله وشعار الْإِسْلَام قَائِم ووالي الْمُسلمين متحكم فِي الْأَعْمَال والضياع. فَلَمَّا اتفقَا على ذَلِك عقدت الْهُدْنَة بَينهمَا مُدَّة عشر سِنِين وَخَمْسَة أشهر وَأَرْبَعين يَوْمًا أَولهَا ثامن عشري شهر ربيع الأول من هَذِه السّنة وَاعْتذر ملك الفرنج للأمير فَخر الدّين بِأَنَّهُ لَوْلَا يخَاف انكسار جاهه مَا كلف السُّلْطَان شَيْئا من ذَلِك وَأَنه مَا لَهُ غَرَض فِي الْقُدس وَلَا غَيره وَإِنَّمَا قصد حفظ ناموسه عِنْد الفرنج وَحلف الْملك الْكَامِل وَملك الفرنج على مَا تقرر وَبعث السُّلْطَان فَنُوديَ بالقدس بِخُرُوج الْمُسلمين مِنْهُ وتسليمه إِلَى الفرنج فَاشْتَدَّ الْبكاء وَعظم الصُّرَاخ والعويل وَحضر الْأَئِمَّة والمؤذنون من الْقُدس إِلَى مخيم الْكَامِل وأذنوا على بَابه فِي غير وَقت الْأَذَان فعز عَلَيْهِ ذَلِك وَأمر بِأخذ مَا كَانَ مَعَهم من الستور والقناديل الْفضة والآلات وزجرهم. وَقيل لَهُم: امضوا إِلَى حَيْثُ شِئْتُم فَعظم على أهل الْإِسْلَام هَذَا الْبلَاء وَاشْتَدَّ الْإِنْكَار على الْملك الْكَامِل وَكَثُرت الشناعات عَلَيْهِ فِي سَائِر الأقطار وَبعث الإمبراطور بعد ذَلِك يطْلب تبنين وأعمالها فسلمها الْكَامِل لَهُ فَبعث يسْتَأْذن فِي دُخُول الْقُدس فَأَجَابَهُ الْكَامِل إِلَى مَا طلبه وسير القَاضِي شمس الدّين قَاضِي نابلس فِي خدمته فَسَار مَعَه إِلَى الْمَسْجِد بالقدس وَطَاف مَعَه مَا فِيهِ من المزارات واعجب الأمبراطوار بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وبقبة الصَّخْرَة وَصعد درج الْمِنْبَر فَرَأى قسيساً بِيَدِهِ الْإِنْجِيل وَقد قصد دُخُول الْمَسْجِد الْأَقْصَى فزجره وَأنكر مَجِيئه وَأقسم لَئِن عَاد أحد من الفرنج يدْخل هُنَا بِغَيْر إِذن ليأخذن مَا فِيهِ عَيناهُ فَإِنَّمَا نَحن مماليك هُنَا السُّلْطَان الْملك الْكَامِل وعبيده وَقد نصدق علينا وَعَلَيْكُم بِهَذِهِ الْكَنَائِس على سَبِيل الْأَنْعَام مِنْهُ فَلَا يتَعَدَّى أحد مِنْكُم طوره فَانْصَرف القس وَهُوَ يرعد خوفًا مِنْهُ. ثمَّ نزل الْملك فِي دَار وَأمر شمس الدّين قَاضِي نابلس المؤذنين إِلَّا يؤذنوا تِلْكَ اللَّيْلَة فَلم يؤذنوا الْبَتَّةَ لما اصبح قَالَ الْملك للْقَاضِي: لم لم يُؤذن المؤذنون على المنابر فَقَالَ لَهُ القَاضِي: مَنعهم الْمَمْلُوك إعظاماً لمملك واحتراماً لَهُ. فَقَالَ لَهُ الإمبراطور: أَخْطَأت فِيمَا فعلت وَالله إِنَّه كَانَ أكبر غرضي فِي الْمبيت بالقدس أَن أسمع أَذَان الْمُسلمين وتسبيحهم فِي اللَّيْل. ثمَّ رَحل الإمبراطور إِلَى عكا وَكَانَ هَذَا الْملك عَالما متبحراً فِي علم الهندسة الْحساب والرياضيات وَبعث إِلَى الْملك الْكَامِل بعدة مسَائِل مشكلة فِي الهندسة الْحِكْمَة والرياضة فعرضها على الشَّيْخ علم الدّين قَيْصر الْحَنَفِيّ - الْمَعْرُوف بتعاسيف - غَيره فَكتب جوابها وَعَاد الإمبراطور من عكا إِلَى بِلَاده فِي الْبَحْر آخر جُمَادَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 الْآخِرَة وسير الْكَامِل جمال الدّين الْكَاتِب الْأَشْرَف إِلَى الْبِلَاد الشرقية وَإِلَى الْخَلِيفَة فِي تسكين قُلُوب النَّاس وتطمين خواطرهم من انزعاجهم لأخذ الفرنج الْقُدس. وَفِي خَامِس جُمَادَى الأولى - وَهُوَ يَوْم الْأَحَد -: وَقعت الحوطة على دَار القَاضِي الْأَشْرَف أَحْمد بن القَاضِي الْفَاضِل وحملت خَزَائِن الْكتب جَمِيعهَا إِلَى قلعة الْجَبَل فِي سادس عشريه وَجُمْلَة الْكتب ثَمَانِيَة وَسِتُّونَ ألف مجلدة وَحمل من دَاره - فِي ثَالِث جُمَادَى الْآخِرَة - خشب خَزَائِن الْكتب مفصلة وَحملهَا تِسْعَة وَأَرْبَعُونَ جملا وَكَانَت الْجمال الَّتِي حملت الْكتب تِسْعَة وَخَمْسُونَ جملا ثَلَاث دفعات. وَفِي يَوْم السبت ثَانِي عشري رَجَب مِنْهَا: حملت الْكتب والخزائن من القلعة إِلَى دَار الْفَاضِل وَقيل إِن عدتهَا أحد عشر ألف كتاب وَثَمَانمِائَة وَثَمَانِية كتب وَمن جملَة الْكتب الْمَأْخُوذَة كتاب الأيك والغصون لأبي الْعَلَاء المعري فِي سِتِّينَ مجلداً. وفيهَا وصل ملك ملطية فكثرت غاراته وَقَتله وسبيه. وفيهَا اشْتَدَّ تشنيع الْملك النَّاصِر دَاوُد بِدِمَشْق على عَمه الْملك الْكَامِل تَسْلِيمه الْقُدس للفرنج فنفرت قُلُوب الرّعية وَجلسَ الْحَافِظ شمس الدّين سبط ابْن الْجَوْزِيّ بِجَامِع دمشق وَذكر فَضَائِل بَيت الْمُقَدّس وحزن النَّاس على اسْتِيلَاء الفرنج عَلَيْهِ وبشع القَوْل فِي هَذَا الْفِعْل فَاجْتمع فِي ذَلِك الْمجْلس مَا لَا يُحْصى عدده من النَّاس وعلت أَصْوَاتهم بالصراخ وَاشْتَدَّ بكاؤهم وانشد الْحَافِظ شمس الدّين قصيدة أبياتها ثَلَاثمِائَة بَيت مِنْهَا: على قبَّة الْمِعْرَاج والصخرة الَّتِي تفاخر مَا فِي الأَرْض من صخرات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 مدارس آيَات خلت من تِلَاوَة ومنزل وَحي مقفر العرصات فَلم ير بِدِمَشْق أَكثر بكاء من ذَلِك الْيَوْم وَكَانَ الْأَشْرَف على منازلة دمشق فَبعث إِلَى الْكَامِل يستحثه فَرَحل الْكَامِل من تل العجول بعد طول مقَامه بهَا فَتَلقاهُ فِي قَرْيَة يبنا أَخُوهُ الْعَزِيز عُثْمَان صَاحب بانياس بِابْنِهِ الظَّاهِر غَازِي فوصل الْكَامِل الْعَزِيز بِخَمْسِينَ ألف فِي ينار وَابْنه غَازِي بِعشْرَة آلَاف دِينَار وقماش وخلع سنية وَأمر الْكَامِل فَضربت لَهُ خيمة عَظِيمَة وحولها بيوتات وَسَائِر مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من الْآلَات والخيام برسم أَصْحَابه ومماليكه ثمَّ وصل إِلَيْهِ أَيْضا الْأَمِير عز الدّين أيدمر المعظمي فَدفع إِلَيْهِ الْكَامِل عشرَة آلَاف دِينَار - وَقيل عشْرين ألف دِينَار - وَكتب لَهُ على الْأَعْمَال القوصية بِعشْرين ألف أردب غلَّة وَأَعْطَاهُ أَمْلَاك الصاحب صفي الدّين بن شكر ورباعه وحمامه وَسَار الْكَامِل إِلَى دمشق فَنزل على ظَاهرهَا فِي جُمَادَى الأولى وجد هُوَ والأشرف فِي حصارها حَتَّى اشْتَدَّ عَطش النَّاس فِي دمشق لانْقِطَاع الْأَنْهَار عَنْهُم وَمَعَ ذَلِك فالحرب بَينهم قَائِمَة فِي كل يَوْم إِلَى آخر رَجَب فغلت الأسعار ونفدت = = = أَمْوَال النَّاصِر وفارقه جمَاعَة من أَصْحَابه وصاروا إِلَى الْكَامِل والأشرف وَأخذ النَّاصِر فِي ضرب أَوَانِيهِ من النصب وَالْفِضَّة دَنَانِير ودراهم وفرقها حَتَّى نفد أَكثر مَا كَانَ عِنْده من الذَّخَائِر وناصحته الْعَامَّة مناصحة كَبِيرَة وابلوا فِي عَسْكَر الْكَامِل والأشرف بلَاء عَظِيما. وَفِي أثْنَاء ذَلِك قدم القَاضِي بهاء الدّين بن شَدَّاد وَمَعَهُ أكَابِر حلب وعدولها من عِنْد الْملك الْعَزِيز مُحَمَّد بن الظَّاهِر غَازِي صَلَاح الدّين صَاحب حلب لتزويج ابْنة الْملك الْكَامِل بِالْملكِ الْعَزِيز خرج الْملك الْكَامِل من مخيمه بِمَسْجِد الْقدَم إِلَى لِقَائِه وأنزله قَرِيبا مِنْهُ ثمَّ أحضرهُ فَقدم لقدمة كَانَت مَعَه من الْملك الْعَزِيز وَعقد العقد للْملك الْعَزِيز على الخاتون فَاطِمَة ابْنة الْملك الْكَامِل الْأَمِير عماد الدّين عمر بن شيخ الشُّيُوخ على صدَاق مبلغه خَمْسُونَ ألف دِينَار فَقبل العقد ابْن شَدَّاد فِي سادس عشر شهر رَجَب فضعف قلب الْملك النَّاصِر دَاوُد وَقلت أَمْوَاله فَخرج لَيْلًا من قلعة دمشق فِي آخر شهر رَجَب وَمَعَهُ نفر يسير وَألقى نَفسه على مخيم الْكَامِل فَخرج إِلَيْهِ الْكَامِل وأكرمه إِكْرَاما زَائِدا وباسطه وَطيب قلبه بعد عتب كثير وَأمره أَن يعود إِلَى القلعة فَعَاد إِلَيْهَا ثمَّ بعد يَوْمَيْنِ بعث الْكَامِل بالأمير فَخر الدّين بن شيخ الشُّيُوخ إِلَى القلعة - وَكَانَ يَوْم جُمُعَة - فصلى بهَا الْجُمُعَة وَخرج وَمَعَهُ النَّاصِر دَاوُد إِلَى الْملك الْكَامِل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 فتحالفاً وعوضه الْكَامِل عَن دمشق بالكرك والشوبك وأعمالهما مَعَ الصَّلْت والبلقاء والأغوار جَمِيعهَا ونابلس وأعمال الْقُدس وَبَيت جِبْرِيل ثمَّ نزل النَّاصِر عَن الشوبك للكامل فقبلها وَصَارَ للكامل مَعَ الشوبك بلد الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام وطبرية وغزة وعسقلان والرملة ولد وَمَا بأيدي الْمُسلمين من السَّاحِل. وَفتحت أَبْوَاب دمشق فِي أول يَوْم من شعْبَان فشق ذَلِك على أهل دمشق وتأسفوا على مُفَارقَة النَّاصِر وَكثر بكاؤهم ثمَّ تسلمها الْملك الْأَشْرَف وَبعث الْكَامِل قصاده لتسلم بِلَاد الْأَشْرَف وهم الْأَمِير فَخر الدّين بن شيخ الشُّيُوخ وَالْخَادِم شمس الدّين صَوَاب وَجَمَاعَة فتسلما حران والرها وسروج وَرَأس عين والرمة وَغير ذَلِك وسافر النَّاصِر دَاوُد بأَهْله إِلَى الكرك وَسَار الْكَامِل إِلَى حماة وَبهَا النَّاصِر صَلَاح الدّين قلج أرسلان بن الْمَنْصُور مُحَمَّد بن تَقِيّ الدّين عمر بن شاهنشاه بن أَيُّوب. وَقدم مَعَ الْكَامِل المظفر تَقِيّ الدّين مَحْمُود بن الْمَنْصُور مُحَمَّد بن تَقِيّ الدّين عمر بن شاهنشاه بن أَيُّوب فِي جمَاعَة فنازل حماة حَتَّى سلم صَاحبهَا النَّاصِر قلج أرسلان وَسبق إِلَى الْملك الْكَامِل وَهُوَ بسليمة فأهانه واعتقله وتسلم المظفر حماة فَكَانَت مُدَّة النَّاصِر بحماة تسع سِنِين تنقص شَهْرَيْن وَبعث الْكَامِل بالناصر صَاحب حماة إِلَى مصر فاعتقل بهَا ثمَّ سَار الْكَامِل يُرِيد الْبِلَاد الشرقية فَقطع الْفُرَات وَدخل قلعة جعبر ثمَّ توجه إِلَى الرقة وخافه مُلُوك الشرق فعيد بالرقة عيد الْفطر وَسَار إِلَى حران والرها واستخدم بهَا عسكراً عدته نَحْو ألفي فَارس فَقدمت عَلَيْهِ رسل ماردين وآمد والموصل وإربل وَحضر إِلَيْهِ أَيْضا عدَّة مُلُوك وَبعث الْكَامِل فَخر الدّين بن شيخ الشُّيُوخ إِلَى الْخَلِيفَة وَأطلق ابْن أَخِيه الْملك النَّاصِر قلج ارسلان من اعتقاله وخلع عليع وَأَعْطَاهُ بارين وَكتب لَهُ بهَا توقيعاً وَأمر أَن يحمل إِلَيْهِ مَا كَانَ فِي قلعة حماة - وَهُوَ أَرْبَعمِائَة ألف دِرْهَم - وَكتب إِلَى المظفر تَقِيّ الدّين بِتَسْلِيم ذَلِك إِلَيْهِ. فوصل النَّاصِر إِلَى بارين وتسلمها ثمَّ ورد الْخَبَر على الْكَامِل بِأَن جلال الدّين خورازم شاه نَازل خلاط وَنصب عَلَيْهَا عشْرين منجنيقاً وَكَانَ وُصُوله إِلَيْهَا فِي نصف شَوَّال وَكَانَت خلاط للْملك الْأَشْرَف وَبهَا عسكره فأرسلوا إِلَى الْملك الْكَامِل يسْأَلُون فِي نجدة فَلم يُرْسل الْكَامِل إِلَيْهِم أحدا وَورد الْخَبَر بِإِقَامَة الْخطْبَة فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 ماردين للْملك الْكَامِل وَضربت السِّكَّة بأحده هُنَاكَ. ثمَّ توالت الرُّسُل من خلاط وَكلهَا تطلب إِلَى الْكَامِل أَن يبْعَث الْأَشْرَف لنجدة الْبَلَد فَبعث الْكَامِل يطْلب عَسَاكِر حلب وحماة وحمص فَخرجت عَسَاكِر حلب إِلَى خلاط وَمَعَهَا الْأَشْرَف ثمَّ ورد الْخَبَر بِأَن الفرنج قد أغارت على بارين وَأَنَّهُمْ نهبوا مَا بهَا وأسروا وَسبوا. وفيهَا مَاتَ الْملك المسعود يُوسُف بن الْملك الْكَامِل بِمَكَّة عَن سِتّ وَعشْرين سنة مِنْهَا مُدَّة ملكه بِالْيمن أَربع عشرَة سنة وَهُوَ آخر مُلُوك بني أَيُّوب بِبِلَاد الْيمن وَترك المسعود ابْنا يُقَال لَهُ صَلَاح الدّين يُوسُف ولقب بِالْملكِ المسعود ولقب أَبِيه وَبَقِي يُوسُف هَذَا حَتَّى مَاتَ فِي سلطنة عَمه الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب صَاحب مصر. ثمَّ ولي ابْنه مُوسَى بن يُوسُف بن يُوسُف بن الْكَامِل مملكة مصر ولقب بالأشرف شركَة مَعَ الْمعز أيبك كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَاشْتَدَّ حزن الْملك الْكَامِل على وَلَده يُوسُف وتسلم مماليكه وخزائنه وَأَوْلَاده وَلبس لشدَّة حزنه الْبيَاض وَكَانَ المسعود قد اسْتخْلف على الْيمن نور الدّين عَليّ بن رَسُول التركماني فتغلب عَلَيْهَا وَبعث إِلَى الْملك الْكَامِل عدَّة هَدَايَا وَقَالَ: أَنا نَائِب السُّلْطَان على الْبِلَاد فاستمر ملك الْيمن فِي عقبه بعد ذَلِك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 (سنة سبع وَعشْرين وسِتمِائَة) أهلت وَالْملك الْكَامِل بحران والخوارزمي على خلاط والأشرف محاصر بعلبك. وفيهَا قدم الْأَمِير فَخر الدّين بن شيخ الشُّيُوخ من بَغْدَاد. وفيهَا ورد رَسُول الإمبراطور ملك الفرنج بكتابه إِلَى الْملك الْكَامِل بحران وَمَعَهُ أَيْضا كتاب للأمير فَخر الدّين بن شيخ الشُّيُوخ. وفيهَا سَار الْكَامِل من حران إِلَى الرقة. وفيهَا استولى الْأَشْرَف بن الْعَادِل على بعلبك بَعْدَمَا أَقَامَ على حصارها عشرَة أشهر وَعوض الأمجد مجد الدّين بهْرَام شاه بن فرخشاه بن شاهنشاه بن نجم الدّين أَيُّوب بن شادي عوضا من بعلبك وأعمالها قصير دمشق والزبداني فَكَانَت مُدَّة ملكه بعلبك تسعا وَأَرْبَعين سنة فَبعث الْكَامِل الْأَمِير فَخر الدّين عُثْمَان الأستادار إِلَى الْأَشْرَف فِي مهمات تتَعَلَّق بِهِ وَولي كَمَال الدّين بن شيخ نَائِبا بالجزيرة. وفيهَا قدم رَسُول السُّلْطَان عَلَاء الدّين كيقباد السلجوقي - صَاحب الرّوم - على الْملك الْكَامِل وَأخْبرهُ بِأَنَّهُ جهز خَمْسَة وَعشْرين ألفا إِلَى أرزنجان وَعشرَة آلَاف إِلَى ملطية وَأَنا حَيْثُ تَأمر. فطاب قلب السُّلْطَان الْكَامِل بذلك وَكَانَ مهتماً من أَمر الْخَوَارِزْمِيّ. وفيهَا سَار الْأَشْرَف صَاحب دمشق من الشَّام إِلَى جِهَة الشرق فوصل إِلَى الْكَامِل وَهُوَ بالرقة وَوصل أَيْضا مَانع بن حَدِيثَة أَمِير الْعَرَب. وفيهَا ملك الْخَوَارِزْمِيّ مَدِينَة خلاط بِحَدّ حِصَار طَوِيل وقتال شَدِيد فِي ثامن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 عشري جُمَادَى الأولى فَوضع السَّيْف فِي النَّاس وأسرف فِي الْقَتْل والنهب فَرَحل الْملك الْكَامِل يُرِيد مصر لأمور مِنْهَا أَنه بلغه موت وَلَده الْملك المسعود صَاحب الْيمن فكتمه وَكَانَ قد ورد عَلَيْهِ أَيْضا من أم وَلَده الْعَادِل كتاب تَشْكُو فِيهِ من ابْنه الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب وَأَنه قد عزم على التوثب على الْملك وَاشْترى جمَاعَة كَبِيرَة من المماليك الأتراك وَأَنه أَخذ مَالا جزيلاً من التُّجَّار وأتلف جملَة من مَال بَيت المَال وَمَتى لم تتدارك الْبِلَاد وَإِلَّا غلب عَلَيْهَا وأخرجني أَنا وابنك الْملك الْعَادِل مِنْهَا فانزعج الْكَامِل لذَلِك وَغَضب غَضبا شَدِيدا ثمَّ ورد عَلَيْهِ الْخَبَر بَان ابْنه الصَّالح اشْترى ألف مَمْلُوك فعزم على الرحيل إِلَى مصر فرتب الطواشي شمس الدّين صَوَاب العادلي نَائِبا فِي أَعمال الْمشرق وَأَعْطَاهُ إقطاع أَمِير مائَة فَارس زِيَادَة على مَا بِيَدِهِ من الديار المصرية وَهِي أَعمال أخميم بكمالها وقاي والقايات ودجوة بإمرة مِائَتَيْنِ وَخمسين فَارِسًا فَصَارَ أَمِير ثَلَاثمِائَة وَخمسين فَارِسًا ورتب الْملك الْكَامِل كَمَال الدّين ابْن شيخ الشُّيُوخ وزيرا وَتوجه الْكَامِل إِلَى مصر فَدَخلَهَا فِي رَجَب وَتغَير على ابْنه الْملك الصَّالح تغيراً كثيرا وَقبض على جمَاعَة من أَصْحَابه وسجنهم وألزمهم إِحْضَار الْأَمْوَال الَّتِي فرط فِيهَا الْملك الصَّالح وخلع الصَّالح من ولَايَة الْعَهْد. وفيهَا وَاقع الْملك عَلَاء الدّين كيقباد السُّلْطَان جلال الدّين خوارزم شاه وكسره وَقتل كثيرا مِمَّن كَانَ مَعَه وخلص جلال الدّين فِي عدَّة من أَصْحَابه إِلَى تبريز وَكَانَ ذَلِك فِي سَابِع عشري رَمَضَان فَملك الْأَشْرَف - صَاحب دمشق - مَدِينَة خلاط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 وفيهَا بلغ قاع النّيل بمقياس مصر ذراعين وانتهت زِيَادَة مَاء النّيل ثَلَاثَة عشر ذِرَاعا وَثَلَاثَة عشر إصبعا لَا غير فارتفعت الأسعار. وفيهَا قصد الفرنج حماة فأوقع بهم المظفر تَقِيّ الدّين وَقتل عدَّة مِنْهُم وَأسر كثيرا وَذَلِكَ فِي رَمَضَان. وفيهَا مَاتَ الْملك الأمجد مجد الدّين بهْرَام شاه بن فرخشاه بن شاهنشاه بن نجم الدّين أَيُّوب - صَاحب بعلبك - لَيْلَة الْأَرْبَعَاء ثامن عشر شَوَّال وَكَانَت مُدَّة ملكه تسعا وَأَرْبَعين سنة وَكَانَ أديباً شَاعِرًا. وَمَات الْملك الظافر خضر بن صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب وَكَانَ يعرف بالمشمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 سنة ثَمَان وَعشْرين وسِتمِائَة وفيهَا انْفَرد الْعَزِيز صَاحب حلب بِالْملكِ وَقد بلغ ثَمَانِي عشرَة سنة وتسلم الخزائن من أتابكه شهَاب الدّين طغريل ففام بتدبير الْملك قيَاما مشكوراً وسير القَاضِي بهاء الدّين بن شَدَّاد إِلَى الْملك الْكَامِل بِسَبَب إِحْضَار صَفِيَّة خاتون ابْنة الْكَامِل - وَهِي زَوْجَة الْعَزِيز - فَأَقَامَ بِالْقَاهِرَةِ حَتَّى سنة تسع وَعشْرين وسِتمِائَة وفيهَا قدم الْأَشْرَف من دمشق على الْملك الْكَامِل وَمَعَهُ الْملك الْمُعظم - صَاحب الجزيرة - فِي عَاشر جُمَادَى الأولى فسر السُّلْطَان بقدومهما. وفيهَا سَار الْملك الْكَامِل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَترك الْأَشْرَف بِالْقَاهِرَةِ واستصحب مَعَه صَاحب الجزيرة بَعْدَمَا أنعم عَلَيْهِ إنعاماً موفوراً. وفيهَا تحرّك التتر. وفيهَا قدم الْملك مجير الدّين بن الْعَادِل إِلَى الْقَاهِرَة وَكَانَ مأسوراً عِنْد الْخَوَارِزْمِيّ فسر بِهِ الْكَامِل وأكرمه هُوَ وَأَخُوهُ تَقِيّ الدّين عَبَّاس. وفيهَا مَاتَ السُّلْطَان جلال الدّين خوارزم شاه بَعْدَمَا هَزَمه التتر بِبَعْض قرى ميافارقين قَتله بعض الأكراد. وفيهَا وصل التتر إِلَى إربل وَقتلُوا من الْمُسلمين مَا لَا يُحْصى عَددهمْ إِلَّا خالقهم. وفيهَا شرع الْملك الْكَامِل فِي حفر بَحر النّيل الَّذِي فِيمَا بَين المقياس وبر مصر وَعمل فِيهِ بِنَفسِهِ وَاسْتعْمل الْمُلُوك والأمراء والجند فَلَمَّا فرغ من الْحفر صَار فِي أَيَّام احتراق النّيل يمشي من المقياس وَالرَّوْضَة إِلَى بر الجيزة وَاسْتمرّ المَاء فِيمَا بَين مصر وَالرَّوْضَة لَا يَنْقَطِع فِي زمن الاحتراق الْبَتَّةَ وَكَانَ السُّلْطَان قد قسط حفر هَذَا الْبَحْر على الدّور الَّتِي بِالْقَاهِرَةِ ومصر وَالرَّوْضَة بالمقياس وَاسْتمرّ الْعَمَل فِيهِ - من مستهل شعْبَان إِلَى آخر شَوَّال - مُدَّة ثَلَاثَة أشهر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 وفيهَا قدم رَسُول الْخَلِيفَة الْمُسْتَنْصر بِاللَّه بِالْخلْعِ والتقليد للْملك الْكَامِل وميز بِزِيَادَات كَثِيرَة لم تفعل فِي حق غَيره من السلجوقية وَغَيرهم ووردت خلع للْملك الْأَشْرَف أَيْضا. وفيهَا تسلطن عمر بن عَليّ بن رَسُول بِالْيمن وَنشر دَعوته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 سنة تسع وَعشْرين وسِتمِائَة فيهمَا تكمل اسْتِيلَاء التتر على إقليم أرمينية وخلاط وَسَائِر مَا كَانَ بيد الْخَوَارِزْمِيّ. فاهتم الْخَلِيفَة الْمُسْتَنْصر بِاللَّه غَايَة الاهتمام وسير عدَّة رسل يستنجد الْأَشْرَف من مصر ويستنجد العربان وَغَيرهم وَأخرج الْخَلِيفَة الْأَمْوَال فَوَقع الِاسْتِخْدَام فِي جَمِيع الْبِلَاد لحركة التتر. وفيهَا خرج الْملك الْكَامِل من الْقَاهِرَة فِي جُمَادَى الْآخِرَة واستخلف على مصر ابْنه الْملك الْعَادِل أَبَا بكر وَأَسْكَنَهُ قلعة الْجَبَل مَعَ أمه واخرج الصَّالح أَيُّوب مَعَه وَقدم الْأَشْرَف - والمعظم صَاحب الجزيرة - بالعساكر وَمضى الْكَامِل جَرِيدَة إِلَى الشوبك والكرك وَسَار إِلَى دمشق وَمَعَهُ النَّاصِر دَاوُد صَاحب الكرك بعساكره وَقد زوجه بابنته عَاشُورَاء خاتون وَعقد عقده عَلَيْهَا بِمَنْزِلَة اللجون وَأقَام الْكَامِل بِدِمَشْق يسرح العساكر وَجعل فِي مقدمتها ابْنه الْملك الصَّالح أَيُّوب وَورد الْخَبَر بِدُخُول التتر بِلَاد خلاط فأسرع الْكَامِل فِي الْحَرَكَة وَخرج من دمشق فَنزل سليمَة - وَقد اجْتمع فِيهَا بعساكر يضيق بهَا الفضاء - وَسَار مِنْهَا فِي أخريات رَمَضَان على الْبَريَّة وَتَفَرَّقَتْ العساكر فِي عدَّة طرق لكثرتها فَهَلَك مِنْهَا عدَّة كَثِيرَة من النَّاس وَالدَّوَاب لقلَّة المَاء وأتته رسل مُلُوك الْأَطْرَاف وهم عز الدّين بيقرا وفخر الدّين بن الدَّامغَانِي رسل الْخَلِيفَة الْمُسْتَنْصر بِاللَّه وألبسوه خلعة السلطنة فاستدعي الْكَامِل عِنْد ذَلِك رسل الْخَوَارِزْمِيّ وَرَسُول الكرج ورسل حماة وحمص وَرَسُول الْهِنْد ورسل الفرنج ورسل أتابك سعد صَاحب شيراز ورسل صَاحب الأندلس وَلم تَجْتَمِع هَذِه الرُّسُل عِنْد ملك فِي يَوْم وَاحِد قطّ غَيره وَقدم عَلَيْهِ بهاء اللين اليزدي - شيخ رِبَاط الخلاطية - من بَغْدَاد وَجَمَاعَة من النخاس يحثونه على الْغُزَاة. فَرَحل التتر عَن خلاط بعد منازلتها عدَّة أَيَّام وَجَاء الْخَبَر برحيلهم والكامل بحران فَجهز عماد الدّين بن شيخ الشُّيُوخ رَسُولا إِلَى الْخَلِيفَة وَسَار إِلَى الرها وَقدم العساكر إِلَى آمد وَسَار بعدهمْ فَنزل على آمد وَنصب عَلَيْهَا عدَّة مجانيق فَبعث إِلَيْهِ صَاحبهَا يستعطفه ويبذل لَهُ مائَة ألف وللأشرف عشْرين ألف دِينَار فَلم يقبل ومازال عَلَيْهَا حَتَّى أَخذهَا فِي سادس عشري ذِي الْحجَّة وَحضر صَاحبهَا إِلَيْهِ بِأَمَان فَوكل بِهِ حَتَّى سلم جَمِيع حصونها فاعطى السُّلْطَان حصن كيفا لِابْنِهِ الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب - وفيهَا وَردت هَدِيَّة من ماردين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 وفيهَا سَار ابْن شَدَّاد من الْقَاهِرَة بالستر العالي الصاحبة غَازِيَة خاتون ابْنة الْكَامِل وَزَوْجَة الْملك المظفر صَاحب حماة والستر العالي الصاحبة فَاطِمَة ابْنة الْكَامِل وَزَوْجَة الْملك الْعَزِيز صَاحب حلب وَخرج مَعهَا أَيْضا الْأَمِير فَخر الدّين البانياسي والشمريف شمس الدّين قَاضِي الْعَسْكَر. وفيهَا مَاتَ الْأَمِير فَخر الدّين عُثْمَان بن قزل أستادار الْملك الْكَامِل وَصَاحب المدوسة الفخرية بِالْقَاهِرَةِ فِي ثامن عشر ذِي الْحجَّة بحران. وفيهَا بعث الْملك الْمَنْصُور عمر بن عَليّ بن رَسُول صَاحب الْيمن عسكراً إِلَى مَكَّة فِيهِ الشريف رَاجِح بن قَتَادَة فملكها من الْأَمِير شُجَاع الدّين طغتكين نَائِب الْملك الْكَامِل فِي ربيع الآخر. وفر شُجَاع الدّين إِلَى نَخْلَة ثمَّ إِلَى يَنْبع وَكتب يعلم الْملك الْكَامِل بذلك فَبعث إِلَيْهِ الْكَامِل عسكراً سَار هم إِلَى مَكَّة فقدموها فِي شهر رَمَضَان وملكوها بَعْدَمَا قتلوا جمَاعَة، (وَكَانَ مقدم الْعَسْكَر الْأَمِير فَخر الدّين يُوسُف بن الشَّيْخ.) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 سنة ثَلَاثِينَ وسِتمِائَة فِيهَا أنعم الْكَامِل على ابْنه الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب بحصن كيفا وسيره إِلَيْهَا وَعَاد هُوَ إِلَى الديار المصرية وَمَعَهُ الْملك المسعود صَاحب آمد فَلَمَّا وصل قلعة الْجَبَل أفرج عَنهُ وَأحسن إِلَيْهِ وَأَعْطَاهُ إمرة بديار مصر. وفيهَا قبض الْكَامِل على جمَاعَة من الْأُمَرَاء المصرية. وفيهَا استولى الْملك المظفر صَاحب حماة على حصن بارين وانتزعه من أَخِيه النَّاصِر قلج أرسلان فَسَار قلج أرسلان إِلَى خَاله الْكَامِل فَقبض عَلَيْهِ واعتقله فِي قلعة الْجَبَل حَتَّى مَاتَ. وفيهَا جهز الْملك الْكَامِل عسكراً من الغز والعربان إِلَى يَنْبع من أَرض الْحجاز - عَلَيْهِم عَلَاء الدّين آق سنقر الزَّاهدِيّ - فِي شَوَّال وعدتهم سَبْعمِائة وَسبب ذَلِك وُرُود الْخَبَر بمسير الشريف رَاجِح من الْيمن بعسكر إِلَى مَكَّة وَأَنه قدمهَا فِي صفر وَأخرج من بهَا من المصريين بِغَيْر قتال فَقدم الزَّاهدِيّ فِي الْمَوْسِم وتسلم مَكَّة وَحج بِالنَّاسِ وَترك بِمَكَّة ابْن محلي وَمَعَهُ خَمْسُونَ فَارِسًا وَرجع إِلَى مصر. وفيهَا توفّي الْفَخر سُلَيْمَان بن مَحْمُود بن أبي غَالب الدِّمَشْقِي كَاتب الْإِنْشَاء. فَاسْتَحْضر الْملك الْكَامِل نَاسِخا يُقَال لَهُ الْأمين الْحلَبِي كَانَ عِنْد الْأَمِير عز الدّين أيبك - أستادار الْملك الْمُعظم - فِي خدمته يكْتب لَهُ فَلَمَّا حضر الْأمين ليكتب بَين يَدَيْهِ خلع عَلَيْهِ وَأَعَادَهُ إِلَى صَاحبه فتزهد استحياء من النَّاس وَبعث الْكَامِل إِلَى ميافارقين فأحضر الْجلَال بن نباتة ليستكنبه فَلَمَّا حضر خلع عَلَيْهِ وَأَعَادَهُ وَلم يستكتبه الْأَشْرَف صَاحب دمشق. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشر رَمَضَان: سلطن الْملك الْكَامِل وَلَده الْملك الْعَادِل سيف الدّين أَبَا بكر وأركبه بشعار السلطنة وشق بِهِ الْقَاهِرَة وعمره يَوْمئِذٍ إِحْدَى عشرَة سنة وَكَانَ الْكَامِل يُحِبهُ وَيُحب أمه حبا زَائِدا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 وَفِي ذِي الْقعدَة: وصل محيي الدّين يُوسُف بن الْجَوْزِيّ من بَغْدَاد بالتقليد من الْخَلِيفَة الْمُسْتَنْصر بِاللَّه للْملك الْكَامِل. وفيهَا أبطل السُّلْطَان الْمُعَامَلَة بالفلوس فِي الْقَاهِرَة ومصر فَتلف مَال كثير للنَّاس. وفيهَا مَاتَ الْأَمِير حسام الدّين مَانع بن حَدِيثَة أَمِير العربان من آل فضل فَأمر الْأَشْرَف بعده ابْنه مهنا. وفيهَا قدم النَّاصِر دَاوُد صَاحب الكرك إِلَى مصر فَنزل بدار الوزارة من الْقَاهِرَة وَركب فِي خدمَة عَمه الْملك الْكَامِل. وفيهَا مَاتَ الْعَزِيز فَخر الدّين عُثْمَان بن الْعَادِل بِدِمَشْق يَوْم الِاثْنَيْنِ عَاشر رَمَضَان. فِيهَا مَاتَ الْملك الْمُعظم مظفر الدّين كوكبري بن زين الدّين عَليّ كوجك ملك إربل فِي تَاسِع عشري شعْبَان عَن أَربع وَثَمَانِينَ سنة وَكَانَ يهتم بِعَمَل المولد النَّبَوِيّ فِي كل سنة اهتماماً زَائِدا فتسلم إربل من بعده نواب الْخَلِيفَة وَصَارَت مُضَافَة إِلَى مملكة بَغْدَاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة فِيهَا قصد السُّلْطَان عَلَاء الدّين كيقباد بن كيخسرو السلجوقي صَاحب بِلَاد الرّوم مَدِينَة خلاط فَخرج الْملك الْكَامِل من الْقَاهِرَة بعسكره لَيْلَة السبت خَامِس شعْبَان واستناب ابْنه الْملك الْعَادِل فوصل إِلَى دمشق وَكتب إِلَى مُلُوك بني أَيُّوب يَأْمُرهُم بالتجصز للمس! ر بعساكرهم إِلَى بِلَاد الرّوم وَخرج الْكَامِل من دمشق فَنزل على سليمَة فِي شهر رَمَضَان ورتب عساكره وَسَار إِلَى منبج فَقدم عَلَيْهِ عَسْكَر حلب وَغَيره من العساكر فَسَار وَقد صَار مَعَه سِتَّة عشر دهليزاً لسِتَّة عشر ملكا - وَقيل بل كَانُوا ثَمَانِيَة عشر ملكا فعرضهم الْكَامِل على إلبيرة أطلابا بأسلحتهم فلكثرة مَا أعجب بِنَفسِهِ قَالَ: هَذِه العساكر لم تَجْتَمِع لأحد من مُلُوك الْإِسْلَام. وَأمر بهَا فسارت شَيْئا بعد شَيْء نَحْو الدربند وَقد جد السُّلْطَان عَلَاء الدّين فِي حفظ طرقاته بالمقاتله وَنزل الْكَامِل على النَّهر الْأَزْرَق وَهُوَ بِأول بلد الرّوم وَنزل عَسَاكِر الرّوم فِيمَا بَينه وَبَين الدربند وأخفوا عَلَيْهِ رَأس الدربند وبنوا علمه سوراً يمْنَع العساكر من الطُّلُوع وقاتلوا من اعلاه فَقلت الأقوات عِنْد عَسْكَر الْكَامِل وَاتفقَ - مَعَ قلَّة الأقوات وَامْتِنَاع الدربند - نفور مُلُوك بني أَيُّوب من الْملك الْكَامِل بِسَبَب أَنه حفظ عَنهُ أَنه لما أَعْجَبته كَثْرَة عساكره بالبيرة قَالَ لخواصه: إِن صَار لنا ملك الرّوم فَإنَّا نعوض مُلُوك الشَّام والشرق مملكة الرّوم بدل مَا بِأَيْدِيهِم ونجعل الشَّام والشرق مُضَافا إِلَى ملك مصر. فحذر من ذَلِك الْمُجَاهِد صَاحب حمص وَأعلم بِهِ الْأَشْرَف مُوسَى صَاحب دمشق فأوجس فِي نَفسه خيفة مُوسَى وأحضر بني عَمه وأقاربه من الْمُلُوك وأعلمهم ذَلِك فاتفقوا على الْملك الْكَامِل وَكَتَبُوا إِلَى السُّلْطَان عَلَاء الدّين بالميل مَعَه وخذلان الْكَامِل وسيروا الْكتب بذلك فاتفق وُقُوعهَا فِي يَد الْملك الْكَامِل فكتمها ورحل رَاجعا فَأخذ السُّلْطَان عَلَاء الدّين طيقباد - ملك الرّوم - قلعة خرتبرت وست قلاع أخر كَانَت مَعَ الْمُلُوك الأرتقية فِي ذِي الْقعدَة فَاشْتَدَّ حنق الْملك الْكَامِل لما حصل على أمرائه وعساكره من صَاحب الرّوم فِي قلاع خرتبرت وَنسب ذَلِك إِلَى أَهله من الْمُلُوك فتنكر مَا بَينه وَبينهمْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 وفيهَا مَاتَ الْملك الْمفضل قطب الدّين مُوسَى بن السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب فِي ذِي وفيهَا بعث الْمَنْصُور عمر بن على بن رَسُول - ملك الْيمن - عسكراً وخزانة مَال إِلَى الشريف رَاجِح بن قَتَادَة فَأخْرج من بِمَكَّة من المصريين. وفيهَا حضر الشَّيْخ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عمر الْقُرْطُبِيّ جماعاً بزقاق الطباخ بِمَدِينَة مصر فِي أول يَوْم من شهر رَجَب وَكَانَ هُنَاكَ الشَّيْخ أَبُو عبد الله الْقرشِي وَأَبُو عَبَّاس الْقُسْطَلَانِيّ وَجَمَاعَة غَيرهمَا فَلَمَّا أنْشد القوال صفق أَبُو يُوسُف الدهماني بيدَيْهِ وارتفع عَن الأَرْض متربعا إِلَى أَن بلغ إِلَى أنبدارية الْمجْلس وَدَار ثَلَاث دورات ثمَّ نزل إِلَى مَكَانَهُ فَقَامَ الشَّيْخ الْقُرْطُبِيّ وَقدر ارْتِفَاع الأنبدارية فَكَانَ أطول من قامته رَافعا يَدَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة فِيهَا عَاد الْملك الْكَامِل إِلَى قلعة الْجَبَل من بِلَاد الشرق - فِي جُمَادَى الأولى - وَقد توحش مَا بَينه وَبَين أَخِيه الْأَشْرَف - صَاحب دمشق - وَغَيره من الْمُلُوك. فَقبض الْكَامِل على المسعود صَاحب آمد واعتقله فِي برج هُوَ وَأَهله يَوْم الِاثْنَيْنِ سادس عشر جُمَادَى الأولى لممالأته لَهُم فَملك صَاحب الرّوم وحران بِالسَّيْفِ وَعَاد إِلَى بِلَاده بعد مَا استولى على مَا كَانَ بهما من الْأَمْوَال فَلَمَّا بلغ الْكَامِل ذَلِك أَمر العساكر أَن تتجهز للمسير إِلَى الشرق وأقطع ابْن الْأَمِير صَلَاح الدّين الإربلي صنافير بالقليوبية وَجعل أقَارِب وَالِده ومماليكه مَعَه وعدتهم سَبْعَة عشر رجلا. وفيهَا بعث ابْن رَسُول إِلَى الشريف رَاجِح بن قَتَادَة بخزانة مَال ليستخدم عسكراً فَلم يتَمَكَّن من ذَلِك لِأَنَّهُ بلغه أَن السُّلْطَان الْملك الْكَامِل بعث الْأَمِير أَسد الدّين جغريل أحد المماليك الكاملية إِلَى مَكَّة بسبعمائة فَارس وَحضر جغريل إِلَى مَكَّة ففر مِنْهُ الشريف رَاجِح بن قَتَادَة إِلَى الْيمن وَملك جغريل مَكَّة فِي شهر رَمَضَان وَأقَام الْعَسْكَر بهَا. وفيهَا مَاتَ الْملك الزَّاهِر أَبُو سُلَيْمَان مجير الدّين دَاوُد بن صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب - صَاحب البيرة - فِي سَابِع صفر فاستولى الْعَزِيز - صَاحب حلب - عَلَيْهَا من بعده. وفيهَا مَاتَ الْأَمِير شمس الدّين صَوَاب - الطواشي الكاملي - بحران فِي أَوَاخِر شهر رَمَضَان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 سنة ثَالِث وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة فِيهَا اسْتمرّ وباء كثير بِمصْر مُدَّة ثَلَاثَة أشهر فَمَاتَ بِالْقَاهِرَةِ ومصر خلق كثر بلغت عدتهمْ زِيَادَة على اثْنَي عشر ألفا سوى من مَاتَ بالريف. وفيهَا سَار التتر إِلَى جِهَة الْموصل فَقتلُوا ونهبوا وَسبوا. وفيهَا سَار النَّاصِر دَاوُد - صَاحب الكرك - إِلَى الْخَلِيفَة الْمُسْتَنْصر بِاللَّه خوفًا من عَمه الْملك الْكَامِل فَإِنَّهُ كَانَ قد ألزمهُ حَتَّى طلق ابْنة الْكَامِل فخشي أَن ينتزع مِنْهُ الكرك فوصل إِلَى بَغْدَاد فَأكْرمه الْخَلِيفَة وَمنعه من الِاجْتِمَاع بِهِ رِعَايَة للْملك الْكَامِل ثمَّ اجْتمع بِهِ سرا وخلع عَلَيْهِ وَبعث مَعَه رَسُولا مشربشاً من خواصه إِلَى الْكَامِل يشفع فِيهِ فَلَمَّا وصل الرَّسُول إِلَى الْكَامِل تَلقاهُ وَقبل الشَّفَاعَة. وفيهَا سَار الْملك الْكَامِل من الْقَاهِرَة بعساكره يُرِيد بِلَاد الشرق فنازل الرها حَتَّى أَخذهَا يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَالِث عشر جُمَادَى الأولى وَأسر مِنْهَا زِيَادَة على ثَمَانمِائَة من الْأُمَرَاء وَهدم قلعتها ونازل حران وَأَخذهَا بعد حِصَار وقتال فِي رَابِع عشر جُمَادَى الآخر وَأسر من كَانَ بهَا من أجناد السُّلْطَان عَلَاء الدّين وأمرائه ومقدميه الصوباشية وَكَانُوا سَبْعمِائة وَخَمْسَة وَعشْرين رجلا فَمَاتَ كثير مِنْهُم فِي الطرقات ثمَّ نزل الْكَامِل على دنيسر وخربها. فورد عَلَيْهِ الْخَبَر بِأَن التتر قد وصلوا إِلَى سنجار فِي مائَة طلب كل طلب خَمْسمِائَة فَارس وَأخذ الْكَامِل قلعة السويداء عنْوَة وَأسر من بهَا فِي سَابِع عشر جُمَادَى الآخر وهدمها وَأخذ قطينا وَأسر من بهَا فِي رَجَب. وَفِي تَاسِع عشره: بعث الْكَامِل جَمِيع الأسرى إِلَى ديار مصر وعدتهم تزيد على الثَّلَاثَة آلَاف وفيهَا هدمت دنيسر وعدة بِلَاد كَثِيرَة من بِلَاد صَاحب ماردين. وفيهَا خرج عَسْكَر الرّوم بعد عود الْكَامِل وحاصر آمد وأخرب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 دَارا فِي خَامِس ذِي الْقعدَة. وفيهَا استولى الفرنج على مَدِينَة قرطبة بالأندلس. وفيهَا قدم أنبا كيرلس دَاوُد بن لقلق بطركا على الْإسْكَنْدَريَّة لليعاقبة فِي يَوْم الْأَحَد ثَالِث عشري بؤونة سنة إِحْدَى وَخمسين وَتِسْعمِائَة للشهداء الْمُوَافق لتاسع عشري رَمَضَان فَأَقَامَ فِي البطركية سبع سِنِين وَتِسْعَة أشهر وَعشرَة أَيَّام وَكَانَ عَالما محباً للرياسة وَجمع المَال وَأخذ الشرطونية وَكَانَت أَرض مصر قد خلت من الأساقفة قبل اعتلائه كرْسِي البطركية فَقدم جمَاعَة من الأساقفة بِمَال كَبِير وَمَرَّتْ بِهِ شَدَائِد كَثِيرَة فَإِن الراهب عماد المرشار كَانَ قد سعى فِي ولَايَته البطركية وَشرط عَلَيْهِ أَلا يقدم أسقفا إِلَّا بِرَأْيهِ فَلم يَفِ لَهُ وَلَا الْتفت إِلَيْهِ فانحرف عَنهُ ورافعه فَوكل عَلَيْهِ وعَلى عدَّة من أَقَاربه وألزامه وَقَامَ أَيْضا عَلَيْهِ الشَّيْخ السّني بن التعبان الراهب وعانده وَذكر مثالبه وَأَنه إِنَّمَا تقدم بالشوة وَأَنه أَخذ الشرطونية فَلَا تصح لَهُ كهنوتية على حكم القوانين وَمَال مَعَه جمَاعَة وعقدوا لَهُ مَجْلِسا بِحُضُور الصاحب - معِين الدّين بن شيخ الشُّيُوخ فِي أَيَّام الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب وأثبتوا عَلَيْهِ أموراً شنعة وعزموا على خلعه فَقَامَ مَعَه الْكتاب المستوفون بديار مصر وتحدثوا مَعَ الصاحب معِين الدّين فقرر مَالا حمله البطريك إِلَى السُّلْطَان وَاسْتمرّ أنبا كيرلس على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 بطركيته حَتَّى مَاتَ يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع عشر برمهات سنة تِسْعمائَة وتسع وَخمسين للشهداء الْمُوَافق لسابع رَمَضَان سنة أَرْبَعِينَ وسِتمِائَة وخلا الْكُرْسِيّ بعده سبع سِنِين وَسِتَّة أشهر وَسِتَّة وَعشْرين يَوْمًا. وفيهَا بعث الْملك الْمَنْصُور عمر بن عَليّ بن رَسُول - ملك الْيمن - عسكراً إِلَى مَكَّة مَعَ الشهَاب بن عبد الله وَمَعَهُ خزانَة مَال فقاتله المصريون وأسروه وَحَمَلُوهُ إِلَى الْقَاهِرَة مُقَيّدا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة فِيهَا سَار الْملك الْكَامِل من دمشق يُرِيد الْقَاهِرَة فوصل إِلَيْهَا وَصعد قلعة الْجَبَل فِي ثمَّ خرج إِلَى دمياط فَقدم عَلَيْهِ محيي الدّين يُوسُف بن الْجَوْزِيّ رَسُولا من الْخَلِيفَة وَهُوَ بهَا وسافر محيي الدّين إِلَى السُّلْطَان عَلَاء الدّين كيقباد بن غياث الدّين كيخسرو بن قلج أرسلان - صَاحب الرّوم - وَمَعَهُ الْحَافِظ زكي الدّين عبد الْعَظِيم المنفري رَسُولا من جِهَة الْملك الْكَامِل. وفيهَا مَاتَ الْملك الْعَزِيز غياث الدّين مُحَمَّد بن الظَّاهِر غَازِي بن صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب - صَاحب حلب - يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشري شهر ربيع الأول عَن ثَلَاث وَعشْرين سنة وَأشهر وَقَامَ من بعده ابْنه النَّاصِر صَلَاح الدّين أَبُو المظفر يُوسُف وعمره نَحْو السَّبع سِنِين وَقَامَ بتدبير أمره الأميران لُؤْلُؤ الأميني وَعز الدّين عمر بن محلي وَبَينهمَا وَزِير الدولة جمال الدّين الأكرم يُرَاجع السّتْر الرفيع صَفِيَّة خاتون ابْنة الْملك الْعَادِل على لِسَان جمال الدولة إقبال وَحضر الْأَمِير بدر الدّين بدر بن أبي الهيجاء وزين الدّين قَاضِي حلب إِلَى الْملك الْكَامِل بزردية الْعَزِيز وكزا غنده وخوذته ومركوبه فأظهر الْكَامِل الْأَلَم لمَوْته وَقصر فِي إكرامهما وَحلف للناصر وَشرط أَشْيَاء وَأعَاد الرسولين ثمَّ أرسل خلعة للناصر بِغَيْر مركوب وَمَعَهَا عدَّة خلع لِلْأُمَرَاءِ الحلبيين وخلعة للصالح صَلَاح الدّين أَحْمد بن الظَّاهِر غَازِي صَاحب عينتاب فاستوحشت أم الظَّاهِر من أَخِيهَا الْكَامِل وَلم توَافق على لبس أحد من الْأُمَرَاء الْخلْع فَلبس النَّاصِر وَحده خلعة الْكَامِل ورد الرَّسُول الْوَارِد إِلَى الصَّالح صَلَاح الدّين بخلعته. وفيهَا تنكر الْأَشْرَف - صَاحب دمشق - على الْملك الْكَامِل وراسل أهل حلب فوافقوه على منع الْكَامِل من بِلَاد الشَّام ومكاتبة السُّلْطَان عَلَاء الدّين صَاحب الرّوم ليَكُون مَعَهم فانتظمت كلمة مُلُوك الشَّام على مُخَالفَة الْملك الْكَامِل فانزعج الْملك الْكَامِل وَعز ذَلِك عَلَيْهِ وَكَانَ حييّ بلغه الْخَبَر بالإسكندرية فَخرج مِنْهَا لَيْلًا وَسَار إِلَى قلعة الْجَبَل وَشرع فِي تَدْبِير أمره فاتفق موت السُّلْطَان عَلَاء الدّين كيقباد بن غياث الدّين كيخسرو بن قلج أرسلان - ملك الرّوم - وَقيام وَلَده غياث الدّين كيخسرو بن عَلَاء الدّين كيقباد من بعده فِي سَابِع شَوَّال قبل اجتماعه بِالْحَافِظِ زكي الدّين عبد الْعَظِيم الْمُنْذِرِيّ رَسُول السُّلْطَان فَبعث مُلُوك الشَّام رسلهم إِلَى السُّلْطَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 غياث الدّين كيخسرو بن عَلَاء الدّين كيقباد بن كيخسرو بن قلج أرسلان السلجوقي - صَاحب الرّوم - يعزونه فِي أَبِيه ويحلفونه على مَا اتَّفقُوا عَلَيْهِ من مُخَالفَة الْملك الْكَامِل وَشر الْكَامِل أفضل الدّين مُحَمَّد الخونجي يعزي غياث الدّين بِأَبِيهِ وَمَعَهُ ذهب برسم الصَّدَقَة عَنهُ وَثيَاب أطلس برسم أغشية الْقَبْر. وفيهَا كَانَ الوباء أَشد من السّنة الْمَاضِيَة. وفيهَا ضرب الْملك الْكَامِل الْفُلُوس. وفيهَا بعث الْملك الْكَامِل القَاضِي الْأَشْرَف بن القَاضِي الْفَاضِل إِلَى الْملك النَّاصِر دَاوُد - صَاحب الكرك - يَدعُوهُ إِلَى مُوَافَقَته. فَرَحل الْملك النَّاصِر إِلَى الْقَاهِرَة مَعَ القَاضِي الْأَشْرَف فسر الْكَامِل بقدومه وَركب إِلَى لِقَائِه وأنزله بحار الوزارة وَقدم لَهُ أَشْيَاء كَثِيرَة وخلع عَلَيْهِ وقلده الْكَامِل دمشق وَأمر من عِنْده من الْأُمَرَاء والملوك الأيوبية فحملوا الغاشية بَين يَدَيْهِ بالنوبة فَكَانَ أول من حملهَا الْملك الْعَادِل أَبُو بكر بن الْكَامِل ثمَّ الْبَقِيَّة وَاحِدًا بعد وَاحِد إِلَى أَن صعد قلعة الْجَبَل وجدد النَّاصِر عقده على مطلقته عَاشُورَاء خاتون ابْنة الْكَامِل فِي تَاسِع عشر ذِي الْحجَّة فَلَمَّا بلغ الْأَشْرَف ذَلِك أوقع الحوطة على نابلس وَأخذ مَا كَاد فِيهَا للناصر دَاوُد. وفيهَا سير الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب بن الْكَامِل صَاحب حصن كيفا يسْتَأْذن أَبَاهُ فِي اسْتِخْدَام من خَالف السُّلْطَان غياث الدّين كيخسرو - صَاحب الرّوم - من الخوارزمية فَأذن لَهُ فِي ذَلِك واستخدمهم عِنْده بالبلاد الجزرية فتقوى بهم. وفيهَا استولى التتار على إربل وَقتلُوا كل من فِيهَا وَسبوا ونهبوا حَتَّى نتنت من كَثْرَة الْقَتْلَى ثمَّ رحلوا عَنْهَا. وفيهَا قدم من جِهَة مُلُوك الشَّام إِلَى الْملك الْكَامِل رَسُول فَبَلغهُ عَنْهُم أَنهم قَالُوا: إِنَّا اتّفقت كلمتنا عَلَيْك فَلَا تخرج من مصر إِلَى الشَّام واحلف لنا على ذَلِك. فاتفق مرض الْأَشْرَف بِالْقربِ فَكَانَ لَا يسْتَقرّ بباطنه طَعَام الْبَتَّةَ حَتَّى انْقَضتْ السّنة وَهُوَ مَرِيض من شهر رَجَب. وفيهَا قدم عَسْكَر من الْيمن إِلَى مَكَّة فحاربهم الْأَمِير أَسد الدّين جغريل وكسرهم فَقدم الْملك الْمَنْصُور عمر بن رَسُول وَملك مَكَّة بِغَيْر قتال وَتصدق بِمَال وَترك بهَا جمَاعَة فَقدم الشريف شيحة بن قَاسم - أَمِير الْمَدِينَة - وَملك مَكَّة مِنْهُم ونهبهم وَلم يقتل أحدا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 (سنة خمس وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة) فِيهَا مَاتَ الْأَشْرَف مُوسَى بن الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب - صَاحب دمشق بهَا - يَوْم الْخَمِيس رَابِع الْمحرم وعمره نَحْو من سِتِّينَ سنة وَمُدَّة ملكه بِدِمَشْق ثَمَانِي سِنِين وَأشهر وَلم يتْرك سوى ابْنة تزَوجهَا الْملك الْجواد يُونُس بن مودود بن الْملك الْعَادِل فَقَامَ من بعده بِدِمَشْق أَخُوهُ الْملك الصَّالح عماد الدّين إِسْمَاعِيل صَاحب بصرى بِعَهْد من أَخِيه لَهُ فاستوفى الْملك الصَّالح عماد الدّين على دمشق وبعلبك وَبعث ابْنه الْملك الْمَنْصُور مَحْمُودًا إِلَى الشرق ليتسلم سنجار ونصيبين والخابور من نواب الشرق وَبعث إِلَى الْمُجَاهِد صَاحب حمص وَالِي المظفر صَاحب حماة وَإِلَى الحلبيين أَيْضا ليحلفوا لَهُ ويتفقوا مَعَه - على الْقَاعِدَة الَّتِي تقررت بَينهم وَبَين الْأَشْرَف - على مُخَالفَة الْكَامِل فَأَجَابُوا إِلَّا صَاحب حماة فَإِنَّهُ مَال مَعَ الْكَامِل وَبعث إِلَيْهِ يُعلمهُ بميله إِلَيْهِ فسر الْكَامِل بذلك ثمَّ إِن الْملك الصَّالح عماد الدّين صادر جمَاعَة من الدماشقة الَّذين قيل عَنْهُم إِنَّهُم مَعَ الْملك الْكَامِل مِنْهُم الْعلم تعاسيف وَأَوْلَاد مزهر وحبسهم فِي بصرى فتجهز الْكَامِل وَخرج من قلعة الْجَبَل بعساكره بكرَة يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشري صفر واستناب على مصر ابْنه الْملك الْعَادِل وَأخذ مَعَه النَّاصِر دَاوُد وَهُوَ لَا يشك أَن الْملك الْكَامِل يسلم إِلَيْهِ دمشق لما كَانَ قد تقرر بَينهمَا. فكاتب الْكَامِل نَائِب قلعة عجلون حَتَّى سلمهَا وَنزل على دمشق بِمَسْجِد الْقدَم فِي ثَالِث عشري ربيع الأول وَقد تخصنت وأتتها النجدات فحاصرها وَقطع عَنْهَا الْمِيَاه وضايقها حَتَّى غلت بهَا الأسعار وأحرق العقيبة والطواحين وألح على أَهلهَا بِالْقِتَالِ وَكَانَ الْوَقْت شتاء فَأذن الصَّالح إِسْمَاعِيل وَسلم دمشق لِأَخِيهِ الْكَامِل فَعوضهُ عَنْهَا بعلبك وَالْبِقَاع وَبصرى والسواد. وَكَانَ السفير بَينهمَا الصاحب محيي الدّين أَبُو المظفر يُوسُف بن الشَّيْخ أبي الْفرج بن الْجَوْزِيّ - رَسُول الْخَلِيفَة - الْوَارِد ليوقع الصُّلْح بَين مُلُوك بني أَيُّوب فتسلم الْكَامِل دمشق فِي عَاشر جُمَادَى الأولى وَسَار الصَّالح إِسْمَاعِيل إِلَى بعلبك لإحدى عشرَة بقيت من جُمَادَى الأولى فَنزل الْملك الْكَامِل بالقلعة وَأمر بِنصب الدهليز بِظَاهِر دمشق وسير المظفر صَاحب حماة إِلَى حمص وَأطلق الْفلك المسيري من سجن قلعة دمشق - وَكَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 قد سجنه الْملك الْأَشْرَف - وَنقل الْأَشْرَف إِلَى تربته وَأمر الْكَامِل فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سادس جُمَادَى الْآخِرَة أَلا يُصَلِّي أحد من أَئِمَّة الْجَامِع الْمغرب سويى الإِمَام الْكَبِير فَقَط لِأَنَّهُ كَانَ يَقع بصلاتهم تشويش كَبِير على الْمُصَلِّين وَورد الْخَبَر باستيلاء الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب بن الْكَامِل على سنجار ونصيبين والخابور وَقدم رَسُول الْخَلِيفَة بِمَال إِلَى الْملك الْكَامِل ليستخدم بِهِ عسكراً للخليفة فَإِنَّهُ بلغه توجه التتر إِلَى بَغْدَاد فَقَامَ الْملك الْكَامِل لما سلم إِلَيْهِ كتاب الْخَلِيفَة وَوَضعه على رَأسه وَكَانَ جملَة مَا حضر من المَال مائَة ألف دِينَار مصرية فَأمر الْملك الْكَامِل أَن يخرج من بَيت المَال مِائَتَا ألف دِينَار ليستخدم بهَا العساكر وَأَن يجرد من عَسَاكِر مصر وَالشَّام عشرَة آلَاف نجدة للخليفة وَأَن يكون مقدم العساكر النَّاصِر دَاوُد وَألا يصرف مِمَّا حضر من المَال شَيْء بل يُعَاد بِكَمَالِهِ إِلَى خزانَة الْخَلِيفَة فَتَوَلّى اسْتِخْدَام الأجناد الأميران ركن الدّين الهيجاوي وعماد الدّين بن موسك وَأَن يَكُونَا مَعَ النَّاصِر دَاوُد فِي خدمته فاستخدم النَّاصِر الْعَسْكَر وَسَار إِلَى بَغْدَاد وهم نَحْو ثَلَاثَة آلَاف فَارس وَشرع الْكَامِل يتجهز لأخذ حلب فخاف الْمُجَاهِد صَاحب حمص وَبعث ابْنه الْمَنْصُور إِبْرَاهِيم فتقرر الْأَمر على أَن يحمل الْمُجَاهِد كل سنة للْملك الْكَامِل ألفي ألف دِرْهَم فَعَفَا عَنهُ. وَكَانَ مُنْذُ دخل الْكَامِل إِلَى قلعة دمشق قد حدث لَهُ زكام فَدخل فِي ابْتِدَائه إِلَى الْحمام وصب على رَأسه المَاء الْحَار فاندفعت المُرَاد إِلَى معدته فتورم وَعرضت لَهُ حمى فَنَهَاهُ الْأَطِبَّاء عَن الْقَيْء وحفروه مِنْهُ فاتفق أَنه تقيا لوقته فِي آخر نَهَار الْأَرْبَعَاء حادي عشري شهر رَجَب بقاعة الْفضة من قلعة دمشق فحفن بهَا بكرَة الْغَد وعمره نَحْو من سِتِّينَ سنة وَذَلِكَ بعد موت أَخِيه الْأَشْرَف بِنَحْوِ سِتَّة أشهر فَكَانَت مُدَّة ملكه دمشق هَذِه الْمرة أحدا وَسبعين يَوْمًا وَمُدَّة مَمْلَكَته بِمصْر - بعد موت أَبِيه - عشْرين سنة وَثَلَاثَة وَأَرْبَعين يَوْمًا - وَقيل وَخَمْسَة وَأَرْبَعين يَوْمًا - وَكَانَت فِي أَيَّام أَبِيه نَحْوهَا فَحكم مصر قَرِيبا من أَرْبَعِينَ سنة ومولده فِي الْخَامِس وَالْعِشْرين من ربيع الأول سنة سِتّ وَسبعين وَخَمْسمِائة. وَكَانَ يحب أهل الْعلم ويؤثر مجالستهم وشغف بِسَمَاع الحَدِيث النَّبَوِيّ وَحدث بِالْإِجَازَةِ من أبي مُحَمَّد بن بري وَأبي الْقَاسِم البوصيري وعدة من المصريين وَغَيرهم وَتقدم عِنْده أَبُو الْخطاب بن دحْيَة وَبني لَهُ دَار الحَدِيث الكاملية بِالْقَاهِرَةِ وَجعل عَلَيْهِمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 أوقافاً وَكَانَ يناظر الْعلمَاء وَعِنْده مسَائِل غَرِيبَة من فقه وَنَحْو يمْتَحن بهَا فَمن أجَاب عَنْهَا قدمه وحظي عِنْده وَكَانَت تبيت عِنْده بالقلعة جمَاعَة من أهل الْعلم: كالجمال اليمني النَّحْوِيّ والفقيه عبد الظَّاهِر وَابْن دحْيَة والأمير صَلَاح الدّين الإربلي - كَانَ أحد الْفُضَلَاء - فينصب لَهُم أسرة ينامون عَلَيْهَا بِجَانِب سَرِيره ليسامروه فنفقت الْعُلُوم والآداب عِنْده وقصده أَرْبَاب الْفَضَائِل فَكَانَ يُطلق لمن يَأْتِيهِ مِنْهُم الأرزاق الوافرة الدارة فَمِمَّنْ قَصده التَّاج بن الأرموي وَأفضل الدّين الخونجي وَالْقَاضِي الشريف شمس الدّين الأرموي - قَاضِي الْعَسْكَر - وَهَؤُلَاء أَئِمَّة وقتهم فِي الْمَنْقُول والمعقول وَكَانَ مهيباً حازماً سديد الآراء حسن التَّدْبِير لمماليكه عفيفاً عَن الدِّمَاء وَبلغ من مهابته أَن الرمل - فِيمَا بَين الْعَريش ومصر - كَانَ يمر فِيهِ الْوَاحِد بِالذَّهَب الْكثير والأحمال من الثِّيَاب من غير خوف وسرق مرّة فِيهِ بِسَاط فَاحْضُرْ الْكَامِل العربان الَّذين يخرون الطَّرِيق وألزمهم بإحضاره وإحضار سارقه فبذلوا عوضه شَيْئا كثيرا وَهُوَ يَأْبَى إِلَّا إِحْضَار السَّارِق أَو إِتْلَاف أنفسهم وَأَمْوَالهمْ بدله فَلم يَجدوا بدا من إِحْضَار السَّارِق والبساط وَكَانَ يُبَاشر أُمُور الْملك بِنَفسِهِ من غير اعْتِمَاد على وَزِير وَلَا غَيره واستوزر أَولا الصاحب صفى الدّين بن شكر سِتّ سِنِين وانكف بَصَره وَهُوَ يُبَاشر الوزارة حَتَّى مَاتَ وَكَانَ الْأَمِير فَخر الدّين عُثْمَان الأستادار يتَرَدَّد إِلَيْهِ فِي الأشغال فَلَمَّا مَاتَ الصاحب صفي الدّين لم يستوزر الْكَامِل بعده أحدا بل كَانَ يستنهض من يخْتَار فِي تَدْبِير الأشغال: فَأَقَامَ معِين الدّين بن شيخ الشُّيُوخ مُدَّة وَسَماهُ نَائِب الوزارة وَمرَّة أَقَامَ تَاج الدّين يُوسُف بن الصاحب صفي الدّين وَمرَّة جمال الدّين البوري وَصَارَ يُبَاشر أُمُور الدولة بِنَفسِهِ ويحضر عِنْده الدَّوَاوِين فيحاقهم ويحاسبهم وَإِذا ابتدأت زِيَادَة النّيل خرج بِنَفسِهِ وكشف الجسور ورتب فِي كل جسر من الْأُمَرَاء من يَتَوَلَّاهُ وَيجمع الرِّجَال لعمله ثمَّ يشرف على الجسور بعد ذَلِك فَمَتَى اخْتَلَّ جسر عاقب متوليه أَشد الْعقُوبَة فعمرت أَرض مصر فِي أَيَّامه عمَارَة زَائِدَة. وَأخرج الْكَامِل من زكوات الْأَمْوَال - الَّتِي كَانَت تجبى - سهمي الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين وجعلهما مصروفين ورتب عَلَيْهِمَا جامكيات الْفُقَهَاء والفقراء والصلحاء وَكَانَ يَجْعَل فِي كل لَيْلَة جُمُعَة مَجْلِسا لأهل الْعلم عِنْده وَيجْلس مَعَهم للمباحثة وَكَانَت كثير السياسة وَأقَام فِي كل طَرِيق خفراء تحفظ الْمُسَافِرين إِلَّا أَنه كَانَ معري بِجمع المَال مُجْتَهدا فِي تَحْصِيله وأحدث فِي الْبِلَاد حوادث سَمَّاهَا الْحُقُوق لم تكن فِي أَيَّام من تقدمه وَله شعر مِنْهُ قَوْله: إِذا تحققتم مَا عِنْد صَاحبكُم من الغرام فَذَاك الْقدر يَكْفِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 (أَنْتُم سكنتم فُؤَادِي وَهُوَ منزلكم وَصَاحب الْبَيْت أدرى بِالَّذِي فِيهِ) وَفِيه يَقُول الْبَهَاء زُهَيْر بن مُحَمَّد من قصيدة عِنْد فتح دمياط: هُوَ الْكَامِل الْمولى الَّذِي إِن ذكرته فيا طرب الدُّنْيَا وَيَا فَرح الْعَصْر بِهِ ارتجعت دمياط قهرا من العدى وطهر بِالسَّيْفِ وَالْملَّة الطُّهْر لَك الله من ملك إِذا جاد أوسطا فناهيك من عرف وناهيك من نكر يقْصد عَنهُ الْمَدْح من كل مادح وَلَو جَاءَ بالشمس المنيرة والبدر وَكَانَ أَوْلَاد الشَّيْخ صدر الدّين بن حمويه هم أكَابِر دولته وأعيانها وهم الْأَمِير فَخر الدّين يُوسُف وعماد الدّين عمر وَكَمَال الدّين أَحْمد ومعين الدّين حسن وَكَانَ فَخر الدّين قد ترك لبس الْعِمَامَة وَلبس الطربوش والقباء ونادم السُّلْطَان وَكَانَ فَاضلا أديباً يُشَارك فِي فنون وَإِخْوَته لَهُم فَضَائِل وإليهم مشيخة الخانقاه الصلاحية سعيد السُّعَدَاء وتدريس الْمدرسَة الناصرية بجوار قبر الشَّافِعِي من القرافة وتدريس المشهد الْحُسَيْنِي بِالْقَاهِرَةِ وَمَا مِنْهُم إِلَّا من تقدم على الجيوش وباشر الْحَرْب وأرضعت أمّهم - وَهِي ابْنة القَاضِي شهَاب الدّين ابْن عصرون - الْملك الْكَامِل فصاروا إخْوَته من الرَّضَاع. فَلَمَّا مَاتَ السُّلْطَان الْكَامِل اتّفق أَوْلَاد الشَّيْخ والأمير سيف الدّين عَليّ بن قلج وَأَخُوهُ الْأَمِير عماد الدّين وَالْملك النَّاصِر دَاوُد وأرباب الدولة على تَحْلِيف الأجناد للْملك الْعَادِل أبي بكر بن الْملك الْكَامِل - وَهُوَ يَوْمئِذٍ يخلف أَبَاهُ بقلعة الْجَبَل - على ديار مصر وَأَن يرتب الْملك الْجواد مظفر الدّين يُونُس بن مودود بن الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب فِي نِيَابَة دمشق وكتموا ذَلِك الْأَمر الثَّانِي عَن النَّاصِر دَاوُد وحلفوا على ذَلِك فِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشري رَجَب وبعثوا الْأَمِير نور الدّين عَليّ بن الْأَمِير فَخر الدّين عُثْمَان الأستادار إِلَى النَّاصِر دَاوُد فَأخْرجهُ من دمشق إِلَى الكرك وَاسْتقر الْجواد بِدِمَشْق نَائِبا لِابْنِ عَمه الْملك الْعَادِل وَسَار الْعَسْكَر من دمشق إِلَى مصر وَتَأَخر بِدِمَشْق أُمَرَاء عدَّة - فِي جمع من عَسْكَر مصر ومماليك الْأَشْرَف - لحفظها ومقدمهم عماد الدّين عمر بن شيخ الشُّيُوخ فبذل الْجواد الْأَمْوَال وطمع فِي الاستبداد بِملك دمشق وألزم الْخَطِيب بِذكرِهِ فِي الْخطْبَة بعد الْعَادِل. السُّلْطَان الْملك الْعَادِل الثَّانِي سيف الدّين أَبُو بكر بن الْملك الْكَامِل مُحَمَّد بن الْملك الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب. أمه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 السِّت السَّوْدَاء الْمَعْرُوفَة ببنت الْفَقِيه نصر ومولده فِي سنة سبع عشرَة وسِتمِائَة. اسْتَقر الْأَمر لَهُ بسلطنة مصر ودمشق فِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشري رَجَب سنة خمس وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة الْمُوَافق لسادس عشر برمهات. وخطب لَهُ بِالْقَاهِرَةِ ومصر فِي رَابِع شعْبَان وَهُوَ السُّلْطَان السَّابِع من بني أبوب بديار مصر فَقدمت عَلَيْهِ القصاد من دمشق بوفاة أَبِيه واستقراره من بعده فشرع الْأَمِير سيف الدّين قلج فِي تَحْلِيف الْأُمَرَاء للْملك الْعَادِل فِي دَاره وَحط الْملك الْعَادِل المكوس ووسع فِي الْعَطاء وَفِي الرَّزَّاق على كل أحد. وَفِي رَابِع شعْبَان: خطب لَهُ بِمصْر وأعلن بِمَوْت الْملك الْكَامِل. وَفِي رَابِع عشر شعْبَان: ضربت السِّكَّة باسمه. وَفِي ثامن عشر رَمَضَان: نقش الدِّينَار وَالدِّرْهَم باسمه. وَفِي عشريه: قرئَ توقيعه على الْمِنْبَر بِإِبْطَال جَمِيع المكوس. وَفِي سَابِع عشري شَوَّال: وصل محيي الدّين أَبُو مُحَمَّد يُوسُف بن الْجَوْزِيّ رَسُولا من بَغْدَاد بتعزية الْملك الْعَادِل وهنأه بِالْملكِ من قبل الْخَلِيفَة وَكَانَ الْعَادِل قد بعث إِلَى دمشق بِالْخلْعِ والسنجق فَركب الْجواد بِالْخلْعِ فِي تَاسِع عشر رَمَضَان. وفيهَا أنْفق الْعَادِل على العساكر. وَفِي ثَانِي ذِي الْقعدَة: اسْتحْلف ابْن الْجَوْزِيّ الْملك الْعَادِل للخليفة الْمُسْتَنْصر. وَفِيه ورد الْخَبَر بِأَن النَّاصِر دَاوُد تحالف هُوَ والجواد وَقد اتفقَا وخرجا عَن طَاعَة الْعَادِل وَوصل النَّاصِر دَاوُد إِلَى غَزَّة وخطب بهَا لنَفسِهِ ثمَّ وَقع بَينه وَبَين الْجواد خلف فأظهر الْجواد أَنه عَاد إِلَى طَاعَة الْملك الْعَادِل وَلما قربت العساكر الْوَارِدَة من دمشق إِلَى الْقَاهِرَة ركب الْعَادِل إِلَى لقائهم وَأكْرمهمْ وسير إِلَيْهِم فِي مَنَازِلهمْ الْأَمْوَال وَالْخلْع والخيول فجددوا لَهُ الْأَيْمَان والعهود فاستقر أمره وَأخرج الْعَادِل الْأَمْوَال وبذلها فِي الأجناد وَأكْثر من الْعَطاء والبذل حَتَّى بدد فِي مُدَّة يسيرَة مَا جمعه أَبوهُ فِي مدد متطاولة وَأخذ فِي إبعاد أُمَرَاء الدولة عَنهُ وَقطع رواتب أَرْبَاب الدولة واختص بِمن أنشأه فنفرت قُلُوب الأكابر مِنْهُ واشتغل هُوَ عَنْهُم لانهماك شرب الْخمر وَكَثْرَة اللَّهْو وَالْفساد وَسَار النَّاصِر وَأَبُو دَاوُد من الكرك وَاسْتولى على غَزَّة والسواحل واستجد عسكراً كَبِيرا وبرز عَن غَزَّة وَبعث إِلَى الْملك الْعَادِل يُرِيد مِنْهُ المساعدة على أَخذ دمشق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 وَقَوي الْمُجَاهِد أَسد الدّين صاخب حمص بعد موت الْكَامِل وأغار على حماة وحصرها واستعد أهل حلب واستجدوا عسكرا من الخوارزمية وعسكراً من الزكمان كَانَ قد صَار إِلَيْهِم عدَّة من أَصْحَاب الْملك الْكَامِل فأكرموهم وبعثوا إِلَى السُّلْطَان غياث الدّين كيخسرو بن كيقباد ملك الرّوم يسألونه إرْسَال نجدة فَأَمَدَّهُمْ بِخِيَار عسكره وَخَرجُوا فملكوا المعرة ونازلوا حماة وقاتلوا المظفر صَاحبهَا فَثَبت لَهُم وَامْتنع عَلَيْهِم وَقَاتلهمْ وَكَانَ الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب بن الْكَامِل على الرحبة منازلاً لَهَا فَلَمَّا بلغه موت أَبِيه الْملك الْكَامِل رَحل عَنْهَا فطمع فِيهَا من مَعَه من الخوارزمية وَخَرجُوا عَن طَاعَته وهموا بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ فقصد سنجار وَامْتنع بهَا مُدَّة وَترك خزائنه وأثقاله فأنتهبها الخوارزمية وتحكموا فِي الْبِلَاد الجزرية وطمع فِيهِ السُّلْطَان غياث الدّين كيخسرو بن كيقباد - ملك الرومية - وَبعث إِلَى النَّاصِر صَلَاح الدّين أبي المظفر يُوسُف صَاحب حلب توقيعاً بالرها وسروج وَكَانَا مَعَ الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب وأقطع الْمَنْصُور نَاصِر الدّين الأرتقي صَاحب ماردين مَدِينَة نجار ومدينة نَصِيبين وهما من بِلَاد الصَّالح أَيْضا وأقطع الْمُجَاهِد أَسد الدّين شيركوه صَاحب حمص بَلْدَة عانة وَغَيرهَا من بِلَاد الخابور وعزم السُّلْطَان غياث الدّين كيخسرو على أَن يَأْخُذ لنَفسِهِ من بِلَاد الصَّالح أَيْضا آمد وسميساط وَصَارَ الْملك الصَّالح محصوراً بسنجار فطمع فِيهِ الْملك الرَّحِيم بدر الدّين لُؤْلُؤ - صَاحب الْموصل - وحصره بسنجار فِي ذِي الْقعدَة وَأَرَادَ حمله إِلَى بَغْدَاد فِي قفص جَدِيد كَرَاهَة فِيهِ لما كَانَ عِنْده من التجبر وَالظُّلم والمكبر فَلَمَّا أشرف بدر الدّين لُؤْلُؤ على أَخذ سنجار بعث الصَّالح إِلَيْهِ القَاضِي بدر الدّين يُوسُف بن الْحسن الزرزاري قَاضِي سنجار بعد مَا حلق لحيته وَدَلاهُ من السُّور. وَكَانَ القَاضِي الزرزاري مُتَقَدما فِي الدولة الأشرفية ولاه الْملك الْأَشْرَف مُوسَى قَضَاء بعلبك ثمَّ بعد موت الْملك الْأَشْرَف ولاه الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب قَضَاء سنجار وَكَانَ كثير التجمل جدا وَاسع الْبر وَالْمَعْرُوف وَله مماليك وغلمان وحواشي لَهُم من التجمل مَا لَيْسَ لغَيرهم فَصَارَ كَأحد الْأُمَرَاء الأكابر وَصَارَ يقْصد لسَائِر من يرد عَلَيْهِ من أهل الْعلم وَذَوي البيوتات فَتوجه القَاضِي فِي خُفْيَة إِلَى الخوارزمية واستمالهم وَطيب خواطرهم بِكَثْرَة مَا وعدهم بِهِ فمالوا إِلَيْهِ بعد مَا كَانُوا قد اتَّفقُوا مَعَ صَاحب ماردين وقصدوا بِلَاد الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب واستولوا على الْعمَّال ونازلوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 حران وَكَانَ الْملك الصَّالح قد ترك بهَا وَلَده المغيث فتح الدّين عمر بن الصَّالح فخاف من الخوارزمية وَسَار مختفياً حَتَّى فَرد إِلَى قلعة جعبر فَسَارُوا خَلفه ونهبوا مَا كَانَ مَعَه وأفلت مِنْهُم فِي شرذمة يسيرَة إِلَى منبج فَاسْتَجَارَ بعمة أَبِيه الصاحبة ضيفة خاتون أم الْملك الْعَزِيز صَاحب حلب فَلم تقبله فر إِلَى حران وفيهَا أَتَاهُ كتاب أَبِيه يَأْمُرهُ بموافقة الخوارزمية والوصول بهم إِلَيْهِ لدفع بَحر الدّين لُؤْلُؤ صَاحب الْموصل فَاجْتمع المغيث عمر وَالْقَاضِي بدر الدّين قَاضِي سنجار بالخوارزمية وَالْتزم لَهُم القَاضِي أَن يقطعوا سنجار وحران والرها فطابت قُلُوبهم وحلفوا للْملك الصَّالح وَقَامُوا فِي خدمَة ابْنه الْملك المغيث وَسَارُوا مَعَه إِلَى سنجار فأفرج عَنْهَا عَسْكَر الْموصل يُرِيدُونَ بِلَادهمْ. وادركهم الخوارزمية وأوقعوا بهم وقْعَة عَظِيمَة فر فِيهَا بدر الدّين لُؤْلُؤ بمفرده على فرس سَابق ثمَّ تلاحق بِهِ عسكره. واحتوت الخوارزمية على سَائِر مَا كَانَ مَعَه فاستغنوا بذلك وَقَوي الْملك الصَّالح بالخوارزمية وَبهَا الْفَتْح قُوَّة زَائِدَة وَعظم شَأْنه وسير الخوارزمية إِلَى آمد وَعَلَيْهَا عَسْكَر السُّلْطَان غياث الدّين كيخسرو صَاحب الرّوم وَبهَا الْمُعظم غياث الدّين تورانشاه بن الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب وَهُوَ مَحْصُور مِنْهُم فأوقعوا بهم ورحلوهم عَن آمد فَخرج الصَّالح من سنجار إِلَى حسن كيفا وَبعث الْملك الْعَادِل من مصر إِلَى أهل حلب يُرِيد مِنْهُم أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 يجروا مَعَه على مَا كَانُوا عَلَيْهِ مَعَ أَبِيه الْملك الْكَامِل - من إِقَامَة الْخطْبَة لَهُ على مَنَابِر حلب وَأَن تضرب لَهُ السِّكَّة - فَلم يجب إِلَى ذَلِك وَقدم رَسُول غياث الدّين كيخسرو ملك الرّوم فزوج غَازِيَة خاتون ابْنة الْعَزِيز السُّلْطَان غياث الدّين وأنكح الْملك النَّاصِر - صَاحب حلب - أُخْت السُّلْطَان غياث الدّين وَتَوَلَّى العقد الصاحب كَمَال الدّين بن أبي جَرَادَة بن العديم وَخرج فِي الرسَالَة إِلَى بِلَاد الرّوم وَعقد للْملك النَّاصِر صَاحب حلب على ملكة خاتون أُخْت السُّلْطَان غياث الدّين فَبعث غياث الدّين رَسُولا إِلَى حلب فأقيمت لَهُ بهَا الْخطْبَة وَخرج الْملك الْجواد من دمشق فِي أول ذِي الْحجَّة يُرِيد محاربة النَّاصِر دَاوُد صَاحب كرك بأذنبا بِالْقربِ من نابلس فانكسر النَّاصِر كسرة قبيحة فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشر ذِي الْحجَّة وَانْهَزَمَ إِلَى الكرك. فغنم الْجواد مَا كَانَ مَه وَعَاد إِلَى دمشق وَفرق سِتّمائَة ألف دِينَار وَخَمْسَة آلَاف خلعة وأبطل المكوس وَالْخُمُور وَنفى المغاني. وَعَاد من كَانَ فِي دمشق من عَسْكَر مصر وَمَعَهُمْ الْأَمِير عماد الدّين بن شيخ الشُّيُوخ إِلَى الْقَاهِرَة بسناجق النَّاصِر فِي سادس عشري ذِي الْحجَّة فَلم يعجب الْملك الْعَادِل ذَلِك وَخَافَ من تمكن الْملك الْجواد. وفيهَا قصد التتار بَغْدَاد فَبعث إِلَيْهِم الْخَلِيفَة جَيْشًا قتل كثيرا مِنْهُ وفر من بَقِي. وفيهَا مَاتَ قَاضِي الْقُضَاة بِدِمَشْق وَهُوَ شمس الدّين أَبُو البكرات يحيي بن هبة الله ابْن الْحسن بن بني الدولة الشَّافِعِي فِي خَامِس ذِي الْقعدَة فأعيد فِي سابعه قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين أَحْمد بن الْخَلِيل الخويي ورتب مراكز الشُّهُود - وَكَانُوا أَولا بِدِمَشْق وراقين يورقون المكاتيب وَغَيرهَا فَإِذا فرغوا من الوراقة مَشوا إِلَى بيُوت الْعُدُول فيشهدونهم على مَا يُرِيدُونَ واقتدى بعد ذَلِك أهل الْقَاهِرَة ومصر بهم. وفيهَا تولى الشريف شمس الدّين مُحَمَّد بن الْحسن الأرموي قَضَاء الْعَسْكَر ونقابة الْأَشْرَاف بديار مصر وَقُرِئَ سجله بِجَامِع مصر بِحَضْرَة الْأَمِير جمال الدّين مُوسَى ابْن يغمور وَالْملك المسيري. وفيهَا بطلت الْفُلُوس. وفيهَا سَار الْملك الْمَنْصُور نور الدّين عمر بن عَليّ بن رَسُول من الْيمن يُرِيد مَكَّة أحرق الْأَمِير أَسد الدّين جغريل مَا كَانَ مَعَه من الأثقال وَخرج هُوَ رمن مَعَه من مَكَّة فِي سَابِع شهر رَجَب قبل وُصُول ملك الْيمن بيومين فَالْتَقوا بَين مَكَّة والسرين انهزم الْعَرَب أَصْحَاب الشريف رَاجِح وَأسر الْأَمِير شهَاب الدّين بن عدان من أُمَرَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 الْيمن فقيده الْأَمِير جغريل وحث بِهِ إِلَى الْقَاهِرَة وَسَار هُوَ إِلَى الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة فَبَلغهُ موت السُّلْطَان الْملك الْكَامِل فَسَار بِمن مَعَه إِلَى الْقَاهِرَة فَدَخَلُوهَا أثْنَاء شهر شعْبَان مُتَفَرّقين وَأقَام عَسْكَر الْيمن بِمَكَّة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة فِيهَا قبض الْملك الْجواد على صفي الدّين بن مَرْزُوق وَأخذ مِنْهُ أَرْبَعمِائَة ألف دِينَار وسجنه بقلعة حمص فَمَكثَ ثَلَاث سِنِين لَا يرى الضَّوْء وَأقَام الْجواد بِدِمَشْق خَادِمًا لزوجته يُقَال لَهُ الناصح فصادر النَّاس وَأخذ مِنْهُم مَالا كثيرا وَقبض الْملك الْجواد على عماد الدّين عمر بن شيخ الشُّيُوخ ثمَّ خَافَ من أَخِيه فَخر الدّين وقلق من ملك دمشق وَقَالَ: إيش أعمل بِالْملكِ باز وكلب أحب إِلَى من هَذَا ثمَّ خرج إِلَى الصَّيْد وَكَاتب الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب بن الْكَامِل على أَن يعوضه عَن دمشق بحصن كيفا وسنجار فسر الصَّالح بذلك وتحرك للمسير إِلَى دمشق. وفيهَا قدم رَسُول ملك الرّوم إِلَى الْقَاهِرَة بالعزاء للْملك الْعَادِل. وفيهَا أفرج أهل حلب عَن حِصَار حماة بعد مَا ضَاقَ الْأَمر على المظفر صَاحب حماة عَنهُ رحلوا عناهم قلعة بارين وَكَانَت حَصِينَة. وفيهَا استوحش الْأُمَرَاء الأكابر من الْملك الْعَادِل لتقريبه الشَّبَاب والترابي وإعطائهم الْأَمْوَال والإقطاعات والاقتداء بآرائهم ولكثرة تحجبه واشتغاله باللهو عَن مصَالح الدولة. فطمع النَّاصِر دَاوُد صَاحب الكرك فِي ملك مصر فَسَار إِلَيْهَا وَمَعَهُ تقادم فاخرة: مَا بَين جواري جنكيات وعوديات ورقاصات وأواني للشُّرْب بديعة فَخرج الْعَادِل إِلَى لِقَائِه فِي ثامن شَوَّال وأكرمه وَقدم لَهُ النَّاصِر مَا انتخبه من الْجَوَارِي والأواني وَغَيرهَا فصادف مِنْهُ الْغَرَض ووضه عَنهُ بأمثاله. ولازم النَّاصِر الْقيام بخدمه الْعَادِل وَالْإِقَامَة فِي بَابه: فَتَارَة يعْمل حَاجِب الْبَاب وَتارَة أستاداراً وَتارَة دواداراً ليدْخل فِي كل وَقت عَلَيْهِ ويتوصل مَتى شَاءَ إِلَيْهِ وَهُوَ يظنّ أَنه يستميل الْأُمَرَاء عَن الْعَادِل إِلَى جِهَته فَلَمَّا تمكن النَّاصِر دَاوُد مِنْهُ أَوْهَمهُ من الْأَمِير فَخر الدّين ابْن شيخ الشُّيُوخ بِأَنَّهُ قد اتّفق مَعَ الْملك الْمعز مجير الدّين يَعْقُوب وأمال إِلَيْهِ عدَّة من الْأُمَرَاء وَحسن لَهُ الْقَبْض عَلَيْهِ فانخدع لَهُ الْملك الْعَادِل وَقبض على فَخر الدّين واعتقله بقلعة الْجَبَل وَأخرج عَمه الْملك الْمعز من أَرض مصر وَمَعَهُ أَخُوهُ الأمجد تَقِيّ الدّين عَبَّاس فَلَمَّا تمّ للناصر مَا أَرَادَ خيل الْعَادِل من الْملك الْجواد نَائِبه على دمشق بِأَن الْأُمَرَاء قد مَالَتْ إِلَيْهِ وَقَامَ بأَمْره الْأَمِير عماد الدّين عمر بن شيخ الشُّيُوخ فَبلغ ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 الْعِمَاد فخاف أَن يتَّفق عَلَيْهِ مَا اتّفق على أَخِيه وَاجْتمعَ بِالْملكِ الْعَادِل وَالْتزم لَهُ بإحضار الْملك الْجواد إِلَى طَاعَته عصر فسيره الْعَادِل من الْقَاهِرَة ليحضر الْملك الْجواد من دمشق فَأكْرمه الْجواد وَأخذ الْعِمَاد فِي التحدث مَعَه فِي الْمسير إِلَى الْملك الْعَادِل فَسَوف بِهِ وماطله حَتَّى فطن الْعِمَاد بامتناعه فَاحْضُرْ حِينَئِذٍ الْوُلَاة والمشدين والنواب والدواوين بِدِمَشْق وأعمالها وَقَالَ لَهُم: قد عزل السُّلْطَان الْملك الْعَادِل الْجواد عَن نِيَابَة دمشق فَلَا تدفعوا إِلَيْهِ مَالا وَلَا تقبلُوا لَهُ قولا فعز ذَلِك على الْملك الْجواد ووكل بعماد الدّين وسجنه بقلعة دمشق وتقرر الْأَمر بَين الْملك الْجواد وَبَين الْمُجَاهِد صَاحب حمص أَن يَكُونَا يدا وَاحِدَة وَوَافَقَهُمَا الْأَمِير عماد الدّين بن قلج نَائِب الْملك الْجواد بِدِمَشْق فَرَأَوْا أَن أَمرهم لَا يتم إِلَّا قتل الْعِمَاد بن شيخ الشُّيُوخ فبعثوا إِلَى نواب الإسماعيلية فِي ذَلِك ودفعوا إِلَيْهِم مَالا وقربة فسيروا فدائيين قتلاه على بَاب الْجَامِع فِي سادس عشري جُمَادَى الأولى وَأشيع أَنَّهُمَا غَلطا فِي قَتله وَإِنَّمَا كَانَا يُريدَان قتل الْملك الْجواد فَإِنَّهُ كَانَ كثير الشّبَه بِهِ فَبلغ ذَلِك الْملك الْعَادِل فشق عَلَيْهِ. وَفِي الْعشْرين من شَوَّال: ورد الْخَبَر بوصول عَسْكَر الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب صُحْبَة وَلَده الْملك المغيث جلال الدّين عمر إِلَى جينين فَجمع الْملك الْعَادِل وَالْملك النَّاصِر الْأُمَرَاء وتحالفوا على قتال الصَّالح وَخرج النَّاصِر دَاوُد من الْقَاهِرَة فِي تَاسِع ذِي الْقعدَة لقِتَال الصَّالح وجهز الْعَادِل جمَاعَة من الْأُمَرَاء وعدة من العساكر بديار مصرة لتأْخذ دمشق وَقدم الْملك الْعَادِل إِلَى الْملك الْجواد رَسُولا بِكِتَاب فِيهِ أَنه يُعْطه قلعه الشوبك وبلادها وثغر الْإسْكَنْدَريَّة وأعمال الْبحيرَة وقيلوب وَعشر قرى من بِلَاد الجيزة بديار مصر لينزل عَن نِيَابَة السلطة بِدِمَشْق ويحضر إِلَى قلعة الْجَبَل ليعْمَل بِرَأْيهِ فِي أُمُور الدولة فَلَمَّا ورفى ذَلِك أَوْهَمهُ نَائِبه عماد الدّين قلج من أَنه مَتى دخل مصر قبض عَلَيْهِ الْملك الْعَادِل وسلبه أَوْلَاد عماد الدّين بن شيخ الشُّيُوخ بدمه فَامْتنعَ من تَسْلِيم دمشق برز الْملك الْعَادِل من الْقَاهِرَة يُرِيد دمشق يَوْم الثُّلَاثَاء سلخ ذِي الْحجَّة وَنزل بلبيس فخاف الْجواد وَعلم عَجزه عَن مقاومة الْعَادِل فَبعث كَمَال الدّين عمر بن أَحْمد بن هبة الله الْمَشْهُور بِابْن العديم الْعقيلِيّ وَابْن طَلْحَة خطيب جَامع دمشق إِلَى الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب - صَاحب حصن كيفا وديار بكر وغررها من بِلَاد الشرق - يطْلب مِنْهُ أَن يتسلم دمشق ويعرضه عَنْهَا سنجار والرقة وعانة فَوَقع ذَلِك من الْملك الصَّالح أحسن موقع وأجابه إِلَيْهِ وزاده الجديدة وَحلف لَهُ على الْوَفَاء ورتب الْملك الصَّالح ابْنه الْملك الْمُعظم توران شاه على بِلَاد الشرق وألزمه بحصن كيفا وَأقَام نواباً بآمد وديار بكر وَسلم حران والرها وَجَمِيع الْبِلَاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 للخوارزمية الَّذين فِي خدمته وَطلب نجدة من الْأَمِير بدر الدّين لُؤْلُؤ صَاحب الْموصل وَكَانَ قد صَالحه - فَبعث إِلَيْهِ بدر الدّين نجدة وَسَار الْملك الصَّالح من الشرق يُرِيد دمشق فَقطع الْجواد اسْم الْملك الْعَادِل من الخطة وخطب للْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب بن الْكَامِل وَضرب السِّكَّة باسمه وَدخل الصَّالح إِلَى دمشق فِي مستهل جُمَادَى الأولى وَمَعَهُ الْجواد بَين يَدَيْهِ بالناشية وَقد نَدم الْجواد على مَا كَانَ مِنْهُ وَأَرَادَ أَن يسْتَدرك الْفَائِت فَلم يقدر وَخرج من دمشق وَالنَّاس تلعنه فِي وَجهه لسوء أَثَره فيهم وَبعث الصَّالح إِلَيْهِ برد أَمْوَال النَّاس إِلَيْهِم فأبي وَسَار. وَكَانَ قد وصل مَعَ الصَّالح أَيْضا الْملك المظفر صَاحب حماة وَقد تَلقاهُ الْجواد فَكَانَ دُخُوله يَوْمًا مشهوداً فاستقر فِي قلعة دمشق وَخرج الْجواد إِلَى بِلَاده فَكَانَت مُدَّة نيابته دمشق عشرَة أشهر وَسِتَّة عشر يَوْمًا صرف فِيهَا الْأَمْوَال الَّتِي كَانَت فِي خَزَائِن الْملك الْكَامِل كلهَا وَكَانَت تزيد على سِتّمائَة ألف دِينَار مصرية سوى القماش وَغَيره وَسوى مَا ظلم فِيهِ النَّاس من التُّجَّار وَالْكتاب وَسوى مَا أَخذه من صفي الدّين ابْن مَرْزُوق لما صادره وَكَانَ ينيف على خَمْسمِائَة ألف دِينَار فَلَمَّا اسْتَقر الْملك الصَّالح بِدِمَشْق سَار المظفر إِلَى حماة وقدمت الخوارزمية فنازلوا مَدِينَة حمص - وَهُوَ مَعَهم - مُدَّة ثمَّ فارقوها بِغَيْر طائل وعادوا إِلَى بِلَادهمْ بالشرق. وَقد زوج الْملك الصَّالح أُخْته من أمه وأبوها الْفَارِس قليب مَمْلُوك أَبِيه الْملك الْكَامِل لمقدم الخوارزمية الْأَمِير حسام الدّين بركَة خَان وَفِي أثْنَاء ذَلِك تَوَاتَرَتْ رسل المظفر صَاحب حماة إِلَى الْملك الصَّالح يستحثه على قصد حمص وَكتب الْأَمر من مصر تستدعيه إِلَى الْقَاهِرَة وتعده بِالْقيامِ بتصرفه فبرز الْملك الصَّالح من دمشق إِلَى البثنية وَكَانَت الخوارزمية وَصَاحب حماة على حِصَار حمص فَأرْسل الْمُجَاهِد أَسد الدّين شيركوه مَالا كثيرا فرقه فِي الخوارزمية فرحلوا عَنهُ إِلَى الشرق ورحل صَاحب حماة إِلَى حماة وَعَاد الْملك الصَّالح إِلَى دمشق طَالبا مصر وَخرج مِنْهَا إِلَى الخربة وَعِيد بهَا عيد الْفطر وعسكر تَحت ثنية الْعقَاب وَقد تحير فَلَا يدْرِي أيذهب إِلَى حمص أم إِلَى مصر وَمَا زَالَ بمعسكره إِلَى أول شهر رَمَضَان فَعَاد إِلَى دمشق وَتقدم إِلَى الْأَمِير حسام الدّين أبي عَليّ بن مُحَمَّد بن أبي عَليّ الهذباني أستاداره بِدِمَشْق أَن يرحل بطَائفَة من الْعَسْكَر إِلَى جينين فَرَحل وَلم يزل هُوَ تَحت عقبَة الْكُرْسِيّ على بحيرة طبربة إِلَى آخر رَمَضَان. فَلَمَّا وَردت الْأَخْبَار بحركة الْملك الصَّالح إِلَى الْقَاهِرَة خرج من أُمَرَاء مصر سَبْعَة عشر أَمِيرا - مِنْهُم الْأَمِير نور الدّين عَليّ بن فَخر الدّين عُثْمَان الأستادر والأمير عَلَاء الدّين ابْن شهَاب أَحْمد الْأَمِير عز الدّين أيبك الكربدي العادلي والأمير عز الدّين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 بلبان والأمير حسام الدّين لُؤْلُؤ المَسْعُودِيّ والأمير سيف الدّين بِشَطْر الْخَوَارِزْمِيّ والأمير عز الدّين قضيب البان الْعَادِل والأمير شمس الدّين سنقر الدنيسري - فِي عدَّة كَبِيرَة من أتباعهم وأجنادهم وَخلق من مقدمي الْحلقَة والمماليك السُّلْطَانِيَّة وَسَارُوا يُرِيدُونَ الْملك الصَّالح بِدِمَشْق. وَذَلِكَ أَن الْملك الْعَادِل تقدم بتوجه الْعَسْكَر إِلَى السَّاحِل وَقدم عَلَيْهِ الرُّكْن الهيجاري وَأنْفق فيهم فَلَمَّا نزلُوا بلبيس اخْتلفُوا وخامر جُمُعَة من الْأُمَرَاء على الْعَادِل وعزموا على الْمسير إِلَى الْملك الصَّالح فَبعث الْعَادِل إِلَيْهِم الْأَمِير فَخر الدّين بن شيخ الشُّيُوخ وبهاء الدّين مليكيشو ليطيب خواطرهم فَلم يجيبوا وَخرج من الْقَاهِرَة عدَّة من الْحلقَة وَمَعَهُمْ طَائِفَة وَمنعُوا من غلق بَاب النَّصْر وَسَارُوا طَائِفَة بعد طَائِفَة على حمية فبطق الْعَادِل إِلَى من بَقِي مَعَه من الْأُمَرَاء الأكراد بمحاربة من خامر عَلَيْهِ ببلبيس قبل قدوم هَؤُلَاءِ عَلَيْهِم فاقتتل الأكراد مَعَ الأتراك ببلبيس وانكسر الأتراك المخامرون وَأخذ مِنْهُم أَمِير وَانْهَزَمَ باقيهم وهم فِي طَلَبهمْ إِلَى نَاحيَة سنيكسة. فلحق بهم من خرج من الْحلقَة ومضوا جَمِيعًا إِلَى تل العجول وعادت الخزانة الَّتِي كَانَت مَعَهم سَالِمَة إِلَى الْقَاهِرَة ثمَّ بعثوا يطْلبُونَ من الْعَادِل الْعَفو فَأَمنَهُمْ وَحلف لَهُم فَلم يرجِعوا وَسَارُوا إِلَى الْملك الصَّالح فَلَمَّا بلغُوا غَزَّة أَمر الْملك الصَّالح أستاداره بِالْعودِ إِلَى خوبة اللُّصُوص وَخرج هُوَ بِبَقِيَّة عسكره من دمشق لليلتين بَقِيَتَا من شهر رَمَضَان وَنزل الْملك الصَّالح الخربة وَوصل الْأَمِير نور الدّين بن فَخر الدّين بِمن مَعَه فسر بهم سُرُورًا كثيرا وَأخذُوا فِي تَقْوِيَة عزمه على قصد مصر فَرَحل وَاسْتولى على نابلس والأغوار. وأعمال الْقُدس والسواحل وَبعث ابْنه الْملك المغيث فتح الدّين عمر إِلَى دمشق وأقطع من قدم عَلَيْهِ من أُمَرَاء مصر نابلس وأعمالها ليتقووا بمغلها فَخرج النَّاصِر دَاوُد من مصر وَصَارَ إِلَى الكرك فانزعج الْملك الْعَادِل وَأمه لقدوم الصَّالح انزعاجاً عَظِيما وخافاه خوفًا كَبِيرا واضطربت مصر اضطراباً زَائِدا وَخرج فَخر الْقُضَاة فِي الدّين بن بصاقة فِي الرسَالَة إِلَى الْملك الصَّالح من الكرك عَن النَّاصِر دَاوُد بِأَنَّهُ فِي نصْرَة الْملك الصَّالح ومعاونته ويسأله دمشق وَجَمِيع مَا كَانَ لِأَبِيهِ فَلم تقع مُوَافقَة على ذَلِك فَسَار النَّاصِر إِلَى الْملك الْعَادِل وَنزل بدار الوزراة من الْقَاهِرَة ليعينه على محاربة أَخِيه الْملك الصَّالح فَقدم فِي ذِي الْحجَّة الصاحب محيي الدّين بن الْجَوْزِيّ برسالة الْخَلِيفَة إِلَى الْملك الصَّالح لصالح أَخَاهُ الْملك الْعَادِل فأجل الْملك الصَّالح قدومه إجلالاً كثيرا وَمَعَ ذَلِك فَإِن كتب الْأُمَرَاء - وَغَيرهم - ترد فِي كل قَلِيل على الْملك الصَّالح من مصر تعده بِالْقيامِ مَعَه وَأَن الْبِلَاد فِي يَده لِاتِّفَاق الْكَلِمَة على سلطنته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 وفيهَا مَاتَ الْمَنْصُور نَاصِر الدّين أرتق بن أرسلان التركماني الأرتقي صَاحب ماردين قَتله ابْنه وَهُوَ سَكرَان وَاسْتولى بعده على ماردين. وفيهَا وَقعت بَين جرم وجذام وثعلبة بالشرقية حروب قتل فِيهَا كثير مِنْهُم وَقتل شيخهم شمخ بن نجم فَجرد الْملك الْعَادِل إِلَيْهِم الْأَمِير بهاء الدّين بن ملكيشو ليصلح بَينهم وَكَانَ السُّلْطَان فِي بلبيس قد خرج فِي سلخ ذِي الْحجَّة من قلعة الْجَبَل بعساكر مصر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 سنة سبع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة أهلت وَالْملك الْعَادِل على بلبيس بعساكره يُرِيد الشَّام لمحاربة أَخِيه الْملك الصَّالح فَأَقَامَ على بلبيس فقصد الْأُمَرَاء الْقَبْض عَلَيْهِ وَعمل بَعضهم دَعْوَة وَحضر إِلَيْهِ الْعَادِل فَفطن بِمَا هم عَلَيْهِ فَقَامَ وَدخل الخريشته لقَضَاء الْحَاجة وَخرج من ظهر الحريشته وَركب فرسا وسَاق إِلَى القلعة فَبعث إِلَيْهِ الْأُمَرَاء يطلبونه فأظهر أَنه مَا دخل الْقَاهِرَة إِلَّا لكسرة الخليج وَأَنه سيعود إِلَيْهِم ثمَّ ألجاته الضَّرُورَة حَتَّى خرج إِلَى العباسة فِي رَابِع عشري الْمحرم وَقبض على جمَاعَة من الْأُمَرَاء. وَفِي نصف صفر: توجه النَّاصِر دَاوُد من العباسة إِلَى الكرك وصحبته الْأَمِير سيف الدّين عَليّ بن قلج وَجَمَاعَة من أُمَرَاء مصر فَبلغ الْعَادِل عَن فَخر الدّين يُوسُف بن شيخ الشُّيُوخ أَنه يُكَاتب الصَّالح فَقبض عَلَيْهِ واعتقله هَذَا ومحيي الدّين أَبُو المظفر يُوسُف بن الشَّيْخ جمال الدّين أبي الْفرج عبد الرَّحْمَن بن الْجَوْزِيّ أَخذ فِي الْإِصْلَاح بَين الْمُلُوك على أَن تكون دمشق للصالح نجم الدّين أَيُّوب ومصر للعادل وَأَن يرد إِلَى النَّاصِر دَاوُد مَا أَخذ من بِلَاده وَكَانَ محيي الدّين بن الْجَوْزِيّ مُقيما عِنْد الصَّالح وَابْنه شرف الدّين يتَرَدَّد من نابلس إِلَى مصر فِي السفارة حَتَّى تقَارب الْأَمر. ثمَّ قدم محيي الدّين إِلَى مصر وَمَعَهُ جمال الدّين يحيى بن مطروح نَاظر ديوَان الجيوش للْملك الصَّالح فأديا الرسَالَة وَأَقَامَا عِنْد الْملك الْعَادِل وَكَانَ قد أَخذ الصَّالح يُكَاتب عَمه الْملك الصَّالح عماد الدّين إِسْمَاعِيل فِي الْوُصُول إِلَيْهِ بنابلس وَبعث إِلَيْهِ الطّيب سعد الدّين الدِّمَشْقِي وَمَعَهُ حمام ليسرح إِلَيْهِ بالبطائق على جناحها مَا يَتَجَدَّد فاتفق أَمر عَجِيب: وَهُوَ أَنه لما وصل سعد الدّين إِلَى قلعة بعلبك أنزل الصَّالح عماد الدّين إِسْمَاعِيل بدار وَبدل عرض الْحمام الَّذِي فِي قفص سعد الدّين بحمام آخر من حمام القلعة ببعلبك وَأخذ الصَّالح عماد الدّين فِي التَّدْبِير على أَخذ دمشق وانتزاعها من يَد ابْن أَخِيه الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب وَأرْسل جواسيسه سرا إِلَى ابْن أَخِيه الْملك الْعَادِل بِمَا عزم عَلَيْهِ من أَخذ دمشق وَأَنه منتم إِلَيْهِ وَفِي طَاعَته وَإِذا ملك دمشق خطب لَهُ على منابرها وَضرب السِّكَّة باسمه وَكتب الصَّالح عماد الدّين إِسْمَاعِيل أَيْضا إِلَى الْمُجَاهِد - صَاحب حمص - فِي معاونته وَهُوَ يواصل كتبه مَعَ ذَلِك إِلَى الْملك الصَّالح نجم الدّين يعده بالوصول إِلَى نصرته وَشرع الصَّالح عماد الدّين فِي جمع الرّحال فَفطن بذلك الطَّبِيب سعد الدّين وَكتب البطائق على أَجْنِحَة الْحمام بِهَذَا الْأَمر إِلَى الْملك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 الصَّالح نجم الدّين فَكَانَ كلما سرح سعد الدّين مِنْهَا طائراً وَقع فِي برجه بقلعة بعلبك فَأتى بِهِ البراج إِلَى الْملك الصَّالح عماد الدّين ثمَّ إِن الصَّالح عماد الدّين زور بطاقة عَن الطَّبِيب سعد الدّين فِيهَا إِن الْمولى الْملك الصَّالح عماد الدّين فِي الاهتمام للمسير إِلَى المعسكر الْمَنْصُور وَإنَّهُ بَاقٍ على الطَّاعَة وسرح هَذِه البطاقة المزورة على جنَاح طائرة من الطّور الَّتِي وصلت مَعَ الطَّبِيب سعد الدّين فَلَمَّا وقف عَلَيْهَا الْملك الصَّالح نجم الدّين ظن أَنَّهَا من عِنْد رَسُوله فطاب قلبه ووالى الصَّالح عماد الدّين إرْسَال البطائق المزورة وَكلما سرح الطّيب طائرا ببطاقة وَقع فِي قلعة بعلبك فيصل إِلَى الصَّالح عماد الدّين. وَاتفقَ مَعَ ذَلِك أَمر آخر من عَجِيب مَا يجْرِي: وَهُوَ أَن المظفر صَاحب حماة كَانَ منتمياً إِلَى الصَّالح نجم الدّين ومهتما بنصرته ويخطب لَهُ فِي بِلَاده وَكَانَ الحلبيون والمجاهد صَاحب حمص معاندين لَهُ ومساعدين عَلَيْهِ فَعلم المظفر صَاحب حماة مَا عَلَيْهِ خَاله الصَّالح عماد الدّين - صَاحب بعلبك - من قصد دمشق وموافقة الْمُجَاهِد صَاحب حمص لَهُ وَكَانَت عَسَاكِر دمشق مَعَ الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب على نابلس وهم خَمْسَة آلَاف وَلَيْسَ بِدِمَشْق من يحفظها فخاف الْملك المظفر صَاحب حماة على دمشق وباطن الْأَمِير سيف الدّين عَليّ بن أبي عَليّ الهذباني على أَنه يظْهر الحرد عَلَيْهِ وفارقه ويوهم أكَابِر الْبَلَد بِأَن المظفر قد عزم على تَسْلِيم حماة إِلَى الفرنج لما حصل عِنْده من الْغبن من المجاورين لَهُ وَأخذ بِلَاده مِنْهُ وَقصد المظفر بِهَذِهِ الْحِيلَة مكيدة صَاحب حمص وَأَن الْأَمِير سيف الدّين إِذا ذهب بالعسكر وأكابر الرّعية إِلَى دمشق أَقَامُوا بهَا وحفظوها حَتَّى يتَوَجَّه الْملك الصَّالح إِلَى مصر أَو يعود إِلَى دمشق فأظهر سيف الدّين الْغَضَب على المظفر وَأخذ قِطْعَة من الْعَسْكَر وَمن أكَابِر حماة وَخرج فَسَار حَتَّى نزل على حمص عِنْد بحيرة قدس فَلم يخف على الْمُجَاهِد صَاحب حمص مَا دبره المظفر من مكيدته وَخرج من حمص وَبعث إِلَى الْأَمِير سيف الدّين يُرِيد الِاجْتِمَاع بِهِ فَأَتَاهُ سيف الدّين مُنْفَردا واعلمه بِأَنَّهُ كره مجاورة المظفر لما هُوَ عَلَيْهِ من الْميل للفرنج والعزم على تسليمهم حماة فأظهر لَهُ الْملك الْمُجَاهِد الْبشر ولاطفه واستدعاه إِلَى ضيافته بداخل حمص فَلَمَّا صَار بِهِ إِلَى القلعة استدعى أَصْحَابه لينزلوا فِي الْبَلَد فَدخل بَعضهم وَامْتنع بَعضهم من الدُّخُول إِلَى حمص فَلَمَّا تمكن الْمُجَاهِد من الْأَمِير سيف الدّين قبض عَلَيْهِ واعتقله هُوَ وَمن دخل من أَصْحَابه وفر الْبَاقُونَ فعاقب الْمُجَاهِد من صَار فِي قَبضته أَشد الْعقُوبَة واستصفى أَمْوَالهم ومازال بِسيف الدّين حَتَّى هلك فضعف المظفر لتلف رجال عسكره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 وَسَار الصَّالح عماد الدّين - وَمَعَهُ الْمُجَاهِد - إِلَى دمشق فِي جمع كَبِير وأخذاها وأظهرا طَاعَة الْملك الْعَادِل صَاحب مصر وَكَانَ ذَلِك فِي سَابِع عشري صفر ثمَّ ملكا قلعه دمشق واعتقلا المغيث بن الصَّالح نجم الدّين فَبلغ ذَلِك الصَّالح وَهُوَ بنابلس فكتم الْخَبَر وَقدم الْأَمِير حسام الدّين مُحَمَّد بن أبي عَليّ الهذاباني أستاداره فِي جمَاعَة وَسَار بعده يُرِيد دمشق فَلَمَّا وصل ابْن أبي عَليّ إِلَى الْكسْوَة علم بِأخذ دمشق من يدهم فَرجع إِلَى الصَّالح - وَقد نزل بيسان - فاعلمه الْخَبَر وَسَار مَعَه حَتَّى وصل الْقصير اللعيني من النُّور فاشتهر عِنْد الْعَسْكَر أَخذ دمشق فورود مكاتبات الصَّالح عماد الدّين إِلَيْهِم باستمالتهم إِلَيْهِ ففسدت نياتهم وطمعوا فِي الْملك الصَّالح نجم الدّين لتلاشي أمره وفارقوه فَبَقيَ الصَّالح نجم الدّين فِي دون الْمِائَة من أمرائه وأجناده وَتَركه من كَانَ مَعَه من أهل بَيته وأقاربه وَتَركه أَيْضا بدر الدّين قَاضِي سنجار - وَكَانَ أخص أَصْحَابه وصاروا كلهم إِلَى دمشق وَقد أيسوا من أَن يقوم بعْدهَا الصَّالح نجم الدّين قَائِمَة وَثَبت مَعَه الْأَمِير حسام الدّين بن أبي عَليّ أستادراه وزين الدّين أَمِير جانداره وشهاب الدّين بن سعد الدّين كوجبا - وَكَانَ أَبوهُ سعد الدّين ابْن عمَّة الْملك الْكَامِل - والأمير شهَاب الدّين البواشقي وَنَحْو الثَّمَانِينَ من مماليكه وَثَبت مَعَه أَيْضا كَاتبه بهاء الدّين زُهَيْر وهرب الطواشي شهَاب الدّين فاخر وَأخذ مَعَه شَيْئا كثيرا من قماش الصَّالح وعدة من مماليكه الصغار وغلمانه وَصَارَ مَعَ من لحق بِدِمَشْق ففت فِي عضد الصَّالح مُفَارقَة الْعَسْكَر لَهُ وأيقن بِزَوَال أمره ورحل فِي اللَّيْل فَلَقِيَهُ طَائِفَة من العربان يُرِيدُونَ أَخذه فحاربهم بِمن مَعَه حَتَّى خلص مِنْهُم إِلَى نابلس فَنزل بظاهرها وَلما وصل الْعَسْكَر المخامر على الصَّالح نجم الدّين إِلَى دمشق قبض الْملك الصَّالح عماد الدّين على أَخَوَيْهِ الْملك الْمعز مجير الدّين يَعْقُوب وَالْملك الأمجد تَقِيّ الدّين عَبَّاس واعتقل الْأُمَرَاء المصريين أَيْضا: وهم عز الدّين أيبك الْكرْدِي وَعز الدّين قضيب البان وسنقر الدينسري وبلبان المجاهدي وَتوجه نور الدّين بن عُثْمَان إِلَى بَغْدَاد وَاتفقَ تغير الْملك الْعَادِل على النَّاصِر دَاوُد فقارقه من بلبيس - وصحبته الْأَمِير سيف الدّين عَليّ بن قلج - وَسَار إِلَى الكرك وَكَاتب الصَّالح نجم الدّين ووعده النُّصْرَة وَكَانَ ذَلِك خدعة مِنْهُ ثمَّ سَار النَّاصِر إِلَى نابلس بعساكره وَقبض على الْملك الصَّالح نجم الدّين وَيُقَال بل بعث إِلَيْهِ من أَخذه بعد مَا صَار وَحده وأركبه على بلغَة فِي إهانة بِغَيْر مهماز وَلَا مقرعة فِي لَيْلَة السبت ثَانِي عشر ربيع الأول وَبعث النَّاصِر بِهِ إِلَى الكرك وَلم يزل مَعَه غير مَمْلُوك وَاحِد يُقَال لَهُ ركن الدّين بيبرس وَبعث مَعَه جَارِيَته شجر الدّرّ أم وَلَده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 خَلِيل وأنزله بالقلعة وَقَامَ لَهُ بِجَمِيعِ مَا يحْتَاج إِلَيْهِ بِحَيْثُ لم يحتل من حَاله سوى أَنه فقد الْملك فَقَط وَأقَام بهاء الدّين زُهَيْر عِنْد النَّاصِر دَاوُد هُوَ وَجَمَاعَة الممالك بعد مَا خَيرهمْ فَاخْتَارُوا الْإِقَامَة عِنْده وَطلب الْأَمِير حسام الدّين بن أبي عَليّ وزين الدّين أَمِير جاندار من النَّاصِر الْمسير إِلَى دمشق فسيرهما وعندما قدما دمشق اعتقلهما الصَّالح عماد الدّين. (وَفِي سَابِع عشر ربيع الأول) عَاد الْملك الْعَادِل إِلَى الْقَاهِرَة بعد مَا بعث الرُّكْن الهبجاوي على جمَاعَة لحفظ السَّاحِل فَلَمَّا بلغ الْملك الْعَادِل مَا جرى على أَخِيه - من أَخذه ذليلاً وَنهب أحر وسجنه بالكرك - سره ذَلِك سُرُورًا كثيرا وَظن أَنه قد أَمن وَنُودِيَ بزينة الْقَاهِرَة ومصر فزينتا وَعمل سماطاً عَظِيما فِي الميدان الْأسود تَحت قلعة الْجَبَل وَعمل قصوراً من حلوى وأحواضاً من سكر وليمون وألفاً وَخَمْسمِائة رَأس شواء وَمثلهَا طَعَاما فَكَانَ مَا عمل من السكر ألف وَخَمْسمِائة أبلوجة ونادى الْملك الْعَادِل فِي الْعَامَّة بالحضور إِلَى السماط فَحَضَرَ الْجَلِيل والحقير وَبلغ ذَلِك الصَّالح نجم الدّين وَهُوَ معتقل بالكرك. وَلم يقنع الْملك الْعَادِل بسجن أَخِيه حَتَّى أَنه بعث الْأَمِير عَلَاء الدّين بن النابلس إِلَى النَّاصِر دَاوُد يطْلب مِنْهُ أَن يبْعَث إِلَيْهِ بأَخيه الصَّالح فِي قفص حَدِيد تَحت الاحتفاظ ويبذل لَهُ فِي مُقَابلَة إرْسَاله أَرْبَعمِائَة ألف دِينَار ودمشق وَحلف على ذَلِك أيماناً عَظِيمَة فَلَمَّا وصل الْكَاتِب إِلَى النَّاصِر أوقف عَلَيْهِ الْملك الصَّالح وَأدْخل إِلَيْهِ بالقاصد الَّذِي أحضرهُ ثمَّ كتب النَّاصِر إِلَى الْملك الْعَادِل: وصل كتاب السُّلْطَان وَهُوَ يطْلب أَخَاهُ إِلَى عِنْده فِي قفص حَدِيد وَأَنَّك تُعْطِينِي أَرْبَعمِائَة ألف دِينَار مصرية وَتَأْخُذ دمشق مِمَّن هِيَ بِيَدِهِ وتعطني إِيَّاهَا فَأَما الذَّهَب فَهُوَ عنْدك كثير وَأما دمشق فَإِذا أَخَذتهَا مِمَّن هِيَ مَعَه وسلمتها إِلَيّ سلمت أَخَاك إِلَيْك وَهنا جوابي وَالسَّلَام. فَلَمَّا ورد هُنَا الْجَواب على الْملك الْعَادِل أَمر بتجهيز العساكر ليخرج إِلَى الشَّام وَخرج محيي الدّين بن الجرزي من الْقَاهِرَة وَمَعَهُ جمال الدّين بن مطروح رَسُول الصَّالح نجم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 الدّين وَكَانَ قد استجار بِهِ بَعْدَمَا قبض على الصَّالح نجم الدّين وسجن بالكرك وَكتب النَّاصِر دَاوُد إِلَى ابْن عَمه الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب وَهُوَ مَحْبُوس عِنْده بالكرك: وَإِذا مسك الزَّمَان بضر عظمت عِنْده الخطوب وجلت فاصطبر وانتظر بُلُوغ الْأَمَانِي فالرزايا إِذا توالت تولت وَهَذِه الأبيات لغيره فَكتب إِلَيْهِ الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب يشكره وَكتب فِيمَا كتب أَبْيَات شمس الْمَعَالِي قَابُوس وشمكير: قل للَّذي بصروف الدَّهْر عيرنَا هَل حَارب الدَّهْر إِلَّا من لَهُ خطر أما ترى الْبَحْر تطفو فَوْقه جيف ويستقر بأقصى قَعْره الدُّرَر وَإِن تكن عبثت أَيدي الزَّمَان بِنَا وَمَا لنا من تَمَادى بوسه ضَرَر فَفِي السَّمَاء نُجُوم لَا عماد لَهَا وَلَيْسَ يكسف إِلَّا الشَّمْس وَالْقَمَر وازداد فِيهَا الرشيد النابلسي: وَكم على الأَرْض من خضراء مورقة وَلَيْسَ يرْجم إِلَّا مَا لَهُ ثَمَر وَفِي أثْنَاء هَذَا الِاخْتِلَاف بَين الْمُلُوك عمر الفرنج فِي الْقُدس قلعة وَجعلُوا برج دَاوُد أحد أبراجها وَكَانَ قد ترك لما خرب الْملك الْمُعظم أسوار الْقُدس فَلَمَّا بلغ النَّاصِر دَاوُد عمَارَة هَذِه القلعة سَار إِلَى الْقُدس وَرمى عَلَيْهَا بالمجانيق حَتَّى أَخذهَا بعد أحد وَعشْرين يَوْمًا - فِي يَوْم تَاسِع جُمَادَى الأولى - عنْوَة بِمن مَعَه من عَسْكَر مصر وَتَأَخر أَخذ برج دَاوُد إِلَى خَامِس عشرَة فَأخذ من الفرنج صلحا على أنفسهم دون أَمْوَالهم وَعمر النَّاصِر برج دَاوُد وَاسْتولى على الْقُدس وَأخرج مِنْهُ الفرنج. فَسَارُوا إِلَى بِلَادهمْ وَاتفقَ يَوْم فتح الْقُدس وُصُول محيي الدّين بن الْجَوْزِيّ إِلَى الْملك النَّاصِر دَاوُد وَمَعَهُ جمال الدّين بن مطروح فَقَالَ جمال الدّين بن مطروح يمدح الْملك النَّاصِر دَاوُد وَيذكر مضاهاته لِعَمِّهِ النَّاصِر صَلَاح الدّين يُوسُف فِي فتح الْقُدس مَعَ اشتاركهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 فِي اللقب وَالْفِعْل وَهُوَ معنى لطيف مليح: الْمَسْجِد الْأَقْصَى لَهُ عَادَة سَارَتْ فَصَارَت مثلا سائراً إِذا غَدا بالْكفْر مستوطنا أَن يبْعَث الله لَهُ ناصرا فناصر طهره أَولا وناصر طهره آخرا وَفِي يَوْم الْأَحَد رَابِع عشر ربيع الأول: وَمَعَ بَين الفرنج وَبَين الْعَسْكَر الْمصْرِيّ الْمُقِيم بالسَّاحل حَرْب انحسر فِيهَا الفرنج وَأخذ من الفرنج مُلُوكهمْ وأكنادهم وَثَمَانُونَ فَارِسًا ومائتان وَخَمْسُونَ رَاجِلا - وصلوا إِلَى الْقَاهِرَة وَقتل مِنْهُم ألف وَثَمَانمِائَة وَلم يقتل من الْمُسلمين غير عشر ثمَّ سَار ابْن الْجَوْزِيّ إِلَى دمشق وحاول إصْلَاح الْحَال بَين الصَّالح عماد الدّين وَبَين النَّاصِر دَاوُد وبن الْملك الْعَادِل فَلم يتأت لَهُ ذَلِك فَعَاد إِلَى الْقَاهِرَة فِي رَمَضَان وَقد وصل الْملك ابْن سنقر بخلعة الْملك الْعَادِل وَابْنه وَأمه وَامْرَأَته وكاتبه وَنزل ابْن مطروح عِنْد المظفر بحماة فَبَعثه فِي الرسَالَة إِلَى الخوارزمية بالشرق يستحثهم على الْقيام بنصرة الْملك الصَّالح نجم الدّين واستصحب مَعَه أَيْضا رِسَالَة النَّاصِر دَاوُد وَمِنْه: إِنِّي لم أترك الْملك الْمصَالح بالكرك إِلَّا صِيَانة لمهجته خوفًا عَلَيْهِ من أَخِيه الْملك الْعَادِل وَمن عَمه الْملك الصَّالح عماد الدّين وسأخرجه وأملكه الْبِلَاد فتحركوا على بِلَاد حلب وبلاد حمص. فَسَار إِلَيْهِم ابْن مطروح وَقضي الْأَمر مَعَهم وَعَاد إِلَى حماة فاتفق موت الْملك الْمُجَاهِد أَسد الدّين شيركوه بن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن شيركوه - صَاحب حمص - يَوْم التَّاسِع عشر من شهر رَجَب فَكَانَت مُدَّة ملكه بحمص نَحوا من سِتّ وَخمسين سنة وَقَامَ من بعده ابْنه الْملك الْمَنْصُور نَاصِر الدّين إِبْرَاهِيم وَاتفقَ مَعَ الصَّالح عماد الدّين على المعاضدة فَصَارَ النَّاصِر دَاوُد مواحشاً للْملك الْعَادِل بِسَبَب أَنه لم يُوَافقهُ على أَخذ دمشق وَالْملك الْعَادِل مواحشه لِأَنَّهُ لم يُسلمهُ الْملك الصَّالح نجم الدّين والناصر أَيْضا مواحش للصالح عماد الدّين ويهدده بِأَنَّهُ يُطلق الْملك الصَّالح نجم الدّين وَيقوم مَعَه فِي أَخذ الْبِلَاد والمظفر صَاحب حماة لَا يخْطب للعادل من حِين قطع الْخطْبَة للصالح نجم الدّين لميله الْملك الصَّالح نجم الدّين. فَلَمَّا دخل شهر رَمَضَان: سير المظفر القَاضِي شهَاب الدّين إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن عبد الْمُنعم بن أبي الدَّم - قَاضِي حماة - رَسُولا إِلَى الْملك الْعَادِل بِمصْر وَحمله فِي الْبَاطِن رِسَالَة إِلَى النَّاصِر دَاوُد بالكرك أَن يُطلق الصَّالح نجم الدّين ويساعده على أَخذ الْبِلَاد فَبلغ القَاضِي شهَاب الدّين الْملك النَّاصِر ذَلِك وَتوجه إِلَى مصر فأفرج النَّاصِر دَاوُد عَن الْملك الصَّالح نجم الدّين فِي سَابِع عشر من رَمَضَان واستدعاه إِلَيْهِ وَهُوَ بنابلس فَلَمَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 قدم عَلَيْهِ التقاه وأجله وَضرب لَهُ دهليز السلطة وَاجْتمعَ عَلَيْهِ مماليكه وَأَصْحَابه الَّذين عنوا عِنْد النَّاصِر: مِنْهُم الْأَمِير شهَاب الدّين بن كَعْب كوجبا وشهاب الدّين الْغَرْس وكاتبه بهاء الدّين زُهَيْر وَتقدم النَّاصِر للخطيب بنابلس فِي يَوْم عيد الْفطر فَدَعَا الْملك الصَّالح وأشاع ذكره وَسَار النَّاصِر دَاوُد والصالح نجم الدّين إِلَى الْقُدس وتحالفا على أَن تكون ديار مصر للْملك الصَّالح وَالشَّام والشرق للناصر وَأَن يُعْطه مِائَتي ألف دِينَار فَكَانَت مُدَّة اعتقال الْملك الصَّالح سَبْعَة أشهر وأياماً ثمَّ سارا إِلَى غَزَّة فورد الْخَبَر بذلك على الْملك الْعَادِل بِمصْر فانزعج وَأمر بِخُرُوج الدهليز السلطاني والعساكر وبرز إِلَى بلبيس فِي نصف ذِي الْعقْدَة وَكتب إِلَى الصَّالح عماد الدّين أَن يخرج بعساكر دمشق فَخرج الصَّالح عماد الدّين بعساكره إِلَى الغوار فخاف الْملك الصَّالح وَالْملك النَّاصِر من التقاء عَسَاكِر مصر وَالشَّام عَلَيْهِمَا ورجعا من غَزَّة إِلَى نابلس ليتحصنا بالكرك وَكَانَ الْملك الْعَادِل قد شَره فِي اللّعب وَأكْثر من تَقْدِيم الصّبيان والمساخر وَأهل اللَّهْو حَتَّى حسبت نفقاته فِي هَذَا الْوَجْه خَاصَّة فَكَانَت سِتَّة آلَاف ألف وَعشْرين ألف ألف دِرْهَم وَأعْطى الْعَادِل عبدا أسوداً عمله طشت دَاره يعرف بِابْن كرسون منشوراً بِخَمْسِينَ فَارِسًا فَلَمَّا خرج بِهِ من بَاب الْقلَّة بقلعة الْجَبَل وجده الْأَمِير ركن الدّين الهيجاري أحد الْأُمَرَاء الأكابر فَأرَاهُ المنشور فحنق وَمَكَّة فِي وَجهه وَأخذ مِنْهُ المنشور وَصَارَ بَين الْأُمَرَاء وَبَين الْملك الْعَادِل وَحْشَة شَدِيدَة ونفرة عَظِيمَة وَاتفقَ مَا تقدم ذكره إِلَى أَن نزل الْعَادِل ببلبيس فَقَامَ الْأَمِير عز الدّين أيبك الأسمر - مقدم الأشرقية - وباطن عدَّة من الْأُمَرَاء والمماليك الأشرفية على خلع الْعَادِل وَالْقَبْض عَلَيْهِ وَوَافَقَهُمْ على هَذَا جَوْهَر التوبي وشمس الْخَواص - وهما من الخدام الكاملية وَجَمَاعَة أخر من الكاملية وهم مسرور الكاملي وكافور الفائزي وركبوا لَيْلًا وَأَحَاطُوا بدهليز الْملك الْعَادِل ورموه وقبضوا عَلَيْهِ ووكلوا بِهِ من يحفظه فِي خيمة فَلم يَتَحَرَّك أحد لنصرته إِلَّا أَن الأكراد هموا بِالْقيامِ لَهُ فَمَال عَلَيْهِم الأتراك والخدام ونهبوهم فَانْهَزَمَ الأكراد إِلَى الْقَاهِرَة وَيُقَال إِنَّه بلغ أيبك الأسمر أَن الْملك الْعَادِل سكر مَعَ شبابه وخواصه وَقَالَ لَهُم: عَن قَلِيل تشربون من دم أيبك الأسمر وَهَؤُلَاء العبيد السوء فلَان وَفُلَان وَسَمَّاهُمْ فَاجْتمعُوا على خلعه لاسيما لما طلب ابْن كرسون مِنْهُ أَن يُسلمهُ الْأَمِير شجعاع الدّين بن بزغش - وَإِلَى قوص - فأمكنه مِنْهُ وعاقبه أَشد عُقُوبَة وتنوع فِي عَذَابه وَلم يقبل فِيهِ شَفَاعَة أحد من الْأُمَرَاء وَكَانَ الْملك الْعَادِل قد قربه تَقْرِيبًا زَائِدا حَتَّى كَانَ يقْضِي عِنْده الْحَوَائِج الجليلة فأنفت الْأَنْفس من ذَلِك وخلع الْعَادِل فِي يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع شَوَّال فَكَانَت مُدَّة ملكه سنتَيْن وشهرين وَثَمَانِية عشر يَوْمًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 أَولهَا يَوْم الْخَمِيس وَآخِرهَا يَوْم الْخَمِيس تَاسِع شَوَّال سنة سبع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة أسرف فِيهَا إسرافاً أفرط فِيهِ بِحَيْثُ أَن أَبَاهُ الْملك الْكَامِل ترك مَا ينيف على سِتَّة آلَاف ألف دِينَار مصرية وَعشْرين ألف ألف دِرْهَم فرقها كلهَا وَكَانَ الْعَادِل يحمل المَال إِلَى الْأُمَرَاء وَغَيرهم على أقفاص الحمالين وَلم يبْق أحد فِي دولته إِلَّا وشمله إنعامه فَكَانَت أَيَّامه بِمصْر كلهَا أفراح ومسرات للَّذين جَانِبه وَكَثْرَة إحسانه قَالَ الأديب أَبُو الْحُسَيْن الجزار فِي الْملك الْعَادِل أبي بكر بن الْملك الْكَامِل مُحَمَّد بن الْملك الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب: هُوَ اللَّيْث يخْشَى بأسه كل مجتر هُوَ الْغَيْث يرجوه كل مجتدي لقد شاد ملكا أسسه جدوده فَأصْبح ذَا ملك أثيل مشيد وَصَحَّ بِهِ الْإِسْلَام حَتَّى لقد غَدَتْ بسلطانه أهل الْحَقَائِق تقتدي فَقل للَّذي قد شكّ فِي الْحق إِنَّمَا أَطعْنَا أَبَا بكر بِأَمْر مُحَمَّد يُشِير بذلك إِلَى أَخِيه الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب فَإِن أباهما الْكَامِل مُحَمَّدًا أَقَامَ الْعَادِل هَذَا بِمصْر وَبعث الصَّالح أَيُّوب إِلَى الشرق وَقَالَ الْبُرْهَان بن الْفَقِيه نصر لما اسْتَقر الْعَادِل فِي السلطنة بعد أَبِيه. قل للَّذي خَافَ من مصر وَقد أمنت مَاذَا يؤمله مِنْهَا وخيفته إِن كَانَ قد مَاتَ عَن مصر محمدها فقد أَقَامَ أَبَا بكر خَلِيفَته أَبُو الْفتُوح نجم الدّين أَيُّوب بن الْملك الْكَامِل مُحَمَّد بن الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب لما قبض على أَخِيه الْملك الْعَادِل كَانَ الْأَمِير عز الدّين أيبك الأسمر يمِيل إِلَى الْملك الصَّالح عماد الدّين إِسْمَاعِيل - صَاحب دمشق - وَكَانَت الخدام والمماليك الكاملية تميل إِلَى الْملك الصَّالح نجم الدّين - وهم الْأَكْثَر - فَلم يطق عز الدّين مخالفتهم فاتفقوا كلهم وَكَتَبُوا إِلَى الْملك الصَّالح نجم الدّين يستدعونه فَأَتَتْهُ كتبهمْ وَقد بلغ هُوَ والناصر دَاوُد الْغَايَة من الْخَوْف وزلزلاً زلزالاً شَدِيدا لضعفهما عَن مقاومة عَسَاكِر مصر وَالشَّام فأتاهما من الْفرج مَا لم يسمع بِمثلِهِ وقاما لوقتهما وسارا إِلَى مصر فَلَمَّا دخلا الرمل لم ينزلا منزلَة إِلَّا وَقدم عَلَيْهِمَا من أُمَرَاء مصر طَائِفَة حَتَّى نزلا بلبيس يَوْم الِاثْنَيْنِ تَاسِع بَعْدَمَا خطب لَهُ بِالْقَاهِرَةِ ومصر يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشرَة ومنذ فارقا غَزَّة تغير النَّاصِر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 دَاوُد على الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب وتحدث فِي قَتله فَلَمَّا نزلا بلبيس سكر الْملك النَّاصِر وَمضى إِلَى الْعَادِل وَقَالَ لَهُ: كَيفَ رَأَيْت مَا أَشرت بِهِ عَلَيْك وَلم تقبل مني فَقَالَ لَهُ الْعَادِل: يَا خوندا التَّوْبَة فَقَالَ النَّاصِر: طيب قَلْبك السَّاعَة أطلقك ثمَّ جَاءَ النَّاصِر وَدخل على الْملك الصَّالح ووقف فَقَالَ لَهُ الصَّالح: بِسم الله اجْلِسْ قَالَ: مَا أَجْلِس حَتَّى تطلق الْعَادِل فَقَالَ لَهُ: أعد وَهُوَ يُكَرر الحَدِيث فَمَا زَالَ بِهِ حَتَّى نَام فَقَامَ من فوره الْملك الصَّالح وَسَار فِي اللَّيْل وَمَعَهُ الْعَادِل فِي محفة وَدخل بِهِ إِلَى الْقَاهِرَة وَاسْتولى على قلعة الْجَبَل يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث عشري شَوَّال بِغَيْر تَعب وَجلسَ الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب على سَرِير الْملك واعتقل الْعَادِل بِبَعْض دوره واستحلف الْأُمَرَاء وزينت الْقَاهِرَة ومصر وظواهرهما وقلعة الْجَبَل زِينَة عَظِيمَة وسر النَّاس بِهِ سُرُورًا كثيرا لنجابته وشهامته وَنزل النَّاصِر دَاوُد بدار الوزارة من الْقَاهِرَة وَلم يركب الْملك الصَّالح يَوْم عيد النَّحْر لما بلغه من خلف الْعَسْكَر. وَفِي ذِي الْحجَّة: أحضر الْملك الصَّالح إِلَيْهِ الْملك الْعَادِل وَسَأَلَهُ عَن أَشْيَاء ثمَّ كشف بَيت المَال والخزانة السُّلْطَانِيَّة فَلم يجد سوى دِينَار وَاحِد وَألف دِرْهَم. وَقيل لَهُ عَمَّا أتْلفه أَخُوهُ فَطلب الْقُضَاة والأمراء الَّذين قَامُوا فِي الْقَبْض على أَخِيه وَقَالَ لَهُم: لأي شَيْء قبضتم على سلطانكم فَقَالُوا: لِأَنَّهُ كَانَ سَفِيها فَقَالَ: يَا قُضَاة السَّفِيه يجوز تصرفه فِي بَيت مَال الْمُسلمين قَالُوا: لَا قَالَ: أقسم بِاللَّه مَتى لم تحصروا مَا أَخَذْتُم من المَال كَانَت أرواحكم عوضه. فَخَرجُوا وأحضروا إِلَيْهِ سَبْعمِائة ألف وَخَمْسَة وَثَمَانِينَ ألف دِينَار وَألْفي ألف وثلاثمائة ألف دِرْهَم ثمَّ أمهلهم قَلِيلا وَقبض عَلَيْهِم وَاحِد بعد وَاحِد واستدعى الْملك الصَّالح بِالْقَاضِي شهَاب الدّين إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن عبد الْمُنعم بن عَليّ بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن أبي الدَّم - وَكَانَ بِمصْر مُنْذُ قَامَ من عِنْد المظفر صَاحب حماة وَبعث بِهِ مكرماً إِلَى حماة وخلع عَليّ ابْن الْجَوْزِيّ رَسُول الْخَلِيفَة وَكتب مَعَه إِلَى الدِّيوَان الْعَزِيز يشكو مِنْهُ وَكَانَت الْخلْع الخليفتية قد وصلت إِلَى الْقَاهِرَة فلبسهما الْملك الصَّالح وَنصب منبراً صعد عَلَيْهِ ابْن الْجَوْزِيّ وَقَرَأَ تَقْلِيد الْملك الصَّالح وَالْملك الصَّالح قَائِم بَين يَدي الْمِنْبَر على قَدَمَيْهِ حَتَّى فرغ من قراعته وشيع الْملك الصَّالح أَيْضا الصاحب كَمَال الدّين بن العديم رَسُول حلب وتخوف السُّلْطَان من النَّاصِر دَاوُد لِكَثْرَة مَا بلغه عَنهُ من اجتماعه بالأمراء سرا وَلِأَنَّهُ سَأَلَهُ أَن يُعْطه قلعة الشوبك فَامْتنعَ السُّلْطَان من ذَلِك واستوحش النَّاصِر فَطلب الْأذن بالرحيل إِلَى الكرك فَخرج من الْقَاهِرَة وَهُوَ متغيظ وَقد بلغه أَن الصَّالح إِسْمَاعِيل خرج من دمشق وَوَافَقَ الفرنج على أَن يسلمهم السَّاحِل وَوصل الفرنج إِلَى النابلس وَتَأَول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 السُّلْطَان أَنه مَا حلف للناصر بالقدس إِلَّا مكْرها لِأَنَّهُ كَانَ إِذْ ذَاك تَحت حكمه وَفِي طَاعَته فَلَمَّا وصل النَّاصِر إِلَى الكرك طلب من السُّلْطَان مَا الْتزم لَهُ بِهِ من المَال فَحَمله إِلَيْهِ وماطله بتجريد العساكر مَعَه لفتح دمشق مُسْتَندا لما تَأَوَّلَه وَفِي أثْنَاء ذَلِك تحدث الأشرفية بالوثوب على السُّلْطَان فخافهم وَامْتنع من الرّكُوب فِي الموكب مُدَّة واستوزر السُّلْطَان الصاحب معِين الدّين الْحسن بن الشَّيْخ وَسلم إِلَيْهِ أُمُور المملكة كلهَا وَهُوَ ببركة الْحَاج فِي يَوْم الْخَمِيس حادي عشر ذِي الْقعدَة قبل الظّهْر فشرع الصاحب معِين الدّين فِي تَدْبِير المملكة وَالنَّظَر فِي مصَالح الْبِلَاد. وَولدت شجر الدّرّ من الْملك الصَّالح ولدا سَمَّاهُ خَلِيلًا ولقبه بِالْملكِ الْمَنْصُور وعندما نزل الْملك الصَّالح العباسة فِي يَوْم الْحَج سَابِع عشر ذِي الْقعدَة قبض على الرُّكْن الهيجاري العادلي فِي وفيهَا زار الشَّيْخ عز الدّين عبد الْعَزِيز بن عبد السَّلَام بن أبي الْقَاسِم خطابة دمشق فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَالِث ربيع الآخر ولاه الصَّالح عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن الْعَادِل وخطب لصَاحب الرّوم. وفيهَا قتل عُثْمَان بن عبد الْحق بن محيو بن أبي بكر بن حمامة أَمِير بني مرين وَأول من عظم أمره مِنْهُم وَغلب على ريف الْمغرب وَوضع على أَهله المغارم فَبَايعهُ أَكثر الْقَبَائِل وامتدت يَده إِلَى أَمْصَار الْمغرب مثل فاس وتازا ومكناسة وَفرض عَلَيْهَا ضَرَائِب تحمل إِلَيْهِ وَقَامَ بعد عُثْمَان أَخُوهُ مُحَمَّد بن عبد الْحق. وفيهَا قدم الشريف شيحة بن قَاسم أَمِير الْمَدِينَة إِلَى مَكَّة فِي ألف فَارس من عَسْكَر مصر فَبعث ابْن رَسُول ملك الْيمن بالشريف رَاجِح وعسكر ففر شيحة من مَكَّة وملكها عَسْكَر الْيمن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة فِيهَا شرع السُّلْطَان الْملك الصَّالح أَيُّوب فِي النّظر فِي مصَالح دولته وتمهيد قَوَاعِد مَمْلَكَته وَنظر فِي عمَارَة أَرض مصر وَبعث زين الدّين بن أبي زكري على عَسْكَر إِلَى الصَّعِيد لقِتَال الْعَرَب وتتبع من قَامَ فِي قبض أَخِيه الْملك الْعَادِل فَقبض عَلَيْهِم واستصفى أَمْوَالهم وَقتل عدَّة مِنْهُم وفر عدَّة من الأشرفية وَقبض على الْأَمِير عز الدّين أيبك الأسمر الأشرفي بالإسكندرية وَنُودِيَ بِالْقَاهِرَةِ وظواهرها: من أخْفى أحدا من الأشرفية نهب مَاله. ذكر أغلاق أَبْوَاب الْقَاهِرَة وأغلقت أَبْوَاب الْقَاهِرَة كلهَا ثَلَاثَة أَيَّام مَا خلا بَاب زويلة حرصاً على أَخذ الأشرفية فَأخذُوا وأودعوا السجون وَقبض على جَوْهَر النوبي وشمس الحواص مسرور بدمياط - وَكَانَ من الخدام الكاملية وَمِمَّنْ أعلن على خلع الْعَادِل وَقبض على شبْل الدولة كافور الفائزي بالشرقية وسجن بقلعة الْجَبَل وَقبض على جمَاعَة من الأتراك وَمن أجناد الْحلقَة وعَلى عدَّة من الْأُمَرَاء الكاملية. وَصَارَ السُّلْطَان الْملك الصَّالح أَيُّوب كلما قبض على أَمِير أعْطى خَبره لمملوك من مماليكة وَقدمه فَبَقيَ مُعظم أُمَرَاء الدولة مماليكه لِثِقَتِهِ بهم واعتماده عَلَيْهِم فَتمكن أمره وَقَوي جأشه. وَفِي سلخ ربيع الآخر وَهُوَ يَوْم السبت: ولد للْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب من حظيته ولد ذكر وَأحب الصَّالح أَن يبقي لَهُ ذكرا فَأمر بِبِنَاء قلعة الجزيرة - الْمَعْرُوفَة بالروضة - قبالة مصر الْفسْطَاط وَشرع فِي حفر أساسها يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس شعْبَان وابتدئ ببنائها فِي آخر السَّاعَة الثَّالِثَة من يَوْم الْجُمُعَة سادس عشره. وَفِي عَاشر ذِي الْقعدَة: وَقع الْهدم فِي الدّور والقصور والمساجد الَّتِي كَانَت بِجَزِيرَة الرَّوْضَة وتحول النَّاس من مساكنهم الَّتِي كَانَت بهَا وَبنى الْملك الصَّالح فِيهَا الْحور السُّلْطَانِيَّة وشيد أسوراها وَأنْفق فِيهَا أَمْوَالًا تتجاوز الْوَصْف فَلَمَّا تَكَامل بناؤها تحول السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل إِلَيْهَا وسكنها بأَهْله وَحرمه ومماليكه وَكَانَ مغرى بالعمائر. وفيهَا عَاد الْعَسْكَر الَّذِي قصد الْمسير إِلَى الْيمن فِي رَمَضَان خوفًا من المماليك الأشرفية وأتباعهم وَذَلِكَ أَنهم كَانُوا قد عزموا على الْخُرُوج من الْقَاهِرَة وَنهب الْعَسْكَر ببركة الْجب فَبَطل سفرهم وَبعث السُّلْطَان مِنْهُم ثَلَاثمِائَة مَمْلُوك إِلَى مَكَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 لأخذها من أهل الْيمن وَعَلَيْهِم الْأَمِير مجد الدّين بن أَحْمد بن التركماني والأمير مبارز الدّين عَليّ بن الْحسن بن برطاس وَذَلِكَ أَن الْخَيْر ورد بِأَن ملك الْيمن بعث جَيْشًا لأخذ مَكَّة فَسَارُوا آخر شهر رَمَضَان ودخلوا مَكَّة فِي أثْنَاء ذِي الْقعدَة ففر من كَانَ بهَا من أهل الْيمن. وفيهَا عَاد القَاضِي بدر الدّين قَاضِي سنجار من بِلَاد الرّوم وَكَانَ قد توجه إِلَيْهَا برسالة الْملك الصَّالح عماد الدّين صَاحب دمشق فَبَلغهُ أَن الْملك الصَّالح نجم الدّين ملك مصر فَخرج من بِلَاد الرّوم وَقد عزم أَلا يدْخل دمشق فَمضى إِلَى مصياف من بِلَاد الإسماعيلية وَأخذ يتحيل فِي الْوُصُول إِلَى مصر فَبلغ ذَلِك الصَّالح إِسْمَاعِيل فَأرْسل إِلَيْهِ ليحضر فَامْتنعَ من الْحُضُور وأستجار بالإسماعيلية فأجاروه وَمنعُوا الصَّالح إِسْمَاعِيل مِنْهُ وأوصلوه إِلَى حماة فَأكْرمه المظفر وأنزله عِنْده وَكَانَ قد نزل عِنْده أَيْضا جمال الدّين بن مطروح فَصَارَت حماة ملْجأ لكل من انْتَمَى للسُّلْطَان الصَّالح نجم الدّين وَمِنْهَا يرد إِلَيْهِ عصر كل مَا يَتَجَدَّد بِالشَّام والشرق. وفيهَا أيس النَّاصِر دَاوُد من إِعْطَاء الْملك الصَّالح نجم الدّين لَهُ دمشق فانحرف عَنهُ وَمَال إِلَى الصَّالح إِسْمَاعِيل والمنصور صَاحب حمص وَاتَّفَقُوا جَمِيعًا على الصَّالح نجم الدّين. وفيهَا أغار الخوارزمية على بِلَاد قلعة جعبر وبالس ونهبوها وَقتلُوا كثيرا من النَّاس ففر من بَقِي إِلَى حلب ومنبج وَاسْتولى بدر الدّين لُؤْلُؤ صَاحب الْموصل على شجار وَأخرج مِنْهَا الْملك الْجواد يُونُس بن مودود بن الْعَادِل بن نجم الدّين أَيُّوب فَسَار الْجواد إِلَى الشَّام حَتَّى صَار فِي يَد النَّاصِر دَاوُد فَقبض عَلَيْهِ بغزة يَوْم الْأَحَد ثامن عشر ذِي الْحجَّة وَبعث بِهِ إِلَى الكرك وانضمت الخوارزمية على صَاحب الْموصل فصاروا نَحْو الاثْنَي عشر ألفا وقصدوا حلب فَخرج إِلَيْهِم من حلب فانكسر وَقتل أَكْثَره وغنم الخوارزمية مَا مَعَهم فَامْتنعَ النَّاس بِمَدِينَة حلب وانتهبت أَعمال حلب وَفعل فِيهَا كل قَبِيح من السَّبي وَالْقَتْل والتخريب وَوَضَعُوا السَّيْف فِي أهل منبج وَقتلُوا فِيهَا مَا لَا يُحْصى عدده من النَّاس وخربوا وارتكبوا الْفَوَاحِش بِالنسَاء فِي الْجَامِع عَلَانيَة وَقتلُوا الْأَطْفَال وعادوا وَقد خرب مَا حول حلب وَكَانَ الخوارزمية يظهرون للنَّاس أَنهم يَفْعَلُونَ مَا يَفْعَلُونَ خدمَة لصَاحب مصر فَإِن أهل حلب وحمص ودمشق كَانُوا حزباً على الصَّالح صَاحب مصر. فَسَار الْمَنْصُور إِبْرَاهِيم ابْن الْملك الْمُجَاهِد صَاحب حمص عساكره وعساكر حلب ودمشق وَقطع الْفُرَات إِلَى سروج والرها وأوقع بالخوارزمية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 وكسرهم وَاسْتولى على مَا مَعَهم ومضوا هاربين إِلَى عانة. وفيهَا خَافَ الصَّالح عماد الدّين من الْملك الصَّالح نجم الدّين فكاتب الفرنج وَاتفقَ مَعَهم على معاضدته ومساعدته ومحاربة صَاحب مصر وَأَعْطَاهُمْ قلعة صفد وبلادها وقلعة الشقيف وبلادهما ومناصفة صيدا وطبرية وأعمالها وجبل عاملة وَسَائِر بِلَاد السَّاحِل وعزم الصَّالح عماد الدّين على قصد مصر لما بلغه من الْقَبْض على المماليك الأشرفية والخدام ومقدمي الْحلقَة وَبَعض الْأُمَرَاء وَأَن من بَقِي من أُمَرَاء مصر خَائِف على نَفسه من السُّلْطَان فتجهز وَبعث إِلَى الْمَنْصُور صَاحب حمص وَإِلَى الحلبيين وَإِلَى الفرنج يطْلب مِنْهُم النجدات وَأذن الصَّالح إِسْمَاعِيل للفرنج فِي دُخُول دمشق وَشِرَاء السِّلَاح فَأَكْثرُوا من ابتياع الأسلحة وآلات الْحَرْب من أهل دمشق فَأنْكر الْمُسلمُونَ ذَلِك ومشي أهل الدّين مِنْهُم إِلَى الْعلمَاء واستفتوهم فَأفْتى الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام بِتَحْرِيم بيع السِّلَاح للفرنج وَقطع من الْخطْبَة بِجَامِع دمشق الدُّعَاء للصالح إِسْمَاعِيل وَصَارَ وَيَدْعُو فِي الْخطْبَة بِدُعَاء مِنْهُ: اللَّهُمَّ أبرم لهَذِهِ الْأمة إبرام رشد تعز فِيهِ أولياءك وتذل فِيهِ أعداءك وَيعْمل فِيهِ بطاعتك وَيُنْهِي فِيهِ معصيتك وَالنَّاس يضجون بِالدُّعَاءِ. وَكَانَ الصَّالح غَالِبا عَن دمشق فكوتب بذلك فورد كِتَابه بعزل بن عبد السَّلَام عَن الخطابة واعتقاله هُوَ وَالشَّيْخ أبي عَمْرو بن الْحَاجِب لِأَنَّهُ كَانَ قد أنكر فاعتقلا ثمَّ لما قدم الصَّالح أفرج عَنْهُمَا وألزم بن عبد السَّلَام بملازمة دَاره وَألا يُفْتى وَلَا يجْتَمع بِأحد الْبَتَّةَ فاستأذنه فِي صَلَاة الْجُمُعَة وَأَن يعبر إِلَيْهِ طَبِيب أَو مزين إِذا احْتَاجَ إِلَيْهِمَا وَأَن يعبر الْحمام فَأذن لَهُ فِي ذَلِك وَولي خطابة دمشق بعد عز الدّين عبد السَّلَام علم الدّين دَاوُد بن عمر بن يُوسُف بن خطيب بَيت الْآبَار وبرز الصَّالح من دمشق وَمَعَهُ عَسَاكِر حمص وحلب وَغَيرهَا وَسَار حَتَّى نزل بنهر العوجاء فَبَلغهُ أَن النَّاصِر دَاوُد قد خيم على البلقاء فَسَار إِلَيْهِ وأوقع بِهِ فانكسر النَّاصِر وَانْهَزَمَ إِلَى الكرك وَأخذ الصَّالح أثقاله وَأسر جمَاعَة من أَصْحَابه وَعَاد إِلَى العوجاء وَقد قوي ساعده واشتدت شوكته فَبعث يطْلب نجدات الفرنج على أَنه يعطيهم جَمِيع مَا فَتحه السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف ورحل وَنزل تل العجول فَأَقَامَ أَيَّامًا وَلم يسْتَطع عبور مصر فَعَاد إِلَى دمشق وَذَلِكَ أَن الْملك الصَّالح نجم الدّين لما بلغه حَرَكَة الصَّالح إِسْمَاعِيل من دمشق وَمَعَهُ الفرنج جرد العساكر إِلَى لِقَائِه فألقاهم. وعندما تقَابل العسكران ساقت عَسَاكِر الشَّام إِلَى عَسَاكِر مصر طَائِعَة ومالوا جَمِيعًا على الفرنج فهزموهم وأسروا مِنْهُم خلقا لَا يُحصونَ وبهؤلاء الأسرى عمر السُّلْطَان الْملك الصَّالح نجم الدّين قلعة الرَّوْضَة والمدارس الصالحية بِالْقَاهِرَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 وفيهَا تمّ الصُّلْح مَعَ الفرنج وَأطلق الْملك الصَّالح الأسرى بِمصْر من الْجنُود والفرسان والرجالة. وَفِي ذِي الْقعدَة: كَانَت وقْعَة بَين أُمَرَاء الْملك الصَّالح أَيُّوب المقيمين بغزة وَبَين الْجواد والناصر وَكسر أَصْحَاب الْملك الصَّالح وَكسر كَمَال الدّين بن الشَّيْخ. وفيهَا اسْتَقر الصُّلْح بَين الْملك الصَّالح والناصر ورحل النَّاصِر عَن غَزَّة بعد قَبضه على الْجواد. وَفِي ذِي الْقعدَة: وصل الْجواد إِلَى العباسة وَمَعَهُ الصَّالح بن صَاحب حمص فأنعم عَلَيْهِمَا الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب وَلم يمكنهما من دُخُول الْقَاهِرَة فَعَاد الْجواد ولجأ إِلَى النَّاصِر فَقبض عَلَيْهِ. وفيهَا عزل القَاضِي عبد الْمُهَيْمِن عَن حسبَة الْقَاهِرَة فِي تَاسِع الْمحرم وَاسْتقر فِيهَا القَاضِي شرف الدّين مُحَمَّد بن الْفَقِيه عَبَّاس خطيب القلعة. وَفِي رَابِع عشره: شرع السُّلْطَان الْملك الصَّالح نجم الدّين فِي بِنَاء القنطرة الَّتِي على الخليج الْكَبِير المجاور لبستان الخشاب الَّتِي تعرف الْيَوْم بقنطرة السد خَارج مَدِينَة مصر. وَفِي سادس عشره أَمر السُّلْطَان الْملك الصَّالح أَيُّوب بتجهيز زرد خاناه وشواني وحراريق إِلَى بَحر القلزم لقصد الْيمن وجرد جمَاعَة من الْأُمَرَاء والأجناد بِسَبَب ذَلِك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 وَفِي خَامِس عشريه: نزل خمس نفر فِي اللَّيْل من الطاقات الزّجاج إِلَى المشهد النفيسي وأخفوا من فَوق الْقَبْر سِتَّة عشر قِنْدِيلًا من فضَّة فَقبض عَلَيْهِم من الفيوم وأحضروا فِي رَابِع صفر فاعترف أحدهم بِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي نزل من طاقات الْقبَّة الزّجاج وَأخذ الْقَنَادِيل وبرأ بَقِيَّة أَصْحَابه فشنق تجاه المشهد فِي عاشره وَترك مُدَّة متطاولة على الْخشب حَتَّى صَار عظاماً. وَفِي سَابِع عشري وَبيع الأول: ولي الْملك الصَّالح الْأَمِير بدر الدّين باخل الْإسْكَنْدَريَّة وَنَقله إِلَيْهَا من ولَايَة مصر. وَفِي شهر ربيع الآخر: رتب السُّلْطَان نواباً عَنهُ بدار الْعدْل يَجْلِسُونَ لإِزَالَة الْمَظَالِم. فَجَلَسَ لذَلِك افتخار الدّين ياقوت الجمالي وشاهدان عَدْلَانِ وَجَمَاعَة من الْفُقَهَاء: مِنْهُم الشريف شمس الدّين الأرموي نقيب الْأَشْرَاف وقاضي الْعَسْكَر ومدرس الْمدرسَة الناصرية بِمصْر وَالْقَاضِي فَخر الدّين بن السكرِي والفقيه عز الدّين عَبَّاس فهرع النَّاس لدار الْعدْل من كل جَانب وَرفعُوا ظلاماتهم فَكشفت واستراح السُّلْطَان من وقُوف النَّاس إِلَيْهِ وَاسْتمرّ هَذَا عصر. وَفِي ذِي الْحجَّة سَار القَاضِي بدر الدّين أَبُو المحاسن يُوسُف السنجاري على السَّاحِل إِلَى مصر فَلَمَّا قدم على السُّلْطَان أكْرمه غَايَة الْإِكْرَام وَكَانَ قَضَاء ديار مصر بيد القَاضِي شرف الدّين ابْن عين الدولة الإسكندري فَصَرفهُ السُّلْطَان عَن قَضَاء مصر وَالْوَجْه القبلي وفوض ذَلِك للْقَاضِي بدر الدّين السنجاري وأبقي مَعَ ابْن عين الدولة قَضَاء الْقَاهِرَة وَالْوَجْه البحري. وفيهَا ظهر بِبِلَاد الرّوم رجل ادّعى النُّبُوَّة يُقَال لَهُ البابا من التركمان. وَصَارَ لَهُ اتِّبَاع وَحمل اتِّبَاعه على أَن يَقُولُوا: لَا اله إِلَّا الله البابا رَسُول الله فَخرج إِلَيْهِ جَيش صَاحب الرّوم فَقَاتلهُمْ وَقتل بَينه وَبينهمْ أَرْبَعَة آلَاف نفر ثمَّ قتل البابا فانحل أمره. وفيهَا وصل رَسُول التتار من ملكهم خاقَان إِلَى الْملك المظفر شهَاب الدّين غاري بن الْعَادِل صَاحب ميافارقين وَمَعَهُ كتاب إِلَيْهِ وَإِلَى مُلُوك الْإِسْلَام عنوانه: من نَائِب رب السَّمَاء سامح وَجه الأَرْض ملك الشرق والغرب قاقان. فَقَالَ الرَّسُول لشهاب الدّين صَاحب مياقارفين: قد جعلك قاقان سلَاح دَاره وأمرك أَن تخرب أسوار بلدك فَقَالَ لَهُ شهَاب الدّين: أَنا من جملَة الْمُلُوك وبلادي حقيرة بِالنِّسْبَةِ إِلَى الرّوم وَالشَّام ومصر فَتوجه إِلَيْهِم وَمَا فَعَلُوهُ فعلته. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة حادي عشر ذِي الْقعدَة: رسم الصَّالح إِسْمَاعِيل أَن يخْطب على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 مِنْبَر دمشق للسُّلْطَان غياث الدّين كيخسرو بن كيقباد بن كيخسرو ملك الرّوم فَخَطب لَهُ ونثر على ذَلِك الدَّنَانِير والدارهم وَكَانَ يَوْمًا مشهوداً وَحضر رسل الرّوم وأعيان الدولة وخطب الْملك فِي جَوَامِع الْبَلَد وأنعم على الرَّسُول وخلع عَلَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 (سنة تسع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة) فِيهَا شرع الْملك الصَّالح فِي عمَارَة الْمدَارِس الصالحية بَين القصرين. وفيهَا غلت الأسعار بِمصْر وأبيع الْقَمْح كل أردب بدينارين وَنصف وَقدم جمال الدّين بن مطروح من طرابلس - فِي الْبَحْر - إِلَى الْقَاهِرَة وَكَثُرت قصاد المظفر صَاحب حماة إِلَى مصر. وَفِي يَوْم الْأَحَد تَاسِع عشري ربيع الأول: كسف جَمِيع جرم الشَّمْس وأظلم الجو وَظَهَرت الْكَوَاكِب وشغل النَّاس السَّرْح بِالنَّهَارِ. وفيهَا قدم الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام إِلَى مصر وَقد أخرجه الصَّالح إِسْمَاعِيل من دمشق فَأكْرمه الْملك الصَّالح نجم الدّين وولاه خطابة جَامع عَمْرو بن الْعَاصِ بِمصْر وقلده قَضَاء مصر وَالْوَجْه القبلي يَوْم عرف عوضا عَن قَاضِي الْقُضَاة شرف الدّين ابْن عين الدولة عِنْدَمَا كتب السُّلْطَان بِخَطِّهِ إِلَى ابْن عين الدولة فِي يَوْم الْجُمُعَة عَاشر ربيع الآخر مَا نَصه: إِن الْقَاهِرَة لما كَانَت دَار المملكة وأمراء الدولة وأجنادها مقيمون بهَا وحاكمها مُخْتَصّ بِحُضُور دَار الْعدْل تقدمنا أَن يتوفر القَاضِي على الْقَاهِرَة وعملها لَا غير. وفوض السُّلْطَان قَضَاء الْقُضَاة بِمصْر وعملها - وَهُوَ الْوَجْه الْقبل - لبدر الدّين أبي المحاسن يُوسُف السنجاري: الْمَعْرُوف بقاضي سنجار. فَلَمَّا مَاتَ ابْن عين الدولة اسْتَقر الْبَدْر السنجاري فِي قَضَاء الْقَاهِرَة وفوض قَضَاء مصر والوجع القبلي لِابْنِ عبد السَّلَام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 وفيهَا كثر تردد النَّاس إِلَى فَخر الدّين يُوسُف ابْن شيخ الشُّيُوخ بَعْدَمَا أطلقهُ السُّلْطَان فِي السجْن فكره السُّلْطَان ذَلِك وَأمره أَن يلازم دَاره. وفيهَا بلغ السُّلْطَان أَن النَّاصِر دَاوُد صَاحب الكرك قد وَافق الصَّالح إِسْمَاعِيل صَاحب دمشق والمنصور إِبْرَاهِيم صَاحب حمص وَأهل حلب على محاربته فسير السُّلْطَان كَمَال الدّين بن شيخ الشُّيُوخ على عَسْكَر إِلَى الشَّام فَخرج إِلَيْهِ النَّاصِر وقاتله بِبِلَاد الْقُدس وأسره فِي عدَّة من أَصْحَابه ثمَّ أطلقهُم وعادوا إِلَى الْقَاهِرَة. وَكَانَ من خبر ذَلِك أَنه فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِي عشر صفر وَقع عَسْكَر النَّاصِر دَاوُد على الْأَمِير عز الدّين أيبك صَاحب صرخد وَقد نزل على الغوار فَكَسرهُ وَأخذ الأثقال وَكَانَ مَعَه الْأَمِير شمس الدّين شرف - الْمَعْرُوف بالسبع مجانين - وشمس الدّين أَبُو الْعَلَاء الكرديان وَشرف الدّين بن الصارم صَاحب بَنِينَ وَكَانَ مقدم عَسْكَر النَّاصِر سيف الدّين بن قلج وَجَمَاعَة من الأيوبية من عَسْكَر مصر. وفيهَا سَار الخوارزمية إِلَى الْموصل فسالمهم صَاحبهَا بَحر الدّين لُؤْلُؤ نَصِيبين وَوَافَقَهُمْ المظفر شهَاب الدّين غَازِي بن الْعَادِل صَاحب ميافارقين ثمَّ سَارُوا إِلَى آمد فَخرج إِلَيْهِم عَسْكَر حلب عَلَيْهِ الْمُعظم فَخر الدّين توران شاه بن صَلَاح الدّين فدفعوهم عَنْهَا ونهبوا بِلَاد ميافارقين وَجَرت بَينهم وَبَين الخوارزمية وقائع ثمَّ عَاد الْعَسْكَر إِلَى حلب فغار الخوارزمية على رساتيق الْموصل. وفيهَا فلج المظفر صَاحب حماة فِي شعْبَان وَهُوَ جَالس بَغْتَة فَأَقَامَ أَيَّامًا ملقي لَا يَتَحَرَّك وَلَا يتَكَلَّم ثمَّ أَفَاق وَبَطل شقَّه الْأَيْمن فسير إِلَيْهِ الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب من مصر بطبيب يعرف بالنفيس بن طليب النَّصْرَانِي فَلم ينجح فِيهِ دَوَاء وَاسْتمرّ كَذَلِك سِنِين وشهوراً حَتَّى مَاتَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 وَفِي خَامِس عشر ذِي الْقعدَة: قدم الْأَمِير ركن الدّين ألطونبا الهيجاري من الْقَاهِرَة إِلَى دمشق وَكَانَ الْملك الصَّالح نجم الدّين قد بَعثه فِي شهر رَمَضَان إِلَى النَّاصِر دَاوُد ليصلح بَينه وَبَين الْملك الْجواد حَتَّى بقى على طَاعَة الصَّالح نجم الدّين فَلَمَّا وصل إِلَى غَزَّة هرب إِلَى دمشق وَأخذ مَعَه جمَاعَة من الْعَسْكَر وَلحق الْجواد بالفرنج وَأقَام عِنْدهم. وفيهَا وصل الْملك الْمَنْصُور نور الدّين عمر بن عَليّ رَسُول من الْيمن فِي عَسْكَر غير إِلَى مَكَّة فِي شهر رَمَضَان ففر المصريون بَعْدَمَا أحرقوا دَار الْإِمَارَة بِمَكَّة حَتَّى تلف مَا كَانَ بهَا من سلَاح وَغَيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 سنة أَرْبَعِينَ وسِتمِائَة فِي ربيع الأول: أبطلت خطة ملك الرّوم من دمشق وخطب للْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة رَابِع جُمَادَى الأولى: دخل الفرنج من عكا إِلَى نابلس ونهبوا وَقتلُوا وأسروا وَأخذُوا مِنْبَر الْخَطِيب وَخَرجُوا يَوْم الْأَحَد بعد مَا أفسدوا أَمْوَالًا كَثِيرَة. وَفِي يَوْم السبت ثامن عشر الْمحرم: وصل إِلَى الْقَاهِرَة الشريف عَلَاء الدّين عَالم بن الْأَمِير السَّيِّد عَليّ. وفيهَا وصل التتار إِلَى أرزن الرّوم وأوقع الْملك المظفر غَازِي صَاحب ميلادقين بالخوارزمية. وفيهَا مَاتَت ضيفة خاتون ابْنة الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب لَيْلَة الْجُمُعَة لإحدى عشرَة خلت من جُمَادَى الأولى فاستبد ابْن ابْنهَا النَّاصِر يُوسُف بن الظَّاهِر غَازِي بمملكة حلب بعْدهَا وَقَامَ بتدبيره بعد جدله الْأَمِير شمس الدّين لُؤْلُؤ الأتابك والأمير جمال الدّين الْعَادِل الْأسود الْحسن الخاتون والوزير الأكرم جمال الدّين بن النفطي وَخرج إقبال من حلب بعسكر وَحَارب الخوارزمية ثمَّ عَاد. وفيهَا مَاتَ الْخَلِيفَة الْمُسْتَنْصر بِاللَّه جَعْفَر الْمَنْصُور بن الظَّاهِر بِأَمْر الله أبي نصر مُحَمَّد ابْن النَّاصِر لدين الله أَحْمد الْعَبَّاس أَمِير الْمُؤمنِينَ بكرَة يَوْم الْجُمُعَة لعشر خلون من جُمَادَى الْآخِرَة وَكَاد سَبَب مَوته أَنه فصد بمبضع مَسْمُوم. فَكَانَت خِلَافَته سبع عشرَة سنة وَشهر وَقيل مَاتَ فِي ثَانِي عشريه وَكَانَت مدَّته خمس عشرَة سنة وَأحد عشر شهرا وَخَمْسَة أَيَّام وَله من الْعُمر إِحْدَى وَخَمْسُونَ سنة وَأَرْبَعَة أشهر وَسَبْعَة أَيَّام. وَكَانَ حازماً عادلاً وَفِي أَيَّامه عمرت بَغْدَاد عمَارَة عَظِيمَة وَبني بهَا المحرسة المستنصرية وَفِي أَيَّامه قصد التتر بَغْدَاد فاستخدم العساكر حَتَّى قيل إِنَّهَا زَادَت عدتهَا على مائَة ألف إِنْسَان. فَقَامَ من بعده فِي الْخلَافَة ابْنه المستعصم بِاللَّه أَبُو أَحْمد عبد الله وَقَامَ بأَمْره أهل الدولة وحسنوا لَهُ جمع الْأَمْوَال وَإِسْقَاط أَكثر الأجناد فَقطع كثيرا من العساكر وَسَالم التتر وَحمل إِلَيْهِم المَال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 وفيهَا بني بعض غلْمَان الصاحب معِين الدّين ابْن شيخ الشُّيُوخ وَزِير الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب بِنَاء بِأَمْر مخدومه على سطح مَسْجِد بِمصْر وَجعل فِيهِ طبلخاناه عماد الدّين ابْن شيخ الشُّيُوخ فَأنْكر ذَلِك قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين بن عبد السَّلَام وَمضى بِنَفسِهِ وَأَوْلَاده حَتَّى هدم الْبناء وَنقل مَا على السَّطْح ثمَّ أشهد قَاضِي الْقُضَاة على نَفسه أَنه قد أسقط شَهَادَة الْوَزير معِين الدّين وَأَنه قد عزل نَفسه من الْقَضَاء فَلَمَّا فعل ذَلِك ولي الْملك الصَّالح عوضه قَضَاء مصر صدر الدّين أَبَا مَنْصُور موهوب ابْن عمر بن موهوب بن إِبْرَاهِيم الْجَزرِي الْفَقِيه الشَّافِعِي وَكَانَ يَنُوب عَن ابْن عبد السَّلَام فِي الحكم فِي ثَالِث عشري ذِي الْقعدَة. وفيهَا قدم مَكَّة الْحَاج من بَغْدَاد بَعْدَمَا انْقَطع ركب الْعرَاق سبع سِنِين عَن مَكَّة وَكَانَ من خبر مَكَّة - شرفها الله تَعَالَى - أَن السُّلْطَان الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب بعث ألف فَارس عَلَيْهِم الشريف شيحة بن قَاسم أَمِير الْمَدِينَة فِي سنة سبع وَثَلَاثِينَ فَبعث الْملك الْمَنْصُور نور الدّين عمر بن عَليّ بن رَسُول من الْيمن بِابْن النصيري وَمَعَهُ الشريف رَاجِح إِلَى مَكَّة فِي عَسْكَر كَبِير ففر الشريف شيحة بِمن مَعَه وَقدم الْقَاهِرَة فَجهز السُّلْطَان الْملك الصَّالح مَعَه عسكراً قدم بهم مَكَّة فِي سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وحجوا بِالنَّاسِ فَبعث ابْن رَسُول من الْيمن عسكراً كَبِيرا فَطلب عَسْكَر مصر من السُّلْطَان الْملك الصَّالح نجدة فَبعث إِلَيْهِم بالأمير بارز الدّين عَليّ بن الْحُسَيْن برطاس والأمير مجد الدّين أَحْمد بن التركماني فِي مائَة وَخمسين فَارِسًا فَلَمَّا بلغ ذَلِك عَسْكَر الْيمن أَقَامُوا على السرين وَكَتَبُوا إِلَى ابْن رَسُول بذلك فَخرج بِنَفسِهِ فِي جمع كَبِير يُرِيد مَكَّة ففر المصريون على وُجُوههم وأحرقوا مَا فِي دَار السُّلْطَان بِمَكَّة من سلَاح وَغَيره فَقدم الْملك الْمَنْصُور نور الدّين عمر بن عَليّ بن رَسُول مَكَّة وَصَامَ بهَا شهر رَمَضَان سنة تسع وَثَلَاثِينَ واستناب بِمَكَّة مَمْلُوكه فَخر الدّين الشلاح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وسِتمِائَة فِيهَا قدم التتر بِلَاد الرّوم وأوقعوا بالسلطان غياث الدّين كيخسرو بن كيقباد بن يخسرو بن قلج أرسلان وهزموه وملكوا بِلَاد الرّوم وخلاط وآمد فَدخل غياث الدّين فِي طاعتهم على مَال يحملهُ إِلَيْهِم وملكوا أَيْضا سيواس وقيسارية بِالسَّيْفِ وقرروا على صَاحبهمَا فِي كل سنة أَرْبَعمِائَة ألف دِينَار ففر غياث الدّين مِنْهُم إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّة وَقَامَ من بعده ركن الدّين ابْنه - وَهُوَ صَغِير - إِلَى أَن قتل. وفيهَا تَكَرَّرت المراسلة بَين الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب وَبَين عَمه الصَّالح إِسْمَاعِيل صَاحب دمشق وَبَين الْمَنْصُور صَاحب حمص على أَن تكون دمشق وأعمالها للصالح إِسْمَاعِيل ومصر للصالح أَيُّوب وكل من صَاحب حمص وحماة وحلب على مَا هُوَ عَلَيْهِ وَأَن تكون الخطة وَالسِّكَّة فِي جَمِيع هَذِه الْبِلَاد للْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب وَأَن يُطلق الصَّالح إِسْمَاعِيل الْملك المغيث فتح الدّين عمر بن الْملك الصَّالح نجم الدّين من الاعتقال وَأَن يخرج الْأَمِير حسام الدّين أَبُو عَليّ بن مُحَمَّد بن أبي عَليّ باشاك الهذباني الْمَعْرُوف بِابْن أبي عَليّ من اعتقاله ببعلبك وَأَن ينتزع الصَّالح إِسْمَاعِيل الكرك من الْملك النَّاصِر دَاوُد فَلَمَّا تقرر هَذَا خرج من الْقَاهِرَة الْخطب أصيل الدّين الإسعردي - إِمَام السُّلْطَان - فِي جمَاعَة وَسَار إِلَى دمشق فَخَطب للسُّلْطَان الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب بِجَامِع دمشق وبحمص وَأَفْرج عَن المغيث ابْن السُّلْطَان وأركب ثمَّ أُعِيد إِلَى القلعة حَتَّى يتم بَينهمَا الْحلف وَأَفْرج عَن الْأَمِير حسام الدّين وَكَانَ قد ضيق عَلَيْهِ وَجعل فِي جب مظلم فَلَمَّا وصل حسام الدّين إِلَى دمشق خلع عَلَيْهِ الصَّالح إِسْمَاعِيل وَسَار إِلَى مصر وَمَعَهُ رَسُول الصَّالح إِسْمَاعِيل وَرَسُول صَاحب حمص - وَهُوَ القَاضِي عماد الدّين بن القطب قَاضِي حماة - وَرَسُول صَاحب حلب فقدموا على الْملك الصَّالح نجم الدّين وَلم يَقع اتِّفَاق وعادت الْفِتْنَة بَين الْمُلُوك فاتفق النَّاصِر دَاوُد صَاحب الكرك مَعَ الصَّالح إِسْمَاعِيل صَاحب دمشق على محاربة الْملك الصَّالح نجم الدّين وَعَاد رَسُول حلب وَتَأَخر ابْن القطب بِالْقَاهِرَةِ فَبعث النَّاصِر دَاوُد والصالح إِسْمَاعِيل ووافقا الفرنج على أَنهم يكونُونَ عوناً لَهُم على الْملك الصَّالح نجم الدّين ووعداهم أَن يسلما إِلَيْهِم الْقُدس وسلماهم طبرية وعسقلان أَيْضا فعمر الفرنج قلعتيهما وحصونهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 وَتمكن الفرنج من الصَّخْرَة بالقدس وجلسوا فَوْقهَا بِالْخمرِ وعلقوا الجرس على الْمَسْجِد الْأَقْصَى. فبرز الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب من الْقَاهِرَة وَنزل بركَة الْجب وَأقَام عَلَيْهَا وَكتب إِلَى الخوارزمية يستدعيهم إِلَى ديار مصرة لمحاربة أهل الشَّام فَخَرجُوا من بِلَاد الشرق. وَفِي يَوْم عيد النَّحْر: صرف الْملك الصَّالح نجم الدّين قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين موهوب الْجَزرِي وقلد الْأَفْضَل الخونجي قَضَاء مصر وَالْوَجْه القبلي. وفيهَا هرب الصارم المَسْعُودِيّ من قلعة الْجَبَل وَقد صبغ نَفسه حَتَّى صَار أسوداً على صُورَة عبد كَانَ يدْخل إِلَيْهِ بِالطَّعَامِ فَأخذ من بلبيس وأعيد إِلَى معتقله. وفيهَا أنشأ شهَاب الدّين ريحَان - خَادِم الْخَلِيفَة - رِبَاط الشرابي بِمَكَّة وَعمر بِعَرَفَة أَيْضا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وسِتمِائَة فِيهَا ورد إِلَى دمشق كتاب بدر الدّين لُؤْلُؤ صَاحب الْموصل وَفِيه يَقُول: إِنِّي قررت على أهل الشَّام قطيعة التتر فِي كل سنة من الْغَنِيّ عشرَة دَرَاهِم وَمن الْمُتَوَسّط خَمْسَة دَرَاهِم وَمن الْفَقِير دِرْهَم فَقَرَأَ القَاضِي محيي الدّين بن زكي الدّين الْكتاب على النَّاس وَوَقع الشُّرُوع فِي جباية المَال. وفيهَا قطع الخوارزمية الْفُرَات ومقدموهم: الْأَمِير حسام الدّين بركَة خَان وخان بردى وصاروخان وكشلوخان وهم زِيَادَة على عشرَة آلَاف مقَاتل فسارت مِنْهُم فرقة على بقاع بعلبك وَفرْقَة على غوطة دمشق وهم ينهبون وَيقْتلُونَ ويسبون فانجفل النَّاس من بَين أَيْديهم وتحصن الصَّالح إِسْمَاعِيل بِدِمَشْق وَضم عساكره إِلَيْهِ بَعْدَمَا كَانَت قد وصلت غَزَّة وهجم الخوارزمية على الْقُدس وبذلوا السَّيْف فِي من كَانَ بِهِ من النَّصَارَى حَتَّى أفنوا الرِّجَال وَسبوا النِّسَاء وَالْأَوْلَاد وهدموا المباني الَّتِي فِي قمامة ونبشوا قُبُور النَّصَارَى وأحرقوا رممهم وَسَارُوا إِلَى غَزَّة فنزلوها وسيروا إِلَى الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب - فِي صفر - يخبرونه بقدومهم فَأَمرهمْ بِالْإِقَامَةِ فِي غَزَّة وَوَعدهمْ بِبِلَاد الشَّام بَعْدَمَا خلع على رسلهم وسير إِلَيْهِم الْخلْع وَالْخَيْل وَالْأَمْوَال وَتوجه فِي الرسَالَة إِلَيْهِم جمال الدّين أقوش النجيبي وجمال الدّين بن مطروح وجهز الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب عسكراً من الْقَاهِرَة عَلَيْهِ الْأَمِير ركن الدّين بيبرس أحد مماليكه الأخصاء الَّذين كَانُوا مَعَه وَهُوَ مَحْبُوس بالكرك فَسَار إِلَى غَزَّة وانضم إِلَى الخوارزمية جمَاعَة من القميرية كَانُوا قد قدمُوا مَعَهم من الشرق ثمَّ خرج الْأَمِير حسام الدّين أَبُو عَليّ - بن مُحَمَّد بن أبي عَليّ الهذباني بعسكر ليقيم على نابلس. وجهز الصَّالح إِسْمَاعِيل عسكراً من دمشق عَلَيْهِ الْملك الْمَنْصُور صَاحب حمص فَسَار الْمَنْصُور جَرِيدَة إِلَى عكا وَأخذ الفرنج ليحاربوا مَعَه عَسَاكِر مصر وَسَارُوا إِلَى نَحْو غَزَّة وأتتهم نجدة النَّاصِر دَاوُد صَاحب الكرك مَعَ الظهير بن سنقر الْحلَبِي والوزيري فَالتقى الْقَوْم مَعَ الخوارزمية بِظَاهِر غَزَّة وَقد رفع الفرنج الصلبان على عَسْكَر دمشق وَفَوق رَأس الْمَنْصُور صَاحب حمص والأقسة تصلب وبأيديهم أواني الْخمر تَسْقِي الفرسان وَكَانَ فِي الميمنة الفرنج وَفِي الميسرة عَسْكَر الكرك وَفِي الْقلب الْمَنْصُور صَاحب حماة فساق الخوارزمية وعساكر مصر ودارت بَين الْفَرِيقَيْنِ حَرْب شَدِيدَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 فانكسر الْملك الْمَنْصُور وفر الوزيري وَقبض على الظهير وجرح. وأحاط الخوارزمية بالفرنج وَوَضَعُوا فيهم السَّيْف حَتَّى أَتَوا عَلَيْهِم قتلا وأسراً وَلم يفلت مِنْهُم إِلَّا من شرد فَكَانَ عدَّة من أسر مِنْهُم ثَمَانمِائَة رجل وَقتل مِنْهُم وَمن أهل الشَّام زِيَادَة على ثَلَاثِينَ ألفا وَحَازَ الخوارزمية من الْأَمْوَال مَا يجل وَصفه وَلحق الْمَنْصُور بِدِمَشْق فِي نفر يسير. وقدمت الْبشَارَة إِلَى الْملك الصَّالح نجم الدّين بذلك فِي خَامِس عشر جُمَادَى الأولى فَأمر بزينة الْقَاهِرَة ومصر وظواهرهما وقلعتي الْجَبَل وَالرَّوْضَة فَبَالغ النَّاس فِي الزِّينَة وَضربت البشائر عدَّة أَيَّام. وقدمت أسرى الفرنج ورءوس الْقَتْلَى وَمَعَهُمْ الظهير بن سنقر وعدة من الْأُمَرَاء والأعيان وَقد أركب الفرنج الْجمال وَمن مَعَهم من المقدمين على الْخُيُول وشقوا الْقَاهِرَة فَكَانَ دُخُولهمْ يَوْمًا مشهوداً وعلقت الرُّءُوس على أَبْوَاب الْقَاهِرَة وملئت الحبوس بالأسرى وَسَار الْأَمِير بيبرس والأمير ابْن أبي عَليّ بعساكرهما إِلَى عسقلان ونازلاها فامتنعت عَلَيْهِم لحصانتها فَسَار ابْن أبي عَليّ إِلَى نابلس وَأقَام بيبرس على عسقلان واستولت نواب الْملك الصَّالح نجم الدّين على غَزَّة والسواحل والقدس والخليل وَبَيت جِبْرِيل والأغوار وَلم يبْق بيد النَّاصِر دَاوُد سوى الكرك والملقاء والصلت وعجلون. فورد الْخَيْر بِمَوْت الْملك المظفر تَقِيّ الدّين مَحْمُود بن الْمَنْصُور بن تَقِيّ الدّين عمر بن شاهنشاه بن أَيُّوب صَاحب حماة فِي يَوْم السبت ثامن جُمَادَى الأول فَاشْتَدَّ حزن الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب عَلَيْهِ ثمَّ ورد الْخَبَر بِمَوْت ابْنه الْملك المغيث عمر بقلعة دمشق فَزَاد حزنه وَقَوي غَضَبه على عَمه الصَّالح إِسْمَاعِيل وَقدم إِلَى الْقَاهِرَة الْخَطِيب زين الدّين أَبُو البركات عبد الرَّحْمَن بن موهوب من حماة بِسيف الْملك المظفر وَمَعَهُ تقدمة من عِنْد ابْن الْملك الْمَنْصُور نَاصِر الدّين مُحَمَّد لتسْع مضين من شَوَّال. وَخرج الصاحب معِين الدّين الْحسن بن شيخ الشُّيُوخ على العساكر من الْقَاهِرَة وَمَعَهُ الدهليز السلطاني والخزائن وأقامه السُّلْطَان مقَام نَفسه وَأذن لَهُ أَن يجلس على رَأس السماط ويركب كَمَا هِيَ عَادَة الْمُلُوك وَأَن يقف الطواشي شهَاب الدّين رشيد أستادار السُّلْطَان فِي خدمته على السماط وَيقف أَمِير جاندار والحجاب بَين يَدَيْهِ كعادتهم فِي خدمَة السُّلْطَان وَكتب إِلَى الخوارزمية أَن يَسِيرُوا فِي خدمته. فَسَار الصاحب معِين الدّين من الْقَاهِرَة بالعساكر إِلَى غَزَّة وانضاف إِلَيْهِ الخوارزمية والعسكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 إِلَى غَزَّة وانضاف إِلَيْهِ الخوارزمية والعسكر وَسَار إِلَى بيسان فَأَقَامَ بهَا مُدَّة ثمَّ سَار إِلَى دمشق فنازلها وَقد امْتنع بهَا الصَّالح إِسْمَاعِيل والمنصور إِبْرَاهِيم صَاحب حمص وعاثت الخوارزمية فِي أَعمال دمشق فَبعث الصَّالح إِسْمَاعِيل إِلَى ابْن شيخ الشُّيُوخ بسجادة وإبريق وعكاز وَقَالَ لَهُ: اشتغالك بِهَذَا أولى من اشتغالك بِقِتَال الْمُلُوك. فَلَمَّا وصل ذَلِك إِلَيْهِ جهز إِلَى الصَّالح إِسْمَاعِيل جنكا وزمراً وغلالة حَرِير وَقَالَ: السجادة والإبريق والعكاز يليقون بِي وَأَنت أولى بالجنك وَالزمر والغلالة وَاسْتمرّ الصاحب معِين الدّين على محاصرة دمشق فَبعث الْخَلِيفَة بمحيي الدّين بن الْجَوْزِيّ إِلَى الْملك الصَّالح نجم الدّين وَمَعَهُ خلعة وَهِي عِمَامَة سَوْدَاء وفرجية مذهبَة وثوبان ذهب وَسيف بِذَهَب وطوق ذهب وعلمان حَرِير وحصان وترس ذهب فَلبس الْملك الصَّالح نجم الدّين الخلعة على الْعَادة وَكَانَت الْأَقَاوِيل بِمصْر قد كثرت لمجيئه وَتَأَخر قدومه فَقَالَ الصّلاح بن شعْبَان الإربلي: قَالُوا الرَّسُول أُتِي قَالُوا إِنَّه مَا رام يَوْمًا عَن دمشق نزوحا ذهب الزَّمَان وَمَا ظَفرت بِمُسلم يروي الحَدِيث عَن الرَّسُول صَحِيحا وفيهَا قتل أَمِير بني مرين مُحَمَّد بن عبد الْحق محيو بن أبي بكر بن حمامة فِي حربه مَعَ عَسْكَر الْمُوَحِّدين وَولي بعده أَخُوهُ أَبوهُ يحيي بن عبد الْحق. وفيهَا ورد كتاب بدر الدّين لُؤْلُؤ من الْموصل بجباية قِطْعَة التتر من دمشق فَقَرَأَ كتاب القَاضِي محيي الدّين من الزكي على الْعَادة. وفيهَا استوزر الْخَلِيفَة أستاداره مؤيد الدّين مُحَمَّد بن العلقمي فِي ثامن ربيع الأول عوضا عَن نصير الدّين أبي الْأَزْهَر أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْعَاقِد. وفيهَا استولي التتر على شهر زور. وفيهَا بلغ الأردب الْقَمْح بِمصْر أَرْبَعمِائَة دِرْهَم نقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 سنة ثَالِث وَأَرْبَعين وسِتمِائَة فِيهَا كثرت محاربة ابْن شيخ الشُّيُوخ لأهل دمشق ومضايقته للبلد إِلَى أَن أحرق قصر حجاج فِي ثَانِي محرم وَرمي بالمجانيق وألح بِالْقِتَالِ. فَأحرق الصَّالح إِسْمَاعِيل فِي ثالثه عدَّة مَوَاضِع ونهبت أَمْوَال النَّاس وَجَرت شَدَائِد إِلَى أَن أهل شهر ربيع الأول فَفِيهِ خرج الْمَنْصُور صَاحب حمص من دمشق وتحدث مَعَه بركَة خَان مقدم الخوارزمية فِي الصفح وَعَاد إِلَى دمشق فَأرْسل الْوَزير أَمِين الدولة كَمَال الدّين أَبُو الْحسن بن غزال الْمَعْرُوف بالسامري إِلَى الصاحب معِين الدّين بن شيخ الشُّيُوخ يسْأَله الْأمان ليجتمع بِهِ فَبعث إِلَيْهِ بقميص وفرجية وعمامة ومنديل فَلبس ذَلِك وَخرج لَيْلًا لأيام مَضَت من جُمَادَى الأولى فتحادثا وَرجع إِلَى دمشق ثمَّ خرج فِي لَيْلَة أُخْرَى وَقرر أَن الصَّالح إِسْمَاعِيل يسلم دمشق على أَن يخرج مِنْهَا هُوَ والمنصور بِأَمْوَالِهِمْ وَلَا يعرض لأحد من أَصْحَابهم وَلَا لشَيْء مِمَّا مَعَهم وَأَن يعوض الصَّالح عَن دمشق ببعلبك وَبصرى وأعمالها وَجَمِيع بِلَاد السوَاد وَأَن يكون للمنصور حمص وتدمر والرحبة فَأجَاب أَمِين الدولة إِلَى ذَلِك وَحلف الصاحب معِين الدّين لَهُم فَخرج الصَّالح إِسْمَاعِيل والمنصور من دمشق. وَدخل الصاحب معِين الدّين فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامن جُمَادَى الأولى وَمنع الخوارزمية من دُخُول دمشق ودبر الْأَمِير أحسن تَدْبِير وأقطع الخوارزمية السَّاحِل بمناشير كتبهَا لَهُم وَنزل فِي الْبَلَد وتسلم الطواشي شهَاب الدّين رشيد القلعة وخطب بهَا وبجامع دمشق وَعَامة أَعمالهَا للْملك الصَّالح نجم الدّين وَسلم أَيْضا الْأَمِير سيف الدّين عَليّ بن قلج قلعة عجلون لأَصْحَاب الْملك الصَّالح وَقدم إِلَى دمشق فَلَمَّا وَردت الْأَخْبَار بذلك على السُّلْطَان أنكر على الطواشي شهَاب الدّين والأمراء كَيفَ مكنوا الصَّالح إِسْمَاعِيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 من بعلبك وَقَالَ: إِن معِين الدّين حلف لَهُ وَأما أَنْتُم فَمَا خَلفْتُمْ وَأمر الْملك الصَّالح نجم الدّين أَن يسير ركن الهيجاوي والوزير أَمِين الدولة السامري تَحت الحوطة إِلَى قلعة الرَّوْضَة فسيرا من دمشق إِلَى مصر واعتقلا بقلعة الْجَبَل فاتفق مرض الصاحب معِين الدّين ووفاته بِدِمَشْق فِي ثَانِي عشري شهر رَمَضَان فَكتب السُّلْطَان إِلَى الْأَمِير حسام بن أبي عَليّ الهذباني وَهُوَ بنابلس أَن يسير إِلَى دمشق ويتسلمها فَسَار إِلَيْهَا وَصَارَ نَائِبا بِدِمَشْق والطواشي رشيد بالقلعة وَأَفْرج السُّلْطَان عَن الْأَمِير فَخر الدّين يُوسُف بن شيخ الشُّيُوخ - وَكَانَ قد لزم بَيته - وخلع عَلَيْهِ وَأمره وَقدمه وَبَالغ فِي الْإِحْسَان إِلَيْهِ وَكَانَ لم يبْق من أَوْلَاد شيخ الشُّيُوخ غَيره. وَأما الخوارزمية فَإِنَّهُم ظنُّوا أَن السُّلْطَان إِذا انتصر على عَمه الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل يقاسمهم الْبِلَاد فَلَمَّا منعُوا من دمشق وصاروا فِي السَّاحِل وَغَيره من برد الشَّام تَغَيَّرت نياتهم وَاتَّفَقُوا على الْخُرُوج عَن طَاعَة السُّلْطَان وَسَارُوا إِلَى داريا وانتهبوها وكاتبوا الْأَمِير ركن الدّين بيبرس وَهُوَ على غَزَّة بعسكر جيد من عَسَاكِر مصر وحسنوا لَهُ أَن يكون مَعَهم يدا وَاحِدَة ويزوجوه مِنْهُم فَمَال إِلَيْهِم وكاتبوا النَّاصِر دَاوُد صَاحب الكرك فوافقهم وَنزل إِلَيْهِم وَاجْتمعَ بهم وَتزَوج مِنْهُم وَعَاد إِلَى الكرك وَاسْتولى على مَا كَانَ بيد الْأَمِير حسام الدّين بن أبي عَليّ من نابلس والقدس والخليل وَبَيت جِبْرِيل والأغوار. وَخَافَ الصَّالح إِسْمَاعِيل فكاتب الخوارزمية وَقدم إِلَيْهِم فَحَلَفُوا لَهُ على الْقيام بنصرته ونازلوا دمشق فَقَامَ الْأَمِير حسام الدّين بن أبي عَليّ بِحِفْظ الْبَلَد أحسن قيام وألح الخوارزمية - وَمَعَهُمْ الصَّالح إِسْمَاعِيل - فِي الْقِتَال وَنهب الْأَعْمَال وضايقوا دمشق وَقَطعُوا عَنْهَا الْميرَة فَاشْتَدَّ الغلاء بهَا وَبَلغت الغرارة الْقَمْح إِلَى ألف وَثَمَانمِائَة دِرْهَم فضَّة وَمَات كثير من النَّاس جوعا وَبَاعَ شخص دَارا قيمتهَا عشرَة آلَاف دِرْهَم بِأَلف وَخَمْسمِائة دِرْهَم اشْترِي بهَا غرارة قَمح فَقَامَتْ عَلَيْهِ فِي الْحَقِيقَة بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم وأبيع الْخبز كل أُوقِيَّة وَربع بدرهم وَاللَّحم كل رَطْل بسبعة دَرَاهِم ثمَّ عدمت الأقوات بِالْجُمْلَةِ وَأكل النَّاس القطط وَالْكلاب وَالْمَيتَات وَمَات شخص بالسجن فَأَكله أهل السجْن وَهلك عَالم عَظِيم من الْجُوع والوباء وَاسْتمرّ هَذَا الْبلَاء ثَلَاثَة أشهر وَصَارَ من يمر من الْجَبَل يشْتم ريح نَتن الْمَوْتَى لعجز النَّاس عَن مواراة موتاهم وَلم تَنْقَطِع مَعَ هَذَا الْخُمُور والفسوق من بَين النَّاس. وَأخذ الْملك الصَّالح نجم الدّين مَعَ ذَلِك فِي أَعمال الْحِيَل وَالتَّدْبِير وَمَا زَالَ بالمنصور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 إِبْرَاهِيم صَاحب حمص حَتَّى مَال إِلَيْهِ وَاتفقَ أَيْضا مَعَ الحلبيين على محاربة الخوارزمية فَخرج الْملك الصَّالح نجم الدّين من الْقَاهِرَة بعساكر مصر وَنزل العباسة فوافاه بهَا رسل الْخَلِيفَة وهما الْملك مُحَمَّد ابْن وَجه السَّبع وجمال الدّين عبد الرَّحْمَن بن محيي الدّين أبي مُحَمَّد يُوسُف بن الْجَوْزِيّ فِي آخر شَوَّال ومعهما التَّقْلِيد والتشريف الْأسود: وَهُوَ عِمَامَة سَوْدَاء وجبة وطوق ذهب وَفرس بمركوب بحلية ذهب فنصب الْمِنْبَر وَصعد عَلَيْهِ جمال الدّين عبد الرَّحْمَن محيي الدّين بن الْجَوْزِيّ الرَّسُول وَقَرَأَ التَّقْلِيد بالدهليز السلطاني وَالسُّلْطَان قَائِم على قَدَمَيْهِ حَتَّى فرغ من الْقِرَاءَة ثمَّ ركب السُّلْطَان بالتشريف الخليفتي فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَكَانَ قد حضر أَيْضا من عِنْد الْخَلِيفَة تشريف باسم الصاحب معِين الدّين بن شيخ الشُّيُوخ فَوجدَ أَنه قد مَاتَ فَأمر السُّلْطَان أَن يفاض على أَخِيه الْأَمِير فَخر الدّين يُوسُف بن شيخ الشُّيُوخ فلبسه. فَلَمَّا بلغ الخوارزمية مسير السُّلْطَان من مصر ومسير الْملك الْمَنْصُور إِبْرَاهِيم صَاحب حمص بعساكر حلب رحلوا عَن دمشق يُرِيدُونَ لِقَاء الْمَنْصُور. فَوجدَ أهل دمشق برحيلهم فرجا ووصلت إِلَيْهِم الْميرَة وانحل السّعر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 (سنة أَربع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة) فِيهَا أرسل الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب القَاضِي نجم الدّين مُحَمَّد بن سَالم النابلسي الْمَعْرُوف بِابْن قَاضِي نابلس - وَكَانَ مُتَقَدما عِنْده - إِلَى مَمْلُوكه الْأَمِير ركن الدّين بييرس فَمَا زَالَ يخدعه ويمنيه حَتَّى فَارق الخوارزمية وَقدم مَعَه إِلَى ديار مصر فاعتقل بقلعة الْجَبَل وَكَانَ آخر الْعَهْد وفيهَا عظمت مضرَّة الخوارزمية بِبِلَاد الشَّام وَكثر نهبهم للبلاد وسفكهم للدماء وانتهاكهم للحرمات والتقوا مَعَ الْملك الْمَنْصُور إِبْرَاهِيم صَاحب حمص وعساكر حلب وَقد انْضَمَّ إِلَيْهِم عرب كثير وتركمان نصْرَة للْملك الصَّالح نجم الدّين وَذَلِكَ بِظَاهِر حمص أول يَوْم من الْمحرم وَقيل ثَانِيه فَكَانَت بَينهم وقْعَة عَظِيمَة انهزم فِيهَا الخوارزمية هزيمَة قبيحة تبدد مِنْهَا شملهم وَلم يقم لَهُم بعْدهَا قَائِمَة وَقتل مقدمهم بركَة خَان وَهُوَ سَكرَان وَأسر كثير مِنْهُم واتصل من فر مِنْهُم بالتتار وَفِيهِمْ من مضى إِلَى البلقاي وخدم الْملك النَّاصِر دَاوُد صَاحب الكرك فَتزَوج النَّاصِر مِنْهُم واختص بهم وقويت شوكته وَسَار بَعضهم إِلَى نابلس فاستولوا عَلَيْهَا وَوصل بعض من كَانَ مَعَهم مِمَّن انهزم إِلَى حران وَلحق أيبك المعظمي بقلعة صرخد وَامْتنع بهَا وَسَار الصَّالح إِسْمَاعِيل إِلَى حلب فِي عدَّة من الخوارزمية فأنزله الْملك النَّاصِر صَاحب حلب وأكرمه وَقبض على من قدم مَعَه من الخوارزمية ووردت الْبُشْرَى بِهَذِهِ الْهَزِيمَة إِلَى السُّلْطَان الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب فِي الْمحرم فزينت الْقَاهِرَة ومصر والقلعتان. وَسَار الْأَمِير حسام الدّين بن أبي عَليّ الهذباني من دمشق وَاسْتولى على بعلبك بِغَيْر حَرْب فِي رَجَب وَحمل مِنْهَا الْملك الْمَنْصُور نور الدّين مَحْمُود بن الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل وَأَخذه الْملك السعيد عبد الْملك إِلَى الديار المصرية تَحت الِاحْتِيَاط فاعتقلوا وزينت الْقَاهِرَة لفتح بعلبك زِينَة عَظِيمَة هِيَ ومصر وَكَانَ أَخذ بعلبك عِنْد السُّلْطَان أحسن موقعاً من أَخذه لدمشق حنقا مِنْهُ على عَمه الصَّالح إِسْمَاعِيل وانصلحت الْحَال بَين السُّلْطَان وَبَين الْمَنْصُور صَاحب حمص والناصر صَاحب حلب واتفقت الْكَلِمَة وَبعث السُّلْطَان إِلَى حلب يطْلب تَسْلِيم الصَّالح إِسْمَاعِيل فَلم يجب إِلَى تَسْلِيمه وَأخرج السُّلْطَان عسكراً كَبِيرا قدم عَلَيْهِ الْأَمِير فَخر الدّين يُوسُف بن شيخ الشُّيُوخ وسيره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 لمحاربة الكرك فَسَار إِلَى غَزَّة وأوقع بالخوارزمية وَمَعَهُمْ النَّاصِر دَاوُد صَاحب الكرك فِي نَاحيَة الصَّلْت وكسرهم وبدد شمالهم وفر النَّاصِر إِلَى الكرك فِي عدَّة. وَكَانَت الكسرة على الصَّلْت فِي سَابِع عشري ربيع الآخر وَسَار فَخر الدّين عَنْهَا بعد مَا حرقها واحتاط على سَائِر بِلَاد النَّاصِر وَولي عَلَيْهَا النواب ونازل فَخر الدّين الكرك وَخرب مَا حولهَا وَاسْتولى على البلقاء وأضعف النَّاصِر حَتَّى سَأَلَهُ الْأمان فَبعث فَخر الدّين يطْلب مِنْهُ من عِنْده من الخوارزمية فسيرهم النَّاصِر إِلَيْهِ فَسَار عَن الكرك وهم فِي خدمته ثمَّ نَازل فَخر الدّين بصرى حَتَّى أشرد على أَخذهَا فَنزل بِهِ مرض أشفى مِنْهُ على الْمَوْت وَحمل فِي محفة إِلَى الْقَاهِرَة وَبَقِي الْعَسْكَر حَتَّى استولوا عَلَيْهَا وَقدم الْمَنْصُور إِبْرَاهِيم صَاحب حمص إِلَى دمشق منتمياً إِلَى السُّلْطَان الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب فَنزل بِهِ مرض مَاتَ بِهِ فِي صفر فخزن عَلَيْهِ السُّلْطَان حزنا كثيرا لِأَنَّهُ كَانَ يتَوَقَّع وُصُوله إِلَيْهِ فَقَامَ من بعده بحمص ابْنه الْأَشْرَف مظفر الدّين وفيهَا تسلم الْملك الصَّالح نجم الدّين عجلون بِوَصِيَّة صَاحبهَا سيف الدّين بن قلج عِنْد مَوته. وفيهَا سير الصاحب جمال الدّين أَبُو الْحسن يحيى بن عِيسَى بن إِبْرَاهِيم بن مطروح إِلَى دمشق وزيراً وأميراً وأنعم عَلَيْهِ بسبعين فَارِسًا بِدِمَشْق وَصرف الْأَمِير حسام الدّين بن أبي عَليّ الهذباني عَن نِيَابَة دمشق وَولى مَكَانَهُ الْأَمِير مُجَاهِد الدّين إِبْرَاهِيم وَأقر الطواشي شهَاب الدّين بالقلعة على حَاله فَلَمَّا دخل ابْن مطروح إِلَى دمشق خرج مِنْهَا الْأَمِير حسام الدّين وَسَار إِلَى الْقَاهِرَة فَلَمَّا قدم على السُّلْطَان وَهُوَ بقلعة الْجَبَل أقره فِي نِيَابَة السلطنة بديار مصر وأنزله بدار الوزارة من الْقَاهِرَة. وَخرج السُّلْطَان بالعساكر فِي شَوَّال يُرِيد دمشق من قلعة الْجَبَل واستناب بديار مصر الْأَمِير حسام الدّين بن أبي عَليّ فَدخل إِلَى دمشق فِي سَابِع عشر ذِي الْقعدَة وَكَانَ دُخُوله يَوْمًا مشهوداً فَأحْسن إِلَى النَّاس وخلع على الْأَعْيَان وَتصدق على أهل الْمدَارِس والربط وأرباب الْبيُوت بِأَرْبَعِينَ ألف دِرْهَم وَسَار بعد خَمْسَة عشر يَوْمًا إِلَى بعلبك فرتب أحوالها وَأعْطى لأهل الْمدَارِس والربط وأرباب الْبيُوت عشْرين ألف دِرْهَم وَسَار إِلَى بصرى وَقد تسلمها نواب السُّلْطَان من الْأَمِير شهَاب الدّين غَازِي تائب الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل فَتصدق على مدارس بصرى وربطها وأرباب الْبيُوت بِعشْرين ألف دِرْهَم وجهز السُّلْطَان الْأَمِير نَاصِر الدّين القيمري والصاحب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 الدّين بن مطروح إِلَى صلخد وَبهَا الْأَمِير عز الدّين أيبك المعظمي فمازالا بِهِ حَتَّى سلم صلخد وَسَار إِلَى مصر وَتصدق السُّلْطَان فِي الْقُدس بألفي دِينَار مصرية وَأمر بذرع سور الْقُدس فكاد ذراعه سِتَّة آلَاف ذِرَاع بالهاشمي فَأمر بِصَرْف مغل الْقُدس فِي عِمَارَته وَإِن احْتَاجَ إِلَى زِيَادَة حملت من مصر. وفيهَا سَار الْأَمِير فَخر الدّين بن شيخ الشُّيُوخ بعسكر إِلَى طبرية فنازلها حَتَّى أَخذهَا من يَد الفرنج وَهدم الْحُصُون. وفيهَا مَاتَ الْملك الْعَادِل أَبُو بكر بن الْكَامِل مُحَمَّد خنقا بقلعة الْجَبَل. وَقيل كَانَ خنقه قبل هَذِه السّنة وَقيل بل كَانَ فِي سِتَّة خمس وَأَرْبَعين وَالْقَوْل الثَّانِي أثبت. وَسبب قَتله أَنه كَانَ معتقلاً فِي برج الْعَافِيَة من قلعة الْجَبَل فَلَمَّا عزم السُّلْطَان على الْمسير إِلَى الشَّام بعث يَأْمُرهُ أَن يتَوَجَّه إِلَى قلعة الشوبك ليعتقل بهَا فَامْتنعَ من ذَلِك فَبعث السُّلْطَان إِلَيْهِ من خنقه وأشاع أَنه مَاتَ ثمَّ ظهر أمره وَأخرج ابْنه المغيث عمر إِلَى الشوبك فاعتقل بهَا وَلما مَاتَ الْعَادِل دفن خَارج بَاب النَّصْر وَلم يَجْسُر أحد يبكي عَلَيْهِ وَلَا يذكرهُ وَترك الْعَادِل ولدا يُقَال لَهُ الْملك المغيث عمر أنزل إِلَى الْقَاهِرَة عِنْد عماته ثمَّ أخرج إِلَى الشوبك. وَكَانَ عمر الْعَادِل يَوْم مَاتَ نَحْو ثَلَاثِينَ سنة وَأقَام مسجوناً نَحْو ثَمَانِي سِنِين. وفيهَا وَقع الِاخْتِلَاف بَين الفرنج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 سنة خمس وَأَرْبَعين وسِتمِائَة فِيهَا عَاد السُّلْطَان الْملك الصَّالح من دمشق إِلَى ديار مصر بعد مَا أَخذ عسقلان وخربها فِي جُمَادَى الْآخِرَة وَبعد أَن تسلم أَيْضا قلعة بارزين من عمل حماة فِي رَمَضَان وَفِي عوده إِلَى مصر عرض لَهُ - وَهُوَ بالرمل - وجع فِي حلقه أشفى مِنْهُ على الْمَوْت ثمَّ عوفي وَدخل إِلَى قلعته سالما وزينت الْبلدَانِ والقلعتان فَرحا بِهِ وَكتب السُّلْطَان إِلَى الْأَمِير فَخر الدّين بن شيخ الشُّيُوخ أَن يشر من بِلَاد الفرنج بالسَّاحل إِلَى دمشق فَسَار إِلَيْهِمَا بِمن مَعَه من الْعَسْكَر وأنعم على من بهَا من الْأُمَرَاء وَغَيرهم وخلع عَلَيْهِم وَأخذت عسقلان يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشر جُمَادَى الْآخِرَة بعساكر السُّلْطَان. وفيهَا تسلم نواب السُّلْطَان قلعة الصبيبة وَحضر إِلَى حلب من حماة الطواشي شُجَاع الدّين مرشد المنصوري والأمير مُجَاهِد الدّين أَمِير جاندار لإحضار سيدة الخواتين عصمَة الدُّنْيَا وَالدّين عَائِشَة خاتون ابْنة الْملك الْعَزِيز مُحَمَّد بن الظَّاهِر غَازِي بن صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب فسارت وَمَعَهَا أمهَا السّتْر الرفيع فَاطِمَة خاتون ابْنة الْملك الْكَامِل مُحَمَّد بن الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب فِي رَمَضَان وَهِي فِي تجمل زَائِد ومحفتها ملبسة ثوب حَرِير بِذَهَب مكلل بالجواهر فتلقاها زَوجهَا الْملك الْمَنْصُور صَاحب حماة. وفيهَا حكر النَّاس الْبُسْتَان الكافوري بِالْقَاهِرَةِ وعمروا فِيهِ الدّور. وفيهَا قبض على الْأَمِير عز الدّين أيبك المعظمي بِدِمَشْق وَحمل إِلَى الْقَاهِرَة تَحت الحوطة فاعتقل بهَا فِي دَار صَوَاب ورافعه وَلَده أَن الَّذِي حمله من صلخد كَانَ مبلغ ثَمَانِينَ خرجا أودعها فَلَمَّا بلغه ذَلِك سقط إِلَى الأَرْض وَقَالَ: هَذَا آخر الْعَهْد بالدنيا وَلم يتَكَلَّم بعْدهَا حَتَّى مَاتَ. وفيهَا سَار السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل وَنزل بقصره فِي أشموم طناح. وفيهَا خنق الْملك الْعَادِل أَبُو بكر بن مُحَمَّد الْكَامِل فِي ثَانِي عشر شَوَّال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 سنة سِتَّة وَأَرْبَعين وسِتمِائَة فِيهَا كتب السُّلْطَان من أشموم طناح إِلَى نَائِبه بديار مصر الْأَمِير حسام الدّين بن أبي عَليّ أَن يرحل بالحلقة السُّلْطَانِيَّة والدهليز السلطاني إِلَى دمشق وَأقَام السُّلْطَان بدله فِي نِيَابَة السلطنة بِالْقَاهِرَةِ الْأَمِير الْجواد جمال الدّين وَأَبا الْفَتْح مُوسَى بن يغمور بن جِلْدك. فَسَار الْأَمِير حسام الدّين وَنزل بالقصور الَّتِي أَنْشَأَهَا السُّلْطَان الْملك الصَّالح أَيُّوب وَجعلهَا مَدِينَة بالسانح فِي أول الرمل وَجعل فِيهَا سوقاً جَامعا ليَكُون مَرْكَز العساكر عِنْد خُرُوجهمْ من الرمل وسماها الصالحية. وَأقَام حسام الدّين بالصالحية مقَام السُّلْطَان وَطَالَ مقَامه بهَا نَحْو أَرْبَعَة أشهر ثمَّ سَار ليحرك الْملك الْأَشْرَف صَاحب حمص فَإِن الْأَخْبَار وَردت بمسير عَسَاكِر حلب مَعَ الْأَمِير شمس الدّين لُؤْلُؤ الأسيفي وَالْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل لأخذ حمص. فَلم يُدْرِكهُ حسام الدّين وَسلم الْأَشْرَف حمص وَصَارَت للناصر صَاحب حلب وتعوض الْأَشْرَف عَن حمص تل بَاشر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 فَلَمَّا بلغ السُّلْطَان ذَلِك عَاد من أكوم طناح إِلَى الْقَاهِرَة وَخرج مِنْهَا إِلَى عسكره بالصالحية وَسَار فِي محفة لما بِهِ من الْمَرَض بِسَبَب ورم مأبضه وَكَانَ قد اشْتَدَّ بِهِ حَتَّى حصل مِنْهُ ناصور. وَحدث قرحَة فِي الصَّدْر إِلَّا أَن همته كَانَت قَوِيَّة فَلم يلق نَفسه وَسَار السُّلْطَان إِلَى دمشق وَنزل بقلعتها. وَبعث السُّلْطَان بالأمير فَخر الدّين بن شيخ الشُّيُوخ وَمَعَهُ الْأُمَرَاء والعساكر وَفِيهِمْ الْأَمِير ابْن أبي عَليّ الهذباني إِلَى حمص فنازلها وَرمى عَلَيْهَا بمنجنيق زنة حجره مائَة وَأَرْبَعُونَ رطلا وَمَعَهُ ثَلَاثَة عشر منجنيقاً آخر وسخر النَّاس فِي حمل هَذِه المجانيق من دمشق حَتَّى كَانَ يحمل كل عود ثمنه نَحْو عشْرين درهما بِأَلف دِرْهَم فَإِن الْوَقْت كَانَ شتاء صعباً. وألح الْأَمِير فَخر الدّين فِي الْحصار إِلَى أَن قدم من بَغْدَاد الشَّيْخ نجم الدّين البادرائي رَسُولا من الْخَلِيفَة المستعصم بِاللَّه بِالصُّلْحِ بَين الحلبيين وَبَين السُّلْطَان فتقرر الصُّلْح ورحل العساكر عَن حمص بَعْدَمَا أشرف على أَخذهَا. وَقدم من حلب الشَّيْخ شمس الدّين الخسروشاهي فَسَأَلَ السُّلْطَان على لِسَان الْملك النَّاصِر دَاوُد صَاحب الكرك أَن يسلم الكرك إِلَى السُّلْطَان ويعتاض عَنْهَا بالشوبك فَأُجِيب النَّاصِر دَاوُد إِلَى ذَلِك وَتوجه من يتسلم مِنْهُ الكرك ثمَّ رَجَعَ النَّاصِر عَن ذَلِك لما بلغه من شدَّة مرض السُّلْطَان وتحرك الفرنج لأخذ ديار مصر فَخرج السُّلْطَان من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 دمشق فِي محفة وَسَار إِلَى الْغَوْر وَقدم الْأَمِير حسام الدّين بن أبي عَليّ إِلَى الْقَاهِرَة لينوب عَنهُ بهَا واستدعي بالأمير جمال الدّين بن يغمور من الْقَاهِرَة لينوب بِدِمَشْق وعزل الصاحب جمال الدّين بن مطروح عَن دمشق وعزل الطواشي شهَاب الدّين رشيد عَن قلعة دمشق وفوض مَا كَانَ بيدهما للأمير جمال الدّين بن يغمور. وفيهَا احْتَرَقَ المشهد الْحُسَيْنِي بِالْقَاهِرَةِ واحترقت المنارة الشرقية بِجَامِع دمشق. وفيهَا مَاتَ قَاضِي الْقُضَاة أفضل الدّين الخونجي فِي شهر رَمَضَان فولي من بعده ابْنه قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين يحيى. وفيهَا مَاتَ الْملك المظفر شهَاب الدّين غَازِي بن الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب صَاحب الرها وَقَامَ من بعده ابْنه الْكَامِل مُحَمَّد فِي سلطة الرها وميافارقين. وفيهَا عزل الْملك الْمَنْصُور نور الدّين عمر بن عَليّ بن رَسُول صَاحب الْيمن الْأَمِير فَخر الدّين بن الشلاح عَن مَكَّة وأعمالها وَولي عوضه مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْمسيب على مَال يقوم بِهِ وقود عدده مائَة فرس كل سنة فَقدم ابْن الْمسيب مَكَّة وَخرج الْأَمِير فَخر الدّين فَسَار بِنَفسِهِ ابْن الْمسيب وَأعَاد الجبايات والمكوس بِمَكَّة وَأخذ الصَّدَقَة الْوَارِدَة من الْيمن عَن مَال السُّلْطَان وَبنى حصناً بنخلة يُسمى العطشان وَحلف هذيلا لنَفسِهِ وَمنع الْجند النَّفَقَة فَوَثَبَ عَلَيْهِ الشريف أَبُو سعد بن عَليّ بن قَتَادَة وَقَيده وَأخذ مَاله وَقَالَ لأهل الْحرم: إِنَّمَا فعلت بِهِ هَذَا لِأَنِّي تحققت أَنه يُرِيد الْفِرَار بِالْمَالِ إِلَى الْعرَاق وَأَنا غُلَام مَوْلَانَا السُّلْطَان وَالْمَال عِنْدِي مَحْفُوظ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 وَالْخَيْل وَالْعدَد إِلَى أَن يصل مرسومه فَلم يكن غير أَيَّام وَورد الْخَبَر بِمَوْت السُّلْطَان نور الدّين عمر بن رَسُول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 سنة سبع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة فِيهَا قدم السُّلْطَان من دمشق وَهُوَ مَرِيض فِي محفة لما بلغه من حَرَكَة الفرنج. فَنزل بأشموم طناح فِي الْمحرم وَجمع فِي دمياط من الأقوات والأسلحة شَيْئا كثيرا وَبعث إِلَى الْأَمِير حسام الدّين بن أبي على نَائِبه بِالْقَاهِرَةِ أَن يُجهز الشواني من صناعَة مصر فشرع فِي تجهيزها وسيرها شَيْئا بعد شَيْء. وَأمر السُّلْطَان الْأَمِير فَخر الدّين بن شيخ الشُّيُوخ أَن ينزل على جيزة دمياط بالعساكر ليصير فِي مُقَابلَة الفرنج إِذا قدمُوا فتحول الْأَمِير فَخر الدّين بالعساكر فَنزل بالجيزة تجاه دمياط وَصَارَ النّيل بَينه وَبَينهَا وَلم يقدر السُّلْطَان على الْحَرَكَة لمرضه وَنُودِيَ فِي مصر: من كَانَ لَهُ على وَفِي السَّاعَة الثَّانِيَة من يَوْم الْجُمُعَة لتسْع بَقينَ من صفر: وصلت مراكب الفرنج البحرية وفيهَا جموعهم الْعَظِيمَة صُحْبَة ريدافرنس - وَيُقَال لَهُ الفرنسيس واسْمه لويس ابْن لويس. وريدافرنس لقب بلغَة الفرنج مَعْنَاهُ ملك أفرنس - وَقد انْضَمَّ إِلَيْهِم فرنج السَّاحِل كُله فأرسوا فِي الْبَحْر بازاء الْمُسلمين. وسير ملك الفرنج إِلَى السُّلْطَان كتابا نَصه بعد كلمة كفرهم: أما بعد فَإِنَّهُ لم يخف عَنْك أَنِّي أَمِين الْأمة العيسوية كَمَا أَنِّي أَقُول أَنَّك أَمِين الْأمة المحمدية. وَإنَّهُ غير خَافَ عَنْك أَن أهل جزائر الأندلس يحملون إِلَيْنَا الْأَمْوَال والهدايا وَنحن نسوقهم سوق الْبَقر ولقتل مِنْهُم الرجل ونرمل النِّسَاء ونستأسر الْبَنَات وَالصبيان ونخلي مِنْهُم الديار وَقد أبديت لَك مَا فِيهِ الْكِفَايَة ونجلت لَك النصح إِلَى النِّهَايَة فَلَو حَلَفت لي بِكُل الْأَيْمَان وَدخلت على القسوس والرهبان وحملت قدامي الشمع طَاعَة للصلبان مَا ردني ذَلِك عَن الْوُصُول إِلَيْك وقتلك فِي أعز الْبِقَاع عَلَيْك فَإِن كَانَت الْبِلَاد لي فيا هَدِيَّة حصلت فِي يَدي وَإِن كَانَت الْبِلَاد لَك وَالْغَلَبَة عَليّ فيدك الْعليا ممتدة إِلَيّ. وَقد عرفتك وحذرتك من عَسَاكِر قد حضرت فِي طَاعَتي تملأ السهل والجبل وعددهم كعدد الْحَصَى وهم مرسلون إِلَيْك بأسياف القضا. فَلَمَّا وصل الْكتاب إِلَى السُّلْطَان وَقُرِئَ عَلَيْهِ اغرورقت عَيناهُ بالدموع واسترجع. فَكتب الْجَواب بِخَط القَاضِي بهاء الدّين زُهَيْر بن مُحَمَّد كَاتب الْإِنْشَاء ونسخته بعد الْبَسْمَلَة وصلواته على سيدنَا مُحَمَّد رَسُول الله وَآله وَصَحبه أَجْمَعِينَ: أما بعد فَإِنَّهُ وصل كتابك وَأَنت تهدد فِيهِ بِكَثْرَة جيوشك وَعدد أبطالك. فَنحْن أَرْبَاب السيوف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 وَمَا قتل منا قرن إِلَّا جددناه وَلَا بغى علينا بَاغ إِلَّا دمرناه. فَلَو رَأَتْ عَيْنَاك - أَيهَا الْمَغْرُور - حد سُيُوفنَا وَعظم حروبنا وفتحنا مِنْكُم الْحُصُون والسواحل وأخرابنا مِنْكُم ديار الْأَوَاخِر والأوائل لَكَانَ لَك أَن تعض على أناملك بالندم ولابد أَن تزل بك الْقدَم فِي يَوْم أَوله لنا وَآخره عَلَيْك. فهنالك تسيء بك الظنون 7 - (وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أَي مُنْقَلب يَنْقَلِبُون) . فَإِذا قَرَأت كتابي هَذَا فَكُن فِيهِ على أول سُورَة النَّحْل: أَتَى أَمر الله فَلَا تستعجلوه وَكن على آخر سُورَة ص: ولتعلمن نبأه بعد حِين ونعود إِلَى قَول الله تبَارك وَتَعَالَى وَهُوَ أصدق الْقَائِلين: كم من فِئَة قَليلَة غلبت فِئَة كَثِيرَة بِإِذن الله وَالله مَعَ الصابرين وَإِلَى قَول الْحُكَمَاء: إِن الْبَاغِي لَهُ مصرع وبغيك يصرعك وَإِلَى الْبلَاء يقلبك وَالسَّلَام. وَفِي يَوْم السبت: نزل الفرنج فِي الْبر الَّذِي عَسْكَر الْمُسلمين فِيهِ وَضربت للْملك ريدافرنس خيمة حَمْرَاء. فناوشهم الْمُسلمُونَ الْحَرْب وَاسْتشْهدَ يَوْمئِذٍ الْأَمِير نجم الدّين ابْن شيخ الْإِسْلَام وَكَانَ رجلا صَالحا ورتبه الْملك دَاوُد مَعَ الْملك الصَّالح نجم الدّين لما سجن بالكرك لمؤانسته وَمِمَّنْ اسْتشْهد أَيْضا الْأَمِير صارم الدّين أزبك الوزيري. فَلَمَّا أَمْسَى اللَّيْل رَحل الْأَمِير فَخر الدّين يُوسُف بن شيخ الشُّيُوخ مِمَّن مَعَه من عَسَاكِر الْمُسلمين وَقطع بهم الجسر إِلَى الْجَانِب الشَّرْقِي الَّذِي فِيهِ مَدِينَة دمياط. وخلا الْبر الغربي للفرنج وَسَار فَخر الدّين بالعسكر يُرِيد أشموم طناح. فَلَمَّا رأى أهل دمياط رحيل الْعَسْكَر خَرجُوا كإنما يسْحَبُونَ على وُجُوههم طول اللَّيْل وَلم يبْق بِالْمَدِينَةِ أحد الْبَتَّةَ وَصَارَت دمياط فارغة من النَّاس جملَة. وفروا إِلَى أكوم مَعَ الْعَسْكَر وهم حُفَاة عُرَاة جِيَاع فُقَرَاء حيارى بِمن مَعَهم من الْأَطْفَال النِّسَاء وَسَارُوا إِلَى الْقَاهِرَة فنهبهم النَّاس فِي الطَّرِيق وَلم يبْق لَهُم مَا يعيشون بِهِ فعدت هَذِه الفعلة من الْأَمِير فَخر الدّين من أقبح مَا يشنع بِهِ. وَقد كَانَت دمياط فِي أَيَّام لملك الْكَامِل لما نازلها الفرنج أقل ذخائر وعدداً مِنْهَا فِي هَذِه النّوبَة وَمَعَ ذَلِك لم قدر الفرنج على أَخذهَا إِلَّا بعد سنة عِنْدَمَا فني أَهلهَا بالوباء والجوع وَكَانَ فِيهَا هَذِه الْمرة أَيْضا جمَاعَة من شجعان بني كنَانَة فَلم يغن ذَلِك شَيْئا. وَأصْبح الفرنج يَوْم الْأَحَد لسبع بَقينَ من صفر سائرين إِلَى مَدِينَة دمياط. فعندما رَأَوْا أَبْوَابهَا مفتحة وَلَا أحد يحميها خَشوا أَن تكون مكيدة فتمهلوا حَتَّى ظهر أَن نَاس قد فروا وتركوها. فَدَخَلُوا الْمَدِينَة بِغَيْر كلفة وَلَا مُؤنَة حِصَار واستولوا على مَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 فِيهَا من الْآلَات الحربية والأسلحة الْعَظِيمَة وَالْعدَد الْكَثِيرَة والأقوات والأزواد والذخائر وَالْأَمْوَال والأمتعة وَغير ذَلِك صفواً عفوا. وَبلغ ذَلِك أهل الْقَاهِرَة ومصر فأنزعج النَّاس انزعاجاً عَظِيما ويئسوا من بَقَاء كلمة الْإِسْلَام بديار مصر. لتملك الفرنج مَدِينَة دمياط وهزيمة العساكر وَقُوَّة الفرنج بِمَا صَار إِلَيْهِم من الْأَمْوَال والأزواد والأسلحة والحصن الْجَلِيل الَّذِي لَا يقدر على أَخذه بِقُوَّة مَعَ شدَّة مرض السُّلْطَان وَعدم حركته. وعندما وصلت العساكر إِلَى أشموم طناح وَمَعَهُمْ أهل دمياط اشْتَدَّ حنق السُّلْطَان على الكنانيين وَأمر بشنقهم فَقَالُوا: وَمَا ذنبنا إِذا كَانَت عساكره جَمِيعهم وأمراؤه هربوا وأحرقوا الزردخاناه فَأَي شَيْء لعمل نَحن فشنقوا لكَوْنهم خَرجُوا من الْمَدِينَة بِغَيْر إِذن حَتَّى تسلمها الفرنج فَكَانَت عدَّة من شنق زِيَادَة على خمسين أَمِيرا من الكنانيين. وَكَانَ فيهم أَمِير حشيم وَله ابْن جميل الصُّورَة. فَقَالَ أَبوهُ: بِاللَّه اشنقوني قبل ابْني. فَقَالَ السُّلْطَان: لَا بل اشنقوه قبل أَبِيه. فشنق الابْن ثمَّ شنق الْأَب من بعده بعد أَن استفتى السُّلْطَان الْفُقَهَاء فأفتوا بِقَتْلِهِم. وَتغَير السُّلْطَان على الْأَمِير فَخر الدّين بن شيخ الشُّيُوخ وَقَالَ: أما قدرتم تقفون سَاعَة بَين يَدي الفرنج. هَذَا وَمَا قتل مِنْكُم إِلَّا هَذَا الضَّيْف الشَّيْخ نجم الدّين. وَكَانَ الْوَقْت لَا يسع إِلَّا الصَّبْر والتغاضي وَقَامَت الشناعة من كل أحد على الْأَمِير فَخر الدّين فخاف كثير من الْأُمَرَاء وَغَيرهم سطوة السُّلْطَان وهموا بقتْله فَأَشَارَ عَلَيْهِم فَخر الدّين بِالصبرِ حَتَّى يتَبَيَّن أَمر وَلما وَقع مَا ذكر السُّلْطَان بالرحيل إِلَى المنصورة وَحمل فِي حراقة حَتَّى أنزل بقصر المنصورة على بَحر النّيل فِي يَوْم الثُّلَاثَاء لخمس بَقينَ من صفر فشرع كل أحد من الْعَسْكَر فِي تَجْدِيد الْأَبْنِيَة للسُّكْنَى بالمنصورة ونصبت بالأسواق وأبراج السُّور الَّذِي على الْبَحْر وَستر بالستائر. وقدمت الشواني المصرية بِالْعدَدِ الْكَامِلَة والرجالة وَجَاءَت الْغُزَاة وَالرِّجَال من عوام النَّاس الَّذين يُرِيدُونَ الْجِهَاد من كل النواحي ووصلت عربان كَثِيرَة جدا وَأخذُوا فِي الْغَارة على الفرنج ومناوشتهم. وحصن الفرنج أسوار دمياط وشحنوها بالمقاتلة. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الِاثْنَيْنِ سلخ شهر ربيع الأول: وصل إِلَى الْقَاهِرَة من أسرى الفرنج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 الَّذين تخطفهم الْعَرَب سِتَّة وَثَلَاثُونَ أَسِيرًا مِنْهُم فارسان وَفِي خَامِس شهر ربيع الآخر وصل سَبْعَة وَثَلَاثُونَ أَسِيرًا وَفِي سابعه وصل اثْنَان وَعِشْرُونَ أَسِيرًا وَفِي سادس عشره وصل خَمْسَة وَأَرْبَعُونَ أَسِيرًا مِنْهُم ثَلَاثَة من الخيالة. وَلما بلغ أهل دمشق أَخذ الفرنج لمدينة دمياط سَارُوا مِنْهَا وَأخذُوا صيداء من الفرنج بعد حِصَار وقتال فورد الْخَبَر بذلك لخمس بَقينَ من شهر ربيع الآخر فسر النَّاس بذلك. هَذَا والأسرى من الفرنج تصل فِي كل قَلِيل إِلَى الْقَاهِرَة وَوصل فِي ثامن عشر جُمَادَى الأولى خَمْسُونَ أَسِيرًا. وَمَعَ ذَلِك وَالْمَرَض يتزايد بالسلطان وَقواهُ خطّ حَتَّى وَقع بِأَمْر الْأَطِبَّاء من برئه وَأما النَّاصِر دَاوُد صَاحب الكرك فَإِنَّهُ لما ضَاقَتْ بِهِ الْأُمُور اسْتخْلف ابْنه الْملك الْمُعظم شرف الدّين عِيسَى وَأخذ مَعَه جواهره وَسَار فِي الْبر إِلَى حلب مستجيراً بِالْملكِ النَّاصِر يُوسُف بن الْملك الْعَزِيز فأنزله وأكرمه وسير النَّاصِر بجواهره إِلَى الْخَلِيفَة المستعصم بِاللَّه لتَكون عِنْده وَدِيعَة فَقبض الْخَلِيفَة ذَلِك وسير إِلَيْهِ الْخط بِقَبْضِهِ وَأَرَادَ النَّاصِر بذلك أَن يكون الْجَوْهَر فِي مأمن فَإِذا احْتَاجَ إِلَيْهِ طلبه وَكَانَت قِيمَته مَا ينيف على مائَة ألف دِينَار. فحنق ولدا النَّاصِر - وهما الْملك الظَّاهِر شادي وَالْملك الأمجد حسن - على أَبِيهِمَا لكَونه قدم عَلَيْهِمَا الْمُعظم وقبضا على الْمُعظم واستوليا على الكرك وَأقَام الْملك - الظَّاهِر شادي وَهُوَ أسن اخوته - بالكرك وَسَار الْملك الأمجد حسن إِلَى الْملك الصَّالح نجم الدّين فوصل إِلَى الْعَسْكَر بالمنصورة يَوْم السبت لتسْع مضين من جُمَادَى الْآخِرَة وبشره بِأَنَّهُ هُوَ وَأَخُوهُ الظَّاهِر أخذا الكرك لَهُ وَسَأَلَهُ فِي خبز بديار مصر يقوم بهما. فَأكْرمه السُّلْطَان وَأَعْطَاهُ مَالا كثيرا وسير الطواشي بدر الدّين الصوابي إِلَى الكرك نَائِبا بهَا وبالشوبك فتسلمها بدر الدّين وسير أَوْلَاد النَّاصِر دَاوُد جَمِيعهم وأخويه الْملك القاهر عبد الْملك وَالْملك المغيث عبد الْعَزِيز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 ونساءهم وعيالاتهم كلهَا. إِلَى المعسكر بالمنصورة فأقطعهم السُّلْطَان إقطاعاً جَلِيلًا ورتب لَهُم الرَّوَاتِب وَأنزل أَوْلَاد النَّاصِر فِي الْجَانِب الغربي قبالة المنصورة. وَكَانَ اسْتِيلَاء نَائِب السُّلْطَان على الكرك يَوْم الِاثْنَيْنِ لِاثْنَتَيْ عشرَة بقيت من جُمَادَى الْآخِرَة وسر السُّلْطَان بِأخذ الكرك سُرُورًا عَظِيما وَأمر فزينت الْقَاهِرَة ومصر وَضربت البشائر بالقلعتين وجهز السُّلْطَان إِلَى الكرك ألف ألف دِينَار مصرية وجواهر وذخائر وأسلحة وشيئاً كثيرا مِمَّا يعز عَلَيْهِ. وَفِي ثَالِث عشر شهر رَجَب: وصل إِلَى الْقَاهِرَة سَبْعَة وَأَرْبَعُونَ أَمِيرا من الفرنج وَأحد عشر فَارِسًا مِنْهُم وظفر الْمُسلمُونَ بعد أَيَّام بمسطح للفرنج فِي الْبَحْر فِيهِ مقاتلة بِالْقربِ من نستراوة. فَلَمَّا كَانَ لَيْلَة الِاثْنَيْنِ نصف شعْبَان: مَاتَ السُّلْطَان الْملك الصَّالح بالمنصورة وَهُوَ فِي مُقَابلَة الفرنج عَن أَربع وَأَرْبَعين سنة بَعْدَمَا عهد لوَلَده الْملك الْمُعظم تورانشاه وَحلف لَهُ فَخر الدّين بن الشَّيْخ ومحسن الطواشي وَمن يَثِق بِهِ وَبَعْدَمَا علم قبل مَوته عشرَة آلَاف عَلامَة. يستعان بهَا فِي المكاتبات على كتمان مَوته حَتَّى يقدم ابْنه تورانشاه من حصن كيفا وَكَانَت أم السُّلْطَان الْملك الصَّالح أم ولد اسْمهَا ورد المنى. وَكَانَت مُدَّة ملكه بِمصْر عشر سِنِين إِلَّا خمسين يَوْمًا فَغسله أحد الْحُكَمَاء الَّذين توَلّوا علاجه لكَي يخفى مَوته. وَحمل فِي تَابُوت إِلَى قلعة الرَّوْضَة وأخفى مَوته فَلم يشْتَهر إِلَى ثَانِي عشري رَمَضَان ثمَّ نقل بعد ذَلِك بِمدَّة إِلَى تربته بجوار الْمدَارِس الصالحية بِالْقَاهِرَةِ. وَالْملك الصَّالح هُوَ الَّذِي أنشأ المماليك البحرية بديار مصر: وَذَلِكَ أَنه لما مر بِهِ مَا تقدم ذكره فِي اللَّيْلَة الَّتِي زَالَ عَنهُ ملكه بتفرق الأكراد وَغَيرهم من الْعَسْكَر عَنهُ حَتَّى لم يثبت مَعَه سوى مماليكه رعي لَهُم ذَلِك. فَلَمَّا استولى على مملكة مصر أَكثر من شِرَاء المماليك وجعلهم مُعظم عسكره وَقبض على الْأُمَرَاء الَّذين كَانُوا عِنْد أَبِيه وأخيه واعتقلهم وَقطع أخبازهم وَأعْطى مماليكه الإمريات فصاروا بطانته والمحيطين بدهليزه وَسَمَّاهُمْ بالبحرية لسكناهم مَعَه فِي قلعة الرَّوْضَة على بَحر النّيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 وَكَانَ ملكا شجاعاً حازماً مهيباً لشدَّة سطوته وفخامة مَعَ عزة النَّفس وعلو الهمة وَكَثْرَة الْحيَاء والعفة وطهارة الْفِيل عَن الْخَنَا وصيانة اللِّسَان من الْفُحْش فِي القَوْل والإعراض عَن الْهزْل والعبث بِالْكُلِّيَّةِ وَشدَّة الْوَقار وَلُزُوم الصمت حَتَّى أَنه كَانَ إِذا خرج من عِنْد حرمه إِلَى مماليكه أخذتهم الرعدة عِنْدَمَا يشاهدونه - خوفًا مِنْهُ - وَلَا يبْقى أحد مِنْهُم مَعَ أحد. وَكَانَ إِذا جلس مَعَ ندمائه كَانَ صامتاً لَا يستفزه الطَّرب وَلَا يَتَحَرَّك وجلساؤه كَأَنَّمَا على رُءُوسهم الطير. وَإِذا تكلم مَعَ أحد من خواصه كَانَ مَا يَقُوله كَلِمَات نزرة وَهُوَ فِي غَايَة الْوَقار وَتلك الْكَلِمَات لَا تكون إِلَّا فِي مُهِمّ عَظِيم من استشارة أَو تقدم بِأَمْر من الْأُمُور المهمة لَا يعدو حَدِيثه قطّ هَذَا النَّحْو وَلَا يَجْسُر أحد يتَكَلَّم بَين يَدَيْهِ إِلَّا جَوَابا. وَمَا عرف أبدا عَن أحد من خواصه أَن تكلم فِي مَجْلِسه ابْتِدَاء الْبَتَّةَ وَلَا أَنه جسر على شَفَاعَة وَلَا مشورة وَلَا ذكر نصيحة مَا لم يكن ذَلِك بابتداء من السُّلْطَان فَإِذا انْفَرد بِنَفسِهِ لَا يدنو مِنْهُ أحد. وَكَانَت الْقَصَص ترد إِلَيْهِ مَعَ الخدام فيوقع عَلَيْهَا وَيخرج بهَا الخدام إِلَى كَاتب الْإِنْشَاء وَلَا يسْتَقلّ أحد من أَرْبَاب الدولة بانفراد بِأَمْر بل يُرَاجع الْقَصَص مَعَ الخدام. وَمَعَ هَذِه الشهامة والمهابة لَا يرفع بَصَره إِلَى من يحادثه حَيَاء مِنْهُ وخفراً وَلم يسمع مِنْهُ قطّ فِي حق أحد من خدمه لَفْظَة فحش وَأكْثر مَا يَقُول إِذا شتم أحدا: متخلف وَلَا يزِيد على هَذِه الْكَلِمَة وَلَا عرف قطّ من النِّكَاح سوى زَوجته وجواريه. وَكَانَت الْبِلَاد فِي أَيَّامه آمِنَة مطمئنة والطرق سابلة إِلَّا أَنه كَانَ عَظِيم الْكبر زَائِد الترفع بلغ من كبره وترفعه أَن ابْنه الْملك المغيث عمر لما حَبسه الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل عِنْده لم يسْأَله فِيهِ وَلَا طلبه مِنْهُ حَتَّى مَاتَ فِي حَبسه. وَكَانَ يحب جمع المَال بِحَيْثُ أَنه عاقب عَلَيْهِ أم أَخِيه الْملك الْعَادِل إِلَى أَن أَخذ مِنْهَا مَالا عَظِيما وجواهر نفيسة. وَقيل السُّلْطَان الْملك الصَّالح أَيُّوب أَخَاهُ الْملك الْعَادِل وَمن حِين قَتله مَا انْتفع بِالْحَيَاةِ لَا تهنى بهَا: فَنزل بِهِ الْمَرَض وطرقه الفرنج وَقبض على جَمِيع أُمَرَاء الدولة وَأخذ أَمْوَالهم وذخائرهم. وَمَات فِي حبوسه مَا ينيف على خَمْسَة آلَاف نفس سوى من قتل غرق من الأشرفية فِي الْبَحْر وَلم يكن لَهُ مَعَ ذَلِك ميل إِلَى الْعلم وَلَا مطالعة الْكتب إِلَّا أَنه كَانَ يجْرِي على أهل الْعلم وَالصَّلَاح المعاليم والجرايات من غير أَن يخالطهم. لم يخالط غَيرهم. لمحبته فِي الْعُزْلَة ورغبته فِي الِانْفِرَاد وملازمته للصمت ومداومته على الْوَقار والسكون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 وَكَانَ يحب الْعِمَارَة ويباشر الْأَبْنِيَة بِنَفسِهِ وَعمر بِمصْر مَا لم يعمره أحد من مُلُوك بني أَيُّوب: فَأَنْشَأَ قلعة الرَّوْضَة تجاه مَدِينَة فسطاط مصر وَأنْفق فِيهَا أَمْوَالًا جمة وَهدم كَنِيسَة كَانَت هُنَاكَ لليعاقبة من النَّصَارَى وأسكن بِهَذِهِ القلعة ألف مَمْلُوك من التّرْك - وَقيل ثَمَانمِائَة - سماهم البحرية وَكَانَ المَاء حِينَئِذٍ لَا يُحِيط بهَا. فَلم يزل يغرق السفن وَيَرْمِي الْحِجَارَة فِيمَا بَين الجيزة وَالرَّوْضَة إِلَى أَن صَار المَاء فِي طول السّنة محيطاً الرَّوْضَة وَأقَام جِسْرًا من مصر إِلَى الرَّوْضَة يمر عَلَيْهِ الْأُمَرَاء. وَغَيرهم إِذا جَاءُوا إِلَى الْخدمَة وَلم يكن أحد يمر على هَذَا الجسر رَاكِبًا احتراماً للسُّلْطَان فَجَاءَت هَذِه القلعة من أجل مباني الْمُلُوك وَبني أَيْضا على النّيل بِنَاحِيَة اللوق قصوراً بلغت الْغَايَة فِي الْحسن جعلهَا إِلَى جَانب ميدانه الَّذِي يلْعَب فِيهِ بالكرة وَكَانَ مغرم بلعبها وَبني قصراً عَظِيما فِيمَا بَين الْقَاهِرَة ومصر سَمَّاهُ الْكَبْش على الْجَبَل بجوار جَامع ابْن طولون. وَبني قصراً بِالْقربِ من العلاقمة فِي أَرض السانح وَجعل حوله مَدِينَة سَمَّاهَا الصالحية فِيهَا جَامع وسوق لتَكون مركزاً للعساكر بِأول الرمل الَّذِي بَين الشَّام ومصر. وَكَانَ لَهُ من الْأَوْلَاد الْملك المغيث فتح الدّين عمر وَهُوَ أكبر أَوْلَاده مَاتَ فِي سجن قلعة دمشق وَالْملك الْمُعظم غياث الدّين تورانشاه وَملك مصر بعده وَالْملك القاهر وَمَات فِي حَيَاته أَيْضا وَولد لَهُ أَيْضا من شجر الدّرّ ولد سَمَّاهُ خَلِيلًا مَاتَ صَغِيرا. وَلما طَال مَرضه من الْجراحَة الناصورية - وَفَسَد مخرجه وامتد الْجرْح إِلَى فَخذه الْيَمين وَأكل جِسْمه - اجْتهد فِي مداواتها وَحدث لَهُ مرض السل من غير أَن يفْطن بِهِ. فورد كِتَابه إِلَى الْأَمِير حسام الدّين بن أبي عَليّ بِالْقَاهِرَةِ: إِن الْجراحَة قد صلحت وجفت رطوباتها وَلم يبْق إِلَّا ركوبي ولعبي بالصولجة فتأخذ حظك من هَذِه الْبُشْرَى. وَفِي الْحَقِيقَة لم تَجف الْجراحَة إِلَّا لفراغ الْموَاد وتزايد عَلَيْهِ بعد ذَلِك الْمَرَض حَتَّى مَاتَ. وَقيل إِنَّه لم يعْهَد إِلَى أحد بِالْملكِ بل قَالَ للأمير حسام الدّين بن أبي عَليّ: إِذا مت لَا تسلم الْبِلَاد إِلَّا للخليفة المستعصم بِاللَّه ليرى فِيهَا رَأْيه فَإِنَّهُ كَانَ يعرف مَا فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 وَلَده الْمُعظم تورانشاه من الهوج فَلَمَّا مَاتَ السُّلْطَان أحضرت زَوجته شجر الدّرّ الْأَمِير فَخر الدّين بن شيخ الشُّيُوخ والطواشي جمال الدّين محسن - وَكَانَ أقرب النَّاس إِلَى السُّلْطَان وَإِلَيْهِ الْقيام بِأَمْر مماليكه وحاشيته - وأعلمتهما بِمَوْت السُّلْطَان ووصتهما بكتمان مَوته خوفًا من الفرنج. وَكَانَ الْأَمِير فَخر الدّين عَاقِلا مُدبرا خليقاً بِالْملكِ جواداً محبوباً إِلَى النَّاس فاتفقا مَعَ شجر الدّرّ على الْقيام بتدبر المملكة إِلَى أَن يقدم الْملك الْمُعظم تورانشاه فأحضرت شجر الدّرّ الْأُمَرَاء الَّذين بالمعسكر وَقَالَت لَهُم: إِن السُّلْطَان قد رسم بِأَن تحلفُوا لَهُ ولابنه الْملك الْمُعظم غياث الدّين تورانشاه صَاحب حصن كيفا أَن يكون سُلْطَانا بعده وللأمير فَخر الدّين يُوسُف بن شيخ الشُّيُوخ بالتقدمة على العساكر وَالْقِيَام بالأتابكية وتدبير المملكة فَقَالُوا كلهم سمعا وَطَاعَة ظنا أَن السُّلْطَان حَيّ وحلفوا بأسرهم وحلفوا سَائِر الأجناد والمماليك السُّلْطَانِيَّة. وَكتب على لِسَان السُّلْطَان إِلَى الْأَمِير حسام الدّين بن أبي عَليّ الهذباني بِالْقَاهِرَةِ أَن يحلف أكَابِر الدولة وأجنادها بِالْقَاهِرَةِ فَحَضَرَ إِلَى دَار الوزارة قَاضِي الْقَضَاء بدر الدّين يُوسُف بن الْحسن قَاضِي سنجار وَالْقَاضِي بهاء الدّين زُهَيْر بن مُحَمَّد كَاتب الْإِنْشَاء - وَكَانَ الْملك الصَّالح قد أبعده لأمر نقمه عَلَيْهِ - وحلفا من حضر من الْأَعْيَان على مَا تقدم ذكره وَكَانَ ذَلِك فِي يَوْم الْخَمِيس ثامن عشر شعْبَان. واستدعى القَاضِي بهاء الدّين زُهَيْر من الْقَاهِرَة إِلَى المعسكر بالمنصورة. وَقَامَ الْأَمِير فَخر الدّين بتدبير المملكة واقطع الْبِلَاد بمناشيره وَأعَاد إِلَيْهَا زهيراً إِلَى منصبه فَكَانَت الْكتب ترد من المعسكر وَعَلَيْهَا عَلامَة السُّلْطَان الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب فَقيل إِنَّهَا كَانَت بِخَط خَادِم يُقَال لَهُ سُهَيْل وَلَا يشك من رَآهُ أَنه خطّ السُّلْطَان وَمَشى هَذَا على الْأَمِير حسام الدّين نَائِب السلطة محق إِلَى أَن أوقفهُ بعض أَصْحَابه على اضْطِرَاب فِي الْعَلامَة يُخَالف عَلامَة السُّلْطَان ففحص عَن خبر السُّلْطَان من بعض خواصه الَّذين بالمعسكر حَتَّى عرف مَوته فَاشْتَدَّ خَوفه من الْأَمِير فَخر الدّين وخشي أَن يتغلب على الْملك فاحتاط لنَفسِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 وَأخذ الْأَمِير فَخر الدّين يُطلق المسجونين ويتصرف فِي إِطْلَاق الْأَمْوَال وَالْخلْع علم خَواص الْأُمَرَاء وَأطلق السكر والكتان إِلَى الشَّام فَعلم النَّاس بِمَوْت السُّلْطَان من حِينَئِذٍ غير أَن أحدا لَا يَجْسُر أَن يتفوه بِهِ. وَسَار من المعسكر الْفَارِس أقطاي وَهُوَ يَوْمئِذٍ رَأس المماليك البحرية لإحضار الْملك الْمُعظم من حصن كيفا وَبعث الْأَمِير حسام الدّين مُحَمَّد بن أبي عَليّ نَائِب السلطنة بِالْقَاهِرَةِ من عِنْده قَاصِدا من قبله أَيْضا. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الِاثْنَيْنِ لثمان بَقينَ من شعْبَان أَمر الْأَمِير حسام الدّين الخطباء بِأَن يدعوا يَوْم الْجُمُعَة للْملك الْمُعظم بعد الدُّعَاء لِأَبِيهِ وَأَن ينقش اسْمه على السِّكَّة بعد اسْم أَبِيه وتوهم الْأَمِير حسام الدّين من الْأَمِير فَخر الدّين أَن يُقيم الْملك المغيث عمر بن الْعَادِل أبي بكر بن الْكَامِل ويستولي على الْأَمر فنقله من عِنْد عمات أَبِيه بَنَات الْملك الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب من الْقَاهِرَة إِلَى قلعة الْجَبَل ووكل بِهِ من يحْتَاط عَلَيْهِ وَلَا يُسلمهُ لأحد. هَذَا والمكاتبات ترد من الْأَمِير فَخر الدّين وعنوانها من فَخر الدّين الْخَادِم يُوسُف فيجيب عَنْهَا الْأَمِير حسام الدّين وَيجْعَل العنوان الْمَمْلُوك أَبُو عَليّ فيتجاملان فِي ظَاهر الْأَمر وَأما فِي الْبَاطِن فَإِن الْأَمِير فَخر الدّين أَخذ فِي الاستبداد والاستقلال بالمملكة واختص بالصاحب جمال بن مطروح وبالقاضي بهاء الدّين زهيرة وَصَارَ يركب فِي موكب عَظِيم وَجَمِيع الْأُمَرَاء فِي خدمته ويترجلون لَهُ عِنْد النُّزُول ويحضرون سماطه. وَوصل قَاصد الْأَمِير حسام الدّين إِلَى حصن كيفا وطالع الْملك الْمُعظم بِأَن الْمصلحَة فِي السرعة وَمَتى تَأَخّر فَاتَ الْفَوْت وتغلب الْأَمِير فَخر الدّين على الْبِلَاد ثمَّ وصل إِلَيْهِ بعد ذَلِك قصاد فَخر الدّين وَشَجر الدّرّ. فَخرج الْمُعظم من حصن كيفا لَيْلَة السبت لإحدى عشرَة لَيْلَة مَضَت من شهر رَمَضَان فِي خمسين فَارِسًا من إِلْزَامه. وقص عانه ليعدي الْفُرَات وَقد أَقَامَ لَهُ بدر الدّين لُؤْلُؤ صَاحب الْموصل جمَاعَة وَأقَام لَهُ الحلبيون أَيْضا جمَاعَة يقبضون عَلَيْهِ فَنَجَّاهُ الله مِنْهُم وعدى الْفُرَات من عانة وسلك الْبَريَّة فخاطر بِنَفسِهِ وَكَاد يهْلك من الْعَطش. هَذَا وَشَجر الدّرّ تدبر الْأُمُور حَتَّى لم يتَغَيَّر شَيْء وَصَارَ الدهليز السلطاني على حَاله والسماط فِي كل يَوْم يمد والأمراء تحضر الْخدمَة وَهِي تَقول: السُّلْطَان مَرِيض مَا يصل إِلَيْهِ أحد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 وَأما الفرنج فَمَا هم إِلَّا أَن فَهموا أَن السُّلْطَان قد مَاتَ حَتَّى خَرجُوا من دمياط فارسهم وراجلهم ونزلوا على فارسكور وشوانيهم فِي بَحر النّيل تحاذيهم ورحلوا من فارسكور يَوْم الْخَمِيس لخمس بَقينَ من شعْبَان فورد فِي يَوْم الْجُمُعَة إِلَى الْقَاهِرَة من المعسكر كتاب فِيهِ حض النَّاس على الْجِهَاد أَوله: انفروا خفافاً وثقالاً وَجَاهدُوا فِي سَبِيل الله بأموالكم وَأَنْفُسكُمْ ذَلِكُم خير لكم إِن كُنْتُم تعلمُونَ وَكَانَ كتابا بليغاً فِيهِ مواعظ جمة فقرئ على النَّاس فَوق مِنْبَر جَامع الْقَاهِرَة وَحصل عِنْد قِرَاءَته من الْبكاء والنحيب وارتفاع الْأَصْوَات بالضجيج مَا لَا يُوصف. وارتجت الْقَاهِرَة ومصر لِكَثْرَة انزعاج النَّاس وحركتهم للمسير فَخرج من الْبِلَاد والنواحي لجهاد الفرنج عَالم عَظِيم وَقد اشْتَدَّ كرب الْخَلَائق من تمكن الفرنج وقوتهم وَأَخذهم الْبِلَاد مَعَ موت السُّلْطَان. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الثُّلَاثَاء أول يَوْم من شهر رَمَضَان: وَاقع الفرنج الْمُسلمين فاستشهد العلامي أَمِير مجْلِس وَجَمَاعَة من الأجناد وَقتل من الفرنج عدَّة وَنزل الفرنج بشارمساح. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سابعه: نزلُوا البرمون فَاشْتَدَّ الكرب وَعظم الْخطب لدنوهم وقربهم من المعسكر. وَفِي يَوْم الْأَحَد ثَالِث عشره وصلوا إِلَى طرف بر دمياط ونزلوا تجاه المنصورة وَصَارَ بَينهم وَبَين الْمُسلمين بَحر أشموم. وَكَانَ مُعظم عَسْكَر الْمُسلمين فِي المنصورة بِالْبرِّ الشَّرْقِي وَفِي الْبر الغربي أَوْلَاد الْملك النَّاصِر دَاوُد صَاحب الكرك: وهم الْملك الأمجد وَالْملك النَّاصِر وَالْملك الْمُعظم وَالْملك الأوحد وَفِي عدَّة من الْعَسْكَر وَكَانَ أَوْلَاد الْملك النَّاصِر دَاوُد الأكابر مِنْهُم والأصاغر الَّذين قدمُوا الْقَاهِرَة اثْنَي عشر ولدا ذكرا. وَكَانَ بِالْبرِّ الغربي أَيْضا أَخُو الْملك النَّاصِر دَاوُد: وهما الْملك القاهر عبد الْملك وَالْملك المغيث عبد الْعَزِيز فاستقر الفرنج بمنزلتهم هَذِه وخندقوا عَلَيْهِم خَنْدَقًا وأداروا أسواراً وستروه بالستائر ونصبوا المجانيق ليرموا بهَا على معسكر الْمُسلمين وَنزلت شوانيهم بازائهم فِي بَحر النّيل ووقفت شواني الْمُسلمين بازاء المنصورة وَوَقع الْقِتَال بَين الْفَرِيقَيْنِ برا وبحراً. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سادس عشره: قفز إِلَى عِنْد الْمُسلمين سِتَّة خيالة وأخبروا بضائقة الفرنج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 وَفِي يَوْم عيد الْفطر: أسر كند كَبِير من الفرنج لَهُ قرَابَة من الْملك ريدافرنس. وَاسْتمرّ الْقِتَال وَمَا من يَوْم إِلَّا وَيقتل من الفرنج ويؤسر وَقد لقوا من عَامَّة الْمُسلمين وسوالهم نكاية عَظِيمَة وتخطفوا مِنْهُم وَقتلُوا كثيرا وَكَانُوا إِذا شعروا بالفرنج ألقوا أنفسهم فِي المَاء وسبحوا إِلَى أَن يصيروا فِي بر الْمُسلمين. وَكَانُوا يتحيلون فِي خطفهم بِكُل حِيلَة حَتَّى أَن شخصا أَخذ بطيخة أَدخل فِيهَا رَأسه وغطس فِي المَاء إِلَى أَن قرب من الفرنج فظنوه بطيخة فَمَا هُوَ إِلَّا أَن نزل أحدهم فِي المَاء ليتناولها إِذْ اختطفه الْمُسلم وعام بِهِ حَتَّى قدم بِهِ إِلَى الْمُسلمين. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع شَوَّال: أَخذ الْمُسلمُونَ شينيا فِيهِ نَحْو مِائَتي رجل من الفرنج وكند كَبِير. وَفِي يَوْم الْخَمِيس النّصْف مِنْهُ: ركب الفرنج والمسلمون فَدخل الْمُسلمُونَ إِلَيْهِم الْبر الَّذِي هم فِيهِ وقاتلوهم قتالاً شَدِيدا قتل فِيهِ من الفرنج أَرْبَعُونَ فَارِسًا وَقتلت خيولهم. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة تاليه: وصل الْقَاهِرَة سَبْعَة وَسِتُّونَ أَسِير من الفرنج مِنْهُم ثَلَاثَة من أكَابِر الداوية. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشريه: أحرقت للفرنج مرمة عَظِيمَة فِي الْبَحْر وَاسْتظْهر عَلَيْهِم استظهاراً عَظِيما. وَمَا زَالَ الْأَمر على ذَلِك إِلَى أَن كَانَ يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس ذِي الْقعدَة دلّ بعض منافقي أهل الْإِسْلَام الفرنج على مَخَاض فِي بَحر أشمون فَلم يشْعر النَّاس إِلَّا والفرنج مَعَهم فِي المعسكر وَكَانَ الْأَمِير فَخر الدّين فِي الْحمام فَأَتَاهُ الصَّرِيخ بِأَن الفرنج قد هجموا على الْعَسْكَر فَخرج مدهوشاً وَركب فرسه فِي غير اعْتِدَاد وَلَا تحفظ وسَاق لينْظر الْخَبَر وَيَأْمُر النَّاس بالركوب وَلَيْسَ مَعَه سوى بعض مماليكه وأجناده فَلَقِيَهُ طلب الفرنج الحاوية وحملوا عَلَيْهِ ففر من كَانَ مَعَه وتركوه وَهُوَ يدافع عَن نَفسه فطعنه وَاحِد بِرُمْح فِي جنبه واعتورته السيوف من كل نَاحيَة. فَمَاتَ رَحمَه الله وَنزل الفرنج على جديلة وَكَانُوا ألفا وَأَرْبَعمِائَة فَارس ومقدمهم أَخُو الْملك ريدافرنس. وَمَا هُوَ إِلَّا أَن قتل الْأَمِير فَخر الدّين وَإِذا بالفرنج اقتحموا على المنصورة فَتفرق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 النَّاس وانهزموا يَمِينا وَشمَالًا وَكَانَت الكسرة أَن تكون فَإِن الْملك ريدافرنس وصل بِنَفسِهِ إِلَى بَاب قصر السُّلْطَان إِلَّا أَن الله تدارك بِلُطْفِهِ وَأخرج إِلَى الفرنج الطَّائِفَة التركية الَّتِي تعرف بالبحرية والجمدارية وَفِيهِمْ ركن الدّين بيبرس البندقداري الَّذِي تسلطن بعد هَذِه الْأَيَّام فحملوا على الفرنج حَملَة زعزعوهم بهَا وأزاحوهم عَن بَاب الْقصر فَلَمَّا ولوا أخذتهم السيوف والدبابيس حَتَّى قتل مِنْهُم فِي هَذِه النّوبَة نَحْو ألف وَخَمْسمِائة من أعيانهم وشجعانهم. وَكَانَت رجالة الفرنج قد أَتَوا الجسر ليعدوا مِنْهُ فلولا لطف الله لَكَانَ الْأَمر يتم لَهُم بتعديتهم الجسر. وَكَانَت المعركة بَين أَزِقَّة المنصورة فَانْهَزَمُوا إِلَى جديلة مَنْزِلَتهمْ وَقد حَال بَين الْفَرِيقَيْنِ اللَّيْل وأداروا عَلَيْهِم سوراً وخندقوا خَنْدَقًا. وَصَارَت مِنْهُم طَائِفَة فِي الْبر الشَّرْقِي ومعظمهم فِي الجزيرة الْمُتَّصِلَة بدمياط فَكَانَت هَذِه الْوَاقِعَة أول ابْتِدَاء النَّصْر على الفرنج. وعندما هجم الفرنج على المعسكر سرح الطَّائِر بذلك إِلَى الْقَاهِرَة فانزعج النَّاس انزعاجاً عَظِيما وَقدم المنهزمون من السوقة والعسكر فَلم تغلق أَبْوَاب الْقَاهِرَة فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء لتوارد المنهزمين. وَفِي صَبِيحَة يَوْم الْأَرْبَعَاء: وَقعت البطاقة تبشر بالنصرة على الفرنج فزينت الْقَاهِرَة وَضربت البشائر بقلعة الْجَبَل وَكثر فَرح النَّاس وسرورهم وَبَقِي الْعَسْكَر يدبر أمره شجر الدّرّ فَكَانَت مُدَّة تَدْبِير الْأَمِير فَخر الدّين يُوسُف بن شيخ الشُّيُوخ بعد موت الْملك الصَّالح لمملكة مصر خَمْسَة وَسبعين يَوْمًا وَفِي يَوْم قَتله نهب مماليكه وَبَعض الْأُمَرَاء دَاره وكسروا صناديقه وخزائنه وَأخذُوا أَمْوَاله وخيوله وأحرقوا دَاره. السُّلْطَان الْملك الْمُعظم غياث الدّين تورانشاه ابْن الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب بن الْكَامِل مُحَمَّد بن الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب بن شادي ابْن مَرْوَان سَار من حصن كيفا إِلَى دمشق لإحدى عشرَة لَيْلَة مَضَت من شهر رَمَضَان فَنزل عانة فِي خمسين فَارِسًا من أَصْحَابه يَوْم الْخَمِيس النّصْف من شهر رَمَضَان سنة سبع وَأَرْبَعين وَخرج مِنْهَا يَوْم الْأَحَد يُرِيد دمشق على طَرِيق السماوة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 فِي الْبَريَّة فَنزل الْقصير فِي دهليز ضربه لَهُ الْأَمِير جمال الدّين مُوسَى بن يغمور نَائِب دمشق يَوْم الْجُمُعَة لليلتين بَقِيَتَا من شهر رَمَضَان. وَدخل الْمُعظم تورانشاه من الْغَد - وَهُوَ يَوْم السبت سلخه - إِلَى دمشق وَنزل بقلعتها فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً وَقَامَ الْأَمِير جمال الدّين بخدمته وَحلف لَهُ الْأُمَرَاء وتسلطن فِي يَوْمئِذٍ. وخلع الْمُعظم على الْأُمَرَاء وَأَعْطَاهُمْ أَمْوَالًا جزيلة بِحَيْثُ أَنه أنْفق مَا كَانَ فِي قلعة دمشق وَهُوَ ثَلَاثمِائَة ألف دِينَار. واستدعى من الكرك مَالا آخر حَتَّى أنفقهُ وَأَفْرج عَمَّن كَانَ بِدِمَشْق فِي حبس أَبِيه ولأربع مضين من شَوَّال: سَقَطت البطائق إِلَى الْعَسْكَر والقاهرة بوصول الْملك الْمُعظم إِلَى دمشق وسلطته بهَا فَضربت البشائر بالمعسكر وبالقاهرة. وَسَار السُّلْطَان من دمشق يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع عشريه يُرِيد مصر بَعْدَمَا خلع عَليّ الْأَمِير جمال الدّين وَأقرهُ على نِيَابَة السلطة بِدِمَشْق. وَقدم مَعَه القَاضِي الأسعد شرف الدّين هبة الله بن صاعد الفائزي وَكَانَ مُقيما بِدِمَشْق عِنْد الْأَمِير جمال الدّين. وَقدم مَعَه أَيْضا هبة الله بن أبي الزهر بن حشيش الْكَاتِب النَّصْرَانِي وَقد وعده السُّلْطَان بوزارة مصر فَأسلم وتلقب بِالْقَاضِي معِين الدّين. وسيره السُّلْطَان أول يَوْم من ذِي الْقعدَة إِلَى قلعة الكرك ليحتاط على خزائنها فأنهى أشغاله بهَا ولحقه فِي الرمل وَأسلم على يَده هُنَاكَ. وعندما تَوَاتَرَتْ الْأَخْبَار فِي الْقَاهِرَة بقدوم السُّلْطَان خرج قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين السنجاري فَلَقِيَهُ بغزة وَقدم مَعَه وَخرج الْأَمِير حسام الدّين بن أبي عَليّ نَائِب السُّلْطَان إِلَى الصالحية فَلَقِيَهُ بهَا يَوْم السبت لأَرْبَع عشرَة لَيْلَة بقيت من ذِي الْقعدَة وَنزل السُّلْطَان الْمُعظم تورانشاه فِي قصر أَبِيه وَمِنْه يَوْمئِذٍ أعلن بِمَوْت الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب وَلم يكن أحد قبل هَذَا الْيَوْم ينْطق بِمَوْتِهِ بل كَانَت الْأُمُور على حَالهَا - والدهليز الصَّالِحِي والسماط ومجيء الْأُمَرَاء للْخدمَة على مَا كَانَ عَلَيْهِ الْحَال فِي أَيَّام حَيَاته وَشَجر الدّرّ تدبر أُمُور الدولة كلهَا وَتقول: (" السُّلْطَان مَرِيض، مَا إِلَيْهِ وُصُول _ فَلم يتَغَيَّر عَلَيْهَا شيئ إِلَى أَن إستقر الْملك الْمُعظم بالصالحية.) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 فتسلم السُّلْطَان الْمُعظم مملكة مصر وخلع على الْأَمِير حسام الدّين بن أبي عَليّ خلعة سنية ومنطقة وسيفا فيهمَا ثَلَاثَة آلَاف دِينَار مصرية وأنشده الشُّعَرَاء عدَّة تهاني وَجَرت بَين يَدَيْهِ مباحثات ومناظرات فِي أَنْوَاع من الْعُلُوم وَكَانَ السُّلْطَان الْمُعظم قد مهر فِي الْعُلُوم وَعرف الْخلاف وَالْفِقْه وَالْأُصُول وَكَانَ جده الْملك الْكَامِل يُحِبهُ لميله إِلَى الْعلم ويلقي عَلَيْهِ من صغره الْمسَائِل المشكلة ويأمره بعرضها وامتحان الْفُقَهَاء بهَا فِي مَجْلِسه. ولازم الْمُعظم الِاشْتِغَال إِلَى أَن برع إِلَّا أَنه فِيهِ هوج وخفة مَعَ غرامه بمجالسة أهل الْعلم من الْفُقَهَاء وَالشعرَاء. ثمَّ إِنَّه رَحل من الصالحية وَنزل تلبانة ثمَّ نزل بعْدهَا منزلَة ثَالِثَة وَسَار مِنْهَا إِلَى المنصورة. وَقد تَلقاهُ الْأُمَرَاء المماليك فَنزل فِي قصر أَبِيه وجده يَوْم الْخَمِيس لتسْع بَقينَ من ذِي الْقعدَة. فَأول مَا بَدَأَ أَن أَخذ مماليك الْأَمِير فَخر الدّين بن شيخ الشُّيُوخ الصغار وَكَثِيرًا من مخلفه بِدُونِ الْقيمَة وَلم يُعْط ورثته شَيْئا وَكَانَ ذَلِك بِنَحْوِ الْخَمْسَة عشرَة ألف دِينَار. وَأخذ يسب فَخر الدّين وَيَقُول: أطلق السكر والكتان وَأنْفق المَال وَأطلق المحابيس إيش ترك لي. وَكَانَت الْميرَة ترد إِلَى الفرنج فِي مَنْزِلَتهمْ من دمياط فِي بَحر النّيل فَصنعَ الْمُسلمُونَ عدَّة مراكب وَحملُوهَا وَهِي مفصلة على الْجمال إِلَى بَحر الْمحلة وطرحوها فِيهِ وشحنوها بالمقاتلة وَكَانَت أَيَّام زِيَادَة النّيل فَلَمَّا جَاءَت مراكب الفرنج لبحر الْمحلة وَهَذِه المراكب مكمنة فِيهِ خرجت عَلَيْهَا بَغْتَة وقاتلتها وللحال قدم أسطول الْمُسلمين من جِهَة المنصورة فَأخذت مراكب الفرنج أخذا وبيلاً وَكَانَت اثْنَتَيْنِ وَخمسين مركبا وَقتل مِنْهَا وَأسر نَحْو ألف إفرنجي وغنم سَائِر مَا فِيهَا من الأزواد والأقوات وحملت الأسرى على الْجمال إِلَى الْعَسْكَر. فَانْقَطع المدد من دمياط عَن الفرنج وَوَقع الغلاء عِنْدهم وصاروا مَحْصُورين لَا يُطِيقُونَ الْمقَام وَلَا يقدرُونَ على الذّهاب واستضرى الْمُسلمُونَ عَلَيْهِم وطمعوا فيهم. وَفِي أول ذِي الْحجَّة: أَخذ الفرنج من المراكب الَّتِي فِي بَحر الْمحلة سبع حراريق وَنَجَا من كَانَ فِيهَا من الْمُسلمين. وَفِي ثَانِي ذِي الْحجَّة تقدم أَمر السُّلْطَان إِلَى الْأَمِير حسام الدّين بن أبي عَليّ بالسير إِلَى الْقَاهِرَة وَالْإِقَامَة بدار الوزارة على عَادَته فِي نِيَابَة السلطة. وَفِيه وصل إِلَى السُّلْطَان جمَاعَة من الْفُقَهَاء: مِنْهُم الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام وبهاء الدّين بن الجميزي الشريف عماد الدّين وَالْقَاضِي عماد الدّين الْقَاسِم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 ابْن إِبْرَاهِيم بن هبة الله بن إِسْمَاعِيل بن نَبهَان بن مُحَمَّد بن المقنشع الْحَمَوِيّ - قَاضِي مصر وَكَانَ قد ولي الْقَضَاء بعد موت الْجمال يحيى فِي جُمَادَى الأولى - وسراج الدّين الأرموي فَجَلَسَ السُّلْطَان الْمُعظم مَعَهم وناظرهم. وَفِي يَوْم عَرَفَة: وصلت مراكب فِيهَا الْميرَة للفرنج فالتقت بهَا شواني الْمُسلمين عِنْد مَسْجِد النَّصْر فَأخذت شواني الْمُسلمين مِنْهَا اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ مركبا مِنْهَا تسع شواني. فَاشْتَدَّ الغلاء عِنْد الفرنج وشرعوا فِي مراسلة السُّلْطَان يطْلبُونَ مِنْهُ الْهُدْنَة فَاجْتمع برسلهم الْأَمِير زين الدّين أَمِير جاندار وقاضي الْقُضَاة بدر الدّين السنجاري فسألوا أَن يسلمُوا دمياط ويأخذوا عوضا عَنْهَا مَدِينَة الْقُدس وَبَعض السَّاحِل فَلم يجابوا إِلَى ذَلِك. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة لثلاث بَقينَ من ذِي الْحجَّة: أحرق الفرنج مَا عِنْدهم من الْخشب وأتلفوا مراكبهم ليفروا إِلَى دمياط وَخرجت السّنة وهم فِي مَنْزِلَتهمْ. وَفِي هَذِه السّنة: قدم إِلَى بَغْدَاد طَائِفَة من التتر على حِين غَفلَة فَقتلُوا ونهبوا وجفل مِنْهُم النَّاس. وفيهَا استولى عَليّ بن قَتَادَة على مَكَّة فِي ذِي الْقعدَة. وفيهَا قتل الشريف شيخة أَمِير الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة وَقَامَ من بعده ابْنه عِيسَى. وفيهَا قتل الْمَنْصُور نور الدّين عمر بن عَليّ بن رَسُول صَاحب الْيمن وَملك بعده ابْنه الْمَنْصُور شمس الدّين يُوسُف. وفيهَا مَاتَ متملك تونس أَبُو زَكَرِيَّا يحيى بن عبد الْوَاحِد بن أبي حَفْص فِي آخر جُمَادَى الْآخِرَة عَن تسع وَأَرْبَعين سنة. وَكَانَ أَبُو زَكَرِيَّا يحيى قد قَامَ وَملك تونس واستبد بأمرها ودعا لنَفسِهِ وَقد ضعف أَمر مُلُوك الْمُوَحِّدين من بني عبد الْمُؤمن بن عَليّ. فَأَقَامَ أَبُو زَكَرِيَّا يحيى على مملكة إفريقية ثَلَاثًا وَعشْرين سنة وامتدت مَمْلَكَته إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 تلمسان وسجلمامة وسبته وَبَايَعَهُ أهل إشبيلية وشاطبة والمرية ومالقة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 وغرناطة وَخلف مَالا جماً فبويع بعده ابْنه مُحَمَّد الْمُسْتَنْصر. وَأَبُو زَكَرِيَّا هَذَا هُوَ أول من ملك تونس من الْمُلُوك الحفصيين وَأما من كَانَ قبله مِنْهُم فَإِنَّمَا كَانُوا عمالاً لبني عبد الْمُؤمن. وفيهَا قبض الشريف أَبُو سعد بن عَليّ بن قَتَادَة على الْأَمِير أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْمسيب بِمَكَّة فِي آخر شَوَّال كَمَا تقدم فِي السّنة الخالية وَقَامَ هُوَ بإمرة مَكَّة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 (سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وسِتمِائَة) فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء ثَالِث الْمحرم: رَحل الفرنج بأسرهم من مَنْزِلَتهمْ يُرِيدُونَ مَدِينَة دمياط وانحدرت مراكبهم فِي الْبَحْر قبالتهم. فَركب الْمُسلمُونَ أقفيتهم بعد أَن عدوا برهم واتبعوهم. فطلع صباح نَهَار يَوْم الْأَرْبَعَاء وَقد أحَاط بهم الْمُسلمُونَ وبلوا فيهم سيوفهم واستولوا عَلَيْهِم قتلا وأسراً وَكَانَ مُعظم الْحَرْب فِي فارسكور فبلغت عدَّة الْقَتْلَى عشرَة آلَاف فِي قَول الْمقل وَثَلَاثِينَ ألفا فِي قَول المكثر. وَأسر من خيالة الفرنج ورجالتهم الْمُقَاتلَة وصناعهم وسوقتهم مَا يناهز مائَة ألف إِنْسَان وغنم الْمُسلمُونَ من الْخَيل وَالْبِغَال وَالْأَمْوَال مَا لَا يُحْصى كَثْرَة وَاسْتشْهدَ من الْمُسلمين نَحْو مائَة رجل وأبلت الطَّائِفَة البحرية - لاسيما بيبرس البندقداري - فِي هَذِه النّوبَة بلَاء حسنا وَبَان لَهُم أثر جميل. والتجأ الْملك ريدافرنس - وعدة من أكَابِر قومه - إِلَى تل الْمنية وطلبوا الْأمان فَأَمنَهُمْ الطواشي جمال الدّين محسن الصَّالِحِي ونزلوا على أَمَانه. وَأخذُوا إِلَى المنصورة فقيد الْملك ريدافرنس بِقَيْد من حَدِيد واعتقل فِي دَار القَاضِي فَخر الدّين إِبْرَاهِيم ابْن لُقْمَان كَاتب الْإِنْشَاء الَّتِي كَانَ ينزل بهَا من المنصورة ووكل بحفظه الطواشي صبيح المعظمي واعتقل مَعَه أَخُوهُ وأجرى عَلَيْهِ راتب فِي كل يَوْم. وَتقدم أَمر الْملك الْمُعظم لسيف الدّين يُوسُف بن الطودي - أحد من وصل مَعَه من بِلَاد الشرق - بقتل الأسرى من الفرنج وَكَانَ سيف الدّين يخرج كل لَيْلَة مِنْهُم مَا بَين الثلاثمائة والأربعمائة وَيضْرب أَعْنَاقهم ويرميهم فِي الْبَحْر حَتَّى فنوا بأجمعهم. ورحل السُّلْطَان من المنصورة وَنزل بفارسكور وَضرب بهَا الدهليز السلطاني وَعمل فِيهِ برجاً من خشب وَأقَام على لهوه. وَكتب إِلَى الْأَمِير جمال الدّين بن يغمور نَائِب دمشق كتابا بِخَطِّهِ نَصه: من وَلَده تورانشاه الْحَمد لله الَّذِي أذهب عَنَّا الْحزن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 7 - (وَمَا النَّصْر إِلَّا من عِنْد الله) ويومئذ يفرح الْمُؤْمِنُونَ بنصر الله وَأما بِنِعْمَة رَبك فَحدث وَإِن تعدوا نعْمَة الله لَا تحصوها نبشر الْمجْلس السَّامِي الجمالي بل نبشر الْمُسلمين كَافَّة بِمَا من الله بِهِ على الْمُسلمين من الظفر بعدو الدّين فَإِنَّهُ استفحل أمره واستحكم شَره ويئس الْعباد من الْبِلَاد والأهل وَالْأَوْلَاد فنودوا لَا تيأسوا من روح الله. وَلما كَانَ يَوْم الِاثْنَيْنِ مستهل السّنة الْمُبَارَكَة تمم الله على الْإِسْلَام بركتها فتحنا الخزائن وبذلنا الْأَمْوَال وفرقنا السِّلَاح وجمعنا العربان والمطوعة وخلقاً لَا يعلمهُمْ إِلَّا الله فَجَاءُوا من كل فج عميق وَمَكَان سحيق. فَلَمَّا كَانَ لَيْلَة الْأَرْبَعَاء تركُوا خيامهم وَأَمْوَالهمْ وأثقالهم وقصدوا دمياط هاربين. وَمَا زَالَ السَّيْف يعْمل فِي أدبارهم عَامَّة اللَّيْل فيوحل بهم الخزي وَالْوَيْل. فَلَمَّا أَصْبَحْنَا يَوْم الْأَرْبَعَاء قتلنَا مِنْهُم ثَلَاثِينَ ألفا غير من ألْقى نَفسه فِي اللجج وَأما الأسرى فَحدث عَن الْبَحْر وَلَا حرج. والتجأ الفرنسيس إِلَى الْمنية وَطلب الْأمان فأمناه وأخذناه وأكرمناه وتسلمنا دمياط بعون الله وقوته وجلاله وعظمته وَذكر كلَاما طَويلا. وَبعث الْمُعظم مَعَ الْكتاب غفارة الْملك الفرنسيس فلبسها الْأَمِير جمال الدّين بن يغمور وَهِي أشكرلاط أَحْمَر بِفَرْوٍ سنجاب فِيهَا بكلة ذهب فَقَالَ الشَّيْخ نجم الدّين بن إِسْرَائِيل: إِن غفارة الفرنسيس الَّتِي جَاءَت جباء لسَيِّد الْأُمَرَاء كبياض القرطاس لوناً وَلَكِن صبغتها سُيُوفنَا بالدماء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 وَقَالَ آخر: أسيد أَمْلَاك الزَّمن بأسرهم تنجزت من نصر الْإِلَه وَعوده وَأخذ الْملك الْمُعظم فِي أبعاد رجال الدولة فَأخْرج الْملك المغيث فتح الدّين عمر بن الْعَادِل أبي بكر بن الْكَامِل من قلعة الْجَبَل إِلَى الشوبك واعتقله بهَا. وَأخرج الْملك السعيد فَخر الدّين حسن بن الْملك الْعَزِيز عُثْمَان بن الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب من مصر إِلَى دمشق فَلَمَّا وصل دمشق قبض عَلَيْهِ ابْن يغمور واعتقله. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة لخمس من الْمحرم: ورد إِلَى الْقَاهِرَة كتاب السُّلْطَان إِلَى الْأَمِير حسام الدّين أبي عَليّ نَائِب السلطنة بالقدوم عَلَيْهِ وَأقَام بدله فِي نِيَابَة السلطة بِالْقَاهِرَةِ الْأَمِير جمال الدّين أقوش النجيبي وَوصل الْأَمِير أَبُو عَليّ إِلَى المعسكر فَنزل بِهِ مطرح الْجَانِب بَعْدَمَا كَانَ عدَّة الْملك الصَّالح وعمدته وَبعث الْمُعظم إِلَى شجر الدّرّ يتهددها ويطالبها بِمَال أَبِيه وَمَا تَحت يَدهَا من الْجَوَاهِر فداخلها مِنْهُ خوف كثير لما بدا مِنْهُ الهوج والخفة وكاتبت المماليك البحرية بِمَا فعلته فِي حَقه من تمهيد الدولة وَضبط الْأُمُور حَتَّى حضر وتسلم المملكة وَمَا جازاها بِهِ من التهديد والمطالبة بِمَا لَيْسَ عِنْدهَا. فأنفوا لَهَا وحنقوا من أَفعَال السُّلْطَان. وَكَانَ السُّلْطَان الْمُعظم قد وعد الْفَارِس أقطاي لما أَتَاهُ فِي حصن كيفا بِأَن يؤمره فَلم يَفِ لَهُ بذلك فتنكر لَهُ أقطاي وكتم الشَّرّ فحرك كتاب شجر الدّرّ مِنْهُ سَاكِنا. وانضاف إِلَى هَذِه الْأُمُور أَن السُّلْطَان الْمُعظم أعرض عَن مماليك أَبِيه الَّذين كَانُوا عِنْده لمهماته واطرح الْأُمَرَاء والأكابر أهل الْحل وَالْعقد وَأبْعد غلْمَان أَبِيه واختص بجماعته الَّذين قدمُوا مَعَه وولاهم الْوَظَائِف السُّلْطَانِيَّة. وَقدم الأراذل: وَجعل الطواشي مَسْرُورا - هُوَ خادمه - أستادار السُّلْطَان وَأقَام صبيحاً - وَكَانَ عبدا حَبَشِيًّا فحلاً - أَمِير جاندار وأنعم عَلَيْهِ بأموال كَثِيرَة وإقطاعات جليلة وَأمر أَن يصاغ لَهُ عَصا من ذهب. وأساء السُّلْطَان إِلَى المماليك وتوعدهم وَصَارَ إِذا سكر فِي اللَّيْل جمع مَا بَين يَدَيْهِ من الشمع وَضرب رءوسها بِالسَّيْفِ حَتَّى تتقطع وَيَقُول: هَكَذَا أفعل بالبحرية وَيُسمى كل وَاحِد مِنْهُم باسمه. واحتجب أَكثر من أَبِيه مَعَ الانهماك على الْفساد بمماليك أَبِيه وَلم يَكُونُوا يألفون هَذَا الْفِعْل من أَبِيه وَكَذَلِكَ فعل بحظايا أَبِيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 وَصَارَ مَعَ هَذَا جَمِيع الْحل وَالْعقد وَالْأَمر وَالنَّهْي لأَصْحَابه الَّذين قدمُوا مَعَه فنفرت قُلُوب البحرية مِنْهُ وَاتَّفَقُوا على قَتله وَمَا هُوَ إِلَّا أَن مد السماط بعد نُزُوله بفارسكور فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سادس عشري الْمحرم وَجلسَ السُّلْطَان على عَادَته تقدم إِلَيْهِ وَاحِد من البحرية - وَهُوَ بيبرس البندقداري الَّذِي صَار إِلَيْهِ ملك مصر - وضربه بِالسَّيْفِ: فَتَلقاهُ الْمُعظم بِيَدِهِ فَبَانَت أَصَابِعه والتجأ إِلَى البرج الْخشب الَّذِي نصب لَهُ بفارسكور وَهُوَ يَصِيح: من جرحني. قَالُوا: الحشيشة فَقَالَ: لَا وَالله إِلَّا البحرية! وَالله لَا أبقيت مِنْهُم بَقِيَّة واستدعى المزين ليداوي يَده. فَقَالَ البحرية بَعضهم لبَعض: تمموه وَإِلَّا أبادكم فَدَخَلُوا عَلَيْهِ بِالسُّيُوفِ. ففر الْمُعظم إِلَى أَعلَى البرج وأغلق بَابه وَالدَّم يسيل من يَده فأضرموا النَّار فِي البرج ورموه بالنشاب فَألْقى نَفسه من البرج وَتعلق بأذيال الْفَارِس أقطاي واستجار بِهِ فَلم يجره وفر الْمُعظم هَارِبا إِلَى الْبَحْر وَهُوَ يَقُول: مَا أُرِيد ملكا دَعونِي أرجع إِلَى الْحصن يَا مُسلمين مَا فِيكُم من يصطعني ويجيرني هَذَا وَجَمِيع الْعَسْكَر واقفون فَلم يجبهُ أحد والنشاب يَأْخُذهُ من كل نَاحيَة. وسبحوا خَلفه فِي المَاء وقطعوه بِالسُّيُوفِ قطعا حَتَّى مَاتَ جريحاً حريقاً غريقاً وفر أَصْحَابه واختفوا. وَترك الْمُعظم على جَانب الْبَحْر ثَلَاثَة أَيَّام منتفخاً لَا يقدر أحد أَن يتجاسر على دَفنه إِلَى أَن شفع فِيهِ رَسُول الْخَلِيفَة فَحمل إِلَى ذَلِك الْجَانِب وَفِي فن فَكَانَت مُدَّة ملكه أحدا وَسبعين يَوْمًا. وَقيل مرّة لِأَبِيهِ فِي الْإِرْسَال إِلَيْهِ ليحضر من حصن كيفا إِلَى مصر فَأبى وألح عَلَيْهِ الْأَمِير حسام الدّين أَبُو عَليّ فِي طلب حُضُوره فَقَالَ: مَتى حضر إِلَى هُنَا قتلته. وَكَانَ الْمُبَاشر لقَتله أَرْبَعَة من مماليك أَبِيه وَكَانَ الْملك الصَّالح نجم الدّين لما أَرَادَ أَن يقتل أَخَاهُ الْعَادِل قَالَ الطواشي محسن: اذْهَبْ إِلَى أخي الْعَادِل فِي الْحَبْس وَخذ مَعَك من المماليك من يخنقه فَعرض محسن ذَلِك على جمَاعَة من المماليك وَكلهمْ يمْتَنع إِلَّا أَرْبَعَة مِنْهُم فَمضى بهم حَتَّى خنقوا الْعَادِل. فَقدر الله أَن هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة هم الَّذين باشروا قتل ابْنه الْمُعظم أقبح قتلة. وَرُوِيَ فِي النّوم الْملك الصَّالح نجم الدّين بعد قتل ابْنه الْملك الْمُعظم تورانشاه وَهُوَ يَقُول: لم يراعوا فِيهِ إِلَّا لَا وَلَا من كَانَ قبله ستراهم عَن قريب لأَقل النَّاس أكله فَكَانَ مَا يَأْتِي ذكره من الْوَاقِعَة بَين المصريين والشاميين بَين الْمعز أيبك والناصر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 صَلَاح الدّين يُوسُف بن عبد الْعَزِيز مُحَمَّد بن الظَّاهِر غَازِي بن صَلَاح الدّين يُوسُف وَهُوَ صَاحب حلب وَعدم فِيهَا عدَّة من الْأَعْيَان. وبقتل الْمُعظم انقرضت دولة بني أَيُّوب من أَرض مصر وَكَانَت مدتهم إِحْدَى وَثَمَانِينَ سنة وعدة مُلُوكهمْ ثَمَانِيَة كَمَا مر ذكرهم. فسبحان الْبَاقِي وَمَا سواهُ يَزُول. الملكة عصمَة الدّين أم خَلِيل شجر الدّرّ كَانَت تركية الْجِنْس وَقيل بل أرمنية اشْتَرَاهَا الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب وحطت عِنْده بِحَيْثُ كَانَ لَا يفارقها سفرا وَلَا حضرا. وَولدت مِنْهُ ابْنا اسْمه خَلِيل مَاتَ وَهُوَ صَغِير. وَهَذِه الْمَرْأَة شجر الدّرّ هِيَ أول من ملك مصر من مُلُوك التّرْك المماليك وَذَلِكَ أَنه لما قتل الْملك الْمُعظم غياث الدّين تورانشاه ابْن الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب كَمَا تقدم ذكره اجْتمع الْأُمَرَاء المماليك البحرية وأعيان الدولة وَأهل المشورة بالدهليز السلطاني وَاتَّفَقُوا على إِقَامَة شجر الدّرّ أم خَلِيل زَوْجَة الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب فِي مملكة مصر وَأَن تكون العلامات السُّلْطَانِيَّة على التواقيع تبرز من قبلهَا وَأَن يكون مقدم الْعَسْكَر الْأَمِير عز الدّين أيبك الزكماني الصَّالِحِي أحد البحرية. وحلفوا على ذَلِك فِي عَاشر صفر وَخرج عز الدّين الرُّومِي من المعسكر إِلَى قلعة الْجَبَل وأنهى إِلَى شجر الدّرّ مَا جرى من الِاتِّفَاق فأعجبها وَصَارَت الْأُمُور كلهَا معقودة بهَا والتواقيع تبرز من قلعة الْجَبَل وعلامتها عَلَيْهَا وَالِدَة خَلِيل. وخطب لَهَا على مَنَابِر مصر والقاهرة وَنقش اسْمهَا على السِّكَّة ومثاله المستعصمة الصالحية ملكة الْمُسلمين وَالِدَة الْملك الْمَنْصُور خَلِيل أَمِير الْمُؤمنِينَ وَكَانَ الخطباء يَقُولُونَ فِي الدُّعَاء: اللَّهُمَّ أَدَم سُلْطَان السّتْر الرفيع والحجاب المنيع ملكة الْمُسلمين وَالِدَة الْملك الْخَلِيل وَبَعْضهمْ يَقُول بعد الدُّعَاء للخليفة: واحفظ اللَّهُمَّ الْجُبَّة الصالحية ملكة الْمُسلمين عصمَة الدُّنْيَا وَالدّين أم خَلِيل المستعصمية صَاحِبَة الْملك الصَّالح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 وَلما حلف الْأُمَرَاء والأجناد واستقرت الْقَاعِدَة ندب الْأَمِير حسام الدّين - مُحَمَّد بن أبي عَليّ للْكَلَام مَعَ الْملك ريدافرنس فِي تَسْلِيم فِي دمياط فَجرى بَينه وَبَين الْملك مفاوضات ومحاورات ومراجعات آلت إِلَى أَن وَقع الِاتِّفَاق على تَسْلِيمهَا من الفرنج وَأَن يخلى عَنهُ ليذْهب إِلَى بِلَاده بَعْدَمَا يُؤَدِّي نصف مَا عَلَيْهِ من المَال الْمُقَرّر. فَبعث الْملك ريدافرذس إِلَى من بهَا من الفرنج يَأْمُرهُم بتسليمها فَأَبَوا وعاودهم مرَارًا إِلَى أَن دخل الْعلم الإسلامي إِلَيْهَا فِي يَوْم الْجُمُعَة لثلاث مضين من صفر وَرفع على السُّور وأعلن بِكَلِمَة الْإِسْلَام وَشَهَادَة الْحق. فَكَانَت مُدَّة اسْتِيلَاء الفرنج عَلَيْهَا أحد عشر شهرا وَتِسْعَة أَيَّام. وَأَفْرج عَن الْملك ريدافرنس بَعْدَمَا فدى نَفسه بأربعمائة ألف دِينَار وَأَفْرج عَن أَخِيه وَزَوجته وَمن بَقِي من أَصْحَابه وَسَائِر الأسرى الَّذين بِمصْر والقاهرة مِمَّن أسر فِي هَذِه الْوَاقِعَة وَمن أَيَّام الْعَادِل والكامل والصالح وَكَانَت عدتهمْ اثْنَي عشر ألف أَسِير وَمِائَة أَسِير وَعشر أُسَارَى وَسَارُوا إِلَى الْبر الغربي ثمَّ ركبُوا الْبَحْر فِي يَوْم السبت تاليه وأقلعوا إِلَى جِهَة عكا. فَقَالَ الصاحب جمال الدّين بن مطروح فِي ذَلِك: قل للفرنسيس إِذا جِئْته مقَال نصح من قؤول فصيح آجرك الله على مَا جرى من قتل عباد يسوع الْمَسِيح أتيت مصرا تبتغي ملكهَا تحسب أَن الزمر يَا طبل ريح فساقك الْحُسَيْن إِلَى أدهم ضَاقَ بِهِ عَن ناظرتك الفسيح وكل أَصْحَابك أودعتهم بِحسن تدبيرك بطن الصَّرِيح سَبْعُونَ ألفا لَا يرى مِنْهُم إِلَّا قَتِيل أَو أَسِير جريح إِن يكن الْبَاب بذا رَاضِيا فَرب غش قد أَتَى من نصيح فاتخذوه كَاهِنًا إِنَّه أنصح من شقّ لكم أَو سطيح وَقل لَهُم إِن أزمعوا عودة لأخذ ثأر أَو لفعل قَبِيح دَار ابْن لُقْمَان على حَالهَا والقيد بَاقٍ والطواشي صبيح وَاتفقَ أَن الفرنسيس هَذَا بعد خلاصه من أَيدي الْمُسلمين عزم على الْحَرَكَة إِلَى تونس من بِلَاد أفريقية لما كَانَ فِيهَا من المجاعة والموتان. وَأرْسل يستنفر مُلُوك النَّصَارَى وَبعث إِلَى البابة خَليفَة الْمَسِيح بزعمهم. فَكتب البابة إِلَى مُلُوك النَّصَارَى بِالْمَسِيرِ مَعَه وَأطلق يَده فِي أَمْوَال الْكَنَائِس يَأْخُذ مِنْهَا مَا شَاءَ. فَأَتَاهُ من الْمُلُوك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 الإنكتار وَملك اسكوسنا وَملك ثورل وَملك برشلونة واسْمه ريداركون وَجَمَاعَة أخر من مُلُوك النَّصَارَى فاستعد لَهُ السُّلْطَان أَبُو عبد الله مُحَمَّد الْمُسْتَنْصر بِاللَّه بن الْأَمِير أبي زَكَرِيَّا يحيى بن الشَّيْخ أبي مُحَمَّد عبد الْوَاحِد بن الشَّيْخ أبي حَفْص عمر ملك تونس وَبعث إِلَيْهِ رسله فِي طلب الصُّلْح وَمَعَهُمْ ثَمَانُون ألف دِينَار فَأَخذهَا الفرنسيس وَلم يصالحهم وَسَار إِلَى تونس آخر ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَنزل بساحل قرطاجنة فِي سِتَّة آلَاف فَارس وَثَلَاثِينَ ألف راجل. وَأقَام الفرنسيس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 هُنَاكَ سِتَّة أشهر فقاتله الْمُسلمُونَ - لِلنِّصْفِ من محرم سنة تسع وَسِتِّينَ - قتالاً شَدِيدا قتل فِيهِ من الْفَرِيقَيْنِ عَالم عَظِيمَة وَكَاد الْمُسلمُونَ أَن يغلبوا فَأَتَاهُم الله بالفرج وَأصْبح ملك الفرنجة مَيتا فجرت أُمُور آلت إِلَى عقد الصُّلْح ومسير النَّصَارَى. وَمن الْغَرِيب أَن رجلا من أهل تونس اسْمه أَحْمد بن إِسْمَاعِيل الزيات قَالَ: يَا فرنسيس هَذِه أُخْت مصر فتأهب لما إِلَيْهِ تصير لَك فِيهَا دَار ابْن لُقْمَان قبراً وطواشيك مُنكر وَنَكِير فَكَانَ هَذَا فألا عَلَيْهِ وَمَات وَكَانَ ريدافرنس هَذَا عَاقِلا داهياً خبيثاً مفكراً. وَلما استولى الْمُسلمُونَ على دمياط سَارَتْ البشائر إِلَى الْقَاهِرَة ومصر وَسَائِر الْأَعْمَال فَضربت البشائر وأعلن النَّاس بالسرور والفرح وعادت العساكر إِلَى الْقَاهِرَة فِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع صفر. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث عشره: خلعت شجر الدّرّ على الْأُمَرَاء وأرباب الدولة وأنفقت فيهم الْأَمْوَال وَفِي سَائِر الْعَسْكَر. وَوصل خبر قتل الْملك الْمُعظم وَإِقَامَة شجر الدّرّ فِي السلطنة إِلَى دمشق بمسير الْخَطِيب أصيل الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عمر الإسعردي لاستخلاف الْأُمَرَاء بهَا. وَكَانَ فِيهَا الْأَمِير جمال الدّين بن يغمور نَائِب السلطنة والأمراء القيمرية فَلم يُجِيبُوهُ وَأخذُوا فِي مغالظته. وَاسْتولى الْملك السعيد حسن بن الْعَزِيز عُثْمَان بن الْعَادِل أبي بكر ابْن أَيُّوب على مَال مَدِينَة غَزَّة وَصَارَ إِلَى قلعة الصبيبة فملكها. فَلَمَّا ورد الْخَبَر بذلك إِلَى قلعة الْجَبَل فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ لثلاث لَيْلَة خلت من صفر أحيط بداره من الْقَاهِرَة وَأخذ مَا كَانَ لَهُ بهَا. وثار الطواشي بدر الدّين لُؤْلُؤ الصوابي الصَّالِحِي - نَائِب الكرك والشوبك وَركب إِلَى الشوبك وَأخرج الْملك المغيث عمر بن الْعَادِل بن الْكَامِل الصَّغِير من الْحَبْس وَملكه الكرك والشوبك وأعمالها وَحلف لَهُ النَّاس وَقَامَ يدبر أمره لصِغَر سنه. وَكتب الْأُمَرَاء القيمرية من دمشق إِلَى الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين يُوسُف بن الْعَزِيز مُحَمَّد بن الظَّاهِر غَازِي بن السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب صَاحب حلب يحذرونه بامتناعهم من الْحلف لشجر الدّرّ ويحثونه على الْمسير إِلَيْهِم حَتَّى يملك دمشق. فَخرج من حلب فِي عساكره مستهل شهر ربيع الآخر وَوصل إِلَى دمشق يَوْم السبت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 ثامنه ونازلها إِلَى أَن كَانَ يَوْم الِاثْنَيْنِ عاشره زحف عَلَيْهَا. فَفتح الْأُمَرَاء القيمرية لَهُ أَبْوَاب الْبَلَد وَكَانَ الْقَائِم بذلك من القيمرية الْأَمِير نَاصِر الدّين أَبُو الْمَعَالِي حُسَيْن بن عَزِيز بن أبي الفوارس القيمري الْكرْدِي. فَدَخلَهَا النَّاصِر صَلَاح الدّين هُوَ وَأَصْحَابه بِغَيْر قتال وخلع على الْأُمَرَاء القيمرية وَعلي الْأَمِير جمال الدّين بن يغمور وَقبض على عدَّة من الْأُمَرَاء المماليك الصالحية وسجنهم. وَملك النَّاصِر صَلَاح الدّين قلعة دمشق وَكَانَ بهَا مُجَاهِد الدّين إِبْرَاهِيم أَخُو زين الدّين أَمِير جندار مسلمها إِلَى النَّاصِر وَبهَا من المَال مائَة ألف دِينَار وَأَرْبَعمِائَة ألف دِرْهَم سوى الأثاث. فَفرق النَّاصِر جَمِيع ذَلِك على الْمُلُوك والأمراء وَأعْطى شمس الدّين لُؤْلُؤ من خزائنه عشرَة آلَاف دِينَار وخلعة وفرساً وثلاثمائة ثوب فَرد شمس الدّين ذَلِك إِلَّا الخلعة وَالْفرس. وَكَانَ الْخَبَر قد ورد إِلَى قلعة الْجَبَل - فِي سادس ربيع الآخر - بِخُرُوج النَّاصِر من حلب فجمد الْأُمَرَاء والمماليك وَغَيرهم الْأَيْمَان لشجر الدّرّ ولعز الدّين أيبك بالتقدمة على العساكر ودارت النُّقَبَاء على الأجناد وَأمرُوهُمْ بِالسَّفرِ إِلَى الشَّام. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِي عشره رسم أَن يسير الْأَمِير أَبُو عَليّ بالعسكر. وَفِي رَابِع عشره ورد الْخَبَر بمنازلة النَّاصِر لدمشق فَوَقع الْحَث على خُرُوج الْعَسْكَر. وَفِي حادي عشريه ورد الْخَبَر بِأَن النَّاصِر ملك دمشق بِتَسْلِيم القيمرية الْبَلَد لَهُ فَقبض على عدَّة من أُمَرَاء مصر الَّذين لَيْسُوا من التّرْك وَوَقع اضْطِرَاب كثير فِي الْقَاهِرَة وَقبض على القَاضِي نجم الدّين ابْن قَاضِي نابلس وعدة مِمَّن يتهم بالميل إِلَى النَّاصِر وَتزَوج الْأَمِير عز الدّين أيبك بشجر الدّرّ فِي تَاسِع عشري شهر ربيع الآخر وخلعت شجر الدّرّ نَفسهَا من مملكة مصر وَنزلت لَهُ عَن الْملك فَكَانَت مُدَّة دولتها ثَمَانِينَ يَوْمًا. الْملك الْمعز عز الدّين أيبك كَانَ تركي الأَصْل وَالْجِنْس فانتقل إِلَى ملك السُّلْطَان الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب من بعض أَوْلَاد التركماني فَعرف بَين البحرية بأيبك التركماني وترقي عِنْده فِي الخدم حَتَّى صَار أحد الْأُمَرَاء الصالحية وَعَمله جاشنكيرا إِلَى أَن مَاتَ الْملك الصَّالح وَقتل بعده ابْنه الْملك الْمُعظم. فَصَارَ أيبك أتابك العساكر مَعَ شجر الدّرّ وَوصل الْخَبَر بذلك إِلَى بَغْدَاد فَبعث الْخَلِيفَة المستعصم بِاللَّه من بَغْدَاد كتابا إِلَى مصر وَهُوَ يُنكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 على الْأُمَرَاء وَيَقُول لَهُم: إِن كَانَت الرِّجَال قد عدمت عنْدكُمْ فأعلمونا حَتَّى نسير إِلَيْكُم رجلا. وَاتفقَ وُرُود الْخَبَر باستيلاء الْملك النَّاصِر على دمشق فَاجْتمع الْأُمَرَاء والبحرية للمشور وَاتَّفَقُوا على إِقَامَة الْأَمِير عز الدّين أيبك مقدم الْعَسْكَر فِي السلطنة ولقوه بِالْملكِ المعزة وَكَانَ مَشْهُورا بَينهم بدين وكرم وجودة رَأْي. فأركبوه فِي يَوْم السبت آخر شهر ربيع الآخر وَحمل الْأُمَرَاء بَين يَدَيْهِ الفاشية نوباً وَاحِدًا بعد آخر إِلَى قلعة الْجَبَل وجلسوا مَعَه على السماط وَنُودِيَ بالزينة فزينت الْقَاهِرَة ومصر. فورد الْخَبَر فِي يَوْم الْأَحَد تاليه تَسْلِيم الْملك المغيث عمر الكرك والشوبك وبتسلم الْملك السعيد قلعة الصبيبة فَلَمَّا كَانَ بعد ذَلِك تجمع الْأُمَرَاء وَقَالُوا: لابد من إِقَامَة شخص من بَيت الْملك مَعَ الْمعز أيبك ليجتمع الْكل على طَاعَته ويطيعه الْمُلُوك من أَهله. فاتفقوا على إِقَامَة الْملك شرف مظفر الدّين مُوسَى بن الْملك المسعود - وَيُقَال لَهُ النَّاصِر صَلَاح الدّين - يُوسُف بن الْملك المسعود يُوسُف - الْمَعْرُوف باسم القسيس - ابْن الْكَامِل مُحَمَّد بن الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب وَله من الْعُمر نَحْو سِتّ سِنِين شَرِيكا للْملك الْمعز أيبك وَأَن يقوم الْملك الْمعز بتدير الدولة. فأقاموه سُلْطَانا فِي ثَالِث جُمَادَى الأولى وَجلسَ على السماط وَحصر الْأُمَرَاء فِي خدمه يَوْم الْخَمِيس خَامِس جُمَادَى الأولي. فَكَانَت المراسيم والمناشير تخرج عَن الْملكَيْنِ الْأَشْرَف والمعز إِلَّا أَن الْأَشْرَف لَيْسَ لَهُ سوى الِاسْم فِي الشّركَة لَا غير ذَلِك وَجَمِيع الْأُمُور بيد الْمعز أيبك. وَكَانَ بغزة جمَاعَة من الْعَسْكَر عَلَيْهِم الْأَمِير ركن الدّين خَاص ترك فَرَجَعُوا إِلَى الصالحية وَاتَّفَقُوا مَعَ عدَّة من الْأُمَرَاء على إِقَامَة الْملك المغيث عمر بن الْعَادِل الصَّغِير صَاحب الكرك وخطوا لَهُ بالصالحية يَوْم الْجُمُعَة رَابِع جُمَادَى الْآخِرَة. فَلَمَّا ورد الْخَبَر بذلك نُودي فِي الْقَاهِرَة ومصر أَن الْبِلَاد للخليفة المستعصم بِاللَّه العباسي وَأَن الْملك الْمعز عز الدّين أيبك نَائِبه بهَا وَذَلِكَ فِي يَوْم الْأَحَد سادسه. وَوَقع الْحَث فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ على خُرُوج العساكر وجددت الْأَيْمَان للْملك الْأَشْرَف مُوسَى وَالْملك الْمعز أيبك وَأَن يبرز اسهما على التواقيع والمراسيم وينقش اسهما على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 السِّكَّة ويخطب لَهما على المنابر وأقيم شرف الدّين أَبُو سعيد هبة الله بن ساعد الفائزي المنعوت بالأسعد فِي وتسحب من الصالحية الطواشيان شهَاب الدّين رشيد الْكَبِير وشهاب الدّين الصَّغِير وركن الدّين خَاص ترك وأقش المشرف فَقبض على الطواشي شهَاب الدّين رشيد الصَّغِير وأحضر إِلَى الْقَاهِرَة فاعتقل بهَا وَنَجَا الْبَاقُونَ. وسارت الْخلْع لمن بَقِي بالصالحية وعفي عَنْهُم وأمنوا وَأرْسل إِلَيْهِم بِنَفَقَة. وَفِي يَوْم الْخَمِيس عاشره: ركب الْملكَانِ الْأَشْرَف والمعز بالصناجق السُّلْطَانِيَّة وشقا الْقَاهِرَة والمعز يحجب الْأَشْرَف والأمراء تتناوب فِي حمل الغاشية وَاحِدًا بعد وَاحِد. وقدمت عَسَاكِر الْملك النَّاصِر إِلَى غَزَّة فَخرج الْأَمِير فَارس الدّين أقطاي الجمدار - وَكَانَت إِلَيْهِ تقدمة المماليك البحرية - من الْقَاهِرَة فِي يَوْم الْخَمِيس خَامِس شهر رَجَب بألفي فَارس وَسَار إِلَى غَزَّة وَقَاتل أَصْحَاب النَّاصِر وَهَزَمَهُمْ. وَفِي يَوْم الْخَمِيس لخمس بَقينَ من رَجَب: اتّفق أهل الدولة على نقل تَابُوت الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب من قلعة جَزِيرَة الرَّوْضَة إِلَى تربته الَّتِي بنيت لَهُ بجوار مدارسه الصالحية من بَين القصرين. فَخرج النَّاس يَوْم الْجُمُعَة إِلَى قلعة الرَّوْضَة وحملوا السُّلْطَان مِنْهَا وصلوا عَلَيْهِ بعد صَلَاة الْجُمُعَة وَجَمِيع الْعَسْكَر قد لبسوا الْبيَاض وَقطع المماليك شُعُورهمْ وأقيم عزاؤه وَدفن لَيْلًا. وَنزل الْملكَانِ الْأَشْرَف والمعز من قلعة الْجَبَل إِلَى التربة الصالحية فِي يَوْم السبت ومعهما سَائِر المماليك البحرية والجمدارية والأمراء وَالْقَضَاء والأعياد. وغلقت الْأَسْوَاق بِالْقَاهِرَةِ ومصر وأقيم المأتم بِالدُّفُوفِ بَين القصرين وَاسْتمرّ الْحُضُور للعزاء إِلَى يَوْم الِاثْنَيْنِ. وَجعل عِنْد الْقَبْر سناجق السُّلْطَان وبقجه وقوسه وتركاشه وترتبت الْقُرَّاء يقرءُون عِنْد قَبره. وَفِي هَذِه السّنة: عزل بدر الدّين أَبُو المحاسن يُوسُف بن الْحسن السنجاري عَن قَضَاء الْقَاهِرَة وَولي بعده عماد الدّين أَبُو الْقَاسِم بن المقنشع بن القطب الْحَمَوِيّ. فَلَمَّا مَاتَ أفضل الدّين الخونجي ولي ابْن القطب الْحَمَوِيّ بعده قَضَاء مصر. ثمَّ ولي صدر الدّين موهوب الْجَزرِي قَضَاء مصر عِنْد انْتِقَال ابْن القطب إِلَى قَضَاء الْقَاهِرَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 وَفِي آخر شهر رَجَب: أُعِيد الْبَدْر السنجاري إِلَى قَضَاء الْقَاهِرَة وَابْن القطب إِلَى قَضَاء مصر. ثمَّ جمع قَضَاء مصر والقاهرة للسنجاري وَصرف ابْن القطب عَن مصر. وَعَاد الْفَارِس أقطاي من غَزَّة إِلَى الْقَاهِرَة فِي رَابِع شعْبَان. وَفِي خامسه قبض على الْأَمِير زين الدّين أَمِير جاندار الصَّالِحِي وعَلى القَاضِي صدر الدّين قَاضِي آمد - وَكَانَ من كبراء الدولة الصالحية واعتقلا. ولاثنتي عشرَة بقيت من شعْبَان: وَقع الْهدم فِي مَدِينَة دمياط بِاتِّفَاق أهل الدولة على ذَلِك وَخرج الحجارون والصناع والفعلة من الْقَاهِرَة فأزيلت أسوارها ومحيت آثارها وَلم يبْق مِنْهَا سوى الْجَامِع. وَسكن طَائِفَة من ضعفاء النَّاس فِي أخصاص على شاطئ النّيل من قبليها وسموها المنشية وَهُوَ مَوضِع دمياط الْآن. وَلست بَقينَ قبض على الْأَمِير جمال الدّين النجيبي واعتقل وَبعده بِيَوْم قبض على أقش العجمي. وَأخذ الْملك النَّاصِر صَاحب الشَّام فِي الْحَرَكَة لأخذ مصر بتحريض الْأَمِير شمس الدّين لُؤْلُؤ الأميني لَهُ على ذَلِك. وَخرج النَّاصِر من دمشق بعساكره يَوْم الْأَحَد النّصْف من شهر رَمَضَان وَمَعَهُ الْملك الصَّالح عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب وَالْملك الْأَشْرَف مُوسَى بن الْمَنْصُور إِبْرَاهِيم بن شيركوه وَالْملك الْمُعظم تورانشاه بن السُّلْطَان صَلَاح الدّين الْكَبِير وَأَخُوهُ نصْرَة الدّين الظَّاهِر شادي بن النَّاصِر دَاوُد وَأَخُوهُ الْملك الأمجد حسن وَالْملك الأمجد تَقِيّ الدّين عَبَّاس بن الْعَادِل وَعَمه مُلُوك. فَلَمَّا ورد الْخَبَر بذلك اضْطَرَبَتْ الدولة ورسم بِجمع العربان من الصَّعِيد وَقبض على جمَاعَة من الْأُمَرَاء اتهموا بالميل مَعَ الْملك النَّاصِر فِي ثَانِي شَوَّال عِنْدَمَا ورد الْخَبَر بوصوله إِلَى غَزَّة. وَفِي غده كثر الإرجاف وَوَقع التهيؤ للحرب وأحضرت الْخُيُول من الرّبيع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامنه: برز الْأَمِير حسام الدّين أَبُو عَليّ من الْقَاهِرَة وَكَانَ الْوَقْت شتاء. وَفِي تاسعه برز الْأَمِير فَارس الدّين أقطاي الجمدار - مقدم البحرية - فِي جُمْهُور الْعَسْكَر من التّرْك. وَفِي يَوْم السبت ثَالِث عشره: استناب الْملك الْمعز أيبك بديار مصر الْأَمِير عَلَاء الدّين البندقدار فواظب الْجُلُوس بالمدارس الصالحية مَعَ نواب دَار الْعدْل لترتيب الْأُمُور وكشف الْمَظَالِم وَنُودِيَ يَوْم السبت الْعشْرين مِنْهُ بِإِبْطَال الْخُمُور والجهة المفردة. وَفِيه كثر الإرجاف بوصول النَّاصِر الداروم. وَفِي تَاسِع عشريه: خلع الْملك الْمعز على الْملك الْمَنْصُور مَحْمُود وعَلى أَخِيه الْملك السعيد عبد الْملك وَلَدي الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل عماد الدّين - وَكَانَا فِي حبس الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب - وأركبهما فِي الْقَاهِرَة ليوهم النَّاس أَن الْملك الصَّالح أباهما مباطن لَهُ على الْملك النَّاصِر حَتَّى يَقع بَينهمَا. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء أول ذِي الْقعدَة: نُودي بِالْقَاهِرَةِ أَن الصُّلْح انتظم بَين الْملك الْمعز والبحرية وَبَين الْملك المغيث عمر بن الْعَادِل صَاحب الكرك وَلم يكن لما نُودي بِهِ حَقِيقَة وَإِنَّمَا قصد بذلك أَن يقف الْملك النَّاصِر عَن الْحَرَكَة. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثالثه: نزل الْملك الْمعز من قلعة الْجَبَل فِيمَن بَقِي عِنْده من العساكر وَسَار إِلَى الصالحية وَبهَا العساكر الَّتِي خرجت قبله وَترك بقلعة الْجَبَل الْملك الْأَشْرَف مُوسَى فاستقرت عَسَاكِر مصر بالصالحية إِلَى يَوْم الِاثْنَيْنِ سابعه فوصل الْملك النَّاصِر بعساكره إِلَى كرَاع - وَهِي قريبَة من العباسية فتقارب مَا بَين العسكرين وَكَانَ فِي ظن كل أحد أَن النُّصْرَة إِنَّمَا تكون للْملك النَّاصِر على البحرية لِكَثْرَة عساكره ولميل أَكثر عَسْكَر مصر إِلَيْهِ. فاتفق أَنه كَانَ مَعَ النَّاصِر جمع غير من ممالك أَبِيه الْملك الْعَزِيز وهم أتراك يميلون إِلَى البحرية لعِلَّة الجنسية ولكراهتهم فِي الْأَمِير شمس الدّين لُؤْلُؤ مدير المملكة. فعندما نزل النَّاصِر بِمَنْزِلَة الكراع قَرِيبا من الخشبي بالرمل رَحل الْمعز أيبك بعساكر مصر من الصالحية وَنزل اتجاهه بسموط إِلَى يَوْم الْخَمِيس عاشره. فَركب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 الْملك النَّاصِر فِي العساكر ورتب ميمنة وميسرة وَقَلْبًا وَركب الْمعز ورتب أَيْضا عساكره. وَكَانَت الْوَقْعَة فِي السَّاعَة الرَّابِعَة فاتفق فِيهَا أَمر عَجِيب قل مَا اتّفق مثله فَإِن الكرة كَانَت أَولا على عَسَاكِر مصر ثمَّ صَارَت على الشاميين: وَذَلِكَ أَن ميمنة عَسْكَر الشَّام حملت هِيَ والميسرة على من بازائها حَملَة شَدِيدَة فَانْكَسَرت ميسرَة المصريين وولوا منهزمين وزحف أبطال الشاميين وَرَاءَهُمْ وَمَا لَهُم علم بِمَا جرى خَلفهم. وانكسرت ميمنة أهل الشَّام وَثَبت كل من القلبين واقتتلوا. وَمر المنهزمون من عَسْكَر مصر إِلَى بِلَاد الصَّعِيد وَقد نهبت أثقالهم. وعندما مروا على الْقَاهِرَة خطب بهَا للْملك النَّاصِر وخطب لَهُ بقلعة الْجَبَل ومصر وَبَات الْأَمِير جمال الدّين بن يغمور بالعباسية وأحمي الْحمام للْملك النَّاصِر وجهز لَهُ الْإِقَامَة. هَذَا والناصر على منزلَة كرَاع لَيْسَ عِنْده خبر وَإِنَّمَا هُوَ وَاقِف بسناجقه وخزائنه وَأَصْحَابه. وَأما ميمنة أهل الشَّام فَإِنَّهَا لما كسرت قتل مِنْهُم عَسْكَر مصر خلقا كثيرا فِي الرمل وأسروا أَكثر مِمَّا قتلوا. وَتعين الظفر للناصر وَهُوَ ثَابت فِي الْقلب واتجاهه الْمعز أيبك أَيْضا فِي الْقلب فخاف أُمَرَاء النَّاصِر مِنْهُ أَن لمجنيهم إِذا تمّ لَهُ الْأَمر وخامروا عَلَيْهِ وفروا بأطلابهم إِلَى الْملك الْمعز وهم الْأَمِير جمال الدّين أيدغدي العزيزي والأمير جمال الدّين أقوش الحامي والأمير بدر الدّين بكتوت الظَّاهِرِيّ والأمير سُلَيْمَان العزيزي وَجَمَاعَة غَيرهم. فخارت قوى النَّاصِر من ذهَاب الْمَذْكُورين إِلَى الْملك الْمعز فَحمل الْمعز بِمن مَعَه على سناجق النَّاصِر ظنا مِنْهُ أَن النَّاصِر تحتهَا. وَكَانَ النَّاصِر - لما فَارقه الْأُمَرَاء إِلَى عِنْد الْمعز - قد خرج من تَحت السناجق فِي شردمة قَليلَة فخاب مَا أمله الْمعز أيبك وَعَاد إِلَى مركزه خائباً وَقد قوى الشاميون بذلك وتبعوه يقتلُون مِنْهُ وينهبون. وسر الْأُمَرَاء القيمرية بذلك وقصدوا الحملة على الْمعز ليأخذوه فوجدوا أَصْحَابهم قد تفَرقُوا فِي طلب الْكسْب والنهب. فَحمل الْمعز عَلَيْهِم وثبتوا لَهُ ثمَّ انحاز إِلَى جَانب يُرِيد الْفِرَار إِلَى جِهَة الشوبك. ووقف النَّاصِر فِي جمع من العزيزية وَغَيرهم تَحت سناجقه وَقد اطْمَأَن فَخرج عَلَيْهِم الْمعز - وَمَعَهُ الْفَارِس أقطاي - فِي ثَلَاثمِائَة من البحرية وَقرب مِنْهُ فخامر عدَّة مِمَّن كَانَ مَعَ النَّاصِر عَلَيْهِ ومالوا مَعَ الْمعز والبحرية فولى النَّاصِر فَارًّا يُرِيد الشَّام فِي خاصته وغلمانه. وَاسْتولى وسَاق الْمعز يُرِيد الأطلاب فَوَقع بِطَلَب الْأَمِير شمس الدّين لُؤْلُؤ والأمير حسام الدّين القيمري والأمير ضِيَاء الدّين القيمري وتاج الْمُلُوك بن الْمُعظم والأمير شمس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 الدّين الْحميدِي والأمير بدر الدّين الزرزاري وَجَمَاعَة غَيرهم. فبدد الْملك الْمعز كلهم وَأسر الْمُعظم تورانشاه بن صَلَاح الدّين وأخاه نصْرَة الدّين مُحَمَّد وَالْملك الصَّالح عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن الْعَادِل وَالْملك الْأَشْرَف صَاحب حمص وَالْملك الزَّاهِر والأمير شهَاب الدّين القيمري والأمير حسام الدّين طرنطاي العزيزي والأمير ضِيَاء الدّين القيمري والأمير شمس الدّين لُؤْلُؤ مُدبر المملكة الحلبية وأعيان الحلبيين وخلقاً كثيرا وَقتل الْأَمِير شمس الدّين الْحميدِي والأمير بدر الدّين الزرزاري وَجَمَاعَة غَيرهم. وَكَانَ الْأَمِير حسام الدّين أَبُو عَليّ الهذباني على ميسرَة عَسْكَر المصرين فَلَمَّا وَقعت الكسرة على الميسرة تفرق عَنهُ أَصْحَابه وتقنطر عَن فرسه وَكَاد يُؤْخَذ لَوْلَا أَنه وقف مَعَه من أركبه فلحق بالمعز أيبك فَأمر الْملك بِضَرْب عنق الْأَمِير شمس الدّين لُؤْلُؤ فَأَخَذته السيوف حَتَّى قطع وَضربت عنق الْأَمِير ضِيَاء الدّين القيمري وَأتي بِالْملكِ الصَّالح إِسْمَاعِيل وَهُوَ رَاكب فَسلم عَلَيْهِ الْملك الْمعز وَأَوْقفهُ إِلَى جَانِبه وَقَالَ للأمير حسام الدّين أبي عَليّ: مَا تسلم على الْمولى الصَّالح فَدَنَا مِنْهُ الْأَمِير حسام الدّين وعانقه وَسلم عَلَيْهِ. وجرح الْملك الْمُعظم وَابْنه تَاج الْمُلُوك وَضرب وتمزق أهل الشَّام كل ممزق وَمَشوا فِي الرمل أَيَّامًا وَصَارَ الْملك النَّاصِر وَمَعَهُ نَوْفَل الزبيدِيّ وَعلي السَّعْدِيّ إِلَى دمشق. وَأما الْعَسْكَر الشَّامي الَّذِي كسر ميسرَة المصريين فَإِنَّهُ وصل إِلَى العباسية وَنزل بهَا وَضرب الدهليز الناصري هُنَاكَ وَفِيهِمْ الْأَمِير جمال الدّين بن يغمور نَائِب السلطنة بِدِمَشْق وعدة من أُمَرَاء النَّاصِر وهم لَا يَشكونَ أَن أَمر المصريين قد بَطل وَزَالَ وَأَن الْملك النَّاصِر مقدم عَلَيْهِم ليسيروا فِي خدمته إِلَى الْقَاهِرَة. فَبينا هم كَذَلِك إِذْ وصل إِلَيْهِم الْخَبَر بهروب الْملك النَّاصِر وَقتل الْأُمَرَاء وَأسر الْمُلُوك وَغَيرهم. فهم طَائِفَة مِنْهُم أَن يَسِيرُوا إِلَى الْقَاهِرَة ويستولوا عَلَيْهَا وَمِنْهُم من رأى الرُّجُوع إِلَى الشَّام ثمَّ اتَّفقُوا على الرُّجُوع. وَأما من انهزم من عَسْكَر مصر أَولا فَإِنَّهُم وصلوا إِلَى الْقَاهِرَة فِي يَوْم الْجُمُعَة حادي عشره غَد يَوْم الْوَقْعَة فَمَا شكّ فِي أَن الْأَمر تمّ للْملك النَّاصِر وَأَن أَمر البحرية قد زَالَ. وَكَانَ بقلعة الْجَبَل الْأَمِير نَاصِر إِسْمَاعِيل بن يغمور أستادار الْملك الصَّالح عماد الدّين إِسْمَاعِيل فِي جب وَهُوَ أَمِين الدولة أَبُو الْحسن بن غزال - المتطبب الْمَعْرُوف بالسامري وَزِير الصَّالح الْمَذْكُور والأمير سيف الدّين القيمري وَجَمَاعَة غَيرهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 أَيْضا لَهُم من أَيَّام الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب فِي الاعتقال. فَلَمَّا بَلغهُمْ ذَلِك خَرجُوا من الْجب وأظهروا الْفَرح والاستبشار وَأَرَادُوا أَخذ القلعة. فَلم يُوَافق الْأَمِير سيف الدّين القيمري على ذَلِك وتركهم وَقعد على بَاب دَار الْملك الْمعز أيبك الَّتِي فِيهَا وخطب للناصر بالقلعة ومصر وَسَائِر الْبِلَاد الَّتِي بلغَهَا خبر نصرته. وَكَانَ بِجَامِع الْقَاهِرَة الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام فَقَامَ على قَدَمَيْهِ وخطب خطتن خفيفتين وَصلى بِجَمَاعَة الْجُمُعَة وَصلى قوم صَلَاة الظّهْر. فَمَا هُوَ إِلَّا أَن انْقَضتْ صَلَاة الْجُمُعَة حَتَّى وَردت الْبشَارَة بانتصار الْملك الْمعز وهزيمة النَّاصِر فدقت البشائر. وَقدم جمَاعَة وَمَعَهُمْ نصْرَة الدّين بن السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب فاعتقلوه بقلعة الْجَبَل. وَقبض على الْأَمِير نَاصِر الدّين بن يغمور والوزير أَمِين الدولة أبي الْحسن بن غزال وَمن كَانَ مَعَهُمَا وأعيدوا إِلَى الْجب. وَنُودِيَ آخر النَّهَار فِي الْقَاهِرَة ومصر بالزينة. وَأما الْملك الْمعز فَإِنَّهُ سَاق - بَعْدَمَا تقم ذكر من قَتله الْأُمَرَاء - إِلَى العباسية فَلَمَّا رأى دهليز الْملك النَّاصِر توهم وعرج عَن الطَّرِيق على العلاقمة إِلَى بلبيس ظنا أَن وَاقعَة وَقعت بِالْقَاهِرَةِ. فَبلغ من كَانَ بالدهليز الْخَبَر فهدموه فِي اللَّيْل وَسَارُوا إِلَى الشَّام. فَبلغ ذَلِك الْملك الْمعز وَهُوَ فِي بلبيس فَرَحل يُرِيد الْقَاهِرَة وَقد اطْمَأَن ودخلها يَوْم السبت ثَانِي عشر ذِي الْقعدَة بالأسرى بَين يَدَيْهِ وسناجقهم مقلبة وطبولهم مشققة وخيولهم وَأَمْوَالهمْ بَين يَدَيْهِ إِلَى أَن وصل إِلَى بَين القصرين فلعبت المماليك بِالرِّمَاحِ وتطاردوا وَالْملك الْمعز فِي الموكب وَإِلَى جَانِبه الْأَمِير حسام الدّين أبي عَليّ وقدامه الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل تَحت الِاحْتِيَاط فعندما وصل إِلَى تربة الْملك الصَّالح نجم الدّين أحدق المماليك البحرية بالصالح إِسْمَاعِيل وصاحوا: يَا خوند أَيْن عَيْنك ترى عَدوك إِسْمَاعِيل ثمَّ سَارُوا إِلَى قلعة الْجَبَل واعتقل الصَّالح إِسْمَاعِيل بهَا وَبَقِيَّة الْمُلُوك وَألقى الأسرى من الشاميين فِي الْجبَاب. وعندما دخل الْملك الْمعز إِلَى القلعة تَلقاهُ الْملك الْأَشْرَف مُوسَى وهنأه بالظفرة فَقَالَ الْأَمِير فَارس الدّين أقطاي للأشرف: كلنا حصل بسعادتك وَمَا سعينا إِلَّا فِي تَقْرِير ملكك وَكَانَ يُؤثر بَقَاء الْأَشْرَف خوفًا من استبداد الْمعز أيبك وَكَانَ هَذَا الْيَوْم من أعظم أَيَّام الْقَاهِرَة واستمرت الزِّينَة بِالْقَاهِرَةِ ومصر وقلعة الْجَبَل وقلعة الرَّوْضَة عدَّة أَيَّام. (تَابع سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وسِتمِائَة) وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ رَابِع عشره شنق الْأَمِير نَاصِر الدّين إِسْمَاعِيل بن يغمور أستادار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 الصَّالح إِسْمَاعِيل وشنق بكجا ملك الْخَوَارِزْمِيّ وَأمين الدولة أَبُو الْحسن السامري الْوَزير على بَاب قلعة الْجَبَل وَمَعَهُمْ المجير بن حمدَان من أهل دمشق. وَظهر لأمين الدولة من الْأَمْوَال والتحف والجواهر مَا لَا يُوجد مثله إِلَّا عِنْد الْخُلَفَاء بلغت قيمَة مَا ظهر لَهُ سوى مَا كَانَ مودوعاً ثَلَاثَة آلَاف ألف دِينَار وَوجد لَهُ عشرَة آلَاف مجلدة كلهَا بخطوط منسوبة وَكتب نفيسة. وَفِي لَيْلَة الْأَحَد السَّابِع وَالْعِشْرين من ذِي الْقعدَة: قتل الْملك الصَّالح عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن الْملك الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب بقلعة الْجَبَل وعمره نَحْو الْخمسين سنة. قَالَ ابْن وَاصل: من أعجب مَا مر بِي أَن الْملك الْجواد مودوداً لما كَانَ فِي حبس الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل سير إِلَيْهِ الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل من خنقه وفارقه ظنا أَنه قد مَاتَ فأفاق فرأته امْرَأَة هُنَاكَ فَأَخْبَرتهمْ أَنه قد أَفَاق فعادوا إِلَيْهِ وخنقوه حَتَّى مَاتَ. وفر هَذِه اللَّيْلَة لما أخرجُوا لذَلِك الصَّالح إِسْمَاعِيل بِأَمْر الْمعز أيبك إِلَى ظَاهر القلعة وَكَانَ مَعَهم ضوء فأطفأوه وخنقوه وفارقوه ظنا أَنه قد مَاتَ فأفاق فرأته امْرَأَة هُنَاكَ فَأَخْبَرتهمْ أَنه أَفَاق فعاثوا إِلَيْهِ وخنقوه حَتَّى مَاتَ. فَانْظُر مَا أعجب هَذِه الْوَاقِعَة! وَدفن هُنَاكَ وَكَانَت أمه رُومِية وَكَانَ رَئِيس النَّفس نبيل الْقدر مُطَاعًا لَهُ حُرْمَة وافرة وَفِيه شجاعة. وَفِي ثامن عشريه: أخرج الْملك الْمعز كل من دخل الْقَاهِرَة من عَسْكَر الْملك النَّاصِر إِلَى دمشق على حمير هم وأتباعهم وَلم يُمكن أحدا مِنْهُم أَن يركب فرسا إِلَّا نَحْو السِّتَّة أنفس فَقَط وَكَانُوا نَحْو الثَّلَاثَة آلَاف رجل. وفيهَا وصل إِلَى الْملك النَّاصِر من قبل القان ملك التتر طمغا صُورَة أَمَان فَصَارَ يحملهَا فِي حياصته وسير إِلَى القان هَدَايَا كَثِيرَة فَلَمَّا خرج هولاكو وَاسْتولى على الممالك تغافل النَّاصِر عَنهُ وَلم يبْعَث إِلَيْهِ شَيْئا فعز ذَلِك عَلَيْهِ وَصَارَ فِي كل قَلِيل يُنكر تَأَخّر تقديمة النَّاصِر الْهَدَايَا والتحف إِلَيْهِ. وفيهَا كثر ضَرَر المماليك البحرية بِمصْر ومالوا على النَّاس وَقتلُوا ونهبوا الْأَمْوَال وَسبوا الْحَرِيم (وبالغوا فِي الْفساد، حَتَّى لَو ملك الفرنج مَا فعلوا فعلهم) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 وَفِي سَابِع عشر ذِي الْحجَّة: سَار الْأَمِير فَارس الدّين أقطاي من الْقَاهِرَة فِي ثَلَاثَة آلَاف إِلَى عزة وَاسْتولى عَلَيْهَا. وَفِي هَذِه السّنة: قدم البطرك أثنامبوس بن القس أبي المكارم فِي يَوْم الْأَحَد رَابِع شهر رحب الْمُوَافق الْخَامِس بَابه سنة سبع وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة للشهداء. فَأَقَامَ فِي البطركية إِحْدَى عشرَة سنة وَخَمْسَة وَخمسين يَوْمًا وَمَات يَوْم الْأَحَد أول كيهك سنة ثَمَان وَسبعين وَتِسْعمِائَة للشهداء الْمُوَافق لثالث الْمحرم سنه سِتِّينَ وسِتمِائَة هجرية وخلا الْكُرْسِيّ بعده خَمْسَة وَثَلَاثِينَ يَوْمًا. وفيهَا مَاتَ الإمبراطور ملك الفرنج الألمانية بصقلية وَقَامَ من بعده ابْنه. وَخرجت هَذِه السّنة والناصر يُوسُف بِدِمَشْق وَبِيَدِهِ ملك الشَّام والشرق ومملكة مصر بيد الْملك الْمعز عز الدّين أيبك التركماني ويخطب مَعَه للأشرف مُوسَى وَالْمُعْتَمد عَلَيْهِ فِي أُمُور الدولة من البحرية ثَلَاثَة أُمَرَاء: وهم الْأَمِير فَارس الدّين أقطاي وركن الدّين بيبرس البندقداري وَسيف الدّين بلبان الرَّشِيدِيّ. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان الْملك الْمُعظم غياث الدّين تورانشاه بن الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب بن الْملك الْكَامِل مُحَمَّد بن الْملك الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب بن شادي قَتِيلا فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ تَاسِع عشري الْمحرم. وَمَات الْملك الصَّالح عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب بن شادي قَتِيلا فِي لَيْلَة الْأَحَد سَابِع عشري ذِي الْقعدَة عَن نَحْو خمسين سنة وَمَات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 الْأَمِير شمس لُؤْلُؤ الأميني مقدم عَسْكَر حلب قَتِيلا فِي يَوْم الْخَمِيس عَاشر ذِي الْقعدَة وَتُوفِّي رشيد الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الْوَهَّاب بن طَاهِر بن عَليّ بن فتوح بن رواج الإسكندري الْمَالِكِي عَن أَربع وَتِسْعين سنة فِي وَتُوفِّي الْحَافِظ شمس الدّين أَبُو الْحجَّاج يُوسُف بن خَلِيل بن قراجا بن عبد الله الدِّمَشْقِي بحلب عَن ثَلَاث وَتِسْعين سنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 سنة تسع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة فِيهَا استولى الْأَمِير فَارس الدّين أقطاي على السَّاحِل ونابلس إِلَى نهر الشَّرِيعَة وَعَاد إِلَى الْقَاهِرَة. فسير الْملك النَّاصِر عسكراً من دمشق إِلَى غَزَّة ليَكُون بهَا فأقاموا على تل العجول. فَخرج الْمعز أيبك وَمَعَهُ الْأَشْرَف مُوسَى والفارس أقطاي وَسَائِر البحرية وَنزل بالصالحية. فَأَقَامَ الْعَسْكَر الْمصْرِيّ بِأَرْض السانح قَرِيبا من العباسة والعسكر الشَّامي قَرِيبا من سنتَيْن وترددت بَينهمَا الرُّسُل. وأحدث الْوَزير الأسعد الفائزي ظلامات عديدة على الرّعية. وفيهَا أَمر الْملك الْمعز أيبك بإخلاء قلعة الرَّوْضَة فتحول من كَانَ فِيهَا من المماليك والحرسيه وَغَيرهم. وفيهَا عزل قَاضِي الْقُضَاة عماد الدّين أَبُو الْقَاسِم بن أبي إِسْحَاق ابْن المقنشع - الْمَعْرُوف بِابْن القطب الْحَمَوِيّ عَن قَضَاء مصر وأضيف ذَلِك إِلَى قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين السنجاري. وسافر الْأَمِير حسام الدّين أَبُو على إِلَى الْحجاز - وَترك طلبه بالسانح وَفِيه من يَنُوب عَنهُ من الْبَحْر إِلَى قوص ثمَّ ركب الْبَحْر الْملح إِلَى مَكَّة. وفيهَا أشيع وُصُول البادرائي رَسُول الْخَلِيفَة ليصلح بَين النَّاصِر والمعز. فَلَمَّا أَبْطَأَ قدومه وَكَثُرت الْأَقَاوِيل قَالَ الْأَمِير شهَاب الدّين غَازِي ابْن أيار الْمَعْرُوف بِابْن المعمار - أحد المجودين صُحْبَة الْأَمِير جمال الدّين مُوسَى بن يغمور: ونطلب مُسلما يروي حَدِيثا صَحِيحا من أَحَادِيث الرَّسُول وفيهَا وَقع بِمَكَّة غلاء عَظِيم. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان قَاضِي الْقُضَاة بِبَغْدَاد واسْمه كَمَال الدّين أَبُو الْفضل عبد الرَّحْمَن بن عبد السَّلَام بن إِسْمَاعِيل بن عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم اللمفاني الْحَنَفِيّ. وفيهَا توفّي بهاء الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن هبة الله بن سَلامَة الجميزي الشَّافِعِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 خطيب الْقَاهِرَة وَقد انْتَهَت إِلَيْهِ مشيخة الْعلم عَن تسعين سنة فِي يَوْم. وفيهَا توفّي الصاحب جمال الدّين أَبُو الْحُسَيْن يحيى بن عِيسَى بن إِبْرَاهِيم بن مطروح - الْوَزير بِالشَّام والشاعر أَيْضا - عَن سبع وَخمسين سنة فِي. . وفيهَا توفّي رشيد الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الظَّاهِر بن نشوان بن عبد الظَّاهِر السَّعْدِيّ شيخ الْقرَاءَات 000 وفيهَا توفّي علم الدّين قَيْصر بن أبي الْقَاسِم بن عبد الْغَنِيّ بن مُسَافر - الْمَعْرُوف بتعاسيف الْفَقِيه الْحَنَفِيّ بِدِمَشْق فِي 10 رَجَب ومولده بأصفون من صَعِيد مصر سنة أَربع وَسبعين وَخَمْسمِائة وَهُوَ أحد الْأَئِمَّة فِي الْعُلُوم الرياضية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 سنة خمسين وسِتمِائَة فِيهَا قدم الْأَمِير حسام الدّين أَبُو عَليّ من الْحجاز فَنزل فِي المعسكر من أَرض السانح بالصالحية وَقدم من بَغْدَاد الشَّيْخ نجم الدّين عبد الله بن مُحَمَّد بن الْحسن أبي سعد البادرائي رَسُولا من الْخَلِيفَة للإصلاح بَين الْملك الْمعز أيبك وَالْملك النَّاصِر. فَتَلقاهُ القَاضِي بدر الدّين الْخضر بن الْحسن السنجاري من قطا وَمَعَهُ جمَاعَة وتحدث مَعَه فِي ذَلِك. فَأَرَادَ النَّاصِر أَن تُقَام لَهُ الخطة بديار مصر فَلم يرض الْملك الْمعز وَزَاد بِأَن طلب أَن يكون بِيَدِهِ - مَعَ مصر - من غزه إِلَى عقبَة فيق. وفيهَا وَردت الْأَخْبَار بِأَن منكوخان ملك التتر سير أَخَاهُ هولاكو لأخذ الْعرَاق فَسَار وأباد أهل بِلَاد الإسماعيلية قتلا ونهباً وأسراً وسبياً ووصلت غاراته إِلَى ديار بكر وميافارقين وَجَاءُوا إِلَى رَأس عين وسروج وَقتلُوا مَا ينيف على آلَاف وأسروا مثل ذَلِك وصادفوا قافلة سَارَتْ من حران تُرِيدُ بَغْدَاد فَأخذُوا مِنْهَا أَمْوَالًا عَظِيمَة من جُمْلَتهَا سِتّمائَة حمل سكر من عمل مصر وسِتمِائَة ألف دِينَار. وَقتلُوا الشُّيُوخ والعجائز وَسَاقُوا النِّسَاء وَالصبيان مَعَهم فَقطع أهل الشرق الْفُرَات وفروا خَائِفين. فَعِنْدَ ذَلِك أَزَال الْملك الْمعز اسْم الْملك الْأَشْرَف مُوسَى من الخطة وَانْفَرَدَ باسم السلطة وسجن الْأَشْرَف وَاسْتولى على الخزائن وَشرع فِي تَحْصِيل الْأَمْوَال فأحدث الْوَزير الأسعد شرف الدّين هبة الله بن صاعد بن وهيب الفائزي حوادث وَقرر على التُّجَّار وعَلى أَصْحَاب الْعقار أَمْوَالًا ورتب مكوساً وضمانات سَمَّاهَا الْحُقُوق السُّلْطَانِيَّة والمعاملات الديوانية وَأخذ الجوالي من الذِّمَّة مضاعفة وأحدث التصقيع والتقويم وعدة أَنْوَاع من الْمَظَالِم ورتب الْملك الْمعز مَمْلُوكه الْأَمِير سيف الدّين قطز نَائِب السلطة بديار مصر وَأمر عدَّة من مماليكه فَقَوِيت شَوْكَة البحرية وَزَاد شرهم وَصَارَ كَبِيرهمْ الْأَمِير فَارس الدّين أقطاي الجمدار الصَّالِحِي ملْجأ لَهُم يسألونه فِي حوائجهم وَيكون هُوَ المتحدث مَعَ الْملك الْمعز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 وفيهَا أقطع الْفَارِس أقطاي ثغر الْإسْكَنْدَريَّة وَكتب لَهُ بِهِ منشور. وتعدى شَرّ البحرية وَكثر تمردهم وطغيانهم. وَخرجت السّنة وَالْملك الْمعز والعساكر بالسانح وعساكر الشَّام بغزة وَالْملك النَّاصِر مُقيم بِدِمَشْق وَالْملك المغيث عمر بالكرك. وَكَانَ النّيل عَالِيا: بلغ ثَمَانِيَة عشر ذِرَاعا وَسَبْعَة عشر إصبعاً وسد بَاب الْبَحْر عِنْد المقس. وفيهَا وَقع بِمَدِينَة حلب حريق عَظِيم ظهر أَنه من الفرنج وَتلف فِيهِ أَمْوَال لَا تحصى واحترقت (ذكر من مَاتَ فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان) الْعَلامَة رَضِي الدّين أَبُو الْفَضَائِل الْحسن بن مُحَمَّد الْحسن بن حيدر الْعمريّ الْهِنْدِيّ الصَّنْعَانِيّ الْحَنَفِيّ اللّغَوِيّ مَاتَ بِبَغْدَاد وَدفن بِمَكَّة عَن ثَلَاث وَسبعين سنة. وَتُوفِّي فَخر الْقُضَاة أَبُو الْفَتْح نصر الله بن هبة الله بن عبد الْبَاقِي بن هبة الله بن الْحُسَيْنِي بن يحيى بن بصاقة الْكِنَانِي الْكَاتِب الْوَزير للناصر دَاوُد والأديب المنشئ فِي 00000 وَتُوفِّي شمس الدّين أَبُو عبد الله بن سعد الله بن عبد الله بن سعد الْأنْصَارِيّ الْقُدسِي الْفَقِيه الشَّافِعِي الْمُحدث الْمُقْرِئ النَّحْوِيّ الأديب الْكَاتِب المجودة مَاتَ بِدِمَشْق عَن تسع وَسبعين سنة. وَتُوفِّي مُسْند الْعرَاق المؤتمن أَبُو الْقَاسِم يحيى بن نصر بن أبي الْقَاسِم بن الْحسن بن قميرة التَّمِيمِي التَّاجِر السفار عَن خمس وَثَمَانِينَ سنة حدث بِمصْر وَغَيرهَا. وَتُوفِّي نقيب الْأَشْرَاف - وقاضي الْعَسْكَر ومدرس الْمدرسَة الشريفية بِمصْر - الشريف شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد الْعلوِي الْحُسَيْنِي الأرموي على مَا حَدثنَا الْأَشْرَاف فِي ثَالِث عشر شَوَّال خمسين وسِتمِائَة. وَكَانَ إِمَامًا فِي الْفِقْه وَالْأُصُول مناظراً تفقه على الصَّدْر بن حمويه وَشرح الْمَحْصُول وَمَات عَن نَيف وَسبعين سنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 سنة إِحْدَى وَخمسين وسِتمِائَة فِيهَا تقرر الصُّلْح بَين الْملك الْمعز أيبك وَبَين الْملك النَّاصِر صَاحب دمشق بسفارة نجم الدّين البادرائي. وَقد قدم نجم الدّين إِلَى الْقَاهِرَة وصحبته عز الدّين أزدمر وَكَاتب الْإِنْشَاء بحلب نظام الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْمولى الْحلَبِي لتمهيد الْقَوَاعِد فلي يبرحا إِلَى أَن انفصلت الْقَضِيَّة: على أَن يكون للمصريين إِلَى الْأُرْدُن وللناصر مَا وَرَاء ذَلِك وَأَن يدْخل فِيهَا للمصريين غَزَّة والقدس ونابلس والساحل كُله وَأَن الْمعز يُطلق جَمِيع من أسره من أَصْحَاب الْملك النَّاصِر. وَحلف كل مِنْهُمَا على ذَلِك وكتبت بِهِ العهود وَعَاد الْملك الْمعز وَعَسْكَره إِلَى قلعة الْجَبَل فِي يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع صفر وَنزل البادرائي بِالْقَاهِرَةِ وَأطلق الْملك الْمعز الْملك الْمُعظم تورانشاه بن السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب وأخاه نصْرَة الدّين وَسَائِر أَوْلَاد الْمُلُوك والأمراء وأحضرهم دَار الوزارة ليشهدوا حلفه للْملك النَّاصِر. ثمَّ قدم الْملك الْمعز أيبك للْملك الْمُعظم تقدمة سنية وَأعْطى نظام الدّين بن الْمولى ورفيقه عز الدّين أزدمر عشره آلَاف دِينَار. وفيهَا قويت البحرية - وَكَبِيرهمْ فَارس الدّين أقطاي - على الْمعز وَكثر قبضتهم واستطالتهم وتوثبهم على الْملك الْمعز وهموا بقتْله. وفيهَا تسلم المصريون قلعة الشوبك فَلم يبْق مَعَ الْملك المغيث سوى الكرك والبلقاء وَبَعض الْغَوْر. وفيهَا قطع الْمعز خبز الْأَمِير حسام الدّين بن أبي عَليّ فَلَزِمَ دَاره ثمَّ خرج إِلَى بِلَاد الشَّام وفيهَا ثارت العربان بِبِلَاد الصَّعِيد وَأَرْض بحري وَقَطعُوا الطَّرِيق برا وبحراً فَامْتنعَ التُّجَّار وَغَيرهم من السّفر. وَقَامَ الشريف حصن الدّين ثَعْلَب بن الْأَمِير الْكَبِير نجم الدّين عَليّ بن الْأَمِير الشريف فَخر الدّين إِسْمَاعِيل بن حصن الدولة مجد الْعَرَب ثَعْلَب بن يَعْقُوب بن مُسلم بن أبي جميل الجمدي وَقَالَ: نَحن أَصْحَاب الْبِلَاد وَمنع الأجناد من ناول الْخراج وَصرح هم وَأَصْحَابه: بِأَنا أَحَق بِالْملكِ من المماليك وَقد كفى أَنا خدمنا بني أَيُّوب وهم خوارج خَرجُوا على الْبِلَاد. وأنفوا من خدمَة التّرْك وَقَالُوا إِنَّمَا هم عبيد للخوارج وَكَتَبُوا إِلَى الْملك النَّاصِر صَاحب دمشق يستحثونه على الْقدوم إِلَى مصر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 وَاجْتمعَ الْعَرَب - وهم يَوْمئِذٍ فِي كَثْرَة من المَال وَالْخَيْل وَالرِّجَال إِلَى الْأَمِير حصن الدّين ثَعْلَب وَهُوَ بِنَاحِيَة دهروط صربان وأتوه من أقْصَى الصَّعِيد وأطراف بِلَاد الْبحيرَة والجيزة والفيوم وحلفوا لَهُ كلهم. فَبلغ عدَّة الفرسان اثْنَي عشر ألف فَارس وتجاوزت عدَّة الرجالة الإحصاء لكثرتهم. فَجهز إِلَيْهِم الْملك الْمعز أيبك الْأَمِير فَارس الدّين أقطاي الجمدار والأمير فَارس الدّين أقطاي المستعرب فِي خَمْسَة آلَاف فَارس. فَسَارُوا إِلَى نَاحيَة ذرْوَة وبرز إِلَيْهِم الْأَمِير حصن الدّين ثَعْلَب فاقتتل الْفَرِيقَانِ من بكرَة النَّهَار إِلَى الظّهْر. فَقدر الله أَن الْأَمِير حصن الدّين تقنطر عَن فرسه فأحاط بِهِ أَصْحَابه وَأَتَتْ الأتراك إِلَيْهِ فَقتل حوله من الْعَرَب وَالْعَبِيد أَرْبَعمِائَة رجل حَتَّى أركبوه. فَوجدَ الْعَرَب قد تفَرقُوا عَنهُ فولى مُنْهَزِمًا. وَركب التّرْك أدبارهم يقتلُون وَيَأْسِرُونَ حَتَّى حَال بَينهم اللَّيْل فحووا من الأسلاب والنسوان وَالْأَوْلَاد والخيول وَالْجمال والمواشي مَا عجزوا عَن ضَبطه وعادوا إِلَى المخيم ببلبيس. ثمَّ عدوا إِلَى عرب الغربية والمنوفية من قبيلتي سِنْبِسٍ ولواتة وَقد تجمعُوا بِنَاحِيَة سخا وسنهور فأوقعوا بهم وَسبوا حريمهم وَقتلُوا الرِّجَال وتبدد كل عرب مصر وحمدت جمرتهم من حِينَئِذٍ. وَلحق الشريف حصن الدّين من بَقِي من أَصْحَابه وَبعث يطْلب من الْملك الْمعز الْأمان فَأَمنهُ ووعده بإقطاعات لَهُ ولأصحابه ليصيروا من حَملَة الْعَسْكَر وعوناً لَهُ على أعدائه. فانخدع الشريف حصن الدّين وَظن أَن التّرْك لَا تَسْتَغْنِي عَنهُ فِي محاربة الْملك النَّاصِر وَقدم فِي أَصْحَابه وَهُوَ مطمئن إِلَى بلبيس. فَلَمَّا قرب من الدهليز نزل عَن فرسه ليحضر مجْلِس السُّلْطَان فَقبض عَلَيْهِ وَعلي سَائِر من حضر مَعَه وَكَانَت عدتهمْ نَحْو ألفي فَارس وسِتمِائَة راجل. وَأمر الْملك الْمعز فَنصبت الأخشاب من بلبيس إِلَى الْقَاهِرَة وشنق الْجَمِيع وَبعث بالشريف حصن إِلَى ثغر الْإسْكَنْدَريَّة فحبس بهَا وَسلم لواليها الْأَمِير شمس الدّين مُحَمَّد بن باخل. وَأمر الْمعز بِزِيَادَة القطعية على الْعَرَب وَبِزِيَادَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 الْقود الْمَأْخُوذ مِنْهُم ومعاملتهم بالعنف والقهر. فذلوا وقلوا حَتَّى صَار أَمرهم على مَا هُوَ عَلَيْهِ الْحَال فِي وقتنا. وَفِيه صاهر الْأَمِير فَارس الدّين أقطاي الْملك المظفر صَاحب حماة وَشر إِلَيْهِ فَخر الدّين مُحَمَّد بن الصاحب بهاء الدّين عَليّ بن حنا - قبل أَن يتقلد أَبوهُ الوزارة وَإِنَّمَا كَانَ قد ترشح لَهَا - لإحضار ابْنة المظفر من حماة فحملها إِلَى دمشق فِي تجمل عَظِيم. فَطلب أقطاي من الْملك الْمعز أَن يسكن قلعة الْجَبَل بالعروس فشق ذَلِك عَلَيْهِ وَأخذ يتحيل فِي قَتله وَكَانَ قد ثقل عَلَيْهِ وَصَارَ لَيْسَ لَهُ مَعَ البحرية أَمر وَلَا نهي وَلَا حل وَلَا عقد وَلَا يسمع أحد مِنْهُم لَهُ قولا فَإِن رسم لأحد بِشَيْء لَا يُمكن من إعداده وَإِن أَمر لأحد مِنْهُم بِشَيْء أَخذ أَضْعَاف مَا رسم لَهُ بِهِ. وَاجْتمعَ الْكل على بَاب الْأَمِير فَارس الدّين أقطاي وَقد استولى على الْأُمُور كلهَا. وَبقيت الْكتب إِنَّمَا ترد من الْملك النَّاصِر وَغَيره إِلَيْهِ وَلَا يقدر أحد يفتح كتابا وَلَا يتَكَلَّم بِشَيْء وَلَا يبرم أمرا إِلَّا بِحُضُور أقطاي لِكَثْرَة خشداشيته. وَفِي هَذِه السّنة: حج من الْبر وَالْبَحْر عَالم كَبِير فَإِنَّهَا كَانَت وَقْفَة الْجُمُعَة وفيهَا أَخذ الشريف جماز بن حسن مَكَّة وَأقَام بهَا إِلَى آخر ذِي الْحجَّة. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان الشريف أَبُو سعد الْحسن بن عَليّ بن قَتَادَة بن إِدْرِيس الحسني أَمِير مَكَّة وَاسْتقر بعده فِي وَمَات الصَّالح أَحْمد بن الظَّاهِر غَازِي بن النَّاصِر يُوسُف بن أَيُّوب بن شادي بن مَرْوَان صَاحب عينتاب عَن إِحْدَى وَخمسين سنة. وَتُوفِّي كَمَال الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الْوَاحِد بن عبد الْكَرِيم بن خلف بن نَبهَان الْأنْصَارِيّ الزملكاني الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي بِدِمَشْق. وَتُوفِّي جمال الدّين أَبُو الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن بن مكي بن عبد الرَّحْمَن الإسكندري سبط الْحَافِظ أبي الطَّاهِر السلَفِي وَقد انْتهى إِلَيْهِ علو الْإِسْنَاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وسِتمِائَة فِيهَا استفحل أَمر الْفَارِس أقطاي الجمدار وانحازت إِلَيْهِ البحرية بِحَيْثُ كَانَ أقطاي إِذا ركب من دَاره إِلَى القلعة شعل بَين يَدَيْهِ جمَاعَة بأَمْره وَلَا يُنكر هُوَ ذَلِك مِنْهُم وَكَانَت أَصْحَابه تَأْخُذ أَمْوَال النَّاس ونساءهم وَأَوْلَادهمْ بِأَيْدِيهِم فَلَا يقدر أحد على مَنعهم وَكَانُوا يدْخلُونَ الحمامات وَيَأْخُذُونَ النِّسَاء مِنْهَا غصبا وَكثر ضررهم. هَذَا والمعز يحصل الْأَمْوَال وَقد ثقل عَلَيْهِ أقطاي فواعد طَائِفَة من مماليكه على قَتله: وَبعث الْمعز إِلَيْهِ وَقت القائلة من يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَالِث شعْبَان ليحضر إِلَيْهِ بقلعة الْجَبَل فِي مشور يَأْخُذ رَأْيه فِيهِ. فَركب أقطاي على غير أهبة وَلَا اكتراث فعندما دخل من بَاب القلعة وَصَارَ فِي قاعة العواميد أغلق بَاب القلعة وَمنع مماليكه من العبور مَعَه. فَخرج عَلَيْهِ جمَاعَة بالدهليز قد أعدُّوا لقَتله: وهم قطز وبهادر وسنجر الغنمي فهبروه بِالسُّيُوفِ حَتَّى مَاتَ. فَوَقع الصَّرِيخ فِي القلعة والقاهرة بقتْله فَركب فِي الْحَال من أَصْحَابه نَحْو السبعمائة فَارس ووقفوا تَحت القلعة وَفِي ظنهم أَنه لم يقتل وَإِنَّمَا قبض عَلَيْهِ وَأَنَّهُمْ يأخذونه من الْمعز وَكَانَ أعيانهم بيبرس البندقداري وقلاوون والألفي وسنقر الْأَشْقَر وبيسرى وسكز وبرامق. فَلم يشعروا إِلَّا وَرَأس أقطاي قد رمي بهَا الْمعز إِلَيْهِم فَسقط فِي أَيْديهم وَتَفَرَّقُوا بأجمعهم. وَخَرجُوا فِي اللَّيْل من الْقَاهِرَة وحرقوا بَاب القراطين فَعرف بعد ذَلِك بِالْبَابِ المحروق إِلَى الْيَوْم فَمنهمْ من قصد الْملك المغيث بالكرك وَمِنْهُم من سَار إِلَى الْملك النَّاصِر بِدِمَشْق وَمِنْهُم من أَقَامَ بِبِلَاد الْغَوْر والبلقاء والكرك والشوبك والقدس يقطع الطَّرِيق وَيَأْكُل بقائم سَيْفه. وَاتفقَ أَن اثْنَي عشر من البحرية مروا فِي تيه بني إِسْرَائِيل فَأَقَامَ بِهِ خَمْسَة أَيَّام حائرين فلاح لَهُم فِي الْيَوْم السَّادِس سَواد على بعد فقصدوه فَإِذا مَدِينَة عَظِيمَة ذَات أسور وأبواب حَصِينَة كلهَا من رُخَام أَخْضَر. فطافوا بداخل الْمَدِينَة وَقد غلب عَلَيْهَا الرمل فِي أسواقها ودورها وَصَارَت أوانيهم وملابسهم إِذا أخذت تتفتت وَتبقى هباء. فوجدوا فِي صواني بعض البزارين تِسْعَة دَنَانِير قد نقش عَلَيْهَا صُورَة غزال حوله كِتَابَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 عبرانية. وحفروا مَكَانا فَإِذا بلاطة فَلَمَّا رفعوها وجدوا صهريجاً فِيهِ مَاء أبرد من الثَّلج فَضربُوا وَسَارُوا ليلتهم. فَإِذا بفريق عرب فحملوهم إِلَى الكرج فعرضوا تِلْكَ الدَّنَانِير على الصيارف فَقَالَ بَعضهم هَذِه ضربت فِي أَيَّام مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام. وسألوا عَن الْمَدِينَة فَقيل هَذِه الْمَدِينَة الخضراء بنيت لما كَانَ بَنو إِسْرَائِيل فِي التيه وَلها طوفان من رمل يزِيد تَارَة وَينْقص أُخْرَى وَلَا يَقع عَلَيْهَا إِلَّا تائه. وصرفوا كل دِينَار بِمِائَة دِرْهَم. وَسَار مِنْهُم قشتمر العجمي وشارباش العجمي وسنجر الحاووك والركن الفارقاني وسنقر الجبيلي وسنقر المجيشي الْكَبِير والحبيشي الصَّغِير الْحَاجِب والصقلي والغتمي وبلبان النجمي وبكمش المَسْعُودِيّ وَأَبُو عبِّيَّة والنميسي وفخر الدّين ماما وأيدمر الجمدار الرُّومِي وسنقر الركني والحسام قريب سكز وإيدغدي الْفَارِسِي وبلبان الزهيري وسنجر البحري وإزدمر السيفي وإزدمر البواشقي مَمْلُوك الرَّشِيدِيّ الْكَبِير والعنتابي والمستعربي وسنقر البديوي وأيبك الشقاري وإيدغدي فتْنَة وَسيف الدّين الأشل والخولاني وسنجر الشكاري والمطروحي وأيبك الْفَارِسِي وأياس الْمقري فِي جمَاعَة كَبِيرَة من المماليك الصغار الجمدارية الصالحية. وَكَانَ الْحَاكِم الْمُقدم على هَؤُلَاءِ الْأَمِير علم الدّين سنجر الباشقردي - وَهُوَ أعقلهم وأعرفهم - والأمير شمس الدّين سنقر الْجبلي - وَهُوَ أفرسهم وأشهرهم بالشطارة. فمضي هَؤُلَاءِ إِلَى السُّلْطَان عَلَاء الدّين ملك السلاجقة الرّوم. فَلَمَّا أصبح الْملك الْمعز أيبك وَعلم بِخُرُوج الْجَمَاعَة من الْقَاهِرَة قبض على من بَقِي مِنْهُم وَقتل بَعضهم وَحبس باقيهم وأوقع الحوطة على أملاكهم وَأَمْوَالهمْ وَنِسَائِهِمْ وأتباعهم واستصفى أَمْوَالهم وذخائرهم وشونهم. وظفر للفارس أقطاي بأموال عَظِيمَة. وَنُودِيَ فِي الْقَاهِرَة ومصر بتهديد من أخْفى أحد من البحرية وَتمكن عِنْد ذَلِك الْملك الْمعز وارتجع الْإسْكَنْدَريَّة إِلَى الْخَاص السلطاني وخفف بعض مَا أحدث من المصادرات والجبايات. فَلَمَّا وصل البحرية إِلَى غَزَّة وَفِيهِمْ ركن الدّين بيبرس البندقداري وَسيف الدّين بلبان الرَّشِيدِيّ وَعز الدّين إزدمر السيفي وشمس الدّين سنقر الْأَشْقَر وَسيف الدّين سكز وَسيف الدّين قلاوون وَبدر الدّين بيبرس - كتبُوا إِلَى الْملك النَّاصِر بِأَنَّهُم قد وصلوا إِلَى خدمته فَأذن لَهُم وعروا على بِلَاد الفرنج بالسَّاحل فَقتلُوا ونهبوا حَتَّى قاربوا دمشق. فَخرج إِلَى لقائهم الْملك النَّاصِر وخلع عَلَيْهِم وَأَعْطَاهُمْ. هَذَا وهم يحثونه على قصد مصر وَهُوَ يدافعهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 فخاف الْمعز غائلتهم وَكتب إِلَى النَّاصِر يُوهِمهُ مِنْهُم ويخوفه عَاقِبَة شرهم وَطلب مِنْهُ النَّاصِر الْبِلَاد الَّتِي كَانَ قد أَخذهَا بالسَّاحل لأجل البحرية وَأَنَّهَا فِي إقطاعتهم. فَأَعَادَهَا الْمعز إِلَى الْملك وَكتب الْملك الْمعز إِلَى سُلْطَان الرّوم بِأَن البحرية قوم مناحيس أَطْرَاف لَا يقفون عِنْد الْأَيْمَان وَلَا يرجعُونَ إِلَى كَلَام من هُوَ أكبر مِنْهُم وَإِن استأمنتهم خانوا وَإِن استحلفتهم كذبُوا وَإِن وثقت بهم غدروا. فَتحَرَّر مِنْهُم على نَفسك فَإِنَّهُم غدارون مكارون خوانون وَلَا أَمن أَن يَمْكُرُوا عَلَيْك. فخاف سُلْطَان الرّوم مِنْهُم وَكَانُوا مائَة وَثَلَاثِينَ فَارِسًا فاستدعاهم وَقَالَ: يَا أُمَرَاء مَا لكم ولأستاذكم فَتقدم الْأَمِير علم الدّين سنجر الباشقردي وَقَالَ: يَا مَوْلَانَا من هُوَ أستاذنا قَالَ: الْملك الْمعز صَاحب مصر فَقَالَ الباشقردي: يحفظ الله مَوْلَانَا السُّلْطَان إِن كَانَ الْملك الْمعز قَالَ فِي كِتَابه أَنه أستاذنا فقد أَخطَأ إِنَّمَا هُوَ خوشداشنا وَنحن وليناه علينا وَكَانَ فِينَا من هُوَ أكبر مِنْهُ سنا وَقدرا وأفرس وأحق بالمملكة فَقتل بَعْضنَا وَحبس بَعْضنَا وغرق بَعْضنَا فَمر بِنَا مِنْهُ وتشتتنا فِي الْبِلَاد وَنحن التجأنا إِلَيْك فأعجب سُلْطَان الرّوم بهم واستخدمهم عِنْده. وفيهَا وَقع الصُّلْح بَين الْملك النَّاصِر وَبَين الفرنج أَصْحَاب عكا لمُدَّة عشر سِنِين وَسِتَّة أشهر وَأَرْبَعين يَوْمًا أَولهَا مستهل الْحرم على أَن يكون للفرنج من نهر الشَّرِيعَة مغرباً وَحلف الْفَرِيقَانِ على ذَلِك. وفيهَا أقطع الْملك الْمعز أيبك الْأَمِير عَلَاء الدّين أيدغدي العزيزي دمياط زِيَادَة على إقطاعه وارتفاعها يَوْمئِذٍ ثَلَاثُونَ ألف دِينَار وفيهَا خرج الْملك الْمعز من قلعة الْجَبَل بالعساكر وخيم وفيهَا سفر الْملك الْمعز أيبك الْأَشْرَف مُوسَى بن النَّاصِر يُوسُف بن الْملك المسعود إِلَى بِلَاد الأشكري منفياً وفيهَا درس الشَّيْخ عز الدّين عبد الْعَزِيز بن عبد السَّلَام بِالْمَدْرَسَةِ الصالحية بَين القصرين. وفيهَا وصل الشريف عز الدّين أَبُو الْفتُوح مرتضى ابْن أبي طَالب أَحْمد بن مُحَمَّد بن جَعْفَر الْحُسَيْنِي إِلَى دمشق وَمَعَهُ الخونده ملكة خاتون بنت السُّلْطَان عَلَاء الدّين كيقباد ملك السلاجقة الرّوم وَزَوْجَة الْملك النَّاصِر يُوسُف. فزفت إِلَيْهِ وَقد احتفل بقدومها وَبَالغ فِي عمل الْوَلِيمَة لَهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 وفيهَا ظَهرت نَار بعدن روعت الْقُلُوب. وفيهَا ولى الْمَنْصُور قَضَاء حماه شمس الدّين إِبْرَاهِيم بن هبة الله الْبَارِزِيّ بعد المحبي حَمْزَة بن مُحَمَّد. وفيهَا مَاتَ ملك التتر طرطق خَان بن دوشي خَان بن جنكز خَان فَكَانَت مدَّته سنة وشهوراً. فَقَامَ بعده بركَة خَان بن جوشي خَان بن جنكز خَان وَأسلم وَأظْهر شَعَائِر الْإِسْلَام فِي مَمْلَكَته وَاتخذ المحارس وَأكْرم الْفُقَهَاء. وَأسْلمت زَوجته ججك واتخذت لَهَا مَسْجِدا من الخيم وَذَلِكَ على يَد الشَّيْخ نجم الدّين كبرا. وفيهَا توفّي مجد الدّين أَبُو البركات عبد السَّلَام بن عبد الله بن أبي الْقَاسِم بن مُحَمَّد ابْن تَيْمِية الْحَرَّانِي الْحَنْبَلِيّ عَن اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سنة. وَتُوفِّي كَمَال الدّين أَبُو سَالم مُحَمَّد بن أَحْمد بن هبة الله بن طَلْحَة النصيبيني الشَّافِعِي خطب دمشق بحلب وَقد قدم الْقَاهِرَة. وفيهَا أَخذ مَكَّة الشريف رَاجِح بن قَتَادَة من الشريف جماز بن حسن بِغَيْر قتال ثمَّ أَخذهَا ابْنه غَانِم بن رَاجِح فِي ربيع الأول بِغَيْر قتال فَقَامَ عَلَيْهِ الشريف أَبُو نمى بن أبي سعيد بن عَليّ بن قَتَادَة فِي شَوَّال وَمَعَهُ الشريف إِدْرِيس وحارباه وملكا مَكَّة. فَقدم فِي خَامِس عشري ذِي الْقعدَة مبارز الدّين الْحُسَيْن بن عَليّ بن برطاس من الْيمن وقاتلهما وغلبهما وَحج بِالنَّاسِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 سنة ثَالِث وَخمسين وسِتمِائَة فِيهَا سَار الْأَمِير عز الدّين أيبك الأفرم الصَّالِحِي إِلَى بِلَاد الصَّعِيد وَأظْهر الْخُرُوج عَن طَاعَة الْملك الْمعز وَجمع العربان. فسير إِلَيْهِ الْملك الْمعز الْوَزير الصاحب الأسعد شرف الدّين الفائزي وَمَعَهُ طَائِفَة من الْعَسْكَر حَتَّى سكن الْأُمُور. وَأخرج الْملك النَّاصِر عسكراً إِلَى جِهَة ديار مصر وَمَعَهُمْ البحرية: وهم الْأَمِير سيف الدّين بلبان الرشيد وَعز الدّين أزدمر وشمس الدّين سنقر الرُّومِي وشمس الدّين سنقر الْأَشْقَر وَبدر الدّين بيسري وَسيف الدّين قلاوون وَسيف الدّين بلبان المَسْعُودِيّ وركن الدّين بيبرس البندقداري وعدة من مماليك الْفَارِس أقطاي. وفيهَا قتل الْملك الْمعز الْأَمِير عَلَاء الدّين أيدغدي العزيزي بَعْدَمَا قبض عَلَيْهِ وَكَانَ قد قبض أَيْضا على الْفَارِس أقطاي العزيزي والفارسي أقطاي الأتابك وهرب مِنْهُ أقش الركني وَأمر الْملك الْمعز أَلا تخرج امْرَأَة من بَيتهَا وَلَا يمشي رجل بِلَا سَرَاوِيل. فَقَالَ أَبُو الْحُسَيْن الجزار فِي ذَلِك: حنا الْملك الْمعز على الرعايا وألزمهم قوانين الْمَرْوَة وصان حريمهم من كل عَار وألبسهم سروايل الفتوة وفيهَا توجه النَّاصِر دَاوُد بن الْمُعظم عِيسَى إِلَى بَغْدَاد يطْلب مَا أودعهُ عِنْد الْخَلِيفَة من الْجَوْهَر وَقِيمَته مائَة ألف دِينَار. فمطل مُدَّة فَتوجه إِلَى الْحجاز واستشفع إِلَى الْخَلِيفَة فِي رد وداعته وَعَاد إِلَى الْعرَاق. فعوض عَن جوهره بِمَا لَا يذكر ورد إِلَى الشَّام وفيهَا قدم مَكَّة أَبُو نمى وَإِدْرِيس ومعهما جماز بن شيحة أَمِير الْمَدِينَة فَقَاتلُوا المبارز بن برطاس وَأخذُوا مَكَّة. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان الْأَمِير شرف الدّين يُوسُف بن أبي الفوارس بن موسك القيمري بنابلس وَدفن بِدِمَشْق. وَتُوفِّي نقيب الْأَشْرَاف بحلب وَهُوَ الشريف عز الدّين أَبُو الْفتُوح مرتضى بن أبي طَالب أَحْمد بن أَحْمد بن أبي الْحسن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن زيد بن جَعْفَر بن إِبْرَاهِيم مُحَمَّد بن ممدوح أبي الْعَلَاء عَن أربعوسبعين سنة بحلب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 وَتُوفِّي نظام الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عُثْمَان الْبَلْخِي الْحَنَفِيّ الْبَغْدَادِيّ بحلب عَن تسع وَسبعين سنة. وَتُوفِّي ضِيَاء الدّين أَبُو مُحَمَّد جَعْفَر بن يحيى بن سَالم بن يحيى بن عِيسَى بن صقر الْمحلي الشَّافِعِي عَن نَيف وَتِسْعين سنة بحلب قدم مصر وَحدث بهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 سنة أَربع وَخمسين وسِتمِائَة فِيهَا ورد الشَّيْخ نجم الدّين علم عبد الله بن مُحَمَّد بن الْحسن البادرائي من قبل الْخَلِيفَة المستعصم بِاللَّه ليجدد الصُّلْح بَين الأول وَبَين الْملك النَّاصِر وَالْملك الْمعز فَبعث السُّلْطَان إِلَى الْقَائِد برهَان الدّين خضر السنجاري فَسَار إِلَى قطبا وَمَعَهُ جمَاعَة من أَعْيَان الْفُقَهَاء حَتَّى قدم بِهِ. فقرر الصُّلْح على أَن يكون للْملك الْمعز مَا كَانَ للْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب من السَّاحِل بِبِلَاد الشَّام مَعَ ملك مصر وَأَن الْملك النَّاصِر لَا يأوي عِنْده أحدا من البحرية فَمَضَوْا إِلَى المغيث بالكرك. وَتَوَلَّى الصُّلْح قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين السنجاري فَلَمَّا تمّ الصُّلْح عَاد البادرائي ورحل الْملك النَّاصِر عَن تل العجول إِلَى دمشق وَعَاد الْمعز من العباسية - بعد إِقَامَته عَلَيْهَا ثَلَاث سِنِين - إِلَى قلعة الْجَبَل. وَسَار الْأَمِير شمس الدّين سنقر الْأَقْرَع رَسُولا إِلَى الْخَلِيفَة بِبَغْدَاد وَصَحبه الشَّيْخ نجم الدّين البادرائي يلْتَمس تشرفه بالتقلد وَالْخلْع والأولوية للْملك الْمعز أُسْوَة من تقدمه من مُلُوك مصرة فَسَار إِلَى بَغْدَاد. وَبعث الْملك الْمعز إِلَى الْملك الْمَنْصُور بن المظفر صَاحب حماة وَإِلَى الْملك الرَّحِيم بدر الدّين لُؤْلُؤ صَاحب الْموصل يخْطب ابنتيهما لنَفسِهِ. فشق ذَلِك على زَوجته شجر الدّرّ وتغيرت عَلَيْهِ فتنكر لَهَا وَفَسَد مَا بَينهمَا فَأخذت تدبر فِي قَتله. وَفِي خَامِس جُمَادَى الْآخِرَة: ظَهرت نَار بِأَرْض الْحجاز واستمرت شهرا فِي شَرْقي الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة بِنَاحِيَة وَادي شظا تِلْقَاء جبل أحد حَتَّى امْتَلَأت تِلْكَ الأودية مِنْهَا وَصَارَ يخرج مِنْهَا شرر يَأْكُل الْحِجَارَة وزلزلت الْمَدِينَة بِسَبَبِهَا. وَسمع النَّاس أصواتاً مزعجة قبل ظُهُورهَا بِخَمْسَة أَيَّام أَولهَا يَوْم الِاثْنَيْنِ أول الشَّهْر فَلم تزل الْأَصْوَات لَيْلًا وَنَهَارًا حَتَّى ظَهرت النَّار يَوْم الْجُمُعَة. وَقد انبجست الأَرْض عَن نَار عَظِيمَة عِنْد وَادي شظا وامتدت أَرْبَعَة فراسخ فِي عرض أَرْبَعَة أَمْيَال وعمق قامة وَنصف وسال الصخر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 مِنْهَا ثمَّ صَار فحماً أسود. وأضاءت بيُوت الْمَدِينَة مِنْهَا فِي اللَّيْل حَتَّى كَانَ فِي كل بَيت مصباحاً وَرَأى النَّاس سناها بِمَكَّة فالتجأ أهل الْمَدِينَة إِلَى قبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ودعوا وَاسْتَغْفرُوا الله تَعَالَى وأعتقوا عبيدهم وتصدقوا وَقَالَ بَعضهم: نشكو إِلَيْك خطوباً لَا نطق لَهَا حملا وَنحن لَهَا حَقًا أحقاء زلازلاً تخشع الصم الصلاب لَهَا وَكَيف لقوي على الزلزال شماء بحراً من النَّار تجْرِي فَوْقه سفن من الهضاب لَهَا فِي الأَرْض إرساء ترى لَهَا شرراً كالقصر طائشة كَأَنَّهُمَا دِيمَة تنصب هطلاء تحدث النيرات السَّبع ألسنها بِمَا تلاقي بِهِ تَحت الثرى المَاء مِنْهَا تكاثف فِي الجو الدُّخان إِلَى أَن عَادَتْ الشَّمْس مِنْهَا وَهِي دهماء فيالها أَيَّة من معجزات رَسُول الله يَعْقِلهَا الْقَوْم الألباء فاسمح وهب ولفضل وامح واعف وجد وَاصْفَحْ فَكل لفرط الْحلم خطاء وَذكر غير وَاحِد من الْأَعْرَاب الَّذين كَانُوا بحاضرة بَلْدَة بصرى من أَرض الشَّام أَنهم رَأَوْا صفحات أَعْنَاق إبلهم فِي ضوء هَذِه النَّار. وَفِي لَيْلَة الْجُمُعَة مستهل شهر رَمَضَان احْتَرَقَ مَسْجِد مُحَمَّد رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - من مسرجه الْقيم وَذَهَبت سَائِر صفوفه وَبَعض عمده وَاحْتَرَقَ سقف الْحُجْرَة الشَّرِيفَة. وفيهَا غرقت بَغْدَاد وَهلك بهَا عَالم عَظِيم وسارت السفن فِي أزقتها. وفيهَا قوي أَمر هولاكو بن طولو خَان بن جنكز خَان وَظهر اسْمه وَفتح عمق قلاع بالشرق وفيهَا دخل مقدم من التتار إِلَى أَرض الرّوم السلاجقة ففر مِنْهُ السُّلْطَان غياث الدّين كيخسرو وَمَات فِي فراره فَقَامَ من بعده أَوْلَاده الثَّلَاثَة وَأخذ التتار قيسارية وَمَا حولهَا فَصَارَ لَهُم من بِلَاد الرّوم مَسَافَة شهر. وفيهَا وصلت جواسيس هولاكو إِلَى الْوَزير مؤيد الدّين مُحَمَّد بن العلقمي بِبَغْدَاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 وتحدثوا مَعَه ووعدوا جمَاعَة من أُمَرَاء بَغْدَاد مواعيد والخليفة فِي لهوه لَا يعبأ بِشَيْء من ذَلِك. وفيهَا ولي تَاج الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الْوَهَّاب بن خلف بن أبي الْقَاسِم ابْن بنت الْأَعَز قَضَاء الْقُضَاة عوضا عَن بدر الدّين يُوسُف السنجاري. وفيهَا سَار إِدْرِيس إِلَى رَاجِح وَأخذ مَكَّة أَبُو نمى فجَاء رَاجِح مَعَ إِدْرِيس وَأصْلح بَينه وَبَين أبي نمى. وفيهَا قدم مَكَّة ركب الْحَاج من الْعرَاق وَلم يحجّ بعْدهَا ركب من الْعرَاق. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان شمس الدّين يُوسُف بن قزغلي بن عبد الله أَبُو المظفر - هُوَ سبط الْحَافِظ أبي الْفرج عبد الرَّحْمَن بن الْجَوْزِيّ - الْفَقِيه الْحَنَفِيّ الْوَاعِظ. وَتُوفِّي شرف الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الْعَزِيز بن عبد الرَّحْمَن بن هبة الله بن قرناص الْخُزَاعِيّ الْحَمَوِيّ الْفَقِيه الشَّافِعِي الأديب. وَتُوفِّي زكي الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الْعَظِيم بن عبد الوحد بن ظافر بن أبي الإصبع الْفَقِيه الشَّافِعِي النَّحْوِيّ الأديب عَن خمس وَسِتِّينَ سنة. وَتُوفِّي الشَّيْخ أَبُو الرّوح عِيسَى بن أَحْمد بن الياس البونيني ببعلبك. وَمَات ملك الرّوم غياث الدّين كيخسرو بن عَلَاء الدّين كيقباد بن غياث الدّين كيخسرو بن قلج أرسلان بن مَسْعُود بن قلج أرسلان بن سُلَيْمَان بن قتلمش وَقد ملك التتر قيصرية وميسرة مَعهَا فَقَامَ بعده ابْنه عز الدّين كيقباد بن كيخسرو. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 (سنة خمس وَخمسين وسِتمِائَة) فِيهَا تزايدت الوحشة بَين الْملك الْمعز أيبك وَبَين شجر الدّرّ فعزم على قَتلهَا. وَكَانَ لَهُ منجم قد أخبرهُ أَن سَبَب قتلته امْرَأَة فَكَانَت هِيَ شجر الدّرّ. وَذَلِكَ أَنه كَانَ قد غير عَلَيْهَا وَبعث يخْطب ابْنة صَاحب الْموصل. وأتفق أَن الْمعز قبض على عدَّة من البحرية وَهُوَ على أم البادر وسيرهم ليعتقلوا بقلعة الْجَبَل وَفِيهِمْ أيدكين الصَّالِحِي. فَلَمَّا وصلوا تَحت الشباك الَّذِي تجْلِس فِيهِ شجر الدّرّ علم أيدكين أَنَّهَا هُنَاكَ فخدم بِرَأْسِهِ وَقَالَ التركي: الْمَمْلُوك أيدكين بشمقدار وَالله يَا خوند مَا علمنَا ذَنبا يُوجب مسكنا إِلَّا أَنه لما سير يخْطب بنت صَاحب الْموصل مَا هان علينا لِأَجلِك فَإنَّا تربية نِعْمَتك ونعمة الشَّهِيد المرحوم فَلَمَّا عتبناه تغير علينا وَفعل بِنَا مَا تَرين فأومأت شجر الدّرّ إِلَيْهِ بمنديل يَعْنِي: لقد سَمِعت كلامك فَلَمَّا نزلُوا بهم إِلَى الْجب قَالَ أيدكين: إِن كَانَ حبسنا فقد قَتَلْنَاهُ. وَكَانَت شجر الدّرّ قد بعثت نصرا العزيزي بهدية إِلَى الْملك النَّاصِر يُوسُف وأعلمته أَنَّهَا قد عزمت على قتل الْمعز والتزوج بِهِ وممليكه مصر. فخشي الْملك النَّاصِر يُوسُف أَن يكون هَذَا خديعة فَلم يجبها بِشَيْء. وَبعث بدر الدّين لُؤْلُؤ صَاحب الْموصل يحذر الْملك الْمعز من شجر الدّرّ وَأَنَّهَا باطنت الْملك النَّاصِر يُوسُف فتباعد مَا بَينهمَا وعزم على إنزالها من القلعة إِلَى دَار الوزارة. وَكَانَت شجر الدّرّ قد استبدت بِأُمُور المملكة وَلَا تطلعه عَلَيْهَا وتمنعه من الِاجْتِمَاع بِأم ابْنه وألزمته بِطَلَاقِهَا وَلم تطلعه على ذخائر الْملك الصَّالح. فَأَقَامَ الْملك الْمعز بمناظر اللوق أَيَّامًا حَتَّى بعثت شجر الدّرّ من حلف عَلَيْهِ. فطلع القلعة وَقد أعدت لَهُ شجر الدّرّ خَمْسَة ليقتلوه: مِنْهُم محسن الْجَوْجَرِيّ وخادم يعرف بنصر العزيزي ومملوك يُسمى سنجر. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع عشري شهر ربيع الأول ركب الْملك الْمعز من الميدان بِأَرْض اللوق وَصعد إِلَى قلعة الْجَبَل آخر النَّهَار. وَدخل إِلَى الْحمام لَيْلًا فأغلق عَلَيْهِ الْبَاب محسن الْجَوْجَرِيّ وَغُلَام كَانَ عِنْده شَدِيد الْقُوَّة ومعهما جمَاعَة. وقتلوه بِأَن أَخذه بَعضهم بأنثييه وبخناقه فاستغاث الْمعز بشجرة الدّرّ فَقَالَت اتركوه فَأَغْلَظ لَهَا محسن الْجَوْجَرِيّ فِي القَوْل وَقَالَ لَهَا: مَتى تَرَكْنَاهُ لَا يبقي علينا وَلَا عَلَيْك ثمَّ قَتَلُوهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 وَبعثت شجر الدّرّ فِي تِلْكَ اللَّيْلَة إِصْبَع الْمعز وخادمة إِلَى الْأَمِير عز الدّين أيبك الْحلَبِي الْكَبِير وَقَالَت لَهُ: قُم بِالْأَمر فَلم يَجْسُر وَأشيع أَن الْمعز مَاتَ فَجْأَة فِي اللَّيْل وَأَقَامُوا الصائح فِي القلعة فَلم تصدق مماليكه بذلك: وَقَامَ الْأَمِير لَهُم الدّين سنجر الغتمي - وَهُوَ يَوْمئِذٍ شَوْكَة البحرية وشديدهم - وبادر هُوَ والمماليك إِلَى الدّور السُّلْطَانِيَّة وقبضوا على الخدام والحريم وعاقبوهم فأقروا بِمَا جرى. وَعند ذَلِك قبضوا على شجر الدّرّ ومحسن الْجَوْجَرِيّ نَاصِر الدّين حلاوة وَصدر الباز وفر العزيزي إِلَى الشَّام. فَأَرَادَ مماليك الْمعز قتل شجر الدّرّ فحماها الصالحية ونقلت إِلَى البرج الْأَحْمَر بالقلعة ثمَّ لما أقيم ابْن الْمعز فِي السلطنة حملت شجر الدّرّ إِلَى أمه فِي يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشريه فضربها الْجَوَارِي بالقباقيب إِلَى أَن مَاتَت فِي يَوْم السبت. وألقوها من سور القلعة إِلَى الخَنْدَق وَلَيْسَ عَلَيْهَا سَرَاوِيل وقميص فبيت فِي الخَنْدَق أَيَّامًا وَأخذ بعض أراذل الْعَامَّة تكتة سراويلها. ثمَّ دفنت بعد أَيَّام - وَقد نتنت وحملت فِي قفة - بتربتها قريب الشهد النفيسي. وَكَانَت من قُوَّة نَفسهَا لما علمت أَنَّهَا قد أحيط بهَا أتلفت شَيْئا كثيرا من الْجَوَاهِر واللآلئ كَسرته فِي الهاون. وصلب محسن الْجَوْجَرِيّ على بَاب القلعة ووسط تَحت القلعة أَرْبَعُونَ طواشياً وصلبوا من القلعة إِلَى بَاب زويلة. وَقبض على الصاحب بهاء الدّين بن حنا لكَونه وَزِير شجر الدّرّ وَأخذ خطة بستين ألف دِينَار. فَكَانَت مُدَّة سلطنة الْملك الْمعز سبع سِنِين تنقص ثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وعمره نَحْو سِتِّينَ سنة وَكَانَ ملكا حازماً شجاعاً سفاكاً للدماء: قتل خلقا كثيرا وشنق عَالما من النَّاس بِغَيْر ذَنْب ليوقع فِي الْقُلُوب مهابته وأحدث مظالم ومصادرات عمل بهَا من بعده ووزر لَهُ الصاحب تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب ابْن بنت الْأَعَز ثمَّ صرفه واستوزر القَاضِي الأسعد شرف الدّين هبة الله بن صاعد الفائزي فَتمكن مِنْهُ مُمكنا زَائِدا وأحدث القَاضِي الأسعد حوادث شنيعة من الْمَظَالِم واستناب فِي الوزارة القَاضِي زين الدّين يَعْقُوب بن الزبير - كَانَ يعرف اللِّسَان التركي - ليحفظ لَهُ مجَالِس أُمَرَاء الدولة ويطالعه مَا يُقَال عَنهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 الْملك الْمَنْصُور نور الدّين عَليّ بن الْملك الْمعز أيبك أَقَامَهُ أُمَرَاء الدولة سُلْطَانا بقلعة الْجَبَل يَوْم الْخَمِيس سادس عشري شهر ربيع الأول سنة خمس وَخمسين وسِتمِائَة وعمره خمس عشرَة سنة تَقْرِيبًا وحلفوا لَهُ واستحلفوا الْعَسْكَر ماخلا الْأَمِير عز الدّين أيبك الْحلَبِي الْمَعْرُوف بأبيك الْكَبِير فَإِنَّهُ توقف وَأَرَادَ الْأَمر لنَفسِهِ ثمَّ وَافق خوفًا على نَفسه. فَركب الْأَمِير قطز - هُوَ والأمراء - وَقبض على الْأَمِير سنجر الْحلَبِي يَوْم الْجُمُعَة عَاشر ربيع الآخر واعتقله فَركب الْأَمِير أيبك الْحلَبِي الْكَبِير فِي الْأُمَرَاء الصالحية فَلم توفق وتقنطر عَن فرسه خَارج بَاب زويلة فَأدْخل إِلَى الْقَاهِرَة مَيتا. وأقيم الْأَمِير سيف الدّين قطز نَائِب السلطة على عَادَته وَصَارَ مُدبر الدولة الْملك الْمَنْصُور عَليّ. وأقيم الْأَمِير فَارس الدّين أقطاي المستعرب الصَّالِحِي أتابك العساكر عوضا عَن الْأَمِير علم الدّين سنجر الْحلَبِي وَاسْتمرّ الوزرة شرف الدّين الفائزي على عَادَته فَنقل عَنهُ الْأَمِير سَابق الدّين بوزيا الصَّيْرَفِي والأمير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الأطروش الْكرْدِي أَمِير جاندار أَنه قَالَ: المملكة مَا تمشى بالصبيان والرأي أَن يكون الْملك النَّاصِر. فتوهمت أم الْمَنْصُور من أَنه يُرْسل إِلَى الْملك النَّاصِر وقبضت عَلَيْهِ وأدخلته إِلَى الدّور وَأخذ خطة بِمِائَة ألف دِينَار. وَاسْتقر فِي الوزارة بعده قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين يُوسُف بن الْحسن السنجاري مُضَافا إِلَى الْقَضَاء وَقد أُعِيد إِلَيْهِ. وأحيط بأموال الفائزي وَقبض على جمَاعَة بِسَبَبِهِ. ثمَّ إِن السنجاري استعفى من الوزارة وَتركهَا فِي ربيع الآخر فتقلد الوزارة قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب بن خلف العلائي الْمَعْرُوف بِابْن بنت الْأَعَز بعد السنجاري. وَفِي لَيْلَة الْخَامِس عشر من جُمَادَى الْآخِرَة: خسف الْقَمَر بحمرة شَدِيدَة وأصبحت الشَّمْس حَمْرَاء فأقامت كَذَلِك أَيَّامًا وَهِي ضَعِيفَة اللَّوْن متغيرة. وفيهَا بلغ البحرية الَّذين كَانُوا بِبِلَاد السلاجقة الرّوم موت الْملك الْمعز فَسَارُوا فِي الْبر وَالْبَحْر ووصلوا إِلَى الْقَاهِرَة. فَلم تطل مدتهم حَتَّى كَرهُوا الْمَنْصُور بن الْمعز لِكَثْرَة لعبه بالحمام ومناقرته بالديوك ومعالجته بِالْحِجَارَةِ وركوبه الْحمير الفرء فِي القلعة ومناطحته بالكباش. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 وفيهَا دخل الصارم أَحْمد عينه الصَّالِحِي بِجَمَاعَة فَقتلُوا الْوَزير الفائزي فِي جُمَادَى الأولى. وَأخرج فِي نخ قَالَ ابْن وَاصل: حُكيَ القَاضِي برهَان الدّين أَخُو الصاحب بهاء الدّين بن حنا قَالَ: دخلت على شرف الدّين الفائزي وَهُوَ معتقل فَسَأَلَنِي أَن أتحدث فِي إِطْلَاقه بِحكم أَنه يحمل فِي كل يَوْم ألف دِينَار علينا. فَقلت لَهُ: وَكَيف تقدر على ذَلِك. فَقَالَ: أقدر عَلَيْهِ إِلَى تَمام السّنة وَإِلَى أَن تمْضِي سنة يفرج الله تَعَالَى. فَلم يلْتَفت مماليك الْملك الْمعز إِلَى ذَلِك وعجلوا بهلاكه وخنقوه وَحمل إِلَى القرافة وَدفن بهَا. وفيهَا وَقعت الوحشة بَين الْملك النَّاصِر وَبَين من عِنْده من البحرية ففارقوه فِي شَوَّال وقصدوا الْملك المغيث صَاحب الكرك. فَأخْرج الْأَمِير سيف الدّين قطز الْعَسْكَر الصالحية فواقعوهم فِي يَوْم السبت خَامِس عشر ذِي الْقعدَة وأسروا الْأَمِير سيف الدّين قلاوون والأمير سيف الدّين بلبان الرَّشِيدِيّ وَقتل الْأَمِير سيف الدّين بلغان الأشرفي. وَانْهَزَمَ عَسْكَر الكرك وَفِيهِمْ بيبرس البندقداري الَّذِي ملك مصر. وَعَاد الْعَسْكَر إِلَى الْقَاهِرَة فضمن الْأَمِير شرف الدّين قيران - المعزي وَهُوَ أستادار السُّلْطَان - الْأَمِير قلاوون وَأطْلقهُ. فَأَقَامَ قلاوون بِالْقَاهِرَةِ قَلِيلا ثمَّ اختفى بالحسينية عِنْد سيف الدّين قطليجا الرُّومِي فزوده وَسَار إِلَى الكرك. وفيهَا بعث الْخَلِيفَة إِلَى النَّاصِر يُوسُف بِدِمَشْق خلعة وتقليداً وطوقاً وفيهَا حسن البحرية للْملك المغيث أَخذ ملك مصر فكاتب عدَّة من الْأُمَرَاء وَوَعدهمْ. وفيهَا قوي هولاكو بن طولو بن جنكزخان وَقصد بَغْدَاد وَبعث يطْلب الضِّيَافَة من الْخَلِيفَة فَكثر الإرتجاف بِبَغْدَاد وَخرج النَّاس مِنْهَا إِلَى الأقطار. وَنزل هولاكو تجاه دَار الْخلَافَة وَملك ظَاهر بَغْدَاد وَقتل من النَّاس عَالما كَبِيرا. وفيهَا قدم إِلَى دمشق الْفُقَرَاء الحيدرية وعَلى رُءُوسهم طراطير ولحاهم مقصوصة وشواربهم بِغَيْر قصّ. وَذَلِكَ أَن شيخهم حيدر لما أسره الْمَلَاحِدَة قصوا لحيته وَتركُوا شَاربه. فاقتدوا بِهِ فِي ذَلِك وبنوا لَهُم زَاوِيَة خَارج دمشق وَمِنْهَا وصلوا إِلَى مصر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان نجم الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد بن الْحسن بن أبي سعد البادرائي الْبَغْدَادِيّ الشَّافِعِي رَسُول الْخلَافَة وقاضي بَغْدَاد عَن إِحْدَى وَسِتِّينَ سنة. وَتُوفِّي الْوَزير الصاحب الأسعد شرف الدّين أَبُو سعيد هبة الله بن صاعد الفائزي. وَتُوفِّي عز الدّين أَبُو حَامِد عبد الحميد بن هبة الله بن مُحَمَّد بن أبي الْحَدِيد الْمَدَائِنِي مؤلف كتاب الْفلك الدائر على الْمثل السائر. وَمَات متملك الرّوم عَلَاء الدّين كيقباد بن غياث الدّين كيسرو بن عَلَاء الدّين كيقباد بن غياث الدّين كيخسرو بن قلج أرسلان. وَقَامَ بعده أَخُوهُ عز الدّين كيكاوس ابْن غياث كيخسرو فَملك الططر قونية مِنْهُ قفز مِنْهَا إِلَى العلايا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 سنة سِتّ وَخمسين وسِتمِائَة فِيهَا وَقع الغلاء بِسَائِر الْبِلَاد وَارْتَفَعت الأسعار بِدِمَشْق وحلب وَأَرْض مصر وأبيع المكوك الْقَمْح بحلب بِمِائَة دِرْهَم وَالشَّجر بستين درهما والبطيخة الخضراء بِثَلَاثِينَ درهما وَبَقِيَّة الأسعار من هَذِه النِّسْبَة. وَفِي رَابِع شهر رَمَضَان: سَقَطت إِحْدَى مسان فِرْعَوْن الَّتِي بِعَين شمس فَوجدَ فِيهَا نَحْو المائتي قِنْطَار نُحَاس وَأخذ من رَأسهَا عشرَة آلَاف دِينَار. وفيهَا ملك هولاكو بَغْدَاد وَقتل الْخَلِيفَة المستعصم بِاللَّه عبد الله فِي سادس صفر فَكَانَت خِلَافَته خمس عشرَة سنة وَسَبْعَة أشهر وَسِتَّة أَيَّام. وانقرضت بمهلكه دولة بني الْعَبَّاس من بَغْدَاد وَصَارَ النَّاس بِغَيْر خَليفَة إِلَى سنة تسع وَخمسين وسِتمِائَة فصح حَدِيث حبيب بن أبي ثَابت عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة أَن رَسُول الله قَامَ فَقَالَ: يَا معشر قُرَيْش إِن هَذَا الْأَمر لَا يزَال فِيكُم وَأَنْتُم ولاته حَتَّى تحدثُوا أعمالاً تخرجكم مِنْهُ. فَإِذا فَعلْتُمْ ذَلِك سلط الله عَلَيْكُم شَرّ خلقه فالتحوكم كَمَا يلتحي الْقَضِيب. وَقتل النَّاس بِبَغْدَاد وتمزقوا فِي الأقطار وَخرب التتر الْجَوَامِع والمساجد والمشاهد وسفكوا الدِّمَاء حَتَّى جرت فِي الطرقات واستمروا على ذَلِك أَرْبَعِينَ يَوْمًا. وَأمر هولاكو بعد الْقَتْلَى فبلغت نَحْو الألفي ألف قَتِيل وتلاشت الْأَحْوَال بهَا. وَملك التتار أربل وَدخل بدر الدّين لُؤْلُؤ صَاحب الْموصل فِي طاعتهم. وفيهَا كثر الوباء بِبِلَاد الشَّام فَكَانَ يَمُوت من حلب فِي كل يَوْم ألف وَمِائَتَا إِنْسَان. وَمَات من أهل دمشق خلق كثير وَبلغ الرطل التَّمْر هندي سِتِّينَ درهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 وفيهَا أنفذ الْملك النَّاصِر صَاحب دمشق ابْنه الْملك الْعَزِيز إِلَى هولاكو وَمَعَهُ تقادم وعدة من الْأُمَرَاء فَلَمَّا وصل الْملك الْعَزِيز إِلَى هولاكو قدم إِلَيْهِ مَا مَعَه وَسَأَلَهُ على لِسَان أَبِيه فِي نجدة ليَأْخُذ مصر من المماليك فَأمر هولاكو أَن يتَوَجَّه إِلَيْهِ بعسكر فِيهِ قدر الْعشْرين ألف فَارس. فطار هَذَا الْخَبَر إِلَى دمشق فَرَحل من كَانَ بهَا من المماليك البحرية وصاروا إِلَى الْملك المغيث عمر بالكرك وحرضوه على أَخذ مصر فَجمع الْملك المغيث وَسَار. فتجهز الْأَمِير قطز وَخرج من القلعة بالعساكر فِي. . فَلَمَّا وصل الصالحية تسلل إِلَى الْملك المغيث من كَانَ كَاتبه من الْأُمَرَاء وصاروا إِلَيْهِ فَلَقِيَهُمْ قطز وَقَاتلهمْ. فَانْهَزَمَ الْملك المغيث فِي شرذمة إِلَى الكرك وَمضى البحرية نَحْو الطّور وَاتَّفَقُوا مَعَ الشهرزورية من الشرق. وَاسْتولى المصريون على من بَقِي من عَسَاكِر المغيث وأثقاله وأسروا جمَاعَة وعادوا إِلَى قلعة الْجَبَل. وَقد تغير قطز على عدَّة من الْأُمَرَاء لميلهم إِلَى الْملك المغيث: فَقبض على الْأَمِير عز الدّين أيبك الرُّومِي الصَّالِحِي والأمير سيف الدّين بلبان الكافوري الصَّالِحِي الأشرفي والأمير بدر الدّين بكتوت الأشرفي والأمير بدر الدّين بلغان الأشرفي وَجَمَاعَة غَيرهم وَضرب أَعْنَاقهم فِي سادس عشري ربيع الأول وَأخذ أَمْوَالهم كلهَا. وفيهَا فر طَائِفَة حمن الأكراد من وَجه عَسْكَر هولاكو يُقَال لَهُم الشهرزورية وَقدمُوا دمشق وعدتهم نَحْو ثَلَاثَة آلَاف وَمَعَهُمْ أَوْلَادهم وَنِسَاؤُهُمْ. فسر بهم الْملك النَّاصِر واستخدمهم ليتقوى بهم فَزَاد عنتهمْ وَكثر طَلَبهمْ حَتَّى خافهم وَأخذ يداريهم وَمَا يزيدهم ذَلِك إِلَّا تمرداً عَلَيْهِ إِلَى أَن تَرَكُوهُ وَسَارُوا إِلَى الْملك المغيث بالكرك فسر بهم وتاقت نَفسه إِلَى أَخذ دمشق فخاف النَّاصِر وتخيل من الْأُمَرَاء القيمرية اللَّذين فِي دمشق فاضطرب وتحير. وفمها مَاتَ أَمِير بني مرين أَبُو محيى بن عبد الْحق بن محيو بن أبي بكر بن حمامة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 فِي رَجَب. وَقَامَ من بعده ابْنه عمر ونازعه عَمه يَعْقُوب بن عبد الْحق وَأَبُو محيى هُوَ الَّذِي فتح الْأَمْصَار وَأقَام رسوم المملكة وَقسم بِلَاد الْمغرب بَين عشائر بني مرين وَقَامَ بدعوة الْأَمِير أبي زَكَرِيَّا بن أبي حَفْص صَاحب تونس. وَأَبُو يحيى أول من اتخذ الموكب الملكي مِنْهُم وَملك مَدِينَة فاس. وَقد استبد أَبُو يحيى بِملك الْمغرب الْأَقْصَى وَبَنُو عبد الْوَاحِد بِملك الْمغرب الْأَوْسَط وَبَنُو أبي وَفِي سنة سِتّ خمسين هَذِه: قدم أَوْلَاد حسن مَكَّة وقبضوا على إِدْرِيس وَأَقَامُوا سِتَّة أَيَّام فجَاء أَبُو نمى وأخرجهم وَلم يقتل بَينهم أحد. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان الْخَلِيفَة العباسي المستعصم بِاللَّه أَبُو أَحْمد عبد الله بن الْمُسْتَنْصر بِاللَّه أبي جَعْفَر مَنْصُور ابْن الظَّاهِر بِاللَّه أبي نصر مُحَمَّد بن النَّاصِر لدين الله أبي الْعَبَّاس أَحْمد آخر خلائف بني الْعَبَّاس مقتولاً فِي سادس صفر بَعْدَمَا أتلف عَسَاكِر بَغْدَاد لنهمته فِي جمع المَال فدهي الْإِسْلَام وَأَهله بلينه وَإِسْنَاده الْأَمر إِلَى وزيره ابْن العلقمي فَإِنَّهُ قطع أرزاق الأجناد واستجر التتار حَتَّى كَانَ مَا كَانَ وَمَات الْملك النَّاصِر دَاوُد بن الْمُعظم عِيسَى ابْن الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب بن شادي صَاحب دمشق والكرك بَعْدَمَا مرت بِهِ خطوب كَثِيرَة عَن ثَلَاث وَخمسين سنة خَارج دمشق. وَله شعر بديع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 وَتُوفِّي الْحَافِظ زكي الدّين أَبُو عبد الله عبد الْعَظِيم بن عبد الْقوي بن عبد الله بن سَلامَة الْمُنْذِرِيّ الشَّافِعِي الإِمَام الْحجَّة عَن خمس وَسبعين سنة. وَمَات محيى الدّين أَبُو المظفر يُوسُف بن الْحَافِظ جمال الدّين أبي الْفرج عبد الرَّحْمَن ابْن مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الجرزي الْبكْرِيّ الْبَغْدَادِيّ الْحَنْبَلِيّ محتسب بَغْدَاد وَرَسُول الْخلَافَة عَن سِتّ وَسبعين سنة. وَتُوفِّي الصاحب محيى الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن نجم الدّين أبي الْحسن أَحْمد بن هبة الله بن مُحَمَّد بن هبة الله بن أَحْمد بن يحيى بن زيد بن هَارُون بن مُوسَى بن عِيسَى ابْن عبد الله بن مُحَمَّد بن عَامر أبي جَرَادَة الْعقيلِيّ بن العديم الْحَنَفِيّ عَن سِتّ وَسِتِّينَ سنة بحلب. وَتُوفِّي نظام الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الْمجِيد بن الْمولى الْأنْصَارِيّ الْحلَبِي صَاحب الْإِنْشَاء بحلب. وَتُوفِّي نَاظر الْجَيْش بحلب واسْمه عون الدّين أَو المظفر بن الْبَهَاء أبي الْقَاسِم عبد الحميد بن الْحسن بن عبد الله بن الْحسن بن العجمي الْحلَبِي عَن خمسين سنة وَتُوفِّي الصاحب عز الدّين أَبُو حَامِد مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن خَالِد بن مُحَمَّد نصر بن القيسراني الْحلَبِي نَاظر الدَّوَاوِين بِدِمَشْق. وَتُوفِّي الصاحب بهاء الدّين زُهَيْر بن مُحَمَّد بن عَليّ بن يحيى الْأَزْدِيّ الْمَكِّيّ الْكَاتِب الشَّاعِر الماهر صَاحب الْإِنْشَاء بديار مصر عَن خمس وَسبعين سنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 وَتُوفِّي الْأَمِير سيف الدّين عَليّ بن سَابق الدّين عمر بن قزل - الْمَعْرُوف بالمشد عَن أَربع وَخمسين سنة وشعره غَايَة فِي الْجَوْدَة. وَتُوفِّي شَاعِر بَغْدَاد جمال الدّين أَبُو زَكَرِيَّا يحيى بن يُوسُف بن يحيى بن مَنْصُور الصرصري الْحَنْبَلِيّ شَهِيدا عَن ثَمَان وَسِتِّينَ سنة. وَتُوفِّي الأديب شرف الدّين أَبُو الطّيب أَحْمد بن مُحَمَّد بن أبي الْوَفَاء بن الحلاوي الْموصِلِي عَن ثَلَاث وَخمسين سنة بالموصل. وَتُوفِّي الأديب سعد الدّين أَبُو سعد مُحَمَّد بن محيى الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن عَرَبِيّ بِدِمَشْق. وَتُوفِّي الأديب نور الدّين أَبُو بكر مُحَمَّد عبد الْعَزِيز بن عبد الرَّحِيم بن رستم الأسعردي بِدِمَشْق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 وَتُوفِّي الشَّيْخ أَبُو الْحسن عَليّ بن عبد الله بن عبد الْحق بن يُوسُف الشاذلي الزَّاهِد بصحراء عيذاب. وَتُوفِّي أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن أَحْمد بن أبي الْفَتْح خطب مردا التركي الْحَنْبَلِيّ عَن سبعين سنة بمردا من عمل دمشق وَكَانَ قد حدث بِالْقَاهِرَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 سنة سبع وَخمسين وسِتمِائَة فِيهَا نَازل التتار ماردين فَلم ينالوا مِنْهَا شَيْئا فرحلوا عَنْهَا إِلَى ميافارقين وحاصروا أَهلهَا وفيهَا خرج الْملك المغيث من الكرك بعساكره يُرِيد دمشق فَخرج الْملك النَّاصِر من دمشق إِلَى محاربته ولقيه بأريحا وحاربه فَانْهَزَمَ المغيث إِلَى الكرك. وَسَار النَّاصِر إِلَى الْقُدس فَأَقَامَ بعد أَيَّامًا ثمَّ رَحل إِلَى زيراء فخيم على بركتها. وَأقَام هُنَاكَ مُدَّة سِتَّة أشهر وَالرسل تَتَرَدَّد بَينه وَبَين المغيث إِلَى أَن وَقع الِاتِّفَاق بَينهمَا على أَن النَّاصِر يتسلم الطَّائِفَة من المغيث البحرية جَمِيعهم وَأَن المغيث يبعد عَنهُ الشهرزورية صَارَت الشهرزورية من بِلَاد الكرك إِلَى الْأَعْمَال الساحلية. وسير الْأَمِير ركن الدّين بيبرس البندقداري إِلَى الْملك النَّاصِر يلْتَمس مِنْهُ الْأمان فَحلف لَهُ وَحضر ركن الدّين بيبرس إِلَيْهِ على بركَة زيزاء وَمَعَهُ بدر الدّين بيسري وإيتمش المَسْعُودِيّ وطيبرس الوزيري وبلباي الرُّومِي الدوادار وأقوش الرُّومِي ولاحين الدرفيل الدوادار وكشتغدي المشرف وأيدغمش الشيخي وأيبك الشيخي وبلبان المهراني وخاص ترك الْكَبِير وسنجر المَسْعُودِيّ وأياز الناصري وسنجر الهمامي وأيبك العلائي وطمان الشقيري ولاجين الشقيري وسلطان الإلدكزي وبلبان الإقسيسي وَعز الدّين بيبرس. فَأكْرمه الْملك النَّاصِر وأقطعه نصف نابلس وجينين وأعمالها بِمِائَة وَعشْرين فَارِسًا. وَبعث المغيث سَائِر البحرية إِلَى الْملك النَّاصِر فَرَحل عَن زيزاء إِلَى دمشق وَقبض على البحرية واعتقلهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 وفيهَا قدم الْملك الْعَزِيز بن الْملك النَّاصِر من عِنْد هولاكو وعَلى يَده كِتَابه وَنَصه: الَّذِي يعلم بِهِ الْملك النَّاصِر صَاحب حلب أَنا نَحن قد فتحنا بَغْدَاد بِسيف الله تَعَالَى وقتلنا فرسانها وهدمنا بنيانها وأسرنا سكانها كَمَا قَالَ الله تَعَالَى فِي كِتَابه الْعَزِيز: قَالَت إِن الْمُلُوك إِذا دخلُوا قَرْيَة أفسدوها وَجعلُوا أعزة أَهلهَا أَذِلَّة وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ واستحضرنا خليفها وسألناه عَن كَلِمَات فكذب فواقعه النَّدَم واستوجب منا الْعَدَم. وَكَانَ قد جمع ذخائر نفيسة وَكَانَت نَفسه خسيسة فَجمع المَال وَلم يعبأ بِالرِّجَالِ. وَكَانَ قد نمى ذكره وَعظم قدره وَنحن نَعُوذ بِاللَّه من التَّمام والكمال. إِذا تمّ أَمر دنا نَقصه توق زوالا إِذا قيل تمّ إِذا كنت فِي نعْمَة فارعها فَإِن الْمعاصِي تزيل النعم وَكم من فَتى بَات فِي نعْمَة فَلم يدر بِالْمَوْتِ حَتَّى هجم إِذا وقفت على كتابي هَذَا فسارع برجالك وأموالك وفرسانك إِلَى طَاعَة سُلْطَان الأَرْض شاهنشاه رُوِيَ زمين تأمن شَره وتنل خَيره كَمَا قَالَ الله تَعَالَى فِي كِتَابه الْعَزِيز: 7 - (وَأَن لَيْسَ للْإنْسَان إِلَّا مَا سعى وَأَن سَعْيه سَوف يرى ثمَّ يجزاه الْجَزَاء الأوفى) وَلَا تعوق رسلنَا عنْدك كَمَا عوقت رسلنَا من قبل فإمساك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان وَقد بلغنَا أَن تجار الشَّام وَغَيرهم انْهَزمُوا بِأَمْوَالِهِمْ وحريمهم إِلَى كروان سراي فَإِن كَانُوا فِي الْجبَال نسفناها وَإِن كَانُوا فِي الأَرْض خسفناها. أَيْن النجَاة وَلَا مناص لهارب ولى البسيطان الثرى وَالْمَاء ذلت لهيبتنا الْأسود وأصبحت فِي قبضتي الْأُمَرَاء والوزراء فانزعج النَّاصِر وسير حريمه إِلَى الكرك وَخَافَ النَّاس بِدِمَشْق خوفًا كثيرا لعلمهم أَن التتر قد قطعُوا الْفُرَات وَسَار كثير مِنْهُم إِلَى جِهَة مصر وَكَانَ الْوَقْت شتاء فَمَاتَ خلائق بِالطَّرِيقِ وَنهب أَكْثَرهم. وَبعث النَّاصِر عِنْدَمَا بلغه توجه هولاكو نَحْو الشَّام بالصاحب كَمَال الدّين عمر بن العديم إِلَى مصر يستنجد بعسكرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 فَلَمَّا قدم ابْن العديم إِلَى الْقَاهِرَة فِي يَوْم 000 عقد مجْلِس بالقلعة عِنْد الْملك الْمَنْصُور وَحضر قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين حسن السنجاري وَالشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام: وسئلا فِي أَخذ أَمْوَال الْعَامَّة ونفقتها فِي العساكر فَقَالَ ابْن عبد السَّلَام: إِذا لم يبْق فِي بَيت المَال شَيْء أَو أنفقتم الحوائض الذَّهَب وَنَحْوهَا من الزِّينَة وساويتم الْعَامَّة فِي الملابس سوى آلَات الْحَرْب وَلم يبْق للجندي إِلَّا فرسه الَّتِي يركبهَا سَاغَ أَخذ شَيْء من أَمْوَال النَّاس فِي دفع الْأَعْدَاء. إِلَّا أَنه إِذا دهم الْعَدو وَجب على النَّاس كَافَّة دَفعه بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم وانفضوا. فَوجدَ الْأَمِير سيف الدّين قطز سَبِيلا إِلَى القَوْل وَأخذ يُنكر على الْملك الْمَنْصُور وَقَالَ: لابد من سُلْطَان ماهر قاهر يُقَاتل هَذَا الْعَدو وَالْملك الْمَنْصُور صبي صَغِير لَا يعرف تدبر المملكة. وَكَانَت قد كثرت مفاسد الْملك الْمَنْصُور عَليّ بن الْمعز أيبك واستهتر فِي اللّعب وتحكمت أمه فاضطربت الْأُمُور. وطمع الْأَمِير يُوسُف الدّين قطز فِي أَخذ السلطنة لنَفسِهِ وانتظر خُرُوج الْأُمَرَاء للصَّيْد: فَلَمَّا خرج الْأَمِير علم الدّين سنجر الغتمي والأمير سيف الدّين بهادر وَغَيره من المعزية لرمي البندق - وَكَانَ يَوْم السبت رَابِع عشري ذِي الْقعدَة - قبض قطز على الْمَنْصُور وعَلى أَخِيه قاقان وعَلى أمهما واعتقلهم فِي برج بقلعة الْجَبَل. فَكَانَت مُدَّة الْمَنْصُور سنتَيْن وَثَمَانِية أشهر وَثَلَاثَة أَيَّام. الْملك المظفر سيف الدّين قطز جلس على سَرِير بقلعة الْجَبَل يَوْم السبت الرَّابِع وَالْعِشْرين من ذِي الْقعدَة سنة سبع وَخمسين وسِتمِائَة. وَهُوَ ثَالِث مُلُوك التّرْك بِمصْر. وَفِي خامسه: ولي الوزراء زين الدّين يَعْقُوب بن عبد الرفيع بن يزِيد بن الزبير وَصرف تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب ابْن بنت الْأَعَز فَبلغ ذَلِك الْأُمَرَاء فقدموا إِلَى قلعة الْجَبَل وأنكروا مَا كَانَ من قبض قطز على الْملك الْمَنْصُور وتوثبه على الْملك. فخافهم وَاعْتذر إِلَيْهِم بحركة التتار إِلَى جِهَة الشَّام ومصر والتخوف مَعَ هَذَا من الْملك النَّاصِر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 صَاحب دمشق وَقَالَ: وَإِنِّي مَا قصدت إِلَّا أَن نَجْتَمِع على قتال التتر وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِك بِغَيْر ملك. فَإِذا خرجنَا وكسرنا هَذَا الْعَدو فَالْأَمْر لكم أقِيمُوا فِي السلطنة من شِئْتُم فَتَفَرَّقُوا عَنهُ وَأخذ يرضيهم حَتَّى تمكن. فَبعث بالمنصور وأخيه وَأمه إِلَى دمياط واعتقلهم فِي برج عمره وَسَماهُ برج السلسلة ثمَّ سيرهم إِلَى بِلَاد الأشكري وَقبض على الْأَمِير علم الدّين سنجر الغنمي المعظمي والأمير عز الدّين أيدمر النجيبي الصَّغِير والأمير شرف الدّين قيران المعزي والأمير سيف الدّين بهادر والأمير شمس الدّين قراسنقر والأمير عز الدّين أيبك النجمي الصَّغِير والأمير سيف الدّين الدُّود خَال الْملك الْمَنْصُور عَليّ بن الْمعز والطواشي شقبل الدولة كافور لالا الْملك الْمَنْصُور والطواشي حسام الدّين بِلَال المغيثي الجمدار. واعتقلهم وَحلف الْأُمَرَاء والعسكر لنَفسِهِ واستوزر الصاحب زين الدّين يَعْقُوب بن عبد الرفيع بن الزبير فِي خَامِس ذِي الْقعدَة وَاسْتمرّ بالأمير فَارس الدّين أقطاي الصَّغِير الصَّالِحِي الْمَعْرُوف بالمستغرب أتابكا وفوض إِلَيْهِ وَإِلَى الصاحب زين الدّين. تَدْبِير العساكر واستخدام الأجناد وَسَائِر أُمُور الدولة واحتفل باستخدام الْجنُود والاستعداد للْجِهَاد. وَورد الْخَبَر بقدوم نجدة من عِنْد هولاكو إِلَى الْملك النَّاصِر بِدِمَشْق فَكتب إِلَيْهِ الْملك المظفر قطز وَقد خافه كتابا يترقق فِيهِ وَيقسم بالأيمان أَنه لَا ينازعه فِي الْملك وَلَا يقاومه وَأَنه نَائِب عَنهُ بديار مصر وَمَتى حل بهَا أقعده على الْكُرْسِيّ وَقَالَ فِيهِ أَيْضا: وَإِن اخترتني خدمتك وَإِن اخْتَرْت قدمت وَمن معي من الْعَسْكَر نجدة لَك على القادم عَلَيْك فَإِن كنت لَا تأمن حضوري سيرت إِلَيْك العساكر صُحْبَة من تختاره. فَلَمَّا قدم على الْملك النَّاصِر كتاب قطز اطْمَأَن. وفيهَا سَار هولاكو من بَغْدَاد بِنَفسِهِ إِلَى ديار بكر وَنزل على آمد يُرِيد حلب ونازل حران وَنصب عَلَيْهَا المجانيق - وَكَانَت فِي مملكة النَّاصِر يُوسُف - حَتَّى أَخذهَا. وَقطع بعض جَيْشه الْفُرَات وعاثوا فِي الْبِلَاد فأجمع أهل حلب على الرحلة مِنْهَا وَخَرجُوا جافلين. فاحترز نائبها الْمُعظم تورانشاه بن النَّاصِر يُوسُف وَجمع أهل الْأَطْرَاف. وَتقدم التتار حَتَّى دنوا من حلب فَقتلُوا كثيرا من عسكرها الَّذين خَرجُوا إِلَيْهِم ثمَّ رحلوا عَنْهَا عَاجلا. فاضطرب النَّاصِر وعزم على لِقَاء هولاكو وخيم على بَرزَة. وَكتب إِلَى الْملك المغيث صَاحب الكرك وَإِلَى الْملك المظفر قطز يطْلب مِنْهُمَا نجدة. وَمَعَ هَذَا فَكَانَت نفس النَّاصِر قد ضعفت وخارت وَعظم خوف الْأُمَرَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 والعساكر من هولاكو: فَأخذ الْأَمِير زين الدّين الحافظي يعظم شَأْن هولاكو وَيُشِير بألا يُقَاتل وَأَن يُدَارِي بِالدُّخُولِ فِي طَاعَته. فصاح بِهِ الْأَمِير ركن الدّين بيبرس البندقداري وضربه وسبه وَقَالَ: أَنْتُم سَبَب هَلَاك الْمُسلمين وفارقه إِلَى خيمته فَمضى زين الدّين الحافظي إِلَى الْملك النَّاصِر وشكا إِلَيْهِ مَا كَانَ من الْأَمِير بيبرس. فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل هجم طَائِفَة من المماليك على الْملك النَّاصِر ليقتلوه ويملكوا غَيره وَكَانَ فِي بُسْتَان ففر هُوَ وَأَخُوهُ الْملك الظَّاهِر إِلَى قلعة دمشق. فبادر الْأُمَرَاء القيمرية جمال الدّين ابْن يغمور والأكابر إِلَى القلعة وأشاروا على النَّاصِر بِأَن يخرج إِلَى المخيم فَخرج. وعندما خرج ركب بيبرس وَسَار إِلَى عزة وَبهَا الْأَمِير نور الدّين بدلان كَبِير الشهرزورية فَتَلقاهُ وأنزله. وسير بيبرس إِلَى الْملك المظفر قطز عَلَاء الدّين طيبرس الوزيري ليحلفه فَكتب إِلَيْهِ الْملك المظفر أَن يقدم عَلَيْهِ. ووعده الوعود الجميلة. فَفَارَقَ بيبرس الناصرية وَوصل فِي جمَاعَة إِلَى مصر فأنزله الْملك المظفر بدار الوزارة وَأَقْبل عَلَيْهِ وأقطعه قليوب وأعمالها. وَبلغ النَّاصِر أَن هولاكو أَخذ قلعة حران وَسَائِر تِلْكَ النواحي وَأَنه عزم على أَخذ حلب فَاشْتَدَّ جزعه وسير زَوجته وَولده وأمواله إِلَى مصر وَخرج مَعَهم نسَاء الْأُمَرَاء وَجُمْهُور النَّاس. فتفرقت العساكر وَبَقِي النَّاصِر فِي طَائِفَة من الْأُمَرَاء. وَنزل هولاكو على البيرة وَأخذ قلعتها - وَأخذ مِنْهَا الْملك السعيد بن الْعَزِيز عُثْمَان بن الْعَادِل وَله بهَا تسع سِنِين فِي الاعتقال وولاه الصبيبة وبانياس - وَنزل على حلب. ففر أهل دمشق وَغَيرهَا وَبَاعُوا أَمْوَالهم بأبخس ثمن وَسَارُوا وَكَانَ الْوَقْت شتاء فَهَلَك مِنْهُم خلق كثير وسير الْملك المغيث من بَقِي عِنْده من البحرية مقيدين على الْجمال وهم نَحْو الْخمسين: مِنْهُم الْأَمِير سنقر الْأَشْقَر. وَسَار أَرْبَعَة من البحرية إِلَى مصر. وهم قلاوون الألفي وبكتاش الفخري أَمِير سلَاح وبكتاش النجمي والحاج طيبرس الوزيري. وفيهَا كثرت الزلازل بِأَرْض مصر. وَفِي ثَانِي عشر جُمَادَى الْآخِرَة: جبي التصقيع من أَمْلَاك الْقَاهِرَة ومصر. وَفِي شعْبَان: قبض على رجل يعرف بالكوراني. وَضرب ضربا مبرحاً بِسَبَب بدع ظَهرت مِنْهُ وجد إِسْلَامه الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام وَأطلق من الاعتقال فَأَقَامَ بِالْجَبَلِ الْأَحْمَر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 وفيهَا بني هولاكو الرصد بِمَدِينَة مراغة بِإِشَارَة الخواجا نصير الدّين مُحَمَّد الطوسي وَهُوَ دَار للفقهاء والفلاسفة والأطباء بهَا من كتب بَغْدَاد شَيْء كثير وَعَلَيْهَا أوقاف لخدامها. وفيهَا اسْتَقل يَعْقُوب بن عبد الْحق بن محيو بن أبي بكر بن حمامة ملك بني مرين بِملك فاس وَعَامة الْمغرب الْأَقْصَى. وفيهَا سَار عز الدّين كيكاوس وركن الدّين قلج أرسلان ابْنا كيخسرو بن كيقباد من قونية إِلَى هولاكو فأقاما عِنْده مُدَّة ثمَّ عادا إِلَى بلادهما. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان الْملك الرَّحِيم بدر الدّين لُؤْلُؤ الأتابكي صَاحب الْموصل فِي ثَالِث عشر شعْبَان عَن ثَمَانِينَ سنة دبر فِيهَا الْموصل نَحْو خمسين سنة. وَقَامَ من بعده ابْنه الصَّالح إِسْمَاعِيل وَسَار ابْنه عَلَاء الدّين عَليّ مفارقاً لِأَخِيهِ إِسْمَاعِيل إِلَى الشَّام. وَتُوفِّي الشريف منيف بن شيحة الْحُسَيْنِي أَمِير الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة. وَتُوفِّي صدر الدّين أَبُو الْفتُوح أسعد بن المنجا التنوخي الدِّمَشْقِي الْحَنْبَلِيّ نَاظر الْجَامِع الْأمَوِي عَن سِتِّينَ سنة بهَا. وَتُوفِّي نجم الدّين أَبُو الْفَتْح مظفر بن مُحَمَّد بن إلْيَاس بن السيرجي الْأنْصَارِيّ الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي محتسب دمشق ووكيل بَيت المَال بهَا. وَتُوفِّي الأديب بهاء الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مكي بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن الدجاجية الْقرشِي الدِّمَشْقِي بهَا عَن سِتّ وَسِتِّينَ سنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 سنة ثَمَان وَخمسين وسِتمِائَة فِي الْمحرم: نزل هولاكو على مَدِينَة حلب وراسل متوليها الْملك الْمُعظم تورانشاه بن الْملك النَّاصِر يُوسُف على أَن يُسلمهُ الْبَلَد ويرمنه ورعيته فَلم يجبهُ إِلَى طلبه وأبى إِلَّا محاربته. فحصرها التتار سَبْعَة أَيَّام وأخذوها بِالسَّيْفِ وَقتلُوا خلقا كثيرا وأسروا النِّسَاء والذرية ونهبوا الْأَمْوَال مُدَّة خَمْسَة أَيَّام استباحوا فِيهَا دِمَاء الْخلق حَتَّى امْتَلَأت الطرقات من الْقَتْلَى. وَصَارَت عَسَاكِر التتر تمشي على جيف من قتل فَيُقَال إِنَّه أسر مِنْهَا زِيَادَة على مائَة ألف من النِّسَاء وَالصبيان. وامتنعت قلعة حلب فنازلها هولاكو حَتَّى أَخذهَا فِي عَاشر صفر وخربها وَخرب جَمِيع سور الْبَلَد وجوامعها ومساجدها وبساتينها حَتَّى عَادَتْ موحشة. وَخرج إِلَيْهِ الْملك الْمُعظم توران شاه بن السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب فَلم يَعْتَرِضهُ بِسوء لكبر سنه فَمَاتَ بعد أَيَّام. وَوجد هولاكو من البحرية تِسْعَة أنفس فِي حبس الْملك النَّاصِر فَأَطْلَقَهُمْ وَأكْرمهمْ. مِنْهُم سنقر الْأَشْقَر وَسيف الدّين سكز وَسيف الدّين يرامق وَبدر الدّين بكمش المَسْعُودِيّ ولاجين الجمدار الصَّالِحِي وكندغدي الصَّغِير. فَلَمَّا وصل الْخَبَر إِلَى دمشق بِأخذ قلعة حلب اضْطَرَبَتْ بِأَهْلِهَا. وَكَانَ الْملك النَّاصِر قد صادر النَّاس واستخدم لقِتَال التتر فَاجْتمع مَعَه مَا يناهز مائَة ألف مَا بَين عرب وعجم فتمزق حِينَئِذٍ النَّاس وزهدوا فِي أمتعتهم وباعوها بأبخس الْأَثْمَان وَخَرجُوا على وُجُوههم. ورحل الْملك النَّاصِر عَن برزه يَوْم الْجُمُعَة منتصف صفر عَن بَقِي مَعَه يُرِيد غَزَّة وَترك دمشق خَالِيَة وَبهَا عامتها قد أحاطت بالأسوار وَبَلغت أُجْرَة الْجمل سَبْعمِائة دِرْهَم فضَّة وَكَانَ الْوَقْت شتاء. فَلم يثبت النَّاس عِنْد خُرُوج النَّاصِر وَوَقعت فيهم الجفلات حَتَّى كَأَن الْقِيَامَة قَامَت وَكَانَت مُدَّة مملكة النَّاصِر بحلب ودمشق ثَلَاثًا وَعشْرين سنة وَسَبْعَة أشهر مِنْهَا مُدَّة تملكه لدمشق عشر سِنِين تنقص خمسين يَوْمًا. وَلحق الْملك الْأَشْرَف مُوسَى بن الْمَنْصُور صَاحب حمص بهولاكو وَسَار الْملك الْمَنْصُور بن المظفر صَاحب حماة إِلَى مصر بحريمه وَأَوْلَاده وجفل أهل حمص وحماة. وَصَارَ هولاكو إِلَى دمشق بعد أَخذ حلب بِسِتَّة عشر يَوْمًا فَقَامَ الْأَمِير زين الدّين سُلَيْمَان بن الْمُؤَيد بن عَامر العقرباني الْمَعْرُوف بالزين الحافظي وأغلق أَبْوَاب دمشق وَجمع من بَقِي بهَا وَقرر مَعَهم تَسْلِيم الْمَدِينَة إِلَى هولاكو فتسلمها مِنْهُ فَخر الدّين المردفائي وَابْن صَاحب أرزن والشريف عَليّ كَانَ هَؤُلَاءِ قد بعث بهم هولاكو إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 511 الْملك النَّاصِر وَهُوَ على بَرزَة. فَكَتَبُوا بذلك إِلَى هولاكو فسير طَائِفَة من التتر وأوصاهم بِأَهْل دمشق ونهاهم أَن يَأْخُذُوا لأحد درهما فَمَا فَوْقه. فَلَمَّا كَانَ لَيْلَة الِاثْنَيْنِ تَاسِع عشر صفر: وصل رسل هولاكو صُحْبَة القَاضِي محيى الدّين بن الزكي وَكَانَ قد توجه من دمشق إِلَى هولاكو بحلب فَخلع عَلَيْهِ وولاه قَضَاء الشَّام وسيره إِلَى دمشق وَمَعَهُ الْوَالِي. فسكن النَّاس وجمعوا من الْغَد بالجامع فَلبس ابْن الزكي خلعة هولاكو وَجمع الْفُقَهَاء وَغَيرهم وَقَرَأَ عَلَيْهِم تَقْلِيد هولاكو. وقرئت فرمانات هولاكو بِأَمَان أهل دمشق وَفِي سادس عشر ربيع الأول: وصل نواب هولاكو فِي جمع من التتر صُحْبَة كتبغا نوين فقرئ فرمان بالأمان. وَورد فرمان على القَاضِي كَمَال الدّين عمر التفليسي نَائِب الحكم عَن قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين أَحْمد بن سني الدولة بِأَن يكون قَاضِي الْقُضَاة بمدائن الشَّام والموصل وماردين وميافارقين وَفِيه تَفْوِيض نظر الْأَوْقَاف إِلَيْهِ من جَامع وَغَيره فقرئ بالميدان الْأَخْضَر. وَغَارَتْ جمائع التتر على بِلَاد الشَّام حَتَّى وصلت أَطْرَاف بِلَاد غَزَّة وَبَيت جِبْرِيل والخليل وبركة زيزاء والصلت فَقتلُوا وَسبوا وأخفوا مَا قشروا عَلَيْهِ وعادوا إِلَى دمشق فباعوا بهَا الْمَوَاشِي وَغَيرهَا. واستطال النَّصَارَى بِدِمَشْق على الْمُسلمين وأحضروا فرمانا من هولاكو بالاعتناء بأمرهم وَإِقَامَة دينهم: فتظاهروا بِالْخمرِ فِي نَهَار رَمَضَان ورشوه على ثِيَاب الْمُسلمين فِي الطرقات وصبوه على أَبْوَاب الْمَسَاجِد وألزموا أَرْبَاب الحوانيت بِالْقيامِ إِذا مروا بالصليب عَلَيْهِم وأهانوا من امْتنع من الْقيام للصليب وصاروا يَمرونَ بِهِ فِي الشوارع إِلَى كَنِيسَة مَرْيَم ويقفون بِهِ ويخطبون فِي الثَّنَاء على دينهم وَقَالُوا جَهرا: ظهر الدّين الصَّحِيح دين الْمَسِيح. فقلق الْمُسلمُونَ من ذَلِك وَشَكوا أَمرهم لنائب هولاكو وَهُوَ كتبغا فأهانهم وَضرب بَعضهم وَعظم قدر قسوس النَّصَارَى وَنزل إِلَى كنائسهم وَأقَام شعارهم. وَجمع الزين الحافظي من النَّاس أَمْوَالًا جزيلة وَاشْترى بهَا ثيابًا وقدمها لكتبغا نَائِب هولاكو وليبيدرا وَسَائِر الْأُمَرَاء والمقدمين من التتر وواصل حمل الضيافات إِلَيْهِم كل يَوْم ثمَّ خرج كتبغا وبيدرا إِلَى مرج برغوث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 وَوصل الْملك الْأَشْرَف صَاحب حمص من عِنْد هولاكو وَبِيَدِهِ مرسوم أَن يكون نَائِب السلطة بِدِمَشْق وَالشَّام فامتثل ذَلِك كتبغا وَصَارَت الدَّوَاوِين وَغَيرهَا تحضر إِلَى الْأَشْرَف. ثمَّ بعد أَيَّام ثار الْأَمِير بدر الدّين مُحَمَّد بن قرمجاه والى قلعة دمشق هُوَ والأمير جمال الدّين بن الصَّيْرَفِي وأغلقا أَبْوَابهَا. فَحَضَرَ كتبغا بِمن مَعَه من عَسَاكِر التتار وحصروا القلعة فِي لَيْلَة السَّادِس من ربيع الآخر. فَبعث الله مَطَرا وبرداً مَعَ ريح شَدِيدَة ورعود وبروق وزلزلة سقط مِنْهَا عدَّة أَمَاكِن وَبَات النَّاس بَين خوف أرضي وَخَوف عالي فَلم ينالوا من القلعة شَيْئا وَاسْتمرّ الْحصار عَلَيْهَا بالمجانيق - وَكَانَت تزيد على عشْرين منجنيقاً - إِلَى ثَانِي عشري جُمَادَى الأولى. عِنْد ذَلِك اشْتَدَّ الرَّمْي وَخرب من القلعة مَوَاضِع فَطلب من فِيهَا الْأمان ودخلها التتر فنهبوا سَائِر مَا كَانَ فِيهَا وحرقوا مَوَاضِع كَثِيرَة وهدموا من أبراجها عدَّة وأتلفوا سَائِر مَا كَانَ فِيهَا من الْآلَات وَالْعدَد. وَسَارُوا إِلَى بعلبك فخربوا قلعتها وسارت طَائِفَة مِنْهُم إِلَى عزة وخربوا بانياس وأسعروا الْبِلَاد خرباً وملأوها قتلا ونهباً. وَفِي يَوْم السبت ثَانِي عشري شهر ربيع الأول: قدم الْأَمِير ركن الدّين بيبرس البندقداري إِلَى الْقَاهِرَة فَركب الْملك المظفر قطز إِلَى لِقَائِه وأنزله فِي دَار الوزارة بِالْقَاهِرَةِ وأقطعه قَصَبَة قليوب الْخَاصَّة. وفيهَا ملك هولاكو ماردين وَقتل أمراءها وَخرب أسوار قلعتها. وفيهَا وصل الْملك النَّاصِر إِلَى قطيا فخافه قطز وبرز بالعسكر إِلَى الصالحية. فَفَارَقَ النَّاصِر عدَّة من أمرائه وَمن الشهرزورية وَلَحِقُوا بقطز وَأَقَامُوا ببلبيس: مِنْهُم حسام الدّين طرنطاي وَبدر الدّين طيدمر الأخوث وَبدر الدّين أيدمر الدوادار وأيدغدي الحاجي. فَعَاد النَّاصِر من قطيا وَقد تمزق ملكه وتفرق النَّاس عَنهُ فَنزل البلقاء. وَرجع قطز إِلَى قلعة الْجَبَل وَقبض على الْأَمِير جمال الدّين مُوسَى بن يغمور وَأعْتقهُ بقلعة الْجَبَل وصادر كل من وصل إِلَيْهِ من غلْمَان الْملك النَّاصِر وَكتابه وَأخذ أَمْوَالهم وألزم زَوْجَة الْملك النَّاصِر بإحضار مَا عِنْدهَا من الْجَوَاهِر فَأخذ مِنْهَا جوهراً كثيرا وَأخذ من نسَاء الْأُمَرَاء القيمرية أَمْوَالًا جمة وعاقب بَعضهنَّ وَأما الْملك النَّاصِر فَإِن شخصا من غلمانه - يعرف بِحُسَيْن الْكرْدِي الطبرادار - قبض عَلَيْهِ وعَلى وَلَده الْملك الْعَزِيز وعَلى أَخِيه غَازِي وَإِسْمَاعِيل بن شادي وَمن مَعَه وَبعث بهم إِلَى هولاكو. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 وفيهَا رَحل هولاكو عَن حلب يُرِيد الرُّجُوع إِلَى الشرق وَجعل كتبغا نوين نَائِبا عَنهُ بحلب وبيدرا نَائِبا بِدِمَشْق. وَأخذ هولاكو مَعَه من البحرية سَبْعَة مِنْهُم: سنقر الْأَشْقَر وسكز وفيهَا وصلت رسل هولاكو إِلَى مصر بِكِتَاب نَصه: من ملك الْمُلُوك شرقاً وغرباً القان الْأَعْظَم بِاسْمِك اللَّهُمَّ باسط الأَرْض وَرَافِع السَّمَاء يعلم الْملك المظفر قطز الَّذِي هُوَ من جنس المماليك الَّذين هربوا من سُيُوفنَا إِلَى هَذَا الإقليم يتنعمون بإنعامه وَيقْتلُونَ من كَانَ بسلطانه بعد ذَلِك. يعلم الْملك المظفر قطز وَسَار أُمَرَاء دولته وَأهل مَمْلَكَته بالديار المصرية وَمَا حولهَا من الْأَعْمَال أَنا نَحن جند الله فِي أرضه خلقنَا من سخطه وسلطنا على من حل بِهِ غَضَبه. فلكم بِجَمِيعِ الْبِلَاد مُعْتَبر وَعَن عزمنا مزدجر فاتعظوا بغيركم وَأَسْلمُوا إِلَيْنَا أَمركُم قبل أَن ينْكَشف الغطاء فتندموا وَيعود عَلَيْكُم الْخَطَأ. فَنحْن مَا نرحم من بَكَى وَلَا نرق لمن شكى وَقد سَمِعْتُمْ أننا قد فتحنا الْبِلَاد وَطَهِّرْنَا الأَرْض من الْفساد وقتلنا مُعظم الْبِلَاد فَعَلَيْكُم بالهرب وعلينا بِالطَّلَبِ. فَأَي أَرض تأويكم وَأي طَرِيق تنجيكم وَأي بِلَاد تحميكم. فَمَا من سُيُوفنَا خلاص وَلَا من مهابتنا مناص. فخيولنا سوابق وسهامنا خوارق وسيوفنا صواعق وقلوبنا كالجبال وعددنا كالرمال. فالحصون لدينا لَا تمنع والعساكر لقتالنا لَا تَنْفَع ومطركم علينا لَا يسمع فَإِنَّكُم أكلْتُم الْحَرَام وَلَا تعفون عِنْد الْكَلَام وخنتم العهود والأيمان وَفَشَا فِيكُم العقوق والعصيان. فأبشروا بالمذلة والهوان فاليوم تُجْزونَ عَذَاب الْهون بِمَا كُنْتُم تستكبرون فِي الأَرْض بِغَيْر الْحق وَبِمَا كُنْتُم تفسقون وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أَي مُنْقَلب يَنْقَلِبُون فَمن طلب حربنا نَدم وَمن قصد أماننا سلم. فَإِن أَنْتُم لشرطنا ولأمرنا أطعتم فلكم مَا لنا وَعَلَيْكُم مَا علينا وَإِن خالفتم هلكتم فَلَا تهلكوا نفوسكم بِأَيْدِيكُمْ. فقد حذر من أنذر وَقد ثَبت عنْدكُمْ أَن نَحن الْكَفَرَة وَقد ثَبت عندنَا أَنكُمْ الفجرة وَقد سلطنا عَلَيْكُم من لَهُ الْأُمُور الْمقدرَة وَالْأَحْكَام الْمُدبرَة فكثيركم عندنَا قَلِيل وعزيزكم عندنَا ذليل وَبِغير الأهنة لملوككم عندنَا سَبِيل. فَلَا تطلوا الْخطاب وأسرعوا برد الْجَواب قبل أَن تضرم الْحَرْب نارها وترمى نحوكم شِرَارهَا فَلَا تَجِدُونَ منا جاهاً وَلَا عزا وَلَا كَافِيا وَلَا حرْزا. وتدهون منا بأعظم داهية وتصبح بِلَادكُمْ مِنْكُم خَالِيَة. فقد أنصفنا إِذْ راسلناكم وأيقظناكم إِذْ حذرناكم فَمَا بَقِي لنا مقصد سواكم. وَالسَّلَام علينا وَعَلَيْكُم وعَلى من أطَاع الْهدى وخشي عواقب الردى وأطاع الْملك الْأَعْلَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 أَلا قل لمصرها هلاون قد أَتَى بِحَدّ سيوف تنتضى وبواتر يصير أعز الْقَوْم منا أَذِلَّة وَيلْحق أطفالاً لَهُم بالأكابر فَجمع قطز الْأُمَرَاء وَاتَّفَقُوا على قتل الرُّسُل والمسير إِلَى الصالحية: فَقبض على الرُّسُل واعتقلوا وَشرع فِي تَحْلِيف من تخيره من الْأُمَرَاء وَأمر بِالْمَسِيرِ والأمراء غير راضين بِالْخرُوجِ كَرَاهَة فِي لِقَاء التتر. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الِاثْنَيْنِ خَامِس عشر شعْبَان: خرج الْملك المظفر بِجَمِيعِ عَسْكَر مصر وَمن أنضم وَفِيه أحضر قطز رسل التتر وَكَانُوا أَرْبَعَة فوسط وَاحِدًا بسوق الْخَيل تَحت قلعة الْجَبَل ووسط آخر بِظَاهِر بَاب زويلة ووسط الثَّالِث ظَاهر بَاب النَّصْر ورسط الرَّابِع بالريدانية. وعلقت رُءُوسهم على بَاب زويلة وَهَذِه الرُّءُوس أول رُءُوس علقت على بَاب زويلة من التتار. وَأبقى الْملك المظفر على صبي من الرُّسُل وَجعله من جملَة مماليكه. وَنُودِيَ فِي الْقَاهِرَة ومصر وَسَائِر إقليم مصر بِالْخرُوجِ إِلَى الْجِهَاد فِي سَبِيل الله ونصرة لدين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَتقدم الْملك المظفر لسَائِر الْوُلَاة بإزعاج الأجناد فِي الْخُرُوج للسَّفر وَمن وجد مِنْهُم قد اختفى يضْرب بالمقارع. وَسَار حَتَّى نزل بالصالحية وتكامل عِنْده الْعَسْكَر فَطلب الْأُمَرَاء وَتكلم مَعَهم فِي الرحيل فَأَبَوا كلهم عَلَيْهِ وامتنعوا من الرحيل. فَقَالَ لَهُم: يَا أُمَرَاء الْمُسلمين لكم زمَان تَأْكُلُونَ أَمْوَال بَيت المَال وَأَنْتُم للغزاة كَارِهُون وَأَنا مُتَوَجّه فَمن اخْتَار الْجِهَاد يصحبني وَمن لم يخْتَر ذَلِك يرجع إِلَى بَيته. فَإِن الله مطلع عَلَيْهِ وخطيئة حَرِيم الْمُسلمين فِي رِقَاب الْمُتَأَخِّرين. فَتكلم الْأُمَرَاء الَّذين تخيرهم وحلفهم فِي مُوَافَقَته على الْمسير فَلم يسع الْبَقِيَّة إِلَّا الْمُوَافقَة وانفض الْجمع. فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْل ركب السُّلْطَان وحرك كوساته وَقَالَ: أَنا ألْقى التتار بنفسي فَلَمَّا رأى الْأُمَرَاء مسير السُّلْطَان سَارُوا على كره. وَأمر الْملك قطز الْأَمِير ركن الدّين بيبرس البندقداري أَن يتَقَدَّم فِي عَسْكَر ليعرف أَخْبَار التتر فَسَار بيبرس إِلَى غَزَّة وَبهَا جموع التتر فرحلوا عِنْد نُزُوله وَملك هُوَ غَزَّة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 515 ثمَّ نزل السُّلْطَان بالعساكر إِلَى غَزَّة وَأقَام بهَا يَوْمًا ثمَّ رَحل من طَرِيق السَّاحِل على مَدِينَة عكا وَبهَا يَوْمئِذٍ الفرنج فَخَرجُوا إِلَيْهِ بتقادم وَأَرَادُوا أَن يَسِيرُوا مَعَه نجدة فشكرهم وأخلع عَلَيْهِم واستحلفهم أَن يَكُونُوا لَا لَهُ وَلَا عَلَيْهِ وَأقسم لَهُم أَنه مَتى تبعه مِنْهُم فَارس أَو راجل يُرِيد أَذَى عَسْكَر الْمُسلمين رَجَعَ وَقَاتلهمْ قبل أَن يلقى التتر. وَأمر الْملك المظفر بالأمراء فَجمعُوا وحضهم على قتال التتر وَذكرهمْ بِمَا وَقع بِأَهْل الأقاليم من الْقَتْل والسبي وَالْحَرِير وخوفهم وُقُوع مثل ذَلِك وحثهم على استنقاذ الشَّام من التتر ونصرة الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين وحذرهم عُقُوبَة الله. فضجوا بالبكاء وتحالفوا على الِاجْتِهَاد فِي قتال التتر ودفعهم عَن الْبِلَاد. فَأمر السُّلْطَان حِينَئِذٍ أَن يسير الْأَمِير ركن الدّين بيبرس البندقداري بِقِطْعَة من الْعَسْكَر فَسَار حَتَّى لَقِي طَلِيعَة التتر. فَكتب إِلَى السُّلْطَان يُعلمهُ بذلك. وَأخذ فِي مناوشتهم فَتَارَة يقدم وَتارَة يحجم إِلَى أَن وافاه السُّلْطَان على عين جالوت وَكَانَ كتبغا وبيدرا نَائِبا هولاكو لما بلغهما مسير العساكر المصرية جمعا من تفرق من التتر فِي بِلَاد الشَّام وسارا يُريدَان محاربة الْمُسلمين فالتقت طَلِيعَة عَسْكَر الْمُسلمين بطليعة التتر وكسرتها. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشري شهر رَمَضَان: التقى الْجَمْعَانِ وَفِي قُلُوب الْمُسلمين وهم عَظِيم من التتر وَذَلِكَ بعد طُلُوع الشَّمْس. وَقد امْتَلَأَ الْوَادي وَكثر صياح أهل الْقرى من الفلاحين وتتابع ضرب كوسات السُّلْطَان والأمراء فتحيز التتر إِلَى الْجَبَل فعندما اصطدم العسكران اضْطربَ جنَاح عَسْكَر السُّلْطَان وانتفض طرف مِنْهُ فَألْقى الْملك المظفر عِنْد ذَلِك خوذته على رَأسه إِلَى الأَرْض وصرخ بِأَعْلَى صَوته: وَا إسلاماه وَحمل بِنَفسِهِ وبمن مَعَه حَملَة صَادِقَة فأيده الله بنصره وَقتل كتبغا مقدم التتر وَقتل بعده الْملك السعيد حسن بن الْعَزِيز وَكَانَ مَعَ التتر. وَانْهَزَمَ باقيهم ومنح الله ظُهُورهمْ الْمُسلمين يقتلُون وَيَأْسِرُونَ وأبلى الْأَمِير بيبرس أَيْضا بلَاء حسنا بَين يَدي السُّلْطَان. وَمِمَّا اتّفق فِي هَذِه الْوَقْعَة أَن الصَّبِي الَّذِي أبقاه السُّلْطَان من رسل التتر وأضافه إِلَى مماليكه كَانَ رَاكِبًا وَرَاءه حَال اللِّقَاء. فَلَمَّا التحم الْقِتَال فَوق سَهْمه نَحْو السُّلْطَان فَبَصر بِهِ بعض من كَانَ حوله فَأمْسك وَقتل مَكَانَهُ. وَقيل بل رمى الصَّبِي السُّلْطَان بسهمه فَلم يُخطئ فرسه وصرعه إِلَى الأَرْض وَصَارَ السُّلْطَان على قَدَمَيْهِ فَنزل إِلَيْهِ فَخر الدّين ماما وأركبه فرسه حَتَّى حضرت الجنائب فَركب فَخر الدّين مِنْهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 516 وَمر الْعَسْكَر فِي أثر التتر إِلَى قرب بيسان فَرجع التتر وصافوا مصافاً ثَانِيًا أعظم من الأول فَهَزَمَهُمْ الله وَقتل أكابرهم وعدة مِنْهُم. وَكَانَ قد تزلزل الْمُسلمُونَ زلزالاً شَدِيدا فَصَرَخَ السُّلْطَان صرخة عَظِيمَة سَمعه مُعظم الْعَسْكَر وَهُوَ يَقُول: وَا إسلاماه ثَلَاث مَرَّات يَا لله انصر عَبدك قطز على التتار. فَلَمَّا انْكَسَرَ التتار الكسرة الثَّانِيَة نزل السُّلْطَان عَن فرسه ومرغ وَجهه على الأَرْض وَقبلهَا وَصلى رَكْعَتَيْنِ شكرا لله تَعَالَى ثمَّ ركب فَأقبل الْعَسْكَر وَقد امْتَلَأت أَيْديهم بالمغانم. فورد الْخَبَر بانهزام التتر إِلَى دمشق لَيْلَة الْأَحَد سَابِع عشريه وحملت رَأس كتبغا مقدم التتار إِلَى الْقَاهِرَة ففر الزين الحافظي ونواب التتار من دمشق وتبعهم أَصْحَابهم فامتدت أَيدي أهل الضّيَاع إِلَيْهِم ونهبوهم فَكَانَت مُدَّة اسْتِيلَاء التتر على دمشق سَبْعَة أشهر وَعشرَة أَيَّام. وَفِي يَوْم الْأَحَد الْمَذْكُور: نزل السُّلْطَان على طبرية وَكتب إِلَى دمشق يبشر النَّاس بِفَتْح الله لَهُ وخذلانه التتر وَهُوَ أول كتاب ورد مِنْهُ إِلَى دمشق فَلَمَّا ورد الْكتاب سر النَّاس بِهِ سُرُورًا كثيرا وَبَادرُوا إِلَى دور النَّصَارَى فنهبوها وأخربوا مَا قدرُوا على تخريبه وهدموا كَنِيسَة اليعاقبة وكنيسة مَرْيَم وأحرقوها حَتَّى بَقِيَتَا كوماً وَقتلُوا عدَّة من النَّصَارَى واستتر باقيهم. وَذَلِكَ أَنهم فِي مُدَّة اسْتِيلَاء التتر هموا مرَارًا بالثورة على الْمُسلمين وخربوا مَسَاجِد ومآذن كَانَت بجوار كنائسهم وأعلنوا بِضَرْب الناقوس وركبوا بالصليب وَشَرِبُوا الْخمر فِي الطرقات ورشوه وَفِي ثامن عشريه: نهب الْمُسلمُونَ الْيَهُود بِدِمَشْق حَتَّى لم يتْركُوا لَهُم شَيْئا وأصبحت حوانيتهم بالأسواق دكاً فَقَامَ طَائِفَة من الأجناد حَتَّى كفوا النَّاس عَن حريق كنائسهم وَبُيُوتهمْ. وَفِيه ثار أهل دمشق بِجَمَاعَة من الْمُسلمين كَانُوا من أعوان التتار وقتلوهم وخربوا الدّور الْمُجَاورَة للكنائس وَقتلُوا جمَاعَة من الْمغل فَكَانَ أمرا مهولاً. وَفِي تَاسِع عشرينه: وصل بكرَة النَّهَار الْأَمِير جمال الدّين المحمدي الصَّالِحِي بمرسوم الْملك المظفر قطز منزل بدار السَّعَادَة وَأمن النَّاس ووطنهم. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء آخر شهر رَمَضَان: وصل الْملك المظفر إِلَى ظَاهر دمشق فخيم هُنَاكَ وَأقَام إِلَى ثَانِي شَوَّال فَدخل إِلَى دمشق وَنزل بالقلعة وجرد الْأَمِير ركن الدّين بيبرس إِلَى حمص فَقتل من التتر وَأسر كثيرا وَعَاد إِلَى دمشق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 517 وَاسْتولى الْملك المظفر على سَائِر بِلَاد الشَّام كلهَا من الْفُرَات إِلَى حد مصر وأقطع الْأُمَرَاء الصالحية والمعزية وَأَصْحَابه بقطاعات الشَّام واستناب الْأَمِير علم الدّين سنجر الْحلَبِي فِي دمشق وَمَعَهُ الْأَمِير مجير الدّين أَبُو الهيجاء بن عِيسَى بن خشتر الأزكشي الْكرْدِي. وَبعث إِلَيْهِ الْملك الْأَشْرَف مُوسَى - صَاحب حمص ونائب هولاكو بِبِلَاد الشَّام - يطْلب الْأمان فَأَمنهُ. وَبعث السُّلْطَان أَيْضا بِالْملكِ المظفر عَلَاء الدّين عَليّ بن بدر الدّين لُؤْلُؤ صَاحب سنجار إِلَى حلب نَائِبا بهَا وأقطع أَعمالهَا بمناشره. وَأقر الْملك الْمَنْصُور على حماة وبارين وَأعَاد عَلَيْهِ المعرة - وَكَانَت بيد الحلبيين من سنة خمس وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَأخذ سليمَة مِنْهُ وَأَعْطَاهَا الْأَمِير شرف الدّين عِيسَى بن مهنا بن مَانع أَمِير الْعَرَب. ورتب الْأَمِير شمس الدّين أقوش البرلي العزيزي أَمِيرا بالسَّاحل وغزة وَمَعَهُ عدَّة من العزيزية - وَكَانَ قد فَارق النَّاصِر يُوسُف وَسَار إِلَى الْقَاهِرَة فَأكْرمه السُّلْطَان وَخرج مَعَه فَشهد وقْعَة عين جالوت وَأمر بشنق حُسَيْن الْكرْدِي الطبرادار فشنق من أجل أَنه دلّ على الْملك النَّاصِر. وثار عدَّة من الأوشاقية مماليك السُّلْطَان بالنصارى ونهبوا دُورهمْ وَكَانَ مَعَهم عدَّة من عوام دمشق فشنق مِنْهُم نَحْو الثَّلَاثِينَ نفسا. وَأمر السُّلْطَان أَن يُقرر على نَصَارَى دمشق مائَة وَسِتُّونَ ألف دِرْهَم فجمعوها وحملت إِلَى السُّلْطَان بسفارة الْأَمِير فَارس الدّين أقطاي المستعرب أتابك الْعَسْكَر. وَأما التتر فَإِنَّهُم لما لحقهم الطّلب إِلَى أَرض حمص ألقوا مَا كَانَ مَعَهم من مَتَاع وَغَيره وأطلقوا الأسرى وعرجوا نَحْو طَرِيق السَّاحِل. فتخطف الْمُسلمُونَ مِنْهُم وَقتلُوا خلقا كثيرا وأسروا أَكثر. فَلَمَّا بلغ هولاكو كسرة عسكره وَقتل نَائِبه كتبغا عظم عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لم يكسر لَهُ عَسْكَر قبل ذَلِك ورحل من يَوْمه. وَكَانَ هولاكو لما قدم عَلَيْهِ الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين يُوسُف بن الْملك الْعَزِيز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 صَاحب الشَّام أكْرمه وأجرى لَهُ راتباً واختص بِهِ وَأَجْلسهُ على كرْسِي قَرِيبا مِنْهُ وَشرب مَعَه ثمَّ كتب لَهُ فرماناً وقلده مملكتي الشَّام ومصر وأخلع عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ خيولاً كَثِيرَة وأموالاً وسيره إِلَى جِهَة الشَّام. فَأمر هولاكو لما ورد عَلَيْهِ خبر الكسرة برده فأحضر وَقتل بجبال سلماس فِي ثامن عشر شَوَّال وَقتل مَعَه أَخُوهُ الْملك الظَّاهِر غَازِي وَالْملك الصَّالح ابْن شركوه وعدة من أَوْلَاد الْمُلُوك وشفعت طقز خاتون زَوْجَة هولاكو فِي الْملك الْعَزِيز بن النَّاصِر فَلم يسلم من الْقَتْل غَيره وَرجع هولاكو إِلَى بِلَاده. وتراجع النَّاس إِلَى دمشق وسارت الأسعار بهَا غَالِيَة جدا لقلَّة الأقوات. وعدمت الْفُلُوس فِيهَا وتضرر النَّاس فِي الْمُعَامَلَة بِسَبَب الدَّرَاهِم وَعز كل مَا كَانَ قد هان. فَلَمَّا رتب السُّلْطَان أَحْوَال النواب والولاة والشادين بِبِلَاد الشَّام خرج من دمشق يَوْم الثُّلَاثَاء سادس عشري شَوَّال يُرِيد مصر بَعْدَمَا كَانَ قد عزم على الْمسير إِلَى حلب فثناه عَن ذَلِك مَا بلغه من تنكر الْأَمِير بيبرس وَغَيره عَلَيْهِ فَإِنَّهُ قد عزم على الْقيام بمحاربته: وَسبب ذَلِك أَن الْأَمِير بيبرس سَأَلَ السُّلْطَان أَن يوليه نِيَابَة حلب فَلم يرض فتنكر عَلَيْهِ ليقضي الله أمرا كَانَ مَفْعُولا. فخافه السُّلْطَان وأضمر لَهُ السوء وَسَار إِلَى جِهَة مصر. وَبلغ بيبرس فاحترس كل مِنْهُمَا من الآخر وَعمل فِي الْقَبْض عَلَيْهِ. وَحدث بيبرس جمَاعَة من الْأُمَرَاء فِي قتل السُّلْطَان: مِنْهُم الْأَمِير سيف الدّين بلبان الرَّشِيدِيّ والأمير سيف الدّين بهادر المعزي والأمير بدر الدّين بكتوت الجوكندار المعزي والأمير بيدغان الركني والأمير بلبان الهاروني والأمير بدر الدّين أنس الْأَصْبَهَانِيّ. فَلم يزل السُّلْطَان سائراً إِلَى أَن خرج من الغرابي وقارب الصالحية وانحرف فِي مسيره عَن الدَّرْب للصَّيْد وَمَعَهُ الْأُمَرَاء. فَلَمَّا فرغ من صيحه وَعَاد يُرِيد الدهليز السلطاني طلب مِنْهُ الْأَمِير بيبرس امْرَأَة من سبي التتر فأنعم بهَا عَلَيْهِ. فَأخذ بيبرس يَد السُّلْطَان ليقبلها وَكَانَت إِشَارَة بَينه وَبَين الْأُمَرَاء: فبدره الْأَمِير بدر الدّين بكتوت بِالسَّيْفِ وَضرب بِهِ عانقه واختطفه الْأَمِير أنس وألقاه عَن فرسه ورماه الْأَمِير بهادر المعزي بِسَهْم أَتَى على روحه وَذَلِكَ يَوْم السبت خَامِس عشر ذِي الْقعدَة وَدفن بالقصير فَكَانَت مُدَّة ملكه أحد عشر شهرا وَسَبْعَة عشر يَوْمًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 وَحمل قطز بعد ذَلِك إِلَى الْقَاهِرَة فَدفن بِالْقربِ من زَاوِيَة الشَّيْخ تَقِيّ الدّين قبل أَن تعمر ثمَّ نَقله الْحَاج قطز الظَّاهِرِيّ إِلَى القرافة وَدفن قَرِيبا من زَاوِيَة ابْن عبود. وَيُقَال إِن اسْمه مَحْمُود بن مَمْدُود وَإِن أمه أُخْت السُّلْطَان جلال الدّين خوارزم شاه وَإِن أَبَاهُ ابْن عَم السُّلْطَان جلال الْملك الظَّاهِر ركن الدّين بيبرس البندقداوي كَانَ بيبرس تركي الْجِنْس فَاشْتَرَاهُ الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب وترقى فِي خدمته واستفاد من أخلاقه. فَلَمَّا مَاتَ الْملك الصَّالح قَامَ بيبرس فِي خدمَة ابْنه الْملك الْمُعظم تورانشاه إِلَى أَن قتل فَلم يزل يترقى إِلَى أَن قتل الْفَارِس أقطاي فَخرج من الْقَاهِرَة وتنقل فِي بِلَاد الشَّام. ثمَّ عَاد إِلَى مصر وَخرج مَعَ الْملك المظفر قطز إِلَى قتال التتر. فَلَمَّا قتل قطز سَار الْأُمَرَاء الَّذين قَتَلُوهُ إِلَى الدهليز السلطاني بالصالحية وَاتَّفَقُوا على سلطنة الْأَمِير بيبرس. فَقَامَ الْأَمِير أقطاي المستعرب الأتابك - وَكَانَ بالدهليز - وَقَالَ لِلْأُمَرَاءِ عِنْد حضورهم: من قَتله مِنْكُم. فَقَالَ الْأَمِير بيبرس: أَنا قتلته. فَقَالَ الْأَمِير أقطاي: يَا خوندا اجْلِسْ فِي مرتبَة السلطنة مَكَانَهُ. فَجَلَسَ بيبرس وَبَايَعَهُ أقطاي وَحلف لَهُ ثمَّ تلاه الْأَمِير بلبان الرَّشِيدِيّ والأمير بدر الدّين بيسري والأمير سيف الدّين قلاوون والأمير بيليك الخازندار ثمَّ بَقِيَّة الْأُمَرَاء على طبقاتهم. وتلقب بيبرس بِالْملكِ القاهر وَذَلِكَ فِي يَوْم السبت سَابِع عشر ذِي الْقعدَة الْمَذْكُور. فَقَالَ لَهُ الْأَمِير أقطاي الأتابك: لَا تتمّ السلطنة إِلَّا بدخولك إِلَى قلعة الْجَبَل. فَركب بيبرس لوقته وَمَعَهُ الْأَمِير أقطاي والأمير قلاوون والأمير بيسري والأمير بلبان والأمير بيليك ومماليكه. وَتوجه إِلَى قلعة الْجَبَل فَلَقِيَهُ الْأَمِير عز الدّين أيدمر الْحلِيّ نَائِب السلطنة بديار مصر وَكَانَ قد خرج إِلَى لِقَاء الْملك المظفر قطز. فَأعلمهُ بيبرس بِمَا جرى فَحلف لَهُ الْحلِيّ وتقدمه إِلَى القلعة ووعد من فِيهَا من الْأُمَرَاء بمواعيد جَيِّدَة عَن بيبرس فَلم يُخَالف مِنْهُم أحد. وَجلسَ الْأَمِير عز الدّين أيدمر الْحلِيّ على بَاب القلعة حَتَّى قدم بيبرس والأمراء فِي اللَّيْل فتسلم القلعة لَيْلَة الِاثْنَيْنِ تَاسِع عشر ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وسين وسِتمِائَة وَحضر إِلَيْهِ الصاحب الْوَزير زين الدّين يَعْقُوب بن الزبير وَأَشَارَ عَلَيْهِ أَن يجر اللقب بِالْملكِ القاهر فَإِنَّهُ مَا تلقب بِهِ أحد فأفلح فاستقر لقبه الْملك الظَّاهِر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 520 وَكَانَت الْقَاهِرَة قد زينت لقدوم الْملك المظفر قطز وَالنَّاس فِي فَرح ومسرات بقتل التتر. فَلَمَّا طلع النَّهَار نَادَى الْمُنَادِي فِي النَّاس: ترحموا على الْملك المظفر وَادعوا لسلطانكم الْملك القاهر ركن الدّين بيبرس. ثمَّ فِي آخر النَّهَار أَمر بِالدُّعَاءِ للْملك الظَّاهِر. فغم النَّاس ذَلِك وخافوا من عودة دولة الممالك البحرية وَسُوء مملكتهم وجورهم. وَكَانَ قطز قد أحدث فِي هَذِه السّنة حوادث كَثِيرَة عِنْد حركته لقِتَال التتر: مِنْهَا تصقيع الْأَمْلَاك وتقويمها وَأخذ زَكَاتهَا من أَرْبَابهَا وَأخذ من كل وَاحِد من النَّاس من جَمِيع أهل إقليم مصر دِينَارا وَأخذ من التّرْك الْأَهْلِيَّة ثلثهَا. فَأبْطل الْملك الظَّاهِر جَمِيع مَا أحدثه قطز وَكتب بِهِ توقيعاً وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ: صَبِيحَة قدوم السُّلْطَان جلس الْملك الظَّاهِر بيبرس بالإيوان من القلعة وَحلف العساكر واستناب الْأَمِير بدر الدّين بيليك الخازندار وَاسْتقر الْأَمِير فَارس الدّين أقطاي المستعرب أتابكاً على عَادَته والأمير جمال الدّين أقوش النجيبي الصَّالِحِي أستاداراً والأمير عز الدّين الأقرم الصَّالِحِي أَمِير جاندار والأمير صِيَام الدّين لاجين الدرفيل والأمير سيف الدّين بلبان الرُّومِي دوادارية والأمير بهاء الدّين أَمِير أخور على عَادَته. ورتب فِي الوزارة الصاحب زين الدّين يَعْقُوب ابْن الزبير والأمير ركن الدّين إياجي والأمير سيف الدّين بكجري حاجبين. وَكتب لإحضار البحرية البطالين من البلادة وَكتب إِلَى الْمُلُوك والنواب يُخْبِرهُمْ بسلطنته فَأَجَابُوا كلهم بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة خلا الْأَمِير سنجر الْحلَبِي نَائِب دمشق فَإِنَّهُ لما اسْتَقر فِي نِيَابَة دمشق كَانَ قد عمر سورها وحصنها فورد عَلَيْهِ الْخَبَر بقتل قطز وسلطنة بيبرس فِي أَوَائِل ذِي الْحجَّة فامتعض لذَلِك وأنف من طَاعَة بيبرس. ودعا لنَفسِهِ وَحلف الْأُمَرَاء وتلقب بِالْملكِ الْمُجَاهِد وخطب لَهُ يَوْم الْجُمُعَة سادس ذِي الْحجَّة فَدَعَا الْخَطِيب للْملك الظَّاهِر أَولا ثمَّ للْملك الْمُجَاهِد ثَانِيًا وَضربت السِّكَّة باسمهما. ثمَّ ارْتَفع الْمُجَاهِد عَن هَذَا وَركب بشعار السلطنة والغاشية بَين يَدَيْهِ وَشرع فِي عمَارَة قلعة دمشق وَجمع لَهَا الصناع وكبراء الدولة وَالنَّاس وَعمِلُوا فِيهَا حَتَّى عملت النِّسَاء أَيْضا وَكَانَ عِنْد النَّاس بذلك سرُور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 كَبِير. فَقدم رَسُول الْملك الظَّاهِر بيبرس بكتابه بعد يَوْمَيْنِ فَوجدَ الْأَمِير سنجر قد تسلطن فَعَاد إِلَى مصر. فَكتب الْملك الظَّاهِر إِلَيْهِ يعنفه ويقبح فعله فغالطه فِي الْجَواب. فولي دمشق فِي هَذِه السّنة - من أَولهَا إِلَى نصف صفر - الْملك النَّاصِر ثمَّ ملكهَا هولاكو إِلَى أَن سَار إِلَى الشرق فاستناب بهَا كتبغا وبيدرا فَحكم فِيهَا التتر إِلَى خَامِس عشري رَمَضَان ثمَّ صَارَت فِي مملكة قطز إِلَى أَن قتل فِي خَامِس عشري ذِي الْقعدَة فملكها الْملك الْمُجَاهِد علم الدّين سنجر الْحلَبِي بَقِيَّة السّنة. وَكَانَ الْقَضَاء بهَا أَولا بيد القَاضِي صدر الدّين أَحْمد بن يحيى بن هبة الله بن سني الدولة ثمَّ ولي التتر القَاضِي كَمَال الدّين عمر بن بنْدَار التفليسي ثمَّ بعده القَاضِي محيى الدّين بن التركي ثمَّ القَاضِي صدر الدّين أَبُو الْقَاسِم. ثمَّ ولي القَاضِي صدر الدّين بعلبك فاستقل ابْن التركي بِالْقضَاءِ بِدِمَشْق إِلَى أَن صرفه قطز بِنَجْم الدّين أبي بكر مُحَمَّد بن صدر الدّين أَحْمد بن سني الدولة. وفيهَا ثار بحلب العزيزية والناصرية على الْملك السعيد عَلَاء الدّين بن بدر الدّين صَاحب الْموصل وقبضوا عَلَيْهِ ونهبوا وطاقه وَقدمُوا عَلَيْهِم الْأَمِير حسام الدّين لاجين العزيزي الجوكندار. وَكَانَ الْأَمِير حسام الدّين الْمَذْكُور قد أَخذ إِذْنا من الْملك المظفر قطز - رَحمَه الله تَعَالَى - وَتوجه لاستخلاص مَا بَقِي لَهُ من الإقطاع والودائع الَّتِي كَانَت لَهُ من أَيَّام الْملك النَّاصِر. فَلَمَّا أنْفق مَا اتّفق وَهُوَ بحلب أجمع الحلبيون على تَقْدِيمه فَكتب إِلَيْهِ الْملك الْمُجَاهِد علم الدّين سنجر الْحلَبِي بِأَن يخْطب لَهُ فِي حلب وَأَن يكون نَائِبا لَهُ وَأَن يزِيدهُ على إقطاعه زيادات كَثِيرَة. فَامْتنعَ لاجين من إِجَابَة الْملك الْمُجَاهِد سنجر وَقَالَ: أَنا نَائِب ملك مصر وَأقَام على طَاعَة الظَّاهِر بيبرس فَبعث إِلَيْهِ الظَّاهِر بالتقليد بنيابة حلب. وفيهَا ثار جمَاعَة من السودَان والركبدارية والغلمان وشنقوا بِالْقَاهِرَةِ وهم ينادون يآل عَليّ وفتحوا دكاكين السيوفيين بَين القصرين وَأخذُوا مَا فِيهَا من السِّلَاح واقتحموا اصطبلات الأجناد وَأخذُوا مِنْهَا الْخُيُول وَكَانَ الْحَامِل لَهُم على هَذَا رجل يعرف بالكوراني أظهر الزّهْد بِيَدِهِ سبْحَة وَسكن قبَّة بِالْجَبَلِ وَتردد إِلَيْهِ الغلمان فَحَدثهُمْ فِي الْقيام على أهل الدولة وأقطعهم الإقطاعات وَكتب لَهُم بهَا رِقَاعًا. فَلَمَّا ثَارُوا فِي اللَّيْل ركب الْعَسْكَر وَأَحَاطُوا بهم وربطوهم فَأَصْبحُوا مصلبين خَارج بَاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 522 زويلة وسكنت الثائرة. وَخرجت السّنة وَلم يركب الْملك الظَّاهِر بيبرس بشعار السلطنة على الْعَادة. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان الْملك الْمُعظم تورانشاه بن النَّاصِر يُوسُف بن الْعَزِيز شادي بن الظَّاهِر غَازِي بن صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب كَبِير الْبَيْت الأيوبي ونائب حلب عَن ثَمَانِينَ سنة. وَمَات الْملك الْكَامِل مُحَمَّد بن المظفر غَازِي بن الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب بن شادي صَاحب ميافارقين وَكَانَ عَالما عادلاً محسناً قَتله التتار وحملوا رَأسه إِلَى دمشق. وَتُوفِّي الْملك السعيد حسن بن الْعَزِيز عُثْمَان بن الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب بن شادي صَاحب قلعة الصبيبة وبانياس بعد مَا أخذتا مِنْهُ وَسَار إِلَى البيرة فَأَعَادَهُ التتار إِلَى ولايتهما وَحضر مَعَهم عين جالوت فَأسر وَضرب عُنُقه. وَمَات الْملك السعيد إيلغازي بن الْمَنْصُور أرتق بن إبلغازي بن ألبي بن تمرقاش بن إيلغازي بن أرتق صَاحب ماردين بهَا وَقَامَ من بعده ابْنه المظفر قرا أرسلان. وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة بِدِمَشْق صدر الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن أبي البركات يحيى بن هبة الله بن الْحسن بن يحيى بن سني الدولة التغلبي الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي ببعلبك عَن ثَمَان وَسِتِّينَ سنة. وَتُوفِّي شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي الْحُسَيْن أَحْمد بن عبد الله ابْن عِيسَى اليونيني الْحَنْبَلِيّ عَن سِتّ وَثَمَانِينَ سنة ببعلبك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 523 وَتُوفِّي الصاحب مؤيد الدّين أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن يُوسُف بن إِبْرَاهِيم القفطي الشَّيْبَانِيّ وَزِير حلب بهَا عَن أَربع وَسِتِّينَ سنة. وَتُوفِّي الأديب مخلص الدّين أَبُو عبد الله الْمُبَارك يحيى بن الْمُبَارك بن فُضَيْل الغساني الْحِمصِي بهَا فِي الجفلة. وَتُوفِّي الأديب جلال الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن يُوسُف بن مُحَمَّد بن عبد الله الصفار المارديني الشَّاعِر بهَا قَتِيلا عَن ثَلَاث وَثَمَانِينَ سنة. وَتُوفِّي الشَّيْخ أَبُو بكر بن قوام بن عَليّ بن قوام البالسي الصَّالِحِي الزَّاهِد بِبِلَاد حلب عَن أَربع وَسبعين سنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 (سنة تسع وَخمسين وسِتمِائَة) فِيهَا عظم الفأر فِي أَرض حوران أَيَّام البيادر حَتَّى أكل مُعظم الغلال فَيُقَال إِنَّه أكل ثَلَاثمِائَة ألف غرارة قَمح. وفيهَا اجْتمع من التتار سِتَّة آلَاف فَارس وَقَامُوا بحمص. فبرز إِلَيْهِم الْملك الْأَشْرَف مُوسَى شيركوه صَاحب حمص وَالْملك الْمَنْصُور صَاحب حماة وَاجْتمعَ إِلَيْهِمَا قدر ألف وَأَرْبَعمِائَة فَارس. وَقدم زامل بن عَليّ أَمِير الْعَرَب فِي عدَّة من العربان وواقعوا التتر يَوْم الْجُمُعَة خَامِس الْمحرم على الرستن فأفنوهم قتلا وأسراً ووردت الْبشَارَة إِلَى مصر بذلك. وَكَانَت التتار فِي سِتَّة آلَاف والمسلمون ألف وَأَرْبَعمِائَة وحملت رُءُوس الْقَتْلَى إِلَى دمشق وفيهَا اشْتَدَّ الغلاء بِدِمَشْق. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع صفر: ركب الْملك الظَّاهِر بيبرس من قلعة الْجَبَل بشعار السلطنة إِلَى خَارج الْقَاهِرَة وَدخل من بَاب النَّصْر فترجل الْأُمَرَاء وَمَشوا بَين يَدَيْهِ إِلَى بَاب زويلة ثمَّ ركبُوا إِلَى القلعة وَقد زينت الْقَاهِرَة وَنَثَرت الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم على السُّلْطَان وخلع على الْأُمَرَاء والمقدمن وَسَائِر أَرْبَاب الدولة وَكَانَ هَذَا أول ركُوبه وَمن حِينَئِذٍ تَابع الرّكُوب إِلَى اللّعب بالأكرة. وَكتب وفيهَا بعث السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر بيبرس الْأَمِير جمال الدّين المحمدي إِلَى دمشق وَمَعَهُ مائَة ألف دِرْهَم وحوائص وخلع بألفي دِينَار عينا ليستميل النَّاس على الْمُجَاهِد سنجر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 فَقدم دمشق ثَالِث صفر وَعمل مَا أَمر بِهِ فَأَجَابَهُ الْأُمَرَاء القيمرية وَخَرجُوا عَن دمشق: وَمَعَهُمْ الْأَمِير عَلَاء الدّين إيدكين البندقدار الصَّالِحِي والأمير بهاء الدّين بغدي الأشرفي والأمير قراسنقر الوزيري وعدة من الْأُمَرَاء. وَنَادَوْا باسم الْملك الظَّاهِر بيبرس فارتجت دمشق. وَبعث الْمُجَاهِد سنجر إِلَيْهِم بعسكر فَانْهَزَمَ فَخرج بِنَفسِهِ وَحمل بِأَصْحَابِهِ فَفرُّوا عَنهُ ثمَّ عَادوا عَلَيْهِ فَخرج وَقتل عدَّة من جماعته والتجأ هُوَ إِلَى القلعة فَامْتنعَ بهَا يَوْم السبت حادي عشر صفر. فَدخل الْأَمِير أيدكين البندقدار - أستاذ الْملك الظَّاهِر - إِلَى الْمَدِينَة وملكها وَحلف النَّاس للْملك الظَّاهِر وَقَامَ بأمرها. وَخَافَ الْمُجَاهِد على نَفسه ففر من قلعة دمشق إِلَى بعلبك فَأرْسل إِلَيْهِ الْأَمِير إيدكين وأحضره محتفظاً بِهِ. فَلَمَّا بلغ الْملك الظَّاهِر بيبرس ذَلِك قرر الْأَمِير عَلَاء الدّين طيبرس الْحَاج الوزيري فِي القلعة وَجعل إِلَيْهِ التحدث فِي الْأَمْوَال واستدعى الْأَمِير سنجر الْحلَبِي وَأقَام إيدكين مُدَّة شهر فِي نِيَابَة دمشق ثمَّ صرفه عَنْهَا بالأمير طيبرس الوزيري وَسَار الْأَمِير سنجر مَعَ الْأَمِير بدر الدّين ابْن رحال وأحضر فِي سادس عشر صفر وَهُوَ مُقَيّد إِلَى مصر. فندب الْملك الظَّاهِر إِلَى لِقَائِه الْأَمِير بيسري وَأدْخلهُ لَيْلًا من بَاب القرافة على خُفْيَة واعتقله وفيهَا جهز الْملك الظَّاهِر بيبرس الْأَمْوَال والأصناف صُحْبَة الْأَمِير علم الدّين اليغمري لعمارة الْحرم النَّبَوِيّ بِالْمَدِينَةِ وَبعث الصناع والآلات لعمارة قبَّة الصَّخْرَة بالقدس وَكَانَت هوت. وَأخرج مَا كَانَ فِي اقطاعات الْأُمَرَاء من أوقاف الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام ووقف عَلَيْهِ قَرْيَة تعرف باذنا. ورسم للأمير جمال الدّين بن يغمور بعمارة مَا تهدم من قلعة الرَّوْضَة فرم مَا فسد مِنْهَا ورتب بهَا الجندارية وَأعَاد لَهَا حرمتهَا وَفرق أبراجها على الْأُمَرَاء: وهم الْأَمِير قلاوون والأمير عز الدّين الْحلِيّ والأمير عز الدّين أوغان والأمير بيسري وَغَيرهم - لكل أَمِير مِنْهُم برج وَأمرهمْ أَن تكون اصطبلاتهم وَبُيُوتهمْ فِيهَا وسلمهم مَفَاتِيح القلعة. وَأمر بعمارة القناطر بجسر شبرامنت من الجيزية لِكَثْرَة مَا كَانَ يشرق من الْأَرَاضِي فِي كل سنة فانتفعت الْبِلَاد بِهَذِهِ القناطر. وَأمر بعمارة أسوار الْإسْكَنْدَريَّة ورتب لذَلِك جملَة من المَال فِي كل شهر. وَبنى بثغر رشيد مرقباً لكشف الْبَحْر. وَأمر بردم فَم بَحر دمياط فَخرج جمَاعَة الحجارين وألقوا فِيهِ القرابيص حَتَّى تمْتَنع السفن الْكِبَار من دُخُوله وَاسْتمرّ ذَلِك إِلَى الْيَوْم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 526 وَأمر السُّلْطَان بِإِخْرَاج الْأَمِير سيف الدّين الرَّشِيدِيّ إِلَى بَحر أشموم فَتوجه إِلَيْهِ وأحضر الْوُلَاة وحفر هَذَا الْبَحْر وأزال مِنْهُ مَا تربى بِهِ من الأطيان وغرق عدَّة مراكب حَتَّى رد إِلَيْهِ المَاء. وَأمر بعمارة مَا خربه التتر من قلاع الشَّام: وَهِي قلعة دمشق وقلعة الضلت وقلعة عجلون وقلعة صرخد وقلعة بصرى وقلعة شيزر وقلعة الصبيبة وقلعة شميميش وقلعة حمص. فعمرت كلهَا ونظفت خنادقها ووسعت أبراجها وشحنت بِالْعدَدِ وجرد إِلَيْهَا المماليك والأجناد وخزنت بهَا الغلات والأزواد وحملت كَثِيرَة إِلَى دمشق وَفرقت فِي الْبِلَاد لتصير تقاوي الفلاحين. ورتب السُّلْطَان بِدِمَشْق بِعدْل وَبنى مشهداً فِي عين جالوت عرف بمشهد النَّصْر. ورتب السُّلْطَان الْبَرِيد فِي سَائِر الطرقات حَتَّى صَار الْخَبَر يصل من قلعة الْجَبَل إِلَى دمشق فِي أَرْبَعَة أَيَّام وَيعود فِي مثلهَا. فَصَارَت أَخْبَار الممالك ترد إِلَيْهِ فِي كل جُمُعَة مرَّتَيْنِ ويتحكم فِي سَائِر المماليك من الْعَزْل وَهُوَ مُقيم بقلعة الْجَبَل وَأنْفق فِي ذَلِك مَالا عَظِيما حَتَّى تمّ ترتيبه. وَنظر فِي أَمر الشواني الحربية وَكَانَ قد أهمل أَمر الأسطول بِمصْر وَأخذ الْأُمَرَاء رِجَاله واستعملوهم فِي الحراريق وَغَيرهَا فأعادهم إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي أَيَّام الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب. وَأَنْشَأَ عدَّة شواني بثغري دمياط والإسكندرية وَنزل بِنَفسِهِ إِلَى دَار الصِّنَاعَة ورتب مَا يجب ترتيبه وتكامل عِنْده ببر مصر مَا ينيف على أَرْبَعِينَ قِطْعَة وعدة كَثِيرَة من الحراريق والطرائد وَنَحْوهَا. فَلَمَّا كَانَ ذَات يَوْم حضر إِلَيْهِ رجل من أجناد الْأَمِير الصّقليّ وَأخْبرهُ أَن أستاذه فرق مَالا على جمَاعَة من المعزية وَقرر مَعَهم قتل السُّلْطَان: مِنْهُم الْأَمِير علم الدّين الغتمي والأمير بهادر المعزي والأمير شُجَاع الدّين بكتوت فَقبض على الْجَمِيع فِي ثامن ربيع الأول. وفيهَا قبض على الصاحب زين الدّين يَعْقُوب بن الزبير وعوق فِي قاعة الوزارة فشفع فِيهِ الْأَمِير سيف الدّين أنس فَخلع فِي يَوْمه. وَلم يقم سوى أَيَّام وَقبض السُّلْطَان على الْأَمِير أنس فَقبض على الصاحب زين الدّين بن الزبير فِي صَبِيحَة مسكه. ثمَّ طلب قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب ليلى الوزارة فَأبى وَأقَام الْأَمِير فَارس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 الدّين أقطاي يراوده زَمَانا وَهُوَ لَا يقبل ثمَّ نزل إِلَى دَاره فَطلب السُّلْطَان بهاء الدّين على سديد الدّين مُحَمَّد بن سليم بن حنا فولى الوزارة وفوض إِلَيْهِ تَدْبِير المملكة وَأُمُور الدولة بأسرها وخلع عَلَيْهِ. فَركب مَعَه جَمِيع الْأَعْيَان والأكابر وعدة من الْأُمَرَاء مِنْهُم سيف الدّين بلبان الرُّومِي الدوادار. وَورد الْخَبَر عَن عكا أَن سبع جزائر من جزائر الفرنج فِي الْبَحْر خسف بهَا وبأهلها بَعْدَمَا نزل عَلَيْهِم دم عشرَة أَيَّام فَهَلَك بهَا خلق كثير وَصَارَ أهل عكا فِي خوف واستغفار وبكاء. وجهز السُّلْطَان الْأَمِير بدر الدّين بيليك الأيدمري فِي جمَاعَة وَلم يعرف مقْصده فِي ذَلِك أحد مِمَّن جرده وَلَا غَيرهم فَسَارُوا إِلَى الشوبك وتسلموها من نواب الْملك المغيث فتح الدّين عمر فِي سادس عشري ربيع الآخر وَاسْتقر فِي نيابتها الْأَمِير سيف الدّين بلبان المختصي واستخدم فِيهَا النُّقَبَاء والجنادرة وأفرد بخاص القلعة مَا كَانَ فِي الْأَيَّام الصالحية. وَفِيه قبض على الْأَمِير بهاء الدّين بغدي وَحبس بقلعة الْجَبَل حَتَّى مَاتَ. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء عَاشر جُمَادَى الأولى: فوض قَضَاء الْقُضَاة بديار مصر للْقَاضِي تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب بن القَاضِي الْأَعَز خلف الْمَعْرُوف بِابْن بنت الْأَعَز عوضا عَن بدر الدّين السنجاري بعد عدَّة شُرُوط اشترطها على السُّلْطَان أغْلظ فِيهَا. وَقصد القَاضِي تَاج الدّين بِكَثْرَة الشُّرُوط أَن يُعْفَى من ولَايَة الْقَضَاء فَأجَاب السُّلْطَان إِلَى قبُول مَا اشْترط عَلَيْهِ رَغْبَة فِيهِ وثقة بِهِ وَصلى بالسلطان صَلَاة الظّهْر وَحكم بعد ذَلِك. وَقبض السُّلْطَان على الْبَحْر السنجاري وعوقه عشرَة أَيَّام ثمَّ أفرج عَنهُ. وفيهَا سَار الْأَمِير أَبُو الْقَاسِم أَحْمد بن الْخَلِيفَة الظَّاهِر أبي نصر مُحَمَّد بن النَّاصِر لدين الله أَحْمد بن المستضيئ بِاللَّه العباسي - الَّذِي يُقَال لَهُ الزراتيقي لقب لقبه بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 528 الْعَامَّة - مَعَ جمَاعَة من الْعَرَب بني مهتا يُرِيد دمشق. وَكَانَ قد فر من بَغْدَاد لما قتل هولاكو الْخَلِيفَة المستعصم بِاللَّه وَنزل عِنْد عرب الْعرَاق فِي هَذِه الْمدَّة ثمَّ أَرَادَ أَن يلْحق بِالْملكِ الظَّاهِر بيبرس بِمصْر. فوردت مُكَاتبَة الْأَمِير عَلَاء الدّين أيدكين البندقدار والأمير عَلَاء الدّين طيبرس الوزيري نَائِب دمشق: بِأَنَّهُ ورد إِلَى الغوطة رجل ادّعى أَنه أَبُو الْقَاسِم أَحْمد الأسمر بن الإِمَام الظَّاهِر بن الإِمَام النَّاصِر وَهُوَ عَم المستعصم وأخو الْمُسْتَنْصر وَمَعَهُ جمَاعَة من عرب خفاجة فِي قريب الْخمسين فَارِسًا وَأَن الْأَمِير سيف الدّين قلج الْبَغْدَادِيّ عرف أُمَرَاء الْعَرَب الْمَذْكُورين وَقَالَ: بهؤلاء يحصل الْمَقْصُود. فَكتب السُّلْطَان إِلَى النواب بِالْقيامِ فِي خدمته وتعظيم حرمته وَأَن يسير مَعَه حجاب من دمشق فَسَار من دمشق بأوفر حُرْمَة إِلَى جِهَة مصر. فَخرج السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل يَوْم الْخَمِيس تَاسِع شهر رَجَب إِلَى لِقَائِه وَمَعَهُ الْوَزير الصاحب بهاء الدّين بن حنا وقاضي الْقُضَاة تَاج الدّين ابْن بنت الْأَعَز وَسَائِر الْأُمَرَاء وَجَمِيع الْعَسْكَر وَجُمْهُور أَعْيَان الْقَاهِرَة ومصر ومعظم النَّاس من الشُّهُود والمؤذنين. وَخرجت الْيَهُود بِالتَّوْرَاةِ وَالنَّصَارَى بالإنجيل. فَسَار السُّلْطَان بِهِ إِلَى بَاب النَّصْر وَدخل إِلَى الْقَاهِرَة وَقد لبس الشعار العباسي وَخرج النَّاس إِلَى رويته وَكَانَ من أعظم أَيَّام الْقَاهِرَة. وشق القصبة إِلَى بَاب زويلة وَصعد قلعة الْجَبَل وَهُوَ رَاكب فَأنْزل فِي مَكَان جليل قد هيئ لَهُ بهَا وَبَالغ السُّلْطَان فِي إكرامه وَإِقَامَة ناموسه. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث عشره: حضر قَاضِي الْقُضَاة ونواب الحكم وعلماء الْبَلَد وفقهاؤها وأكابر الْمَشَايِخ وأعيان الصُّوفِيَّة والأمراء ومقدمو العساكر والتجار ووجوه النَّاس وَحضر أَيْضا الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام فمثلوا كلهم بِحَضْرَة الْأَمِير أَحْمد وَجلسَ السُّلْطَان متأدباً بِغَيْر كرْسِي وَلَا طراحة وَلَا مُسْند. وَشهد العربان وخادم من البغاددي بِأَن الْأَمِير أَحْمد هُوَ ابْن الإِمَام الظَّاهِر أَمِير الْمُؤمنِينَ بن الإِمَام النَّاصِر أَمِير الْمُؤمنِينَ وَشهد بالاستفاضة القَاضِي جمال الدّين يحيى بن عبد الْمُنعم بن حسن الْمَعْرُوف بالجمال يحيى نَائِب الحكم بِمصْر والفقيه علم الدّين مُحَمَّد بن الْحُسَيْن ابْن عِيسَى بن عبد الله بن رَشِيق وَالْقَاضِي صدر الدّين موهوب الْجَزرِي ونجيب الدّين الْحَرَّانِي وسديد الدّين عُثْمَان بن عبد الْكَرِيم بن أَحْمد بن خَليفَة وَأَبُو عَمْرو بن أبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 529 مُحَمَّد الصنهاجي التزمنتي أَنه أَحْمد بن الإِمَام الظَّاهِر بن الإِمَام النَّاصِر. فَقبل قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين شَهَادَات الْقَوْم وأسجل على نَفسه بالثبوت وَهُوَ قَائِم على قَدَمَيْهِ فِي ذَلِك المحفل الْعَظِيم حَتَّى ضم الإسجال وَالْحكم. فَلَمَّا تمّ ذَلِك كَانَ أول من بَايعه القَاضِي تَاج الدّين ثمَّ بعده قَامَ السُّلْطَان وَبَايع أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمُسْتَنْصر بِاللَّه أَبَا الْقَاسِم أَحْمد بن الإِمَام الظَّاهِر على الْعَمَل بِكِتَاب الله تَعَالَى وَسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَالْجهَاد فِي سَبِيل الله وَأخذ أَمْوَال الله بِحَقِّهَا وصرفها فِي مستحقها. ثمَّ بَايعه بعد السُّلْطَان الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام ثمَّ الْأُمَرَاء وكبار الدولة. فَلَمَّا تمت الْبيعَة قلد الإِمَام الْمُسْتَنْصر بِاللَّه السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر الْبِلَاد الإسلامية وَمَا ينضاف إِلَيْهَا وَمَا سيفتحه الله على يَدَيْهِ من بِلَاد الْكفَّار ثمَّ قَامَ النَّاس فَبَايعُوا الْخَلِيفَة الْمُسْتَنْصر بِاللَّه على اخْتِلَاف طبقاتهم. وَكتب فِي الْوَقْت إِلَى الْمُلُوك والنواب بِسَائِر الممالك أَن يَأْخُذُوا الْبيعَة على من قبلهم للخليفة الْمُسْتَنْصر بِاللَّه أبي الْقَاسِم أَحْمد بن الإِمَام الظَّاهِر وَأَن يدعى لَهُ على المنابر ثمَّ يدعى للسُّلْطَان بعده وَأَن تنقش السِّكَّة باسمهما. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشرَة: خطب الْخَلِيفَة الْمُسْتَنْصر بِاللَّه فِي جَامع القلعة فَاسْتَفْتَحَ بِقِرَاءَة صدر سُورَة الْأَنْعَام ثمَّ صلي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وترضى عَن الصَّحَابَة وَذكر شرف بني الْعَبَّاس ودعا للْملك الظَّاهِر وَقضي الْخطْبَة فَاسْتحْسن النَّاس ذَلِك مِنْهُ واهتم السُّلْطَان بأَمْره ونثر عَلَيْهِ جملا مستكثرة من الذَّهَب وَالْفِضَّة. فَلَمَّا شرع فِي الخطة تلكأ فِيهَا ثمَّ نزل بعد تَمامهَا وَصلى بِالنَّاسِ الْجُمُعَة. وَكَانَ منصب الْخلَافَة شاغراً ثَلَاث سِنِين وَنصف سنة مُنْذُ قتل الْخَلِيفَة المستعصم فِي صفر سنة سِتّ وَخمسين فَكَانَ الْخَلِيفَة الْمُسْتَنْصر بِاللَّه هُوَ الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ من خلفاء بني الْعَبَّاس وَبَينه وَبَين الْعَبَّاس أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ أَبَا. وَكَانَ أسمر اللَّوْن وسيماً شَدِيد القوى عالي الهمة لَهُ شجاعة وإقدام. وَاتفقَ لَهُ مَا لم يتَّفق لغيره وَهُوَ أَنه لقب بالمستنصر لقب أَخِيه باني الْمدرسَة المستنصرية بِبَغْدَاد وَلم يَقع لغيره أَن الْخَلِيفَة لقب بلقب أَخِيه سواهُ. فِي يَوْم الْأَحَد تَاسِع عشره: ركب الْخَلِيفَة وَالسُّلْطَان من قلعة الْجَبَل إِلَى مَدِينَة مصر وركبا فِي الحراريق وسارا فِي النّيل إِلَى قلعة الجزيرة وجلسا فِيهَا وأحضرت الشواني الحربية فلعبت فِي النّيل على هَيْئَة محاربتها الْعَدو فِي الْبَحْر ثمَّ ركبا إِلَى الْبر وَسَار إِلَى قلعة الْجَبَل وَقد خرج النَّاس لمشاهدتهما فَكَانَ من الْأَيَّام المشهودة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 530 وَفِيه قلد السُّلْطَان الْأَمِير علم الدّين سنجر الْحلَبِي - الَّذِي ثار قبلا بِدِمَشْق - نِيَابَة حلب وجهز مَعَه أُمَرَاء لكل مِنْهُم وَظِيفَة وهم: الْأَمِير شرف الدّين قيران الفخري استادار والأمير بدر الدّين جماق أَمِير جاندار والأمير عَلَاء الدّين أيدكين الشهابي شاد الدَّوَاوِين. وَسَار الْأَمِير علم الدّين من الْقَاهِرَة كَمَا تُسَافِر الْمُلُوك فَدخل حلب فِي ثَالِث شعْبَان فَحَضَرَ إِلَيْهِ جمَاعَة من العزيزية والناصرية وسألوا الْأمان كَانَت العزيزية والناصرية قد اخْتلفُوا وَخَرجُوا إِلَى السَّاحِل فأقطعهم السُّلْطَان إقطاعات وأحضر مِنْهُم عدَّة إِلَى مصر. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ رَابِع شعْبَان: ركب السُّلْطَان إِلَى خيمة ضربت لَهُ فِي الْبُسْتَان الْكَبِير خَارج الْقَاهِرَة وَمَعَهُ أهل الدولة. وحملت الْخلْع صُحْبَة الْأَمِير مظهر الدّين وشاح الخفاجي وخادم الْخَلِيفَة الْمُسْتَنْصر بِاللَّه. فَدخل السُّلْطَان إِلَى خيمة أُخْرَى. وأفيضت عَلَيْهِ الْخلْع الخليفتية وَخرج بهَا وَهِي: عِمَامَة سَوْدَاء مذهبَة مزركشة ودراعة بنفسجية اللَّوْن وطوق ذهب وَقيد من ذهب عمل فِي رجلَيْهِ وعدة سيوف تقلد مِنْهَا وَاحِدًا وحملت الْبَقِيَّة خَلفه ولواءان منشوران على رَأسه وسهمان كبيران وترس. فَقدم لَهُ فرس أَشهب فِي عُنُقه مشدة سَوْدَاء وَعَلِيهِ كنبوش أسود. وَطلب الْأُمَرَاء وَاحِدًا بعد وَاحِد وخلع عَلَيْهِم وخلع على قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين وعَلى الصاحب بهاء الدّين وَعلي فَخر الدّين بن لُقْمَان صَاحب ديوَان الْإِنْشَاء. وَنصب مُنِير فَصَعدَ عَلَيْهِ ابْن لُقْمَان بَعْدَمَا جلل بِثَوْب حَرِير أطلس أصفر وَقَرَأَ تَقْلِيد الْخَلِيفَة للسُّلْطَان وَهُوَ من إنشائه وَنَصه بعد الْبَسْمَلَة: الْحَمد لله الَّذِي اصْطفى الْإِسْلَام بملابس الشّرف وَأظْهر بهجة درره وَكَانَت خافية بِمَا استحكم عَلَيْهَا من الصدف وشيدها وَهِي من غلائه حَتَّى أنسى ذكر مَا سلف وَقيد لنصره ملوكاً اتّفق على طاعتهم من اخْتلف. أَحْمَده على نعمه الَّتِي رتعت الْأَعْين مِنْهَا فِي الرَّوْض الْأنف وألطافه الَّتِي وقف الشُّكْر عَلَيْهَا فَلَيْسَ عَنْهَا منصرف. وَأشْهد أَن لَا اله إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة توجب من المخاوف أمنا وتسهل من الْأُمُور مَا كَانَ حزنا. وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده الَّذِي جبر من الدّين وَهنا وَرَسُوله الَّذِي أظهر من المكارم فنوناً لَا فَنًّا صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله الَّذين أضحت مناقبهم بَاقِيَة لَا تفنى وَأَصْحَابه الَّذين أَحْسنُوا فِي الدُّنْيَا فاستحقوا الزِّيَادَة من الْحسنى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 531 وَبعد فَإِن أولي الْأَوْلِيَاء بِتَقْدِيم ذكره وأحقهم أَن يصبح الْقَلَم رَاكِعا وساجداً فِي تسطير مناقبه وبره من سعى فأضحى بسعيه الحميد مُتَقَدما ودعا إِلَى طَاعَته فَأجَاب من كَانَ منجداً ومتهماً وَمَا بَدَت يَد من المكرمات إِلَّا كَانَ لَهَا زنداً ومعصماً وَلَا استباح بِسَيْفِهِ حمى وغي إِلَّا أضرمه نَارا وأجراه دَمًا. وَلما كَانَت هَذِه المناقب الشَّرِيفَة مُخْتَصَّة بالْمقَام العالي المولوي السلطاني الملكي الظَّاهِرِيّ الركني شرفه الله وَأَعلاهُ ذكره الدِّيوَان الْعَزِيز النَّبَوِيّ الإمامي المستنصري أعز الله سُلْطَانه تنويهاً بشريف قدره واعترافاً بصنعه الَّذِي تنفد الْعبارَة المسهبة وَلَا تقوم بشكره. وَكَيف لَا وَقد أَقَامَ الدولة العباسية بعد أَن أقعدتها زمانة الزَّمَان وأذهبت مَا كَانَ من محَاسِن وإحسان وأعتب دهرها الْمُسِيء لَهَا فأعتب وأرضي عَنْهَا زَمَنهَا وَقد كَانَ صال عَلَيْهَا صولة مغضب. فَأَعَادَهُ لَهَا سلما بعد أَن كَانَ عَلَيْهَا حَربًا وَصرف إِلَيْهَا اهتمامه فَرجع كل متضايق من أمورها وَاسِعًا رحباً ومنح أَمِير الْمُؤمنِينَ عِنْد الْقدوم عَلَيْهِ حنواً وعطفاً وَأظْهر من الْوَلَاء رَغْبَة فِي ثَوَاب الله مَا لَا يخفى وَأبْدى من الاهتمام بِأَمْر الشَّرِيعَة والبيعة أَمر لَو رامه غَيره لامتنع عَلَيْهِنَّ وَلَو تمسك بحبله متمسك لانقطع بِهِ قبل الْوُصُول إِلَيْهِ. لَكِن الله تَعَالَى ادخر هَذِه الْحَسَنَة ليثقل بهَا ميزَان ثَوَابه ويخفف بهَا يَوْم الْقِيَامَة حسابه والسعيد من خفف من حسابه. فَهَذِهِ منقبة أَبى الله إِلَّا أَن يخلدها فِي صحيفَة صنعه ومكرمة قَضَت لهَذَا الْبَيْت الشريف بجمعه بعد أَن حصل الْإِيَاس من جمعه. وأمير الْمُؤمنِينَ يشْكر لَك هَذِه الصَّنَائِع ويعترف أَنه لَوْلَا اهتمامك لاتسع الْخرق على الْوَاقِع. وَقد قلدك الديار المصرية والبلاد الشامية والديار البكرية والحجازية واليمنية والفراتية وَمَا يَتَجَدَّد من الفتوحات غوراً ونجماً وفوض أَمر جندها ورعاياها إِلَيْك حِين أَصبَحت بالمكارم فَردا وَلَا جعل مِنْهَا بَلَدا من الْبِلَاد وَلَا حصناً من الْحُصُون يسْتَثْنى وَلَا جِهَة من الْجِهَات تعد فِي الْأَعْلَى فلاحظ أُمُور الْأمة فقد أَصبَحت لَهَا حَامِلا وخلص نَفسك من التَّبعَات الْيَوْم فَفِي غَد تكون مسئولاً لَا سَائِلًا ودع الاغترار بِأَمْر الدُّنْيَا فَمَا نَالَ أحد مِنْهَا طائلاً وَمَا رَآهَا أحد بِعَين الْحق إِلَّا رَآهَا خيالاً زائلاً فالسعيد من قطع مِنْهَا آماله الموصولة وَقدم لنَفسِهِ زَاد التَّقْوَى فتقدمة غير التَّقْوَى مَرْدُودَة لَا مَقْبُولَة. وابسط يدك بِالْإِحْسَانِ وَالْعدْل فقد أَمر الله بِالْعَدْلِ وحث على الْإِحْسَان وَكرر ذكره فِي مَوَاضِع من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 532 الْقُرْآن وَكفر بِهِ عَن الْمَرْء ذنوباً كتبت عَلَيْهِ وآثاماً وَجعل يَوْمًا وَاحِدًا مِنْهَا كعبادة العابد سِتِّينَ عَاما. وَمَا سلك أحد سَبِيل الْعدْل إِلَّا واجتنبت ثماره من أفنان وَرجح الْأَمر بِهِ بعد بعد تداعى أَرْكَانه وَهُوَ مشيد الْأَركان وتحصن بِهِ من حوادث زَمَانه والسعيد من تحصن من حوادث الزَّمَان وَكَانَت أَيَّامه فِي الْأَيَّام أبهى من الأعياد وَأحسن فِي الْعُيُون من الْغرَر فِي أوجه الْجِيَاد وَأحلى من الْعُقُود إِذا حلى بهَا عاطل الأجياد. وَهَذِه الأقاليم المنوطة بك مُحْتَاج إِلَى نواب وحكام. وَأَصْحَاب رَأْي من أَصْحَاب السيوف والأقلام فَإِذا استعنت بِأحد مِنْهُم فِي أمورك فَنقبَ عَلَيْهِ تنقيباً وَاجعَل عَلَيْهِ فِي تَصَرُّفَاته رقيباً. وسل عَن أَحْوَاله فَفِي يَوْم الْقِيَامَة تكون عَنهُ مسئولاً وَبِمَا أجرم مَطْلُوبا وَلَا تول إِلَّا من تكون مساعيه حَسَنَات لَك لَا ذنوباً. وَأمرهمْ بالأناة. الْأُمُور والرفق وَمُخَالفَة الْهوى إِذا ظَهرت أَدِلَّة الْحق وَأَن يقابلوا الضُّعَفَاء فِي حوائجهم بالثغر الباسم وَالْوَجْه الطلق وَألا يعاملوا أحدا على الْإِحْسَان والإساءة إِلَّا بِمَا يسْتَحق وَأَن يَكُونُوا لمن تَحت أَيْديهم من الرعايا إخْوَانًا وَأَن يوسعوهم برا وإحساناً وَألا يستحلوا حرماتهم إِذا اسْتحلَّ الزَّمَان لَهُم حرماناً فالمسلم أَخُو الْمُسلم وَلَو كَانَ أَمِيرا عَلَيْهِ وسلطاناً. والسعيد من نسج ولاته فِي الْخَيْر على منواله واستنوا بسنته فِي تَصَرُّفَاته وأحواله وتحملوا عَنهُ مَا تعجز قدرته عَن حمل أثقاله. وَمِمَّا تؤمرون بِهِ أَن يمحى مَا أحدث من سيئ السّنَن وجدد من الْمَظَالِم الَّتِي هِيَ من أعظم المحن وَأَن يشترى بإبطالها المحامد فَإِن المحامد رخيصة بأغلى ثمن. رمهما جبي مِنْهَا من الْأَمْوَال فَإِنَّمَا هِيَ بَاقِيَة فِي الذمم حَاصِلَة وأجياد الخزائن وَإِن أضحت بهَا حَالية فَإِنَّمَا هِيَ على الْحَقِيقَة مِنْهَا عاطلة وَهل أشق مِمَّن احتقب إِثْمًا واكتسب بالمساعي الذميمة ذماً وَجعل السوَاد الْأَعْظَم لَهُ يَوْم الْقِيَامَة خصما وَتحمل ظلم النَّاس فِيمَا صدر عَنهُ من أَعماله وَقد خَابَ من حمل ظلما. وحقيق بالْمقَام الشريف المولوي السلطاني الملكي الظَّاهِرِيّ الركني أَن تكون ظلامات الْأَنَام مَرْدُودَة بِعَمَلِهِ وعزائمه تخفف ثقلاً لَا طَاقَة لَهُم بِحمْلِهِ فقد أضحى على الْإِحْسَان قَادِرًا وصنعت لَهُ الْأَيَّام مَا لم تصنع لغيره مِمَّن تقدم للملوك وَإِن جَاءَ آخرا. فَأَحْمَد الله على أَن وصل إِلَى جَانِبك أَمَام هدي أوجب لَك مزية التَّعْظِيم وَنبهَ الْخَلَائق على مَا خصك الله بِهِ من هَذَا الْفضل الْعَظِيم. وَهَذِه أُمُور يجب أَن تلاحظ وترعى وَأَن توالي عَلَيْهَا حمد الله فَإِن الْحَمد يجب. عَلَيْهِ عقلا وَشرعا، وَقد تبين أَنَّك صرت فِي الْأُمُور أصلا وَصَارَ غَيْرك فرعا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 533 وَمِمَّا يجب أَيْضا تَقْدِيم ذكره أَمر الْجِهَاد الَّذِي أضحى على الْأمة فرضا وَهُوَ الْعَمَل الَّذِي يرجع بِهِ مسود الصحائف مبيضاً. وَقد وعد الله الْمُجَاهدين بِالْأَجْرِ الْعَظِيم وَأعد لَهُم عِنْده الْمقَام الْكَرِيم وخصهم بِالْجنَّةِ الَّتِي لَا لَغْو فِيهَا وَلَا تأثيم. وَقد تقدّمت لَك فِي الْجِهَاد بَيْضَاء أسرعت فِي سَواد الحساد وَعرفت مِنْك عَزمَة هِيَ أمضى مِمَّا تجنه ضمائر الأغماد وأشهى إِلَى الْقُلُوب من الأعياد. وَبِك صان الله حمى الْإِسْلَام من أَن يتبدل وبعزك حفظ على الْمُسلمين نظام هَذِه الدول وسيفك أثر فِي قُلُوب الْكَافرين قروحا لَا تندمل وَبِك يُرْجَى أَن يرجع مقرّ الْخلَافَة إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي الْأَيَّام الأول. فأيقظ لنصرة الْإِسْلَام جفناً مَا كَانَ غافياً وَلَا هاجعاً وَكن فِي مجاهدة أَعدَاء الله إِمَامًا متبوعاً لَا تَابعا وأيد كلمة التَّوْحِيد فَمَا تَجِد فِي تأييدها إِلَّا مُطيعًا سَامِعًا. وَلَا تخل الثغور من اهتمام بأمرها تَبَسم لَهُ الثغور واحتفال يُبدل مَا دجى من ظلماتها بِالنورِ. وَاجعَل أمرهَا على الْأُمُور مقدما وشيد مِنْهَا كل مَا غَادَرَهُ الْعَدو مِنْهُمَا فَهَذِهِ حصون بهَا يحصل الِانْتِفَاع وَهِي على الْعَدو دَاعِيَة افْتِرَاق لَا اجْتِمَاع. وأولاها بالاهتمام مَا كَانَ الْبَحْر لَهُ مجاوراً والعدو لَهُ ملتفتاً نَاظرا لاسيما الديار المصرية فَإِن الْعَدو وصل إِلَيْهَا رابحاً وَرَاح خاسراً واستأصلهم الله فِيهَا مَا أقَال مِنْهُم عاثراً. وَكَذَلِكَ أَمر الأسطول الَّذِي تزجي خيله كالأهلة وركائبه سَابِقَة بِغَيْر سائق مُسْتَقلَّة. وَهُوَ أَخُو الْجَيْش السُّلَيْمَانِي فَإِن ذَاك غَدَتْ الرِّيَاح لَهُ حاملة وَهَذَا تكلفت بِحمْلِهِ الْمِيَاه السائلة. وَإِذا لحظها جَارِيَة فِي الْبَحْر كَانَت كالأعلام وَإِذا شبهها قَالَ هَذِه لَيَال تقلع بِالْأَيَّامِ. وَقد سني الله لَك من السَّعَادَة كل مطلب وأتاك من أَصَالَة الرَّأْي الَّذِي يُرِيك الْمَعِيب وَبسط بعد الْقَبْض مِنْك الأمل ونشط بالسعادة مَا كَانَ من كسل وهداك إِلَى مناهج الْحق وَمَا زلت مهتدياً إِلَيْهَا وألزمك المراشد وَلَا تحْتَاج إِلَى تَنْبِيه عَلَيْهَا. وَالله يمدك بِأَسْبَاب نَصره ويوزعك شكر نعمه فَإِن النِّعْمَة ستتم بشكره. وَلما فرغ من قِرَاءَته ركب السُّلْطَان بالخلعة والطوق الذَّهَب والقيد الذَّهَب وَكَانَ الطالع برج السنبلة. وَحمل التَّقْلِيد الْأَمِير جمال الدّين التجِيبِي أستادار السُّلْطَان ثمَّ حمله الصاحب بهاء الدّين وَسَار بِهِ بَين يَدي السُّلْطَان وَسَائِر الْأُمَرَاء وَمن دونهم مشَاة سوي الْوَزير. وَدخل السُّلْطَان من بَاب النَّصْر وشق الْقَاهِرَة وَقد زينت وَبسط أَكثر الطَّرِيق بِثِيَاب فاخرة مَشى عَلَيْهَا فرس السُّلْطَان. وضج الْخلق بِالدُّعَاءِ. بإعزاز أَيَّامه وإعزاز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 534 نَصره وَأَن يخلعها خلع الرضى إِلَى أَن خرج من بَاب زويلة وَسَار إِلَى القلعة فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً تقصر الْأَلْسِنَة عَن وَصفه. وَشرع السُّلْطَان فِي تجهيز الْخَلِيفَة للسَّفر واستخدم لَهُ عَسَاكِر وَكتب للأمير سَابق الدّين بوزنا أتابك الْعَسْكَر الخليفتي بِأَلف فَارس وَجعل الطواشي بهاء الدّين سندل الشرابي الصَّالِحِي شرابياً بِخَمْسِمِائَة فَارس والأمير نَاصِر الدّين بن صيرم خازنداراً بِمِائَتي فَارس والأمير الشريف نجم الدّين أستاداراً بِخَمْسِمِائَة فَارس وَسيف الدّين بلبان الشمسي دواداراً بِخَمْسِمِائَة فَارس والأمير فَارس الدّين أَحْمد بن أزدمر اليغموري دواداراً أَيْضا وَالْقَاضِي كَمَال الدّين مُحَمَّد بن عز الدّين السنجاري وزيراً وَشرف الدّين أَبَا حَامِد كَاتبا وَأقَام عدَّة من العربان أُمَرَاء وَحمل السُّلْطَان إِلَى الْجَمِيع الخزائن وَالسِّلَاح وَغَيره من الصناجق والطبلخاناه وانفق أَمْوَالًا كَثِيرَة وَاشْترى مائَة مُلُوك كبارًا وصغاراً ورتبهم سلَاح دارية وجامدراية وَأعْطى كلا مِنْهُم ثَلَاثَة أرؤس من الْخَيل وجلا لعدته ورتب سَائِر مَا يحْتَاج إِلَيْهِ الْخَلِيفَة: من صَاحب ديوَان وَكَاتب إنْشَاء ودواوين وأئمة وغلمان وجرائحية وحكاء وبيوتات وكملها كلهَا مِمَّا تحْتَاج إِلَيْهِ ورتب الجنائب وخيول الإصطبلات واستخدم الأجناد وَعين لخاص الْخَلِيفَة مائَة فرس وَعشر قطر بغال وَعشر قطر جمال وطشتخاناه وحوائج خاناه وَكتب لمن وَفد مَعَه من الْعرَاق تواقيع ومناشر بالإقطاعات. فَلَمَّا تهَيَّأ ذَلِك كُله برز الدهليز الخليفتي والدهليز السلطاني إِلَى الْبركَة ظَاهر الْقَاهِرَة وَركب الْخَلِيفَة وَالسُّلْطَان من قلعة الْجَبَل فِي السَّادِسَة من نَهَار الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشر شهر رَمَضَان وَسَار إِلَى الْبركَة فَنزل كل مِنْهُمَا فِي دهليزه واستمرت النَّفَقَة فِي أجناد الْخَلِيفَة وَفِي يَوْم عيد الْفطر ركب السُّلْطَان مَعَ الْخَلِيفَة تَحت المظلة وصليا صَلَاة الْعِيد وَحضر الْخَلِيفَة إِلَى خيمة السُّلْطَان بالمنزلة وَألبسهُ سَرَاوِيل الفتوة بِحَضْرَة الأكابر ورتب السُّلْطَان الْأَمِير عز الدّين أيدمر الْحلِيّ نَائِب السلطنة بديار مصر وَأقَام مَعَه الصاحب بهاء الدّين بن حنا. وَفِي يَوْم السبت سادس شَوَّال: رَحل الْخَلِيفَة وصحبته الْملك الظَّاهِر بِجَمِيعِ العساكر فَسَارُوا إِلَى الْكسْوَة ظَاهر دمشق وَخرج إِلَى لقائهم عَسْكَر دمشق فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع ذِي الْقعدَة فَنزل الْخَلِيفَة بالتربة الصالحية فِي سفح قاسيون وَنزل السُّلْطَان بقلعة دمشق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 535 وَفِي يَوْم الْجُمُعَة عاشره: دخل الْخَلِيفَة الْجَامِع الْأمَوِي بِدِمَشْق من بَاب الْبَرِيد وَجَاء السُّلْطَان من بَاب الزِّيَادَة واجتمعا بمقصورة الْجَامِع حَتَّى فرغا من صَلَاة الْجُمُعَة وخرجا إِلَى بَاب الزِّيَادَة فَمضى الْخَلِيفَة وَعَاد السُّلْطَان. وَكَانَ قد قدم إِلَى السُّلْطَان وَهُوَ بقلعة الْجَبَل الْملك الصَّالح ركن الدّين إِسْمَاعِيل بن الْملك الرَّحِيم بدر الدّين لُؤْلُؤ صَاحب الْموصل وَولده الْملك السعيد عَلَاء الْملك وَأَهله فِي شعْبَان إِلَى الْقَاهِرَة فَأقبل السُّلْطَان عَلَيْهِ وَأحسن إِلَيْهِ وَأمر لَهُ وَلمن مَعَه بالإقامات وَالْأَمْوَال من دمشق إِلَى الْقَاهِرَة وتلقاه وأنزله بدار تلِيق بِهِ. ثمَّ وصل أَخُوهُ الْملك الْمُجَاهِد سيف الدّين إِسْحَاق صَاحب الجزيرة فَتَلقاهُ السُّلْطَان كَمَا تلقى أَخَاهُ. وَكَانَ أخوهما الْملك السعيد عَلَاء الدّين على صَاحب سنجار قد رتبه الْملك المظفر قطز فِي نِيَابَة حلب فَقَبضهُ العزيزية واعتقلوه فَسَأَلَ إخْوَته الْملك الظَّاهِر فِيهِ فأفرج عَنهُ وَبَالغ فِي إكرامهم وعطائهم. وَكَانَ السُّلْطَان لما نزل بِالْبركَةِ خَارج الْقَاهِرَة قد جهز إِلَيْهِم خيل النّوبَة والعصاب والجدمارية وَالْخلْع وَكتب لَهُم التقاليد ببلادهم الَّتِي فوضت إِلَيْهِ من الْخَلِيفَة فَكتب للْملك الصَّالح بالموصل ونصيبين وعقر وشوش وداراً والقلاع الْعمادِيَّة وَكتب للمجاهد بالجزيرة وَكتب للمظفر بسنجار. فقبلوا الأَرْض عِنْد لبس الْخلْع وسير السُّلْطَان إِلَيْهِم الكوسات والسناجق وَالْأَمْوَال وأعفوا من الْحُضُور والخدمة. فَسَارُوا إِلَى دمشق وحضروا مجْلِس الشَّام بقلعة دمشق ولبسوا الْخلْع وقبلوا الأَرْض وَخَرجُوا والأتابك فِي خدمتهم بشعار السلطنة وَأَعْطَاهُمْ السُّلْطَان فِي لعب الكرة شَيْئا كثيرا. وَوصل إِلَى دمشق الْملك الْأَشْرَف مظفر الدّين مُوسَى صَاحب حمص وَالْملك الْمَنْصُور صَاحب حماة. فوصل السُّلْطَان كلا مِنْهُمَا بِثَمَانِينَ ألف دِرْهَم وحملين من الثِّيَاب وخيول وَركب كل مِنْهُمَا بِدِمَشْق والأمراء مشَاة فِي خدمته بشعائر السلطنة وَكتب السُّلْطَان لَهما التقاليد باستقرارهما على مَا بأيديهما وزادهما ثمَّ عادا إِلَى بِلَادهمْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 536 وَكَانَ السُّلْطَان قد عزم أَن يبْعَث مَعَ الْخَلِيفَة عشرَة آلَاف فَارس حَتَّى يسْتَقرّ بِبَغْدَاد وَيكون أَوْلَاد صَاحب الْموصل فِي خدمته. فَخَلا أحدهم بالسلطان وَأَشَارَ عَلَيْهِ أَلا يفعل: فَإِن الْخَلِيفَة إِذا اسْتَقر أمره بِبَغْدَاد نازعك وأخرجك من مصر. فَرجع إِلَيْهِ الوسواس وَلم يبْعَث مَعَ الْخَلِيفَة سوي ثَلَاثمِائَة فَارس. وجرد السُّلْطَان الْأَمِير سيف الدّين بلبان الرَّشِيدِيّ والأمير شمس الدّين سنقر الرُّومِي إِلَى حلب وَأَمرهمَا بِالْمَسِيرِ إِلَى الْفُرَات وَإِذا ورد عَلَيْهِمَا كتاب الْخَلِيفَة بِأَن يسير أَحدهمَا إِلَيْهِ سَار. وَركب السُّلْطَان لوداع الْخَلِيفَة وسافر الْخَلِيفَة فِي ثَالِث عشر ذِي الْقعدَة وَمَعَهُ أَوْلَاد صَاحب الْموصل الثَّلَاثَة ففارقوه فِي أثْنَاء الطَّرِيق وَتوجه كل مِنْهُم إِلَى مَمْلَكَته فوصل الْخَلِيفَة إِلَى الرحبة وَأَتَاهُ الْأَمِير عَليّ بن حُذَيْفَة من آل فضل بأربعمائة فَارس من الْعَرَب وانضاف إِلَيْهِ من مماليك المواصلة نَحْو السِّتين مَمْلُوكا وَلحق بِهِ الْأَمِير عز الدّين بركَة من حماة فِي ثَلَاثِينَ فَارِسًا ورحل الْخَلِيفَة من الرحبة إِلَى مشْهد عَليّ فَوجدَ رجلا ادّعى أَنه من بني الْعَبَّاس قد اجْتمع إِلَيْهِ سَبْعمِائة فَارس من التركمان كَانَ الْأَمِير شمس الدّين أقومش البرلي قد جهزهم من حلب. فَبعث الْخَلِيفَة إِلَى التركمان واستمالهم ففارقوه وَأتوا الْخَلِيفَة فَبعث إِلَيْهِ الْخَلِيفَة يستدعيه وأمنه ورغبه فِي اجْتِمَاع الْكَلِمَة على إِقَامَة الدولة العباسية ولاطفه حَتَّى أجَاب وَقدم إِلَيْهِ فوفى لَهُ وأنزله مَعَه. وَسَار الْخَلِيفَة إِلَى عانة ثمَّ إِلَى الحنيشة وَخرج يُرِيد هيت وَكتب إِلَى الْملك الظَّاهِر بيبرس بذلك. وَأما حلب فَإِن الْأَمِير سنجر الْحلَبِي فَارقهَا وَسَار إِلَى دمشق فاستولى عَلَيْهَا الْأَمِير شمس الدّين أقوش البرلي وَبعث بِالطَّاعَةِ إِلَى السُّلْطَان فَأبى إِلَّا حُضُوره فَلَمَّا سَار الْأَمِير سيف الدّين الرَّشِيدِيّ والأمير سنقر الرُّومِي من دمشق رَحل أقوش عَن حلب فدخلاها وسارا مِنْهَا إِلَى الْفُرَات وأغارا على بِلَاد أنطاكية وَكسب الْعَسْكَر وغنم وَحرق غلال الفرنج ومراكبهم وَعَاد. فولى السُّلْطَان الْأَمِير عَلَاء الدّين بندقدار نِيَابَة حلب فَأَقَامَ بهَا فِي شدَّة من غلاء الأسعار وَعدم الْقُوت ثمَّ رَحل عَنْهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 537 وقدمت الإقامات من الفرنج إِلَى السُّلْطَان وسألوا الصُّلْح فتوقف وَطلب مِنْهُم أموراً لم يجيبوا إِلَيْهَا فأهانهم. وَكَانَ الْعَسْكَر قد خرج للغارة على بِلَادهمْ من جِهَة بعلبك فسألوا رُجُوعه. وَاتفقَ الغلاء بِبِلَاد الشَّام فتقرر الصُّلْح على مَا كَانَ الْأَمر عَلَيْهِ إِلَى آخر أَيَّام الْملك النَّاصِر وَإِطْلَاق الْأُسَارَى من حِين انْقَضتْ الْأَيَّام الناصرية. فسارت رسل الفرنج لأخذ العهود وَتَقْرِير الْهُدْنَة لصَاحب يافا ومتملك بيروت فكاسر الفرنج فِي أَمر الْأُسَارَى فَأمر السُّلْطَان بِنَقْل أسرى الفرنج من نابلس إِلَى دمشق واستعملهم فِي العمائر. فتعلل الفرنج بِالْعِوَضِ عَن زرعين فأجيبوا: بأنكم أَخَذْتُم الْعِوَض عَنْهَا فِي الْأَيَّام الناصرية مرج عُيُون وقايضتم صَاحب تبنين والمقايضة فِي أَيْدِيكُم. فَكيف تطلبون الْعِوَض مرَّتَيْنِ. فَإِن بَقِيتُمْ على الْعَهْد وَإِلَّا فَمَا لنا شغل إِلَّا الْجِهَاد. وَخرج الْأَمِير جمال الدّين المحمدي فِي عَسْكَر وأغار على بِلَاد الفرنج وَعَاد غانماً سالما. وسارت عدَّة من الْعَسْكَر فأوقعوا بعرب زبيد لِكَثْرَة فسادهم وَقتلُوا مِنْهُم جمَاعَة وعادوا غَانِمِينَ. واحضر السُّلْطَان أُمَرَاء العربان وَأَعْطَاهُمْ وأقطعهم الإقطاعات وسلمهم دَرك الْبِلَاد وألزمهم حفظ الحروب إِلَى حُدُود الْعرَاق وَكتب منشور الإمرة على جَمِيع العربان للأمير شرف الدّين عِيسَى بن مهنا. وفوض السُّلْطَان إِلَى الْأَمِير عَلَاء الدّين الْحَاج طيبرس الوزيري نِيَابَة دمشق وفوض قضاءها للْقَاضِي شمس الدّين أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن أبي بكر بن خلكان - وَكَانَ قد خرج مَعَه من مصر - عوضا عَن نجم الدّين أبي بكر مُحَمَّد بن أَحْمد بن يحيى ابْن السّني ووكل بِهِ وسفره إِلَى الْقَاهِرَة. وَقُرِئَ تَقْلِيد ابْن خلكان يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 538 ذِي الْحجَّة وفوض إِلَيْهِ الحكم من الْعَريش إِلَى الْفُرَات وَالنَّظَر فِي جَمِيع أوقاف الشَّام من الْجَامِع والمارستان والمحارس والأحباس وتدريس سبع مدارس. وَخرج السُّلْطَان من دمشق يَوْم السبت سَابِع عشره يُرِيد مصر. وَصرف قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين ابْن بنت الْأَعَز فِي سلخ شَوَّال عَن قَضَاء مصر وَالْوَجْه القبلي وَاسْتقر مَكَانَهُ قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين السنجاري وَبَقِي قَضَاء الْقَاهِرَة وَالْوَجْه البحري بيد ابْن بنت الْأَعَز. وَأمر السُّلْطَان بِبِنَاء مشْهد على عين جالوت. وفيهَا كتب السُّلْطَان إِلَى الْملك بركَة خَان يغريه بِقِتَال هولاكو ويرغبه فِي ذَلِك وَسَببه تَوَاتر وفيهَا أغار التتار الَّذين تحلفُوا على أَعمال حلب وعاثوا وَنزل مقدمهم بيدرا على حلب وضايقها حَتَّى غلت أسعارها وتعتر وجود الْقُوت فَلَمَّا بَلغهُمْ توجه عَسْكَر السُّلْطَان إِلَيْهِم رحلوا. وفيهَا استولى الْأَمِير شمس الدّين أقوش البرلي العزيزي على حلب وَجمع مَعَه التركمان وَالْعرب فَأَقَامَ نَحْو أَرْبَعَة أشهر. ثمَّ توجه إِلَى البيرة وَأَخذهَا وَمضى إِلَى حران فَأَقَامَ بهَا وَصَارَ يقرب من حلب وَيبعد عَنْهَا خوفًا من السُّلْطَان وفيهَا عدى بَنو مرين العدوة لقِتَال الفرنج فظفروا. وفيهَا حج الْملك المظفر يُوسُف بن عمر رَسُول ملك الْيمن وكسا الْكَعْبَة وَتصدق بِمَال. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين يُوسُف بن الْعَزِيز مُحَمَّد بن الظَّاهِر غَازِي بن النَّاصِر صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب بن شادي صَاحب حلب ودمشق - وَهُوَ آخر مُلُوك بني أَيُّوب - بعد أَرْبَعَة وَعشْرين عَاما من ملكه واثنتين وَثَلَاثِينَ سنة من عمره مقتولاً بِأَمْر هولاكو. وَمَات الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل بن الْمُجَاهِد شيركوه بن القاهر مُحَمَّد بن الْمَنْصُور أَسد الدّين شيركوه بن شادي صَاحب حمص مقتولاً بِأَمْر هولاكو أَيْضا. وَتُوفِّي الأديب مخلص الدّين أَبُو الْعَرَب إِسْمَاعِيل بن عمر بن يُوسُف بن قرناص الْحَمَوِيّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 539 فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 540 (سنة سِتِّينَ وسِتمِائَة) فِي ثَانِي الْمحرم: وصل السُّلْطَان من دمشق. وَاشْتَدَّ الغلاء بِدِمَشْق فبلغت الغرارة الْقَمْح أَرْبَعمِائَة وَخمسين درهما فضَّة وَهلك خلق كثير من الْجُوع. وَفِيه سَار قرابغا مقدم التتار من بَغْدَاد - وَكَانَ قد اسْتَخْلَفَهُ هولاكو عَلَيْهَا عِنْد عوده إِلَى بِلَاد الشرق - يُرِيد لِقَاء الْخَلِيفَة الْمُسْتَنْصر بِاللَّه ومحاربته فنهب الأنبار وَقتل جَمِيع من فِيهَا وتلاحقت بِهِ بَقِيَّة التتار من بَغْدَاد. ولقبهم الْخَلِيفَة وَقد رتب عسكره: فَجعل التركمان وَالْعرب جناحي الْعَسْكَر واختص جمَاعَة جعلهم فِي الْقلب وَحمل بِنَفسِهِ على التتار فَكسر مقدمتهم وخذله الْعَرَب والتركمان فَلم يقاتلوا وَخرج كمين للتتار ففر الْعَرَب والتركمان وأحاط التتار بِمن بَقِي مَعَه فَلم يفلت مِنْهُم سوى الْأَمِير أبي الْعَبَّاس أَحْمد الَّذِي قدم إِلَى مصر وتلقب بالحاكم بِاللَّه والأمير نَاصِر الدّين بن مهنا والأمير نَاصِر الدّين بن صيرم والأمير سَابق الدّين بوزبا الصَّيْرَفِي والأمير أَسد الدّين مَحْمُود فِي نَحْو الْخمسين من الأجناد. وَلم يعرف للخليفة خبر: فَيُقَال قتل بالمعركة فِي ثَالِث الْمحرم وَيُقَال بل نجا مجروحاً فِي طَائِفَة من الْعَرَب فَمَاتَ عِنْدهم. وَكَانَت هَذِه الْوَاقِعَة فِي الْعشْر الأول من الْمحرم فَكَانَت خِلَافَته دون السّنة وَبَلغت نَفَقَة الْملك الظَّاهِر على الْخَلِيفَة والملوك المواصلة ألف ألف دِينَار وَسِتِّينَ ألف دِينَار عينا. وَاسْتقر الْملك الصَّالح عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن بدر الدّين لُؤْلُؤ فِي مَمْلَكَته بالموصل وَسَار أَخَوَاهُ إِسْحَاق وَعلي إِلَى الشَّام خوفًا من التتار وقدما على السُّلْطَان بقلعة الْجَبَل فأبر مقدمهما وسألاه فِي تجهيز نجدة لأخيهما فرسم السُّلْطَان بتجريد الْأَمِير شمس الدّين سنقر الرُّومِي فِي جمَاعَة من البحرية وَالْحَلقَة وَسَارُوا من الْقَاهِرَة فِي رَابِع جُمَادَى الأولى. وَكتب إِلَى دمشق بِخُرُوج عسكرها صُحْبَة الْأَمِير عَلَاء الدّين الْحَاج طيبرس فَسَار العسكران من دمشق فِي عَاشر جُمَادَى الْآخِرَة. وفوض السُّلْطَان وزارة دمشق لعز الدّين عبد الْعَزِيز بن ودَاعَة. وتسلم نواب السُّلْطَان قلعة البيرة. وَوَقع الصُّلْح بَين السُّلْطَان وَبَين الْملك المغيث صَاحب الكرك. وباشر السُّلْطَان عرض عَسَاكِر مصر بِنَفسِهِ وحلفهم لوَلِيّ عَهده الْملك السعيد نَاصِر الدّين خاقَان بركَة خَان. وَفِي يَوْم الْأَحَد ثَانِي عشري صفر: وصل الْأَمِير أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد الَّذِي تلقب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 541 بالحاكم بِأَمْر الله إِلَى دمشق وَخرج يُرِيد مصر يَوْم الْخَمِيس سادس عشريه فوصل إِلَى ظَاهر الْقَاهِرَة فِي سَابِع عشري شهر ربيع الأول فاحتفل السُّلْطَان للقائه وأنزله فِي البرج الْكَبِير دَاخل قلعة الْجَبَل ورتب لَهُ مَا يحْتَاج إِلَيْهِ. وَفِي نصف رَجَب: قدم جمَاعَة من البغاددة مماليك الْخَلِيفَة المستعصم الَّذين تَأَخَّرُوا بالعراق بعد قتل الْخَلِيفَة ومقدمهم الْأَمِير سيف الدّين سلار. فأكرمهم السُّلْطَان وَأعْطى الْأَمِير سلار إمرة خمسين فِي الشَّام وَنصف مَدِينَة نابلس ثمَّ نَقله إِلَى إمرة طبلخاناه بِمصْر. وفيهَا أطلق السُّلْطَان الْأَمِير سيف الدّين قلج الْبَغْدَادِيّ المستنصري من الاعتقال وَكَانَ قد اعتقله فَمن عَلَيْهِ وَأذن لَهُ فِي لعب الكرة مَعَه. وَفِي شعْبَان: قدم الْأَمِير سيف الدّين الكرزي وَالْقَاضِي أصيل الدّين خواجا إِمَام من عِنْد الأنبرو ملك الفرنج بكتابه. ثمَّ قدم رَسُوله بهدية وَمَعَهُ نفران من البحرية فاعتقلا بقلعة الجزيرة تجاه مصر. وَقدم الْأَمِير شرف الدّين الجاكي والشريف عماد الدّين الهاكي من عِنْد صَاحب الرّوم وَهُوَ السُّلْطَان عز الدّين كيكاوس بن كيخسرو ومعهما رسل الْمَذْكُور وهما الْأَمِير نَاصِر الدّين نصر الله بن كوح رسْلَان أَمِير حَاجِب والصدر صدر الدّين الأخلاطي وَكتابه المتضمن أَنه نزل عَن نصف بِلَاده للسُّلْطَان وسير دروجاً فِيهَا علائم بِمَا يقطع من الْبِلَاد لمن يختاره السُّلْطَان ويؤمره وَسَأَلَ أَن يكْتب لَهُ السُّلْطَان منشوراً قرين منشوره. فأكرمهم السُّلْطَان وَشرع فِي تجهيز جَيش نجدة لصَاحب الرّوم وَأمر بِكِتَابَة المناشير. وَعين السُّلْطَان الْأَمِير نَاصِر الدّين أعلمش السِّلَاح دَار الصَّالِحِي لتقديمه الْعَسْكَر وَمَعَهُ ثَلَاثمِائَة فَارس وأقطعه إقطاعاً بِبِلَاد الرّوم مِنْهُ آمد بلادها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 542 وَفِي شهر رَجَب: قدم الْأَمِير عماد الدّين بن مظفر الدّين صَاحب صهيون رَسُولا من جِهَة أَخِيه الْأَمِير سيف الدّين وصحبته هَدِيَّة. فَأكْرمه السُّلْطَان وَكتب لَهُ منشوراً بإمرة ثَلَاثِينَ فِي حلب ومنشوراً آخر بإمرة مائَة فِي بِلَاد الرّوم. وَفِي هَذَا التَّارِيخ ورد كتاب ملك الرّوم بِأَن الْعَدو هولاكو لما بلغه اتِّفَاق الرّوم مَعَ السُّلْطَان خَافَ من هيبته وَولى هَارِبا وَأَنه سير إِلَى قونية يحاصرها ليأخذها من أَخِيه. وَفِي هَذَا التَّارِيخ قدم كتاب الْملك الْمَنْصُور صَاحب حماة وصحبته قصاد من التتار مَعَهم فرمان لَهُ فشكره السُّلْطَان على ذَلِك واعتقل التتار. وَفِي هَذَا التَّارِيخ سَار الْأَمِير عز الدّين الأقرم أَمِير جاندار بعسكر إِلَى بِلَاد الصَّعِيد وأوقع بالعربان وبدد شملهم وَذَلِكَ أَنهم كثر طمعهم وهموا بتغيير الممالك ووثبوا على الْأَمِير عز الدّين الهواش وَالِي قوص وقتلوه. وَفِي شعْبَان: كثر قدوم العزيزية والناصرية الَّذين كَانُوا صُحْبَة الْأَمِير البرلي. فأكرمهم السُّلْطَان وَعَفا عَنْهُم. وَفِي هَذِه الْمدَّة وصل الْأَمِير فَارس الدّين أقوش المَسْعُودِيّ الَّذِي كَانَ قد توجه رَسُولا إِلَى الأشكري. وَكَانَ الأشكري قد بعث يطْلب من السُّلْطَان بطركا النَّصَارَى الملكية فعين الرشيد الكحال لذَلِك وسيره إِلَيْهِ مَعَ الْأَمِير فَارس الدّين أقوش المَسْعُودِيّ فِي عدَّة من الأساقفة. فَلَمَّا وصلوا إِلَيْهِ أكْرمهم وَأَعْطَاهُمْ وواقف الْأَمِير أقوش على جَامع. بناه بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ ليَكُون فِي صحيفَة السُّلْطَان ثَوَابه. وَعَاد الْأَمِير قوش وصحبته البطرك الْمَذْكُور فَقدم البطرك مَا ورد على يَده من هَدِيَّة الأشكري للسُّلْطَان وَقدم أَيْضا مَا حصل لَهُ من المَال فَرد السُّلْطَان ذَلِك عَلَيْهِ. وجهز السُّلْطَان برسم جَامع قسطنطينية الْحصْر العبداني والقناديل المذهبة والستور المرقومة والمباخر والسجادات إِلَى غير ذَلِك من الْبسط الرومية وَالْعود والعنبر والمسك وَمَاء الْورْد. وفيهَا أغار الْأَمِير شمس الدّين سنقر الرُّومِي على أنطاكية ونازل صَاحبهَا الْبُرْنُس وأحرق الميناء بِمَا فِيهَا من المراكب وَكَانَ مَعَه الْملك الْأَشْرَف مُوسَى صَاحب حمص وَالْملك الْمَنْصُور صَاحب حماة. ثمَّ حاصر السويداء وَاسْتولى عَلَيْهِمَا وَقتل وَأسر وَعَاد موصل إِلَى الْقَاهِرَة يَوْم الْخَمِيس لليلة بقيت من شهر رَمَضَان وصحبته من الأسرى مِائَتَيْنِ وَخمسين أَسِيرًا. فَأكْرمه السُّلْطَان وَأحسن إِلَى الْأُمَرَاء وسير الْخلْع إِلَى الْملكَيْنِ الْمَذْكُورين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 543 وَفِي ثَالِث شهر رَمَضَان: عزل السُّلْطَان قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين السنجاري عَن قَضَاء مصر وَالْوَجْه القبلي وَأعَاد قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب ابْن بنت الْأَعَز فَصَارَ بِيَدِهِ قَضَاء الْقُضَاة بديار مصر كلهَا. وَكَانَ متشدداً فِي أَحْكَامه فرسم لَهُ فِي ذِي الْقعدَة أَن يَسْتَنِيب عَنهُ مدرسي الْمدرسَة الصالحية من الْحَنَفِيَّة والمالكية والحنابلة فاستنابهم فِي الحكم عَنهُ وَلم يعرف ذَلِك عصر قبل هَذَا الْوَقْت: فَجَلَسَ القَاضِي صدر الدّين سُلَيْمَان الْحَنَفِيّ وَالْقَاضِي شرف الدّين عمر السُّبْكِيّ الْمَالِكِي وَالْقَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْحَنْبَلِيّ فِي أول ذِي الْقعدَة وحكموا بَين النَّاس بمذاهبهم. وَفِي رابعه: قبض على الْأَمِير عَلَاء الدّين الْحَاج طيبرس الوزيري نَائِب الشَّام وَحمل إِلَى مصر فاعتقل بقلعة الْجَبَل وَكَانَت مُدَّة نيابته سنة وشهراً. وَحكم فِي دمشق بعده الْأَمِير عَلَاء الدّين أيدغدي الْحَاج الركني إِلَى أَن يحضر نَائِب. وفيهَا كثر الإرجاف فِي دمشق بحركة التتار فَكتب السُّلْطَان برحيل أهل الشَّام بأهليهم إِلَى مصر. فَحَضَرَ من تِلْكَ الْبِلَاد خلق كثير بَعْدَمَا كتب السُّلْطَان إِلَى الْوُلَاة بتخميرهم وَألا يُؤْخَذ مِنْهُم مكس وَلَا زَكَاة وَلَا يتَعَرَّض لما مَعَهم من متجر وَلَا غَيره وَلَا تغش تِجَارَة فاعتمد ذَلِك. وَكتب السُّلْطَان إِلَى حلب بتحريق الأعشاب فسيرت جمَاعَة إِلَى بِلَاد آمد وَغَيرهَا وَحرقت الأعشاب الَّتِي كَانَت بالمروج الَّتِي جرت عَادَة هولاكو أَن ينزلها. فعمت النَّار مسيرَة عشرَة أَيَّام حَتَّى صَارَت كلهَا رَمَادا وهم الْحَرِيق بِلَاد خلاط وَقطع السنبل وَهُوَ أَخْضَر. وفيهَا خرجت الكشافة من دمشق وَغَيرهَا فظفروا بِكَثِير من التتار يُرِيدُونَ الْقدوم إِلَى مصر مستأمنين. وَقد كَانَ الْملك بركَة بَعثهمْ نجدة إِلَى هولاكو فَلَمَّا وَقع بَينهمَا كتب يستدعيهم إِلَيْهِ وَيَأْمُرهُمْ أَن تعذر عَلَيْهِم اللحاق بِهِ أَن يصيروا إِلَى عَسَاكِر مصر. وَكَانَ سَبَب عَدَاوَة بركَة وهولاكو أَن وقعه كَانَت بَينهمَا قتل فِيهَا ولد هولاكو وَكسر عسكره وتمزقوا فِي الْبِلَاد وَصَارَ هولاكو إِلَى قلعة بوسط بحيرة أذربيجان محصورا بهَا. فَلَمَّا بلغ ذَلِك السُّلْطَان سر بِهِ وَفَرح النَّاس باشتغال هولاكو عَن قصد بِلَاد الشَّام. وَكتب السُّلْطَان إِلَى النواب بإكرام الوافدية من التتار وَالْإِقَامَة لَهُم مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ من العليق وَالْغنم وَغَيره وسيرت إِلَيْهِم الْخلْع والإنعامات وَالسكر وَنَحْوه. وَسَارُوا إِلَى الْقَاهِرَة فَخرج السُّلْطَان إِلَى لقائهم فِي سادس عشري ذِي الْحجَّة وَلم يتَأَخَّر أحد عَن مشاهدتهم فَتَلقاهُمْ وأنزلهم فِي دور بنت لَهُم فِي اللوق ظَاهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 544 الْقَاهِرَة وَعمل لَهُم دَعْوَة عَظِيمَة هُنَاكَ وَبعث إِلَيْهِم الْخلْع والخيول وَالْأَمْوَال. وَأمر السُّلْطَان أكابرهم وَنزل باقيهم فِي جملَة البحرية وَكَانُوا مِائَتي فَارس بِأَهَالِيِهِمْ فحسنت حَالهم ودخلوا فِي الْإِسْلَام. وَكتب السُّلْطَان إِلَى الْملك بركَة كتابا وسيره مَعَ الْفَقِيه مجد الدّين والأمير سيف الدّين كسريك. وفيهَا سَار صندغون مقدم التتار إِلَى الْموصل وَنصب عَلَيْهَا خَمْسَة وَعشْرين منجنيقاً وَلم يكن بهَا سلَاح وَلَا قوت فَاشْتَدَّ الغلاء. وحاصرها صندغون حَتَّى خرج إِلَيْهِ الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل بن الْملك الرَّحِيم بدر الدّين لُؤْلُؤ الأتابكي فِي يَوْم الْجُمُعَة النّصْف من شعْبَان فَقبض عَلَيْهِ وعَلى من مَعَه. وَوَقع التخريب فِي سور الْمَدِينَة وَقد اطْمَأَن أَهلهَا ثمَّ اقتحموها وَوَضَعُوا السَّيْف فِي النَّاس تِسْعَة أَيَّام ووسطوا عَلَاء الدّين ابْن الْملك الصَّالح ونهبوا الْمَدِينَة وَقتلُوا الرِّجَال وأسروا النِّسَاء والذرية وهدموا المباني وتركوها بَلَاقِع ورحلوا بِالْملكِ الصَّالح إِسْمَاعِيل ثمَّ قَتَلُوهُ وهم فِي طريقهم إِلَى هولاكو. وفيهَا خرج الْأَمِير شمس الدّين أقوش البرلي من حلب نجدة للْملك الصَّالح فأدركه التتار بسنجار وواقعوه فَانْهَزَمَ مِنْهُم إِلَى البيرة فِي رَابِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة. ثمَّ اسْتَأْذن الْأَمِير شمس الدّين السُّلْطَان فِي العبور إِلَى مصر فَأذن لَهُ وَسَار إِلَى الْقَاهِرَة فَدَخلَهَا أول ذِي الْقعدَة فأنعم عَلَيْهِ السُّلْطَان وأقطعه إمرة سبعين فَارِسًا. وَولى السُّلْطَان بعده نِيَابَة حلب الْأَمِير عز الدّين أيدمر الشهابي فواقع أهل سيس وَأخذ مِنْهُم جمَاعَة وبعثهم إِلَى مصر فوسطوا. وفيهَا وَفد على السُّلْطَان بعيد كسرة الْمُسْتَنْصر شُيُوخ عبَادَة وخفاجة من هيت والأنبار إِلَى الْحلَّة والكوفة وَكَبِيرهمْ خضر بن بدران بن مقلد بن سُلَيْمَان بن مهارش الْعَبَّادِيّ وشهري بن أَحْمد الخفاجي ومقبل بن سَالم وَعَيَّاش بن حَدِيثَة ووشاح وَغَيرهم. فأنعم السُّلْطَان عَلَيْهِم وَكَانُوا لَهُ عينا على التتار. الْخَلِيفَة أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمُسْتَنْصر بِاللَّه أَبُو الْقَاسِم أَحْمد بن الظَّاهِر بِاللَّه أبي نصر مُحَمَّد ابْن النَّاصِر لدين الله أبي الْعَبَّاس أَحْمد العباسي قَتِيلا فِي المعركة قَرِيبا من هيت. وَتُوفِّي شيخ الْإِسْلَام عز الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الْعَزِيز بن عبد السَّلَام بن أبي الْقَاسِم ابْن الْحسن الْمُهَذّب السلبي الشَّافِعِي عَن اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سنة فِي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 545 وَتُوفِّي الصاحب كَمَال الدّين أَبُو الْقَاسِم عمر بن نجم الدّين أبي الْحسن أَحْمد بن هبة الله بن مُحَمَّد بن هبة الله بن أَحْمد بن يحيى بن العديم الْحَنَفِيّ بِالْقَاهِرَةِ. عَن نَيف وَسِتِّينَ سنة. وَتُوفِّي الأديب محيى الدّين أَبُو الْعِزّ يُوسُف بن يُوسُف بن يُوسُف بن شبْرمَة بن زبلاق الْهَاشِمِي الْموصِلِي الأديب الشَّاعِر الْكَاتِب قَتِيلا بالموصل عَن سبع وَخمسين سنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 546 سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وسِتمِائَة فِي الْخَمِيس ثامن الْمحرم: جلس الْملك الظَّاهِر مَجْلِسا عَاما جمع فِيهِ النَّاس. وحضره التتار الَّذين وفدوا من الْعرَاق وَالرسل المتوجهون إِلَى الْملك بركَة. وَجَاء الْأَمِير أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن أبي بكر عَليّ بن أبي بكر بن أَحْمد بن المسترشد بِاللَّه العباسي وَهُوَ رَاكب إِلَى الإيوان الْكَبِير بقلعة الْجَبَل وَجلسَ إِلَى جَانب السُّلْطَان وَقُرِئَ نسبه على النَّاس بَعْدَمَا ثَبت على قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب ابْن بنت الْأَعَز ولقب بِالْإِمَامِ الْحَاكِم بِأَمْر الله أَمِير الْمُؤمنِينَ وَتَوَلَّى قِرَاءَة نسبه القَاضِي محيى الدّين بن عبد الظَّاهِر كَاتب السِّرّ. فَلَمَّا ثَبت ذَلِك مد السُّلْطَان يَده وَبَايَعَهُ على الْعَمَل بِكِتَاب الله وَسنة رَسُوله وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَجِهَاد أَعدَاء الله وَأخذ أَمْوَال الله بِحَقِّهَا وصرفها فِي مستحقها وَالْوَفَاء بالعهود وَإِقَامَة الْحُدُود وَمَا يجب على الْأَمِير فعله فِي أُمُور الدّين وحراسة الْمُسلمين. فَلَمَّا تمت الْبيعَة أقبل الْخَلِيفَة على السُّلْطَان وقلده أُمُور الْبِلَاد والعباد وَجعل إِلَيْهِ تَدْبِير الْخلق وإقامه قسيمه فِي الْقيام بِالْحَقِّ وفوض إِلَيْهِ سَائِر الْأُمُور وعلق بِهِ صَلَاح الْجُمْهُور. ثمَّ أَخذ النَّاس على اخْتِلَاف طبقاتهم فِي مبايعته فَلم يبْق ملك وَلَا أَمِير وَلَا وَزِير وَلَا قَاض وَلَا مشير وَلَا جندي وَلَا فَقِيه إِلَّا وَبَايَعَهُ. فَلَمَّا تمت الْبيعَة تحدث السُّلْطَان مَعَه فِي إِنْفَاذ الرُّسُل إِلَى الْملك بركَة وانفض النَّاس. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي هَذَا الْيَوْم: اجْتمع النَّاس وَحضر الرُّسُل المذكورون وبرز الْخَلِيفَة الْحَاكِم بِأَمْر الله وَعَلِيهِ سوَاده وَصعد الْمِنْبَر لخطة الْجُمُعَة فَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي أَقَامَ لكل الْعَبَّاس ركنا وظهيراً وَجعل لَهُم من لَدَيْهِ سُلْطَانا ونصيراً. أَحْمَده على السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَأَسْتَنْصِرهُ على دفع الْأَعْدَاء وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله وَصَحبه نُجُوم الاهتداء وأئمة الِاقْتِدَاء الْأَرْبَعَة الْخُلَفَاء وعَلى الْعَبَّاس عَمه وَكَاشف غمه أبي السَّادة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين وَالْأَئِمَّة المهتدين وعَلى بَقِيَّة الصَّحَابَة التَّابِعين لَهُم بِإِحْسَان إِلَى يَوْم الدّين. أَيهَا النَّاس اعلموا أَن الْإِمَامَة فرض من فروض الْإِسْلَام وَالْجهَاد محتوم على جَمِيع الْأَنَام وَلَا يقوم علم الْجِهَاد إِلَّا باجتماع كلمة الْعباد وَلَا سببت الْحرم إِلَّا بإنتهاك الْمَحَارِم وَلَا سفكت الدِّمَاء إِلَّا بارتكاب المآثم. فَلَو شاهدتم أَعدَاء الْإِسْلَام حِين دخلُوا دَار السَّلَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 547 واستباحوا الدِّمَاء وَالْأَمْوَال وَقتلُوا الرِّجَال والأبطال والأطفال وهتكوا حرم الْخَلِيفَة والحريم وأذاقوا من استبقوا الْعَذَاب الْأَلِيم فارتفعت الْأَصْوَات بالبكاء والعويل وعلت الضجات من هول ذَلِك الْيَوْم الطَّوِيل. فكم من شيخ خضبت شيبته بدمائه وَكم طِفْل بكا فَلم يرحم لبكائه. فشمروا عَن سَاق الِاجْتِهَاد فِي أَحيَاء فرض الْجِهَاد 7 - (فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم وأسمعوا وَأَطيعُوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم وَمن يُوقَ شح نَفسه فَأُولَئِك هم المفلحون) فَلم تبْق معذرة عَن أَعدَاء الدّين والمحاماة عَن الْمُسلمين. وَهَذَا السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر السَّيِّد الْأَجَل الْعَالم الْعَادِل الْمُجَاهِد الرابط ركن الدُّنْيَا وَالدّين قد قَامَ بنصر الْإِمَامَة عِنْد قلَّة الْأَنْصَار وشرد جيوش الْكفْر بعد أَن جاسوا خلال الديار. فَأَصْبَحت الْبيعَة باهتمامه منتظمة الْعُقُود والدولة العباسية بِهِ متكاثرة الْجنُود. فبادروا عباد الله إِلَى شكر هَذِه النِّعْمَة وَأَخْلصُوا نياتكم تنتصروا وقاتلوا أَوْلِيَاء الشَّيْطَان تظفروا وَلَا يروعنكم مَا جرى فالحرب سِجَال وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين والدهر يَوْمَانِ وَالْأُخْرَى للْمُؤْمِنين. جمع الله على التَّقْوَى أَمركُم وأعز بِالْإِيمَان نصركم وَأَسْتَغْفِر الله الْعَظِيم لي وَلكم ولسائر الْمُسلمين فاستغفروه إِنَّه هُوَ الغفور الرَّحِيم. وَجلسَ الْخَلِيفَة جلْسَة الاسْتِرَاحَة ثمَّ قَامَ للخطة الثَّانِيَة وَقَالَ: الْحَمد لله حمداً يقوم بشكر نعمائه وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ عدَّة للقائه وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا سيد رسله وأنبيائه صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَصَحبه عدد مَا خلق فِي أرضه وسمائه. أوصيكم عباد الله بتقوى الله إِن أحسن مَا وعظ بِهِ الْإِنْسَان كَلَام الديَّان: يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أطِيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول وأولي الْأَمر مِنْكُم فَإِن تنازعتم فِي شَيْء فَردُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُول إِن كُنْتُم تؤمنون بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر ذَلِك خير لكم وَأحسن تَأْوِيلا نفعنا الله وَإِيَّاكُم بكتابه وأجزل لنا وَلكم من ثَوَابه وَغفر لي وَلكم وللمسلمين أَجْمَعِينَ وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين. ثمَّ نزل الْخَلِيفَة. وَصلى بِالنَّاسِ صَلَاة الْجُمُعَة وَانْصَرف. وَفِي هَذَا الْيَوْم خطب على مَنَابِر الْقَاهِرَة ومصر بِالدُّعَاءِ للخليفة الْحَاكِم بِأَمْر الله وَكتب إِلَى الْأَعْمَال بذلك فَخَطب لَهُ بِدِمَشْق فِي يَوْم الْجُمُعَة سادس عشره. وَقد قيل فِي نسبه أَنه أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن الْأَمِير مُحَمَّد بن الْحسن بن أبي بكر بن الْحسن بن عَليّ القبي بن الْحسن بن أَمِير الْمُؤمنِينَ الراشد بن المسترشد وَهُوَ الْخَلِيفَة التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 548 خلفاء بني الْعَبَّاس وَلَيْسَ فيهم بعد السفاح والمنصور من لَيْسَ أَبوهُ وجده خَليفَة غَيره وَأما من لَيْسَ أَبوهُ خَليفَة فكثير. وتجهز الْفَقِيه مجد الدّين والأمير سيف الدّين كش تَكُ وَكتب على يدهما كتب بأحوال الْإِسْلَام ومبايعة الْخَلِيفَة واستمالة الْملك بركَة وحثه على الْجِهَاد وَوصف عَسَاكِر الْمُسلمين وكثرتهم وعدة أجناسهم وَمَا فِيهَا من خيل وتركمان وعشائر وأكراد وَمن وافقها وهاداها وهادنها وَأَنَّهَا كلهَا سامعة مطيعة لإشارته إِلَى غير ذَلِك من الإغراء بهلاون وتهون أمره والإشلاء عَلَيْهِ وتقبيح فعله وَنَحْو ذَلِك. وجهز السُّلْطَان مَعَهُمَا أَيْضا نُسْخَة نِسْبَة الْخَلِيفَة إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأذهبت وَكتب فِيهَا الإسجال بثبوتها. وجمعت الْأُمَرَاء والمفاردة وَغَيرهم وقرئت عَلَيْهِم الْكتب وسلمت إِلَى الرُّسُل. وسير مَعَهُمَا نفران من التتر أَصْحَاب الْملك بركَة ليعرفاهما بالطرق وَسَارُوا فِي الطرائد وَمَعَهُمْ زوادة أشهر. فوصلوا إِلَى الأشكري فَقَامَ بخدمتهم وَاتفقَ وُصُول رسل الْملك بركَة إِلَيْهِ فسيرهم صحبته وَعَاد الْفَقِيه مجد الدّين لمَرض نزل بِهِ وَمَعَهُ كتاب الأشكري بمسير الْأَمِير سيف الدّين ورفقته. وَسَار الْأَمِير جمال الدّين أقوش النجيبي الصَّالِحِي إِلَى نِيَابَة دمشق وَمَعَهُ الصاحب عز الدّين عبد الْعَزِيز بن ودَاعَة وَزِير دمشق وعَلى يَده تَذَاكر شريفة بَعْدَمَا خلع عَلَيْهِمَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 549 وَفِي سَابِع ربيع الآخر: سَار السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل إِلَى بِلَاد الشَّام وَنزل خَارج الْقَاهِرَة. ورحل فِي حادي عشره ودام الصَّيْد إِلَى أَن دخل غَزَّة بَعْدَمَا ضرب حَلقَة بِثَلَاث آلَاف فَارس فِي الْعَريش فَوَقع فِيهَا صيد كثير جدا وتقنطر الْأَمِير شمس الدّين سنقر الرُّومِي عَن فرسه فَسَار السُّلْطَان إِلَيْهِ وَنزل عِنْده وَجعل رَأسه على ركبته وَأخرج من خريطته الموميا وسقاه وَأَخذه مَعَه إِلَى خيمته. وتقنطر الْأَمِير سيف الدّين قلاوون فاعتمد السُّلْطَان مَعَه مثل ذَلِك. وَقدم عَلَيْهِ فِي غَزَّة جمَاعَة مِنْهُم أم الْملك المغيث عمر بن الْعَادِل أبي بكر بن الْكَامِل مُحَمَّد بن الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب صَاحب الكرك فأنعم عَلَيْهَا إنعاماً كثيرا وَأعْطى سَائِر من كَانَ مَعهَا وَحصل الحَدِيث فِي حُضُور وَلَدهَا إِلَى السُّلْطَان وعادت إِلَى ابْنهَا بالكرك. من جملَة مَا زودها بِهِ السُّلْطَان من صَيْده خَمْسَة عشر حملا وَسَار مَعهَا الْأَمِير شرف الدّين الجاكي المهمندار برسم تجهيز الإقامات للْملك المغيث إِذا حضر. وَنظر السُّلْطَان فِي أَمر التركمان وخلع على أمرائهم وعَلى أُمَرَاء العربان من العابد وجرم وثعلبة وضمنهم الْبِلَاد وألزمهم الْقيام بالعداد وَشرط عَلَيْهِم خدمَة الْبَرِيد وإحضار الْخَيل برسمه وَكتب إِلَى ملك شيراز وَأهل تِلْكَ الديار وَإِلَى عرب خفاجة يستحثهم على قتال هولاكو ملك التتار وَأَن الْأَخْبَار قد وَردت من الْبَحْر بِكَسْر الْملك بركَة لَهُ غير مرّة. ثمَّ رَحل السُّلْطَان من غَزَّة إِلَى جِهَة السَّاحِل وَنزل الطّور فِي ثَانِي عشر جُمَادَى الأولى وَقدم إِلَيْهِ هُنَاكَ الْملك الْأَشْرَف صَاحب حمص فِي خَامِس عشره بِإِذن مِنْهُ فَتَلقاهُ السُّلْطَان وأكرمه وَبعث إِلَيْهِ سبعين غزالاً فِي دفْعَة وَاحِدَة وَقَالَ: هَذَا صيد يَوْمنَا هَذَا جعلته لَك. وَخرج إِلَيْهِ المغيث من الكرك بَعْدَمَا كَاتبه الْملك الظَّاهِر يستدعيه وَهُوَ يسوف بِهِ. فأظهر السُّلْطَان من الاحتفال لَهُ شَيْئا كثيرا وخدعه أعظم خديعة وكتم أمره عَن كل أحد. فَلَمَّا وصل المغيث بيسان ركب السُّلْطَان إِلَى لِقَائِه فِي سادس عشري جُمَادَى الأولى وافاه فِي أحسن زِيّ. فعندما التقيا سَاق الْملك المغيث إِلَى جَانب السُّلْطَان فَسَار بِهِ إِلَى الدهليز السلطاني ودخلا إِلَى خركاه وللوقت قبض عَلَيْهِ. وأحضر السُّلْطَان الْمُلُوك والأمراء وقاضي الْقُضَاة شمس الدّين أَحْمد بن خلكان وَكَانَ قد استدعاه من دمشق وَالشُّهُود والأجناد ورسل الفرنج. وَأخرج السُّلْطَان إِلَيْهِم كتب الْملك المغيث إِلَى التتار وَكتب التتار إِلَيْهِ وَأخرج أَيْضا فَتَاوَى الْفُقَهَاء بقتاله وأحضر أَيْضا القصاد الَّذين كَانُوا يسفرون بَينه بَين هولاكو. ثمَّ قَالَ الْأَمِير الأتابك لمن حضر: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 550 السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر يسلم عَلَيْكُم وَيَقُول مَا أخذت الْملك المغيث إِلَّا بهَا السَّبَب وقرئت الْكتب الْمَذْكُورَة عَلَيْهِم. فَكتب بِصُورَة الْحَال وَأثبت الْقُضَاة خطوطهم فِي الْمَكْتُوب وانفض الْجمع. وَجلسَ السُّلْطَان وَأمر فَكتب إِلَى من بالكرك يعدهم ويحذرهم وسير الْأَمِير بدر الدّين بيسري والأمير عز الدّين الأستادار بالكتب وَالْخلْع وَالْأَمْوَال إِلَى الكرك. وَأرْسل الْملك المغيث عشَاء إِلَى مصر مَعَ الْأَمِير شمس الدّين أقسنقر الفارقاني السِّلَاح دَار فَسَار بِهِ إِلَى قلعة الْجَبَل وسجنه بهَا وَأطلق السُّلْطَان حَوَاشِيه وَبعث بحريمه إِلَى مصر وَأطلق لَهُم الرَّوَاتِب. وَلما خلا بَال السُّلْطَان من هم الْملك المغيث توجه بكليته إِلَى الفرنج: فَإِنَّهُم كَانُوا قد شرعوا فِي التعلل وطلبوا زرعين فأجابهم السُّلْطَان بأنكم تعوضتم عَنْهَا فِي الْأَيَّام الناصرية ضيَاعًا من مرج عُيُون وهم لَا يزدادون إِلَّا شكوى. وَآخر الْحَال طلب الفرنج من وَالِي غَزَّة كتابا بتمكين رسلهم إِذا حَضَرُوا فَكتب لَهُم الْكتاب وتواصلت بعد ذَلِك كتبهمْ. ووردت كتب النواب بشكواهم وَأَنَّهُمْ اعتمدوا أموراً تفسخ الْهُدْنَة فَلَمَّا صَار السُّلْطَان فِي وسط بِلَادهمْ وَردت عَلَيْهِ كتبهمْ وفيهَا: مَا عرفنَا بوصول السُّلْطَان. فَكتب إِلَيْهِم: من يُرِيد أَن يتَوَلَّى أمرا يَنْبَغِي أَن يكون فِيهِ يقظة وَمن خَفِي عَنهُ خُرُوج هَذِه العساكر وَجَهل مَا عَلمته الوحوش فِي الفلاة وَالْحِيتَان فِي الْمِيَاه من كثرتها الَّتِي لَعَلَّ بُيُوتكُمْ مَا فِيهَا مَوضِع إِلَّا ويكنس مِنْهُ التُّرَاب الَّذِي أثارته خيل هَذِه العساكر وَلَعَلَّ وَقع سنابكها قد أَصمّ أسماع من وَرَاء الْبَحْر من الفرنج وَمن فِي موتان من التتار. فَإِذا كَانَت هَذِه العساكر تصل جَمِيعهَا إِلَى أَبْوَاب بُيُوتكُمْ وَلَا تَدْرُونَ فَأَي شَيْء تعلمُونَ. وماذا تحطون بِهِ علما وَلم لَا أعطيتم لوالي غَزَّة الْكتاب الَّذِي كُنَّا سيرناه لكم بتمكين رَسُولكُم إِذا حضر قَالَ الرَّسُول: نَسِينَا وَمَا علمنَا كَيفَ عدم. فَكَانَ الْجَواب: إِذا نسيتم هَذَا فَأَي شَيْء تذكرُونَ. وَإِذا ضيعتموه فَأَي شَيْء تحفظون. وانفعل الْحَال على هَذَا. ووصلت نواب يافا ونواب أرسوف بهدية فَأخذت مِنْهُم تطميناً لقُلُوبِهِمْ وتسكينا لَهُم. هَذَا وَقد أَمر السُّلْطَان أَلا ينزل أحد فِي زرع الفرنج وَلَا يسيب فرسا وَلَا يُؤْذِي لَهُم ورقة خضراء وَلَا يتَعَرَّض إِلَى شَيْء من مَوَاشِيهمْ وَلَا إِلَى أحد من فلاحيهم. وَكَانَت كتبهمْ أَولا ترد بندمهم على الْهُدْنَة وطلبهم مسخها فَلَمَّا قرب السُّلْطَان مِنْهُم صَارَت ترد بِأَنَّهُم باقون على الْعَهْد متمسكون بأذيال المواثيق. وَفِي الْيَوْم الَّذِي قبض فِيهِ على الْملك المغيث أَمر السُّلْطَان بإحضار بيُوت الفرنجية وَقَالَ: مَا تَقولُونَ قَالُوا: نتمسك بالهدنة الَّتِي بَيْننَا. فَقَالَ السُّلْطَان: لم لَا كَانَ هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 551 قبل حضورنا إِلَى هَذَا الْمَكَان وإنفاق الْأَمْوَال الَّتِي لَو جرت لكَانَتْ بحاراً وَنحن لما حَضَرنَا إِلَى هَا هُنَا مَا آذيناكم زرعا وَلَا غَيره وَلَا نهب لكم مَال وَلَا مَاشِيَة وَلَا أسر لكم أَسِير. وَأَنْتُم منعتم الجلب والميرة عَن الْعَسْكَر وحرمتم خُرُوج شَيْء من الغلات والأغنام وَغير ذَلِك وَمن انْفَرد من غلْمَان الْعَسْكَر أسرتموه. إِلَيْنَا بِدِمَشْق نُسْخَة يَمِين حلفنا عَلَيْهَا وسيرنا نُسْخَة يَمِين من عندنَا لم تحلفُوا عَلَيْهَا وعلمتم أَنْتُم نُسْخَة عفتم عَلَيْهَا وَشرط الْيَمين الأولى تتَعَلَّق بِالثَّانِيَةِ. وسيرنا الْأُسَارَى إِلَى نابلس وَمِنْهَا إِلَى دمشق وَمَا سيرتم أَنْتُم أحد وكل بَيت يحِيل على الآخر وَمَا سيرنا الْأُسَارَى إِلَّا وَفَاء بالعهد وَإِقَامَة الْحجَّة عَلَيْكُم وسيرنا كَمَال الدّين بن شِيث رَسُولا يعلمكم بوصول الأسرى فَلم تبعثوا أحدا وَلم ترحموا أهل ملتكم الأسرى وَقد وصلوا إِلَى أَبْوَاب بُيُوتكُمْ كل ذَلِك حَتَّى لَا تبطل أشغالكم من أسرى الْمُسلمين عنْدكُمْ. وأموال التُّجَّار شرطتم الْقيام بِمَا أخذتموه مِنْهَا ثمَّ قُلْتُمْ مَا أخذت من بِلَادنَا وَإِنَّمَا أخذت فِي أنطرسوس وَحمل المَال إِلَى خزانَة بَيت الديوية والأسرى فِي بَيت الديوية فَإِن كَانَت أنطرسوس مَا هِيَ لكم فَالله يُحَقّق ذَلِك. ثمَّ إِنَّا شَرنَا رسلًا إِلَى بِلَاد السلاجقة الرّوم وكتبنا إِلَيْكُم بتسفيرهم فِي الْبَحْر فأشرتم عَلَيْهِم بِالسَّفرِ إِلَى قبرص فسافروا بِكِتَابِكُمْ وأمانكم فَأخذُوا وقيدوا وضيق عَلَيْهِم وأتلف أحدهم على مَا ذكر. فَإِن كَانَ هَذَا برضاكم فقبيح أَن يعتمدوا هَذَا الِاعْتِمَاد. هَذَا مَعَ إحساننا إِلَى رسلكُمْ وتجاركم وَالْوَفَاء أحد أَرْكَان الْملك. وَجَرت عَادَة الرُّسُل أَنَّهَا لَا تؤذي وَمَا زَالَت الْحَرْب قَائِمَة وَالرسل تَتَرَدَّد وَمَا الْقُدْرَة على الرَّسُول بِشَيْء يسكن غيظاً. فَإِن كَانَ هَذَا بِغَيْر رضاكم فَإِنَّهُ نقص فِي حرمتكم وَإِذا كَانَ صَاحب جَزِيرَة قبرص من أهل ملتكم يخرق حرمتكم وَلَا يَفِي بعهدكم وَلَا يحفظ ذمامكم وَلَا يقبل شفاعتكم فَأَي حُرْمَة تبقى لكم وَأي ذمام يوثق بِهِ مِنْكُم وَأي شَفَاعَة تقبل عِنْد الْمُسلمين والفرنجية وَهل كَانَت الْمُلُوك الْمَاضِيَة تَقِيّ النُّفُوس وَالرِّجَال وَالْأَمْوَال إِلَّا بِحِفْظ الْحُرْمَة. وَمَا صَاحب جَزِيرَة قبرص ملك عَظِيم وَلَا صَاحب حصن منيع وَلَا قَائِد جَيش كثير وَلَا هُوَ خَارج عَنْكُم. بل أَكثر تعلقاته فِي عكا والساحل وَله عنْدكُمْ المراكب والتجار وَالْأَمْوَال وَالرسل وَلَيْسَ هُوَ مُنْفَرد بِنَفسِهِ وَعِنْده الديوية وَجَمِيع الْبيُوت والنواب مقيمون عِنْده وَعِنْده كند يافا وَغَيره. فَلَو كُنْتُم لَا تؤثرون ذَلِك كُنْتُم قُمْتُم جميعكم عَلَيْهِ وأحطتم على كل مَا يتَعَلَّق بِهِ وَأَصْحَابه وَاسْتَرَحْتُمْ من هَذِه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 552 الفضيحة وكتبتم إِلَى مُلُوك الفرنجية وَإِلَى البابا بِمَا فعله. وَإِذا قُلْتُمْ صَاحب قبرص لَا يسمع مِنْكُم وَلَا يعطكم فَإِذا لم يسمع مِنْكُم صَاحب قبرص وَهُوَ من أهل ملتكم فَمن يسمع مِنْكُم وَهل لهَذِهِ التقدمة إِلَى الْأَمر وَالنَّهْي ولاسيما أَنْتُم تَقولُونَ أَن أُمُوركُم دينية وَمن ردهَا عصى المعبود ويغضب عَلَيْهِ الْمَسِيح. فَكيف لَا يَعْصِي المعبود ويغضب الْمَسِيح على صَاحب قبرص وَقد رد أَمركُم وأغرى بكم وقبح قَوْلكُم. وَكُنَّا لَو اشتهينا أَخذنَا حَقنا مِنْهُ وَإِنَّمَا الْحق عنْدكُمْ نَحن نطلب مِنْكُم وَأَنْتُم تطلبون مِنْهُ. وَأَنْتُم فِي أَيَّام الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل أَخَذْتُم صفد والشقيف على أَنكُمْ تنجدونه على السُّلْطَان الشَّهِيد الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب. وخرجتم جميعكم فِي خدمته ونجدته وَجرى مَا جرى من خذلانه وقتلكم وأسركم وَأسر ملوككم وَأسر مقدميكم وكل أحد يتَحَقَّق مَا جرى عَلَيْكُم من ذهَاب الْأَرْوَاح وَالْأَمْوَال. وَقد انتقضت تِلْكَ الدولة وَلم يُؤَاخِذكُم السُّلْطَان الشَّهِيد عَن فتوحه الْبِلَاد وَأحسن إِلَيْكُم فقابلتم ذَلِك بِأَن رحتم إِلَى الريدافرنس وساعدتموه وأتيتم صحبته إِلَى مصر حَتَّى جرى مَا جرى من الْقَتْل والأسر. فَأَي مرّة وفيتم فِيهَا لمملكة مصر أم أَي حَرَكَة أفلحتم فِيهَا. وَبِالْجُمْلَةِ فَأنْتم أَخَذْتُم هَذِه الْبِلَاد من الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل لإعانة مملكة الشَّام وَطَاعَة ملكهَا ونصرته وَالْخُرُوج فِي خدمته وإنفاق الْأَمْوَال فِي نجدته. وَقد صَارَت بِحَمْد الله مملكة الشَّام وَغَيرهَا لي وَمَا أَنا مُحْتَاج إِلَى نصرتكم وَلَا إِلَى نجدتكم وَلم يبْق لي عَدو أخافه. فَردُّوا مَا أخذتموه من الْبِلَاد وفكوا أسرى الْمُسلمين جَمِيعهم فَإِنِّي لَا أقبل غير ذَلِك. فَلَمَّا سمع رسل الفرنج هَذِه الْمقَالة بهتُوا وَقَالُوا: نَحن لَا ننقض الْهُدْنَة وَإِنَّمَا نطلب مراحم السُّلْطَان فِي استدامتها وَنحن نزيل شكوى النواب وَنخرج من جَمِيع الدَّعَاوَى ونفك الأسرى ونستأنف الْخدمَة. فَقَالَ السُّلْطَان: كَانَ هَذَا قبل خروجي من مصر فِي هَذَا الشتَاء وَهَذِه الأمطار ووصول العساكر إِلَى هُنَا. وانفصلوا على هَذِه الْأُمُور فَأمر السُّلْطَان بإخراجهم وَألا يبيتوا فِي الوطاق. وَوجه الْأَمِير عَلَاء الدّين طيبرس إِلَى كَنِيسَة الناصرة وَكَانَت أجل مَوَاطِن عباداتهم ويزعمون أَن دين النَّصْرَانِيَّة ظهر مِنْهَا فَسَار إِلَيْهَا وهدمها فَلم يتجاسر أحد من الفرنج أَن يَتَحَرَّك. ثمَّ وَجه السُّلْطَان الْأَمِير بدر الدّين الأيدمري فِي عَسْكَر إِلَى عكا فَسَارُوا إِلَيْهَا واقتحموا أَبْوَابهَا وعادوا. ثمَّ سَارُوا ثَانِيًا وأغاروا على مواشي الفرنج وأحضروا مِنْهَا شَيْئا كثيرا إِلَى المخيم. وَاسْتمرّ جُلُوس السُّلْطَان كل يَوْم على بَاب الدهليز بِصفة عمرها من غير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 553 احتجاب عَن أحد فَمن وقف لَهُ أحضرهُ وَأخذ قصَّته وأنصفه وَهُوَ فِي أَمر وَنهي وَعَطَاء وتدبير واستجلاب قُلُوب أهل الكرك. وقدمت رسل دَار الدعْوَة بالهدايا فَأحْسن إِلَيْهِم وعادوا. وَأمر جمَاعَة فِي الشَّام والساحل وَأعْطِي الْأَمِير عَلَاء الدّين أَيْدِيكُنَّ البندقدار إقطاعا جيدا بِمصْر. وَطلب أهل بِلَاد السَّاحِل من الفلاحين وَقرر عَلَيْهِم أَمْوَالًا سَمَّاهَا جنايات وألزمهم بحملها إِلَى بَيت المَال عَن ديات من قتل وَلَيْسَ لَهُ وَارِث وهم مَا نهبوه من مَال جهل مَالِكه. فَحملت من ذَلِك أَمْوَال كَثِيرَة جدا من بِلَاد نابلس وبلاد السَّاحِل وانكسرت شَوْكَة أهل العيث وَالْفساد بذلك بَعْدَمَا كَانَ الضَّرَر عَظِيما بهم من تسلطهم على الرّعية ونقلهم الْأَخْبَار للفرنج. فَرَأى السُّلْطَان عقوبتهم بِهَذَا الْفِعْل أولى من قَتلهمْ فَإِنَّهُم أَصْحَاب زرع وضرع. ركب السُّلْطَان وجرد من كل عشرَة فَارِسًا واستناب الْأَمِير شُجَاع الدّين الشبلي المهمندار فِي الدهليز السلطاني وسَاق من منزلَة الطّور نصف اللَّيْل. فَصبح عكا وأطاف بهَا من جِهَة الْبر وَندب جمَاعَة لحصار برج كَانَ قَرِيبا مِنْهُ فشرعوا فِي نقبه وَأقَام لسلطان على ذَلِك إِلَى قريب الْمغرب وَعَاد. وَكَانَ قَصده بذلك كشف مَدِينَة عكا فَإِن الفرنج كَانُوا يَزْعمُونَ أَن أحدا لَا يَجْسُر أَن يقرب مِنْهَا فصاروا ينظرُونَ من أَبْوَاب الْمَدِينَة وَلَا يَسْتَطِيعُونَ حَرَكَة. وَلما عَاد السُّلْطَان إِلَى الدهليز ركب لما أصبح وأركب نَاس مَعَه وسَاق إِلَى عكا. فَإِذا الفرنج قد حفروا خَنْدَقًا حول تل الفضول وَجعلُوا معاثر فِي الطَّرِيق ووقفوا صُفُوفا على التل فَلَمَّا أشرف السُّلْطَان عَلَيْهِم رتب الْعَسْكَر بِنَفسِهِ وَشرع الْجَمِيع فِي ذكر الله وتهليله وتكبيره وَالسُّلْطَان يحثهم على ذَلِك حَتَّى ارْتَفَعت أَصْوَاتهم. وللوقت ردمت الْخَنَادِق بأيدي غلْمَان العساكر وبمن حضر من الْفُقَرَاء الْمُجَاهدين وَصعد الْمُسلمُونَ فَوق تل الفضول وَقد انهزم الفرنج إِلَى الْمَدِينَة. وامتدت الْأَيْدِي إِلَى مَا حول عكا من الأبراج فهدمت وَحرقت الْأَشْجَار حَتَّى انْعَقَد الجو من دخانها. وسَاق الْعَسْكَر إِلَى أَبْوَاب عكا وَقتلُوا وأسروا عدَّة من الفرنج سَاعَة وَاحِدَة وَالسُّلْطَان قَائِم على رَأس التل يعْمل فِي أَخذ رَأْي الْمَدِينَة والأمراء تحمل على الْأَبْوَاب وَاحِدًا بعد وَاحِد. ثمَّ حملُوا حَملَة وَاحِدَة ألقوا فِيهَا الفرنج فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 554 الْخَنَادِق وَهلك مِنْهُم جمَاعَة فِي الْأَبْوَاب. فَلَمَّا كَانَ آخر النَّهَار سَاق السُّلْطَان إِلَى البرج الَّذِي نقب وَقد تعلق حَتَّى رمي بَين يَدَيْهِ وَأخذ مِنْهُ أَرْبَعَة من الفرسان ونيف وَثَلَاثُونَ رَاجِلا وَبَات السُّلْطَان على ذَلِك. فَلَمَّا أصبح عَاد على بِلَاد الفرنج وكشفها مَكَانا مَكَانا وَعبر على الناصرة حَتَّى شَاهد خراب كنيستها وَقد سوى بهَا الأَرْض وَصَارَ إِلَى الصّفة الَّتِي بناها قبالة الطّور فوافاها لَيْلًا وَجلسَ عَلَيْهَا. وأحضر الشموع الَّتِي بالمنجنيقات وَنصب عَلَيْهَا خَمْسَة وأحضر الصاحب فَخر الدّين مُحَمَّد بن حنا وَزِير الصُّحْبَة. وَجَمَاعَة كتاب الدرج وهم سَبْعَة: الصاحب فَخر الدّين بن لُقْمَان والصدر بدر الدّين حسن الْموصِلِي والصدر كَمَال الدّين أَحْمد بن العجمي والصدر فتح الدّين ابْن القيسراني والصدر شهَاب الدّين أَحْمد بن عبيد الله والصدر برهَان الدّين. واحضر كتاب الْجَيْش وَأمر الْأَمِير سيف الدّين الزيني أَمِير علم أَن يجلس مَعَ كتاب الْجَيْش لأجل كِتَابَة المناشير وتجهيز الطبلخانا وَأَن يكون الأتابك بَين يَدي السُّلْطَان. واستدعى من الجشارات بِخَمْسِمِائَة فرس لأجل الطبلخاناه وخيول الْأُمَرَاء وأحضرت خلع كَثِيرَة وَأمر السِّلَاح دارية أَن يستريحوا بالنوبة ويحضروا. فَلم تزل المثالات والمناشير تكْتب وَهُوَ يعلم فَكتب بَين يَدَيْهِ تِلْكَ اللَّيْلَة سِتَّة وَخَمْسُونَ منشوراً كبارًا يخْطب لأمراء كبار. وظل الصاحب فَخر الدّين يعلم وَفتح الدّين بن سناء الْملك صَاحب ديوَان الْجَيْش وَصَاحب ديوَان الخزائن يعلم والأمير بدر الدّين الخازندار وَاقِف والمستوفي ينزل حَتَّى كملت بَين يَدَيْهِ. وَأصْبح السُّلْطَان فَخَلا بِنَفسِهِ وجهز الطبلخاناه والسناجق وَالْخَيْل وَالْخلْع إِلَى الْأُمَرَاء وَجعل الْأَمِير نَاصِر الدّين القيمري نَائِب السلطة بالفتوحات الساحلية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 555 ورحل السُّلْطَان من الطّور يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث عشر جُمَادَى الْآخِرَة وَسَار إِلَى الْقُدس فوافاه يَوْم الْجُمُعَة عشره وكشف أَحْوَال الْبَلَد وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ الْمَسْجِد من الْعِمَارَة وَنظر فِي الْأَوْقَاف وَكتب بحمايتها ورتب برسم مصَالح الْمَسْجِد فِي كل سنة خَمْسَة آلَاف دِرْهَم وَأمر بِبِنَاء خَان خَارج الْبَلَد وَنقل إِلَيْهِ من الْقَاهِرَة بَاب الْقصر الْمَعْرُوف بِبَاب الْعِيد ونادى بالقدس أَلا ينزل أحد فِي زرع. لم سَار السُّلْطَان إِلَى الكرك فنزله يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشريه بعساكره وأحضر السلالم الْخشب من الصَّلْت وَغَيره والحجارين والبنائين والنجارين والصناع من مصر ودمشق. وَكتب إِلَى من فِي الكرك فخافوا وترددت الرُّسُل بَينهم وَبَينه حَتَّى اسْتَقر الْحَال على أَنه يعْطى الْملك الْعَزِيز عُثْمَان بن الْملك المغيث إمرة مائَة فَارس فأنعم بذلك. وَنزل أَوْلَاد المغيث وقاضي الْمَدِينَة وخطبها وعدة من أَهلهَا وَمَعَهُمْ مَفَاتِيح الْمَدِينَة والقلعة فَحلف لَهُم السُّلْطَان وأرضاهم وسير الْأَمِير عز الدّين أيدمر الأستادار والصاحب فَخر الدّين مُحَمَّد بن الصاحب بهاء الدّين عَليّ بن مُحَمَّد بن سليم بن حنا فِي لَيْلَة الْجُمُعَة رَابِع عشريه فتسلما القلعة. وَفِي بكرَة الْجُمُعَة دعِي للسُّلْطَان على الأسوار ونصبت سناجقه على الأبراج وَركب فِي السَّاعَة الثَّالِثَة وطلع إِلَى القلعة ورتب أَمر جَيش الكرك وَأنْفق فيهم ثَلَاثَة أشهر من خزائنه واهتم السُّلْطَان ببلادها وَعين لَهَا خَاصّا وَزَاد جمَاعَة وأنعم على أَوْلَاد الْملك المغيث بِجَمِيعِ مَا كَانَ فِي القلعة من مَال وقماش وأثاث. وَصلى بهَا صَلَاة الْجُمُعَة وَنزل قريب الْمغرب وَلم يتَعَرَّض أحد من الْعَسْكَر لأَهْلهَا بِسوء. وَأصْبح السُّلْطَان فَبعث إِلَى الْعَزِيز بن المغيث الْخلْع والقماش وَإِلَى الطواشي بهاء الدّين صندل والأمير شهَاب الدّين صعلوك أتابكة. كتب بالبشارة إِلَى مصر وَالشَّام بِأخذ الكرك وَأَن تحمل إِلَيْهِ الغلات والأصناف طلع السُّلْطَان إِلَيْهَا يَوْم الِاثْنَيْنِ وأحضر الدَّوَاوِين ورتب الإقطاعات للعربان الأجناد فَكتب بَين يَدَيْهِ زِيَادَة على ثَلَاثمِائَة منشور وسلمت لأربابها بَعْدَمَا حلفوا بَين يَدي السُّلْطَان وكتبت أَيْضا تواقيع لأهل الكرك بمناصب دينية وديوانية. وجرد سُلْطَان بهَا عدَّة من البحرية والظاهرية وَحلف مقدمي الكرك وأنصارها وَقَالَ لأهل كرك: اعلموا أَنكُمْ قد أسأتم إِلَى فِي الْأَيَّام الْمَاضِيَة وَقد اغتفرت لكم ذَلِك لكونكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 556 مَا خامرتم على صَاحبكُم. وَقد ازددت فِيكُم محبَّة فتناسوا الحقود. وأحضر الْأَمِير عبِّيَّة وَغَيره عَن هرب من بني مهْدي وألزمهم أَدْرَاك الْبِلَاد وخفرهم إِلَى أَرض الْحجاز وَأمر بعمارة مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي السُّور وحصنه وحفر الخَنْدَق وأحاطه بالحصن وَلم يكن قبل ذَلِك كَذَلِك. وأشحن الْحصن بالأسلحة والغلال وآلات الْحَرْب والأقوات وَوضع فِيهِ مبلغ سبعين ألف دِينَار عينا وَمِائَة وَخمسين دِرْهَم نقرة. واستناب بالكرك الْأَمِير عز الدّين أيدمر من مماليكه وأضاف إِلَيْهِ الشوبك وَأَعْطَاهُ ثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم وَكَثِيرًا من ورحل السُّلْطَان إِلَى مصر وَمَعَهُ أَوْلَاد الْملك المغيث وحريمه فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشريه. فَدخل الْقَاهِرَة فِي سَابِع عشر رَجَب وَقد زينت أحسن زِينَة فشق القصبة إِلَى قلعة الْجَبَل على شقق الْحَرِير الأطلس والعتابي وخلع على الْأُمَرَاء والمفاردة والمقدمين وَجَمِيع حَاشِيَته وغلمانه ومباشريه وَأعْطى الْعَزِيز بن الْملك المغيث إمرة مائَة فَارس وخلع عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ طبلخاناه وَأطلق لأخويه وَحرم أَبِيه سَائِر مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ هم وغلمانمهم وأنزلهم بدار القطبية بَين القصرين من الْقَاهِرَة. وَأصْبح السُّلْطَان فَقبض على الْأَمِير سيف الدّين الرَّشِيدِيّ واعتقله. وَفِي تَاسِع عشره قبض على الْأَمِير عز الدّين أيبك الدمياطي والأمير شمس الدّين أقوش البرلي واعتقلهما فَكَانَ آخر الْعَهْد بأقوش البرلي. وَلما قبض السُّلْطَان عَلَيْهِمَا أحسن إِلَى مماليكهما وحواشيهما وَلم يغر على أحد مِنْهُم وَلَا تعرض إِلَى بيُوت الْأُمَرَاء. وَكَانَ سَبَب تنكره على هَذِه الْأُمَرَاء أَنه كَانَ قد فوض إِلَى الرَّشِيدِيّ أَمر المملكة حَتَّى تصرفت يَده فِي كل شَيْء وَأطلق لَهُ فِي كل جُمُعَة خوانين من عِنْده يمدان لَهُ حَتَّى مَاء الْورْد ورتب لَهُ كل شهر كلونتين زركش قيمَة كل مِنْهُمَا مبلغ خمسين دِينَارا عينا وَقِيمَة كلبندها مبلغ أَرْبَعِينَ دِينَارا ورتب لَهُ برسم مشروبه اثْنَي عشر ألف دِينَار فِي كل سنة. هَذَا سوى مَا لَهُ من الاقطاعات الجليلة والمرتبات الْكَثِيرَة وَسوى الإنعامات وجوامك البزدارية والفهادة وعليق الْخَيل. فَأقبل الرَّشِيدِيّ على اللَّهْو وَشرب الْخمر وحمت حَوَاشِيه عدَّة بِلَاد وَحدثت مِنْهُ أُمُور لَا تسر فأغضى عَنهُ السُّلْطَان. فَلَمَّا كَانَ بِالطورِ بلغه أَن الرَّشِيدِيّ قد فَسدتْ نِيَّته فَأَقَامَ عَلَيْهِ عيُونا تحفظ كل مَا يجْرِي مِنْهُ: فَبَلغهُ عَنهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 557 أَنه كَانَ يُكَاتب المغيث بالكرك ويحذره من الْقدوم على السُّلْطَان وَيُشِير عَلَيْهِ أَلا يسلم نَفسه وَأَنه كتب إِلَى أهل الكرك أَيْضا بعد الْقَبْض على المغيث يَأْمُرهُم بألا يسلمُوا الكرك فَأسر السُّلْطَان ذَلِك فِي نَفسه إِلَى أَن سَار إِلَى الكرك فَبَلغهُ عَنهُ أَنه يُرِيد الْمُبَادرَة إِلَى أَخذ الكرك فسارع إِلَيْهِ ولاطفه وَركب مَعَه إِلَى الكرك وَأَخذهَا. وَبلغ السُّلْطَان عَنهُ أَيْضا عدَّة أُمُور من هَذَا النَّحْو. وقدمت رسل الْملك بركَة تطلب النجدة على هولاكو - وهم الْأَمِير جلال الدّين ابْن القَاضِي وَالشَّيْخ نور الدّين عَليّ فِي عدَّة - ويخبرون بِإِسْلَامِهِ وَإِسْلَام قومه وعَلى يدهم كتاب مؤرخ بِأول رَجَب سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وسِتمِائَة. وَقدم أَيْضا رَسُول الأشكري وَرَسُول مقدم الجنوية وَرَسُول صَاحب الرّوم السلاجقة فَأحْسن السُّلْطَان إِلَى الرُّسُل وَعمل لَهُم دَعْوَة بأراضي اللوق وواصل الإنعام عَلَيْهِم فِي يومي الثُّلَاثَاء والسبت عِنْد اللّعب فِي الميدان. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشري شعْبَان: خطب الْخَلِيفَة الْحَاكِم بِأَمْر الله بِحُضُور رسل الْملك بركَة ودعا للسُّلْطَان وللملك بركَة فِي الْخطْبَة وَصلى بِالنَّاسِ صَلَاة الْجُمُعَة وَاجْتمعَ بالسلطان وبالرسل وَفِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء ثَالِث شهر رَمَضَان: سَأَلَ السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر الْخَلِيفَة الْحَاكِم بِأَمْر الله: هَل لبس الفتوة من أحد من أهل بَيته الطاهرين أَو من أَوْلِيَائِهِمْ الْمُتَّقِينَ فَقَالَ: لَا وَالْتمس من السُّلْطَان أَن يصل سَببه بِهَذَا الْمَقْصُود. فَلم يُمكن السُّلْطَان إِلَّا طَاعَته المفترضة وَأَن يمنحه مَا كَانَ ابْن عَمه رَضِي الله عَنهُ قد افترضه. وَلبس الْخَلِيفَة فِي اللَّيْلَة الْمَذْكُورَة بِحُضُور من يعْتَبر حُضُوره فِي مثل ذَلِك وباشر اللّبْس الأتابك فَارس الدّين أقطاي بطرِيق الْوكَالَة عَن السُّلْطَان بِحَق لبسه عَن الإِمَام الْمُسْتَنْصر بِاللَّه أَمِير الْمُؤمنِينَ ولد الإِمَام الظَّاهِر - وَأَبوهُ لجده النَّاصِر لدين الله - والناصر لعبد الْجَبَّار لعَلي ابْن دغيم لعبد الله بن القير لعمر بن الرصاص لأبي بكر بن الجحيش لحسن بن الساريار لبَقَاء بن الطباخ لنفيس الْعلوِي لأبي هَاشم بن أبي حَيَّة لعمر بن ألبس لأبي عَليّ الصُّوفِي لمهنا الْعلوِي للقائد عِيسَى لأمير وهران لرؤية الْفَارِسِي للْملك أبي كاليجار لأبي الْحسن النجار لفضل القرقاشي للقائد شبْل بن المكدم لأبي الْفضل الْقرشِي للأمير حسان لجوشن الْفَزارِيّ للأمير هِلَال النبهاني لأبي مُسلم الْخُرَاسَانِي لأبي الْعِزّ النَّقِيب لعوف الغساني لحافظ الْكِنْدِيّ لأبي عَليّ النوبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 558 لسلمان الْفَارِسِي للْإِمَام الطَّاهِر النقي التقي عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ وَحمل السُّلْطَان إِلَى الْخَلِيفَة من الملابس لأجل ذَلِك مَا يَلِيق بجلاله. وَفِي اللَّيْلَة الثَّانِيَة: حضر رسل الْملك بركَة إِلَى قلعة الْجَبَل وألبسهم الْخَلِيفَة بتفويض الْوكَالَة للأتابك وَحمل إِلَيْهِم من الملابس مَا يَلِيق بمثلهم. وجهز السُّلْطَان هَدِيَّة جليلة للْملك بركَة وَكتب جَوَاب كِتَابه فِي قطع النّصْف فِي سبعين ورقة بغداية بِخَط محيى الدّين بن عبد الظَّاهِر وَهُوَ الَّذِي قَرَأَهُ على السُّلْطَان بِحُضُور الْأُمَرَاء. وسلمت الْهَدِيَّة للأمير فَارس الدّين أقوش المَسْعُودِيّ والشريف عماد الدّين الْهَاشِمِي فسارا فِي يَده طريدة فِيهَا عدَّة رُمَاة وجرخية وزراقين وأشحنت الأزودة لمُدَّة سنة وسارا سَابِع عشره. وَخرجت النجابة إِلَى مَكَّة وَالْمَدينَة بِأَن يدعى للْملك بركَة ويعتمو عَنهُ وَأمر الخطاء أَن يدعوا لَهُ على المنابر بِمَكَّة وَالْمَدينَة والقدس وبمصر والقاهرة وَبعد الدُّعَاء للسُّلْطَان الْملك الظَّاهِر. وَفِي سادس شَوَّال: توجه السُّلْطَان إِلَى جِهَة الْإسْكَنْدَريَّة فَأَقَامَ بتروجة أَيَّام وَدخل الْبَريَّة وَضرب حَلقَة فَوَقع فِيهَا كثير من الصَّيْد. واهتم السُّلْطَان بِأَمْر الْمِيَاه وَولى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 559 أمرهَا الْأَخير شُجَاع الدّين الزَّاهدِيّ أحد الْحجاب وأحضر من الْإسْكَنْدَريَّة الرِّجَال لحفر الْآبَار. ثمَّ سَار السُّلْطَان من تروجة إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَكَانَ الصاحب بهاء الدّين ابْن حنا قد سبق إِلَيْهَا وَحصل جملا كَثِيرَة من المَال: مِنْهَا حمل بلغ خَمْسَة وَتِسْعين لفة من القماش السكندري وَلم يُعَامل أحد من أَهلهَا بِغَيْر الْعدْل وَلم يضْرب بهَا أحدا بمقرعة. فَضرب السُّلْطَان خيامه ظَاهر الْمَدِينَة ونادي أَلا يُقيم بالثغر جندي وَلَا ينزل أحد فِي دَار. وَفِي يَوْم الْخَمِيس مستهل ذِي الْقعدَة: دخل السُّلْطَان إِلَى الْمَدِينَة من بَاب رشيد فَتَلقاهُ النَّاس بالسرور والفرح وَالدُّعَاء. واستدعى السُّلْطَان بالخزائن والأمتعة وَشرع فِي تعبئة مَا يعبيه لِلْأُمَرَاءِ على قدر مَرَاتِبهمْ ورسم بمكتوب يرد مَال السهمين وصلَة أرزاق الْفُقَرَاء وسامح بِمَا كَانَ يُؤْخَذ من أهل الْإسْكَنْدَريَّة وَهُوَ ربع دِينَار عَن كل قِنْطَار يُبَاع من. وَلعب بالكرة وخلع على الْأُمَرَاء وَأعْطِي الأتابك ثَلَاثَة آلَاف دِينَار وَأعْطى الْأُمَرَاء على حسب مَرَاتِبهمْ وَركب لزيارة الشَّيْخ المعتقد مُحَمَّد بن مَنْصُور بن يحيى أبي الْقَاسِم القباري فَلم يُمكنهُ من الطُّلُوع إِلَيْهِ وَلم يكلمهُ إِلَّا وَهُوَ فِي الْبُسْتَان وَالشَّيْخ فِي عليته ثمَّ مضى لزيارة الشَّيْخ الشاطبي. وَحضر إِلَى السُّلْطَان رجلَانِ من أهل الثغر: أَحدهمَا يُقَال لَهُ ابْن البوري وَالْآخر يعرف بالمكرم بن الزيات ومعهما أوراق تَتَضَمَّن اسْتِخْرَاج أمول ضائعة فاستدعى السُّلْطَان فِي يَوْم الثُّلَاثَاء سادسه الأتابك والصاحب والقضاة وَالْفُقَهَاء وَأمرت فقرئت وَصَارَ كلما ذكر لَهُ بَاب مظْلمَة سَده وَيعود على الْمَذْكُورين بالإنكار حَتَّى انْتَهَت الْقِرَاءَة. فَقَالَ: اعلموا أَنِّي تركت لله تَعَالَى سِتّمائَة ألف دِينَار من التصقيع والتقويم والراجل وَالْعَبْد وَالْجَارِيَة وتقويم النّخل فعوضني الله من الْحَلَال أَكثر من ذَلِك وَطلبت جرائد الْحساب فزادت بعد حط الْمَظَالِم جملَة وَمن ترك شَيْئا لله عوضه الله خيرا وَأمر بإشهار ابْن البوري. وَفِي سابعه: قدم الْبَرِيد من البيرة وحلب بِأَن جمَاعَة مستأمنة وَردت إِلَى الْبَاب الْعَزِيز عدتهَا فَوق الْألف وثلاثمائة فَارس من الْمغل والبهادرية فَكتب بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِم. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثامنه: جلس السُّلْطَان بدار الْعدْل وَأمر بتطهير الثغر من الخواطي الفرنجيات (تَابع سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وسِتمِائَة) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 560 وَفِي ثامن عشره سَار السُّلْطَان من الْإسْكَنْدَريَّة يُرِيد الْقَاهِرَة فَنزل تروجة وَأمر عربانها بالسباق بَين يَدَيْهِ فاجتمه ألف فَارس من عرب تروجة وانضم إِلَيْهَا جملَة من خيل الْعَسْكَر. وَعين السُّلْطَان لَهُم المدى ووقف على تل وأوقف الرماح وَعَلَيْهَا الثِّيَاب الأطلس والعتابي وفيهَا المَال. فَأَقْبَلت الْخَيل وَأخذ كل رَاكب سبق مَا فرض لَهُ. ثمَّ سَار السُّلْطَان إِلَى قلعة الْجَبَل فَلَمَّا وصل فوض قَضَاء الثغر للفقيه برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد عَليّ البوشي الْمَالِكِي وَكَانَ زاهداً عابداً يأوي إِلَى مَسْجِد بِمصْر وفوض الخطابة للْقَاضِي زين الدّين أبي الْفرج مُحَمَّد بن القَاضِي الْمُوفق بن أبي الْفرج الإسكندري الَّذِي كَانَ حَاكما بالثغر. وَفِي آخر ذِي الْعقْدَة: نزل السُّلْطَان إِلَى الْقَاهِرَة وَعَاد الْأَمِير سيف الدّين قلاون الألفي والأمير عَلَاء الدّين الْحَاج أيدغدي الركني والأمير حسام الدّين بن بركَة خَان. وَفِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء خَامِس ذِي الْحجَّة: توفّي الْأَمِير حسام الدّين بن بركَة خَان فَحَضَرَ السُّلْطَان جنَازَته وَمَشى فِيهَا مَعَ النَّاس. وَفِي سادسه: وصلت التتار المستأمنة وأعيانهم كرمون وأمطغية ونركيه وجبرك وقيان وناسيسة وطيشور ونبتو وصبحي وجرجلان واجقرقا وارقرق وكراي وصلاغيه ومتقدم وصراغان. فَركب السُّلْطَان إِلَى تلقيهم فنزلوا عِنْد مشاهدته عَن خيولهم وقبلوا الأَرْض وَهُوَ رَاكب فأكرمهم وعادوا إِلَى القلعة. وَفِي ثامنه: خلع عَلَيْهِم السُّلْطَان وَنزل إِلَى تربة ابْن بركَة خَان. ثمَّ وَردت الْكتب بقدوم طَائِفَة أُخْرَى فاحتفل بهم وَركب لتلقيهم. ثمَّ وَردت طَائِفَة ثَالِثَة فاعتمد مَعَهم مثل ذَلِك وَأمر أكابرهم وَعرض عَلَيْهِم الْإِسْلَام فأسلموا وختنوا بأجمعهم. وَاتفقَ أَن الْأَمِير بهاء الدّين أَمِير أخور ضرب بعض دلالي سوق الْخَيل فَمَاتَ قلاوون واستتر عِنْده فَدخل قلاوون على الأتابك فِي أمره وَأخرج لأَوْلَاد الْمَيِّت من مَاله خَمْسَة آلَاف دِرْهَم وَمِائَة أردب غلَّة وَكِسْوَة فأبرؤه وأقروا أَن أباهم مَاتَ بِقَضَاء الله وَقدره. وَدخل الأتابك إِلَى السُّلْطَان وحدثه فِي ذَلِك فَاشْتَدَّ غَضَبه فَقَالَ لَهُ الأتابك: تغْضب وَالشَّرْع مَعنا فَإِن كَانَ قد قَتله عمدا أَو خطا فقد أَبْرَأ الْأَوْلِيَاء. وتحدث الْأُمَرَاء فِي الْعَفو عَنهُ فعفه وَأمر بِعَمَل جَامع من الثِّيَاب المفصلة بِضَرْب على يمنة الْخَيْمَة السُّلْطَانِيَّة فَعمل ونصبت وأبرأيه وعملت فِيهِ مَقْصُورَة برسم السُّلْطَان. وَفِي هَذِه السّنة: جمدت دَار الْعدْل تَحت قلعة الْجَبَل وَجلسَ بهَا السُّلْطَان فِي يومي الْخَمِيس والاثنين لعرض العساكر. وفيهَا وَردت هَدِيَّة من بِلَاد الْيمن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 561 وفيهَا أَمر بتنصيب أَرْبَعَة قَضَاهُ نواباً لقَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين. ابْن بنت الْأَعَز فاستناب حنفياً ومالكياً وشافعياً وَلم يجد من يستنيبه من الْحَنَابِلَة فولى نَائِبا حنبلياً. وفيهَا جهز السُّلْطَان عرب خفاجة بِالْخلْعِ إِلَى أكَابِر أهل الْعرَاق وَكتب إِلَى صَاحب شراز وَغَيره يغويهم بهولاكو وألبس عدَّة من أُمَرَاء خفاجة الفتوة وجهز مَعَهم الْأَمِير عز الدّين إِلَى شراز. وفيهَا جهز السُّلْطَان فِي الْبَحْر جمَاعَة من البنائين والنجارين والنشارين والعتالين وعدة أخشاب وَغَيرهَا من الْآلَات برسم عمَارَة الْحرم النَّبَوِيّ. وعملت كسْوَة الْكَعْبَة على الْعَادة وحملت على البغال وطيف بهَا فِي الْقَاهِرَة ومصر وَركب مَعهَا الْخَواص وأرباب الدولة والقضاة وَالْفُقَهَاء والقراء والصوفية والخطاء وَالْأَئِمَّة. وسفرت إِلَى مَكَّة فِي الْعشْر الْأَوْسَط من شَوَّال وفوضت عمَارَة الْحرم لزين بن البوزي. وفيهَا جمع الفرنسيس ملك الفرنج عساكره يُرِيد أَخذ دمياط فَأَشَارَ عَلَيْهِ أَصْحَابه يقْصد تونس أَولا ليسهل أَخذ دمياط بعْدهَا. فَسَار إِلَى تونس ونازلها حَتَّى أشرف على أَخذهَا فَبعث الله فِي عسكره وباء هلك فِيهِ هُوَ وعدة من أكَابِر أَصْحَابه وَعَاد من بَقِي مِنْهُم. الْأَمِير الْكَبِير مجير الدّين أَبُو الهيجاء بن عِيسَى بن خشترين الأركسي الْكرْدِي بِدِمَشْق. وَتُوفِّي عز الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الرَّزَّاق بن رزق الله بن أبي بكر بن خلف الرسغي الْحَنْبَلِيّ شيخ الْبِلَاد الجزرية بسنجار عَن اثْنَتَيْنِ وَسبعين. وَتُوفِّي علم الدّين أَبُو مُحَمَّد بن أَحْمد بن موفق جَعْفَر المرسي اللوري بِدِمَشْق وَقد انْتَهَت إِلَيْهِ مشخية الإقراء عَن سِتِّينَ سنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 562 سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وسِتمِائَة استفتح السُّلْطَان هَذِه السّنة بِالْجُلُوسِ فِي دَار الْعدْل فأحضرت إِلَيْهِ ورقة مختومة مَعَ خَادِم أسود تَتَضَمَّن مرافعة فِي شمس الدّين شيخ الْحَنَابِلَة إِنَّه يبغض السُّلْطَان ويتمني زَوَال دولته لِأَنَّهُ مَا جعل للحنابلة نَصِيبا فِي الْمدرسَة الَّتِي أَنْشَأَهَا بجوار قبَّة الْملك الصَّالح وَلَا ولي حنبليا قَاضِيا وَذكر أَشْيَاء فادحة فِيهِ. فَبعث السُّلْطَان بهَا إِلَى الشَّيْخ فأقسم إِنَّه مَا جري مِنْهُ شَيْء وَإِنَّمَا هَذَا الْخَادِم طردته من خدمتي. فَقَالَ السُّلْطَان: وَلَو شتمتني أَنْت فِي حل وَأمر فَضرب الْخَادِم. مائَة عَصا. وَفِي الْمحرم: نُودي بِالْقَاهِرَةِ ومصر أَن امْرَأَة لَا تتعمم بعمامه وَلَا تتزيا بزِي الرِّجَال وَمن فعلت ذَلِك بعد ثَلَاثَة أَيَّام سلبت مَا عَلَيْهَا من الْكسْوَة وَطلب الطواشي شُجَاع الدّين مرشد الْحَمَوِيّ إِلَى قلعة الْجَبَل وَأنكر عَلَيْهِ السُّلْطَان اشْتِغَال مخدومه صَاحب حماة باللهو وَقرر مَعَه إِلْزَام الأجناد بِإِقَامَة البزك وتكميل الْعدَد وَكتب لَهُ تقليدا وسافر إِلَى حماة. وَقدم للأمير جلال الدّين يشْكر ابْن الدوادار الْمُجَاهِد دوادار الْخَلِيفَة بِبَغْدَاد وَكَانَ قد تَأَخّر حُضُوره فَأحْسن إِلَيْهِ السُّلْطَان وَأَعْطَاهُ إمرة طبلخاناه. وَفِي يَوْم الْأَحَد الْخَامِس من صفر: اجْتمع أهل الْعلم بِالْمَدْرَسَةِ الظَّاهِرِيَّة بَين القصرين عِنْد تَمام عمارتها وَحضر الْقُرَّاء وَجلسَ أهل كل مَذْهَب فِي إيوانهم. وفوض تدريس الْحَنَفِيَّة للصدر مجد الدّين عبد الرَّحْمَن بن الصاحب كَمَال الدّين بن العديم وتدريس الشَّافِعِيَّة للشَّيْخ تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن الْحسن بن رزين والتصدير لإقراء الْقُرْآن للفقيه كَمَال الدّين الْمحلي والتصدير لإِفَادَة الحَدِيث النَّبَوِيّ للشَّيْخ شرف الدّين عبد الْمُؤمن بن خلف الدمياطي. وَذكروا الدُّرُوس ومدت الأسمطة وَأنْشد جمال الدّين أَبُو الْحُسَيْن الجزار يَوْمئِذٍ: أَلا هَكَذَا يَبْنِي الْمدَارِس من بني وَمن يتغالى فِي الثَّوَاب وَفِي الثنا لقد ظَهرت الظَّاهِر الْملك همة بهَا الْيَوْم فِي الدَّاريْنِ قد بلغ الْمَنِيّ ومذ جَاوَرت قبر الشَّهِيد فنفسه النفيسة مِنْهَا فِي سرُور وَفِي هُنَا وَمَا هِيَ إِلَّا جنَّة الْخلد أزلفت لَهُ فِي غَد فَاخْتَارَ تَعْجِيلهَا هُنَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 3 وَأنْشد عدَّة من الشُّعَرَاء أَيْضا وَمِنْهُم السراج الْوراق وَالشَّيْخ جمال الدّين يُوسُف بن الخشاب فَخلع عَلَيْهِم وَكَانَ يَوْمًا مشهودا. وَجعل السُّلْطَان بِهَذِهِ الْمدرسَة خزانَة كتب جليلة وَبني بجانبها مكتبا للسبيل وَقرر لمن فِيهِ من أَيْتَام الْمُسلمين الْخبز فِي كل يَوْم وَالْكِسْوَة فِي فصل الشتَاء والصيف. وَفِيه ورد الْخَبَر مَعَ الْحَاج بِأَنَّهُ خطب للسُّلْطَان. بِمَكَّة وَأَن الصَّدْر جمال الدّين حُسَيْن ابْن الْموصِلِي كَاتب الْإِنْشَاء المتوجه إِلَى مَكَّة تسلم مِفْتَاح الْكَعْبَة وقفله بالقفل الْمسير صحبته وأباح الْكَعْبَة للنَّاس مُدَّة ثَلَاثَة أَيَّام بِغَيْر شَيْء يُؤْخَذ مِنْهُم. وَفِيه قرئَ كتاب وقف الخان. بِمَدِينَة الْقُدس فِي مجْلِس السُّلْطَان بقلعة الْجَبَل وَحضر قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين ابْن بنت الْأَعَز قِرَاءَته وَكتب بِهِ عدَّة نسخ. ووقف السُّلْطَان أَيْضا اصطبلين تَحت القلعة يعرف أَحدهمَا بجوهر النوبي على وُجُوه الْبر. وَفِيه ورد الْخَبَر بِأَنَّهُ رتب. بِمَدِينَة الْخَلِيل السماط والرواتب للمقيمين والواردين وَكَانَ قد بَطل ذَلِك من مُدَّة أَعْوَام كَثِيرَة. وَفِيه سَار السُّلْطَان إِلَى وسيم وَمضى إِلَى الغربية فَصَارَ يسير مُنْفَردا فِي خُفْيَة ويسال عَن وَإِلَى الغربية الْأَمِير بن الْهمام وَعَن سيرة نوابه وغلمانه ومباشريه فَذكرت لَهُ عَنهُ سيرة سَيِّئَة فَقبض عَلَيْهِ وأدبه وَأقَام غَيره وشكى إِلَيْهِ من ظلم بعض المباشرين النَّصَارَى فَأمر بِهِ فشنق من أجل إِنَّه تكلم. بِمَا يُوجب ذَلِك. وَدخل السُّلْطَان دمياط ثمَّ عَاد إِلَى أشموم وَسَار من الْمنزلَة إِلَى الشرقية. وَفِيه سَأَلَ الفرنج أَن يُؤذن لَهُم فِي زراعة مَا بيدهم من بِلَاد الشَّام وتقويتها بجملة من الغلال فتقررت الْهُدْنَة مَعَهم إِلَى أَيَّام وَأذن لَهُم ذَلِك فزرعوا. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة حادي عشريه: مَاتَ الْملك الْأَشْرَف مظفر الدّين مُوسَى بن الْملك الْمَنْصُور أَبُو إِبْرَاهِيم بن الْملك الْمُجَاهِد شيركوه بن الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أَسد الدّين شيركوه بن شادي بن مَرْوَان صَاحب حمص عَن غير ولد وَلَا أَخ وَلَا ولي عبد. فَبعث السُّلْطَان إِلَى الْأَمِير عز الدّين بيليك العلائي أحد الْأُمَرَاء فتسلمها فِي سَابِع عشريه وَحلف النَّاس بهَا للْملك الظَّاهِر وتسلم الرحبة أَيْضا وَبعث السُّلْطَان إِلَيْهَا عشْرين ألف دِينَار عينا وَولي مَدِينَة حران الْأَمِير جمال الدّين الجاكي وَولي مَدِينَة الرقة أَمِيرا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 4 آخر. وَورد الْخَبَر بِأَن متملك جَزِيرَة دهلك ومتملك جَزِيرَة مواكن يتعرضان إِلَى أَمْوَال من مَاتَ من التُّجَّار فسير السُّلْطَان إِلَيْهَا أحد رجال الْحلقَة رَسُولا يُنكر عَلَيْهِمَا. وَفِي هَذِه السّنة: بلغ ثمن القرط الَّذِي قضمته الْخُيُول السُّلْطَانِيَّة وجمال المناخات بِأَرْض مصر مَا مبلغه خَمْسُونَ ألف دِينَار. وَفِي هَذِه السّنة: ارْتَفَعت الأسعار. بِمصْر فَبلغ الأردب الْقَمْح نَحْو الْمِائَة دِرْهَم نقرة فَأمر السُّلْطَان بالتسعير فَاشْتَدَّ الْحَال وَعدم الْخبز. وَبلغ الْقَمْح مائَة دِرْهَم وَخَمْسَة دَرَاهِم الأردب وَالشعِير إِلَى سبعين درهما الأردب وَالْخبْز ثَلَاثَة أَرْطَال بدرهم وَاللَّحم كل رَطْل بدرهم وَثلث وَبلغ بالإسكندرية الأردب الْقَمْح ثَلَاثمِائَة وَعشْرين درهما من الْوَرق. ثمَّ اشْتَدَّ الْحَال بِالنَّاسِ حَتَّى أكلُوا ورق اللفت والكرنب وَنَحْوه وَخَرجُوا إِلَى الرِّيف فَأَكَلُوا عروق الفول الْأَخْضَر. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْخَمِيس سَابِع ربيع الآخر. نزل السُّلْطَان إِلَى دَار الْعدْل وأبطل التسعير وَكتب إِلَى الأهراء بِبيع خَمْسمِائَة أردب كل يَوْم لِضُعَفَاء النَّاس وَيكون البيع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 من ويبتين إِلَى مَا دون ذَلِك حَتَّى لَا يَشْتَرِي من يخزن. وَنُودِيَ للْفُقَرَاء فَاجْتمعُوا تَحت القلعة وَنزل الْحجاب إِلَيْهِم فَكَتَبُوا أسمائهم وَمضى إِلَى كل جِهَة حَاجِب فَكتب مَا بَقِي فِي الْقَاهِرَة ومصر من الْفُقَرَاء وأحضروا عدتهمْ فبلغت ألوفا. ثمَّ أَخذ ألوفا مِنْهُم وَأعْطِي لنواب ابْنه الْملك السعيد مثل ذَلِك وَأمر فِي ديوَان الْجَيْش فَكتب باسم كل أَمِير جمَاعَة على قدر عدته وَأعْطِي الأجناد والمفاردة من الْحلقَة والمقدمين والبحرية وعزل التركمان نَاحيَة والأكراد نَاحيَة. وَأمر أَن يُعْطي كل فَقير كِفَايَته مُدَّة ثَلَاثَة أشهر وَأعْطِي للتجار طَائِفَة من الْفُقَرَاء وَأعْطِي الْأَغْنِيَاء على اخْتِلَاف طبقاتهم كل أحد بِقدر حَاله. وَأمر أَن يفرق من الشون السُّلْطَانِيَّة على أَرْبَاب الزوايا فِي كل يَوْم مائَة أردب بعد مَا يعْمل خبْزًا بِجَامِع ابْن طولون. ثمَّ قَالَ السُّلْطَان: هَؤُلَاءِ الْمَسَاكِين قد جمعناهم الْيَوْم وانقضي نصف النَّهَار فادفعوا لكل مِنْهُم نصف دِرْهَم يتقوت بِهِ خبْزًا وَمن غَد يَتَقَرَّر الْحَال فَفرق فيهم جملَة كَبِيرَة. وَأخذ الصاحب بهاء الدّين طَائِفَة العميان وَأخذ الأتابك جمَاعَة التركمان فَلم يبْق أحد من الْخَواص وَلَا من الطاشي وَلَا من الْحجاب وَلَا من الْوُلَاة وأرباب المناصب وَذَوي الْمَرَاتِب وَأَصْحَاب المَال حَتَّى أَخذ جمَاعَة من الْمَسَاكِين. وَقَالَ السُّلْطَان للأمير صارم الدّين السعودي وَإِلَى الْقَاهِرَة: خُذ مائَة فَقير أطْعمهُم لله. فَقَالَ الْأَمِير: قد فعلت ذَلِك وأخذتهم دَائِما. فَقَالَ السُّلْطَان: ذَلِك فعلته ابْتِدَاء من نَفسك وَهَذِه الْمِائَة خُذْهَا لأجلي فَأخذ مائَة مِسْكين أُخْرَى. وَشرع النَّاس فِي فتح المخازن وتفرقة الصَّدقَات فَانْحَطَّ السّعر عشْرين درهما الأردب وَقلت الْفُقَرَاء. وَاسْتمرّ الْحَال إِلَى شهر رَمَضَان فَدخل الْمغل الْجَدِيد وانحل السّعر فِي يَوْم وَاحِد أَرْبَعِينَ درهما الأردب. وَفِي الْيَوْم الَّذِي جلس فِيهِ السُّلْطَان بدار الْعدْل رفعت إِلَيْهِ قصَّة ضَمَان دَار الضَّرْب فِيهَا بوقف الدَّرَاهِم وسألوا إبِْطَال الدَّرَاهِم الناصرية وَأَن ضمانهم مبلغ مِائَتي ألف وَخمسين ألف دِرْهَم فَأمر السُّلْطَان أَن يحط من ضمانهم مبلغ خمسين ألف دِرْهَم وَقَالَ: لَا نؤذي النَّاس فِي أَمْوَالهم. وَفِي الْعشْرين من ربيع الآخر: كَانَت زَلْزَلَة عَظِيمَة هدمت عدَّة أَمَاكِن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 وَفِي ثَالِث عشريه: رسم بمسامحة بَنَات الْأَمِير حسام الدّين لاجين الجوكندار العزيزي. بِمَا وَجب للديوان فِي تَرِكَة أبيهن وَكَانَ قد مَاتَ بِدِمَشْق فِي رَابِع عشر الْمحرم وَهُوَ مبلغ أَرْبَعمِائَة ألف دِرْهَم نقرة خَارِجا عَن مَاله من الْأَمْلَاك والغلال وَالْخَيْل. وَكتب السُّلْطَان بذلك إِلَى الشَّام وَقصد بدلك أَن يفهم أمراءه أَن من مَاتَ فِي خدمته وَحفظ يَمِينه ينظر فِي أَمر ورثته ويبقي عَلَيْهِم مَا يخلفه. وَمَات الْأَمِير شهَاب الدّين القيمري نَائِب السلطنة بالفتوحات الساحلية فَأعْطِي ابْنه إقطاعه وَهُوَ مائَة طواش. وَلما أسر الفرنج الْأَمِير شُجَاع الدّين وَالِي سرمين أُبْقِي السُّلْطَان إقطاعه بيد إخْوَته وغلمانه كل ذَلِك استجلابا للقلوب. وَفِيه ورد الْخَبَر أَن هيتوم ملك الأرمن جمع وَسَار إِلَى هرقلة وَنزل على قلعة صرخد. فَخرج الْبَرِيد من قلعة الْجَبَل إِلَى حماة وحمص بِالْمَسِيرِ إِلَى حلب فَخَرجُوا وأغاروا على عَسْكَر الأرمن وَقتلُوا مِنْهُم وأسروا. فَانْهَزَمَ الأرمن واستنجدوا بالتتار فَقدم مِنْهُم من كَانَ فِي بِلَاد الرّوم وهم سَبْعمِائة فَارس فَلَمَّا وصلوا إِلَى حارم رجعُوا من كَثْرَة الثَّلج وَقد هلك مِنْهُم كثير. وَورد الْخَبَر بِأَن خليج الْإسْكَنْدَريَّة قد انسد وامتلأت فوهته بالطين وَقل المَاء فِي ثغر الْإسْكَنْدَريَّة بِهَذَا السَّبَب فسير السُّلْطَان الْأَمِير عز الدّين أَمِير جاندار فحفره وَبعث الْأَمِير جمال الدّين مُوسَى بن يغمور الأستادار لحفر بَحر جَزِيرَة بني نصر عِنْد قلَّة ريها. وَفِي جُمَادَى الأول: سَافر الْأَمِير سيف الدّين بلبان الزيني أَمِير علم إِلَى الشَّام برسم تجهيز مهمات القلاع وَعرض عَسَاكِر حماة وحلب وَرِجَال الثغور وإلزام الْأُمَرَاء بتكميل الْعدَد وَالْعدة وإزاحة الْأَعْذَار بِسَبَب الْجِهَاد. وَكتب على يَده عدَّة تَذَاكر. بِمَا يعتمده وَأَن يحمل من دمشق خزانَة كَبِيرَة إِلَى البيرة برسم نفقاتها. ورحلت جمَاعَة من عرب خفاجة كَانُوا قد وردوا بكتب من جَمَاعَتهمْ بالعراق يخبرون فِيهَا بِأَنَّهُم أَغَارُوا على التتار حَتَّى وصلت غاراتهم بَاب مَدِينَة بَغْدَاد ويخبرون بأحوال مَدِينَة شيراز فأجيبوا وَأحسن إِلَيْهِم. وَفِيه توجه قصاد إِلَى الْملك بركَة وَأسلم عَالم كَبِير على يَد السُّلْطَان من التتار الواصلين وَمن الفرنج المستأمنين والأسري وَمن النّوبَة القادمين من عِنْد ملكهَا فَفرق فيهم فِي يَوْم وَاحِد الْأَمِير بدر الدّين الخازندار مائَة وَثَمَانِينَ فرسا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 وَفِي جُمَادَى الْآخِرَة: قبض على جاسوسين من التتار. وتنجز البرج الَّذِي بناه السُّلْطَان فِي قارة وَشرع فِي بِنَاء برج أكبر مِنْهُ لحفظ الطرقات من عَادِية الفرنج. واهتم ملك الأرمن بِالْمَسِيرِ إِلَى بِلَاد الشَّام وَأعد ألف قياء تتري وَألف سراقوج ألبسها الأرمن ليوهم إِنَّهُم نجدة من التتر وَلما ورد الْخَبَر بذلك خرج الْبَرِيد إِلَى دمشق بِخُرُوج عسكرها إِلَى حمص وَخُرُوج عَسْكَر حماة وَألا يخرج عربان الشَّام فِي هَذِه السّنة إِلَى الْبَريَّة. فَخرجت العساكر ووالت الغارات من كل جِهَة فَانْهَزَمَ الأرمن وَنزل الْعَسْكَر على أنطاكية فَقتل وَأسر وغنم وأغار الْعَسْكَر أَيْضا بِبِلَاد السَّاحِل على الفرنج حَتَّى وصل إِلَى أَبْوَاب عكا. وَشرع السُّلْطَان الْبناء فِي شقيف تيرون وَكَانَ قد خرب من سنة ثَمَان وَخمسين وسِتمِائَة فَلَمَّا تمّ بِنَاؤُه حمل إِلَيْهِ زردخاناه وذخائر وَبعث إِلَى عَسْكَر السَّاحِل مِائَتي ألف دِرْهَم فرقت فيهم. وَورد الْبَرِيد بِأَن جمَاعَة من شيراز وَمن أُمَرَاء الْعرَاق وأمراء خفاجة وصلوا وافدين إِلَى الْأَبْوَاب السُّلْطَانِيَّة. وَفِي أول رَجَب: رفعت قصَّة بِأَن على بَاب المشهد الْحُسَيْنِي مَسْجِدا إِلَى جَانِبه مَوضِع من حُقُوق الْقصر قد بيع بِسِتَّة آلَاف دِرْهَم حملت إِلَى الدِّيوَان. فَأمر السُّلْطَان بردهَا وَعمل الْجَمِيع مَسْجِدا وَأمر بعمارته ووقف أحد الْجند بيتيم مَعَه ذكر إِنَّه وَصِيّه فَقَالَ السُّلْطَان لقَاضِي الْقُضَاة. إِن الأجناد إِذا مَاتَ أحدهم استولي خشداشيته على موجوده وَيجْعَل الْيَتِيم من الأوشاقية فَإِذا مَاتَ الْيَتِيم أَخذ الْوَصِيّ موجوده أَو يكبر الْيَتِيم فَلَا يجد شَيْئا وَلَا تقوم لَهُ حجَّة على موجوده أَو يَمُوت الْوَصِيّ فَيذْهب مَال الْيَتِيم فِي مَاله والرأي أَن أحدا من الأوصياء لَا ينْفَرد بِوَصِيَّة وَليكن نظر الشَّرْع شَامِلًا وأموال الْيَتَامَى مضبوطة وأمناء الحكم يحاققون على المصروف. وَطلب السُّلْطَان نواب الْأُمَرَاء ونقباء العساكر وَأمرهمْ بذلك فاستمر الْحَال عَلَيْهِ. وَفِي ثالثه: قدم الوافدون من شيراز ومقدمهم الْأَمِير سيف الدّين بكلك وَمَعَهُمْ سيف الدّين اقتبار الْخَوَارِزْمِيّ جمدار جلال الدّين خوارزم شاه وغلمان أتابك سعد وهم شمس الدّين سنقرجاه ورفقته. وَوصل صحبتهم مظهر الدّين وشاح بن شَهْري والأمير حسام الدّين حُسَيْن بن ملاح أَمِير الْعرَاق وَكثير من أُمَرَاء خفاجة. فَتَلقاهُمْ السُّلْطَان بِنَفسِهِ وَأعْطِي سيف الدّين بكلك إمرة طبلخاناه وَأحسن إِلَى سَائِرهمْ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 وَفِي شعْبَان: أَمر السُّلْطَان الْأُمَرَاء والأجناد والمماليك بِعَمَل الْعدَد الْكَامِلَة فَوَقع الاهتمام من كل أحد بِعَمَل ذَلِك وَكثر الازدحام بسوق السِّلَاح وارتفع سعر الْحَدِيد وَأجر الحدادين وصناع آلَات السِّلَاح وَلم يبْق لأحد شغل إِلَّا ذَلِك حَتَّى صَار الْعَسْكَر لَا ينْفق متحصله فِي شَيْء سوي السِّلَاح وَلَا يشْتَغل أحد مِنْهُم إِلَّا بِنَوْع من أَنْوَاع الْحَرْب كالرمح وَنَحْوه وتفننوا فِي أَنْوَاع الفروسية. وَورد كتاب أَمِير الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة إِنَّه سَار مَعَ كسْوَة الْكَعْبَة حَتَّى علقها فِي الْبَيْت. وَفِي شهر رَمَضَان: تنجزت كسْوَة قبر النَّبِي صلي الله عَلَيْهِ وَسلم وَتعين سفرها مَعَ الطواشي جمال الدّين محسن الصَّالِحِي. وَوَقع الشُّرُوع فِي تجهيز الشمع والبخور وَالزَّيْت وَالطّيب. وَخرج الْبَرِيد إِلَى الْأَمِير نَاصِر الدّين القيمري بالغارة على قيسارية وعثليث فساق إِلَى بَاب عثليث وَنهب وَقتل وَأسر ثمَّ سَاق إِلَى قيسارية فَفعل مثل ذَلِك بالفرنج. وَكَانَ الفرنج قد قصدُوا يافا فخافوا وَرَجَعُوا عَنْهَا. وَفِيه جري السُّلْطَان على عَادَته فِي إِجْرَاء الصَّدقَات مطابخ الْقَاهِرَة ومصر برسم الْفُقَرَاء فَكَانَ يصرف فِي كل لَيْلَة من ليَالِي رَمَضَان جملَة كَبِيرَة من الْخبز وَاللَّحم الْمَطْبُوخ وجري أَيْضا على عَادَته فِي عتق ثَلَاثِينَ نسمَة على عَادَة مُلُوك الماضين سوي من أعْتقهُ من مماليكه. وَورد الْخَبَر بِأَن الفرنج أخذُوا أخيذة كَبِيرَة للْمُسلمين فَكتب إِلَى نواب الشَّام بِالِاجْتِهَادِ فِي ردهَا فورد كتاب الْأَمِير نَاصِر الدّين القيسري بِأَن الفرنج ردوهَا وَكَانَت تشْتَمل على عَالم كَبِير من النَّاس وَجُمْلَة من الْمَوَاشِي. فَسمع فِي سَاعَة ردهَا من اخْتِلَاف الْأَصْوَات بِدُعَاء الرِّجَال وَالنِّسَاء وبكاء الْأَطْفَال مَا تكَاد ترق لَهُ الْحِجَارَة. وَقدم الْبَرِيد من البيرة أَن صارم الدّين بكتاش الزَّاهدِيّ أغار على بَاب قلعة الرّوم مرَارًا. وَورد كتاب الْملك شارل أخي الفرنسيس ملك الفرنج وَمَعَهُ هَدِيَّة وَكتاب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 أستاداره: بِأَن مندوبه أمره أَن يكون أَمر الْملك الظَّاهِر نَافِذا فِي بِلَاده. وَأَن أكون نَائِب الْملك الظَّاهِر كَمَا أَنا نَائِبه. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشريه: قرئَ مَكْتُوب فِي جَامع مصر بِإِبْطَال مَا قرر على ولَايَة مصر من الرسوم وَهِي مائَة ألف دِرْهَم وَأَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم نقرة. وَورد الْخَبَر بِأَن الأشكري عوق الرُّسُل إِلَى الْملك بركَة بالهدية عَن الْمسير إِلَيْهِ حَتَّى هلك أَكثر مَا مَعَهم من الْحَيَوَان فأحضر السُّلْطَان البطاركة والأساقفة وسألهم عَمَّن خَالف الْأَيْمَان وَمَا كتب بِهِ الأشكري فَأَجَابُوا بِأَنَّهُ يسْتَحق أَن يحرم من دينه فَأخذ السُّلْطَان خطوطهم بذلك وَأخرج لَهُم حِينَئِذٍ نسخ أَيْمَان الأشكري وَقَالَ: إِنَّه قد نكث بإمساك رُسُلِي وَمَال إِلَى جِهَة هولاكو. ثمَّ جهز إِلَيْهِ الراهب الفيلسوف اليوناني وَمَعَهُ قسيس وأسقف بحرمانه من دينه وَكتب لَهُ كتابا أغْلظ فِيهِ. وَكتب السُّلْطَان أَيْضا إِلَى الْملك بركَة كتابا وسيره إِلَى الْأَمِير فَارس الدّين أقوش السعودي المتوجه بالهدية إِلَى الْملك وَقدم الْبَرِيد من الْبِلَاد الشامية بِأَن عدَّة من التتار وَمن الأتراك والبغاددة قد قصدُوا الْبِلَاد مستأمنين فَأمر السُّلْطَان بِجمع الْأُمَرَاء وأعلمهم بذلك وَقَالَ: أخْشَى أَن يكون فِي مجيئهم من كل جِهَة مَا يستراب مِنْهُ والرأي أَن نخرج إِلَيْهِم فَإِن كَانُوا طائعين عاملناهم. بِمَا يَنْبَغِي وَإِلَّا فنكون على أهبة. وَمن احْتَاجَ من الْعَسْكَر إِلَى شَيْء أَعْطيته وَمَا أَنا إِلَّا كأحدكم يَكْفِينِي فرس وَاحِد وَجَمِيع مَا عِنْدِي من خيل وجمال وَمَال كُله لكم وَلمن يُجَاهد فِي سَبِيل الله. فَأَشَارَ الْأُمَرَاء عَلَيْهِ بسلطنة وَلَده ليَكُون مُقيما بديار مصر فِي غيبته. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشر شَوَّال: أركب السُّلْطَان ابْنه الْملك السعيد بشعار السلطنة وَخرج بِنَفسِهِ فِي ركابه وَحمل الغاشية رَاجِلا بَين يَدَيْهِ فَأَخذهَا مِنْهُ الْأُمَرَاء وَرجع إِلَى مقرّ ملكه وَلم تزل الْأُمَرَاء والعساكر فِي خدمته إِلَى بَاب النَّصْر ودخلوا بِهِ من الْقَاهِرَة رجالة يحملون الغاشية وَقد زينت الْمَدِينَة أحسن زِينَة واهتم الْأُمَرَاء بِنصب القباب: فَسَار الْملك السعيد والأمير عز الدّين أيدمر الْحلِيّ رَاكب إِلَى جَانِبه وَقد تقرر أَن يكون أتابكه والنياب الأطلس والعتابي تفرش تَحت فرسه حَتَّى عَاد إِلَى قلعة الْجَبَل وَلم يبْق أَمِير حَتَّى فرش من جِهَته الثِّيَاب الْحَرِير فَاجْتمع من ذَلِك أحمال تفرقها المماليك السُّلْطَانِيَّة. وَكتب القَاضِي محيي الدّين بن عبد الظَّاهِر تَقْلِيد الْملك السعيد بتفويض عهد السلطنة لَهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سَابِع عشره: اجْتمع الْأُمَرَاء والقضاة وَالْفُقَهَاء وَقُرِئَ التَّقْلِيد الْمَذْكُور وَشرع فِي ختان الْملك السعيد فَأمر السُّلْطَان النَّاس بالتأهب للعرض عَلَيْهِ بالأسلحة وآلات الْحَرْب. وقدمت طَائِفَة من جِهَة التتار المستأمنة فَكتب السُّلْطَان إِلَى أُمَرَاء خفاجة بخدمتهم. وَظهر كَوْكَب الذؤابة بالشرق وذؤابته نَحْو الغرب. وَصَارَ يطلع قبيل الْفجْر ويتقدم قَلِيلا قَلِيلا حَتَّى صَار يطلع مرتفعا وأضاء ذَنبه كثيرا وَلم يتَغَيَّر عَن منزلَة الهقمة وَبعده مِنْهَا إِلَى جِهَة الْمشرق نَحْو رمح طَوِيل. وَاسْتمرّ من آخر رَمَضَان إِلَى أول ذِي الْقعدَة وَكَانَ يظْهر لَهُ قبل بروزه شُعَاع عَظِيم فِي الجو وَظهر أَيْضا فِي الغرب مِمَّا يَلِي الشمَال بعد عشَاء الْآخِرَة فِي لَيَال عديدة من أخريات رَمَضَان وأوائل شَوَّال خطوط مضيئة شبه الْأَصَابِع مُرْتَفعَة فِي جو السَّمَاء. واحمرت الشَّمْس فِي رَابِع شَوَّال قبيل الْغُرُوب وَذهب ضؤها حَتَّى صَارَت كَأَنَّهَا منكسفة إِلَى أَن غربت فَلَمَّا كَانَ بعد عشَاء الْآخِرَة أصَاب الْقَمَر مثل ذَلِك. وأحضر من المقس ظَاهر الْقَاهِرَة طِفْل ميت لَهُ رأسان وَأَرْبع أعين وَأَرْبع أرجل وَأَرْبع أَيدي وجد بساحل المقس. وَفِيه قتل الْملك المغيث فتح الدّين عمر بن الْملك الْعَادِل صَاحب الكرك وَورد الْخَبَر بوصول الرُّسُل إِلَى الْملك بركَة وإكرامه إيَّاهُم وتجهيزه لَهُم. وَفِي أول ذِي الْقعدَة: جلس السُّلْطَان لعرض العساكر عِنْد طُلُوع الشَّمْس وَقد ملأوا الدُّنْيَا فساق كل أَمِير فِي طلبه وَهُوَ لابس لَامة حربه وجروا الجنائب وَعَلَيْهَا عدد الْحَرْب وَأمر السُّلْطَان أَلا يلبس أحد فِي هَذَا الْيَوْم إِلَّا شعار الْحَرْب. مِمَّا زَالَ السُّلْطَان جَالِسا على الصّفة الَّتِي بِجَانِب دَار الْعدْل والعساكر تَسوق وَهِي لابسة وديوان الْجَيْش بَين يَدَيْهِ والعساكر تعبر خَمْسَة ثمَّ عبرت عشرَة عشرَة. وَكَاد النَّاس يهْلكُونَ من الزحام وحمو الْحَدِيد فعبروا بِغَيْر حِسَاب. وَهلك عدَّة من النَّاس فِي الزحام مِنْهُم أيبك مَمْلُوك الْأَمِير عز الدّين أيدمر الْحلِيّ فَدفن ثمَّ نبش وَدفن فِي قبر آخر. فَقَالَ فِي ذَلِك القَاضِي محيي الدّين بن عبد الظَّاهِر: مَا نقلوا أيبك من قَبره لحادث كلا وَلَا عَن ثبور لكنه فِي يَوْم عرض قضى وَالْعرض لابد لَهُ من نشور وَأَرَادَ السُّلْطَان بركوب الْعَسْكَر فِي يَوْم وَاحِد حَتَّى لَا يُقَال إِن أحدا اسْتعَار شَيْئا فَكَانَ من يعرض يدْخل من بَاب القرافة وَيخرج من جِهَة الْجَبَل إِلَى بَاب النَّصْر إِلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 الدهليز الْمَضْرُوب هُنَاكَ. فَلَمَّا قرب غرُوب الشَّمْس ركب السُّلْطَان بقباء أَبيض لَا غير وسَاق فِي وسط العساكر اللابسة وَمَعَهُ يسير من سلَاح داريته وخواصه إِلَى الدهليز فَنزل بِهِ ورتب الْمنَازل ثمَّ عَاد إِلَى القلعة وَقت الْمغرب. ثمَّ إِن النَّاس اهتموا باللعب ولبسوا خيولهم النشاهير والبرلسم البحرية والمراوات وَنزل السُّلْطَان وجانبه تجر فَكَانَ منْظرًا يبهر الْعُيُون حسنه. وَكَانَ الَّذِي دخل فِي المراوات من البنود الأطلس الْأَصْفَر قِيمَته عشرَة آلَاف دِينَار وَمَا تجدّد بعد ذَلِك لَا يحصي. وسَاق السُّلْطَان إِلَى ميدان الْعِيد وقدامه جنائبه وَشرط لكل أَمِير يُصِيب القبق فرسا من الجنائب بِمَا عَلَيْهِ من التشاهير وخلعة لكل مفردي أَو مَمْلُوك أَو جندي. وسَاق هُوَ والأمراء ثمَّ المفاردة والبحرية والظاهرية وَالْحَلقَة والأجناد وَدخل النَّاس بِالرِّمَاحِ بكرَة النَّهَار. وَنزل السُّلْطَان وَقت الصَّلَاة للصَّلَاة وإطعام الطَّعَام ثمَّ ركب النَّاس ولبسوا وَركب السُّلْطَان لرمي النشاب وَأعْطِي وخلع. وَفِي هَذَا الْيَوْم: حضر رسل الْملك بركَة فشاهدوا من كَثْرَة العساكر وَحسن زيهم واهتمام السُّلْطَان وبهجة الْخُيُول وجلالة الفرسان مَا بهر عُقُولهمْ ووقفوا بِجَانِب السُّلْطَان يشاهدون حركات العساكر وإصابة رميها. وَاسْتمرّ ذَلِك أَيَّامًا. وَفِي تاسعه: خلع السُّلْطَان على الْمُلُوك والأمراء والبحرية والحجاب وَالْحَلقَة وأرباب العمائم والوزراء والقضاة وَذَوي الْبيُوت وحضروا بِالْخلْعِ وَاسْتمرّ اللّعب بَقِيَّة النَّهَار. فَسَأَلت الرُّسُل عَن العساكر هَل هِيَ عَسَاكِر مصر وَالشَّام فَقيل لَهُم: هَذَا عَسْكَر مصر فَقَط غير من فِي الثغور مثل إسكندرية ودمياط ورشيد وقوص والمجردين وَالَّذين سافروا فِي إقطاعاتهم. فَكثر تعجبهم من ذَلِك. وَفِي عاشره: عمل السماط بقلعة الْجَبَل وَحضر الْملك السعيد وَفِي خدمته أَوْلَاد الْمُلُوك وَأَوْلَاد الْأُمَرَاء. فختن الْملك السعيد ثمَّ ختن ابْن الْأَمِير عز الدّين الْحلِيّ الأتابك وَابْن الْأَمِير شمس الدّين سنقر الْأَشْقَر الرُّومِي وَابْن الْأَمِير سيف الدّين سكز وَابْن حسام الدّين ابْن بركَة خَان وَابْن الْملك الْمُجَاهِد ابْن صَاحب الْموصل ثمَّ أَوْلَاد الْملك المغيث صَاحب الكرك الثَّلَاثَة وَابْن فَخر الدّين الْحِمصِي وعدة من أَوْلَاد الْأُمَرَاء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 وَكَانَ ذَلِك بَعْدَمَا عمل لعدة من الْأَيْتَام وَأَبْنَاء الْفُقَرَاء بِمصْر والقاهرة كسْوَة فاحضروا فِي هَذَا الْيَوْم وختنوا. وَمنع السُّلْطَان الْأُمَرَاء والخواص من التقدمة الَّتِي جرت الْعَادة بهَا للملوك فِي مثل هَذَا المهم فَلم يقدم أحد من الْخَاصَّة شَيْئا أَلْبَتَّة. وَلما انقضي هَذَا المهم خرج السُّلْطَان إِلَى الطرانة وَسَار إِلَى وَادي هبيب وَنزل الأديرة الَّتِي هُنَاكَ وَمضى إِلَى تروجة وَسَار مِنْهَا إِلَى الحمامات وسلك إِلَى الْعقبَة وَضرب الْحلقَة برسم الصَّيْد وأدركه عيد النَّحْر هُنَاكَ. وجرد جمَاعَة لأخذ عربان بلغه كَثْرَة فسادهم وأحضر هوارة وعرب سليم وألزمهم بإشهاد كتب عَلَيْهِم بعمارة الْبِلَاد وَألا يؤوا أحدا من أهل الْفساد. ثمَّ عَاد إِلَى ثغر الْإسْكَنْدَريَّة وَعم المفاردة والأمراء والخواص بتفرقة المَال والقماش وَلعب الكرة بالميدان وزار الشاطبي. ثمَّ سَار إِلَى الْقَاهِرَة فَنزل تروجة ورسم بِتَقْدِيم سيف الدّين عطا الله بن عزار على عرب برقة وألزمه بجباية زَكَاة الْمَوَاشِي وَأخذ عشر الزروع وَالثِّمَار بفريضة الله فالتزم بذلك. وأنعم عَلَيْهِ بسنجق ونقارات وَتوجه لحفظ الْبِلَاد واستخرج الزَّكَاة والعشور من العربان ببرقة. وَوصل السُّلْطَان إِلَى قلعة الْجَبَل فَقدم شحنة تكريت بِجَمَاعَة. وجهز السُّلْطَان الْأَمِير أَمِين الدّين مُوسَى بن التركماني وَمَعَهُ عدَّة من الرُّمَاة والمقاتلة. وخزانة مَال وعدة خلع وَكثير من أُمَرَاء عربان الكرك وبحريتها ومبلغ من الغلال والذخائر. فَسَارُوا إِلَى خَيْبَر واستولوا على قلعتها. وَكثر فِي هَذِه السّنة قتل النَّاس فِي الخليج وفقد جمَاعَة والتبس الْأَمر فِي ذَلِك. ثمَّ ظهر بعد شهر أَن امْرَأَة جميلَة يُقَال لَهَا غَازِيَة كَانَت تخرج بزينتها وَمَعَهَا عَجُوز فَإِذا تعرض لَهَا أحد قَالَت لَهُ الْعَجُوز: لَا يُمكنهَا الْمصير إِلَى أحد وَلَكِن من أرادها فليأت منزلنا فَإِذا وافي الرجل إِلَيْهَا خرج إِلَيْهِ رجال فَقَتَلُوهُ وَأخذُوا مَا مَعَه. وَكَانَت الْمَرْأَة فِي كل قَلِيل تنْتَقل من منزل إِلَى منزل حَتَّى سكنت خَارج بَاب الشعرية على الخليج. فَأَتَت الْعَجُوز إِلَى ماشطة مَشْهُورَة بِالْقَاهِرَةِ واستدعتها إِلَى فَرح فسارت الماشطة مَعهَا بالحلي على الْعَادة وَمَعَهَا جاريتها وَدخلت الماشطة وانصرفت جاريتها فَقتل الْجَمَاعَة الماشطة وَأخذُوا مَا كَانَ مَعهَا. وَجَاءَت جاريتها إِلَى الدَّار تطلب مولاتها فأنكروها فمضت إِلَى الْوَالِي وعرفته الْخَبَر فَركب إِلَى الدَّار وهجمها فَإِذا بالصبية والعجوز فَقبض عَلَيْهِمَا وعرضهما على الْعَذَاب فأقرتا فحبسهما. وَاتفقَ أَن رجلا خَارِجا لفقد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 أحوالهما فَقبض عَلَيْهِ وعوقب فَدلَّ على رَفِيقه فَإِذا هُوَ صَاحب أقمنة طوب فَعُوقِبَ أَيْضا. فَوجدَ إِنَّهُم كَانُوا إِذا قتلوا أحدا ألقوه فِي القمين حَتَّى تحترق عِظَامه وأظهروا من الدَّار حفائر قد ملئت بالقتلى فسمروا جَمِيعًا. ثمَّ انْطَلَقت الْمَرْأَة بعد يَوْمَيْنِ فأقامت قَلِيلا وَمَاتَتْ ثمَّ عملت الدَّار الَّتِي كَانُوا بهَا مَسْجِدا وَهُوَ الْمَعْرُوف. بِمَسْجِد الخناقة. وَفِي هَذِه السّنة: وقف السُّلْطَان عدَّة قري بأعمال الشَّام والقدس لصرف ريعها فِي خبز ونعال لمن يرد إِلَى الْقُدس من المشاة ومبلغ فلوس. وَأَنْشَأَ خَانا وفرنا وطاحونا وَجعل النّظر فِي ذَلِك للأمير جمال الدّين مُحَمَّد بن نَهَار. وفيهَا قبض الأشكري صَاحب قسطنطينية على عز الدّين كيكاوس بن كيخسرو بن كيقباد صَاحب بِلَاد الرّوم. وَسبب وجود عز الدّين عِنْد الأشكري هُوَ اختلافه مَعَ أَخِيه ركن الدّين قلج أرسلان حَتَّى غَلبه أَخُوهُ ففر مِنْهُ وَملك أَخُوهُ ركن الدّين قلج أرسلان بِلَاد الرّوم. فَمضى عز الدّين إِلَى الأشكري فأواه وأنزله وَمن مَعَه من الْأُمَرَاء وَقَامَ بأمرهم مُدَّة حَتَّى بلغه إِنَّهُم قصدُوا قَتله وَأخذ المملكة مِنْهُ فَقبض عَلَيْهِم واعتقل عز الدّين وكحل أَصْحَابه كلهم فأعماهم. وفيهَا ولي محيي الدّين أَبُو المكارم مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن علوان بن الْأُسْتَاذ الْأَسدي الشَّافِعِي قَضَاء حلب عوضا عَن ابْن عَمه كَمَال الدّين أبي بكر أَحْمد المتوفي. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان الْملك المغيث عمر بن الْعَادِل أبي بكر بن الْكَامِل مُحَمَّد بن الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب ابْن شادي صَاحب الكرك مقتولا بقلعة الْجَبَل عَن ثَلَاثِينَ سنة. وَمَات الْملك الْأَشْرَف مُوسَى بن الْمَنْصُور بن إِبْرَاهِيم بن الْمُجَاهِد شيركوه بن القاهر مُحَمَّد بن الْمَنْصُور بن شيركوه بن شادي صَاحب حمص عَن خمس وَثَلَاثِينَ سنة بهَا وَهُوَ آخر من ملك حمص من أَوْلَاد شيركوه. وَمَات الْأَمِير حسام الدّين لاجين العزيزي الجوكندار بِدِمَشْق عَن نَحْو خمسين سنة. وَتُوفِّي قَاضِي قُضَاة دمشق عماد الدّين أَبُو الْفَضَائِل عبد الْكَرِيم بن جمال الدّين أبي الْقَاسِم عبد الصَّمد بن مُحَمَّد بن الْفضل. بن الحرستاني الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي وَهُوَ مَعْزُول وَبِيَدِهِ خطابة الْجَامِع وتدريس الحَدِيث بالأشرفية عَن خمس وَخمسين سنة بِدِمَشْق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة بحلب كَمَال الدّين أَبُو بكر أَحْمد بن زين الدّين أبي مُحَمَّد عبد الله بن عبد وَتُوفِّي شيخ الشُّيُوخ بحماة شرف الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن عبد المحسن الْأنْصَارِيّ عَن سِتّ وَسبعين سنة فِي ثامن رَمَضَان ومولده فِي جُمَادَى الأولى سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة. وَتُوفِّي الرجل الصَّالح أَبُو الْقَاسِم بن مَنْصُور بن يحيي القباري بالإسكندرية عَن خمس وَسبعين سنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 فارغة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 سنة ثَالِث وَسِتِّينَ وسِتمِائَة فِي الْمحرم توجه الْملك الظَّاهِر من قلعة الْجَبَل إِلَى الصَّيْد فَأَقَامَ برسيم ثمَّ صَار إِلَى العباسية وَرمي البندق وادعي لَهُ جمَاعَة مِنْهُم الْأَمِير فَخر الدّين عُثْمَان ابْن الْملك المغيث صَاحب الكرك. فورد الْخَبَر بنزول التتر على البيرة فَجهز السُّلْطَان من فوره الْأَمِير بدر الدّين الخازندار على الْبَرِيد ليخرج أَرْبَعَة آلَاف فَارس من بِلَاد الشَّام. وَركب السُّلْطَان من مَوْضِعه وسَاق إِلَى القلعة وَكَانَت الْخُيُول على الرّبيع فَلم يقم بقلعة الْجَبَل بعد عوده من الصَّيْد غير لَيْلَة. وَعين الْأَمِير عز الدّين إيغان الْمَعْرُوف بِسم الْمَوْت لتقدمة العساكر وَمَعَهُ من الْأُمَرَاء فَخر الدّين الْحِمصِي والأمير بدر الدّين بيليك الأيدمري والأمير عَلَاء الدّين كشتغاي الشمسي وعدة من الْأُمَرَاء وَالْحَلقَة تبلغ أَرْبَعَة آلَاف فَارس فَخَرجُوا من الْقَاهِرَة جرائد فِي رَابِع شهر ربيع الأول. ثمَّ عين الْأَمِير جمال الدّين المحمدي والأمير جمال الدّين أيدغدي الحاجي ومعهما أَرْبَعَة آلَاف أُخْرَى فبرزوا ثَانِي يَوْم خُرُوج الْأَمِير عز الدّين إيغان إِلَى ظَاهر الْقَاهِرَة وَسَارُوا فِي عاشره. وَفِي يَوْم السبت رَابِع ربيع الآخر: شرع السُّلْطَان فِي السّفر وَخرج بِنَفسِهِ فِي خَامِس شهر ربيع الآخر وَمَعَهُ عَسَاكِر كَثِيرَة فَوَقع فنَاء فِي الدَّوَابّ هلك مِنْهَا عدد كثير وَصَارَت الْأَمْوَال مطروحة وَالسُّلْطَان لَا يقصر فِي الْمسير. فَلَمَّا شكي إِلَيْهِ قلَّة الظّهْر قَالَ: مَا أَنا فِي قيد الْجمال أَنا فِي قيد نصْرَة الْإِسْلَام. وَنزل السُّلْطَان غَزَّة فِي الْعشْرين مِنْهُ فورد الْخَبَر بِأَن الْعَدو نصب على البيرة سَبْعَة عشر منجنيقا فكتم ذَلِك وَلم يعلم بِهِ سوي الْأَمِير شمس الدّين سنقر الرُّومِي والأمير سيف الدّين قلاوون فَقَط. وَكتب السُّلْطَان للأمير إيغان: مَتى لم تدركوا قلعة البيرة وَإِلَّا سقت إِلَيْهَا بنفسي جَرِيدَة فساق الْأَمِير إيغان الْعَسْكَر ورحل السُّلْطَان من غَزَّة وَنزل قَرِيبا من صيداء فَركب للصَّيْد فتقطر عَن فرسه وتهشم وَجهه فتجلد ورحل وَأَتَاهُ قسطلان يافا بتقادم. وَنزل السُّلْطَان بيبني فِي سادس عشريه فورد الْبَرِيد من دمشق وَهُوَ فِي الْحمام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 بالدهليز فَلم يُمْهل وَقُرِئَ عَلَيْهِ الْكتاب وَهُوَ عُرْيَان: فَإِذا هُوَ يتَضَمَّن بِأَن بطاقة الْملك الْمَنْصُور صَاحب حماة سَقَطت بِأَنَّهُ وصل إِلَى البيرة بالعساكر صُحْبَة الْأَمِير عز الدّين إيغان وَجَمَاعَة الْأُمَرَاء يَوْم الْإِثْنَيْنِ وَأَن التتار عِنْدَمَا شاهدوهم هربوا ورموا مجانيقهم وغرقوا مراكبهم وَكَانَ من حِين كتَابَتهَا بالبيرة إِلَى حِين وصولها يَبْنِي أَرْبَعَة أَيَّام ثمَّ توالت كتب الْأُمَرَاء بالبشارة فَكتب بذلك إِلَى الْقَاهِرَة وَغَيرهَا. وَاسْتشْهدَ على البيرة الْأَمِير صارم الدينبكناش الزَّاهدِيّ وَترك مَوْجُودا كَبِيرا وبنتا وَاحِدَة فرسم السُّلْطَان أَن يكون جَمِيع الْإِرْث لَهَا لَا يشاركها فِيهِ أحد وَكتب السُّلْطَان بعمارة مَا خرب من البيرة وَحمل آلَات الْقِتَال والأسلحة إِلَيْهَا من مصر وَالشَّام وَأَن يعبأ فِيهَا كل مَا يحْتَاج إِلَيْهِ أَهلهَا فِي الْحصار لمُدَّة عشر سِنِين. وَكتب لِلْأُمَرَاءِ وَلِصَاحِب حماة بِالْإِقَامَةِ على البيرة حَتَّى ينظف الخَنْدَق من الْحِجَارَة الَّتِي ردمها الْعَدو فِيهِ فَكَانَت الْأُمَرَاء تنقل الْحِجَارَة على أكتافها مُدَّة. وبعثوا بِخَبَر ذَلِك إِلَى السُّلْطَان وَهُوَ وَاقِف على سور قيسارية ليهدمه بِنَفسِهِ وَفِي يَده القطاعة وَقد تجرحت يَده. فَكتب جوابهم: إِنَّا بِحَمْد الله مَا تخصصنا عَنْكُم براحة وَلَا دعة وَلَا أَنْتُم فِي ضيق وَنحن فِي سَعَة. مَا هُنَا إِلَّا من هُوَ مبَاشر الحروب اللَّيْل وَالنَّهَار وناقل الْأَحْجَار ومرابط الْكفَّار. وَقد تساوينا فِي هَذِه الْأُمُور وَمَا ثمَّ مَا تضيق بِهِ الصُّدُور. وَكتب السُّلْطَان إِلَى الْقَاهِرَة باستدعاء مِائَتي ألف دِرْهَم ومائتي تشريف وَإِلَى دمشق بتجهيز مائَة ألف دِرْهَم وَمِائَة تشريف وَحمل جَمِيع ذَلِك إِلَى البيرة. وَكتب إِلَى الْأَمِير إيغان بِأَن يحضر أهل قلعة البيرة ويخلع على سَائِر من فِيهَا من أَمِير ومأمور وجندي وعامي وَينْفق فيهم المَال. حَتَّى الحراس وأرباب الضَّوْء فاعتمد ذَلِك كُله وَكتب إِلَى الديار المصرية بتبطيل المزر وَأَن تعفي أثاره وتخرب بيوته وتكسر مواعينه وَأَن يسْقط ارتفاعه من الدِّيوَان وَمن كَانَ لَهُ على هَذِه الْجِهَة شَيْء نعوضه من مَال الله الْحَلَال فاعتمد ذَلِك وَعوض المقطعون بدل مَا كَانَ لَهُم على جِهَة المزر. ثمَّ ركب السُّلْطَان من العوجاء بعد ركُوب الأطلاب للتصيد فِي غابة أرسوف ورسم لِلْأُمَرَاءِ من أَرَادَ مِنْهُم الصَّيْد فليحضر فَإِن الغابة كَثِيرَة السبَاع وسَاق إِلَى أرسوف وقيسارية فشاهدهما وَعَاد إِلَى الدهليز فَوجدَ أخشاب المنجنيقات قد أحضرت بِصُحْبَة زرد خاناه فَأمر بِنصب عدَّة مجانيق وعملها. وَجلسَ السُّلْطَان مَعَ الصناع يستحثهم فَعمل فِي يَوْم وَاحِد أَربع منجنيقات كبار سوي الصغار. وَكتب إِلَى القلاع بِطَلَب المجانيق والصناع والحجارين ورسم للعسكر بِعَمَل سلالم. ورحل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 السُّلْطَان إِلَى قريب عُيُون الأساور من وَادي عارة وعرعرة فَلَمَّا كَانَ بعد عشَاء الآخر أَمر الْعَسْكَر كُله فلبسوا آلَة الْحَرْب وَركب آخر اللَّيْل وسَاق إِلَى قيسارية فوافاها بكرَة نَهَار الْخَمِيس تَاسِع جُمَادَى الأولى على حِين غَفلَة من أَهلهَا وَضرب عَلَيْهَا بعساكره. وللوقت ألقِي النَّاس أنفسهم فِي خندقها وَأخذُوا السكَك الْحَدِيد الَّتِي برسم الْخُيُول مَعَ المقاود والشبح وتعلقوا فِيهَا من كل جَانب حَتَّى صعدوا وَقد نصبت المجانيق وَرمي بهَا. فحرقوا أَبْوَاب الْمَدِينَة واقتحموها ففر أَهلهَا إِلَى قلعتها وَكَانَت من أحصن القلاع وأحسنها وتعرف بالخضراء وَكَانَ قد حمل عَلَيْهَا الفرنج الْعمد الصوان وأتقنوها بتصليب الْعمد فِي بنيانها حَتَّى لَا تعْمل فِيهَا النقوب وَلَا تقع إِذا علقت فاستمر الزَّحْف والقتال عَلَيْهَا بالمجانيق والدبابات والزحافات وَرمي النشاب. وَخرجت تجريدة من عَسْكَر السُّلْطَان إِلَى بيسان مَعَ الْأَمِير شهَاب الدّين القيمري فسير جمَاعَة من التركمان والعربان إِلَى أَبْوَاب عكا فاسروا جمَاعَة من الفرنج. هَذَا والقتال ملح على قلعة قيسارية وَالسُّلْطَان مُقيم بِأَعْلَى كنسية تجاه القلعة ليمنع الفرنج من الصعُود إِلَى علو القلعة وَتارَة يركب فِي بعض الدبابات ذَوَات الْعجل الَّتِي تجْرِي حَتَّى يصل إِلَى السُّور ليري النقوب بِنَفسِهِ. وَأخذ السُّلْطَان فِي يَده يَوْمًا من الْأَيَّام ترسا وَقَاتل فَلم يرجع إِلَّا وَفِي ترسه عدَّة سِهَام. فَلَمَّا كَانَ فِي لَيْلَة الْخَمِيس النّصْف من جُمَادَى الأولى: سلم الفرنج القلعة. بِمَا فِيهَا فتسلق الْمُسلمُونَ من الأسوار وحرقوا الْأَبْوَاب ودخلوها من أَعْلَاهَا وأسفلها وَأذن بالصبح عَلَيْهَا. وطلع السُّلْطَان وَمَعَهُ الْأُمَرَاء إِلَيْهَا وَقسم الْمَدِينَة على الْأُمَرَاء والمماليك وَالْحَلقَة وَشرع فِي الْهدم وَنزل وَأخذ بِيَدِهِ قطاعة وَهدم بِنَفسِهِ. فَلَمَّا قَارب الْفَرَاغ من هدم قيسارية بعث السُّلْطَان الْأَمِير سنقر الرُّومِي والأمير سيف الدّين المستعرب فِي جمَاعَة فهدموا قلعة كَانَت للفرنج عِنْد الملوحة قريب دمشق وَكَانَت عَاتِيَة حَتَّى دكوها دكا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 وَفِي سادس عشريه: سَار السُّلْطَان جربذة إِلَى عثليث وسير الْأَمِير سنقرا السِّلَاح دَار والأمير عز الدّين الْحَمَوِيّ والأمير سنقرا الألفي إِلَى حيفا. فوصلوا إِلَيْهَا ففر الفرنج إِلَى المراكب وَتركُوا قلعتها فَدَخلَهَا الْأُمَرَاء بعد مَا قتلوا عدَّة من الفرنج وَبعد مَا أَسرُّوا كثيرا وخربوا الْمَدِينَة والقلعة وأحرقوا أَبْوَابهَا فِي يَوْم وَاحِد وعادوا بالأسري والرءوس والغنائم سَالِمين. وَوصل السُّلْطَان إِلَى عثليث فَأمر بتشعيثها وَقطع أشجارها فَقطعت كلهَا وَخَربَتْ أبنيتها فِي يَوْم وَاحِد. وَعَاد إِلَى الدهليز بقيسارية وكمل هدمها حَتَّى لم يدع لَهَا أثرا وقدمت منجنيقات من الصبيبة وزرد خاناه من دمشق وَورد عدَّة من الفرنج للْخدمَة فأكرمهم السُّلْطَان وأقطعهم الإقطاعات. وَفِي تَاسِع عشريه: رَحل السُّلْطَان من قيسارية وَسَار من غير أَن يعرف أحد قَصده فَنزل على أرسوف مستهل جُمَادَى الْآخِرَة وَنقل إِلَيْهَا من الأحطاب مَا صَارَت حول الْمَدِينَة كالجبال الشاهقة وَعمل مِنْهَا ستائر وحفر سربين من خَنْدَق الْمَدِينَة إِلَى خَنْدَق القلعة وسقفه بالأخشاب. وَسلم أَحدهمَا للأمير سنقر الرُّومِي والأمير بدر الدّين بيسري والأمير بدر الدّين الخازندار والأمير شمس الدّين الذّكر الكركي وَجَمَاعَة غَيرهم. وَسلم الآخر للأمير سيف الدّين قلاوون والأمير علم الدّين الْحلَبِي الْكَبِير والأمير سيف الدّين كرمون وَجَمَاعَة غَيرهم. وَعمل السُّلْطَان طَرِيقا من الخندقين إِلَى القلعة وردمت الأحطاب فِي الخَنْدَق فتحيل الفرنج وأحرقوها كلهَا. فَأمر السُّلْطَان بِالْحفرِ من بَاب السربين إِلَى الْبَحْر وَعمل سروبا تَحت الأَرْض يكون حَائِط خَنْدَق الْعَدو ساترا لَهَا وَعمل فِي الْحَائِط أبوابا يَرْمِي التُّرَاب مِنْهَا وَينزل فِي السروب حَتَّى تَسَاوِي أرْضهَا أَرض الخَنْدَق. وأحضر المهندسين حَتَّى تقرر ذَلِك وَولي أمره للأمير عز الدّين أيبك الفخري. فاستمر الْعَمَل وَالسُّلْطَان بِنَفسِهِ ملازم الْعَمَل بِيَدِهِ فِي الْحفر وَفِي جر المنجنيقات وَرمي التُّرَاب وَنقل الْأَحْجَار أُسْوَة لغيره من النَّاس. وَكَانَ يمشي. بمفرده وَفِي يَده ترس تَارَة فِي السرب وَتارَة فِي الْأَبْوَاب الَّتِي تفتح وَتارَة على حافة الْبَحْر يرامي مراكب الفرنج. وَكَانَ يجر فِي المجانيق ويطلع فَوق الستائر يَرْمِي من فَوْقهَا وَرمي فِي يَوْم وَاحِد ثَلَاثمِائَة سهم بِيَدِهِ. وَحضر فِي يَوْم إِلَى السرب وَقد فِي رَأسه خلف طَاقَة يَرْمِي مِنْهَا فَخرج الفرنج بِالرِّمَاحِ وفيهَا خطاطيف ليجبذوه فَقَامَ وَقَاتلهمْ يدا بيد وَكَانَ مَعَه الْأَمِير سنقر الرُّومِي والأمير بيسري والأمير بدر الدّين الخازندار فَكَانَ سنقر يناوله الْحِجَارَة حَتَّى قتل فارسين من الفرنج وَرَجَعُوا على أَسْوَأ حَال. وَكَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 يطوف بَين العساكر فِي الْحصار بمفرده وَلَا يَجْسُر أحد ينظر إِلَيْهِ وَلَا يشر إِلَيْهِ بإصبعه. وَحضر فِي هَذِه الْغُزَاة جمع كَبِير من الْعباد والزهاد وَالْفُقَهَاء وأصناف النَّاس وَلم يعْهَد فِيهَا حمر وَلَا شَيْء من الْفَوَاحِش. بل كَانَت النِّسَاء الصَّالِحَات يسقين المَاء فِي وسط الْقِتَال ويعملن فِي جر المجانيق. وَأطلق السُّلْطَان الرَّوَاتِب من الأغنام وَغَيرهَا لجَماعَة من الصلحاء وَأعْطِي الشَّيْخ على البكا جملَة مَال. وَلَا سمع عَن أحد من خَواص السُّلْطَان إِنَّه اشْتغل عَن الْجِهَاد فِي نوبَته بشغل وَلَا سير أَمِير غلمانه فِي نوبَته واستراح. بل كَانَ النَّاس فِيهَا سَوَاء فِي الْعَمَل حَتَّى أثرت المجانيق فِي هدم الأسوار وَفرغ من عمل الأسربة الَّتِي بجانبي الخَنْدَق وَفتحت فِيهَا أَبْوَاب متسعة. فَلَمَّا تهَيَّأ ذَلِك وَقع الزَّحْف على أرسوف فِي يَوْم الْخَمِيس ثامن رَجَب فَفَتحهَا الله فِي ذَلِك الْيَوْم عِنْدَمَا وَقعت الباشورة. فَلم يشْعر الفرنج إِلَّا بِالْمُسْلِمين قد تسلقوا وطلعوا القلعة وَرفعت الْأَعْلَام الإسلامية على الباشورة وحفت بهَا الْمُقَاتلَة وطرحت النيرَان فِي أَبْوَابهَا. هَذَا والفرنج تقَاتل فَدفع السُّلْطَان سنجقه للأمير سنقر الرُّومِي وَأمره أَن يُؤمن الفرنج من الْقَتْل فَلَمَّا رَآهُ الفرنج تركُوا الْقِتَال. وَسلم السنجق للأمير علم الدّين سنجر المسروري الْمَعْرُوف بالخياط الْحَاجِب ودليت لَهُ الحبال من القلعة فربطها فِي وَسطه والسنجق مَعَه وَرفع إِلَيْهَا فَدَخلَهَا وَأخذ جَمِيع سيوف الفرنج وربطهم بالحبال وساقهم إِلَى السُّلْطَان والأمراء صُفُوف وهم أُلُوف. وأباح السُّلْطَان القلعة للنَّاس وَكَانَ بهَا من الغلال والذخائر وَالْمَال شَيْء كثير وَكَانَ فِيهَا جملَة من الْخُيُول وَالْبِغَال لم يتَعَرَّض السُّلْطَان لشَيْء مِنْهُ إِلَّا مَا اشْتَرَاهُ مِمَّن أَخذه بِالْمَالِ وَوجد فِيهَا عدَّة من أسرِي الْمُسلمين فِي الْقُيُود فأطلقوا وَقيد الفرنج بقيودهم وَعين السُّلْطَان جمَاعَة مَعَ الأسري من الفرنج ليسيروا بهم وَقسم أبراج أرسوف على الْأُمَرَاء وَأمر أَن يكون أسرِي الفرنج يتولون هدم السُّور فهدمت بِأَيْدِيهِم. وَأمر السُّلْطَان بكشف بِلَاد قيسارية وَعمل متحصلها فَعمِلت بذلك أوراق وَطلب قَاضِي دمشق وعدوله ووكيل بَيت المَال وَتقدم بِأَن يملك الْأُمَرَاء المجاهدون من الْبِلَاد الَّتِي فتحهَا الله عَلَيْهِ مَا يَأْتِي ذكره. وكتبت تواقيع كل مِنْهُم من غير أَن يطلعوا على ذَلِك فَلَمَّا فرغت التواقيع فرقت على أَرْبَابهَا وَكتب بذلك مَكْتُوب جَامع بالتمليك ونسخته: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 أما بعد حمد الله على نصرته المتناسقة الْعُقُود وتمكينه الَّذِي رفلت بِهِ الْملَّة الإسلامية فِي أصفى البرود وفتحه الَّذِي إِذا شاهدت الْعُيُون مواقع نَفعه وعظيم وقعه علمت لأمر مَا يسود من يسود وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا مُحَمَّد الَّذِي جَاهد الْكفَّار بِالسَّيْفِ البتار وأعلمهم لمن عَقبي الدَّار وعَلى آله وَصَحبه صَلَاة تتواصل بالْعَشي وَالْإِبْكَار فَإِن خير النِّعْمَة وَردت بعد الْيَأْس وَأَقْبَلت على فَتْرَة من تخاذل الْمُلُوك وتهاون النَّاس فَأكْرم بهَا نعْمَة وصلت للْأمة المحمدية أسبابا وَفتحت للفتوحات الإسلامية أبوابا وهزمت من التتار والفرنج العدوين ورابطت من الْملح الأجاج والعذب الْفُرَات بالبرين والبحرين وَجعلت عَسَاكِر الْإِسْلَام تذل الفرنج بغزوهم فِي عقر الدَّار وتجوس من حصونهم الْمَانِعَة خلال الديار والأمصار وتقود من فضل عَن شبع السَّيْف الساغب إِلَى حلقات الإسار ففرقة مِنْهَا تقتلع للفرنج قلاعا وتهدم حصونا وَفرْقَة تبقي مَا هدم للتتار بالمشرق وتعليه تحصينا وَفرْقَة تتسلم بالحجاز قلاعا شاهقة وتقسم هضابا سامقة. فَهِيَ بِحَمْد الله البانية الهادمة والقاسمة الراحمة. كل ذَلِك بِمن أَقَامَهُ الله وجرد سَيْفا ففري وحملت رَبَاح النُّصْرَة ركابه تسخيرا فَسَار إِلَى مَوَاطِن الظفر وسري وكونته السَّعَادَة ملكا إِذا رَأَتْهُ فِي دستها قَالَت تَعْظِيمًا لَهُ مَا هَذَا بشرا. وَهُوَ السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر ركن الدُّنْيَا وَالدّين أَبُو الْفَتْح بيبرس جعل الله سيوفه مفاتح الْبِلَاد وأعلامه أعلاما من الأسنة على رَأسهَا نَار بهداية الْعباد فَإِنَّهُ أَخذ الْبِلَاد ومعطيها وواهبها بِمَا فِيهَا. وَإِذا عَامله الله بِلُطْفِهِ شكر وَإِذا قدر عُفيَ وَأصْلح فوافقه الْقدر وَإِذا أَهْدَت إِلَيْهِ النُّصْرَة فتوحات قسمهَا فِي حاضريها لَدَيْهِ متكرما وَقَالَ لمن حضر وَإِذا خوله الله تخويلا وَفتح على يَدَيْهِ قلاعا جعل الْهدم للأسوار والدماء للبتار والرقاب للإسار والبلاد المزروعة للأولياء وَالْأَنْصَار. وَلم يَجْعَل لنَفسِهِ إِلَّا مَا تسطره لملائكة فِي الصحائف لصفاحه من الأجور وَمَا تطوي عَلَيْهِ طربات السّير الَّتِي غَدَتْ بِمَا فَتحه الله من الثغور باسمه باسمة الثغور. فتي جعل الْبِلَاد من العطا فَأعْطِي المدن واحتقر الضياعا سمعنَا بالكرام وَقد أرانا عيَانًا ضعف مَا فعلوا سَمَاعا إِذا فعل الْكِرَام على قِيَاس جميلا كَانَ مَا فعل ابتداعا وَلما كَانَ بِهَذِهِ المثابة وَقد فتح الفتوحات الَّتِي أجزل الله بهَا أجره وضاعف ثَوَابه وَله أَوْلِيَاء النُّجُوم ضِيَاء وكالأقدار مضاء وكالعقود تناسقا وكالوبل تلاحقا إِلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 الطَّاعَة وتسابقا رَأْي أَلا ينْفَرد عَنْهُم بِنِعْمَة وَلَا يتخصص وَلَا يستأثر. بمنحة غَدَتْ بسيوفهم تستنقذ وبعزائمهم تستخلص وَأَن يؤثرهم على نَفسه وَيقسم عَلَيْهِم الأشعة من أنوار شمسه ويبقي للْوَلَد مِنْهُم وَولد الْوَلَد مَا يَدُوم إِلَى آخر الدَّهْر ويبقي على الْأَبَد ويعيش الْأَبْنَاء فِي نعْمَته كَمَا عَاشَ الْآبَاء وَخير الْإِحْسَان مَا شَمل وَأحسنه مَا خلد. فَخرج العالي لَا زَالَ يَشْمَل الأعقاب والذراري وينير إنارة الأنجم الدراري أَن يملك أمراؤه وخواصه الَّذين يذكرُونَ وَفِي هَذَا الْمَكْتُوب يسطرون مَا يعين من الْبِلَاد والضياع على مَا يشْرَح وَيبين من الأوضاع وَهُوَ الأتابك فَارس الدّين أقطاي الصَّالِحِي عتيل بكمالها الْأَمِير جمال الدّين إيدغدي العزيزي النّصْف من زيتا الْأَمِير بدر الدّين بيسري الشمسي الصَّالِحِي نصف طور كرم الْأَمِير بدر الدّين بيليك الخازندار نصف طوركرم الْأَمِير شمس الدّين الذّكر الكركي ربع زيتا الْأَمِير سيف الدّين قلج الْبَغْدَادِيّ ربع زيتا الْأَمِير ركن الدّين بيبرس خَاص ترك الْكَبِير الصَّالِحِي أفراسين بكمالها الْأَمِير عَلَاء الدّين أيدكين البندقدار الصَّالِحِي باقة الشرقية بكمالها الْأَمِير عز الدّين أيدمر الْحلَبِي الصَّالِحِي نصف قلنسوة الْأَمِير شمس الدّين سنقر الرُّومِي نصف قلنسوة الْأَمِير سيف الدّين قلاوون الألفي الصَّالِحِي نصف طيبَة الِاسْم الْأَمِير عز الدّين إيغان سم الْمَوْت نصف طيبَة الِاسْم الْأَمِير جمال الدّين أقوش النجيبي نَائِب سلطة الشَّام أم الفحم بكمالها من قيسارية الْأَمِير علم الدّين سنجر الْحلَبِي الصَّالِحِي بتان بكمالها الْأَمِير جمال الدّين أقوش المحمدي نصف بورين الْأَمِير فَخر الدّين ألطنبا الْحِمصِي نصف بورين الْأَمِير جمال الدّين أيدغدي الحاجبي الناصري نصف بيزين الْأَمِير بدر الدّين بيليك الأيدمري الصَّالِحِي نصف بيزين الْأَمِير فَخر الدّين عُثْمَان ابْن الْملك المغيث ثلث حلبة الْأَمِير شمس الدّين سلار الْبَغْدَادِيّ ثلث حلبة الْأَمِير صارم الدّين صراغان ثلث حلبة الْأَمِير نَاصِر الدّين القيمري نصف البرج الْأَحْمَر الْأَمِير سيف الدّين بلبان الزيني الصَّالِحِي نصف البرج الْأَحْمَر الْأَمِير سيف الدّين إبتامش السَّعْدِيّ نصف يما الْأَمِير شمس الدّين آقسنقر السِّلَاح دَار نصف يما الْملك الْمُجَاهِد سيف الدّين إِسْحَاق صَاحب الجزيرة نصف دنابة الْملك المظفر صَاحب سنجار نصف دنابة الْأَمِير بدر الدّين مُحَمَّد بن ولد الْأَمِير حسام الدّين بركَة خَان دير القصون بكمالها الْأَمِير عز الدّين أيبك الأفرم أَمِير جاندار نصف الشويكة الْأَمِير سيف الدّين كرمون أغا التتري نصف الشويكة الْأَمِير بدر الدّين الوزيري نصف طبرس الْأَمِير ركن الدّين منكورس الديداري نصف طبرس الْأَمِير سيف الدّين قشتمر العجمي علار بكمالها الْأَمِير عَلَاء الدّين أَخُو الدويدار نصف عرعرا الْأَمِير سيف الدّين قفجق الْبَغْدَادِيّ نصف عرعرا الْأَمِير سيف الدّين دكجل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 الْبَغْدَادِيّ نصف فِرْعَوْن الْأَمِير علم الدّين سنجر الأزكشي نصف فِرْعَوْن الْأَمِير علم الدّين طرطج الْأَسدي أقتابة بكمالها الْأَمِير حسام الدّين إيمتش بن أطلس خَان سيدا بكمالها الْأَمِير عَلَاء الدّين كندغدي الظَّاهِرِيّ أَمِير مجْلِس الصفرا بكمالها الْأَمِير عز الدّين أيبك الْحَمَوِيّ الظَّاهِرِيّ نصف أرقاح الْأَمِير شمس الدّين سنقر الألفي نصف أرقاح الْأَمِير علم الدّين طيبرس الظَّاهِرِيّ نصف باقة الغربية الْأَمِير عَلَاء الدّين التنكري نصف باقة الغربية الْأَمِير عز الدّين الأتابك الفخري الْقصير بكمالها الْأَمِير علم الدّين سنجر الصَّيْرَفِي الظَّاهِرِيّ أخصاص بكمالها الْأَمِير ركن الدّين بيبرس المغربي نصف قفين الْأَمِير شُجَاع الدّين طغربل الشبلي أَمِير مهمندار نصف كفر راعي الْأَمِير عَلَاء الدّين كندغدي الحبيشي مقدم الْأُمَرَاء البحرية نصف كفر راعي الْأَمِير شرف الدّين بن أبي الْقَاسِم نصف كسفا الْأَمِير بهاء الدّين يَعْقُوب الشهرزوري نصف كسفا الْأَمِير جمال الدّين مُوسَى بن يغمور أستادار الْعَالِيَة نصف برنيكية الْأَمِير علم الدّين سنجر الْحلِيّ الغزاوي نصف برنيكية الْأَمِير علم الدّين سنجر نَائِب أَمِير جاندار نصف حانوتا من أرسوف الْأَمِير سيف الدّين بيدغان الركني فرديسيا بكمالها من قيسارية الْأَمِير عز الدّين أيدمر الظَّاهِرِيّ نَائِب الكرك ثلث حبلة من أرسوف الْأَمِير جمال الدّين أقوش السِّلَاح دَار الرُّومِي ثلث حبلة الْأَمِير شمس الدّين سنقر جاه الظَّاهِرِيّ ثلث حبلة الْأَمِير بدر الدّين بكتاش الفخري أَمِير سلَاح ثلث جلجولية الْأَمِير عَلَاء الدّين كشتغدي الشمسي ثلث جلجولية الْأَمِير بدر الدّين بكتوت بجكا الرُّومِي ثلث جلجولية. وَكتب من كتاب التَّمْلِيك الشَّرْعِيّ الْجَامِع نسخ وَفرقت على كل أَمِير نُسْخَة وخلع على قَاضِي دمشق وَعَاد إِلَى بَلَده. ونقلت المنجنيقات إِلَى القلاع وَهِي الكرك وعجلون وَنَحْوهمَا. ورحل السُّلْطَان من أرسوف بعد استكمال هدمهما فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشري شهر رَجَب إِلَى غَزَّة وَسَار مِنْهَا إِلَى مصر فَخرج الْملك السعيد والأتابك عز الدّين الْحلِيّ نَائِب السلطة إِلَى لِقَائِه ببركة الْحجَّاج فَلَقوهُ هُنَاكَ. وَدخل السُّلْطَان من الْقَاهِرَة فِي يَوْم الْخَمِيس حادي عشر شعْبَان والأسري بَين يَدَيْهِ حَتَّى خرج من بَاب زويلة وصمد إِلَى قلعة الْجَبَل فاستراح. وَعرض مَا حصله الْأَمِير عز الدّين الْحلِيّ والصاحب بهاء الدّين بن حنا من الخزائن وَلم يتْرك أحدا من أَمِير وَلَا وَزِير وَلَا مقدم وَلَا مفردي وَلَا أحدا من خواصه وَلَا بزداريته وبردداريته وَسَائِر حَوَاشِيه حَتَّى عَم الْجَمِيع بِالْخلْعِ وَأحسن إِلَى رسل الْملك بركَة وَكتب إِلَى الْيمن وَإِلَى الأنبرور بالبشارة وَأخرج جملَة من الدَّرَاهِم وَالْغلَّة الكساوي تصدق بهَا على الْفُقَرَاء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 وَكَانَ قد كثر الْحَرِيق بِالْقَاهِرَةِ ومصر فِي مُدَّة سفر السُّلْطَان وَأشيع أَن ذَلِك من النصاري. وَنزل بِالنَّاسِ من الْحَرِيق فِي كل مَكَان شدَّة عَظِيمَة وَوجد فِي بعض الْمَوَاضِع الَّتِي احترقت نفط وكبريت. فَأمر السُّلْطَان بِجمع النَّصَارَى وإليهود وَأنكر عَلَيْهِم هَذِه الْأُمُور الَّتِي تفسخ عَهدهم وَأمر بإحراقهم. فَجمع مِنْهُم عَالم عَظِيم فِي القلعة وأحضرت الأحطاب والحلفاء وَأمر بإلقائهم فِي النَّار فلاذوا بعفوه وسألوا الْمَنّ عَلَيْهِم. وَتقدم الْأَمِير فَارس الدّين أقطاي أتابك العساكر فشفع فيهم على أَن يلتزموا بالأموال الَّتِي احترقت وَأَن يحملوا إِلَى بَيت المَال خمسين ألف دِينَار. فأفرج عَنْهُم السُّلْطَان وتولي البطرك توزيع المَال والتزموا أَلا يعودوا إِلَى شَيْء من الْمُنْكَرَات وَلَا يخرجُوا عَمَّا هُوَ مُرَتّب على أهل الذِّمَّة وأطلقوا. وَكَانَ الْأَمِير زامل بن على لَا تزَال الْفِتْنَة بَينه وَبَين الْأَمِير عيسي بن مهنا بن مَانع بن حَدِيثَة بن غضبة بن فضل بن ربيعَة. فَلَمَّا طلعت العساكر إِلَى الشَّام مَعَ الْأَمِير طيبرس قبضوا على زامل بالبلاد الحلبية وَحمل إِلَى قلعة عجلون. ثمَّ نقل إِلَى الْقَاهِرَة واعتقل ثمَّ أفرج عَنهُ وَصَارَ يلْعَب مَعَ السُّلْطَان فِي الميدان وَحضر الْأَمِير شرف الدّين عيسي ابْن مهنا وَأحمد بن حجي والأمير هَارُون وَأصْلح السُّلْطَان بَينهم وَبَين زامل ورد على زامل إقطاعه وإمرته وَأذن لَهُم فِي السّفر. فَسَارُوا حَتَّى دخلُوا إِلَى الرمل فساق زامل وهجم على بيُوت عيسي وأفسد وَقبض على قصاد السُّلْطَان المتوجهين إِلَى شيراز وَأخذ مِنْهُم الْكتب وَسَار بهَا إِلَى هولاكو وأطمعه فِي الْبِلَاد فَأعْطَاهُ هولاكو إقطاعا بالعراق. وسافر زامل إِلَى الْحجاز فنهب وَقتل وَعَاد إِلَى الشَّام وَكَانَ السُّلْطَان قد أعطي إقطاعه لِأَخِيهِ أبي بكر فضاقت عَلَيْهِ الأَرْض وَكتب يطْلب من السُّلْطَان الْعَفو فقرر السُّلْطَان مَعَه الْحُضُور إِلَى مُدَّة عينهَا لَهُ وَإنَّهُ مَتى تَأَخّر عَنْهَا فَلَا عهد لَهُ وَلَا أَيْمَان فَلَمَّا تَأَخّر عَن الْمدَّة الْمعينَة وَحضر بعْدهَا قبض عَلَيْهِ واعتقل بقلعة الْجَبَل. (تَابع سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وسِتمِائَة) وَفِي خَامِس عشريه جلس السُّلْطَان بدار الْعدْل وَطلب تَاج الدّين بن القرطي فَلَمَّا حضر قَالَ السُّلْطَان لَهُ: أضجرتني مِمَّا تَقول. عِنْدِي مصَالح لبيت مَال الْمُسلمين فَتحدث الْآن بِمَا عنْدك فَتكلم القرطي فِي حق قَاضِي الْقُضَاة وَفِي حق صَاحب سواكن وَقَالَ: إِن الْأُمَرَاء الَّذين مَاتُوا أَخذ ورثتهم أَكثر من حُقُوقهم. فَأمر السُّلْطَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 بإحضار زيار وَأرَاهُ لمن حضر وَقَالَ: من يصبر على هَذَا الزيار يستكثر عَلَيْهِ إقطاع أَو يستكثر على ورثته مَوْجُود يخلفه لَهُم وَأنكر عَلَيْهِ وَأمر بِهِ فحبس وتحدث السُّلْطَان فِي أَمر الْجند وَإِنَّهُم إِذا كَانُوا فِي البيكار وَفِي مَوَاطِن الْجِهَاد لَا يصل إِلَيْهِم شَاهد فَيشْهد أحدهم أَصْحَابه عِنْد مَوته فَإِذا حَضَرُوا لَا تقبل شَهَادَتهم وتضيع أَمْوَال النَّاس بِهَذَا السَّبَب. وَقَالَ: الرَّأْي أَن كل أَمِير يعين من جماعته من فِيهِ دين وَخير ليسمع قَوْله وكل مقدم وكل جمَاعَة من الْجند يعين من فِيهَا مِمَّن هُوَ من أهل الْخَيْر وَالصَّلَاح لتسمع أَقْوَالهم حَتَّى تحفظ أَمْوَال النَّاس. فسر الْأُمَرَاء بذلك وَشرع قَاضِي الْقُضَاة فِي اخْتِيَار النَّاس الْجِيَاد من الْجند لذَلِك. وَجلسَ السُّلْطَان فِي تَاسِع عشريه بدار الْعدْل فَوقف شخص وشكا أَن من سكن فِي شَيْء من الْأَمْلَاك الديوانية لَا يُمكن من الْخُلُو فَأنْكر السُّلْطَان ذَلِك وَأمر بتمكين السَّاكِن من الْخُلُو عِنْد انْقِضَاء الْإِجَارَة. ووردت رسل الأنبرور ورسل الْملك الأشكري بالهدايا. وَفِي سَابِع شهر رَمَضَان: قدمت العساكر من البيرة مَعَ الْأَمِير جمال الدّين المحمدي والأمير عز الدّين إيغان. وقدمت هَدِيَّة ملك الكرج. وَورد الْخَبَر باستيلاء عز الدّين الكندري نَائِب الرحبة على قرقيسياء وَقتلُوا من كَانَ فِيهَا من التتر والكرج وأسروا نيفا وَثَمَانِينَ رجلا فِي نصف شهر رَمَضَان. وَفِيه رسم بتحصيل المراكب لتفرق فِي بَحر أشموم فَلَمَّا كَانَ ثَانِي شَوَّال سَار السُّلْطَان إِلَى أشموم بِنَفسِهِ وَقسم عمل الْبَحْر على الْأُمَرَاء وَعمل بِنَفسِهِ وَحمل القفة مَمْلُوءَة بِالتُّرَابِ على كتفه وَالنَّاس تشاهده فَوَقع الِاجْتِهَاد فِي الْحفر وَاسْتمرّ السُّلْطَان على الْعَمَل بِنَفسِهِ فِي كل يَوْم وَصَارَ يركب فِي المراكب وتفرق المراكب قدامه. فتنجز الْعَمَل فِي ثَمَانِيَة أَيَّام وتكامل الْحفر فِي بَحر أشموم وَفِي الْجِهَة الَّتِي من نَاحيَة جوجر وَسَار السُّلْطَان إِلَى منزلَة ابْن حسون وَعَاد إِلَى قلعة الْجَبَل فِي حادي عشريه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 ورسم بِإِبْطَال حراسة النَّهَار بِالْقَاهِرَةِ ومصر وَكَانَت جملَة كَبِيرَة وَكتب توقيع بإبطالها وَكتب أَيْضا بمسامحة الْأَعْمَال الدقهلية والمرتاحية أَرْبَعَة وَعشْرين ألف دِرْهَم نقرة عَن رسوم الْولَايَة وَالْمَال الْمُسْتَخْرج برسم النقيدي وَتوجه شُجَاع الدّين بن الداية الْحَاجِب إِلَى الْملك بركَة رَسُولا وَمَعَهُ ثَلَاث عمر اعْتَمر بهَا عَنهُ بِمَكَّة عملت فِي أوراق مذهبَة وَشَيْء من مَاء زَمْزَم ودهن بِلِسَان وَغَيره. وَفِي آخِره: نزل بالسلطان وعك فدارى بِالصَّدَقَةِ وَأعْطى الْفُقَرَاء مَالا جزيلا. وَفِي ذِي الْقعدَة: قدم الراهب كرنانوس بِكِتَاب الْملك الأشكري. وَكَانَ الْأَمِير جمال الدّين أيدفدي العزيزي يكره قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب ابْن بنت الْأَعَز وَيَضَع من قدره ويحط عَلَيْهِ عِنْد السُّلْطَان بِسَبَب تشدده فِي الْأَحْكَام وتوقفه فِي القضايا الَّتِي لَا توَافق مذْهبه. فاتفق جُلُوس السُّلْطَان بدار الْعدْل فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشر ذِي الْحجَّة فَرفع إِلَيْهِ بَنَات الْملك النَّاصِر قصَّة فِيهَا أَن وَرَثَة النَّاصِر اشْتَروا دَار قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين السنجاري فِي حَيَاته فَلَمَّا مَاتَ ذكر ورثته إِنَّهَا وقف. فعندما قُرِئت أَخذ الْأَمِير أيدغدي يحط على الْفُقَهَاء وينقصهم فَقَالَ السُّلْطَان للْقَاضِي تَاج الدّين: يَا قَاض {هَكَذَا تكون الْقُضَاة. فَقَالَ تَاج الدّين: يَا مَوْلَانَا} كل شَاة معلقَة بعرقوبها! قَالَ فَكيف الْحَال فِي هَذَا قَالَ إِذا ثَبت الْوَقْف يُعَاد الثّمن من الْوَرَثَة فَقَالَ السُّلْطَان. فَإِذا لم يكن مَعَ الْوَرَثَة شَيْء قَالَ القَاضِي: يرجع الْوَقْف إِلَى أَصله وَلَا يستعاد الثّمن. فَغَضب السُّلْطَان من ذَلِك وَمَا تمّ الْكَلَام حَتَّى تقدم رَسُول أَمِير الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة وَقَالَ: يَا مَوْلَانَا السُّلْطَان سَأَلت هَذَا القَاضِي أَن يسلم إِلَى مبلغ ربع الْوَقْف الَّذِي تَحت يَده لينفقه صَاحب الْمَدِينَة فِي فُقَرَاء أَهلهَا فَلم يفعل. فَسَأَلَ السُّلْطَان القَاضِي عَمَّا قَالَه فَقَالَ: نعم. قَالَ السُّلْطَان: أَنا أَمرته بذلك فَكيف رددت أَمْرِي قَالَ: يَا مَوْلَانَا هَذَا المَال أَنا متسلمه وَهَذَا الرجل لَا أعرفهُ وَلَا يمكنني أَن أسلمه لمن لَا أعرفهُ وَلَا يتسلمه إِلَّا من أعرف إِنَّه موثوق بِدِينِهِ وأمانته فَإِن كَانَ السُّلْطَان يتسلمه مني أحضرته إِلَيْهِ. فَقَالَ السُّلْطَان: تنزعه من عُنُقك وتجعله فِي عنقِي قَالَ: نعم. قَالَ السُّلْطَان: لَا تَدْفَعهُ إِلَّا لمن تختاره. ثمَّ تقدم بعض الْأُمَرَاء وَقَالَ: شهِدت عِنْد القَاضِي فَلم تسمع شهادتي فِي ثُبُوت الْملك وَصِحَّته فَسَأَلَ السُّلْطَان القَاضِي عَن ذَلِك فَقَالَ: مَا شهد أحد عِنْدِي حَتَّى أثْبته فَقَالَ الْأَمِير: إِذا لم تسمع قولي فَمن تُرِيدُ قَالَ السُّلْطَان: لم لَا سَمِعت قَوْله فَقَالَ: لَا حَاجَة فِي ذكر ذَلِك. فَقَالَ الْأَمِير أيدغدي: يَا قَاضِي مَذْهَب الشَّافِعِي لَك ونولي من كل مَذْهَب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 قَاضِيا. فصغي السُّلْطَان لقَوْل أيدغدي وانقضى الْمجْلس إِلَى أَن كَانَ يَوْم الْإِثْنَيْنِ تَاسِع عشره ولي السُّلْطَان القَاضِي صدر الدّين سُلَيْمَان بن أبي الْعِزّ بن وهيب الْأَذْرَعِيّ الْحَنَفِيّ مدرس الْمدرسَة الصالحية وَالْقَاضِي شرف الدّين عمر بن عبد الله بن صَالح ابْن عيسي بن عبد الْملك بن مُوسَى بن خَالِد بن على بن عمر بن عبد الله بن إِدْرِيس ابْن إِدْرِيس بن الْحسن بن الْحسن بن على بن أبي طَالب السُّبْكِيّ الْمَالِكِي وَالْقَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْحَنْبَلِيّ ليكونوا قُضَاة الْقُضَاة بديار مصر وَجعل السُّلْطَان لَهُم أَن يولوا فِي سَائِر الْأَعْمَال المصرية مُضَافا لقَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين ابْن بنت الْأَعَز وَأبقى على ابْن بنت الْأَعَز النّظر فِي مَال الْأَيْتَام والمحاكمات المختصة بِبَيْت المَال وَكتب لكل مِنْهُم تقليدا وخلع عَلَيْهِم. فَصَارَ بديار مصر قُضَاة الْقُضَاة من حِينَئِذٍ أَرْبَعَة يحكم كل مِنْهُم بمذهبه ويلبس كل مِنْهُم الطرحات فِي أَيَّام الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة. ورسم السُّلْطَان أَيْضا لمجد الدّين عبد الرَّحْمَن بن الصاحب كَمَال الدّين عمر ابْن العديم بخطابة الْقَاهِرَة. وَفِي رَابِع عشري ذِي الْحجَّة: قبض السُّلْطَان على الْأَمِير شمس الدّين سنقر الرُّومِي واعتقل وَتقدم إِلَى الْخَلِيفَة الْحَاكِم بِأَمْر الله أَلا يجْتَمع بِأحد فاحتجب عَن الِاجْتِمَاع بِالنَّاسِ وفيهَا تولي الْأَمِير نور الدّين على بن مجلي المكاري نِيَابَة حلب عوضا عَن أيدكين الشهابي. وفيهَا نزل السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل بِاللَّيْلِ متنكرا وَطَاف بِالْقَاهِرَةِ ليعرف أَحْوَال النَّاس فَرَأى بعض المقدمين وَقد أمسك امْرَأَة وعراها سروالها بِيَدِهِ وَلم يَجْسُر أحد يُنكر عَلَيْهِ. فَلَمَّا أصبح السُّلْطَان قطع أَيدي جمَاعَة من نواب الْوُلَاة والمقدمين والخفراء وَأَصْحَاب الرباع بِالْقَاهِرَةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 وفيهَا ولي السُّلْطَان إمرة عرب آل فضل لعيسى بن مهنا فَسَار وطرد التتار عَن البيرة وحران وفيهَا هلك القان هولاكو بن طولوخان بن جنكيزخان فِي تَاسِع عشر شهر ربيع الأول بِالْقربِ من كورة مراغة بالصرع عَن نَيف وَسِتِّينَ سنة مِنْهَا مُدَّة سلطته عشر سِنِين. وَقَامَ من بعده ابْنه أباغا وجهز جَيْشًا لِحَرْب الْملك بركَة خَان فَانْهَزَمَ هزيمَة قبيحة. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان الْأَمِير جمال الدّين مُوسَى بن يغمور الباروقي نَائِب السلطة بديار مصر ودمشق وَهُوَ مَعْزُول بالقصير من عمل مصر عَن أَربع وَسِتِّينَ سنة. وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين أَبُو المحاسن يُوسُف بن الْحسن بن على السنجاري الشَّافِعِي وَهُوَ مَعْرُوف بِالْقَاهِرَةِ عَن نَيف وَسِتِّينَ سنة. وَتُوفِّي نجم الدّين أَبُو المظفر فتح بن مُوسَى بن حَمَّاد القصري المغربي قَاضِي سيوط بهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 فارغة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 سنة أَربع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة فِي الْمحرم: عقد الْأَمِير سيف الدّين قلاوون عِنْده على ابْنة الْأَمِير سيف الدّين كرمون التتري الْوَافِد. فَنزل السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل وَضرب الدهليز بسوق الْخَيل عِنْدَمَا دخل الْأَمِير قلاوون عَلَيْهَا. وَقَامَ السُّلْطَان بِكُل مَا يتَعَلَّق بالأسمطة وَجلسَ على الخوان وَلم يبْق أحد من الْأُمَرَاء حَتَّى بعث إِلَى قلاوون الْخَيل وبقج الثِّيَاب وَأرْسل إِلَيْهِ السُّلْطَان تعابى قماش وخيلا وَعشرَة مماليك فَقبل قلاوون الْمُتَقَدّمَة واستعفى من المماليك وَقَالَ: هَؤُلَاءِ خوشداشيتي فِي خدمَة السُّلْطَان فأعفي. وَفِيه كتب إِلَى دمشق بِثَلَاثَة تقاليد: أَحدهَا بتقليد شمس الدّين عبد الله مُحَمَّد بن عطا الْحَنَفِيّ قَاضِي الْقُضَاة وَالْآخر بتقليد زين الدّين أبي مُحَمَّد عبد السَّلَام بن على بن عمر الزواوي الْمَالِكِي قَاضِي الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة وَالثَّالِث بتقليد شمس الدّين عبد الرَّحْمَن بن الشَّيْخ أبي عمر مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن قدامَة الْحَنْبَلِيّ قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَابِلَة. فَصَارَ بِدِمَشْق أَرْبَعَة قُضَاة وَكَانَ قَاضِي الْقُضَاة الشَّافِعِي شمس الدّين أَحْمد بن خلكان فَصَارَ الْحَال كَمَا هُوَ بديار مصر وَاسْتمرّ ذَلِك. وَاتفقَ إِنَّه لما قدمت عهود الْقُضَاة الثَّلَاثَة لم يقبل الْمَالِكِي وَلَا الْحَنْبَلِيّ وَقبل الْحَنَفِيّ فورد مرسوم السُّلْطَان بإلزامهما بذلك وَأخذ مَا بأياديهما من الْوَظَائِف إِن لم يفعلا فأجابا. ثمَّ أصبح الْمَالِكِي وعزل نَفسه عَن الْقَضَاء والوظائف فورد المرسوم بإلزامه فَأجَاب وَامْتنع هُوَ والحنبلي من تنَاول جامكية على الْقَضَاء. وَقَالَ بعض أدباء دمشق لما رَأْي اجْتِمَاع قُضَاة كل وَاحِد مِنْهُم لقبه شمس الدّين: أهل دمشق استرابوا من كَثْرَة الْحُكَّام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 إِذا هم جَمِيعًا شموس وحالهم فِي ظلام وَقَالَ الآخر: بِدِمَشْق آيَة قد ظَهرت للنَّاس عَاما كلما ولي شمس قَاضِيا زَادَت ظلاما وَكَانَ استقلالهم بِالْقضَاءِ فِي سادس جُمَادَى الأولى. وَفِيه وَردت رسل الأنبرور ورسل الفنش ورسل مُلُوك الفرنج ورسل ملك الْيمن وَمَعَهُمْ هَدَايَا إِلَى صَاحب قلاع الإسماعيلية. فَأخذت مِنْهُم الْحُقُوق الديوانية عَن الْهَدِيَّة إفسادا لنواميس الإسماعيلية وتعجيزا لمن اكْتفي شرهم بالهدية. وَفِي ثامن صفر. كَانَت وقْعَة بَين الْأَمِير علم الدّين سنجر الباشقردي نَائِب حمص وَبَين الْبُرْنُس بيمند بن بيمند ملك الفرنج بطرابلس انهزم فِيهَا الفرنج. وَفِيه كتب إِلَى دمشق بِعَمَل مراكب فَعمِلت وحملت إِلَى البيرة. وَفِيه توجه السُّلْطَان إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة واهتم بِحَفر خليجها وباشر الْحفر بِنَفسِهِ فَعمل فِيهِ الْأُمَرَاء وَسَائِر النَّاس حَتَّى زَالَت الرمال الَّتِي كَانَت على السَّاحِل بَين النقيدي وفم الخليج ثمَّ عدى السُّلْطَان إِلَى بر أبيار وغرق هُنَاكَ عدَّة مراكب وَألقى فَوْقهَا الْحِجَارَة ثمَّ عَاد إِلَى قلعة الْجَبَل وحفر بَحر مصر بِنَفسِهِ وَعَسْكَره مَا بَين الرَّوْضَة والمنشاة بجوار جرف الرَّوْضَة وجهز الْمحمل وخلع على المتوجه بِهِ إِلَى الْحجاز وَهُوَ الْأَمِير جمال الدّين نَائِب دَار الْعدْل وسير مَعَه مبلغ عشره آلَاف دِرْهَم لعمارة حرم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وسيرت الغلال لجرايات الصناع. وَفِي جُمَادَى الأولى: قدم فَخر الدّين بن جلبان من بِلَاد الفرنج بعدة من الأسرى قد افتكهم. بِمَال الْوَقْف الْمسير من جِهَة الْأَمِير جمال الدّين النجيبي نَائِب دمشق. فَحَضَرَ عدَّة من النِّسَاء والأطفال فسيرت النِّسَاء إِلَى دمشق ليزوجهن القَاضِي من أكفائهن. وَفِيه سَافر الْأَمِير جمال الدّين بن نَهَار المهمندار الصَّالِحِي لبِنَاء جسر على نهر الشَّرِيعَة ورسم لنائب دمشق بِحمْل كل مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من الْأَصْنَاف. وَفِيه كل بِنَاء الدَّار الجديدة عِنْد بَاب السِّرّ المطل على سوق الْخَيل من قلعة الْجَبَل فَعمل بهَا دَعْوَة لِلْأُمَرَاءِ. وَفِي جُمَادَى الْآخِرَة: سَار الْأَمِير أقوش السفيري وَمَعَهُ أَرْبَعُونَ ديوانا لاستخراج زَكَاة عرب بِلَاد الْمغرب فوصل إِلَيْهِم وَأخذ مِنْهُم الزَّكَاة الَّتِي فَرضهَا الله وَأخذ مِنْهُم الْحُقُوق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 وَفِي ثَالِث رَجَب: اهتم السُّلْطَان بِأَمْر الْغَزْو وسير إِلَى أَعمال مصر بإحضار الْجند من إقطاعاتهم فتأخروا. فَأرْسل سلَاح داريته إِلَى سَائِر الْأَعْمَال فعلقوا الْوُلَاة بِأَيْدِيهِم ثَلَاثَة أَيَّام تأديبا لكَوْنهم مَا سارعورا إِلَى إِحْضَار الأجناد فَحَضَرُوا بأجمعهم. وَخرج السُّلْطَان فِي مستهل شعْبَان ورحل فِي ثالثه وَسَار إِلَى غَزَّة. وَقدم الْأَمِير أيدغدي العزيزي والأمير قلاوون فِي عدَّة من الْعَسْكَر إِلَى العوجاء. وَمضى السُّلْطَان إِلَى الْخَلِيل ثمَّ إِلَى الْقُدس وَمنع أهل الذِّمَّة من دُخُول مقَام الْخَلِيل وَكَانُوا قبل ذَلِك يدْخلُونَ وَيُؤْخَذ مِنْهُم مَال على ذَلِك فأبطله وَاسْتمرّ مَنعهم. وَسَار السُّلْطَان إِلَى عين جالوت وَوصل الْعَسْكَر إِلَى حمص وأغاروا على الفرنج ونزلوا على حصن الأكراد وَأخذُوا قلعة عرقة وحلباء والقليعات وهدموها فَلَمَّا ورد الْخَبَر بذلك جرد السُّلْطَان الْأَمِير عَلَاء الدّين البندقدار والأمير عز الدّين أوغان فِي عدَّة من الْعَسْكَر إِلَى صور فَأَغَارُوا على الفرنج وغنموا وأسروا كثيرا. وَتوجه الْأَمِير إيتامش إِلَى صيداء وَصَارَ السُّلْطَان إِلَى مَدِينَة عكا وَبعث الْأَمِير بدر الدّين الأيدمري والأمير بدر الدّين بيسري إِلَى جِهَة الْقرن وَأرْسل الْأَمِير فَخر الدّين الْحِمصِي إِلَى جبل عاملة. فأغارت العساكر على الفرنج من كل جِهَة وَكَثْرَة الْمَغَانِم بِأَيْدِيهِم حَتَّى لم يُوجد من يَشْتَرِي الْبَقر والجاموس وَصَارَت الغارات من بِلَاد طرابلس إِلَى أرسوف. وَنزل عَسْكَر السُّلْطَان على صور وَأقَام السُّلْطَان فِي جِهَة عكا وَالْأَمر نَاصِر الدّين القيمري فِي عثليث فَطلب أهل عكا من الأتابك التحدث فِي الصُّلْح. فاهتم السُّلْطَان بِأَمْر صفد وأحضر العساكر الْمُجَرَّدَة ورحل الْأَمِير بكتاش الفخري أَمِير سلَاح بالدهليز السلطاني وَنزل على صفد وَتَبعهُ الْأَمِير البندقدار والأمير عز الدّين أوغان فِي جمَاعَة وحاصروها. هَذَا وَالسُّلْطَان مُقيم على عكا حَتَّى وافته العساكر وَعمل عدَّة مجانيق. ثمَّ رَحل والعساكر لابسة وسَاق إِلَى قرب بَاب عكا ووقف على تل الفضول. ثمَّ سَار إِلَى عين جالوت وَنزل على صفد يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامن شهر رَمَضَان وحاصرها فَقدم عَلَيْهِ رَسُول متملك صور ورسل الفداوية وَرَسُول صَاحب بيروت وَرَسُول صَاحب يافا ورسل صَاحب صهيون. وَصَارَ السُّلْطَان يُبَاشر الْحصار بِنَفسِهِ وقدمت المجانيق من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 دمشق إِلَى جسر يَعْقُوب وَهُوَ منزلَة من صفد وَقد عجزت الْجمال عَن حملهَا فَسَار إِلَيْهَا الرِّجَال من الأجناد والأمراء لحملها على الرّقاب من جسر يَعْقُوب وَسَار السُّلْطَان بِنَفسِهِ وخواصه وجر الأخشاب مَعَ الْبَقر هُوَ وخواصه فَكَانَ غَيره من النَّاس إِذا تَعب استراح ثمَّ يعود إِلَى الْجَرّ وَهُوَ لَا يسأم من الْجَرّ وَلَا يُبطلهُ إِلَى أَن نصبت المجانيق رمي بهَا فِي سادس عشريه وَصَارَ السُّلْطَان يلازم الْوُقُوف عِنْدهَا وَهِي ترمي. وَأَتَتْ العساكر من مصر وَالشَّام فنزلوا على مَنَازِلهمْ إِلَى أَن كَانَت لَيْلَة عيد الْفطر فَخرج الْأَمِير بدر الدّين الأيدمري للتهنئة بالعيد فَوَقع حجر على رَأسه فرسم السُّلْطَان بألا يجْتَمع أحد لسلام الْعِيد وَلَا يبرح أحد من مَكَانَهُ خشيَة انتهاز الْعَدو غرَّة الْعَسْكَر وَنُودِيَ يَوْم عيد الْفطر فِي النَّاس. من شرب خمرًا أَو جلبها شنق. وَفِي ثَانِيه: وَقع الزَّحْف على صفد وَدفع الزراقون النفط. ووعد السُّلْطَان الحجارين إِنَّه من أَخذ أول حجر كَانَ لَهُ مائَة دِينَار وَكَذَلِكَ الثَّانِي وَالثَّالِث إِلَى الْعشْرَة. وَأمر حَاشِيَته بألا يشتغلوا بخدمته. فَكَانَ بَين الْفَرِيقَيْنِ قتال عَظِيم اسْتشْهد فِيهِ جمَاعَة وَكَانَ الْوَاحِد من الْمُسلمين إِذا قتل جَرّه رَفِيقه ووقف مَوْضِعه وتكاثرت النقوب وَدخل النقابون إِلَيْهَا وَدخل السُّلْطَان مَعَهم وبذل السُّلْطَان فِي هَذَا الْيَوْم من المَال وَالْخلْع كثيرا وَنصب خيمة فِيهَا حكماء وجرائحية وَفِي ثامنه: كَانَت بَين الْفَرِيقَيْنِ أَيْضا مقَاتل. وَفِي لَيْلَة رَابِع عشره: اشْتَدَّ الزَّحْف من اللَّيْل إِلَى وَقت القائلة فَتفرق النَّاس من شدَّة التَّعَب فَغَضب السُّلْطَان من ذَلِك وَأمر خواصه بِالسوقِ إِلَى الصاواوين وَإِقَامَة الْأُمَرَاء والأجداد بالدبابيس وَقَالَ. الْمُسلمُونَ عل هَذِه الصُّورَة وَأَنْتُم تستريحون فأقيموا وَقبض السُّلْطَان على نَيف وَأَرْبَعين أَمِيرا وقيدهم وسجنهم بالزردخاناه ثمَّ شفع فيهم فَأَطْلَقَهُمْ وَأمرهمْ بملازمة مواضعهم وَضربت الطبلخاناه وَاشْتَدَّ الْأَمر إِلَى أَن طلب الفرنج الْأمان فَأَمنَهُمْ السُّلْطَان على أَلا يخرجُوا بسلاح وَلَا لَامة حَرْب وَلَا شَيْء من الفضيات وَلَا يتلفوا شَيْئا من ذخائر القلعة بِنَار وَلَا هدم وَأَن يفتشوا عِنْد خُرُوجهمْ فَإِن وجد مَعَ أحد مِنْهُم شَيْء من ذَلِك انْتقض الْعَهْد. وَلم تزل الرُّسُل تَتَرَدَّد بَينهم إِلَى يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشره ثمَّ طلعت السناجق الإسلامية وَكَانَ لطلوعها سَاعَة مَشْهُودَة. هَذَا وَالسُّلْطَان رَاكب على بَاب صفد حَتَّى نزل الفرنج كلهم ووقفوا بَين يَدَيْهِ فرسم بتفتيشهم فَوجدَ مَعَهم مَا يُنَاقض الْأمان من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 السِّلَاح والفضيات وَوجد مَعَهم عدَّة من أسرِي مُسلمين أخرجوهم على إِنَّهُم نَصَارَى. فَأخذ مَا وجد مَعَهم وأنزلوا عَن خيولهم وَجعلُوا فِي خيمة وَمَعَهُمْ من يحفظهم. وتسلم الْمُسلمُونَ صفد وَولي السُّلْطَان قلعتها الْأَمِير مجد الدّين الطوري وَجعل الْأَمِير عز الدّين العلائي نَائِب صفد فَلَمَّا أصبح حضر إِلَيْهِ النَّاس فَشكر اجتهادهم وَاعْتذر إِلَيْهِم مِمَّا كَانَ مِنْهُ إِلَى بَعضهم وَإنَّهُ مَا قصد إِلَّا حثهم على هَذَا الْفَتْح الْعَظِيم وَقَالَ: من هَذَا الْوَقْت نتحالل وَأمرهمْ فَرَكبُوا. وأحضرت خيالة الفرنج وَجَمِيع من صفد فَضربت أَعْنَاقهم على تل قرب صفد حَتَّى لم يبْق مِنْهُم سوي نفرين. أَحدهمَا الرَّسُول فَإِنَّهُ اخْتَار أَن يقم عِنْد السُّلْطَان وَيسلم فَاسْلَمْ وأقطعه السُّلْطَان إقطاعا وقربه وَالْآخر ترك حَتَّى يخبر الفرنج. مِمَّا شَاهده. وَصعد السُّلْطَان إِلَى قلعة صفد وَفرق على الْأُمَرَاء الْعدَد الفرنجية والجواري والمماليك وَنقل إِلَيْهَا زردخاناه من عِنْده وَحمل السُّلْطَان على كتفه من السِّلَاح إِلَى دَاخل القلعة فتشبه بِهِ النَّاس ونقلوا الزردخاناه فِي سَاعَة وَاحِدَة. واستدعى السُّلْطَان الرِّجَال من دمشق للإقامة بصفد وَقرر نَفَقَة رجال القلعة فِي الشَّهْر مبلغ ثَمَانِينَ ألف دِرْهَم نقره واستخدم على سَائِر بِلَاد صفد وَعمل بهَا جَامعا فِي القلعة وجامعا بالربض ووقف على الْمَجْنُون نصف وَربع الْحباب وللربع الآخر على الشَّيْخ إلْيَاس ووقف قَرْيَة مِنْهَا على قبر خَالِد بن الْوَلِيد بحمص. وَفِي سَابِع عشريه: رَحل السُّلْطَان من صفد إِلَى دمشق فَنزل الجسورة وَأمر أَلا يدْخل أحد من الْعَسْكَر إِلَى دمشق بل يبقي الْعَسْكَر على حَاله حَتَّى يسير إِلَى سيس وَدخل السُّلْطَان إِلَى دمشق جَرِيدَة فَبَلغهُ أَن جمَاعَة من الْعَسْكَر قد دخلُوا إِلَى دمشق فَأخْرجهُمْ مكتفين بالحبال. وَأقَام الْملك الْمَنْصُور صَاحب حماة مقدما على العساكر وسيرهم مَعَه وَفِيهِمْ الْأَمِير عز الدّين أوغان والأمير قلاوون فسارو فِي خَامِس ذِي الْقعدَة إِلَى سيس. وَفِي ثَالِث ذِي الْقعدَة: مَاتَ كرمون أغا. وَفِي ثامنه: أنعم السُّلْطَان على أُمَرَاء دمشق وقضاتها وأرباب مناصبها بالتشاريف وَنظر فِي أَمر جَامع دمشق وَمنع الْفُقَرَاء من الْمبيت فِيهِ وَأخرج مَا كَانَ بِهِ من الصناديق الَّتِي كَانَت للنَّاس. وَفِي عاشره: جلس الأتابك هُوَ والأمير جمال الدّين النجيبي نَائِب دمشق لكشف ظلامات النَّاس والتوقيع على الْقَصَص بدار السَّعَادَة. وَخرج السُّلْطَان للصَّيْد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 فَضرب عدَّة حلق وَسَار إِلَى جرود ثمَّ إِلَى أفامية وجهز السُّلْطَان إِلَى مصر شخصا كَانَ قد حضر إِلَى دمشق وادعي إِنَّه مبارك بن الإِمَام المستعصم وصحبته جمَاعَة من أُمَرَاء العربان فَلم يعرفهُ جلال الدّين بن الدوادار وَلَا الطواشي مُخْتَار وَتبين كذبه فسير إِلَى مصر تَحت الِاحْتِيَاط وجهز السُّلْطَان بعده شخصا آخر أسود إِلَى مصر ذكر إِنَّه من أَوْلَاد الْخُلَفَاء فسير إِلَى مصر أَيْضا وَكَانَ قد وصل إِلَى دمشق فِي ذِي الْقعدَة. وَفِيه استولي السُّلْطَان على هونين وتبنين وعَلى مَدِينَة الرملة فعمرها وصير لَهَا عملا وَولي فِيهَا. وَفِيه أبطل السُّلْطَان ضَمَان الحشيشة الخبيثة وَأمر بتأديب من أكلهَا وَقدم رَسُول الاسبتار ملك الفرنج يسْأَل اسْتِقْرَار الصُّلْح على بِلَادهمْ من جِهَة حمص وبلاد الدعْوَة فَقَالَ السُّلْطَان: لَا أُجِيب إِلَّا بِشَرْط إبِْطَال مَا لكم من القطائع على مملكة حماة وَهِي أَرْبَعَة آلَاف دِينَار وَمَا لكم من القطيعة على بِلَاد أبي قبيس وَهِي ثَمَانمِائَة دِينَار وقطيعتكم على بِلَاد الدعْوَة وَهِي ألف وَمِائَتَا دِينَار وَمِائَة مد حِنْطَة وشعير نِصْفَيْنِ. فَأَجَابُوا إِلَى إبِْطَال ذَلِك وكتبت الْهُدْنَة وَشرط فِيهَا الْفَسْخ للسُّلْطَان مَتى أَرَادَ وَيُعلمهُم قبل بِمدَّة. وَورد الْخَبَر بِأَن فرنج عكا وجدوا أَرْبَعَة من الْمُسلمين فِي طين شيحا فشنقوهم فرسم السُّلْطَان بالإغارة على بِلَاد الفرنج فقتلت العساكر مِنْهُم فَوق الْمِائَتَيْنِ وَسَاقُوا جملَة من الأبقار والجواميس وعادوا. وَورد كتاب وَالِي قوص إِنَّه وصل إِلَى عيذاب وَبعث عسكرا إِلَى سواكن ففر صَاحب سواكن ففر صَاحب سواكن وعادوا إِلَى قوص وَقد تمهدت الْبِلَاد وَصَارَت رجال السُّلْطَان بسواكن. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ النّصْف من ذِي الْحجَّة: جلس الْأَمِير عز الدّين الْحلِيّ نَائِب السلطنة بديار مصر وَمَعَهُ الصاحب بهاء الدّين والقضاة بدار الْعدْل على الْعَادة: وَإِذا بِإِنْسَان يخرق الصُّفُوف وَبِيَدِهِ قصَّة حَتَّى وقف قُدَّام الْأَمِير ووثب عَلَيْهِ بسكين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 أخرجهَا من تَحت ثِيَابه وطعنه فِي حلقه. فَأمْسك الْأَمِير بِيَدِهِ فجرحها ورفسه بِرجلِهِ ونام على ظَهره فَوَقع المجرم وَقصد أَن يضْرب الْأَمِير ضَرْبَة أُخْرَى أَو يضْرب الصاحب فَرَجَعت السكين فِي فؤاد الْأَمِير صارم الدّين المَسْعُودِيّ فَمَاتَ من سَاعَته فَقَامَ الْأَمِير فَخر الدّين وَالِي الجيزة وَقبض عَلَيْهِ ورماه فَوَقع على قَاضِي الْقُضَاة وأخذته السيوف حَتَّى هلك. وَحمل الْأَمِير عز الدّين الْحلِيّ إِلَى دَاره بالقلعة وَحضر المزينون إِلَيْهِ فوجدوا الْجرْح بَين البلعوم والمنحر وَكَانَ الَّذِي ضربه جندار بِهِ شُعْبَة من جُنُون وتعاطي أكل السمنة فقوي جنه وَكتب بِهَذَا الْحَادِث إِلَى السُّلْطَان فوافاه الْخَبَر وَهُوَ رَاجع من أفامية فشق عَلَيْهِ ذَلِك وَقَالَ: وَالله يهون على موت وَلَدي بركَة وَلَا يَمُوت الْحلِيّ. فَقَالَ لَهُ الأتابك: يَا خوند وَالله طيبت قُلُوبنَا إِذا كنت تشْتَهي لَو فديت غُلَاما من غلمانك بولدك وَولي عَهْدك. ثمَّ ورد الْخَبَر بعافية الْحلِيّ مَعَ مَمْلُوكه فَخلع عَلَيْهِ السُّلْطَان وَأَعْطَاهُ ألف دِينَار وَأعْطِي رَفِيقه ثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم نقرة وَأحسن إِلَى وَرَثَة الصارم المَسْعُودِيّ. وَأما الْملك الْمَنْصُور وَمن مَعَه فَإِنَّهُم سَارُوا إِلَى حصن دير بساك ودخلوا الدربند وَقد بني التكفور هيتوم بن قسطنطين بن باساك ملك الأرمن على رُءُوس الْجبَال أبراجا وَهُوَ الَّذِي تزهد فِيمَا بعد وَترك الْملك لوَلَده ليفون فاستعد ووقف فِي عسكره فعندما التقى الْفَرِيقَانِ أسر ليفون ابْن ملك سيس وَقتل أَخُوهُ وَعَمه وَانْهَزَمَ عَمه الآخر وَقتل ابْنه الآخر وتمزق الْبَاقِي من الْمُلُوك وَكَانُوا اثْنَي عُضْو ملكا وَقتلت أبطالهم وجنودهم. وَركب الْعَسْكَر أقفيتهم وَهُوَ يقتل ويأسر وَيحرق وَأخذ الْعَسْكَر قلعة حَصِينَة للديوية فقتلت الرِّجَال وسبيت النِّسَاء وَفرقت على الْعَسْكَر وَحرقت القلعة بِمَا فِيهَا من الحواصل. ودخلوا سيس فأخرجوها وَجعلُوا عاليها سافلها وَأَقَامُوا أَيَّامًا يحرقون وَيقْتلُونَ وَيَأْسِرُونَ. وَسَار الْأَمِير أوغان إِلَى جِهَة الرّوم والأمير قلاوون إِلَى المصيصة وأذنة وأياس وطرسوس فَقتلُوا وأسروا وهدموا عدَّة قلاع وحرقوا هَذَا وَصَاحب حماة مُقيم بسيس ثمَّ عَادوا إِلَيْهِ وَقد اجْتمع مَعَهم من الْغَنَائِم مَا لَا يعد وَلَا يُحْصى حَتَّى أبيع رَأس الْبَقر بِدِرْهَمَيْنِ وَلم يُوجد من يَشْتَرِيهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 فورد الْخَبَر بذلك وَالسُّلْطَان فِي الصَّيْد بجرود فَأعْطِي المبشر ألف دِينَار وإمره طبلخاناه. وَدخل السُّلْطَان إِلَى دمشق وتجهز وَخرج للقاء الْعَسْكَر فِي ثَالِث عشر ذِي الْحجَّة فشكي إِلَيْهِ وَهُوَ بقارا من أَهلهَا وهم نَصَارَى: إِنَّهُم يتعدون على أهل الضّيَاع ويبيعون من يَقع إِلَيْهِم إِلَى الفرنج بحصن عكا فَأمر الْعَسْكَر بنهبهم فنهبوا وَقتل كبارهم وَسبي النِّسَاء وَالْأَوْلَاد وَقدم عَلَيْهِ الْعَسْكَر المجهز إِلَى سيس وَقدمُوا لَهُ نصِيبه من الْغَنَائِم فَفرق الْجَمِيع على عساكره وَأحسن إِلَى متملك سيس وَمن مَعَه من الأسري. وَعَاد السُّلْطَان إِلَى دمشق فِي رَابِع عشريه ومتملك سيس بَين يَدَيْهِ وخلع على الْأُمَرَاء والملوك والأجناد فامتلأت بالمكاسب وأبيع من الْجَوَاهِر والحلي والدقيق وَالْحَرِير مَا لَا يحصي كَثْرَة وَلم يتَعَرَّض السُّلْطَان لشَيْء من ذَلِك وَعَاد صَاحب حماة إِلَى مَمْلَكَته بعد مَا أنعم عَلَيْهِ السُّلْطَان بِكَثِير من الْخُيُول وَالْأَمْوَال وَالْخلْع. وفيهَا قدمت رسل الْملك أبغا بن هولاكو بِهَدَايَا وَطلب الصُّلْح وفيهَا أَمر السُّلْطَان بِجمع أَصْحَاب العاهات فَجمعُوا بخان السَّبِيل ظَاهر بَاب الْفتُوح من الْقَاهِرَة ونقلوا إِلَى مَدِينَة الفيوم وأفردت لَهُم بَلْدَة تغل عَلَيْهِم مَا يكفيهم فَلم يستقروا بهَا وَتَفَرَّقُوا وَرجع كثير مِنْهُم إِلَى الْقَاهِرَة وفيهَا اشْتَدَّ إِنْكَار السُّلْطَان للْمُنكر وأراق الْخُمُور وعفي آثَار الْمُنْكَرَات وَمنع الحانات والخواطىء بِجَمِيعِ أقطار مَمْلَكَته. بِمصْر وَالشَّام فطهرت الْبِقَاع من ذَلِك. وَقَالَ القَاضِي نَاصِر الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن مَنْصُور بن أبي بكر بن قَاسم بن محتار بن الْمُنِير قَاضِي الْإسْكَنْدَريَّة لما وَردت إِلَيْهِ المراسيم بالإسكندرية وعفي متوليها أثر الْمُحرمَات: لَيْسَ لإبليس عندنَا أرب غير بِلَاد الْأَمِير مَأْوَاه حرمته الْخمر والحشيش مَعًا حرمته مَاءَهُ ومرعاه وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْن الجزار: قد عطل الكوب من حبابه وأخلي الثغر من رضابه وَأصْبح الشَّيْخ وَهُوَ يبكي على الَّذِي فَاتَ من شبابه وفيهَا قدم على بن الْخَلِيفَة المستعصم من الْأسر عِنْد التتار. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان الْأَمِير جمال الدّين أيدغدي العزيزي بعد فتح صفد. وَتُوفِّي الصاحب شرف الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن بن أَمِين الدّين أبي الْغَنَائِم سَالم بن الْحسن بن هبة الله بن مَحْفُوظ بن صصري التغلبي الدِّمَشْقِي نَاظر الدَّوَاوِين بهَا عَن تسع وَسِتِّينَ سنة. وَتُوفِّي جمال الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الْجَلِيل بن عبد الْكَرِيم الموقاني الْمَقْدِسِي الشَّافِعِي الْمُحدث الأديب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 فارغة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 (سنة خمس وَسِتِّينَ وسِتمِائَة) فِي الْمحرم: بعث السُّلْطَان الْأَمِير سيف الدّين بكتمر الساقي والأمير شهَاب الدّين بوزيا فِي عدَّة من الْعَسْكَر وَرِجَال جبلية فَقطعُوا أقصاب الفرنج وعادوا إِلَى صفد. وَفِيه قدمت نجدة للفرنج من قبرص وعدتها نَحْو ألف وَمِائَة فَارس وأغاروا على بلد طبرية فَخرج الْعَسْكَر إِلَى عكا وواقع الفرنج فَقتلُوا مِنْهُم كثيرا وَانْهَزَمَ الْبَاقِي إِلَى عكا وَعمل فِيهَا عزاء من قتل. وَفِي ثَانِيَة: خرج السُّلْطَان من دمشق بعساكره إِلَى الفوار يُرِيد الديار المصرية وَسَار مِنْهُ جَرِيدَة إِلَى الكرك وَنزل ببركة زيزاء وَركب ليتصيد فتقطر عَن فرسه فِي ثامنه وَتَأَخر هُنَاكَ أَيَّامًا حَتَّى صلح مزاجه وَأكْثر من الإنعام على جَمِيع عساكره وأمرائه بِجَمِيعِ كلفهم من غلات الكرك وَعم بذلك الْخَواص وَالْكتاب وَفرق فيهم جملا كَثِيرَة من المَال. واستدعى السُّلْطَان أُمَرَاء غَزَّة وَأحسن إِلَيْهِم وَطلب الْأَمِير عز الدّين أيدمر نَائِب الكرك وَأَعْطَاهُ ألف دِينَار وخلع عَلَيْهِ وسير الْخلْع إِلَى أهل الكرك ثمَّ سَار فِي محفة على أَعْنَاق الْأُمَرَاء والخواص إِلَى غَزَّة وَسَار مِنْهَا إِلَى بلبيس فَتَلقاهُ ابْنه بركَة فِي ثَالِث صفر وَمَعَهُ الْأَمِير عز الدّين الْحلِيّ وزينت الْقَاهِرَة فَلم يزل السُّلْطَان موعوكا إِلَى غرَّة شهر ربيع الأول فَركب الْفرس وَضربت البشائر لعافيته وَسَار إِلَى بَاب النَّصْر فَأَقَامَ هُنَاكَ إِلَى خامسه. وَصعد السُّلْطَان إِلَى القلعة وَقدم عَلَيْهِ رَسُول التكفور هيتوم صَاحب سيس يشفع. فِي وَلَده للسُّلْطَان ففك قَيده فِي ثَانِي عشريه وَكتب لَهُ موادعة على بِلَاده إِلَى سنة وَركب مَعَ السُّلْطَان لرماية البندق فِي بركَة الْجب. وَفِي آخر ربيع الأول: بعث السُّلْطَان الأتابك فَارس الدّين أقطاي المستعرب والصاحب فَخر الدّين مُحَمَّد بن الصاحب بهاء الدّين بن حنا لكشف مَكَان يعمله جَامعا بالحسينية. فسارا واتفقا على مناخ الْجمال السُّلْطَانِيَّة فَلَمَّا عادا قَالَ السُّلْطَان: لَا وَالله لَا جعلت الْجَامِع مَكَان الْجمال وَأولى مَا جعلت ميداني الَّذِي أَلعَب فِيهِ الكرة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 وَهُوَ نزهتي جَامع وَركب السُّلْطَان فِي ثامن ربيع الآخر وَمَعَهُ الصاحب بهاء الدّين والقضاة إِلَى ميدان قراقوش ورتب بناءها جَامعا وَأَن يكون بَقِيَّة الميدان وَقفا عَلَيْهِ. عَاد إِلَى الْمدرسَة الَّتِي أَنْشَأَهَا بَين القصرين وَقد اجْتمع بهَا الْفُقَهَاء والقراء فَقَالَ: هَذَا مَكَان جعلته لله تَعَالَى فَإِذا مت لَا تدفنوني هُنَا وَلَا تغيرُوا معالم هَذَا الْمَكَان. وَصعد إِلَى القلعة. وَفِيه وَردت مُكَاتبَة الْمَنْصُور صَاحب حماة يسْتَأْذن فِي الْحُضُور إِلَى مصر ليشاهد عَافِيَة السُّلْطَان فَأُجِيب إِلَى ذَلِك وَقدم فِي سَابِع عشريه. فَخرج السُّلْطَان إِلَى لِقَائِه بالعباسية وَبعث إِلَيْهِ وَإِلَى من مَعَه التشاريف وَعَاد إِلَى القلعة. فَسَأَلَ الْمَنْصُور الْإِذْن بِالْمَسِيرِ إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فَأذن لَهُ وَسَار مَعَه الْأَمِير سنقرجاه الظَّاهِرِيّ وحملت لَهُ الإقامات حَتَّى عَاد. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشر ربيع الآخر: أُقِيمَت الْجُمُعَة بالجامع الْأَزْهَر من الْقَاهِرَة وَكَانَت قد بطلت مِنْهُ مُنْذُ ولي قَضَاء مصر صدر الدّين عبد الْملك بن درباس عَن السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب وَقد ظلّ كَذَلِك إِلَى أَن سكن الْأَمِير عز الدّين أيدمر الْحلِيّ بجواره فَانْتزع كثيرا من أوقاف الْجَامِع كَانَت مغصوبه بيد جمَاعَة وتبرع لَهُ بِمَال جزيل واستطلق لَهُ من السُّلْطَان مَالا وَعمر الواهي من أَرْكَانه وجدرانه وبيضه وبلطه ورم سقوفه وفرشه واستجد بِهِ مَقْصُورَة وَعمل فِيهِ منبرا فَتَنَازَعَ النَّاس فِيهِ هَل تصح إِقَامَة الْجُمُعَة فِيهِ أم لَا فأجار ذَلِك جمَاعَة من الْفُقَهَاء وَمنع مِنْهُ قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين ابْن بنت الْأَعَز وَغَيره فشكي الْحلِيّ ذَلِك إِلَى السُّلْطَان فَكلم فِيهِ قَاضِي الْقُضَاة فصمم على الْمَنْع فَعمل الْحلِيّ بفتوى من أجَاز ذَلِك وَأقَام فِيهِ الْجُمُعَة. وَسَأَلَ السُّلْطَان أَن يحضر فَامْتنعَ من الْحُضُور مَا لم يحضر قَاضِي الْقُضَاة فَحَضَرَ الأتابك والصاحب بهاء الدّين وعدة من الْأُمَرَاء وَالْفُقَهَاء وَلم يحضر السُّلْطَان وَلَا قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين. وَعمل الْأَمِير بدر الدّين بيليك الخازندار بالجامع مَقْصُورَة ورتب فِيهَا مدرسا وَجَمَاعَة من الْفُقَهَاء على مَذْهَب الشَّافِعِي ورتب مُحدثا يسمع بِالْحَدِيثِ النَّبَوِيّ وَالرَّقَائِق ورتب سَبْعَة لقِرَاءَة الْقُرْآن الْعَظِيم وَعمل على ذَلِك أوقافا تكفيه. وَفِي جُمَادَى الْآخِرَة: وصلت رسل الدعْوَة بجملة من الذَّهَب وَقَالُوا: هَذَا المَال الَّذِي كُنَّا نحمله قطيعة للفرنج قد حملناه لبيت مَال الْمُسلمين لينفق فِي الْمُجَاهدين. وَقد كَانَ أَصْحَاب بَيت الدعْوَة فِيمَا مضى من الزَّمَان يقطعون مصانعات الْمُلُوك ويجبون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 الْقطعَة من الْخُلَفَاء وَيَأْخُذُونَ من مملكة مصر الْقطعَة فِي كل سنة فصاروا يحملون القطيعة لذَلِك الظَّاهِر لقبامه بِالْجِهَادِ فِي سَبِيل الله. وَفِيه عمرت قلعة قاقون عوضا عَن قيسارية وأرسوف وعمرت الْكَنِيسَة الَّتِي كَانَت لِلنَّصَارَى هُنَاكَ جَامعا. وَسكن هُنَاكَ جمَاعَة فَصَارَت بَلْدَة عامرة بالأسواق وَفِيه أَمر السُّلْطَان باستخراج الزَّكَاة من سَائِر الْجِهَات: فاستخرج من بِلَاد الْمغرب زَكَاة مَوَاشِيهمْ وَزَكَاة زُرُوعهمْ واستخرج من جِهَات سواكن وجزائرها الزَّكَاة. وَبعث السُّلْطَان إِلَى الْحجاز الْأَمِير شكال بن مُحَمَّد فَطلب الْعداد من الْأَمِير جماز أَمِير الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة فدافعه فَمضى إِلَى بني خَالِد يَسْتَعِين بهم على عرب جماز ثمَّ خَافَ وَبعث إِلَى السُّلْطَان يطْلب إرْسَال من يستخلفه على اسْتِخْرَاج حُقُوق الله. وَفِي سَابِع عشريه: توجه السُّلْطَان فِي جمَاعَة من أمرائه إِلَى الشَّام وَترك أَكثر العساكر بالديار المصرية. وَكَانَ مَعَه الْمَنْصُور صَاحب حماة فَنزل السُّلْطَان غَزَّة وَمضى صَاحب حماة إِلَى مَمْلَكَته بعد زِيَارَة الْقُدس فَقدمت رسل الفرنج على السُّلْطَان بغزه وَمَعَهُمْ الْهَدَايَا وعدة من أسرِي الْمُسلمين فكسا الأسري وأطلقهم. ورحل السُّلْطَان إِلَى صفد فورد الْخَبَر عَلَيْهِ هُنَاكَ بتوجه التتار إِلَى الرحبة فَسَار إِلَى دمشق مسرعا فَدَخلَهَا فِي رَابِع عشر رَجَب وَجَاء الْخَبَر بقدوم التتار إِلَى الرحبة وَأَن أَهلهَا قتلوا وأسروا مِنْهُم كثيرا وهزموهم فَأَقَامَ بِدِمَشْق خَمْسَة أَيَّام وَعَاد إِلَى صفد فِي رَابِع عشريه. ورتب السُّلْطَان أَمر عمَارَة صفد وَقسم خندقها على الْأُمَرَاء وَأخذ لنَفسِهِ نَصِيبا وافرا عمل فِيهِ بِنَفسِهِ فَتَبِعَهُ الْأُمَرَاء وَالنَّاس فِي الْعَمَل وَنقل الْحِجَارَة وَرمي التُّرَاب وصاروا يتسابقون فوردت عَلَيْهِ رسل الفرنج يطْلبُونَ الصُّلْح فَرَأَوْا الاهتمام فِي الْعِمَارَة. ثمَّ إِنَّه بلغه فِي بعض تِلْكَ الْأَيَّام أَن جمَاعَة من الفرنج بكما تخرج مِنْهَا غدْوَة وتبقي ظَاهرهَا إِلَى صحوة فَسرِّي لَيْلَة بِبَعْض عسكره وَأمر بالركوب خُفْيَة فَركب وَقد اطْمَأَن الفرنج فَلم يشعروا بِهِ إِلَّا وَهُوَ على بَاب عكا وَوضع السَّيْف فِي الفرنج وَصَارَت الرُّءُوس تحمل إِلَيْهِ من كل جِهَة وَكَانَ الْحر فَعمِلت عباءة على رمح ليستظل بهَا وَبَات تِلْكَ اللَّيْلَة وَأصْبح على حَاله ثمَّ عَاد إِلَى صفد وقدمت رسل سيس بالهدية فَرَأَوْا رسل الفرنج وَرَأَوا رُءُوس الْقَتْلَى على الرماح. وقدمت الأسري من هَذِه الْغَارة فَضربت أَعْنَاقهم وَطلب السُّلْطَان رسل الفرنج وَقَالَ لَهُم: هَذِه الْغَارة فِي مُقَابلَة غارتكم على بِلَاد الشقيف وردهم من غير إجابتهم إِلَى الصُّلْح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 ثمَّ ركب السُّلْطَان فِي حادي عشري شعْبَان وسَاق من صفد إِلَى عكا فَلَمَّا علم بِهِ الفرنج حَتَّى وقف على أَبْوَابهَا فقسم البنائين والحجارين وَالنَّاس على الْبَسَاتِين والأبنية والآبار لهدمها فاقتسموا ذَلِك وشرعوا فِي الْهدم وَقطع الْأَشْجَار. وَعمل السُّلْطَان اليزك بِنَفسِهِ على بَاب عكا وَصَارَ وَاقِفًا على فرسه وَبِيَدِهِ رمح مُدَّة أَرْبَعَة أَيَّام حَتَّى تَكَامل الإحراق وَالْهدم وَقطع الْأَشْجَار. ثمَّ رَجَعَ إِلَى صفد فوردت رسل سيس ورسل بيروت فأجيبوا عَن مقاصدهم. وَفِي شهر رَمَضَان: وَردت رسل صور يطْلبُونَ اسْتِمْرَار الْهُدْنَة فأجيبوا إِلَى الصُّلْح وكتبت هدنة لمُدَّة عشر سِنِين لصور وبلادها وَهِي مائَة قَرْيَة إِلَّا قَرْيَة بعد مَا أحضروا دِيَة السَّابِق شاهين الَّذِي قَتَلُوهُ لأولاده وَهِي خَمْسَة عشر ألف دِينَار صورية قَامُوا بِنِصْفِهَا وأمهلوا بِالْبَاقِي وأحضروا أَيْضا عدَّة أسرِي مغاربة. وقدمت رسل بَيت الاسبتار من الفرنج يطْلبُونَ الصُّلْح على حصن الأكراد والمرقب فأجيبوا وتقررت الْهُدْنَة لعشر سِنِين وَعشرَة أشهر وَعشرَة أَيَّام وَعشر سَاعَات وَبَطلَت القطائع عَن بِلَاد الدعْوَة وَعَن حماة وشيزر وأفامية وَعَن أبي قبيس وَقد تقدم ذَلِك وَبَطل أَيْضا مَا كَانَ على عيناب وَهُوَ خَمْسمِائَة دِينَار صورية وَعَن كل فدان مكوكان غلَّة وَسِتَّة دَرَاهِم. وَقدم الشريف بدر الدّين ملك بن منيف بن شيحة من الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة يشكو من الشريف جماز أَمِير الْمَدِينَة وَأَن الإمرة كَانَت نِصْفَيْنِ بَين أَبِيه ووالده جماز. فَكتب لجماز أَن يُسلمهُ نصف الإمرة وَكتب لَهُ تَقْلِيد بذلك وبنصف أوقاف الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة الَّتِي بِالشَّام ومصر وسلمت إِلَيْهِ فامتثل جماز مَا رسم بِهِ. وَفِي ذِي الْحجَّة: نزحت بِئْر السِّقَايَة الَّتِي بالقدس حَتَّى اشْتَدَّ عَطش النَّاس بهَا فَنزل شخص إِلَى الْبِئْر فَإِذا قناة مسدودة فَأعْلم الْأَمِير عَلَاء الدّين الْحَاج الركني نَائِب الْقُدس فأحضر الْأَمِير بنائين وكشف الْبناء فأفضي بهم فِي قناة إِلَى تَحت الصَّخْرَة فوجدا هُنَاكَ بَابا مقنطرا قد سد ففتحوه فَخرج مِنْهُ مَاء كَاد يغرقهم فَكتب بذلك إِلَى السُّلْطَان وَإنَّهُ لما نقص مَاء السِّقَايَة دخل الصناع فوجدوا سدا نقب فِيهِ الحجارون قدر عشْرين يَوْمًا وَوجد سقف مقلفط فَنقبَ فِيهِ قدر مائَة وَعشْرين ذِرَاعا بِالْعَمَلِ فَخرج المَاء وملأ الْقَنَاة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 وَفِي هَذِه السّنة: أنشأ السُّلْطَان قنطرة على بَحر أبي المنجا بِنَاحِيَة ببسوس وتولي عَملهَا الْأَمِير عز الدّين أيبك الأفرم فَجَاءَت من أعظم القناطر. وفيهَا أنشأ السُّلْطَان الْقصر الأبلق بِدِمَشْق بالميدان الْأَخْضَر على نهر بردي فتولي عمل ذَلِك الْأَمِير أقوش النجيبي نَائِب دمشق فعمره بالرخام الْأَبْيَض وَالْأسود وَجعل جانبا عَظِيما مِنْهُ تحف بِهِ الْبَسَاتِين والأنهار من كل نَاحيَة وَلم يعْمل بِدِمَشْق قبله مثله. ومازال عَامِرًا تنزله الْمُلُوك إِلَى أَن هَدمه تيمورلنك فِي سنة ثَلَاث وَثَمَانمِائَة عِنْد حريق دمشق وخرابها. وفيهَا جلس منكوتمر بن طغان بن باتوتان بن دوشي خَان بن جنكيزخان على كرْسِي مملكة القفجاق صراي عوضا عَن الْملك بركَة خَان بن دوشي خَان بن جنكيزخان بعد وَفَاته هَذِه السّنة. وَكَانَ بركَة خَان قد مَال إِلَى دين الْإِسْلَام وَهُوَ أعظم مُلُوك التتر وكرسي مَمْلَكَته مَدِينَة صراي. وفيهَا مَاتَ قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الْوَهَّاب بن خلف بن أبي الْقَاسِم العلامي الشَّافِعِي الْمَعْرُوف بِابْن بنت الْأَعَز فِي سَابِع عشري شهر رَجَب من إِحْدَى وَخمسين سنة فولي قَضَاء الْقَاهِرَة وَالْوَجْه البحري تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن رزين الشَّافِعِي وَولي قَضَاء مصر محيي الدّين عبد الله بن شرف الدّين مُحَمَّد بن عبد الله بن الْحسن بن عبد الله بن على بن صَدَقَة بن حَفْص الْمَعْرُوف بِابْن عين الدولة فِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع شعْبَان. بمرسوم ورد عَلَيْهِ عقيب وَفَاة تَاج الدّين ابْن بنت الْأَعَز بِأَن يتَوَلَّى قَضَاء مصر وَالْوَجْه القبلي. وفيهَا حج الْأَمِير الْحلِيّ وَتصدق بِمَال بَعثه بِهِ السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر وَحج الصاحب محيي الدّين بن الصاحب بهاء الدّين بن حنا. وَمَات فِي هَذِه السّنة الْأَمِير نَاصِر الدّين حسن بن عَزِيز القيمري نَائِب السلطنة بالسَّاحل. وَتُوفِّي شهَاب الدّين أَبُو الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن عُثْمَان الْمَعْرُوف بِأبي شامة الْمَقْدِسِي الشَّافِعِي بِدِمَشْق عَن سِتّ وَسِتِّينَ سنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 فارغة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 سنة سِتّ وَسِتِّينَ وسِتمِائَة فِي صفر: وَردت الزَّكَاة وَالْعشر من الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة وعدتها مائَة وَثَمَانُونَ جملا ومبلغ عشرَة آلَاف دِرْهَم فاستقل السُّلْطَان ذَلِك وَأمر برده فورد بَنو صَخْر وَبَنُو لَام وَبَنُو عنزة من عرب الْحجاز والتزموا بِزَكَاة الْغنم وَالْإِبِل فَبعث السُّلْطَان مَعَهم شادين لاستخراج ذَلِك. وَفِيه قسمت عمَارَة صفد على الْأُمَرَاء وَأخذ السُّلْطَان لنَفسِهِ نَصِيبا وافرا وأقيم فِي عمَارَة القلعة وأبراجها الْأَمِير سيف الدّين الزيني وَعمل لَهَا أَبْوَاب سر إِلَى الخَنْدَق فَلَمَّا كملت كتب على أسوارها: 7 - (وَلَقَد كتبنَا فِي الزبُور من بعد الذّكر أَن الأَرْض يَرِثهَا عبَادي الصالحون) أَلا إِن حزب الله هم المفلحون أَمر بتجديد هَذِه القلعة وتحصينها وتكميل عمارتها وَبعد مَا خلصها من أسر الْفرج الملاعين وردهَا إِلَى يَد الْمُسلمين ونقلها من حوزة الدُّنْيَوِيَّة إِلَى حوزة الْمُؤمنِينَ وأعادها إِلَى الْإِيمَان كَمَا بدا بهَا أول مرّة وَجعلهَا للْكفَّار خسارة وحسرة واجتهد وجاهد حَتَّى بدل الْكفْر بِالْإِيمَان والناقوس بِالْأَذَانِ وَالْإِنْجِيل بِالْقُرْآنِ ووقف بِنَفسِهِ حَتَّى حمل تُرَاب خنادقها وحجارتها مِنْهُ بِنَفسِهِ وبخواصه على الرُّءُوس السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر أَبُو الْفَتْح بيبرس فَمن صَارَت إِلَيْهِ هَذِه القلعة من مُلُوك الْإِسْلَام وَمن سكنها من الْمُجَاهدين فليجعل لَهُ نَصِيبا من أجره وَلَا يخله من الترحم فِي سره وجهره فقد صَار يُقَال عمر الله صرحها بعد مَا كَانَ يُقَال عجل الله فتحهَا وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين إِلَى يَوْم الدّين. وَفِيه كتب السُّلْطَان إِلَى الْملك منكوتمر الْقَائِم مقَام الْملك بركَة بالتعزية والإغراء بِولد هولاكو وَفِيه رسم السُّلْطَان بعمارة مَسْجِد الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام فتوحه الْأَمِير جمال الدّين بن نَهَار لعمل ذَلِك حَتَّى أنهِي عِمَارَته. وَفِيه سَار السُّلْطَان من صفد إِلَى الْقَاهِرَة فَدخل قلعة الْجَبَل سالما فِي وقدمت رسل السُّلْطَان المظفر شمس الدّين يُوسُف بن عمر بن رَسُول الْملك اليمني بِعشْرين فرسا عَلَيْهَا لَامة الْحَرْب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 وفيلة وحمارة وحشية عنابية اللَّوْن وعدة تحف وطرف فجهزت لَهُ خلعة وسنجق وهدية فِيهَا قَمِيص من ملابس السُّلْطَان كَانَ قد سَأَلَ فِيهِ ليَكُون لَهُ أَمَانًا وسير إِلَيْهِ أَيْضا جوشن وَغَيره من آلَة الْحَرْب وَقيل لَهُ: قد سيرنا إِلَيْك آلَة السّلم وَآلَة الْحَرْب مِمَّا لاصق جسدنا فِي مَوَاطِن الْجِهَاد وَكتب لَهُ الْمقَام العالي المولوي السلطاني وَكتب لَهُ السُّلْطَان بِخَطِّهِ الْمَمْلُوك. وَفِيه اجتاز السُّلْطَان على السدير قرب العباسية فأعجبه فَاخْتَارَ مِنْهُ مَكَانا بني فِيهِ قَرْيَة سَمَّاهَا الظَّاهِرِيَّة وَعمر بهَا جَامعا. وَبينا هُوَ فِي الصَّيْد هُنَاكَ إِذْ بلغه حَرَكَة التتار على حلب فَعَاد إِلَى القلعة وَأمر بِخُرُوج الْخيام. فَلم يُعجبهُ خيام جمَاعَة فأدبهم وجرسهم. وَخرج الْبَرِيد إِلَى الشَّام بتجهيز العساكر فَلَمَّا خَرجُوا وَسَارُوا إِلَى بانياس أخرج البريدي كتبا مختومة باسم الْأَمِير علم الدّين الحصني والأمير بدر الدّين الأتابكي وفيهَا منازلتهم للشقيف فَلم يشْعر الفرنج إِلَّا بالعساكر على قلعة الشقيف. وَسَار السُّلْطَان من مخيمه بِبَاب النَّصْر فِي ثَالِث جُمَادَى الْآخِرَة إِلَى غَزَّة فَبَلغهُ عَن جمَاعَة من الجمالين إِنَّهُم تعرضوا إِلَى زرع فَقطع أنوفهم وبلغه عَن الْأَمِير علم الدّين سنجر الْحَمَوِيّ إِنَّه سَاق فِي زرع فأنزله عَن فرسه وَأَعْطَاهُ بِمَا عَلَيْهِ من السرج واللجام لصَاحب الزَّرْع ثمَّ رَحل السُّلْطَان إِلَى العوجاء. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْعشْرين مِنْهُ: سَاق السُّلْطَان من العوجاء إِلَى يافا وحاصرها حَتَّى ملكهَا من يَوْمه وَأخذ قلعتها وَأخرج من كَانَ فِيهَا وهدمها كلهَا وَجمع أخشابها ورخامها وَحمله فِي الْبَحْر إِلَى الْقَاهِرَة فَعمل من الْخشب مَقْصُورَة الْجَامِع الظَّاهِرِيّ بالحسينية وَمن الرخام بحرابه. وَأمر السُّلْطَان بِبِنَاء الْجَوَامِع بِتِلْكَ الْبِلَاد وأزال مِنْهَا وَمن قَرْيَة الْمُنْكَرَات ورتب الخفراء على السواحل وألزمهم بدركها. ورسم أَن المَال المتحصل من هَذِه الْبِلَاد لَا يخلط بِغَيْرِهِ وَجعله لمأكله ومشربه. وَأعْطِي الْأَمِير عَلَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 الدّين الْحَاج طيبرس مِنْهَا قَرْيَة وَأعْطِي الْأَمِير علم الدّين سنجر الْحَمَوِيّ قَرْيَة وملكهما إيَّاهُمَا وَأنزل التركمان بالبلاد الساحلية لحمايتها وَقرر عَلَيْهِم خيلا وعدة فتجدد لَهُ عَسْكَر بِغَيْر كلفة وَفِيه رسم بتجديد عمَارَة الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام ورسم أَن يكون عمل الخوان الَّذِي يمد نَاصِيَة عَن مَسْجِد الْخَلِيل. وجهز السُّلْطَان عسكرا إِلَى الشقيف ثمَّ سَار إِلَيْهَا بِنَفسِهِ فَنزل عَلَيْهَا فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشر شهر رَجَب وَقدم الْفُقَهَاء للْجِهَاد وَنصب السُّلْطَان عَلَيْهَا سِتَّة وَعشْرين منجنيقا وألح عَلَيْهَا حَتَّى أَخذهَا يَوْم الْأَحَد سلخ رَجَب وَأخرج مِنْهَا نسَاء الفرنج وَأَوْلَادهمْ إِلَى صور وَقيد الرِّجَال كلهم وسلمهم للعساكر. وَهدم السُّلْطَان قلعة استجدها الفرنج هُنَاكَ واستناب على القلعة الْأُخْرَى الْأَمِير صارم الدّين قايماز الكافري ورتب بهَا الأجناد والرجالة وَقرر فِيهَا قَاضِيا وخطيبا وَولي أَمر عمارتها الْأَمِير سيف الدّين بلبان الزيني. وَفِيه وَردت كتب من وَفِي شعْبَان: وصل رَسُول صَاحب بيروت بهدية وتجار كَانُوا قد أخذوهم فِي الْبَحْر من سِنِين فَمَا زَالَ السُّلْطَان حَتَّى خلصهم وخلص أَمْوَالهم. وَفِي عاشره: رَحل السُّلْطَان من الثقيف إِلَى قرب بانياس وَبعث الأثقال إِلَى دمشق وجهز الْأَمِير عز الدّين أوغان بِجَمَاعَة لجِهَة وجهز الْأَمِير بدر الدّين الأيدمري فِي جمَاعَة إِلَى جِهَة أُخْرَى فَحفِظت العساكر الطرقات. ثمَّ سَار السُّلْطَان إِلَيّ طرابلس وخيم عَلَيْهَا فِي النّصْف مِنْهُ وناوش أَهلهَا الْقِتَال وَأخذ برجا كَانَ هُنَاكَ وَضرب أَعْنَاق من كَانَ من الفرنج وأغارت العساكر على من فِي تِلْكَ الْجبَال وغنموا شَيْئا كثيرا وَأخذُوا عدَّة مُغَاير بِالسَّيْفِ وأحضروا الْمَغَانِم والأسري إِلَى السُّلْطَان فَضرب أَعْنَاق الأسري وَقطع الْأَشْجَار وَهدم الْكَنَائِس وَقسم الْغَنَائِم فِي الْعَسْكَر. وَدخل السُّلْطَان عَن طرابلس فِي رَابِع عشريه فَتَلقاهُ صَاحب صافيتا وأنطرسوس بِالْخدمَةِ وأحضر ثَلَاثمِائَة أَسِير كَانُوا عِنْده فشكره السُّلْطَان وَلم يتَعَرَّض لبلاده وَنزل السُّلْطَان على حمص وَأمر بِإِبْطَال الْخمر والمنكرات. ثمَّ دخل إِلَى حماة وَلَا يعرف أحد أَي جِهَة يقْصد فرتب الْعَسْكَر ثَلَاث فرق: فرقة صُحْبَة الْأَمِير بدر الدّين الخازندار وَفرْقَة مَعَ الْأَمِير عز الدّين إيغان وَفرْقَة مَعَ السُّلْطَان فَتوجه الخازندار إِلَى السويدية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 وَتوجه إيغان إِلَى درب بساك فَقتلُوا وأسروا وَنزل السُّلْطَان أفامية، ووافاه الْجَمِيع على أنطاكية. وَأصْبح أول شهر رَمَضَان: وَالسُّلْطَان مغير على أنطاكية وأطاقت العساكر بهَا من كل جَانب فتكملوا بخيامهم فِي ثالثه. وَبعث السُّلْطَان إِلَى الفرنج يَدعُوهُم وَيُنْذرهُمْ بالزحف عَلَيْهِم وفاوضهم فِي ذَلِك مُدَّة ثَلَاثَة أَيَّام وهم لَا يجيبون فزحف عَلَيْهَا وَقَاتل أَهلهَا قتالا شَدِيدا وتسور الْمُسلمُونَ الأسوار من جِهَة الْجَبَل بِالْقربِ من القلعة ونزلوا الْمَدِينَة ففر أَهلهَا إِلَى القلعة وَوَقع النهب وَالْقَتْل والأسر فِي الْمَدِينَة فَلم يرفع السَّيْف عَن أحد من الرِّجَال وَكَانَ بهَا فَوق الْمِائَة ألف وأحاط الْأُمَرَاء بِأَبْوَاب الْمَدِينَة حَتَّى لَا يفر مِنْهَا أحد وَاجْتمعَ بالقلعة من الْمُقَاتلَة ثَمَانِيَة آلَاف سوي النِّسَاء وَالْأَوْلَاد فبعثوا يطْلبُونَ الْأمان فَأمنُوا وَصعد السُّلْطَان إِلَيْهِم وَمَعَهُ الحبال فكتفوا وَفرقُوا على الْأُمَرَاء وَالْكتاب بَين يَدي السُّلْطَان ينزلون الْأَسْمَاء. وَكَانَت أنطاكية للبرنس بيموند بن بيموند وَله مَعهَا طرابلس وَهُوَ مُقيم بطرابلس وكتبت البشائر بِالْفَتْح إِلَى الأقطار الشامية والمصرية والفرنجية وَفِي الْجُمْلَة كتاب إِلَى صَاحب أنطاكية وَهُوَ يَوْمئِذٍ مُقيم بطرابلس وَهُوَ من إنْشَاء ابْن عبد الظَّاهِر رَحمَه الله تعالي. وَسلم السُّلْطَان القلعة إِلَى الْأَمِير بدر الدّين بيليك الخازندار والأمير بدر الدّين بيسري الشمسي وَأمر بإحضار الْمَغَانِم لتقتسم وَركب وَأبْعد عَن الْخيام وَحمل مَا غنمه وَمَا غنمته مماليكه وخواصه وَقَالَ: وَالله مَا خبأت شَيْئا مِمَّا حمل إِلَى وَلَا خليت مماليكي يخبئون شَيْئا وَلَقَد بَلغنِي أَن غُلَاما لأحد مماليكي خبأ شَيْئا لَا قيمَة لَهُ فأدبته الْأَدَب الْبَالِغ ويتبقى لكل أحد مِنْكُم أَن يخلص ذمَّته وَأَنا أَحْلف الْأُمَرَاء والمقدمين وهم يحلفُونَ أجنادهم ومضافيهم. فأحضر النَّاس الْأَمْوَال والمصاغ الذَّهَب وَالْفِضَّة حَتَّى صَارَت تَلا بهَا وَقسمت فِي النَّاس وَطَالَ الْوَزْن فقسمت النُّقُود بالطاسات وَقسمت الغلمان على النَّاس فَلم يبْق غُلَام إِلَّا وَله غُلَام وتقاسم النِّسَاء وَالْبَنَات والأطفال وأبيع الصَّغِير بِاثْنَيْ عشر درهما وَالْجَارِيَة بِخَمْسَة دَرَاهِم وَأقَام السُّلْطَان يَوْمَيْنِ وَهُوَ يُبَاشر الْقِسْمَة بِنَفسِهِ وَقصر النَّاس فِي إِحْضَار الْغَنَائِم فَعَاد السُّلْطَان مغضبا فَلم تزل الْأُمَرَاء بِهِ يلتزمون بِالِاجْتِهَادِ والاحتراز ويعتذرون إِلَيْهِ حَتَّى وقف على فرسه وَمَا ترك شَيْئا حَتَّى قسمه. ثمَّ ركب السُّلْطَان إِلَى القلعة وأحرقها وَعم بالحريق أنطاكية فَأخذ النَّاس من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 حَدِيد أَبْوَابهَا ورصاص كنائسها مَا لَا يُوصف كَثْرَة وأقيمت الْأَسْوَاق خَارج الْمَدِينَة فَقدم التُّجَّار من كل جِهَة. وَكَانَ بِالْقربِ من أنطاكية عدَّة حصون فَطلب أَهلهَا الْأمان فَتوجه إِلَيْهِم الْأَمِير بيليك الأشرفي وتسلمها فِي حادي عشره وَأسر من فِيهَا من الرِّجَال. وَكَانَ التكفور هيتوم ملك سيس لم يزل يسْأَل فِي إِطْلَاق وَلَده ليفون ويعرض فِي فدائه الْأَمْوَال والقلاع وَكَانَ التتر قد أَسرُّوا الْأَمِير شمس الدّين سنقر الْأَشْقَر من حلب لما ملكوها من الْملك النَّاصِر فاقترح السُّلْطَان على سيس إِحْضَار سنقر عوضا عَن وَلَده ورد القلاع الَّتِي أَخذهَا من مملكة حلب وَهِي بهسنا ودربساك ومرزبان ورعبان وشبح الْحَدِيد فَسَأَلَ هيتوم المهلة سنة إِلَى أَن يبْعَث إِلَى الأرذو فَلَمَّا كَانَ فِي هَذِه الْأَيَّام بعث هيتوم إِلَى السُّلْطَان بِأَنَّهُ وجد سنقر وَأَنه أُجِيب إِلَى إِطْلَاقه فَكتب إِلَيْهِ بإحضاره. فأحضر هيتوم كتاب سنقر إِلَى السُّلْطَان بأماير إِلَّا إِنَّه غير قَوْله فِي تَسْلِيم القلاع فَكتب إِلَيْهِ. إِذا كنت تقسو على ولدك وَولي عَهْدك فَأَنا أقسو على صديق مَا بيني وَبَينه نسب وَيكون الرُّجُوع مِنْك لَا مني. وَنحن خلف كتَابنَا فمهما شِئْت افْعَل بسنقر الْأَشْقَر فَلَمَّا وصلت إِلَيْهِ الْكتب من أنطاكية خَافَ وتقرر الصُّلْح على تَسْلِيم قلعة بهسنا ودر بساك وكل مَا أَخذه من بِلَاد الْإِسْلَام وَأَن يرد الْجَمِيع بحواصلها كَمَا تسلمها وَيُطلق سنقر الْأَشْقَر وَيُطلق السُّلْطَان وَلَده وَابْن أَخِيه وغلمانهما وَأَنه يحضر رهينة حَتَّى يتسلم السُّلْطَان القلاع فَكتبت الْهُدْنَة بأنطاكية وَتوجه الْأَمِير بلبان الرُّومِي للدوادار والصدر فتح الدّين بن القيسراني كَاتب الدرج. لاستحلافه وَتوجه الْأَمِير بدر الدّين يحكا الرُّومِي لإحضار الْملك ليفون من مصر على الْبَرِيد فِي لَيْلَة الثَّالِث عشر من رَمَضَان فوصل إِلَى الْقَاهِرَة وَخرج مِنْهَا ثَانِي يَوْم دُخُوله بِالْملكِ ليفون فوصل إِلَى دمشق لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ سادس عشريه فَكَانَ بَين خُرُوجه من أنطاكية وَعوده إِلَى دمشق ثَلَاثَة عشر يَوْمًا وَحلف التكفور هيتوم صَاحب سيس فِي سَابِع ورحل السُّلْطَان من أنطاكية إِلَى شيزر وَسَار مِنْهَا على الْبَريَّة إِلَى حمص وَهُوَ يتصيد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 فَدخل حماة فِي ثَلَاثَة نفر: وهم الْأَمِير بيسري والأمير بدر الدّين الخازندار والأمير حسام الدّين الدوادار وَنزل الْعَسْكَر حماة. ثمَّ سَار السُّلْطَان من حمص إِلَى دمشق فَدَخلَهَا فِي سادس عشريه والأسري بَين يَدَيْهِ وليفون ابْن صَاحب سيس فِي خدمته فَأحْسن إِلَيْهِ وَحلف ليفون للسُّلْطَان فِي ثَالِث شَوَّال على النُّسْخَة الَّتِي حلف عَلَيْهَا أَبوهُ وَهُوَ قَائِم مَكْشُوف الرَّأْس وَسَار إِلَى بِلَاده فِي حادي عشره صُحْبَة الْأَمِير بجكا على الْبَرِيد حَتَّى قَرَّرَهُ فِي مَمْلَكَته. ووصلت الرهائن فَأحْسن السُّلْطَان إِلَيْهِم وَأكْرمهمْ ومازالوا إِلَى أَن تسلم نواب السُّلْطَان القلاع من أهل سيس فأعيدت الرهائن إِلَيْهِم بِمَا أنعم عَلَيْهِم وعندما وصل ليفون إِلَى سيس أطلق سنقر الْأَشْقَر وَبعث بِهِ إِلَى السُّلْطَان فَتَلقاهُ السُّلْطَان وَهُوَ فِي الصَّيْد من غير أَن يعرف أحد بقدومه وَقدم بِهِ وَهُوَ مختف وأنزله عِنْده فِي الدهليز وَبَات مَعَه. فَلَمَّا أصبح وَاجْتمعَ النَّاس فِي الْخدمَة خرج السُّلْطَان وَمَعَهُ سنقر الْأَشْقَر فبهت النَّاس لرُؤْيَته وَأخرج لَهُ السُّلْطَان المَال وَالْخلْع والحوائص وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْجمال والمماليك وَسَائِر مَا يحْتَاج إِلَيْهِ وَحمل إِلَيْهِ الْأُمَرَاء التقادم وَبَالغ السُّلْطَان فِي الْإِحْسَان إِلَيْهِ وَبني لَهُ دَارا بقلعة الْجَبَل وَلما حضر سنقر إِلَى الْقَاهِرَة أعطَاهُ السُّلْطَان إمرة وَعَمله من خواصه. وَفِي ثَالِث عشره: تسلم الْأَمِير شمس الدّين آقسنقر الفارقاني أستادار السُّلْطَان حصن بفراس من الفرنج الداويه وَكَانُوا قد فروا عَنْهَا وَتركُوا الْحصن خَالِيا حَتَّى لم يبْق بهَا سوي عَجُوز وَاحِد فَوَجَدَهَا الْأَمِير شمس الدّين عامرة بالحواصل والذخائر وَفِيه وَردت رسل صَاحب عكا بهدية فَحصل الِاتِّفَاق على أَن تكون حيفا للفرنج وَلها ثَلَاث ضيَاع وَأَن تكون مَدِينَة عكا وَبَقِيَّة بلادها مُنَاصَفَة هِيَ وبلاد الكرمل وَأَن بِلَاد صيدا الوطاة للفرنج والجبليات للسُّلْطَان وَأَن الْهُدْنَة لعشر سِنِين وَأَن الرهائن تطلق وَبعث السُّلْطَان لصَاحب عكا هَدِيَّة فِيهَا عشرُون نفسا من أسرِي أنطاكية وَتوجه القَاضِي محيي الدّين عبد الظَّاهِر والأمير كَمَال الدّين بن شيت لاستحلافه فدخلا عكا فِي عشري شَوَّال وَقد وصاهما السُّلْطَان أَلا يتواضعا لَهُ فِي جُلُوس وَلَا مُخَاطبَة فَلَمَّا دخلا كَانَ الْملك على كرْسِي فَلم يجلسا حَتَّى وضع لَهما كرستين جلسا عَلَيْهِمَا قبالته وَمد الْوَزير يَده ليَأْخُذ الْكتاب فَلم يرضيا حَتَّى مد الْملك يَده وَأَخذه وَلم يُوَافق على أَشْيَاء فَتَرَكُوهُ وَلم يحلف. (تَابع سنة خمس وَسِتِّينَ وسِتمِائَة) وَفِي ثامن عشر ذِي الْقعدَة: خرج السُّلْطَان من دمشق وَسَار إِلَى الْقَاهِرَة فَخرج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 الْملك السعيد إِلَى أم الْبَارِدَة وَهِي السعيدية وَعِيد مَعَ السُّلْطَان بهَا. وسارا إِلَى قلعة الْجَبَل فِي حادي عشر ذِي الْحجَّة وَحمل السُّلْطَان عَن النَّاس كلفة الزِّينَة. وفيهَا مَاتَ السُّلْطَان ركن الدّين قلج أرسلان بن كيخسرو بن قلج أرسلان بن مَسْعُود بن قلج أرسلان بن سُلَيْمَان قطلومش بن أرسلان بيغو بن سلجوق ملك الرّوم. وَقَامَ من بعده ابْنه غياث الدّين كيخسرو وعمره أَربع سِنِين فَقَامَ بِأَمْر المملكة معِين الدّين سُلَيْمَان البرواناه وَكَانَ موت ركن الدّين خنقا بالوتر وَذَلِكَ أَن معِين الدّين البرواناه اتّفق مَعَ التتر المقيمين مَعَه على قتل ركن الدّين فخنقوه. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان كَمَال الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن الشَّهِيد أبي صَالح عبد الرَّحِيم بن عبد الرَّحْمَن بن الْحسن بن العجمي الْحلَبِي كَاتب الْإِنْشَاء ظَاهر صور من السَّاحِل. وَتُوفِّي الصاحب عز الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الْعَزِيز بن مَنْصُور بن مُحَمَّد بن ودَاعَة الْحلَبِي وَزِير دمشق بِالْقَاهِرَةِ. وَتُوفِّي الأديب عفيف الدّين أَبُو الْحسن على بن عَدْلَانِ بن حَمَّاد بن على الْموصِلِي بِدِمَشْق عَن ثَلَاث وَثَمَانِينَ سنة. وَمَات الْأَمِير عماد الدّين أَبُو حَفْص عمر بن هبة الله ابْن صديق الخلاطي الأديب الْفَاضِل بحماة عَن ثَمَان وَسِتِّينَ سنة. وَتُوفِّي الشَّيْخ المعتقد أَبُو دَاوُد مُسلم السّلمِيّ شيخ الطَّائِفَة المسلمية فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث شهر ربيع الأول وَدفن بالقرافة وَكَانَ فِي ابْتِدَاء أمره قَاطع طَرِيق وَأخذ عَن الشَّيْخ مَرْوَان أحد أَصْحَاب الشَّيْخ مَرْزُوق وَقدم الْقَاهِرَة وعني بِهِ الصاحب بهاء الدّين مُحَمَّد بن على بن حنا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 فارغة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 سنة سبع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة فِي أول الْمحرم: ركب السُّلْطَان حَتَّى شَاهد جَامعه بِظَاهِر الْقَاهِرَة وَسَار لفتح بَحر أبي المنجا وَعَاد إِلَى القلعة. وَفِيه احتفل السُّلْطَان برمي النشاب وَأُمُور الْحَرْب وَبني مسطبة. بميدان الْعِيد خَارج بَاب النَّصْر من الْقَاهِرَة وَصَارَ ينزل كل يَوْم من الظّهْر وَيَرْمِي النشاب فَلَا يعود من الميدان إِلَى عشَاء الْآخِرَة وَأخذ السُّلْطَان يحرض النَّاس على الرَّمْي والرهان فَمَا بَقِي أَمِير وَلَا مَمْلُوك إِلَّا وَهَذَا شغله تحريض النَّاس على لعب الرمْح وَرمي النشاب. وَفِيه قدمت الرُّسُل من جَمِيع الأقطار تهنئ السُّلْطَان بِمَا فَتحه الله عَلَيْهِ. وَفِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع صفر. جلس الْملك بركَة فِي مرتبَة الْملك وَحضر الْأَمِير فقبلوا الأَرْض وَجلسَ الْأَمِير عز الدّين الْحلِيّ والأمير فَارس الدّين الأتابك بَين يَدَيْهِ والصاحب بهاء الدّين وَكتاب الْإِنْشَاء والقضاة وَالشُّهُود وَحلف لَهُ الْأُمَرَاء وَسَائِر العساكر. وَفِي ثَالِث عشره. ركب الْملك السعيد الموكب كَمَا يركب وَالِده وَجلسَ فِي الإيوان وقرئت عَلَيْهِ وَفِي الْعشْرين مِنْهُ: قرئَ بالإيوان تَقْلِيده بتفويض السلطة إِلَيْهِ وَاسْتمرّ جُلُوسه فِي الإيوان مَكَان وَالِده لقَضَاء الأشغال وَصَارَ يُوقع وَيُطلق ويركب فِي الموكب وَأقَام السُّلْطَان الْأَمِير بدر الدّين بيليك الخازندار نَائِبا عَنهُ عوضا عَن الْأَمِير عز الدّين الْحلِيّ. وَفِي ثَانِي عشر جُمَادَى الْآخِرَة. خرج السُّلْطَان وَمَعَهُ الْأَمِير عز الدّين الْحلِيّ وأكابر الْأُمَرَاء فِي عدَّة من الْعَسْكَر يُرِيد بِلَاد الشَّام وَترك أَكثر الْعَسْكَر عِنْد الْملك السعيد فَلَمَّا وصل إِلَى غَزَّة أنْفق فِي الْعَسْكَر وَنزل أرسوس لِكَثْرَة مراعيها فَقدم عَلَيْهِ كتاب متملك سيس بِأَن رَسُول رَسُول أبغا بن هولاكو قدم ليحضر إِلَى السُّلْطَان فَبعث إِلَيْهِ الْأَمِير نَاصِر الدّين بن صيرم مشد حلب ليتسلمه من سيس ويحترز عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَا يُمكنهُ أَن يتحدث مَعَ أحد فَسَار بِهِ إِلَى دمشق وَلم يحتفل بِهِ عِنْد وُصُوله إِلَى دمشق وَأنزل فِي قلعتها فورد الْخَبَر بذلك فَركب السُّلْطَان من أرسوف وَترك الأثقال بهَا وَأخذ مَعَه الْأُمَرَاء وَدخل إِلَى دمشق وأحضر الرَّسُول إِلَيْهِ فَكَانَ من جملَة كِتَابه: إِن الْملك أبغا لما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 خرج من الشرق تملك جَمِيع الْعَالم وَمَا خَالفه أحد وَمن خَالفه هلك وَقتل. فَأَنت لَو صعدت إِلَى السَّمَاء أَو هَبَطت إِلَى الأَرْض مَا تخلصت منا فالمصلحة أَن تجْعَل بَيْننَا صلحا. وَكَانَ فِي المشافهة: أَنْت مَمْلُوك وأبعت فِي سيواس فَكيف تشاقق الْمُلُوك مُلُوك الأَرْض فَأُجِيب وَفِي أول شعْبَان: مَاتَ الْأَمِير عز الدّين الْحلِيّ بِدِمَشْق. وَفِيه خرج السُّلْطَان من دمشق وودع الْأُمَرَاء كلهم وسيرهم إِلَى مصر وَلم يتَأَخَّر عِنْده من الْأُمَرَاء الْكِبَار سوي الْأَمِير الأتابك والمحمدي والأيدمري وَابْن أطلس خَان وأقوش الرُّومِي. فَسَار بهم إِلَى قلعة الصبيبة ثمَّ إِلَى الشقيف وصفد وَكتب بِحُضُور الأثقال إِلَى خربة اللُّصُوص من أرسوف فأحضرها الْأَمِير آقسنقر الفارقاني الأستادار وَقدم السُّلْطَان إِلَيْهَا فَأَقَامَ بهَا أَيَّامًا. وخطر للسُّلْطَان أَن يتَوَجَّه إِلَى ديار مصر خُفْيَة فكتم ذَلِك وَكتب إِلَى النواب. بمكاتبة الْملك السعيد والاعتماد على أجوبته ورتب إِنَّه كلما جَاءَ بريد يقْرَأ عَلَيْهِ وَتخرج علائم على بَيَاض تكْتب عَلَيْهَا الْأَجْوِبَة. فَلَمَّا كَانَ فِي رَابِع عشره: أظهر السُّلْطَان أَنه تشوش فِي بدنه واستدعى الْحُكَمَاء إِلَى الْخَيْمَة وَوَقع احتفال فِي الظَّاهِر بتوعكه وَأصْبح الْأُمَرَاء فَدَخَلُوا عَلَيْهِ وشاهدوه مجتمعا على هَيْئَة متألم وَكتب إِلَى دمشق باستدعاء الْأَشْرِبَة. وَتقدم السُّلْطَان إِلَى الْأَمِير بدر الدّين الأيدمري والأمير سيف الدّين بكتوت جرمك الناصري بالتوجه إِلَى حلب على خيل الْبَرِيد وصحبتهما بريدي فتوجهوا إِلَيْهِ السبت سادس عشره وَكَانَ السُّلْطَان قد أوصاهم إِنَّهُم إِذا ركبُوا يَأْتُوا خلف الدهليز حَتَّى يتحدث مَعَهم مشافهة وجهز السُّلْطَان الْأَمِير آقسنقر الساقي على الْبَرِيد إِلَى مصر وَأَعْطَاهُ تركاشه وَأمره أَن يقف خلف خيمة الجمدارية من وَرَاء الدهليز فَوقف حَيْثُ أَمر وَلبس السُّلْطَان جوخة مقطعَة وتعتم بشاش دخاني عَتيق وَقصد أَن يخرج بِهِ الحراس فَوجدَ قماش نوم لبَعض المماليك فاستدعى خَادِمًا من خواصه وَقَالَ: أَنا خَارج بِهَذَا القماش احمله وامش قدامي فَإِن سَأَلَك أحد فَقل هَذَا بعض مَعَه قماش بعض الصّبيان حصل لَهُ مرض وَمَا يقدر يحضر الْخدمَة اللَّيْلَة وخارج إِلَيْهِ بقماشه. فَخرج السُّلْطَان بِهَذِهِ اللَّيْلَة وَلم يفْطن بِهِ أحد وَكَانَ قد أسر إِلَى الْأَمِير شمس الدّين الفارقاني أَنه يغيب مُدَّة أَيَّام عينهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 وَلما خرج السُّلْطَان من الدهليز مشي إِلَى الْجِهَة الَّتِي وَاعد آقسنقر الساقي إِلَيْهَا وَكَانَ قبل ذَلِك قد أَقَامَ هُنَاكَ أَرْبَعَة أرؤس من الْخَيل سَيرهَا مَعَ الْأَمِير بهاء الدّين أَمِير أخور وَأمره أَن يقف بهَا فِي مَكَان فَأخذ أقسنقر الْخَيل وسير بهاء الدّين أَمِير آخور إِلَى التل فَوجدَ الأيدمري ورفقته فَصَارَ إِلَيْهِم السُّلْطَان وَاخْتَلَطَ بهم فِي السُّوق وهم لَا يعرفونه فَلَمَّا طَال سوقهم قَالَ السُّلْطَان للأيدمري: تعرفنِي فَقَالَ: إِي وَالله وَأَرَادَ أَن ينزل عَن فرسه ليقبل الأَرْض فَمَنعه. وَقَالَ السُّلْطَان لجرمك: تعرفنِي فَقَالَ: إيش هَذَا يَا خوند فَقَالَ لَهُ: لَا تَتَكَلَّم. وَكَانَ مَعَهم الْأَمِير علم الدّين شقير مقدم البريدية فَصَارَت جُمْلَتهمْ خَمْسَة أنفس وَمَعَهُمْ أَرْبَعَة جنائب من خيل السُّلْطَان الْخَاص فساقوا إِلَى الْقصير المعيني ووافوه نصف اللَّيْل فَدخل السُّلْطَان إِلَى الْوَالِي ليَأْخُذ فرسه فَقَامَ إِلَيْهِ بِنَحْوِ خمسين رَاجِلا إِلَيْهَا وَقَالَ: الضَّيْعَة ملك السُّلْطَان مَا يقدر أحد يَأْخُذ مِنْهَا فرسا تروحوا وَإِلَّا قتلناكم. فَتَرَكُوهُ وَسَاقُوا إِلَى بيسان وَأتوا دَار الْوَالِي وَقَالُوا: نُرِيد خيلا للبريد فأنزلهم وَقعد السُّلْطَان عِنْد رجْلي الْوَالِي وَهُوَ نَائِم ثمَّ الْتفت إِلَى الأيدمري وَقَالَ: الْخَلَائق على بَابي وَأَنا على هَذَا الْوَالِي لَا يلْتَفت إِلَيّ وَلَكِن الدُّنْيَا نوبات. وَطلب السُّلْطَان من الْوَالِي كوزا فَقَالَ: مَا عندنَا كوز إِن كنت عطشان أخرج واشرب من برا فأحضر إِلَيْهِ الأيدمري كرازا شرب مِنْهُ. وركبوا وصبحوا بجينين فوجدوا بهَا خيلا للبريد عرجا معقرة فَركب السُّلْطَان مِنْهَا فرسا لم يكد يثبت عَلَيْهِ من رَائِحَة عقوره. وَسَارُوا فَلَمَّا نزلُوا تل العجول بَقِي كل مِنْهُم ماسكا فرسه فَلَمَّا وصلوا إِلَى الْعَريش قَامَ السُّلْطَان والأمير جرمك ونقيا الشّعير وَقَالَ السُّلْطَان لجرمك: ابْن السلطة والأستادار وأمير جاندار وَأَيْنَ الْخلق الْوُقُوف فِي الْخدمَة هَكَذَا تخرج الْمُلُوك من ملكهم وَمَا يَدُوم إِلَّا الله سُبْحَانَهُ. وَلم يبْق مَعَهم من الجنائب الْأَرْبَعَة إِلَّا الَّذِي على يَد السُّلْطَان يَقُودهُ وَوصل مَعَه إِلَى الصالحية وصعدوا إِلَى القلعة لَيْلَة الثُّلَاثَاء الثُّلُث الأول من اللَّيْل فأوقفهم الحراس حَتَّى شاوروا الْوَالِي وَنزل السُّلْطَان فِي بَاب الإسطبل وَطلب أَمِير آخور وَكَانَ قد رتب مَعَ زِمَام الْأَمر أَلا يبيت إِلَّا خلف بَاب السِّرّ فدق السُّلْطَان بَاب السِّرّ وَذكر للزمام العلائم الَّتِي بَينه وَبَينه فَفتح الْبَاب وَدخل السُّلْطَان ورفقته. وَأَقَامُوا يَوْم الثُّلَاثَاء وَالْأَرْبِعَاء وَلَيْلَة الْخَمِيس الْحَادِي وَالْعِشْرين من شعْبَان وَلَا يعلم بالسلطان أحد إِلَّا الزِّمَام فَقَط وَصَارَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 السُّلْطَان يتفرج بالأمراء بسوق الْخَيل فَلَمَّا قدم الْفرس للْملك السعيد يَوْم الْخَمِيس على الْعَادة قدم أَمِير آخور للسُّلْطَان فرسا آخر وعندما خرج الْملك السعيد ليركب مَا أحس إِلَّا وَالسّلم قد خرج إِلَيْهِ فرعب وَقبل لَهُ الأَرْض وَركب السُّلْطَان وَخرج على غَفلَة وبغلس فَأنْكر الْأُمَرَاء ذَلِك وأمسكوا قبضات سيوفهم ونظروا فِي وَجه السُّلْطَان حَتَّى تحققوه فقبلوا لَهُ الأَرْض وسَاق السُّلْطَان إِلَى ميدان الْعِيد وَعَاد إِلَى القلعة وَأقَام بَقِيَّة يَوْم الْخَمِيس وَيَوْم الْجُمُعَة وَلعب بالكرة يَوْم السبت. وَتوجه يَوْم الْأَحَد إِلَى مصر وَرمي الرِّجَال بالشواني قدامه وَركب فِي الحراريق وَعَاد إِلَى القلعة فَلَمَّا كَانَ لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ خَامِس عشري شعْبَان ركب السُّلْطَان خيل الْبَرِيد من القلعة وَعَاد إِلَى مُعَسْكَره بخربة اللُّصُوص. وَأما مَا جري فِي معسكر السُّلْطَان بالخربة فَإِن الْأَمِير شمس الدّين الفارقاني لما أصبح وَقد فَارق السُّلْطَان الدهليز أظهر الْأُمَرَاء أَن السُّلْطَان مُنْقَطع لضعف حصل لَهُ واستدعى الْأَطِبَّاء وسألهم عَمَّا يصلح للمتوعك الَّذِي يشكو صداعا وخدرا وعطشا وأوهمهم أَن السُّلْطَان يشكو دلك فوضعوا لَهُ مَا يُوَافق. وَأمر الْأَمِير شمس الدّين الشَّرَاب دارية فاحضروا الشَّرَاب وَدخل إِلَى الدهليز بِنَفسِهِ ليوهم الْعَسْكَر صِحَة ذَلِك إِلَى أَن وصل لَيْلَة الْجُمُعَة تَاسِع عشريه إِلَى قرب الدهليز فَأمر السُّلْطَان الأيدمري وجرمك بالتوجه إِلَى خيامهما وَأخذ على يَده جراب الْبَرِيد وَفِي كَفه فوطة ومشي على قَدَمَيْهِ إِلَى جِهَة الحراس فمانعه حارس وَأمْسك طوقه فانجذب مِنْهُ السُّلْطَان وَدخل بَاب الدهليز. وَبَات السُّلْطَان فَلَمَّا أصبح أحضر الْأُمَرَاء وأعلمهم أَنه كَانَ متغير المزاج وَركب فَضربت البشائر لعافية السُّلْطَان ومشي كل مَا وَقع على الْعَسْكَر وَلم يعلم بِهِ سوي الأتابك والأستادار والدوادار وخواص الجامدارية وَكَانَت فِي هَذِه الْمدَّة ترد المكاتبات وتكتب أجوبتها كَمَا رتب السُّلْطَان وَالْأَحْوَال جَمِيعهَا مَاشِيَة كَأَنَّهُ حَاضر لم يخْتل شَيْء من الْأُمُور وَقصد بِمَا فعل أَن يكْشف حَال مَمْلَكَته وَيعرف أَحْوَال ابْنه الْملك السعيد فِي مصر فتم لَهُ مَا أَرَادَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 وَكتب السُّلْطَان بِإِزَالَة الْخُمُور وَإِبْطَال الْفساد والخواطئ من الْقَاهِرَة ومصر وَجَمِيع أَعمال مصر فطهرت كلهَا من الْمُنكر ونهبت الحانات الَّتِي جرت عَادَة أهل الْفساد الْإِقَامَة بهَا وسلبت جَمِيع أَحْوَال المفسدات وحبسن حَتَّى يتزوجن وَفِي كثير من المفسدين وَكتب السُّلْطَان إِلَى جَمِيع الْبِلَاد بِمثل ذَلِك وَحط الْمُقَرّر على هَذِه الْجِهَة من المَال وَعوض المقطعين جِهَات حَلَالا. وَورد الْخَبَر بِحُصُول زَلْزَلَة فِي بِلَاد سيس خرب مِنْهَا قلعة سرفقد وعدة قلاع وَهلك كثير من النَّاس حَتَّى سَالَ النَّهر دَمًا وَتَلفت عدَّة جِهَات. وَورد الْخَبَر بِأَن الفرنج شنعوا. بِمَوْت السُّلْطَان وَحضر رسولهم يطْلب المهادنة: وَكَانَ قد هرب من المماليك السُّلْطَانِيَّة أَرْبَعَة وصاروا إِلَى عكا فَبعث السُّلْطَان بإحضارهم فَامْتنعَ الفرنج من إحضارهم إِلَّا بعوض فَأنْكر السُّلْطَان ذَلِك وَأَغْلظ عَلَيْهِم فسيروا المماليك وَقد نصروهم فَعِنْدَ ذَلِك قبص السُّلْطَان على رسل الفرنج وقيدهم وَكتب إِلَى النواب بِوُقُوع الْفَسْخ وأغار عَلَيْهِم الْأَمِير أقوش الشمسي وَقتل وَأسر مِنْهُم جمَاعَة. وَركب السُّلْطَان فِي الْعشْرين من رَمَضَان وسَاق إِلَى صور وَقتل وَأسر جمَاعَة وَعَاد إِلَى المخيم وأمهل مُدَّة ثمَّ جرد طَائِفَة لأخذ الْمغل وَقطع الْميرَة عَن صور. وَفِي سادس عشريه. تسلم نواب السُّلْطَان بلاطنس من عز الدّين عُثْمَان صَاحب صهيون وَهِي حصن عَظِيم وَفِيه سَارَتْ العساكر من البيرة إِلَى كركر فأحرقوا وغنموا وَأخذُوا قلعة كَانَت بَينهَا وَبَين كختا وَقتلُوا رجالها وغنموا كثيرا وأخرجوا مِنْهُ الْخمس للديوان. وَفِيه كَانَ خلف فِي مَكَّة بَين الشريف نجم الدّين أبي نمي وَبَين عَمه الشريف بهاء الدّين إِدْرِيس أَمِيري مَكَّة ثمَّ اتفقَا فرتب لَهما السُّلْطَان عشْرين ألف دِرْهَم نقرة فِي كل سنة أَلا يُؤْخَذ بِمَكَّة من أحد مشمس وَلَا يمْنَع أحد من زِيَارَة الْبَيْت وَلَا يتَعَرَّض لتاجر وَأَن يخْطب باسم السُّلْطَان فِي الْحرم والشارع وتضرب السِّكَّة باسمه وَكتب لَهما تَقْلِيد بالإمارة وسلمت أوقاف الْحرم الَّتِي بِمصْر وَالشَّام لنوابهما. وَفِيه سلم السُّلْطَان للشريف شمس الدّين قَاضِي الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة وخطيبها ووزيرها وَقد حضر فِي رِسَالَة الْأَمِير عز الدّين جماز أَمِير الْمَدِينَة الْجمال الَّتِي نهبها أَحْمد بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 حجي لأشراف الْمَدِينَة وَهِي نَحْو الثَّلَاثَة آلَاف جمل وَأمره أَن يوصلها لأربابها وفيهَا قدم الطواشي جمال الدّين محسن الصَّالِحِي شيخ خدام الْحُجْرَة النَّبَوِيَّة فَأكْرمه السُّلْطَان وَضرب لَهُ خيمة بشقة على بَاب الدهليز وناله زِيَادَة على مِائَتي ألف دِرْهَم نقرة وسافر صُحْبَة القَاضِي وَالْجمال مَعَ الركب الشَّامي وجهز من الْكسْوَة لمَكَّة وَالْمَدينَة. وَفِيه قدم رَسُول الفرنج من بيروت بهدية وأساري مُسلمين فأطلقوا بِبَاب الدهليز وكتبت لَهُم هدنة. وَفِيه وصل الْأَمِير شرف الدّين عيسي بن مهنا إِلَى الدهليز وَمَعَهُ جمَاعَة من أُمَرَاء الْعَرَب فأوهمه السُّلْطَان إِنَّه يُرِيد الْحَرَكَة إِلَى الْعرَاق وَأمره بالتأهب ليركب إِذا دعِي وَأمره فَانْصَرف إِلَى بِلَاده وَكَانَ السُّلْطَان فِي الْبَاطِن إِنَّمَا يُرِيد بحركته الْحجاز. وَفِيه أعطي السُّلْطَان نَاصِر الدّين مُحَمَّد ولد الْأَمِير عز الدّين أيدمر الْحلِيّ إمرة أَرْبَعِينَ فَارِسًا ورسم للأمير قلاوون والأمير أوغان والأمير بيسري والأمير بكتاش الفخري أَمِير سلَاح أَن يباشروا الحوطة على رمال الْحلِيّ لوَرثَته وَلم يتَعَرَّض السُّلْطَان لشَيْء من موجوده مَعَ كثرته. وَدخل شَوَّال: وَالسُّلْطَان على عزم الْحَرَكَة للحجاز فأنفق فِي العساكر جَمِيعهَا وجرد عدَّة مَعَ الْأَمِير أقوش الرُّومِي السِّلَاح دَار ليسيروا مَعَ السُّلْطَان وجرد الْبَقِيَّة مَعَ الْأَمِير آقسنقر الفارقاني الأستادار إِلَى دمشق فنزلوا بظاهرها وَأَقَامُوا بهَا ثمَّ توجه السُّلْطَان إِلَى الْحَج وَمَعَهُ الْأَمِير بدر الدّين الخازندار وقاضي الْقُضَاة صدر الدّين سُلَيْمَان الْحَنَفِيّ وفخر الدّين بن لُقْمَان وتاج الدّين بن الْأَثِير وَنَحْو ثَلَاثمِائَة مَمْلُوك وأجناد من الْحلقَة إِلَى الْحجاز وَذَلِكَ أَن الْأَمِير جمال الدّين ابْن الداية الْحَاجِب كتب إِلَى السُّلْطَان: إِنِّي أشتهي التَّوَجُّه بِصُحْبَة السُّلْطَان إِلَى الْحجاز فَأمر بِقطع لِسَانه فَمَا تفوه أحد بعْدهَا بذلك. وَسَار السُّلْطَان من الفوار يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشريه إِلَى الكرك مستهل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 ذِي الْقعدَة وَكَانَ قد دبر أُمُوره خُفْيَة من غير أَن يطلع أحد على ذَلِك حَتَّى إِنَّه جهز البشماط والدقيق والروايا والقرب والأشربة والعربان المتوجهين مَعَه والمرتبين فِي الْمنَازل وَلَا يشْعر النَّاس بِشَيْء من ذَلِك فَلَمَّا وصل الكرك وجد الْأُمُور كلهَا مجهزة فَأعْطِي المجردين مَعَه بِقدر الشّعير كفايتهم. وَسَار الثّقل فِي رابعه وتبعهم السُّلْطَان فِي سادسه وَمَعَهُ المجردون فَنزل الشوبك ورسم بإخفاء خَبره وَتوجه فِي حادي عشره وَسَار الْبَرِيد إِلَى مصر فجهزت الْكتب إِلَيْهِ مَعَ العربان من جِهَة الكرك فَكتبت أجوبتها من هُنَاكَ. وَوصل السُّلْطَان إِلَى الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة فِي خَامِس عشريه فَلم يُقَابله جماز وَلَا مَالك أَمِيرا الْمَدِينَة وفرا مِنْهُ ورحل مِنْهَا فِي سَابِع عشريه وَأحرم فَدخل مَكَّة فِي خَامِس ذِي الْحجَّة وَأعْطِي خواصه جملَة من المَال ليفرقوها سرا وَفرق كساوي على أهل الْحَرَمَيْنِ وَصَارَ كواحد من النَّاس لَا يَحْجُبهُ أحد وَلَا يَحْرُسهُ إِلَّا الله وَهُوَ مُنْفَرد يُصَلِّي وَيَطوف وَيسْعَى وَغسل الْبَيْت وَصَارَ فِي وسط الْخَلَائق وكل من رمي إِلَيْهِ إِحْرَامه غسله وناوله إِيَّاه. وَجلسَ على بَاب الْبَيْت وَأخذ بأيدي النَّاس ليطلعهم إِلَى الْبَيْت فَتعلق بعض الْعَامَّة بإحرامه ليطلع فَقَطعه وَكَاد يَرْمِي السُّلْطَان إِلَى الأَرْض وَهُوَ مستشر بِجَمِيعِ ذَلِك وعلق كسْوَة الْبَيْت بِيَدِهِ وخواصه وَتردد إِلَى من بالحرمين من الصَّالِحين. هَذَا وقاضي الْقُضَاة صدر الدّين سُلَيْمَان بن عبد الْحق الْحَنَفِيّ مرافقه طول الطَّرِيق يستفتيه ويتفهم مِنْهُ أَمر دينه وَلم يقفل السُّلْطَان مَعَ ذَلِك تَدْبِير الممالك وَكتاب الْإِنْشَاء تكْتب عَنهُ فِي الْمُهِمَّات وَكتب إِلَى صَاحب الْيمن كتابا يُنكر عَلَيْهِ أمورا وَيَقُول فِيهِ: سطرتها من مَكَّة المشرفة وَقد أخذت طريقها فِي سبع عشرَة خطْوَة يَعْنِي بالخطوة المغزلة وَيَقُول لَهُ: الْملك هُوَ الَّذِي يُجَاهد فِي الله حق جهاده ويبذل نَفسه فِي الذب عَن حوزة الدّين فان كنت ملكا فَأخْرج التتار. وَأحسن السُّلْطَان إِلَى أَمِيري مَكَّة وهما الْأَمِير نجم الدّين أبي نمي والأمير إِدْرِيس بن قَتَادَة وَإِلَى أَمِير يَنْبع وأمير خليص وأكابر الْحجاز وَكتب منشورين لأميري مَكَّة فطلبا مِنْهُ نَائِبا تقَوِّي بِهِ أَنفسهمَا فرتب الْأَمِير شمس الدّين مَرْوَان نَائِب أَمِير جاندار بِمَكَّة يرجع أَمرهمَا إِلَيْهِ وَيكون الْحل وَالْعقد على يَدَيْهِ وَزَاد أَمِيري مَكَّة مَالا وغلالا فِي كل سنة بِسَبَب تسبيل الْبَيْت للنَّاس وَزَاد أُمَرَاء الْحجاز إِلَّا جماز وَمَالك أَمِيرا الْمَدِينَة فَإِنَّهُمَا انتزحا من بَين يَدَيْهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 وَقضي السُّلْطَان مَنَاسِك الْحَج وَسَار من مَكَّة فِي ثَالِث عشره فوصل إِلَى الْمَدِينَة فِي الْعشْرين مِنْهُ فَبَاتَ بهَا وَسَار من الْغَد فجد فِي السّير وَمَعَهُ عدَّة يسيرَة حَتَّى وصل إِلَى الكرك بكرَة يَوْم الْخَمِيس سلخه وَلم يعلم أحد بوصوله إِلَّا عِنْد قبر جَعْفَر الطيارة بمؤتة فالتقوه هُنَاكَ. وَدخل السُّلْطَان مَدِينَة الكرك وَهُوَ لابس عباءة وَقد ركب رَاحِلَة فَبَاتَ بهَا ورحل من الْغَد. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان الْأَمِير عز الدّين أيدمر الْحلِيّ الصَّالِحِي نَائِب السلطنة عَن نَيف وَسِتِّينَ سنة بِدِمَشْق فِي أول شعْبَان. وَمَات الْأَمِير أَسد الدّين سُلَيْمَان بن دَاوُد بن موسك الهذباني بعد مَا ترك الْخدمَة تعففا وَله فضل ونظم جيد. وَتُوفِّي مجد الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الْمجِيد بن أبي الْفرج بن مُحَمَّد الروذراوري بِدِمَشْق. وَتُوفِّي نور الدّين أَبُو الْحسن على بن عبد الله بن إِبْرَاهِيم الشهير بسيبويه المغربي النَّحْوِيّ عَن سبع وَسِتِّينَ وَتُوفِّي شيخ الْأَطِبَّاء بِدِمَشْق شرف الدّين أَبُو الْحسن على بن يُوسُف بن حيدرة الرَّحبِي وَله شعر جيد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وسِتمِائَة فِيهَا صلي الْملك الظَّاهِر صَلَاة الْجُمُعَة غرَّة الْمحرم بالكرك وَركب فِي مائَة فرس وبيد كل فَارس فرس وسَاق إِلَى دمشق. هَذَا وَالنَّاس. بِمصْر وَالشَّام لَا يعْرفُونَ شَيْئا من خبر السُّلْطَان: هَل هُوَ فِي الشَّام أَو الْحجاز أَو غَيره وَلَا يسْتَطع من مهابته وَالْخَوْف مِنْهُ أحد أَن يتَكَلَّم فَلَمَّا قَارب السُّلْطَان دمشق سير أحد خواصه على الْبَرِيد بكتب إِلَى دمشق وفيهَا الْبشَارَة بسلامته وَقَضَاء الْحَج فأحضر الْأَمِير جمال الدّين النجيبي نَائِب دمشق النَّاس لسَمَاع كتب الْبشَارَة فَبينا هم فِي الْقِرَاءَة إِذْ بَلغهُمْ أَن السُّلْطَان فِي الميدان فَسَارُوا إِلَيْهِ فَإِذا هُوَ بمفرده وَقد أعطي فرسه لبَعض منادية سوق الْخَيل فَقبل النَّائِب لَهُ الأَرْض وَحضر الْأَمِير آقسنقر الأستادار والأمراء المصريون فَأكل السُّلْطَان شَيْئا وَقَامَ يستريح وَانْصَرف النَّاس فَركب السُّلْطَان فِي نفر يسير وَتوجه إِلَى حلب وَحضر أُمَرَاء دمشق للْخدمَة فَلم يَجدوا السُّلْطَان وَدخل السُّلْطَان إِلَى حلب والأمراء فِي الموكب فساق إِلَيْهِم وَبَقِي سَاعَة وَلَا يعرفهُ أحد حَتَّى فطن بِهِ بَعضهم فنزلوا وقبلوا الأَرْض. وَدخل السُّلْطَان دَار نَائِب السلطنة وكشف القلعة وَخرج من حلب وَلم يعرف بِهِ أحد فوصل دمشق فِي ثَالِث عشره وَلعب فِيهَا بالكرة وَركب فِي اللَّيْل وَسَار إِلَى القلس وزار الْخَلِيل وَتصدق. وَكَانَ الْعَسْكَر الْمصْرِيّ قد صَار بِهِ الْأَمِير آقسنفر الفارقاني من دمشق وَنزل بتل العجول فَخرج السُّلْطَان من الْقُدس إِلَى تل العجول. وكل ذَلِك فِي عشْرين يَوْمًا مَا غير السُّلْطَان فِيهَا عباءته الَّتِي حج فِيهَا. ثمَّ سَار السُّلْطَان من تل العجول بالعساكر فِي حادي عشريه إِلَى الْقَاهِرَة فَخرج الْملك السعيد إِلَى لِقَائِه بالصالحية وَعَاد مَعَه إِلَى قلعة الْجَبَل فَأَقَامَ السُّلْطَان بهَا إِلَى ثَانِي عشر صفر ثمَّ خرج مِنْهَا وَمَعَهُ الْأُمَرَاء والمقدمون فَركب فِي الحراريق إِلَى الطرانة وَدخل السُّلْطَان الْبَريَّة وَضرب حَلقَة فأحضر إِلَى الدهليز ثَلَاثمِائَة غزال وَخمْس عشرَة نعَامَة: أعطي عَن كل غزال بغلطاق بسنجاب وَعَن كل نعَامَة فرسا ثمينا بسرجه ولجامه. وَدخل السُّلْطَان إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فِي حادي عشريه وَكَانَ الصاحب بهاء الدّين بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 حنا قد سبق إِلَيْهَا وَحصل الْأَمْوَال والقماش فَخلع السُّلْطَان على الْأُمَرَاء وَحمل إِلَيْهِم التعابي وَالنَّفقَة وَلعب الكرة ظَاهر الْإسْكَنْدَريَّة وَتوجه إِلَى الحمامات وَنزل بالليونة وابتاعها من وَكيل بَيت المَال فَبَلغهُ هُنَاكَ حَرَكَة التتار وَأَنَّهُمْ واعدوا فرنج السَّاحِل فَعَاد إِلَى قلعة الْجَبَل فورد الْخَبَر بغارة التتار على الساجور بِالْقربِ من حلب فَجرد السُّلْطَان الْأَمِير عَلَاء الدّين البندقدار فِي جمَاعَة من الْعَسْكَر وَأمره أَن يُقيم فِي أَوَائِل الْبِلَاد الشامية على أهبة. وَسَار السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل فِي لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ حادي عشري ربيع الأول وَمَعَهُ نفر يسير فوصل إِلَى غَزَّة ثمَّ دخل دمشق فِي سَابِع ربيع الآخر وَلحق النَّاس فِي الطَّرِيق مشقة عَظِيمَة من الْبرد فخيم على ظَاهر دمشق. ووردت الْأَخْبَار بانهزام التتار عِنْدَمَا بَلغهُمْ حَرَكَة السُّلْطَان وَكَأن قد ألقِي الله فِي أنفس النَّاس أَن السُّلْطَان وَحده يقوم مقَام العساكر الْكَثِيرَة فِي هزيمَة الْأَعْدَاء وَأَن اسْمه يرد الْأَعْدَاء من كل جَانب فورد الْخَبَر بِأَن جمَاعَة من الفرنج خَرجُوا من الغرب وبعثوا إِلَى أبغا بن هولاكو بِأَنَّهُم واصلون لمواعدته من جِهَة سيس فِي سفن كَثِيرَة فَبعث الله على تِلْكَ السفن ريحًا أتلفت عدَّة مِنْهَا وَلم يسمع بعْدهَا لمن بَقِي فِي الْأُخْرَى خبر. وَورد الْخَبَر أَنه قد خرج فرنج عكا وخيموا بظاهرها وركبوا وأعجبتهم أنفسهم بِمن قدم إِلَيْهِم من فرنج الغرب وتوجهت طَائِفَة مِنْهُم إِلَى عَسْكَر جينين وعسكر صفد فَخرج السُّلْطَان من دمشق على أَنه يتصيد فِي مرج برغوث وَبعث من أحضر إِلَيْهِ الْعدَد وَمن أخرج العساكر كلهَا من الشَّام فتكاملوا عِنْده بكرَة يَوْم الثُّلَاثَاء حادي عشريه بمرج برغوث وسَاق بهم إِلَى جسر يَعْقُوب فوصل آخر النَّهَار وشاق بهم فِي اللَّيْل فَأصْبح فِي أول المرج. وَكَانَ السُّلْطَان قد سير إِلَى عَسَاكِر عين جالوت وعساكر صفد بالإغارة فِي ثَانِي عشريه فَإِذا خرج إِلَيْهِم الفرنج انْهَزمُوا مِنْهُم فاعتمدوا ذَلِك وَدخل السُّلْطَان الكمين فعندما خرج جمَاعَة من الفرنج لقِتَال عَسْكَر صفد تقدم إِلَيْهِم الْأَمِير إيغان ثمَّ بعده الْأَمِير جمال الدّين الحاجبي ومعهما أُمَرَاء الشَّام. ثمَّ سَاق الْأَمِير أيتمش السَّعْدِيّ والأمير كندغدي أَمِير مجْلِس ومعهما مقدمو الْحلقَة فقاتل الْأُمَرَاء الشاميون أحسن قتال وَتبع السُّلْطَان مقدمي الْحلقَة فَمَا أدركهم إِلَّا والعدو قد انْكَسَرَ وَصَارَت الخيالة بخيلها مطرحة فِي المرج. وَأسر السُّلْطَان كثيرا من أكابرهم وَلم يعْدم من الْمُسلمين سوي الْأَمِير فَخر الدّين ألطونبا الفائزي فسارت البشائر إِلَى الْبِلَاد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 وَعَاد السُّلْطَان إِلَى صفد والرءوس بَين يَدَيْهِ وَتوجه مِنْهَا إِلَى دمشق فَدَخلَهَا فِي سادس عشريه والأسري ورءوس الْقَتْلَى قدامه وخلع على الْأُمَرَاء ثمَّ سَار إِلَى حماة وَخرج مِنْهَا إِلَى كفر طَابَ وَلم يعلم أحد قَصده وَفرق العساكر وَترك النَّقْل وَأخذ خِيَار عسكره وسَاق إِلَى جِهَة المرقب فأصابته مشقة زَائِدَة من كَثْرَة الأمطار فَعَاد إِلَى حماة وَأقَام بظاهرها تِسْعَة عشر يَوْمًا وَتوجه على جِهَة المرقب فَانْتهى إِلَى قريب بِلَاد الإسماعيلية وعاقته الأمطار والثلوج فَعَاد. ثمَّ ركب السُّلْطَان فِي ثَالِث جُمَادَى الْآخِرَة. بِمِائَتي فَارس من غير سلَاح وأغار على حصن الأكراد وَصعد الْجَبَل الَّذِي عَلَيْهِ حصن الأكراد وَمَعَهُ قدر أَرْبَعِينَ فَارِسًا فَخرج عَلَيْهِ عدَّة من الفرنج ملبسين فَحمل عَلَيْهِم وَقتل مِنْهُم جمَاعَة وَكسر باقيهم وتبعهم حَتَّى وصل إِلَى خنادقهم وَقَالَ يستخف بهم: خلوا الفرنج يخرجُوا فَمَا نَحن أَكثر من أَرْبَعِينَ فَارِسًا بأتبية بيض وَعَاد إِلَى مخيمه ورعي الْخُيُول مروجها ورعى الْخُيُول مروجها وزروعها. وَفِي أثْنَاء ذَلِك حضر إِلَى خدمَة السُّلْطَان كثير من أَصْحَاب الْبِلَاد الْمُجَاورَة فَلم يبْق أحد إِلَّا وَقدم على السُّلْطَان مثل: صَاحب حماة وَصَاحب صهيون إِلَّا نجم الدّين حسن بن الشعراني صَاحب قلاع الإسماعيلية فَإِنَّهُ لم يحضر بل بعث يطْلب تنقيض الْقطعَة الَّتِي حملوها لبيت المَال بَدَلا مِمَّا كَانُوا يحملونه إِلَى الفرنج. وَكَانَ صارم الدّين مبارك بن الرضي صَاحب العليقه قد تغير السُّلْطَان عَلَيْهِ من مُدَّة فَدخل صَاحب صهيون بَينه وَبَين السُّلْطَان فِي الصُّلْح وأحضره إِلَى الْخدمَة فقلده السُّلْطَان بِلَاد الدعْوَة اسْتِقْلَالا وَأَعْطَاهُ طبلخاناه وعزل نجم الدّين حسن بن الشعراني وَولده من نِيَابَة الدعْوَة وَتوجه صارم الدّين إِلَى مصياف كرْسِي بِلَاد الإسماعيلية فِي سَابِع عشرى جُمَادَى الْآخِرَة وصحبته جمَاعَة لتقرير أمره. وَيُقَال: بل الَّذِي قَامَ فِي حَقه الْملك الْمَنْصُور صَاحب حماة وَإنَّهُ شفع فِيهِ إِلَى أَن عُفيَ عَنهُ السُّلْطَان وَحضر بهدية فَأكْرمه السُّلْطَان وَكتب لَهُ منشورا بالحصون كلهَا: وَهِي قلعة الْكَهْف وقلعة الخوابي والدينقه والعليقة والقدموس والرصافة ليَكُون نَائِبا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 عَن السُّلْطَان وَكتب لَهُ بأملاكه الَّتِي كَانَت بِالشَّام على أَن تكون مصياف وبلادها خَاصّا للسُّلْطَان. وَبعث السُّلْطَان مَعَه نَائِبا بمصياف وَهُوَ الْأَمِير بدر الدّين العديمي أحد مفاردة الشَّام وجرد مَعَه جمَاعَة من شيزر وَغَيرهَا فَلَمَّا وصلوا إِلَى مصياف امْتنع أَهلهَا من تَسْلِيمهَا لصارم الدّين وَقَالُوا: لَا نسلمها إِلَّا لنائب السُّلْطَان فَقَالَ العديمي: أَنا نَائِب السُّلْطَان. فَلَمَّا فتحُوا هجم صارم الدّين عَلَيْهِم وَقتل مِنْهُم جمَاعَة وتسلم الْحصن فِي نصف رَجَب فَلم يجد نجم الدّين وَولده بدا من الدُّخُول فِي الطَّاعَة فسألا فِي الْحُضُور فأجيبا وَحضر نجم الدّين حسن وعمره تسعون سنة فرق لَهُ السُّلْطَان وولاه النِّيَابَة شَرِيكا لصارم الدّين بن الرضي وَقرر عَلَيْهِ حمل مائَة وَعشْرين ألف دِرْهَم نقرة فِي كل سنة وَتوجه نجم الدّين وَترك ابْنه شمس الدّين فِي الْخدمَة. وتقرر على صارم الدّين بن مبارك بن الرضي فِي كل سنة ألفا دِينَار فَصَارَت الإسماعيلية يؤدون المَال بعد مَا كَانُوا يجبونَ من مُلُوك الأَرْض القطائع. ثمَّ رَحل السُّلْطَان من حصن الأكراد إِلَى دمشق فَدَخلَهَا فِي ثامن عشريه وَقدم الْخَبَر بِأَن الفرنسيس وعدة من مُلُوك الفرنج قد ركبُوا الْبَحْر وَلَا يعلم قصدهم فاهتم السُّلْطَان بالثغور والشواني وَسَار إِلَى مصر فَدَخلَهَا فِي ثَانِي شَوَّال. وَفِيه تمت عمَارَة الْجَامِع الظَّاهِرِيّ بالحسينية خَارج الْقَاهِرَة فرتب السُّلْطَان أوقافه وَجعل خَطِيبه حَنَفِيّ الْمَذْهَب ووقف عَلَيْهِ حكر مَا وَفِي هَذِه السّنة: قتل الشريف إِدْرِيس بن قَتَادَة بخليص بعد أَن ولي مَكَّة مُنْفَردا أَرْبَعِينَ يَوْمًا فاستبد ابْن أَخِيه أَبُو نمي بإمرة مَكَّة وَحده. وفيهَا مَاتَ الطواشي جمال الدّين محسن الصَّالِحِي النجمي شيخ الخدام بِالْمَسْجِدِ النَّبَوِيّ. وفيهَا تنكر الخان منكوتمر بن طغان ملك التتر بِبِلَاد الشمَال على الأشكري ملك قسطنطنية فَبعث الخان جَيْشًا من التتر حَتَّى أَغَارُوا على بِلَاده وحملوا عز الدّين كيقباد بن كيخسرو وَكَانَ مَحْبُوسًا كَمَا تقدم فِي القلعة وَسَارُوا بِهِ وبأهله إِلَى منكوتمر فَأكْرمه وزوجه وَأقَام مَعَه حَتَّى مَاتَ فِي سنة سبع وَسبعين فَسَار ابْنه مَسْعُود ابْن عز الدّين وَملك بِلَاد الرّوم كَمَا سَيَأْتِي ذكره إِن شَاءَ الله. وفيهَا انقرضت دولة بني عبد الْمُؤمن بقتل الواثق أبي الْعَلَاء إدريسي الْمَعْرُوف بِأبي دبوس بن عبد الله بن يَعْقُوب بن يُوسُف بن عبد الْمُؤمن بن عَليّ فِي محرم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 على يَد بني مرين. وَبَنُو مرين قَبيلَة من البربر يُقَال لَهُم حمامة كَانَ مقامهم قبلي تازا فَخَرجُوا عَن طَاعَة الْمُوَحِّدين بني عبد الْمُؤمن وتابعوا الغارات حَتَّى ملكوا مَدِينَة فاس سنة بضع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة: وَأول من اشْتهر مِنْهُم أَبُو بكر بن عبد الْحق ابْن محبو بن حمامة وَمَات سنة ثَلَاث وَخمسين. فَملك بعده يَعْقُوب بن عبد الْحق وَقَوي أمره وَحصر مراكش وَبهَا أَبُو دبوس وملكها وأزال ملك بني عبد الْمُؤمن فِي أول وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان قَاضِي الْقُضَاة بِدِمَشْق محيي الدّين أَبُو الْفضل يحيي بن محيي الدّين أبي الْمَعَالِي مُحَمَّد ابْن زكي الدّين أبي الْحسن على بن الْمجد أبي الْمَعَالِي مُحَمَّد بن زكي الدّين أبي الْفضل يحيى بن على بن عبد الْعَزِيز العثماني الْمَعْرُوف بِابْن الزكي الْقرشِي الْأمَوِي الشَّافِعِي عَن اثْنَتَيْنِ وَسبعين سنة بِالْقَاهِرَةِ. وَتُوفِّي الْوَزير الصاحب زين الدّين أَبُو يُوسُف يَعْقُوب بن عبد الرفيع بن بكر بن مَالك الْقرشِي الزبيرِي عَن اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ سنة بِالْقَاهِرَةِ بعد عَزله ومحنته وَله شعر جيد. وَتُوفِّي زين الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عبد الدَّائِم بن نعدة الْمَقْدِسِي الْحَنْبَلِيّ وَقد انتهي إِلَيْهِ علو الْإِسْنَاد عَن ثَلَاث وَتِسْعين سنة بِدِمَشْق. وَتُوفِّي الْوَلِيّ الْعَارِف دَاوُد الأعزب بِنَاحِيَة تفهنا فِي لَيْلَة الْجُمُعَة سَابِع عشرى جُمَادَى الْآخِرَة وَبهَا دفن وقبره مَشْهُور يتبرك النَّاس بزيارته ومناقبه وكراماته شهيرة قد جمعت فِي مُجَلد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 وَتُوفِّي الْوَلِيّ الْعَارِف تَقِيّ الدّين أَبُو المكارم عبد السَّلَام بن سُلْطَان بن الماجري من هوارة فِي يَوْم الْأَحَد ثامن ذِي الْحجَّة بِنَاحِيَة قليب. وَله كرامات كَثِيرَة وَأخذ الطَّرِيق عَن الشَّيْخ أبي الْفَتْح الوَاسِطِيّ عَن الشَّيْخ أَحْمد بن أبي الْحسن الرِّفَاعِي، وقبره يزار بقليب ويتبرك بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 (سنة تسع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة) فِي الْمحرم: ورد كتاب بيسو نوغاي قريب الْملك بركَة ملك التتار وَهُوَ أكبر مقدمي جيوشه يخبر فِيهِ أَنه دخل فِي دين الْإِسْلَام فَأُجِيب بالشكر وَالثنَاء عَلَيْهِ. وَفِيه ورد الْخَبَر. بمسير الفرنسيس وملوك الفرنج إِلَى تونس ومحاربة أَهلهَا فَكتب السُّلْطَان إِلَى صَاحب تونس بوصول العساكر إِلَيْهِ نجدة لَهُ على الفرنج وَكتب إِلَى عربان برقة وبلاد الغرب بِالْمَسِيرِ إِلَى نجدته وَأمرهمْ بِحَفر الْآبَار فِي الطرقات برسم العساكر وَشرع فِي تَجْرِيد العساكر فورد الْخَبَر. بِمَوْت الفرنسيس وَابْنه وَجَمَاعَة من عسكره ووصول نجدات العربان إِلَى تونس وحفر الْآبَار وَأَن الفرنج رحلوا عَن تونس فِي خَامِس صفر. وَفِي سابعة: توجه السُّلْطَان إِلَى عسقلان ليهْدم مَا بَقِي مِنْهَا خوفًا من مَجِيء الفرنج إِلَيْهَا فَنزل عَلَيْهَا وَهدم بِنَفسِهِ مَا تَأَخّر من قلعتها وأسوار الْمَدِينَة حَتَّى سوي بهَا الأَرْض وَعَاد إِلَى قلعة الْجَبَل فِي ثامن ربيع الأول. وَفِي حادي عشريه: هلك الْملك المجير هيتوم بن قنسطنطين متملك سيس. وَفِي عَاشر جُمَادَى الْآخِرَة. سَار السُّلْطَان من الْقَاهِرَة وَمَعَهُ ابْنه الْملك السعيد إِلَى الشَّام فَدخل دمشق فِي ثامن رَجَب وَخرج إِلَى طرابلس فَقتل وَأسر. واتصلت الغارات إِلَى صافيتا وتسلم السُّلْطَان صافيتا من الفرنج الديوية وأنزلهم مِنْهَا وعدتهم سَبْعمِائة رجل سوي النِّسَاء والأطفال وتسلم الْحُصُون والأبراج الْمُجَاورَة لحصن الأكراد مثل تل خَليفَة وَغَيره. وَفِي تَاسِع رَجَب: نَازل السُّلْطَان حصن الأكراد وَقدم عَلَيْهِ صَاحب حماة وَصَاحب صهيون وَصَاحب دَعْوَة الإسماعيلية الصاحب نجم الدّين. وَفِي آخِره: نصب السُّلْطَان عدَّة مجانيق على الْحصن إِلَى أَن أَخذ القلعة عنْوَة فِي سادس عشر شعْبَان فَطلب أَهلهَا الْأمان فَأَمنَهُمْ السُّلْطَان على أَن يتوجهوا إِلَى بِلَادهمْ فَخرج الفرنج مِنْهَا فِي رَابِع عشريه ورتب السُّلْطَان الْأَمِير صارم الدّين الكافري نَائِبا بحصن الأكراد وَأمر بعمارته. وَبعث صَاحب أنطرسوس وَهُوَ مقدم بَيت الداوية يطْلب الصُّلْح من السُّلْطَان فصولح على أنطرسوس خَاصَّة خَارِجا عَن صافيتا وبلادها. واسترجع السُّلْطَان مِنْهُم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 جَمِيع مَا أَخَذُوهُ فِي الْأَيَّام الناصيرية وعَلى أَن جَمِيع مَا لَهُم من المناصفات والحقوق على بِلَاد الْإِسْلَام يتركونه وعَلى أَن تكون بِلَاد المرقب ووجوه أَمْوَاله مُنَاصَفَة بَين السُّلْطَان وَبَين الإسبتار وعَلى أَلا تجدّد عمَارَة فِي المرقب فتم الصُّلْح وأخلي الفرنج عدَّة حصون تسلمها السُّلْطَان. وَفِي سَابِع عشر رَمَضَان: نَازل السُّلْطَان حصن عكار وَنصب عَلَيْهِ المجانيق وجد أَهله فِي المناضلة وَقَاتلهمْ السُّلْطَان قتالا شَدِيدا فَقتل الْأَمِير ركن الدّين منكورس الدواداري وَهُوَ يُصَلِّي فِي خيمته بِحجر منجنيق أَصَابَهُ. وَلما كَانَ فِي تَاسِع عشريه: سَأَلَ الفرنج الْأمان وَرفعت السناجق السُّلْطَانِيَّة على الأبراج وَخَرجُوا مِنْهُ فِي سلخه وَعِيد السُّلْطَان بالحصن ورحل إِلَى مخيمه بالمرج وَكتب إِلَى متملك طرابلس يحذرهُ وينذره. وَفِي رَابِع شَوَّال: ركب السُّلْطَان بِجَمِيعِ عساكره جَرِيدَة من غير ثقل يُرِيد طرابلس وسَاق إِلَيْهَا فَبينا هُوَ عازم على ذَلِك إِذْ ورد عَلَيْهِ الْخَبَر بِأَن ملك الإنكتار وصل إِلَى عكا فِي أَوَاخِر رَمَضَان بثلاثمائة فَارس وثماني بطس وشواني ومراكب تَكْمِلَة ثَلَاثِينَ مركبا غير مَا سبقه صُحْبَة أستاداره وَإنَّهُ يقْصد الْحَج إِلَى الْقُدس فَغير السُّلْطَان عزمه وَنزل قَرِيبا من طرابلس وَبعث إِلَيْهِم الأتابك والأمير الدوادار فاجتمعا بصاحبها وَجَرت أُمُور آخرهَا إِنَّهُم سَأَلُوا السُّلْطَان الصُّلْح فَكتبت الْهُدْنَة لمُدَّة عشر سِنِين وجهز الْأَمِير فَخر الدّين بن جلبان وَالْقَاضِي شمس الدّين الإخنائي شَاهد الخزانة بِثَلَاثَة آلَاف دِينَار مصرية لفكاك الأسري وَعَاد السُّلْطَان إِلَى مخيمه وَسَار إِلَى حصن الأكراد فدبر أَمر عِمَارَته ورتب أَحْوَال تِلْكَ الْجِهَات. وَفِي حادي عشره: استولي السُّلْطَان على حصن العليقة من حصون الإسماعيلية واستخدم بِهِ الرِّجَال ورحل إِلَى دمشق فَدَخلَهَا لِلنِّصْفِ مِنْهُ ورحل مِنْهَا فِي رَابِع عشريه فَنزل صفد وَحمل مِنْهَا المجانيق إِلَى القرين وسَاق إِلَيْهِ ونازله حَتَّى أَخذه فِي ثَانِي ذِي الْقعدَة وَركب مِنْهُ فَمَا أصبح إِلَّا على أَبْوَاب عكا مطلبا فَمَا تحرّك أحد من الفرنج فَعَاد إِلَى مخيمه بالقرين وَهدم القلعة فِي رَابِع عشري ذِي الْقعدَة ورحل مِنْهُ إِلَى قريب عكا وَنزل اللجون. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 وَكَانَ السُّلْطَان قد كتب إِلَى مصر بتسفير الشواني لقصد قبرص فسارت فِي شَوَّال حَتَّى قاربت قبرص فَانْكَسَرت كلهَا. وَشعر بهم أهل قبرص فأسروا جَمِيع من كَانَ فِيهَا من الرِّجَال وَبعث صَاحب قبرص كتابا إِلَى السُّلْطَان يقرعه فِيهِ بِأَن شواني مصر وَهِي أحد عشر شينيا خرجت إِلَى قبرص فَكَسرهَا الرّيح وأخذتها وأسرت من فِيهَا فَلَمَّا قَرَأَهُ السُّلْطَان قَالَ: الْحَمد لله مُنْذُ ملكني الله تَعَالَى الْملك مَا خذلت لي راية وَكنت أَخَاف من إِصَابَة عين فَبِهَذَا وَلَا بِغَيْرِهِ وَكتب إِلَى الْقَاهِرَة بإنشاء عشْرين شينيا وإحضار خمس شواني كَانَت بقوص وَكتب إِلَى قبرص جَوَابا أرعد فِيهِ وأبرق. وقدمت رسل صَاحب صور تطلب الصُّلْح فَوَقع الِاتِّفَاق على أَن يكون للفرنج من بِلَاد صور عشرَة بِلَاد فَقَط وَيكون للسُّلْطَان خَمْسَة بِلَاد يختارها وَبَقِيَّة الْبِلَاد تكون مُنَاصَفَة وَوَقع الْحلف على ذَلِك. وَسَار السُّلْطَان إِلَى الْقَاهِرَة وَدخل قلعة الْجَبَل فِي ثَانِي عشر ذِي الْحجَّة فَبَلغهُ أَن الشهرزورية قد عزموا على سلطنة الْملك الْعَزِيز عُثْمَان بن صَاحب الكرك الْملك المغيث عمر بن الْعَادِل أبي بكر بن الْكَامِل مُحَمَّد بن الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب وَكَانَ السُّلْطَان قد جعله أحد أُمَرَاء مصر فَقبض عَلَيْهِ وعَلى عدَّة أُمَرَاء مِنْهُم الْأَمِير بهاء الدّين يعقوبا: وَقبض أَيْضا على عدَّة أُمَرَاء كَانُوا قد اتَّفقُوا على قَتله وَهُوَ بالشقيف. مِنْهُم الْأَمِير علم الدّين سنجر الْحلَبِي والأمير أقوش المحمدي والأمير أيدغدي الحاجبي والأمير إيغان سم الْمَوْت والأمير سنقر المساح والأمير بيدغان الركني والأمير طرطح الأمدي وسجنهم بقعلة الْجَبَل. وَفِيه جهز السُّلْطَان الْأَمِير آقسنقر الفارقاني بعسكر إِلَى الشَّام وَفِيه وَردت هَدِيَّة صَاحب الْيمن وفيهَا تحف ودب أسود وفيل. وَفِيه أَكثر السُّلْطَان من الرّكُوب إِلَى مصر لمباشرة عمل الشواني حَتَّى كملت ضعْفي مَا انْكَسَرَ. وَفِي سَابِع عشريه: أَمر السُّلْطَان بإهراق الْخُمُور وأبطل ضَمَانهَا وَكَانَ فِي كل سنة ألف دِينَار وَكتب بذلك ترقيما قرئَ على المنابر. وَفِيه خلع السُّلْطَان بالميدان وَفرق على ألف وَسَبْعمائة شخص لثمان خيل وَفرق ألف وَثَمَانمِائَة فرس كل ذَلِك وَهُوَ جَالس حَتَّى فرغ وَفِيه لَازم السُّلْطَان الصِّنَاعَة. بِمصْر عدَّة أَيَّام لرمي النشاب. وَفِيه ورد الْخَبَر بِأَن الفرنج أَغَارُوا على جِهَة الشاغور وَأخذُوا غلَّة وخربوا وأحرقوا غلالا. وفيهَا عزل شمس الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن خلكان عَن قَضَاء الشَّافِعِيَّة بِدِمَشْق وأعيد عز الدّين أَبُو المفاخر مُحَمَّد بن عبد الْقَادِر بن عبد الْبَاقِي بن خَلِيل بن مقلد بن جَابر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 الشهير بِابْن الصَّائِغ. وفيهَا وصل سيل عَظِيم إِلَى دمشق فَأخذ كثيرا من النَّاس وَالدَّوَاب وَقلع الْأَشْجَار وردم الْأَنْهَار وَخرب الدّور وارتفع حَتَّى نزل مرامي السُّور وَذَلِكَ زمن الصَّيف. وفيهَا ولي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بِمصْر نَفِيس الدّين أَبُو البركات مُحَمَّد المخلص ضِيَاء الدّين أبي الْفَخر هبة الله بن كَمَال الدّين أبي السعادات أَحْمد بن شكر الْمَالِكِي. وَلم يحجّ أحد فِي هَذَا الْعَام من مصر لَا فِي الْبر وَلَا فِي الْبَحْر. وهجم مَكَّة سيل عَظِيم فِي شعْبَان حَتَّى دخل الْكَعْبَة. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان الْأَمِير علم الدّين سنجر الصَّيْرَفِي فِي سادس صفر بِدِمَشْق. وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة الْمَالِكِي شرف الدّين عمر بن عبد الله بن صَالح بن عيسي بن عبد الْملك بن مُوسَى بن خَالِد بن على بن عمر بن عبد الله بن إِدْرِيس بن إِدْرِيس بن الْحسن بن الْحسن بن على بن أبي طَالب السُّبْكِيّ فِي لَيْلَة الْخَامِس وَالْعِشْرين من ذِي الْقعدَة عَن أَربع وَثَمَانِينَ سنة. وَولي بعده قَضَاء الْمَالِكِيَّة بِالْقَاهِرَةِ نَفِيس الدّين أَبُو البركات مُحَمَّد بن القَاضِي المخلص ضِيَاء الدّين هبة الله أَبُو الْفَخر بن كَمَال الدّين أبي السعادات أَحْمد بن شكر. وَتُوفِّي الشريف إِدْرِيس بن على بن قَتَادَة بن إِدْرِيس الحسني أَمِير مَكَّة قَتِيلا بِظَاهِر مَكَّة فَانْفَرد بعده أَبُو نمي بن أبي سعد. وَتُوفِّي قَاضِي حماة شمس الدّين أَبُو الظَّاهِر إِبْرَاهِيم بن الْمُسلم بن هبة الله بن حسان ابْن مُحَمَّد بن مَنْصُور الْبَارِزِيّ الْجُهَنِيّ الْحَمَوِيّ الشَّافِعِي عَن تسع وَثَمَانِينَ سنة بحماة. وَتُوفِّي الأديب تَاج الدّين أَبُو المكارم مُحَمَّد بن عبد الْمُنعم بن نصر الله بن جَعْفَر بن شقير المغربي الْحَنَفِيّ بِدِمَشْق عَن ثَلَاث وَسِتِّينَ سنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 وَتُوفِّي قطب الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الْحق بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن نصر بن سبعين المرسي الصُّوفِي بِمَكَّة عَن نَحْو خمسين سنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 فارغة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 سنة سبعين وسِتمِائَة أهلت وَالسُّلْطَان متشدد فِي إِرَاقَة الْخُمُور وَإِزَالَة الْمُنْكَرَات فَكَانَ لذَلِك يَوْمًا مشهودا. وَفِيه أفرج السُّلْطَان عَن الْأَمِير سيف الدّين بيدغان الركني وَأَعْطَاهُ إقطاعا بِالشَّام ثمَّ أحضرهُ بعد قَلِيل هُوَ وَسيف الدّين ملاجا الركني واشتراهما ورتبهما سلَاح دارية وَورد الْخَبَر باخْتلَاف الْحَال بَين عيسي بن مهنا وَبَين العربان وَإنَّهُ يُرِيد التَّوَجُّه إِلَى التتار. فخشي السُّلْطَان إِنَّه إِن استدعاهم لَا يحضروا وَإِن توجه إِلَى الشَّام تسحبوا فكتم أمره. وَنزل السُّلْطَان إِلَى الميدان فِي سابعه وَفرق فِي خواصه مبلغ أَرْبَعمِائَة ألف دِرْهَم نقرة واثني عشر ألف دِينَار عينا ونيفا وَسِتِّينَ حياضة وَأمر بتحهيز العساكر إِلَى عكا بعد الرّبيع ولازم النُّزُول إِلَى الصِّنَاعَة فِي كل يَوْم حَتَّى تنجزت الشواني وَنزل الْأَمِير آقسنقر الفارقاني. بِمن مَعَه من الْعَسْكَر على جينين. فَلَمَّا كَانَ لَيْلَة السَّابِع عشر: مِنْهُ توجه السُّلْطَان بعد الْمغرب وَمَعَهُ جمَاعَة يسيرَة من خواصه وأخفي حركته ورسم بِأَن أحدا من المجردين مَعَه لَا يَشْتَرِي عليقا وَلَا مَأْكُولا وَقرر لَهُم مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ. وَسَار إِلَى الزعقة ثمَّ عرج مِنْهَا فِي الْبَريَّة إِلَى الكرك ودخلها من غير أَن يعلم بِهِ أحد فِي سادس صفر وَنزل قلعتها. وَقرر السُّلْطَان فِي نِيَابَة الكرك عَلَاء الدّين أيدكين الفخري وَنقل الْأَمِير عز الدّين أيدمر نَائِب الكرك إِلَى نِيَابَة الشَّام وَلم يظْهر السُّلْطَان ذَلِك حَتَّى نسلم أيدكين نِيَابَة الكرك فِي ثامنه واستدعى عز الدّين أيدمر وأفهمه أَنه طلبه لنيابة حصن الأكراد. وَسَار السُّلْطَان إِلَى دمشق فَدَخلَهَا فِي ثَالِث عشره من غير أَن يعلم أحد بِحُضُورِهِ وَكَانَ قبل دُخُوله إِلَى دمشق قد كتب القَاضِي فتح الدّين بن عبد الظَّاهِر بَين يَدَيْهِ ثَمَانِينَ كتابا فِي يَوْم وَلَيْلَة إِلَى النواب والأمراء بتفويض نِيَابَة الشَّام لعز الدّين أيدمر الظَّاهِرِيّ عوضا عَن أقوش النجيبي وسير السُّلْطَان تَشْرِيفًا للنجيبي نَائِب دمشق وَأمره أَن يتَوَجَّه إِلَى مصر وَيسلم الْأَمر لعز الدّين أيدمر فاعتمد ذَلِك. وَأنْفق السُّلْطَان فِيمَن خرج مَعَه مَالا وافرا وخيولا وَركب بهم فِي لَيْلَة السَّادِس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 عشر مِنْهُ وَنزل خَارج حماة بالجوسق وَنزل صَاحب حماة فِي خيمة. ورتب السُّلْطَان أستادارا وأمير جاندار وحاشية السلطة فَإِنَّهُ كَانَ قد خرج من مصر جَرِيدَة وَقَامَ لَهُ صَاحب حماة بالأسمطة وَقدم عَلَيْهِ وَهُوَ بحماة جمَاعَة من أكَابِر الْعَرَب فأكرمهم وكتم عَنْهُم أمره وَمَا أظهر لَهُم شَيْئا وَكتب إِلَى عِيسَى بن مهنا يطْلب مِنْهُ خيولا عينهَا لَهُ ليطمنه وَكتب إِلَيْهِ: إِنَّك بعثت وَأَنا. بِمصْر تطلب الْحُضُور فَكتبت إِلَيْك لَا تحضر حَتَّى أطلبك وَقد حضرت إِلَى حماة فَإِن أردْت الْحُضُور فَاحْضُرْ. فَحَضَرَ عيسي وَسَأَلَهُ السُّلْطَان عَمَّا نقل عَنهُ فَقَالَ. نعم والصدق أنجي من الْكَذِب فَأحْسن السُّلْطَان إِلَيْهِ وَإِلَى أكَابِر الْعَرَب. وَفِي سادس عشريه: قدم شمس الدّين بن نجم الدّين صَاحب الدعْوَة الإسماعيلية فَقبض عَلَيْهِ وعَلى أَصْحَابه وسيروا إِلَى مصر واستمرت مضايقة حصونهم حَتَّى تسلم نواب السُّلْطَان حصن وَفِي أول شهر ربيع الأول: ركب السُّلْطَان من ظَاهر حماة بعد عشَاء الْآخِرَة من غير أَن يعلم أحد قَصده وَسَار على طَرِيق حلب ثمَّ عرج من شيزر وَأصْبح على حمص وَتوجه إِلَى حصن الأكراد وحصن عكار وكشف أمورهما وَسَار إِلَى دمشق وَكتب إِلَى مصر كتابا يَقُول فِيهِ لأكابر الْأُمَرَاء: ولدكم - ولبقيتهم أخوكم - ووالدكم يسلم عَلَيْكُم ويتشوق إِلَيْكُم وإيثاره أَلا يفارقكم. وَإِنَّمَا قدمنَا راحتكم على راحتنا. فطالما تعبوا وَاسْتَرَحْنَا ونعلمهم بالمتجددات ليكونوا لَا كالمشاهدين وكمشاركينا فِي أَكثر الْمُجَاهدين: فَمِنْهَا حَدِيث الإسماعيلية وَحَدِيث العربان وَقد ورد الْخَبَر بحركة التتار وَلَو عدنا لجفلت أهل الْبِلَاد. وَأما الفرنج فعملوا سلالم من حَدِيد وعزموا على مهاجمة صفد ووردوا بيروت فَلَمَّا وصلنا الْبِلَاد انعكست آمالهم وَمِمَّا يدل على التَّمْكِين تَارَة بِالسَّيْفِ وَتارَة بالسكين أَن صَاحب مرقية الَّذِي أَخذنَا بِلَاده توجه إِلَى التتار مستصرخا وسيرنا وَرَاءه فداوية وَقد وصل أحدهم وَذكر إِنَّهُم قد قفزوا عَلَيْهِ وقتلوه وبلغتنا حَرَكَة التتار وَأَنا وَالله لَا أَبيت إِلَّا وخيلي مشدودة وَأَنا لابس قماشي حَتَّى المهماز. وَورد الْخَبَر بِأَن التتار أَغَارُوا على عين تَابَ وتوجهوا على العمق فِي نصف ربيع الأول فَكتب إِلَى مصر بتجريد الْأَمِير بيسري بِثَلَاثَة آلَاف فَارس. وَخرج الْبَرِيد من دمشق فِي الثَّالِثَة من يَوْم الْأَحَد ثامن عشره فَدخل الْقَاهِرَة الثَّالِثَة من لَيْلَة الْأَرْبَعَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 حادي عشريه فَخرج بيسري والعسكر بكرَة يَوْم الْأَرْبَعَاء الْمَذْكُور. وَقدم التتار إِلَى حارم وقتلوه جمَاعَة وَتَأَخر الْعَسْكَر الْحلَبِي إِلَى حماة وَوصل آقسنقر بالعسكر من جينين فجفل أهل دمشق وَبلغ ثمن الْجمل ألف دِرْهَم وأجرته إِلَى مصر مِائَتي دِرْهَم. وَدخل الْأَمِير بيسري بالعسكر الْمصْرِيّ إِلَى دمشق فِي رَابِع ربيع الآخر فَخرج السُّلْطَان بالعساكر إِلَى حلب وجرد الْأَمِير آقسنقر وَمَعَهُ عدَّة من العربان إِلَى مرعش وجرد الْحَاج طيبرس الوزيري والأمير عيسي بن مهنا إِلَى حران والرها. فوصل الْعَسْكَر إِلَى حران وَقتل من فِيهَا من التتار وَهزمَ باقيهم. فورد الْخَبَر بِأَن الفرنج قد أَغَارُوا على قاقون. بمواعدة التتار وَقتل الْأَمِير حسام الدّين الأستادار وجرح الْأَمِير ركن الدّين الجالق ورحل يجكا العلائي وَالِي قاقون فَخرج السُّلْطَان من حلب وَمنع أحدا أَن يتَقَدَّم حَتَّى لَا يعلم الفرنج خَبره وَدخل إِلَى دمشق وَبَين يَدَيْهِ عدَّة من التتار المأسورين من حران وَسَار الْأَمِير أقوش الشمسي بعسكر عين جالوت فولي الفرنج منهزمين من قاقون وتبعهم الْعَسْكَر فاسترجعوا مِنْهُم عدَّة من التركمان وَقتلُوا كثيرا حَتَّى أَنه عد مَا تلف من خيل الفرنج وبغالهم فَكَانَ خَمْسمِائَة رَأس. وَخرج السُّلْطَان من دمشق فِي ثَالِث جُمَادَى الأولى وَمَعَهُ عَسَاكِر مصر وَالشَّام للغلوة على عكا فتكاثرت الأمطار عَلَيْهِ فِي مرج برغوث وَزَاد الْأَمر عَن الْوَصْف فكاد النَّاس يهْلكُونَ لعدم مَا وقدمت هَدِيَّة صَاحب تونس وَفِي مُكَاتبَته تَقْصِير فِي المخاطبة ففرقت هديته على الْأُمَرَاء وَكتب إِلَيْهِ بالإنكار عَلَيْهِ فِي التظاهر بالمنكرات واستخدام الفرنج وَكَونه لم يخرج لما نازلوه وَكَانَ مستخفيا وَقيل لَهُ: مثلك لَا يصلح أَن يَلِي أُمُور الْمُسلمين وَخَوف وأنذر وقدمت رسل رجار وَهُوَ يشفع فِي صَاحب عكا وَالسُّلْطَان فِي الصِّنَاعَة جَالس بَين الأخشاب والصناع والأمراء تحمل بِأَنْفسِهِم آلَات الشواني وَهِي تمد فراعهم مَا شاهدوا. وَفِي رَجَب: خرج السُّلْطَان متصيدا بِجِهَة الصالحية فورد الْخَبَر بحركة التتار فَعَاد إِلَى القلعة وَخرج فِي ثَالِث شعْبَان إِلَى الشَّام وأتته رسل الفرنج بعكا - وَهُوَ بِالسَّوَادِ - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 تطلب الْهُدْنَة فَسَار وَبعث إِلَيْهِم الْأَمِير فَخر الدّين أغار الْقرى والصدر فتح الدّين ابْن القيسراني كَاتب الدرج فِي حادي عشري رَمَضَان وَنزل السُّلْطَان. بمروج قيسارية فعقد الْهُدْنَة مَعَ الفرنج لمُدَّة عشر سِنِين وَعشرَة أشهر وَعشرَة سَاعَات من التَّارِيخ الْمَذْكُور وَخرج أهل عكا لمشاهدة الْعَسْكَر فَركب السُّلْطَان وَلعب هُوَ وَجَمِيع الْعَسْكَر بِالرُّمْحِ. ورحل السُّلْطَان إِلَى دمشق فَدَخلَهَا ثَانِي شَوَّال وَحَضَرت رسل التتار فِي طلب الصُّلْح. فَجهز السُّلْطَان إِلَيْهِم الْأَمِير مبارز الدّين الطوري أَمِير طبر والأمير فَخر الدّين القري الْحَاجِب ومعهما الرُّسُل وهدية لأبغا بن هولاكو وَغَيره فَسَارُوا فِي خَامِس عشره فَلَمَّا قدما على أبغا أكرمهما وَفِيه كثر اشْتِغَال السُّلْطَان بِعَمَل النشاب بِيَدِهِ فاقتدي بِهِ جَمِيع الْأُمَرَاء والخواص وَكتب إِلَى الْملك السعيد وَسَائِر النواب بذلك فَلم يبْق أحد إِلَّا وَهُوَ متوفر على الْعَمَل. وَعمل السُّلْطَان جملَة نشاب بِيَدِهِ نحتها وريشها ونصلها. فَلَمَّا صحي السُّلْطَان توجه إِلَى حصن الأكراد وَوصل إِلَيْهِ فِي حادي عشري ذِي الْحجَّة وَشَاهد الْعِمَارَة بِهِ وَأمر جَمِيع من مَعَه من الْأُمَرَاء بِنَقْل حِجَارَة المنجنيق إِلَى دَاخل القلعة وَنقل مَعَهم بِنَفسِهِ ثمَّ نزل وَعمل بِيَدِهِ فِي مرئة مَكَان بالخندق وحفر بِنَفسِهِ ثمَّ سَار إِلَى حصن عكار وَعمل فِي عِمَارَته بِيَدِهِ أَيْضا وَأمر برمي المنجنيقات ليعرف مَوَاضِع سُقُوط أحجارها وَعَاد إِلَى حصن الأكراد وخلع على من بِهِ من الْأُمَرَاء وأرباب الْوَظَائِف وَخرج يتصيد فَكَانَ الَّذِي خلعه خَمْسمِائَة تشريف على من أحضر إِلَيْهِ الصَّيْد. وَفِي هَذِه السّنة: امتحن قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الْوَاحِد ابْن على بن سرُور بن وَاقع بن حسن بن جَعْفَر الْمَقْدِسِي الْحَنْبَلِيّ: وَذَلِكَ أَن الْقُضَاة الْأَرْبَعَة الَّذين ولاهم السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر بديار مصر كَانَ كل مِنْهُم يَسْتَنِيب قُضَاة عَنهُ فِي النواحي وَكَانَ لتقي الدّين شبيب الْحَرَّانِي أَخ يَنُوب عَن قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين الْحَنْبَلِيّ بالمحلة فَعَزله فَغَضب شبيب لذَلِك وَكتب ورقة للسُّلْطَان بِأَن عِنْد القَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين الْحَنْبَلِيّ ودائع للتجار من أهل بَغْدَاد وحران وَالشَّام بجملة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 كَبِيرَة وَقد مَاتُوا فاستدعاه السُّلْطَان وَسَأَلَهُ عَن ذَلِك فَأنْكر وَحلف ووري فِي يَمِينه فَأمر السُّلْطَان بالهجم على دَاره فَوجدَ فِيهَا كثير مِمَّا ادَّعَاهُ شيب: بعضه قد مَاتَ أَهله وَبَعضه لقوم أَحيَاء فَأخذ السُّلْطَان مِمَّا وجد لمُدَّة الزَّكَاة سِنِين وَسلم لمن كَانَ حَيا وداعته وَغَضب السُّلْطَان عَلَيْهِ واعتقله وأوقع الحوطة على دَاره فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي شعْبَان. وَسَار السُّلْطَان إِلَى الشَّام قَاضِي شمس الدّين الْحَنْبَلِيّ فِي الاعتقال. ممصر فتسلط شبيب عَلَيْهِ وادعي أَنه حشوي وَأَنه يقْدَح فِي السُّلْطَان وَكتب بذلك محضراً فَأمر الْأَمِير بدر الدّين بيليك نَائِب السلطنة بِعقد مجْلِس فعقد فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ حادي عشره وَحضر الشُّهُود فنكل بَعضهم وَأقَام بَعضهم على شَهَادَته فَأحرق النَّائِب. بِمن شهد وجرسهم وَذَلِكَ إِنَّه تبين لَهُ تحامل تَقِيّ الدّين شبيب على القَاضِي واعتقل شبيب وَوَقعت الحوطة على موجوده وأعيد القَاضِي إِلَى اعتقاله بقلعة الْجَبَل فَأَقَامَ معتقلا سنتَيْن وَلم يول السُّلْطَان بعده قَضَاء الْحَنَابِلَة أحدا. وفيهَا قدم الشريفان جماز وغانم بن إِدْرِيس مَكَّة وملكاها أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثمَّ قدم أَبُو نمي فملكها مِنْهُمَا. وفيهَا ولدت زرافة بقلعة الْجَبَل فِي جُمَادَى الْآخِرَة فأرضتها بقرة وَليهَا ولدت امْرَأَة بِدِمَشْق فِي بطن وَاحِد سَبْعَة بَنِينَ وَأَرْبع بَنَات وَكَانَت مُدَّة حملهَا أَرْبَعَة أشهر وَعشرَة أَيَّام فماتوا وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان تَاج الدّين أَبُو الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن بن رَضِي الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد بن عماد الدّين أبي حَامِد مُحَمَّد بن يُونُس الْموصل الشَّافِعِي عَن اثْنَتَيْنِ وَسبعين سنة بِبَغْدَاد. وَتُوفِّي كَمَال الدّين أَبُو الْفضل سلار بن الْحسن بن عمر بن سعيد الإربلي الشَّافِعِي بِدِمَشْق عَن سبعين سنة. وَتُوفِّي عماد الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن سني الدّين أبي الْغَنَائِم سَالم بن الْحسن بن هبة الله مَحْفُوظ بن صصرى التغلبي الدِّمَشْقِي بهَا عَن سبعين سنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 وَتُوفِّي أَمِين الدّين أَبُو الْحسن على بن عُثْمَان بن على بن سُلَيْمَان الإربلي الأديب الشَّاعِر وَقد ترك الجندية وتنتك عَن ثَمَان وَسِتِّينَ سنة بطرِيق الفيوم. وَمَات بِبَلَد الْخَيل عَلَيْهِ السَّلَام الشَّيْخ على البكا الرحل الصَّالح فِي أول شهر رَجَب وَله كرامات كَثِيرَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 سنة إِحْدَى وَسبعين وسِتمِائَة فِي خَامِس الْمحرم: دخل السُّلْطَان إِلَى دمشق وَقد تَوَاتَرَتْ الْأَخْبَار بحركة التتار فَركب خيل الْبَرِيد من دمشق فِي لَيْلَة سادسه بعد عشَاء الْآخِرَة وَمَعَهُ الْأَمِير بيسري والأمير أقوش الرُّومِي وجرمك السِّلَاح دَار وجرمك الناصري وسنقر الألفي السِّلَاح دَار وَعلم الدّين شقير مقدم الْبَرِيد. وسَاق فَدخل قلعة الْجَبَل فِي يَوْم السبت ثَالِث عشره على حِين غَفلَة وَلم يشْعر النَّاس إِلَّا وَقد دخل بَاب القلعة رَاكِبًا ثمَّ ركب إِلَى الميدان وَلعب بالكرة وَأمر بتجهيز العساكر إِلَى الشَّام. وَكتب السُّلْطَان إِلَى الْأُمَرَاء المقيمين بِدِمَشْق وَذكر فِي الْكتب أَنه سطرها من البيرة بِحكم أَنه توجه لتدبير أمورها وسير علائم بِخَطِّهِ ليكتب عَلَيْهَا من دمشق أجوبة الْبَرِيد للأطراف وَكَانَ الْأَمِير سيف الدّين الدوادار قد أَقَامَ بقلعة دمشق ليجهز الْكتب والبريدية. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ خَامِس عشره: ركب السُّلْطَان إِلَى مصر وَركب فِي الْبَحْر ولعبت الشواني قدامه. وَفِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء سَابِع عشره: جهز الْعَسْكَر الْمُجَرّد إِلَى الشَّام. وَفِي لَيْلَة تَاسِع عشرَة: توجه السُّلْطَان إِلَى الشَّام بِمن حضر مَعَه على الْبَرِيد فَدخل قلعة دمشق لَيْلًا. وَفِي صفر: قدمت رسل الْملك أبغا ورسل الرّوم فَلم يحتفل بهم وَأمرُوا أَن يضْربُوا جوكا قُدَّام نَائِب حلب وَقُدَّام صَاحب حماة. وَكَانَ مجيؤهم بِأَن يحضر سنقر الْأَشْقَر حَتَّى يمشي فِي الصُّلْح ثمَّ غيروا كَلَامهم وَقَالُوا: يمشي السُّلْطَان أَو من يكون بعده فِي الْمنزلَة إِلَى أبغا لأجل الصُّلْح فَقَالَ السُّلْطَان للرسل: بل أبغا إِذا قصد الصُّلْح يمشي هُوَ فِيهِ أَو أحد من إخْوَته وَأمر السُّلْطَان بِلبْس العساكر فلبسوا عدد الْحَرْب ولعبوا فِي الميدان خَارج دمشق وَالرسل تشاهد ذَلِك ثمَّ سفروا فِي رَابِع ربيع الأول. وَفِيه تسلم السُّلْطَان سهيرن من سَابق للدّين وفخر الدّين وَلَدي سيف الدّين أَحْمد بن مظفر الدّين عُثْمَان بن منكبرس بعد مَوته وَكَانَ هَذَا بوصيته لَهما بذلك فَأَمرهمَا السُّلْطَان وَأحسن إِلَيْهِمَا وَقدم أهلهما إِلَى دمشق. وَفِي خَامِس جُمَادَى الأولى: ورد الْخَبَر بنزول التتار على البيرة ونصبهم المجانيق عَلَيْهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 وَإِنَّهُم قد حفظوا محاوض الْفُرَات ونزلوا عَلَيْهَا ليعوقوا من يصل إِلَيْهِم. فَجهز السُّلْطَان الْأَمِير فَخر الدّين الْحِمصِي بعدة من عَسْكَر مصر وَالشَّام إِلَى جِهَة حارم وجهز الْأَمِير عَلَاء الدّين الْحَاج طيبرس الرزبري فِي جمَاعَة ورحل هُوَ من ظَاهر دمشق فِي ثامن عشر جُمَادَى الأولى وَمَعَهُ مراكب مفصلة مَحْمُولَة. وجد للسُّلْطَان فِي الْمسير حق وصل إِلَى الْفُرَات فَوجدَ التتار على الشط فَألْقى المراكب الَّتِي حملهَا مَعَه فِي الْفُرَات وأشحنها بالمقاتلة فتراموهم والتتار. واقتحم الْأَمِير قلاوون الألفي الصَّالِحِي الْفُرَات فَخَاضَ وَمَعَهُ عدَّة وافرة وصدم التتار صدمة فرقهم بهَا ومزقهم فَأَلْقَت الأطلاب أَنْفسهَا فِي الْفُرَات وَسَاقُوا فِيهَا عوما الْفَارِس إِلَى جَانب الْفَارِس وهم متماسكون بالأعنة ومجاديفهم ورماحهم وَعَلَيْهِم وعَلى خيولهم الْحَدِيد وازدحموا فِي المَاء فَكَانَ لقعقعة السِّلَاح وأمواج المَاء هول مفزع وطلع السُّلْطَان فِي أَوَّلهمْ وَصلي فِي منزلَة الْعَدو رَكْعَتَيْنِ شكرا لله تعالي وَبث العساكر يَمِينا وَشمَالًا فَقتلُوا وأسروا عددا كثيرا. وَبَات الْعَسْكَر لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ فورد الْخَبَر بهزيمة التتار من البيرة مَعَ مقدمهم درباي وتركهم الأثقال والأزواد وَأَن أهل البيرة أخذُوا ذَلِك فَتَقووْا بِهِ وَأقَام السُّلْطَان ينْتَظر من يلاقيه من التتار فَلم يَأْتِ أحد فعدي بِجَمِيعِ عساكره فِي الْفُرَات كَمَا فعلوا أول مرّة وَنزل بهم فِي ذَلِك مَا لَا يُوصف من كَثْرَة الْمَشَقَّة وَعظم الهول حَتَّى طلعت العساكر إِلَى الْبر وَسَار السُّلْطَان إِلَى البيرة وخلع على نائبها وَأَعْطَاهُ ألف دِينَار وَعم بالتشاريف والأنعام أهل البيرة وَفرق فيهم مائَة ألف دِرْهَم فضَّة وجرد هُنَاكَ عدَّة من الْعَسْكَر زِيَادَة على من كَانَ فِيهَا وَسَار إِلَى دمشق فَدَخلَهَا فِي ثَالِث جُمَادَى الآخر والأسري بَين يَدَيْهِ. وَخرج السُّلْطَان إِلَى مصر فوصل قلعة الْجَبَل فِي خَامِس عشريه وَأَفْرج عَن الْأَمِير عز الدّين الدمياطي وأنزله بدار الوزارة وَأجْرِي عَلَيْهِ الرَّوَاتِب ثمَّ استدعاه وَشرب مَعَه القمز وَقد حضر أكَابِر الْأُمَرَاء لذَلِك فَلَمَّا نَاوَلَهُ السُّلْطَان الهناب بِيَدِهِ وَهُوَ مَمْلُوء قَالَ عز الدّين: يَا خوند لقد شبنا وشاب نبيذنا. وَعم السُّلْطَان بِالْخلْعِ الْأُمَرَاء والوزراء والقضاة والمقدمين وجهز رسل الْملك منكوتمر ورسل الْملك الأشكري ورسل الدعْوَة وَفِي ثَانِي عشر شَوَّال: قبض على الشَّيْخ خضر بن أبي بكر بن مُوسَى شيخ السُّلْطَان وَكَانَ السُّلْطَان قد استدعاه إِلَى القلعة وأحضر جمَاعَة ليحاققوه على أَشْيَاء كَبِيرَة بَدَت مِنْهُ كاللواط وَالزِّنَا وَغَيره فَأمر السُّلْطَان باعتقاله وسجن بقلعة الْجَبَل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 وَفِي ثَانِي عشري ذِي الْحجَّة: استولي السُّلْطَان على بَقِيَّة حصون الدعْوَة الإسماعيلية: وَهِي الدينقة والقدموس والكهف وأقيمت هُنَاكَ الْجُمُعَة وترضي عَن الصَّحَابَة بهَا وعفيت الْمُنْكَرَات مِنْهَا وأظهرت شرائع الْإِسْلَام وشعائره. وَفِي هَذِه السّنة: سَار وَالِي قوص من أسوان حَتَّى قَارب دنقلة من بِلَاد النّوبَة وَقتل وَأسر ثمَّ عَاد. وفيهَا استولي السُّلْطَان على عَامَّة مدن برقة وحصونها. وفيهَا حصل الاحتفال بِأَمْر الشواني وَنصب المجانيق على أسوار الْإسْكَنْدَريَّة فكمل هُنَاكَ نصب مائَة منجنيق وَذَلِكَ لِكَثْرَة الإشاعة بحركة الفرنج لقصد ثغور ديار مصر. وفيهَا فتحت قلعة كينوك من بِلَاد الأرمن على يَد الْأَمِير حسام الدّين لاجين العنتابي. وفيهَا تنجزت عمَارَة صَخْرَة بَيت الْمُقَدّس. وفيهَا نزل السُّلْطَان يعوم فِي النّيل وَهُوَ لابس زردية مستبلة وَعمل بسطا كَبِيرَة وأركب فَوْقهَا الْأَمِير حسام الدّين الدوادار والأمير عَلَاء الدّين أيدغدي الأستادار وجرها وجر فرسين وَهُوَ يعوم لابس الزردية من الْبر إِلَى الْبر. شهَاب الدّين أَبُو صَاح عبيد الله بن الْكَمَال أبي الْقَاسِم عمر بن الشَّهِيد شهَاب الدّين أبي صَالح عبد الرَّحِيم بن عبد الرَّحْمَن بن الْحسن بن العجمي الْحلَبِي بهَا عَن اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سنة. وَتُوفِّي فَخر الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد القاهر بن عبد الْغَنِيّ بن مُحَمَّد بن أبي الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن تَيْمِية الْحَرَّانِي الْحَنْبَلِيّ عَن نَحْو سِتِّينَ سنة بِدِمَشْق. وَتُوفِّي الأديب مخلص الدّين أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن هبة الله بن قرناص الْحَمَوِيّ. وَتُوفِّي الشريف شرف الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن رضوَان الْحُسَيْنِي النَّاسِخ الْكَاتِب المجود المؤرخ عَن تسع وَسِتِّينَ سنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 فارغة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 (سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وسِتمِائَة) فِي الْمحرم: نقض بَاب الْقصر الْمَعْرُوف بِبَاب الْبَحْر تجاه الْمدرسَة الكاملية بَين القصرين لأجل نقل عمد مِنْهُ لبَعض العمائر السُّلْطَانِيَّة فَوجدَ فِيهِ صندوق فِي دَاخله صُورَة من نُحَاس أصفر مفرغ على كرْسِي شكل هرم ارتفاعه قدر شبر بأرجل نُحَاس والصنم جَالس عَلَيْهِ ويداه مرتفعتان تحملان صفحة دورها ثَلَاثَة أشبار مَكْتُوبَة بالقبطي وَإِلَى جَانب الْكِتَابَة فِي الصَّحِيفَة شكل لَهُ قرنان يشبه شكل السنبلة وَإِلَى الْجَانِب شكل ثَان وعَلى رَأسه صَلِيب وشكل ثَالِث فِي يَده عكاز وعَلى رَأسه صَلِيب. وَوجد مَعَ هَذَا الصَّنَم فِي الصندوق لوح من أَلْوَاح الصّبيان قد تكشط أَكثر مَا فِيهِ من الْكِتَابَة وَبَقِي فِيهِ بيبرس فتعجب من ذَلِك. وَفِيه وَردت الْأَخْبَار بحركة الْملك أبغا فَخرج السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل فِي لَيْلَة سادس عشريه وَمَعَهُ الْأَمِير سنقر الْأَشْقَر والأمير بيسري والأمير أنامش السَّعْدِيّ. فَلَمَّا وصل السُّلْطَان عسقلان كتب إِلَى الْقَاهِرَة بِخُرُوج العساكر جَمِيعهَا والعربان من ديار مصر صَحبه الْأَمِير بيليك الخازندار ورسم بِأَن كل من فِي سَائِر مَمْلَكَته لَهُ فرس فَإِنَّهُ يخرج إِلَى الْغُزَاة وَأَن تخرج كل قَرْيَة من قري الشَّام رجالة يركبون الْخَيل على قدر حَالهم وَيقوم من بالقرية بكلفة من يتَوَجَّه وَدخل السُّلْطَان إِلَى دمشق فِي سَابِع عشر صفر. فَخرج من عَسَاكِر مصر فِي حادي عشره عدَّة أَرْبَعَة آلَاف فَارس صُحْبَة مقدميهم: وهم الْأَمِير عَلَاء الدّين طيبرس الوزيري وجمال الدّين أقوش الرُّومِي وعلاء الدّين قطليجا وَعلم الدّين ططح. ثمَّ خرج فِي ثامن عشره الْأَمِير بيليك الخازندار بطَائفَة فورد مرسوم السُّلْطَان على الْأَمِير بيليك بالنزول قَرِيبا من يافا وعندما قَارب عَسْكَر مصر دمشق ركب السُّلْطَان من دمشق فِي نَحْو أَرْبَعِينَ نفسا جرائد بِغَيْر ركيدار وَقد طلب الْعَسْكَر وقارب الْمنزلَة فَاعْترضَ السُّلْطَان الْعَسْكَر وَكَانَ قد تلثم هُوَ وجماعته فظنهم حجاب من بعض التركمان فأمروهم بالترجل فَأَبَوا وسَاق السُّلْطَان بمفرده وَجَاء خلف سناجق وحسر لثامه عَن وَجهه فَعرفهُ السِّلَاح دارية وَدخل السُّلْطَان وسَاق فِي رَكبه فَنزل النَّاس وقبلوا الأَرْض وَسَار حَتَّى نزل ورتب الْعَسْكَر. وَأصْبح السُّلْطَان فَركب فِي موكبه وَقضي أشغال النَّاس إِلَى أَن أمسي ثمَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 ركب بِمن حضر مَعَه إِلَى دمشق وَأصْبح رَاكِبًا فِي موكبه. وَفِي مُدَّة غيبته كَانَ الْأَمِير سيف الدّين الدوادار يرتب الْأُمُور بِدِمَشْق وَيكْتب الْأَجْوِبَة على علائم فَوق أوراق بيض. وَفِيه فر الْأَمِير شمس الدّين بهادر بن الْملك فرج من التتار إِلَى السُّلْطَان بيبرس. وَكَانَ الْملك فرج فِي أول أمره أَمِير طشت السُّلْطَان جلال الدّين خوارزم شاه وَكَانَ لَهُ سميساط وَبعد وَفَاة جلال الدّين سلك قلعة كيران وعدة قلاع بِنَاحِيَة تقجوان ثمَّ وصل الْملك فرج هَذَا إِلَى بِلَاد السلاجقة الرّوم فَقطع بهَا نَاحيَة أفصرا. وَكَانَ بهادر قد كَاتب السُّلْطَان بيبرس وراسله وتقرب إِلَيْهِ بإعلامه بحقيق أَخْبَار الْعَدو فَعلم بِهِ التتار فأمسكوه وَحَمَلُوهُ إِلَى الأردو فهرب وَحضر إِلَى البيرة وَوصل إِلَى دمشق وَبهَا الْملك الظَّاهِر فَأكْرمه وَأَعْطَاهُ بِمصْر إمرة عشْرين فَارِسًا. وَخرج السُّلْطَان من دمشق إِلَى مصر فَدخل قلع الْجَبَل فِي رَابِع عشري جُمَادَى الْآخِرَة. فتواترت الْأَخْبَار بحركة التتار فرسم للأمير عيسي بن مهنا أَمِير الْعَرَب بالغارة فَأَغَارَ وَوصل إِلَى الأنبار فِي ثامن عشر شعْبَان فَظن التتار أَن السُّلْطَان قد قدم فَانْهَزَمُوا إِلَى أبغا فَرجع إِلَى بِلَاده. وَفِي شهر رَمَضَان: رسم للعسكر بالتأهب للعب القبق وَرمي النشاب فيكب من كل عشرَة فارسان فِي أحسن زيهم وَقت الْحَرْب وَركب السُّلْطَان فِي مماليكه ودخلوا فِي الطعْن بِالرِّمَاحِ ثمَّ أَخذ السُّلْطَان الْحلقَة وَرمى النشاب وَجعل لمن أصَاب من الْأُمَرَاء فرسا من خيله الْخَاص بتشاهيره وقلسلقة والبحرية بغلطاق. فاستمر ذَلِك أَيَّامًا تَارَة يكون اللّعب فِيهَا بِالرُّمْحِ وَتارَة بالنشاب وَتارَة بالدبابيس وَفرق السُّلْطَان فِيهَا من الْخَيل والبغالطق جملَة. وسَاق السُّلْطَان يَوْمًا عَادَته فِي اللّعب وسل سَيْفه فسلت مماليكه سيوفها وَحمل هُوَ ومماليكه الْخَواص حَملَة وَحمل وَاحِد واصطدموا فَكَانَ منْظرًا مهولا وَأطلق السُّلْطَان من التشاريف مَا عَم بِهِ سَائِر من فِي خدمته: من ملك وأمير ووزير ومقدمي الْحلقَة والبحرية ومقدمي المماليك والمفردية ومقدمي البيوتات السُّلْطَانِيَّة وكل صَاحب شغل وَجَمِيع الْكتاب والقضاة وَسَائِر أَرْبَاب الْوَظَائِف. وَفِي يَوْم عيد الْفطر: ختن الْأَمِير نجم الدّين خضر ابْن السُّلْطَان وعده من أَوْلَاد الْأُمَرَاء وجري السُّلْطَان على عَادَته فِي عدم تَكْلِيف النَّاس فَلم يقبل من أحد هَدِيَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 وَلَا تقدمة وَلم يبْق من لَا شَمله إحسانه من سَائِر الطوائف إِلَّا المغاني وأرباب الملاهي فَإِنَّهُ لم تنْفق لَهُم فِي طول أَيَّامه سلع وَلَا نالهم مِنْهُ رزق أَلْبَتَّة. وَفِي ثَانِي عشر شهر رَمَضَان: سَار الْملك السعيد من قلعة الْجَبَل فِي عدَّة من الْأُمَرَاء جَرِيدَة إِلَى الشَّام من غير أَن يعلم بِهِ أحد فَدخل دمشق فِي سادس عشريه على حِين غَفلَة من النَّائِب بِحَيْثُ لم يشْعر بِهِ الْعَسْكَر إِلَّا وَهُوَ بَينهم فِي سوق الْخَيل فقبلوا لَهُ الأَرْض وَدخل الْملك السعيد إِلَى القلعة وَأَرَادَ لعب القبق خَارج دمشق فمنعته كَثْرَة الأمطار. وَفِي لَيْلَة عيد الْفطر: خلع الْملك السعيد على أُمَرَاء الشَّام والمعكمين والمفاردة والأكابر وَخرج يتصيد بالمرج وَسَار إِلَى الشقيف وصفد وَتوجه إِلَى الْقَاهِرَة فوصل قلعة الْجَبَل فِي حادي عشري شَوَّال. وَفِي هَذِه السّنة: كَانَ بِمصْر وأريافها وباء هلك فِيهِ خلق كثير أَكْثَرهم النِّسَاء والأطفال. وَحصل فِي بِلَاد الرملة وبلاد الْقُدس مرض وحميات فَقدم رجل نَصْرَانِيّ إِلَى الْأَمِير غرس الدّين بن شاور وَالِي الرملة وَقَالَ لَهُ: هَذِه الْآبَار قد حَاضَت كَمَا جرى فِي السّنة الَّتِي جَاءَ فِيهَا التتار فِيهَا إِلَى الشَّام. وَإِن الفرنج بعثوا إِلَى قَرْيَة عابود فِي الْجَبَل وَأخذُوا من مَالهَا وصبوه فِي الْآبَار فَزَالَ الوخم وَأَشَارَ بِعَمَل ذَلِك فَبعث وَالِي الرملة إِلَى الْقرْيَة الْمَذْكُورَة وَأخذ من مَائِهَا وصبه فِي الْآبَار الَّتِي بيافا وَكَانَ المَاء قد كثر فِيهَا فنقصت إِلَى حَدهَا الْمُتَعَارف وَكتب إِلَى السُّلْطَان بذلك وَقيل لَهُ: إِن هَذِه الْآبَار إناث تحيض وآبار الْجَبَل ذُكُور وَمِنْهَا آبار قَرْيَة عابود الْمَذْكُورَة. وفيهَا ولي تَقِيّ الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن يحيي الرقي قَضَاء الشَّافِعِيَّة بحلب بعد وَفَاة محيي الدّين مُحَمَّد بن الْأُسْتَاذ. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان الْأَمِير فَارس الدّين أقطاي الصَّغِير المستعرب الصَّالِحِي النجمي أتابك العساكر بديار مصر عَن سبعين سنة فِي تَاسِع جُمَادَى الأولى. وَمَات الْأَمِير حسام الدّين لاجين الأيدمري الْمَعْرُوف بالدرفيل داودار السُّلْطَان. وَتُوفِّي قَاضِي حلب محيي الدّين أَبُو المكارم مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن علوان بن الْأُسْتَاذ الشَّافِعِي بهَا وقدقدم الْقَاهِرَة ودرس بالمسرورية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 وَتُوفِّي قَاضِي قُضَاة دمشق كَمَال الدّين أَبُو الْفَتْح عمر بن شَدَّاد بن عَليّ التقايسي الشَّافِعِي عَن سبعين سنة بِالْقَاهِرَةِ. وَتُوفِّي مؤيد الدّين أَبُو الْمَعَالِي أسعد بن المظفر بن أسعد بن حَمْزَة بن القلانسي التَّمِيمِي خَارج دمشق عَن ثَلَاث وَسبعين سنة بعد مَا قدم الْقَاهِرَة. وَتُوفِّي النَّحْوِيّ جمال الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله بن مَالك الطَّائِي الجياني بِدِمَشْق عَن وَتُوفِّي تَقِيّ الدّين أَبُو إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن شَاكر بن أبي الْيُسْر التنوخي المعوي الْمُحدث الأديب كَاتب الْإِنْشَاء عَن ثَلَاث وَثَمَانِينَ سنة بِدِمَشْق. وَتُوفِّي الْمسند نجيب الدّين أَبُو الْفرج عبد اللطف بن عبد الْمُنعم بن عَليّ بن نصر الْحَرَّانِي مدرس دَار الحَدِيث الكاملية عَن خمس وَثَمَانِينَ سنة بِالْقَاهِرَةِ وَتُوفِّي جمال الدّين أَبُو عيسي عبد الله بن عبد الْوَاحِد بن مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بن علاقَة الْأنْصَارِيّ عَن سِتّ وَثَمَانِينَ سنة. وَتُوفِّي أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الشاطبي بالإسكندرية عَن بضع وَثَمَانِينَ سنة وَمَات بِبَغْدَاد الْعَلامَة نصير الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْحسن الطوسي الإِمَام الْمَشْهُور فِي ذِي الْحجَّة. وَقد خدم أَوْلَاد صَاحب الألموت ثمَّ خدم هولاكو وحظي عِنْده وَعمل لَهُ رصدا. بمراغة وصنف كتبا عديدة. وَقد توفّي فِي جُمَادَى الأولى سنة سبع وَسبعين وَخَمْسمِائة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 سنة ثَالِث وَسبعين وسِتمِائَة فِي الْمحرم: قدم الْملك الْمَنْصُور مُحَمَّد صَاحب حماة إِلَى قلعة الْجَبَل وَمَعَهُ أَخُوهُ الْملك الْأَفْضَل عَليّ وَولده المظفر تَقِيّ الدّين مَحْمُود فَأنْزل بمناظر الْكَبْش وعندما حل بهَا وصل إِلَيْهِ الْأَمِير آقسنقر الفارقاني الأستادار بالسماط فمده بَين يَدَيْهِ ووقف كَمَا يقف بَين يَدي السُّلْطَان فَلم يَدعه الْملك الْمَنْصُور يقف وَمَا زَالَ بِهِ حَتَّى جلس فَلَمَّا فرغ السماط قدمت الْخلْع والتعابي وَغَيرهَا. وَفِي ثامن صفر: توجه السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل وَسَار إِلَى الكرك فَأَقَامَ بهَا ثَلَاثَة عشر يَوْمًا وكشف أَحْوَال الشوبك وَعَاد إِلَى قلعة الْجَبَل ثَانِي عشري ربيع الأول. ثمَّ توجه إِلَى العباسية وَمَعَهُ الْملك السعيد فصرع الْملك أوزة خبية. وَقيل لَهُ: لمن تَدعِي فَقَالَ: لمن أَدْعُو بحياته وَمن أَتَقَرَّب إِلَى الله بدعواته الَّذِي حسبي افتخارا أَن أَقُول وَالِدي وَمن يتمرن لصرع أعدائه ساعدي فَقبله السُّلْطَان ووهبه من كل شَيْء. وفيهَا تحيل السُّلْطَان على استخلاص رُؤَسَاء الشمواني الَّذين أَسرُّوا بقبرص ميناء نمسون وَكَانَ الفرنج لما كسرت الشواني على قبرص وأسروا من فِيهَا السُّلْطَان الْأَمِير فَخر الدّين الْمقري الْحَاجِب إِلَى صور لابتياع الأسري فتغالى الفرنج الرؤساء وَبَاعُوا القواد وَالرُّمَاة لطائفة مِنْهُم فغادوا بهم أسرى أطلقهُم السُّلْطَان وَبَقِي الاحتفاظ على الرؤساء وهم سِتَّة: مِنْهُم رَئِيس الْإسْكَنْدَريَّة وَرَئِيس دمياط فحبسوهم بعكا فِي قلعتها. فَبعث السُّلْطَان إِلَى الْأَمِير سيف الدّين خطابا وَهُوَ بصفد يَأْمُرهُ بالتحيل فِي سرقتهم فأرغب الموكلين بهم بِالْمَالِ حَتَّى وصل إِلَيْهِم بمبارد ومناشير وسرقوا من جب قلعة عكا وَسَارُوا فِي مركب إِلَى خيل قد أعدت لَهُم فركبوها ووصلوا إِلَى الْقَاهِرَة. وَلم يشْعر بهم الفرنج حَتَّى قدمُوا على السُّلْطَان فَكَانَت بعكا لأجلهم فتْنَة بَين الفرنج. وَقدم كتاب متملك الْحَبَشَة وَهُوَ الحطي يَعْنِي الْخَلِيفَة يُخَاطب السُّلْطَان فِيهِ بِعِبَارَة: أقل المماليك يقبل الأَرْض وَيُنْهِي وسال فِيهِ أَن يُجهز لَهُ مطران من عِنْد البطرك فَأُجِيب. وَسَار السُّلْطَان إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَأمر بِبِنَاء مَا تهدم من الْمنَار وَعَاد إِلَى قلعته. وَكتب السُّلْطَان بِأَن تخرج عَسَاكِر حلب للغارة فَخرجت وأغارت على بِلَاد سيس وغنموا وقلعوا أَبْوَاب ربض مرعش. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 وَفِي ثَالِث شعْبَان: توجه السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل إِلَى الشَّام فَدخل دمشق فِي سلخه وَخرج مِنْهَا فِي سَابِع رَمَضَان فَدخل حماة ثمَّ صَار مِنْهَا بالعساكر والعربان. وجرد السُّلْطَان عيسي بن مهنا والأمير حسام الدّين العنتابي بعسكر إِلَى البيرة وجهز الْأَمِير قلاوون الألفي والأمير بيليك الخازندار بعسكر إِلَى بِلَاد سيس فَسَارُوا وهجموا النصيصة على الأرمن وَقتلُوا من بهَا وَكَانَت المراكب قد حملت مَعَهم على البغال وَهِي مفصلة ليعدوا فِيهَا من نهر جهان وَالنّهر الْأسود فَلم يحْتَج إِلَيْهَا. وَوصل السُّلْطَان على الْأَثر بعد مَا قطع بعساكره النَّهر الْأسود وقاسوا مشقة وملكوا الْجبَال وغنموا عَنْهَا مَا لَا يُحْصى كَثْرَة مَا بَين أبقار وجواميس وأغنام. فَدخل السُّلْطَان إِلَى سيس وَهُوَ مطلب فِي تَاسِع عشريه وَعِيد بهَا وانتهبها وَهدم قُصُور التكفور ومناظره وبساتينه وَبعث إِلَى دربند الرّوم فَاحْضُرْ إِلَيْهِ من سَبَايَا التتار عدَّة نسَاء وَأَوْلَاد وسير إِلَى طرسوس فأحضر إِلَيْهِ مِنْهَا ثَلَاثمِائَة رَأس من الْخَيل وَالْبِغَال وَبعث إِلَى الْبَحْر عسكرا فَأخذ مراكب وَقتل من كَانَ فِيهَا. وانبثت الغارات فِي الْجبَال فَقتلُوا وأسروا وغنموا. وَبعث السُّلْطَان إِلَى أياس بالعساكر وَكَانَت قد أخليت فنهبوا وحرقوا وَقتلُوا جمَاعَة وَكَانَ قد فر من أَهلهَا نَحْو الْأَلفَيْنِ مَا بَين فرنج وأرمن فِي مراكب فَغَرقُوا بأجمعهم فِي الْبَحْر وَاجْتمعَ من الْغَنَائِم مَا لَا يحصره قلم لكثرته ووصلت العربان والعسكر إِلَى البيرة وَسَارُوا إِلَى عين تَابَ وغنموا فَانْهَزَمَ التتار مِنْهُم وعادوا. فَرَحل السُّلْطَان من سيس إِلَى المصيصة من الدربند فَلَمَّا قطعه جعل الْغَنَائِم بمرج أنطاكية حَتَّى ملأته طولا وعرضا ووقف بِنَفسِهِ حَتَّى فرقها وَلم يتْرك صَاحب سيف وَلَا قلم حَتَّى أعطَاهُ وَلم يَأْخُذ لنَفسِهِ مِنْهَا شَيْئا. فَلَمَّا فرغ من الْقِسْمَة سَار إِلَى دمشق فَدَخلَهَا فِي النّصْف من ذِي الْحجَّة. وفيهَا ولي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق مجد الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن بن الصاحب كَمَال الدّين عمر بن العديم بعد وَفَاة شمس الدّين عبد الله بن مُحَمَّد بن عَطاء الْأَذْرَعِيّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 وَمَات فِيهَا من الْأَعْيَان قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَفِيّ بِدِمَشْق شمس الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد بن عَطاء بن الْحسن بن عَطاء الْأَذْرَعِيّ عَن ثَمَان وَسبعين سنة. وَتُوفِّي أَمِين الدّين أَبُو بكر مُحَمَّد بن عَليّ بن مُوسَى بن عبد الرَّحْمَن الخزوجي الْمحلي النَّحْوِيّ الأديب. وَتُوفِّي الْحَافِظ جمال الدّين أَبُو المحاسن يُوسُف بن أَحْمد بن مَحْمُود بن أَحْمد الْأَسدي الدِّمَشْقِي الْمَعْرُوف باليغموري بالمحلة من أَعمال الْقَاهِرَة عَن نَيف وَسبعين سنة. وَتُوفِّي الْحَافِظ وجيه الدّين أَبُو المظفر مَنْصُور بن مُسلم بن مَنْصُور بن فتوح بن الْعِمَاد الْهَمدَانِي الإسكندري الملكي المؤرخ عَن سِتّ وَسِتِّينَ سنة بالإسكندرية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 فارغة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 سنة أَربع وَسبعين وسِتمِائَة فِي ثامن الْمحرم: وصل الْأَمِير سيف الدّين بلبان الدوادار إِلَى طرابلس فِي تجمل كَبِير وَمَعَهُ كتاب السُّلْطَان إِلَى متملكها فَمَا زَالَ حَتَّى قرر عَلَيْهِ فِي كل سنة عشْرين ألف دِينَار صورية وَعشْرين أَسِيرًا. وَفِي رَابِع عشريه: خرج الْأَمِير بدر الدّين الخازندار من دمشق لإحضار الْملك السعيد وَمَعَهُ أَوْلَاد الْأُمَرَاء فوصل إِلَى قلعة الْجَبَل وَخرج بِالْملكِ السعيد على خيل الْبَرِيد فِي سلخه فوصل إِلَى دمشق فِي سادس صفر وتلقاه السُّلْطَان وَدخل بِهِ إِلَى قلعة دمشق. وَفِي صفر: هَذَا توجه السُّلْطَان أَبُو يُوسُف بن عبد الْحق ملك الْمغرب لجهاد الفرنج فَقتل الطاغية فِي المعركة فِي نَحْو سِتَّة آلَاف وَلم يقتل من الْمُسلمين إِلَّا نَحْو ثَلَاثِينَ رجلا وَبَلغت الْغَنَائِم من الْبَقر مائَة ألف وَأَرْبَعَة وَعشْرين ألفا وَبلغ الأسرى سَبْعَة آلَاف أَسِير وعجزت الْقُدْرَة عَن إحصاء الْغنم حَتَّى أبيعت الشَّاة بدرهم وَحمل الكراع على أَرْبَعَة عشر ألف وسِتمِائَة جمل. وفيهَا نبش عُمَّال بني مرين قُبُور خلفاء الْمُوَحِّدين وأخرجوا عبد الْمُؤمن بن على وَابْنه يَعْقُوب الْمَنْصُور من قبريهما وَقطعت رأسهما وَضربت أَعْنَاق من كَانَ بجبل تينتمل وصلبوا. بمراكش وَأخذت أَمْوَالهم. وفيهَا بنيت فاس الْجَدِيد وَصَارَت دَار ملك بني مرين. وَفِي ثَالِث عشرى جُمَادَى الأولى: أَخذ السُّلْطَان الْقصير حصن أنطاكية وَحمل أَهله إِلَى الْجِهَات الَّتِي قصدوها. وَقدم الْخَبَر بورود التتار إِلَى البيرة فَجمع السُّلْطَان للعساكر وَأنْفق وَخرج من دمشق إِلَى حمص فجَاء الْخَبَر بِرُجُوع التتار فَعَاد إِلَى دمشق. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: اخْتلفت أُمَرَاء الرّوم على البرواناه ففارقه جمَاعَة من قيسارية وَقدم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 مِنْهُم إِلَى السُّلْطَان الْأَمِير ضِيَاء الدّين مَحْمُود بن الخطير والأمير سِنَان الدّين مُوسَى بن طرنطاي ونظام الدّين أَخُو مجد الدّين الأتابك بعيالاتهم يُرِيدُونَ الانتماء إِلَيْهِ فجهزهم السُّلْطَان إِلَى الْقَاهِرَة ثمَّ إِن مَحْمُود بن الخطير سعي بهم فاعتقلوا بقلعة الْجَبَل مُدَّة ثمَّ أطْلقُوا. وَفِي مستهل رَجَب: توجه السُّلْطَان من دمشق إِلَى مصر فَدخل قلعة الْجَبَل فِي ثامن عشره وقدمت هَدِيَّة صَاحب الْيمن وَمن جُمْلَتهَا كركدن وفيل وحمار وَحش عتابي فسير السُّلْطَان إِلَيْهِ هَدِيَّة مَعَ رسله وجهز السُّلْطَان هَدِيَّة للْملك منكوتمر مَعَ الْأَمِير عز الدّين أيبك الفخري وجهز رسل الأشكري ورسل الْملك الفنش ورسل جنوة. وفيهَا حضر ابْن أُخْت ملك النّوبَة واسْمه مشكد متظلما من دَاوُد ملك النّوبَة فَجرد السُّلْطَان مَعَه الْأَمِير آقسنقر الفارقاني بعده من الْعَسْكَر وأجناد الْوُلَاة والعربان وَمَعَهُ الزراقون وَالرُّمَاة ورجمال الحراريق والزردخاناه فَخرج فِي مستهل شعْبَان حَتَّى عدي أسوان وَقَاتل الْملك دَاوُد وَمن مَعَه من السودَان فقاتلوه على النجب وَهَزَمَهُمْ وَأسر مِنْهُم كثيرا. وَبث الْأَمِير آقسنقر الْأَمِير عز الدّين الأفرم فَأَغَارَ على قلعة الدقم وَقتل وَسبي ثمَّ توجه الْأَمِير سنقر فِي أَثَره يقتل وياسر حَتَّى وصل إِلَى جريرة ميكاليل وَهِي رَأس جنادل النّوبَة فَقتل وَأسر وَأقر الْأَمِير آقسنقر قمر الدولة صَاحب الْجَبَل وَبِيَدِهِ نصف بِلَاد النّوبَة على مَا بِيَدِهِ ثمَّ وَاقع الْملك دَاوُد حَتَّى أفني مُعظم رجماله قتلا وأسرا وفر دَاوُد بِنَفسِهِ فِي الْبَحْر وَأسر أَخُوهُ شنكو فساق الْعَسْكَر خَلفه ثَلَاثَة أَيَّام وَالسيف يعْمل فِيمَن هُنَاكَ حَتَّى دخلُوا كلهم فِي الطَّاعَة وأسرت أم الْملك دَاوُد وَأُخْته. وأقيم مشكد فِي المملكة وألبس التَّاج وأجلس فِي مَكَان دَاوُد وقررت عَلَيْهِ الْقطعَة فِي كل سنة وَهِي فيلة ثَلَاثَة وزرافات ثَلَاث وفهود إناث خمس وصهب جِيَاد مائَة وأبقار جِيَاد منتخبة مائَة وَقرر أَن تكون الْبِلَاد مشاطرة نصفهَا للسُّلْطَان وَنِصْفهَا لعمارة الْبِلَاد وحفظها وَأَن تكون بِلَاد العلى وبلاد الْجَبَل للسُّلْطَان وَهِي قدر ربع بِلَاد النّوبَة لقربها من أسوان وَأَن يحمل الْقطن وَالتَّمْر مَعَ الْحُقُوق الْجَارِي بهَا الْعَادة من الْقَدِيم وَعرض عَلَيْهِم الْإِسْلَام أَو الْجِزْيَة أَو الْقَتْل فَاخْتَارُوا الْجِزْيَة وَأَن يقوم كل مِنْهُم بِدِينَار عينا فِي كل سنة. وعملت نُسْخَة يَمِين بِهَذِهِ الشُّرُوط وَحلف عَلَيْهَا مشكر وأكابر النّوبَة وعملت أَيْضا نُسْخَة للرغبة بِأَنَّهُم يطيعون نَائِب السُّلْطَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 مادام طَائِعا ويقومون بِدِينَار عَن كل بَالغ. وَخَربَتْ كَنِيسَة سرس الَّتِي كَانَ يزْعم دَاوُد أَنَّهَا تحدثه بِمَا يرديه وَأخذ مَا فِيهَا من الصلبان الذَّهَب وَغَيرهَا فَجَاءَت مبلغ أَرْبَعَة آلَاف وسِتمِائَة وَأَرْبَعين دِينَارا وَنصف وَبَلغت الْأَوَانِي الْفضة ثَمَانِيَة آلَاف وسِتمِائَة وَسِتِّينَ دِينَارا. وَكَانَ دَاوُد قد عمرها على أكتاف الْمُسلمين الَّذين أسرهم من عيذاب وأسوان وَقرر على أقَارِب دَاوُد حمل مَا خَلفه من رَقِيق وقماش إِلَى السُّلْطَان وأطلقت الأسري الَّذين كَانُوا بالنوبة من أهل عيذاب وأسوان وردوا إِلَى أوطانهم. من الْعَسْكَر من الرَّقِيق شَيْئا كثيرا حَتَّى أبيع كل رَأس بِثَلَاثَة دَرَاهِم وَفضل بعد الْقَتْل وَالْبيع عشرَة آلَاف نفس وَأقَام الْعَسْكَر. بِمَدِينَة دمقلة سَبْعَة عشر يَوْمًا وعادوا إِلَى الْقَاهِرَة فِي خَامِس ذِي الْحجَّة بالأسرى والغنائم فرسم السُّلْطَان للصاحب بهاء الدّين بن حنا أَن يستخدم عمالا على مَا يسْتَخْرج من النّوبَة من الْخراج والجزية بدمقلة وأعمالا فَعمل لذَلِك ديوَان. وَفِي ثَانِي عشره: اجْتمع الْقُضَاة والأمراء والأعيان بقلعة الْجَبَل وَعقد للْملك السعيد على غَازِيَة خاتون ابْنه الْأَمِير قلاوون الألفي بوكالة الْأَمِير بدر الدّين بيليك الخازندار نَائِب السلطة عَن الْملك السعيد. فَقبل العقد عَن الْأَمِير قلاوون الْأَمِير آقسنقر الفارقاني على صدَاق مبلغه خَمْسَة آلَاف دِينَار الْمُعَجل مِنْهَا ألفا دِينَار وَكتب الصَدَاق بِخَط القَاضِي محيي الدّين بن عبد الظَّاهِر وإنشائه وَمن جملَته: هَذَا كتاب تحاسدت رماح الْخط وَأَقْلَام الْخط على تحريره وتنافست مطالع الْأَنْوَار ومشارق الْأَنْوَار على تسطيره وأضاء نوره بالجلالة وأشرق وهطل نوره بِالْإِحْسَانِ وأغدق وتناسبت فِيهِ أَجنَاس تجنيس لفظ الْفضل فَقَالَ الِاعْتِرَاف هَذَا مَا تصدق وَقَالَ الْعرف هَذَا مَا أصدق. وَفِيه شنق السُّلْطَان الطواشي شُجَاع الدّين عنبر الْمَعْرُوف بصدر الباز وَكَانَ قد تمكن مِنْهُ تمَكنا عَظِيما من أجل أَنه شرب الْخمر وعلقه تَحت قلعة الْجَبَل. وعندما انقضي أَمر العقد ركب السُّلْطَان من يَوْمه على الهجن فِي نفر يسير وَسَار إِلَى الكرك فَدَخلَهَا فِي ثَالِث عشريه وَهُوَ يُرِيد الْقَبْض على الْأَمِير سَابق الدّين عبِّيَّة فَلَمَّا بلغه حُضُور السُّلْطَان قدم عَلَيْهِ فرعي لَهُ ذَلِك وَزَاد إقطاعه وَنظر السُّلْطَان فِي أَمر أهل الكرك وَقطع أَيدي سِتَّة مِنْهُم اتهموا بِأَنَّهُم قد عزموا على إثارة فتْنَة ورتب رجَالًا بهَا عوضا عَمَّن كَانَ فِيهَا. وفيهَا أَقَامَ حجاج مصر بِمَكَّة ثَمَانِيَة عشر يَوْمًا وبالمدينة النَّبَوِيَّة عشرَة أَيَّام وَهَذَا لم يعْهَد مثله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان الْأَمِير ركن الدّين خَاص ترك الْكَبِير أحد الْأُمَرَاء الأكابر بِدِمَشْق فِي ثَالِث عشر ربيع الأول. وَمَات الْأَمِير حسام الدّين قيماز الكافري نَائِب حصن الأكراد والسواحل والفتوحات. وَتُوفِّي سعد الدّين أَبُو الْعَبَّاس الْخضر بن التَّاج أبي مُحَمَّد عبد الله بن الْعِمَاد أبي الْفَتْح عمر بن على بن مُحَمَّد بن حمويه الْجُوَيْنِيّ شيخ الشُّيُوخ بِدِمَشْق بهَا عَن نَيف وَثَمَانِينَ سنة. وَتُوفِّي تَاج الدّين أَبُو الثَّنَاء مَحْمُود بن عابدين الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن على التَّمِيمِي الصرخدي الْحَنَفِيّ بِدِمَشْق عَن سِتّ وَتِسْعين سنة. وَتُوفِّي زين الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله بن جِبْرِيل الْإِنْشَاء لقلعة الْجَبَل فِي 000. وَتُوفِّي كَمَال الدّين أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحِيم بن على بن إِسْحَاق بن على شِيث الأمو وَتُوفِّي الأديب أَبُو الْحسن على بن أَحْمد بن العقيب العامري ببعلبك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 سنة خمس وَسبعين وسِتمِائَة فِي الْمحرم: سَار السُّلْطَان من الكرك فَدخل إِلَى دمشق فِي رَابِع عشره وَقدم عَلَيْهِ عدَّة من أُمَرَاء الرّوم مغاضبين للبرواناه وَهُوَ معِين الدّين سُلَيْمَان بن على بن مُحَمَّد بن حسن وَكَانَ مِنْهُم الْأَمِير حسام الدّين بينجار الرُّومِي وبهادر وَلَده وَأحمد بن بهادر وَاثنا عشر من أُمَرَاء الرّوم بأولادهم وَنِسَائِهِمْ من جُمْلَتهمْ قرمشي وسكتاي ابْنا قراجين بن جيفان نوين فَأحْسن السُّلْطَان إِلَيْهِم وَبعث حريمهم إِلَى الْقَاهِرَة وَأجْرِي عَلَيْهِم الأرزاق ثمَّ وصل الْأَمِير سيف الدّين جندر بك صَاحب الأبلستين والأمير مبارز الدّين سوار بن الجاشنكير فِي كثير من أُمَرَاء الرّوم فَتَلقاهُمْ السُّلْطَان بِنَفسِهِ وَأكْرمهمْ ثمَّ كتب السُّلْطَان إِلَى الْأُمَرَاء بِمصْر يستشيرهم فِي بعث عَسْكَر إِلَى الرّوم وَأَن يحضر الْأَمِير بيسري والأمير أقش. مِمَّا يتَّفق الرَّأْي عَلَيْهِ فحضرا على الْبَرِيد وَوصل أَيْضا الْأَمِير سنقر الْأَشْقَر وتتابع وُصُول حَرِيم أُمَرَاء الرّوم فأكرمهم السُّلْطَان وجهزهم إِلَى الْقَاهِرَة وَسَار السُّلْطَان إِلَى حلب وجرد مِنْهَا الْأَمِير سيف الدّين بلبان الزيني الصَّالِحِي فِي عَسْكَر فوصلوا إِلَى عين تَابَ. وَعَاد السُّلْطَان من حلب إِلَى مصر فَدخل قلعة الْجَبَل فِي رَابِع عشر ربيع الأول ورسم بتجهيز مهمات الْعرض فَأخذ النَّاس فِي التَّجْهِيز وغلت الْخُيُول والأسلحة وَعدم صناع صقل الْعدَد من الْقَاهِرَة لاشتغالهم بِالْعَمَلِ عِنْد الْأُمَرَاء وَعز وجود صناع النشاب ومقومي الرماح. وَفِي خَامِس جُمَادَى الأولى: وَقع الْعرض فركبت العساكر بكمالها فِي يَوْم وَاحِد وَقد لبسوا أجمل الْعدَد وَقصد السُّلْطَان بركوبهم فِي يَوْم وَاحِد حَتَّى لَا يستعير أحد من أحد شَيْئا وَفرق السُّلْطَان على مماليكه الْعدَد الجليلة وَركب الْأُمَرَاء الروميون وَمن حضر من الرُّسُل وَعرض الْجَمِيع على السُّلْطَان ونزلوا من الْغَد فِي الوطاقات للعب وَقد لبس المماليك السُّلْطَانِيَّة الجواشن والخوذ وعملت الأبرجة الْخشب على الفيلة ودخلوا فِي الْحلقَة وَسَاقُوا. ثمَّ نصب القبق بالميدان الْأسود تَحت القلعة ورموا النشاب وأنعم السُّلْطَان على كل من أصَاب القبق من الْأُمَرَاء بفرس من الجنائب الْخَاص بسرجه ولجامه وتشاهيره بالمراوات الْفضة وَغَيرهَا وأنعم على من أصَاب من المماليك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 والأجناد بِالْخلْعِ. كل ذَلِك وَالسُّلْطَان يسْعَى وَقد تنوع فِي لامات حربه وَصَارَ يَأْخُذ بقلوب النَّاس وَيحسن إِلَيْهِم وسَاق السُّلْطَان بِالرُّمْحِ أحسن سوق حَتَّى تعجبوا من فروسيته إِلَى أَن انقضي النَّهَار على هَذَا. وَفِي الْيَوْم الثَّالِث: ركب السُّلْطَان وَلعب النَّاس ورموا فِي القبق وَالسُّلْطَان يطاعن بِالرُّمْحِ. وَفِي الْغَد ترَتّب الْعَسْكَر من جِهَتَيْنِ واصطدما وتطاعنت الفرسان وَكَانَ السُّلْطَان بَينا يرَاهُ النَّاس آخرا قد شاهدوه أَولا وَهُوَ لَا يسأم من الْكر والفر وَشَاهد النَّاس مِنْهُ وَمن الْملك السعيد مَا يبهر الْعُقُول وتواصل الطعْن بِغَيْر جراح وَالسُّلْطَان بَين تِلْكَ الصُّفُوف لَا يخَاف. وَكَانَ قفجاقي الأَصْل طَوِيل الْقَامَة أسمر اللَّوْن فِي عَيْنَيْهِ زرقة وبإحدى عَيْنَيْهِ نقطة صَغِيرَة صَوته جهوريا وَكَانَ شجاعا عسوفا عجولا. وَكَانَ قد حضر من الْبِلَاد مَعَ تَاجر إِلَى حماة وَمَعَهُ مَمْلُوك آخر فَلَمَّا عرضا على الْملك الْمَنْصُور مُحَمَّد صَاحب حماة لم يُعجبهُ وأبيع بِدِمَشْق بثمانمائة دِرْهَم فَرد مُشْتَرِيه لبياض فِي إِحْدَى عَيْنَيْهِ فَاشْتَرَاهُ الْأَمِير عَلَاء الدّين أيدكين البندقدار مَمْلُوك الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب وَهُوَ بحماة معتقل بهَا وَأقَام فِي خدمته مُدَّة ثمَّ أَخذ مِنْهُ الْملك الصَّالح فترقي فِي الْخلْع وتنقلت بِهِ الْأَحْوَال إِلَى ملك مصر وَالشَّام. وَكَانَت الْأُمَرَاء تخافة مَخَافَة شَدِيدَة حَتَّى إِنَّه لما مرض لم يدْخل أحد مِنْهُم عَلَيْهِ إِلَّا بِإِذن. وَكَانَ مقداما خَفِيف الركاب طول أَيَّامه يسير على الهجن وخيول الْبَرِيد لكشف القلاع وَالنَّظَر فِي الممالك فَركب للعب الكرة فِي الْأُسْبُوع يَوْمَيْنِ بِمصْر وَيَوْما بِدِمَشْق وَفِي ذَلِك يَقُول سيف الدولة المهمندار من أَبْيَات يمدحه بهَا: يَوْمًا بِمصْر وَيَوْما بالحجاز وبالشام يَوْمًا وَيَوْما فِي قري حلب وَكَانَت عدَّة عسكره اثْنَي عشر ألفا ثلثهَا بِمصْر وثلثها بِدِمَشْق وثلثها بحلب. وَكَانَ هَؤُلَاءِ خاصته فَإِذا غزا خرج مَعَه أَرْبَعَة آلَاف يُقَال لَهُم جَيش الزَّحْف فَإِن احْتَاجَ استدعى أَرْبَعَة أُخْرَى فان اشْتَدَّ بِهِ الْأَمر استدعى الْأَرْبَعَة آلَاف الثَّالِثَة. وافتتح من الْبِلَاد قيسارية وأرسوف وهدمها وَفتح صفد وعمرها وَفتح طبرية ويافا والشقيف وأنطاكية وخربها. واستولي على بغراس والقصير وحصن الأكراد والقرين وحصن عكار وصافيتا ومرقية وحلبا وناصف الفرنج المرقب وبانياس وأنطرسوس وَأخذ من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 متملك سيس دربساك ودركوش وتلميش وَكفر دنين ورعبان ومرزبان وَملك دمشق وعجلون وبصري وصرخد والصلت وحمص وتدمر الرحبة وتل بَاشر وصهيون وبلاطنس وقلعة الْكَهْف والقدموس والدينقة العليقة والخوابي والرصافة ومصياف والكرك والشوبك وبلاد الْحَلب وشيزر وبلاد النّوبَة وبرقة وَسَائِر إقليم مصر وَالشَّام وَملك قيسارية من بِلَاد الرّوم. وَقد قَالَ فِيهِ بعض الأدباء: تدبر الْملك من مصر إِلَى يمن إِلَى الْعرَاق وَأَرْض الرّوم والنوبي وَله عدَّة أوقاف بِمصْر: مِنْهَا وقف الطرحاء لتغسيل فُقَرَاء الْمُسلمين وتكفينهم ودفنهم وَهُوَ من أَكثر الْأَوْقَاف نفعا وَمِنْهَا تربة الظَّاهِرِيَّة بالقرافة والمدرسة الظَّاهِر بِخَط بَين القصرين من الْقَاهِرَة وَالْجَامِع الظَّاهِرِيّ خَارج بَاب الْفتُوح من الْقَاهِرَة. وَعمر السُّلْطَان بيبرس الجسر الَّذِي يسْلك عَلَيْهِ إِلَى دمياط وَأَنْشَأَ عَلَيْهِ سِتّ عشرَة قنطرة وَعمر قنطرة بَحر انصباب السَّيْل ووقفوا وَقْفَة رجل وَاحِد. وَقدم السُّلْطَان عدَّة من مماليكه وخواصه فَقَاتلُوا قتالا شَدِيدا ثمَّ رَدفَهُمْ بِنَفسِهِ وَحمل وحملت العساكر مَعَه حَملَة شَدِيدَة. فترجل التتار عَن خيولهم وقاتلوا قتال من يطْلب الْمَوْت حَتَّى عظم الْقَتْل فيهم فولي طَائِفَة مِنْهُم وأدركهم الْعَسْكَر فأحاط بهم. وَنَجَا معِين الدّين سُلَيْمَان البرواناه زعيم الرّوم فَانْهَزَمَ أَصْحَابه وَصَارَ هُوَ إِلَى قيسارية فوصلها بكرَة يَوْم الْأَحَد ثَانِي عشر ذِي الْقعدَة وَأَشَارَ على سلطانها غياث الدّين كيكاوس بن كيخسرو وَجَمَاعَة الْأُمَرَاء بِالْخرُوجِ مِنْهَا فَإِن التتر المنهزمين مَتى دخلُوا قيسارية قتلوا كل من فِيهَا حنقا على الْمُسلمين ثمَّ أَخذ البرواناه السُّلْطَان غياث الدّين كيكاوس بن كيخسرون صَاحب الرّوم وَجَمَاعَة من أَعْيَان الْبَلَد وَصَارَ بهم إِلَى توقات وَبَينهَا وَبَين قيسارية مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام. وَأما السُّلْطَان فَإِنَّهُ نزل بعد هزيمَة التتار فِي مَنْزِلَتهمْ وأحضر إِلَيْهِ من أسر من أُمَرَاء المغول فَعَفَا عَنْهُم وأطلقهم. وَقتل فِي المعركة الْأَمِير ضِيَاء الدّين بن الخطير والأمير سيف الدّين قيران العلائي أحد مقدمي الْحلقَة وَسيف الدّين قفجاف الجاشنكير وعدة من الْعَسْكَر وجرح جمَاعَة. وَقتل قتاوون مقدم التتار فِي المعركة وَأمر السُّلْطَان بقتل من أسر من التتار وأبقي من أسر من أُمَرَاء الرّوم وأعيانهم مَعَه وَفِيهِمْ أم البرواناه وَابْنه مهذب الدّين على وَابْن ابْنَته. وجرد السُّلْطَان الْأَمِير سنقر الْأَشْقَر فِي جمَاعَة لإدراك المنهزمين من التتر وللتوجه إِلَى قيسارية وَكتب مَعَه كتابا إِلَى أهل قيسارية بالأمان وَإِخْرَاج الْأَسْوَاق والتعامل بِالدَّرَاهِمِ الظَّاهِرِيَّة فَمر الْأَمِير سنقر بفرقة من التتار مَعَهم الْبيُوت فَأخذ مِنْهُم جانبا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 وأدركه اللَّيْل فَتفرق من بَقِي مِنْهُم. ورحل السُّلْطَان فِي يَوْم السبت حادي عشره يُرِيد قيسارية الرّوم فاستولي فِي طَرِيقه على عدَّة بِلَاد. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس عشرَة تَلقاهُ أهل قيسارية من الْعلمَاء والأكابر وَالنِّسَاء والأطفال واحتف بِهِ الْفُقَرَاء الصُّوفِيَّة وتواجدوا إِلَى أَن قرب من دهليز السُّلْطَان غياث الدّين صَاحب الرّوم وخيامه وَقد نصبت فِي وطاة بِالْقربِ من المناظر الَّتِي كَانَت لملوك الرّوم فترجل وُجُوه العساكر المصرية والشامية على طبقاتهم وَمَشوا بَين يَدَيْهِ إِلَى أَن وَصلهَا وَارْتَفَعت الْأَصْوَات بِالتَّكْبِيرِ والتهليل وَأَقْبل الرّوم من كل جِهَة وَضربت نوبَة آل سلجوق على عَادَتهَا وَحضر أَصْحَاب الملاهي كَمَا هِيَ عَادَة الرّوم فنهوا عَن الضَّرْب بالآلت وَعَن الْغناء أَيْضا وَقيل لَهُم: هَذِه الْهَيْئَة لَا تتفق عندنَا وَمَا هَذَا مَوضِع الْغناء بل مَوضِع الشُّكْر. وَشرع السُّلْطَان فِي إِنْفَاق المَال وَعين لكل جِهَة شخصان وَكتب إِلَى أَوْلَاد قرمان أُمَرَاء التركمان وأكد عَلَيْهِم فِي الْحُضُور واستمال النازحين فَمَا خرج البرواناخ عَن المطاولة إِلَى أَن علم السُّلْطَان مِنْهُ إِنَّه لَا يحضر. وَركب السُّلْطَان فِي يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشريه وعَلى رَأسه جتر بني سلجوق وَدخل قيسارية دَار السلطة وَعبر الْقُصُور وَجلسَ على آل سلجوق وَأَقْبل النَّاس للهناء وقبلوا الأَرْض وَحضر القضاه وَالْفُقَهَاء والوعاظ والقراء والصوفية وأعيان قيسارية وذوو الْمَرَاتِب على عَادَة الْمُلُوك السلجوقية فِي أَيَّام الْجمع ووقف أَمِير المحفل - وَهُوَ عِنْدهم ذُو حُرْمَة ومكانة ويلبس أكبر ثوب وعمامة - فرتب المحفل على قدر الأقدار وانتصب قَائِما بَين يَدي السُّلْطَان منتظرا مَا يُشِير بِهِ. وَقَرَأَ الْقُرَّاء أحسن قِرَاءَة وَرفعُوا أَصْوَاتهم بالتلحين العجيب إِلَى أَن فرغوا فانشد أَمِير المحفل بِالْعَرَبِيَّةِ والعجمية مدائح فِي السُّلْطَان وَمد سماط الطَّعَام فَأكل من حضر ثمَّ أحضرت دَرَاهِم عَلَيْهَا السِّكَّة الظَّاهِرِيَّة. وتهيأ السُّلْطَان لصَلَاة الْجُمُعَة وَقَامَ السُّلْطَان إِلَى الْجَامِع وخطب الْخطب بنعوته وَصلي وخطب لَهُ الخطباء بجوامع قيسارية وَهِي سَبْعَة فَلَمَّا قضي السُّلْطَان صَلَاة الْجُمُعَة حمل إِلَيْهِ مَا تركته كرجي خاتون امْرَأَة البرواناه من الْأَمْوَال الَّتِي لم تقدر على حملهَا مَعهَا وَمَا خَلفه سواهَا مِمَّن انتزح مَعهَا وَظهر لَهَا ولزوجها معِين لدين البرواناه مَوْجُود نَفِيس فَأخذ السُّلْطَان ذَلِك. وَبعث البرواناه يهنئ السُّلْطَان بيبرس بجلوسه على تخت الْملك فَكتب إِلَيْهِ أَن يفد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 عَلَيْهِ ليقره مَكَانَهُ فَبعث يسْأَل النظرة إِلَى خَمْسَة عشر يَوْمًا. وَرَجا البرواناه بذلك أَن يصل الْملك أَيْضا وَكَانَ قد أرسل يستحثه على الْقدوم بِنَفسِهِ ليدرك الْملك الظَّاهِر وَهُوَ بِبِلَاد الرّوم فَلَمَّا بلغ السُّلْطَان ذَلِك خرج من قيسارية فِي ثَانِي عشريه بعد مَا أعطي الْأُمَرَاء والخواص الْخُيُول وَالْأَمْوَال. وَلما وصل السُّلْطَان إِلَى خَان كيقباد بعث إِلَى الأرمن بِجِهَة الرمانة لأمير طيبرس الوزيري فَحرق وَقتل وَسبي من بهَا من الأرمن وَعَاد وَسبب ذَلِك أَنهم كَانُوا قد أخفوا جمَاعَة من التتر فَسَار السُّلْطَان إِلَى الأبلستين وَمر على مَكَان المعركة ليري رمم الْقَتْلَى من التتار فَذكر أهل الأبلستين إِنَّهُم عدوا من الْقَتْلَى سِتَّة آلَاف وَسَبْعمائة وَسِتِّينَ وَضاع الْحساب بعد ذَلِك فَأمر السُّلْطَان بِجمع من قتل من عساكره ودفنوا وَترك مِنْهُم قَلِيلا بِغَيْر دفن وَقصد بذلك وَدخل السُّلْطَان إِلَى الدربند فِي رَابِع ذِي الْحجَّة وَأصَاب النَّاس فِيهِ مشقة عَظِيمَة وَنزل بحارم فِي سادسه وَعِيد هُنَاكَ فورد كتاب الْأَمِير شمس الدّين مُحَمَّد بن قرمان أَمِير التركمان يتَضَمَّن أَنه جمع التركمان وَحضر فِي عشْرين ألف فَارس وَثَلَاثِينَ ألف راجل متركشة للْخدمَة فَوجدَ السُّلْطَان قد عَاد وَحضر أَيْضا أُمَرَاء بني كلاب ووفود التركمان ثمَّ رَحل السُّلْطَان طَالبا دمشق. وَقدم الْملك أبغا بن هولاكو بالتتار لمحاربة السُّلْطَان فوافاه البرواناه فِي الطَّرِيق. وَكَانَ السُّلْطَان قد رَحل فَتَبِعَهُ أبغا وَسَار إِلَى الأبلستين حَتَّى عاين الْقَتْلَى بالمعركة وَلَيْسَ فيهم من الرّوم وَلَا من عَسَاكِر السُّلْطَان إِلَّا الْقَلِيل مَعَ كَثْرَة رمم التتار الَّتِي هُنَاكَ فشق عَلَيْهِ ذَلِك وَكَانَ قد وشي إِلَيْهِ بالبرواناه إِنَّه هُوَ الَّذِي كَاتب الْملك الظَّاهِر حَتَّى أقدمه إِلَى بِلَاد الرّوم فخنق لقلَّة عدد قَتْلِي الرّوم. وَعَاد أبغا إِلَى قيسارية فنهبها وَقتل من بِبِلَاد الرّوم من الْمُسلمين وأغار التتار مسيرَة سَبْعَة أَيَّام فَيُقَال إِنَّه قتل من الْفُقَهَاء والقضاة والرعايا مَا يزِيد على مِائَتي ألف نفس وَلم يقتل أحدا من النَّصَارَى. وكل الْقَتْل من أرزن الرّوم إِلَى قيسارية فَيُقَال إِن عدَّة الْقَتْلَى كَانَت خَمْسمِائَة ألف ثمَّ سَار أبغا وَمَعَهُ السُّلْطَان غياث الدّين صَاحب الرّوم ووكل بالبرواناه من يحفظه. وَسَار السُّلْطَان بيبرس من حارم إِلَى أنطاكية وَنزل بمروجها. الْأَمِير عز الدّين إيغان الْمَعْرُوف بِسم الْمَوْت أيحد أُمَرَاء مصر وَهُوَ بقلعة الْجَبَل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 مسجونا فَدفن خَارج بَاب النَّصْر. وفيهَا حج الصاحب تَاج الدّين حنا وَكَانَ بِمَكَّة غلاء عَظِيم. وَتُوفِّي شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب بن مَنْصُور الْحَرَّانِي الْحَنَفِيّ بِدِمَشْق بعد مَا أَقَامَ بِالْقَاهِرَةِ عينا وَكَانَ قد ولي قَضَاء بعض الْأَعْمَال. وَتُوفِّي بدر أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن القويرة الْحَنَفِيّ الْفَقِيه الأديب نَحْو أَرْبَعِينَ سنة بِدِمَشْق. وَتُوفِّي فَخر الدّين أَبُو الْوَلِيد مُحَمَّد بن سعيد بن مُحَمَّد بن هِشَام بن عبد الْحق الْكِنَانِي الشاطبي الْحَنَفِيّ النَّحْوِيّ الأديب عَن سِتِّينَ سنة بِدِمَشْق. وَتُوفِّي قطب الدّين أَبُو الْمَعَالِي أَحْمد بن عبد السَّلَام بن المطهر بن أبي سعد عبد الله ابْن مُحَمَّد بن هبة الله بن على بن المطهر بن أبي عصرون التَّمِيمِي الْموصِلِي الشَّافِعِي عَن ثَلَاث وَثَمَانِينَ سنة بحلب. وَتُوفِّي الأديب شهَاب الدّين أَبُو المكارم مُحَمَّد بن يُوسُف بن مَسْعُود بن بركَة الشَّيْبَانِيّ التلمفري عَن اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ سنة بحماة. وَمَات الشَّيْخ الْعَبَّاس خضر بن أبي بكر بن مُوسَى المهراني الْعَدوي الْكرْدِي فِي محبسه بقلعة وماس متملك تونس أَبُو عبد الله مُحَمَّد الْمُسْتَنْصر بن السعيد أبي زَكَرِيَّا يحيي بن عبد الْوَاحِد بن أبي حَفْص فِي عَاشر ذُو الْحجَّة فَكَانَت مدَّته ثمانيا وَعشْرين سنة وَخَمْسَة أشهر وَعشرَة أَيَّام وبويع بعده ابْنه أَبُو زَكَرِيَّا يحيي الواثق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 سنة سِتّ وَسبعين وسِتمِائَة فِي خَامِس الْمحرم: دخل السُّلْطَان من أنطاكية إِلَى دمشق بعساكره وَنزل بِالْقصرِ الأبلق فكثرت الْأَخْبَار بقدوم أبغا إِلَى الأبلستين وَأَنه يُرِيد بِلَاد الشَّام فَضرب الدهليز على الْقصر ليخرج السُّلْطَان إِلَى لِقَائِه فورد الْخَبَر بِرُجُوع ألبغا إِلَى بِلَاده فَرد الدهليز إِلَى دمشق. وَلما كَانَ فِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشره: جلس السُّلْطَان لشرب القمز وَقد عظم سروره وفرحه وتناهي سعده فَأكْثر من الشّرْب وانقضي الْمجْلس فتوعك بدنه وَأصْبح يشكو فتقيأ وَركب بعد الصَّلَاة إِلَى الميدان ثمَّ عَاد إِلَى الْقصر الأبلق آخر النَّهَار وَبَات فِيهِ فَلَمَّا أصبح وَهُوَ يشكو حرارة فِي بَاطِنه اسْتعْمل دَوَاء لم يكن عَن رَأْي طَبِيب فَلم ينجح وتزايد ألمه فاستدعى الْأَطِبَّاء فانكروا اسْتِعْمَاله الدَّوَاء وَاتَّفَقُوا على أَخذ مسهل وسقوه فَلم يفد فحركوه بدواء آخر فأفرط بِهِ الإسهال وتضاعفت الحمي وَرمي دَمًا يُقَال إِنَّه كبده فعولج بجواهر وَمَات. وَقَالَ الشَّيْخ قطب الدّين اليونيني فِي تَارِيخه: إِن الظَّاهِر كَانَ مُولَعا بِعلم النُّجُوم فَقيل لَهُ أَنه يَمُوت بِدِمَشْق فِي سنة سِتّ وَسبعين هَذِه ملك بالسم فاهتم من ذَلِك وَيُقَال إِنَّه كَانَ فِيهِ حد فَلَمَّا دخل مَعَه إِلَى بِلَاد الرّوم الْملك القاهر بهاء الدّين عبد الْملك بن الْملك الْمُعظم عيسي بن الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب أبلي فِي المصاف بلَاء عَظِيما أنكي بِهِ الْعَدو وتعجب النَّاس لعظم شجاعته فأثر ذَلِك عِنْد السُّلْطَان. وَاتفقَ أَن السُّلْطَان كَانَ مِنْهُ ذَلِك الْيَوْم فتور وَظهر عَلَيْهِ الْخَوْف والندم على مَا فعله من تورط نَفسه وعساكره بِبِلَاد الرّوم فَأنْكر عَلَيْهِ الْملك القاهر وقبح فعله فَأسر لَهُ السُّلْطَان ذَلِك إِلَى أَن قدم فِي دمشق فَسمع السُّلْطَان النَّاس تلهج مِمَّا فعله الْملك القاهر فِي وَقت المصاف فَاشْتَدَّ حنقه وَأخذ يتحيل فِي سمه ليَصِح فِيهِ مَا دلّت عَلَيْهِ النُّجُوم من موت ملك بِالشَّام فَإِنَّهُ يُطلق عَلَيْهِ اسْم الْملك فَعمل دَعْوَة لشرب القمز حضرها الْملك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 القاهر وَقد أعد السُّلْطَان سما من غير أَن يشْعر بِهِ أحد. وَكَانَ لَهُ ثَلَاث هنابات تخْتَص بِهِ مَعَ ثَلَاثَة سقاة لَا يشرب فِيهَا غَيره أَو من يُكرمهُ فيناوله أَحدهَا بِيَدِهِ فَلَمَّا قَامَ الْملك القاهر لقَضَاء حَاجته جعل السُّلْطَان السم الَّذِي أعده فِي هناب وأمسكه بِيَدِهِ فَلَمَّا عَاد الْملك القاهر نَاوَلَهُ إِيَّاه فَقبل الأَرْض وَشرب جَمِيع مَا فِيهِ وَقَامَ السُّلْطَان لقَضَاء حَاجَة وَأخذ الساقي المناب من يَد الْملك القاهر وملأه على الْعَادة من غير أَن يشْعر بِمَا عمله السُّلْطَان من السم فِيهِ وأمسكه بِيَدِهِ ووقف مَعَ السقاة فَلَمَّا عَاد السُّلْطَان من الْخَلَاء تنَاول ذَلِك المناب بِعَيْنِه وَشرب مَا فِيهِ وَهُوَ لَا يعلم إِنَّه المناب المسموم فعندما شربه أحس بالتغير وَعلم إِنَّه قد شرب بقايا السم الَّذِي كَانَ فِي المناب فتقيا فَلم يفد وَمَا زَالَ بِهِ حَتَّى مَاتَ. وَذكر ركن الدّين بيبرس المنصوري المؤرخ أَن الْقَمَر خسف جَمِيع جرمه وَدلّ على موت رجل جليل الْقدر فَلَمَّا بلغ الْملك الظَّاهِر هَذَا خَافَ وَقصد صرف ذَلِك إِلَى غَيره فسم الْملك القاهر فِي كأس قمز وأحس الْملك القاهر بِالشَّرِّ فَقَامَ وَغلظ الساقي فَمَلَأ الكأس وسقاه السُّلْطَان فأحس بالنيران وَأقَام أَيَّامًا يشكو وَلَا يعلم الْأَطِبَّاء حَتَّى تمكن مِنْهُ وَمَات. وَكَانَت وَفَاته يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشري الْمحرم بعد الزَّوَال فَكَانَت مُدَّة مَرضه ثَلَاثَة عشر يَوْمًا وَقد تجَاوز الْخمسين سنة وَمُدَّة ملكه سبع عشرَة سنة وشهران وَاثنا عشر يَوْمًا. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء: أنعم السُّلْطَان على جَمِيع الْأُمَرَاء والمقدمين والقضاة والمتعممين بالتشاريف وَلبس السُّلْطَان تَشْرِيفًا كَامِلا بشربوش ثمَّ أنعم بِهِ على الْأَمِير سيف الدّين قلاوون الألفي ولعبوا على عَادَتهم. وَحصل الاهتمام بِأَمْر السماط وَنقل لَهُ من أَصْنَاف الْحَوَائِج مَا لَا يعد وسيق من الأغنام أُلُوف كَثِيرَة. ومدت الأسمطة وَحضر السُّلْطَان وَالنَّاس فِي خدمته إِلَى أَن أخذُوا حَاجتهم من الطَّعَام والحلاوات ثمَّ نقل جَمِيع ذَلِك وَأخذ. وَحَضَرت التقادم فَقبل السُّلْطَان مِنْهَا الْيَسِير مثل تقصيلة أَو رمح أَو شَيْء لطيف وَمَا قَامَ من مَجْلِسه حَتَّى أنعم بذلك فِي وقته وَدخل الْملك السعيد على ابْنة الْأَمِير قلاوون. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 وَشرع السُّلْطَان فِي السّفر لأخذ بِلَاد الرّوم وَبعث إِلَى الْأُمَرَاء الروميين الْخُيُول والخيام وكل مَا يصلح من أُمُور السّفر. وتقرر الْأَمِير آقسنقر الفارقاني نَائِب الْغَيْبَة بقلعة الْجَبَل وَمَعَهُ الصاحب بهاء الدّين بن حنا ليكونا فِي خدمَة الْملك السعيد. وَتعين الصاحب زين الدّين أَحْمد بن الصاحب فَخر الدّين مُحَمَّد بن الصاحب بهاء الدّين لوزارة الصُّحْبَة. وَخرج السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل يَوْم الْخَمِيس الْعشْرين من رَمَضَان ورحل فِي يَوْم السبت ثَانِي عشريه وَمَعَهُ الْأُمَرَاء والعساكر الإسلامية يُرِيد الْبِلَاد الشامية فَدخل دمشق يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع عشر شَوَّال وَخرج مِنْهَا إِلَى حلب فِي الْعشْرين مِنْهُ فوصل إِلَى حلب مستهل ذِي الْقعدَة وَخرج مِنْهَا يَوْم الْخَمِيس ثَانِيه إِلَى حيلان وجرد السُّلْطَان الْأَمِير نور الدّين على بن محلي نَائِب حلب ليقيم على الْفُرَات بعسكر حلب ويحفظ معابر الْفُرَات لِئَلَّا يدْخل أحد من التتار إِلَى بِلَاد الشَّام وَوصل إِلَى الْأَمِير نور الدّين الْأَمِير شرف الدّين عيسي بن مهنا. وَكَانَ السُّلْطَان مُنْذُ خرج من مصر إِلَى أَن وصل إِلَى حلب لم يمر بمملكة إِلَّا أَخذ مَعَه عسكرها وخزائنها وأسلحتها فَترك بعض الثّقل بحيلان وَصَارَ مِنْهَا يَوْم الْجُمُعَة ثالثه إِلَى عين تَابَ وَقطع الدربندربات فِي وَطْأَة. وتوجهت العساكر جرائد على الْأَمر الْمَعْهُود وخففوا كل شَيْء وَتقدم الْأَمِير سنقر الْأَشْقَر جاليشا فِي عدَّة من الْعَسْكَر فَوَقع على ثَلَاثَة آلَاف فَارس من التتار ومقدمهم يُسمى كراي فَانْهَزَمُوا قدامه وَأسر مِنْهُم جمَاعَة وَكَانَ ذَلِك يَوْم الْخَمِيس تَاسِع الشَّهْر وَبلغ ذَلِك الْملك أبغا فَجهز جمَاعَة من عرب خفاجة لينازلوا عَسْكَر حلب على غرَّة فَبلغ ذَلِك نَائِب حلب وَهُوَ على الْفُرَات فَركب إِلَيْهِم وَقَاتلهمْ وَهَزَمَهُمْ وَأخذ مِنْهُم ألفا ومائتي جمل. وَورد الْخَبَر على السُّلْطَان بِأَن عَسْكَر التتار ومقدمهم تتاوون وعسكر الرّوم ومقدمهم معِين الدّين البرواناه قد اتَّفقُوا جَمِيعًا على لِقَائِه فرتب عساكره وتأهب للقاء وطلع بعساكره على جبال تشرف على صحراء هوتي من بلد أبلستين. وترتب المغول أحد عشر طلبا كل طلب يزِيد على ألف فَارس وعزلوا عَسْكَر الرّوم عَنْهُم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 وجعلوه طلبا بمفرده لِئَلَّا يكون محاصرا عَلَيْهِم وَأَقْبلُوا فانصبت الْخُيُول الإسلامية عَلَيْهِم من جبل أبي المنجا وَهِي أجل قناطر أَرض مصر. وَعمل قناطر السبَاع بَين الْقَاهِرَة ومصر على الخليج الْكَبِير وحفر خليج الْإسْكَنْدَريَّة وبحر طناح وبحر الصماصم بالقليوبية وحفر خليج سردوس وَأصْلح بَحر دمياط وردم فَمه بالصخور. وَمن غَرِيب أمره إِنَّه أول مَا فتح من الْبِلَاد قيسارية من بِلَاد السَّاحِل وَآخر مَا فتح مَدِينَة قيسارية من بِلَاد الرّوم. وَأول جُلُوسه على مرتبه الْملك يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشري ذِي الْقعدَة وَآخر جُلُوسه على تخت الْملك بسلطنة آل سلجوق فِي قيسارية الرّوم يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشري ذِي الْقعدَة وَأول من بني مَدِينَة أنطاكية اسْمه بِالْعَرَبِيَّةِ الْملك الظَّاهِر وَالَّذِي أخربها الْملك الظَّاهِر. وَأول من قَامَ بدولة التّرْك السلجوقية ركن الدّين طغرلبك وَالْملك الظَّاهِر ركن الدّين بيبرس هُوَ الْقَائِم فِي الْحَقِيقَة بدولة التّرْك من يَوْم وقْعَة المنصورة. وركن الدّين طغرلبك هُوَ الَّذِي رد الْخلَافَة على بني الْعَبَّاس فِي نوبَة البساسيري وركن الدّين بيبرس هُوَ الَّذِي رد الْخلَافَة على بني الْعَبَّاس فِي نوبَة هولاكو. وَالْخطْبَة بديار مصر كَانَت بعد الْخَلِيفَة الْحَاكِم بِأَمْر الله الفاطمي للظَّاهِر لإعزاز دين الله وَكَذَا وَقع لَهُ فقد كَانَت الْخطْبَة بعد الْخَلِيفَة الْحَاكِم بِأَمْر الله العباسي للْملك الظَّاهِر بيبرس. وَكَانَ راتب مخابزة وعليقة لخاصة نَفسه ومماليكه فِي كل سنة مائَة ألف وَعشْرين ألف أردب وَكَانَ يطعم فِي كل لَيْلَة من ليَالِي شهر رَمَضَان خَمْسَة آلَاف نفس ويكسو فِي كل سنة سِتّمائَة كسْوَة خَارِجا عَمَّا يُطلقهُ من يَده من الكساوي وَكَانَ لَهُ من الْخبز ألفا قِنْطَار وَخَمْسمِائة فِي كل يَوْم. إِلَّا إِنَّه كَانَ كثير المصادرات للدواوين كثير الجباية للأموال من الرّعية. وأحدث وزيره ابْن حنا فِي أَيَّامه حوادث جليلة وقاس أَمْلَاك النَّاس بِمصْر والقاهرة وصادر أَرْبَاب الْأَمْوَال حَتَّى هلك كثير مِنْهُم تَحت الْعقُوبَة وَأخذ جوالي الذِّمَّة مضاعفة وَأمر بإحراقهم كلهم وَجمع لَهُم الأحطاب وحفر لَهُم حُفْرَة عَظِيمَة قُدَّام دَار النِّيَابَة بقلعة الْجَبَل ثمَّ عُفيَ عَنْهُم وَقرر عَلَيْهِم أَمْوَالًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 أخذت مِنْهُم بالمقارع وَمَات أَكْثَرهم فِي الْعقُوبَة. وَلما توجه السُّلْطَان بيبرس إِلَى بِلَاد الرّوم كلف أهل دمشق جباية مَال لإِقَامَة الْخَيل وَفرض عَلَيْهِم ألف ألف دِرْهَم نقرة تجبي من الْمَدِينَة وَمن وَلم يل الوزارة لَهُ سوي الصاحب بهاء الدّين على بن مُحَمَّد بن حنا وقضاته بِمصْر قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب بن بنت الْأَعَز إِلَى أَن أحدث الْقُضَاة الْأَرْبَعَة وَاسْتمرّ ذَلِك من بعده. وَرُوِيَ السُّلْطَان بيبرس بعد مَوته فِي النّوم فَقيل لَهُ: مَا فعل الله بك فَقَالَ: مَا رَأَيْت شَيْئا أَشد على من وُلَاة قُضَاة أَرْبَعَة. وَقيل لي فرقت الْكَلِمَة. وَكَانَ كل من ولاه بيبرس فِي مملكة أَو عمل أبقاه وَلم يُغير عَلَيْهِ وَلَا يعزله. وَتزَوج بيبرس من النِّسَاء وَهُوَ بِبِلَاد غَزَّة قبل أَن يَلِي الْملك امْرَأَة من طَائِفَة الشَّهْر زورية ثمَّ طَلقهَا بِالْقَاهِرَةِ. وَتزَوج ابْنه حسام الدّين بركَة خَان بن دولة خَان التتري وَابْنَة الْأَمِير سيف الدّين نوكلي التتري وَابْنَة الْأَمِير سيف الدّين كراي بن تماجي التتري وَابْنَة الْأَمِير سيف الدّين التتري. وَولد لَهُ من الْأَوْلَاد عشرَة الذُّكُور مِنْهُم ثَلَاثَة وهم الْملك السعيد نَاصِر الدّين مُحَمَّد بركَة قان وَولد فِي صفر سنة ثَمَان وَخمسين وسِتمِائَة بِمَنْزِلَة العش من بنت حسام الدّين بركَة خَان الْخَوَارِزْمِيّ وَالْملك الْعَادِل بدر الدّين سلامش وَالْملك المسعود نجم الدّين خضر وَالْإِنَاث سبع. وَلما مَاتَ السُّلْطَان بيبرس كتم الْأَمِير بدر الدّين بيليك الخازندار نَائِب السلطة مَوته عَن العساكر وَحمله فِي محفة من الْقصر الأبلق خَارج دمشق إِلَى القلعة فِي اللَّيْل وَجعله فِي تَابُوت وعلقه فِي بَيت وأشاع إِنَّه مَرِيض ورتب الْأَطِبَّاء على الْعَادة ثمَّ أَخذ العساكر والخزائن وَمَعَهُ محفة مَحْمُولَة وأوهم أَن السُّلْطَان فِيهَا مَرِيض وَخرج من دمشق يُرِيد مصر فَلم يَجْسُر أحد أَن يتفوه بِمَوْت السُّلْطَان. وَاسْتمرّ الْحَال على ذَلِك حَتَّى وصلت العساكر إِلَى الْقَاهِرَة وصعدت الخزائن والمحفة إِلَى قلعة الْجَبَل فأشيع حِينَئِذٍ مَوته. وَالْجُمْلَة فَلَقَد كَانَ من خير مُلُوك الْإِسْلَام. السُّلْطَان الْملك السعيد نَاصِر الدّين مُحَمَّد بركَة قان بن الْملك الظَّاهِر ركن الدّين بيبرس البندقداري الصَّالِحِي النجمي. لما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 مَاتَ الْملك الظَّاهِر بِدِمَشْق كتب الْأَمِير بدر الدّين بيليك الخازندار إِلَى الْملك السعيد وَهُوَ بقلعة الْجَبَل كتابا بِمَوْت أَبِيه فأظهر الْملك السعيد عِنْد وُرُود الْكتاب فَرحا كَبِيرا وأخلع على من أحضرهُ وأشاع أَن الْكتاب يتَضَمَّن الْبشَارَة بِعُود الْملك الظَّاهِر إِلَى ديار مصر وَأصْبح فَركب الْأُمَرَاء على الْعَادة تَحت القلعة من غير أَن يظْهر عَلَيْهِم شَيْء من الْحزن. وَسَار الْأَمِير بيليك بالمحنة والأطلاب حَتَّى قدم إِلَى الْقَاهِرَة يَوْم الْخَمِيس سادس عشر صفر وَهُوَ تَحت السناجق الظَّاهِرِيَّة وَصعد قلعة الْجَبَل. وَجلسَ الْملك السعيد بالإيوان وَسلم إِلَيْهِ الْأَمِير بيليك الخزائن والعساكر ووقف بَين يَدَيْهِ فصاح الْحجاب حِينَئِذٍ. يَا أُمَرَاء ترحموا على السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر. فارتفع الضجيج والعويل وَوَقع الْأُمَرَاء إِلَى الأَرْض يقبلونها للْملك السعيد فجددت الْأَيْمَان وَحلف لَهُ سَائِر الْعَسْكَر والقضاة والمدرسين والأعيان وتولي تحليفهم الْأَمِير بدر الدّين بيليك الخازندار بِحَضْرَة الْقُضَاة. فَأقر الْملك السعيد الْأَمِير بدر الدّين بيليك على نِيَابَة السلطنة وَأقر الصاحب بهاء الدّين ابْن حنا على وزارته وخلع عَلَيْهِمَا وعَلى الْأُمَرَاء والمقدمين والقضاة وأرباب الْوَظَائِف. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشريه: دَعَا الخطباء على مَنَابِر الْجَوَامِع بِمصْر والقاهرة للْملك السعيد وَصلي بهَا على الْملك الظَّاهِر صَلَاة الْغَائِب. وَخرج الْبَرِيد إِلَى دمشق بِمَوْت الْملك الظَّاهِر وتحليف العساكر للْملك السعيد فَحَلَفُوا. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سادس عشر ربيع الأول: ركب الْملك السعيد بالعصائب على عَادَة أَبِيه وَمَعَهُ الْأُمَرَاء والأعيان وَعَلَيْهِم الْخلْع وسير إِلَى تَحت الْجَبَل الْأَحْمَر وَعَاد إِلَى القلعة من غير أَن يشق الْقَاهِرَة وَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. (وَفِي سادس ربيع الآخر) مَاتَ الْأَمِير بدر الدّين بيليك النَّائِب واتهم أَن الْملك السعيد سمه وَذَلِكَ أَنه اخْتصَّ بِجَمَاعَة من المماليك الْأَحْدَاث فأوهموه من الْأَمِير بيليك وَكَانَت جنَازَته حفلة وَمن بعده اضْطَرَبَتْ أُمُور الْملك السعيد. وَأقَام الْملك السعيد بعده فِي نِيَابَة السلطنة الْأَمِير شمس الدّين آقنسنقر الفارقاني وَكَانَ حازما فضم إِلَيْهِ جمَاعَة مِنْهُم شمس الدّين أقوش وقطليجا الرُّومِي وَسيف الدّين قلج الْبَغْدَادِيّ وَسيف الدّين بيجو الْبَغْدَادِيّ وَعز الدّين ميغان أَمِير شكار وَسيف الدّين بكتمر السِّلَاح دَار فثقل الْأَمِير آقسنقر على خاصكية السُّلْطَان وَحَدثُوا السُّلْطَان فِي أمره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 واستعانوا بالأمير سيف الدّين كوندك الساقي. وَكَانَ الْملك السعيد. قد قدمه وعظمه لِأَنَّهُ رَبِّي مَعَه فِي الْمكتب فَقبض على آقسنقر وَهُوَ جَالس فِي بَاب الْقلَّة وسجن وأهين ونتفت لحيته وَضرب ثمَّ أخرج بعد أَيَّام يسيرَة ميت. فاستقر بعده فِي النِّيَابَة الْأَمِير شمس الدّين سنقر الألفي المظفري فكرهه الخاصكية وَقَالُوا. هَذَا مَا هُوَ من الظَّاهِرِيَّة وخيلوا الْملك السعيد مِنْهُ أَنه يُرِيد أَن يثور بخشداشيته مماليك الْملك المظفر قطز فَعَزله سَرِيعا. وَولي الْأَمِير سيف الدّين كوندك الساقي نِيَابَة السلطة وَهُوَ شَاب فعضده الْأَمِير سيف الدّين قلاوود الألفي وَمَال إِلَيْهِ. وَكَانَ من جملَة المماليك السُّلْطَانِيَّة الخاصكية شخص يعرف بلاجين الزيني وَقد غلب على الْملك السعيد فِي سَائِر أَحْوَاله وَضم إِلَيْهِ عدَّة من الخاصكية وَأخذ لاجين لَهُم الإقطاعات وَالْأَمْوَال الجزيلة وَصَارَ كلما انحل خبز أَخذه لمن يخْتَار وتنافر النَّائِب وَالْمَذْكُور فتورغرت بَينهمَا الصُّدُور ودبت بَينهمَا عقارب الشرور وأعمل كل مِنْهُمَا مكره فِي أذية الآخر وَضم النَّائِب إِلَيْهِ جمَاعَة من الْأُمَرَاء الْكِبَار وَصَارَ الْعَسْكَر حزبين فآل الْأَمِير إِلَى مَا آل إِلَيْهِ من وَتغَير السُّلْطَان على الْأُمَرَاء وَقبض فِي سَابِع عشره على الْأَمِير جودي القيمري الْكرْدِي فنفرت مِنْهُ قُلُوب الْأُمَرَاء لَا سِيمَا الصالحية: مثل الْأَمِير سيف الدّين قلاوون والأمير شمس الدّين سنقر الْأَشْقَر والأمير علم الدّين سنجر الْحلَبِي والأمير بدر الدّين بيسري وأقرانهم فَإِنَّهُم كَانُوا يأنفون من تملك الْملك الظَّاهِر عَلَيْهِم ويرون أَنهم أَحَق مِنْهُ بِالْملكِ فَصَارَ ابْنه الْملك السعيد يضع من أقدارهم وَيقدم عَلَيْهِم مماليك الأصاغر ويخلو بهم وَكَانُوا صباح الْوُجُوه ويعطهم مَعَ ذَلِك الْأَمْوَال الْكَثِيرَة وَيسمع من رَأْيهمْ وَيبعد الْأُمَرَاء الْكِبَار. وَاسْتمرّ الْحَال على هَذَا إِلَى أَن كَانَ يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشريه وَفِيه قبض السُّلْطَان على الْأَمِير شمس الدّين سنقر الْأَشْقَر والأمير بدر الدّين بيسري وسجنهما بالقلعة ثَلَاثَة وَعشْرين يَوْمًا فزادت الوحشة بَينه وَبَين الْأُمَرَاء وَدخل خَاله الْأَمِير بدر الدّين مُحَمَّد بركَة خَان إِلَى أُخْته أم السُّلْطَان وَقَالَ لَهَا: قد أَسَاءَ ابْنك التَّدْبِير بِقَبْضِهِ على مثل هَؤُلَاءِ الْأُمَرَاء الأكابر والمصلحة أَن ترديه إِلَى الصَّوَاب لِئَلَّا يفْسد نظامه وتقصر أَيَّامه. فَلَمَّا بلغ الْملك السعيد ذَلِك قبض عَلَيْهِ. واعتقله فَلم تزل بِهِ أمه تعنفه وتتلطف بِهِ حَتَّى أطلقهُم وخلع عَلَيْهِم وأعادهم إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ وَقد تمسكت عداوته من قُلُوبهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 وتوهم مِنْهُ بَقِيَّة الْأُمَرَاء وخشوا أَن يعاملهم كَمَا عَامل الْأَمِير بيليك الخازندار مَعَ حفظَة لَهُ الْملك وَتَسْلِيم الخزائن والعساكر إِلَيْهِ فَلم يُكَافِئهُ إِلَّا بِأَن قَتله بالسم. فَاجْتمع الْأُمَرَاء وهموا أَن يخرجُوا عَنهُ إِلَى بِلَاد الشَّام ثمَّ اتَّفقُوا وصعدوا إِلَى قلعة الْجَبَل وَمَعَهُمْ مماليكهم وألزامهم وأجنادهم وأتباعهم وَمن انْضَمَّ إِلَيْهِم من العساكر فَامْتَلَأَ مِنْهُم الإيوان ورحبة الْقصر وبعثوا إِلَى الْملك السعيد: بأنك قد أفسدت الخواطر وتعرضت إِلَى أكَابِر الْأُمَرَاء فإمَّا أَن ترجع عَمَّا أَنْت عَلَيْهِ: وَإِلَّا كَانَ لنا وَلَك شان. فلاطفهم فِي الْجَواب وتنصل مِمَّا كَانَ مِنْهُ وَبعث إِلَيْهِم التشاريف فَلم يلبسوها وترددت الْأَجْوِبَة بَينهم وَبَينه إِلَى أَن تقرر الصُّلْح وَحلف لَهُم إِنَّه لَا يُرِيد بهم سوءا وتولي تَحْلِيفه الْأَمِير بدر الدّين الأيدمري وفرضوا وَانْصَرفُوا. وَكتب السُّلْطَان الْملك السعيد إِلَى دمشق أَن يدْفن الْملك الظَّاهِر دَاخل الْمَدِينَة فاشتري الْأَمِير عز الدّين أيدمر نَائِب الشَّام دَار العقيقي دَاخل بَاب الْفرج تجاه الْمدرسَة العادلية بستين ألف دِرْهَم وَجعلهَا مدرسة وَبني بهَا قبَّة وابتدأ بالعمارة فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس جُمَادَى الأولى وَفرغ مِنْهَا فِي آخر جُمَادَى الْآخِرَة. وَخرج من الْقَاهِرَة الْأَمِير علم الدّين سنجر الْمَعْرُوف بِأبي خرص والطواشي صفي الدّين جَوْهَر الْهِنْدِيّ وَسَار إِلَى دمشق فدخلاها فِي ثَالِث رَجَب فَلَمَّا كَانَ فِي لَيْلَة الْجُمُعَة خامسه حمل الْملك الظَّاهِر من قلعة دمشق لَيْلًا على أَعْنَاق الرِّجَال وَوضع فِي جَامع بني أُميَّة وَصلي عَلَيْهِ وَحمل حَتَّى دفن بالقبة من الْمدرسَة الَّتِي بنيت لَهُ بِحُضُور نَائِب الشَّام وألحده قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين مُحَمَّد بن عبد الْقَادِر بن عبد الْخَالِق بن خَلِيل بن مقلد أَبُو المفاخر الْمَعْرُوف بَاب الصَّائِغ وترتب الْقُرَّاء من ثَانِي يَوْم ثمَّ وقف عز الدّين بن شَدَّاد وَكيل الْملك السعيد هَذِه الْمدرسَة ووقف عَلَيْهَا قَرْيَة من شعرًا بانياس وَغير ذَلِك. وَفِي ثامن عشر ذِي الْقعدَة: صرف قَاضِي الْقُضَاة محيي الدّين عبد الله بن عين الدولة عَن قَضَاء مصر وَالْوَجْه القبلي وأضيف إِلَى قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن رزين فكمل لَهُ قَضَاء الْقُضَاة بديار مصر وأعيد قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين أَحْمد بن خلكان إِلَى قَضَاء دمشق فِي سَابِع عشر ذِي الْحجَّة فَكَانَت مُدَّة عَزله سبع سِنِين. وفيهَا ولي شهَاب الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن شمس الدّين أبي الْمَعَالِي أَحْمد بن الْخَلِيل ابْن سَعَادَة الخوي قَضَاء الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بحلب بعد وَفَاة تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن حَيَاة الرقي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 وَفِي هَذِه السّنة عَم مَاء النّيل أَرض مصر كلهَا وَرخّص سعر الْغلَّة حَتَّى أبيع الأردب الْقَمْح بِخَمْسَة دَرَاهِم والأردب الشّعير بِثَلَاثَة دَرَاهِم والأردب من بَقِيَّة الْحُبُوب بِدِرْهَمَيْنِ. وفيهَا قتل الْملك أبغا البرواناه فِي صفر واسْمه معِين الدّين سُلَيْمَان بن على بن مُحَمَّد بن حسن ومعني البرواناه الْحَاجِب وَكَانَ شجاعا حازما كَرِيمًا عَارِفًا فِيهِ دهاء ومكر. وفيهَا عزل نَفسه قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين سُلَيْمَان بن أبي الْعِزّ الْحَنَفِيّ من الْقَضَاء فِي سلخ وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان الْأَمِير بدر الدّين بيليك الخازندار نَائِب السلطة فِي سادس شهر ربيع الآخر وَكَانَ جوادا عَارِفًا بالتاريخ جيد الْكِتَابَة. وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين أَبُو بكر مُحَمَّد بن عماد الدّين أبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم ابْن عبد الْوَاحِد بن على بن سرُور الْمَقْدِسِي الْحَنْبَلِيّ وَهُوَ مَصْرُوف فِي يَوْم السبت ثَانِي عشري الْمحرم وَدفن بالقرافة وَله من الْعُمر ثَلَاث وَسَبْعُونَ سنة. وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة بحلب تَقِيّ الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن حَيَاة بن يحيي بن مُحَمَّد الرقي الشَّافِعِي بتبوك وَهُوَ عَائِد من الْحَج. وَتُوفِّي الشَّيْخ محمي الدّين أَبُو زَكَرِيَّا يحيي بن شرف بن مُحَمَّد بن الْحسن بن الْحُسَيْن بن جُمُعَة بن حرَام النَّوَوِيّ الشَّافِعِي عَن نَيف وَأَرْبَعين سنة بقرية نوي. وَتُوفِّي الْوَاعِظ نجم الدّين أَبُو الْحسن على بن على بن أسفنديار الْبَغْدَادِيّ بِدِمَشْق عَن سِتِّينَ سنة. وَتُوفِّي الشريف شهَاب الدّين أَحْمد بن أبي مُحَمَّد الْحُسَيْنِي الوَاسِطِيّ الغرافي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 بالإسكندرية. وَتُوفِّي أَبُو الْحسن على بن عَدْلَانِ بن حَمَّاد بن على الربعِي الْموصِلِي النَّحْوِيّ المترجم بِالْقَاهِرَةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 سنة سبع وَسبعين وسِتمِائَة فِي سَابِع عشري الْمحرم: عمل عزاء الْملك الظَّاهِر عِنْد تَمام سنة من وَفَاته بالأندلس من قرافة مصر ومدت هُنَاكَ الأسمطة فِي الْخيام للقراء وَالْفُقَهَاء وَفرقت الْأَطْعِمَة على أهل الزوايا وَكَانَ من الأرقات الْعَظِيمَة لِكَثْرَة من اجْتمع فِيهِ من النَّاس على اخْتِلَاف طبقاتهم وَعمل مجمع آخر بِجَامِع ابْن طولون وَفِي الْجَامِع الظَّاهِرِيّ والمدرسة الظَّاهِرِيَّة والمدرسة الصالحية وَدَار الحَدِيث الكاملية والخابقاه الصلاحية سعيد السُّعَدَاء وَالْجَامِع الحاكي وَعمل للنكارزة والفقراء خوان حَضَره كثير من أهل الْخَيْر. وَفِي عَاشر جُمَادَى الأولى ولي قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين سُلَيْمَان بن أبي الْعِزّ بن وهيب الْحَنَفِيّ قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن مجد الدّين عبد الرَّحْمَن بن عمر بن العديم بِحكم وَفَاته. فَلَمَّا مَاتَ صدر الدّين بعد أَرْبَعَة أشهر ولي عوضا عَنهُ فِي تَاسِع عشري رَمَضَان حسام الدّين حسن بن أَحْمد بن حسن الرَّازِيّ. قَاضِي الرّوم الْوَاصِل من قيسارية. وَفِي شَوَّال خرج الْملك السعيد من قلعة الْجَبَل يُرِيد التفرج فِي دمشق وَمَعَهُ أَخُوهُ نجم الدّين خضر وَأمه وأمراؤه وعساكره فَدخل إِلَى دمشق فِي خَامِس ذِي الْحجَّة. وَفِي سلخ ذِي الْقعدَة مَاتَ الصاحب بهاء الدّين على بن مُحَمَّد بن سليم بن حنا فَكتب من دمشق بالحوطة على وجوده. وَقبض الْملك السعيد على الصاحب زين الدّين أَحْمد بن الصاحب فَخر الدّين مُحَمَّد بن الصاحب بهاء الدّين وَأخذ خطه بِمِائَة ألف دِينَار وسيره على الْبَرِيد إِلَى مصر ليستخرج مِنْهُ وَمن أَخِيه تَاج الدّين مُحَمَّد وَابْن عَمه عز الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن على تَكْمِلَة ثَلَاثمِائَة ألف دِينَار وَاسْتقر فِي الوزارة عوضا عَن الصاحب بهاء الدّين بن حنا قَاضِي الْقُضَاة وَعز الدّين الْخضر بن الْحسن السنجاري وَكَانَ بَينه وَبَين ابْن حنا عَدَاوَة ظَاهِرَة وجفون كامنة فَبلغ من التَّمَكُّن فِي أَوْلَاده وأمواله مَا كَانَ يؤمله. وساعده على ذَلِك عدَّة من الْأُمَرَاء: مِنْهُم عز الدّين الأفرم وَبدر الدّين بيسري الحاقي تقومهم من بهاء الدّين بن حنا. وَولي وزراة الصُّحْبَة فَخر الدّين بن لُقْمَان عوضا عَن تَاج الدّين مُحَمَّد بن حنا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 وَفِي سادس عشري ذِي الْحجَّة: جلس الْملك السعيد بدار الْعدْل فِي دمشق وَأسْقط عَن أهل الشَّام مَا كَانَ قد قَرَّرَهُ الْملك الظَّاهِر عِنْد سَفَره إِلَى بِلَاد الرّوم على الْبَسَاتِين فِي كل سنة وَفِيه أَشَارَ خاصكية السُّلْطَان عَلَيْهِ بإبعاد الْأُمَرَاء الأكابر عَنهُ فَجهز الْأَمِير قلاوون الألفي بعسكر وجهز الْأَمِير بيسري بعسكر وَأنْفق فيهم الْأَمْوَال فَسَارُوا إِلَى جِهَة سيس وَفِي نُفُوسهم من ذَلِك إحن. وفيهَا ولي الْأَمِير عَلَاء الدّين أيدغدي الكبكي نِيَابَة حلب عوضا عَن الْأَمِير نور الدّين على بن مجلي الهكاري. وفيهَا كثر الرخَاء بِمصْر حَتَّى أبيع ثَلَاثمِائَة أردب فولا بمبلغ تِسْعمائَة دِرْهَم انْصَرف مِنْهَا حمولة ومكوس بِحَيْثُ لم يتَأَخَّر مِنْهَا غير خَمْسَة وَثَمَانِينَ درهما. وفيهَا مَاتَ عز الدّين كيكاوس ملك الرّوم بعد مَا جرت لَهُ خطوب فَملك أبغا ابْن هولاكو من بعده ابْنه مَسْعُود بن كيكاوس سبواس وأرزن الرّوم وأرزنكان وفيهَا حصلت زحمة عَظِيمَة بِبَاب الْعمرَة من الْمَسْجِد الْحَرَام بَين الْحجَّاج عِنْد خُرُوجهمْ إِلَى الْعمرَة بعد صَلَاة الصُّبْح فَمَاتَ مِنْهُم سِتَّة وَثَلَاثُونَ إنْسَانا وَذَلِكَ فِي ثَالِث عشر ذِي الْحجَّة. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان الْأَمِير جمال الدّين أقوش النجيبي الصَّالِحِي نَائِب الشَّام فِي خَامِس ربيع الأول بِالْقَاهِرَةِ عَن نَحْو سبعين سنة. وَمَات الْأَمِير شمس الدّين آقسبقر القارقاني الصَّالِحِي قَائِد السلطنة عَن نَحْو خمسين سنة. وَمَات الْأَمِير عَلَاء الدّين أيدكين الشهابي نَائِب حلب وَهُوَ مَصْرُوف عَن نَحْو وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق مجد الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن بن الصاحب كَمَال الدّين عمر بن أَحْمد بن هبة الله بن هبة الله بن أَحْمد بن يحيي بن العديم عَن أَربع وَسِتِّينَ سنة. وَمَات قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق صدر الدّين أَبُو الْفضل سُلَيْمَان ابْن أبي الْعِزّ ابْن وهيب الْأَذْرَعِيّ بعد ثَلَاثَة أشهر من ولَايَته عَن ثَلَاث وَثَمَانِينَ سنة. وَمَات الْوَزير الصاحب بهاء الدّين أَبُو الْحسن على بن مُحَمَّد بن سليم بن حنا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 سلخ ذِي الْقعدَة. وَتُوفِّي مجد الدّين أَبُو عبد الله وَتُوفِّي نجم الدّين أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّد بن سوار بن إِسْرَائِيل بن الْخضر بن إِسْرَائِيل الشَّيْبَانِيّ الدِّمَشْقِي الصُّوفِي الأديب عَن أَربع وَسبعين سنة بِدِمَشْق. وَتُوفِّي الأديب جمال الدّين عمر بن إِبْرَاهِيم بن أبي بكر الهذباني الإربلي بِالْقَاهِرَةِ. وَتُوفِّي الأديب موفق الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن عمر بن نصر الله الْأنْصَارِيّ البعلبكي بِالْقَاهِرَةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 فارغة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 سنة ثَمَان وَسبعين وسِتمِائَة فِي الْمحرم: قرر الخاصكية مَعَ الْملك السعيد الْقَبْض على الْأُمَرَاء عِنْد عودهم من سيس وعينوا إقطاعتهم لِأُنَاس مِنْهُم وَكَانَ الْأَمِير كوندك النَّائِب مطلع على ذَلِك. واستغرق السُّلْطَان فِي لذاته وَبسط يَده بعطاء الْأَمْوَال الْكَثِيرَة لخاصكيته وَخرج عَن طَريقَة أَبِيه وَفِي أثْنَاء ذَلِك حدث بَين الْأَمِير كوندك النَّائِب وَبَين الخاصكية منافرة بِسَبَب أَن السُّلْطَان أطلق لبَعض السِّكَّة ألف دِينَار فتوقف النَّائِب فِي إِطْلَاقهَا فَاجْتمع الخاصكية عِنْد النَّائِب وقاضوه فِي أَمر الْمبلغ وأسمعوه مَا يكره وَقَامُوا على حرد وَتَكَلَّمُوا مَعَ السُّلْطَان فِي عَزله عَن النِّيَابَة فَامْتنعَ وَأخذ الخاصكية فِي الإلحاح عَلَيْهِ بعزل كوندك وَعجز عَن تلافي أَمرهم مَعَه. وَأما الْأُمَرَاء فَإِنَّهُم غزوا سيس وَقتلُوا وَسبوا وَسَار الْأَمِير بيسري إِلَى قلعة الرّوم وَعَاد هُوَ والأمراء إِلَى دمشق ونزلوا بالمرج فَخرج الْأَمِير كوندك إِلَى لقائهم على الْعَادة وَأخْبرهمْ. مِمَّا وَقع من الخاصكية فِي حَقهم وَحقه فحرك قَوْله مَا عِنْدهم من كوامن الْغَضَب وتحالفوا على الِاتِّفَاق والتعاون وبعثوا من المرج إِلَى السُّلْطَان يعلمونه إِنَّهُم مقيمون بالمرج وَأَن الْأَمِير كوندك شكي إِلَيْهِم من لاجين الزيني شكاوى كَثِيرَة وَلَا بُد لنا من الْكَشْف عَنْهَا وسألوا السُّلْطَان أَن يحضر إِلَيْهِم فَلَمَّا بلغ بذلك السُّلْطَان ذَلِك لم يعبأ بقَوْلهمْ وَكتب إِلَى من مَعَهم من الْأُمَرَاء الظَّاهِرِيَّة يَأْمُرهُم. بمفارقة الصالحية وَدخُول دمشق. فَوَقع القاصد الَّذِي مَعَه الْكتب فِي يَد أَصْحَاب كوندك فأحضر إِلَى الْأُمَرَاء ووقفوا على الْكتب الَّتِي مَعَه فرحلوا من فورهم ونزلوا على الجورة من جِهَة داريا وأظهروا الْخلاف ورموا الْملك السعيد بِأَنَّهُ قد أسرف وأفرط فِي سوء الرَّأْي وأفسد التَّدْبِير. فخاف السُّلْطَان عِنْد ذَلِك سوء الْعَاقِبَة وَبعث إِلَيْهِم الْأَمِير سنقر الْأَشْقَر والأمير سنقر التكريتي الأستادار ليلطفا بهم ويعملا الْحِيلَة فِي إحضارهم فَلم يوافقوا على ذَلِك. وعادا إِلَى السُّلْطَان فَزَاد قلقه وترددت الرُّسُل بَينه وَبَين الْأُمَرَاء فاقترحوا عَلَيْهِ إبعاد الخاصكية فَلم يُوَافق وَبعث السُّلْطَان بوالدته مَعَ الْأَمِير سنقر الْأَشْقَر لتسترضيهم فحدثتهم وخضعت لَهُم فَمَا أَفَادَ فيهم ذَلِك شَيْئا وعادت بالخيبة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 فَرَحل الْأُمَرَاء بِمن مَعَهم من العساكر إِلَى مصر وتبعهم الْملك السعيد ليلحقهم ويتلافى أَمرهم فَلم يدركهم فقاد إِلَى دمشق وَبَات بهَا. وَأصْبح الْملك السعيد فَجهز أمه وخزائنه إِلَى الكرك وَجمع من بَقِي من عَسَاكِر مصر وَالشَّام واستدعى العربان وَأنْفق فيهم. وَسَار من دمشق إِلَى الْقَاهِرَة ونزلوا تَحت الْجَبَل الْأَحْمَر. فَبلغ ذَلِك الْأُمَرَاء الَّذين بقلعة الْجَبَل وهم الْأَمِير عز الدّين أيبك أَمِير جانذار والأمير أفطوان الساقي والأمير بلبان الزربقي فامتنعوا بهَا وَحَصَّنُوهَا وتقدموا إِلَى مُتَوَلِّي الْقَاهِرَة فسد أَبْوَابهَا فراسلهم قلاوون والأمراء فِي فتح أَبْوَاب الْقَاهِرَة ليدْخل الْعَسْكَر إِلَى بُيُوتهم ويبصروا أَوْلَادهم فَإِن عَهدهم بعد بهم وَنزل الْأَمِير لاجين البركخاي وأيبك الأفرم وأقطون إِلَى الْأُمَرَاء لمعْرِفَة الْخَبَر فقبضوا عَلَيْهِم وبعثوا إِلَى الْقَاهِرَة ففتحت أَبْوَابهَا وَدخل كل أحد إِلَى دَاره وسجن الثَّلَاثَة الْأُمَرَاء فِي دَار الْأَمِير قلاوون بِالْقَاهِرَةِ وزحفوا إِلَى القلعة وحاصروها وَقد امْتنع بهَا بلبان الزريقي. وَأما السُّلْطَان فَإِنَّهُ لما نزل بلبيس وبلغه خبر الْأُمَرَاء خامر عَلَيْهِ من كَانَ مَعَه من عَسْكَر الشَّام وتركوه فِي بلبيس وعادوا إِلَى دمشق وَبهَا الْأَمِير عز الدّين أيدمر نَائِب الشَّام فصاروا إِلَيْهِ وَلم يبْق مَعَ السُّلْطَان إِلَّا مماليكه وَمِنْهُم الْأَمِير لاجين الزيني ومغلطاي الدِّمَشْقِي ومغلطاي الجاكي وسنقر التكريتي وأيدغدي الْحَرَّانِي والبكي الساقي وبكتوت الْحِمصِي وَصَلَاح الدّين يُوسُف بن بركَة خَان وَمن يجْرِي مجراهم وَلم يبْق مَعَه من الْأُمَرَاء الْكِبَار إِلَّا الْأَمِير سنقر الْأَشْقَر فَقَط فَسَار السُّلْطَان من بلبيس ففارقه الْأَشْقَر من المطرية وَأقَام بموضعه. وَبلغ الْأُمَرَاء أَن السُّلْطَان جَاءَ من خلف الْجَبَل الْأَحْمَر فَرَكبُوا ليحولوا بَينه وَبَين القلعة وَكَانَ الضباب كثيرا فنجا مِنْهُم واستتر عَن رُؤْيَتهمْ وطلع إِلَى الْمُقدمَة فَلَمَّا انْكَشَفَ الضباب بلغ الْأُمَرَاء أَن السُّلْطَان بالقلعة فعادوا إِلَى حصارها وعندما اسْتَقر السُّلْطَان بالقلعة تشاجر لاجين الزيني مَعَ الزربقي فَنزل الزربقي إِلَى الْأُمَرَاء وَصَارَ مَعَهم وَتَبعهُ المماليك شَيْئا بعد شَيْء. وَصَارَ السُّلْطَان يشرف من برج الرفرف المطل على الإسطبل ويصيح بهم: يَا أُمَرَاء أرجع إِلَى رَأْيكُمْ وَلَا أعمل إِلَّا مَا تقولونه فليجبه أحد مِنْهُم وأظهروا كتبا عَنهُ يطْلب فِيهَا جمَاعَة من الفداوية لقتلهم وَأَحَاطُوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 بالقلعة وحصروه وَكَانَ الْأَمِير سنجر الْحلَبِي معتقلا بالقلعة فَأخْرجهُ السُّلْطَان وَصَارَ مَعَه فاستمر الْحصار مُدَّة أُسْبُوع. وَكَانَ الَّذِي قَامَ فِي خلع السُّلْطَان جمَاعَة كَثِيرَة من الْأُمَرَاء وهم الْأَمِير بيسري والأمير قلاوون والأمير أيتمش السَّعْدِيّ والأمير أيدكين البندقدار والأمير بكتاش الفخري أَمِير سلَاح والأمير بيليك الأيدمري والأمير سنقر البكتوتي والأمير سنجر طردج والأمير بلبان الحبيشي والأمير بكتاش النجمي والأمير كشتغدي الشمسي والأمير بلبان الهاروني والأمير بجكا العلائي والأمير بيبرس الرَّشِيدِيّ والأمير كندغدي الوزيري والأمير يعقوبا الشمهرزوري والأمير أيتمش بن أطلس خَان والأمير بيدغان الركني والأمير بكتوت بن أتابك والأمير كندغدي أَمِير مجْلِس والأمير بكتوت جرمك والأمير بيبرس طقصو والأمير كوندك النَّائِب والأمير أيبك الْحَمَوِيّ والأمير سنقر الألفي والأمير سنقر جاه الظَّاهِرِيّ والأمير قلنج الظَّاهِرِيّ والأمير ساطلمش والأمير قجقار الْحَمَوِيّ وَمن انضاف إِلَيْهِم من الْأُمَرَاء الصغار ومقدمي الْحلقَة وأعيان المفاردة والبحرية وَلما طَال الْحصار بعث السُّلْطَان الْخَلِيفَة الْحَاكِم بِأَمْر الله أَحْمد يَقُول: يَا أُمَرَاء إيش غرضكم فَقَالُوا: يخلع الْملك السعيد نَفسه من الْملك ونعطيه الكرك فأذعن السعيد لذَلِك وَحلف لَهُ الْأُمَرَاء وَحضر الْخَلِيفَة والقضاة الْأَعْيَان وَأنزل بِالْملكِ السعيد وَأشْهد عَلَيْهِ أَنه لَا يصلح للْملك. وخلع السعيد نَفسه وَحلف أَنه لَا يتَطَرَّق إِلَى غير الكرك وَلَا يُكَاتب أحدا من النواب وَلَا يستميل أحد من الْجند وسفر من وقته إِلَى الكرك مَعَ الْأَمِير بيدغان الركني وَذَلِكَ فِي سَابِع شهر ربيع الآخر فَكَانَت مُدَّة ملكه من حِين وَفَاة أَبِيه إِلَى يَوْم خلعه سنتَيْن وشهرين وَثَمَانِية أَيَّام موصل إِلَى الكرك وَسلمهَا فِي خَامِس عشري جُمَادَى الْآخِرَة واحتوى على مَا فِيهَا من الْأَمْوَال وَكَانَت شَيْئا كثيرا. وَلم يقتل فِي هَذِه الْحَرَكَة سيف الدّين بكتوت الخمصي فَإِنَّهُ كَانَ بَينه وَبَين سنقرجاه الظَّاهِرِيّ مشاجرة فَلَمَّا طلع الْملك السعيد إِلَى قلعة الْجَبَل يَوْم وُصُوله من بلبيس صادفه سنقر جاه وَهُوَ من حزب الْأَمِير قلاوون وَمن مَعَه فطعنه فِي حلقه فَحمل إِلَى قبَّة القلندرية فَمَاتَ من يَوْمه وَدفن بهَا، وَكَانَت أَيَّامه رخية الأسعار. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 السُّلْطَان الْملك الْعَادِل بدر الدّين سلامش وَهُوَ ابْن الْملك الظَّاهِر ركن الدّين بيبرس البندقداري الصَّالِحِي النجمي. لما تمّ خلع الْملك السعيد وسافر إِلَى الكرك عرض الْأُمَرَاء السلطنة على الْأَمِير سيف الدّين قلاوون الألفي فَامْتنعَ وَقَالَ: أَنا مَا خلعت الْملك السعيد طَمَعا فِي السلطنة وَالْأولَى أَلا يخرج الْأَمر عَن ذُرِّيَّة الْملك الظَّاهِر. فَاسْتحْسن ذَلِك مِنْهُ لِأَن الْفِتْنَة سكنت فَإِن الظاهريه كَانُوا مُعظم الْعَسْكَر وَكَانَت القلاع بيد نواب الْملك السعيد وَقصد قلاوون بِهَذَا القَوْل أَن يتحكم حَتَّى يُغير النواب ويتمكن مِمَّا يُرِيد فَمَال الْجَمِيع إِلَى قَوْله وصوبوا رَأْيه واستدعوا سلامش وَاتَّفَقُوا أَن يكون الْأَمِير قلاوون أتابكه وَأَن يكون إِلَيْهِ أَمر العساكر وتدبير الممالك فَحَضَرَ سلامش وَله من الْعُمر سبع سِنِين وَأشهر وَحلف الْعَسْكَر جَمِيعه على إِقَامَته سُلْطَانا وَإِقَامَة الْأَمِير قلاوون أتابك العساكر ولقبوه الْملك الْعَادِل بدر الدّين فاستقر الْأَمر على ذَلِك. وأقيم الْأَمِير عز الدّين أيبك الأفرم فِي نِيَابَة السلطنة وَاسْتقر قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين خضر بن الْحسن السنجاري فِي الوزارة. وَأما عَسْكَر الشَّام فَإِنَّهُ لما سَار من بلبيس وَدخل إِلَى دمشق وَكَانَ بحلب الْأَمِير عز الدّين إزدمر العلائي والأمير قراسنقر المعزي والأمير أقوش الشمسي والأمير برلغو فِي نَحْو ألفي فَارس فَسَارُوا إِلَى دمشق ولقوا الْعَسْكَر القادم من بلبيس فاتفقوا مَعَ الْأُمَرَاء الَّذين بِدِمَشْق على إِقَامَة الْأَمِير أقوش الشمسي مقدما على الجيوش وَالْقَبْض على الْأَمِير عز الدّين أيدمر نَائِب دمشق لِأَنَّهُ ترك ابْن أستاذه وخامر عَلَيْهِ وَرجع من بلبيس فَأَخذه الْأَمِير أقوش إِلَى دَاره فجَاء الْأَمِير أزدمر العلائي وركن الدّين الجالق إِلَى دَار أقوش وَأخذ الْأَمِير أيدمر وصعدا بِهِ إِلَى قلعة دمشق وسلماه إِلَى الْأَمِير علم الدّين سنجر الدواداري نَائِب القلعة. فَلَمَّا تقرر الْحَال على إِقَامَة الْملك. الْعَادِل سلامش والأمير قلاوون كتب إِلَى الشَّام بذلك وَسَار الْأَمِير جمال الدّين أقوش الباخلي وشمس الدّين سنقرجاه الكنجي بنسخة الْإِيمَان فَحلف النَّاس بِدِمَشْق كَمَا وَقع الْحلف بِمصْر. وَفِي النّصْف من جُمَادَى الأولى: اسْتَقر قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين عمر ابْن قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب ابْن بنت الْأَعَز فِي قَضَاء الْقُضَاة بديار مصر عوضا عَن قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن رزين بِحكم عَزله. وَصرف أَيْضا قَاضِي الْقُضَاة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 معز الدّين النُّعْمَان الْحسن بن يُوسُف الخطبي الْحَنَفِيّ وقاضي الْقُضَاة نَفِيس الدّين أَبُو البركات مُحَمَّد بن مخلص الدّين هبة الله بن كَمَال الدّين أبي السعادات أَحْمد بن شكر الْمَالِكِي ثمَّ أعيدا وَولي عز الدّين عمر بن عبد الله بن عمر بن عوض الْمُقَدّس الْحَنْبَلِيّ قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَابِلَة وَاسْتقر الْأَمِير شمس الدّين سنقر الْأَشْقَر فِي نِيَابَة السلطنة بِدِمَشْق فَدَخلَهَا فِي ثامن جُمَادَى الْآخِرَة وَمَعَهُ جمَاعَة من الْأُمَرَاء والعسكر فعامله النَّاس مُعَاملَة الْمُلُوك وَأنزل الْأَمِير سنجر الدواداري من القلعة لمباشرة الشد وَقُرِئَ تَقْلِيد النِّيَابَة يَوْم الْجُمُعَة بمقصورة الخطابة وَلم يحضر النَّائِب قِرَاءَته. وَفِي تَاسِع رَجَب: قبض على فتح الدّين عبد الله بن مُحَمَّد بن القيسراني وَزِير دمشق. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير جمال الدّين أقوش الشمسي فِي نِيَابَة السلطنة بحلب عوضا عَن أيدغدي الكبكي. وَشرع الْأَمِير قلاوون فِي الْقَبْض على الْأُمَرَاء الظَّاهِرِيَّة فَقبض على أعيانهم وبلغهم إِلَى الثغور فسحنوا بهَا وَأمْسك أَيْضا كثيرا من الظَّاهِرِيَّة وملأ الحبوس بهم وَأعْطِي قلاوون وَمنع وَقطع وَوصل واستخدم وعزل فَكَانَ صُورَة أتابك وتصرفه تصرف الْمُلُوك. واشتغل الْأَمِير بيسري باللهو وَالشرب فَانْفَرد الأتابك قلاوون بالمملكة وَأَجد فِي تدير أَحْوَاله وَفرق قلاوون على المماليك واستمالهم وَقرب الصالحية وَأَعْطَاهُمْ الإقطاعات وَكبر مِنْهُم جمَاعَة كَانُوا قد نسوا وأهملوا وسير عدَّة مِنْهُم إِلَى الْبِلَاد الشامية واستنابهم فِي القلاع وتتبع ذَرَارِيهمْ وَأخذ كثيرا مِنْهُم كَانُوا قد تصنفوا بالصنائع والحرف فرتب طَائِفَة مِنْهُم فِي البحرية وَقرر لجَماعَة مِنْهُم جامكية فَعَادَت لَهُم السَّعَادَة وَقَوي بهم جَانِبه وتمكنت أَسبَابه ثمَّ جمع قلاوون الْأُمَرَاء فِي الْعشْرين من رَجَب وتحدث مَعَهم فِي صغر سنّ الْملك الْعَادِل وَقَالَ لَهُم: قد علمْتُم أَن المملكة لَا تقوم إِلَّا بِرَجُل كَامِل إِلَى أَن اتَّفقُوا على خلع سلامش فخلعوه وبعثوا بِهِ إِلَى الكرك وَكَانَت مُدَّة ملكه مائَة يَوْم وَلم يكن حَظه من الْملك سوي الِاسْم فَقَط وَجَمِيع الْأُمُور إِلَى الأتابك قلاوون. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور سيف الدّين قلاوون الألفي الصَّالِحِي النجمي العلائي كَانَ من جنس القبجاق وَمن قَبيلَة برج أغلي فجلب إِلَى مصر وَهُوَ صَغِير وَاشْتَرَاهُ الْأَمِير عَلَاء الدّين آقسنقر الساقي العادلي أحد مماليك الْملك الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب بِأَلف دِينَار فَعرف من أحل ذَلِك بالألفي. فَلَمَّا مَاتَ أستاذه الْأَمِير عَلَاء الدّين صَار إِلَى الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب فِي عدَّة من المماليك فعرفوا بالعلائية وَذَلِكَ فِي سنة سبع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَجعل الْملك الصَّالح قلاوون من جملَة المماليك البحرية ومازال حَتَّى كَانَت وَفَاة الْملك الصَّالح ثمَّ إِقَامَة شجر الدّرّ بعد الْملك توران شاه بن الصَّالح. فَلَمَّا قَامَ الْمعز أيبك فِي سلطنة مصر وَقتل الْفَارِس أقطاي خرج قلاوون من مصر فِيمَن خرج من البحرية. وتنقلت بِهِ الْأَحْوَال حَتَّى صَار أتابك العساكر بديار مصر فِي سلطنة الْملك الْعَادِل سلامش بن الظَّاهِر فِي سَابِع شهر ربيع الآخر وَصَارَ يذكر اسْمه مَعَ اسْم الْعَادِل على المنابر وَتصرف تصرف الْمُلُوك مُدَّة ثَلَاثَة أشهر إِلَى أَن وَقع الِاتِّفَاق على خلع الْعَادِل وَإِقَامَة قلاوون. فأجلس قلاوون على تخت الْملك فِي يَوْم الْأَحَد الْعشْرين من رَجَب وَحلف لَهُ الْأُمَرَاء وأرباب الدولة وتلقب بِالْملكِ الْمَنْصُور وَأمر أَن يكْتب فِي صدر المناشير والتواقيع والمكاتبات لفظ الصَّالِحِي فَكتب بذلك فِي كل مَا يكْتب عَن السُّلْطَان وَجعل عَن يَمِين الْبَسْمَلَة تحتهَا بِشَيْء لطيف جدا. وَخرج الْبَرِيد بالبشائر إِلَى الْأَعْمَال وجهزت نُسْخَة الْيَمين إِلَى دمشق وَغَيرهَا وزينت الْقَاهِرَة ومصر وظواهرهما وقلعة الْجَبَل وأقيمت لَهُ الْخطْبَة بأعمال مصر. وَأول مَا بَدَأَ بِهِ السُّلْطَان قلاوون إبِْطَال زَكَاة الدولبة وَكَانَت مِمَّا أجحفت بالرعية وأبطل مُقَرر النَّصَارَى وَكَانَ لَهُ مُنْذُ أحدث ثَمَان عشرَة سنة وانحطت الأسعار. وَوصل الْبَرِيد إِلَى دمشق وَعَلِيهِ لاجين الصَّغِير والأمير ركن الدّين بيبرس الجالق فِي ثامن عشريه بعد يَوْمَيْنِ وَسبع سَاعَات من مُفَارقَة قلعة الْجَبَل وَلم يعْهَد مثل هَذَا. فَحَلَفت عَسَاكِر دمشق وأقيمت الْخطْبَة بهَا فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي شعْبَان وزينت الْمَدِينَة سَبْعَة أَيَّام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 وَأَفْرج السُّلْطَان عَن الْأَمِير عز الدّين أيبك الأفرم الصَّالِحِي وأقامه فِي نِيَابَة السلطة بديار مصر وَأقر الصاحب برهَان الدّين السنجاري على وزارته ولازم الْجُلُوس بدار الْعدْل فِي يومي الْإِثْنَيْنِ وَفِي يَوْم السبت ثَالِث شعْبَان. ركب السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور قلاوون بشعار السلطنه وأبهة المملكة وشق الْقَاهِرَة وَهِي مزينة فَكَانَ يَوْمًا مشهودا لِأَنَّهُ أول ركُوبه. وَكتب السُّلْطَان إِلَى لأمير شمس الدّين سنقر الْأَشْقَر كتابا بِخَط القَاضِي عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن تَاج الدّين أَحْمد بن سعيد بن الْأَثِير ويخبره فِيهِ بركوبه وخاطبه بالمملوك. وأعفي تَقِيّ الدّين التكريتي مِمَّا عَلَيْهِ من الْبَوَاقِي وفوض إِلَيْهِ نظر الخزانة بِدِمَشْق. وَصَامَ النَّاس شهر رَمَضَان يَوْم الْجُمُعَة على اخْتِلَاف شَدِيد وَشك كَبِير. وَفِي ثالثه. اسْتَقر الْأَمِير جمال الدّين أقش الشريفي أَمِير جاندار فِي نِيَابَة السلطنة بالصلت والبقاء. وَفِي ثامنه: أفرج عَن فتح الدّين عبد الله بن القيسراني وَزِير دمشق بعد مَا اعتقل بقلعة الْجَبَل زِيَادَة على ثَلَاثِينَ يَوْمًا. وَفِي عاشره: اسْتَقر الْأَمِير فَخر الدّين الطنبا فِي نِيَابَة السلطنة بِالْقصرِ الَّذِي بِالْقربِ من أنطاكية وَاسْتقر الْأَمِير علم الدّين سنجر المنصوري فِي نِيَابَة السلطنة ببلاطنس وَاسْتقر الْأَمِير فَخر الدّين أياز الملوحي فِي ولَايَة الْأَعْمَال الغربية عوضا عَن الْأَمِير نَاصِر الدّين بيليك بن المحسني الْجَزرِي. وَفِي رَابِع عشره: اسْتَقر الْأَمِير حسام الدّين طرنطاي المنصوري فِي نِيَابَة السلطنة بديار مصر عوضا عَن الْأَمِير عز الدّين أيبك الأفرم بِحكم رغبته عَن ذَلِك وسعيه فِي اسْتِقْرَار حسام الدّين طرنطاي. وَذَلِكَ إِنَّه تمارض فَلَمَّا عزم السُّلْطَان على عيادته صنع لَهُ طبيبه شَيْئا تهيج بِهِ وَجهه واصفر وَدخل عَلَيْهِ السُّلْطَان فتألم لَهُ وَسَأَلَهُ عَن حَوَائِجه فَأَشَارَ عَلَيْهِ أَن يقدم مماليكه وأثني عَلَيْهِم ثمَّ قَالَ: وتعفيني من النِّيَابَة وَأظْهر الْعَجز عَنْهَا. فَلم يُوَافقهُ السُّلْطَان على ذَلِك فَأخذ يلح عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ السُّلْطَان: فأشر على بِمن يصلح لَهَا فَقَالَ: طرنطاي فَوَافَقَ قَوْله غَرَض السُّلْطَان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 وَفِي سَابِع عشره: قبض على الْأَمِير نور الدّين على بن الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين يُوسُف صَاحب الشَّام وعَلى عدَّة من الناصرية. وَفِي سادس عشريه: صرف الصاحب برهَان الدّين خضر السنجاري عَن الوزارة وَقبض عَلَيْهِ وعَلى وَلَده شمس الدّين عيسي وَأخذت خيولهما وخيول أتباعهما. وسجنا بدار الْأَمِير علم الدّين سنجر الشجاعي وأحيط بِسَائِر أتباعهما وألزموا بِمِائَتي ألف وَسِتَّة وَثَلَاثِينَ ألفا. وَفِي ثَانِي شَوَّال: اسْتَقر القَاضِي فَخر الدّين إِبْرَاهِيم بن لُقْمَان صَاحب ديوَان الْإِنْشَاء فِي الوزارة بعد مَا حمل إِلَيْهِ الْأَمِير عَلَاء الدّين كندغدي الشمسي الأستادار خلع الوزارة إِلَى بَيته بقلعه الْجَبَل وَامْتنع امتناعا شَدِيدا فَلم يسمع مِنْهُ وَألبسهُ الْخلْع وباشر عوضا عَن الصاحب برهَان وَفِيه اسْتَقر القَاضِي فتح الدّين مُحَمَّد بن محيي الدّين عبد الله بن عبد الظَّاهِر فِي قِرَاءَة الْبَرِيد وتلقي الْأَجْوِبَة عوضا عَن ابْن لُقْمَان. وَفِيه قبض على جمَاعَة من الْأُمَرَاء. مِنْهُم الْأَمِير عَلَاء الدّين مغلطاي الدِّمَشْقِي وَسيف الدّين بكتمر الْأَمِير آخوري قرطاي المنصوري وصارم الدّين الْحَاجِب واعتقلوا. وفوضت وزارة دمشق لتقي الدّين توبه نَاظر الخزانة وخلع عَلَيْهِ الوزراء وتلقب بالصاحب. وَفِي تاسعه: خرج الْأَمِير بدر الدّين بيليك الأيدمري على عَسْكَر من الْقَاهِرَة إِلَى جِهَة الشوبك وَكَانَ قد بعث إِلَيْهَا الْملك السعيد بركَة قان بن الظَّاهِر وَهُوَ بالكرك الْأَمِير حسام الدّين لاجين رَأس نوبَة الجمدارية السعيدية وتغلب عَلَيْهَا وَبعث السعيد إِلَى النواب أَيْضا يَدعُوهُم إِلَى الْقيام مَعَه فَسَار الْأَمِير بدر الدّين الأيدمري وَنزل على الشوبك وضايقها حَتَّى تسلمها فِي عَاشر ذِي الْقعدَة بعد مَا فر مِنْهَا الْملك نجم الدّين خضر بن الظَّاهِر وَلحق بأَخيه السعيد فِي الكرك. وقدمت رسل الفونش بكتب للْملك السعيد وهدية فَقبض على هديتهم وكتبهم وأعيدوا فِي خَامِس عشر شَوَّال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 وَفِي حادي عشريه: قبض على الْملك الأوحد وأخيه شهَاب الدّين مُحَمَّد وَلَدي الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين دَاوُد صَاحب الكرك واعتقلا. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير بدر الدّين بيليك الطياري فِي نِيَابَة السلطنة بقلعة صفد وَنقل الْأَمِير علم الدّين سنجر الكرجي إِلَى الْولَايَة وَنقل الْأَمِير سيف الدّين بلبان الجوادي إِلَى خزندارية القلعة. وَفِي ثَالِث عشريه: اسْتَقر شرف الدّين أَبُو طَالب بن عَلَاء الدّين بن النابلسي نَاظر النظار بديار مصر عوضا عَن نجم الدّين بن الأصفوني فِي الْوَجْه القبلي وَعَن تَاج الدّين بن السنهوري فِي الْوَجْه البحري. وَفِي رَابِع عشريه: صرف النَّصَارَى من ديوَان الجيوش وأقيم بدلهم كتاب مُسلمُونَ فاستقر أَمِين الدّين شَاهد صندوق النَّفَقَات فِي كِتَابَة الْجَيْش عوضا عَن الأسعد إِبْرَاهِيم النَّصْرَانِي. وَفِيه هدم دير الخَنْدَق خرج بَاب الْفتُوح من الْقَاهِرَة وَاجْتمعَ لهدمه عَالم كثير وَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَفِي خَامِس عشريه: وصل الْملك الْمَنْصُور نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن مَحْمُود صَاحب حماة إِلَى ظَاهر الْقَاهِرَة فَركب السُّلْطَان إِلَى لِقَائِه وأنزله بمناظر الْكَبْش واهتم بِهِ اهتماما زَائِدا. ورسم بتضمين الْخمر فَظهر شرب الْخمر وَكَثُرت السكاري وَزَالَ الِاعْتِرَاض عَلَيْهِم فَلم يقم ذَلِك غير أَيَّام قَلَائِل حَتَّى رسم فِي سادس عشريه بإراقة الْخُمُور وَإِبْطَال ضَمَانهَا وَمنع من التظاهر بِشَيْء من المسكرات وَفِي يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشريه: كتبت تقاليد الْقُضَاة الْأَرْبَعَة وَاسْتقر الْحَال على أَن يكون قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين عمر ابْن قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب ابْن بنت الْأَعَز الشَّافِعِي هُوَ الَّذِي يولي فِي أَعمال مصر قُضَاة ينوبون عَنهُ فِي الْأَحْكَام وَأَن قَاضِي الْقُضَاة معز الدّين الْحَنَفِيّ وقاضي الْقُضَاة الْمَالِكِي وقاضي الْقُضَاة عز الدّين الْحَنْبَلِيّ يحكمون بِالْقَاهِرَةِ ومصر خَاصَّة بِغَيْر نواب فِي الْأَعْمَال فاستمر الْأَمر على ذَلِك إِلَى الْيَوْم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 وَأمر السُّلْطَان بإحضار الْأَمِير عز الدّين أيدمر الظَّاهِرِيّ من دمشق تَحت الحوطة فَلَمَّا وصل اعتقل بقلعة الْجَبَل. وَفِي ثَانِي ذِي الْقعدَة: ركب السُّلْطَان إِلَى الميدان وَلعب بالكرة وَهُوَ أول مَا ركب إِلَيْهِ. وَفرق السُّلْطَان فِيهِ مائَة وبضعاً وَثَلَاثِينَ فرسا بسروج مخلاة وخلع على الْأُمَرَاء خلعاً سنية. وَفِي خامسه: حمل إِلَى الْمَنْصُور صَاحب حماة تَقْلِيد باستقراره بحماة وسير السُّلْطَان لَهُ السناجق وَأَرْبَعَة صناديق ذَهَبا وَفِضة وَأَرْبَعَة صناديق ثيابًا من الْإسْكَنْدَريَّة والعتابي وعدة من الْخَيل وخلع عَلَيْهِ وعَلى من يلوذ بِهِ وَأذن لَهُ فِي الْعود فسافر فِي تاسعه. وَخرج السُّلْطَان مَعَه لوداعه وَأقَام نَهَاره بِنَاحِيَة بهتيت ثمَّ عَاد إِلَى القلعة. وَفِي حادي عشره: مَاتَ الْملك السعيد بركَة قان بن الظَّاهِر بيبرس بالكرك وَكَانَ قد ركب فِي الميدان فتقنطر عَن فرسه وَهُوَ يلْعَب بالكرة فصدع وحم أَيَّامًا وَمَات وعمره نَيف وَعِشْرُونَ سنة فاتهم أَنه سم. وَورد الْخَبَر بوفاته فِي الْعشْرين مِنْهُ فَعمل لَهُ السُّلْطَان عزاء بالإيوان من قلعة الْجَبَل وَجلسَ كئيباً ببياض وَقد حصر الْعلمَاء والقضاة والأمراء والوعاظ والأعياد فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَأقَام الْقُرَّاء شهرا يقرأون الْقُرْآن وَكتب إِلَى أَعمال مصر وَالشَّام بِأَن يُصَلِّي عَلَيْهِ صَلَاة الْغَائِب. وعندما ماد السعيد أَقَامَ الْأَمِير عَلَاء الدّين أيدغدي الْحَرَّانِي نَائِب الكرك نجم الدّين خضر بن الظَّاهِر ملكا مَكَان أَخِيه بالكرك ولقبه الْملك المسعود فتحكم عَلَيْهِ مماليكه وأساءوا التَّدْبِير وفوقوا الْأَمْوَال ليستجلبوا النَّاس فَصَارَ إِلَيْهِم من قطع رزقه وَحضر إِلَيْهِم طَائِفَة من البطالين فَسَارُوا إِلَى الصَّلْت واستولوا عَلَيْهَا وبعثوا إِلَى صرخد فَلم يتمكنوا مِنْهَا وأتتهم العربان وتقربوا إِلَيْهِم بِالنَّصِيحَةِ وَأخذُوا مَالا كثيرا من المسعود ثمَّ تسللوا عَنهُ. وَلم يزل المسعود فِي إِنْفَاق المَال حَتَّى فنيت ذخائر الكرك الَّتِي كَانَ الْملك الظَّاهِر قد أعدهَا لوقت الشدَّة وَبعث المسعود إِلَى الْأَمِير سنقر الْأَشْقَر نَائِب دمشق يستدعيه فَجرد السُّلْطَان الْأَمِير عز الدّين أيبك الأفرم إِلَى الكرك. وَفِيه اسْتَقر شهَاب الدّين غَازِي بن الوَاسِطِيّ فِي نظر حلب وَقرر لَهُ فِي الشَّهْر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 أربعمائه دِرْهَم وَسِتَّة مكاكي قَمح ومكوكان شعير، وأضيف مَعَه جلال الدّين بن الخطير فِي الِاسْتِيفَاء وَاسْتقر الطواشي افتخار الدّين فِي خزندارية حلب وَبدر الدّين بكتوت القطزي شاد الدَّوَاوِين بهَا وَاسْتقر جمال الدّين إِبْرَاهِيم بن صصرى فِي نظر دمشق بعد وَفَاة علم الدّين مُحَمَّد بن العادلي. وَاسْتقر الْأَمِير سيف الدّين بلبان الطباخي فِي نِيَابَة حصن الأكراد. وَفِي رَابِع ذِي الْحجَّة: اسْتَقر الْأَمِير عماد الدّين دَاوُد بن أبي الْقَاسِم فِي ولَايَة نابلس. وَفِي سابعه: سَار الْأَمِير عز الدّين أيبك الأفرم بالعساكر من الْقَاهِرَة إِلَى جِهَة الكرك. وَفِي تاسعه: أفرج عَن الْأَمِير غرس بن شاور من الاعتقال وَاسْتقر فِي ولَايَة الرملة. وثامن عشره: تسلم الْأَمِير بدر الدّين بيليك الأيدمري قلعة الشوبك من نواب الْملك السعيد بالأمان ووردت كتبه بذلك فِي ثَالِث عشريه فسيرت الْخلْع لمن بهَا ودقت البشائر بقلعة الْجَبَل وَكتب بالبشارة إِلَى الأقطار. وَفِيه اسْتَقر مجد الدّين عيسي بن الخشاب محتسباً بِالْقَاهِرَةِ. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير حسام الدّين لاجين السِّلَاح دَار المنصوري الْمَعْرُوف بلاجين الصَّغِير فِي نِيَابَة قلعة دمشق. فَلَمَّا وصل إِلَيْهَا كَمَا تقدم وَحلف سنقر الْأَشْقَر وخلع عَلَيْهِ تحيل مِنْهُ الْأَمِير سنقر الْأَشْقَر نَائِب الشَّام وَجمع الْأُمَرَاء وأوهمهم أَن السُّلْطَان قد قتل وَهُوَ يشرب القمز ودعاهم إِلَى طَاعَته وحلفهم على مُوَافَقَته. وتلقب بِالْملكِ الْكَامِل وَركب بشعار السلطنة فِي يَوْم وَقبض على الْأَمِير ركن الدّين بيبرس العجمي الْمَعْرُوف بالجالق المنصوري لامتناعه من الْحلف وَقبض على الْأَمِير حسام الدّين لاجين نَائِب القلعة وعَلى الصاحب تَقِيّ الدّين تَوْبَة التكريتي. وَبعث الْأَمِير سيف الدّين بلبان الحبيشي إِلَى المماليك ليحلف أَهلهَا وَيُقِيم فِي القلاع من يختاره. وَكتب إِلَى مهنا وَإِلَى أَحْمد بن حجي يعلمهما فَقدما عَلَيْهِ واستوزر مجد الدّين إِسْمَاعِيل بن كسيرات الْموصِلِي وَأقر فِي وزارة الصُّحْبَة عز الدّين أَحْمد بن ميسر الْمصْرِيّ. وانتقل بأَهْله من دَار السَّعَادَة الَّتِي يسكنهَا النواب إِلَى القلعة وَأمر بغلق بَاب النَّصْر وَفتح بَاب سر القلعة الْمُقَابل لدار السَّعَادَة بجوار بَاب النَّصْر. فتطير النَّاس من ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 وَقَالُوا: أغلق بَاب النَّصْر وانتقل من دَار السَّعَادَة واستوزر ابْن كسيرات فَهَذَا أَمر لَا يتم وَكَانَ كَذَلِك. وَكَانَ وَفَاء النّيل بِمصْر سِتَّة عشر ذِرَاعا فِي ثَالِث ربيع الآخر. وَحج بِالنَّاسِ من مصر الْأَمِير جمال الدّين أقش الباخلي وَسَار الركب فِي سَابِع عشر شَوَّال وقاضيه فَخر الدّين عُثْمَان ابْن بنت أبي سعيد. وفيهَا ولي نجم الدّين أَبُو بكر مُحَمَّد بن أَحْمد بن يحيي بن هبة الله بن الْحسن بن يحيي ابْن سني الدولة قَضَاء حلب عوضا عَن شهَاب الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد الخوي. وفيهَا أنعم السُّلْطَان على أَرْبَعِينَ من مماليكه بإمريات: مِنْهُم كتبغا وسنجر الشجاعي وأيبك الخازندار وقبجق ولاجين وبلبان الطباخي وكراي وسنفر جركس وأقوش الْموصِلِي وطقصوا وأزدمر العلائي وبهادر أص رَأس نوبَة وبكتوت بكجا وتغريل السلحدار وسنقر السلحدار. وأنعم على جمَاعَة من عدته أَيْضا بإمريات: مِنْهُم كشكل وأيدمر الجناحي وقيران الشهابي وَمُحَمّد الكوراني وَإِبْرَاهِيم الجاكي وإخواته. وأنعم على عدَّة من المماليك الظَّاهِرِيَّة بإمريات: مِنْهُم الْحَاج بهادر وسنجر المسروري. وفيهَا ترك السُّلْطَان ركُوبه مُدَّة وَسبب ذَلِك تغير قُلُوب الصالحية والظاهرية ومكاتبتهم سنقر الْأَشْقَر. فَلَمَّا بلغ السُّلْطَان هَذَا عَنْهُم خشِي من اغتيالهم إِيَّاه وَأخذ فِي التَّدْبِير عَلَيْهِم فكثرت قالة الْعَامَّة وجهروا بقَوْلهمْ فِي اللَّيْل تَحت القلعة بِأَصْوَات عالية يَا بو عيشه اركب وَكن طيب يَا بو عيشه وصاروا يلطخون رنك السُّلْطَان فِي اللَّيْل بالقذر فيتغافل عَنْهُم وَهُوَ يسمع صِيَاحهمْ فِي اللَّيْل ويبلغه فعلهم برنكه. وَزَادُوا حَتَّى شافهوا أمراءه بالسب وهم يعرضون عَنْهُم. وفيهَا ظهر بِالْقَاهِرَةِ ومصر رجلَانِ من بزدارية الْأَمِير جمال الدّين أقوش الملقب بهيطلية عرف أَحدهمَا بالجاموس لسواد لَونه وَعرف الآخر بالمحوجب. وأفسدا فَسَادًا كثيرا وشغفا بِشرب الْخمر وصارا يكتبان الأوراق للأعيان بِطَلَب شَيْء من إحسانهم ويوصلونها إِلَيْهِم فَإِن لم يبْعَث لَهُم الْمَكْتُوب إِلَيْهِ بِشَيْء وَإِلَّا أَتَوْهُ لَيْلًا. وشنع أَمرهمَا حَتَّى إنَّهُمَا ليمشيان فِي مَوَاضِع النزه وسيوفهما على أكتافهما فَلَا يَجْسُر أحد عَلَيْهِمَا. ورتب لَهما الْأَمِير علم الدّين سنجر الْخياط وَإِلَى الْقَاهِرَة جمَاعَة لتقبض عَلَيْهِمَا فَكَانَا يحْملَانِ فِي مائَة رجل ويحوط عَنْهُم. وهجما الْقَاهِرَة فِي اللَّيْل وأخذا وَإِلَى الطوف وعلقاه بذراعه وقطعا أنف الْمُقدم وَأُذُنَيْهِ وتتبعا كل من أرصدة الْوَالِي لأخذهما. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 فذعر النَّاس مِنْهُمَا إِلَى أَن كَانَا لَيْلَة ببستان فِي المطرية وخرجا مِنْهُ يُريدَان الْقَاهِرَة فصدفهما مَمْلُوك الْوَالِي وَهُوَ سَائِر إِلَى بلبيس وَمَعَهُ غُلَامه وَقد عرفهما. فَضرب بسهمه وَأصَاب رجْلي أَحدهمَا فَسقط وهم الآخر بصعود حَائِط الْبَسَاتِين فَوَقع وانكسرت رجله وَوَقع الصَّوْت فِي الْبُسْتَان. فَنزل غُلَام الْمَمْلُوك وكتف الجاموس وَأخرج النَّاس المحوجب من الْبُسْتَان وَسَارُوا بهما مربوطين إِلَى الْقَاهِرَة. فطلع بهما الْوَالِي إِلَى السُّلْطَان وَمَعَهُ مَمْلُوكه وَكَانَ زريا قَصِيرا لَا يؤبه إِلَيْهِ فَعجب السُّلْطَان من ذَلِك وسألهما على لِسَان الْحَاجِب: كَيفَ مسككما هَذَا. بمفرده وأنتما لَا تهابان رجَالًا كَثِيرَة أفقالا: إِذا نزل الْقَضَاء قلت الْحِيلَة وَالله لقد كُنَّا إِذا رَأينَا عشْرين فَارِسًا وَمِائَة راجل خرجنَا عَنْهُم سَالِمين بَعْدَمَا ننال مِنْهُم فَلَمَّا فرغ الْأَجَل عِنْدَمَا وَقع نَظرنَا على هَذَا ارتعدت فرائصنا حَتَّى مَا قَدرنَا على الْحَرَكَة فرسم بتسميرهما فسمرا عِنْد بَاب زويلة وشهرا عدَّة أَيَّام وخلع على الْمَمْلُوك وأنعم عَلَيْهِ بِأَلف دِرْهَم وإقطاع فِي الْحلقَة وَهُوَ أول من أَخذ من مماليك الْأُمَرَاء إقطاعا فِي الْحلقَة. وفيهَا خلع متملك تونس الْأَمِير أَبُو زَكَرِيَّا يحيي الواثق بن أبي عبد الله مُحَمَّد الْمُسْتَنْصر بن السعيد أبي زَكَرِيَّا يحيي بن عبد الْوَاحِد بن أبي حَفْص فِي غرَّة ربيع الآخر فَكَانَت مدَّته سنتَيْن وَثَلَاثَة أشهر وَثَلَاثَة وَعشْرين يَوْمًا وَقَامَ بعده عَمه أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن يحيي بن عبد الْوَاحِد. وَمَات فِي هَذِه السّنة الْأَمِير أقش الشهابي أحد أُمَرَاء الطبلخاناه. وَمَات الْأَمِير الطنبا فَخر الدّين الْحِمصِي فِي سادس عشر رَمَضَان. وَمَات علم الدّين إِسْحَاق بن العادلي نَاظر دمشق فِي خَامِس عشري شَوَّال. وَمَات الْأَمِير عز الدّين أيبك الشَّيْخ فِي ذِي الْحجَّة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 وَمَات الْأَمِير نَاصِر الدّين بلبان النَّوْفَلِي أحد الطلخاناه. وَمَات الْأَمِير علم الدّين بلبان المشرفي أحد الطلخاناه. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين جمق أحد الطلخاناه. وَمَات شرف الدّين أَبُو بكر عبد الله بن تَاج الدّين أبي مُحَمَّد عبد السَّلَام ابْن شيخ الشُّيُوخ عماد الدّين عمر بن على بن مُحَمَّد بن حمويه الْحَمَوِيّ الْجُوَيْنِيّ شيخ الشُّيُوخ بِدِمَشْق فِي ثامن شَوَّال دفن بقاسيون. وَمَات الْأَمِير بدر الدّين مُحَمَّد بن الْأَمِير حسام الدّين بركَة خَان الْخَوَارِزْمِيّ خَال الْملك السعيد بن الظَّاهِر فِي تَاسِع ربيع الأول بِدِمَشْق. وَمَات الْأَمِير نور الدّين على ابْن الْأَمِير عز الدّين مجلي الهكاري نَائِب حلب بهَا عَن سبع وَتِسْعين سنة. وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة محيي الدّين أَبُو الصّلاح عبد الله بن شرف الدّين أبي المكارم مُحَمَّد بن عين الدولة الشَّافِعِي فِي خَامِس رَجَب وَهُوَ مَصْرُوف وَقد أناف على ثَمَانِينَ سنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 سنة تسع وَسبعين وسِتمِائَة فِي يَوْم الْخَمِيس أول الْمحرم: ركب الْملك الْكَامِل سنقر الْأَشْقَر بشعار السلطنة من قلعة دمشق إِلَى الميدان الْأَخْضَر وَبَين يَدَيْهِ الْأُمَرَاء مشَاة بِالْخلْعِ ثمَّ عَاد. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِيه: خطب لَهُ على مِنْبَر الْجَامِع بِدِمَشْق وَكتب إِلَى الْأَمِير عز الدّين الأفرم وَهُوَ بالكرك يعْتَذر عَن قِيَامه وأتبع الْكتاب بعسكر. فَلَمَّا ورد كِتَابه جهزه الأفرم إِلَى السُّلْطَان بِمصْر فَكتب السُّلْطَان عِنْد وُرُوده إِلَى الْأَشْقَر يقبح فعله وَكتب أُمَرَاء مصر إِلَيْهِ بذلك ويحثونه على الإذغان وَترك الْفِتْنَة. وَسَار بالكتب بلبان الكريمي فوصل دمشق فِي ثامنه وَخرج سنقر الْأَشْقَر إِلَى لِقَائِه وأكرمه وَلم يرجع عَمَّا هُوَ فِيهِ. وَاسْتقر الأفرم بغزة فوافاه عَسْكَر سنقر الْأَشْقَر بهَا فَانْدفع من قدامهم إِلَى الرمل وَملك الْعَسْكَر غَزَّة واطمأنوا فطرقهم الأفرم وأوقع بهم فَانْهَزَمُوا إِلَى الرملة وَأسر مِنْهُم الْأَمِير بدر الدّين كنجك الْخَوَارِزْمِيّ الْأَمِير بدر الدّين بيليك الْحلَبِي وبهاء الدّين يمك الناصري وناصر الدّين باشقرد الناصري وَعلم الدّين سنجر التكريتي وسنجر البدري وسابق الدّين سُلَيْمَان صَاحب صهيون وغنم مِنْهُم مَالا وخيولا وأثقالا كَثِيرَة. وَبعث الأفرم بالبشارة على يَد نَاصِر الدّين مُحَمَّد ولد الْأَمِير بكتاش الفخري فَقدم فِي خَامِس عشره بالأمراء المأسورين فَعَفَا السُّلْطَان عَنْهُم وَأحسن إِلَيْهِم وأعادهم على أخبازهم وجعلهم فِي الْعَسْكَر. (وَفِي رَابِع عشره) مَاتَ الْأَمِير عَلَاء الدّين كندغدي الحبيشي من ضَرْبَة بسكين ضربه بهَا سنقر الغتمي الْأَشْقَر الأستادار وَقبض عَلَيْهِ وَسمر على بَاب زويلة. وَلما بلغ سنقر الْأَشْقَر كسرة عسكره جمع وحشد وَبعث إِلَى الْأُمَرَاء بغزة يعدهم ويستميلهم فَقدم عَلَيْهِ شهَاب الدّين أَحْمد بن حجي أَمِير العربان بالبلاد الْقبلية والأمير شرف الدّين عيسي بن مهنا أَمِير العربان بالبلاد الشرقية والشمالية وأتته النجدات من حلب وحماة وَمن جبال بعلبك واستخدم عدَّة كَبِيرَة وبذل فيهم المَال وَكَثُرت عِنْده بِدِمَشْق الأرجاف أَن عَسْكَر مصر قد سَار إِلَيْهِ فَاشْتَدَّ استعداده. وجرد السُّلْطَان من الْقَاهِرَة الْأَمِير بدر الدّين بكتاش الفخري أَمِير سلَاح وَمَعَهُ الْأَمِير بدر الدّين الأيدمري الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 والأمير حسام الدّين أيتمش بن أطلس خَان فِي أَرْبَعَة آلَاف فَارس. فَسَار إِلَى غزه واجتمعوا مَعَ الْأَمِير عز الدّين الأفرم والأمير بدر الدّين الأيدمري وَسَارُوا جَمِيعًا والمقدم عَلَيْهِم علم الدّين سنجر الْحلَبِي فَرَحل عَسْكَر سنقر الْأَشْقَر من الرملة إِلَى دمشق. فَخرج سنقر الْأَشْقَر فِي ثَانِي عشر صفر بعساكره وخيم بالجسورة خَارج دمشق وَنزل عَسْكَر مصر الْكسْوَة والعقوة فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سَابِع عشره بالجسورة. فَوَقَعت الْحَرْب فِي تَاسِع عشره وَثَبت سنقر الْأَشْقَر وأبلي بلَاء عَظِيما ثمَّ خامر من عسكره طَائِفَة كَبِيرَة إِلَى عَسْكَر مصر وَانْهَزَمَ كثير مِنْهُم وَرجع عَسْكَر حلب وحماة عَنهُ إِلَى بِلَادهمْ وتخاذل عَنهُ عَسْكَر دمشق وَحمل عَلَيْهِ الْأَمِير سنجر الْحلَبِي فَانْهَزَمَ مِنْهُ. وهرب سنقر الْأَشْقَر وَتَبعهُ من خواصه الْأَمِير عز الدّين أزدمر الْحَاج والأمير عَلَاء الدّين السُّبْكِيّ والأمير شمس الدّين قراسنقر المعزي والأمير سيف الدّين بلبان الحبيشي وَسَارُوا مَعَه هم والأمير عيسي بن مهنا إِلَى بَريَّة الرحبة وَأَقَامُوا بهَا أَيَّامًا وتوجهوا إِلَى الرحبة وَكَانَ سنقر قبل ذَلِك قد بعث حرمه وأمواله إِلَى صهيون. وَأسر يَوْمئِذٍ أحد عشر أَمِيرا: مِنْهُم بدر الدّين سنجق الْبَغْدَادِيّ وَبدر الدّين بيليك الْحلَبِي وَعلم الدّين سنجر التكريتي وبهاء الدّين تملك الناصري وباشقرد الناصري ونوديه الناصري. وَلما انهزم سنقر الْأَشْقَر تفرق عسكره فِي سَائِر الْجِهَات وغلقت أَبْوَاب دمشق وزحف عَسْكَر مصر إِلَيْهَا وَأَحَاطُوا بهَا ونزلوا فِي الْخيام وَلم يتَعَرَّضُوا لشَيْء. وَأقَام الْأَمِير سنجر الْحلَبِي بِالْقصرِ الأبلق فِي الميدان الْأَخْضَر خَارج دمشق فَلَمَّا أصبح أَمر فَنُوديَ بالأمان. وَكَانَ بقلعة دمشق الْأَمِير سيف الدّين الجكندار وَهُوَ متولها من جِهَة سنقر الْأَشْقَر فأفرج عَن الْأَمِير ركن الدّين بيبرس العجمي الجالق والأمير حسام الدّين لاجين المنصوري والصاحب تَقِيّ الدّين توبه وحلفهم أَلا يؤذوه إِذا أطلقهُم. ثمَّ فتح بَاب القلعة وَنزل لاجين إِلَى بَاب الْفرج فَوقف عَلَيْهِ وَمنع الْعَسْكَر من دُخُول الْمَدِينَة. وَنُودِيَ بإطابة قُلُوب النَّاس وزينة الْبَلَد فَوقف البشائر بالقلعة. وَقدم كثير مِمَّن كَانَ مَعَ سنقر الْأَشْقَر فَأَمنَهُمْ الْأَمِير سنجر الْحلَبِي وَحضر أَحْمد بن حجي بِأَمَان. وَقتل فِي هَذِه الْوَقْعَة الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الأتابك وَكَانَ شجاعا وَنور الدّين على بن الطوري وَكَانَ شجاعاً وَثَمَانِية من جند دمشق وَاثْنَانِ من عَسْكَر مصر وجرح الْأَمِير بكتاش الفخري وَكتب إِلَى السُّلْطَان بذلك على يَد نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن الْأَمِير بكتاش الفخري أَمِير سلَاح فَلَمَّا قدم على السُّلْطَان فِي أول ربيع الأول أنعم عَلَيْهِ بإمرة عشرَة وَهُوَ أول من تَأمر من أَوْلَاد الْأُمَرَاء فِي الدولة المنصورية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 وَاسْتقر فِي نِيَابَة الْأَمِير بدر الدّين بكتوت العلائي وَاسْتقر الْوَزير تَقِيّ الدّين توبه على حَاله وَاسْتقر الْأَمِير علم الدّين سنجر الباشقردي فِي نِيَابَة حلب بعد الْأَمِير جمال الدّين أقش الشمسي نَائِب حلب. وَفِي خَامِس عشري أبيب وَهُوَ فِي صفر: أَخذ قاع النّيل فَكَانَ خَمْسَة أَذْرع وَعشْرين إصبعا. وَفِي رَابِع عشري صفر: سَار الْأَمِير حسام الدّين أيتمش بن أطلس خَان فِي عدَّة من الْأُمَرَاء وَمَعَهُ ثَلَاثَة آلَاف فَارس من دمشق فِي طلب شمس الدّين سنقر الْأَشْقَر وتبعهم فِي أول ربيع الأول الْأَمِير عز الدّين الأفرم على عَسْكَر آخر. وَكَانَ سنقر الْأَشْقَر قد أَقَامَ عِنْد الْأَمِير شرف الدّين عيسي بن مهنا ثمَّ فَارقه وَسَار إِلَى الرحبة وَقد تَركه كثير مِمَّن كَانَ مَعَه فَامْتنعَ الْأَمِير موفق الدّين خضر الرَّحبِي نَائِب القلعة بالرحبة من تَسْلِيمهَا إِلَى سنقر الْأَشْقَر. فَلَمَّا أيس مِنْهُ سنقر كتب إِلَى الْملك أبغا بن هولاكو يحثه على الْحُضُور لأخذ الْبِلَاد. الشامية وَكتب مَعَه أَيْضا الْأَمِير عيسي بِمثل ذَلِك. فبلغهما خبر توجه العساكر من دمشق فَسَار سنقر فِي الْبَريَّة إِلَى صهيون فتحصن بهَا وَلحق بِهِ الْأَمِير عز الدّين الْحَاج أزدمر فِي طَائِفَة فَبَعثه إِلَى قلعة شيزر فَأَقَامَ بهَا وَبلغ ذَلِك العساكر المتوجهة من دمشق فنازلت شيزر. وَفِي هَذِه الْمدَّة أوقعت الحوطة بِدِمَشْق على الصاحب مجد الدّين إِسْمَاعِيل بن كسيرات وَزِير سنقر الْأَشْقَر وعَلى جمال الدّين بن صصرى نَاظر دواوين دمشق واعتقلا على مَال ألزما بِهِ. وَضرب الزين وَكيل بَيت المَال ورسم على قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين أَحْمد بن خلكان واتهم بِأَنَّهُ أُفْتِي سنقر الْأَشْقَر بِجَوَاز قتال السُّلْطَان وَورد كتاب السُّلْطَان من مصر بشنقه. ثمَّ ورد بريد من مصر إِلَى الشَّام بِأَمَان أهل دمشق فَقَامَ فِي حق قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين الْأَمِير علم الدّين الْحلَبِي وَقَالَ: قد ورد كتاب السُّلْطَان بِأَمَان من سَمعه من أهل دمشق وَقد وَصرف ابْن خلكان عَن قُضَاة دمشق فِي حادي عشري من صفر وَعرض الْقَضَاء على قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين مُحَمَّد بن عبد الْقَادِر بن عبد الْخَالِق بن خَلِيل بن مقلد بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 الصَّائِغ فَامْتنعَ من ذَلِك ففوض لنجم الدّين أبي بكر بن صدر الدّين بن أَحْمد بن يحيي ابْن سني الدولة. واعتقل ابْن خلكان فِي رَابِع عشريه بالخانقاه النجيبية ثمَّ أفرج عَنهُ فِي تَاسِع ربيع الأولى بِكِتَاب السُّلْطَان. فثار عَلَيْهِ ابْن سني الدولة وألزمه أَن يخرج من الْمدرسَة العادلية ورسم عَلَيْهِ فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشر ربيع الأول حَتَّى ينْتَقل عَنْهَا وشدد عَلَيْهِ بِسَبَب ذَلِك وَلم يُمْهل فشرع ابْن خلكان فِي نقل كتبه وأمتعته فِي الرَّابِعَة من النَّهَار وَإِذا بِالطَّلَبِ قد أَتَاهُ فَظن أَنه من جِهَة الاستحثاث فِي النقلَة فَأَرَاهُم الاهتمام بذلك فَقيل لَهُ قد حضر الْبَرِيد من مصر فخاف من حُلُول الْبلَاء بِهِ وَتوجه إِلَى نَائِب دمشق فَإِذا بِكِتَاب السُّلْطَان يتَضَمَّن إِنْكَار ولَايَة ابْن سني لما بِهِ من الصمم وَيَقُول: إِنَّا قد عَفَوْنَا عَن الْخَاص وَالْعَام وَمَا يَلِيق أَن نخص بالسخط أحدا على انْفِرَاده وَغير حاف مَا يتَعَلَّق بِحُقُوق القَاضِي شمس الدّين بن خلكان وقديم صحبته وَأَنه من بقايا الدولة الصالحية وَقد رسمنا بإعادته إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ من الْقَضَاء فَخلع عَلَيْهِ الْأَمِير علم الدّين الْحلَبِي وَركب ابْن خلكان من سَاعَته إِلَى الْمدرسَة العادلية ونزلها وَقت الظّهْر وباشر الحكم فعد ذَلِك من الْفرج بعد الشدَّة وَكَانَت مُدَّة ابْن سني الدولة عشْرين يَوْمًا. وَفِي حادي عشر شهر ربيع الأول: فوضت نِيَابَة دمشق إِلَى الْأَمِير حسام الدّين لاجين الصَّغِير المنصوري وَقد كتب تَقْلِيده وَتوجه بِهِ بكتوت العلائي وَولي الْأَمِير بدر الدّين بكتوت العلائي شدّ الدَّوَاوِين بِدِمَشْق والصاحب تَقِيّ الدّين تَوْبَة التكريتي وزارة الشَّام وأقطع الْأَمِير فَخر الدّين عُثْمَان بن مانعن بن هبة والأمير شمس الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر إقطاع الْأَمِير شرف الدّين عيسي بن مهنا واستقرا فِي إمرة آل الْفضل وَآل عَليّ على أَن ينزل فَخر الدّين من الرستن إِلَى الملوحة وَتَكون منزلَة شمس الدّين من الملوحة إِلَى الْفُرَات وَأعْطِي أَيْضا الْأَمِير حسام الدّين دراج إمرة آل عَامر وَتَكون مَنْزِلَته من الرستن إِلَى العقابيات. وَتوجه شمس الدّين سنقر الغتمي وَسيف الدّين بلبان الْخَاص تركي من الْقَاهِرَة إِلَى الْملك منكوتمر فِي الْبَحْر ومعهما كتاب السُّلْطَان إِلَى الْملك غياث الدّين كيخسرو بن ركن الدّين قلج أرسلان السلجوقي. وَتوجه الْأَمِير نَاصِر الدّين بن المحسني الْجَزرِي والبطرك أنباسيوس فِي الرسَالَة إِلَى الْملك الأشكري. وَفِي ثَالِث ربيع الآخر: ورد رَسُول صَاحب تونس بكتابه. وَفِي سابعه: قدم الْأَمِير عز الدّين أزدمر العلائي إِلَى قلعة الْجَبَل فأنعم عَلَيْهِ بِخبْز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 الْأَمِير قيران البندقداري الْمُنْتَقل إِلَيْهِ عَن علم الدّين سنجر الدواداري. وَفِي ثامن عشريه: كسر الخليج الَّذِي بِظَاهِر المقس وَورد الْمُفْرد فِي ثَالِث عشريه. وَفِي سادس عشريه وَهُوَ أول أَيَّام النسيء: وَفِي النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا فَركب السُّلْطَان إِلَى الْقيَاس وَخلق العمود ثمَّ ركب فِي الحراقة وَكسر الخليج الْكَبِير فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَنُودِيَ فِي نَهَاره إصبعان من سِتَّة عشر ذِرَاعا وكتبت البشائر بِالْوَفَاءِ على الْعَادة. وَفِيه صرف الْأَمِير علم الدّين أقش البدري وَإِلَى قلعة الشوبك وَقرر عرضه الْأَمِير علم الدّين سنجر الإيغاني. وَفِي سَابِع عشريه: مَاتَ الْأَمِير سيف الدّين أَبُو بكر بن أسباسلار وَإِلَى مصر وأحيط بِتركَتِهِ وَقرر عوضه الْأَمِير عز الدّين أيبك الفخري. وَفِي أول جُمَادَى الأولى: كَانَ يَوْم النوروز بِمصْر. وَفِي تاسعه: وصل الْأَمِير سيف الدّين الحبيشي إِلَى قلعة الْجَبَل. وَفِي خَامِس عشريه: انْتَهَت زِيَادَة مَاء النّيل إِلَى ثَلَاثَة وَعشْرين إصبعاً من سَبْعَة عشر ذِرَاعا وَأعْطِي الْأَمِير بدر الدّين بيليك الأيدمري تَكْمِلَة مائَة فَارس ورسم بإيقاع الحوطة على تَقِيّ الدّين تَوْبَة وَزِير الشَّام: فَقبض على موجوده وسجن. وَفِي ثَالِث جُمَادَى الْآخِرَة: وصل الْأَمِير علم الدّين سنجر الْحلَبِي من بِلَاد الشَّام فَركب السُّلْطَان وَفِي سادسه: خلع على الْأَمِير سيف الدّين بلبان الرُّومِي وَجعل دوادار الْعَلامَة لَا غير مَعَ القَاضِي فتح الدّين بن عبد الظَّاهِر. وَورد الْخَبَر بمسير التتار إِلَى الْبِلَاد الشامية وَأَنَّهُمْ قد افْتَرَقُوا ثَلَاث فرق: فرقة سَارَتْ من جِهَة بِلَاد الرّوم ومقدمهم صمغار وتنجي وطرنجي وَفرْقَة من جِهَة الشرق ومقدمهم بيدو بن طوغاي بن هولاكو وصحبته صَاحب ماردين وَفرْقَة فِيهَا مُعظم الْعَسْكَر وشرار الْمغل منكوتمر بن هولاكو. فَخرج من دمشق الْأَمِير ركن الدّين إياجي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 على عَسْكَر وانضم مَعَ الْعَسْكَر المحاصر لشيزر وَخرج من الْقَاهِرَة الْأَمِير بدر الدّين بكتاش النجمي على عَسْكَر. وَاجْتمعَ الْجَمِيع على حماة وراسلوا الْأَمِير سنقر الْأَشْقَر فِي إخماد الْفِتْنَة والاجتماع على قتال التتر فَبعث إِلَيْهِم عسكرا من صهيون أَقَامَ حول صهيون وَنزل الْحَاج أذدمر من شيزر وخيم تَحت قلعتها. وَوَقعت الجفلة فِي الْبِلَاد الحلبية فَسَار مِنْهَا خلق كثير إِلَى دمشق فِي النّصْف من جُمَادَى الْآخِرَة وَكثر الِاضْطِرَاب فِي دمشق وأعمالها وعزم النَّاس على تَركهَا والمسير إِلَى ديار مصر. فَلَمَّا كَانَ فِي حادي عشريه: هجمت طوائف التتار على أَعمال حلب وملكوا عين تَابَ وبغراص ودربساك ودخلوا حلب وَقد خلت من الْعَسْكَر فَقتلُوا ونهبوا وَسبوا وأحرقوا الْجَامِع والمدارس وَدَار السلطنة ودور الْأُمَرَاء. وَأَقَامُوا بهَا يَوْمَيْنِ يكثرون الْفساد بِحَيْثُ لم يسلم مِنْهُم إِلَّا من اختفي فِي المغائر والأسرية ثمَّ رحلوا عَنْهَا فِي يَوْم الْأَحَد ثَالِث عشريه عائدين إِلَى بِلَادهمْ بِمَا أَخَذُوهُ وَتَفَرَّقُوا فِي مشاتيهم. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سَابِع عشريه: أركب السُّلْطَان وَلَده عَلَاء الدّين أَبَا الْفَتْح عليا بشعار السلطنة ولقبه بِالْملكِ الصَّالح وَجعله ولي عَهده فشق الْقَاهِرَة من بَاب النَّصْر إِلَى قلعة الْجَبَل. وَكتب لَهُ تَقْلِيد بِخَط القَاضِي محيي الدّين بن عبد الظَّاهِر من إنشائه أَجَاد فِيهِ وأبلغ وخطب للْملك الصَّالح بعد ذَلِك على مَنَابِر مصر كلهَا بعد وَالِده وَكتب إِلَى الْبِلَاد الشامية بذلك. وَفِي آخِره: عزل السُّلْطَان الصاحب فَخر الدّين إِبْرَاهِيم بن لُقْمَان عَن وزارة الديار المصرية فَعَاد إِلَى ديوَان الْإِنْشَاء وَكتب مَعَ كتاب الْإِنْشَاء وَتصرف بِأَمْر صَاحب ديوَان الْإِنْشَاء وفوضت الوزارة بعده إِلَى الصاحب برهَان الدّين الْخضر بن الْحسن السنجاري. وَتوجه السُّلْطَان من مصر بالعساكر إِلَى الْبِلَاد الشامية يُرِيد لِقَاء التتار بعد مَا أنْفق فِي كل أَمِير ألف دِينَار وَفِي كل جندي خَمْسمِائَة دِرْهَم واستخلف على مصر بقلعة الْجَبَل ابْنه الْملك الصَّالح عليا. فَسَار السُّلْطَان إِلَى غَزَّة وَقدم عَلَيْهِ بغزة من كَانَ فِي الْبِلَاد الشامية من عَسَاكِر مصر وَقدم عَلَيْهِ أَيْضا طَائِفَة من أُمَرَاء سنقر الْأَشْقَر فأكرمهم. وَلم ينزل السُّلْطَان بغزة إِلَى عَاشر شعْبَان فَرَحل مِنْهَا عَائِدًا إِلَى مصر بعد أَن بلغه رُجُوع التتر وَكَانَت غبيته خمسين يَوْمًا. وَولي الْأَمِير بدر الدّين درباس ولَايَة جينين ومرج بن عَامر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 وفيهَا ولي الْأَمِير نجم الدّين إِبْرَاهِيم بن نور الدّين على بن السديد ولَايَة مصر عوضا عَن الْأَمِير عز الدّين أيبك الفخري. وسفر الْأَمِير سيف الدّين باسطي نَائِبا بقلعة صرخد والأمير عز الدّين أيبك الفخري والياً بالقلعة الْمَذْكُورَة. وَفِي يَوْم السبت سادس عشري شهر رَمَضَان: صرف قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين عمر بن تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب ابْن بنت الْأَعَز عَن قَضَاء الْقُضَاة بديار مصر وَكَانَ قد سلك فِي ولَايَته طَرِيق الْخَيْر وَالصَّلَاح وتحري الْحق وَالْعدْل وتصلب فِي الْأَحْكَام وَاسْتقر عوضا عَنهُ قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن رزين الْحَمَوِيّ. وَفِيه خرج الْأَمِير بدر الدّين بكتاش النجمي إِلَى حمص مُجَردا وَخرج الْأَمِير عَلَاء الدّين أيدكين البندقداري الصَّالِحِي لحفظ السَّاحِل من الفرنج. وَكتب السُّلْطَان إِلَى الْأَمِير سيف الدّين بلبان الطباخي نَائِب حصن الأكراد بغزو الفرنج بالمرقب لمساعدتهم التتار عِنْد وصولهم حلب فَجمع التركمان وَغَيرهم وَحمل المجانيق والآلات ونازل المرقب فَانْهَزَمَ الْمُسلمُونَ ونهبهم الفرنج وَعدم من الْمُسلمين مِقْدَار مِائَتي فَارس وراجل. فَكبر ذَلِك على السُّلْطَان وتحرك للسَّفر وَخرج فِي أول ذِي الْحجَّة واستخلف ابْنه الْملك الصَّالح وخيم بِمَسْجِد تبر. ورتب السُّلْطَان الْأَمِير علم الدّين سنجر الشجاعي. فِي اسْتِخْرَاج الْأَمْوَال وتدبير أُمُور المملكة وَجعله فِي خدمَة الْملك الصَّالح مَعَ الْوَزير برهَان الدّين السنجاري. وَأقَام القَاضِي محيي الدّين بن عبد الظَّاهِر بِالْقَاهِرَةِ لقِرَاءَة الْبَرِيد وتنفيذ الأشغال وَأقر فِي نِيَابَة السلطنة بديار مصر الْأَمِير زين الدّين كتبغا المنصوري. وَقدم الْأَمِير شرف الدّين عيسي بن مهنا من الْعرَاق وترامي على السُّلْطَان فَعَفَا عَنهُ وأكرمه وَركب إِلَى لِقَائِه وَأحسن إِلَيْهِ. وَمَات فِي هَذِه السّنة الشَّيْخ الصَّالح المعمر طير الْجنَّة وَدفن بقرافة مصر. وَمَات الأديب الشَّاعِر جمال الدّين أَبُو الْحسن يحيي بن عبد الْعَظِيم بن يحيي بن مُحَمَّد ابْن على الجزار فِي ثَانِي عشر شَوَّال. وَمَات الْأَمِير الْكَبِير جمال الدّين أقوش الشمسي نَائِب حلب بهَا فِي خَامِس الْمحرم وَهُوَ الَّذِي قتل كتبغا نوين مقدم التتار يَوْم عين جالوت وهر الَّذِي أمسك الْأَمِير عز الدّين أيدمر الظَّاهِرِيّ وَولي نِيَابَة حلب بعده علم الدّين سنجر الباشقردي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 وَمَات الْأَمِير على بن عمر الطوري وَقد أناف على تسعين سنة وَكَانَ أحد أبطال الْمُسلمين وَمَات الْأَمِير سيف الدّين أَبُو بكر بن أسباسلار وَإِلَى مصر فِي ربيع الأول بعد مَا ولي مصر عدَّة سِنِين وَكَانَ خَبِيرا عَظِيم السّمن. وَتُوفِّي شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن النن الْبَغْدَادِيّ الشَّافِعِي بالإسكندرية عَن ثَمَانِينَ سنة. وَتُوفِّي الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن بركَة خَان خَال الْملك السعيد وَهُوَ بِدِمَشْق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 سنة ثَمَانِينَ وسِتمِائَة فِيهَا سَار السُّلْطَان قلاوون من ظَاهر الْقَاهِرَة فَأَتَتْهُ رسل الفرنج وَهُوَ بِمَنْزِلَة الروحا فِي تَقْرِير الْهُدْنَة فتقررت بَين مقدم بَيت الإسبتار وَسَائِر الإسبتارية بعكا وَبَين السُّلْطَان وَولده الْملك الصَّالح لمُدَّة عشر سِنِين وَعشرَة أشهر وَعشرَة أَيَّام وَعشر سَاعَات أَولهَا يَوْم السبت ثَانِي عشري الْمحرم. وتقررت الْهُدْنَة أَيْضا مَعَ متملك طرابلس الشَّام بيتند بن بيمند لمُدَّة عشر سِنِين أَولهَا سَابِع عشري شهر ربيع الأولى. وعادت الرُّسُل وَتوجه الْأَمِير فَخر الدّين أياز الْمقري الْحَاجِب لتحليف الفرنج ومقدم الإسبتار على ذَلِك فخلفهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 وَفِيه بلغ الْأَمِير بدر الدّين بيسري الشمسي أَن الْأَمِير سيف الدّين كوندك الظَّاهِرِيّ السعيدي قد وَافق عدَّة من الظَّاهِرِيَّة والسعيدية على الفتك بالسلطان عِنْد المخاضة بنهر الشَّرِيعَة بعد الرحيل من بيسان فَأعْلم السُّلْطَان بذلك. وَاتفقَ وُرُود كتب من عكا تَتَضَمَّن أَن السُّلْطَان يحْتَرز على نَفسه فَإِن عِنْده جمَاعَة من الْأُمَرَاء قد اتَّفقُوا على قَتله وكاتبوا الفرنج بِأَنَّهُم لَا يصالحون فَإِن الْأَمر لَا يبطئ فاحترز السُّلْطَان على نَفسه. وهم كوندك بِأَن يغتال السُّلْطَان وَهُوَ بِمَنْزِلَة الروحا فَوَجَدَهُ قد تحفظ واستعد ثمَّ إِن السُّلْطَان رَحل من الروحا ولاطف الْأَمر حَتَّى اجْتمع الْأُمَرَاء عِنْده فِي حَمْرَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 بيسان فونج كوندك وَمن مَعَه وَذكر لَهُم مَا اعتمدوه من مُكَاتبَة الفرنج فَلم ينكروا وسألوا الْعَفو. فَأمر السُّلْطَان بهم فَقبض عَلَيْهِم وهم: كوندك وأيدغمش الحكيمي وبيبرس الرَّشِيدِيّ وساطلمش السِّلَاح دَار الظَّاهِرِيّ وعَلى ثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ من الْأُمَرَاء البرانية والمماليك الجوانية وفر عشرَة أُمَرَاء وَمِائَتَا فَارس فَأخذُوا من بعلبك وصرخد وَأخذ كوندك الْأَمِير حسام الدّين طرنطاي نَائِب السلطة وَمضى بِهِ إِلَى بحيرة طبرية وَضرب عُنُقه ثمَّ غرقه بهَا هُوَ والبقية. فَركب الْأَمِير سيف الدّين أيتامش السعيدي والأمير سيف الدّين بلبان الهاروني فِي نَحْو ثَلَاثمِائَة من البحرية الظَّاهِرِيَّة والتتار الوافدية وتوجهوا إِلَى سنقر الْأَشْقَر بصهيون. فَخرج الْأَمِير بدر الدّين بكتاش الفخري والأمير ركن الدّين طقصوا الناصري فِي أَثَرهم فَلم يدركهم وأوقعت الحوطة على مَوْجُود من قتل وَمن هرب. وَسَار السُّلْطَان إِلَى دمشق فَدَخلَهَا فِي تَاسِع عشر الْمحرم وَهُوَ أول قدومه إِلَيْهَا فِي سلطنته فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً وَقد اجْتمع لَهُ عَسْكَر عدته خَمْسُونَ ألفا. وَفِي ثَانِي عشري الْمحرم: صرف ابْن خلجان عَن قَضَاء دمشق وأعيد عز الدّين مُحَمَّد بن الصَّائِغ. وَاسْتقر فِي قَضَاء الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق نجم الدّين أَحْمد بن شمس الدّين عبد الرَّحْمَن الْحَنْبَلِيّ وَكَانَ قَضَاء الْحَنَابِلَة قد شغر من دمشق مُنْذُ عزل نَفسه قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين فاستقر ابْنه نجم الدّين بِتَعْيِين وَالِده. وَفِي عَاشر الْمحرم: مَاتَ قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين عمر بن تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب ابْن بنت الْأَعَز الشَّافِعِي بِمصْر فاستقر عوضه فِي نظر التربة الصالحية بِخَط بَين القصرين الطواشي حسام الدّين بِلَال المغيثي اللالا. وَاسْتقر فِي نظر المشهد الْحُسَيْنِي بِالْقَاهِرَةِ القَاضِي برهَان الدّين بن الطرائفي كَاتب الْإِنْشَاء فورد مرسوم السُّلْطَان من دمشق بِولَايَة الْأَمِير عَلَاء الدّين كشتغدي الشمسي الأستادار نظر المشهد الْحُسَيْنِي وَولَايَة القَاضِي تَقِيّ الدّين عبد الرَّحْمَن بن عبد الْوَهَّاب ابْن بنت الْأَعَز الْمدرسَة الصالحية والتربة الصالحية عوضا عَن أَخِيه مُضَافا لما بِيَدِهِ من نظر الخزائن المعمورة وَأَن يَكْتَفِي بِمَعْلُوم الْمدرسَة والتربة والمناصب الَّتِي كَانَت بيد أَخِيه وبتوفر معلومه عَن نظر الخزائن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 وَفِي ربيع الأول: صرف الصاحب برهَان الدّين الْخضر السنجاري عَن الوزارة بِمصْر وَقبض عَلَيْهِ وعَلى وَلَده واعتقلا بقلعة الْجَبَل. وَفِي صفر: جرد السُّلْطَان من دمشق الْأَمِير عز الدّين أيبك الأفرم والأمير عَلَاء الدّين كشتغدي الشمسي فِي عدَّة من الأجناد فَسَارُوا إِلَى شيزر فَبعث سنقر الْأَشْقَر يطْلب الصُّلْح على أَن يسلم شيزر ويعوض عَنْهَا الشغر وبكاس وكانتا قد أخدتا مِنْهُ ومعهما فامية وَكفر طلب وأنطاكية وعدة ضيَاع مَعَ مَا بِيَدِهِ من صهيون وبلاطنس ونرزية واللاذقية وَشرط أَيْضا أَن يكون أَمِيرا بستمائة فَارس وَيُؤمر من عِنْده من الْأُمَرَاء فَأُجِيب إِلَى ذَلِك. وَحضر فِي رَابِع ربيع الأول الْأَمِير علم الدّين سنجر الدواداري وَمَعَهُ رَسُول سنقر الْأَشْقَر بنسخة يَمِينه على مَا تقرر فَحلف لَهُ السُّلْطَان وَكتب لَهُ تقليدا بالبلاد الْمَذْكُورَة ونعت فِيهِ بالأمير وخوطب فِي مكاتباته بالمقر العالي المولوي السيدي العالي العادلي الشمسي وَنُودِيَ فِي دمشق باجتماع الْكَلِمَة. وجهزت رسل سنقر الْأَشْقَر وَمَعَهُمْ الْأَمِير فَخر الدّين أياز الْمقري الْحَاجِب والأمير شمس الدّين قراسنقر المنصوري فحلفاه وعادا فِي ثَانِي عشره فَضربت وَبعث السُّلْطَان إِلَى سنقر الْأَشْقَر من الأقمشة والأواني وَغَيرهَا شَيْئا كثيرا وعادت العساكر من شيزر إِلَى دمشق. وَفِي يَوْم الْخَمِيس أول شهر ربيع الأول وَهُوَ خَامِس عشري بؤونة: كَانَ قاع النّيل بِمصْر سِتَّة أَذْرع وَثَمَانِية عشر إصبعاً. وقدمت رسل الْملك المسعود حضر بن الظَّاهِر صَاحب الكرك فِي طلب الصُّلْح وَالزِّيَادَة على الكرك ليَكُون لَهُ مَا كَاد للناصر صَلَاح الدّين دَاوُد فَلم يجب السُّلْطَان إِلَى ذَلِك فترددت الرُّسُل بَينهمَا إِلَى أَن تقرر أَن يكود لَهُ من حد الْمُوجب إِلَى الحسا وَأَن تجهز إِلَيْهِ إخْوَته الذُّكُور وَالْإِنَاث وَترد عَلَيْهِم الْأَمْلَاك الظَّاهِرِيَّة. وَتوجه الْأَمِير بدر الدّين بيليك المحسني السِّلَاح دَار وَالْقَاضِي عماد الدّين بن الْأَثِير ليحلفاه فانبرم الصُّلْح فِي أَوَائِل شهر ربيع الأول وَشهر النداء بذلك فِي دمشق. وَفِي هَذَا الشَّهْر: دارت الْجِهَة المفردة بِدِمَشْق وأعمالها وضمنت بألفي ألف دِرْهَم فِي كل سنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْأَحَد خَامِس عشريه: خرج مرسوم بإراقة الْخُمُور وَإِبْطَال هَذِه الْجِهَة الخبيثة فَبَطل ذَلِك. وَفِيه عزل برهَان الدّين الْخضر السنجاري عَن الوزارة وصودر وأهين. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشره: وصلت أم الْملك السعيد نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن بركَة قان ابْن الْملك الظَّاهِر بيبرس وَهُوَ مَعهَا فِي تَابُوت إِلَى ظَاهر دمشق فَرفع فِي لَيْلَة الْخَمِيس الْعشْرين مِنْهُ بحبال إِلَى أَعلَى السُّور وأرخي وَحمل إِلَى تربة وَالِده الْملك الظَّاهِر وألحده مَعَ أَبِيه قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين بن الصَّائِغ. فَلَمَّا كمان بكرَة يَوْم الْخَمِيس: حضر السُّلْطَان والأمراء وَسَائِر الْأَعْيَان وَكثير من الْقُرَّاء والوعاظ إِلَى الْقَبْر فَكَانَ وقتا مشهوداً. وَفِي هَذَا الْيَوْم: أوفي النّيل بِمصْر سِتَّة عشر ذِرَاعا وَثَلَاثَة أَصَابِع وَوَافَقَهُ رَابِع عشر مسري فَكتب إِلَى السُّلْطَان بذلك. وَفِي شهر ربيع الآخر ولي نظر الْإسْكَنْدَريَّة كَمَال الدّين بن سَلامَة بعد وَفَاة رشيد الدّين بن بصاقة. وَفِي جُمَادَى الأولى. شنق بِالْقَاهِرَةِ رجلَانِ. أَحدهمَا مر بِهِ سقاء فزحمه بِحمْلِهِ حَتَّى أتلف ثِيَابه فَضَربهُ بسكين قَتله فشنق وَالْآخر جندي طَالب خياطا بمتاع لَهُ عِنْده فَلَمَّا مطله ضربه فَمَاتَ فشنق أَيْضا. وَفِيه مَاتَ رَسُول ملك الفرنج فأحيط بموجوده. وَفِيه قبض على شخص يعرف بالكريدي فِي طَرِيق مصر كَانَ يقطع الطَّرِيق على النَّاس فسمر على جمل وَأقَام أَيَّامًا يُطَاف بِهِ أسواق مصر والقاهرة فَقطع عَنهُ الْمُوكل بِهِ الْأكل وَالشرب فَلَمَّا طَالب بذلك قَالَ لَهُ الْمُوكل بِهِ: إِنَّمَا أردْت أَن أَهْون عَلَيْك لتَمُوت سَرِيعا حَتَّى تستريح مِمَّا أَنْت فِيهِ فَقَالَ لَهُ: لَا تقل كَذَا فَإِن شَرّ الْحَيَاة خير من الْمَوْت فَنَاوَلَهُ مَا أكله وسقاه. فاتفق إِنَّه وَقعت فِيهِ شَفَاعَة فَأطلق وسجن فَعَاشَ أَيَّامًا ثمَّ مَاتَ فِي السجْن. وَفِي عَاشر جُمَادَى الْآخِرَة وَهُوَ تَاسِع عشري توت: انْتَهَت زِيَادَة مَاء النّيل إِلَى ثَمَانِيَة عشر ذِرَاعا وَأَرْبَعَة أَصَابِع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 وَفِي هَذَا الشَّهْر: ثار العشير ونهبوا مَدِينَة غَزَّة وَقتلُوا خلقا كثيرا وأفسدوا فَبعث السُّلْطَان الْأَمِير عَلَاء الدّين أيدكين الفخري على عَسْكَر من دمشق وَخرج من الْقَاهِرَة الْأَمِير شمس الدّين سنقر البدوي على عَسْكَر. وَفِيه ورد الْخَبَر بِدُخُول منكوتمر أخي ابغا بن هولاكو بن طلوي بن جنكزخان إِلَى بِلَاد الرّوم بعساكر الْمغل وَأَنه نزل بَين قيسارية والأبلستين. فَبعث السُّلْطَان الكشافة فَلَقوا طَائِفَة من التتر أَسرُّوا مِنْهُم شخصا وبعثوا بِهِ إِلَى السُّلْطَان فَقدم إِلَى دمشق فِي الْعشْرين من جُمَادَى الأولى فآتاه السُّلْطَان وَلم ينزل بِهِ حَتَّى أعلمهُ أَن التتر فِي نَحْو ثَمَانِينَ ألفا وَإِنَّهُم يُرِيدُونَ بِلَاد الشَّام فِي أول فشرع السُّلْطَان فِي عرض العساكر واستدعى النَّاس فَحَضَرَ الْأَمِير أَحْمد بن حجي من الْعرَاق فِي جمَاعَة كَبِيرَة من آل مراتكون زهاء أَرْبَعَة آلَاف فَارس شاركين فِي السِّلَاح على الْخُيُول المسومة وَعَلَيْهِم القزغندات الْحمر من الأطلس المعدني والديباج الرُّومِي وعَلى رُءُوسهم الْبيض مقلدين سيوفهم وبأيديهم الرماح وأمامهم العبيد تميل على الركائب وترقص بتراقص المهاري وبأيديهم الجناب ووراءهم الظعائن والحمول وَمَعَهُمْ مغنية تعرف بالحضرمية سافرة فِي الهودج وَهِي تغني: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 وَكُنَّا حَسبنَا كل بَيْضَاء شحمة ليَالِي لاقينا جذام وحميرا وَلما لَقينَا عصبَة تغلبية يقودون جردا للمنية ضمرا فَلَمَّا قرعنا النبع بالنبع بعضه بِبَعْض أَبَت عيدانه أَن تنكسرا سقيناهم كأسا سقونا بِمِثْلِهَا وَلَكنهُمْ كَانُوا على الْمَوْت أصبرا فَقَالَ رجل: هَكَذَا يكون وَرب الْكَعْبَة. فَكَانَ كَمَا قَالَ فَإِن الكسرة كَانَت أَولا على الْمُسلمين ثمَّ كَانَت النُّصْرَة لَهُم واستحر الْقَتْل بالتتار كَمَا ستراه. وقدمت نجدة من الْملك المسعود خضر وقدمت عَسَاكِر مصر وَسَائِر العربان والتركمان وَغَيرهم. فوردت الْأَخْبَار. بمسير التتر وَأَنَّهُمْ انقسموا فسارت فرقة مَعَ الْملك أبغا بن هولاكو إِلَى الرحبة وَمَعَهُ صَاحب ماردين وَفرْقَة أُخْرَى من جَانب آخر فَخرج بجكا العلائي فِي طَائِفَة من الكشافة إِلَى جِهَة الرحبة. وجفل النَّاس من حلف إِلَى حماة وحمص حَتَّى خلت من أَهلهَا وَعظم الإرجاف. وتتابع خُرُوج العساكر من دمشق إِلَى يَوْم الْأَحَد سادس عشري جُمَادَى الْآخِرَة فَخرج السُّلْطَان إِلَى المرج. بِمن بَقِي من العساكر وَأقَام بِهِ إِلَى سلخ الشَّهْر ثمَّ رَحل يُرِيد حمص فَنزل عَلَيْهَا فِي حادي عشر رَجَب وَمَعَهُ سَائِر العساكر وَحضر الْأَمِير سنقر الْأَشْقَر من صهيون وَمَعَهُ أيتمش السَّعْدِيّ وأزدمر الْحَاج وسنجر الدواداري وبيجق الْبَغْدَادِيّ وكراي وشمس الدّين الطنطاش وَمن مَعَهم من الظَّاهِرِيَّة فسر السُّلْطَان بذلك وَأكْرمهمْ وأنعم عَلَيْهِم وَكَانَ ذَلِك فِي ثَانِي عشره فَنزل سنقر الْأَشْقَر على الميسرة وقويت الأراجيف بِقرب الْعَدو. وَفِي ثَالِث عشره: اجْتمع النَّاس بأسرهم فِي جَامع دمشق وَتَضَرَّعُوا إِلَى الله وضجوا وَبكوا وحملوا الْمُصحف العثماني على الرُّءُوس وَخَرجُوا من الْجَامِع إِلَى الْمصلى خَارج الْبَلَد وهم يسْأَلُون الله النَّصْر على الْأَعْدَاء. وَوصل التتار إِلَى أَطْرَاف بِلَاد حلب وَقدم منكوتمر إِلَى عين تَابَ ونازل الْملك أبغا قلعة الرحبة فِي سادس عشرى جُمَادَى الْآخِرَة وَمَعَهُ نَحْو ثَلَاثَة آلَاف فَارس. وَتقدم منكوتمر قَلِيلا قَلِيلا حَتَّى وصل حماة وأفسد نَوَاحِيهَا وَخرب جواسق الْملك الْمَنْصُور صَاحب حماة وبستانه فورد الْخَبَر إِلَى السُّلْطَان بذلك وَهُوَ على حمص وَأَن منكوتمر فِي خمسين ألفا من الْمغل وَثَلَاثِينَ ألفا من الكرج وَالروم والأرمن والفرنجة وَأَنه قد قفز إِلَيْهِ مَمْلُوك الْأَمِير ركن الدّين بيبرس العجمي الجالق ودله على عورات الْمُسلمين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 ثمَّ ورد الْخَبَر بِأَن منكوتمر قد عزم أَن يرحل عَن حماة وَيكون اللِّقَاء فِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشر رَجَب. وَاتفقَ عِنْد رحيله أَن يدْخل رجل مِنْهُم إِلَى حماة وَقَالَ للنائب: اكْتُبْ السَّاعَة إِلَى السُّلْطَان على جنَاح الطَّائِر بِأَن الْقَوْم ثَمَانُون ألف مقَاتل فِي الْقلب مِنْهُم أَرْبَعَة وَأَرْبَعُونَ ألفا من الْمغل وهم طالبون الْقلب وميمنتهم قَوِيَّة جدا فيقوي ميسرَة الْمُسلمين ويحترز على السناجق. فَسقط الطَّائِر بذلك وَعلم بِمُقْتَضَاهُ وَبَات الْمُسلمُونَ على ظُهُور خيولهم. وَعند إسفار الصَّباح من يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشر شهر وَجب: ركب السُّلْطَان ورتب العساكر: فَجعل فِي الميمنة الْملك الْمَنْصُور صَاحب حماة والأمير بدر الدّين بيسري والأمير عَلَاء الدّين طيبرس الوزيري والأمير عز الدّين أيبك الأفرم والأمير عَلَاء الدّين كشتغدي الشمسي ومضافيهم وَجعل فِي رَأس الميمنة الْأَمِير شرف الدّين عيسي بن مهنا وَآل فضل وَآل مرا وعربان الشَّام وَمن انْضَمَّ إِلَيْهِم وَجعل فِي الميسرة الْأَمِير سنقر الْأَشْقَر وَمن مَعَه من الْأُمَرَاء والأمير بدر الدّين بيليك الأيدمري والأمير بدر الدّين بكتاش أَمِير سلَاح والأمير علم الدّين سنجر الْحلَبِي والأمير بجكا العلائي والأمير بدر الدّين بكتوت العلائي والأمير سيف الدّين حيرك التتري ومضافيهم وَجعل فِي رَأس الميسرة التركمان بجموعهم وعسكر حصن الأكراد وَجعل فِي الجاليش وَهُوَ مُقَدّمَة الْقلب الْأَمِير حسام الدّين طرنطاي نَائِب السلطنة بديار مصر وَمن مَعَه من مضافيه والأمير ركن الدّين أياجي الْحَاجِب والأمير بدر الدّين بكتاش بن كرمون والمماليك السُّلْطَانِيَّة ووقف السُّلْطَان تَحت الصناجق وَمَعَهُ خاصته وألزامه وأرباب الْوَظَائِف فَكَانَت عُمْدَة حلقته أَرْبَعَة آلَاف فَارس وَهِي أقوي وَأَشد وعدة مماليك السُّلْطَان ثَمَانمِائَة مَمْلُوك. وَكَانَ فِي الْعَسْكَر حَشْو كثير من الْأُمَرَاء الأكراد والتركمان سوي أُمَرَاء مصر وَالشَّام. ثمَّ اخْتَار السُّلْطَان من مماليكه مِائَتي فَارس وَانْفَرَدَ عَن العصائب ووقف على تل فَكَانَ إِذا رَأْي طلبا قد اخْتَلَّ أردفه بثلاثمائة من مماليكه. فَأَشْرَفت كراديس التتار وهم مثلا عَسَاكِر الْمُسلمين وَلم يعتدوا مُنْذُ عشْرين سنة مثل هَذِه الْعدة وَلَا جمعُوا مثل جمعهم هَذَا فَإِن أبغا عرض من سيره صُحْبَة أَخِيه منكوتمر فَكَانُوا خَمْسَة وَعشْرين ألف فَارس منتخبة. فالتحم الْقِتَال بَين الْفَرِيقَيْنِ بوطاة حمص قَرِيبا من مشْهد خَالِد بن الْوَلِيد وَيَوْم الْخَمِيس رَابِع عشر رَجَب من ضحوة النَّهَار إِلَى آخِره وَقيل من السَّاعَة الرَّابِعَة. فصدمت ميسرَة التتار ميمنة الْمُسلمين صدمة شَدِيدَة ثبتوا لَهَا ثباتا عَظِيما وحملوا على ميسرَة التتار فَانْكَسَرت وانتهت إِلَى الْقلب وَبِه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 منكوتمر. وصدمت ميمنة التتر ميسرَة الْمُسلمين فَانْكَسَرت الميسرة وَانْهَزَمَ من كَانَ فِيهَا وانكسر جنَاح الْقلب الْأَيْسَر. وسَاق التتر خلف الْمُسلمين حَتَّى انتهو إِلَى تَحت حمص وَقد غلقت أَبْوَابهَا ووقعوا فِي السوقة والعامة والرجالة والمجاهدين والغلمان بِظَاهِر حمص فَقتلُوا مِنْهُم خلقا كثيرا وأشرف النَّاس على التلاف. وَلم يعلم الْمُسلمُونَ من أهل الميسرة. بِمَا جري للْمُسلمين أهل الميمنة من النَّصْر وَلَا علم التتار الَّذين ساقوا خلف الْمُسلمُونَ مَا نزل. بميسرتهم من الْكسْوَة وَوصل إِلَى بعض المنهزمين إِلَى صفد وَكثير مِنْهُم دخل دمشق وَمر بَعضهم إِلَى غَزَّة فاضطرب النَّاس بِهَذِهِ الْبِلَاد وانزعجوا انزعاجاً عَظِيما. وَأما التتر الَّذين ساقوا خلف المنهزمين من الْمُسلمين أَصْحَاب الميسرة فَإِنَّهُم نزلُوا عَن خيولهم وأيقنوا بالنصر وَأَرْسلُوا خيولهم توعي فِي مرج حمص وأكلوا ونهبوا الأثقال والوطاقات والخزانة وهم يحسبون أَن أَصْحَابهم ستدركهم فَلَمَّا أبطأوا عَلَيْهِم بعثوا من يكْشف الْخَبَر فَعَادَت كشافتهم وَأَخْبَرتهمْ أَن منكوتمر هرب فَرَكبُوا وردوا رَاجِعين. هَذَا مَا كَانَ من أَمر ميمنة التتار وميسرة الْمُسلمين. وَأما ميمنة الْمُسلمين فَإِنَّهَا ثبتَتْ وهزمت ميسرَة التتار حَتَّى انْتَهَت إِلَى الْقلب إِلَّا الْملك الْمَنْصُور قلاوون فَإِنَّهُ ثَبت تَحت الصناجق وَلم يبْق مَعَه غير ثَلَاثمِائَة فَارس والكوسات تضرب. وَتقدم سنقر الْأَشْقَر وبيسري وطيبرس الوزيري وأمير سلَاح وأيتمش السَّعْدِيّ ولاجين نَائِب دمشق وطرنطاي نَائِب مصر والدواداري وأمثالهم من أَعْيَان الْأُمَرَاء إِلَى التتار وأتاهم عيسي بن مهنا فِيمَن مَعَه فَقتلُوا من التتار مقتلة عَظِيمَة. وَكَانَ منكوتمر مقدم التتار قَائِما فِي جَيْشه فَلَمَّا أَرَادَهُ الله من هزيمته نزل عَن فرسه وَنظر من تَحت أرجل الْخَيل فرأي الأثقال وَالدَّوَاب فَاعْتقد أَنَّهَا عَسَاكِر وَلم يكن الْأَمر كَذَلِك بل كَانَ السُّلْطَان قد تَفَرَّقت عَنهُ عساكره مَا بَين مُنْهَزِم وَمن تقدم الْقِتَال حَتَّى بَقِي مَعَه نَحْو الثلاثمائة فَارس لَا غير. فَنَهَضَ منكوتمر من الأَرْض ليركب فتقنطر عَن فرسه فَنزل التتر كلهم لأَجله وأخذوه. فعندما رَآهُمْ الْمُسلمُونَ قد ترجلوا حملُوا عَلَيْهِم وَاحِدَة كَانَ الله مَعَهم فِيهَا فانتصروا على التتار. وَقيل إِن الْأَمِير عز الدّين أزدمر الْحَاج حمل فِي عَسْكَر التتار وَأظْهر أَنه من المنهزمين فَقَدمهُمْ وسال أَن يُوصل إِلَى منكوتمر فَلَمَّا قرب مِنْهُ حمل عَلَيْهِ وألقاه عَن فرسه إِلَى الأَرْض فَلَمَّا سقط نزل التتار إِلَيْهِ من أجل إِنَّه وَقع فَحمل الْمُسلمُونَ عَلَيْهِم عِنْد ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 فَلم يثبت منكوتمر وَانْهَزَمَ وَهُوَ مَجْرُوح فَتَبِعَهُ جَيْشه وَقد افْتَرَقُوا فرْقَتَيْن: فرقة أخذت نَحْو سلمية والبرية وَفرْقَة أخذت جِهَة وَأما ميمنة التتار الَّتِي كسرت ميسرَة الْمُسلمين فَإِنَّهَا لما رجعت من تَحت حمص كَانَ السُّلْطَان قد أَمر أَن تلف الصناجق وَيبْطل ضرب الكوسات فَإِنَّهُ لم يبْق مَعَه إِلَّا نَحْو الْألف فمرت بِهِ التتار وَلم تعرض لَهُ فَلَمَّا تقدموه قَلِيلا سَاق عَلَيْهِم فَانْهَزَمُوا هزيمَة قبيحة لَا يلوون على شَيْء وَكَانَ ذَلِك تَمام النَّصْر وَهُوَ عِنْد غرُوب الشَّمْس من يَوْم الْخَمِيس. وَمر هَؤُلَاءِ المنهزمون من التتار نَحْو الْجَبَل يُرِيدُونَ منكوتمر فَكَانَ ذَلِك من تَمام نعْمَة الله على الْمُسلمين وَإِلَّا لَو قدر الله أَنهم رجعُوا على الْمُسلمين لما وجدوا فيهم قُوَّة وَلَكِن الله نصر دينه وَهزمَ عدوه مَعَ قوتهم وكثرتهم. وانجلت هَذِه الْوَاقِعَة عَن قَتْلِي كَثِيرَة من التتر لَا يُحْصى عَددهمْ. وَعَاد السُّلْطَان فِي بَقِيَّة يَوْمه إِلَى مَنْزِلَته بعد انْقِضَاء الْحَرْب وَكتب البطائق بالنصرة وَلم يفقد كثير شَيْء من مَاله فَإِنَّهُ كَانَ قد فرق مَا فِي الخزائن على مماليكه أكياسا فِي كل كيس ألف دِينَار ليحملوه على أوساطهم فَسلم لَهُ المَال. وَبَات لَيْلَة الْجُمُعَة إِلَى السحر فِي مَنْزِلَته فثار صياح لم يشك النَّاس فِي عود التتار فبادر السُّلْطَان وَركب وَسَائِر العساكر فَإِذا الْعَسْكَر الَّذِي تبع التتار وَقت الْهَزِيمَة قد عَاد. وَقتل من التتار فِي الْهَزِيمَة أَكثر مِمَّن قتل فِي المصاف واختفي كثير مِنْهُم يجانب الْفُرَات. فَأمر السُّلْطَان أَن تضرم النيرَان بالأزوار الَّتِي على الْفُرَات فَاحْتَرَقَ مِنْهُم طَائِفَة عَظِيمَة وَهلك كثير وَفِي يَوْم الْجُمُعَة: خرج من الْعَسْكَر طَائِفَة فِي تتبع التتار مقدمهم الْأَمِير بدر الدّين بيليك الأيدمري ورحل السُّلْطَان من ظَاهر حمص إِلَى الْبحيرَة ليبعد عَن الْجِيَف. وَقتل من التتار صمغار وَهُوَ من أكبر مقدميهم وعظمائهم وَكَانَت لَهُ إِلَى الشَّام غارات عديدة. وَاسْتشْهدَ من الْمُسلمين زِيَادَة على مِائَتي رجل: مِنْهُم الْأَمِير عز الدّين أزدمر الْحَاج وَهُوَ الَّذِي جرح منكوتمر مقدم التتار وألقاه عَن فرسه وَكَانَ سَبَب هزيمتهم وَكَانَ من أَعْيَان الْأُمَرَاء وتحدثه نَفسه أَنه يملك فَعوضهُ الله الشَّهَادَة والأمير سيف الدّين بلبان الرُّومِي الدوادار الظَّاهِرِيّ وَعلم الدّين سنجر الإربلي وَبدر الدّين بكتوت الخازندار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 وشمس الدّين سنقر العرسي وشهاب الدّين توتل الشهرزوري وَسيف الدّين بلبان الْحِمصِي وناصر الدّين مُحَمَّد بن جمال الدّين صبرم الكاملي وعلاء الدّين على ابْن الْأَمِير سيف الدّين بكتمر الساقي العزيزي وناصر الدّين مُحَمَّد بن أيبك الفخري وَبدر الدّين بيليك الشرفي وَشرف الدّين بن علكان وَصَاحب الْموصل وَالْقَاضِي شمس الدّين بن قُرَيْش كَاتب الدرج وَقد عدم فَلم يعرف لَهُ خبر وَهُوَ آخر من مَاتَ من كتاب الْملك الْكَامِل مُحَمَّد بن الْعَادِل وَكَانَ قد كتب لَهُ ولابنيه الْعَادِل والصالح وَلمن بعدهمَا من الْمَمْلُوك. وَأما أهل دمشق فَإِنَّهُ لما كَانَ بعد صَلَاة الْجُمُعَة فِي الْيَوْم الثَّانِي من الْوَقْعَة سقط الطَّائِر بالنصرة ودقت البشائر بقلعة دمشق وسر النَّاس سُرُورًا كَبِيرا وزينت القلعة وَالْمَدينَة. فَلَمَّا كَانَ بعد نصف اللَّيْل من لَيْلَة السبت وصل جمَاعَة كَثِيرَة من المنهزمين وأخبروا. بِمَا شاهدوا من الكسرة وَلم يكن عِنْدهم علم. بِمَا تجدّد بعدهمْ من النُّصْرَة فارتجت دمشق واضطرب النَّاس وَأخذُوا فِي أَسبَاب الرحيل وَفتحت أَبْوَاب دمشق وَلم يبْق إِلَّا خُرُوج النَّاس مِنْهَا على وُجُوههم هاربين فورد بعد سَاعَة الْبَرِيد يخبر النَّصْر وَكَانَت موافاته عِنْد أَذَان الْفجْر فقرئ كِتَابه بالجامع فاطمأن النَّاس. وَورد الْخَبَر إِلَى مصر فِي يَوْم الْخَمِيس حادي عشري شهر رَجَب على جنَاح الطَّائِر فِي بطاقة من قاقون بِأَن جمَاعَة من ميسرَة العساكر المنصورة وصلوا منهزمين من الْعَدو المخذول وَوصل بعض الْأُمَرَاء إِلَى قطيا مِنْهُم ابْن الأيدمري. وَقد كَانَ أهل مصر صَارُوا يقنتون فِي صلواتهم وَكَثُرت قِرَاءَة صَحِيح البُخَارِيّ وَأَقْبل النَّاس على تِلَاوَة الْقُرْآن وتجمعوا فِي المشهد الْحُسَيْنِي وَفِي الْجَوَامِع والمساجد وَكثر ضجيجهم ودعاؤهم. فَاشْتَدَّ القلق عِنْد وُرُود هَذَا الْخَبَر وجرد الْملك الصَّالح فِي الْحَال عسكراً عَلَيْهِ الْأَمِير صارم الدّين أربك الفخري فِي كثير من العربان إِلَى قطيا لرد المنهزمين وإعادتهم إِلَى السُّلْطَان وَمنع أحد مِنْهُم أَن يعبر إِلَى الْقَاهِرَة فاعتمد ذَلِك. وَلم يسْتَمر قلق النَّاس غير سَاعَات من النَّهَار وَإِذا بالطيور قد وَقعت محلقة تحمل البطائق المخلقة وتخبر فِيهَا بالبشائر العظمي من كسر التتار. وقدمت البريدية بكتب البشائر أَيْضا فدقت البشائر وزينت الْقَاهِرَة ومصر وقلعة الْجَبَل وَكتب إِلَى أَعمال مصر بالزينة. وَكتب الْملك الصَّالح إِلَى السُّلْطَان وَالِده يشفع فِي المنهزمين وَيسْأل الْعَفو عَنْهُم وَكتب أَيْضا إِلَى الْأَمِير بدر الدّين بيسري يُؤَكد عَلَيْهِ فِي الشَّفَاعَة فيهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 وَاتفقَ أَن الْأَمِير طرنطاي النَّائِب وَقع على جمَاعَة من أَصْحَاب منكوتمر فأسرهم وَفِيهِمْ حَامِل حرمدانة فَوجدَ فِي الحرمدار كتبا من الْأُمَرَاء مثل سنقر الْأَشْقَر وأيتمش السَّعْدِيّ وَغَيرهم مِمَّن كَانَ مَعَ سنقر الْأَشْقَر إِلَى التتار يحرضونهم على دُخُول الشَّام ويعدونهم بالمساعدة على أَخذهَا فَشَاور طرنطاي السُّلْطَان عَلَيْهَا فَأمر بغسلها فغسلت وَلم يطلع عَلَيْهَا أحد. وَأما السُّلْطَان فَإِنَّهُ وادع الْأَمِير سنقر الْأَشْقَر ورده وَمن حمص إِلَى عمله بصهيون على عَادَته ورد مَعَه من كَانَ عِنْده من الْأُمَرَاء. وهم أيتمش السَّعْدِيّ وسنجر الدواداري وكراي التتري وَغَيرهم. ورحل السُّلْطَان إِلَى دمشق فَقَدمهَا يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشري رَجَب فَكَانَ يَوْمًا عَظِيما إِلَى الْغَايَة عظم فِيهِ سرُور النَّاس وَكثر فَرَحهمْ وَقَالَ فِيهِ الشُّعَرَاء عدَّة قصائد. وَفِي سَابِع: ورد الْخَبَر إِلَى الْقَاهِرَة. يعود السُّلْطَان إِلَى دمشق وَأَنه عِنْدَمَا اسْتَقر بهَا جرد الْعَسْكَر مَعَ الْأَمِير بدر الدّين الأيدمري إِلَى الرحبة ليدفع من عَلَيْهَا من التتار. وَأما أبغا بن هولاكو ملك التتار فَإِنَّهُ لم يشْعر وَهُوَ على الرحبة إِلَّا وَقد وَقعت بطاقة من السُّلْطَان إِلَى نَائِب الرحبة. بِمَا من الله بِهِ من النَّصْر وكسرة التتار فعندما بلغه ذَلِك بدق بشائر القلعة رَحل إِلَى بَغْدَاد. وَوصل الْأَمِير بدر الدّين الأيدمري إِلَى حلب وَبعث فِي طلب التتار إِلَى الْفُرَات فَفرُّوا من الطّلب وغرق مِنْهُم خلق كثير. وعبرت طَائِفَة مِنْهُم على قلعة البيرة فأتلهم أَهلهَا وَقتلُوا مِنْهُم خَمْسمِائَة وأسروا مائَة وَخمسين. وَتوجه مِنْهُم ألف وَخَمْسمِائة فَارس إِلَى بغراس وَفِيهِمْ أكَابِر أَصْحَاب سيس وأقاربهم فَخرج عَلَيْهِم الْأَمِير شُجَاع الدّين السينَانِي بِمن مَعَه فَقَتلهُمْ وأسرهم عَن آخِرهم بِحَيْثُ لم يفلت مِنْهُم إِلَّا دون الْعشْرين. وَتوجه مِنْهُم على سلمية نَحْو أَرْبَعَة آلَاف فَأخذ عَلَيْهِم نواب الرحبة الطرقات والمعابر فَسَارُوا فِي الْبَريَّة فماتوا عطشا وجوعا وَلم يسلم مِنْهُم إِلَّا نَحْو سِتّمائَة فَارس. فَخرج إِلَيْهِم أهل الرحبة فَقتلُوا أَكْثَرهم وأحضروا عدَّة مِنْهُم إِلَى الرحبة ضربت أَعْنَاقهم بهَا. وَأدْركَ بَقِيَّة التتر الْملك أبغا وَفِيهِمْ أَخُوهُ منكوتمر وَهُوَ مَجْرُوح فَغَضب عَلَيْهِ وَقَالَ: لم لَا مت أَنْت والجيش وَلَا انْهَزَمت وَغَضب أَيْضا على المقدمين. فَلَمَّا دخل أبغا بَغْدَاد سَار مِنْهَا إِلَى جِهَة همذان وَتوجه منكوتمر إِلَى بِلَاد الجزيرة فَنزل بِجَزِيرَة ابْن عمر وَكَانَت الجزيرة لأمه قد أَعْطَاهَا إِيَّاهَا أَبوهُ هولاكو لما أَخذهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ حادي عشريه: قدم الْأَمِير بدر الدّين الأيدمري بِمن مَعَه من الْعَسْكَر بَعْدَمَا أنكي فِي التتار. ورسم السُّلْطَان أَن تكون البشائر إنعاماً على من ذكر. وَهِي الْقَاهِرَة ومصر على يَد الْأَمِير حسام الدّين لاجين السِّلَاح دَار الرُّومِي وقوض وَالْوَجْه القبلي خلا الفيوم على يَد الْأَمِير بدر الدّين بيدر المنصوري أَمِير مجْلِس والفيوم على يَد الْأَمِير علم الدّين سنجر أَمِير خور والإسكندرية على يَد الْأَمِير علم الدّين سنجر أَمِير جاندار ودمياط على يَد الْأَمِير بدر الدّين بيليك أَبُو شامة المحسني والغربية على يَد الْأَمِير أيبك السِّلَاح دَار المنصوري وأشموم على يَد الْأَمِير شمس مُحَمَّد بن الجمقدار نَائِب أَمِير جاندار. وَورد كتاب السُّلْطَان إِلَى قلعة الْجَبَل ليجهز إِلَى الْملك المظفر شمس الدّين بن رَسُول بِالْيمن. بِمَا من الله بِهِ من النَّصْر على التتار فَكتب قَرِيبه الْملك الصَّالح كتابا من إنْشَاء محيي الدّين بن عبد الظَّاهِر خُوطِبَ فِيهِ: أعز الله أنصار الْمقَام العالي المظفري الشمسي. وَفِي شهر رَجَب: رتب السُّلْطَان غرس الدّين بن شاور فِي ولَايَة لد والرملة عوضا عَن سعد الدّين بن قلج بِحكم انْتِقَاله مِنْهَا إِلَى ولَايَة بلد الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام. ورتب تَقِيّ الدّين تَوْبَة فِي نظر النظار بِالشَّام شَرِيكا للْقَاضِي تَاج الدّين عبد الرَّحِيم بن تَقِيّ الدّين عبد الْوَهَّاب بن الْفضل بن يحيي السنهوري. ورتب الْأَمِير علم الدّين سنجر الدواداري شاداً ومدبراً من غَزَّة إِلَى الْفُرَات. وَفِيه ثارت العشران ونهبوا نابلسي وَقتلُوا مقتلة عَظِيمَة مركب الْأَمِير عَلَاء الدّين أيدكين الفخري من غَزَّة وَقبض على جمَاعَة مِنْهُم وشنق اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ من أكابرهم وسجن كثيرا مِنْهُم بصفد ورتب الْأَمِير عَلَاء الدّين أيدغدي الصرخدي نَائِبا بالبلاد الغزاوية والساحلية لردع الْعشْرين. وَفِيه قرر الشَّيْخ تفي الدّين مُحَمَّد بن دَقِيق الْعِيد فِي تدريس الْمدرسَة بجوار قبَّة الشَّافِعِي من قرافة مصر على عَادَة القَاضِي تَقِيّ الدّين بن رزين بعد وَفَاته. وَاسْتقر الشَّيْخ علم الدّين ابْن بنت الْعِرَاقِيّ فِي تدريس المشهد الْحُسَيْنِي بِالْقَاهِرَةِ. وَفِيه وصل الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد ابْن وَإِلَى القلعة أَمِير شكار من دمشق لتحريج الْجَوَارِح وإصلاحها. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير سيف الدّين بازي المنصوري نَائِبا بحمص وَمَعَهُ الْأَمِير صارم الدّين الْحِمصِي مساعداً لَهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 وَاسْتقر الْأَمِير جمال الدّين أقش الْحِمصِي نَائِبا فِي مَدِينَة نابلس عوضا عَن زين الدّين قراجا البدري. وَفِيه افرج عَن الْأَمِير سيف الدّين قطز المنصوري والأمير سنجر الْحَمَوِيّ أَبُو خرص. وَفِيه كَانَت وقْعَة فِي صحراء عيذاب بَين عرب جُهَيْنَة وَرِفَاعَة قتل فِيهَا جمَاعَة فَكتب إِلَى الشريف علم الدّين صَاحب سواكن بِأَن يوفق بَينهم وَلَا يعين طَائِفَة على أُخْرَى خوفًا على فَسَاد الطَّرِيق. وَفِيه ولي زين الدّين بن القماح نظر الْبحيرَة عوضا عَن موفق الدّين بن الشماع. وَاسْتقر شمس الدّين مُحَمَّد بن القَاضِي علم الدّين بن القماح فِي الْإِعَادَة. بمدرسة الشَّافِعِي من القرافة بتوقيع شرِيف. وَفِي شعْبَان: افترق بَنو صُورَة بِنَاحِيَة المنوفية من أَعمال مصر فرْقَتَيْن وحشدوا وركبوا بآلات الْحَرْب فَخرج إِلَيْهِم عدَّة من أجناد الْحلقَة ورسم بِأخذ خيلهم وسلاحهم فسكن مَا كَانَ بَينهم. وَفِي يَوْم الْأَحَد ثَانِي شعْبَان: سَار السُّلْطَان من دمشق وَكتب إِلَى مصر بتجهيز الزِّينَة وَنصب القلاع وَأَن يتَقَدَّم إِلَى نواب الْأُمَرَاء بِالشُّرُوعِ فِي تَقْسِيم الْمَوَاضِع لقلاعهم والاهتمام بالزينة. فرتبت الإقامات فِي عاشره على يَد الْأَمِير علم الدّين سنجر الشجاعي وَجعل فِي كل منزلَة من الدَّقِيق سِتِّينَ قِطْعَة وشعيرا أَرْبَعمِائَة أردب وأغناما مائَة رَأس ودجاجا مِائَتي طَائِر وحماما خمسين طائرا وأثبانا مائَة حمل وحطب سنطٍ مائَة قِنْطَار. وَخرج السُّلْطَان من غَزَّة بكرَة يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشره وَوصل قطيا يَوْم الْإِثْنَيْنِ سَابِع عشره وَقد تَأَخَّرت العساكر وَرَاءه وَنزل غيفة يَوْم الْخَمِيس الْعشْرين مِنْهُ وخيم بهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 وَدخل الْأَمِير شرف الدّين الجاكي المهمندار من الدهليز السلطاني لترتيب رسل الْمُلُوك الَّذين بِالْقَاهِرَةِ وخروجهم إِلَى لِقَاء السُّلْطَان. وَخرج الْملك الصَّالح والأمير زين الدّين كتبغا نَائِب السلطنة إِلَى الملتقي وَاسْتمرّ الْأَمِير علم الدّين سنجر المنصوري بقلعة الْجَبَل. فَصَعدَ السُّلْطَان إِلَى قلعته فِي يَوْم السبت ثَانِي عشريه تَحت صناجقه وأسري التتار بَين يَدَيْهِ وَقد حمل بَعضهم الصناجق التترية وَهِي مَكْسُورَة. فَبعث السُّلْطَان بالأسري وطبول التتار وحتر منكوتمر من جِهَة بَاب النَّصْر حَتَّى شَقوا الْقَاهِرَة إِلَى بَاب زويلة وَسَارُوا إِلَى القلعة وَلم يشق السُّلْطَان الْقَاهِرَة وَكَانَ يَوْمًا مشهوداً اجْتمع النَّاس فِيهِ من الأقطار وَكثر فَرَحهمْ وسرورهم. وَفِي يَوْم الْأَحَد ثَالِث عشري شعْبَان: أفرج السُّلْطَان عَن الْأَمِير ركن الدّين منكورس النَّاصِر وَفِيه دخل السُّلْطَان إِلَى الخزانة الشَّرِيفَة ورتب الْخلْع لسَائِر الْأُمَرَاء والخواص وَالْكتاب بالدرد الَّذين كَانُوا فِي الْخدمَة. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشريه: جلس السُّلْطَان وأحضرت هَدِيَّة الْملك المظفر شمس الدّين يُوسُف بن عمر بن على بن رَسُول صَاحب الْيمن على يَد رسله: وهم مجد الدّين بن أبي الْقَاسِم وَالْقَاضِي محيي الدّين يحيي بن البيلقاني. فَقبل السُّلْطَان هديته وَكَانَت من طرائف الْيمن من الْعود والعنبر والصيني ورماح القنا وَغير ذَلِك. وَفِي تَاسِع عشريه: أُعِيد إقطاع الْأَمِير سيف الدّين أيتمش السَّعْدِيّ إِلَيْهِ وهوناي وطنان وإمرة مائَة فَارس وَكَانَ قد أَخذه عِنْد توجهه إِلَى سنقر الْأَشْقَر الْأَمِير عز الدّين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 أيبك الأفرم وأعيد على الأفرم إقطاعه الْقَدِيم مِمَّن أَخذه. وَفِيه أقرّ الْأَمِير سيف الدّين قطز. وَفِيه فوض قَضَاء الشَّافِعِيَّة إِلَى وجيه الدّين عبد الْوَهَّاب بن حُسَيْن المهلبي الهنسي فِي سَابِع شعْبَان عوضا عَن تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن رزين بِحكم وَفَاته. وَفِيه قبض على الْأَمِير ركن الدّين بيبرس الْحلَبِي الْمَعْرُوف بأياجي الحاجبي من أجل أَنه انهزم على حمص. وَفِي يَوْم السبت سادس رَمَضَان: حضرت رسل الْملك المظفر شمس الدّين يُوسُف ابْن عمر بن على بن رَسُول متملك الْيمن وسألوا أَن يكْتب لمرسلهم أَمَان على قَمِيص وَتعلم عَلَيْهِ الْعَلامَة السُّلْطَانِيَّة فأجيبوا إِلَى ذَلِك. وجهزت إِلَيْهِ هَدَايَا وتحف فِيهَا قِطْعَة زمرد وعدة من أكاديش التتار وَشَيْء من عَددهمْ. وَفِيه عملت نُسْخَة حلف السُّلْطَان للْملك الأشكري صَاحب القسطنطنية وَكَانَت رسله قد وصلت بنسخة يَمِينه فِي تَارِيخ مُوَافق آخر الْمحرم سنة ثَمَانِينَ وسِتمِائَة. وَفِيه ولي الْأَمِير بهاء الدّين قراقوش قوص وأخميم عوضا عَن الْأَمِير بيبرس مَمْلُوك عَلَاء الدّين حَرْب دَار. وَفِي شَوَّال: سَار الْمحمل إِلَى الْحجاز على الْعَادة. وَفِي يَوْم الْخَمِيس أول ذِي الْقعدَة: اسْتَقر عز الدّين أيبك الفخري والياً بقوص وأخميم عوضا عَن قراقوش. وَفِي خامسه: قبض على الْأَمِير أيتمش السَّعْدِيّ وعَلى عدَّة من الْأُمَرَاء واعتقلوا وَقبض أَيْضا بِدِمَشْق على الْأَمِير سيف الدّين بلبان الهاروني وسيقران الْكرْدِي وَغَيرهمَا وَذَلِكَ لأَنهم كَانُوا مِمَّن كَانَ مَعَ سنقر الْأَشْقَر. وَفِيه سَافر الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن المحسني الْجَزرِي الْحَاجِب وَالْقَاضِي شرف الدّين إِبْرَاهِيم بن فرج كَاتب الدرج إِلَى الْيمن من جِهَة عيذاب فِي الرسَالَة عَن السُّلْطَان. وَفِي ذِي الْقعدَة: أخرج السُّلْطَان جَمِيع نسَاء الْملك الظَّاهِر بيبرس وخدامه من الْقَاهِرَة وبعثهم إِلَى الكرك. وَفِي أول ذِي الْحجَّة: فوض قَضَاء الْمَالِكِيَّة بديار مصر إِلَى تَقِيّ الدّين أبي على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 الْحُسَيْن ابْن الْفَقِيه شرف الدّين أبي الْفضل عبد الرَّحِيم بن الْفَقِيه الإِمَام مفتي الْفرق جلال الدّين أبي مُحَمَّد بن عبد الله بن شَاس الجذامي السَّعْدِيّ الْمَالِكِي عوضا عَن قَاضِي الْقُضَاة نَفِيس الدّين مُحَمَّد بن سكر بِحكم وَفَاته. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان القان أبغا بن هولاكو بن طلوي بن جنكزخان بنواحي همذان عَن نَحْو خمسين سنة مِنْهَا مُدَّة ملكه سبع عشرَة سنة وَقَامَ فِي الْملك بعده أَخُوهُ تكدار بن هولاكو. وَمَات الْأَمِير عز الدّين أيبك الشجاعي بِدِمَشْق عَن خمس وَثَمَانِينَ سنة. وَمَات الْأَمِير شمس الدّين سنقر الألفي نَائِب السلطنة بديار مصر فِي السجْن بالإسكندرية عَن وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن رزين بن مُوسَى ابْن عيسي بن مُوسَى بن نصر الله العامري الْحَمَوِيّ الشَّافِعِي عَن سبع وَسبعين سنة: وَتُوفِّي قَاضِي دمشق نجم الدّين أَبُو بكر مُحَمَّد بن أَحْمد بن يحيي بن هبة الله بن الْحسن بن يحيي بن سني الدولة الشَّافِعِي عَن أَربع وَسِتِّينَ سنة بِدِمَشْق. وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين أَبُو حَفْص عمر بن تَاج الدّين أبي مُحَمَّد عبد الْوَهَّاب بن خلف بن أبي الْقَاسِم ابْن بنت الْأَعَز العلامي الشَّافِعِي عَن خمس وَخمسين سنة. وَتُوفِّي موفق الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن يُوسُف بن الْحسن بن رَافع الشَّيْبَانِيّ الْموصِلِي الكواشي عَن تسعين سنة بالموصل. وَتُوفِّي الْحَافِظ شمس الدّين أَبُو حَامِد مُحَمَّد بن على بن مَحْمُود بن أَحْمد بن على بن الصَّابُونِي المحمودي بِدِمَشْق عَن سِتّ وَسبعين سنة. وَتُوفِّي الْمسند شمس الدّين أَبُو الْغَنَائِم مُسلم بن مُحَمَّد بن مُسلم بن مكي بن خلف بن عَلان الْقَيْسِي الدِّمَشْقِي نَاظر الدَّوَاوِين بِدِمَشْق عَن سِتّ وَثَمَانِينَ سنة بهَا. وَتُوفِّي الشريف شهَاب الدّين أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن على بن مُحَمَّد بن على بن مُحَمَّد بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 عبد الله بن جَعْفَر بن زيد بن جَعْفَر بن أبي إِبْرَاهِيم مُحَمَّد الممدوح الحسني كَاتب الْإِنْشَاء بحلب عَن خمس وَثَلَاثِينَ سنة بهَا وَتُوفِّي الأديب الْكَاتِب الحاسب عَلَاء الدّين أَبُو الْحسن على بن مَحْمُود بن الْحسن بن نَبهَان الْيَشْكُرِي عَن خمس وَثَمَانِينَ سنة بِدِمَشْق. وَتُوفِّي الأديب شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد بن مَكْتُوم البعلبكي فِي وقْعَة حمص شَهِيدا. وَتُوفِّي الأديب بدر الدّين أَبُو المحاسن بن يُوسُف بن لُؤْلُؤ بن عبد الله الذَّهَبِيّ الدِّمَشْقِي عَن ثَلَاث وَسبعين سنة بِدِمَشْق. وَمَات منكوتمر بن هولاكو بن طلوي بن جنكزخان بِجَزِيرَة ابْن عمر مكموداً عقب كَسرته على حمص. وَمَات عَلَاء الدّين عطا ملك بن مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ صَاحب الدِّيوَان بِبَغْدَاد بَعْدَمَا نقم عَلَيْهِ الْملك أبغا وَنسبه إِلَى مواطأة الْمُسلمين فَقبض عَلَيْهِ وَأخذ أَمْوَاله. وَكَانَ صَدرا كَبِيرا فَاضلا وَله شعر حسن وَولي بعده بَغْدَاد ابْن أَخِيه هَارُون بن مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 (سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة) فِي مستهل صفر: قبض على الْأَمِير بدر الدّين بيسري الشمسي والأمير كشتغدي الشمسي. فأغلق بَاب زويلة وَعَامة الْأَسْوَاق وارتجت الْقَاهِرَة حَتَّى نُودي: من أغلق دكانه شنق ففتحت الْأَسْوَاق. وَفِي ربيع الأول: وصلت رسل الأشكري ورسل ألفونس بهدية. وَفِي حادي عشر ربيع الآخر: اسْتَقر فِي الوزارة نجم الدّين حَمْزَة بن مُحَمَّد الأصفوني. وَفِي آخر جُمَادَى الْآخِرَة: استعفي قَاضِي الْقُضَاة وجيه الدّين عبد الْوَهَّاب بن حسن البهنسي من قَضَاء الْقَاهِرَة وَالْوَجْه البحري وَذكر أَنه يضعف عَن الْجمع بَين قَضَاء المدينتين مصر والقاهرة والوجهين القبلي والبحري فأعفي من قَضَاء الْقَاهِرَة وَالْوَجْه البحري. وفوض السُّلْطَان ذَلِك فِي أول رَجَب لشهاب الدّين مُحَمَّد الخوي وَكَانَ يَلِي أَولا قَضَاء الغربية من أَعمال مصر فَنقل مِنْهَا إِلَى قَضَاء الْقَاهِرَة وَانْفَرَدَ للبهنسي قَضَاء مصر وَالْوَجْه القبلي. وَفِي شعْبَان: حلف الشريف أَبُو نمي أَمِير مَكَّة للسُّلْطَان وَولده بِالطَّاعَةِ لَهما وَأَنه الْتزم تَعْلِيق الْكسْوَة الْوَاصِلَة من مصر على الْكَعْبَة فِي كل موسم وَأَنه لَا يعلق عَلَيْهَا كسْوَة غَيرهَا وَأَن يقدم علم الْملك الْمَنْصُور على كل علم فِي كل موسم وَألا يتقدمه علم غَيره وَأَن يسبل زِيَارَة الْبَيْت الْحَرَام أَيَّام مواسم الْحَج وَغَيرهَا للزائرين والطائفين والبادين والعاكفين والآمين وَأَن يحرس الْحَاج ويؤمنهم فِي سربهم وَأَن يسْتَمر بإفراد الْخطْبَة وَالسِّكَّة بِالِاسْمِ الشريف المنصوري وَأَن يفعل الْخدمَة فِي فعل المخلص الْوَلِيّ للسُّلْطَان ويمتثل مراسمه امْتِثَال النَّائِب للمستنيب. وَفِيه وصلت رسل الْملك أَحْمد أغا سُلْطَان بن هولاكو وهم الشَّيْخ مطب الدّين مَحْمُود بن مَسْعُود بن مصلح الشِّيرَازِيّ قَاضِي سيواس والأمير بهاء الدّين أتابك السُّلْطَان مَسْعُود صَاحب الرّوم والصاحب شمس الدّين مُحَمَّد بن الصاحب شرف الدّين بن التيتي وَزِير ماردين. وَكَانُوا عِنْد قدومهم إِلَى البيرة قد سَار إِلَيْهِم الْأَمِير حسام الدّين لاجين الرُّومِي والأمير سيف الدّين كبك الحاجبان وَقد أمرا أَن يبالغا فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 الِاحْتِرَاز على الرُّسُل وإخفائهم عَن كل أحد. واحترزا عَلَيْهِم حَتَّى لم يشاهدهم أحد وسارا بهم فِي اللَّيْل حَتَّى قدمُوا قلعة الْجَبَل بِكِتَاب الْملك أَحْمد: وَفِيه أَنه مُسلم وَأَنه أَمر بِبِنَاء الْمَسَاجِد والمدارس والأوقاف وَأمر بتجهيز الْحجَّاج. وسال اجْتِمَاع الْكَلِمَة وإخماد الْفِتْنَة وَالْحَرب وَأَنه ظفر بجاسوس وَعَادَة مثله أَن يقتل فجهزه إِلَى الْأَبْوَاب السُّلْطَانِيَّة وَقَالَ إِنَّه لَا حَاجَة إِلَى الجواسيس وَلَا غَيرهم بعد الِاتِّفَاق واجتماع الْكَلِمَة وَبَالغ فِي استجلاب خاطر السُّلْطَان. وتاريخ الْكتاب فِي جُمَادَى الأولى وَأَنه كتب بواسط. فَأُجِيب بتهنئته بِالْإِسْلَامِ والرضي بِالصُّلْحِ وأعيدت الرُّسُل وَقد أكْرمُوا من غير أَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 يُوجد صفحة فارغة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 تُوجد صفحة فارغة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 تُوجد صفحة فارغة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 يعلم النَّاس بدخولهم وَلَا خُرُوجهمْ. وَسَارُوا سرا كَمَا قدمُوا سرا لَيْلَة السبت ثَانِي رَمَضَان صُحْبَة الحاجبين فوصلوا إِلَى حلب فِي سادس شَوَّال وعبروا إِلَى بِلَادهمْ. وَفِي رَمَضَان: وصل الْأَمِير شمس الدّين سنقر الغتمي ورفقته الَّذين خَرجُوا إِلَى بَيت بركَة فِي الرسَالَة. وَفِيه قبض على الْأَمِير بدر الدّين بكتوت الشمسي وعلاء الدّين أقطوان الساقي وشهاب الدّين قرطاي واعتقلوا. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير شمس الدّين قراسنقر الجوكندار المنصوري فِي نِيَابَة السلطة بحلب عوضا عَن علم الدّين سنجر الباشقردي وَعمر جَامعهَا وقلعتها وَكَانَا قد خربهما التتار. وَفِيه قدم الشَّيْخ على الإوبراني وَكَانَ قد أسلم وخدم الْفُقَرَاء وسلك طَرِيق الله وَظَهَرت على يَده كرامات وَتَبعهُ جمَاعَة من أَوْلَاد الْمغل فَسَار بهم إِلَى الشَّام ومصر وَمثل بِحَضْرَة السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل فِي ثامن عشر ذِي الْقعدَة وَمَعَهُ إخْوَته الأقوش وَعمر وطوخي وجوبان وَجَمَاعَة غَيرهم. فَأحْسن السُّلْطَان إِلَيْهِ وَإِلَى من مَعَه ورتب بَعضهم فِي حَملَة الخاصكية ثمَّ نقل إِلَى الإمرايات مِنْهُم الأقوش وتمر وَعمر وهم إخْوَة. ثمَّ ظهر من الشَّيْخ على مَا أوجب أَن يسجن فسجن هُوَ والأقوش وَمَات تمر وَعمر فِي الْخدمَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 وَفِي حادي عشريه: وَقعت نَار بِدِمَشْق أَقَامَت ثَلَاثَة أَيَّام فَاحْتَرَقَ فِيهَا شَيْء كثير مِنْهَا سوق الكتبيين وَاحْتَرَقَ لشمس الدّين إِبْرَاهِيم الْجَزرِي الكتبي خَمْسَة عشر ألف مُجَلد سوي الكراريس. وَفِي يَوْم عَرَفَة: قبض بِدِمَشْق على الْأَمِير عز الدّين أيبك كرجي أَمِير علم والأمير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن عز الدّين أيدمر النَّائِب بِدِمَشْق وعَلى زين الدّين بن الشَّيْخ على واعتقلوا وَفِيه تزوج السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور قلاوون بخوند أشلون ابْنة الْأَمِير سكناي ابْن قراجين بن جنغان نوبن القادم إِلَى الْقَاهِرَة فِي الدولة الظَّاهِرِيَّة وَهِي أم الْملك النَّاصِر مُحَمَّد. وَتزَوج الْملك الصَّالح على ابْن السُّلْطَان بخوند منكبك ابْنة الْأَمِير سيف الدّين نوكيه وَكَانَت تَحت الْأَمِير زين الدّين كتبغا المنصوري فرآها الْملك الصَّالح يَوْم حضرت مَعَ نسَاء الْأُمَرَاء مُهِمّ أشلون يَوْم زفت إِلَى السُّلْطَان ففتنه حسنها حَتَّى كَاد يهْلك فمازال السُّلْطَان بطرنطاي النَّائِب حَتَّى ألزم كتبغا بِطَلَاقِهَا فَطلقهَا. وَأَفْرج السُّلْطَان عَن أَبِيهَا نوكيه من سجن الْإسْكَنْدَريَّة وأحضر إِلَى الْقَاهِرَة وأنعم عَلَيْهِ بإمرة وفيهَا بلغ السُّلْطَان أَن ملك الكرج توماسوطا بن كلياري خرج من بِلَاده وَمَعَهُ رَفِيق لَهُ اسْمه طيبغا بن انكواد يُرِيد زِيَارَة الْقُدس سرا فَحفِظت عَلَيْهِ الطرقات من كل جِهَة فَلم يصل إِلَى مَوضِع مُنْذُ خرج من بَلَده إِلَى أَن قدم الْقُدس إِلَّا ويصل خَبره وهيئة حَاله إِلَى السُّلْطَان. فَقبض عَلَيْهِ بالقدس وأحضر إِلَى قلعة الْجَبَل هُوَ ورفيقه واعتقلا. وانتهت زِيَادَة النّيل فِي هَذِه السّنة إِلَى سَبْعَة عشر ذِرَاعا وَثَمَانِية عشر إصبعا. وَخرج من الْقَاهِرَة بالمحمل الْأَمِير نَاصِر الدّين ألطنبغا الْخَوَارِزْمِيّ وَمَعَهُ كسْوَة الْكَعْبَة وَسَار بالسبيل حسام الدّين مظفر أستادار الفارقاني. وَحج الْأَمِير عَلَاء الدّين البندقداري فِي ركب كَبِير. وفيهَا ولي نجم الدّين أَبُو حَفْص عمر بن الْعَفِيف أبي المظفر خصر بن مَنْصُور الشَّيْبَانِيّ قُضَاة الشَّافِعِيَّة بحلب عوضا عَن تَاج الدّين أبي الْمَعَالِي عبد الْقَادِر بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن علوي السنجاري. وفيهَا فِي آخر شَوَّال خلع متملك تونس أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن يحيي بن عبد الْوَاحِد بن أبي حَفْص وَكَانَت مدَّته ثَلَاث سِنِين وَسَبْعَة أشهر. وَقَامَ من بعده الدعي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 أَحْمد بن مَرْزُوق بن عمار المسبلي الْخياط وَزعم أَنه الواثق أَبُو زَكَرِيَّا يحيي بن الْمُسْتَنْصر. وفيهَا أقيم فِي الْملك تكدار بن هولاكو بعد موت أَخِيه أبغا بن هولاكو فِي الْمحرم فاظهر أَنه أسلم وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان شمس الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن بهاء الدّين أبي بكر بن خلكان الْبَرْمَكِي الإربلي الشَّافِعِي المؤرخ قَاضِي دمشق فِي رَجَب. وَتُوفِّي قَاضِي الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق زين الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الْكَرِيم بن على بن عمر الزواوي الْمَالِكِي بعد مَا عزل نَفسه عَن اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين سنة بِدِمَشْق. وَتُوفِّي برهَان الدّين أَبُو الثَّنَاء مَحْمُود بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن عمر بن عيسي المراغي الْفَقِيه الشَّافِعِي وَقد أناف على خمس وَسبعين سنة بِدِمَشْق. وَمَات الصاحب عَلَاء الدّين عطا ملك ابْن الصاحب بهاء الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ مُدبر دوَل الْعرَاق بِنَاحِيَة أران. وَله فضل وَشعر جيد. وَتُوفِّي الْمسند برهَان الدّين أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن يحيي بن علوي بن الدرجي الْقرشِي الدِّمَشْقِي الْحَنَفِيّ عَن اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ سنة. وَمَات الْأَمِير حسام الدّين بشار الرُّومِي وَهُوَ أحد من قدم فِي الْأَيَّام الظَّاهِرِيَّة بيبرس من بِلَاد الرّوم بعد مَا بلغ مائَة وَعشْرين سنة وناب وَحج وَترك الإمرة وَعوض عَنْهَا براتب أجري عَلَيْهِ. وَتُوفِّي السديد عبد الله الماعز. وَقد بَاشر ديوَان المرتجع فِي الْأَيَّام الظَّاهِرِيَّة فنقله الْمَنْصُور قلاوون إِلَى ديوانه. وَمَات أَيْضا منكوتمر بن طوغان بن باطو بن دوشي خَان بن جنكزخان ملك التتر بِبِلَاد الشمَال. وَملك بعده أَخُوهُ تدان منكو وَجلسَ على كرْسِي الْملك. بِمَدِينَة صراي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 سنة اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة فِي الْمحرم: وصل الْملك الْمَنْصُور صَاحب حماة فَركب السُّلْطَان إِلَى لِقَائِه وأنزله بمناظر الْكَبْش وأقيم بواجبه. وَفِيه استخرجت الجوالي من الذِّمَّة وَكَانَت الْعَادة أَن تستخرج فِي شهر رَمَضَان فَأخر استخراجها إِلَى الْمحرم رفقا بهم وَحضر الصاحب نجم الدّين الأصفوني بدار الْعدْل تَحت القلعة لاستخراجها. وَفِيه رسم أَن تكون جوالي الذِّمَّة بالقدس وبلد الْخَلِيل وَبَيت لحم وَبَيت جمالا مرصدة لعمارة بركَة فِي بلد الْخَلِيل. وَفِي سادسه: توجه السُّلْطَان إِلَى بر الجيزة وَسَار إِلَى الْبحيرَة لحفر الخليج الْمَعْرُوف بالطبرية وَأقَام الْأَمِير علم الدّين سنجر الشجاعي بالقلعة وَمَعَهُ الْأَمِير قراسنقر الجركندار وعلاء الدّين أيدغدي السِّلَاح دَار وَعز الدّين أيبك الخازندار ورتب مَعَ الْأَمِير علم الدّين الْخياط وَإِلَى الْقَاهِرَة عدَّة من أَصْحَاب الْأُمَرَاء يطوفون كل لَيْلَة من بعد الْعَصْر حول القلعة وَفِي ظواهر الْقَاهِرَة. وَنُودِيَ على الأجناد فِي الْقَاهِرَة بِالْخرُوجِ لحفر الخليج وَوَقع الْعَمَل فِيهِ فَكَانَ طوله سِتَّة آلَاف وَخَمْسمِائة قَصَبَة فِي عرض ثَلَاث قصبات وعمق أَربع قصبات بالقصبة الحاكمية وَفرغ من عمله فِي عشرَة أَيَّام. فَحصل بِسَبَبِهِ نفع كَبِير وَرُوِيَ مِنْهُ مَا لم يكن قبل ذَلِك يروي. وَفِيه وصل من الشروق تِسْعَة عشر وافدا بأولادهم. وَفِي رَابِع عشره: وصلت رسل صَاحب بِلَاد سيلان من أَرض الْهِنْد واسْمه أَبُو أنكيه بكتابه. وَهُوَ صحيفَة ذهب عرض ثَلَاثَة أَصَابِع فِي طول نصف ذِرَاع بداخلها شَيْء أَخْضَر يشبه الخوص مَكْتُوب فِيهِ بقلم لم يُوجد فِي الْقَاهِرَة من يحسن قِرَاءَته فَسئلَ الرُّسُل عَنهُ فَقَالُوا إِنَّه يتَضَمَّن السَّلَام والمحبة وَإنَّهُ ترك صُحْبَة صَاحب الْيمن وَتعلق بمحبة السُّلْطَان وَيُرِيد أَن يتَوَجَّه إِلَيْهِ رَسُول وَذكر أَن عِنْده أَشْيَاء عدهَا من الْجَوَاهِر والفيلة والتحف وَنَحْوهَا وَأَنه عبأ تقدمة إِلَى أَبْوَاب السُّلْطَان وَأَن فِي مملكة سيلان سبعا وَعشْرين قلعة وَبهَا معادن الْجَوَاهِر والياقوت وَأَن خزائنه ملآنة من الْجَوَاهِر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 وَفِي رَابِع صفر: عَاد الْمَنْصُور صَاحب حماة بَلَده، وَخرج السُّلْطَان مَعَه لوداعه.) وَفِي خَامِس ربيع الأول: جرت الْهُدْنَة بَين السُّلْطَان وَبَين الفرنج بعكا مُدَّة عشر سِنِين أَولهَا خَامِس الْمحرم من هَذِه السّنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 وَفِي عاشره: ولي الصاحب برهَان الدّين السنجاري تدريس الْمدرسَة بجوار الشَّافِعِي من القرافة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 وَفِي مَاتَ الصاحب نجم الدّين حَمْزَة الأصفوني وَولي شرف الدّين أَبُو طَالب بن النابلسي نظر الْوَجْه القبلي وَنقل القَاضِي عز الدّين بن شكر من نظر ديوَان الْجَيْش إِلَى نظر الْوَجْه البحري وخلع عَلَيْهِمَا. وَبَقِي الْأَمِير علم الدّين سنجر الشجاعي مدير المماليك وهما بَين يَدَيْهِ يصرفان الْمُهِمَّات. وفيهَا خرجت تجريدة من قلعة كركر إِلَى حِصَار قلعة قطيبا إِحْدَى قلاع أمد فَأَخَذُوهَا من أَيدي التتار وأقيم فِيهَا الرِّجَال وعملت بهَا الأسلحة والغلال فَصَارَت من حصون الْإِسْلَام المنيعة. وَأخذت أَيْضا قلعة كختا من النَّصَارَى بسؤال أَهلهَا فتسلمها أُمَرَاء السُّلْطَان. بِمَدِينَة حلب وشحنت بالأسلحة وَغَيرهَا وَصَارَت مسلطة على الأرمن. وَفِي جُمَادَى الأولى: خرج أرغون بن أبغا على عَمه تكدار الْمُسَمّى أَحْمد سُلْطَان بخراسان فَسَار إِلَيْهِ وَقَتله وهزمه ثمَّ أسره فَقَامَتْ الخواتين مَعَ أرغون وسألن الْملك تكدار أَحْمد فِي الإفراج عَنهُ وتوليته خُرَاسَان فَلم يرض بذلك. وَكَانَت الْمغل قد تَغَيَّرت على تكدار لكَونه دخل فِي دين الْإِسْلَام وإلزامه لَهُم بِالْإِسْلَامِ فثاروا وأخرجوا أرغون من الاعتقال وطرقوا ألناق نَائِب تكدار ليقتلوه ففر مِنْهُم فأدركوه وَقتلُوا تكدار أَيْضا وَأَقَامُوا أرغون بن أبغا ملكا. فولي أرغون وزارته سعد الدولة الْيَهُودِيّ وَولي ولديه خرابندا وقازان خُرَاسَان وَعمل أتبكهما الْأَمِير نوروز. وَمَات الأشكري متملك قسطنطنية واسْمه ميخائيل وَملك بعده ابْنه الدوقش. وَفِي النّصْف من جُمَادَى الأولى: توجه السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل إِلَى بِلَاد الشَّام فَنزل غَزَّة فِي سَابِع جُمَادَى الْآخِرَة وَقبض على غرس الدّين بن شاور مُتَوَلِّي رَملَة ولد وَولي عوضه الْأَمِير علم الدّين سنجر الصَّالِحِي وعزل عماد الدّين بن أبي الْقَاسِم عَن الْقُدس بِنَجْم الدّين السونجي. وَدخل السُّلْطَان دمشق يَوْم الْجُمُعَة ثامن شهر رَجَب فرسم أَن كل من استخدم ترد جامكيته على مَا كَانَت عَلَيْهِ فِي الدولة الظَّاهِرِيَّة وتستعاد مِنْهُ الزِّيَادَة فاستخرج من ذَلِك مَال كَبِير. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة حادي عشري رَجَب: عوق قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين مُحَمَّد بن عبد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 الْقَادِر بن عبد الْخَالِق بن خَلِيل الْأنْصَارِيّ الْمَعْرُوف بِابْن الصَّائِغ ثمَّ صرف عَن الْقَضَاء بِدِمَشْق وطولب بِثمَانِيَة آلَاف دِينَار أودعها عِنْده الطواشي ريحَان الخليفتي وأوصاه عيلها وطولب بعدة ودائع أُخْرَى فَقَامَ فِي حَقه الْأَمِير حسام الدّين لاجين نَائِب الشَّام والأمير حسام الدّين طرنطاي نَائِب مصر ومازالا حَتَّى أفرج عَنهُ فِي ثامن عشري شعْبَان وَلزِمَ دَاره. وَاسْتقر عوضه فِي قَضَاء دمشق بهاء الدّين يُوسُف بن محيي الدّين يحيي بن مُحَمَّد بن على بن مُحَمَّد بن على الزكي. وَفِيه اسْتَقر شرف الدّين بن مزهر فِي نظر الشَّام ثَالِثا للناظرين. وَاسْتقر قراسنقر نَائِبا بحلب عوضا عَن سنجر الباشقردي وَقيل بل كَانَ ذَلِك فِي سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ كَمَا تقدم وأنعم على الباشقردي بإقطاع بدر الدّين الأزدمر. بِمصْر. وَاسْتقر بدر الدّين بكتوت السَّعْدِيّ نَائِبا بحمص. وَفِي ثَانِي رَمَضَان: خرج السُّلْطَان من دمشق وَدخل قلعة الْجَبَل يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشريه وَخرج الْمحمل على الْعَادة. وَفِي هَذِه السّنة: غارت العساكر على بِلَاد الأرمن ووصلوا إِلَى مَدِينَة أياس وَقتلُوا ونهبوا وحرقوا واقتتلوا مَعَ الأرمن عِنْد بَاب إسكندرونة وهزموهم إِلَى تل حمدون وعادوا سَالِمين ظافرين بالغنائم. وفيهَا كَانَت وقْعَة بِبِلَاد بيروت مَعَ فرج قبرس حِين قصدهم بِلَاد السَّاحِل قتل فِيهَا عدَّة من الفرنج وَأسر مِنْهُم زِيَادَة على ثَمَانِينَ رجلا وَأخذت مِنْهُم غَنَائِم كَثِيرَة. وفيهَا وصلت رسل تدان منكو بن طوغان بن باطو بن دوشي بن جنكزخان ملك القبجاق بِكِتَاب خطه بالقلم المغلي: يتَضَمَّن أَنه أسلم وَيُرِيد أَن ينعَت نعتا من نعوت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 أهل الْإِسْلَام ويجهز لَهُ علم خليفتي وَعلم سلطاني يُقَاتل بهما. أَعدَاء الدّين. فجهزت الرُّسُل إِلَى الْحجاز ثمَّ عَادوا وَسَارُوا إِلَى بِلَادهمْ. بِمَا سَأَلُوا فِيهِ. وفيهَا اشْتريت الدَّار القطية بِخَط بَين القصرين من الْقَاهِرَة من خَالص مَال السُّلْطَان وَعوض سكانها عَنْهَا قصر الزمرد برحبة بَاب الْعِيد فِي ثامن عشري شهر ربيع الأول. وَقَامَ الْأَمِير علم الدّين سنجر الشجاعي فِي عمارتها مارستاناً وقبة ومدرسة باسم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 فارغة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور قلاوون فأظهر من الاهتمام فِي الْعِمَارَة مَا لم يسمع. بِمثلِهِ. وفيهَا قدم الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن فِي الرسَالَة من الْملك أَحْمد أغا سُلْطَان إِلَى البيرة وعَلى رَأسه الجتر كَمَا هِيَ عَادَته فِي بِلَاد التتر فَتَلقاهُ الْأَمِير جمال الدّين أقش الْفَارِسِي أحد أُمَرَاء حلب وَمنعه من حمل الجتر وَالسِّلَاح وَعدل بِهِ عَن الطَّرِيق المسلوك إِلَى أَن أدخلهُ حلب ثمَّ إِلَى دمشق فوصلها لَيْلَة الثُّلَاثَاء ثَانِي عشر ذِي الْحجَّة من غير أَن يُمكن أحدا من الِاجْتِمَاع بِهِ وَلَا من رُؤْيَته. وَلما وصل إِلَى دمشق أنزل بقلعتها فَأَقَامَ بقاعة رضوَان من القلعة إِلَى أَن وصل السُّلْطَان إِلَى دمشق فِي سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ. وَأجْرِي عَلَيْهِ فِي كل يَوْم ألف دِرْهَم ومأكل وحلوي وَفَاكِهَة بِأَلف أُخْرَى. وفيهَا استدعى تَاج الدّين السنهوري من دمشق وَاسْتقر فِي نظر الدَّوَاوِين بديار مصر عوضا عَن عز الدّين إِبْرَاهِيم بن مقلد بن أَحْمد بن شكر رَفِيقًا لشرف الدّين بن النابلسي. وَتزَوج الْملك الْأَشْرَف صَلَاح الدّين خَلِيل ابْن السُّلْطَان باردكين ابْنة الْأَمِير سيف الدّين نوكيه أُخْت زَوْجَة أَخِيه الْملك الصَّالح على. وفيهَا ولي مجد الدّين أَبُو الْفِدَاء إِسْمَاعِيل بن عبد الرَّحْمَن بن مكي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بحلب عوضا عَن نجم الدّين أبي حَفْص عمر بن نصر بن مَنْصُور الْأنْصَارِيّ البيساني مُدَّة يسيرَة ثمَّ عزل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 وَفِي أَوَائِل هَذِه السّنة: تحرّك سعر الْغلَّة حَتَّى بلغ الأردب الْقَمْح خَمْسَة وَثَلَاثِينَ درهما فكرة السُّلْطَان ذَلِك وَتوجه بالعسكر إِلَى الشَّام تَخْفِيفًا عَن النَّاس فَلم ينحط السّعر فَجمع الْأُمَرَاء وَأَرَادَ أَن يكْتب بِفَتْح أهراء مصر أدخلهُ حلب ثمَّ إِلَى دمشق فوصلها لَيْلَة الثُّلَاثَاء وَبيع الْغلَّة مِنْهَا بِسعْر خَمْسَة وَعشْرين درهما الأردب فَقَالَ لَهُ الأيدمري: قُلُوب النَّاس مُتَعَلقَة. بِمَا فِي الأهراء فَإِنَّهَا خزانَة الْمُسلمين كلما نظرُوا إِلَيْهَا ملآنة شبعت نُفُوسهم وَمَا يُؤمن ارْتِفَاع السّعر أَيْضا. والرأي أَن الْأُمَرَاء بأسرهم يَكْتُبُونَ بِفَتْح شونهم وَبيع الْقَمْح بِخَمْسَة وَعشْرين درهما الأردب فَإِذا وَقع البيع مِنْهَا دفْعَة وَاحِدَة مَعَ بَقَاء الأهراء ملآنة رُجي انحطاط السّعر والأمراء لَا يضرهم إِذا نقصت شونهم نصف مَا فِيهَا. فأعجب السُّلْطَان ذَلِك وَكتب الْأُمَرَاء بِفَتْح شونهم ففتحت وَبيع الْقَمْح مِنْهَا بِخَمْسَة وَعشْرين درهما الأردب فَانْحَطَّ السّعر إِلَى عشْرين ثمَّ إِلَى ثَمَانِيَة عشر وَاسْتمرّ كَذَلِك حَتَّى قدم الْجَدِيد من الْمغل. وفيهَا قتل متملك الرّوم غياث الدّين كيخسرو بن ركن الدّين قلج أرسلان بن كيخسرو بن كيقباد وأقيم بعده مَسْعُود بن عز الدّين كيكاوس بن كيخسرو بن كيقباد بن كيخسرو بن قلج أرسلان بن مَسْعُود بن قلج أرسلان بن سُلَيْمَان بن قطلومش بن أرسلان بيغو بن سلجوق وَهُوَ آخر من سمي بالسلطان من السلجوقية بِبِلَاد الرّوم وَقد افْتقر وانكشف حَاله وَمَات قريب سنة ثَمَان عشرَة وَسَبْعمائة. وفيهَا كَانَت وَفَاة الشَّيْخ الإِمَام عماد الدّين بن الْفضل مُحَمَّد ابْن قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين أبي نصر مُحَمَّد بن هبة الله الشِّيرَازِيّ ببستانه بالمزة فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سَابِع عشر صفر وَصلي عَلَيْهِ بعد صَلَاة الْعَصْر بِجَامِع الْجَبَل وَدفن بتربة فِيهَا قبر أَخِيه عَلَاء الدّين رحمهمَا الله تعالي. وَكَانَ شيخ الْكِتَابَة أتقن الْخط الْمَنْسُوب وَبلغ فِيهِ مبلغا عَظِيما حَتَّى أتقن قلم الْمُحَقق وَكتبه أَجود من شيخ الصِّنَاعَة ابْن البواب. وفيهَا توفّي الصاحب مجد الدّين أَبُو الْفِدَاء إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن أبي الْقَاسِم بن أبي طَالب بن كسيرات الْموصِلِي وَكَانَت وَفَاته فِي سَابِع عشري رَمَضَان بداره بجبل الصالحية وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى كثير الْمُرُوءَة وَاسع الصَّدْر كثير الهيبة وَالْوَقار جميل الصُّورَة حسن المنظر والشكل كثير التعصب لمن يَقْصِدهُ محافظا على مَوَدَّة أصدقائه وَقَضَاء حوائجهم كثير التفقد لَهُم. وَأَصله من الْموصل من بَيت الوزارة كَانَ وَالِده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 وَزِير الْملك الْمَنْصُور عماد الدّين زنكي ابْن الْملك الْعَادِل نور الدّين أرسلان شاه بن عز الدّين مَسْعُود بن مودود بن زنكي بن آقسنقر ثمَّ بَاشر نظر الخزانة للْملك الرَّحِيم بدر الدّين لُؤْلُؤ ثمَّ نَقله إِلَى نظر الجزيرة العمرية لما فتحهَا وَوصل إِلَى الشَّام صُحْبَة الْملك الْمُجَاهِد سيف الدّين إِسْحَاق لما وصل فِي الدولة الظَّاهِرِيَّة وَسكن دمشق وَولي نظر الْبر بهَا ثمَّ نقل إِلَى نظر نابلس ثمَّ أُعِيد إِلَى دمشق فباشر نظر الزَّكَاة بهَا ثمَّ انْتقل إِلَى صحابة الدِّيوَان بِالشَّام إِلَى أَن ملك سنقر الْأَشْقَر دمشق فاستوزره كَمَا تقدم وَبَطل بعد ذَلِك عَن الْمُبَاشرَة وَسكن دَاره الَّتِي أَنْشَأَهَا بجبل قاسيون جوَار البيمارستان فَكَانَ بهَا إِلَى أَن مَاتَ. قَالَ شمس الدّين الْجَزرِي: قلت لَهُ يَوْمًا وَقد أضرت بِهِ البطالة: يَا مَوْلَانَا لَو ذكرت أحدا من أَصْحَابك الْأُمَرَاء حَتَّى يذكر بك السُّلْطَان أَو نَائِب السلطنة فكاتب فِي أَمرك فَإِن لَك خدما لذ خمولي وحلا مره وصانني عَن كل مَخْلُوق نَفسِي معشوقي ولي غيرَة تمنعني عَن بذل معشوقي وفيهَا فِي يَوْم الْخَمِيس عَاشر شهر رَمَضَان: توفّي الْملك الْعَادِل سيف الدّين أبي بكر ابْن الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين دواد ابْن الْملك الْمُعظم شرف الدّين عيسي ابْن السُّلْطَان الْملك الْعَادِل سيف الدّين أبي بكر مُحَمَّد بن أَيُّوب وَكَانَت وَفَاته بِدِمَشْق وَصلي عَلَيْهِ بعد صَلَاة الْجُمُعَة وَدفن بالتربة المعظمية. وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى قد جمع بَين الرياسة والفضيلة وَالْعقل الوافر والخصال الجميلة وَكَانَ مجانبا النَّاس مَحْبُوب الصُّورَة رَحمَه الله تعالي. وفيهَا فِي سادس عشري شعْبَان: توفّي القَاضِي عز الدّين إِبْرَاهِيم بن الصاحب الْوَزير الْأَعَز فَخر الدّين أبي الفوارس مِقْدَام ابْن القَاضِي كَمَال الدّين أبي السعادات أَحْمد بن شكر. وَكَانَ قد ولي نظر الجيوش بالديار المصرية فِي شهر رَمَضَان سنة خمس وَسبعين وسِتمِائَة كَمَا تقدم. رَحمَه الله تعالي. وفيهَا توفّي الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة العابد الزَّاهِد شمس الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن ابْن شيخ الْإِسْلَام أبي عمر عمد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن قدامَة بن مِقْدَام بن نصر الْقُدسِي شيخ الْحَنَابِلَة بِالشَّام. وَكَانَ قد ولي قَضَاء الْقُضَاة على كره مِنْهُ سنة أَربع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة كَمَا تقدم ثمَّ ترك الحكم وتوفر على الْعِبَادَة والتدريس وأشغال الطّلبَة والتصنيف. وَيُقَال إِنَّه قطب بِالشَّام وَاسْتدلَّ على ذَلِك. يمراء توافقت عَلَيْهَا جمَاعَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 تعرفه فِي سنة. سبع وَسبعين وسِتمِائَة أَنه قطب وَكَانَ أوحد زَمَانه. وَكَانَت وَفَاته فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سلخ ربيع الآخر مِنْهَا وَدفن بقاسيون بتربة وَالِده قدس الله روحه. ومولده فِي السَّابِع وَالْعِشْرين من الْمحرم سنة سبع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة. وَلما مَاتَ رثاه الْمولي الْفَاضِل شهَاب الدّين مَحْمُود كَاتب الْإِنْشَاء بقصيدة أَولهَا: مَا للوجوه وَمد علاهُ ظلام أعراه خطب أم عداهُ مرام أم قد أُصِيب بشمسه فغدا وَقد لبست عَلَيْهِ حدادها الْأَيَّام وَجَاء مِنْهَا. لكم الكرامات الجليلات الَّتِي لَا تَسْتَطِيع جحودها الأقوام وَهِي قصيدة تزيد على سِتِّينَ بَيْتا. ورثاه جمَاعَة رَحمَه الله تعالي. وفيهَا توفّي الْأَمِير عَلَاء الدّين كندغدي المشرقي الظَّاهِرِيّ الْمَعْرُوف بأمير مجْلِس كَانَ من أَعْيَان الْأَمِير بالديار المصرية وَظهر قبل وَفَاته. بِمدَّة يسيرَة أَنه بَاقٍ على الرّقّ فَاشْتَرَاهُ السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور بجملة وَأعْتقهُ وقربه لَدَيْهِ وَكَانَ شجاعا بطلا مقداما. وَكَانَت وَفَاته بِالْقَاهِرَةِ فِي يَوْم الْجُمُعَة مستهل صفر وَدفن. بمقابر بِبَاب النَّصْر رَحمَه الله تعالي. وفيهَا توفّي الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن حجي بن يزِيد الْبَرْمَكِي أَمِير آل مرا وَكَانَت وَفَاته ببصري. وَكَانَت غراته تَنْتَهِي إِلَى أقصي نجد والحجاز وَأَكْثَرهم يؤدون إِلَيْهِ أتاوة فِي كل سنة فَمن قطعهَا مِنْهُم أغار عَلَيْهِ وَكَانَ يَدعِي إِنَّه من نسل جَعْفَر الْبَرْمَكِي من العباسة أُخْت الرشيد وَيَقُول إِنَّه تزَوجهَا ورزق مِنْهَا أَوْلَادًا وَلما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 جري على البرامكة مَا جري هرب أَوْلَاده مِنْهَا إِلَى الْبَادِيَة فَأَخذهُم جده وَالله أعلم. وَكَانَ يَقُول للْقَاضِي شمس الدّين ابْن خلكان أَنْت ابْن عمي وَكَانَ بَينهمَا مهاداة وانتفع ابْن خلكان بِهِ وباعتنائه عِنْد السُّلْطَان. وفيهَا فِي سَابِع عشري الْمحرم: كَانَت وَفَاة شمس الدّين عيسي بن الصاحب برهَان الخضري السنجاري كَانَ يَنُوب عَن وَالِده فِي الوزارة الأولى فِي سنة ثَمَان وَسبعين وسِتمِائَة وَولي نظر الأحباس وَنظر خانقاه سعيد السُّعَدَاء ثمَّ ولي بعد ذَلِك تدريس الْمدرسَة الصلاحية الْمَعْرُوفَة بزين التُّجَّار ثمَّ قبض عَلَيْهِ مَعَ وَالِده بعد انْفِصَاله من الوزارة الثَّانِيَة كَمَا تقدم. فَلَمَّا أفرج عَنهُ سكن الْمدرسَة المعزية. بِمصْر وَكَانَ بهَا إِلَى أَن توفّي وَكَانَ حسن الصُّورَة والشكل رَحمَه الله تعالي. وفيهَا فِي سادس شَوَّال. توفيت زَوْجَة السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور وَالِدَة وَلَده الْملك الصَّالح عَلَاء الدّين على رحمهمَا الله تعالي. وفيهَا فِي يَوْم الْأَحَد ثَانِي عشر جُمَادَى الأولى: توفّي الشَّيْخ ظهير الدّين جَعْفَر بن يحيي بت جَعْفَر الْقرشِي التزمنتي الشَّافِعِي مدرس الْمدرسَة القطبية بِالْقَاهِرَةِ وَأحد المعيدين. بمدرسة الشَّافِعِي. رَحمَه الله تعالي. وفيهَا فِي يَوْم السبت ثَانِي عشري رَجَب: توفّي الْأَمِير علم الدّين سنجر أَمِير جاندار أغاي أحد الْأُمَرَاء بالديار المصرية وَكَانَت وَفَاته بِدِمَشْق لما كَانَ السُّلْطَان بهَا وَدفن بظاهرها عِنْد قباب التركمان. بميدان الْحَصَا رَحمَه الله تَعَالَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 فارغة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 (سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة) فِي الْمحرم: توجه عَسْكَر إِلَى الكرك وَعَلِيهِ الْأَمِير بدر الدّين بكتاش الفخري والأمير طقصوا فضايقوا الكرك ورعت خيولهم مزارعها. وَفِي ثَانِي عشره: ولي الشَّيْخ معز الدّين النُّعْمَان الْحَنَفِيّ تدريس الْمدرسَة الصالحية بَين القصرين بعد موت عز الدّين المارديني. وَاسْتقر سيف الدّين فِي ولَايَة قوص عوضا عَن بهاء الدّين قراقوش. وَاسْتقر مجد الدّين عمر بن عيسي الحرامي فِي ولَايَة سميوط عوضا عَن سيف الدّين. وَاسْتقر شهَاب الدّين قرطاي الجاكي فِي ولَايَة قليوب عوضا عَن حسان الدّين لُؤْلُؤ الكهاري. وَفِي ثَانِي عشريه: اسْتَقر الْأَمِير شمس الدّين إِبْرَاهِيم بن خَلِيل الطوري فِي ولَايَة الروحا والطرق السالكة إِلَى الفرنج وَإِلَى عثليث وحيفا وعكا عوضا عَن الْأَمِير نور الدّين وأقطع إمرة عشرَة. وَفِي أول صفر: توجه الْأَمِير سيف الدّين المهراني إِلَى ولَايَة البهنسا والأشمونين عوضا عَن كيكلدي وَإِلَى البهنسا وَعَن فَخر الدّين بن التركماني وَإِلَى الأشمونين. وَورد الْخَبَر بقتل القان ثكدار وَيَدعِي أَحْمد أغا سلالان بن هولاكو وتملك أرغون ابْن أبغا بن هولاكو من بعده. وَفِي أول ربيع الآخر: ورد الْخَبَر بحركة الفرنج لأخذ الشَّام فتجهز السُّلْطَان للسَّفر وَركب بعساكره فِي يَوْم الْأَحَد ثامن جُمَادَى الأولى وَتوجه من قلعة الْجَبَل إِلَى دمشق. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء حادي عشره: حضر الْمُوفق أَحْمد بن الرشيد أبي حليقة إِلَى الدهليز السلكاني وَأسلم وتسمي بِأَحْمَد. فَخلع السُّلْطَان عَلَيْهِ ورسم لَهُ بمساواة أَخَوَيْهِ فِي الْعُلُوم لما أسلما وَكتب لَهُ بذلك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 وَفِي رَابِع عشره: كتب بِولَايَة الْأَمِير عماد الدّين أَحْمد بن قباخل الْبحيرَة. وَفِي يَوْم السبت ثَانِي عشر جُمَادَى الْآخِرَة: دخل السُّلْطَان إِلَى دمشق فَقدم القصاد من بِلَاد وَفِي تِلْكَ اللَّيْلَة: ألبس السُّلْطَان ألفا وَخَمْسمِائة من مماليكة أقبيه أطلس أَحْمَر بطرز وكلفتات زركش وحوائص ذهب وأشعل بَين يَدَيْهِ ألفا وَخَمْسمِائة شمعة مَعَ كل مَمْلُوك شمعة. واستدعى عبد الرَّحْمَن الْموصِلِي فِي السّنة الْمَاضِيَة من بِلَاد التتار فَحَضَرَ وَمَعَهُ رفقته الْأَمِير صمداغو التتري والصاحب شمس الدّين مُحَمَّد ابْن الصاحب شرف الدّين التبتي الْمَعْرُوف بِابْن الصاحب وَزِير ماردين. فقدموا للسُّلْطَان تحفاً مِنْهَا نَحْو سِتِّينَ حَبل لُؤْلُؤ كبارًا وَحجر ياقوت أصفر زنته مَا ينيف على مِائَتي مِثْقَال وَحجر ياقوت أَحْمَر وَقطعَة بلخش زنتها اثْنَان وَعِشْرُونَ درهما وأدوا رِسَالَة الْملك أَحْمد أغا فَلَمَّا فرغوا ردهم السُّلْطَان إِلَى مكانهم ثمَّ استدعاهم واستعادهم كَلَامهم ثمَّ ردهم إِلَى مكانهم وأحضرهم مرّة ثَالِثَة وسألهم عَن أَشْيَاء فَلَمَّا علم مَا عِنْدهم أخْبرهُم أَن مرسلهم الَّذِي بَعثهمْ قد قتل وتملك بعده أرغون بن أبغا. ثمَّ ردهم إِلَى قاعة بقلعة دمشق ونقلهم من قاعة رضوَان الَّتِي كَانُوا بهَا مُنْذُ وصلوا إِلَى دمشق وَاقْتصر من راتبهم على قدر الْكِفَايَة وطولبوا. بِمَا مَعَهم من المَال لِأَحْمَد أغا فأنكروا أَن يكون مَعَهم مَال فَتوجه إِلَيْهِم الْأَمِير شمس الدّين سنقر الأعسر الأستادار وَقَالَ: قد رسم السُّلْطَان بانتقالكم إِلَى غير هَذَا الْمَكَان فليجمع كل أحد قماشه فَقَامُوا يحملون أمتعتهم وَخَرجُوا فأوقفهم فِي دهليز الدَّار وفتشهم وَأخذ مِنْهُم جملَة كَبِيرَة من الذَّهَب واللؤلؤ وَنَحْوه مِنْهَا سبْحَة لُؤْلُؤ كَانَت للشَّيْخ عبد الرَّحْمَن قومت. بِمِائَة ألف دِرْهَم واعتقلوا فَمَاتَ عبد الرَّحْمَن فِي ثامن عشري رَمَضَان بالسجن وضيق على الْبَقِيَّة ثمَّ أطْلقُوا مَا خلا الْأَمِير شمسي الدّين مُحَمَّد ابْن الصاحب فَإِنَّهُ نقل إِلَى قلعة الْجَبَل. بِمصْر واعتقل بهَا. وَفِيه عزل الْأَمِير علم الدّين سنجر الدويداري من شدّ الدَّوَاوِين بِدِمَشْق وأضيف إِلَى الْأَمِير شمس الدّين سنقر الأعسر الأستادار بِدِمَشْق. وَنقل نَاصِر الدّين الْحَرَّانِي من ولَايَة مَدِينَة دمشق إِلَى نِيَابَة حمص وأضيفت ولَايَة دمشق إِلَى الْأَمِير طوغان وَإِلَى الْبر. وَفِيه خرج السُّلْطَان من دمشق يُرِيد مصر بِظَاهِر دمشق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 فَلَمَّا كَانَت سَاعَات من يَوْم الْأَرْبَعَاء حادي عشري شعْبَان: حطم سيل بعد مطر عَظِيم فَحمل أثقال الْأُمَرَاء والأجناد وخيولهم وجمالهم فَعدم للأمير بدر الدّين بكتاص مَا تزيد قِيمَته على أَرْبَعمِائَة ألف وَخمسين ألف دِرْهَم وانتهي السَّيْل إِلَى بَاب الفراديس فَكسر أقفاله وَمَا خَلفه من المتاريس. وَدخل المَاء إِلَى إِلَى الْمدرسَة المقدمية وَبَقِي كَذَلِك حَتَّى ارْتَفع النَّهَار. ثمَّ حدث بعد يَوْمَيْنِ: مطر شَدِيد هدم عدَّة مسَاكِن بِدِمَشْق وظواهرها فَتلف للنَّاس مَا لَا يحصي فأنعم السُّلْطَان على الأجناد كل وَاحِد بأربعمائة دِرْهَم. ورحل السُّلْطَان من دمشق فِي رَابِع عشريه فوصل قلعة الْجَبَل فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشر رَمَضَان. فَقدم الْخَبَر من مَكَّة بِأَن الشريف أَبَا نمي طرد جند الْيمن واستبد بهَا وَكَانَ من خَبره أَن مَكَّة كَانَت بَينه وَبَين قَتَادَة وَكَانَ يُؤْخَذ من حَاج الْيمن على كل جمل مبلغ ثَلَاثِينَ درهما وَمن حَاج مصر على الْجمل مبلغ خمسين درهما مَعَ كَثْرَة النهب والعسف فِي جباية مَا ذكر فمازال الظَّاهِر بيبرس حَتَّى صَار يُؤْخَذ من حَاج مصر مبلغ ثَلَاثِينَ درهما على كل جمل. فَجرد المظفر صَاحب الْيمن إِلَى مَكَّة عسكرا عَلَيْهِ أَسد الدّين جغريل فملكها بعد حَرْب فَجمع قَتَادَة وَأَبُو نمي الْعَرَب لحربه موقع الِاتِّفَاق بَينهمَا أَن تكون مَكَّة بَينهم نِصْفَيْنِ ثمَّ اخْتلفَا بعد مُدَّة وَانْفَرَدَ أَبُو نمي وَقَوي وَأخرج عَسْكَر الْيمن وَاشْتَدَّ على الْحجَّاج فِي الجباية. فرسم السُّلْطَان بسفر ثَلَاثمِائَة فَارس صُحْبَة الْأَمِير عَلَاء الدّين سنجر الباشقردي وَأنْفق فِي كل فَارس ثَلَاثمِائَة دِرْهَم وَكتب بِخُرُوج مِائَتي فَارس من الشَّام فتوجهوا صُحْبَة الْحَاج. فَكَانَت بَينهم وَبَين أبي نمي وقْعَة وأخربوا الدَّرْب. وَكَانَ الْحَاج كثيرا فَإِنَّهَا كَانَت وَقْفَة الْجُمُعَة. وَورد الْخَبَر بِمَوْت الْملك الْمَنْصُور مُحَمَّد ابْن المظفر تَقِيّ الدّين مَحْمُود ابْن الْمَنْصُور مُحَمَّد ابْن المظفر تَقِيّ الدّين عمر بن شاهنشاه بن أَيُّوب صَاحب حماة وَكَانَت وَفَاته فِي حادي عشر شَوَّال ففوضت حماة لوَلَده الْملك المظفر تَقِيّ الدّين مَحْمُود وجهز إِلَيْهِ الثقليد والتشريف صُحْبَة الْأَمِير وَفِي ذِي الْقعدَة: قبض على الْأَمِير علم الدّين سنجر الْحلَبِي واعتقل بقلعة الْجَبَل. وَورد الْخَبَر بوفاة الْأَمِير شرف الدّين عيسي بن مهنا بن مَانع بن حَدِيثَة بن عضبة بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 فضل بن ربيعَة وَكَانَت وَفَاته فِي تَاسِع ربيع الأول فاستقر فِي إمرة الْعَرَب ابْنه حسام الدّين مهنا بن عِيسَى. وَفِي هَذِه السّنة: نجزت عمَارَة المارستان الْكَبِير المنصوري والمدرسة والقبة. وَفِي النّصْف من ذِي الْحجَّة: توجه السُّلْطَان إِلَى دمشق. وَفِي هَذِه السّنة: سرح الْملك الصَّالح على وَمَعَهُ أَخُوهُ خَلِيل إِلَى العباسة ومعهما الْأَمِير بيبرس الفارقاني وَإِلَيْهِ يَوْمئِذٍ أَمر رُمَاة البندق فأقاموا أَيَّامًا فِي الصَّيْد وَمَعَهُمْ جمَاعَة كَثِيرَة من الرُّمَاة. فصرع الصَّالح طيراً خطته الرُّمَاة وصرع أَخُوهُ خَلِيل بعده طيراً آخر. فَبعث الفارقاني يبشر السُّلْطَان بذلك ويستأذنه لمن يَدعِي فِي الرَّمْي الْملك الصَّاع فرسم أَن يَدعِي للمنصور صَاحب حماة. فسفر طير الصَّاع إِلَى حماة وَمَعَهُ هَدِيَّة سنية وَكتاب السُّلْطَان وَكتاب ابْنه الصَّالح. فَخلع الْمَنْصُور على البريدي القادم بذلك وَوضع الطير على رَأسه وَبعث هَدِيَّة فِيهَا عشرَة أنداب بندق ذهب كل ندب خمس بندقات زنة كل بندقة عشرَة دَنَانِير وَعِشْرُونَ ندب فضَّة زنة البندقة مائَة دِرْهَم وبدلة حَرِير غيار زركش فِيهَا ألف دِينَار وحياصة مكللة وجراوة زركش فِيهَا البندق الْمَذْكُور وَعِشْرُونَ قوسا وعدة تحف بلغت قيمَة ذَلِك ثَلَاثِينَ ألف دِينَار. وفيهَا كَانَت حَرْب بِمَكَّة سَببهَا أَن أَبَا نمي بلغه توجه الْعَسْكَر فَلم يخرج إِلَى لِقَاء الْحَاج وَبعث قواده فَقَط فَلم يرض الباشقردي إِلَّا بِحُضُورِهِ واستعد للحرب وَقد وقف أَبُو نمي. بِمن مَعَه ليمنع من دُخُول مَكَّة وروموا بِالْحِجَارَةِ فَرَمَاهُمْ التّرْك بالنشاب وأحرق الْبَاب وَدخل الْعَسْكَر. فَقَامَ الْبُرْهَان خضر السنجاري حَتَّى أخمد الْفِتْنَة وحملت خلعة أبي نمي إِلَيْهِ وَقضي النَّاس حجهم. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان صَاحب حماة الْملك الْمَنْصُور مُحَمَّد ابْن المظفر مَحْمُود بن الْمَنْصُور مُحَمَّد ابْن المظفر عمر بن شاهنشاه بن أَيُّوب بن شادي عَن إِحْدَى خمسين سنة. وَمَات الْأَمِير عيسي بن مهنا بن مَانع بن حَدِيثَة بن عضبة بن فضل بن الْبيعَة بعد عشْرين سنة من إمارته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 وَمَات القان تكدار وَيَدعِي أَحْمد سُلْطَان بن هولاكو بن طلوي بن جنكزخان عَن سبع وَثَلَاثِينَ وَتُوفِّي قَاضِي دمشق عز الدّين أَبُو المفاخر مُحَمَّد بن عبد الْقَادِر بن عبد الْخَالِق بن خَلِيل بن مقلد بن جَابر بن الصَّائِغ الْأنْصَارِيّ الشَّافِعِي وَهُوَ مَعْزُول عَن خمس وَخمسين سنة. وَتُوفِّي قَاضِي حلب نجم الدّين أَبُو حمص عمر بن الْعَفِيف أبي المظفر نصر بن مَنْصُور الْأنْصَارِيّ البيساني الشَّافِعِي وَهُوَ مَعْزُول عَن نَيف وَثَمَانِينَ سنة بِدِمَشْق. وَتُوفِّي قَاضِي حماة شمس الدّين أَبُو الطَّاهِر إِبْرَاهِيم بن الْمُسلم بن هبة الله بن حسان ابْن مُحَمَّد بن مَنْصُور بن أَحْمد بن الْبَارِزِيّ الْجُهَنِيّ الْحَمَوِيّ الشَّافِعِي قَرِيبا من الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة وَدفن بِالبَقِيعِ عَن خمس وَسبعين سنة. وَتُوفِّي قَاضِي الْإسْكَنْدَريَّة نَاصِر الدّين أَحْمد بن وجيه الدّين أبي الْمَعَالِي مُحَمَّد بن مَنْصُور بن أبي بكر بن الْقَاسِم بن الْمُنِير الجذامي الْإسْكَنْدَريَّة الْمَالِكِي بهَا عَن ثَلَاث وَسِتِّينَ سنة. وَتُوفِّي الشَّيْخ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مُوسَى بن النُّعْمَان التلمساني بِمصْر عَن سبع وَسبعين سنة. وَقتل الدعي أَحْمد بن مَرْزُوق بن أبي عماد المسيلي الْخياط متملك تونس وَكَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 قد قدم من أطرابلس وَزعم أَنه الواثق أَبُو زَكَرِيَّا يحيي بن الْمُسْتَنْصر وَقتل إِبْرَاهِيم بن يحيي فمشي أمره على النَّاس مُدَّة سنة وَسِتَّة أشهر. وبويع بعده الْأَمِير أَبُو حَفْص عمر بن يحيي بن عبد الْوَاحِد فِي رَابِع عشري ربيع الآخر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 سنة أَربع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة فِي يَوْم السبت سادس عشر الْمحرم: ولد الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون فِي السَّاعَة السَّابِعَة بطالع برج السرطان وَكَانَ مولده بقلعة الْجَبَل فَقدمت الْبشَارَة بذلك على أَبِيه وَهُوَ بِمَنْزِلَة خربة اللُّصُوص قبل قدومه إِلَى دمشق. وَقدم السُّلْطَان دمشق فِي ثَانِي عشريه ثمَّ سَار مِنْهَا ونازل حصن المرقب وَهُوَ حصن الإسبتار ثَمَانِيَة وَثَلَاثِينَ يَوْمًا حَتَّى أَخذه من الفرنج عنْوَة يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع عشر ربيع الأول وَأخرج من فِيهِ إِلَى طرابلس. وَبعث السُّلْطَان إِلَى سنقر الْأَشْقَر بتاج الدّين أَحْمد بن سعيد بن الْأَثِير يلومه على مُكَاتبَة التتار والاستنجاد بهم ويدعوه إِلَى الْحُضُور فوبخه تَاج الدّين ولامه حَتَّى أناب ووعد بإرسال وَلَده. وَفِي ثامن ربيع الآخر: اسْتَقر الشَّيْخ الْمُهَذّب أَبُو الْحسن بن الْمُوفق بن النَّجْم بن الْمُهَذّب أبي الْحسن بن شمويل الطّيب فِي رئاسة الْيَهُود وَكتب لَهُ توقيع برئاسة سَائِر طوائف الْيَهُود من الربانيين والقرائين والسامرة بِالْقَاهِرَةِ ومصر وَسَائِر ديار مصر. وَفِي سَابِع جُمَادَى الأولى: قدم السُّلْطَان إِلَى دمشق وفوض وزارة دمشق للْقَاضِي محيي مُحَمَّد بن النّحاس نَاظر الخزانة عوضا عَن تَقِيّ الدّين تَوْبَة التكريتي. وَفِي خَامِس عشره: عزل طوغان عَن ولَايَة دمشق وَبَقِي على ولَايَة الْبر وَاسْتقر فِي ولَايَة وَسَار السُّلْطَان من دمشق يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامن عشره فوصل قلعة الْجَبَل يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع عشري شعْبَان وَكَانَ قد أَقَامَ فِي تل العجول مُدَّة أَيَّام. وَفِي سَابِع رَمَضَان: قدمت رسل الفرنج بتقادم من عِنْد الأنبرور وَمن عِنْد الجنوية وَمن عِنْد الأشكري. وَفِي حادي عشره: اسْتَقر القَاضِي مهذب الدّين مُحَمَّد بن أبي الْوَحْش الْمَعْرُوف بِابْن أبي حليقة فِي رئاسة الْأَطِبَّاء وَمَعَهُ أَخَوَاهُ علم الدّين إِبْرَاهِيم وموفق الدّين أَحْمد وَكتب بذلك توقيع سلطاني وَاسْتقر مهذب الدّين فِي تدريس الطِّبّ بالمارستان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 وَفِي خَامِس عشره: اسْتَقر القَاضِي تَقِيّ الدّين أبي الْحسن على ابْن القَاضِي شرف الدّين أبي الْفضل عبد الرَّحِيم ابْن الشَّيْخ جلال الدّين أبي مُحَمَّد عبد الله بن شَاس الْمَالِكِي السَّعْدِيّ فِي تدريس الْمدرسَة المنصورية. وَفِي أول ذِي الْقعدَة: وصلت رسل صَاحب الْيمن بتقادمه: وَهِي ثَلَاثَة عشر طواشياً وَعشرَة أَفْرَاس وفيل وكركدن وثماني نعاج وَثَمَانِية طيور ببغاء وَثَلَاث قطع عود تحمل كل قِطْعَة على رجلَيْنِ وَحمل رماح قِنَا وبهار حمل سبعين جملا وقماش حمل على مائَة قفص وَمن تحف الْيمن مائَة طبق. فَقبل ذَلِك وأنعم على رسله وَعَلِيهِ كالعادة. وَفِيه اسْتَقر الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر مُحَمَّد الأيكي الْفَارِسِي فِي مشيخة الشُّيُوخ بخانقاه سعيد العداء بعد وَفَاة الشَّيْخ صاين الدّين حسن البُخَارِيّ. وفيهَا اسْتَقر شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن بهْرَام الشَّافِعِي فِي قَضَاء الشَّافِعِيَّة بحلب عوضا عَن مجد الدّين إِسْمَاعِيل بن عبد الرَّحْمَن بن مكي المارديني. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان الْأَمِير عَلَاء الدّين أيدكين البندقدار الصَّالِحِي نَائِب حلب وَهُوَ من جملَة أُمَرَاء مصر بِالْقَاهِرَةِ. وَتُوفِّي رشيد الدّين أَبُو مُحَمَّد شعْبَان بن على بن سعيد البصراوي الْحَنَفِيّ بِدِمَشْق عَن نَحْو سِتِّينَ سنة. وَتُوفِّي رَضِي الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن على بن يُوسُف الشاطبي الْأنْصَارِيّ النَّحْوِيّ اللّغَوِيّ الأديب المؤرخ وَقد أناف على الثَّمَانِينَ بِالْقَاهِرَةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 وَتُوفِّي الْحَافِظ عَلَاء الدّين أَبُو الْقَاسِم على بن بلبان الناصري عَن اثْنَتَيْنِ وَسبعين سنة بِدِمَشْق قدم الْقَاهِرَة. وَتُوفِّي الْوَاعِظ زين الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن الأشبيلي بِالْقَاهِرَةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 فارغة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 سنة خمس وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة فِي ثَانِي الْمحرم: سَار الْأَمِير حسام الدّين طرنطاي نَائِب السلطنة بعسكر كثيف إِلَى الكرك فَتَلقاهُ عَسْكَر دمشق صُحْبَة الْأَمِير بدر الدّين الصوابي فَتوجه مَعَه إِلَيْهَا وضايقها وَقطع الْميرَة عَنْهَا حَتَّى بعث الْملك المسعود خضر ابْن الظَّاهِر بيبرس يطْلب الْأمان. فَبعث إِلَيْهِ السُّلْطَان الْأَمِير ركن الدّين بيبرس الدوادار من قلعة الْجَبَل بالأمان فَنزل الْملك المسعود وَأَخُوهُ بدر الدّين سلامش إِلَى الْأَمِير طرنطاي فِي خَامِس صفر. وَاسْتقر الْأَمِير عز الدّين أيبك الْموصِلِي نَائِب الشوبك فِي نِيَابَة الكرك. ووردت الْبشَارَة بِأخذ الكرك إِلَى قلعة الْجَبَل فِي ثامنه. وَقدم الْأَمِير طرنطاي بأولاد الظَّاهِر إِلَى الْقَاهِرَة فَخرج السُّلْطَان إِلَى لِقَائِه فِي ثَانِي عشر ربيع الأول. وَأكْرم السُّلْطَان الْملك المسعود وسلامش وَأمر كل مِنْهُمَا إمرة مائَة فَارس وصارا يركبان فِي الموكب والميادين ورتبا يركبان مَعَ الْملك الصَّالح عَليّ. وَفِيه قدم رَاجِح وَزِير أبي نمي يشكو من الباشقردي ويتعذر عَن تَأَخّر حُضُوره فَقبل السُّلْطَان عذره وَطلب مِنْهُ خجرة وَضَربا للسُّلْطَان ووعد بإرسال ثمنهَا إِلَيْهِ. وَفِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشر صفر: حصل وَقت الْعَصْر بِنَاحِيَة الغسولة من مُعَاملَة مَدِينَة حمص أَمر غَرِيب: وَهُوَ أَن سَحَابَة سَوْدَاء أرعدت رعداً شَدِيدا وَخرج مِنْهَا دُخان أسود اتَّصل بِالْأَرْضِ على هَيْئَة ثعبان فِي ثخن العمود الْكَبِير الَّذِي لَا يحضنه إِلَّا عدَّة من الرِّجَال رَأسه فِي عنان السَّمَاء وذنبه يلْعَب فِي الأَرْض شبه الزوبعة الهائلة. وَصَارَ يحمل الْأَحْجَار الْكِبَار ويرفعها فِي السَّمَاء مثل رمية سهم وأزيد فَتَقَع على الأَرْض وتصدم بَعْضهَا بَعْضًا فَيسمع لَهَا أصوات مرعبة وتبلغ من هُوَ عَنْهَا بِبَعِيد. واتصل ذَلِك بأطراف الْعَسْكَر الْمُجَرّد بحمص وَعَلِيهِ الْأَمِير بدر الدّين بكتوت العلائي وهم زِيَادَة على ألفي فَارس فَمَا مر بِشَيْء إِلَّا رَفعه فِي الْهَوَاء كرمية سهم وَأكْثر: فَحمل السُّرُوج والجواشن وآلات الْحَرْب وَسَائِر الثِّيَاب وَحمل خرجا من أَدَم فِيهِ تطاببق ندال للخيل من حَدِيد حَتَّى علا رمية سهم وَرفع الْجمال بأحمالها حَتَّى ارْتَفَعت قدر رمح عَن الأَرْض وَحمل كثيرا من الْجند والغلمان فَتلف شَيْء كثير جدا. ثمَّ غَابَ الثعبان وَقد توجه فِي الْبَريَّة نَحْو الْمشرق وَوَقع بعده مطر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 وَفِي سلخه: عزل محيي الدّين مُحَمَّد بن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن النّحاس عَن وزارة دمشق وأعيد تَقِيّ الدّين تَوْبَة. وَفِي سَابِع رَجَب: توجه السُّلْطَان إِلَى الكرك فوصلها وَعرض حواصلها ورجالها وشحن بهَا ألفي غرارة قَمح وَقرر بهَا بحريّة ورتب أمورها ونظف الْبركَة وَجعل فِي نِيَابَة الكرك الْأَمِير ركن الدّين بيبرس الدوادار وَنقل عز الدّين أيبك إِلَى نِيَابَة غَزَّة ثمَّ نَقله إِلَى نِيَابَة صفد. وانتهت زِيَادَة مَاء النّيل فِي حادي عشري شعْبَان إِلَى سَبْعَة عشر ذِرَاعا وإصبعين. وَسَار السُّلْطَان من الكرك وَأقَام فِي غَايَة أرسوف حَتَّى وَقع الشتَاء وَأمن حَرَكَة الْعَدو ثمَّ عَاد إِلَى مصر فوصل قلعة الْجَبَل فِي رَابِع عشر شَوَّال فأفرج عَن الْأَمِير بدر الدّين بكتوت الشمسي والأمير جمال الدّين أقش الْفَارِسِي. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس عشر جُمَادَى الأولى: اسْتَقر تَقِيّ الدّين عبد الرَّحْمَن ابْن بنت الْأَعَز قَضَاء مصر وَالْوَجْه القبلي بعد وَفَاة وجيه الدّين البهنسي. وَاسْتمرّ شهَاب الدّين مُحَمَّد الخولي على قَضَاء الْقَاهِرَة وَاسْتقر فِي قَضَاء الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة زين الدّين على ابْن مخلوف نَاظر الخزانة عوضا عَن تفي الدّين حُسَيْن بن عبد الرَّحِيم بن شَاس. وَفِي ذِي الْحجَّة: اسْتَقر الْأَمِير علم الدّين أَبُو خرص الْحَمَوِيّ نَائِبا بحماة. وفيهَا كَانَت وقْعَة بَين الْأَمِير بلبان الطباخي نَائِب حصن الأكراد وَبَين أهل حصن المرقب بِسَبَب أَخذهم قافلة تِجَارَة قتلة فِيهَا عدَّة من مماليكه وجرح هُوَ فِي كتفه فَكتب بمنازلة فَخرج إِلَيْهِ عاكز الشَّام وَلم تزل عَلَيْهِ حَتَّى أَخَذته بعد حروب شَدِيدَة فِي يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع عشر ربيع الأول وَاسْتقر الطباخي نَائِبا بِهِ. وفيهَا شنع موت الأبقار بِأَرْض مصر حَتَّى إِن شخصا كَانَ لَهُ ثَلَاثمِائَة وَأَرْبَعين رَأْسا مَاتُوا بأجمعهم فِي نَحْو شهر وارتفع سعر الْبَقر بِزِيَادَة ثلث أثمانها. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان قَاضِي دمشق بهاء الدّين أَبُو الْفضل يُوسُف بن محيي الدّين يحيي بن مُحَمَّد بن على ابْن مُحَمَّد بن على بن عبد الْعَزِيز بن الزكي الْأمَوِي الشَّافِعِي عَن سِتّ وَأَرْبَعين سنة بِدِمَشْق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة وجيه الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الْوَهَّاب بن سديد الدّين أبي عبد الله الْحُسَيْنِي المهلبي البهنسي الشَّافِعِي فِي مستهل جُمَادَى الْآخِرَة. وَتُوفِّي جمال الدّين أَبُو بكر مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله الْبكْرِيّ الوائلي الشريشي الْمَالِكِي بِدِمَشْق عَن أَربع وَثَمَانِينَ سنة قدم الْقَاهِرَة. وَتُوفِّي نَاصِر الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الله ابْن إِمَام الدّين أبي حَفْص عمر بن على الشِّيرَازِيّ الْبَيْضَاوِيّ الشَّافِعِي قَاضِي شيراز بِمَدِينَة تبريز. وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين أَبُو على الْحُسَيْن بن شوف الدّين أبي الْفَصْل عبد الرَّحِيم بن عبد الله شَاس السَّعْدِيّ الْمَالِكِي عَن ثَمَانِينَ سنة. وَتُوفِّي الْمسند بدر الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن شَيبَان بن تغلب بن حيدرة الشَّيْبَانِيّ الصَّالِحِي عَن ثَمَان وَثَمَانِينَ سنة بِدِمَشْق قدم الْقَاهِرَة. وَتُوفِّي الأديب معِين الدّين أَبُو عَمْرو عُثْمَان بن سعيد بن عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد القهري عَن ثَمَانِينَ سنة بِالْقَاهِرَةِ. وَتُوفِّي الأديب شهَاب الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الْمُنعم بن مُحَمَّد بن الخيمي الْأنْصَارِيّ وَقد أناف على الثَّمَانِينَ بِالْقَاهِرَةِ. وفيهَا مَاتَ ملك الْمغرب أَبُو يُوسُف يَعْقُوب بن عبد الْحق بن محيو بن أبي بكر حمامة المريني فِي آخر الْمحرم. وَقَامَ من بعده ابْنه أَبُو يَعْقُوب يُوسُف بن يَعْقُوب. وَكَانَت مُدَّة ملكه ثمانيا وَعشْرين سنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 فارغة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 (سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة) فِي يَوْم الْأَحَد نصف الْمحرم: اسْتَقر برهَان الدّين خضر السنجاري فِي قَضَاء الْقَاهِرَة وَالْوَجْه وَنقل الخوبي عَن قُضَاة الْقَاهِرَة إِلَى قُضَاة دمشق عوضا عَن بهاء الدّين يُوسُف بن محيي الدّين يحيي بن مُحَمَّد بن على بن الزكي. فَنزل قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين السنجاري من القلعة وَجلسَ للْحكم فِي الْمدرسَة المنصورية بَين القصرين ورسم لَهُ أَن يجلس فِي دَار الْعدْل فَوق قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين ابْن بنت الْأَعَز. فشق ذَلِك على ابْن الْأَعَز وسعي أَن يعفي من حُضُور دَار الْعدْل فَلم يشْعر إِلَّا وَقد مَاتَ الْبُرْهَان السنجاري فِي تَاسِع صفر فَجْأَة عَن سبعين سنة فَكَانَت مُدَّة ولَايَته أَرْبَعَة وَعشْرين يَوْمًا. فاستقر ابْن بنت الْأَعَز فِي قَضَاء الْقَاهِرَة وَجمع لَهُ بَين قَضَاء البلدين وَنزل فَصلي على السنجاري وَهُوَ بالشريف. وَفِي هَذِه السّنة: توجه الْأَمِير حسام الدّين طرنطاي نَائِب السلطة على عَسْكَر كثير لقِتَال الْأَمِير شمس الدّين سنقر الْأَشْقَر بصهيون. وَسبب ذَلِك أَن السُّلْطَان لما نَازل المرقب وَهِي بِالْقربِ من صهيون لم يحضر إِلَيْهِ سنقر الْأَشْقَر وَبعث إِلَيْهِ ابْنه نَاصِر الدّين صمغار فأسرها السُّلْطَان فِي نَفسه وَلم يُمكن صمغار من الْعود إِلَى أَبِيه وَحمله مَعَه إِلَى مصر وَاسْتمرّ الْحَال على ذَلِك حَتَّى هَذِه السّنة فَسَار طرنطاي ونازل صهيون حَتَّى بعث الْأَشْقَر يطْلب الْأمان فَأَمنهُ وَنزل سنقر إِلَيْهِ ليسلم الْحصن فَخرج طرنطاي وَسَار سنقر إِلَى مخيم طرنطاي وَقد خلع طرنطاي قباءه وفرشه على الأَرْض ليمشي عَلَيْهِ سنقر فَرفع سنقر القباء عَن الأَرْض وَقَبله ثمَّ لبسه فأعظم طرنطاي ذَلِك من فعل سنقر وشق عَلَيْهِ وخجل وَأخذ يُعَامل سنقر من الْخدمَة بأتم مَا يكون. وتسلم طرنطاي حصن صهيون ورتب فِيهِ نَائِبا وواليا وَأقَام بِهِ رجَالًا بعد مَا أنْفق فِي تِلْكَ الْمدَّة أَرْبَعمِائَة ألف دِرْهَم فِي الْعَسْكَر الَّذِي مَعَه فعتب عَلَيْهِ السُّلْطَان بِسَبَب ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 ثمَّ سَار طرنطاي إِلَى مصر وَمَعَهُ سنفر الْأَشْقَر حَتَّى قرب من القاهر فَنزل السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل وَهُوَ وَابْنه الْملك الصَّالح على وَابْنه الْملك الْأَشْرَف خَلِيل وَأَوْلَاد الْملك الظَّاهِر فِي جَمِيع العساكر إِلَى لِقَاء سنقر الْأَشْقَر. وَعَاد بِهِ إِلَى القلعة وَبعث إِلَيْهِ الْخلْع وَالثيَاب والحوائص الذَّهَب والتحف والخيول وأنعم عَلَيْهِ بإمرة مائَة فَارس وَقدمه على ألف فلازم سنقر الْخدمَة مَعَ الْأُمَرَاء إِلَى سَابِع عشري شهر رَجَب. وَخرج السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل سائرا إِلَى الشَّام فَأَقَامَ بتل العجول ظَاهر غَزَّة. وَفِي ثَانِي عشري شعْبَان: انْتَهَت زِيَادَة مَاء النّيل إِلَى سَبْعَة عشر ذِرَاعا وَثَلَاثَة وَعشْرين إصبعا. وَفِي هَذِه السّنة: وصل من دمشق إِلَى الْقَاهِرَة نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الْمَقْدِسِي ليرافع قَاضِي الْقُضَاة بِدِمَشْق بهاء الدّين بن الزكي فوردت وَفَاته فَعدل عَنهُ إِلَى غَيره. وَاجْتمعَ نَاصِر الدّين بالأمير علم الدّين سنجر الشجاعي مُدبر الدولة وَقرر مَعَه أَن ملكة خاتون ابْنة الْأَشْرَف مُوسَى ابْن الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب باعت أملاكها بِدِمَشْق وَأَنه يثبت سفهها وَأَن عَمها الصَّالح عماد الدّين إِسْمَاعِيل كَانَ قد حجر عَلَيْهَا وَذَلِكَ حَتَّى يسترجع الْأَمْلَاك مِمَّن اشْتَرَاهَا وَيرجع عَلَيْهِم. بِمَا أَخَذُوهُ من ريعها ثمَّ يَشْتَرِي الْأَمْلَاك للخاص. فأعجب ذَلِك الشجاعي وَكتب يطْلب سيف الدّين أَحْمد السامري من دمشق فَإِنَّهُ ابْتَاعَ قَرْيَة حرزما فوصل إِلَى الْقَاهِرَة فِي رَمَضَان وطولب بالقرية الْمَذْكُورَة فادعي أَنه وَقفهَا فَأخذ ابْن الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن فِي عمل محْضر بِأَن ابْنة الْأَشْرَف حَال بيع حرزما وَغَيرهَا كَانَت سَفِيهَة من تَارِيخ كَذَا إِلَى تَارِيخ كَذَا ثمَّ إِنَّهَا صلحت واستحقت رفع الْحجر عَنْهَا من مُدَّة كَذَا ولفق بَيِّنَة شهِدت عِنْد بعض الْقُضَاة وَأثبت ذَلِك. فَبَطل البيع من أَصله وألزم السامري بِمَا استأداه من ريع حرزما عَن عشْرين سنة وَهُوَ مبلغ مِائَتي ألف وَعشرَة آلَاف دِرْهَم من فضَّة واعتد لَهُ بنظير الثّمن الَّذِي دَفعه واشتري مِنْهُ أَيْضا سَبْعَة عشرَة سَهْما من قَرْيَة الزنبقية. بمبلغ تسعين ألف دِرْهَم وَحمل بعد ذَلِك مبلغ مائَة ألف وَأَرْبَعين ألف دِرْهَم إِلَى بَيت المَال. وَاسْتقر ابْن الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن وَكيل السُّلْطَان فشرع فِي فتح أَبْوَاب الْبلَاء على أهل الشَّام وَعمل عيد الْفطر يَوْم الْأَحَد من رُؤْيَة. وَإِنَّمَا ثَبت عِنْد الْملك الصَّالح على أَن السُّلْطَان صَامَ شهر رَمَضَان فِي مَدِينَة غَزَّة يَوْم الْجُمُعَة على الرُّؤْيَة فَأثْبت القَاضِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 الْمَالِكِي أَن أول شَوَّال يَوْم الْأَحَد فَأمْسك كثير من النَّاس عَن الْفطر وأفطروا يَوْم الْإِثْنَيْنِ. وَأما السُّلْطَان فَإِنَّهُ عَاد من تل العجول وَوصل قلعة الْجَبَل فِي ثَالِث عشري شَوَّال. وَفِي سادس ذِي الْحجَّة: توجه الْأَمِير علم الدّين سنجر المسروري الْمَعْرُوف بالخياط مُتَوَلِّي الْقَاهِرَة والأمير عز الدّين الكوراني إِلَى غَزْو بِلَاد النّوبَة. وجرد السُّلْطَان مَعَهُمَا طَائِفَة من أجناد الولايات بِالْوَجْهِ القبلي والقراغلامية وَكتب إِلَى الْأَمِير عز الدّين أيدمر السيفي السِّلَاح درا مُتَوَلِّي قوص أَن يسير مَعَهُمَا بعدته وَمن عِنْده من المماليك السُّلْطَانِيَّة المركزين بِالْأَعْمَالِ القوصية وأجناد مَرْكَز قوص وعربان الإقليم: وهم أَوْلَاد أبي بكر وَأَوْلَاد عمر وَأَوْلَاد شَيبَان وَأَوْلَاد الْكَنْز وَبني هِلَال وَغَيرهم. فَسَار الْخياط فِي الْبر الغربي بِنصْف الْعَسْكَر وَسَار أيدمر بِالنِّصْفِ الثَّانِي من الْبر الشَّرْقِي وَهُوَ الْجَانِب الَّذِي فِيهِ مَدِينَة دمقلة. فَلَمَّا وصل الْعَسْكَر أَطْرَاف بِلَاد النّوبَة أخلي ملك النّوبَة سمامون الْبِلَاد وَكَانَ صَاحب مكر ودهاء وَعِنْده بَأْس. وَأرْسل سمامون إِلَى نائبة بجوائز مِيكَائِيل وَعمل الدو واسْمه جريس وَيعرف صَاحب هَذِه الْولَايَة عِنْد النّوبَة بِصَاحِب الْجَبَل يَأْمُرهُ بإخلاء الْبِلَاد الَّتِي تَحت يَده أَمَام الْجَيْش الزاحف فَكَانُوا يرحلون والعسكر وَرَاءَهُمْ منزلَة بِمَنْزِلَة حَتَّى وصلوا إِلَى ملك النّوبَة بدمقلة مخرج سمامون وَقَاتل الْأَمِير عز الدّين أيدمر قتالاً شَدِيدا فَانْهَزَمَ ملك النّوبَة وَقتل كثير مِمَّن مَعَه وَاسْتشْهدَ عدَّة من الْمُسلمين. فتبع الْعَسْكَر ملك النّوبَة مسيرَة خَمْسَة عشر يَوْمًا من رواء دمقلة إِلَى أَن أدركوا جريس وأسروه وأسروا أَيْضا ابْن خَالَة الْملك وَكَانَ من عظمائهم فرتب الْأَمِير عز الدّين فِي مملكة النّوبَة ابْن أُخْت الْملك وَجعل جريس نَائِبا عَنهُ وجرد مَعَهُمَا عسكراً وَقرر عَلَيْهِمَا قِطْعَة يحملانها فِي كل سنة وَرجع بغنائم كَثِيرَة مَا بَين رَقِيق وخيول وجمال وأبقار وأكسية. وَفِي هَذِه السّنة: أمْطرت الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة فِي لَيْلَة الرَّابِع من الْمحرم مَطَرا عَظِيما فوكفت سقوف الْمَسْجِد النَّبَوِيّ والحجرة الشَّرِيفَة وَخَربَتْ عدَّة دور وَتلف نخل كثير من السُّيُول ثمَّ عقب ذَلِك جَراد عَظِيم صَار لَهُ دوِي كالرعد فأتلف التَّمْر وجريد النّخل وَغَيره من الْمزَارِع وَكَانَت الْأَعْين قد أتلفهَا السَّيْل وَخرب عين الْأَزْرَق حَتَّى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 عَادَتْ ملحاً أجاجا فَكتب بذلك إِلَى السُّلْطَان وَأَن الْحُجْرَة الشَّرِيفَة عَادَتهَا أَن تكمسي فِي زمن الْخُلَفَاء إِذا ولي الْخَلِيفَة فَلَا تزَال حَتَّى يقوم خَليفَة آخر فيكمسوها وَأَن الْمُنِير وَالرَّوْضَة يبْعَث بكسوتها فِي كل سنة وإنهما يحتاجان إِلَى وفيهَا جهز السُّلْطَان هَدِيَّة سنية إِلَى بر بركَة ومبلغ ألفي دِينَار برسم عمَارَة جَامع قرم وَأَن تكْتب عَلَيْهِ ألقاب السُّلْطَان وجهز حجار لنقش ذَلِك وكتابتها بالأصباغ. وفيهَا نزل تدان منكو بن طغان بن باطو بن دوشي بن جنكزخان عَن مملكه التتر بِبِلَاد الشمَال. وَأظْهر التزهد والانقطاع إِلَى الصلحاء وَأَشَارَ أَن يملكُوا ابْن أَخِيه تلابغا ابْن منكوتمر بن طغان فملكوه عوض تدان. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين أَبُو مُحَمَّد الْخضر بن الْحسن بن عَليّ السنجاري الشَّافِعِي فِي تَاسِع صفر عَن سبعين سنة. وَتُوفِّي قطب الدّين أَبُو بكر مُحَمَّد بن أَحْمد بن على بن مُحَمَّد بن الْحسن بن الْقُسْطَلَانِيّ التوزري الْمَالِكِي شيخ دَار الحَدِيث الكاملية بِالْقَاهِرَةِ وَقد أناف على السّبْعين. وَتُوفِّي عز الدّين أَبُو الْعِزّ عبد الْعَزِيز بن عبد الْمُنعم بن على بن نصر بن الصّقليّ الْحَرَّانِي الْمسند المعمر وَقد أناف على التسعين بِالْقَاهِرَةِ. وَتُوفِّي الأديب ضِيَاء الدّين أَبُو الْحسن على بن يُوسُف بن عفيف الْأنْصَارِيّ الغرناطي وَتُوفِّي أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عمر الْأنْصَارِيّ المرسي الْمَالِكِي بالإسكندرية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 وَتُوفِّي بدر الدّين أَبُو الْفضل مُحَمَّد بن جمال الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد بن مَالك الْأنْصَارِيّ الجياني النَّحْوِيّ بِدِمَشْق وَقد أناف على الْأَرْبَعين. وَتُوفِّي الأديب شرف الدّين أَبُو الرّبيع سُلَيْمَان بن بنيمان بن أبي الْجَيْش بن عبد الْجَبَّار بن سُلَيْمَان الإربلي الْحلَبِي الشَّاعِر بِدِمَشْق عَن تسعين سنة. وَتُوفِّي أَبُو الْحسن فضل بن على بن نصر بن عبد الله بن الْحُسَيْن بن رَوَاحَة الْأنْصَارِيّ الْحَمَوِيّ ببلبيس. وَتُوفِّي الطّيب عماد الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عَبَّاس بن أَحْمد بن عبيد الربيعي الدنيسري بِدِمَشْق عَن إِحْدَى وَثَمَانِينَ سنة. وَتُوفِّي الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن أبي الْمجد الدسوقي بِنَاحِيَة دسوق من الغربية ومولده سنة أَربع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة تخمينا وقبره إِحْدَى المزارات الَّتِي تحمل إِلَيْهَا النذور ويتبرك بهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 فارغة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 سنة سبع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة فِي الْمحرم: استدعى نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن الشَّيْخ شمس الدّين عبد الرَّحْمَن بن نوح بن مُحَمَّد بن مُوسَى أَبُو المكارم الْمَعْرُوف بِابْن الْمَقْدِسِي جمَاعَة من أهل دمشق إِلَى الْقَاهِرَة فَحَضَرَ عز الدّين حَمْزَة بن القلانسي ونصير الدّين بن سوند وشمس الدّين مُحَمَّد بن يمن وَالْجمال بن صصرى وقاضي الْقُضَاة حسام الدّين الْحَنَفِيّ والصاحب تَقِيّ الدّين تَوْبَة وشمس الدّين بن غَانِم وَغَيره. فألزم القلانسي بِمِائَة وَخمسين ألف دِرْهَم وَابْن سُوَيْد بِثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم وَابْن يمن عَن قيمَة أَمْلَاك مائَة ألف دِرْهَم وَتِسْعين ألف دِرْهَم وَابْن صصرى بثلاثمائة ألف دِرْهَم وحسام الدّين بِثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم وَابْن غَانِم بِخَمْسَة آلَاف دِرْهَم. فاعتذروا إِنَّهُم قد حَضَرُوا على الْبَرِيد وَأَن أَمْوَالهم بِدِمَشْق وسألوا أَن يُقرر عَلَيْهِم مَا يحملونه. فخافه الشجاعي إِنَّهُم إِذا دخلُوا دمشق تشفعوا فسومحوا بِمَا عَلَيْهِم فَطلب تجار الكارم بِمصْر وَأمرهمْ أَن يقرضوا الدماشقة مَالا فَفَعَلُوا ذَلِك. وَكتب على الدماشقة مساطير بِمَا اقترضوه من تجار الكارم وحملوا مَا أَخَذُوهُ إِلَى بَيت المَال ثمَّ اسْتَقر ابْن صصرى نَاظر الدَّوَاوِين بِدِمَشْق فَانْتدبَ النجيب كَاتب بكجري أحد مستوفيي الدولة لمرافعة الشجاعي وبرز لَهُ بمرافقة القَاضِي تَقِيّ الدّين نصر الله بن فَخر الدّين الْجَوْجَرِيّ وأنهى إِلَى السُّلْطَان عَنهُ أموراً وحاققه بِحَضْرَتِهِ السُّلْطَان. وَمِمَّا قَالَه إِنَّه بَاعَ جملَة من السِّلَاح مَا بَين رماح وَنَحْوهَا مِمَّا كَانَ فِي الذَّخَائِر السُّلْطَانِيَّة للفرنج فَلم يُنكر الشجاعي ذَلِك وَقَالَ: بِعته بالغبطة الوافرة والمصلحة الظَّاهِرَة فالغبطة أنني بعتهم من الرماح وَالسِّلَاح مَا عتق وَفَسَد وَقل الِانْتِفَاع بِهِ وَأخذت مِنْهُم أَضْعَاف ثمنه والمصلحة أَن تعلم الفرنج أَنا نبيعهم السِّلَاح هوانا بهم واحتقاراً بأمرهم وَعدم مبالاة بشأنهم. فَمَال السُّلْطَان لذَلِك وَقَبله. فَقَالَ النحيب: يَا مكثل الَّذِي خَفِي عَنْك أعظم مِمَّا لمحت هَذَا الْكَلَام أَنْت صورته بخاطرك لتعده جَوَابا وَأما الفرنج وَسَائِر الْأَعْدَاء فَلَا يحملون بيع السِّلَاح لَهُم على مَا زعمت أَنْت وَلَكنهُمْ يشيعون فِيمَا بَينهم ويتناقله الْأَعْدَاء إِلَى أمثالهم بِأَن صَاحب مصر وَالشَّام قد احْتَاجَ حَتَّى بَاعَ سلاحه لأعدائه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 فَلم يحْتَمل السُّلْطَان هَذَا وَغَضب على الشجاعي وعزله فِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي شهر ربيع الأول وَأمر. بمصادرته على جملَة كَثِيرَة من الذَّهَب وألزمه أَلا يَبِيع فِي ذَلِك شَيْئا من خيله وَلَا سلاحه فَبَلغهُ النَّاس مَا اعْتَمدهُ الشجاعي من الظُّلم فِي مصادرة جمَاعَة وَأَن فِي سجنه كثيرا من المظلومين قد مرت عَلَيْهِم سنُون وهم فِي السجْن وَبَاعُوا موجودهم حَتَّى أَعْطوهُ فِي التراسيم وَفِيهِمْ من استعلى وسال بالأوراق. فرسم السُّلْطَان للأمير بهاء الدّين بغدي الدوداري بالكشف عَن أَمر المصادرين ومطالعته بحالهم فَخرج لذَلِك وَسَأَلَ فكثرت القالة. بِمَا فِيهِ أهل السجون من الْفَاقَة والضرورة ففوض أَمرهم إِلَى الْأَمِير طرنطاي فكشف عَنْهُم وَأَفْرج عَن سَائِرهمْ. وَفِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ سادس عشره: وَقع الْحَرِيق بخزائن السِّلَاح والمشهد الْحُسَيْنِي بِالْقَاهِرَةِ. فطفئ. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع عشره: اسْتَقر فِي الوزارة بديار مصر الْأَمِير بدر الدّين بيدرا عوضا عَن سنجر الشجاعي بَعْدَمَا عرضت على قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين عبد الرَّحْمَن ابْن بنت الْأَعَز فَامْتنعَ وَشرط على الْأَمِير بيدرا أَنه يشاور ابْن بنت الْأَعَز ويعتمد مَا يُشِير بِهِ. وَكَانَ ابْن بنت الْأَعَز إِذا دخل على السُّلْطَان وَهُوَ يَوْمئِذٍ نَاظر الخزانة وَيَقُول لَهُ: يَا قَاضِي إيش حَال ولدك بيدرا فِي وزارته فَيَقُول: يَا خوند ولد صَالح دخلت بولايته الْجنَّة وأزلت الظُّلم واستجلبت لَك الدُّعَاء وَالَّذِي كَانَ يحصل بالعسف حصل باللطف. وَصَارَ ابْن بنت الْأَعَز كل يَوْم أربعاء يدْخل على بيدرا ويقرر مَعَه مَا يفعل ثمَّ استناب بيدرا ضِيَاء الدّين عبد الله النشائي وَصَارَ يجلس مَعَه. وَاسْتقر تَقِيّ الدّين نصر الله فِي نظر الدَّوَاوِين شَرِيكا لثَلَاثَة وهم: تَاج الدّين بن السنهوري وَكَمَال الدّين الحرابي وفخر الدّين بن الْحلَبِي صَاحب ديوَان الصَّالح على وخلع عَلَيْهِ. وَفِي أول ربيع الآخر: اسْتَقر الْجمال بن صصرى فِي نظر الدَّوَاوِين بِدِمَشْق وخلع عَلَيْهِ وسافر من الْقَاهِرَة هُوَ وَالْقَاضِي تَاج الدّين بن النصيبني كَاتب الدرج بحلب بَعْدَمَا أفرج عَنهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 وَفِيه أَيْضا اسْتَقر ركن الدّين بيبرس أَمِير جاندار بِدِمَشْق وسافر هُوَ وشمس الدّين بن غَانِم وَقد سومح. بِمَا كَانَ قد قرر عَلَيْهِ. وَاسْتقر تَقِيّ الدّين تَوْبَة فِي نظر الدَّوَاوِين بِدِمَشْق أَيْضا. وَتوجه نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الشَّيْخ شمس الدّين عبد الرَّحْمَن الْمَقْدِسِي إِلَى دمشق متحدثا فِي وكَالَة السُّلْطَان وَنظر سَائِر الْأَوْقَاف الشامية وَنظر الْجَامِع الْأمَوِي والمارستان النوري وَبَقِيَّة المارستانات وَنظر الْأَشْرَاف والأيتام والأسري وَالصَّدقَات والخوانك والربط وَالْأسود وَغير ذَلِك. وسافر مَعَه شمسي الدّين القشتمري وصارم الدّين الأيدمري ليكونا مشدين. فَقدم دمشق وتتبع عوارت النَّاس وتصدي لإِثْبَات سفه من بَاعَ شَيْئا من الْأَمْلَاك كَمَا فعل فِي أَمر ابْنة الْأَشْرَف فَلم يُوَافقهُ الْقُضَاة بِدِمَشْق وَلَا النَّائِب وَشرع فِي مناكدة النَّاس. وَفِي تاسعه: أفرج عَن الْأَمِير علم الدّين سنجر الشجاعي بعد مَا أَخذ مِنْهُ خَمْسَة وَسِتُّونَ ألف وعزل بيدرا عَن الوزارة فِي تَاسِع عشره واستدعى قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين عبد الرَّحْمَن ابْن بنت الْأَعَز وخلعت عَلَيْهِ خلع الوزارة وَنزل. فتعفف عَن التَّصَرُّف وَالْكِتَابَة فِي أَشْيَاء وباشر الوزارة مَعَ قَضَاء الْقُضَاة وَنظر الخزانة وَصَارَ يجلس فِي الْيَوْم الْوَاحِد تَارَة فِي دست الوزارة وَتارَة فِي مجْلِس الحكم وَتارَة فِي ديوَان الحكم وَلم يوف منصب الوزاره حَقه لتمسكه بِظَاهِر الْأُمُور الشَّرْعِيَّة. ثمَّ ثقلت عَلَيْهِ الوزارة فتوفر مِنْهَا وأعيد الْأَمِير بدر الدّين بيدرا إِلَيْهَا فِي وَكَانَ حِينَئِذٍ أَمِير مجْلِس ثمَّ نقل إِلَى الأستادارية مَعَ الوزارة وَاسْتقر كَذَلِك إِلَى آخر الدولة المنصورية. وَفِيه كتب إِلَى الأكابر بِبِلَاد السَّنَد والهند والصين واليمن صُورَة أَمَان لمن اخْتَار الْحُضُور إِلَى ديار مصر وبلاد الشَّام من إنْشَاء فتح الدّين بن عبد الظَّاهِر وسير مَعَ التُّجَّار. وَفِي أول جُمَادَى الأولى: وَردت كتب الْأَمِير علم الدّين سنجر المسروري الْخياط من دمقلة بِفَتْحِهَا والاستيلاء عَلَيْهَا وَأسر مُلُوكهَا وَأخذ تيجانهم وَنِسَائِهِمْ. وَكَانَ الْكتاب على يَد ركن الدّين منكورس الفاقاني فَخلع عَلَيْهِ وَكتب مَعَه الْجَواب بِإِقَامَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 الْأَمِير عز الدّين أيدمر وَإِلَى قوص بدمقلة وَمَعَهُ من رسم لَهُم من المماليك والجند وَالرِّجَال وَأَن يحضر الْأَمِير علم الدّين بِبَقِيَّة الْعَسْكَر. وجهز من قلعة الْجَبَل سعد ابْن أُخْت دَاوُد ليَكُون مَعَ الْأَمِير أيدمر لخبرته بالبلاد وَفِيه اسْتَقر زين الدّين بن رَشِيق فِي قَضَاء الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن زين الدّين بن الْمُنِير. وَفِي سَابِع عشره وَهُوَ خَامِس عشر بؤونة من أشهر القبط: أَخذ قاع النّيل بمقياس الرَّوْضَة فَكَانَ أَرْبَعَة أَذْرع وَسِتَّة وَعشْرين أصبعا. فِيهِ فوضت حسبَة دمشق لشرف الدّين أَحْمد بن عِيسَى السيرحي. وَفِي تَاسِع رَجَب: وصل الْأَمِير علم الدّين سنجر المسروري من بِلَاد النّوبَة بِبَقِيَّة الْعَسْكَر المخلف بدمقلة مَعَ عز الدّين أيدمر وَوصل مَعَه مُلُوك النّوبَة وَنِسَاؤُهُمْ وتيجانهم وعدة أسرِي كَثِيرَة فَكَانَ يَوْمًا مشهودا. وَفرق السُّلْطَان الأسري على الْأُمَرَاء وَغَيرهم فتهاداهم النَّاس وبيعوا بِالثّمن الْيَسِير لكثرتهم. وخلع على الْأَمِير علم الدّين وَعمل مهمندارا عوضا عَن الْأَمِير شرف الدّين الجاكي بِحكم استقراره فِي ولَايَة الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن حسام الدّين بن شمس الدّين ابْن باخل بِحكم عَزله وَالْقَبْض عَلَيْهِ ومصادرته. وَأما النّوبَة فَإِنَّهُ عامون ملكهَا رَجَعَ بعد خُرُوج الْعَسْكَر إِلَى دمقلة وَحَارب من بهَا وَهَزَمَهُمْ وفر مِنْهُ الْملك وجرتس والعسكر الْمُجَرّد وَسَارُوا إِلَى الْقَاهِرَة فَغَضب السُّلْطَان وَأمر بتجهيز الْعَسْكَر لغزو النّوبَة. وَفِي يَوْم الْأَحَد خَامِس عشره: خرج السُّلْطَان مبرزا بِظَاهِر الْقَاهِرَة يُرِيد الشَّام فَركب مَعَه ابْنه الْملك الصَّالح وَحضر السماط ثمَّ عَاد الصَّالح إِلَى قلعة الْجَبَل آخر النَّهَار فَتحَرك عَلَيْهِ فُؤَاده فِي اللَّيْل وَكثر إسهاله الدموي وأفرط فَعَاد السُّلْطَان لعيادته فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن عشره وَلم يفد فِيهِ العلاج فَعَاد السُّلْطَان إِلَى الدهليز من يَوْمه فَأَتَاهُ الْخَبَر بِشدَّة مرض الْملك الصَّالح فَعَاد إِلَى القلعة. وصعدت الخزائن فِي يَوْم الثُّلَاثَاء أول شعْبَان وطلعت السناجق والطلب فِي يَوْم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 الْأَرْبَعَاء ثَانِيه. فَمَاتَ الصَّالح بكرَة يَوْم الْجُمُعَة رابعه من دوسنطاريا كبدية وتحدثت طَائِفَة بِأَن أَخَاهُ الْملك الْأَشْرَف خَلِيلًا سمه. فَحَضَرَ النَّاس للصَّلَاة عَلَيْهِ وَصلي عَلَيْهِ بالقلعة قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين ابْن بنت الْأَعَز إِمَامًا وَالسُّلْطَان خَلفه فِي بقيه الْأُمَرَاء وَالْملك الْأَشْرَف خَلِيل. ثمَّ حملت جنَازَته وَصلي عَلَيْهِ ثَانِيًا قَاضِي الْقُضَاة معز الدّين نعْمَان بن الْحسن بن يُوسُف الخطبي الْحَنَفِيّ خَارج القلعة وَدفن بتربة أمه قَرِيبا من المشهد النفيسي. وَترك الصَّالح ابْنا يُقَال لَهُ الْأَمِير مظفر الدّين مُوسَى من زَوجته منكبك ابْنة نوكاي. وَاشْتَدَّ حزن السُّلْطَان عَلَيْهِ وَجلسَ للعزاء فِي يَوْم الْأَحَد ثَالِث يَوْم وَفَاته بالإيوان الْكَبِير. وأنشئت كتب وَفِي مُدَّة مرض الْملك الصَّالح جاد السُّلْطَان بِالْمَالِ وَأكْثر من الصَّدقَات واستدعى الْفُقَرَاء وَالصَّالِحِينَ ليدعوا لَهُ وَبعث إِلَى الشَّيْخ مُحَمَّد الْمرْجَانِي يَدعُوهُ فأبي أَن يجْتَمع بِهِ فَحل إِلَيْهِ مَعَ الطواشي مرشد خَمْسَة آلَاف دِرْهَم ليعْمَل بهَا وقتا للْفُقَرَاء حَتَّى يطلبوا ولد السُّلْطَان من الله تعالي فَقَالَ لَهُ: سلم على السُّلْطَان وَقل لَهُ مَتى رَأَيْت فَقِيرا يطْلب أحدا من الله فَإِن فرغ أَجله فَالله مَا يَنْفَعهُ أحد وَإِن كَانَت فِيهِ بَقِيَّة فَهُوَ يعِيش. ورد المَال فَلم يقبل مِنْهُ شَيْئا. وطلع الشَّيْخ عمر خَليفَة الشَّيْخ أبي السُّعُود إِلَى السُّلْطَان وَقد دَعَاهُ ليدعو للصالح فَقَالَ لَهُ: أَنْت رجل بخيل مَا يهون عَلَيْك شَيْء وَلَو خرجت للْفُقَرَاء عَن شَيْء لَهُ صُورَة لعملوا وقتا وتوسلوا إِلَى الله أَن يهبهم ولدك لَكَانَ يتعافى. فَأعْطَاهُ السُّلْطَان خَمْسَة آلَاف دِرْهَم عمل بهَا سَمَاعا ثمَّ عَاد إِلَى السُّلْطَان وَقَالَ: طيب خاطرك الْفُقَرَاء كلهم سَأَلُوا الله ولدك وَقد وهبه لَهُم. فَلم يكن غير قَلِيل حَتَّى مَاتَ الصَّالح. فرأي السُّلْطَان فِي صبيحته الشَّيْخ عمر هَذَا فَقَالَ لَهُ: يَا شيخ عمر أَنْت قلت إِن الْفُقَرَاء طلبُوا وَلَدي من الله ووهبه لَهُم فَقَالَ على الْفَوْر: نعم الْفُقَرَاء طلبوه ووهبهم إِيَّاه أَلا يدْخل جَهَنَّم ويدخله الْجنَّة فَسكت السُّلْطَان. وَفِي حادي عشر شعْبَان: فوض السُّلْطَان ولَايَة الْعَهْد لِابْنِهِ الْملك الْأَشْرَف صَلَاح الدّين خَلِيل فَركب بشعار السلطنة من قلعة الْجَبَل إِلَى بَاب النَّصْر وَعبر إِلَى الْقَاهِرَة وَخرج من بَاب زويلة وَصعد إِلَى القلعة وَسَائِر الْأُمَرَاء وَغَيرهم فِي خدمته ودقت البشائر. وَحلف الْقُضَاة لَهُ جَمِيع الْعَسْكَر وخلع على سَائِر أهل الدولة وخطب لَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 بِولَايَة الْعَهْد وَاسْتقر على قَاعِدَة أَخِيه الصَّالح على وَكتب بذلك إِلَى سَائِر الْبِلَاد وَكتب لَهُ تَقْلِيد فتوقف السُّلْطَان من الْكِتَابَة عَلَيْهِ. وَفِي ثَانِي شهر رَمَضَان: اسْتَقر فِي حسبَة دمشق شمس الدّين مُحَمَّد بن السلموس عوضا عَن ابْن السيرجي. وَفِي رَابِع شَوَّال: اسْتَقر بدر الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة خَطِيبًا بالقدس عوضا عَن الشَّيْخ قطب الدّين عبد الْمُنعم بن يحيي بن إِبْرَاهِيم الْقرشِي الْقُدسِي بِحكم وَفَاته وَكَانَت ذَلِك بعناية الْأَمِير علم الدّين سنجر الدواداري لصحبة بَينهمَا. وَاسْتقر فِي تدريس القيمرية بِدِمَشْق عوضا عَن ابْن جمَاعَة عَلَاء الدّين أَحْمد بن تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب ابْن بنت الْأَعَز فِي سَابِع عشره. وَفِي ذِي الْحجَّة: اسْتَقر علم الدّين سنجر المسروري فِي ولَايَة البهنسا وَولي مَعَه عز الدّين مِقْدَام نظرها وَاسْتقر قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين الزواوي فِي قَضَاء الملكية بِدِمَشْق. وَفِي هَذِه السّنة: ورد كتاب نَائِب الشَّام بِأَن الفرنج بطرابلس نقضوا الْهُدْنَة وَأخذُوا جمَاعَة من التُّجَّار وَغَيرهم وَصَارَ بِأَيْدِيهِم عدَّة أسرِي. وَكَانُوا لما ملك السُّلْطَان قلعة المرقب قد بعثوا إِلَيْهِ هَدِيَّة وصالحوه على أَلا يتْركُوا عِنْدهم أَسِيرًا وَلَا يتَعَرَّضُوا لتاجر وَلَا يقطعوا الطَّرِيق على مُسَافر فتجهز المسلطان لأخذ طرابلس. وفيهَا قدم الشريف جماز بن شيحة من الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة وَملك مَكَّة فجَاء الشريف أَبُو نمي فِي آخر السّنة وملكها مِنْهُ. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان الْملك الصَّالح على ابْن السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور قلاوون وَقد أناف على الثَّلَاثِينَ فِي رَابِع شعْبَان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 وَتُوفِّي تَقِيّ الدّين أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن معضاد بن شَدَّاد بن ماجد الجعبري الشَّافِعِي عَن سبع وَثَمَانِينَ سنة بِالْقَاهِرَةِ. وَتُوفِّي الْمجد أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّد بن خَالِد بن حمدون الهذباني الْحَمَوِيّ الزَّاهِد الْمُحدث عَن ثَمَانِينَ سنة بحلب قدم الْقَاهِرَة. وَتُوفِّي خطيب الْقُدس قطب الدّين أَبُو الذكاء عبد الْمُنعم بن يحيي بن إِبْرَاهِيم بن على بن جَعْفَر وَتُوفِّي الْبُرْهَان أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد النَّسَفِيّ الْحَنَفِيّ بِبَغْدَاد عَن نَحْو تسعين سنة وَتُوفِّي أَمِين الدّين أَبُو الْيمن عبد الصَّمد بن عبد الْوَهَّاب بن الْحسن بن مُحَمَّد بن الْحسن بن هبة الله بن عَسَاكِر الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي الْمُحدث عَن ثَلَاث وَسبعين سنة بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة. وَتُوفِّي الأديب الشَّاعِر نَاصِر الدّين أَبُو مُحَمَّد الْحسن بن شاور بن طرخان بن النَّقِيب الْكِنَانِي وَقد أناف على سبعين سنة بِالْقَاهِرَةِ. وَتُوفِّي الحكم عَلَاء الدّين أَبُو الْحسن على بن أبي الحزم ابْن النفيس الْقرشِي الدِّمَشْقِي وَلَيْسَ الْأَطِبَّاء عَن نَحْو ثَمَانِينَ سنة بِالْقَاهِرَةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 فارغة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 سنة ثَمَان ثَمَانِينَ وسِتمِائَة فِي يَوْم الْخَمِيس عَاشر الْمحرم: خيم السُّلْطَان بِظَاهِر الْقَاهِرَة ورحل فِي خَامِس عشره. واستخلف ابْنه الْملك الْأَشْرَف خَلِيلًا بالقلعة والأمير بيدرا نَائِبا عَنهُ ووزيرا وَكتب عِنْد الرحيل إِلَى سَائِر ممالك الشَّام بتجهيز العساكر لقِتَال طرابلس. وَسَار إِلَى دمش فَدَخلَهَا فِي ثَالِث عشر صفر وَخرج مِنْهَا فِي الْعشْرين مِنْهُ إِلَى طرابلس فنانزلها وَقد قدم لنجدة أَهلهَا أَرْبَعَة شوان من جِهَة متملك قبرص. فوالى السُّلْطَان الرَّمْي بالمجانيق عَلَيْهَا والزحف والنقوب فِي الأسوار حَتَّى افتتحها عنْوَة فِي السّلْعَة السَّابِعَة من يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع ربيع الآخر بَعْدَمَا أَقَامَ عَلَيْهَا أَرْبَعَة وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَنصب عَلَيْهَا تِسْعَة عشر منجنيقاً وَعمل فِيهَا ألف خَمْسمِائَة نفس من الحجارين والزرافين. وفر أَهلهَا إِلَى جَزِيرَة تجاه طرابلس فَخَاضَ النَّاس فُرْسَانًا ورجالاً وأسروهما وقتلوهم وغنموا مَا مَعَهم وظفر الغلمان والأوشاقية بِكَثِير مِنْهُم كَانُوا قد ركبُوا الْبَحْر فألقاهم الرّيح بالسَّاحل وَكَثُرت الأسري حَتَّى صَار إِلَى زردخاناه السُّلْطَان ألف وَمِائَتَا أَسِير. وَاسْتشْهدَ من الْمُسلمين الْأَمِير عز الدّين معن والأمير ركن الدّين منكورس الفارقاني وَخَمْسَة وَخَمْسُونَ من رجال الْحلقَة. وَأمر السُّلْطَان بِمَدِينَة طرابلس فهدمت وَكَانَ عرض سورها يمر عَلَيْهِ ثَلَاثَة فرسَان بِالْخَيْلِ ولأهلها سعادات جليلة مِنْهَا أَرْبَعَة آلَاف نول قزازاة. وَأقر السُّلْطَان بَلْدَة حبيل مَعَ صَاحبهَا على مَال أَخذه مِنْهُ وَأخذ بيروت وجبلة وَمَا حولهَا من الْحُصُون. وَعَاد السُّلْطَان إِلَى دمشق فِي نصف جُمَادَى الأولى وَاسْتقر الْعَسْكَر على عَادَته بحصن الأكراد مَعَ نَائِبه الْأَمِير سيف الدّين بلبان الطباخي. وَنزل البزك إِلَى طرابلس من حصن الأكراد وأضيف إِلَى الطباخي وَاسْتقر مَعَه خَمْسمِائَة جندي وَعشرَة أُمَرَاء طبلخاناه وَخَمْسَة عشر أُمَرَاء عشرات وأقطعوا إقطاعات. ثمَّ عمر الْمُسلمُونَ مَدِينَة بجوار النَّهر فَصَارَت مَدِينَة جليلة وَهِي الَّتِي تعرف الْيَوْم بطرابلس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 وَقدم على السُّلْطَان وَهُوَ بطرابلس رسل سيس يسْأَلُون مزاحمة فَطلب مِنْهُم مرعش وبهنا وَالْقِيَام بالقطيعة على الْعَادة وأعادهم وَقد خلع عَلَيْهِم. وَخرج الْأَمِير طرنطاي نَائِب السلطنة إِلَى حلب. وَأقَام الْأَمِير سنجر الشجاعي متحدثا فِي الْأَمْوَال بِدِمَشْق فأوقع الحوطة على تَقِيّ الدّين تَوْبَة وَأخذ حواصله وباعها على النَّاس بأغلى الْأَثْمَان حَتَّى جمع من ذَلِك خَمْسمِائَة ألف دِرْهَم فخاف مِنْهُ النَّاس وفر كثير. مِنْهُم وَعَاد طرنطاي فِي سَابِع رحب. وَورد على السُّلْطَان كتاب وَلَده الْأَشْرَف بِأَن سلامش وخضرا ابْني السُّلْطَان الظَّاهِر بيبرس قد راسلا الظَّاهِرِيَّة وَأَنه يخْشَى عَاقِبَة ذَلِك. فَكتب السُّلْطَان بِأَن يخرجَا وأمهما إِلَى ثغر الْإسْكَنْدَريَّة ويحملوا فِي الْبَحْر إِلَى بِلَاد الأشكري فأخرجوا لَيْلًا. وَكَانَ فِي ذَلِك أعظم عِبْرَة: فَإِن الظَّاهِر بيبرس أخرج قاقان وعليا ابْني الْمعز أيبك إِلَى بِلَاد الأشكري ومعهما أمهما فَعُوقِبَ. بِمثل ذَلِك وَأخرج ولداه وأمهما ليجزي الله كل نفس بِمَا وَخرج السُّلْطَان من دمشق فِي ثَانِي شعْبَان وَمَعَهُ تَقِيّ الدّين تَوْبَة مُقَيّدا وَقد نَالَ أهل دمشق ضَرَر كَبِير. فَدخل السُّلْطَان قلعة الْجَبَل فِي آخر شعْبَان وجرد الْأَمِير عز الدّين أيبك الأفرم أَمِير جاندرا إِلَى بِلَاد النّوبَة وَمَعَهُ من الْأُمَرَاء قبجاق المنصوري وبكتمر الجوكندار وأيدمر وَإِلَى قوص وأطلاب كثير من الْأُمَرَاء وَسَائِر أجناد المراكز بِالْوَجْهِ القبلي ونواب الْوُلَاة وَمن عربان الْوَجْهَيْنِ القبلي والبحري عدَّة أَرْبَعِينَ ألف راجل وَمَعَهُمْ متملك النّوبَة وجريس فَسَارُوا فِي ثامن شَوَّال وصحبتهم خَمْسمِائَة مركب مَا بَين حراريق ومراكب كبار وصغار تحمل الزَّاد وَالسِّلَاح والأثقال. فَلَمَّا وصلوا ثغر أسوان مَاتَ متملك النّوبَة فَدفن باسوان. فطالع الْأَمِير عز الدّين الأفرم السُّلْطَان بِمَوْتِهِ فَجهز إِلَيْهِ من أَوْلَاد أُخْت الْملك دَاوُد رجلا كَانَ بِالْقَاهِرَةِ ليملكه فَأدْرك الْعَسْكَر على خيل الْبَرِيد بأسوان وَسَار مَعَه. وَقد انقسموا نِصْفَيْنِ: أَحدهمَا الْأَمِير عز الدّين الأفرم وقبجاق فِي نصف الْعَسْكَر من التّرْك وَالْعرب فِي الْبر الغربي وَسَار الْأَمِير أيدمر وَإِلَى قوص والأمير بكتمر بالبقية على الْبر الشَّرْقِي وتقدمهم جريش نَائِب ملك النّوبَة وَمَعَهُ أَوْلَاد الْكَنْز ليؤمن أهل الْبِلَاد ويجهز الإقامات. فَكَانَ الْعَسْكَر إِذا قدم إِلَى بلد خرج إِلَيْهِ الْمَشَايِخ والأعيان وقبلوا الأَرْض وَأخذُوا الْأمان وعادوا وَذَلِكَ من بلد الدو إِلَى جزائر مِيكَائِيل وَهِي ولَايَة جريس وَأما مَا عدا ذَلِك من الْبِلَاد الَّتِي لم يكن لجريس عَلَيْهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 ولَايَة من جزائر مِيكَائِيل إِلَى دمقلة فَإِن أَهلهَا جلوا عَنْهَا طَاعَة لمتملك النّوبَة. فنهبها الْعَسْكَر وَقتلُوا من وجدوه بهَا ورعوا الزروع وخربوا السواقي إِلَى أَن وصلوا مَدِينَة دمقلة فوجدوا الْملك قد أخلاها حَتَّى لم يسْبق بهَا سوي شيخ وَاحِد عَجُوز فأخبرا أَن الْملك نزل بِجَزِيرَة فِي بَحر النّيل بعْدهَا عَن دمقلة خَمْسَة عشر يَوْمًا. فتتبعه وَإِلَى قوص وَلم يقدر مركب على سلوك النّيل هُنَاكَ لتوعر النّيل بالأحجار. وَقَالَ فِي ذَلِك الأديب نَاصِر الدّين بن النَّقِيب وَكَانَ مِمَّن جرد إِلَيْهَا: يَا يَوْم دمقلة وَيَوْم عبيدها من كل نَاحيَة وكل مَكَان من كل نوبي يَقُول لأخته نوحي قد سكوا قفا السودَان وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان كَاتب الْإِنْشَاء بحماة نجم الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الْغفار بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن نصر الله ابْن المغيزل الْعَبْدي الْحَمَوِيّ بهَا عَن أَربع وَسِتِّينَ سنة. وَتُوفِّي الْعَلامَة شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مَحْمُود بن عباد الْأَصْبَهَانِيّ عَن اثْنَيْنِ وَسبعين سنة بِالْقَاهِرَةِ. وَتُوفِّي الأديب شمس الدّين مُحَمَّد بن الْعَفِيف أبي الرّبيع سُلَيْمَان بن على بن عبد الله ابْن على بن ياسين العابدي التلمساني. وَتُوفِّي علم الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن يُوسُف عبد الله بن على الشهير بِابْن الصاحب صفي الدّين بن شكر بَعْدَمَا تغير عقله وَقد أناف على السِّتين. (سقط: من صفحة 215 إِلَى 229) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 يُوجد صفحة فارغة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 سنة تسع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة فِي الْمحرم: سَار الْأَمِير طرنطاى النَّائِب إِلَى بِلَاد الصَّعِيد وَمَعَهُ عَسْكَر كَبِير، فوصل إِلَى طوخ تجاه قوص، وَقتل جمَاعَة من الْعُرْيَان، وَحرق كثيرا مِنْهُم بالنَّار، وَأخذ خيولاً كَثِيرَة وسلاحا ورهائن من أكابرهم. وَعَاد بِمِائَة رَأس من الْغنم وَألف رَأس من الْغنم وَألف ومائتى فرس وَألف جمل، وَسلَاح لَا يَقع عَلَيْهِ حصر. وَفِيه توجه الْأَمِير سيف الدّين التَّقْوَى وَمَعَهُ سِتّمائَة فَارس لينزل بطرابلس وَهُوَ أول جَيش استخدم بطرابلس بعد فتحهَا، وَكَانَ الْعَسْكَر قبل ذَلِك بالحصون. وَفِي ربيع الأول: استدعى الْأَمِير سنقر الأعسر شاد الدَّوَاوِين بِدِمَشْق إِلَى الْقَاهِرَة على الْبَرِيد، فَمَا حضرل أكْرمه السُّلْطَان وأكد عَلَيْهِ فِي تَحْصِيل الْأَمْوَال، وأضاف إِلَيْهِ الْحُصُون بِسَائِر الممالك الشامية والساحل وديوان الْجَيْش، وخلع عَلَيْهِ، فَعَاد إِلَى دمشق فِي الْعشْرين من ربيع الآخر، وَقد زَاد تجبره وَكثر تعاظمه. وَفِي جُمَادَى الأولى: قبض على الْأَمِير سيف الدّين جرمك الناصرى لمطاوصة جرت بَينه وَبَين الْأَمِير طرنطاى النَّائِب، أغْلظ عَلَيْهِ فِيهَا بِحَضْرَة الْأُمَرَاء. وَفِي أول جُمَادَى الْآخِرَة: اسْتَقر شرف الدّين حسن بن أَحْمد بن أبي عمر بن قدامه الْمَقْدِسِي فِي قُضَاة الحنايلة بِدِمَشْق، بعد وَفَاة قَاضِي الْقُضَاة نجم الدّين أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن الْقُدسِي الْحَنْبَلِيّ، بِأَمْر السُّلْطَان. وَكتب توقيعه عَن الْأَمِير حسام الدّين نَائِب الشَّام، فِي تَاسِع الشَّهْر. وَفِيه وصل وَإِلَى قوص بِمن مَعَه إِلَى تجاه الجزيرة الَّتِي بهَا سمامون ملك النّوبَة، فَرَأَوْا بهَا عدَّة من مراكب النّوبَة، فبعثوا إِلَيْهِ فِي الدُّخُول فِي الطَّاعَة وأمنوه فَلم يقبل. فَأَقَامَ الْعَسْكَر تجاهه ثَلَاثَة أَيَّام، فخاف من مجئ الحراريق والمراكب إِلَيْهِ، فَانْهَزَمَ إِلَى جِهَة الْأَبْوَاب، وَهِي خَارِجَة عَن مَمْلَكَته وَبَينهَا وَبَينه الجزيرة الَّتِي كَانَ فِيهَا ثَلَاثَة أَيَّام. ففارقة السواكرة وهم الْأُمَرَاء وفارقه الأسقف والقسوس، وَمَعَهُمْ الصَّلِيب الْفضة الَّذِي كَانَ يحمل على رَأس الْملك وتاج الْملك، وسألوا الْأمان فَأَمنَهُمْ وَإِلَى قَوس وخلع على أكابرهم، وعادوا إِلَى مَدِينَة دمقلة وهم جمع كَبِير. فَعِنْدَ وصولهم عدى الْأَمِير الدّين الأفرم وقبجاق إِلَى الْبر الشَّرْقِي، واقام الْعَسْكَر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 مَكَانَهُ. وَاجْتمعَ الْأُمَرَاء بدمقلة، وَلبس الْعَسْكَر آلَة الْحَرْب وطلبوا من الْجَانِبَيْنِ، وزينت الحراريق فِي الْبَحْر وَلعب الزراقون بالنفلط. وَمد الْأُمَرَاء السماط فِي كَنِيسَة أسوس أكبر كنائس دمقلة وأكلوا، ثمَّ ملكوا الرجل الَّذِي بَعثه السُّلْطَان قلاوون وألبسوه التَّاج، وحلفوا وَسَائِر الأكابر، وقرروا البقط المستقر أَولا، وعينوا طَائِفَة من الْعَسْكَر تقيم عِنْدهم وَعَلَيْهَا يببرس الْعُزَّى مَمْلُوك الْأَمِير عز الدّين وَإِلَى قوص. وَعَاد الْعَسْكَر إِلَى أسوان بَعْدَمَا غَابَ عَنْهَا سِتَّة أشهر، وَسَارُوا إِلَى الْقَاهِرَة فِي آخر جُمَادَى الأولى بغنائم كَثِيرَة. وَأما سمامون فَإِنَّهُ عَاد بعد رُجُوع الْعَسْكَر إِلَى دمقلة مختفياً، وَصَارَ بطرِيق بَاب كل وَاحِد من السواكرة ويستدعيه، فَإِذا خرج وَرَآهُ قبل لَهُ الأَرْض وَحلف لَهُ، فَمَا طلع الْفجْر حَتَّى ركب مَعَه سَائِر عسكره. وزحف سمامون بعسكر على دَار الْملك، وَأخرج يببرس الْعُزَّى وَمن مَعَه إِلَى قوص، وَقبض على الَّذين تملك مَوْضِعه وعراه ثِيَابه، وَألبسهُ جلد ثَوْر كَمَا ذبح بَعْدَمَا قده سيوراً ولفها عَلَيْهِ، ثمَّ أَقَامَهُ مَعَ خَشَبَة وَتَركه حَتَّى مَاتَ، وَقتل جريس أَيْضا. وَكتب سمامون إِلَى السُّلْطَان يسْأَله الْعَفو، وَأَنه يقوم بالبقط الْمُقَرّر وَزِيَادَة، وَبعث رَقِيقا وَغَيره تقدمه فَقبل مِنْهُ، وَأقرهُ السُّلْطَان بعد ذَلِك بالنوبة. وَفِي ثَانِي عشرى جُمَادَى الْآخِرَة: كتب بالكشف على نَاصِر الدّين بن الْمَقْدِسِي وَكيل السُّلْطَان بِالشَّام، فظهرت لَهُ أَفعَال مُنكرَة، وَقبض عَلَيْهِ فِي تَاسِع رَجَب وَضرب بالقارع وألزم بِمَال. ثمَّ رسم بحملة إِلَى الْقَاهِرَة، فَوجدَ فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث شعْبَان وَقد شنق نَفسه، فَحَضَرَ أَوْلِيَاء وَالْقَضَاء وَالشُّهُود وشاهدوه على تِلْكَ الصُّورَة، وَكَتَبُوا محضراً بذلك، وَدفن واستراح النَّاس من شَره. وَفِي رَابِع رَجَب: اسْتَقر الْأَمِير عز الدّين أيبك الموصلى فِي تقدمه الْعَسْكَر بغزة والساحل، عوضا عَن الْأَمِير آقسنقر كرتيه. وَفِي شعْبَان: خرج مرسوم السُّلْطَان أَلا يستخدم أحد من أهل الذِّمَّة الْيَهُود وَالنَّصَارَى فِي شَيْء من المباشرات الديوانية، فصرفوا عَنْهَا. وَفِيه ثار أهل عكا بتجار الْمُسلمين وقتلوها، فَغَضب السُّلْطَان وَكتب إِلَى الْبِلَاد الشامية بِعَمَل مجانيق وتجهيز زردخاناة لحصار عكا. وَذَلِكَ أَن الظَّاهِر بيبرس هادنهم، فحملوا إِلَيْهِ وَإِلَى الْملك الْمَنْصُور هديتهم فِي كل سنة، ثمَّ كثر طمعهم وفسادهم وقطعهم الطَّرِيق على االتجار، فَأخْرج لَهُم السُّلْطَان الْأَمِير شمس الدّين سنقر المساح على عَسْكَر، ونزلوا اللجون على الْعَادة فِي كل سنة، فَإِذا بفرسان من الفرنج بعكا قد خرجت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 فحاربوهم، واستمرت الْحَرْب بَينهم وَبَين أهل عكا مُدَّة أَيَّام. وَكتب إِلَى السُّلْطَان بذلك، فَأخذ فِي الاستعداد لحربهم. فشرع الْأَمِير شمس الدّين سنقر الأعسر فِي عمل ذَلِك، وَقرر على ضيَاع المرج وغوطه دمشق مَالا على كل رجل مَا بَين ألفي دِرْهَم إِلَى خَمْسمِائَة دِرْهَم، وجبى أَيْضا من ضيَاع بعلبك وَالْبِقَاع. وَسَار إِلَى وَاد بَين جبال عكا وبعلبك لقطع أخشاب المجانيق، فَسقط عَلَيْهِ ثلج عَظِيم كَاد أَن يهلكه، فَركب وسَاق وَترك أتقاله وخيامه لينجو بِنَفسِهِ، فطمها الثَّلج تَحْتَهُ إِلَى زمن الصَّيف، فَتلف أَكْثَرهَا. وَفِي سادس شَوَّال: أفرج عَن الْأَمِير الْكَبِير علم الدّين سنجر الْحلَبِي، فَكَانَت مُدَّة اعتقاله خمس سِنِين وَتِسْعَة أشهر وأياماً. وَفِي آخر شَوَّال: برز السُّلْطَان بِظَاهِر الْقَاهِرَة، وَنزل بمخيمه بِمَسْجِد تبر، يُرِيد فتح عكا. فَأَصَابَهُ وعك فِي أول لَيْلَة وَأقَام يَوْمَيْنِ بِغَيْر ركُوب، ثمَّ اشْتَدَّ مَرضه وَصَارَ الْأَشْرَف ينزل إِلَيْهِ كل يَوْم من القلعة وَيُقِيم عِنْده إِلَى بعد الْعَصْر وَيعود. فكثرت القالة وانتشرت حَتَّى ورد الْخَبَر بحركة الْعَرَب بِبِلَاد الصَّعِيد، فَأخْرج النَّائِب طرنطاي قراقوش الظَّاهِرِيّ والأمير [ ... . .] أَبَا شامة لتدراك ذَلِك. وَاشْتَدَّ مرض السُّلْطَان إِلَى أَن مَاتَ بمخيمة تجاه مَسْجِد تبر خَارج الْقَاهِرَة فِي لَيْلَة السبت سادس ذِي الْقعدَة، فَحمل إِلَى القلعة لَيْلًا، وعادت الْأُمَرَاء إل بيوتها. وَكَانَت مُدَّة سلطنته إِحْدَى عشرَة سنة وشهرين وَأَرْبَعَة وَعشْرين يَوْمًا، وعمره نَحْو سبعين سنة. وَترك ثَلَاثَة أَوْلَاد ذُكُورا اشهر وأياماً: وهم الْملك الْأَشْرَف خَلِيل الَّذِي ملك بعده، وَالْملك الناصار مُحَمَّد وَملك أَيْضا، والأمير أَحْمد وَقد مَاتَ فِي سلطنة أَخِيه الْأَشْرَف. وَترك من الْبَنَات ابْنَتَيْن: وهما ألتطمش وتعرف بدار مُخْتَار وَأُخْتهَا دَار عنبر، وَزَوْجَة وَاحِدَة وَهِي أم النَّاصِر مُحَمَّد. وناب عَنهُ بِمصْر الْأَمِير عز الدّين أيبك الأفرم ثمَّ استعفى. فاستقر بعده حسام الدّين طرنطاي حَتَّى مَاتَ السُّلْطَان. وَكَانَ نائبة بِدِمَشْق بعد سنقر الْأَمِير حسام الدّين لاجين السِّلَاح دَار الْمَعْرُوف بالصغير، ونوابه بحلب الْأَمِير جمال الدّين أقش الشمسي، فَلَمَّا مَاتَ جمال الدّين اسْتَقر الْأَمِير علم الدّين سنجر الباشقردي، وَصرف بالأمير قراسنقر الجو كندار. وناب عَنهُ بحضن الأكراد بلبان الطباخي، وبصفد عَلَاء الدّين الكلبلي، وبالكرك أيبك الموصلى اثم بيبرس الدودار. ووزر لَهُ الصاحب برهَان الدّين خضر السنجاري مرَّتَيْنِ، وفخر الدّين إِبْرَاهِيم بن لُقْمَان، وَنجم الدّين حَمْزَة الأصفوني، وقاضي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين عبد الرَّحْمَن ابْن بنت الْأَعَز، ثمَّ الْأَمِير علم الدّين سنجر الشجاعي وَكَانَ يَلِي شدّ الدَّوَاوِين. فَإِذا لم يكن فِي الدولة وَزِير تحدث فِي الوزارة، ثمَّ اسْتَقل بالوزارة بعد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 الأصفواني، وَكَانَ جباراً عسوفاً مهيباً يجمع المَال من غير وَجهه، فكرهه كل أحد وتمنوا زَوَال دولة الْمَنْصُور من أَجله ثمَّ الْأَمِير بدر الدّين بيدرا، وَمَات الْمَنْصُور وبيدرا وَزِير. وَبَلغت عدَّة ممالكية اثْنَا عشر ألف مَمْلُوك، وَقيل سَبْعَة آلَاف وَهُوَ الصَّحِيح. تَأمر مِنْهُم كثير، وتسلطنت جمَاعَة. وَكَانَ قد أفرد من مماليكة ثَلَاث آلَاف وَسَبْعمائة من الآص والجركش، وجعلهم فِي أبراج القلعة وَسَمَّاهُمْ البرجية. وَكَانَ جميل الصُّورَة مهيباً، عريض الْمَنْكِبَيْنِ قصير الْعُنُق، فصيحاً بلغَة التّرْك والقبجاق، قَلِيل الْمعرفَة بِالْعَرَبِيَّةِ. السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف صَلَاح الدّين خَلِيل ابْن الْملك الْمَنْصُور سيف الدّين قلاوون الألفي الصَّالِحِي النجمي جلس على تخت الْملك بقلعة الْجَبَل يَوْم الْأَحَد سَابِع ذِي الْقعدَة سنة تسع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة، وجد الْعَسْكَر لَهُ الْحلف فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامنه. وَطلب السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف من القَاضِي فتح الدّين بن عبد الظَّاهِر تَقْلِيده بِولَايَة الْعَهْد، فَأخْرجهُ إِلَيْهِ مَكْتُوبًا بِغَيْر عَلامَة الْملك الْمَنْصُور. وَكَانَ ابْن عبد الظَّاهِر قد قدمه إِلَيْهِ ليعلم عَلَيْهِ فَلم يرض، وتكرر طلب الْأَشْرَف لَهُ، وَابْن عبد الظَّاهِر يقدمهُ والمنصور يمْتَنع إِلَى أَن قَالَه لَهُ: ((يَا فتح الدّين إِن السُّلْطَان امْتنع أَن يعطيني، وَقد أَعْطَانِي الله)) ، وَرمى إِلَيْهِ التَّقْلِيد، فَمَا زَالَ عِنْد ابْن عبد الظَّاهِر. ثمَّ إِن الْأَشْرَف خلع على سَائِر أَرْبَاب الدولة، وَركب بشعار السلطنة فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشرَة بعد الصَّلَاة، وسير إِلَى الميدان الْأسود تَحت القلعة بِالْقربِ من سوق الْخَيل والأمراء والعساكر فِي خدمته. وَعَاد إِلَى القلعة قبل الْعَصْر مسرعا، فَإِنَّهُ بلغه أَن الْأَمِير حسام الدّين طرنطاي يُرِيد الفتك بِهِ إِذا قرب من بَاب الإصطبل. فَلَمَّا سير أَرْبَعَة ميادين، وَقد وقف طرنطاي وَمن وَافقه عِنْد بَاب سَارِيَة، وحاذى السُّلْطَان بَاب الإسطبل، وَفِي الظَّن أَنه يعْطف إِلَى نَحْو بَاب سَارِيَة ليكمل التَّيْسِير على الْعَادة، حرك فرسه يُرِيد القلعة وَعبر من بَاب الإسطبل، فساق طرنطاي بِمن مَعَه سوقا حثيثا ليدركه ففاته. وبادر الْأَشْرَف بِطَلَب طرناي، فَمَنعه الْأَمِير زين الدّين كتبغا أَن يدْخل إِلَيْهِ وحذره مِنْهُ، فَقَالَ: ((وَالله لَو كنت نَائِما مَا جسر خَلِيل ينبهني)) ، وغره إعجابه بِنَفسِهِ وَكَثْرَة أَيَّام سَلَامَته، وَدخل وَمَعَهُ الْأَمِير زين الدّين كتبغا. فعندما وصل إِلَى حَضْرَة الْأَشْرَف قبض عَلَيْهِ وعَلى كتبغا وسجنا، وَقتل طرنطاى فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ خَامِس عشرَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 وَقيل يَوْم الْخَمِيس ثامن عشرَة بعد عُقُوبَة شَدِيدَة، وَترك بعد قَتله فِي قَتله فِي مَجْلِسه ثَمَانِيَة أَيَّام، ثمَّ أخرج لَيْلَة الْجُمُعَة سادس عشريه فِي حَصِير على جنوبة إِلَى الفراقة، فَغسل بزاوية أبي السُّعُود وكفنه شَيخنَا صَدَقَة عَنهُ، وَدَفنه بِظَاهِر الزاوية لَيْلًا. فَلَمَّا تسلطن كتبغا نَقله إِلَى مدرسته بِالْقَاهِرَةِ وَدَفنه بهَا، وَهُوَ إِلَى الْيَوْم هُنَاكَ. وَكَانَ سَبَب قَتله كَرَاهَة الْأَشْرَف لَهُ من أَيَّام أَبِيه، فَإِن طرنطاي كَانَ يطْرَح الشّرف، ويهين نوابه وَمن ينْسب غليه، ويرجح أَخَاهُ الْملك الصَّالح عَلَيْهِ. وَلم يتلاف ذَلِك بعد موت الصَّالح، بل جرى على عَادَته فِي إهانة من ينْسب غليه، وأغرى الْملك الْمَنْصُور بشمس الدّين السلعوس نَاظر ديوَان الْملك الْأَشْرَف حَتَّى ضربه وَصَرفه. ثمَّ وشى بِهِ إِلَى الْأَشْرَف أَنه يُرِيد الْقَبْض عَلَيْهِ عِنْد ركُوبه إِلَى الميدان، وَيُقَال إِنَّه لما دخل عَلَيْهِ وجد لابساً عدَّة الْحَرْب، وعندما قبض على طرنطاي نزل الشجاعي - وَكَانَ عدوه - إِلَى دَاره، وأوقع الحوطة على مَوْجُودَة، فَوجدَ لَهُ من الذَّهَب الْعين ألف ألف وسِتمِائَة ألف دِينَار مصرية، وَمن الْفضة سَبْعَة عشر ألف رَطْل وَمِائَة رَطْل بالمصري، وَمن الْعدَد والقماش والخيول والمماليك وَالْبِغَال وَالْجمال والغلال، والآلات والأملاك والنحاس المكفت والمطعم والزردخاناه والسروج واللجم، وقماتش الطشتخاناه والركاب خاناه والفراش خاناه، والحوائص والبضائع والمقاوضات والودائع، والقنود والأعسال مَا لَا يحضر. وَلما حملت أَمْوَال طرنطاي إِلَى الْأَشْرَف قَالَ: ((من عَاشَ بعد عدوه يَوْمًا فقد بلغ المنى)) ، وَبعد أَيَّام من مقتل طرنطاي سُئِلَ وَلَده الْحُضُور، فَلَمَّا وَقع بَين يَدي الْأَشْرَف إِذْ هُوَ أعمي، فَبكى وَمد يَده كَهَيئَةِ السُّؤَال وَقَالَ: ((شَيْء)) وَذكر أَن لأَهله أَيَّامًا مَا عِنْدهم مَا يَأْكُلُون، فرق لَهُ السُّلْطَان، وَأَفْرج عَن أَمْلَاك طرنطاي، وَقَالَ: ((تبلغوا بريعها)) . وَفِيه ولي وَشرف الدّين الْحُسَيْن بن قدامَة فِي قَضَاء الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق، بعد موت نجم الدّين أَحْمد بن قدامَة، وتحدث الْأَمِير علم الدّين سنجر الشجاعي فِي النِّيَابَة بعد طرنطاي، من غير أَن يخلع عَلَيْهِ، وَلَا كتب لَهُ تَقْلِيد النِّيَابَة، ثمَّ اسْتَقر فِي نِيَابَة السلطنة الْأَمِير بدر الدّين بيدرا، وخلع عَلَيْهِ. وَفِي تَاسِع عشر ذِي الْقعدَة: طلب الْأَمِير سنقر الأعسر شاد الدواوينك بِالشَّام، فَحَضَرَ فِي ذِي الْحجَّة، فَأمر الْأَشْرَف بضربه فَعُوقِبَ مرَارًا. وَاسْتقر عوضه سيف الدّين طوغان المنصوري، وأعيد تَقِيّ الدّين تَوْبَة إِلَى وزارة الشَّام، فأوقع الحوطة على مَوْجُود سنقر الأعسر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 وَفِيه أحضر الْأَمِير بدر الدّين بكتوت العلائي من حمص إِلَى الْقَاهِرَة، وَتوجه الْأَمِير حسام الدّين سنقر الحسامي بتقليد الْأَمِير حسام الدّين لاجين نَائِب الشَّام واستمراره على عَادَته، فوصل فِي ثامن عشرَة. وَفِي هَذِه السّنة: أَكثر السُّلْطَان من تَفْرِقَة الْأَمْوَال، وأبطل عدَّة حوادث، وَمِنْهَا مَا كَانَ قد تجدّد على الْغلَّة بِبِلَاد الشَّام، وسامح مَا تَأَخّر من الْبَوَاقِي بِأَرْض مصر وَالشَّام. وَمَات فِيهَا من الْأَعْيَان فاضي الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق نجم الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن الشَّيْخ أبي عمر مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن قدامَة الْمَقْدِسِي، عَن نَحْو أَرْبَعِينَ سنة بِدِمَشْق. وَتُوفِّي قَاضِي الشَّافِعِيَّة بحلب مجد الدّين أَبُو الْفِدَاء إِسْمَاعِيل بن عبد الرَّحْمَن بن مكي، عَن أَربع وَسِتِّينَ سنة بِدِمَشْق. وَتُوفِّي رشيد الدّين أَبُو حَفْص عمر بن إِسْمَاعِيل ابْن مَسْعُود الفارقاني الشَّافِعِي، عَن تسعين سنة، خَارج دمشق مختوقا. وَتُوفِّي عز الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الْعَزِيز بن أَحْمد بن سعيد الدَّمِيرِيّ الديريني الشَّافِعِي. وَتُوفِّي فَخر الدّين أَبُو الطَّاهِر إِسْمَاعِيل بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بن عز الْقُضَاة، بِدِمَشْق عَن سِتِّينَ سنة. وَتُوفِّي الْمُحدث شمس الدّين مُحَمَّد بن عبد الرَّزَّاق بن أبي بكر بن الْمُحدث الرَّسْعَنِي الْحَنْبَلِيّ، غريقاً بنهر الْأُرْدُن، وَهُوَ عَائِد من مصر لدمشق، عَن ثَمَان وَسِتِّينَ سنة. وفيهَا كَانَت حخرب بَين أَمِير الركب الفارقاني وَبَين أهل مَكَّة عِنْد وُرُود الثَّنية، قتل فِيهِ رجل من بني حسن، ثمَّ قدم أَبُو خرص يبشر بسلطة الْأَشْرَف خَلِيل، فَكَانَت وقْعَة أُخْرَى بعد الْحَج، فبادر الْحجَّاج إِلَى الرحيل وَخَرجُوا سَالِمين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 سنة تسعين وسِتمِائَة فِي سادس الْمحرم: أفرج عَن الْملك الْعَزِيز فَخر الدّين عُثْمَان بن المغيب فتح الدّين عمر بن الْعَادِل أبي بكر بن الْملك الْكَامِل مُحَمَّد بن الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب، وَكَانَ قد اعتقله الْملك الظَّاهِر يببرس فِي رَابِع عشر ربيع الأول سنة تسع وَسِتِّينَ، فَأَقَامَ فِي الاعتقال عشْرين سنة وَتِسْعَة أشهر واثنين وَعشْرين يَوْمًا، ورتب الْأَشْرَف لَهُ مَا يقوم بِحَالهِ، وَلزِمَ دَاره واشتغل بالمطالعة والنسخ، وَانْقطع عَن السَّعْي إِلَّا للْجُمُعَة أَو الْحمام أَو ضَرُورَة لَا بُد مِنْهَا. وَفِيه كتب الْأَشْرَف إِلَى شمس الدّين مُحَمَّد بن السلعوس وَهُوَ بالحجاز كتابا، وَكتب بِخَطِّهِ بَين الأسطر: ((يَا شقير يَا وَجه الْخَيْر عجل السّير فقد ملكنا)) ، فَلَمَّا أَتَاهُ الْكتاب وَهُوَ عَائِد من الْحَج انْضَمَّ النَّاس إِلَيْهِ، وتوددوا لَهُ وبالغوا فِي إكرامه، حَتَّى وصل قلعة الْجَبَل يَوْم عَاشُورَاء. وَكَانَ الْأَمِير سنجر الشجاعي قد تحدث فِي الوزارة مُنْذُ تسلطن الْأَشْرَف، من غير أَن يخلع عَلَيْهِ وَلَا كتب لَهُ تقليداً، فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْخَمِيس ثَانِي غشره اسْتَقر ابْن السلعوس فِي الوزارة، وخلع عَلَيْهِ وفوض إِلَيْهِ سَائِر أُمُور الدولة، وجرد مَعَه عدَّة من المماليك السُّلْطَانِيَّة يركبون فِي خدمته ويترجلون فِي ركابه، ويقفون بَين يَدَيْهِ ويمتثلون أمره فَتمكن تمَكنا لم يتمكنه وَزِير قبله فِي الدولة التركية، وَصَارَ إِذا أَرَادَ الرّكُوب إِلَى القلعة اجْتمع بِبَابِهِ نظار الدولة ومشد الدَّوَاوِين ووإلى الْقَاهِرَة ومصر، ومستوفوا الدولة ونظار الْجِهَات ومشدو الْمُعَامَلَات، وَنَحْوهم من الْأَعْيَان، ثمَّ يحضر قُضَاة الْقُضَاة الْأَرْبَعَة وأتباعهم فَإِذا تَكَامل الْجَمِيع بِبَابِهِ دخل إِلَيْهِ حَاجِبه وَقَالَ: ((أعز الله مَوْلَانَا الصاحب، قد تكمل الموكب)) ، كَانَ عَلامَة تكلمة الموكب بِبَابِهِ حُضُور الْقُضَاة الْأَرْبَعَة، فَيخرج حِينَئِذٍ ويركب وَالنَّاس سائرون بَين يَدَيْهِ على طبقاتهم ومقربهم إِلَيْهِ قَاضِي الْقُضَاة الشَّافِعِي وقاضي الْقُضَاة الْمَالِكِي، ومسيرهما مَعًا بَين يَدَيْهِ أَمَام فرسه، وَقُدَّام الْمَذْكُورين قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَفِيّ وقاضي الْقُضَاة الْحَنْبَلِيّ، ثمَّ نظار الدولة ثمَّ المستوفون بالدولة ثمَّ نظار الْجِهَات على قدر مَرَاتِبهمْ، فَلَا يزالون حَتَّى يسْتَقرّ بمجلسه من قلعة الْجَبَل فَيَنْصَرِف الْقُضَاة، ثمَّ يعودون عَشِيَّة النَّهَار إِلَى القلعة، ويركبون مَعَه إِلَى أَن يصل دَاره. وَاتفقَ لَيْلَة أَنه تَأَخّر فِي القلعة إِلَى عشَاء الْآخِرَة وأغلق بَاب القلعة، فَانْقَلَبَ الموكب إِلَى جِهَة بَاب الاسطبل، ووقف الْقُضَاة على بغلاتهم بِظَاهِر بَاب الاسطبل حَتَّى خرج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 وَسَارُوا فِي خدمته إِلَى دَاره وَلم يَجْسُر أحد أَن يتَأَخَّر قطّ عَن الرّكُوب فِي موكبه، وَكَانَ مَعَ ذَلِك لَا ينْتَصب قَائِما لأحد، وَلما عظم موكبه وَصَارَ الأكابر يزدحمون فِي طول الشَّارِع بِالْقَاهِرَةِ، ويضيق بهم لِكَثْرَة من مَعَه، وتزدحم الغلمان أَيْضا، تحول من الْقَاهِرَة وَسكن بالقرافة، وتعاظم فِي نَفسه واستخف بِالنَّاسِ، وتعدى طور الوزراء، فَكَانَ أكَابِر الْأُمَرَاء يدْخلُونَ إِلَى مَجْلِسه لَا يستكمل قَائِما لأحد مِنْهُم، وَمِنْهُم من لَا يلْتَفت إِلَيْهِ، وَإِذا استدعى أَمِيرا قَالَ: ((فلَان أَمِير جاندار، أَو فَلَا ن الأستادار)) باسمه من غير نَعته، ثمَّ ترقى حَتَّى استخف بنائب السلطنة الْأَمِير بيدرا، وعارضه وتحدث فِيمَا يتحدث فِيهِ، فَلم يقدر على إِظْهَار الْغَضَب لما يعلم من ميل السُّلْطَان إِلَيْهِ. وَاتفقَ أَنه قَامَ يَوْمًا من مجْلِس الوزارة بالقلعة يُرِيد الدُّخُول إِلَى الخزانة، فصادف خُرُوج الْأُمَرَاء من الْخدمَة مَعَ النَّائِب بيدرا، فبادر الْأُمَرَاء الأكابر إِلَيْهِ وخدموه وَقبل بَعضهم يَده، وفسحوا بأجمعهم لَهُ وهموا بالمشى بيدرا، وَسلم كل مِنْهُمَا على الآخر وأوما بِالْخدمَةِ، إِلَّا أَن النَّائِب بيدرا خدم الْوَزير أَكثر مِمَّا خدمه الْوَزير، فَرجع بيدرا مَعَه وَلم يكن يسامته فِي الْمَشْي، بل كَانَ النَّائِب يتَقَدَّم قَلِيلا ويميل بِوَجْهِهِ إِلَيْهِ إِذا حَدثهُ الْوَزير، حَتَّى انتهيا إِلَى بَاب الخزانة، فَأمْسك ابْن السلعوس بيد النَّائِب، وَأَشَارَ إِلَيْهِ بِالرُّجُوعِ، وَقَالَ: ((بِسم الله يَا أَمِير بدر الدّين)) وَلم يزده على ذَلِك. وَفِي هَذَا الشَّهْر: قدمت رسل عكا يسْأَلُون الْعَفو، فَلم يقبل مِنْهُم مَا اعتذروا بِهِ، وَقدم أُمَرَاء العربان من كل جِهَة: فَقدم الْأَمِير مهنا بن عِيسَى أَمِير آل فضل وسابق الدّين عبِّيَّة أَمِير بني عقبَة، وقدما التقادم، فأنعم عَلَيْهِم جَمِيعًا وأعيدوا، وَقدم الْملك المظفر صَاحب حماة، فَحمل إِلَيْهِ مَا جرت بِهِ الْعَادة، وَكتب تَقْلِيده. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة سَابِع صقر: قبض على الْأَمِير شمس الدّين سنقر الْأَشْقَر، والأمير جرمك الناصري، وعد على سنقر الْأَشْقَر أَنه أفشى سر طرنطاي حَتَّى قبض عَلَيْهِ، بَعْدَمَا أحسن إِلَيْهِ طرنطاي غَايَة الْإِحْسَان، وَمنع الْملك الْمَنْصُور من الْقَبْض عَلَيْهِ مرَارًا، فَلم يرع لَهُ ذَلِك. وَفِيه أفرج عَن الْأَمِير كتبغا وأعيد إِلَى إمرته، وأنعم عَلَيْهِ إنعاما زَائِدا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 وَفِي هَذَا الشَّهْر: شرح السُّلْطَان فِي الاهتمام بِفَتْح عكا، وَبعث الْأَمِير عز الدّين أَبِيك الأفرم أَمِير جاندار إِلَى الشَّام لتجهيز أَعْوَاد المجانيق، فَقدم دمشق فِي سلخة وجهزت أَعْوَاد المجانيق من دمشق، وبرزت فِي أول ربيع الأول وتكاملت فِي ثَانِي عشرَة، وَسَار بهَا الْأَمِير علم الدّين سنجر الدواداري أحد أُمَرَاء الشَّام، ثمَّ فرقت على الْأُمَرَاء مقدمى الألوف، فَتوجه كل أَمِير ومضافيه بِمَا أَمر بنقله مِنْهَا، وَتوجه الْأَمِير حسام الدّين لاجين نَائِب الشَّام بالجيش من دمشق فِي الْعشْرين مِنْهُ، وَخرج من الْقَاهِرَة الْأَمِير سيف الدّين طغريل الأيغاني إِلَى استنفار النَّاس من الْحُصُون بممالك الشَّام: فوصل المظفر صَاحب حماة إِلَى دمشق فِي ثَالِث عشريه، بعسكره وبمجانيق وزردخاناه، وَوصل الْأَمِير سيف الدّين بلبان الطباخي نَائِب الفتوحات بعساكر الْحُصُون وطرابلس، وبالمجانيق والزردخاناه فِي رَابِع عشرِيَّة، وَسَار جَمِيع النواب بالعساكر إِلَى عكا. وَأما السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف، فَإِنَّهُ لما عزم على التَّوَجُّه إِلَى عكا، أَمر فَجمع الْعلمَاء والقضاة والأعيان والقراء بالقبة المنصورية، بَين الْقصر ين من الْقَاهِرَة عِنْد قبر أَبِيه، فِي لَيْلَة الْجُمُعَة ثامن عشرى صفر، فَبَاتُوا هُنَاكَ وَعمل مُهِمّ عَظِيم، وَحضر الأشرلف بكرَة يَوْم الْجُمُعَة إِلَى الْقبَّة المنصورية، وَتصدق بجملة كَبِيرَة من المَال والكساوى، وَفرق على الْقُرَّاء والفقراء مَالا كثيرا، وَفرق فِي أهل الْمدَارِس والزوايا والخوانك والربط مَالا وثياباً، وَعَاد إِلَى القلعة. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث ربيع الأول: توجه السُّلْطَان بالعساكر يُرِيد أَخذ عكا، وسير حريمة إِلَى دمشق فوصلوا إِلَيْهَا فِي سَابِع ربيع الآخر، وَسَار السُّلْطَان فَنزل عكا فِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث ربيع الآخر، ووصلت المجانيق يَوْم ثَانِي وُصُوله وعدتها اثْنَان وَتسْعُونَ منجنيقاً، فتكامل نصبها فِي أَرْبَعَة أَيَّام، وأقيمت الستائر وَوَقع الْحصار، وَقد أَتَت جمائع الفرنج إِلَى عكا أَرْسَالًا من الْبَحْر، صَار بهَا عَالم كَبِير، فاستمر الْحصار إِلَى سادس عشر جمادي الأولى، وَكَثُرت النقوب بأسوار عكا، فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشره عزم السُّلْطَان على الزَّحْف، فرتب كوساته على ثَلَاثمِائَة جمل، وَأمر أَن تضرب كلهَا دفْعَة وَاحِدَة، وَركب السُّلْطَان وَضربت فهال ذَلِك أهل عكا، وزحف بعساكره وَمن اجْتمع مَعَه قبل شروق الشَّمْس، فَلم يرْتَفع الشَّمْس حَتَّى علت الصناجق الإسلامية على أسوار عكا، وهرب الفرنج فِي الْبَحْر وَهلك مِنْهُم خلق كثير فِي الازدحام، والمسلمون يقتلُون وَيَأْسِرُونَ وينهبون فَقتلُوا مَا لَا يُحْصى عده كَثْرَة، وَأخذُوا من النِّسَاء وَالصبيان مَا يتَجَاوَز الْوَصْف، وَكَانَ عِنْد فتحهَا أَن أقبل من الفرنج نَحْو عشرَة آلَاف فِي هَيْئَة مستأمين، ففرقهم السُّلْطَان على الْأُمَرَاء فَقَتَلُوهُمْ عَن آخِرهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 وَكَانَت مُدَّة حِصَار عكا أَرْبَعَة وَأَرْبَعين يَوْمًا، وَاسْتشْهدَ من الْمُسلمين الْأَمِير عَلَاء الدّين كشتغدى الشمسى وَدفن بجلجولية، وَعز الدّين أيبك الْعُزَّى نقيب العساكر، وَسيف الدّين أقش الغتمى، وَبدر الدّين بيليك المَسْعُودِيّ، وَشرف الدّين قيران السكزي، وَأَرْبَعَة من مقدمى الْحلقَة وَجَمَاعَة من الْعَسْكَر. وَفِي يَوْم السبت ثامن عشرَة: وَقع الْهدم فِي مَدِينَة عكا، فهدمت الأسوار والكنائسي وَغَيرهَا وَحرقت، وَحمل كثير من الأسرى بهَا إلحصون الإسلامية. وَفتحت صور وحيفا وعثليت وَبَعض صيدا بِغَيْر قتال، وفر أَهلهَا خوفًا على أنفسهم، فتسلمها الْأَمِير علم الدّين سنجر الشجاعي فِي بَقِيَّة جمادي الأولى، فَقدمت البشائر بِتَسْلِيم مَدِينَة صور فِي تَاسِع عشرَة، وبتسليم صيدا فِي الْعشْرين مِنْهُ، وَأَن طَائِفَة من الفرنج عصوا فِي برج مِنْهَا، فَأمر السُّلْطَان بهدم صور وصيدا وعثليث وحيفاً، فَتوجه الْأَمِير شمس الدّين نبا الجمقدار ابْن الجمقدار فِي حادي عشرِيَّة لهدم صور، وَاتفقَ أَمر عَجِيب: وَهُوَ أَن الفرنج لما قدمُوا إِلَى صور كَانَ بهَا عز الدّين نبا والياً عَلَيْهَا من قبل المصريين، فَبَاعَ صور للفرنج بِمَال، وَصَارَ إِلَى دمشق، فَقدر الله خرابها على يَد الْأَمِير شمس الدّين نبا بن الجمقدار وَاتفقَ أَيْضا أَن الشَّيْخ [شرف الدّين] البوصيري رأى فِي مَنَامه قبل أَن يخرج الْأَشْرَف إِلَى عكا قَائِلا ينشده: (قد أَخذ الْمُسلمُونَ عكا ... وأشبعوا الْكَافرين صكا) (وسَاق سلطاننا إِلَيْهِم ... خيلا تدك الْجبَال دكا) (وَأقسم التّرْك مُنْذُ سَارَتْ ... لَا تركُوا للفرنج ملكا) فَأخْبر بذلك جمَاعَة، ثمَّ سَار الْأَشْرَف بعد ذَلِك وَفتح عكا وخربها، لم يدع فِي بَقِيَّة السَّاحِل أحدا من الفرنج، وَقَالَ محيى الدّين بن عبد الظَّاهِر فِي ذَلِك: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 (يَا بني الْأَصْفَر قد حل بكم ... نقمة الله الَّتِي لَا تنفصلل) (قد نزل الْأَشْرَف فِي ساحلكم ... فأبشروا مِنْهُ بصفع مُتَّصِل) وَقد أَكثر الشُّعَرَاء فِي ذكر هَذَا الْفَتْح، وَقَالَ الشهَاب مَحْمُود الْحلَبِي كَاتب الْإِنْشَاء لما عاين فِي جَوَانِب عكا، وَقد تساقطت أَرْكَانهَا: (مَرَرْت بعكا بعد تخريب سورها ... وزند أوار النَّار فِي وَسطهَا وارى) (وعاينتها بعد التنصر قد غَدَتْ ... مَجُوسِيَّة الأبراج تسْجد للنار) وَقَالَ ابْن ضَامِن الضبع بعكا: (أدْمى الْكَنَائِس إِن تكن عبثت بكم ... شم الأنوف جحاجح أبطال) (فلطالما سجدت لَكِن فوارض ... اللَّيَالِي أَو تغير حَال) (فعزاء عَن هَذَا الْمُصَاب فَإِنَّهُ ... يَوْم بِيَوْم والحروب سِجَال) (هَذَا بِذَاكَ وَلَا تغير دَهْرنَا ... وَلكُل دهر دولة وَرِجَال) وَفِي هَذِه الْمدَّة وشى الْأَمِير علم الدّين سنجر الحموى الْمَعْرُوف بأبى خرص إِلَى السُّلْطَان بالأمير حسام الدّين لاجين نَائِب الشَّام، ثمَّ أوهم لاجين بِأَن السُّلْطَان يُرِيد الْقَبْض عَلَيْهِ، فَركب لاجين من الوطاق بعكا لَيْلًا يُرِيد الْفراء، فساق خَلفه الْأَمِير علم الدّين سنجر الدواداري وأدركه، وَقَالَ لَهُ: ((يَا الله لَا تكن السَّبَب فِي هَلَاك الْمُسلمين، فَإِن النَّاس قد أشرفوا على أَخذ عكا، وَإِن بلغ الفرنج فرارك، وَأَن الْعَسْكَر قد ركب خَلفك قويت نُفُوسهم وفتر الْحصار)) فَرجع مَعَه وَظن أَن الْأَمر لَا يبلغ السُّلْطَان، وَكَانَ ذَلِك فِي ثامن جمادي الأولى، فَلَمَّا كَانَ فِي صَبِيحَة هَذِه اللَّيْلَة خلع السُّلْطَان عَلَيْهِ وَطيب خاطره، ثمَّ قبض عَلَيْهِ فِي ثَانِي يَوْم الخلعة، وَبَعثه إِلَى قلعة صفد ثمَّ حمل إِلَى قلعة الْجَبَل بِمصْر. ورحل السُّلْطَان إِلَى دمشق، فَدَخلَهَا فِي ثَانِي عشر جمادي الْآخِرَة، وَقد زَيْنَب دمشق مُنْذُ فتحت عكا فَكَانَ يَوْمًا عَظِيما. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير علم الدّين سنجر الشجاعي فِي نِيَابَة دمشق، وَزَاد السُّلْطَان فِي إقطاعه وراتبه عَمَّا كَانَ لنواب الشَّام، وَأذن لَهُ ان يُطلق من الخزائن مَا أَرَادَ من غير مُشَاورَة، وَجعل لَهُ فِي كل يَوْم ثَلَاثمِائَة دِرْهَم على دَار الطّعْم، وَاسْتقر أَيْضا الْأَمِير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 جمال الدّين أقش الأشرفي فِي نِيَابَة الكرك، عوضا عَن ركن الدّين بيبرس، وَنقل بيبرس إِلَى أمره بِمصْر، وَقبض أَيْضا على الْأَمِير علم الدّين سنجر أرجواش نَائِب قلعة دمشق، وَضرب بِحَضْرَة السُّلْطَان ضربا كثيرا، وألبس عباءة وَاسْتعْمل مَعَ الأسرى فِي الْعَمَل، وأخرق بِهِ وأهين إِلَى الْغَايَة، وَوَقعت الحوطة على مَوْجُودَة، ثمَّ حبس بالقلعة، ثمَّ حمل على الْبَرِيد إِلَى مصر، ثمَّ رد من أثْنَاء الطَّرِيق بشفاعة بعض الْأُمَرَاء وَأَفْرج عَنهُ، ثمَّ أُعِيد لنيابة القلعة، وَسبب هَذَا أَن الْأَمِير شرف الدّين بن الخطير كَانَ يمزح بِحَضْرَة السُّلْطَان مَعَ الْأُمَرَاء، ويومئ إِلَيْهِ السُّلْطَان بذلك فَيحْتَمل مِنْهُ مَا يتَكَلَّم بِهِ، وَكَانَ أرجواش على النمط الأول من الْبعد عَن المجون، فَقَالَ لَهُ ابْن الخطير وَهُوَ وَاقِف بَين يَدي الْأَشْرَف: ((يَا مَوْلَانَا السُّلْطَان! كَانَ عِنْد والدك الْمُلُوك بِبِلَاد الرّوم حمَار أَشهب أَعور، أشبه شَيْء بِهَذَا الْأَمِير علم الدّين أرجواش)) فَضَحِك الْأَشْرَف، وَغَضب أرجواش وَقَالَ: هَذِه صبيانية)) فحنق مِنْهُ الْأَشْرَف وَعمل مَا ذكر. وَفِي ثامن عشرَة: عزل طوغان عَن شدّ الدَّوَاوِين بِدِمَشْق، وَعِيد إِلَى ولَايَة الْبر، وَاسْتقر سنقر الأعسر فِي شدّ الدَّوَاوِين بِدِمَشْق. وَفِي ثَانِي رَجَب: عزل تَقِيّ الدّين تَوْبَة عَن وزارة دمشق، وَاسْتقر فِيهَا محيي الدّين ابْن النّحاس، وَمنع أَن يُقَال لَهُ وَزِير وَلَكِن نَاظر الشَّام. وَفِي ثامن عشرَة: اسْتَقر شرف الدّين أَحْمد بن عِيسَى بن السيرجي فِي حسبَة دمشق، وعزل تَاج الدّين بن الشِّيرَازِيّ. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشرَة: سَار السُّلْطَان من دمشق إِلَى مصر، فَدخل إِلَى الْقَاهِرَة من بَاب النَّصْر فِي بكرَة يَوْم الْإِثْنَيْنِ تَاسِع شعْبَان، وَخرج من بَاب زويلة إِلَى القلعة وَقد زَيْنَب قبل وُصُوله بأيام، فَكَانَت زِينَة لم يسمع بِمِثْلِهَا، وَكثر سرُور النَّاس ولعبهم. وَكَانَ الْأَمِير سنجر الشجاعي نَائِب الشَّام قد سَار فِي رَابِع رَجَب إِلَى صيدا، وحاصر البرج حَتَّى فَتحه فِي خَامِس عشرَة، وَعَاد إِلَى دمشق يَوْم رحيل السُّلْطَان مِنْهَا، ثمَّ توجه إِلَى بيروت، فَتَلقاهُ أَهلهَا طائعين فَنزل بقلعتها، وفبض على الرِّجَال وقيدهم وألقاهم فِي الخَنْدَق، وافتتحها فِي ثَالِث عشرى رَجَب، وَعَاد إِلَى دمشق فِي سَابِع عشرى رَمَضَان، وَلم يبْق فِي جَمِيع السَّاحِل من الفرنج أحد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 وَفِي شعْبَان: أوقف الْملك الْأَشْرَف على الْقبَّة المنصورية بَين القصرين من قرى عكا الكابرة وتل الميشوح وكردانة، وَمن سَاحل صور معركة وصريفين، وأوقف أَيْضا على الْمدرسَة الأشرفية بجوار السيدة نفسية قَرْيَة الْفَرح من عكا، وقرية شعر عمر وقرية الْحَمْرَاء مِنْهَا، وَمن سَاحل صور قَرْيَة طبرية. وَفِي ثامن عشره: أفرج السُّلْطَان عَن الْأَمِير بدر الدّين بيسرى الشمسي الصَّالِحِي، وَكَانَ السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور قلاوون قد اعتقله فِي أَوَائِل دولته كَمَا تقدم ذكره، فأفرج الْأَشْرَف عَنهُ، وَكتب إفراجه وَجعل فِي كيس حَرِير أصفر، وَختم عَلَيْهِ بِخَاتم السُّلْطَان، وَتوجه بِهِ إِلَى الْجب الْأَمِير بدر الدّين بيدرا النَّائِب والأمير زين الدّين كتبغا وعدة من الْأُمَرَاء، وأخرجوه وقرءوا عَلَيْهِ الإفراج، وأحضروا تشريفة وهموا بِكَسْر قَيده، فَقَالَ: " لَا يفك الْقَيْد من رجلى، وَلَا ألبس التشريف، إِلَّا بعد أَن أتمثل بَين يَدي السُّلْطَان " وصمم على ذَلِك فَأعْلم السُّلْطَان بِهِ، فَأمر بإحضاره بعد فك قَيده وَهُوَ بملبوسه الَّذِي عَلَيْهِ فِي الْجب، فَكسر حِينَئِذٍ قَيده وَمَشى إِلَى السُّلْطَان، فَلَمَّا عاينه قَامَ إِلَيْهِ وأكرمه وَألبسهُ التشريف وَأَجْلسهُ بجانبه، وأنعم عَلَيْهِ بالأموال وأنواع الثِّيَاب، وَأَعْطَاهُ فِي مَجْلِسه إمرة مائَة فَارس، وَعين لَهُ إقطاعا وارفرا: مِنْهُ منية بني خصيب دربستا بجواليها ومواريثها الحشرية وَنزل إِلَى دَاره، فَصَارَ ينتسب إِلَى الْملك الْأَشْرَف وَيكْتب بيسرى الأشرفى، بَعْدَمَا كَانَ يكْتب الشمسى. وَفِي رَابِع رَمَضَان: أفرج عَن الْأَمِير الدّين شمس سنقر الْأَشْقَر، والأمير حسام الدّين لاجين الصَّغِير نَائِب الشَّام، والأمير ركن الدّين بيبرس طقصوا، والأمير شمس الدّين سنقر الطَّوِيل، وَأمرُوا على عَادَتهم، وَقبض على الْأَمِير علم الدّين سنجر الدواداري بِدِمَشْق، وَحمل إِلَى قلعة الْجَبَل مُقَيّدا، فوصل فِي سَابِع عشره. وَفِي هَذَا الشَّهْر: عزم السُّلْطَان على صرف قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين عبد الرَّحْمَن ابْن بنت الْأَعَز عَن وَظِيفَة الْقَضَاء وَسَائِر مَا بِيَدِهِ من المناصب، بِكَثْرَة حط الْوَزير ابْن السلعوس عَلَيْهِ. وَخرج الْبَرِيد فِي يَوْم تَاسِع رَمَضَان بِطَلَب بدر الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن سعد الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 ابْن جمَاعَة خطيب الْقُدس، ليلى الْقَضَاء بِمصْر وَكَانَ السَّبَب فِي طلبه أَن ابْن بنت الْأَعَز لما عزل استدعى السُّلْطَان أَعْيَان الْفُقَهَاء الشَّافِعِيَّة بِمصْر والقاهرة، وَجعل كل وَاحِد فِي مَكَان فَلم يعلم وَاحِد مِنْهُم بالبقية، وأحضرهم وَاحِدًا وَاحِدًا وَسَأَلَهُ عَن الْجَمَاعَة من يصلح فيهم لولاية الْقَضَاء، فَمَا مِنْهُم إِلَّا من أَسَاءَ القَوْل فِي أَصْحَابه ورماه بِمَا لَا يَلِيق، فانصرفوا وَقد انكف السُّلْطَان عَن ولايتهم، وَأعلم وَزِير ابْن السلعوس بِمَا قَالَ بَعضهم فِي حق بعض من الْفُحْش، فَأَشَارَ السلعوس عَلَيْهِ بِولَايَة ابْن جمَاعَة خطيب الْقُدس لصحبة تقدّمت لَهُ مَعَه، فوصل إِلَى الْقَاهِرَة فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ رَابِع عشره، وَأفْطر عِنْد الْوَزير، وَبَالغ الْوَزير فِي خدمته، وَسَار فِي موكبه يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشره إِلَى القلعة، وَدخل بِهِ على السُّلْطَان، فعزل ابْن بنت الْأَعَز، وَولى ابْن جمَاعَة قضا الْقُضَاة، وفوض إِلَيْهِ تدريس الْمدرسَة الصالحية بَين القصرين وخطابة الْجَامِع الْأَزْهَر، فكتم ابْن جمَاعَة الْولَايَة، وَأفْطر لَيْلَة الْجُمُعَة عِنْد الْوَزير، فَصَارَ يخاطبه بقاضي الْقُضَاة، وأعلن بعزل ابْن بنت الْأَعَز، فهنأ النَّاس ابْن جمَاعَة، وعندما خرج ابْن جمَاعَة من دَار الْوَزير الأَصْل إِلَيْهِ التَّقْلِيد مَعَ ابْن عز الدّين الْحَنْبَلِيّ، فَلَمَّا أصبح يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشره لبس الخلعة، وَمَشى الشُّهُود فِي خدمته، فَركب بالخلعة إِلَى دَار الْوَزير وخدمه، ثمَّ سَار إِلَى منزله، وَركب إِلَى الْجَامِع الْأَزْهَر بالخلعة، فَخَطب وَصلى بِالنَّاسِ وَعَاد إِلَى منزله، ثمَّ تحول إِلَى الصالحية يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشريه، ودرس بالصالحية فِي يَوْم الْأَحَد ثَانِي عشرى شَوَّال، وَكَانَ درساً حفلاً يَوْمًا مشهوداً. وَأما ابْن بنت الْأَعَز، فَإِن الْأَمِير علم الدّين سنجر الشجاعي دخل بِهِ إِلَى السُّلْطَان وَقرر مَعَه أَن يوليه قَضَاء الشَّام، فَلَمَّا شعر بذلك ابْن السلعوس خشى أَن يبْقى لَهُ حَاله فيتمكن بهَا فِي الدولة، فرتب لَهُ عدَّة من النَّاس ليثوروا بِهِ. فَلَمَّا جلس السُّلْطَان بدار الْعدْل رسم لِابْنِ السلعوس أَن يُجهز ابْن بنت الْأَعَز قَاضِيا بِدِمَشْق، وَيَعْنِي بتشريفه وَيكْتب تَقْلِيده، فَمَا انْفَصل مجْلِس دَار الْعدْل حَتَّى أحضر الشريف ابْن ثَعْلَب وَادّعى على ابْن بنت الْأَعَز بِمَا قَرَّرَهُ مَعَه الْوَزير ابْن السلعوس قبل ذَلِك، وَكَانَ قد جهز آخر إِلَى أَن يُفْتى بتعزيره، وَآخر ليشهد بِفِسْقِهِ. فَانْتدبَ السُّلْطَان لمرافعته جمَاعَة، ورموه بعظائم بغياً مِنْهُم وعدواناً: مِنْهَا أَنه يشد الزنار من تَحت ثِيَابه، وَأَنه نَصْرَانِيّ وَمَا زَالَ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 حَتَّى رسم السُّلْطَان أَن يركب حمارا ويشهر. فَقبض عَلَيْهِ الْوَزير وَنكل بِهِ ورسم عَلَيْهِ وطالبه بِمَال كثير، وشنع فِي إهانته، وَأَرَادَ ضربه فحماه الله مِنْهُ. وَمَا زَالَ ابْن بنت الْأَعَز فِي الإهانة إِلَى أَن أَخذ يَوْمًا بالترسيم إِلَى القلعة وَهُوَ ماش والأعوان تحتاطه، فَرَأى ثَلَاثَة من خَواص الْأُمَرَاء نازلين من القلعة، فَقَالَ لَهُم: " يَا أَمِير أما تنْظرُون فِي حَالي وَأما أَنا فِيهِ من الإهانة مَعَ هَؤُلَاءِ الرُّسُل؟ " فساءهم ذَلِك وجردوا دبابيسهم وحطموا يُرِيدُونَ ضرب الرُّسُل، وَقَالُوا: " قاضى الْقُضَاة ماش، وَأَنْتُم ركاب؟ " فَقَالُوا: " الصاحب أمرنَا بِهَذَا، مَا لنا ذَنْب وَلَا نُرِيد هَذَا الْفِعْل " فشق عَلَيْهِم مَا رَأَوْا وعادوا إِلَى السُّلْطَان، وألقوا سيوفهم وَقَالُوا: " يَا خوند قد بلغ الْأَمر من حَال قَاضِي الْقُضَاة أَن يمشي وَالرسل ركاب " وَذكروا مَا هُوَ فِيهِ من الإهانة، فَقَالَ لَهُم السُّلْطَان: يستأهل أَكثر من هَذَا، لأَنهم قَالُوا عَنهُ إِنَّه كَافِر يشْهد الزنار من تَحت ثِيَابه. فَقَالُوا: يَا خوند إِن كَانَ قَاضِي الْقُضَاة كَافِرًا فَابْن السلعوس مُسلم، إِمَّا تهبه لنا، وَإِمَّا تمَكنا من ابْن السلعوس، وَإِمَّا أَن تنفينا ". وَكَانَ الْأَمِير بدر الدّين بكتاش الفخري أَمِير السِّلَاح لَهُ عناية بِهِ أَيْضا، فَتحدث مَعَ الْأَمِير بيدرا النَّائِب، وَكَانَ بيدرا بَينه وَبَين ابْن بنت الْأَعَز شَحْنَاء، فَقَالَ بيدرا لبكتاش: " تحدث مَعَ السُّلْطَان فِي أَمر سنجر الحموى أبي خرص ان يُطلقهُ، وَأَنا أشفع فِي ابْن بنت الْأَعَز " فاتفقا على ذَلِك، وشفع بيدرا فِي ابْن بنت الْأَعَز، وشفع بكتاش فِي أبي خرص، فأفرج السُّلْطَان عَنْهُمَا مَعًا. وَلزِمَ ابْن بنت الْأَعَز دَاره، وَلم يتْرك بِيَدِهِ شَيْء من الْوَظَائِف، وَكَانَ بِيَدِهِ سَبْعَة عشر منصباً وَهِي قَضَاء الْقُضَاة بديار مصر كلهَا وخطابة الْجَامِع الْأَزْهَر، وَنظر الخزانة وَنظر الأحباس، ومشيخة الشُّيُوخ وَنظر التَّرِكَة الظَّاهِرِيَّة بيبرس وَأَوْلَاده وأوقافه وأملاكه، وعدة تداريس، وَكَانَ عِنْدَمَا عزل قد رسم عَلَيْهِ فِي شَوَّال، وألزم بِالْإِقَامَةِ فِي زواية الشَّيْخ نصر المنبجي خَارج الْقَاهِرَة حَتَّى قَامَ بِمَا قرر عَلَيْهِ من المَال، بَعْدَمَا بَاعَ وَرهن واقترض، ثمَّ انْتقل إِلَى القرافة إِلَى أَن تحدث لَهُ الْأَمِير بدر الدّين بيدرا فِي تدريس الْمدرسَة الناصرية بجوار ضريح الإِمَام الشَّافِعِي، فَوَلِيه وتحول إِلَى الْمدرسَة الْمَذْكُورَة فَكَانَ هَذَا سَببا لمحنته الثَّانِيَة، وَيُقَال إِنَّه حمل من جِهَته مبلغ ثَمَانِيَة وَثَلَاثِينَ ألفا. وَفِي خَامِس عشرى رَمَضَان: أفرج السُّلْطَان عَن الْخَلِيفَة الْحَاكِم بِأَمْر الله أَحْمد بن الْأَمِير أبي على القتى بن الْأَمِير أبي بكر بن الإِمَام المسترشد بِاللَّه العباسي، ورسم لَهُ أَن يخْطب فِي يَوْم الْجُمُعَة، فَخَطب يَوْم الْجُمُعَة رَابِع عشر شَوَّال، فَخرج بسواده وَهُوَ متقلد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 سَيْفا محلي وخطب بِجَامِع القلعة وَذكر الْخطْبَة الَّتِي خطب بهَا فِي أَيَّام الْملك الظَّاهِر بيبرس وَهِي من إنْشَاء شرف الدّين وَإِلَّا إِنَّه ذكر فِيهَا الْملك الْأَشْرَف وَكَانَ بَين الخطتين مُدَّة ثَلَاثِينَ سنة وَتِسْعَة أشهر وَثَلَاثَة وَعشْرين يَوْمًا فَلَمَّا فرغ من الْخطْبَة لم يصل بِالنَّاسِ وَقدم قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة فَصلي بهم صَلَاة الْجُمُعَة وَاسْتمرّ الْخَلِيفَة يخْطب بِجَامِع القلعة واستناب عَنهُ بالجامع الْأَزْهَر صدر الدّين وَفِي تَاسِع شَوَّال: قبض على الْأَمِير سيف الدّين قرا رسْلَان المنصوري والأمير جمال الدّين أقوش الأفرم بِدِمَشْق واعتقلا بقلعتها وأقطع عز الدّين أزدمر العلائي إقطاع قرا رسْلَان وسنقر المساح إقطاع الأفرم. وَفِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ رَابِع ذِي الْقعدَة: عمل ختم بالقبة المنصورية حَضَره الْأَمِير بيدرا النَّائِب والوزير شمس الدّين بن السلعوس وَنزل إِلَيْهِ السُّلْطَان والخليفة بكرَة يَوْم الْإِثْنَيْنِ فَخَطب وَعَلِيهِ سوَاده خطْبَة بليغة حرض فِيهَا على أَخذ الْعرَاق وَكَانَ يَوْمًا مشهوداً فرقت فِيهِ صدقَات وَكتب إِلَى نَائِب الشَّام بِعَمَل ختم فَاجْتمع النَّاس فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء حادي عشره بالميدان الْأَخْضَر خَارج دمشق وختموا الْقُرْآن وَحضر الوعاظ والأعيان. وَفِي هَذَا الشَّهْر: قبض بِدِمَشْق على الشَّيْخ سيف الدّين الرجيجي وَهُوَ من أَوْلَاد الشَّيْخ يُونُس وَحمل إِلَى قلعة الْجَبَل على الْبَرِيد. وَفِي هَذِه السّنة: كملت عمَارَة قلعة حلب وَكتب عَلَيْهَا اسْم الْملك الْأَشْرَف. وفيهَا أخرج بولدي الْملك الظَّاهِر بيبرس وهما المسعود نجم الدّين خضر والعادل بدر الدّين سلامش من الاعتقال ونفيا إِلَى ملك الفرنج فَسَار بهما - ومعهما والدتهما - الْأَمِير عز الدّين أيبك الْموصِلِي الأستادار إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَحَملهمْ فِي الْبَحْر إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّة فَلَمَّا وصلوا أكْرمهم الأشكري متملكها وأجرى عَلَيْهِم مَا تقوم بهم، وَكَانَت حرمهم مَعَهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 وفيهَا كملت عمَارَة قلعة حلب وَكَانَ الْأَمِير قرا سنقر نَائِب حلب قد شرع فِي عمَارَة حلب فأحكم بنيانها وأدار سورها وَأقَام شَعَائِر جَامعهَا وَكَانَ لَهَا مُنْذُ خربها هولاكو ثَلَاث وَثَلَاثِينَ سنة خراباه وَوَقع الشُّرُوع فِي عمَارَة دمشق من شَوَّال فبنيت بهَا الأدر السُّلْطَانِيَّة والطارمة والقبة الزَّرْقَاء وَتُوفِّي ذَلِك الْأَمِير علم الدّين سنجر الشجاعي وَبَالغ فِي تحسينها فَكَانَت جملَة مَا عمل فِي سقوفها أَرْبَعَة آلَاف مِثْقَال ذهب. وفيهَا لم يحجّ الشريف أَبُو نمي خوفًا من المصريين. وَفِي شهر ربيع الأول مِنْهَا: مَاتَ ملك الططر بِفَارِس وَهُوَ أرغون بن أبغا بن هولاكو بن طلو بن جنكزخان وَملك بعده أَخُوهُ كيختو بن أبغا وَترك أرغون وَلدين وهما قازان وخربندا وَكَانَا بخراسان فأفحش كيختو فِي الْفسق بنسوان الْمغل واللواط بولدانهم حَتَّى أبغضته رَعيته وفيهَا مَاتَ قَتِيلا تلابغا بن منكوتمر بن طوغان قَتله نغيه بن معل بن ططر بن دوشي خَان بن جنكزخان. وَقَامَ بعده فِي الْملك طقطغا بن منكوتمر بن طوخان وَهُوَ ابْن عَم تلابغا فرتب نغيه إخْوَة طقطغا مَعَه وهم بزلك وصراي بغا وتدان. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان السُّلْطَان الْملك الْعَادِل سلامش بن الظَّاهِر بيبرس بِبَلَد اسطنبول عَن اثْنَتَيْنِ وَعشْرين سنة وَمَات القان أرغون بن أبغا بن هولاكو بن طلوي بن جنكزخان ملك التتار بِفَارِس فِي ربيع الأول عَن نَحْو سبع سِنِين من ملكه وَقَامَ من بعده أَخُوهُ كيختو بن أبغا. وَتُوفِّي تَاج الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم بن سِبَاع الْفَزارِيّ الشَّافِعِي فَقِيه الشَّام عَن سِتّ وَسِتِّينَ سنة بِدِمَشْق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 وَتُوفِّي الْمسند فَخر الدّين أَبُو الْحسن على بن أَحْمد بن عبد الْوَاحِد بن أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن إِسْمَاعِيل بن مَنْصُور الْمَعْرُوف ابْن البُخَارِيّ الْمَقْدِسِي السَّعْدِيّ عَن أَربع وَتِسْعين سنة بِدِمَشْق وَقد انْفَرد بعلو الْإِسْنَاد. وَتُوفِّي خطيب حلب شمس الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عبد الله بن الزبير بن أَحْمد بن سُلَيْمَان الشَّيْبَانِيّ الخابوري الشَّافِعِي عَن تسعين سنة بحلب. وَتُوفِّي خطيب حماة وفقيهها بدر الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد اللَّطِيف بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن نصر الله بن المغيزل الْعَبْدي الْحَمَوِيّ بهَا عَن سبعين سنة قدم الْقَاهِرَة. وَتُوفِّي عَلَاء الدّين أَبُو الْحسن على بن الْكَمَال أبي مُحَمَّد عبد الْوَاحِد بن عبد الْكَرِيم ابْن خلف بن نَبهَان بن الزملكاني الْأنْصَارِيّ الشَّافِعِي بِدِمَشْق عَن نَيف وَخمسين سنة. وَتُوفِّي محيي الدّين أَبُو يعلى مُحَمَّد بن عمر بن عبد الْمُنعم بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي بن أَمِين الدولة الرعباني الْحلَبِي الْحَنَفِيّ عَن نَيف وَثَمَانِينَ سنة بحلب. وَتُوفِّي الْعَفِيف أَبُو الرّبيع سُلَيْمَان على بن عبد الله بن على بن ياسين التلمساني العابدي عَن ثَمَانِينَ سنة بِدِمَشْق. وَتُوفِّي طَبِيب الشَّام عز الدّين أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن نجم بن طرخان الْأنْصَارِيّ الدِّمَشْقِي عَن تسعين سنة. وَتُوفِّي الأديب شرف الدّين عيسي بن فَخر الدّين أياز بن عبد الله الْوَالِي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 سنة إِحْدَى وَتِسْعين وسِتمِائَة فِي رَابِع عشر صفر: وَقع حريق فِي بعض خَزَائِن قلعه الْجَبَل تلف فِيهِ كثير من الْكتب وَغَيرهَا. وَفِي جُمَادَى عشر ربيع الأول: ختم بالقبة المنصورية. وَنزل السُّلْطَان وَتصدق بِمَال كثير. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع عشريه: خطب الْخَلِيفَة الْحَاكِم بِأَمْر الله بِجَامِع قلعة الْجَبَل خطة بليغة حث فِيهَا على الْجِهَاد وَصلي بِالنَّاسِ صَلَاة الْجُمُعَة. وَفِيه نُودي بالنفير للْجِهَاد وَخرج السُّلْطَان فِي الثَّامِنَة من يَوْم السبت ثامن ربيع الآخر بِجَمِيعِ عساكره فورد الْبَرِيد بِأَن التتار أَغَارُوا على الرحبة وَاسْتَاقُوا مواشي كَثِيرَة وَخرجت إِلَيْهِم تجريدة من دمشق. وَفِي يَوْم السبت سادس جُمَادَى الأولى: دخل السُّلْطَان إِلَى دمشق وَأنْفق فِي العساكر يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامنه. وَفِي نصفه: تزوج الْأَمِير سنقر الأعسر بِابْنِهِ الصاحب شمس الدّين بن السلعوس على صدَاق جملَته ألف وَخَمْسمِائة دِينَار الْمُعَجل مبلغ خَمْسمِائَة دِينَار. وَفِيه وصل الْملك المظفر صَاحب حماة وَعرض السُّلْطَان عساكره وَقدم جَيش الشَّام فَسَار إِلَى حلب. ثمَّ خرج السُّلْطَان من دمشق فِي الْخَامِسَة من يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس عشره فَدخل حلب فِي ثامن عشريه وَخرج مِنْهَا فِي رَابِع جُمَادَى الْآخِرَة يُرِيد قلعة الرّوم فَنزل عَلَيْهَا يَوْم الثُّلَاثَاء ثامنه وَنصب عشْرين منجنيقا وَرمي عَلَيْهَا وعملت النقوب وَعمل الْأَمِير سنجر الشجاعي نَائِب دمشق سلسلة وشبكها فِي شراريف القلعة وأوثق طرفها بِالْأَرْضِ فَصَعدَ الأجناد فِيهَا وقاتلوا قتالاً شَدِيدا فَفتح الله القلعة يَوْم السبت حادي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 عشر رَجَب عنْوَة وَقتل من بهَا من الْمُقَاتلَة وَسبي الْحَرِيم وَالصبيان وَأخذ بترك الأرمن وَكَانَ بهَا فَأسر. وَكَانَت مُدَّة حصارها ثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَقد سَمَّاهَا السُّلْطَان قلعة الْمُسلمين فَعرفت بذلك وَحمل إِلَيْهَا زردخاناه وألفا ومائتي أَسِير وَاسْتشْهدَ عَلَيْهَا الْأَمِير شرف الدّين بن الخطير. فَلَمَّا وَردت البشائر إِلَى دمشق بِفَتْح قلعة الرّوم زينت الْبَلَد ودقت البشائر ورتب السُّلْطَان الْأَمِير سنجر الشجاعي نَائِب الشَّام لعمارة قلعة الْمُسلمين فعمر مَا هدمته المجانيق والنقوب وَخرب ربضها. وَعَاد السُّلْطَان رَاجعا فِي يَوْم السبت ثامن عشره فَأَقَامَ بحلب إِلَى نصف شعْبَان وعزل قرا سنقر عَن نِيَابَة حلب وَولي عوضه الْأَمِير سيف الدّين بلبان الطباخي المنصوري ورتب بهَا الْأَمِير عز الدّين أيبك الْموصِلِي شاد الدَّوَاوِين ورحل السُّلْطَان إِلَى دمشق فَدَخلَهَا فِي الثَّانِيَة من بوم الثُّلَاثَاء عشري شعْبَان وَبَين يَدَيْهِ بترك الأرمن صَاحب قلعة الرّوم وعدة من الأسري. وَفِيه خرج الْأَمِير بدر الدّين بيدرا نَائِب السلطنة بديار مصر وَمَعَهُ مُعظم الْعَسْكَر إِلَى جبال كسروان من جِهَة السَّاحِل فَلَقِيَهُمْ أهل الْجبَال وَعَاد بيدرا شبه الْمَهْزُوم واضطرب الْعَسْكَر اضطرابا عَظِيما فطمع أهل الْجبَال فيهم وتشوش الْأُمَرَاء من ذَلِك وحقدوا على بيدرا ونسبوه أَنه أَخذ مِنْهُم الرِّشْوَة. فَلَمَّا عَاد إِلَى دمشق تَلقاهُ السُّلْطَان وترحل لَهُ عِنْد السَّلَام عَلَيْهِ وعاتبه سرا فِيمَا كَانَ مِنْهُ فَمَرض بيدرا حَتَّى أشفي على الْمَوْت وتحدث أَنه سقِِي السم ثمَّ عوفي وَتصدق فِي رَمَضَان بصدقات جمة ورد أملاكا اغتصبها لأربابها وَأطلق عدَّة من سجونه وَفِي خَامِس عشر شهر رَمَضَان: توفّي محيي الدّين مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الظَّاهِر صَاحب ديوَان الْإِنْشَاء وَهُوَ بِدِمَشْق فأجري السُّلْطَان معلومه على وَلَده عَلَاء الدّين على وَجعله من جملَة كتاب الْإِنْشَاء. وَأقر السُّلْطَان فِي ديوَان الْإِنْشَاء تَاج الدّين أَحْمد بن سعيد بن مُحَمَّد بن الْأَثِير التنوخي الْحلَبِي عوضا عَن ابْن عبد الظَّاهِر. وَفِيه كثر موتان الْجمال حَتَّى حمل الْأُمَرَاء أثقالهم على الْخَيل فَأذن السُّلْطَان لِضُعَفَاء الْعَسْكَر فِي الْعود إِلَى الْقَاهِرَة فَسَارُوا من دمشق فِي ثَانِي عشريه. وَحضر الْأَمِير علم الدّين سنجر الدواداري من قلعة الْجَبَل بَعْدَمَا أفرج عَنهُ فأنعم عَلَيْهِ بإمرة فِي ديار مصر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 وَفِي لَيْلَة عيد الْفطر: فر الْأَمِير حسام الدّين لاجين الصَّغِير من دَاره بِدِمَشْق خوفًا من السُّلْطَان لما بلغه من أَنه يُرِيد الْقَبْض عَلَيْهِ فَنُوديَ بِدِمَشْق من أظهر لاجين فَلهُ ألف دِينَار وَمن أخفاه شنق وَركب السُّلْطَان فِي خاصته وَترك سماط الْعِيد وسَاق فِي طلب لاجين وَأخذ عَلَيْهِ الطَّرِيق ثمَّ عَاد بعد الْعَصْر فِي أَسْوَأ حَال من التَّعَب وَلم يجد لَهُ أثرا فقلق. وَاتفقَ أَن لاحين نزل على طَائِفَة من الْعَرَب فقبضوه وأحضروه إِلَى السُّلْطَان فاعتقله. وَقبض السُّلْطَان على الْأَمِير ركن الدّين بيبرس طقصوا حمي لاجين وَحمل هُوَ ولاجين إِلَى قلعة الْجَبَل بِمصْر. وَفِي سادسه: اسْتَقر الْأَمِير عز الدّين أيبك الْحَمَوِيّ فِي نِيَابَة دمشق عوضا عَن الشجاعي وَاسْتقر الْأَمِير سيف الدّين طغريل الإيغاني نَائِبا بالفتوحات عوضا عَن بلبان الطباخي بِحكم انْتِقَاله إِلَى نِيَابَة حلب. وَفِيه قدم الشجاعي من قلعة الْمُسلمين بَعْدَمَا عمر مَا هدم مِنْهَا فشق عَلَيْهِ عَزله عَن دمشق. وَفِي الثُّلُث الآخر من لَيْلَة الثُّلَاثَاء تاسعه: خرج السُّلْطَان من دمشق عَائِدًا إِلَى مصر بَعْدَمَا رسم لجَمِيع أهل الْأَسْوَاق أَن يخرج كل وَاحِد مِنْهُم وَبِيَدِهِ شمعة موقودة عِنْد ركُوب السُّلْطَان فَخَرجُوا بأجمعهم ورتبوا من بَاب النَّصْر إِلَى مَسْجِد الْقدَم فعندما ركب السُّلْطَان أشعلت تِلْكَ الشموع دفْعَة وَاحِدَة فَسَار بَينهَا حَتَّى نزل مخيمه. وَنقل محيي الدّين بن النّحاس من نظر دواوين دمشق إِلَى نظر الخزانة عوضا عَن أَمِين الدّين بن هِلَال وأقيم فِي نظر دواوين دمشق جمال الدّين بن إِبْرَاهِيم بن صصرى وَاسْتقر الْأَمِير شمس الدّين قرا سنقر الجوكندار المنصوري مقدم المماليك السُّلْطَانِيَّة. وَقدم السُّلْطَان إِلَى الْقَاهِرَة يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِي ذِي الْقعدَة وَدخل من بَاب النَّصْر وَصعد إِلَى القلعة من بَاب زويلة. وَقد عمل من الزِّينَة والقلاع والتهاني شَيْء كثير وأوقد من الشموع مَا يجل وَصفه فَإِن النَّاس احتفلوا لذَلِك احتفالا عَظِيما فاق جَمِيع مَا تقدم فِي مَعْنَاهُ. وَولي صحابه ديوَان الْإِنْشَاء عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن أَحْمد بن سعيد ابْن مُحَمَّد بن الْأَثِير بعد وَفَاة وَالِده فَإِن وَالِده لم يقم فِي كِتَابَة السِّرّ إِلَّا نَحْو شهر، وَمَات بغرة عِنْد عوده من دمشق فِي تَاسِع عشر شَوَّال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 وَفِي ذِي الْقعدَة: ندب الْوَزير ابْن السلعوس الْعلم ابْن بنت الْعِرَاقِيّ لمرافعة تَقِيّ الدّين ابْن بنت الْأَعَز وَعقد لَهُ مجْلِس وادعي عَلَيْهِ الْعلم الْمَذْكُور بعظائم فاستمر فِي المحنة بَقِيَّة السّنة. وَفِي آخر ذِي الْحجَّة: قبض على الْأَمِير شمس الدّين سنقر الْأَشْقَر والأمير سيف الدّين جرمك الناصري والأمير سيف الدّين الهاروني والأمير بدر الدّين بكتوت واعتقلوا. وَمَات فِيهَا من الْأَعْيَان الْملك المظفر قرا أرسلان بن السعيد غَازِي بن الْمَنْصُور أرتق بن إيلغازي بن ألبي بن تمرتاش بن إيلغازي بن أرتق صَاحب ماردين بَعْدَمَا ملك ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سنة. وَمَات الْأَمِير سنقر الْأَشْقَر عَن سبعين سنة. وَتُوفِّي كَاتب السِّرّ فتح الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن محيي الدّين أبي الْفضل عبد الله بن عبد الظَّاهِر عَن أَربع وَخمسين سنة بِدِمَشْق. وَتُوفِّي كَاتب السِّرّ تَاج الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن. شرف الدّين أبي الْفضل سعيد ابْن مُحَمَّد بن سعيد بن الْأَثِير الْحلَبِي بغزة. وَمَات مجد الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي بكر الطَّبَرِيّ الْمَكِّيّ الشَّافِعِي بالقدس عَن اثْنَيْنِ وَتُوفِّي كَاتب الْإِنْشَاء بِدِمَشْق سعد الدّين أَبُو الْفضل سعد الله بن مَرْوَان أبي عبد الله الفارقي وَهُوَ فِي عشر السِّتين. وَتُوفِّي كَمَال الدّين أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن عبد الْمُنعم بن هبة الله بن مُحَمَّد بن هبة الله بن مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي بن أَمِين الدولة الْحلَبِي بِالْقَاهِرَةِ عَن سبعين سنة. وَتُوفِّي فَخر الدّين أَبُو عَمْرو عُثْمَان بن خضر بن غزي عَامر الْأنْصَارِيّ الْمصْرِيّ الْمُؤَدب فِي جُمَادَى الْآخِرَة وَهُوَ فِي عشر الثَّمَانِينَ وَقد حدث عَن ابْن باقا ومكرم الْفَارِسِي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 وفيهَا قبض الْأَمِير بكتوت على الشريف رَاجِح بن إِدْرِيس من يَنْبع وَحمله إِلَى مصر وَكَانَت الْخطْبَة بِمَكَّة للأشرف خَلِيل إِلَى آخر ربيع الأول ثمَّ انْقَطَعت لانْقِطَاع أَخْبَار مصر فَلَمَّا قدم الْحجَّاج وهم قَلِيل حج أَبُو نمي وَقدم حَاج الشَّام فِي ركبين وَكَانَت جفلة بِعَرَفَة وَعز المَاء فأبيعت الراوية بأَرْبعَة دَنَانِير مَكِّيَّة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 فارغة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 سنة اثْنَيْنِ وَتِسْعين وسِتمِائَة فِي لَيْلَة أول الْمحرم: أخرج من فِي الْجب من الْأُمَرَاء: وهم سنقر الْأَشْقَر وجرمك والهاروني وبكتوت وبيبرس وطقصوا ولاجين وَأمر بخنقهم قُدَّام السُّلْطَان فخنقوا بأجمعهم حَتَّى مَاتُوا. وتولي خنق لاجين الْأَمِير قرا سنقر فَلَمَّا وضع الْوتر فِي عُنُقه انْقَطع فَقَالَ: يَا خوند مَالِي ذَنْب إِلَّا حميي طقصوا وَقد هلك وَأَنا أطلق ابْنَته. وَكَانَ قرا سنقر لَهُ بِهِ عناية فتلطف بِهِ وَلم يعجل عَلَيْهِ لما أَرَادَ الله من أَن لاجين يقتل الْأَشْرَف وَيملك مَوْضِعه وانتظر أَن تقع بِهِ شَفَاعَة. فشفع الْأَمِير بدر الدّين بيدرا فِي لاجين وساعده من حضر من الْأُمَرَاء فعفي عَنهُ ظنا أَنه لَا يعِيش فَحمل وَكَانَ من أمره مَا سَيذكرُهُ إِن شَاءَ الله. وَفِي أول الْمحرم: اسْتَقر الْأَمِير عز الدّين أيبك الخازندار المنصوري فِي نِيَابَة طرابلس والحصون عوضا عَن طغريل الإيغاني فَسَار من الْقَاهِرَة. وَفِي رابعه: سَار السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل إِلَى الصَّعِيد واستخلف الْأَمِير بيدرا النَّائِب بقلعة الْجَبَل وَهُوَ مَرِيض. فانتهي السُّلْطَان إِلَى مَدِينَة قوص ونادي هُنَاكَ بالتجهيز لغزو الْيمن. وكشف الْوَزير السلعوس الْوَجْه القبلي فَوجدَ الْجَارِي فِي ديوَان الْأَمِير بيدرا من الْجِهَات عَمَّا هُوَ فِي إقطاعاته وَمَا اشْتَرَاهُ وَمَا حماة أَكثر مِمَّا هُوَ جَار فِي الْخَاص السلطاني وَوجد الشون السُّلْطَانِيَّة بِالْوَجْهِ القبلي خَالِيَة من الغلال وشون بيدرا مَمْلُوءَة. فأبلغ ذَلِك إِلَى السُّلْطَان وأغراه ببيدرا حَتَّى تغير عَلَيْهِ فَبلغ الْخَبَر بيدرا فخاف وَأخذ يتلافي الْأَمر وجهز تقدمة جليلة مِنْهَا خيمة أطلس أَحْمَر بأطناب حَرِير وأعمدة صندل محلاة ومفصلة بِفِضَّة مذهبَة وبسطها من حَرِير وضربها بِنَاحِيَة العدوية مَعَ مَا أعده. فَلَمَّا عَاد السُّلْطَان نزل بهَا وَلم يكترث بالتقدمة وطلع إِلَى القلعة فارتجع عدَّة من جِهَات بيدرا للخاص السلطاني. وَفِي صفر: وَقع بغزة والرملة ولد والكرك زلازل عَظِيمَة هدمت ثَلَاثَة أبراج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 من قلعة الكرك وتوالت الأمطار والسيول حَتَّى خربَتْ طواحين العوجاء وتكسرت أحجارها وَوجد فِي السَّيْل أحد عشر أسداً موتِي وزلزلت أَيْضا الْبِلَاد الساحلية فانهدمت عدَّة أَمَاكِن فَلَمَّا ورد الْخَبَر بذلك خرج الْأَمِير عَلَاء الدّين أيدغدي الشجاعي من فِي دمشق لعمارة مَا تهدم بمرسوم شرِيف. وَورد كتاب الْأَمِير عز الدّين أيبك الرُّومِي من قلعة الْمُسلمين بِطَلَب ثَلَاثِينَ سراقوجا حَتَّى إِذا وَجه لكشف أَخْبَار الْعَدو لبسهَا من يَبْعَثهُ فَلَا يعرف من هم. وَفِيه عبي السُّلْطَان برسم الْأَمِير حسام الدّين مهنا بن عيسي ملك الْعَرَب تعبئة قماش حَرِير بِسَبَب زواج ابْنَته وَأمر بِعَمَل تعبئة لوالدته أَيْضا وجهز ذَلِك على يَد حَاجِبه من الخزانة. ورسم السُّلْطَان بِبِنَاء بِئْر فِي الْعَريش وَأخرج لَهَا عدَّة من الغواصين فَلَمَّا تمّ بناؤها ركب عَلَيْهَا ساقية. وَفِيه قتل عَلَاء الدّين البريدي وَإِلَى الأشمونين نَفسه فاستقر عوضه بكتمر الموسكي. وَقبض على الْأَمِير عز الدّين أزدمر العلائي أحد أُمَرَاء دمشق وَحمل إِلَى الْقَاهِرَة فَقدم أول ربيع الأول. وَفِيه رسم بتجهيز العساكر إِلَى دمشق فَسَار بهَا الْأَمِير بيدرا ثمَّ سَار الْوَزير بالخزائن. وَركب السُّلْطَان على الهجن فِي أول جُمَادَى الأولى وَمَعَهُ جمَاعه من أمرائه وخواصه وَسَار إِلَى الكرك من غير الدَّرْب الَّذِي يسْلك مِنْهُ إِلَى الشَّام فرتب أحوالها. وَتوجه إِلَى دمشق فَقَدمهَا فِي تَاسِع جُمَادَى الْآخِرَة بعد وُصُول الْأَمِير بيدرا والوزير بِثَلَاثَة أَيَّام فَأمر بالتجهيز إِلَى بهسنا وَأَخذهَا من الأرمن أهل سيس. فَقدم رسل سيس يطْلبُونَ الْعَفو فاتفق الْحَال مَعَهم على تَسْلِيم بهسنا ومرعش وتل حمدون فَسَار الْأَمِير طوغان وَإِلَى الْبر بِدِمَشْق مَعَهم ليتسلما وَقدم الْبَرِيد إِلَى دمشق بتسليمها فِي أول رَجَب فدقت البشائر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 وَاسْتقر الْأَمِير بدر الدّين بكتاش فِي نِيَابَة بهسنا وَعين لَهَا قَاض وخطيب واستخدم لَهَا رجال وحفظة. وَقدم الْأَمِير طوغان وَمَعَهُ رسل سيس بِالْحملِ والتقادم إِلَى دمشق فِي ثَانِي عشريه بعد توجه السُّلْطَان فتبعوه. وَكَانَ السُّلْطَان قد خرج فِي ثَانِي رَجَب إِلَى حمص وَمَعَهُ جمَاعَة من الْعَسْكَر وَقد سير ضعفة الْعَسْكَر إِلَى الْقَاهِرَة ثمَّ سَار من حمص إِلَى سلمية وطرق مهنا بن عيسي بن مهنا بن مَانع بن حَدِيثَة بن غضية بن فضل بن ربيعَة أَمِير آل فضل وَقبض عَلَيْهِ وعَلى إخواته مُحَمَّد وَفضل ووهبة وبعثهم مَعَ الْأَمِير حسام الدّين لاجين إِلَى دمشق فَقَدمهَا لاجين فِي سابعه. وَقدم السُّلْطَان فِي يَوْمه أَيْضا فَأَقَامَ فِي إمرة الْعَرَب الْأَمِير شمس الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر بن على بن حَدِيثه بن غضية بن فضل بن ربيعَة أَمِير آل على. وَبعث السُّلْطَان الْأَمِير عز الدّين أيبك الأفرم أَمِير جاندار إِلَى الشوبك فهدم قلعتها وَلم يبْق مِنْهَا إِلَّا قلتهَا فَقَط. وَفِي شهر رَجَب: وَقع ببعلبك أمطار وسيول خَارِجَة عَن الْحَد ففد من كرومها ومزارعها ومساكنها مَا تزيد قِيمَته على مائَة ألف دِينَار. وَفِي حادي عشره: سَار الْأَمِير بيدرا بالعساكر والوزير ابْن السلعوس بالخزائن من دمشق ثمَّ ركب السُّلْطَان فِي خواصه يَوْم السَّبَب ثَالِث عشره فَقدم غَزَّة بكرَة الْأَرْبَعَاء سَابِع عشره وَدخل قلعة الْجَبَل فِي ثامن عشريه وَقدم الْأَمِير بيدرا بِمن مَعَه أول شعْبَان. وَفِيه ولي طوغان وَإِلَى الْبر بِدِمَشْق نِيَابَة قلعة الْمُسلمين وَولي أسندمر كرجي بر دمشق. وَفِي شعْبَان: اسْتَقر شمس الدّين أَحْمد السرُوجِي الْحَنَفِيّ فِي قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بِالْقَاهِرَةِ بعد وَفَاة قَاضِي الْقُضَاة معز الدّين نعْمَان بن الْحسن بن يُوسُف الخطيبي الأرزنكاني. وَفِي أول شهر رَمَضَان: أفرج عَن تَقِيّ الدّين ابْن بنت الْأَعَز بَعْدَمَا اشْتَدَّ بِهِ الْبلَاء واعتقل فِي سجن الحكم وتوعد بِالْقَتْلِ فَعَاد إِلَى بَيته بالشافعي من القرافة ومدح ابْن السلعوس بقصدة أَرَادَ إنشادها بِنَفسِهِ فَحلف الْوَزير عَلَيْهِ فأنشدها أَخُوهُ عَلَاء الدّين. ثمَّ إِنَّه ثبتَتْ بَرَاءَته مِمَّا رمي بِهِ وَفِي يَوْم السبت ثَانِي شَوَّال: قبض على الْأَمِير عز الدّين أيبك الأفرم أَمِير جاندار وأحبط على جَمِيع موجوده بِمصْر وَالشَّام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 وَفِي ذِي الْحجَّة: رسم بِعَمَل المهم لختان الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد أخي السُّلْطَان فنصب القبق تَحت القلعة مِمَّا يَلِي بَاب النَّصْر فِي الْعشْرين مِنْهُ وَفرقت الْأَمْوَال وَالْخلْع على من أصَاب فِي رميه وَكَانَ قد رسم بِعرْض العساكر بِحُضُور الْأَمِير بيدرا فأقامت فِي الْعرض أَيَّامًا فَرمي بيدرا بتغاضيه وَأَن بعض الْعَسْكَر يستعير الْعدة فرسم بِعرْض الْجَمِيع جملَة وَاحِدَة فِي الميدان فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَمِمَّنْ أصَاب فِي رمي القبق الْأَمِير بيسري فأنعم عَلَيْهِ بِخَمْسَة وَثَلَاثِينَ ألف دِينَار عينا سوي الْخلْع وَغَيرهَا وختن الْأَمِير مُحَمَّد وَأَوْلَاد الْأُمَرَاء فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ فِي ثَانِي عشريه ونثر الْأُمَرَاء الذَّهَب حَتَّى امْتَلَأت الطشوت مِنْهُ. وَفِي آخر ذِي الْحجَّة: اسْتَقر فِي كِتَابَة السِّرّ القَاضِي شرف الدّين عبد الْوَهَّاب بن فضل الله الْعمريّ عوضا عَن عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن الْأَثِير. وَفِي هَذِه السّنة: خطب الشريف أَبُو نمي بِمَكَّة للْملك الْأَشْرَف بَعْدَمَا كَانَ يخْطب فِيهَا لصَاحب الْيمن وَنقش السِّكَّة أَيْضا باسمه وجهز بذلك محَاضِر مَعَ ابْن الْقُسْطَلَانِيّ. وفيهَا قدم رسل كيختو ملك التتار بكتابه يتَضَمَّن إِنَّه يُرِيد الْإِقَامَة بحلب فَإِنَّهَا مِمَّا فَتحه أَبوهُ هولاكو وَإِن لم يسمح لَهُ بذلك أَخذ بِلَاد الشَّام. فَأَجَابَهُ السُّلْطَان بِأَنَّهُ قد وَافق القان مَا كَانَ فح نَفسِي فَإِنِّي كنت على عزم من أَخذ بَغْدَاد وَقتل رِجَاله فَإِنِّي أَرْجُو أَن أردهَا دَار إِسْلَام كم كَانَت وسينظر أَيّنَا يسْبق إِلَى بِلَاد صَاحبه وَكتب إِلَى بِلَاد الشَّام بتجهيز الإقامات وَعرض العساكر. وفيهَا وقف الْحجَّاج يَوْم الْإِثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاء وَلم يصلوا الْجُمُعَة من خوف الْعَطش لقلَّة المَاء. وَحلف أَمِير الركب الشريف أَبَا نمي يَمِينا إِنَّه يتَوَجَّه إِلَى السُّلْطَان وَكَانَ قد أعطَاهُ ألف دِينَار عينا بعث بهَا إِلَيْهِ السُّلْطَان من مصر. وفيهَا تلف فِي الْبَحْر سِتَّة عشر مركبا من جلاب الْيمن أَكْثَرهَا من عدن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان الْملك الْأَفْضَل على بن المظفر مَحْمُود بن الْمَنْصُور مُحَمَّد بن المظفر عمر بن شاهنشاه ابْن أَيُّوب بن شادي صَاحب حماة وَهُوَ مُتَوَجّه إِلَى الْقَاهِرَة عَن سبع وَخمسين سنة. وَمَات الْأَمِير علم الدّين سنجر الْحلَبِي الثائر بِدِمَشْق وَهُوَ من أَبنَاء الثَّمَانِينَ بِالْقَاهِرَةِ. وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَفِيّ معز الدّين أَبُو عبد الله النُّعْمَان بن الْحسن بن يُوسُف الخطيبي وَتُوفِّي محيي الدّين أَبُو الْفضل عبد الله بن رشيد الدّين مُحَمَّد عبد الظَّاهِر بن نشوان ابْن عبد الظَّاهِر السَّعْدِيّ الْكَاتِب لِسَان ديوَان الْإِنْشَاء عَن اثْنَتَيْنِ وَسبعين سنة بِالْقَاهِرَةِ. وَتُوفِّي شهَاب الدّين أَبُو الْمَعَالِي أَحْمد بن الْحَافِظ جمال الدّين أَبُو حَامِد مُحَمَّد بن على ابْن مَحْمُود بن أَحْمد بن على بن الصَّابُونِي المحمودي بِالْقَاهِرَةِ عَن اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سنة. وَتُوفِّي كَمَال الدّين أَبُو عَبَّاس أَحْمد بن زيد الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد بن رَضِي الدّين أبي مُحَمَّد عبد الْقَادِر بن هبة الله بن عبد الْقَادِر بن عبد الْوَاحِد بن طَاهِر بن يُوسُف بن النصيبي الْحلَبِي بهَا عَن ثَلَاث وَثَمَانِينَ سنة لَهُ رحْلَة. وَتُوفِّي قدوة الشَّام أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن قدوة الشَّام يُوسُف الْمَدْعُو عبد الله بن يُونُس بن إِبْرَاهِيم بن سلمَان الأرموي الزَّاهِد عَن سبع وَسبعين سنة بِدِمَشْق. وَتُوفِّي الأديب كَمَال الدّين أَبُو الْحسن على بن على بن مُحَمَّد بن الْمُبَارك بن سَالم ابْن الأعمي الدِّمَشْقِي بهَا عَن اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ سنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 فارغة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 سنة ثَلَاث وَتِسْعين وسِتمِائَة فِي ثَالِث الْمحرم: عدي السُّلْطَان النّيل إِلَى بر الجيزة يُرِيد الْبحيرَة للصَّيْد وَمَعَهُ الْأَمِير بيدرا والوزير ابْن السلعوس. واستخلف بقلعة الْجَبَل الْأَمِير على الدّين سنجر الشجاعي وَقد اشتدت الْعَدَاوَة بَين الْأَمِير بيدرا وَبَين ابْن السلعوس. فوصل السُّلْطَان إِلَى تروجة وَنزل بهَا وَتوجه الْوَزير إِلَى الاسكندرية ليعبي القماش وَيحصل الْأَمْوَال بَعْدَمَا خلع السُّلْطَان عَلَيْهِ طرد وَحش. فَوجدَ الْوَزير أَن نواب بيدرا قد استولوا على المتاجر والاستعمالات فَكتب يعرف السُّلْطَان ذَلِك ويغريه ببيدرا وَأَنه لم يجد بالثغر مَا يَكْفِي الإطلاقات على جاري الْعَادة. فَاشْتَدَّ غضب السُّلْطَان وَطلب بيدرا وسبه بِحَضْرَة الْأُمَرَاء وتوعده بِأَنَّهُ لابد أَن يُمكن ابْن السلعوس من ضربه بِمَا لَا يذكر. فتلطف بيدرا حَتَّى خرج إِلَى مخيمه وَقد اشْتَدَّ خَوفه فَجمع أَعْيَان الْأُمَرَاء من خشداشيته وَمِنْهُم الْأَمِير لاجين والأمير قرا سنقر وَمن يُوَافقهُ وَقرر مَعَهم قتل السُّلْطَان فَإِنَّهُ كَانَ قد أذن لِلْأُمَرَاءِ الأكابر أَن يخرجُوا إِلَى إقطاعاتهم فَسَارُوا إِلَيْهَا وَبَقِي فِي خواصه إِلَى يَوْم تاسوعاء. فتوصل الْأَمِير بيدرا إِلَى أَن أُشير على السُّلْطَان بتقدم الْعَسْكَر إِلَى الْقَاهِرَة فَبعث الْأَمِير سيف الدّين أَبَا بكر بن الجمقدار نَائِب أَمِير جاندار إِلَى بيدرا يَأْمُرهُ أَن يسير تَحت الصناجق بالأمراء والعسكر فَلَمَّا بلغه نَائِب أَمِير جاندار الرسَالَة نفر فِيهِ ثمَّ قَالَ لَهُ السّمع وَالطَّاعَة وَقد تبين الْغَضَب فِي وَجهه فَرجع ابْن أَمِير جاندار وَحمل الزردخاناه وَسَار ورحل الدهليز والعسكر. وَأصْبح السُّلْطَان يَوْم عَاشُورَاء فَبَلغهُ أَن بتروجة طيراً كثيرا فساق وَضرب حَلقَة صيد وَعَاد إِلَى مخيمه آخر النَّهَار. ثمَّ لما كَانَ الْحَادِي عشر توجه النَّاس إِلَى الْقَاهِرَة وَحضر بيدرا وَمن قرر مَعَه قتل السُّلْطَان إِلَى الدهليز فَلم يخرج السُّلْطَان وَأَعْطَاهُمْ دستوراً فتوجهوا إِلَى خيامهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 وَركب السُّلْطَان جَرِيدَة وَلَيْسَ مَعَه سوي الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن الأشل أَمِير شكار وَأَرَادَ أَن يسْبق الخاصكية فرأي طيراً فصرع مِنْهُ بالبندق شَيْئا كثيرا ثمَّ الْتفت إِلَى أَمِير شكار وَقَالَ. أَنا جيعان فَهَل مَعَك مَا آكل فَقَالَ: وَالله مَا معي غير رغيف وَاحِد فرج فِي صولقي ادخرته لنَفْسي فَقَالَ: ناولنيه فَنَاوَلَهُ ذَلِك فَأَكله كُله. ثمَّ قَالَ لَهُ: أمسك فرسي حَتَّى أنزل أبول وَكَانَ الْأَمِير شهَاب الدّين ينبسط مَعَ السُّلْطَان فَقَالَ: مَا فِيهَا حِيلَة السُّلْطَان ركب حصانا وَأَنا رَاكب حجر وَمَا يتفقان. فَقَالَ لَهُ السُّلْطَان: أنزل أَنْت واركب خَلْفي حَتَّى أنزل أَنا فَنزل وناول السُّلْطَان عنان فرسه وَركب خَلفه فَنزل السُّلْطَان وَقضي حَاجته ثمَّ قَامَ وَركب حصانه ومسك فرس أَمِير شكار حَتَّى ركب وأخذا يتحدثان. فَلَمَّا كَانَ وَقت الْعَصْر: بعث بيدرا من كشف لَهُ خبر السُّلْطَان فَقيل لَهُ لَيْسَ مَعَه أحد كشف. بِمن وَافقه. فَلم يشْعر السُّلْطَان إِلَّا بغبار عَظِيم قد ثار فَقَالَ لأمير شكار: اكشف خبر هَذَا الْغُبَار. فساق إِلَيْهِ فَوجدَ الْأَمِير بيدرا وَجَمَاعَة من الْأُمَرَاء فَسَأَلَهُمْ فَلم يُجِيبُوهُ. ومروا فِي سوقهم حَتَّى وصلوا إِلَى السُّلْطَان وَهُوَ وَحده فابتدرا بِالسَّيْفِ وضربه أبان يَده ثمَّ ضربه ثَانِيًا هد كتفه. فَتقدم الْأَمِير لاجين إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ: يَا بيدرا من يُرِيد ملك مصر وَالشَّام تكون هَذِه ضَربته وَضرب السُّلْطَان على كتفه حلّه فَسقط إِلَى الأَرْض فَجَاءَهُ بهادر رَأس نوبَة وَأدْخل السَّيْف فِي دبره واتكا عَلَيْهِ إِلَى أَن أخرجه من حلقه. وتناوب الْأُمَرَاء ضربه بِالسُّيُوفِ: وهم قرا سنقر وآقسنقر الحسامي ونوغاي وَمُحَمّد خواجا وطرنطاي الساقي وألطنبغا رَأس نوبَة وَذَلِكَ فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشر الْمحرم. فَبَقيَ الْملك الْأَشْرَف ملقي فِي الْمَكَان الَّذِي قتل بِهِ يَوْمَيْنِ ثمَّ جَاءَ الْأَمِير عز الدّين أيدمر العجمي وَإِلَى تروجة فَوَجَدَهُ فِي مَوْضِعه عُريَانا بَادِي الْعَوْرَة فَحَمله على جمل إِلَى دَار الْولَايَة وغسله فِي الْحمام وكفنه وَجعله فِي بَيت المَال بدار الْولَايَة إِلَى أَن قدم الْأَمِير سعد الدّين كوجبا الناصري من الْقَاهِرَة وَحمله فِي تابوته الَّذِي كَانَ فِيهِ إِلَى تربته بِالْقربِ من المشهد النفيسي ظَاهر مصر وَدَفنه بهَا سحر يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشري صفر. فَكَانَت مُدَّة سلطنتة ثَلَاث سِنِين وشهرين وَأَرْبَعَة أَيَّام وعمره نَحْو ثَلَاثِينَ سنة وَمَات عَن ابْنَتَيْن وَلم يتْرك ولدا ذكرا. وَكَانَ ملكا كَرِيمًا شجاعاً مقداماً سريع الْحَرَكَة مظفراً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 فِي حروبه: فتح عكا وصور وبيروت وبهسنا وقلعة الرّوم. وَكَانَ مَعَ مَا فِيهِ من شدَّة البادرة حسن النادرة يطارح الأدباء بذهن رائق وذكاء مفرط لَا يعلم على مَكْتُوب حَتَّى يقرأه كُله ولابد أَن يستدرج على الْكتاب فِيهِ مَا يتَبَيَّن لَهُم فِيهِ الصَّوَاب إِلَّا أَنه تعاظم فِي آخر أَيَّامه وَصَارَ لَا يكْتب اسْمه وَإِنَّمَا يكْتب خَ إِشَارَة إِلَى أول حُرُوف اسْمه وَمنع أَن يكْتب لأحد الزعيمي وَقَالَ. من زعيم الجيوش غَيْرِي! وأبطل من دمشق مشمسا كَانَ يُؤْخَذ فِي بَاب الْجَابِيَة على كل حمل قَمح خَمْسَة دَرَاهِم وَكتب بِخَطِّهِ الَّذِي يكْتب بِهِ الْعَلامَة بَين أسطر المسموح الَّذِي كتب بِإِبْطَال ذَلِك مَا نَصه: ولنكشف عَن رعايانا هَذِه الظلامة ونستجلب الدُّعَاء لنا من الْخَاصَّة والعامة. وَأما الْأُمَرَاء فَإِن الْأَمِير زين الدّين كتبغا المنصوري كَانَ قد انْفَرد وَمَعَهُ جمَاعَة من الْأُمَرَاء عَن الْملك الْأَشْرَف وَسَارُوا للصَّيْد وَبَقِي فِي الدهليز السلطاني من الْأُمَرَاء سيف الدّين برغلي وركن الدّين بيبرس الجاشنكير وحسام الدّين لاحين الأستادار وَبدر الدّين بكتوت العلائي وَجَمَاعَة من المماليك السُّلْطَانِيَّة. فَلَمَّا قتل بيدرا السُّلْطَان عَاد بِمن مَعَه من الْأُمَرَاء وَنزل بالدهليز وَجلسَ فِي دست السلطة وَقَامَ الْأُمَرَاء فقبلوا الأَرْض بَين يَدَيْهِ وحلفوا لَهُ وتلقب بِالْملكِ الأوحد وَقيل الْمُعظم وَقيل الْملك القاهر. ثمَّ قبض بيدرا على الْأَمِير بيسري والأمير بكتمر السِّلَاح دَار أَمِير جاندار وَقصد قَتلهمَا ثمَّ تَركهمَا تَحت الِاحْتِيَاط لشفاعة الْأُمَرَاء فيهمَا وَركب إِلَى الطرانة فَبَاتَ بهَا. وَقد سَار الْأُمَرَاء والمماليك السُّلْطَانِيَّة وَمَعَهُمْ الْأَمِير برغلي وهم الَّذين كَانُوا بالدهليز والوطاق وركبوا فِي آثَار بيدرا وَمن مَعَه يُرِيدُونَ الْقَبْض عَلَيْهِ. فَبلغ الْأَمِير كتبغا وَمن مَعَه مقتل السُّلْطَان وسلطنة بيدرا فلحق بِمن مَعَه الْأَمِير برغلي وَمن مَعَه من الْأُمَرَاء والمماليك وجدوا بأجمعهم فِي طلب بيدرا وَمن مَعَه وَسَاقُوا فِي تِلْكَ اللَّيْلَة إِلَى الطرانة وَقد لحق بيدرا بِسيف الدّين أبي بكر بن الجمقدار نَائِب أَمِير جاندار والأمير صارم الدّين الفخري والأمير ركن الدّين بيبرس أَمِير جاندار وَمَعَهُمْ الزرد خاناه عِنْد الْمسَاء من يَوْم السبت الَّذِي قتل فِيهِ السُّلْطَان فعندما أدركهم تقدم إِلَيْهِ بيبرس أَمِير جاندار وَقَالَ لَهُ: يَا خوند هَذَا الَّذِي فعلته كَانَ. بمشورة الْأُمَرَاء فَقَالَ: نعم أَنا قتلته. بمشورتهم وحضورهم وَهَا هم كلهم حاضرون. ثمَّ شرع يعدد مساوئ الْأَشْرَف ومخازيه واستهتاره بالأمراء ومماليك أَبِيه إهماله لأمور الْمُسلمين ووزارته ابْن السلعوس ونفور الْأُمَرَاء مِنْهُ لمسكه عز الدّين الأفرم وَقتل سنقر الْأَشْقَر وطقصوا وَغَيره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 وتأميره مماليكه وَقلة دينه وشربه الْخمر فِي شهر رَمَضَان وفسقه بالمردان. ثمَّ سَأَلَ بيدرا عَن الْأَمِير كتبغا فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْأَحَد ثَانِي يَوْم قتلة الْأَشْرَف: وافي الْأَمِير كتبغا فِي طلب كَبِير من المماليك السُّلْطَانِيَّة عدته نَحْو الألفي فَارس وَجَمَاعَة من الْحلقَة والعسكر وَمَعَهُمْ الْأَمِير حسام الدّين لاجين لأاستادار الطرانة وَبهَا بيدرا يُرِيدُونَ قِتَاله. وميز كتبغا أَصْحَابه بعلائم حَتَّى يعرفوا من جمَاعَة بيدرا وهم أَنهم جعلُوا مناديل من رقابهم إِلَى تَحت آباطهم فَأطلق بيدوا حِينَئِذٍ الأميرين بيسري وبكتمر السِّلَاح دَار ليكونا عونا لَهُ فَكَانَا عونا عَلَيْهِ. ورتب كتبغا جمَاعَة ترمي بالنشاب وَتقدم بِمن مَعَه وحملوا على بيدرا حَملَة مُنكرَة وَقصد الْأَمِير كتبغا بيدرا وَقد فَوق سَهْمه وَقَالَ: يَا بيدرا أَيْن السُّلْطَان ورماه بِسَهْم وَتَبعهُ الْبَقِيَّة بسهامهم فولي بيدرا بِمن مَعَه وكتبغا فِي طلبه حَتَّى أدْركهُ. وَقتل بيدرا بَعْدَمَا قطعت يَده ثمَّ كتفه كَمَا فعل بالأشرف وحملت رَأسه على رمح وَبعث بهَا إِلَى قلعة الْجَبَل فطيف بهَا الْقَاهِرَة ومصر. وَوجد فِي جيب بيدرا ورقة فِيهَا: مَا يَقُول السَّادة الْفُقَهَاء فِي رجل يشرب الْخمر فِي شهر رَمَضَان ويفسق بالمرداد وَلَا يُصَلِّي فَهَل على قَاتله ذَنْب أَو لَا فَكتب جوابها. يقتل وَلَا إِثْم على قَاتله. وعندما انهزم بيدرا هرب لاجين وقرا سنقر ودخلا الْقَاهِرَة فاختفيا. وَكَانَ الَّذِي وصل إِلَى قلعة الْجَبَل بِخَبَر مقتل السُّلْطَان سيف الدّين سنكو الدوادار. وَلما بلغ الْأَمِير علم الدّين سنجر الشجاعي قتل السُّلْطَان ضم الحراريق والمعادي وَسَائِر المراكب إِلَى بر مصر والقاهرة وَأمر أَلا يعدي بِأحد من الْأُمَرَاء والمماليك إِلَّا بِإِذْنِهِ موصل الْأَمِير زين الدّين كتبغا وَمن مَعَه مت الْأُمَرَاء والمماليك بعد قتل بيدرا وهزيمة أَصْحَابه ملم يَجدوا مركبا يعدون بِهِ النّيل. فَأَشَارَ على من مَعَه من الْأُمَرَاء وهم حسام الدّين لاجين الأستادار وركن الدّين بيبرس الجاشنكير وَسيف الدّين برلغي وَسيف الدّين طغجي وَعز الدّين طقطاي وَسيف الدّين قُطْبَة وَغَيرهم أَن ينزلُوا فِي بر الجيزة بالخيام حَتَّى يراسلوا الْأَمِير سنجر الشجاعي فوافقوه وضربوا الْخيام وَأَقَامُوا بهَا وبعثوا إِلَى الشجاعي فَلم يُمكنهُم من التَّعْدِيَة. وَمَا زَالَت الرُّسُل بَينهم وَبَينه حَتَّى وَقع الِاتِّفَاق على إِقَامَة الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون فَبعث عِنْد ذَلِك الحراريق والمراكب إِلَيْهِم بالجيزة وعدوا بأجمعهم وصاروا إِلَى قلعة الْجَبَل فِي رَابِع عشر الْمحرم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 السُّلْطَان النَّاصِر نَاصِر الدّين السُّلْطَان الْملك النَّاصِر نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور سيف الدّين قلاوون الألفي العلائي الصَّالِحِي أمه أشلون خاتون ابْنة الْأَمِير سكناي بن قراجين بن جنكاي نوين. ولد يَوْم السبت النّصْف من الْمحرم سنة أَربع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة بقلعة الْجَبَل من مصر فَلَمَّا قتل أَخُوهُ الْملك الْأَشْرَف صَلَاح الدّين خَلِيل بِالْقربِ من تروجة وعدي الْأَمِير زين الدّين كتبغا والأمراء اجْتمع بهم الْأَمِير علم الدّين سنجر الشجاعي وَمن كَانَ بِالْقَاهِرَةِ والقلعة من الْأُمَرَاء الصالحية والمنصورية وقرروا سلطنة النَّاصِر مُحَمَّد وأحضروه وعمره تسع سِنِين سوا فِي يَوْم السبت سادس عشر الْمحرم سنة ثَلَاث وَتِسْعين وسِتمِائَة وأجلسوه على سَرِير السلطنة. ورتبوا الْأَمِير زين الدّين كتبغا نَائِب السلطنة عوضا عَن بيدرا والأمير علم الدّين سنجر الشجاعي وزيراً ومدبراً عوضا عَن ابْن السلعوس والأمير حسام الدّين لاجين الرُّومِي الأستادار أطابك العساكر والأمير ركن الدّين بيبرس الجاشنكير أستادارا والأمير ركن الدّين بيبرس الدوادار دواداراً وَأعْطِي إمرة مائَة فَارس وتقدمة ألف وَجعل إِلَيْهِ أَمر ديوَان الْإِنْشَاء فِي المكاتبات والأجوبة والبريد. وَأنْفق فِي الْعَسْكَر وحلفوا فَصَارَ كتبغا هُوَ الْقَائِم بِجَمِيعِ أُمُور الدولة وَلَيْسَ للْملك النَّاصِر من السلطنة إِلَّا اسْم الْملك من غير زِيَادَة على ذَلِك وَسكن كتبغا بدار النِّيَابَة من القلعة وَجعل الخوان يمد بَين يَدَيْهِ. وَأما الشَّام فَإِنَّهُ كتب إِلَى دمشق كتاب على لِسَان الْملك الْأَشْرَف ومضمونه: إِنَّا قد استنبنا أخانا الْملك النَّاصِر مُحَمَّدًا وجعلناه ولي عهدنا حَتَّى إِذا توجهنا إِلَى لِقَاء عَدو يكون لنا من يخلفنا ورسم فِيهِ بتحليف النَّاس للْملك النَّاصِر مُحَمَّد وَأَن يقرن اسْمه باسم الْأَشْرَف فِي الْخطْبَة. وَتوجه بِالْكتاب الْأَمِير سيف الدّين ساطلمش وَسيف الدّين بهادر التتري فدخلا دمشق يَوْم الْجُمُعَة رَابِع عشريه وَجمع الْأَمِير عز الدّين أيبك الْحَمَوِيّ نَائِب دمشق الْأُمَرَاء والمقدمين والقضاة والأعيان وحلفهم وخطب باسم الْملك الْأَشْرَف وَالْملك النَّاصِر ولي عَهده وَكَانَ ذَلِك من تَدْبِير الشجاعي فَقدم من الْغَد الْبَرِيد إِلَى دمشق بالحوطة على مَوْجُود بيدرا ولاجين وقرا سنقر وطرنطاي الساقي وسنقرشاه وبهادر رَأس نوبَة فَظهر قتل الْأَشْرَف وَإِقَامَة أَخِيه النَّاصِر بعده. فاستمر الْأَمر فِي الْخطْبَة بِالشَّام على ذَلِك إِلَى حادي عشر ربيع الأول حَتَّى ورد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 مرسوم ناصري بِالْخطْبَةِ للْملك النَّاصِر وَحده بالسلطنة فَخَطب لَهُ كَذَلِك فِي يَوْم الْجُمُعَة حادي عشر ربيع الأول وترحم على أَبِيه الْمَنْصُور وأخيه الْأَشْرَف. ثمَّ كتب إِلَى وَوَقع الطّلب على الْأُمَرَاء الَّذين كَانُوا مَعَ بيدرا فِي قتل الْأَشْرَف فَأول من وجد مِنْهُم الْأَمِير سيف الدّين بهادر رَأس نوبَة والأمير جمال الدّين أقش الْموصِلِي الْحَاجِب فَضربت أعناقهما وأحرقت أبدانهما فِي المجاير ثامن يَوْم سلطنة النَّاصِر. ثمَّ أَخذ بعدهمَا سَبْعَة أُمَرَاء: وهم حسام الدّين طرنطاي الساقي ونوغاي السِّلَاح دَار وَسيف الدّين الناق الساقي السِّلَاح دَار وَسيف الدّين أروس الحسامي السِّلَاح دَار وعلاء الدّين ألطبغا الجمدار وأقسنقر الحسامي وناصر الدّين مُحَمَّد بن خوجا ثمَّ قبض على قوش قرا السِّلَاح دَار وَذَلِكَ فِي الْعشْرين من الْمحرم فسجنوا بخزانة البنود من الْقَاهِرَة وتولي بيبرس الجاشنكير عقوبتهم ليقروا على من كَانَ مَعَهم ثمَّ أخرجُوا يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامن عشره وَقطعت أَيْديهم بالساطور على قرم خشب بِبَاب القلعة وسمروا على الْجمال وأيديهم معلقَة وشقوا بهم وَرَأس بيدرا على رمح قدامهم الْقَاهِرَة ومصر. وَاجْتمعَ لرؤيتهم من الْعَالم مَا لَا يُمكن حصره بِحَيْثُ كَادَت الْقَاهِرَة ومصر أَن تنهبا. ومروا بهم على أَبْوَاب دُورهمْ فَلَمَّا جازوا على دَار عَلَاء الدّين الطنبغا خرجت جواريه حاسرات يلطمن ومعهن أَوْلَاده وغلمانه قد شَقوا الثِّيَاب وَعظم صِيَاحهمْ. وَكَانَت زَوجته بِأَعْلَى الدَّار فَأَلْقَت نَفسهَا لتقع عَلَيْهِ فأمسكنها جواريها وَهِي تَقول. لَيْتَني فدَاك وَقطعت شعرهَا ورمته عَلَيْهِ فتهالك النَّاس من كَثْرَة الْبكاء رَحْمَة لَهُم واستمروا على ذَلِك أَيَّامًا: فَمنهمْ من مَاتَ على ظُهُور الْجمال وَمِنْهُم من فكت مَسَامِيرهُ وَحمل إِلَى أَهله ثمَّ أَخذ مرّة ثَانِيَة وأعيد تسميره فَمَاتَ. هَذَا وجواري الْملك الْأَشْرَف وسيال حَوَاشِيه قد لبسن الْحداد وتذرعن السخام وطفن فِي الشوارع بالنواحات يقمن المأتم فَلم ير بِمصْر أشنع من تِلْكَ الْأَيَّام. ثمَّ أَخذ بعد ذَلِك الْأَمِير سيف الدّين قجقار الساقي فشنق بسوق الْخَيل وَلم يُوقف لقراسنقر وَلَا للاجين على خبر أَلْبَتَّة. وَبلغ الْوَزير ابْن السلعوس وَهُوَ بالإسكندرية مقتل الْملك الْأَشْرَف فَخرج لَيْلًا وَسَار إِلَى الْقَاهِرَة فَنزل بزاوية الشَّيْخ جمال الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله الظَّاهِرِيّ خَارج الْقَاهِرَة وَبَات عِنْده. ثمَّ ركب مِنْهَا بكرَة بهيئته ودسته إِلَى دَاره فَأَتَاهُ الْقُضَاة والأعيان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 وسلموا عَلَيْهِ فجري مَعَهم على عَادَته من الترفع وَالْكبر وَلم يقم لأحد وَلَا احتفل بكبير. فَقَالَ لَهُ بعض أصدقائه: الرَّأْي أَن تختفي حَتَّى تسكن الْفِتْنَة فَقَالَ: هَذَا لَا نفعله وَلَا نرضاه لعامل من عمالنا فَكيف نختاره لأنفسنا وَاسْتمرّ فِي بَيته وَالنَّاس تَتَرَدَّد إِلَيْهِ خَمْسَة أَيَّام وَذَلِكَ من أجل أَن حرم الْملك الْأَشْرَف بعثن إِلَى الْأَمِير كتبغا النَّائِب يشفعن فبه فَإِنَّهُ من أحباب السُّلْطَان وأخصائه. فشق ذَلِك على الشجاعي وتحدث مَعَ كتبغا وَغَيره من الْأُمَرَاء وحرضهم عَلَيْهِ وأغراهم بِهِ فاستدعاه كتبغا فِي الْيَوْم السَّادِس وَهُوَ ثَانِي عشري الْمحرم فَركب فِي دسته على عَادَته فعندما دخل إِلَيْهِ قبض عَلَيْهِ وأسلمه للشجاعي فأحاط بِهِ وأنزله من القلعة مَاشِيا إِلَى دَاره والأعوان مُحِيطَة بِهِ فَلم يُمكن من العبور إِلَيْهَا. وَأَخذه أعدي أعاديه الْأَمِير بهاء الدّين قراقوش الظَّاهِرِيّ شاد الصُّحْبَة ليطالبه بالأموال فَضَربهُ ضربا شَدِيدا بلغ فِي مرّة وَاحِدَة ألفا وَمِائَة ضَرْبَة بالمقارع فَأنْكر عَلَيْهِ الشجاعي ذَلِك وَنقل ابْن السلعوس إِلَى الْأَمِير بدر الدّين لُؤْلُؤ المَسْعُودِيّ شاد الدَّوَاوِين فعاقبه بأنواع الْعُقُوبَات وعذبه أَشد عَذَاب واستخرج مِنْهُ مَالا كثيرا: مِنْهُ مبلغ تِسْعَة آلَاف دِينَار تَحت يَد شخص بِالشَّام فَكتب. التذاكر إِلَى الشَّام وَأخذ الْمبلغ الْمَذْكُور. وَكَانَت عُقُوبَة ابْن السلعوس فِي الْمدرسَة الصاحبية بسوبقة الصاحب من الْقَاهِرَة وَفِي كل يَوْم يضْربهُ لُؤْلُؤ بالمقارع ويخرجه من الصاحبية إِلَى القلعة وَهُوَ على حمَار فيقف لَهُ أراذل النَّاس فِي طول الطَّرِيق وَمَعَهُمْ المداسات الْمُقطعَة وَيَقُولُونَ لَهُ: يَا صَاحب علم لنا على هَذِه ويسمعونه كل مَكْرُوه فَينزل بِهِ من الخزي والنكال مَا لَا يعبر عَنهُ. وَكَانَ لُؤْلُؤ هَذَا مِمَّن أنشأه ابْن السلعوس فَإِنَّهُ كَانَ قد طلب من دمشق لما قتل مخدومه الْأَمِير طرنطاي النَّائِب وَكَانَ يَلِي ديوانه بِالشَّام فَأحْسن إِلَيْهِ ابْن السلعوس وولاه شدّ الدَّوَاوِين بِمصْر وَصَارَ يقف فِي خدمته كَأَنَّهُ بعض النُّقَبَاء فَلَا يُسَمِّيه إِلَّا لُؤْلُؤ فَقدر الله أَنه وَقع فِي يَده فَبَالغ فِي إهانته وَصَارَت الْعقُوبَة فِي كل يَوْم تتزايد عَلَيْهِ والشدائد تتضاعف ويتولى عُقُوبَته شَرّ الظلمَة وأبعدهم من الشَّفَقَة إِلَى أَن مَاتَ فِي يَوْم السبت عَاشر صفر وَقيل خَامِس عشره وَقيل سَابِع عشره وَضرب بعد مَوته ثَلَاث عشرَة مقرعة وَدفن بالقرافة. وَفِي تَاسِع عشر صفر: عزل قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة عَن وَظِيفَة الْقَضَاء وأعيد قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين عبد الرَّحْمَن ابْن بنت الْأَعَز إِلَى سَائِر مَا كَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 بِيَدِهِ من المناصب وَاسْتقر ابْن جمَاعَة فِي تدريس الْمدرسَة الناصرية بجوار قبَّة الشَّافِعِي من القرافة وتدريس المشهد الْحُسَيْنِي بِالْقَاهِرَةِ. وَفِي هَذِه الْمدَّة: أحكم الشجاعي أَمر الوزارة فاشتدت مهابة النَّاس لَهُ وقويت نَفسه وَأحب أَن يستبد بالأمور فشرع فِي إِعْمَال التَّدْبِير على الْأَمِير كتبغا ليقْبض عَلَيْهِ واستمال الْأُمَرَاء البرجية والمماليك السُّلْطَانِيَّة وَفرق فيهم نَحْو الثَّمَانِينَ ألف دِينَار سرا وَقرر مَعَهم أَن من أَتَاهُ بِرَأْس أَمِير من الْأُمَرَاء الَّذين مَعَ كتبغا فَإِنَّهُ يُعْطِيهِ إقطاعه وَأَن الْأَمِير علم الدّين سنجر البندقداري يقبض على كتبغا إِذا جلس على السماط. وَكَانَ مِمَّن اطلع على هَذَا الْأَمِير سيف الدّين قنغر التتري الْوَافِد فِي الدولة الظَّاهِرِيَّة وَهُوَ من جنس كتبغا فَأعلمهُ الْخَبَر فاحترز كتبغا على نَفسه وَأعلم أَصْحَابه من الْأُمَرَاء وَغَيرهم فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشري صفر اجْتمع الْأُمَرَاء بمساطب بَاب الْقلَّة من قلعة الْجَبَل على الْعَادة ينتظرون فتح بَاب القلعة ليركبوا فِي خدمَة الْأَمِير كتبغا فِي الموكب كَمَا جرت بِهِ الْعَادة فَلم يشعروا إِلَّا برسالة قد خرجت على لِسَان أَمِير جاندار بِطَلَب جمَاعَة من الْأُمَرَاء: وهم سيف الدّين قبجق وَبدر الدّين عبد الله السِّلَاح دَار حَامِل الجتر وَسيف الدّين قبليي وركن الدّين عمر السِّلَاح دَار أَخُو تمر وَسيف الدّين كرجي وَسيف الدّين طرنجي وقرمشي السِّلَاح دَار وبوري السِّلَاح دَار ولاجين جركسي ومغلطاي المَسْعُودِيّ وكرد الساقي فَدَخَلُوا إِلَى الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة. وَقَامَ بَقِيَّة الْأُمَرَاء للرُّكُوب فَبَيْنَمَا هم يَسِيرُونَ تَحت القلعة بالميدان الْأسود جَاءَ الْأَمِير قنغر وَمَعَهُ ابْنه جاورجي فأخبرا النَّائِب كتبغا أَن الْأُمَرَاء الَّذين استدعوا اعتقلوا وَأَن الشجاعي قد دبر أَنَّك إِذا طلعت قبض عَلَيْك وعَلى من مَعَك وَقت الْجُلُوس على السماط. فَعرف كتبغا الْأُمَرَاء الَّذين مَعَه بِمَا قَالَ قنغر وَولده فتوقفوا عَن الطُّلُوع إِلَى القلعة. واستعجل الْأَمِير علم الدّين البندقداري وَعمل مَا لَا كَانَ يَنْبَغِي وَذَلِكَ أَنه كَانَ فِي الموكب سيف الدّين برلغي أَمِير مجْلِس وركن الدّين بيبرس الجاشنكير الأستادار فَلم يشْعر بيبرس إِلَّا وضربة دبوس جَاءَتْهُ فِي رَأسه أثرت فِيهِ أثرا بَقِي فِيهِ بعد ذَلِك وَقبض عَلَيْهِ وعَلى برلغي وَبعث بهما إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة. وَعند قبضهما قَالَ سنجر البندقداري لكتبغا النَّائِب فِي جملَة كَلَام فاوضه بِهِ: أَيْن لاجين أحضرهُ فَقَالَ كتبغا: مَا هُوَ عِنْدِي فَقَالَ سنجر: وَالله هُوَ عنْدك وجرد سَيْفه ليضْرب بِهِ كتبغا فبادره من وَرَائه بكتوت الْأَزْرَق مَمْلُوك كتبغا وضربه بِسيف حل كتفه وَنزل إِلَيْهِ بَقِيَّة مماليك كتبغا وذبحوه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 وسَاق كتبغا وَمن مَعَه من الْأُمَرَاء: وهم بيسري وبكتاش الفخري أَمِير سلَاح وبكتوت العلائي وبهاء الدّين يَعْقُوب ونوكاي وأيبك الْموصِلِي والحاج بهادر وأقسنقر كرتيه وبلبان إِلَى بَاب المحروق وَخَرجُوا مِنْهُ فنزلوا بِظَاهِر السُّور ولبسوا عدَّة الْحَرْب. وَبعث كتبغا نقباء الْحلقَة فِي طلب المقدمين وأجناد الْحلقَة والتتر والأكراد الشمهرزورية فَحَضَرُوا إِلَيْهِ. وَركب الشجاعي وَخرج إِلَى بَاب القلعة وحرك الكوسات ليحضر إِلَيْهِ الْأُمَرَاء وأجناد الْحلقَة فَإِنَّهُ كَانَ قد صر عدَّة صرر من ذهب وراسل المقدمين وأجناد الْحلقَة يعدهم إِذا وافقوا وَقَامُوا مَعَه فَصَارَ من يحضر إِلَيْهِ يُعْطِيهِ صرة ذهب على قدره فَلم يحضر إِلَيْهِ هَذَا الْيَوْم إِلَّا من لَا يُغني وَلَا يجدي مَجِيئه شَيْئا. ثمَّ إِن كتبغا بعث إِلَى السُّلْطَان يطْلب الشجاعي وَقَالَ لَهُ: قد انْفَرد هَذَا بِرَأْيهِ فِي الْقَبْض على الْأُمَرَاء ولابد من حُضُوره فَإِنَّهُ بلغنَا عَنهُ مَا أنكرناه. فَأرْسل السُّلْطَان يعرف الشجاعي بذلك فَامْتنعَ أَن يحضر إِلَيْهِ ورجف كتبغا وَأخذ يحاصر القلعة وَقطع عَنْهَا المَاء وَبَاتُوا على ذَلِك. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة نزل الْأُمَرَاء البرجية من القلعة على حمية وقاتلوا كتبغا وَمن مَعَه من العساكر وهزموهم وَسَاقُوا خَلفهم إِلَى الْبِئْر الْبَيْضَاء وَمر كتبغا إِلَى نَاحيَة بلبيس. وَكَانَ بيسري وبكتاش فِي عدَّة من الْأُمَرَاء لم يركبُوا مَعَ كتبغا فِي هَذَا الْيَوْم فَلَمَّا سمعُوا بكسرته شقّ عَلَيْهِم ذَلِك وركبوا إِلَى البرجية وقاتلوهم وكسروهم حَتَّى ردوا إِلَى القلعة. فَقدم كتبغا بعد كَسرته وانضم مَعَ بيسري وبكتاش وتلاحق بهم النَّاس. فجدوا فِي حِصَار القلعة حَتَّى طلع الْملك النَّاصِر على البرج الْأَحْمَر وتراءى لَهُم فَنزل الْأُمَرَاء عَن خيولهم إِلَى الأَرْض وقبلوا لَهُ الأَرْض وَقَالُوا: نَحن مماليك السُّلْطَان وَلم تخلع يدا من طَاعَته وَمَا قصدنا إِلَّا حفظ نظام الدولة واتفاق الْكَلِمَة وَإِزَالَة الْفساد. وَاسْتمرّ الْحصار سَبْعَة أَيَّام وَفِي كل يَوْم ينزل الشجاعي وَمَعَهُ الْأَمِير سيف الدّين بكتمر السِّلَاح دَار والأمير سيف الدّين طغجي فِي عدَّة من المماليك السُّلْطَانِيَّة فَيكون بَينه وَبَين كتبغا وَأَصْحَابه قتال إِلَّا أَنه يتسلل مِمَّن مَعَه فِي كل يَوْم عدَّة ويصيرون إِلَى كتبغا. فَلَمَّا اشْتَدَّ الْحصار طلعت أم السُّلْطَان على سور القلعة وَسَأَلت الْأُمَرَاء عَن غرضهم حَتَّى تعْمل فَقَالُوا: مَا لنا غَرَض إِلَّا الْقَبْض على الشجاعي وإخماد الْفِتْنَة وَلَو بَقِي من بَيت أستاذنا بنت عمياء كُنَّا مماليكها لاسيما وَولده الْملك النَّاصِر حَاضر وَفِيه كِفَايَة. فانخدعت لقَولهم واتفقت مَعَ الْأُمَرَاء حسام الدّين الأتابك وغلقوا بَاب الْقلَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 من القلعة وَصَارَ الشجاعي بداره من القلعة محصورا. فَعِنْدَ ذَلِك تفرق عَنهُ أَصْحَابه ونزلوا إِلَى كتبغا فَلم يجد بدا من طلب الْأمان فَلم تجبه الْأُمَرَاء فتحير وَقَالَ: إِن كنت أَنا الْغَرِيم فَأَنا أتوجه إِلَى الْحَبْس طَوْعًا مني وَأَبْرَأ مِمَّا قيل عني وَخرج إِلَى بَاب الستارة السُّلْطَانِيَّة وَحل سَيْفه بِيَدِهِ وَذهب نَحْو البرج وَمَعَهُ الْأَمِير بهاء الدّين الأقوش والأمير سيف الدّين صمغار. وَقيل إِن الشجاعي لما أبي الْأُمَرَاء أَن يؤمنوه بعثوا آخر النَّهَار عِنْد الْعَصْر جمَاعَة فيهم الأقوش إِلَى عِنْد أم السُّلْطَان وطلبوا الشجاعي ليستشيروه فِيمَا يفعل فَلَمَّا حضر تكاثرت عَلَيْهِ المماليك ووثب عَلَيْهِ مِنْهُم أحد مماليك الأقوش وضربه من وَرَائه بِسيف أطار يَده وَثني بِأُخْرَى أسقطت رَأسه عَن بدنه وَرفعت فِي الْحَال على السُّور. وَكَانَ عمره نَحْو خمسين سنة. وَيُقَال إِنَّه لما حضر قَالَ لَهُ السُّلْطَان: يَا عمي لأي شَيْء هَذَا الَّذِي أَنْتُم فِيهِ فَقَالَ: لِأَجلِك يَا خوند فَقَالَ: خلوني أعمل شَيْئا تبقوا مُطْمَئِنين وَأَنا مَعكُمْ وَهُوَ أَنَّك تروح يَا أَمِير علم الدّين تقعد فِي مَكَان بالقلعة وَترسل وَرَائه الْأُمَرَاء ليطلعوا وَبعد أَيَّام نوفق بَيْنكُم ونعطيك قلعة بِالشَّام تروح إِلَيْهَا ونستريح مِنْهُم. فَقَامَ الْأُمَرَاء الْحَاضِرُونَ وقبضوا عَلَيْهِ وقيدوه وأخرجوه إِلَى مَكَان يسجن فِيهِ فَتوجه بِهِ الأقوش نَحْو البرج الجواني. فَلَمَّا كَانَ فِي أثْنَاء الطَّرِيق قَتله وَقطع رَأسه وَيَده وَأَخذهَا فِي ذيل قرظيته وَنزل إِلَى سوق الْخَيل والبرجية والمماليك السُّلْطَانِيَّة مُحِيطَة بِبَاب القلعة فَقَالُوا لَهُ: مَا مَعَك فَقَالَ: خبز سخن أرْسلهُ السُّلْطَان إِلَى الْأُمَرَاء ليعلموا أَن عندنَا الشَّيْء بِكَثْرَة يُرِيد بذلك النجَاة مِنْهُم. فظنوه صَادِقا وتركوه وَلَو علمُوا بِأَنَّهُ مَعَه رَأس الشجاعي لما خلص مِنْهُم. فَصَارَ إِلَى الْأُمَرَاء وناولهم الرَّأْس فبعثوا فِي الْحَال من حلف السُّلْطَان والأمراء الَّذين عِنْده. وَفتح بَاب القلعة وطلع كتبغا والأمراء إِلَى القلعة وهم راكبون إِلَى بَاب الْقلَّة ثَانِي يَوْم ودقت البشائر وَذَلِكَ يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع عشريه. فَنُوديَ بعد ذَلِك بالأمان ففتحت أَبْوَاب الْقَاهِرَة وَكَانَت كلهَا مغلقة إِلَّا بَاب زويلة وَكَذَلِكَ الْأَسْوَاق كَانَت معطلة فِي هَذِه الْمدَّة. ثمَّ رفع رَأس الشجاعي على رمح وطيف بهَا الْقَاهِرَة ومصر وَلم يدعوا زقاقا حَتَّى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 طافوا بِالرَّأْسِ فِيهِ وجبوا عَلَيْهِ مَالا كثيرا. وَفِي النَّاس من كَانَ يضْرب الرَّأْس بالمداسات وَمِنْهُم من يصفعه ويسبه وصاروا يَقُولُونَ: هَذِه رَأس الملعون الشجاعي. وسر كثير من النَّاس لمَوْته فَإِنَّهُ أَكثر من المصادرات وَنَوع الظُّلم والعسف أنواعا. وَفِيه أفرج عَن الْأُمَرَاء المعتقلين وأعيدت لَهُم إقطاعاتهم وَأَمْوَالهمْ وجددت الْأَيْمَان للسُّلْطَان ولنائبه الْأَمِير كتبغا. وَأنزل من كَانَ سَاكِنا فِي الأبراج والطباق بقلعة الْجَبَل من المماليك السُّلْطَانِيَّة الَّذين رموا بِأَنَّهُم أثاروا هَذِه الْفِتْنَة وأسكنت طَائِفَة مِنْهُم فِي مناظر الْكَبْش بجوار الْجَامِع الطولوني وَطَائِفَة فِي دَار الوزارة برحبة بَاب الْعِيد من الْقَاهِرَة وَطَائِفَة فِي مناظر الميدان الصَّالِحِي بِأَرْض اللوق واعتقلت طَائِفَة. وَفِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشريه: اسْتَقر فِي الوزارة الصاحب تَاج الدّين مُحَمَّد بن الصاحب بهاء الدّين مُحَمَّد بن الصاحب بهاء الدّين على بن حنا وَاسْتقر ابْن عَمه عز الدّين الصاحب محيي الدّين بهاء الدّين فِي وزارة الصُّحْبَة وصارا يجلسان جَمِيعًا فِي شباك الوزارة بقلعة الْجَبَل والصاحب تَاج الدّين هُوَ الَّذِي يُوقع. وَفِي سلخه: أفرج عَن الْأَمِير عز الدّين أيبك الأفرم. وَفِي ثَالِث ربيع الأول: أوقعت الحوطة بِدِمَشْق على مَوْجُود الْأَمِير علم الدّين سنجر الشجاعي وَفِي الْعشْرين من رَجَب: حلف نَائِب دمشق والأمراء بهَا للسُّلْطَان ونائبه وَولي عَهده الْأَمِير كتبغا ودعي لَهُ مَعَه فِي الْخطْبَة. وَفِي خَامِس عشريه: ركب الْملك النَّاصِر فِي أبهة الْملك وشق الْقَاهِرَة من بَاب النَّصْر حَتَّى خرج من بَاب زويلة عَائِدًا إِلَى القلعة وكتبغا والأمراء يَمْشُونَ فِي ركابه فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً ودقت البشائر بالقلعة. وَفِي يَوْم عيد الْفطر: ظهر الْأَمِير حسام الدّين لاحين الصَّغِير والأمير شمس الدّين قرا سنقر المنصوريان من الاستتار: وَكَانَا وَقت فرارهما عِنْد وقْعَة بيدرا قد أطلعا الْأَمِير سيف الدّين بتخاص الزيني مَمْلُوك الْأَمِير كتبغا بحالهما فتلطف مَعَ أستاذه كتبغا فِي أَمرهمَا حَتَّى صَار يتحدث مَعَ السُّلْطَان إِلَى أَن عَفا عَنْهُمَا ثمَّ تحدث كتبغا مَعَ الْأَمِير بكتاش فِي أَمرهمَا وانتدبه لإِصْلَاح حَالهمَا مَعَ الْأُمَرَاء فَركب وَدَار على الْأُمَرَاء وأعيان المماليك وأزال مَا كَانَ فِي نُفُوسهم من الوحشة. وَقرر الْحَال على أَنَّهُمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 يصعدان إِلَى القلعة يَوْم الْعِيد فَأتيَا سرا إِلَى بَيت الْأَمِير كتبغا بقلعة الْجَبَل فَأَخذهُمَا مَعَه وَدخل إِلَى السماط فَقبلا الأَرْض للسُّلْطَان على الْعَادة فأكرمهما وخلع عَلَيْهِمَا وَأَمرهمَا كَمَا كَانَا وَنزلا فَحمل الْأُمَرَاء إِلَيْهِمَا من التقادم مَا يجل وَصفه. وَكَانَت هَذِه الفعلة من كتبغا مَعَ لاجين كعنز السوء بحثت عَن حتفها بظلفها كَمَا ستراه قَرِيبا من وَفِيه أفرج عَن الْأَمِير حسام الدّين مهنا بن عيسي وأخوته وَأَوْلَاده. وَفِي هَذِه السّنة: قصر مد النّيل وَلم يوف بل كَانَت نهايته خَمْسَة عشر ذِرَاعا وَثلث ذِرَاع فغلت الأسعار. وفيهَا اسْتَقر فِي قَضَاء دمشق قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة عوضا عَن قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين مُحَمَّد الخويي بِحكم وَفَاته. وفيهَا سَار الشريف أَبُو نمي أَمِير مَكَّة يُرِيد مصر حَتَّى يلقِي السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف لِأَنَّهُ حلف على ذَلِك فَلَمَّا نزل يَنْبع رد إِلَيْهِ الشريف رَاجِح بن إِدْرِيس يَنْبع وجاءه الْخَبَر بقتل السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف فَرجع من يَنْبغ إِلَى مَكَّة. وغلت الأسعار بِمَكَّة فأبيع الْمَدّ الْملح بِسِتَّة دَنَانِير مَكِّيَّة وغلت بهَا الْمِيَاه فِي شعْبَان ورمضان. وَقدم حَاج الْيمن فِي كَثْرَة فبلغت الراوية أَرْبَعَة دَنَانِير وَحمل المَاء من عَرَفَة إِلَى مَكَّة. ثمَّ أغاث الله بالأمطار وَكَانَت بِمني قبله فِي يَوْم الْأَحَد فَسَار النَّاس مِنْهَا يَوْم الْأَرْبَعَاء ومضوا إِلَى بِلَادهمْ. وفيهَا قتل الْملك كيختو بن أبغا بن هولاكو. وَولي بعده بيدو بن طوغاي بن هولاكو. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان قَاضِي قُضَاة الشَّام شهَاب الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن الْخَلِيل بن سَعَادَة بن جَعْفَر بن عِيسَى المهلبي الشهير بِابْن الخويي الشَّافِعِي بِدِمَشْق عَن سبع وَسِتِّينَ سنة ولي قَضَاء حلب ودمشق ومصر وَلم يبرح مشكور السِّيرَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 وَتُوفِّي الْوَزير الصاحب فَخر الدّين أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن لُقْمَان بن أَحْمد بن مُحَمَّد الشَّيْبَانِيّ الإسعردي عَن إِحْدَى وَثَمَانِينَ سنة وزر مرَّتَيْنِ. وَتُوفِّي الْوَزير الصاحب شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عُثْمَان بن أبي الرجا بن السلعوس التنوخي عَن خمسين سنة مقتولا. وَتُوفِّي الزَّاهِد المعتقد تَقِيّ الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن على بن مُحَمَّد بن منجد السرُوجِي بِالْقَاهِرَةِ. وَتُوفِّي الْمُحدث شرف الدّين أَبُو على الْحسن بن على بن عيسي بن الْحسن بن على ابْن الصَّيْرَفِي اللَّخْمِيّ عَن نَحْو سبع وَسِتِّينَ سنة. وَمَات قبلاي خانة بن طلوي بن جنكزخان ملك الصين وَهُوَ أكبر الْخَانَات وَالْحَاكِم على كرْسِي مملكة جنكزخان. وَكَانَت مدَّته قد طَالَتْ فَقَامَ فِي مملكة الصين بعده ابْنه شبردون بن قبلاي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 فارغة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 سنة أَربع وَتِسْعين وسِتمِائَة فِي الْمحرم: ورد الْخَبَر بِأَن كيختو بن أبغا بن هولاكو الَّذِي تسلطن بعد أَخِيه أرغون فِي سنة تسعين قتل فِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين. وَملك بعده ابْن عَمه بيدو وَهُوَ ابْن طرغاي بن هولاكو فَخرج عَلَيْهِ غازان بن أرغون بن أبغا نَائِب خُرَاسَان وكسره وَأخذ الْملك مِنْهُ وَيُقَال إِنَّه أسلم على يَد الشَّيْخ صدر الدّين بن حمويه الْجُوَيْنِيّ. وَفِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء حادي عشره: اجْتمع المماليك الأشرفية الَّذين بالكبش وَخَرجُوا إِلَى الإسطبلات الَّتِي تَحت القلعة وركبوا الْخُيُول ونهبوا مَا قدرُوا عَلَيْهِ. وداروا على خوشداشيتهم فأركبوهم ومضوا إِلَى بَاب سَعَادَة من أَبْوَاب الْقَاهِرَة فَأَحْرقُوهُ ودخلوا إِلَى دَار الوزارة لِيخْرجُوا من فِيهَا من المماليك فَلم يوافقوهم على ذَلِك فتركوهم وقصدوا سوق السِّلَاح بِالْقَاهِرَةِ وفتحوا الحوانيت وَأخذُوا السِّلَاح ومضوا إِلَى خزانَة البنود وأخرجوا من فِيهَا من المماليك وَسَارُوا إِلَى إسطبل السُّلْطَان ووقفوا تَحت القلعة. فَركب الْأُمَرَاء الَّذين بالقلعة وقاتلوهم فَلم يثبتوا وانهزموا وَتَفَرَّقُوا. فَقبض عَلَيْهِم من الْقَاهِرَة وضواحيها وَلم يفلت مِنْهُم أحد فَضربت رِقَاب بَعضهم بِبَاب القلعة وَقطعت أَيدي جمَاعَة وأرجلهم وغرق غير مِنْهُم وَفِيهِمْ من أكحل وَفِيهِمْ من قطعت ألسنتهم وَمِنْهُم من صلب على بَاب زويلة وَمِنْهُم من بَقِي وَفرق بَعضهم على الْأُمَرَاء وَكَانُوا زِيَادَة على ثَلَاثمِائَة مَمْلُوك. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء حادي عشره: خلع الْملك النَّاصِر ابْن قلاوون وَكَانَت أَيَّامه سنة وَاحِدَة تنقص ثَلَاثَة أَيَّام لم يكن لي فِيهَا أَمر وَلَا نهي. السُّلْطَان زين الدّين كتبغا المنصوري السُّلْطَان الْملك الْعَادِل زين الدّين كتبغا المنصوري كَانَ فِي مُدَّة سلطنة الْملك النَّاصِر هُوَ الْقَائِم بِجَمِيعِ أُمُور الدولة وَلَيْسَ للناصر مَعَه تصرف أَلْبَتَّة. ثمَّ إِنَّه أَخذ فِي أَسبَاب السلطة بعد قتل الشجاعي. وَلما دخل الْمحرم انْقَطع فِي دَار النِّيَابَة وَأظْهر أَنه ضَعِيف الْبدن وباطن أمره إِنَّه يُرِيد أَن يُقرر أُمُوره فِي السلطنة فَخرج إِلَيْهِ النَّاصِر وعاده. فَلَمَّا كَانَت فتْنَة المماليك جلس فِي صباح تِلْكَ اللَّيْلَة بدار النِّيَابَة وَجمع الْأُمَرَاء وَقَالَ لَهُم: قد انخرق ناموس المملكة وَالْحُرْمَة لَا تتمّ بسلطنة النَّاصِر لصِغَر سنه. فاتفقوا على خلعه وَإِقَامَة كتبغا مَكَانَهُ وحلفوا لَهُ على ذَلِك وَقدم إِلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 فرس النّوبَة بِالرَّقَبَةِ الملوكية وَركب من دَار النِّيَابَة قبلي أَذَان الْعَصْر من يَوْم أَيَّامه سنة وَاحِدَة تنقض ثَلَاثَة أَيَّام الْأَرْبَعَاء حادي عشر الْمحرم وَدخل من بَاب الْقلَّة إِلَى الأدر السُّلْطَانِيَّة والأمراء مشَاة بَين يَدَيْهِ حَتَّى جلس على التخت بأهبة الْملك وتلقب بِالْملكِ الْعَادِل فَكَانَت أَيَّامه شَرّ أَيَّام من الغلاء والوباء وَكَثْرَة الموتان. وَمن عَجِيب الِاتِّفَاق أَن مشرف المطبخ السلطاني بالقلعة ضرب بعض المرقدارية فَبَلغهُ ركُوب كتبغا بشعار السلطنة فَنَهَضَ المشرف وصبيان المطبخ لرؤية السُّلْطَان وَفِيهِمْ الْمَضْرُوب وَهُوَ يَقُول: يَا نَهَار الشوم! إِن هَذَا نَهَار نحس فجري هَذَا الْكَلَام فِي هَذَا الْيَوْم على أَلْسِنَة جَمِيع النَّاس. وَفِيه نقل الْملك النَّاصِر مُحَمَّد من الْقصر وأسكن هُوَ وَأمه فِي بعض قاعات القلعة. وَفِي ثَانِي عشره: مد الْعَادِل سماطا عَظِيما وَجلسَ عَلَيْهِ فَدخل إِلَيْهِ الْأُمَرَاء وقبلوا يَده وهنئوه بالسلطنة وأكلوا مَعَه. فَلَمَّا انْقَضى الْأكل خلع على الْأَمِير حسام الدّين لاجين الصَّغِير وَاسْتقر فِي نِيَابَة السلطنة بديار مصر وخلع على الْأَمِير عز الدّين أيبك الأفرم الصَّالِحِي وَجعل أَمِير جاندار وخلع على الْأَمِير سيف الدّين الْحَاج بهادر وَاسْتقر أَمِير جاجب. وَفِي رَابِع عشره: خرج الْبَرِيد بالكتب إِلَى الْبِلَاد الشامية بسلطنة الْعَادِل كتبغا وَخرجت كتب دمشق على يَد الْأَمِير ساطلمش المنصوري فَقدم دمشق فِي سَابِع عشره وَحلف النَّائِب والأمراء ودقت البشائر. وَفِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشره: خلع على سَائِر الْأُمَرَاء وأرباب الدولة وأنعم على المماليك المقيمين بدار الوزراة من أجل أَنهم امْتَنعُوا من إِقَامَة الْفِتْنَة. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء أول شهر ربيع الأول: ركب السُّلْطَان على عَادَة الْمُلُوك واللواء الخليفتي على رَأسه والتقليد بَين يَدَيْهِ وكتبت البشائر بذلك لسَائِر النواب من إنْشَاء القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن المكرم بن أبي الْحسن بن أَحْمد الْأنْصَارِيّ. وَشرع السُّلْطَان يُؤمر مماليكه فَأمر أَرْبَعَة: وهم بتخاص وَقد جعله أستادارا وأغرلو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 وبكتوت الْأَزْرَق وقطلو بك فَرَكبُوا بالإمرة فِي يَوْم وَاحِد. وفوض السُّلْطَان وزارة دمشق للصاحب تَقِيّ الدّين تَوْبَة التكريتي على عَادَته فِي أَيَّام الْمَنْصُور قلاوون وَكتب لَهُ برد مَا أَخذ مِنْهُ فِي الدولة الأشرفية وَسَار من الْقَاهِرَة. وَفِي يرم الثُّلَاثَاء خَامِس عشري جُمَادَى الأولى: عزل الصاحب تَاج الدّين مُحَمَّد ابْن حنا من الوزارة وَاسْتقر بِالْقَاضِي فَخر الدّين عمر بن الشَّيْخ مجد الدّين عبد الْعَزِيز الخليلي الدَّارِيّ وَكَانَ نَاظر ديوانه وناظر الدَّوَاوِين فِي الوزارة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: استسقى النَّاس بِدِمَشْق لتوقف نزُول الْغَيْث وَخرج النَّائِب وَسَائِر النَّاس مشَاة. وتزايد الغلاء بديار مصر بَعْدَمَا أَقَامَت خُيُول السُّلْطَان يُؤْخَذ لَهَا الْعلف من دكاكين العلافين وَكَانَت التقاوي المخلدة قد أكلت. وَلم يكن بالأهراء السُّلْطَانِيَّة غلال فَإِن الْأَشْرَف كَانَ قد فرق الغلال وأطلقها لِلْأُمَرَاءِ وَغَيرهم حَتَّى نفد مَا فِي الأهراء. وَقصر مد النّيل كَمَا تقدم فَصَارَ الْوَزير يَشْتَرِي الغلال للمئونة بدور السُّلْطَان وللعليق فتزايد الغلاء حَتَّى بلغ تسعين درهما الأردب. وَوَقع فِي شهر ربيع الأول من هَذِه السّنة: بديار مصر كلهَا وباء وَعظم فِي الْقَاهِرَة ومصر وتزايد حَتَّى كَانَ يَمُوت فيهمَا كل يَوْم أُلُوف ويبقي الْمَيِّت مطروحا فِي الْأَزِقَّة والشوارع ملقى فِي الممرات والقوارع الْيَوْم واليومين لَا يُوجد من يدفنه لاشتغال الأصحاء بأمواتهم والسقماء بأمراضهم. وَفِي سادس عشري رَمَضَان: اسْتَقر نجم الدّين أَحْمد بن صصرى فِي قَضَاء الْعَسْكَر بِدِمَشْق وسافر من الْقَاهِرَة وأنعم على الْملك الأوحد شادي بن الزَّاهِر مجير الدّين دوادار بن الْمُجَاهِد أَسد الدّين شيركوه بن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أَسد الدّين شيركوه الأيوبي بإمرة فِي دمشق فاستقر من جملَة أُمَرَاء الطبلخاناه بهَا وَهُوَ أول من أَمر طبلخاناه من بني أَيُّوب فِي دولة التركية. فَقدم الْخَبَر بِمَوْت الْملك المظفر شمس الدّين أبي المظفر يُوسُف بن الْملك الْمَنْصُور نور الدّين عمر بن عَليّ بن رَسُول التركماني الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 صَاحب الْيمن فِي شهر رَمَضَان فَكَانَت مدَّته نَحْو خمس وَأَرْبَعين سنة وَكَانَت سيرته جَيِّدَة. وَملك بعده ابْنه الْملك الْأَشْرَف ممهد الدّين عمر ولي عهد هأيون فنازعه أَخُوهُ الْملك الْمُؤَيد هزبر الدّين دَاوُد وَجمع لقتاله وحاصر عدن ثَلَاثَة عشر يَوْمًا وملكها وَأخذ وفيهَا اسْتَقر قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة من خطابة الْجَامِع الْأمَوِي بِدِمَشْق زِيَادَة على مَا بِيَدِهِ من قَضَائهَا فَخَطب وَصلى بِالنَّاسِ يَوْم الْجُمُعَة سادس شَوَّال وَهُوَ أول من جمع لَهُ بَين الْقَضَاء والخطابة بِدِمَشْق. وفيهَا قبض على الْأَمِير عز الدّين أيبك الخازندار المنصوري نَائِب الْبِلَاد الطرابلسية وَحمل إِلَى الْقَاهِرَة فَقَدمهَا فِي حادي عشر ذِي الْقعدَة واعتقل وأقيم بدله الْأَمِير عز الدّين أيبك الْموصِلِي المنصوري. وفيهَا قصر مد النّيل وَبلغ سِتَّة عشر ذِرَاعا وَسبع عشر إصبعا ثمَّ هَبَط من ليلته وَلم يعد فتزايد الغلاء وَاشْتَدَّ الْبلَاء. وأجدبت بِلَاد برقة أَيْضا وَعم الغلاء والقحط ممالك الْمشرق وَالْمغْرب والحجاز وَبلغ سعر الأردب الْقَمْح بِمصْر مائَة وَخمسين درهما فضَّة. وتزايد موت النَّاس حَتَّى بلغت عدَّة من أطلق من الدِّيوَان فِي شهر ذِي الْحجَّة سَبْعَة عشر ألفا وَخَمْسمِائة سوى الغرباء والفقراء وهم أَضْعَاف ذَلِك وَأكل النَّاس من شدَّة الْجُوع الميتات وَالْكلاب والقطاط وَالْحمير وَأكل بَعضهم لحم بعض. وأناف عدد من عرف بِمَوْتِهِ فِي كل يَوْم ألف نفس سوى من لم يثبت اسْمه فِي الدِّيوَان. فَلَمَّا اشْتَدَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 الْأَمر فرق السُّلْطَان الْفُقَرَاء على أَرْبَاب الْأَمْوَال بِحَسب حَالهم. وفيهَا مَاتَ ملك تونس الْأَمِير أَبُو حَفْص عمر بن يحيى بن عبد الْوَاحِد لَهُنَّ أبي حَفْص لَيْلَة الْجُمُعَة رَابِع عشري ذِي الْحجَّة فَكَانَت مدَّته إِحْدَى عشرَة سنة وَثَمَانِية أشهر. وبويع أَبُو عبد الله مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِأبي عصيدة بن يحيى بن مُحَمَّد بن يحيى بن عبد الْوَاحِد. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان القان كيختو بن أبغا بن هولاكو بن طلو بن جنكزخان ملك التتار قَتِيلا فَكَانَت مُدَّة ملكه نَحْو أَربع سِنِين. وَمَات القان بيدو بن طرغاي بن هولاكو الْقَائِم بعد كيختو مقتولا فَكَانَت مُدَّة ملكه نَحْو ثَمَانِيَة أشهر وَقَامَ بعده عازان بن أرغون بن أبغا بن هولاكو. وَمَات الْملك المظفر مُحَمَّد بن الْمَنْصُور عمر بن عَليّ بن رَسُول ملك الْيمن بقلعة تعز وَقد تجَاوز ثَمَانِينَ سنة مِنْهَا مُدَّة ملكه نَحْو سبع وَأَرْبَعين سنة. وَمَات الْملك السعيد دَاوُد بن المظفر قرا أرسلان بن السعيد غَازِي بن الْمَنْصُور أرتق ابْن إيلغازي بن ألبى تمرتاش بن إيلغازي بن أرتق صَاحب ماردين وَقَامَ بعده أَخُوهُ الْمَنْصُور غَازِي. وَتُوفِّي شرف الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن أَحْمد بن نعدة بن أَحْمد بن جَعْفَر بن الْحُسَيْن ابْن حَمَّاد الْقُدسِي الشَّافِعِي عَن ثَلَاث وَسبعين سنة بِدِمَشْق وَقد انْتَهَت إِلَيْهِ رياسة الفتوي وَولي خطابة الْجَامِع الْأمَوِي. وَتُوفِّي عز الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 عمر بن فرج بن أَحْمد بن سَابُور الفاروثي الوَاسِطِيّ الشَّافِعِي عَن ثَمَانِينَ سنة بواسط وَكَانَ قد ولي الخطابة بعد ابْن المرحل وَكَانَ إِمَامًا فِي عدَّة فنون. وَتُوفِّي محب الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الطَّبَرِيّ الْمَكِّيّ الشَّافِعِي فَقِيه الْحجاز بِمَكَّة عَن تسع وَسبعين سنة. وَتُوفِّي شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن السَّاكِن الطوسي المشهدي بِالْقَاهِرَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 (سنة خمس وَتِسْعين وسِتمِائَة) فِي الْمحرم: حدث بقرية جُبَّة عَسَّال من قرى دمشق أَمر عَجِيب: وَهُوَ أَن شَابًّا من أَهلهَا خرج بثور لَهُ يسْقِيه المَاء فَلَمَّا فرغ الثور من شربه حمد الله فتعجب الصَّبِي من ذَلِك وَحَكَاهُ فَلم يصدق. فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْم الثَّانِي خرج صَاحب الثور بِهِ ليسقيه فَشرب وَحمد الله بعد فَرَاغه فَمضى بِهِ وَكثر ذكر ذَلِك بالقرية. فَخرج بِهِ فِي الْيَوْم الثَّالِث وَقد حضر أهل الْقرْيَة فعندما فرغ الثور من شربه سَمعه الْجَمِيع وَهُوَ يحمد الله. فَتقدم بَعضهم وَسَأَلَهُ فَقَالَ الثور بِكَلَام سَمعه من حضر: إِن الله عز وَجل كَانَ قد كتب على الْأمة سبع سِنِين جدباً وَلَكِن بشفاعة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أبدلها الله تعال بِالْخصْبِ. وَذكر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمره بتبليغ ذَلِك إِلَى النَّاس. قَالَ الثور فَقلت: يَا رَسُول الله مَا عَلامَة صدقي عِنْدهم قَالَ: أَن تَمُوت عقيب الْإِخْبَار ثمَّ مضى الثور إِلَى مَوضِع مُرْتَفع وَسقط مَيتا فتقاسم أهل الْقرْيَة شعره للتبرك بِهِ وكفنوه ودفنوه وَحضر إِلَى قلعة الْجَبَل محْضر ثَابت على قَاضِي الْولَايَة بِهَذِهِ الْحَادِثَة. وَفِي ربيع الأول: قدم الْبَرِيد بوصول طَائِفَة الأويراتية من التتار ومقدمهم طرغاي زوج بنت هولاكو وَإِنَّهُم نَحْو الثَّمَانِية عشر ألف بَيت وَقد فروا من غازان ملك التتار وعبروا الْفُرَات يُرِيدُونَ الشَّام. فَكتب إِلَى نَائِب الشَّام أَن يبْعَث إِلَيْهِم الْأَمِير علم الدّين سنجر الدواداري إِلَى الرحبة ليلقاهم فَخرج من دمشق ثمَّ توجه بعده الْأَمِير سنقر الأعسر شاد الدَّوَاوِين بِدِمَشْق وَخرج الْأَمِير قراسنقر المنصوري من الْقَاهِرَة أَيْضا فوصل دمشق فِي ثَانِي عشريه ثمَّ تبعه الْأَمِير سيف الدّين الْحَاج بهادر الْحلَبِي الْحَاجِب فَأَقَامَ بِدِمَشْق حَتَّى وصلت أَعْيَان الأويراتية صُحْبَة سنقر الأعسر فِي ثَالِث عشريه. وَكَانَت عدتهمْ مائَة وَثَلَاثَة عشر رجلا ومقدمهم طرغاي وَمن ثمَّ سَار بهم الْأَمِير قراسنقر إِلَى الْقَاهِرَة يَوْم الْإِثْنَيْنِ سَابِع ربيع الآخر فَلَمَّا وصلوا بَالغ السُّلْطَان فِي إكرامهم وَالْإِحْسَان إِلَيْهِم وَأمر عدَّة مِنْهُم. وبقوا على كفرهم وَدخل شهر رَمَضَان فَلم يصم مِنْهُم أحد وصاروا يَأْكُلُون الْخَيل من غير ذَبحهَا بل يرْبط الْفرس وَيضْرب على وَجهه حَتَّى يَمُوت فيؤكل. فَأَنف الْأُمَرَاء من جلوسهم مَعَهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 بِبَاب الْقلَّة فِي الْخدمَة وَعظم على النَّاس إكرامهم وتزايد بَعضهم فِي السُّلْطَان وَانْطَلَقت الْأَلْسِنَة بذمه حَتَّى أوجب ذَلِك خلع السُّلْطَان فِيمَا بعد. وَأما بَقِيَّة الأويراتية فَإِنَّهُ كتب إِلَى سنجر الدواداري أَن ينزلهم بِبِلَاد السَّاحِل فَمر بهم على مرج دمشق وأخرجت الْأَسْوَاق إِلَيْهِم فَنصبت بالمرج وبمنزلة الصنمين وَفِي الْكسْوَة وَلم يُمكن أحد من الأويرايتة أَن يدْخل مَدِينَة دمشق. وأنزلوا من أَرَاضِي عثليث ممتدين فِي بِلَاد السَّاحِل وَأقَام الْأَمِير سنجر عِنْدهم إِلَى أَن حضر السُّلْطَان إِلَى الشَّام. وَقد هلك مِنْهُم عَالم كَبِير وَأخذ الْأُمَرَاء أَوْلَادهم الشَّبَاب للْخدمَة وَكَثُرت الرَّغْبَة فيهم لجمالهم وَتزَوج النَّاس ببناتهم وتنافس الْأُمَرَاء والأجناد وَغَيرهم فِي صبيانهم وبناتهم ثمَّ انغمس من بَقِي مِنْهُم فِي العساكر فَتَفَرَّقُوا فِي الممالك ودخلوا فِي الْإِسْلَام واختلطوا بِأَهْل الْبِلَاد. وَفِي يَوْم السبت ثامن عشر جُمَادَى الأولى: اسْتَقر فِي قَضَاء الْقُضَاة بديار مصر تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن مجد الدّين عَليّ بن وهب بن مُطِيع الْقشيرِي الْمَعْرُوف بِابْن دَقِيق الْعِيد الشَّافِعِي بعد وَفَاة قَاضِي الْقُضَاة ذِي الرياستين تَقِيّ الدّين عبد الرَّحْمَن بن قَاضِي الْقُضَاة ذِي الرياستين تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب بن خلف بن بدر العلامي الْمَعْرُوف بِابْن بنت الْأَعَز. وَفِي هَذِه السّنة: اشْتَدَّ الغلاء وَبلغ سعر الأردب الْقَمْح الْمصْرِيّ إِلَى مائَة وَثَمَانِينَ درهما وَالشعِير تعدِي الأردب مِنْهُ مائَة دِرْهَم والفول بِنَحْوِ تسعين درهما الأردب. وَبلغ الترس سِتِّينَ درهما الأردب بعد خَمْسَة دَرَاهِم وأبيع الْخبز كل رَطْل بدرهم نقرة وأبيع الْفروج بِعشْرين درهما بعد ثَلَاثَة دَرَاهِم. وذبحت فراريج للمرضى ثمَّ وزن لَحمهَا فَوقف كل وزن دِرْهَم مِنْهَا بدرهم فضَّة وأبيعت بطيخة صيفية للمرضى بِمِائَة دِرْهَم فضَّة وأبيع الرطل مِنْهُ بأَرْبعَة دَرَاهِم. وأبيعت سفرجلة بِثَلَاثِينَ درهما وكل رَطْل لحم بسبعة دَرَاهِم وكل سبع حبات من بيض الدجاح بدرهم وَلم يزدْ سعر الْقَمْح فِي بِلَاد الصَّعِيد الْأَعْلَى على خَمْسَة وَسبعين درهما الأردب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 وَهلك مُعظم الدَّوَابّ لعدم الْعلف حَتَّى لم تُوجد دَابَّة للكراء وَهَلَكت الْكلاب والقطاط من الْجُوع. وانكشف حَال كثير من النَّاس وشحت الأنفسي حَتَّى صَار أكَابِر الْأُمَرَاء يمْنَعُونَ من يدْخل عَلَيْهِم من الْأَعْيَان عِنْد مد أسمطتهم. وَكثر تَعْزِير محتسب الْقَاهِرَة ومصر لبياعي لُحُوم الْكلاب وَالْمَيتَات ثمَّ تفاقم الْأَمر فَأكل النَّاس الْميتَة من الْكلاب والمواشي وَبني آدم وَأكل النِّسَاء أَوْلَادهنَّ الْمَوْتَى. ورأي بعض الْأُمَرَاء بِبَاب دَاره امْرَأَة لَهَا هَيْئَة حَسَنَة وَهِي تستعطي فرق لَهَا وأدخلها دَاره فَإِذا هِيَ جميلَة فأحضر لَهَا رغيفا وإناء مملوءاً طَعَاما أَكلته كُله وَلم تشبع فَقدم إِلَهًا مثله فأكلته وَشَكتْ الْجُوع فَمَا زَالَ يقدم لَهَا وَهِي تَأْكُل حَتَّى اكتفت ثمَّ استندت إِلَى الْحَائِط ونامت فَلَمَّا حركوها وجدت ميتَة فاخذوا من كتفيها جرابا فلفوا فِيهِ يَد إِنْسَان صَغِير وَرجله فَأخذ الْأَمِير ذَلِك وَصعد بِهِ القلعة وَأرَاهُ السُّلْطَان والأمراء. ثمَّ إِن الأسعار انْحَلَّت فِي شهر رَجَب حَتَّى أبيع الأردب الْقَمْح بِخَمْسَة وَثَلَاثِينَ درهما وَالشعِير بِخَمْسَة وَعشْرين درهما الأردب. وَأما النّيل فَإِنَّهُ توقف ثمَّ وَفِي سِتَّة عشر ذِرَاعا وَكسر الخليج فنقص فِي يَوْم عيد الْفطر بعد الْكسر نقصا فَاحِشا ثمَّ زَاد. فتزايد السّعر وَسَاءَتْ ظنون النَّاس وَكثر الشُّح وَضَاقَتْ الأرزاق ووقفت الْأَحْوَال وَاشْتَدَّ الْبكاء وَعظم ضجيج النَّاس فِي الْأَسْوَاق من شدَّة الغلاء. وتزايد الوباء بِحَيْثُ كَانَ يخرج من كل بَاب من أَبْوَاب الْقَاهِرَة فِي كل يَوْم مَا يزِيد على سَبْعمِائة ميت وَيغسل فِي الميضأة من الغرباء الطرحاء فِي كل يَوْم نَحْو الْمِائَة وَالْخمسين مَيتا وَلَا يكَاد يُوجد بَاب أحد من المستورين بِالْقَاهِرَةِ ومصر إِلَّا وَيُصْبِح على بَابه عدَّة أموات قد طرحوا حَتَّى يكفنهم فيشتغل نَهَاره. ثمَّ تزايد الْأَمر فَصَارَت الْأَمْوَات تدفن بِغَيْر غسل وَلَا كفن فَإِنَّهُ يدْفن الْوَاحِد فِي ثوب ثمَّ سَاعَة مَا يوضع فِي حفرته يُؤْخَذ ثَوْبه حَتَّى يلبس لمَيت آخر فيكفن فِي الثَّوْب الْوَاحِد عدَّة أموات. وَعجز النَّاس عَن مواراة الْأَمْوَات فِي الْقُبُور لكثرتهم وَقلة من يحْفر لَهُم فَعمِلت حفائر كبار ألقيت فِيهَا الْأَمْوَات من الرِّجَال وَالنِّسَاء وَالصبيان حَتَّى تمتلئ الحفرة ثمَّ تطم بِالتُّرَابِ. وانتدب أنَاس لحمل الْأَمْوَات ورميهم فِي الْحفر فَكَانُوا يَأْخُذُونَ عَن كل ميت نصف دِرْهَم فيحمله الْوَاحِد مِنْهُم وَيُلْقِيه إِمَّا فِي حُفْرَة أَو فِي النّيل إِن كَانَ قَرِيبا مِنْهُ. وَصَارَت الْوُلَاة بِالْقَاهِرَةِ ومصر تحمل الْأَمْوَات فِي شباك على الْجمال ويعلقون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 الْمَيِّت بيدَيْهِ ورحليه من الْجَانِبَيْنِ وَيَرْمِي فِي الْحفر بالكيمان من غير غسل وَلَا كفن وَرمي كثير من الْأَمْوَات فِي الْآبَار حَتَّى تملأ ثمَّ تردم. وَمَات كثير من النَّاس بأطراف الْبِلَاد فَبَقيَ على الطرقات حَتَّى أَكلته الْكلاب وَأكل كثيرا مِنْهَا بَنو آدم أَيْضا وَحصر فِي شهر وَاحِد من هَذِه السّنة عدَّة من مَاتَ مِمَّن قدر على مَعْرفَته فبلغت الْعدة مائَة ألف وَسَبْعَة وَعشْرين ألف إِنْسَان وَعظم الموتان فِي أَعمال مصر كلهَا حَتَّى خلت الْقرى. وَتَأَخر الْمَطَر بِبِلَاد الشَّام حَتَّى دخل فصل الشتَاء لَيْلَة الْخَمِيس سادس صفر وَهُوَ سادس عشر كانون الأول وَلم يَقع الْمَطَر فتزايدت الأسعار فِي سَائِر بِلَاد الشَّام. وجفت الْمِيَاه فَكَانَت الدَّابَّة تَسْقِي بدرهم شربة وَاحِدَة وَيشْرب الرجل بِربع دِرْهَم شربة وَاحِدَة وَلم يبْق عشب وَلَا مرعي. وَبلغ الْقَمْح كل غرارة فِي دمشق بِمِائَة وَسبعين درهما وَالْخبْز كل رَطْل وأوقتين بدرهم وَاللَّحم كل رَطْل بأَرْبعَة دَرَاهِم وَنصف ثمَّ إِن الشَّيْخ شرف الدّين أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن سِبَاع الْفَزارِيّ قَرَأَ صَحِيح البُخَارِيّ تَحت قبَّة النسْر بالجامع الْأمَوِي بِدِمَشْق فِي يَوْم الْأَحَد تَاسِع صفر فَسقط الْمَطَر فِي تِلْكَ اللَّيْلَة وَاسْتمرّ عدَّة أَيَّام وعقبه ثلج فسر النَّاس إِلَّا أَن الأسعار تزايدت ثمَّ انحطت وَاشْتَدَّ الغلاء بالحجاز حَتَّى أبيعت الغرارة الْقَمْح فِي مَكَّة بِأَلف ومائتي دِرْهَم. وَفِي رَجَب: وَقعت صَاعِقَة على قبَّة زَمْزَم فقتلت الشَّيْخ عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد السَّلَام مُؤذن الْحرم وَهُوَ يُؤذن على سطح الْقبَّة. وفيهَا قدمت أم الْملك الْعَادِل سلامش بن السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر بيبرس من بِلَاد الْقُسْطَنْطِينِيَّة إِلَى دمشق فِي حادي عشر رَمَضَان وسارت إِلَى الْقَاهِرَة فِي ثامن عشره. وفيهَا مَاتَ الْملك السعيد إيلغازي بن المظفر فَخر الدّين قرا أرسلان الأرتقي صَاحب ماردين فَكَانَت أَيَّامه قَرِيبا من ثَلَاث سِنِين وَقَامَ من بعده أَخُوهُ الْملك الْمَنْصُور نجم الدّين عازي. وَفِي يَوْم السبت سَابِع عشر شَوَّال: خرج السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل بعساكر مصر يُرِيد الشَّام واستخلف الْأَمِير شمس الدّين كرتيه فِي نِيَابَة السلطنة وَولده الْملك الْمُجَاهِد أنص. فَدخل دمشق فِي يَوْم السبت خَامِس عشر ذِي الْقعدَة، وَحمل الْأَمِير بيسرى الجتر على رَأسه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 وَفِيه اسْتَقر تَقِيّ الدّين سُلَيْمَان فِي قَضَاء الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق عوضا عَن شرف الدّين حسن بن عبد الله بن مُحَمَّد بن قدامَة الْمَقْدِسِي بِحكم وَفَاته فِي ثَانِي عشري شَوَّال. وَلما اسْتَقر السُّلْطَان بِدِمَشْق خلع فِي سادس عشره على الْأُمَرَاء وَأهل الدولة وَشرع الصاحب فَخر الدّين الخليلي فِي مصادرات أهل دمشق من الْوُلَاة والشادين ورسم على سنقر الأعسر شاد الدَّوَاوِين وعزل أسندمر كرجي وَإِلَى الْبر وَولي عوضه عَلَاء الدّين ابْن الجاكي وألزم الأعسر وَسَائِر المباشرين بأموال جزيلة. وَفِي رَابِع عشريه: قدم الْملك المظفر صَاحب حماة إِلَى دمشق فَتَلقاهُ السُّلْطَان وأكرمه وَخرج عَسْكَر كَبِير إِلَى حلب. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشريه: صلى السُّلْطَان بالجامع الْأمَوِي وخلع على خَطِيبه قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي ذِي الْحجَّة: عزل الْأَمِير عز الدّين أيبك الْحَمَوِيّ عَن نِيَابَة دمشق وَوَقعت الحوطة على خيوله وأمواله وَاسْتقر فِي نِيَابَة دمشق الْأَمِير سيف الدّين أغرلو العادلي وعمره نَحْو الثَّلَاثِينَ سنة وَاسْتقر أيبك الْحَمَوِيّ نَائِب دمشق على إقطاع أغرلو بديار مصر وخلع عَلَيْهِ وَفِي ثامنه: اسْتَقر فِي وزارة دمشق عوضا عَن تَقِيّ الدّين تَوْبَة وَكيل السُّلْطَان شهَاب الدّين وَفِي ثَانِي عشره: خرج السُّلْطَان إِلَى حمص ليتصيد فَدَخلَهَا فِي تَاسِع عشره وَحضر إِلَيْهِ نَائِب حلب وَبَقِيَّة النواب. وانسلخت هَذِه السّنة وَالسُّلْطَان على جوسية من قرى حمص بمخيمه وَكَانَ قد اشْتَرَاهَا. وفيهَا ولي الشريف شمس الدّين مُحَمَّد بن شهَاب الدّين الْحُسَيْن بن شمس الدّين مُحَمَّد قَاضِي الْعَسْكَر نقابة الْأَشْرَاف بديار مصر بعد وَفَاة الشريف عز الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد ابْن عبد الرَّحْمَن الْحلَبِي وَاسْتقر فِي قَضَاء الحنابله بِدِمَشْق تَقِيّ الدّين أَبُو الْفضل ابْن عبد الرَّحْمَن الْحلَبِي سُلَيْمَان بن حَمْزَة بعد موت شرف الدّين حسن بن عبد الله بن الشَّيْخ أبي عمر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 وفيهَا اسْتَقر الْملك الْمُؤَيد هزبر الدّين دَاوُد بن المظفر مُحَمَّد بن عمر بن على مملكة الْيمن بعد موت أَخِيه الْأَشْرَف ممهد الدّين عمر. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان الْملك الْأَشْرَف عمر بن المظفر مُحَمَّد بن الْمَنْصُور عمر بن عَليّ بن رَسُول متملك الْيمن وَقد قَارب سبعين سنة. وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة ذُو الرياستين تَقِيّ الدّين أَبُو الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن بن تَاج الدّين أبي مُحَمَّد وَتُوفِّي قَاضِي الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق شرف الدّين أَبُو الْفَضَائِل الْحسن بن عبد الله بن الشَّيْخ أبي عمر مُحَمَّد بن الْحسن بن مُحَمَّد بن قدامَة الْمَقْدِسِي بِدِمَشْق عَن سبع وَخمسين سنة. وَتُوفِّي الْعَلامَة زين الدّين أَبُو البركات المنجا بن عُثْمَان بن أسعد بن المنجا التنوخي الدِّمَشْقِي الْحَنْبَلِيّ عَن نَحْو خمس وَسِتِّينَ سنة بِدِمَشْق. وَتُوفِّي الصاحب محيى الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن هبة الله ابْن طَارق بن سَلامَة بن النّحاس الْآمِدِيّ الْحلَبِي الْحَنَفِيّ بِدِمَشْق عَن إِحْدَى وَثَمَانِينَ سنة وَكَانَت قد انْتَهَت إِلَيْهِ مشيخة فقه الْحَنَفِيَّة وَولي قَضَاء حلب ثمَّ وزارة دمشق. وَتُوفِّي تَاج الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد السَّلَام بن المطهر بن أبي سعد عبد الله ابْن مُحَمَّد بن هبة الله بن عَليّ بن المطهر بن أبي عصرون التَّمِيمِي الْموصِلِي الشَّافِعِي بِدِمَشْق عَن خمس وَثَمَانِينَ سنة. وَتُوفِّي المقرىء الزَّاهِد شرف الدّين أَبُو الثَّنَاء مُحَمَّد بن أَحْمد بن مبادر بن ضحاك التاذفي بِدِمَشْق عَن إِحْدَى وَسبعين سنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 وَتُوفِّي السراج أَبُو حَفْص عمر بن مُحَمَّد بن الْحسن الْوراق الشَّاعِر عَن نَحْو سبعين سنة. وَتُوفِّي أَبُو الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن بن عبد الْوَهَّاب بن خلف بن مَحْمُود الشَّافِعِي الْفَقِيه الأديب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 فارغة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 سنة سِتّ وَتِسْعين وسِتمِائَة فِي ثَانِي الْمحرم قدم السُّلْطَان من حمص إِلَى دمشق. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة رابعه: صلى صَلَاة الْجُمُعَة بالجامع الْأمَوِي وَأخذ قصصاً كَثِيرَة رفعت إِلَيْهِ ورأي بيد رجل قصَّة فَتقدم إِلَيْهِ بِنَفسِهِ ومشي عدَّة خطوَات حَتَّى أَخذ الْقِصَّة مِنْهُ بِيَدِهِ. وَفِي سَابِع عشره: أنعم على الْملك الْكَامِل نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْملك السعيد بن الصَّالح عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب بإمرة طبلخاناه بِدِمَشْق. وَفِي حادي عشريه: قبض على الْأَمِير أسندمر كرجي واعتقل بقلعة دمشق وعزل سنقر الأعسر عَن شدّ الدَّوَاوِين بِدِمَشْق وَاسْتقر عوضه الْأَمِير فتح الدّين عمر بن مُحَمَّد ابْن صبرَة. وَفِي بكرَة يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي عشريه: رَحل السُّلْطَان من دمشق بعساكره يُرِيد الْقَاهِرَة وَقد توغرت صُدُور الْأُمَرَاء وتواعدوا على الفتك بِهِ. فَسَار إِلَى أَن نزل بالعوجاء قَرِيبا من الرملة وَحضر الْأُمَرَاء عِنْده بالدهليز فَأمر بإحضار الْأَمِير بيسري فَطلب طلبا حثيثاً فَلَمَّا حضر لم يقم لَهُ على عَادَته وَأَغْلظ لَهُ فِي الْكَلَام وَنسبه إِلَى أَنه كَاتب التتار فَكَانَت بَينهمَا مُفَاوَضَة ثمَّ نَهَضَ السُّلْطَان وانفض الْأُمَرَاء وَقد حرك مِنْهُم مَا كَانَ عِنْدهم كامناً. فَاجْتمعُوا عِنْد الْأَمِير حسام لاجين النَّائِب وَفِيهِمْ بيسري وسألوه عَمَّا كَانَ من السُّلْطَان فِي حق فَقَالَ: إِن مماليك السُّلْطَان كتبُوا عَنْك كتبا إِلَى التتار وأحضروها إِلَيْهِ وَقَالُوا إِنَّك كتبتها وَنِيَّته الْقَبْض عَلَيْك إِذا وصل إِلَى مصر وَأَن يقبض على أَيْضا وعَلى أكَابِر الْأُمَرَاء وَيقدم مماليكه. فَأَجْمعُوا عِنْد ذَلِك على مبادرة السُّلْطَان فَرَكبُوا يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع عشري الْمحرم وَقت الظّهْر: وهم لاجين بيسري وقرا سنقر وقبجاق والحاج بهادر الْحَاجِب فِي آخَرين واستصحبوا مَعَهم حمل نقارات وَسَاقُوا ملبسين إِلَى بَاب الدهليز وحركت النقارات حَرْبِيّا. فَركب عدَّة من العادلية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 واقتتلوا فَتقدم تكلان العادلي فَضَربهُ الْأَمِير لاجين فِي وَجهه ضَرْبَة أخذت مِنْهُ جانباً كَبِيرا وجرح تكلان فرس لاجين وَقتل الْأَمِير بدر الدّين بكتوت الْأَزْرَق العادلي فِي خيمته وَقتل الْأَمِير سيف الدّين بتخاص العادلي وَقد فر إِلَى الدهليز فأدركوه بِبَاب الدهليز فَقَتَلُوهُ وجرحوا عدَّة من المماليك العادلية. فَلم يثبت الْعَادِل وَخرج من ظهر الدهليز وَركب فرس النّوبَة ببغلطاق صدر وَعبر على قنطرة العوجاء يُرِيد دمشق من غير أَن يفْطن بِهِ أحد وَلم يُدْرِكهُ سوي خَمْسَة من مماليكه. وهجم لاجين على الدهليز فَلم يجد الْعَادِل وبلغه أَنه فر فساق خَلفه فَلم يُدْرِكهُ وَرجع إِلَى الدهليز فَلَمَّا عاينه الْأُمَرَاء ترجلوا لَهُ وَمَشوا فِي ركابه حَتَّى نزل. فَكَانَت مُدَّة كتبغا مُنْذُ جلس على التخت بقلعة الْجَبَل فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء حادي عشر الْمحرم سنة أَربع وَتِسْعين وسِتمِائَة وَإِلَى أَن فَارق الدهليز بِمَنْزِلَة العوجاء فِي يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع عشري الْمحرم سنة سِتّ السُّلْطَان حسام الدّين لاجين السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور حسام الدّين لاجين المنصووي الْمَعْرُوف بالصغير كَانَ أَولا من جملَة مماليك الْملك الْمَنْصُور عَليّ بن الْملك الْمعز أيبك فَلَمَّا خلع اشْتَرَاهُ الْأَمِير سيف الدّين قلاوون وَهُوَ أَمِير بسبعمائة وَخمسين درهما من غير مَالك شَرْعِي فَلَمَّا تبين لَهُ أَنه من مماليك الْمَنْصُور اشْتَرَاهُ مرّة ثَانِيَة بِحكم بيع قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب ابْن بنت الْأَعَز لَهُ عَن الْمَنْصُور وَهُوَ غَائِب بِبِلَاد الأشكري. وَعرف حِين بَيْعه بشقير فربي عِنْد قلاوون وَقيل لَهُ لاجين الصَّغِير وترقى فِي خدمته من الأوشاقية إِلَى السِّلَاح دارية. ثمَّ أمره قلاوون واستنابه بِدِمَشْق لما ملك وَهُوَ لَا يعرف إِلَّا بلاجين الصَّغِير فَشَكَرت سيرته فِي النِّيَابَة وأحبته الرّعية لعفته عَمَّا فِي أَيْديهم فَلَمَّا ملك الْأَشْرَف خَلِيل بن قلاوون قبض عَلَيْهِ وعزله عَن نِيَابَة دمشق ثمَّ أفرج عَنهُ وولاه إمرة السِّلَاح دَار كَمَا كَانَ قبل استنابته على دمشق. ثمَّ بلغه أَن الْأَشْرَف يُرِيد الْقَبْض عَلَيْهِ ثَانِيًا ففر من دَاره بِدِمَشْق فَقبض عَلَيْهِ وَحمل إِلَى قلعة الْجَبَل وَأمر بخنقه قُدَّام السُّلْطَان. ثمَّ نجا من الْقَتْل بشفاعة الْأَمِير بدر الدّين بيدرا وأعيد إِلَى الْخدمَة على عَادَته واشترك مَعَ بيدرا فِي قتل الْأَشْرَف خَلِيل كَمَا تقدم ذكره. ثمَّ اختفى خَبره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 مُدَّة وتنقل فِي المدن إِلَى أَن تحدث الْأَمِير زين الدّين كتبغا فِي أمره فعفى عَنهُ وأعيد إِلَى إمرته كَمَا كَانَ. فَلَمَّا صَار زين الدّين كتبغا سُلْطَانا اسْتَقر لاجين فِي نِيَابَة السلطنة بديار مصر إِلَى أَن ركب على كتبغا وفر مِنْهُ فَنزل بالدهليز من العوجاء وَقيل من اللجون. وَاجْتمعَ الْأُمَرَاء عِنْده وهم بدر الدّين بيسري الشمسي وشمس الدّين قراسنقر المنصوري وَسيف الدّين قبجاق وَسيف الدّين بهادر الْحَاج أَمِير حَاجِب وَسيف الدّين كرد وحسام الدّين لاجين السِّلَاح دَار الرُّومِي أستادار وَبدر الدّين بكتاش الفخري أَمِير سلَاح وَعز الدّين أيبك الخازندار وجمال الدّين أقوش الْموصِلِي ومبارز الدّين أَمِير شكار وَسيف الدّين بكتمر السِّلَاح دَار وَسيف الدّين سلار وَسيف الدّين طغي وَسيف الدّين كرجي وَعز الدّين طقطاي وَسيف الدّين برلطاي فِي آخَرين حَتَّى حملت الخزائن على البغال وَرمي الدهليز. وَسَارُوا فِي خدمَة لاجين إِلَى قريب الْمغرب ونزلوا قَرِيبا من يازور وحضروا بأجمعهم بَين يَدي لاجين وَاتَّفَقُوا على سلطنته وشرطوا عَلَيْهِ أَن يكون مَعَهم كأحدهم وَلَا ينْفَرد بِرَأْي دونهم وَلَا يبسط أَيدي مماليك وَلَا يقدمهم وحلفوه على ذَلِك. فَلَمَّا حلف قَالَ لَهُ الْأَمِير قبجاق المنصوري: نخشى أَنَّك إِذا جَلَست فِي منصب السلطنة تنسى هَذَا الَّذِي تقرر بَيْننَا وَبَيْنك وَتقدم مماليك وتخول مملوكك منكوتمر علينا فيصيبنا مِنْهُ مَا أَصَابَنَا من مماليك كتبغا. وَكَانَ منكوتمر مَمْلُوك لاجين وَكَانَ يوده ويؤثره وَله عِنْده مكانة متمكنة من قلبه. فَحلف لاجين مرّة ثَانِيَة أَنه لَا يفعل ذَلِك وَلَا يخرج عَمَّا الْتَزمهُ وشرطوه عَلَيْهِ فَحلف لَهُ الْأُمَرَاء وأرباب الدولة. وتلقب بِالْملكِ الْمَنْصُور وَركب بشعار السلطنة فِي يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع عشرى الْمحرم وَبَات تِلْكَ اللَّيْلَة ورحل إِلَى سكرير وَمِنْهَا إِلَى غَزَّة يُرِيد الديار المصرية فَلَمَّا دخل غَزَّة حمل الْأَمِير بيسري الجتر على رَأسه فَخَطب لَهُ بغزة والقدس وصفد والكرك ونابلس وَضربت بهَا البشائر. وَهَذَا وَقد ركب الْبَرِيد من غَزَّة وسَاق الْأَمِير سيف الدّين سلار الْبَرِيد إِلَى قلعة الْجَبَل ليحلف من بهَا من الْأُمَرَاء. ورسم السُّلْطَان لاجين فِي غَزَّة بمسامحة أهل مصر وَالشَّام بالبواقي ثمَّ سَار مِنْهَا فِي يَوْم الْخَمِيس أول صفر. وَنزل ظَاهر بلبيس فِي ثامنه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 وَقد خرج إِلَيْهِ أُمَرَاء مصر وحلفوا لَهُ ثمَّ سَار مِنْهَا ضحوة وَبَات مَسْجِد تبر وَركب بكرَة يَوْم الْجُمُعَة تاسعه إِلَى قلعة الْجَبَل. ثمَّ ركب إِلَى الميدان السلطاني بشعار السلطة على الْعَادة وشق الْقَاهِرَة من بَاب النَّصْر إِلَى بَاب زويلة وَعَلِيهِ الخلعة الخليفتية وَهِي جُبَّة سَوْدَاء بزيق وأكمام وَاسِعَة والتقليد مَحْمُول بَين يَدَيْهِ حَتَّى عَاد إِلَى القلعة والخليفة إِلَى جَانِبه وَذَلِكَ فِي يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشره. وَفِي يَوْم قدومه انحطت الأسعار إِلَى نصف مَا هِيَ عَلَيْهِ فسر النَّاس بِهِ فَإِن الْقَمْح كَانَ أَرْبَعِينَ درهما الأردب إِلَى مَا دونهَا فأبيع بِعشْرين وَكَانَ الشّعير بِثَلَاثِينَ درهما الأردب فأبيع بِعشْرَة وَكَانَ الرطل اللَّحْم بدرهم وَنصف فأبيع بدرهم وَربع وَدرت الأرزاق وَكثر الْخَيْر. وفوض السُّلْطَان لاجين نِيَابَة السلطة بديار مصر إِلَى الْأَمِير شمس الدّين قراسنقر المنصوري وَاسْتمرّ بالصاحب فَخر الدّين بن الخليلي فِي الوزارة وَجعل الْأَمِير سيف الدّين سلار أستادارا والأمير سيف الدّين بكتمر السِّلَاح دَار أَمِير جاندار والأمير سيف الدّين بهادر الْحَاج حاجبا والأمير سيف الدّين قبجاق المنصوري نَائِب الشَّام وَمنع الْوَزير من الظُّلم وَأخذ الْمَوَارِيث بِغَيْر حق وَألا يطْرَح البضائع على التُّجَّار فَكثر الدُّعَاء لَهُ. وَأما كتبغا فَإِنَّهُ قدم قبله إِلَى دمشق أَمِير شكاره وَهُوَ مَجْرُوح ليعلم الْأَمِير أغرلو نَائِب دمشق بِمَا وَقع فوصل فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سلخ الْمحرم فَكثر بِدِمَشْق القال والقيل وألبس أغرلو الْعَسْكَر السِّلَاح ووقفوا خَارج بَاب النَّصْر. فوصل كتبغا فِي أَرْبَعَة أنفس قبل الْغُرُوب وَصعد القلعة وَحضر إِلَيْهِ الْأُمَرَاء والقضاة وجددت لَهُ الْأَيْمَان ثمَّ أوقع الحوطة على أَمْوَال لاجين. وَقدم فِي أول صفر الْأَمِير زين الدّين غلبك العادلي بطَائفَة من المماليك العادلية وَجلسَ شهَاب الدّين الْحَنَفِيّ وَزِير الْملك الْعَادِل كتبغا فِي الوزارة بالقلعة ورتب الْأُمُور وأحوال السلطنة. فاشتهرت بِدِمَشْق سلطنة لاجين فِي يَوْم ثَالِث عشره وَأَن البشائر دقَّتْ بصفد ونابلس والكرك. فَصَارَ كتبغا مُقيما بقلعة دمشق لَا ينزل مِنْهَا وَبعث الْأَمِير سيف الدّين طقصبا الناصري فِي جمَاعَة لكشف الْخَبَر فعادوا وأخبروا بِصِحَّة سلطنة لاجين. فَأمر كتبغا جمَاعَة من دمشق وأبطل عدَّة مكوس فِي يَوْم الْجُمُعَة سادس عشره وَكتب بذلك توقيعاً قرئَ بالجامع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 فَبعث الْملك الْمَنْصُور لاجين من مصر الْأَمِير سنقر الأعسر وَكَانَ فِي خدمته. فوصل إِلَى ظَاهر دمشق فِي رَابِع عشره وَأقَام ثَلَاثَة أَيَّام وَفرق عدَّة كتب على الْأُمَرَاء وَغَيرهم وَأخذ الْأَجْوِبَة عَنْهَا وَحلف الْأُمَرَاء. وَسَار إِلَى قارا وَكَانَ بهَا عدَّة أُمَرَاء مجردين فحلفهم وَحلف عدَّة من النَّاس وَكتب بذلك كُله إِلَى مصر. وَسَار إِلَى لد فَأَقَامَ بهَا فِي جمَاعَة كَبِيرَة لحفظ الْبِلَاد وَلم يعلم كتبغا بِشَيْء من ذَلِك. فَلَمَّا كَانَ يَوْم السبت رَابِع عشريه: وصل الْأَمِير سيف الدّين كجكن وعدة من الْأُمَرَاء كَانُوا مجردين بالرحبة فَلم يدخلُوا دمشق ونزلوا بميدان الْحَصَا قَرِيبا من مَسْجِد الْقدَم فأعلنوا باسم السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور لاجين وراسلوا الْأُمَرَاء بِدِمَشْق فَخَرجُوا إِلَيْهِم طَائِفَة بعد طَائِفَة. وانحل أَمر كتبغا فتدارك نَفسه وَقَالَ لِلْأُمَرَاءِ: السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور خوشداشي وَأَنا فِي خدمته وطاعته وَأَنا أكون فِي بعض القاعات بالقلعة إِلَى أَن يُكَاتب السُّلْطَان وَيرد جَوَابه بِمَا يَقْتَضِيهِ فيأمري فَأدْخلهُ الْأَمِير جاغان الحسامي مَكَانا من القلعة. وَاجْتمعَ الْأُمَرَاء بِبَاب الميدان وحلفوا للْملك الْمَنْصُور وَكَتَبُوا إِلَيْهِ بذلك وَحفظ جاغان القلعة ورتب بهَا من يحفظ كتبغا وغلقت أَبْوَاب دمشق كلهَا إِلَّا بَاب النَّصْر وَركب الْعَسْكَر بِالسِّلَاحِ ظَاهر دمشق وأحاط جمَاعَة بالقلعة خوفًا من خُرُوج كتبغا وتحيزه فِي جِهَة أخرج. وَكثر كَلَام النَّاس وَاخْتلفت أَقْوَالهم وَعظم اجْتِمَاعهم بِظَاهِر دمشق حَتَّى أَنه سقط فِي الخَنْدَق جمَاعَة لشدَّة الزحام فِيمَا بَين بَاب النَّصْر وَبَاب القلعة فَمَاتَ نَحْو الْعشْرَة. وَاسْتمرّ الْحَال على هَذَا يَوْم السبت الْمَذْكُور ثمَّ دقَّتْ البشائر بعد الْعَصْر على القلعة وأعلن بِالدُّعَاءِ للْملك الْمَنْصُور ودعي لَهُ على المآذن فِي لَيْلَة الْأَحَد وَضربت البشائر على أَبْوَاب الْأُمَرَاء. وَفتحت الْأَبْوَاب فِي يَوْم الْأَحَد وَحضر الْأُمَرَاء والقضاة بدار السَّعَادَة وحلفوا الْأُمَرَاء بِحُضُور الْأَمِير أغرلو نَائِب الشَّام وَحلف هُوَ وَأظْهر السرُور. وَركب أغرلو والأمير جاغان الْبَرِيد إِلَى مصر وَبلغ ذَلِك الْأَمِير سنقر الأعسر بلد فَنَهَضَ إِلَى دمشق ودخلها يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشريه وَقد تَلقاهُ النَّاس وأشعلوا لَهُ الشموع وَأَتَاهُ الْأَعْيَان وَنُودِيَ من لَهُ مظْلمَة فَعَلَيهِ بِبَاب الْأَمِير شمس الدّين سنقر الأعسر. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة أول شهر ربيع الأول: خطب بِدِمَشْق للْملك الْمَنْصُور. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة ثامنه: وصل الْأَمِير حسام الدّين الأستادار بعسكر مصر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 ليحلف الْأُمَرَاء فَحَلَفُوا بدار السَّعَادَة فِي يَوْم السبت تاسعه وَقُرِئَ عَلَيْهِم كتاب الْملك الْمَنْصُور باستقراره فِي الْملك وجلوسه على تخت الْملك بقلعة الْجَبَل واجتماع الْكَلِمَة عَلَيْهِ وركوبه بالتشاريف الخليفتية والتقليد بَين يَدَيْهِ من أَمِير الْمُؤمنِينَ الْحَاكِم بِأَمْر الله أبي الْعَبَّاس أَحْمد. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ حادي عشره: وصل الْأَمِير جاغان الحسامي من مصر وَحلف كتبغا يَمِينا مستوفاة مُغَلّظَة بِحَضْرَة الْأَمِير حسام الدّين الأستادار والأمير سيف الدّين كجكن وقاضي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة على أَنه فِي طَاعَة الْملك الْمَنْصُور وموافقته وَقد أخْلص النِّيَّة لَهُ وَرَضي بِالْمَكَانِ الَّذِي عينه لَهُ وَهُوَ قلعة صرخد وَأَنه لَا يُكَاتب وَلَا يشاور وَلَا يستفسد أحدا. وَفِيه اسْتَقر تَقِيّ الدّين تَوْبَة فِي وزارة دمشق وَاسْتقر أَمِين الدّين بن هِلَال فِي نظر الخزانة عوضا عَن تَقِيّ الدّين توبه وَاسْتقر الشَّيْخ أَمِين الدّين يُوسُف الرُّومِي فِي حسبَة دمشق. وَفِي سادس عشره: وصل الْأَمِير سيف الدّين قبجق المنصوري نَائِب دمشق من مصر وَنزل بدار السَّعَادَة على عَادَة النواب. وَفِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء تَاسِع عشره: خرج كتبغا من قلعة دمشق إِلَى قلعة صرخد وَمَعَهُ مماليكه وجرد من دمشق مَعَه نَحْو المائتي فَارس سَارُوا بِهِ حَتَّى عبر قلعة صرخد ثمَّ رجعُوا فَكَانَت مُدَّة مُفَارقَته الدهليز من العرجاء إِلَى أَن خلع نَفسه بِدِمَشْق فِي يَوْم السبت رَابِع عشري صفر أَرْبَعَة وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وجهز إِلَيْهِ ابْنه أنص وَأَهله. وَوصل إِلَى دمشق نَحْو سِتّمائَة تشريف فرقت على الْأُمَرَاء والقضاة والأعيان ولبسوها يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي شهر ربيع الآخر. وَأَفْرج الْملك الْمَنْصُور عَن الْأَمِير ركن الدّين بيبرس الجاشنكير وَجعله أحد الْأُمَرَاء وَعَن الْأَمِير سيف الدّين برلغي وَبَعثه إِلَى دمشق على إمرة بهَا وَعَن الْأَمِير سيف الدّين اللقماني وَعَن جمَاعَة من المماليك السُّلْطَانِيَّة الَّذين كَانُوا بدمياط والإسكندرية وبخزانة البنود من الْقَاهِرَة وبخزانة شمايل. فَكَانَ لَهُم يَوْم مشهود فَإِنَّهُ كَانَ فيهم خَمْسَة وَعِشْرُونَ أَمِيرا أنعم على جَمِيعهم وخلع عَلَيْهِم. وفيهَا أَمر السُّلْطَان لاجين جمَاعَة من مماليكه فَأعْطى مَمْلُوكه سيف الدّين منكوتمر إمرة ومملكوه عَلَاء الدّين أيدغدي شقير إمرة ومملوكه سيف الدّين جاغان إمرة ومملوكه سيف بهادر المعزي إمرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 وَتقدم السُّلْطَان إِلَى الْأَمِير علم الدّين الدواداري بعمارة الْجَامِع الطولوني وَعين لذَلِك عشْرين ألف دِينَار عينا فعمره وَعمر أوقافه وأوقف منية أندونة من الْأَعْمَال الجيزية عَلَيْهِ ورتب فِيهِ درس تَفْسِير ودرس حَدِيث نبوي وَأَرْبَعَة دروس فقه على الْمذَاهب الْأَرْبَعَة ودرساً للطب وَشَيخ ميعاد ومكتب سَبِيل لقِرَاءَة الْأَيْتَام الْقُرْآن. وَسبب ذَلِك إِنَّه لما هرب فِي وقْعَة بيدرا من بر الجيزة واختفى بمنارة الْجَامِع الطولوني وَكَانَ إِذْ ذَاك مهدوراً لَا يُوقد بِهِ سوى سراج وَاحِد فِي اللَّيْل وَلَا يُؤذن أحد بمنارته وَإِنَّمَا يقف شخص على بَابه وَيُؤذن فَأَقَامَ بِهِ مُدَّة لم يظْهر خَبره فَأَرَادَ أَن يكون من شكر نعْمَة الله عَلَيْهِ عمَارَة هَذَا الْجَامِع فعمر وَهُوَ الْآن بِحَمْد الله عَامر بعمارته لَهُ. وفيهَا كتب السُّلْطَان لاجين إِلَى الأشكري بالقسطنطنية أَن يُجهز أَوْلَاد الْملك الظَّاهِر بيبرس إِلَى الْقَاهِرَة مكرمين فَجهز الْملك المسعود نجم الدّين خضر ووالدته وَحرمه وَكَانَ الْملك الْعَادِل بدر الدّين سلامش قد مَاتَ بالقسطنطنية سنة تسعين وسِتمِائَة فأحضر فِي تَابُوت مصبرا فَدفن بقرافة مصر. وَقدم الْملك السعيد خضر إِلَى السُّلْطَان وَسَأَلَ الْإِذْن بِالْحَجِّ فَأذن لَهُ وسافر مَعَ الركب. وفيهَا نقل الْخَلِيفَة الْحَاكِم بِأَمْر الله من البرج بقلعة الْجَبَل إِلَى مناظر الْكَبْش بجوار الْجَامِع الطولوني وأجرى لَهُ مَا يَكْفِيهِ. وَبعث إِلَيْهِ الْملك الْمَنْصُور بِمَال سني وَصَارَ يركب مَعَ السُّلْطَان فِي الموكب. وفيهَا قدم من قُضَاة دمشق وأعيانها جمَاعَة مِنْهُم قَاضِي الْقُضَاة حسام الدّين أَبُو الْفَضَائِل الْحسن بن قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين أبي المفاخر أَحْمد بن الْحسن بن أنوشروان الرَّازِيّ الْحَنَفِيّ الرُّومِي فولاه السُّلْطَان قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بديار مصر عوضا عَن قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين أَحْمد السرُوجِي وعامله من الْإِكْرَام. مِمَّا لم يُعَامل بِهِ أحدا وَأقر وَلَده جلال الدّين أَبَا المفاخر على قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق. وَقدم أَيْضا قَاضِي الْقُضَاة إِمَام الدّين عمر بن عبد الرَّحْمَن بن عمر بن أَحْمد بن عبد الْكَرِيم الْقزْوِينِي الشَّامي - أنوشروان فَعرض السُّلْطَان عَلَيْهِ قَضَاء الْقُضَاة بديار مصر فَلم يقبل وَاخْتَارَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 دمشق فولاه قَضَاء الْقُضَاة بِدِمَشْق فِي رَابِع جُمَادَى الأولى عوضا عَن قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة وَاسْتقر ابْن جمَاعَة فِي خطابة جَامع دمشق وتدريس القيمرية بهَا. وَقدم أَيْضا قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين يُوسُف الزواوي الْمَالِكِي فأعيد إِلَى ولَايَته بِدِمَشْق وخلع عَلَيْهِ وعَلى إِمَام الدّين الْقزْوِينِي فعادا إِلَى دمشق فِي ثامن شهر رَجَب. وَقدم أَيْضا عز الدّين حَمْزَة بن القلانسي فَأكْرمه السُّلْطَان وخلع عَلَيْهِ واستعاد لَهُ من وَرَثَة الْملك الْمَنْصُور قلاوون مَا كَانَ قد أَخذ مِنْهُ وَعَاد إِلَى دمشق فِي خَامِس عشري رَمَضَان. وفيهَا ظهر بِأَرْض مصر فأر كثير أتلف الزروع حَتَّى لم يُؤْخَذ مِنْهُ إِلَّا الْيَسِير. وعزل الْأَمِير فتح الدّين عمر بن صبرَة عَن شدّ الدَّوَاوِين بِدِمَشْق وَاسْتقر عوضه الْأَمِير سيف الدّين جاغان الحسامي فِي ثامن عشر رَجَب. وَفِي هَذِه السّنة: طلب السُّلْطَان الْأَمِير سنقر الأعسر من دمشق فِي شهر رَجَب فَركب الْبَرِيد إِلَى الْقَاهِرَة. وَلما حضر أكْرمه السُّلْطَان وَجعله من أُمَرَاء مصر ثمَّ ولاه الوزارة بديار مصر فِي سادس عشريه وَسلمهُ الصاحب فَخر الدّين بن الخليلي فألزمه بِمِائَة ألف دِينَار وَقبض على أَتْبَاعه. واشتدت حرمته وعظمت مهابته فَلَا يُرَاجع وَلَا يُخَاطب إِلَّا جَوَابا. وفيهَا توقف النّيل عَن الزِّيَادَة قبل الْوَفَاء فتزايد السّعر وَبلغ فِي ذِي الْقعدَة الأردب الْقَمْح خَمْسَة وَأَرْبَعين درهما ثمَّ انحل السّعر. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء النّصْف من ذِي الْقعدَة: قبض على الْأَمِير شمس الدّين قراسنقر نَائِب السلطنة وعَلى جمَاعَة من الْأُمَرَاء واعتقلوا وأحيط بموجود قراسنقر الَّذِي بِمصْر وَالشَّام وَضرب كَاتبه شرف الدّين يَعْقُوب حَتَّى مَاتَ تَحت الضَّرْب وضيق على نوابه ودواوينه. وَأَرَادَ السُّلْطَان إِقَامَة مَمْلُوكه الْأَمِير سيف الدّين منكوتمر الحسامي فِي نِيَابَة السلطنة فعارضه الْأُمَرَاء وغضبوا من منكوتمر فشق ذَلِك عَلَيْهِ وَأَرَادَ تفريقهم فَبعث طغريل الإيغاني إِلَى الْكَشْف بالشرقية. وسنقر المساح إِلَى كشف الغربية وبيسري إِلَى كشف الجيزة ثمَّ قبض على قراسنقر النَّائِب والحاج بهادر وَعز الدّين أيبك الْحَمَوِيّ وسنقر شاه الظَّاهِرِيّ والأقوش وَعبد الله وكوري وَالشَّيْخ عَليّ وقيدوا وَولي منكوتمر النِّيَابَة من غَد مسكهم فِي عشري ذِي الْقعدَة وَاسْتقر فِي نِيَابَة السلطنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 وَفِيه ركب السُّلْطَان إِلَى الميدان وَلعب بالكرة فتقنطر عَن الْفرس وانكسر أحد جَانِبي يَده اليمني وتهشم بعض أضلاعه وانصدعت رجله. وَخيف عَلَيْهِ فَكسر المجبرون عظم الْجَانِب الآخر من يَده حَتَّى يتم لَهُم الْجَبْر فَإِنَّهُ قصر عَن الْجَانِب الآخر وَكَانَ قد توقف السُّلْطَان عَن موافقتهم فَقَالَ الْوَزير سنقر الأعسر: أَنا حصل لي مثل هَذَا فَلَمَّا احتجت إِلَى كسر النّصْف الآخر ضَربته بدقماق حَدِيد فانكسر ثمَّ جبر وَكَلمه بجفاء وغلظة واستخفاف من غير أدب فَاحْتمل السُّلْطَان ذَلِك مِنْهُ وَأجَاب المجبرين لما قصدوه وَأسر لسنقر الأعسر فِي نَفسه. فَلَمَّا كَانَ فِي يَوْم السبت ثَالِث عشري ذِي الْحجَّة: قبض عَلَيْهِ وَلم يول أحدا غَيره. وَفِي هَذِه السّنة: كَانَ الأردب الْقَمْح من أَرْبَعِينَ درهما إِلَى خمسين والأردب الشّعير بِثَلَاثِينَ وَاللَّحم بِدِرْهَمَيْنِ وَنصف الرطل. فَنزل الْقَمْح إِلَى عشْرين وَالشعِير إِلَى عشرَة دَرَاهِم وَاللَّحم إِلَى دِرْهَم وَربع. وفيهَا كتب بمسامحة أهل النواحي. مِمَّا عَلَيْهِم من بواقي الْخراج المنكسرة. وَفِي هَذِه السّنة: منع السُّلْطَان من لبس الكلفتاه الزركش والطرز الزركش والأقبية الْحَرِير الْعَظِيمَة الثّمن واقتصد هُوَ وخواصه فِي الملبس. وَجلسَ بدار الْعدْل يَوْمَيْنِ فِي الْأُسْبُوع لسَمَاع شكوى المتظلمين وَأعْرض عَن اللَّهْو جملَة ومقت من يعاينه وَصَامَ شَهْري رَجَب وَشَعْبَان وَتصدق فِي السِّرّ. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان قَاضِي الْقُضَاة الْحَنْبَلِيّ عز الدّين أَبُو حَفْص عمر بن عبد الله بن عمر بن عوض الْمَقْدِسِي عَن خمس وَسِتِّينَ سنة بِالْقَاهِرَةِ فِي صفر. وَتُوفِّي قَاضِي الْحَنَفِيَّة بحلب تَاج الدّين أَبُو الْمَعَالِي عبد الْقَادِر بن عز الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد بن أبي الْكَرم بن عبد الرَّحْمَن علوي ثَلَاث وَسبعين سنة بحلب وَهُوَ مَعْزُول. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 وَتُوفِّي ضِيَاء الدّين أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّد بن عمد بن عبد القاهر بن هبة الله بن عبد القاهر بن عبد الْوَاحِد بن هبة الله بن طَاهِر بن يُوسُف بن النصيبي الْحلَبِي وَزِير حماه عَن ثَمَان وَسبعين سنة بحلب. وَتُوفِّي جمال الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن الظَّاهِرِيّ الْحلَبِي الْحَنَفِيّ شيخ الحَدِيث عَن سبعين سنة بزاويته خَارج الْقَاهِرَة فِي ربيع الأول. وَتُوفِّي عفيف الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد السَّلَام بن مُحَمَّد بن مزروع الْبَصْرِيّ الْحَنْبَلِيّ بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة عَن إِحْدَى وَسبعين سنة بَعْدَمَا جاور بهَا خمسين سنة. وَتُوفِّي الأديب سيف الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن جَعْفَر السامري بِدِمَشْق عَن سِتّ وَسبعين سنة وَكَانَ هجاء. وَتُوفِّي الشريف الْحَافِظ عز الدّين أَبُو الْقَاسِم أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عَليّ ابْن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْحُسَيْنِي الْمَعْرُوف بِابْن الْحلَبِي نقيب الْأَشْرَاف بديار مصر فِي ومولده سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 سنة سبع وَتِسْعين فِي سِتّمائَة فِيهَا قدم الْملك المسعود نجم الدّين خضر بن الْملك الظَّاهِر بيبرس من بِلَاد الأشكري إِلَى الْقَاهِرَة بشفاعة أُخْته امْرَأَة السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور لاجين وَمَعَهُ أمه وَأَخُوهُ الْملك الْعَادِل سلامش وَقد مَاتَ وصبر فَدفن سلامش بالقرافة. وَكَانَ السُّلْطَان قد احتفل لقدومهم وَأخرج الْأُمَرَاء إِلَى لقائهم وَبَالغ فِي إكرامهم وأجرى على الْملك المسعود الرَّوَاتِب وجهزه لِلْحَجِّ. وَفِيه توجه الْأَمِير سيف الدّين سلار أستادار إِلَى الكرك وأحضر مَا كَانَ بهَا من الْأَمْوَال وَقدم مَعَه الْأَمِير جمال الدّين أقش نَائِب الكرك فَخلع عَلَيْهِ وأعيد إِلَى نيابته. وَفِي حادي عشري صفر: ركب السُّلْطَان بَعْدَمَا انْقَطع لما بِهِ من كسر يَده نَحْو الشَّهْرَيْنِ وَنزل إِلَى الميدان ودقت البشائر وزينت الْقَاهِرَة ومصر وَكتب بالبشائر إِلَى الْأَعْمَال بذلك. وَكَانَ يَوْم ركُوبه من الْأَيَّام المشهودة اجْتمع النَّاس لرُؤْيَته من كل مَكَان وَأخذ أَصْحَاب الحوانيت من كل شخص أُجْرَة جُلُوسه نصف دِرْهَم فضَّة واستأجر النَّاس الْبيُوت بأموال جزيلة فَرحا بِهِ فَإِنَّهُ كَانَ محبباً إِلَى النَّاس. وَعَاد السُّلْطَان من الميدان فألبس الْأُمَرَاء وَفرق الصَّدقَات فِي الْفُقَرَاء وَأَفْرج عَن المحابيس. وَفِي هَذَا الشَّهْر: استدعى السُّلْطَان قَاضِي الْقُضَاة زين الدّين على بن مخلوف الْمَالِكِي وَصِيّ الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون وَقَالَ لَهُ: الْملك النَّاصِر ابْن أستاذي وَأَنا قَائِم فِي السلطنة كالنائب عَنهُ إِلَى أَن يحسن الْقيام بأمرها والرأي أَن يتَوَجَّه إِلَى الكرك وَأمره بتجهيزه. ثمَّ قَالَ السُّلْطَان للْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون: لَو علمت أَنهم يخلوك سُلْطَانا وَالله تركت الْملك لَك لكِنهمْ لَا يخلونه لَك وَأَنا مملوكك ومملوك والدك احفظ لَك الْملك وَأَنت الْآن تروح إِلَى الكرك إِلَى أَن تترعرع وترتجل وتتحرج وتجرب الْأُمُور وتعود إِلَى ملكك بِشَرْط أَنَّك تُعْطِينِي دمشق وأكون بهَا مثل صَاحب حماة فِيهَا. فَقَالَ لَهُ النَّاصِر: فاحلف لي أَن تبقي على نَفسِي وَأَنا أروح فَحلف كل مِنْهُمَا على مَا أَرَادَهُ الآخر. فَخرج النَّاصِر فِي أَوَاخِر صفر وَمَعَهُ الْأَمِير سيف الدّين سلار أَمِير مجْلِس والأمير سيف الدّين بهادر الْحَمَوِيّ والأمير أرغون الدوادار وطيدمر جوباش رَأس نوبَة الجمدارية فوصل إِلَى الكرك فِي رَابِع ربيع الأول فَقَامَ لخدمته الْأَمِير جمال الدّين أقوش الْأَشْرَف نَائِب الكرك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادسه: قبض على الْأَمِير بدر الدّين بيسري الشمسي وعَلى الْأَمِير شمس الدّين الْحَاج بهادر الْحلَبِي الْحَاجِب والأمير شمس الدّين سنقر شاه الظَّاهِرِيّ وَسبب ذَلِك أَن منكوتمر فِي مُدَّة ضعف السُّلْطَان كَانَ هُوَ الَّذِي يعلم عَنهُ على التواقيع والكتب وَصَارَ يخْشَى أَن يَمُوت السُّلْطَان وَلم يكن لَهُ ولد ذكر فَيجْعَل بعده فِي السلطنة بيسري وَكَانَ يكره منكوتمر. فَحسن منكوتمر لمن خيل السُّلْطَان من ذَلِك وَأَن يعْهَد لأحد فَاقْتضى رَأْيه أَن يَجْعَل الْأَمِير منكوتمر ولي عَهده ويقرن اسْمه باسمه فِي الْخطْبَة وَالسِّكَّة وَاسْتَشَارَ فِي ذَلِك الْأَمِير بيسري فَرده ردا خشناً وَقَالَ: منكوتمر لَا يَجِيء مِنْهُ جندي وَقد أَمرته وَجَعَلته نَائِب السلطة ومشيت الْأُمَرَاء والجيوش فِي خدمته فامتثلوه رِضَاء لَك مَعَ مَا تقدم من حلفك أَلا تقدم مماليكك على الْأُمَرَاء وَلَا تمكنهم مِنْهُم فَمَا قنعت بِهَذَا حَتَّى تُرِيدُ أَن تَجْعَلهُ سُلْطَانا وَهَذَا لَا يوافقك أحد عَلَيْهِ وَنَهَاهُ أَن يذكر هَذَا لغيره وخوفه الْعَاقِبَة وَانْصَرف عَنهُ فلشدة محبَّة السُّلْطَان فِي منكوتمر أعلمهُ بِمَا كَانَ من بيسري فأسرها فِي نَفسه وعاداه وَأخذ يدبر عَلَيْهِ وعَلى الْأُمَرَاء ويغري السُّلْطَان بِهِ وبهم. وَاتفقَ مَجِيء الْخَبَر بِالْحلف بَين الْمغل وَخُرُوج التجريدة إِلَى سيس فَلَمَّا تفرق الْأُمَرَاء وَلم يبْق من يخافه منكوتمر توجه إِلَى الْأَمِير بيسري. واستمال أستاداره بهاء الدّين أرسلان بن بيليك حَتَّى صَار من خواصه ورتبه فِيمَا يَقُوله. ثمَّ حسن منكوتمر للسُّلْطَان أَن ينتدب بيسري لكشف جسور الجيزة فَتقدم لَهُ بذلك مَعَ أَنَّهَا غض مِنْهُ إِذْ مَحَله أجل من ذَلِك فَلم يأب وَخرج إِلَى الجيزة بمماليكه وَأَتْبَاعه وَصَارَ يحضر الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة بالقلعة فِي يومي الْإِثْنَيْنِ وَالْخَمِيس وَيجْلس رَأس الميمنة تَحت الطواشي حسام الدّين بِلَال المغيثي لأجل تقدمه وَيعود إِلَى الجيزة حَتَّى أتقن عمل الجسور. فَلَمَّا تَكَامل إتقان الجسور اسْتَأْذن بيسري السُّلْطَان فِي عمل ضِيَافَة لَهُ فَإِذن فِي ذَلِك فاهتم لَهَا اهتماماً زَائِدا ليحضر إِلَيْهِ السُّلْطَان بالجيزة. فأمكنت الفرصة منكوتمر وَوجد سَبِيلا إِلَى بيسري فخدع أرسلان استادار بيسري ورتبه فِي كَلَام يَقُوله السُّلْطَان ووعده بإمرة طبلخاناه. فانخدع أرسلان وَدخل مَعَ منكوتمر إِلَى السُّلْطَان وَقَالَ لَهُ بِأَن بيسري رتب أَنه يقبض عَلَيْك إِذا حضرت لضيافته فتخيل السُّلْطَان من قَوْله. وَاتفقَ أَن بيسري بعث إِلَى منكوتمر يطْلب مِنْهُ الدهليز السلطاني لينصبه السُّلْطَان فِي مَكَان المهم فَبَعثه إِلَيْهِ من غير أَن يعلم السُّلْطَان. فَلَمَّا مر الدهليز على الْجمال من تَحت القلعة ليتوجهوا بِهِ إِلَى الجيزة رَآهُ السُّلْطَان، فَأنْكر ذَلِك وَبعث ‘ لى منكوتمر يسْأَل مِنْهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 فَأنْكر أَن يكون لَهُ علم بِهِ وَقَالَ: إِنَّمَا بيسري استدعى بِهِ من مقدم الفراشين وَأَخذه مماليكه من الْفرش خاناه بِغَيْر إِذن وَشرع يحْتَج لصدق مَا قَالَه أرسلان بِهَذَا. فَرد السُّلْطَان الدهليز إِلَى الْفرش خاناه وَغلب على ظَنّه صدق مَا نقل لَهُ عَن بيسري. وَلما وَقع ذَلِك أطلع عَلَيْهِ بعض الْأُمَرَاء الأكابر فَبعث أحدهم وَهُوَ الْأَمِير سيف الدّين طقجي الأشرفي يعلم بيسري بِمَا جرى ويعده بِأَنَّهُ مَعَه هُوَ جمَاعَة من الْأُمَرَاء فَلم يلْتَفت إِلَى قَوْله. فَبعث أرغون أحد ممالك السُّلْطَان إِلَى بيسري بالْخبر على جليته وحذره من الْحُضُور إِلَى خدمَة السُّلْطَان وَأَنه إِن حضر أَن يكون على استعداد. فَلَمَّا أَرَادَهُ الله حضر بيسري يَوْم الْإِثْنَيْنِ الْمَذْكُور إِلَى الْخدمَة على الْعَادة فَقَامَ لَهُ السُّلْطَان على عَادَته وَأَجْلسهُ بجانبه. فَلَمَّا قدم السماط لم يَأْكُل بيسري وَاعْتذر بِأَنَّهُ صَائِم فَأمر السُّلْطَان بِرَفْع مجمع من الطَّعَام برسم فطوره فَرفع لَهُ وَأخذ يحادثه حَتَّى رفع السماط. وَخرج الْأُمَرَاء وَقَامَ الْأَمِير بيسري مَعَهم فَلَمَّا مَشى عدَّة خطوَات استدعاه السُّلْطَان إِلَيْهِ وحدثه طَويلا وَكَانَ الْحجاب والنقباء يستحثون الْأُمَرَاء على الْخُرُوج. ثمَّ قَامَ بيسري من عِنْد السُّلْطَان وَمَشى خطوَات فاستدعاه السُّلْطَان ثَانِيًا فَعَاد وحدثه أَيْضا حَتَّى علم أَن الْمجْلس والدهاليز لم يبْق بهَا أحد سوى مماليك السُّلْطَان فَقَط فَتَركه. فَقَامَ بيسري وَمَشى فاعترضه سيف الدّين طقجي وعلاء الدّين أيدغدي شقير وعدلا بِهِ إِلَى جِهَة أُخْرَى وَقبض أيدغدي شقير على سَيْفه وَأَخذه من وَسطه فَنظر إِلَيْهِ طقجي وَبكى وجبذاه إِلَى القاعة الصالحية فاعتقل بهَا. فارتجت القلعة وطار الْخَبَر إِلَى الْقَاهِرَة فأغلق بَاب زويلة وماج النَّاس ثمَّ فتح بَاب زويلة. وَوَقعت الحوطة على جَمِيع موجوده وَقبض على جمَاعَة من مماليكه ثمَّ أفرج عَنْهُم وَأقَام بيسري فِي القاعة مكرما وحملت إِلَيْهِ امْرَأَته وَهِي وَالِدَة أَحْمد بن السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور. فَمَا زَالَ معتقلا حَتَّى مَاتَ. وَمن الْعجب أَن كلا من السُّلْطَان وبيسري أَتَى عَلَيْهِ فِي هَذِه من أخص أَصْحَابه: فَإِن أرسلان ابْن بدر الدّين بيليك أَمِير مجْلِس وَكَانَ بدر الدّين هَذَا مَمْلُوكا للأمير بيسري ورباه بيسري كَالْوَلَدِ حَتَّى كبر وَقدمه على أكَابِر مماليكه وَعَمله أستاداره وَبَالغ فِي الْإِحْسَان إِلَيْهِ حَتَّى أَنه أعطَاهُ فِي يَوْم وَاحِد سبعين فرسا وَكَانَ هُوَ السَّبَب فِي سلب نعْمَته كَمَا ذكر. وأرغون كَانَ أخص مماليك السُّلْطَان وأقربهم إِلَيْهِ فأفشى سره إِلَى بيسري من حنقه لِأَن غَيره من المماليك أَخذ إمرة طبلخاناه وَأَعْلَى هُوَ إمرة عشرَة فَبَقيَ فِي نَفسه لذَلِك إحْنَة. وَلما قبض على بيسري والأمراء نفرت الْقُلُوب وأكدت الوحشة موت عشرَة أُمَرَاء فِي خَمْسَة أَيَّام فاتهم السُّلْطَان بِأَنَّهُ سمهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 وَفِي يَوْم الْجُمُعَة عَاشر ربيع الآخر: أُقِيمَت الخطة بِالْمَدْرَسَةِ المعظمية بِفَسْخ قاسيون وَفِي سَابِع عشره: أُعِيد الصاحب فَخر الدّين عمر بن الشَّيْخ مجد الدّين عبد الْعَزِيز الخليلي إِلَى الوزارة بديار مصر فتتبع ألزام الْأَمِير سنقر الأعسر وأحض أستاداره سيف الدّين كيكلدي من دمشق وأحاط بموجوده. وَفِي جُمَادَى الأولى: قبض السُّلْطَان على جمَاعَة من أُمَرَاء مصر. وَصرف بهاء الدّين الْحلِيّ عَن نظر الْجَيْش وَأخذ خطه بِأَلف ألف دِرْهَم واستدعى عماد الدّين بن الْمُنْذر نَاظر الْجَيْش بحلب واستكتب إِلَى أَن حضر أَمِين الدّين بن الرقاقي. وَسبب ذَلِك أَن ابْن الْحلِيّ كَانَ قد استشاره السُّلْطَان فِي تَوْلِيَة منكوتمر النِّيَابَة فَقَالَ لَهُ: إِن دولة السعيد مَا أخربها إِلَّا كوندك ودولة الْأَشْرَف أخربها بيدرا ودولة الْعَادِل تلفت بِسَبَب مماليكه ومنكوتمر شَاب كَبِير النَّفس لَا يرجع لأحد وَيخَاف من تحكمه وُقُوع فَسَاد كَبِير. فَسكت عَنهُ السُّلْطَان وَأعلم منكوتمر بذلك فَأخذ منكوتمر يعاديه حَتَّى إِنَّه لما ولي النِّيَابَة وَدخل عَلَيْهِ قَالَ لَهُ: يَا قَاضِي! هَذَا ببركة وعظك للسُّلْطَان فَأَطْرَقَ. وَأخذ منكوتمر يغري السُّلْطَان بِهِ وَيذكر سَعَة أَمْوَاله. بِمصْر وَالشَّام وَأَنه كثير اللّعب. وَكَانَ ابْن الْحلِيّ يحب بعض المماليك الخاصكية فترصده منكوتمر حَتَّى علم أَنه عِنْده فَأعْلم بذلك السُّلْطَان فَأرْسل إِلَيْهِ الطواشي الْمُقدم فِي عدَّة نقباء فَهَجَمُوا على بستانه بِالْقربِ من الميدان وأخذوه والمملوك فَسلم إِلَى الْأَمِير أقوش الرُّومِي وَقبض على حَوَاشِيه وأحيط وَفِيه قدم الْبَرِيد بِأَن رجل من قَرْيَة جينين بالسَّاحل مَاتَت امْرَأَته فَلَمَّا دَفنهَا وَعَاد إِلَى منزله تذكر أَنه نسي فِي الْقَبْر منديلا فِيهِ مبلغ دَرَاهِم فَأخذ فَقِيه الْقرْيَة ونش الْقَبْر ليَأْخُذ المَال والفقيه على شَفير الْقَبْر فَإِذا بِالْمَرْأَةِ جالسة مكتوفة بشعرها ورجلاها أَيْضا قد ربطا بشعرها فحاول حل كتفها فَلم يقدر فَأخذ يجْهد نَفسه فِي ذَلِك فَخسفَ بِهِ وبالمرأة إِلَى حَيْثُ لم يعلم لَهما خبر فَغشيَ على فَقِيه الْقرْيَة مُدَّة يَوْم وَلَيْلَة. فَبعث السُّلْطَان بِخَبَر هَذِه الْحَادِثَة وَمَا قد كتب بِهِ من الشَّام فِيهَا إِلَى الشَّيْخ تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن دَقِيق الْعِيد فَوقف عَلَيْهِ وَأرَاهُ النَّاس ليعتبروا بذلك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 وَفِيه قدم الْبَرِيد من حلب بِوُقُوع الْخلف بَين طقطاي وَطَائِفَة نغية حَتَّى قتل مِنْهُم كثير من الْمغل وانكسر الْملك طقطاي وَأَن غازان قتل وزيره نيروز وعدة مِمَّن يلوذ بِهِ. فاتفق الرَّأْي على أَخذ سيس مَا دَامَ الْخلف بَين الْمغل وَأَن يخرج الْأَمِير بدر الدّين بكتاش أَمِير سلَاح وَمَعَهُ ثَلَاثَة أُمَرَاء وَعشرَة آلَاف فَارس وَكتب لنائب الشَّام بتجريد الْأَمِير بيبرس الجالق وَغَيره من أُمَرَاء دمشق وصفد وطرابلس وَعرض الْجَيْش. فِي جُمَادَى الأولى. فَلَمَّا تجهزوا سَار الْأَمِير بدر الدّين بكتاش الفخري إِلَى غزَاة سيس وَمَعَهُ من الْأُمَرَاء حسام الدّين لاجين الرُّومِي الأستادار وشمس الدّين أقسنقر كرتاي ومضافيهم فَدَخَلُوا دمشق فِي خَامِس جُمَادَى الْآخِرَة وَخرج مَعَهم مِنْهَا الْأَمِير بيبرس الجالق العجمي والأمير سيف الدّين كجكن والأمير بهاء الدّين قرا أرسلان ومضافيهم فِي ثامنه وَسَارُوا بعسكر صفد وحمص وبلاد السَّاحِل وطرابلس وَالْملك المظفر تَقِيّ الدّين مَحْمُود صَاحب حماة. فَلَمَّا بلغ مَسِيرهمْ متملك سيس بعث إِلَى السُّلْطَان يسْأَله الْعَفو فَلم يجبهُ. ووصلت هَذِه العساكر إِلَى حلب وجهز السُّلْطَان الْأَمِير علم الدّين سنجر الدواداري بمضافيه من الْقَاهِرَة ليلحق بهم فَأدْرك العساكر بحلب. وَخَرجُوا مِنْهَا بعسكر حلب إِلَى العمق وَهُوَ عشرَة آلَاف فَارس فَتوجه الْأَمِير بدر الدّين بكتاش فِي طَائِفَة من عقبَة بغراس إِلَى اسكندرونة ونازلوا تل حمدون وَتوجه الْملك المظفر صَاحب حماة والأمير علم الدّين سنجر الدوادراي والأمير شمس الدّين أقسنقر كرتاي فِي بَقِيَّة الْجَيْش إِلَى نهر جهان ودخلوا جَمِيعًا دربند سيس فِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع رحب. وَهُنَاكَ اخْتلفُوا فَأَشَارَ الْأَمِير بكتاش بالحصار ومنازلة القلاع وَأَشَارَ سنجر الدواداري بالغارة فَقَط وَأَرَادَ أَن يكون مقدم الْعَسْكَر وَمنع الْأَمِير بكتاش من الْحصار ومنازلة القلاع فَلم ينازعه. فوافقه بكتاش وَقَطعُوا نهر جهان للغارة وَنزل صَاحب حماة على مَدِينَة سيس وَسَار الْأَمِير بكتاش إِلَى أذنة وَاجْتمعت العساكر جَمِيعهَا عَلَيْهَا بعد أَن قتلوا من ظفروا بِهِ من الأرمن وَسَاقُوا الأبقار والجواميس. ثمَّ عَادوا من أذنة إِلَى المصيصة بعد الْغَارة وَأَقَامُوا عَلَيْهَا ثَلَاثَة أَيَّام حَتَّى نصبوا جِسْرًا مرت عَلَيْهِ العساكر إِلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 بغراس ونزلوا بمرج أنطاكية ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ رحلوا إِلَى جسر الْحَدِيد يُرِيدُونَ الْعود إِلَى مصر. وَكَانَ الْأَمِير بكتاش لما نازعه الدواداري فِي التقدمة على العساكر وَمنعه من الْحصار قد كتب إِلَى الْأَمِير بلبان الطباخي نَائِب حلب بذلك ليطالع بِهِ السُّلْطَان فَكتب بالْخبر إِلَى السُّلْطَان. فورد الْجَواب إِلَى الْأُمَرَاء بالإنكار على الدواداري فِي تقدمه على الْأَمِير بكتاش وَكَونه اقْتصر على الْغَارة وَإنَّهُ لم يخرج إِلَّا على مضافيه وَأَن التقدمة على سَائِر العساكر للأمير بكتاش وَأَن العساكر لَا ترجع إِلَّا بعد فتح تل حمدون وَإِن عَادَتْ من غير فتحهَا فَلَا إقطاع لَهُم بالديار المصرية. فَعَادَت العساكر من الروج إِلَى حلب وَأَقَامُوا بهَا ثَمَانِيَة أَيَّام وتوجهوا إِلَى سيس من عقبَة بغراس. وَسَار كجكن وقرا أرسلان إِلَى أياس وعادا شبه المنهزم فَإِن الأرمن أكمنوا فِي الْبَسَاتِين فَأنْكر عَلَيْهِمَا الْأَمِير بكتاش فاعتزرا بِضيق المسلك والتفاف الْأَشْجَار وَعدم التَّمَكُّن من الْعَدو. ثمَّ رَحل بكتاش بِجَمِيعِ العساكر إِلَى تل حمدون فوجدوها خَالِيَة وَقد نزح من كَانَ فِيهَا من الأرمن إِلَى قلعة نجيمة فتسلمها فِي سَابِع رَمَضَان وَأقَام بهَا من يحفظها وسير الْأَمِير بلبان الطباخي نَائِب حلب عسكرا فملكوا قلعة مرعش فِي رَمَضَان أَيْضا. وَجَاء الْخَبَر إِلَى الْأَمِير بكتاش وَهُوَ على تل حمدون بِأَن وَاديا تَحت قلعة نجيمة وحميص قد امْتَلَأَ بالأرمن وَأَن أهل قلعة نجيمة تحميهم فَبعث طَائِفَة من الْعَسْكَر إِلَيْهِم فَلم ينالوا غَرضا فسير طَائِفَة ثَانِيَة فَعَادَت بِغَيْر طائل. فَسَار الْأُمَرَاء فِي عدَّة وافرة وقاتلوا أهل نجيمة حَتَّى ردوهم إِلَى القلعة وزحفوا على الْوَادي وَقتلُوا وأسروا من فِيهِ ونازلوا قلعة نجيمة لَيْلَة وَاحِدَة وَسَار الْعَسْكَر إِلَى الْوَطْأَة وَبَقِي الْأَمِير بكتاش وَالْملك المظفر فِي مُقَابلَة من بالقلعة خشيَة أَن يخرج أهل نجيمة فينالوا من أَطْرَاف الْعَسْكَر حَتَّى صَار الْعَسْكَر بالوطأة ثمَّ اجْتَمعُوا بهَا. فَقدم الْبَرِيد من السُّلْطَان بمنازلة قلعة نجيمة حَتَّى تفتح فعادوا إِلَى حصارها وَاخْتلف الْأَمِير بكتاش والأمير سنجر الدواداري على قتالها فَقَالَ الدواداري: مَتى نازلها الْجَيْش بأسره لَا يعلم من قَاتل مِمَّن عجز وتخاذل والرأي أَن يُقَاتل كل يَوْم أَمِير بألفه. وَأخذ يدل بشجاعته ويصغر شَأْن القلعة وَقَالَ: أَنا آخذها فِي حجري فَسَلمُوا لَهُ وَاتَّفَقُوا على تَقْدِيمه لقتالها قبل كل أحد. فَتقدم الدواداري إِلَيْهَا بألفه حَتَّى لاحف السُّور الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 فَأَصَابَهُ حجر المنجنيق فَقطع مشط رجله وَسقط عَن فرسه إِلَى الأَرْض وَكَاد الأرمن يأخذونه إِلَّا أَن الْجَمَاعَة بادرت وَحَمَلته على جنوبة إِلَى وطاقه وَلزِمَ الْفراش فَعَاد إِلَى حلب وَسَار مِنْهَا إِلَى الْقَاهِرَة وَقتل فِي هَذِه النّوبَة الْأَمِير علم الدّين سنجر طقصبا الناصري. وزحف فِي هَذَا الْيَوْم الْأَمِير كرتاي ونقب سور القلعة وخلص مِنْهُ ثَلَاثَة أَحْجَار وَاسْتشْهدَ مَعَه ثَلَاثَة عشر رجلا. ثمَّ زحف الْأَمِير بكتاش وَصَاحب حماة ببقيه الْجَيْش طَائِفَة بعد طَائِفَة وكل مِنْهُم يردف الآخر حَتَّى وصلوا إِلَى السُّور وَعَلَيْهِم الجنويات وَكَانَ قد اجْتمع بهَا من الفلاحين وَنسَاء الْقرى وَأَوْلَادهمْ خلق كثير فَلَمَّا قل المَاء عِنْدهم أخرجُوا مرّة مِائَتي رجل وثلاثمائة امْرَأَة وَمِائَة وَخمسين صَبيا فَقتل الْعَسْكَر الرِّجَال واقتسموا النِّسَاء وَالصبيان. ثمَّ أخرجُوا مرّة أُخْرَى مائَة وَخمسين رجلا ومائتي امْرَأَة وَخَمْسَة وَسبعين صَبيا فَفَعَلُوا بهم مثل مَا فعلوا بِمن تقدم. ثمَّ أخرجُوا مرّة ثَالِثَة طَائِفَة أُخْرَى فَأتوا على جَمِيعهم بِالْقَتْلِ والسبي حَتَّى لم يتَأَخَّر بالقلعة إِلَّا الْمُقَاتلَة. وَقلت الْمِيَاه عِنْدهم حَتَّى اقْتَتَلُوا بِالسُّيُوفِ على المَاء فسألوا الْأمان فَأمنُوا وَأخذت القلعة فِي ذِي الْقعدَة وَسَار من فِيهَا إِلَى حَيْثُ أَرَادَ. وَأخذ أَيْضا أحد عشر حصنا من الأرمن وَمِنْهَا النقير وَحجر شغلان وسرقندكار وزنجفرة وحميص وَسلم ذَلِك كُله الْأَمِير بكتاش إِلَى الْأَمِير سيف الدّين أسندمر كرجي من أُمَرَاء دمشق وعينه نَائِبا بهَا فَلم يزل أسندمر بهَا حَتَّى قدم التتار فَبَاعَ مَا فِيهَا أَنا آخذ عَمَّن الحواصل ونزح عَنْهَا فَأَخذهَا الأرمن. وَلما تمّ هَذَا الْفَتْح عَادَتْ العساكر إِلَى حلب وَكَانَ الشتَاء شَدِيدا فأقاموا بهَا. وَبعث السُّلْطَان إِلَيْهِم الْأَمِير سيف الدّين بكتمر السِّلَاح دَار والأمير عز الدّين طقطاي والأمير مبارز الدّين أوليا بن قرمان والأمير عَلَاء الدّين أيدغدي شقير الحسامي فِي ثَلَاثَة آلَاف فَارس من عَسَاكِر مصر فَدَخَلُوا دمشق يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع عشر ذِي الْقعدَة وَسَارُوا مِنْهَا إِلَى حلب فِي عشريه وَفِي هَذِه السّنة: كَانَ الروك الحسامي وَذَلِكَ أَن أَرض مصر قد قسمت على أَرْبَعَة وَعشْرين قيراطا وأفرد مِنْهَا للسُّلْطَان أَرْبَعَة قراريط وَجعل لِلْأُمَرَاءِ وبرسم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 الإطلاقات والزيادات عشرَة قراريط وَجعل لأجناد الْحلقَة عشرَة قراريط فَأَرَادَ السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور تَغْيِير ذَلِك وَأَن يَجْعَل لِلْأُمَرَاءِ وأجناد الْحلقَة أحد عشر قيراطا ويستجد عسكرا بِتِسْعَة قراريط. فندب لروك أَرَاضِي مصر الْأَمِير بدر الدّين بيليك الْفَارِسِي الْحَاجِب والأمير بهاء الدّين قراقوش الظَّاهِرِيّ الْمَعْرُوف بالبريدي وانتصب لهَذَا الْعَمَل جمَاعَة من الْكتاب وَكَانَ الْمشَار إِلَيْهِ فيهم تَاج الدّين عبد الرَّحْمَن الطَّوِيل مُسْتَوْفِي الدولة وَهُوَ من مسالمة القبط وَمِمَّنْ يشار إِلَيْهِ فِي معرفَة صناعَة الْكِتَابَة ويعتمد على قَوْله وَيرجع إِلَيْهِ. فَخرج الْأُمَرَاء للروك وَمَعَهُمْ الْكتاب وولاة الأقاليم فِي سادس عشر جُمَادَى الأولى. وَتقدم الْأَمِير منكوتمر نَائِب السلطنة إِلَى التَّاج الطَّوِيل بِأَن يفرد لِلْأُمَرَاءِ والأجناد عشرَة قراريط وَأَن يَجْعَل القيراط الْحَادِي عشر برسم من يتَضَرَّر من قلَّة عِبْرَة خبزه. وأفرد لخاص السُّلْطَان الْأَعْمَال الجيزية والإطفيحية والإسكندرية ودمياط ومنفلوط وكفورها وَهُوَ والكوم الْأَحْمَر من أَعمال القوصية وَغير ذَلِك وأفرد للنائب منكوتمر إقطاع عَظِيم من جملَته مرج بني هميم وكفور وسمهود وكفورها وحرجة قوص ومدينة أدفو وَمَا فِي هَذِه النواحي من الدواليب وَكَانَ متحصلها ينيف على مائَة ألف أردب وَعشرَة آلَاف أردب من الْغلَّة خَارِجا عَن المَال الْعين والقنود والأعسال وَالتَّمْر والأغنام والأحطاب. وَكَانَ فِي خاصه سَبْعَة وَعِشْرُونَ معصرة لقصب السكر سوى مَا لَهُ من المشتريات والمتاجر وَمَا لَهُ بِبِلَاد الشَّام من الضّيَاع وَالْعَقار وَمَا يرد إلية من التقادم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 فَلَمَّا انتهي الروك فِي ثامن رَجَب فرقت مثالات الْأُمَرَاء. وَفِي تاسعه: فرقت مثالات مقدمي الْحلقَة. (وَفِي عاشره) فرقت مثالات أجناد الْحلقَة. وأقطعت الْبِلَاد لِلْأُمَرَاءِ والأجناد دربستا لم يسْتَثْن مِنْهَا سوى الجوالي والمواريث الحشرية فَإِنَّهَا من جملَة الْخَاص السلطاني وَسوى الرزق الأحباسية وَمَا عدا ذَلِك فَإِنَّهُ دَاخل فِي الإقطاع وحولت سنة سِتّ وَتِسْعين إِلَى سنة سبع وَتِسْعين على الْعَادة. وَتَوَلَّى تَفْرِقَة المثالات على الْأُمَرَاء والمقدمين السُّلْطَان فَبَان لَهُ فِي وُجُوههم التَّغَيُّر لقلَّة الْعبْرَة وهم بزيادتهم. فَمَنعه منكوتمر من فتح هَذَا الْبَاب وحذره أَنه مَتى فتح بَاب الزِّيَادَة تَعب وَلَكِن من تضرر من إقطاعه يحيله على منكوتمر فَفعل السُّلْطَان ذَلِك. وَتَوَلَّى تَفْرِقَة مثالات الأجناد منكوتمر فَجَلَسَ بشباك دَار النِّيَابَة ووقف الْحجاب بَين يَدَيْهِ وَأَعْلَى لكل تقدمة مِثَالا بهَا فَلم وَكَانَت الإقطاعات قد تناقصت عَمَّا كَانَت عَلَيْهِ فِي الدولة المنصورية قلاوون فَإِن أقلهَا كَانَ يتَحَصَّل مِنْهُ عشرَة آلَاف دِرْهَم وأكثرها ينيف على ثَلَاثِينَ ألفا فَصَارَ أَكْثَرهَا يبلغ عشْرين ألفا فَعمل فِي هَذَا الروك أَكثر الإقطاعات يتَحَصَّل مِنْهُ عشرَة آلَاف فشق ذَلِك على الأجناد وتجمعت طَائِفَة مِنْهُم ورموا مثالاتهم وَقَالُوا: إِنَّا لم نعتد بِمثل هَذَا فإمَّا أَن تعطونا مَا يقوم بكفايتنا وَإِلَّا فَخُذُوا أخبازكم وَإِمَّا نخدم الْأُمَرَاء أَو نُقِيم بطالين. فحنق مِنْهُم منكوتمر وَأمر الْحجاب فضربوهم وَأخذ سيوفهم وسجنهم وَبَالغ فِي الْفُحْش وَصَارَ ينظر إِلَى الْأُمَرَاء وَيَقُول: أَيّمَا قواد يَجِيء يشتكي من خبزه وَيَقُول أعرف السُّلْطَان فَإِنِّي أعرف إيش يَقُول السُّلْطَان فإمَّا أَن يرضى يخْدم وَإِلَّا فَإلَى لعنة الله. فَعرف الْأُمَرَاء أَنه يعنيهم فَسَكَتُوا على ضغن وَبلغ السُّلْطَان ذَلِك عَن منكوتمر فَأنْكر عَلَيْهِ وَأمره الزِّيَادَة فِي الإقطاعات فَلم يفعل وَأقَام الأجناد فِي السجْن مُدَّة أَيَّام ثمَّ أفرج عَنْهُم. فَكَانَ هَذَا الروك أكبر الْأَسْبَاب فِي زَوَال الدولة. وفيهَا أنعم بطبلخاناه الْأَمِير سيف الدّين بلبان الفاخري نقيب الْجَيْش بعد مَوته على الْأَمِير سيف الدّين بكتمر الحسامي أَمِير آخور وَكَانَ السُّلْطَان قبل ذَلِك قد أعطَاهُ إمرة عشرَة. وَاسْتقر سيف الدّين كرت أَمِير آخور فِي نِيَابَة طرابلس بعد وَفَاة عز الدّين أيبك الْموصِلِي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 وفيهَا عدم الثَّلج بِدِمَشْق وَغَارَتْ الْعُيُون وَهلك أَكثر الزَّرْع وحفت أَشجَار الْبَسَاتِين. وفيهَا بلغ سيف الدّين جاغان شاد الدَّوَاوِين بِدِمَشْق أَن للأمير عز الدّين الجناحي نَائِب غَزَّة وَدِيعَة عِنْد رَحل فاستدعى بِهِ بعد موت الجناحي وطالبه فَقَالَ: قد أَخذ الْوَدِيعَة قبل مَوته. فَلَمَّا أَرَادَ عُقُوبَته حضر إِلَيْهِ فَخر الدّين الإعزازي أحد تجار دمشق وَقَالَ: إِن هَذِه الْوَدِيعَة أَخذهَا الجناحي من هَذَا الرجل وَجعلهَا تَحت يَدي وأحضر صندوقاً فَوحد الْأَمِير جاغان فِيهِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ ألف دِينَار ومائتي وَأَرْبَعَة وَثَلَاثِينَ دِينَارا عينا وحوائص وطرزا قيمتهَا خَمْسُونَ ألف دِينَار. وفيهَا خرج الْأَمِير سيف الدّين حمدَان بن صلغاي إِلَى بِلَاد الشَّام فِي صُورَة أَنه يستحث العساكر على أَخذ سيس وَقد لقنه الْأَمِير منكوتمر أموراً مكتومة كَانَ فِيهَا زَوَال الدولة وَمِنْهَا أَنه يفرج عَن الْأَمِير كرجي من قلعة دمشق ويسفره إِلَى سيس ويتفق هُوَ وأيدغدي شقير المتوجه قبله صُحْبَة بكتمر السِّلَاح دَار مَعَ جمَاعَة من خشداشيته على مَا يَأْتِي ذكره. وَفِيمَا أنعم على صمغار بن سنقر بإمرة وأنعم على كل من بن أيتمش السَّعْدِيّ وَسيف الدّين طقصبا الظَّاهِرِيّ بإمرة. وفيهَا قدم الْأَمِير حسام الدّين مهنا بن عِيسَى أَمِير الْعَرَب فَأكْرمه السُّلْطَان وَألبسهُ خلعة طرد وَحش وَهُوَ أول من ألبس ذَلِك لآل مهنا وَإِنَّمَا كَانَت خلعهم مسمطا أَو كنجيا. وَاسْتَأْذَنَ مهنا وفيهَا قوي أَمر منكوتمر وتحكم تحكمة الْمُلُوك فِي جَمِيع أُمُور المملكة وَقصد إِخْرَاج طغجي أَيْضا من مصر فَفطن طغجي لذَلِك فَسَأَلَ الْإِذْن فِي السّفر إِلَى الْحَج فَأذن لَهُ وَعمل أَمِير الركب. وفيهَا بعث منكوتمر إِلَى قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن دَقِيق الْعِيد يُعلمهُ أَن تَاجِرًا قد مَاتَ وَترك أَخا وَلم يخلف غَيره مِمَّن يَرِثهُ وَأَرَادَ أَن يثبت اسْتِحْقَاقه الْإِرْث بِمُجَرَّد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 هَذَا الْإِخْبَار عَنهُ. فَلم يُوَافق قَاضِي الْقُضَاة على ذَلِك وترددت الرُّسُل بَينهمَا فَخرج منكوتمر من ذَلِك وَبعث إِلَيْهِ الْأَمِير كرت الْحَاجِب فَلَمَّا دخل كرت وقف بَعْدَمَا سلم فَقَامَ لَهُ القَاضِي نصف قومة ورد عَلَيْهِ السَّلَام وَأَجْلسهُ. وَأخذ كرت يتلطف بِهِ فِي إِثْبَات أخوة التَّاجِر بِشَهَادَة منكوتمر فَقَالَ لَهُ قَاضِي الْقُضَاة: وماذا يَنْبَنِي على شَهَادَة منكوتمر قَالَ لَهُ: يَا سَيِّدي مَا هُوَ عنْدكُمْ عدل فَقَالَ: سُبْحَانَ الله ثمَّ أنْشد: يَقُولُونَ هَذَا عندنَا غير جَائِز وَمن أَنْتُم حَتَّى يكون لكم عِنْد وَكرر ذَلِك ثَلَاث مَرَّات ثمَّ قَالَ: وَالله مَتى لم تقم عِنْدِي بَيِّنَة شَرْعِيَّة ثبتَتْ عِنْدِي وَإِلَّا فَلَا حكمت لَهُ بِشَيْء باسم الله. فَقَامَ كرت وَهُوَ يَقُول: وَالله هَذَا هُوَ الْإِسْلَام وَعَاد إِلَى منكوتمر وَاعْتذر إِلَيْهِ بِأَن هَذَا الْأَمر لابد فِيهِ من اجتماعك بِالْقَاضِي إِذا جَاءَ إِلَى دَار الْعدْل. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْخدمَة وَمر القَاضِي على دَار النِّيَابَة بالقلعة ومنكوتمر جَالس فِي الشباك تسارعت الْحجاب وَاحِدًا بعد آخر إِلَى القَاضِي وهم يَقُولُونَ: يَا سَيِّدي الْأَمِير ولدك يخْتَار الِاجْتِمَاع بك لخدمتك. فَلم يلْتَفت إِلَى أحد مِنْهُم فَلَمَّا ألحوا عَلَيْهِ قَالَ لَهُم: قُولُوا لَهُ مَا وحبت طَاعَتك عَليّ والتفت إِلَى من مَعَه من الْقُضَاة وَقَالَ: أشهدكم أَنِّي عزلت نَفسِي باسم الله قُولُوا لَهُ يول غَيْرِي. وَعَاد إِلَى دَاره وأغلق بَابه وَبعث نقباءه إِلَى النواب فِي الحكم وعقاد الْأَنْكِحَة يمنعهُم من الحكم وَعقد الْأَنْكِحَة. فَلَمَّا بلغ السُّلْطَان ذَلِك أنكر على منكوتمر وَبعث إِلَى القَاضِي يعْتَذر إِلَيْهِ ويستدعيه فَأبى وَاعْتذر عَن طلوعه فَبعث إِلَيْهِ الشَّيْخ نجم الدّين حُسَيْن بن مُحَمَّد بن عبود والطواشي مرشداً فَمَا زَالا بِهِ حَتَّى صعدا بِهِ إِلَى القلعة. فَقَامَ إِلَيْهِ السُّلْطَان وتلقاه وعزم عَلَيْهِ أَن يجلس فِي مرتبته فَبسط منديله وَكَانَ خرقَة كتَّان خلقَة فَوق الْحَرِير فَبل أَن يجلس كَرَاهَة أَن ينظر إِلَيْهِ وَلم يجلس عَلَيْهِ. وَمَا برح السُّلْطَان يتلطف بِهِ حَتَّى قبل الْولَايَة ثمَّ قَالَ لَهُ: يَا سَيِّدي هَذَا ولدك منكوتمر خاطرك مَعَه ادعوا لَهُ وَكَانَ منكوتمر مِمَّن حضر فَنظر إِلَيْهِ قَاضِي الْقُضَاة سَاعَة وَصَارَ يفتح يَده ويقبضها وَهُوَ يَقُول: منكوتمر لَا يَجِيء مِنْهُ شَيْء وكررها ثَلَاث مَرَّات وَقَامَ. فَأخذ السُّلْطَان الْخِرْقَة الَّتِي وَضعهَا على الْمرتبَة تبركا بهَا وتفرقها الْأُمَرَاء قِطْعَة قِطْعَة ليدخروها عِنْدهم رَجَاء وَأما حمدَان بن صلغاي فَإِنَّهُ قدم إِلَى دمشق وَعرف الْأَمِير جاغان مَا ندب إِلَيْهِ من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 مسك الْأَمِير بكتمر السِّلَاح دَار والأمير فَارس الدّين ألبكي نَائِب صفد وَعز الدّين طقطاي والأمير بزلار والأمير عزاز وَكَانَ الْأَمِير قبجق نَائِب الشَّام قد خرج بالعساكر إِلَى مساعدة الْأُمَرَاء على أَخذ سيس ثمَّ سَار حمدَان إِلَى حمص والتقي هُنَاكَ بالأمير قبجق وَهُوَ عَائِد إِلَى دمشق فَتَلقاهُ وأكرمه. ثمَّ توجه إِلَى حلب وأوقف النَّائِب على مَا جَاءَ فِيهِ من قبض الْأُمَرَاء الَّذين عينهم منكوتمر فَبَلغهُمْ ذَلِك فاحترزوا على أنفسهم وَلَحِقُوا بحمص يُرِيدُونَ الْأَمِير قبجق والاتفاق مَعَه. وفيهَا أفرج عَن ابْن الْحلِيّ بعد أَن بَالغ أقوش الرُّومِي فِي عُقُوبَته فاختفى. وفيهَا اسْتَقر الْأَمِير بكتمر الحسامي أَمِير آخور كَبِيرا وَاسْتقر عَلَاء الدّين طيبرس الخازنداري نقيب الْجَيْش عوضا عَن بلبان الفاخري. وفيهَا رسم بِعَمَل استيمار يجمع أَرْبَاب الرَّوَاتِب والرزق ليحضروا بتواقيعه للعرض على منكوتمر وَيقطع من يخْتَار مِنْهُم فَلَمَّا شرعوا فِي الْكِتَابَة اشْتَدَّ قلق النَّاس وَبلغ السُّلْطَان ذَلِك فَمنع منكوتمر مِنْهُ. وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر صدر الدّين إِبْرَاهِيم بن محيى الدّين أَحْمد بن عقبَة بن هبة الله بن عَطاء البصراوي الدِّمَشْقِي الْفَقِيه الْحَنَفِيّ ولد فِي سنة تسع وسِتمِائَة وبرع فِي الْفِقْه والنحو وَأفْتى ودرس وَولي قَضَاء حلب وَقدم بعد عَزله إِلَى الْقَاهِرَة وَأقَام بهَا ثمَّ ولي حلب ثَانِيًا فَمَاتَ بِدِمَشْق فِي رَمَضَان. وَمَات شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الْمُنعم بن نعْمَة الْمُقْرِئ الْفَقِيه الْحَنْبَلِيّ عَابِر الرُّؤْيَا كَانَت لَهُ عجائب فِي عبارَة الرُّؤْيَا وصنف فِيهَا وَمَات آخر ذِي الْقعدَة. وَمَات الْأَمِير عز الدّين أيبك الْموصِلِي أحد المماليك المنصورية وَقد تنقلت بِهِ الخدم حَتَّى ولي نِيَابَة طرابلس إِلَى أَن مَاتَ فِي. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين بلبان الفاخري نقيب الْجَيْش فِي رَابِع عشر ربيع الآخر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 وَمَات الْأَمِير علم الدّين سنجر طقصبا اسْتشْهد فِي محاصرة قلعة نجيمة فِي. وَمَات الْأَمِير علم الدّين سنجر أحد الْأُمَرَاء الناصرية بِدِمَشْق فِي سَابِع عشري جُمَادَى الأولى وَكَانَ شجاعا مقداما سمع الحَدِيث وَعرف بِالْخَيرِ وَحدث. وَتُوفِّي شيخ الشُّيُوخ بحلب نجم الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد اللَّطِيف بن أبي الْفتُوح نصر بن سعيد بن سعد بن مُحَمَّد بن نَاصِر الميهني عَن ثَمَان وَثَمَانِينَ سنة. وَمَات الْأَمِير سعد الدّين كوجبا نَائِب دَار الْعدْل فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ حادي عشر جُمَادَى الأولى. وَمَات موفق الدّين مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن ثَعْلَب الأدفوي خطيب أدفو وَله نظم ونثر وَفِيه كرم وَعِنْده إغضاء وحلم وَمَات فِي. وَمَات جمال الدّين مُحَمَّد بن سَالم بن نصر الله بن سَالم بن وَاصل الْحَمَوِيّ قَاضِي حماة وَهُوَ أحد الْأَئِمَّة الْأَعْلَام قدم الْقَاهِرَة وَمَات بحماة فِي ثَانِي عشري شَوَّال عَن ثَلَاث وَتِسْعين سنة. وَمَات الشَّيْخ شمس الدّين أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّد بن بكر بن مُحَمَّد الأيكي الْفَارِسِي الشَّافِعِي شيخ الخانكاه الصلاحية سعيد السُّعَدَاء مَاتَ بِدِمَشْق فِي رَابِع رَمَضَان عَن سِتّ وَسِتِّينَ سنة. وَمَات الْأَمِير شمس الدّين سنفر التكريتي أستادار الْملك السعيد. وَمَات الْأَمِير علم الدّين طرطج الصَّالِحِي وَهُوَ كَاتب لَهُ مَكَارِم وَفِيه غقدام وشجاعة وَله أثار حميدة. وَمَات الْأَمِير طقطاي الأشرفي أحد الْأُمَرَاء والأكابر. وَمَات الْأَمِير شمس الدّين سنقر التكريتي عرف بالمساح وَكَانَ مَشْهُورا بالشجاعة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 يخرج كل سنة إِلَى عكا فَتكون لَهُ وقائع مَعَ أَهلهَا وَكَانَ يركب بِجَانِب الْمَنْصُور قلاوون فِي المواكب وَكَانَ قلاوون يستشيره فِي الْمُهِمَّات وَكَانَ من دون أُمَرَاء مصر يركب بالزناري على فرسه. بمفرده وَفِيه مَكَارِم. وَمَات الْفَقِيه تَقِيّ الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن الْفَقِيه علم الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد بن رَشِيق يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشري جُمَادَى الْآخِرَة. وَتُوفِّي الشَّيْخ زين الدّين أَبُو المحاسن يُوسُف بن مُحَمَّد بن الْحسن بن الْحسن عدي بِمصْر وَله تربة جليلة بالقرافة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 سنة ثَمَان وَتِسْعين وسِتمِائَة فِي أول الْمحرم: قدم الْخَبَر بِأَن التتر على عزم الْحَرَكَة إِلَى الشَّام فَخرجت العساكر ثمَّ خرج الْأَمِير أقش الأفرم. وَتوجه حمدَان بن صلغاي وعلاء الدّين أيدغدي شقير على الْبَرِيد لإِخْرَاج الْأَمِير قبجق نَائِب الشَّام بالعسكر إِلَى حلب فوصلا إِلَى دمشق فِي سابعه فشرع قبجق فِي الاهتمام للسَّفر وَخرج بعسكرها وبالبحرية فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشره وَتَأَخر جاغان بِدِمَشْق. وَعلم قبجق أَن الْأَمر بِخِلَاف مَا أشيع من حَرَكَة التتار وَإِنَّمَا الْقَصْد عمل مكيدة بِهِ وَبِغَيْرِهِ من الْأُمَرَاء فَكَانَ ذَلِك سَببا لفراره إِلَى بِلَاد التتر. وَمُلَخَّص ذَلِك أَن الْأَمِير منكوتمر نَائِب السلطنة ثقلت عَلَيْهِ وَطْأَة الْأُمَرَاء بديار مصر وَالشَّام فَأَرَادَ إزاحتهم عَنهُ وَإِقَامَة غَيرهم من مماليك السُّلْطَان ليتَمَكَّن من مُرَاده فَمَا زَالَ بالسلطان حَتَّى قبض على أُمَرَاء مصر ثمَّ أَخذ فِي التَّدْبِير على من بِبِلَاد الشَّام من الْأُمَرَاء فَبعث أيدغدي شقير ثمَّ أردفه بحمدان بن صلغاي وعَلى يَده ملطفات إِلَى بلبان الطاخي نَائِب حلب بِالْقَبْضِ على الْأَمِير بكتمر السِّلَاح دَار وَهُوَ مُجَرّد على حلب وعَلى الْأَمِير فَارس الدّين الألبكي الساقي نَائِب صفد والأمير عز الدّين طقطاي والأمير سيف الدّين بزلار والأمير سيف الدّين عزاز وَمن وَقدم حمدَان دمشق وأوقف الْأَمِير جاغان شاد الدَّوَاوِين على مَا جَاءَ فِيهِ وَأمره أَلا يُمكن قبجق نَائِب دمشق من الدُّخُول إِلَيْهَا إِلَّا بمرسوم. وَخرج حمدَان يُرِيد حلب فصادف الْأَمِير قبجق بِالْقربِ من حمص وَاجْتمعَ بِهِ فتخيل قبجق من قدومه وَبعث إِلَى بكتمر السِّلَاح دَار وَغَيره من الْأُمَرَاء يوصيهم بالاحتراز وَبعث نجابا إِلَى أَصْحَابه بِمصْر يستعلم مِنْهُم الْخَبَر. فَلَمَّا قدم حمدَان حلب وأوقف الْأَمِير بلبان الطباخي على أمره توقف فِيهِ فَأخذ حمدَان وأيدغدي شقير يستحثانه على قبض الْأُمَرَاء. فاتفق موت الْأَمِير طقطاي واتهم حمدَان بسقيه. فَبعث حمدَان وأيدغدي إِلَى منكوتمر بتوقف نَائِب حلب فِي مسك الْأُمَرَاء فَغَضب من ذَلِك وَأَرَادَ عزل بلبان عَن حلب وتولية أيدغدي شقير عوضه فخوف من ذَلِك حَتَّى كف مِنْهُ. وَكتب منكوتمر إِلَى الْأَمِير بلبان الطباخي نَائِب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 حلب يستحثه فِي مسك الْأُمَرَاء وَكتب إِلَى الْأَمِير بكتمر بنيابة طرابلس وَكَانَ ذَلِك خديعة من منكوتمر قصد بهَا أَنه إِذا حضر بكتمر بِلبْس الشريف يقبض عَلَيْهِ وعَلى الْأُمَرَاء وَقدم الْأَمِير الحسام الأستاداري إِلَى مصر فعزم منكوتمر على مسكه ثمَّ انْتظر مَا يرد عَن الْأُمَرَاء بحلب. وَبلغ بلبان الطباخي أَن أيدغدي شقير قد عين لنيابه حلب وَبلغ قبجق نَائِب الشَّام أَن خُرُوجه من دمشق إِنَّمَا كَانَ حِيلَة عَلَيْهِ وَأَن جاغان يسْتَقرّ فِي نِيَابَة دمشق عوضه فكتما كل مِنْهُمَا ذَلِك وَأخذ الحسامية فِي الإلحاح على نَائِب حلب فِي قبض الْأُمَرَاء عِنْد حضورهم السماط يَوْم الموكب فَبعث سرا إِلَى الْأُمَرَاء يعلمهُمْ ذَلِك فَاسْتَعدوا لأَنْفُسِهِمْ وركبوا فِي يَوْم الموكب على الْعَادة إِلَّا الْأَمِير بكتمر السِّلَاح دَار فَإِنَّهُ تَأَخّر وَاعْتذر بِعَارِض فَلم يُمكن الحسامية الْقَبْض على من حضر خوفًا من فَوَات الْأَمر فِيمَن تَأَخَّرُوا وَاتَّفَقُوا على أَن ذَلِك يكون فِي موكب الآخر فَبعث الطباخي نَائِب حلب يعرفهُمْ ذَلِك فَكتب بكتمر السِّلَاح دَار إِلَى قبجق نَائِب دمشق وَقد بلغه خُرُوجه إِلَى حمص يعرفهُ بِمَا هم فِيهِ فَلَمَّا كَانَ الموكب الثَّانِي ركب الْأُمَرَاء ليقْرَأ عَلَيْهِم كتاب السُّلْطَان باستقرار الْأَمِير بكتمر فِي نِيَابَة طرابلس وَقد احترزوا على أنفسهم وَتَأَخر بكتمر أَيْضا عَن الرّكُوب وَاعْتذر بوجع فُؤَاده فعزموا على مسك من حضر ثمَّ أَخذ بكتمر من خيمته. وَكَانَت الْعَادة أَنهم يقفون تَحت القلعة على خيولهم فَإِذا قرىء الْكتاب نزلُوا وقبلوا الأَرْض فبيت الحسامية أَن الْأُمَرَاء إِذا نزلُوا لتقبيل الأَرْض داسوهم وأخذوهم بِالْيَدِ. فعندما قرئَ الْكتاب ترجل نَائِب حلب على الْعَادة وَتَبعهُ بَقِيَّة الْأُمَرَاء وَقد أوقفوا مماليكهم على خيولهم ليحموهم وَنزل كل مِنْهُم وعنان فرسه فِي يَده ومماليكه مُحِيطَة بِهِ وَقبل الأَرْض ووثب سَرِيعا على فرسه ومضوا يدا وَاحِدَة. فانخرم الْأَمر على الحسامية وَأخذُوا يلومون نَائِب حلب فِي كَونه لم يقبض عَلَيْهِم وهر يهول الْأَمر عَلَيْهِم إِلَى أَن اتَّفقُوا على الْإِرْسَال إِلَى الْأُمَرَاء ليجتمعوا بدار النِّيَابَة فِي اللَّيْل وَأَن يبدءوا بِالْإِرْسَال إِلَى بكتمر أَمِير سلَاح. فَلَمَّا كَانَ بعد عشَاء الْآخِرَة توجه الْحَاجِب إِلَى أَمِير سلَاح يُعلمهُ بِأَن قصادا قد قدمُوا من الْبِلَاد فيحضر للمشهورة مَعَ الْأُمَرَاء فَلم يُمكن الْحَاجِب من الِاجْتِمَاع بِهِ وَاعْتذر بوجع رجله فَمضى الْحَاجِب إِلَى الْأَمِير كرتاي وَابْن قرمان وبلغهما الرسَالَة فضحكا وَقَالَ كل مِنْهُمَا: مَا أبرد ذقن الْأَبْعَد وذقن من أرْسلهُ مَتى سَمِعت مشورة تكون ثلث اللَّيْل إِلَى غَد نحضر مَعَ الْأُمَرَاء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 ثمَّ إِن الْأَمِير سيف الدّين بكتمر السِّلَاح دَار والأمير فَارس الدّين ألبكي والأمير سيف الدّين عزاز اجْتَمعُوا وركبوا من ليلتهم يُرِيدُونَ حمص ولقاء الْأَمِير قبجق فَخرج قبجق إِلَى لقائهم وَاتَّفَقُوا على العبور إِلَى بِلَاد غازان فأمهلهم قبجق حَتَّى يرد عَلَيْهِ جَوَاب الْأُمَرَاء من مصر فنزلوا مَعَه. وَقدم جَوَاب قبجق من كرجي وطغجي أَنهم عَن قريب يقضون الشّغل فَليقمْ بموضعه حَتَّى الْخَبَر فَلم يُوَافقهُ الْأُمَرَاء على الْإِقَامَة خوفًا من مَجِيء العساكر إِلَيْهِم وَسَارُوا لَيْلَة الثُّلَاثَاء من ربيع الآخر وقصدوا سلمية. وَكَانَ الْأَمِير قبجق لما قدم عَلَيْهِ الْأُمَرَاء من حلب قد بعث على الْبَرِيد الْأَمِير سيف الدّين بلغاق بن كونجك الْخَوَارِزْمِيّ إِلَى السُّلْطَان يُعلمهُ حُضُور الْأُمَرَاء إِلَيْهِ وَيسْأل الْأمان لَهُم وتطييب خواطرهم. ثمَّ سَار الْأَمِير قبجق من حمص لَيْلَة السبت خَامِس ربيع الأول وَبعث عَلَاء الدّين بن الجاكي إِلَى دمشق يَسْتَدْعِي من الْأَمِير جاغان مَالا وخلعا من الخزانة للنَّفَقَة على الْأُمَرَاء وتطييب خواطرهم فَامْتنعَ جاغان من ذَلِك وَكتب يلومه على إغفاله الْقَبْض عَلَيْهِم وَكتب إِلَيْهِ أَيْضا أيدغدي شقير وَسيف الدّين كجكن بالإنكار وَأَنه إِن لم يقبض عَلَيْهِم ركبُوا عَلَيْهِ وقبضوه فزاده ذَلِك نفوراً. وَتبين لعسكر دمشق مُخَالفَة قبجق فتسللوا عَنهُ طَائِفَة بعد طَائِفَة وعادوا من حمص إِلَى دمشق فشكرهم جاغان على مفارقتهم إِيَّاه فَبَقيَ قبجق فِي قلَّة من المَال وَالرِّجَال. وَأما أهل حلب فَإِن الْأُمَرَاء لما شاروا فِي اللَّيْل ركب من بكرَة النَّهَار أيدغدي شقير وحمدان بن طغان والأمراء الحسامية إِلَى نَائِب حلب وبطقوا إِلَى الْأَعْمَال بِالْقَبْضِ على الْأُمَرَاء وَتوجه أيدغدي شقير فِي عَسْكَر إِلَى جِهَة الْفُرَات وَسَار عَسْكَر إِلَى جِهَة حماة ونهبت أثقال الْأُمَرَاء. فورد الْخَبَر بوصولهم إِلَى قبجق نَائِب دمشق وَأَنَّهُمْ سَارُوا على طَرِيق سلمية فَقَامَ العزاء والنواح بحلب. وَخرج الْعَسْكَر فِي طَلَبهمْ نَحْو الْفُرَات وأوقع جاغان الحوطة بِدِمَشْق على بَيت قبجق فِي خَامِس عشره وتكامل مَجِيء الْعَسْكَر الَّذِي كَانَ مَعَ قبجق فِي سَابِع عشره. وانْتهى سيف الدّين كجكن وأيدغدي شقير إِلَى الْفُرَات فوجدا الْأُمَرَاء قد قطعُوا الْفُرَات إِلَى رَأس عين فورد الْخَبَر إِلَى حلب بقتل السُّلْطَان ونائبه منكوتمر فَركب سيف الدّين بلبان البريدي وَلحق الْأَمِير قبجق بِرَأْس عين وأعلمه بذلك فَظن أَنَّهَا حِيلَة عَلَيْهِ وَلم يرجع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 وَأما السُّلْطَان فَإِن منكوتمر لم يزل يدبر بشؤم رَأْيه حَتَّى قتل وَذَلِكَ أَن الْأَمِير طغجي قدم من الْحجاز أول صفر وَقد قرر منكوتمر خُرُوجه إِلَى نِيَابَة طرابلس فَلَمَّا استراح من تَعب السّفر استدعاه السُّلْطَان وتلطف بِهِ فِي الْخُرُوج إِلَى طرابلس فَاعْتَذر بِأَنَّهُ لَا يصلح للنيابة. وَقَامَ الْأَمِير طغجي فَأعْلم كرجي وبيبرس الجاشنكير بذلك فاتفقوا على التحدث مَعَ السُّلْطَان فِي صرفه عَن تسفيره ودخلوا عَلَيْهِ وَمَا زَالُوا بِهِ حَتَّى أَعْفَاهُ. فشق ذَلِك على منكوتمر وَأنكر على كرجي وتجهم لَهُ وَتكلم فِيهِ وَفِي من تحدث مَعَه فِي إعفاء طغجي من السّفر وَبَالغ فِي إهانتهم فحرك ذَلِك من كرجي كوامن كَانَت فِي نَفسه من منكوتمر. وَانْقطع منكوتمر من الْخدمَة حنقاً من إعفاء طغجي فداراه السُّلْطَان وَبعث إِلَيْهِ قَاضِي الْقُضَاة حسام الدّين الْحسن بن أَحْمد بن الْحسن الرُّومِي ليحضره فَمَا زَالَ بِهِ حَتَّى حضر بشريطة أَن يخرج طغجي من مصر ويمسك كرجي أَن يخرج أَيْضا. وَاتفقَ مَعَ ذَلِك وُصُول قَاصد الْأَمِير قبجق نَائِب دمشق فِي السِّرّ إِلَى طغجي وكرجي بِمَا تقدم ذكره فأوقفوا بيبرس وسلار وَغَيره مِمَّن يثقون بِهِ على ذَلِك وَاتَّفَقُوا على الفتك بالسلطان. وشرعوا فِي السَّعْي بَين الْأُمَرَاء المماليك المنصورية والأشرفية يستميلونهم وَأخذ كرجي يستميل المماليك أَرْبَاب النوب فَإِنَّهُ كَانَ مقدما عَلَيْهِم حَتَّى أحكموا أَمرهم. هَذَا ومنكوتمر مُقيم على إِخْرَاج طغجي وَبعث يَأْمُرهُ أَن يتجهز للسَّفر وَتَمَادَى الْحَال إِلَى يَوْم الْخَمِيس عَاشر ربيع الآخر. فَفِي ذَلِك الْيَوْم: أصبح السُّلْطَان صَائِما وَأفْطر ثمَّ جلس يلْعَب بالشطرنج وَعِنْده إِمَامه نجم الدّين بن الْعَسَّال وقاضي الْقُضَاة حسام الدّين فَدخل الْأَمِير كرجي على عَادَته وأعلمه بِأَنَّهُ قد بَيت البرجية وَغَيرهم من المماليك فِي أماكنهم وغلق عَلَيْهِم الْأَبْوَاب وَكَانَ قد رتب قبل دُخُوله جمَاعَة فِي أَمَاكِن بالدهاليز فشكره السُّلْطَان وَأثْنى عَلَيْهِ وَقَالَ لقَاضِي الْقُضَاة: لَوْلَا الْأَمِير سيف الدّين كرجي مَا وصلت إِلَى السلطة. فَقبل كرجي الأَرْض وَجلسَ على عَادَته ثمَّ قَامَ ليصلح الشمعة فأصلحها وَألقى فوطة خدمَة كَانَت بِيَدِهِ على نمجاه السُّلْطَان ليسترها عَنهُ وَكَانَ سلَاح دَار النّوبَة تِلْكَ اللَّيْلَة الْأَمِير سيف الدّين نغاي الكرموني السِّلَاح دَار قد وَافق كرجي على مَا هُوَ فِيهِ. ثمَّ قَالَ كرجي للسُّلْطَان: مَا يُصَلِّي مَوْلَانَا السُّلْطَان الْعشَاء فَقَالَ: نعم وَقَامَ يُرِيد الصَّلَاة فَأخذ السِّلَاح دَار النمجاه من تَحت الفوطة وَعند ذَلِك جرد كرجي سَيْفه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 وَضرب السُّلْطَان على كتفه فَالْتَفت السُّلْطَان يُرِيد بالنمجاه فَلم يجدهَا فَقبض على كرجي وألقاه إِلَى الأَرْض فَضرب نوغاي رجل السُّلْطَان بالمنجاه فَقطع رجله. وانقلب السُّلْطَان على ظَهره فَأَخَذته السيوف من كل جَانب حَتَّى صَار كوم لحم وفر ابْن الْعَسَّال إِلَى خزانَة وصرخ القَاضِي حسام الدّين: لَا يحل هَذَا لكم فهم بِهِ كرجي ثمَّ كَفه الله عَنهُ. وَخرج كرجي وأغلق الْبَاب على الْمَقْتُول وَالْقَاضِي فَإِذا بالأمير طغجي قد استعد وَقعد فِي عدَّة من البرجية بداركاه القلعة ينْتَظر مَا يكون من كرجي. فعندما رَآهُ طغجي قَالَ: قضيت الشّغل قَالَ: نعم وأعلمه الْخَبَر. فَوَقع الصَّوْت فِي القلعة بقتل السُّلْطَان وطار من وقته إِلَى الْمَدِينَة. فَركب الْأَمِير جمال الدّين قتال السَّبع فِي عدَّة من الْأُمَرَاء إِلَى خَارج الْمَدِينَة وَوَقعت الصرخة تَحت القلعة فَركب أَكثر الْعَسْكَر. وَأما طغجي فَإِنَّهُ استدعى بَقِيَّة الْأُمَرَاء المقيمين بالقلعة وَبسط بَاب الْقلَّة. فَلم يشْعر منكوتمر وَهُوَ بدار النِّيَابَة إِلَّا بالصرخة قد قَامَت وَبَاب القله قد فتح والأمراء قد اجْتمعت والشموع توقد والضجيج يزْدَاد. فَفطن منكوتمر بقتل السُّلْطَان وأغلق الْأَبْوَاب وألبس مماليكه فَصَارَ فِي أَرْبَعمِائَة ضَارب سيف وأزيد وَلَكِن الله خذله فَجَاءَهُ الحسام أستادار وعرفه من تَحت الشباك بقتل السُّلْطَان وتلطف بِهِ حَتَّى خرج إِلَيْهِ وَسَار مَعَه إِلَى بَاب الْقلَّة فَقبل يَد طغجي. فَقَامَ إِلَيْهِ طغجي وَأَجْلسهُ ثمَّ أَمر بِهِ أَن يمضى إِلَى الْجب فَأخذ وأرخي فِيهِ فَقَامَ إِلَيْهِ الْأَمِير شمس الدّين سنقر الأعسر والأمير عز الدّين أيبك الْحَمَوِيّ نَائِب الشَّام وَغَيرهمَا مِمَّن كَانَ بالجب وَلما عاينوه أَنْكَرُوا ذَلِك فَقَالَ منكوتمر: قد غضب على السُّلْطَان وَحلف أَن يحبسني وَقصد بذلك دفعهم عَنهُ لِئَلَّا يقتلوه. فَلم يكن غير بعض سَاعَة إِلَّا وَقد أرخيت القفة من رَأس الْجب وصاحوا على منكوتمر فَقَامَ وَجلسَ بهَا وَفِي ظن أهل الْجب أَن السُّلْطَان قد رَضِي عَنهُ. فعندما صَار بِرَأْس الْجب وجد كرجي وَاقعا فِي طَائِفَة من المماليك فَضَربهُ كرجي بلت من حَدِيد صرعه وذبحه عِنْد الْجب وَانْصَرف وَذَلِكَ أَنه لما حضر منكوتمر إِلَى طغجي لم يكن كرجي حَاضرا فَلَمَّا بلغه مَجِيئه أقبل يُريدهُ فَأعْلم أَنه فِي الْجب فصاح على الْأُمَرَاء فَقَالَ: إيش عمل بِي السُّلْطَان حَتَّى قتلته وَالله لقد أحسن إِلَيّ وكبرني وأنشأني وَلَو علمت أَنِّي إِذا قتلت منكوتمر يبقيني بعده وَالله مَا قتلته. وَمَا أحوجني أَقتلهُ إِلَّا مَا كَانَ يَقع من منكوتمر وَمضى مسرعاً إِلَى الْجب حَتَّى قَتله ونهبت دَاره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 وَكَانَ منكوتمر عفيفاً عَن الْأَمْوَال ضابطا لناموس المملكة متيقظاًً وَهُوَ أول من نزل عَن إقطاعات الْجند الَّتِي كَانَت فِي ديوَان النِّيَابَة ومتحصلها فِي السّنة مائَة ألف أردب غلَّة فَتَركهَا لله تَعَالَى. وَكَانَ بَعيدا عَن اللَّهْو مهيباً مصمما لم يسمع مِنْهُ قطّ أَنه شتم أحدا وَلَا جرى على لِسَانه فحش مَعَ كَثْرَة التَّحَرِّي وَرفع الْمَظَالِم. إِلَّا إِنَّه كَانَ صبي الْعقل عَظِيم الْكبر محتقراً لِلْأُمَرَاءِ فمقتوه وَعَلمُوا أَنهم لَا يصلونَ إِلَى ازاحته إِلَّا بقتل السُّلْطَان فَاجْتمعُوا على قَتله حَتَّى كَانَ مَا وَكَانَ الَّذين اتَّفقُوا على قتل السُّلْطَان من الْأُمَرَاء سيف الدّين كرجي وَسيف الدّين نوغاي وقرا طرنطاي وحجك وأرسلان وأقوش وبيليك الرسولي. وَكَانَت مُدَّة سلطة لاجين مُنْذُ فَارق الْملك الْعَادِل كتبغا الدهليز بِمَنْزِلَة العوجاء وَحلف الْأُمَرَاء فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامن عشري الْمحرم سنة سِتّ وَتِسْعين وَإِلَى أَن قتل سنتَيْن وشهرين وَثَلَاثَة عشر يَوْمًا ومنذ خلع كتبغا نَفسه بِدِمَشْق وَاجْتمعت الْكَلِمَة بِمصْر وَالشَّام على لاجين فِي يَوْم السبت رَابِع عشري صفر مِنْهَا وَإِلَى أَن قتل سنتَيْن وشهرين غير ثَلَاثَة عشر يَوْمًا وَقتل السُّلْطَان لاجين وَله من الْعُمر نَحْو الْخمسين سنة وَكَانَ أشقر أَزْرَق الْعين معرق الْوَجْه طوَالًا مهيباً شجاعا مقداما عَاقِلا متديناً يحب الْعدْل ويميل إِلَى الْخَيْر وَيُحب أَهله جميل الْعشْرَة مَعَ تقشف وَقلة أَذَى. وأبطل عدَّة مكوس وَقَالَ: إِن عِشْت لَا تركت مشمسا أَلْبَتَّة. وَكَانَ يحب مجالسة الْفُقَهَاء والعامة وَيَأْكُل طعامهم وَكَانَ أكولا. وَلم يعب بِشَيْء سوى انقياده إِلَى مَمْلُوكه ونائبه الْأَمِير منكوتمر ورجوعه إِلَى رَأْيه وموافقته لَهُ واتباعه لكل مَا يهواه من شدَّة حبه لَهُ حَتَّى أدّى ذَلِك إِلَى قَتلهمَا ثمَّ إِلَى خراب الْبِلَاد بمجيء غازان فَإِن قبجق وَمن مَعَه من الْأُمَرَاء حملهمْ بغضهم فِي منكوتمر وخوفهم مِنْهُ على اللحاق بغازان وتحريضه على الْمسير إِلَى الشَّام حَتَّى كَانَ مِنْهُ مَا يَأْتِي ذكره إِن شَاءَ الله. وَكَانَ لاجين مُنْذُ قتل الْملك الْأَشْرَف يستشعر أَنه لابد أَن يقتل حَتَّى أَنه فِي يَوْم الْخَمِيس الَّذِي قتل فِي مسائه أحضر إِلَيْهِ بعد الْعَصْر بندب فَارس ميداني من السِّلَاح خاناه فَجعل يفتل فردة بعد فردة وَهُوَ يَقُول: من قتل قتل ويكرر هَذَا مرَارًا فَكَانَ الفأل موكلا بالْمَنْطق إِذْ قتل بعد أَربع سَاعَات من كَلَامه. وَنَظِير هَذَا أَن الْملك الْأَشْرَف وقف فِي حَلقَة صيد والنوبة يَوْمئِذٍ فِي حمل السِّلَاح خَلفه للاجين هَذَا فجَاء لاجين إِلَى بدر الدّين بكتوت العلائي وَله أَيْضا النّوبَة فِي حمل السِّلَاح وَقد تقدم إِلَى مَكَانَهُ من الْحلقَة وَأَعْطَاهُ سلَاح السُّلْطَان وَأمره بالتوجه إِلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 السُّلْطَان فَإِنَّهُ أَمر بذلك. فَأخذ بكتوت السِّلَاح وَتوجه بِهِ إِلَى الْخدمَة ووقف لاجين حَيْثُ كَانَ بكتوت وَاقِفًا. فَلَمَّا جَاءَ بكتوت وجد الْأَشْرَف على فرسه وَقد جعل طرف عصاة مقرعته تَحت جَبهته واتكأ بِرَأْسِهِ عَلَيْهَا وَهِي ثَابِتَة بحذاء سَرْجه وَكَأَنَّهُ فِي غيبَة من شدَّة الْفِكر. ثمَّ الْتفت الْأَشْرَف وَقَالَ: يَا بكتوت وَالله لقد الْتفت فَرَأَيْت لاجين خَلْفي وَهُوَ يحمل السِّلَاح وَالسيف فِي يَده فتخيلت أَنه يضربني بِهِ فَنَظَرت إِلَيْهِ وَقلت يَا شقير أعْط السِّلَاح لبكتوت يحملهُ وقف أَنْت مَكَانَهُ. فَقَالَ بكتوت: أعيذ مَوْلَانَا السُّلْطَان بِاللَّه أَن يخْطر هَذَا بِبَالِهِ ولاجين أقل من هَذَا وأضعف نفسا أَن يَقع هَذَا بِبَالِهِ فضلا عَن أَن يقدم عَلَيْهِ. وَهُوَ مَمْلُوك السُّلْطَان ومملوك مَوْلَانَا السُّلْطَان الشَّهِيد وتربية بَيته الشريف. فَقَالَ الْأَشْرَف: وَالله مَا عرفتك إِلَّا مَا خطر لي وتصورته. قَالَ بكتوت: فَخَشِيت على لاجين كَون السُّلْطَان تخيل هَذَا فِيهِ وَأَرَدْت نصحه فَقلت لَهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَة: بِاللَّه تجنب السُّلْطَان وَلَا تكْثر حمل السِّلَاح وَلَا تنفرد مَعَه وأخبرته الْخَبَر فَضَحِك ضحكا كثيرا وتعجب. فَقلت: وَالله هَذَا يبكي مِنْهُ فَقَالَ: مَا ضحكي إِلَّا من إحساسه. وَالله لما نظر إِلَى وَقَالَ يَا شقير كنت على عزم من تَجْرِيد سَيْفه وَقَتله بِهِ. قَالَ بكتوت: فَعجب من ذَلِك غَايَة الْعجب وَمن الْعجب أَيْضا أَن الضَّرْب الَّذِي كَانَ فِي الْملك الْأَشْرَف عِنْد قَتله وجد مثله سَوَاء فِي لاجين لما قتل. وَكَانَ لاجين فِي سلطنته كثيرا مَا يقف إِذا أَرَادَ أَن يُصَلِّي ويكشف رَأسه وَيسْأل أَن يمد فِي عمره حَتَّى يلقِي غازان ثمَّ يَقُول: لَكِن أَنا خَائِف أَن يدركني الْأَجَل قبل لِقَائِه فَكَانَ كَذَلِك. وَكَانَ فِي شبابه منهمكا على الْخمر حَتَّى صَار وَهُوَ بِدِمَشْق يعاقر أَعْيَان أَهلهَا وينعم فِي مجَالِس اللَّهْو عَلَيْهِم بِحَيْثُ لما أفرط فِي اللَّهْو قَالَ الشجاعي للْملك الْمَنْصُور قلاوون إِنَّه قد أبخس حُرْمَة السُّلْطَان بمعاشرته عَامَّة دمشق وانهماكه فِي الشّرْب. فَبعث إِلَيْهِ قلاوون على لِسَان الْأَمِير طرناي نَائِب السلطنة ينهاه ويهدده وَكتب إِلَيْهِ أَيْضا بذلك. وَكَانَ ألاجين كثير الْحَرَكَة بِحَيْثُ يغيب فِي الصَّيْد الشَّهْر والشهرين وَمَعَهُ أَرْبَاب الملاهي فَلَمَّا تسلطن أعرض عَن اللَّهْو وَسَار أحسن سيرة من الْعدْل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 والإنصاف وَالعطَاء والإنعام وأحبه الْأُمَرَاء والأجناد والعامة فأفسد ذَلِك مَمْلُوكه منكوتمر بِسوء تَدْبيره. وَاتفقَ أَن لاجين لما اختفى هُوَ وقرا سنقر بعد قتل الْملك الْأَشْرَف رأى قرا سنقر رُؤْيا فَبعث إِلَى لاجين ليحضر إِلَيْهِ بِسَبَبِهَا وَكَانَ كل مِنْهُمَا يعرف مَوضِع الآخر. فَجَاءَهُ لاجين فِي صندوق حمل إِلَى دَار قراسنقر بحارة بهاء الدّين من الْقَاهِرَة حَيْثُ كَانَ مختفياً فتحادثا ثمَّ قَالَ لَهُ قرا سنقر: يَا شقير رَأَيْت رُؤْيا أَنا خَائِف أَن أقصها فتطمع نَفسك وتتغير نيتك وتغدر بِي فَحلف لَهُ أَنه لَا يخونه. فَقَالَ قراسنقر: رَأَيْت كَأَنَّك قد ركبت وَبَين يَديك خُيُول معقودة الأذناب مضفورة المعارف مُجَللَة بالرقاب الذَّهَب على عَادَة ركُوب الْمُلُوك ثمَّ نزلت وَجَلَست على مِنْبَر وَأَنت لابس خلعة الْخلَافَة واستدعتني وأجلستني على ثَالِث دَرَجَة من الْمِنْبَر وتحدثت معي قَلِيلا. ثمَّ دفعتني برجلك فَسَقَطت من الْمِنْبَر وانتبهت عِنْد سقوطي. وَهَذَا يدل على قربي مِنْك ورميك لي وَأَنا وَالله يَا شقير نحس قد خلفتك وَمَا أَدْرِي هَل تصدق أَو لَا فَضَحِك لاجين. وَكَانَ كَذَلِك فَإِنَّهُ استناب قراسنقر لما تسلطن قَلِيلا ثمَّ كَانَ من أمره مَا تقدم ذكره من سجنه لَهُ. فَكَانَ قراسنقر كل قَلِيل يبْعَث إِلَيْهِ برَسُول وَهُوَ سِجِّين وَيَقُول: يَا أخي اجْعَل فِي نَظِير بشارتي بِمَا آتاك الله أَن تفرج عني وتنفيني حَيْثُ أردْت فيبتسم لاجين وَيَقُول للرسول: سلم وَاتفقَ أَن لاجين رأى فِي الْمَنَام كَأَنَّهُ بِبَاب الْقلَّة من القلعة وَقد جلس فِي مَوضِع النَّائِب والنائب قدامه وقف وَشد وَسطه فَلَمَّا قَامَ من مَكَانَهُ صعد درجا وَإِذا بِرَجُل وَهُوَ كرجي وَقد طعنه بِرُمْح فَصَارَ كوم رماد. فاستدعى لاجين عَلَاء الدّين ابْن الْأنْصَارِيّ عَابِر الرُّؤْيَا وقص رُؤْيَاهُ عَلَيْهِ فَقَالَ: تدل هَذِه الرُّؤْيَا على أَن السُّلْطَان يستشهد على يَد كرجي. فَقَالَ لاجين: الله الْمُسْتَعَان وأوصاه بكتمان ذَلِك وَأَعْطَاهُ خمسين دِينَارا وَانْصَرف ابْن الْأنْصَارِيّ فَإِذا قَاصد الْأَمِير منكوتمر ينتظره فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ سَأَلَهُ عَن رويا السُّلْطَان فكتمها عَنهُ وَقَالَ: شَيْء يتَعَلَّق بِالْحَرِيمِ. فَقَالَ منكوتمر: قد رَأَيْت أَنا أَيْضا كَأَنِّي خرجت من الْخدمَة إِلَى دَار النِّيَابَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 فَإِذا بالدهليز عَمُود رُخَام فَوْقه قَاعِدَة فجذبت سَيفي وَضربت رَأس العمود فألقيته ففار من العمود دم عَظِيم مَلأ الدهليز. فَعمى ابْن الْأنْصَارِيّ عَلَيْهِ وَقَالَ: قد انْقَطع الْكَلَام بِرُؤْيَة الدَّم خوفًا من شَره وَانْصَرف مُتَعَجِّبا من اتِّفَاق تَأْوِيل المنامين فَلَمَّا كَانَ بعد أحد عشر يَوْمًا من رؤياهما حضر إِلَيْهِ خَادِم بِوَرَقَة فِيهَا أَن امْرَأَة السُّلْطَان وَهِي ابْنة الْملك الظَّاهِر رَأَتْ السُّلْطَان جَالِسا وَإِذا بطائر كالعقاب انقض عَلَيْهِ واختطف فَخذه الْأَيْسَر وطار إِلَى أَعلَى الدَّار فَإِذا غراب قد أشرف على الدَّار وَصَاح كرجي ثَلَاث مَرَّات. فَقَالَ ابْن النصاري: هَذَا مَنَام لَا يُفَسر حَتَّى تمضى ثَلَاث جمع وَأَرَادَ بذلك الدّفع عَن نَفسه فَقتل لاجين فِي الْجُمُعَة الثَّانِيَة من هَذَا الْمَنَام وَبعث الْأَمِير علم الدّين سنجر الدواداري وَرَاء ابْن الْأنْصَارِيّ واستحكاه عَن تَأْوِيل رُؤْيا لاجين فَإِنَّهُ كَانَ حَاضرا عِنْدَمَا قصها عَلَيْهِ ثمَّ قَامَ حَتَّى لَا يسمع تَأْوِيله. فَأخْبرهُ ابْن الْأنْصَارِيّ بِمَا قَالَه لَهُ وبمنامي منكوتمر وَامْرَأَة لاجين. فَقَالَ لَهُ الْأَمِير علم الدّين: لما قُمْت من عِنْد السُّلْطَان لاجين استدعاني وَأَخْبرنِي بِمَا قَالَ لَك وَقَالَ عرفت من الَّذِي طعنني بِالرُّمْحِ قلت لَا فَأَشَارَ إِلَى كرجي. ثمَّ استدعاني بعد أَيَّام وَذكر لي أَنه أعلم منكوتمر بِأَن خاطره ينفر من كرجي فَقَالَ لَهُ منكوتمر بحنق: وَالله لَا تَبْرَح تتهاون فِي أَمرك حَتَّى يَقْتُلُوك ويقتلوني وَتَمُوت مماليكك فِي الْحَبْس وَمَا لهَذَا القواد إِلَّا قَتله يَعْنِي كرجي وَحلف أَنه كلما رَأْي كرجي يود لَو ضربه بِسَيْفِهِ ونهض وَهُوَ مصمم على قَتله فحال الله بَينهمَا وَبَين كرجي حَتَّى أمضى فيهمَا على يَده مَا قدره من قَتلهمَا. وَذَلِكَ أَن الِاتِّفَاق كَانَ قد وَقع بَين السُّلْطَان وَبَين منكوتمر على مسك كرجي وطغجي وشاورشي فِي جمَاعَة من الْأُمَرَاء وَقت الْخدمَة يَوْم الْإِثْنَيْنِ فَعرف منكوتمر ثقاته بذلك. وَاشْتَدَّ فكر السُّلْطَان واضطراب رَأْيه فِيمَا قَرَّرَهُ مَعَ منكوتمر فَتَارَة يعزم على إمضائه وَتارَة يرجع عَنهُ حَتَّى يرد عَلَيْهِ خبر الْأُمَرَاء المجردين وَهل قبض عَلَيْهِم أَو لَا. فَلَمَّا أصبح استدعى الْأَمِير سيف الدّين سلار أَمِير مجْلِس وَبَعثه إِلَى منكوتمر يَأْمُرهُ أَلا يفعل شَيْئا مِمَّا قَرَّرَهُ مَعَ السُّلْطَان حَتَّى يعرفهُ فَإِنَّهُ خطر فِي نَفسه شَيْء أوجب تَأْخِيره فَلَمَّا ذكر سلار هَذَا لمنكوتمر ظن أَن السُّلْطَان أعلمهُ بِالْأَمر على وَجهه وَأخذ يُنكر على السُّلْطَان تَأْخِيره مَا اتفقَا عَلَيْهِ وَشرح لَهُ الْحَال كُله وَلم يَكْتُمهُ شَيْئا فسكن سلار من حنقه وَأعَاد الْجَواب على السُّلْطَان بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة وكتم مَا أطلعه منكوتمر عَلَيْهِ وَمضى إِلَى كرجي وطغجي وَمن مَعَهُمَا وأعلمهم بِالْأَمر كُله فشمروا للحرب وَكَانَ مَا كَانَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 وَاتفقَ أَيْضا أَن فِي اللَّيْلَة الَّتِي قتل فِيهَا لاجين ظهر فِي السَّمَاء نجم لَهُ ذَنْب يخيل لمن رَآهُ أَنه قد وصل إِلَى الأَرْض. فَلَمَّا رَآهُ لاجين تعجب مِنْهُ وتمعر وَجهه وَقَالَ لقَاضِي الْقُضَاة حسام الدّين وَهُوَ مَعَه: ترى مَا يدل عَلَيْهِ هَذَا النَّجْم فَقَالَ: مَا يكون إِلَّا خير. فَسكت لاجين ثمَّ قَالَ لَهُ: يَا قَاضِي حَدِيث كل قَاتل مقتول صَحِيح وَتغَير تغيراً زَائِدا. فشرع الحسام يبسطه ويطيب خاطره وَهُوَ يَقُول: إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون وَجلسَ وكررها فَقتل فِي مَجْلِسه ذَلِك. وَاتفقَ أَيْضا أَنه أحضر إِلَيْهِ فِي تِلْكَ اللَّيْلَة بعض السِّلَاح دارية سَيْفا من الخزانة فقلبه وأعجب بِهِ فَأخذ كرجي يشْكر مِنْهُ فَقَالَ لَهُ لاجين: كَأَنَّك تريده قَالَ: نعم وَالله يَا خوند فَقَالَ لاحين: هَذَا مَا يصلح لَك والتفت إِلَى طغاي وناوله إِيَّاه وَقَالَ: خُذ هَذَا اقْتُل بِهِ عَدوك فَكَانَ أول مَا ضرب بِهِ لاحين بعد سَاعَة فأطار يَده. وَاتفقَ أَيْضا أَن لاجين دفن فِي تربة بِجَانِب تربة الْعَادِل كتبغا من القرافة فَكَانَ أَوْلَاد كتبغا يأْتونَ قَبره ويضربونه بالنعال ويسبونه وَأَقَامُوا على هَذَا مُدَّة يشفون أنفسهم بذلك. وَكَانَ لاجين مُعظما للشَّرْع وَأَهله منفذاً لأوامره وَمن ذَلِك أَنه طلب أَمْوَال الْأَيْتَام من الْأُمَرَاء وَكَانَت تَحت أَيْديهم ونقلها إِلَى مُودع حَدِيد لمَال الْأَيْتَام استجده وَكتب توقيعا بِأَن من مَاتَ وَله وَرَثَة صغَار ينْقل ميراثهم إِلَى مُودع الحكم ويتحدث فِيهِ قَاضِي الْقُضَاة الشَّافِعِي فَإِن كَانَ للْمَيت وَصِيّ فيقيم القَاضِي الشَّافِعِي مَعَه عُدُولًا من جِهَته ورد لاجين عدَّة أَمْلَاك كَانَت قد أخذت بِغَيْر حق إِلَى ملاكها مِنْهَا قَرْيَة ضمير من عمل دمشق وَكَانَت وقف الْملك الزَّاهِر على أَوْلَاده. ورد على عز الدّين بن القلانسي مَا أَخذ مِنْهُ فِي الْأَيَّام المنصورية قلاوون من المَال بِغَيْر طَرِيق شَرْعِي. وَوضع عَن أهل بلقس الْأَشْرَاف مَا كَانَ عَلَيْهِم من الْمَظَالِم وَهُوَ يبلغ ثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم فِي كل سنة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 وَعوض مقطعيه بدل ذَلِك. ورد وقف قراقوش على الْفُقَرَاء وَكَانَ قد أقطع مُنْذُ سِنِين فتسلمه القَاضِي الشَّافِعِي وبلغه فِي السّنة عشرَة آلَاف دِرْهَم وَعوض مقطعيه عَنهُ ورد الدَّار القطبية إِلَى من وقفت عَلَيْهِ من جِهَة الْملك الْكَامِل وَكَانَت بيد أحد مقدمي الْحلقَة وورثته من نَحْو سِتِّينَ سنة. وَكَانَت عدَّة من الإقطاعات بيد الْأُمَرَاء فَردهَا إِلَى أَرْبَابهَا وَكَانَت العساكر من ذَلِك فِي مضرَّة لأَنهم لَا يحصل لَهُم من دواوين الْأُمَرَاء كَبِير شَيْء ويبقي الإقطاع فِي حمي وَكَانَ لاجين شجاعا مقدما على أقرانه فِي الفروسية وأعمالها كثير الْوَفَاء لمعارفه وخدامه وَمنع من لبس الكلفتاه الزركش والطرزكش وملابس الذَّهَب وشدد فِي الْمَنْع من الْمُحرمَات كلهَا وحد فِي الْخمر بعض أَوْلَاد الْأُمَرَاء وَكَانَ يَصُوم رَجَب وَشَعْبَان وَيقوم اللَّيْل وَيكثر من الصَّدقَات مَعَ لين الْجَانِب وخفض الْجنَاح. تَدْبِير الْأُمَرَاء بعد قتل الْملك الْمَنْصُور لاجين الْأَمر وَلما قتل الْملك الْمَنْصُور لاجين ونائبه الْأَمِير منكوتمر اتّفق من كَانَ بالقلعة من الْأُمَرَاء وهم عز الدّين أيبك الخازندار المنصوري وركن الدّين بيبرس الجاشنكير وَسيف الدّين سلار الأستادار وحسام الدّين لاجين الرُّومِي الأستادار الْوَاصِل من حلب وجمال الدّين أقوش الأفرم وَبدر الدّين عبد الله السِّلَاح دَار والأمير كرت الْحَاجِب مَعَ الْأَمِير طغجى وكرجي على مُكَاتبَة الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون واحضاره من الكرك واقامته فِي السلطنة وَأَن يكون طغجى نَائِب السلطنة وَألا يَقع أَمر من الْأُمُور إِلَّا بموافقة الْأُمَرَاء عَلَيْهِ وتحالفوا على ذَلِك فِي لَيْلَة الْجُمُعَة. فَلَمَّا طلع النَّهَار فتح بَاب القلعة وَركب الْأَمِير جمال الدّين أقوشق قتال السَّبع وَبَقِيَّة الْأُمَرَاء إِلَيّ القلعة وَكَتَبُوا إِلَى الْأَمِير قبجق نَائِب الشَّام والأمير بلبان الطباخي نَائِب حلب. بِمَا وَقع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 وطلبوا مِنْهُمَا الْقَبْض على أيدغدي شقير وجاغان وحمدان بن صلغاي والأمراء الحسامية. وَسَار الْبَرِيد بذلك على يَد الْأَمِير بلغاق من أُمَرَاء دمشق وَكَانَ قد حضر بِكِتَاب الْأَمِير قبجق فِي يَوْم السبت ثَانِي عشره بعد قتل لاحين فَأخذ طغجى مِنْهُ الْكتاب. وَجلسَ طغجى مَكَان النِّيَابَة وَبَقِيَّة الْأُمَرَاء يمنة ويسرة وَمد السماط السلطاني على الْعَادة. وَدَار الْكَلَام فِي الْإِرْسَال إِلَيّ الْملك النَّاصِر فَقَامَ كرجي وَقَالَ: يَا أُمَرَاء أَنا الَّذِي قتلت السُّلْطَان لاجين وَأخذت ثأر أستاذي وَالْملك النَّاصِر صَغِير مَا يصلح وَلَا يكون السُّلْطَان إِلَّا هَذَا وَأَشَارَ لطغجى وَأَنا أكون نَائِبه وَمن خَالف فدونه فَسكت الْأُمَرَاء كلهم إِلَّا كرت الْحَاجِب فَإِنَّهُ قَالَ: يَا خوند الَّذِي فعلته أَنْت قد علمه الْأُمَرَاء وَمهما رسمت مَا ثمَّ من يُخَالف وانفضوا وَتَأَخر الْإِرْسَال إِلَيّ الْملك النَّاصِر. فَبعث طغجي إِلَيّ التَّاج عبد الرَّحْمَن الطَّوِيل مُسْتَوْفِي الدولة وَسَأَلَهُ عَن إقطاع النِّيَابَة فَذكره لَهُ فَقَالَ طغجي: هَذَا كثير أَنا لَا أعْطِيه لنائب ورسم أَن توفر مِنْهُ جملَة تَسْتَقِر للخاص. فَلَمَّا خرج التَّاج عبد الرَّحْمَن الطَّوِيل من عِنْده استدعاه كرجي وَسَأَلَهُ عَن إقطاع النِّيَابَة فَلَمَّا ذكره لَهُ استقله وَقَالَ: هَذَا مَا يَكْفِينِي وَلَا أرضي بِهِ وَعين بلادا يطْلبهَا زِيَادَة على إقطاع منكوتمر فَأخذ وَفِي لَيْلَة الْأَحَد: وَقع الطَّائِر بنزول الْأَمِير بدر الدّين بكتاش الفخري أَمِير سلَاح بيلبيس بالعسكر الْمُجَرّد إِلَى سيس فسر الْأُمَرَاء بذلك وَكَتَبُوا إِلَيْهِ وَإِلَى من مَعَه بِجَمِيعِ مَا وَقع واتفاق طغجي وكرجي مفصلا. وَصَارَ أهل الدولة قسمَيْنِ: الْأُمَرَاء ورأيهم معدوق. مِمَّا يُشِير بِهِ الْأَمِير بكتاش إِذا حضر وَأما طغجي وكرجي وشاورشي والمماليك الأشرفية فَإِنَّهُم يَد وَاحِدَة على سلطنة طغجى ونيابة كرجي وَإِنَّهُم لَا ينزلون إِلَيّ لِقَاء الْأَمِير بكتاش بل يُقِيمُونَ مَعَ طغجي بالقلعة حَتَّى يحضر بكتاش. مِمَّن مَعَه وَكَانَ رَأْي الْأُمَرَاء النُّزُول إِلَى لقائهم. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْأَحَد ثَالِث عشره: نزل الْأَمِير بكتاش بركَة الْحَاج وَشرع الْأُمَرَاء بالقلعة فِي التَّجْهِيز إِلَيّ لِقَائِه. فَامْتنعَ كرجي من أَن ينزل إِلَيْهِ أحد بل أَشَارَ أَن ينزل كل أحد إِلَيّ بَيته ويطلع الْجَمِيع من الْغَد القلعة فيلبس طغجي خلعة السلطنة وانفضوا على ذَلِك. فَعلم الْأُمَرَاء إِنَّهُم مَا لم ينزلُوا إِلَى لِقَاء الْأَمِير بكتاش فاتهم مَا دبروه فَلَمَّا اجْتَمعُوا بعد الْعَصْر اخذوا مَعَ طغجى وكرجي فِي تَحْسِين النُّزُول للقاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 فَإِن الأميربكتاش قديم هِجْرَة وأتابك العساكر وَقد أثر فِي سَبِيل الله أثاراً جميلَة وَملك إِحْدَى عشرَة قلعة وَله غَائِب بالعسكر نَحْو سنة وَنصف فَإِن لم يتلقهم الْأُمَرَاء صَعب عَلَيْهِم وَلَو كَانَ السُّلْطَان حَيا لخرج إِلَيّ لقائهم. هَذَا وطغجى وكرجي يَقُولَانِ: لَا نزُول وَأما أَنْتُم فانزلوا إِن اخترتم فَلَمَّا طَال تحاورهم استحيا طغحى من الْأُمَرَاء وَقَالَ لكرجي: الصَّوَاب فِيمَا قَالَه الْأُمَرَاء والرأي أَن أركب مَعَهم وَمَعِي مماليك السُّلْطَان ونلقي الْأَمِير بكتاش وتقيم أَنْت بالقلعة فِي طَائِفَة من المماليك فاتفقوا على ذَلِك. وَعرض طغحى المماليك وَمَعَهُ كرجي وعينا أَرْبَعمِائَة تركيب مَعَ طغجى وأخرجت لَهُم الْخُيُول من الإسطبل وَأَن يُقيم مَعَ كرجي بَقِيَّتهمْ بالقلعة وَبَاتُوا على ذَلِك. وَأما دمشق فان بلغاق قدم إِلَيْهَا يَوْم السبت تَاسِع عشره وَقد بلغه تسحب الْأَمِير قبجق. بِمن مَعَه إِلَيّ جِهَة الْفُرَات فاخفي أمره وَتوجه إِلَيّ حلب وأوقف الْأَمِير بلبان الطاخبي على الْخَبَر فَقبض الْأَمِير بلبان من وقته على حمدَان صلغاي وسجنه بالقلعة وَبعث الْبَرِيد فِي طلب قبجق وَمن مَعَه وَكتب يعرفهُ بقتل لاجين ومنكوتمر. فصدف البريدي أيدغدي شقير وكجكن وبالوج فِي الطَّائِفَة الحسامية وَقد خَرجُوا فِي طلب قبجق وَمن مَعَه فأنكروا أمره وفتشوه فَإِذا فِي الْكتب الَّتِي مَعَه شرح مَا وَقع بِمصْر فخاف أيدغدي شقير من نَائِب حلب لسوء مَا عَامله بِهِ وَدفع الْكتب إِلَيّ البريدي وخلاه لسبيله فَمضى إِلَيّ قبجق وتحير أيدغدي فِي أمره ثمَّ قوي عَلَيْهِ كجكن حَتَّى سَار بِهِ إِلَيّ حلب فَلم يتَعَرَّض إِلَيْهِ الْأَمِير بلبان النَّائِب بل عزاهُ وتوجع لَهُ. وَقَامَ بِدِمَشْق الْأَمِير بهاء الدّين قرا أرسلان المنصوري وَقبض على الْأَمِير سيف الدّين جاغان الحسامي الشاد وعَلى الْأَمِير حسام الدّين لاجين الحسامي وإلي الْبر وَقدم الْأَمِير كجكن من حلب فقبفر عَلَيْهِ أَيْضا وسلمهم جَمِيعًا لأرجواش نَائِب القلعة. وتحدث الْأَمِير بهاء الدّين قرا أرسلان المنصوري حَدِيث نواب السلطة وَصَارَ يركب بالعصائب والجاويش وَيجْلس بدار السَّعَادَة وترفع لَهُ الْقَصَص على هَيْئَة النواب أوقع الحوطة على أَبْوَاب الْأُمَرَاء المقتولين وحواصلهم وَحلف الْعَسْكَر للْملك النَّاصِر. فَلم تطل مدَّته وَمَات فِي ثَانِي جُمَادَى الأولى بقولنج وَصَارَت دمشق بِغَيْر نَائِب وَلَا مشد وَلَا محتسب. وَكَانَ خبر قيام قرا أرسلان قد ورد إِلَيّ الْأُمَرَاء بِمصْر فَخرج الْبَرِيد فِي سادس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 عشرى ربيع الآخر باستقرار سيف الدّين قطوبك المنصوري فِي الشد عوضا عَن جاغان فعاشر ذَلِك يَوْم الْأَحَد خَامِس جُمَادَى الأولى عِنْد قدوم الْبَرِيد إِلَيّ دمشق. وَأما قبجق نَائِب دمشق فَإِنَّهُ توجه وَمَعَهُ الْأَمِير بكتمر السِّلَاح دَار وَفَارِس الدّين ألبكي وَسيف الدّين عزاز وَسيف الدّين بزلار يُرِيدُونَ غازان فَمَاتَ بزلار قَرِيبا من سنجار. وتسامع بهم الْمغل فَركب جنكلي بن البابا أَمِير ديار بكر من قبل غازان وَبَالغ فِي إكرامهم وتلقاهم صَاحب ماردين وَقَامَ بأمرهم. فَلحقه بريد نَائِب حلب بهَا وَأَوْقفهُ على الْكتب المتضمنة لقتل لاجين ومنكوتمر فَبكى قبجق والأمراء نَادِما على سرعَة مفارقتهم بِلَاد الشَّام وَلم يعجبهم الْعود فَكَتَبُوا الْجَواب بالاعتذار. وَكَانَ غازان فد بلغه مجيئهم إِلَيْهِ فَبعث أَمِيرا يتلقاهم وَسَار بهم إِلَى الأردوا فَركب غازان فِي موكبه وتلقاهم وَأكْرمهمْ وَضرب لَهُم الخركاوات وَأمر لَهُم. مِمَّا يصلح لَهُم. ثمَّ استدعاهم وباسطهم فَلَمَّا انصرفوا حمل إِلَيّ قبجق عشرَة آلَاف دِينَار ولبكتمر مثلهَا ولعزاز والألبكي سِتَّة آلَاف دِينَار لكل مِنْهُمَا. وأنعم غازان عَلَيْهِم وعَلى من مَعَهم بالخيول وَغَيرهَا وَتقدم إِلَيّ أمرائه بِأَن يعْمل كل مِنْهُم لَهُم ضِيَافَة فأقامت الأفراح فِي الأردوا بِسَبَب ضيافتهم عدَّة أَيَّام وَصَارَ قبجق قي غَايَة المسمرة فَإِنَّهُ أَتَاهُ طَائِفَة من أَهله وأقاربه وَأما بكتمر فَإِنَّهُ لم تطب نَفسه بِالْإِقَامَةِ. وَمن غَرِيب الِاتِّفَاق أَن السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور قلاوون جري مرّة عِنْده أَمر تَجْرِيد عَسْكَر إِلَيّ حلب فَذكر لَهُ قبجق هَذَا أَن بجرد فَقَالَ: أعوذ بِاللَّه أَن أجرد قبجق إِلَيّ نَحْو الشَّام فإنني مَا أَمنه أَن يدْخل الْبِلَاد وَيظْهر لي من وَجهه الْميل إِلَيّ الْمغل. ثمَّ الْتفت قلاوون إِلَى سنقر المساح وَقَالَ: إِن عِشْت يَا أَمِير وَخرج قبجق إِلَيّ الشَّام فستذكر قولي لَك فَكَانَ كَذَلِك. وَيُقَال إِنَّه كَانَ مُدَّة نيابته لدمشق يُكَاتب غازان وعندما عزم على اللحاق بِهِ استدعى مِنْهُ طمغا الْبَرِيد الَّتِي يركب بهَا الْأُمَرَاء عِنْدهم فبعثها غازان إِلَيْهِ وَصَارَت عِنْده حَتَّى ركب من ماردين فحملها إِلَيْهِ وَكَانَ هُوَ أكبر أَسبَاب قدوم غازان إِلَيّ دمشق كَمَا يَأْتِي ذكره إِن شَاءَ سلطنة الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون ثَانِيًا وَكَانَ من خبر ذَلِك أَن الْأَمِير سيف الدّين الْحَاج آل ملك الجوكندار والأمير علم الدّين سنجر الجاولي قدما إِلَى الكرك فَوجدَ الْملك النَّاصِر يتصيد بالغور فوجها إِلَيْهِ. وَدخل الْأَمِير جمال الدّين أقوش الأفرم نَائِب الكرك إِلَيّ أم السُّلْطَان ليبشرها فخافت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 أَن تكون مكيدة من لاجين وتوقفت فِي الْمسير وَابْنهَا إِلَيّ مصر فَمَا زَالَ بهَا حَتَّى أجابت. وَوصل الأميران إِلَيّ الْملك النَّاصِر فَقبلا الأَرْض بَين يَدَيْهِ وأعلماه الْخَبَر فَأتي إِلَيّ الْمَدِينَة وَأخذ فِي تجهيز أَحْوَاله والبريد يتواتر من مصر باستحثاثه على الْقدوم إِلَيْهَا إِلَى أَن هيا لَهُ نَائِب الكرك مَا يَلِيق بِهِ وَسَار بِهِ إِلَيّ الْقَاهِرَة فَخرج الْأُمَرَاء والعساكر إِلَيّ لِقَائِه وكادت الْقَاهِرَة ومصر أَلا يتَأَخَّر بهَا أحد من النَّاس فَرحا بقدومه وَخَرجُوا إِلَيْهِ عَامَّة مي يَوْم السبت رَابِع جُمَادَى الأولى. وَجلسَ السُّلْطَان الْملك النَّاصِر على سَرِير الْملك فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادسه وجددت لَهُ الْبيعَة وَكتب شرف الدّين مُحَمَّد بن فتح الدّين القيسراني عَهده عَن الْخَلِيفَة الْحَاكِم بِأَمْر الله أبي الْعَبَّاس أَحْمد. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير سيف الدّين سلار فِي نِيَابَة السلطة بديار مصر والأمير ركن الدّين بيبرس الجاشنكير أستادار والأمير جمال الدّين أقوش الأفرم الداوداري المنصوري نَائِب دمشق عوضا عَن الْأَمِير قبجق المنصوري والأمير سيف الدّين كرت الْحَاجِب فِي نِيَابَة طرابلس وَاسْتقر عوضه حاجبًا سيف الدّين قطلوبك وَأَفْرج عَن الْأَمِير قرا سنقر والأمير عز الدّين أيبك الْحَمَوِيّ والوزير شمس الدّين سنقر الأعسر وَاسْتقر قرا سنقر فِي نِيَابَة قلعة الصبيبة وخلع على سَائِر أهل الدولة وَكتب إِلَيّ الْأَعْمَال بذلك ودقت البشائر وزينت الممالك على الْعَادة. وَفِي ثامنه: ركب السُّلْطَان بخلعة الْخلَافَة والتقليد بَين يَدَيْهِ وعمره أَربع عشرَة سنة وَأقر الْوَزير فَخر الدّين عمر بن الخليلي فِي الوزارة. وَسَار الْأَمِير أقش الأفرم على الْبَرِيد إِلَيّ دمشق فَقَدمهَا فِي ثَانِي عشريه وَلبس من الْغَد التشريف وَقبل عتبَة بَاب القلعة على الْعَادة وَمد السماط بدار السَّعَادَة وَأخرج الْأَمِير سيف الدّين قطلوبك إِلَيّ مصر. وَفِي تَاسِع عشريه: افرج الْأَمِير أقش الفرم عَن جاغان الحسامي وَبَعثه على الْبَرِيد إِلَيّ مصر فَرده السُّلْطَان من طَرِيقه وَجعله أحد أُمَرَاء دمشق. وَقدم الْبَرِيد من حلببدخول قبجق وَمن مَعَه إِلَيّ بِلَاد الْمغل. وَوَقع بِالْقَاهِرَةِ مطر وسال المقطم إِلَيّ القرافة فافسد عدَّة ترب وَوصل المَاء إِلَيّ بَاب النَّصْر من الْقَاهِرَة وأفسد السَّيْل هُنَاكَ عدَّة ترب أَيْضا. وَصَارَ الْأُمَرَاء يَجْتَمعُونَ بقلعة الْجَبَل فِي يَوْم الموكب عِنْد السُّلْطَان ويقررون الْأُمُور مَعَ بيبرس وسلار فتصدر الْأَحْوَال عَنْهُمَا وَشرعا فِي تَقْدِيم حواشيهما وألزامهما. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 وَاسْتقر الْأَمِير سيف الدّين بكتمر أَمِير جاندار وأنعم على أَمِير مُوسَى بن الصَّالح على ابْن قلاوون بإمرة وعَلى كل من عز الدّين أيدمر الخطيري وَبدر الدّين بكتوت الفتاح وَعلم الدّين سنجر الجاولي وَسيف الدّين تمر وَعز الدّين أيدمر النَّقِيب بإمرة. وأنعم على نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الشيخي وَإِلَى الْقَاهِرَة بإمرة وَاسْتقر واليًا بالجيزة وأعمالها مَعَ ولَايَة الْقَاهِرَة وأنعم على كل من لاجين أخي سلار وأقطاي الجمدار وبكتوت القرماني بإمرة وَقبض على الْأَمِير الْعمريّ والأقوش وقراقوش الظَّاهِرِيّ وَمُحَمّد شاه الْأَعْرَج وعد على قراقوش وَمُحَمّد شاه من الذُّنُوب قَتلهمَا طغجى وكرجي. وإلي يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشر جُمَادَى الْآخِرَة: ألبس الْأَمِير أقش الأفرم نَائِب دمشق الْأُمَرَاء والأعيان الْخلْع وَفِيه قدم طلبه وأثقاله من مصر فتلقاها والأمراء فِي خدمته وَعَلِيهِ التشاريف وَدخل دُخُولا حسنا. وَفِيه كتب عَن السُّلْطَان تَقْلِيد الْملك المظفر تَقِيّ الدّين مَحْمُود بنيابة حماة. وَفِي شهر رَجَب: توجه الْأَمِير كرت الْحَاجِب إِلَيّ نِيَابَة طرابلس. وَفِي ثَانِي عشره: قبض بِدِمَشْق على الْأَمِير سيف الدّين كجكن واعتقل بالقلعة وَورد الْبَرِيد من حلب بمحاربة نغاي وطقطاي وَإنَّهُ قتل بَينهمَا من الْمغل خلق كثير وَأَن غازان بن أرغون بن أبغا بن هولاكو بن طولو بن جنكزخان قتل وزيره نوروز وَأَنه تأهب لعبور الشَّام وَبعث فِي جمع الْمغل وَإنَّهُ بعث سلامش بن أفال بن بيجو التتري إِلَى بِلَاد الرّوم على عَسْكَر يبلغ نَحْو الْخَمْسَة وَعشْرين ألف فَارس. فاهتم الْأُمَرَاء بتجريد الْعَسْكَر وَاتَّفَقُوا على تجهيز الْأَمِير سيف الدّين بلبان الحبيشي والأمير جمال الدّين عبد الله السِّلَاح دَار والأمير مبارز الدّين سوارالرومى أَمِير شكار ومقدمهم الْأَمِير جمال الدّين أقش قتال السَّبع وصحبتهم من أُمَرَاء الطبلخاناه عشرُون أَمِيرا. وَكتب إِلَى دمشق بتجريد أَرْبَعَة أُمَرَاء مقدمين فَسَارُوا وقدموها فِي سَابِع رَجَب. وَقدم الْبَرِيد من دمشق بورود نَحْو ثَلَاثِينَ بطسة فِي الْبَحْر إِلَى سَاحل بيروت فِي كل بطسة مِنْهَا نَحْو سَبْعمِائة وقصدوا أَن يطلعوا من مراكبهم إِلَى الْبر وَتحصل إغارتهم على السَّاحِل. فَاجْتمع النَّاس لقتالهم فَبعث الله ريحًا كسرت المراكب وألقتها بالشاطئ فَأخذ أهل بيروت مِنْهَا مَا بقى من الْغَرق وأسروا ثَمَانِينَ إفرنجياً وَذَلِكَ أخريات شعْبَان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 وقويت شَوْكَة البرجية بديار مصر وَصَارَت لَهُم الحمايات الْكَبِيرَة وَتردد النَّاس إِلَيْهِم فِي الأشغال. وَقَامَ بأمرهم الْأَمِير بيبرس الجاشنكير وَأمر مِنْهُم عدَّة وَصَارَ فِي قبالته الْأَمِير سيف الدّين الدّين سلار وَمَعَهُ الصالحية والمنصورية إِلَّا أَن البرجية أَكثر وَأقوى وشرهوا جَمِيعًا إِلَى أَخذ الإقطاعات وَوَقع الْحَسَد بَين الطَّائِفَتَيْنِ وَصَارَ بيبرس إِذا أَمر أحدا من البرجية وقفت أَصْحَاب سلار وَطلبت مِنْهُ أَن يُؤمر مِنْهُم وَاحِدًا. وَأخذ الْأَمِير سيف الدّين برلغي يُشَارك بيبرس وسلار فِي الْأَمر وَالنَّهْي وقويت شوكته والتف عَلَيْهِ المماليك الأشرفية. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشر شعْبَان: وصل سلامش بن أفال نَائِب الرّوم إِلَى دمشق مَعَ الْأَمِير عز الدّين الزردكاش نَائِب بهسنا فِي عشْرين من أَصْحَابه. فَتَلقاهُ عَسْكَر دمشق وَأَهْلهَا مَعَ النَّائِب وَقد اهتم للقائه وَبَالغ فِي التجمل الزَّائِد فَكَانَ يَوْمًا بهجاً. وأنزله على الميدان وَقَامَ. مِمَّا يَلِيق بِهِ وأحضر فِي لَيْلَة النّصْف ليرى الوقيد بِجَامِع بنى أُميَّة. وَفِي لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ سادس عشره: أركبه الْبَرِيد هُوَ وَأَخُوهُ قطقطوا فَقدما إِلَى قلعة الْجَبَل ومعهما مخلص الدّين الرُّومِي فأكرمهم الْأُمَرَاء وَقَامُوا بواجبهم. وَكَانَ من خبر سلامش أَن غازان لما بَعثه لأخذ بِلَاد الرّوم خرج عَن طَاعَته وَحسن فِي رَأْيه الاستبداد. بِملك الرّوم فاستخدم عشرَة آلَاف وَكَاتب ابْن فرمان أصر التركمان وَكتب إِلَى الْملك الْمَنْصُور لاجين سُلْطَان مصر يطْلب نجدة على قتال غازان على يَد مخلص الدّين الرُّومِي. فَأُجِيب فِي شهر رحب بالشكر وَالثنَاء وَكتب إِلَى دمشق بِخُرُوج الْعَسْكَر لنصرته. وَكَانَ غازان قد وصل إِلَى بَغْدَاد فَبَلغهُ خُرُوج سلامش عَن طَاعَته فَأَعْرض عَن الْمسير إِلَى الشَّام وجهز العساكر إِلَى بِلَاد الرّوم وأخرجهم أول جُمَادَى الْآخِرَة وعدتهم نَحْو الْخَمْسَة وَثَلَاثِينَ ألفا وَعَلَيْهِم بولاي وَعَاد غازان إِلَى تبريز وَمَعَهُ الْأَمِير قبجق وبكتمر السِّلَاح دَار والألبكي وبزلار وَسَار بولاي إِلَى سنجار وَنزل على رَأس عين ثمَّ توجه إِلَى آمد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 وَجمع سلامش نَحْو السِّتين ألفا وَامْتنع عَلَيْهِ أهل سيواس وَهُوَ يحاصرهم فَلَمَّا قرب مِنْهُ بولاي بعساكر غازان فر عَنهُ من كَانَ مَعَه من التتار إِلَى بولاي فِي أول لَيْلَة من رَجَب ثمَّ الْتحق بِهِ أَيْضا عَسْكَر الرّوم وفر التركمان إِلَى الْجبَال. وَلم يبْق مَعَ سلامش إِلَّا نَحْو الْخَمْسمِائَةِ فإنهزم عَن سيواس إِلَى جِهَة سيس وَوصل بهسنا آخر رَجَب. فورد خَبره إِلَى دمشق فِي خَامِس شعْبَان والأمراء بهَا على عزم الْخُرُوج لنجدته فتوقفت الْحَرَكَة عَن تسيير العساكر. فَمَا كَانَ بعض أَيَّام إِلَّا وسلامش قد وصل إِلَى دمشق فَخرج إِلَيْهِ عَسَاكِر دمشق والتقوه فِي موكب عَظِيم وَوصل صحبته من بهسنا الْأَمِير بدر الدّين الزردكاش نَائِب السلطنة بهَا. ثمَّ توجه سلامش وَأَخُوهُ قطقطوا إِلَى الْأَبْوَاب السُّلْطَانِيَّة فِي يَوْم الْأَحَد خَامِس عشر شعْبَان على خيل الْبَرِيد فَلَمَّا قدم إِلَى قلعة الْجَبَل أنعم على أَخِيه قطقطوا بإقطاع ورتب لمخلص الدّين الرُّومِي جَار وَخير سلامش بَين الْمقَام بالديار المصرية أَو الشَّام أَو أَن يعود إِلَى بِلَاده فَسَالَ أَن يجرد مَعَه جَيش ليعود إِلَى بِلَاده ويحضر بعياله وَيرجع إِلَى خدمه السُّلْطَان. فوافقه السُّلْطَان على ذَلِك فَركب الْبَرِيد إِلَى حلب ورسم أَن يخرج مَعَه الْأَمِير بكتمر الجلمي. فَقدم سلامش دمشق فِي حادي عشر رَمَضَان وَخرج من الْغَد وَمَعَهُ الْأَمِير بدر الدّين الزردكاش وَلما وصل إِلَى حلب جرد مَعَه الْأَمِير بكتمر حسب المرسوم إِلَى جِهَة سيس بَعْدَمَا مر بحلب وَخرج مِنْهَا بعسكر. فَفطن بِهِ التتار فقاتلوه فَقتل الْأَمِير بكتمر وفر سلامش إِلَى بعض القلاع فَقبض عَلَيْهِ وَحمل إِلَى غازان فَقتله. وَكَانَ سلامش هَذَا من أكبر الْأَسْبَاب فِي حَرَكَة غازان إِلَى بِلَاد الشَّام: وَذَلِكَ إِنَّه نهب بعسكر حلب ماردين فِي شهر رَمَضَان حَتَّى أَخذ مَا كَانَ بجامعها وَفعل أفعالاً قبيحة فحرك فعله مَا عِنْد غازان وَجعله حجَّة لمسيره. وَفِي شعْبَان: انْعمْ على الْأَمِير قرا سنقر بنيابة الصبيبة وبانياس فَسَار إِلَيْهِمَا وتسلمهما فِيهِ. وَفِي رَمَضَان: قدم الْأَمِير عَلَاء الدّين كجكن إِلَى الْقَاهِرَة مُقَيّدا هُوَ وحمدان بن صلغاي وَقد وكل بهما مائَة فَارس من عَسْكَر الشَّام. فَأرْسل بحمدان إِلَى صفد فَكَانَ آخر الْعَهْد بِهِ. وقدمت رسل صَاحب سيس وَصَاحب الْقُسْطَنْطِينِيَّة بِهَدَايَا فِي سادسه. وَاسْتقر الْأَمِير شمس الدّين سنقر الأعسر فِي الوزارة عوضا عَن الصاحب فَخر الدّين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 عمر بن الخليلي فَضرب التَّاج بن سعيد الدولة بالمقارع فَأسلم وَكَانَ مُسْتَوْفيا. وَاسْتقر شمس الدّين أَحْمد السرُوجِي فِي قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بِالْقَاهِرَةِ ومصر عوضا عَن حسام الدّين حسن بن أَحْمد بن الْحسن الرُّومِي فِي أول ذِي الْحجَّة. وَنقل الحسام إِلَى قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن وَالِده جلال الدّين أَحْمد بن الْحسن. وَفِي آخر ذِي الْقعدَة: نقل الْأَمِير قرا سنقر من نِيَابَة الصبيبة إِلَى نِيَابَة حماة بعد وَفَاة الْملك المظفر تَقِيّ الدّين. واستناب الْأَمِير بيبرس الجاشنكير فِي الأستادارية الْأَمِير علم الدّين سنجر الجاولي وَحكمه فِي سَائِر أمورها فَترك الْملك النَّاصِر الاستدعاء لما يُريدهُ من مأكل أَو مشرب لشدَّة الْحجر عَلَيْهِ وَصَارَ لَيْسَ لَهُ من المملكة سوى الِاسْم. وَذَلِكَ إِنَّهُم يجلسونه فِي يومي الْخَمِيس والإثنين وتحضر الْأُمَرَاء الأكابر وَيقف الْأَمِير سلار النَّائِب والأمير بيبرس الأستادار ويعرض سلار عَلَيْهِ مَا يُريدهُ ثمَّ يشاور فِيهِ الْأُمَرَاء وَيَقُول: السُّلْطَان قد رسم بِكَذَا فيمضى ذَلِك. ثمَّ يخرج الْجمع فيجلس سلار وبيبرس ويتصرفان فِي سَائِر أُمُور المملكة ويتفقان على قلَّة مَصْرُوف السُّلْطَان. وَقدم الْبَرِيد بتحرك غازان وَجمعه على السّير إِلَى الشَّام فَكتب إِلَى الْأَمِير كزناي والأمير قطلوبك الْحَاجِب بِالْخرُوجِ واللحاق بالأمراء المجردين فقدموا دمشق فِي رَابِع عشرى ذِي الْحجَّة. وَوَقع الْعَزْم على سفر السُّلْطَان والأمراء واستدعيت الْجند من بِلَاد مصر وألزم الْوَزير سنقر الأعسر بتجهيز الْأَمْوَال فتحسن سعر الْخَيل وَالْجمال وَالسِّلَاح وآلات السّفر. وانتظر الْعَسْكَر النَّفَقَة فيهم فَاجْتمع الْأُمَرَاء لذَلِك فَلم يُوَافق بيبرس وسلار على النَّفَقَة خوفًا من تلاف المَال وقصدا تَأْخِيرهَا إِلَى غَزَّة فَلم ترض بَقِيَّة الْأُمَرَاء بذلك وانفضوا على غير رضى. وَخرج السُّلْطَان فِي رَابِع عشرى ذِي الْحجَّة بالعساكر وَنزل خَارج الْقَاهِرَة واستناب فِي غيتبه الْأَمِير ركن الدّين بيبرس المنصوري الدوادار. وَوَقع فِي هَذِه السّنة بِأَرْض مصر آفَة عَظِيمَة من الفار. وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر الْأَمِير عز الدّين أيبك الْموصِلِي نَائِب طرابلس فِي صفر. وَمَات نجم الدّين أَيُّوب ابْن الْملك الْأَفْضَل نور الدّين على ابْن السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب فِي رَابِع عشر ذِي الْحجَّة بِدِمَشْق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 وَمَات الْأَمِير جمال الدّين أقش المغيثي نَائِب البيرة بهَا. وَقد أَقَامَ فِي نيابتها أَرْبَعِينَ سنة وَمَات الْأَمِير سيف الدّين بكتمر الجلمي قتل على سيس. وَمَات الْأَمِير بدر الدّين بدر الصوافي أحد أُمَرَاء الدوادار. أَصله من الغرب فولاه الْمَنْصُور لاجين دوادارا وأقامه على تَجْدِيد عمَارَة جَامع ابْن طولون. وَاتفقَ أَن شرف الدّين عبد الْوَهَّاب بن فضل الله كَاتب السِّرّ مرض فَبعث إِلَيْهِ السُّلْطَان بدر الدّين وَقَالَ: مَا بقى يَجِيء مِنْهُ شىء فَبعد أُسْبُوع مَاتَ بدر الدّين وطلع كَاتب السِّرّ إِلَى الْخدمَة وَقد عوفي وعزى السُّلْطَان فِي الدوادار فَقَالَ السُّلْطَان: لَا اله إِلَّا الله كَانَ فِي ظن الدوادار إِنَّه يعزينا فِي كَاتب السِّرّ عزانا كَاتب السِّرّ فِيهِ. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين تمر بغا وَله مَسْجِد بِالْقربِ من الميدان التحتاني بَين الْقَاهِرَة ومصر وَكَانَ كَرِيمًا. وَكَانَ قد توجه مَعَ الْملك النَّاصِر إِلَى الكرك ثمَّ نقل إِلَى طرابلس فَمَاتَ بهَا. وَمَات بحلب من المجردين الْأَمِير سيف الدّين البسطي وَأحمد شاه وَمُحَمّد بن سنقر الْأَقْرَع وَعين الغزال وكيكلدى بن السّريَّة وَمَات بِنَاحِيَة سمنود - وَكَانَ قد توجه إِلَيْهَا - الْأَمِير سيف الدّين طقطاي. وَمَات شهَاب الدّين يُوسُف بن الصاحب مُحي الدّين مُحَمَّد بن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم ابْن هبة الله سَالم بن طَارق النّحاس بن الْأَسدي الْحلَبِي فِي ثَالِث عشر ذِي الْحجَّة بِدِمَشْق وَقد قدم الْقَاهِرَة مرَارًا. وَمَات أَمِين الدّين سَالم بن مُحَمَّد بن سَالم بن الْحسن بن هبة الله بن مَحْفُوظ بن صصري التغلبي نَاظر الدَّوَاوِين بِدِمَشْق فِي ثامن عشرى ذِي الْحجَّة وَهُوَ مَصْرُوف. وَمَات الْأَمِير علم الدّين سنجر المسروري وَالِي الْقَاهِرَة وَهُوَ الْمَعْرُوف بالخياط. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 سنة تسع وَتِسْعين وسِتمِائَة أهلت وَالسُّلْطَان مُتَوَجّه بعساكر مصر إِلَى الشَّام والإرجاف يقوى بمسير غازان إِلَى الشَّام. فَرَحل السُّلْطَان بالعساكر من الريدانية أول يَوْم من الْمحرم والأمراء قد كثر تحاسدهم وتنافسوا بِكَثْرَة سعادتهم فَلَمَّا وصلوا غَزَّة أَقبلُوا على الصَّيْد والاجتماع والنزه. فَاشْتَدَّ حنق الطَّائِفَة الأويراتية الَّذين قدمُوا فِي أَيَّام الْعَادِل كتبغا من أجل قَتْلَى من قتل من أمرائهم فِي أَيَّام الْمَنْصُور لاجين وَمن خلع كتبغا وإخراجه إِلَى صرخد وَمن استبداد البرجية بالأمور. وعزموا على إثارة الْفِتْنَة وصاروا إِلَى الْأَمِير عَلَاء الدّين قطلو برس العادلي وأقاموه كَبِيرا لَهُم وَاتَّفَقُوا على أَن برنطاي أحد المماليك السُّلْطَانِيَّة وألوص أحد كبراء الأويراتية يهجم كل مِنْهُمَا على الأميرين بيبرس وسلار ويقتله ويعيدون دولة كتبغا. فَلَمَّا رَحل السُّلْطَان بالعسكر من غَزَّة وَنزل تل العجول ركب الْأُمَرَاء للْخدمَة على الْعَادة وَكَانَ بيبرس يتأدب مَعَ سلار ويركب بَين يَدَيْهِ فعندما ترجل الْأُمَرَاء وَلم يبْق على فرسه سوى بيبرس وسلار شهر برنطاى سَيْفه - وَكَانَ مَاشِيا فِي ركاب بيبرس - وضربه فَوَقَعت الضَّرْبَة على كفل الْفرس فَحلت ظَهره وَضرب برنطاي ثَانِيًا فَوَقَعت الضَّرْبَة على الكلفة فقطعتها وجرحت وَوَقعت الصرخة فِي الْعَسْكَر فَركب الْجَمِيع وَقصد الأويراتية الدهليز السلطاني يُرِيدُونَ الهجمة على السُّلْطَان حَتَّى صَارُوا فِي دَاخله وَقد ركب الْأُمَرَاء فِي طَلَبهمْ فَركب الْأَمِير سيف الدّين بكتمر الجوكندار والمماليك السُّلْطَانِيَّة وَفِي ظنهم أَن الْقَصْد قتل السُّلْطَان ونشروا العصائب ووقفوا. وَعَاد بيبرس وسلار إِلَى مخيمهما وأمرا الْحجاب والنقباء بِجمع الْعَسْكَر إِلَى مخيم الْأَمِير سلار النَّائِب فَكَانَ الْعَسْكَر إِذا أَتَوا وَرَأَوا سنجق السُّلْطَان وعصائبه منشورة مضوا إِلَيْهِ وَتركُوا سلار فيردهم الْحجاب فَلَا يلْتَفت مِنْهُم أحد وَلَا يعود حَتَّى يقف تَحت السنجق السلطاني. فَبعث سلار إِلَى أَمِير جاندار يَقُول: مَا هَذِه الْفِتْنَة الَّتِي تُرِيدُونَ إثارتها فِي هَذَا الْوَقْت وَنحن على لِقَاء الْعَدو وَقد بلغنَا أَن الأويراتية قد وَافَقت المماليك السُّلْطَانِيَّة على قتلنَا وَكَانَ هَذَا بِرَأْيِك وَرَأى السُّلْطَان وَقد دفع الله عَنَّا. فَإِن كَانَ الْأُمَرَاء كَذَلِك فَنحْن مماليك السُّلْطَان ومماليك أَبِيه الشَّهِيد وَنحن نَكُون فدَاء الْمُسلمين وان لم يكن الْأَمر كَذَلِك فَابْعَثُوا الينا غرماءنا. فَلَمَّا سمع السُّلْطَان هَذَا بَكَى وَحلف إِنَّه لم يكن عِنْده علم. مِمَّا ذكر وَحلف أَمِير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 جاندار أَيْضا وَقَالَ: وَلَكِن لما وَقع مَا وَقع ظنُّوا إِنَّهُم يُرِيدُونَ قتل السُّلْطَان وَإِقَامَة غَيره ثمَّ قَالَ أَمِير جاندار: إِنَّمَا يُرِيد الْأُمَرَاء بِهَذَا الفول أَن تقبض على مماليك السُّلْطَان طَائِفَة بعد أُخْرَى حَتَّى تتمكن من مرادها وان كَانَ السُّلْطَان ومماليكه قد شوشوا على الْأُمَرَاء فَأَنا أَخذ السُّلْطَان ومماليكه وأسير إِلَى الكرك. فَلَمَّا بلغ الْأُمَرَاء ذَلِك عزموا أَن يركبُوا على أَمِير جاندار ثمَّ توقفوا حَتَّى بعثوا إِلَى الْأَمِير بدر الدّين بكتاش أَمِير سلَاح الأتابك. وَكَانَ على الجاليش وَبَينهمَا مرحلة فَلم يدْخل فِي شَيْء من ذَلِك وَأوصى أَلا يتَعَرَّض للسُّلْطَان بِسوء. فَرجع سلار إِلَى المداراة وَركب حَتَّى أصلح بَين أَمِير جندار والأمراء البرجية وقبلوا جَمِيعهم الأَرْض للسُّلْطَان وقبضوا على الأويراتية وعاقبوهم فاقروا. مِمَّا عزموا عَلَيْهِ من قتل بيبرس وسلار وإعادة دولة الْعَادِل كتبغا فَزَالَ مَا كَانَ فِي أنفس البرجية من مُوَافقَة السُّلْطَان وأمير جاندار للأويراتية. وشنق من الْغَد نَحْو الْخمسين من الأويراتية بثيابهم وكلفاتهم وَنُودِيَ عَلَيْهِم: هَذَا جَزَاء من يقْصد إِقَامَة الْفِتَن بَين الْمُسلمين ويتجاسر على الْمُلُوك. وَطلب الْأَمِير قطلوبرس فَلم يُوجد وَكَانَ قد فر إِلَى غَزَّة واختفي بهَا فنهبت أثقاله كلهَا وَأنزل بالمصلوبين فِي الْيَوْم الرَّابِع فَأخذت البرجية تغرى بيبرس وتوحش بَينه وَبَين سلار بِأَنَّهُ مُتَّفق عَلَيْهِ مَعَ مماليك السُّلْطَان. فَلَمَّا بلغ ذَلِك سلار تلطف مَعَ بيبرس واتفقا على إرْسَال طَائِفَة من المماليك السُّلْطَانِيَّة إِلَى الكرك فَلم يخالفهما السُّلْطَان فأخذا مِنْهُم عدَّة مِمَّن اتهماهم. بموافقة الأويراتية وحبساهم بالكرك. ثمَّ رَحل السُّلْطَان بعد عدَّة أَيَّام إِلَى قرتية ورسم بِالْإِقَامَةِ عَلَيْهَا حَتَّى يعود الرُّسُل بأخبار الْعَدو وبعثوا القصاد للكشف عَن ذَلِك وَفِي هَذِه الْمنزلَة سَالَتْ الأودية واتلف السَّيْل كثيرا من أثقال الْعَسْكَر وافتقر عدَّة مِنْهُم لذهاب جمَالهمْ وأثقالهم وتشاءموا بِهِ وتطيروا مِنْهُ فَكَانَ الْأَمر كَذَلِك. وعقب هَذَا السَّيْل خرج جَراد سد الْأُفق بِحَيْثُ حجز الْأَبْصَار عَن السَّمَاء فَزَاد تطير الْعَسْكَر وخشوا أَن يكون منذراً بقدوم الْعَدو وكسرة الْعَسْكَر وتحدث بذلك كل أحد حَتَّى السوقة. ثمَّ وَقع الرحيل فِي أول ربيع الأول إِلَى جِهَة دمشق فَدَخلَهَا السُّلْطَان يَوْم الْجُمُعَة ثامنه. فَفِي يَوْم السبت تاسعه: قدم الجفل من حلب وَغَيرهَا إِلَى دمشق وَقدم الْبَرِيد من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 حلب وَغَيرهَا بنزول غازان على الْفُرَات وَإنَّهُ فِي عَسْكَر عَظِيم إِلَى الْغَايَة فأنفق فِي العساكر لكل فَارس مَا بَين دِينَارا وَأَرْبَعين دِينَارا وَقد كثر الإرجاف وتتابع وُصُول النَّاس فِي الجفلة وشحت أنفس الْجند بِإِخْرَاج النَّفَقَة فِي شِرَاء مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ لغلاء كل مَا يُبَاع من ذَلِك ولكثرة مَا أَحْرَى الله على الْأَلْسِنَة بكسرة الْعَسْكَر ولتمكن بعض الْجند فِي الْأُمَرَاء البرجية. وَقدم الْبَرِيد من حلب. بمسير جاليش غازان من الْفُرَات وعبوره وَأَن أهل الضّيَاع قد جفلوا عَن آخِرهم وَقدم الْأَمِير أسندمر كرجي مُتَوَلِّي فتوحات سيس بَعْدَمَا أَخذ حَاصِل تل حمدون وأحضر مَعَه صَاحب سيس فَخرج عَسْكَر دمشق وَخرج السُّلْطَان بعده بعساكر مصر وَقت الزَّوَال من يَوْم الْأَحَد سَابِع عشره وَسَار إِلَى حمص فَنزل عَلَيْهَا وَبعث العربان لكشف الْأَخْبَار. وَقد نزل التتر بِالْقربِ من سلمية ولهج كل أحد بِأَن الْعَسْكَر مسكور وَأقَام الْعَسْكَر لابس السِّلَاح ثَلَاثَة أَيَّام وَقد غلت الأسعار. فَلَمَّا كَانَ سحر يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن عشريه: ركب السُّلْطَان بالعساكر وجد فِي السّير إِلَى الرَّابِعَة من النَّهَار فظهرت طوالع التتر فَنُوديَ عِنْد ذَلِك فِي العساكر: أَن ارموا الرماح واعتمدوا على ضرب السَّيْف والدبوس فَألْقوا رماحهم كلهم على الأَرْض. وَمَشوا سَاعَة ورتبوا العساكر بمجمع المروج - وَيعرف الْيَوْم بوادي الخزندار - وعدتهم بضعَة وَعِشْرُونَ ألف فَارس والتتار فِي نَحْو مائَة ألف. فَوقف الْأَمِير عِيسَى بن مهنا وَسَائِر العربان رَأس الميمنة ويليهم الْأَمِير بلبان الطباخي نَائِب حلب بعساكر حلب وحماة ووقف فِي الميسرة الْأَمِير بدر الدّين بكتاش أَمِير سلَاح والأمير أقش قتال السَّبع وَعلم الدّين سنجر وطغريل الإيغاني والحاج كرت نَائِب طرابلس فِي عدَّة من الْأُمَرَاء وَكَانَ فِي الْقلب بيبرس وسلار وبرلغي وقطلوبك الْحَاجِب وأيبك الخازندار فِي عدَّة من الْأُمَرَاء وَقد جعلُوا جناحهم المماليك السُّلْطَانِيَّة ووقف حسام الدّين لاجين الأستادار مَعَ السُّلْطَان على بعد من اللِّقَاء حَتَّى لَا يعرف فيقصد وَقدمُوا خَمْسمِائَة مَمْلُوك من الزراقين فِي مُقَدّمَة العساكر. وَفِي وَقت التَّرْتِيب عرض للأمير بيبرس الجاشنكير حِدة وإسهال مفرط لم يتَمَكَّن مِنْهُ أَن يثبت على الْفرس فَركب المحفة وَاعْتَزل الْقِتَال وَأخذ الْأَمِير سلار النَّائِب مَعَه الْحجاب والأمراء وَالْفُقَهَاء وَدَار على العساكر كلهَا وَالْفُقَهَاء تعظ النَّاس وتقوى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 عزائمهم على الثَّبَات حَتَّى كثر الْبكاء. هَذَا وغازان ثَابت لم يَتَحَرَّك وَقد تقدم إِلَى أَصْحَابه كلهم أَلا يَتَحَرَّك أحد مِنْهُم حَتَّى يحمل هُوَ بِنَفسِهِ فيتحركون عِنْد ذَلِك يدا وَاحِدَة فبادر عَسَاكِر الْمُسلمين للحركة وأشعل الزراقون النفط وحملوا على غازان فَلم يَتَحَرَّك وَكَانَ فِي الظَّن أَن غازان أَيْضا يَتَحَرَّك إِلَى لقائهم. فمرت خُيُول العساكر بِقُوَّة شوطها فِي الْعَدو ثمَّ لما طَال المدى قصرت فِي عدوها وخمد نَار النفط. فَحمل عِنْد ذك غازان. بِمن مَعَه حَملَة وَاحِدَة حَتَّى اخْتَلَط بالعساكر بَعْدَمَا قدم عشرَة آلَاف مشَاة يرْمونَ بالنشاب حَتَّى أَصَابَت سِهَامهمْ خيولاً كَثِيرَة وَألقى الفرسان عَنْهَا. وَكَثُرت نكاية الْعَرَب بِالسِّهَامِ فولى الْعَرَب أَولا وتبعهم جَيش حلب وحماة فتمت هزيمَة الميمنة من ميسرَة غازان. وصدمت الميسرة ميمنة غازان صدمة فرقت جمعهَا وهزمتها عَن آخرهَا وَقتلت مِنْهَا نَحْو الْخَمْسَة آلَاف وَكتب بذلك للسُّلْطَان - وَهُوَ معتزل فِي طَائِفَة مَعَ حسام الأستادار - فسر بذلك. وَكَاد غازان أَن يولي الإدبار واستدعى قبجق نَائِب دمشق فشجعه قبجق وثبته حَتَّى تلاحق بِهِ من انهزم وَعَاد لَهُ أمره فَحمل حَملَة وَاحِدَة على الْقلب فَلم يثبت لَهُ وَولى سلار وبكتمر الجوكندار وبرلغى وَسَائِر الْأُمَرَاء البرجية وَركب غازان أقفيتهم حَتَّى كَانَت سهامه تصيب خوذة الْفَارِس فتقدح نَارا. هَذَا وَالسُّلْطَان معتزل وَمَعَهُ الحسام وَهُوَ يبكى ويبتهل وَيَقُول: يَا رب لَا تجعلني كَعْبًا نحساً على الْمُسلمين ويهم أَن يفر مَعَ الْقَوْم فيمنعه الحسام وَيَقُول: مَا هِيَ كسرة لَكِن الْمُسلمين قد تَأَخَّرُوا وَلم يبْق مَعَه من المماليك غير اثنى عشر مَمْلُوكا. وعادت الميسرة الإسلامية بعد كسرة ميمنة غازان إِلَى حمص بعد الْعَصْر وَمَعَهُمْ الْغَنَائِم فَإِذا الْأُمَرَاء البرجية أهل الْقلب قد انكسروا والمغل فِي أَعْقَابهم فَبُهِتُوا. وخشى غازان من الكمناء فَكف عَن اتِّبَاع العساكر وَكَانَ ذَلِك من لطف الله بهم فَلَو قد مر فِي طَلَبهمْ لهلكوا من عِنْد آخِرهم. وَوصل المنهزمون إِلَى حمص وَقت الْغُرُوب وَقد غنم التتر سَائِر مَا كَانَ مَعَهم مِمَّا لَا يدْخل تَحت الْحصْر وألقوا عَن أنفسهم السِّلَاح طلبا للنجاة فَاشْتَدَّ صُرَاخ أهل حمص وصاحوا بالعسكر: الله الله فِي الْمُسلمين وَقد كلت الْخُيُول فَمروا إِلَى بعلبك ونزلوا عَلَيْهَا بكرَة يَوْم الْجُمُعَة وَقد غلقت أَبْوَابهَا فامتاروا مِنْهَا ومروا فِي سيرهم إِلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 دمشق فَدَخَلُوهَا يَوْم السبت أول ربيع الآخر وَقد توجه أَكْثَرهم على السَّاحِل إِلَى مصر. فَمَا هُوَ إِلَّا أَن دخلُوا دمشق حَتَّى وَقع الصَّارِخ بمجيء غازان فَخَرجُوا بعد نَحْو سَاعَة من قدومهم وَتركُوا سَائِر مَا لَهُم وَجعل أهل دمشق فتشتتوا فِي سَائِر الْجِهَات وَمر بالعسكر من العشير والعربان أهوال وَأخذُوا أَكثر مَا مَعَهم نهباً وسرقة. وَقتل فِي هَذِه الْوَاقِعَة الْأَمِير كرت نَائِب طرابلس والأمير نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن الْأَمِير أيدمر الْحلَبِي وبلبان التَّقْوَى من أُمَرَاء طرابلس وبيبرس الغتمي نَائِب قلعة المرقب وأزبك نَائِب بلاطنس وبيليك الطيار من أُمَرَاء دمشق ونوكاي التتري وأقش كرجي الْحَاجِب وأقش الطروحي حَاجِب دمشق وَنَحْو الْألف من الأجناد والمماليك وَعدم قَاضِي الْقُضَاة حسام الدّين بن أَحْمد الرُّومِي الْحَنَفِيّ قَاضِي الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق وعماد الدّين إِسْمَاعِيل بن احْمَد بن سعيد بن مُحَمَّد بن سعيد بن الْأَثِير الْموقع. وَقتل من التتار نَحْو أَرْبَعَة عشر ألفا. وَأما غازان فَإِنَّهُ نزل بعد هزيمَة الْعَسْكَر إِلَى حمص - وَقت عشَاء الْآخِرَة - وَبهَا الخزائن السُّلْطَانِيَّة وأثقال الْعَسْكَر فَأَخذهَا من الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الصارم وَسَار إِلَى دمشق بَعْدَمَا امْتَلَأت أَيدي أَصْحَابه بأموال جليلة الْقدر. هَذَا وَأهل دمشق قد وَقع بَينهم فِي وَقت الظّهْر من يَوْم السبت أول ربيع الآخر ضجة عَظِيمَة فَخرجت النِّسَاء باديات الْوُجُوه وَترك النَّاس حوانيتهم وَأَمْوَالهمْ وَخَرجُوا من الْمَدِينَة. فَمَاتَ من الزحام فِي الْأَبْوَاب خلق كثير وانتش النَّاس برءوس الْجبَال وَفِي الْقرى وَتوجه كثير مِنْهُم إِلَى جِهَة مصر. وَفِي لَيْلَة الْأَحَد: خرج أَرْبَاب السجون وامتدت الْأَيْدِي لعدم من يحمى الْبَلَد. وَأصْبح من بقى بِالْمَدِينَةِ وَقد اجْتَمعُوا بمشهد على من الْجَامِع الْأمَوِي وبعثوا إِلَى غازان يسْأَلُون الْأمان لأهل الْبَلَد فَتوجه قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة وَشَيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين أَحْمد بن تَيْمِية والشريف زين الدّين بن عدنان والصاحب فَخر الدّين بن الشيرجي وَعز الدّين حَمْزَة بن القلانسي فِي جمع كَبِير من الْأَعْيَان وَالْفُقَهَاء والقراء إِلَى غازان فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثالثه بعد الظّهْر فَلَقوهُ بالنبك وَهُوَ سَائِر فنزلوا عَن دوابهم وَمِنْهُم من قبل لَهُ الأَرْض. فَوقف غازان بفرسه لَهُم وَنزل جمَاعَة من التتار عَن خيولهم ووقف الترجمان وَتكلم بَينهم وَبَين غازان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 فسألوا الْأمان لأهل دمشق وَقدمُوا لَهُ مأكل كَانَت مَعَهم فَلم يلْتَفت إِلَيْهَا وَقَالَ: قد بعثت إِلَيْكُم الْأمان وصرفهم فعادوا إِلَى الْمَدِينَة بعد الْعَصْر من الْجُمُعَة سَابِع الشَّهْر وَلم يخْطب بهَا فِي هَذِه الْجُمُعَة لأحد من الْمُلُوك. وَكَانَ قد وصل إِلَى دمشق فِي يَوْم الْخَمِيس سادس الشَّهْر أَرْبَعَة من التتار من جِهَة غازان وَمَعَهُمْ الشريف القمي وَكَانَ قد توجه قبل توجه الْجَمَاعَة هُوَ وَثَلَاثَة من أهل دمشق إِلَى غازان فَعَاد وَبِيَدِهِ أَمَان لأهل دمشق. ثمَّ قدم فِي يَوْم الْجُمُعَة سابعه بعد صَلَاة الْجُمُعَة الْأَمِير إِسْمَاعِيل التتري بِجَمَاعَة من التتر وَدخل الْمَدِينَة يَوْم السبت ليقْرَأ الفرمان بالجامع فَاجْتمع النَّاس وَقَرَأَ بعض الْعَجم الواصلين مَعَ الْأَمِير إِسْمَاعِيل الفرمان بتأمين الكافة وَعَاد إِسْمَاعِيل إِلَى منزله بَعْدَمَا صلى الْعَصْر. وَفِي يَوْم الْأَحَد: أَخذ أهل دمشق فِي جمع الْخَيل وَالْبِغَال وَالْأَمْوَال فَنزل غازان على دمشق يَوْم الْإِثْنَيْنِ عاشره وعاثت عساكره فِي الغوطة وَظَاهر الْمَدِينَة تهب وتفسد وَنزل قبجق وبكتمر السِّلَاح دَار. بِمن مَعَهُمَا فِي الميدان الْأَخْضَر وامتدت التتر إِلَى الْقُدس والكرك تنهب وتأسر. وَامْتنع الْأَمِير علم الدّين سنجر المنصوري الْمَعْرُوف باسم أرجواش بقلعة دمشق وَسَب قبجق وبكتمر سباً قبيحاً وَكَانَا قد تقدما إِلَيْهِ وأشارا عَلَيْهِ بِالتَّسْلِيمِ. وَفِي بكرَة يَوْم الثُّلَاثَاء حادي عشره: تقدم الْأَمِير إِسْمَاعِيل التتري إِلَى الْقُضَاة والأعيان بِالْحَدِيثِ مَعَ أرجواش فِي تَسْلِيم القلعة وَإنَّهُ إِن امْتنع نهب الْمَدِينَة وَوضع السَّيْف فِي الكافة. فَاجْتمع عَالم كَبِير وبعثوا إِلَى أرجواش فِي ذَلِك فَلم يجب وتكررت الرُّسُل بَينهم وَبَينه إِلَى أَن سبهم وجبههم وَقَالَ: قد وَقعت إِلَى بطاقة بِأَن السُّلْطَان قد جمع الجيوش بغزة وَهُوَ وَاصل عَن قريب وَفِي ثَانِي عشره: دخل الْأَمِير قبجق إِلَى الْمَدِينَة وَبعث إِلَى أرجواش فِي التَّسْلِيم فَلم يجب. وَفِيه كتبت عدَّة فرمانات إِلَى أرجواش من قبجق وَمن مقدم من مقدمي التتار ذكر إِنَّه رَضِيع الْملك غازان وَمن شيخ الشُّيُوخ نظام الدّين مَحْمُود بن على الشَّيْبَانِيّ وَغَيره فَلم يجب وَأخذ النَّاس فِي تحصين الدروب وَقد اشْتَدَّ خوفهم. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة رَابِع عشره: خطب لغازان على مِنْبَر دمشق بألقابه وَهِي: السُّلْطَان الْأَعْظَم سُلْطَان الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين مظفر الدُّنْيَا وَالدّين مَحْمُود غازان وَصلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 جمَاعَة من الْمغل الْجُمُعَة. فَلَمَّا انْقَضتْ الْجُمُعَة صعد الْأَمِير قبجق والأمير إِسْمَاعِيل سدة المؤذنين وَقُرِئَ على النَّاس تَقْلِيد قبجق بِلَاد الشَّام كلهَا وهى مَدِينَة دمشق وحلب وحماة وحمص وَسَائِر الْأَعْمَال وَجعل إِلَيْهِ ولَايَة الْقُضَاة والخطباء وَغَيرهم. فَنثرَتْ على النَّاس الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم وفرحوا بذلك فَرحا كثيرا وَجلسَ شيخ الشُّيُوخ نظام الدّين بِالْمَدْرَسَةِ العادية وعتب النَّاس لعدم ترددهم إِلَيْهِ ووعد بِالدُّخُولِ فِي صلح أُمُورهم مَعَ غازان وَطلب الْأَمْوَال وتعاظم إِلَى الْغَايَة واستخف بقبجق وَقَالَ: خَمْسمِائَة من قبجق مَا يكونُونَ فِي خَاتمِي. وَصَارَ نظام الدّين يضع من قلعة دمشق ويستهين بهَا وَيَقُول: لَو أردنَا أَخذهَا أخذناها من أول يَوْم وَكَانَ لَا يزَال الدبوس على كتفه وَلم يكن فِيهِ من أَخْلَاق الْمَشَايِخ مَا يمدح بِهِ بل أَخذ نَحْو الثَّلَاثِينَ ألف دِينَار برطيلاً حَتَّى قَالَ فِيهِ عَلَاء الدّين بن شيخ غازان مَا خلا أحد من تجرده وَغدا الْكل لابسي خرقَة الْفقر من يَده وَفِي خَامِس عشره: بَدَأَ التتر فِي نهب الصالحية حَتَّى أخذُوا مَا بالجامع والمدارس وَالتُّرَاب من الْبسط والقناديل ونبشوا على الخبايا فَظهر لَهُم مِنْهَا شَيْء كثير حَتَّى كَأَنَّهُمْ كَانُوا يعلمُونَ أماكنها فَمضى ابْن تَيْمِية فِي جمع كَبِير إِلَى شيخ الشُّيُوخ وَشَكوا ذَلِك فَخرج مَعَهم إِلَى حَيّ الصالحية فِي ثامن عشره ليتبين حَقِيقَة الْأَمر ففر التتر لما رَأَوْهُ والتجأ أهل الصالحية إِلَى دمشق فِي أَسْوَأ حَال. وَكَانَ سَبَب نهب الصالحية أَن متملك سيس بذل فِيهَا مَالا عَظِيما وَكَانَ قد قصد خراب دمشق عوضا عَن بِلَاده فتعصب الْأَمِير قبجق وَلم يُمكنهُ من الْمَدِينَة ورسم لَهُ بالصالحية فتسلمها متملك سيس وأحرق الْمَسَاجِد والمدارس وسبى وَقتل وأخرب الصالحية فبلغت عدَّة من قتل وَأسر مِنْهَا تِسْعَة أُلَّاف وَتِسْعمِائَة نفس. وَلما فرغوا من الصالحية صَار التتر إِلَى المزة وداريا ونهبوهما وَقتلُوا جمَاعَة من أهلهما فَخرج ابْن تَيْمِية فِي يَوْم الْخَمِيس عشريه إِلَى غازان بتل راهط ليشكو لَهُ مَا جرى من التتار بعد أَمَانه فَلم يُمكنهُ الِاجْتِمَاع بِهِ لشغله بالسكر فَاجْتمع بالوزيرين سعد الدّين ورشيد الدّين فَقَالَا: لابد من المَال فَانْصَرف. وَاشْتَدَّ الطّلب لِلْمَالِ على أهل دمشق وَاسْتمرّ الْحصار وَتعين نصب المنجنيق على القلعة بالجامع وهيموا أخشابه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 وَلم يبْق إِلَّا نَصبه. فَبلغ ذَلِك أرجواش فَبعث طَائِفَة هجمت على الْجَامِع على حمية وأفسدت مَا تهَيَّأ فِيهِ فَأَقَامَ التتر منجنيقاً آخر بالجامع واحترزوا عَلَيْهِ. وَاتَّخذُوا الْجَامِع حانة يزنون ويلوطون وَيَشْرَبُونَ الْخمر فِيهِ وَلم تقم بِهِ صَلَاة الْعشَاء فِي بعض اللَّيَالِي وَنهب التتر مَا حول الْجَامِع من السُّوق. فَانْتدبَ رجل من أهل القلعة لقتل المنجنيقي وَدخل الْجَامِع والمنجنيقي فِي تَرْتِيب المنجنيق والمغل حوله فهجم عَلَيْهِ وضربه بسكين فَقتله. وَكَانَ مَعَه جمَاعَة تفَرقُوا فِي الْمغل يُرِيدُونَ قَتلهمْ فَفرُّوا وخلص الرجل بِمن مَعَه إِلَى القلعة سالما. وَأخذ أرجواش فِي هدم مَا حول القلعة من العمائر والبيوت وصيروها دكا لِئَلَّا يسْتَتر الْعَدو فِي المنازلة بجدرانها فَأحرق ذَلِك كُله وهدمه من بَاب النَّصْر إِلَى بَاب الْفرج وَشَمل الحرق دَار الحَدِيث الأشرفية وعدة مدارس إِلَى العادلية وأحرق أَيْضا بِظَاهِر الْبَلَد شَيْء كثير وأحرق جَامع التَّوْبَة بالعقيبة وعدة قُصُور وجواسق وبساتين. وَاشْتَدَّ الْأَمر فِي طلب المَال وغلت الأسعار حَتَّى أبيع الْقَمْح بثلاثمائة وَسِتِّينَ درهما الغرارة وَالشعِير. بِمِائَة وَثَمَانِينَ درهما والرطل الْخبز بِدِرْهَمَيْنِ والرطل اللَّحْم بِاثْنَيْ عشر درهما والرطل الْجُبْن بِاثْنَيْ عشر درهما والرطل الزَّيْت بِسِتَّة دَرَاهِم وكل أَربع بيضات بدرهم ووزعت الْأَمْوَال فقرر على سوق الخواصين مائَة وَثَلَاثُونَ ألف دِرْهَم وعَلى سوق الرماحين مائَة ألف دِرْهَم وعَلى سوق على مائَة ألف دِرْهَم وعَلى سوق النحاسين سِتُّونَ ألف دِرْهَم وعَلى قيسارية الشّرْب مائَة ألف دِرْهَم وعَلى سَوف الذهبيين ألف وَخَمْسمِائة دِينَار وَقرر على أَعْيَان الْبَلَد تَكْمِلَة ثَلَاثمِائَة ألف دِينَار جبيت من حِسَاب أَرْبَعمِائَة ألف ورسم على كل طَائِفَة جمَاعَة من الْمغل فَضربُوا النَّاس وعصروهم وأذاقوهم الخزي والذل. وَكثر مَعَ ذَلِك الْقَتْل والنهب فِي ضواحي دمشق حَتَّى يُقَال إِنَّه قتل من الْجند والفلاحين والعامة نَحْو الْمِائَة ألف إِنْسَان فَقَالَ فِي ذَلِك كَمَال الدّين ابْن قَاضِي شُهْبَة: رمتنا صروف الدَّهْر مِنْهَا بِسبع فَمَا أحد منا من السَّبع سَالم غلاء وغازان وغزو ى غَارة وغدر وإغبان وغم ملازم وَقَالَ الشَّيْخ كَمَال الدّين مُحَمَّد بن على الزملكاني أَيْضا: لهفي على جلق يَا سوء مَا لقِيت من كل علج لَهُ فِي كفره فن بالطم والرم جَاءُوا لَا عديد لَهُم فالجن بَعضهم والحن والبن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 وَكَانَ مَا حمل لخزانة غازان وَحده على يَد وجيه الدّين بن المنجا مبلغ ثَلَاثَة آلَاف وسِتمِائَة ألف دِرْهَم سوى السِّلَاح وَالثيَاب وَالدَّوَاب والغلال وَسوى مَا نهبته التتار فَإِنَّهُ كَانَ يخرج إِلَيْهِم من بَاب شَرْقي كل يَوْم أَرْبَعمِائَة غرارة. ورسم غازان بِأخذ الْخُيُول وَالْجمال فَأخْرج من الْمَدِينَة زِيَادَة على عشْرين ألف حَيَوَان وَأخذ الْأَصِيل بن النصير الطوسي منجم غازان وناظر أوقاف التتار عَن أُجْرَة النّظر بِدِمَشْق مِائَتي ألف دِرْهَم وَأخذ الصفي السنجاري الَّذِي تولى الاستخراج لنَفسِهِ مائَة ألف دِرْهَم وَهَذَا سوى مَا استخرج للأمير قبجق والأمراء الْمغل وَسوى الْمُرَتّب لغازان فِي كل يَوْم. فَلَمَّا انْتَهَت الجباية أقرّ غازان فِي نِيَابَة دمشق الْأَمِير قبجق وَفِي نِيَابَة حلب وحماة وحمص الْأَمِير بكتمر السِّلَاح دَار وَفِي نِيَابَة صفد وطرابلس والساحل الْأَمِير الألبكي. وَجعل مَعَ كل وَاحِد عدَّة من الْمغل وَأقَام مقدما عَلَيْهِم لحماية الشَّام قطلوشاه وجرد عشْرين ألفا من عسكره مَعَ أَرْبَعَة من الْمغل بالأغوار. ورحل غازان فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشر جُمَادَى الأولى وَترك على دمشق نَائِبه قطلوشاه نازلاً بِالْقصرِ وَأخذ وزيره من أَعْيَان دمشق بدر الدّين مُحَمَّد بن فضل الله وعلاء الدّين على بن شرف الدّين مُحَمَّد بن القلانسي وَشرف الدّين مُحَمَّد بن شمس الدّين سعيد بن مُحَمَّد سعيد بن الْأَثِير. فَلَمَّا كَانَ يَوْم السبت ثَالِث عشره: بعد رحيل غازان أَمر التتر الَّذين بِدِمَشْق أَن يخرج من كَانَ فِي الْمدرسَة العادلية فَكَانَ إِذا خرج أحد أخذُوا مِنْهُ مَا يَقع اختيارهم عَلَيْهِ بعد التفتيش ثمَّ دخلُوا فكسروا أَبْوَاب الْبيُوت ونهبوا مَا فِيهَا وَوَقع النهب فِي الْمَدِينَة فَأخذُوا نَحوا مِمَّا استخرج من الْأَمْوَال أَولا وأحرقوا كثيرا من الدّور والمدارس: فاحترقت دَار الحَدِيث الأشرفية وَمَا حولهَا وَدَار الحَدِيث النورية والعادلية الصُّغْرَى وَمَا جاورها والقيمرية وَمَا جاورها إِلَى دَار السَّعَادَة وَإِلَى المارستان النوري وَمن الْمدرسَة الدماغية إِلَى بَاب الْفرج. وَأخذُوا مَا حول القلعة وركبوا الأسطحة ليرموا بالنشاب على القلعة فَأحرق عِنْد ذَلِك أرجواش مَا حول القلعة وَخَرَّبَهُ كَمَا تقدم وَاسْتمرّ قطلوشاه مقدم التتار يحاصر القلعة. وَفِي تَاسِع عشره: قرئَ بالجامع كتاب تَوْلِيَة قبجق نِيَابَة الشَّام وَكتاب بتولية الْأَمِير نَاصِر الدّين يحيى بن جلال الدّين الختني الوزارة. وَفِي حادي عشريه: احترقت الْمدرسَة العادلية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 فَلَمَّا عدى غازان الْفُرَات أَشَارَ قبجق وبكتمر السِّلَاح دَار على قطلوشاه أَن يتَحَوَّل عَن دمشق إِلَى حلب بِمن مَعَه من التتار وَجمع قبجق لَهُ مَالا من النَّاس وَسَار قطلوشاه فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشرى جُمَادَى الأولى وَترك طَائِفَة من التتر بِدِمَشْق وَخرج قبجق لوداعه وَعَاد فِي خَامِس عشريه وَنزل بِالْقصرِ. الأبلق وَنُودِيَ فِي سادس عشريه أَلا يخرج أحد إِلَى الْجَبَل والغوطة وَلَا يغرر بِنَفسِهِ ثمَّ نُودي بِخُرُوج أهل الضّيَاع إِلَى ضياعهم. وَفِي تَاسِع عشريه: تحول الْأَمِير قبجق إِلَى الْمَدِينَة وَأقَام بهَا. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء أول جُمَادَى الْآخِرَة: نُودي بِخُرُوج النَّاس إِلَى الصالحية وَغَيرهَا فَخَرجُوا إِلَى أماكنهم وَفتحت الْأَسْوَاق وأبواب الْمَدِينَة. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة رابعه: دقَّتْ البشائر بالقلعة. وَفِي سابعه: أَمر قبجق جمَاعَة من أَصْحَابه وَأمر بإدارة الخمارة بدار ابْن جَرَادَة فظهرت الْخُمُور وَالْفَوَاحِش وضمنت فِي كل يَوْم بِأَلف دِرْهَم. هَذَا وَقد نهبت التتار الأغوار حَتَّى بلغُوا إِلَى الْقُدس وعبروا غَزَّة وَقتلُوا بجامعها خَمْسَة عشر رجلا وعادوا إِلَى دمشق وَقد أَسرُّوا خلقا كثيرا فَخرج إِلَيْهِم ابْن تَيْمِية ومازال يُحَدِّثهُمْ حَتَّى أفرجوا عَن الأسرى ورحلوا عَن دمشق يُرِيدُونَ بِلَادهمْ فِي ثَانِي رَجَب. وَأما السُّلْطَان الْملك النَّاصِر فَإِن العساكر تَفَرَّقت عَنهُ وَقت الْهَزِيمَة وَلم يبْق مَعَه إِلَّا بعض خواصه والأميرين زين الدّين قراجا وَسيف الدّين بكتمر الحسامي أَمِير أخور فِي نفر يسير. وَبَالغ بكتمر مُدَّة السّفر إِلَى مصر فِي خدمَة السُّلْطَان بِنَفسِهِ وَمَاله فَكَانَ يركبه وينزله ويشد خيله وَيَشْتَرِي لَهَا العليق ويسقيها إِلَى غير ذَلِك من أَنْوَاع الْخدمَة حَتَّى قدم إِلَى قلعة الْجَبَل يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِي عشر ربيع الآخر. ثمَّ ترادفت العساكر إِلَى الديار المصرية شَيْئا بعد شَيْء فِي أَسْوَأ حَال وَكَانَ مِمَّن قدم مَعَهم الْملك الْعَادِل كتبغا وَصَارَ يمشي فِي خدمَة الْأَمِير سلار نَائِب السلطة وَيجْلس بَين يَدَيْهِ ويرمل عَلَيْهِ إِذا علم على المناشير وَغَيرهَا. وَاتفقَ مَعَ ذَلِك إِنَّه لما كَانَ كتبغا سُلْطَانا نُودي على جوسن للْبيع فَبلغ ثمنه على بيبرس الجاشنكير أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم ثمَّ عرض على كتبغا وَقيل لَهُ إِنَّه على بيبرس بِكَذَا فَقَالَ: وَهَذَا يصلح لذاك الخرياطي وَأخذ الجوسن بِثمنِهِ. فَلَمَّا زَالَت أَيَّامه صَار الجوسن لبيبرس بعد لاجين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 فَأَرَادَ نكاية كتبغا وأحضر الجوسن وكتبغا عِنْده ولبسه وَقَالَ لَهُ: يَا أَمِير إيش تَقول يصلح هَذ لي فَلم يفْطن كتبغا لما أَرَادَ وَقَالَ لَهُ: وَالله يَا أَمِير هَذَا كَأَنَّهُ فصل لَك فَنظر بيبرس إِلَى الْأُمَرَاء يُشِير إِلَيْهِم فَاشْتَدَّ عجبهم من تغير الْأَحْوَال فَلم يُشَاهد أعجب من ذَلِك. وأقيم العزاء فِي النَّاس لمن فقد وَكَانُوا خلقا كثيرا. ثمَّ أَخذ السُّلْطَان النَّاصِر فِي التَّجْهِيز للمسير إِلَى الشَّام ثَانِيًا وَشرع الْأُمَرَاء فِي الاهتمام بِأَمْر السّفر وجمعوا صناع السِّلَاح للْعَمَل. وَأخذ الْوَزير فِي جمع الْأَمْوَال للنَّفَقَة وَكتب إِلَى أَعمال مصر بِطَلَب الْخَيل والرماح وَالسُّيُوف من سَائِر الْوَجْهَيْنِ القبلي والبحري فَبلغ الْقوس الَّذِي كَانَ يُسَاوِي ثَلَاثمِائَة دِرْهَم إِلَى ألف دِرْهَم وَأخذت خُيُول الطواحين وبغالها بالأثمان الغالية وَطلبت الْجمال والهجن وَالسِّلَاح وَنَحْو ذَلِك. فأبيع مَا كَانَ. بِمِائَة بسبعمائة وبألف وَنُودِيَ بِحُضُور الأجناد البطالين فَحَضَرَ خلق كثير من الصنائعية ونزلوا أَسْمَاءَهُم فِي البطالين. وَفرقت أخباز المفقودين ورسم لكل من أُمَرَاء الألوف بِعشْرَة من البطالين يقوم بأمرهم وَلكُل من الطبلخاناه بِخَمْسَة وَلكُل من العشراوات برجلَيْن. واستخدم جمَاعَة من الْأُمَرَاء الْغُزَاة المطوعة احتساباً. واستدعى مجدي الدّين عِيسَى بن الخشاب نَائِب الْحِسْبَة ليَأْخُذ فَتْوَى الْفُقَهَاء بِأخذ المَال من الرّعية للنَّفَقَة على العساكر فأحضر فَتْوَى الشَّيْخ عز الدّين عبد الْعَزِيز بن عبد السَّلَام للْملك المظفر قطز بِأَن يُؤْخَذ من كل إِنْسَان دِينَار فرسم لَهُ سلار بِأخذ خطّ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن دَقِيق الْعِيد فأبي أَن يكْتب بذلك فشق هَذَا على سلار واستدعاه وَقد حضر عِنْده الْأُمَرَاء وشكا إِلَيْهِ قلَّة المَال وَأَن الضَّرُورَة دعت إِلَى أَخذ مَال الرّعية لأجل دفع الْعَدو وَأَرَادَ مِنْهُ أَن يكْتب على الْفَتْوَى بِجَوَاز ذَلِك فَامْتنعَ فاحتج عَلَيْهِ ابْن الخشاب بفتوى ابْن عبد السَّلَام فَقَالَ: لم يكْتب ابْن عبد السَّلَام للْملك المظفر قطز حَتَّى أحضر سَائِر الْأُمَرَاء مَا فِي ملكهم من ذهب وَفِضة وحلي نِسَائِهِم وَأَوْلَادهمْ هم ورأه وَحلف كلا مِنْهُم إِنَّه لَا يملك سوى هَذَا كَانَ ذَلِك غير كَاف فَعِنْدَ ذَلِك كتب بِأخذ الدِّينَار من كل وَاحِد. وَأما الْآن فيبلغني أَن كلا من الْأُمَرَاء لَهُ مَال جزيل وَفِيهِمْ من يُجهز بَنَاته بالجواهر واللآلئ وَيعْمل الْإِنَاء الَّذِي يستنجي مِنْهُ فِي الْخَلَاء من فضَّة ويرصع مداس زَوجته بأصناف الْجَوَاهِر وَقَامَ عَنْهُم فَطلب نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الشيخي مُتَوَلِّي الْقَاهِرَة ورسم لَهُ بِالنّظرِ فِي أَمْوَال التُّجَّار ومياسير النَّاس وَأخذ مَا يقدر عَلَيْهِ من كل مِنْهُم بِحَسب حَاله. فَمَا أهل جُمَادَى الأولى حَتَّى استجد عَسْكَر كَبِير وغصت الْقَاهِرَة ومصر وَمَا بَينهمَا بِكَثْرَة من ورد من الْبِلَاد الشامية حَتَّى ضَاقَتْ بهم المساكن ونزلوا بالقرافة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 327 (سقط الصفحة رقم 328 من وحول جَامع ابْن طولون وطرف الحسينية ... . مَا تجدّد من الْمُنْكَرَات، وأغلق الخمارات وأراق) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 الْخُمُور وشق ظروفها على يَد ابْن تَيْمِية. وعندما تكملت النَّفَقَة على العساكر نُودي بِالْقَاهِرَةِ ومصر بِالسَّفرِ وَمن تَأَخّر شنق ورسم أَن يكون سعر الدِّينَار عشْرين درهما. وَخرج السُّلْطَان فِي تَاسِع رَجَب فَسَار إِلَى الصالحية وقدمت إِلَيْهِ كتب الْأَمِير قبجق وبكتمر السِّلَاح دَار والألبكي بقدومهم صُحْبَة عز الدّين حَمْزَة بن القلانسي والشريف ابْن عدنان فَأَقَامَ السُّلْطَان بالصالحية. وَسَار الأميران سلار نَائِب السلطنة وبيبرس الجاشنكير الأستادار بالعساكر إِلَى دمشق فِي ثَانِي عشرى رَجَب فَلَقوا الْأَمِير قبجق وَمن مَعَه بَين غَزَّة وعقلان فترجل كل مِنْهُم لصَاحبه وتباركوا وأنزلوا ورتب لَهُم مَا يَلِيق بهم وَأمرُوا بالتوجه إِلَى السُّلْطَان وَسَار الْأُمَرَاء بالعساكر إِلَى دمشق. فَقدم قبجق بِمن مَعَه إِلَى الصالحية فِي عَاشر شعْبَان فَركب السُّلْطَان إِلَى لقائهم وَبَالغ فِي إكرامهم وَالْإِحْسَان إِلَيْهِم وأنزلهم ثمَّ سَار بهم إِلَى قلعة الْجَبَل فَقَدمهَا فِي رَابِع عشره. وَدخل الْأَمِير جمال الدّين أقش الأفرم إِلَى دمشق فِي يَوْم السبت عَاشر شعْبَان. وَفِي حادي عشره: قدم إِلَيْهَا الْأَمِير قرا سنقر المنصوري نَائِب حلب بعساكرها وَقد اسْتَقر عوضا عَن بلبان الطباخي وَاسْتقر الطباخي من أُمَرَاء مصر بِالْخدمَةِ السُّلْطَانِيَّة على إقطاع أقسنقر كرتاي بعد مَوته. وَدخل الْأَمِير أسندمر كرجي نَائِب الفتوحات الطرابلسية بعساكرها وَقد اسْتَقر عوضا عَن الْأَمِير قطلوبك. وَفِي ثَانِي عشره: قدمت ميسرَة العساكر المصرية ومقدمها الْأَمِير بدر الدّين بكتاش الفخري أَمِير سلَاح. وَفِي ثَالِث عشره: قدمت ميمنة العساكر المصرية مَعَ الْأَمِير حسام الدّين لاجين أستادار. وَفِي رَابِع عشره: قدم الْأَمِير سلار النَّائِب والمماليك السُّلْطَانِيَّة وَالْملك الْعَاد ل كتبغا - وَقد اسْتَقر فِي نِيَابَة حماة عوضا عَن قرا سنقر الْمُنْتَقل لنيابة حلب - والأمير كراي المنصوري المستقر فِي نِيَابَة صفد. وَنزل الْأَمِير سلار بالميدان وَجلسَ فِي دَار الْعدْل بِحُضُور الْأُمَرَاء والقضاة وخلع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329 على الصاحب عز الدّين حَمْزَة بن القلانسى. وَفِي خَامِس عشره: ولى سلار قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة قَضَاء دمشق عوضا عَن إِمَام الدّين عمر بن سعد الدّين الكرجي الْقزْوِينِي القونوي بعد وَفَاته. وَفِي حادي عشريه: ولى قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد بن صفي الدّين الحريري قَضَاء الْحَنَفِيَّة وَولى الْأَمِير سيف الدّين أقبجا المنصوري شدّ الدَّوَاوِين وَولي عز الدّين أيبك النجيبي بر دمشق وَولي أَمِين الدّين يُوسُف الرُّومِي إِمَام الْمَنْصُور لاجين حسبَة دمشق وَولي تَاج الدّين بن الشِّيرَازِيّ نظر الدَّوَاوِين. وسير سلار عسكراً إِلَى حلب فطرقها على غَفلَة وأوقع. بِمن فِيهَا من أَصْحَاب غازان وقتلهم فَلم يفلت مِنْهُم إِلَّا الْقَلِيل وَلَحِقُوا بغازان وعرفوه غدر قبجق بهم. وَتوجه الْملك الْعَادِل كتبغا إِلَى حماة بَعْدَمَا كَانَ يركب فِي دمشق بِخِدْمَة الْأَمِير سلار وَيجْلس بَين يَدَيْهِ كَمَا كَانَ يفعل بِالْقَاهِرَةِ فشاهد النَّاس من ذَلِك مَا فِيهِ أعظم عِبْرَة وَقدم كتبغا حماة فِي رَابِع عشرى شعْبَان وَاسْتقر كل نَائِب فِي مَمْلَكَته. وَكَانَ السّعر بِدِمَشْق غالياً فانحطت الغرارة الْقَمْح من ثَلَاثمِائَة دِرْهَم إِلَى مائَة وَخمسين وأبيع اللَّحْم الضَّأْن بِدِرْهَمَيْنِ الرطل الدِّمَشْقِي. وتتبع الْأَمِير جمال الدّين أقش الأفرم نَائِب السلطنة بِالشَّام من كَانَ بِدِمَشْق من المفسدين الَّذين توَلّوا اسْتِخْرَاج المَال فِي أَيَّام غازان من النَّاس وَالَّذين دلوا على عورات النَّاس. فسمر بَعضهم وشنق بَعضهم وَقطع أَيدي جمَاعَة وأرجلهم وَمن المفسدين من قطع لِسَانه وكحل فَمَاتَ من يَوْمه. وخلع سلار على الْأَمِير أرجواش نَائِب القلعة وأنعم عَلَيْهِ بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم وَطلبت مَشَايِخ قيس ويمن من العشير والعربان وألزموا بإحضار مَا أَخذ من الْعَسْكَر وَأهل الْبِلَاد فِي توجههم إِلَى مصر وَقت الجفلة. وَكَانَ غازان لما أَخذ الْبِلَاد وَعَاد إِلَى الشرق طمع الأرمن فِي الْبِلَاد الَّتِي افتتحها الْمُسلمُونَ وَأخذُوا تل حمدون وَغَيرهَا. فَلَمَّا اسْتَقَرَّتْ الْأَحْوَال بِبِلَاد الشَّام خرج الأميران بيبرس وسلار بعسكر مصر من دمشق يَوْم السبت ثامن شهر رَمَضَان يُريدَان مصر فوصلا قلعة الْجَبَل فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث شَوَّال بَعْدَمَا ركب السُّلْطَان إِلَى لقائهم وَكَانَ يَوْمًا مشهودًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 وعندما اسْتَقر الْأُمَرَاء سَأَلَ الْأَمِير قبجق أَن ينعم عَلَيْهِ بنيابة الشوبك فَأُجِيب إِلَى ذَلِك وخلع عَلَيْهِ. وأنعم على الْأَمِير بكتمر السِّلَاح دَار بإمرة مائَة بديار مصر وعَلى الْأَمِير فَارس الدّين ألبكي الساقي بإمرة مائَة بِدِمَشْق. وَفِي عشرى شَوَّال: توجه الْأَمِير أقش الأفرم من دمشق لغزو الدرزية أهل جبال كسروان فَإِن ضررهم اشْتَدَّ ونال الْعَسْكَر عِنْد إنهزامها من غازان إِلَى مصر مِنْهُم شَدَائِد ولقيه نَائِب صفد بعسكره ونائب حماة ونائب حمص ونائب طرابلس بعساكرهم. فَاسْتَعدوا لقتالهم وامتنعوا بجبلهم وَهُوَ صَعب المرتقى وصاروا فِي نَحْو اثْنَي عشر آلف رام. فزحفت العساكر السُّلْطَانِيَّة عَلَيْهِم فَلم تطقهم وجرح كثير مِنْهُم فافترقت العساكر عَلَيْهِم من عدَّة جِهَات وقاتلوهم سِتَّة أَيَّام قتالًا شَدِيدا إِلَى الْغَايَة فَلم يثبت أهل الْجبَال وانهزموا. وَصعد الْعَسْكَر الْجَبَل بَعْدَمَا قتل مِنْهُم وَأسر خلقا كثيرا وَوضع السَّيْف فيهم فالقوا السِّلَاح وَنَادَوْا الْأمان فكفوا عَن قِتَالهمْ. واستدعوا مشايخهم وألزموهم بإحضار جَمِيع مَا أَخذ من الْعَسْكَر وَقت الْهَزِيمَة فأحضروا من السِّلَاح والقماش شَيْئا كثيرا وحلفوا إِنَّهُم لم يخفوا شَيْئا فقرر عَلَيْهِم الْأَمِير أقش الأفرم مبلغ مائَة ألف دِرْهَم جبوها وَأخذ عدَّة من مشايخهم وأكابرهم وَعَاد إِلَى دمشق يَوْم الْأَحَد ثَالِث ذِي الْقعدَة وَبعث الْبَرِيد بالْخبر إِلَى السُّلْطَان. وألزم الْأَمِير أقش الأفرم أهل دمشق بتعليق السِّلَاح فِي الحوانيت وملازمة الرَّمْي بالنشاب وَنُودِيَ بذلك. وألزم قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة فُقَهَاء دمشق بذلك وَجلسَ لعرض النَّاس فِي حادي عشريه وَعرض الكافة طَائِفَة بعد طَائِفَة من الْأَشْرَاف وَالْفُقَهَاء وَأهل الْأَسْوَاق وَقدم على أهل الْأَسْوَاق رجَالًا يَلِي كل رجل سوقاً. وتتبع النَّاس بديار بكر التتر فَقتلُوا مِنْهُم وَلم تخرج هَذِه السّنة إِلَّا وَأهل دمشق فِي فقر مدقع وَفِي ذَلِك يَقُول عَلَاء الدّين على ابْن مظفر الوداعي: أما دمشق فأهلها قد أصب بكرية جعلُوا التسنن مذهبا سرا وجهراً أَنْفقُوا أَمْوَالهم حَتَّى تجلل كل شخص بالعبا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 مَا لبست الصُّوف من عَبث لَا وَلَا الخلقان مجَّانا إِنَّه زِيّ لمن هُوَ من فُقَرَاء الشَّيْخ غازنا وَذهب لأهل مصر مَال كثير فِي حَرَكَة غازان إِلَّا إِنَّهُم لسعة أَحْوَالهم لم يبالوا بذلك. وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر عَلَاء الدّين أَحْمد بن تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب بن خلف بن مَحْمُود بن بدر العلامي الْمَعْرُوف بِابْن بنت الْأَعَز الشَّافِعِي درس بالكهارية والقطبية من الْقَاهِرَة وَولي الْحِسْبَة وَكَانَ أديباً فصيحاً جميلا فِيهِ مَكَارِم ومروءة لطيف المزاج بساما شهمًا جزلا حج وَدخل الْيمن مرَارًا وَمن شعره فِي مليح سبح فِي النّيل وتلطخ بِالتُّرَابِ: فَكَأَنَّهُ بدر عَلَيْهِ سَحَابَة وَالتُّرَاب ليل من سناه أقمرا وَقَالَ: فِي السمر معَان لاترى فِي الْبيض تالله لقد نصحت فِي تَعْرِيض مَا الشهد إِذا أطعمته كاللبن يَكْفِي فطنا محَاسِن التَّعْرِيض وَمَات شهَاب الدّين احْمَد بن الْفرج بن أَحْمد اللَّخْمِيّ الإشبيلي ولد سنة خمس وَعشْرين وسِتمِائَة. وتفقه على ابْن عبد السَّلَام بِدِمَشْق وَكَانَ شافعياً وَله قصيدة فِي علم الحَدِيث. وَمَات الْأَمِير صارم الدّين أزبك نَائِب قلعة بلاطنس وَاسْتشْهدَ فِي نوبَة غازان على حمص فِي ثامن عشرى ربيع الأول. وَمَات الْأَمِير أقش كرجي المطروحي الْحَاجِب. وَمَات أقسنقر كرتاي أحد أُمَرَاء الألوف. وَمَات الْأَمِير بلبان التَّقْوَى أحد أُمَرَاء طرابلس. وَتُوفِّي كَاتب السِّرّ عماد الدّين أَبُو الْفِدَاء إِسْمَاعِيل بن التَّاج أَحْمد بن سعيد بن مُحَمَّد ابْن الْأَثِير الْحلَبِي بَعْدَمَا صرف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 وَمَات الْفَقِير المعتقد بدر الدّين أَبُو على الْحسن بن عضد الدولة أبي الْحسن على أخي المتَوَكل على الله أبي عبد الله مُحَمَّد بن يُوسُف بن هود فِي شعْبَان ومولده بمرسية سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة كَانَ أَبوهُ نَائِب السلطنة بهَا عَن المتَوَكل فتزهد هُوَ وَحج وَسكن دمشق وَكَانَت لَهُ أَحْوَال عَجِيبَة. وَمَات بيبرس الغتمي نَائِب حصن المرقب. وَمَات بكتاش المنصوري الطيار أحد أُمَرَاء دمشق. وَمَات نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أيدمر الْحلَبِي أحد أُمَرَاء مصر. وَمَات نوكاي بن بَيَان التتري أَبُو خوند منكبك امْرَأَة الصَّالح على بن قلاوون وَأَبُو خوند أردكين امْرَأَة الْأَشْرَف خَلِيل. وَمَات عَلَاء الدّين على ابْن الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن معضاد الجعبري. وَمَات الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْحلِيّ. وَهَؤُلَاء اسْتشْهدُوا بوقعة حمص مَا بَين قَتِيل فِي المعركة ومجروح مَاتَ من جراحته بعد ذَلِك. وَمَات الطواشي حسام الدّين بِلَال المغيثي الجلالي. بِمَنْزِلَة السوادة فِي تَاسِع ربيع الآخر فَدفن بقطيا ثمَّ نقل إِلَى تربته بالقرافة وَكَانَ خيرا دينا. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين جاغان الحسامي بِأَرْض البلقان. وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة إِمَام الدّين عمر بن سعد الدّين عبد الرَّحْمَن بن عمر بن أَحْمد بن مُحَمَّد الْقزْوِينِي الشَّافِعِي قَاضِي قُضَاة دمشق بِالْقَاهِرَةِ فِي يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس عشرى ربيع الآخر. وَمَات تَاج الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الْوَهَّاب بن أبي عبد الله مُحَمَّد بن عبد الدَّائِم بن منجا بن على الْبكْرِيّ التَّيْمِيّ الْقرشِي النويري فِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشرى ذِي الْحجَّة وَهُوَ وَالِد الشهَاب أَحْمد النويري المؤرخ الْكَاتِب. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن صدر الدّين سُلَيْمَان بن أبي الْعِزّ وهيب الدِّمَشْقِي الْحَنَفِيّ بِدِمَشْق فِي. وَمَات حسام الدّين أَبُو الْفَضَائِل حسن بن تَاج الدّين أبي المفاخر أَحْمد بن حسن بن أَبُو شَرّ وان الرُّومِي قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بِالْقَاهِرَةِ ومصر ودمشق فقد من الصَّفّ على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 حمص يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع عشرى ربيع الأول فَلم يعرف لَهُ خبر وعمره نَحْو السّبْعين سنة. وَمَات الْأَمِير عَلَاء الدّين قطلوبرس العادلي مشنوقاً بِدِمَشْق ظفر بِهِ بعد هروبه. وَمَات شرف الدّين أَبُو مُحَمَّد الْحسن بن على بن عِيسَى بن الْحسن اللَّخْمِيّ عرف بِابْن الصَّيْرَفِي فِي خَامِس عشرى ذِي الْحجَّة وَهُوَ فِي عشر التسعين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 سنة سَبْعمِائة أهلت هَذِه السّنة وَقد ورد الْخَبَر بحركة غازان إِلَى بِلَاد الشَّام فَوَقع الاهتمام بِالسَّفرِ. واستدعى السُّلْطَان الْوَزير شمس الدّين سنقر الأعسر والأمير نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن الشيخي والى الْقَاهِرَة وأمرا باستخراج الْأَمْوَال من النَّاس وَكتب إِلَى الشَّام بذلك. فشرعا فِي الاستخراج وألزم أَرْبَاب العقارات والأغنياء. بِمَال تقرر على كل مِنْهُم وجلسا بدار الْعدْل تَحت القلعة حَيْثُ الطبلخاناه الْآن وَالنَّاس تحمل المَال أَولا بِأول حَتَّى أخذا مائَة ألف دِينَار جبيت من الْقَاهِرَة ومصر والوجهين القبلي والبحري فَنزل بِالنَّاسِ ضَرَر عَظِيم. وَطلب من شُهُود الْقَاهِرَة ومصر الجالسين بالحوانيت مبلغ أَرْبَعِينَ دِينَارا من كل عَائِد وَعشْرين دِينَارا من كل شَاهد فَقَامَ فِي أَمرهم قَاضِي الْقُضَاة زين الدّين على بن مخلوف الْمَالِكِي حَتَّى أعفوا مِنْهُ. وَانْطَلَقت الألسن بِالشَّام ومصر فِي حق أهل الدولة واستخف الْعَامَّة بالأجناد وَأَكْثرُوا من قَوْلهم للجند: بالْأَمْس كُنْتُم هاربين وَالْيَوْم تُرِيدُونَ أَخذ أَمْوَالنَا فَإِن أجابهم الجندي قَالُوا لَهُ: لم لَا كَانَت هَذِه الْحُرْمَة فِي الْمغل الَّذين فعلوا بكم كَيْت وَكَيْت وهربتم مِنْهُم فَلَمَّا فحش أَمر الْعَامَّة فِي تجرئهم على الأجناد نُودي فِي الْقَاهِرَة ومصر: أَي عَامي تكلم مَعَ جندي كَانَت روحه وَمَاله للسُّلْطَان. واستخرج من دمشق أُجْرَة الْأَمْلَاك والأوقاف لأربعة أشهر فَأخذ ذَلِك من سَائِر مَا فِي الْمَدِينَة وضواحيها وَأخذ من الضّيَاع عَن كل مدى سِتَّة دَرَاهِم وَثلثا دِرْهَم وَالْمدّ أَرْبَعُونَ ذِرَاعا فِي مثلهَا وتكسيره ألف وسِتمِائَة ذِرَاع بِذِرَاع الْعَمَل وَطلب من الفلاحين نَظِير مغل سنة ثَمَان وَتِسْعين وَأخذ من الْأَغْنِيَاء ثلث أَمْوَالهم. فَنزلت بِالنَّاسِ شَدَائِد وَقَطعُوا الْأَشْجَار المثمرة وباعوها حطبًا حَتَّى أبيع القنطار الْحَطب الدِّمَشْقِي بِثَلَاثَة دَرَاهِم يخرج مِنْهَا فِي أُجْرَة قطعه دِرْهَم وَنصف. فخربت الغوطة من ذَلِك وفر كثير من النَّاس إِلَى مصر. فَلَمَّا جبيت الْأَمْوَال بِدِمَشْق استخدم السُّلْطَان عدَّة ثَمَانمِائَة من التركمان والأكراد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 وَدفع لكل وَاحِد سِتّمائَة دِرْهَم فهرب أَكْثَرهم لما علمُوا بوصول التتار الْفُرَات وَذهب المَال وَلم يجد نفعا. واستخدم السُّلْطَان بِمصْر عدَّة كَبِيرَة من أهل الصَّنَائِع وَنَحْوهم. وَنزل الْأُمَرَاء فِي الخيم. بميدان القبق لعرض الْعَسْكَر بخيولهم ورماحهم حَتَّى تعْتَبر أَحْوَالهم وعرضوا فِي كل يَوْم عشرَة مقدمين من الْحلقَة. بمضافيهم فَقطعُوا يَسِيرا مِنْهُم ثمَّ أَبقوا الْجَمِيع لما داجى عَلَيْهِم المقدمون فِي أَمر الْجند حَتَّى اقروا من هُوَ دخيل فيهم. وأنهوا الْعرض فِي عشْرين يَوْمًا ورميت الإقامات. وَهَذَا وَقد امْتَلَأت أَرض مصر بالجفلى من الْبِلَاد الشامية ورخصت الأسعار عِنْد قدومهم حَتَّى أبيع وَخرج السُّلْطَان من القلعة يَوْم السبت ثَالِث عشر صفر إِلَى الريدانية خَارج الْقَاهِرَة وتلاحقت بِهِ الْأُمَرَاء والعساكر فَسَار إِلَى غَزَّة وَأقَام بهَا يَوْمَيْنِ. (فورد الْخَبَر) بمسير غازان بعد عبوره من الْفُرَات إِلَى نَحْو أنطاكية وَقد جفل النَّاس بَين يَدَيْهِ. وخلت بِلَاد حلب وفر قرا سنقر نائبها إِلَى حماة وبرز كتبغا نَائِب حماة ظَاهرهَا فِي ثَانِي عشرى ربيع الأول وَوصل إِلَيْهِم عَسَاكِر مصر وَالشَّام فأقاموا خَارج حماة. وَأمر السُّلْطَان الجيوش بِالْمَسِيرِ من غَزَّة فَوَقع الرحيل إِلَى العوجاء. وَأصَاب الْعَسْكَر فِيهَا شَدَائِد من الأمطار الَّتِي توالت أحدا وَأَرْبَعين يَوْمًا حَتَّى عدم فِيهَا الْوَاصِل وَاشْتَدَّ الغلاء. وأضعف الْبرد الدَّوَابّ والغلمان وَبلغ الْحمل التِّبْن إِلَى أَرْبَعِينَ درهما والعليقة الشّعير ثَلَاثَة دَرَاهِم وَالْخبْز كل ثَلَاثَة أرغفة بدرهم وَاللَّحم كل رَطْل بِثَلَاثَة دَرَاهِم. وعقب الْمَطَر سيل عَظِيم أتلف مُعظم الأثقال وَمَات جمَاعَة من الغلمان وَأَرْبَعَة من الْجند لشدَّة الْبرد. ثمَّ وَقع الرحيل فِي الأوحال الْعَظِيمَة. فَقدم الْبَرِيد من حلب بِأَن غازان توجه من جبال أنطاكية إِلَى جبال السماق وَأَنه عَاد على قُرُون حماة وشيزر فنهب وسبى عَظِيما وَأخذ مَالا كَبِيرا من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 الْمَوَاشِي وَغَيرهَا وَأَنه قصد التَّوَجُّه إِلَى دمشق فَأرْسل الله عَلَيْهِ ثلوجاً وأمطاراً لم يعْهَد مثلهَا وَوَقع فِي خُيُول عساكره وجمالهم الموتان حَتَّى كَانَت عدَّة جشار غازان اثنى عشر ألف فرس فَلم يبْق مِنْهَا إِلَّا نَحْو الألفي فرس وَبَقِي مُعظم عساكره بِغَيْر خُيُول فَرجع وَأَكْثَرهم مرتدفون بَعضهم بَعْضًا وَأَن غازان خَاضَ الْفُرَات فِي حادي عشر جُمَادَى الأولى فسر النَّاس سُرُورًا عَظِيما. وَسَار الْأَمِير سيف الدّين بكتمر السِّلَاح دَار بمضافيه والأمير بهاء الدّين يعقوبا بمضافيه إِلَى حلب فِي ألفي فَارس لتَكون السمعة وتطمئن أهل الْبِلَاد وَعَاد السُّلْطَان بِبَقِيَّة العساكر إِلَى مصر سلخ ربيع الآخر. وَاسْتقر الْأَمِير سيف الَّذين بدخاص فِي نِيَابَة صفد عوضا عَن كراي لاستعفائه مِنْهَا وأنعم على كراي بإقطاع الْأَمِير بلبان الطباخي بعد مَوته وَاسْتقر بلبان الجوكندار حَاجِب دمشق شاد الدَّوَاوِين بهَا. فَقدم الْعَسْكَر إِلَى دمشق فِي سَابِع جُمَادَى الأولى وَقدم السُّلْطَان قلعة الْجَبَل فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ حادي عشر. وَكَانَ النَّاس لما بَلغهُمْ بِدِمَشْق عود السُّلْطَان إِلَى مصر اشْتَدَّ خوفهم وَخرج معظمهم يُرِيدُونَ الْقَاهِرَة وَنُودِيَ بِدِمَشْق فِي تَاسِع جُمَادَى الأولى: من أَقَامَ بِدِمَشْق بعد هدا النداء فدمه فِي عُنُقه وَمن عجز عَن السّفر فليتحصن بقلعه دمشق فَخرج بَقِيَّة النَّاس على وُجُوههم. وغلت الأسعار بِدِمَشْق حَتَّى أبيعت الغرارة الْقَمْح بثلاثمائة دِرْهَم والرطل اللَّحْم بِتِسْعَة دَرَاهِم فَلَمَّا خرج الجفل نزلت الغرارة إِلَى مِائَتي دِرْهَم. وَفِي جُمَادَى الْآخِرَة: كثر الإرجاف بِعُود التتر وَقد خلت الْبِلَاد الشامية من أَهلهَا ونزحوا إِلَى مصر. وَفِي رَجَب: كَانَت وقْعَة أهل الذِّمَّة: وهى أَنهم كَانُوا قد تزايد ترفهم بِالْقَاهِرَةِ ومصر وتفننوا فِي ركُوب الْخَيل المسومة والبغلات الرائعة بالحلي الفاخرة ولبسوا الثِّيَاب السّريَّة وولوا الْأَعْمَال الجليلة. فاتفق قدوم وَزِير ملك الْمغرب يُرِيد الْحَج وَاجْتمعَ بالسلطان والأمراء وبينما هُوَ تَحت القلعة إِذا بِرَجُل رَاكب فرسا وَحَوله عدَّة من النَّاس مشَاة فِي ركابه يَتَضَرَّعُونَ لَهُ ويسألونه ويقبلون رجلَيْهِ وَهُوَ معرض عَنْهُم لَا يعبأ بهم بل ينهرهم ويصيح فِي غلمانه بطردهم. فَقيل للمغربي أَن هَذَا الرَّاكِب نَصْرَانِيّ فشق عَلَيْهِ وَاجْتمعَ بالأميرين بيبرس وسلار وحدثهما بِمَا رَآهُ وَأنكر ذَلِك وَبكى بكاء كثيرا وشنع فِي أَمر النَّصَارَى وَقَالَ: كَيفَ ترجون النَّصْر وَالنَّصَارَى تركب عنْدكُمْ الْخُيُول وتلبس العمائم الْبيض وتذل الْمُسلمين وتشبههم فِي خدمتكم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 وَأطَال القَوْل فِي الْإِنْكَار وَمَا يلْزم وُلَاة الْأُمُور من إهانة أهل الذِّمَّة وتغيير زيهم. فأثر كَلَامه فِي نفوس الْأُمَرَاء فرسم أَن يعْقد مجْلِس بِحُضُور الْحُكَّام واستدعيت الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء وَطلب بطرك النَّصَارَى وبرز مرسوم السُّلْطَان بِحمْل أهل الذِّمَّة على مَا يَقْتَضِيهِ الشَّرْع المحمدي. فَاجْتمع الْقُضَاة بِالْمَدْرَسَةِ الصالحية بَين القصرين وَندب لذَلِك من بَينهم قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين أَحْمد السرُوجِي الْحَنَفِيّ وَطلب بطرك النَّصَارَى وَجَمَاعَة من أساقفتهم وأكابر قسيسيهم وأعيان ملتهم وديان الْيَهُود وأكابر ملتهم وسئلوا عَمَّا أقرُّوا عَلَيْهِ فِي خلَافَة أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ من عقد الذِّمَّة فَلم يَأْتُوا عَن ذَلِك بِجَوَاب. وَطَالَ الْكَلَام مَعَهم إِلَى أَن اسْتَقر الْحَال على أَن النَّصَارَى تتَمَيَّز بلباس العمائم الزرق وَالْيَهُود بِلبْس العمائم الصفر وَمنعُوا من ركُوب الْخَيل وَالْبِغَال وَمن كل مَا مَنعهم مِنْهُ الشَّارِع صلى اله عَلَيْهِ وَسلم وألزموا بِمَا شَرطه عَلَيْهِم أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ. فالتزموا ذَلِك وَأشْهد عَلَيْهِ البطرك أَنه حرم على جَمِيع النَّصْرَانِيَّة مُخَالفَة ذَلِك والعدول عَنهُ وَقَالَ رَئِيس الْيَهُود ودانهم: أوقعت الْكَلِمَة على سَائِر الْيَهُود فِي مُخَالفَة ذَلِك وَالْخُرُوج عَنهُ وانفض الْمجْلس وطولع السُّلْطَان والأمراء. مِمَّا وَقع فَكتب إِلَى أَعمال مصر وَالشَّام بِهِ. وَلما كَانَ يَوْم خَمِيس الْعَهْد وَهُوَ الْعشْرُونَ من شهر رَجَب: جمع النَّصَارَى وَالْيَهُود بِالْقَاهِرَةِ ومصر وظواهرها ورسم أَلا يستخدم أحد مِنْهُم بديوان السُّلْطَان وَلَا بدواوين الْأُمَرَاء وَألا يركبُوا خيلاً وبغالاً وَأَن يلتزموا سَائِر مَا شَرط عَلَيْهِم. وَنُودِيَ بذلك فِي الْقَاهِرَة ومصر وهدد من خَالفه بسفك دَمه. فانحصر النَّصَارَى من دلك وَسعوا بالأموال فِي إبِْطَال مَا تقرر فَقَامَ الْأَمِير بيبرس الجاشنكير فِي إِمْضَاء مَا ذكر قيَاما مَحْمُودًا وصمم تصميماً زَائِدا. فاضطر الْحَال بالنصارى إِلَى الإذعان وَأسلم أَمِين الْملك عبد الله بن العنام مُسْتَوْفِي الصُّحْبَة وَخلق كثير حرصاً مِنْهُم على بَقَاء رياستهم وأنفة من لبس العمائم الزرق وركوب الْحمير. وَخرج الْبَرِيد بِحمْل النَّصَارَى الْيَهُود فِيمَا بَين دمقلة من النّوبَة والفرات على مَا تقدم ذكره. وامتدت أَيدي الْعَامَّة إِلَى كنائس الْيَهُود وَالنَّصَارَى فهدموها بفتوى الشَّيْخ الْفَقِيه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 نجم الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن الرّفْعَة. فَطلب الْأُمَرَاء الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء للنَّظَر فِي أَمر الْكَنَائِس فَصرحَ ابْن الرّفْعَة بِوُجُوب هدمها وَامْتنع من ذَلِك قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن دَقِيق الْعِيد وَاحْتج بِأَنَّهُ إِذا قَامَت الْبَيِّنَة بِأَنَّهَا أحدثت فِي الْإِسْلَام تهدم وَإِلَّا فَلَا يتَعَرَّض لَهَا وَوَافَقَهُ الْبَقِيَّة على هَذَا وانفضوا. وَكَانَ أهل الْإسْكَنْدَريَّة لما ورد عَلَيْهِم مرسوم السُّلْطَان فِي أَمر الذِّمَّة ثَارُوا بالنصارى وهدموا لَهُم كنيستين وهدموا دور الْيَهُود وَالنَّصَارَى الَّتِي تعلو على دور جيرانهم الْمُسلمين وحطوا مساطب حوانيتهم حَتَّى صَارَت أَسْفَل من حوانيت الْمُسلمين. وَهدم بالفيوم أَيْضا كنيستان. وَقدم الْبَرِيد فِي أَمر الذِّمَّة إِلَى دمشق يَوْم الْإِثْنَيْنِ سَابِع شعْبَان فَاجْتمع الْقُضَاة والأعيان عِنْد الْأَمِير أقش الأفرم وَقُرِئَ عَلَيْهِم مرسوم السُّلْطَان بذلك فَنُوديَ فِي خَامِس عشريه أَن يلبس النَّصَارَى العمائم الزرق وَالْيَهُود العمائم الصفر والسامرة العمائم الْحمر وهددوا على الْمُخَالفَة. فالتزم النَّصَارَى وَالْيَهُود بِسَائِر مملكة مصر وَالشَّام مَا أمروا بِهِ وصبغوا عمائمهم إِلَّا أهل الكرك فَإِن الْأَمِير جمال الدّين أقش الأفرم الأشرفي النَّائِب بهَا رأى إبقاءهم على حالتهم وَاعْتذر بِأَن أَكثر أهل الكرك نَصَارَى فَلم يُغير أهل الكرك والشوبك من النَّصَارَى العمائم الْبيض. وَبقيت الْكَنَائِس بِأَرْض مصر مُدَّة سنة مغلقة حَتَّى قدمت رسل الأشكري ملك الفرنج تشفع فِي فتحهَا ففتحت كَنِيسَة الْمُعَلقَة بِمَدِينَة مصر وكنيسة مِيكَائِيل الملكية ثمَّ قدمت رسل مُلُوك آخر ففتحت كَنِيسَة حارة وزويلة وكنيسة نقولا. وفيهَا فنيت أبقار أَرض مصر: وَذَلِكَ إِنَّه وَقع فِيهَا وباء من أخريات السّنة الْمَاضِيَة وتزايد الْأَمر حَتَّى تعطلت الدواليب ووقفت أَحْوَال السواقي وتضرر النَّاس من ذَلِك. وَكَانَ لرجل من أهل أشمون طناح ألف وَأحد وَعِشْرُونَ رَأْسا من الْبَقر مَاتَ مِنْهَا ألف وَثَلَاثَة أرؤس وَبَقِي لَهُ ثَمَانِيَة عشر رَأْسا لَا غير. واضطر النَّاس لتعويض الْبَقر بالجمال وَالْحمير وَبلغ الثور ألف دِرْهَم. وفيهَا اسْتَقر الْأَمِير أسندمر كرجي فِي نِيَابَة طرابلس لاستعفاء الأميرة قطلوبك المنصوري. وفيهَا اخْتلف عربان الْبحيرَة واقتتلت طائفتا جَابر وبرديس حَتَّى فني بَينهمَا بشر كثير واستظهرت برديس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 فَخرج الْأَمِير بيبرس الدوادار فِي عشْرين أَمِيرا من الطبلخاناه إِلَى تروجة فَانْهَزَمَ الْعَرَب مِنْهُم فتبعوهم إِلَى الليونة وَأخذُوا جمَالهمْ وأغنامهم واستدعوا أكابرهم ووفقوا بَينهم وعادوا. وفيهَا خرج الْوَزير شمس الدّين سنقر الأعسر فِي عدَّة مائَة من المماليك السُّلْطَانِيَّة إِلَى الْوَجْه القبلي لحسم العربان وَقد كَانَ كثر عيثهم وفسادهم وَمنع كثير مِنْهُم الْخراج لما كَانَ من الِاشْتِغَال بحركات غازان. فأوقع الْوَزير شمس الدّين بِكَثِير من بِلَاد الصَّعِيد الكبسات وَقتل جماعات من المفسدين وَأخذ سَائِر الْخُيُول الَّتِي بِبِلَاد الصَّعِيد فَلم يدع بهَا فرسا لفلاح وَلَا بدوي وَلَا قَاض وَلَا فَقِيه وَلَا كَاتب وتتبع السِّلَاح الَّذِي مَعَ الفلاحين والعربان فَأَخذه عَن آخِره وَأخذ الْجمال. وَعَاد من قوص إِلَى الْقَاهِرَة وَمَعَهُ ألف وَسِتُّونَ فرسا وَثَمَانمِائَة وَسَبْعُونَ جملا وَألف وسِتمِائَة رمح وَألف وَمِائَتَا سيف وَسَبْعمائة درقة وَسِتَّة آلَاف رَأس من الْغنم فسكن مَا كَانَ بالبلاد من الشَّرّ وذلت الفلاحون وأعطوا الْخراج. وَاتفقَ أَن بعض النَّصَارَى فتح كَنِيسَة فَاجْتمع الْعَامَّة ووقفوا إِلَى الْأَمِير سلار النَّائِب وَشَكوا النَّصَارَى أَنهم فتحُوا كَنِيسَة بِغَيْر إِذن وَأَن فيهم من امْتنع من لبس الْعِمَامَة الزَّرْقَاء واحتمى بالأمراء. فَنُوديَ بِالْقَاهِرَةِ ومصر أَن من امْتنع من النَّصَارَى من لبس الْعِمَامَة الزَّرْقَاء نهب وَحل مَاله وحريمه وَألا يستخدم نَصْرَانِيّ عِنْد أَمِير وَلَا فِي شَيْء من الأشغال السُّلْطَانِيَّة وَلَا فِيمَا فِيهِ نفع. فامتدت أَيدي الْعَامَّة إِلَى الْيَهُود وَالنَّصَارَى وكادوا يَقْتُلُونَهُمْ من كَثْرَة الصفع فِي رقابهم بالأكف وَالنعال فَامْتنعَ الْكثير مِنْهُم من الْمُضِيّ فِي الْأَسْوَاق خوفاًُعلى نَفسه. وقدمت رسل غازان إِلَى الْفُرَات فورد الْبَرِيد بذلك فَخرج إِلَيْهِم الْأَمِير سيف الدّين كراي على الْبَرِيد لإحضارهم فقدموا دمشق يَوْم الثلائاء ثَالِث عشرى ذِي الْقعدَة وهم نَحْو الْعشْرين رجلا فأنزلوا بقلعتها. وَحمل ثَلَاثَة مِنْهُم إِلَى مصر فِي ثامن عشريه وهم كَمَال الدّين مُوسَى بن يُونُس قَاضِي الْموصل وناصر الدّين على خواجا ورفيقه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 فوصلوا إِلَى الْقَاهِرَة لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ خَامِس ذِي الْحجَّة وأكرموا غَايَة الْإِكْرَام. فَلَمَّا كَانَ وَقت الْعَصْر من يَوْم الثُّلَاثَاء سادس عشره: وَاجْتمعَ الْأُمَرَاء والعسكر بقلعة الْجَبَل وألبست المماليك السُّلْطَانِيَّة الكلفيات الزركش والطرز الزركش على أَفْخَر الملابس وَجلسَ السُّلْطَان بعد الْعشَاء الْآخِرَة وَبَين يَدَيْهِ ألف شمعة تعد وَقد وقفت المماليك من بَاب القلعة من بَاب الإيوان صفّين. وأحضرت الرُّسُل فَسَلمُوا وَقَامَ قَاضِي الْموصل وعَلى رَأسه طرحة فَخَطب خطْبَة بليغة وجيزة فِي معنى الصُّلْح ودعا للسُّلْطَان ولغازان وللأمراء وَأخرج كتابا من غازان مَخْتُومًا فَلم يفتح. وَأخرج بالرسل إِلَى مكانهم إِلَى لَيْلَة الْخَمِيس فَفتح الْكتاب الَّذِي من عِنْد غازا وَهُوَ فِي قطع نصف الْبَغْدَادِيّ فَإِذا هُوَ بالخط المغلي فعرب وَقُرِئَ من الْغَد بِحَضْرَة أهل الدولة فَإِذا هُوَ يتَضَمَّن أَن عَسَاكِر مصر دخلت فِي الْعَام الْمَاضِي أَطْرَاف بِلَاده وأفسدت فَأَنف من ذَلِك وَقدم إِلَى الشَّام وَهزمَ العساكر ثمَّ عَاد فَلم يخرج إِلَيْهِ أحد فَرجع إبْقَاء على الْبِلَاد لِئَلَّا تخرب وَأَنه مستعد للحرب ودعا إِلَى الصُّلْح فَكتب جَوَابه وجهز الْأَمِير شمس الدّين مُحَمَّد بن التيتي وعماد الدّين على بن عبد الْعَزِيز بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الْعلي بن السكرِي خطب جَامع الْحَاكِم والأمير حسام الدّين أزدمر المجيري للسَّفر بِالْجَوَابِ مَعَ الرُّسُل الواصلين من عِنْد غازان. وَكَانَ هَذَا عَام: سَائِر أقطار الأَرْض مشتغلة بِالْحَرْبِ فَكَانَ الْملك المسعود عَلَاء الدّين سنجر - عَتيق شمس الدّين أيتمش عَتيق السُّلْطَان غياث الدّين - وَهُوَ ملك دله بِالْهِنْدِ قد حَارب قوما فِي السّنة الْمَاضِيَة فَأتوا فِي هَذِه السّنة إِلَى دله ونهبوا وأسروا وَخرج عَلَيْهِ طَائِفَة التتر فحاربهم حروباً عَظِيمَة وَهَزَمَهُمْ. وَقَامَ بِأَرْض الْحَبَشَة فِي السّنة الْمَاضِيَة رجل يُقَال لَهُ أَبُو عبد الله مُحَمَّد يَدْعُو إِلَى الْإِسْلَام فَاجْتمع عَلَيْهِ نَحْو المائتي ألف رجل. وَحَارب الأمحري فِي هَذِه السّنة حروباً كَثِيرَة. وَكَانَ بِبِلَاد الْيمن بَين ملكهَا الْملك الْمُؤَيد هزبر الدّين وَبَين الزيدية عدَّة حروب. وفيهَا ثقلت وَطْأَة الْأَمِير الْوَزير سنقر الأعسر على الْأُمَرَاء لشد تعاظمه وَكثر شمعه وتزايد كبره ووفور حرمته وَقُوَّة مهابته وَلما كَانَ من ضربه للتاج بن سعيد الدولة مُسْتَوْفِي الدولة بالمقارع حَتَّى أسلم وتغريمه مَالا كَبِيرا وَكَانَ من ألزام الْأَمِير الجاشنكير وَفِيه حمق ورقاعة زَائِدَة. فَلَمَّا فعل بِهِ الْوَزير مَا فعل نحلى عَن الْمُبَاشرَة وَانْقطع بزاوية الشَّيْخ نصر المنبجي خَارج بَاب النَّصْر حَتَّى تحدث الشَّيْخ نصر مَعَ الْأَمِير بيبرس فِي إعفائه من الْمُبَاشر فَأَجَابَهُ وَكَانَ لَهُ فِيهِ اعْتِقَاد ولكلامه عِنْده قبُول. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 فَأحب الْأُمَرَاء إِخْرَاج الْوَزير من الوزارة وَكَانَت فِي النَّاس بقايا من حشمة فأحبوا مراعاته والتجمل مَعَه وعينوه لكشف القلاع الشامية وَإِصْلَاح أمرهَا وترتيب سَائِر أحوالها وتفقد حواصلها كَانَت حِينَئِذٍ عامرة بِالرِّجَالِ وَالْأَمْوَال وَالسِّلَاح فَسَار ذَلِك. وفيهَا تزوج السُّلْطَان بخوند أردكين بنت نوكاي امْرَأَة أَخِيه الْملك الْأَشْرَف وَعمل لَهُ مُهِمّ عَظِيم أنعم فِيهِ على سَائِر أهل الدولة بِالْخلْعِ وَغَيرهَا. وَبلغ النّيل فِي هَذِه السّنة سَبْعَة عشر ذِرَاعا وَخَمْسَة عشر أصبعاً وَكَانَت سنة مقبلة رخية الأسعار. وَحج فِيهَا الْأَمِير بكتمر الجوكندار وَأنْفق فِي حجَّته خَمْسَة وَثَمَانِينَ ألف دِينَار وصنع مَعْرُوفا كثيرا: من جملَته أَنه جهز سَبْعَة مراكب فِي بَحر القلزم قد شحنها بالغلال والدقيق وأنواع الإدام من الْعَسَل وَالسكر وَالزَّيْت والحلوى وَنَحْو ذَلِك فَوجدَ بالينبع أَنه قد وصل مِنْهَا ثَلَاثَة مراكب فَعمل مَا فِيهَا أكواماً ونادى فِي الْحَج من كَانَ مُحْتَاجا إِلَى مئونة أَو حلوى فليحضر فَأَتَاهُ المحتاجون فَلم يرد مِنْهُم أحدا وَفرق مَا بَقِي على النَّاس مِمَّن لم يحضر لغناه وَأعْطى أهل الينبع ووصلت بَقِيَّة المراكب إِلَى جدة فَفعل بِمَكَّة كَذَلِك وَفرق على سَائِر أَهلهَا والفقراء بهَا وعَلى حَاج الشَّام. وَفِي هده السّنة أَيْضا كَانَت مُلُوك الأقطار كلهَا شباب لم يبلغُوا الثَّلَاثِينَ سنة. وَمَات فِي هده السّنة مِمَّن لَهُ ذكر الْأَمِير عز الدّين أيدمر الظَّاهِرِيّ وَهُوَ أحد من ولى نِيَابَة دمشق فِي الْأَيَّام الظَّاهِرِيَّة وَقد اسْتَقر بهَا أَمِيرا حَتَّى مَاتَ فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِي ربيع الأول. وَمَات الْأَمِير عز الدّين أيبك كرجي الظَّاهِرِيّ أحد أُمَرَاء الألوف بِدِمَشْق فِي عَاشر ذِي الْقعدَة. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين بلبان الطباخي نَائِب حلب فِي غرَّة صفر بغزة وهر عَائِد من التجريدة. وَمَات الْأَمِير جمال الدّين أقوش الشريفي نَائِب قلعة الصَّلْت وبر الكرك والشوبك، وَكَانَ مهيبا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 342 وَمَات الْأَمِير عز الدّين مُحَمَّد بن أبي الهيجاء الهمذاني الأربلي مُتَوَلِّي نظر دمشق بطرِيق مصر وَهُوَ عَائِد مِنْهَا عَن ثَمَانِينَ سنة وَكَانَ عَالما بالأدب والتاريخ مشكور السِّيرَة. وَمَات الشَّيْخ شمس الدّين مَحْمُود بن أبي بكر أبي الْعَلَاء الكلاباذي البُخَارِيّ الفرضي الْحَنَفِيّ فِي أول ربيع الأول بِدِمَشْق وَقد قدم الْقَاهِرَة وَكَانَ فَاضلا. وَمَات تَاج الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن هبة الله بن قلس الأرمنتي إِمَام الْمدرسَة الظَّاهِرِيَّة بَين القصرين وَله شعر مِنْهُ: احفظ لسَانك لَا أَقُول فَإِن أقل فنصيحة تخفى على الْجلاس وأعيذ نَفسِي من هجائك فَالَّذِي يهجي يكون مُعظما فِي النَّاس وَقَالَ: قد قلت إِذْ لج فِي معاتبتي وَظن أَن الملال من قبلي خدك ذَا الْأَشْعَرِيّ حنفني وَكَانَ من أَحْمد الْمذَاهب لي حسنك مازال شَافِعِيّ أبدا يَا مالكي كَيفَ صرت معتزلي وَكَانَ مقربا فَاضلا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 فارغة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 سنة إِحْدَى وَسَبْعمائة فِي الْمحرم: عَادَتْ رسل غازان مَعَ الرُّسُل السُّلْطَان بجوابه. وَفِي عاشره: اسْتَقر فِي الوزارة الْأَمِير عز الدّين أيبك الْبَغْدَادِيّ المنصوري عوضا عَن سنقر الأعسر وَهُوَ غَائِب بِالشَّام. وَاسْتقر الْأَمِير بيبرس التاجي أحد الْأُمَرَاء البرجية فِي ولَايَة الْقَاهِرَة عوضا عَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الشيخي وَنقل ابْن الشيخي إِلَى ولَايَة الجيزة فِي عشريه. وَفِيه توجه السُّلْطَان إِلَى الصَّيْد فِي هَذَا الْيَوْم. وَفِيه توجه الْأَمِير أسندمر كرجي إِلَى نِيَابَة طرابلس عوضا عَن الْأَمِير قطلوبك بِحكم استعفائه فَقدم دمشق فِي حادي عشر الْمحرم. وَفِي شهر الْمحرم: أَيْضا اسْتَقر الْأَمِير سيف الدّين بلبان الجوكندار شاد الدَّوَاوِين بِدِمَشْق عوضا عَن الْأَمِير سيف الدّين أقجبا وَنقل أقجبا إِلَى نِيَابَة السلطنة بِدِمَشْق عوضا عَن الْأَمِير ركن الدّين بيبرس الموفقي. وَظهر بِالْقَاهِرَةِ رجل ادّعى أَنه الْمهْدي فعزر ثمَّ خلى عَنهُ. وفيهَا مَاتَ الْخَلِيفَة الإِمَام الْحَاكِم بِأَمْر الله أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد فِي ثامن عشر جُمَادَى الأولى. بمناظر الْكَبْش فَغسله الشَّيْخ كريم الدّين عبد الْكَرِيم الأبلي شيخ الشُّيُوخ بخانقاه سعيد السُّعَدَاء وَحضر الْأُمَرَاء وَالنَّاس جنَازَته وَصلى عَلَيْهِ بِجَامِع ابْن طولون وَدفن بجوار المشهد النفيسي. وَكَانَت خِلَافَته بِمصْر أَرْبَعِينَ سنة. وَترك من الْأَوْلَاد أَبَا الرّبيع سُلَيْمَان ولي عَهده وَإِبْرَاهِيم بن أبي عبد الله مُحَمَّد المستمسك بن الْحَاكِم أَحْمد. فأقيم بعده أَبُو الرّبيع وعمره عشرُون سنة ولقب المستكفي بِاللَّه وَكتب تَقْلِيده وَقُرِئَ بِحَضْرَة السُّلْطَان فِي يَوْم الْأَحَد عشرى جُمَادَى الأولى وَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وخطب لَهُ على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 عَادَة أَبِيه وَاسْتمرّ يركب مَعَ السُّلْطَان فِي اللّعب بالكرة وَيخرج مَعَه للصَّيْد وصارا كأخوين وَكَانَ الْحَاكِم قد عهد بالخلافة إِلَى ابْنه الْأَمِير أبي عبد الله مُحَمَّد ولقبه المستمسك بِاللَّه وَجعل أَبَا الرّبيع من بعده. فَمَاتَ المستمسك وَاشْتَدَّ حزن أَبِيه الْحَاكِم عَلَيْهِ فعهد لِابْنِهِ إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد المستمسك من بعده. فَلَمَّا مَاتَ الْحَاكِم لم يقدم بعده إِلَّا أَبَا الرّبيع وَترك إِبْرَاهِيم. وفيهَا كثر فَسَاد العربان بِالْوَجْهِ القبلي وتعدى شرهم فِي قطع الطَّرِيق إِلَى أَن فرضوا على التُّجَّار وأرباب المعايش بأسيوط ومنفلوط فَرَائض جبوها شبه الجمالية. واستخفوا بالولاة وَمنعُوا الْخراج وتسموا بأسماء الْأُمَرَاء وَجعلُوا لَهُم كبيرين أَحدهمَا سموهُ بيبرس وَالْآخر سلار ولبسوا الأسلحة وأخرجوا أهل السجون بِأَيْدِيهِم. فاستدعى االأمراء الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء واستفتوهم فِي قِتَالهمْ فأفتوهم بِجَوَاز ذَلِك. فاتفق الْأُمَرَاء على الْخُرُوج لقتالهم وَأخذ الطّرق عَلَيْهِم لِئَلَّا يمتنعوا بالجبال والمفاوز فَيفوت الْغَرَض فيهم فاستدعوا الْأَمِير نَاصِر مُحَمَّد بن الشيخي مُتَوَلِّي الجيزية - وَغَيره من وُلَاة الْعَمَل وتقدموا إِلَيْهِ بِمَنْع النَّاس بأسرهم من السّفر إِلَى وأشاع الْأُمَرَاء إِنَّهُم يُرِيدُونَ السّفر إِلَى الشَّام وكتبت أوراق الْأُمَرَاء الْمُسَافِرين وهم عشرُون مقدما بمضافيهم وعينوا أَرْبَعَة أَقسَام: قسم يتَوَجَّه فِي الْبر الغربي من النّيل وَقسم فِي الْبر الشَّرْقِي وَقسم يركب النّيل وَقسم يمضى فِي الطَّرِيق السالكة. وَتوجه الْأَمِير شمس الدّين سنقر الأعسر - وَقد قدم من الشَّام بعد عَزله من الوزارة واستقراره فِي جملَة الْأُمَرَاء المقدمين - إِلَى جِهَة أَلْوَاح فِي خَمْسَة أُمَرَاء وَقرر أَن يتَأَخَّر مَعَ السُّلْطَان أَرْبَعَة أُمَرَاء من المقدمين وَتقدم إِلَى كل من تعين لجِهَة أَن يضع السَّيْف فِي الْكَبِير وَالصَّغِير والجليل والحقير وَلَا يبقوا شَيخا وَلَا صَبيا ويحتاطوا على سَائِر الْأَمْوَال. وَسَار الْأَمِير سلار فِي رَابِع جُمَادَى الْآخِرَة وَمَعَهُ جمَاعَة من الْأُمَرَاء فِي الْبر الغربي وَسَار الْأَمِير بيبرس بِمن مَعَه فِي الحاجر فِي الْبر الغربي على طَرِيق الواحات وَسَار الْأَمِير بكتاش أَمِير سلَاح بِمن مَعَه إِلَى الفيوم وَسَار الْأَمِير بكتمر الجوكندار بِمن مَعَه فِي الْبر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 الشَّرْقِي وَسَار قتال السَّبع وبيبرس الدوادار وبلبان الغلشي وعرب الشرقية إِلَى السويس وَالطور وَسَار الْأَمِير قبجق وَمن مَعَه إِلَى عقبَة السَّيْل وَسَار طقصبا وَإِلَى قوص بعرب الطَّاعَة وَأخذ عَلَيْهِم المفازات. وَضرب الْأُمَرَاء على الْوَجْه القبلي حَلقَة كحلقة الصَّيْد وَفد عميت أخبارهم على أهل الصَّعِيد فطرقوا الْبِلَاد على حِين غَفلَة من أَهلهَا وَوَضَعُوا السَّيْف فِي الجيزية بِالْبرِّ الغربي والإطفيحية من الشرق فَلم يتْركُوا أحدا حَتَّى قَتَلُوهُ ووسطوا نَحْو عشرَة آلَاف رجل وَمَا مِنْهُم إِلَّا من أخذُوا مَاله وَسبوا حريمه فَإِذا ادّعى أحد إِنَّه حضري قيل لَهُ قل: دَقِيق فَإِن قَالَ بقاف الْعَرَب قتل. وَوَقع الرعب فِي قُلُوب العربان حَتَّى طبق عَلَيْهِم الْأُمَرَاء وأخذوهم من كل جِهَة فروا إِلَيْهَا وأخرجوهم من مخابئهم حَتَّى قتلوا من بجانبي النّيل إِلَى قوص وجافت الأَرْض بالقتلى. واختفى كثير مِنْهُم بمغائر الْجبَال فأوقدت عَلَيْهِم النيرَان حَتَّى هَلَكُوا عَن آخِرهم وَأسر مِنْهُم نَحْو ألف وسِتمِائَة لَهُم فلاحات وزروع وَحصل من أَمْوَالهم شَيْء عَظِيم جدا تفرقته الْأَيْدِي. وأحضر مِنْهُ للديوان سِتَّة عشر ألف رَأس من الْغنم من جملَة ثَمَانِينَ ألف رَأس مَا بَين ضَأْن وماعز وَنَحْو أَرْبَعَة آلَاف فرس واثنين وَثَلَاثِينَ ألف جمل وَثَمَانِية آلَاف رَأس من الْبَقر غير مَا أرصد فِي المعاصر وَمن السِّلَاح نَحْو مِائَتَيْنِ وَسِتِّينَ حملا مَا بَين سيوف ورماح وَمن الْأَمْوَال على بغال محملة مِائَتَيْنِ وَثَمَانِينَ بغلاً. وَصَارَ لِكَثْرَة مَا حصل للأجناد والغلمان والفقراء الَّذين اتبعُوا الْعَسْكَر يُبَاع الْكَبْش السمين من ثَلَاثَة دَرَاهِم إِلَى دِرْهَمَيْنِ والمعز بدرهم الرَّأْس والجزة الصُّوف بِنصْف دِرْهَم والكساء بِخَمْسَة دَرَاهِم والرطل السّمن بِربع دِرْهَم وَلم يُوجد من ثمَّ عَاد الْعَسْكَر فِي سادس عشر رَجَب وَقد خلت الْبِلَاد بِحَيْثُ كَانَ الرجل يمشي فَلَا يجد فِي طَرِيقه أحدا وَينزل بالقرية فَلَا يرى أَلا النِّسَاء وَالصبيان وَالصغَار فأفرجوا عَن المأسورين وأعادوهم لحفظ الْبِلَاد. وَكَانَ الزَّرْع فِي هَذِه السّنة بِالْوَجْهِ القبلي عَظِيما إِلَى الْغَايَة تحصل مِنْهُ مَا لم يقدر قدره كَثْرَة. وفيهَا قدم الْبَرِيد بِحُضُور عَلَاء الدّين بن شرف الدّين مُحَمَّد بن القلانسي إِلَى دمشق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 وصحبته شرف الدّين بن الْأَثِير فِي تَاسِع عشرى جُمَادَى الأولى من بِلَاد التتر وَكَانَا قد أخذا لما دخل التتر إِلَى بِلَاد الشَّام ففرا ولقيا مشقة زَائِدَة فِي طريقهما. وفيهَا ورد الْبَرِيد من حلب بِأَن تكفور متملك سيس منع الْحمل وَخرج عَن الطَّاعَة وانتمى لغازان فرسم بِخُرُوج الْعَسْكَر لمحاربته وَخرج الْأَمِير بدر الدّين بكتاش الفخري أَمِير سلَاح والأمير عز الدّين أيبك الخازندار بمضافيهما من الْأُمَرَاء والمفاردة فِي رَمَضَان وَسَارُوا إِلَى حماة فَتوجه مَعَهم الْعَادِل كتبغا فِي خَامِس عشرى شَوَّال وَقدمُوا حلب فِي أول ذِي الْقعدَة ورحلوا مِنْهَا فِي ثالثه ودخلوا دربند بغراس فِي سابعه. وانتشروا فِي بِلَاد سيس فحرقوا المزروع انتهبوا مَا قدرُوا عَلَيْهِ وحاصروا مَدِينَة سيس وغنموا من سفح قلعتها شيثاً كثيرا من جفال الأرمن وعادوا من الدربند إِلَى مرج أنطاكية. فقدموا حلب فِي تَاسِع عشره ونزلوا حماة فِي وفيهَا قدم الْبَرِيد من طرابلس بِأَن الفرنج أنشئوا جَزِيرَة تجاه طرابلس تعرف بجريرة أرواد وعمروها بِالْعدَدِ والآلات وَكثر فِيهَا جمعهم وصاروا يركبون الْبَحْر وَيَأْخُذُونَ المراكب فرسم للوزير بعمارة أَرْبَعَة شواني حربية فشرع فِي ذَلِك. وفيهَا ضرب عنق فتح الدّين أَحْمد البققي الحمري على الزندقة فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ رَابِع عشر ربيع الأول وَكَانَت الْبَيِّنَة قد قَامَت عَلَيْهِ قبل ذَلِك. مِمَّا يُوجب قَتله من النَّقْض بِالْقُرْآنِ وبالرسول وَتَحْلِيل الْمُحرمَات والاستهانة بالعلماء والقدح فيهم وَغير ذَلِك. وفيهَا أخرج الْأَمِير بكتمر الحسامي من الْأَمِير أخورية من حنق الْأُمَرَاء عَلَيْهِ فَإِنَّهُ أَكثر الْكَلَام مَعَ السُّلْطَان وَكَانَ غرضهم أَن السُّلْطَان لَا يتعرف بِهِ أحد. فَأَقَامَ الْأَمِير بكتمر معطلاً مُدَّة حمى وَفَاة مغلطاى التقوي أحد أُمَرَاء دمشق بهَا فَأخْرج على إقطاعه وَاسْتقر عوضه أَمِير أخور علم الدّين سنجر الصَّالِحِي. وفيهَا قدم الْبَرِيد من حماة بِوُقُوع مطر فِيمَا بَينهَا وَبَين حصن الأكراد عقبه قطع برد كبار فِي صُورَة الْآدَمِيّين من ذكر وَأُنْثَى وَفِيه شبه صُورَة القرود وَعمل بذلك مشروح. وَكثر بِدِمَشْق الْجَرَاد وَأكل أوراق الْأَشْجَار وفواكهها. وفيهَا أضيف إِلَى بدر الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة قَاضِي الْقُضَاة بِدِمَشْق مشيخة الشُّيُوخ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 348 بهَا بعد موت الْفَخر يُوسُف بن حمويه وفيهَا حج الْأَمِير بيبرس الجاشنكير وَمَعَهُ ثَلَاثُونَ أَمِيرا سَارُوا ركباً بمفردهم وَمن ورائهم بَقِيَّة الْحَاج فِي ركبين وأمير الْحَاج الْأَمِير بيبرس المنصوري الدوادار. وَخرج بيبرس الجاشنكير من الْقَاهِرَة أول ذِي الْقعدَة فَحَضَرَ إِلَيْهِ بِمَكَّة الشريفان عطفة وَأَبُو الْغَيْث من أَوْلَاد أبي نمى وشكيا من أخيهما أَسد الدّين رميثة وأخيه عز الدّين حميضة إنَّهُمَا وثبا بعد وَفَاة أَبِيهِم عَلَيْهِمَا واعتقلاهما ففرا من الاعتقال. فَقبض على رميثة وخميضة وحملا إِلَى الْقَاهِرَة وَاسْتقر عوضهما فِي إِمَارَة مَكَّة عطفة وَأَبُو الْغَيْث. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان مُسْند الْعَصْر شهَاب الدّين أَحْمد بن رفيع الدّين إِسْحَاق بن مُحَمَّد الْمُؤَيد الأبرقوهي بِمَكَّة فِي الْعشْرين من ذِي الْحجَّة عَن سبع وَثَمَانِينَ سنة ومولده سنة خمس عشرَة وسِتمِائَة بأبرقوه من شيراز. وَمَات الْحَافِظ شرف الدّين أَبُو الْحُسَيْن على ابْن الإِمَام عبد الله مُحَمَّد بن أبي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 الْحُسَيْن أَحْمد بن عبد الله بن عِيسَى بن أَحْمد بن اليونيني فِي يَوْم الْخَمِيس حادي عشرى رَمَضَان ببعلبك ومولده فِي حادي عشر رَجَب سنة إِحْدَى وعشرى ن وسِتمِائَة ببعلبك. وَمَات الْأَمِير علم الدّين سنجر أرجواش المنصوري نَائِب قلعة دمشق فِي ثَانِي عشرى ذِي الْحجَّة. وَمَات ضِيَاء الدّين أَحْمد بن الْحُسَيْن بن شيخ السلامية بِدِمَشْق فِي يَوْم الثُّلَاثَاء عشرى ذِي الْقعدَة وَهُوَ أَبُو قطب الدّين مُوسَى وفخر الدّين. وَمَات فتح الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد البققي الْحَمَوِيّ مقتولاً بِسيف الشَّرْع فِي رَابِع عشرى ربيع الأول وَرفع رَأسه على رمح وسحب بدنه إِلَى بَاب زويلة فصلب هُنَاكَ وَسبب ذَلِك إِنَّه كَانَ ذكياً حاد الخاطر لَهُ معرفَة بالأدب والعلوم الْقَدِيمَة فَحفِظت عَنهُ سقطات: مِنْهَا أَنه قَالَ: لَو كَانَ لصَاحب مقامات الحريري حَظّ لتليت مقاماته فِي المحاريب وَأَنه كَانَ يُنكر على من يَصُوم شهر رَمَضَان وَلَا يَصُوم هُوَ وَأَنه كَانَ إِذا تنَاول حَاجَة من الرف صعد بقدميه على الربعة وَكَانَ مَعَ ذَلِك جريئاً بِلِسَانِهِ مستخفاً بالقضاة يطنز بهم ويستجهلهم حَتَّى أَنه بحث مَعَ قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن دَقِيق الْعِيد مرّة وَكَأَنَّهُ لم يجبهُ فَقَامَ وَهُوَ يَقُول: وقف الْهوى يُرِيد قَول أبي الشيص الْخُزَاعِيّ: وقف الْهوى بِي حَيْثُ أَنْت فَلَيْسَ لي فِي متأخز عَنهُ وَلَا مُتَقَدم يعْنى أَن القَاضِي انْقَطع. فَقَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد لِلْفَتْحِ بن سيد النَّاس: يَا فتح الدّين عَقبي هَذَا الرجل إِلَى التّلف فَلم يتَأَخَّر ذَلِك سوى عشْرين يَوْمًا وَقتل فِي الْحَادِي وَالْعِشْرين مِنْهُ. ذَلِك أَنه أَكثر من الوقيعة فِي حق زين الدّين على بن مخلوف قَاضِي قُضَاة الْمَالِكِيَّة وتنقصه وسبه فَلَمَّا بلغه ذَلِك عَنهُ اشْتَدَّ حنقه وَقَامَ فِي أمره فتقرب النَّاس إِلَيْهِ بِالشَّهَادَةِ على ابْن البققي فاستدعاه وأحضر الشُّهُود فَشَهِدُوا وَحكم بقتْله وَأَرَادَ من ابْن دَقِيق الْعِيد تَنْفِيذ مَا حكم بِهِ فتوقف. وَقَامَ فِي مساعدة ابْن البققي نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الشيخي وَجَمَاعَة من الْكتاب وَأَرَادُوا إِثْبَات جنه ليعفى من الْقَتْل فصمم ابْن مخلوف على قَتله وَاجْتمعَ بالسلطان وَمَعَهُ قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين السرُوجِي الْحَنَفِيّ ومازالا بِهِ حَتَّى أذن فِي قَتله. فَنزلَا إِلَى الْمدرسَة الصالحية بَين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 350 القصرين ومعهما ابْن الشيخي والحاجب وأحضر ابْن البققي من السجْن فِي الْحَدِيد ليقْتل فَصَارَ يَصِيح وَيَقُول: أَتقْتلونَ رجلا أَن يَقُول رَبِّي الله ويتشهد فَلم يلتفتوا إِلَى ذَلِك وَضرب عُنُقه وطيف بِرَأْسِهِ على رمح وعلق جسده على بَاب زويلة. وَفِيه يَقُول شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد الْملك الأعزازي يحرض على قَتله وَكتب بهَا إِلَى ابْن دَقِيق الْعِيد: قل للْإِمَام الْعَادِل المرتضى وَكَاشف الْمُشكل والمبهم لاتمهل الكافرواعمل بِمَا قد جَاءَ فِي الْكَافِر عَن مُسلم يَا لابساً لي حلَّة من مكره بسلاسة نعمت كلمس الأرقم اعْتد لي زرداً تضايق نسجه وعَلى خرق عيونها بالأسهم فَلَمَّا وقف عَلَيْهِمَا القَاضِي الْمَالِكِي قَالَ: نرجو أَن الله لَا يمهله لذَلِك. وَمن شعره أَيْضا: جبلت على حبي لَهَا وألفته ولابدأن ألْقى بِهِ الله مُعْلنا وَلم يخل قلبِي من هَواهَا بقدرما أَقُول وقلبي خَالِيا فتمكنا وَمَات جمال الدّين عُثْمَان بن أَحْمد بن عُثْمَان بن هبة الله بن أبي الحوافز رَئِيس الْأَطِبَّاء فِي مستهل صفر ومولده سنة تسع وَعشْرين وسِتمِائَة. وَمَات الْأَمِير عَلَاء الدّين على التقوي أحد أُمَرَاء دمشق بهَا. وَمَات الشريف أَبُو نمى مُحَمَّد بن أبي سعد حسن بن على بن قَتَادَة بن إِدْرِيس بن مطاعن بن عبد الْكَرِيم بن عِيسَى بن حُسَيْن بن سُلَيْمَان بن على بن الْحسن بن على بن أبي طَالب أَمِير مَكَّة فِي يَوْم الْأَحَد رَابِع صفر وَقد أَقَامَ فِي الْإِمَارَة أَرْبَعِينَ سنة وَقدم الْقَاهِرَة مرَارًا وَكَانَ يُقَال لَوْلَا إِنَّه زيدي لصلح للخلافة لحسن صِفَاته. وَمَات مجد الدّين يُوسُف بن مُحَمَّد بن على بن القباقيبي الْأنْصَارِيّ موقع طرابلس وَله شعر وَمَات الْأَمِير عز الدّين النجيبي وَالِي الْبر بِدِمَشْق فِي سادس عشر ربيع الأول بِدِمَشْق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 351 وَمَات شمس الدّين سعيد بن مُحَمَّد بن سعيد بن الْأَثِير فِي سَابِع عشر ذِي الْقعدَة بِدِمَشْق وَكَانَ يكْتب الْإِنْشَاء بهَا. وَمَات بِدِمَشْق شيخ الخانكاة السميساطية وَهُوَ شيخ الشُّيُوخ شرف الدّين أبي بكر عبد الله بن تَاج الدّين أبي مُحَمَّد ابْن حمويه فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سَابِع عشر ربيع الأول وَاسْتقر عوضه قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة بِاتِّفَاق الصُّوفِيَّة. وَمَات الْأَمِير عَلَاء الدّين مغلطاى التقوي المنصوري أحد أُمَرَاء دمشق بهَا فِي رَابِع عشرى رَجَب فانعم بخبزه على الْأَمِير سيف الدّين بكتمر الحسامي أَمِير أخور. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 352 سنة اثْنَتَيْنِ وَسَبْعمائة فِي أول الْمحرم: قدم الْأَمِير بيبرس الجاشنكير من الْحجاز وَمَعَهُ الشريفان حميضة ورميثة فِي الْحَدِيد فسجنا. وَفِي ثامنه: قدمت رسل غازان بكتابه فأعيدوا بِالْجَوَابِ. وجهز الْأَمِير حسام الدّين ازدمر المجيري شمس الدّين مُحَمَّد التيتي وعماد الدّين على بن عبد الْعَزِيز بن السكرِي إِلَى غازان فِي عَاشر ربيع الأول. فَمَضَوْا واجتمعوا بِهِ فَمَنعهُمْ من الْعود بِسَبَب الْوَقْعَة الآتى ذكرهَا ولازالوا مقيمين حَتَّى هلك غازان فعادوا فِي أَيَّام خدا بندا. وَفِي محرم: تنجزت عمَارَة الشواني وجهزت بالمقاتلة والآلات مَعَ الْأَمِير جمال الدّين أقوش الْقَارِي العلائي وَالِي البهنسا. وَاجْتمعَ النَّاس لمشاهدة لعبهم فِي الْبَحْر فَركب أقوش فِي الشينى الْكَبِير وَانْحَدَرَ تجاه المقياس فَانْقَلَبَ مِمَّن فِيهِ يَوْم السبت ثَانِي عشره. وَكَانَ قد نزل السُّلْطَان والأمراء لمشاهدة ذَلِك وَاجْتمعَ من الْعَالم مَا لَا يحصيهم إِلَّا الله تَعَالَى وَبلغ كِرَاء الْمركب الَّذِي يحمل عشرَة أنفس إِلَى مائَة دِرْهَم امْتَلَأَ البران من بولاق إِلَى الصِّنَاعَة بِالنَّاسِ حَتَّى لم يُوجد مَوضِع قدم خَال. ووقف الْعَسْكَر على بر بُسْتَان الخشاب وَركب الْأُمَرَاء الحراريق إِلَى الرَّوْضَة. وبرزت الشواني للعب كَأَنَّهَا فِي الْحَرْب فلعب الأول وَالثَّانِي وَالثَّالِث واعجب النَّاس بذلك إعجاباً زَائِدا لِكَثْرَة مَا كَانَ فِيهَا من الْمُقَاتلَة والنفوط وآلالات الْحَرْب. ثمَّ تقدم الرَّابِع وَفِيه أقوش فَمَا هُوَ إِلَّا أَن خرج من منية الصِّنَاعَة. بِمصْر وتوسط النّيل إِذا بِالرِّيحِ حركه فَمَال بِهِ مَيْلَة وَاحِدَة انْقَلب وَصَارَ أَعْلَاهُ أَسْفَله فَصَرَخَ النَّاس صرخة وَاحِدَة كَادَت تسْقط مِنْهَا ذَات الْأَحْمَال وتكدر مَا كَانُوا فِيهِ من الصفو وتلاحق النَّاس بالشيني وأخرجوا مَا سقط مِنْهُ فِي المَاء فَلم يعْدم مِنْهُ سوى أقوش وَسلم الْجَمِيع وَعَاد السُّلْطَان والأمراء إِلَى القلعة وانفض الْجمع. وَبعد ثَلَاثَة أَيَّام أخرج الشيني فَإِذا امْرَأَة الرئيس وَابْنهَا وَهِي ترْضِعه فِي قيد الْحَيَاة فَاشْتَدَّ الْعجب من سلامتها طول هَذِه الْأَيَّام وَوَقع الْعَمَل فِي إِعَادَته حَتَّى تنجز وَندب الْأَمِير سيف الدّين كهرداش الزراق المنصوري للسَّفر عوضا عَن أقوش الْقَارِي فَسَار إِلَى طرابلس بالشواني واستجد مِنْهَا سِتِّينَ مُقَاتِلًا من المماليك سوى البحرية والمطوعة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 وَتوجه كهرداش إِلَى جَزِيرَة أرواد وهى بِقرب أنطرسوس وصبحهم فِي غَفلَة وأحاط بهم وَقَاتلهمْ سَاعَة فنصره الله عَلَيْهِم وَقتل مِنْهُم كثيرا وسألوا الْأمان فَأخذُوا أسرى فِي يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشرى صفر. وَاسْتولى كهرداش على سَائِر مَا عِنْدهم وَعَاد إِلَى طرابلس وَأخرج الْخمس من الْغَنَائِم لتحمل إِلَى السُّلْطَان وَقسم مَا بَقِي فَكَانَت عدَّة الأسرى مِائَتَيْنِ وَثَمَانِينَ. فَلَمَّا قدم الْبَرِيد من طرابلس بذلك دقَّتْ البشائر بالقلعة وَفِي يَوْم دق البشائر قدم الْأَمِير بدر الدّين بكتاش من غزَاة سيس. وَفِي هده السّنة: توفّي قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين أَبُو مُحَمَّد بن على بن وهب بن مُطِيع ابْن أبي الطَّاعَة الْقشيرِي المنفلوطي الْمَالِكِي الْمصْرِيّ بن دَقِيق الْعِيد وَكَانَ مولده فِي شعْبَان سنة خمس وَعشْرين وسِتمِائَة. وَلما مَاتَ تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن دَقِيق الْعِيد خرج الْبَرِيد إِلَى فِي دمشق بِطَلَب قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة فَقَدمهَا فِي سَابِع عشر صفر وَخرج بِهِ مِنْهَا فِي تَاسِع عشره. فوصل ابْن جمَاعَة إِلَى الْقَاهِرَة وخلع عَلَيْهِ يَوْم السبت رَابِع ربيع الأول وَاسْتقر فِي قَضَاء الْقُضَاة وَولي قَضَاء دمشق نجم الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن ابْن صصري وَاسْتقر بلبان الجوكندار نَائِب قلعة دمشق عوضا عَن أرجواش وَاسْتقر عوضه فِي شدّ الدَّوَاوِين بِدِمَشْق الْأَمِير بيبرس التلاوي. وَفِي رَابِع جُمَادَى الْآخِرَة: ظهر فِي النّيل دَابَّة لَوْنهَا كلون الجاموس بِغَيْر شعر وأذناها كأذن الْجمل وعيناها وفرجها مثل النَّاقة ويغطى فرجهَا ذَنْب طوله شبر وَنصف طرفه كذنب السّمك ورقبتها مثل ثخن التليس المحشو تبناً وفمها وشفتاها مثل الكربال وَلها أَرْبَعَة أَنْيَاب اثْنَان فَوق اثْنَيْنِ فِي طول نَحْو شبر وَعرض أصبعين وَفِي فمها ثَمَانِيَة وَأَرْبَعُونَ ضرساً وسناً مثل بيادق الشطرنج وَطول يَديهَا من بَاطِنهَا شبران وَنصف وَمن ركبتيها إِلَى حافرها مثل أظافر الْجمل وَعرض ظهرهَا قدر ذراعين وَنصف وَمن فمها إِلَى ذنبها خَمْسَة عشر قدماً وَفِي بَطنهَا ثَلَاثَة كروش ولحمها أَحْمَر لَهُ زفرَة السّمك وطعمه مثل لحم الْجمل وثخانة جلدهَا أَرْبَعَة أَصَابِع لَا تعْمل فِيهِ السيوف وَحمل جلدهَا على خَمْسَة جمال فِي مِقْدَار سَاعَة من ثقله فَكَانَ ينْقل من الْجمل إِلَى جمل وَقد حشي تبناً حَتَّى وصل إِلَى قلعة الْجَبَل. وَقدم الْبَرِيد من حلب بِأَن غازان على عزم الْحَرَكَة إِلَى الشَّام فَوَقع الِاتِّفَاق على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 خُرُوج الْعَسْكَر وَعين من الْأُمَرَاء بيبرس الجاشنكير وطغريل الإيغاني وكراي المنصوري وبيبرس الدوادار وسنقر شاه المنصوري وحسام الدّين لاجين الرُّومِي أستادار بمضافيهم وَثَلَاثَة آلَاف من الأجناد فَسَارُوا فِي ثامن عشر رَجَب. وتواترت الْأَخْبَار بنزول غازان على الْفُرَات وَوصل عسكره الرحبة وَأَرَادَ منازلتها بِنَفسِهِ. وَكَانَ النَّائِب بهَا الْأَمِير علم الدّين سنجر الغتمي فلاطفه وَخرج إِلَيْهِ بالإقامات وَقَالَ لَهُ: هَذَا الْمَكَان قريب المأخذ وَالْملك يقْصد المدن الْكَبَائِر فَإِذا ملكت الْبِلَاد الَّتِي هِيَ أمامك فَنحْن لَا نمتنع عَلَيْك حَتَّى كف عَنهُ وَرجع عابراً الْفُرَات بعد أَن أَخذ وَلَده ومملوكه رهنا على الْوَفَاء. وَبعث غازان قطلوشاه من أَصْحَابه على عَسَاكِر عَظِيمَة إِلَى الشَّام تبلغ ثَمَانِينَ ألفا وَكتب إِلَى الْأَمِير عز الدّين أيبك الأفرم نَائِب دمشق يرغبه فِي طَاعَته. وَأما الْعَسْكَر السلطاني ففد دخل الْأَمِير بيبرس الجاشنكير إِلَى دمشق بِمن مَعَه فِي نصف شعْبَان وَكتب يستحث السُّلْطَان على الْخُرُوج. وَأَقْبل النَّاس من حلب وحماة إِلَى دمشق خَائِفين من التتر فاستعد أهل دمشق للفرار وَلم يبْق إِلَّا خُرُوجهمْ فَنُوديَ بهَا من خرج حل مَاله وَدَمه. وَخرج الْأَمِير بهادرآص والأمير قطوبك المنصوري وأنص الجمدار على عَسْكَر إِلَى حماة وَلحق بهم عَسْكَر طرابلس وحمص فَاجْتمعُوا على حماة عِنْد الْعَادِل كتبغا. وَبلغ التتر ذَلِك فبعثوا طَائِفَة كَبِيرَة إِلَى القريتين فأوقعوا بالتركمان فَتوجه إِلَيْهِم أسندمر كرجي نَائِب طرابلس بهادر آص وكجكن وغرلوا العادلي وتمر الساقي وأنص الجمدار وَمُحَمّد بن قرا سنقر فِي ألف وخمسائة فَارس. فطرقوهم بِمَنْزِلَة عرض فِي حادي عشر شعْبَان على غَفلَة وافترقوا عَلَيْهِم أَربع فرق وقاتلوهم قتالًا شَدِيدا من نصف النَّهَار إِلَى الْعَصْر حَتَّى أفنوهم وَكَانُوا فِيمَا يُقَال نَحْو أَرْبَعَة آلَاف. وأنقذوا التراكمين بحريمهم وَأَوْلَادهمْ وهم نَحْو سِتَّة آلَاف أَسِير وَلم يفقد من الْعَسْكَر إِلَّا الْأَمِير أنص الجمدار المنصوري وَمُحَمّد بن باشقرد الناصري وَسِتَّة وَخمسين من الأجناد. وَعَاد من إنهزم إِلَى قطلوشاه وَقد أسر الْعَسْكَر مائَة وَثَمَانِينَ من التتر. وَكتب إِلَى السُّلْطَان بذلك ودقت البشائر بِدِمَشْق وَكَانَ قد خرج السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل ثَالِث شعْبَان وَمَعَهُ الْخَلِيفَة المستكفي بِاللَّه أَبُو الرّبيع سُلَيْمَان فِي عَسْكَر كثير واستناب بديار مصر عز الدّين أيبك الْبَغْدَادِيّ. وَكَانَ التتر الَّذين عَادوا منهزمين إِلَى قطلوشاه قد أخبروا أَن السُّلْطَان لم يخرج من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 355 الديار المصرية وَأَن لَيْسَ بِالشَّام غير الْعَسْكَر الشَّامي فجد قطلوشاه فِي السّير بجموع التتر حَتَّى نزل على قُرُون حماة فِي ثَالِث عشريه فاندفعت العساكر بَين يَدَيْهِ إِلَى دمشق وَركب الْعَادِل كتبغا فِي محفة لضَعْفه فَاجْتمع الْكل بِدِمَشْق. وَاخْتلف رَأْيهمْ فِي الْخُرُوج إِلَى لِقَاء الْعَدو أَو انْتِظَار قدوم السُّلْطَان ثمَّ خَشوا من مفاجأة الْعَدو فَنَادوا بالرحيل وركبوا أول رَمَضَان. فاضطربت دمشق بِأَهْلِهَا وَأخذُوا فِي الرحيل مِنْهَا على وُجُوههم واشتروا الْحمار بستمائة دِرْهَم والجمل بِأَلف دِرْهَم وَترك كثير مِنْهُم حرمه وَأَوْلَاده وَنَجَا بِنَفسِهِ إِلَى القلعة فَلم يَأْتِ اللَّيْل إِلَّا والنوادب فِي سَائِر نواحي الْمَدِينَة. وَسَار الْعَسْكَر مخفاً إِلَى لِقَاء الْعَدو وَبَات النَّاس بِدِمَشْق فِي الْجَامِع يضجون بِالدُّعَاءِ إِلَى الله فَلَمَّا أَصْبحُوا رَحل التتر عَن دمشق بعد أَن نزلُوا بالغوطة. وَبلغ الْأُمَرَاء قدوم السُّلْطَان فتوجهوا إِلَيْهِ من مرج راهط فَلَقوهُ على عقبَة شجورا فِي يَوْم السبت ثَانِي رَمَضَان وقبلوا لَهُ الأَرْض. فورد عِنْد لقائهم بِهِ الْخَبَر بوصول التتر فِي خمسين الْفَا مَعَ قطلوشاه نَائِب غازان. فَلبس الْعَسْكَر بأجمعه السِّلَاح وَاتَّفَقُوا على الْمُحَاربَة بشقحب تَحت جبل غباغب وَكَانَ قطلوشاه قد وقف على أَعلَى النَّهر. فَوقف فِي الْقلب السُّلْطَان وبجانبه الْخَلِيفَة والأمير سلار النَّائِب والأمير بيبرس الجاشنكير وَعز الدّين أيبك الخازندار وَسيف الدّين بكتمر أَمِير جاندار وجمال الدّين أقوش الأفرم نَائِب الشَّام وبرلغي وايبك الْحَمَوِيّ وبكتمر البوبكري وقطلوبك ونوغاي السِّلَاح دَار وأغرلوا الزيني وَفِي الميمنة الحسام لاجين أستادار ومبارز الدّين سوار أَمِير شكار ويعقوبا الشهرزوري ومبارز الدّين أوليا بن قرمان وَفِي الْجنَاح الْأَيْمن الْأَمِير قبجق بعساكر حماة والعربان وَفِي الميسرة الْأَمِير بدر الدّين بكتاش الفخري أَمِير السِّلَاح والامير قرا سنفر بعساكر حلب والأمير بدخاص نَائِب صفد وطغريل الإيغاني وبكتمر السِّلَاح دَار وبيبرس الدوادار بمضافيهم. وَمَشى السُّلْطَان والخليفة بجانبه ومعهما الْقُرَّاء يَتلون الْقُرْآن ويحثون على الْجِهَاد ويشوقون إِلَى الْجنَّة وَصَارَ السُّلْطَان يقف وَيَقُول الْخَلِيفَة: يَا مجاهدون لَا تنظروا لسلطانكم قَاتلُوا عَن حريمكم وعَلى دين نَبِيكُم صلى اله عَلَيْهِ وَسلم وَالنَّاس فِي بكاء شَدِيد وَمِنْهُم من سقط عَن فرسه إِلَى الأَرْض وَتوَاصى بيبرس وسلار على الثَّبَات فِي الْجِهَاد. وَعَاد السُّلْطَان إِلَى موقفه ووقف الغلمان وَالْجمال وَرَاء الْعَسْكَر صفا وَاحِدًا وَقيل لَهُم: من خرج من الأجناد عَن المصاف فَاقْتُلُوهُ وَلكم سلاحه وفرسه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 356 فَلَمَّا تمّ التَّرْتِيب زحفت كراديس التتار كَقطع اللَّيْل بعد الظّهْر من يَوْم السبت الْمَذْكُور وَأَقْبل قطلوشاه بِمن مَعَه من التوامين وحملوا على الميمنة وقاتلوها فثبتت لَهُم وقاتلتهم قتالاً شَدِيدا وَقتل الحسام لاجين أستادار وأوليا بن قرمان وسنقر الكافري وأيدمر الشمسي القشاش وأقوش الشمسي الْحَاجِب والحسام على بن باخل نَحْو الْألف فَارس. فأدركهم الْأُمَرَاء من الْقلب وَمن الميسرة وَصَاح سلار: هلك وَالله أهل الْإِسْلَام وصرخ فِي بيبرس والبرجية فَأتوهُ وصدم بهم قطلوشاه وأبلى ذَلِك الْيَوْم هُوَ وبيبرس بلَاء عَظِيما إِلَى أَن كشفا التتار عَن الْمُسلمين. وَكَانَ جوبان بن تداون وقرمجي بن الناق وهما من توامين التتار قد ساقا تَقْوِيَة لبولاي وَهُوَ خلف الْمُسلمين فَلَمَّا عاينا الكسرة على قطلوشاه أَتَيَاهُ ووقفا فِي وَجه سلار وبيبرس. فَخرج من أُمَرَاء السُّلْطَان أسندمر وقطلوبك وقبجق والمماليك السُّلْطَانِيَّة إِعَانَة لبيبرس وسلار فتمكنوا من الْعَدو وهزموه فَمَال التتر على برلغي حَتَّى مزقوه واستمرت الْحَرْب بَين سلار وَمن وَكَانَت الْأُمَرَاء لما قتلت بالميمنة إنهزم من كَانَ مَعَهم وَمَرَّتْ التتر خَلفهم فجفل النَّاس وظنوا إِنَّهَا كسرة. وَأَقْبل السوَاد الْأَعْظَم على الخزائن السُّلْطَانِيَّة فكسروها ونهبوا مَا بهَا من الْأَمْوَال وجفل النِّسَاء والأطفال وَكَانُوا قد خَرجُوا من دمشق عِنْد خُرُوج الْأُمَرَاء مِنْهَا وكشف النِّسَاء عَن وجوههن وأسبلن الشُّعُور وضج ذَاك الْجمع الْعَظِيم بِالدُّعَاءِ وَقد كَادَت الْعُقُول أَن تطيش وَتذهب عِنْد مُشَاهدَة الْهَزِيمَة فَلم ير شَيْء أعظم منْظرًا من ذَلِك الْوَقْت إِلَى أَن وقف كل من الطَّائِفَتَيْنِ عَن الْقِتَال. وَمَال قطلوشاه بِمن مَعَه إِلَى جبل قريب مِنْهُ وَصعد عَلَيْهِ وَفِي نَفسه إِنَّه انتصر وَأَن بولاي فِي أثر المنهزمين يطلبهم. فَلَمَّا صعد الْجَبَل نظر السهل والوعر كُله عَسَاكِر والميسرة السُّلْطَانِيَّة ثَابِتَة واعلامها تخفق فبهت وتحير وَاسْتمرّ بموضعه حَتَّى كمل مَعَه جمعه وَأَتَاهُ من كَانَ خلف المنهزمين من الميمنة السُّلْطَانِيَّة وَمَعَهُمْ عدَّة من الْمُسلمين قد أسروهم مِنْهُم الْأَمِير عز الدّين أيدمر نقيب المماليك السُّلْطَانِيَّة. فَأحْضرهُ قطلوشاه وَسَأَلَهُ: من أَيْن أَنْت فَقَالَ: من أُمَرَاء مصر وَأخْبرهُ بقدوم السُّلْطَان وَلم يعلم قطلوشاه بقدوم السُّلْطَان بعساكر مصر إِلَّا مِنْهُ. فَجمع قطلوشاه أَصْحَابه وشاورهم فِيمَا يفعل وَإِذا بكوسات السُّلْطَان والأمراء والبوقات قد رجفت بحسها الأَرْض وأزعجت الْقُلُوب فَلم يثبت بولاي أحد مقدمي التتر وَخرج من تجاهقطلوشاه فِي نَحْو الْعشْرين ألفا وَنزل من الْجَبَل بعد الْمغرب وفر هَارِبا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 357 وَبَات السُّلْطَان وَسَائِر العساكر على ظُهُور خيولها والطبول تضرب وتلاحق بِهِ من إنهزم شَيْئا بعد شَيْء وهم يقصدون ضرب الطبول السُّلْطَانِيَّة والكوسات الحربية. وأحاط عَسْكَر السُّلْطَان بِالْجَبَلِ الَّذِي بَات عَلَيْهِ التتار وَصَارَ بيبرس وسلار وقبجق والأمراء الأكابر فِي طول اللَّيْل دائرين على الْأُمَرَاء والأجناد يرصونهم ويرتبونهم ويكثرون من التَّأْكِيد عَلَيْهِم فِي التيقظ وَأخذ الأهبة. فَمَا طلع الْفجْر يَوْم الْأَحَد إِلَّا وَقد اجْتمع كل عَسَاكِر السُّلْطَان ووقف كل أحد فِي مصافه مَعَ أَصْحَابه والجفل والأثقال قد وقفُوا على بعد وَكَانَت رُؤْيَتهمْ تذهل وثبتوا على ذَلِك حَتَّى ارْتَفَعت الشَّمْس. وَشرع قطلوشاه فِي تَرْتِيب من مَعَه ونزلوا مشَاة وفرسان وقاتلوا العساكر. فبرزت المماليك السُّلْطَانِيَّة بمقدميها إِلَى قطلوشاه وجوبان وَعمِلُوا فيهم عملا عَظِيما: تَارَة يرمونهم بِالسِّهَامِ وَتارَة يهاجمونهم واشتغل الْأُمَرَاء بِقِتَال من فِي جهتهم وصاروا يتناولون الْقِتَال أَمِيرا بعد أَمِير. وألحت المماليك السُّلْطَانِيَّة فِي الْقِتَال واستقتلوا حَتَّى أَن فيهم من قتل تَحْتَهُ الثَّلَاثَة أرؤس من الْخَيل. ومازال الْأُمَرَاء على ذَلِك حَتَّى انتصف نَهَار يَوْم الْأَحَد وَصعد قطلوشاه الْجَبَل وَقد قتل مِنْهُ نَحْو ثَمَانِينَ رجلا وجرح الْكثير وَاشْتَدَّ عطشهم. وَاتفقَ أَن بعض من أسروه نزل إِلَى السُّلْطَان وعرفه أَن التتار قد أَجمعُوا على النُّزُول فِي السحر ومصادمة الْجَيْش وَأَنَّهُمْ فِي شدَّة من الْعَطش. فَاقْتضى الرَّأْي أَن يفرج لَهُم عِنْد نزولهم ثمَّ يركب الْجَيْش أقفيتهم. فَلَمَّا باتوا على ذَلِك وَأصْبح نَهَار يَوْم الْإِثْنَيْنِ ركب التتار فِي الرَّابِعَة ونزلوا من الْجَبَل فَلم يتَعَرَّض لَهُم أحد. وَسَارُوا إِلَى النَّهر فاقتحموه وَعند ذَلِك ركبهمْ بلَاء الله من الْمُسلمين وأيدهم بنصره حَتَّى حصدوا رُؤُوس التتار عَن أبدانهم ومروا فِي أَثَرهم إِلَى وَقت الْعَصْر وعادوا إِلَى السُّلْطَان. فسرحت الطُّيُور بالنصر إِلَى غَزَّة وَمنع المنهزمون من التَّوَجُّه إِلَى مصر وتتبع من نهب الخزائن السُّلْطَانِيَّة والاحتفاظ بِهِ. وَعين الْأَمِير بدر الدّين بكتوت الفتاح للمسير بالبشارة إِلَى مصر وَسَار من وقته وَكتب إِلَى دمشق وَسَائِر القلاع بالبشارة. ثمَّ ركب السُّلْطَان فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ من مَكَان الْوَاقِعَة وَبَات ليلته بالكسوة وَأصْبح يَوْم الثلائاء خَامِس الشَّهْر وَقد خرج إِلَيْهِ أهل دمشق فَسَار إِلَيْهَا - وَمَعَهُ الْخَلِيفَة - فِي عَالم من الفرسان والعامة والأعيان وَالنِّسَاء وَالصبيان لَا يحصيهم إِلَّا من خلقهمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 358 سُبْحَانَهُ وهم يضجون بِالدُّعَاءِ والهناء. وتساقطت عبرات النَّاس ودقت البشائر وَكَانَ يَوْمًا لم يُشَاهد مثله إِلَى أَن نزل السُّلْطَان بِالْقصرِ الأبلق وَنزل الْخَلِيفَة بالتربة الناصرية وَقد زينت الْمَدِينَة. وَاسْتمرّ الْأُمَرَاء فِي أثر التتار إِلَى القريتين وَقد كلت خُيُول التتر وضعفت نُفُوسهم وألقوا أسلحتهم واستسلموا للْقَتْل والعساكر تقتلهم بِغَيْر مدافعة حَتَّى أَن أراذل الْعَامَّة والغلمان قتلوا مِنْهُم خلقا كثيرا وغنموا عدَّة غَنَائِم وَقتل الْوَاحِد من الْعَسْكَر الْعشْرين من التتر فَمَا فَوْقهَا. وَأدْركت عربان الْبِلَاد التتار وَأخذُوا فِي كيدهم: فيجىء مِنْهُم الِاثْنَان وَالثَّلَاثَة إِلَى الْعدة الْكَثِيرَة من التتار كَأَنَّهُمْ يَسِيرُونَ بهم فِي الْبر من طَرِيق قريبَة إِلَى اللَّيْل ثمَّ يَدعُونَهُمْ وينصرفون فتتحير التتر فِي الْبَريَّة وتصبح فتموت عطشاً. وَفِيهِمْ من فر إِلَى غوطة دمشق فتتبعتهم النَّاس وَقتلُوا مِنْهُم خلقا كثيرا. وَخرج وَإِلَى الْبر حَتَّى جمع من اسْتشْهد من الْمُسلمين ودفنهم فِي مَوضِع وَاحِد بِغَيْر غسل وَلَا كفن وَبنى عَلَيْهِم قبَّة. وتتبع نَائِب غَزَّة من إنهزم من الْعَسْكَر وَأَخذهم وفتشهم فظفر مِنْهُم بِجَمَاعَة مَعَهم الأكياس المَال بختمها. ووقف الْأَمِير علم الدّين سنجر الجاولي بطرِيق دمشق وَمَعَهُ الْخزَّان وشهود الخزانة وَأخذ الغلمان فظفر مِنْهُم بِشَيْء كثير مِمَّا نهبوه وعوقب جمَاعَة بِسَبَب ذَلِك. ومازال الْأَمر يشْتَد فِي الطّلب حَتَّى تحصل أَكثر مَا نهب من الخزائن وَلم يفقد مِنْهُ إِلَّا الْقَلِيل. وَشَمل السُّلْطَان الْأُمَرَاء بِالْخلْعِ والأنعام وَحضر الْأَمِير سيف الدّين برلغي - وَقد إنهزم فِيمَن إنهزم - فَلم يَأْذَن لَهُ السُّلْطَان فِي الدُّخُول عَلَيْهِ وَقَالَ: بِأَيّ وَجه يدْخل على أَو ينظر فِي وَجْهي فمازال بِهِ الْأُمَرَاء حَتَّى رَضِي عَنهُ وَأذن فِي دُخُوله فَقبل الأَرْض. وَقبض على رجل من أُمَرَاء حلب كَانَ قد انْتَمَى إِلَى التتار وَصَارَ يَد لَهُم على الطرقات فسمر على جمل وَشهر بِدِمَشْق وضواحيها. وَاسْتمرّ النَّاس طول شهر رَمَضَان فِي مسرات تتجدد وَصلى السُّلْطَان صَلَاة عيد الْفطر وَخرج من دمشق فِي ثَالِث شَوَّال يُرِيد مصر. وَأما التتار فَإِنَّهُ قتل أَكْثَرهم حَتَّى لم يعبر قطلوشاه الْفُرَات إِلَّا فِي قَلِيل من أَصْحَابه. وَوصل خبر كَسرته إِلَى همذان فَوَقَعت الصرخات فِي بِلَادهمْ وَخرج أهل توريز وَغَيرهَا إِلَى الْقُدس واستعلام خبر من فقد مِنْهُم فأقامت النِّيَاحَة فِي توريز شَهْرَيْن على الْقَتْلَى. وَبلغ الْخَبَر غازان فَاغْتَمَّ غماً عَظِيما - وَخرج من مَنْخرَيْهِ دم كثير حَتَّى أشفى على الْمَوْت واحتجب حَتَّى عَن الخواتين - فَإِنَّهُ لم يصل إِلَيْهِ من كل عشرَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359 وَاحِد فارتج الأردوا بِمن فِيهِ. ثمَّ جلس غازان وأوقف قطلوشاه وجوبان وسوتاي وَمن كَانَ مَعَهم من الْأُمَرَاء وَأنكر على قطلوشاه وَأمر بقتْله فمازالوا بِهِ حَتَّى عُفيَ عَنهُ من الْقَتْل وأبعده من قدامه حَتَّى صَار على مَسَافَة كَبِيرَة بِحَيْثُ يرَاهُ وَقَامَ إِلَيْهِ - وَقد مسكه الْحجاب - سَائِر من حضر وهم خلق كثير جدا وَصَارَ كل مِنْهُم فِي وَجهه حَتَّى بَصق الْجَمِيع ثمَّ أبعده عَنهُ إِلَى كيلان. وَضرب غازان بولاي عدَّة عصي وأهانه. وَقد ذكر الشُّعَرَاء وقْعَة التتر هده فَأَكْثرُوا. وَسَار السُّلْطَان من دمشق فِي يَوْم الثُّلَاثَاء من شَوَّال وَوصل إِلَى الْقَاهِرَة ودخلها فِي ثَالِث وَالْعِشْرين مِنْهُ. وَكَانَ قدم بكتوت الفتاح إِلَى الْقَاهِرَة يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامن شهر رَمَضَان فرسم بزينة الْقَاهِرَة من بَاب النَّصْر إِلَى بَاب السلسة من القلعة وَكتب بإحصار سَائِر مغاني الْعَرَب من أَعمال مصر كلهَا. واستمرت الزِّينَة من بعد وُصُول الْأَمِير بكتوت الفتاح بِكِتَاب الْبشَارَة إِلَى أَن قدم السُّلْطَان وَبعد ذَلِك بأيام وَكَانَ قبل قدوم بكتوت الفتاح قد وَقعت بطاقة من قطيا بِخَبَر الْبشَارَة وَتَأَخر الفتاح لوجع يَده فقلق النَّاس وغلقت الْأَسْوَاق وأبيع الْخبز أَرْبَعَة أَرْطَال بدرهم والراوية المَاء بأَرْبعَة دَرَاهِم. فَلَمَّا قدم خرج النَّاس إِلَى لِقَائِه وَكَانَ يَوْمًا عَظِيما وتفاخر النَّاس فِي الزِّينَة ونصبوا القلاع واقتسمت أستادارية الْأُمَرَاء شَارِع الْقَاهِرَة إِلَى القلعة ورتبوا مَا يخص كل وَاحِد مِنْهُم وَعمِلُوا بِهِ قلعة بِحَيْثُ نُودي من اسْتعْمل صانعاً فِي غير عمل القلاع كَانَت عَلَيْهِ جِنَايَة للسُّلْطَان وتحسن سعر الخثسب والقصب وآلات النجارة. وَتَفَاخَرُوا فِي تَزْيِين القلاع وَأَقْبل أهل الرِّيف إِلَى الْقَاهِرَة للفرحة على قدوم السُّلْطَان وعَلى الزِّينَة فَإِن النَّاس أخرجُوا الْحلِيّ والجواهر واللآلى وأنواع الْحَرِير فزينوا بذلك. وَلم يَنْسَلِخ شهر رَمَضَان حَتَّى تهَيَّأ أَمر القلاع وَعمل نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الشيخي الْوَالِي قلعة بِبَاب النَّصْر فِيهَا سَائِر أَنْوَاع الْجد والهزل وَنصب عدَّة أحواض ملأها بالسكر والليمون وأوقف مماليكه بشربات حَتَّى يسقوا الْعَسْكَر. فَقدم السُّلْطَان فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشرى شَوَّال وَقد خرج النَّاس إِلَى لِقَائِه وبلع كِرَاء الْبَيْت الَّذِي يمر عَلَيْهِ من خمسين درهما إِلَى مائَة دِرْهَم. فَلَمَّا وصل السُّلْطَان بَاب النَّصْر ترجل سَائِر الْأُمَرَاء وَأول من ترجل مِنْهُم الْأَمِير بدر الدّين بكتاش أَمِير سلَاح وَأخذ سلَاح السُّلْطَان. فَأمره السُّلْطَان أَن يركب لكبر سنه وَيحمل السِّلَاح خَلفه فَامْتنعَ وَمَشى وَحمل الْأَمِير مبارز الدّين سوار الرُّومِي أَمِير شكار الْقبَّة وَالطير وَحمل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 360 الْأَمِير بكتمر أَمِير جاندار العصي والأمير سنجر الجمقدار الدبوس. وَمَشى كل أَمِير فِي مَنْزِلَته وفرش كل مِنْهُم الشقق من قلعته إِلَى قلعة غَيره فَكَانَ السُّلْطَان إِذا تجَاوز قلعة فرشت القلعة الْمُجَاورَة لَهَا الشقق حَتَّى يمشي عَلَيْهَا بفرسه مشياً هيناً لأجل مَشى الْأُمَرَاء بَين يَدَيْهِ وَكلما رأى قلعة أَمِير أمسك عَن الْمَشْي حَتَّى يعاينها وَيعرف مَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ هُوَ والأمراء. هَذَا والأسرى من التتار بَين يَدَيْهِ مقيدون ورؤوس من قتل مِنْهُم معلقَة فِي رقابهم وَألف رَأس على ألف رمح وعدة الأسرى ألف وسِتمِائَة فِي أعناقها ألف وسِتمِائَة رَأس وطبولهم قدامهم مخرقة. وَكَانَت القلاع الَّتِي نصبت قلعة الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الشيخي بجوار بَاب النَّصْر وتليها قلعة الْأَمِير عَلَاء الدّين مغلطاي بن أَمِير مجْلِس وَبعده ابْن أيتمش السَّعْدِيّ ثمَّ الْأَمِير علم الدّين سنجر الجاولي وَبعده الْأَمِير طغريل الإيغاني ثمَّ بهادر اليوسفي ثمَّ سودى ثمَّ بيليك الخطيري ثمَّ برلغي ثمَّ مبارز الدّين أَمِير شكار ثمَّ أيبك الخازندار ثمَّ سنقر الأعسر ثمَّ بيبرس الدوادار ثمَّ سنقر الكمالي ثمَّ مُوسَى بن الْملك الصَّالح ثمَّ سيف الدّين آل ملك ثمَّ علم الدّين الصوابي ثمَّ جمال الدّين الطشلاقي ثمَّ سيف الدّين أَدَم ثمَّ الْأَمِير سلار النَّائِب ثمَّ بيبرس الجاشنكير ثمَّ بكتاش أَمِير سلَاح ثمَّ الطواشي مرشد الخازندار - وقلعته على بَاب الْمدرسَة المنصورية - وَبعده بكتمر أَمِير جندار ثمَّ أيبك الْبَغْدَادِيّ نَائِب الْغَيْبَة ثمَّ ابْن أَمِير سلَاح ثمَّ بكتوت الفتاحي ثمَّ تباكر التغريلي ثمَّ قلى السلحدار ثمَّ بكتمر السِّلَاح دَار ثمَّ لاجين زيرباج الجاشنكير ثمَّ طيبرس الخازنداري نقيب الْجَيْش ثمَّ بلبان طرنا وَبعده سنقر العلائي ثمَّ بهاء الدّين يعقوبا ثمَّ الأبو بكري ثمَّ بهادر الْعزي وكوكاي بعده ثمَّ قرا لاجين ثمَّ كراي المنصوري ثمَّ جمال الدّين أقوش قتال السَّبع - وقلعته على بَاب زويلة. واتصلت القلاع من بَاب زويلة إِلَى بَاب السلسلة وَإِلَى بَاب القلعة وَبَاب الْقلَّة وعندما وصل السُّلْطَان إِلَى بَاب المارستان نزل وَصعد إِلَى قبر أَبِيه وَقَرَأَ الْقُرَّاء قدامه. ثمَّ ركب إِلَى بَاب زويلة ووقف حَتَّى أركب الْأَمِير بدر الدّين بكتاش أَمِير سلَاح خَلفه وَبِيَدِهِ السِّلَاح. وَسَار على الشقق الْحَرِير إِلَى دَاخل القلعة والتهاني فِي دور السُّلْطَان والأمراء وَغَيرهم وَكَانَ يَوْمًا عَظِيما إِلَى الْغَايَة. فَلَمَّا اسْتَقر السُّلْطَان بالقلعة أنعم على الْأَمِير برلغي بِثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم وَاسْتقر أَمِير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 361 الركب وَقدم لَهُ الْأُمَرَاء شيثاً كثيرا وَكتب على يَده: إِلَى أبي الْغَيْث وأخيه أَمِيري مَكَّة أَلا يمكنوا من الْأَذَان بحي على خير الْعَمَل وَلَا يتَقَدَّم فِي الْحرم إِمَام زيدي وَألا يرْبط الْحَاج حَتَّى يقبضوا على مَا كَانَ فِي الْكَعْبَة مِمَّا سموهُ العروة الوثقي وَلَا يُمكن أحد من مس المسمار الَّذِي كَانَ فِي الْكَعْبَة. وَكَانَ يحصل من التَّعَلُّق بالعروة الوثقي وَمن التسلق إِلَى المسمار عدَّة مفاسد قبيحة فَترك ذَلِك كُله بسفارة الْأَمِير بيبرس وَترك الْأَذَان بحي على خير الْعَمَل من مَكَّة وَلم يتَقَدَّم من حِينَئِذٍ إِمَام زيدي للصَّلَاة بِالْحرم. (وَفِي هده السّنة) بنابلس صَامَ الْحَنَابِلَة شهر رَمَضَان على عَادَتهم بِالِاحْتِيَاطِ واستكمل الشَّافِعِيَّة وَغَيرهم شعْبَان وصاموا. فَلَمَّا أتم الْحَنَابِلَة ثَلَاثِينَ يَوْمًا أفطروا وعيدوا وصلوا صَلَاة الْعِيد وَلم ير الْهلَال. فصَام الشَّافِعِيَّة وَالْجُمْهُور ذَلِك النَّهَار وَأَصْبحُوا فافطروا وعيدوا وصلوا صَلَاة الْعِيد. فَأنْكر نَائِب الشَّام على مُتَوَلِّي نابلس كَيفَ لم يجْتَمع النَّاس على يَوْم وَاحِد وَلم يسمع. بِمثل هَذِه الْوَاقِعَة. وَاتفقَ أَيْضا أَن أهل مَدِينَة غرناطة بالأندلس صَامُوا شهر رَمَضَان سِتَّة وَعشْرين يَوْمًا وَذَلِكَ أَن الغيوم تراكمت عِنْدهم عدَّة أشهر قبل رَمَضَان فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة السَّابِع وَالْعِشْرين طلعوا المأذنة ليقدوها على الْعَادة فَإِذا الغيوم قد أقلعت وَظهر الْهلَال فافطروا. وفيهَا سخط الْأَمِير بيبرس الجاشنكير على كَاتبه الْمعلم الْمَنَاوِيّ من أجل فراره إِلَى غَزَّة فِي وَقت الْوَاقِعَة وَطلب أَبَا الْفَضَائِل أكْرم النَّصْرَانِي كَاتب الْحَوَائِج خاناه وألزمه حَتَّى أسلم وخلع عَلَيْهِ وَأقرهُ فِي ديوانه فزادت رتبته حَتَّى صَار إِلَى مَا يَأْتِي ذكره أَن شَاءَ الله وَعرف بكريم الدّين الْكَبِير. وفيهَا قَامَ الْأَمِير بيبرس الجاشنكير فِي إبِْطَال عيد الشَّهِيد بِمصْر: وَذَلِكَ أَن النَّصَارَى كَانَ عِنْدهم تَابُوت فِيهِ إِصْبَع يَزْعمُونَ إِنَّه أصْبع بعض شهدائهم وَأَن النّيل لَا يزِيد مَا لم يرم فِيهِ التابوت فتجتمع نَصَارَى أَرض مصر من سَائِر الْجِهَات إِلَى نَاحيَة شبْرًا وَيخرج أهل الْقَاهِرَة ومصر وتركب النَّصَارَى الْخُيُول للعب ويمتلي الْبر بالخيم وَالْبَحْر بالمراكب المشحونة بِالنَّاسِ وَلَا يبْقى صَاحب غناء وَلَا لَهو حَتَّى يحضر وتتبرج زواني سَائِر الْبِلَاد. وَيُبَاع فِي ذَلِك الْيَوْم من الْخمر بِنَحْوِ مائَة ألف دِرْهَم حَتَّى إِنَّه فِي سنة بَاعَ رجل نَصْرَانِيّ بمائتين وَعشْرين ألف دِرْهَم خمرًا فَكَانَ أهل شبْرًا يُوفونَ الْخراج من مِمَّن الْخمر وتثور فِي هَذَا الْيَوْم الْفِتَن وَيقتل عدَّة قَتْلَى فَأمر الْأَمِير بيبرس بِإِبْطَال ذَلِك وَألا يرْمى التابوت فِي النّيل وَأخرج الْحجاب وَالْوَلِيّ حَتَّى منعُوا النَّاس من الِاجْتِمَاع بعد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 362 أَن كتب إِلَى جَمِيع الْوُلَاة بالنداء إِلَّا يحرج أحد إِلَى عمل عيد الشَّهِيد. فشق ذَلِك على النَّصَارَى واجتمعوا مَعَ الأقباط الَّذين أظهرُوا الْإِسْلَام وصاروا إِلَى التَّاج بن سعيد الدولة لتمكنه من الْأَمِير بيبرس فَصَارَ إِلَيْهِ وخيله من انكسار الْخراج بِإِبْطَال الْعِيد وَمن عدم طُلُوع النّيل فَلم يلْتَفت إِلَيْهِ وصمم على إِبْطَاله فَبَطل. وفيهَا جهز صَاحب سيس مراكب إِلَى نَحْو قبرص فِيهَا بضائع قيمتهَا قريب من مائَة ألف دِينَار فألقاها الرّيح على مينة دمياط فَأخذت برمتها. وفيهَا قدم الْخَبَر بقحط بِلَاد تقطاي مُدَّة ثَلَاث سِنِين ثمَّ أعقبه موتان فِي الْخَيل وَالْغنم حَتَّى فنيت وَلم يبْق عِنْدهم مَا يُؤْكَل فباعوا أَوْلَادهم وأقاربهم للتجار فقدموا بهم إِلَى مصر وَغَيرهَا. وفيهَا كَانَت الزلزلة الْعَظِيمَة: وَذَلِكَ إِنَّه حصل بِالْقَاهِرَةِ ومصر فِي مُدَّة نصب القلاع والزينة من الْفساد فِي الْحَرِيم وَشرب الْخُمُور مَا لَا يُمكن وَصفه من خَامِس شهر رَمَضَان إِلَى أَن قلعت فِي فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشرى ذِي الْحجَّة: عِنْد صَلَاة الصُّبْح اهتزت الأَرْض كلهَا وَسمع للحيطان قعقة وللسقوف أصوات شَدِيدَة وَصَارَ الْمَاشِي يمِيل والراكب يسْقط حَتَّى تخيل النَّاس أَن السَّمَاء أطبقت على الأَرْض فَخَرجُوا فِي الطرقات رجَالًا وَنسَاء قد أعجلهم الْخَوْف والفزع عَن ستر النِّسَاء وجوههن وَاشْتَدَّ الصُّرَاخ وَعظم الضجيج والعويل وتساقطت الدّور وتشققت الجدران وتهدمت مأذن الْجَوَامِع والمدارس وَوضع كثير من النِّسَاء الْحَوَامِل مَا فِي بطونهن وخرحت ريَاح عَاصِفَة فَفَاضَ مَاء النّيل حَتَّى ألْقى المراكب الَّتِي كَانَت بالشاطئ قدر رمية سهم وَعَاد المَاء عَنْهَا فَصَارَت على اليبس وتقطعت مراسيها واقتلع الرّيح المراكب السائرة فِي وسط المَاء وحذفها إِلَى الشاطئ. وفقد للنَّاس من الْأَمْوَال شيىء كثير: فَإِنَّهُم لما خَرجُوا من دُورهمْ فزعين تركوها من غير أَن يعوا على شيىء مِمَّا فِيهَا فَدَخلَهَا أهل الدعارة وَأخذُوا مَا أَحبُّوا. وَصَارَ النَّاس إِلَى خَارج الْقَاهِرَة وَبَات أَكْثَرهم خَارج بَاب الْبَحْر ونصبوا الخيم من بولاق إِلَى الرَّوْضَة. وَلم تكد دَار بِالْقَاهِرَةِ ومصر تسلم من الْهدم أَو تشعث بَعْضهَا وَسَقَطت الزروب الَّتِي بِأَعْلَى الدّور وَلم تبْق دَار إِلَّا وعَلى بَابهَا التُّرَاب والطوب وَنَحْوه. وَبَات النَّاس لَيْلَة الْجُمُعَة بالجوامع والمساجد يدعونَ الله إِلَى وَقت صَلَاة الْجُمُعَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 363 وتواترت الْأَخْبَار من الغربية بِسُقُوط جَمِيع دور مَدِينَة سخا حَتَّى لم يبْق بهَا جِدَار قَائِم وَصَارَت كوماً وَأَن ضيعتين بالشرقية خربتا حَتَّى صارتا كوماً. وَقدم الْخَبَر من الْإسْكَنْدَريَّة بِأَن الْمنَار انْشَقَّ وَسقط من أَعْلَاهُ نَحْو الْأَرْبَعين شرفة وَأَن الْبَحْر هاج وَألقى الرّيح العاصف موجه حَتَّى وصل بَاب الْبَحْر وَصعد بالمراكب الإفرنجية على الْبر وَسقط جَانب كَبِير من السُّور وَهلك خلق كثير. وَقدم الْخَبَر من الْوَجْه القبلي بِأَن فِي الْيَوْم الْمَذْكُور هبت ريح سَوْدَاء مظْلمَة حَتَّى لم ير أحد أحدا قدر سَاعَة ثمَّ ماجت الأَرْض وتشققت وَظهر من تحتهَا رمل أَبيض وَفِي بعض الْمَوَاضِع رمل أَحْمَر وكشطت الرّيح مَوَاضِع من الأَرْض فظهرت عمائر قد ركبهَا السافي وَخَربَتْ مَدِينَة قوص وَأَن رجلا كَانَ يحلب بقرة فارتفع فِي وَقت الزلزلة وَبِيَدِهِ المحلب وَارْتَفَعت الْبَقَرَة حَتَّى سكنت الزلزلة ثمَّ انحط إِلَى مكنه من غير أَن يتبدد شيىء من اللَّبن الَّذِي فِي المحلب. وَقدم الْخَبَر من الْبحيرَة أَن دمنهور لوحش لم يبْق بهَا بَيت عَامر. وَخرب من الْمَوَاضِع الْمَشْهُورَة جَامع عَمْرو بن الْعَاصِ بِمصْر فالتزم الْأَمِير سلار النَّائِب بعمارته. وَخَربَتْ أَكثر سواري الْجَامِع الحاكمي بِالْقَاهِرَةِ وَسَقَطت مأذنتاه فالتزم الْأَمِير بيبرس الجاشنكير بعمارته وَخرب الْجَامِع الْأَزْهَر فالتزم الْأَمِير سلار بعمارته أَيْضا وشاركه فِيهِ الْأَمِير سنقر الأعسر. وَخرب جَامع الصَّالح خَارج بَاب زويلة فعمر من الْخَاص السلطاني وَتَوَلَّى عِمَارَته الْأَمِير علم الدّين سنجر. وَخَربَتْ مأذنة المنصورية فعمرت من الْوَقْف على يَد الْأَمِير سيف الدّين كهرداش الزراق. وَسَقَطت مأذنة جَامع الفكاهين. وَكتب بعمارة مَا تهدم بالإسكندرية فَوجدَ قد إنهدم من السُّور سِتّ وَأَرْبَعُونَ بَدَنَة وَسَبْعَة عشر برجاً فعمرت. وَقدم الْبَرِيد من صفد أَنه فِي يَوْم الزلزلة سقط جَانب كَبِير من قلعة صفد وَأَن الْبَحْر من جِهَة عكا انحسر قدر فرسخين وانتقل عَن مَوْضِعه إِلَى الْبر فَظهر فِي مَوضِع المَاء اشياء كَثِيرَة فِي قَعْر الْبَحْر من أَصْنَاف التِّجَارَة وتشققت جدر جَامع بنى أُميَّة بِدِمَشْق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 364 واستمرت الزلزلة خمس درج إِلَّا أَن الأَرْض أَقَامَت عشْرين يَوْمًا ترجف وَهلك تَحت الرَّدْم خلائق لَا تحصى. وَكَانَ الزَّمَان صيفاً فَتَوَلّى بعد ذَلِك سموم شَدِيدَة الْحر عدَّة أَيَّام. واشتغل النَّاس بِالْقَاهِرَةِ ومصر مُدَّة فِي رم مَا تشعث وَبني مَا هدم وغلت أَصْنَاف الْعِمَارَة لِكَثْرَة طلبَهَا فَإِن الْقَاهِرَة ومصر صَارَت بِحَيْثُ إِذا رَآهَا الْإِنْسَان يتخيل أَن الْعَدو أغار عَلَيْهَا وخربها فَكَانَ فِي ذَلِك لطف من الله بعباده فَإِنَّهُم رجعُوا عَن بعض مَا كَانُوا عَلَيْهِ من اللَّهْو وَالْفساد أَيَّام الزِّينَة وَفِيهِمْ من أقلع عَن ذَلِك لِكَثْرَة توارد الْأَخْبَار من بِلَاد الفرنج وَسَائِر الأقطار. مِمَّا كَانَ من هَذِه الزلزلة. وَاتفقَ فِيهَا من الْأَمر العجيب أَن الْأَمِير بيبرس الجاشنكير لما رم مَا تشعت من الزلزلة بالجامع الحاكمي وجد فِي ركن من المأذنة كف إِنْسَان بزنده قد لف فِي قطن وَعَلِيهِ أسطر مَكْتُوبَة لم يدر مَا هِيَ والكف طرى. ونبشت دكان لبان مِمَّا سقط فِي الزلزلة فَإِذا أخشابها قد تصلبت على اللبان وَهُوَ حَيّ وَعِنْده جرة لبن يتقوت مِنْهَا مُدَّة أَيَّام فَأخْرج حَيا لم يمسهُ سوء. وَفِي هده السّنة: اسْتَقر فِي نِيَابَة صفد الْأَمِير سنقر شاه المنصوري عوضا عَن بدخاص وأنعم على بدخاص بإمرة بديار مصر. وَنقل قبجق من نِيَابَة الشوبك إِلَى نِيَابَة حماة عوضا عَن الْعَادِل كتبغا بعد مَوته. وَاسْتقر بلبان الجوكندار فِي نِيَابَة حمص بعد موت سيف الدّين البكي. ثمَّ استعفي بلبان فولى عز الدّين أيبك الْحَمَوِيّ نَائِب قلعة دمشق عوضه وَاسْتقر عوضه فِي نِيَابَة قلعة دمشق بيبرس التلاوي. وَبلغ النّيل ثَمَانِيَة عشر ذِرَاعا. وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن فلاح بن مُحَمَّد بن حَاتِم السكندري الشَّافِعِي فِي رَابِع عشرى شَوَّال بِدِمَشْق ومولده بالإسكندرية سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَكَانَ مَشْهُورا بِالْعلمِ والديانة نَاب فِي خطابة جَامع بنى أُميَّة وباشر الحكم مُدَّة بِدِمَشْق ودرس بهَا وَأفَاد زَمَانا. وَمَات كَمَال الدّين أَحْمد بن أبي الْفَتْح بن مَحْمُود بن أبي الْوَحْش أَسد بن سَلامَة ببن سلمَان بن فتيَان الْمَعْرُوف بِابْن الْعَطَّار أحد كتاب الدرج بِدِمَشْق فِي رَابِع عشرى ذِي الْقعدَة ومولده سنة سِتّ وَعشْرين وسِتمِائَة وَكَانَ كثير التِّلَاوَة لِلْقُرْآنِ محباً لسَمَاع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 الحَدِيث وَحدث وَكَانَ صَدرا كَبِيرا فَاضلا لَهُ نظم ونثر وَأقَام يكْتب الدرج أَرْبَعِينَ. وَمَات الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن معضاد الجعبري بِالْقَاهِرَةِ فِي. وَمَات الْأَمِير فَارس الدّين البكي الساقي أحد ممالك الظَّاهِر بيبرس تنقل فِي الخدم حَتَّى صَار من أُمَرَاء مصر ثمَّ اعتقل إِلَى أَن أفرج عَنهُ الْمَنْصُور قلاوون وأنعم عَلَيْهِ بإمرة ثمَّ ولاه نِيَابَة صفد فَأَقَامَ بهَا عشر سِنِين وفر مَعَ قبجق إِلَى غازان وَتزَوج أُخْته ثمَّ قدم مَعَ غازان وَلحق بالسلطان فولاه نِيَابَة حمص حَتَّى مَاتَ بهَا يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن ذِي الْقعدَة. وَكَانَ مليح الشكل مَا جلس قطّ بِغَيْر خف وَإِذا ركب وَنزل حل جمداره شاشه فَإِذا أَرَادَ الرّكُوب لفه مرّة وَاحِدَة كَيفَ جَاءَت ويركب وَلَا يُعِيد لفة الشاش مرَّتَيْنِ أبدا. وَاسْتشْهدَ بوقعة شقحب عز الدّين أيدمر الْعزي نقيب المماليك السُّلْطَانِيَّة وَهُوَ من مماليك عز وَمَات الْأَمِير أيدمر الشمسي القشاش وَكَانَ قد ولى الغربية والشرقية جَمِيعًا واشتدت مهابته وَكَانَ يعذب أهل الْفساد بأنواع قبيحة من الْعَذَاب مِنْهَا أَنه كَانَ يغْرس خازوقاً وَيجْعَل محدده قَائِما وبجانبه صَار كَبِير يعلق فِيهِ الرحل ثمَّ يُرْسِلهُ فَيسْقط على الخازوق فَيدْخل فِيهِ وَيخرج من بدنه وَلم يَجْرُؤ أحد من الفلاحين بالغربية والشرقية فِي أَيَّامه أَن بِلبْس مئزراً أسود وَلَا يركب فرسا وَلَا يتقلد سَيْفا وَلَا يحمل عَصا محلية بحديد وَعمل بهَا الجسور والترع وأتقنها وَأَنْشَأَ جِسْرًا بَين ملقة صندفا وَأَرْض سمنود عرف بالشقفي فَرَآهُ بعد أَن اسْتشْهد بِمدَّة قَاضِي الْمحلة فِي النّوم فَقَالَ لَهُ: سامحني الله وَغفر لي بعمارة حسر الشقفي وَكَانَ قد فلج واستعفي من الْولَايَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 366 وَلزِمَ بَيته وَخرج لغزوة شقحب فِي محفة إِلَى وَقت الْقِتَال فَلبس سلاحه وَركب وَهُوَ فِي غابة الْأَلَم فَقيل لَهُ: إِنَّك لَا تقدر فَقَالَ: وَالله لمثل هَذَا الْيَوْم أنْتَظر وَإِلَّا إيش بتخلص القشاش من ربه بِغَيْر هَذَا وَحمل على الْعَدو وَقَاتل فَقتل وَرَأى فِيهِ سِتّ جراحات. وَمَات الْأَمِير حسام الدّين أوليا بن قرمان أحد الْأُمَرَاء الظَّاهِرِيَّة وهر ابْن أُخْت قرمان - وعروف بِابْن قرمان - وَكَانَ شجاعاً. وَمَات الْأَمِير عز الدّين أيبك أستادار. وَمَات الْأَمِير عز الدّين أيدمر الرفا المنصوري. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين بهادر الدكاجكي أحد الْأُمَرَاء بحماة. وَمَات صَلَاح الدّين بن الْكَامِل. وَمَات عَلَاء الدّين بن الجاكي. وَمَات الشَّيْخ نجم الدّين أَيُّوب الْكرْدِي وَكَانَ قد قدم إِلَى دمشق سنة سبع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة فِي طَائِفَة من الأكراد واعتقده الْأُمَرَاء وحملوا إِلَيْهِ المَال فَكَانَ يتَصَدَّق بِهِ ثمَّ قدم إِلَى الْقَاهِرَة وَخرج مَعَ السُّلْطَان وَقَاتل بشقحب حَتَّى قتل. وَمَات الأميرشمس الدّين سنقر الشمسي الْحَاجِب. وَمَات سنقرالكافري أحد الْأُمَرَاء. وَمَات سنقرشاه أستادار الجانق. وَمَات حسام الدّين على بن باخل أحد أُمَرَاء العشراوات. وَمَات لاجين الرُّومِي المنصوري أستادار الْمَنْصُور قلاوون وَيعرف بالحسام أستادار وَكَانَ دينا خيرا حشماً سمع الحَدِيث. وَمَات الْأَمِير شمس الدّين سنقر العنتابي بِدِمَشْق لَيْلَة الْجُمُعَة ثَانِي عشر ذِي الْقعدَة. وَمَات الْعَادِل كتبغا بحماة لَيْلَة الْجُمُعَة يَوْم عيد الْأَضْحَى وَهُوَ فِي سنّ الكهولة وَكَانَ دينا خيرا أسمر اللَّوْن قَصِيرا دَقِيق الصَّوْت قصير الْعُنُق شجاعاً سليم الْبَاطِن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 367 متواضعاً وَهُوَ من جنس الْمغل وَكَانَ قد طَال مَرضه واسترخى حَتَّى لم يقدر على حَرَكَة يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ وَترك اولاداً. فولى نِيَابَة حماة بعده الْأَمِير سيف الدّين قبجاق المنصوري وَقد نقل إِلَيْهِ من نِيَابَة الشوبك. وَمَات الشَّيْخ تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن مجد الدّين على بن وهب بن مُطِيع بن أبي الطَّاعَة الْقشيرِي الْمَعْرُوف بِابْن دَقِيق الْعِيد فِي يَوْم الْجُمُعَة حادي عشر صفر عَن سبع وَسبعين سنة وَهُوَ على قَضَاء الْقُضَاة ومولده فِي خَامِس عشرى شعْبَان سنة خمس وَعشْرين وسِتمِائَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 368 سنة ثَلَاث وَسَبْعمائة فِيهَا انتدب الْأُمَرَاء لعمارة مَا خرب من الْجَوَامِع بالزلزلة وأنفقوا فِيهَا مَالا جزيلاً. وَقدم الْأَمِير برلغي الأشرفي من الْحجاز وشكى من قلَّة مهابة الشريفين أبي الْغَيْث وعطيفة وَكَثْرَة طمع العبيد فِي المجاورين بِمَكَّة. فأفرج عَن الشريفين حميضة ورميثة من السجْن وأحضرا إِلَى الْمجْلس السلطاني وخلع عَلَيْهِمَا بكلفتانزركش فَلم يلبسهَا حميضة إِلَّا بعد التمنع والتهديد بِالْعودِ إِلَى الْحَبْس. وأجلسا فَوق جَمِيع الْأُمَرَاء وَنزلا إِلَى منازلهما وَحمل إِلَيْهِمَا سَائِر مَا يحتاجان إِلَيْهِ وهاداهما الْأُمَرَاء وأجريت لَهما الرَّوَاتِب والجرايات والكسوات وركبا مَعَ وفيهَا سَارَتْ العساكر من الْقَاهِرَة للغارة على بِلَاد سيس وَعَلَيْهِم الْأَمِير بدر الدّين بكتاش أَمِير سلَاح وَمَعَهُ الْأَمِير علم الدّين سنجر الصوابي والأمير شمس الدّين سنقر شاه المنصوري ومضافيهم وَكتب إِلَى طرابلس وحماة وصفد وحلب بِخُرُوج العساكر إِلَيْهَا. فوصل الْأَمِير بدر الدّين بكتاش إِلَى دمشق فِي ثَانِي عشر رَمَضَان وَخرج مِنْهَا بعسكر دمشق فَسَار إِلَى حلب وأتته عَسَاكِر الْبِلَاد فَمَرض وَأقَام بحلب وَسَار ابْنه بالعساكر وحرقوا مزارع سيس وخربوا الضّيَاع وأسروا أَهلهَا ونازلوا تل حمدون وَقد امْتنع بقلعتها جمَاعَة كَثِيرَة من الأرمن فقاتلوهم حَتَّى فتحت بالأمان وَأخذُوا مِنْهَا سِتَّة مُلُوك من مُلُوك الأرمن. فشق ذَلِك على تكفور ملك سيس وَقصد نكاية الْمُلُوك على تسليمهم قلعة تل حمدون بالأمان وَكتب إِلَى نَائِب حلب بِأَن مُلُوك القلاع هم الَّذين كَانُوا يمْنَعُونَ من حمل الْخراج فَلَا تفرجوا عَن أحد مِنْهُم فَلَيْسَ عِنْدِي من يزن المَال سواهُم. فَأمر النَّائِب بِقَتْلِهِم فَضربت رِقَاب الْمُلُوك الْخَمْسَة وَأسلم مِنْهُم صَاحب قلعة نجيمة وَالْتزم بِأخذ سيس فَحمل إِلَى مصر وَكتب صحبته بِعُود العساكر بالغنائم فسر الْأُمَرَاء وَالسُّلْطَان بذلك وَأكْرم صَاحب قلعة نجيمة وَكتب بِعُود العساكر. وَقدم الْبَرِيد بِمَوْت الْأَمِير عز الدّين أيبك الْحَمَوِيّ نَائِب حمص فَكتب بلبان الجوكندار نَائِب قلعة دمشق باستقراره فِي نِيَابَة حمص وَتوجه إِلَيْهَا فِي ثامن عشرى جُمَادَى الأولى وَولى عوضه نِيَابَة قلعة دمشق بهادر السنجري. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 369 وفيهَا وَقع موتان فِي الْخُيُول بِبِلَاد الشَّام فَمَاتَ من حلب ودمشق نَحْو الثَّمَانِينَ ألف فرس وَفَشَا الموتان فِي خُيُول مصر أَيْضا فَهَلَك كثير مِنْهَا. وَوَقع بِبِلَاد السَّاحِل جَراد كثير وفيهَا ارْتَفَعت أسعار الغلال بِمصْر وَبلغ الأردب الْقَمْح أَرْبَعِينَ درهما لتقاصر زِيَادَة النّيل ثمَّ انحط السّعر عَن قَلِيل وأبيع بِخَمْسَة وَعشْرين درهما. وفيهَا سَار الْأَمِير بدر الدّين جنغلي بن شمس الدّين البابا أحد مقدمي التتار وافداً إِلَى الْأَبْوَاب السُّلْطَانِيَّة بأَهْله وَأَتْبَاعه فَلَمَّا قدم الْبَرِيد بمسيره كتب إِلَى نَائِب حلب فَتَلقاهُ وَبَالغ فِي إكرامه وتلقاه نَائِب دمشق وَدخل بِهِ فِي حادي عشر ذِي الْقعدَة. ومازالت الإقامات تتلقاه حَتَّى قدم إِلَى الْقَاهِرَة فَخرج الْأَمِير بيبرس الجاشنكير إِلَى لِقَائِه وَمَعَهُ الْأُمَرَاء إِلَى قبَّة النَّصْر وَصعد بِهِ إِلَى أَن قبل الأَرْض بَين يَدي السُّلْطَان فِي ثَالِث ذِي الْحجَّة وَأنزل فِي دَار بقلعة الْجَبَل. وفيهَا أخرج الْأَمِير بهاء الدّين قراقوش الظَّاهِرِيّ على إمرة بصفد وأنعم على جنغلي بإمرته - وهى طبلخاناه وَكتب لَهُ بِزِيَادَة مائَة ألف دِرْهَم. ثمَّ نقل إِلَى إمرة مائَة وأنعم على أَمِير على من ألزامه بإمرة عشرَة وعَلى نيروز من ألزامه بتقدمة ألف وَبعث الْأُمَرَاء إِلَيْهِ بالهدايا. وفيهَا قدم رَسُول ملك الفرنج الريدراكون البرشلوني بهدية جليلة الْقدر للسُّلْطَان وللأمراء وَسَأَلَ فتح كنائس النَّصَارَى فَأُجِيب إِلَى ذَلِك وَفتحت كَنِيسَة اليعاقبة بحارة زويلة وكنيسة الملكيين بالبندقانيين. وجهز جَوَابه مَعَ فَخر الدّين عُثْمَان أستادار الْأَمِير عز الدّين الأفرم فاقترض نَحْو السِّتين ألف دِرْهَم وَبَالغ فِي التجمل. فَلَمَّا كَانَ وَقت السّفر دفع الرُّسُل ملطفاً من ملكهم إِلَى السُّلْطَان يسْأَل فِي فك رجل مِمَّن أسر بِجَزِيرَة أرواد فأفرج عَنهُ وَسَار مَعَهم إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فَبعث بعض الأسرى يعرف السُّلْطَان بِأَن: هَذَا الَّذِي أفرج عَنهُ ابْن ملك كَبِير وَلَو أردتم فِيهِ مركبا ملآن بِالذَّهَب لحمله إِلَيْكُم فِي فكه فَكتب برده فَعَاد من الْإسْكَنْدَريَّة وَقيد على مَا كَانَ. وَركب الرُّسُل الْبَحْر حَتَّى إِذا أبعدوا عَن الْإسْكَنْدَريَّة أنزلوا الْأَمِير فَخر الدّين عُثْمَان فِي قَارب وأمروه بِالْعودِ وَأخذُوا كل مَا مَعَه. فَأَلْقَاهُ الرّيح على سَاحل الْإسْكَنْدَريَّة وَحمل إِلَى مصر فَشَكا إِلَى الْأُمَرَاء أَن الَّذِي أَخذ لَهُ دين عَلَيْهِ فَلم يلْتَفت أحد إِلَيْهِ وَكتب إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة بإيقاع الحوطة على من يرد من فرنج برشلونة. وفيهَا كملت عمَارَة الْمدرسَة الناصرية بَين القصرين. وفيهَا نقل السُّلْطَان أمه من التربة الْمُجَاورَة للمشهد النفيسي إِلَى التربة الناصرية بَين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 370 القصرين وَمَوْضِع هَذِه الْمدرسَة الناصرية كَانَ دَارا عرفت أخيراً بالأمير سيف الدّين بلبان الرَّشِيدِيّ فاشتراها الْملك الْعَادِل كتبغا وَشرع فِي بنائها مدرسة وَعمل بوابتها من أنقاض مَدِينَة عكا وهى بوابة كَنِيسَة بهَا. فَلَمَّا حضرت هَذِه البوابة إِلَى الْقَاهِرَة - مَعَ الْأَمِير علم الدّين الدواداري مُتَوَلِّي تخريب عكا وصور وعثليث وَغَيرهَا من القلاع الَّتِي فتحهَا الْملك الْأَشْرَف خَلِيل بن قلاوون - أَخذهَا الْأَمِير بيدرا وَقتل وَهِي على حَالهَا فعملها كتبغا على هَذِه الْمدرسَة. وخلع كتبغا قبل أَن تكمل فاشتراها السُّلْطَان على يَد قَاضِي الْقُضَاة رين الدّين محلى بن مخلوف وأتمها وَعمل لَهَا الْأَوْقَاف الجليلة وَمن جُمْلَتهَا قيسارية أَمِير على بِخَط الشرابشيين وَالرّبع الْمَعْرُوف بالدهشة قَرِيبا من بَاب زويلة وحوانيت بِبَاب الزهومة وَالْحمام الْمَعْرُوفَة بالفخرية بجوار الْمدرسَة السيفية وَدَار أم السُّلْطَان وحمامي الشَّيْخ خضر بِظَاهِر الْقَاهِرَة بِخَط بُسْتَان ابْن صيرم وَالْجَامِع الظافري وَدَار الطّعْم خَارج مَدِينَة دمشق. ورتب بهَا قَاضِي الْقُضَاة زين الدّين على بن مخلوف مدرس الْمَالِكِيَّة وقاضي الْقُضَاة شمس الدّين احْمَد السرُوجِي مدرس الْحَنَفِيَّة وقاضي الْقُضَاة شرف الدّين عبد الْغَنِيّ الْحَرَّانِي مدرس الْحَنَابِلَة وَصدر الدّين مُحَمَّد بن المرحل مدرس الشَّافِعِيَّة. وفيهَا ولد للسُّلْطَان من زَوجته أردكين الأشرفية ابْن على ولقبه بِالْملكِ الْمَنْصُور وَعمل لَهُ مهما أَرَادَ أَن يسْتَمر سَبْعَة أَيَّام فَلم يُوَافقهُ الْأُمَرَاء على ذَلِك وَعمل يَوْمًا وَاحِدًا وفيهَا شرع الْأَمِير سلار النَّائِب فِي التَّجْهِيز إِلَى الْحجاز. وفيهَا تشاجر الْوَزير عز الدّين أيبك الْبَغْدَادِيّ وناصر الدّين مُحَمَّد بن الشيخي مُتَوَلِّي الجيزة وسببها تعاظم ابْن الشيخي على الْوَزير وانحصار الأقباط مِنْهُ لوفور حرمته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 371 وَشدَّة ضَبطه فاتفقوا مَعَ الْوَزير على أَن يحققوا فِي جِهَته وجهات مماليكه من الْأَمْوَال الديوانية مبلغا كثيرا فَتحدث الْوَزير فِي ذَلِك مَعَ الْأَمِير سلار النَّائِب لعلمه بكراهته فِي ابْن الشيخي. فَطلب ابْن الشيخي والدواوين وَحضر الْأُمَرَاء وانتدب لمحاققته التَّاج الطَّوِيل مُسْتَوْفِي الدولة. وأفحش التَّاج الطَّوِيل فِي مخاطبته وَهُوَ يخرج مِمَّا يلْزم بِهِ بحجج يظهرها ثمَّ اشْتَدَّ حنقه وَقَامَ على قَدَمَيْهِ وَقَالَ: وَحقّ نعْمَة مَوْلَانَا السُّلْطَان هَؤُلَاءِ {الأقباط أكلُوا الْأَمْوَال وَإِن تسلمتهم لآخذن مِنْهُم للسُّلْطَان ثَلَاثمِائَة ألف دِينَار أكتب بهَا خطي. فَقَالَ لَهُ التَّاج: صرت أَنْت تَأمر وتنهي يَا نَاصِر الدّين وَلَو طلعت رَأسك فِي السَّمَاء كنت عِنْدِي ضَامِنا بتقارير مكتتبة عَلَيْك كَسَائِر الضَّمَان. فَغَضب الْأَمِير بيبرس الجاشنكير وَقَالَ للتاج: والك مَا كفي كذبكم حَتَّى تجْعَل أَمِيرا مثل ضَامِن وَالله مَا يَأْكُل مَال السُّلْطَان غَيْركُمْ وَأمر بإقامته من الْمجْلس. وَقَالَ الْأَمِير بيبرس لِابْنِ الشيخي: إيش قلت تحمل من جِهَة هَؤُلَاءِ ماقلت قَالَ: نعم} فرسم للوزير والحجاب بِجمع الدَّوَاوِين وتسليمهم لَهُ وانفضوا فَلم يبت أحد من الْكتاب عِنْده فا خلا ناظري الدولة وهما تَاج الدّين عبد الرَّحِيم بن السنهوري وشهاب الدّين غَازِي بن الوَاسِطِيّ وألزمهم بِعَمَل حِسَاب الدولة لثلاث سِنِين وضيق عَلَيْهِم وأهان التَّاج الطَّوِيل وَنكل بِهِ. وَأخذ التَّاج بن سعيد الدولة فِي مساعدة ابْن الشيخي وَصَارَ يَأْتِيهِ فِي اللَّيْل ويرتبه طهر فِي جِهَة الْكتاب شىء كثير فشكره بيبرس وَعرف الْأُمَرَاء بذلك فرعوا لَهُ بعقوبة الْكتاب واستخراج المَال مِنْهُم فَقَامَ الشهَاب بن الوَاسِطِيّ فِي الْحَط على ابْن الشيخي قيَاما زَائِدا وَقَالَ: يَا أُمَرَاء! هَذَا مَا يحل وَمَا بلغ قدر هَذَا الرجل بالْأَمْس وَهُوَ فِي دكان يخيط الأقباع ثمَّ فَقير دائر يستعطي ثمَّ ضَامِن فِي سَاحل الْغلَّة قد صَار فِي حفدة ومماليك وَعمل ولَايَة الْقَاهِرَة بأقبح سيرة. فَبلغ ذَلِك ابْن الشيخي فأوقع الحوطة عَلَيْهِ وَسَأَلَ الْأَمِير بيبرس فِيهِ فسلمها لَهُ فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ مَعَ الرُّسُل أخرق بِهِ وَأمر أَن يعرى من ثِيَابه فمازال بِهِ الْحَاضِرُونَ حَتَّى عَفا عَنهُ من خلع ثِيَابه وضربه تَحت رجلَيْهِ ثَلَاث ضربات. ثمَّ خَافَ الْعَاقِبَة فَأكْرم ابْن الوسطي وتلطف بِهِ وبالكتاب وَحمل مِنْهُم ثَلَاثمِائَة ألف دِرْهَم وَأَفْرج عَنْهُم بعد مُشَاورَة الْأَمِير بيبرس. فشق ذَلِك على الْوَزير وسعى فِي السّفر إِلَى الْحجاز مَعَ الْأَمِير سلار فَأُجِيب إِلَى ذَلِك. وسعى ابْن الشيخي بالأمير بكتمر أَمِير جندار والأمير برلغي وينجار وَوَعدهمْ أَنه يؤجرهم الْبِلَاد والدواليب وَيقوم عَنْهُم بكلفها وَأهْدى إِلَيْهِم حَتَّى مَلأ أعين أعدائه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 372 وأصدقائه وَعمل للأمير سلار من ألات السّفر شَيْئا كثيرا ومازال يسْعَى بحاشية سلار وَهُوَ يمْتَنع من إجابتهم ويردهم أقبح رد لبغضه فِيهِ حَتَّى خدعوه وَأجَاب. فاستقر ابْن الشيخي فِي الوزارة يَوْم الْإِثْنَيْنِ تَاسِع عشر شَوَّال بِغَيْر رضَا سلار إِلَّا أَنه لم يجد بدا من ولَايَته. وَنزل فِي موكب عَظِيم إِلَى دَاره بجوار المشهد الْحُسَيْنِي من الْقَاهِرَة وتعاظم على النَّاس تعاظماً زَائِدا. وفيهَا سَار الْأَمِير سلار النَّائِب إِلَى الْحجاز وَمَعَهُ نَحْو الثَّلَاثِينَ أَمِيرا: مِنْهُم سنقر الكمالي الْحَاجِب وَعلم الدّين سنجر الجاولي وسنقر الأعسر وكوري وسودي وبكتوت القرماني وبكتوت الشجاعي والطواشي شهَاب الدّين مرشد. وَتَأَخر الْأَمِير سلار بعد خُرُوج الركب مَعَ الْأَمِير سيف الدّين أناق الحسامي أَمِير الركب وَبعث إِلَى الْحجاز فِي الْبَحْر عشرَة آلَاف أردب غلَّة وَبعث سنقر الأعسر ألف أردب وَبعث سَائِر الْأُمَرَاء الْقَمْح للتفرقة فِي أهل الْحَرَمَيْنِ فَعم النَّفْع بهم. وفيهَا ورد الْخَبَر بِمَوْت غازان بن أرغون بن أبغا بن هولاكو ملك الْمغل فِي ثَالِث عشر شَوَّال بنواحي الرّيّ من مرض حاد وَكَانَت مدَّته ثَمَان سِتِّينَ وَعشرَة أشهر. وَقَامَ بعده أَخُوهُ خدا بندا بن أرغون وَجلسَ على تخت الْملك فِي ثَالِث عشرى ذِي الْحجَّة وتلقب بغياث الدّين مُحَمَّد وَكتب إِلَى السُّلْطَان بجلوسه وَطَلَبه للصلح وإخماد الْفِتْنَة وسير إِلَيْهِ رسله. وفيهَا توجه الْوَزير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الشيخي إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وألزم المباشرين بِعَمَل الْحساب. وَكَانَ متحصل الْإسْكَنْدَريَّة لَا ينَال ديوَان السُّلْطَان مِنْهُ إِلَّا الْقَلِيل فَإِن الْأُمَرَاء بيبرس وسلار وبرلغي والجوكندار مَا مِنْهُم إِلَّا من لَهُ بهَا نَائِب يتحدث فِي المتجر. فَقَامَ نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة وَمنع الْوَزير من التحدث حَتَّى يحضر الْأَمِير سلار من الْحجاز فاتفق وُصُول مركب بمتجر للفرنج بلغ مُوجبه أَرْبَعِينَ ألف د ينار. وفيهَا خرج السُّلْطَان إِلَى الْبحيرَة للصَّيْد وَقد عبأ لَهُ الْوَزير الإقامات. وَنزل السُّلْطَان بتروجة واستدعى شهَاب الدّين أَحْمد بن عبَادَة الَّذِي أَقَامَهُ قَاضِي الْقُضَاة زين الدّين على بن مخلوف وصّى السُّلْطَان وَكيلا على جباية أَمْوَال أَمْلَاك السُّلْطَان ونائباً عَنهُ لاشتغاله بوظيفة الْقَضَاء. وَطلب السُّلْطَان مِنْهُ دَرَاهِم يَشْتَرِي بهَا هَدِيَّة من الْإسْكَنْدَريَّة فَلم يجد عِنْده من مَال السُّلْطَان مَا يَكْفِيهِ فَبَعثه ليقترض من تجار الْإسْكَنْدَريَّة مبلغا. فَاجْتمع ابْن عبَادَة بالوزير وشكا لَهُ مَا فِيهِ السُّلْطَان من الضّيق وَالْحَاجة وَأَنه حضر ليقترض لَهُ من التُّجَّار مَا يَشْتَرِي بِهِ هَدِيَّة لجواريه ونسائه. فَقَالَ لَهُ ابْن الشيخي: ارْجع وَأَنا غَدا عِنْد السُّلْطَان بألفي دِينَار. فَعَاد ابْن عبَادَة وَأعلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 373 السُّلْطَان بذلك فسر سُرُورًا كَبِيرا. وَقدم الْوَزير بالمبلغ وَقدمه للسُّلْطَان. فاستروح السُّلْطَان مَعَه بالْكلَام وشكا إِلَيْهِ مَا هُوَ فِيهِ من ضيق مَعَ الْأُمَرَاء فوعده بِأَن مصير الْأَمر إِلَيْهِ وقوى قلبه وشجعه على الفتك بالأمراء وهون عَلَيْهِ أَمرهم وَقَامَ وَقد حفظ عَلَيْهِ الجمدارية مَا قَالَه فِي حق الْأُمَرَاء. وَعَاد السُّلْطَان إِلَى القلعة وَقدم الْوَزير من الْإسْكَنْدَريَّة بِمَال كثير وكساو جليلة وشكا إِلَى الْأَمِير بيبرس نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة. وَقدم الْخَبَر من الأردو بِأَنَّهُ قد جرد مقدم اسْمه قبرتو ليقيم بديار بكر عوض جنكلي ابْن البابا المُهَاجر إِلَى الْإِسْلَام. فَكتب نَائِب الشَّام مطالعة بذلك وفيهَا: أَتَى من بِلَاد الْمُشْركين مقدم تعالن لما أَن دَعوه قبرتوا وَإِنِّي لأرجو أَن يجىء عقيبها بشير لنا أَن اللعين قبرتوا وَبلغ النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا وَسِتَّة عشر أصبعاً بَعْدَمَا توقف وتحسنت الغلال. مَاتَ فِي هَذِه السّنة عز الدّين أيبك الْحَمَوِيّ وَكَانَ من مماليك الْمَنْصُور نَائِب حماة فَطَلَبه مِنْهُ الْملك الظَّاهِر بيبرس هُوَ وَأَبُو خرص فيسرهما إِلَيْهِ فَأَمرهمَا ثمَّ ولي الْأَشْرَف خَلِيل أيبك هَذَا نِيَابَة دمشق بعد سنجر الشجاعي وعزله الْعَادِل كتبغا بغرلوا. ولي صرخد ثمَّ حمص وَبهَا مَاتَ فِي تَاسِع عشر شهر ربيع الآخر. وَمَات الْأَمِير بيبرس التلاوي فِي تَاسِع شهر رَجَب وَكَانَ يَلِي شدّ دمشق - وَفِيه ظلم وعسف - مُدَّة سنة وَسَبْعَة وَأَرْبَعين يَوْمًا مِنْهَا أَيَّام مَرضه حَتَّى هلك سَبْعَة أشهر وَاسْتقر عوضه فِي وَمَات القان إبل خَان معز الدّين غازان بن أرغون بن أبغا بن هولاكو بن طولوي ابْن جنكزخان بِبِلَاد قزوين فِي ثَانِي عشر شَوَّال وَحمل إِلَى تربته خَارج توريز. وَكَانَ جُلُوسه على تخت الْملك فِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وسِتمِائَة وَأسلم فِي سنة أَربع وَتِسْعين وسِتمِائَة ونثر الذَّهَب وَالْفِضَّة واللؤلؤ على رُؤُوس النَّاس فَفَشَا الْإِسْلَام بذلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 374 فِي التتار وَأظْهر غازان الْعدْل وَتسَمى بمحمود وَملك العراقين وخراسان وَفَارِس والجزيرة وَالروم وَتسَمى بالقان وأفرد نَفسه بِالذكر فِي الْخطْبَة وَضرب السِّكَّة بَاعه دون القان الْأَكْبَر وطرد نَائِبه من بِلَاده وَلم يسْبقهُ أحد من آبَائِهِ إِلَى هَذَا فاقتدى بِهِ من جَاءَ بعده وَكَانَ أجل مُلُوك بَيت هولاكو إِلَّا أَنه كَانَ ييخل بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِم. وَمَات شمس الدّين سلمَان إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل الْمَلْطِي الدِّمَشْقِي الْحَنَفِيّ أحد نواب الحكم بِدِمَشْق والقاهرة وَكَانَ دينا مُبَارَكًا. وَمَات عَلَاء الدّين على بن عبد الرَّحِيم بن مراجل الدِّمَشْقِي وَالِد الصاحب تَقِيّ الدّين سُلَيْمَان بن مراجل فِي سادس عشر ذِي الْقعدَة بِدِمَشْق وَقدم إِلَى الْقَاهِرَة سنة إِحْدَى وَسَبْعمائة وَكَانَ ماهراً فِي الْحساب أديباً فَاضلا. وَمَات زين الدّين عبد الله بن مَرْوَان بن عبد الله بن فيع بن الْحسن الفارقي الشَّافِعِي فِي حادي عشرى صفر بِدِمَشْق ومولده سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَقد درس الْفِقْه وخطب بِجَامِع بنى أُميَّة قبل مَوته بِتِسْعَة أشهر فولى الخطابة بعده صدر الدّين مُحَمَّد بن الْوَكِيل الْمَعْرُوف بِابْن المرحل فَلم ترض النَّاس بِهِ فولى شرف الدّين القزاري وَمَات فتح الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن الصاحب عز الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن خَالِد ابْن مُحَمَّد القيسراني بِالْقَاهِرَةِ يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشرى شهر ربيع الآخر ومولده فِي سنة ثَلَاث وَعشْرين وسِتمِائَة وَقد وزر جده الْمُوفق خَالِد للْملك الْعَادِل نور الدّين مَحْمُود بن زنكي وَولى الْفَتْح هَذَا وزارة دمشق ثمَّ صرف عَنْهَا وَقدم إِلَى الْقَاهِرَة وباشر توقيع الدست بقلعة الْجَبَل وعني بِالْعلمِ وَله تصانيف ونظم حسن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 375 وَمَات نصير بن أَحْمد بن على الْمَنَاوِيّ الْمَعْرُوف بالنصير الحمامي الأديب البارع فِي. وَمَات الشريف أَبُو فَارس عبد الْعَزِيز بن عبد الْغَنِيّ بن سرُور بن سَلامَة المنوفي أحد أَصْحَاب الشَّيْخ أبي الْحجَّاج الأقصري - وَيُقَال إِنَّه شرِيف حسني - فِي لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ خَامِس عشر ذِي الْحجَّة بِمصْر عَن مائَة وَعشْرين سنة وَهُوَ صَحِيح الْأَعْضَاء سليم الْحَواس رصين الْعقل وَله ديوَان شعر. وَمَات الْأَمِير بكتمر السِّلَاح دَار الظَّاهِرِيّ فِي. الْجُزْء الثَّانِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 376 (سنة أَربع وَسَبْعمائة) فِي مستهل الْمحرم: قدم الْبَرِيد بوصول الْأَمِير سيف الدّين قطايا بن سيغرا أَمِير بني كلاب فِي عدَّة من مَشَايِخ الْعَرَب ثمَّ قدم فَأكْرمه السُّلْطَان والأمراء وأعيدوا إِلَى حلب. وَكَانَ من خبر قطايا أَنه لما خرج عَن طَاعَة السُّلْطَان وعاث فِي أَعمال حلب وأفسد طلبه عَسَاكِر حلب ففر إِلَى بِلَاد الشرق وَأقَام مَعَ الْمغل فأكرموه مُدَّة حَيَاة الْملك مَحْمُود غازان حَتَّى مَاتَ فَلم يجد بعدئذ مَا كَانَ بعهده فترامى على نَائِب حلب ومازال يستعطفه فِي أَن يَأْذَن لَهُ فِي الْعود بعد الشَّفَاعَة لَهُ إِلَى السُّلْطَان فَأجَاب سُؤَاله وَكَاتب فِيهِ فعفي عَن ذَنبه أُعِيدَت لَهُ إقطاعاته بحلب. وَقدم الْبَرِيد بِوُقُوع الْفِتْنَة بَين الْأُمَرَاء أسندمر كرجي نَائِب طرابلس والأمير بالوج الحسامي من أمرائها من أجل أَن أسندمر استخدم فِي ديوانه سامرياً كَاتبا يُقَال لَهُ أَبُو السرُور فَزَاد تحكمه وَأخذ يتجر لمخدومه فِي عدَّة بضائع وَركب الْخُيُول المسومة بالسروج المحلاة بِالذَّهَب وَالْفِضَّة وَتصرف فِي عَامَّة الْأُمُور بطرابلس حَتَّى كثرت أَمْوَاله وسعاداته وتزايد شَره وضرره وَكَثُرت شكاية النَّاس مِنْهُ. فَقَامَ الْأَمِير بالوج فِي ذَلِك وتحدث مَعَ أُمَرَاء طرابلس فِي إِزَالَته عَن الْمُسلمين وواعدهم على نصرته ومعاونته إيَّاهُم. ثمَّ قَامَ فِي يَوْم الموكب للنائب أسندمر وَذكر لَهُ مَا أصَاب النَّاس من كَاتبه السامري وَمَا هم فِيهِ من الضَّرَر فَرد عَلَيْهِ رد اً غير جيد وجبهه بالتكذيب فِيمَا نَقله وَأَغْلظ عَلَيْهِ حَتَّى اشْتَدَّ غضب الْأَمِير بالوج مِنْهُ - وَكَانَ قوي النَّفس شرس الْأَخْلَاق - وَحلف بالأيمان الْمُغَلَّظَة ليضربن رَقَبَة السامري وَقَامَ من مجْلِس النَّائِب. فَكتب فِيهِ النَّائِب أسندمر يشكو مِنْهُ شكوى طَوِيلَة عريضة فأعيد جَوَابه بِالْقَبْضِ على الْأَمِير بالوج وحبسه فَأخذ سَيْفه وسجنه فاشتدت عِنْد ذَلِك وَطْأَة السامري على النَّاس فتجردوا لَهُ وَكَتَبُوا فِيهِ محَاضِر بقوادح حفظت عَنهُ وأثبتوها بِدِمَشْق. فَكتب الْأَمِير جمال الدّين أقوش الأفرم نَائِب الشَّام فِيهِ فَقَامَ الْأَمِير بيبرس الجاشنكير فِي ذَلِك. وَكتب بِحمْل السامره إِلَى دمشق وتسليمه للْقَاضِي الْمَالِكِي. والإفراج عَن بالوج فأفرج عَنهُ وأنعم عَلَيْهِ وَقيد السامري وَسلمهُ للبريد فَسَار بِهِ إِلَى حمص فاتفق قَتله بهَا واتهم أسندمر أَنه دس عَلَيْهِ من ضرب عُنُقه حَتَّى لَا يتَمَكَّن مِنْهُ فَحملت رَأسه إِلَى دمشق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 377 وَفِيهِمَا حكم قَاضِي الْمَالِكِيَّة بإراقة دم شمس الدّين مُحَمَّد بن الباجريقي ففر من دمشق وَقدم الْأَمِير سلار من الْحبّ فِي نصف صفر وَقد فعل فِي الْحجاز أفعالاً جميلَة مِنْهَا: أَنه كتب أَسمَاء المجاورين بِمَكَّة وأوفى عَنْهُم جَمِيع مَا كَانَ عَلَيْهِم من الدُّيُون لأربابها وَأعْطى لكل مِنْهُم بعد وَفَاء دينه مئونة سنة ووصلت مراكبه إِلَى جدة سَالِمَة فَفرق مَا فِيهَا على سَائِر أهل مَكَّة جليلهم وحقيرهم وَكتب سَائِر الْفُقَرَاء وَجَمِيع الْأَشْرَاف وَحمل إِلَيْهِم الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم وَالْغلَّة بِقدر كِفَايَة كل مِنْهُم سنة فَلم تبْق بِمَكَّة امْرَأَة وَلَا رجل وَلَا صَغِير وَلَا كَبِير وَلَا غَنِي وَلَا فَقير عبد أَو حر شرِيف أَو غير شرِيف إِلَّا وَعَمه ذَلِك ثمَّ استدعى الزيلع وَفرق فيهم الذَّهَب وَالْفِضَّة والغلال وَالسكر والحلوى حَتَّى عَم سَائِرهمْ وَبعث مباشريه إِلَى جدة فَفَعَلُوا فِيهَا كَمَا فعل هُوَ بِمَكَّة. وَحمل مَا بَقِي إِلَى الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة فَمَا بلغ وَادي بني سَالم وجد الْعَرَب قد أخذُوا عدَّة جمال من الْحجَّاج فَتَبِعهُمْ واخذ مِنْهُم خمسين رجلا فأفتاه الْفُقَهَاء بِأَنَّهُم محاربون فَقطع أَيْديهم وأرجلهم من خلاف وَعم أهل الْمَدِينَة بالعطايا كَمَا عَم أهل مَكَّة فَكَانَ النَّاس بالحرمين يَقُولُونَ: يَا سلار! كَفاك الله هم النَّار وَلم يسمع عَن أحد فعل من الْخَيْر كَمَا فعل. وَقدم الْبَرِيد من حلب بِحُضُور جمَاعَة من الْمغل وافدين إِلَى بِلَاد الْإِسْلَام نَحْو مِائَتي فَارس بنسائهم وَأَوْلَادهمْ وَفِيهِمْ عدَّة من أقَارِب غازان وَبَعض أَوْلَاد سنقر الْأَشْقَر فَكتب بإكرامهم فقدموا إِلَى الْقَاهِرَة فِي جُمَادَى الأولى وَقدم مَعَهم أخوا سلار وهما فَخر الدّين دَاوُد وَسيف الدّين جبا وقدمت أَيْضا أم سلار. فرتبت لَهُم الرَّوَاتِب وأعطوا الإقطاعات وَفرق جمَاعَة مِنْهُم على الْأُمَرَاء. وَأَنْشَأَ سلار لأمه دَارا بإسطبل الجوق الَّذِي عمله الْعَادِل كتبغا ميداناً ثمَّ عرف بحكر الخازن ورقى أَخَوَيْهِ وَأَعْطَاهُمْ الإمريات وَقدم الْأَمِير حسام الدّين أزدمر المجيري وعماد الدّين على بن عبد الْعَزِيز بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الْعلي بن معرف بن السكرِي من بِلَاد الشرق إِلَى دمشق فِي رَابِع عشرى شعْبَان ودخلا الْقَاهِرَة أول رَمَضَان ومعهما كتاب خر بندا وهديته فتضمن كِتَابه جُلُوسه على تخت الْملك بعد أَخِيه مَحْمُود غازان وخاطب السُّلْطَان بالأخوة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 378 وَسَأَلَ إخماد الْفِتَن وَطلب الصُّلْح وَقَالَ فِي آخر كَلَامه: عَفا الله عَمَّا سلف وَمن عَاد فينتقم الله مِنْهُ. فَأُجِيب وجهزت لَهُ الْهَدِيَّة وَأكْرم رَسُوله وسفر مَعَه عَلَاء الدّين على ابْن الْأَمِير سيف الدّين بلبان القلنجقي أحد مقدمي الْحلقَة والصدر سُلَيْمَان الْمَالِكِي المرتقى أحد الْعُدُول فتوجهوا فِي أول ذِي الْقعدَة وَعَاد عَلَاء الدّين وَسليمَان الْمَالِكِي فِي رَمَضَان من سنة خمس وَسَبْعمائة. وَقدم بدر الدّين مُحَمَّد بن فضل الله بن مجلي من بِلَاد غازان إِلَى دمشق فِي ثَالِث عشرى جُمَادَى الْآخِرَة. وَقدم رسل الْملك طقطاي صَاحب سراي وبر القبجاق فِي أول ربيع الأول وأنزلوا بمناظر الْكَبْش وأجريت لَهُم الرَّوَاتِب. ثمَّ حَضَرُوا بهديتهم وَكتاب ملكهم وَهُوَ يتَضَمَّن الرّكُوب لِحَرْب غازان ليَكُون فِي المساعدة عَلَيْهِ فَأُجِيب بِأَن الله قد كفاهم أَمر غازان وَأَن أَخَاهُ خربندا قد أذعن للصلح وجهزت لَهُ هَدِيَّة خرج بهَا مَعَ الرُّسُل الْأَمِير سيف الدّين بلبان الصرخدي إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَسَارُوا فِي الْبَحْر. وَقدم عدَّة من التُّجَّار وَشَكوا من الْمُؤَيد هزبر الدّين دَاوُد بن يُوسُف بن عمر بن على ابْن رَسُول ملك الْيمن وَكَانَ مَعَ ذَلِك قد قطع الْهَدِيَّة الَّتِي كَانَت تحمل من الْيمن ومبلغها سِتَّة آلَاف دِينَار يَشْتَرِي بهَا أَصْنَاف وتسير إِلَى قلعة الإسماعيلية مَعَ هَدِيَّة تخْتَص بالسلطان. وَكَانَ المظفر يُوسُف بن الْمَنْصُور عمر بن على بن رَسُول حملهَا مُدَّة أَرْبَعِينَ سنة ثمَّ حملهَا ابْنه الْأَشْرَف فَلَمَّا خرج عَلَيْهِ هزبر الدّين دَاوُد بن المظفر يُوسُف بن الْمَنْصُور بن على رَسُول قطع الْجِهَتَيْنِ واستخف بسُلْطَان مصر فَكتب إِلَيْهِ بالإنكار والتهديد وسير إِلَيْهِ مَعَ نَاصِر الدّين الطوري وشمس الدّين وَمُحَمّد بن عَدْلَانِ ومعهما كتاب الْخَلِيفَة أَيْضا يالإنكار عَلَيْهِ والتهديد وَأمره أَن يحمل الْمُقَرّر على الْعَادة. وَقدم أياي ملك دمقلة من بِلَاد النّوبَة بهدية مَا بَين جمال وأبقار ورقيق وشب وسنبادج وَطلب عسكراً فَأنْزل بدار الضِّيَافَة وَعَن مَعَه الْأَمِير سيف الدّين طقصبا وَالِي قوص وَجَمَاعَة الوافدية وعدة من أجناده الْحلقَة نَحْو ثَلَاثمِائَة فَارس وَمن أجناد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 379 الْوُلَاة بِالْوَجْهِ القبلي وَمن العربان جمَاعَة كَبِيرَة. فَاجْتمعُوا من الْبر وَالْبَحْر بقوص وَسَار بهم طقصبا مَعَ أياي ملك النّوبَة. وفيهَا بعث الْأَمِير ركن الدّين بيبرس الدوادار إِلَى القَاضِي شرف الدّين عبد الْوَهَّاب بن فضل الله كَاتب السِّرّ أَن يكْتب نَائِب الشَّام كتابا فَقَالَ: لابد من مُشَاورَة السُّلْطَان أَو النَّائِب فَغَضب بيبرس واستدعاه فَلَمَّا جَاءَهُ لم يكترث بِهِ وَقَالَ لَهُ: كَيفَ أَقُول لَك - والك - اكْتُبْ مَا تكْتب فَقَالَ: تأدب يَا أَمِير وَلَا تَقول والك فَقَامَ بيبرس وضربه على رَأسه ثَلَاث ضربات فَخرج من عِنْده إِلَى الْأَمِير سلار النَّائِب وعرفه مَا جرى عَلَيْهِ فأقره عِنْده. وَاجْتمعَ بالأمراء وَقت الْخدمَة وَعرف الْأَمِير بيبرس الجاشنكير الْخَبَر فشق عَلَيْهِ وعَلى بَقِيَّة الْأُمَرَاء ذَلِك وَاتَّفَقُوا على بيبرس الدوادار فَأخذ سَيْفه وعوق من بكرَة النَّهَار إِلَى الظّهْر وعنف تعنيفاً زَائِدا وعزل من الدوادارية وَاسْتقر عوضه الْأَمِير أيد مر. وَقدم الْبَرِيد من دمشق بِأَن تَقِيّ الدّين أَحْمد بن تَيْمِية تنَازع مَعَ أهل دمشق فِي الصَّخْرَة الَّتِي بِمَسْجِد النارنج بجوار مصلى دمشق وَأَن الْأَثر الَّذِي بهَا هُوَ قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَن مَا يَفْعَله النَّاس من التَّبَرُّك بِهِ وَتَقْبِيله لَا يجوز وَإنَّهُ مضى بالحجارين وَقطع الصَّخْرَة فِي سادس عشر رَجَب وَقد أنكر عَلَيْهِ النَّاس مَا فعله فَأُجِيب إِن كَانَ الْأَمر على مَا زعم فقد فعل الْخَيْر وأزال بِدعَة وان كَانَ الْأَمر بِخِلَاف مَا قَالَ فَإِذا تبين صِحَّته يُقَابل على مَا فعله. وَقدم أيدغدي الشمهرزوري رَسُولا من جِهَة أبي يَعْقُوب يُوسُف بن يَعْقُوب بن عبد الْحق بن محيو بن أبي بكر بن جمَاعَة المريني ملك الْمغرب بهدية جليلة وَقدم مَعَه ركب المغاربة يُرِيدُونَ الْحَج وَكَانَ قد انْقَطع من بِلَاد الْمغرب مُنْذُ سِنِين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 فجهزهم أَبُو يَعْقُوب وَبعث مَعَهم مُصحفا غشاه بِالذَّهَب المرصع بالجوهر الرائع وَوَقفه فِي الْحرم. فَأكْرم أيدغدي وَأنزل بالميدان وأجريت عَلَيْهِ الرَّوَاتِب وَكَانَ أيدغدي هَذَا لما قبض على يَعْقُوب فِي الْأَيَّام الظَّاهِرِيَّة فر فِي جمَاعَة من الأكراد إِلَى برقة وَقدم على أبي يَعْقُوب بهدية. ففر بِهِ وَقدمه حَتَّى صَار فِي منزلَة وَزِير وَحسنت سيرته عِنْدهم إِلَى أَن بَعثه أَبُو يَعْقُوب بالهدية ليحج. وفيهَا بنى الْأَمِير مُوسَى بن الصَّالح على بن قلاوون على ابْنة الْأَمِير سلار النَّائِب مَمْلُوك أَبِيه الصَّالح. وَعمل مُهِمّ عَظِيم جدا وجهزت ابْنة سلار بِمِائَة وَسِتِّينَ ألف دِينَار وَمَشى فِي زفته الْأَمِير بيبرس الجاشنكير وَسَائِر الْأُمَرَاء وَحمل كل مِنْهُم التقادم من الشمع وَغَيره. فَحمل الْأُمَرَاء إِلَيْهِ ثَلَاثمِائَة وَثَلَاثِينَ قِنْطَارًا من الشمع. وفيهَا أوقع بالوزير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الشيخي: وَسَببه أَن الْأَمِير سلار النَّائِب لما قدم من الْحجاز عرفه الجمدارية اجتماعه بالسلطان على تروجة ومسارته لَهُ وَحمله مبلغ ألفي دِينَار وَأَنه فاوضه فِي أَمر الْأُمَرَاء وشجعه عَلَيْهِم وَأَن السُّلْطَان كلما احْتَاجَ إِلَى شَيْء استدعى بِهِ مِنْهُ فيحمله إِلَيْهِ. فشق ذَلِك على سلار وحرك مِنْهُ مَا فِي نفس من كَرَاهَته لَهُ. وَكَانَ الْأَمِير بيبرس الجاشنكير قد عزم على الْحَج فَأَرَادَ مبادرة ابْن الشيخي قبل سفر بيبرس لِئَلَّا يُوقع بِهِ فِي غيبته فشق ذَلِك عَلَيْهِ فَاسْتَشَارَ الْأَمِير علم الدّين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 381 سنجر الجاولي فِي أمره فاتفقا على إِقَامَة شخص من الأقباط يرافعه ويحقق فِي جِهَته مَال السُّلْطَان. وَندب لذَلِك من وَقع الِاخْتِيَار عَلَيْهِ. فَكتب أوراقاً وَجلسَ الْأُمَرَاء فِي الْخدمَة فعرفهم سلار مَا بلغه عَن الْوَزير ومماليكه وَحط عَلَيْهِ. فَقَالَ الْأُمَرَاء بأجمعهم: مَتى ظهر فِي قبله شىء قطع جلده بالمقارع واستدعى. فَلَمَّا حضر قَالَ لي سلار: اسْمَع مَا يَقُول هَذَا الرجل من أَنَّك أخذت مَال السُّلْطَان وخنته وَقد عرفت الشَّرْط وَأَشَارَ للرجل بمحاققته. فَقَالَ ابْن الشيخي لشؤم بخته: وَمن هَذَا الْقطعَة النحس حَتَّى أَتكَلّم مَعَه أَو يسمع مِنْهُ فِي حق مثلى مَا يَقُوله. فَاشْتَدَّ عِنْد ذَلِك غضب سلار وَقَالَ لَهُ: يَا قواد يَا قِطْعَة نحس إيش أَنْت حَتَّى تكبر نَفسك واذا حضر وَاحِد يعرفنا خِيَانَتك تخرق بِهِ قدامنا أما لنا حُرْمَة عنْدك وَأمر الْحَاجِب فَضَربهُ على رَأسه إِلَى أَن خرب شاشه. وَسلمهُ إِلَى شاد الدَّوَاوِين وَأمره بمعاقبته ومعاقبة مماليكه كبك وبكتوت وَغَيره فَأخذ سَيْفه فِي آخر يَوْم من شعْبَان وَمضى بِهِ هُوَ ومماليكه وشاور عَلَيْهِ من الْغَد فَأمر بمطالبته بِالْحملِ فَأخذ فِي تَحْصِيل المَال وَلَا يمر بِهِ يَوْم إِلَّا ويخرق بِهِ عز الدّين ايبك الشجاعي شاد الدَّوَاوِين وينكل بِهِ لما كَانَ نَفسه من تكبره عَلَيْهِ ومشيه فِي ركابه هُوَ ووالى الْقَاهِرَة عِنْد قربه من دَاره. ثمَّ إِنَّه جلس بالصناعة فِي مصر واستدعاه من القلعة فَنزل رَاكِبًا حمارا وشق بِهِ أسواق مصر إِلَى الصِّنَاعَة فثار بِهِ أهل مصر يُرِيدُونَ رجمه وسبوه. ثمَّ أَعَادَهُ وَلم يزل على ذَلِك إِلَى يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِي عشر رَمَضَان فاستدعى سعد الدّين مُحَمَّد بن عطايا نَاظر الْبيُوت وَاسْتقر فِي الوزارة. وَجلسَ والأمير علم الدّين سنجر الجاولي قَائِم بَين يَدَيْهِ يُؤَخر مَا يُوقع عَلَيْهِ من الأوراق وَكَانَ ابْن عطايا قبل هَذَا بِثَلَاثَة أَيَّام قد رؤى قَائِما بَين يَدي الجاولي يقْرَأ عَلَيْهِ ورقة حِسَاب. وَاسْتمرّ ابْن الشيخي إِلَى لَيْلَة عيد الْفطر وبيبرس الجاشنكير لَا يتحدث فِي أمره بشىء وَإِذا عرض عَلَيْهِ شاد الدَّوَاوِين شَيْئا من أُمُوره قَالَ لَهُ: مهما رسم نَائِب السُّلْطَان افعله. هَذَا وَقد ثقل عَلَيْهِ فِي أَمر ابْن الشيخي زَوجته بنت بهادر رَأس نوبَة وولداها جركتمر وأميرعلى وأخوهما خَلِيل وَكَانُوا من خَواص الْأَمِير بيبرس وَهُوَ يعدهم بخلاصه إِلَى أَن اجْتمع والأمراء عِنْد النَّائِب فَتحدث مَعَه فِي خلاصه فَعرفهُ مَا كَانَ مِنْهُ مَعَ السُّلْطَان على تروجة فَأمْسك عَنهُ وَقَامَ. وفيهَا توجه الْأَمِير بيبرس الجاشنكير إِلَى الْحجاز مرّة ثَانِيَة فِي أول ذِي الْقعدَة وَمَعَهُ عَلَاء الدّين ايدغدي الشمهرزوري رَسُول ملك الْمغرب والأمير بيبرس المنصوري الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 الدوادار والأمير بهاء الدّين يَعْقُوب فِي جمَاعَة كَثِيرَة من الْأُمَرَاء. وَكَانَ فد خرج الركب فِي عَالم كثير من النَّاس مَعَ الْأَمِير عز الدّين أيبك الخازندار زوج ابْنة الْملك الظَّاهِر بيبرس إِلَى الْبركَة فَكثر الْحجَّاج وقسموا ثَلَاث ركُوب: ركب مَعَ الْأَمِير بيبرس المنصوري وَركب مَعَ الْأَمِير يعقوبا وَركب مَعَ أيبك وعندما سَار الْأَمِير بيبرس الجاشنكير رسم النَّائِب سلار لشاد الدَّوَاوِين فَضرب ابْن الشيخي فِي يَوْمه بالمقارع وَاسْتمرّ يُعَاقِبهُ حَتَّى مَاتَ من الْعقُوبَة فِي سابعه. وفيهَا سَار الشريفان حميضة ورميثة من الْقَاهِرَة مَعَ الْأَمِير عز الدّين أيدمر الكوكندي إِلَى مَكَّة فَقبض الْأَمِير بيبرس الجاشنكير على الشريفين أبي الْغَيْث وعطفة وَولى مكانهما حميضة ورميثة. وفيهَا: وجد الْحَاج عدَّة مشاق: مِنْهَا قلَّة المَاء وَغَلَاء السّعر وهبوب سمائهم محرقة هلك مِنْهَا خلق كثير من جفاف قرب المَاء. وَأخذ الْحَاج من وَادي النَّار على طَرِيق أُخْرَى فتاهوا وَهلك مِنْهُم عَالم كَبِير. وَبلغ الشّعير كل ويبة بِأَرْبَعِينَ درهما والدقيق كل وبية بستين. وفيهَا: قدم الْأَمِير بكتاش الفخري أَمِير سلَاح بِمن مَعَه من غزَاة سيس وفيهَا أجدب الشَّام من الْغَوْر إِلَى الْعَريش وجفت الْمِيَاه ونزح النَّاس عَن أوطانهم من الْعَطش الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 وخلا من الصَّفْقَة الْقبلية أَلفَانِ وَثَمَانمِائَة قَرْيَة. وفيهَا ظهر فِي مَعْدن الزمرد قِطْعَة زنتها مائَة وَخَمْسَة وَسَبْعُونَ مِثْقَالا فأخفاها الضَّامِن وَحملهَا إِلَى بعض الْمُلُوك فَدفع لَهُ فِيهَا مائَة وَعشْرين ألف دِرْهَم فَأبى بيعهَا فَأَخذهَا مِنْهُ وَبعث بهَا إِلَى السُّلْطَان فَمَاتَ الضَّامِن غماً. وفيهَا: توجه شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين أَحْمد بن تَيْمِية فِي ذِي الْحجَّة من دمشق وَمَعَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 384 الْأَمِير بهاء الدّين قراقوش المنصوري إِلَى أهل جبل كسروان يَدعُوهُم إِلَى الطَّاعَة فَلم يجيبوا. فَجمعت العساكر لقتالهم. وفيهَا: قَامَ بِأَمْر الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة الشريف نَاصِر الدّين أَبُو عَامر مَنْصُور بعد موت أَبِيه الْأَمِير عز الدّين أبي سفر جماز بن شيحة فِي ربيع الآخر. وَبلغ النّيل سَبْعَة عشر ذِرَاعا. وَثَمَانِية عشر إصبعاً. وَمَات فِي هَذِه السّنة زين الدّين أَحْمد بن الصاحب فَخر الدّين مُحَمَّد بن الصاحب بهاء الدّين على بن مُحَمَّد بن سليم بن حنا فِي لَيْلَة الْخَمِيس ثامن صفر وَكَانَ فَقِيها شافعياً فَاضلا متديناً رَئِيسا وافر الْحُرْمَة محباً لأهل الْخَيْر وَمَات فتح الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن سُلْطَان القوصي الشَّافِعِي وَكيل بَيت المَال وَمَات شمس الدّين أَحْمد بن على بن هبة الله بن السديد الإسنائي خطيب إسنا ونائب الحكم بهَا وبأدفو وبقوص فِي رَجَب وَكَانَ قد انْتَهَت إِلَيْهِ رياسة الصَّعِيد وَبنى بقوص مدرسة وَكَانَ قوى النَّفس كثير الْعَطاء مهيبا ممدوحاً يبْذل فِي بَقَاء رياسته الآلاف فَيُقَال إِنَّه بذل فِي نِيَابَة الحكم بقوص ثَمَانِينَ ألف دِرْهَم فَسَار إِلَى مصر وَمَات بهَا. وَمَات الْأَمِير بيبرس الموفقي المنصوري أحد أُمَرَاء دمشق بهَا فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَالِث عشرى جُمَادَى الْآخِرَة مخنوقاً وَهُوَ سَكرَان. وَمَات الْأَمِير الشريف عز الدّين جماز بن شيحة أَمِير الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة وَقد أضرّ وَقَامَ بالإمرة الْأَمِير نَاصِر الدّين مَنْصُور بن جماز. وَمَات بهاء الدّين عبد الْحسن بن الصاحب مُحي الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن هبة الله وَيعرف بِأبي جَرَادَة مَاتَ بِالْقَاهِرَةِ وَكَانَ سخياً مُبَارَكًا فَاضلا حدث عَن يُوسُف بن خَلِيل وَغَيره. وَمَات علم الدّين عبد الْكَرِيم بن على بن عمر الْأنْصَارِيّ الْمَعْرُوف بِالْعلمِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 الْعِرَاقِيّ الْفَقِيه الشَّافِعِي مدرس التَّفْسِير بالقبة المنصورية يَوْم الثُّلَاثَاء سادس صفر عَن بضع وَثَمَانِينَ سنة وَكَانَ عَالم مصر. وَمَات تَاج الدّين على بن أَحْمد بن عبد المحسن الحسينى الْعِرَاقِيّ الإسْكَنْدراني شيخ الْإسْكَنْدَريَّة الإِمَام الْمُحدث فِي ذِي الْحجَّة تفرد بالرواية عَن جمَاعَة ورحل النَّاس إِلَيْهِ وَكَانَ فَقِيها عَالما. وَمَات نجم الدّين عمر بن أبي الْقَاسِم بن عبد الْمُنعم بن مُحَمَّد بن الْحسن بن الْكَاتِب بن أبي الطّيب الدِّمَشْقِي نَاظر المارستان النوري بِدِمَشْق وناظر الخزانة ووكيل بَيت المَال بهَا لَيْلَة الثُّلَاثَاء نصف جُمَادَى الْآخِرَة وَكَانَ فَقِيها مدرساً مشكوراً فِي ولاياته. وَمَات أَمِين الدّين مُحَمَّد بن الشَّيْخ قطب الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بِمَكَّة فِي الْمحرم وَسمع الحَدِيث بِمَكَّة وانتهت إِلَيْهِ مشيخة الحَدِيث بهَا. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن الصاحب شرف الدّين إِسْمَاعِيل بن أبي سعيد بن التيتي الْآمِدِيّ أحد الْأُمَرَاء ونائب دَار الْعدْل بقلعة الْجَبَل. وَمَات الْأَمِير مبارز الدّين سوار الرُّومِي أَمِير شكار أحد الوافدية من الرّوم فِي الْأَيَّام الظَّاهِرِيَّة وَكَانَ كَرِيمًا شجاعاً متديناً. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين بهادر سمر مقتولًا بأيدي عرب الشَّام. وَمَات الْأَمِير الْوَزير نَاصِر الدّين مُحَمَّد - وَيُقَال ديباى - الشيخي تَحت الْعقُوبَة فِي سَابِع ذِي الْقعدَة وَأخرج على جنوية إِلَى القرافة فَدفن بهَا وَكَانَ فِيهِ مَكَارِم وعصبة ومروءة وَيكْتب الْخط الْمليح وَيعرف صناعَة الْحساب مَعَ الظُّلم والعسف والتكبر وأحدث مظالم عديدة وَأَصله من بِلَاد ماردين وَقدم مَعَ شمس الدّين مُحَمَّد بن التيتي إِلَى دمشق وَسَار مِنْهُمَا إِلَى الْقَاهِرَة مُجَردا فَقِيرا يمشي على قَدَمَيْهِ وتعيش فِي خياطَة الأقباع بِبَعْض أسواق الْقَاهِرَة مُدَّة ثمَّ تزيا بزِي الأجناد وخدم مَعَ الشادين ولازم الْوُقُوف فِي خدمَة الحسام برناق شاد الكيالة زَمَانا حَتَّى عرف دخل الْمُبَاشرَة وخرجها فتلطف مَعَ بعض مقطعي الكيالة وأوعدهم حَتَّى ضمن سَاحل الْغلَّة ببولاق فَشدد فِيهِ حَتَّى فاض مَعَه جملَة وخدم الصاحب فَخر الدّين بن الخليلي وهادى الْأُمَرَاء إِلَى أَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 386 ولى شدّ الدَّوَاوِين بإمرة عشرَة وانتقل مِنْهَا إِلَى شدّ الجيزية وَولَايَة الْقَاهِرَة وَجمع بَينهمَا فَصَارَ من أُمَرَاء الطبلخاناه وَولى الوزارة فَكَانَ فِيهَا حتفه. وَمَات الشريف شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الشهَاب أبي على الْحُسَيْن بن شمس الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد الأرموي نقيب الْأَشْرَاف فِي تَاسِع عشر شَوَّال وَولى نقابة الْأَشْرَاف بعده الشريف بدر الدّين بن عز الدّين وَقَتله بِدِمَشْق أَبُو السرُور السامري كَاتب الْأَمِير سيف الدّين أسندمر كرجي نَائِب طرابلس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 فارغة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 سنة خمس وَسَبْعمائة فِي أول الْمحرم: بَاشر جلال الدّين مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عمر الْقزْوِينِي نِيَابَة الحكم بِدِمَشْق عَن نجم الدّين أَحْمد بن صصري. وَفِي ثَانِيه: سَار الْأَمِير جمال الدّين أقوش الأفرم نَائِب الشَّام من دمشق فِي عساكرها لقِتَال أهل حبال كسروان ونادى بِالْمَدِينَةِ من تَأَخّر من الأجناد والرجالة شنق. فَاجْتمع لَهُ نَحْو الْخمسين ألف راجل وزحف بهم لمهاجمة أهل تِلْكَ الْجبَال ونازلهم وَخرب ضياعهم وَقطع كرومهم ومزقهم بَعْدَمَا قَاتلهم أحد عشر يَوْمًا قتل فِيهَا الْملك الأوحد شادي بن الْملك الزَّاهِر دَاوُد وَأَرْبَعَة من الْجند وَملك الْجَبَل عنْوَة وَوضع فيهم السَّيْف وَأسر سِتّمائَة رجل وغنمت العساكر مِنْهُم مَالا عَظِيما وَعَاد إِلَى دمشق فِي رَابِع عشر صفر. وَقدم الْأَمِير بيبرس الجاشنكير من الْحجاز وَمَعَهُ الشريفان أَبُو الْغَيْث وعطيفة فرتب لَهما مَا يكفيهما وصارا يركبان مَعَ الْأُمَرَاء وَقدم الْحَاج ورسم بتجهيز الْهَدِيَّة إِلَى ملك الغرب وصحبتها عشرُون إكديشاً من أكاديش التتر وَعِشْرُونَ أَسِيرًا مِنْهُم وَشَيْء من طبولهم وقسيهم وَخرج بهَا - مَعَ أيدغدي الشهرزوري - عَلَاء الدّين أيدغدي التسليلي الشمسي مَمْلُوك سنقر الْأَشْقَر والأمير عَلَاء الدّين أيدغدي الْخَوَارِزْمِيّ. وَاسْتقر أَمِين الدّين أَبُو بكر بن وجيه الدّين عبد الْعَظِيم بن يُوسُف بن الرقاقي فِي نظر الشَّام عوضا عَن شهَاب الدّين بن ميسر. وعزل شمس الدّين مُحَمَّد بن عُثْمَان بن الحريري عَن قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق وَكتب باستقرار شمس الدّين الْأَذْرَعِيّ عوضا عَنهُ وَسبب عزل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 أَنه وجد بخطة ان الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَحْمد بن تَمِيمَة لم يرى النَّاس بعد سلف الصَّالح مثله فاتفق أَن البريدي لما توجه بتقليد الْأَذْرَعِيّ ظن أَنه للحريري وَقدم دمشق والنائب قد خرج إِلَى الصَّيْد فَأعْطى التَّقْلِيد للحريري فَقَامَ إِلَى الْمدرسَة الظَّاهِرِيَّة وَحكم وَكَانَ ابْن الْأَذْرَعِيّ يَظُنهَا لَهُ فيئس واغتم لذَلِك. ثمَّ قرئَ الثقليد بحضره النَّاس فَإِذا هر باسم الْأَذْرَعِيّ فَقَامَ الحريري خجلاً واستدعى الْأَذْرَعِيّ فَجَلَسَ وَحكم. وفيهَا: أظهر ابْن تَيْمِية الْإِنْكَار على الْفُقَرَاء الأحمدية فِيمَا يَفْعَلُونَهُ: من دُخُولهمْ فِي النيرَان المشتعلة وأكلهم الْحَيَّات ولبسهم الأطواق الْحَدِيد فِي أَعْنَاقهم وتقلدهم بالسلاس على مَنَاكِبهمْ وَعمل الأساور الْحَدِيد فِي أَيْديهم ولفهم شُعُورهمْ وتلبيدها. وَقَامَ فِي ذَلِك قيَاما عَظِيما بِدِمَشْق وَحضر فِي جمَاعَة إِلَى النَّائِب وعرفه أَن هَذِه الطَّائِفَة مبتدعة فَجمع لَهُ وَلَهُم النَّاس من أهل الْعلم فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً كَادَت أَن تقوم فِيهِ فتْنَة وَاسْتقر الْأَمر على الْعَمَل بِحكم الشَّرْع ونزعهم هَذِه الهيئات. وفيهَا اقْطَعْ السُّلْطَان فِي جُمَادَى الْآخِرَة جبال كسروان بعد فتحهَا للأمير عَلَاء الدّين بن معبد البعلبكي وَسيف الدّين بكتمر عَتيق بكتاش الفخري. وحسام الدّين لاجين وَعز الدّين خطاب الْعِرَاقِيّ فَرَكبُوا بالشربوش وَخَرجُوا إِلَيْهَا فزرعها لَهُم الجبلية وَرفعت أَيدي الرفضة عَنْهَا. وفيهَا أخر متملك سيس الْحمل الْجَارِي بِهِ الْعَادة فَبعث إِلَيْهِ نَائِب حلب أستاداره قشتمر الشمسي أحد مقدمي حلب على عَسْكَر نَحْو الْأَلفَيْنِ وَفِيهِمْ الْأَمِير شمس الدّين أقسنقر الْفَارِسِي والأمير فتح الدّين صبرَة المهمندار والأمير قشتمر النجيبي وقشتمر المظفري فِي ذِي الْحجَّة من السّنة الْمَاضِيَة. فَشُنُّوا الغارات على بِلَاد سيس ونهبوا وحرقوا كثيرا من الضّيَاع وَسبوا النِّسَاء والأطفال فِي الْمحرم. وَكَانَ قد وصل إِلَى سيس طَائِفَة من التتار فِي طلب المَال فَركب التتار مَعَ صَاحب سيس وملكوا رَأس الدربند فَركب الْعَسْكَر لقتالهم وَقد انحصروا فَرمى التتار عَلَيْهِم بالنشاب والأرمن بِالْحِجَارَةِ فَقتل جمَاعَة وَأسر من الْأُمَرَاء ابْن صبرَة وقشتمر النجيبي وقشتمر المظفري فِي آخَرين من أهل حلب وخلص قشتمر مقدم الْعَسْكَر وآقسنقر الْفَارِسِي. وَتوجه التتار بالأسرى إِلَى خربندا بالأردن فرسم عَلَيْهِم: وَبلغ نَائِب حلب خبر الكسرة فَكتب بذلك إِلَى السُّلْطَان والأمراء فرسم بِخُرُوج الْأَمِير بكتاش أَمِير سلَاح وبيبرس الدوادار وأقوش الْموصِلِي فتال السَّبع والدكن السِّلَاح دَار فَسَارُوا من الْقَاهِرَة فِي نصف شعْبَان على أَرْبَعَة آلَاف فَارس. فَبعث متملك سيس الْحمل وَاعْتذر بِأَن الْقِتَال لم يكن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 390 مِنْهُ وَإِنَّمَا كَانَ من التتر ووعده بالتحيل فِي إِحْضَار الْأُمَرَاء المأسورين فَرجع الْأَمِير بكتاش بِمن مَعَه من غَزَّة. وفيهَا أفرج عَن الْأَمِير سيف الدّين الْحَاج بهادر الجكمي الظَّاهِرِيّ وَأخرج إِلَى دمشق على إقطاع قيران مشد الدَّوَاوِين وَاسْتقر حاجباً بِدِمَشْق عوضا عَن الْأَمِير بكتمر الحسامي وَنقل بكتمر من الحجوبية إِلَى شدّ الدَّوَاوِين وَقبض على قيران وصودر. وفيهَا قدم رَسُول ملك قسطنطينية وَمَعَهُ رَسُول الكرج بِهَدَايَا وَكتاب يتَضَمَّن الشَّفَاعَة فِي فتح الْكَنِيسَة المصلبة بالقدس لزيارة الكرج لَهَا وَأَن الكرج تكون فِي طَاعَة السُّلْطَان وعوناً لَهُ مَتى احْتَاجَ إِلَيْهِم. فَكتب بِفَتْح الْكَنِيسَة ففتحت وأعيد الرَّسُول بِالْجَوَابِ. وفيهَا توقفت الْأَحْوَال بِالْقَاهِرَةِ لِكَثْرَة الْفُلُوس وَمَا دخل فِيهَا من الْخفاف الْوَزْن وارتفع سعر الْقَمْح من عشْرين درهما الأردب إِلَى أَرْبَعِينَ. فرسم بِضَرْب فلوس جدد وعملت الْفُلُوس الْخفاف بِدِرْهَمَيْنِ وَنصف الرطل فمشت الْأَحْوَال. وفيهَا قَامَ شمس الدّين مُحَمَّد بن عَدْلَانِ بِالْقَاهِرَةِ وَأنكر على تَقِيّ الدّين أَحْمد بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 تَيْمِية فَتْوَى رَآهَا قي مسالة الاسْتوَاء وَمَسْأَلَة خلق الْقُرْآن وَاجْتمعَ بالقضاة فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 392 لنائب آل الْأَمر فِيهِ إِلَى أَن كتب ابْن تَيْمِية خطه وَأشْهد عَلَيْهِ إِنَّه شَافِعِيّ الْمَذْهَب يعْتَقد مَا يَعْتَقِدهُ الإِمَام الشَّافِعِي وانه أشعري الِاعْتِقَاد. فَنُوديَ بِدِمَشْق من ذكر عقيدة ابْن تَيْمِية شنق فَاشْتَدَّ حِينَئِذٍ ابْن عَدْلَانِ وَقَامَ مَعَه قَاضِي الْقُضَاة زين الدّين على بن مخلوف الْمَالِكِي. وحرض الْأُمَرَاء عَلَيْهِ. ومازال بهم حَتَّى خرج الْأَمِير ركن الدّين الْعمريّ الْحَاجِب على الْبَرِيد بِحمْلِهِ وَحمل أَخِيه شرف الدّين عبد الرَّحْمَن إِلَى الْقَاهِرَة. وَطلب الْأَمِير ركن الدّين نجم الدّين أَحْمد بن صصري ووجيه الدّين بن المنجا وتقي الدّين شقير وَأَوْلَاد ابْن الصَّائِغ فأحضروهم يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشر رَمَضَان فَاجْتمع الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء بقلعة الْجَبَل وَحضر الْأُمَرَاء فَادّعى ابْن عَدْلَانِ على ابْن تيميه فَلم يجبهُ وَقَامَ يخْطب فصاح عَلَيْهِ القَاضِي زين الدّين بن مخلوف الْمَالِكِي: نَحن أحضرناك للدعوى عَلَيْك مَا أحضرناك خَطِيبًا وألزمه بِالْجَوَابِ. فَقَالَ لَهُ: أَنْت عدوي لَا يجوز حكمك على فَأمر باعتقاله فَأخذ وسجن بحارة الديلم من الْقَاهِرَة هُوَ وَأَخُوهُ. وخلع على ابْن صصري وأعيد إِلَى دمشق وَمَعَهُ كتاب ليقْرَأ على الْجَامِع بِالْمَنْعِ من الْكَلَام فِي العقائد وَالنَّهْي عَن اعْتِقَاد شَيْء من فَتَاوَى ابْن تَيْمِية وَأَن يكْتب على الْحَنَابِلَة محَاضِر بِالرُّجُوعِ وفيهَا قطع خبر الْأَمِير الْكَبِير بكتاش الفخري أَمِير سلَاح الصَّالِحِي النجمي: وَسبب ذَلِك أَنه مرض وَقد أناف على الثَّمَانِينَ فخاف أستاداره بكتمر الْفَارِسِي من مَوته وَأَن يُطَالب من ديوَان السُّلْطَان بتفاوت الإقطاع فِي مُدَّة إمرته وَهِي سِتُّونَ سنة وَأَن يلْزم بالتقاوى السُّلْطَانِيَّة وَحسن لوَلَده نَاصِر الدّين مُحَمَّد أَن يمْضِي إِلَى الْأَمِير بيبرس وسلار على لِسَان أَبِيه بَان يتحدثا مَعَ السُّلْطَان بِأَنَّهُ قديم هِجْرَة وَله خدمَة فِي الْبَيْت المنصوري وَقد أسن وَعجز عَن الرّكُوب وَلَا يحل لَهُ أكل هَذَا الإقطاع بِغَيْر اسْتِحْقَاق ويسألاه فِي إِخْرَاجه عَنهُ وَكِتَابَة مسموح لأولاده ومباشريه بِمَا يخص السُّلْطَان من تفَاوت الإقطاعات والانتقالات من تَارِيخ إمرته إِلَى خُرُوج الإقطاع عَنهُ وخيله إِنَّه مَتى لم يفعل ذَلِك حَتَّى يَمُوت وَالِده لم يبْق لَهُم من بعده وجود وَيحْتَاج إِلَى الِاسْتِدَانَة ليوفي الدِّيوَان السلطاني مُسْتَحقّه. فانفعل لذَلِك وَبلغ مَا رتبه الأستادار عَن أَبِيه إِلَى بيبرس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 401 وسلار فتألما وبكيا ودخلا بِهِ إِلَى السُّلْطَان فَأَعَادَ نَاصِر الدّين مُحَمَّد لَهُ الرسَالَة بِحُضُور الْأُمَرَاء فَأُجِيب وَكتب المسموح وَنَصه: رسم بِالْأَمر الشريف شرفه الله وعظمه أَن يسامح الْمقر العالي المولوي الأميري البدري بكتاش الفخري الصَّالِحِي أَمِير سلَاح بِجَمِيعِ مَا عَلَيْهِ من تفَاوت الإقطاعات الْمُنْتَقل إِلَيْهَا والمنتقل عَنْهَا من غير طلب تفَاوت وَلَا تقاو وَلَا مَا يخص الدِّيوَان الشريف من هلالي وخراجى وَغَيره مُسَامَحَة وانعاماً عَلَيْهِ لما سلف لَهُ من الْخدمَة وتقادم الْهِجْرَة مُسَامَحَة لَا رد فِيهَا وَلَا رُجُوع عَنْهَا بِحَيْثُ لَا يُطَالب بشئ قل وَلَا جلّ لما مضى من الزَّمَان وَإِلَى يَوْم تَارِيخه لنزوله عَن إقطاعه حسب سُؤَاله وَتوجه إِلَيْهِ الْأَمِير شمس الدّين سنقر الكمالي الْحَاجِب والأمير بدر الدّين مُحَمَّد بن الوزيرى بذلك. وَسبق وَلَده وَدخل عَلَيْهِ وَمَعَهُ بكتمر أستاداره وحدثاه فِي أَنه قد ضعف عَن الْحَرَكَة وَأَن الإقطاع يستكثر عَلَيْهِ فَقَالَ: أَرْجُو أَن يمن الله بالعافية وَأَن أَمُوت على ظهر فرسي فِي الْجِهَاد فذكرا لَهُ مَا يتخوفانه بعد مَوته من المغرم فَلم يلْتَفت لكلامهما. وَقدم الْحَاجِب وَابْن الوزيري بالمسموح فقاله لَهما: لَا تطيلا فِي الْكَلَام فَإِنَّهُ اخْتَلَط وَفَسَد عقله فدخلا وعرفاه مَا قَالَه عَنهُ وَلَده من طلب الإعفاء من الْخدمَة فَإِنَّهُ نزل عَن الإقطاع وقدما لَهُ المسموح وبلغاه سَلام السُّلْطَان والأمراء وَأَنه لم يفعل هَذَا إِلَّا حسب سُؤَاله وَقد رتب لَهُ خَمْسَة آلَاف دِرْهَم فِي الشَّهْر. فَغَضب عِنْد ذَلِك وَقَالَ: قطع السُّلْطَان خبزي قَالَا: نعم {وعرفاه مَا كَانَ من وَلَده فَالْتَفت إِلَيْهِ وَقَالَ: أَنْت سَأَلت فِي ذَلِك قَالَ: نعم} فَسَبهُ وَقَالَ للأميرين: قولا للسُّلْطَان والأمراء مَا كنت أستحق أَن يقطع خبزي قبل الْمَوْت وهم يعلمُونَ مَا فعلته مَعَهم وَكنت أُؤَمِّل أَن أَمُوت فِي الْغُزَاة وَمَا بَرحت أخرج كل سنة لَعَلَّ أَن يدركني أَجلي فَمَا قدر الله. ثمَّ أعرض عَنْهُم وَقَامُوا عَنهُ فَمَاتَ من مَرضه هَذَا. وَاسْتقر إقطاعه فِي الْخَاص السلطاني وأضيفت أجناده إِلَى الْحلقَة وفيهَا قدمت هَدِيَّة الْملك الْمُؤَيد هزبر الدّين دواد صَاحب الْيمن فَوجدت قيمتهَا أقل من الْعَادة فَكتب بالإنكار عَلَيْهِ والتهديد وسير مَعَ بدر الدّين مُحَمَّد الطوري أحد مقدمي الْحلقَة فَلم يعبأ بِهِ الْملك الْمُؤَيد وَلَا أجَاب عَن الْكتاب بِشَيْء. وفيهَا استسقى أهل دمشق لقلَّة الْغَيْث فسقوا بعد ذَلِك. وَمَات فِي هَذِه السّنة خطيب دمشق شرف الدّين أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن سِبَاع الفزارى الْفَقِيه الشَّافِعِي الْمُقْرِئ النَّحْوِيّ الْمُحدث فِي شَوَّال عَن خمس وَسبعين سنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 402 وَمَات مجد الدّين سَالم بن أبي الهيجاء بن جميل الْأَذْرَعِيّ قَاضِي نابلس بِالْقَاهِرَةِ فِي ثَانِي عشر صفر بَعْدَمَا بَاشر قَضَاء نابلس أَرْبَعِينَ سنة وَصرف عَنْهَا وَقدم بأَهْله إِلَى الْقَاهِرَة فَمَاتَ بهَا. وَمَات الْحَافِظ شرف الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الْمُؤمن بن خلف بن أبي الْحسن بن شرف ابْن الْخضر بن مُوسَى الدمياطي الْفَقِيه الشَّافِعِي الْمُحدث آخر الْحفاظ فِي خَامِس عشر ذِي الْقعدَة من غير مرض عَن اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين سنة. وَمَات قَاضِي الْقُضَاة بحلب شمس الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن بهْرَام الشَّافِعِي بهَا فِي أَوَائِل جُمَادَى وَمَات مُحَمَّد بن عبد الْمُنعم بن شهَاب الدّين بن الْمُؤَدب بِمصْر حدث عَن ابْن باقا. وَمَات الْفَقِيه العابد الْمسند أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أبي بكر بن مُحَمَّد الحبراني الْحَنْبَلِيّ ومولده بحران سنة ثَمَانِي عشرَة وسِتمِائَة سمع من ابْن روزبة والمؤتمن ابْن قميرة وَسمع بِمصْر من ابْن الجميزي وَغَيره وَتفرد بأَشْيَاء وَكَانَ فِيهِ دعابة وتلا بِمَكَّة ألف ختمة. وَمَات شرف الدّين يحيى بن احْمَد بن عبد الْعَزِيز الجذامى الإسْكَنْدراني. وَمَات الأوحد تَقِيّ الدّين بن الْملك الزَّاهِر مجير الدّين دَاوُد بن الْمُجَاهِد أَسد الدّين شيركوه بن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أَسد الدّين شيركوه بن شادي بن مَرْوَان أحد أُمَرَاء دمشق فِي ثَانِي صفر على قتال الكسرويين وَكَانَ فَاضلا خَبِيرا بالأمور. وَمَاتَتْ المعمرة أم الْفضل زَيْنَب بنت سُلَيْمَان بن إِبْرَاهِيم بن هبة الله بن رَحْمَة الإسعردية بِمصْر فِي ذِي الْقعدَة حدثت عَن ابْن الزبيدِيّ وَأحمد بن عبد الْوَاحِد البُخَارِيّ وَغَيره وتفردت بأَشْيَاء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 403 فارغة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 404 (سنة سِتّ وَسَبْعمائة) فِيهَا توحش مَا بَين الأميرين علم الدّين سنجر البرواني وَسيف الدّين الطشلاقي على بَاب الْقلَّة من القلعة بِحَضْرَة الْأُمَرَاء من أجل استحقاقهما فِي الإقطاعات فَإِنَّهُمَا تباعلا وَنزل الطشلاقي على إقطاع البرواني. وَكَانَ كل مِنْهُمَا فِيهِ كبر وظلم وعسف والبرواني من خَواص الْأَمِير ركن الدّين بيبرس الجاشنكير والطشلاقي من ألزام الْأَمِير سلار النَّائِب لإنه خشداشه وَكِلَاهُمَا مَمْلُوك الصَّالح على بن قلاوون. فَاشْتَدَّ الطشلاقي على البرواني وسفه عَلَيْهِ فَقَامَ البرواني إِلَى الْأَمِير بيبرس فَشَكا مِنْهُ فاستدعى بِهِ وعنفه فاساء فِي الرَّد وأفحش فِي حق البرواني وَقَالَ: أَنْت وَاحِد منفي وافدي تجْعَل نَفسك مثل مماليك السُّلْطَان. فاستشاط بيبرس غَضبا وَقَامَ ليضربه فَجرد سَيْفه يُرِيد ضرب بيبرس فَقَامَتْ قِيَامَة بيبرس وَأخذ سَيْفه وَأَوْمَأَ ليضربه فترامى عَلَيْهِ من حَضَره وأمسكه عَنهُ وأخرجوا الطشلاقي بَعْدَمَا كَادَت مماليك بيبرس أَن تقتله. وللوقت طلب بيبرس الْأَمِير سنقر الكمالي الْحَاجِب وَأمره بِإِخْرَاج الطشلاقي إِلَى دمشق فخشي من النَّائِب سلار وَدخل عَلَيْهِ وَأخْبرهُ الْخَبَر فَوجدَ الْعلم عِنْده وَأمره بِالْعودِ إِلَى بيبرس وملاطفته فِي الْعَفو عَن الطشلاقي وَأَنه يلْزم دَاره حَتَّى يرضى عَنهُ. فَعَاد إِلَى بيبرس وعندما أَخذ يبلغهُ رِسَالَة سلار صرخَ فِيهِ وَحلف إِن بَات الطشلاقي اللَّيْلَة فِي الْقَاهِرَة عملت فتْنَة كَبِيرَة. فَعَاد الْحَاجِب وَبلغ سلار ذَلِك فَلم يَسعهُ إِلَّا السُّكُوت وَأخرج الطشلاقي من وقته وَأمر الْحَاجِب بِتَأْخِيرِهِ فِي بلبيس ليراجع بيبرس فِيهِ. وعندما اجْتمعَا من الْغَد فِي الْخدمَة بدأه بيبرس بِمَا كَانَ من الطشلاقي فِي حَقه من الْإِسَاءَة وسلار يسكن غَضَبه فَلَا يسكن بل يشْتَد فَأمْسك على حقد وَتوجه الطشلاقي إِلَى الشَّام. وفيهَا قدم الْبَرِيد من حماة بِمصْر ثَابت على القَاضِي أَن ضَيْعَة تعرف ببارين بَين جبلين فَسمع للجبلين فِي اللَّيْل قعقعة عَظِيمَة فَتسَارع النَّاس فِي الصَّباح إِلَيْهَا فَإِذا أحد الجبلين قد قطع الْوَادي وانتقل مِنْهُ قدر نصفه إِلَى الْجَبَل الآخر والمياه فِيمَا بَين الجبلين تجْرِي فِي الْوَادي فَلم يسْقط من الْجَبَل الْمُنْتَقل شَيْء من الْحِجَارَة وَمِقْدَار النّصْف الَّذِي انْتقل من الْجَبَل مائَة ذِرَاع وَعشرَة أَذْرع ومسافة الْوَادي الَّذِي قطعه هَذَا الْجَبَل مائَة ذِرَاع وَأَن قَاضِي حماة خرج بالشهود حَتَّى عاين ذَلِك وَكتب بِهِ محضراً فَكَانَ هَذَا من غرائب الِاتِّفَاق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 405 وفيهَا قدم الْخَبَر من بِلَاد الْمغرب بقتل السُّلْطَان أبي يَعْقُوب بوسف بن يَعْقُوب المريني صَاحب تلمسان فِي ذِي الْقعدَة من السّنة الحالية على يَد خدمه وَأَن ابْنه أَبَا سَالم قَامَ من بعده فثاروا بِهِ بعد أُسْبُوع وَأَقَامُوا عوضه حفيده أَبَا عَامر ثَابت. وفيهَا ابتدأت الوحشة بَين الأميرين بيبرس وسلار: وسببها أَن التَّاج بن سعيد الدولة الْكَاتِب كَانَ مُتَمَكنًا من بيبرس مستولياً على سَائِر أُمُوره فمكنه من الدولة حَتَّى صَارَت أُمُور الْأَمْوَال الديوانية الْمُتَعَلّقَة بالوزارة والأستادارية لَا يلْتَفت فِيهَا إِلَى كَلَام غَيره واستعان مَعَه أكْرم بن بشير أحد أَقَاربه فتقربا إِلَى بيبرس بتحصيل الْأَمْوَال من المشتروات وأضافا لَهُ جِهَة النطرون وَكَانَ التَّاج صديقا لِابْنِ الشيخي وَهُوَ الَّذِي قدمه إِلَى الوزارة فَلَمَّا قتل شقّ عَلَيْهِ واتهم الْأَمِير علم الدّين سنجر الجاولي بِأَنَّهُ السَّبَب فِي ذَلِك وَأَنه الَّذِي أغرى بِهِ الْأَمِير سلار لما كَانَ يعلم من عَدَاوَة الجاولي لِابْنِ الشيخي ومصادقته للصاحب سعد الدّين مُحَمَّد بن سعد بن عطايا وَهُوَ الَّذِي عينه للوزارة بِقصد إنكاء التَّاج بن سعيد الدولة. فَأخذ التَّاج فِي الْعَمَل على الجاولي وَهُوَ يَوْمئِذٍ يَنُوب عَن بيبرس الجاشنكير فِي الأستادرية وَندب لمرافقته رجل من الأقباط وَصَارَ كل قَلِيل يَقُول عَنهُ لبيبرس إِنَّه نهب الْأَمْوَال وَأخذ رواتب كَثِيرَة لنَفسِهِ وحواشيه وَمد وقفت أَحْوَال الدولة من ذَلِك والوزير ابْن عطايا لَا يدْرِي صناعَة الْكِتَابَة وَإِنَّمَا أَشَارَ الجاولي على سلار بوزارته ليتَمَكَّن من أغراضه وان بعض كتاب الْحَوَائِج خاناه كتب أوراقاً بِمَال كَبِير فِي جِهَة الجاولي وَأكْثر من هَذَا القَوْل وَمَا أشبهه إِلَى أَن تقرر ذَلِك فِي نفس بيبرس وَتغَير على الجاولي وَحدث سلار فِي أمره وَأَنه أَخذ جملَة مَال مستكترة. وَكَانَ سلار صديقا للجاولي شَدِيد الْمحبَّة لَهُ من قديم حَتَّى أَن كلا مِنْهُمَا عمر مدرسة على جبل يشْكر بجوار مناظر الْكَبْش مجاورة لمدرسة الآخر وَعمل لنَفسِهِ مدفناً بحذاء مدفن الآخر. فدافع سلار عَن الجاولي وَقَالَ لبيبرس: بِاللَّه لَا تسمع للديوان فَإِنَّهُم مناحيس يُرِيدُونَ الْفِتَن. فتمادى بيبرس فِي الْحَط على الجاولي وسبه وَقَالَ: لابد أَن أخْلص مِنْهُ المَال. فَلَمَّا افْتَرقَا أعلم سلار الجاولي بِتَغَيُّر بيبرس عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: هَذَا من التَّاج بن سعيد الدولة فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِالدُّخُولِ إِلَى بيبرس ومخادعته بلين القَوْل لَهُ عساه ينخدع ويمسك عَمَّا يُريدهُ. فامتثل ذَلِك وَصَارَ إِلَيْهِ وخضع لَهُ وتذلل فَاشْتَدَّ فِي الْحَرج وَبَالغ فِي السب والتهديد وَلم يلْتَفت إِلَى قَوْله فَقَامَ يتعثر فِي أذياله إِلَى سلار وَأخْبرهُ فَغَضب من ذَلِك. وَعند خُرُوج الجاولي من عِنْد بيبرس دخل عَلَيْهِ ابْن سعيد الدولة بأوراق قد رتبها. مِمَّا فِي جِهَة الجاولي وَقرأَهَا عَلَيْهِ وأحضر مَعَه أكْرم بن بشير ليحاقق الجاولي على مَا فِي الأوراق فقوى بيبرس قلب بن بشير على الْمُحَافظَة. وَلما كَانَ الْغَد وَخرج الْأُمَرَاء من الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة وجلسوا عِنْد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 406 النَّائِب سلار وَفِيهِمْ الجاولي والوزير أَمر بيبرس بإحضار ابْن بشير الْكَاتِب فَلَمَّا جَاءَ قَالَ لَهُ: أَنْت قلت إِن مَال السُّلْطَان ضائع وَإِن هَذَا - يَعْنِي الجاولي - أَخذ مِنْهُ أَشْيَاء وَإِن الْوَزير وَافقه على ذَلِك وَإِن أَحْوَال الدولة قد وقفت وَإنَّك ترافعهما وَتحقّق مَال السُّلْطَان فِي جهتهما فَتكلم الْآن مَعَهُمَا وَلَا تقل إِلَّا الصَّحِيح. فَنَهَضَ عِنْد ذَلِك قَائِما وَأخرج الأوراق وحاقق الْوَزير على فُصُول تلْزم الجاولي فَأجَاب الجاولي. عَنْهَا فصلا فصلا وَابْن بشير يرد عَلَيْهِ وَقَالَ فِي كَلَامه: أَنْت أَمِير مَا تَدْرِي فُصُول الْكِتَابَة وَطَالَ الْكَلَام وانفض الْمجْلس على أقبح صُورَة وَقد وَقع التنافر بَين بيبرس وسلار بِسَبَب قيام كل مِنْهُمَا فِي نصْرَة صَاحبه. وَكَانَ من عَادَة بيبرس أَن يركب لسلار عِنْد ركُوبه وَينزل عِنْد نُزُوله فَمن يَوْمئِذٍ لم يركب مَعَه وَبَقِي كل مِنْهُمَا يركب فِي حَاشِيَته وَحده وتوقع النَّاس الْفِتْنَة. فَبعث الْأَمِير سلار بسنقر الكمالي الْحَاجِب إِلَى بيبرس ليتلطف بِهِ ويعرفه إِن الجاولي قد علمت مَا بيني وَبَينه من الْأُخوة بِحَيْثُ أَن كلا منا عمل الآخر وَصِيّه على أَوْلَاده بعد مَوته ويتضرع لَهُ حَتَّى يعْفُو عَنهُ. فَمضى إِلَيْهِ وَبَالغ مَعَه فِي الْكَلَام وَهُوَ يشْتَد إِلَى أَن قَالَ: لَا أرجع عَنهُ حَتَّى أَخذ مِنْهُ مَال السُّلْطَان وأضربه بالمقارع. وَبعث إِلَيْهِ: إِن لم تحمل المَال ضربتك بالمقارع حَتَّى تَمُوت مثل الْغَيْر يَعْنِي ابْن الشيخي وَبعث إِلَى الْوَزير بذلك أَيْضا ورسم عَلَيْهِمَا حَتَّى يحملا المَال. فَلَمَّا بلغ الكمالي ذَلِك لسلار قَامَت قِيَامَته إِلَّا أَنه كَانَ كثير المداراة عَاقِلا. وَأخذ الجاولي فِي بيع خيله وقماشه وأمتعته بِبَاب الْقلَّة على الْأُمَرَاء فشق عَلَيْهِم مَا نزل بِهِ وشروا مبيعه بأضعاف ثمنه ليردوه إِلَيْهِ إِذا صلح حَاله مَعَ الْأَمِير بيبرس تقرباً لخاطر الْأَمِير سلار. وَتَمَادَى الْحَال عدَّة أَيَّام وبيبرس وسلار لَا يَجْتَمِعَانِ واستعد الْأُمَرَاء البرجية ألزام بيبرس وصاروا يركبون بِالسِّلَاحِ من تَحت ثِيَابهمْ خوفًا من وُقُوع الْفِتْنَة وترقب النَّاس الشَّرّ فِي كل يَوْم وتحدثوا بِهِ. فَركب الْأُمَرَاء الأكابر: أقوش قتال السَّبع وبيبرس الدودار وبرلغي وأيبك الخازندار وسنقر الكمالي وبكتوت الفتاح فِي آخَرين إِلَيّ الْأَمِير بيبرس الجاشنكير وتحدثوا مَعَه فِي تسكين الشَّرّ وإخماد الْفِتْنَة. ومازالوا بِهِ حَتَّى رفع الترسيم عَن الجاولي بِشَرْط أَن يخرج إِلَى الشَّام بطالا وَقَامُوا من عِنْده إِلَى الْأَمِير سلار ومازالوا بِهِ حَتَّى وَافق على سفر الجاولي فسافر من يَوْمه بعد مَا قطع خبزه ثمَّ أنعم عَلَيْهِ بعد وُصُوله إِلَى دمشق بإمرة طبلخاناه. وفيهَا أفرج عَن الصاحب سعد الدّين مُحَمَّد بن عطايا بَعْدَمَا حمل نَحْو الثَّمَانِينَ ألف دِرْهَم واصطلح بيبرس وسلار ثمَّ تحدثا فِي أَمر الوزارة وَمن يصلح لَهَا فعين سلار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 407 التَّاج بن سعيد الدولة فَقَالَ بيبرس: إِنَّه لَا يُوَافق فقد عرضتها عَلَيْهِ وَامْتنع مِنْهَا فَقَالَ سلار: دَعْنِي وإياه فَقَالَ: دُونك وتفرقا. فَبعث سلار إِلَى التَّاج أحضرهُ فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ عبس فِي وَجهه وَصَاح بانزعاج: هاتوا خلعة الوزارة فأحضروها وَأَشَارَ إِلَيّ التَّاج بلبسها فتمنع وصرخ فِيهِ وَحلف لَئِن لم يلبسهَا ضرب عُنُقه. فخاف الإخراق بِهِ لما يُعلمهُ من بغض سلار لَهُ وَلبس التشريف فِي يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشر الْمحرم وَقبل يَد الْأَمِير سلار فبش لَهُ ووصاه وَخرج من دَار النِّيَابَة بالقلعة إِلَى قاعة الصاحب بهَا وَبَين يَدَيْهِ النُّقَبَاء والحجاب وأخرجت لَهُ دَوَاة الوزارة وَالْبَغْلَة فَعلم على الأوراق وَصرف الْأُمُور إِلَى بعد الْعَصْر وَنزل إِلَى وَأصْبح النَّاس يَوْم الْجُمُعَة إِلَى دَار الْوَزير تَاج الدّين أبي الْفتُوح بن سعيد الدولة ينتظرون ركُوبه فَلم يخرج إِلَى أَن علا النَّهَار وَخرج غُلَامه وَقَالَ: يَا جمَاعَة! القَاضِي عزل نَفسه وَتوجه إِلَى زَاوِيَة الشَّيْخ نصر المنبجي فَتَفَرَّقُوا وَكَانَ لما نزل إِلَى دَاره توجه لَيْلًا إِلَى الشَّيْخ نصر وَكَانَ خصيصاً بِهِ وَله مكانة عِنْد الْأَمِير بيبرس وَبعث بتشريف الوزارة إِلَى الخزانة السُّلْطَانِيَّة بالقلعة وَأقَام عِنْد الشَّيْخ نصر مستجيراً بِهِ فَكتب الشَّيْخ نصر إِلَى بيبرس يشفع فِيهِ وَيَقُول لَهُ إِنَّه قد استعفى من الوزارة وَقَالَ إِنَّه لَا يُبَاشِرهَا أبدا ويقصد أَن يُقيم فِي الزاوية مَعَ الْفُقَرَاء يعبد الله فَأخذ بيبرس الورقة وَدخل على سلار فَلَمَّا وقف عَلَيْهَا قَالَ: قد أعفيناه فَأحْضرهُ حَتَّى نَسْتَشِيرهُ فِيمَن يَلِي الوزارة فَأحْضرهُ بيبرس إِلَيْهِ فَاعْتَذر وَأَشَارَ بوزارة ضِيَاء الدّين أبي بكر بن عبد الله بن احْمَد النَّسَائِيّ نَاظر الدَّوَاوِين فاستدعى وخلع عَلَيْهِ فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ تَاسِع عشره. فباشر ضِيَاء الدّين الوزارة وَلَيْسَ لَهُ مِنْهَا سوى الِاسْم وَصَارَ التَّاج يدبر الْأُمُور وَلَا يصرف شَيْء إِلَّا بِخَطِّهِ وَلَا يفعل أَمر إِلَّا بِحكمِهِ. وَفِي سادس صفر: خلع على التَّاج بن سعيد الدولة وَاسْتقر مُشِيرا وناظراً على الوزارة وَسَائِر النظار مصرا وشاماً ومنفرداً بِنَظَر البيوتات والأشغال الْمُتَعَلّقَة بالأستادارية وَنظر الصُّحْبَة وَنظر الجيوش وَكتب لَهُ توقيع لم يكْتب لمتعمم مثله. وَصَارَ يجلس بِجَانِب الْأَمِير سلار نَائِب السلطنة فَوق كل متعمم من الْكتاب وَنفذ حكمه وَمضى قلمه فِي سَائِر أُمُور الدولة فألان الْوَزير جَانِبه لَهُ وخفض جنَاحه بِكُل مُمكن. وَاسْتقر عز الدّين أيدمر الخطيري أستادارا عوضا عَن سنجر الجاولي. وفيهَا قدم الرُّسُل الَّذين توجهوا إِلَى الْملك طقطاي صَاحب بِلَاد الشمَال: وهم الْأَمِير بلبان الصرخدي ورفقته وَمَعَهُمْ نامون رَسُول طقطاي بهدية سنية وَكتاب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 408 يتَضَمَّن أَن عَسْكَر مصر تسر إِلَى بر الْفُرَات ليسير مَعَهم وَيَأْخُذ بِلَاد غازان وَيكون لكل مِنْهُمَا مَا يصل إِلَيْهِ من الْبِلَاد. فَأكْرم الرَّسُول وجهزت لَهُ الْهَدَايَا وَأجِيب بِأَن الصُّلْح قد وَقع مَعَ خربندا وَلَا يَلِيق نقضه فَإِن حدث غير ذَلِك عمل بِمُقْتَضَاهُ وسير إِلَيْهِ الْأَمِير بدر الدّين بكمش الظَّاهِرِيّ وفخر الدّين أياز الشمسي أَمِير أخور وسنقر الْأَشْقَر وَأحد مقدمي الْحلقَة. وفيهَا نقل شهَاب الدّين غَازِي بن أَحْمد بن الوَاسِطِيّ من نظر الدولة وَمَعَهُ تَاج الدّين عبد الرَّحِيم بن السنهوري إِلَى نظر حلب. وَسبب ذَلِك إِنَّه كَانَ يعادي التَّاج بن سعيد الدولة بِحَيْثُ إِنَّه كَانَ سَببا فِي ضرب سنقر الأعسر لَهُ بالمقارع أَيَّام وزارته حَتَّى أسلم. وَكَانَ طَوِيل اللِّسَان بعرف بالتركي ويداخل الْأُمَرَاء فَإِذا دخل ابْن سعيد الدولة إِلَى بَيت أَمِير وَهُوَ هُنَاكَ لَا يقوم لَهُ وَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ. فَلَمَّا تحدث ابْن سعيد الدولة فِي أُمُور المملكة ثقل عَلَيْهِ ابْن الوَاسِطِيّ وَمَا زَالَ بالأمير بيبرس إِلَى أَن كتب توقيعه بِنَظَر حلب وَبعث إِلَيْهِ. فَقَامَ لما جَاءَهُ التوقيع. وَقَالَ: وَالله لقد كنت قانعاً بجهنم عوضا عَن مُوَافقَة ابْن تعيس الدولة وَسَار إِلَيْهَا. وفيهَا نقل الْأَمِير سيف الدّين بكتمر الحسامي من شدّ الدَّوَاوِين بِدِمَشْق إِلَى الحجوبية على عَادَته فِي ثامن ذِي الْحجَّة وَاسْتقر عوضه فِي الشد الْأَمِير جمال الدّين أقوش الرستمي وَالِي الْقَاهِرَة بِالصّفةِ الْقبلية بَعْدَمَا الْتزم بثماني مائَة ألف دِرْهَم فِي أَربع سِنِين. وفيهَا قدم الْبَرِيد من دمشق بقدوم رجل من بِلَاد التتر يُقَال لَهُ الشَّيْخ براق فِي تَاسِع جُمَادَى الأولى وَمَعَهُ جمَاعَة من الْفُقَرَاء نَحْو الْمِائَة: لَهُم هَيْئَة عَجِيبَة وعَلى رؤوسهم كلاوت لباد مقصصة بعمائم فَوْقهَا وفيهَا قُرُون من لباد شبه قُرُون الجاموس فِيهَا أَجْرَاس ولحاهم محلقة دون شواربهم ولبسهم لبابيد بَيْضَاء وَقد تقلدوا بحبال منظومة بكعاب الْبَقر وكل مِنْهُم مكسور الثَّنية الْعليا وشيخهم من أَبنَاء الْأَرْبَعين سنة وَفِيه إقدام وجرأة وَقُوَّة نفس وَله صولة وَمَعَهُ طبلخاناه تدق لَهُ نوبَة وَله يحْتَسب على جماعته يُؤَدب كل من ترك شَيْئا من سنته بِضَرْب عشْرين عَصا تَحت رجلَيْهِ وَهُوَ وَمن مَعَه ملازمون التَّعَبُّد وَالصَّلَاة وَأَنه قيل لَهُ عَن زيه فَقَالَ: أردْت أَن أكون مسخرة الْفُقَرَاء وَذكر أَن غازان لما بلغه خَبره استدعاه وَألقى عَلَيْهِ سبعا ضارياً فَركب على ظهر السَّبع وَمَشى بِهِ فجل فِي عين غازان ونثر عَلَيْهِ عشرَة آلَاف دِينَار وَأَنه عِنْدَمَا قدم دمشق كَانَ النَّائِب بالميدان الْأَخْضَر فَدخل عَلَيْهِ وَكَانَ هُنَاكَ نعَامَة قد تفاقم شَرها وَلم يقدر أحد على الدنو مِنْهَا فأصر النَّائِب بإرسالها عَلَيْهِ فتوجهت نَحوه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 409 فَوَثَبَ عَلَيْهَا وركبها فطارت بِهِ فِي الميدان قدر خمسين ذرعاً فِي الْهَوَاء حَتَّى دنا من النَّائِب فَقَالَ لَهُ: أطير بهَا إِلَى فوف شَيْئا آخر قَالَ: لَا وَإنَّهُ أنعم عَلَيْهِ وهاداه النَّاس. فَكتب بِمَنْعه من الْقدوم إِلَى مصر فَسَار إِلَى الْقُدس وَرجع إِلَى بِلَاده وَفِيهِمْ يَقُول السراج: من موشحة طَوِيلَة أَولهَا: جتنا عجم من جوا الرّوم صور تحير فِيهَا الأفكار لَهُم قُرُون مثل الثيران إِبْلِيس يَصِيح مِنْهُم زنهار وفيهَا عَاد الْأَمِير طقصبا وَمَعَهُ الْعَسْكَر من بِلَاد النّوبَة إِلَى قوص بعد غيبتهم تِسْعَة اشهر ومقاساة أهوال فِي محاربة السودَان وَقلة الزَّاد. وفيهَا منع الأميران بيبرس وسلار المراكب من عبور الخليج الْمَعْرُوف بالحاكي خَارج الْقَاهِرَة لكثره مَا كَانَ يحصل من الْفساد والتظاهر بالمنكرات وتبرج النسا فِي المراكب وجلوسهن مَعَ الرِّجَال مكشوفات الْوُجُوه بكوافي الذَّهَب على رؤوسهن وتعاطيهن الْخمر وَكَانَت تئور الْفِتَن بِسَبَب ذَلِك وَتقتل الْقَتْلَى العديدة. فَلم يدْخل الخليج إِلَّا مركب فِيهَا متجر وَأما مراكب النزهة فامتنعت وعد ذَلِك من أحسن أَفعَال. وفيهَا كملت عمَارَة الْجَامِع الَّذِي أنشأه الْأَمِير جمال الدّين أقوش الأفرم بسفح جبل قاسيون وخطب بِهِ القَاضِي شمس الدّين بن الْعِزّ الْحَنَفِيّ يَوْم الْجُمُعَة رَابِع عشرى شَوَّال. وفيهَا ولى قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق صدر الدّين أَبُو الْحسن على بن الشَّيْخ صفي الدّين أبي الْقَاسِم مُحَمَّد البصروي فِي تَاسِع عشرى ذِي الْقعدَة عوضا عَن شهَاب الدّين أَحْمد الْأَذْرَعِيّ. وفيهَا قدمت رسل صَاحب سيس بِالْحملِ بَعْدَمَا أطلق مِائَتَيْنِ وَسبعين أَسِيرًا من الْمُسلمين قدمُوا حلب. وفيهَا ولى جلال الدّين مُحَمَّد الْقزْوِينِي خطابة دمشق بعد وَفَاة شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن عُثْمَان الخلاطي فِي شَوَّال. وفيهَا أفرج الْأَمِير سلار عَن شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين أَحْمد بن تَيْمِية فِي آخر يَوْم من رَمَضَان بَعْدَمَا جمع الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء وبعثوا إِلَيْهِ ليحضر من الاعتقال فَامْتنعَ وترددت إِلَيْهِ الرُّسُل مرَارًا فَلم يحضر وانفضوا من عِنْد سلار. فاستدعى بأخويه شرف الدّين عبد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 410 الله وزين الدّين عبد الرَّحْمَن وَجرى بَينهمَا وَبَين القَاضِي زين الدّين بن مخلوف الْمَالِكِي كَلَام كثير. ثمَّ اجْتمع وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد الْكَافِي بن عبد الْوَهَّاب البليني الشَّافِعِي أحد نواب الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة خَارج الْقَاهِرَة وَكَانَ صَالحا دينا فَاضلا. وَمَات الصاحب شهَاب الدّين أَحْمد بن أَحْمد بن عطا الْأَذْرَعِيّ الْحَنَفِيّ الدِّمَشْقِي محتسب دمشق ووزيرها. وَمَات الْأَمِير عز الدّين أيبك الطَّوِيل الخازندار المنصوري فِي حادي عشر ربيع الأول بِدِمَشْق وَكَانَ كثير الْبر دينا. وَمَات الْأَمِير بدر الدّين بكتاش الفخري أَمِير سلَاح الصَّالِحِي النجمي اصله من مماليك الْأَمِير فَخر الدّين يُوسُف بن شيخ الشُّيُوخ وَصَارَ إِلَى الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب فترقى فِي الخدم حَتَّى صَار من أكبر الْأُمَرَاء وَخرج إِلَى الْغُزَاة غير مرّة وَعرف بِالْخَيرِ وعلو الهمة وسداد الرَّأْي وَكَثْرَة الْمَعْرُوف وَلما قتل الْمَنْصُور لاجين أَجمعُوا على سلطنته فَأبى وَأَشَارَ بِعُود النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون فأعيد وَمَات بَعْدَمَا اسْترْجع إقطاعه بِالْقَاهِرَةِ فِي ربيع الأول عَن ثَمَانِينَ سنة وَهُوَ آخر الصالحية وَإِلَيْهِ ينْسب قصر أَمِير سلَاح بِالْقَاهِرَةِ. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين بلبان الجوكندار المنصوري ولي نِيَابَة قلعة صفد وَشد الدَّوَاوِين بِدِمَشْق ثمَّ نِيَابَة قلعتها وَمَات وَهُوَ نَائِب حمص بهَا وَكَانَ خيرا. وَمَات الشَّيْخ سيف الدّين الرجيحي بن سَابق بن هِلَال ابْن الشَّيْخ يُونُس اليونسي شيخ الْفُقَرَاء اليونسية قدم من الْعرَاق فَصَارَت لَهُ حُرْمَة وافرة فِي الْأَيَّام المنصورية قلاوون حَتَّى مَاتَ وَله أَتبَاع كَثِيرَة فخلفه ابْنه حسام الدّين فضل. وَمَات الطواشي شمس الدّين صَوَاب السُّهيْلي بالكرك عَن مائَة سنة وَكَانَ لَهُ بر ومعروف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 411 وَمَات ضِيَاء الدّين عبد الْعَزِيز مُحَمَّد بن على الطوسي الشَّافِعِي بِدِمَشْق فِي تَاسِع عشرى جُمَادَى الأولى وَله شرح الْحَاوِي فِي الْفِقْه وَشرح مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب ودرس مُدَّة بِدِمَشْق. وَمَات بدر الدّين مُحَمَّد بن فضل الله بن مجلي الْعمريّ أَخُو كاتبي السِّرّ شرف الدّين عبد الْوَهَّاب ومحي الدّين يحيى وَقد جَاوز سبعين سنة. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن عُثْمَان الخلاطي خطيب دمشق فَجْأَة فِي ثامن شَوَّال وَكَانَ صَالحا معتقداَ. وَمَات مُحَمَّد بن عبد الْعَظِيم بن على بن سَالم القَاضِي جمال الدّين أَبُو بكر بن السفطي الشَّافِعِي ولد سنة ثَمَان عشرَة وسِتمِائَة وناب فِي الحكم بِالْقَاهِرَةِ أَرْبَعِينَ سنة ثمَّ تعفف عَن وَمَات الْأَمِير فَارس الدّين أصلم الردادي فِي رَابِع ذِي الْقعدَة بِدِمَشْق. وَفِي نصف ذِي الْقعدَة مَاتَ الْأَمِير سيف الدّين كاوركا المنصوري. وَمَات الْأَمِير بهاء الدّين يعقوبا الشهرزوري بِالْقَاهِرَةِ فِي سَابِع عشر ذِي الحجه. وَمَات الطواشي عز الدّين دِينَار العزيزي الخازندار الظَّاهِرِيّ يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع ربيع الأول وَكَانَ خيرا دِينَار محبا لأهل الْخَيْر وَكَانَ دوادار الْملك النَّاصِر وناظر أوقاف الْملك الظَّاهِر. وَمَات ملك الْمغرب أَبُو يَعْقُوب يُوسُف بن يَعْقُوب بن عبد الْحق بن محيو بن أبي بكر بن حمامة وثب عَلَيْهِ سَعَادَة الْخصي أحد موَالِيه فِي بعض حجره وَقد خضب رجلَيْهِ بِالْحِنَّاءِ وَهُوَ مستلق على قَفاهُ فطعنه طعنات قطع بهَا أمعاءه وَخرج فَأدْرك وَقتل فَمَاتَ السُّلْطَان آخر يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع ذِي الْقعدَة وأقيم بعده أَبُو ثَابت عَامر ابْن الْأَمِير أبي عَامر بن السُّلْطَان أبي يَعْقُوب يُوسُف بن يَعْقُوب بن عبد الْحق فَكَانَت مدَّته إِحْدَى وَعشْرين سنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 412 (سنة سبع وَسَبْعمائة) فِيهَا ورد الْخَبَر بِأَن الْملك الْمُؤَيد هزبر الدّين دَاوُد ملك الْيمن كثر ظلمه للتجار وَأخذ أَمْوَالهم وَترك إرْسَال الْهَدِيَّة إِلَى مصر على الْعَادة بعد أَن عزم على تجهيزها وَقصد أَن يبْعَث الْأَمْوَال إِلَى مَكَّة ليقدم اسْمه على اسْم سُلْطَان مصر فِي الدُّعَاء. فَكتب إِلَيْهِ من قبل السُّلْطَان وَمن قبل الْخَلِيفَة أبي الرّبيع سُلَيْمَان بالإنذار والإرهاب وجهزا على يَد نجاب ورسم لكل من الْأُمَرَاء المقدمين بعمارة مركب يُقَال لَهَا حلبة وَعمارَة قياسة لَطِيفَة يُقَال لَهَا فلوة برسم حمل الأزواد وَغَيرهَا وتفسر ذَلِك إِلَى الطّور على الظّهْر ليرمي على بَحر القلزم لغزو بِلَاد الْيمن. فاشترك كل أَمِير مقدم ألف ومضافيه فِي عمل حلبة وفلوة وَندب لعملها الْأَمِير عز الدّين أيبك الشجاعي الْأَشْقَر شاد الدَّوَاوِين وسافر إِلَى قوص. وفيهَا ضجر السُّلْطَان من تحكم الأميرين بيبرس وسلار عَلَيْهِ وَمنعه من التَّصَرُّف وضيق يَده. وشكا ذَلِك لخاصيته. واستدعى الْأَمِير بكتمر الجوكندار أَمِير جاندار فِي خُفْيَة وأعلمه. مِمَّا عزم عَلَيْهِ من الْقيام على الأميرين فقرر الْأَمِير أَن القلعة إِذا أغلقت فِي اللَّيْل وحملت مفاتيحها إِلَى السُّلْطَان على الْعَادة ولبست مماليك السُّلْطَان السِّلَاح وَركبت الْخُيُول من الإسطبل وسارت إِلَى إسطبلات الْأُمَرَاء ودقت كوسات السُّلْطَان بالقلعة دقاً حَرْبِيّا ليجتمع تَحت القلعة من هُوَ فِي طَاعَة السُّلْطَان ويحبهم بكتمر الجوكندار فِي عدَّة على بَيْتِي بيبرس وسلار بالقلعة ويأخذونهما. وَكَانَ لكل من بيرس وسلار أعين عِنْد السُّلْطَان فبلغهما ذَلِك فاحترسا وأمرا الْأَمِير سيف الدّين بلبان الدِّمَشْقِي وَالِي القلعة - وَكَانَ حصيصاً بهما - أَن يُوهم أَنه أغلق بَاب القلعة ويطرف أقفالها ويعبر بالمفاتيح على الْعَادة فَفعل ذَلِك. وَظن السُّلْطَان ومماليكه أَنهم قد حصلوا على غرضهم وَانْتَظرُوا بكتمر الجوكندار أَن يحضر إِلَيْهِم فَلم يحضر وبعثوا إِلَيْهِ فَإِذا هُوَ مَعَ بيبرس وسلار قد حلف لَهَا على الفيام مَعَهُمَا. فَلَمَّا طلع النَّهَار ظن السُّلْطَان أَن بكتمر قد غدر بِهِ وترقب الْمَكْرُوه من الْأُمَرَاء. وَأما بكتمر فَإِن بيبرس وسلار لما بلغهما الْخَبَر خرجا إِلَى دَار النِّيَابَة بالقلعة وعزم بيبرس أَن يهجم على بكتمر ويقتله فَمَنعه سلار لما كَانَ عِنْده من السبت والتؤدة وَأَشَارَ بِالْإِرْسَال إِلَيْهِ ليحضر حَتَّى تبطل حَرَكَة السُّلْطَان. فَلَمَّا أَتَاهُ الرَّسُول تحير وَقصد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 413 الِامْتِنَاع وَلبس مماليكه السِّلَاح ثمَّ مَنعهم وَخرج فعنفه سلار ولامه على مَا قصد. فَأنْكر وَحلف لَهُم على أَنه مَعَهم وَأقَام إِلَى الصَّباح وَدخل مَعَ الْأُمَرَاء إِلَى الْخدمَة عِنْد الْأَمِير سلار. ووقف ألزام بيبرس وسلار على خيولهم بِبَاب الإسطبل مترقبين خُرُوج المماليك السُّلْطَانِيَّة وَلم يدْخل أحد من الْأُمَرَاء إِلَى خدمَة السُّلْطَان وَتَشَاوَرُوا. وَقد أشيع فِي الْقَاهِرَة أَن الْأُمَرَاء يُرِيدُونَ قتل السُّلْطَان أَو إِخْرَاجه إِلَى الكرك فَلم تفتح الْأَسْوَاق وَخرج الْعَامَّة والأجناد إِلَى تَحت القلعة وَبَقِي الْأُمَرَاء نهارهم مُجْتَمعين وبعثوا بالاحتراس على السُّلْطَان خوفًا من نُزُوله من بَاب السِّرّ. وألبسوا عدَّة مماليك وَأَوْقَفُوهُمْ مَعَ الْأَمِير سيف الدّين سمك أخي سلار على بَاب الإسطبل. فَلَمَّا كَانَ نصف اللَّيْل وَقع بداخل الإسطبل حس وحركة من قيام المماليك السُّلْطَانِيَّة ولبسهم السِّلَاح لينزلوا بالسلطان على حمية من الإسطبل وتوقعوا الْحَرْب فَمَنعهُمْ السُّلْطَان من ذَلِك وَأَرَادَ سمك إِقَامَة الْحُرْمَة فَرمى بالنشاب وَضرب الطبل فَوَقع سهم بالرفرف السلطاني. وَاسْتمرّ الْحَال على ذَلِك إِلَى أَذَان الْعَصْر من الْغَد فَبعث السُّلْطَان إِلَى الْأُمَرَاء يَقُول: مَا سَبَب الرّكُوب على بَاب إسطبلي إِن كَانَ غرضكم فِي الْملك فَهَل أَنا متطلع إِلَيْهِ فَخُذُوهُ وابعثوني أَي مَوضِع أردتم. فَردُّوا الْجَواب مَعَ الْأَمِير بيبرس الدوادار والأمير عز الدّين أيبك الخازندار والأمير برلغي الأشرفي بِأَن السَّبَب هُوَ من عِنْد السُّلْطَان من المماليك الَّذين يحرضونه على الْأُمَرَاء فعتبهم على مَا هُوَ فِيهِ وَأنكر أَن يكون أحد من مماليكه ذكر لَهُ شيثاً عَن الْأُمَرَاء. وَفِي عودهم من عِنْد السُّلْطَان وَقعت ضجة بالقلعة سَببهَا أَن الْعَامَّة كَانَ جمعهم قد كثر فَلَمَّا رَأَوْا السُّلْطَان قد وقف بالرفرف وحواشي بيبرس وسلار قد وقفُوا على بَاب الإسطبل محاصرين حنقوا من هَذَا وصرخوا ثمَّ حملُوا يدا وَاحِدَة على الْأُمَرَاء بِبَاب الإسطبل وهم يَقُولُونَ: يَا نَاصِر يَا مَنْصُور. فَأَرَادَ سمك قِتَالهمْ فَمَنعه من مَعَه من الْأُمَرَاء. وَبلغ ذَلِك بيبرس وسلار فَأرْسل الْأَمِير سيف الدّين تخاص المنصوري فِي عدَّة مماليك إِلَى الْعَامَّة فضربوهم بالدبابيس ليتفرقوا فَاشْتَدَّ صِيَاحهمْ يَا نَاصِر يَا مَنْصُور وتكاثر جمعهم ودعاؤهم للسُّلْطَان وصاروا يَقُولُونَ: الله يخون من يخون ابْن قلاوون وحملت طَائِفَة مِنْهُم على بتخاص ورجمته طَائِفَة أُخْرَى فَجرد السَّيْف ليضعه فيهم ثمَّ خشِي الْعَاقِبَة وَأخذ يلاطفهم وَقَالَ: طيبُوا خواطركم فَإِن السُّلْطَان قد طَابَ خاطره على الْأُمَرَاء ومازال بهم حَتَّى تفَرقُوا وَعَاد. فَبعث الْأُمَرَاء ثَانِيًا إِلَى السُّلْطَان بِأَنَّهُم مماليكه وَفِي طَاعَته ولابد من إِخْرَاج الشَّبَاب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 414 الَّذين يرْمونَ الْفِتَن فَامْتنعَ من ذَلِك وَاشْتَدَّ فمازال بِهِ بيبرس الدوادار وبرلغي حَتَّى أخرج بهم إِلَى الْأُمَرَاء وهم يبلغَا الترجماني وأيدمر الْمُرْتَد وخاص ترك. فهددهم بيبرس وسلار ووبخاهم وقصدا تقييدهم فَلم توَافق الْأُمَرَاء على ذَلِك رِعَايَة لخاطر السُّلْطَان وأخرجوا إِلَى الْقُدس من وقتهم على الْبَرِيد. وَدخل جَمِيع الْأُمَرَاء على السُّلْطَان وقبلوا الأَرْض ثمَّ قبلوا يَده فأفيضت عَلَيْهِم الْخلْع وعَلى الْأَمِير بيبرس وسلار فِي ثالثه. ثمَّ سَأَلَ الْأُمَرَاء السُّلْطَان أَن يركب فِي أمرائه إِلَى الْجَبَل الْأَحْمَر: حَتَّى تطمئِن قُلُوب الْعَامَّة ويعلموا أَن الْفِتْنَة خمدت فَأجَاب وَخَرجُوا. وَبَات السُّلْطَان فِي قلق زَائِد وكرب عَظِيم لإِخْرَاج مماليكه وَركب من الْغَد بالأمراء إِلَى قبَّة النَّصْر تَحت الْجَبَل الْأَحْمَر وَعَاد بَعْدَمَا قَالَ بيبرس وسلار: إِن سَبَب الْفِتْنَة إِنَّمَا كَانَ من بكتمر الجوكندار وَذَلِكَ إِنَّه رَآهُ قد ركب يجانب الْأَمِير بيبرس وحادثه فَتذكر غدره بِهِ وشق عَلَيْهِ ذَلِك. فتلطفوا بِهِ فِي أمره فَقَالَ: وَالله مَا بقيت لي عين تنظر إِلَيْهِ وَمَتى أَقَامَ فِي مصر لَا جَلَست على كرْسِي الْملك أبدا فَأخْرج من وقته إِلَى قلعة الصبيبة فِي خَامِس عشره وَاسْتقر عوضه أَمِير جاندار بدر الدّين بكتوت الفتاح فَلَمَّا مَاتَ سنقر شاه نَائِب صفد اسْتَقر عوضه بكتمر الجوكندار. وَتوجه الْأَمِير كراي المنصوري إِلَى بَلْدَة أدفو بالصعيد وَهُوَ حنق على الْأَمِير بيبرس الجاشنكير. وفيهَا عمر الْأَمِير بيبرس الجاشنكير الخانكاه الركنية مَوضِع دَار الوزارة برحبة بَاب الْعِيد من الْقَاهِرَة ووقف عَلَيْهَا أوقافاً جليلة فَمَاتَ قبل فتحهَا وأغلقها الْملك النَّاصِر مُدَّة ثمَّ أَمر بِفَتْحِهَا ففتحت ورتب فِيهَا عدَّة من الصُّوفِيَّة. وَبنى بيبرس أَيْضا تربة بهَا فاستمرت مغلقة إِلَى آخر سنة خمس وَعشْرين وَسَبْعمائة. وَأَنْشَأَ الْأَمِير عز الدّين أيبك الأفرم نَائِب دمشق جَامعا بصالحية دمشق وَبعث يسْأَل فِي أَرض يوقفها عَلَيْهِ فَأُجِيب بِأَنَّهُ يعين مَا يخْتَار. وَقدم الْبَرِيد من حلب بوصول الْأَمِير فتح الدّين بن صبرَة وَقد خلص من بِلَاد التتار وَمَعَهُ جمَاعَة مِمَّن أسر من الأجناد فِي نوبَة سيس فأعيد لَهُ إقطاعه على عَادَته. وَورد كتاب الْأَمِير كراي المنصوري بالشكوى من وَالِي قوص وَمن غده قدم كتاب مُتَوَلِّي قوص بِأَن كراي ظلم فلاحيه بأدفو وَأخذ دوابهم وَعمل زاداً كَبِير ليتوجه إِلَى بِلَاد السودَان فَكتب لكراي بالحضور سَرِيعا وَكتب لوالي قوص بالاحتراس على كراي وَأخذ الطرقات من كل وفيهَا أحضرت خاصية السُّلْطَان من الْقُدس وَذَلِكَ أَن الْأَمِير أقوش الأفرم نَائِب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 415 الشَّام بعث إِلَى الأميرين بيبرس وسلار يلومهما على مَا وَقع من نفي خاصكية السُّلْطَان وَيُشِير بردهمْ وَأَنه مَتى لم يرسم بردهمْ حضر بِنَفسِهِ وأعادهم. فَلم يسعهما إلاٍ إحضارهم وأنعم على كل من يلبغا التركماني وألطنبغا الصَّالِحِي وبلبان الزراق بإمرة عشرَة. وَاسْتقر شهَاب الدّين أَحْمد بن على بن عبَادَة فِي نظر المارستان المنصوري. وَقدم الْأَمِير كراي من الصَّعِيد فتمارض فِي بَيته وَلم يطلع إِلَى القلعة ثمَّ سَأَلَ الإعفاء من الإمرة وَأَن يُقيم بالقدس بطالا وَاعْتذر بِكَثْرَة أمراضه فَأُجِيب إِلَى ذَلِك وَولى نظر الْقُدس وَالْخَيْل بحار يقوم بكفايته وَتوجه من الْقَاهِرَة ة فأنعم بإقطاعه على الْأَمِير سيفْ الدّين بتخاص المنصوري. وفيهَا وَقع الاهتمام بِالسَّفرِ إِلَى الْيمن وعول الْأَمِير سلار على أَن يتَوَجَّه إِلَيْهَا بِنَفسِهِ: وَذَلِكَ أَنه خشِي من أَن السُّلْطَان يدبر عَلَيْهِ حِيلَة أُخْرَى وَقد لَا يتهيأ لَهُ إفسادها فَيُؤْخَذ وَمَعَ ذَلِك فَإِنَّهُ شقّ عَلَيْهِ مَا صَار فِيهِ الْأَمِير بيبرس الجاشنكير من الْقُوَّة والاستظهار عَلَيْهِ بِكَثْرَة خواشداشيته البرجية وَأَنَّهُمْ قد صَارُوا مُعظم الْأُمَرَاء واشتدت شَوْكَة بيبرس بهم وعظمت مهابته وانبسطت يَده فِي التحكم بِحَيْثُ أَنه أخرج الجاولي بِغَيْر اخْتِيَار سلار وَانْفَرَدَ بالركوب فِي جمع عَظِيم. وَقد قصد البرجية فِي نوبَة بكتمر الجوكندار أَن يخرج السُّلْطَان إِلَى الكرك ويسلطن بيبرس لَوْلَا مَا كَانَ من صنع سلار بسياسة وتدبير حَتَّى وَقع الصُّلْح مَعَ السُّلْطَان. فخاف سلار عواقب الْأُمُور مَعَ السُّلْطَان وَمَعَ بيبرس وتحيل فِي الْخَلَاص من ذَلِك بِأَنَّهُ يحجّ فِي جمَاعَة من ألزامه وَأَتْبَاعه ثمَّ يسير إِلَى الْيمن ويتملكها ويتمنع بهَا. فَفطن بيبرس بِهَذَا ودس إِلَيْهِ من الْأُمَرَاء من ثنى عزمه عَن ذَلِك. وَشرع فِي الاهتمام بِعَمَل المراكب حَتَّى تنجزت وجهزت الأسلحة والأمتعة ثمَّ اقْتضى الرَّأْي تَأْخِير السّفر حَتَّى يعود جَوَاب صَاحب الْيمن فَكتب بِحُضُور شاد الدَّوَاوِين فَقدم وَهُوَ مَرِيض ومازال مُنْقَطِعًا بداره حَتَّى مَاتَ وَعين الْأَمِير سيف الدّين نوغاي القبجاقي أَمِير الركب وَخرج بالحاج على الْعَادة. وَقدم الْبَرِيد من حلب بقتل هيتوم متملك سيس على يَد بعض أُمَرَاء الْمغل: وَذَلِكَ أَن هيتوم كَانَ يحمل القطعية إِلَى الْمغل كَمَا يحملهَا إِلَى مصر ويحضر إِلَى كل سنة أَمِير من أمرائهم حَتَّى يتسلم الْحمل فَحَضَرَ إِلَيْهِ من أُمَرَاء الْمغل برلغوا وَقد أسلم وَحسن إِسْلَامه فعزم على بِنَاء جَامع بسيس يعلن فِيهِ بالآذان كَمَا تجْهر هُنَاكَ النَّصَارَى بِضَرْب النواقيس. فشق ذَلِك على هيتوم وَكتب إِلَى خربندا باً ن برلغوا يُرِيد اللحاق بِأَهْل مصر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 416 وَبِنَاء جَامع بسيس. فَبعث خربندا بالإنكار على برلغوا وتهدده وألزمه بالحضور فَغَضب برلغوا من هيتوم وصنع طَعَاما وَدعَاهُ وَلم يكن عِنْده علم بِأَن برلغوا اطلع على شكواه مِنْهُ لخربندا فَحَضَرَ وَهُوَ آمن فِي جمَاعَة من أكَابِر الأرمن وإخوان لَهُ. فعندما مدوا أَيْديهم إِلَى الطَّعَام أَخذ تهم السيوف من كل جَانب فَقتلُوا عَن آخِرهم وَلم ينج سوى أَخُوهُ ليفون فِي نفر قَلِيل فلحق بخربندا وأعلمه بقتل برلغوا لِأَخِيهِ هيتوم وأمرائه وَقدم عَلَيْهِ أَيْضا برلغوا فَقتله بقتْله هيتوم وَولى ليفون مملكة سيس وسيرة إِلَيْهَا. وفيهَا بعث الْأَمِير عز الدّين أيبك الأفرم نَائِب الشَّام عدَّة عَسْكَر إِلَى الرحبة مَعَ الْأَمِير عَلَاء الدّين أيدغدي شقير مَمْلُوك منكوتمر وَردفهُ بالأمير قطلوبك الْكَبِير ثمَّ بالأمير بهادر آص. وفيهَا انْتَهَت زِيَادَة النّيل إِلَى ثَمَانِيَة عشر ذِرَاعا وَإِحْدَى وَعشْرين إصبعاُ: وهب فِي برمهات الْمُوَافق لشوال. من جِهَة الغرب ريح عِنْد الحراك الغلال فهافت وجف أَكْثَرهَا فَلم يحصل مِنْهَا عِنْد الْحَصاد إِلَّا الْيَسِير وَمِنْهَا مَا كَانَ أقل من بذاره. فتميز سعر الْغلَّة وأبيع الأردب الْقَمْح بِخَمْسِينَ درهما ثمَّ انحط. وفيهَا اسْتَقر الْأَمِير بيبرس العلائي الْحَاجِب فِي نِيَابَة غَزَّة عوضا عَن الْأَمِير أقجبار. وفيهَا سَار من دمشق إِلَى الرحبة عَسْكَر عَلَيْهِ الْأَمِير عَلَاء الدّين أيدغدي الشقيري والأمير سيف قطلوبك والأمير بهادر أص. وَفِي الْعشْرين من رَجَب: توجه الْأَمِير جمال الدّين أقوش نَائِب الشَّام لزيارة الْقُدس وَمَعَهُ وَفِي سَابِع عشْرين رَجَب: توجه ركب الْعمار إِلَى مَكَّة صُحْبَة الْأَمِير عز الدّين الكوكندي وَكَانَ مَعَهم الشَّيْخ نجم الدّين بن عبود وَالشَّيْخ نجم الدّين بن الرّفْعَة. وفيهَا خرج الْأَمِير شرف الدّين أَحْمد بن قَيْصر التركماني والأمير بدر الدّين بيليك المحسني برقا فِي شَوَّال. وفيهَا قدم الْأَمِير مهنا بن عِيسَى فَأكْرمه السُّلْطَان وأخلع عَلَيْهِ فَتحدث فِي خلاص شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين احْمَد بن تَيْمِية فَأُجِيب وَخرج بِنَفسِهِ إِلَى الْجب بالقلعة وَأخرجه مِنْهُ. وَنزل ابْن تَيْمِية بدار الْأَمِير سلار النَّائِب وَعقد لَهُ مجْلِس حَضَره ابْن الرّفْعَة والتاجي وَابْن عَدْلَانِ والنمراوي وَجَمَاعَة الْفُقَهَاء وَلم تحضره الْقُضَاة وناظروا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 417 ابْن تَيْمِية ثمَّ انْفَضُّوا ثمَّ عقد لَهُ بعد سفر مهنا بن عيسي مجْلِس آخر بالصالحية. ثمَّ قَامَ تَاج الدّين أَحمد بن مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم بن عَطاء وَشَيخ سعيد السُّعَدَاء وجمعوا فَوق الْخَمْسمِائَةِ رجل وَسَارُوا إِلَى القلعة وتبعهم الْعَامَّة وَشَكوا من ابْن تَيْمِية أَنه يتَكَلَّم فِي مَشَايِخ الطَّرِيقَة فَرد أَمرهم إِلَى القَاضِي الشَّافِعِي فَدفعهُ إِلَى تَقِيّ الدّين عَليّ ابْن الزواوي الْمَالِكِي فَحكم بسفر ابْن تَيْمِية إِلَى الشَّام فَسَار على الْبَرِيد وَحبس بهَا. وفيهَا بنى الْأَمِير أسندمر نَائِب طرابلس قلعة مَكَان حصن صنجيل وَبني الْأَمِير قرا سنقر وَمَات فِي هَذِه السّنة الْأَمِير عز الدّين أيدمر السناني بِدِمَشْق وَله شعر جيد وَمَعْرِفَة بتعبير المنامات وَمن شعر: تخذ النسيم الحبيب رَسُول دنف حَكَاهُ رقةً ونحولا تجزى الْعُيُون من الْعُيُون صبَابَة فيسيل فِي أثر الغريق سيولا وَيَقُول من حسد لَهُ ياليتني كنت اتَّخذت مَعَ الرَّسُول سَبِيلا وَمَات الْأَمِير سيف الدّين بيبغا الناصري فِي شعْبَان وَترك مَالا كَبِيرا. وَمَات الْأَمِير ركن الدّين بيبرس الجالق العجمي أحد البرجية الصالحية وكبير الْأُمَرَاء بِدِمَشْق عَن نَحْو الثَّمَانِينَ سنة فِي نصف جُمَادَى الأولى بِمَدِينَة الرملة وَكَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 418 دينا لَهُ ثروة وَفِيه خير: كَانَ يقْرض الأجناد عِنْد تجردهم ويمهلهم حَتَّى يَتَيَسَّر لَهُم فَعدم لَهُ فِي ذَلِك مَال كَبِير. وَمَات شمس الدّين خضر بن الْحلَبِي الْمَعْرُوف بشلحونة وَالِي الْقَاهِرَة وَكَانَ أَبوهُ خازندار السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف صَاحب حلب ودمشق وَقدم الخْضر إِلَى الْقَاهِرَة وَاسْتقر فِي ولايتها فِي الْأَيَّام الظَّاهِرِيَّة بيبرس وَالْأَيَّام المنصورية قلاوون ثمَّ نَقله الْأَشْرَف خَلِيل بن قلاوون إِلَى شدّ الدَّوَاوِين وَكَانَ ناهضاً أَمينا فِي جَمِيع مَا يَلِيهِ مَعَ الْمعرفَة والديانة والمروءة وَكَانَ إِذا أَرَادَ أَن يضْرب أحدا قَالَ شلحونه فَعرف بذلك. وَمَات خطلو شاه نَائِب التتر وَكَانَ مقدمهم يَوْم شقحب وَكَانَ كَافِرًا فَاجِرًا. وَمَات الْأَمِير عَلَاء الدّين مغلطاي البيسري أحد أُمَرَاء دمشق لَيْلَة الِاثْنَيْنِ ثَانِي جُمَادَى الأولى وَكَانَت لَهُ مُرُوءَة وشجاعة. وَمَات الطواشي شهَاب الدّين فاخر المنصوري مقدم المماليك وَكَانَت لَهُ سطوة ومهابة. وَمَات الشَّيْخ عمر بن يَعْقُوب بن أَحْمد السعودي فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِي رَجَب وَكَانَ رجلا صَالحا مُعْتَقدًا. وَمَات الصاحب تَاج الدّين مُحَمَّد بن الصاحب فَخر الدّين مُحَمَّد بن الصاحب بهاء الدّين عَليّ بن مُحَمَّد بن سليم بن حنا - ومولده فِي تَاسِع شعْبَان سنة أَرْبَعِينَ وسِتمِائَة وجده لأمه الْوَزير شرف الدّين صاعد الفائزي - فِي يَوْم السبت خَامِس جُمَادَى الْآخِرَة. وَمَات شرف الدّين مُحَمَّد بن فتح عبد الله بن فتح الدّين عبد الله بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد ابْن أَحْمد بن خَالِد القيسراني أحد موقعي الإنتماء بِالْقَاهِرَةِ فِي أول شعْبَان. وَمَات أَبُو عبد الله بن مطرف الأندلسي بِمَكَّة فِي رَمَضَان عَن نَيف وَتِسْعين سنة وَقد جاور وَمَات الشَّيْخ عُثْمَان بن جوشن السعودي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 419 وَمَات الشَّيْخ عز الدن أَبُو مُحَمَّد عبد الْعَزِيز بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الْعَزِيز بن ظافر الشِّيرَازِيّ الْمصْرِيّ فِي خَامِس ربيع الأول ومولده فِي ذِي الْحَج سنة ثَمَان عشرَة وسِتمِائَة. وَمَات قَاضِي الْقُضَاة جمل الدّين أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْعَظِيم بن عَليّ بن سَالم بن السَّقطِي الشَّافِعِي فِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ حادي عشر شعْبَان ومولده سنة ثَلَاث وَعشْرين وسِتمِائَة وَأخرج لَهُ التقي الأسعردي مشيخة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 420 سنة ثَمَان وَسَبْعمائة فِي أَولهَا قدم مبشرو الْحَاج بِأَن الْأَمِير نوغاي حَارب العبيد بِمَكَّة: وَذَلِكَ أَنهم كثر تخطفهم أَمْوَال التُّجَّار وَأَخذهم من النَّاس بِالْغَصْبِ مَا أَرَادوا فَلَمَّا وقف بَعضهم على تَاجر ليَأْخُذ قماشه مَنعه فَضَربهُ ضربا مبرحاً فثار النَّاس وتصايحوا. فَبعث نوغاي مماليكه إِلَى العبيد فأمسكوا بَعضهم وفر باقيهم بَعْدَمَا جرحوا فَركب الشريف حميضة بالأشراف وَالْعَبِيد للحرب وَركب نوغاي بِمن مَعَه ونادى أَلا يخرج أحد من الْحَاج وليحفظ مَتَاعه وسَاق فَإِذا طَائِفَة من السرويين قد فروا من الْخَوْف إِلَى الْجَبَل. فَقتل مِنْهُم جمَاعَة ظنا أَنهم من العبيد فَكف حميضة عَن الْقِتَال وَمَا زَالَ النَّاس بنوغاي حَتَّى أمسك عَن الشَّرّ. وقمم الْبَرِيد من حلب بِأَن طَائِفَة من الْمغل قدمُوا إِلَى الْفُرَات فَخرج الْعَسْكَر إِلَيْهِم فَلَمَّا سَارُوا سقط الطَّائِر من قلعة كركر بنزول الْمغل عَلَيْهَا وَنهب التركمان وَأَخذهم فَكتب إِلَى الْعَسْكَر الْمُجَرّد بنجدتهم فكسبوا الْمغل فِي اللَّيْل وقتلوهم واستردوا مَا أَخَذُوهُ من كركر وأسروا مِنْهُم سِتِّينَ رجلا وغنموا عدَّة خُيُول. وفيهَا أفرج عَن الْملك المسعود نجم الدّين خضر بن الْملك الظَّاهِر بيبرس من البرج بالقلعة وَفِي ثَالِث ربيع الآخر: فوضيت الخطابة بِجَامِع قلعة الْجَبَل لقَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة عوضا عَن الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد الْجَزرِي. وفيهَا وصلت رسل سيس بِالْحملِ على الْعَادة وَمن جملَته طشت ذهب مرصع بالجوهر. وفيهَا عدى السُّلْطَان إِلَى نهر الجيزة وَأقَام يتَصَدَّى نَحْو عشْرين يَوْمًا وَعَاد وَقد ضَاقَ صَدره وَاشْتَدَّ حنقه وَصَارَ فِي غَايَة الْحصْر من تحكم بيبرس وسلار عَلَيْهِ وَعدم تصرفه وَمنعه من كل مَا يُرِيد حَتَّى إِنَّه مَا يصل إِلَى مَا يَشْتَهِي أكله لقلَّة الْمُرَتّب فلولا مَا كَانَ يتَحَصَّل لَهُ من أوقاف أَبِيه لما وجد سَبِيلا إِلَى بُلُوغ بعض أغراضه. فَأخذ فِي الْعَمَل لنَفسِهِ. وَأظْهر أَنه يُرِيد الْحَج بعياله وَحدث بيبرس وسلار فِي ذَلِك يَوْم النّصْف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 421 من رَمَضَان فوافقاه عَلَيْهِ. وأعجب البرجية سَفَره لينالوا أغراضهم وشرعوا فِي تَجْهِيزه وَكَتَبُوا إِلَى دمشق والكرك وَغَيره برمي الإقامات وألزم عرب الشرقية بِحمْل الشّعير فتهيأ ذَلِك. وأحضر الْأُمَرَاء تقادمهم وتأنقوا فِيهَا فقلبها السُّلْطَان وشكرهم على ذَلِك وَركب فِي خَامِس عشرى رَمَضَان يُرِيد السّفر وَنزل من القلعة وَمَعَهُ الْأُمَرَاء وَخرج الْعَامَّة وتباكوا حوله وتأسفوا على فِرَاقه ودعوا لَهُ إِلَى أَن نزل بركَة الْحَاج. وَتعين للسَّفر مَعَه من الْأُمَرَاء عز الدّين أيدمر الخطيري الأستادار عوضا عَن الجاولي وَسيف الدّين آل ملك الجوكندار. وحسام الدّين قرا لاجين أَمِير مجْلِس وَسيف الدّين بلبان أَمِير جاندار وَعز الدّين أيبك الرُّومِي السِّلَاح دَار وركن الدّين بيبرس الأحمدي وَعلم الدّين سنجر الجمقدار وَسيف الدّين يقطاي الساقي وشمس الدّين سنقر السَّعْدِيّ النَّقِيب وَمن المماليك خَمْسَة وَسَبْعُونَ نَفرا. وودعه بيبرس وسلار فِيمَن مَعَهم من الْأُمَرَاء وهم على خيولهم من غير أَن يترحلوا لَهُ وَعَاد الْأُمَرَاء. ورحل السُّلْطَان من ليلته وعرج إِلَى جِهَة الصالحية وَعِيد بهَا وَسَار إِلَى الكرك وَمَعَهُ رَحل الْخَاص مائَة وَخَمْسُونَ فرسا فَقَدمهَا يَوْم الْأَحَد عَاشر شَوَّال. فاحتفل الْأَمِير جمال الدّين أقوش الأشرفي الْمَعْرُوف بنائب الكرك بقدومه وَقَامَ بِمَا يَلِيق بِهِ وزين القلعة وَالْمَدينَة وَفتح بَاب السِّرّ وَمد الجسر وَكَانَ لَهُ مُدَّة لم يمد وَقد سَار خشبه فَلَمَّا عبرت الدَّوَابّ عَلَيْهِ وأتى السُّلْطَان فِي أخرهم انْكَسَرَ الجسر تَحت رجْلي فرسه بعد مَا تعدى يَدَيْهِ الجسر فكاد يسْقط إِلَى الخَنْدَق لَوْلَا أَنهم جبدوا الْعَنَان حَتَّى خرج من الجسر وَهُوَ سَالم وَسقط الْأَمِير بلبان طرنا أَمِير جاندار وَجَمَاعَة لم يمت مِنْهُم سوى رجل وَاحِد. وعندما اسْتَقر السُّلْطَان بقلعة الكرك عرف الْأُمَرَاء أَنه قد انثنى عزمه عَن الْحَج وَاخْتَارَ الْإِقَامَة بالكرك وَترك السلطنة ليستريح خاطره فشق عَلَيْهِم ذَلِك وَبكوا وقبلوا لَهُ الأَرْض يَتَضَرَّعُونَ إِلَيْهِ فِي ترك هَذَا الخاطر وكشفوا رؤوسهم فَلم يرجع إِلَيْهِم وَقَالَ السُّلْطَان للخطيري: قد أَخذ بيبرس الجاشنكير السلطنة ولابد ثمَّ استدعى عَلَاء الدّين على بن أَحْمد بن سعيد بن الْأَثِير وَكَانَ قد توجه مَعَه وَكتب إِلَى الْأُمَرَاء بِالسَّلَامِ عَلَيْهِم وَأَنه رَجَعَ عَن الْحَج وَأقَام بالكرك وَترك السلطة ويساً ل الإنعام عَلَيْهِ بالكرك والشوبك وَأَعْطَاهُ لِلْأُمَرَاءِ وَأمرهمْ بِالْعودِ وَأَعْطَاهُمْ الهجن - وعدتها خَمْسمِائَة هجين - وَالْجمال وَالْمَال الَّذِي قدمه لَهُ الْأُمَرَاء فَسَارُوا إِلَى الْقَاهِرَة. واستولي السُّلْطَان على مَا كَانَ فِي الكرك من المَال وَهُوَ سِتّمائَة ألف دِرْهَم فضَّة وَعِشْرُونَ ألف دِينَار وَقيل بل وجد سَبْعَة وَعشْرين ألف دِينَار وَسَبْعمائة ألف دِرْهَم. واستدعى أهل الكرك فحلفهم لَهُ الْأَمِير جمال الدّين نَائِب الكرك وَأمرهمْ فحملوا لَهُ أحجاراً كَثِيرَة إِلَى القلعة فَلم يبْق أحد حَتَّى حمل إِلَيْهِ الْحِجَارَة من الْوَادي. فَلَمَّا حصل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 422 نَائِب الكرك وَالنَّاس فِي الْوَادي لنقل الْحِجَارَة بعث السُّلْطَان إِلَى النَّائِب أَن يتَوَجَّه إِلَى مصر وينقل مَاله بالكرك وَبَين لَهُ أَن أهل القلعة لَا سَبِيل إِلَى مجاورتهم لَهُ بهَا وَلَا بإقامتهم بِالْمَدِينَةِ فَإِنِّي أعلم كَيفَ باعوا الْملك السعيد بن الظَّاهِر بِالْمَالِ لطرنطاي وَقد مكنت حريمهم وَأَوْلَادهمْ من النُّزُول إِلَيْهِم. فامتثل النَّائِب الْأَمر وَأخذ حريمه وَقدم للسُّلْطَان مَا كَانَ لَهُ من الغلال وَهِي شَيْء كثير فقبلها وَأخذ أهل القلعة حريمهم وَتَفَرَّقُوا فِي الْبِلَاد. وَأقَام السُّلْطَان الْأَمِير سيف الدّين أيتمش المحمدي فِي نِيَابَة قلعة الكرك فَصَارَ هُوَ وَأَخُوهُ الْحَاج أرقطاي وأرغون الدوادار مقيمين على علو القلعة وَبعث إِلَى الْعَرَب الشوبك بِأَن يَكُونُوا فِي الْخدمَة برسم الصَّيْد. وَكَانَ حَرِيم السُّلْطَان قد توجه إِلَى الْحجاز من الْقَاهِرَة فِي سَابِع عشر شَوَّال فَلَمَّا دخل السُّلْطَان إِلَى الكرك بعث فِي طَلَبهمْ فأدركهم وهم على عقبَة أَيْلَة مَعَ الْأَمِير جمال الدّين خضر بن نوكيه فقد بهم إِلَى الكرك. وَوصل الْأُمَرَاء إِلَى قلعة الْجَبَل فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشرى شَوَّال واجتمعوا عِنْد الْأَمِير سلار النَّائِب بدار النِّيَابَة من القلعة وَقُرِئَ كتاب السُّلْطَان عَلَيْهِم فَبُهِتُوا ثمَّ اشتوروا فِيمَن يقوم بِالْملكِ فَاخْتَارَ أكَابِر الْأُمَرَاء سلار لقلعة وتودده وَاخْتَارَ البرجية بيبرس فَلم يجب سلار إِلَى ذَلِك وَخَافَ البرجية لِئَلَّا يُجيب فَقَامُوا وانفض الْمجْلس. وخلا كل من أَصْحَاب بيبرس وسلار بِصَاحِبِهِ وَحسن لَهُ الْقيام بالسلطنة وخوفه عاقية تَركهَا وَأَنه مَتى ولى غَيره لَا يوافقوه بل يقاتلوه. وَبَات البرجية تغلي مراجلهم خوفًا من ولَايَة سلار وسعي بَعضهم إِلَى بعض وَكَانُوا أَكثر جمعا من أَصْحَاب سلار وَأَعدُّوا السِّلَاح وتأهبوا للحرب فَبلغ ذَلِك سلار فخشي سوء الْعَاقِبَة واستدعى الْأُمَرَاء إخْوَته وحفدته وَمن ينتمي إِلَيْهِ وَقرر مَعَ عقلائهم سرا مُوَافَقَته على مَا يُشِير بِهِ - وَكَانَ مُطَاعًا فيهم - فَأَجَابُوهُ ثمَّ خرج إِلَى شباك 0 للطان الْملك المظفر ركن الدّين بيبرس الجاشنكير المنصوري جلس على تخت الْملك فِي يَوْم السبت ثَالِث عشرى شَوَّال سنة ثَمَان وَسَبْعمائة وَذَلِكَ أَنه لما أصبح يَوْم السبت جلس الْأَمِير سلار النَّائِب بشباك دَار النِّيَابَة وَحضر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 423 بيبرس الجاشنكير وَسَائِر الْأُمَرَاء واشتوروا فِيمَن يَلِي السلطنة. فَقَالَ الْأَمِير أقوش قتال السَّبع والأمير بيبرس الدواداري والأمير أيبك الخازندار وهم أكَابِر المنصورية: يَنْبَغِي استدعاء الْخَلِيفَة والقضاة وإعلامهم. كلا وَقع فَخرج الطّلب لَهُم وحضروا فقرئ عَلَيْهِم كتاب السُّلْطَان وَشهد عِنْد قَاضِي الْقُضَاة زين الدّين عَليّ بن مخلوف الْمَالِكِي الأميران عز الدّين الخطيري والحاج آل ملك وَمن كَانَ مَعَهم من الْأُمَرَاء بنزول الْملك النَّاصِر عَن المملكة وَترك سلطنة مصر وَالشَّام فَأثْبت ذَلِك. وأعيد الْكَلَام فِيمَن يصلح فَأَشَارَ الْأُمَرَاء الأكابر بالأمير سلار فَقَالَ: نعم! على شَرط أَن كل مَا أُشير بِهِ لَا تخالفوه وأحضر الْمُصحف وحلفهم على مُوَافَقَته وَألا يخالفوه فِي شَيْء. فقلق البرجية وَلم تبْق إِلَّا إقامتهم الْفِتْنَة فكفهم الله عَن ذَلِك وانقضى الْحلف. فَقَالَ سلار: وَالله يَا أُمَرَاء أَنا مَا أصلح للْملك وَلَا يصلح لَهُ إِلَّا أخي هَذَا وَأَشَارَ إِلَى بيبرس الجاشنكير ونهض قَائِما إِلَيْهِ فَتسَارع البرجية وَقَالُوا بأجمعهم: صدق الْأَمِير وَأخذُوا بيد بيبرس وأقاموه كرها وصاحوا بالجاوشية فصرخوا باسمه. وَكَانَ فرس النّوبَة عِنْد الشباك. فألبسوه تشريف الْخلَافَة: وَهِي فرجية أطلس أسود وطرحة وتقلد بسيفين على الْعَادة. وَمَشى سلار وَالنَّاس بَين يَدَيْهِ من دَار النِّيَابَة بعد الْعَصْر حَتَّى ركب وَعبر بَاب القلعة إِلَى الإيوان وَجلسَ على التخت ولقب بِالْملكِ المظفر وَصَارَ يبكي بِحَيْثُ يرَاهُ النَّاس. ثمَّ قَامَ إِلَى الْقصر وتفرق النَّاس بَعْدَمَا ظنُّوا كل ظن من وُقُوع الْحَرْب بَين السلارية والبيبرسية. فَكَانَت مُدَّة سلطنة الْملك النَّاصِر هَذِه عشر سِنِين وَخَمْسَة أشهر وَسَبْعَة عشر يَوْمًا. وَلما اسْتَقر الْملك المظفر فِي مملكة مصر اجْتمع الْأُمَرَاء بِالْخدمَةِ على الْعَادة فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ خَامِس عشريه فأظهر التغمم بِمَا صَار إِلَيْهِ وخلع على الْأَمِير سلار خلعة النِّيَابَة على عَادَته بَعْدَمَا استعفى وَطلب أَن يكون من جملَة الْأُمَرَاء حَتَّى قَالَ لَهُ: إِن لم تكن أَنْت نَائِبا فَلَا أعمل أَنا السلطنة وَقَامَت عَلَيْهِ الْأُمَرَاء. ثمَّ كتب إِلَى الْأَعْمَال باستقرار الْملك المظفر فِي السلطنة وَتوجه الْأَمِير بيبرس الأحمدي إِلَى حلب والأمير بلاط إِلَى حماة والأمير عز الدّين أيبك الْبَغْدَادِيّ وَزِير بَغْدَاد وَسيف الدّين ساطي إِلَى دمشق على الْبَرِيد. وَطلب التَّاج بن سعيد الدولة وَعرضت عَلَيْهِ الوزارة فَامْتنعَ مِنْهَا وصمم وَأَشَارَ باستمرار الصاحب ضِيَاء الدّين النشائي فَخلع عَلَيْهِ وعَلى التَّاج. وَاسْتمرّ ابْن سعيد الدولة فِي نظر الْجَيْش وَالْإِشَارَة فِي أَمر الوزارة والتوقيع وَنزلا. وَقد عظم أَمر التَّاج حَتَّى كَانَت تعرض عَلَيْهِ أجوبة النواب وَلَا يكْتب السُّلْطَان على شَيْء مَا لم ير خطه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 424 فشق ذَلِك على شرف الدّين عبد الْوَهَّاب بن فضل الله كَاتب السِّرّ وخيل السُّلْطَان من حُدُوث الْفساد بِسَبَب ذَلِك فَمَنعه من الْوُقُوف على الْأَجْوِبَة وَالْكِتَابَة عَلَيْهِمَا وأمضى لَهُ ماعدا ذَلِك. وَكتب للْملك النَّاصِر تَقْلِيد بنيابة الكرك ومنشور بإقطاع مائَة فَارس وجهز إِلَيْهِ وَقرن بهما كتاب الْملك المظفر: بِأَنِّي أجبْت سؤالك فِيمَا اخترته وَقد حكم الْأُمَرَاء على فَلم تمكن مخالفتهم وَأَنا نائبك وَخرج بهَا الْأَمِير الْحَاج آل ملك فَلَمَّا وصل إِلَيْهِ أظهر الْبشر وَأمر الحراس أَن يصيحوا باسم الْملك المظفر وخطب لَهُ يَوْم الْجُمُعَة أَيْضا على مِنْبَر الكرك وأنعم على البريدي وَأَعَادَهُ فسر المظفر بنلك. وَقدم الْبَرِيد من ممالك الشَّام بِالطَّاعَةِ وحلفهم ماعدا الأفرم نَائِب دمشق. فَإِنَّهُ لما قد عَلَيْهِ وَزِير بَغْدَاد بالْخبر قَالَ: بئس وَالله مَا فعله الْملك النَّاصِر بِنَفسِهِ {وَبئسَ مَا فعله بيبرس} وَأَنا لَا أَحْلف لبيبرس - وَقد حَلَفت الْملك النَّاصِر - حَتَّى أبْعث إِلَى النَّاصِر ثمَّ سير جمَاعَة إِلَى الكرك على الْبَرِيد بكتابه فَأَعَادَ النَّاصِر الْجَواب بالشكر وَالثنَاء وَأَنه قد ترك الْملك فليحلف لمن يولونه وَقدم البريدي بذلك إِلَى دمشق فِي يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشر ذِي الْقعدَة فَاجْتمع النَّاس من الْغَد بالجامع وَقُرِئَ تَقْلِيد الْأَمِير جمال الدّين أقوش الأفرم نَائِب الشَّام على عَادَته وخلع على مُحي الدّين يحمي بن فضل الله كَاتب السِّرّ وأنعم على الْأَمِير برلغي بإقطاع السُّلْطَان قبل سلطنته وأنعم بإقطاع برلغي على بتخاص وبإقطاع بتخاص على الْأَمِير جمال الدّين أقوش نَائِب الكرك. وخطب للْملك المظفر وَنُودِيَ بِدِمَشْق فزينت وَعَاد وَزِير بَغْدَاد وساطي إِلَى الْقَاهِرَة. فَركب الْملك المظفر بشعار السلطنة بَعْدَمَا جددت لَهُ الْولَايَة بالسلطة من الْخَلِيفَة وخلع على أَرْبَاب الدولة مَا بَين صَاحب سيف وَرب قلم فبلغت عدَّة الْخلْع إِلَى ألف ومائتي خلعة. وَكتب لَهُ تَقْلِيد السلطنة من إنْشَاء عَلَاء الدّين على بن عبد الظَّاهِر وَنزل من قلعة الْجَبَل بكرَة يَوْم السبت سَابِع عشره وسير بالميدان الْأسود وَمَعَهُ الْأُمَرَاء وَعَلِيهِ التشريف: وَهُوَ فرجية سَوْدَاء بطرز ذهب وشاش أسود ملمع بِقطع ذهب ولفته مدمورة والسيفان على عَاتِقيهِ والوزير ضِيَاء الدّين قدامه على فرس والتقليد على رَأسه فِي كيس حَرِير اً سود بَعْدَمَا قري بالقلعة على الْأُمَرَاء. وَورد الْخَبَر باً ن متملك قبرس اتّفق مَعَ جمَاعَة من مُلُوك الفرنج على عمَارَة سِتِّينَ قِطْعَة لغزو دمياط فَجمع السُّلْطَان الْأُمَرَاء وشاورهم فاتفقوا على عمل جسر ماد من الْقَاهِرَة إِلَى دمياط خوفًا من نزُول الفرنج أَيَّام النّيل وَندب لذَلِك الْأَمِير جمال الدّين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 425 أقوش الرُّومِي الحسامي وَأمر أَلا يُرَاعِي أحدا من الْأُمَرَاء فِي تَأْخِير رجال بِلَاده ورسم لِلْأُمَرَاءِ أَن يخرج كل مِنْهُم الرِّجَال والأبقار وَكتب إِلَى الْوُلَاة بالمساعدة وَالْعَمَل وَأَن يخرج كل وَال بِرِجَالِهِ. وَكَانَ أقوش مهاباً عبوساً قَلِيل الْكَلَام لَهُ حُرْمَة فِي قُلُوب النَّاس فَلم يصل إِلَى فَارس كور حَتَّى وجد وُلَاة الْعَمَل قد نصبوا الخيم وأحضروا الرِّجَال فاستدعى المهندسين ورتب الْعَمَل. فاستقر الْحَال على ثَلَاثمِائَة جرافة بستمائة رَأس بقر وَثَلَاثِينَ ألف رجل وأحضر إِلَيْهِ نواب جَمِيع الْأُمَرَاء. فَكَانَ يركب دَائِما لتفقد الْعَمَل واستحثاث الرِّجَال بِحَيْثُ إِنَّه فقد بعض الْأَيَّام شاد الْأَمِير بدر الدّين الفتاح وَرِجَاله فَلَمَّا أَتَاهُ بعد طلبه ضربه نَحْو الْخَمْسمِائَةِ عصاة. فَلم يغب عَنهُ بعد ذَلِك أحد وَنكل بِكَثِير من مَشَايِخ العربان. وضربهم بالمقارع وخزم آنافهم وَقطع آذانهم وَلم يكد يسلم مِنْهُ أحد من أجناد الْأُمَرَاء ومشدى الْبِلَاد وَمَا زَالَ يجْتَهد فِي الْعَمَل حَتَّى نجز فِي اً قل من شهر وَكَانَ ابتداؤه من قُلُوب وأخره بدمياط يسير عَلَيْهِ الرَّاكِب يَوْمَيْنِ وَعرضه من أَعْلَاهُ أَربع قصبات وَمن أَسْفَله سِتّ قصبات يمشي سِتَّة فرساي صفار وَاحِدًا. وَعم النَّفْع بِهِ فَإِن النّيل كَانَ فِي أَيَّام الزِّيَادَة يَعْلُو حَتَّى تَنْقَطِع الطرقات وَيمْتَنع الْوُصُول إِلَى دمياط. وَحضر بعد فَرَاغه الْأَمِير أقوش إِلَى الْقَاهِرَة وخلع عَلَيْهِ وشكرت همته. وَوَقع الِاتِّفَاق على عمل جسر أخر بطرِيق الْإسْكَنْدَريَّة وَندب لعمله الْأَمِير سيف الدّين الحرمكي فعمر قناطر الجيزة إِلَى أخر الرمل تَحت الهرمين وَكَانَت تهدمت فَعم النَّفْع بعمارتها. وَورد الْخَبَر باً ن الْخَوَارِزْمِيّ والتليلي عادا من بِلَاد الْمغرب بهدية حَلِيلَة وَركب مَعَهم الْحَاج فَخرج عَلَيْهِم العربان وَأخذُوا سَائِر مَا مَعَهم حَتَّى صَارُوا عُرَاة. فَخرج جمَاعَة من الأجناد والمماليك إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة ليتلقوا الرُّسُل وَالْحجاج وَسَارُوا وَمَعَهُمْ نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة إِلَى سوسة فلقوهم بهَا وأحسنوا إِلَيْهِم وَإِلَى الْحَاج. وَسَارُوا بهم إِلَى الْقَاهِرَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 426 وفيهَا كثرت مرافعة أهل الخانكاه الصلاحية سعيد السُّعَدَاء فِي شيخهم كريم الدّين عبد الْكَرِيم الآملي فَقَامَ عَلَيْهِ الشَّيْخ نصر المنجني قيَاما عَظِيما حَتَّى صرف بقاضي الْقُضَاة بَحر الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة. وفيهَا أطلقت حماة لنائبها الْأَمِير سيف الدّين قبجق فعزل وَولى. وفيهَا صرف أَمِين الدّين أَبُو بكر بن الرقاقي من نظر دمشق وَعَاد إِلَى الْقَاهِرَة. وَمَات فِي هَذِه السّنة علم الدّين إِبْرَاهِيم بن الرشيد بن أبي الْوَحْش بن أبي حليقة رَئِيس الْأَطِبَّاء بِمصْر وَالشَّام وَمَات برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن أَحْمد بن ظافر الْبُرُلُّسِيّ نَاظر بَيت المَال فِي خَامِس صفر بِالْقَاهِرَةِ وَولي نظر بَيت المَال عوضه نور الدّين الزواوي النَّائِب الْمَالِكِي. وَمَات مُحي الدّين أَحْمد بن أبي الْفَتْح بن باتكين وَكَانَ يعاني الخدم الديوانية وَله شعر حسن وفضيلة وَعِنْده مفاكهة ومحاضرة جميلَة ومولده سنة أَربع عشرَة وسِتمِائَة وَعمي قبل مَوته وَمَات بِالْقَاهِرَةِ. وَمَات الشهَاب اً حمد بن صَادِق القوصي فِي حادي عشر صفر بقوص وَكَانَ فَقِيها شافعياً يُوقع عَن قَاضِي وَفِيه تحرز وَعِنْده يقظة. وَمَات الشَّيْخ عبد الْغفار بن نوح القوصي فِي لَيْلَة الْجُمُعَة سَابِع ذِي الْقعدَة وَقد حمل من قوص إِلَى الْقَاهِرَة بِسَبَب قِيَامه فِي هدم الْكَنَائِس حَتَّى هدم الْعَامَّة من قوص ثَلَاثَة عشرَة كَنِيسَة فعوق بِالْمَسْجِدِ أَيَّامًا ثمَّ خلى عَنهُ فاً قَامَ بِجَامِع عَمْرو بن الْعَاصِ حَتَّى مَاتَ وبيعت ثِيَابه الَّتِي مَاتَ فِيهَا بِخَمْسِينَ دِينَارا تفرقها أهل الزوايا. وَمَات عُثْمَان الحلبوني الصعيدي ببرزة خَارج دمشق وَكَانَت لَهُ أَحْوَال ومكاشفات. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن شامة الطَّائِي السوادي فِي يَوْم الثُّلَاثَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 427 رَابِع عشرى ذِي الْقعدَة عَن سبع وَأَرْبَعين سنة وَدفن بالقرافة. وَمَات ظهير الدّين أَبُو نصر بن الرشيد أبي السرُور بن أبي النَّصْر السامري الدِّمَشْقِي أسلم فِي الْأَيَّام المنصورية قلاوون وتنقل فِي الخدم الديوانية ولي نظر الْجَيْش بِدِمَشْق ثمَّ انْقَطع فِي دَاره حَتَّى مَاتَ فِي حادي عشرى رَمَضَان ومولده اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وسِتمِائَة وَكَانَ جميلاً لينًا متواضعاً محباً لأهل الْخَيْر مواظباً على الصَّلَوَات بِجَامِع بني أُميَّة فِيهِ بر وصدقات مَعَ الْعِفَّة. وَمَات شهَاب الدّين بن على الحسبني حدث بِمصْر عَن ابْن المقير وَابْن رواج والشاوي وَمَات بهَا. وَمَات الْأَمِير عز الدّين أيبك الشجاعي الْأَشْقَر شاد الدَّوَاوِين فِي محرم بِمصْر وَمَات الْأَمِير عَلَاء الدّين الطبرس المنصوري وَالِي بَاب القلعة الملقب بالمجنون والمنسوب إِلَيْهِ الْعِمَارَة فَوق قنطرة الْمَجْنُونَة على الخليج الْكَبِير خَارج الْقَاهِرَة وَكَانَ عفيفاً دينا لَهُ أَحْكَام قراقوشية مَعَ تسلط على النِّسَاء وَكَانَ يخرج أَيَّام المواسم إِلَى القرافة وينكل بِهن فامتنعن من الْخُرُوج فِي زَمَانه إِلَّا لأمر مُهِمّ مثل الْحمام وَغَيره. وَمَات الْملك المسعود نجم الدّين خضر بن الْملك الظَّاهِر بيبرس فِي خَامِس رَجَب بِمصْر وَمَات وَلَده قبله بِيَوْم. وَمَات الشَّيْخ المعتقد أَحْمد بن أَبى الْقَاسِم المراغي فِي لَيْلَة السبت ثَانِي الْمحرم بِمصْر. وَمَات الْأَمِير عز الدّين أيدمر الرَّشِيدِيّ أستادار النَّائِب سلار فِي تَاسِع عشر شَوَّال وَكَانَ عَاقِلا لَهُ ثراء وَاسع وجاه عريض. وَمَات ملك الْمغرب أَبُو ثَابت عَامر بن الْأَمِير أبي عَامر بن السُّلْطَان يُوسُف بن يَعْقُوب بن عبد الْحق المريني فِي ثامن صفر فبويع أَخُوهُ الرّبيع بن أبي عَامر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 428 (سنة تسع وَسَبْعمائة) فِيهَا قدم عَلَاء الدّين التليلي وأيدغدي من بِلَاد الْمغرب ومعهما الشَّيْخ أَبُو زَكَرِيَّا الليحاني مُتَوَلِّي طرابلس الغرب وَأَبُو إِدْرِيس عبد الْحق المريني يُريدَان الْحَج فَكَانَت غيبَة النليلي ورفيقه ثَلَاث سِنِين وَثَلَاثَة اً شهر فَنزل اللحياني بمناظر الْكَبْش ورتب لَهُ مَا يَلِيق بِهِ. وفيهَا بني الْأَمِير برغلي على ابْنة السُّلْطَان وَعمل مُهِمّ عَظِيم خلع فِيهِ على سَائِر الْأُمَرَاء. وعزل الْأَمِير بيبرس العلائي من نِيَابَة عزة وَاسْتقر عوضه بلبان البدري. وَكتب إِلَى دمشق بِإِبْطَال الْمُقَرّر على الْخُمُور بساحل الشَّام وإراقتها وتعويض الْجند بدلهَا. وَقدم شمس الدّين مُحَمَّد بن عَدْلَانِ من الْيمن وَقد مَاتَ رَفِيقه سنقر السَّعْدِيّ. وَقدم الْخَبَر باً ن الْملك النَّاصِر كثير الرّكُوب للصَّيْد بِبِلَاد الكرك فِي مماليكه فتخيل الْملك المظفر من ذَلِك وخشي عاقبته. وَاتفقَ أَنه قدم الْخَبَر أَيْضا بحركة خربندا للسير إِلَى بِلَاد الشَّام فَكتب إِلَى الْملك النَّاصِر بحركة خربندا وَقد دعت الْحَاجة إِلَى المَال فَيُرْسل مَا أَخذه مَعَه من مَال مصر وَمَا استولى عَلَيْهِ من حَاصِل الكرك وَمن عِنْده من المماليك وَلَا يدع عِنْده مِنْهُم سوى عشرَة برسم الْخدمَة وَيُرْسل الْخُيُول الَّتِي قادها من مصر وَمَتى لم يفعل خرجت إِلَيْهِ العساكر حَتَّى تخرب الكرك عَلَيْهِ. ورأي النَّاصِر أَن المغالطة أولى وَكتب الْجَواب: الْمَمْلُوك مُحَمَّد بن قلاوون يقبل الأَرْض وَيُنْهِي أَنه مَا قصد الْإِقَامَة إِلَّا طلبا للسلامة وَإِن مَوْلَانَا السُّلْطَان هُوَ الَّذِي رباني وَمَا أعرف لي والداً غَيره وكل مَا أَنا فِيهِ فَمِنْهُ وعَلى يَدَيْهِ وَالْقدر الَّذِي أَخَذته من الكرك لأجل مَا لَا بُد لي فِيهِ من الكلف وَالنَّفقَة. وَقد امتثلت المرسوم الشريف وَأرْسلت نصف الْمبلغ الَّذِي تَأَخّر عِنْدِي امتثالا لأمر مَوْلَانَا السُّلْطَان وَأما الْخَيل فقد مَاتَ بَعْضهَا وَلم يبْق إِلَّا مَا أكبه والمماليك فَلم أترك عِنْدِي إِلَّا من اخْتَار أَن يُقيم معي مِمَّن هُوَ مَقْطُوع العلائق من الْأَهْل وَالْولد فَكيف يحل لي أَن أخرجهم. وَمَا بَقِي إِلَّا إِحْسَان مَوْلَانَا السُّلْطَان. وَكتب النَّاصِر بِأَعْلَى الْكتاب: الملكي المظفري وخلع على مغلطاي وَدفع إِلَيْهِ الْكتاب وَحمله مَعَه مِائَتي ألف دِرْهَم وَأَعَادَهُ وَقد حمله مشافهة بمعني جَوَابه فقنع السُّلْطَان المظفر بيبرس بذلك. وفيهَا قدم السُّلْطَان البرجية أَمر مِنْهُم جمَاعَة كَبِيرَة وَأَرَادَ أَن يُؤمر جمَاعَة الْأَمِير سلار فَلم يُوَافق على ذَلِك وَحلف بأيمان مُغَلّظَة أَنه لَا يُمكن أحدا مِنْهُم أَن يتآمر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 429 وفيهَا تفاوض كَاتب السِّرّ شرف الدّين عبد الْوَهَّاب بن فضل الله والتاج بن سعيد الدولة: وَسبب ذَلِك أَن التَّاج تزايد تحكمه فِي الدولة بِحَيْثُ اٍ نه لم يكْتب لأحد توقيع برزقه أَو براتب أَو استخدم فِي وَظِيفَة حَتَّى يكْتب عَلَيْهِ ثمَّ شَارك كَاتب السِّرّ فِي معرفَة أجوبة النواب وَغَيرهم فَامْتنعَ ابْن فضل الله من ذَلِك ورد عَلَيْهِ الْجَواب وَفِيه وَلَا كَرَامَة أَن يكون مطلعاً على أسرار المملكة. ثمَّ حدث ابْن فضل الله الْأَمِير سلار النَّائِب فِي ذَلِك وقبح عِنْده أَن يطلع رجل قبْطِي على أسرار المملكة وأخبار الْعَدو وَأَنه لَا يُوَافق على ذَلِك بِوَجْه. فشق على سلار مَا قصد التَّاج وَقَامَ فِي مساعدة ابْن فضل الله وَمَا زَالَ بالسلطان إِلَى أَن منع التَّاج من الإطلاع على شَيْء من أَمر ديوَان الْإِنْشَاء فَاشْتَدَّ غَضَبه وباين ابْن فضل الله. وَقد قَامَ الْبَرِيد بِإِبْطَال سَائِر الخمارات فسر السُّلْطَان بِهَذَا وعزم على أَن يفعل مثل ذَلِك بديار مصر. وَندب لذَلِك الْأَمِير سيف الدّين الشيخي أحد البرجية وَتقدم إِلَيْهِ أَلا يُرَاعِي أحدا من خشداشيته وَلَا يدع بَيْتا بِمصْر والقاهرة من بيُوت أَعلَى النَّاس وأدناهم يبلغهُ أَن فِيهِ خمرًا إِلَّا ويكبسه وَيكسر مَا فِيهِ. وَكَانَ الشيخي فِيهِ شدَّة وَقُوَّة نفس فَطلب وَالِي الْقَاهِرَة ومقدميها وَأَصْحَاب الأرباع وسألهم عَن مَوَاضِع الْخمر فَلم يُجِيبُوهُ أخفوا سَائِر الْمَوَاضِع وَضرب جمَاعَة مِنْهُم بالمقارع حَتَّى دلوه على عصر الْعِنَب أَو من عِنْده خمر وَكتب أسمائهم فَكَانَ فيهم عدَّة من الْأُمَرَاء وَالْكتاب والأجناد والتجار وَأخذ فِي كبس الْبيُوت: فَكَانَ الرجل لَا يشْعر إِلَّا بِهِ فِي مماليكه وَقد هجم عَلَيْهِ وَمَعَهُ النجارون والبناءون لتفقد مطامير الْخمر وإخراجها فَإِذا ظفر بهَا كسر سَائِر مَا فِيهَا. فَنزل بِالنَّاسِ من ذَلِك بلَاء شَدِيد وَافْتَضَحَ كثير من المستورِين وَنهب من بُيُوتهم أَشْيَاء لِكَثْرَة مَا كَانَ يجْتَمع من الْعَامَّة ولفرار صَاحب الْبَيْت خوفًا على نَفسه وَأخذ الأجناد وَغَيرهم من ذَلِك مَا أغناهم. وَأخذ النَّاس يدل بَعضهم على بعض وتشفي جمَاعَة من أعاديهم بنلك. وكبست أَيْضا دور الْيَهُود وَالنَّصَارَى وأريق مَا فِيهَا من الْخُمُور وتعدي الْأَمر دون الْأُمَرَاء فكبست دور من عرف بِشرب الْخمر مِنْهُم وَمِنْهَا دَار الْأَمِير عَلَاء الدّين مغلطاي المَسْعُودِيّ أحد أُمَرَاء الألوف من البرجية. فأزال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 430 الله بذلك فَسَادًا كَبِيرا وَوَقع أَيْضا بِسَبَبِهِ من نهب الْأَمْوَال فَسَاد كَبِيرَة فَلَمَّا اشْتَدَّ الْأَمر تجمع الْأُمَرَاء وَحَدثُوا السُّلْطَان فِيهِ فَكف عَنهُ. وَفِي ربيع الأول: خسف جَمِيع جرم الْقَمَر. وَفِيه كثر الإرجاف بحركة التتر فبرز الدهليز السلطاني إِلَى الريدانية. وفيهَا اسْتَقر سعد الدّين مَسْعُود بن أَحْمد بن مَسْعُود الْحَارِثِيّ فِي قَضَاء الْحَنَابِلَة بِالْقَاهِرَةِ بعد موت القَاضِي شرف الدّين عبد الْغَنِيّ بن عبد الله الْحَرَّانِي فِي ثَالِث ربيع الآخر. وفيهَا فَشَا بِالنَّاسِ أمراض حادة وَعم الوباء وَطلبت الْأَدْوِيَة والأطباء وَعز سَائِر مَا يحْتَاج إِلَيْهِ المرضى حَتَّى أبيع السكر وأبيع الْفروج بِخَمْسَة دَرَاهِم والرطل الْبِطِّيخ بدرهم وَكَانَ الرجل الْوَاحِد من العطارين يَبِيع فِي كل يَوْم بثلاثمائة دِرْهَم إِلَى مِائَتي دِرْهَم. وفيهَا توقفت زِيَادَة النّيل إِلَى أَن دخل شهر مسرى وارتفع سعر الْقَمْح حَتَّى أبيع الأردب بِخَمْسِينَ درهما والأردب الشّعير والفول بِعشْرين درهما. وَمنع الْأُمَرَاء البيع من شونهم إِلَّا الْأَمِير عز الدّين أيدمر الخطيري الأستادار فَإِنَّهُ تقدم إِلَى مباشريه أَلا يتْركُوا عِنْده مُبَاشرَة سنة وَبَاعَ مَا عداهُ قَلِيلا قَلِيلا. وَخَافَ النَّاس من وُقُوع نَظِير غلاء كتبغا وَخرج بهم الْخَطِيب نور الدّين عَليّ بن مُحَمَّد بن الْحسن بن على الْقُسْطَلَانِيّ فَاسْتَسْقَى وَكَانَ يَوْمًا مشهوداً فَنُوديَ من الْغَد بِثَلَاثَة أَصَابِع ثمَّ توقف. وانتهت زِيَادَة النّيل فِي سَابِع عشرى توت إِلَى خَمْسَة عشر ذِرَاعا وَسَبْعَة عشر إصبعاً. وَاتفقَ أَنه نقص فِي أَيَّام النسئ وَجَاء النوروز وَلم يوف النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا وَفتح الخليج يَوْم الْجُمُعَة ثامن توت وَهُوَ ثامن عشرى ربيع الأول. وَذكر بَعضهم أَنه لم يوف إِلَى تَاسِع عشر بَابه وَهُوَ يَوْم الْخَمِيس حادي عشر جُمَادَى الأولى وَذَلِكَ بعد الْيَأْس مِنْهُ. وانحط مَعَ ذَلِك السّعر بعد الْوَفَاء وغنت عَامَّة مصر: سلطاننا ركين ونائبنا دقين يجينا المَاء منين. جيبوا لنا الْأَعْرَج يجي الما ويدحرج. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 431 وفيهَا قدم الْبَرِيد من حلب بِأَن الْأَمِير سرتاي استنابه الْملك خربندا بديار بكر وَأَنه حَارب طقطاي فَقتل طقطاي وعزم على الْمسير إِلَى حلب. فَخرج الْأَمِير جمال الدّين أقوش قتال السَّبع والأمير حسام الدّين لاجين الجاشنكير وعدة الطبلخاناه والعشراوات فِي ألفي فَارس وَسَارُوا فِي جماد الأولى إِلَى حلب. وَكتب الْأَمِير سلار للأمير جمال الدّين أقوش بأَرْبعَة آلَاف غرارة من الْقَمْح وَثَمَانِينَ ألف دِرْهَم من مَاله بِدِمَشْق مَعُونَة لَهُ وَلمن مَعَه. وفيهَا ابْتَدَأَ اضْطِرَاب دولة السُّلْطَان الْملك المظفر: وَذَلِكَ أَنه كثر توهمه من الْملك النَّاصِر وخيله الْأُمَرَاء وحذروا السُّلْطَان مِنْهُ. وحسنوا لَهُ الْقَبْض عَلَيْهِ فجبن بيبرس عَن ذَلِك ثمَّ مازالوا بِهِ حَتَّى بعث الْأَمِير مغلطاي إِلَى الْملك النَّاصِر ليَأْخُذ مِنْهُ الْخَيل والمماليك الَّتِي عِنْده. وتغلظ مغلطاي فِي القَوْل فَغَضب الْملك النَّاصِر من ذَلِك غَضبا شَدِيدا وَقَالَ لَهُ: أَنا خليت ملك مصر وَالشَّام لبيبرس وَمَا يَكْفِيهِ حَتَّى ضَاقَتْ عينه على فرس عِنْدِي أَو مَمْلُوك لي ويكرر الطّلب ارْجع إِلَيْهِ وَقل لَهُ وَالله لَئِن لم يتركني وَإِلَّا دخلت بِلَاد التتر وأعلمتهم أَنِّي قد تركت ملك أبي وَأخي وملكي لمملوكي وَهُوَ يَتبعني وَيطْلب مني مَا أخفته. فجافاه مغلطاي وخشن فِي القَوْل بِحَيْثُ اشْتَدَّ غضب الْملك النَّاصِر وَصَاح بِهِ: وَيلك! وصلنا إِلَى هُنَا وَأمر أَن يجر ويرمى من سور القلعة. فثار بِهِ المماليك يَسُبُّونَهُ ويلعنونه وأخرجوه إِلَى السُّور فَلم يزل الْأَمِير أرغون الدوادار والأمير طغاي إِلَى أَن عَفا عَنهُ النَّاصِر وحبسه ثمَّ أخرجه مَاشِيا إِلَى الْغَوْر وامتعض مغلطاي عِنْد ذَلِك مِمَّا حل بِهِ. وَكتب النَّاصِر ملطفات إِلَى نواب الشَّام بحلب وحماة وطرابلس وصفد وَإِلَى أُمَرَاء مصر مِمَّن يَثِق بِهِ. مِمَّا كَانَ فِيهِ من ضيق الْيَد وَقلة الْحُرْمَة وَأَنه لأجل هَذَا ترك ملك مصر وقنع بِالْإِقَامَةِ فِي الكرك وَأَن السُّلْطَان الْملك المظفر فِي كل قَلِيل يُرْسل يُطَالِبهُ بِالْمَالِ ثمَّ بِالْخَيْلِ ثمَّ بالمماليك وَقَالَ لَهُم: أَنْتُم مماليك أبي وربيِتموني. فإمَّا أَن تردوه عني وَإِلَّا أَسِير إِلَى بِلَاد التتار وتلطف فِي مخاطبتهم غَايَة التلطف وسير إِلَيْهِم العربان بهَا فأوصلوها إِلَى أَرْبَابهَا. وَكتب الْأَمِير قبجق المنصوري نَائِب حماة الْجَواب: باً ني مَعَ الْأَمِير قرا سنفر نَائِب حلب وَكتب الْأَمِير قرا سنقر الْجَواب: باً ني مَمْلُوك السُّلْطَان فِي كل مَا يرسم بِهِ وساْل أَن يتَوَجَّه إِلَيْهِ أحد المماليك السُّلْطَانِيَّة فَبعث النَّاصِر مَمْلُوكه أيتمش المحمدي وَكتب مَعَه ملطفًا إِلَى الْأَمِير سيف الدّين قطلوبك المنصوري والأمير بكتمر الحسامي الْحَاجِب بِدِمَشْق. وَأما بكتمر الجوكندار نَائِب صفد فَإِنَّهُ طرد القاصد وَلم يجْتَمع لَهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 432 وَقدم أيتمش دمشق فِي خُفْيَة وَنزل عِنْد بعض مماليك الْأَمِير قطلوبك وَدفع إِلَيْهِ الملطف. فَلَمَّا أوصله إِلَى قطلوبك أنكر عَلَيْهِ وَأمره بالاحتفاظ على أيتمش ليوصله إِلَى الأفرم نَائِب الشَّام ويتقرب إِلَيْهِ بذلك. فَترك أيتمش رَاحِلَته الَّتِي قدم عَلَيْهَا عِنْدَمَا بلغه ذَلِك وَمضى إِلَى دَار الْأَمِير سيف الدّين بهادر آص فِي اللَّيْل وَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فَأذن لَهُ فَعرفهُ مَا كَانَ من الْأَمِير قطلوبك فطمن خاطره وأنزله عِنْده وَقَامَ بِحقِّهِ وأركبه من الْغَد مَعَه إِلَى الموكب. وَقد سبق قطلوبك وَعرف النَّائِب قدوم مَمْلُوك الْملك النَّاصِر إِلَيْهِ وهربه لَيْلًا فقلق الأفرم من ذَلِك وألزم وَالِي الْمَدِينَة بتحصيل الْمَمْلُوك فَقَالَ بهادر آص: هَذَا الْمَمْلُوك عِنْدِي وَأَشَارَ إِلَيْهِ فَنزل عَن الْفرس وَسلم على الأفرم وَسَار مَعَه فِي الموكب إِلَى دَار السَّعَادَة وَقَالَ بِحَضْرَة الْأُمَرَاء: السُّلْطَان الْملك النَّاصِر يسلم عَلَيْكُم وَيَقُول مَا مِنْكُم أحد إِلَّا وَأكل خبز الشَّهِيد وَالِده وخبزه وَمَا مِنْكُم إِلَّا من إنعامه عَلَيْهِ. وَأَنْتُم تربية الشَّهِيد وَالِده وَأَنه قَاصد الدُّخُول إِلَى دمشق وَالْإِقَامَة فِيهَا. فَإِن كَانَ فِيكُم من يقاتله ويمنعه العبور فعرفعوه. فَلم يتم هَذَا القَوْل حَتَّى صَاح عز الدّين أيدمر الكوكندي الزراق أحد أُمَرَاء دمشق وَابْن أستاذاه! وَبكى. فَغَضب الأفرم نَائِب الشَّام عَلَيْهِ وَأخرجه ثمَّ قَالَ لأيتمش: قل لَهُ - يَعْنِي الْملك النَّاصِر - كَيفَ تَجِيء إِلَى الشَّام أَو إِلَى غير الشَّام كَأَن الشَّام ومصر الْآن تَحت حكمك أَنا لما أرسل إِلَيْنَا السُّلْطَان الْملك أَن أَحْلف لَهُ مَا حَلَفت حَتَّى سيرت أَقُول لَهُ: كَيفَ يكون ذَلِك وَابْن أستاذنا بَاقٍ فَأرْسل يَقُول: أَنا مَا تقدّمت عَلَيْهِ حَتَّى خلع ابْن أستاذنا نَفسه وَكتب خطه وَأشْهد عَلَيْهِ بنزول عَن الْملك فَعِنْدَ ذَلِك حَلَفت لَهُ. ثمَّ فِي هَذَا الْوَقْت تَقول من يردني عَن الشَّام وَأمر بِهِ فَسلم إِلَى أستاداره الطنقش. فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل استدعاه وَدفع إِلَيْهِ خمسين دِينَارا وَقَالَ لَهُ: قل لَهُ لَا يذكر الْخُرُوج من الكرك وَأَنا أكتب إِلَى الْملك المظفر وأرجعه عَن طلب الْخَيل والمماليك وخلى عَنهُ ليعود إِلَى الكرك. فَقدم أيتمش على الْملك النَّاصِر وحدثه بِمَا جرى لَهُ فَأَعَادَهُ على الْبَريَّة وَمَعَهُ أر كتمر وَعُثْمَان الهجان ليجتمع بقرًا سنقر نَائِب حلب ويواعده على الْمسير إِلَى دمشق. وَسَار الْملك النَّاصِر من الكرك إِلَى بركَة زيزاء. وَأما الْملك المظفر فَإِنَّهُ لما بلغه أَن الْملك النَّاصِر حبس الْأَمِير عَلَاء الدّين مغلطاي أيتعلى الْمُقدم ذكره قلق واستدعى الْأَمِير سلار النَّائِب وعرفه ذَلِك. وَكَانَت البرجية قد أغروا المظفر بسلار واتهموه بِأَنَّهُ قد بَاطِن الْملك النَّاصِر وأشاروا عَلَيْهِ بِقَبْضِهِ وخوفوه مِنْهُ. فَبلغ ذَلِك سلار فخاف من البرجية لكثرتهم وقوتهم وَأخذ فِي مداراتهم. وَكَانَ أَشَّدهم عَلَيْهِ الْأَمِير سيف الدّين بيكور فَبعث إِلَيْهِ - وَكَانَ قد شكا لَهُ من انكسار خراجه - سِتَّة أُلَّاف أردب غلَّة وَألف دِينَار مصرية فَكف عَنهُ وهادى خَواص السُّلْطَان وأنعم عَلَيْهِم اٍ نعامات كَثِيرَة طلبا للسلامة مِنْهُم. ثمَّ حضر سلار عِنْد المظفر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 433 وتكلما فِيمَا هم فِيهِ فاقتضي الرَّأْي تجهيز قَاصد للْملك النَّاصِر بتهديده ليفرج عَن أيتغلي. وبينما هم فِي ذَلِك قدم الْبَرِيد من عِنْد نَائِب دمشق باً ن الْملك النَّاصِر سَار من الكرك إِلَى البرج الْأَبْيَض وَلم يعرف مقْصده فَكتب إِلَيْهِ بالكشف عَن مقْصده وَحفظ الطرقات عَلَيْهِ. هَذَا وَقد اشْتهر بِالْقَاهِرَةِ حَرَكَة الْملك النَّاصِر وَخُرُوجه من الكرك فَتحَرك الْأَمِير سيف الدّين نوغاي القبجاقي - وَكَانَ شجاعاً مقداماً حاد المزاج قوي النَّفس وَمن ألزام الْأَمِير سلار النَّائِب - وواعده جمَاعَة من المماليك السُّلْطَانِيَّة أَن يهجم بهم على السُّلْطَان الْملك المظفر بيبرس إِذا ركب ويقتله. فَلَمَّا نزل إِلَى بركَة الْجب استجمع نوغاي بِمن وَافقه يُرِيدُونَ الفتك بالسلطان فِي عوده من الْبركَة وتقرب نوغاي من السُّلْطَان قَلِيلا قَلِيلا وَفد تغير وَجهه وَظهر فِيهِ أَمَارَات الشَّرّ فَفطن بِهِ خَواص السُّلْطَان وتحلقوا حوله فَلم يجد نوغاي سَبِيلا إِلَى مَا عزم عَلَيْهِ. وَعَاد السُّلْطَان إِلَى القلعة فَعرفهُ ألزامه مَا فهموه عَن نوغاي وحسنوا لَهُ الْقَبْض عَلَيْهِ وَتَقْرِيره على من مَعَه. فاستدعى السُّلْطَان الْأَمِير سلار وأعلمه الْخَبَر - وَكَانَ قد بَاطِن نوغاي أَيْضا - فحذره من ذَلِك وخوفه عَاقِبَة الْأَخْذ بِالظَّنِّ وَأَن فِيهِ فَسَاد قُلُوب الْجَمِيع وَلَيْسَ إِلَّا الإغضاء فَقَط وَقَامَ عَنهُ فَأَخذه البرجية فِي الإغراء بسلار وَأَنه ولابد قد بَاطِن نوغاي وَمَتى لم يقبض عَلَيْهِ فسد الْحَال. فَبلغ نوغاي مَا هم فِيهِ من الحَدِيث فِي الْقَبْض عَلَيْهِ فواعد أَصْحَابه على اللحاق بِالْملكِ النَّاصِر وَخرج هُوَ والأمير عَلَاء الدّين مغلطاي القازاني والأمير سيف الدّين طقطاي الساقي وَنَحْو سِتِّينَ مَمْلُوكا وَقت الْمغرب عِنْد بَاب القلعة من لَيْلَة الْخَمِيس خَامِس عشرى جُمَادَى الْآخِرَة. وَعرف السُّلْطَان بذلك من الإسطبل فَفتح بَاب القلعة وَطلب الْأَمِير سلار وشاوره فَأَشَارَ بتجهيز الْأُمَرَاء فِي طَلَبهمْ وَعين أَخَاهُ عَلَاء الدّين سمك وقطز بن الفارقاني فِي عدَّة من حَاشِيَته وَخَمْسمِائة مَمْلُوك وَسَارُوا من وقتهم غير مجدين فِي طَلَبهمْ وَصَارَ بَين الْفَرِيقَيْنِ مرحلة وَاحِدَة إِذا رَحل هَؤُلَاءِ نزل هَؤُلَاءِ. فَلَمَّا وصل نوغاي إِلَى قطيا وجد الْحمل قد تجهز إِلَى الْقَاهِرَة وَهُوَ مبلغ عشْرين ألف دِرْهَم فَأَخذه وَأخذ خيل الْوَالِي وخيول الْعَرَب وَسَار إِلَى غَزَّة وَمضى إِلَى الكرك فَنزل الْأُمَرَاء بعده غَزَّة وعادوا إِلَى الْقَاهِرَة. وَقد اشْتَدَّ خوف الْملك المظفر وَكثر خياله فَقبض على جمَاعَة تزيد عدتهمْ على ثَلَاثمِائَة مَمْلُوك وَأخرج أخبارهم وأخباز المتوجهين إِلَى الكرك لمماليكه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 434 وَبلغ الْملك النَّاصِر قدوم نوغاي وَمن مَعَه وَهُوَ فِي الصَّيْد فَأمر بإحضارهم فَأتوهُ وقبلوا لَهُ الأَرْض وهنأوه بالعافية فسر بهم. وَسَارُوا مَعَه إِلَى زيزاء وَمضى إِلَى زرع يُرِيد دمشق ثمَّ رَجَعَ إِلَى الكرك. فشق على الْملك المظفر ذَلِك وَدَار بِهِ البرجية وشوشوا فكره بِكَثْرَة إيهامهم وتخيلهم لَهُ بمخاطرة الْعَسْكَر عَلَيْهِ وَمَا زَالُوا بِهِ حَتَّى أخرج الْأَمِير بينجار والأمير صارم الدّين الجرمكي فِي عدَّة من الْأُمَرَاء مجردين وَأخرج الْأَمِير أقوش الرُّومِي بجماعته إِلَى طَرِيق السويس ليمنع من عساه يتَوَجَّه من الْأُمَرَاء والمماليك إِلَى الْملك النَّاصِر وَقبض على أحد عشر مَمْلُوكا وَقصد أَن يقبض على آخَرين فاستوحش الْأَمِير سيف الدّين أيطرا وفر فأدركه الْأَمِير جركتمر بن بهادر راً س نوبَة وأحضره فحبس وَعند إِحْضَاره طلع الْأَمِير سيف الدّين الدكز السِّلَاح دَار بملطف من الْملك النَّاصِر استجلا بِهِ إِلَيْهِ فَكثر قلق الْملك المظفر وَزَاد توهمه ونفرت مَعَ ذَلِك قُلُوب جمَاعَة من الْأُمَرَاء والمماليك وخشوا على أنفسهم وَاجْتمعَ كثير من المنصورية والأشرفية والأويرانية وتواعدوا على الْحَرْب وَخرج مِنْهُم مائَة وَعِشْرُونَ فَارِسًا بِالسِّلَاحِ وَسَارُوا إِلَى الْملك النَّاصِر. فَخرج إِلَيْهِم الْأَمِير بينجار والصارم الجرمكي فَقَاتلهُمْ المماليك وجرح الجرمكي بِسيف فِي فَخذه سقط إِلَى الأَرْض وَمضى المماليك على حمية إِلَى الكرك. فَعظم الْخطب على السُّلْطَان وَاجْتمعَ إِلَيْهِ البرجية وَقَالُوا لَهُ: هَذَا الْفساد كُله من الْأَمِير سلار وَمَتى لم تقبض عَلَيْهِ خرج الْأَمر من يدك فَلم يُوَافق على ذَلِك وَاتفقَ الرَّأْي على تَجْرِيد العساكر. وَفِي يَوْم السبت ثَانِي رَجَب: مَاتَ التَّاج بن سعيد الدولة وَاسْتقر ابْن أُخْته كريم الدّين أكْرم الْكَبِير فِي وظائفه وتكبر على الْأُمَرَاء واستقرت فِيهِ الْأَحْوَال حَتَّى كتب على مَا يعرف وَمَا لَا يعرف. وَأما أيتمش المحمدي فَإِنَّهُ سَار إِلَى حماة وَاجْتمعَ بالأمير قبجق نائبها فأحال قبجق الْأَمر على الْأَمِير قرا سنقر نَائِب حلب وَأَنه مَعَه حَيْثُ كَانَ. فَسَار أيتمش إِلَى حلب وَاجْتمعَ بقرًا سنقر فَأكْرمه وَوَافَقَ على قيام الْملك النَّاصِر وَدخل فِي طَاعَته ووعده على السّير إِلَى دمشق أول شعْبَان. وَكتب قرا سنقر إِلَى الأفرم نَائِب يحثه دمشق على طَاعَة الْملك النَّاصِر ويرغبه وَأَشَارَ بمكاتبة الْملك النَّاصِر للأمير بكتمر الجوكندار نَائِب صفد والأمير كراي المنصوري بالقدس ونائب طرابلس وَأعَاد أيتمش وَمن مَعَه إِلَى الْملك النَّاصِر فسر بذلك. وَكَانَ نوغاي مُنْذُ قدم لَا يبرح يحرضه على الْمسير إِلَى دمشق فَلَمَّا قدم عَلَيْهِ خبر قرا سنقر اشْتَدَّ باً سه وَقَوي عزمه على الْحَرَكَة إِلَّا أَنه ثقل عَلَيْهِ أَمر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 435 نوغاي من مخاشنته لَهُ فِي المخاطبة وجفاه القَوْل بِحَيْثُ إِنَّه قَالَ لَهُ: لَيْسَ لي بك حَاجَة ارْجع إِلَى حَيْثُ شِئْت فَترك نوغاي الْخدمَة وَانْقطع إِلَى أَن قدم أيتمش من حلب فَدخل بَينه وَبَين السُّلْطَان حَتَّى أَزَال مَا بَينهمَا وَأسر لَهُ السُّلْطَان ذَلِك حَتَّى قَتله بعد عوده إِلَى الْملك كَمَا ثمَّ إِن الْملك النَّاصِر بعث أيتمش أَيْضا إِلَى صفد فتلطف حَتَّى اجْتمع بناصر الدّين مُحَمَّد بن بكتمر الجوكندار نَائِب صفد وَجمع بَينه وَبَين أَبِيه لَيْلًا فِي مَقَابِر صفد فعتبه أيتمش على مَا كَانَ من رده قَاصد الْملك النَّاصِر فَاعْتَذر بالخوف من بيبرس وسلار وَأَنه لَوْلَا ثقته بِهِ لما اجْتمع بِهِ قطّ. فَلَمَّا عرفه أيتمش طَاعَة الْأَمِير قرا سنقر والأمير قبجق أجَاب بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة وَأَنه على ميعاد النواب إِلَى الْمُضِيّ إِلَى الشَّام فَأَعَادَ أيتمش جَوَابه على الْملك النَّاصِر فسر بِهِ. وَسَار من الْقَاهِرَة عشرَة من الْأُمَرَاء المقدمين فِي يَوْم السبت تَاسِع رَجَب مِنْهُم: الْأَمِير سيف الدّين برلغي الأشرفي. والأمير جمال الدّين أقوش الأشرفي نَائِب الكرك والأمير عز الدّين أيبك الْبَغْدَادِيّ والأمير سيف الدّين طغريل الإيغاني والأمير سيف الدّين تناكر وَمَعَهُمْ نَحْو ثَلَاثِينَ أَمِيرا من الطبلخاناه بَعْدَمَا أنْفق فيهم السُّلْطَان الْملك المظفر فَأخذ برلغي عشرَة آلَاف دِينَار وكل من المقدمين ألفي دِينَار وكل من الطبلخاناه ألف دِينَار وكل من مقدمي الْحلقَة ألف دِرْهَم وكل من أجناد الكرك خَمْسمِائَة دِرْهَم ونزلوا تجاه مَسْجِد تبر خَارج الْقَاهِرَة ثمَّ عَادوا بعد أَرْبَعَة أَيَّام إِلَى الْقَاهِرَة لوُرُود الْخَبَر بِعُود الْملك النَّاصِر إِلَى الكرك. ثمَّ ورد الْخَبَر ثَانِيًا بمسيره فتجهز الْعَسْكَر فِي أَرْبَعَة آلَاف فَارس وَخرج برلغي ونائب الكرك وَمن تقدم ذكره وَسَارُوا فِي الْعشْرين من شعْبَان إِلَى العباسة. فورد الْبَرِيد من عِنْد الأفرم نَائِب دمشق بقدوم أيتمش المحمدي عَلَيْهِ من قبل الْملك النَّاصِر وَبِمَا شافهه بِهِ من الْجَواب وَأَنه بعث الْأَمِير عَلَاء الدّين أيدغدي الحسامي والأمير سيف الدّين جوبان لكشف الْأَخْبَار وَأَشَارَ بِتَأْخِير الْعَسْكَر فَكتب بإقامتهم على العباسة. فَقدم أيدغدي شقير وجوبان على الْملك النَّاصِر وعرفاه أَنَّهُمَا قدما لكشف حَاله وحلفا لَهُ على الْقيام بنصرته ورجعا إِلَى دمشق فعرفا الأفرم أَن النَّاصِر مُقيم ليتصيد فخاف أَن يطْرق دمشق بغته فَجرد إِلَيْهِ ثَمَانِيَة أُمَرَاء بمضافيهم: مِنْهُم الْأَمِير سيف الدّين قطلوبك المنصوري والأمير سيف الدّين الْحَاج بهادر الْحلَبِي الْحَاجِب والأمير سيف الدّين جوبان والأمير كجكن والأمير علم الدّين الجاولي ليقيموا على الطرقات لحفظها على من يخرج إِلَى الْملك النَّاصِر. وَكتب الأفرم إِلَى الْملك المظفر يحثه على إِخْرَاج الْعَسْكَر الْمصْرِيّ ليجتمع مَعَ عَسْكَر دمشق على قتال الْملك النَّاصِر وَأَنه قد جدد الْيَمين لَهُ وَحلف أُمَرَاء دمشق أَنهم لَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 436 يخونون الْملك المظفر وَلَا ينْصرُونَ الْملك النَّاصِر وَأَن نَائِب حلب وَغَيره من النواب قد دخلُوا فِي طَاعَة الْملك النَّاصِر. فَلَمَّا قَرَأَ الْملك المظفر كتاب نَائِب الشَّام اضْطربَ وَزَاد قلقه. فورد كتاب الْأَمِير برلغي من العباسة بِأَن مماليك الْأَمِير جمال الدّين أقوش الرُّومِي تجمعُوا عَلَيْهِ وقتلوه وَسَارُوا وَمَعَهُمْ خزائنه إِلَى الْملك النَّاصِر وَأَنَّهُمْ لحق بهم بعض أُمَرَاء الطبلخاناه فِي جمَاعَة من مماليك الْأُمَرَاء وَقد فسد الْحَال والرأي أَن يخرج السُّلْطَان بِنَفسِهِ. فَأخْرج المظفر تجريدة أُخْرَى فِيهَا عدَّة من الْأُمَرَاء وهم بشاش وبكتوت الفتاح وَكثير من البرجية وَبعث إِلَى برلغي ألفي دِينَار ووعده بِأَنَّهُ عازم على التَّوَجُّه إِلَيْهِ بِنَفسِهِ. فَلَمَّا ورد كتاب الْملك المظفر بذلك وبقدوم التجريدة إِلَيْهِ عزم على الرحيل من الْغَد إِلَى جِهَة الكرك. فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل رَحل كثير مِمَّن مَعَه يُرِيدُونَ الْملك النَّاصِر فَكتب إِلَى السُّلْطَان بِأَن نصف الْعَسْكَر قد صَار عَلَيْهِ وحرضه على الْخُرُوج بِنَفسِهِ. فَلم يطلع الْفجْر إِلَّا والأمير سيف الدّين بهادر جكي قد وصل بِكِتَاب الْأَمِير برلغي على الْبَرِيد إِلَى السُّلْطَان فَلَمَّا قضي صَلَاة الصُّبْح تقدم إِلَيْهِ وأعلمه برحيل أَكثر الْعَسْكَر إِلَى الْملك النَّاصِر وناوله الْكتاب فَلَمَّا قَرَأَهُ تَبَسم وَقَالَ: سلم على برلغي وَقل لَهُ لَا تخش من شَيْء فَإِن الْخَلِيفَة أَمِير الْمُؤمنِينَ قد عقد لنا بيعَة ثَانِيَة وجدد لنا عهدا وَقد قرئَ على المنابر وجددنا الْيَمين على الْأُمَرَاء وَمَا بَقِي أحد يَجْسُر أَن يُخَالف مَا كتب بِهِ أَمِير الْمُؤمنِينَ فَإِنَّهُ قد أكد فِي كِتَابَة العقد. ثمَّ دفع المظفر إِلَيْهِ الْعَهْد الخليفتي وَقَالَ: امْضِ بِهِ إِلَيْهِ حَتَّى يقرأه على الْأُمَرَاء والجند ثمَّ يُرْسِلهُ لي فَإِذا فرغ من قرائته يرحل بالعساكر إِلَى الشَّام وجهز لَهُ أَيْضا ألفي دِينَار أُخْرَى وَكتب جَوَابه بنظير المشافهة. فَعَاد بهادر إِلَى برلغي فَلَمَّا قرئَ عَلَيْهِ الْكتاب وانتهي إِلَى قَوْله: وَإِن أَمِير الْمُؤمنِينَ ولاني تَوْلِيَة جَدِيدَة وَكتب لي عهدا وجدد لي بيعَة ثَانِيَة فتح برلغي الْعَهْد فَإِذا أَوله: إِنَّه من سُلَيْمَان فَقَالَ: ولسليمان الرّيح ثمَّ الْتفت إِلَى بهادر وَقَالَ لَهُ: قل لَهُ يَا بَادر الذقن! وَالله مَا معي أحد يلْتَفت إِلَى الْخَلِيفَة ثمَّ قَامَ وَهُوَ مغضب. وَكَانَ سَبَب تَجْدِيد الْعَهْد أَن نَائِب دمشق لما ورد كِتَابه بِأَنَّهُ حلف أُمَرَاء الشَّام ثَانِيًا وَبعث صدر الدّين مُحَمَّد بن عمر بن مكي بن عبد الصَّمد الشهير بِابْن المرحل برسالة إِلَى السُّلْطَان صَار صدر الدّين يجْتَمع عِنْده هُوَ وَابْن عَدْلَانِ ويشغل السُّلْطَان وقته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 437 بهما. فاً شارا عَلَيْهِ بتجديد الْبيعَة وَكِتَابَة عهد يقْرَأ على المنابر وتحليف الْأُمَرَاء فَإِن ذَلِك يثبت قَوَاعِد الْملك فَفعل ذَلِك وَحلف الْأُمَرَاء بِحَضْرَة الْخَلِيفَة وَكتب لَهُ عهد جَدِيد عَن الْخَلِيفَة أبي الرّبيع ونسخته: إِنَّه من سُلَيْمَان وَإنَّهُ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم. من عبد الله وَخَلِيفَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمُسلمين أبي الرّبيع سُلَيْمَان بن أَحْمد العباسي لأمراء الْمُسلمين وجيوشها. 7 - (يأيها الَّذين آمنُوا أَطيعوا الله وأَطيعوا الرَّسُول وَأولى الْأَمر مِنْكُم) وَإِنِّي رضيت لكم بِعَبْد الله تَعَالَى الْملك المظفر ركن الدّين نَائِبا عني لملك الديار المصرية والبلاد الشامية وأقمته مقَام نَفسِي لحينه وكفايته وأهليته ورضيته للْمُؤْمِنين وعزلت من كَانَ قبله بعد علمي بنزوله عَن الْملك وَرَأَيْت ذَلِك مُتَعَيّنا عَليّ وحمت بذلك الْحَاكِم الْأَرْبَعَة. وَاعْلَمُوا رحمكم الله أَن الْملك عقيم لَيْسَ بالوراثة لأحد خَالف عَن سالف وَلَا كَابر عَن كَابر. وَقد استخرتُ الله تَعَالَى وَوليت عَلَيْكُم الْملك المظفر فَمن أطاعه فقد أَطَاعَنِي وَمن عَصَاهُ فقد عَصَانِي وَمن عَصَانِي فقد عصي أَبَا الْقَاسِم ابْن عمي صلى اله عَلَيْهِ وَسلم. وَبَلغنِي أَن الْملك النَّاصِر بن الْملك الْمَنْصُور شقّ الْعَصَا على الْمُسلمين وَفرق كلمتهم وشتت شملهم وأطمع عدوهم فيهم وَعرض الْبِلَاد الشامية والمصرية إِلَى سبي الْحَرِيم وَالْأَوْلَاد وَسَفك الدِّمَاء وَتلك دِمَاء قد صانها الله من ذَلِك. وَأَنا خَارج إِلَيْهِ ومحاربه إِن اسْتمرّ على ذَلِك وأدفع عَن حَرِيم الْمُسلمين وأنفسهم وَأَوْلَادهمْ هَذَا الْأَمر الْعَظِيم وأقاتله حَتَّى يفِيء إِلَى أَمر الله تَعَالَى. وَقد أوجبت عَلَيْكُم يَا معاشر الْمُسلمين كَافَّة الْخُرُوج تَحت لِوَائِي - اللِّوَاء الشريف فقد اجْتمعت الْحُكَّام على وجوب دفْعَة وقتاله إِن اسْتمرّ على ذَلِك وَأَنا مستصحب معي لذَلِك السُّلْطَان الْملك المظفر فجهزوا أرواحكم وَالسَّلَام. وَقد قرئَ على مَنَابِر الْجَوَامِع بِالْقَاهِرَةِ فِي الْجَامِع الْأَزْهَر وبجامع الْحَاكِم وَقت الْخطْبَة فِي يَوْم الْجُمُعَة فَلَمَّا بلغ الْقَارئ إِلَى ذكر الْملك النَّاصِر صاحوا: لَا {مَا نريده} وَوَقع فِي الْقَاهِرَة ضجة وحركة بِسَبَب ذَلِك. وَفِيه قدم الْأَمِير بهادر آص من دمشق على الْبَرِيد يحث السُّلْطَان على الْخُرُوج بِنَفسِهِ فَإِن النواب قد مالوا كلهم مَعَ الْملك النَّاصِر فَأجَاب بِأَنَّهُ لَا يخرج وَاحْتج بكراهيته للفتنة وَسَفك الدِّمَاء وَأَن الْخَلِيفَة قد كتب بولايته وعزل الْملك النَّاصِر فَإِن قبلوا وَإِلَّا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 438 ترك الْملك. ثمَّ قدم الْأَمِير بلاط بِكِتَاب الْأَمِير برلغي أَن جَمِيع من خرج من أُمَرَاء الطبلخاناه لَحِقُوا بِالْملكِ النَّاصِر وتبعهم خلق كثر وَلم يتَأَخَّر غير برلغي وجمال الدّين أقوش نَائِب الكرك وأيبك الْبَغْدَادِيّ وتناكر والفتاح لَا غير وَذَلِكَ لأَنهم خَواص السُّلْطَان. وَأما الْملك النَّاصِر فَإِنَّهُ سَار فِي أول شعْبَان بِمن مَعَه يُرِيد دمشق فَدخل فِي طَاعَته الْأَمِير قطلوبك الْحَاج بهادر الْحلَبِي وبكتمر الْحَاجِب والجاولي وَكَتَبُوا إِلَيْهِ بذلك وَأَنه يتاً نى فِي الْمسير إِلَى دمشق من غير سرعَة حَتَّى يتَبَيَّن مَا عِنْد بَقِيَّة أُمَرَاء دمشق. ثمَّ كتبُوا إِلَى الأفرم نَائِب دمشق بِأَنَّهُ لَا سَبِيل إِلَى محاربة الْملك النَّاصِر وَأَرَادُوا بذلك إِمَّا أَن يخرج الأفرم إِلَيْهِم فيقبضوه أَو يسير عَن دمشق إِلَى جِهَة أُخْرَى فتأتيهم بَقِيَّة الْجَيْش. وَكَانَ كَذَلِك: فَإِنَّهُ لما قدم كِتَابهمْ عَلَيْهِ بِدِمَشْق شاع بَين النَّاس سير الْملك النَّاصِر من الكرك فثارت الْعَوام وصاحوا: نَصره الله. وَركب الأجناد إِلَى النَّائِب فاستدعى من بَقِي من الْأُمَرَاء والقضاة ونادى: معاشر أهل الشَّام {مَا لكم سُلْطَان إِلَّا الْملك المظفر فَصَرَخَ النَّاس بأسرهم: لَا} لَا! مَا لنا سُلْطَان إِلَّا الْملك النَّاصِر. وتسلل الْعَسْكَر من دمشق طَائِفَة بعد طَائِفَة إِلَى الْملك النَّاصِر وانفرط الْأَمر من الأفرم. فَاجْتمع الْأَمِير بيبرس العلائي والأمير بيبرس الْمَجْنُون بِمن مَعَهُمَا على الْوُثُوب بالأفرم وَقَبضه فَلم يثبت عِنْدَمَا بلغه ذَلِك واستدعى عَلَاء الدّين بن صبح وَكَانَ من خواصه وَتوجه لَيْلًا إِلَى جِهَة الشقيف. فَركب الْأَمِير قطلوبك والأمير الْحَاج بهادر عِنْدَمَا سمعا الْخَبَر وتوجها إِلَى الْملك النَّاصِر فسر بهما وأنعم على كل مِنْهُمَا بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم. ثمَّ قدم إِلَيْهِ أَيْضا الجاولي وجوبان وَسَار بِمن مَعَه حَتَّى نزل الْكسْوَة فَخرج إِلَيْهِ بَقِيَّة الْأُمَرَاء والأبضاد وَقد عمل لَهُ سَائِر شَعَائِر السلطنة من الصناجق الخليفتية والسلطانية والعصائب والجتر والغاشية. فَحلف العساكر وَسَار فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي عشر شعْبَان من الْكسْوَة يُرِيد الْمَدِينَة فَدَخلَهَا بَعْدَمَا زينت زِينَة عَظِيمَة. وَخرج جَمِيع النَّاس إِلَى لِقَائِه على اخْتِلَاف طبقاتهم حَتَّى صغَار الْمكَاتب فَبلغ كِرَاء الْبَيْت من الْبيُوت الَّتِي من ميدان الْحَصَا إِلَى القلعة للتفرج على السُّلْطَان من خَمْسمِائَة دِرْهَم إِلَى مائَة دِرْهَم. وفرشت الأَرْض بشقاق الْحَرِير الملونة وَحمل الْأَمِير سيف الدّين قطلوبك المنصوري الغاشية وَحمل الْأَمِير الْحَاج بهادر الجتر. وترجل الْأُمَرَاء والعساكر بأجمعهم حَتَّى إِذا وصل بَاب القلعة خرج مُتَوَلِّي القلعة وَقبل الأَرْض فَتوجه السُّلْطَان حَتَّى نزل بِالْقصرِ الأبلق من الميدان. وَكَانَ عَلَيْهِ عِنْد دُخُوله عباءة بَيْضَاء فِيهَا خطوط سود تحتهَا فرو سنجاب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 439 وَفِي وَقت نُزُوله قدم مَمْلُوك قرا سنفر من حلب لكشف الْخَبَر وَذكر أَن قرا سنقر خرج من حلب وقبجق خرج من حماة فَخلع عَلَيْهِ وَكتب إِلَيْهِمَا بِسُرْعَة الْقدوم. وَكتب إِلَى الأفرام أَمَان وَتوجه بِهِ علم الدّين الجاولي. فَلم يَثِق بذلك وَطلب يَمِين السُّلْطَان لَهُ فَحلف السُّلْطَان وَبعث إِلَيْهِ بنسخة الْحلف صُحْبَة الْأَمِير الْحَاج أرقطاي الجمدار فَمَا زَالَ بِهِ حَتَّى قدم مَعَه هُوَ وَابْن صبح فَركب السُّلْطَان إِلَى لِقَائِه حَتَّى إِذا قرب مِنْهُ نزل كل مِنْهُمَا عَن فرسه. فاً عظم الأفرم نزُول السُّلْطَان لَهُ وَقبل الأَرْض وَكَانَ قد لبس كاملية وَشد وَسطه وتوشح بنصفية يَعْنِي أَنه حضر بهيئة البطال من الإمرة وكفنه تَحت إبطه وعندما شَاهده النَّاس على هَذِه الْحَالة صرخوا بِصَوْت وَاحِد: يَا مَوْلَانَا السُّلْطَان بتربة والدك الشَّهِيد لَا تؤذيه وَلَا تغير عَلَيْهِ فبكي سَائِر من حضر. وَبَالغ السُّلْطَان فِي إكرامه وخلع عَلَيْهِ وأركبه وَأقرهُ على نِيَابَة دمشق فَكثر الدُّعَاء لَهُ وَسَار النَّاصِر إِلَى الْقصر. فَلَمَّا كَانَ الْغَد أحضر الأفرم خيلاً وجمالاً وثياباً بِمِائَتي ألف دِرْهَم تقدمة للسُّلْطَان. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشرى: خطب بِدِمَشْق للْملك النَّاصِر وَصليت الْجُمُعَة بالميدان فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَفِيه قدم الْأَمِير قرا سنقر نَائِب حلب والأمير قبجق نَائِب حماة والأمير أسندمر كرجي نَائِب طرابلس وتمر الساقي نَائِب حمص. فَركب السُّلْطَان إِلَى لقائهم فِي ثامن عشرى وترحل لقرا سنقر وعانقه وشكر الْأُمَرَاء وَأثْنى عَلَيْهِم. ثمَّ قدم الْأَمِير كراي المنصوري من الْقُدس وبكتمر الجوكندار نَائِب صفد. وَقدم كل من النواب والأمراء تقدمه على قدر حَاله مَا بَين ثِيَاب أطلس وحوائص ذهب وكلفتاه زركش وخيول مسرجة وأصناف الْجَوَاهِر وَالْخلْع والأقبية والتشاريف. وَكَانَ أَجلهم تقدمة الْأَمِير قطلوبك المنصوري فَإِنَّهُ قدم عشرَة أرؤس خيل مسرجة ملجمة عنق كل فرس كيس فِيهِ ألف دِينَار وَعَلِيهِ مَمْلُوك وَأَرْبع قطر بغال وعدة بَخَاتِي وَغير ذَلِك. وَشرع الْملك النَّاصِر فِي النَّفَقَة على الْأُمَرَاء والعساكر الْوَارِدَة مَعَ النواب فَلَمَّا انْتهى أَمر النَّفَقَة قدم السُّلْطَان بَين يدية الْأَمِير كراي المنصوري على عَسْكَر ليسير إِلَى غَزَّة فَسَار إِلَيْهَا وَصَارَ كراي يمد فِي كل يَوْم سماطاً عَظِيما للمقيمين والواردين وَأنْفق فِي ذَلِك أَمْوَالًا جزيلة من حصاله. وَاجْتمعَ عَلَيْهِ بغزة عَالم كَبِير وَهُوَ يقوم بكلفهم ويعدهم عَن السُّلْطَان بِمَا يرضيهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 440 وقم الْخَيْر إِلَى الْقَاهِرَة فِي خَامِس عشرى شعْبَان باستيلاء الْملك النَّاصِر على دمشق بِغَيْر قتال فقلق الْملك المظفر واضطربت الدولة وَخرجت عَسَاكِر مصر شَيْئا بعد شَيْء تُرِيدُ اللحاق بِالْملكِ النَّاصِر حَتَّى لم يتَأَخَّر عِنْد الْملك المظفر بديار مصر إِلَّا خواصه وألزامه. وَلم يتَأَخَّر عِنْد الْأَمِير برلغي من الْأُمَرَاء والأجناد سوي خَواص الْملك المظفر فتشاور مَعَ جماعته فَاقْتضى رَأْيه وَرَأى الْأَمِير أقوش نَائِب الكرك اللحاق بِالْملكِ النَّاصِر أَيْضا فَلم يُوَافق على ذَلِك البرجية وَعَاد الْأَمِير أيبك الْبَغْدَادِيّ وبكتوت الفتاح وقجمار وَبَقِيَّة البرجية إِلَى الْقَاهِرَة وصاروا مَعَ الْملك المظفر. وَسَار برلغي ونائب الكرك إِلَى الْملك النَّاصِر فِيمَن بَقِي من الْأُمَرَاء والعساكر فاضطربت الْقَاهِرَة. وَكَانَ الْملك المظفر قد أَمر فِي مستهل رَمَضَان سَبْعَة وَعشْرين أَمِيرا مَا بَين طبلخاناه وعشراوات: مِنْهُم من مماليكه صنقبحي وصديق وطومان وقرمان وغرلوا وبهادر وطرنطاي المحمدي وبكتمر الساقي وقراجا الحسامي وبهادر قبجق ولاجين أيتغلي وانكبار وطاشتمر أَخُو بتخاص وَمن ألزامه جركتمر بن بهادر رَأس نوبَة وَحسن بن الردادي وشقوا الْقَاهِرَة على الْعَادة فصاحت بهم الْعَامَّة: يَا فرحة لَا تمت. أخرج المظفر أَيْضا عدَّة من المماليك إِلَى بِلَاد الصَّعِيد وَظن أَن ينشئ لَهُ دولة. فَلَمَّا بلغه مسير برلغي ونائب الكرك إِلَى الْملك النَّاصِر سقط فِي يَده وَعلم زَوَال أمره فَإِن برلغي كَانَ زوج ابْنَته وَمن خواصه بِحَيْثُ أنعم عَلَيْهِ فِي هَذِه الْحَرَكَة بنيف وَأَرْبَعين ألف دِينَار. وَقيل سبعين ألف دِينَار. وَظهر عَلَيْهِ اختلال الْحَال وَأخذ خواصه فِي تعنيفه على إبْقَاء سلار النَّائِب وَأَن جَمِيع هَذَا الْفساد مِنْهُ. وَكَانَ كَذَلِك: فَإِنَّهُ لما فَاتَتْهُ السلطنة وَقَامَ فِيهَا بيبرس حسده ودبر عَلَيْهِ وبيبرس فِي غَفلَة عَنهُ وَكَانَ سليم الْبَاطِن لَا يظنّ أَنه يخونه. وَقبض فِي لَيْلَة الْجُمُعَة ثَانِي عشره على جمَاعَة من الْعَوام وضربوا وشهروا لإعلانهم بسب الْملك المظفر فَمَا زادهم ذَلِك إِلَّا طغيانًا وَفِي كل ذَلِك تنْسب البرجية فَسَاد الْأُمُور إِلَى الْأَمِير سلار. فَلَمَّا أَكثر البرجية من الإغراء بسلار قَالَ لَهُم المظفر: إِن كَانَ فِي خاطركم شَيْء فدونكم وإياه إِذا جَاءَ إِلَى الْخدمَة وَأما أَنا فَلَا أتعرض لَهُ بِسوء قطّ فَأَجْمعُوا على قبض سلار إِذا عبر يَوْم الْإِثْنَيْنِ خَامِس عشره إِلَى الْخدمَة. فَبَلغهُ ذَلِك فَتَأَخر عَن حُضُور الْخدمَة واحترس على نَفسه وَأظْهر أَنه قد وعك فَبعث الْملك المظفر يسلم عَلَيْهِ ويستدعيه ليَأْخُذ رَأْيه فَاعْتَذر بِأَنَّهُ لَا يُطيق الْحَرَكَة لعَجزه عَنْهَا. فَلَمَّا كَانَ من الْغَد يَوْم الثُّلَاثَاء سادس عشر رَمَضَان استدعى الْملك المظفر الْأُمَرَاء كلهم واستشارهم فِيمَا يفعل. فَأَشَارَ الْأَمِير بيبرس الدودار والأمير بهادر آص بنزوله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 441 عَن الْملك وَالْإِشْهَاد بنلك كَمَا فعل الْملك النَّاصِر وتسير إِلَيْهِ تستعطفه وَتخرج إِلَى الإطفيحية مِمَّن تثق بِهِ وتقيم هُنَاكَ حَتَّى يرد جَوَاب الْملك النَّاصِر. فأعجبه ذَلِك وَقَامَ ليجهز أمره وَبعث ركن الدّين بيبرس الدوادري إِلَى الْملك النَّاصِر يسْأَله إِحْدَى ثَلَاث: إِمَّا الكرك وأعمالها أَو حماة وبلادها أَو صهيون ومضافاتها. ثمَّ اضْطربَ المظفر آخر النَّهَار وَدخل الخزائن فَأخذ من المَال وَالْخَيْل والهجن مَا أحب وَخرج فِي يَوْمه من بَاب الإسطبل فِي مماليكه وعدتهم سَبْعمِائة فَارس وَمَعَهُ الْأَمِير عز الدّين أيدمر الخطير الأستادار والأمير بدر الدّين بكتوت الفتاح. والأمير سيف الدّين قجماس والأمير سيف الدّين تناكر فِي بَقِيَّة ألزامه من البرجية. وكأنما نُودي فِي النَّاس بِأَنَّهُ قد خرج هَارِبا فَاجْتمع النَّاس وَقد برز من بَاب الإسطبل وصاحوا بِهِ وتبعوه وهم يصيحون عَلَيْهِ وَزَادُوا فِي الصياح حَتَّى خَرجُوا عَن الْحَد ورماه بَعضهم بِالْحِجَارَةِ. فشق ذَلِك على مماليكه وهموا بِالرُّجُوعِ إِلَيْهِم وَوضع السَّيْف فيهم فَمَنعهُمْ من ذَلِك وَأمرهمْ بنثر المَال عَلَيْهِم ليشتغلوا بجمعه عَنْهُم فَأخْرج كل من المماليك حفْنَة مَال ونثرها. فَلم تلْتَفت الْعَامَّة لذَلِك وتركوه وَأخذُوا فِي الْعَدو خلف الْعَسْكَر وهم يسبون ويصيحون فشهر المماليك حِينَئِذٍ سيوفهم وَرَجَعُوا إِلَى الْعَوام فَانْهَزَمُوا عَنْهُم. وَأصْبح الحراس بقلعة الْجَبَل يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع عشره يصيحون باسم الْملك النَّاصِر. بِإِشَارَة الْأَمِير سلار فَإِنَّهُ أَقَامَ بالقلعة. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع عشره: خطب على مَنَابِر الْقَاهِرَة ومصر باسم الْملك النَّاصِر وَأسْقط اسْم الْملك المظفر فَكَانَت أَيَّامه فِي السلطنة عشرَة أشهر وَأَرْبَعَة وَعشْرين يَوْمًا فَكَانَ كَمَا قيل: أعجلتها النَّوَى فَمَا نلْت مِنْهَا طائلاً غير نظرة من بعيد عود السُّلْطَان نَاصِر الدّين إِلَى الْملك عود السُّلْطَان الْملك النَّاصِر نَاصِر الدّين أبي الْمَعَالِي مُحَمَّد بن الْملك الْمَنْصُور قلاوون إِلَى الْملك مرّة ثَالِثَة وَذَلِكَ أَنه لما عزم على الْمسير إِلَى ديار مصر خرج من دمشق فِي الثَّانِيَة من نَهَار يَوْم الثُّلَاثَاء سادس عشر رَمَضَان - وَهِي السَّاعَة الَّتِي خلع فِيهَا الْملك المظفر بيبرس نَفسه من الْملك - وَسَار يُرِيد مصر. وعندما فر المظفر بيبرس جلس الْأَمِير سلار فِي شباك النِّيَابَة وجع من بَقِي من الْأُمَرَاء واهتم بِحِفْظ القلعة وَأَفْرج عَن المحابيس بهَا. وَركب سلار ونادى فِي النَّاس: ادعوا لسلطانكم لملك النَّاصِر وَكتب إِلَى الْملك النَّاصِر بنزول بيبرس عَن السلطنة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 442 وفراره وسير بنلك أصلم الدوادار وبهادر آص إِلَى الْملك النَّاصِر برسالة المظفر أَنه قد نزل عَن السلطنة وَيسْأل إِمَّا الكرك أَو حماة أَو صهيون. فاتفق يَوْم وصولهما إِلَى غَزَّة قدوم الْملك النَّاصِر أَيْضا وقدوم الْأَمِير سيف الدّين ساطي السِّلَاح دَار فِي طَائِفَة من الْأُمَرَاء وقدوم العربان والتركمان. وَقدم الْأَمِير مهنا بِجَمَاعَة من عرب آل فضل فَركب السُّلْطَان إِلَى لِقَائِه وَقدم برلغي ونائب الكرك فسر السُّلْطَان بذلك سُرُورًا كَبِيرا. وَكتب النَّاصِر إِلَى المظفر أَمَانًا مَعَ بيبرس الدودار وبهادر آص وقدما فِي حادي عشرى رَمَضَان إِلَى الْأَمِير سلار فَجهز الْأمان إِلَى المظفر. وَلما تكاملت العساكر بغزة سَار النَّاصِر يُرِيد مصر فَقدم أصلم مَمْلُوك سلار بالنمجاة وَوصل أرسلان الدوادار فسر بذلك. وَلم يزل النَّاصِر سائراً إِلَى أَن نزل بركَة الْحَاج وَقد جهز إِلَيْهِ الْأَمِير سلار الطّلب السلطاني والأمراء والعساكر سلخ رَمَضَان وَخرج الْأَمِير سلار إِلَى لِقَائِه. وَصلى السُّلْطَان صَلَاة الْعِيد بالدهليز فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء مستهل شَوَّال وَأنْشد الشعرا مدائحهم فَمن ذَلِك مَا أنْشدهُ شمس الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن مُوسَى الرَّاعِي أبياتاً مِنْهَا: الْملك عَاد إِلَى حماه كَمَا بدا وَمُحَمّد بالنصر سر مُحَمَّدًا وإيابه كالسيف عَاد لغمده ومعاده كالورد عاوده الندى الْحق مرتجع إِلَى أربابه من كف غاصبه وَإِن طَال المدا وَعمل الْأَمِير سلار سماطاً عَظِيما بلغت النَّفَقَة عَلَيْهِ اثْنَي عشر ألف دِرْهَم جلس عَلَيْهِ السُّلْطَان: فَلَمَّا انْقَضى السماط عزم السُّلْطَان على الْمبيت وَالرُّكُوب بكرَة يَوْم الْخَمِيس. فَبَلغهُ أَن الْأَمِير برلغي والأمير أقوش نَائِب الكرك قد اتفقَا مَعَ البرجية على الهجوم عَلَيْهِ وَقَتله فَبعث إِلَى الْأُمَرَاء يعلمهُمْ. مِمَّا بلغه وَيَأْمُرهُمْ بالركوب فَرَكبُوا وَركب فِي ممالكيه ودقت الكوسات. وَسَار النَّاصِر وَقت الظّهْر من يَوْم الْأَرْبَعَاء وَقد احتفت بِهِ مماليه كي لَا يصل إِلَيْهِ أحد من الْأُمَرَاء وَسَار إِلَى القلعة وَخرج النَّاس بأجمعهم لمشاهدته. فَلَمَّا بلغ بَين العروستين ترجل سلار وَسَائِر الْأُمَرَاء وَمَشوا إِلَى بَاب السِّرّ من القلعة وَقد وقف جمَاعَة من الْأُمَرَاء بمماليكهم وَعَلَيْهِم السِّلَاح حَتَّى عبر السُّلْطَان من الْبَاب إِلَى القلعة وَأمر الْأُمَرَاء بالانصراف إِلَى مَنَازِلهمْ وَعين جمَاعَة من الْأُمَرَاء الَّذين يَثِق بهم أَن يستمروا على ظُهُور خيولهم حول القلعة طول اللَّيْل فَبَاتُوا على ذَلِك. وَأصْبح النَّاصِر من الْغَد يَوْم الْخَمِيس ثَانِيه جَالِسا على تخت الْملك وسرير السلطنة وَحضر الْخَلِيفَة أَبُو الرّبيع والأمراء والقضاة وَسَائِر أهل الدولة للهناء فَقَرَأَ مُحَمَّد بن عَليّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 443 ابْن مُوسَى الرَّاعِي: قل اللَّهُمَّ مَالك الْملك تؤتي الْملك من تشَاء وتنزع الْملك مِمَّن تشَاء وتعزمن تشَاء وتذل من تشَاء بِيَدِك الْخَيْر إِنَّك على كل شئ قدير ثمَّ دَعَا. وَلما تقدم الْخَلِيفَة وَسلم نظر إِلَيْهِ السُّلْطَان وَقَالَ لَهُ: كَيفَ تحضر تسلم على خارجي هَل كنت أَنا خارجياً وبيبرس كَانَ من سلالة بني الْعَبَّاس فَتغير وَجه الْخَلِيفَة وَلم ينْطق. ثمَّ الْتفت السُّلْطَان إِلَى القَاضِي عَلَاء الدّين عَليّ بن عبد الظَّاهِر الْموقع وَكَانَ هُوَ الَّذِي كتب عهد المظفر عَن الْخَلِيفَة وَقَالَ لَهُ: يَا أسود الْوَجْه فَقَالَ ابْن عبد الظَّاهِر من غير توقف: يَا خوند {أبلق خير من أسود فَقَالَ السُّلْطَان: وَيلك} حَتَّى أَلا تتْرك رنكه أَيْضا يَعْنِي أَن ابْن عبد الظَّاهِر مِمَّن ينتمي إِلَى الْأَمِير سلار وَكَانَ رنك سلار أَبيض وأسود ثمَّ الْتفت السُّلْطَان إِلَى قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد ابْن جمَاعَة وَقَالَ: يَا قَاضِي {كنت تُفْتِي الْمُسلمين بقتالي فَقَالَ: معَاذ الله} إِنَّمَا تكون الْفَتْوَى على مُقْتَضى كَلَام المستفتي. ثمَّ حضر صدر الدّين مُحَمَّد بن عمر بن المرحل وَقبل يَد السُّلْطَان فَقَالَ لَهُ كنت تَقول مَا للصَّبِيّ وَمَا للْملك يكلفه. فَحلف بِاللَّه مَا قَالَ هَذَا وَإِنَّمَا الْأَعْدَاء أَرَادوا إِ تلافه فزادوا فِي قصيدته هَذَا الْبَيْت. وَالْعَفو من شيم الْمُلُوك فَعَفَا عَنهُ وَكَانَ ابْن المرحل قد مدح المظفر بيبرس بقصيدة عرض فِيهَا بالناصر من جُمْلَتهَا: ماللصبي وَمَا للْملك يكفله شَأْن الصَّبِي لغير الْملك مألوف ثمَّ اسْتَأْذن شمس الدّين مُحَمَّد بن عَدْلَانِ ففال السُّلْطَان للدوادار: قل لَهُ أَنْت أَفْتيت أَنه خارجي وقتاله جَائِز مَالك عِنْده دُخُول وَلَكِن عرفه هُوَ وَابْن المرحل أَنه يكفيهما مَا قَالَ الشارمساحي فيهمَا. وَكَانَ من خير ذَلِك أَن الأديب شهَاب الدّين أَحْمد ابْن عبد الدَّائِم الشارمساحي مدح السُّلْطَان الْملك النَّاصِر بقصيدة عرض فِيهَا بهحو الْملك المظفر بيبرس وَصِحَّته لِابْنِ عَدْلَانِ وَابْن المرحل مِنْهَا: ولي المظفر لما فَاتَهُ الظفر وناصر الْحق وافي وَهُوَ منتصر وَقد طوى الله من بَين الورى فتنا كَادَت على عصبَة الْإِسْلَام تنتثر فَقل لبيبرس إِن الدهرألبسه أَثوَاب عَارِية فِي طولهَا قصر لما تولى الْخَيْر عَن أُمَم لم يحْمَدُوا أَمرهم فِيهَا وَلَا شكروا وَكَيف تمشي بِهِ الْأَحْوَال فِي زمن لَا النّيل وَفِي وَلَا وافاهم مطر وَمن يقوم ابْن عَدْلَانِ بنصرته وَابْن المرحل قل لي كَيفَ ينتصر وَكَانَ الْمَطَر لم يَقع فِي هَذِه السّنة وَقصر النّيل وارتفع السّعر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 444 وَاتفقَ فِي يَوْم جُلُوس السُّلْطَان أَن الْأُمَرَاء لما اجْتَمعُوا قبل خُرُوج السُّلْطَان إِلَيْهِم بالإيوان أَشَارَ الأفرم نَائِب الشَّام لِمُنْشِد يُقَال لَهُ مَسْعُود أحضرهُ مَعَه من دمشق فَقَامَ وَأنْشد أبياتاً لبَعض عوام الْقَاهِرَة قَالَهَا عِنْد توجه الْملك النَّاصِر من مصر إِلَى الكرك مِنْهَا: أحبة قبلي إِنَّنِي لوحيد وَأُرِيد لقاكم والمزار بعيد كفى حزنا أَنِّي مُقيم ببلدة وَمن شف قلبِي بالفراق فريد نق فتواجد الأفرم وَبكى وحسر عَن رَأسه وَوضع الكلفتاه على الأَرْض فَأنْكر الْأُمَرَاء ذَلِك وَتَنَاول الْأَمِير فرا سنقر الكلفتاه بِيَدِهِ ووضعها على رَأسه. وَخرج السُّلْطَان فَقَامَ الْجَمِيع وصرخت الجاويشية فَقبل الْحَاضِرُونَ الأَرْض. وَفِيه قدم الْأَمِير سلار من المماليك والخيول وتعابى القماش مَا قِيمَته مِائَتَا ألف دِرْهَم فَقبل السُّلْطَان شَيْئا ورد الْبَاقِي. وَسَأَلَ سلار الإعفاء من نِيَابَة السلطنة وَأَن ينعم عَلَيْهِ بالشوبك فَأُجِيب إِلَى ذَلِك. وَحلف سلار أَنه مَتى طلب حضر وخلع عَلَيْهِ وَخرج عصر يَوْم الْجُمُعَة ثالثه مُسَافِرًا فَكَانَت ثيابته إِحْدَى عشرَة سنة وَتوجه مَعَه الْأَمِير نظام الدّين آدم وَاسْتقر ابْنه عَليّ بِالْقَاهِرَةِ وأنعم عَلَيْهِ بإمرة عشرَة. وَفِي خامسه: قدم رَسُول المظفر بيبرس بكتابه يسْأَل الْأمان. وَفِيه اسْتَقر قرا سنقر فِي نِيَابَة دمشق عوضا عَن الأفرم وقبجق فِي نِيَابَة حلب. والحاج بهادر الْحلَبِي فِي نِيَابَة طرابلس عوضا عَن أسندمر كرجي وقطلوبك المنصوري فِي نِيَابَة صفد عوضا عَن بكتمر الجوكندار وأسندمر كرجي فِي نِيَابَة حلب حماة عوضا عَن قبجق وسنقر الكمالي حَاجِب الْحجاب بديار مصر على عَادَته وقرا لاجين أَمِير مجْلِس على عَادَته وبيبرس الدوادار على عَادَته - وأضيف إِلَيْهِ نِيَابَة دَار الْعدْل وَنظر الأحباس - فِي خَامِس ذِي الْقعدَة وَاسْتقر الأفرم فِي نِيَابَة صرخد بِمِائَة فَارس. وَطلب شهَاب الدّين بن عبَادَة ورسم لَهُ بتجهيز الْخلْع والتشاريف لسَائِر أُمَرَاء الشَّام ومصر فجهزت وخلع عَلَيْهِم كلهم فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادسه وركبوا فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَفِي يَوْم الْأَحَد ثَانِي عشره: اسْتَقر فَخر الدّين عمر بن الخليلي فِي الوزارة وَصرف ضِيَاء الدّين أبر بكر النشائي وعوق بالقلعة أَيَّامًا ثمَّ أفرج عَنهُ وَلم يحمل مَالا. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سادس عشره: حضر الْأُمَرَاء الْخدمَة على الْعَادة وَقد قرر السُّلْطَان مَعَ مماليكه الْقَبْض على الْأُمَرَاء وَأَن كل عشرَة يقبضون أَمِيرا مِمَّن عينه لَهُم بِحَيْثُ تكون الْعشْرَة عِنْد دُخُول الْأَمِير محتفة بِهِ فَمَاذَا رفع السماط واستدعى السُّلْطَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 445 أَمِير جاندار قبض كل جمَاعَة على من عين لَهُم. فَلَمَّا حصل الْأُمَرَاء فِي الْخدمَة أحَاط بهم المماليك ففهموا الْقَصْد وجلسوا على السماط فَلم يتَنَاوَل أحد مِنْهُم لقْمَة. وعندما نهضوا أَشَارَ السُّلْطَان إِلَى أَمِير جاندار فَتقدم إِلَيْهِ وَقبض المماليك على الْأُمَرَاء المعينين وعدتهم اثْنَان وَعِشْرُونَ أَمِيرا فَلم يَتَحَرَّك أحد لقبضهم من خشداشيتهم وبهت الْجَمِيع. وَلم يفلت مِمَّن عير سوى جركتمر بن بهادر رَأس نوبَة فَإِنَّهُ لما فهم الْقَصْد وضع يَده على أَنفه كَأَنَّهُ رعف وَخرج من غير أَن يشْعر بِهِ أحد واختفى عِنْد الْأَمِير قرا سنقر وَكَانَ زوج ابْنَته فشفع فِيهِ حَتَّى عفى السُّلْطَان عَنهُ. وَكَانَ الْأُمَرَاء الْمَقْبُوض عَلَيْهِم: تناكر وأيبك الْبَغْدَادِيّ والعتابي وبلبان التقوي وقجماس وصاروجا وبيبرس عبد الله وبيدمر ومنكوبرس وأشقتمر والسيواسي والكمالي الصَّغِير وَحسن الردادي وبلاط وتمربغا وقيران ونوغاي الْحَمَوِيّ والحاج بيليك المظفري وفطقطوا والغتمي وأكبار وتتمة الِاثْنَيْنِ وَعشْرين. وجرد عدد من الْأُمَرَاء إِلَى دمشق فَأول من سَافر عَلَاء الدّين مغلطاي المَسْعُودِيّ وجبا أَخُو سلار وطرنطاي الْبَغْدَادِيّ وأيدغدي التليلي وبهادر الْحَمَوِيّ وبلبان الدِّمَشْقِي وأيدغدي الزراق وكهرداش الزراق وبكتمر الأستادار وأيدمر الْإِسْمَاعِيلِيّ وأقطاي الجمدار وبوزبا الساقي وبيبرس الشجاعي وكوري السِّلَاح دَار وأقطوان الأشرافي وبهادر الجوكندار وبلبان الشمسي وعدة من أُمَرَاء الشعراوات فَلَمَّا وصلوا إِلَى حلب رسم بِإِقَامَة سِتَّة من أُمَرَاء الطبلخاناه وعود الْبَقِيَّة. وَفِي ثَالِث عشرى: اسْتَقر الْأَمِير سيف الدّين بكتمر الجوكندار المنصوري فِي نِيَابَة السلطنة بديار مصر عوضا عَن سلار. وَفِي خَامِس عشرى: أحضر الْأَمِير بيبرس الداودار الْأَمْوَال من عِنْد الْملك المظفر بيبرس. وَفِيه أَمر السُّلْطَان اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ أَمِيرا من مماليكه مِنْهُم تنكز الحسمامي وطغاي وكستاي وقجليس وخاص ترك وخلط قرا وأركتمر وأيدمر الشيخي وأيدمر الساقي وبيبرس أَمِير آخور وطاجار وخضر بن نوكاي وبهادر قبجق والحاج رقطاي وَأَخُوهُ أيتمس المحمدي وأرغون الدوادار الَّذِي صَار بعد ذَلِك نَائِب السلطنة بِمصْر وسنقر المرزوقي وبلبان الجاشنكير وأسنبغا وبيبغا الملكي وأمير عَليّ بن قطلوبك ونوروز أَخُو جنكلي والجاي الحسامي وطيبغا حاجي ومغلطاي الْعزي صهر نوغاي وقرمشى الزيني وبكتمر قبجق وبيغر الصَّالِحِي ومغلطاي البهائي وسنقر السِّلَاح دَار ومنكلي بغا. وركبوا جَمِيعًا بالشرابيش وشقوا الْقَاهِرَة وَقد أوقدت الحوانيت كلهَا إِلَى الرميلة وسوق الْخَيل ورصت المغاني وأرباب الملاهي فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 446 عدَّة أَمَاكِن وَنَثَرت عَلَيْهِم الدَّرَاهِم فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَكَانَ المذكورون مِنْهُم أُمَرَاء طبلخاناه وَمِنْهُم أُمَرَاء عشراوات. وَفِيه قبض على الْأَمِير عز الدّين أيدمر الخطيري الأستادار والأمير بدر الدّين بكتوت الفتاح أَمِير جاندار بَعْدَمَا حضرا من عِنْد الْملك المظفر وخلع عَلَيْهِمَا. وَفِيه كتب إِلَى وُلَاة الْأَعْمَال بالحوطة على مَوْجُود الْأُمَرَاء الْمَقْبُوض عَلَيْهِم وَطلب السُّلْطَان مباشرتهم. وَفِيه سفر الْأُمَرَاء الْمَقْبُوض عَلَيْهِم إِلَى حبس الْإسْكَنْدَريَّة وَكتب بالإفراج عَن المعتقلين بهَا وهم: الأقوش المنصوري قَاتل الشجاعي وَالشَّيْخ عَليّ التتري ومنكلي التتري وشاورشي بن قنغر الَّذِي أثار فتْنَة الشجاعي وكتبغا وغازي ومُوسَى أخوا حمدَان بن صلغاي فَلَمَّا حَضَرُوا خلع عَلَيْهِم وأنعم عَلَيْهِم بإمريات فِي الشَّام وأحضر شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين أَحْمد بن تَيْمِية من سجن الْإسْكَنْدَريَّة إِلَى السُّلْطَان فَبَالغ فِي إكرامه. وَأما المظفر بيبرس فَإِنَّهُ لما فَارق قلعة الْجَبَل أَقَامَ بإطفيح يَوْمَيْنِ وَاتفقَ رَأْيه ورأي أيدمر الخطيري وبكتوت الفتاح على الْمسير إِلَى برقة وَالْإِقَامَة بهَا فَلَمَّا بلغ المماليك هَذَا عزموا على مفارقتهم فَلَمَّا رحلوا من إطفيح رَجَعَ المماليك شَيْئا بعد شَيْء إِلَى الْقَاهِرَة فَمَا بلغ الْملك المظفر إِلَى إحميم حَتَّى فَارقه أَكثر من كَانَ مَعَه فانثنى رَأْيه عَن برقة. وَتَركه الخطيري والفتاح وعادا إِلَى الْقَاهِرَة فتبعهما كثير من المماليك المظفرية وَهُوَ يراهم. وبينما هُوَ سَائِر قدم عَلَيْهِ الأميران بيبرس الدوادار وبهادر أص من عِنْد الْملك النَّاصِر ليتوجه إِلَى صهيون بعد أَن يدْفع مَا أَخذه من المَال بأجمعه إِلَى بيبرس فَسَار بِهِ بيبرس فِي النّيل وَقدم بهادر آص فِي الْبر بالمظفر وَمَعَهُ كَاتبه كريم الدّين أكْرم. وَسَأَلَ المظفر يَمِين السُّلْطَان مَعَ من يَثِق بِهِ فَحلف لَهُ السُّلْطَان بِحَضْرَة الْأُمَرَاء وَبعث إِلَيْهِ بنلك مَعَ أيتمش المحمدي فَلَمَّا قدم عَلَيْهِ أيتمش بَالغ فِي إكرامه وتحير فِيمَا يَفْعَله وَكتب الْجَواب بِالطَّاعَةِ وَأَنه يتَوَجَّه إِلَيْهِ نَاحيَة السويس وَأَن كريم الدّين يحضرهُ بالخزانة والحواصل الَّتِي أَخذهَا فَلم يعجب السُّلْطَان ذَلِك وعزم على إِخْرَاج تجريدة إِلَى غَزَّة ليردوه وأطلع على ذَلِك بكتمر الجوكندرا النَّائِب وقرا سنقر نَائِب دمشق والحاج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 447 فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْخَمِيس الَّذِي قبض فِيهِ على الْأُمَرَاء جلس بعض المماليك الأشرفية فَلَمَّا خرج الْأُمَرَاء من الْخدمَة قَالَ أُولَئِكَ الأشرفية: وَأي ذَنْب لهَؤُلَاء الْأُمَرَاء الَّذين قبض عَلَيْهِم وَهَذَا الَّذِي قتل أستاذنا الْملك الْأَشْرَف وَدَمه إِلَى الْآن على سَيْفه مَا خرج أَثَره قد صَار الْيَوْم حَاكم المملكة - يَعْنِي قرا سنقر. فَنقل هَذَا لقرا سنقر فخاف على نَفسه وَأخذ فِي التعمل على الْخَلَاص من مصر وَالْتزم للسُّلْطَان أَنه يتَوَجَّه وَيحصل المظفر بيبرس هُوَ والحاج بهادر نَائِب طرابلس من غير إِخْرَاج التجريدة فَإِن فِي بعث الْأُمَرَاء لنلك شناعة فمشي ذَلِك على السُّلْطَان ورسم بسفرهما. فَخرج قرا سنقر هُوَ وَسَائِر النواب إِلَى ممالكهم فعوق السُّلْطَان أسندمر كرجي نَائِب حماة عَن السّفر وَسَار الْبَقِيَّة. ثمَّ جهز السُّلْطَان أسندمر كرجي لإحضار المظفر مُقَيّدا فاتفق دُخُول فرا سنقر والأمراء إِلَى غَزَّة قبل المظفر فَلَمَّا بَلغهُمْ قربه ركب قرا سنقر وَسَائِر النواب والأمراء ولقوة شَرْقي غَزَّة وَقد تقى مَعَه عمد من مماليكه وَقد تأهبوا للحرب فَلبس الْأُمَرَاء السِّلَاح ليقاتلوهم. فَأنْكر المظفر على مماليكه تأهبهم لِلْقِتَالِ وَقَالَ: أَنا كنت ملكا وحولي أضعافكم ولي عصبَة كَثِيرَة من الْأُمَرَاء وَمَا اخْتَرْت سفك الدِّمَاء وَمَا زَالَ حَتَّى كفوا عَن الْقِتَال وسَاق بِنَفسِهِ حَتَّى صَار مَعَ الْأُمَرَاء وَأسلم نَفسه إِلَيْهِم فَسَلمُوا عَلَيْهِ وَسَارُوا بِهِ إِلَى معسكرهم وأنزلوه بخيمة وأخفوا سلَاح مماليكه ووكلوا بهم من يحفظهم وَأَصْبحُوا من الْغَد عائدين بِهِ مَعَهم إِلَى مصر. فأدركهم أسندمر كرجي بالخطارة فَأنْزل فِي الْوَقْت المظفر عَن فرسه وَقَيده بِقَيْد أحضرهُ مَعَه فبكي وتحدرت دُمُوعه على شيبته. فشق ذَلِك على قرا سنقر وَألقى الكلفتاه عَن رَأسه إِلَى الأَرْض وَقَالَ: لعن الله! الدُّنْيَا فياليتنا متْنا وَلَا رَأينَا هَذَا الْيَوْم. فترجلت الْأُمَرَاء وأخفوا كلوثته ووضعوها على رَأسه. هَذَا مَعَ أَن قرا سنقر كَانَ أكبر الْأَسْبَاب فِي زَوَال دولة المظفر وَهُوَ الَّذِي حسن للْملك النَّاصِر حَتَّى كَانَ مَا كَانَ. ثمَّ عَاد قراسنقر والحاج بهادر إِلَى جِهَة الشَّام وَأخذ بهادر يلوم قرا سنقر على مُخَالفَة رَأْيه فَإِنَّهُ كَانَ قد أَشَارَ على قراسنقر فِي اللَّيْل بعد الْقَبْض على المظفر بِأَن يخلي عَنهُ حَتَّى يصل إِلَى صهيون وَيتَوَجَّهُ كل مِنْهُمَا إِلَى مَحل ولَايَته ويخيفا النَّاصِر بِأَنَّهُ مَتى تغير عَمَّا كَانَ قد وَافق الْأُمَرَاء عَلَيْهِ بِدِمَشْق قَامُوا بنصرة المظفر وإعادته إِلَى الْملك. فَلم يُوَافق قراسنقر على ذَلِك وَظن أَن الْملك النَّاصِر لَا يَسْتَحِيل عَلَيْهِ وَلَا على المظفر فَلَمَّا رأى مَا حل بالمظفر نَدم على مُخَالفَة بهادر. وبينما هما فِي ذَلِك إِذْ بعث أسندمر كرجي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 448 إِلَى قراسنقر بمرسوم السُّلْطَان أَن يحضر صُحْبَة المظفر إِلَى القلعة وَكَانَ عزمه أَن يقبض عَلَيْهِ أَيْضا فَفطن فراسنقر بذلك وَامْتنع من التَّوَجُّه إِلَى مصر وَاعْتذر بِأَن العشير قد جمعُوا وَيخَاف على دمشق مِنْهُم وجد فِي الْمسير وَقدم أسندمر بِالْملكِ المظفر فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء الرَّابِع عشر من ذِي الْقعدَة فَلَمَّا مثل المظفر بَين يَدي السُّلْطَان قبل الأَرْض فأجلسه وعنفه بِمَا فعل بِهِ وَذكره بِمَا كَانَ مِنْهُ وَعدد ذنُوبه وَقَالَ: تذكر وَقد صحت على وَقت كَذَا بِسَبَب فلَان ورددت شَفَاعَتِي فِي حق فلَان واستدعيت نَفَقَة فِي وَقت كَذَا من الخزانة فمنعتها وَطلبت فِي وَقت حلوى بلوز وسكر فمنعتني. وَيلك! وزدت فِي أَمْرِي حَتَّى منعتني شَهْوَة نَفسِي والمظفر سَاكِت. فَلَمَّا فرغ كَلَام السُّلْطَان قَالَ لَهُ: يَا مَوْلَانَا السُّلْطَان كل مَا قلت فعلته وَلم تبْق إِلَّا مراحم السُّلْطَان. وإيش يَقُول الْمَمْلُوك لأستاذه. فَقَالَ لَهُ: يَا ركن الدّين أَنا الْيَوْم أستاذك وأمس تَقول لما طلبت أوز مشوي إيش يعْمل بالأوز الْأكل هُوَ عشرُون مرّة فِي النَّهَار. ثمَّ أَمر السُّلْطَان بِهِ إِلَى مَكَان وَكَانَ ذَلِك لَيْلَة الْخَمِيس فاستدعى بِوضُوء وَصلى الْعشَاء الْآخِرَة. ثمَّ جَاءَ السُّلْطَان وَأمر بِهِ فَقتل وَأنزل على جنوية إِلَى الإسطبل وَغسل بِهِ فِي لَيْلَة الْجُمُعَة خَامِس عشرَة وَدفن خلف القلعة. وَقدم كريم الدّين أكْرم بن الْعلم بن السديد كَاتب الْملك المظفر بِالْمَالِ والحواصل فقربه السُّلْطَان وَأَدْنَاهُ وَأثْنى عَلَيْهِ ووعده بِكُل جميل إِن أظهره على ذخائز بيبرس وَنزل إِلَى دَاره. فبذل كريم الدّين جهده فِي تتبع أَمْوَال بيبرس وخدم طغاي وكستاي وأرغون الدوادار وبذل لَهُم مَالا كثيرا حَتَّى صَارُوا أكبر أعوانه وأنصاره لَا يبرحون فِي الثَّنَاء عَلَيْهِ مَعَ السُّلْطَان. وَقدم من كَانَ مَعَ بيبرس من المماليك وعدتهم ثَلَاثمِائَة وَمَعَهُمْ الْخَيل والهجن وَالسِّلَاح ومبلغ مِائَتي ألف دِرْهَم وَعشْرين ألف دِينَار وَسِتُّونَ بقجة من أَنْوَاع الثِّيَاب. فَقبض السُّلْطَان الْجَمِيع. وَفرق المماليك على الْأُمَرَاء واختص مِنْهُم بكتمر الساقي الْآتِي ذكره وَمَا صَار إِلَيْهِ واختص أَيْضا طوغان الساقي وقباتمر وبلك فِي آخَرين. واستدعى السُّلْطَان الْقُضَاة وَأقَام عِنْدهم الْبَيِّنَة بِأَن جَمِيع مماليك بيبرس وسلار وَسَائِر مَا وَقَفاهُ من الضّيَاع والأملاك اشْترى من مَال بَيت المَال. فَلَمَّا ثَبت ذَلِك ندب السُّلْطَان الْأَمِير جمال الدّين أقوش نَائِب الكرك وكريم الدّين أكْرم لبيع تَرِكَة بيبرس وإحضار نصف مَا يتَحَصَّل فَإِنَّهُ للسُّلْطَان وَدفع النّصْف الآخر لابنَة بيبرس - امْرَأَة الْأَمِير برلغي الأشرفي - فَإِنَّهُ لم يتْرك سواهَا. فَشدد كريم الدّين الطّلب على امْرَأَة بيبرس حَتَّى أَخذ مِنْهَا جَوَاهِر عَظِيمَة الْقدر وذخائر نفيسة جدا وَحمل مِنْهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 449 إِلَى السُّلْطَان وأهدي إِلَى الْأُمَرَاء الخاصكية القائمين بأَمْره والعناية بِهِ وادخر لنَفسِهِ. وَبَاعَ مَوْجُود بيبرس وَكَانَ شَيْئا كثيرا: فَوجدَ لَهُ ثَمَانِينَ بذله ثِيَاب مَا بَين أقبية وبغالطيق للبسه وَسِتِّينَ سروالاً وَثَمَانِينَ قَمِيصًا. وَصَارَ كريم الدّين يتَرَدَّد إِلَى بَيت الشهَاب الدّين أَحْمد بن عبَادَة وَكيل السُّلْطَان المتحدث فِي أملاكه وَهُوَ حِينَئِذٍ عَظِيم الدولة المتحدث فِي سَائِر أُمُور المملكة وَيقرب إِلَيْهِ بِمَا يحب. وَطلب الصاحب فَخر الدّين عمر بن الخليلي مباشري الْأُمَرَاء الْمَقْبُوض عَلَيْهِم وطالبهم بالأموال. وَأما قرا سنقر والنواب فَإِنَّهُ سقط فِي أَيْديهم وداخل كلا مِنْهُم الْخَوْف على نَفسه من السُّلْطَان وَاتَّفَقُوا على أَلا يحضر أحد مِنْهُم إِلَى السُّلْطَان إِن استدعاه فَلم يفدهم ذَلِك. وَكَانَ من خبرهم مَا يَأْتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَلما فَاتَ السُّلْطَان قرا سنقر لم ير الْقَبْض على أسندمر كرجي وخلع عَلَيْهِ وولاه نِيَابَة حماة وَسَار إِلَيْهَا. وَندب الْأَمِير علم الدّين سنجر الخازن لمساعدة الصاحب فَخر الدّين على حوطات الْأُمَرَاء. ثمَّ ركب السُّلْطَان إِلَى الميدان فِي موكب عَظِيم وَاجْتمعَ النَّاس لرُؤْيَته واستأجروا الحوانيت والدور بِمَال كَبِير فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَفِي أول ذِي الْحجَّة: دخل الْأَمِير قرا سنقر دمشق. وَفِيه سَار الْأَمِير أرغون الدوادار على الْبَرِيد إِلَى الشوبك بتشريف سلار وأنعم عَلَيْهِ بِمِائَة فَارس وأخرجت لَهُ بِلَاد من خَاص الكرك زِيَادَة على مَا بِيَدِهِ من الشوبك وَكتب لَهُ بِهِ منشور. وَفِيه وسط تَحت القلعة سَبْعَة من ممالك أقوش الرُّومِي بِسَبَب أَنهم توَلّوا قَتله وأخنوا مَاله وصاروا إِلَى الكرك كَمَا تقدم. وَفِيه منع الأويراتية من الدُّخُول إِلَى الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة: وَسَببه أَنهم كَانُوا مستخدمين عِنْد الْأُمَرَاء فَلَمَّا خامروا على أستاذيهم وفروا إِلَى السُّلْطَان بالكرك ظنُّوا أَنهم قد اتَّخذُوا عِنْده بذلك يدا فصاروا بعد عوده إِلَى السلطنة يَمْشُونَ فِي خدمَة السُّلْطَان ويقفون فَوق المماليك السُّلْطَانِيَّة فشق ذَلِك على المماليك وَأغْروا السُّلْطَان بهم حَتَّى تنكر لَهُم وَأَكْثرُوا من ذمهم وَالْعَيْب عَلَيْهِم بكونهم خامروا على أستاذيهم وَأَنَّهُمْ لَا خير فيهم إِلَى أَن مَنعهم السُّلْطَان. وَفِيه كتب لقرا سنقر نَائِب دمشق بمحاربة العشير وقتلهم وَكَانَت بَنو هِلَال وَبَنُو أَسد قد كثرت حروبهم وَعظم فسادهم لاختلال أَمر الدولة فَبعث إِلَيْهِم قرا سنقر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 450 تجريدة أحضرت رؤوسهم وَقرر عَلَيْهِم ثَلَاثمِائَة ألف دحرهم وَحبس رهائنهم وَبعث يسْأَل الإنعام عَلَيْهِ بمبلغ فأنعم عَلَيْهِ. وأعيد الشَّيْخ كريم الدّين عبد الْكَرِيم الآملي إِلَى مشيخة سعيد السُّعَدَاء وعزل عَنْهَا بدر الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة وَاسْتقر عوضه جمال الدّين مُحَمَّد بن تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن مجد الدّين حسن بن تَاج الدّين على بن الْقُسْطَلَانِيّ فِي خطابة القلعة وَكَانَ قد عزل مِنْهَا ابْن جمَاعَة أَيْضا لتغير السُّلْطَان عَلَيْهِ. وأنعم على الْأَمِير نوغاي القبجاقي بإمرة دمشق عوضا عَن قطلوبك وَسَار إِلَيْهَا. وَكتب بِقطع خبز الْأَمِير قطلوبك الأوشاقي والطنقش أستادار الأفرم وعلاء الدّين عَليّ بن صبيح مقدمي الجبلية وَحَملهمْ إِلَى مصر. وَفِيه قبض على الْأَمِير برلغي الأشرفي وطغلق السِّلَاح دَار ومغلطاي الفارقاني وَكتب لقرا سنقر بِالْقَبْضِ على نوغاي وبيبرس العلمي فَقبض عَلَيْهِمَا وسحنا بقلعة دمشق. وأحيط بِسَائِر مَا لَهما. وفيهَا كَانَت حَرْب بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة: وَذَلِكَ أَن الشريف مقبل بن جَازَ بن شيحة أَمِير الْمَدِينَة تنافس مَعَ أَخِيه مَنْصُور فَتَركه وَقدم إِلَى الْقَاهِرَة فولاه الْملك المظفر نصف الإمرة بِنَجْد واستخلف ابْنه كبيشة. ففر كبيشة عَنْهَا وملكها مقبل فَعَاد كبيشة بِجمع كَبِير وحاربه وَقَتله وَاسْتقر مَنْصُور بمفرده. وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر ضِيَاء الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عمر بن يُوسُف بن عبد الْمُنعم الْأنْصَارِيّ البُخَارِيّ الْقُرْطُبِيّ المتحد القنائي المولد والوفاة فِي رَابِع ذِي الْقعدَة وَكَانَ رَئِيسا بِبَلَدِهِ. وَمَات الشَّيْخ الصَّالح المعمر أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن أبي طَالب الحمامي الْبَغْدَادِيّ بِمَكَّة فِي جُمَادَى الْآخِرَة. وَمَات نبيه الدّين حسن ابْن حُسَيْن بن جِبْرِيل ابْن نصر الْأنْصَارِيّ الأسعردي بِالْقَاهِرَةِ فِي أول جُمَادَى الْآخِرَة ولي حسبَة الْقَاهِرَة لما اسْتَقر ضِيَاء الدّين أَبُو بكر النشائي وزيراً تولى هُوَ نظر الدولة مَاتَ بِمصْر عَن سبع وَسبعين سنة. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن أبي الْفَتْح البعلي الْفَقِيه الْحَنْبَلِيّ فِي الْمحرم بِمصْر وَكَانَ بارعاً فِي الْفِقْه والنحو. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 451 وَمَات الْأَمِير الْوَزير شمس الدّين سنقر الأعسر المنصوري فِي ربيع الأول وَدفن خَارج بَاب النَّصْر بَعْدَمَا استعفى من الإمرة وَلزِمَ دَاره حَتَّى مَاتَ وَمَات الشَّيْخ نجم الدّين مُحَمَّد بن إِدْرِيس الْقَمُولِيّ الشَّافِعِي بقوص فِي جُمَادَى الأولى وَكَانَ صَالحا عَالما بالفقه وَالتَّفْسِير والْحَدِيث. وَمَات قَاضِي الْقُضَاة شرف الدّين عبد الْغَنِيّ بن يحيى بن مُحَمَّد بن عبد الله بن نصر بن عبد الله بن نصر بن أبي بكر الْحَرَّانِي الْحَنْبَلِيّ لَيْلَة الْجُمُعَة رَابِع عشرى ربيع الأول وَدفن بالقرافة ومولده بحران سنة خمس وَأَرْبَعين وسِتمِائَة. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين طغريل الإيغاني بِالْقَاهِرَةِ فِي عَاشر رَمَضَان. وَمَات الْأَمِير عز الدّين أيبك الخازندار بِالْقَاهِرَةِ فِي سَابِع رَمَضَان. وَمَات الْأَمِير عز الدّين عبد الْعَزِيز بن شرف الدّين مُحَمَّد القيسراني كَاتب الدرج ومدرس الْمدرسَة الفخرية بِالْقَاهِرَةِ يَوْم الْخَمِيس عَاشر صفر. وَمَات الْأَمِير عَلَاء الدّين أقطوان الدواداري بِدِمَشْق أَيْضا. وَمَات الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن معِين الدّين سُلَيْمَان البرواناه نَائِب دَار الْعدْل بقلعة الْجَبَل وقدمت أُخْته بعد مَوته فشاهدته مَيتا ثمَّ دفن. وَمَات الْأَمِير جمال الدّين أقوش الرستمي شاد الدواودين بِدِمَشْق فِي يَوْم الْأَحَد ثَانِي عشرى جُمَادَى الأولى. وَمَات متملك تونس الْأَمِير أَبُو عبد الله الْمَعْرُوف بِأبي عصيدة ابْن يحيى الواثق بن مُحَمَّد الْمُسْتَنْصر بن يحيى بن عبد الْوَاحِد بن أبي حَفْص فِي عَاشر ربيع الآخر وَكَانَت مدَّته أَربع عشرَة سنة وَأَرْبَعَة أشهر ووفى بعده الْأَمِير أَبُو بكر بن أبي زيد عبد الرَّحْمَن ابْن أبي بكر بن يحيى بن عبد الْوَاحِد الْمَدْعُو بالشهيد لِأَنَّهُ قتل ظلما بعد سِتَّة عشر يَوْمًا وبويع بعده أَيْضا الْأَمِير أَبُو الْبَقَاء خَالِد بن يحيى بن إِبْرَاهِيم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 452 وَمَات التَّاج أَبُو الْفرج بن سعيد الدولة فِي يَوْم السبت ثَانِي رَجَب وَكَانَ عِنْد المظفر بيبرس بمكانة عَظِيمَة قَرَّرَهُ مُشِيرا فَكَانَت تحمل إِلَيْهِ فوط الْعَلامَة فيمضي مِنْهَا مَا يختاره وَيكْتب عَلَيْهِ عرض فَإِذا رأى السُّلْطَان خطه علم وَإِلَّا فَلَا وَكَذَلِكَ كتب الْبَرِيد وَلم يزل على ذَلِك حَتَّى بعث إِلَيْهِ الأفرم نَائِب الشَّام يهدده بِقطع رَأسه فَامْتنعَ وَكَانَ مَشْهُورا بالأمانة والعفة، مهيبا لَهُ حُرْمَة، لَا يخالط أحدا وَلَا يقبل هَدِيَّة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 453 فارغة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 454 (سنة عشر وَسَبْعمائة) أهل الْمحرم: فوردت رسل سيس بهدية مِنْهَا طشت ذهب وإبريق بلور مرصع بالجوهر وَكتاب يتَضَمَّن الهناء بِالْعودِ إِلَى الْملك فَأُجِيب بالشكر. وَصرف قَاضِي الْقَضَاء بمر الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن سعد الدّين بن جمَاعَة الشَّافِعِي وَولى بعده الْقَضَاء بديار مصر جمال الدّين أَبُو الرّبيع سُلَيْمَان بن مجد الدّين أبي حَفْص عمر بن شرف الدّين أبي الْغَنَائِم سَالم بن عَمْرو بن عُثْمَان الْأَذْرَعِيّ الشهير بالزرعي الشَّافِعِي فِي يَوْم الثلاناء تَاسِع عشرى صفر. وعزل قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الْغَنِيّ السرُوجِي الْحَنَفِيّ فِي رَابِع ربيع الأول فَأَقَامَ بعد عَزله سِتَّة أَيَّام وَمَات واستدعى شمس الدّين مُحَمَّد بن عُثْمَان بن أبي الْحسن بن عبد الْوَهَّاب بن أبي عمر الْأَنْصَار الدِّمَشْقِي الْمَعْرُوف بِابْن الحريري الْحَنَفِيّ من دمشق إِلَى الْقَاهِرَة وَاسْتقر فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِالْقَاهِرَةِ ومصر فِي رَابِع ربيع الآخر. وعزل الْأَمِير عَلَاء الدّين كشتغدي البهادري من شدّ الدَّوَاوِين وَاسْتقر عوضه بلبان المحسني ثمَّ عزل بلبان بعد أَيَّام بِعلم الدّين سنجر الخازن. وَاسْتقر شمس الدّين غبريال فِي نظر الدَّوَاوِين وَفِي ربيع الأول قبض السُّلْطَان على إخْوَة سلار وحاشيته فَقبض عَلَاء الدّين سمك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 455 وجبا وَدَاوُد وأمير على وساطي. وَقبض على الْأَمِير طشتمر الجوكندار وكوري السِّلَاح دَار وَسيف الدّين الطشلاقي وقلغاي وتتمة سِتَّة عشر أَمِيرا. وَكتب إِلَى نَائِب دمشق ونائب طرابلس بِالْقَبْضِ على الْأُمَرَاء الَّذين أفرج عَنْهُم عِنْدَمَا قدم السُّلْطَان من الكرك: وهم ألطنبغا وأشقتمر وَعبد الله والأقوش المنصوري وَالشَّيْخ عَليّ التتري وبينجار النتري ومرسي وغازي وأخوا حمدَان بن صلغاي وطرنطاي المحمدي وأقطوان الأشرفي فَقبض عَلَيْهِم خوفًا من شرهم وإقامتهم الْفِتَن. وَكتب إِلَى نَائِب حلب بِالْقَبْضِ على فَخر الدّين أياز نَائِب قلعة الرّوم فَقبض عَلَيْهِ وَأخذ مَاله فَكَانَ ألف ألف دِرْهَم حملت إِلَى السُّلْطَان. وَاسْتقر نجم الدّين مُحَمَّد بن عُثْمَان البصروي فِي وزارة دمشق وَسَار من الْقَاهِرَة فِي سَابِع صفر. وَاسْتقر الْأَمِير بكتمر الحسامي الْحَاجِب فِي نِيَابَة غَزَّة عوضا عَن بلبان البدري وَسَار فِي سَابِع عشري الْمحرم. وَندب الْأَمِير بدر الدّين القرماني لكشف القلاع الشامية فَسَار وَمَعَهُ أَمِين الدّين عبد الله بن الغنام. وَقبض السُّلْطَان على قطقطواه وَالشَّيْخ على وضروط مماليك سلار وَأمر جمَاعَة من المماليك مِنْهُم بيبغا الأشرفي وَسيف الدّين جغطاي وطيبغا الشمسي وبكتمر قبجق وبهادر السعيدي الكركري وطشتمر أَخُو بتخاص والعمري وقطلوبغا وأزدمر وملكتمر وفيهَا قدم الْأَمِير حسام الدّين مهنا ملك الْعَرَب فِي جُمَادَى الأولى فَأكْرمه السُّلْطَان وخلع عَلَيْهِ فَسَأَلَ فِي أَشْيَاء مِنْهَا: وُلَاة حماة للْملك الْمُؤَيد عماد الدّين إِسْمَاعِيل ابْن الْملك الْأَفْضَل عَليّ فَأَجَابَهُ السُّلْطَان إِلَى ذَلِك ووعده بحماة عوضا عَن أسندمر كرجي وَمِنْهَا الشَّفَاعَة فِي عز الدّين أيدمر الشيخي فَعَفَا عَنهُ السُّلْطَان وَأخرجه إِلَى قوص وَمِنْهَا الشَّفَاعَة فِي الْأَمِير برلغي الأشرفي وَكَانَ فِي الأَصْل قد كَسبه مهنا من التتر وأهداه للْملك الْمَنْصُور قلاوون فرتبه عِنْد ابْنه الْملك الْأَشْرَف خَلِيل فعدد السُّلْطَان ذنُوبه وَمَا زَالَ بِهِ مهنا حَتَّى خفف عَن برلغي وَأذن للنَّاس فِي الدُّخُول عَلَيْهِ ووعده بالإفراج عَنهُ بعد شهر فَرضِي مِنْهَا بذلك وَعَاد إِلَى بِلَاده وَهُوَ كثير الشُّكْر وَالثنَاء. وَلما فرغ السُّلْطَان من أَمر المظفر بيبرس لم يبْق عِنْده أهم من سلار فندب إِلَيْهِ الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أَمِير سلَاح بكتاش الفخري وَكتب على يَده كتابا بِحُضُورِهِ فَاعْتَذر عَن الْحُضُور بوجع فِي فُؤَاده وَأَنه يحضر إِذا زَالَ عَنهُ. فتخيل السُّلْطَان من تَأْخِيره وَخَافَ أَن يتَوَجَّه إِلَى التتار فَكتب إِلَى قرا سنقر نَائِب الشَّام وَإِلَى أسندمر نَائِب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 456 طرابلس يَأْخُذ الطَّرِيق على سلار لِئَلَّا يتَوَجَّه إِلَى التتار وَبعث الْأَمِير بيبرس الدوادار وَعلم الدّين سنجر الجاولي إِلَى سلار وأكد عَلَيْهِمَا فِي إِحْضَاره وَأَن يضمنا لَهُ على السُّلْطَان أَنه يُرِيد إِقَامَته عِنْده ليستشيره فِي أُمُور المملكة فَقدما عَلَيْهِ وبلغاه عَن السُّلْطَان مَا قَالَ فوعد بِأَنَّهُ يحضر وَكتب الْجَواب بذلك فَلَمَّا رجعا اشْتَدَّ قلق السُّلْطَان وَكثر خياله. وَأما سلار فَإِنَّهُ تحير فِي أمره وَاسْتَشَارَ أَصْحَابه فَاخْتَلَفُوا عَلَيْهِ فَمنهمْ من أَشَارَ بتوجهه إِلَى السُّلْطَان وَمِنْهُم من أَشَارَ بتوجهه إِلَى قطر من الأقطار إِمَّا إِلَى التتار أَو إِلَى الْيمن أَو برقة. فعول سلار على الْمسير إِلَى الْيمن ثمَّ أجمع على الْحُضُور إِلَى السُّلْطَان وَخرج من الشوبك وَعِنْده مِمَّن سَافر مَعَه من مصر أَرْبَعمِائَة وَسِتُّونَ فَارِسًا وَسَار إِلَى الْقَاهِرَة فَقدم وَقبض عَلَيْهِ فِي سلخ ربيع الآخر وسجن بالقعة. وفيهَا عزل صدر الدّين مُحَمَّد بن عمر بن المرحل من وظائفه بِدِمَشْق من أجل أَنه قبض عَلَيْهِ بصالحية دمشق وَعِنْده جمَاعَة يعاقرونه الْخمر. وفيهَا ضيق على الْأَمِير برلغي بعد سفر الْأَمِير مهنا وَأخرج حريمه من عِنْده وَمنع من الْوُصُول إِلَيْهِ وَمن أَن يدْخل إِلَيْهِ بِأَكْل أَو شرب فَلَمَّا أشفي برلغي على الْمَوْت قتل بَعْدَمَا يَبِسَتْ أعضاؤه وخرس لِسَانه من شدَّة الْجُوع وَمَات لَيْلَة الْأَرْبَعَاء ثَانِي رَجَب. وفيهَا قتل الْأَمِير سلار أَيْضا بقلعة الْجَبَل فِي رَابِع عشري جُمَادَى الأولى وأحيط بِمَالِه وَكَانَ شَيْئا كثيرا. وَلما وصل طلبه فرقه السُّلْطَان على الْأُمَرَاء. ثمَّ مَاتَت أمه بعد أَيَّام. وَكَانَ سلار وَقدم الْبَرِيد بِمَوْت الْأَمِير قبجق نَائِب حلب وَأَن عماد الدّين إِسْمَاعِيل لما ورد عَلَيْهِ التَّقْلِيد بنيابة حماة سَار إِلَيْهَا من دمشق. فَمَنعه أسندمر كرجي فَأَقَامَ بَين حماة وحمص ينْتَظر مرسوم السُّلْطَان. فاتفق موت قبجق فَسَار أسندمر من حماة إِلَى حلب وَكتب يسْأَل السُّلْطَان نيابتها فَغَضب السُّلْطَان من أسندمر وَأسر ذَلِك فِي نَفسه. وفيهَا عزل الْأَمِير بكتمر الْحَاجِب عَن نِيَابَة غَزَّة وأحضر إِلَى الْقَاهِرَة وَولي نِيَابَة غَزَّة الْأَمِير قطلقتمر. وفيهَا عزل الصاحب فَخر الدّين عمر بن الخليلي من الوزارة والأمير علم الدّين سنجر الخازن من شدّ الدَّوَاوِين وَاسْتقر الْأَمِير بكتمر الْحَاجِب فِي الوزارة فِي حادي عشر رَمَضَان وَاسْتقر فَخر الدّين أياز أستادار سنقر الأعسر فِي شدّ الدَّوَاوِين. وَاتفقَ أَن أياز هَذَا استخدمه الْأَمِير سلار النَّائِب استاداره بعد موت عز الدّين أيدمر الرَّشِيدِيّ فَلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 457 يزل حَتَّى قبض على سلار وأحيط بِمَالِه ورسم على أياز مَعَ سَائِر مباشريه وسلموا لعلم الدّين سنجر الخازن مشد الدَّوَاوِين فِي المصادرة ليستخرج مِنْهُم المَال فَحمل أياز للخازن ألف دِينَار وللصاحب فَخر الدّين ألف دِينَار فَرد الخازن المَال وَقَبله الصاحب. فَلم يمض سوى أَيَّام حَتَّى عزل الصاحب والخازن وسلما لأياز ليستخرج المَال مِنْهُمَا فَبعث إِلَيْهِ الخازن ألف دِينَار فَردهَا وَقَالَ لقاصده: سلم عَلَيْهِ وَقل لَهُ مَا لنا عِنْده شَيْء وَطيب خاطره وَبعث إِلَيْهِ الصاحب فَخر الدّين ألف دِينَار فَأَخذهَا وَقَالَ لقاصده: عرفه أَنِّي أخذت وديعتي الَّتِي كَانَ أَخذهَا مني ثمَّ إِن الْأَمِير بكتمر الجوكندار شفع فيهمَا فأفرج السُّلْطَان عَنْهُمَا. وفيهَا قدم مَمْلُوك عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن الْأَفْضَل بِأَنَّهُ دخل حماة لمعد خُرُوج أسندمر مِنْهَا. وَقدم رَسُول الأشكري ورسل ملك الكرج بِهَدَايَا سنية فِي رَجَب وسألوا فتح الْكَنِيسَة المصلبة بالقدس. فَكتب الْجَواب بِأَن هَذِه الْكَنِيسَة غلقت من الْأَيَّام الظَّاهِرِيَّة على يَد الشَّيْخ خضر وَبنى فِيهَا مَسْجِد وَلَا يُمكن نقض ذَلِك ورسم أَن تفتح لَهُم كَنِيسَة الملكية بِمصْر وكنيسة اليعاقبة الَّتِي بِالْقَاهِرَةِ وكنيسة الْيَهُود وَأذن لَهُم أَن يركبُوا على الاسْتوَاء. وفيهَا كتب بعزل نجم الدّين الْبَصْرِيّ عَن وزارة دمشق وَولَايَة شرف الدّين حَمْزَة القلانسي عوضه. وقمم الْبَرِيد بوفاة الْحَاج بهادر الْحلِيّ نَائِب طرابلس فَكتب بِنَقْل الْأَمِير جمال الدّين أقوش الأفرم من صرخد إِلَى نِيَابَة طرابلس فَسَار إِلَيْهَا. وَفَرح السُّلْطَان بِمَوْت الْحَاج بهادر فَرحا زَائِدا فَإِنَّهُ كَانَ يخشاه ويخشى شَره. والتفت السُّلْطَان إِلَى أسندمر كرجي نَائِب حلب وَأخرج تجريدة من الْقَاهِرَة فِيهَا من الْأُمَرَاء كراي المنصوري وَهُوَ مقدم الْعَسْكَر وسنقر الكمالي حَاجِب الْحجاب وأيبك الرُّومِي وبينجار وكجكن وبهادر آص وَفِي عدَّة من مضافيهم أُمَرَاء الطبلخاناه والعشراوات ومقدمي الْحلقَة وَأظْهر أَنهم قد توجهوا لغزو سيس. وَكتب السُّلْطَان لأسندمر كرجي بتجهيز آلَات الْحصار على الْعَادة والاهتمام فِي هَذَا الْأَمر حَتَّى يصل الْعَسْكَر الْمُجَرّد من مصر وَكتب إِلَى عماد الدّين صَاحب حماة بِالْمَسِيرِ مَعَ الْعَسْكَر. وَسَار الْأَمِير كراي من الْقَاهِرَة مستهل ذِي الْقعدَة بَعْدَمَا أَخْلَع عَلَيْهِ وَأسر إِلَيْهِ السُّلْطَان مَا يعتمده فِي أَمر كرجي. وفيهَا عدى السُّلْطَان النّيل إِلَى الجيزة وَنزل تَحت الأهرام ليتصيد. فَمَاتَ وَلَده على ابْن الخاتون أردوكين ابْنة نوكيه وَله من الْعُمر سِتّ سِنِين فِي لَيْلَة الْأَحَد حادي عشر رَجَب وَدفن بالقبة الناصرية بَين القصرين بَعْدَمَا حضر الْأَمِير علم الدّين سنجر الجاولي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 458 لتجهيزه. وَاشْتَدَّ حزن أمه عَلَيْهِ ووقفت على الْقبَّة مَا خصها من إِرْث الْملك الْأَشْرَف خَلِيل ورتبت عِنْد قَبره الْقُرَّاء. وفيهَا عظم شَأْن شهَاب الدّين أَحْمد بن عبَادَة وَكيل السُّلْطَان وَضرب أكَابِر العنبر بالمقارع مثل عز الدّين بن حالومة وشمس الدّين بن الْحَكِيم: وَسبب ذَلِك أَن السُّلْطَان كَانَ قد وهبه قبل توجهه إِلَى الكرك مَمْلُوكا جميل الصُّورَة فَصَارَ يشْتَمل على الْمَذْكُورين ويعاشرهم على مَا لَا يَنْبَغِي فحنق ابْن عبَادَة من ذَلِك وأوقع بهم. وَضرب ابْن عبَادَة أَيْضا شهَاب الدّين أَحْمد النويري صَاحب التَّارِيخ بالمقارع: وَذَلِكَ أَنه كَانَ استنابه فِي الْمدرسَة الناصرية والمنصورية وَغَيرهمَا وَجعله يدْخل على السُّلْطَان ويطالعه بالأمور فاغتر بذلك وَبسط القَوْل فِي ابْن عبَادَة. فَلم يعجب السُّلْطَان مِنْهُ وقيعته فِي ابْن عبَادَة وَعرف ابْن عبَادَة مَا قَالَه فِي حَقه وَسلمهُ إِلَيْهِ ومكنه مِنْهُ فَضَربهُ بالمقارع ضربا مبرحاً وصادره فَلم يشْكر النويري أَحد على مَا كَانَ مِنْهُ. وفيهَا توحش خاطر الْأَمِير بكتمر الجوكندار نَائِب السلطة بِمصْر من السُّلْطَان وَخَافَ مِنْهُ وَاتفقَ بكتمر مَعَ الْأَمِير بتخاص المنصوري على إِقَامَة الْأَمِير مظفر الدّين مُوسَى ابْن الْملك الصَّاع عَليّ بن قلاوون فِي السلطنة والاستعانة بالمظفرية وبعثوا إِلَيْهِ بذلك فوافقهم. وَشرع النَّائِب فِي استمالة الْأُمَرَاء ومواعدة المماليك المظفرية الَّذين بِخِدْمَة الْأُمَرَاء على أَن كل طَائِفَة تقبض على الْأَمِير الَّتِي هِيَ بخدمته فِي يَوْم عينه لَهُم ثمَّ يَسُوق الْجَمِيع إِلَى قبَّة النَّصْر خَارج الْقَاهِرَة وَقد نزل هُنَاكَ الْأَمِير مُوسَى. فدبروا ذَلِك حَتَّى انتظم الْأَمر وَلم يبْق إِلَّا وُقُوعه فَأَرَادَ بيبرس الجمدار أحد المظفرية الَّذين انتظموا فِي سلك هَذَا العقد أَن يتَّخذ يدا عِنْد السُّلْطَان وَعرف خوشداشيته قياتمر الخاصكي بِمَا وَقع الِاتِّفَاق عَلَيْهِ فَبلغ الْخَبَر إِلَى السُّلْطَان وَكَانَ فِي اللَّيْل فَلم يتمهل السُّلْطَان وَطلب أَمِير مُوسَى إِلَى عِنْده وَكَانَ يسكن بِالْقَاهِرَةِ فَلَمَّا نزل إِلَيْهِ الطّلب هرب. واستدعى السُّلْطَان الْأَمِير بكتمر النَّائِب وَبعث أَيْضا فِي طلب بتخاص وَكَانُوا إِذْ ذَاك يسكنون بالقلعة فَلَمَّا دخل إِلَيْهِ بكتمر أكْرمه وَأَجْلسهُ وَأخذ يحادثه حَتَّى أَتَاهُ المماليك بالأمير بتخاص فَسقط فِي يَد بكتمر وَعلم بِأَنَّهُ قد هلك فقيد بتخاص وسجن وَأقَام السُّلْطَان فِي انْتِظَار أَمِير مُوسَى فَعَاد إِلَيْهِ الجاولي ونائب الكرك وأخبراه بفراره فَاشْتَدَّ غَضَبه عَلَيْهِمَا. وَمَا طلع النَّهَار حَتَّى أحضر السُّلْطَان الْأُمَرَاء وعرفهم مَا كمان قد تقرر من إِقَامَة أَمِير مُوسَى وموافقة. بتخاص لَهُ وَلم يذكر بكتمر النَّائِب. وألزم السُّلْطَان الْأَمِير كشتغدي البهادري وَالِي الْقَاهِرَة بالنداء عَلَيْهِ وَمن أحضرهُ من الْجند فَلهُ إمرته وَإِن كَانَ من الْعَامَّة أَخذ ألف دِينَار. فَنزل كشتغدي وَمَعَهُ الْأَمِير فَخر الدّين أياز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 459 شاد الدَّوَاوِين وأيدغدي شقير وسودي وعدة من المماليك وألزم سَائِر الْأُمَرَاء بِالْإِقَامَةِ بالقاعة الأشرفية حَتَّى يظْهر أَمِير مُوسَى وَقبض على حَوَاشِي مُوسَى وجماعته وعاقب كثيرا مِنْهُم. فَلم يزل الْأَمر على ذَلِك من لَيْلَة الْأَرْبَعَاء إِلَى يَوْم الْجُمُعَة ثمَّ قبض عَلَيْهِ من بَيت أستادار الفارقاني من حارة الوزيرية بِالْقَاهِرَةِ وَحمل إِلَى القلعة فسجن بهَا. وَنزل الْأُمَرَاء إِلَى دُورهمْ وخلى عَن الْأَمِير بكتمر النَّائِب أَيْضا ورسم بشمير أستادار الفارقاني ثمَّ عفى عَنهُ وَسَار إِلَى دَاره. وتتبع السُّلْطَان المماليك المظفرية فَقبض عَلَيْهِم وَفِيهِمْ بيبرس الَّذِي نم عَلَيْهِم وَعمِلُوا فِي الْحَدِيد. وأنزلو ليسمروا تَحت القلعة وَقد حضر نِسَاؤُهُم وَأَوْلَادهمْ وَجَاء النَّاس من كل مَوضِع فَكثر الْبكاء والصراخ عَلَيْهِم رَحْمَة لَهُم وَالسُّلْطَان ينظر فاً خذته الرَّحْمَة وَعَفا عَنْهُم فتركوا وَلم يقتل أحد مِنْهُم. وَأما الْعَسْكَر فَإِنَّهُ لما وصل إِلَى حمص أَقَامَ بهَا على مَا قَرَّرَهُ السُّلْطَان مَعَ الْأَمِير كراي حَتَّى قدم عَلَيْهِ الْأَمِير منكوتمر الطباخي بكتب السُّلْطَان لكراي ولكرجي نَائِب حلب بِمَا يتعمدانه من المراسيم. وَقد كتب السُّلْطَان مَعَه أَيْضا مطلقات إِلَى أُمَرَاء حلب بِقَبض كرجي وَحمله مشافهات لكراي وَغَيره فَقضى منكوتمر شغله من كراي بحمص وَسَار إِلَى حلب. فَرَحل كراي فِي أَثَره وجد فِي السّير إِلَى حلب جَرِيدَة من غير أثقال فَقطع من حمص إِلَى حلب فِي يَوْم وَنصف ووقف بِمن مَعَه تَحت قلعتها عِنْد ثلث اللَّيْل الْأَخير وَصَاح يال على وَهِي الْإِشَارَة الَّتِي رتبها السُّلْطَان بَينه وَبَين نَائِب القلعة فَنزل النَّائِب عِنْد ذَلِك من القلعة بِجَمِيعِ رجالها وَقد اسْتَعدوا للحرب وزحف وَمَعَهُ الْأَمِير كراي على دَار النِّيَابَة وَلحق بهم أُمَرَاء حلب وعسكرها. فَسلم كرجي وَلم يُقَاتل فَأخذ وَقيد وسجن بالقلعة وأحيط بموجوده وَسَار منكوتمر الطباخي على الْبَرِيد بذلك إِلَى السُّلْطَان. ثمَّ حمل أسندمر كرجي إِلَى السُّلْطَان صُحْبَة الْأَمِير بينجار وأيبك الرُّومِي فخاف قرا سنقر عِنْد ذَلِك على نَفسه وَسَأَلَ أَن ينْقل من دمشق إِلَى نِيَابَة حلب ليبعد عَن السُّلْطَان فَأُجِيب إِلَى ذَلِك وَكتب تَقْلِيده وجهز إِلَيْهِ فِي أخريات ذِي وفيهَا اسْتَقر كريم الدّين وَأَبُو الْفَضَائِل عبد الْكَرِيم بن الْعلم هبة الله بن السديد ابْن أُخْت التَّاج بن سعيد الدولة فِي نظر الْخَاص ووكالة السُّلْطَان بعد موت شهَاب الدّين أَحْمد بن عبَادَة فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سَابِع عشر جُمَادَى الأولى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 460 وفيهَا قدم أسندمر كرجي فاعتقل بالقلعة وَبعث يسْأَل عَن ذَنبه عِنْده فَأَعَادَ جَوَابه: مَا لَك ذَنْب إِلَّا أَنَّك فَلت لما ودعتك عِنْد سفرك أوصيك يَا خوند لَا تتْرك فِي دولتك كَبْشًا كَبِيرا وأنشئ مماليكك وَلم يبْق عِنْدِي كَبْش كَبِير غَيْرك. وفيهَا قبض على طوغان نَائِب البيرة وَحمل إِلَى السُّلْطَان فحبسه أَيَّامًا ثمَّ ولاه شدّ الدَّوَاوِين بِدِمَشْق. وَخرج الْأَمِير أرغون الدوادار على الْبَرِيد بتقليد فرا سنقر حلب وَأسر إِلَيْهِ الْقَبْض عَلَيْهِ إِن أمكن ذَلِك. وفيهَا قدم الشريف مَنْصُور أَحْمد بن جَازَ من المدنية النَّبَوِيَّة بتقادم فأنعم عَلَيْهِ بِإِعَادَة مَا خرج لِأَخِيهِ مقبل. وفيهَا استعفى الطواشي شهَاب الدّين مرشد الخازندار من الإمرة فأعفي. وَاتفقَ فِي هَذِه السّنة أَمر غَرِيب قَلما عهد مثله: وَهُوَ موت سُلْطَان مصر وقاضيها إِمَام الْحَنَفِيَّة فِي عصره ومفسرها والمتكلم على الْقُلُوب وواعظها وَشَيخ شيوخها وَإِمَام الشَّافِعِيَّة وعالمهم ومحتسبها وناظر جيوشها وأديبها فَقتل السُّلْطَان الْملك المظفر بيبرس فِي ذِي الْقعدَة. وَتُوفِّي الْقُضَاة إِمَام الْحَنَفِيَّة فِي عصره شمس الدّين أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الْغَنِيّ السروحي الْمصْرِيّ عَن ثَلَاث وَسبعين سنة فِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشرى رَجَب ومولده سنة سبع - وَقيل سنة تسع - وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَأخذ الْفِقْه عَن صدر الدّين سُلَيْمَان بن أبي الْعِزّ بن وهيب وَغَيره وَدفن بالقرافة وَله على كتاب الْهِدَايَة شرح جليل لكنه لم يكمل وَله اعتراضات على التقي ابْن تَيْمِية. وَمَات الشَّيْخ نجم الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الشَّيْخ الرّفْعَة مُرْتَفع بن حَازِم ابْن إِبْرَاهِيم بن عَبَّاس الْأنْصَارِيّ البُخَارِيّ الْمَعْرُوف بِابْن الرّفْعَة الْفَقِيه الشَّافِعِي الْمصْرِيّ فِي لَيْلَة الْجُمُعَة ثامن عشر رَجَب ومولده سنة خمس وَأَرْبَعين وسِتمِائَة. وَتُوفِّي الإِمَام عز الدّين عبد الْعَزِيز بن عبد الْجَلِيل النمراوي فِي تَاسِع ذِي الْقعدَة. وَمَات الشَّيْخ تَاج الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن عطا الله صَاحب الْكَلَام الرَّائِق الْفَائِق فِي ثَالِث عشر جُمَادَى الْآخِرَة. وَمَات شيخ الوعاظ نجم الدّين الْعَنْبَري فِي سادس شعْبَان وَمَات شيخ الشُّيُوخ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 461 خانكاه السُّعَدَاء كريم الدّين أَبُو الْقَاسِم عبد الْكَرِيم بن الْحُسَيْن أبي بكر الآملي الطَّبَرِيّ فِي تَاسِع شَوَّال وَمَات القَاضِي بدر الدّين حسن بن نصر الأسعردي الْمُحْتَسب فِي مستهل جُمَادَى الْآخِرَة. وَمَات القَاضِي بهاء الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن أَحْمد بن عَليّ بن المظفر بن الْحلِيّ نَاظر الجيوش فِي لَيْلَة الْعَاشِر من شَوَّال. وَمَات الأديب البارع شمس الدّين مُحَمَّد بن دانيال بن يُوسُف بن معتوق الْخُزَاعِيّ الْموصِلِي فِي ثامن عشرى جُمَادَى الْآخِرَة ومولده بالموصل سنة سبع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَكَانَ كثير المجون وَالشعر البديع وَله كتاب طيف الخيال لم يصنف مثله فِي مَعْنَاهُ. وَمَات ملك الْمغرب صَاحب فاس أَبُو الرّبيع بن أبي عَامر بن السُّلْطَان أبي يَعْقُوب بن يُوسُف بن يَعْقُوب بن عبد الْحق بن محيو بن أبي بكر بن عبد الْحق المريني فِي آخر جُمَادَى الْآخِرَة وبويع بعده أَبُو سعيد عُثْمَان بن يَعْقُوب بن عبد الْحق. وَمَات شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد الْملك بن عبد الْمُنعم بن عبد الْعَزِيز بن جَامع بن راضي العزازي التَّاجِر عَن بضع وَسبعين بِالْقَاهِرَةِ فِي تَاسِع عشرى الْمحرم وَله ديوَان شعر كَبِير وَمَات فَخر الدّين إِسْمَاعِيل بن عبد الْقوي بن الْحسن حيدرة الْحِمْيَرِي الإسنائي الْمَعْرُوف بِالْإِمَامِ الْفَقِيه الشَّافِعِي بَعْدَمَا كف بَصَره بِمَدِينَة قوص. وَمَات شهَاب الدّين أَحْمد بن عَليّ بن عبَادَة وَكيل الْخَاص فِي لَيْلَة الْأَحَد سادس عشر جُمَادَى الأولى بِالْقَاهِرَةِ، وَدفن بالقرافة، وَولى بعده كريم الدّين أكْرم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 462 وَمَات أَمِين الدّين أَبُو بكر بن وجيه الدّين عبد الْعَظِيم بن يُوسُف بن الرقاقي نَاظر الدَّوَاوِين بديار مصر لَيْلَة الْأَحَد ثَالِث عشرى جُمَادَى الأولى وَدفن بالقرافة وَكَانَ دينا خيرا كثير الْإِحْسَان ولي نظر بَيت المَال وَنظر الْبيُوت وَنظر الدولة بِمصْر وَالشَّام. وَمَات عز الدّين الْحسن بن الْحَارِث بن الْحُسَيْن بن يحيى بن خَليفَة بن نجا بن حسن ابْن مُحَمَّد من ولد الْحَارِث بن مِسْكين أحد أَعْيَان الْفُقَهَاء الشَّافِعِيَّة عصر لَيْلَة السبت ثامن جُمَادَى الأولى. وَمَات الشريف أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي طَالب عرف بالشريف عطوف الْحُسَيْنِي الموسى الْعَطَّار لَيْلَة الْخَمِيس خَامِس جُمَادَى الْآخِرَة وَدفن خَارج بَاب النَّصْر وَقل حَدِيثه. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين بلبان البيدغاني نَائِب بغراس مقتولاً بيد مماليكه. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين الْحَاج بهادر الْحلَبِي نَائِب طرابلس فِي ربيع الآخر. وَمَات الشَّيْخ الصَّالح عبد الله بن ريحَان التقوي السمسار بِمصْر حدث عَن ابْن المقير وَابْن رواح وَغَيره. وَمَات بهاء الدّين على بن الْفَقِيه عِيسَى بن سُلَيْمَان بن رَمَضَان الثَّعْلَبِيّ الْمصْرِيّ الصَّدْر المعمر الْمَعْرُوف بِابْن الْقيم فِي ذِي الْقعدَة وَقد تعين للوزارة ومولده سنة ثَلَاث عشرَة وسِتمِائَة وَكَانَ سليم الْعقل والحواس. وَمَات الشَّيْخ عَلَاء الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن خطاب التاجي فِي سادس ذِي الْقعدَة. وَمَات بَحر الدّين أَبُو البركات عبد اللَّطِيف ابْن قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن رزين الشَّافِعِي يَوْم الْأَحَد ثامن عشرى جُمَادَى الْآخِرَة بِالْقَاهِرَةِ ومولده بِدِمَشْق سنة تسع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَولي قَضَاء الْعَسْكَر. وَمَات الْخَطِيب بهاء الدّين عبد الرَّحْمَن بن عماد الدّين عَليّ بن السكرِي فِي حَيَاة أَبِيه لَيْلَة السبت حادي عشر رَجَب بِمصْر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 463 وَمَات الْأَمِير سيف الدّين قشتمر الشمسي بِدِمَشْق. وَمَات الطواشي شهَاب الدّين مرشد الخازندار المنصوري بِالْقَاهِرَةِ فِي لَيْلَة الْخَمِيس ثَالِث ذِي الْقعدَة وَكَانَ خيرا وَانْفَرَدَ بالرواية عَن جمَاعَة وَولد سنة ثَلَاث عشر وسِتمِائَة وَمَات وَلم تَتَغَيَّر حواسه. وَمَات الْأَمِير جمال الدّين أقوش قتال السَّبع الْموصِلِي أَمِير علم بِمصْر فِي تَاسِع رَجَب. وَمَات خضر بن الْخَلِيفَة أبي الرّبيع سُلَيْمَان فِي ثَالِث عشر جُمَادَى الأولى. وَمَات الْأَمِير برلغي الأشرفي فِي سجن القلعة بَعْدَمَا يَبِسَتْ أعضاؤه وجف لِسَانه من الْجُوع فِي وَمَات الْأَمِير حسام الدّين طرنطاي الْبَغْدَادِيّ. وَمَات الْأَمِير عَلَاء الدّين ألطنبغا الجمدار. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين أرغون الجمقدار. وَمَات قطب الدّين مَحْمُود بن مَسْعُود بن مُفْلِح الشِّيرَازِيّ صَاحب التصانيف رَمَضَان. وَمَات الْأَمِير سيف سلار فِي لَيْلَة الرَّابِع وَالْعِشْرين من جُمَادَى الأولى وَكَانَ من التتار الأويراتية وَصَارَ إِلَى الْملك الصَّالح عَليّ بن قلاوون وَبَقِي بعد مَوته فِي خدمَة الْملك الْمَنْصُور قلاوون حَتَّى مَاتَ ثمَّ دخل فِي خدمَة الْملك الْأَشْرَف خَلِيل بن قلاوون وحظى عِنْده فَلَمَّا قتل حظى عِنْد لاجين لمودة كَانَت بَينهمَا وترقى إِلَى أَن صَار نَائِب السلطنة بديار مصر وَكَانَ من أخباره مَا تقدم ذكره إِلَى أَن قدم من الشوبك فَترك فِي السجْن حَتَّى مَاتَ جوعا وَتَوَلَّى الْأَمِير علم الدّين سنجر الجاولي دَفنه بتربته على جبل يشْكر بجوار مناظر الْكَبْش وَكَانَ سلار أسمر لطيف الْقد أسيل الخد لحيته فِي حنكه سَوْدَاء ظريفاً فِي لبسه اقترح أَشْيَاء نسبت إِلَيْهِ إِلَى يَوْم وَبلغ من السَّعَادَة إِلَى مبلغ عَظِيم: فَكَانَ يدْخل إِلَيْهِ من أجر أملاكه فِي كل يَوْم ألف دِينَار مصرية وَمن إقطاعاته وضماناته وحماياته تَتِمَّة مائَة ألف دِرْهَم فِي الْيَوْم عَنْهَا حِينَئِذٍ زِيَادَة على خَمْسَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 464 آلَاف دِينَار مصرية وَكَانَ بقطاعه أَرْبَعِينَ إمرة طبلخاناه وَكَانَ عَاقِلا متأنياً داهياً قَلِيل الظُّلم واشتملت تركته على ثَلَاثمِائَة ألف ألف دِينَار وَزِيَادَة: فَوجدَ لَهُ فِي يَوْم ياقوت أَحْمَر زنة رطلين وَنصف وبلخش زنة رطلين وَنصف وزمرد تِسْعَة عشر رطلا وَسِتَّة صناديق فِيهَا جَوَاهِر وَمن الماس وَعين الهر ثَلَاثمِائَة قِطْعَة ولؤلؤ زنة مَا بَين مِثْقَال كل حَبَّة إِلَى دِرْهَم عدَّة ألف وَمِائَة وَخمسين حَبَّة عين مصري مبلغ مائي ألف وَأَرْبَعَة وَأَرْبَعين ألف دِينَار وَفِضة دَرَاهِم مبلغ أَربع مائَة ألف وَأحد وَسبعين ألف دِرْهَم وَوجد لَهُ أَيْضا فِي يَوْم فصوص مُخْتَلفَة زنة رطلين وَذهب عين مصري مبلغ خَمْسَة وَخمسين ألف فِي دِينَار ودراهم فضَّة ألف ألف دِرْهَم وحلي ذهب أَربع قناطير وآلات مَا بَين طاسات وَنَحْوهَا سِتَّة قناطير فضَّة وَوجد فِي يَوْم ذهب مصري مبلغ خَمْسَة وَأَرْبَعين ألف دِينَار ودراهم فضَّة مبلغ ثَلَاثمِائَة ألف وَثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم وفضيات ثَلَاثَة قناطير وَوجد فِي يَوْم ذهب عين ألف ألف دِينَار وَفِضة ثَلَاثمِائَة ألف دِرْهَم وَوجد لَهُ ثَلَاثمِائَة قبَاء من حَرِير بِفَرْوٍ قاقم وثلاثمائة قبَاء حَرِير بسنجاب وَأَرْبَعمِائَة قبَاء بِغَيْر فرو وسروج ذهب مائَة سرج وَوجد لَهُ ثَمَانِيَة صناديق لم يعلم فِيهَا حملت مَعَ مَا تقدم إِلَى السُّلْطَان وَوجد لَهُ ألف تفصيلة مَا بَين طرد وَحش وَعمل الدَّار وَوجد لَهُ خام سِتّ عشر نوبَة وَوصل مَعَه من الشوبك مبلغ خمسين ألف دِينَار ذَهَبا وأَربعمائة ألف دِرْهَم وَسبعين ألف دِرْهَم وثلاثمائة خلعة ملونة وخركاه بغشاء حَرِير أَحْمَر معدني مبطن بحرير أَزْرَق مروى وَستر بَابهَا زركش وَوجد لَهُ ثَلَاثمِائَة فرس وَمِائَة وَعِشْرُونَ قطار بغال وَعِشْرُونَ قطار جمال وَمن الْغنم وَالْبَقر والجواري والمماليك وَالْعَقار شَيْء كثير جدا وَوجد لَهُ فِي مَوضِع بَين حائطين عدَّة أكياس لم يدر مَا فِيهَا وَلَا كم عدتهَا وَوجد لَهُ فِي المرحاض شبه فسقية كشف عَنْهَا فَإِذا هِيَ مَمْلُوءَة ذَهَبا وَوجد لَهُ من الْقَمْح وَالشعِير والفول وَنَحْوهَا ثَلَاثمِائَة ألف أردب وَذَلِكَ سوى مَا أَخذ من أخوته ومباشريه وحواشيه وأسبابه فَإِنَّهُم صودروا جَمِيعًا حَتَّى مقدم شونه وجباة أملاكه فَاجْتمع من ذَلِك مَا لَا يدْخل تَحت حصر لكثرته وَالله يُؤْتِي ملكه من يَشَاء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 465 فارغة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 466 (سنة إِحْدَى عشر وَسَبْعمائة) فِي مستهل الْمحرم: وصل الْأَمِير أرغون الدوادار إِلَى دمشق فاحترس مِنْهُ الْأَمِير قرا سنقر على نَفسه وَبعث إِلَيْهِ عدَّة من مماليكه يتلقونه وَيمْنَعُونَ أحدا مِمَّن قدم مَعَه أَن ينْفَرد. مَخَافَة أَن يكون مَعَه من الملطفات لِلْأُمَرَاءِ مَا فِيهِ ضَرَر. ثمَّ ركب إِلَيْهِ قرا سنقر ولقيه بميدان الْحَصَا ظَاهر الْمَدِينَة وأنزله عِنْده بدار السَّعَادَة ووكل بخدمته من ثقاته جمَاعَة. فَلَمَّا كَانَ الْغَد أخرج لَهُ أرغون تَقْلِيد نِيَابَة حلب فقبّله وقَّبل الأَرْض على الْعَادة وَأخذ فِي التهيؤ للسَّفر وَلم يدع أرغون ينْفَرد عَنهُ بِحَيْثُ إِنَّه أَرَادَ زِيَارَة أَمَاكِن بِدِمَشْق فَركب مَعَه بِنَفسِهِ حَتَّى قضى أربه وَكثر تحدث النَّاس بِدِمَشْق فِي مَجِيء أرغون وَأَنه يُرِيد قبص قرا سنقر وَأَن قرا سنقر قد حَضَره فهم الْأُمَرَاء بالركوب على قرا سنقر وَأَخذه ثمَّ خَشوا الْعَاقِبَة وَأَنه لم يصل إِلَيْهِم مرسوم السُّلْطَان بذلك فكفوا عَنهُ. وَصَارَ الْأَمِير بيبرس العلائي يركب بمماليكه فِي اللَّيْل وَيَطوف حول القلعة على هَيْئَة الحرس. وَبلغ ذَلِك قرا سنقر فاستدعى الْأُمَرَاء كلهم إِلَى عِنْد الْأَمِير أرغون وَقَالَ لَهُم: إِنَّه قد بَلغنِي أَن بعض الْأُمَرَاء يركب فِي اللَّيْل وَيَطوف بالقلعة خشيَة أَن أخرج هَارِبا وَمَا فعل هَذَا إِلَّا برأيكم ولابد أَن يكون علمه عنْدك يَا أَمِير أرغون. فَإِن كَانَ قد حضر مَعَك مرسوم بِالْقَبْضِ عَليّ فَمَا يحْتَاج إِلَى فتْنَة فَإِنِّي طالع للسُّلْطَان وَهَذَا سَيفي خُذْهُ وَحل سَيْفه. فَقَالَ لَهُ أرغون: لم أحضر إِلَّا بتقليد الْأَمِير نِيَابَة حلب حسب سؤالك وحاش الله أَن يكون السُّلْطَان يرى الْأَمِير بِهَذِهِ الْعين وأبكز أرغون أَيْضا أَن يكون عِنْده علم بركوب الْأَمِير بيبرس العلائي فِي اللَّيْل حول السُّور فوعد قرا سنقر أَنه يتَوَجَّه غَدا إِلَى حلب وانفض الْمجْلس. ثمَّ إِن قراسنقر بعث إِلَى الْأُمَرَاء أَلا يركب أحد مِنْهُم لوداعه وَلَا يخرج من بَيته واستعد وَقدم أثقاله أَولا فِي اللَّيْل. فَلَمَّا أصبح ركب يَوْم الرَّابِع من الْمحرم فِي مماليكه وعدتهم سِتّمائَة فَارس وَركب أرغون بجانبه وبهادر آص فِي جمَاعَة قَليلَة. وَسَار قرا سنقر فَقدم عَلَيْهِ الْخَبَر أَن الْأَمِير سنقر الكمالي الْحَاجِب قد تَأَخّر فِي حلب بِجَمَاعَة من عَسْكَر مصر فعرج عَن الطَّرِيق حَتَّى إِذا قَارب حلب نزل وَقَالَ لأرغون: لَا أَدخل حلب وَبهَا أحد من عَسْكَر مصر فَبعث أرغون إِلَى سنقر الكمالي يَأْمُرهُ بِالْخرُوجِ من حلب فَلَمَّا رَحل عَنْهَا سنقر الكمالي دخل إِلَيْهَا قراسنقر فِي نصف الْمحرم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 467 وَلبس التشريف وَقُرِئَ تَقْلِيده على الْعَادة وَأعَاد الْأَمِير أرغون وَقد أنعم عَلَيْهِ. فوصل أرغون إِلَى دمشق وقلد الْأَمِير سيف الدّين كراي المنصوري نِيَابَة دمشق فِي يَوْم الْخَمِيس حادي عشرى وَألبسهُ التشريف على الْعَادة وَقُرِئَ تَقْلِيده وَركب الموكب. ثمَّ اً نعم كراي على أرغون بِأَلف دِينَار سوى الْخَيل والخلعة وَغير ذَلِك وَأَعَادَهُ إِلَى مصر فشكره السُّلْطَان على مَا كَانَ من حسن تأنيه وإخماد الْفِتْنَة. وَقدم الْأَمِير سنقر الكمالي بالعسكر أَيْضا فَخلع عَلَيْهِ وأجلس بالإيوان. وَفِي صفر. توجه الْأَمِير طوغان المنصوري إِلَى دمشق مُتَوَلِّيًا شاد الدَّوَاوِين عوضا عَن فَخر الدّين أياز فَقَدمهَا فِي ثامن عشره وَقبض على أياز وألزمه بثلاثمائة ألف دِرْهَم. وَولى الْأَمِير ركن الدّين بيبرس العلائي نِيَابَة حمص. وفيهَا عزل الصاحب عز الدّين حَمْزَة القلانسي وَزِير دمشق وعوق حَتَّى حمل أَرْبَعِينَ ألفا انساقت بَاقِيا على ضَمَان الْجِهَات ثمَّ أفرج عَنهُ وَقدم الْقَاهِرَة فأنعم عَلَيْهِ ورسم بِإِعَادَة مَا حمله إِلَى دمشق واستعاده. وفيهَا عزل الْأَمِير بكتمر الحسامي عَن الوزارة وَاسْتقر أَمِين الدّين عبد الله بن الغنام نَاظر الدَّوَاوِين عوضه فِي الوزارة. وأنعم على الْأَمِير بكتمر بإمرة عوضا عَن سنقر الكمالي وَولى حاجباً وَذَلِكَ فِي سادس ربيع الآخر. وَفِي يَوْم الأثنين حادي عشريه: أُعِيد قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة إِلَى قَضَاء الْقُضَاة بديار مصر وَصرف جمال الدّين سُلَيْمَان بن عمر الزرعي وَاسْتقر الزرعي فِي قَضَاء الْعَسْكَر وتدريس الْجَامِع الحاكمي ورسم لَهُ أَن يجلس بَين الْحَنَفِيّ والحنبلي بدار الْعدْل. وَفِي مستهل جُمَادَى الأولى: اسْتَقر الْأَمِير علم الدّين سنجر الجاولي فِي نِيَابَة غَزَّة وَقبض على الْأَمِير قطلو قتمر نَائِب غَزَّة. وَقدم الْخَبَر من سيس بِأَن فرنج جَزِيرَة المصطكى أَسرُّوا رسل السُّلْطَان إِلَى الْملك طقطاي وَمن مَعَهم من رسل طقطاي وعدتهم سِتُّونَ رجلا وَأَنه بعث فِي فدائهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 468 سِتِّينَ ألف دِينَار ليتَّخذ بذلك يدا عِنْد السُّلْطَان فَلم يمكنوه مِنْهُم. فَكتب إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة ودمياط بالحوطة على تجار الفرنج واعتقالهم كلهم فأحيط بحواصلهم وحبسوا بأجمعهم. وَحضر أحد تجار الجنوية فضمن إِحْضَار الرُّسُل وَمَا مَعَهم فمكن من السّفر. وفيهَا عزم السُّلْطَان على إنْشَاء جَامع فَاسْتَشَارَ الْفَخر نَاظر الْجَيْش فَأَشَارَ بعمارته على سَاحل مصر وَعين مَوضِع الْجَامِع الْجَدِيد وَكَانَ بستاناً يعرف بالحاج طيبرس وشونا وَغير ذَلِك فاستبدل بِالْأَرْضِ على رَأْي الْحَنَابِلَة فَإِنَّهَا كَانَت وَقفا. نزل السُّلْطَان حَتَّى رتبه وَأقَام الْفَخر على عِمَارَته. وفيهَا قبض على الْأَمِير بكتمر الجوكندار نَائِب السلطنة بديار مصر فِي يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشر جُمَادَى الأولى وَقبض مَعَه على عدَّة أُمَرَاء مِنْهُم صهره ألكنتمر الجمدار وأيدغدي العثماني ومنكوتمر الطباخي وبحر الدّين أيدمر الشمسي وأيدمر الشيخي وسجنوا إِلَّا الطباخي فَإِنَّهُ قتل فِي وقته. ثمَّ استدعى السُّلْطَان الْأَمِير ركن الدّين بيبرس الدوادار المنصوري وخلع عَلَيْهِ وولاه النِّيَابَة عوضا عَن بكتمر الجوكندار فِي يَوْم السبت ثامن عشره. وفيهَا أَمر أَن يجمد السُّلْطَان الْجُلُوس بدار الْعدْل فِي كل ثنين فحار النُّقَبَاء على الْقُضَاة وَغَيرهم من أهل الدولة. وَجلسَ السُّلْطَان فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ عشريه وَنُودِيَ فِي النَّاس من لَهُ ظلامة فَليرْفَعْ قصَّته بدار الْعدْل فخاف الْأُمَرَاء وَغَيرهم وأدوا مَا عَلَيْهِم من الْحُقُوق من غير شكوى وَرفع النَّاس قصصهم فقرأها الموقعون على السُّلْطَان بدار الْعدْل وَوَقع عَلَيْهَا بَين يَدَيْهِ وَحكم بَين النَّاس وأنصف الْمَظْلُوم وَاسْتمرّ الْجُلُوس فِي كل يَوْم إثنين. وفيهَا صرف السُّلْطَان قَاضِي الْقُضَاة زين الدّين أَبَا الْحسن عَليّ بن مخلوف بِسَبَب مُفَاوَضَة فِي وفيهَا استدعى السُّلْطَان الْقُضَاة وَولى كريم الدّين أكْرم عبد الْكَرِيم الْكَبِير وكَالَته وَجَمِيع مَا يتَعَلَّق بِهِ وبأمر السلطنة بحضورهم وخلع عَلَيْهِ. فَكَانَ أول سعادته أَن السُّلْطَان اشْترى من الفرنج جَوَاهِر وَغَيرهَا فَبلغ ثمنهَا سِتَّة عشر ألف دِينَار وأحالهم بهَا على كريم الدّين فَذكر الفرنج أَنهم بعد ثَلَاثَة أَيَّام يسافرون فحلفه السُّلْطَان أَلا يؤخرهم عَن الثَّلَاثَة أَيَّام فَنزل إِلَى دَاره وَهُوَ مَحْصُور لعدم المَال عِنْده وَاسْتَشَارَ الْأَمِير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 469 عَلَاء الدّين بن هِلَال الدولة وَالصَّلَاح الشرابيشي فَحسب لَهُ أَخذ حَاصِل المارستان المنصوري والاقتراض من تجار الكارم بَقِيَّة الْمبلغ وَكَانَت تجار الكارم بِمصْر حِينَئِذٍ فِي عدَّة وافرة وَلَهُم أَمْوَال عَظِيمَة. وَمضى من الْأَجَل يَوْمَانِ وَأصْبح فِي الْيَوْم الثَّالِث آخر الْأَجَل فَأَتَاهُ الفرنج وَقت الظّهْر لقبض المَال فَاشْتَدَّ قلقه وَأَبْطَأ عَلَيْهِ حُضُور الكارم. وَبينا هُوَ فِي ذَلِك إِذْ أَتَاهُ تجار الكارم فَنظر بَعضهم إِلَى وَاحِد من الفرنج لَهُ عِنْده مبلغ عشْرين ألف دِينَار قراضا فَسَأَلَ التُّجَّار الفرنج عَن سَبَب جلوسهم على بَاب كريم الدّين فَقَالُوا: لنا عَلَيْهِ حِوَالَة من قبل السُّلْطَان بِمَال وَقد وعدنا بِقَبْضِهِ الْيَوْم. فطالبهم الكارمي بِمَالِه من مبلغ الْقَرَاض فوعدوه بِأَدَائِهِ. وَبلغ ذَلِك كريم الدّين فسر بِهِ سُرُورًا زَائِدا وكتمه وَأمر بالكارم والفرنج فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَلم يعرف الكارم بِشَيْء من أمره وَلَا أَنه طَلَبهمْ ليقترض مِنْهُم مَالا بل قَالَ: مَا بالكم من الفرنج فعرفوه أَمر الْقَرَاض الَّذِي عِنْد الافرنجي فَقَالَ لَهُم: مهما كَانَ عِنْد الإفرنجي هُوَ عِنْدِي. ففرح الفرنج بذلك وأحالوا الكارمي على كريم الدّين بِسِتَّة عشر ألف دِينَار وَهِي الَّتِي وَجَبت عَلَيْهِ بحوالة السُّلْطَان ودفعوا أَرْبَعَة آلَاف تَتِمَّة عشْرين ألف دِينَار للكارمي. وَقَامَ الفرنج وَقد خلص كريم الدّين من تَبِعَهُمْ بِغَيْر مَال وَالْتزم للكارمي بالمبلغ فَمضى هُوَ وَبَقِيَّة التُّجَّار من غير أَن يقترض مِنْهُم شَيْئا فعد هَذَا من غرائب الِاتِّفَاق. وفيهَا قبض على الْأَمِير قطلوبك نَائِب صفد. وأنعم على الصاحب نجم الدّين البصروي بإمرة. وفيهَا قرر على أَمْلَاك دمشق وأوقافها ألف وَخَمْسمِائة فَارس وَهِي الَّتِي كَانَت تسمى مُقَرر الخيالة فَلَمَّا ورد المرسوم بذلك على الْأَمِير كراي نَائِب دمشق أعسف بِالنَّاسِ فِي الطّلب وَضرب جمَاعَة وَأخذ مَالا كَبِيرا فتجمع النَّاس مَعَ الْخَطِيب جلال الدّين مُحَمَّد الْقزْوِينِي وَكَبرُوا وَرفعُوا الْمَصَاحِف والأعلام ووقفوا للنائب فأمله بهم فَضربُوا وطردوا طرداً قبيحا فَكثر عَلَيْهِ الدُّعَاء فَلم يُمْهل بعْدهَا غير تِسْعَة أَيَّام. وَقدم أرغون الدوادار من مصر إِلَى دمشق يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِي عشرى جُمَادَى الأولى على الْبَرِيد وعَلى يَده مراسيم لِلْأُمَرَاءِ بِالْقَبْضِ على الْأَمِير سيف الدّين كراي وَوصل أَيْضا فِي هَذَا الْيَوْم مَمْلُوك كراي وصحبته تشريف وحياصة وَسيف لمخدومه وَاتفقَ قدوم رسل التتر. فأوصل الْأَمِير أرغون الْكتب إِلَى الْأُمَرَاء وَأصْبح كراي يَوْم الْخَمِيس فَركب الْمركب وَنزل وَقد احتفل لأجل لبس التشريف ولقدوم الرُّسُل. فَلَمَّا فرغ الْأكل وانصرفت الرُّسُل أحَاط الْأُمَرَاء بكراي وأخرجوا مرسوم السُّلْطَان بمسكه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 470 فَقبض عَلَيْهِ وَهُوَ بتشريفه وَحمل مُقَيّدا إِلَى الكرك فسجن بهَا. وَكَانَ الْقَبْض عَلَيْهِ فِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشرى جُمَادَى الأولى وَقبض فِي غده على قطلوبك نَائِب صفد وسجن بالكرك. وَاسْتقر فِي نِيَابَة دمشق عوض الْأَمِير كراي الْكَبِير جمال الدّين أقوش نَائِب الكرك وخلع عَلَيْهِ فِي مستهل جُمَادَى الْآخِرَة فَقَدمهَا فِي رَابِع عشره. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير سيف الدّين بهادر آص فِي نِيَابَة صفد وَأرْسل تشريفه صُحْبَة الْأَمِير جمال الدّين أقوش وَقد توجه إِلَيْهَا. ورسم للأمير بدر الدّين بكتوت القرماني بشد الدَّوَاوِين بِدِمَشْق وَكتب على يَده مساحة بِمَا قَرَّرَهُ كراي. وَتوجه بكتوت مَعَ الْأَمِير جمال الدّين أقوش إِلَى دمشق فَقَدمهَا فِي رَابِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة قُرِئت الْمُسَامحَة على مِنْبَر الْجَامِع فسر النَّاس بذلك. وَقبض بِدِمَشْق على الْأَمِير بكتوت الشجاعي وَسيف الدّين جنقار الساقي وحملا إِلَى الكرك. وفيهَا نقل الْأَمِير بكتمر الجوكندار النَّائِب والأمير أسندمر كرجي من سجن الْإسْكَنْدَريَّة إِلَى سحن الكرك فَاجْتمع بالكرك من الْأُمَرَاء المعتقلين بكتمر الجوكندار وأسندمر كرجي وكراي المنصوري وقطلوبك المنصوري نَائِب صفد وبيبرس العلائي فِي آخَرين. وفيهَا اسْتَقر الْأَمِير سيف الدّين بيبغا الأشرفي فِي نِيَابَة الكرك عوضا عَن الْأَمِير أيتمش المحمدي وَكَانَ السُّلْطَان قد استنابه بهَا لما خرج مِنْهَا إِلَى دمشق. وفيهَا وصل الْأَمِير سُلَيْمَان بن مهنا إِلَى الْقَاهِرَة وَمَعَهُ عدَّة من التتر مقيمين أسرهم فِي الْغَارة على التتر فأنعم عَلَيْهِ بِمِائَة ألف دِرْهَم. وفيهَا قدم الْبَرِيد من حلب بِأَن خربندا ملك التتر قتل جمَاعَة من خواصه وَقتل خواصه. وفيهَا أُقِيمَت الْخطْبَة للْملك النَّاصِر بطرابلس الغرب أَقَامَهَا لَهُ الشَّيْخ أَبُو يحيى زَكَرِيَّا ابْن أَحْمد بن مُحَمَّد بن يحيى بن عبد الْوَاحِد بن حَفْص عمر اللحياني لما جهزه السُّلْطَان إِلَيْهَا بالصناجق وبعدة من الأجناد وَكَانَ ذَلِك فِي شهر رَجَب وَكَانَ الأجناد قد قدمُوا مَعَ بيبرس بَعْدَمَا قدمهَا أَبُو يحيى من مصر فِي جُمَادَى الأولى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 471 وَفِي ثامن عشر رَمَضَان: كتب باستقرار الْأَمِير بلبان فِي نِيَابَة قلعة دمشق عوضا عَن بهادر السنجرلي. ورسم لبهادر بنيابة قلعة البيرة. وَفِي سادس شَوَّال: قبض على الصاحب أَمِين الدّين عبد الله بن الغنام وعَلى التَّاج عبد الرَّحْمَن الطَّوِيل وَقرر عَلَيْهِمَا مَال فحملاه وهما معوقان بالقلعة من غر أَن يَلِي أحد. ثمَّ أفرج عَنْهُمَا يَوْم الْخَمِيس حادي عشريه وخلع عَلَيْهِمَا واستقرا على عَادَتهمَا. فَمَاتَ التَّاج فِي ذِي الْقعدَة وإستقر عوضه فِي نظر الدولة تَقِيّ الدّين أسعد ابْن أَمِين الْملك الْمَعْرُوف بكاتب برلغي وَولى التَّاج إِسْحَاق والموفق هبة الله وَظِيفَة مُسْتَوْفِي الدولة وَكَانَا كتابا لسلار. وفيهَا توجه السُّلْطَان إِلَى بِلَاد الصَّعِيد. ورسم بِنَقص الإيوان الأشرفي بقلعة الْجَبَل فنقض وجدد فَلَمَّا عَاد السُّلْطَان جلس فِيهِ على الْعَادة. وفيهَا وصل كرنبس ملك النّوبَة بالقود الْمُقَرّر عَلَيْهِ بعد قتل أَخِيه. وقدمت رسل الْملك الْمُؤَيد هزبر الدّين دواد ملك الْيمن بهدية ومائتي جمل ومائتي جمال وخيول ووحوش وطيور فَفرق ذَلِك على الْأُمَرَاء الأكابر والأصاغر. وفيهَا اسْتَقر عَلَاء الدّين عَليّ بن تَاج الدّين أَحْمد بن سعيد بن الْأَثِير فِي كتاب السِّرّ عوضا عَن شرف الدّين عبد الْوَهَّاب بن فضل الله الْعمريّ فِي يَوْم الْأَحَد سَابِع ذِي الْحجَّة وَنقل شرف الدّين إِلَى كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق عوضا عَن أَخِيه محيي الدّين يحيى. وَكَانَ ابْن الْأَثِير قد توجه من مصر مَعَ السُّلْطَان هُوَ وجمال الدّين إِبْرَاهِيم بن المغربي فَلَمَّا أَقَامَ بالكرك خيرهما فاختارا الْإِقَامَة عِنْده فَلَمَّا عَاد إِلَى ملك مصر رعى لَهما ذَلِك وَأقر ابْن الْأَثِير فِي كِتَابَة السِّرّ وَابْن المغربي فِي رياسة الْأَطِبَّاء. وفيهَا أَخذ الْأَمِير قرا سنقر فِي التَّدْبِير لنَفسِهِ خوفًا من الْقَبْض عَلَيْهِ كَمَا قبض على غَيره واصطنع العربان وهاداهم وَصَحب سُلَيْمَان بن مهنا وأخاه وأنعم عَلَيْهِ وعَلى أَخِيه مُوسَى حَتَّى صَار الْجَمِيع من أنصاره وَقدم عَلَيْهِ الْأَمِير مهنا إِلَى حلب وَأقَام عِنْده أَيَّامًا وأفضى إِلَيْهِ بسره وَأَنه خَائِف من السُّلْطَان وَأَوْقفهُ على كتاب السُّلْطَان بِالْقَبْضِ على مهنا وَأَنه لم يُوَافق على ذَلِك فَغَضب الْأَمِير مهنا وَأخذ يسكن مَا بقرًا سنقر وَانْصَرف وَقد اشْتَدَّ غَضَبه. وَبعث قرا سنقر يسْأَل السُّلْطَان فِي الْإِذْن لَهُ بِالسَّفرِ إِلَى الْحَج فَأذن لَهُ فِي الْحَج وَقد سر أَنه بِخُرُوجِهِ من حلب يقدر على أَخذه وَبعث إِلَيْهِ بألفي دِينَار وخلعة. وَكتب السُّلْطَان إِلَى الْأَمِير مهنا يطْلب مِنْهُ فرسا عينه وَأَن يحضر إِلَى مصر لزيارته - وَكَانَ قد بلغه اجْتِمَاع مهنا بقرًا سنقر. فدبر أمرا يعمله مَعَه أَيْضا - فَبعث مهنا الْفرس وَأعَاد الْجَواب. وجهز قرا سنقر حَاله. وَخرج من حلب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 472 فِي نصف شَوَّال وَمَعَهُ أَرْبَعمِائَة مَمْلُوك واستناب الْأَمِير شهَاب الدّين قرطاي وَترك عدَّة مماليكه بحلب لحفظ حواصله. فَلَمَّا قدم الْبَرِيد بمسيره من حلب كتب لقرطاي بالاحتراس وَألا يُمكن قرا سنقر من حلب إِذا عَاد ويحتج عَلَيْهِ بإحضار مرسوم السُّلْطَان بتمكينه من ذَلِك وَكتب إِلَى نَائِب دمشق ونائب غَزَّة ونائب الكرك وَإِلَى بني عقبَة بِأخذ الطَّرِيق على قرا سنقر فَقدم الْبَرِيد بِأَنَّهُ سلك الْبَريَّة على صرخد إِلَى زيزاء. ثمَّ كثر وهمه وَاشْتَدَّ خَوفه من السُّلْطَان لوُرُود الْخَبَر من ثقاته بِمصْر بِمَا عزم عَلَيْهِ السُّلْطَان وَمَا كتب بِهِ فَعَاد من غير الطَّرِيق الَّتِي سلكها. ففات أهل الكرك الْقَبْض عَلَيْهِ وَكَتَبُوا بالْخبر إِلَى السُّلْطَان فشق عَلَيْهِ ذَلِك وَكتب بكشف أخباره وَكتب إِلَى حلب بِمَنْعه مِنْهُمَا وَمنع مماليكه من الْخُرُوج إِلَيْهِ وَإِن وجدت فرْصَة تقبض عَلَيْهِ قدم قرا سنقر ظَاهر حلب قبل قدوم مَا كتب بِهِ السُّلْطَان. فَمَنعه قرطاي من الدُّخُول وعوق من بحلب من مماليكه عَن الْخُرُوج إِلَيْهِ فَسقط فِي يَده ورحل وَكتب إِلَى الْأَمِير مهنا بِمَا جرى لَهُ فَكتب مهنا إِلَى قرطاي بِأَن يخرج حواصل قرا سنقر إِلَيْهِ وَإِلَّا هجم على مَدِينَة حلب وَأخذ مَاله قهرا. فخاف قرطاي من ذَلِك وجهز كِتَابه إِلَى السُّلْطَان فِي طي كِتَابه وَبعث بِشَيْء من حواصل قرا سنقر إِلَيْهِ مَعَ الْأَمِير عز الدّين فرج بن قرا سنقر. وَانْصَرف قرا سنقر عَن حلب وَقصد الْبَريَّة ثمَّ جهز وَلَده فرج ونائبه عبدون إِلَى الديار المصرية وَكَذَلِكَ جملَة من أَمْوَاله فَقدم فرج أَوَاخِر ذِي الْحجَّة وانعم السُّلْطَان عَلَيْهِ بإمرة عشرَة أَقَامَ بِالْقَاهِرَةِ مَعَ أَخِيه عَلَاء الدّين عَليّ بن قرا سنقر. وَقدم سُلَيْمَان بن مهنا إِلَى قرا سنقر وَأَخذه حَتَّى أنزلهُ فِي بَيت أمه واستجار بهَا من السُّلْطَان فَأَجَارَتْهُ. وَأَتَاهُ الْأَمِير مهنا وَأَوْلَاده وَقَامَ لَهُ بِمَا يَلِيق بِهِ وَكتب يعرف السُّلْطَان بنزول قرا سنقر فِي أبياته وَأَنه استجار بِأم سُلَيْمَان فَأَجَارَتْهُ وَسَأَلَ الْعَفو عَنهُ وَبعث بذلك أحد أَوْلَاده. فَلَمَّا سَافر ابْن مهنا من مصر أخرج السُّلْطَان تجريدة فِيهَا من الْأُمَرَاء حسام الدّين قرا لاجين الأستادار حسام الدّين لاجين الجاشنكير وعلاء الدّين مغلطاي المَسْعُودِيّ وشمس الدّين الدكز الأشرفي ولاجين الْعمريّ فِي مضافيهم من الطبلخاناه والعشراوات. ثمَّ أردفهم السُّلْطَان بتجريدة أُخْرَى فِيهَا الْأَمِير سيف الدّين قلى السِّلَاح دَار وَسيف الدّين وَآل ملك وجنكلي بن البابا وأمير حُسَيْن بن جندر فِي جمَاعَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 473 من الخاصكية مثل أرغون الدوادار وأرقطاي وأيتمش وجغطاي والجاي الساقي وطقطاي الساقي. وكنب السُّلْطَان لنائب دمشق بتجريد كجكن وكتبغا الْحَاجِب بمضافيهما وَجعل مقدم هَذِه العساكر قرا لاجين الأستادار وَصَاحب السِّرّ والمشورة أرغون الدوادارة فَسَارُوا من دمشق يُرِيدُونَ جِهَة مهنا. فاستعد قرا سنقر وَكتب إِلَى الْأَمِير جمال الدّين أقوش الأفرم نَائِب طرابلس يستدعيه إِلَيْهِ فَأَجَابَهُ بالموافقة ووعده بالحضور إِلَيْهِ. وَكتب الأفرم إِلَى صهره الْأَمِير عز الدّين أيدمر الزردكاش بِدِمَشْق يَأْمُرهُ باستفساد من قدر عَلَيْهِ ولحاقه بِهِ وبقرا سنقر وجهز إِلَيْهِ خَمْسَة آلَاف دِينَار ليفرقها فِيمَن يستميله وَنزل الْعَسْكَر السلطاني حمص. فأرادا قرا سنقر مخادعة السُّلْطَان ليتسع لَهُ المجال وَكتب إِلَيْهِ مَعَ مَمْلُوكه وَكتب إِلَيْهِ مهنا مَعَ وَلَده بِالدُّعَاءِ وَالشُّكْر وَأَن قرا سنفر قد اخْتَار صرخد وسألا يَمِين السُّلْطَان بِالْوَفَاءِ وَإِخْرَاج مَا لقرا سنقر بحلب من المَال وتمكينه مِنْهُ. فَمر ابْن مهنا ومملوك قرا سنقر على حمص وَعرفا الْأَمِير قرا لاجين وأرغون الدوادار بِدُخُول قرا سنقر فِي الطَّاعَة وَأَنه عين صرخد. فَمشى ذَلِك عَلَيْهِمَا وكتبا مَعَهُمَا إِلَى السُّلْطَان بِمَعْنى ذَلِك. فانخدع السُّلْطَان أَيْضا وَكتب تَقْلِيد قرا سنقر بنيابة صرخد ورسم أَن يتَوَجَّه بِهِ إِلَيْهِ أيتمش المحمدي وَكتب لأيتمش بِأَن يُوصل الملطف إِلَى مهنا سرا وَأَن طقطاي يتَوَجَّه إِلَى حلب وَيخرج مَا لقرا سنقر بهَا من المَال ويسيره إِلَيْهِ. وأنعم السُّلْطَان على مَمْلُوك قرا سنقر بِأَلف دِينَار ووعده أَنه مَتى قَامَ على أستاذه حَتَّى يعود إِلَى الطَّاعَة أنعم عَلَيْهِ بإمرة وَأخرجه على الْبَرِيد هُوَ وَابْن مهنا. فسارا إِلَى حمص ودفعا كتب السُّلْطَان إِلَى الْأُمَرَاء وسارا بأيتمش إِلَى قرا سنقر فسر بِهِ وأنزله وَاحْتج بِأَنَّهُ لَا يتَوَجَّه إِلَى صرخد حَتَّى يَأْتِيهِ مَا لَهُ فِي حلب فتحيل أيتمش حَتَّى أوصل ملطف السُّلْطَان إِلَى مهنا فَأطلع عَلَيْهِ قرا سنقر. وَبينا هم فِي ذَلِك إِذْ قدمت أَمْوَال قرا سنقر الَّتِي كَانَت بحلب إِلَيْهِ فَإِن طقطاي توجه إِلَيْهَا وَبعث إِلَى قرا سنقر بِمَا كَانَ لَهُ فِيهَا فَمَا هُوَ إِلَّا أَن وصل مَاله بحلب إِذا بالأفرم قد قدم عَلَيْهِ أَيْضا من الْغَد وَمَعَهُ خَمْسَة أُمَرَاء طبلخاناه وَسِتَّة عشراوات فِي جمَاعَة من التركمان. وَقدم الزردكاش وَمَعَهُ الْأَمِير بلبان الدِّمَشْقِي وَالِي القلعة وبيبرس الحسامي فسر قرا سنقر بقدومهم. وَلما اسْتَقر بهم الْمنزل استدعوا أيتمش وعددوا عَلَيْهِ من قَتله السُّلْطَان من الْأُمَرَاء وَأَنَّهُمْ قد خَافُوا على أنفسهم وعزموا على الدُّخُول إِلَى بِلَاد التتر وركبوا بأجمعهم. فَعَاد أيتمش إِلَى الْأُمَرَاء بحمص وعرفهم الْخَبَر فَرَكبُوا عائدين إِلَى مصر بِغَيْر طائل وَوَقعت الحوطة على أَمْوَال الأفرم وَمن تبعه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 474 وفيهَا أفرج عَن الْأَمِير عز الدّين أيدمر الخطيري وأنعم عَلَيْهِ بِخبْز الجاولي. وفيهَا ولي شمس الدّين غبريال كَاتب قرا سنقر نظر الْجَامِع الْأمَوِي بِدِمَشْق والأوقاف عوضا عَن شرف الدّين ابْن صصري وَكَانَ غبريال لما خرج قرا سنقر من حلب قدم إِلَى مصر وسعى حَتَّى ولى ذَلِك. وَفِي ثَالِث ذِي الْحجَّة: قدمت تقدمة الْيمن على الْعَادة فَقبلت. وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر الْأَمِير بدر الدّين بكتوت الخازنداري - عرف بأمير شكار - نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة وَكَانَت وَفَاته بعد عَزله فِي ثامن عشرى رَجَب بِالْقَاهِرَةِ وَأَصله من مماليك الْأَمِير بيليك الخازندار نَائِب السلطنة بِمصْر فِي الْأَيَّام الظَّاهِرِيَّة وتنقل حَتَّى اشْتهر فِي الْأَيَّام العادلية كتبغا وَصَارَ أَمِير شكار ثمَّ ولى الْإسْكَنْدَريَّة وَكثر مَاله واختص بيبرس وسلار فَلَمَّا عَاد الْملك النَّاصِر إِلَى السلطنة حضر وَحسن للسُّلْطَان حفر خليج الْإسْكَنْدَريَّة ليستمر المَاء فِيهِ دَائِما فندب مَعَه الْأَمِير بدر الدّين مُحَمَّد بن كيدغوي الْمَعْرُوف بِابْن الوزيري وَفرض الْعَمَل على سَائِر الْأُمَرَاء فَأخْرج كل مِنْهُم أستاداره وَرِجَاله وَركب وُلَاة الأقاليم. وَوَقع الْعَمَل من رَجَب سنة عشر وَسَبْعمائة فَكَانَ فِيهِ نَحْو الْأَرْبَعين ألف راجل تعْمل وَقد قسم بالأقصاب على الْأُمَرَاء والولاة وحفر كل أحظ مَا حد لَهُ فَكَانَ قِيَاس الْعَمَل من فَم الْبَحْر إِلَى شنبار ثَمَانِيَة آلَاف قَصَبَة وَمثلهَا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة. وَكَانَ الخليج الْأَصْلِيّ من حد شنبار يدْخل المَاء فَجعل فَم هَذَا الْبَحْر يَرْمِي إِلَيْهِ وَعمل عمقه سِتّ قصبات فِي عرض ثَمَانِي قصبات. فَلَمَّا وصل الْحفر إِلَى حد الخليج الأول حفر بِمِقْدَار الخليج المستجد وَجعل بحراً وَاحِدًا وَركب عَلَيْهِ القناطر. وَوجد فِي الخليج من الرصاص الْمَبْنِيّ تَحت الصهاريج شَيْء كثير فأنعم بِهِ على بكتوت هَذَا. فَلَمَّا فرغ أنشأ النَّاس عَلَيْهِ أَرَاضِي وسواقي واستجدت عَلَيْهِ قَرْيَة عرفت بالناصرية فَبلغ مَا أنشئ عَلَيْهِ زِيَادَة على مائَة ألف فدان وَنَحْو سِتّمائَة ساقية وَأَرْبَعين قَرْيَة وسارت فِيهِ المراكب الْكِبَار وَاسْتغْنى أهل الثغر عَن خزن المَاء فِي الصهاريج وَعمر عَلَيْهِ نَحْو ألف غيط وعمرت بِهِ عدَّة بِلَاد. وتحول النَّاس حَتَّى سكنوا مَا عمر من الْأَرَاضِي على الخليج فَصَارَ بَعْدَمَا كَانَ سباخاً سواقي الْقصب والقلقاس والسمسم وَغَيره. فَلَمَّا تمّ ذَلِك أنشأ بكتوت من مَاله جِسْرًا أَقَامَ فِيهِ نَحْو ثَلَاثَة أشهر حَتَّى بناه رصيفا وَاحِدًا نَحْو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 475 ثَلَاثَة أشهر حَتَّى بناه رصيفاً وَاحِدًا نَحْو الثَّلَاثِينَ قنطرة بناها بِالْحِجَارَةِ والكلس وَعمل أساسه رصاصاً وَأَنْشَأَ بجانبه خَانا وحانوتاً وَعمل فِيهِ خفراء وأجرى لَهُم رزقة فبلغت النَّفَقَة عَلَيْهِ نَحْو سِتِّينَ ألف دِينَار. وأعانه على ذَلِك أَنه هدم قصراً قَدِيما خَارج الْإسْكَنْدَريَّة وَأخذ حجره وَوجد فِي أساسه سرباً من رصاص مَشوا فِيهِ إِلَى قرب الْبَحْر المالح فَحصل منهه جملَة عَظِيمَة من الرصاص. ثمَّ إِنَّه شجر مَا بَينه وَبَين صهره فسعى بِهِ إِلَى السُّلْطَان وأغراه بأمواله وَكتب أَمِين الدّين عبد الله بن الغنام - وَهُوَ مُسْتَوْفِي الدولة - عَلَيْهِ أوراقاً بمبلغ مائَة ألف دِينَار فَطلب إِلَى الْقَاهِرَة. وَلما قُرِئت عَلَيْهِ الأوراق قَالَ: قبلوا الأَرْض بَين يَد السُّلْطَان وعرفوه عَن مَمْلُوكه أَنه إِن كَانَ رَاضِيا عَنهُ فَكل مَا كتب كذب وَإِن كَانَ غير رَاضِيا فَكل مَا كتب صَحِيح. وَكَانَ قد وعك فِي سَفَره من الْإسْكَنْدَريَّة فَمَاتَ بعد لَيَال فِي ثامن عشر رَجَب وَأخذ لَهُ مَال عَظِيم جدا وَكَانَ من أَعْيَان الْأُمَرَاء وكرمائهم وشجعانهم مَعَ الذكاء والمروءة والعصبية وَله مَسْجِد خَارج بَاب زويلة وَله عدَّة أوقاف على جِهَات بر. وَمَات الْأَمِير شمس الدّين سنقر شاه الظَّاهِرِيّ مَاتَ بِدِمَشْق. وَمَات الْوَزير فَخر الدّين عمر بن عبد الْعَزِيز الْحُسَيْن بن الْحَنْبَلِيّ التَّمِيمِي وَهُوَ مَعْزُول لَيْلَة عيد الْفطر وَدفن بالقرافة ومولد فِي سنة أَرْبَعِينَ وسِتمِائَة وَكَانَ كَرِيمًا جواداً. وَمَات مجد الدّين عِيسَى بن عمر بن خَالِد بن الخشاب المَخْزُومِي الشَّافِعِي وَكيل بَيت المَال فِي ثامن ربيع الأول بِالْقَاهِرَةِ دفن بالقرافة وَكَانَ من أَعْيَان الْفُقَهَاء وَولى الْحِسْبَة فِي الْأَيَّام المنصورية قلاوون وَصَحب الشجاعي وأضاف لَهُ قلاوون وكَالَة بَيت المَال ووكالة السُّلْطَان وعدة مباشرات فعظمت مهابته وعيب عَلَيْهِ مجونه وعزله وَكَثْرَة اجتماعه بالشجاعي ومعاشرته لَهُ وَكَانَ الْوَزير ابْن الخليلي يبكته بذلك وَكَانَ لَا يكْتب فِي أخر كتبه سوى: حَسبنَا الله فَقَط من غير وَنعم الْوَكِيل وَسُئِلَ أَن يكْتب وَنعم الْوَكِيل فَأبى. وَمَات قَاضِي الْقُضَاة سعد الدّين مَسْعُود بن أَحْمد بن مَسْعُود بن زيد الْحَارِثِيّ الْحَنْبَلِيّ فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشرى ذِي الْحجَّة وَدفن بالقرافة وَسمع وَخرج وصنف وَصَارَ من الْأَئِمَّة الْحفاظ وَكتب على سنَن أبي دادو قِطْعَة. وَمَات الشَّيْخ صَالح مُحَمَّد العربان فِي ثامن عشر رَجَب. وَمَات شرف الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن شرِيف بن يُوسُف بن الوحيد الزرعي فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 476 يَوْم الثُّلَاثَاء سادس عشر شعْبَان بِالْقَاهِرَةِ وَكَانَ يكْتب فِي التوقيع وَله معرفَة بالإنشاء وَبلغ الْغَايَة فِي جودة الْكِتَابَة وانتفع النَّاس بِالْكِتَابَةِ عَلَيْهِ وَكَانَ فَاضلا شجاعاً مقداماً لسناً متكلماً يَرْمِي فِي دينه بالعظائم وَيعرف عدَّة لُغَات وَله نظم ونثر. وَمَات الطَّبِيب شرف الدّين عبد الله بن أَحْمد بن أبي الحوافر رَئِيس الْأَطِبَّاء فِي لَيْلَة الْجُمُعَة ثَالِث عشرى شَوَّال وَدفن بالقرافة وَكَانَ دينا فَاضلا رَضِي الْأَخْلَاق ماهراً فِي علم الطِّبّ. وَمَات التَّاج عبد الرَّحْمَن الطَّوِيل القبلي الْأَسْلَمِيّ نَاظر الدَّوَاوِين فِي ثَانِي عشرى ذِي الْقعدَة وَقد انْتَهَيْت إِلَيْهِ معرفَة الْكِتَابَة الديوانية وَكَانَ إِسْلَامه فِي الْأَيَّام الأشرفية وَله صدقَات كَثِيرَة. وَمَات القَاضِي محيي الدّين مُحَمَّد بن قَاضِي الْقُضَاة زين الدّين على بن مخلوف الْمَالِكِي لَيْلَة الْخَمِيس حادي عشر ذِي الْحجَّة وَكَانَ يَنُوب عَن أَخِيه بالقاهر فِي الحكم ورسم لَهُ باستقلال بوظيفة الْقَضَاء بعد أَبِيه فَمَاتَ فِي حَيَاته وَكَانَ من النجباء. وَمَات جمال الدّين أَبُو الْفضل مُحَمَّد بن الشَّيْخ جلال الدّين المكرم بن عَليّ فِي ثَالِث عشرى الْمحرم عَن بضع وَثَمَانِينَ سنة وَدفن بالقرافة وَكَانَ من أَعْيَان الْفُقَهَاء الشَّافِعِيَّة وروءساء الْقَاهِرَة وأماثل كتاب الْإِنْشَاء وَمن رُوَاة الحَدِيث. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد ابْن يُوسُف الْجَزرِي الشَّافِعِي خطيب جَامع ابْن طولون وَكَانَ يعرف بالمحوجب وَكَانَ عَارِفًا بالفقه وَالْأُصُول ودرس بالمعزية بِمصْر. وفيهَا قتل متملك تونس الْأَمِير أَبُو الْبَقَاء خَالِد بن يحيى بن إِبْرَاهِيم بن يحيى بن عبد الْوَاحِد بن أبي حَفْص فِي جُمَادَى الأولى فَكَانَت مدَّته نَحْو عَاميْنِ وَقدم الْأَمِير أَبُو يحيى زَكَرِيَّا اللحياني منطرابلس، فَملك تونس بعده. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 477 فارغة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 478 (سنة اثْنَتَيْ عشر وَسَبْعمائة) فِيهَا انْتَهَت عمَارَة الْجَامِع الْجَدِيد الناصري بساحل مصر فَنزل السُّلْطَان إِلَيْهِ ورتب فِيهِ قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة الشَّافِعِيَّة خَطِيبًا ورتب فِيهِ أَرْبَعِينَ صوفياً فِي سطحه وَأَرْبَعين صوفياً بداخله ورتب لكل مِنْهُم الْخبز وَاللَّحم فِي الْيَوْم. ومبلغ خَمْسَة عشر درهما فِي الشَّهْر وَجعل شيخهم قوام الدّين الشِّيرَازِيّ ووقف السُّلْطَان عَلَيْهِ قيسارية العنبر بِالْقَاهِرَةِ وَعمر لَهُ ربعا وحماماً وَأقَام لَهُ خَطِيبًا. وَأول صَلَاة صليت بِهِ ظهر يَوْم الْخَمِيس ثامن صفر بإمامة الْفَقِيه تَاج الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد بن الشَّيْخ مرهف وخطب فِيهِ من الْغَد يَوْم الْجُمُعَة تاسعه قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة. فحكر النَّاس حوله وبنوا الدّور وَغَيرهَا. وَقدم الْبَرِيد من حلب بعبور قرا سنقر وَمن مَعَه من الْأُمَرَاء إِلَى بِلَاد التتر وَأَنَّهُمْ بعثوا بأولادهم وحريمهم إِلَى مصر. وَكَانَ من خبرهم أَنهم لما وصلوا إِلَى الرحبة انْقَطع كثير مِمَّن تَبِعَهُمْ من المماليك والتركمان فَبعث قرا سنقر وَلَده الْأَمِير فرج وَبعث الأفرم وَلَده مُوسَى مَعَ بعض من يوثق بِهِ وأمرا بتقبيل الأَرْض بَين يَدي السُّلْطَان وَأَن يبلغاه أَن الْأُمَرَاء مَا حملهمْ على دُخُول بِلَاد الْعَدو إِلَّا الْخَوْف وَأَن الْأَوْلَاد والحريم وداعه فَلْيفْعَل السُّلْطَان مَعَهم مَا يَلِيق بِهِ فَقدما إِلَى الْقَاهِرَة وبقيا فِي الْخدمَة. وَسَار الْأُمَرَاء إِلَى ماردين وَكَتَبُوا إِلَى خربندا بقدومهم فَبعث أكَابِر الْمغل إِلَى لقائهم وَتقدم إِلَى وُلَاة الْأَعْمَال بخدمتهم وَالْقِيَام لَهُم. بِمَا يَلِيق بهم. فَلَمَّا قاربوا الأرد وَركب خربندا وتلقاهم وترجل لَهُم لما ترجلوا لَهُ وَبَالغ فِي إكرامهم وَسَار بهم إِلَى مخيمه وأجلسهم مَعَه على التخت وَضرب لكل مِنْهُم خركاه ورتب لَهُم الرَّوَاتِب السّنيَّة. ثمَّ استدعاهم بعد يَوْمَيْنِ واختلا بقرًا سنقر فَحسن لَهُ عبور الشَّام وَضمن لَهُ تَسْلِيم الْبِلَاد بِغَيْر قتال ثمَّ خلا بالأفرم فَحسن لَهُ أَيْضا أَخذ الشَّام إِلَّا أَنه خيله من قُوَّة السُّلْطَان وَكَثْرَة عساكره. فأقطع خربندا مراغة لقرا سنقر وأقطع همذان للأفرم واستمروا هَكَذَا. وَفِي يَوْم الْأَحَد عَاشر ربيع الأول: قبض السُّلْطَان على القَاضِي فَخر الدّين مُحَمَّد ابْن فضل الله نَاظر الْجَيْش وعَلى وَلَده شمس الدّين: وَسبب ذَلِك مُفَاوَضَة حصلت بَينه وَبَين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 479 فَخر الدّين أياز الشمسي مشد الدَّوَاوِين اشتط فِيهَا القَاضِي على الْفَخر أياز الشمسي وأهانه فَاجْتمع أياز بالدواوين وعرفهم مَاله من الْأَمْوَال والدواليب فِي أَعمال مصر وَاجْتمعَ بالسلطان وأغراه بِهِ وَالْتزم لَهُ أَن يستخلص مِنْهُ ألف دِرْهَم فأعجبه ذَلِك ومكنه مِنْهُ فَاشْتَدَّ بأسه حِينَئِذٍ وَجلسَ على بَاب القلعة وَفتح مَعَ الْفَخر بَاب شَرّ وَأَغْلظ فِي القَوْل بِحَضْرَة الْأُمَرَاء إِلَى أَن قَالَ لَهُ: أَنْت كسرت معاملات السُّلْطَان وَخَربَتْ بِلَاده وَأخذت أَرَاضِي الْخَاص عملتها لَك رزقا ثمَّ نَهَضَ وَقَالَ: أَنا بِاللَّه وبالسلطان وَدخل وَالْفَخْر خَلفه حَتَّى وَقفا بَين يَدي السُّلْطَان فَبسط أياز لِسَانه وحانق الْفَخر على عدَّة فُصُول حَتَّى غضب السُّلْطَان قَالَ لَهُ: تسلمه وَخذ مَالِي مِنْهُ فَأَخذه إِلَى قاعة الصاحب وَكتب أياز إِلَى الْأَعْمَال بالحوطة على مواشيه وزراعاته وسواقي أقصابه وَغير ذَلِك وأحيط بموجوده فِي الْقَاهِرَة ومصر وتتبعت حَوَاشِيه فَلم يطق الْفَخر مَا هُوَ فِيهِ من الْبلَاء مَعَ أياز وَبعث إِلَى طغاي وكستاي وَإِلَى الْأَمِير ركن الدّين بيبرس الأحمدي أَمِير جاندار فتحدثوا فِي أمره مَعَ السُّلْطَان على أَن ينْقل إِلَى بيبرس الأحمدي وَأَنه يحمل جَمِيع مَاله وَلَا يدع مِنْهُ شَيْئا فتسلمه لبيبرس أَمِير جاندار من أياز. وفيهَا كتب بِطَلَب قطب الدّين مُوسَى بن أَحْمد بن الْحُسَيْن بن شيخ السلامية نَاظر الْجَيْش بِدِمَشْق على الْبَرِيد فَحَضَرَ وَاسْتقر عوضا عَن الْفَخر فِي نظر الْجَيْش. وَتمكن أياز من حَاشِيَة الْفَخر وَضرب جمَاعَة مِنْهُم بالمقارع وَأخذ سَائِر موجودهم وَحمل الْفَخر نَحْو الْخَمْسمِائَةِ ألف دِرْهَم. ثمَّ أفرج السُّلْطَان عَنهُ وَعَن وَلَده وخلع عَلَيْهِمَا فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس عشرى ربيع الآخر وَاسْتقر الْفَخر عوضا عَن معِين الدّين هبة الله ابْن حشيش صَاحب ديوَان الْجَيْش. وَلم يوفق ابْن شيخ السلامية وارتبك فِي الْمُبَاشرَة بِحَيْثُ أَن السُّلْطَان كَانَ إِذا سَأَلَهُ عَن كشف بلد وَفِي حادي عشرى ربيع الأول: ولى قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَابِلَة بِالْقَاهِرَةِ ومصر تَقِيّ الدّين أَحْمد بن عز الدّين عمر بن عبد الله الْمَقْدِسِي عوضا عَن سعد الدّين مَسْعُود الْحَارِثِيّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 480 وَفِي سادس ربيع الآخر: أَمر السُّلْطَان مِمَّن مماليكه سِتَّة وَأَرْبَعين أَمِيرا مِنْهُم طبلخاناه تِسْعَة وعشراوات سَبْعَة عشر وألوف عشرُون وشقوا الْقَاهِرَة بالشرابيش وَكَانَ يَوْمًا عَظِيما. وفيهَا قدم الْعَسْكَر الْمُجَرّد إِلَى الشَّام فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي ربيع الآخر وطلع الْأُمَرَاء إِلَى القلعة فَقبض على عدَّة من الْأُمَرَاء لميلهم إِلَى قرا سنقر: مِنْهُم جمال الدّين أقوش نَائِب الكرك - وَكَانَ قد حضر من دمشق وخلع عَلَيْهِ - وبيبرس المنصوري نَائِب السلطنة بِمصْر وسنقر الكمالي ولاجين الجاشنكير وبينجار والدكز الأشرفي ومغلطاي المَسْعُودِيّ وسجنوا. وفيهَا اسْتَقر سودون الجمدار نَائِبا بحلب فِي ربيع الأول وتمر الساقي المنصوري فِي نِيَابَة طرابلس فِي ربيع الآخر. وفيهَا كتب بِطَلَب فضل أخي مهنا وَولده أبي بكر وسير إِلَيْهِ تَقْلِيد الإمرة عوضا عَن مهنا وَأَن مهنا لَا يُقيم بالبلاد وَخرج بذلك الْأَمِير بهاء الدّين أرسلان الدوادار. وفيهَا قبض أَيْضا فِي رَابِع ربيع الأول على بيبرس العلمي بحمص وعَلى الْأَمِير بيبرس الْمَجْنُون. والأمير علم الدّين سنجر البرواني والأمير طوغان المنصوري وبيبرس التاجي وقيدوا وحملوا من دمشق إِلَى الكرك وفيهَا اسْتَقر الْأَمِير تنكر الناصري فِي نِيَابَة دمشق عوضا عَن الْأَمِير جمال الدّين نَائِب الكرك مستهل ربيع الآخر وَسَار على الْبَرِيد يَوْم الْجُمُعَة سابعه فَدَخلَهَا يَوْم الْخَمِيس عشرى ربيع الآخر ورسم لَهُ أَلا يستبد بِشَيْء إِلَّا بعد الِاتِّفَاق مَعَ الْأَمِير سيف الدّين أرقطاي والأمير حسام الدّين طرنطاي البشمقدار. وَفِي سادس عشر ربيع الآخر: أَمر السُّلْطَان فِي يَوْم وَاحِد سِتَّة وَأَرْبَعين أَمِير مِنْهُم طبلخاناه تِسْعَة وَعِشْرُونَ وعشراوات سَبْعَة عشر وشقوا الْقَاهِرَة بالشرابيش وَالْخلْع. وَفِي يَوْم الأثنين أول جُمَادَى الأولى: اسْتَقر الْأَمِير سيف الدّين أرغون الدوادار الناصري نَائِب السلطنة عوضا عَن بيبرس الدوادار المنصوري. ورسم بنيابة صفد لبلبان طرنا أَمِير جاندار عوضا عَن بهادر آص وَأَن يرجع بهادر إِلَى دمشق أَمِيرا على عَادَته فسافر إِلَيْهَا. وَفِيه ركب السُّلْطَان إِلَى بر الجيزة وَأمر طقتمر الدِّمَشْقِي وقطلوبغا الفخري الْمَعْرُوف بالفول المقشر وطشتمر البدري حمص أَخْضَر. وفيهَا هدم السُّلْطَان الرفرف الَّذِي أنشأه أَخُوهُ الْأَشْرَف خَلِيل على يَد الشجاعي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 481 وفيهَا ورد الْخَبَر فِي أول رَجَب بحركة خربندا وَسبب ذَلِك رحيل مهنا إِلَيْهِ عِنْد إِخْرَاج خبزه لِأَخِيهِ وإقامته عِنْده وتقوية عزمه على أَخذ الشَّام. وَكَانَ السُّلْطَان تَحت الأهرام بالجيزة فقوي عزمه على تَجْرِيد العساكر وَلم يزل هُنَاكَ إِلَى عَاشر شعْبَان فَعَاد إِلَى القلعة وَكتب إِلَى نواب الشَّام بتجهيز الإقامات. وَعرض السُّلْطَان الْعَسْكَر وَقطع جمَاعَة من الشُّيُوخ العاجزين عَن الرّكُوب وانفق فيهم الْأَمْوَال. وابتدأ الْعرض من خَامِس ربيع الآخر وكمل فِي أول جُمَادَى الأولى فَكَانَ السُّلْطَان يعرض فِي كل يَوْم أميرين بِنَفسِهِ من مقدمي الألوف ويخرجان بِمن مَعَهُمَا من الْأُمَرَاء ومقدمي الْحلقَة والأجناد وترحلوا شَيْئا بعد شَيْء. من أول رَمَضَان إِلَى ثامن عشريه حَتَّى لم يبْق بِمصْر أحد من الْعَسْكَر. وَخرج السُّلْطَان فِي ثَانِي شَوَّال وَنزل مَسْجِد تبر خَارج الْقَاهِرَة ورحل فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثالثه ورتب بالقلعة سيف الدّين أيتمش المحمدي. فَلَمَّا كَانَ ثامنه قدم الْبَرِيد برحيل التتار لَيْلَة سادس عشرى رَمَضَان من الرحبة وعودهم إِلَى بلادِهم بَعْدَمَا أَقَامُوا عَلَيْهَا من أول رَمَضَان فَفرق السُّلْطَان العساكر فِي قانون وعسقلان وعزم على الْحَج. وَدخل السُّلْطَان دمشق فِي تَاسِع عشره وَخرج مِنْهَا ثَانِي ذِي الْقعدَة إِلَى الكرك وَكَانَ قد أَقَامَ بِدِمَشْق أرغون النَّائِب للنَّفَقَة على العساكر وَغير ذَلِك من الْأَعْمَال وكلف الصاحب أَمِين الدّين بن الغنام بِجمع المَال اللَّازِم. وَدخل السُّلْطَان الكرك فِي ثامن ذِي الْقعدَة وَتوجه إِلَى الْحجاز فِي أَرْبَعِينَ أَمِيرا. وفيهَا خرج الصاحب أَمِين الدّين عبد الله بن الغنام من الْقَاهِرَة يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشرى شَوَّال وَدخل دمشق وَأقَام بهَا بعد توجه السُّلْطَان ليحصل الْأَمْوَال فأوقع الحوطة على الْوَزير والمباشرين وطالب محيي الدّين بن فضل الله بِمَال كَبِير عمل بِهِ أوراقاً وَأَغْلظ عَلَيْهِ وأحاط بموجوده وتتبع حَوَاشِيه وصادر أَمِين الدّين أَكثر النَّاس. وَأما الْقَاهِرَة فَإِن الْأَمِير علم الدّين سنجر الخازن نقل من ولَايَة البهسنا إِلَى ولَايَة الْقَاهِرَة أَقَامَ الْأَمِير أيتمش المحمدي نَائِب الْغَيْبَة الْحُرْمَة وَمنع الأكابر من الْهِجْرَة وأنصف الضُّعَفَاء مِنْهُم. وَحج بالركب الْمصْرِيّ الْأَمِير مظفر الدّين قيدان الرُّومِي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 482 وفيهَا اسْتَقر فِي نِيَابَة قلعة دمشق عز الدّين أَبِيك الجمالي عوضا عَن بلبان البدري ثمَّ كتب بِأَن يكون بلبان شَرِيكا لَهُ فباشرا جَمِيعًا. وفيهَا قدت هَدِيَّة الأشكري وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر ضِيَاء الدّين أَحْمد بن عبد الْقوي بن عبد الرَّحْمَن الْقرشِي الإسنائي الْمَعْرُوف بِابْن الْخَطِيب. الْفَقِيه الشَّافِعِي وَكَانَت وَفَاته ببلدة أدفو فِي شَوَّال وَهُوَ فِي الطَّرِيق إِلَى الْحَج فَحمل إِلَى سنا فَدفن بهَا. وَمَات تَاج الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن أبي نصر الشِّيرَازِيّ محتسب دمشق وناظر الدَّوَاوِين بهَا فِي رَجَب عَن بضع وَخمسين سنة. وَمَات عماد الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الْوَاحِد بن سرُور الْمَقْدِسِي الْفَقِيه الْحَنْبَلِيّ فِي جُمَادَى الْآخِرَه بِمصْر ومولده بِبَغْدَاد سنة سبع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة. وَمَات زين الدّين حسن بن عبد الْكَرِيم بن عبد السَّلَام الغماري الْفَقِيه أَبُو مُحَمَّد الْمَالِكِي سبط زِيَادَة بن عمرَان وَكَانَت وَفَاته فِي شَوَّال بِمصْر قَرَأَ الْقُرْآن وَكَانَ خيرا فَاضلا. وَمَات نور الدّين على بن نصر الله بن عمر الْقرشِي - الْمَعْرُوف بِابْن الصَّواف - الْخَطِيب الْفَقِيه الشَّافِعِي فِي رَجَب بِمصْر. وَمَات أَبُو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد بن هَارُون ابْن مُحَمَّد بن هَارُون الثَّعْلَبِيّ الدِّمَشْقِي - قَارِئ المواعيد - الْفَاضِل الصَّالح فِي ربيع الآخر بِمصْر عَن سِتّ وَثَمَانِينَ سنة وَمَات نور الدّين أَحْمد بن الشَّيْخ شهَاب الدّين عبد الرَّحِيم ابْن عبد عز الدّين بن عبد الله بن رَوَاحَة الْأنْصَارِيّ الْحَمَوِيّ بحماة وَكَانَ فَاضلا دينا وَمَات الْملك الْمَنْصُور نجم الدّين غَازِي بن الْمَنْصُور نَاصِر الدّين أرتق بن إيلغازي بن البن بن تمر تاس بن ايلغازي بن أرتق الأرتقي صَاحب ماردين فِي تَاسِع رَجَب وَكَانَت إمرته نَحْو عشْرين سنة وَكَانَ مهاباً فَقَامَ بعده ابْنه الْملك الْعَادِل عَليّ وَأقَام سَبْعَة عشر يَوْمًا ثمَّ ملك أَخُو الْملك الصَّالح شمس الدّين بن الْملك الْمَنْصُور. وَمَات الْملك المظفر شهَاب الدّين غَازِي بن النَّاصِر صَلَاح الدّين دَاوُد بن الْمُعظم عِيسَى بن الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشر رَجَب بِالْقَاهِرَةِ عَن نَيف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 483 وَسبعين سنة وَقد حدث وَمَاتَتْ امْرَأَته ابْنة عَمه الْملك المغيث بعده فحرجت الجنازتان مَعًا وَكَانَ قد حج وَقدم الْقَاهِرَة من طَرِيق الْقُدس بَعْدَمَا زَارَهُ ومولده بالكرك فِي عَاشر جُمَادَى الأولى سنة تسع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَكَانَ دينا متواضعاً فَاضلا. وَمَات الْأَمِير علم الدّين سنجر الصَّالِحِي أَمِير آخور بِدِمَشْق عَن مَال كَبِير جدا مَاتَ شرف الدّين مُحَمَّد بن مُوسَى بن مُحَمَّد بن خَلِيل الْقُدسِي فِي خَامِس عشر شعْبَان بِالْقَاهِرَةِ وَكَانَ يُبَاشر التوقيع فِي الْإِنْشَاء وَيكْتب الْخط الْمليح وَيَقُول الشّعْر ويغلب عَلَيْهِ الهجاء مَعَ تفننه فِي عُلُوم كَثِيرَة. وَمَات تَاج الدّين عبد الرَّحِيم بن تَقِيّ الدّين عبد الْوَهَّاب بن الْفضل بن يحيي السنهوري فِي يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع عشر ربيع الآخر وباشر نظر النظار بديار مصر سِتِّينَ سنة وَعرضت عَلَيْهِ الوزارة غير مرّة فأباها وَكَانَ أَمينا كثير الْخَيْر وَلم ينكب قطّ وعاش مائَة وتسع سِنِين عزل قبل مَوته. وَمَات قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن دَاوُد بن حَازِم الْأَذْرَعِيّ الْحَنَفِيّ بِدِمَشْق وَهُوَ مَعْزُول. وَمَات الشَّيْخ عمر بن الشَّيْخ أبي عبد الله بن النُّعْمَان بِمصْر يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس عشرى رَمَضَان. وَمَات شهَاب الدّين غَازِي بن أَحْمد الوَاسِطِيّ بحلب فِي ثامن عشر ربيع الآخر ولى نظر الدَّوَاوِين بِمصْر مُدَّة ثمَّ نقل إِلَى نظر حلب وَولي نظر دمشق وَنظر الصُّحْبَة وَكتب بديوان الْإِنْشَاء مُدَّة. وَمَات الْفَقِيه نجم الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْفَقِيه جمال الدّين عبد الْعَزِيز بن أَحْمد ابْن عمر بن جَعْفَر بن اللهيب فِي خَامِس عشر جُمَادَى الْآخِرَة. وَمَات بطرابلس الْأَمِير عَلَاء الدّين مغلطاي البهائي وَقد رسم بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ فَمَاتَ قبل وُصُول الْبَرِيد بِيَوْم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 484 سنة ثَالِث عشرَة وَسَبْعمائة فِي أول الْمحرم: قدم الْأَمِير سيف الدّين قجليس من الْحجاز إِلَى الْقَاهِرَة مبشرا بِعُود السُّلْطَان. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء حادي عشره: قدم السُّلْطَان من الْحجاز إِلَى دمشق بعد دُخُوله إِلَى الْمَدِينَة لنبوية وتوجهه على الكرك وَكَانَ دُخُوله إِلَى دمشق يَوْمًا مشهوداً بلغت فِيهِ أجر الْبيُوت مبلغا زَائِدا حَتَّى إِن بَيْتا أخذت أجرته للنَّظَر إِلَى السُّلْطَان فِي مُدَّة من بكرَة النَّهَار إِلَى الظّهْر سِتّمائَة دِرْهَم. وَعبر السُّلْطَان وَهُوَ على نَاقَة وَعَلِيهِ لشت من ملابس الْعَرَب بلثام وَبِيَدِهِ حَرْبَة وَلعب يَوْم السبت فِي الميدان بالكرة. ثمَّ أَخذ فِي الإنعام على بعض رجال دولته فولى شمس الدّين عبد الله بن غبريال بن سعيد نظر دمشق على قَاعِدَة الوزراء وَكَانَ نَاظر الْبيُوت وَنقل الْأَمِير بدر الدّين بكتوت القرماني من شدّ الدَّوَاوِين بِدِمَشْق إِلَى نِيَابَة الرحبة عوضا عَن بدر الدّين مُوسَى الأزكشي. وخلع السُّلْطَان على الْأُمَرَاء الَّذين كَانُوا صحبته بالحجاز وعدتهم نَحْو الْأَرْبَعين أَمِيرا وَأَفْرج عَن المصادرين وَأعَاد الْفَخر إِلَى نظر الْجَيْش بديار مصر وَأعَاد قطب الدّين مُوسَى بن شيخ السلامية إِلَى نظر الْجَيْش بِدِمَشْق. وَصَارَ السُّلْطَان إِلَى مصر فِي سَابِع عشريه بعد أَن أَقَامَ بِدِمَشْق خَمْسَة عشر يَوْمًا وَصلى بالجامع الْأمَوِي الْجُمُعَة مرَّتَيْنِ. وَقدم قلعة الْجَبَل فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشر صفر وَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وفيهَا نقل الْأَمِير بدر الدّين مُحَمَّد بن فَخر الدّين عيسي التركماني من ولَايَة الجيزة إِلَى شدّ الدَّوَاوِين وَاسْتقر فَخر الدّين أياز الشمسي فِي شدّ الدَّوَاوِين بِدِمَشْق عوضا عَن القرماني وَاسْتقر كريم الدّين أكْرم بن الخطيري - كَاتب الْحميدِي - الْمَعْرُوف بكريم الدّين الصَّغِير فِي نظر الدَّوَاوِين رَفِيقًا لتقي الدّين أسعد كَاتب برلغي ابْن أَمِين الْملك مُسْتَوْفِي الْحَاشِيَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 485 وفيهَا ابْتَدَأَ السُّلْطَان بعمارة الميدان تَحت القلعة فاختطه من بَاب الإسطبل إِلَى نَحْو بَاب القرافة ووزع عمله على الْأُمَرَاء فنقلت جمَالهمْ الطين إِلَيْهِ حَتَّى امْتَلَأَ وغرس فِيهِ النّخل وَالْأَشْجَار وحفرت فِيهِ الْآبَار وَركبت عَلَيْهَا السواقي وأدير عَلَيْهِ سور من حجر وَبنى خَارجه حَوْض مَاء للسبيل. فَلَمَّا فرغت عِمَارَته لعب السُّلْطَان فِيهِ مَعَ الْأُمَرَاء بالكرة وخلع عَلَيْهِم وشملهم الإنعام الْكثير. وفيهَا اجْتمع الْقُضَاة فِي حادي عشر ربيع الآخر بالمدارس الصالحية بَين القصرين للنَّظَر فِي الشُّهُود وأقيم مِنْهُم جمَاعَة. وفيهَا عمل السُّلْطَان أَيْضا أَربع سواقي على النّيل تنقل المَاء وترميمه على المَاء الْجَارِي من النّيل إِلَى السُّور حَتَّى يصل إِلَى القلعة ورم السُّور وأزال شعثه فَكثر المَاء بقلعة الْجَبَل وَزَاد الْبِئْر الظَّاهِرِيّ المجاور لزاوية تَقِيّ الدّين رَجَب. بِأَن عمل عَلَيْهِ نقالة إِلَى بِئْر الإسطبل واهتم بِعَمَل مصَالح الجسور الَّتِي بالنواحي والترع. وفيهَا قبض على الصاحب أَمِين الدّين عبد الله بن الغنام فِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشرى جُمَادَى الأولى وألزم بِحمْل ثَلَاثمِائَة ألف دِرْهَم وَذَلِكَ بسعي كريم الدّين الْكَبِير وَبدر الدّين بن التركماني. وَأغْرقَ السُّلْطَان بِهِ وَقيل لَهُ إِنَّه أَخذ مَالا كثيرا من المصادرين بِمصْر وَالشَّام. وفيهَا أبطلت الوزارة فَلم يل أحد بعد أَمِين الدّين وَنقل كريم الدّين أكْرم الصَّغِير من ديوَان الْجَيْش إِلَى نظر الدولة شَرِيكا للتقي أسعد بن أَمِين الْملك كَاتب برلغي كَمَا تقدم وَاسْتقر شرف الدّين الخيري كَاتب سلار والتاج إِسْحَاق الْموقف أَخُو الخيري مُسْتَوْفِي الدولة. فَانْفَرد كريم الدّين الْكَبِير بالتمكن من السُّلْطَان وَصَارَت الْأُمُور كلهَا منوطة بِهِ وَركب بجنيبين وخلع عَلَيْهِ أطلس بطرز زركش وَأشْهد على السُّلْطَان أَنه ولاه جَمِيع مَا ولاه الله تَعَالَى وكاتبه الْمُلُوك الْمُجَاورَة مثل مَا كاتبوا السُّلْطَان. وفيهَا أَخذ كريم الدّين الْكَبِير مَعَ السُّلْطَان فِي الْعَمَل على الْوَزير وأغراه بالأسعد غبريال كَاتب نَائِب السلطنة وَأَنه كثير الظُّلم وَأَنه نقل إِلَى أستاذه أموراً تضر الدولة وأغراه بِالْعلمِ كبيبه كَاتب منكلي بغا. وَمَا زَالَ كريم الدّين الْكَبِير بالسلطان حَتَّى سلم الأسعد إِلَى الْأَمِير علم الدّين سنجر الخازن مُتَوَلِّي الْقَاهِرَة ليخلص مِنْهُ المَال وَسلم الْعلم كبيبه إِلَيْهِ أَيْضا وَضَربا قُدَّام السُّلْطَان وَضرب مَعَهُمَا أَمِين الدّين بن الغنام بِالْعِصِيِّ إِلَّا غبريال فَإِنَّهُ ضرب بالمقارع. وأوقعت الحوطة على مَوْجُود غبريال وَسلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 486 هُوَ وَأمين الدّين إِلَى شاد الدَّوَاوِين ورسم لمجد الدّين سَالم أَن يتَوَلَّى بيع موجودهما وَحمله إِلَى بَيت المَال فَأَقَامَ البيع نَحْو شهر. وَحمل من أَمِين الدّين نَحْو ثلاثماثة ألف دِرْهَم من ثمن الْمَبِيع وَلم يُوجد لَهُ نقد ألبته ثمَّ أفرج عَنهُ. وَأما غبريال فَإِن الخازن وَالِي الْقَاهِرَة عاقبه حَتَّى هلك بعد أُسْبُوع. وَمَا زَالَ أَمِين الدّين ملازماً لداره إِلَى يَوْم السبت تَاسِع عشرى ذِي الْحجَّة فاستدعى وأخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر نَاظر النظار عوضا عَن الصاحب ضِيَاء الدّين النشائي وَنقل النشائي إِلَى نظر الخزانة عوضا عَن سعد الدّين الْحسن بن عبد الرَّحْمَن الأقفهسي بعد وَفَاته. وَلما اسْتَقر أَمِين الدّين فِي نظر النظار وَدخل عَلَيْهِ مجد الدّين سَالم ليهنه والمجلس غاص بِالنَّاسِ نظر أَمِين الدّين إِلَى الْحَاضِرين وَقَالَ: هَذَا القَاضِي مجد الدّين تفصل فِي حَقي. حَيْثُ كَانَ يتَوَلَّى أَمْرِي فِي بيع حواصلي وَبَاعَ حَتَّى زبادي المطبخ. فَالْتَفت إِلَيْهِ الْمجد على الْفَوْر وَكَانَ مقداماً جريئاً وَقَالَ لَهُ: يَا مَوْلَانَا أَنِّي والّه تفضلت عَلَيْك وأحسنت إِلَيْك غَايَة الْإِحْسَان وخدمتك أتم خدمَة وبعت من زبادي ونحاس وفرش بمبلغ ثَلَاثمِائَة ألف دِرْهَم وَمَا تحدثنا فِي ظُهُور دِرْهَم وَلَا دِينَار بل سكتنا وَنحن سكُوت إِلَى الْآن. فَلم يجب أَمِين الدّين سوى بقول حَسبنَا الله. وفيهَا ولى السُّلْطَان الْأَمِير بدر الدّين مُحَمَّد بن كندغدي بن الوزيري نِيَابَة دَار الْعدْل وَشد الْأَوْقَاف بِسَبَب قصَّة رفعت فِي الْأَوْقَاف. وَكَانَ ابْن الوزيري أَمينا حاد الْخلق عَارِفًا بالأمور. فباشر الْأَوْقَاف فِي دَاره يَوْم الثَّامِن من ربيع الأول. وَجلسَ ابْن الوزيري بدار الْعدْل فِي يَوْم السبت خَامِس عشرى ربيع الأول وَجلسَ الْقُضَاة الْأَرْبَعَة بَين يَدَيْهِ بدار الْعدْل وَرفعت إِلَيْهِ الْقَصَص وَصرف الْأُمُور وَطلب سَائِر مباشري الْأَوْقَاف وألزمهم بِعَمَل الْحساب مُدَّة عشْرين سنة بالأوقاف وَطلب موادع الحكم وتشدد عَلَيْهِم. فقلق الْقُضَاة من ذَلِك وسألوه الاغضاء عَن ذَلِك فتمادى فِي الطّلب وأخرق بعدة من المباشرين وضربهم لفساد حسابهم. فَقَامَ قَاضِي بدر الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة فِي الْعَمَل عَلَيْهِ - وَكَانَ عَارِفًا بالسعي وَله فِي ذَلِك أياد وتراتيب - وَوَافَقَ رفاقه وَصَارَ إِلَى القَاضِي كريم الدّين الْكَبِير بِنَفسِهِ وترامى عَلَيْهِ ثمَّ اجْتمع بالفخر نَاظر الْجَيْش وبعلاء الدّين كَاتب السِّرّ وبعدة من الخاصكية وَمَا زَالَ بهم حَتَّى خيلوا السُّلْطَان من ابْن الوزيري أَنه شرس الْأَخْلَاق وَله أغراض فَاسِدَة وقصده إهانة الْقُضَاة وَأهل الْعلم وَحط أقدارهم وَقد كثر الدُّعَاء على لسلطان بِسَبَبِهِ. فَلَمَّا تكاثر ذكر ذَلِك لَدَى السُّلْطَان وبلغه عدَّة حكايات عَنهُ وَمنعه من التحدث فِي الْأَوْقَاف وَمن حِينَئِذٍ بَدَت عَدَاوَة ابْن جمَاعَة لفتح الدّين مُحَمَّد بن سيد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 487 النَّاس وَاشْتَدَّ الْأَمر بَينهمَا إِلَى أَن بلغ السُّلْطَان ذَلِك وتسلط الشهَاب أَحْمد بن عبد الدَّائِم الشارمساحي الشَّاعِر عَليّ ابْن جمَاعَة وهجاه بعدة قصائد بعثها إِلَيْهِ ورتب هُوَ وَابْن سيد النَّاس القصيدة الَّتِي أَولهَا: تري يسمع السُّلْطَان شكوى الْمدَارِس وعدتها سِتُّونَ بَيْتا فحبسه ابْن جمَاعَة بِسَبَبِهَا لِأَنَّهُ أقذع فِيهَا وشهرها فِي النَّاس إِلَى أَن قُرِئت على السُّلْطَان فَقَامَ أيدغدي شقير فِي حَقه وَأخرجه من السجْن. وَفِي يَوْم السبت ثَانِي جُمَادَى الأولى: اسْتَقر صدر الدّين بن المرحل فِي تدريس الزاوية المجدية بالجامع الْعَتِيق عوضا عَن جلالي الدّين على بن عبد الله العسلوجي بِحكم عَزله. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِعَة: أوفى النّيل وَهُوَ أخر أَيَّام النسيء قبل الْمُفْرد ثمَّ قدم الْمُفْرد بعد الْوَفَاء فِي يَوْم الْخَمِيس سادسه. وفيهَا عمل الروك بالبلاد الشامية وَندب لَهُ الْأَمِير علم الدّين سنجر الجاولي نَائِب غَزَّة وَابْن معبد ومعين الدّين هبة الله بن حشيش نَاظر الْجَيْش بِالشَّام مَعَ مباشري ديوَان الجيوش بِمصْر. فَتوجه الجاولي إِلَى دمشق وأمام مَعَ الْأَمِير تنكر النَّائِب إِلَى أَن عملت أوراق بعبرة الْبِلَاد ومنحصلها وَمَا فِيهَا من إقطاع ووقف وَملك. وكمل ذَلِك فِي ذِي الْحجَّة ونقلت سنة اثْنَتَيْ عشرَة إِلَى سنة ثَلَاث عشرَة وجهزت الأوراق إِلَى السُّلْطَان فقرئت عَلَيْهِ فَكتب السُّلْطَان مثالات جَدِيدَة لأمراء دمشق وأجنادها ووفر عدَّة قطاعات وبلاد أدخلها فِي ديوَان الْخَاص وَزَاد إقطاع النيا وَكتب بلك مناشير سَار بهَا على الْبَرِيد الْأَمِير سيف الدّين قجليس حَتَّى فرقها على أَرْبَابهَا وَعَاد. وفيهَا تَوَجَّهت تجريدة إِلَى مَكَّة صُحْبَة الْأَمِير سيف الدّين طقصاي الناصري وَالِي قوص وَسيف الدّين بيدوا وعلاء الدّين أيدغدي الْخَوَارِزْمِيّ وصاروجا الحسامي وَتوجه دمشق سيف الدّين بلبان البدري مَعَ الركب وأضيف إِلَيْهِم عدَّة من الأجناد وَذَلِكَ بِسَبَب حميضة بن أبي نمي فَإِنَّهُ كثر ظلمه. وفيهَا قبض على الأميرين عز الدّين أيبك الرُّومِي المنصوري وركن الدّين بيبرس الأحمدي أَمِير جاندار فِي رَابِع عشرى رَمَضَان. وبسبب ذَلِك مُفَاوَضَة جرت بَين الْأَمِير عَلَاء الدّين أيدغدي شقير وَبَين أيبك الرُّومِي بِحَضْرَة الْأُمَرَاء على بَاب القلعة فِي انْتِقَال إقطاعات بَينهمَا خرجا فِيهَا عَن الْحَد. فَخرج الْأَمِير طغاي وهما فِي ذَلِك - (سقط: من صفحة 489 إِلَى 504) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 488 وَكَانَ يَعْنِي بأيدغدى حَتَّى قربه من السُّلْطَان - فشق عَلَيْهِ استطالة أيبك من أجل أَنه من أُمَرَاء البرجية وشجعانهم، وَمِمَّنْ عرف بالعفة. فَلَمَّا كَانَت خدمَة الْعَصْر بلغ السُّلْطَان مَا كَانَ بَينهمَا، فرسم بحملهما إِلَى ديوَان السُّلْطَان، وَمن تعين عَلَيْهِ شَيْء قَامَ بِهِ، وَأسر مَا أغراه بِهِ طغاي فِي نَفسه. ثمَّ قبض السُّلْطَان عَلَيْهِ وعَلى الأحمدى، وَبعث إِلَى الأحمدى مَعَ قجليس " بأنك وحشداشك اتفقتما على أَنه يتسلطن، فَبكى وَسَأَلَ الله إِن كَانَ مَا نقل عَنْهُمَا حَقًا أَنى يقسى قلب السُّلْطَان رق لَهُ، وَأمر بِهِ ففك قَيده، وأحضر وَأعْطى سَيْفه، وخلع عَلَيْهِ من سَاعَته، وَذَلِكَ فِي رَابِع عشرى شَوَّال. وفيهَا أرسل السُّلْطَان صدر الدّين مُحَمَّد بن عمر بن المرحل على الْبَرِيد إِلَى الْأَمِير منهنا ليَرُدهُ إِلَى الطَّاعَة، فَإِنَّهُ حصل مِنْهُ حيف على التُّجَّار، وَقطع أَوْلَاده وعربانه الطرقات فَاجْتمع بِهِ ابْن المرحل قَرِيبا من الْعرَاق، وَمَا زَالَ بِهِ يعده برد إقطاعه ويرغبه إِلَى أَن أذعن، وَبعث مَعَه بِابْنِهِ مُوسَى، وجهز الْقود على الْعَادة صُحْبَة وَلَده سليم. فَقدم ابْن المرحل بمُوسَى بن مهنا فِي ربيع الآخر، وَأنزل مُوسَى فِي القاعة الأشرفية بالقلعة وَأكْرم إِكْرَاما زَائِدا، ثمَّ قدم الْقود، وأعيدت الإمرة لمهنا، وَزيد إقطاعه مبلغ مائى الف دِرْهَم؛ وأعيد إقطاع فضل إِلَيْهِ على عاداته قبل الإمرة. وفيهَا توجه السُّلْطَان إِلَى الصَّيْد فِي ثامن عشرى رَجَب، وَنزل تَحت الأهرام بالجيزة، وَأظْهر أَنه يُرِيد الصَّيْد وَقصد أحد العربان، فَإِنَّهُ كثر قطعهم الطَّرِيق، وكسروا الْخراج. وَبعث السُّلْطَان عدَّة من الْأُمَرَاء حَتَّى أَمْسكُوا طَرِيق السويس وَطَرِيق الواحات، فضبط البرين على العربان، ثمَّ رَحل من منزلَة الأهرام بالجيزة، وَسَار إِلَى فرجوط. وَعَاد السُّلْطَان إِلَى القلعة فِي يَوْم السبت عَاشر رَمَضَان، وَقد أَخذ كثيرا من العربان؛ وبعثهم مقيدين فِي المراكب إِلَى الْقَاهِرَة، فسجنوا واستعملوا فِي الجسور، وَقبض على مقداد بن شماس - وَكَانَ قد عظم مَاله حَتَّى بلغ عدد جواريه أَرْبَعمِائَة جَارِيَة، وعدة أَوْلَاده ثَمَانُون ولدا - وَقتل عدَّة كَثِيرَة من العربان، وَعَاد. فحبس (السُّلْطَان) مقدادا مُدَّة ثمَّ أفرج عَنهُ، وأنعم عَلَيْهِ بِمَال وغلال، وَكتب برد أَهله وَأَوْلَاده وعبيده إِلَيْهِ، وأنزله بالناصرية الَّتِي أَنْشَأَهَا خليج الْإسْكَنْدَريَّة، فَأَقَامَ مقداد هُنَاكَ، وَأَنْشَأَ للبيوت والسواقي والدواليب، وَعمر تِلْكَ الْجِهَات، بَقِي عقبه من بعده بهَا. وفيهَا ابتدئ بِعَمَل الْقصر الأبلق على الإسطبل فِي أول السّنة، فكمل فِي سَابِع عشر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 489 رَجَب. وَقصد السُّلْطَان أَن يحاكى بِهِ قصر الْملك الظَّاهِر بيبرس بطاهر دمشق، واستدعى لَهُ الصناع من دمشق، وَجمع صناع مصر، فكمل، وَأَنْشَأَ بجانبه جنينة. وَعمل السُّلْطَان عِنْده سماطا لِلْأُمَرَاءِ، وخلع عَلَيْهِم، وَحمل إِلَى كل أَمِير مائَة ألف دِينَار، وَإِلَى كل أَمِير طبلخاناه عشرَة آلَاف دِرْهَم، وَلكُل مقدم حَلقَة خَمْسمِائَة دِرْهَم فَكَانَ جملَة مَا فرق فِي هَذَا المهم خَمْسمِائَة ألف ألف وَخَمْسمِائة ألف دِرْهَم. وَصَارَ السُّلْطَان يجلس فِيهِ سَائِر الْأَيَّام، مَا عدا يومى الْإِثْنَيْنِ وَالْخَمِيس فَإِنَّهُ يجلس فيهمَا بالإيوان. وفيهَا أخرب السُّلْطَان مناظر اللوق بالميدان الظَّاهِرِيّ، وعملها بستانا، وأحضر إِلَيْهِ سَائِر أَصْنَاف الزراعات، واستدعى حولة الشَّام والمطعمين، فجَاء من أبدع الْبَسَاتِين، وَعرف أهل جَزِيرَة الْفِيل مِنْهُ صناعَة تطعيم الشّجر، واغتنوا بهَا. وفيهَا ركب السُّلْطَان إِلَى الجيزة، وَندب بدر الدّين بن التركماني لعمل جسورها وقناطرها، واستدعى المهندسين. فَأَنْشَأَ ابْن التركماني لكل بلد جِسْرًا متقنا وَعمل جِسْرًا من الْبَحْر إِلَى أمدنيار، وَخرج الْعَسْكَر جَمِيعه والأمراء بمضافيهم للْعَمَل فِي ذَلِك، فَكَانَ مهما عَظِيما، وَصَارَ السُّلْطَان يركب إِلَيْهِ كل قَلِيل حَتَّى كمل، وعمرت القناطر من حِجَارَة الْهَرم الصَّغِير، وَمن حجار القناطر الظَّاهِرَة الَّتِي تعرف بالأربعين قنطرة. وَأكْثر السُّلْطَان من العمائر، وَولى آقسنقر أَمِير آخور شاد العمائر، وأحضر العتالين من سَائِر الْبِلَاد الشامية، وأفرد للعمائر ديوانا بلغ مصروفه فِي كل يَوْم اثنى عشر ألف دِرْهَم إِلَى ثَمَانِيَة آلَاف، وَهِي أقل مَا كَانَ يصرف فِي الْيَوْم الْوَاحِد. وَأَنْشَأَ السُّلْطَان دَار الْبَقر الَّتِي كَانَت برسم بقر السواقي السُّلْطَانِيَّة، بِبَاب القلعة بجوار إسطبل الطَّوِيل، وَندب لذَلِك كريم الدّين الْكَبِير، فأنفق عَلَيْهَا مَا ينيف على ألف ألف دِرْهَم وَأَنْشَأَ دَارا للأمير سيف الدّين طاش تمر " حمص أَخْضَر " بحدرة اليقر، وَاشْترى لَهُ بُسْتَان ابْن المغربي بِجَزِيرَة الْفِيل بتسعين ألف دِرْهَم. فامتدت أَيدي النَّاس إِلَى الْعِمَارَة، وكأنما نُودي فِي النَّاس أَلا يبْقى أحد حَتَّى يعمر، وَذَلِكَ أَن النَّاس على دين ملكهم. وأنعم السُّلْطَان على الْأَمِير سيف الدّين طغاي دبار الْملك الْمَنْصُور قلاوون بِالْقَاهِرَةِ. وفيهَا ابْتَدَأَ النَّاس بعمارة نَاحيَة اللوق خَارج المقس، وَعمارَة أَرَاضِي بُسْتَان الخشاب فِيمَا بَين اللوق ومنشأة المهراني على النّيل. وفيهَا قدم الْبَرِيد بإجراء الْأَمِير علم الدّين سنجر الجاولي عين مَاء إِلَى الْخَلِيل، وَأَنه عمر بِمَسْجِد إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام عمائر حَسَنَة وَجعل عَلَيْهَا أوقافا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 490 وفيهَا تسحب عَلَاء الدّين عَليّ بن الْأَمِير بدر الدّين بن المحسني إِلَى بِلَاد الغرب فِي نَحْو المئاتين، وَخرج الطّلب خَلفهم خَمْسَة أَيَّام فَلم يدركوا. وفيهَا قدم الْبَرِيد من حلب بقلة المَاء بهَا، وَقد عين أَهلهَا مَوَاضِع يساق فِيهَا المَاء حَتَّى يرْمى إِلَى نهر الساجور فَيصير نَهرا يجْرِي فِي الْمَدِينَة، وَأَن قِيَاسه من نهر قويق إِلَى الساجور أَرْبَعَة وَأَرْبَعُونَ ألف ذِرَاع طولا فِي عمق ذراعين، وَأَنه كتب تَقْدِير المصروف على ذَلِك ثَلَاثمِائَة ألف دِرْهَم، فأنعم من مَال السُّلْطَان الْخَاص بمبلغ مائَة وَخمسين ألف دِرْهَم، ورسم لنائب حلب سيف الدّين سودى أَن يقوم من مَاله بمبلغ مائَة وَخمسين ألف دِرْهَم؛ فَوَقع الْعَمَل فِي ذَلِك. وفيهَا قدم الْبري أَيْضا بامتناع مهنا من الْحُضُور. وَذَلِكَ أَن السُّلْطَان لما حضر ولداه سُلَيْمَان ومُوسَى أنعم عَلَيْهِمَا إنعاما كثيرا، وَبعث إِلَيْهِ بعد مَجِيء الْقود بهدية، واستدعاه وحلفه. وَضمن سُلَيْمَان ومُوسَى إِحْضَار أَبِيهِمَا إِلَى مصر، وسافرا، ثمَّ خرج بعدهمَا الْأَمِير بهاء الدّين أرسلان الدوادار بِكِتَاب ليحلفه ويعده ويتلطف بِهِ ليحضر، فأوصله الْكتاب ورغبة فِي الْحُضُور، فَامْتنعَ من الْيَمين والحضور. فَاشْتَدَّ حنق السُّلْطَان مِنْهُ، ورسم أَن يخرج من عَسْكَر مصر ألف فَارس مَعَ الْأَمِير قجليس، وَمن عَسْكَر دمشق ألف فَارس مَعَ الْأَمِير سيف الدّين أرقطاي. واستدعى السُّلْطَان فضل بن عِيسَى، وَأعَاد إِلَيْهِ الإمرة عوضا من مهنا، وَكتب إِلَى عرب بني كلاب وَآل مري وَآل فضل وَآل عَليّ بالركوب مَعَ العساكر، وَأخذ مهنا وَأَوْلَاده وإخراجهم من الْبِلَاد، فَوَقع الشُّرُوع فِي التجهز للسَّفر. وفيهَا سمل السُّلْطَان عَيْني عَلَاء الدّين عَليّ بن سعد الدّين الفارقي الْموقع، وكحلا بِسَبَب التزوير فِي المراسيم وَأَخذه على ذَلِك جملَة من المَال. وَفِي سادس عشرى ذِي الْقعدَة: قدمت رسل الْملك أزبك صَاحب سراي، ورسل الأشكري، فأنزلوا بمناظر الْكَبْش. وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر أَبُو بكر بن مُحَمَّد - وَقيل عمر - بن تَقِيّ الدّين المشيع المصاتي الْجَزرِي، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 491 ولد بِجَزِيرَة ابْن عمر، وَعمل صناعَة المقصات، ثمَّ ولي وظائف بِدِمَشْق، وَمَات بِدِمَشْق عَن بضع وَثَمَانِينَ سنة، فِي لَيْلَة السبت حادي عشرى جُمَادَى الْآخِرَة؛ وَقَرَأَ النَّاس الْقرَاءَات بِمصْر وَالشَّام نَحْو خمسين سنة، وَقَرَأَ على الشَّيْخ عبد الصَّمد وَغَيره، وروى عَن ابْن الكواشي تَفْسِيره، وَكَانَ عَارِفًا بالقراءات دينا. وَمَات الْأَمِير ركن الدّين بيبرس المحمدي العديمي، فِي ذِي الْقعدَة بحلب، حدث عَن جمَاعَة. وَمَات عز الدّين عبد الْعَزِيز بن مَنْصُور التاجي الكولمي، بالإسكندرية فِي رَمَضَان، كَانَ أَبوهُ يَهُودِيّا من حلب يعرف بالحموي، فَأسلم وسافر ابْنه عبد الْعَزِيز هَذَا بِمَالِه وَهُوَ ببضاعة قيمتهَا أَرْبَعمِائَة ألف دِينَار؛ وَكَانَ فِيهِ خير وبر، وَله صدقَات. وَمَات فَخر الدّين أَبُو عَمْرو عُثْمَان بن مُحَمَّد بن عُثْمَان التوزري الْحَافِظ، بِمَكَّة فِي ربيع الآخر، وَكَانَ إِمَامًا فِي الحَدِيث والقراءات، وَجَاوَزَ عدَّة سِنِين. وَمَات عماد الدّين أَبُو الْحُسَيْن عَليّ بن فَخر الدّين عبد الْعَزِيز بن قَاضِي الْقُضَاة عماد الدّين عبد الرَّحْمَن بن السكرِي الشَّافِعِي، خطيب الْجَامِع لحاكمي بِالْقَاهِرَةِ، ودرس المشهد الْحُسَيْنِي بهَا، فِي سادس عشرى صفر يَوْم الْجُمُعَة، ومولده فِي خَامِس عشرى الْمحرم سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة، وَهُوَ الَّذِي توجه فِي الرسَالَة إِلَى غازان، فولى خطابة الْجَامِع الحاكمي وتدريس منَازِل الْعِزّ بعده القَاضِي تَاج الدّين الْمَنَاوِيّ الشَّافِعِي، وَولي تدريس المشهد الْحُسَيْنِي صدر الدّين مُحَمَّد بن عمر بن المرحل. وَمَات مجد الدّين مُحَمَّد بن حَمْزَة بن معد الفرجوطي بِمَدِينَة فرجوط، وَله شعر. وَمَات قطب الدّين يُوسُف بن أصيل الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عمر الْعَوْفِيّ الأسفردي، خطيب جَامع الصَّالح خَارج بَاب زويلة، فَجْأَة لَيْلَة السبت عشرى رَجَب، وَاسْتقر عوضه الشَّيْخ زين الدّين عمر بن يُونُس الكتاني. وَمَات الشَّيْخ تَاج الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن همام الْعَسْقَلَانِي، إِمَام جَامع الصَّالح، لَيْلَة السبت حادي عشرى شعْبَان، ومولده فِي رَابِع عشرى ربيع الآخر سنة سبع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة، وَاسْتقر عوضه ابْنه تَقِيّ الدّين مُحَمَّد. وَمَات الْأَمِير جمال الدّين آقوش الكنجي مُتَوَلِّي قلاع الإسماعيلية بقلعة مصياب، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 492 وَكَانَ قد وَليهَا من الْأَيَّام الظَّاهِرِيَّة، وعزل فِي الْأَيَّام المنصورية، ثمَّ أُعِيد وعزل فِي الْأَيَّام الأشرفية، ثمَّ أُعِيد، وَكَانَ مُطَاعًا فيهم بحث إِنَّه إِذا أَمر بقتل نَفسه يُبَادر لذَلِك. وَمَات صدر الدّين مُحَمَّد بن البارنباري يَوْم الْإِثْنَيْنِ عشرى شعْبَان. وَمَات الشَّيْخ نجم الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عماد الدّين يحيى بن الرّفْعَة، مُرْتَفع يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامن عشرى ربيع الآخر. وَمَات جمال الدّين بن الْمجد مُسْتَوْفِي ديوَان المماليك فِي حادي عشر ذِي الْحجَّة، وَاسْتقر عوضه أَمِين الدّين بن الْخطاب. وَمَات الشَّيْخ أَمِين الدّين بن الصعبي، يَوْم الْأَحَد عشرى ذِي الْحجَّة. وَمَات الْفَقِيه زكي الدّين البهنسي، فِي شهر رَمَضَان. وَمَات الشَّيْخ الرشيد، فِي سلخ رَجَب برباط الأفرم، وَكَانَ يَلِي مشيخته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 493 صفحة فارغة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 494 سنة أَربع عشر وَسَبْعمائة مستهل الْمحرم: وَافقه حادي عشرى برمودة. فِيهِ اخضر مَاء النّيل، وَتغَير لَونه تغيرا زَائِدا عَن الْعَادة، وَتغَير طعمه وريحه أَيْضا، وَجَرت الْعَادة أَن يكون فِي هَذِه الْأَيَّام فِي غَايَة الصفاء. وَفِي نصف الْمحرم: اتّفق أَنه كَانَ لِلنَّصَارَى مُجْتَمع بالكنيسة الْمُعَلقَة بِمصْر، واستعاروا من قناديل الْجَامِع الْعَتِيق جملَة. فَقَامَ فِي إِنْكَار ذَلِك الشَّيْخ نور الدّين عَليّ بن عبد الْوَارِث الْبكْرِيّ، وَجمع من البكرية وَغَيرهم خلائق، وَتوجه إِلَى الْمُعَلقَة وهجم على النَّصَارَى وهم فِي مجتمعهم وقناديلهم وشموعهم تزهر، فأخرق بهم وأطفأ الشموع وَأنزل الْقَنَادِيل. وَعَاد الْبكْرِيّ إِلَى الْجَامِع، وَقصد القومة، فاحتجوا أَن الْخَطِيب الْقُسْطَلَانِيّ هُوَ الَّذِي أَمر بإرسال الْقَنَادِيل إِلَى الْكَنِيسَة، فَأنْكر عَليّ الْخَطِيب فعله. وَجمع الْبكْرِيّ النَّاس مَعَه على ذَلِك، وَقصد الإخراق بالخطيب، فاختفى مِنْهُ وَتوجه إِلَى الْفَخر نَاظر الْجَيْش وعرفه بِمَا وَقع، وَأَن كريم الدّين أكْرم هُوَ الَّذِي أَشَارَ بعارية الْقَنَادِيل فَلم يَسعهُ إِلَّا مُوَافَقَته. فَلَمَّا كَانَ الْغَد عرف الْفَخر السُّلْطَان بِمَا كَانَ، وَعلم الْبكْرِيّ أَن ذَلِك قد كَانَ بِإِشَارَة كريم الدّين، فَسَار بجمعه إِلَى القلعة وَاجْتمعَ بالنائب وأكابر الْأُمَرَاء، وشنع فِي القَوْل وَبَالغ فِي الْإِنْكَار، وَطلب الِاجْتِمَاع بالسلطان. فأحضر السُّلْطَان الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء وَطلب الْبكْرِيّ، فَذكر الْبكْرِيّ من الْآيَات وَالْأَحَادِيث الَّتِي تَتَضَمَّن معاداة النَّصَارَى، وَأخذ يحط عَلَيْهِم، ثمَّ أَشَارَ إِلَى السُّلْطَان بِكَلَام فِيهِ جفَاء وغلظة حَتَّى غضب مِنْهُ عِنْد قَوْله: " أفضل الْمَعْرُوف كلمة حق عِنْد سُلْطَان جَائِر. وَأَنت وليت القبط المسالمة، وحكمتهم فِي دولتك وَفِي الْمُسلمين، وأضعت أَمْوَال الْمُسلمين فِي العمائر والإطلاقات الَّتِي لَا يجوز "، إِلَى غير ذَلِك، فَقَالَ السُّلْطَان لَهُ: " وَيلك {أَنا جَائِر؟ ". فَقَالَ: " نعم} أَنْت سلطت الأقباط على الْمُسلمين، وقويت دينهم ". فَلم يتَمَلَّك السُّلْطَان نَفسه عِنْد ذَلِك، وَأخذ السَّيْف وهم بضربه. فَأمْسك الْأَمِير طغاي يَده، فَالْتَفت السُّلْطَان إِلَى قَاضِي الْقُضَاة زين الدّين بن مخلوف، وَقَالَ: " هَكَذَا يَا قَاضِي يتجرأ عَليّ؟ إيش يجب أفعل بِهِ؟ قل لي {" وَصَاح بِهِ. فَقَالَ لَهُ ابْن مخلوف: " مَا قَالَ شَيْئا يُنكر عَلَيْهِ فِيهِ، وَلَا يجب عَلَيْهِ شَيْء، فَإِنَّهُ نقل حَدِيثا صَحِيحا ". فَصَرَخَ السُّلْطَان فِيهِ وَقَالَ: " قُم عني} ". فَقَامَ من فوره وَخرج. فَقَالَ صدر الدّين بن المرحل - وَكَانَ حَاضرا - لقَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة الشَّافِعِي: " يَا مَوْلَانَا! هَذَا الرجل تجرأ على السُّلْطَان، وَقد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 495 قَالَ الله تَعَالَى أمرا لمُوسَى وَهَارُون حِين بعثهما إِلَى فِرْعَوْن {فقولا لَهُ قولا لينًا لَعَلَّه يتَذَكَّر أَو يخْشَى} . فَقَالَ ابْن جمَاعَة للسُّلْطَان: " قد تجرأ وَلم تبْق إِلَّا مراحم مَوْلَانَا السُّلْطَان ". فانزعج السُّلْطَان انزعاجا عَظِيما، ونهض عَن الْكُرْسِيّ، وَقصد ضرب الْبكْرِيّ بِالسَّيْفِ، فَتقدم إِلَيْهِ طغاي وأرغون فِي بَقِيَّة الْأُمَرَاء، وَمَا زَالُوا بِهِ حَتَّى أمسك عَنهُ، وَأمر بِقطع لِسَانه، فَأخْرج الْبكْرِيّ إِلَى الرحبة، وَطرح إِلَى الأَرْض، والأمير طغاي يُشِير إِلَيْهِ أَن يستغيث، فَصَرَخَ الْبكْرِيّ وَقَالَ: " أَنا فِي جيرة رَسُول الله "، وكررها مرَارًا حَتَّى رق لَهُ الْأُمَرَاء، فَأَشَارَ إِلَيْهِم طغاي بالشفاعة فِيهِ، فنهضوا بأجمعهم وَمَا زَالُوا بالسلطان حَتَّى رسم بِإِطْلَاقِهِ وَخُرُوجه من مصر. وَأنكر الْأَمِير أيدمر الخطيري كَون الْبكْرِيّ قوى نَفسه أَولا فِي مُخَاطبَة السُّلْطَان، ثمَّ إِنَّه ذل بعد ذَلِك، وَنسب إِلَى أَنه لم يكن قِيَامه خَالِصا لله. وَفِيه قدم الركب من الْحجاز، وَقد كثرت الشكوى من الْأَمِير بلبان الشمسي أَمِير الرَّاكِب، وَأَنه كثير الطمع مفرط فِي أَمر الْحَاج سيء السِّيرَة، فَقبض عَلَيْهِ. وَفِيه أفرج عَن الْأَمِير برلغي صهر المظفر بيبرس. وَفِيه قدم الْبَرِيد من دمشق بِأَنَّهُ قد اجْتمع على النَّاس بواق كَثِيرَة من ضمانات ومقررات على أهل الْبِلَاد، وَقد تضرروا مِنْهَا. فَكتب مِثَال بمسامحة أهل الشَّام بالبواقي لاستقبال سنة ثَمَان وَتِسْعين وسِتمِائَة وَإِلَى آخر سنة ثَلَاث عشرَة وَسَبْعمائة، وسير إِلَى دمشق فقرئ بهَا على مِنْبَر الْجَامِع فِي يَوْم الْجُمُعَة عَاشر الْمحرم، وتلاه مِثَال آخر بِإِبْطَال الْمُقَرّر على السجون، وإعفاء الفلاحين من السخر، وَإِبْطَال مُقَرر الأقصاب، ومقرر ضَمَان القواسين، ورسوم الشد وَالْولَايَة. فَأبْطل ذَلِك كُله من جَمِيع ممالك الْبِلَاد الشامية بأسرها. وَفِيه كتب لنواب حلب وحماة وحمص وطرابلس وصفد بِأَن أحدا مِنْهُم لَا يُكَاتب السُّلْطَان، وَإِنَّمَا يُكَاتب الْأَمِير تنكر نَائِب الشَّام، وَيكون هُوَ الْمكَاتب فِي أَمرهم للسُّلْطَان. فشق ذَلِك على النواب، وَأخذ الْأَمِير سيف الدّين بلبان طرنا نَائِب صفد يُنكر ذَلِك، فكاتب فِيهِ تنكز السُّلْطَان حَتَّى عزل فِي صفر، وَاسْتقر عوضه الْأَمِير بلبان البدري، وَحمل طرنا فِي الْقَيْد إِلَى مصر، وسجن بالقلعة. وفيهَا اسْتَقر الْأَمِير عَلَاء الدّين ألطنبعا الْحَاجِب فِي نِيَابَة حلب، بعد وَفَاة الْأَمِير سيف الدّين سودي فِي نصف رَجَب. وَقدم زين الدّين قراجا الخزنداري وَالْخَاص ترك من بِلَاد طقطاي، وأخبرا بِمَوْتِهِ، وَهُوَ طقطاي بن منكوتمر بن طغان بن باطو بن جوجي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 496 ابْن جنكز خَان ملك التتار بِبِلَاد الشمَال، أَقَامَ فِي الْملك مُدَّة ثَلَاث وَعشْرين سنة، وَكَانَ يعبد الْأَصْنَام على دين البخشية، وَملك بعده أزبك خَان بن طغرل بن منكوتمر بن طغان. وفيهَا اهتم السُّلْطَان بعمارة جسور نواحي أَرض مصر وترعها وَندب الْأَمِير عز الدّين أيدمر الخطيري إِلَى الشرقية، والأمير عَلَاء الدّين أيدغدي شقير إِلَى البهنساوية، والأمير شرف الدّين حُسَيْن بن حيدر إِلَى أسيوط ومنلفوط والأمير سيف الدّين آقول الْحَاجِب إِلَى الغربية، والأمير سيف الدّين قلي أَمِير سلَاح إِلَى الطحاوية وبلاد الأشمونين، والأمير بدر الدّين جنكلي بن البابا إِلَى القليوبية، والأمير عَلَاء الدّين التليلي إِلَى الْبحيرَة، والأمير بدر الدّين بكتوت الشمسي إِلَى الفيوم، والأمير سيف الدّين بهادر المعزي إِلَى إحميم، والأمير بهاء الدّين أصلم إِلَى قوص. وفيهَا قدم الْأُمَرَاء المجردون إِلَى الْحجاز: وَكَانَ من خبرهم أَنهم لما وصلوا صُحْبَة الْحَاج من السّنة الْمَاضِيَة فر الشريف حميضة نَحْو الْيمن، وَأقَام بلحى بني يَعْقُوب: فَلَمَّا انْقَضى الْمَوْسِم وَخرج الْحَاج أَقَامَ الْأَمِير طقصبا المغربي بالمعسكر حَتَّى رتب الشريف أَبَا الْغَيْث فِي إِمَارَة مَكَّة، وَلم يزل مُقيما مَعَه مُدَّة شَهْرَيْن بعد انْقِضَاء الْحَج. وَلم تمطر تِلْكَ السّنة بِمَكَّة وَقل الجلب، فكثرت كلف العسكرن وَاحْتَاجَ طقصبا إِلَى السّفر. فَأشْهد عَلَيْهِ أَبُو الْغَيْث أَنه أذن لَهُ فِي السّفر، وَكتب بذلك إِلَى السُّلْطَان. فَلم يكن بعد توجه الْعَسْكَر من مَكَّة غير قَلِيل حَتَّى جمع حميضة وَقدم، ففر مِنْهُ أَبُو الْغَيْث إِلَى هُذَيْل بوادي نَخْلَة، وَملك (حميضة) مِنْهُ مَكَّة، وَبعث حميضة إِلَى السُّلْطَان الْقود اثْنَي عشر فرسا وكتابا، وَهُوَ يترفق ويبذل الطَّاعَة وَيعْتَذر؛ فَلم يقبل مِنْهُ الْعذر، وَحبس رَسُوله. وفيهَا توجه الْأَمِير قجلس لقبض مَال سودي نَائِب حلب وكشف أَخْبَار مهنا، فَأَشَارَ تنكز نَائِب الشَّام بِإِخْرَاج مهنا من الْبِلَاد وَأَن عَسْكَر الشَّام يَكْفِيهِ، فَبَطل أَمر التجريدة من مصر. وجرد من الشَّام الْحَاج أرقطاي وكجكن، وَمن حماة ألف فَارس مَعَ عَسْكَر طرابلس وحلب، وَخرج طلب قجليس من الْقَاهِرَة ليَكُون مقدم العساكر، فاجتمعت عِنْده العساكر والعربان بحلب. وَبلغ ذَلِك مهنا فأجمع على الرحيل، وسارت إِلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 497 العساكر، فَلَمَّا قاربته رَحل وَهِي فِي إثره إِلَى عانة والحديثة من الْعرَاق، فجفلت أهل الْبِلَاد. وَبلغ ذَلِك جوبان نَائِب خربندا ملك التتار، فَظن أَن السُّلْطَان قد نقض الصُّلْح وَيُرِيد أَخذ الْعرَاق، فانزعج لذَلِك إِلَى أَن بلغه مَجِيء الْعَسْكَر بِسَبَب الْعَرَب، وَأَنه لم يَتَعَدَّ عانة وَلَا تعرض لزرع الْبِلَاد وَلَا كرومها، فسكن مَا بِهِ. وَرجع الْعَسْكَر عَن عانة إِلَى ضَيْعَة تعرف بالعنقاء من ضيَاع مهنا، وَأخذ مَا كَانَ بهَا من الْمغل، وَسَار كَذَلِك إِلَى ضيَاع مهنا حَتَّى وصل الرحبة، وَقد حمل الغلال إِلَيْهَا. فَبعث السُّلْطَان إِلَى قجليس بِعُود العساكر إِلَى بلادها، وإقامته على سلمية إِلَى أَن يخزن مغلها بقلعة حلب، فاعتمد ذَلِك وَأقَام حَتَّى استغل سلمية، وَعَاد قجليس إِلَى الْقَاهِرَة فأخلع عَلَيْهِ. وفيهَا خرج عَسْكَر من الْقَاهِرَة فِي أول ذِي الْقعدَة: فِيهِ من الْأُمَرَاء سيف الدّين بكتمر البوبكري السِّلَاح دَار وَإِلَيْهِ تقدمه الْعَسْكَر وقلى السِّلَاح دَار، وَعلم الدّين سنجر الجمقدار، وركن الدّين بيبرس الْحَاجِب، وبكتمر البوبكري الجمدار، وَبدر الدّين مُحَمَّد بن الوزيري، وأيتمش المحمدي، بمضافيهم من الْأُمَرَاء ومقدمي الْحلقَة والأجناد. وَكتب لنائب الشَّام الْأَمِير تنكز بِالْمَسِيرِ مَعَهم بعسكر دمشق، وَأَن يكون الْمُقدم على جَمِيع العساكر، وَكتب بِخُرُوج عَسَاكِر حماة وحلب وطرابلس، وَأشيع أَن ذَلِك لغزو سيس. فوصل عَسْكَر مصر إِلَى دمشق فِي عشريه، وَأقَام بهَا حَتَّى انْقَضتْ السّنة. واتفقت حَادِثَة غَرِيبَة بِالْقَاهِرَةِ: وَهُوَ أَن رجلا من سكان الحسينية يُقَال لَهُ عَليّ بن السَّارِق ركب فِي يَوْم الْجُمُعَة فرسا وَبِيَدِهِ سَيْفه، وشق الْقَاهِرَة فَمَا وجد بهَا يَهُودِيّا وَلَا نَصْرَانِيّا إِلَّا ضربه، فجرح جمَاعَة، وَقطع أَيدي جمَاعَة، وشج جمَاعَة، ثمَّ أمسك خَارج بَاب زويلة، وَضرب عُنُقه. وَمَات فِيهَا مِمَّن لَهُ ذكر رشيد الدّين إِسْمَاعِيل بن عُثْمَان الدِّمَشْقِي الْحَنَفِيّ، بِمصْر فِي رَجَب عَن إِحْدَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 498 وَتِسْعين سنة، أَخذ الْقرَاءَات عَن السخاوي، وَأفْتى ودرس، وَقدم الْقَاهِرَة من سنة سَبْعمِائة فِي الجفل. وَمَات بِدِمَشْق الْعدْل نجم الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الرَّحِيم بن أَحْمد - عرف جده بالقابوني - السَّعْدِيّ الْأنْصَارِيّ الدِّمَشْقِي، فِي لَيْلَة الْجُمُعَة أول محرم، ومولده سنة سِتِّينَ وسِتمِائَة، وَسمع من أبي السّير فِي آخَرين، وَحدث عَن أبي عبد الله ابْن أَمِين الدّين سُلَيْمَان الْموصِلِي، وروى عَنهُ شَيخنَا الْعِمَاد بن كثير، وَقَالَ كَانَ رجلا جيدا يشْهد على الْقُضَاة، وباشر اسْتِيفَاء الْأَوْقَاف. وَمَات الشريف أَمِين الدّين أَبُو الْفضل جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عَدْلَانِ بن الْحسن الْحُسَيْنِي، نقيب الْأَشْرَاف بِدِمَشْق، فِي لَيْلَة الْخَمِيس ثَالِث رَجَب، ومولده أول رَجَب سنة خمس وَخمسين وسِتمِائَة، وَكَانَ حسن السِّيرَة عفيفا، وَولي نظر الدَّوَاوِين بِدِمَشْق أَيْضا. وَمَات الْأَمِير سودي نَائِب حلب فِي نصف رَجَب، وَوجد لَهُ من الذَّهَب الْعين مبلغ أَرْبَعِينَ ألف دِينَار، واشتملت تركته على ألف ألف دِرْهَم، حملت إِلَى الْقَاهِرَة، وَكَانَ كَرِيمًا حشما مشكور السِّيرَة. وَمَات الشَّيْخ عَلَاء الدّين عَليّ بن مُحَمَّد بن خطاب الْبَاجِيّ، بِمصْر لَيْلَة الْجُمُعَة سادس ذِي الْقعدَة، عَن ثَلَاث وَثَمَانِينَ سنة، وَكَانَ من أَئِمَّة الْفُقَهَاء الشَّافِعِيَّة، درس وصنف وَأفْتى. وَمَات جمال الدّين عَطِيَّة بن إِسْمَاعِيل بن عبد الْوَهَّاب بن مُحَمَّد بن عَطِيَّة اللَّخْمِيّ الإسْكَنْدراني، عَن ثَمَانِينَ سنة بالإسكندرية، وَمَات شرف الدّين يَعْقُوب بن فَخر الدّين مظفر بن أَحْمد مزهر الحلى، نَاظر حلب ودمشق، فِي ثامن عشرى شبعان، عَن سِتّ وَثَمَانِينَ سنة بحلب، ومولده سنة ثَمَان وَعشْرين وسِتمِائَة، وَلم تبْق مملكة بِالشَّام إِلَّا بَاشَرَهَا، وَكَانَت لَهُ مُرُوءَة. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين كهرداش المنصوري بِدِمَشْق. وَمَات عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن الْملك المغيث شهَاب الدّين عبد الْعَزِيز بن الْمُعظم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 499 عِيسَى بن الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب، بحماة فِي ثامن عشرى ربيع الآخر. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين ملكتمر الناصري الْمَعْرُوف بِالدَّمِ الْأسود بِدِمَشْق، وَكَانَ ظَالِما. وَمَات الْأَمِير فَخر الدّين أقجبا الظَّاهِرِيّ بِدِمَشْق، وَكَانَ خيرا، وَمَات الشَّيْخ تَقِيّ الدّين رَجَب بن أشترك العجمي، صَاحب زَاوِيَة تَقِيّ الدّين تَحت قلعة الْجَبَل، فِي ثامن رَجَب، وَكَانَ لَهُ أَتبَاع ومريدون، وَله حُرْمَة ووجاهة عِنْد أهل الدولة، وَمَات الشَّيْخ شرف الدّين أَبُو الْهدى أَحْمد بن قطب الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْقُسْطَلَانِيّ بِالْقَاهِرَةِ، ومولده بِمَكَّة فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وسِتمِائَة، وَكَانَ ورعا دينا، وَمَات الشَّيْخ المعمر مُحَمَّد بن مَحْمُود بن الْحُسَيْن بن الْحسن الْمَعْرُوف بحياك الله الموصلين فِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع ربيع الأول، بزاويته من سويقة الريش خَارج الْقَاهِرَة، عَن مائَة وَسِتِّينَ سنة، وَكَانَ قد سُئِلَ عَن مولده، فَقَالَ إِنَّه قدم إِلَى الْقَاهِرَة فِي أَيَّام الْمعز أيبك، وعمره مجد الدّين عِيسَى بن الخشاب، وَكيل بَيت المَال، يَوْم الْإِثْنَيْنِ تَاسِع شعْبَان، وَولى عوضه مجد الدّين حرمي، وَمَات القَاضِي سعد الدّين مُحَمَّد بن فَخر الدّين عبد الْمجِيد بن صفي الدّين عبد الله الأقفهسي، نَاظر الخزانة، يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشرى ذِي الْحجَّة فَجْأَة، وَاسْتقر عوضه الصاحب ضِيَاء الدّين النشائي. وَمَات القَاضِي شمس الدّين عبد الله بن غَائِب بالقدس، فَقدم بعد مَوته لَيْلَة رَابِع عشريه، فقررت جامكيته باسم ابْنه، واستنيب عَنهُ، مَاتَ القَاضِي تَقِيّ الدّين بن الفائزي، لَيْلَة الْجُمُعَة ثَانِي عشرى صفر. وَمَات الشَّيْخ رَجَب مُوسَى بن سمْعَان النَّصْرَانِي، كَاتب الْأَمِير قطلوبك الجاشنكير بحران، وَذَلِكَ أَنه نصر مُسلما، وكواه على يَده مِثَال صَلِيب، فَحكم قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين الْمَالِكِي بقتْله، فَقتل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 500 سنة خمس عشر وَسَبْعمائة فِي أول الْمحرم: سَار الْعَسْكَر من دمشق إِلَى حلب، وَعَلِيهِ الْأَمِير سيف الدّين تنكز نَائِب الشَّام، وَقد استصحب مَعَه قَاضِي الْقُضَاة نجم الدّين بن صصرى وَشرف الدّين ابْن فضل الله، وَجَمَاعَة من الموقعين، وَكَانَ تنكز بزِي الْمُلُوك من العصائب والكوسات، وَلم تجر عَادَة نَائِب قبله بذلك، وَتَبعهُ عَسْكَر صفد وحمص حماة وطرابلس. فَلَمَّا مر الْأَمِير تنكز بحماة أعرض عَن صَاحبهَا لكَونه لم يتلقه من بعد، وَلم يَأْكُل مَا أعده لَهُ من الطَّعَام، وَسَار تنكز إِلَى حلب فَجرد مِنْهَا الْأَمِير قرطاي والأمير ملكتمر الجمدار إِلَى ملطية، وَكَانَ فِي الظَّن أَن الْمسير إِلَى سيس. وَسبب غَزْو ملطية أَن السُّلْطَان بعث فداوية من أهل مصياب لقتل قرا سنقر، فَصَارَ هُنَاكَ رجل من الأكراد يُقَال لَهُ مندوه يدل على قصاد السُّلْطَان أَخذ مِنْهُم جمَاعَة، فشق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 501 ذَلِك على السُّلْطَان، وَأخذ فِي الْعَمَل عَلَيْهِ. فَبَلغهُ أَنه صَار يجني خراج مطلية، وَكَانَ نائبها من جِهَة جوبان يُقَال لَهُ بدر الدّين ميزامير بن نور الدّين، فخاف من مندوه أَن يَأْخُذ مِنْهُ نِيَابَة ملطية، فَمَا زَالَ السطلان يتحيل حَتَّى كَاتبه ميزامير. وَقرر مَعَه أَن يسلم الْبَلَد لعساكره. فَجهز السُّلْطَان العساكر، وروى أَنَّهَا تقصد سيس حَتَّى نزلت بحلب، وسارت العساكر مِنْهَا مَعَ الْأَمِير تنكز على عينتاب إِلَى أَن وصل الدرنبد، فألبس الْجَمِيع السِّلَاح وسلك الدرنبد إِلَى أَن نزل على ملطية يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشريه، وحاصرها ثَلَاثَة أَيَّام. فاتفق الْأَمِير ميزامير مَعَ أَعْيَان ملطية على تَسْلِيمهَا، وَخرج فِي عدَّة من الْأَعْيَان إِلَى الْأَمِير تنكز، فَأَمنَهُمْ وألبسهم التشاريف السُّلْطَانِيَّة المجهزة من الْقَاهِرَة، وَأعْطى الْأَمِير ميزامير، سنجقا سُلْطَانا، وَنُودِيَ فِي الْعَسْكَر أَلا يدْخل أحد إِلَى الْمَدِينَة. وَسَار الْأَمِير ميزامير وَمَعَهُ الْأَمِير بيبرس الْحَاجِب والأمير أركتمر حَتَّى نزل بداره، وَقبض وَقتلُوا عدَّة من أَهلهَا. فشق ذَلِك على الْأَمِير تنكز، وَركب مَعَه الْأُمَرَاء، ووقف على الْأَبْوَاب وَأخذ النهوب من الْعَسْكَر، ورحل من الْغَد وَهُوَ رَابِع عشرى الْمحرم بالعسكر، وَترك نَائِب حلب مُقيما عَلَيْهَا لهدم أسوارها. ففر مندوه قبل الدُّخُول إِلَى الدرنبد. وَفَاتَ أمره. فَلَمَّا قطعُوا الدرنبد أحضرت الْأَمْوَال الَّتِي نهبت والأسرى، فَسلم من فيهم من الْمُسلمين إِلَى أَهله، وأفرد الأرمن. فَلَمَّا فتحت ملطية سَار الْأَمِير قجليس إِلَى مصر بالبشارة، فَقدم يَوْم الْخَمِيس ثَالِث صفر، ودقت البشائر بذلك. وَتَبعهُ الْأَمِير تنكز بالعساكر - وَمَعَهُ الْأَمِير ميزامير وَولده - حَتَّى نزل عينتاب ثمَّ دابق، فَوجدَ فِيهَا تِسْعَة عشر ألف نول تعْمل الصُّوف، وتجلب كلهَا إِلَى حلب. ثمَّ سَار تنكز، فَقدم دمشق فِي سادس عشر ربيع الأول، وسير ميزامير وَابْنه فِي ثَلَاثِينَ رجلا مَعَ الْعَسْكَر الْمصْرِيّ إِلَى الْقَاهِرَة فقدموا فِي خَامِس ربيع الآخر. وفيهَا قبض على الأميرين عَلَاء الدّين أيدغدي شقير، وجمال الدّين بكتمر الحسامي الْحَاجِب، فِي أول ربيع الآخر، فَقتل شقير من يَوْمه لِأَنَّهُ اتهمَ بِأَنَّهُ يُرِيد الفتك بالسلطان، وَأخذ لبكتمر الْحَاجِب مائَة ألف دِينَار، وسجن. وَكَانَ قد قبض على الْأَمِير بهادر المغزي فِي عَاشر الْمحرم، وَقبض أَيْضا بعد الْقَبْض على شقير على الْأَمِير طغاي، وَقبض على تمر الساقي نَائِب طرابلس وَحمل إِلَى قلعة الْجَبَل، وَقبض على الْأَمِير بهادر آص وَحمل إِلَى الكرك. وَاسْتقر الْأَمِير سيف الدّين كستاي الناصري فِي نِيَابَة طرابلس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 502 وَأَفْرج فِي مستهل ربيع الآخر عَن دَاوُد وجبا أخوى الْأَمِير سلار، وَأَفْرج عَن الْأَمِير سيف الدّين قجماس المنصوري أحد البرجية. وَأخرج الْأَمِير بدر الدّين مُحَمَّد الوزيري عَن مصر ليقيم بِدِمَشْق، فِي يَوْم السبت سلخ ربيع الآخر، وأنعم عَلَيْهِ بِمَا خص السُّلْطَان من خمس ملطية، وَهُوَ نَحْو الْخمسين ألف دِرْهَم. وَفِي ثامن عشرى رَجَب: أفرج عَن الْأَمِير جمال الدّين أقوش نَائِب الكرك، وخلع عَلَيْهِ، وَأمر فِي ثامن عشرى شهر رَجَب، ثمَّ أنعم عَلَيْهِ فِي ثَالِث عشر شعْبَان بإقطاع الْأَمِير حسام الدّين لاجين أستادار بعد مَوته. وَفِيه قدم مُحَمَّد بن عِيسَى أَخُو الْأَمِير مهنا، وَاعْتذر عَن أَخِيه مهنا، وَقدم فرسا أصيلا للسُّلْطَان، فَقدمت الْفرس للسُّلْطَان فِي شعْبَان، وَعرفت ببنت الكزتا، بلغ ثمنهَا وكلفتها سِتّمائَة ألف دِرْهَم. فَكتب السُّلْطَان إِلَى مهنا بِالرُّجُوعِ إِلَى الْبِلَاد، وخلع على مُحَمَّد بن عِيسَى، ثمَّ بعث إِلَى مهنا بِاثْنَيْ عشر ألف دِينَار، وأنعم عَلَيْهِ بِمِائَتي ألف دِرْهَم، وَكتب لَهُ بضيعة من الْخَاص على سَبِيل الْملك. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة عشرى جُمَادَى الأولى: - تَاسِع عشرى مسرى: كَانَ وَفَاء النّيل، وَفتح الخليج على الْعَادة. وَفِي ثامن عشريه: عزل عَلَاء الدّين القطزي من ولَايَة مصر، وَولي بعده ابْن أَمِير حَاجِب، نقل إِلَيْهَا من ولَايَة الشرقية. وَفِي ثَالِث جُمَادَى الْآخِرَة: حضر الشريف أَسد الدّين أَبُو غرارة رميثة ابْن أبي نمى، من مَكَّة فَارًّا من أَخِيه حميضة، وَأخْبر أَنه قطع اسْم السُّلْطَان من الْخطْبَة بِمَكَّة، وخطب لصَاحب الْيمن. فَجرد السُّلْطَان مَعَه الْأَمِير سيف الدّين طيدمر، والأمير نجم الدّين ذمرخان بن قرمان، وثلاثمائة فَارس من أجناد القلعة وأجناد الْأُمَرَاء. وفيهَا قدم الْأَمِير سيف الدّين الْخَاص تركي وزين الدّين قراجا الخازندار من بِلَاد طقطاي، وَمَعَهُمْ رسل الْملك أزبك الْقَائِم بعد طقطاي، وأخبروا بِإِسْلَامِهِ وَمَعَهُمْ هَدِيَّة. فَأكْرم السُّلْطَان الرُّسُل، وَكتب جَوَابه، وسفرهم، وَبعث مَعَهم الْأَمِير عَلَاء الدّين أيدغدي الْخَوَارِزْمِيّ بهدية. وفيهَا قدم الْبَرِيد من حلب بقدوم وَالِدَة صَاحب ماردين تُرِيدُ الْحَج، فرسم للنواب بخدمتها وَالْقِيَام بِمَا يَلِيق بهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 503 وفيهَا قدم الْبَرِيد بِخُرُوج سُلَيْمَان بن مهنا عَن الطَّاعَة، ونهبه القريتين، وتوجهه نَحْو الْعرَاق من أجل خُرُوج إقطاعه عَنهُ. فَكتب إِلَى مهنا فِي ذَلِك، فَأجَاب بِأَنَّهُ خَارج عَن طَاعَته. وفيهَا قدمت رسل صَاحب الْيمن، وهما بدر الدّين حسن بن أبي المنجا، والطوشي جمال الدّين فَيْرُوز، وَقد خرج عَلَيْهِمَا عرب صحراء عيذاب، وَأخذُوا مِنْهُمَا الْهَدِيَّة. فَجرد السُّلْطَان من الْأُمَرَاء عَلَاء الدّين مغلطاي بن أَمِير مجْلِس، وَسيف الدّين ساطي السِّلَاح دَار، وصارم الدّين أزبك الجرمكي، وَعز الدّين أيدمر الدوادار، عَلَاء الدّين عَليّ بن قرا سنقر، وَعلم الدّين سنجر الدنيسري، فِي عدَّة من الأجناد ومقدمي الْحلقَة، وَأمرُوا بالتوجه إِلَى دملقة بالنوبة، فَسَارُوا فِي أول شَوَّال. وَفِي الْعشْر الْأَخير من شعْبَان: وَقع الشُّرُوع فِي روك أَرض مصر وَسبب ذَلِك أَن السُّلْطَان استكثر أَخْبَار المماليك أَصْحَاب بيبرس الجاشنكير وسلار النَّائِب وَبَقِيَّة البرجية، وَكَانَ الْخبز الْوَاحِد مَا بَين ألف مِثْقَال فِي السّنة إِلَى ثَمَانمِائَة مِثْقَال، وخشي السُّلْطَان من وُقُوع الفتة بِأخذ أخبازهم. فقرر السُّلْطَان مَعَ الْفَخر مُحَمَّد بن فضل الله نَاظر الْجَيْش روك الْبِلَاد وَإِخْرَاج الْأُمَرَاء إِلَى الْأَعْمَال فَتعين الْأَمِير بدر الدّين جنكلي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 504 والبحيرة بلبان الصرخدي والقلنجي وَابْن طرنطاي وبيبرس الجمدار وللصعيد التليلي والمرتيني. وفيهَا توجه السُّلْطَان فِي شعْبَان إِلَى بِلَاد الصَّعِيد وَقدم فِي يَوْم الْخَمِيس ثامن عشر شَوَّال. وفيهَا توجه من حلب سِتّمائَة فَارس عَلَيْهِم الْأَمِير شهَاب الدّين قرطاي للغارة على بِلَاد ماردين ودنيسر لقلَّة مُرَاعَاة صَاحب ماردين لما يرسم بِهِ. فشن قرطاي الْغَارة على بِلَاد ماردين يَوْمَيْنِ فصادف قراوول التتار قد قدم إِلَى ماردين على عَادَته كل سنة لجباية القطيعة وهم فِي ألفي فَارس فحاربهم قرطاي وَقتل مِنْهُم سِتّمائَة رجل وَأسر مِائَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَقدم بالرءوس والأسرى إِلَى حلب وَمَعَهُمْ عدَّة خُيُول. فَلَمَّا قدم الْبَرِيد سر السُّلْطَان سُرُورًا زَائِدا وَبعث بالتشريف لنائب حلب ولقرطاي. وَقدم الْخَبَر من مَكَّة بقتل أبي الْغَيْث فِي حَرْب مَعَ أَخِيه حميضة وَأَن الْعَسْكَر الْمُجَرّد إِلَى مَكَّة وَاقع حميضة وَقتل عدَّة من أَصْحَابه فَانْهَزَمَ حميضة وَسَار يُرِيد بِلَاد خربندا فَتَلقاهُ خربندا وأكرمه وَأقَام حميضة عِنْده شهرا وَحسن لَهُ إرْسَال طَائِفَة من الْمغل إِلَى بِلَاد الْحجاز ليملكها ويخطب لَهُ على منابرها. وَقدم الْعَسْكَر الْمُجَرّد إِلَى الْحجاز فِي ثامن عشرى رَجَب وَكَانَ السُّلْطَان قد أنعم على مُحَمَّد بن مَانع بإمرة مهنا فشن الغارات وَأخذ جمال مهنا وطرده. فَسَار مهنا أَيْضا إِلَى خربندا فسر بِهِ وأنعم عَلَيْهِ. وجرد خربندا مَعَ الشريف حميضة من عَسْكَر خُرَاسَان أَرْبَعَة آلَاف فَارس وَسَار حميضة بهم فِي رَجَب يُرِيد مَكَّة. وَأخذ خربندا فِي جمع العساكر لعبور بِلَاد الشَّام فَقدر الله مَوته فخاف مهنا من الْإِقَامَة بالعراق فَسَار من بَغْدَاد وَبلغ مُحَمَّد بن عِيسَى أَخا مهنا سير الشريف حميضة بعسكر الْمغل إِلَى مَكَّة فشق عَلَيْهِ استيلاؤهم على الْحجاز فَلَمَّا علم بِمَوْت خربندا وَخُرُوج أَخِيه مهنا من بَغْدَاد سَار فِي عربانه وكبس عَسْكَر حميضة لَيْلًا وَوضع فيهم السَّيْف وَهُوَ يَصِيح باسم الْملك النَّاصِر فَقتل أَكْثَرهم. وَنَجَا حميضة وَوَقع فِي الْأسر من الْمغل أَرْبَعمِائَة رجل وغنم الْعَرَب مِنْهُم مَالا كثيرا وخيولاً وجمالاً. وَكتب وخيولاً وجمالاً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 505 وخيولا وجمالا وَكتب بذلك إِلَى السُّلْطَان فسر بِهِ وَأعَاد الإمرة إِلَى مهنا واستدعى مُحَمَّد بن عِيسَى فَقدم إِلَى مصر وشمله من إنعام السُّلْطَان شَيْء كثير. وفيهَا وصل إِلَى السُّلْطَان مهرَة تعرف ببنت الكرتا كَانَ قد بذل فِيهَا نَحْو مِائَتي ألف وَتِسْعين ألف دِرْهَم وضيعة من بِلَاد حماة وَيُقَال إِنَّهَا بلغت كلفها على السُّلْطَان سِتّمائَة ألف دِرْهَم. وفيهَا وعك السُّلْطَان أَيَّامًا فَلَمَّا عوفي وَدخل الْحمام حلق رَأسه كُله فَلم يبْق أحد من الْأُمَرَاء والمماليك الناصرية حَتَّى حلق رَأسه. وَمن يَوْمئِذٍ بَطل إرخاء الْعَسْكَر ذوائب الشّعْر وَاسْتمرّ إِلَى الْيَوْم وَجلسَ السُّلْطَان يَوْم عيد النَّحْر بعد عافيته وَأَفْرج عَن أهل السجون وطلع النَّاس للهناء وَنُودِيَ بزينة الْقَاهِرَة ومصر فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَفِيه فرغ الْعَمَل من بِنَاء الإيوان وَذَلِكَ أَن السُّلْطَان هدم الإيوان الَّذِي بناه أَبوهُ الْملك الْمَنْصُور وجدده أَخُوهُ الْملك الْأَشْرَف ثمَّ أنشأ إيواناً جَلِيلًا وَعمل بِهِ قبَّة عالية متسعة ورخمه رخاماً وَأما الْأُمَرَاء الَّذين توجهوا إِلَى روك أَعمال مصر فَإِن كلا مِنْهُم لما نزل بِأول عمله استدعى مَشَايِخ الْبِلَاد ودللاءها وقياسيها وعدولها وسجلات كل بلد. وَعرف متحصلها وَمِقْدَار فدنها ومبلغ عبرتها وَمَا يتَحَصَّل للجندي من الْعين وَالْغلَّة والدجاج والخراف والبرسيم والكشك والعدس والكعك ثمَّ قَاس تِلْكَ النَّاحِيَة وَكتب بذلك عدَّة نسخ وَلَا يزَال يعْمل ذَلِك حَتَّى انْتهى أَمر عمله. وعادوا بعد خَمْسَة وَسبعين يَوْمًا بالأوراق فتسلمها الْفَخر نَاظر الْجَيْش ثمَّ طلب السُّلْطَان الْفَخر نَاظر الْجَيْش والتقى الأسعد بن أَمِين الْملك - الْمَعْرُوف بكاتب برلغي - وَسَائِر مُسْتَوْفِي الدولة وألزمهم بِعَمَل أوراق تشْتَمل على بِلَاد الْخَاص السلطاني الَّتِي عينهَا لَهُم وعَلى إقطاعات الْأُمَرَاء وأضاف على عِبْرَة كل بلد مَا كَانَ فلاحيها من الضِّيَافَة المقررة وَمَا فِي كل بلد من الجوالى وَكَانَت الجوالى قبل ذَلِك إِلَى وَقت الروك ديواناً مُفردا يخْتَص بالسلطان فأضيف جوالى كل بلد إِلَى متحصل خراجها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 506 وأبطلت عدَّة جِهَات من المكوس مِنْهَا سَاحل الْغلَّة وَكَانَت هَذِه الْجِهَة مقطعَة لأربعمائة من أجناد الْحلقَة سوى الْأُمَرَاء ومتحصلها فِي السّنة أَرْبَعَة آلَاف ألف وسِتمِائَة ألف دِرْهَم وإقطاع الجندي مِنْهَا من عشرَة آلَاف دِرْهَم فِي السّنة إِلَى ثَلَاثَة آلَاف وللأمراء من أَرْبَعِينَ ألف إِلَى عشرَة آلَاف واقتنى مِنْهَا المباشرون أَمْوَالًا عَظِيمَة فَإِنَّهَا أعظم الْجِهَات الديوانية وَأجل معاملات مصر وَكَانَ النَّاس مِنْهَا فِي أَنْوَاع من الشدائد لِكَثْرَة المغارم والتعب وَالظُّلم فَإِن أمرهَا كَانَ يَدُور مَا بَين ظلم نواتيه المراكب والكيالين والمشدين وَالْكتاب وَكَانَ الْمُقَرّر على كل أردب مبلغ دِرْهَمَيْنِ للسُّلْطَان ويلحقه نصف دِرْهَم أخر سوى مَا ينهب وَكَانَ لَهُ ديوَان فِي بولاق خَارج المقس وَقَبله كَانَ خص يعرف بخص الكيالة فَلَمَّا ولى ابْن الشيخي شدّ هَذِه الْجِهَة - قبل أَن يَلِي الوزارة - عمر مَكَان الخص مقْعدا وَجلسَ فِيهِ وَكَانَ فِي هَذِه الْجِهَة نَحْو السِّتين رجلا مَا بَين نظار ومستوفين وَكتاب وَثَلَاثِينَ جندياً وَكَانَت غلال الأقاليم لَا تبَاع إِلَّا فِيهِ. وَمن المكوس الَّتِي أبطلها السُّلْطَان النَّاصِر أَيْضا نصف السمسرة الَّذِي أحدثه ابْن الشيخي فِي وزارته وَهُوَ أَن من بَاعَ شَيْئا فَإِن دلَالَته على كل مائَة دِرْهَم دِرْهَمَيْنِ يُؤْخَذ مِنْهُمَا دِرْهَم للسُّلْطَان فَصَارَ الدَّلال يحْسب حسابه ويخلص درهمه قبل دِرْهَم السُّلْطَان. وَمِنْهَا رسوم الولايات والمقدمين والنواب والشرطية وَكَانَت جِهَة تتَعَلَّق بالولاة والمقدمين فيجيبها المذكورون من عرفاء الْأَسْوَاق وبيوت الْفَوَاحِش وَعَلَيْهَا جند مستقطعة وأمراء وَكَانَ فِيهَا من الظُّلم والعسف وَالْفساد وهتك الْحرم وهجم الْبيُوت مَا لَا يُوصف. وَمِنْهَا مُقَرر الحوائص وَالْبِغَال وَهِي تجبى من الْمَدِينَة وَسَائِر معاملات مصر كلهَا من الْوَجْهَيْنِ القبلي والبحري فَكَانَ على كل من الْوُلَاة والمقدمين مُقَرر يحمل فِي كل قسط من أًقساط السّنة إِلَى بَيت المَال عَن ثمن حياصة ثَلَاثمِائَة دِرْهَم وَعَن ثمن بغل خَمْسمِائَة دِرْهَم وَكَانَ عَلَيْهَا عدَّة مقطعين سوى مَا يحمل وَكَانَ فِيهَا من الظُّلم بلَاء عَظِيم. وَمِنْهَا مُقَرر السجون وَهُوَ على كل من يسجن وَلَو لَحْظَة وَاحِدَة مبلغ سِتَّة دَرَاهِم سوى مَا يغرمه وعَلى هَذِه الْجِهَة عدَّة من المقطعين وَلها ضَمَان وَكَانَت تجبى من سَائِر السجون. وَمِنْهَا مقرّ طرح الفراريج وَلها ضَمَان فِي سَائِر نواحي الإقليم فتطرح على النَّاس فِي النواحي الفراريج وَكَانَ فِيهَا من الظُّلم والعسف وَأخذ الْأَمْوَال من الأرامل والفقراء والأيتام مَا لَا يُمكن شَرحه وَعَلَيْهَا عدَّة مقطعين ومرتبات وَلكُل إقليم ضَامِن مُفْرد وَلَا يقدر أحد أَن يَشْتَرِي فروجاً فَمَا فَوْقه إِلَّا من الضَّامِن. وَمِنْهَا مُقَرر الفرسان وَهِي شَيْء يستهديه الْوُلَاة والمقدمون من سَائِر الأقاليم فَيَجِيء من ذَلِك مَال عَظِيم وَيُؤْخَذ فِيهِ الدِّرْهَم ثَلَاثَة دَرَاهِم لِكَثْرَة الظَّالِم. وَمِنْهَا مُقَرر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 507 الأقصاب والمعاصر وَهُوَ مَا يجبى من مزارعي الأقصاب وأرباب المعاصر وَرِجَال المعصرة. وَمِنْهَا رسم الأفراح هِيَ تجبى من سَائِر الْبِلَاد وَهِي جِهَة بذاتها لَا يعرف لَهَا أصل. وَمِنْهَا حماية المراكب وَهِي تجبى من سَائِر المراكب الَّتِي فِي النّيل بتقرير معِين على كل مركب يُقَال لَهُ مُقَرر الحماية ويجبى من الْمُسَافِرين فِي المراكب سَوَاء إِن كَانُوا أَغْنِيَاء أَو فُقَرَاء. وَمِنْهَا حُقُوق الْقَيْنَات وَهِي مَا كَانَ يَأْخُذهُ مهتار الطشتخاناه من البغايا ويجمعه من الْمُنْكَرَات وَالْفَوَاحِش من أوباش مصر وَضَمان تجيب بِمصْر. وَمِنْهَا شدّ الزعماء وَحُقُوق السودَان وكشف مراكب النّوبَة فَيُؤْخَذ من كل عبد وَجَارِيَة مُقَرر مَعْلُوم عِنْد نزولهم فِي الْخَانَات وَكَانَت جِهَة قبيحة شنعة. وَمِنْهَا متوفر الجراريف وتجبى من المهندسين والولاة بِسَائِر الأقاليم وَعَلَيْهَا عدَّة من الأجناد. وَمِنْهَا مُقَرر المشاعلية وَهِي مَا يُؤْخَذ عَن تنظيف أسربة الْبيُوت والحمامات والمسامط وَغَيرهَا وَحمل مَا يخرج مِنْهَا من الْوَسخ إِلَى الكيمان فَإِذا امْتَلَأَ سرب مدرسة أَو مَسْجِد أَو بَيت لَا يُمكن شيله حَتَّى يحضر الضَّامِن ويقرر أجرته بِمَا يخْتَار فَمَتَى لم يُوَافقهُ صَاحب الْبَيْت تَركه حَتَّى يحْتَاج إِلَيْهِ ويبذل لَهُ مَا طلب. وَمِنْهَا ثمن العبي الَّتِي كَانَت تستأدى من الْبِلَاد. وَمِنْهَا مُقَرر الأتبان الَّتِي كَانَت تُؤْخَذ لمعاصر الأقصاب بِغَيْر ثمن. وَمِنْهَا زَكَاة الرجالة بالديار المصرية. وابطل السُّلْطَان أَيْضا وظيفتي النّظر والاستيفاء من سَائِر الْأَعْمَال فِي كل بلد نَاظر ومستوف وعدة مباشرين فرسم أَلا يستخدم أحد فِي إقليم لَا يكون للسُّلْطَان فِيهِ مَال وَمَا كَانَ للسُّلْطَان فِيهِ مَال يكون فِي كل إقليم نَاظر وَأمين حكم لَا غير. وَرفع السُّلْطَان سَائِر المباشرين. ورسم بالمسامحة بالبواقي الديوانية والإقطاعية من سَائِر النواحي إِلَى آخر سنة أَربع وَسَبْعمائة. وَجعل المَال الْهِلَالِي لاستقبال صفر سنة سِتّ عشرَة وَالْمَال الخراجي لاستقبال ثلث مغل سنة خمس عشرَة وَسَبْعمائة. وأفرد السُّلْطَان لخاصة الجيزية وأعمالها وبلاد هُوَ والكوم الْأَحْمَر ومنفلوط والمرج وَالْخُصُوص وعدة بِلَاد. وأخرجت الجوالى من الْخَاص وَفرقت فِي الْبِلَاد. وأفردت جِهَات المكس كلهَا وأضيف للوزارة. وأفردت للحاشية بِلَاد ولجوامك المباشرين بِلَاد ولأرباب الرَّوَاتِب جِهَات. وارتجعت عدَّة بِلَاد كَانَت اشْتريت وأدخلت فِي الإقطاعات. واعتد فِي سَائِر الْبِلَاد بِمَا كَانَ يهديه الْفَلاح وَحسب من جملَة الإقطاع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 508 فَلَمَّا فرغ الْعَمَل من ذَلِك نُودي فِي النَّاس بِالْقَاهِرَةِ ومصر وَسَائِر الْأَعْمَال بِإِبْطَال مَا أبطل من الْجِهَات وكتبت المراسيم إِلَى النواحي بِهِ فسر النَّاس سُرُورًا كَبِيرا. وَجلسَ السُّلْطَان بالإيوان الَّذِي أنشأه لتفرقة المثالات فِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشرى ذِي الْحجَّة بَعْدَمَا دارت النُّقَبَاء على جَمِيع الأجناد وحضروا ورسم أَن يفرق كل يَوْم على أميرين من المقدمين بمضافيهما. فَكَانَ الْمُقدم يقف بمضافيه ويستدعي السُّلْطَان المقدمين كل أحد باسمه فَإِذا تقدم الْمَطْلُوب سَأَلَهُ السُّلْطَان: من أَيْن أَنْت ومملوك من حَتَّى لَا يخفى عَلَيْهِ شَيْء من أمره ثمَّ يُعْطه مِثَالا على مَا قسم لَهُ من غير تَأمل وأنبأ السُّلْطَان فِي الْعرض عَن معرفَة تَامَّة بأحوال الأجناد وأمراء الْجَيْش. وَكَانَ الْأُمَرَاء عِنْد الْعرض قد جلس أكابرهم بخدمته على الْعَادة وَإِذا أخذُوا فِي شكر جندي عاكسهم وَأَعْطَاهُ دون مَا كَانَ فِي أملهم لَهُ وَأَرَادَ بذلك أَلا يتَكَلَّم أحد فِي الْمجْلس. فَلَمَّا فطنوا لذَلِك أَمْسكُوا عَن الْكَلَام وَالشُّكْر بِحَيْثُ لم يتَكَلَّم أحد بعْدهَا إِلَّا جَوَابا لَهُ عَمَّا يسْأَل السُّلْطَان عَنهُ مِنْهُم. وَفعل فِي عرض المماليك مثل عرض الأجناد فَكَانَ الْمَمْلُوك إِذا تقدم إِلَيْهِ سَأَلَهُ عَن اسْم تاجره وَعَن أَصله وفرعه وَكم حضر من مصَاف وَكم رأى بيكاراً وَأي قِطْعَة حاصر فَإِن أَجَابَهُ بِصدق أنصفه. وَكَانَ السُّلْطَان يُخَيّر الشَّيْخ المسن بَين الإقطاع والرواتب فيعطيه مَا يخْتَار وَلم يقطع فِي الْعرض الْعَاجِز عَن الْحَرَكَة بل كَانَ يرتب لَهُ مَا يقوم بِهِ عوضا عَن إقطاعه. وَاتفقَ لَهُ فِي الْعرض أَشْيَاء: مِنْهَا أَنه تقدم إِلَيْهِ شَاب تَامّ الْخلقَة فِي وَجهه أثر شبه ضَرْبَة سيف فأعجبه وناوله مِثَالا بإقطاع جيد وَقَالَ لَهُ: فِي أَي مصف وَقع فِي وَجهك هَذَا السَّيْف. فَقَالَ لقلَّة سعادته: يَا خوند هَذَا مَا هُوَ أثر سيف وَإِنَّمَا وَقعت من سلم. فَصَارَ فِي وَجْهي هَذَا الْأَثر فَتَبَسَّمَ وَتَركه. فَقَالَ الْفَخر نَاظر الْجَيْش: يَا خوند مَا بَقِي يصلح لَهُ هَذَا الْخبز {. فَقَالَ السُّلْطَان لَا} قد صدقني وَقَالَ الْحق وَأخذ رزقه فَلَو قَالَ أصبت فِي المصف الْفُلَانِيّ من الَّذِي يكذبهُ فدعَتْ الْأُمَرَاء لَهُ وَانْصَرف الشَّاب بالمثال. وَتقدم إِلَيْهِ رجل ذميم الشكل وَله إقطاع ثقيل عِبْرَة ثَمَانمِائَة دِينَار. فَأعْطَاهُ مِثَالا وَانْصَرف. فَإِذا بِهِ عِبْرَة نصف مَا كَانَ مَعَه. فَعَاد وَقبل الأَرْض. فَسَأَلَهُ السُّلْطَان عَن حَاجته. فَقَالَ: الله يحفظ السُّلْطَان! فَإِنَّهُ غلط فِي حَقي فَإِن إقطاعي كَانَت عبرته ثَمَانمِائَة دِينَار وَهَذَا أَرْبَعمِائَة. فَقَالَ السُّلْطَان: بل الْغَلَط كَانَ فِي إقطاعك الأول فَمضى بِمَا قسم لَهُ. فَلَمَّا انْتَهَت تَفْرِقَة المثالات فِي آخر الْمحرم سنة سِتّ عشرَة توفر مِنْهَا نَحْو مِائَتي مِثَال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 509 ثمَّ أَخذ السُّلْطَان فِي عرض طباق المماليك ووفر جوامك عدَّة مِنْهُم ورواتبهم وَأَعْطَاهُمْ الإقطاعات. وأفرد جِهَة قطيا للعاجزين من الأجناد وَقرر لكل ثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم فِي السّنة. وارتجع السُّلْطَان مَا كَانَت البرجية قد اشترته من أَرَاضِي الجيزة وَغَيرهَا وارتجع مَا كَانَ لبيبرس وبرلغي والجوكندار وَغَيرهم من المتاجر وأضاف ذَلِك للخاص. وَبَالغ السُّلْطَان فِي إِقَامَة أَيَّام الْعرض. وَعرف النَّائِب وأكابر الْأُمَرَاء أَنه من رد مِثَالا أَو تضرر أَو شكا ضرب وَحبس وَقطع خبزه وَأَن أحدا من الْأُمَرَاء لَا يتَكَلَّم مَعَ السُّلْطَان فِي أَمر جندي وَلَا مَمْلُوك فَلم يَجْسُر أحد أَن يُخَالف مَا رسم بِهِ. وَعين فِي هَذَا الْعرض أَكثر الأجناد فَإِنَّهُم أخذُوا إقطاعات دون الَّتِي كَانَت مَعَهم وَقصد الْأُمَرَاء التحدث فِي ذَلِك مَعَ السُّلْطَان والنائب أرغون ينهاهم عَنهُ. فَقدر الله أَن السُّلْطَان نزل إِلَى الْبركَة لصيد الكركي وَجلسَ فِي الْبُسْتَان المنصوري ليستريح فَدخل بعض المرقدارية - وَكَانَ يُقَال لَهُ عَزِيز - وَمن عاداته الْهزْل قُدَّام السُّلْطَان والمزح مَعَه فَأخذ يهزل على عَادَته قُدَّام السُّلْطَان والأمراء جُلُوس وَهُنَاكَ ساقية وَالسُّلْطَان ينظر إِلَيْهَا. فتمادى عَزِيز لشؤم بخته فِي الْهزْل إِلَى أَن قَالَ: وجدت جندي من جند الروك الناصري وَهُوَ رَاكب إكديش وخرجه ومخلاة فرسه وَرمحه على كتفه وَأَرَادَ أَن يتم الْكَلَام. فَاشْتَدَّ غضب السُّلْطَان. وَصَاح فِي المماليك. عروه ثِيَابه فللحال خلعت عَنهُ الثِّيَاب وربط مَعَ قواديس الساقية وَضربت الأبقار حَتَّى أسرعت فِي الدوران وعزيز تَارَة ينغمر فِي المَاء وَتارَة يظْهر وَهُوَ يستغيث وَقد عاين الْمَوْت وَالسُّلْطَان يزْدَاد غَضبا. فَلم تجسر الْأُمَرَاء على الشَّفَاعَة فِيهِ حَتَّى مضى نَحْو ساعتين وَانْقطع حسه فَتقدم إِلَيْهِ الْأَمِير طغاي والأمير قطلوبغا الفخري وَقَالا: ياخوند! هَذَا الْمِسْكِين لم يرد إِلَّا أَن يضْحك السُّلْطَان ويطيب خاطره وَلم يرد غير ذَلِك وَمَا زَالا بِهِ حَتَّى أخرج الرجل وَقد أشفى على الْمَوْت ورسم بنفيه من أَرض مصر فَحَمدَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْأُمَرَاء على سكوتهم وتركهم الشَّفَاعَة فِي تَغْيِير مثالات الأجناد وَفِي هده السّنة: ظهر بِبِلَاد الصَّعِيد فأر عَظِيم يخرج عَن الإحصاء بِحَيْثُ إِن مباشري نَاحيَة أم الْقُصُور من بِلَاد منفلوط قتلوا فِي أَيَّام قَلَائِل من الفأر مبلغ ثَلَاثمِائَة وَسَبْعَة عشر أردباً ينقص ثلث أردب واعتبروا أردباً فجَاء عدَّة ثَمَانِيَة آلَاف وَأَرْبَعمِائَة فأر وكل ويبة ألف وَأَرْبَعمِائَة فأر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 510 وفيهَا وَقعت نَار فِي البرج المنصوري من قلعة الْجَبَل وطباق الجمدارية فأحرقت شَيْئا كثيرا وَذَلِكَ فِي تَاسِع عشرى شعْبَان. وفيهَا غلقت كنائس الْيَهُود وَالنَّصَارَى بأجمعها فِي مصر والقاهرة فِي يَوْم السبت سَابِع عشرى شَوَّال فَلَمَّا كَانَ يَوْم الثُّلَاثَاء الْعشْرين من ذِي الْحجَّة فتحت الْكَنِيسَة الْمُعَلقَة وخلع على بطرك النَّصَارَى. وفيهَا حج الْأَمِير سيف الدّين أرغون النَّائِب وقاضي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة مَعَ الركب وَكَانَ أَمِير الركب عز الدّين أيدمر الكوكندي. وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر شهَاب الدّين أَحْمد بن حُسَيْن بن عبد الرَّحْمَن الأرمنتي الْمَعْرُوف بِابْن الأسعد يَوْم الْجُمُعَة رَابِع عشرى رَمَضَان وَكَانَ فَقِيها شافعياً مشكور السِّيرَة. وَمَات جلال الدّين إِسْمَاعِيل بن أَحْمد بن إِسْمَاعِيل بن بريق بن برعس أَبُو الطَّاهِر القوصي الْفَقِيه الْحَنَفِيّ كَانَ متصدراً بِجَامِع أَحْمد بن طولون وَله فَضِيلَة فِي الْفِقْه والقراءات والعربية وصنف وَحدث وَله شعر مِنْهُ: حرمت الطيف مِنْك فَفَاضَ دمعي وطرفي فِيك محرم وَسَائِل وَمَات تَقِيّ الدّين سُلَيْمَان بن حَمْزَة بن عمر بن أبي عمر مُحَمَّد بن أَحْمد بن قدامَة الْمَقْدِسِي الْحَنْبَلِيّ قَاضِي الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق فِي حادي عشرى ذِي الْقعدَة ومولده سنة ثَمَان وَعشْرين وسِتمِائَة وَكَانَ فَاضلا وَاسع الرِّوَايَة لَهُ مُعْجم فِي مجلدين وَتخرج بِهِ جمَاعَة من الْفُقَهَاء مَعَ الدّين والتواضع. وَمَات شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي الْقَاسِم بن عبد السَّلَام بن جميل التّونسِيّ الْمَالِكِي بِالْقَاهِرَةِ لَيْلَة الْحَادِي وَالْعِشْرين من صفر عَن سِتّ وَتِسْعين سنة ودفق بالقرافة ومولده سنة تسع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وناب فِي الحكم بالحسينية خَارج الْقَاهِرَة ثمَّ ولي قَضَاء الْإسْكَنْدَريَّة وَهُوَ أول من درس بِالْمَدْرَسَةِ المنكوتمرية بِالْقَاهِرَةِ. وَمَات السَّيِّد الإِمَام الْعَلامَة ركن الدّين أَبُو مُحَمَّد الْحُسَيْن بن شرف الدّين شاه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 511 الْحُسَيْنِي الْعلوِي الأستراباذي عَالم الْموصل ومدرس الشَّافِعِيَّة وشارح الْمُخْتَصر لِابْنِ الْحَاجِب ومقدمي ابْن الْحَاجِب وَالْحَاوِي فِي الْمَذْهَب وَله سَبْعُونَ سنة وَأخذ عَن النصير الطوسي وَتقدم عِنْد التتار وتوفرت حرمته وبرع فِي عُلُوم المعقولات وَكَانَ يجيد الْفِقْه وَغَيره. وَمَات شرف الدّين مُحَمَّد بن نصر الله القلانسي التَّمِيمِي الدِّمَشْقِي فِي ثَانِي عشر الْمحرم بِدِمَشْق ومولده بهَا سنة سِتّ وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَكَانَ أحد الْأَعْيَان الأخيار. وَمَات الشَّيْخ صفي الدّين مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم بن مُحَمَّد الأرموي - الْمَعْرُوف بالهندي الأرموي - الْفَقِيه الشَّافِعِي فِي تَاسِع عشرى صفر بِدِمَشْق ومولده ثَالِث ربيع الآخر سنة أَربع وَتِسْعين وسِتمِائَة وَله تصانيف مفيدة وَقدم من الْهِنْد إِلَى مصر بعد حجه وَسَار إِلَى الرّوم فَأَقَامَ بهَا إِحْدَى عشرَة سنة وَسكن دمشق من سنة خمس وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَسمع بهَا ودرس وَكَانَ إِمَامًا عَالما دينا. وملت شرف الدّين مُحَمَّد بن تَمِيم الإسْكَنْدراني كَاتب الْملك الْمُؤَيد هزبر الدّين صَاحب الْيمن بهَا وَكَانَ إِمَامًا فِي الْإِنْشَاء وَله نظم. وَمَات عز الدّين مُوسَى بن على بن أبي طَالب الشريف أَبُو الْفَتْح الموسوي الْحَنَفِيّ الْعدْل فِي سَابِع ذِي الْحجَّة بِمصْر وَانْفَرَدَ بالرواية عَن ابْن الصّلاح والسخاوي ورحل النَّاس إِلَيْهِ. وَمَات الْأَمِير عز الدّين حُسَيْن بن عمر بن مُحَمَّد بن صبرَة فِي تَاسِع عشر رَجَب بطرابلس وَولي حاجباً بِدِمَشْق مُدَّة وَكَانَ مشكوراً. وَمَات الشريف أَبُو الْغَيْث بن أبي نمي. وَمَات الْأَمِير عَلَاء الدّين أيدغدي شقر الحسامي أحد مماليك الْملك الْمَنْصُور حسام الدّين وَمَات حسام الدّين قرا لاجين المنصوري الأستادار لَيْلَة الْأَرْبَعَاء ثَالِث عشر شعْبَان وَكَانَ جواداً خيرا سليم الْبَاطِن وَا نعم بإقطاعه على الْأَمِير جمال الدّين أقوش الأشرفي وتوفرت الأستادارية وَمَات الْأَمِير سيف الدّين جيرجين الخازن تَحت الْعقُوبَة يَوْم السبت عَاشر ربيع الآخر. وَمَات الْأَمِير بدر الدّين مُوسَى بن الْأَمِير سيف الدّين أبي بكر مُحَمَّد الأزكشي بِدِمَشْق فِي ثامن شعْبَان وَكَانَ شجاعاً شهماً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 512 وَمَات الْملك خربندا بن أبغا بن أرغون فِي سادس شَوَّال وَتسَمى بِمُحَمد وَكَانَ رَافِضِيًّا قتل أهل السّنة وَكَانَ منهمكاً فِي شرب الْخمر متشاغلاً باللهو وَقَامَ بعده ابْنه أَبُو سعيد بعهده إِلَيْهِ وَكَانَ محولاً بِإِحْدَى عَيْنَيْهِ عادلاً فِي رَعيته ملك ثَلَاث عشرَة سنة وأشهراً. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين كستاي النَّاصِر نَائِب طرابلس بهَا وَكَانَ حسوراً قوي النَّفس معجباً بِنَفسِهِ شَدِيد الْكبر إِلَّا أَنه بَاشر طرابلس بعفة وَحُرْمَة مُدَّة شَهْرَيْن ثمَّ طلب من النَّاس التقادم وأَخذها. وَمَات الْأَمِير بدر الدّين بن الْملك المغيث فِي ثَانِي شعْبَان. مَاتَ بهاء الدّين بن الْمحلي فِي خَامِس شعْبَان. وَمَات الْفَقِيه شرف الدّين بن محيي الدّين بن الْفَقِيه نجيب الدّين فِي تَاسِع رَجَب. وَمَات الشَّيْخ نَاصِر الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي الْفضل يُوسُف بن مُحَمَّد بن عبد الله بن المهتار الْكَاتِب بِدِمَشْق فِي سادس عشرى ذِي الْحجَّة انْفَرد بِرِوَايَة عُلُوم الحَدِيث بِسَمَاعِهِ من مُؤَلفه ابْن الصّلاح وبرواية الزّهْد لِأَحْمَد بن حَنْبَل وشيوخه كَثِيرَة ومولده فِي رَجَب سنة سبع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة. وَمَات الشَّيْخ تَاج الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله بن الشَّيْخ مرهف إِمَام الْجَامِع الْجَدِيد الناصري خَارج مصر لَيْلَة الْأَرْبَعَاء خَامِس عشر رَجَب. وَمَات الشَّيْخ الْمُقْرِئ أَمِين الدّين بن الصَّواف المتصدر بِجَامِع عَمْرو بِمصْر لَيْلَة الْجُمُعَة ثَانِي عشرى شعْبَان. وَمَات الشَّيْخ ابْن أبي مفصلة لَيْلَة الْأَحَد سادس عشر رَمَضَان. وَمَات الشَّيْخ زين الدّين الْمَهْدَوِيّ يَوْم الْخَمِيس تَاسِع رَجَب. وَمَات الطواشي شبْل الدولة كافرر الأقطواني الصَّالِحِي شاد الخزانة السُّلْطَانِيَّة لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ رَابِع عشر ذِي الْقعدَة. وَمَات فتح الدّين بن زين الدّين بن وجيه الدّين بن عبد السَّلَام فِي سَابِع عشرى ذِي الْقعدَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 513 فارغة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 514 (سنة سِتّ عشر وَسَبْعمائة) فِي الْمحرم: قدم الْبَرِيد من حلب بِمَوْت خربندا وجلوس وَلَده أبي سعيد بعده. وَفِي يَوْم السبت ثَالِث عشريه: سمع بِالْقَاهِرَةِ هدة عَظِيمَة شبه الصاعقة وتبعها رعد ومطر كثير وَبرد وغرقت بلبيس لِكَثْرَة الْمَطَر. وَفِي ثامن صفر: اسْتَقر شمس الدّين مُحَمَّد بن مُسلم بن مَالك بن مزروع فِي قَضَاء الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق وجهز لَهُ توقيعه من الْقَاهِرَة فَلم يُغير زيه وَاسْتمرّ يحمل مَا يَشْتَرِيهِ من السُّوق بِنَفسِهِ وَيجْلس على ثوب يبسطه بِيَدِهِ فِي مجْلِس الحكم وَيحمل نَعله بِيَدِهِ. وَفِي أول ربيع الأول: فوضت إمرة الْعَرَب بِالشَّام إِلَى الْأَمِير شُجَاع الدّين فضل بن عِيسَى بن مهنا. وَفِيه قدم الْبَرِيد بِوُقُوع الْمَطَر فِي قارا وحمص وبعلبك وَفِي بِلَاد حلب وإعزاز وحارم بِخِلَاف الْمَعْهُود وعقبه برد قدر النارنج فِيهَا مَا زنته ثَلَاث أَوَاقٍ دمشقية هلك بهَا من النَّاس والأَغنام وَالدَّوَاب شَيْء كثير. وَخَربَتْ عدَّة ضيَاع وَتلف من التركمان وَأهل الضّيَاع خلق كثير. وعقب هَذَا الْمَطَر نزُول سمك كثير مَا بَين صغَار وكبار بِالْحَيَاةِ تنَاوله أهل الضّيَاع واشتروه وأكلوه. وَسقط بالمعرة وسرمين عقيب هَذَا الْمَطَر ضفادع كَثِيرَة فِي غَايَة الْكبر مِنْهَا ميت وَمِنْهَا بِالْحَيَاةِ ثمَّ نزل ثلج عَظِيم طم الْقرى وسد الطرقات والأودية وَامْتنع السّفر حَتَّى بعث النواب الرِّجَال من الْبِلَاد وَالْجِبَال مَعَ الْوُلَاة بِالْمَسَاحِي وَعمِلُوا فِيهَا حَتَّى فتحت الطرقات. وَفِي سادس عشرى جُمَادَى الأولى: اسْتَقر قَاضِي الْقُضَاة نجم الدّين بن صصري فِي مشيخة الشُّيُوخ بِدِمَشْق عوضا عَن شهَاب الدّين مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله البكاشغري. فِيهَا رأى السُّلْطَان أَن يقدم برشنبو النوبي وَهُوَ ابْن أُخْت دَاوُد ملك النّوبَة فَجهز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 515 صحبته الْأَمِير عز الدّين أيبك على عَسْكَر. فَلَمَّا بلغ ذَلِك كرنبس ملك النّوبَة بعث ابْن أُخْته كنز الدولة بن شُجَاع الدّين نصر بن فَخر الدّين مَالك بن الْكَنْز يسْأَل السُّلْطَان فِي أمره فاعتقل كنز الدولة. وَوصل الْعَسْكَر إِلَى دمقلة وَقد فر كرنبس وَأَخُوهُ أبرام فَقبض عَلَيْهِمَا وحملا إِلَى الْقَاهِرَة فاعتقلا. وَملك عبد الله برشنبو دمقلة وَرجع الْعَسْكَر فِي جُمَادَى الأولى سنة سبع عشرَة. وَأَفْرج عَن كنز الدولة فَسَار إِلَى دمقلة وَجمع النَّاس وَحَارب برشنبو فخذله جماعته حَتَّى قتل وَملك كنز الدولة. فَلَمَّا بلغ السُّلْطَان ذَلِك أطلق أبرام وَبَعثه إِلَى النّوبَة ووعده إِن بعث إِلَيْهِ بكنز الدولة مُقَيّدا أفرج عَن أَخِيه كرنبس. فَلَمَّا وصل أبرام خرج إِلَيْهِ كنز الدولة طَائِعا فَقبض عَلَيْهِ ليرسله فَمَاتَ أبرام بعد ثَلَاثَة أَيَّام من قَبضه فَاجْتمع أهل النّوبَة على كنز الدولة وفيهَا أَخذ عرب بَريَّة عيذاب رسل صَاحب الْيمن وعدة من التُّجَّار وَجَمِيع مَا مَعَهم فَبعث السُّلْطَان الْعَسْكَر وهم خَمْسمِائَة فَارس عَلَيْهِم الْأَمِير عَلَاء الدّين مغلطاي بن أَمِير مجْلِس فِي الْعشْرين من شَوَّال فَسَارُوا إِلَى قوص ومضوا مِنْهَا فِي أَوَائِل الْمحرم سنة سبع عشرَة إِلَى صحراء عيذاب ومضوا إِلَى سواكن حَتَّى الْتَقَوْا بطَائفَة يُقَال لَهَا حَيّ الهلبكسة وهم نَحْو الألفي رَاكب على الهجن بحراب ومزاريق فِي خلق من المشاة عرايا الْأَبدَان فَلم يثبتوا لدق الطبول وَرمى النشاب وانهزموا بعد مَا قتل مِنْهُم عدد كَبِير. وَسَار الْعَسْكَر إِلَى نَاحيَة الْأَبْوَاب ثمَّ مضوا إِلَى دمقلة وعادوا إِلَى الْقَاهِرَة تَاسِع جُمَادَى الْآخِرَة سنة سبع عشرَة وَكَانَت غيبتهم ثَمَانِيَة أشهر. وَكَثْرَة الشكاية من الْأَمِير عَلَاء الدّين مغلطاي بن أَمِير مجْلِس مقدم عَسْكَرهمْ فَأخْرج إِلَى دمشق. وفيهَا أغار من الططر نَحْو ألف فَارس على أَطْرَاف بِلَاد حلب ونهبوا إِلَى قرب قلعة كمختا فَقَاتلهُمْ التركمان وَقتلُوا كثيرا مِنْهُم وأسروا سِتَّة وَخمسين من أعيانهم وغنموا مَا كَانَ مَعَهم فَقدمت الأسرى إِلَى الْقَاهِرَة فِي صفر سنة سبع عشرَة. وفيهَا هبت ريح سَوْدَاء مظْلمَة بِأَرْض أسوان وسود وإسنا وأرمنت وقدحت لشدَّة حرهَا نَار عَظِيمَة أحرقت عدَّة أَجْرَانِ من الغلال. ثمَّ أمْطرت السَّمَاء فعقب ذَلِك وباء هلك فِيهِ وفيهَا أفرج عَن الْأَمِير بكتمر الحسامي الْحَاجِب. وخلع عَلَيْهِ فِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشر شَوَّال بنيابة صفد وَا نعم عَلَيْهِ بِمِائَتي ألف دِرْهَم فَسَار على الْبَرِيد ودخلها فِي آخر ذِي الْحجَّة. وَكَانَ بكتمر فِي مُدَّة اعتقاله مكرماً لم يفقد غير ركُوب الْخَيل وَبعث إِلَيْهِ السُّلْطَان بِجَارِيَة حبلت مِنْهُ فِي الاعتقال وَولدت ولدا سَمَّاهُ نَاصِر الدّين مُحَمَّدًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 516 فَكَانَت مُدَّة سجنه سنة وَسَبْعَة أشهر وأياماً. وفيهَا ولي الْأَمِير سيف الدّين أرقطاي نِيَابَة حمص فِي تَاسِع رَجَب عوضا عَن شهَاب الدّين قرطاي بِحكم انْتِقَاله إِلَى نِيَابَة طرابلس فِي جُمَادَى الْآخِرَة. رفيها أخرجت قطيا عَن الأجناد وأضيفت إِلَى الْخَاص وَخرج إِلَيْهَا نَاظر وشاد. وَعوض الأجناد بجهات فِي الْقَاهِرَة بعد عرضهمْ على السُّلْطَان وَأعْطى كل مِنْهُم نَظِير مَا كَانَ لَهُ. وفيهَا توجه الْأَمِير بهاء الدّين أرسلان الدوادار إِلَى الْأَمِير مهنا وَعَاد. وفيهَا أفرج عَن الْأَمِير كراي المنصوري والأمير سنقر الكمالي من سجن الكرك وقدما إِلَى الْقَاهِرَة فسجنا بالقلعة ومعهما نساؤهما. وفيهَا قدمت رسل أزبك ورسل ملك الكرج ورسل طغاي قريب أزبك بِهَدَايَا فأجيبوا وسيرت إِلَيْهِم الْهَدَايَا. فَاجْتمع هَذِه السّنة ثَمَانِيَة رسل وهم رسل جوبان وَأبي سعيد وأزبك وطغاي وَصَاحب برشلونة وَصَاحب إسطنبول وَصَاحب النّوبَة وَملك الكرج وَكلهمْ يبْذل الطَّاعَة وَلم يتَّفق فِي الدولة التركية مثل ذَلِك وَأكْثر مَا اجْتمع فِي الْأَيَّام الظَّاهِرِيَّة خَمْسَة رسل. وفيهَا سَافر فِي الرسلية إِلَى بِلَاد أزبك الْأَمِير عَلَاء الدّين أيدعدي الْخَوَارِزْمِيّ مَمْلُوك يازي وَمَعَهُ حُسَيْن بن صَارُوا أحد مقدمي الْحلقَة بالهدية فِي آخر الْمحرم وَهِي مِائَتَا عدَّة كَامِلَة مَا بَين جوشن وخوذة وبركستوان وخلعة كَامِلَة التحتاني أطلس أَحْمَر مزركش وشاش كافوري وبلغطاق فوقاني مفرج مقصب مُحَقّق بطرز ذهب وكلفتاه ذهب وحياصة ذهب وَفرس مسرجة ملجمة بِذَهَب مرصع وجتر وَسيف بحلية ذهب وَسَار مَعَهم بطرك الملكية. وفيهَا قدمت أم الْأَمِير بكتمر الساقي. وفيهَا تغير السُّلْطَان على الْأَمِير سيف الدّين طغاي وضربه بِيَدِهِ بالمقرعة على رَأسه ثمَّ رَضِي عَنهُ وخلع عَلَيْهِ. وفيهَا صرف بهادر الإبراهيمي من نقابة المماليك وَبَقِي على إمرته وَولى عوضه دقماق نقابة المماليك. وفيهَا مَرضت زَوْجَة الْأَمِير طغاي فعادها السُّلْطَان مرَارًا فَلَمَّا مَاتَت نزل الْأُمَرَاء كلهم للصَّلَاة عَلَيْهَا، وَعمل كريم الدّين لَهَا مهما عَظِيما. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 517 وفيهَا سَار السُّلْطَان إِلَى الصَّيْد فِي يَوْم الْجُمُعَة سَابِع شعْبَان وَتوجه إِلَى بِلَاد الصَّعِيد. وَعَاد إِلَى قلعة الْجَبَل يَوْم الْإِثْنَيْنِ تَاسِع عشر رَمَضَان وَأعْطى الْأُمَرَاء دستوراً وَنزل تَحت الأهرام. وفيهَا توجه كريم الدّين إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَعَاد وَهُوَ متوعك فَخلع السُّلْطَان عَلَيْهِ فرجية أطلس أَبيض بطراز وأنعم عَلَيْهِ بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم. وَكَانَ وَفَاء النّيل يَوْم الْأَرْبَعَاء حادي عشرى جُمَادَى الأولى - فِي ثامن عشر مسري - بعد أَن بلغ فِي يَوْم الثُّلَاثَاء أَربع عشرَة إصبعاً من سِتَّة عشر ذِرَاعا. فَانْقَطع الجسر المجاور للقناطر الْأَرْبَعين بالجيزة فنقص عدَّة أَصَابِع وَجمع لسده خلق كثير غرق مِنْهُم نَحْو ثَلَاثِينَ رجلا فِي سَاعَة وَاحِدَة انطبق عَلَيْهِم الجسر. ثمَّ جمع من مصر رجال كَثِيرَة وكتفوا وأنزلوا فِي مركب وعدتهم سَبْعُونَ رجلا فَانْقَلَبت بهم الْمركب فَغَرقُوا بأجمعهم فِي يَوْم السبت سَابِع عشره. ثمَّ زَاد النّيل حَتَّى أوفى. وفيهَا قطعت أرزاق المرتزفة من أَرْبَاب الرَّوَاتِب لاستقبال الْمحرم وعوضوا على جِهَات أَجودهَا نسترواة فَصَارَت سنتهمْ ثَمَانِيَة أشهر. وَتَوَلَّى ذَلِك الصاحب سعد الدّين مُحَمَّد بن عطايا والسعيد مُسْتَوْفِي الرَّوَاتِب. وَمنع شهر الْمحرم وصولح من لَهُ راتب بِثلث الْمدَّة - وَهِي شَهْرَان وَثلثا شهر - وأحيلوا على المطابخ وثمنت عَلَيْهِم قطارة فَحصل من كل دِينَار سدسه. وَنزل بِالنَّاسِ من ذَلِك شدَّة وحصلت ذلة للحرم والأيتام وسماهما النَّاس سعد الذَّابِح وَسعد بلع وشافهوهما بِكُل مَكْرُوه. وفيهَا قدم الْملك الْمُؤَيد عماد الدّين إِسْمَاعِيل صَاحب حماة فِي تَاسِع عشر جُمَادَى الأولى وَنزل بمناظر الْكَبْش وَحمل تقدمته فِي غده وَسَار فِي تَاسِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة. وفيهَا لعب السُّلْطَان بالميدان الْجَدِيد تَحت القلعة فِي يَوْم السبت ثامن جُمَادَى الْآخِرَة وخلع على الْأُمَرَاء وعَلى الْملك الْمُؤَيد صَاحب حماة. وفيهَا اسْتَقر الصاحب أَمِين الدّين بن الغنام نَاظر الدَّوَاوِين بمفرده فِي خَامِس عشر رَجَب بعد موت التقي أسعد كَاتب برلغي. وفيهَا سَافر الْفَخر نَاظر الْجَيْش وقاضي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة إِلَى الْقُدس وَقدم ابْن جمَاعَة فِي تَاسِع عشرى رَمَضَان. وَفِيه اسْتَقر الْعلم أَبُو شَاكر بن سعيد الدولة فِي نظر الْبيُوت وَاسْتقر كريم الدّين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 518 أكْرم الصَّغِير فِي نظر الدَّوَاوِين شَرِيكا لأمين الدّين فِي يَوْم الْأَحَد أول ذِي الْقعدَة. وَفِيه توجه الْأَمِير أرغون النَّائِب إِلَى الْحجاز. عز الدّين أَحْمد بن جمال الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن ميسر الْمصْرِيّ بِدِمَشْق فِي لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ أول رَجَب ومولده بِمصْر فِي حادي عشرى رَمَضَان سنة تسع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَكَانَ فَاضلا جليل الْقدر ولي نظر الدَّوَاوِين بِمصْر وَولي نظر الشَّام وطرابلس وإسكندرية ثمَّ تَغَيَّرت حَالَته وانحطت رتبته وَاسْتقر فِي نظر أوقاف دمشق مَعَ الْحِسْبَة وَكَانَ عَاقِلا خَبِيرا بالولايات وَفِيه لين وَسُكُون ومروءة وسماح لمن تَحت يَده من المباشرين. وَمَال صدر الدّين أَبُو الْفِدَاء إِسْمَاعِيل بن يُوسُف بن أبي الْيُسْر مَكْتُوم بن أَحْمد الْقَيْسِي السويدي الدِّمَشْقِي فِي لَيْلَة السبت ثَالِث عشرى شَوَّال بِدِمَشْق كَانَ فَقِيها مقرئاً مُحدثا درس وَانْفَرَدَ بالرواية عَن جمَاعَة. وَمَات الْأَمِير جمال الدّين أقوش الأفرم أحد مماليك الْمَنْصُور قلاوون وَكَانَ نَائِب دمشق فِي ثَالِث عشرى الْمحرم بهمذان. وَمَات الشَّيْخ نجم الدّين سُلَيْمَان بن عبد الْقوي بن عبد الْكَرِيم الطوفي الْبَغْدَادِيّ الْحَنْبَلِيّ فِي رَجَب بِبَلَد الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام أَقَامَ بِالْقَاهِرَةِ مُدَّة وامتحن بهَا. وَمَات شمس الدّين عبد الْقَادِر بن يُوسُف بن مظفر الخطيري الدِّمَشْقِي فِي جُمَادَى الأولى عَن إِحْدَى وَثَمَانِينَ سنة حدث وَولي نظر الخزانة بِدِمَشْق وَكَذَلِكَ نظر الْجَامِع الْأمَوِي والمارستان النَّوَوِيّ بهَا وَكَانَ دينا صيناً. وَمَات الْكَاتِب عَلَاء الدّين عَليّ بن المظفر بن إِبْرَاهِيم الكندري - عرف بكاتب ابْن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 519 ابْن ودَاعَة - الأديب البارع الْمُقْرِئ وَمَات الشَّيْخ صدر الدّين مُحَمَّد بن عمر بن مكي - الْمَعْرُوف بِابْن المرحل وبابن الْوَكِيل - فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشرى ذِي الْحجَّة بِالْقَاهِرَةِ ومولده بدمياط فِي شَوَّال سنة خمس وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَاسْتقر بعده فِي تدريس الزاوية بِجَامِع عَمْرو شهَاب الدّين بن الْأنْصَارِيّ وَفِي تدريس المجدية شمس الدّين مُحَمَّد بن اللبان. وَقتل بالكرك من الْأُمَرَاء سيف الدّين أسندمر كرجي وَسيف الدّين بينجار المنصوري وبكتوت الشجاعي وبيبرس العلمي وبيبرس الْمَجْنُون وقطلوبك الْكَبِير وبكتمر الجوكندار نَائِب السلطنة وبلبان طرنا خنقوا فِي لَيْلَة وَاحِدَة. وَمَات بطرابلس نائبها الْأَمِير سيف الدّين كستاي الناصري فِي تَاسِع جُمَادَى الْآخِرَة وَاسْتقر عوضه الْأَمِير شهَاب الدّين قرطاي الصَّالِحِي نَائِب حمص وَولي حمص أرقطاي الجمدار. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين طقتمر الدِّمَشْقِي طنبغا الشمسي أحد أُمَرَاء مصر وَكَانَ حشماً عَاقِلا. وَمَات الصاحب ضِيَاء الدّين أَبُو بكر بن عبد الله بن أَحْمد بن مَنْصُور بن شهَاب النشائي وَزِير مصر فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ تَاسِع عشرى رَمَضَان وَكَانَ قد ولي التدريس بِالْمَدْرَسَةِ الَّتِي بجوار الشَّافِعِي بالقرافة ومشيخه الميعاد بالجامع الطولوني وَنظر الأحباس وَنظر الخزانة وَكَانَ مشكور السِّيرَة فَقِيها فَاضلا إِمَامًا فِي الْفَرَائِض مشاركاً فِي علم الحَدِيث كثير الصَّدَقَة وَقَالَ بعض الشُّعَرَاء يرثيه: إِن بَكَى النَّاس بالمدامع حمرا فَهُوَ شَيْء يُقَال من حناء فاختم الدست بالنشائي فَإِنِّي لأرى الْخَتْم دَائِما بالنشاء وَكَانَ فِي وزارته غير نَافِذ الْأَمر وَقَالَ فِيهِ أَحْمد بن عبد الدَّائِم الشارمساحي من أَبْيَات: زقوا منصب الوزارة حَتَّى لزقوها وقتنا بالنشاء وَولي بعده نظر الخزانة تَقِيّ الدّين أَحْمد بن قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين عمر بن عبد الله الْحَنْبَلِيّ. وَمَات تَقِيّ الدّين أسعد الْأَحْوَال بن أَمِين الْملك - الْمَعْرُوف بكاتب برلغي - نَاظر الدَّوَاوِين فِي لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ ثامن شهر رَجَب فاستقر بعده الصاحب أَمِين الدّين بن الغنام والتقى هَذَا هُوَ الَّذِي كَانَ سَبَب الروك بتحسينه عمل ذَلِك للسُّلْطَان وَهُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 520 الَّذِي أَدخل جِهَات المكوس فِي ديوَان الوزارة وَجعلهَا برسم المطبخ وَفرق جوالي الذِّمَّة فِي الإقطاعات بَعْدَمَا كَانَت قَلما مُفردا فَمَا زَالَ رجال الدولة بالسلطان حَتَّى تنكر عَلَيْهِ وسبه ولعنه وهدده بِالْقَتْلِ فأثر فِيهِ الْخَوْف وَلزِمَ فرَاشه حَتَّى مَاتَ وَكَانَ من الظلمَة اللئام واستسلمه الْأَمِير برلغي وَلم يُوجد لَهُ بعد مَوته شَيْء سوى دَوَاة وأثاث لم تبلغ قِيمَته مِائَتي دِرْهَم. وَمَات نَاصِر الدّين أَبُو بكر بن عمر بن السلار - بتَشْديد اللَّام بعد السِّين الْمُهْملَة - فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء ثَانِي عشر الْمحرم ومولده لَيْلَة الِاثْنَيْنِ تَاسِع عشر رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وسِتمِائَة بِدِمَشْق وَكَانَ أديباً بارعاً بديع الْكِتَابَة وتفتن فِي عدَّة فَضَائِل وَهُوَ من بَيت إِمَارَة وَمن شعره: لعمرك مَا مصر بِمصْر وَإِنَّمَا هِيَ الْجنَّة الدُّنْيَا لمن يتبصر فأولادها الْوَالِدَان من نسل آدم وروضتها الفردوس والنيل كوثر وَمَات الطواشي ظهير الدّين مُخْتَار المنصوري - الْمَعْرُوف بالبلبيسي - الخازندار بِدِمَشْق فِي عَاشر شعْبَان وَكَانَ يقراً الْقُرْآن وَفِيه شجاعة وشهامة وَفرق مَاله على عتقائه قبل مَوته ووقف أملاكه على تربته. وَمَات الْأَمِير بدر الدّين مُحَمَّد بن كيدغدي بن الوزيري بِدِمَشْق فِي سادس عشر شعْبَان. وَمَاتَتْ المسندة المعمرة سِتّ الوزراء أم مُحَمَّد وتدعى وزيرة ابْنة عمر بن أسعد بن المنجا التنوخية بِدِمَشْق فِي ثامن عشر شعْبَان ومولدها فِي سنة أَربع وَعشْرين وسِتمِائَة وَحدثت بِصَحِيح البُخَارِيّ فِي الْقَاهِرَة ومصر وقلعة الْجَبَل سنة خمس وَسَبْعمائة. وَمَات القَاضِي فَخر الدّين عَليّ ابْن قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن دَقِيق الْعِيد فِي يَوْم الثُّلَاثَاء عشرى رَمَضَان. ومولده بقوص سنة تسع وَخمسين وسِتمِائَة وَانْقطع بعد أَبِيه للأشغال ودرس بالكهاربة من الْقَاهِرَة. وَمَات الْكَاتِب المجود نجم الدّين مُوسَى بن على بن مُحَمَّد بن الْبَصِير الدِّمَشْقِي بهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 521 فِي عَاشر ذِي الْقعدَة وَولد سنة إِحْدَى وَخمسين وسِتمِائَة وَكَانَ شيخ الْكِتَابَة بِدِمَشْق. وَمَات نجاد بن أَحْمد بن حجي أَمِير آل مرا وَحضر ثَابت بن عساف بن أَحْمد بن حجي إِلَى الْقَاهِرَة وَاسْتقر عوضه. وَقتل سيف الدّين خَاص بك فِي يَوْم السبت سَابِع عشر جُمَادَى الأولى ضربت عُنُقه وَكَانَ مِمَّن فر إِلَى بِلَاد الْمغرب وَقبض عَلَيْهِ. وَمَات الشَّيْخ نور الدّين الْكِنَانِي الْمُقْرِئ لَيْلَة الْأَرْبَعَاء عشرى جُمَادَى الأولى بروضة مصر. مَاتَ سراج الدّين عمر الأسعردي فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَالِث رَجَب. وَمَات الطواشي شبْل الدولة كافور الطيبرسي - الشهير بالعاجي - يَوْم الْخَمِيس ثامن عشر رَجَب. وَمَات جمال الدّين عبد الله بن قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع عشرى رَجَب. وَمَات شهَاب الدّين أَحْمد بن الْعَسْقَلَانِي إِمَام جَامع المنشاة يَوْم الْأَرْبَعَاء سلخ رَجَب. وَمَات شهَاب الدّين مُحَمَّد بن عبد الحميد - المتصدر بِجَامِع عَمْرو - بِمصْر يَوْم الْأَحَد تَاسِع عشر شعْبَان ومولده سنة أَربع وَعشْرين وسِتمِائَة وَكَانَ مُعْتَقدًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 522 (سنة سبع عشر وَسَبْعمائة) أول الْمحرم: قدم طيبغا الْحَمَوِيّ مبشراً بسلامة الْحَاج وَوصل القَاضِي كريم الدّين نَاظر الْخَاص من الْقُدس يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادسه. وقمم الْأَمِير سيف الدّين أرغون النَّائِب من الْحجاز يَوْم الثُّلَاثَاء سابعه. وَفِيه مَرضت امْرَأَة الْأَمِير سيف الدّين طغاي وَمَاتَتْ فَأكْثر زَوجهَا من الصَّدَقَة وَفرق بداره الَّتِي كَانَت للْملك الْمَنْصُور قلاوون بِالْقَاهِرَةِ مَالا على الْفُقَرَاء وَهلك فِي الزحام اثْنَا عشر شخصا وبهيمة كَانَت تَحت أحدهم. وَفِي حادي عشرى صفر: شنع النَّاس بِمَوْت القَاضِي كريم الدّين فَركب فِي سادس عشريه وَصعد إِلَى مصر فزينت لَهُ وَأوقدت الشموع. وَفِيه قدم الْبَرِيد بِمحضر ثَابت على قَاضِي بعلبك بنزول مطر فِي يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع صفر ببعلبك عقبه سيل عَظِيم أتلف شَيْئا كثيرا وَهدم قِطْعَة من السُّور وغرق الْمَدِينَة وَتلف بهَا شَيْء كثير وَمَات ألف وَخَمْسمِائة إِنْسَان سوى من مَاتَ تَحت الرَّدْم وانهدم مِنْهُ بستاناً وَثَلَاثَة عشر جَامعا ومدرسة ومسجداً وَسَبْعَة عشر فرناً وَأحد عشر طاحوناً وَهدم برجاً من السُّور ارتفاعه ثَمَانِيَة وَثَلَاثُونَ ذِرَاعا ودوره من أَسْفَله ثَلَاثَة عشر ذِرَاعا ذهب جَمِيعه. وَفِي ثَالِث عشر جُمَادَى الأولى - وَهُوَ يَوْم السبت تَاسِع عشرى أبيب -: قدم الْمُفْرد إِلَى مصر وعلق السّتْر فنقص النّيل فِي لَيْلَة الْأَحَد ثَلَاثَة أَصَابِع فخلق المقياس يَوْم الْأَحَد وَفتح الخليج مَعَ النَّقْص ثمَّ رد النّيل وَزَاد إِصْبَعَيْنِ نُودي بهما يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَالِث مسرى. واستمرت الزِّيَادَة فَكَانَ يُنَادي فِي الْيَوْم بِتِسْعَة أَصَابِع وَمَا دونهَا حَتَّى بلغت الزِّيَادَة فِي يَوْم الْأَحَد رَابِع عشرى توت - وَهُوَ ثَالِث رَجَب - ثَمَانِيَة عشر ذِرَاعا وَسِتَّة أَصَابِع وَفَسَد من ذَلِك عدَّة مَوَاضِع لقلَّة الاعتناء بالجسور. وَفِي بكرَة يَوْم الْخَمِيس رَابِع جُمَادَى الأولى: سَار السُّلْطَان وَمَعَهُ خَمْسُونَ أَمِيرا وكريم الدّين الْكَبِير نَاظر الْخَاص. وَالْفَخْر نَاظر الْجَيْش وعلاء الدّين بن الْأَثِير كَاتب السِّرّ بَعْدَمَا فرق فِي كل وَاحِد فرسا مسرجاً وهجينين وَبَعْضهمْ ثَلَاثَة هجن. وَركب السُّلْطَان إِلَى الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام أَن يلقاه بالإقامات لزيارة الْقُدس فَتوجه إِلَى الْقُدس وَدخل إِلَى الكرك وَعَاد فِي رَابِع جُمَادَى الْآخِرَة فَكَانَت غيبته أَرْبَعِينَ يَوْمًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 523 وَفِي ثامن عشره: قدم الْأَمِير عَلَاء الدّين مغلطاي الجمالي وَمَعَهُ الْأَمِير سيف الدّين بهادر آص والأمير ركن الدّين بيبرس الدوادار من سجن الكرك فَخلع السُّلْطَان عَلَيْهِمَا وأنعم على بهادر بإمرة فِي دمشق وَلزِمَ بيبرس دَاره ثمَّ أنعم عَلَيْهِ بتقدمه ألف على عَادَته. وَفِيه صرف أَمِين الدّين عبد الله بن الغنام من نظر الدَّوَاوِين وَنزل بتربته من القرافة وَاسْتمرّ التَّاج إِسْحَاق بن القماط والموفق هبة الله مُسْتَوْفِي الْأَمِير سلار فِي نظر الدَّوَاوِين عوضه نقلا من اسْتِيفَاء الدولة وَاسْتقر كريم الدّين أكْرم الصَّغِير فِي نظر الكارم وَدَار القند فِي ثَالِث عشريه وخلع على الثَّلَاثَة فِي يَوْم السبت خَامِس عشريه. وَفِي رَابِع رَجَب: تقطعت جسور منية الشيرج وقليوب وغرقت لَيْلَة خامسه وفر أَهلهَا وَتَلفت أَمْوَالهم وغلالهم. فَركب مُتَوَلِّي الْقَاهِرَة وغلق سَائِر الحوانيت والأسواق وَأخذ النَّاس والعسكر والأمراء لتدارك مَا بَقِي من الجسور. وَفِيه قدم الْأَمِير مُحَمَّد بن عِيسَى وَمَعَهُ ابْن أَخِيه مُوسَى بن مهنا فأنعم عَلَيْهِمَا. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامن عشره: صرف قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين الحريري الْحَنَفِيّ عَن قَضَاء مصر خَاصَّة وَاسْتقر عوضه سراج الدّين عمر بن مَحْمُود بن أبي بكر الْحَنَفِيّ قَاضِي الحسينية فَجَلَسَ سراج الدّين للْحكم فِي يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع عشره وَمَات لَيْلَة الثَّانِي وَالْعِشْرين من رَمَضَان وَعَاد ابْن الحريري إِلَى قَضَاء مصر. وَكَانَ سَبَب عَزله أَنه بَالغ فِي الْحَط على الْكتاب من النَّصَارَى والمسالمة وأخرق بِجَمَاعَة مِنْهُم وضربهم وَكَانَ إِذا رأى نَصْرَانِيّا رَاكِبًا أنزلهُ وأهانه وَإِذا رأى عَلَيْهِ ثيابًا سَرِيَّة نكل بِهِ فَضَاقَ ذرعهم بِهِ وَشَكوا أَمرهم إِلَى كريم الدّين الْكَبِير. فَلَمَّا أَخذ السُّلْطَان دَار الْأَمِير سلار ودور إخْوَته وقطعتة من الميدان وَأَنْشَأَ الْأَمِير سيف الدّين بكتمر الساقي المظفري قصراً فِي مَوضِع ذَلِك على بركَة الْفِيل. أَرَادَ السُّلْطَان أَن يدْخل فِيهِ قِطْعَة من أَرض بركَة الْفِيل وَهِي فِي أوقاف الْملك الظَّاهِر بيبرس على أَوْلَاده فَأَرَادَ استبدال مَا يحْتَاج إِلَيْهِ مِنْهَا بِموضع آخر وَأَرَادَ من ابْن الحريري الحكم بذلك كَمَا هُوَ مذْهبه فابى وَجَرت بَينه وَبَين السُّلْطَان مُفَاوَضَة قَالَ فِيهَا: لَا سَبِيل إِلَى هَذَا وَلَا يجوز الِاسْتِبْدَال فِي مذهبي ونهض قَائِما وَقد اشْتَدَّ حنق السُّلْطَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 524 مِنْهُ. فسعى السراج عِنْد كريم الدّين الْكَبِير فِي قَضَاء مصر. ووعد بِأَنَّهُ يحكم بذلك فَأُجِيب وَحكم بالاستبدال وَصَارَ ابْن الحريري على قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِالْقَاهِرَةِ فَقَط فَمَرض السراج عقيبها إِلَى أَن مَاتَ فِي ثَالِث عشرى رَمَضَان فعد ذَلِك من بركَة الحريري وأعيد إِلَيْهِ قَضَاء مصر. وَفِي أَوَاخِر شعْبَان: عدى جمَاعَة من الططر الْفُرَات وَقدم دمشق فِي سادس رَمَضَان مِنْهُم وَفِي رَمَضَان: عَادَتْ الرُّسُل من عِنْد أزبك وهم أيدغدي الْخَوَارِزْمِيّ وَمن مَعَه وصحبته رسل إزبك. وَفِيه قدم الْبَرِيد بِأَنَّهُ ظهر فِي سَابِع عشر ذِي الْقعدَة رجل من أهل قَرْيَة قرطياوس من أَعمال جبلة زعم أَنه مُحَمَّد بن الْحسن الْمهْدي وَأَنه بَينا هُوَ قَائِم يحرث إِذْ جَاءَهُ طَائِر أَبيض فَنقبَ جنبه وَأخرج روحه وَأدْخل فِي جسده روح مُحَمَّد بن الْحسن فَاجْتمع عَلَيْهِ من النصيرية الْقَائِلين بإلهية عَليّ بن أبي طَالب نَحْو الْخَمْسَة آلَاف وَأمرهمْ بِالسُّجُود لَهُ فسجدوا وأباح لَهُم الْخمر وَترك الصَّلَوَات وَصرح بِأَن لَا إِلَه إِلَّا عَليّ وَلَا حجاب إِلَّا مُحَمَّد وَرفع الرَّايَات الْحمر وشمعة كَبِيرَة تقد بالهار ويحملها شَاب أَمْرَد زعم أَنه إِبْرَاهِيم بن أدهم وَأَنه أَحْيَاهُ وَسمي أَخَاهُ الْمِقْدَاد بن الْأسود الْكِنْدِيّ وَسمي أخر جِبْرِيل وَصَارَ يَقُول لَهُ: اطلع إِلَيْهِ وَقل كَذَا وَكَذَا وَيُشِير إِلَى الْبَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَهُوَ بِزَعْمِهِ عَليّ بن أبي طَالب فَيخرج الْمُسَمّى جِبْرِيل ويغيب قَلِيلا ثمَّ يَأْتِي وَيَقُول: افْعَل رَأْيك. ثمَّ جمع هَذَا الدعي أَصْحَابه وهجم على جبلة يَوْم الْجُمُعَة الْعشْرين مِنْهُ فَقتل وسبى وأعلن بِكُفْرِهِ وَسَب أَبَا بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا. فَجرد إِلَيْهِ نَائِب طرابلس الْأَمِير شهَاب الدّين قرطاي الْأَمِير بدر الدّين بيليك العثماني المنصوري على ألف فَارس فَقَاتلهُمْ إِلَى أَن قتل الدعي وَكَانَت مُدَّة خُرُوجه إِلَى قَتله خَمْسَة أَيَّام. وَفِيه قدم كتاب الْمجد إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن ياقوت السلَامِي بإذعان الْملك أبي سعيد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 525 ابْن خربندا ووزيره خواخا على شاه والأمير جوبان والأمراء أكَابِر الْمغل للصلح وَمَعَهُ هَدِيَّة من جِهَة خواجا رشيد الدّين فجهزت إِلَى أبي سعيد هَدِيَّة جليلة من جُمْلَتهَا فرس وَسيف وقرفل. وَفِيه أفرج عَن الشريف مَنْصُور بن جماز أَمِير الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة وَكَانَ قد قبض عَلَيْهِ وَحضر مَعَ أَمِير الركب وأعيد إِلَى ولَايَته عوضا عَن أَخِيه ودي بن جماز وَسَار مَنْصُور إِلَى الْمَدِينَة وَمَعَهُ عز الدّين أيدمر الكوندكي. وَفِيه قدم الْبَرِيد من حلب بِخُرُوج ريح فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَالِث عشر ربيع الأول وَقت الْعَصْر سَوْدَاء مظْلمَة تمادت تِلْكَ اللَّيْلَة وَمن الْغَد عَقبهَا برق ورعد عَظِيم ومطر غزير وَبرد كبار وَجَاء سيل لم يعْهَد مثله فَأخذ كل مَا مر بِهِ من شجر وَغَيره وَتَكون عَمُود من نَار مُتَّصِل اقتلع كَنِيسَة كَبِيرَة من عهد الرّوم وَمَشى بهَا رمية سهم ثمَّ فرقها الرّيح حجرا. وَفِيه قدم الْخَبَر بِعُود حميضة من الْعرَاق إِلَى مَكَّة وَمَعَهُ نَحْو الْخمسين من الْمغل فَمَنعه أَخُوهُ رميثة من الدُّخُول إِلَّا بِإِذن السُّلْطَان فَكتب بِمَنْعه من ذَلِك مَا لم يقدم إِلَى مصر. وَفِيه قبض على الْأَمِير أقبغا الحسني وَضرب وَأخرج إِلَى دمشق على إمرة من أجل أَنه شرب الْخمر وَفِيه قدم الشريف رميثة أَمِير مَكَّة فَارًّا من أَخِيه حميضة وَأَنه ملك مَكَّة وخطب لأبي سعيد بن خربندا وَأخذ أَمْوَال التُّجَّار فرسم بتجريد الْأَمِير صارم الدّين أزبك الجرمكي والأمير سيف الدّين بهادر الإبراهيمي فِي ثَلَاثمِائَة فَارس من أجناد الْأُمَرَاء مَعَ الركب إِلَى مَكَّة. وَفِيه عزل الْأَمِير ركن الَّذين بيبرس أَمِير أخور من الحجوبية وَاسْتقر عوضه الْأَمِير سيف الدّين ألماس وَكَانَ ألماس تركياً غتمياً لَا يعرف بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيّ. وفيهَا أخرج إِلَى الشَّام الْأَمِير عز الدّين أيدمر الدوادار وعلاء الدّين على الساقي وعلاء الدّين مغلطاي السنجري وطغاي الطباخي وَشرف الدّين قيران الحسامي أَمِير علم. وأنعم عَلَيْهِم بإمريات وإقطاعات بهَا. وَفِيه قدم مندوه الْكرْدِي الفار من أسره بملطية بَعْدَمَا أَمن فأنعم عَلَيْهِ بأمرة فِي دمشق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 526 وَفِيه حاصر الْأَمِير سنجر الجاولي غَزَّة قلعة سلع - وَمَعَهُ نَحْو الْعشْرَة آلَاف فَارس - مُدَّة عشْرين يَوْمًا إِلَى أَن أَخذهَا وَقتل من أَهلهَا سِتِّينَ رجلا من الْعَرَب المفسدين وغنم الْعَسْكَر مِنْهَا شَيْئا كثيرا ورتب الجاولي بهَا رجَالًا وَعَاد إِلَى غَزَّة. وَفِي جُمَادَى الأول اسْتَقر فَخر الدّين أَحْمد بن تَاج الدّين سَلامَة السكندري الْمَالِكِي فِي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن جمال الدّين مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن سومر الزواوي بعد مَوته فَسَار وَفِيه كَانَ روك المملكة الطرابلسية على يَد شرف الدّين يَعْقُوب نَاظر حلب فاستقر أمرهَا لاستقبال رَمَضَان سنة عشر وَسَبْعمائة الْهِلَالِي وَمن الخراجى لاستقبال مغل سنة سبع عشرَة. وتو بِهَذَا الروك إقطاعات سِتَّة أُمَرَاء طبلخاناه وَثَلَاثَة إقطاعات أُمَرَاء عشروات وأبطل مِنْهَا رسوم الأفراح ورسوم السجون وَغير ذَلِك من المكوس الَّتِي كَانَ مبلغها فِي كل سنة مائَة ألف دِرْهَم وَعشرَة آلَاف دِرْهَم وَقدم شرف الدّين بأوراق الروك إِلَى الْقَاهِرَة. وَفِيه قدم الْأَمِير عَلَاء الدّين أيدغدي الْخَوَارِزْمِيّ وحسين بن صَارُوا وبطرك الملكية من بِلَاد أزبك وَمَعَهُمْ عدَّة من رسل أزبك: وهم شرنك وبغرطاي وقرطقا وَعمر القرمي ورسل الأشكري صَاحب قسطنطينية وهم خادمه وكبير بَيته ميخائيل وكاشمانوس وتادروس وَمَعَهُمْ الْهَدَايَا: فديَة أزبك ثَلَاث سناقر وَسِتَّة مماليك وزردية وخوذة فولاذ وَسيف فأكرموا وأعيدوا مَعَ الْأَمِير سيف الدّين أطرجي والأمير سيف الدّين بيرم خجا بهدية قيمتهَا عشرَة آلَاف دِينَار. وَفِيه سَافر السُّلْطَان إِلَى الصَّيْد بالبحيرة وَأقَام أَيَّامًا وَعَاد. وَفِيه أعْطى السُّلْطَان زين الدّين قراجا التركماني النَّازِل بِالْبركَةِ إمرة. وَفِيه اسْتَقر الشهَاب مَحْمُود بن سُلَيْمَان بن فَهد الْحلَبِي فِي كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق بعد موت شرف الدّين عبد الْوَهَّاب بن فضل الله الْعمريّ. وَاسْتقر الْأَمِير سيف الدّين ألجاي دواداراً بعد موت بهاء الدّين أرسلان. وَفِيه طلق السُّلْطَان زَوجته خوندا أردركين ابْنة الْأَمِير سيف الدّين نوكاي. وَفِيه أنعم على الْأَمِير بدر الدّين جنكلي بن البابا بإقطاع الْأَمِير سيف الدّين قلي السِّلَاح دَار بعد مَوته. وَحج بالركب الْأَمِير سيف الدّين مجليس وَمَعَهُ من الْأُمَرَاء شرف الدّين أَمِير بن جندر وعرلوا الجوكندار وَسيف الدّين ألجاي الساقي وَسيف الدّين طقصبا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 527 الظَّاهِرِيّ وشمس الدّين سنقر المرزوقي وَحج أَيْضا الْأَمِير شرف الدّين عِيسَى بن مهنا وَأَخُوهُ مُحَمَّد فِي عدَّة من عرب آل فضل بلغت عدتهمْ نَحْو اثنى عشر ألف رَاحِلَة. وَفِيه تمزقت جمَاعَة الثائر بجبلة وَكَانَ قد قَامَ فِي النصيرية وَادّعى أَنه الْمهْدي وَأَن دين النصيرية حق وَأَن الْمَلَائِكَة تنصره. فَركب الْعَسْكَر وقاتلوه فَقتل ورسم أَن يبْنى بقرى النصيرية فِي كل قَرْيَة مَسْجِد وتعمل لَهُ ارْض لعمل مَصَالِحه وَأَن يمْنَع النصيرية من الْخطاب وَهُوَ أَن الصَّبِي إِذا بلغ الْحلم عملت لَهُ وَلِيمَة فَإِذا اجْتمع النَّاس وأكلوا وَشَرِبُوا حلفوا الصَّبِي أَرْبَعِينَ يَمِينا على كتمان مَا يودع من الذَّهَب ثمَّ يعلمونه مَذْهَبهم وَهُوَ إلهية عَليّ بن أبي طَالب وَأَن الْخمر حَلَال وَأَن تناسخ الْأَرْوَاح حق وَأَن الْعَالم قديم والبعث بعد الْمَوْت بَاطِل وإنكار الْجنَّة وَالنَّار وَأَن الصَّلَوَات خمس وَهِي إِسْمَاعِيل وَحسن وحسين ومحسن وَفَاطِمَة وَلَا غسل من جَنَابَة بل ذكر هَذِه الْخَمْسَة يُغني عَن الْغسْل وَعَن الْوضُوء وَأَن الصّيام عبارَة عَن ثَلَاثِينَ رجلا وَثَلَاثِينَ امْرَأَة ذكروهم فِي كتبهمْ وَأَن إلههم عَليّ بن أبي طَالب خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَهُوَ الرب وَأَن مُحَمَّدًا هُوَ الْحجاب وسلمان هُوَ الْبَاب. من مَاتَ فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر شمس الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم الْأَسدي الطَّيِّبِيّ بطرابلس فِي سادس عشرى رَمَضَان عَن تسع وَسِتِّينَ سنة كَانَ أديباً فالملا بَاشر الْإِنْشَاء مُدَّة وَنفل إِلَى طرابلس فِي توقيعها إِلَى أَن مَاتَ وَمن شعره: هجرت الْخمر لما صَحَّ عِنْدِي بِأَن الْخمر آفَة كل طَاعَة وَلم تَرَ مقلتي فِي الْخمر شَيْئا سوى أَن تجمع الأحباب سَاعَة وَمَات الْأَمِير بهاء الدّين أرسلان الدوادار الناصري يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشرى رَمَضَان فَوجدَ لَهُ مَال جزيل: مِنْهُ أَرْبَعُونَ حياصة ذَهَبا وَأَرْبَعُونَ كلفتاه زركش ومبلغ ثَلَاثِينَ ألف دِينَار وَإِلَيْهِ تنْسب خانكاه بهاء الدّين بمنشاة المهراني. وَمَات شرف الدّين عبد الْوَهَّاب بن فضل الله الْعمريّ كَاتب السِّرّ يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث رَمَضَان بِدِمَشْق ومولده سَابِع ذِي الْحجَّة سنة ثَلَاث وَعشْرين وسِتمِائَة حدث عَن ابْن عبد السَّلَام وبرع فِي الْأَدَب وَكَانَ دينا عَاقِلا وقوراً ناهضا ثِقَة أَمينا مشكوراً. مليح الْخط جيد الْإِنْشَاء فولي بعده شهَاب الدّين أَبُو الثَّنَاء مَحْمُود بن سُلَيْمَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 528 الْحلَبِي أحد كتاب الدرج بديار مصر نقل إِلَيْهَا من الْقَاهِرَة فَقدم دمشق ثامن عشرى شَوَّال. وَمَات فَخر الدّين عُثْمَان بن بلبان بن مقَاتل معيد الْمدرسَة المنصورية بَين القصرين وَكَانَ فَاضلا حدث وروى وَحصل وَكتب وَخرج وَمَات عَن اثْنَتَيْنِ وَخمسين سنة. وَمَات عَلَاء الدّين على ن فتح الدّين مُحَمَّد بن محيي الدّين عبد الله بن عبد الظَّاهِر السَّعْدِيّ أحد أَعْيَان كتاب الْإِنْشَاء يَوْم الْخَمِيس رَابِع رَمَضَان وَكَانَ عالي الهمة صَاحب مَكَارِم وَتمكن من الْأَمِير سلار أَيَّام نيابته فَإِنَّهُ كَانَ موقعه. وَمَات زين الدّين مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن أَحْمد ابْن يُوسُف الصنهاجي المراكشي الإسكندارني فِي أول يَوْم من ذِي الْحجَّة. وَمَات جمال الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي الرّبيع سُلَيْمَان بن سومر الزواوي الْمَالِكِي قَاضِي دمشق فِي تَاسِع جُمَادَى الأولى بهَا ومولده سنة تسع وَعشْرين وسِتمِائَة وَقدم الْإسْكَنْدَريَّة وَهُوَ شَاب وتفقه بهَا حَتَّى برع فِي مَذْهَب مَالك وأَكثر من سَماع الحَدِيث فَسمع من ابْن رواج والسبط وَأبي عبد الله المريني وَأبي الْعَبَّاس الْقُرْطُبِيّ وَابْن عبد السَّلَام وَأبي مُحَمَّد بن برطلة وَولي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق ثَلَاثِينَ سنة بصرامة وَقُوَّة فِي الْأَحْكَام وَشدَّة فِي إِرَاقَة دِمَاء الْمُلْحِدِينَ والزنادقة والمخالفين إِلَى أَن اعتل بالرعشة نَحْو عشْرين سنة ومازال إِلَى يعلته أَن عجز عَن الْكَلَام فصرف. وَمَات بعد عَزله بِعشْرين يَوْمًا وَبعد أَن علم بِالْعَزْلِ بسبعة أَيَّام. وَمَات الصَّدْر شرف الدّين مُحَمَّد بن الْجمال إِبْرَاهِيم بن الشّرف عبد الرَّحْمَن بن صصري الدِّمَشْقِي يَوْم الْجُمُعَة سَابِع ذِي الْحجَّة بِمَكَّة وعمره خمس وَثَلَاثُونَ سنة فَدفن بالمعلاة وَكَانَ حسن الْأَخْلَاق. وَمَات بطرابلس عماد الدّين مُحَمَّد بن صفي الدّين مُحَمَّد بن شرف الدّين يَعْقُوب النويري صَاحب ديوَان طرابلس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 529 وَمَات الْأَمِير سيف الدّين قلني السِّلَاح دَار. وَمَات الْأَمِير شمس الدّين الذّكر السِّلَاح دَار - صهر علم الدّين سنجر الشجاعي - وَهُوَ فِي الْحَبْس. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين ألكتمر - صهر الجوكندار - بِالْحَبْسِ أَيْضا. وَمَات الْخَطِيب عماد الدّين ابْن بنت المخلص فِي حادي عشرى الْمحرم. وَفِيه خلع نَفسه الْأَمِير أَبُو يحيى زَكَرِيَّا اللحياني بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بن أبي حَفْص ملك تونس وَولى ابْنه أَبَا عبد الله مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِأبي ضَرْبَة فِي آخر ربيع الآخر وَكَانَت مدَّته سِتّ سِنِين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 530 بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم سنة ثَمَان عشرَة وَسَبْعمائة فِي الْمحرم: قدم الركب من الْحجاز على الْعَادة وصحبته المجردون فَشكى الصارم أزبك الجرمكي من بهادر الإبراهيمي وَأَنه مَنعه من اخذ الشريف حميضة وَأَنه تعاطى الْخُمُور فَقبض عَلَيْهِ وعَلى رَمَضَان الْمُقدم وأقجبا وَجَمَاعَة وسجنوا بالإسكندرية وأنعم على الْأَمِير مغلطاي الجمالي بِخبْز الإبراهيمي. وَفِيه قدم الْبَرِيد من حلب بغلاء الأسعار بديار بكر والموصل وبغداد وتوريز وَكَثْرَة الوباء وَالْمَوْت بهَا. وَأَن جَزِيرَة ابْن عمر خلت من السَّاكِن وميافارقين لم يُوجد من يخْطب بهَا فِي جَامعهَا. وَفِي أول صفر: توجه القَاضِي كريم الدّين الْكَبِير إِلَى دمشق فَدَخلَهَا فِي سابعه وتلقاه الْأَمِير تنكز النَّائِب وأنزله بدار السَّعَادَة وَقدم إِلَيْهِ هَدِيَّة سنية فَلم يقبل مِنْهَا غير فرس وَاحِد ورد وَفِي سابعه: اسْتَقر كريم الدّين أكْرم الصَّغِير فِي نظر الدَّوَاوِين. وَفِي سادس عشره: وصل الْأَمِير جمال الدّين بكتمر الحسامي نَائِب صفد وأنعم عَلَيْهِ بتقدمة ألف فِي سادس عشرَة. وَفِي سَابِع عشرَة: سَافر الصاحب أَمِين الدّين بن الغنام على الْبَرِيد إِلَى طرابلس نَاظرا. وَسبب ذَلِك أَنه لما طَالَتْ عطلته اجْتمع بالأمير سيف الدّين البوبكري وَحط على كريم الْكَبِير وَأَنه قد استولى على الْأَمْوَال وأنفقها على مماليك السُّلْطَان ليصانع بهَا عَن نَفسه. فَعرف البوبكري السُّلْطَان عَنهُ مَا قَالَ فَأعْلم بِهِ كريم الدّين فَقَالَ هُوَ يَا خوند مَعْذُور فَأَنَّهُ قد بَطل ولابد لَهُ من شغل يَأْكُل فِيهِ صَدَقَة السُّلْطَان. وعينه لنظر طرابلس. فَبعث السُّلْطَان إِلَيْهِ فِي الْحَال بخلعة وبريدي وَخرج لوقته. وَفِي حادي عشريه: عزل الْأَمِير بدر الدّين مُحَمَّد بن التركماني من شدّ الدَّوَاوِين وَنزل إِلَى دَاره. وَفِيه عوفي قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة وَركب إِلَى القلعة وَترك مَعْلُوم الْقُضَاة تنزهاً عَنهُ فَخلع عَلَيْهِ وباشر بِغَيْر مَعْلُوم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 3 وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي عشريه: خلع على الْأَمِير سيف الدّين طغاي الحسامي الْكَبِير وسفر على خيل الْبَرِيد لنيابة صفد عوضا عَن بكتمر الحاحب. وَسبب ذَلِك كَثْرَة دالته على السُّلْطَان وتحكمه فِي الْأُمَرَاء والمماليك وَقُوَّة حرمته وتعرضه على السُّلْطَان فِيمَا يَفْعَله من ملاذه. وَخرج مَعَه مغلطاي الجمالي فوصل صفد فِي تَاسِع عشر ربيع أول وَقدم الْأَمِير بكتمر الْحَاجِب إِلَى الْقَاهِرَة. وَفِيه قدم الْبَرِيد بِأَنَّهُ فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِي صفر هبت ريح شَدِيدَة بِأَرْض طرابلس وَمَرَّتْ على أَبْيَات مقدم التركمان بالجون فكسرتها وَصَارَت عموداً أغبر هَيْئَة تنين مُتَّصِل بالسحاب وَمر ذَلِك العمود على أَبْيَات عَلَاء الدّين طوالي بن اليكي مقدم التركمان وتلوى يَمِينا وَشمَالًا فَلم يتْرك هُنَاكَ شَيْئا حَتَّى أهلكه وطوالي يَصِيح: يَا رب قد أخذت الرزق وَتركت الْعِيَال بِغَيْر رزق فإيش أطْعمهُم فَعَاد ذَلِك التنين إِلَيْهِ بعد مَا كَانَ خرج عَنهُ وأهلكه وَامْرَأَته وَأَوْلَاده وَثَلَاثَة عشر نفسا. وحملت الرّيح جملين حَتَّى ارتفعا فِي السَّمَاء قدر عشرَة أرماح وأتلفت الْقُدُور الْحَدِيد. وَمَرَّتْ على عربان هُنَاكَ فاحتملت لَهُم أَرْبَعَة جمال حَتَّى غَابَتْ عَنْهُم فِي الْيَوْم ثمَّ نزلت مقطعَة. وعقب هَذَا الرّيح مطر وَبرد زنة الْبردَة الْوَاحِدَة مِنْهُ ثَلَاث أَوَاقٍ دمشقية. وَفِيه أَجْلِس السُّلْطَان جمَاعَة من مقدمي الْحلقَة الشُّيُوخ فِي أَوْقَات المشورة مَعَ الْأُمَرَاء وَسمع كَلَامهم. وَفِيه سَأَلَ النَّصَارَى فِي رم جدران كَنِيسَة بربارة بحارة الرّوم فَأذن لَهُم السُّلْطَان فِي رمها. فَاجْتمع لعمارتها جمَاعَة كَثِيرَة من النَّصَارَى وأحضر الأقباط لَهُم الْآلَات وَأَقَامُوا على عَملهَا عدَّة من الْمُسلمين شادين ومستحثين فَجَاءَت كأحسن المبانى. فشق ذَلِك على جيران الْكَنِيسَة من الْمُسلمين وَشَكوا أمرهَا إِلَى الْأَمِير أرغون النَّائِب وَالْفَخْر نَاظر الْجَيْش وَأَن ذَلِك وَقع بجاه كريم الدّين الْكَبِير وكريم الدّين الصَّغِير وَرفعُوا عدَّة قصَص إِلَى السُّلْطَان بدار الْعدْل. فساعد النَّائِب وَالْفَخْر عِنْد قِرَاءَة الْقَصَص فِي الْإِنْكَار على بِنَاء الْكَنِيسَة إِلَى أَن رسم لمتولي الْقَاهِرَة على علم الدّين سنجر الخازن بخراب مَا جدد فِيهَا من الْبناء فَنزل إِلَيْهَا علم الدّين وَاجْتمعَ إِلَيْهِ من النَّاس عدد لَا يُحْصِيه إِلَّا الله وَهدم مَا جدد فِيهَا وَمضى لسبيله. فَقَامَتْ طَائِفَة من الْمُسلمين وبنوا الْجَانِب الَّذِي هدم محراباً وأذنوا فِيهِ أَوْقَات الصَّلَوَات وصلوا وقرأوا هُنَاكَ الْقُرْآن ولزموا الْإِقَامَة فِيهِ. فحنق النَّصَارَى من ذَلِك وَشَكوا أَمرهم إِلَى كريم الدّين فَرفع كريم الدّين ذَلِك للسُّلْطَان وأغراه مِمَّن فعل ذَلِك وَأَنه يُرِيد نهب النَّصَارَى وَأخذ أَمْوَالهم وشنع القَوْل. فرسم السُّلْطَان للخازن بهدم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 4 الْمِحْرَاب وإعادة الْبناء وَقبض أهل حارة الرّوم وعملهم فِي الْحَدِيد فَلَمَّا توجه الخازن لذَلِك اجْتمع النَّاس وصاحوا بِهِ فساس الْأَمِير وتركهم وأهمل ذَلِك الْموضع حَتَّى صَار كوم تُرَاب. وَفِيه تجهز السُّلْطَان لركوب الميدان وَفرق الْخُيُول على جَمِيع الْأُمَرَاء واستجد بركوب الأوشاقية بكوافي زركش على صفة الطاسات وهم الَّذين عرفُوا باسم الجفتاوات. واستجد النداء فِي الْبَحْر على أَرْبَاب المراكب أَلا يركبُوا أحدا من مماليك السُّلْطَان فِي مركب يَوْم الميدان وشدد الْإِنْكَار على الطواشي الْمُقدم فِي غفلته عَن المماليك. وَفِيه شدد على الْأُمَرَاء المسجونين ببرج السبَاع من قلعة الْجَبَل وهم: طوغان نَائِب البيرة وَعلم الدّين سنجر البرواني وبيبرس الْمَجْنُون وفخر الدّين أياز نَائِب قلعة الرّوم والحاج بيليك وَسيف الدّين طاجا وَالشَّيْخ على مَمْلُوك سلار وَمنع حريمهم من الْإِقَامَة عِنْدهم. وَفِيه خرج الْأَمِير مغلطاي الجمالي على الْبَرِيد إِلَى صفد بتقليد الْأَمِير طغاي نِيَابَة حلب وَكتب إِلَى الْأَمِير سيف الدّين أقطاي نَائِب حمص بنيابة صفد عوضا عَن طغاي واستقرار الْأَمِير بدر الدّين بكتوت القرماني فِي نِيَابَة حمص. وَأسر السُّلْطَان إِلَى الْأَمِير مغلطاي الْقَبْض على طغاي. فَتوجه مغلطاي إِلَى صفد للقبض على طغاي. فَتوجه مغلطاي إِلَى صفد بعد اجتماعه بالأمير تنكز نَائِب الشَّام وَهُوَ على طغاي وأحضره إِلَى قبَّة النَّصْر خَارج الْقَاهِرَة فَخرج إِلَيْهِ الْأَمِير قجليس وَصعد إِلَى القلعة وَهُوَ مُقَيّد فِي خَامِس عشر جُمَادَى الأ ولى وَأخرج بِهِ فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء تَاسِع جُمَادَى الأولى إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فَكَانَ أخر الْعَهْد بِهِ. وَأخرج بهادر أَيْضا إِلَى سجن الْإسْكَنْدَريَّة وَوَقعت الحوطة فِي يَوْم الْخَمِيس عشريه على موجوده وَفرقت مماليكه على وَفِيه توجه الْأَمِير قجليس إِلَى الشَّام. وَفِيه ابتدئ فِي صفر بهدم المطبخ وَهدم الْحَوَائِج خاناه والطشت خاناه والفرش وجامع القلعة وَبنى الْجَمِيع جَامعا فجَاء على مَا هُوَ عَلَيْهِ الْآن من أحسن المباني. تمّ بِنَاؤُه ورخامه جلس فِيهِ السُّلْطَان واستدعى سَائِر مؤذني الْقَاهِرَة ومصر وقراءها وخطباءهما وعرضوا عَلَيْهِ فَاخْتَارَ عشْرين مُؤذنًا رتبهم فِيهِ وَقرر بِهِ درساً وقارئ مصحح وأوقف عَلَيْهِ الْأَوْقَاف الْكَثِيرَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 5 وَفِيه تجدّد بِدِمَشْق ثَلَاثَة جَوَامِع بظاهرها: وَهِي جَامع الْأَمِير تنكز والأمير كريم الدّين وجامع شمس الدّين غبريال بن سعد. وَفِيه غرقت مركب فِي بَحر الْملح وَهِي متوجهة إِلَى الْيمن وَكَانَ فِيهَا لكريم الدّين متجر. بمبلغ مائَة ألف دِينَار سوى مَا لغيره فَلم يسلم مِنْهَا سوى سَبْعَة أنفس وغرق الْجَمِيع. وَفِيه وَقعت الْفِتْنَة بَين الْمغل فَقتل فِيهَا نَحْو الثَّلَاثِينَ أَمِيرا سوى الأجناد والأتابك وَقتل من الخواتين سبع نسْوَة مَعَ عَالم عَظِيم وانتصر أَبُو سعيد. فسر السُّلْطَان بذلك لما فِيهِ من وُقُوع الوهن فِي الْمغل. وفيهَا قبض على الْأَمِير بدر الدّين ميزامير ابْن الْأَمِير نور الدّين صَاحب ملطية من أَنه كتب إِلَى جوبان الْقَائِم بدولة أبي سعيد بن خربندا بالأردو أَن يَطْلُبهُ من السُّلْطَان. وَقبض أَيْضا على وَفِيه حبس شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين أَحْمد بن تَيْمِية بِسَبَب مَسْأَلَة الطَّلَاق وَكَانَ ذَلِك بسعي قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين بن الحريري الْحَنَفِيّ عَلَيْهِ وإغرائه السُّلْطَان بِهِ. وَفِيه أنعم على الْأَمِير ركن الدّين بيبرس الدوادار المنصوري بإقطاع مغلطاي ابْن أَمِير مجْلِس بإمرة ثَمَانِينَ فَارِسًا وخلع عَلَيْهِ وَجلسَ رَأس الميسرة وَنقل مغلطاي إِلَى الشَّام. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 6 وَفِيه قدم صَاحب خرتبرت فأنعم بإمرية. وَفِيه اسْتَقر فِي نِيَابَة الكرك الْأَمِير عز الدّين أيبك الجمالي نَائِب قلعة دمشق وَاسْتقر عوضه فِي نِيَابَة قلعة دمشق الْأَمِير عز الدّين أيبك الدميتري. وَفِيه خرج الْأَمِير بدر الدّين بن عِيسَى بن التركماني بطَائفَة من الْعَسْكَر مجردين إِلَى الْحجاز فِي طلب الشريفين حميضة ورميثة. وَفِيه أفرج عَن الْأَمِير سيف الدّين أقبغا الحسني وأنعم عَلَيْهِ بإمرة فِي دمشق. وَفِي شعْبَان: قدم حمل سيس على الْعَادة. وَفِيه ولي قَضَاء الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة بِالْقَاهِرَةِ ومصر تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر بن عيس ابْن بدران الأخنائي بعد موت زين الدّين عَليّ بن مخلوف فِي ثَانِي عشر جُمَادَى الْآخِرَة. وَفِيه حج بالركب الْمصْرِيّ الْأَمِير عَلَاء الدّين مغلطاي الجمالي وَقبض على الشريف رميثة وفر وَفِيه قدمت رسل ابْن قرمان بِدَرَاهِم ضربت باسم السُّلْطَان وَأَنه خطب هُنَاكَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 7 للسُّلْطَان وَهِي أَطْرَاف بِلَاد الرّوم فَكتب لَهُ تَقْلِيد وسيرت إِلَيْهِ هَدِيَّة جليلة. وَفِيه خلع أَبُو عبد الله مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِأبي ضَرْبَة ابْن الْأَمِير أبي زَكَرِيَّا اللحياني ابْن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بن أبي حَفْص فِي أخر شهر ربيع الآخر. وَكَانَت مدَّته سنة وَاحِدَة وَقَامَ بعده بتونس الْأَمِير أَبُو بكر بن يحيى بن إِبْرَاهِيم بن يحيي بن عبد الْوَاحِد بن أبي حَفْص. وَفِي هَذِه السّنة. انقرضت دولة بني قطلمش مُلُوك قونية. وَذَلِكَ أَن عز الدّين اسيكاوس بن كيخسرو لما مَاتَ سبع وَسبعين وسِتمِائَة ترك ابْنه مسعوداً فولاه أبغا بن هولاكو سيواس وَغَيرهَا. واستبد معِين الدّين سُلَيْمَان برواناه على ركن الدّين قلج أرسلان ابْن كيخسرو بقيصرية ثمَّ قَتله وَنصب ابْنه غياث الدّين كيخسرو فَعَزله أرغون بن أبغا وَولي ابْن عَمه مَسْعُود بن كيكاوس فَأَقَامَ مَسْعُود حَتَّى انحل أمره وافتقر وَبَقِي الْملك بالروم للتتر إِلَّا ملك بني أرتنا فَأَنَّهُ بَقِي بسيواس. وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر كَمَال الدّين أَحْمد بن جمال الدّين أبي بكر مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن سحمان الكبري الوائلي الشريشي الْفَقِيه الشَّافِعِي. قدم مصر وَسمع بهَا وبالإسكندرية وبرع فِي الْأُصُول والنحو وناب بِدِمَشْق فِي الحكم عَن الْبَدْر مُحَمَّد بن جمَاعَة وَولى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 8 وكَالَة بَيت المَال مرَّتَيْنِ ومشيخة دَار الحَدِيث الأشرفية بِدِمَشْق وعلق تعاليق وَقَالَ الشّعْر. ومولده فِي رَمَضَان سنة ثَلَاث وَخمسين وسِتمِائَة بسنجار وَتُوفِّي بِمَنْزِلَة الحسا من طَرِيق الْحجاز عَن سِتّ وَسِتِّينَ سنة فِي سلخ شَوَّال. وَمَات جمال الدّين أَبُو بكر بن إِبْرَاهِيم بن حيدرة بن عَليّ بن عقيل الْفَقِيه الشَّافِعِي الْمَعْرُوف بِابْن القماح فِي سَابِع عشر ذِي الْحجَّة وَهُوَ عَم القَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن القماح. وَمَات شرف الدّين أَبُو الْفَتْح أَحْمد بن سُلَيْمَان بن أَحْمد بن أبي بكر مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب بن عبد الله السيرجي الْأنْصَارِيّ الدِّمَشْقِي فِي سَابِع عشري ربيع الأول. وَهُوَ من بَيت جليل وَولي عدَّة مناصب وَكَانَ دينا صَاحب مُرُوءَة وسعة وَمَات يَوْم الْإِثْنَيْنِ سَابِع عشري ربيع الأول. وَمَات فَخر الدّين أَحْمد بن تَاج الدّين بن أبي الْخَيْر سَلَامه بن أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن سَلامَة السكندري المالكى قَاضِي الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق ولد سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَمَات مستهل ذِي الْحجَّة وَكَانَ مشكور السِّيرَة بَصيرًا بِالْعلمِ ماهراً فِي الْأُصُول حشماً. وَمَات أَحْمد بن المغربي الإشبيلي كَانَ يَهُودِيّا يُقَال لَهُ سُلَيْمَان فَأسلم فِي أَيَّام الْملك الْأَشْرَف خَلِيل بن قلاوون سنة تسعين وستمائه وَتسَمى أَحْمد وَمَات فِي لَيْلَة الْعشْرين من صفر. وَكَانَ بارعاً فِي عدَّة عُلُوم إِمَامًا مي الفلسفة والنجامة ولي رياسه الْأَطِبَّاء بديار مصر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 9 وَمَات مجد الدّين أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن قَاسم التّونسِيّ الْمُقْرِئ الْمَالِكِي النَّحْوِيّ. قدم فِي صباه إِلَى الْقَاهِرَة وَأخذ بهَا الْقرَاءَات والنحو حَتَّى برع فيهمَا وَسكن دمشق وأقرأ بهَا واشتغل فِي عدَّة عُلُوم من أصُول وَفقه وَغير ذَلِك وَكَانَ دينا رصيناً مفرط الذكاء فِيهِ تودد وَيُحب الإنفراد وَتخرج بِهِ الْفُضَلَاء. وَمَات يَوْم السبت سادس عشري ذِي الْقعدَة بِدِمَشْق عَن اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سنة. وَمَات مُسْند الْوَقْت زين الدّين أَبُو بكر أَحْمد بن عبد الدايم بن نعْمَة الْمَقْدِسِي الصَّالِحِي سمع سنة ثَلَاثِينَ وسِتمِائَة على الْفَخر الإربلي وَسمع الصَّحِيح كُله على ابْن الزبيدِيّ وَسمع من الناصح ابْن الْحَنْبَلِيّ وَسَالم بن صصري وجعفر الهمذاني وَجَمَاعَة وأضر قبل مَوته بِثَلَاثَة أَعْوَام وَثقل سَمعه وَكَانَ لَهُ همة وجلادة وَفهم وَحدث وعاش ثَلَاثًا وَتِسْعين سنة. وَمَات لَيْلَة الْجُمُعَة تَاسِع عشري رَمَضَان ومولده فِي سنة خمس أَو سِتّ وسِتمِائَة. وَمَات زين الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن مخلوف بن ناهض بن مُسلم بن منعم بن خلف النويري الْجُزُولِيّ الْمَالِكِي قَاضِي الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة بِالْقَاهِرَةِ ومصر فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء ثَانِي عشر جمادي الْآخِرَة وَأقَام قَاضِيا نَحوا من أَربع وَثَلَاثِينَ سنة ومولده سنة عشْرين وسِتمِائَة. وَكَانَ مشكور السِّيرَة خَبِيرا بتدبير أُمُوره الدُّنْيَوِيَّة كثير المداراة سيوساً محباً لقَضَاء الْحَوَائِج وَولي بعده نَائِبه تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر بن عَتيق الأخنائي وَمَات مُحَمَّد بن قَاضِي الْجَمَاعَة أبي الْقَاسِم وَقيل أبي عمر أَحْمد ابْن القَاضِي أبي الْوَلِيد مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْحَاج وَقيل أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله ابْن القَاضِي أبي جَعْفَر بن الْحَاج أَبُو الْوَلِيد التجِيبِي الأندلسي الْقُرْطُبِيّ الإشبيلي ولد سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَمَات أَبوهُ وجده فِي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَورث مَالا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 10 كثيرا فصادره ابْن الْأَحْمَر وَأخذ مِنْهُ عشْرين ألف دِينَار وَنَشَأ يَتِيما فِي حجر أمه ونقلته إِلَى شريش ثمَّ إِلَى غرناطة فَلَمَّا شب قدم تونس ثمَّ رَحل مِنْهَا بإبنيه إِلَى الْقَاهِرَة وَسكن دمشق حَتَّى مَاتَ بهَا فِي رَجَب. وَكَانَ فَاضلا دينا أم بمحراب الْجَامِع وَامْتنع من ولَايَة الحكم. وَمَات الْأَمِير شمس الدّين سنقر الكمالي الْحَاجِب بمحبسه من القلعة فِي ربيع الآخر وَكَانَ فِي ولَايَته مشكوراً حشماً صين اللِّسَان. وَمَات الْأَمِير عَلَاء الدّين أقطوان الظَّاهِرِيّ بِدِمَشْق فِي عَاشر رَمَضَان وَقد تجَاوز الثَّمَانِينَ سنة. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين طغاي بمحبسه بالإسكندرية أول شعْبَان. وَمَات الْأَمِير شمس الدّين الدكز الأشرفي أحد المماليك المنصورية قلاوون بمحبسه بالقلعة. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين منكوتمر الطباخي. وَمَات أركتمر بالجب من القلعة. وَأشيع موت الْأَمِير مُوسَى ابْن الْملك الصَّالح عَليّ بن قلاوون بقوص. وَمَات الْأَمِير عز الدّين طقطاي نَائِب الكرك. وَمَات ركن الدّين بيبرس نَائِب عجلون. وَفِيه قدم الْخَبَر. بِمَوْت الْوَزير رشيد الدولة أَبُو الْفضل فضل الله بن أبي الْخَيْر بن عالي الهمذاني الطَّبِيب فِي تَاسِع رَمَضَان. وَكَانَ قد علت مَنْزِلَته عِنْد غازان وَقدم مَعَه الشَّام وَتقدم فِي أَيَّام خربندا. فَلَمَّا مَاتَ خربندا عزل عَن وظائفه فصانع عَن نَفسه. بِمَال كَبِير فَلم يغنه شَيْئا واتهم أَنه قتل خربندا بالسم وَشهد عَلَيْهِ الأطباخي وَقتل وَحمل رَأسه إِلَى تبريز ثمَّ قطعت أعضاؤه وَحمل إِلَى كل بلد عُضْو. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين بهادر الشمسي بقلعة دمشق فِي ذِي الْحجَّة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 11 وَفِيه قدم من الْعرَاق محمل إِلَى مَكَّة وَكِسْوَة للكعبة فَلم يمكنوا من الْكسْوَة وَكَانَ القان أَبُو سعيد قد جهز الركب وَقدم عَلَيْهِم رجلا شجاعاً فَلم يُمكن العربان أَن يَأْخُذ شَيْئا من الْحَاج. فَلَمَّا كَانَ الْعَام الْقَابِل خرجت الْعُيُون على الركب ونهبوه وَأخذُوا من الْحَاج شَيْئا كثيرا فَسَأَلَ أَبُو سعيد كم قدر مَا أخذُوا من الركب فَقيل لَهُ نَحْو الثَّلَاثِينَ ألف دِينَار فرتب لَهُم سِتِّينَ ألف دِينَار فَمَاتَ من سنته. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 12 سنة تسع عشرَة وَسَبْعمائة فِي خَامِس الْمحرم: قدم مُبشر الْحَاج بسلامة الْحَاج وَالْقَبْض على الشريف رميثة بن أبي نمى وَأَنه اسْتَقر عوضه فِي إمرة مَكَّة أَخُوهُ الشريف عطيفة. وَقدم الْحَاج مَعَ مغلطاي الجمالي وصحبته الشريف رميثة فسجن من سَابِع عشرَة إِلَى أَن دخل الْمحمل فِي ثَانِي عشريه. فشق الجمالي على النَّاس بِكَثْرَة عجلته فِي السّير وَكَانَت الْعَادة أَولا بقدوم الْمحمل فِي ثامن عشري الْمحرم ثمَّ اسْتَقر دُخُوله فِي الْأَيَّام الناصرية يَوْم الْخَامِس أَو الرَّابِع وَالْعِشْرين مِنْهُ فَأنْكر عَلَيْهِ السُّلْطَان مَا فعله وجهز مُحَمَّد بن الرديني. بِمِائَتي جمل عَلَيْهَا الزَّاد وَالْمَاء برسم حمل من انْقَطع من الْحَاج فسافر من يَوْمه. وَفِيه قدم كتاب الْأَمِير بدر الدّين مُحَمَّد بن عِيسَى بن التركماني من مَكَّة بِأَنَّهُ منع العبيد من حمل السِّلَاح. بِمَكَّة وَأَنه أخرج المفسدين ونادى بِالْعَدْلِ وَأَنه مُقيم لأخد الشريف حميضة. وَفِيه جهز الْأَمِير أيتمش المحمدي على عَسْكَر إِلَى برقة وَمَعَهُ فَايِد وَسليمَان أُمَرَاء العربان لجباية زَكَاة الأغنام على الْعَادة فَسَار فِي ثَلَاثمِائَة فَارس من أجناد الْحلقَة وَمَعَهُ من الْأُمَرَاء بلبان الْخَاص تركي وبلبان الحسني وسنقر المرزوقي وصمغار بن سنقر الْأَشْقَر ومنكلي الجمدار وغرلوا الجوكندار ونوغاي أخر يَوْم من الْمحرم وَنزل بالإسكندرية. ثمَّ سَار أيتمش يُرِيد بِلَاد جَعْفَر بن عمر من برقة ومسافتها من الْإسْكَنْدَريَّة على الجادة نَحْو شَهْرَيْن. فدله بعض الْعَرَب على طَرِيق مسافتها ثَلَاثَة عشر يَوْمًا يُفْضِي بِهِ إِلَى الْقَوْم من غير أَن يعلمُوا بِهِ وَطلب فِي نَظِير دلَالَته على هَذِه الطَّرِيق مائَة دِينَار وإقطاعات من السُّلْطَان بعد عود الْعَسْكَر إِلَى الْقَاهِرَة فَعجل لَهُ أيتمش الْمِائَة وَالْتزم لَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 13 بالإقطاع من السُّلْطَان وَكتب لَهُ بِعشْرَة أرادب قمحاً لِعِيَالِهِ وأركبه نَاقَة وكتم ذَلِك كُله عَن الْعَسْكَر من الْأُمَرَاء والأجناد والعربان وَسَار بمسيره. فَأنْكر سُلَيْمَان وفايد على أيتمش مسيره فِي غير الجادة وخوفوه الْعَطش وهلاك الْعَسْكَر فَلم يعبأ بكلامهما فمضيا إِلَى الْأُمَرَاء وشنعا القَوْل وأكثرا من الإرجاف فَاجْتمعُوا بأيتمش ليردوه إِلَى الجادة فَلم يفعل وَمضى فَلم يَجدوا بدا من أَتْبَاعه حَتَّى إِذا مَضَت ثَلَاث عشرَة لَيْلَة أشرف على منَازِل جَعْفَر بن عمر وعربانه فدهشوا لرؤية الْعَسْكَر. وَأرْسل إِلَيْهِم أيتمش بِسُلَيْمَان وفايد يَدعُوهُم إِلَى الطَّاعَة فَأَجَابُوا مَعَ رسلهم: إِنَّا على الطَّاعَة وَلَكِن مَا سَبَب قدوم هَذَا الْعَسْكَر على غَفلَة من غير أَن يتَقَدَّم لنا بِهِ علم. فَقَالَ لَهُم أيتمش: حَتَّى يحضر الْأَمِير جَعْفَر وَيسمع مرسوم السُّلْطَان وأعادهم. وَتقدم أيتمش إِلَى جَمِيع من مَعَه أَلا ينزل أحد عَن فرسه طول ليلته فَبَاتُوا على ظُهُور الْخَيل. فَلَمَّا كَانَ الصَّباح حضر أَخُو جَعْفَر ليسمع المرسوم فنهره أيتمش وَقَالَ لَهُ وَلمن مَعَه: ارْجعُوا إِلَى جَعْفَر فَإِن كَانَ طَائِعا فليحضر وَإِلَّا فليعرفني وَبعث مَعَه ثَلَاثَة من مقدمي الْحلقَة فَامْتنعَ جَعْفَر من الْحُضُور. فللحال لبس الْعَسْكَر السِّلَاح وترتب وأفرد سُلَيْمَان وفايد. بِمن مَعَهُمَا من الْعَسْكَر نَاحيَة واستعد جَعْفَر أَيْضا وَجمع قومه وَحمل بهم على الْعَسْكَر. فَرَمَوْهُمْ بالنشاب فَلم يبالوا بِهِ ودقوا الْعَسْكَر برماحهم وصرعوا الْأَمِير شُجَاع الدّين غرلوا الجوكندار بَعْدَمَا جرحوه ثلات جراحات فَتَدَاركهُ أَصْحَابه وأركبوه. وحملوا على الْعَرَب فَكَانَت بَين الْفَرِيقَيْنِ تسع عشرَة وقْعَة أَخّرهَا انهزم الْعَرَب إِلَى بُيُوتهم فَقَاتلهُمْ الْعَسْكَر عِنْد الْبيُوت سَاعَة وهزموهم إِلَيْهَا وَكَانَت تِلْكَ الْبيُوت فِي غَايَة قصب. فَكف الْعَسْكَر عَن الدُّخُول إِلَيْهِم ومنعهم أيتمش عَن التَّعَرُّض إِلَى الْبيُوت وحماها وأباح لَهُم مَا عَداهَا فامتدت الأيدى وَأخذت من الْجمال والأغنام مَا لَا ينْحَصر عدده. وَبَات الْعَسْكَر محترسين وَقد أَسرُّوا نَحْو الستمائة رجل سوى من قتل. فَلَمَّا أصبح الصُّبْح من أيتمش على الأسرى وأطلقهم وتفقد الْعَسْكَر فَوجدَ فِيهِ اثنى عشر جريحاً وَلم يقتل غير جندي وَاحِد فَرَحل عَائِدًا عَن الْبيُوت بأنعام تسد الفضاء وأبيع مَعَهم فِيمَا بَينهم الرَّأْس الْغنم بدرهم والجمل مَا بَين عشْرين إِلَى ثَلَاثِينَ درهما وَسَار أيتمش سِتَّة أَيَّام فِي الطَّرِيق الَّتِي سلكها والعسكر بِالسِّلَاحِ خشيَة من عود الْعَرَب إِلَيْهِم. وَبعث أيتمش بالبشارة إِلَى السُّلْطَان فَبعث الْأَمِير سيف الدّين ألجاي الساقي لتلقي الْعَسْكَر بالإسكندرية وَإِخْرَاج الْخمس مِمَّا مَعَهم للسُّلْطَان وتفرقة مَا بَقِي فيهم فَخص الجزء: 3 ¦ الصفحة: 14 الجندي مَا بَين أَرْبَعَة جمال وَخَمْسَة وَمن الْغنم مَا بَين الْعشْرين إِلَى الثلائين. وحضروا إِلَى الْقَاهِرَة فَخلع السُّلْطَان على أيتمش وَبعد حضورهم بإسبوع قدم جَعْفَر بن عمر إِلَى الْقَاهِرَة وَنزل عِنْد الْأَمِير بكتمر الساقي مستجيراً فَأكْرمه وَدخل بِهِ على السُّلْطَان فاعترف بالْخَطَأ وَسَأَلَ الْعَفو وَأَن يُقرر عَلَيْهِ مَا يقوم بِهِ فَقبل السُّلْطَان قَوْله وَعَفا عَنهُ وخلع عَلَيْهِ وَمضى وَصَارَ يحمل الْقود فِي كل سنة. وَفِي لَيْلَة أول الْمحرم: هبت ريح بِدِمَشْق شَدِيدَة رمت عدَّة منَازِل وَخَربَتْ كثيرا من الْبيُوت فَهَلَك تَحت الرَّدْم خلق كثير وقلعت أَشجَار كَثِيرَة من أُصُولهَا. ثمَّ سكنت الرّيح ثمَّ ثارت لَيْلَة التَّاسِع عشر مِنْهُ وَلم تبلغ شدَّة الأولى. وَفِي صفر: اسْتَقر الْأَمِير سيف الدّين بهادر البدري نَائِب السلطنة بحمص عوضا عَن بدر الدّين بكتوت القرماني فَتوجه إِلَيْهَا فِي رَابِع ربيع الأول وَاسْتقر القرماني من جملَة أُمَرَاء دمشق. وَاسْتقر شرف الدّين مُحَمَّد بن معِين الدّين أبي بكر ظافر بن عبد الْوَهَّاب الهمذاني الْمَالِكِي ابْن خطب الفيوم فِي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن فَخر الدّين أَحْمد بن سَلامَة فِي تَاسِع عشري ربيع الأول. وَاسْتقر تَاج الدّين أَحْمد بن القلانسي فِي وكَالَة بَيت المَال بِدِمَشْق وَكتب. بِمَنْع ابْن تَيْمِية من الفتوي بِالْكَفَّارَةِ فِي الْيمن بِالطَّلَاق. وَفِيه قل الْمَطَر بِبِلَاد الشَّام حَتَّى أيس النَّاس واستسقوا بِدِمَشْق فسقوا وَمر دمشق سيل عَظِيم قل ماعهد مثله. وَفِيه استجد السُّلْطَان الْقيام فَوق الْكُرْسِيّ للأميرين جمال الدّين أقوش نَائِب الكرك وَسيف الدّين بكتمر البوبكري السِّلَاح دَار إِذا دخلا عَلَيْهِ. وَكَانَ نَائِب الكرك يتَقَدَّم على البوبكري عِنْد تَقْبِيل يَد السُّلْطَان فعتب الْأُمَرَاء على البوبكري. وَسُئِلَ السُّلْطَان عَن تَقْدِيمه نَائِب الكرك وتأخيره البوبكري فَأن الْعَادة جرت أَن يتَأَخَّر الْكَبِير فِي تَقْبِيل الْيَد ويتقدم الصَّغِير قبله فَقَالَ لِأَنَّهُ أكبر. فكشف عَن ذَلِك فَوجدَ أَن نَائِب الكرك قد أمره الْملك لمنصور قلاوون إمرة عشرَة وَجعله أستادار إبنه الْملك الْأَشْرَف فِي سنة خمس وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَوجد أَن البوبكري تَأمر بعد مسك سنقر الطَّوِيل عِنْدَمَا طلب من مماليك البرج هُوَ والخطيري وسنجر الجمقدار وطشتمر الجمقدار فِي سنة تسعين وسِتمِائَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 15 وَفِي يَوْم الْخَمِيس عَاشر ربيع الآخر: قدم شمس الدّين غبريال على الْبَرِيد من دمشق باستدعاء وخلع عَلَيْهِ بِنَظَر الشَّام. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ رَابِع عشر ربيع الآخر. فر الشريف رميثة أخر النَّهَار فَبعث السُّلْطَان فِي طلبه الْأَمِير قطلوبغا المغربي والأمير أقبغا أص الجاشنكير على الهجن السُّلْطَانِيَّة فِي لَيْلَة الْخَمِيس سَابِع عشره فَقبض عَلَيْهِ. بِمَنْزِلَة حقل فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ حادي عشريه وَقدم فِي خَامِس عشريه فسجن فِي الْجب من القلعة. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشر رَجَب: قدم الْأَمِير بدر الدّين مُحَمَّد بن التركماني من مَكَّة بِكِتَاب الشريف عطيفة وَأخْبر بِأَن القواد فِي طَاعَته وَأَن حميضة نزح إِلَى الْيمن وَذَلِكَ بعد أَن فَارقه بَنو شُعْبَة وَغَيرهم. وَفِيه قدم الْخَبَر بإفساد الْعَرَب بثغر عيذاب وقتلهم الشاد الْمُقِيم بهَا. فَجرد إِلَيْهِم السُّلْطَان من الْأُمَرَاء آقوش المنصوري وَهُوَ الْمُقدم وَمُحَمّد بن الشمسي وَعلي بن قراسنقر وطقصباي الحسامي وبيبرس الكريمي وآقوش العتريس وأنعم على آقوش المنصوري بإمرة طبلخاناه وأقطع ثغر أسوان ليقيم بعيذاب. وَفِي جُمَادَى الْآخِرَة: قدم سُلَيْمَان بن مهنا طَائِعا بعد دُخُوله إِلَى الأردو ملتجئاً إِلَى الْمغل فَأكْرمه السُّلْطَان وأنعم عَلَيْهِ بِمِائَتي ألف دِرْهَم من دمشق وَأَعْطَاهُ قماشاً بِثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم وَعَاد. وَفِيه اسْتَقر فِي نقابة الجيوش أَحْمد بن آقوش العزيزي المهمندار بعد وَفَاة الْأَمِير طيبرس الخزنداري. وَفِيه قدم كتاب أبي يحيى زَكَرِيَّا بن أَحْمد بن مُحَمَّد اللحياني الزَّاهِد بن عبد الْوَاحِد ابْن أبي حَفْص الْمَعْرُوف باللحياني يسْأَل الْإِسْعَاف بتجريد طَائِفَة من الْعَسْكَر إِلَيْهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 16 يحضر مَعَهم إِلَى مصر. فَخرج إِلَيْهِ الْأَمِير طقصباي الحسامي والأمير بدر الدّين بيليك المحسني فِي طَائِفَة من الأجناد وأحضراه بحرمه وَفِيه أنزلت خوند أردوكين بنت نوكاي من القلعة إِلَى الْقَاهِرَة بَعْدَمَا أَخذ السُّلْطَان مِنْهَا كثيرا من الْجَوَاهِر ورتب لَهَا عدَّة رواتب. وَفِيه عمل إبرنجي خَال القان أبي سعيد على قتل جوبان وواعد قرمشي ودقماق وَغَيرهمَا من المقدمين على ذَلِك. فَنقل الْخَبَر لجوبان ففر ونهبت أثقاله وَقتل لَهُ نَحْو ثَلَاثمِائَة رجل. وَلحق جوبان بتبريز وَقدم وَمَعَهُ عَليّ شاه إِلَى بو سعيد فتبرأ مِمَّا جرى عَلَيْهِ. وجهز لَهُ بو سعيد عسكراً وَركب مَعَه حَتَّى لقوا إبرنجي وَمن مَعَه فقاتلوهم وَأخذُوا إبرنجي وقرمشي ودقماق فَقتلُوا وَأمْسك أمراؤهم. وَتمكن جوبان من أعدائه وَقتل خلائق من الْمغل واتهم القان بوسعيد وَفِيه اهتم السُّلْطَان بالحركة إِلَى الْحجاز ليحج وَتقدم إِلَى كريم الدّين الْكَبِير بتجهيزه وَالسّفر إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة لعمل ثِيَاب أطلس برسم شمسوة الْكَعْبَة. فَطلب كريم الدّين أكْرم الصَّغِير وَغَيره من المباشرين وَأمرهمْ بتجهيز الإقامات والمعلوات والحوائج خاناه وَكتب لنائب الشَّام ونائب غَزَّة بتجهيز مَا يحْتَاج إِلَيْهِ. فتوالت تقادم الْأُمَرَاء والنواب من سَائِر الْبِلَاد الشامية. وَكَانَت أول تقدمة وصلت من الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام وفيهَا الْخَيل والهجن بأكوار ذهب وسلاسل ذهب وَفِضة ومقاود حَرِير ثمَّ تقدمة الْملك الْمُؤَيد صَاحب حماة. وَتَوَلَّى كريم الدّين بِنَفسِهِ تجهيز مَا يحْتَاج إِلَيْهِ وَعمل عدَّة قدور من ذهب وَفِضة ونحاس تحمل على البخاتي ويطبخ فِيهَا وأحضر الخولة لعمل مباقل ورياحين فِي أحواض من خشب تحمل على الْجمال فَتَصِير مزوعة وتستقى ويحصد مِنْهَا مَا تَدْعُو الْحَاجة إِلَيْهِ فِيهَا من البقل والكراث والكزبرة والنعناع وَالريحَان وأنواع المشمومات شَيْء كثير ورتب لَهَا الخولة لتعهدها وجهزت الأفران وصناع الكماج الجزء: 3 ¦ الصفحة: 17 والجبن المقلي وَغَيره. وَدفع كريم الدّين إِلَى العربان أُجْرَة الْأَحْمَال من الشّعير والدقيق والبقسماط وجهز فِي بَحر الْملح مركبين إِلَى يَنْبع ومركبين إِلَى جدة وَكتب أوراق العليق للسُّلْطَان والأمراء وعدتهم اثْنَان وَخَمْسُونَ أَمِيرا لكل أَمِير مَا بَين مائَة عليقة فِي كل يَوْم إِلَى خمسين عليقة إِلَى عشْرين عليقة فَكَانَت حَملَة العليق فِي مُدَّة الْغَيْبَة مائَة ألف وَثَلَاثِينَ ألف أردب من الشّعير. وَحمل من دمشق خمسائة حمل على الْجمال مَا بَين حلوى وسكردانات وفواكه وَمِائَة وَثَمَانُونَ حمل حب رمان ولوز وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ من أَصْنَاف المطبخ. وجهز كريم الدّين من الأوز ألف طَائِر وَمن الدَّجَاج ثَلَاثَة أُلَّاف طَائِر. وَعين السُّلْطَان الْأَمِير أرغون النَّائِب بديار مصر للإقامة بقلعة الْجَبَل وَمَعَهُ الْأَمِير أيتمش وَغَيره ورسم لمن تَأَخّر من الْأُمَرَاء أَن يتوجهوا إِلَى نواحي إقطاعهم فَيكون كل مِنْهُم بِبِلَاد إقطاعه إِلَى حِين عود السُّلْطَان وَلَا يجْتَمع أَمِير بأمير فِي غيبته. وَكتب إِلَى النواب بِالشَّام أَن يسْتَقرّ كل نَائِب. بمقر مَمْلَكَته وَلَا يتَوَجَّه إِلَى صيد إِلَى حِين عوده فامتثلت أوامره. وَفِيه قدم الْملك الْمُؤَيد من حماة فَتوجه الْمحمل على الْعَادة فِي يَوْم الْأَحَد ثامن عشر شَوَّال مَعَ الْأَمِير سيف الدّين طرجي أَمِير مجْلِس. وَركب السُّلْطَان من القلعة فِي أول ذِي الْقعدَة وَسَار من بركَة الْحَاج فِي سادسه وَمَعَهُ صَاحب حماة والأمراء وقاضي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة وَأهل الدولة. وَقدم السُّلْطَان مَكَّة بتواضع وذلة بِحَيْثُ قَالَ الْأَمِير بدر الدّين جنكلي بن البابا. لازلت أعظم نَفسِي إِلَى أَن رَأَيْت الْكَعْبَة وَذكرت بوس النَّاس الأَرْض لي فَدخلت فِي قلبِي مهابة عَظِيمَة مازالت حَتَّى سجدت لله تَعَالَى. وَحسن لَهُ بدر الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة أَن طوف رَاكِبًا كَمَا فعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ: وَمن أَنا حَتَّى أتشبه بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالله لَا طفت إِلَّا كَمَا يطوف النَّاس. وَمنع السُّلْطَان الْحجاب من منع النَّاس أَن يطوفوا مَعَه وصاروا يزاحمونه وَهُوَ يزاحمهم كواحد من النَّاس فِي مُدَّة طَوَافه وَفِي تقبيله الْحجر. وبلغه أَن جمَاعَة من الْمغل مِمَّن حج قد اختفي خوفًا مِنْهُ فأحضرهم وأنعم عَلَيْهِم وَبَالغ فِي إكرامهم. وَغسل الْكَعْبَة بِيَدِهِ وَأخذ أزر إِحْرَام وغسلها لَهُم بِنَفسِهِ. وأبطل سَائِر المكوس من الْحَرَمَيْنِ وَعوض أَمِيري الجزء: 3 ¦ الصفحة: 18 مَكَّة وَالْمَدينَة عَنْهَا إقطاعات. بِمصْر وَالشَّام. وَأحسن إِلَى أهل الْحَرَمَيْنِ وَأكْثر من الصَّدقَات. (وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث ذِي الْحجَّة) ظهر بعد الظّهْر الْقَمَر فِي السَّمَاء مُقَارنًا لكوكب وَأَقَامَا ظَاهِرين إِلَى بعد الْعَصْر. وَفِيه مهد السُّلْطَان مَا كَانَ فِي عقبَة أَيْلَة من الصخور ووسع طريقها حَتَّى أمكن سلوكها بِغَيْر مشقة. وَفِيه اتّفقت موعظة: وَهِي أَن السُّلْطَان بَالغ فِي تواضعه. بِمَكَّة فَلَمَّا أخرجت الْكسْوَة لتعمل على الْبَيْت صعد كريم الدّين الْكَبِير إِلَى أعلا الْكَعْبَة بَعْدَمَا صلى بجوفها ثمَّ جلس على العتبة ينظر إِلَى الخياطين فَأنْكر النَّاس استعلاءه على الطَّائِفَتَيْنِ فَبعث الله عَلَيْهِ نعاساً سقط مِنْهُ على أم رَأسه من علو الْبَيْت فَلَو لم يتداركوه من تَحْتَهُ لهلك. وصرخ النَّاس فِي الطّواف تَعَجبا من ظُهُور قدرَة الله فِي إذلال المتكبرين وَانْقطع ظفر كريم الدّين وَعلم بِذَنبِهِ فَتصدق بِمَال جزيل. وَفِي هَذِه السّنة: حشد الفرنج وَأَقْبلُوا يُرِيدُونَ استئصال الْمُسلمين من الأندلس فِي عدد لَا يُحْصى فِيهِ خَمْسَة وَعِشْرُونَ ملكا فقلق الْمُسلمُونَ بغرناطة واستنجدوا بالمريني ملك فاس فَلم ينجدهم فلجوا إِلَى الله وحاربوهم وهم نَحْو ألف وَخَمْسمِائة فَارس وَأَرْبَعَة أُلَّاف راجل فَقتلُوا الفرنج بأجمعهم. وَأَقل مَا قيل أَنه قتل مِنْهُم خَمْسُونَ ألفا وَأكْثر مَا قيل ثَمَانُون ألفا وَلم يقتل من الْمُسلمين سوى ثَلَاثَة عشر فَارِسًا وغنم الْمُسلمُونَ مَا لَا يدْخل تَحت حصر وسلخ الْملك دون بتروا وَحشِي قطناً وعلق على بَاب غرناطة فَطلب الفرنج الْهُدْنَة فعقدت وَبَقِي دون بتروا مُعَلّقا عدَّة سِنِين. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان الْأَمِير سيف الدّين كراي المنصوري فِي سادس عشر الْمحرم بسجن القلعة وَكَانَ مقدما قَلِيل السياسة. وَمَات الْأَمِير شُجَاع الدّين أغرلوا العادلي أحد مماليك الْعَادِل كتبغا بِدِمَشْق سلخ جُمَادَى الأولى وَكَانَ شجاعاً كَرِيمًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 19 وَمَات الْأَمِير عَلَاء الدّين طيبرس الخزنداري نقيب الْجَيْش وَأحد أُمَرَاء الطبلخاناه فِي عشري ربيع الآخر وَدفن بمدرسته الْمُجَاورَة للجامع الْأَزْهَر وَكَانَ قد أَقَامَ فِي نقابة الْجَيْش نَحْو أَربع وَعشْرين سنة لم يقبل فِيهَا لأحد هَدِيَّة وَكَانَ دينا صَاحب مَال كَبِير وَهُوَ أول من عمر فِي أَرض مصر بُسْتَان الخشاب وَالْجَامِع والخانكاه على النّيل وَبنى الْمدرسَة الْمُجَاورَة للجامع الْأَزْهَر وَعمل لذَلِك أوقافاً كَثِيرَة وَلما كملت وجاءه مباشروه بِحِسَاب مصروفها لم ينظر فِيهِ وغسله بِالْمَاءِ وَقَالَ: شَيْء خرحنا عَنهُ الله لَا نحاسسب عَلَيْهِ. وَمَات الْأَمِير ملكتمر السُّلَيْمَانِي الجمدار فَجْأَة. وَمَات الشَّيْخ أَبُو الْفَتْح نصر بن سُلَيْمَان بن عمر المنبجي لَيْلَة السَّابِع وَالْعِشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة ومولده فِي سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَكَانَ مُعْتَقدًا عَارِفًا بالقراءات مُحدثا فَقِيها حنفياً وَأقَام عدَّة سِنِين لَا يَأْكُل اللَّحْم وَحصل لَهُ حَظّ وافر فِي الدولة المظفرية بيبرس. وَمَات القَاضِي فَخر الدّين أَبُو عَمْرو عُثْمَان بن عَليّ بن يحيى بن هبة الله الْأنْصَارِيّ الشَّافِعِي عرف بإبن بنت أبي سعد فِي لَيْلَة الرَّابِع وَالْعِشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة ومولده فِي حادي عشري رَجَب سنة تسع وَعشْرين وسِتمِائَة بداريا ظَاهر دمشق وَاسْتقر عوضه فِي تدريس الْجَامِع الطولوني عز الدّين عبد الْعَزِيز ابْن قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة. وَمَات الْملك الْمُعظم شرف الدّين عِيسَى ابْن الْملك الزَّاهِر مجير الدّين دَاوُد ابْن الْمُجَاهِد أَسد الدّين شيركوه ابْن القاهر مُحَمَّد ابْن الْمَنْصُور أَسد الدّين شيركوه بن شادي بِالْقَاهِرَةِ فِي ثَانِي ذِي الْقعدَة وَقد حضر من دمشق فِي طلب إمرة فأنعم عَلَيْهِ بإمرة طبلخاناه بِدِمَشْق فَمَاتَ قبل عوده إِلَيْهَا. ومولده بِدِمَشْق فِي سنة خمس وَخمسين وسِتمِائَة. وَمَات بِدِمَشْق شهَاب الدّين أَحْمد بن صَلَاح الدّين مُحَمَّد ابْن الْملك الأمجد مجد الدّين حسن ابْن النَّاصِر دَاوُد ابْن الْمُعظم عِيسَى ابْن الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب فِي رَجَب يَوْم الْإِثْنَيْنِ لست بَقينَ مِنْهُ. وَمَات الصَّدْر بدر الدّين مُحَمَّد بن نَاصِر الدّين مَنْصُور بن الْجَوْهَرِي الْحلَبِي بِدِمَشْق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 فِي سادس عشر جُمَادَى الْآخِرَة ومولده بحلب فِي ثَالِث عشر صفر سنة اثْنَيْنِ وَخمسين وستمائه وَكَانَ من رُؤَسَاء الدولة العادلية كتبغا وَعرضت عَلَيْهِ وزارة دمشق فَأبى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 21 فارغة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 22 سنة عشْرين وَسَبْعمائة فِيهَا عَاد السُّلْطَان من الْحجاز بَعْدَمَا من بخليص وَقد جرى المَاء إِلَيْهَا. وَكَانَ قد ذكر لَهُ وَهُوَ بِمَكَّة أَن الْعَادة كَانَت جَارِيَة بِحمْل مَال إِلَى خليص ليجري المَاء من عين بهَا إِلَى بركَة يردهَا الْحَاج وَقد انْقَطع ذَلِك مُنْذُ سِنِين وَصَارَ الْحَاج يجد شدَّة من قلَّة المَاء بخليص فرسم بمبلغ خَمْسَة أُلَّاف دِرْهَم لإجراء المَاء من الْعين إِلَى الْبركَة وَجعلهَا مقررة فِي كل سنة لصَاحب خليص. فَأجرى صَاحب خليص المَاء قبل وُصُول السُّلْطَان إِلَيْهَا وَاسْتمرّ حمل المَال إِلَيْهِ فِي كل سنة وَوجد المَاء فِي الْبركَة دَائِما. ولقى السُّلْطَان فِي هَذِه السفرة جَمِيع العربان: من بني مهْدي وأمرائها وشطى وأخيه عساف وَأَوْلَاده وأشراف مَكَّة من الْأُمَرَاء وَغَيرهم وأشراف الْمَدِينَة والينبع وخليص وَبني لَام وعربان حوران وَأَوْلَاد مهنا مُوسَى وَسليمَان وفياض وَأحمد وجبار بعربهم وَلم يتَّفق اجْتِمَاع هَؤُلَاءِ لملك قبله. وَأَكْثرُوا من الدَّالَّة على السُّلْطَان وجروا على عوائدهم الْعَرَبيَّة من غير مُرَاعَاة الْآدَاب الملوكية وَهُوَ يَحْتَمِلهُمْ بِحَيْثُ أَن مُوسَى بن مهنا كَانَ ولد صَغِير فَقَامَ فِي بعض الْأَيَّام وَمد يَده إِلَى لحية السُّلْطَان وَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَليّ بحياة هذي ومسك مِنْهَا شَعرَات إِلَّا مَا أعطتني الضَّيْعَة الْفُلَانِيَّة إنعاماً عَليّ. فَصَرَخَ فِيهِ الْفَخر نَاظر الْجَيْش وَقَالَ لَهُ: شل يدك قطع يدك والك تمد يدك إِلَى السُّلْطَان فَتَبَسَّمَ لَهُ السُّلْطَان وَقَالَ: يَا قَاضِي هَذِه عَادَة الْعَرَب إِذا قصدُوا كَبِيرا فِي شَيْء فَيكون عَظمته عِنْدهم مسك لحيته يُرِيدُونَ أَنهم قد استجاروا بذلك الشَّيْء فَهُوَ سنة عِنْدهم. فَغَضب الْفَخر وَقَامَ وَهُوَ يَقُول: وَا لله إِن هَؤُلَاءِ مناحيس وسنتهم أنحس. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 23 وفيهَا قدم الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أرغون النَّائِب مبشراً إِلَى الْقَاهِرَة وَمَعَهُ الْأَمِير قطلوبغا المغربي. وَقدم الْأَمِير بدر الدّين بدرجك إِلَى دمشق مبشراً. وَقدم السُّلْطَان فِي يَوْم السبت ثَانِي عشر الْمحرم فَخرج الْأُمَرَاء إِلَى لِقَائِه ببركة الْحَاج وَركب بعد انْقِضَاء أَمر السماط فِي موكب جليل وَقد خرج سَائِر النَّاس لرُؤْيَته وَسَار إِلَى القلعة فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً وزينت الْقَاهِرَة ومصر زِينَة عَظِيمَة. وَفِي يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشره: جلس السُّلْطَان وخلع على سَائِر الْأُمَرَاء والقضاة وأرباب الدولة وعَلى الْأَمِير شطي بن عبِّيَّة وَحسن بن دريني وألبس كريم الدّين الْكَبِير أطلسين وَلم يتَّفق ذَلِك لمتعمم قبله. وَفِيه بعث السُّلْطَان بالجمال والزاد لتلقي المنقطعين من الْحَاج فتواصل قدوم الْحَاج إِلَى أَن وصل الْمحمل يَوْم الْأَحَد سَابِع عشريه وصحبته قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين وَغَيره فاتفق فِيهِ مطر عَظِيم وَفِيه خلع على الْملك الْمُؤَيد عماد الدّين إِسْمَاعِيل صَاحب حماة وَركب بشعار السلطنة من الْمدرسَة المنصورية بَين القصرين وَحمل وَرَاءه الْأَمِير قجليس السِّلَاح والأمير ألجاي الدواة ورتب مَعَه الْأَمِير بيبرس الأحمدي أَمِير جندار وأمير طبر وَسَار بالغاشية والعصائب وَسَائِر دست السلطنة وهم بِالْخلْعِ مَعَه إِلَى أَن صعد القلعة فَكَانَت عدَّة التشاريف مائَة وَثَلَاثِينَ تَشْرِيفًا: فِيهَا ثَلَاثَة عشر أطلس والبقية كنجي وَعمل الدَّار وطرد وَحش. وَجلسَ صَاحب حماة رَأس الميمنة ولقبه السُّلْطَان بِالْملكِ الْمُؤَيد وسافر من يَوْمه بَعْدَمَا جهزه السُّلْطَان بِسَائِر مَا يحْتَاج إِلَيْهِ. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشر صفر: أفرج عَن الْأَمِير علم الدّين سنجر البروانى والأمير عَلَاء الدّين أيتغلي الشيخى وصارم الدّين العينتابي وَعز الدّين أيدمر الشيخي وعلاء الدّين مغلطاي السيواسي والحاج بدر الدّين بيليك وشمس الدّين سنقر الكمالي الصَّغِير وَالشَّيْخ عَليّ التبريزي وَسيف الدّين منكجار وَسيف الدّين طوغان نَائِب البيرة وناصر الدّين منكلي وطاشار ومُوسَى وغازي أخوي حمدَان بن صلغاي وَعَن الشريف رميثة بن أبي نمى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 24 وَفِيه هرب من سجن الإسكندربة الْأَمِير سيف الدّين بهادر الإبراهيمي النَّقِيب وَيُقَال لَهُ زيرامو وبهادر التَّقْوَى الزراق فأدركهما الطّلب وأخذا وحملا إِلَى القلعة بعد مَا خرج الْأَمِير أيتمش المحمدي والأمير أصلم للقبض عَلَيْهِمَا فَلَمَّا أحضرا كتب بِعُود الأميرين أيتمش المحمدي وأصلم فَرَجَعَا ثَالِث يَوْم سفرهما وَأنزل بالأميرين الهاربين ليوسطا تَحت القلعة فشفع فيهمَا الْأُمَرَاء فأعفى السُّلْطَان عَنْهُمَا من الْقَتْل وكحلهما بالحديد المحمي مرَّتَيْنِ حَتَّى فقدا الْبَصَر. وَفِيه رسم بالإفراج عَمَّن فِي سجن الْإسْكَنْدَريَّة فقدموا الْقَاهِرَة وأنعم عَلَيْهِم بالإقطاعات من أجل أَنهم لم يوافقوا على الهروب. وَفِيه كتب بإعفاء الصاحب أَمِين الدّين عبد الله بن الغنام من نظر طرابلس وَأَن يُقيم بالقدس ورتب لَهُ فِي كل شهر ألف دِرْهَم وَبعث إِلَيْهِ كريم الدّين الْكَبِير هَدِيَّة حَسَنَة. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سادس ربيع الأول: سَار الْأَمِير بيبرس الْحَاجِب بطَائفَة من الأجناد إِلَى مَكَّة ليقيم بهَا بدل الْأَمِير آقسنقر شاد العمائر الَّذِي اسْتَخْلَفَهُ السُّلْطَان. بِمَكَّة وَمَعَهُ عدَّة أجناد تخوفاً من هجوم الشريف حميضة على مَكَّة. وَفِيه كتب بِخُرُوج عَسَاكِر الشَّام إِلَى غَزْو بِلَاد متملك سيس لمَنعه الْحمل. وَفِيه أبطل مكس الْملح بديار مصر فأبيع الأردب الْملح بِثَلَاثَة دَرَاهِم بَعْدَمَا كَانَ بِعشْرَة فَإِنَّهُ كتب إِلَى الْأَعْمَال أَلا يمْنَع أحد من شيل الْملح من الملاحات وأبيحت لكل أحد فبادر النَّاس إِلَيْهَا وجلبوا الْملح. وَفِيه وصلت السّتْر الرفيع الخاتوني طلنباي وَيُقَال دلنبية وَيُقَال طولونية بنت طغاي بن هندو بن باطو بن دوشي خَان بن جنكزخان. وَسبب ذَلِك أَن السُّلْطَان كَانَ قد بعث إِلَى أزبك يخْطب بعض الْجِهَات الجنكزية فاشتط بِهِ أزبك فِي طلب الْمهْر وَطول الْمدَّة وَكَثْرَة الشُّرُوط فَأَعْرض السُّلْطَان عَن الْخطْبَة وسير إِلَيْهِ الْهَدِيَّة كَمَا تقدم. وَكَانَ أزبك قد عين الْمَذْكُورَة فاستدعى التُّجَّار واقترض مِنْهُم ثَلَاثِينَ ألف دِينَار. بمعاملتهم صرف كل دِينَار سِتَّة دَرَاهِم وجهزها مَعَ بعض أمرائه فِي مائَة وَخمسين رجلا وَسِتِّينَ جَارِيَة وقاضي سراي وَمَعَهُمْ هَدِيَّة سنية فقدموا فِي الْبَحْر إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فِي عشري ربيع الأول. وَخرج الْأَمِير أقبغا عبد الْوَاحِد فِي عدَّة من الْأُمَرَاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 25 وَمَعَهُ الحراريق إِلَى لقائها وَخرج كريم الدّين الْكَبِير وَمَعَهُ عربان وبخاتي وبغال وَضرب الْخيام الْحَرِير الأطلس بالميدان. فَحملت الخاتون فِي الحراريق إِلَى سَاحل مصر وَركبت فِي العربة إِلَى الميدان والحجاب تمْضِي قُدَّام العربة فأقامت بالخيام ثَلَاثَة أَيَّام. ثمَّ حملت إِلَى القلعة لَيْلَة السبت سلخه فِي عربة تجرها الْعجل وَهِي كالقبة مغطاة بالديباج وَفِي خدمتها الْأَمِير أرغون النَّائِب والأمير بكتمر الساقي وَالْقَاضِي كريم الدّين الْكَبِير. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي ربيع الآخر: جلس السُّلْطَان للرسل وَحضر كَبِيرهمْ باينجار وَكَانَ مقْعدا لَا يقدر على الْقيام وَلَا الْمَشْي وَإِنَّمَا يحمل وَدخل مَعَه إيتغلي وطقبغا ومنغوش وطرجي وَعُثْمَان خجا وَالشَّيْخ برهَان الدّين إِمَام القان ورسل الأشكري. فأجلس باينجار وَأخذ مِنْهُ كتاب أزبك فَبلغ السَّلَام وَقَالَ: أَخُوك أزبك أَنْت سيرت طلبت من عظم القان بِنْتا فَلَمَّا لم يسيرها لم يطب خاطرك وَقد سيرنا لَك من بَيت كَبِير فَإِن أعجبتك خُذْهَا بِحَيْثُ لَا تخلي عنْدك أكبر مِنْهَا وَإِن لم تعجبك فاعمل بقول الله تَعَالَى: إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَات إِلَى أَهلهَا. فَقَالَ السُّلْطَان: نَحن مَا نُرِيد الْحسن وَإِنَّمَا نُرِيد كبر الْبَيْت والقرب من أخي ونكون نَحن وإياه شَيْئا وَاحِدًا. وبلغه أَيْضا برهَان الدّين مشافهة من قبل أزبك. فَتَوَلّى قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة العقد على ثَلَاثِينَ ألف دِينَار الْحَال مِنْهَا عشرُون ألفا والمؤجل عشرَة أُلَّاف وَقَبله السُّلْطَان بِنَفسِهِ. وَكتب عَلَاء الدّين على بن الْأَثِير كَاتب السِّرّ العقد بِخَطِّهِ وَصورته بعد الْبَسْمَلَة: هَذَا مَا أصدق مَوْلَانَا السُّلْطَان الْأَجَل الْملك النَّاصِر على الخاتون الجليلة بنت أخي السُّلْطَان أزبك خَان طولو ابْنة طغاي بن بكر بن دوشي خَان بن جنكزخان. وخلع السُّلْطَان يَوْمئِذٍ خَمْسمِائَة خلعة وَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَبني عَلَيْهَا من لَيْلَتهَا فَلم تلق بخاطره. وَأصْبح السُّلْطَان فَتقدم إِلَى كريم الدّين أكْرم الصَّغِير بالتوجه إِلَى الصَّعِيد وتعبية الإقامات إِلَى قوص وجهز الرُّسُل بالهدايا والإنعامات وسفرهم وَركب للصَّيْد. وفيهَا توقف حَال النَّاس بِسَبَب الْفُلُوس وَمَا كثر فِيهَا من الزغل وَكَانَت الْمُعَامَلَة بهَا عددا عَن كل دِرْهَم فضَّة عدَّة ثَمَانِيَة وَأَرْبَعين فلسًا من ضرب السُّلْطَان فعملها الزغلية وخفوا وَزنهَا حَتَّى صَار الْفلس زنته سدس دِرْهَم. وَكَانَت مُعَاملَة دمشق بالفلوس الَّتِي يُقَال لَهَا الْقَرَاطِيس والقرطاس سِتَّة فلوس ويعد فِي الدِّرْهَم الْفضة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 26 أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ قرطاساً فَأبْطل السُّلْطَان الْقَرَاطِيس من دمشق وَضرب بهَا كل فلس زنته دِرْهَم وَالدِّرْهَم بِثمَانِيَة وَأَرْبَعين فلسًا مثل مُعَاملَة مصر فنقلت هَذِه الْفُلُوس الْخفاف الْقَرَاطِيس إِلَى مصر وخلطت بفلوس الْمُعَامَلَة حَتَّى كثرت وَقلت الْجِيَاد. فتعبت النَّاس فِيهَا وزادت الأسعار كلهَا حَتَّى غلقت الباعة الحوانيت عِنْدَمَا نُودي أَن يكون الْفُلُوس بالميزان على أَن كل رَطْل مِنْهَا بِثَلَاثَة دَرَاهِم فضَّة. فَركب وَإِلَى الْقَاهِرَة وَضرب كثيرا من أَرْبَاب المعايش بالمقارع وشهرهم وَلم يرجِعوا فَنُوديَ أَن الْفلس الَّذِي عَلَيْهِ بقجة من ضرب دَار الضَّرْب يُؤْخَذ والفلس الْخَفِيف يرد فَلم يفد ذَلِك شَيْئا. وَعمل الزغلية فُلُوسًا خفافاً عَلَيْهَا بقجة فَنُوديَ أَن يُؤْخَذ الْجَمِيع بِحِسَاب دِرْهَمَيْنِ وَنصف الرطل فمضي الْحَال قَلِيلا وَاسْتمرّ عنت الْعَامَّة وَكثر تعطيلهم الحوانيت وغلقها. وَكَانَ السُّلْطَان غَائِبا فَلَمَّا نزل بالجيزة وَخرج كريم الدّين إِلَى لِقَائِه صاحت بِهِ الْعَامَّة وفاجأوه. مِمَّا لَا يَلِيق وتكاثروا عَلَيْهِ من كل جِهَة وَشَكوا مَا بهم من أَمر الْفُلُوس ورد الباعة لَهَا وَقلة الْخبز وَغَيره فَوَعَدَهُمْ بِخَير وَعرف كريم الدّين السُّلْطَان ذَلِك. فاستدعى السُّلْطَان الْأُمَرَاء وَأنكر عَلَيْهِم رد مباشريهم الْفُلُوس وَعدم بيعهم الْقَمْح من الشون للطحانين والموانة وَقرر ضرب فلوس جدد زنة الْفلس مِنْهَا دِرْهَم وعَلى أحد وجهيه لَا إِلَه الا الله مُحَمَّد رَسُول الله وعَلى الآخر اسْم السُّلْطَان فَضرب مِنْهَا نَحْو ثَمَانِينَ ألف رَطْل. وَاسْتقر الْفُلُوس الْعتْق كل رَطْل بِثَلَاثَة دَرَاهِم إِلَى أَن تخرج الْفُلُوس الجدد من دَار الضَّرْب. فاستمر ذَلِك ومشت الْأَحْوَال إِلَّا أَنه صَار فِيهَا غبن زَائِد وَذَلِكَ أَن الرطل من الْعتْق يبلغ سَبْعَة دَرَاهِم بِالْعدَدِ. وفيهَا قدمت رسل متملك الْيمن بالهدية وأحضروا بالقلعة يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَالِث عشر جُمَادَى الْآخِرَة. وَفِي ليلته: خسف الْقَمَر. وفيهَا بعث السُّلْطَان ثَلَاثِينَ فداويا من أهل قلعة مصياب للفتك بالأمير قراسنقر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 27 فعندما وصلوا إِلَى تبريز نم بَعضهم لقراسنقر عَلَيْهِم فتتبعهم وَقبض على جمَاعَة مِنْهُم وقتلهم. وَانْفَرَدَ بِهِ بَعضهم وَقد ركب من الأردو فقفز عَلَيْهِ فَلم يتَمَكَّن مِنْهُ وَقتل. واشتهر فِي الأردو خبر الفداوية وَأَنَّهُمْ حَضَرُوا لقتل السُّلْطَان أبي سعيد وجوبان والوزير على شاه وقراسنقر وأمراء الْمغل فاحترسوا على أنفسهم وقبضوا عدَّة فداوية. فتحيل بَعضهم وَعمل حمالاً وَتبع قراسنقر ليقفز عَلَيْهِ فَلم يلْحقهُ وَوَقع على كفل الْفرس فَقتل فاحتجب أَبُو سعيد بالخركاه أحد عشر يَوْمًا خوفًا على نَفسه. وَطلب الْمجد إِسْمَاعِيل وَأنكر عَلَيْهِ جوبان وأخرق بِهِ وَقَالَ لَهُ: والك أَنْت كل قَلِيل تحضر إِلَيْنَا هَدِيَّة وتريد منا أَن نَكُون متفقين مَعَ صَاحب مصر لتمكر بِنَا حَتَّى تَقْتُلنَا الفداوية والإسماعيلية وهدده أَنه يقْتله شَرّ قتلة ورسم عَلَيْهِ فَقَامَ مَعَه الْوَزير على شاه حَتَّى أفرج عَنهُ. ثمَّ قدم الْخَبَر من بَغْدَاد بِأَن بعض الإسماعيلية قفز على النَّائِب بهَا وَمَعَهُ سكين فَلم يتَمَكَّن مِنْهُ وَوَقعت الضَّرْبَة فِي أحد أُمَرَاء الْمغل وَأَن الْإِسْمَاعِيلِيّ فر فَلَمَّا أدْركهُ الطّلب قتل نَفسه. فتنكر جوبان لذَلِك وجهز الْمجد السلَامِي إِلَى مصر ليكشف الْخَبَر وبعثوا فِي أَثَره رَسُولا بهدية. وفيهَا عَادَتْ العساكر من غَارة سيس إِلَى أَبْيَات مهنا وطردوه من مَكَانَهُ وَفرقُوا جمعه فِي نواحي الْعرَاق. وفيهَا كثرت كِتَابَة الأوراق للسُّلْطَان فِي أمرائه وَأهل دولته وإلقائها من غير أَن يعلم من أَيْن هِيَ أَو ربطها بجناح طَائِر حمام وحذفه خَارج حَائِط الميدان تَحت القلعة إِلَى دَاخله فتأذى بذلك جمَاعَة كَثِيرَة. فاتفق إِن السُّلْطَان ركب إِلَى مطعم الطُّيُور بالمسطبة الَّتِي أَنْشَأَهَا قَرِيبا من بركَة الْحَبَش فَوجدَ ورقة مختومة فقرأها وَلم يعلم أحدا فِيهَا وَعَاد إِلَى القلعة وَقد اشْتَدَّ حنقه ووقف عِنْد دَار النِّيَابَة وَأمر بهدم المساطب والرفرف وغلق الشباك. ثمَّ بعث السُّلْطَان أَمِير جاندار الْأَمِير سيف الدّين البوبكري أَن يتَحَوَّل من دَاره بالقلعة ويسكن بِالْقَاهِرَةِ فَنزل من يَوْمه وَسكن بدار كراي المنصوري وهدمت الدَّار الَّتِي كَانَ البوبكري يسكنهَا وعمرت قاعات وطباق للخاصكية. وَامْتنع السُّلْطَان من ركُوبه إِلَى الْمطعم الْمَذْكُور وَصَارَ يركب إِلَى ميدان القبق. وَكَانَت الورقة تَتَضَمَّن سبّ السُّلْطَان وَسُوء تصرفه وتسليطه الْكتاب النَّصَارَى على الْمُسلمين وصلحه مَعَ الْمغل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 28 وَاتفقَ أَن بعض الْعَامَّة أخبر عَن شخص غَرِيب فأفضى الْأَمر إِلَى حملهما إِلَى الخازن وَإِلَى الْقَاهِرَة فَقَالَ الْعَاميّ: هَذَا الْغَرِيب قَاصد وَمَعَهُ فداوية فقرره الْوَالِي فاعترف أَن مَعَه أَرْبَعَة من جِهَة قراسنقر بَعثهمْ لقتل السُّلْطَان فَقبض مِنْهُم على رجلَيْنِ وفر الْآخرَانِ. وَحمل الْوَالِي إِلَى السُّلْطَان فأقرا بِأَنَّهُمَا من جِهَة قراسنقر فَأمر بهما فقتلا. وَأخذ السُّلْطَان يحترس على نَفسه وَمنع عِنْد ركُوبه إِلَى الميدان المتفرجين من الْجُلُوس فِي الطرقات وألزم النَّاس بغلق طاقات الْبيُوت. وفيهَا قبض على الْأَمِير علم الدّين سنجر الجاولي نَائِب غَزَّة وسجن بالإسكندرية وَوَقعت الحوطة على موجوده يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشري رَمَضَان. وَكَانَ ذَلِك لقلَّة اكتراثه بالأمير نَائِب الشَّام وموافقة بعض مماليكه على مَا قيل فِيهِ أَنه يُرِيد التَّوَجُّه إِلَى الْيمن. وفيهَا قدم الْخَبَر من الْأَمِير بيبرس الْحَاجِب بقتل الشريف حميضة بن أبي نمى ثمَّ قدم الْأَمِير وفيهَا قدم الْمجد السلَامِي على الْبَرِيد من عِنْد الْملك أبي سعيد بن خربندا فِي طلب الصُّلْح فَخرج القَاضِي كريم الدّين الْكَبِير إِلَى لِقَائِه وَصعد بِهِ إِلَى القلعة فَأخْبر الْمجد السلَامِي برغبة جوبان وأعيان دولة أبي سعيد فِي الصُّلْح وَأَن الْهَدِيَّة تصل مَعَ الرُّسُل فَكتب إِلَى نائبي حلب ودمشق بتلقي الرُّسُل وإكرامهم. فَقدم الْبَرِيد بِأَن سُلَيْمَان بن مهنا عَارض الرُّسُل وَأخذ جَمِيع مَا مَعَهم من الْهَدِيَّة وَقد خرج عَن الطَّاعَة لإِخْرَاج أَبِيه مهنا من الْبِلَاد وَإِقَامَة غَيره فِي إمرة الْعَرَب. ثمَّ قدمت الرُّسُل بعد ذَلِك بالكتب وفيهَا طلب الصُّلْح بِشُرُوط: مِنْهَا أَلا تدخل الفداوية إِلَيْهِم وَأَن من حضر من مصر إِلَيْهِم لَا يطْلب وَمن حضر مِنْهُم إِلَى مصر لَا يعود إِلَيْهِم إِلَّا بِرِضَاهُ وَألا يبْعَث إِلَيْهِم بغارة من عرب وَلَا تركمان وَأَن تكون الطَّرِيق بَين المملكتين مفسوحة تسير تجار كل مملكة إِلَى الْأُخْرَى وَأَن يسير الركب من الْعرَاق إِلَى الْحجاز فِي كل عَام. بمحمل وَمَعَهُ سنجق فِيهِ اسْم صَاحب مصر مَعَ سنجق أبي سعيد ليتجمل بالسنجق السلطاني وَألا يطْلب الْأَمِير قراسنقر. فَجمع السُّلْطَان الْأُمَرَاء واستشارهم فِي ذَلِك بعد مَا قَرَأَ عَلَيْهِم الْكتاب فاتفق الرَّأْي على إِمْضَاء الصُّلْح بِهَذِهِ الشُّرُوط وجهزت الْهَدَايَا لأبي سعيد: وفيهَا خلعة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 29 أطلس باولي زركش وقباء تتري وقرقلات وَغير ذَلِك مِمَّا بلغت قِيمَته أَرْبَعِينَ ألف دِينَار. وأعيد الرُّسُل بِالْجَوَابِ وَفِيه آلا يُمكن عرب آل عِيسَى من الدُّخُول إِلَى الْعرَاق فَإِن الْعَسْكَر وَاصل لقتالهم وفيهَا أنشأ السُّلْطَان ميدان المهار بجوار قناطر السبَاع فِيمَا بَين الْقَاهِرَة ومصر وَنقل إِلَيْهِ الطين وَزرع فِيهِ النّخل وَلعب فِيهِ بالكرة مَعَ الْأُمَرَاء ورتب فِيهِ الحجورة للنتاج فاستمر ذَلِك وَصَارَ يتَرَدَّد إِلَيْهِ ثمَّ أنشا السُّلْطَان بجوار جَامع الْأَمِير عَلَاء الدّين طيبرس زريبة على النّيل ليبرز بمناظر الميدان الْكَبِير إِلَى قرب شاطئ النّيل وَكَانَ قد أخر عمل ذَلِك بِسَبَب قرب سَفَره إِلَى الصَّعِيد. وفيهَا مرض كريم الدّين الْكَبِير نَحْو أسبوعين فَكَانَ يحضر عَلَيْهِ فِي كل يَوْم جمدار فيخلع عَلَيْهِ بكرَة النَّهَار وَيعود فيأتيه أخر الْعَصْر فيخلع عَلَيْهِ وَكلما أَتَاهُ مَمْلُوك من جِهَة أحد الْأُمَرَاء للسلام عَلَيْهِ خلع عَلَيْهِ فَلَمَّا عوفي وَركب زينت الْقَاهِرَة وَأوقدت فِيهَا الشموع وَجَلَست المغاني وَاجْتمعَ النَّاس لرُؤْيَته فَكَانَ يَوْمًا مشوداً. وَلما قدم إِلَى الْمدرسَة المنصورية بَين القصرين بِمَال فَتصدق فَمَاتَ فِي الإزدحام سِتَّة أنفس وَصعد كريم الدّين إِلَى القلعة ثمَّ ركب من الْغَد إِلَى مَدِينَة مصر فزينت لركوبه أَيْضا وزينت الحراريق ولعبت فِي النّيل فَخلع على رُؤَسَاء الحراريق وَفرق فِي رجالها مَالا وَعمل لَهُم مائَة خروف شواء وَكَانَ عدَّة الشموع الَّتِي اشتعلت لَهُ فِي مصر ألفا وسِتمِائَة شمعة ونثر النَّاس على رَأسه الذَّهَب وَالدَّرَاهِم وَعمل لَهُ الْفَخر نَاظر الْجَيْش ضِيَافَة عَظِيمَة فَكَانَت تِلْكَ الْأَيَّام من الْأَيَّام المشهودة. وفيهَا قدم الْخَبَر بِأَن أَبَا سعيد أراق الْخُمُور فِي سَائِر مَمْلَكَته وأبطل مِنْهَا بيُوت الْفَوَاحِش وَأبْعد أَرْبَاب الملاهي وأغلق الْخَانَات وأبطل المكوس الَّتِي تجبي من التِّجَارَة الْوَارِدَة إِلَيْهِم من الْبِلَاد وَهدم كنائس بِالْقربِ من توريز وَرفع شَهَادَة الْإِسْلَام وَنشر الْعدْل وَعمر الْمَسَاجِد والجوامع وَقتل من وجد عِنْده الْخمر بعد إراقته فَكتب السُّلْطَان سَائِر نواب الشَّام بِإِبْطَال ضَمَان الخمارات وإراقة الْخُمُور وغلق الحانات واستتابة أهل الْفَوَاحِش فَعمل ذَلِك فِي سَائِر مدن الْبِلَاد الشامية وضياعها وجبالها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 30 واجتهد النواب فِي إِزَالَة الْمَنَاكِير حَتَّى طهر الله مِنْهَا وَمن أَهلهَا الْبِلَاد. وفيهَا قدم مَمْلُوك الْمجد السلَامِي وَرَسُول أبي سعيد وجوبان وأخبروا بوصول الْهَدِيَّة السُّلْطَانِيَّة وسألوا تجهيز السنجق السلطاني ليسير مَعَ الركب إِلَى الْحجاز فسير سنجق حَرِير أصفر بطلعة ذهب وَكتب لصَاحب مَكَّة بإكرام حَاج الْعرَاق. وفيهَا قدم الْبَرِيد من حلب بِأَن أَبَا سعيد قد نَادَى فِي مَمْلَكَته بِالْحَجِّ فتجهز عَالم عَظِيم وَأَن فياضاً وَسليمَان ابْني مهنا قد كثر فسادهما وقطعهما الطَّرِيق على التُّجَّار وَيخَاف على الرَّاكِب الْعِرَاقِيّ من عرب مهنا. فَاقْتضى رَأْي السُّلْطَان أَن استدعي سيف ابْن فضل أخي مهنا من الْبِلَاد وَقرر مَعَه أَن أَبَاهُ فضلا يمْنَع مهنا وَأَوْلَاده من التَّعَرُّض لركب الْعرَاق فَقَامَ فِي ذَلِك فضل وخدع أَخَاهُ مهنا حَتَّى كف عَنْهُم وَلم يتَعَرَّض لأحد مِنْهُم وَبعث مهنا بإبنه مُوسَى إِلَى السُّلْطَان بِأَنَّهُ لم يتَعَرَّض للركب فَأكْرمه السُّلْطَان وخلع عَلَيْهِ وعَلى من مَعَه. وفيهَا أخرج الْأَمِير بدر الدّين مُحَمَّد بن التركماني فِي الشَّام على إمرة لتغير كريم الدّين الْكَبِير مِنْهُ. وَفِي ثَانِي عشري رَجَب: عقد بدار السَّعَادَة بِدِمَشْق مجْلِس لإبن تَيْمِية وَمنع من الْإِفْتَاء بِمَسْأَلَة الطَّلَاق ثمَّ اعتقل بالقلعة إِلَى يَوْم عَاشُورَاء سنة إِحْدَى وَعشْرين فأفرج عَنهُ. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الْغَنِيّ بن أبي اسحاق قَاضِي شمس الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الْغَنِيّ بن أبي إِسْحَاق السرُوجِي الْحَنَفِيّ فِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشري رَجَب بعد عَزله فِي رَابِع ربيع الآخر بشمس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 31 الدّين مُحَمَّد بن عُثْمَان الحريري ومولده سنة سبع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَكَانَ من أَئِمَّة الْحَنَفِيَّة وَلم يسمع عَنهُ مَا يشينه وَلَا راعي صَاحب جاه قطّ مَعَ السماح والجود. وَمَات الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن أبي بكر بن عرام بن إِبْرَاهِيم بن ياسين بن أبي الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الشَّيْخ بهاء الدّين أبي الْعَبَّاس بن أبي الفضال بن أبي الْمجد ابْن أبي إِسْحَاق الربعِي الشافعى سبط أبي الْحسن على الشاذلي فِي لَيْلَة سَابِع شَوَّال ومولده سنة أَربع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة. سمع الحَدِيث وَقَرَأَ النَّحْو وتصوف وتصدر بالإسكندرية لإقراء الْعَرَبيَّة وَولي نظر الأحباس بهَا وصنف فِي الْفِقْه وَغَيره. وَمَات الصاحب قوام الدّين الْحسن بن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن عبد الْكَرِيم بن أبي سعيد الْمَعْرُوف بِابْن الطراح فِي أول الْمحرم بِبَغْدَاد ومولده فِي ربيع الأول سنة خمسين وسِتمِائَة وَهُوَ من بَيت علم ورياسة وَكَانَ يعرف النَّحْو واللغة والحساب والنجوم وَالْأَدب. وَمَات الصَّدْر فَخر الدّين أَبُو الْهدى أَحْمد بن اسماعيل بن عَليّ بن الْحباب الْكَاتِب يَوْم الْخَمِيس تَاسِع رَمَضَان عَن سبع وَتِسْعين سنة. وَقتل إِسْمَاعِيل بن سعيد الْكرْدِي على الزندقة يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس عشري صفر وَكَانَ عَارِفًا بالقراءات وَالْفِقْه والنحو والتصريف ويحفظ كثيرا من التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَيحل فِي الْفِقْه ويحفظ الْعُمْدَة فِي الحَدِيث غير أَنه حفظت عَنهُ عظائم فِي حق الْأَنْبِيَاء وَكَانَ يتجاهر بِالْمَعَاصِي فَاجْتمع الْقُضَاة وضربوا عُنُقه بَين القصرين. وَمَات الْحسن بن عمر بن عيسي بن الْخَلِيل الْكرْدِي الدمشقى بِنَاحِيَة الجيزة تجاه مصر فِي ثَالِث وَمَات كَمَال الدّين عبد الرَّحِيم بن عبد المحسن بن ضرغام الْكِنَانِي الْحَنْبَلِيّ خطيب جَامع المنشاة فِيمَا بَين الْقَاهِرَة ومصر فِي ربيع الآخر عَن ثَلَاث وَتِسْعين سنة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 32 وَمَات كَمَال الدّين أَبُو الحفص عمر بن عز الدّين أبي البركات عبد الْعَزِيز بن محيي الدّين أبي عبد الله بن مُحَمَّد بن نجم الدّين أبي الْحسن أَحْمد بن جمال الدّين هبة الله أبي الْفضل بن مجد الدّين أبي غَانِم مُحَمَّد بن هبة الله بن أَحْمد بن يحيى بن أبي جَرَادَة الْعقيلِيّ الْحلَبِي الْحَنَفِيّ قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بحلب وَكَانَ مشكوراً. وَمَات زين الدّين أَبُو الْقَاسِم مُحَمَّد بن الْعلم مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عَتيق بن رَشِيق الإسكندري الْفَقِيه المعمر الْمَالِكِي بِمصْر فِي لَيْلَة الْجُمُعَة حادي عشر الْمحرم عَن اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين سنة ولي قَضَاء الْإسْكَنْدَريَّة مُدَّة اثْنَتَيْ عشرَة سنة وَعرض عَلَيْهِ قَضَاء دمشق فَامْتنعَ وَله نظم. وَمَات شرف الدّين يَعْقُوب بن أَحْمد بن الصَّابُونِي الْحلَبِي بِالْقَاهِرَةِ فِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشري رَجَب كَانَ مُحدثا عدلا ودرس بالمنكوتمرية من الْقَاهِرَة وتميز فِي كِتَابَة السجلات. وَمَات القَاضِي زين الدّين أَبُو بكر بن نصر بن حُسَيْن بن حسن بن حُسَيْن الأسعردي محتسب الْقَاهِرَة ووكيل بَيت المَال فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس عشري رَمَضَان وَاسْتقر فِي الْوكَالَة بعده قطب الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الصَّمد السنباطي وَفِي حسبَة الْقَاهِرَة ابْن عَمه نجم الدّين مُحَمَّد بن وَمَات عَليّ بن عبد الصَّمد الأسعردي فِي سَابِع شَوَّال. وَمَات الشَّيْخ نجم الدّين أَبُو الْحسن على بن الأسيوطي الْمُقْرِئ الْوَاعِظ فِي يَوْم الْجُمُعَة سادس عشر ذِي الْحجَّة. وَقتل أقبجا مَمْلُوك ركن الدّين بيبرس التاحي بِدِمَشْق لدعواه النُّبُوَّة فِي خَامِس عشري ربيع الأول. وَمَات بهاء الدّين السنجاري محتسب مصر يَوْم الثُّلَاثَاء حادي عشري ذِي الْقعدَة فولي بعد نجم الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن أبي الحزم الْقَمُولِيّ خَليفَة الحكم فِي ثامن ذِي الْحجَّة. وَمَات صَاحب غرناطة من بِلَاد الأندلس الْغَالِب بِاللَّه أَبُو الْوَلِيد اسماعيل بن فرج بن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 33 إسماعبل بن يُوسُف بن نصر فِي ذِي الْقعدَة وأقيم بعده ابْنه أَبُو عبد الله مُحَمَّد فَكَانَت مدَّته ثَلَاث عشرَة سنة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 34 (سنة إِحْدَى وَعشْرين وَسَبْعمائة) فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَالِث الْمحرم: قدم الْفَخر نَاظر الْجَيْش من الْحجاز وَكَانَ قد سَافر إِلَى مَكَّة فِي مُدَّة اثنى عشر يَوْمًا وَغَابَ حَتَّى قدم نَحْو شهر وَتصدق فِي الْحَرَمَيْنِ بإثني عشر ألف دِينَار. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء حادي عشره: قدم الْأَمِير أرغون النَّائِب من الْحجاز وَكَانَ قد سَافر أول ذِي الْقعدَة وَمَشى من مَكَّة إِلَى عَرَفَات على قَدَمَيْهِ بهيئة الْفُقَرَاء. ثمَّ قدم الْأَمِير بهاء الدّين أصلم أَمِير الركب بالحاج وَلم ير فِيمَا تقدم مثل كَثْرَة الْحَاج فِي موسم الحالية. وَكَانَت الوقفة يَوْم الْجُمُعَة. وَكَانَ حَاج مصر سَبْعَة ركُوب: ركب فِي شهر رَجَب وَأَرْبَعَة فِي شَوَّال أَولهَا رَحل فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس عشره ورحل أَخّرهَا يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع عشره. وَسَار الْأَمِير أرغون النَّائِب أول ذِي الْقعدَة فِي جمَاعَة ثمَّ توجه الْفَخر فِي جمَاعَة وَركب الْبَحْر خلائق وَاجْتمعَ بِعَرَفَة مَا يزِيد على ثَلَاثِينَ ركباً. ووقف محمل الْعرَاق خلف محمل مصر وَمن خَلفه محمل الْيمن. واعتنى أَبُو سعيد بِأَمْر حَاج الْعرَاق عناية تَامَّة وغشى الْمحمل بالحرير ورصعه بِاللُّؤْلُؤِ والياقوت وأنواع الْجَوَاهِر وَجعل لَهُ جتراً ينصب عَلَيْهِ إِذا وضع. فَلَمَّا مر ركب الْعرَاق بعرب الْبَحْرين خرج عَلَيْهِم ألف فَارس يُرِيدُونَ أَخذهم فتوسط النَّاس بَينهم على أَن يَأْخُذُوا من أَمِير الركب ثَلَاثَة أُلَّاف دِينَار فَلَمَّا قيل لَهُم إِنَّمَا جِئْنَا من الْعرَاق بِأَمْر الْملك النَّاصِر صَاحب مصر وَكتابه إِلَيْنَا بِالْمَسِيرِ إِلَى الْحجاز أعادوا المَال وَقَالُوا: لأجل الْملك النَّاصِر نخفركم بِغَيْر شَيْء ومكنوهم من الْمسير. فَبلغ ذَلِك السُّلْطَان فسر بِهِ وَبَالغ فِي الإنعام على العربان. وَكَانَ السُّلْطَان قد بعث إِلَى أُمَرَاء الْمغل وأعيانهم الْخلْع فَلَمَّا انْقَضى الْحَج خلع عَلَيْهِم الْأَمِير أرغون النَّائِب ودعا لأبي سعيد بعد الدُّعَاء للسُّلْطَان بِمَكَّة. وَفِيه قدم كتاب نَائِب الشَّام فِي الشَّفَاعَة فِي ابْن تَيْمِية وَكَانَ قد سجن فِي السّنة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 35 الْمَاضِيَة فأفرج عَنهُ بَعْدَمَا سجن خَمْسَة أشهر وَشرط عَلَيْهِ أَلا يُفْتِي بِمَسْأَلَة الطَّلَاق. وَفِيه اسْتَقر كريم الدّين الْكَبِير فِي نظر الْجَامِع الطولوني فَنمت أوقافه. وَفِيه قدم الْبَرِيد من دمشق بهدم كَنِيسَة للْيَهُود بِدِمَشْق على يَد الْعَامَّة. وفيهَا أخرج الْأَمِير شرف الدّين أَمِير حُسَيْن بن جندر إِلَى دمشق. وَسَببه أَنه لما أنشأ جَامعه الْمَعْرُوف بِجَامِع أَمِير حُسَيْن بجوار دَاره فِي بر الخليج الغربي وَعمل القنطرة أَرَادَ أَن يفتح فِي سور الْقَاهِرَة خوخة تَنْتَهِي إِلَى حارة الوزيرية فَأذن لَهُ السُّلْطَان فِي فتحهَا فخرق بَابا كَبِيرا وَعمل عَلَيْهِ رنكه فسعى بِهِ علم الدّين سنجر الْخياط مُتَوَلِّي الْقَاهِرَة أَنه فتح بَابا قدر بَاب زويلة وَعمل عَلَيْهِ رنكه فشق عَلَيْهِ ذَلِك وَأخرجه من يَوْمه على إقطاع الْأَمِير جوبان وَنقل جوبان إِلَى وَفِيه قدم الْأَمِير سيف الدّين طقصباي من بِلَاد أزبك. وَقدم من الأردو الْأَمِير باورر ابْن براجوا أحد أَعْيَان الْمغل فأنعم عَلَيْهِ بإمرة طبلخاناه بِمصْر. وَفِيه قدم أَبُو يحيى اللحياني من الغرب وَلم يُمكن من الْبِلَاد فرتب لَهُ بالإسكندرية مَا يَكْفِيهِ وَأقَام بهَا. وَفِيه أخرج الْأَمِير عَلَاء الدّين أيدغدي الْخَوَارِزْمِيّ حاجباً بِالشَّام. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع ربيع الآخر: ثارت الْعَامَّة يدا وَاحِدَة وهدموا كنيستين متقابلتين بالزهري وكنيسة بُسْتَان السكرِي وتعرف بالكنيسة الْحَمْرَاء وَبَعض كنيستين بِمصْر وَكَانَ ذَلِك من غرائب الِاتِّفَاق ونوادر الْحَوَادِث: وَالْخَبَر عَنهُ أَن السُّلْطَان لما عزم على إنْشَاء الزريبة بجوار جَامع الطيبرسي على النّيل احْتَاجَ إِلَى طين كثير فَنزل بِنَفسِهِ وَعين مَكَانا من أَرض بُسْتَان الزُّهْرِيّ قَرِيبا من ميدان المهارة ليَأْخُذ مِنْهُ الطين ولينشئ فِي هَذَا الْمَكَان بركَة وَعوض مستحقي وَقفه بدله وَكتب أوراقاً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 36 بأسماء الْأُمَرَاء وأفزر لكل مِنْهُم قِيَاسا مَعْلُوما فَتَوَلّى قِيَاس ذَلِك عدَّة من المهندسين مَعَ الْأَمِير بيبرس الحاحب. وابتدأ الْأُمَرَاء فِي الْحفر يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع عشري ربيع الأول وَرفعُوا الطين على بغالهم ودوابهم إِلَى شاطئ النّيل حَيْثُ عمل الزريبة. فَلم يزل الْحفر مستمراً إِلَى أَن قرب من كَنِيسَة الزُّهْرِيّ وأحاط بهَا الْحفر من دايرها وَصَارَت فِي الْوسط بِحَيْثُ تمنع من اتساع الْبركَة. فَعرف الْأَمِير أقسنقر شاد العمائر السُّلْطَان بذلك فَأمره أَن يُبَالغ فِي الْحفر حولهَا حَتَّى تتَعَلَّق وَإِذا دخل اللَّيْل فيدع الْأُمَرَاء تَهدمهَا ويشيع أَنَّهَا سَقَطت على غَفلَة مِنْهُم فاعتمد الْحفر فِيمَا حولهَا وكتم مَا يُريدهُ وَصَارَت غلْمَان الْأُمَرَاء تصرخ وتريد هد الْكَنِيسَة وآقسنقر يمنعهُم من ذَلِك. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع ربيع الآخر: بَطل الْعَمَل وَقت الصَّلَاة لاشتغال الْأُمَرَاء بِالصَّلَاةِ فَاجْتمع من الغلمان والعامة طَائِفَة كَبِيرَة وصرخوا صَوتا وَاحِدًا الله أكبر ووقعوا فِي أَرْكَان الْكَنِيسَة بِالْمَسَاحِي والفوس حَتَّى صَارَت كوماً وَوَقع من فِيهَا من النَّصَارَى وانتهب الْعَامَّة مَا كَانَ بهَا. والتفتوا إِلَى كَنِيسَة الْحَمْرَاء المجاوره لَهَا وَكَانَت من أعظم كنائس النَّصَارَى وفيهَا مَال كَبِير وعدة من النَّصَارَى مَا بَين رجال وَنسَاء مترهبات فَصَعدت الْعَامَّة فَوْقهَا وفتحوا أَبْوَابهَا ونهبوا أموالها وخمورها. وانتقلوا إِلَى كَنِيسَة بومنا بجوار السَّبع سقايات وَكَانَت معبدًا جَلِيلًا من معابد النَّصَارَى فكسروا بَابهَا ونهبوا مَا فِيهَا وَقتلُوا مِنْهَا جمَاعَة وَسبوا بَنَات كَانُوا بهَا تزيد عدتهن على سِتِّينَ بكرا فَمَا انْقَضتْ الصَّلَاة حَتَّى ماجت الأَرْض فَلَمَّا خرج النَّاس من الْجَامِع رَأَوْا غباراً ودخان الْحَرِيق قد ارتفعا إِلَى السَّمَاء وَمَا فِي الْعَامَّة إِلَّا من بِيَدِهِ بنت قد سباها أَو جرة خمر أَو ثوب أَو شَيْء من النهب فدهشوا وظنوا أَنَّهَا السَّاعَة قد قَامَت. وانتشر الْخَبَر من السَّبع سقايات إِلَى تَحت القلعة فَأنْكر السُّلْطَان ارْتِفَاع الْأَصْوَات بالضجيج وَأمر الْأَمِير أيدغمش بكشف لخَبر. فَلَمَّا بلغه مَا وَقع انزعج لذَلِك انزعاجاً زَائِدا وَتقدم إِلَى أيدغمش أَمِير أخور فَركب بالوشاقية ليقْبض على الْعَامَّة ويشهرهم. فَمَا هُوَ إِلَّا أَن ركب أيدغمش إِذا بملوك الْأَمِير علم الدّين سنجر الخازن مُتَوَلِّي الْقَاهِرَة حضر وَأخْبر بِأَن الْعَامَّة ثارت بِالْقَاهِرَةِ وأخربوا كَنِيسَة بحارة الرّوم وكنيسة بحارة زويلة وَأَنه ركب خوفًا على الْقَاهِرَة من النهب. وَقدم مَمْلُوك وَالِي مصر وَأخْبر بِأَن عامتها قد تجمعت لهدم كَنِيسَة الْمُعَلقَة حَيْثُ مسكن البترك وأموال النَّصَارَى وَيطْلب نجدة. فلشدة مَا نزل بالسلطان من الْغَضَب هم أَن يركب بِنَفسِهِ ثمَّ أرْدف أيدغمش بأَرْبعَة أُمَرَاء سَارُوا إِلَى مصر وَبعث بيبرس الْحَاجِب وألماس الْحَاجِب إِلَى مَوضِع الْحفر وَبعث طينال إِلَى الْقَاهِرَة ليضعوا السَّيْف فِيمَن وجدوه. فَقَامَتْ الْقَاهِرَة ومصر على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 37 سَاق وفرت النهابة فَلم تدْرك الْأُمَرَاء مِنْهُم إِلَّا من غلب على نَفسه بالسكر من الْخمر. وَأدْركَ الْأَمِير أيدغمش وَالِي مصر وَقد هزمته الْعَامَّة من زقاق الْمُعَلقَة وأنكوا مماليكه بِالرَّمْي عَلَيْهِم وَلم يبْق إِلَّا أَن يحرقوا أَبْوَاب الْكَنِيسَة فَجرد هُوَ وَمن مَعَه السيوف ليفتك بهم فَرَأى عَالما عَظِيما لَا يحصيهم إِلَّا خالقهم فَكف عَنْهُم خوف اتساع الْخرق ونادى من وقف فدمه حَلَال فخافت الْعَامَّة أَيْضا وَتَفَرَّقُوا. ووقف أيدغمش يحرس الْمُعَلقَة إِلَى أَن أذن الْعَصْر فَصلي بِجَامِع عَمْرو وَعين خمسين أوشاقيا للمبيت مَعَ الْوَالِي على بَاب الْكَنِيسَة وَعَاد. وَكَانَ كَأَنَّمَا نُودي فِي إقليم مصر بهدم الْكَنَائِس وَأول مَا وَقع الصَّوْت بِجَامِع قلعة الْجَبَل: وَذَلِكَ أَنه لما انْقَضتْ صَلَاة الْجُمُعَة صرخَ رجل موله فِي وسط الْجَامِع: اهدموا الْكَنِيسَة الَّتِي فِي القلعة وَخرج فِي صراخه عَن الْحَد واضطرب. فتعجب السُّلْطَان والأمراء مِنْهُ وَندب نقيب الْجَيْش والحاجب لتفتيش سَائِر بيُوت القلعة فوجدوا كَنِيسَة فِي خرائب التتر قد أخفيت فهدموها. وَمَا هُوَ إِلَّا أَن فرغوا من هدمها وَالسُّلْطَان يتعجب إِذْ وَقع الصُّرَاخ تَحت القلعة وبلغه هدم الْعَامَّة للكنائس كَمَا تقدم وَطلب الرجل الموله فَلم يُوجد. وعندما خرج النَّاس من صَلَاة الْجُمُعَة بالجامع الْأَزْهَر من الْقَاهِرَة رَأَوْا الْعَامَّة فِي هرج عَظِيم وَمَعَهُمْ الأخشاب والصلبان وَالثيَاب وَغَيرهَا وهم يَقُولُونَ: السُّلْطَان نَادَى بخراب الْكَنَائِس فظنوا الْأَمر كَذَلِك. وَكَانَ قد خرب من كنائس الْقَاهِرَة سوى كنيستي حارة الرّوم وحاره زويلة وكنيسة بالبندقانيين كنائس كَثِيرَة ثمَّ تبين أَن ذَلِك كَانَ من الْعَامَّة بِغَيْر أَمر السُّلْطَان. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْأَحَد حادي عشره: سقط الطَّائِر من الْإسْكَنْدَريَّة بِأَنَّهُ لما كَانَ النَّاس فِي صَلَاة الْجُمُعَة تجمع الْعَامَّة وصاحوا هدمت الْكَنَائِس فَركب الْأَمِير بدر الدّين المحسني مُتَوَلِّي الثغر بعد الصَّلَاة ليدرك الْكَنَائِس فَإِذا بهَا قد صَارَت كوماً وَكَانَت عدتهَا أَربع كنائس. وَوَقعت بطاقة من وَالِي الْبحيرَة بِأَن الْعَامَّة هدمت كنيستين فِي مَدِينَة دمنهور وَالنَّاس فِي صَلَاة الْجُمُعَة. ثمَّ ورد مَمْلُوك وَالِي قوص فِي يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشره وَأخْبر بِأَنَّهُ لما كَانَ يَوْم الْجُمُعَة هدم الْعَامَّة سِتّ كنائس بقوص فِي نَحْو نصف سَاعَة. وتواترت الْأَخْبَار من الْوَجْه القبلي وَالْوَجْه البحري بهدم الْكَنَائِس وَقت صَلَاة الْجُمُعَة فَكثر التَّعَجُّب من وُقُوع هَذَا الِاتِّفَاق فِي سَاعَة وَاحِدَة بِسَائِر الأقاليم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 38 وَصَارَ السُّلْطَان يشْتَد غَضَبه من الْعَامَّة والأمراء تسكن غَضَبه وَتقول. يَا مَوْلَانَا هَذَا إِنَّمَا هُوَ من فعل الله. وَإِلَّا فَمن يقدر من النَّاس على هدم كنائس الْإسْكَنْدَريَّة ودمياط والقاهرة ومصر وبلاد الصَّعِيد فِي سَاعَة وَاحِدَة وَهُوَ يشْتَد على الْعَامَّة وَيزِيد الْبَطْش بهم فهرب كثير مِنْهُم. وَكَانَ الَّذِي هدم فِي هَذِه السَّاعَة من الْكَنَائِس سِتُّونَ كَنِيسَة: وَهِي كَنِيسَة بقلعة الْجَبَل وكنيسة بِأَرْض الزُّهْرِيّ مَوضِع الْبركَة الناصرية وكنيسة بالحمراء وكنيسة بجوار السَّبع سقايات وكنيسة أبي المنا بجوارها وكنيسة الفهادين بحارة الحكر وكنيسة بحارة الرّوم من الْقَاهِرَة وكنيسة البندقانيين مِنْهَا وكنيسة بحارة زويلة وكنيسة بخزانة البنود وكنيسة بالخندق خَارج الْقَاهِرَة وَأَرْبع كنائس بالإسكندرية وكنيستان بدمنهور الْوَحْش وَأَرْبع كنائس بالغربية وَثَلَاث كنائس بالشرقية وست كنائس بالبهنساوية وبسيوط ومنفلوط ومنية بن خصيب ثَمَانِي كنائس وقوص وأسوان إِحْدَى عشرَة كَنِيسَة والإطفيحية كنيستان وبمدينة مصر بِخَط المصاصة وسوق وردان وَكَانَ عقيب هدم الْكَنَائِس وُقُوع الْحَرِيق بِالْقَاهِرَةِ ومصر فابتدأ يَوْم السبت خَامِس عشر جُمَادَى الأولى وتواتر إِلَى سلخه. وَكَانَ من خَبره أَن الميدان الْكَبِير المطل على النّيل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 39 لما فرغ الْعَمَل فِيهِ ركب السُّلْطَان إِلَيْهِ فِي يَوْم السبت الْمَذْكُور وَكَانَ أول لعبه فِيهِ بالأكرة فَبَلغهُ الْخَبَر بعد عوده إِلَى القلعة بِأَن الْحَرِيق وَقع فِي ربع من أوقاف المارستان المنصوري بِخَط الشوايين من الْقَاهِرَة. وَاشْتَدَّ الْأَمر والأمراء تطفئه إِلَى عصر يَوْم الْأَحَد فَوَقع الصَّوْت قبل الْمغرب بالحريق فِي حارة الديلم بزقاق العريسة قريب من دَار كريم الدّين الْكَبِير. وَدخل اللَّيْل وَاشْتَدَّ هبوب الرِّيَاح فسرت النَّار فِي عدَّة أَمَاكِن. وَبعث كريم الدّين بولده علم الدّين عبد الله إِلَى السُّلْطَان يعرفهُ فَبعث عدَّة من الْأُمَرَاء والمماليك لإطفائه خوفًا على الحواصل السُّلْطَانِيَّة ثمَّ تفاقم الْأَمر وَاحْتَاجَ أقسنقر شاد العمائر إِلَى جمع سَائِر السائقين والأمراء وَنزلت الْحجاب وَغَيرهم وَالنَّار تعظم طول نَهَار الْأَحَد وَخرجت النِّسَاء مسبيات من دورهن. وَبَاتُوا على ذَلِك وَأَصْبحُوا يَوْم الْإِثْنَيْنِ وَالنَّار تتْلف مَا تمر بِهِ والهد وَاقع فِي الدّور الَّتِي تجاور الْحَرِيق خشيَة من تعلق النَّار فِيهَا وسريانها فِي جَمِيع دور الْقَاهِرَة. فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة الثُّلَاثَاء خرج أَمر الْحَرِيق عَن الْقُدْرَة البشرية وَخرجت ريح عَاصِفَة أَلْقَت النخيل وغرقت المراكب ونشرت النَّار فَمَا شكّ النَّاس فِي أَن الْقِيَامَة قد قَامَت. وَعظم شرر النيرَان وَصَارَت تسْقط فِي عدَّة مَوَاضِع بعيدَة فَخرج النَّاس وتعلقوا بالمأذن واجتمعوا فِي الْجَوَامِع والزوايا وضجوا بِالدُّعَاءِ والتضرع إِلَى الله تَعَالَى وَصعد السُّلْطَان إِلَى أعلا الْقصر فهاله مَا شَاهد. وَأصْبح النَّاس يَوْم الثُّلَاثَاء فِي أَسْوَأ حَال فَنزل النَّائِب بِسَائِر الْأُمَرَاء وَجَمِيع من فِي القلعة وَجَمِيع أهل الْقَاهِرَة وَنقل المَاء على جمال الْأُمَرَاء ولحقه الْأَمِير بكتمر الساقي وأخرجت جمال الْقرى السُّلْطَانِيَّة ومنعت أَبْوَاب الْقَاهِرَة أَن يخرج مِنْهَا سقاء ونقلت الْمِيَاه من الْمدَارِس والحمامات والآبار. وجمعت سَائِر البنائين والنجارين فهدت الدّور من أَسْفَلهَا وَالنَّار تحرق فِي سقوفها. وَعمل الْأُمَرَاء الألوف وعدتهم أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ أَمِيرا بِأَنْفسِهِم فِي طفي الْحَرِيق وَمَعَهُمْ سَائِر أُمَرَاء الطبلخاناه والعشراوات وتناولوا المَاء بِالْقربِ من السقائين بِحَيْثُ صَار من بَاب زويلة إِلَى حارة الرّوم بحراً وَحضر كريم الدّين أكْرم الصَّغِير. بِمِائَتي رجل. فَكَانَ يَوْمًا لم ير أشنع مِنْهُ بِحَيْثُ لم يبْق أحد إِلَّا وَهُوَ فِي شغل. ورؤى سَائِر الْأُمَرَاء وَهِي تَأْخُذ الْقرب من مماليكها وتطفئ النَّار بأنفسها وتدوس الوحل بأخفافها. ووقف الْأَمِير بكتمر الساقي والأمير أرغون النَّائِب حَتَّى نقلت الحواصل السُّلْطَانِيَّة من بَيت كريم الدّين إِلَى بَيت وَلَده علم الدّين عبد الله بدرب الرصاصي وَهدم لأجل نقل الحواصل سِتَّة عشر دَارا. وخمدت النَّار وَعَاد الْأُمَرَاء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 40 فَوَقع الصياح فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء بِربع الْملك الظَّاهِر خَارج بَاب زويلة وبقيسارية الْفُقَرَاء وهبت الرِّيَاح مَعَ ذَلِك. فَركب الْحجاب والوالي وَعمِلُوا فِي طفيها إِلَى بعد الظّهْر من يَوْم الْأَرْبَعَاء وهدموا دوراً كَثِيرَة مِمَّا حوله. فَمَا كَاد أَن يفرغ الْعَمَل من إطفاء النَّار حَتَّى وَقعت النَّار فِي بَيت الْأَمِير سلار بِخَط القصرين فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ وَإِذا بالنَّار ابتدأت من أعلا البادهنج وَكَانَ ارتفاعه من الأَرْض زِيَادَة على مائَة ذِرَاع بِذِرَاع الْعَمَل وَرَأَوا فِيهِ نفطاً قد عمل فِيهِ فَتِيلَة كَبِيرَة فمازالوا بالنَّار حَتَّى أطفئت من غير أَن يكون لَهَا أثر كَبِير. وَنُودِيَ بِأَن يعْمل بِجَانِب كل حَانُوت بالقاهره ومصر زير وَدَن ملآن مَاء وَكَذَلِكَ بِسَائِر الحارات والأزقة فَبلغ ثمن كل دن من ثَلَاثَة دَرَاهِم إِلَى خَمْسَة وكل زير إِلَى ثَمَانِيَة دَرَاهِم لِكَثْرَة طلبَهَا. فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة الْخَمِيس: وَقع الْحَرِيق بحارة الرّوم وبخارج الْقَاهِرَة وَتَمَادَى الْحَال كَذَلِك وَلَا تَخْلُو سَاعَة من وُقُوع الْحَرِيق بِموضع من الْقَاهِرَة ومصر وَامْتنع وَالِي الْقَاهِرَة والأمير بيبرس الْحَاجِب من النّوم. فشاع بَين النَّاس أَن الْحَرِيق من جِهَة النَّصَارَى لما أنكاهم هدم الْكَنَائِس ونهبها وَصَارَت النيرَان تُوجد تَارَة فِي مَنَابِر الْجَوَامِع وَتارَة فِي حيطان الْمدَارِس والمساجد. وَوجدت النَّار بِالْمَدْرَسَةِ المنصورية فَزَاد قلق النَّاس وَكثر خوفهم وَزَاد استعدادهم بادخار الْآلَات المملوءة مَاء فِي أسطحة الدّور وَغَيرهَا. وَأكْثر مَا كَانَت النَّار تُوجد فِي الْعُلُوّ فَتَقَع فِي زروب الأسطحة فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة الْجُمُعَة حادي عشريه: قبض على راهبين خرجا من الْمدرسَة الكهارية بِالْقَاهِرَةِ وَقد أرميا النَّار وأحضرا إِلَى الْأَمِير علم الدّين سنجر الخازن وَالِي الْقَاهِرَة فشم مِنْهُمَا رَائِحَة الكبريت وَالزَّيْت فأحضرهما من الْغَد إِلَى السُّلْطَان فَأمر بعقوبتهما حَتَّى يعترفا. فَلَمَّا نزل الْأَمِير علم الدّين بهما وجد الْعَامَّة قد قبضت على نَصْرَانِيّ من دَاخل بَاب جَامع الظَّاهِر بالحسينية وَمَعَهُ كعكة خرق بهَا نفط وقطران وَقد وَضعهَا بِجَانِب الْمِنْبَر فَلَمَّا فاح الدُّخان وأنكروه وجد النَّصْرَانِي وَهُوَ خَارج والأثر فِي يَدَيْهِ فَعُوقِبَ قبل صَاحِبيهِ. فاعترف النَّصْرَانِي أَن جمَاعَة من النَّصَارَى قد اجْتَمعُوا وَعمِلُوا النفط وفرقوه على جمَاعَة ليدوروا بِهِ على الْمَوَاضِع. ثمَّ عاقب الْأَمِير علم الدّين الراهبين فأقرا أَنَّهُمَا من دير الْبَغْل وأنهما هما اللَّذَان أحرقا سَائِر الْأَمَاكِن الَّتِي تقدم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 41 ذكرهَا. وَذَلِكَ أَنه لما مر بالكنائس مَا كَانَ حنق النَّصَارَى من ذَلِك وَأَقَامُوا النِّيَاحَة عَلَيْهَا وَاتَّفَقُوا على نكاية الْمُسلمين وَعمِلُوا النفط وحشوه بالفتائل وعملوها فِي سِهَام ورموا بهَا فَكَانَت الفتيلة إِذا خرجت من السهْم تقع على مَسَافَة مائَة ذِرَاع. فَلَمَّا أَنْفقُوا ذَلِك فرقوه فِي جمَاعَة فصاروا يدورون فِي الْقَاهِرَة بِاللَّيْلِ وَحَيْثُ وجدوا فرْصَة انتهزوها وألقوا الفتيلة حَتَّى كَانَ مَا كَانَ. فطالع الْأَمِير علم الدّين السُّلْطَان بذلك. وَاتفقَ وُصُول كريم الدّين الْكَبِير نَاظر الْخَاص من الْإسْكَنْدَريَّة فَعرفهُ السُّلْطَان مَا وَقع من الْقَبْض على النَّصَارَى فَقَالَ كريم الدّين: النَّصَارَى بطرك يرجعُونَ إِلَيْهِ وَهُوَ الَّذِي يعرف أَحْوَالهم. فامر السُّلْطَان كريم الدّين بِطَلَب البطرك إفي بَيته واستعلام الْخَبَر مِنْهُ فاتاه لَيْلًا فِي حماية وافي الْقَاهِرَة خوفًا من الْعَامَّة مبالغ كريم الدّين فِي إجلاله وأعلمه. مِمَّا ذكر الرهبان وأحضرهم إِلَيْهِ فَذكرُوا لَهُ كَمَا ذكرُوا للوالي فبكا وَقَالَ: هَؤُلَاءِ سُفَهَاء قد فعلوا كَمَا فعلوا سفهاؤكم وَالْحكم للسُّلْطَان. وَمن أكل الحامض ضرس وَالْحمار العثور يلقِي الأَرْض بِأَسْنَانِهِ. وَأقَام البطرك سَاعَة وَقَامَ فَركب بغلة كَانَ قد رسم لَهُ مُنْذُ أَيَّام بركوبها فشق ذَلِك على النَّاس وهموا بِهِ لَوْلَا الْخَوْف مِمَّن حوله من المماليك. فَلَمَّا ركب كريم الدّين من الْغَد صاحت الْعَامَّة بِهِ: مَا يحل لَك يَا قَاضِي تحامي للنصاري وَقد أخربوا بيُوت الْمُسلمين وتركبهم البغال فانتكى كريم الدّين مِنْهُم نكاية بَالِغَة وَأخذ يهون من امْر النَّصَارَى الممسوكين وَيذكر أَنهم سُفَهَاء وَعرف السُّلْطَان مَا كَانَ من أَمر البطرك وَأَنه اعتنى بِهِ. فَأمر السُّلْطَان الْوَالِي بعقوبة النَّصَارَى فأقروا على أَرْبَعَة عشر رَاهِبًا بدير الْبَغْل فَقبض عَلَيْهِم من الدَّيْر. وعملت حفيرة كَبِيرَة بشارع الصليبة وأحرق فِيهَا أَرْبَعه مِنْهُم فِي يَوْم الْجُمُعَة وَقد اجْتمع من النَّاس عَالم عَظِيم. فاشتدت العامه عِنْد ذَلِك على النَّصَارَى وأهانوهم وسلبوهم ثِيَابهمْ وألقوهم من الدَّوَابّ إِلَى الأَرْض. وَركب السُّلْطَان إِلَى الميدان يَوْم السبت ثَانِي عشريه وَقد اجْتمع عَالم عَظِيم وصاحوا: نصر الله الْإِسْلَام انصر دين مُحَمَّد بن عبد الله. فَلَمَّا اسْتَقر السُّلْطَان بالميدان حَتَّى أحضر لَهُ الخازن وَالِي الْقَاهِرَة نَصْرَانِيين قد قبض عَلَيْهِمَا فأحرقا خَارج الميدان. وَخرج كريم الدّين الْكَبِير من الميدان وَعَلِيهِ التشريف فصاحت بِهِ الْعَامَّة: كم تحامي لِلنَّصَارَى وسبوه ورموه بِالْحِجَارَةِ فَعَاد إِلَى الميدان. فشق ذَلِك على السُّلْطَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 42 وَاسْتَشَارَ الْأُمَرَاء فِي أَمر الْعَامَّة فَأَشَارَ عَلَيْهِ الْأَمِير جمال الدّين أقوش نَائِب الكرك بعزل الْكتاب النصاري فَإِن النَّاس قد أبغضوهم فَلم يرضه ذَلِك. وَتقدم السُّلْطَان إِلَى ألماس الْحَاجِب أَن يخرج فِي أَرْبَعَة أُمَرَاء وَيَضَع السَّيْف فِي الْعَامَّة حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى بَاب زويلة ويمر إِلَى بَاب النَّصْر وَهُوَ كَذَلِك وَلَا يرفع السَّيْف عَن أحد وَأمر وَالِي الْقَاهِرَة أَن يتَوَجَّه إِلَى بَاب اللوق وَالْبَحْر وَيقبض من وجده ويحملهم إِلَى القلعة وَعين لذَلِك مماليك تخرج من الميدان. فبادر كريم الدّين وَسَأَلَ السُّلْطَان الْعَفو فَقبل شَفَاعَته ورسم بِالْقَبْضِ على الْعَامَّة من غير قَتلهمْ. وَكَانَ الْخَبَر قد طَار ففرت الْعَامَّة حَتَّى الغلمان وَصَارَ الْأَمِير لَا يجد من يركبه. وانتشر ذَلِك فغلقت جَمِيع أسواق الْقَاهِرَة فَمَا وصل الْأَمر إِلَى بَاب زويلة حَتَّى لم يَجدوا أحدا وشقوا الْقَاهِرَة إِلَى بَاب النَّصْر فَكَانَت سَاعَة لم يمر بِالنَّاسِ أعظم مِنْهَا. وَمر الْوَالِي إِلَى بَاب اللوق وبولاق وَبَاب الْبَحْر وَقبض كثيرا من الكلابزة والنواتية وأراذل الْعَامَّة بِحَيْثُ صَار كل من رأه أَخذه. وجفل النَّاس من الْخَوْف وعدوا فِي المراكب إِلَى بر الجيزة. فَلَمَّا عَاد السُّلْطَان إِلَى القلعة لم يجد أحدا فِي طَرِيقه وأحضر إِلَيْهِ الْوَالِي بِمن قبض عَلَيْهِ وهم نَحْو الْمِائَتَيْنِ فرسم أَن يصلبوا وأفرد جمَاعَة للشنق وَجَمَاعَة للتوسيط وَجَمَاعَة لقطع الْأَيْدِي. فصاحوا: يَا خوند مَا يحل لَك! فَمَا نَحن الْغُرَمَاء وتباكوا فرق لَهُم بكتمر الساقي وَقَامَ مَعَه الْأُمَرَاء ومازالوا بالسلطان حَتَّى رسم بصلب جمَاعَة مِنْهُم على الْخشب من بَاب زويلة إِلَى سوق الْخَيل وَأَن يعلقوا بِأَيْدِيهِم. فَأَصْبحُوا يَوْم الْأَحَد صفا وَاحِدًا من بَاب زويلة إِلَى سوق الْخَيل تَحت القلعة فتوجع لَهُم النَّاس وَكَانَ مِنْهُم كثير من بَيَاض النَّاس وَلم تفتح الْقَاهِرَة. وَخَافَ كريم الدّين على نَفسه وَلم يسْلك من بَاب زويلة وَصعد القلعة من خَارج السُّور فَإِذا السُّلْطَان قد قدم الكلابزة وَأخذ فِي قطع أَيْديهم. فكشف كريم الدّين رَأسه وَقبل الأَرْض وباس رجل السُّلْطَان وَسَأَلَهُ الْعَفو. فَأَجَابَهُ السُّلْطَان بمساعدة الْأَمِير بكتمر وَأمر بهم فقيدوا وأخرجوا للْعَمَل فِي الحفير بالجيزة. وَمَات مِمَّن قطع يَده رجلَانِ وامر بحط من علق على الْخشب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 43 فللحال وَقع الصَّوْت بحريق أَمَاكِن بجوار جَامع ابْن طولون وبوقوع الْحَرِيق فِي القلعة وَفِي بَيت الأحمدي بحارة بهاء الدّين من الْقَاهِرَة وبفندق طرنطاي خَارج بَاب الْبَحْر فدهش السُّلْطَان. وَكَانَ هَذَا الفندق برسم تجار الزَّيْت الْوَارِد من الشَّام فعمت النَّار كل مَا فِيهِ حَتَّى الْعمد الرخام وَكَانَت سِتَّة عشر عموداً طول كل مِنْهَا سِتَّة أَذْرع باعمل ودوره نَحْو ذراعين فَصَارَت كلهَا جيراً وَتلف فِيهِ لتاجر وَاحِد مَا قِيمَته تسعون ألف دِرْهَم وَقبض فِيهِ على ثَلَاثَة نَصَارَى مَعَهم فتائل النفط اعْتَرَفُوا أَنهم فعلوا ذَلِك. فَلَمَّا كَانَ يَوْم السبت تَاسِع عشريه: ركب السُّلْطَان إِلَى الميدان فَوجدَ نَحْو الْعشْرين ألفا من الْعَامَّة قد صبغوا خرقاً بالأزرق والأصفر وَعمِلُوا فِي الْأَزْرَق صلباناً بَيْضَاء ورفعوها على الجريد وصاحوا عَلَيْهِ صَيْحَة وَاحِدَة: لَا دين إِلَّا دين الْإِسْلَام {نصر الله دين مُحَمَّد بن عبد الله} يَا ملك النَّاصِر يَا سُلْطَان الْإِسْلَام إنصرنا على أهل الْكفْر وَلَا تنصر النَّصَارَى فخشح السُّلْطَان والأمراء وَمر إِلَى الميدان وَقد اشْتغل سره وَركبت الْعَامَّة أسوار الميدان وَرفعت الْخرق وَهِي تصيح. لَا دين إِلَّا دين الْإِسْلَام. فخاف السُّلْطَان الْفِتْنَة وَرجع إِلَى مداراتهم وَتقدم إِلَى الْحَاجِب بِأَن يخرج وينادي: من وجد نَصْرَانِيّا فدمه وَمَاله حَلَال. فَلَمَّا سمعُوا النداء صرخوا صَوتا وَاحِدًا: نصرك الله يَا نَاصِر دين الْإِسْلَام فارتجت الأَرْض. وَنُودِيَ عقيب ذَلِك بِالْقَاهِرَةِ ومصر: من وجد من النَّصَارَى بعمامة بَيْضَاء حل دَمه. وَمن وجد من النَّصَارَى رَاكِبًا باستواء حل دَمه. وَكتب مرسوم بِلبْس النَّصَارَى العمائم الزرق وَألا يركبُوا فرسا وَلَا بغلاً وَأَن يركبُوا الْحمير عرضا وَلَا يدخلُوا الْحمام إِلَّا بجرس فِي أَعْنَاقهم وَلَا يتزيوا بزِي الْمُسلمين هم وَنِسَاؤُهُمْ وَأَوْلَادهمْ. ورسم لِلْأُمَرَاءِ بِإِخْرَاج النَّصَارَى من دواوينهم وَمن دواوين السُّلْطَان وَكتب بذلك إِلَى سَائِر الْأَعْمَال وغلقت الْكَنَائِس والأديرة وَطلب السّني ابْن سِتّ بهجة وَالشَّمْس بن كثير فَلم يوجدا. وتجرأت الْعَامَّة على النَّصَارَى بِحَيْثُ إِذا وجدوهم ضربوهم وعروهم ثِيَابهمْ فَلم يتجاسر نَصْرَانِيّ أَن يخرج من بَيته. وَلم يتحدث فِي أَمر الْيَهُود فَكَانَ النَّصْرَانِي إِذا طَرَأَ لَهُ أَمر يتزيا بزِي الْيَهُود ويلبس عمامه صفراء يكتريها من يَهُودِيّ ليخرج فِي حَاجته. وَاتفقَ أَن بعض كتاب النَّصَارَى حضر إِلَى يَهُودِيّ لَهُ عَلَيْهِ مبلغ ألف دِرْهَم ليَأْخُذ مِنْهُ شَيْئا فأمسكه الْيَهُودِيّ وَصَاح: أَنا با للة وبالمسلمين فخاف النَّصْرَانِي وَقَالَ لَهُ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 44 أبرأت ذِمَّتك وَكتب لَهُ خطه بِالْبَرَاءَةِ وفر. وَاحْتَاجَ عدَّة من النَّصَارَى إِلَى إظهارهم الْإِسْلَام فَأسلم السّني ابْن سِتّ بهجة فِي يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة وخلع عَلَيْهِ وَأسلم كثير مِنْهُم واعترف بَعضهم على رَاهِب بدير الخَنْدَق أَنه كَانَ ينْفق المَال فِي عمل النفط للحريق وَمَعَهُ أَرْبَعَة فَأخذُوا وسمروا. وانبسطت أَلْسِنَة الْأُمَرَاء بسب كريم الدّين أكْرم الصَّغِير وحصلت مُفَاوَضَة بَين الْأَمِير قطلوبغا الفخري والأمير بكتمر الساقي بِسَبَب كريم الدّين الْكَبِير فَإِن بكتمر كَانَ يعتني بِهِ وبالدواوين والفخري يضع مِنْهُ وَمِنْهُم وَصَارَ مَعَ كل من الأميرين جمَاعَة وَبلغ السُّلْطَان ذَلِك وَأَن الْأُمَرَاء تترقب وُقُوع الْفِتْنَة. وَصَارَ السُّلْطَان إِذا ركب إِلَى الميدان لَا يري أحدا فِي طَرِيقه من الْعَامَّة لِكَثْرَة خوفهم من أَن يبطش بهم فَلم يُعجبهُ ذَلِك وَنُودِيَ بِخُرُوج النَّاس للفرجة على الميدان فَخَرجُوا على عَادَتهم. فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة الْأَحَد ثَانِي عشريه وَقع الْحَرِيق بالقلعة وَعظم أمره حَتَّى اشْتَدَّ القلق إِلَى أَن طفي. (وَفِي رَابِع عشريه) توجه كريم الدّين الْكَبِير إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة ونادى فِيهَا بِلبْس النَّصَارَى العمائم الزرق ومنعهم من الْمُبَاشرَة فِي الدِّيوَان. فوردت مراكب تحصل مِنْهَا للديوان نَحْو الْخمسين ألف دِينَار فسر كريم الدّين بذلك. وَعَاد كريم الدّين إِلَى الْقَاهِرَة فشفع فِي إِطْلَاق المقيدين الَّذين فبض عَلَيْهِم فأطلقوا وَأعْطى كل وَاحِد مِنْهُم عشرَة دَرَاهِم فضَّة وَعشرَة فُلُوسًا وقميصاً وَفرق ألف قَمِيص ثمَّ استدعى المسجونين على الدِّيوَان وَصَالح غرماءهم عَنْهُم وخلى سبيلهم بِحَيْثُ لم يبْق أحد بسجن الْقُضَاة وأغلق. وفيهَا ألقيت ورقة فِي جنَاح طَائِر وجد بالإسطبل تَتَضَمَّن الْإِنْكَار على السُّلْطَان وَأَنه فرط فِي ملكه ومماليكه والعسكر قد تلف وَقد بَاعَ أَوْلَاد النَّاس الإقطاعات الَّتِي بِأَسْمَائِهِمْ وصاروا يسْأَلُون النَّاس من الْحَاجة. فَغَضب السُّلْطَان من ذَلِك وَتقدم إِلَى نقيب الْجَيْش بِكِتَابَة أَسمَاء من بَاعَ خبزه وكشف حَال الأجناد وَمَعْرِفَة من فيهم بِغَيْر فرس وَعرض مماليك السُّلْطَان وَأخرج مِنْهُم مائَة إِلَى الكرك. وَفِيه سَافر كريم الدّين الْكَبِير إِلَى دمشق على الْبَرِيد فَتَلقاهُ النَّائِب على الْعَادة وَقدم النَّاس إِلَيْهِ تقادم جليلة فَلم يقبل مِنْهَا لأحد مِنْهُم شَيْئا بل عمهم بالإنعامات وَالصَّدقَات وَعَاد إِلَى الْقَاهِرَة. وفيهَا جلس السُّلْطَان لعرض أجناد الْحلقَة فَضرب جمَاعَة وَحبس جمَاعَة وَقطع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 45 أخباز أَرْبَعَة عشر من أَوْلَاد الْأُمَرَاء ثمَّ أفرج عَن المحبوسين بعد شَهْرَيْن وبعثهم إِلَى الشَّام. وَفِيه قدم عرب الْبَحْرين بِأَرْبَعِينَ فرسا فقومت بِخَمْسِمِائَة ألف دِرْهَم فضَّة وأنعم عَلَيْهِم بِعشْرَة أُلَّاف دِينَار مصرية زِيَادَة على ذَلِك وخلع على الْجَمِيع. وفيهَا خرج إلأمير جمال الدّين أقوش الأشرفي نَائِب الكرك بعسكر إِلَى أياس وَخرجت مَعَه عَسَاكِر الشَّام وحلب بالآلات فنازلوها ونصبوا عَلَيْهَا المجانيق وقاتلوا الأرمن حَتَّى ملكوها وغنموا مِنْهَا مَالا كثيرا وَقتلُوا عدَّة كَثِيرَة مِنْهُم وَمر من بَقِي فِي الْبَحْر وَذَلِكَ فِي حادي عشرى ربيع الآخر. وعادت العساكر فأغارت على بِلَاد تكفور وَأخذت مَالا كَبِيرا وَقدم الْأَمِير جمال الدّين أقوش إِلَى الْقَاهِرَة. فَبلغ الْأَمِير ألطنبغا نَائِب حلب أَن أهل إِيَاس قد عَادوا إِلَيْهَا فَأمْسك إِلَى أَن كَانَت أَيَّام عيد لَهُم وَركب بعسكر حلب وطرقهم على غَفلَة وَقتل مِنْهُم نَحْو ألفي رجل وَأسر ثَلَاثمِائَة وغنم مَالا جزيلاً وَعَاد. وَفِيه تنكرت المماليك السُّلْطَانِيَّة على كريم الدّين الْكَبِير لتأخر جوامكهم شَهْرَيْن ثمَّ تجمعُوا فِي يَوْم الْخَمِيس ثامن عشرى صفر قبل الظّهْر ووقفوا بِبَاب الْقصر. وَكَانَ السُّلْطَان وقتذاك عِنْد الْحَرِيم فَلَمَّا بلغه ذَلِك خشى مِنْهُم وَبعث بِخُرُوج الْأَمِير بكتمر الساقي إِلَيْهِم فَلم يرضوه فَخرج إيهم السُّلْطَان وَقد صَارُوا ألفا وَخَمْسمِائة فعندما رأهم سبهم وأهانهم وَأخذ الْعَصَا من الْمُقدم وَضرب بهَا رُءُوسهم وأكتافهم وَصَاح فيهم: اطلعوا مَكَانكُمْ فعادوا بأجمعهم إِلَى الطباق فعدت سَلَامَته من الْعَجَائِب. ثمَّ إِنَّه أَمر النَّائِب بعرضهم فعرضهم فِي يَوْم السبت أخر صفر وَأخرج مِنْهُم مائَة وَثَمَانِينَ إِلَى الْبِلَاد الشامية وَأخرج بعد ذَلِك مِنْهُم جمَاعَة من الطباق إِلَى خرائب تتر وَضرب وَاحِدًا مِنْهُم بالمقارع هُوَ وَغُلَامه لكَونه شرب الْخمر فَمَاتَ بعد يَوْمَيْنِ من ضربه وَأخرج جمَاعَة من الخدام وَقطع جوامكهم وأنزلهم من القلعة. وَفِيه قدم رَسُول جوبان من الأردو يسْأَل أَن يعْطى ضَيْعَة من ضيَاع مصر الخراب ليعمرها ويقفها على الْحرم فأعيد رَسُوله بِأَنَّهُ يسير إِلَيْهِ مكاتيب ضَيْعَة بعد ذَلِك. وَفِيه أنعم السُّلْطَان على جمَاعَة من المماليك بإمريات: مِنْهُم عَلَاء الدّين أيدغدي التيليلي الشمسي أحد مماليك سنقر الْأَشْقَر وَكَانَ قد أَمر فِي أَيَّام الْمَنْصُور لاجين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 46 وأنعم على كل من بيبرس الكريمي وقطلوبغا طاز الناصري وَعبد الْملك المنصوري وَالِي القلعة وَأَبُو بكر ابْن الْأَمِير أرغون النَّائِب وملكتمر السرجواني وطيبغا القاسمي وطقبغا وبيدمر وطغاي تمر من الخاصكية يإمرة. ونزلوا إِلَى الْمدرسَة المنصورية بَين القصرين وَقد أشعلت لَهُم الْقَاهِرَة وَجلسَ المغاني بالحوانيت فِي عدَّة أَمَاكِن وَعمل لَهُم كريم الدّين سماطا جَلِيلًا وفواكه ومشارب بِالْمَدْرَسَةِ فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَفِيه نزل السُّلْطَان لصيد الكراكي من بركَة الْحَاج وَتقدم لكريم الدّين الْكَبِير أَن يعْمل بهَا احواشاً للخيل وَالْجمال وميداناً وَيَبْنِي الْأَمِير بكتمر الساقي مثل ذَلِك. فَجمع كريم الدّين من الرِّجَال للْعَمَل نَحْو ألفي رجل وَمِائَة زوج من الْبَقر حَتَّى فرغ فِي أَيَّام يسيرَة وَجعل فِي الميدان عدَّة من الحجورة الْمُسْتَوْلدَة وَركب السُّلْطَان لمشاهدة ذَلِك وَاسْتمرّ يتَعَاهَد الرّكُوب إِلَيْهَا. وَفِيه شكا طَائِفَة من أجناد الْحلقَة من زايد القانون فِي الْبِلَاد فرسم للفخر نَاظر الْجَيْش أَلا يتحدث فِي ذَلِك. وزايد القانون شَيْء حدث فِي الْأَيَّام الناصرية: وَذَلِكَ أَن السُّلْطَان لما عمل الجسور وَاتفقَ أمرهَا وأنشا عَلَيْهَا القناطر صَار المَاء إِذا أروى بِلَاد الْبحيرَة يجد مَا يمنعهُ من الْخُرُوج إِلَى الْبَحْر فيتراجع ثمَّ حرق من مَوضِع خرقاً كالمجراة واتسع حَتَّى صَار خليجاً صَغِيرا يمر على أراض لم يكن من عَادَتهَا أَن يعلوها المَاء. فطالع الْأَمِير ركن الدّين القلنجقي كاشف الْبحيرَة السُّلْطَان بِأَن عدَّة من الْأَرَاضِي الَّتِي فِي بِلَاد المقطعين قد شملها الرّيّ وَسَأَلَ أَن يقتطع وَلَده مِنْهَا خبْزًا بِعشْرَة أرماح فَإِنَّهَا زايدة عَن قانون المقطعين. فندب السُّلْطَان الْأَمِير أيتمش المحمدي والموفق مُسْتَوْفِي الدولة لكشف هَذِه الْأَرَاضِي وقياسها فتوجها إِلَى الْبحيرَة وكشفا عَنْهَا فبلغت خَمْسَة وَعشْرين ألف فدان فَكتبت مشاريحها وَلم يذكر مِنْهَا غير خَمْسَة عشر ألف فدان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 47 فَقَط فَإِنَّهَا كَانَت أَرَاضِي مُتَفَرِّقَة فِي بِلَاد المقطعين. فَكتب السُّلْطَان بهَا مثالات مَا بَين ثَلَاثمِائَة دِينَار وَأَرْبَعمِائَة دِينَار وفرقها على أَرْبَاب الجوامك من المماليك فشق هَذَا على الأجناد فَإِنَّهَا كَانَت من أَرَاضِي إقطاعاتهم. وَفِي نصف جُمَادَى الْآخِرَة: ولد للسُّلْطَان من خوند طغاي ولدا أسماه آنوك. وَكَانَت طغاي هَذِه جَارِيَة تركية اشْتَرَاهَا تنكز نَائِب الشَّام من دمشق بتسعين ألف دِرْهَم وبعثها إِلَى السُّلْطَان. فشق على سَيِّدهَا ذَلِك لشغفه بهَا وَحضر إِلَى السُّلْطَان فأنعم عَلَيْهِ بألفي دِينَار مصرية وَكتب لَهُ مسموحا بألفي دِينَار. وحظيت الخاتون طغاي عِنْد السُّلْطَان وَكَانَت بارعة الْجمال فَعمل السُّلْطَان عِنْد وِلَادَتهَا مهما عَظِيما إِلَى الْغَايَة وأنعم لَهَا بِالسَّفرِ إِلَى الْحجاز وفيهَا قبض على الْأَمِير صَلَاح الدّين بن البيسري وأرخي فِي الْجب مُقَيّدا ثمَّ أخرج بعد يَوْمَيْنِ إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة. وَسَببه أَنه كَانَ يتورع عَن الْأكل من سماط السُّلْطَان وَكَانَت أُخْته تَحت الْحَاج آل ملك فَشَكا مِنْهُ أَنه قد أكل مَالهَا فَقَالَ السُّلْطَان: متورع عَن الْأكل من السماط وَيَأْكُل مَال الْيَتِيم وَأمر بِهِ فقيد وفيهَا قدم الْبَرِيد من حلب بمسير جوبان بعساكر الْمغل لِحَرْب الْملك أزبك. وفيهَا أنشأ السُّلْطَان على بركَة الْفِيل دَارا بجوار دَار الْأَمِير بدر الدّين جنكلي بن البابا وَأقَام آقسنقر شاد العمائر على عَملهَا وَأدْخل فِيهَا كثيرا من دور النَّاس وأراضي ملاكها ورسم بِنَقْل كريم الدّين الْكَبِير إِلَيْهَا. وفيهَا قدمت تقادم نواب الشَّام برسم سفر الخاتون طغاي إِلَى الْحجاز وَعمل الْأَمِير أرغون النَّائِب برسمها ثَمَانِي عربات كعاده بِلَاد التّرْك لتسافر فِيهَا وجرها إِلَى الإسطبل فأعجب بهَا السُّلْطَان وخلع عَلَيْهِ. وَعين للسَّفر مَعَ الخاتون الْأَمِير قجليسي وَالْقَاضِي كريم الدّين الْكَبِير وَخرج النَّائِب والحجاب فِي خدمتها إِلَى بركَة الْحَاج حَتَّى رحلت فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع عشرى شَوَّال وَمَعَهَا من النُّقَبَاء صاروجا وبكتاش وَرفعت عَلَيْهَا العصائب السُّلْطَانِيَّة ودقت الكوسات وَرَاءَهَا وحملت الخضراوات والبقول والرياحين فِي المحابر مزروعة فِي الطين وَلم يعْهَد سفر امْرَأَة من نسَاء الْمُلُوك قثل سفرها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 48 وفيهَا خرج السُّلْطَان إِلَى الصَّيْد وَقد توقف حَال النَّاس فِي أَمر الْفُلُوس لِكَثْرَة الزغل فِيهَا وتحسنت البضائع. فَلَمَّا قدم السُّلْطَان من الصَّيْد رسم أَن تكون الْفُلُوس بالميزان بَعْدَمَا ضرب كثيرا من الباعة. وفيهَا سقط نجم عَظِيم بعد الْعَصْر فطبق شعاعه الأَرْض ورأه كل أحد. وفيهَا ولدت كلبة بِالْقَاهِرَةِ ثَلَاثِينَ جرواً وأحضرت بجراها إِلَى السُّلْطَان. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس عشرى رَمَضَان: شكا طلبة زَاوِيَة الشَّافِعِي بِجَامِع عَمْرو من مدرسهم شهَاب الدّين الْأنْصَارِيّ وأبدوا فِيهِ قوادح فصرف عَنْهُم وَولي عوضه قَاضِي القصاة بدر الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة وَنزلت إِلَيْهِ الخلعة يَوْم الْجُمُعَة سلخه فلبسها يَوْم الْعِيد. وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر نور الدّين إِبْرَاهِيم بن هبة الله بن عَليّ الْحِمْيَرِي الإسنائي الْفَقِيه الشَّافِعِي قَاضِي قوص بِالْقَاهِرَةِ يَوْم الثُّلَاثَاء سادس عشرى صفر أَخذ الْفِقْه عَن الشَّيْخ بهاء الدّين هبة الله بن عبد الله القفطي وَالْأُصُول عَن الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن مَحْمُود الجزء: 3 ¦ الصفحة: 49 الْأَصْبَهَانِيّ والنحو عَن ابْن النّحاس. وبرع فِي ذَلِك وصنف. وَمَات تَاج الدّين أَبُو الْهدى أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْكَمَال أبي الْحسن عَليّ بن شُجَاع الْقرشِي العباسي بمنشاة المهراني خَارج مَدِينَة مصر عَن تسع وَسبعين سنة فِي سَابِع جُمَادَى الأولى. وَمَات مجد الدّين أَحْمد بن معِين الدّين أبي بكر الهمذاني الْمَالِكِي خطيب الفيوم يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن ربيع الأول وَكَانَ يضْرب بِهِ الْمثل فِي المكارم والسودد وَهُوَ أَخُو قَاضِي الفضاة شرف الدّين الْمَالِكِي وصهر الصاحب تَاج الدّين مُحَمَّد بن حنا. وَمَات بِمَكَّة الشَّيْخ نجم الدّين عبد الله بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْأَصْبَهَانِيّ فِي جُمَادَى الْآخِرَة. وَمَات الْأَمِير زين الدّين كتبغا العادلي حَاجِب دمشق بهَا فِي يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشرى شَوَّال وَاسْتقر عوضه الْأَمِير عَلَاء الدّين أيدغدي الْخَوَارِزْمِيّ وَكَانَ شجاعاً كَرِيمًا. وَمَات تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن عبد الحميد بن عبد الْغفار الهمذاني الْحلَبِي الضَّرِير بِمصْر وجد مَيتا فِي حادي عشر ذِي الْحجَّة وَقد أناف على السّبْعين وَحدث بأَشْيَاء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 50 وَمَات الْملك الْمُؤَيد هزبر الدّين دَاوُد ابْن المظفر شمس الدّين يُوسُف ابْن الْمَنْصُور نور الدّين عمر بن عَليّ بن رَسُول التركماني ملك الْيمن فِي مستهل ذِي الْحجَّة وَكَانَت مدَّته خمْسا وَعشْرين سنة وَقَامَ من بعده ابْنه الْملك الْمُجَاهِد سيف الدّين عَليّ. وَمَات كَمَال الدّين مُحَمَّد بن عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن أَحْمد بن سعيد بن الْأَثِير كَاتب الدست وَمَات الطواشي صفي الدّين جَوْهَر مقدم المماليك السُّلْطَانِيَّة فاستقر بعده الطواشي صفي الدّين صَوَاب الركني وَكَانَ صَوَاب الركني هَذَا يَلِي تقدمة المماليك فِي الْأَيَّام الركنية بيبرس فَلَمَّا قدم السُّلْطَان من الكرك عَزله ثمَّ أَعَادَهُ بعد موت جَوْهَر. وَمَات حميد الدّين أَبُو الثَّنَاء مَحْمُود بن مُحَمَّد بن مَحْمُود بن نصر النَّيْسَابُورِي شيخ الخانكاه الركنية بيبرس فِي تَاسِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة ومولده سنة خمس وَأَرْبَعين وسِتمِائَة. وَمَات الشَّيْخ تَاج الدّين يحيى بن عبد الْوَهَّاب بن عبد الرَّحِيم الدمنهوري الشَّافِعِي فِي ثَالِث عشر جُمَادَى الأولى. كَانَ يتصدر لإقراء النَّحْو وصنف. وَمَات بِمَكَّة الإِمَام الْمُقْرِئ عفيف الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن عبد الْحق بن عبد الله ابْن عبد الْأَحَد المَخْزُومِي الدلاصي فِي لَيْلَة رَابِع عشر الْمحرم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 51 فارغة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 52 سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَسَبْعمائة أهل الْمحرم يَوْم الْأَرْبَعَاء فَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس عشره: وصل أَوَائِل الْحجَّاج. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء حادي عشريه: وصل القَاضِي كريم الدّين الْكَبِير والأمير قجليس صُحْبَة الخاتون طغاي. وَخرج السُّلْطَان إِلَى لقائها ببركة الْحَاج وَمد سماطاً عَظِيما وخلع على سَائِر الْأُمَرَاء وأرباب الْوَظَائِف وَجَمِيع القهرمانات: مثل السِّت حدق الْمَعْرُوفَة بالست مسكة وَنسَاء الْأُمَرَاء وَدخل الْجَمِيع إِلَى مَنَازِلهمْ فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَلم يسمع بِمثل هَذِه الْحجَّة فِي كَثْرَة خَيرهَا وسعة الْعَطاء وَيُقَال إِن السُّلْطَان أنْفق على حجَّة طغاي مبلغ ثَمَانِينَ ألف دِينَار وسِتمِائَة وَثَمَانِينَ ألف دِرْهَم سوى كرى الحمول وَثمن الْجمال ومصروف الجوامك وَسوى مَا حمل من أُمَرَاء الشَّام وأمراء مصر. وَفِي تَاسِع عشريه: قدم الْمحمل بِبَقِيَّة الْحَاج. وَفِي يَوْم السبت ثَانِي صفر: خرج الْأَمِير جمال الدّين أقوش نَائِب الكرك والأمير علم الدّين سنجر الجمقدار والأمير سيف الدّين ألماس الْحَاجِب والأمير سيف الدّين طرجي أَمِير مجْلِس والأمير بهاء الدّين أصلم السِّلَاح دَار بمضافيهم وَطَائِفَة من أجناد الْحلقَة إِلَى غَزْو بِلَاد متملك سيس لمَنعه الْحمل. وَلم يكن الْأَمر كدلك بل مَسِيرهمْ إِنَّمَا كَانَ لأجل توجه الْملك أزبك إِلَى بِلَاد أبي سعيد. وَكتب بِخُرُوج عَسَاكِر الشَّام أَيْضا. وَفِيه هدم مَوضِع دَار الْعدْل الَّذِي أنشأه الْملك الظَّاهِر بيبرس وَعمل طبلخاناه فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 53 شهر رَمَضَان فاستمر مَوضِع الطلخاناه إِلَى الْيَوْم وَلما هدم وجد فِي أساسه أَرْبَعَة قُبُور فَلَمَّا نبشت وجد بهَا رمم أنَاس طوال عراض وإحداها مغطاة بملاءة دبيقي ملونة اذا مس مِنْهَا شَيْء تطاير وَعَلَيْهِم عدَّة الْقِتَال وبهم جراحات وَفِي وَجه أحدهم ضَرْبَة سيف بَين عَيْنَيْهِ عَلَيْهَا قطن فَلَمَّا رفع الْقطن نبع من تَحْتَهُ دم وشوهد الْجرْح كَأَنَّهُ جَدِيد فنقلوا إِلَى العروستين وَعمل عَلَيْهِم مَسْجِد. وَفِي مستهل ربيع الآخر: قدم الْأَمِير سيف الدّين طقصبا الظَّاهِرِيّ وَمَعَهُ رسل الْملك أزبك بكتابه فأحضروا وَلم يعبأ السُّلْطَان بهم لِكَثْرَة شكوى طقصبا من تغير أزبك عَلَيْهِ وإطراحه لَهُ واعيد الرُّسُل بِالْجَوَابِ. وَفِيه قدم عرب الْبَحْرين بِمِائَة وَثَلَاثِينَ فرسا فقومت بأثمان غَالِيَة مَا بسين عشرَة أُلَّاف دِرْهَم الْفرس إِلَى خمسين ألفا فَلَمَّا أخذت أثمانها أنعم السُّلْطَان عَلَيْهِم بخلع وتفاصيل وَغير ذَلِك وسفروا إِلَى بِلَادهمْ. وَفِيه عوض السُّلْطَان أَمِير مَكَّة عَن نَظِير مَا كَانَ يستأديه من مكس الغلال وأقطعه ثُلثي دمامين بِالْوَجْهِ القبلي. وَفِيه قدم الْبَرِيد من دمشق بِحُضُور أُخْت الْأَمِير بدر الدّين جنكلي بن البابا من الشرق وصحبتها جمَاعَة كَثِيرَة إِلَى دمشق وَأَنَّهَا مَاتَت بعد قدومها بِثَلَاثَة أَيَّام فاستدعي من حضر مَعهَا إِلَى مصر فَلَمَّا وصلوا أنعم عَلَيْهِم السُّلْطَان بالإقطاعات وَغَيرهَا. وَفِي مستهل جُمَادَى الأولى: قدم الْبَرِيد بِأَن الْعَسْكَر أغار على بِلَاد سيس وأخرب وغنم وَقتل جمَاعَة وَأَن أوشين متملك سيس هلك وَقَامَ من بعده ابْنه ليفون وَله من الْعُمر نَحْو اثْنَتَيْ عشرَة سنة وَأَن العساكر نازلت أياس وأخذوها عنْوَة بعد حِصَار وَقتلُوا أَهلهَا وخربوها وعادوا على الأرمن فغنموا وأسروا مِنْهُم كثيرا وتوجهوا عائدين. فَقدم الْأَمِير جمال الدّين أقوش بالعسكر إِلَى الْقَاهِرَة فِي سَابِع عشرى جُمَادَى الْآخِرَة وخلع عَلَيْهِ. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع رَجَب: قدم الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام باستئذان فأنعم عَلَيْهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 54 السُّلْطَان إنعامات جليلة بلغت قيمتهَا نَحْو ثَمَانِينَ ألف دِينَار ورسم لسَائِر الْأُمَرَاء بِحمْل تقادمهم إِلَيْهِ وَأَن من أحضر تقدمة يخلع على محضرها من الخزانة السُّلْطَانِيَّة فَحملت إِلَيْهِ تقادم جليلة مِنْهَا أَرْبَعُونَ سلسلة مَا بَين ذهب وَفِضة وَحمل كريم الدّين الْكَبِير تقدمة بِعشْرَة أُلَّاف دِينَار. وَعَاد تنكز بعد إِقَامَته خَمْسَة أَيَّام على الْبَرِيد فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ رَابِع عشريه وَدخل دمشق أول شعْبَان. وَفِيه توجه الْأَمِير سيف الدّين أيتمش المحمدي إِلَى السُّلْطَان أبي سعيد بن خربندا لعقد الصُّلْح وعَلى يَده هَدِيَّة سنية وسفر بألفي دِينَار. وَفِي ثَانِي شعْبَان: عقد على الْأَمِير أبي بكر بن الْأَمِير أرغون النَّائِب عقد خوند بنت السُّلْطَان وَتَوَلَّى العقد قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين الحريري الْحَنَفِيّ على أَرْبَعَة أُلَّاف دِينَار. وختن السُّلْطَان أَوْلَاد ثَلَاثَة من الْأُمَرَاء: وهم بكتمر الساقي وطشتمر حمص أَخْضَر ومنكلي بغا الفخري وَعمل لَهُم مهما عَظِيما مُدَّة أَرْبَعَة أَيَّام. وَرمى الْأُمَرَاء الذَّهَب فِي الطشت فَبلغ مَا فِي طشت ابْن الْأَمِير بكتمر الساقي أَرْبَعَة أُلَّاف وثلاثمائة وَثَمَانِينَ دِينَارا وَفِي طشت ابْن طشتمر حمص أَخْضَر ثَلَاثَة أُلَّاف دِينَار ونيف وَفِي طشت ابْن منكلي بغا ألف دِينَار وَثَمَانمِائَة دِينَار. وَفِي يَوْم الْخَمِيس عَاشر رَمَضَان: قبض على الْأَمِير سيف الدّين بكتمر البوبكري وولديه ثمَّ وَقعت الشَّفَاعَة فِي ولديه فأطلقا. وَسبب ذَلِك كَثْرَة معارضته للسُّلْطَان فعينه السُّلْطَان لنيابة صفد فاستعفى من ذَلِك فَبعث إِلَيْهِ كريم الدّين الْكَبِير بألفي دِينَار وتشريف نِيَابَة صفد ومثالين بإمرتين لِوَلَدَيْهِ بهَا فَلم يعبأ بكريم الدّين وفارقه وَهُوَ متغير. فَركب الْأَمِير بكتمر وَسَأَلَ السُّلْطَان الإعفاء فَغَضب وَقَبضه وولديه وسجنهم بالبرج إِلَى لَيْلَة عيد الْفطر ثمَّ أفرج عَن الْوَلَدَيْنِ. وَفِيه قدم الشريف عطيفة بن أبي نمى صَاحب الْحجاز وَأخْبر بقحط مَكَّة لعدم الْمَطَر وَأَنَّهُمْ استسقوا ثَلَاثًا فَلم يسقوا وَوصل الْقَمْح إِلَى مِائَتَيْنِ وَخمسين درهما الأردب. فرسم السُّلْطَان أَن يحمل إِلَى مَكَّة ألفا أردب وَحمل النَّائِب ألف أردب والحاج آل ملك ألف أردب. فَلَمَّا وصلت الغلال تصدق بهَا فانحل السّعر وأبيع الأردب الْقَمْح بِمِائَة دِرْهَم وأغيث أهل مَكَّة عقيب ذَلِك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 55 وَفِيه قدم الْملك الْمُؤَيد صَاحب حماة وَسَار مَعَ السُّلْطَان إِلَى قوص. وَفِيه نقل البوبكري إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة عِنْد سفر السُّلْطَان إِلَى بِلَاد الصَّعِيد فسجن بهَا. وَفِيه ورد الْخَبَر بخلع الْملك الْمُجَاهِد على صَاحب الْيمن وَإِقَامَة النَّاصِر جلال الدّين. وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر الشَّيْخ نجم الدّين الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن عبود لَيْلَة الْجُمُعَة ثَالِث عشرى شَوَّال وَكَانَ قد عظم قدره فِي الدولة المنصورية لاجين وَعمر زاويته بالقرافة وقصده النَّاس لقَضَاء حوائجهم. وَمَات الشَّيْخ جلال الدّين إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مَحْمُود القلانسي بالقدس فِي ذِي الْقعدَة. وَكَانَ قدم إِلَى مصر فِي سنة تسع وَتِسْعين وسِتمِائَة وَأقَام بهَا وَحصل لَهُ بهَا رياسة واعتقده الْأُمَرَاء وَأهل الدولة وترددوا إِلَى زاويته على بركَة الْفِيل ثمَّ أخرج إِلَى الْقُدس وَكَانَ كَاتبا فَاضلا مُعْتَقدًا. وَمَات الشَّيْخ حسن الجوالقي القلندري صَاحب زَاوِيَة القلندرية خَارج بَاب النَّصْر من الْقَاهِرَة فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي عشر جُمَادَى الْآخِرَة بِدِمَشْق. وَكَانَ قد تقدم فِي دولة الْعَادِل كتبغا. وَمَات الرئيس الْكَاتِب زين الدّين عبد الرَّحْمَن بن أبي صَالح رَوَاحَة بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن مظفر بن نصر بن رَوَاحَة الْأنْصَارِيّ الْحَمَوِيّ بسيوط من بِلَاد الصَّعِيد فِي ذِي الْقعدَة من أَربع وَتِسْعين سنة ورحل إِلَيْهِ النَّاس لسَمَاع الحَدِيث. وَمَات مُحي الدّين عبد الرَّحْمَن بن مخلوف بن جمَاعَة بن رَجَاء الربعِي الإسْكَنْدراني الْمَالِكِي مُسْند الْإسْكَنْدَريَّة بهَا فِي يَوْم الثَّامِن من ذِي الْحجَّة عَن ثَلَاث وَتِسْعين سنة. وَمَات تَقِيّ الدّين عَتيق بن عبد الرَّحْمَن بن أبي الْفَتْح الْعمريّ الْمُحدث الزَّاهِد فِي ذِي الفعدة بِمصْر. وَمَات أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ بن حُرَيْث الْقرشِي البلنسي السبتي بِمَكَّة فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 56 جُمَادَى الْآخِرَة عَن إِحْدَى وَثَمَانِينَ سنة وَأقَام بهَا مجاوراً سبع سِنِين وَكَانَ خَطِيبًا بسبتة ثَلَاثِينَ سنة وبرع فِي فنون. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن الْحسن بن سِبَاع الْمَعْرُوف بِابْن الصَّائِغ بِدِمَشْق وَقدم إِلَى مصر وبرع فِي الْأَدَب وصنف. وَمَات أَمِين الدّين مُحَمَّد بن حَمْزَة بن عبد الْمُؤمن الأصفوني الشَّافِعِي بسيوط. وَمَات تَاج الدّين مُحَمَّد بن الْجلَال أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الدشناوي الشَّافِعِي بقوص. وَمَاتَتْ زَيْنَب بنت أَحْمد بن عمر بن أبي بكر بن شكر أم مُحَمَّد المقدسية المعمرة الرحلة فِي ذِي الْحجَّة بالقدس عَن أَربع وَتِسْعين سنة حدثت بِمصْر وَالْمَدينَة النَّبَوِيَّة. وَمَات بِدِمَشْق الْأَمِير غلبك العادلي والأمير فَخر الدّين أياز شاد الدَّوَاوِين والأمير أيدمر الساقي الْمَعْرُوف بِوَجْه وَمَات أقجبا البدري وَالِي الفيوم. وَمَات بدر الدّين وَالِي قوص. وَمَات الْأَمِير عز الدّين أيبك الْبَغْدَادِيّ بمحبسه من قلعة الْجَبَل فِي سَابِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة. وَمَات بِمصْر القَاضِي شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن المكين بن رَابِعَة فِي ثَالِث عشرى الْمحرم. وَمَات أقضى الْقُضَاة نور الدّين أَبُو الْحُسَيْن عَليّ بن إِسْمَاعِيل بن يَعْقُوب الزواوي الْمَالِكِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع عشرى صفر. وَمَات القَاضِي سعد الدّين مَسْعُود بن نَفِيس الدّين مُوسَى بن عبد الْملك القمني الشَّافِعِي يَوْم الئلاثاء ثَالِث عشرى شعْبَان. وَمَات أقضى الْقُضَاة قطب الدّين مُحَمَّد بن عبد الصَّمد بن عبد الْقَادِر السنباطي خَليفَة الحكم الشَّافِعِي ووكيل بَيت المَال بِالْقَاهِرَةِ سحر يَوْم الْجُمُعَة رَابِع عشرى ذِي الْحجَّة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 57 فارغة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 58 (سنة ثَلَاث وَعشْرين وَسَبْعمائة) أهل الْمحرم بِيَوْم الْأَحَد الْمُوَافق لَهُ رَابِع عشر طوبة: سقط بالدقهلية والمرتاحية من بِلَاد الغربية بعد مطر عَظِيم وريح قَوِيَّة جدا برد وزن الْحبَّة مِنْهُ مَا ينيف على خمسين درهما أتلف كثيرا من الزَّرْع وَمن الْغنم وَالْبَقر وَوجد فِيهِ حِجَارَة مِنْهَا مَا وَزنه من سَبْعَة أَرْطَال إِلَى ثَلَاثِينَ رطلا وَتلف من الْبِلَاد أحد وَسَبْعُونَ بَلَدا بالغربية وإثنان وَثَلَاثُونَ بَلَدا بالبحيرة. وفيهَا نزل السُّلْطَان بالجيزة عَائِدًا من بِلَاد الصَّعِيد وخلع على نَائِب حماة ورسم لَهُ بِالْعودِ إِلَى بَلَده. واستدعى السُّلْطَان بِالْحَرِيمِ من القلعة إِلَى عِنْده وَكَانَ الْوَقْت شتاء فطرد سَائِر النَّاس من الطرقات وعلقت الحوانيت وَنزلت خوند طغاي والأمير أيدغمش أَمِير أخور ماش يَقُود عنان فرسها بِيَدِهِ وحولها سَائِر الخدام مشَاة مُنْذُ ركبت من القلعة إِلَى أَن وصلت إِلَى النّيل فعدت فِي الحراقة. واستدعى الْأَمِير بكتمر الساقي وَغَيره من الْأُمَرَاء الخاصكية حريمهم وَأَقَامُوا فِي أهنأ عَيْش وأرغده. وفيهَا قدم من عِنْد صَاحب ماردين الْجَارِيَة الَّتِي طلبت: وَكَانَ الْمجد السلَامِي قد بعث بِأَنَّهُ أَرَادَ شِرَاء جَارِيَة جنكية من الأردوا فبذل صَاحب ماردين فِيهَا الرغائب لصَاحِبهَا حَتَّى اشْتَرَاهَا وَأَن الْمجد سير يُعلمهُ بِأَنَّهُ قد عينهَا للسُّلْطَان فَلم يعبأ بقوله وشغف بهَا. فَكتب السُّلْطَان لصَاحب ماردين بالإنكار عَلَيْهِ وَأَن يحملهَا إِلَى مصر فسير جَارِيَة غَيرهَا من مملوكين فَلم يخف ذَلِك على السُّلْطَان ورد الثَّلَاثَة وَقَالَ لقاصده شفاهاً: مَتى لم يبْعَث بالجارية وَإِلَّا أخربت ماردين على رَأسه فَلم يجد بدا من إرسالها فَلَمَّا حضرت أنعم السُّلْطَان عَلَيْهِ وَفِيه عَاد السُّلْطَان من الجيزة إِلَى القلعة وَقد توعك كريم الدّين الْكَبِير. وَفِي خَامِس عشره: قدمت بَوَادِر الْحجَّاج وَقدم الْمحمل بِبَقِيَّة الْحَاج فِي يَوْم الْخَمِيس سادس عشره. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 59 وَفِيه تكَرر إرْسَال السُّلْطَان الْأُمَرَاء وَغَيرهم لتفقد حَال كريم الدّين فَلم ينزل إِلَيْهِ أحد إِلَّا وخلع عَلَيْهِ أطلس بطراز وكلفتاه زركش وحياصة ذهب حَتَّى استعظم النَّاس ذَلِك. وَبَالغ السُّلْطَان فِي كَثْرَة الإنعام على الْأُمَرَاء والحكماء إِلَى يَوْم الْخَمِيس ثَالِث ربيع الأول. ثمَّ ركب كريم الدّين إِلَى القلعة وَتوجه بعد اجتماعه بالسلطان إِلَى القرافة فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً زينت فِيهِ الْقَاهِرَة زِينَة عَظِيمَة وصفت بهَا المغاني وأشعلت الشموع وَاجْتمعَ النَّاس بِالْمَدْرَسَةِ المنصورية بَين القصرين لأخذ الصَّدقَات فَمَاتَ فِي الزحمة أَرْبَعَة عشر إنْسَانا وتأذى أنَاس كَثِيرَة وَلم يفرق فيهم شَيْء. وخلع على جَمِيع الْأَطِبَّاء أخرج أهل السجون وَتصدق بأموال جزيلة. وَفِيه قدم الْخَبَر باجتماع الْأَمِير أيتمش بالسلطان أبي سعيد وَأَنه أكْرم غَايَة الإكرامة وَعَاد إِلَى ماردين. وَفِي عشريه: قتل الشَّيْخ ضِيَاء الدّين عبد الله الدربندي الصُّوفِي. وَكَانَ قد قدم من دمشق فِي أَوَائِل هَذِه السّنة على هَيْئَة الْفُقَرَاء اليونسية ولايزال فِي يَده طبر وَشهر بدين وَعلم. فَلَمَّا كَانَ هَذَا الْيَوْم تحزم وَقَالَ: أَنا رَايِح أجاهد فِي سَبِيل الله وأموت شَهِيدا وَسَار من خانكاه سعيد السُّعَدَاء إِلَى قلعة الْجَبَل والأمراء جُلُوس على بَاب الْقلَّة فَرَأى رجلا من الْمُسلمين قد تبع بعض الْكتاب النَّصَارَى وَقبل يَده وَالنَّصْرَانِيّ لَا يعبأ بِهِ فحنق مِنْهُ وَضرب النَّصْرَانِي بالطبر فهدل كتفه وثنى عَلَيْهِ فارتجت القلعة وَاجْتمعَ النَّاس وقبضوه فَاشْتَدَّ غضب السُّلْطَان وَأمر بِهِ فَضرب عُنُقه على بَاب القلعة. وَفِي ثَالِث عشريه: قدم الْبَرِيد بوفاة نجم الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن صصري قَاضِي الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بِدِمَشْق فاستقر عوضه قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين سُلَيْمَان بن عمر الزرعي وَاسْتقر عوضه فِي تدريس الْمدرسَة المنصورية القَاضِي تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 60 وَفِي تدريس الْجَامِع الحاكمي الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن عَدْلَانِ. وَفِيه قدم الْأَمِير أيتمش المحمدي من عِنْد أبي سعيد وَقد عقد الصُّلْح بَينه وَبَين السُّلْطَان وخطب بذلك فِي يَوْم الْجُمُعَة بِمَدِينَة توريز على مِنْبَر الْجَامِع وَقد حمل الْأَمِير أيتمش مَعَه نُسْخَة الْأَيْمَان الَّتِي تَتَضَمَّن حلف أبي سعيد وجوبان والوزير وَمَا أنعم بِهِ عَلَيْهِ أَبُو سعيد: وَهُوَ مَا قِيمَته نَحْو المائتي ألف دِرْهَم ولؤلؤاً اشْتَرَاهُ بِأَرْبَعِينَ ألف دِرْهَم قوم بِمِائَة ألف. وَقدم أيتمش ذَلِك كُله للسُّلْطَان وَحلف أَلا يدْخل فِي ملكه فَقبله مِنْهُ وأنعم عَلَيْهِ بِمِائَة ألف دِرْهَم وَحمل لَهُ كريم وَفِي يَوْم الْخَمِيس سلخ ربيع الأول: قبل الظّهْر ولد للسُّلْطَان ولد ذكر من حظيته طغاي سَمَّاهُ أنوك وَفِيه وقف بعض بزدارية السُّلْطَان وشكا أَن أحد أجناد الْأَمِير بكتمر الْحَاجِب تزوج بامرأته من غير أَن يكون قد طَلقهَا وَأَنه رشا الشُّهُود حَتَّى فعلوا لَهُ ذَلِك. فكشف علم الدّين الخازن وَالِي الْقَاهِرَة عَن قَوْله فَتبين كذبه وَأَنه طلق الْمَرْأَة وَانْقَضَت عدتهَا ثمَّ تزوجت بالجندي فتعصب الْأَمِير بكتمر على البازدار لظُهُور كذبه فحنق السُّلْطَان وَأمر الْوَالِي بتعزير الشُّهُود ومنعهم من تحمل الشَّهَادَة وإلزام الجندي بِطَلَاق الْمَرْأَة وردهَا إِلَى البازدار فَكَانَ هَذَا من الْأُمُور الشنيعة. وَفِيه قبض على القَاضِي كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن الْعلم بن هبة الله بن السديد نَاظر الْخَاص ووكيل السُّلْطَان فِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشره ربيع الآخر بَعْدَمَا تجهز ليسافر فِي يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشره إِلَى الشَّام. فعندما طلع إِلَى القلعة على الْعَادة وَوصل إِلَى الدركاه منع من الدُّخُول إِلَى السُّلْطَان وعوق بدار النِّيَابَة هُوَ وَولده علم الدّين عبد الله وكريم الدّين أكْرم الصَّغِير نَاظر الدولة. وَوَقعت الحوطة على دور كريم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 61 الدّين الْكَبِير خَاصَّة الَّتِي بِالْقَاهِرَةِ وبركة الْفِيل وَنزل شُهُود الخزانة بولده إِلَى دَاره ببركة الْفِيل وحملوا مَا فِيهَا إِلَى القلعة. وتوالت مصادرته فَوجدَ لَهُ شَيْء كثير جدا: من ذَلِك قماش وَبرد وطرز وحوايص قيمتهَا زِيَادَة على سِتِّينَ ألف دِينَار وقند وسكر زنته ثَمَانُون ألف قِنْطَار وَعسل عدَّة ثَلَاثَة وَخمسين ألف مطر وصناديق بهَا مسك وزعفران وَعَنْبَر وعود ولبان وعير ذَلِك عدَّة أحد وَأَرْبَعين صندوقاً. وأبيعت دَاره الَّتِي على بركَة الْفِيل للأمير سيف الدّين طقتمر بِثَلَاثَة عشر ألف دِينَار. وَحمل مَاله فِي الْإسْكَنْدَريَّة وَكَانَ خمسين ألف دِينَار وَمن أَصْنَاف المتجر شَيْء كثير جدا وَمِنْه ثَمَانُون ألف قِطْعَة خشب وَمِائَة وَسِتُّونَ ألف قِنْطَار رصاص وَبَلغت قيمَة الْأَصْنَاف الَّتِي لَهُ فِي الْإسْكَنْدَريَّة خَمْسمِائَة ألف دِينَار. وَوجد لَهُ بِدِمَشْق ألف ألف دِينَار وسِتمِائَة ألف دِرْهَم وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ ألف دِينَار. وَبَلغت قيمَة أوقافه سِتَّة أُلَّاف ألف دِرْهَم. وَفِي يَوْم السبت سلخه: قبض على كريم الدّين الصَّغِير وَسبب أَنه امْتنع من أَن يتحدث فِي الْخَاص والمتجر وَيُدبر الْأُمُور كلهَا بعد الْقَبْض على خَاله كريم الدّين الْكَبِير. وَفِيه نقل كريم الدّين الْكَبِير وَولده علم الدّين إِلَى البرج المرسوم للمصادرين بِبَاب القرافة من القلعة وطولب بِالْحملِ. وعوق بالقلعة نَاصِر الدّين شاد الْخَاص والمهذب الْعَامِل وَغَيره لعمل حِسَاب كريم الدّين. وَكَانَ سَبَب نكبته حسد الْأُمَرَاء وَغَيرهم لَهُ على تمكنه من السُّلْطَان وسعة مَاله وَكَثْرَة عطائه فوشوا بِهِ إِلَى السُّلْطَان أَنه يتْلف الْأَمْوَال السُّلْطَانِيَّة بتفريقها ليقال عَنهُ إِنَّه كريم. وَاتفقَ مَعَ ذَلِك أَن كريم الدّين أكْرم الصَّغِير كَانَ لَهُ اخْتِصَاص بالأمير أرغون النَّائِب فَأكْثر من شكاية كريم الدّين الْكَبِير وَأَنه يمنعهُ من تَحْصِيل الْأَمْوَال. وَكَانَ أكْرم الصَّغِير ظلوماً غشوماً يُرِيد أَن يمد يَده إِلَى ظلم النَّاس فيمنعه كريم الدّين. فَبلغ النَّائِب السُّلْطَان شكوى أكْرم الصَّغِير مرَارًا فأثر فِي نَفسه ذَلِك. وَصَارَ السُّلْطَان يرى عِنْد الخاصكية من الملابس الفاخرة والطرز الزركش وَعند نِسَائِهِم من الملابس والحلي مَا يستكثره فَإِذا سَأَلَ عَنهُ قيل لَهُ هَذَا من كريم الدّين فتصغر نَفسه عِنْدهم لِأَنَّهُ لَا يعطيهم قطّ مثل ذَلِك. وَلما حضر عرب الْبَحْرين بِالْخَيْلِ قومت بِأَلف ألف ومائتي ألف دِرْهَم سلمهَا كريم الدّين إِلَيْهِم بجملتها فِيمَا بَين بكرَة النَّهَار إِلَى الظّهْر وعادوا إِلَى السُّلْطَان وَقد دهشوا فَإِنَّهُ كَانَ أخرج إِلَيْهِم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 62 شكائر مَا بَين ذهب وَفِضة. فَلَمَّا قَالَ لَهُم السُّلْطَان: قبضتم. قَالُوا: نعم قَالَ: لَعَلَّه تَأَخّر لكم شَيْء فَقَالُوا: وحياتك! عِنْد كريم الدّين مَال فِي خزانَة إِذا أخرج مِنْهُ مُدَّة شهر مَا يفرغ. فَتحَرك السُّلْطَان لذَلِك وَقَالَ لبكتمر الساقي. سَمِعت قَول الْعَرَب أَنه دفع هَذَا الْقدر فِي يَوْم وَاحِد والخزانة ملآنة ذَهَبا وَفِضة وَأَنا أطلب مِنْهُ ألفي دِينَار فَيَقُول مَا تمّ حَاصِل. وَتبين الْغَضَب فِي وَجه السُّلْطَان فَأخذ بكتمر يتلطف بِهِ وَهُوَ يحتد إِلَى أَن قبض عَلَيْهِ. وَفِي يَوْم السبت سَابِع جُمَادَى الْآخِرَة: نقل تَاج الدّين بن عماد الدّين بن السكرِي من شَهَادَة الخزانة إِلَى نظر بَيت المَال وخلع عَلَيْهِ بطرحة. وَفِيه نقل عَلَاء الدّين بن الْبُرْهَان الْبُرُلُّسِيّ من نظر بَيت المَال إِلَى نظر خَزَائِن السِّلَاح وخلع عَلَيْهِ. وَفِي رَابِع عشره: قدمت رسل أبي سعيد لتحليف السُّلْطَان على الصُّلْح وَمَعَهُمْ هَدِيَّة مَا بَين بَخَاتِي وأكاديش وتحف فقرئ كِتَابه بِوُقُوع الصُّلْح ثمَّ سفروا بهدية سنية بَعْدَمَا عمرهم إِحْسَان السُّلْطَان فِي ثَانِي عشريه. وَفِيه قدم الْحمل من عِنْد متملك سيس صُحْبَة رَسُوله وَمَعَهُ جَوَاهِر ثمينة وَاعْتذر الرَّسُول عَمَّا كَانَ من متملك سيس وَاسْتَأْذَنَ فِي عمَارَة أياس على أَن يحمل فِي كل سنة مائَة ألف دِرْهَم فَأُجِيب إِلَى ذَلِك. وَفِيه قدم مُوسَى بن مهنا وَعَمه مُحَمَّد بالقود على الْعَادة وخيول كَانَ السُّلْطَان استدعى بهَا. وَسبب ذَلِك وُقُوع الصُّلْح مَعَ أبي سعيد فضاقت بهم الْبِلَاد فأكرمهما السُّلْطَان وأنعم عَلَيْهِمَا وأعادهما إِلَى بلادهما. وَفِيه وَقعت مرافعة بَين فرج وَعلي وَلَدي قراسنقر بِسَبَب دخيرة لِأُمِّهِمَا تبلع نَحْو المائتي ألف ألف دِرْهَم فَأَخذهَا السُّلْطَان مِنْهُمَا. وَفِيه قدم الْمجد السلَامِي من الشرق وَقدم تقدمة جليلة فرتبت لَهُ الرَّوَاتِب السّنيَّة وَكتب لَهُ مسموح بمبلغ خمسين ألف دِرْهَم فِي السّنة ومرسوم بمسامحة نصف المكس عَن تجاراته وَعَاد إِلَى توريز. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 63 وَفِيه قبض على جمَاعَة من المماليك وعوقوا بِسَبَب ورقة وجدت تَحت كرْسِي السُّلْطَان فِيهَا سبه وتوبيخه وَأخرج مِنْهُم عدَّة إِلَى بِلَاد وسجن مِنْهُم جمَاعَة. وَفِي سادس عشره: اسْتَقر الْأَمِير عَلَاء الدّين مغلطاي الجمالي أستاداراً عوضا عَن الْأَمِير سيف الدّين بكتمر العلائي وَخرج بكتمر إِلَى دمشق. وَكَانَ ذَلِك بِسَبَب أَنه استخدم طباخ كريم الدّين الْكَبِير فِي مطبخ السُّلْطَان فَأنْكر عَلَيْهِ السُّلْطَان ذَلِك وَقَالَ لَهُ: تستخدم طباخ رجل قد عزلته وصادرته فِي مطبخي وَأخرج أَيْضا الْأَمِير سنقر السَّعْدِيّ نقيب المماليك إِلَى طرابلس. وَفِيه أفرج عَن كريم الدّين أكْرم الصَّغِير ورسم لَهُ أَن يتحدث فِي الْأَمْوَال السُّلْطَانِيَّة كلهَا بِغَيْر مشارك فَامْتنعَ من ذَلِك فعزل عَن نظر الدَّوَاوِين. ثمَّ خلع عَلَيْهِ وَاسْتقر صَاحب ديوَان الْجَيْش عوضا عَن معِين الدّين بن حشيش وخلع على معِين الدّين بِنَظَر الْجَيْش بِالشَّام. وَفِيه ولى السُّلْطَان نظر الْخَاص تَاج الدّين اسحاق أحد نظار الدَّوَاوِين وَتسَمى لما أسلم عبد الْوَهَّاب ورسم أَلا يتحدث فِي متجر. وَكَانَ سَبَب ولَايَته أَن السُّلْطَان لما قبض كريم الدّين الْكَبِير بعث إِلَيْهِ أَن يعين من يصلح لنظر الْخَاص فعين التَّاج وباشر التَّاج الْخَاص بِسُكُون زَائِد وسياسة جَيِّدَة إِلَى أَن مَاتَ. وَفِيه طلب الصاحب أَمِين الدّين عبد الله بن الغنام من الْقُدس. وَفِي لَيْلَة الثَّالِث وَالْعِشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة: سفر كريم الدّين أكْرم الصَّغِير على الْبَرِيد إِلَى صفد. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشريه: أفرج عَن كريم الدّين الْكَبِير وَولده وألزم بِالْإِقَامَةِ فِي تربته من القرافة وَكَانَ لَهُ يَوْم عَظِيم جدا وَأَتَاهُ النَّاس من كل مَكَان. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير جمال الدّين أقوش نَائِب الكرك فِي نظر المارستان عوضا عَن كريم الدّين الْكَبِير فَوجدَ حَاصله أَرْبَعمِائَة ألف دِرْهَم سوي سكر وَغَيره قِيمَته مائَة ألف دِرْهَم. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير سيف الدّين قجليس فِي نظر جَامع ابْن طولون عوضا عَن كريم الدّين الْكَبِير أَيْضا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 64 وَفِيه خرج الطّلب لإحضار شمس الدّين غبريال من دمشق فَركب وَمَعَهُ أَمْوَال كَثِيرَة ثمَّ خول اموال كريم الدّين الْكَبِير وَعَاد إِلَى دمشق مكرماً. ثمَّ قدم الصاحب أَمِين الدّين يَوْم الْأَحَد رَابِع عشرى ربيع الآخر وَقرر فِي الوزارة وَجلسَ بقلعة الصاحب من القلعة وَنزل إِلَى دَاره فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَاسْتقر فِي نظر النظار شرف الدّين إِبْرَاهِيم بن زنبور وَاسْتمرّ عوضه فِي اسْتِيفَاء الصُّحْبَة شمس الدّين إِبْرَاهِيم بن قروينة صهر الصاحب أَمِين الدّين فَصَارَ نظر النظار بَين القَاضِي موفق الدّين هبة الله بن سعيد الدولة إِبْرَاهِيم وَبَين ابْن زنبور. وشفى الصاحب أَمِين الدّين نَفسه من كريم الدّين أكْرم النَّاظر وأخرق بِهِ. وَفِي يَوْم السبت سلخ ربيع الْأُخَر: قبض على كريم الدّين الصَّغِير واعتقل ببرج فِي القلعة فشرع فِي حمل المَال ثمَّ أفرج عَنهُ سلخ جُمَادَى الأولى ورسم لَهُ بِنَظَر صفد فَتوجه إِلَيْهَا لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ رَابِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة. وَفِيه قدم شمس الدّين غبريال وَمَعَهُ حمل دمشق ألف ألف وسِتمِائَة ألف دِرْهَم وَمن الذَّهَب مبلغ خَمْسَة وَعشْرين ألف دِينَار من حَاصِل كريم الدّين ومتاجره. وَفِي يَوْم السبت تَاسِع عشرى جُمَادَى الْآخِرَة: أخرج كريم الدّين الْكَبِير وَولده الشوبك بَعْدَمَا أشهد عَلَيْهِ أَن جَمِيع مَا وَقفه من الْأَمْلَاك وَغَيرهَا إِنَّمَا اشْتَرَاهُ من مَال السُّلْطَان دون مَاله. فأبقى السُّلْطَان أوقاف الخانكاه بالقرافة وأوقاف الْجَامِع بِدِمَشْق وأعيد غبريال إِلَى دمشق على عَادَته. وَفِيه توجه التَّاج اسحاق والأمير عَلَاء الدّين مغلطاي الجمالي إِلَى الاسكندرية واحتاطا على أَمْوَال كريم الدّين الْكَبِير وَكَانَت تَحت يَد مكين الترجمان وَقد أَخذ المكين مِنْهَا ثَلَاثَة وَخمسين ألف دِينَار فاستقر التَّاج إِسْحَاق يتحدث فِي متجر الْخَاص. وَعَاد التَّاج إِسْحَاق وَمَعَهُ الْأَمِير مغلطاي فأوقع الحوطة على أَمْوَال التُّجَّار وألزم ابْن المحسني مُتَوَلِّي الثغر بِخَمْسِينَ ألف دِينَار ورسم على سَائِر المباشرين وصادر النَّاس فغلقت الْمَدِينَة وَبلغ السُّلْطَان ذَلِك فَأنكرهُ وَأَفْرج عَن ابْن المحسني بَعْدَمَا أَخذ مِنْهُ مبلغ اثْنَي عشر ألف دِينَار وَعَاد الْأَمِير عَلَاء الدّين مغلطاي الجمالي بستين ألف دِينَار من المصادرات. وَفِيه كَانَ عرس أَمِير عَليّ بن أرغون النَّائِب على ابْنة السُّلْطَان فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامن عشر شعْبَان. وَقد اعتنى السُّلْطَان بجهازها عناية عظيمه وَعمل لَهَا بشخاناه وستارة وداير بَيت زركش بمبلغ ثَمَانِينَ ألف دِينَار وآلات ذهب وَفِضة بِمَا ينيف على عشرَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 65 أُلَّاف دِينَار. وَعمر السُّلْطَان لَهَا مناظر الْكَبْش عمَارَة جَدِيدَة وَنقل الجهاز إِلَيْهَا ثمَّ نزل بِنَفسِهِ حَتَّى نصب الجهاز. وَعمل المهم مُدَّة ثَلَاثَة أَيَّام حَضَره نسَاء الْأُمَرَاء بتقادمهم: وَهِي مَا بَين أَرْبَعمِائَة دِينَار سوى تعابي القماش إِلَى مِائَتي دِينَار. وَكَانَ فِيهِ ثَمَانِي جوق من مغاني الْقَاهِرَة وَعِشْرُونَ جوقة من جواري السُّلْطَان والأمراء خص كل جوقة من جَوف الْقَاهِرَة خَمْسمِائَة دِينَار وَمِائَة وَخَمْسُونَ تفصيلة حَرِير وَلم يحصو مَا حصل لجواري السُّلْطَان والأمراء لكثرته. فَلَمَّا انْقَضى المهم بعث السُّلْطَان لكل من نسَاء الْأُمَرَاء تعبية قماش على قدرهَا وَعم جَمِيع الْأُمَرَاء بِالْخلْعِ وَفضل من الشممع بَعْدَمَا اسْتعْمل مِنْهُ مُدَّة الْعرس ألف قِنْطَار مصري. وأنعم السُّلْطَان على الْأَمِير أرغون النَّائِب بمنية بني خصيب زِيَادَة على إقطاعه. وَفِيه قبض على الْأَمِير طشتمر حمص أَخْضَر الساقي وَفرج بن قراسنقر وكرت وعدة من المماليك. ثمَّ أفرج عَن طشتمر من يَوْمه وَنفي كرت إِلَى صفد وَبَقِي فرج ابْن قراسنقر بالجب. وَفِيه هبت ريح سَوْدَاء حارة بِدِمَشْق مَاتَ مِنْهَا جمَاعَة من النَّاس فَجْأَة وفسدت الثِّمَار وجفت الْمِيَاه فتحسن سعر الغلال. ثمَّ وَقع مثل ذَلِك بِالْقَاهِرَةِ ومصر فتغيرت أمزجة النَّاس وفشت الْأَمْرَاض وَكثر الْمَوْت مُدَّة شهر وفسدت الثِّمَار وتحسن السّعر لهيف الْغلَّة وَقلة وُقُوعهَا. وَفِيه قدم الْأَمِير بكتمر الحسامي من دمشق فولي الْإسْكَنْدَريَّة وَتوجه إِلَيْهَا فأراق الْخُمُور بهَا وَمنع من بيعهَا وَجعل أُجْرَة النَّقِيب نصف دِرْهَم وَتثبت فِي الْبَينَات وَحمل النَّاس على الْأُمُور الشَّرْعِيَّة. فاستخفوا بِهِ وطمعوا فِيهِ وَكثر فسادهم فأحدث عَلَيْهِم غرامات يقومُونَ بهَا إِذا تبين الْحق عَلَيْهِ فَكَانَ الرجل إِذا شكا يجبى مِنْهُ من مِائَتي دِرْهَم إِلَى مَا دونهَا وَضرب جمَاعَة مِنْهُم وَفِيه توجه قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة والأمير آل ملك إِلَى الْحَج فِي سادس شَوَّال. وَتوجه الْأَمِير بيبرس الدوادار نَائِب السلطنة فِي حادي عشره وَمَعَهُ حَاج كثير ورحل الْمحمل بِبَقِيَّة الْحَاج فِي ثامن عشره من الْبركَة. وَتوجه الْفَخر نَاظر الْجَيْش الجزء: 3 ¦ الصفحة: 66 فِي ثَانِي عشريه إِلَى الْقُدس ليتوجه مِنْهُ إِلَى الْحَج. وَكَانَت عدَّة ركُوب الْحَاج من مصر سِتَّة ركُوب على كل ركب أَمِير. وَفِيه اسْتَقر بلبان العتريس فِي ولَايَة الْبحيرَة عوضا عَن أسندمر القلنجقي. وَفِيه اسْتَقر قدادار مَمْلُوك برلغي فِي ولَايَة الغربية. وَفِي أول ذِي الْحجَّة: خرج الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن قراسنقر والأمير سيف الدّين أيدمر الكبكي والأمير طقصباي الْمرتبَة فديته بقوص وَخَمْسمِائة من أجناد الحلقه إِلَى بِلَاد النّوبَة وَمَعَهُمْ كرنبس. فَانْتَهوا إِلَى دمقلة وَكَانَ قد تغلب كنز الدولة عَلَيْهَا وَنزع كرنبس ففر كنز الدولة مِنْهُم وَجلسَ كرنبس على سَرِير ملكه وعادوا فحارب كنز الدولة كرنبس بعد عود الْعَسْكَر وَملك مِنْهُ الْبِلَاد. وَفِيه صرف معِين الدّين بن حشيش عَن ديوَان الْجَيْش وَنقل إِلَى دمشق وأشرك بَينه وَبَين القطب ابْن شيخ السلامية فِي نظر الْجَيْش بهَا. وَكَانَ قاع النّيل فِي هَذِه السّنة سِتَّة أَذْرع وَنصف وَكَانَ الْوَفَاء يَوْم الْأَرْبَعَاء سادس شعْبَان وسابع عشر مسري وانتهت الزِّيَادَة فِي سَابِع عشر رَمَضَان إِلَى ثَمَانِيَة عشر ذِرَاعا وَسِتَّة أَصَابِع. وخرق المَاء نَاحيَة بُسْتَان الخشاب وَدخل إِلَى بولاق وغرق بساتين. وانقطعت الطَّرِيق من جِهَة اللوق وغرق الخور وانهدمت عدَّة بيُوت وغرقت الْمنية وجزيرة الْفِيل فَركب السُّلْطَان بِنَفسِهِ لعمل جسر. ثمَّ قويت الزِّيَادَة وفاض المَاء على منشاة المهراني ومنشاة الكتبة وَصَارَ مَا بَين بولاق ومصر بحراً وَاحِدًا. وَأمر النَّاس برمي التُّرَاب فِي نَاحيَة بولاق وَكثر الْخَوْف من غرق الْقَاهِرَة وَاشْتَدَّ الاحتراس. وَطلب الْفُقَرَاء للْعَمَل فبلغت أُجْرَة الرجل فِي كل يَوْم مابين دِرْهَم إِلَى ثَلَاثَة دَرَاهِم لعزة وجود الرِّجَال واشتغالهم عِنْد النَّاس فِي نقل التُّرَاب. ونزت أَمَاكِن كَثِيرَة وغرقت الأقصاب بِبِلَاد الصَّعِيد وَتلف القلقاس والنيلة وعدة مطاير بهَا الغلال. وَكتب لسَائِر الْوُلَاة بِكَسْر جَمِيع الترع والجسور وتصريفها إِلَى الْبَحْر الْملح فَثَبت المَاء ثَلَاثَة وَأَرْبَعين يَوْمًا ثمَّ نزل قَلِيلا قَلِيلا. فاستدعى السُّلْطَان المهندسين ورسم بِعَمَل جسر يحجز المَاء عَن الْقَاهِرَة لِئَلَّا تغرق فِي نيل أخر وألزم أَرْبَاب الْأَمْلَاك المطلة على النّيل بعمارة الزرابي فَعمل كل أحد تجاه دَاره زربية. واستدعى الْأُمَرَاء فلاحيهم من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 67 النواحي فَحَضَرُوا بالأبقار والجراريف. وَعمل الجسر من بولاف إِلَى منية الشيرج ووزع بالأقصاب على الْأُمَرَاء فنصب كل أَمِير خيمة وَخرج بِرِجَالِهِ للْعَمَل. ونصبت لَهُم الْأَسْوَاق حَتَّى كمل الجسر فِي عشْرين يَوْمًا وَكَانَ ارتفاعه أَربع قصبات فِي عرض ثَمَانِيَة. وَفِيه قدم الْبَرِيد بِمَوْت تكفور متملك سيس وَإِقَامَة وَلَده بعده ثمَّ قدمت رسله بالهدية. وَفِيه قدم الشريفان عطيفة أَمِير مَكَّة وَقَتَادَة أَمِير يَنْبع. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان الْمُجَاهِد أنص ابْن الْعَادِل كتبغا بعد مَا عمي من سهم أَصَابَهُ فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي الْمحرم وَكَانَ سَمحا ذكياً مُتَقَدما فِي رمي البندق. وَمَات تَاج الدّين أَحْمد بن مجد الدّين عَليّ بن وهب بن مُطِيع بن دَقِيق الْعِيد الشَّافِعِي فِي عشرى ذِي الْحجَّة ومولده فِي ربيع سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة. وَكَانَ فَقِيها فَاضلا فِي مذهبي الشَّافِعِي وَمَالك سمع الحَدِيث وَحدث وَولي الحكم بغرب قمولا وبقوص وَكَانَ كثير الْعِبَادَة. وَمَات قَاضِي الْقُضَاة بِدِمَشْق نجم الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن الْعِمَاد مُحَمَّد ابْن الْأَمِير سَالم بن الْحَافِظ بهاء الدّين الْحسن بن هبة الله بن مَحْفُوظ بن صصري التغلبي الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي فِي لَيْلَة السبت سادس عشرى ربيع الأول ومولده فِي سَابِع عشرى ذِي الْقعدَة سنة خمس وَخمسين وسِتمِائَة وَولي الْقَضَاء إِحْدَى وَعشْرين سنة وَقدم الْقَاهِرَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 68 مرَارًا وَقَرَأَ الْقرَاءَات السَّبع وَسمع الحَدِيث وَكتب الْخط الْمليح وبرع فِي الْأَدَب والتاريخ وَقَالَ الشّعْر وشارك فِي فنون من فقه وَتَفْسِير وَغَيره. وَمَات أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي بكر بن خَمِيس الْأنْصَارِيّ المغربي فِي يَوْم الْأَحَد سَابِع عشر شعْبَان بِمصْر ومولده بالجزيرة الخضراء من الغرب فِي الْمحرم سنة سِتّ وَأَرْبَعين وسِتمِائَة. وَكَانَ صَاحب فنون وَصَلَاح وَدين وَشعر جيد. وَمَات نجم الدّين مُحَمَّد بن عُثْمَان بن الصفي البصروي الْحَنَفِيّ الْوَزير الصاحب. ولي حَسبه دمشق ثمَّ وزارتها ثمَّ صَار من الْأُمَرَاء. وَمَات كَمَال الدّين عبد الرَّزَّاق بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن الفوطي الْبَغْدَادِيّ المؤرخ فِي الْمحرم بِبَغْدَاد. وَمَات تَاج الدّين ناهض بن مخلوف أَخُو قَاضِي الْقُضَاة زين الدّين عَليّ بن مخلوف الْمَالِكِي فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن عشر الْمحرم بِمصْر. وَمَات السّني ابْن سِتّ بهجة يَوْم الْأَحَد خَامِس عشرى ذِي الْحجَّة وَكَانَ من أَعْيَان الْكتاب بِمصْر. وَمَات بهاء الدّين الْقَاسِم بن مظفر بن مَحْمُود بن تَاج الْأُمَنَاء أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحسن بن هبة الله بن عبد الله بن عَسَاكِر فِي خَامِس عشرى شَوَّال ومولده سنة تسع وَعشْرين وسِتمِائَة. سمع وَحدث وَصَارَ مُسْند الشَّام. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 69 فارغة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 70 سنة أَربع وَعشْرين وَسَبْعمائة أهل الْمحرم يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث شهر طوبة: فَقدم الْفَخر نَاظر الْجَيْش من الْحجاز عَشِيَّة الْأَحَد ثالثه. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سادسه: نُودي على الْفُلُوس أَن يتعامل النَّاس بهَا بالرطل على أَن كل رَطْل مِنْهَا بِدِرْهَمَيْنِ وَمن عِنْده مِنْهَا شَيْء يحضرهُ إِلَى دَار الضَّرْب وَيَأْخُذ عَنْهَا فضَّة. ورسم بِضَرْب فلوس زنة الْفلس مِنْهَا دِرْهَم وَثمن فَضرب مِنْهَا نَحْو مِائَتي ألف دِرْهَم فرقت على الصيارف. وَكَانَ سَبَب ذَلِك كَثْرَة مَا دخل فِي الْفُلُوس من الزغل حَتَّى صَار وزن الْفلس نصف دِرْهَم. فتوقف النَّاس عَن أَخذ الْفُلُوس وَكثر ردهَا وعقوبة الباعة على ذَلِك بِالضَّرْبِ والتجريس إِلَى أَن فسد الْحَال وغلقت الحوانيت وَارْتَفَعت الأسعار وَبلغ الْقَمْح بعد عشرَة دَرَاهِم الأردب إِلَى سَبْعَة عشر درهما. وَفِي يَوْم السبت تاسعه: وصل الْأَمِير سيف الدّين طشتمر حمص أَخْضَر الساقي من الْحجاز وصحبته جمَاعَة وَكَانَ قد سَافر بعد الإفراج عَنهُ وأنعم عَلَيْهِ بألفي دِينَار وغلال كَثِيرَة وَعمل لَهُ السُّلْطَان عِنْد قدومه اثْنَتَيْ عشرَة بدلة وَثَلَاثَة حوائض وطرز زركش وأنعم عَلَيْهِ بِمَال جزيل وتتابع قدوم الْحَاج حَتَّى قدم الْمحمل فِي خَامِس عشريه وَفِيه توجه الْأَمِير أرغون النَّائِب إِلَى منية بني خصيب فَشَكا أَهلهَا من مباشريهم فَلم يسمع لَهُم وَأمر بضربهم فرجموه بِالْحِجَارَةِ وأنكوا فِي مماليكه وغلمانه. فَركب عَلَيْهِم أرغون ليفتك بهم فَفرُّوا من عِنْد الوطاق خَارج الْبَلَد إِلَى دَاخل الْبَلَد فَأخذ مماليكه من عمائم الهاربين نيفاً على ثَلَاثمِائَة وَسِتِّينَ عِمَامَة زرقاء من عمائم النَّصَارَى فَلَمَّا استكثر ذَلِك قيل لَهُ إِن بهَا كثيرا من النَّصَارَى وَلَهُم خمس كنائس فَهَدمهَا فِي سَاعَة وَاحِدَة ورسم أَلا يستخدم نَصْرَانِيّ فِي ديوانه وَكَانَ النَّصَارَى قد جددوا عمَارَة مَا خرب من الْكَنَائِس بالصعيد فهدمت أَيْضا. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة: هبت ريح وَالنَّاس فِي الصَّلَاة حَتَّى ظن النَّاس أَن السَّاعَة قَامَت واستمرت بَقِيَّة النَّهَار وَطول اللَّيْل فهدم بهَا دور كَثِيرَة وامتلأت الأَرْض بِتُرَاب أسود. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 71 وَخرجت ريح شَدِيدَة بِبِلَاد قوص إِلَى أسوان واقتلعت فِي لَيْلَة وَاحِدَة أَرْبَعَة أُلَّاف نَخْلَة وَخَربَتْ الديار. وَفِيه قدمت رسل الْمُجَاهِد سيف الدّين بن عَليّ ملك الْيمن بِطَلَب نجدة من مصر فَلم يجب إِلَى ذَلِك. وفيهَا قحطت بِلَاد الشرق فَقدمت طوائف إِلَى بِلَاد الشَّام وَكَانَ الْجَرَاد قد أتلف زروعها فبلغت الغرارة بِدِمَشْق إِلَى مِائَتي دِرْهَم. فَجهز الْأُمَرَاء من مصر الغلال الْكَثِيرَة فِي الْبَحْر إِلَى بيروت وطرابلس فَكَانَ مَا حمل من جِهَة السُّلْطَان والأمراء نَحْو عشْرين ألف أردب سوى مَا حمله التُّجَّار فَانْحَطَّ السّعر حَتَّى أبيعت الغرارة بِثَمَانِينَ درهما. وَكتب بِإِبْطَال مكس الْغلَّة بِالشَّام وَهُوَ على كل غرارة ثَلَاثَة دَرَاهِم وكانث تبلغ فِي كل سنة ألف ألف ومائتي ألف دِرْهَم فَبَطل ذَلِك وَاسْتمرّ بُطْلَانه. وَفِيه عزل جمال الدّين سُلَيْمَان الزرعي عَن قَضَاء الْقُضَاة بِدِمَشْق وَاسْتمرّ عوضه جلال الدّين مُحَمَّد الْقزْوِينِي بعد استدعائه إِلَى الْقَاهِرَة فِي يَوْم الْأَحَد حادي عشر جُمَادَى الأولى وقدومه فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث عشريه. فَلَمَّا اجْتمع الْقزْوِينِي بالسلطان أقبل عَلَيْهِ وَصلى بِهِ الْجُمُعَة وَنزل إِلَى خانكاه سعيد السُّعَدَاء ثمَّ ولاه قَضَاء الْقُضَاة بِدِمَشْق وخلع عَلَيْهِ يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث عشر جُمَادَى الْآخِرَة وسافر الْقزْوِينِي على الْبَرِيد يَوْم الْإِثْنَيْنِ رَابِع عشريه فَقدم دمشق خَامِس رَجَب وَكَانَ عَلَيْهِ دُيُون اجْتمعت عَلَيْهِ بِسَبَب مكارمه وَهِي ألف دِينَار وَمِائَة وَسِتُّونَ دِينَارا فَأعْطَاهُ وَفِيه كتب باستقرار كَمَال الدّين مُحَمَّد بن عَليّ الزملكاني فِي قَضَاء حلب عوضا عَن زين الدّين عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الْقَادِر الْأنْصَارِيّ. وَفِيه توجه السُّلْطَان إِلَى الصَّيْد بالبحيرة فاصطاد نَحْو المائتي غزال بِالْحَيَاةِ سوى مَا قتل وجرح كثيرا مِنْهَا وأطلقها. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع عشر ربيع الأولى: توجه الْأَمِير سيف الدّين قطلوبغا المغربي لإحضار كريم الدّين الْكَبِير وَولده من الْمُقَدّس فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشريه حضرا على الْبَرِيد تَحت الحوطة فسلما إِلَى الْأَمِير قجليس فأقاما كنده إِلَى يَوْم حادي عشر ربيع الآخر ثمَّ طلعا إِلَى قلعة الْجَبَل وطولبا بِالْمَالِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 72 وَفِيه تنكر الْحَال بَين الأميرين تنكز نَائِب الشَّام والأمير ألطنبغا نَائِب حلب. وَفِي يَوْم الْخَمِيس عَاشر ربيع الآخر: حضر كريم الدّين أكْرم الصَّغِير على خيل الْبَرِيد من صفد إِلَى قلعه الْجَبَل فعوق ببرج بَاب القرافة. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشره: سفر كريم الدّين بكتمر وَولده إِلَى الْوَجْه القبلي صُحْبَة وَالِي قوص. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامن عشريه: أفرج عَن كريم الدّين أكْرم الصَّغِير وَنزل إِلَى بَيته. وَفِي اليلة الْأَحَد خَامِس عشر جُمَادَى الأولى: طلع الْقَمَر مخسوفاً بِالسَّوَادِ. وَفِيه قدم منسا مُوسَى ملك التكرور يُرِيد الْحَج وَأقَام تَحت الأهرام ثَلَاثَة أَيَّام فِي الضِّيَافَة. عدى إِلَى بر مصر فِي يَوْم الْخَمِيس سادس عشرى رَجَب وطلع إِلَى القلعة ليسلم على السُّلْطَان وَامْتنع من تَقْبِيل الأَرْض فَلم يجْبر على ذَلِك غير أَنه لم يُمكن من الْجُلُوس فِي الحضرة السُّلْطَانِيَّة. وَأمر السُّلْطَان بتجهيزه لِلْحَجِّ فَنزل وَأخرج ذَهَبا كثيرا فِي شِرَاء مَا يُرِيد من الْجَوَارِي وَالثيَاب وَغير ذَلِك حَتَّى انحط الدِّينَار سِتَّة دَرَاهِم. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثامن رَمَضَان: عزل الصاحب أَمِين الدّين عبد الله بن الغنام عَن الوزارة وَلزِمَ بَيته. وَاسْتقر عوضه الْأَمِير عَلَاء الدّين مغلطاي الجمالي وزيراً مَعَ مابيده من الأستادارية فِي يَوْم السبت عاشره. وَفِيه اسْتَقر شهَاب الدّين بن الأقفهسي فِي نظر الدَّوَاوِين عوضا عَن الْمُوفق وَعَن شرف الدّين بن زنبور. وَولي مجد الدّين إِبْرَاهِيم بن لفيتة نظر الْبيُوت عوضا عَن الأقفهسي الْمَذْكُور. ثمَّ قدم شمس الدّين غبريال من دمشق باستدعاء فِي أثْنَاء شهر رَمَضَان فاستقر نَاظر الدَّوَاوِين ووزير الصُّحْبَة ونائب الوزارة فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشرى رَمَضَان يَوْم وُصُوله. وَاسْتقر فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث عشرى رَمَضَان الْأَمِير سيف الدّين قدادار فِي ولَايَة الْقَاهِرَة عوضا عَن علم الدّين سنجر الخازن نقل إِلَيْهَا من ولَايَة الْبحيرَة ففتك فِي الْعَامَّة وَمنع من الْخُمُور وَفِيه عزل علم الدّين سنجر الْحِمصِي من شدّ الدَّوَاوِين وَولي الجيزة نَحْو شَهْرَيْن ثمَّ أخرج إِلَى طرابلس شاد الدَّوَاوِين بهَا. وَفِيه اسْتَقر عَلَاء الدّين أيدغدي الباشقردي بِمصْر عوضا عَن عَلَاء الدّين ابْن أَمِير حَاجِب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 73 وَفِيه اسْتَقر ابْن زنبور فِي نظر خَزَائِن السِّلَاح عوضا عَن عَلَاء الدّين عَليّ بن الْبُرْهَان إِبْرَاهِيم أَحْمد بن ظافر الْبُرُلُّسِيّ. وَاسْتقر ابْن الْبُرُلُّسِيّ فِي نظر بَيت المَال عوضا عَن تَاج الدّين بن السكرِي وَاسْتقر ابْن السكرِي شَاهد الخزانة الْكُبْرَى. وَفِيه اسْتَقر كريم الدّين أكْرم الصَّغِير فِي نظر الشَّام عوضا عَن غبريال فِي يَوْم السبت رَابِع عشرى رَمَضَان وَخرج على الْبَرِيد يَوْم الْإِثْنَيْنِ سَابِع عشرى شَوَّال. (وَفِي يَوْم السبت ثَمَانِي عشرى شَوَّال) فتحت الْحمام بِقرب رحبة الأيدمري وَقد جددها الْأَمِير الْحَاج آل ملك. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشريه: رَحل الركب من بركَة الْحَاج إِلَى الْحجاز. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامن ذِي الْقعدَة: قدمت رسل أبي سعيد بِسَبَب الْمُصَاهَرَة مَعَ السُّلْطَان فأعيدوا بعد إكرامهم. وَفِيه رسم بإغلاق دكاكين النشاب وَهدم مرامي النشاب. وَفِيه فَشَتْ الْأَمْرَاض فِي النَّاس بِالشَّام ومصر والصعيد وَكثر الْمَوْت السَّرِيع وَمرض السُّلْطَان ثَمَانِيَة عشر يَوْمًا وعوفي فَعمِلت التهاني والأفراح سَبْعَة أَيَّام وَكتب بالبشاره إِلَى الْأَعْمَال على يَد الْأَمِير قطلوبغا المغربي فَحصل لَهُ سِتَّة أُلَّاف دِينَار وَثَلَاثُونَ فرسا وثلاثمائة قِطْعَة قماش وست خلع كَامِلَة بحوائص ذهب فَلَمَّا حضر أنعم عَلَيْهِ السُّلْطَان بعد ذَلِك بتشريف. وفيهَا أخرج الأقوش المنصوري أَمِيرا بِدِمَشْق. وَسبب ذَلِك مرافعة وَلَده حَتَّى قبض عَلَيْهِ يَوْم الْجُمُعَة سادس عشرى رَجَب ثمَّ أفرج عَنهُ فِي سلخه ورسم لَهُ بإمرة فِي حلب فَخرج على الْبَرِيد فِي عَشِيَّة نَهَاره. وَفِي سادس عشرى رَجَب: اسْتَقر الْأَمِير ألطنقش أستاداراً عوضا عَن الْأَمِير جمال الدّين يغمور بعد مَوته وَكَانَت وَفَاة الْأَمِير يغمور فِي خَامِس عشرى جُمَادَى الْآخِرَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 74 وَفِي ثَالِث شعْبَان: قدم المجردون إِلَى النّوبَة وَقد غَابُوا ثَمَانِيَة أشهر. وَفِيه منع الأجناد من الِاجْتِمَاع بسوق الْخَيل. وَفِيه قدم الْخَبَر بهبوب الرّيح فِي بِلَاد الصَّعِيد وَأَنَّهَا اقتلعت من نَاحيَة عرب قمولة زِيَادَة على أَرْبَعَة أُلَّاف نَخْلَة فِي سَاعَة وَاحِدَة وأخرحت عدَّة أَمَاكِن بأحميم وأسيوط وأسوان وبلاد السودَان وَهلك مِنْهَا كثير من النَّاس وَالدَّوَاب. وَفِي ذِي الْقعدَة: طُولِبَ الصاحب أَمِين الدّين والموفق نَاظر الدولة بِثمن كتَّان من خراج الجيزة قِيمَته مائَة ألف دِرْهَم خص الصاحب مِنْهَا مبلغ خمسين ألفا وَخص الْمُوفق مبلغ خَمْسَة وَعشْرين ألفا فاستخرج ذَلِك من جوامك المباشرين. وَكَانَ قاع النّيل فِي هَذِه السّنة سِتَّة أَذْرع وَعشْرين أصبعاً وَكَانَ الْوَفَاء فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع شعْبَان وثامن مسرى. وانتهت الزِّيَادَة إِلَى ثمانيه عشر ذِرَاعا وَتِسْعَة عشمر أصبعاً فغرقت الأقصاب والمعاصر وَكَثْرَة من شون الغلال وَصَارَت المراكب لَا تَجِد برا تضرب فِيهِ الوتد من قوص إِلَى الْقَاهِرَة وغرقت الفيوم لانْقِطَاع جسرها وَتوجه الْأَمِير بكتمر الحسامي لعمارته. وفيهَا قرر السُّلْطَان أَن تعْمل لَهُ كل يَوْم أوراق بالحاصل والمصروف فَصَارَت تعرض عَلَيْهِ كل يَوْم وتحدث فِي الْأَمْوَال بِنَفسِهِ. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان برهَان الدّين أَبُو اسحاق إِبْرَاهِيم بن ظافر يَوْم الْخَمِيس سادس جُمَادَى الْآخِرَة كَانَ فَقِيها شافعياً. وَمَات الشيح نور الدّين عَليّ بن يَعْقُوب بن جِبْرِيل الْبكْرِيّ الْفَقِيه الشَّافِعِي فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس وَمَات تَقِيّ الدّين مُحَمَّد الْجمال عبد الرَّحِيم بن عمر الباجر بَقِي الشَّافِعِي فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 75 ربيع الآخر بِدِمَشْق قدم الْقَاهِرَة وَأقَام بهَا وَله الملحمة الباجر بَقِيَّة واتهم بالزندقة. وَمَاتَتْ خوند أردكين بنت نوكاي الأشرفية ثمَّ الناصرية يَوْم السبت ثَالِث عشرى الْمحرم. وَمَات الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْأَمِير بدر الدّين بكتاش أَمِير سلَاح الفخري يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشرى جُمَادَى الْآخِرَة وَكَانَ أحد الْأُمَرَاء الألوف. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين بزلار أَمِير علم. وَمَات الطواشي عنبر الْأَكْبَر زِمَام الدّور فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء رَابِع عشر جُمَادَى الأولى. وَمَات الْأَمِير مُحَمَّد بن عيس بن مهنا من آل فضل يَوْم السبت سَابِع رَجَب قدم الْقَاهِرَة مرَارًا. وَمَات الْأَمِير قطليجا الزيني من أُمَرَاء مصر. وَمَات الشَّيْخ الصَّالح مَحْمُود الحيدري خَارج الْقَاهِرَة. وَمَات الْأَمِير بدر الدّين بكتمر بدرجك أحد الْأُمَرَاء بِمصْر. وَمَات كريم الدّين أَبُو الْفَضَائِل عبد الْكَرِيم بن الْعلم هبة الله بن السديد بثغر أسوان لَيْلَة الْخَمِيس الْعشْرين من شَوَّال وَعَاد ابْنه علم الدّين عبد الله فاعتقل بالقلعة وَأخذ مِنْهُ مَال كثير وَمَات نور الدّين عَليّ بن تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن مجد الدّين حسن بن تَاج الدّين عَليّ الْقُسْطَلَانِيّ خطيب جَامع عَمْرو بِمصْر فِي يَوْم الْجُمُعَة حادي عشر ربيع الآخر. وَمَات نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن عَلَاء الدّين النابلسي يَوْم الْجُمُعَة سادس عشر جُمَادَى الأولى. وَمَات بهاء الدّين ابْن الشَّيْخ جمال الدّين بن صفي الدّين بن أبي الْمَنْصُور يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشرى جُمَادَى الْآخِرَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 76 وَمَات الْحسن بن عَليّ الأسواني الْفَقِيه الشَّافِعِي فِي جُمَادَى الأولى بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة وَقد أم بهَا واشتغل ثَمَانِي عشرَة سنة وَكَانَ فَقِيها صَالحا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 77 فارغة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 78 سنة خمس وَعشْرين وَسَبْعمائة الْمحرم أَوله الْأَرْبَعَاء ثَالِث عشرى كيهك: وَفِي يَوْم الْجُمُعَة عاشرة: قدم أَوَائِل الْحَاج. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشره: قدم السُّلْطَان من الْوَجْه القبلي. وَفِي يَوْم السبت خَامِس عشريه: وصل الْمحمل وَبَقِيَّة الْحَاج مَعَ الْأَمِير أيتمش المحمدي أَمِير الركب. وَفِيه اجْتمع بِمصْر من رسل الْمُلُوك مَا لم يجْتَمع مثلهم فِي الدولة التركية وهم: رسل صَاحب الْيمن ورسل صَاحب إسطنبول ورسل الأشكري ورسل متملك سيس ورسل أبي سعيد ورسل ماردين ورسل ابْن قرمان ورسل ملك النّوبَة وَكلهمْ يبذلون الطَّاعَة. وَسَأَلَ الْملك الْمُجَاهِد صَاحب الْيمن إنجاده بعسكر من مصر وَأكْثر من ترغيب السُّلْطَان فِي المَال الَّذِي بِالْيمن وَكَانَ قدوم رسله فِي مستهل صفر. فرسم السُّلْطَان بتجهيز الْعَسْكَر صُحْبَة الْأَمِير ركن الدّين بيبرس الْحَاجِب وَهُوَ مقدم الْعَسْكَر. وَكَانَ مَعَه من أُمَرَاء الطبلخاناه خَمْسَة: وهم آقول الْحَاجِب وقجمار الجوكندار وَيعرف باسم بشاس وبلبان الصرخدي وبكتمر العلالي أستادار وألجاي الساقي الناصري وَمن العشراوات عز الدّين أيدمر الكوندكي وشمس الدّين إِبْرَاهِيم بن التركماني وَأَرْبَعَة من مقدمي الْحلقَة عَلَيْهَا الْأَمِير سيف الدّين طينال الْحَاجِب وَمَعَهُ خَمْسَة أُمَرَاء طبلخاناه وهم: الْأَمِير ططر الناصري وعلاء الدّين بن طغريل الإيغاني وجرباش أَمِير علم وأيبك الكوندكي وكوكاي طاز وَمن العشراوات أَيْضا بلبان الدواداري وطرنطاي الْإِسْمَاعِيلِيّ وَالِي بَاب الْقلَّة وَأَرْبَعَة أخرون من مقدمي الْحلقَة وَمن المماليك السُّلْطَانِيَّة ثَلَاثمِائَة فَارس وَمن أجناد الْحلقَة تَتِمَّة الْألف فَارس. وَفرقت فيهم أوراق السّفر يَوْم الْإِثْنَيْنِ خامسه. وَكتب بِحُضُور العربان من الشرقية والغربية لأجل الْجمال. وَفِيه خرج السُّلْطَان إِلَى سرياقوس وَقبض على الْأَمِير بكتمر الْحَاجِب وَجَمَاعَة فِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي ربيع الأول. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 79 وَفِيه قدم الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام فِي عاشره فَأَقَامَ عِنْد السُّلْطَان أَيَّامًا وَعَاد إِلَى دمشق مكرماً. وَفِيه أنْفق السُّلْطَان فِي الْأُمَرَاء المتوجهين إِلَى الْيمن فَقَط فَحمل لبيبرس ألف دِينَار ولطينال ثَمَانمِائَة دِينَار وَلكُل أَمِير طبلخاناه عشرَة أُلَّاف دِرْهَم وللأمير من العشراوات مبلغ ألفي دِرْهَم ولمقدم الْحلقَة ألف دِرْهَم. وَحَضَرت العربان فاستقر كرا الْجمل إِلَى مَكَّة بِمِائَة وَسِتِّينَ درهما وَإِلَى يَنْبع بِمِائَة وَثَلَاثِينَ ورحل كل جندي على أَرْبَعَة جمال جملين إِلَى مَكَّة وجملين إِلَى يَنْبع وَتَوَلَّى الْأَمِير عز الدّين أيدمر الكبكي أَمر العربان وَأخذ الْعَسْكَر فِي التَّجْهِيز وَبَاعُوا موجودهم فَانْحَطَّ سعر الدَّنَانِير من خَمْسَة وَعشْرين إِلَى عشْرين درهما لِكَثْرَة مَا باعوا من الْحلِيّ والمصاغ. وبرزوا من الْقَاهِرَة إِلَى بركَة الْحَاج يَوْم الثُّلَاثَاء عَاشر ربيع الآخر واستقلوا بِالْمَسِيرِ يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشره. وَفِيه خرج السُّلْطَان إِلَى سرياقوس وَمَعَهُ عدَّة من المهندسين وَعين موضعا على نَحْو فَرسَخ من نَاحيَة سرياقوس ليبتني فِيهِ خانكاه بهَا مائَة خلْوَة لمِائَة صوفي وبجانبها جَامع تُقَام فِيهِ الْجُمُعَة وَمَكَان برسم ضِيَافَة الواردين وحمام ومطبخ وَندب السُّلْطَان آقسنقر شاد العمائر لجمع الصناع. ورتب السُّلْطَان لَهَا أَيْضا قصوراً برسم الْأُمَرَاء الخاصكية وَعَاد فَوَقع الإهتمام فِي الْعَمَل حَتَّى كملت فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا. ثمَّ اقْتضى رَأْي السُّلْطَان حفر خليج خَارج الْقَاهِرَة يَنْتَهِي إِلَى سرياقوس ويرتب عَلَيْهِ السواقي والزراعات وتسير فِيهِ المراكب أَيَّام النّيل بالغلال وَغَيرهَا إِلَى الْقُصُور بسرياقوس وفوض ذَلِك إِلَى الْأَمِير أرغون النَّائِب. فَنزل الْأَمِير أرغون بالمهندسين فِي النّيل إِلَى أَن وَقع الِاخْتِيَار على مَوضِع بموردة البلاط من أَرَاضِي بُسْتَان الخشاب وَيَقَع الْحفر فِي الميدان الظَّاهِرِيّ الَّذِي صَار بستاناً ويمر على بركَة قرموط إِلَى بَاب الْبَحْر ثمَّ إِلَى أَرض الطبالة ويرمى فِي الخليج الْكَبِير. فَكتب إِلَى وُلَاة الْأَعْمَال بإحضار الرِّجَال للحفير وَعين لكل وَاحِد من الْأُمَرَاء أقصاب يحفرها وابتدأ الْحفر مستهل جُمَادَى الأولى إِلَى أَن تمّ فِي سلخ جُمَادَى الْآخِرَة. وَخَربَتْ فِيهِ أَمْلَاك كَثِيرَة وَأخذت قِطْعَة من بُسْتَان الْأَمِير أرغون النَّائِب وَأعْطى السُّلْطَان ثمن مَا خرب من الْأَمْلَاك لأربابها وَفِيهِمْ من هدم دَاره وَأخذ أنقاضها. وَالْتزم الْفَخر نَاظر الْجَيْش بعمارة قنطرة بِرَأْس الخليج عِنْد فَمه وَالْتزم قدادار وَالِي الْقَاهِرَة بِعَمَل قنطرة تجاه الْبُسْتَان الَّذِي كَانَ ميداناً للظَّاهِر ورسم بِعَمَل قنطرة الأوز وقناطر الأميرية فَلَمَّا كَانَت أَيَّام الزِّيَادَة فِي مَاء النّيل جرت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 80 السفن فِي هَذَا الخليج، وعمرت السوافي عَلَيْهِ، وأنشئت بجانبه الْبَسَاتِين والأملاك. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس جُمَادَى الْآخِرَة: توجه السُّلْطَان إِلَى الخانكاه خَارج نَاحيَة سرياقوس وَقد خرجت الْقُضَاة والمشايخ والصوفية يَوْم الْأَرْبَعَاء وَعمل لَهُم سماط عَظِيم فِي يَوْم الْخَمِيس تاسعه بالخانكاه. وَاسْتقر مجد الدّين أَبُو حَامِد مُوسَى بن أَحْمد بن مَحْمُود الأقصرائي وَهُوَ شيح خانكاه كريم الدّين الْكَبِير بالقرافة فِي مشيخة هَذِه الخانكاه ورتب عِنْده مائَة صوفي وخلع السُّلْطَان عَلَيْهِ وعَلى قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة وَولده عز الدّين عبد الْعَزِيز وعَلى قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين الأخنائي الْمَالِكِي وعَلى الشَّيْخ عَلَاء الدّين القونوي شيخ خانكاه سعيد السُّعَدَاء ورسم للشَّيْخ مجد الدّين ببغلة وَأَن يلقب بشيخ الشُّيُوخ وخلع على أَرْبَاب الوظالف وَفرق سِتِّينَ ألف دِرْهَم وخلع على الْأُمَرَاء وَأهل الدولة. وفيهَا حبس شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن مري البعلبكي الْحَنْبَلِيّ أحد أَصْحَاب ابْن تَيْمِية مُقَيّدا فِي سجن القَاضِي الْمَالِكِي تَقِيّ الدّين الأخنائي بِالْقَاهِرَةِ وَضرب بالسياط ضربا مبرحاً وَشهر فِي تَاسِع عشرى جُمَادَى الأولى بَعْدَمَا أَقَامَ فِي السجْن من سادس عشرى ربيع الأولى وَكَانَ قد عرض على السُّلْطَان فِي نصف ربيع الآخر فَأثْنى عَلَيْهِ الْأَمِير بدر الدّين بن جنكلي بن البابا وَالْقَاضِي بدر الدّين بن جمَاعَة وَغَيرهمَا من الْأُمَرَاء وعارضهم الْأَمِير أيدمر الخطيري حَتَّى كَادَت تكون فتْنَة. ففوض السُّلْطَان الْأَمر لأرغون النَّائِب فآل الْأَمر إِلَى تَمْكِين القَاضِي الْمَالِكِي مِنْهُ كَمَا تقدم. ثمَّ أُعِيد ابْن مري إِلَى السجْن ثمَّ شفع فِيهِ فآل أمره إِلَى أَن أفرج عَنهُ وَأخرج إِلَى الْقُدس بعد يَوْمَيْنِ من سجنه وَكَانَ مَظْلُوما. فاتفق عقيب ذَلِك أَن الْفُقَهَاء شنعوا على تَقِيّ الدّين ابْن شَاس بِأَنَّهُ كفر لتصويبه بعض أراء ابْن مري وشهدوا عَلَيْهِ فدافع الأخنائي عَنهُ وَسكن الْقَضِيَّة حَتَّى خمدت فَقَالَ الشَّيْخ برهَان الدّين إِبْرَاهِيم الرَّشِيدِيّ فِي ذَلِك: يَا قَاضِيا شاد أَحْكَامه على تقى من الله وَأقوى أساس مقَالَة فِي ابْن مرى لفقت تجاوزت فِي الْحَد حد الْقيَاس وفى ابْن شَاس حققت مَا أثرت فَهَل أَبَاحَ الشَّرْع كفر ابْن شَاس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 81 وفيهَا بلغ السُّلْطَان عَن دمرداش بن جوبان متملك الرّوم مَا أغضبهُ فَكتب يشكوه إِلَى أَبِيه جوبان فَأنْكر عَلَيْهِ فعله فَاعْتَذر عَمَّا وَقع مِنْهُ وَبلغ جوبان ذَلِك إِلَى السُّلْطَان فَجهز إِلَى دمرداش تَشْرِيفًا وهدية وَكتب إِلَيْهِ يستميله. وَفِي آخر جُمَادَى الْآخِرَة: توجه الْأَمِير الْوَزير مغلطاي الجمالي ومكين الدّين بن قروينة مُسْتَوْفِي الدولة على الْبَرِيد لكشف القلاع وَحمل مَا فِيهَا من الحواصل فراك الجمالي المملكة الحلبية وَعَاد يَوْم الثُّلَاثَاء سادس شهر رَمَضَان. وَفِيه اسْتَقر بهادر البدري فِي نِيَابَة الكرك عوضا عَن بيليك الجمالي. وَفِي يَوْم السبت الْعشْرين من رَمَضَان: قدم الْأَمِير سيف الدّين بكمش الجمدار الظَّاهِرِيّ والأمير بدر الدّين بيليك السيفي السلاري الْمَعْرُوف بِأبي غُدَّة من بِلَاد أزبك بهدية ومعهما كِتَابه وَهُوَ يسْأَل أَن يُجهز لَهُ كتاب جَامع الْأُصُول فِي أَحَادِيث الرَّسُول وَكتاب شرح السّنة وَالْبَحْر للروياني فِي الْفِقْه وعدة كتب طلبَهَا فجهزت لَهُ. وَفِيه خرج السُّلْطَان إِلَى الْبحيرَة فِي ثَالِث عشر ذِي الْحجَّة للصَّيْد. وَفِيه بعث السُّلْطَان الْأَمِير مغلطاي الجمالي إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فأفرج عَن الْأُمَرَاء المسجونين بهَا وهم: طاجار المحمدي وبلبان الشمسي وكيتمر وبهادر التَّقْوَى أَمِير جاندار فقدموا إِلَى الْقَاهِرَة فِي ثامن عشريه. وفيهَا نزل سيل عَظِيم فِي النّيل حَتَّى اصفر مَاؤُهُ وَزَاد سِتَّة أَصَابِع. وَأما الْعَسْكَر الْمُجَرّد لنجدة صَاحب الْيمن فَإِنَّهُ سَار إِلَى مَكَّة وَقد كتب السُّلْطَان إِلَى الشريف عقيل أَمِير يَنْبع وَإِلَى الشريفين عطيفة ورميثة أَمِيري مَكَّة وَإِلَى قوادهما وَإِلَى بني شُعْبَة وعرب الواديين وَسَائِر عربان الْحجاز بِالْقيامِ فِي خدمَة الْعَسْكَر. وَوصل الْعَسْكَر إِلَى مَكَّة فِي السَّادِس وَالْعِشْرين من جُمَادَى الأولى ودخلها وَأقَام بهَا حَتَّى قدمت المراكب بالغلال وَغَيرهَا من مصر إِلَى جدة فأبيع الشّعير بِثَلَاثِينَ درهما الأردب والدقيق بِعشْرين درهما الويبة. وَتقدم الْخَادِم كافور الشبيلي خَادِم الْملك الْمُجَاهِد إِلَى زبيد ليعلم مَوْلَاهُ العساكر وَكتب الْأَمِير ركن الدّين بيبرس بن الْحَاجِب وَهُوَ مقدم الْعَسْكَر إِلَى أهل حلى بني يَعْقُوب بالأمان وَأَن يجلبوا البضائع للعسكر. ورحل الْعَسْكَر فِي خَامِس جُمَادَى الْآخِرَة من مَكَّة وَمَعَهُ الشريف عطفة والشريف عقيل وَتَأَخر الشريفي رميثة. فوصل الْعَسْكَر إِلَى حلي بني يَعْقُوب فِي اثْنَي عشر يَوْمًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 82 بعد عشْرين مرحلة فَتَلقاهُمْ أَهلهَا ودهشوا لرؤية العساكر وَقد طلبت ولبست السِّلَاح وهموا بالفرار. فَنُوديَ فيهم بالأمان وَألا يتَعَرَّض أحد من الْعَسْكَر لشَيْء إِلَّا بِثمنِهِ فاطمأنوا وحملوا إِلَى كل من بيبرس وطينال مقدمي الألوف مائَة رَأس من الْغنم وَخَمْسمِائة أردب أذرة فرداها وَلم يقبلا لأحد شَيْئا. ورحل الْعَسْكَر بعد ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْعشْرين مِنْهُ. فَقدمت الْأَخْبَار باجتماع رَأْي أهل زبيد على الدُّخُول فِي طَاعَة الْملك الْمُجَاهِد خوفًا من معرة قدوم الْعَسْكَر الْمصْرِيّ وَأَنَّهُمْ ثَارُوا بالمتملك عَلَيْهِم وَهُوَ الْملك الظَّاهِر ونهبوا أَمْوَاله ففر عَنْهُم وَكَتَبُوا إِلَى الْمُجَاهِد بذلك فقوي وَنزل من قلعة تعز يُرِيد زبيد. فَكتب أُمَرَاء الْعَسْكَر الْمصْرِيّ إِلَيْهِ وهم قرب حُدُود الْيمن بِأَن يكون على أهبة اللِّقَاء. وَنزل الْعَسْكَر على زبيد ووافاهم الْمُجَاهِد بجنده فَسخرَ مِنْهُم النَّاس من أجل أَنهم عُرَاة وسلاحهم الجريد والخشب وَسُيُوفهمْ مشدودة على أذرعتهم ويقاد للأمير فرس وَاحِد مجلل وعَلى رَأس الْمُجَاهِد عِصَابَة ملونة فَوق الْعِمَامَة. وعندما عاين الْمُجَاهِد العساكر المصرية وَهِي لابسة ألة الْحَرْب رعب وهم أَن يترجل عَن فرسه حَتَّى مَنعه الأميران بيبرس وآقول من ذَلِك. وَمضى الْعَسْكَر صفّين والأمراء فِي الْوسط حَتَّى قربوا مِنْهُ فَألْقى الْمُجَاهِد نَفسه وَمن مَعَه إِلَى الأَرْض وترجل لَهُ أَيْضا الْأُمَرَاء وأكرموه وأركبوه فِي الْوسط وَسَارُوا إِلَى المخيم وألبسوه تَشْرِيفًا سلطانياً وكلفتاه زركش وحياصة ذهب. وَركب الْمُجَاهِد والأمراء فِي خدمته بالعساكر إِلَى دَاخل زبيد ففرح أَهلهَا فَرحا شَدِيدا. وَمد الْمُجَاهِد لَهُم سماطاً جَلِيلًا فَامْتنعَ الْأُمَرَاء والعسكر من أكله خوفًا من أَن يكون فِيهِ مَا يخَاف عاقبته وَاعْتَذَرُوا إِلَيْهِ بِأَن هَذَا لَا يَكْفِي الْعَسْكَر وَلَكِن فِي غَد يعْمل السماط. فأحضر الْمُجَاهِد إِلَيْهِم مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ وَتَوَلَّى طباخو الْأُمَرَاء عمل السماط. وَحضر الْمُجَاهِد وامراؤه وَقد مد السماط بَين يَدي كرْسِي جلس عَلَيْهِ الْمُجَاهِد ووقف السقاة والنقباء والحجاب والجاشنكيرية على الْعَادة ووقف الْأَمِير بيبرس رَأس الميمنة والأمير طينال رَأس الميسرة. فَلَمَّا فرغ السماط صاحت الشاويشية على أُمَرَاء الْمُجَاهِد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 83 وَأهل دولته فأحضروهم وَقُرِئَ كتاب السُّلْطَان فباسوا بأجمعهم الأَرْض وَقَالُوا سمعا وَطَاعَة وَكتب الْأَمِير بيبرس لممالك أليمن وَلم يُجهز الْملك الْمُجَاهِد للعسكر شَيْئا من الإقامات وعنفه الْأَمِير بيبرس على ذَلِك فَاعْتَذر بخراب الْبِلَاد وَكتب لَهُم على الْبِلَاد بِغنم وأذرة فَتوجه إِلَيْهَا قصاد الْأُمَرَاء. وَسَار الْمُجَاهِد إِلَى تعز لتجهيز الإقامات وَمَعَهُ الأميران سيف الدّين ططر العفيفي السِّلَاح الدَّار وَسيف الدّين قجمار فِي مِائَتي فَارس وَتَأَخر الْعَسْكَر بزبيد وعادت قصاد الْأُمَرَاء بِغَيْر شَيْء فَرَحل الْعَسْكَر من زبيد فِي نصف رَجَب يُرِيدُونَ تعز فَتَلقاهُمْ الْمُجَاهِد ونزلوا خَارج الْبَلَد وَشَكوا مَا هم فِيهِ من قلَّة الإقامات فوعد بِخَير. وَكتب الْأُمَرَاء إِلَى الْملك الظَّاهِر الْمُقِيم بدملوة وبعثوا إِلَيْهِ الشريف عطفة أَمِير مَكَّة وَعز الدّين الكوندكي وَكتب إِلَيْهِ الْمُجَاهِد أَيْضا يحثه على الطَّاعَة. وَأقَام الْعَسْكَر فِي جهد فَأَغَارُوا على الضّيَاع وَأخذُوا مَا قدرُوا عَلَيْهِ فارتفع سعر الأذرة من ثَلَاثِينَ درهما الأردب إِلَى تسعين وفقد الْأكل إِلَّا من الْفَاكِهَة فَقَط لقلَّة الجلب واتهم أَن ذَلِك بمواطأة الْمُجَاهِد خوفًا من الْعَسْكَر أَن يملك مِنْهُ الْبِلَاد. ثمَّ إِن أهل جبل صَبر قطعُوا المَاء عَن الْعَسْكَر وتخطفوا الْجمال والغلمان. وَزَاد أَمرهم إِلَى أَن ركب الْعَسْكَر فِي طَلَبهمْ فامتنعوا بِالْجَبَلِ ورموا بالمقاليع على الْعَسْكَر فَرَمَوْهُمْ بالنشاب. وأتاهم الْمُجَاهِد فخذلهم عَن الصعُود إِلَى الْجَبَل فَلم يعبأوا بِكَلَامِهِ ونازلوا الْجَبَل يومهم ففقد من الْعَسْكَر ثَمَانِيَة من الغلمان وَبَات الْعَسْكَر تَحْتَهُ. فَبلغ بيبرس أَن الْمُجَاهِد قرر مَعَ أَصْحَابه بِأَن الْعَسْكَر إِذا صعد الْجَبَل يضرمون النَّار فِي الوطاق وينهبون مَا فِيهِ فبادر بيبرس وَقبض على بهاء الدّين بهادر الصقري وَأخذ موجوده ووسطه قطعتين وعلقه على الطَّرِيق ففرح أهل تعز بمتله وَكَانَ بهادر قد تغلب على زبيد وَتسَمى بالسلطنة وتلقب بِالْملكِ الْكَامِل وظل متسلطاً عَلَيْهَا حَتَّى طرده أَهلهَا عِنْد قدوم الْعَسْكَر. وَقدم الشريف عطفة والكوندكي من عِنْد الْملك الظَّاهِر صَاحب دملوة وأخبرا بِأَنَّهُ فِي طَاعَة السُّلْطَان. وَطلب بيبرس من الْمُجَاهِد مَا وعد بِهِ السُّلْطَان فَأجَاب بِأَنَّهُ لَا قدرَة لَهُ إِلَّا بِمَا فِي دملوة فَأشْهد عَلَيْهِ بيبرس قُضَاة تعز بذلك وَأَنه أذن للعسكر فِي الْعود لخراب الْبِلَاد وعجزه عَمَّا يقوم بِهِ للسُّلْطَان وَأَنه امْتنع بقلعة تعز. ورحل الْعَسْكَر إِلَى حلي بني يعفوب فَقَدمهَا فِي تَاسِع شعْبَان. ورحلوا مِنْهَا أول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 84 رَمَضَان إِلَى مَكَّة فَدَخَلُوهَا فِي حادي عشره بعد مشقة زَائِدَة. وَسَارُوا من مَكَّة يَوْم عيد الْفطر وَقدمُوا بركَة الْحَاج أول يَوْم ذِي الْقعدَة. وطلع الْأُمَرَاء إِلَى القلعة فَخلع عَلَيْهِم فِي يَوْم السبت ثالثه. وَقدم الْأَمِير بيبرس هَدِيَّة فأغرى الْأَمِير طينال السُّلْطَان بالأمير بيبرس وَأَنه أَخذ مَالا من الْمُجَاهِد وَغَيره وَأَنه قصر فِي أَخذ مملكة الْيمن. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْإِثْنَيْنِ تَاسِع عشره: رسم بِخُرُوجِهِ إِلَى نِيَابَة غَزَّة فَامْتنعَ لِأَنَّهُ كَانَ قد بلغه مَا قيل عَنهُ وَأَن السُّلْطَان قد تغير عَلَيْهِ فقيد وسجن فِي البرج وقبضت حَوَاشِيه وعرقبوا على المَال فَلم يظْهر شَيْء. وَفِي ثَالِث ذِي الْحجَّة: قبض على إِبْرَاهِيم ابْن الْخَلِيفَة أبي الرّبيع وسجن بالبرج لِأَنَّهُ تزوج بمغنية وَأشْهد عَلَيْهِ بِطَلَاقِهَا. وَفِي ثَالِث عشر ذِي الْقعدَة: قدم ألطبغا نَائِب حلب وسافر أخر يَوْم الْأَحَد. وَفِي أول ذِي الْحجَّة: خلع على الْأَمِير بهادر البدري السِّلَاح دَار وَاسْتقر فِي لنيابة الكرك عوضا عَن عز الدّين أيبك الجمالي وَنقل الجمالي لنيابة غَزَّة فَسَار إِلَيْهَا فِي خَامِس عشره. وَفِي ثَالِث عشره: توجه السُّلْطَان إِلَى الصَّيْد نَحْو الجيزة وَأَفْرج عَن بلبان الشمسي وبهادر التَّقْوَى وأمير جاندار وطاجار المحمدي. وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر حجاب بنت عبد الله شيخة رِبَاط البغدادية فِي الْمحرم وَكَانَت صَالِحَة خيرة مُلَازمَة للرباط تعظ النِّسَاء. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين قطز عِنْد عوده من الْيمن وَحمل إِلَى مَكَّة فَدفن بهَا وَكَانَ جواداً عفيفاً. وَمَات الْأَمِير ركن الدّين بيبرس الْمَنْصُور فِي لَيْلَة الْخَمِيس خَامِس عشرى رَمَضَان وَهُوَ أحد مماليك الْمَنْصُور قلاوون واستنابه بالكرك وعزله الْملك الْأَشْرَف خَلِيل بالأمير جمال الدّين أقوش ثمَّ صَار دوادار السُّلْطَان وناظر الأحباس وَولي نِيَابَة السلطنة بديار مصر وَكَانَ عَاقِلا كثير الْبر وَإِلَيْهِ تنْسب الْمدرسَة الدوادارية بِخَط سويقة الْعزي خَارج الْقَاهِرَة وَله تَارِيخ سَمَّاهُ زبدة الفكرة فِي تَارِيخ الْهِجْرَة يدْخل فِي أحد عشر سفرا أَعَانَهُ على تأليفه كَاتبه ابْن كبر النَّصْرَانِي وَكَانَ يجلس رَأس الميسرة فَأخذ إقطاعه الْأَمِير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 85 مغلطاي الْجمال وَأخرج مِنْهُ طبلخاناه لبلبان السناني وَصَارَ الْأَمِير عز الدّين أيدمر الخطيري بعده يجلس فِي رَأس الميسرة. وَمَات الشريف مَنْصُور بن جماز بن شيحة فِي حَرْب يَوْم الرَّابِع وَالْعِشْرين من رمصان قَتله حَدِيثَة ابْن ابْن أَخِيه وَكَانَ لَهُ فِي الإمرة ثَلَاث وَعِشْرُونَ سنة وَسِتَّة أشهر وَأَيَّام وَاسْتقر عوضه فِي إمرة الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة ابْنه بدر الدّين كبيشة بن مَنْصُور وَقدم مَنْصُور إِلَى الْقَاهِرَة مرَارًا. وَمَات الشهَاب مَحْمُود بن سُلَيْمَان بن فَهد الْحلَبِي كَاتب السِّرّ بِدِمَشْق فِي شعْبَان عَن إِحْدَى وَثَمَانِينَ سنة وَقدم الْقَاهِرَة مرَارًا. وَمَات الشَّيْخ تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن الْجمال أَحْمد بن الصفي عبد الْخَالِق الشهير بالتقي الصَّائِغ شيخ الْقُرَّاء بِمصْر فِي لَيْلَة الْأَحَد ثامن عشر صفر. وَمَات نجم الدّين أَبُو بكر بهاء الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن أبي بكر بن خلكان الشَّافِعِي بِالْقَاهِرَةِ فِي ثَالِث ذِي الْقعدَة وَكَانَ فَاضلا إِلَّا أَنه رمي فِي عقله وعقيدته بأَشْيَاء. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين بلبان التتري المنصوري فِي ذِي الْقعدَة. وَمَات الْخَطِيب جمال الدّين مُحَمَّد بن تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن الْحسن بن عَليّ بن أَحْمد بن عَليّ بن أَحْمد القسطلان فِي لَيْلَة السبت مستهل ربيع الأول وَاسْتقر ابْن أَخِيه الْخَطِيب تَقِيّ الدّين بن نور الدّين مَكَانَهُ خَطِيبًا بِجَامِع القلعة ورتب وَلَده زين الدّين أَحْمد بن جمال الدّين فِي خطابة جَامع عَمْرو وإمامته وَنَظره. وَمَات شرف الدّين يُونُس بن أَحْمد بن صَلَاح القلقشندي الْفَقِيه الشَّافِعِي فِي خَامِس عشرى ربيع الآخر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 86 (سنة سِتّ وَعشْرين وَسَبْعمائة) أهلت وَالسُّلْطَان فِي الصَّيْد بِالْوَجْهِ البحري. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس عشر الْمحرم: وَردت رسل ملك الْحَبَشَة بكتابه يتَضَمَّن إِعَادَة مَا خرب من كنائس النَّصَارَى ومعاملتهم بالإكرام والاحترام ويهدد بِأَنَّهُ يخرب مَا عِنْده من مَسَاجِد الْمُسلمين ويسد النّيل حَتَّى لَا يعبر إِلَى مصر فَسخرَ السُّلْطَان مِنْهُ ورد رسله. وَفِي عشرى صفر: خلع على فَخر الدّين استادار ألطنبغا وَاسْتقر وَالِي الْمحلة بعد موت الشيخي. وَفِي ثامن عشر صفر: صرف شمس الدّين غبريال عَن نظر النظار وسفر إِلَى دمشق فَسَار على الْبَرِيد فِي حادي عشريه وَقدم دمشق فِي ثامن عشريه. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس ربيع الأول: قدم كريم الدّين أكْرم الصَّغِير من دمشق باستدعاء إِلَى نَاحيَة سفط من الجيزة - وَالسُّلْطَان مخيم بهَا - فَأنْكر السُّلْطَان عَلَيْهِ إنكاراً شَدِيدا وَأمره. بملازمة بَيته. وَكَانَ قد سعى بِهِ الْفَخر نَاظر الْجَيْش وَغَيره وَأغْروا بِهِ السُّلْطَان حَتَّى أحضرهُ من دمشق. وَفِيه اسْتَقر شرف الدّين الخطيري - الْمَعْرُوف بكاتب سلار وَكَانَ قد خدم عِنْد الْأَمِير أرغون النَّائِب - فِي نظر النظار عوضا عَن غبريال. وَفِيه رسم للوزير مغلطاي بقتل كريم الدّين أكْرم الصَّغِير فِي خُفْيَة فَتقدم إِلَى وَالِي الْقَاهِرَة بذلك فَوضع لَهُ أعيناً يترقبون فرْصَة إِلَى أَن ركب من دَاره يُرِيد الْحمام بعد الْعشَاء الْآخِرَة من لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ رَابِع ربيع الآخر فَوَثَبَ عَلَيْهِ جمَاعَة وَكَانَ قد احترس على نَفسه فنجا بفرسه مِنْهُم وَقتلُوا غُلَامه. وَأصْبح النَّاس وَقد شاع خَبره وَبلغ السُّلْطَان فرسم للوزير بِإِخْرَاجِهِ إِلَى أسوان فَقبض عَلَيْهِ فِي يَوْم السبت تاسعه هُوَ وَأَوْلَاده وأحضرهم مجْلِس السُّلْطَان وطولب بِالْمَالِ فَلم يعْتَرف بِشَيْء فَضرب ابْنه سعد الدّين أَبُو الْفرج بالمقارع وَسلم أكْرم إِلَى وَالِي الْقَاهِرَة فَوجدَ فِي كمه أوراقاً فِيهَا مرافعات فِي جمَاعَة من أهل الدولة فطلبها الْوَزير مِنْهُ فَامْتنعَ من ذَلِك حَتَّى بعث السُّلْطَان من تسلمها مِنْهُ وَقرأَهَا فأفرج السُّلْطَان عَن أَوْلَاده ورسم بعقوبته فسعط الجزء: 3 ¦ الصفحة: 87 بالخل والجير. وَأخرج أكْرم وَابْنه سعد الدّين فِي لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ حادي عشره إِلَى جِهَة الصَّعِيد بَعْدَمَا توجه الْأَمِير بهاء الدّين وَالِي القلعة إِلَى الْوَزير يطْلب لَهُ مِنْهُ بساطاً وَنَفَقَة فَأبى ذَلِك. وَمضى أكْرم وَابْنه فِي سلورة إِلَى أسوان فَقدما فِي لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ خَامِس عشريه وَقتل لَيْلَة الثُّلَاثَاء سادس عشريه. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع جُمَادَى الأولى سَار الْأَمِير أيتمش المحمدي رَسُولا إِلَى القان بوسعيد وصحبته هَدَايَا جليلة ليرغبه فِي مصاهرة السُّلْطَان. فَبلغ أيتمش رسَالَته وَعَاد إِلَى الْقَاهِرَة يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشرى شعْبَان. وَفِي ثَانِي عشرى جُمَادَى الأولى: خرجت تجريدة إِلَى برقة عَلَيْهَا من الْأُمَرَاء أسندمر الْعمريّ وملكتمر الإبراهيمي وقطلوبغا الطَّوِيل وَجَمَاعَة من أجناد الْأُمَرَاء. وسببها حُضُور فَايِد وَسليمَان أَمِيري العربان ببرقة وشكواهم من الْعَرَب أَنهم منعُوا أَدَاء الزَّكَاة عَن الْغنم. وَفِي لَيْلَة الْجُمُعَة ثامنه: وَقت الْغُرُوب ركب أَحْمد ابْن السُّلْطَان وَمَعَهُ الْأَمِير قجليس والأمير طقتمر الخازن ليتوجه إِلَى الكرك - وعمره يَوْمئِذٍ ثَمَانِي سِنِين - وَسَار مَعَه عدَّة من المماليك وخزانة مَال وَاسْتقر فِي نِيَابَة الكرك الْأَمِير سيف الدّين بهادر الْبَدْر وَتوجه مَعَه ليقوم بأَمْره ويودع المَال بحزانة قلعة الكرك وَلَا يُمكن أحدا من التَّصَرُّف بل يمرنه على الصَّيْد والفروسيه. فأوصله الأميران إِلَى الكرك وعادوا فِي ثَانِي جُمَادَى الْآخِرَة. وَفِيه قدم كتاب نَائِب الشَّام بِأَنَّهُ قبض على بكتوت القرمان لامتناعه من التَّوَجُّه لإحضار حمل سيس فَأُجِيب بتقييده وسجنه بقلعة دمشق وَأَن يسْتَقرّ شهَاب الدّين قرطاي الصلاحي نَائِب طرابلس على خبزه. وَفِيه رسم للأمير طينال الْحَاجِب بنيابة طرابلس فَسَار من الْقَاهِرَة فِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع جُمَادَى الْآخِرَة. وَأمر السُّلْطَان بتقدمته على الْأَمِير قوصون زِيَادَة على إقطاعه عقد لَهُ على إِحْدَى بَنَات السُّلْطَان. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن رَجَب: ابْتَدَأَ جُلُوس الصُّوفِيَّة بخانقاه الْأَمِير بكتمر الساقي بآخر القرافة مِمَّا يَلِي بركَة الْحَبَش. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 88 وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ رَابِع عشر رَجَب: قدمت رسل جوبان حَاكم دولة أبي سعيد وَمَعَهُمْ طايربغا وَابْنه يحيى فَخلع عَلَيْهِم وأنعم على طايربغا بإمرة طبلخاناه فِي سَابِع عشره وعَلى ابْنه يحيى بإمرة عشرَة وأعيدت الرُّسُل فِي رَابِع عشريه. وَكَانَ طايربغا هَذَا يَلِي نِيَابَة خلاط وَبَينه وَبَين السُّلْطَان قرَابَة فَكتب إِلَى الْأَمِير جوبان ليستدعيه وَأَهله إِلَى مصر فبعثهم. وَفِي سَابِع عشره: أَيْضا أنعم على أَحْمد بن بكتمر الساقي بإمرة. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس شعْبَان: حبس تَقِيّ الدّين أَحْمد بن تَيْمِية وَمَعَهُ أَخُوهُ زين الدّين عبد الرَّحْمَن بقلعة دمشق. وَضرب شمس الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر بن قيم الجوزية وَشهر على حمَار بِدِمَشْق. وَسبب ذَلِك أَن ابْن قيم الجوزية تكلم بالقدس فِي مَسْأَلَة الشَّفَاعَة والتوسل بالأنبياء وَأنكر مُجَرّد الْقَصْد للقبر الشريف دون قصد السمجد النَّبَوِيّ فَأنْكر المقادسة مَسْأَلَة الزِّيَارَة وَكَتَبُوا فِيهِ إِلَى قَاضِي جلال الدّين مُحَمَّد الْقزْوِينِي وَغَيره من قُضَاة دمشق. وَكَانَ قد وَقع من ابْن تَيْمِية كَلَام فِي مَسْأَلَة الطَّلَاق بِالثلَاثِ أَنه لَا يَقع بِلَفْظ وَاحِد فَقَامَ عَلَيْهِ فُقَهَاء دمشق. فَلَمَّا وصلت كتب المقادسة فِي ابْن الْقيم كتبُوا فِي ابْن تَيْمِية وَصَاحبه ابْن الْقيم إِلَى السُّلْطَان فَعرف شمس الدّين الحريري قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بديار مصر ذَلِك فشنع على ابْن تَيْمِية تشنيعاً فَاحِشا حَتَّى كتب بحبسه وَضرب ابْن الْقيم. وَفِيه أنشأ الْأَمِير جمال الدّين أقوش نَائِب الكرك قاعة بالمارستان المنصوري ونحت جدران المارستان والمدرسة المبنيه بِالْحجرِ كلهَا دَاخِلا وخارجاً وطر الطّراز الذَّهَب من خَارج الْقبَّة والمدرسة حَتَّى صَار كَأَنَّهُ جَدِيد. وَعمل أقوش خيمة يزِيد طولهَا على مائَة ذِرَاع وركبها لتستر على مقاعد الأقفاص وتستر أَهلهَا من الْحر وَنقل الْحَوْض من جَانب بَاب المارستان لِكَثْرَة تأذي النَّاس برائحة النتن وَعمل مَوْضِعه سَبِيل مَاء عذب لشرب النَّاس وَكَانَ مَصْرُوف ذَلِك كُله من مَاله دون مَال الْوَقْف. وَإِلَى يَوْم الْإِثْنَيْنِ سَابِع عشر شعْبَان: أفرج عَن الْأَمِير بلبان طرنا أَمِير جاندار فَكَانَت مُدَّة اعتقاله إِحْدَى عشرَة سنة وَتِسْعَة أشهر وَسَبْعَة أَيَّام فَلَمَّا مثل بِحَضْرَة السُّلْطَان خلع عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ إمرة دمشق وَبَعثه إِلَيْهَا. وَفِيه نقل الْأَمِير بدر الدّين مُحَمَّد بن التركماني من دمشق إِلَى شدّ الدَّوَاوِين بطرابلس وأنعم على وَفِيه حمل بكتوت القرماني من قلعة دمشق إِلَى الْقَاهِرَة مُقَيّدا على الْبَرِيد وَحمل مِنْهَا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة هُوَ والبوبكري والجاولي فسجنوا بهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 89 وَفِيه قدم بازان رَسُول جوبان حَاكم بِلَاد أبي سعيد وجوبان هُوَ الَّذِي أجْرى الْعين من عَرَفَة إِلَى مَكَّة. فَلَمَّا قدم إِلَى مصر وَاجْتمعَ بالسلطان وعرفه خبر الْعين شقّ عَلَيْهِ ذَلِك وَقَالَ لَهُ على أَن النَّائِب: من أذن لَك فِي هَذَا وَلم لَا شاورتني فَقَالَ بازان للنائبء عرف السُّلْطَان أَن جوبان فعل مَا فعل من الْخَبَر وَبَقِي الْأَمر للسُّلْطَان إِن شَاءَ يخرب أَو يعمر فَهَذَا شَيْء قد فعله من فعله وَخرج عَنهُ وَالْأَمر إِلَيْكُم فَلَمَّا بلع النَّائِب قَوْله السُّلْطَان سكت. وَكَانَ من خبر هَذِه الْعين أَنه لما كثر ترداد الْحَاج من الْعرَاق إِلَى مَكَّة فِي كل سنة شقّ عَلَيْهِم قلَّة المَاء بِمَكَّة فَإِن الراوية كَانَت تبلغ فِي الْمَوْسِم عشرَة دَرَاهِم مسعودية وَفِي غير الْمَوْسِم من سِتَّة دَرَاهِم إِلَى سَبْعَة. فقصد الْأَمِير جوبان حَاكم مملكة أبي سعيد عمل خير بِمَكَّة فدله بعض النَّاس على عين كَانَت تجْرِي فِي الْقَدِيم ثمَّ تعطلت فندب لذَلِك بعض ثقاته وَأَعْطَاهُ خمسين ألف دِينَار وجهزه فِي موسم سنه خمس وَعشْرين فَلَمَّا قضي حجه تَأَخّر بِمَكَّة وَشهر أمره بهَا فَأعْلم بِعَين فِي عَرَفَة فَنَادَى بِمَكَّة: من أَرَادَ الْعَمَل فِي الْعين فَلهُ ثَلَاثَة دَرَاهِم فِي كل يَوْم. فهرع إِلَيْهِ الْعمَّال وَخرج بهم إِلَى الْعَمَل فَلم يشق على أحد مِنْهُم وَلَا استحثه وَإِنَّمَا كَانُوا يعْملُونَ باختيارهم. أاتاه جمع كَبِير من الْعَرَب وَعمل حَتَّى النِّسَاء إِلَى أَن جرى المَاء بِمَكَّة بَين الصَّفَا والمروة فِي ثامن عشرى جُمَادَى الأولى من هَذِه السّنة فَكَانَت مُدَّة الْعَمَل أَرْبَعه أشهر وَكثر النَّفْع بِهَذِهِ الْعين وَصَرفه أهل مَكَّة إِلَى مزارع الخضراوات. وَفِيه قدم الْقَاهِرَة الْأُمَرَاء المجردون إِلَى برقة وَقد غَابُوا عَنْهَا ثَلَاثَة أشهر وَأَرْبَعَة أَيَّام. وَفِيه قدم الْخَبَر بِأَن الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام جمع الْعَامَّة بِدِمَشْق وألزمهم بإحضار الْكلاب ورميها بالخندق فأقاموا عشرَة أَيَّام فِي جمعهَا حَتَّى امْتَلَأَ الخَنْدَق بهَا وَأكل بَعْضهَا بَعْضًا. وَفِيه قدم الْخَبَر بِحُصُول سيل عَظِيم فِي الْفُرَات أعقبه مطر وَأَنه حدث وخم وفناء عَم النَّاس من الْفُرَات إِلَى دمشق فَلم تبْق مَدِينَة فِيمَا بَين ذالك حَتَّى كثر بهَا الْمَرَض وَالْمَوْت وَبَاعَ بعض عطاري دمشق فِي كل يَوْم أدوية للمرضى بِنَحْوِ الْألف دِرْهَم وأبيع قدر فِيهِ حسو شعير بِزِيَادَة على ثَلَاثِينَ درهما وَأخذ حجام فِي أُجْرَة فصد وشراطة أَذَان فِي كل يَوْم أَرْبَعمِائَة دِرْهَم فَإِنَّهُ كَانَ فصلا زموماً وَكَانَ الْمَوْت فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَرَض قَلِيل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 90 وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس رَمَضَان: قدم الْملك الصَّالح صَلَاح الدّين يُوسُف ابْن الْملك الْكَامِل سيف الدّين أبي بكر بن شادي ابْن الْملك الأوحد تَقِيّ الدّين ابْن الْملك الْمُعظم غياث الدّين توران شاه ابْن الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب ابْن الْملك الْكَامِل مُحَمَّد ابْن الْملك الْعَادِل بن أَيُّوب بن شادي صَاحب حصن كيفا فَأقبل عَلَيْهِ السُّلْطَان وأكرمه وخلع عَلَيْهِ تَشْرِيفًا طرد وَحش بحياصة ورتب لَهُ مَا يَلِيق بِهِ من اللَّحْم والدجاج وَالسكر والحلوى وَغير ذَلِك وَبعث لَهُ عشرَة أُلَّاف دِرْهَم. وَأقَام الصَّالح صَلَاح الدّين إِلَى نصف شَوَّال وَسَار بعد مَا جهزه السُّلْطَان بِكُل مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من خيل وجمال وَسلَاح وتحف وأنعم عَلَيْهِ بِأَلف دِينَار. فَلَمَّا قدم دمشق بَالغ الْأَمِير تنكز فِي الْإِحْسَان إِلَيْهِ وَبَعثه إِلَى بَلَده فَقَدمهَا وسر بِهِ أَهلهَا. فَلَمَّا صعد الْحصن وتوسط الدهليز وثب عَلَيْهِ أَخُوهُ الْملك الْعَادِل محيي الدّين وَقَتله. وَكَانَ من خبر الصَّالح صَلَاح الدّين أَنه ملك حصن كيفا من أَعْمَامه وأخوته بِالْقُوَّةِ فَإِنَّهُ كَانَ شجاعاً جريئاً فَلَمَّا تمكن منع الْخراج عَن أبي سعيد وَتعرض لقصاد الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام وَإِلَى بعض التُّجَّار. فَكتب اليه تنكز يهدده بِأَنَّهُ يقْتله وسط حصنه فخاف سوء الْعَاقِبَة وَأجَاب بالاعتذار وَأَنه من الْيَوْم فِي خدمَة السُّلْطَان ونائبه وَأَنه يمتثل مَا يرسم بِهِ وجهز لتنكز هَدِيَّة. فسر السُّلْطَان بذلك وأكد على تنكز فِي مهاداته. فَلَمَّا قدم الْأَمِير أيتمش المحمدي عَلَيْهِ تَلقاهُ وَقدم لَهُ تقدمة حَسَنَة وعرفه أَنه صَاحب السُّلْطَان فِي الْحسن تَحت أوامره وَكتب إِلَى نَائِب الشَّام بذلك. فَكتب تنكز يعرف السُّلْطَان بذلك فازداد رَغْبَة فِيهِ ومازال بِهِ الْأَمِير تنكز يستميله حَتَّى قدم إِلَى مصر ذَلِك بعد أَن استناب أَخَاهُ الْملك الْعَادِل محيي الدّين على الْحصن مُدَّة غيبته. فطمع محيي الدّين فِي الْحصن وَقَتله بعد رُجُوعه من مصر وَكتب إِلَى جوبان وَأبي سعيد أَنه لم يقْتله إِلَّا لمخامرته وَخُرُوجه عَن طاعتهما وَبعث إِلَيْهِمَا بالخراج فأجاباه بالشكر وَالثنَاء واستمراره على نِيَابَة الْحصن وَكتب محيي الدّين أَيْضا لنائب الشَّام بِأَنَّهُ لم يقْتله إِلَّا لما ثَبت عَلَيْهِ من شرب الْخمر وَالْفِسْق وَقتل الْأَنْفس واستباحة الْأَمْوَال والتلفظ بالْكفْر غير مرّة وجهز إِلَيْهِ وترفق إِلَيْهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 91 هَدِيَّة فِي كتبه وَأَنه مَمْلُوك السُّلْطَان ونائبه. فَعرف تنكز السُّلْطَان ذَلِك فَأَجَابَهُ بِقبُول عذره ومهاداته واستجلاب خاطره فَفعل ذَلِك. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَالِث عشر رَمَضَان: تولى الْأَمِير عماد الدّين الْبحيرَة عوضا عَن بلبان العتريس. وَفِي خَامِس شَوَّال: توجه الْأَمِير سيف الدّين أرغون النَّائِب وَولده نَاصِر الدّين مُحَمَّد إِلَى الْحجاز لِلْحَجِّ. وَفِيه أشيع أَن قصاد الْأَمِير تنكز وصلت من الشرق وأخبرت بِأَن الْأَمِير جوبان جمع من خِيَار عَسْكَر الأردو عشرَة أُلَّاف فَارس وَقصد الْحَج. فأظهر السُّلْطَان الْخَوْف على نَائِبه الْأَمِير أرغون أَن يقبض عَلَيْهِ جوبان ويجعله إِلَى بِلَاده وَكتب إِلَى تنكز نَائِب الشمام أَن يخرج بعسكر إِلَى جِهَة الكرك ليدرك الْأَمِير أرغون. فبرز تنكز بعد أَرْبَعَة أَيَّام من قدوم الْبَرِيد عَلَيْهِ وَنزل الصنمين. ثمَّ كتب إِلَيْهِ السُّلْطَان بعوده إِلَى دمشق فَعَاد. وباطن هَذِه الْحَرَكَة أَن السُّلْطَان بلغه أَن الْأَمِير مهنا بن عِيسَى يُرِيد الْحَج فندب الْأَمِير أرغون لِلْحَجِّ أَن يقبض عَلَيْهِ. فَلَمَّا خرج أرغون بلغ السُّلْطَان أَنه كتب إِلَى مهنا يحذرهُ من الْحَج فشق ذَلِك على السُّلْطَان وأشاع مَا تقدم ذكره وَأخرج نَائِب الشَّام بالعسكر ليقْبض على أرغون ثمَّ بدا لَهُ فأشاع أَن جوبان أبطل حركته لِلْحَجِّ وَأعَاد نَائِب الشَّام. وفيهَا كثر الرخَاء بِمصْر فأبيع الأردب الْقَمْح بِخَمْسَة دَرَاهِم وبستة وأبيع الشّعير والفول من ثَلَاثَة دَرَاهِم الأردب إِلَى أَرْبَعَة. وَفِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشر شَوَّال: فرق السُّلْطَان الحوائص الذَّهَب على الْأُمَرَاء. وفيهَا بلغت زِيَادَة مَاء النّيل تِسْعَة عشر أصبعاً وَسَبْعَة عشر ذِرَاعا. وفيهَا كتب مرسوم السُّلْطَان - وَقُرِئَ على المنابر - بألا يضْرب أحد فِي ديار مصر وَالشَّام بالمقارع. وفيهَا قدم بيبغا الْحَمَوِيّ من مَكَّة مبشراً بسلامة الْحَاج فِي رَابِع عشرى ذِي الْحجَّة. وَمَات فِيهَا مِمَّن لَهُ ذكر شيخ الضَّيْعَة جمال الدّين حُسَيْن بن يُوسُف بن المطهر الْحلِيّ المعتزل شَارِح مُخْتَصر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 92 ابْن الْحَاجِب فِي الْمحرم وَكَانَ رَضِي الْخلق حَلِيمًا عَالما بالمعقولات وَله وجاهة عِنْد خربندا وَله عدَّة مصنفات وَلابْن تَيْمِية عَلَيْهِ رد فِي أَربع مجلدات وَكَانَ يُسَمِّيه ابْن المنجس. وَمَات شرف الدّين أَبُو الْفَتْح أَحْمد بن عز الدّين أبي البركات عِيسَى بن مظفر بن مُحَمَّد بن إلْيَاس الْمَعْرُوف بِابْن الشيرجي - الْأنْصَارِيّ الدِّمَشْقِي محتسب دمشق ومولده فِي سنة سبع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة. وَمَات بدر الدّين حسن ابْن الْملك الْأَفْضَل صَاحب حماة أحد الْأُمَرَاء بحماة عَن نَيف وَسِتِّينَ سنة. وَكَانَ من أهل الْعلم وسعى فِي مملكة حماة. وَمَات سراج الدّين عمر بن أَحْمد بن خضر بن ظافر بن طراد الخزرجي الْأنْصَارِيّ الْمصْرِيّ الشَّافِعِي خطيب الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة. وَمَات وَالِي الْمحلة الشَّيْخ فِي سَابِع عشرى الْمحرم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 93 فارغة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 94 سنة سبع وَعشْرين وَسَبْعمائة أهل الْمحرم: وَقد كثر مرض النَّاس بحميات حادة دموية فَشَتْ حَتَّى لم يكد يسلم مِنْهَا أحد فَكَانَ الْمَرِيض يتمادى مَرضه أسبوعاً وَيبرأ وَربح بياعو الْأَدْوِيَة والأطباء والحجامون مَالا كثيرا. وَفِي يَوْم الْأَحَد حادي عشره: قدم الْأَمِير أرغون النَّائِب وَولده نَاصِر الدّين مُحَمَّد من الْحجاز وَالسُّلْطَان بِنَاحِيَة سرياقوس فَقبض عَلَيْهِمَا وعَلى الْأَمِير طيبغا الْحَمَوِيّ فَأَخذهُم الْأَمِير بكتمر الساقي عِنْده وسعى فِي أَمرهم فَأخْرج السُّلْطَان الْأَمِير أيتمش فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشره بالأمير أرغون لنيابة حلب عوضا عَن ألطنبغا. وَقد تقدم تغير السُّلْطَان على الْأَمِير أرغون فَلَمَّا قدم بعث السُّلْطَان الْأَمِير أيتمش المحمدي ليقف على بَاب الْقلَّة من قلعة الْجَبَل فَإِذا مر بِهِ أرغون فِي دُخُوله على السُّلْطَان منع مماليكه من العبور مَعَه. وَأمر السُّلْطَان الْأَمِير قجليس أَن يتلقاه إِذا صعد القلعة وَلَا يُمكنهُ من العبور إِلَى دَاره فَتَلقاهُ قجليس من بَاب القلعة وَمَشى مَعَه إِلَى أَن جازا دَار النِّيَابَة فَسمع أرغون صُرَاخ أَهله وَقد مَاتَت ابْنة زَوجته. ثمَّ مر أرغون إِلَى بَاب الْقلَّة فَإِذا أيتمش وَغَيره فَأخذُوا سَيْفه وَسيف ابْنه مُحَمَّد وَفرق بَينهمَا. فَبعث السُّلْطَان إِلَيْهِ بكتمر الساقي يعدد عَلَيْهِ ذنُوبه فاستسلم لأمر الله. وَطَالَ ترداد بكتمر بَينه وَبَين السُّلْطَان إِلَى أَن أنعم عَلَيْهِ بنيابة حلب وَأخرج مَعَه أيتمش ليوصله وَيعود. وَبعث السُّلْطَان الْأَمِير ألجاي الدوادار على الْبَرِيد إِلَى حلب ليحضر ألطنبغا نائبها وَقرر مَعَ كل من أيتمش وألجاي أَن يَكُونَا بِمن مَعَهُمَا فِي دمشق يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث عشريه. وَلم يعلم أحد مِنْهُمَا بِمَا توجه فِيهِ الآخر حَتَّى توافيا بِدِمَشْق فِي يَوْم الْجُمُعَة المذكوره وَقد خرج الْأَمِير تنكز فِي السَّاعَة الرَّابِعَة إِلَى ميدان الْحَصَا للقاء الْأَمِير أرغون فترجل كل مِنْهُمَا لصَاحبه وسارا إِلَى جَامع بني أُمِّيّه فعندما توسطاه إِذا بالجاي وَمَعَهُ ألطنبغا نَائِب حلب فَسلم عَلَيْهِ أرغون بِالْإِيمَاءِ. فَلَمَّا قضيت صَلَاة الْجُمُعَة حمل لَهما الْأَمِير تنكز سماطاً جَلِيلًا وَركب أرغون إِلَى حلب فَدَخلَهَا فِي سلخه. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشره: عزل شرف الدّين الخطيري من نظر الدولة بمجد الدّين إِبْرَاهِيم بن لفيتة وَاسْتقر الخطيري نَاظر الْبيُوت فألزم ابْن لفيتة المباشرين بِعَمَل الْحساب وَأَرَادَ توفير جمَاعَة مِنْهُم فَلم يتَمَكَّن من ذَلِك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 95 وَفِيه سَار ألطبغا إِلَى الْقَاهِرَة فَقَدمهَا يَوْم السبت مستهل صفر فَأكْرمه السُّلْطَان وخلع عَلَيْهِ وَأَسْكَنَهُ بقلعة الْجَبَل وأنعم عَلَيْهِ بأمرة مائَة من جملَة إقطاع أرغون وكمل السُّلْطَان مِنْهُ لطايربغا إمرة مائَة فزادت التقادم تقدمة وَصَارَت الْأُمَرَاء خَمْسَة وَعشْرين مقدما واتهم الْفَخر نَاظر الْجَيْش بِأَنَّهُ كَانَ سَبَب تغير السُّلْطَان أرغون لِكَثْرَة حطه عَلَيْهِ وإغرائه بِهِ حَتَّى قَالَ لَهُ: يَا خوند! مَا رَأينَا سُلْطَانا دخل عَلَيْهِ الدخيل من غير نَائِب السلطنة وَذكره بِمَا وَقع للمنصور لاجين بِسَبَب نَائِبه منكوتمر وَقيام لاجين وَهُوَ نَائِب السلطنة على الْعَادِل كتبغا وإفساد سلار نَائِب السلطنة مملكة المظفر بيبرس وَأَشَارَ عَلَيْهِ بِإِبْطَال النِّيَابَة والاستبداد بالأمور. وَسبب ذَلِك مَا كَانَ بَين الْفَخر وَبَين الْأَمِير أرغون من المنافرة وأهانة أرغون لَهُ وحطه من مِقْدَار. وَلما قدم أيتمش سَأَلَهُ السُّلْطَان عَن أرغون فَمَا ذكر إِلَّا خيرا فَقَالَ لَهُ الْفَخر بِحَضْرَة السُّلْطَان: يَا أيتمش كل مَا قلت صَحِيح لَكِن وَالله لَو قَامَ أرغون فِي النِّيَابَة شهرا وَاحِدًا مَا رَأَيْت السُّلْطَان على هَذَا الْكُرْسِيّ. فأثر هَذَا القَوْل فِي السُّلْطَان أثرا قبيحاً وَطلب شرف الدّين الخطيري كَاتبه وهدده بالشنق أَن أُخْفِي شَيْئا من مَال أرغون وألزمه بِكِتَابَة حواصله فَلَمَّا تنجزت الأوراق أحَاط السُّلْطَان بِجَمِيعِ حواصله وَأخذ بَعْضهَا وأنعم بِالْبَاقِي. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِي عشر صفر: قدم الشريف طفيل فَارًّا من ابْن عَمه الشريف ودي ابْن جماز بن شيحة وَأخْبر أَنه حصر الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة سَبْعَة أَيَّام ودخلها عنْوَة لغيبة الشريف كبيشة أَمِير الْمَدِينَة وَأخذ غلمانه وَأَهله وصادرهم وعاقب جمَاعَة حَتَّى مَاتُوا تَحت الْعقُوبَة وَقتل القَاضِي هَاشم بن عَليّ وَعبد الله بن الْقَائِد عَليّ بن يحيى. فَلَمَّا بلغ ذَلِك الشريف كبيشة قدم ففر مِنْهُ ودى فَغَضب السُّلْطَان من ذَلِك وعزم على تَجْرِيد عَسْكَر يَوْم الْجُمُعَة. وَفِي رَابِع ربيع الْأُخَر: قدم الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام باستدعاء وَمَعَهُ قَلِيل من مماليكه فَخرج الْأَمِير بكتمر الساقي إِلَى لِقَائِه بسرياقوس وَقدم بِهِ فَأكْرمه السُّلْطَان وأنزله بدار الْأَمِير بكتمر الساقي. وَكَانَ قد قدم مَعَه الْأَمِير بدر الدّين مَسْعُود بن الخطير أحد حجاب دمشق فَشَكا مِنْهُ وَسَأَلَ أَن يكون بديار مصر فأنعم عَلَيْهِ بأمرة طبلخاناه وَأَن يكون حاجباً صَغِيرا رَفِيقًا للأمير ألماس الْحَاجِب وأنعم بإقطاعه فِي دمشق على أَخِيه شرف الدّين مَحْمُود بن الخطير وسافر الْأَمِير تنكز. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 96 وَفِي يَوْم الْأَحَد سادس ربيع الآخر: قبض على الْأَمِير سيف الدّين قطلوبغا الْفَخر والأمير سيف الدّين طشتمر حمص أَخْضَر الساقي. وَأخرج قطلوبغا على إقطاع أيدغدي التليلي بِدِمَشْق فِي يَوْم السبت ثَانِي عشريه. وَأَفْرج عَن طشتمر وَاسْتمرّ على حَاله. وَسبب مسكهما أَن السُّلْطَان وجد ورقة فِيهَا أَنَّهُمَا اتفقَا على قَتله فَقَامَ الْأُمَرَاء وكذبوا هَذَا القَوْل فَإِنَّهُ من فعل من يُرِيد الْفِتْنَة ومازالوا حَتَّى أفرج عَنْهُمَا. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير عز الدّين دقماق نقيب الجيوش عوضا عَن شمس الدّين المهمندار مُضَافا لما بِيَدِهِ من نقابة المماليك. وَاسْتقر المهمندار على المهمندارية. وَفِي يَوْم الْخَمِيس مستهل جُمَادَى الأولى: قبض على الْأَمِير بهاء الدّين أصلم وعَلى أَخِيه سيف الدّين قرمجي وَجَمَاعَة من القبجاقية. وَسبب ذَلِك أَن أصلم عرض سلَاح خاناه وَجلسَ بإصطبله وألبس خيله عدَّة الْحَرْب وعرضها يَوْمه كُله فوشي بِهِ إِلَى السُّلْطَان بعض أعدائه بِأَنَّهُ قد عزم هُوَ وَأَخُوهُ قرمجي وَجَمَاعَة جنس القبجاق أَن يهجموا على السُّلْطَان ويغيروا الدولة وَأَنه أمس عرض عدده وألبس خيله ورتبهم للرُّكُوب. وَكتب هَذَا فِي ورقة وَأَلْقَاهَا أحدهم فِي الإصطبل السلطاني. فَلَمَّا وقف السُّلْطَان عَلَيْهَا تغير تغيراً زَائِدا وَكَانَت عَادَته أَنه لَا يكذب فِي الشَّرّ خَبرا وَبعث من فوره يسْأَل أصلم مَعَ الْحَاجِب ألماس عَمَّا كَانَ يعمله أمس فِي إصطبله فَذكر أَنه اشْترى عدَّة أسلحة فعرضها على خيله لينْظر مَا يُنَاسب كل فرس مِنْهَا فَصدق السُّلْطَان مَا نقل عَنهُ وَقبض عَلَيْهِ وعَلى أَخِيه وَأهل جنسه وعَلى قيران صهر قرمجي وانكبار أخي آقول الحاحب وسفروا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة مَعَ صَلَاح الدّين طرخان بن بدر الدّين بيسري الشمسي وبرلغي قريب السُّلْطَان وَكَانَا مسجونين بقلعة الْجَبَل. وأفرد أصلم فِي برج بالقلعة. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ تَاسِع عشره: قدم الْأَمِير حُسَيْن بن جندر بك من الشَّام فَخلع عَلَيْهِ أطلس بطرز زركش وكلفتاه زرك! ش وحياصة مجوهرة وأنعم عَلَيْهِ بإقطاع الْأَمِير أصلم. وَفِيه سَار الْأَمِير حسام الدّين حُسَيْن بن خربندا إِلَى الشَّام وَقد كَانَ فر من بِلَاد التتار وشمله الإنعام السلطاني وَصَارَ من جملَة أُمَرَاء الطبلخاناه. وَفِيه قدمت رسل اصطنبول فَأسلم مِنْهُم نفران وهما آقسنقر وبهادر وأنعم على آقسنقر بإمرة عشرَة بديار مصر وعَلى بهادر بِخبْز جند وَكَانَا أخوة. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَالِث جُمَادَى الْآخِرَة: عقد على الْأَمِير سيف الدّين قوصون بالقلعة عقد ابْنة السُّلْطَان بالقلعة وَتَوَلَّى عقد النِّكَاح قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد بن الحريري الْحَنَفِيّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 97 وَفِيه سَأَلَ قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة الشَّافِعِي فِي الإعفاء من الْقَضَاء وَاعْتذر بنزول المَاء فِي إِحْدَى عَيْنَيْهِ وانحداره إِلَى الْأُخَر وَقلة نظره وَكبر سنه. فَسَأَلَ السُّلْطَان من ابْنة عز الدّين عبد الْعَزِيز بن جمَاعَة عَن وظائف وَالِده فَأخْبرهُ بهَا فَلَمَّا حضر بدر الدّين دَار الْعدْل فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ عاشره أعَاد السُّؤَال فِي طلب الإعفاء فَأَجَابَهُ السُّلْطَان من غير تَصْرِيح وَقَالَ لَهُ: احكم بَين الْأَمِير بكتمر الْحَاجِب وَبَين غُرَمَائه فَنزل إِلَى الْمدرسَة الصالحية وَحكم بَينهمَا وَقَالَ لأهل مَجْلِسه. هَذَا أخر الحكم وَمضى إِلَى دَاره بِمصْر فقرر لَهُ السُّلْطَان من مَال المتجر فِي كل شهر ألف دِرْهَم فضَّة. وَفِيه كتب بإحضار جلال الدّين مُحَمَّد الْقزْوِينِي قَاضِي دمشق ليستقر فِي قَضَاء الْقُضَاة بِمصْر عوضا عَن بدر الدّين بن جمَاعَة فَقدم على الْبَرِيد إِلَى سرياقوس يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشريه وخطب بِجَامِع الخانكاه وَصلى بِالنَّاسِ صَلَاة الْجُمُعَة. وطلع الْقزْوِينِي قلعة الْجَبَل يَوْم السبت تَاسِع عشريه فَخلع عَلَيْهِ فِي أول رَجَب وَاسْتقر فِي قَضَاء الْقُضَاة وأركب بغلة بزنار جوخ وأضيف إِلَيْهِ تدريس الْمدرسَة الصالحية والمدرسة الناصرية وَدَار الحَدِيث الكاملية وخطابة جَامع القلعة شركَة مَعَ ابْن الْقُسْطَلَانِيّ وأعيد ابْنه بدر الدّين مُحَمَّد على خطابة جَامع بني أُميَّة بِدِمَشْق. وَكتب باستقرار شمس الدّين أبي الْيُسْر ابْن الصَّائِغ بِتَعْيِين الْجلَال القزوين فَامْتنعَ من ذَلِك. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع رَجَب: قدمت رسل القان أبي سعيد وَمَعَهُمْ مُحَمَّد بيه بن جمق قريب السُّلْطَان وَابْن أُخْت طايربغا بهدية سنية. فأنعم السُّلْطَان على مُحَمَّد بيه بإمره طبلخاناه عوضا عَن أيبك البكتوتي أَمِير علم بِحكم انْتِقَاله على إقطاع فَيْرُوز بصمد. فَلَمَّا كمان يَوْم السبت: ركب السُّلْطَان إِلَى الميدان وَمَعَهُ الرُّسُل ثمَّ أركبهم فِي ثَالِث عشره مَعَه إِلَى الْقَاهِرَة وَنزل إِلَى زِيَارَة قبر وَالِده الْملك الْمَنْصُور وَمد سماط عَظِيم بإيوان الْمدرسَة المنصورية القبلي وَحضر الْفُقَهَاء بالإيوان البحري. ثمَّ ركب السُّلْطَان بهم مرّة ثَانِيَة إِلَى الميدان وأعادهم فِي سادس عشره بهدية جليلة. وَفِي يَوْم الْخَمِيس خامسه: كَانَت الْفِتْنَة بالإسكندرية: وملخصها أَن بعض تجار الفرنج فاوض رجلا من الْمُسلمين وضربه وَذَلِكَ أَن الفرنجي وقف بِجَانِب صبي أَمْرَد ليأخذه وَيفْعل بِهِ ذَلِك الْفِعْل فعناه بعض الْمُسلمين وَقَالَ لَهُ: هَذَا مَا يحل فَضَربهُ الفرنجي بخف على وَجهه. فثار الْمُسلمُونَ بالإفرنج وثار الفرنج لتحميه فَوَقع الشَّرّ بَين الْفَرِيقَيْنِ واقتتلوا بِالسِّلَاحِ. فَركب ركن الدّين الكركي مُتَوَلِّي الثغر فَإِذا النَّاس قد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 98 ئعصبوا وأخرجوا السِّلَاح وشهدوا على الفرنجي. مِمَّا يُوجب قَتله وَحَمَلُوهُ إِلَى القَاضِي وغلقت أسواق الْمَدِينَة وأبوابها. فَلَمَّا كَانَ بعد عشَاء الْآخِرَة فتحت الْأَبْوَاب ليدحل من كَانَ خَارج الْبَلَد فَمن شدَّة الزحام قتل عشرَة أنفس وَتَلفت أَعْضَاء جمَاعَة وَذَهَبت عمائم وَغَيرهَا لكثير مِنْهُم. وَتبين للكركي تحامل النَّاس على الفرنج فَحمل بِنَفسِهِ وأجناده عَلَيْهِم ليدفعهم عَن الفرنج فَلم يندفعوا وقاتلوه إِلَى أَن هزموه وقصدوا إِخْرَاج الْأُمَرَاء المعتقلين بالثغر. بعد مَا سفكت بَينهمَا دِمَاء كَثِيرَة. فَعِنْدَ ذَلِك بَادر الكركي بمطالعة السُّلْطَان بِهَذِهِ الْحَادِثَة فسرح الطَّائِر بالبطائق يعلم السُّلْطَان فَاشْتَدَّ غَضَبه. وخشي السُّلْطَان خُرُوج الْأُمَرَاء من السجْن وبادر إِلَى أَخذ أَوْلَاد الْأَمِير سيف الدّين الأبو بكري الثَّلَاثَة - وهم على وأسنبغا وَأحمد - فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ تاسعه وجعلهم فِي دَار الْأَمِير ألماس الْحَاجِب. وَأخرج السُّلْطَان الْوَزير مغلطاي الْجمال وطوغان شاد الدَّوَاوِين وَسيف الدّين ألدمر الركني أَمِير جندار فِي جمَاعَة من المماليك السُّلْطَانِيَّة وَمَعَهُمْ نَاظر الْخَاص إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَمَعَهُمْ تَذَاكر. مِمَّا يعْمل من تتبع أهل الْفساد وقتلهم ومصادرة قوم بأعيانهم وتغريم أهل الْبَلَد المَال وَالْقَبْض على أسلحة الْغُزَاة ومسك القَاضِي وَالشُّهُود وتجهيز الْأُمَرَاء المسجونين إِلَى قلعة الْجَبَل فَسَارُوا فِي عاشره ودخلوا الْمَدِينَة. وَجلسَ الْوَزير والناظر بديوان الْخمس وَفرض الْوَزير على النَّاس خَمْسمِائَة ألف دِينَار وَقبض على جمَاعَة من أذلّهم ووسطهم وَقطع أَيدي بَعضهم وأرجلهم وتطلب ابْن رَوَاحَة كَبِير دَار الطّراز ووسطه من أجل أَنه وشي بِهِ أَنه كَانَ يغري الْعَامَّة بالفرنج ويمدهم بِالسِّلَاحِ وَالنَّفقَة. فَحل بِالنَّاسِ من المصادرة بلَاء عَظِيم وَكتب السُّلْطَان ترد شَيْئا بعد شَيْء تَتَضَمَّن الْحَث على سفك دِمَاء المفسدين وَأخذ الْأَمْوَال والوزير يُجيب بِمَا يصلح أَمر النَّاس. ثمَّ استدعى الْوَزير بِالسِّلَاحِ الْمعد للغزاة فَبلغ سِتَّة أُلَّاف عدَّة وَضعهَا كلهَا فِي حَاصِل وَختم عَلَيْهَا وَاسْتمرّ نَحْو الْعشْرين يَوْمًا فِي سفك دِمَاء وَأخذ أَمْوَال حَتَّى جمع مَا ينيف على مِائَتَيْنِ وَسِتِّينَ ألف دِينَار وَقدم الْوَزير عماد الدّين مُحَمَّد ابْن اسحاق بن مُحَمَّد البلبيسي قَاضِي الْإسْكَنْدَريَّة ليشنق ثمَّ أَخّرهُ وَكَاتب السُّلْطَان بِأَنَّهُ كشف عَن أمره فَوجدَ مَا نقل عَنهُ غير صَحِيح. وَبعث الْوَزير المسجونين إِلَى قلعة الْجَبَل فِي طَائِفَة مَعَهم لحفظهم فقدموا فِي ثامن عشره وهم البوبكري وتمر الساقي وسنجر الجاولي وبهادر الْمعز وطغلق وأمير غَانِم وقطلوبك الوشاقي وأيدمر اليونسي وكجلي نَائِب قلعة الرّوم. فَأخْرج البوبكري وتمر الساقي إِلَى الكرك وسجن الجاولي وبهادر المعزي فِي البرج بالقلعة وَأنزل بطغلق وأمير غَانِم وقطلوبك وأيدمر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 99 وبلاط وبرلغي ولاجين زيرباج وبيبرس العلمي وطشتمر أخي بتخاص المنصوري إِلَى الْجب بالقلعة وَأَفْرج عَن فَخر الدّين أياس وَقدم الْوَزير من الْإسْكَنْدَريَّة بِالْمَالِ وَجلسَ فِي سلخ رَجَب بِالْمَالِ بقاعة الوزارة المستجدة بالقلعة وَقد سكنها وحفر النظار والمستوفون من خَارج الشباك وَحضر طوغان الشاد أَيْضا فنفذ الْوَزير الْأُمُور وَصرف أَحْوَال الدولة. وَفِي أول شعْبَان: قدمت رسل بَابا الفرنج من مَدِينَة رومة بهدية وَكتاب فِيهِ الْوَصِيَّة بالنصارى وَأَنه مهما عمل مُهِمّ بِمصْر وَالشَّام عاملوا من عِنْدهم من الْمُسلمين بِمثلِهِ فأجيبوا وأعيدوا. وَلم تقدم رسل من عِنْد الْبَاب إِلَى مصر مُنْذُ أَيَّام الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب. وَفِيه قبض على أَمِير فرج بن قراسنقر واعتقل بالجب فِي القلعه. وَأخرج كجكن الساقي إِلَى صفد فاعتقل بهَا. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ السَّادِس وَالْعِشْرين من شَوَّال: استدعي الشَّيْخ عَلَاء الدّين عَليّ بن إِسْمَاعِيل بن أبي الطلاء القونوي الشَّافِعِي شيخ خانكاه سعيد السُّعَدَاء وخلع عَلَيْهِ بِقَضَاء الْقُضَاة بِدِمَشْق وَنزل فَحكم بالقاهره وَأثبت كتبا تتَعَلَّق بِدِمَشْق وسافر فَقدم دمشق فِي خَامِس عشريه وأضيف إِلَيْهِ مشيخة الشُّيُوخ بهَا عوضا عَن قَاضِي الْقُضَاة شرف الدّين الْمَالِكِي. وَاسْتقر فِي مشيخة سعيد السُّعَدَاء شيخ الشُّيُوخ مجد الدّين أَبُو حَامِد مُوسَى بن أَحْمد بن مَحْمُود الأقصرائي شيخ خانكاه سرياقوس ورسم لَهُ أَن يَسْتَنِيب عَنهُ بِسَعِيد السُّعَدَاء الشَّيْخ جمال الدّين الحويزاني. وَاسْتقر فِي مشيخة الخانكاه الركنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 100 بيبرس افتخار الدّين الْخَوَارِزْمِيّ عوضا عَن مجد الدّين أبي بكر بن إِسْمَاعِيل بن عبد الْعَزِيز الزنكلوني وَنقل الزنكلوني إِلَى مشيخة تدريس الحَدِيث النَّبَوِيّ بالقبة البيبرسية. وَفِيه قبض على الشريف ودي بن جماز عِنْدَمَا حضر من الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة وَكَانَ قد تحاقق هُوَ وطفيل بن مَنْصُور بن جَازَ بَين يَدي السُّلْطَان ففلح عَلَيْهِ طفيل فِي الْخُصُومَة. وسفر الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن طغريل صُحْبَة الشريف كبيشة ليوصله إِلَى الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة وَيقبض على أَصْحَاب ودي. فَلَمَّا قدما فر أَصْحَاب ودي وَملك كبيشة ابْن مَنْصُور الْمَدِينَة ودعا للسُّلْطَان عقيب كل صَلَاة كَمَا يَدعِي لَهُ بِمَكَّة. وَفِي خَامِس عشر فِي ذِي الْقعدَة: اسْتَقر مغلطاي الخازن فِي نِيَابَة قلعة دمشق عوضا عَن سنجر الدميتري. وأنعم على سنجر بإمرة فِي دمشق. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير بلبسطي فِي نِيَابَة حمص بعد وَفَاة بلبان البدري. وَاسْتقر فِي نظر الْقُدس والخليل إِبْرَاهِيم الجاكي. وَفِي لَيْلَة الْجُمُعَة ثَالِث عشر ذِي الْحجَّة: دخل الْأَمِير قوصون على ابْنة السُّلْطَان بعد مَا حمل جهازها إِلَيْهِ وَكَانَ شَيْئا عَظِيما: مِنْهُ بشخاناه وداير بَيت زركش زنة البشخاناه بمفردها مائَة ألف مِثْقَال ذَهَبا. وَعمل الْفَرح مُدَّة سَبْعَة أَيَّام ذبح فِيهِ خَمْسَة أُلَّاف رَأس من الْغنم الضَّأْن وَمِائَة رَأس من الْبَقر وَخَمْسُونَ فرسا وَمن الدَّجَاج والأوز مَا لَا يُحْصى كَثْرَة. وَاسْتعْمل فِيهِ من السكر برسم الحلاوات وتحالي الْأَطْعِمَة والمشروب أحد عشر ألف أبلوجة وَبلغ وزن الشمع الَّذِي أحضرهُ الْأُمَرَاء ثَلَاثمِائَة قِنْطَار وَأحد عشر قِنْطَارًا. وَبَلغت تقادم الْأُمَرَاء لقوصون خمسين ألف دِينَار. وَعمل قجليس فِي القلعة برجا من بارود ونفط غرم عَلَيْهِ ثَمَانِينَ ألف دِرْهَم. وَحصل للمغاني من النقوط عشرَة أُلَّاف دِينَار مصرية وَقد جمع أُمَرَاء مصر وَالشَّام تقادم جليلة مِنْهَا تقدمة الْملك صَاحب حماة وَمن جُمْلَتهَا مشعل وطرطور ومخلاة مطرز ذهب بالف دِينَار. وَفِي صَبِيحَة الْعرس عقد الْأَمِير أَحْمد بن بكتمر الساقي عَليّ قطلوملك بنت الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام وَقد حضرت فِي أول ذِي الْقعدَة بجهاز عَظِيم فِيهِ داير بَيت زنة زركشه سِتُّونَ ألف مِثْقَال من الذَّهَب. وَقدم الْأَمِير تنكز عَلَيْهِ عَلَيْهِ السُّلْطَان خلعة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 101 كَامِلَة انْصَرف على القباء الفوقاني مِنْهَا وَحده مبلغ أَرْبَعَة وَخمسين ألف دِرْهَم فضَّة. فَدخل أَمِير أَحْمد على ابْنة تنكز فِي لَيْلَة رَابِع عشره. وَفِي هَذِه السّنة: قدم إِلَى ميناء بيروت من سواحل الشَّام تجار الفرنج بِمِائَة وَأَرْبَعين من أُسَارَى الْمُسلمين قد اشتروهم من الجزائر فاشتراهم الْأَمِير تنكز وَأفَاد التُّجَّار فِي كل أَسِير مائَة وَعشْرين درهما على مَا اشْتَرَاهُ بِهِ. وكسا تنكز الْجَمِيع وزودهم وَحَملهمْ إِلَى مصر فسر وَفِيه كتب لنائب الشَّام بِجمع فُقَهَاء الشَّام وَالْعَمَل فِي أوقافها كلهَا بمقتض شُرُوط واقفيها وَأَن يُجهز ضِيَاء الدّين يُوسُف بن أبي بكر بن مُحَمَّد - الْمَعْرُوف بالضياء بن خطيب بَيت الْآبَار - وَكَانَ قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين الْقزْوِينِي قد عينه لنظر الْأَوْقَاف بديار مصر وأثني عَلَيْهِ. فَلَمَّا قدم ضِيَاء الدّين خلع عَلَيْهِ بِنَظَر الْأَوْقَاف فباشرها مُبَاشرَة جَيِّدَة. وَنظر تنكز نَائِب الشَّام فِي أوقافها ورسم بعمارة مَا يحْتَاج إِلَيْهِ وَمنع الجوالك كلهَا أَن يصرف مِنْهَا لأحد حَتَّى تفرغ عمارتها فامتثل ذَلِك. وَنظر تنكز فِي مقاسم الْمِيَاه بِدِمَشْق الَّتِي تتصرف فِي دور النَّاس وكسح مَا فِيهَا من الأوساخ وَفتح مَا استد مِنْهَا حَتَّى صلحت كلهَا فَعم النَّفْع بهَا. وَكَانَت الْمِيَاه قد تَغَيَّرت لما خالطها فِي طول السنين وَصَارَ الوخم يعْتَاد أهل دمشق فِي كل سنة. فَشكر النَّاس هَذِه الْأَفْعَال ودعوا لَهُ وَيُقَال أَنه بلغ المصروف فِي ذَلِك ثَلَاثمِائَة ألف دِرْهَم. وفيهَا اهتم تنكز أَيْضا بِفَتْح الْعين بالقدس فَإِن المَاء قل بِهِ حَتَّى بلغ شرب الْفرس المَاء مرّة وَاحِدَة نصف دِرْهَم فضَّة وَكتب إِلَى وُلَاة الْأَعْمَال بِإِخْرَاج الرِّجَال وَندب قطلوبك بن الجاشنكير بِالْمَالِ لنفقته عَلَيْهَا. وفيهَا ندب السُّلْطَان الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن هِلَال الدولة لعمارة حرم مَكَّة وَقد بلغه أَن سقوفه تشعثت وتهدم فِيهِ عدَّة جدر وجهز ابْن هِلَال الدولة بِكُل مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من المَال والمصاغ والآلات وَكتب السُّلْطَان للشريف عطيفة بمساعدته. وَحج الجزء: 3 ¦ الصفحة: 102 بِالنَّاسِ من مصر الْأَمِير جمال الدّين أقوش نَائِب الكرك. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان نجم الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن أبي الحزم مكي المَخْزُومِي ابْن ياسين الْقَمُولِيّ الشَّافِعِي محتسب مصر فِي ثامن رَجَب. وَمَات أَبُو يحيى زَكَرِيَّا بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن يحيى بن عبد الْوَاحِد بن أَحْمد بن مُحَمَّد اللحياني ملك تونس بالإسكندرية. وَمَات كَمَال الدّين مُحَمَّد بن عَلَاء الدّين عَليّ بن كَمَال الدّين عبد الْوَاحِد بن عبد الْكَرِيم بن خلف بن نَبهَان الزملكاني الشَّافِعِي بِمَدِينَة بلبيسي عِنْد قدومه من حلب فِي سادس شهر رَمَضَان وَدفن بالقرافة. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن الشهَاب مَحْمُود بن سُلَيْمَان بن فَهد الْحلَبِي كَاتب السِّرّ بِدِمَشْق فِي عَاشر شَوَّال. وَمَات نور الدّين عَليّ بن عمر بن أبي بكر بن عبد الله الخلاطي الواني الصُّوفِي نزيل الْقَاهِرَة فِي الْمحرم ومولده فِي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة سمع من يُونُس بن مَحْمُود الشاوي وَعبد الْوَهَّاب بن رواح وَعبد الرَّحْمَن بن مكي سبط السلَفِي وَخرج لَهُ الْحَافِظ أَبُو الْحُسَيْن بن أيبك جُزْءا حدث بِهِ فَسمع مِنْهُ قَدِيما البرزالي سنة خمس وَثَمَانِينَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 103 وسِتمِائَة وَسمع مِنْهُ شَيخنَا أَبُو الْفرج بن الشيخة وَأَبُو عَليّ الباصلي وَعبد الْوَهَّاب البصروي. وَمَات قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق صدر الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن صفي الدّين أبي الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن عُثْمَان البصراوي فِي شعْبَان بَعْدَمَا حكم بِدِمَشْق عشْرين سنة. وَمَات الْملك الْكَامِل نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن السعيد فتح الدّين عبد الْملك بن الصَّالح عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن الْعَادِل أبي بكر مُحَمَّد بن نجم الدّين أَيُّوب بن شاد بِدِمَشْق فِي حادي عشرى جُمَادَى الْآخِرَة عَن أَربع وَسبعين سنة. وَمَات الطواشي نَاصِر الدّين نصر الشَّمْس شيخ الخدام بِالْحرم النَّبَوِيّ وَكَانَ خيرا يحفظ الْقُرْآن وَيكثر تِلَاوَته بِصَوْت حسن. وَمَات الضياء المجدي بِمصْر وَكَانَ مطبوعاً صَاحب نَوَادِر. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين بلبان البدري نَائِب حمص فِي لَيْلَة عيد الْفطر. وَمَات الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أرغون النَّائِب بحلب فِي ثَالِث عشر شعْبَان. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين قطلوبغا المغربي الْحَاجِب بِالْقَاهِرَةِ فِي ثامن رَجَب. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين كوجري أَمِير شكار بِالْقَاهِرَةِ فِي تَاسِع عشرى ذِي الْحجَّة. وَهُوَ مَمْلُوك عز الدّين أيدمر نَائِب دمشق فِي الْأَيَّام الظَّاهِرِيَّة. وَمَات بكتوت بن الصَّائِغ فِي يَوْم السبت رَابِع عشرى جُمَادَى الأولى. وَمَات الْأَمِير شمس الدّين إِبْرَاهِيم ابْن الْأَمِير بدر الدّين مُحَمَّد بن عِيسَى بن التركماني فِي جُمَادَى الْآخِرَة بدار جوَار بَاب الْبَحْر خَارج الفاهرة. وَكَانَت لَهُ مَكَارِم وَفِيه مُرُوءَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 104 (سنة ثَمَان وَعشْرين وَسَبْعمائة) فِي ثَالِث الْمحرم: أنعم بِخبْز الْأَمِير كوجري أَمِير شكار على الْأَمِير بشتاك. وَفِي خَامِس عشريه: قدم الْأَمِير جمال الدّين آقوش نَائِب الكرك من الْحجاز بالحجاج. وَفِي سَابِع عشريه: قدمت رسل القان أبي سعيد فأكرموا وأعيدوا فِي رَابِع صفر. وَفِي الْمحرم: هَذَا وشى بالأمير شمس الدّين آقسنقر شاد العمائر أَن جَمِيع عمائره وأملاكه الَّتِي استجدها مِمَّا يَأْخُذهُ من الأسرى وأرباب الصَّنَائِع فرسم عَلَيْهِ مَالا ألزم بِهِ فاعتنى بِهِ الْأَمِير قوصون وشفع فِيهِ فأفرج عَنهُ وَأخرج إِلَى الشَّام. وَفِيه وَردت مُكَاتبَة الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام بالشكوى من الْأَمِير طينال نَائِب طرابلس وترفعه عَلَيْهِ فَكتب بالإنكار عَلَيْهِ وَألا يُكَاتب فِي الْمُهِمَّات وَغَيرهَا إِلَّا نَائِب الشَّام وَلَا يُجهز بعْدهَا مطالعة إِلَى مصر. وَفِي سَابِع ربيع الأول. قدم دمرداش بن جوبان بن تِلْكَ بن تداون. وَسبب ذَلِك أَن القان أَبَا سعيد بن خربندا لما ملك أقبل على اللَّهْو فتحكم الْأَمِير جوبان بن تِلْكَ على الأردو وَقَامَ بِأَمْر المملكة واستناب وَلَده دمشق خواجا بالأردو وَبعث ابْنه دمرداش إِلَى مملكة الرّوم. فانحصر أَبُو سعيد إِلَى أَن تحرّك بعض أَوْلَاد كبك بِجِهَة خُرَاسَان وَخرج عَن الطَّاعَة فَسَار جوبان لحربه فِي عَسْكَر كَبِير فَمَا هُوَ إِلَّا أَن بعد عَن الأردو قَلِيلا حَتَّى رَجَعَ الْعَدو عَن خُرَاسَان وَقصد جوبان الْعود. وَكَانَ قد قبض بوسعيد على دمشق خواجا وَقَتله بِظَاهِر مَدِينَة السُّلْطَانِيَّة فِي شَوَّال من السّنة الْمَاضِيَة وأتبع بِهِ إخْوَته وَنهب أتباعهم وَسَفك أَكثر دِمَائِهِمْ وَكتب إِلَى من خرج من الْعَسْكَر مَعَ جوبان بِمَا وَقع وَأمرهمْ بِقَبْضِهِ وَكتب إِلَى دمرداش أَن يحضر إِلَى الأردو وعرفه شوقه إِلَيْهِ ودس مَعَ الرَّسُول إِلَيْهِ عدَّة ملطفات إِلَى أُمَرَاء الرّوم بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ أَو قَتله وعرفهم مَا وَقع. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 105 وَكَانَ دمرداش قد ملك بِلَاد الرّوم جَمِيعهَا وجبال ابْن قرمان وَأقَام على كل دربند جمَاعَة تحفظه فَلَا يمر أحد إِلَّا وَيعلم بِهِ خوفًا على نَفسه من السُّلْطَان الْملك النَّاصِر أَن يبْعَث إِلَيْهِ فداويا يقْتله بِسَبَب مَا حصل بَينهمَا من المواحشة الَّتِي اقْتَضَت انحصار السُّلْطَان مِنْهُ وَأَنه منع التُّجَّار وَغَيرهم من حمل المماليك إِلَى مصر وَإِذا سمع بِأحد من جِهَة صَاحب مصر أخرق بِهِ. فشرع السُّلْطَان يخادعه على عَادَته ويهاديه ويترضاه وَهُوَ لَا يلْتَفت إِلَيْهِ فَكتب إِلَى أَبِيه جوبان فِي أمره حَتَّى بعث يُنكر عَلَيْهِ فَأمْسك عَمَّا كَانَ فِيهِ قَلِيلا وَلبس تشريف السُّلْطَان وَقبل هديته وَبعث عوضهَا وَهُوَ مَعَ هَذَا شَدِيد التَّحَرُّز. فَلَمَّا قدمت رسل أبي سعيد بِطَلَبِهِ فتشهم الموكلون بالدربندات فوجدوا الملطفات فحملوهم وَمَا مَعَهم إِلَى دمرداش. فَلَمَّا وقف دمرداش عَلَيْهِمَا لم يزل يُعَاقب الرُّسُل إِلَى أَن اعْتَرَفُوا بِأَن أَبَا سعيد قتل دمشق خواجا وإخواته وَمن يلوذ بهم وَنهب أَمْوَالهم وَبعث بقتل جوبان. فَقتل دمرداش الرُّسُل وَبعث إِلَى الْأُمَرَاء أَصْحَاب الملطفات فَقَتلهُمْ أَيْضا وَكتب إِلَى السُّلْطَان الْملك النَّاصِر يرغب فِي طَاعَته ويستأذنه فِي الْقدوم عَلَيْهِ بعساكر الرّوم ليَكُون نَائِبا عَنهُ بهَا. فسر السُّلْطَان بذلك. وَكَانَ قد ورد على السُّلْطَان كتاب الْمجد السلَامِي من الشرق بقتل دمشق خواجا واخوته وَكتاب أبي سعيد بقتل جوبان وَطلب ابْنه دمرداش وَأَنه مَا عَاق أَبَا سعيد عَن الْحَرَكَة إِلَّا كَثْرَة الثَّلج وَقُوَّة الشتَاء. فَكتب السُّلْطَان النَّاصِر جَوَاب دمرداش يعده بمواعيد كَثِيرَة ويرعبه فِي الْحُضُور. فتحير دمرداش بَين أَن يُقيم فيأتيه أَبُو سعيد أَو يتَوَجَّه إِلَى مصر فَلَا يدْرِي مَا يتَّفق لَهُ. ثمَّ قوي عِنْده الْمسير إِلَى مصر وَأعلم أمراءه أَن عَسْكَر مصر سَار ليَأْخُذ بِلَاد الرّوم وَأَنه قد كتب إِلَيْهِ الْملك النَّاصِر يَأْمُرهُ أَن يكون نَائِبه فَمشى عَلَيْهِم ذَلِك وسرهم. وَأخذ دمرداش يُجهز أمره وحصن أَوْلَاده وَأَهله فِي قلعة منيعة وَبعث مَعَهم أَمْوَاله ثمَّ ركب بعساكره حَتَّى قَارب بهسنا فَجمع من مَعَه وأعلمهم أَنه يُرِيد مصر وَخَيرهمْ بَين الْعود إِلَى بِلَادهمْ وَبَين الْمسير مَعَه فعادوا إِلَّا من يخْتَص بِهِ. وَسَار دمرداش إِلَى بهسنا فِي نَحْو ثَلَاثمِائَة فَارس فَتَلقاهُ نائبها ومازال حَتَّى قدم دمشق يَوْم الْأَحَد خَامِس عشرى صفر فَركب الْأَمِير تنكز إِلَى لِقَائِه وأنزله بالميدان وَقَامَ لَهُ بِمَا يجب وجهزه إِلَى مصر بعد مَا قدم بَين يَدَيْهِ الْبَرِيد بِخَبَرِهِ. فَبعث إِلَيْهِ السُّلْطَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 106 بالأمير سيف الدّين طرغاي الجاشنكير وَمَعَهُ المهمندار بِجَمِيعِ الْآلَات الملوكية من الْخيام والدهليز والبيوتات كلهَا إِلَى غَزَّة فَلَقوهُ بهَا وَأقَام فِيهَا يَوْمَيْنِ وسافر إِلَى الْقَاهِرَة فَركب الْأُمَرَاء إِلَى لِقَائِه وَخرج السُّلْطَان إِلَى بر الجيزة ورسم أَن يعدي النّيل إِلَيْهِ. فَلَمَّا قدم دمرداش إِلَى الْقَاهِرَة فِي سَابِع ربيع الأول أَتَاهُ الْأَمِير طايربغا وأحضره إِلَى السُّلْطَان بالجيزة فَقبل الأَرْض ثَلَاث مَرَّات. فترحب السُّلْطَان بِهِ وَأَجْلسهُ بِالْقربِ مِنْهُ وباسطه وَطيب خاطره وَسَأَلَهُ عَن أَحْوَاله وَألبسهُ تَشْرِيفًا عَظِيما وَركب مَعَه للصَّيْد وعدى بِهِ النّيل إِلَى القلعة وَأَسْكَنَهُ بهَا فِي بَيت الجاولي ورتب لَهُ جَمِيع مَا يحْتَاج إِلَيْهِ ورسم للأمير طوغان أَن يدْخل صُحْبَة طَعَامه بكرَة وعشيا. وَفِي عاشره: قدم دمرداش مائَة إكديش وَثَمَانِينَ بختيا وَخَمْسَة مماليك وَخمْس بقج فِيهَا الثِّيَاب الفاخرة مِنْهَا بقجة بهَا قبَاء أطلس مرصع بعدة جَوَاهِر ثمينة فَلم يقبل السُّلْطَان غير القباء وإكديشاً وَاحِدًا وقطار بخات ورد البقيه إِلَيْهِ ليتقوى بهَا. وَتقدم السُّلْطَان إِلَى الْوَزير أَن يرتب لدمرداش مَا يَلِيق بِهِ وَطلب إِلَى الْحَاجِب أَن يجلسه فِي الميمنة تَحت الْأَمِير سيف الدّين آل ملك الجوكندار. فشق عَلَيْهِ ذَلِك إِلَى أَن بعث السُّلْطَان إِلَيْهِ الْأَمِير بدر الدّين جنكلي يعْتَذر إِلَيْهِ أَنه مَا جهل قدره وَلَكِن الشَّهِيد وَالِد السُّلْطَان لَهُ مماليك كبار قد ربوا السُّلْطَان فَهُوَ يُرِيد تَعْظِيم قدرهم فَلهَذَا أجلسك بجانبهم فطاب خاطره. وَاجْتمعَ دمرداش بالسلطان وفاوضه فِي أَمر بِلَاد الرّوم وَأَن يُجهز إِلَيْهَا عسكراً. فَأَشَارَ السُّلْطَان بالمهلة حَتَّى يرد الْبَرِيد بِخَبَر أَبِيه جوبان مَعَ أبي سعيد وَكتب إِلَى ابْن قرمان أَن ينزل على القلعة الَّتِي فِيهَا أَوْلَاد دمرداش وحواصله ويرسلهم مكرمين إِلَى مصر. فَاسْتَأْذن دمرداش فِي عود من قدم مَعَه إِلَى بِلَادهمْ فَأذن لَهُ فِي ذَلِك فَسَار كثير مِنْهُم. وَهِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ حادي عشره: ركب دمرداش بالقماش الإسلامي على هَيْئَة الْأُمَرَاء. وَفِي تَاسِع عشره: قدم الْأَمِير شاهنشاه ابْن عَم جوبان فَخلع عَلَيْهِ وَأنزل عِنْد دمرداش. وَفِي ثامن عشريه: وصل طلب دمرداش وَثقله فأنزلوا بدار الضِّيَافَة وهم نَحْو سِتّمائَة فَارس. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 107 وَفِي يَوْم الْأَحَد أول ربيع الآخر: عرض السُّلْطَان أَصْحَاب دمرداش وَفرق أَكْثَرهم على الْأُمَرَاء وَاخْتَارَ نَحْو التسعين مِنْهُم الْعود إِلَى بِلَادهمْ فعادوا. وَفِيه قدمت رسل أبي سعيد بكتابه وَفِيه بعد السَّلَام والاستيحاش وَذكر الود إِعْلَام السُّلْطَان بِأَمْر جوبان وتحكمه وَقلة امتثاله الْأَمر وَأَنه قصد قَتله والتحكم بمفرده فَلَمَّا تحقق ذَلِك لَدَيْهِ بَعثه إِلَى خُرَاسَان وسير بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ وَهُوَ يَأْخُذ رَأْي السُّلْطَان فِي ذَلِك وَقد سير أَبُو سعيد مَعَ رسله هَدِيَّة فَقبلت. وسألهم السُّلْطَان عَن دمرداش فَذكرُوا أَنهم لم يعرفوا خَبره حَتَّى قدمُوا دمشق فبعثهم إِلَيْهِ فَلم يعبأ بهم. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء عاشره: توجه السُّلْطَان إِلَى الْوَجْه البحري وَمَعَهُ دمرداش وَحسن لَهُ الْفَخر نَاظر الْجَيْش والأمير بكتمر الساقي زِيَارَة الشَّيْخ مُحَمَّد المرشد فتوقف فِي زيارته ثمَّ عزم عَلَيْهَا. فرسم للأمير علم الدّين سنجر الخازن كاشف الغربية بِطَلَب جَمِيع العربان وتقديمهم الْخَيل والهجن وَأَن يُجهز الإقامات. واستناب السُّلْطَان فِي غيبته الْأَمِير قجليس. وَعَاد السُّلْطَان فِي سادس عشريه بعد مَا قدم الْأَمِير تنكز فِي رَابِع عشريه. وَفِي تَاسِع شَوَّال: خلع على الطواشي نَاصِر الدّين نصر الساقي. وَاسْتقر مقدم المماليك عوضا عَن الطواشي صَوَاب الركني. وَفِيه بعث السُّلْطَان الْأَمِير سيف الدّين أروج مَمْلُوك قبجق إِلَى أبي سعيد يشفع فِي دمرداش وَمَعَهُ الرُّسُل بهدية جليلة فَسَارُوا فِي تَاسِع جُمَادَى الأولى. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سادس عشر جُمَادَى الْآخِرَة: سَار برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن عبد الْحق الْحَنَفِيّ على الْبَرِيد إِلَى الْقَاهِرَة وَقد طلب فَقدم يَوْم السبت خَامِس عشريه وَاسْتقر فِي قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بديار مصر عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد بن عُثْمَان. مُحَمَّد بن عُثْمَان الحريري بعد وَفَاته. وَفِي يَوْم السبت عَاشر رَجَب: عَاد أطوجي من بِلَاد أزبك ملك القبجاق بتقادم جليلة فَأنْزل بالميدان وأنعم عَلَيْهِ وعَلى جماعته بِشَيْء كثير. وَفِي حادي عشره: حضر أطوجي إِلَى بَين يَدي السُّلْطَان فَخلع عَلَيْهِ وَسَار فِي عشريه. وَفِي خَامِس عشريه: عقد نِكَاح ابْنة السُّلْطَان على الْأَمِير سيف الدّين طغاي تمر الْعمريّ النَّاصِر وأعفي الْأُمَرَاء من حمل الشموع وَغَيرهَا وأنعم عَلَيْهِ من الخزانة بأَرْبعَة أُلَّاف دِينَار عوضا عَن ذَلِك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 108 وَفِيه عَاد جَوَاب ابْن قرمان بِأَنَّهُ ركب إِلَى القلعة الَّتِي فِيهَا أهل دمرداش وعرفهم أَنه حفر. بمرسوم السُّلْطَان وَبعث إِلَيْهِم بِكِتَاب دمرداش أَنهم يقدمُونَ عَلَيْهِ بِمصْر فَردُّوا جَوَابه: لَا حَاجَة لنا فِي مصر. وَذكر ابْن قرمان أَن هَذَا بمباطنة دمرداش لَهُم وَحط عَلَيْهِ بِأَنَّهُ سفك دِمَاء كَثْرَة وَقتل من الْمُسلمين عَالما عَظِيما وَأَنه جسور وَمَا قصد بِدُخُولِهِ مصر إِلَّا طَمَعا فِي ملكهَا. وَبعث ابْن قرمان الْكتاب صُحْبَة نجم الدّين إِسْحَاق الرُّومِي أنطالية وَهِي القلعة الَّتِي أَخذهَا مِنْهُ دمرداش وَقتل وَالِده وَأَنه قدم ليطالبه بِدَم أَبِيه. فَلَمَّا وقف السُّلْطَان على الْكتاب تغير وَطلب دمرداش وأعلمه بِمَا يه. وَجمع السُّلْطَان بَينه وَبَين إِسْحَاق فتحاققا بِحَضْرَة الْأُمَرَاء فَظهر أَن كلا مِنْهُمَا قتل لصَاحبه قَتِيلا فَكتب جَوَاب ابْن قرمان مَعَه وأعيد. وَقد تبين للسُّلْطَان خبث نِيَّة دمرداش فَقَبضهُ وَأمْسك من مَعَه من الْأَعْيَان وهم مَحْمُود شاهنشاه وعدة أخر فِي يَوْم الْخَمِيس الْعشْرين من شعْبَان واعتقل دمرداش ببرج السبَاع من القلعة وَفرق الْبَقِيَّة فِي الأبراج وَفرقت مماليكه على الْأُمَرَاء ورتب لَهُ مَا يَكْفِيهِ. وَكَانَ للقبض على دمرداش أَسبَاب: مِنْهَا أَنه كَانَ لَهُ بالروم مائَة ألف رَأس من الْغنم فَلَمَّا وصلت قطيا أطلق مِنْهَا للأمير بكتمر الساقي عشْرين ألفا ولقوصون وَبَقِيَّة الْأُمَرَاء كل وَاحِد شَيْئا حَتَّى فرق الْجَمِيع فَلم يعجب السُّلْطَان ذَلِك. وَدخل دمرداش يَوْمًا الْحمام فَأعْطِي الحمامي ألف دِرْهَم والحارس ثَلَاثمِائَة فَزَاد حنق السُّلْطَان مِنْهُ. ثمَّ أَخذ دمرداش يُوقع فِي الْأُمَرَاء والخاصكية وَيَقُول: هَذَا كَانَ كَذَا وَهَذَا كَانَ كَذَا وَهَذَا ألماس الْحَاجِب كَانَ حمالاً فَمَا حمل السُّلْطَان هَذَا مِنْهُ. وَفِي شَوَّال: حسن جمَاعَة للسُّلْطَان توفير كثير من الجوامك فَعمل فِيهِ استيمار وَفرق فِيهِ مَا قطع من جوامك المباشرين والغلمات وَهِي جملَة ووفر مِنْهُم عدَّة ثمَّ قرئَ عَلَيْهِ. وأحضر الصاحب أَمِين الدّين عبد الله بن الغنام وخلع عَلَيْهِ وعَلى مجد الدّين إِبْرَاهِيم بن لفيتة بِغَيْر طرحات واستقرا فِي نظر النظار والصحبة فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ نصف شَوَّال. وَفِيه نقل شمس الدّين إِبْرَاهِيم بن قروينة إِلَى نظر الْبيُوت وخلع عَلَيْهِ مَعَهُمَا. وَفِي تَاسِع عشريه: عقد نِكَاح الخاتون طلباي الْوَاصِلَة من بِلَاد أزبك على الْأَمِير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 109 سيف الدّين منكلي بغا السِّلَاح دَار بَعْدَمَا طَلقهَا السُّلْطَان وَانْقَضَت عدتهَا وَبنى عَلَيْهَا الْأَمِير سيف الدّين فِي ثامن ذِي الْقعدَة. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثاسع عشريه: عزل الصاحب أَمِين الدّين بن الغنام عَن نظر الدولة. وَكَانَ قد كتب قصَّة يطْلب الإعفاء من الْمُبَاشرَة فَلم يجب إِلَى ذَلِك فَكتب قصَّة ثَانِيَة فَأُجِيب فَكَانَت مُدَّة مُبَاشَرَته أَرْبَعَة وَأَرْبَعين يَوْمًا تحريراً. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثامن ذِي الْحجَّة: أفرج عَن الْأَمِير حسام الدّين لاجين الْعمريّ الملقب زيرباج الجاشنكير أحد المماليك المنصورية الْمَشْهُورين بالشجاعة وَالْقُوَّة بَعْدَمَا أَقَامَ فِي الاعتقال من يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَالِث ربيع الآخر سنة ثنتى عشرَة مُدَّة سِتّ عشرَة سنة وَثَمَانِية أشهر وَخَمْسَة أَيَّام وَهُوَ يغزل الصُّوف المرعز ويعمله كوافي بديعة الزي وَلِلنَّاسِ فِيهَا رَغْبَة وَيتَصَدَّق بِثمنِهَا. وَفِيه أفرج عَن الْأَمِير علم الدّين سنجر الجاولي وَكَانَت مُدَّة اعتقاله ثَمَانِي سِنِين وَثَلَاثَة أشهر وَأحد عشر يَوْمًا وَكَانَ فِيهَا ينْسَخ الْقُرْآن وَكتب الحَدِيث وَنَحْوه. وَأَفْرج عَن أَمِير فرج بن قراسنقر فِي يَوْم عَرَفَة ثمَّ أُعِيد إِلَى سجنه فِي يَوْمه. وَفِيه سَافر الْأَمِير سيف الدّين أيتمش إِلَى بوسعيد برسالة تَتَضَمَّن مَا قَامَ بِهِ السُّلْطَان مَعَ دمرداش بن جوبان وَكَانَ قد وصل إِلَى الْأَبْوَاب السُّلْطَانِيَّة فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء حادي عشر شهر رَمَضَان رسل من عِنْد أبي سعيد وهم ثَلَاثَة نفر والمشار إِلَيْهِ مِنْهُم أياجي أَمِير جندار الْملك أبي سعيد. فَلَمَّا مثلُوا بَين يَدي السُّلْطَان وَكلهمْ الإنعام بالتشاريف على عَادَة أمثالهم أرسلهم السُّلْطَان إِلَى دمرداش فِي معتقله صُحْبَة الْأَمِير سيف الدّين قجليس أَمِير سلَاح فَاجْتمعُوا بِهِ وتحدثوا مَعَه. وَقيل كَانَ مَضْمُون رسالتهم طلب دمرداش من السُّلْطَان وَأَنه إِذا سلم إِلَيْهِم أرسل الْملك أَبُو سعيد فِي مُقَابلَة ذَلِك الْأَمِير شمس الدّين سنقر المنصوري. فَمَال السُّلْطَان إِلَى ذَلِك ورسم للأمير أيتمش المحمدي أَن يتَوَجَّه إِلَى الْملك أبي سعيد برسالة السُّلْطَان لتقرير الْحَال فِي ذَلِك وَتوجه طلب دمرداش فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس عشر شهر رَمَضَان ثمَّ عدل السُّلْطَان عَن هَذَا الْأَمر وترحح عِنْده أَنه لَا يُرْسِلهُ إِلَى الْملك أبي سعيد. فَلَمَّا كَانَ فِي لَيْلَة الْخَمِيس رَابِع شَوَّال: من هَذِه السّنة أخرج دمرداش من معتقله بالبرج وَفتح بَاب السِّرّ من جِهَة القرافة وَأخرج مِنْهُ وَهُوَ مُقَيّد مغلول وَشَاهده رسل الْملك أبي سعيد وَهُوَ على هَذِه الْحَال. ثمَّ خنق دمرداش وَشَاهده الرُّسُل بعد مَوته وَقطع رَأسه وسلخ وصبر وَحشِي وَأرْسل السُّلْطَان الرَّأْس إِلَى أبي سعيد وَدفن الْجَسَد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110 بمَكَان قَتله. وَحضر الرُّسُل إِلَى الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة فِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع شَوَّال وركبوا مَعَ السُّلْطَان إِلَى الميدان فِي يَوْم السبت سادسه ثمَّ حَضَرُوا إِلَى الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامنه وَكلهمْ الْخلْع والإنعام وأعيدوا إِلَى مرسلهم فِي هَذَا الْيَوْم وَتوجه مَعَهم الْأَمِير سيف الدّين أيتمش المحمدي برسالة السُّلْطَان إِلَى الْملك أبي سعيد كَمَا تقدم وفيهَا وَقع فِي زروع أَرض مصر أفة من الدودة عِنْد أَوَان الزَّرْع عقيب حر شَدِيد حَتَّى عَم ذَلِك أَكثر الزَّرْع فَكتب إِلَى الْوُلَاة بِكِتَابَة مَا تلف فَوجدَ قد تلف فِي بعض الْبِلَاد نصف الزَّرْع وَمَا دونه فِي غَيرهَا. وتحسن السّعر فَبلغ الْقَمْح إِلَى عشْرين الأردب بعد ثَلَاثَة عشر. وفيهَا هبت ريح سَوْدَاء بَعْدَمَا أرعدت السَّمَاء وأبرقت حَتَّى كَانَ الْإِنْسَان لَا يبصر رَفِيقه وَحَتَّى ردَّتْ وُجُوه الْحِيَل إِلَى وَرَائِهَا وَلم يسْتَطع أحد أَن يثبت فَوق فرسه وَلَا أَن يقف على رجلَيْهِ فَوق الأَرْض بل تلقيه الرّيح وَكَانَ ذَلِك بِبِلَاد فوة بَحر الغرب وَسَائِر الْوَجْه البحري. وغرق بهَا من المراكب شَيْء كثير وتقصفت عدَّة من النّخل واقتلعت شَجَرَة جميزه كبيره من أَصْلهَا بِنَاحِيَة فوه وَمَرَّتْ بهَا قدر مِائَتي قَصَبَة فَلَمَّا قطعت حمل خشبها تِسْعَة أحمال جمال. وَمر من ذَلِك فِي البرين الغربي والشرقي عجائب وهدمت عدَّة دور ثمَّ أمْطرت بعد أَيَّام مَطَرا عَظِيما سَالَ مِنْهُ إِلَى مَدِينَة بلبيس حَتَّى خرب كثير مِنْهَا وَجرى السَّيْل إِلَى المطرية وأمطرت بِالْقَاهِرَةِ ومصر ثَلَاثَة أَيَّام مَطَرا لم يعْهَد مثله تلف مِنْهُ عَامَّة السقوف. وفيهَا اشْتَدَّ بَأْس الْأَمِير قدادار وَالِي الْقَاهِرَة وتسلط على الْعَامَّة بِكَثْرَة سفلك الدِّمَاء. وَكَانَ قد رسم لجَمِيع الْوُلَاة أَلا يقتلُوا أحدا وَلَا يقطعوا يَده إِلَّا بعد مُشَاورَة السُّلْطَان خلا قدادار فَإِنَّهُ لَا يشاور على مُفسد وَلَا غَيره. فَانْطَلَقت يَده فِي سَائِر النَّاس وَأقَام عَنهُ نَائِبا من بطالي الحسينية ضمن المسطبة مِنْهُ فِي كل يَوْم بثلاثمائة دِرْهَم وَأَتَتْ الطَّائِفَة الْمَعْرُوفَة بالمستصنعين فِي الْمَدِينَة وَعمِلُوا أعمالاً شنيعة وَكَتَبُوا لأرباب الْأَمْوَال أوراقاً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 111 بالتهديد فَاشْتَدَّ خوف أهل الرتب مِنْهُ. ونادى قدادار أَلا يفتح بعد عشَاء الْآخِرَة أحد دكاناً فِي مُدَّة غيبَة السُّلْطَان فِي الْوَجْه البحري وَلَا يمشي أحد بِاللَّيْلِ فِي الْأَسْوَاق وَلَا يخرج أحد من بَيته بعد عشَاء الْآخِرَة فَكَانَ من يُوجد يُؤْخَذ فَإِن وجدت مِنْهُ رَائِحَة الْخمر لَقِي شدَّة. فانكف النَّاس عَن الْخُرُوج لَيْلًا وَصَارَت الشوارع موحشة. وَأقَام قدادار على كل حارة درباً ألزم أَهلهَا بِعَمَلِهِ ورتب الخفراء تَدور فِي اللَّيْل بطبول فِي جَمِيع الحارات والخطط فظفر أحدهم بِرَجُل قد سرق من بَيت وَلبس ثِيَاب النِّسَاء فسمره قدادار بِبَاب زويلة. وفيهَا قدم الْبَرِيد من صفد وَمَعَهُ مبلغ أَرْبَعِينَ ألف دِرْهَم حملا للموقعين فَأخذ قَرِيبا من بلبيس. فألزم السُّلْطَان واليها علم الدّين قصير - مَمْلُوك العلائي - بهَا بَعْدَمَا رسم بشنقه ثمَّ عَفا عَنهُ وعزله. وفيهَا ولي ظلظيه الشرقية نَقله السُّلْطَان إِلَيْهَا من البهنسا وَولي عوضه شُجَاع الدّين قنغلي. وفيهَا ولي عز الدّين أيدمر السلَامِي المنوفية فتفنن فِي إِتْلَاف الْأَنْفس وأوقف رجلا بَين خشبتين ونشره من رَأسه وصلق أخر فِي دست وسلخ أخر وَهُوَ حَيّ. وفيهَا عزم السُّلْطَان على أَن يجْرِي النّيل تَحت القلعة ويشق لَهُ من نَاحيَة حلوان فَبعث الصناع صُحْبَة شاد العمائر إِلَى حلوان وقاسوا مِنْهَا إِلَى الْجَبَل الْأَحْمَر المطل على الْقَاهِرَة وقدروا الْعَمَل فِي بِنَاء الواطي حَتَّى يرْتَفع وحفر العالي ليجري المَاء وَينْتَفع بِهِ فِي دَاخل قلعة الْجَبَل من غير معاناة وَلَا كلفة. ثمَّ عَادوا وَعرفُوا السُّلْطَان ذَلِك فَركب لكشفه وقاسوا الأَرْض بَين يَدَيْهِ. فَكَانَ قِيَاس مَا يحْفر اثْنَيْنِ وَأَرْبَعين ألف قَصَبَة حاكمية ليبقى خليجاً فِيهِ مَاء النّيل شتاءً صيفاً بسفح الْجَبَل. وَعَاد السُّلْطَان وَقد أعجب بمشروعه وشاور الْأُمَرَاء فِيهِ فَلم يُعَارضهُ مِنْهُم أحد إِلَّا الْفَخر نَاظر الْجَيْش فَإِنَّهُ قَالَ: بِمن يحْفر السُّلْطَان هَذَا الخليج فَقَالَ السُّلْطَان: بالعسكر فَقَالَ الْفَخر: وَالله لَو اجْتمع عَسْكَر أخر فَوق عَسْكَر السُّلْطَان وَأقَام سِنِين مَا قدرُوا على حفر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 112 هَذَا الْعَمَل. وَمَعَ ذَلِك فَإِنَّهُ يحْتَاج إِلَى ثَلَاث خَزَائِن من المَال. ثمَّ هَل يَصح أَو لَا فالسلطان لَا يسمع كَلَام كل أحد ويتعب النَّاس ويستجلب دعاءهم. وَنَحْو هَذَا من القَوْل حَتَّى رَجَعَ السُّلْطَان عَن عمله. وفيهَا كملت الْعين الَّتِي أجراها الْأَمِير تنكز بالقدس بعد مَا أَقَامَ الصناع فِيهَا مُدَّة سنة وَبنى لَهَا مصنعاً سعته نَحْو مِائَتي ذِرَاع وَركب فِي الْجَبَل مجاري نقب لَهَا فِي الْحجر حَتَّى دخل المَاء إِلَى الفدس فَكَانَ لَهَا يَوْم شُهُود. وَأَنْشَأَ تنكز بالقدس أَيْضا خانكاه وحمام وفيسارية فعمرت الْقُدس. وفيهَا أفرج عَن تَقِيّ الدّين أَحْمد بن تَيْمِية بشفاعة الْأَمِير جنكلي بن البابا وَغَيره من الْأُمَرَاء. وفيهَا أجري ابْن هِلَال الدولة عينا بِمَكَّة تعرف بِعَين ثقبة فَصَارَ بِمَكَّة عين جوبان وَعين ثفبة وانحلت الأسعار بهَا حَتَّى نزل الْقَمْح من سِتِّينَ درهما الغرارة إِلَى أَرْبَعِينَ وَزرع بهَا الْبِطِّيخ والذرة والخضروات وَغَيرهَا وامتلأت البرك وكملت عمَارَة الْحرم. وجدد ابْن هِلَال الدولة. بِمَكَّة عدَّة ميض باسم السُّلْطَان وَأجْرِي لَهَا مَا يقوم بكلفتها. وفيهَا ورد الْخَبَر بقتل حوبان نَائِب أبي سعيد. وَذَلِكَ أَن الْعَسْكَر المجهز مَعَه لما وصل إِلَيْهِم خبر قتل أَوْلَاده بِأَمْر أبي سعيد ووصلت إِلَيْهِم كتب أبي سعيد بقتْله أَيْضا ركبُوا عَلَيْهِ ففر وَمَعَهُ ابْنه جلوخان وَطَائِفَة من خواصه إِلَى قلعة هراة وَامْتنع بهَا فَدس إِلَيْهِ أَبُو سعيد من قَتله وَابْنه وحملا إِلَى أبي سعيد فَكَانَ لدخولها الأردوا يَوْمًا عَظِيما. وفيهَا حج بالركب الْمصْرِيّ شهَاب الدّين أَحْمد بن المهمندار. وَحج فِي هَذِه السّنة أَيْضا الْأَمِير سيف الدّين طقزدمر الناصري وست حدق وَعلمت مَعْرُوفا كَبِيرا. وفيهَا قدم ابْن هِلَال من مَكَّة فَخلع عَلَيْهِ وأعيد إِلَى شدّ الْخَاص. وفيهَا طلب صَلَاح الدّين يُوسُف دوادار فبجق من طرابلس وَولي شدّ الدَّوَاوِين. وفيهَا تنكر السُّلْطَان على الْأَمِير عَلَاء الدّين مغلطاي الجمالي الْوَزير. وَسَببه عمل الْفَخر نَاظر الْجَيْش عَلَيْهِ بموافقة التَّاج إِسْحَاق وَقد كتبت فِيهِ مرافعة غضب السُّلْطَان بِسَبَبِهَا عَلَيْهِ وَقصد الْإِيقَاع بِهِ. فاعتنى الْأَمِير بكتمر الساقي، وَاعْتذر عَنهُ بِأَنَّهُ رجل غنتمى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 113 وَفِي يَوْم عَرَفَة وَهُوَ يَوْم الْجُمُعَة: أفرج عَن الْأَمِير علم الدّين سنجر الجاولي وَمُدَّة سجنه ثَمَانِي سِنِين وَثَلَاثَة أشهر وَتِسْعَة أَيَّام. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عبد الْحَلِيم بن عبد السَّلَام بن عبد الله ابْن أبي الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن تَيْمِية الْحَرَّانِي بِدِمَشْق لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ الْعشْرين من ذِي الْقعدَة فِي سجنه بالقلعة. ومولده يَوْم الْإِثْنَيْنِ عَاشر ربيع الأول سنة احدى وَسِتِّينَ وسِتمِائَة. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين جوبان الْمَنْصُور أحد أُمَرَاء دمشق الأكابر بهَا فِي الْعشْرين من صفر. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين بكتمر البوبكري بسجنه من قلعة الْجَبَل يَوْم الْخَمِيس نصف شعْبَان. وَمَات الْأَمِير جوبان بن تِلْكَ بن تداون نَائِب القان أبي سعيد بن خربندا مقتولاً بهراة وَحمل إِلَى بَغْدَاد فَقَدمهَا فِي سَابِع عشرى شَوَّال وَصلي عَلَيْهِ وَحمل إِلَى مَكَّة مَعَ ركب الْحَاج الْعرَاق وطيف بِهِ الْكَعْبَة ومضي بِهِ إِلَى الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة فَدفن بِالبَقِيعِ. وَمَات الشريف كبيشة بن مَنْصُور بن جماز بن شيحة أَمِير الْمَدِينَة فِي أول شعْبَان قَتِيلا. وَكَانَت ولَايَته بعد قتل أَبِيه مَنْصُور فِي رَابِع عشر رَمَضَان سنة خمس وَعشْرين وَسَبْعمائة قَتله أَوْلَاد ودي وَكَانَ ودي قد حبس بقلعة وَمَات الْأَمِير جمال الدّين خضر بن نوكاي أَخُو خوند أردوكين فِي لَيْلَة الرَّابِع عشر من رَمَضَان. وَمَات الْأَمِير شمس الدّين قراسنقر المنصوري بالمراغة من آذربيجان يَوْم السبت سَابِع عشرى شَوَّال وَورد الْخَبَر بِمَوْتِهِ فِي حادي عشرى ذِي الْقعدَة فأنعم على وَلَده أَمِير عَليّ بن قراسنقر بإمرة طلبلخاناه على عَادَته بِدِمَشْق وعَلى أَخِيه أَمِير فرج بن قراسنقر بأمرة عشرَة ورسم بسفرهما من الْقَاهِرَة إِلَيْهَا. وَتُوفِّي دمرداش بن جوبان بن تِلْكَ بن تدوان لَيْلَة الْخَمِيس رَابِع شَوَّال وَحمل رَأسه إِلَى بوسعيد بن خربندا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 114 وَمَات بِبَغْدَاد مفتي الْعرَاق كَمَال الدّين عبدا لله بن مُحَمَّد بن عَليّ حَمَّاد بن ثَابت الوَاسِطِيّ العاقولي مدرس المستنصرية فِي ذِي الْقعدَة. ومولده فِي سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 115 فارغة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 116 (سنة تسع وَعشْرين وَسَبْعمائة) أهلت وَالسُّلْطَان بسرياقوس. وَفِي يَوْم السبت ثَانِي الْمحرم: قدم الْفَخر نَاظر الْجَيْش من الْحجاز. وَفِيه قدم بدر الدّين بن عَلَاء الدّين بن الْأَثِير كَاتب السِّرّ وَقد اشْتَدَّ بِأَبِيهِ مرض الفالج وَانْقطع عَن الْخدمَة فَخلع عَلَيْهِ وَجلسَ فِي رُتْبَة أَبِيه وباشر وَفِي ظَنّه أَنه يسْتَقرّ عوضه. فَخرج الْبَرِيد بِطَلَب محيي الدّين بن فضل الله كَاتب سر دمشق فَقدم وَمَعَهُ وَلَده شهَاب الدّين أَحْمد وَشرف الدّين أَبُو بكر بن الشهَاب مَحْمُود وخلع على محيي الدّين خلعة كِتَابَة السِّرّ بديار مصر عوضا عَن ابْن الْأَثِير وعَلى شرف الدّين بِكِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق عوضا عَن محيي الدّين فِي يَوْم الْأَحَد سَابِع عشره. وَفِي ثَالِث عشره: اسْتَقر بيبرس الجمدار فِي ولَايَة إسكندربة عوضا عَن الرُّكْن الكركي. وَفِي يَوْم الْأَحَد رَابِع عشريه: قدم الْأَمِير أيتمش المحمدي من بِلَاد الْعرَاق بِجَوَاب القان أبي سعيد. وَفِيه أنعم على الْأَمِير علم الدّين سنجر الجاولي بإمرة أَمِير عَليّ بن قراسنقر الْمُنْتَقل إِلَى دمشق وَفِيه أنعم على لاحين الخاصكي بإمرة طبلخاناه عوضا عَن مُحَمَّد بيه بن جمق بِحكم عوده إِلَى بِلَاد التتار. وَفِي يَوْم السبت سَابِع صفر: قدمت رسل أبي سعيد وجهزوا إِلَى المنوفية للقاء السُّلْطَان فأدوا رسالتهم وعادوا إِلَى قلعة الْجَبَل. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشره: قدم السللطان من الصَّيْد سالما. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ أول شهر ربيع الأول: أُعِيد شمس الدّين بن قزوينة إِلَى نظر الدَّوَاوِين على عَادَته وأضيف مَا كَانَ بِيَدِهِ من نظر الْبيُوت إِلَى مجد الدّين إِبْرَاهِيم بن لفيتة مَعَ مَا بِيَدِهِ من نظر الدَّوَاوِين وخلع عَلَيْهِمَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 117 وَفِيه رسم بِخُرُوج عَليّ وَفرج وَلَدي قراسنقر فسارا إِلَى دمشق وقدماها فِي ثَالِث ربيع الآخر. وَفِي خَامِس ربيع الآخر: اسْتَقر صَلَاح الدّين يُوسُف بن دَاوُد بن قبجق شاد الدَّوَاوِين ثمَّ عزل فِي سادس عشر شعْبَان وَاسْتقر فِي ولَايَة الجيزة عوضا عَن بلبان الحسني. وَنقل بلبان إِلَى ولَايَة دمياط عوضا عَن الكركي. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سَابِع عشر جُمَادَى الأولى: رسم بردم الْجب الَّذِي بقلعة الْجَبَل لما بلغ السُّلْطَان أَنه شنيع المنظر شَدِيد الظلمَة كثير الوطاويط كره الرَّائِحَة وَأَنه يمر بالمحابيس فِيهِ شَدَائِد عَظِيمَة فردم وَعمر فَوْقه طباق للمماليك وَكَانَ عمل هَذَا الْجب فِي سنة احدى وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة فِي الْأَيَّام المنصورية قلاوون. وَفِيه قدمت رسل الشَّيْخ حسن بن الجلايري وَكَانَ الشَّيْخ حسن هَذَا قد أصبح نَائِب القان أبي سعيد وَهُوَ ابْن عمته وَزوج بَغْدَاد خاتون بنت جوباني. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء عَاشر جُمَادَى الْآخِرَة: قدم الْأَمِير سيف الدّين أرغون نَائِب حلب باستدعاء مخرج الْأَمِير ألمالس الْحَاجِب وتلقاه من قبَّة النَّصْر خَارج الْقَاهِرَة وَصعد بِهِ قلعة الْجَبَل فَأكْرمه السُّلْطَان وَعَزاهُ فِي وَلَده وخلع عَلَيْهِ وأنزله فِي دَاره على الْكَبْش. وَطلب أرغون شرف الدّين الخطير نَاظر ديوانه وَسَأَلَهُ عَن أَمْوَاله وغلاله وحواصله فَأسر لَهُ بِأَن السُّلْطَان لم يبْق لَهُ مِنْهَا إِلَّا الْقَلِيل فَسكت ثمَّ استدعاه السُّلْطَان يَوْم الْخَمِيس سادس عشريه وخلع عَلَيْهِ وَأَعَادَهُ إِلَى حلب. وَفِي يَوْم الْأَحَد تَاسِع عشريه: قدمت رسل أبي سعيد فِي طلب الْمُصَاهَرَة وَمَعَهُمْ اثْنَا عشر إكديشاً بِجلَال جوخ وَاثْنَانِ عري. وَفِي عَاشر شهر رَجَب: قدم الْأَمِير سيف الدّين طينال الْحَاجِب نَائِب طرابلس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 118 بسؤاله ليحاقق شكاته وَمَعَهُ هَدِيَّة فَوقف وحاققهم وساعده الْأُمَرَاء إِلَى أَن عَاد إِلَى طرابلس فِي خَامِس عشريه. وَفِي يَوْم الْأَحَد حادي عشريه: رسم بعزل الْمجد بن لفيتة فعزل من نظر الدَّوَاوِين وَنظر الصُّحْبَة وَنظر الْبيُوت وعزل أَيْضا ابْن قروينة من نظر الدَّوَاوِين. وَاسْتقر عوضهما فِي نظر الدولة علم الدّين إِبْرَاهِيم بن التَّاج إِسْحَاق وتقي الدّين عمر بن الْوَزير شمس الدّين مُحَمَّد بن السلعوس وَكَانَ يَلِي صحابة ديوَان دمشق فأحضر مِنْهَا فِي ثامن عشره وخلع عَلَيْهِمَا. وَاسْتقر فِي نظر خزانَة تَاج الدّين مُوسَى بن التَّاج اسحاق عوضا عَن أَخِيه علم الدّين. فباشر الْعلم وتقي الدّين بن السلعوس النّظر مَعَ الْأَمِير مغلطاي الجمالي الْوَزير - وَكَانَ أمره فِي الوزارة ضَعِيفا - إِلَى يَوْم الْأَحَد ثَانِي شَوَّال ثمَّ رسم بتوفير الوزارة فتوفرت وَاسْتمرّ الجمالي فِي الأستادارية على عَادَته. وَسبب ذَلِك توقف حَال الدول من قلَّة الْوَاصِل وَكَثْرَة إغراء الْفَخر نَاظر الْجَيْش والتاج إِسْحَاق بن القماط نَاظر الْخَاص السُّلْطَان بالجمالي لكراهتهما فِي الْمجد بن لفيتة فَإِنَّهُ كَانَ قد استولى على الجمالي حِين صَار أَمر الوزارة إِلَيْهِ وكتبت فِيهِ مرافعات أَنه أَخذ مَالا كثيرا وَتَوَلَّى الْأَمِير أيتمش الْكَشْف عَلَيْهِ. فَلَمَّا ولي الْعلم بن التَّاج النّظر وباشر مُوسَى الْخَاص نِيَابَة عَن أَبِيه صَار الْعلم يكْتب كل يَوْم أوراقاً بالجاري ثمَّ يرفعها للسُّلْطَان مِمَّا تحصل وَانْصَرف وَيدخل بهَا إِلَيْهِ وَمَعَهُ ابْن السلعوس رَفِيقه وَابْن هِلَال الدولة الشاد. فانحصر المباشرون ومشت أُمُور الدولة بمرسوم السُّلْطَان على مَا يقرره وَحمل مَال الجيزة بِكَمَالِهِ إِلَى خزانَة الْخَاص وَلم يصرف مِنْهُ شَيْء. وَفِي ثَانِي عشريه: تولى قشتمر الْمحلة. وَفِي خَامِس عشريه: أنعم على آقبرس بن عَلَاء الدّين طيبرس بإقطاع الْأَمِير عَلَاء الدّين أيدغدي الْخَوَارِزْمِيّ الْحَاجِب بعد مَوته بِدِمَشْق فَتوجه إِلَيْهَا. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَالِث شَوَّال: اسْتَقر عَلَاء الدّين أيدمر العلائي عرف بالزراق وَفِي ولَايَة الْقَاهِرَة عوضا عَن قدادار عِنْد توحهه إِلَى الْحجاز. وَفِيه أَيْضا اسْتَقر عَلَاء الدّين ابْن هِلَال الدولة شاد الدَّوَاوِين مُضَافا لشد الْخَاص. وَفِي سادسه: عزل صَلَاح الدّين الدوادار عَن الجيزة وَاسْتقر من جملَة الْأُمَرَاء وَولي الجيزة جمال الدّين يُوسُف الجاكي وَالِي الشرقية وَاسْتقر فِي الشرقية عوضه الحسام طرنطاي القلنجقي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 119 وَفِي يَوْم الْأَحَد نصف ذِي الْقعدَة: جلس السُّلْطَان بالميدان تَحت القلعة وَعرض الْكتاب بدواوين الْأُمَرَاء. وَطلب السُّلْطَان الْمجد بن لفيتة وَابْن قزوينة الناظرين المنفصلين والمكين بن قزوينة مُسْتَوْفِي الصُّحْبَة وَأمين الدّين موط مُسْتَوْفِي الخزانة ورسم عَلَيْهِم وسلمهم إِلَى الْأَمِير الدمر حاندار ليخلص مِنْهُم سِتّمائَة ألف دِرْهَم انساقت بَاقِيا بالجيزة. فَحمل ألدمر من جِهَة قشتمر وَالِي الجيزة مبلغ مِائَتي دِرْهَم وَمن ابْن سقرور مُسْتَوْفِي الجيزة زِيَادَة على سبعين ألف دِرْهَم. ورسم السُّلْطَان بِقطع أخباز المشدين على الْجِهَات بأسرهم وَقرر عوضهم. وأحضر السُّلْطَان مَشَايِخ الجيزة وَكتب عَلَيْهِم سجلات أراضيها بِحُضُورِهِ وَلم يسمع بِهَذَا فِيمَا سلف. ثمَّ أفرج السُّلْطَان عَن الناظرين المنفصلين والمستوفين بَعْدَمَا استخرج مِنْهُم بعض مَا قرر عَلَيْهِم. وفيهَا رسم للحاجب أَن يتَقَدَّم بألا يُبَاع مَمْلُوك تركي لكاتب وَلَا عَامي وَمن وجد عِنْده مِنْهُم مَمْلُوك فليبعه وَمن عثر عَلَيْهِ بعد ذَلِك أَن عِنْده مَمْلُوكا طولع بِهِ السُّلْطَان فَبَاعَ النَّاس مماليكهم وأخفوا بَعضهم. وفيهَا عرض السُّلْطَان مماليك الطاق والبرانيين وَقطع مِنْهُم مائَة وَخمسين وأخرجهم من يومهم ففرقوا بقلاع الشَّام. وفيهَا صرف شهَاب الدّين أَحْمد بن المهمندار عَن نقابة الْجَيْش بالأمير عز الدّين أيدمر دقماق. وفيهَا قتل الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام الْكلاب بِدِمَشْق فَتَجَاوز عدد مَا قتل مِنْهَا خَمْسَة الْأَمِير سعد الدّين سعيد بن أَمِير حُسَيْن فِي ثامن عشر الْمحرم وأنعم بإمرته على تكلان. وَمَات الْأَمِير غرس الدّين خَلِيل بن الإربدي أحد أُمَرَاء العشرات فِي سادس صفر وأنعم بإمرته على أياجي الساقي. وَمَات الْأَمِير الْكَبِير شرف الدّين حُسَيْن بن أبي بكر بن إِسْمَاعِيل بن جندو باك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 120 الرُّومِي فِي سادس الْمحرم قدم صُحْبَة أَبِيه إِلَى مصر فِي سنة خمس وَسبعين وسِتمِائَة فِي الْأَيَّام الظَّاهِرِيَّة بيبرس فِي جملَة من قدم من أهل الرّوم بعد مَا كَانَ أَبوهُ أَمِير جندار متملك الرّوم فترقى حَتَّى نادم الأفرم نَائِب دمشق فأنعم عَلَيْهِ بإمرة فَلَمَّا قدم النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاون دمشق من الكرك وتحرك لأخذ السلطنة كَانَ الْأَمِير شرف الدّين حُسَيْن مِمَّن سَار فِي خدمته إِلَى مصر فَنَوَّهَ بِهِ وَأَعْطَاهُ أمرة ثمَّ قَرَّرَهُ أَمِير شكار بعد وَفَاة كشرى وأعجب بِهِ وَإِلَيْهِ ينْسب جَامع أَمِير حُسَيْن وقنطرة أَمِير حُسَيْن على الخليج خَارج الْقَاهِرَة قَرِيبا من بُسْتَان الْعدة. وَمَات الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن الكافري وَالِي قوص وَولي عوضه غرس الدّين خَلِيل أَخُو طقصباي الناصري. وَمَات سنجر الأيدمري أحد العشرات فِي ثَالِث عشر ربيع الأول وأنعم بإمرته على ساطلمش الناصري. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين بكتمر الحسامي الْمَعْرُوف بالحاحب فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء حادي عشريه ربيع الآخر فأنعم على وَلَده نَاصِر الدّين مُحَمَّد بإمرة عشرَة وسنه يَوْمئِذٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 121 ثَلَاث عشرَة سنة وَفرق إقطاعه بَين جمَاعَة: فكمل مِنْهُ للامير طرغاي الجاشنكير تقدمة ألف. وأنعم مِنْهُ على صَلَاح الدّين يُوسُف بن الأسعد بِنَاحِيَة جوجر وَاسْتقر شاد الدَّوَاوِين وأنعم مِنْهُ على الْأَمِير قوصون بمنية زفتا وَكَانَ بكتمر هَذَا من جملَة مماليك الْأَمِير حسام الدّين طرنطاي نَائِب السلطنة المنصورية قلاوون أَخذه فِي سنة خمس وَسبعين وسِتمِائَة فِيمَا أَخذ من مماليك السُّلْطَان غياث الدّين كيخسرو متملك الرّوم عِنْدَمَا دخل الظَّاهِر بيبرس إِلَى مَدِينَة قصرية الرّوم وَاسْتولى عَلَيْهَا فَصَارَ بكتمر إِلَى طرنطاي وَهُوَ حِينَئِذٍ مَمْلُوك الْأَمِير سيف الدّين قلاوون فرباه وَأعْتقهُ فَلَمَّا قتل طرنطاي صَار بكتمر إِلَى الْأَشْرَاف خَلِيل بن قلاوون فرتبه فِي جملَة الأوشاقية بالإصطبل السلطاني ثمَّ نَقله الْمَنْصُور لاجين وَعَمله أَمِير أخور صَغِيرا ثمَّ أنعم عَلَيْهِ بإمرة عشرَة بعد وَفَاة الفاخري ومازال بكتمر يترقى حَتَّى ولي الوزارة والحجوبية ونيابة غَزَّة ونيابة صفد فِي الْأَيَّام الناصرية وَإِلَيْهِ تنْسب مدرسة الْحَاجِب وَدَار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 122 الْحَاجِب خَارج بَاب النَّصْر من الْقَاهِرَة وَكَانَ بكتمر من أَغْنِيَاء الْأُمَرَاء الكثري المَال المعروفين بالشح. وَتُوفِّي ضِيَاء الدّين أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن فلاح بن مُحَمَّد الإسْكَنْدراني الْمصْرِيّ فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشر شعْبَان ومولده فِي نصف ربيع الآخر سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وسِتمِائَة سمع من ابْن عبد الدَّائِم وَالْمجد بن عَسَاكِر وَابْن أبي الْيُسْر وَجَمَاعَة. وَتُوفِّي عز الدّين أَبُو يعلى حَمْزَة بن الْمُؤَيد أبي الْمَعَالِي بن المظفر بن أسعد بن حمزه بن أَسد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن القلانسي بِدِمَشْق سمع الحَدِيث وَصَارَ رَئِيس الشَّام وَولى وزارة دمشق. وَتُوفِّي الأديب سعد الدّين سعيد بن مَنْصُور بن إِبْرَاهِيم الْحَرَّانِي الْمصْرِيّ بِمصْر وَله شعر جيد. وَتُوفِّي الشَّيْخ جلال الدّين أَبُو بكر عبدا لله بن يُوسُف بن إِسْحَاق بن يُوسُف الْأنْصَارِيّ الدلاصي إِمَام الْجَامِع الْأَزْهَر بِالْقَاهِرَةِ عَن بضع وَثَمَانِينَ سنة وَكَانَ يعْتَقد فِيهِ الْخَيْر ويتبرك بدعائه. وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة بِدِمَشْق عَلَاء الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن إِسْمَاعِيل بن يُوسُف القونوي الشَّافِعِي فِي يَوْم السبت رَابِع عشر ذِي الْقعدَة وَدفن بسفح قاسيون قدم من بِلَاد الرّوم إِلَى دمشق فِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وسِتمِائَة فدرس بهَا مُدَّة ثمَّ توجه إِلَى الْقَاهِرَة فسكنها وَولي مشيخة الشُّيُوخ بخانكاه سعيد السُّعَدَاء وتصدى للاشتغال بِالْعلمِ وصنف شرح الْحَاوِي فِي الْفِقْه وَغَيره ثمَّ ولي قَضَاء دمشق فباشره الجزء: 3 ¦ الصفحة: 123 حَتَّى مَاتَ بهَا وَولي بعده قَضَاء دمشق علم الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر بن عِيسَى الأخنائي. وَتُوفِّي نجم الدّين مُحَمَّد بن عقيل بن أبي الْحسن بن عقيل البالسي الشَّافِعِي بِمصْر نَاب فِي الْقَضَاء ودرس وَشرح التَّنْبِيه فِي الْفِقْه وَكَانَ مُعْتَقدًا فِيهِ الْخَيْر. وَتُوفِّي جمال الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد الوَاسِطِيّ الأشموني المولد وَالدَّار عرف بالوجيزي لقرَاءَته كتاب الْوَجِيز فِي الْفِقْه ولي قَضَاء الجيزة وقليوب وَمَات فِي رَجَب وَهُوَ أحد مَشَايِخ الْفُقَهَاء الشَّافِعِيَّة. وَتُوفِّي معِين الدّين هبة الله بن علم الدّين مَسْعُود بن عبد الله بن حشيش صَاحب ديوَان الْجَيْش. بِمصْر يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس عشر جُمَادَى الْآخِرَة كَانَ بارعاً فِي الْفِقْه والنحو واللغة وَالْأَدب كَرِيمًا لَهُ شعر جيد ومولده سنة سِتّ وسِتمِائَة. وَتُوفِّي الْأَمِير حسام الدّين لاجين الصَّغِير بقلعة البيرة ولي نِيَابَة غَزَّة ثمَّ نِيَابَة البيرة وَبهَا مَاتَ. وَتُوفِّي الصاحب شرف الدّين يَعْقُوب بن عبد الْكَرِيم بن أبي الْمَعَالِي الْمصْرِيّ بحماة تنقل فِي عدَّة ولايات وَكَانَ جواداً كَرِيمًا كثيرا المَال ممدوحاً. وَتُوفِّي فتح الدّين أَبُو النُّون يُونُس بن إِبْرَاهِيم بن عبد الْقوي بن قَاسم الْكِنَانِي الْعَسْقَلَانِي الْمَعْرُوف بالدبوسي الْمسند المعمر بِالْقَاهِرَةِ فِي جُمَادَى الأولى وَقد جَاوز التسعين سنه حدث عَن جمَاعَة تفرد بالرواية عَنْهُم. وَتُوفِّي الْأَمِير عز الدّين أيبك الخطيري أَمِير آخور، فِي ثَالِث عشرى ذى الْقعدَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 124 وَتُوفِّي الْأَمِير غرلوا الركني بقوص فِي ثَالِث ربيع الآخر. وَتُوفِّي الْأَمِير ساطلمش الفاخر فِي ثَالِث ذِي الْحجَّة وأنعم بإمرته على كوجبا الساقي. وَتُوفِّي الْأَمِير لاجين الإبراهيمي أَمِير جاندار فِي تَاسِع عشرى ذِي الْحجَّة وأنعم بإمرته على برسبغا. وَتُوفِّي نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن حنا فِي يَوْم السبت حادي عشر ذِي الْحجَّة. وَتُوفِّي الطواشي نصر شيخ الخدام بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة ومقدم المماليك السُّلْطَانِيَّة يَوْم الْخَمِيس عَاشر رَجَب وَاسْتقر عوضه فِي المشيخة وتقدمة المماليك الطواشي عنبر السحرتي وَكَانَت مُدَّة تقدمته تِسْعَة أشهر. وَمَات عز الدّين القيمري فِي يَوْم السبت حادي عشرى ذِي الْقعدَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 125 فارغة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 126 سنة ثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة أهلت بِيَوْم الْأَرْبَعَاء وَالسُّلْطَان بِنَاحِيَة سرياقوس وَكَانَ مسيرَة إِلَيْهَا فِي سَابِع عشرى ذِي الْحجَّة. وَفِيه قدم الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام فَبَالغ السُّلْطَان فِي إكرامه وَرفع مَنْزِلَته على عَادَته وَفِي يَوْم السبت: رابعه اسْتَقر علم الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر بن عِيسَى بن بدر بن رَحْمَة الأخناني قَاضِي الْإسْكَنْدَريَّة فِي قَضَاء الْقُضَاة بِدِمَشْق عوضا عَن عَلَاء الدّين على القونوي وَاسْتقر عوضه فِي قَضَاء الْإسْكَنْدَريَّة علم الدّين الْإِسْنَوِيّ. وَفِي سادسه: اسْتَقر الْأَمِير بكتمر العلائي الأستادار فِي نِيَابَة غَزَّة وَسَار إِلَيْهَا عوضا عَن عز الدّين أيبك الجمالي وَنقل أيبك إِلَى نِيَابَة قلعة البيرة عوضا عَن لاجين الحسامي المنصوري بِحكم وَفَاته. وأنعم على بهادر الدمرداش بإقطاع الْأَمِير بكتمر نَائِب غَزَّة. وَفِي رَابِع عشره: توجه الْأَمِير تنكز إِلَى دمشق بَعْدَمَا أنعم عَلَيْهِ السُّلْطَان بِمِائَة ألف دِرْهَم وَكتب لَهُ على الْأَعْمَال السامية بِمِائَة ألف أُخْرَى. وَفِي عشريه: قدم الْملك الْمُؤَيد عماد الدّين إِسْمَاعِيل صَاحب حماة فَأكْرمه السُّلْطَان وخلع عَلَيْهِ وعَلى وَلَده. وَفِي تَاسِع صفر: توجه السُّلْطَان إِلَى جِهَة الصَّعِيد وصحبته صَاحب حماة فخيم قَرِيبا من الأهرام وَعَاد فِي ثَالِث عشره من أجل وعك بدنه لظُهُور دمل فِي جسده. وَأقَام السُّلْطَان بقلعة الْجَبَل إِلَى حادي عشريه ثمَّ سَار فَمر بِبِلَاد الصَّعِيد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 127 وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشر ربيع الأول: جمع الْأَمِير جمال الدّين آقوش نَائِب الكرك الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء بِسَبَب عمل مِنْبَر بِالْمَدْرَسَةِ الصالحية بَين القصرين من الْقَاهِرَة لإِقَامَة الْجُمُعَة بهَا فأفتوه بِجَوَاز ذَلِك فرتب آقوش خَطِيبًا قرر لَهُ فِي كل شهر خمسين درهما ورتب سِتَّة نفر عَمَلهم مؤذنين لكل وَاحِد عشرَة دِرْهَم فِي كل شهر ولقارئ يقْرَأ الْقُرْآن الْكَرِيم يَوْم الْجُمُعَة فِي مصحف أعده لَهُ مبلغا سَمَّاهُ وأقيمت الْخطْبَة بهَا فِي يَوْم الْجُمُعَة حادي عشريه فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَجعل آقوش المعاليم الْمَذْكُورَة من عقار وَقفه على ذَلِك. وَفِي هَذَا الشَّهْر تصدق الْأَمِير الْمَذْكُور بِنَحْوِ ثَلَاثَة أُلَّاف أردب من الغلال. وَفِي خَامِس ربيع الآخر: عَاد السُّلْطَان إِلَى قلعة الْجَبَل بعد أَن انْتهى فِي مسيره إِلَى هدينة هُوَ من الصَّعِيد الْأَعْلَى. وَفِي ثامنه: سَار الْمُؤَيد صَاحب حماة من ظَاهر الْقَاهِرَة عَائِدًا إِلَى حماة. وَفِي خَامِس عشريه: سَار السُّلْطَان إِلَى نواحي قليوب يُرِيد الصَّيْد فَبينا هُوَ فِي ذَلِك اذ تقنطر عَن فرسه وانكسرت يَده وَغشيَ عَلَيْهِ سَاعَة وَهُوَ ملقى على الأَرْض ثمَّ أفاف وَقد نزل إِلَيْهِ الْأَمِير أيدغمش أَمِير أخور والأمير قماري أَمِير شكار وأركباه فَأقبل الْأُمَرَاء بأجمعهم إِلَى خدمته وَعَاد السُّلْطَان إِلَى قلعة الْجَبَل فِي عَشِيَّة الْأَحَد ثامن عشريه فَجمع الْأَطِبَّاء والمجبرين لمداواته فَتقدم رجل من المحبرين يعرف بِابْن بوستة وَقَالَ بجفاء وعامية طباع: تُرِيدُ تفيق سَرِيعا اسْمَع مني. فَقَالَ لَهُ السُّلْطَان: قل مَا عنْدك فَقَالَ: لَا تخل أحدا يداويك غَيْرِي بمفردي وَإِلَّا فسد حَال يدك مثل مَا سلمت رجلك لِابْنِ السيسي أفسدها. وَأَنا مَا أخلي شهرا يمْضِي حَتَّى تركب وتلعب بِيَدِك الأكرة. فأغضى السُّلْطَان عَن جَوَابه وَسلم إِلَيْهِ يَده فَتَوَلّى علاجه بمفرده فبطلت الْخدمَة مُدَّة سَبْعَة وَثَلَاثِينَ يَوْمًا. ثمَّ عوفي السُّلْطَان فزينت الْقَاهِرَة ومصر فِي يَوْم الْأَحَد رَابِع جُمَادَى الْآخِرَة وتفاخر النَّاس فِي الزِّينَة بِحَيْثُ لم تعهد زِينَة مثلهَا وأقامت أسبوعاً تفنن أهل البلدين فِيهِ بأنواع الترف. وَنزلت سِتّ حدق فِي عدَّة من الخدام والجواري حَتَّى رَأَتْ الزِّينَة وَقد اجْتمع أَرْبَاب الملاهي فِي عدَّة أَمَاكِن بِجَمِيعِ آلَات الْمُغنِي. هَذَا والأفراح بالقلعة وَسَائِر بيُوت الْأُمَرَاء مُدَّة الْأُسْبُوع وَمَعَ هَذَا فالبشائر من ضرب الكوسات مستمرة وَكَذَلِكَ طبلخاناه الْأُمَرَاء فَلم يبْق أَمِير إِلَّا وَعمل فِي بَيته فَرحا. وأنعم السُّلْطَان وخلع على كثيرين من أَرْبَاب الْوَظَائِف من الْأُمَرَاء والمماليك السُّلْطَانِيَّة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 128 ثمَّ خرج السُّلْطَان إِلَى الْقصر الأبلق وَفرق مثالات على الْأَيْتَام وَعمل سماطاً جَلِيلًا وخلع على جَمِيع أَرْبَاب الْوَظَائِف. وأنعم السُّلْطَان على الْمُجبر بِعشْرَة أُلَّاف دِرْهَم ورسم لَهُ أَن يَدُور على جَمِيع الْأُمَرَاء فَلم يتَأَخَّر أحد من الْأُمَرَاء عَن إفَاضَة الْخلْع عَلَيْهِ وإعطائه المَال فَحصل لَهُ مَا يجل وَصفه وَكَانَت هَذِه الْأَيَّام مِمَّا ينْدر وُقُوع مثله. وَفِي خَامِس عشره: قدمت رسل ريدافرنس فِي طلب الْقُدس وبلاد السَّاحِل وعدتهم مائَة وَعِشْرُونَ رجلا فَأنْكر السُّلْطَان عَلَيْهِم وعَلى مرسلهم وأهانهم ثمَّ رسم بعودهم إِلَى بِلَادهمْ. وَفِيه: سَار الْأَمِير أقبغا عبد الْوَاحِد إِلَى الْبِلَاد الشامية يبشر بعافية السُّلْطَان فدقت فِي جَمِيع ممالك الشَّام البشائر وعملت بهَا الأفراح وَحصل لأقبغا من سَائِر أَصْنَاف المَال مَا يجل وَصفه بِحَيْثُ بلغت قِيمَته نَحْو مائَة ألف دِينَار. وَفِيه: عزل علم الدّين الإسنائي عَن قَضَاء الْإسْكَنْدَريَّة لمضادته الْأَمِير ييربر الجمدار نَائِب الثغر. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس عشريه: أفرج عَن الْأَمِير سيف الدّين بهادر المعزى وأنعم عَلَيْهِ بخيل وَثيَاب بَعْدَمَا أَقَامَ فِي الاعتقال خمس عشرَة سنة وَثَلَاثَة أشهر وَسِتَّة عشر يَوْمًا. فَلَمَّا ورد الْخَبَر بوفاة الْأَمِير سيف الدّين بهادر آص وأنعم بتقدمته بِدِمَشْق على الْأَمِير علم الدّين سنجر الجمقدار وَأخرج إِلَى دمشق وأنعم على بهادر المعزى بإقطاع سنجر الْمَذْكُور. وَفِي هَذِه الْمدَّة وَقع بِدِمَشْق اضْطِرَاب فِي عيار الذَّهَب فَإِنَّهُ تغير وَنقص وَغرم النَّاس فِيهِ جملَة كَثِيرَة. وصادر الْأَمِير تنكز أهل دَار الضَّرْب وَأخذ مِنْهُم خمسائة ألف دِرْهَم وتقرر سعر الدِّينَار من تِسْعَة عشر درهما إِلَى أحد وَعشْرين درهما وَأَن يكون صرف الدِّينَار الْجَدِيد وَفِي الْعشْرين من شهر رَجَب: قدمت رسل أبي سعيد بن خربند للهناء بعافية السُّلْطَان فأكرموا وأعيدوا فِي سَابِع عشريه. وقدمت أَيْضا رسل الشَّيْخ حسن الجلايري نَائِب أبي سعيد بعد رحيل الْمَذْكُورين فأدوا رسالتهم وأعيدوا فِي آخِره. وَفِي هَذَا الشَّهْر: أحرقت كنيسه الممكية بِمصْر حَتَّى صَارَت عمدها الرخام جيراً وَكَانَ بجانبها مَسْجِد لم تصبه النَّار فرسم لِلنَّصَارَى بإعادتها فأعيدت. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 129 وفيهَا اشْترى الْأَمِير قوصون دَار الْأَمِير آقوش الْموصِلِي الحاحب عرفت بدار آقوش نميلَة ثمَّ عرفت بدار الْأَمِير جمال الدّين آقوش قتال السَّبع من أربها وَاشْترى قوصون أَيْضا مَا حولهَا وَهدم ذَلِك وَشرع فِي بِنَاء جَامع فَبعث إِلَيْهِ السُّلْطَان بشاد العمائر والأسرى لنقل الْحِجَارَة وَنَحْوهَا فتنجزت عِمَارَته. وَجَاء الْجَامِع من أحسن المبان وَهُوَ بحارة المصامدة خَارج بَاب زويلة قَرِيبا من بركَة الْفِيل وَولي بِنَاء منارتيه رجل من أهل توريز أحضرهُ مَعَه الْأَمِير أيتمش فعملهما على منوال مأذن توريز. وَلما كمل بِنَاء الْجَامِع أُقِيمَت الْجُمُعَة بِهِ فِي يَوْم الْجُمُعَة حادي عشر شهر رَمَضَان وخطب بِهِ يَوْمئِذٍ قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين مُحَمَّد الْقزْوِينِي وخلع عَلَيْهِ الْأَمِير قولون بعد فَرَاغه وأركبه بغلة ثمَّ اسْتَقر فِي خطابته فَخر الدّين مُحَمَّد بن شكر. وفيهَا قصد الْأَمِير قوصون أَن يتَمَلَّك حمام قتال السَّبع وَهِي الْحمام الْمُجَاورَة فِي وقتنا هَذَا لباب الْجَامِع الَّذِي يدْخل إِلَيْهِ من الشَّارِع وَكَانَت من وقف قتال السَّبع فاحتالوا لحل وَقفهَا بِأَن هدموا جانباً مِنْهَا وأحضروا شُهُودًا قد بينوا مَعَهم ذَلِك ليكتبوا محضراً بِأَن الْحمام خراب لَا ينْتَفع بِهِ وَهُوَ يضر بِالدَّار والمار والخط والمصلحة فِي بيع أنقاضه ليؤدي هَذِه الشَّهَادَة عِنْد قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين أَحْمد بن عمر الْحَنْبَلِيّ حَتَّى يحكم بَيْعه على مقتضي مذْهبه فعندما شرع الشُّهُود فِي كِتَابَة الْمحْضر الْمَذْكُور امْتنع أحدهم من وضع خطه فِيهِ وَقَالَ: وَالله مَا يسعني من الله أَن أَدخل باكر النَّهَار فِي هَذَا الْحمام وأتطهر فِيهِ وَأخرج وَهُوَ عَامر ثمَّ أشهد بعد ضحوة نَهَار أَنه خراب وَانْصَرف فاستدعي غَيره فَكتب وَأثبت الْمحْضر على الْحَنْبَلِيّ. فَابْتَاعَ الْأَمِير قوصون الْحمام الْمَذْكُور من ولد قتال السَّبع وجدد عِمَارَته. وَفِي ذِي الْحجَّة: اسْتَقر الْأَمِير بدر الدّين بيلبك المحسني فِي ولَايَة الْقَاهِرَة عوضا عَن أيدمر الزراق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 (وَفِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشر رَمَضَان) قدم يُوسُف الكيمياوي إِلَى مصر. وَكَانَ من خبر هَذَا الرجل أَنه كَانَ نَصْرَانِيّا من أهل الكرك فَأسلم وَمضى إِلَى دمشق بَعْدَمَا خدع بِمَدِينَة صفد الْأَمِير بهادر التَّقْوَى حَتَّى انخدع لَهُ وأتلف عَلَيْهِ مَالا جزيلاً فَلَمَّا ظهر لَهُ أمره سجنه مُدَّة ثمَّ أفرج عَنهُ. فاتصل يُوسُف بالأمير تنكز نَائِب الشَّام وَقصد خديعته فَلم ينخدع لَهُ وَأمر وَالِي دمشق بشنقه فصاح وَقَالَ: أَنا جيت للسُّلْطَان حَتَّى أملأ خزانته ذَهَبا وَفِضة. فَلم يجد تنكز بدا من إرْسَاله إِلَى السُّلْطَان فقيده وأركبه الْبَرِيد مَعَ بعض ثقاته وَكتب بِخَبَرِهِ وحذر مِنْهُ. فَلَمَّا اجْتمع يُوسُف بالسلطان مَال إِلَى قَوْله وَفك قَيده وأنزله عِنْد الْأَمِير بكتمر السَّاق وَأجْرِي عَلَيْهِ الرَّوَاتِب السّنيَّة وَأقَام لَهُ عدَّة من الخدم يتولون أمره وخلع عَلَيْهِ وأحضر لَهُ مَا طلب من الْحَوَائِج لتدبير الصَّنْعَة حَتَّى تمّ مَا أَرَادَهُ. فَحَضَرَ يُوسُف بَين يَدي السُّلْطَان وَقد حضر الْفَخر نَاظر الْجَيْش والتاج اسحاق وَابْن هِلَال الدولة والأمير بكتمر الساقي فِي عدَّة من الْأُمَرَاء وَالشَّيْخ إِبْرَاهِيم الصائع وعدة من الصواغ فأوقدوا النَّار على بوطقة قد ملئت بِالنُّحَاسِ والقصدير وَالْفِضَّة حَتَّى ذاب الْجَمِيع فألقي عَلَيْهِ يُوسُف شَيْئا من صَنعته وَسَاقُوا بالنَّار عَلَيْهَا سَاعَة ثمَّ أفرغوا مَا فِيهَا فَإِذا سبيكة ذهب كأجود مَا يكون زنتها ألف مِثْقَال فأعجب السُّلْطَان ذَلِك إعجاباً كثيرا وسر سُرُورًا زَائِدا وأنعم على يُوسُف بِهَذِهِ الْألف مِثْقَال وخلع عَلَيْهِ خلعة ثَانِيَة وأركبه فرسا مسرجاً مُلجمًا بكنبوش حَرِير وَبَالغ فِي إكرامه ومكنه من جَمِيع أغراضه. فاتصل بِهِ خدام السُّلْطَان وَقدمُوا لَهُ أَشْيَاء كَثِيرَة مستحسنة فاستخف عُقُولهمْ حَتَّى ملكهَا بِكَثْرَة خدعه فبذلوا لَهُ مَالا جزيلاً. ثمَّ سبك يُوسُف للسُّلْطَان سبيكة ثَانِيَة من ذهب فكاد يطير بِهِ فَرحا وَصَارَ يستحضره بِاللَّيْلِ ويحادثه فيزيده طَمَعا ورغبة فِيهِ فَأذن لَهُ أَن يركب من الْخُيُول السُّلْطَانِيَّة ويمضي حَيْثُ شَاءَ من الْقَاهِرَة ومصر فَركب وَأَقْبل على اللَّهْو وَأَتَاهُ عدَّة من النَّاس يسألونه فِي أَخذ أَمْوَالهم طَمَعا فِي أَن يفيدهم الصَّنْعَة أَو يغنيهم مِنْهَا فمرت لَهُ أَوْقَات لَا يتهيأ لكل أحد مثلهَا من طيبتها. ثمَّ إِنَّه سَأَلَ أَن يتَوَجَّه إِلَى الكرك لإحضار نَبَات هُنَاكَ فأركبه السُّلْطَان الْبَرِيد وَبعث مَعَه الْأَمِير طقطاي مقدم البريدية بَعْدَمَا كتب إِلَى نَائِب عزة ونائب الكرك بخدمته وَقَضَاء مَا يرسم بِهِ وَالْقِيَام بِجَمِيعِ مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من ديوَان الْخَاص فَمضى يُوسُف إِلَى الكرك وَأَبْطَأ خَبره ثمَّ قدم وَقد ظهر كذبه للسُّلْطَان فضيق عَلَيْهِ. وَفِي تَاسِع عشر شَوَّال: قدمت رسل الْملك الْمُجَاهِد على من الْيمن بهدية وفيهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 131 فيلان فَأنْكر السُّلْطَان عَلَيْهِم من أجل أَن الْمُجَاهِد قبض على رَسُول ملك الْهِنْد وَأخذ هَدِيَّة السُّلْطَان ثمَّ قَتله وَأمر بهم فسجنوا. وَفِي لَيْلَة السبت سادس عشر ذِي الْقعدَة: أخرج السُّلْطَان من فِي الْقَاهِرَة ومصر من الجذمى والبرصان وَأمرهمْ بسكنى الفيوم. وَفِيه: أخرب الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام الحوانيت الْمُجَاورَة لباب النَّصْر خَارج دمشق من ضيق الطَّرِيق حَتَّى وصل الْهدم إِلَى الجسر تجاه الْبَحْر وحفر حَتَّى أخرج الأساسات فَصَارَ فضاء. وَفِيه: جدد الْأَمِير قوصون خطته بالجامع بِخَط الْمصلى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 132 وَفِيه: ابْتَدَأَ الْأَمِير ألماس الْحَاجِب بعمارته الْجَامِع الَّذِي عرف باسمه بِخَط حَوْض ابْن هنس خَارج بَاب زويلة من الْقَاهِرَة. وَفِيه: ابْتَدَأَ الْأَمِير عَلَاء الدّين مغلطاي الجمالي فِي عمَارَة مدرسة بجوار دَاره قَرِيبا من درب ملوخيا بِالْقَاهِرَةِ ووقف عَلَيْهَا أوقافاً جليلة. وَفِيه ابتدا عَلَاء الدّين طقطاي أحد مماليك السُّلْطَان فِي عمَارَة جَامع بَين السورين من الْقَاهِرَة وَسَماهُ جَامع التَّوْبَة لِكَثْرَة مَا كَانَ هُنَاكَ من الْفساد وَأقَام بِهِ خطْبَة للْجُمُعَة. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس ذِي الْحجَّة: اسْتَقر نَاصِر الدّين بن المحسني فِي ولَايَة القاهره وَقد نقل إِلَيْهَا من ولَايَة المنوفية عوضا عَن عز الدّين الزراق. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة رَابِع عشر ذِي الْحجَّة قتل الْأَمِير الدمر أَمِير جندار بِمَكَّة وَكَانَ من خبر ذَلِك أَن أَمِير الركب الْعِرَاقِيّ فِي هَذِه السّنة كَانَ من أهل توريز يعرف بِمُحَمد الحجيج وَكَانَ يتَقرَّب من أَوْلَاد جوبان فترقى بهم إِلَى معرفَة السُّلْطَان بورسعيد فَعظم أمره وَجعله من ندمائه وَبَعثه رَسُولا إِلَى مصر غير مرّة. فأعجب بِهِ السُّلْطَان النَّاصِر ولاق بخاطره إِلَى أَن بلغه عَنهُ أَنه تعرض فِي مجْلِس أبي سعيد لشَيْء ذكر مِمَّا يكرههُ السُّلْطَان فتنكر لَهُ وَأسر ذَلِك فِي نَفسه فَلَمَّا بلغه أَنه سَار أَمِير الركب الْعِرَاقِيّ كتب إِلَى الشريف عطفة بن أبي نمى سر ان يتحيل فِي قَتله فَلم يجد عطيفة بدا من امْتِثَال مَا أَمر بِهِ وأطلع وَلَده مبارك بن عطيفة وَمن يَثِق بِهِ على ذَلِك وَتقدم إِلَيْهِم بأعمال الْحِيلَة فِيهِ. فَلَمَّا قضى الْحَاج النّسك عَاد مِنْهُم الْأَمِير علم الدّين سنجر الجاولي إِلَى مصر وَمَعَهُ جمَاعَة فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِي عشر ذِي الْحجَّة. وَتَأَخر الْأَمِير سيف الدّين خَاص ترك أَمِير الْحَاج والأمير الدمر جاندار والأمير أَحْمد ابْن خَالَة السُّلْطَان ليصلوا بِمَكَّة صَلَاة الْجُمُعَة وَمَعَهُمْ بَقِيَّة حجاج مصر. فَلَمَّا حَضَرُوا للْجُمُعَة وَصعد الْخَطِيب الْمِنْبَر أَرَادَ الشريف عمل مَا رسم لَهُ بِهِ وَأخذ العبيد فِي إثارة الْفِتْنَة بَين النَّاس ليحصل الْغَرَض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 133 بذلك. وَأول مَا بدأوا بِهِ أَن عبثوا بِبَعْض حَاج الْعرَاق وخطفوا شَيْئا من أَمْوَالهم. وَكَانَ الشريف عطيفة جَالِسا إِلَى جَانب الْأَمِير خَاص ترك أَمِير الركب فَصَرَخَ النَّاس بالأمير ألدمر وَلَيْسَ عِنْده علم بِمَا كتب بِهِ السُّلْطَان إِلَى الشريف عطيفة وَكَانَ مَعَ ذَلِك شجاعاً حاد المزاج قوي النَّفس فَنَهَضَ وَمَعَهُ من المماليك وَقد تزايد صُرَاخ النَّاس وأتى الشريف وسبه وَقبض بعض قواده وأخرق بِهِ فلاطفه الشريف فَلم يلن. وَاشْتَدَّ صياح النَّاس فَركب الشريف مبارك بن عطيفة فِي قواد مَكَّة بِآلَة الْحَرْب وَركب جند مصر. فبادر خَلِيل ولد الْأَمِير ألدمر وَضرب أحد العبيد فَرَمَاهُ العَبْد بِحَرْبَة قَتله فَاشْتَدَّ حنق أَبِيه وَحمل بِنَفسِهِ لأخذ ثأر وَلَده فَقتل. وَيُقَال بل صدف الشريف مبارك بن عطيفة وَقد قصد ركب الْعرَاق وَعَلِيهِ آلَة حربه فَقَالَ لَهُ. وَيلك تُرِيدُ أَن تثير فتْنَة وهم أَن يضْربهُ بالدبوس فَضَربهُ مبارك بِحَرْبَة كَانَت فِي يَده أنفذها من صَدره فَخر صَرِيعًا وَقتل مَعَه رجلَانِ من جماعته. فَركب أَمِير الركب عِنْد ذَلِك وَنَجَا بِنَفسِهِ وَرمي مبارك بن عطيفة بِسَهْم فِي يَده فشلت. واختبط النَّاس بأسرهم وَركب أهل مَكَّة سطح الْحرم ورموا أَمِير أَحْمد ابْن خَالَة السُّلْطَان وَمن مَعَه بِالْحِجَارَةِ وَقد أفرغ نشابه بَين يَدَيْهِ هُوَ وَمن مَعَه وَرمي بهَا حَتَّى خلص أَيْضا وفر أَمِير ركب الْعرَاق وتحير الشريف عطيفة فِي أمره ومازال يُدَارِي الْأَمر حَتَّى خرج الْحَاج بأجمعهم من مَكَّة وتوجهوا إِلَى بِلَادهمْ. وَكَانَ من غَرِيب الِاتِّفَاق أَن فِي يَوْم الْجُمُعَة الَّذِي قتل فِيهِ ألدمر كَأَنَّمَا نُودي فِي الْقَاهِرَة ومصر وقلعة الْجَبَل بقتل ألدمر فِي فتْنَة كَانَت بِمَكَّة فِي هَذَا الْيَوْم وتحدث النَّاس بذلك حَدِيثا فاشياً إِلَى أَن بلغ السُّلْطَان وأمراء الدولة. فَلم يعبأوا بِهِ وجعلوه من ترهات الْعَامَّة. وَأغْرب من ذَلِك أَن الْأَمِير علم الدّين سنجر كَانَ كاشفاً بالغربية من نواحي الْقَاهِرَة فَلَمَّا عَاد منزله بعد صَلَاة عيد الْأَضْحَى وافاه أحد غلمانه وَقد حضر اإيه من الْقَاهِرَة فَأخْبرهُ أَنه أشيع بِالْقَاهِرَةِ أَن فتْنَة كَانَت بِمَكَّة قتل فِيهَا الْأَمِير ألدمر أَمِير جندار فَسخرَ من قَوْله وَقَالَ: هَذَا كَلَام لَا يقبله عَاقل وَأخذ الْخَبَر ينتشي حَتَّى تحدث بِهِ كل أحد. وَاتفقَ فِي هَذِه السّنة أَنه وصل صُحْبَة حَاج الْعرَاق فيل من جِهَة الْملك أبي سعيد يحمل محملهم فتشاءم النَّاس بِهِ وَقَالُوا: هَذَا عَام الْفِيل فَكَانَ من الْفِتْنَة بِمَكَّة وَقتل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 134 ألدمر مَا كَانَ. فَلَمَّا قَارب حَاج الْعرَاق ذَا الحليفة من الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة وقف الْفِيل وتقهقر فضربوه ليسير فَصَارَ كلما أكره على أَن يتَقَدَّم إِلَى جِهَة الْمَدِينَة تَأَخّر إِلَى وَرَائه. هَذَا وهم يضربونه وَهُوَ يتَأَخَّر إِلَى أَن سقط مَيتا وَذَلِكَ فِي ثَالِث عشرى ذِي الْحجَّة. وَيُقَال إِنَّه بلغت الثفقة على هَذَا الْفِيل مُنْذُ خرج من الْعرَاق إِلَى أَن هلك زِيَادَة على ثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم وَلم يعرف مقصد أبي سعيد فِي بَعثه الْفِيل إِلَى مَكَّة. وفيهَا نقل شمس الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن نجد بن حمدَان الشهير بِابْن النَّقِيب الشَّافِعِي من قصاء طرابلس إِلَى قَضَاء الْقُضَاة بحلب عوضا عَن فَخر الدّين عُثْمَان بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم بن إِبْرَاهِيم بن هبة الله بن الْمُسلم الْمَعْرُوف بِابْن الْبَارِزِيّ بعد وَفَاته وَاسْتقر فِي قَضَاء طرابلس شمس الدّين مُحَمَّد بن الْمجد. وفيهَا بلغت زِيَادَة مَاء النّيل عشرَة أَصَابِع من ثَمَانِيَة عشر ذِرَاعا. وَكَانَ وفاؤه يَوْم الْأَحَد خَامِس عشرى شَوَّال وَهُوَ تَاسِع عشر مسرى. أَحْمد بن أبي طَالب بن أبي النعم بن نعْمَة بن الْحسن بن عَليّ الْمَعْرُوف بِابْن السحنة الحجار الصَّالِحِي الدِّمَشْقِي فِي خَامِس عشرى صفر ومولده سنة ثَلَاث وَعشْرين وسِتمِائَة وَقد صَار مُسْند الدُّنْيَا وَتفرد بالرواية عَن ابْن الزبيدِيّ وَابْن اللَّيْثِيّ مُدَّة سنتَيْن لَا يُشَارِكهُ فِيهَا أحد وَسمع النَّاس عَلَيْهِ صَحِيح البُخَارِيّ أَكثر من سبعين مرّة وَقدم الْقَاهِرَة مرَّتَيْنِ وَحدث بهَا. وَتُوفِّي الْأَمِير سيف الدّين بهادر آص أحد أُمَرَاء الألوف بِدِمَشْق فِي تَاسِع عشر صفر وأنعم بإقطاعه على الْأَمِير سنجر الجمقدار وَكَانَ شجاعاً مقداماً فِي الْحَرْب ولي نِيَابَة صفد وَكَانَ لَهُ أَرْبَعَة أَوْلَاد مِنْهُم اثْنَان أُمَرَاء فَكَانَ يضْرب على بَابه ثَلَاث طبلخاناه. وَتُوفِّي الْأَمِير سيف الدّين بلبان الكوندي المهمندار الدوادار بِدِمَشْق فِي نصف جُمَادَى الأولى وَكَانَ أحد الْأُمَرَاء العشروات. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 135 وَتُوفِّي الْأَمِير سيف الدّين بلبان الصرخدي الظَّاهِرِيّ أحد أُمَرَاء الطبلخاناه بِالْقَاهِرَةِ فِي الْعشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة وَقد تجَاوز الثَّمَانِينَ وَكَانَ خيرا. وَتُوفِّي الْأَمِير قلبرص بن الْحَاج طيبرس الوزيري بِدِمَشْق لَيْلَة الْجُمُعَة ثامن ذِي الْقعدَة. وَتُوفِّي الْأَمِير سيف الدّين بلبان الجمقدار المعررف بالكركند فِي سَابِع ربيع الآخر كَانَ من كبار الْأُمَرَاء. وَتُوفِّي الْأَمِير سيف الدّين بلبان الكوندكي أحد أُمَرَاء دمشق فِي سَابِع عشرى شعْبَان وَخرج طيبغا حاجي على إقطاعه وَكَانَ جواداً. وَتُوفِّي الْأَمِير سيف الدّين ألدمر أَمِير جندار مقتولاً بِمَكَّة فِي يَوْم الْجُمُعَة رَابِع عشر ذِي الْحجَّة وَله خَارج بَاب زويلة من الْقَاهِرَة حمامات وَكَانَت أَمْوَاله جزيلة. وَتُوفِّي القَاضِي عَلَاء الدّين عَليّ ابْن القَاضِي تَاج الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن سعيد بن الْأَثِير كَاتب السِّرّ فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس عشر الْمحرم بَعْدَمَا أَصَابَهُ مرض الفالج مُدَّة سنة كَامِلَة وَهُوَ ملازم بَيته وَكَانَ ذَا سَعَادَة جليلة وَحُرْمَة وافرة وجاه عريض وَيضْرب بِهِ الْمثل فِي الحشمة. وَتُوفِّي الْوَزير شمس الدّين أَبُو الْقَاسِم مُحَمَّد بن سهل بن أَحْمد بن سهل الْأَسدي الغرناطي الأندلسي بِالْقَاهِرَةِ قَافِلًا من الْحَج وَكَانَ صَاحب فنون من قراءات وَفقه وَنَحْو وأدب وتاريخ. وَتُوفِّي نَاصِر الدّين شَافِع بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عَبَّاس بن اسماعيل الْكِنَانِي الْعَسْقَلَانِي سبط ابْن عبد الظَّاهِر فِي سَابِع عشري شعْبَان بَعْدَمَا عمي وَكَانَ أديباً مشاركاً فِي عدَّة عُلُوم وَله عدَّة مصنفات ونظم جيد ونثر مليح وَهُوَ أحد كتاب الْإِنْشَاء. وَتُوفِّي سعد الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عطايا فِي يَوْم السبت سَابِع عشرى رَمَضَان ولي نظر الْبيُوت وَنظر الرَّوَاتِب ثمَّ ولي الوزارة فِي أَيَّام بيبرس وسلار ثمَّ صرفه الْملك النَّاصِر لما قدم من الكرك وصادره، فَلَزِمَ بَيته حَتَّى مَاتَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 136 وَتُوفِّي الْأَمِير سيف الدّين قدادار وَالِي الْقَاهِرَة فِي سادس عشر صفر وأنعم بإمرته على الْأَمِير طاجار القبجاقي وَأَصله من مماليلك الْأَمِير برلغي وترقى إِلَى أَن ولي ولَايَة الغربية وَولَايَة الْبحيرَة وَولَايَة الْقَاهِرَة وَتمكن فِيهَا تمَكنا زَائِدا وَكَانَ جريئاً على الدِّمَاء ثمَّ صرف عَن ولَايَة الْقَاهِرَة بناصر الدّين مُحَمَّد بن المحسن وَأقَام فِي دَاره إِلَى أَن خرج إِلَى الْحَج وَهُوَ ضَعِيف ثمَّ قدم فَلَزِمَ الْفراش حَتَّى مَاتَ. وَتُوفِّي الْأَمِير بلبان الديسني فِي خَامِس عشر ربيع الأول وأنعم بأمرته على برلغي. وَتُوفِّي الْأَمِير كجكن الساقي فِي سادس صفر وأنعم بإقطعاعه على سنقر الخازن. وَتُوفِّي الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن ملكشاه فِي ثَانِي عشر صفر وأنعم بإقطاعه على بكمان. وَتُوفِّي الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن الرّوم شيخ خانكاه بكتمر الساقي فِي يَوْم الْأَحَد ثَالِث عشرى ذِي الْحجَّة وَولي عوضه الشَّيْخ زَاده الدوقاني. وَتُوفِّي الشَّيْخ زين الدّين أَيُّوب بن نعْمَة الكحال البالسي فِي ذِي الْحجَّة وَقد أناف على التسعين حدث بِمصْر ودمشق عَن المرسي والرشيد الْعِرَاقِيّ فِي آخَرين وَانْفَرَدَ فِي الرِّوَايَة. وَتُوفِّي ركن الدّين عبد السَّلَام بن قطب الدّين عبد الْقَادِر بن مُحَمَّد بن أبي صَالح نصر بن عبد الرَّزَّاق بن الشَّيْخ عبد الْقَادِر الكيلاني فِي أخر جُمَادَى الْآخِرَة بِدِمَشْق قدم الْقَاهِرَة مرَارًا وَتُوفِّي فَخر الدّين أَبُو عَمْرو عُثْمَان بن الْجمال أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله الظَّاهِر فِي رَجَب وَدفن بزاوية أَبِيه خَارج بَاب الْبَحْر من الْقَاهِرَة ومولده سنة سبعين وسِتمِائَة سمع الحَدِيث من جمَاعَة كَثِيرَة وَحدث. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 137 فارغة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 138 سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة أهلت بِيَوْم الْإِثْنَيْنِ: وَفِي ثَالِث الْمحرم: قدم مبشرو الْحَاج وأخبروا بِمَا وَقع بِمَكَّة من الْفِتْنَة وَقتل الْأَمِير ألدمر أَمِير جندار وَولده فتعجب النَّاس من صِحَة مَا أشيع بِالْقَاهِرَةِ من قتل ألدمر فِي يَوْم قَتله. فشق على السُّلْطَان ذَلِك وَكتب بإحضار الشريف عطفة أَمِير مَكَّة وَولده وقواده. وَفِي ثَانِي عشره: خلع على الْأَمِير عز الدّين أيدمر العلائي الجمقدار الْمَعْرُوف بالزراق المستقر فِي ولَايَة الْقَاهِرَة ورسم لَهُ أَن يكون أَمِير جندار ثمَّ خلع على الْأَمِير سيف الدّين أرنبغا السلحدار وَاسْتقر أَمِير جندار عوضا عَن ألدمر. وَفِي تَاسِع عشريه: اسْتَقر فَخر الدّين مُحَمَّد تَاج الدّين مُحَمَّد بن مؤتمن الدّين الْحَارِث ابْن مِسْكين الشَّافِعِي فِي قَضَاء الْإسْكَنْدَريَّة وَتوجه إِلَيْهَا فِي عَاشر ربيع الأول. وَفِي الْمحرم هَذَا: قدم الْحَاج وأخبروا بِكَثْرَة الْفِتَن بِمَكَّة بَين الشريفين عطيفة ورميثة وَقُوَّة رميثة على عطيفة ونهبه مَكَّة وَخُرُوجه عَن الطَّاعَة وَأَنه لم يلق ركب الْحجَّاج فَكتب بِحُضُورِهِ. فَلَمَّا ورد المرسوم بِطَلَب الشريفين إِلَى مصر اتفقَا وخرجا عَن الطَّاعَة فشق ذَلِك على السُّلْطَان وعزم على إِخْرَاج بني حسن من مَكَّة. وَتقدم السُّلْطَان إِلَى الْأَمِير سيف الدّين أيتمش أَن يخرج بعسكر إِلَى مَكَّة وَعين مَعَه من الْأُمَرَاء الْأَمِير طيدمر الساقي والأمير أقبغا آص والأمير أقسنقر والأمير طرقش والأمير طقتمر الأحمد والأمير طقتمر الصّلاح وَأَرْبَعَة عشر من مقدمي الْحلقَة وعدة من أَعْيَان أجناد الْحلقَة. استدعى السُّلْطَان الْأَمِير أيتمش بدار الْعدْل وَقَالَ لَهُ بِحَضْرَة الْقُضَاة: لَا تدع فِي مَكَّة أحدا من الْأَشْرَاف وَلَا من القواد وَلَا من عبيدهم وناد بهَا من أَقَامَ مِنْهُم حل دَمه. ثمَّ أحرق جَمِيع وَادي نَخْلَة وألق فِي نخلها النَّار حَتَّى لَا تدع شَجَرَة مثمرة وَلَا دمنة عامرة وَخرب مَا حول مَكَّة من المساكن وَأخرج حرم الْأَشْرَاف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 139 مِنْهَا وأقم بهَا بِمن مَعَك حَتَّى يَأْتِيك عَسْكَر أخر. فَقَامَ فِي ذَلِك قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين مُحَمَّد الْقزْوِينِي وَوعظ السُّلْطَان وَذكره بِوُجُوب تَعْظِيم الْحرم إِلَى أَن اسْتَقر الْأَمر على أَن كتب لرميثة أَمَان وتقليد بإمرة مَكَّة. وَسَار الْعَسْكَر من ظَاهر الْقَاهِرَة فِي نصف صفر وعدتهم سَبْعمِائة فَارس. وَفِي سَابِع ربيع الأول: توجه السُّلْطَان إِلَى سرياقوس فَأَقَامَ بهَا أَيَّامًا ثمَّ سَار إِلَى الْبحيرَة والمنوفية وَمضى على الجيزة إِلَى البهنساوية وَعَاد إِلَى قلعة الْجَبَل فِي حادي عشر ربيع الآخر. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع عشرى ربيع الأول. اسْتَقر شرف الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الله ابْن الْحسن بن عبد الله بن عبد الْغَنِيّ بن عبد الْوَاحِد بن عَليّ الْمَقْدِسِي الْحَنْبَلِيّ فِي قَضَاء الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق وَفِي مستهل ربيع الآخر: تولى عَلَاء الدّين الطَّوِيل المنوفية ثمَّ بَطل ذَلِك وَتَوَلَّى فَخر الدّين أياس الدواداري المنوفية فِي الْيَوْم الْمَذْكُور. وَفِي جُمَادَى عشريه: خلع على ركن الدّين الكركر وَاسْتقر فِي ولَايَة قوص عوضا عَن غرس الدّين خَلِيل أخي طقصبا. وَفِي ثَالِث عشريه: سَار السُّلْطَان إِلَى نَاحيَة طنان وَأقَام هُنَاكَ أَيَّامًا ثمَّ عَاد إِلَى الجيزة فَأَقَامَ بهَا عدَّة أَيَّام. ثمَّ توجه السُّلْطَان إِلَى الحمامات ثمَّ رَجَعَ فَدخل قلعة الْجَبَل فِي رَابِع جُمَادَى الأولى. وَقدم عَلَيْهِ فِي سَفَره هَذَا رسل الْملك أبي سعيد بن خربندا. وَفِي حادي عشريه أَيْضا: اسْتَقر الْأَمِير عز الدّين أيدمر العلائي الْمَعْرُوف بأستادار ألطبغا الْحَاجِب فِي ولَايَة الْوَجْه البحري وَكَانَ وَالِي أسيوط ومنفلوط. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 140 وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سَابِع عشريه: مَاتَ الْأَمِير أرغون الدوادار نَائِب حلب فَخلع على الْأَمِير عَلَاء الدّين ألطبغا الصَّالِحِي بنيابة حلب فِي يَوْم الْخَمِيس أَخّرهُ وَتوجه إِلَيْهَا. وَفِي جُمَادَى الأولى: مرض القَاضِي تَاج الدّين إِسْحَاق نَاظر الْخَاص. وَتُوفِّي يَوْم الْإِثْنَيْنِ أول جُمَادَى الآخر. وَترك القَاضِي تَاج الدّين من الْأَوْلَاد علم إِبْرَاهِيم نَاظر الدولة وشمس الدّين مُوسَى وَسعد الدّين ماجد بَعْدَمَا وَصِيّ بهم الْفَخر نَاظر الْجَيْش فتوسط الْفَخر لَهُم مَعَ السُّلْطَان إِلَى أَن استدعي من الْغَد شمس الدّين مُوسَى وخلع عَلَيْهِ وَقَررهُ فِي نظر الْخَاص ووكالة السُّلْطَان عوضا عَن أَبِيه وَقد كَانَ يَنُوب عَنهُ فِي حَيَاته وَأقر السُّلْطَان أَخَاهُ علم الدّين إِبْرَاهِيم فِي نظر الدولة وَأقر عَلَاء الدّين بن هِلَال الدولة فِي شدّ الدَّوَاوِين وَشد الْخَاص وأنعم عَلَيْهِ بإمرة طبلخاناه. وَفِيه اسْتَقر عَلَاء الدّين مُحَمَّد بن نصر الله الجوحري شَاهد الخزانة فِيمَا كَانَ بيد شمس الدّين مُوسَى قبل ولَايَته نظر الْخَاص. وَفِيه اسْتَقر جمال الدّين يُوسُف أَخُو قنغلي فِي ولَايَة الشرقية بسفارة الْأَمِير بكتمر الساقي وَاسْتقر أَخُوهُ شُجَاع الدّين قنغلي فِي ولَايَة البهنساوية. وَفِي يَوْم السبت سادسه: خلع على عز الدّين عبد الْعَزِيز ابْن قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة وَاسْتقر فِي وكَالَة السُّلْطَان عوضا عَن التَّاج إِسْحَاق نَاظر الْخَاص بعد وَفَاته. وَفِي سَابِع جُمَادَى الْآخِرَة: قدم الْأَمِير أيتمش بالعسكر الْمُجَرّد إِلَى مَكَّة فَكَانَت مُدَّة غيبتهم أَرْبَعَة أشهر تنقص ثَمَانِيَة أَيَّام. وَكَانَ من خبرهم أَنهم لما قدمُوا مَكَّة كَانَ الشريف رميثة قد جمع عربا كَثِيرَة يُرِيد محاربتهم فَكتب إِلَيْهِ الْأَمِير أيتمش يعرفهُ بِأَمَان السُّلْطَان لَهُ وتقليده إمرة مَكَّة ويحثه على الْحُضُور إِلَيْهِ ويرغبه فِي الطَّاعَة ويحذره عَاقِبَة الْخلاف ويهدده على ذَلِك ويعرفه بِمَا أَمر بِهِ السُّلْطَان من إجلاء بني حسن وأتباعهم عَن مَكَّة. فَلَمَّا وقف رميثة على ذَلِك اطْمَأَن إِلَى الْأَمِير أيتمش وأجابه بِمَا كَانَ قد عزم عَلَيْهِ من الْحَرْب لَو أَن غَيره قَامَ مقَامه وَطلب مِنْهُ أَن يحلف هُوَ وَمن مَعَه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 141 أَلا يغدره وَأَن يقْرضهُ مبلغ خمسين ألف دِرْهَم يتعوضها من إقطاعه. فتقرر الْحَال على أَن يبْعَث إِلَيْهِ الْأَمِير أيتمش عشرَة أحمال من الدَّقِيق وَالشعِير والبقسماط وَغَيره ومبلغ خَمْسَة أُلَّاف دِرْهَم فَقدم حِينَئِذٍ. فَلَمَّا قَارب رميثة مَكَّة ركب الْأَمِير أيتمش بِمن مَعَه إِلَى لِقَائِه فَإِذا عدَّة من قواده مَعَ وزيره قد تقدموه ليحلفوا لَهُ الْعَسْكَر فعادوا بهم إِلَى الْحرم وحلفوا لَهُ أيماناً مُؤَكدَة ثمَّ ركبُوا إِلَى لِقَائِه وقابلوه بِمَا يَلِيق بِهِ من الْإِكْرَام فَلبس رميثة تشريف السُّلْطَان وتقلد إِمَارَة مَكَّة وعزم على تقدمة شَيْء لِلْأُمَرَاءِ فامتنعوا أَن يقبلُوا مِنْهُ هَدِيَّة وَكَتَبُوا إِلَى السُّلْطَان بِعُود الشريف إِلَى الطَّاعَة وَخَرجُوا من مَكَّة يُرِيدُونَ الْقَاهِرَة. فَلَمَّا وصلوا دخل الْأَمِير أيتمش على السُّلْطَان فشكره على مَا كَانَ مِنْهُ. وَكَانَ قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين الْقزْوِينِي حَاضرا فَأكْثر من الثَّنَاء على أيتمش وَقَالَ: هَذَا الَّذِي فعله هُوَ الْإِسْلَام. وَفِيه قدم الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادسه وَمَعَهُ الْأَمِير سيف الدّين أرقطاي نَائِب صفد. فَأكْرم السُّلْطَان الْأَمِير أرقطاي وقربه وَتقدم إِلَى جَمِيع الْأُمَرَاء أَن يقدموا لَهُ التقادم فَقدم لَهُ كل أحد على قدر همته وأنعم السُّلْطَان على أحد ولديه بإمرة طبلخاناه وعَلى الآخر بإمرة عشرَة. وَكَانَ سَبَب قدومه من صفد أَن الْأَمِير تنكز لما توجه فِي السّنة الخالية من دمشق يُرِيد الْقدوم على السُّلْطَان على عَادَته ركب الْأَمِير أرقطاي من صفد ليلقاه من رَأس اللجون وَمد لَهُ سماطاً جَلِيلًا وَركب إِلَى لِقَائِه فَلم ينصفه الْأَمِير تنكز فِي السَّلَام عَلَيْهِ وَسَار حَتَّى قرب من السماط فَلم يلْتَفت إِلَيْهِ وَلَا نزل لَهُ وَمر من غير أَن يَأْكُل مِنْهُ. فشق ذَلِك على أرقطا وَقيل لتنكز إِنَّه قد انْكَسَرَ خاطره من الْأَمِير فَقَالَ: وَمن قَالَ لَهُ يعْمل هَذَا فَبلغ ذَلِك السُّلْطَان فعتبه عِنْد حُضُوره على مَا كَانَ مِنْهُ لأرقطا وَقَالَ لَهُ: وماذا كَانَ يصيبك لَو أكلت طَعَامه وَأمره ان يحضرهُ صحبته إِذا قدم فِي السّنة الْآتِيَة وَكتب لأرقطاي أَن يحضر مَعَ الْأَمِير تنكز فَلَمَّا خرج الْأَمِير تنكز من دمشق فِي هَذِه السّنة وتلقاه أرقطا أكْرمه تنكز وَمضى بِهِ إِلَى مصر ثمَّ سافرا إِلَى مَحل كفالتهما فِي يَوْم الثُّلَاثَاء سادس عشرَة. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء حادي عشر شهر رَجَب: توجه الْأَمِير سيف الدّين طرغاي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 142 الجاشنكير والأمير بيغرا والأمير ملكتمر السرجواني. وَقد اسْتَقر فِي نِيَابَة الكرك بإبراهيم ولد السُّلْطَان إِلَى مَدِينَة الكرك ليقروه بهَا فوصلوا بِهِ إِلَيْهَا وعادوا مِنْهَا وَمَعَهُمْ أَحْمد ابْن السُّلْطَان وَكَانَ قد توجه قبل ذَلِك إِلَى الكرك فقدموا بِهِ قلعة الْجَبَل فِي يَوْم السبت سادس عشر شعْبَان وَمَعَهُ الْأَمِير بهادر البدري نَائِب الكرك. فختن الْأَمِير أَحْمد ابْن السُّلْطَان يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامن عشرَة بعد وُصُوله بيومين. وَفِيه قدمت رسل ملك الْهِنْد وَكَانَ مجيؤهم من جِهَة بَغْدَاد فأكرموا وخلع عَلَيْهِم وَسَارُوا فِي أَخّرهُ. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس رَمَضَان: أفرج عَن الشريف ودي أَمِير الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة وَعَن خرص ابْن أَخِيه وَكَانَا قد اعتقلا بقلعة الْجَبَل فِي أول شَوَّال سنة تسع وَعشْرين فرتب لَهما راتب حسن مُدَّة ثمَّ أنعم عَلَيْهِمَا بإقطاع فِي الشَّام وسارا إِلَيْهَا فَمَاتَ خرص ثمَّ ولي ودي إمرة الْمَدِينَة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: فر يُوسُف الكيمياوي من سجنه فَنُوديَ عَلَيْهِ بِالْقَاهِرَةِ ومصر وسرحت البطائق على أَجْنِحَة الْحمام لولاة الْأَعْمَال بتحصيله. وَفِي عاشره: خلع على الْأَمِير ملكتمر السرجواني وَاسْتقر فِي نِيَابَة الكرك عوضا عَن بهادر الْبَدْر وسافر من يَوْمه. وَفِي يَوْم السبت خَامِس عشره. حمل من خزانَة الْخَاص بالقلعة مهر آنوك ولد السُّلْطَان إِلَى بنت الْأَمِير بكتمر الساقي: وَهُوَ عشرَة أُلَّاف دِينَار ومائتان وَخَمْسُونَ تفصيلة حَرِير مثمنة وَمِائَة نافجة مسك وَألف مِثْقَال عنبر خام وَمِائَة شمعة موكبية وَثَلَاثَة أرؤس من الْخَيل مسرجة ملجمة، وَخَمْسَة مماليك على يَد كل مَمْلُوك بقجة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 143 وَسلم ذَلِك إِلَى الْأَمِير أيدغمش أخور والأمير طقتمر الخازن دوادار القَاضِي شمس الدّين مُوسَى نَاظر الْخَاص وألبس الثَّلَاثَة تشاريف جليلة وتوجهوا بذلك إِلَى بَيت الْأَمِير بكتمر الساقي فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَعقد العقد وعملت الْمُهِمَّات والأفراح الملوكية. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ نصف شَوَّال: رسم بعزل نواب قُضَاة الْقُضَاة الْأَرْبَعَة بِالْقَاهِرَةِ ومصر وَكَانَت عدتهمْ قد بلغت نَحْو الْخمسين نَائِبا فعزلوا بأجمعهم. وَفِي أول ذِي الْقعدَة: سَار الْأَمِير صَلَاح الدّين يُوسُف دوادار قبجق رَسُولا إِلَى أبي سعيد ملك الْعرَاق. وَفِي يَوْم الْأَحَد ثَالِث عشره: كتب كتاب الْأَمِير ملجك ابْن أُخْت الْأَمِير قوصون على بنت الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام. وحملت إِلَيْهِ من دمشق وصحبتها أَمْوَال جزيلة وتحف جليلة فَعمِلت أفراح سنية مُدَّة أَيَّام. وَفِيه أَيْضا كَانَ وَفَاء النّيل وَهُوَ خَامِس عشرى مسري. وَفِي سَابِع عشره: اسْتَقر شهَاب الدّين الإقفهسي فِي نظر الدولة عوضا عَن تَقِيّ الدّين عمر بن مُحَمَّد بن السلعوس. وَفِي يوج الْإِثْنَيْنِ خَامِس ذِي الْحجَّة: أسلم من الْكتاب النَّصَارَى الْمُهَذّب كَاتب الْأَمِير بكتمر وَفِي يَوْم السبت سَابِع عشره: ركب السُّلْطَان إِلَى الميدان الَّذِي استجده وَقد كملت عِمَارَته. وَكَانَ قد رسم فِي أول هَذِه السّنة بهدم مناظر الميدان الظَّاهِرِيّ وتجديد عِمَارَته وفوض ذَلِك إِلَى الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن المحسن فَهَدمهَا وَبَاعَ أخشابها بِمِائَة ألف دِرْهَم وَألْفي دِرْهَم واهتم فِي عمَارَة جَدِيدَة فكمل الْبناء فِي مُدَّة شَهْرَيْن وَجَاء كأحسن شَيْء يكون. فَخلع عَلَيْهِ السُّلْطَان وَفرق على الْأُمَرَاء الْخُيُول المسرجة الملجمة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: قبض على يُوسُف الكيمياوي بِمَدِينَة أحميم وَحمل مُقَيّدا فوصل إِلَى قلعة الْجَبَل فِي رَابِع عشريه. وَمثل يُوسُف بَين يَدي السُّلْطَان فَسَأَلَهُ عَن المَال فَقَالَ: عدم مني. فَسَأَلَهُ السُّلْطَان عَن صناعته فَقَالَ: كل مَا كنت أَفعلهُ إِنَّمَا هُوَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 144 خفَّة يَد فَعُوقِبَ عُقُوبَة شَدِيدَة بِالضَّرْبِ ثمَّ حمل إِلَى خزانَة شمائل سجن أَرْبَاب الجرائم بجوار بَاب زويلة من الْقَاهِرَة فَمَاتَ لَيْلَة الْأَحَد خَامِس عشريه فسمر وَهُوَ ميت وطيف بِهِ الْقَاهِرَة على جمل فِي يَوْم الْأَحَد. وَكَانَ قد عزم السُّلْطَان على أَن يُؤمر وَلَده أَحْمد الْمحْضر من الكرك فَركب الْأَمِير بكتمر الساقي وَسَائِر الْأُمَرَاء وَجَمِيع الخاصكية إِلَى الْقبَّة المنصورية بَين القصرين فِي خدمَة الْأَمِير أَحْمد وَهُوَ بشربوش وعَلى رَأسه سنجق وَأمر مَعَه أَيْضا ثَلَاثَة أُمَرَاء عشراوات فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس عشريه. وألزم الْأَمِير نَاصِر الدّين بن المحسني وَالِي الْقَاهِرَة جَمِيع أَرْبَاب الحوانيت بِالْقَاهِرَةِ أَن يوقدوا الشموع والقناديل ويزينوا الْقَاهِرَة زَينُوا الْأَسْوَاق وأشعلوا الشموع والقناديل وَجلسَ أَرْبَاب الملهى فِي عدَّة أَمَاكِن يضْربُونَ بألاتهم فَرحا بتأمير أَحْمد ابْن السُّلْطَان. وَاتفقَ فِي هَذِه السّنة توالي الأفراح لأجل عَافِيَة السُّلْطَان وتزويج وَلَده أنوك وتزويج ملجك ابْن أُخْت قوصون وتأمير أَحْمد بن السُّلْطَان. وَفِيه ورد الْخَبَر بإفساد الْعَرَب بِبِلَاد الصَّعِيد قطعهم الطَّرِيق فاستدعي ظلظية مُتَوَلِّي الشرقية وخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر فِي كشف الْوَجْه القبلي فَسَار فِي تجمع كَبِير وأوقع بِأَهْل الصَّعِيد وَقتل كثيرا من العربان وَلم يراع أحدا من الْأُمَرَاء فِي بِلَاده فعظمت مهابته وَخَافَ كل أحد بادرته. (وَفِي سَابِع عشره) نزل السُّلْطَان إِلَى الميدان تَحت القلعة وَعين الْأَمِير أرنبغا أَمِير جندارا للسَّفر مَعَ الْأَمِير أَحْمد ابْن السُّلْطَان. وَخرج طلب الْأَمِير أَحْمد وَمَعَهُ الْأُمَرَاء والحجاب فَسَار إِلَى الكرك وَسلمهُ الْأَمِير ملكتمر السرحواني نائبها وَأمر بتربيته وتأديبه. وَفِيه قدمت رسل ملك البلغار بكتابه يترامى على مراحم السُّلْطَان وَيسْأل أَن يبْعَث إِلَيْهِ سَيْفا وسنجقاً ليقهر بِهِ أعداءه. فأكرمت رسله وجهزت لَهُ خلعة طرد وَحش مقصب بِفَرْوٍ سنجاب مقندس على مفرج سكندري وكلفتاه زركش وشاش الجزء: 3 ¦ الصفحة: 145 بطرفين رقم وحياصة ذهب وكلاليب ذهب وَسيف محلى وسنحق سلطاني أصفر مَذْهَب. وفيهَا كثرت الشكاية من جمال الدّين عبدا لله ابْن قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين الْقزْوِينِي بِكَثْرَة لعبه وَرفعت فِيهِ عدَّة قصَص للسُّلْطَان. فَبعث السُّلْطَان إِلَى أَبِيه على لِسَان الْفَخر نَاظر الْجَيْش يَأْمُرهُ بكفه عَن ذَلِك فَلم ينْتَه عَن لعبه فرسم بِسَفَرِهِ من الْقَاهِرَة إِلَى الشَّام فَسَار على خيل الْبَرِيد. وفيهَا ولي عز الدّين بن عبد الْعَزِيز ابْن قَاضِي القضاه بدر الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة وكَالَة بَيت المَال وَنظر جَامع أَحْمد بن طولون وَنظر الْمدرسَة الناصرية. وفيهَا وصل إِلَى حلب نهر الساجور بعد مَا أنْفق عَلَيْهِ مَال كَبِير فسر بِهِ أهل حلب سُرُورًا زَائِدا. وفيهَا ملك أَبُو الْحسن عَليّ بن أبي سعيد عُثْمَان بن يَعْقُوب بن عبد الْحق المريني مَدِينَة فاس من بِلَاد الْمغرب بعد موت أَبِيه. وَمَات فِيهَا من الْأَعْيَان شهَاب الدّين صمغار ابْن الْأَمِير شمس الدّين سنقر الْأَشْقَر فِي ثَالِث عشر الْمحرم فأنعم بإمرته وَهِي طبلخاناه على بهادر بن قرمان. وَفِي يَوْم السبت ثامن عشره: توفّي الشَّيْخ صبيح التكروري بِدِمَشْق وَقد حدث بِالْقَاهِرَةِ ودمشق مرَارًا عَن النجيب الْحَرَّانِي وَغَيره. وَتُوفِّي الشَّيْخ عفيف الدّين عبد الله بن محيي الدّين عبد الله بن الصاحب صفي الدّين إِبْرَاهِيم بن هبة الله الْعَسْقَلَانِي بطرِيق مَكَّة الْخَمِيس ثَانِي عشره ومولده بِمصْر وَكَانَ يشْهد بِدِمَشْق على الْحُكَّام وَفِي الْأَمْلَاك بِغَيْر أُجْرَة وَلَا يقبل هَدِيَّة لأحد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 146 وَتُوفِّي أَمِير عَليّ أَخُو قطلوبك أحد أُمَرَاء العشراوات فِي سَابِع عشريه فأنعم بإمرته على أَمِير جمال بن طقزدمر. وَتُوفِّي الشَّيْخ تَاج الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْعِمَاد مُحَمَّد بن التَّاج أبي الْحسن عَليّ ابْن أَحْمد بن عَليّ الْقُسْطَلَانِيّ بِالْقَاهِرَةِ فِي يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع عشريه. وَتُوفِّي شمس الدّين عبد اللَّطِيف بن خَليفَة العجمي أَخُو الْوَزير نجيب الدولة وَزِير قازان غريقاً ببركة الْفِيل خَارج الْقَاهِرَة فِي سلخه وَكَانَ يعرف الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة. وَتُوفِّي محيي الدّين مُحَمَّد عبد الْعَزِيز بن عَليّ بن مُحَمَّد الْحَرَّانِي الْحَنْبَلِيّ ابْن أخي قَاضِي الْقُضَاة شرف الدّين الْحَرَّانِي بِالْقَاهِرَةِ فِي حادي عشره. وَتُوفِّي الْأَمِير بكتمر بن كرأي فِي خَامِس صفر. وَتُوفِّي الْأَمِير سيف الدّين منكلي بغا السِّلَاح دَار فِي يَوْم الْأَحَد سادسه وَدفن خَارج بَاب النَّصْر من القاهره وَكَانَ أحد أُمَرَاء الألوف وَتزَوج خوند دلنبية بنت طاجي مُطلقَة السُّلْطَان وأنعم بإمرته على تمربغا السَّعْدِيّ وَكَانَ كثير الْأكل كثير النِّكَاح. وَتُوفِّي زين الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أبي بكر مُحَمَّد بن عَليّ الْقُسْطَلَانِيّ فِي سابعه. وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن تَقِيّ الدّين سُلَيْمَان بن حَمْزَة بن أَحْمد بن عمر بن الشَّيْخ أبي عمر مُحَمَّد بن أَحْمد بن أَحْمد بن قدامَة الْحَنْبَلِيّ بِدِمَشْق فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء وَولي قَضَاء الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق بعده شرف الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن الْحسن بن عبد الله بن عبد الْغَنِيّ الْمَقْدِسِي. وَتُوفِّي الْأَمِير سيف الدّين قجليس أَمِير سلَاح فِي يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس عشر صفر وأنعم على ساطلمش الجلالي بإقطاعه. وَتُوفِّي الْأَمِير سيف الدّين طرجي الساقي أَمِير مجْلِس فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سادس ربيع الآخر وأنعم بطبلخاناته على أولاجا وَاسْتقر الْأَمِير طقزدمر عوضه أَمِير مجْلِس. فِي سادس عشر ربيع الآخر. وَتُوفِّي الْمسند بدر الدّين المحاسن يُوسُف بن عمر بن حسان بن أبي بكر عَليّ الْحَنَفِيّ فِي يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس عشر صفر بِالْقَاهِرَةِ، وَهُوَ آخر من حدث عَن سبط ابْن السُّفْلى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 147 وَتُوفِّي الْأَمِير حسام الدّين لاجين زيرباج الجاشنكير فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ رَابِع عشر صفر. وَتُوفِّي الْأَمِير بغجار الساقي فِي رَابِع ربيع الأول وأنعم بطلبخاناته على أَمِير عمر بن أرغون النَّائِب. وَتُوفِّي سنجر البرواني أحد أُمَرَاء الطبلخاناه فِي الْحمام فَجْأَة يَوْم السبت ثامن ربيع الآخر فأنعم بإمرته على أيدمر العلائي. وَتُوفِّي ضِيَاء الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن سُلَيْمَان بن ربيعَة الْأَذْرَعِيّ الشَّافِعِي بالرملة فِي ثَالِث عشريه ومولده بنابلس فِي سنة سِتّ وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَكَانَ قَاضِيا سِتِّينَ سنة ونظم كثاب التَّنْبِيه فِي الْفِقْه فَبلغ سِتَّة عشر ألف بَيت وَله أزجال ومو شحات. وَمَات الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْأَمِير حسام الدّين طرنطاي المنصوري يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن رَجَب وَهُوَ أحد مقدمي الألوف. وَتُوفِّي الآمير نور الدّين مَحْمُود بن هِلَال الدولة الريداني أحد أُمَرَاء العشرات بِدِمَشْق. وَتُوفِّي الْأَمِير أرغون الدوادار نَائِب حلب بهَا فِي لَيْلَة السبت ثامن عشر ربيع الآخر وَمَات ابْنه نَاصِر الدّين مُحَمَّد قبله وَقدم إِلَى الْقَاهِرَة أَرْبَعَة من أَوْلَاده. وَتُوفِّي جمال الدّين أَبُو عبد الله بن عبد الْوَاحِد بن الْخضر الْمَعْرُوف بِابْن السَّابِق الْحلَبِي فِي لَيْلَة الْأَحَد رَابِع عشريه فَجْأَة بحلب ومولده بالإسكندرية سنة خمس وَسِتِّينَ وسِتمِائَة ولي نظر بعلبك وَنظر بَيت المَال بِدِمَشْق. وَتُوفِّي الشَّيْخ الْمسند شرف الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن فَخر الدّين عبد المحسن بن الرّفْعَة بن أبي الْمجد الْعَدوي فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء ثامن عشريه ومولده سنة أَربع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَأَبوهُ عبد المحسن ينْسب جَامع ابْن الرّفْعَة بَين الْقَاهِرَة ومصر. وَتُوفِّي القَاضِي عز الدّين الْخضر بن عِيسَى بن عمر بن الْخضر الهكاري بالأشمونين فِي عاشره بعد عَزله من قَضَائهَا وَقد نَيف على التسعين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 148 وَتُوفِّي القَاضِي تَاج الدّين عَليّ بن نظام الدّين يُوسُف ابْن القَاضِي الْمُوفق فَخر الدّين ابْن عَليّ ابْن القَاضِي الْأمين مفضل بن مِقْدَام بن مَحْمُود بن يَعْقُوب اللَّخْمِيّ فِي تَاسِع عشريه بَعْدَمَا كف بَصَره ولي نظر الخزانة الْكُبْرَى ودرس بمدرسة الصاحب صفي الدّين بن شكر بِالْقَاهِرَةِ والمدرسة وَكَانَ مِقْدَام قَاضِي دمياط وناظرها أَيَّام خلفاء الْقَاهِرَة وَهُوَ أَخُو شكر. وَتُوفِّي الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن آل ملك الْمُجَاهِد إِسْحَاق ابْن السُّلْطَان بدر الدّين لُؤْلُؤ صَاحب الْموصل فِي ثامنه خَارج مَدِينَة مصر ومولده يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشرى الْمحرم سنة سبع وَخمسين وسِتمِائَة. وَتُوفِّي الْأَمِير ظلظيه وَالِي الْوُلَاة بِالْوَجْهِ القبلي فِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشر جُمَادَى الْآخِرَة وَاسْتقر عوضه الْأَمِير غرس الدّين خَلِيل أَخُو طقصبا الناصري. وَتُوفِّي مجد الدّين إِبْرَاهِيم بن لفيتة نَاظر الدولة بعد عَزله فِي ثامن عشره فَجْأَة بَعْدَمَا خرج من الْحمام وَلبس ثِيَابه وَشرب قدح شراب. وَتُوفِّي الْمُقْرِئ نور الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن الْمُقْرِئ شرف الدّين مُحَمَّد بن مُجَاهِد الْمَعْرُوف بِابْن الوارب أَمَام الْجَامِع الحاكمي فِي سادسه وَهُوَ أحد مَشَايِخ القرءات السَّبع. وَتُوفِّي الشَّيْخ الزَّاهِد موفق الدّين أَبُو الْفَتْح عِيسَى بن عبد الرَّحِيم بن جَعْفَر بن مُحَمَّد ابْن إِبْرَاهِيم بن ثَعْلَب الْجَعْفَرِي الْمَالِكِي بِمصْر لَيْلَة الْأَحَد ثَانِيه وَدفن بالقرافة وَكَانَ لَا يتَنَاوَل نصِيبه من ديوَان الْأَشْرَاف. وَتُوفِّي تَاج الدّين إِسْحَاق ويدعى عبد الْوَهَّاب نَاظر الْخَاص فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ مستهل جُمَادَى الْآخِرَة وَولي نظر الْخَاص بعد القَاضِي كريم الدّين الْكَبِير وباشر بِسُكُون زَائِد وانجماع وسياسة وَقَامَ بمهمات عَظِيمَة وَولي بعده وكَالَة بَيت المَال عز الدّين عبد الْعَزِيز بن جمَاعَة وَولي نظر خزانَة الْخَاص عَلَاء الدّين مُحَمَّد بن نصرالله بن مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب الْجَوْهَرِي وَولي المكين بن قزوينة اسْتِيفَاء الصُّحْبَة وَالْخَاص. وَتُوفِّي ضِيَاء الدّين أَحْمد بن الشَّيْخ قطب الدّين مُحَمَّد بن عبد الصَّمد بن عبد الْقَادِر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 149 السنباطي الشَّافِعِي فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء تاسعه وَبِيَدِهِ تدريس الزاوية الخشابية بجابع مصر. وَتُوفِّي تَاج الدّين أَبُو بكر بن معِين الدّين مُحَمَّد بن الدماميني رَئِيس التُّجَّار الكارمية فِي ثَالِث عشرى جُمَادَى الْآخِرَة وَقد قَارب ثَمَانِينَ سنة وَترك مائَة ألف دِينَار عينا. وَتُوفِّي الْأَمِير حسام الدّين طرنطاي دوادار كتبغا لَيْلَة الْأَحَد ثامن عشريه فَجْأَة وَكَانَ لَهُ ثراء وَاسع جدا. وَتُوفِّي نور الدّين عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد الْحَنَفِيّ أَمِين الحكم بالحسينية ظَاهر القرافة فِي سلخه. وَتُوفِّي فَخر الدّين عُثْمَان إِبْرَاهِيم بن مصطفى التركماني الْحَنَفِيّ فِي حادي عشر شهر رَجَب وَهُوَ يَلِي نِيَابَة النّظر بالمارستان المنصوري. وَتُوفِّي القَاضِي جمال الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عُثْمَان بن عبد الرَّزَّاق الْمَالِك أحد نواب الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة فِي ثامن عشريه. وَتُوفِّي تَقِيّ الدّين عمر بن السلعوس نَاظر الدولة بعد عَزله فِي سادس عشرى ذِي الْقعدَة. وَتُوفِّي الْأَمِير ركن الدّين عمر بن الْأَمِير سيف الدّين بهادر آص المنصوري فِي تَاسِع عشر ذِي وَتُوفِّي زين الدّين عمر بن نجم الدّين البالسي الشَّافِعِي مدرس الْمدرسَة الطيبرسية فِي سلخه فولي عوضه أَخُوهُ نور الدّين عَليّ. وَمَات بلبان المهمندار عَتيق الدواداري فِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشر ربيع الآخر. وَمَات ملك الْمغرب صَاحب فاس أَبُو سعيد عُثْمَان بن يَعْقُوب بن عبد الْحق بن محيو ابْن أبي بكر بن حمامة فِي ذِي الْحجَّة وَقَامَ من بعده ابْنه السُّلْطَان أَبُو الْحسن عَليّ فَكَانَت مدَّته إِحْدَى وَعِشْرُونَ سنة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 150 سنة اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة الْمحرم أَوله الْجُمُعَة: فِيهِ قدم مبشرو الْحَاج وأخبروا برخاء الأسعار وسلامة الْحجَّاج وَأَن الْأَمِير عَلَاء الدّين مغلطاي الجمالي على خطة. وَفِي سَابِع عشرَة: توفّي مغلطاي الْمَذْكُور عِنْد نُزُوله بسطح عقبَة أيله فَصَبر وَحمل إِلَى الْقَاهِرَة فوصلها لَيْلَة الْخَمِيس حادي عشريه وَدفن من غده بمدرسته قَرِيبا من درب ملوخيا. وَاسْتقر عوضه فِي الأستادارية الْأَمِير عَلَاء الدّين أقبغا عبد الْوَاحِد وخلع عَلَيْهِ يَوْم الثُّلَاثَاء سادس عشريه وَأقر ألطقش مَمْلُوك الأفرم على نِيَابَة الأستادارية. ثمَّ بعد أَيَّام أضيف إِلَى الْأَمِير أقبغا تقدمة المماليك السُّلْطَانِيَّة مَعَ الأستادارية من أجل أَنه وجد بعض المماليك وَقد نزل من القلعة إِلَى الْقَاهِرَة إِذْ تنكر السُّلْطَان لما حدث من نزُول بعض المماليك من القلعة إِلَى الْقَاهِرَة وَضرب كثيرا من طواشية الطاق وطرد جمَاعَة مِنْهُم وَأنكر على الْمُقدم الْكَبِير وَهُوَ يَوْمئِذٍ الطواشي شُجَاع الدّين عنبر السحرتي تهاونه حَتَّى وَقع مَا وَقع وَصَرفه بالأمير أقبغا. فضبط أفبغا طباق المماليك بالقلعة وَضرب عدَّة مِنْهُم ضربا مبرحاً وَبَالغ فِي إهانة الخدام أَيْضا فَلم يَجْسُر أحد من المماليك أَن يتَجَاوَز طبقته. وفيهَا اسْتَقر الْأَمِير سيف الدّين بهادر الدمرداشي رَأس نوبَة الجمدارية عوضا عَن الْأَمِير أقبغا عبد الْوَاحِد بِحكم انْتِقَاله إِلَى الأستدارية وَكَانَ الْأَمِير بهادر قد حظي عِنْد السُّلْطَان حظوة مكينة. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشريه: دَار نقيب الْجَيْش والحاجب بِجَامِع القلعة على الْأُمَرَاء وهم ينتظرون الصَّلَاة وقبضوا على من مَعَهم من مماليك دمرداش بن جوبان وسجنوهم. وَذَلِكَ أَن الْأَمِير طرغاي الجاشنكير كَانَ عِنْده جمَاعَة فَبَلغهُ من بعض مماليكه أَنه سمع أحد مماليك دمرداش يَقُول لآخر: أقد درنا على الصّبيان الْجَمِيع واتفقنا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 151 على كلمة وَاحِدَة فَقُمْ والبس قماشك فميعادنا بَاب الْقلَّة عِنْد خُرُوجهمْ من الْجَامِع. فَنقل ذَلِك لمخدومه الْأَمِير طرغاي فبادر وَقبض على من عِنْده من مماليك دمرداش ونهض إِلَى السُّلْطَان وأعلمه بالْخبر فسر بذلك. واستدعى السُّلْطَان نقيب الْجَيْش والحاجب وَأسر إِلَيْهِمَا أَن يقبضا على من حضر من مماليك دمرداش بالجامع ويتتبعا من غَابَ مِنْهُم فَقبض على الْجَمِيع قبل إِقَامَة الصَّلَاة. ثمَّ جمع الْأُمَرَاء بعد الصَّلَاة عِنْد السُّلْطَان وعرفهم السُّلْطَان مَا نَقله الْأَمِير طرغاي وَأمر السُّلْطَان أَمِير جندار بعقوبة من قبص عَلَيْهِ فعوقبوا ثمَّ قتل بَعضهم وسجن باقيهم فَإِنَّهُم اعْتَرَفُوا وهم فِي الْعقُوبَة بِأَنَّهُم أَرَادوا أَخذ ثأر استاذهم دمرداش وَقتل الْأُمَرَاء لتصير لَهُم بذلك سمعة فِي بِلَاد الْمشرق. فَخَالف على نَفسه الْأَمِير بهادر الدمرداش وتحرز من السُّلْطَان. شهر صفر أَوله يَوْم الْأَحَد: وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَالِث عشريه: استدعى السُّلْطَان الْأُمَرَاء وأعلمهم أَنه يُرِيد أَن يعْهَد إِلَى وَلَده الإمير نَاصِر الدّين أنوك فأذعنوا لذَلِك كلهم فرسم بركوبه بشعار السلطنة وأحضرت الْخلْع لأرباب الوظالف. ثمَّ انثنى عزم السُّلْطَان عَن ذَلِك وأبطل الْجَمِيع ورسم أَن يلبس آنوك شعار الْأُمَرَاء وَلَا يُطلق عَلَيْهِ اسْم السلطنة فَركب آنوك وَعَلِيهِ خلعة أطلس أَحْمَر بطرز ذهب وشربوش مكلل مزركش. وَخرج آنوك من بَاب القرافة والأمراء فِي خدمته حَتَّى مر بسوق الْخَيل تَحت القلعة فباس الأَرْض وطلع من بَاب الإسطبل إِلَى بَاب السِّرّ فطلع مِنْهُ وَنَثَرت عَلَيْهِ الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم. وخلع على الْأَمِير ألماس الْحَاجِب والأمير بيبرس الأحمد والأمير أيدغمش أَمِير أخور خلع أطلس وخلع أَيْضا على بَقِيَّة أَرْبَاب الْوَظَائِف وَمد لَهُم سماط عَظِيم وعملت الأفراح الجليلة مُدَّة أَيَّام. وَكَانَ قد رسم بِعَمَل المهم لعقد الْأَمِير آنوك على زَوجته بنت بكتمر الساقي فعقد العقد بِالْقصرِ على صدَاق مبلغه من الذَّهَب اثْنَا عشر ألف دِينَار الْمَقْبُوض مِنْهُ عشرَة أُلَّاف دِينَار. وَفِيه تقدم السُّلْطَان إِلَى الْأَمِير عَلَاء الدّين بن هِلَال الدولة بِجمع الدَّوَاوِين ليختار مِنْهُم من يستخدمه لآنوك فَإِنَّهُ أنعم عَلَيْهِ بإقطاع الْأَمِير مغلطاي الجمالي فَحَضَرَ من الْغَد عدَّة من الدَّوَاوِين فَأخذ السُّلْطَان يسْأَل كلا مِنْهُم ويتعرف خَبره إِلَى أَن وَقع اخْتِيَاره على شرف الدّين النشو فَإِنَّهُ كَانَ قد وقف بَين يَدَيْهِ غير مرّة فِي محاققة فِي خدمَة الْأُمَرَاء فأعجبه كَلَامه ومحاققته ورسم أَن يكون من جلة المستوفين. فَلَمَّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 152 حضر النشو فِي هَذَا الْيَوْم أَشَارَ السُّلْطَان لِابْنِ هِلَال الدولة أَن يستخدمه بديوان الْأَمِير آنوك وَيكون الْأَمِير سيف الدّين ألطنقش أستادارا لَهُ وخلع عَلَيْهِمَا وَنزلا. شهر ربيع الأول أَوله يَوْم الْإِثْنَيْنِ: فِي سادسه: قدم الْحَاج أَحْمد بن سنقر رَسُولا من الْملك أبي سعيد وعَلى يَده كتاب بِسَبَب الخطة والمصاهرة. فَأُجِيب بِأَن ذَلِك يحْتَاج إِلَى مهلة وَأخذ مَا مَعَه من الْهَدِيَّة. وَهِي جمال بَخَاتِي ثَلَاثَة قطر وَعشرَة أرؤس من الْخَيل وَعشرَة مماليك وَعشر جوَار جنكيات وَعشرَة دبابيس وأعيد فِي ثَانِي عشريه. وَفِيه كتب إِلَى الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام أَن يحضر وَمَعَهُ نَائِب حماة لحضور مُهِمّ الْأَمِير أنوك على الْأَمِير بكتمر الساقي فشرع الْأُمَرَاء فِي الاحتفال للمهم وبعثوا إِلَى دمشق لعمل التحف. شهر ربيع الآخر أَوله يَوْم الْإِثْنَيْنِ: فِي عاشره: قدم الْملك الْأَفْضَل نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن الْملك الْمُؤَيد عماد الدّين إِسْمَاعِيل صَاحب حماة بعد وَفَاة أَبِيه بهَا وَله من الْعُمر نَحْو الْعشْرين عَاما فَأكْرمه السُّلْطَان وَأَقْبل عَلَيْهِ. وَكَانَ وَالِده لما توفّي بحماة أخْفى أَهله مَوته وسارت أم الْأَفْضَل إِلَى دمشق وترامت على الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام وقدمت لَهُ جوهراً رائعاً وَسَأَلته فِي إقامه وَلَدهَا الْأَفْضَل مَكَان أَبِيه فَقبل تنكز هديتها وَكتب فِي الْحَال إِلَى السُّلْطَان بوفاة الْمُؤَيد وتضرع إِلَيْهِ فِي إِقَامَة ابْنه مَكَانَهُ. فَلَمَّا قدم الْبَرِيد بذلك تأسف السُّلْطَان على الْمُؤَيد وَكتب إِلَى الْأَمِير تنكزلإجابة سُؤَاله وتجهيز ابْن الْمُؤَيد إِلَى مصر فجهزه تنكز إِلَى السُّلْطَان فقابله من الإنعام وإدرار الأرزاق بنظير مَا كَانَ لِأَبِيهِ. وَفِي يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشريه. ركب الْأَفْضَل من الْمدرسَة المنصورية بَين القصرين وَهُوَ بشعار السلطنة وَبَين يَدَيْهِ الغاشية وَفد نشرت على رَأسه الْأَعْلَام الثَّلَاثَة مِنْهَا وَاحِد خليفتي أسود وَاثْنَانِ سلطانيان أصفران وَعَلِيهِ خلعة أطلس بطرز ذهب وعَلى رَأسه شربوش وَفِي وَسطه حياصة ذهب بِثَلَاثَة بيكارات. وَسَار الْأَفْضَل فِي موكب جليل بِالْقَاهِرَةِ إِلَى بَاب زويلة وَصعد إِلَى قلعة الْجَبَل وَقبل الأَرْض بَين يَدي السُّلْطَان بِالْقصرِ. ثمَّ جلس الْأَفْضَل فَخلع على الْأُمَرَاء الَّذين مَشوا فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 153 خدمته: وهم الْأَمِير ألماس الْحَاجِب والأمير بيبرس الأحمد والأمير عَلَاء الدّين أيدغمش أَمِير آخور والأمير طغجي أَمِير سلَاح والأمير تمر رَأس نوبَة وَقد لبس كل مِنْهُم أطلسين. وخلع الْأَفْضَل على الْأَمِير شُجَاع الدّين عنبر مقدم المماليك طرد وَحش وخلع على جَمِيع أَرْبَاب الْوَظَائِف أَيْضا وَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. ولقبه السُّلْطَان يَوْمئِذٍ بِالْملكِ الْأَفْضَل وجهزه إِلَى بِلَاده. وَفِي يَوْم السبت سَابِع عشر جُمَادَى الأولى: خرجت التجريدة لكبس الإطفيحية وفيهَا نَحْو خَمْسَة عشر أَمِيرا. وَفِي أول شعْبَان: قدم تنكز نَائِب الشَّام لحضور عرس الْأَمِير آنوك ابْن السُّلْطَان. وَفِيه رسم بإحضار جَمِيع من بِالْقَاهِرَةِ ومصر من أَرْبَاب الملهى إِلَى الدّور السُّلْطَانِيَّة. وَوَقع الشُّرُوع فِي عمل الإخوان فَأَقَامَ المهم سَبْعَة أَيَّام بلياليها. واستدعى السُّلْطَان حَرِيم جَمِيع الْأُمَرَاء إِلَيْهِ فَكَانَ أمرا عَظِيما. فَلَمَّا كمانت لَيْلَة السَّابِع مِنْهُ: جلس السُّلْطَان على بَاب الْقصر وَتقدم الْأُمَرَاء على قدر مَرَاتِبهمْ وَاحِد بعد وَاحِد وَمَعَهُمْ الشموع فَإِذا قدم الْوَاحِد مَا أحضرهُ من الشمع قبل الأَرْض وَتَأَخر. ومازال السُّلْطَان بمجلسه حَتَّى انْقَضتْ تقادمهم فَكَانَت عدتهَا ثَلَاثَة أُلَّاف وَثَلَاثِينَ شمعة زنتها ثَلَاثَة أُلَّاف وَسِتُّونَ قِنْطَارًا فِيهَا مَا عني بِهِ وَنقش نقشاً بديعاً تنوع فِي تحسينه فَكَانَ أبهجها وأحسنها شمع الْأَمِير علم الدّين سنجر الجاولي فَإِنَّهُ اعتنى بأمرها وَبعث إِلَى عَملهَا بِدِمَشْق فَجَاءَت من أبدع شَيْء. ثمَّ جلس السُّلْطَان فِي لَيْلَة الْجُمُعَة حادي عشر شعْبَان وَهِي لَيْلَة الْعرس على بَاب الْقصر وأشعلت تِلْكَ الشموع بأسرها. وَجلسَ ابْنه الْأَمِير آنوك تجاهه وَأَقْبل الْأُمَرَاء جَمِيعًا وكل أَمِير يحمل بِنَفسِهِ شمعه وَخَلفه مماليكه تحمل الشمع فتقدموا على قدر رتبهم وقبلوا الأَرْض وَاحِدًا بعد وَاحِد طول ليلهم حَتَّى إِذا كَانَ أخر اللَّيْل نَهَضَ السُّلْطَان وَعبر إِلَى حَيْثُ مُجْتَمع النِّسَاء فَقَامَتْ نسَاء الْأُمَرَاء بأسرهن وقبلن الأَرْض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 154 وَاحِدَة بعد أخر وَهِي تقدم مَا أحضرت من التحف الفاخرة والنقوط حَتَّى انْقَضتْ تقادمهن جَمِيعًا. ورسم السُّلْطَان برقصهن عَن آخِرهنَّ فرقصن حسن أَيْضا وَاحِدَة بعد وَاحِدَة والمغاني تضربن بدفوفهن وأنواع المَال من الذَّهَب وَالْفِضَّة وشقف الْحَرِير يلقى على الْمُغَنِّيَات فَحصل لَهُنَّ مَا يحل وَصفه ثمَّ زفت الْعَرُوس. وَجلسَ السُّلْطَان من بكرَة الْغَد وخلع على جَمِيع الْأُمَرَاء وأرباب الْوَظَائِف وأكابر الْأُمَرَاء ورسم لإمرأة كل أَمِير من الْأُمَرَاء بعبية قماش على قدر منزلَة زَوجهَا وخلع على الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام وجهز صحبته الْخلْع لأمراء الشَّام. فَكَانَ هَذَا الْعرس من الأعراس الْمَذْكُورَة ذبح فِيهِ الْغنم وَالْبَقر وَالْخَيْل والأوز والدجاج مَا يزِيد على عشْرين ألفا وَعمل فِيهِ من السكر برسم الْحَلْوَى والمشروب ثَمَانِيَة عشر ألف قِنْطَار وَبَلغت قيمَة مَا حمله الْأَمِير بكتمر الساقي مَعَ ابْنَته من الشورة ألف ألف دِينَار مصرية. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع رَجَب: اسْتَقر الْأَمِير صَلَاح الدّين يُوسُف دوادار قبجق مهمندار عوضا عَن شهَاب الدّين أَحْمد بن آقوش العزيزي بعد وَفَاته. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سَابِع عشره: اسْتَقر شرف الدّين مُوسَى بن التَّاج اسحاق فِي نظر الْجَيْش بعد وَفَاة الْفَخر مُحَمَّد بن فضل الله وَاسْتقر شرف الدّين عبد الْوَهَّاب النشو فِي نظر الْخَاص عوضا عَن شرف الْمَذْكُور فِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشره. وَكَانَ الْفَخر لما اشْتَدَّ بِهِ الْمَرَض بلغه عَن مُوسَى بن التَّاج إِسْحَاق أَنه سعى فِي نظر الْجَيْش فشق عَلَيْهِ ذَلِك وَركب وَقد انتهك من شدَّة الْمَرَض وَدخل على السُّلْطَان وَقَالَ: مَا أزعجت نَفسِي إِلَّا لنصحك ولأوصيك بعائلتي وأولادي وَعِنْدِي ذخيرة للسطان فَأَما نصيحتى فَهِيَ أَن أَوْلَاد التَّاج إِسْحَاق تواصوا على أكل مَال آل آص والدولة وَالْعَمَل على السُّلْطَان. وَبَالغ الْفَخر فِي الوقيعة فيهم وَعرف السُّلْطَان أَنه ادخر عشرَة أُلَّاف دِينَار وشيئاً من الْجَوَاهِر وَجَمِيع ذَلِك للسُّلْطَان فشكره السُّلْطَان وَأثر فِيهِ كَلَامه فِي أَوْلَاد التَّاج إِسْحَاق. ثمَّ قَامَ الْفَخر وَعَاد إِلَى دَاره ثمَّ طلب بعد ثَلَاثَة أَيَّام الْأَمِير عَلَاء الدّين بن هِلَال الدولة وَدفع إِلَيْهِ ورقة مختومة وأوصاه أَن يَدْفَعهَا إِلَى السُّلْطَان بعد مَوته فَأوقف ابْن هِلَال الدولة السُّلْطَان عَلَيْهَا وَتركهَا عِنْده. فَمَاتَ الْفَخر من الْغَد فَنزل ابْن هِلَال الدولة وَأَوْلَاد التَّاج إِسْحَاق وعدة من الْأُمَرَاء إِلَى بَيت الْفَخر وَأَحَاطُوا بِهِ. فوجدا فِيهِ عشرَة أُلَّاف دِينَار وَهِي الَّتِي عين الْفَخر وموضعها للسُّلْطَان ووجدوا مَعهَا جَوَاهِر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 155 فعادوا بذلك إِلَى السُّلْطَان وَمَعَهُمْ لُؤْلُؤ مَمْلُوك الْفَخر فَأمره السُّلْطَان أَن يعرفهُ بِمَا لأستاذه من الْأَمْوَال وهدده تهديداً كَبِيرا فالتزم أَنه لَا يخفي شَيْئا. وَنزل لُؤْلُؤ فَكتب عدَّة أوراق اشْتَمَلت على أَصْنَاف من البضائع للتِّجَارَة وعَلى عدد بساتين ودواليب ومعاصر بِأَرْض مصر وضياع بِالشَّام كدمشق وحماة وحلب وغزة والقدس وَغَيرهَا مِنْهَا مَا وَقفه وَمِنْهَا مَا هُوَ غير وقف. فأوقع السُّلْطَان الحوطة على جَمِيع موجوده بديار مصر وَكتب إِلَى نواب الشَّام بِمثل ذَلِك ورسم بيع الْأَصْنَاف فبلغت قيمَة مَا وجد لَهُ ألف ألف دِرْهَم سوى مَا تَركه السُّلْطَان لأولاده. وَكَانَ النشو فِي ابْتِدَاء أمره يتخدم لِابْنِ هِلَال الدولة شاد الدَّوَاوِين ويتردد إِلَيْهِ كثيرا ويبالغ فِي خدمته فاستخدمه ابْن هِلَال الدولة فِي الأشغال وَقدمه إِلَى السُّلْطَان وشكر من كِتَابَته إِلَى أَن استخدمه السُّلْطَان مُسْتَوْفيا فَصَارَ النشو يعد من إنْشَاء ابْن هِلَال الدولة. ثمَّ إِنَّه لما أسلم تسمى بِعَبْد الْوَهَّاب وتلقب بشرف الدّين فعندما اسْتَقر عِنْد الْأَمِير آنوك ابْن السُّلْطَان صَار يَخْلُو بالسلطان ويحادثه فِي أَمر الدولة. وَيكثر من الوقيعة فِي الدَّوَاوِين حَتَّى أثر كَلَامه فِي نفس السُّلْطَان وتصور فِي ذهنه مِنْهُ أَنه يحصل لَهُ مَالا كثيرا فَمَا هُوَ إِلَّا أَن اسْتَقر فِي نظر الْخَاص حَتَّى أَخذ يغري السُّلْطَان بأولاد التَّاج إِسْحَاق حَتَّى غَيره عَلَيْهِم فعزل السُّلْطَان شرف الدّين مُوسَى من نظر الْجَيْش فِي نصف شعْبَان بعد عشْرين يَوْمًا من تَوليته وَولي مكين الدّين إِبْرَاهِيم بن قزوينة عوضه وَأمر بِالْقَبْضِ على شرف الدّين مُوسَى وَعلم الدّين إِبْرَاهِيم وَلَدي التَّاج ومصادرتهما فَقبض عَلَيْهِمَا فِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشر شعْبَان. وَذَلِكَ أَنه اتّفق أَن السُّلْطَان. استدعى ابْن هِلَال الدولة وَأسر إِلَيْهِ أَن الْأُمَرَاء اذا دخلو إِلَى الْخدمَة وَخَرجُوا يمْضِي وَمَعَهُ الشُّهُود وناظر بَيت المَال ويحاط على بيُوت أَوْلَاد التَّاج إِسْحَاق. فَلَمَّا جلس الْقُضَاة ووقف الْأُمَرَاء وأرباب الدولة بِالْخدمَةِ وَشرف الدّين مُوسَى بن التَّاج إِسْحَاق فيهم - الْتفت السُّلْطَان إِلَى الْقُضَاة وَأخذ فِي الثَّنَاء على شرف الدّين وَقَالَ فِي أخر كَلَامه: أَنا ربيت هَذَا وعملته كاتبي فانفض أهل الْخدمَة وهم يستعظمون هَذَا من السُّلْطَان فِي حق نَاظر الْجَيْش وَحل مُوسَى فِي أَعينهم. فَمَا هُوَ إِلَّا أَن جلس مُوسَى بديوان الْجَيْش من القلعة حَتَّى بلغه أَن الحوطة قد وَقعت على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 156 بَيته وَأَن رسل الدِّيوَان على بَاب ديوَان الْجَيْش وَبلغ الْخَبَر أَيْضا إِلَى أَخِيه علم الدّين إِبْرَاهِيم وَهُوَ جَالس والدواوين بَين يَدَيْهِ فَنظر فَإِذا جمَاعَة من الرُّسُل قد وقفُوا مرسمين عَلَيْهِ فأغلق كل مِنْهُمَا دواته وَجلسَ ينْتَظر الْمَوْت إِلَى الْعَصْر. ثمَّ صعد ابْن هِلَال الدولة بأوراق الحوطة وَهِي تشْتَمل على شَيْء كثير جدا مِنْهَا لزوحة علم الدّين إِبْرَاهِيم أَرْبَعمِائَة سروال. فَسلم شرف الدّين مُوسَى وَعلم الدّين لإِبْرَاهِيم بن هِلَال الدولة وأحضرت المعاصير وَسُئِلَ مُوسَى عَن صندوق ذكر أَنه أَخذه من تَرِكَة أَبِيه فِيهِ من الْجَوَاهِر وَالذَّهَب مَا يبلغ مائَة ألف دِينَار صَارَت إِلَى أَبِيه من جِهَة المكين الترجمان بعد مَوته فَأنْكر مُوسَى ذَلِك وَحلف عَلَيْهِ. فرق لَهُ ابْن هِلَال الدولة وَلم ينله بمكروه فَأنْكر عَلَيْهِ شرف الدّين النشو عبد الْوَهَّاب ترك عُقُوبَته فَمَا زَالَ ابْن هِلَال الدولة يدافع عَنهُ وَهُوَ يحمل المَال من قبله وَمن قبل أَخِيه شَيْئا بعد شَيْء. وَفِي ثَانِي شعْبَان: خلع السُّلْطَان على شرف الدّين أبي بكر بن شمس الدّين مُحَمَّد بن الشهَاب مَحْمُود كَاتب سر فِي كِتَابَة السِّرّ بديار مصر عوضا عَن القَاضِي محيي الدّين ابْن فضل الله. وَاسْتقر ابْن الشهَاب مَحْمُود محيي الدّين فِي كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق وخلع عَلَيْهِ بذلك بَعْدَمَا طيب السُّلْطَان خاطره وَأثْنى عَلَيْهِ وشكره. وَكَانَ ابْن الشهَاب مَحْمُود قد قدم مَعَ الْأَمِير تنكز وَمثل بَين يَدي السُّلْطَان فأعجب بشكله وَأخذ تنكز يثني عَلَيْهِ بِأَنَّهُ أَمِين مَأْمُون الغائلة. وَكَانَ محيي الدّين بن فضل الله قد ثقل سَمعه فَوَقع اخْتِيَار السُّلْطَان أَن يَنْقُلهُ إِلَى دمشق ويولي بَين يَدَيْهِ عوضه ابْن الشهَاب مَحْمُود فَحدث السُّلْطَان الْأَمِير تنكز فِي ذَلِك فَمَا وَسعه إِلَّا مُوَافقَة غَرَض السُّلْطَان فِيمَا أحب. وَفِيه رسم للأمير تنكز بِالْعودِ إِلَى دمشق فَتوجه من الْقَاهِرَة يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس عشر شعْبَان. وَفِي يَوْم الْأَحَد عشريه: خلع السُّلْطَان على القَاضِي مكين الدّين بن قزوينة وَاسْتقر فِي نظر الْجَيْش عوضا عَن شرف الدّين مُوسَى بن التَّاج نَاظر الْخَاص وَقد نقل ابْن قزوينة إِلَيْهَا من اسْتِيفَاء الْخَاص وَنظر ديوَان ابْن السُّلْطَان وَنظر ديوَان الْأَمِير بشتاك. وَفِيه أَمر النشو نَاظر الْخَاص وَابْن هِلَال الدولة شاد الدَّوَاوِين بتجهيز السُّلْطَان إِلَى سفر الْحجاز فشرعا فِي طلب العربان وإعداد الإقامات من البقسماط والدقيق وَالشعِير وَغير ذَلِك. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِي شعْبَان: استدعى السُّلْطَان الْأَمِير صَلَاح الدّين يُوسُف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 157 المهمندار وخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر دوادارا عوضا عَن الْأَمِير يُوسُف الجاي بعد مَوته وَاسْتقر عوضه فِي المهمندارية الْأَمِير سيف الدّين جاريك مَمْلُوك قفجق الجوكندار. وَفِيه وَقع الْجد فِي أَمر السّفر إِلَى الْحجاز وكتبت أوراق بأسماء الخواتين وَبَعض السراري وَبَعض الْأُمَرَاء ليكونوا صُحْبَة السُّلْطَان فِي سَفَره. وَكتب إِلَى نواب الشَّام باستدعاء مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فشرعوا فِي عمل ذَلِك وَحَمَلُوهُ وَهُوَ عدَّة أَصْنَاف وَكثير من الهجن بسلاسل الذَّهَب وَالْفِضَّة وعدة من الْخُيُول وَقدم أَيْضا عَامَّة أُمَرَاء مصر وَالشَّام تقادم جليلة على قدر مَرَاتِبهمْ وقدمت تقادم أُمَرَاء العربان من آل فضل وَآل مهنا وَآل عِيسَى وتنافسوا بأجمعهم فِي تقادمهم وَقصد كل أحد أَن يمتاز على الآخر. واستدعى السُّلْطَان الْأَمِير مُوسَى بن مهنا ليسافر فِي الصُّحْبَة وَحشر جَمِيع الصناع من الْقَاهِرَة ومصر للْعَمَل فِي هَذَا المهم. وَفِيه نقل مُوسَى بن التَّاج إِسْحَاق وَأَخُوهُ إِبْرَاهِيم من عِنْد ابْن هِلَال الدولة إِلَى الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن المحسني وَالِي الْقَاهِرَة. ورسم لَهُ بعقوبة مُوسَى حَتَّى يحضر الصندوق. فَأمره النشو أَن يبسط عَلَيْهِمَا أَنْوَاع الْعَذَاب وَيضْرب مُوسَى بالمقارع فَاسْتَأْذن السُّلْطَان على ذَلِك وعرفه مَا أمره بِهِ النشو فَمَنعه السُّلْطَان من ضربه بالمقارع لكنه يهدده ويضربه تَحت رجلَيْهِ نَحْو خمس عشرَة ضَرْبَة. فَبعث النشو عِنْدَمَا نزل من القلعة من يحضر ضرب مُوسَى بالمقارع غير أَن ابْن المحسني عمل بِمَا أَشَارَ بِهِ السُّلْطَان فأحضر مُوسَى وهدده وَأمر بِهِ فبطح وَضرب بِالْعِصِيِّ نَحْو عشْرين ضَرْبَة فتنكر عَلَيْهِ النشو وَاشْتَدَّ حنقه عَلَيْهِ. وَفِي سادس رَمَضَان: أفرج عَن الْأَمِير مغلطاي بَعْدَمَا سجن عشْرين سنة وَخَمْسَة أشهر وَثَلَاثَة أَيَّام. وَفِي شَوَّال: خرج محمل الْحَاج إِلَى الْبركَة على الْعَادة مَعَ الْأَمِير عز الدّين أيدمر الخطيري أَمِير الركب ورحل فِي عشريه. وَكَانَ السُّلْطَان قد ركب فِي ثامن عشره تزل بسرياقوس ثمَّ اسْتقْبل بِالْمَسِيرِ إِلَى الْحجاز فِي الْإِثْنَيْنِ خَامِس عشريه بَعْدَمَا قدم حرمه صُحْبَة الْأَمِير طقتمر فِي عدَّة من الْأُمَرَاء. واستناب السُّلْطَان على ديار مصر سيف الدّين ألماس الْحَاجِب ورسم لَهُ أَن يُقيم فِي دَاره وَجعل الْأَمِير أقبغا عبد الْوَاحِد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 158 دَاخل بَاب الْقلَّة برسم حفظ الدّور وَجعل الْأَمِير جمال الدّين أقوش نَائِب الكرك بالقلعة وَأمره أَلا ينزل مِنْهَا حَتَّى يحضر وَأخرج كل أَمِير من الْأُمَرَاء المقيمين إِلَى إقطاعه وَتقدم إِلَيْهِم أَلا يعودوا مِنْهَا حَتَّى يرجع من الْحجاز. وَتوجه مَعَ السُّلْطَان إِلَى الْحجاز الْملك الْأَفْضَل صَاحب حماة وَكَانَ قد قدم يَوْم الْأَحَد سادس عشرى شعْبَان وَمن الْأُمَرَاء جنكلي بن البابا والحاج آل ملك وبيبرس الأحمد وبهادر المعزي وأيدغمش أَمِير أخور وبكتمر الساقي وطقزدمر وسنجر الجاولي وقوصون وطايربغا وطغاي تمر وبشتاك وأرنبغا وطغجي وَأحمد بن بكتمر الساقي وصوصون وبهادر النَّاصِر وجركتمر بن بهادر وطيدمر الساقي وأقبغا آص الجاشنكير وطقتمر الخازن وطوغان الساقي وسوسن السلحدار وبلك وبيبغا الشمسي وبيغرا وقماري وتمر الموسوي وأيدمر أَمِير جاندار وبيدمر البدري وطقبغا الناصري وأيتمش الساقي وأياز الساقي وألطقنش وَأنس وأيدمر ددقمان وطبيغا المحمدي وجاريك وقطز أَمِير آخور وبنيدمر وأيبك وأيدمر الْعمريّ ويحيي ابْن طايربغا ومسعود الْحَاجِب ونوروز وكجلي وبرلغي وبكجا ويوسف الدوادار وقطلقتمر السلحدار ونانق وساطلمش وبغاتمر وَمُحَمّد بن جنكل وَعلي بن أيدغمش وألجاي وأقسنقر النَّاصِر وقرا وعلاء الدّين عَليّ بن هِلَال الدولة وتمربغا الْعقيلِيّ وقماري الْحسن وَعلي بن أيدمر الخطيري وطقتمر اليوسفي وكل هَؤُلَاءِ مقدمون وطبلخاناه وَمن أُمَرَاء العشرات عَليّ بن السعيد وصاروجا النَّقِيب وآقسنقر الرُّومِي وأياجي الساقي وسنقر الخازن وَأحمد بن كجكن وأرغون العلائي وأرغون الْإِسْمَاعِيلِيّ وبغا وَمُحَمّد بن الخطير وَأحمد بن أيدغمش وطشبغا وقليجي. وَحج مَعَ السُّلْطَان أَيْضا قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين مُحَمَّد الْقزْوِينِي وَحج أَيْضا عز الدّين عبد الْعَزِيز بن جمَاعَة وموافق الدّين الْحَنْبَلِيّ وَعز الدّين بن الْفُرَات الْحَنَفِيّ وفخر الدّين النويري الْمَالِكِي وَكَانُوا أربعتهم ينزلون فِي خيمة وَاحِدَة فَإِذا تقدّمت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 159 إِلَيْهِم فتوي كتبُوا عَلَيْهَا وَهَذَا من غَرِيب الِاتِّفَاق. وَقدم السُّلْطَان الْأَمِير أيتمش إِلَى عقبَة أَيْلَة وَمَعَهُ مائَة رجل من الحجارين حَتَّى وسعهَا وأزال وعرها وَمن يَوْمئِذٍ سهل صعودها. وفيهَا بلغ مَاء النّيل عشرَة أَصَابِع من تِسْعَة عشر ذِرَاعا. وفيهَا طلب الشَّيْخ شمس الدّين الْأَصْفَهَانِي من دمشق على الْبَرِيد إِلَى الْقَاهِرَة. وفيهَا كملت عمَارَة جَامع الْأَمِير سيف الدّين الْحَاج آل ملك بالحسينية خَارج الْقَاهِرَة. وفيهَا اسْتَقر عَلَاء الدّين عَليّ بن منجا فِي قَضَاء الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق. وفيهَا قبض على الصاحب شمس الدّين غبريال وأحيط بأمواله وأسبابه. وَكَانَ وَفَاء النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا وَذَلِكَ فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء حادي عشر ذِي الْقعدَة وَهُوَ ثَانِي عشر مسرى. وَبلغ ثَمَانِيَة عشر ذِرَاعا وَإِحْدَى عشر أصبعاً. وَمَات فِيهَا من الْأَعْيَان الْأَمِير عَلَاء الدّين مغلطاي الجمالي ويلقب خرز الْوَزير عِنْد نُزُوله من سطح الْعقبَة فِي يَوْم الْأَحَد سَابِع عشر الْمحرم وَحمل إِلَى الْقَاهِرَة فَدفن بخانكاته فِي يَوْم الْخَمِيس حادي عشريه وَهُوَ من المماليك الناصرية نَقله السُّلْطَان وَهُوَ شَاب من الخاصكية إِلَى أمرة بهادر الإبراهيمي الْمَعْرُوف بربرابة نقيب المماليك وَبَعثه فِي مهماته ثمَّ ولاه أستاداراً ووزيراً وَحكمه فِي جَمِيع المملكة وَكَانَ جواد عَارِفًا يمِيل إِلَى الْخَيْر حشماً وانتفع بِهِ جمَاعَة كَثِيرَة فِي ولَايَته لِأَنَّهُ كَانَ يَأْخُذ على ولَايَة المباشرات المَال فقصده النَّاس لذَلِك وَكَانَ إِذا ولي أحدا وَجَاء من يزِيد عَلَيْهِ عَزله وَولي الَّذِي زَاد بَعْدَمَا يعلم أَنه قد استوفى مَا قَامَ لَهُ بِهِ من المَال وَمن لم يسْتَوْف ذَلِك لَا يعزله وَلم يصادر أحدا فِي مُدَّة ولَايَته وَلَا عرف أَنه ظلم أحد بل كَانَت أَيَّامه مشكورة وَكَانَ المستولي عَلَيْهِ مجد الدّين إِبْرَاهِيم بن لفيتة وَترك عدَّة أَوْلَاد من ابْنة الْأَمِير أسندمر كرجي نَائِب طرابلس وَإِلَيْهِ تنْسب مدرسة الجمالية بِالْقربِ من درب ملوخيا بِالْقَاهِرَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 160 وَتُوفِّي الْملك الْمُؤَيد عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن الْملك الْأَفْضَل عَليّ بن المظفر مَحْمُود بن الْمَنْصُور مُحَمَّد بن المظفر تَقِيّ الدّين عمر بن شاهنشاه بن نجم الدّين أَيُّوب بن شادي صَاحب حماة فِي سَابِع عشرى الْمحرم عَن نَحْو سِتِّينَ سنة كَانَ أَولا بِدِمَشْق من جملَة أمرائها ثمَّ أعطَاهُ السُّلْطَان مملكة حماة ولقبه بِالْملكِ الصَّالح ثمَّ لقبه بِالْملكِ الْمُؤَيد وأركبه فِي الْقَاهِرَة بشعار السلطنة والأمراء مشَاة فِي خدمته حَتَّى الْأَمِير أرغون النَّائِب وَقَامَ بِجَمِيعِ مَا يحْتَاج إِلَيْهِ وَأمر نواب الشَّام أَن يكاتبوه بتقبيل الأَرْض وَكتب هُوَ إِلَيْهِ: أَخُوهُ مُحَمَّد بن قلاوون وَكَانَ كَرِيمًا فَاضلا فِي الْفِقْه وَتُوفِّي برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن عمر بن إِبْرَاهِيم الربيعي الجعبري شيخ الْقرَاءَات فِي شهر رَمَضَان. وَتُوفِّي صدر الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله الدندري الشَّافِعِي فِي لَيْلَة الْجُمُعَة ثامن جُمَادَى الآخر. وَكَانَ من شُيُوخ الْقرَاءَات وفضلاء الْفُقَهَاء بقوص. وَتُوفِّي الْأَمِير سيف الدّين الجاي الدوادار يَوْم الْإِثْنَيْنِ مستهل شعْبَان. وَمَات الديستي والكنجار فِي يَوْم الْأَحَد خَامِس شهر ربيع الأول. وَتُوفِّي القَاضِي فَخر الدّين مُحَمَّد بن فضل الله نَاظر الْجَيْش يَوْم الْأَحَد سادس عشر رَجَب. وَتُوفِّي سونتاي نوين حَاكم ديار بكر عَن نَحْو الْمِائَة سنة وَحكم بعده عَليّ بادشاه خَال بوسعيد. وَتُوفِّي ياقوت بن عبد الله الحسني الشاذلي تلميذ أبي الْعَبَّاس المرسي لَيْلَة الثَّامِن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 161 عشر من جُمَادَى الْآخِرَة وَكَانَ شَيخا صَالحا مُبَارَكًا ذَا هَيْئَة ووقار لم يخلف فِي الْإسْكَنْدَريَّة مثله. وَتُوفِّي الشَّيْخ عبد العال خَليفَة أَحْمد البدوي بطنطا فِي ذِي الْحجَّة وَله شهرة بالصلاح ويقصد للزِّيَادَة والتبرك بِهِ. وَمَات الْأَمِير عَلَاء الدّين مغلطاي المَسْعُودِيّ يَوْم السبت سَابِع ذِي الْقعدَة بعد خُرُوجه من السجْن بِقَلِيل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 162 سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة (فِي ثامن الْمحرم) قدم الْأَمِير بلك الجمدار المظفري مبشراً بسلامة السُّلْطَان فدقت البشائر وخلعت عَلَيْهِ خلع كَثِيرَة وَاطْمَأَنَّ النَّاس بَعْدَمَا كَانَت بَينهم أراجيف وعينت الإقامات للسُّلْطَان والأمراء. وَكَانَ السُّلْطَان لما قرب فِي مسيره من عقبَة أَيْلَة بلغه اتفاف الْأَمِير بكتمر الساقي على الفتك بِهِ مَعَ عدَّة من المماليك فتمارض وعزم على الرُّجُوع إِلَى مصر فوافقه الْأُمَرَاء على ذَلِك إِلَّا بكتمر الساقي فَإِنَّهُ أَشَارَ بإتمام السّفر وشنع عوده قبل الْحَج. فسير السُّلْطَان ابْنه آنوك وَأمه إِلَى الكرك صُحْبَة الْأَمِير ملكتمر السرجواني نَائِب الكرك وَكَانَ قدم إِلَى الْعقبَة وَمَعَهُ ابْنا السُّلْطَان أَبُو بكر وَأحمد ثمَّ مضى السُّلْطَان فِي يَوْم هُوَ مُحْتَرز غَايَة التَّحَرُّز بِحَيْثُ أَنه ينْتَقل فِي اللَّيْل عدَّة مَرَّات من مَكَان إِلَى أخر ويخفي مَوضِع مبيته من غير أَن يظْهر أحدا على مَا نَفسه مِمَّا بلغه إِلَى أَن وصل إِلَى يَنْبع. فَتَلقاهُ الْأَشْرَاف من أهل الْمَدِينَة بحريمهم وَقدم عَلَيْهِ الشريف أَسد الدّين رميثة من مَكَّة وَمَعَهُ قواده وحريمه فأكرمهم السُّلْطَان وأنعم عَلَيْهِم وَسَارُوا مَعَه إِلَى أَن نزل خليص فِي ثَلَاثِينَ مَمْلُوكا إِلَى جِهَة الْعرَاق. فَلَمَّا قدم السُّلْطَان مَكَّة أَكثر بهَا من الإنعام على الْأُمَرَاء وَأنْفق فِي جَمِيع من مَعَه من الأجناد والمماليك ذَهَبا كثيرا وَعم بصدقاته أهل الْحرم. فَلَمَّا قضي النّسك عَاد يُرِيد مصر فَلَمَّا وصل إِلَى الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة هبت بهَا فِي اللَّيْل ريح شَدِيدَة جدا أَلْقَت الخيم كلهَا وتزايد اضْطِرَاب النَّاس وفر مِنْهُم عدَّة من المماليك واشتدت ظلمَة الجو فَكَانَ أمرا مهولاً. فَلَمَّا كَانَ النَّهَار سكن الرّيح فَظهر أَمِير الْمَدِينَة بِمن فر من المماليك فَخلع السُّلْطَان عَلَيْهِ وأنعم عَلَيْهِ بِجَمِيعِ مَا كَانَ مَعَ المماليك من مَال وَغَيره. وَبعث السُّلْطَان بالمماليك إِلَى الكرك وَكَانَ أخر الْعَهْد بهم. وَقدم السُّلْطَان إِلَى الْقَاهِرَة فِي يَوْم السبت ثامن عشر الْمحرم بَعْدَمَا ورد الْخَبَر بِمَوْت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 163 بكتمر الساقي وَولده وَكَثُرت الإشاعات. وَقد خرج مُعظم النَّاس فِي لِقَائِه بِحَيْثُ غلقت أسواق الْقَاهِرَة ومصر وَخرج شرف الدّين النشو فَبسط الشقاق الْحَرِير والزر بفت الَّتِي جباها من الْأُمَرَاء المقيمين وأرباب الدولة من بَين العروستين إِلَى بَاب الإصطبل. فَلَمَّا توَسط السُّلْطَان بَين الجبلين صاحت الْعَامَّة: هوإياه مَا هوإياه بِاللَّه اكشف لثامك وأرنا وَجهك. وَكَانَ السُّلْطَان قد تلثم فحسر اللثام عَن وَجهه فصاحوا بأجمعهم: الْحَمد لله على السَّلامَة وبالغوا فِي إِظْهَار الْفرج بِهِ وَالدُّعَاء لَهُ فسره ذَلِك مِنْهُم. وَصعد السُّلْطَان القلعة فدقت البشائر وعملت الأفراح ثَلَاثَة أَيَّام. وَكَانَت حجَّة السُّلْطَان هَذِه يضْرب بهَا الْأَمْثَال: أبيع بِمَكَّة فِيهَا الأردب من الشّعير من عشرَة دَرَاهِم إِلَى عشْرين درهما وأبيع البقسمات بِالْعَدْلِ فَكَانَ يقف كل رَطْل مِنْهُ بفلس وَاحِد وأبيع السكر كل رَطْل بِدِرْهَمَيْنِ والعلبة الْحَلْوَى بِثَلَاثَة دَرَاهِم. وقدمت تنكز نَائِب الشَّام افي خليص فعمت النَّاس وأنعم السُّلْطَان على جَمِيع أهل مَكَّة وَكَانَ إنعامه على الشريف رميثة بِخَمْسَة أُلَّاف دِينَار وعَلى زَوجته بِخَمْسِمِائَة دِينَار وَذَلِكَ سوى مَا أنعم بِهِ على الْبَنَات وَغَيرهَا. فَقدم لَهُ رميثة مائَة فرس وَألف رَأس من الْغنم فَرد الْجَمِيع وَأخذ مِنْهَا فرسين لَا غير. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ عشريه: جلس السُّلْطَان بدار الْعدْل وخلع على جَمِيع الْأُمَرَاء والمقدمين وأنعم عَلَيْهِم إنعامات كَثِيرَة. وَفِيه منع السُّلْطَان النشو من التَّعَرُّض لمباشري بكتمر الساقي وَسَائِر ألزامه وَطلب الْمُهَذّب كَاتب بكتمر وألزمه بِكِتَابَة مَا خَلفه فَوجدَ لَهُ سِتَّة وَثَلَاثُونَ ألف أردب غلَّة وَمن السِّلَاح والجوهر وَغَيره مَا زَادَت قِيمَته على مائَة ألف دِينَار واتهم مُوسَى الصير فِي أَنه خصّه مِمَّا سَرقه مباشروه خَمْسَة وَعِشْرُونَ ألف دِينَار. ثمَّ عرض السُّلْطَان مماليك بكتمر وأخذلهم جمَاعَة وأنعم على الْأَمِير بشتاك بإقطاع بكتمر وَجَمِيع حواصله ومغله ثمَّ زوجه زَوجته بعد وَفَاء عدتهَا. وَفِي ثَالِث عشريه: سَافر الْأَفْضَل صَاحب حماة. وَفِيه قدم الْبَرِيد من تنكز نَائِب الشَّام بتهنئة السُّلْطَان بقدومه سالما وَطلب الْإِذْن لَهُ فِي الْقدوم إِلَى الْقَاهِرَة وشكا تنكز من الْأَمِير طينال نَائِب طرابلس لترفعه عَلَيْهِ وخرق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 164 حرمته وإعراضه عَمَّا يكاتبه فِيهِ. فَأُجِيب بالشكر وَالْإِذْن لَهُ بالحضور وعزل طينال وَاسْتقر الْأَمِير قرطاي عوضه وَنقل طينال إِلَى نِيَابَة غَزَّة إهانة لَهُ. وَركب الْأَمِير يبغرا الْبَرِيد لتقليد الْمَذْكُورين وَقد أوصاه السُّلْطَان إِلَى رَأْي من طينال كَرَاهَة لنيابة غَزَّة يقبضهُ ويحضر بِهِ مُقَيّدا. وَفِيه كتب بِإِضَافَة غَزَّة إِلَى نِيَابَة الشَّام وَأَن نائبها يُكَاتب نَائِب الشَّام فِيمَا يعن لَهُ من الْأُمُور وَلَا يُكَاتب السُّلْطَان. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ خَامِس صفر: قدم الصاحب أَمِين الدّين عبد الله بن الغنام باستدعاء وخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر فِي نظر الشَّام وَنظر الْخَاص بهَا وذظر الْأَوْقَاف عوضا عَن الشَّمْس غبريال وَكتب توقيعه من إنْشَاء الصّلاح خَلِيل بن أيبك الصَّفَدِي وسافر فِي حادي عشره. وَفِيه أنعم على الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْأَمِير جنكلي بن البابا بإمرة طبلخاناه وأنعم بِعشْرَة على أَخِيه. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كثرت مصادرات النشو للنَّاس: فَأَقَامَ من شهد على التَّاج إِسْحَاق أَنه تسلم من المكين الترجمان صندوقاً فِيهِ ذهب وزمرد وجوهر مثمن فرسم لِابْنِ المحسني بعقوبة مُوسَى بن التَّاج إِسْحَاق حَتَّى يحضر الصندوق. وَطلب النشو وُلَاة الْأَعْمَال وألزمهم بِحمْل المَال وَبعث أَخَاهُ لكشف الدواليب بالصعيد وتتبع حَوَاشِي ابْن التَّاج إِسْحَاق فَقدم قنغلي وَالِي البهنسا وقتشمر وَالِي الغربية وفخر الدّين إِيَاس مُتَوَلِّي المنوفية وعدة من المباشرين فتسلمهم ابْن هِلَال الدولة ليستخلص مِنْهُم الْأَمْوَال. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع ربيع الأول: توجه الْأَمِير سيف الدّين بيغرا لتقليد الْأَمِير شهَاب الدّين قرطاي نِيَابَة طرابلس عوضا عَن طينال وَقد نقل قرطاي إِلَيْهَا من أمرة بِدِمَشْق وَاسْتقر طينال فِي نِيَابَة غَزَّة. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع عشرى جُمَادَى الأولى: قدم الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام فَأكْرمه السُّلْطَان إِكْرَاما زَائِدا على عَادَته. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 165 وَفِيه تفاوض شرف الدّين أَبُو بكر مُحَمَّد بن الشهَاب مَحْمُود كَاتب السِّرّ والأمير صَلَاح الدّين يُوسُف الدوادار حَتَّى توحش مَا بَينهمَا وارتفعا إِلَى السُّلْطَان. فَسَأَلَ كَاتب السِّرّ أَن يعود إِلَى الشَّام فَأُجِيب إِلَى ذَلِك وَكتب بِطَلَب محيي الدّين يحيى بن فضل الله كَاتب السِّرّ بِدِمَشْق ليستقر فِي كِتَابَة السِّرّ. وَفِيه قدم الْبَرِيد بِمَوْت قطب الدّين مُوسَى ابْن شيخ السلامية نَاظر الْجَيْش بِدِمَشْق فتروى السُّلْطَان أَيَّامًا فِيمَن يُولى عوضه إِلَى أَن تعين فَخر الدّين مُحَمَّد بن بهاء الدّين عبد الله بن أَحْمد بن عَليّ بن الْحلِيّ فَخلع عَلَيْهِ فِي أول صفر وسافر إِلَيْهَا فِي تَاسِع عشر صفر. وَفِي تَاسِع جُمَادَى الْآخِرَة: خلع على الْأَمِير تنكز خلعة السّفر وَتوجه إِلَى دمشق وصحبته ابْن الْحلِيّ نَاظر الْجَيْش وَشرف الدّين بن الشهَاب مَحْمُود كَاتب السِّرّ. وَفِي سلخ جُمَادَى الْآخِرَة: قدم محيي الدّين يحيى بن فصل الله الْعمريّ من دمشق بأولاده فَخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر فِي كِتَابَة السِّرّ عوضا عَن ابْن الشهَاب مَحْمُود وخلع على أَوْلَاده. وَفِيه قدم نَاظر حلب وَعَامة مباشريها فتسلمهم ابْن هِلَال الدولة لعمل الْحساب وَسبب ذَلِك أَنه لما مَاتَ فندش ضَامِن دَار الطّعْم وعداد الأغنام بحلب قَامَ بعده من ضمن الْجِهَتَيْنِ فسعى بدر الدّين لُؤْلُؤ الْحلَبِي مَمْلُوك فندش فِي الضَّمَان فَلم يجب إِلَيْهِ لسوء سيرته فَكتب إِلَى السُّلْطَان بِأَنَّهُ يعين فِي جِهَة مباشري حلب أَمْوَالًا عَظِيمَة أهملوها وصالحوا عَلَيْهَا فطلبوا لذَلِك. وَكَانَ لُؤْلُؤ قد حضر إِلَى الْقَاهِرَة فعينه السُّلْطَان شاد الدَّوَاوِين بحلب فسافر إِلَيْهَا صَحبه الْأَمِير سيف الدّين جركتمر النَّاصِر وَأخذ فِي كشف أَحْوَال المباشرين ومحاققتهم بِنَاء عَن أَمر السُّلْطَان. وَفِيه قدم المخلص أَخُو النشو من كشف الدواليب والزراعات بِالْوَجْهِ القبلي فأغرى النشو السُّلْطَان بمباشري الْوَجْه القبلي وَأَنَّهُمْ فرطوا فِي مباشراتهم وأتلفوا عدَّة أَمْوَال للسُّلْطَان. فَكتب بالحوطة على جَمِيع مباشري الْوَجْه القبلي شاديه وعماله وشهوده والمتحدثين وَحَملهمْ وَحمل الْأَمِير أَحْمَر عينه وإيقاع الحوطة على موجوده كُله وَكَانَ قديم الْمُبَاشرَة فِي الدواليب وَله سَعَادَة جليلة وَحمل عز الدّين أيبك شاد الدواليب وَكَانَ أَيْضا صَاحب أَمْوَال جزيلة فأوقعت الحوطة على أَمْوَال الْجَمِيع وحملوا إِلَى الْقَاهِرَة. وَفِيه طلب النشو تجار الْقَاهِرَة ومصر وَطرح عَلَيْهِم عدَّة أَصْنَاف من الْخشب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 166 والجوخ والقماش بِثَلَاثَة أَمْثَال قِيمَته وَركب إِلَى دَار القند وَاعْتبر أوزان القنود الْوَاصِلَة إِلَى الْأُمَرَاء من معاصرهم وَغَيرهَا وَكَانَت شَيْئا كثيرا. وَكَانَ السُّلْطَان قد رسم لِلْأُمَرَاءِ بمسامحتهم بمما عَلَيْهَا للديوان فألزم النشو مباشريهم بِمَا عَلَيْهِم للديوان عَنْهَا وَلم يمتثل مَا فِي المراسيم السُّلْطَانِيَّة من مسامحتهم. ثمَّ ركب النشو إِلَى السُّلْطَان وعرفه بِأَن الَّذِي للديوان على القنود الَّتِي اعتبرها فِي يَوْمه مبلغ سِتَّة أُلَّاف دِينَار وَأَنه كل قَلِيل يرد لِلْأُمَرَاءِ من القنود مثل ذَلِك وَأكْثر مِنْهُ وَأَن مَال السُّلْطَان يذهب فِي هَذَا وَأَمْثَاله فَإِن الدَّوَاوِين تسرق بِحجَّة مُسَامَحَة الْأُمَرَاء شَيْئا كثيرا. فأثر ذَلِك فِي نفس السُّلْطَان وَمكن النشو من عمل مَا يختاره وَألا يسامح أحدا بِشَيْء مِمَّا عَلَيْهِ للديوان فشق ذَلِك على الْأَمِير قوصون وَحدث السُّلْطَان فِي إِمْضَاء مَا رسم لَهُ بِهِ من المسوح عَن القند فَلم يجبهُ السُّلْطَان إِلَى ذَلِك ووعده أَنه يعوضه عَلَيْهِ بِأَكْثَرَ مِنْهُ. فانكفت الْأُمَرَاء عَن السُّؤَال وَعظم النشو بِهَذَا فِي أعين النَّاس. واستدعى النشو ابْن الْأَزْرَق نَاظر الْجِهَات وَكَانَ ظلوماً غشوماً فَكتب لَهُ أَسمَاء أَرْبَاب الْأَمْوَال من التُّجَّار وَطرح عَلَيْهِم قماشاً استدعي بِهِ من الْإسْكَنْدَريَّة بِثَلَاثَة أَمْثَال قِيمَته وأخرق بِمن عَارضه مِنْهُم وَحمل النشو للسُّلْطَان من هَذَا وَشبهه أَمْوَالًا عَظِيمَة. وَفِيه قدم الصاحب شمس الدّين عبد الله غبريال بن أبي سعيد بن أبي السرُور من دمشق فألزم بِحمْل أَرْبَعِينَ ألف دِينَار وَضعهَا كريم الدّين عِنْده ليتجر لَهُ بهَا وَحمل مَا أَخذه فِي مُبَاشَرَته من مَال السُّلْطَان وَكَانَ ذَلِك بإغراء النشو. فَقَامَ فِي أمره الْأَمِير بتشاك والأمير قوصون حَتَّى يُقرر عَلَيْهِ مَا يحملهُ من غير أهنة فَحمل ألف ألف دِرْهَم. وعمت مضرَّة النشو النَّاس جَمِيعًا وانتمى إِلَيْهِ عدَّة من الأشرار ونموا على الكافة من أهل القبلي وَالْوَجْه البحري ودلوه على من عِنْده شَيْء من الْجَوَارِي المولدات لشغف السُّلْطَان بِهن فَحملت إِلَيْهِ عدَّة مِنْهُنَّ بطلبهن من أربابهن وَسعوا عِنْده بأرباب الْأَمْوَال أَيْضا فدهى النَّاس مِنْهُ بلَاء عَظِيم. وفى سلخ شَوَّال: أخرج صَلَاح الدّين الدوادار على الْبَرِيد منفياً إِلَى صفد وخلع على سيف الدّين بغا الدوادار الصَّغِير عوضه وَسبب ذَلِك أَنه كَانَ مترفعاً يُعَامل رفقاءه بشمم وتكبر. وَكَانَ شهَاب الدّين أَحْمد بن محيي الدّين يحيي بن فضل الله كَاتب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 167 السِّرّ يُبَاشر عَن أَبِيه وَعَن جده فِي مزاحة وَقُوَّة نفس فسلك صَلَاح الدّين مَعَه مسلكه مَعَ ابْن الشهَاب مَحْمُود فَلم يحْتَمل شهَاب الدّين ذَلِك مِنْهُ وَصَارَ بَينهمَا شنان إِلَى أَن اتّفق فِي بعض الْأَيَّام ذكر السُّلْطَان الْفَخر نَاظر الْجَيْش فترحم عَلَيْهِ فَقَالَ صَلَاح الدّين: يَا خوند لَا تترجم على ذَلِك فَإِنَّهُ مَا كَانَ مُسلما. فَغَضب السُّلْطَان من معارضته لَهُ وَقَالَ: وَالله يَا صَلَاح الدّين هُوَ أَيْضا كَانَ يَقُول عَنْك أَنَّك لست بِمُسلم وَتبين فِي وَجه السُّلْطَان الْغَضَب وانفض الْمجْلس. فَذكر بعد ذَلِك صَلَاح الدّين عِنْد السُّلْطَان فَقَالَ عَنهُ: ذَاك مَا يتحدث عَن أحد بِخَير فانتهز ابْن فضل الله الفرصة فِي صَلَاح الدّين ومازال بِهِ حَتَّى أبعده السُّلْطَان وعزله فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء حادي عشر رَمَضَان وَأقَام سيف الدّين بغا دوادارا عوضه ثمَّ أخرج صَلَاح الدّين أَمِيرا بصفد فِي سلخ شَوَّال. وَفِي هَذِه السّنة: أَخذ الْأَمِير قوصون دَار الْأَمِير بيسري بِالْقَاهِرَةِ وَكَانَت وَقفا فَعمل محْضر بِشُهُود الْقيمَة أَن قيمتهَا مبلغ مائَة وَتِسْعين ألف دِرْهَم وَتَكون الْغِبْطَة للأيتام عشرَة أُلَّاف دِرْهَم فكملت مِائَتَان ألف فَحكم القَاضِي شرف الدّين الْحَرَّانِي الْحَنْبَلِيّ بِبَيْعِهَا وَشِرَاء عقار بِثمنِهَا. وَهَذَا بعد أَن كَانَ كتاب وقف بيسري لَهَا فِيهِ من الشُّهُود عدَّة اثْنَيْنِ وَسبعين عدلا مِنْهُم تَقِيّ الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد وتقي الدّين بن رزين وتقي الدّين ابْن بنت الْأَعَز وَذَلِكَ قبل بلوغهم دَرَجَة الْقَضَاء فَكَانَ هَذَا مِمَّا شنع ذكره فَإِنَّهَا دَار يجل وصفهَا ويتعذر وجود مثلهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 168 وفيهَا عمل السُّلْطَان بَاب من خشب السنط الْأَحْمَر وصفحه بِفِضَّة زنتها خَمْسَة وَثَلَاثُونَ ألف دِرْهَم وثلاثمائة دِرْهَم وَمضى بِهِ الْأَمِير سيف الدّين برسبغا الساقي إِلَى مَكَّة فَقلع بَاب الْكَعْبَة الْعَتِيق وَركب هَذَا الْبَاب وَأخذ بَنو شيبَة الْبَاب الْعَتِيق وَكَانَ من خشب الساسم المصفح بِالْفِضَّةِ فوجدوا عَلَيْهِ سِتِّينَ رطلا من فضَّة تقاسموها وَترك خشب ذَلِك دَاخل الْكَعْبَة وَعَلِيهِ اسْم صَاحب الْيمن فِي الفردتين وَاحِدَة عَلَيْهَا: اللَّهُمَّ يَا ولي يَا عَليّ اغْفِر ليوسف بن عمر بن عَليّ. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء حادي عشرى ذِي الْقعدَة وحادي عشر مسرى: كَانَ وَفَاء النّيل وَبلغ سَبْعَة عشر ذِرَاعا وثماني أَصَابِع. وفيهَا هدمت قاعة الصاحب وقاعة الْإِنْشَاء بقلعة الْجَبَل ورسم أَن تكون دَار الوزارة وقاعة الْإِنْشَاء بدار التيابة. وَكَانَت دَار الوزارة قد عمرت فِي الْأَيَّام الأشرفية برسم ابْن السلعوس. وَفِي عشرى ذِي الْحجَّة: قبض الْأَمِير ألماس الْحَاجِب وَأَخُوهُ قرا وسجنا مقيدين ثمَّ أخرج قرا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فِي رَابِع عشريه. وَفِي حادي عشريه: خلع على الْأَمِير بدر الدّين مَسْعُود بن خطير وَاسْتقر حاجباً عوضا عَن ألماس. نَاظر الْجَيْش بِدِمَشْق قطب الدّين بن مُوسَى بن أَحْمد بن الْحسن الْمَعْرُوف بِابْن شيخ السلامية عَن اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين سنة. وَمَات الْأَمِير شمس الدّين سنقر المرزوقي فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن عشر رَمَضَان. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 169 وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن سعدالله بن جمَاعَة الْحَمَوِيّ الشَّافِعِي فِي حادي عشر جُمَادَى الأولى وَهُوَ مَعْزُول بَعْدَمَا عمي. وَتُوفِّي شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد الْوَهَّاب بن أَحْمد بن عبد الْوَهَّاب بن عبَادَة الْبكْرِيّ النويري الشَّافِعِي صَاحب كتاب التَّارِيخ فِي الْحَادِي وَالْعِشْرين من رَمَضَان. وَمَات الْأَمِير أَحْمد بن بكتمر الساقي بوادي عنتر من طَرِيق الْحجاز فِي الْمحرم واتهم السُّلْطَان بِأَنَّهُ سمه فَحمل مصبراً. وَمَات الآمير بكتمر الساقي بعد موت وَلَده بِثَلَاثَة أَيَّام وَكَانَ موت وَلَده الْأَمِير أَحْمد فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء سَابِع الْمحرم ورحل إِلَى نخل فَدفن بهَا وَمَوْت الْأَمِير بكتمر يَوْم الْجُمُعَة عَاشر الْمحرم وَقد حمل إِلَى عُيُون الْقصب فَدفن بهَا ثمَّ نقل بكتمر وَولده إِلَى خانكاته من القرافة بِالْقَاهِرَةِ فدفنا بهَا يَوْم الْأَحَد سَابِع ربيع الآخر واتهم السُّلْطَان بِأَنَّهُ سم بكتمر أَيْضا وَذَلِكَ أَنه كَانَ قد عظم أمره بِحَيْثُ أَن السُّلْطَان فِي هَذِه الحجه كَانَ مَعَه ثَلَاثَة أُلَّاف وَمِائَة عليقة وَكَانَ مَعَ بكتمر ثَلَاثَة أُلَّاف عليقة وَبَلغت عدَّة خيوله مائَة طوالة بِمِائَة سايس بِمِائَة سطل وَكَانَ عليق خيله دَائِما ألفا وَمِائَة عليقة كل يَوْم. فَلَمَّا توجه مَعَ السُّلْطَان إِلَى الْحَج وشي بِهِ أَنه يُرِيد قتل السُّلْطَان فتحرز السُّلْطَان على نَفسه غَايَة التَّحَرُّز وَكَانَ فِيهِ من الدهاء وَالْمَكْر مَا لَا يُوصف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 170 فَأخذ يدبر على بكتمر ويلازمه بِحَيْثُ عجز بكتمر أَن ينظر إِلَى زَوجته فَإِنَّهُ كَانَ إِذا ركب أَخذ يسايره بجانبه وَإِذا نزل جلس مَعَه فَإِن مضى إِلَى خيامه بعث فِي طلبه بِحَيْثُ إِنَّه استدعي بِهِ وَهُوَ يتَوَضَّأ بِوَاحِد بعد الآخر من الجمدارية حَتَّى كمل عِنْده عدَّة اثنى عشر جداراً. فَلَمَّا ثارت الرّيح بِالْمَدِينَةِ قصد السُّلْطَان فِي تِلْكَ اللَّيْلَة اغتيال بكتمر وَولده وَأعد لذَلِك جمَاعَة فَهَجَمُوا على أَحْمد بن بكتمر فَلم يتمكنوا مِنْهُ وَاعْتَذَرُوا بِأَنَّهُم رَأَوْا حرامية وَقد أخذُوا لَهُم مَتَاعا فَمروا فِي طَلَبهمْ فداخل الصَّبِي مِنْهُم فزع كثير غشي عَلَيْهِ مِنْهُ. وَزَاد احْتِرَاز السُّلْطَان على نَفسه وَتقدم بِأَن تنام الْأُمَرَاء بمماليكهم على بَابه. وَسَار السُّلْطَان من الْمَدِينَة فَيُقَال إِنَّه سقى الصَّبِي مَاء بَارِدًا فِي مسيره كَانَت فِيهِ منيته ثمَّ بعد قَلِيل سقِِي بكتمر بعد موت وَلَده مشروباً فلحق بِهِ. واشتهر ذَلِك حَتَّى أَن زَوْجَة بكتمر لما مَاتَ صاحت وَقَالَت للسُّلْطَان بِصَوْت سَمعه كل من حضر: ياظالم أَيْن تروح من الله وَلَدي وَزَوْجي زَوجي كَانَ مملوكك وَلَدي إيش كَانَ بَيْنك وَبَينه وكررت هَذِه مرَارًا فَلم يجبها. وَقد ذكرنَا تَرْجَمته فِي كتَابنَا الْكَبِير المقفي بِمَا فِيهِ كِفَايَة مَاتَ علم الدّين المشطوب يَوْم الْأَحَد تَاسِع عشرى ذِي القعده. وَمَات جمال الدّين أَبُو الْحُسَيْن بن مَحْمُود بن أبي الْحُسَيْن مَحْمُود بن أبي سعيد بن أبي الْفضل بن أبي الرِّضَا الربعِي البالسي إِمَام السُّلْطَان فِي سَابِع عشر رَمَضَان ومولده سَابِع عشر رَجَب سنة سِتّ وَأَرْبَعين وسِتمِائَة واسْمه كنيته وَكَانَ فَاضلا كتب بِخَطِّهِ كتبا كَثِيرَة. وَمَات جدي الشَّيْخ محيي الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الْقَادِر بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد ابْن تَمِيم بن عبد الصَّمد بن أبي الْحسن بن عبد الصَّمد بن تَمِيم المقريزي بِدِمَشْق فِي ثامن عشرى ربيع الأول وَكَانَ فَقِيها حنبلياً مُحدثا جَلِيلًا سمع بعلبك من زَيْنَب بنت كندي وبدمشق من عمر بن القواس وَجَمَاعَة وَحدث وَكتب بِخَطِّهِ كثيرا وَقَرَأَ كثيرا وَقدم الْقَاهِرَة وعد من أَعْيَان الْفُقَهَاء الْمُحدثين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 171 فارغة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 172 (سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة) فِي أول الْمحرم: أحيط بحواصل الْأَمِير ألماس الحاحب وَكَانَ قبض عَلَيْهِ وعَلى أَخِيه الْأَمِير قرا وَسبب التَّغَيُّر على ألماس أَنه كَانَ نَائِب الْغَيْبَة مُدَّة سفر السُّلْطَان بالحجاز وَسكن فِي دَار النِّيَابَة بالقلعة وَسكن الْأَمِير أقبغا عبد الْوَاحِد دَاخل بَاب الْقلَّة من القلعة فحفظ أقبغا عَلَيْهِ أَشْيَاء غير بهَا قلب السُّلْطَان لوجدة كَانَت بَينه وَبَين ألماس: مِنْهَا أَنه كَانَ يتراسل هُوَ والأمير جمال الدّين آقوش الْمَعْرُوف بنائب الكرك لميل كل مِنْهُمَا إِلَى الآخر وَمِنْهَا كَثْرَة أَفعَال ألماس للأمور القبيحة من انهماكه فِي الْميل إِلَى الْأَحْدَاث وإسرافه فِي ذَلِك حَتَّى إِنَّه كَانَ بجوار دَار النِّيَابَة مَسْجِد فَفتح مِنْهُ بَابا وَصَارَ يعبر بالأحداث من ذَلِك إِلَيْهِ وَاشْتَدَّ شغفه بِغُلَام يدعى عُمَيْر من أَوْلَاد الحسينية وَأكْثر من النُّزُول من القلعة وَجمع الأويراتية مَعَ الْمَذْكُور للشُّرْب هَذَا مَعَ مَا حفظ عَلَيْهِ من الْكَلَام السيء فِي وَقت الإرجاف بالسلطان وَهُوَ مُسَافر وَكَثْرَة مَاله وتنميته من وُجُوه مُنكرَة فَإِنَّهُ غرس بساتين بناحيتي بهواش والنعناعية من المنوفية وجلب عددا كثيرا من الْخَنَازِير وسمنهم بهَا وباعهم على الفرنج بِبَضَائِع وَحمل سِلَاحا كثيرا إِلَى بِلَاد الشرق تعوض بِهِ أصنافاً للمتجر فاتسعت أَمْوَاله وتكثر بهَا وَقَالَ غير مرّة لِلْأُمَرَاءِ: عِنْدِي الذَّهَب وَالدَّرَاهِم وَمن فِيكُم مثلي وَزَاد فِي هدا الْمَعْنى وأقبغا عبد الْوَاحِد يضْبط عَلَيْهِ مساوئه وَيسْعَى بِهِ إِلَى السُّلْطَان حَتَّى غَيره عَلَيْهِ. وَيُقَال أَن السُّلْطَان وجد فِيمَا خَلفه الْأَمِير بكتمر الساقي جزدان فِيهِ كتب من جُمْلَتهَا كتاب ألماس إِلَيْهِ يتَضَمَّن أنني أحفظ لَك القلعة حَتَّى يرد على لَك مَا أعتمده فَلم يصبر لَهُ السُّلْطَان على هَذَا. وَلما قَبضه السُّلْطَان وَقبض على أَخِيه قرا وَكَانَ ظَالِما غشوماً خماراً نزل النشو وَابْن هِلَال الدولة وَشَاهد الخزانة لضبط موجوده فَوجدَ لَهُ سِتّمائَة ألف دِرْهَم فضَّة وَمِائَة ألف دِرْهَم فلوس وَأَرْبَعَة أُلَّاف دِينَار مصرية وَثَلَاثُونَ حياصة ذهب كَامِلَة بكلفتاتها الذَّهَب وخلعها الْحَرِير وَبَعض جَوْهَر وعدة أَشْيَاء ثمينة وَقبض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 173 على عبد لَهُ رباه صَغِيرا فعاقبه السُّلْطَان حَتَّى اعْترف على كل من كَانَ يحضر إِلَيْهِ من الْأَحْدَاث وَغَيرهم. وَفِيه قدم مبشرو الْحَاج وأخبروا بقتل ياسور أحد مُلُوك الْمغل وَقت رمي الجمرات. وَكَانَ من خَبره أَن ملك الشرق أَبَا سعيد بن خربندا لما قتل جوبان أَرَادَ إِقَامَة ياسور لِأَنَّهُ من عُظَمَاء القان فخوف من شجاعته وَأَن جوبان كَانَ يُرِيد إِقَامَته فِي الْملك فنفر مِنْهُ أَبُو سعيد ثمَّ إِنَّه استأذنه فِي الْحَج فَأذن لَهُ وَقَامَ لَهُ بِمَا يَلِيق بِهِ. ثمَّ طلب أَبُو سعيد الْمجد السلَامِي وَكتب إِلَى السُّلْطَان يعرفهُ بِأَمْر ياسور ويخوفه مِنْهُ أَن يجْتَمع عَلَيْهِ الْمغل ويسأله قَتله. فَدفع السلَامِي كتاب أبي سعيد إِلَى مَمْلُوكه قطلوبك السلَامِي فَقدم على السُّلْطَان أول ذِي الْقعدَة من السّنة الْمَاضِيَة فأركبه السُّلْطَان النجيب فِي عاشره إِلَى مَكَّة وَمَعَهُ كتاب إِلَى الْأَمِير برسبغا الْحَاجِب وَقد حج من مصر بِطَلَب الشريف رميثه وموافقته سرا على قتل ياسور فَقدم قطلوبك مَكَّة أول ذِي الْحجَّة فَلم يُوَافق رميثة على ذَلِك وَاعْتذر بالخوف. فأعد برسبغا بعض نجابته من العربان لذَلِك ووعده بِمَا مَلأ عينه. فَلَمَّا قضى الْحَاج النّسك من الْوُقُوف والنحر وَركب ياسور فِي ثَانِي يَوْم النَّحْر لرمي الْجمار ركب برسبغا أَيْضا فعندما قَارب ياسور الْجَمْرَة وثب عَلَيْهِ النجاب وضربه فَأَلْقَاهُ إِلَى الأَرْض وهرب نَحْو الْجَبَل فَتَبِعَهُ مماليك برسبغا وقتلوه أَيْضا خشيَة من أَن يعْتَرف عَلَيْهِ. فاضطرب حجاج الْعرَاق وَركبت فرسانهم وَأخذُوا ياسور قَتِيل فِي دمائه وَسَارُوا إِلَى برسبغا منكرين مَا حل بِصَاحِبِهِمْ فتبرأ برسبغا من ذَلِك وَأظْهر الترغم لَهُ وَقرر عِنْدهم. أَن هَذَا الَّذِي قتل هُوَ من لَهُ عَلَيْهِ ثأر أَو أحد غُرَمَائه وَإِنَّكُمْ كفيتم أمره فَإِنِّي أخذت لكم بثأره وَقتل قَاتله. فانصرفوا عَنهُ وَفِي نُفُوسهم مِنْهُ شَيْء ومازالو لَهُ بالمرصاد وَهُوَ مِنْهُم مُحْتَرز مِنْهُم حَتَّى افترق ركب الْحَاج الْعِرَاقِيّين من المصريين بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة فأمن برسبغا على نَفسه وَتقدم الْحَاج إِلَى السُّلْطَان مَعَ المبشرين. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع عشرى ربيع الآخر: خلع على الْأَمِير سيف الدّين جاريك المهندار وَاسْتقر حاجباً وترتب عوضه مهمندارا الْأَمِير سيف الدّين طقتمر الأحمدي شاد الشَّرَاب خاناه. وَفِي عشرى رَجَب: خلع على الْأَمِير سيف الدّين مَحْمُود بن خطير أَخُو الْأَمِير بدر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 174 الدّين مَسْعُود الْحَاجِب وَاسْتقر حاجباً وَكَانَ قد قدم من دمشق فِي سَابِع عشرى ربيع الآخر. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثامن عشرى جُمَادَى الْآخِرَة: قدم الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام إِلَى غَزَّة وَقدم مَمْلُوكه يسْتَأْذن فِي دُخُوله كَمَا هِيَ عَادَته فرسم لَهُ بِسُرْعَة الْحُضُور وَألا يتحدث فِي شَيْء من أَمر ابْن هِلَال الدولة فَإِن السُّلْطَان قد تغير عَلَيْهِ فَقدم. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: شفع الْأَمِير قوصون فِي عود جمال الدّين عبد الله ابْن قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين من دمشق بدخلة أَبِيه عَلَيْهِ فِي ذَلِك فَأَجَابَهُ السُّلْطَان. وَقدم جمال الدّين إِلَى الْقَاهِرَة على الْبَرِيد فَأقبل على عَادَته من اللَّهْو وعثر دَارا على النّيل بجوار دَار أَبِيه وتجاهر بِمَا لَا يَلِيق. فَتقدم أَمر السُّلْطَان إِلَى ابْن المحسني وَالِي الْقَاهِرَة أَن يتحيل فِي كبسه وإشهاره وأحس عبد الله بذلك فَكف عَمَّا كَانَ يعانيه من اللّعب. وَفِي يَوْم السبت نصف رَجَب: قدم بدر الدّين لُؤْلُؤ الْحلَبِي مَمْلُوك فندش بفاء مَفْتُوحَة وَنون سَاكِنة ثمَّ دَال مُهْملَة مَفْتُوحَة بعْدهَا شين مُعْجمَة وَسيف الدّين الأكز من الشَّام. فأحضرهما السُّلْطَان وَطلب مباشري حلب وهم النَّقِيب بدر الدّين مُحَمَّد بن زهرَة الْحُسَيْن وَالْقَاضِي جمال الدّين بن رَيَّان نَاظر الْجَيْش وناصر الدّين مُحَمَّد بن قرناص عَامل الْجَيْش وَعَمه المحبي عبد الْقَادِر عَامل المحلولات والحاج إِسْمَاعِيل بن عبد الرَّحْمَن العزازي والحاج عَليّ بن السقا وَغَيرهم. فحاققهم لُؤْلُؤ وَالِي فِي رميهم بِأخذ الْأَمْوَال السُّلْطَانِيَّة وجاهرهم بالسوء من القَوْل بَين يَدي السُّلْطَان وَالْتزم بِأَنَّهُ إِن مكن مِنْهُم استخلص مِنْهُم مائَة ألف دِينَار. فَطلب النشو بعد إِخْرَاجه وَوَقع الْكَلَام بَينه وَبَين السُّلْطَان فِي ذَلِك وَأَمْثَاله من تَحْصِيل الْأَمْوَال فَأخذ النشو يُقرر مَعَه أَن الْأُمَرَاء قد أخذُوا مساميح بمتاجرهم ويتحصل من هَذَا إِذا ضبطت عَلَيْهَا فِي كل سنة للديوان زِيَادَة على مِائَتي ألف دِينَار وَأَنه لَا يتَمَكَّن مَعَ قيام الْأَمِير قوصون والأمير بشتاك أَن يجمع للسُّلْطَان شَيْئا من ذَلِك المَال فَإِنَّهُمَا وأمثالهما قد اعتادوا من الْمُبَاشر للسُّلْطَان أَن ينْفق المباشرون عَلَيْهِم نصف متحصل الدِّيوَان برطيلاً وَأَنه فَقير لَيْسَ لَهُ مَال يبرطل بِهِ لَهُ وَلَا هُوَ مِمَّن يبرطل بِمَال السُّلْطَان وَأَنه لَو سلم مِنْهُم لملأ خزانَة السُّلْطَان وحواصله أَمْوَالًا لكنه يخشاهم أَن يُغيرُوا السُّلْطَان عَلَيْهِ. وَرمى النشو المباشرين مَعَ ذَلِك بعظائم من كَثْرَة أَمْوَالهم ونعمهم مِمَّا أَخَذُوهُ فِي مباشراتهم من مَال السُّلْطَان. فَأذن لَهُ السُّلْطَان فِي عمل مَا يختاره وَأَن يتَصَرَّف فِي الدولة وَلَا يُبَالِي بِأحد ووعده بتقوية يَده وتمكينه وَمنع من يُعَارضهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 175 ثمَّ استدعى السُّلْطَان بالمخلص أخي النشو ورتبه مباشراً عِنْد الْأَمِير سيف الدّين ألناق واستخدم أَخَاهُ رزق الله عِنْد الْأَمِير ملكتمر الْحجاز واستخدم صهره ولي الدولة عِنْد الْأَمِير أرغون شاه وخلع عَلَيْهِم. وانبسطت يَد النشو واشتدت وطأته وَأخذ فِي التَّدْبِير على ابْن هِلَال الدولة ورتب عَلَيْهِ أَنه أَخذ من مَال السُّلْطَان جملَة وَأَنه أهمل فِي الْمُحَافظَة على أُمُور السُّلْطَان وَأَن مَا ضَاعَ بِسَبَبِهِ من مَال السُّلْطَان كثير وَأَنه تواطأ مَعَ أَوْلَاد التَّاج إِسْحَاق على مَال السُّلْطَان. وَندب النشو لتحَقّق ذَلِك أَمِين الدولة بن قرموط المستوفي والشمى بن الْأَزْرَق نَاظر الْجِهَات وَقرر مَعَ السُّلْطَان إِقَامَة لُؤْلُؤ لاستخلاص الْأَمْوَال وَطلب المباشرين للمحاققة فَجَمعهُمْ السُّلْطَان. فبرز قرموط وواجهه ابْن هِلَال الدولة بِأَنَّهُ أهمل الْأُمُور وبرطل بالأموال وَنَحْو هَذَا من القَوْل فأثر كَلَامه فِي نفس السُّلْطَان وَصرف المباشرين وَبعث إِلَى ابْن هِلَال الدولة يَأْمُرهُ بِأَن يلْزم بَيته. وخلع على الأكز وَاسْتقر شاد الدَّوَاوِين عوضا عَن ابْن هِلَال الدولة وخلع على بدر الدّين لُؤْلُؤ الْحلَبِي ليَكُون مستخلص الْأَمْوَال وخرجا إِلَى دَار الوزارة بالقلعة وطلبا الضَّمَان وَالْكتاب والمعاملين وأرباب الْوَظَائِف. ورتبت على ابْن هِلَال الدولة أوراق. مِمَّا أهمله وفرط فِيهِ وَطلب وصودر هُوَ وَجَمِيع ألزامه وقبص على مقدم الدولة خَالِد بن الزراد وَمن يلوذ بِهِ فحملوا الْأَمْوَال. وخلع على ابْن صابر وَاسْتقر مقدم الدولة. وَاشْتَدَّ لُؤْلُؤ على أهل حلب وَأهل مصر وعسفهم وَتجَاوز الْمِقْدَار فِي عُقُوبَة المصادرين خُصُوصا أَوْلَاد التَّاج إِسْحَاق. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث رَجَب: سَافر الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام بَعْدَمَا أنعم عَلَيْهِ السُّلْطَان بِمِائَة ألف دِرْهَم وَتوجه صحبته الْأَمِير آقول الْحَاجِب ليستقر حَاجِب الْحجاب بِدِمَشْق. وَفِي يَوْم الْأَحَد خَامِس الْمحرم: اسْتَقر الْأَمِير تجماس الجوكندار المنصوري الملقب بشاش فِي نِيَابَة حمص عوضا عَن بهادر السنجري بِحكم وَفَاته. وَفِي يَوْم الْأَحَد أول الْمحرم: أفرج عَن الْأَمِير بهاء الدّين أصلم وَعَن أَخِيه الْأَمِير قرمجي. وَفِيه أَيْضا أفرج عَن الْأَمِير بكتوت القرماني. وَكَانَت مُدَّة اعتقال أصلم وقرمجي سته سِنِين وَثَمَانِية أشهر وَمُدَّة اعتقال القرماني سبع سِنِين وَسَبْعَة شهور. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 176 وَفِي سادس الْمحرم: رسم للأمير جمال الدّين آقوش الأشرفي الْمَعْرُوف بنائب الكرك بنيابة طرابلس بعد موت قرطاي وخلع عَلَيْهِ فِي تاسعه وسافر فِي تَاسِع عشره. وَكَانَ ذَلِك لأمور: مِنْهَا صحبته مَعَ الْأَمِير ألماس الْحَاجِب وَمِنْهَا ثقله على السُّلْطَان فَإِن السُّلْطَان كَانَ يجله ويحترمه وَيقوم لَهُ كلما دخل إِلَى الْخدمَة وَمِنْهَا معارضته للسُّلْطَان فِي أغراضه لاسيما فِي أَمر النشو فَإِنَّهُ كَانَ يبلغ السُّلْطَان كَثْرَة ظلمه وقبح سيرته فِي النَّاس. فَأَرَادَ السُّلْطَان أَن يستريح مِنْهُ فَخلع عَلَيْهِ وَبعث لَهُ بِأَلف دِينَار وَأخرج برسبغا مُسْفِرًا لَهُ على الْعَادة. فَلَمَّا وصل برسبغا بِهِ إِلَى طرابلس وَعَاد خلع السُّلْطَان عَلَيْهِ وَاسْتقر حاجباً صَغِيرا. وَفِيه خلع على الْأَمِير مَسْعُود بن خطير وَاسْتقر حاجباً كَبِيرا عوضا عَن الْأَمِير ألماس. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي شعْبَان: اسْتَقر أيدكين الأزكشي البريدي فِي ولَايَة الْقَاهِرَة عوضا عَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن المحسني بسفارة النشو. فعظمت مهابته وكبس عدَّة بيُوت من بيُوت النَّاس صَار يتنكر فِي اللَّيْل وَيَمْشي فِي أَزِقَّة الْقَاهِرَة فَإِذا سمع صَوت غناء أَو ريح خمر فِي بَيت كبسه وَأخذ من أَهله مَالا كثيرا بِحَسب حَالهم. واعتنى بِهِ النشو ومكنه من عمل أغراضه فنال بِهِ مَقَاصِد كَثِيرَة. مِنْهَا أَن بعض تجار قيسارية جهاركس بِالْقَاهِرَةِ تَأَخّر لَهُ فِي الخزانة السُّلْطَانِيَّة عَن ثمن مَبِيع نَحْو تسعين ألف دِرْهَم. وألح على النشو فِي الْمُطَالبَة بهَا مَعَ كَثْرَة انهماكه فِي اللَّهْو فَقَبضهُ أيدكين وَهُوَ غير حَاضر الذِّهْن وسجنه فِي دَار الْولَايَة واستدعى بالعدول ليكتب عَلَيْهِ مشروحاً بِأَنَّهُ سَكرَان ويشهره فَافْتدى مِنْهُ بِأَن أشهد عَلَيْهِ أَنه أبر بَيت المَال مِمَّا لَهُ عَلَيْهِ موقع هَذَا الْإِبْرَاء من النشو وَمن السُّلْطَان بمَكَان وَلما شنع أَمر أيدكين شكاه الْأَمِير قوصون إِلَى السُّلْطَان فَتغير السُّلْطَان على قوصون وَقَالَ لَهُ: أَنْتُم كلما وليت أحدا يَنْفَعنِي أردتم إِخْرَاجه وَلَو أَنه من جهتكم لشكرتم مِنْهُ كل وَقت وأسمعه مَعَ ذَلِك مَا يكره. ثمَّ أضيفت إِلَيْهِ ولَايَة مصر وَفِي يَوْم الْأَحَد عشرى ذِي الْحجَّة: قدم الْأَمِير مهنا بن عِيسَى وَسبب قدومه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 177 أَن السُّلْطَان كَانَ يحرص على قدومه إِلَيْهِ ويبذل لأولاده الْأَمْوَال الْعَظِيمَة فيرغبونه فِي الْقدوم على السُّلْطَان وَهُوَ يَأْتِي ذَلِك عَلَيْهِم. فَكَانَ إِذا أعيا السُّلْطَان أمره طرده من الْبِلَاد حَتَّى طرده أَربع مَرَّات وَكَانَت تجرد لَهُ العساكر فتخرجه ثمَّ تحضر أَوْلَاده وَتصْلح أمره فَيَعُود إِلَى الْبِلَاد ثمَّ يَأْخُذ السُّلْطَان فِي استجلابه فَلَا يَأْتِي لَهُ. فَيَعُود إِلَى إِخْرَاجه وَكَانَ السُّلْطَان يبْعَث فِي طلب الْخُيُول مِنْهُ فيرسلها إِلَى السُّلْطَان فَتحمل إِلَيْهِ أثمانها بِزِيَادَة كَثِيرَة وَمَا زَالَ أمره على هَذَا الْحَال إِلَى أَن قدم مُوسَى وَأحمد وفياض أَوْلَاده إِلَى الْقَاهِرَة وَبَالغ السُّلْطَان فِي الإنعام عَلَيْهِم فَحَلَفُوا لَهُ على إِحْضَار أَبِيهِم إِلَيْهِ. فَلَمَّا أَتَوا أباهم اجْتَمعُوا عَلَيْهِ مَعَ عمومتهم وأرادوه على الْحُضُور إِلَى السُّلْطَان بجهدهم فَلم يوافقهم فكاتبوا السُّلْطَان بأمرهم مَعَه فَكتب السُّلْطَان إِلَى نَائِب حلب بِإِخْرَاجِهِ من الْبِلَاد فَسَار مهنا إِلَى أبي سعيد بالعراق فَأكْرمه وأجله عِنْد قدومه فتعمد وزيره مَعَ الْمجد السلَامِي عَلَيْهِ حَتَّى فَارق بِلَادهمْ رِعَايَة لخاطر السُّلْطَان وكتبا بذلك إِلَى السُّلْطَان فسره ذَلِك وَلما عَاد مهنا من الْعرَاق تَلقاهُ ابْنه مُوسَى فَوجدَ أَنه قد أزمع أمره على الْقدوم على السُّلْطَان فَلم يشْعر الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام إِلَّا ومهنا قد قدم عَلَيْهِ هُوَ وَالْملك الْأَفْضَل مُحَمَّد صَاحب حماة فَركب إِلَى لِقَائِه وأنزله بِالْقصرِ الأبلق. وَقدم البريدي إِلَى السُّلْطَان بِخَبَر قدومه فكاد يطير فَرحا بِهِ. ثمَّ أركبه الْأَمِير تنكز وَالْملك الْأَفْضَل خيل الْبَرِيد وسيرهما إِلَى السُّلْطَان. فَحملت للأمير مهنا الإقامات وجنبت لَهُ الْخُيُول وَضربت لَهُ الخيم وَخرج أَمِير: اندار والمهمندار إِلَى لِقَائِه وَركب الْأَمِير بشتاك لَهُ إِلَى قبَّة النَّصْر خَارج الْقَاهِرَة وَسَار بِهِ إِلَى بَاب السِّرّ من القلعة فَإِذا الْأَمِير قوصون قد وقف بِهِ فِي انْتِظَاره فَأخذ بِيَدِهِ حَتَّى عبر إِلَى السُّلْطَان فَرَحَّبَ بِهِ السُّلْطَان وأكرمه وعتبه على فراره مِنْهُ فَاعْتَذر مهنا وَذكر أَن قدومه بِسَبَب رُؤْيَاهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَنَامه وَأمره لَهُ بالقدوم. فسر السُّلْطَان بذلك وخلع عَلَيْهِ وعَلى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 178 من مَعَه مائَة خلعة ورد إِلَيْهِ أَمرته وَزَاد فِي إقطاعه. وأنزله السُّلْطَان بالميدان وَأمر لَهُ بسماط جليل فسم لَهُ فِيهِ فَلم يَأْكُل مِنْهُ شَيْئا وَاعْتذر بِأَن عَادَته أكل لبن الْجمال وقرص الْملَّة لَا غير. ثمَّ طلع مهنا إِلَى السُّلْطَان فِي خَامِس يَوْم من قدومه فأنعم عَلَيْهِ بقرية دومة من عمل دمشق لتَكون لَهُ ولأولاده من بعده وَاتفقَ موت أسندمر الْعمريّ فَوجدَ لَهُ تِسْعَة أُلَّاف دِينَار مصرية وطلع بهَا النشو فسلمها لحاجب مِنْهَا إنعاماً على مهنا برسم زوادته. وَكتب لَهُ القَاضِي شهَاب الدّين أَحْمد بن فضل الله منشوراً بدومة ثمَّ سَافر. وَفِي ذِي الْحجَّة: ركب أيدكن وَالِي الْقَاهِرَة إِلَى النجيلة خَارج الْقَاهِرَة وَهِي يَوْمئِذٍ متنزه الْعَامَّة وبدايرها أخصاص للفرجة وكبسها وَقت الْمغرب فَمَا قبض على أحد إِلَّا وسلبة ثِيَابه وَتَركه وَفِي هَذِه السّنة: جَاءَ بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة سيل عَظِيم أَخذ جمالاً كَثِيرَة وَعشْرين فرسا وَخَربَتْ عدَّة دور. وفيهَا اسْتَقر جمال الدّين عبد الله بن كَمَال الدّين مُحَمَّد بن الْعِمَاد إِسْمَاعِيل بن أَحْمد ابْن سعيد بن مُحَمَّد بن سعيد بن الْأَثِير فِي كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق عوضا عَن شرف الدّين أبي بكر بن مُحَمَّد بن الشهَاب مَحْمُود. وَفِي يَوْم عَرَفَة: اسْتَقر نجم الدّين بن أبي الطّيب فِي الْوكَالَة بِدِمَشْق وَاسْتقر عز الدّين بن منجا فِي نظر جَامع بني أُميَّة وَاسْتقر فِي حسبَة دمشق عماد الدّين بن الشيراز وخلع عَلَيْهِم جَمِيعًا. وفيهَا ورد الْخَبَر من بَغْدَاد بَان صَاحبهَا ألزم النَّصَارَى بِبَغْدَاد أَن يلبسوا العمائم الزرق وَالْيَهُود أَن يلبسوا العمائم الصفر اقْتِدَاء بالسلطان الْملك النَّاصِر بِهَذِهِ السّنة الْحَسَنَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 179 وفيهَا ولى تدريس الشَّافِعِي بالقرافة شمس الدّين مُحَمَّد بن القماح بعد وَفَاة الْمجد حرمي وَاسْتقر عوضه فِي وكَالَة بَيت المَال النَّجْم الأسعردي الْمُحْتَسب وَفِي تدريس الْمدرسَة القطبية بهاء الدّين بن عقيل. وَفِيه اسْتَقر عَلَاء الدّين مغلطاي فِي تدريس الحَدِيث بِالْمَدْرَسَةِ الظَّاهِرِيَّة بعد موت فتح الدّين مُحَمَّد بن سيد النَّاس بعناية قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين مُحَمَّد بن الْقزْوِينِي فاستعظم النَّاس ذَلِك وَفِيه انْتَهَت زِيَادَة مَاء النّيل إِلَى سِتَّة عشر ذِرَاعا. وَمَات فِيهَا من الْأَعْيَان الْأَمِير ألماس الْحَاجِب الناصري كَانَ جاشنكيرا وتنقل حَتَّى صَار حَاجِب الْحجاب فِي مَحل النَّائِب لشغور منصب النِّيَابَة بعد الْأَمِير أرغون وَكَانَ أكَابِر الْأُمَرَاء يركبون مَعَه فِي خدمته وَيجْلس فِي بَاب الْقلَّة وَيقف الْحجاب بَين يَدَيْهِ فَلَمَّا قبض عَلَيْهِ وَحبس قطع عَنهُ الطَّعَام ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ خنق فِي لَيْلَة الثَّانِي عشر من صفر حمل من الْغَد حَتَّى دفن بجامعه وَكَانَ أغتم لَا يعرف بِالْعَرَبِيَّةِ شَيْئا. وَتُوفِّي وَكيل بَيت المَال ومدرس الشَّافِعِي مجد الدّين حرمي بن هَاشم بن يُوسُف العامري الفاقوسي الْفَقِيه الشَّافِعِي عَن محو سبعين سنة فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي ذِي الْحجَّة ولي وكَالَة بَيت المَال ونيابة الحكم وبرع فِي الْفِقْه وَالْأُصُول ودرس بالشافعي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 180 وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين سُلَيْمَان بن الْخَطِيب مجد الدّين عمر بن سَالم بن عمر عُثْمَان الْأَذْرَعِيّ الْمَعْرُوف بالزرعي فِي سادس صفر بِالْقَاهِرَةِ عَن مرض السكتة وَهُوَ يَوْمئِذٍ قَاضِي الْعَسْكَر مولده بأذرعات سنة خمس وَأَرْبَعين وسِتمِائَة. وَمَات الْأَمِير علم الدّين سُلَيْمَان بن مهنا وَمَات الْملك الظَّاهِر أَسد الدّين عبد الله بن الْمَنْصُور نجم الدّين أَيُّوب بن المظفر يُوسُف ابْن عمر بن عَليّ بن رَسُول متملك الْيمن بَعْدَمَا قبض عَلَيْهِ الْملك الْمُجَاهِد بقلعة دملوه وَصَارَ يركب فِي خدمته ثمَّ سجنه مُدَّة شَهْرَيْن ثمَّ خنقه بقلعة تعز. وَتُوفِّي قَاضِي الْحَنَفِيَّة بحماة نجم الدّين عمر بن مُحَمَّد بن عمر بن أَحْمد بن هبة الله ابْن أَحْمد بن يحيى الْمَعْرُوف بِابْن العديم عَن خَمْسَة وَأَرْبَعين سنة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 181 وَمَات الْأَمِير طغاي تمر الْعمريّ زوج ابْنة السُّلْطَان لَيْلَة الثُّلَاثَاء ثامن عشرى ربيع الأول. وَمَات الْأَمِير صوصون أَخُو الْأَمِير قوصون أحد الألوف فِي لَيْلَة الْجُمُعَة رَابِع جُمَادَى الأولى. وَتُوفِّي الْحَافِظ فتح الدّين أَبُو الْفَتْح مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن يحيى بن سيد النَّاس الْيَعْمرِي الأشبيلي الْعَلامَة المتقن المُصَنّف الأديب البارع فِي يَوْم السبت الْحَادِي عشر من شعْبَان. وَمَات الْأَمِير قرطاي الأشرفي نَائِب طرابلس وَقد جَاوز سِتِّينَ سنة بهَا فِي ثامن عشرى صفر. وَمَات أَمِير طبر جمال الَّذين يُوسُف بن علم الدّين فِي لَيْلَة السبت ثَالِث عشر جُمَادَى الْآخِرَة وَكَانَ من أُمَرَاء العشراوات. وَمَات الْأَمِير بدر الدّين بيليك أَبُو غُدَّة وَكَانَ أحد أستادارية السُّلْطَان وَمن أُمَرَاء الطبلخاناه وَمَات الْأَمِير يُوسُف الدّين خَاص ترك الناصري أَحْمد مقدمي الألوف فِي عَاشر وَجب بِدِمَشْق. وَمَات الْأَمِير عز الدّين أيدمر دقماق العلائي نقيب الْجَيْش وَكَانَ أحد المماليك الأشرفية لَيْلَة الْأَحَد سادس رَجَب وَاسْتقر عوضه فِي نقابة الْجَيْش الْأَمِير صَار وجانقيب المماليك وَاسْتقر المماليك عوضا عَن صاروجا مُحَمَّد بن لاجين المحمدي. وَمَات الْأَمِير قجماس الجوكندار الْمَعْرُوف بشاش نَائِب حمص أحد أُمَرَاء البرجية. وَمَات الْأَمِير بلبان طرنا أَمِير جاندار وَكَانَ نَائِب صفد فِي حادي عشْرين الأول وَهُوَ من أُمَرَاء الألوف بِدِمَشْق. وَمَات القَاضِي صدر الدّين سُلَيْمَان بن إِبْرَاهِيم ابْن سُلَيْمَان بن دواد بن عَتيق بن عبد الْجَبَّار الْمَالِك قَاضِي الشرقية والغربية فِي حادي عشرى شعْبَان وَبَعثه السُّلْطَان رَسُولا إِلَى بَغْدَاد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 182 سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة فِي يَوْم الْأَحَد رَابِع الْمحرم: قبض على الطواشي شُجَاع الدّين عنبر السحرتي مقدم المماليك بسعاية النشو وأنعم بطبلخاناته عَليّ الطواشي سنبل قلي وَاسْتقر نَائِب الْمُقدم. وخلع على الْأَمِير آقبغا عبد الْوَاحِد باستقراره فِي تقدمة المماليك مُضَافا إِلَى الأستادارية. فَعرض آقبغا الطباق وَأخرج من كَانَ من الأتباع الأويراتية فِي خدمَة المماليك وَضرب جمَاعَة من المماليك السِّلَاح دارية والجمدارية لامتناعهم من إِخْرَاج أتباعهم وَنَفَوْا إِلَى صفد. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء حادي عشرى جُمَادَى الأولى: عزل أيدكين وَالِي الْقَاهِرَة لتغير الْأَمِير قوصون عَلَيْهِ وَأخرج إِلَى الشَّام منفياً. وَفِيه طلب بلبان الحسامي البريدي أحد مماليك طرنطاي النَّائِب إِلَى حَضْرَة السُّلْطَان فَلم يجد فرسا يركبه فَركب حمارا إِلَى القلعة فَخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر وَالِي الْقَاهِرَة عوضا عَن أيدكن وَأخرج لَهُ فرس. وَفِيه أفرج عَن الْأُمَرَاء المعتقلين فَركب على الْبَرِيد الْأَمِير بيبرس السِّلَاح دَار إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَقدم بهم فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشْرين رَجَب: وهم الْأَمِير بيبرس الْحَاجِب وَله فِي السجْن من سنة خمس وَعشْرين والأمير طغلق التتري أحد الْأُمَرَاء الأشرفية وَله فِي السجْن ثَلَاث وَعِشْرُونَ سنة من سنة اثْنَتَيْ عشرَة فَمَاتَ بعد أُسْبُوع من قدومه والأمير غَانِم بن أطلس خَان وَله فِي السجْن من سنة عشر مُدَّة خمس وَعِشْرُونَ سنة والأمير برلغي الصَّغِير وَله فِي السجْن من سنة اثنتى عشره والأمير بلاط الجوكندار والأمير أيدمر اليونسي أحد الْأُمَرَاء البرجية المظفرية والأمير لاجين الْعمريّ والأمير طشتمر أَخُو بتخاص والأمير بيبرس العلمي من أكَابِر الْأُمَرَاء البرجية وقطلوبك الأوجاقي وَالشَّيْخ عَليّ مَمْلُوك الْأَمِير سلار والأمير تمر الساقي نَائِب طرابلس أحد المنصوريه وَكَانَ قد قبض عَلَيْهِ سنة أَربع عشرَة فَكَانَت مُدَّة سجنه إِحْدَى وَعشْرين سنة. فأنعم على تمر الساقي بطبلخاناه فِي الشَّام وأنعم على بيبرس الْحَاجِب بأمرة فِي حلب عوضا عَن أقسنقر شاد العمائر فسافر فِي سَابِع شعْبَان وَكَانَ قد رسم بِالْقَبْضِ على آقسنقر فَقبض عَلَيْهِ وسجن بقلعة حلب وأحيط بموجوده ورسم للأمير غَانِم أَن يُقيم بِالْقَاهِرَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 183 وَفِي هَذِه السّنة: قدمت رسل أزبك بكتابه يعتب فِيهِ بِسَبَب طَلَاق خاتون طولبية بنت تقطاي أخي أزبك الَّتِي قدمت من جِهَته وتزويجها من بعض المماليك وَطلب أزبك عودهَا إِلَيْهِ فَأُجِيب بِأَنَّهَا قد مَاتَت وسير إِلَيْهِ بهدية. وَكَانَت قد مَاتَ زَوجهَا الْأَمِير صوصون فَزَوجهَا السُّلْطَان للأمير عمر بن أرغون النَّائِب فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ تَاسِع عشر الْمحرم وَدخل عَلَيْهَا لَيْلَة الْجُمُعَة حادي عشرى صفر. وَقد كَانَت تَحت السُّلْطَان ثمَّ طَلقهَا فَتَزَوجهَا الْأَمِير منكلي بغا ثمَّ الْأَمِير صوصون ثمَّ تزوجت بعمر هَذَا. وَفِي ثَانِي عشر ربيع الآخر: خلع على الْأَمِير سيف الدّين جركتمر رَأس نوبَة الجمدارية بنيابة غَزَّة عوضا عَن الْأَمِير طينال وسافر فِي عشريه. وَفِي سادس عشره: توجه الْأَفْضَل صَاحب حماة إِلَى مَحل ولَايَته بَعْدَمَا خلع عَلَيْهِ وَكَانَ قد قدم صُحْبَة مهنا وَتَأَخر بِسَبَب الصَّيْد مَعَ السُّلْطَان. وَفِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع ربيع الأول: أنعم السُّلْطَان على وَلَده أبي بكر بإمرة فَركب بالشربوش من إصطبل الْأَمِير قوصون وَسَار فِي الرملية إِلَى بَاب القرافة وطلع إِلَى القلعة من الْبَاب الْمَعْرُوف بِبَاب القرافة والأمراء والخاصكية بخدمته وَعمل الْأَمِير قوصون يَوْمئِذٍ لَهُم مهما عَظِيما فِي إصطبله. وَفِي يَوْم الْخَمِيس نصف جُمَادَى الْآخِرَه: قبض على الْأَمِير جمال الدّين آقوش الأشرفي الْمَعْرُوف بنائب الكرك وَهُوَ يَوْمئِذٍ نَائِب طرابلس وسجن بقلعة صرخد ثمَّ نقل فِي مستهل شَوَّال إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجن بهَا وَنزل النشو إِلَى بَيته بِالْقَاهِرَةِ وَأخذ موجوده كُله وموجود حريمه وعاقب أستادراه. وَاسْتقر عوضه فِي نِيَابَة طرابلس الْأَمِير طينال على عَادَته وَنقل بكتمر العلائي إِلَى نِيَابَة حمص عوضا عَن بشاش المتوفي. وَسبب ذَلِك أَنه ترَاءى بطرابلس مركب للفرنج فِي الْبَحْر فَركب الْعَسْكَر إِلَى الميناء فَدفعت الرّيح الْمركب عَن الميناء ثمَّ أَخذ الْأَمِير آقوش فِي تَجْدِيد عمَارَة مركب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 184 هُنَاكَ وَأنْفق فِيهِ من مَاله أَرْبَعِينَ ألف دِرْهَم فَقدمت مركب الفرنج فَركب الْعَسْكَر فِي الْمركب المستجد وقاتلوا الفرنج فَقتلُوا مِنْهُم جمَاعَة وغنموا مركبهم بِمَا فِيهَا. فَادّعى صَاحبهَا أَنه تَاجر قدم بتجارته. فنهبت أَمْوَاله وَقتلت رِجَاله وَذكر عَنهُ بعض التُّجَّار أَنه متحرم لَا تَاجر وَأَنه قدم فِي السّنة الْمَاضِيَة إِلَى ميناء طرابلس وَأخذ مِنْهَا مركبا. فَكتب آقوش بذلك إِلَى السُّلْطَان فَأُجِيب بالشكر وَحمل الفرنجي إِلَى السُّلْطَان فَحَمله آقوش مُقَيّدا على الْبَرِيد. فَأكْثر الفرنجي من التظلم وتبرأ من التَّحَرُّم فِي الْبَحْر وَأَنه قدم بِتِجَارَة وهدية للسُّلْطَان فظلمه نَائِب طرابلس وَأخذ مَا كَانَ مَعَه من التحف وَغَيرهَا فَصدقهُ السُّلْطَان وَكتب بِإِعَادَة مركبه إِلَيْهِ وَجَمِيع مَا أخد لَهُ فَأجَاب النَّائِب بِأَن الْمَذْكُور حرامي يقطع الطَّرِيق على الْمُسلمين فَلَا يسمع السُّلْطَان قَوْله وَكتب إِلَيْهِ بالتأكيد فِي رد الْمركب عَلَيْهِ فَردهَا النَّائِب عَلَيْهِ وشق ذَلِك عَلَيْهِ. ثمَّ طلب آقوش الإعفاء من نِيَابَة طرابلس فَأُجِيب بتخييره بَين نِيَابَة صرخد وبعلبك وَبعث السُّلْطَان إِلَيْهِ الْأَمِير برسبعا الْحَاجِب فَسَار بِهِ إِلَى دمشق فقبص عَلَيْهِ تنكز بدار السَّعَادَة وَحمله إِلَى صرخد. وَفِي صفر: هدم السُّلْطَان الْجَامِع بقلعة الْجَبَل وَهدم المطبخ أَيْضا. وجدد السُّلْطَان عمَارَة الْجَامِع وَصَارَ يقف بِنَفسِهِ كل يَوْم وَندب لذَلِك الْأَمِير آقبغا عبد الْوَاحِد. فَحمل إِلَيْهِ الْعمد الْعَظِيمَة من الأشمونين ووسع مَوْضِعه فَأدْخل فِيهِ قِطْعَة من حارة مُخْتَصّ والطشتخاناه ورخمه جَمِيعه وظل الْعَمَل جَارِيا فِي هَذَا الْجَامِع حَتَّى كمل فِي أخر شعْبَان على أكمل هندام وأبدع تَرْتِيب. ووقف عَلَيْهِ السُّلْطَان حوانيت القلعة وَغَيرهَا ورتب فِيهِ الْقُرَّاء والمؤذنين والقومة وانتخبهم بِنَفسِهِ بَعْدَمَا عرض طوائفهم فصلى فِيهِ أول شهر رَمَضَان. وَفِيه جدد السُّلْطَان عمَارَة المطبخ بِالْحجرِ وَزَاد فِي سعته. وفيهَا خرج الْبَرِيد بِطَلَب بدر الدّين مُحَمَّد بن التركماني من طرابلس ليباشر مَعَ النشو فأفرج عَنهُ يَوْم السبت رَابِع عشر رَجَب وَكَانَ لَهُ سنة وَتِسْعَة أَيَّام موسم عَلَيْهِ بالقلعة وَهُوَ يحمل المَال. وَسبب ذَلِك أَن الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام لما قدم على عَادَته فِي عَاشر رَجَب وعرفه السُّلْطَان همة النشو ولؤلؤ فِي تَحْصِيل الْأَمْوَال الَّتِي كَانَت مُهْملَة ضائعة ورطل بهَا ذكر لَهُ تنكز نَائِب الشَّام مَا تجدّد من الْمَظَالِم وَحسن لَهُ طلب ابْن التركماني لضبط مَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 185 عساه يخفي عَن السُّلْطَان من الْأَمْوَال الَّتِي تُؤْخَذ وَوضع من لُؤْلُؤ بِأَنَّهُ مَمْلُوك ضَامِن وَكَانَ الأكز ولؤلؤ تسلما الْوُلَاة والمباشرين وَالْكتاب وَأَوْلَاد التَّاج إِسْحَاق وَابْن هِلَال الدولة وأقاربه كَمَا تقدم وأخرقا بهم: فَحمل قشتمر وَالِي الغربية ثَمَانِينَ ألف دِرْهَم وَأَفْرج عَنهُ بعناية سنجر الخازن فَإِنَّهُ صهره وَضرب قنغلي وَالِي البهنسا عدَّة مرار حَتَّى حمل خَمْسَة وَسبعين ألف دِرْهَم وَضرب فَخر الدّين أياس الدويداري بالمقارع فَحمل ثَلَاثمِائَة ألف دِرْهَم وَهلك تَحت الْعقُوبَة أَيْضا شاد سوق الْغنم بَعْدَمَا أخد مِنْهُ نَحْو مِائَتي ألف دِرْهَم وَأخذ من خَالِد الْمُقدم مبلغ ثَلَاثمِائَة وثلانين ألف دِرْهَم بَعْدَمَا ضرب بالمقارع ضربا مبرحاً ثمَّ أفرج عَنهُ على أَن يحمل كل يَوْم عشرَة أُلَّاف دِرْهَم فَحمل فِي مُدَّة شهر مائَة ألف دِرْهَم وَأخذ من بكتوت الصَّائِغ مائَة ألف دِرْهَم وَمن عبد الرَّزَّاق وَولده نَحْو مائَة ألف دِرْهَم وَأخذ من ألزام ابْن هِلَال الدولة نَحْو مائَة وَخمسين ألف دِرْهَم. وَحمل ابْن خلال الدولة ثلاثماثة ألف وَعشرَة أُلَّاف دِرْهَم من غير أَن يضْرب واتهمه النشو بِأَنَّهُ أَخذ من الأهراء أَرْبَعَة أُلَّاف أردب فولا وَأخذ من مخلف الْأَمِير ألماس الْحَاجِب حياصة فظهرت بَرَاءَته من ذَلِك. وشق على النشو سَلَامَته من الضَّرْب وبذل جهده فِي ضربه وَالله يدْفع عَنهُ بِمَا كَانَ فِيهِ من كَثْرَة الصَّدَقَة. فَرَمَاهُ النشو بعد ذَلِك بِأَنَّهُ كَانَ يتحدث مَعَ الْأَمِير جمال الدّين آقوش نَائِب الكرك بِأَنَّهُ يتسلطن ويجتمع مَعَه على ذَلِك وَمَعَهُ منجم قدم بِهِ من دمشق واستخدمه فِي بَيت السُّلْطَان فَطلب المنجم وَقتل فِي السجْن وَمنع مُتَوَلِّي القاعة جَمِيع الَّذين يَجْلِسُونَ بالطرقات ويضربون بالرمل من التكسب بذلك. ورسم بِضَرْب ابْن هِلَال الدولة حَتَّى يقر على نَائِب الكرك بِمَا قيل عَنهُ فرفق بِهِ الأكز وضربه مقرعه وَاحِدَة ثمَّ ضربه بالعصا قَلِيلا وَهُوَ يحلف بِالطَّلَاق الثَّلَاث أَنه لَيْسَ عِنْده علم بِمَا رمي بِهِ. ثمَّ إِن النشو تنكر على مُسْتَوْفِي الدولة أَمِين الدّين قرموط وعَلى رَفِيقه ابْن أبي الزين من أجل أَن قرموط أَكثر من الِاجْتِمَاع بالسلطان فخاف عاقبته. وأغرى النشو بِهِ السُّلْطَان وَقرر فِي دهنه أَنه جمع كثيرا من مَال السُّلْطَان لنَفسِهِ وَأَن خَالِدا الْمُقدم يحاققه ورفيقه على أَنه أَخذ مائَة ألف دِينَار. فَقبض عَلَيْهِمَا فِي رَابِع ربيع الأول وَقبض مَعَهُمَا على الشَّمْس ابْن قزوينة وَالْعلم المستوفي والنشو كَاتب الرَّوَاتِب والبرهان ابْن الْبُرُلُّسِيّ ورفيقه ابْني الأقفاصي نَاظر الدولة. وَقَامَ خَالِد الْمُقدم بمحاققتهم وَالْتزم أَنه يستخلص من قرموط أَرْبَعِينَ ألف دِينَار فَعُوقِبَ وَضرب بالمقارع. فَقَالَ خَالِد للأكز ولؤلؤ: هَذَا جلد مَا يقر اضربوا وَلَده قدامه حَتَّى يزن المَال فَإِنَّهُ مَا يهون بِهِ ضرب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 186 وَلَده. فَلَمَّا ضرب قرموط أَمر الأكز بإحضار وَلَده وضربه فَضرب وَهُوَ يتحسر عَلَيْهِ جَزَاء بِمَا تقدم مِنْهُ. فَلَمَّا اشْتَدَّ بِهِ الْبلَاء ضرب نَفسه بسكين فِي حلقومه ليهلك فبادر الأعوان وأخذوها مِنْهُ وَقد جرحت حلقه فأسرف الأكز فِي عُقُوبَته وعقوبة رفقائه وَضرب الْقصب فِي أظفار ابْن أبي الزين. ثمَّ خرج النشو إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة. فَقدم الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام يَوْم الْأَرْبَعَاء حادي عشر رَجَب وَهُوَ مقدمه الْعَاشِر فَقَامَ فِي خلاص ابْن هِلَال الدولة وساعده الْأَمِير قوصون حَتَّى أفرج عَنهُ. ثمَّ قدم النشو من الْإسْكَنْدَريَّة فشق عَلَيْهِ أَن ابْن هِلَال الدولة قد أفرج عَنهُ وأغرى بِهِ السُّلْطَان حَتَّى أَمر الْوَالِي بإحضاره إِلَى القلعة وَخرج إِلَيْهِ الأكز وأخرق بِهِ وبلغه عَن السُّلْطَان أَنه مَتى اجْتمع بِهِ أحد شنقه فَنزل وَأقَام بالقرافة منجمعاً بهَا عَن النَّاس. وَأَفْرج عَن أَقَاربه وألزمه وَعَن تجار الشرابشيين بَعْدَمَا كتب النشو عَلَيْهِم إشهادات بِأَنَّهُم لَا حق لَهُم فِي جِهَة بَيت المَال وَكَانَ قد تجمع لَهُم عَن ثمن تشاريف مبلغ بِخَمْسِمِائَة ألف دِرْهَم على الخزانة فَذهب عَلَيْهِم وصودروا مَعَ ذَلِك وَاحْتج عَلَيْهِم النشو بِأَنَّهُم ربحوا على السُّلْطَان فِيمَا تقدم أَمْوَالًا جمة وَضرب مِنْهُم جمَاعَة بالمقارع واستأصل أَمْوَال كثير مِنْهُم. وَفِيه كتب إِلَى نَائِب الشَّام بعد سَفَره فِي يَوْم السبت حادي عشر رَجَب بِحمْل عَلَاء الدّين عَليّ بن حسن المرواني وَالِي بر دمشق لستقر فِي كشف الشرقية بِتَعْيِين الْأَمِير مَسْعُود بن خطير. فَقدم المرواني وخلع عَلَيْهِ بكشف الْوَجْه البحري فكبس الْبِلَاد وَجمع سِتِّينَ رجلا من المفسدين ووسطهم بِمَدِينَة بلبيس. وعلقهم على الْخشب وأحدث عقوبات مشنعة: مِنْهَا أَنه كَانَ ينعل الرجل فِي قَدَمَيْهِ كَمَا ينعل الْفرس ويمشيه حَتَّى يشهره وَمِنْهَا أَنه كَانَ يعلق الرجل فِي خطَّاف من حَدِيد يحتكه حَتَّى يَمُوت فأرهب النَّاس بالشرقية والغربية والبحيرة والمنوفية وأشوم بِكَثْرَة أثاره المهولة فِيهَا. وفيهَا صرف شرف الدّين أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن الشهَاب مَحْمُود كَاتب السِّرّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 187 بِدِمَشْق وَكتب نَائِب الشَّام يطْلب غَيره فعين السُّلْطَان لكتابة السِّرّ بِدِمَشْق جمال الدّين عبد الله بن كَمَال الدّين مُحَمَّد بن الْعِمَاد إِسْمَاعِيل بن أَحْمد بن سعيد بن الْأَثِير من حَملَة الموقعين بعد عرضهمْ وخلع عَلَيْهِ ووصاه وَصَايَا كَثِيرَة. (وَفِي خَامِس رَمَضَان) قدم الْأَمِير بدر الدّين مُحَمَّد بن التركماني فَلم يقبل عَلَيْهِ السُّلْطَان وَذَلِكَ بسعاية النشو عَلَيْهِ أَنه جمع من المباشرات أَمْوَالًا جمة وَأَن متاجره الْآن بطرابلس تنيف على مائَة ألف دِينَار وَأَن عِنْده من الْكتاب من يُحَقّق فِي جِهَته مبلغ مِائَتي ألف وَسِتِّينَ ألف دِينَار أَخذهَا من مَال السُّلْطَان فَنزل ابْن التركماني وَلزِمَ بَيته. وَفِي تَاسِع عشر شَوَّال. خلع عَليّ بالشريف عطيفة بن أبي نمي الحسني وَكَانَ قد قدم وشكا من أَخِيه رميثة أَمِير مَكَّة فَأَشْرَف بَينهمَا فِي الإمرة. وفيهَا اشتدت الْعقُوبَة على أَوْلَاد التَّاج إِسْحَاق وعَلى قرموط ورفيقه حَتَّى أظهرُوا مَالا كثيرا. وأنعم على لُؤْلُؤ بإمرة طبلخاناه وَكَثُرت الْخلْع عَلَيْهِ من السُّلْطَان وَعظم الْبلَاء بِهِ. وفيهَا أَقَامَ النشو رجلا لمرافعة الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن المحسني وَالِي دمياط بِأَنَّهُ أخرب أساساً قَدِيما فِي الْبَحْر بَين البرجين كَانَت عَلَيْهِ طلسمات تمنع بَحر الْملح عَن النّيل حَتَّى تلفت طلسمات وَغلب الْبَحْر على النّيل فَتلفت الْبَسَاتِين وَأَنه نَالَ من ثمن حِجَارَة هَذَا الأساس مَالا وفيهَا قبض النشو على زَوْجَة مُوسَى بن التَّاج إِسْحَاق وعوقبت وَهِي حَامِل عُقُوبَة شَدِيدَة على إِحْضَار المَال حَتَّى طرحت مَا فِي بَطنهَا ولدا ذكرا وَقبض أَيْضا على أَوْلَاد ابْن الجيعان كتاب الإسطبل. وَذَلِكَ أَن النشو كَانَت لَهُ عَجَائِز يتجسسن فِي بيُوت الْكِبَار فبلغنه عَن أَوْلَاد ابْن الجيعان أَن نِسَاءَهُ يذكرن كَثْرَة ظلمه وعسفه وأنهن يدعونَ عَلَيْهِ وبلغنه أَيْضا أَن أحد أَوْلَاد ابْن الجيعان يسْعَى فِي نظر الْجَيْش وَالْآخر يسْعَى فِي نظر الْخَاص. فَطلب النشو كَاتب الإسطبل مِنْهُم وألزمه بِكِتَابَة حِسَاب الإسطبل فَامْتنعَ عَلَيْهِ وخاشنة فِي القَوْل. فسعى بِهِ النشو إِلَى السُّلْطَان حَتَّى قَالَ لَهُ مشافهة من شباك الْقصر: لم لَا تعْمل حِسَاب الإسطل وتعطيه النَّاظر يَعْنِي النشو فَقَالَ: يَا خوند بدل مَا تطلب حِسَاب العبي والمقاود اطلب حِسَاب الذَّهَب الَّذِي يدْخل فِي خزائنك وَأَغْلظ فِي حق النشو حَتَّى قَالَ لَهُ: ونعمة مَوْلَانَا السُّلْطَان أظهر فِي جهتك مِائَتي ألف دِينَار فَقَامَتْ قِيَامَة النشو وانفض الْمجْلس على ذَلِك. فمازال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 188 النشو بأولاد ابْن الجيعان حَتَّى سلمهم إِلَى لُؤْلُؤ فعاقبهم حَتَّى هَلَكُوا وَأخذ موجودهم فَلم يكتف بذلك فَقبض على أقاربهم وألزامهم وصودر جمَاعَة بسببهم. وَفِيه خلع عَليّ عَلَاء الدّين عَليّ بن حسن المرواني الكاشف وَاسْتقر فِي ولَايَة الْقَاهِرَة عوضا عَن بلبان المحسني. وَتَوَلَّى المرواني هدم قناطر السبَاع الَّتِي عمرها الظَّاهِر بيبرس على الخليح بَين الْقَاهِرَة ومصر وزيدت فِي سعتها عشرَة أَذْرع وأعيدت أحسن مَا كَانَت وَركبت السبَاع الَّتِي كَانَت عَلَيْهَا من عهد الظَّاهِر على حَالهَا. وفيهَا كثر شغف السُّلْطَان بمملوكه ألطنبغا المارديني شغفاً زَائِدا وَقَاه فَأحب أَن ينشئ لَهُ جَامعا تجاه ربع الْأَمِير سيف الدّين طغي خَارج بَاب زويلة وَاشْترى عدَّة دور من ملاكها برضاهم. فَانْتدبَ السُّلْطَان لذَلِك النشو فَطلب أَرْبَاب الْأَمْلَاك وَقَالَ لَهُم: الأَرْض للسُّلْطَان وَلكم قيمَة الْبناء ومازال بهم حَتَّى ابتاعها مِنْهُم بِنصْف مَا فِي مكاتيبهم من الثّمن وَكَانُوا قد أَنْفقُوا فِي عمارتها بعد مشتراها جملَة فَلم يعْتد لَهُم مِنْهَا بِشَيْء. وَقَامَ المارديني فِي عمَارَة الْجَامِع حَتَّى تمّ فِي أحسن هندام فجَاء مصرفه ثَلَاثمِائَة ألف دِرْهَم ونيف سوى مَا أنعم بِهِ عَلَيْهِ السُّلْطَان من الْخشب والرخام وَغَيره. وخطب بِهِ الشَّيْخ ركن الدّين عمر بن إِبْرَاهِيم الجعبري من غير أَن يتَنَاوَل لَهُ مَعْلُوما. وفيهَا عمرت قلعة جعبر الْمَعْرُوفَة قَدِيما بدوسر وَكَانَت قد تلاشت بعد أَخذ الْمغل لَهَا فَلَمَّا كملت رتب فِي نيابتها الْأَمِير صارم الدّين بكتوت السنجري نَائِب الرحبة وفيهَا وَقعت قصَّة بدار الْعدْل تَتَضَمَّن الوقيعة فِي النشو وتذكر ظلمه وتسلط أَقَاربه على النَّاس وَكَثْرَة أَمْوَالهم وتعشق صهره ولي الدولة لشاب تركي. وَكَانَ قبل ذَلِك قد ذكر الْأَمِير قوصون للسُّلْطَان أَن عُمَيْرًا الَّذِي شغف بِهِ الْأَمِير ألماس قد ولع بِهِ أقَارِب النشو وأنفقوا عَلَيْهِ الْأَمْوَال الْكَثِيرَة فَلم يقبل السُّلْطَان فِيهِ قَول قوصون أَو غَيره من الْأُمَرَاء لمعرفته بكراهتهم لَهُ. فَلَمَّا قُرِئت عَلَيْهِ الْقِصَّة قَالَ: أَنا أعرف من كتبهَا وأستدعي النشو وَدفعهَا إِلَيْهِ وَأعَاد لَهُ مَا رَمَاه بِهِ الْأَمِير قوصون. فَحلف النشو على بَرَاءَة أَقَاربه من هَذَا الشَّاب وَإِنَّمَا هَذَا وَمثله مِمَّا يَنْقُلهُ حَوَاشِي الْأَمِير قوصون إِلَيْهِ ليبلغه قوصون إِلَى السُّلْطَان حَتَّى يتَغَيَّر خاطره ويوقع بِهِ وبأقاربه وَبكى وَانْصَرف. فَطلب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 189 السُّلْطَان الْأَمِير قوصون وَأنكر عَلَيْهِ إصغاءه لما يُقَال فِي النشو وَنَقله للسُّلْطَان حَتَّى يتَغَيَّر عَلَيْهِ مَعَ منفعَته بِهِ وَأخْبرهُ بِحلف النشو. فَحلف قوصون أَن النشو يكذب فِي حلفه وَلَئِن قبض على هَذَا الشَّاب وعوقب ليصدقن السُّلْطَان فِي تَعْيِينه من يعاشره من أقَارِب النشو. فَغَضب السُّلْطَان وَطلب الْأَمِير بدر الدّين مَسْعُود بن خطير الْحَاجِب وَأمره بِطَلَب الشَّاب وضربه بالمقارع حَتَّى يعْتَرف بِجَمِيعِ من يَصْحَبهُ وَكِتَابَة أسمائهم وألزمه أَلا يكتم عَنهُ شَيْئا مِنْهُم فَطَلَبه ابْن خطير وأحضر إِلَيْهِ المعاصير فأملى عَلَيْهِ عدَّة كَثِيرَة من الْأَعْيَان مِنْهُم ولي الدولة فخشي مَسْعُود على النَّاس من الفضيحة وَقَالَ للسُّلْطَان: هَذَا الْكذَّاب مَا ترك أحد فِي الْمَدِينَة حَتَّى أعترف عَلَيْهِ وإنني أعتقد أَنه يكذب عَلَيْهِم. وَكَانَ السُّلْطَان حشم النَّفس يكره الْفُحْش فَقَالَ: يَا بدر الدّين من ذكر من الدوارين فَقَالَ: وَالله يَا خوند! مَا خلى من خَوفه أحدا حَتَّى ذكره. فرسم السُّلْطَان بِإِخْرَاج عُمَيْر وَأَبِيهِ إِلَى غَزَّة وَكتب إِلَى نائبهما أَن يقطعهما خبْزًا هُنَاكَ. وَاتفقَ أَيْضا أَن طيبغا القاسمي من المماليك الناصرية كَانَ يسكن بجوار النشو وَله مَمْلُوك جميل الصُّورَة فاعتشر بِهِ ولي الدوله من إخْوَة النشو فترصده أستاذه حَتَّى هجم يَوْمًا عَلَيْهِم وَهُوَ مَعَهم فأخد مِنْهُم وَخرج فبلغوا النشو ذَلِك فبادر بالشكوى إِلَى السُّلْطَان بِأَن طيبغا القاسمي يعشق مَمْلُوكه ويتلف عَلَيْهِ مَاله ثمَّ إِنَّه هجم وَهُوَ سَكرَان على بَيْتِي وحريمي وَقد شهر سَيْفه وَبَالغ فِي السب. وَكَانَ السُّلْطَان يمقت على السكر فَأمر فِي الْحَال باخراج طيبغا ومملوكه إِلَى الشَّام منفياً. وفيهَا قدم إِبْرَاهِيم ابْن السُّلْطَان من الكرك يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَالِث ذِي الْحجَّة. وفيهَا أَمر السُّلْطَان بإنشاء قناطر بِنَاحِيَة شيبين الْقصر على بَحر أبي المنجا فأنشئت تسع قناطر فِي شعْبَان وَتقدم السُّلْطَان إِلَى الْأُمَرَاء بِحمْل الْحِجَارَة إِلَيْهَا فَحمل كل من الْأُمَرَاء مَا وظف عَلَيْهِ من ذَلِك وفيهَا وَقع بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة وباء فَكَانَ يَمُوت فِي كل يَوْم خمسه عشر بِمَرَض الخوانيق وَلم يعْهَد مثل هَذَا بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة. وفيهَا بلغت زِيَادَة النّيل ثَمَانِيَة عشر ذِرَاعا وَإِحْدَى عشر أصبعاً فَعم نَفعه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 190 عَامَّة الْأَرَاضِي وَكَانَ الْوَفَاء يَوْم الْأَرْبَعَاء ناسع عشر ذِي الْحجَّة، وَهُوَ سادس عشر مسرى. وَمَات فِيهَا من الْأَعْيَان بهاء الدّين أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن حمايل الْمَعْرُوف بِابْن غَانِم كَاتب السِّرّ بطرابلس فِي ثامن صفر بهَا. وَتُوفِّي الْوَاعِظ شمس الدّين حُسَيْن بن أَسد بن مبارك بن الْأَثِير. بِمصْر يَوْم الْخَمِيس سادس جُمَادَى الْآخِرَة عَن أَربع وَثَمَانِينَ سنة حدث عَن الْحَافِظ عبد الْعَظِيم وَغَيره. وَمَات الْأَمِير علم الدّين سنجر الخازن وَالِي الْقَاهِرَة وَهُوَ مَعْزُول يَوْم السبت ثامن جُمَادَى الْآخِرَة عَن نَحْو تسعين سنة أَصله من الممالك المنصورية قلاوون وترقى حَتَّى صَار خَازِنًا ثمَّ شاد الدَّوَاوِين ثمَّ وَالِي ثمَّ اسْتَقر وَالِي الْقَاهِرَة وشاد الْجِهَات فَأَقَامَ عدَّة سِنِين وَإِلَيْهِ ينْسب حكر الخازن خَارج الْقَاهِرَة على بركَة الْفِيل وَكَانَ حسن السِّيرَة وَمَات عَن نَحْو تسعين سنة وتربته بِالْقربِ من قبَّة الشَّافِعِي بالقرافة. وَمَات الْأَمِير صَلَاح الدّين طرخان ابْن الْأَمِير بدر الدّين بيسري بسجنه فِي الْإسْكَنْدَريَّة فِي جُمَادَى الأولى بعد مَا أَقَامَ بِهِ أَربع عشرَة سنة. وَتُوفِّي الْحَافِظ قطب الدّين عبد الْكَرِيم بن عبد النُّور بن مُنِير بن عبد الْكَرِيم الْحَنَفِيّ وَله تَارِيخ مصر مقفى وَشرح البُخَارِيّ وَشرح السِّيرَة النَّبَوِيَّة لِلْحَافِظِ عبد الْغَنِيّ ومشيخة فِي عدَّة أَجزَاء اشْتَمَلت على ألف شيخ. وَتُوفِّي زين الدّين عبد الْكَافِي بن الضياء عَليّ بن تَمام بن يُوسُف بن مُوسَى بن تَمام الْأنْصَارِيّ الخزرجي السُّبْكِيّ بالمحلة الْكُبْرَى وَهُوَ على قَضَائهَا وَهُوَ وَالِد التقي السُّبْكِيّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 191 وَمَات الْملك الْعَزِيز عُثْمَان بن المغيث عمر ابْن الْعَادِل أبي بكر ابْن الْكَامِل مُحَمَّد ابْن الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب بن شادي بِالْقَاهِرَةِ ومولده سنة اثْنَيْنِ وَخمسين وسِتمِائَة. وَمَات الْأَمِير طغلق الأشرفي السِّلَاح دَار بِالْقَاهِرَةِ بعد الإفراج عَنهُ بأسبوع. وَمَات الصاحب شمس الدّين عبد الله واسْمه غبريال أبي سعيد بن أبي السرُور الْأَسْلَمِيّ نَاظر الشَّام بَعْدَمَا صودر اتضع حَاله حَتَّى استجدى من الْأُمَرَاء وَنَحْوهم وَكَانَ النشو يغري بِهِ السُّلْطَان بِأَنَّهُ يكذب وَأَن تسلمه أظهر لَهُ مَالا كَبِيرا فاشتملت تركته على ألف دِرْهَم وبسببها استطال النشو على السُّلْطَان وَصَارَ قَوْله عِنْده لَا ينْقض. وَتُوفِّي الْمسند أَمِين الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الخلاطي الوان الْمُؤَذّن بالجامع الآموي فِي حادي عشرى ربيع الأول بِدِمَشْق سمع بِمصْر وَالشَّام والحجاز وَحدث عَن جمَاعَة. وَمَات مُحَمَّد بن بكتوت الظَّاهِرِيّ القلندري بطرابلس فِي خَامِس عشر ربيع الأول كَانَ كَاتبا مجوداً وَيذكر أَنه كتب على ابْن الوحيد وَكَانَ يضع المحبرة فِي يَده الْيُسْرَى والمجلد من كتاب الْكَشَّاف للزمخشري على زنده وَيكْتب مِنْهُ مَا شَاءَ الله وَهُوَ يُغني وَلَا يغلط وَكَانَ عِنْد الْمُؤَيد بحماة مده ثمَّ طرده. وَتُوفِّي شيخ الْكِتَابَة بهاء الدّين مَحْمُود بن الْخَطِيب محيي الدّين مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم ابْن عبد الْوَهَّاب بن عَليّ بن أَحْمد بن عقيل السّلمِيّ الْمَعْرُوف بِابْن خطيب بعلبك الدِّمَشْقِي بهَا فِي سلخ ربيع الأول عَن سبع وَأَرْبَعين سنة. وَمَات الْأَمِير مهنا بن عِيسَى بن مهنا فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامن عشر ذِي الْقعدَة بسلمية وَدفن بهَا عَن ثَمَانِينَ سنة وَترك سِتَّة عشر ولدا وَكَانَ عفيفاً مشكور السِّيرَة. وَتوفيت ناصرية إبنة إِبْرَاهِيم بن الْحُسَيْن السُّبْكِيّ وَالِدَة التقي بعد زَوجهَا زين الدّين عبد الْكَافِي السُّبْكِيّ بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا حدثت عَن عَليّ بن الصَّواف ودفنت بالقرافة. وَتوفيت زَيْنَب بنت الْخَطِيب يحيى ابْن الشَّيْخ عز الدّين عبد الْعَزِيز بن عبد السَّلَام عَن سبع وَثَمَانِينَ سنة وَقد تفردت بالرواية عَن جمَاعَة وَقتل ترمشين بن دوار الْمغل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 192 صَاحب بَلخ وبخارا وسمرقند ومرو وَكَانَ قد أسلم وَحسن إِسْلَامه وأبطل المكوس وَعدل فِي رَعيته وَملك بعده بزان. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 193 فارغة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 194 سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة فِي الْمحرم: قدم مَمْلُوك الْمجد السلَامِي من الْعرَاق بِكِتَاب أستاذه وصحبته بيرم رَسُول بوسعيد فَنزلَا بدار الضِّيَافَة وسافرا يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشريه. وَكَانَ الْكتاب يتَضَمَّن أَن بوسعيد مرض فَتصدق بِمَال كثير وَكتب بِإِسْقَاط المكوس من توريز وبغداد والموصل بِوَاسِطَة الْوَزير مُحَمَّد بن الرشيد وَأَن سديد الدولة ديان الْيَهُود مر بقارئ يقْرَأ قَوْله تَعَالَى: يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم الَّذِي خَلقكُم من نفس وَاحِدَة وَخلق مِنْهَا زَوجهَا وَبث مِنْهُمَا رجَالًا كثيرا وَنسَاء وَاتَّقوا الله الَّذِي تساءلون بِهِ والأرحام إِن الله كَانَ عَلَيْكُم رقيباً فَوقف واستعاده قرَاءَتهَا وَبكى بكاء شَدِيدا وَقد اجْتمع عَلَيْهِ النَّاس ثمَّ أعلن بِكَلِمَة الْإِسْلَام فارتجت بَغْدَاد لإسلامه وغلقت أسواقها وَخرج النِّسَاء وَالْأَوْلَاد فَأسلم بِإِسْلَامِهِ سِتَّة من أَعْيَان الْيَهُود وسارعت الْعَامَّة بِبَغْدَاد إِلَى كنائس الْيَهُود فخربوها ونهبوا مَا فِيهَا. وفيهَا تمّ بِنَاء خانكاه الْأَمِير قوصون بجوار جَامعه من دَاخل بَاب القرافة وتمت عمَارَة حمامها أَيْضا. فقرر قوصون فِي مشيختها الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن مَحْمُود الْأَصْفَهَانِي فِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي صفر وَعمل بهَا سماط جليل. وَفِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشر ربيع الآخر: توجه السُّلْطَان إِلَى الْوَجْه القبلي حَتَّى وصل إِلَى دندرا وَعَاد فطلع القلعة فِي يَوْم الْخَمِيس خَامِس جُمَادَى الأولى وَكَانَت غيبته خَمْسَة وَأَرْبَعين وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع عشر ربيع الأول: عزل الْأَمِير سيف الدّين بغا عَن الدوادارية وَاسْتقر عوضه سيف الدّين طاجار المارديني ثمَّ أخرج بغا عَن إمرة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 195 عشرَة بصفد فِي لَيْلَة الْجُمُعَة سادس ربيع الآخر. وَسَببه أَن بعض تجار قيسارية جهاركس طرح عَلَيْهِ النشو ثيابًا بضعفي قيمتهَا كَمَا هِيَ عَادَته فَرفع قصَّة للسُّلْطَان على يَد بغا وأحضره بغا بَين يَدَيْهِ فَشَكا حَاله. فاستدعى السُّلْطَان النشو بِحُضُور التَّاجِر وَقَالَ لَهُ: كم تَشْكُو النَّاس مِنْك اسْمَع مَا يَقُول هَذَا عَنْك من طرح القماش عَلَيْهِ بأغلى الْأَثْمَان. فَقَالَ: يَا خوندا هَذَا مَا يشتكي من أَمر القماش لكنه عَلَيْهِ للسُّلْطَان مبلغ ثَلَاثِينَ ألف دِينَار وَقد هرب مني وَأَنا أتطلبه. وَهَذَا الْمبلغ من إِرْث جَارِيَة تزَوجهَا التَّاجِر - وَهِي من جواري الشَّهِيد الْملك الْأَشْرَف خَلِيل - مَاتَت عِنْده وخلفت نَحْو مائَة ألف دِينَار وَمَا بَين جَوَاهِر وَغَيرهَا فأخد الْجَمِيع وَلم يظْهر السُّلْطَان على شَيْء. ثمَّ الْتفت النشو إِلَى التَّاجِر وَقَالَ لَهُ: بحياة رَأس السُّلْطَان مَا كنت متزوجاً بفلانة - يَعْنِي الْجَارِيَة الْمَذْكُورَة - فَقَالَ: نعم! . فَأمره السُّلْطَان أَن يُسلمهُ لِابْنِ صابر الْمُقدم حَتَّى يستخلص مِنْهُ المَال فَأَخذه ابْن صابر وشهره بِالْقَاهِرَةِ وعاقبه بالقيسارية مرَارًا حَتَّى أَخذ مِنْهُ مبلغ خمسين ألف دِرْهَم. ثمَّ تحول النشو على بغا وسعى بِهِ أَنه يَأْخُذ البراطيل وَكَانَ السُّلْطَان لَا يرتشي ويمقت من يرتشي ويعاقبه أَشد الْعقُوبَة فأثر كَلَامه عِنْد السُّلْطَان حَتَّى أخرجه. وسعى النشو أَيْضا بطقتمر الخازن حَتَّى غير السُّلْطَان عَلَيْهِ وَأخرجه إِلَى قلعة حلب نَائِبا بهَا فِي تَاسِع عشرى رَجَب. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة عَاشر جُمَادَى الْآخِرَة: رسم للأمير سيف الدّين أيتمش المحمدي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 196 بنيابة صفد عوضا عَن أرقطاي المرسوم بنقله إِلَى مصر فَخلع عَلَيْهِ يَوْم السبت حادي عشره وودع السُّلْطَان يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشر رَجَب. وَخرج أيتمش إِلَى الريدانية ثمَّ رَحل مِنْهَا يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشره فَقدم صفد يَوْم السبت ثامن شعْبَان. وَقدم الْأَمِير أرقطاي إِلَى قلعة الْجَبَل يَوْم الْأَحَد سادس عشرى جُمَادَى الْآخِرَة وأنعم عَلَيْهِ بإقطاع أيتمش وتقدمته وأكرمه السُّلْطَان. وَفِيه أخرج بلبان الحسامي وَالِي الْقَاهِرَة كَانَ - إِلَى ولَايَة دمياط ثامن عشره وَاسْتقر عوضه فِي ولَايَة الْقَاهِرَة عَلَاء الدّين بن حسن المرواني وَهُوَ وَالِي الْوُلَاة بِالْوَجْهِ البحري يَوْمئِذٍ. وَفِي لَيْلَة ثَالِث عشر رَجَب: قبض على ابْن هِلَال الدولة وعَلى نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن المحسن وَأَخْرَجَا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة بسعاية النشو عَلَيْهِمَا. وَسَببه أَن النَّاس توقفت أَحْوَالهم فِي الْقَاهِرَة من جِهَة الْفُلُوس وتحسنت أسعار الغلال وَتعذر شِرَاء الْخبز إِلَّا بِمَشَقَّة. فَوجدَ النشو سَبِيلا إِلَى القَوْل وَرمي ابْن هِلَال الدولة بِأَنَّهُ تحول من القرافة إِلَى جوَار نَاصِر الدّين بن المحسني بِخَط البندقانيين من الْقَاهِرَة وأنهما يَجْتَمِعَانِ لَيْلًا ويندبان عدَّة من الْعَامَّة لإغلاق دكاكين الْقَاهِرَة والتعنت فِي أَمر الْفُلُوس وَأَن نَاصِر الدّين بن المحسني قد بَاطِن جمَاعَة من الحرامية على الفتك بِي وَأَن إِقَامَة الْإِثْنَيْنِ بِالْقَاهِرَةِ توجب فَسَادًا كَبِيرا. ومازال النشو بالسلطان حَتَّى إخرجهما بَعْدَمَا قبض عَلَيْهِمَا وَكَانَ ابْن هِلَال الدولة من ثَالِث عشر ذِي الْحجَّة سنة خمس وَثَلَاثِينَ فِي الترسيم بالقلعة ثمَّ أخرج بدر الدّين وَالِد ابْن المحسني وَإِخْوَته إِلَى طرابلس. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث رَمَضَان: دخل الْأَمِير الشريف بدر الدّين ودي بن جماز ابْن شيحة الحسني أَمِير الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة شاكياً من ابْن أَخِيه طفيل بن مَنْصُور بن جماز أَنه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 197 لم يُوَافق على مَا رسم بِهِ من شركتهما فِي الإمرة. وَكَانَ قد رسم فِي سادس عشر الْمحرم لودي بِنصْف الإمرة شركَة بَينه وَبَين ابْن أَخِيه طفيل وخلع عَلَيْهِ وَكتب لَهُ توقيع بِوَاسِطَة الْأَمِير شرف الدّين مُوسَى بن مهنا عِنْد قدومه فَقدم طفيل من الْمَدِينَة فِي جُمَادَى الأولى ليَكُون بمفرده فِي الإمرة فَلم يجب إِلَى ذَلِك. ثمَّ آل الْأَمر إِلَى أَن اسْتَقر ودي بمفرده فِي الإمرة بِغَيْر شريك وخلع عَلَيْهِ فِي عَاشر شَوَّال وَتوجه مَعَ الركب ورسم لطفيل بإقطاع فِي بِلَاد حوران بِالشَّام فسكنها بعياله. وَفِي تَاسِع شهر رَمَضَان: أنعم على إِبْرَاهِيم ابْن السُّلْطَان بإمره وَنزل الْأَمِير قوصون والأمير بشتاك بِهِ إِلَى الْمدرسَة المنصورية بَين القصرين وَعمل مُهِمّ عَظِيم. وألبس الْأَمِير إِبْرَاهِيم الشربوش على الْعَادة وشق الْقَاهِرَة فِي موكب جليل وَقد زينت بالشموع والقناديل حَتَّى صعد القلعة. وفيهَا رَافع التَّاج كَاتب الْأَمِير بكتوت التَّاج محيي الدّين بن فضل الله كَاتب السِّرّ وَولده شهَاب الدّين أَحْمد بِوَرَقَة قَرَأَهَا السُّلْطَان تَتَضَمَّن أَنَّهُمَا عزلاه بِغَيْر علم السُّلْطَان. فطلبهما السُّلْطَان وأوقفهما عَلَيْهِمَا فعرفاه أَن هَذَا كَانَ يكْتب الْإِنْشَاء بغزة فَكتب تواقيع بِغَيْرِهِ بذلك بِمُقْتَضى قصَّة مشمولة بالخط الشريف وأحضرا الْقِصَّة فَأخْرج الرجل وَوجد النشو طَرِيقا للوقوع فِي ابْن فضل الله فتسلط عَلَيْهِ بالْكلَام السَّيئ. وفيهَا اشتدت وَطْأَة النشو على النَّاس وابتكر مظلمه لم يسْبق إِلَيْهَا. وَهِي أَنه ألزم الصاغة وَدَار أهل الضَّرْب أَلا يبْتَاع أحد مِنْهُم ذَهَبا بل يحمل الذَّهَب جَمِيعه إِلَى دَار الضَّرْب ليصك بصكة السُّلْطَان وَيضْرب دَنَانِير هرجة ثمَّ تصرف بِالدَّرَاهِمِ فَجمع من ذَلِك مَالا كَبِيرا للديوان. ثمَّ تتبع النشو الذَّهَب الْمَضْرُوب فِي دَار الضَّرْب فَأخذ مَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 198 كَانَ مِنْهُ للتجار والعامه وعوضهم عَنهُ بضائع وَحمل ذَلِك كُله للسُّلْطَان. وانحصر ذهب مصر بأجمعه فِي دَار الضَّرْب فَلم يَجْسُر أحد على بيع شَيْء مِنْهُ فِي الصاغة وَلَا غَيرهَا. ثمَّ إِن السُّلْطَان استدعى مِنْهُ بِعشْرَة أُلَّاف دِينَار فَاعْتَذر عَنْهَا فَلم يقبل عذره ونهره فَنزل النشو وألزم أَمِين الحكم بِكِتَابَة مَا تَحت يَده من مَال الْأَيْتَام وَطلب مِنْهُ عشرَة أُلَّاف دِينَار قرضا فِي ذمَّته فدله على مبلغ أَرْبَعمِائَة ألف دِرْهَم لأيتام الدواداري تَحت ختم بهاء الدّين شَاهد الْجمال فَأَخذهَا مِنْهُ وعوضه عَنْهَا بضائع. ثمَّ بعث النشو إِلَى قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر بن عِيسَى الإخنائي الْمَالِكِي فِي تَمْكِينه من مَال أَوْلَاد الْأَمِير أرغون النَّائِب وَهُوَ سِتَّة أُلَّاف دِينَار وَكَانُوا تَحت حجره فَامْتنعَ وَقَالَ: السُّلْطَان مَا يجل لَهُ أَخذ مَال الْأَيْتَام فَرد عَلَيْهِ: بِأَن السُّلْطَان إِنَّمَا يطْلب المَال الَّذِي سَرقه أَخُوك من خزانَة الْخَاص حَيْثُ كَانَ ناظرها فَإِن الْحساب يشْهد عَليّ بِمَا سَرقه من الخزانة وَقَامَ فِي فورة إِلَى السُّلْطَان ومازال بِهِ حَتَّى بعث إِلَى القَاضِي يلْزمه يحمل المَال الَّذِي سَرقه أَخُوهُ من الخزانة وَيَقُول لَهُ: أَنْت إيش كنت من مملوكي فَلم يجد قَاضِي الْقُضَاة بدا من تَمْكِين النشو من أَخذ المَال. وفيهَا أَمر السُّلْطَان أَيْضا بتَشْديد الْعقُوبَة على أَوْلَاد التَّاج إِسْحَاق وألزامهم. وفيهَا تحركت أسعار الغلال من نصف جُمَادَى الْآخِرَة وارتفع الْقَمْح من خَمْسَة عشر درهما الأردب إِلَى عشْرين درهما ثمَّ إِلَى ثَلَاثِينَ درهما فوقفت أَحْوَال النَّاس. وارتفع الْقَمْح إِلَى أَرْبَعِينَ درهما فَأمْسك الْأُمَرَاء وَغَيرهم من البيع طلبا للفائدة فخاف السُّلْطَان عَاقِبَة ذَلِك فَطلب نجم الدّين مُحَمَّد بن حُسَيْن بن على الأسعردي الْمُحْتَسب وَقد بلغ الأردب خمسين درهما وَأنكر عَلَيْهِ وَأقَام مَعَه وَالِي الْقَاهِرَة عَلَاء الدّين عَليّ بن حسن المرواني وَكَانَ ظَالِما غشوماً. فَضرب الْوَالِي عدَّة من الطحانين والخبازين بالمقارع فَاشْتَدَّ الْأَمر وغلقت الحوانيت بِالْقَاهِرَةِ ومصر وَتعذر شِرَاء الْخبز إِلَّا بِمَشَقَّة عَظِيمَة. فَكتب السُّلْطَان بِحمْل الغلال من غَزَّة والكرك والشوبك وبلاد دمشق وَألا يتْرك بهَا غلَّة مخزونة حَتَّى تحمل إِلَى الْقَاهِرَة. وَنُودِيَ بِالْقَاهِرَةِ ومصر أَلا يُبَاع الْقَمْح بِأَكْثَرَ من ثَلَاثِينَ درهما الأردب وَمن بَاعَ بِأَكْثَرَ من ثَلَاثِينَ نهب مَاله وَتقدم السُّلْطَان إِلَى الْأُمَرَاء بألا يخالفوا ذَلِك. فَأمْسك مباشرو الْأُمَرَاء أَيْديهم عَن البيع وصاروا يَجْلِسُونَ بِأَبْوَاب الشون وَلَا يبيعون مِنْهَا شَيْئا فَاشْتَدَّ الْأَمر. وَبَاعَ السماسرة الأردب بستين وبسبعين خُفْيَة وَصَارَ الْأُمَرَاء يخرجُون الْغلَّة من الشون على أَنَّهَا جراية لمخاديمهم وَمَا هِيَ إِلَّا مَبِيع بِمَا ذكر. فاهتم السُّلْطَان بالغلاء وشق عَلَيْهِ مَا بِالنَّاسِ من ذَلِك وَعلم أَن أَكثر الغلال إِنَّمَا هِيَ لِلْأُمَرَاءِ فَطلب ضِيَاء الدّين يُوسُف أبي بكر بن مُحَمَّد الشهير بالضياء ابْن خطيب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 199 بَيت الْآبَار الشَّامي نَاظر المارستان وناظر الْأَوْقَاف وَقد اشتهرت نهضته وكفايته وأمانته وفوض إِلَيْهِ الْحِسْبَة بِمصْر بعد امْتِنَاعه مِنْهُمَا وأكد عَلَيْهِ فِي الْقيام بِمَا نَدبه إِلَيْهِ وخلع عَلَيْهِ فِي ثَالِث جُمَادَى الْآخِرَة. وَنزل الضياء وَمَعَهُ الأكز شاد الدَّوَاوِين إِلَى مصر فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَأول مَا بَدَأَ بِهِ الضياء أَن ختم شون الْأُمَرَاء كلهَا بعد أَن كتب مَا فِيهَا من عدَّة الأرادب وَكتب مَا يحْتَاج إِلَيْهِ الْأَمِير من الجراية لمئونته والعليق لدوابه إِلَى حِين قدوم الْمغل الْجَدِيد ثمَّ طلب الشماسرة والأمناء والكيالين وَأشْهد عَلَيْهِم أَلا تفتح شونة إِلَّا بِإِذْنِهِ. وَصَارَ الضياء يركب فِي كل يَوْم إِلَى شونة وَيخرج مَا فِيهَا فَيبْدَأ بتكفية الطحانين وَلَا يَبِيع الأردب إِلَّا بِثَلَاثِينَ درهما فَلم يقدر أحد على بَيْعه بِأَكْثَرَ من ذَلِك. ثمَّ بلغ الضياء أَن سمساري الأميرين قوصون وبشتاك باعا بِأَكْثَرَ من ذَلِك فاستدعي الْأَمِير الأكز إِلَى مصر فضربهما بالمقارع واشهرهما. ثمَّ عرف الضياء السُّلْطَان بأمرهما فَاشْتَدَّ غَضَبه وَطلب الْأَمِير قوصون حَضْرَة الْأُمَرَاء وصرخ عَلَيْهِ: وَيلك أَنْت تُرِيدُ أَن تخرب على مصر وتخالف مرسومي وسبه ولعنه وَشهر عَلَيْهِ السَّيْف وضربه على أكتافه وَرَأسه وَصَارَ يَقُول: هاتوا أستاداره فسارع النُّقَبَاء لإحضاره وَمن شَره غضب السُّلْطَان صَار يقوم وَيقْعد وَيَقُول هاتوا أستاداره حَتَّى خرج أَمِير مَسْعُود الْحَاجِب بِنَفسِهِ إِلَى بَاب القلعة والحاجب الآخر. وارتجت القلعة بأسرها وَخَافَ الْأُمَرَاء كلهم فَلم ينْطق أحد مِنْهُم لشدَّة مَا رَأَوْا من غضب السُّلْطَان. فَلم يكن أسْرع من حُضُور قطلو أستادار قوصون فَأمر السُّلْطَان الأكز بضربه بالمقارع ثمَّ أَمر بِهِ فبطح بَين يَدَيْهِ وَضرب خوفًا عَلَيْهِ من إفحاش الأكز فِي ضربه فَلم يتجاسر أحد بعْدهَا من الْأُمَرَاء أَن يفتح شونته إِلَّا بِأَمْر ثمَّ بلغ الضياء أَن الْأَمِير طشتمر الساقي أخرج من شونته أَرْبَعمِائَة أردب فَأنْكر على ديوانه وَحلف أَنهم إِن لم يُعِيدُوا الأربعمائة أردب إِلَى الشونة وَإِلَّا عرف السُّلْطَان ذَلِك فَلَمَّا بلغ الْأَمِير طشتمر هَذَا رد الْغلَّة إِلَى الشونة. وَكتب السُّلْطَان إِلَى وُلَاة الْأَعْمَال أَن يركبُوا بِأَنْفسِهِم إِلَى جَمِيع النواح ويحملوا مَا بهَا من الغلال بِحَيْثُ لَا يدعونَ غلَّة فِي مطمورة وَلَا مخزن وَلَا أحد عِنْده غلَّة حَتَّى يحمل ذَلِك كُله إِلَى مصر وتحضر أَرْبَابهَا لأخذ أثمانها عَن كل أردب مبلغ ثلانين درهما وَنُودِيَ بِالْقَاهِرَةِ ومصر: من كَانَ عِنْده غلَّة وَلَا يَبِيعهَا نهبت. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 200 وَكَانَ قد بلغ السُّلْطَان أَن الأجناد عِنْدهم غلال وهم يبيعونها بالويبة فَبَاعَ بَعضهم بعد النداء وتهاون طَائِفَة مِنْهُم فَلم يبيعوا شَيْئا. فنم عَلَيْهِم جيرانهم حَتَّى كَانَ مِنْهُم من تهجم السوقة الحرافيش عَلَيْهِ وتنهبه وَمِنْهُم من يغمز عَلَيْهِ فيأتيه الْوَالِي وَيخرج غَلَّته حَتَّى تفرق على الطحانين. وأقيم فِي كل فرن شَاهد لحصر مَا يحمل إِلَيْهِ من الدَّقِيق الْمُرَتّب لَهُ وَعمل معدل كِفَايَة الْبَلَد فِي كل يَوْم وَفرق الْقَمْح فيهم على قدر كفايتهم فسكن مَا كَانَ بَين النَّاس من العناء فِي طلب الْخبز وَمن ضرب الطحانين والخبازين. فَلَمَّا كَانَ فِي آخر شهر رَجَب: قدم من الشَّام أَربع أُلَّاف غرارة قَمح. ثمَّ قدم فِي أخر شعْبَان أحمال كَثِيرَة من بِلَاد الصَّعِيد وتبعها الْحمل فِي الْبر وَالْبَحْر من الشرقية والغربية والبحيرة. وَخَافَ أَرْبَاب الغلال على أنفسهم فأخرجوها للْبيع حَتَّى إِذا أهل شهر رَمَضَان قدمت التراويج فِي أَوَائِل الْحَصاد. وَوَافَقَ ذَلِك النداء على النّيل بِالزِّيَادَةِ فعبرت المراكب فِيهِ بالغلال إِلَى سَاحل مصر وزفت بالمغاني وَكَانَ الْخبز يُبَاع سِتَّة أَرْطَال بدرهم فَبيع من الْغَد ثَمَانِيَة أَرْطَال بدرهم. فَلم يَنْسَلِخ لشهر رَمَضَان حَتَّى فرج الله عَن عباده وَنزل السّعر قَلِيلا قَلِيلا بَعْدَمَا ظن كثير من النَّاس أَنه نَظِير غلاء الْعَادِل كتبغا فَسلم الله بمنه. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشر شَوَّال: قدم رسل الْملك مُوسَى الَّذِي ملك بعد أربا كاؤن وَرَسُول عَليّ بادشاه. فَخلع عَلَيْهِمَا وأنعم على جماعته بِمَال كثير. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة: ركبُوا من القلعة بعد الصَّلَاة ومضوا فزاروا الإِمَام الشَّافِعِي والسيدة نفيسة وعادوا إِلَى التربة المنصورية بَين القصرين فزاروا قبر السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور قلاوون وعدوا المارستان وطلعوا إِلَى القلعة ودقت الكوسات عِنْد نزولهم مِنْهَا ثمَّ عِنْد عودهم إِلَيْهَا وسافروا فِي تَاسِع عشريه. وَمُلَخَّص كتبهمْ الْخَبَر بِمَوْت ملك الشرق القان بوسعيد ابْن القان مُحَمَّد خربندا بن أرغون أبغا ابْن عَدو الله هولاكو بن طلوخان ابْن عَدو الله جنكز خَان بِالْبَابِ الْحَدِيد وَهُوَ مُتَوَجّه إِلَى لِقَاء أزبك خَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 201 وَأَنه قَامَ من بعده أربا كاؤن بن صوصا بن سنجقان بن ملكتمر بن أريغبغا أخي هولاكو بمساعدة الْوَزير غياث الدّين بن رشيد الدّين. فَلم يُوَافقهُ عَليّ بادشاه حَاكم بَغْدَاد فِي الْبَاطِن واستمال أَوْلَاد سونتاي فَلم يوافقوه فَجمع على بادشاه الْمغل عَلَيْهِ وَكتب إِلَى السُّلْطَان النَّاصِر يعده بِأَنَّهُ يسلم بَغْدَاد وَيكون نَائِبا عَنهُ بهَا وَسَأَلَهُ فِي إعانته بنجدة على أَوْلَاد سونتا تكون مُقِيمَة على الْفُرَات. ففرح السُّلْطَان بذلك وأجابه بالشكر وَبعث إِلَيْهِ خَمْسَة قواقل وَخَمْسَة سيوف. فقوي عزم عَليّ بادشاه وَركب إِلَى أَوْلَاد سونتاي فَاجْتمعُوا على الشَّيْخ حسن بن أقبغا أيلخان سبط أرغون بن أبغا بن هولاكو الْمَعْرُوف بالشيخ حسن بك الْكَبِير النوين - بالأردو وعرفوه انتماء عَليّ بادشاه لصَاحب مصر ونصرته لَهُ. فَكتب الشَّيْخ حسن الْكَبِير إِلَى السُّلْطَان يرغبه فِي نصرته على عَليّ بادشاه ويمت إِلَيْهِ بقرابته من أمه فمطل بِالْجَوَابِ رَجَاء حُضُور خبر عَليّ بادشاه. فَقدم الْخَبَر بِأَن عَليّ بادشاه لما ركب لِحَرْب أَوْلَاد سونتاي بلغه اجْتِمَاعهم وَالشَّيْخ حسن مَعَ عدَّة من الْأُمَرَاء وَأَن أربا كاؤن هرب لتفلل أَصْحَابه عَنهُ وَأشيع عَنهُ أَنه قتل. وَقَوي عَليّ بادشاه بِمن أنضم إِلَيْهِ من الْمغل فَسَار أَوْلَاد سونتاي وَالشَّيْخ حسن إِلَى جِهَة الرّوم وَانْفَرَدَ عَليّ بادشاه بالحكم فِي الأردو وَأقَام مُوسَى بن عَليّ بن بيدو بن طرغاي بن هولاكو على تخت الْملك. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع شَوَّال: تغير السُّلْطَان على الْأَمِير الأكز شاد الدَّوَاوِين وضربه وحبسه مُقَيّدا. وَسبب ذَلِك أَن الْأَمِير قوصون غضب على الأكز من أجل أَنه أخرق بقطلو أستاداره عِنْدَمَا بَاعَ شماسرة الْقَمْح بأزيد من ثَلَاثِينَ درهما الأردب فعندما رأه فِي الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة سبه فَرد عَلَيْهِ الأكز ردا فَاحِشا سبه فِيهِ كَمَا سبه فَاشْتَدَّ حنق قوصون مِنْهُ وهم أَن يلكمه فبدر إِلَيْهِ وهم فِي ذَلِك وَإِذا بالسلطان قد جلس وَسمع الجلبة فَتقدم إِلَيْهِ الأكز وَعرف بِمَا فعله سمسار قوصون وضربه لَهُ وَأَن قوصون غضب عَليّ بِسَبَب ذَلِك وَشَتَمَنِي. فَكَانَ من السُّلْطَان فِي حق قوصون مَا تقدم ذكره وَصَارَ يَقُول: إِذا كَانَ مملوكي يفعل شَيْئا بِغَيْر مرسومي ويعترض على أَي حُرْمَة تبقي لي وَحط على قوصون. فَتَأَخر قوصون عَن الْخدمَة آخر النَّهَار فاستدعاه السُّلْطَان بجمدار فَوَجَدَهُ محموماً وَأقَام بالحمى ثَلَاثَة أَيَّام فَبعث إِلَيْهِ الْأَمِير بشتاك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 202 وَطيب خاطره وَهُوَ يشكو مِمَّا جرى عَلَيْهِ فَمَا زَالَ بِهِ حَتَّى دخل إِلَى الْخدمَة فَأقبل السُّلْطَان عَلَيْهِ ووعده بالإيقاع بالأكز. ثمَّ طلب السُّلْطَان النشو بعد ذَلِك وحدثه فِي أَمر الأكز وغض مِنْهُ فعين النشو لَهُ لؤلؤا عوض الأكز وَقَامَ عَنهُ وَطلب لؤلؤا وعرفه مَا دَار بَينه وَبَين السُّلْطَان وَكَانَ لُؤْلُؤ خَفِيفا أَحمَق فَوضع من الأكز وَدخل من الْغَد إِلَى السُّلْطَان مَعَ الأكز وَأخذ يجبهه بالْكلَام ويرافعه وينكيه حَتَّى حرج مِنْهُ وسبه. فَغَضب السُّلْطَان بِسَبَب ذَلِك وَأمر بِهِ فَضرب بَين يَدَيْهِ وَقيد وسجن بالزردخاناه وخلع على لُؤْلُؤ عوضه فِي شدّ الدَّوَاوِين وخلع على شمس الدّين إِبْرَاهِيم بن قزوينة ورسم لَهما أَن يمتثلا مَا يرسم بِهِ النشو وَلَا يعملا شَيْئا إِلَّا بمشورته وَنزلا. فَأول مَا بَدَأَ بِهِ لُؤْلُؤ أَن أوقع الحوطة على مَوْجُود الأكز وَقبض على مباشريه وعاقب مُوسَى ابْن التَّاج اسحاق وَنَوع عَذَابه تقرباً لخاطر النشو وعاقب قرموط وطالبه بِحمْل المَال. (وَفِي ثَانِي عشر ذِي الْقعدَة) اسْتَقر عَلَاء الدّين كندغدي الْعمريّ فِي ولَايَة القلعة عوضا عَن بيبرس الأوحدي. وفيهَا سقط طَائِر حمام بالميدان وعَلى جنَاحه ورقة تَضَمَّنت الوقيعة فِي النشو وأقاربه والقدح فِي السُّلْطَان بِأَنَّهُ قد أخرب دولته. فَغَضب السُّلْطَان من ذَلِك غَضبا شَدِيدا وَطلب النشو وَأَوْقفهُ على الورقة وتنمر عَلَيْهِ لِكَثْرَة مَا يشكى مِنْهُ فَقَالَ: ياخوند النَّاس معذورون وَحقّ رَأسك لقد جَاءَنِي خبر هَذِه الورقة لَيْلَة كتبت وَهَذِه فعلة الْعلم أبي شَاكر بن سعيد الدولة نَاظر الْبيُوت كتبهَا فِي بَيت الصفي كَاتب الْأَمِير قوصون وَقد اجْتمع هُوَ وأقاربه. وَأخذ النشو يعرف السُّلْطَان بِمَا كَانَ من أَمر سعيد الدولة فِي أَيَّام بيبرس الجاشنكير وأغراه بِهِ حَتَّى طلبه وَسلمهُ إِلَى الْوَالِي عَلَاء الدّين عَليّ بن حسن المرواني فعاقبه عُقُوبَة مؤلمة. وَطلب السُّلْطَان الْأَمِير قوصون وعنفه على فعل الصفي كَاتبه فَطَلَبه قوصون وهدده فَحلف بِكُل يَمِين على بَرَاءَته مِمَّا رمي بِهِ فتتبع النشو عدَّة من الْكتاب وَجَمَاعَة من الباعة وقبص عَلَيْهِم بِسَبَب أبي شَاكر وَنَوع الْعَذَاب عَلَيْهِم بيد الْوَالِي وَخرب دُورهمْ وحرثها بالمحراث. وَقبض النشو على الْمُوفق هبة الله بن سعيد الدولة ثمَّ أفرج عَنهُ بعناية الْأَمِير أقبغا عبد الْوَاحِد وعذب ابْن الْأَزْرَق نَاظر الْجِهَات. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 203 واشتدث وَطْأَة النشو على النَّاس جَمِيعًا وأوحش مَا بَينه وَبَين الْأُمَرَاء كلهم وثلب أعراضهم عِنْد السُّلْطَان حَتَّى غَيره عَلَيْهِم. ثمَّ رتب النشو ضَامِن دَار الفاكهه فِي أَن وقف للسُّلْطَان وَسَأَلَ أَن يسامح بِمَا تَأَخّر عَلَيْهِ فَإِن دَار الْفَاكِهَة أوقف حَاله فِيهَا من أجل أَن الأعناب الْوَاصِلَة من نَاحيَة مرصفا وَغَيرهَا عصرت خمرًا بِنَاحِيَة شبْرًا فتعطل مَا كَانَ يُؤْخَذ مِنْهَا للديوان. فَطلب السُّلْطَان النشو ولؤلؤاً وسألهما عَن ذَلِك وَعَن نَاحيَة شبْرًا فَقَالَا: هِيَ للأمير بشتاك وديوانه إِبْرَاهِيم جمال الكفاة هُوَ الَّذِي يعصر فِيهَا. فرسم للوالي ولؤلؤ أَن يكسرا جَمِيع مَا بشبرا من جرار الْخمر وإحضار من هِيَ عِنْده فَطلب لُؤْلُؤ أستادار بشتاك وأخرق بِهِ فشق ذَلِك على بشتاك وشكاه للسُّلْطَان فَلم يلْتَفت إِلَى شكواه وَقَالَ: أستادارك وديوانك يعصران الْخمر ويتجوهان بك وَنَحْو هَذَا وَمضى الْوَالِي ولؤلؤ إِلَى شبْرًا وكسرا فِيهَا ألف جرة خمر وَوجدت جرار كَثِيرَة عَلَيْهَا ختم المخلص أخي النشو وَوجد لَهُ أَيْضا قند وسِتمِائَة جرة فِيهَا خمر عَتيق وَكَانَ مَعَهم أستادار الْأَمِير بشتاك ثمَّ ندب النشو بكتوت من مماليك الخازن وَهُوَ يَوْمئِذٍ شاد شونة الْأَمِير بشتاك لمرافعة إِسْمَاعِيل أستادار بشتاك وَإِبْرَاهِيم جمال الكفاة ديوانه فَخَلا بكتوت ببشتاك وعرفه أَن الْمَذْكُورين أخذا من الْخُصُوص خَمْسَة أُلَّاف أردب ومبلغ خمسين ألف دِرْهَم وأخذا من الشونة مائَة ألف دِرْهَم عِنْدَمَا رسم السُّلْطَان بِبيع الأردب بِثَلَاثِينَ درهما فباعوه بستين وبسبعين درهما وَذكر بِهِ أَشْيَاء من هَذَا النَّوْع. فانفعل لَهُ بشتاك وَبلغ السُّلْطَان ذَلِك وأحضر بكتوت مَعَه فَطلب السُّلْطَان حمال الكفاة وَإِسْمَاعِيل وَطلب النشو أَيْضا وَذكر لَهُ مَا قَالَ بكتوت وَأثْنى عَلَيْهِ وشكره فَاشْتَدَّ بأسه وَأخذ يجبهُ مباشري بشتاك بِمَا رماهم بِهِ. فَثَبت جمال الكفاة لمحاققته وَكَانَ مقداماً طلق الْعبارَة وَقَالَ للسُّلْطَان: أَنا الْمَطْلُوب بِكُل مَا يَقُوله هَذَا فَبَدَأَ النشو يذكر من أوراق المرافعة مَا يتَعَلَّق بالخصوص فَأجَاب بِأَن الَّذِي تولى قبضهَا الأستادار وممالكيه مَعَ مباشري النَّاحِيَة وَهَذِه أوراقهم مشمولة بخطوط الْعُدُول والمقبوض مِنْهَا أَزِيد مِمَّا كَانَ يقبض فِي أَيَّام الْأَمِير بكتمر الساقي بِكَذَا وَكَذَا. ثمَّ ذكر جمال الكفاة حَدِيث مَبِيع الشونة فَقَالَ: مُنْذُ باشرت عِنْد الْأَمِير مَا تنزلت إِلَى الشونة وَالَّذِي أبيع مِنْهَا كَذَا وَكَذَا أردب بِحُضُور شَاهد ديوَان الْأَمِير وَمَعَهُ شَاهدا إِضَافَة وَأَرْبَعَة أُمَنَاء وسماسرة من جِهَة الْمُحْتَسب. وَالسُّلْطَان يحضرهم ويكشف من دفاترهم عَمَّا قلته فَإِن وجده بِخِلَاف مَا قلته كَانَ فِي جِهَة وَكَانَ جزائي الشنق. فَلَمَّا فلج جمال الكفاة بِالْحجَّةِ قَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 204 بكتوت: ياخوند هَذَا يعصر أَرْبَعَة أُلَّاف جرة خمر فِي شبْرًا فنهره السُّلْطَان وَقَالَ لَهُ. إيش صَحَّ من كلامك حَتَّى يَصح هَذَا وَأمر بِهِ فَأخْرج وَعرف بشتاك بِأَن النشو قد نَدبه لذَلِك فأسرها فِي نَفسه. فَالْتَفت النشو بعد ذَلِك إِلَى جِهَة الْأَمِير أقبغا عبد الْوَاحِد ونم عَلَيْهِ للسُّلْطَان بِأَن معامل ناحيتي أبيار والنحراوية قد انْكَسَرَ عَلَيْهِ مَال نَحْو ثَمَانِينَ ألف دِرْهَم من جِهَة أَن الْأَمِير أقبغا صَار يَأْخُذ من قزازي نَاحيَة طوخ مزِيد الَّتِي فِي إقطاعه عَن التفاصيل الَّتِي تعْمل بهَا مَا كَانَ يُؤْخَذ عَلَيْهَا إِذا حملت إِلَى أبيار والنحراوية وَأَنه عمل ختما بَاعه بدل ختم السُّلْطَان يخْتم بِهِ التفاصيل الْمَذْكُورَة وَذكر لَهُ عَنهُ أَشْيَاء تشبه هَذَا وأحضر بالحسام العلائي شاد أبيار والنحراوية ليحاقق آقبغا. فَأمر السُّلْطَان بإحضار آقبغا وَأَغْلظ لَهُ وَأمر الشاد بمحاققته فجبهه بِمَا رَمَاه بِهِ النشو واستطال عَلَيْهِ فخاف آقبغا وَلم يَأْتِ بِعُذْر يقبل فطرده السُّلْطَان عَنهُ وَأخذ يضع مِنْهُ والأمير بشتاك يسد خلله حَتَّى كف عَن الْقَبْض عَلَيْهِ. فشق ذَلِك على الخاصكية ووقعوا فِي النشو وَقد علمُوا أَن ذَلِك من أَفعاله. وفيهَا قدم كتاب الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام يشكو من الْأَمِير أيتمش نَائِب صفد من أجل أَنه مَا يمتثل أمره ويستبد بِغَيْر مُرَاجعَته فَأُجِيب بمراعاته وإكرامه. فَلم تطل مُدَّة أيتمش بعد ذَلِك سوى اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَمَات فَخلع على الْأَمِير طشتمر الساقي وَاسْتقر فِي نِيَابَة صفد وَزيد على إقطاع النِّيَابَة وأنعم على ولديه بإمرتين. وفيهَا خلع على الْأَمِير طيبغا حاجي وَاسْتقر فِي نِيَابَة غَزَّة عوضا عَن جركتمر فِي سَابِع عشرى ذِي الْحجَّة وَنقل جركتمر إِلَى نِيَابَة حمص. وفيهَا أخرج الأكز على إمرة طبلخاناه بِدِمَشْق فِي يَوْم الثُّلَاثَاء حادي عشرى ذِي الْقعدَة فَكَانَت مُدَّة اعتقاله شهرا وَنصف شهر. وفيهَا عزل الْجمال ابْن الْأَثِير من كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق إِلَى الْقَاهِرَة وَاسْتقر عوضه علم الدّين مُحَمَّد بن القطب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 205 وَفِي ثَالِث عشر ذِي الْقعدَة: نقل الْخَلِيفَة المستكفي بِاللَّه أَبُو الرّبيع سُلَيْمَان من سكنه بمناظر الْكَبْش إِلَى قلعة الْجَبَل وَأنزل حَيْثُ كَانَ أَبوهُ الْحَاكِم نازلاً فسكن برج السبَاع دَائِما بعياله ورسم على الْبَاب جاندار بالنوبة وَسكن ابْن عَمه إِبْرَاهِيم فِي برج بجواره وَمَعَهُ عِيَاله ورسم عَلَيْهِ جاندار الْبَاب ومنعا من الِاجْتِمَاع بِالنَّاسِ. وَفِي ثَالِث عشرى ذِي الْقعدَة: اسْتَقر عز الدّين أيبك الحسامي البريدي أحد مقدمي الْحلقَة فِي ولَايَة قطيا عوضا عَن الْأَمِير عَلَاء الدّين ألطبرس الدِّمَشْقِي الزمردي وَاسْتقر ألطبرس من جملَة وَفِي أول ذِي الْحجَّة: قدم الْملك الْأَفْضَل صَاحب حماة وَحصل من الاحتفال بِهِ أَكثر من كل مرّة. وَفِي ثالثه: اسْتَقر الشَّيْخ مُحَمَّد الْقُدسِي فِي مشيخة خانكاه الْأَمِير بشتاك وعملت فِيهَا وَلِيمَة عِنْد فرَاغ بنائها. وَفِي يَوْم عيد النَّحْر: أقيم على مملكة الْعرَاق مُحَمَّد يلقطلو بن تيمور بن عنبرجي ابْن منكوتمر بن هولاكو وَقَامَ بأَمْره الشَّيْخ حسن بك الْكَبِير فحاربه الْملك مُوسَى فِي رَابِع عشره فَانْهَزَمَ مُوسَى بَعْدَمَا قتل بَينهمَا خلائق وَقتل عَليّ بادشاه مُدبر دولة مُوسَى وَكَانَت هَذِه الْوَقْعَة قَرِيبا من توريز عِنْد بَلْدَة ناوشهر على جبل الأداغ. وفيهَا اسْتَقر الْأَمِير بكتاش فِي نقابة الْجَيْش بعد وَفَاة صاروجا. وفيهَا انْتَهَت زِيَادَة النّيل إِلَى ثَمَانِيَة عشر ذِرَاعا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 206 وَمَات فِيهَا من الْأَعْيَان القان بوسعيد بن القان مُحَمَّد خربندا بن أرغون بن أبغا بن هولاكو المغلي ملك التتار صَاحب الْعرَاق والجزيرة وأذربيحان وخراسان وَالروم فِي ربيع الآخر بأذربيحان وَقد أناف على الثَّلَاثِينَ وَكَانَت دولته عشْرين سنة كَانَ جُلُوسه على التخت فِي أول جُمَادَى الأولى سنة سبع عشر بِمَدِينَة السُّلْطَانِيَّة وعمره إِحْدَى عشرَة سنة وَكَانَ جميلاً كَرِيمًا يكْتب الْخط الْمَنْسُوب ويجيد ضرب الْعود وصنف مَذَاهِب فِي النغم وأبطل عدَّة مكوس وأراق الْخُمُور وَمنع من شربهَا وَهدم كنائس بَغْدَاد وَورث ذَوي الْأَرْحَام فَإِنَّهُ كَانَ حنفياً وَلم تقم بعده للمغل قَائِمَة. وَمَات أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن يُوسُف الْمرَادِي الْقُرْطُبِيّ العشاب وَزِير أبي يحيى زَكَرِيَّا اللحياني متملك تونس بالإسكندرية فِي شهر ربيع الأول وَقد برع فِي النَّحْو وَحدث. وَتُوفِّي عز الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد القلانسي محتسب دمشق بهَا. وَمَات الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن أبي بكر بن برق وَالِي دمشق بهَا. وَتُوفِّي عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن الصاحب فتح الدّين عبد الله بن مُحَمَّد بن خَالِد بن مُحَمَّد بن نصر بن القيسراني كَاتب الدست بقلعة الْجَبَل ثمَّ كَاتب السِّرّ بحلب فِي ذِي الْقعدَة ومولده سنة إِحْدَى وَسبعين وسِتمِائَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 207 وَمَات الْأَمِير جمال الدّين أقوش الأشرفي الْمَعْرُوف بنائب الكرك مسجوناً بالإسكندرية فِي يَوْم الْأَحَد سَابِع جُمَادَى الأولى. وَمَات الْأَمِير أيتمش المحمدي نَائِب صفد فِي لَيْلَة الْجُمُعَة سادس عشر ذِي الْقعدَة. وَمَات الْأَمِير بلبان الحسامي وَالِي دمياط الَّذِي كَانَ وَالِي الْقَاهِرَة وَهُوَ أَخُو بدر الدّين المحسني فِي نصف شهر رَمَضَان وَهُوَ فِي الاعتقال. وَمَات الْأَمِير عَلَاء الدّين الشَّيْخ عَليّ التتري مَمْلُوك سلار فِي يَوْم الْخَمِيس خَامِس ربيع الآخر. وَمَات نقيب الْجَيْش الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن صاروجا فَجْأَة وَهُوَ فِي الصَّيْد فَحمل إِلَى الْقَاهِرَة وَدفن يَوْم الثُّلَاثَاء. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين ألناق الناصري هُوَ أحد مقدمي الألوف فِي ثامن عشرى شَوَّال. وَتُوفِّي الشَّيْخ سيف الدّين عبد اللَّطِيف بلبان بن عبد الله البيسري شيخ زَاوِيَة أبي السُّعُود لَيْلَة الثُّلَاثَاء سَابِع عشر ربيع الآخر وَكَانَ يَلِي مشيخة زَاوِيَة أبي السُّعُود ثمَّ عزل عَنْهَا وَهُوَ أحد مماليك الْأَمِير بدر الدّين بيسري الشمسي الصَّالِحِي فَلَمَّا قبض على بيسري أَقَامَ الشَّيْخ سيف الدّين بِهَذِهِ الزاوية مُدَّة خمس وَخمسين سنة. وَتُوفِّي عَلَاء الدّين بن نصر الله بن مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب بن الْجَوْجَرِيّ نَاظر الخزانة فِي تَاسِع الْمحرم. وَتُوفِّي أَمِين الدّين عبد المحسن بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن مَحْمُود بن أَحْمد بن الصَّابُونِي بِمصْر وَقد بلغ ثَمَانِينَ سنة وَانْفَرَدَ بِرِوَايَة أَشْيَاء. وَتُوفِّي شيخ الْكِتَابَة عماد الدّين مُحَمَّد بن الْعَفِيف مُحَمَّد بن الْحسن بِالْقَاهِرَةِ عَن إِحْدَى وَثَمَانِينَ سنة. وَتُوفِّي نقي الدّين سُلَيْمَان سُلَيْمَان بن مُوسَى بن بهْرَام السمهودي الْفَقِيه الشَّافِعِي الفرضي الْعَرُوضِي الأديب عَن ثَمَانِينَ سنة بِنَاحِيَة سمهود. وَمَات الْأَمِير سنقر النوري نَائِب بهسنا وَترك اثْنَيْنِ وَعشْرين ذكرا وَأُنْثَى وَسِتِّينَ سَرِيَّة. وَتُوفِّي الشَّيْخ الصَّالح المعمر الرحلة شمس الدّين مُحَمَّد ابْن الْمُحدث محب الدّين مُحَمَّد بن مَمْدُود بن جَامع الْبَنْدَنِيجِيّ الْبَغْدَادِيّ فِي سَابِع الْمحرم بِدِمَشْق عَن اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين سنه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 208 وَمَات علم الدّين قَيْصر العلائي فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة وَقتل أربا كاؤن سُلْطَان الْعرَاق وأذربيجان وَالروم وَكَانَ القان بوسعيد لما مَاتَ أَقَامَ الْوَزير غياث الدّين مُحَمَّد أربا كاؤن هَذَا لِأَنَّهُ من ذُرِّيَّة جنكز خَان وَقد قتل أَبوهُ وَنَشَأ فِي غمار النَّاس فَقتل أربا كاؤن بَغْدَاد خاتون وجبي الْأَمْوَال وَقصد أَن يَأْخُذ بِلَاد الشَّام فَهَلَك دون ذَلِك بعد شهيرات من جُلُوسه على التخت وَكَانَ يتهم بِأَنَّهُ كَافِرًا وأقيم بعده مُوسَى بن عَليّ بن بيدو بن طوغاي بن هولاكو. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 209 فارغة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة الْمحرم أَوله السبت: فِي سابعه: رسم بنيابة صفد للأمير طشتمر البدري أحد مقدمي الألوف عوضا عَن أيتمش المحمدي وَتوجه وَمَعَهُ طاجار الدوادار فِي ثَالِث عشره. وَفِي ثَانِي عشرَة: قدم الْخَبَر بالواقعة الَّتِي كَانَت قرب توريز على مَا تقدم ذكره. ثمَّ قدم فِي سَابِع عشره: مُضر بن خضر رَسُول الشَّيْخ حسن بك الْكَبِير ابْن أَمِير حُسَيْن وَهُوَ ابْن أُخْت غازان وَهُوَ الْقَائِم بِأَمْر مُحَمَّد بن يلقطون بن عنبرجي فَخلع عَلَيْهِ وسافر فِي ثَالِث صفر. وَفِي سَابِع عشر الْمحرم: عقد عقد الْأَمِير أبي بكر ابْن السُّلْطَان على ابْنة الْأَمِير سيف الدّين طقزدمر أَمِير مجْلِس بدار الْأَمِير قوصون. وَفِي يَوْم الْخَمِيس عشريه: وَهُوَ يَوْم النوروز كَانَ وَفَاء النّيل. وانتهت الزِّيَادَة فِي سَابِع عشر بَابه إِلَى سَبْعَة عشر ذِرَاعا وَسِتَّة عشر إصبعاً. وَفِي سادس عشرى الْمحرم: قدم الْأَمِير سيف الدّين طينال نَائِب طرابلس وأخلع عَلَيْهِ عِنْد وفيهَا كتب بأخبار آل مهنا وَآل فضل لعدة من أُمَرَاء الشَّام تنكز والأمير نَائِب الشَّام وَذَلِكَ من أجل أَن الْعَرَب قطعُوا الطَّرِيق على قافلة وَأخذُوا مَا فِيهَا فَلَمَّا ألزم آل مهنا بذلك اعتذروا بِأَن الَّذِي فعل هَذَا عرب زبيد وَلَيْسوا من عرب الطَّاعَة. وفيهَا كَانَت وَاقعَة الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الْمُؤمن بن اللبان فِي شهر الْمحرم وَذَلِكَ أَنه نسبت إِلَيْهِ عظائم: مِنْهَا أَنه قَالَ فِي ميعاده بِجَامِع مصر إِن السُّجُود للصنم غير محرم وَأَنه يفضل الشَّيْخ ياقوت الْعَرْش شَيْخه على بعض الصَّحَابَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 211 وَشهد عَلَيْهِ بهَا. واستؤذن السُّلْطَان عَلَيْهِ فمكن مِنْهُ فترامى على الْأَمِير جنكلي بن البابا والأمير الْحَاج آل ملك والأمير أيدمر الخطير حَتَّى حكم بتوبته وَمنع من الْوَعْظ هُوَ وَالشَّيْخ زكي الدّين إِبْرَاهِيم بن معضاد الجعبري وَجَمَاعَة من الوعاظ. وَفِيه قدم ركب الْحَاج على الْعَادة وأخبروا بِأَن الشريف رميثة كَانَ قد أَقَامَ بِبَطن مر وَأقَام أَخُوهُ الشريف عطيفة بِمَكَّة فتسلط وَلَده مبارك على المجاورين وَأخذ مَال التُّجَّار فَركب إِلَيْهِ رميثة وحاربه فَقتل بَينهم جمَاعَة وفر رميثة ودلك فِي ثامن عشرى رَمَضَان من السّنة الْمَاضِيَة. وفيهَا قبض على الْأَمِير بهادر البدري بِدِمَشْق وَضرب وسجن لجرأته على الْأَمِير قطلوبغا الفخري وعَلى الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام وإفحاشه لَهما. وفيهَا أجدبت زراعة الفول فألزم النشو سماسرة الغلال أَلا يُبَاع الفول إِلَّا للسُّلْطَان فَقَط فتضرر أَرْبَاب الدواليب. وفيهَا صادر النشو جمَاعَة من أَرْبَاب الدواليب بِالْوَجْهِ القبلي وَأخذ من محتسب البهنسا وأخيه مِائَتي ألف دِرْهَم وَألف أردب غلَّة. فرافع ابْن زعازع من أُمَرَاء الصَّعِيد أَوْلَاد قمر الدولة عِنْد النشو فَاقْتضى رَأْيه فصادره ابْن زعازع لِكَثْرَة مَاله وأوقع الحوطة على موجوده وَكتب إِلَى مُتَوَلِّي البهنسا ليعاقبه أَشد الْعقُوبَة. فلف وَالِي البهنسا على أَصَابِعه الخروق وغمسها فِي القطران وأشعل فِيهَا النَّار ثمَّ عراه ولوحه على النَّار حَتَّى أَخذ مِنْهُ مَا قِيمَته ألف ألف وَخَمْسمِائة ألف دِرْهَم وَوجد لَهُ أَرْبَعمِائَة مرجية بِفَرْوٍ وَمِائَة وَعشْرين جَارِيَة وَسِتِّينَ عبدا ثمَّ كتب عَلَيْهِ حجَّة بعد ذَلِك بمبلغ مائَة دِرْهَم وَاحْتج النشو لمصادرته بِأَنَّهُ وجد كنزاً. وفيهَا كتب بِطَلَب الْأَمِير سنجر الْحِمصِي. وفيهَا ارْتَفع سعر اللَّحْم لقلَّة حلب الأغنام حَتَّى أبيع الرطل بدرهم وَربع وَسبب ذَلِك أَن النشو كَانَ يَأْخُذ الْغنم بِنصْف قيمتهَا فَكتب إِلَى نَائِب الشَّام ونائب حلب بجلب الأغنام. ثمَّ إِن النشو أستجد للسواقي الَّتِي بالقلعة أبقاراً وأحضر أبقارها الَّتِي قد ضعفت وعجزت مَعَ الأبقار الَّتِي ضعفت بالدواليب وطرحها على التُّجَّار والباعة بقياسر الْقَاهِرَة ومصر وأسواقها حَتَّى لم يبْق صَاحب حَانُوت حَتَّى خصّه مِنْهَا شَيْء على قدر حَاله فَبلغ كل رَطْل مِنْهَا دِرْهَمَيْنِ وَثلثا ورميت تِلْكَ الأبقار على الطواحين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 212 والحمامات كل رَأس بِمِائَة دِرْهَم وَلَا تكَاد تبلغ عشْرين درهما فبلي النَّاس من ذَلِك بِمَشَقَّة وخسارة كَبِيرَة. وَاتفقَ أَن النشو أغرى السُّلْطَان بمُوسَى بن التَّاج إِسْحَاق حَتَّى رسم بضربه إِلَى أَن يَمُوت فَضرب زِيَادَة على مِائَتَيْنِ وَخمسين شيباً حَتَّى سقط كالميت ثمَّ ضرب من الْغَد أَشد من ذَلِك وَحمل على أَنه قد مَاتَ فسر النشو بذلك سُرُورًا زَائِدا وَذهب ليرى مُوسَى وَهُوَ ميت فَوجدَ بِهِ حَرَكَة. وَفِي أثْنَاء طلب السُّلْطَان إِحْضَار الْأَمِير لؤلؤاً فَأخْبرهُ بِأَن مُوسَى قد بَدَأَ يَئِن وَبعد سَاعَة يَمُوت فرسم أَلا يضْرب بعد ذَلِك فشق هَذَا على النشو. وَفِي سَابِع عشرى صفر: ابتدئ بهدم الطَّبَقَة الحسامية الْمُجَاورَة لدار النِّيَابَة بِالْقَاهِرَةِ وَكَانَت قد عمرت سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَفِي رَابِع عشر ربيع الأول: قدم حَمْزَة رَسُول الْملك مُحَمَّد بن بلقطلو بن عنبرجي وصحبته عماد الدّين السكرِي نَائِب عَليّ بادشاه بالموصل فأدوا رسالتهم وسافروا أول ربيع الآخر. وَفِي ثامن عشر ربيع الأول. سَافر الْأَفْضَل صَاحب حماة إِلَى مَحل ولَايَته بحماة وَكَانَ قد حضر فِي مستهل ذِي الْحجَّة من السّنة الحالية. وَفِي سلخ ربيع الأول: عزل بدر الدّين بن التركماني عَن الْكَشْف بِالْوَجْهِ البحري. وَفِي ثَالِث ربيع الآخر: قدم رَسُول ملك الْحَبَشَة. وَفِي خَامِس عشره: قدم الْأَمِير سيف الدّين أَبُو بكر البابيري وخلع عَلَيْهِ بِولَايَة الْقَاهِرَة عوضا عَن ابْن التركماني. وَفِي سادس عشره: اسْتَقر نكبيه البريدي فِي ولَايَة قطيا عوضا عَن أيبك الحسامي بإمره عشرَة. وَفِي سلخ جُمَادَى الأولى: قدم مُرَاد قجا رَسُول أزبك ملك التّرْك فَأَقَامَ خَمْسَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 213 أشهر وَنصف شهر وسافر فِي رَابِع عشر ذِي الْقعدَة وَمن ثَالِث ربيع الآخر سنة تسع وَعشْرين وَسَبْعمائة لم يحضر من عِنْد أزبك إِلَّا هَذَا. وَفِي سادس عشرى جُمَادَى الْآخِرَة: اسْتَقر بهاء الدّين قراقوش الجيشي فِي ولَايَة البهنساوية عوضا عَن عَليّ بن حسن المرواني. وفيهَا هدمت دَار النِّيَابَة بالقلعة وَهِي الَّتِي عمرت فِي الْأَيَّام المنصورية قلاوون سنة سبع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وأزيل ألشباك الَّذِي كَانَ يجلس فِيهِ طرنطاي النَّائِب وَذَلِكَ فِي يَوْم الْأَحَد ثامن ربيع الآخر. وفيهَا أغرى النشو السُّلْطَان بالصفي كَاتب الْأَمِير قوصون بِأَنَّهُ يظْهر فِي جِهَته للديوان عَمَّا كَانَ يحضر إِلَيْهِ من أَصْنَاف المتجر أَيَّام مُبَاشَرَته بديوان الْأَمِير قجليس وَهُوَ جملَة كَثِيرَة وَإِن بعض الْكتاب يحاققه على ذَلِك. فَطلب السُّلْطَان الْأَمِير قوصون وَأَغْلظ فِي مخاطبته وَقَالَ: كاتبك يَأْكُل مَالِي وحقوقي وينجوه بك وَذكر لَهُ مَا قَالَ عَنهُ النشو فتخلى عَنهُ قوصون وَلم يساعده. فَأمر السُّلْطَان النشو ولؤلؤاً والمستوفين أَن يمضوا إِلَى عِنْد الْأَمِير قوصون وَمَعَهُمْ الرجل المحاقق للصفي ويطالعوا السُّلْطَان بِمَا يظْهر فَاجْتمعُوا لذَلِك وَقَامَ المرافع للصفي فَلم يظْهر لما ادَّعَاهُ صِحَة. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي رَجَب: قدم الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام وَالسُّلْطَان بسرياقوس فطلع وَهُوَ مَعَه فِي يَوْمه إِلَى القلعة وَهِي القدمة الْحَادِيَة عشرَة وسافر فِي ثَانِي عشريه. وَفِي يَوْم عشريه: عزل شهَاب الدّين بن الأقفهسي وعلاء الدّين الْبُرُلُّسِيّ عَن نظر الدولة وَولي شمس الدّين بن قزوينه النّظر بمفرده وَكَانَ بطالاً ورسم لَهُ أَلا يتَصَرَّف فِي شَيْء إِلَّا بعد مُشَاورَة شرف الدّين النشو نَاظر الْخَاص. وَفِي تَاسِع عشريه: اسْتَقر عَلَاء الدّين بن الكوراني فِي ولَايَة الأشمونين عوضا عَن أبي بكر الردادي نقل إِلَيْهَا من ولَايَة أشموم الرُّمَّان. وفيهَا عدم فرو السنجاب فَلم يقدر على شَيْء مِنْهُ لعدم جلبه. فَأمر النشو بِأخذ مَا على التُّجَّار من الفرجيات المفراة فكبست حوانيت التُّجَّار والبيوت حَتَّى أَخذ مَا على الفرجيات من السنجاب. فَبلغ النشو وُقُوع التُّجَّار فِيهِ ودعاؤهم عَلَيْهِ فسعى عِنْد السُّلْطَان عَلَيْهِم وَنسب جمَاعَة مِنْهُم إِلَى الرِّبَا فِي المقارضات وَأَنَّهُمْ جمعُوا من ذَلِك وَمن الْفَوَائِد على الْأُمَرَاء شَيْئا كثيرا وَأَن عِنْده أَصْنَاف الْخشب وَالْحَدِيد وَغَيره واستأذنه فِي بيعهَا عَلَيْهِم. فَأذن لَهُ السُّلْطَان فَنزل وَطلب تجار الْقَاهِرَة ومصر وَكَثِيرًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 214 من أَرْبَاب الآموال ووزع عَلَيْهِم من ألف دِينَار كل وَاحِد إِلَى ثَلَاثَة أُلَّاف دِينَار ليحضروا بهَا ويأخذوا عَنْهَا صنفا من الْأَصْنَاف فبلغت الْجُمْلَة خمسين ألف دِينَار عاقب عَلَيْهَا غير وَاحِد بالمقارع حَتَّى أَخذهَا. وَقَامَ عدَّة من الْأُمَرَاء الأكابر فِي حق جمَاعَة من التُّجَّار فَلم يسمع السُّلْطَان لأحد مِنْهُم قولا. وَقَامَت سِتّ حدق وَأم آنوك ابْن السُّلْطَان فِي رفع الْخشب عَن تَاجر ألزمهُ النشو بألفي دِينَار وعرفتاه بظُلْم النشو وَهُوَ أَن هَذَا الْخشب قِيمَته مبلغ ألفي دِرْهَم. فَطلب السُّلْطَان النشو وَأنكر عَلَيْهِ ذَلِك وتجهم لَهُ فَانْصَرف على غير رضى ثمَّ ندب النشو رجلا مضى إِلَى ذَلِك التَّاجِر وَسَأَلَهُ فِي قرض مبلغ مَال فَأخذ التَّاجِر فِي الشكوى مِمَّا بِهِ من إِلْزَامه بألفي دِينَار عَن ثمن خشب طَرحه عَلَيْهِ النشو فَقَالَ لَهُ الرجل: أَرِنِي الْخشب فَإِنِّي مُحْتَاج إِلَيْهِ فَلَمَّا رأه أعجبه وَاشْتَرَاهُ مِنْهُ بفائدة ألف دِرْهَم إِلَى شهر فَامْتَلَأَ التَّاجِر فَرحا وَأشْهد عَلَيْهِ بذلك. وَمضى الرجل ليَأْتِي بِثمن الْخشب فَدخل على النشو وَأخْبرهُ الْخَبَر وَدفع إِلَيْهِ نُسْخَة الْمُبَايعَة فَقَامَ من فوره إِلَى السُّلْطَان وأعلمه أَنه نزل ليرْفَع الْخشب من حَاصِل التَّاجِر فَوَجَدَهُ قد بَاعه بفائدة ألف دِرْهَم. فَطلب السُّلْطَان التَّاجِر وَسَأَلَهُ عَمَّا رَمَاه عَلَيْهِ النشو فاغتر البائس وَأخذ يَقُول: ظَلَمَنِي وَأَعْطَانِي خشباً بألفي دِينَار يُسَاوِي ألفي دِرْهَم. فَقَالَ لَهُ السُّلْطَان: وَأَيْنَ الْخشب قَالَ: بِعته بِالدّينِ فَقَالَ النشو: قل الصَّحِيح فَإِن هَذِه معاقدتك بِبيعِهِ فَلم يجد بدا من الِاعْتِرَاف. فحنق عَلَيْهِ السُّلْطَان وَقَالَ وَيلك تقيم الغاثة وَأَنت تبيع بضاعتي بفائدة ثمَّ أَمر النشو بضربه وَأخذ الألفي دِينَار مِنْهُ مَعَ مثلهَا وَعظم النشو عِنْد السُّلْطَان ثمَّ عبر السُّلْطَان إِلَى نِسَائِهِ وسبهن وعرفهن مَا جرى وَقَالَ: مِسْكين النشو مَا وجدت لَهُ أحدا يُحِبهُ كَونه ينصحني وَيحصل مَالِي. وفيهَا ترافع يَعْقُوب الْأَسْلَمِيّ مُسْتَوْفِي الْجِهَات والأمير بن المجاهدي وَالِي دمياط فرسم بمصادرتهما فعوقبا عُقُوبَة شَدِيدَة وغرما مَالا جزيلاً. وفيهَا كثر ضبط علم الدّين سنجر الجاولي لأوقاف المارستان وتوقفه فِيمَا يصرف مِنْهُ للصدقات. فَأنْكر السُّلْطَان عَلَيْهِ ذَلِك وَقَالَ لَهُ: المارستان كُله صَدَقَة وَلم يقبل لَهُ عذرا. وفيهَا امْتنع ابْن الأقفهسي نَاظر الدولة من الْكِتَابَة على توقيع الضياء الْمُحْتَسب وَقد عمل مَعْلُومَة على الجوالي فشق ذَلِك على السُّلْطَان وَأمر الْأَمِير طاجار الدوادار أَن يبطحه ويضربه وَيَقُول لَهُ: كَيفَ يعلم السُّلْطَان على شَيْء وتأبى أَن تكْتب عَلَيْهِ {} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 215 فَضَربهُ ضربا مؤلماً. وَكَانَ السُّلْطَان لَا يتغاضي فِي خرق حرمته ويعاقب من فعل ذَلِك. وفيهَا شكا المماليك السُّلْطَانِيَّة من تَأَخّر كسوتهم فَطلب النشو وألزمه بِحمْل كسوتهم من الْغَد وَمَعَهَا مبلغ عشْرين ألف دِينَار. فَنزل النشو وألزم الطَّيِّبِيّ نَاظر الْمَوَارِيث بتحصيل خَمْسَة أُلَّاف دِينَار وَبعث المقدمين إِلَى الْأَسْوَاق ففتحوا حوانيت التُّجَّار وَأخذُوا كسْوَة المماليك وحوائصهم وأخفافهم ونعالهم وَغير ذَلِك وَأخذُوا مركبا لبَعض الكارم فِيهِ عدَّة بضائع طرحوها على النَّاس بِثَلَاثَة أَمْثَال قيمتهَا. وأحيط بتركة نجم الدّين مُحَمَّد الأسعردي - وَقد مَاتَ وَترك زَوْجَة وَابْنَة ابْن - وَأخذت كلهَا. وَأخذت وَدِيعَة من تركته لأَوْلَاد أَيْتَام تَحت حجره مبلغها نَحْو خمسين ألف دِرْهَم وأنفقت فِي يَوْمهَا على المماليك والخدام. وَفتحت قيسارية جهاركس وَأخذ مِنْهَا مقاطع الشّرْب برسم الْكسْوَة. فارتجت الْمَدِينَة بِأَهْلِهَا وَترك كثير من التُّجَّار حوانيتهم وغيبوا فَصَارَت مفتحة والأعوان تنهب لأنفسها مَا أَرَادَت فَلم ير يَوْمئِذٍ بِالْقَاهِرَةِ ومصر إِلَّا باك أَو شَاك أَو صائح أَو نائح فَكَانَا يَوْمَيْنِ شنعين. وعول أَرْبَاب الحوانيت على وَقع مَا فِيهَا وخلوها فَعرف النشو السُّلْطَان ذَلِك فَنُوديَ: من أغلق حانوته أَخذ مَاله وشنق ففتحوها. ثمَّ أخرج النشو من الأهراء عشرَة أُلَّاف أردب قمحاً وطرحها على أَصْحَاب الطواحين والأبازرة وَقبض على ابْن فَخر السُّعَدَاء نَاظر قليوب وَأخذ مِنْهُ نَحْو ثَمَانِينَ ألف دِرْهَم. وَفِي جُمَادَى الأولى: استدعى الضياء ابْن خطيب بَيت الْآبَار محتسب مصر وخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر فِي حسبَة الْقَاهِرَة مُضَافا لما بِيَدِهِ من نظر الْأَوْقَاف وَنظر المارستان عوضا عَن نجم الدّين مُحَمَّد بن حُسَيْن بن عَليّ الأسعردي. وَكَانَ الشهَاب أَحْمد بن الْحَاج عَليّ الطباخ قد سعى فِي حسبَة الْقَاهِرَة وَقَامَ مَعَه الْأَمِير بشتاك والأمير قوصون والأمير أقبغا عبد الْوَاحِد فَلَمَّا ولي السُّلْطَان الضياء رسم أَن يسْتَقرّ ابْن الطباخ فِي حسبَة الدُّخان على الطباخين والحلاويين وَنَحْوهم وخلع عَلَيْهِ وَجلسَ فِي دكة الْحِسْبَة وَعرض أَرْبَاب الدُّخان. وَأنزل الضياء الحلاويين والفكاهين أَلا يشعلوا سرجهم فِي اللَّيْل بالزيت الْحَار وألزم حواس الحمامات بِعَمَل فوط سابغة طَوِيلَة ورتب القبانيين فِي جِهَات مُعينَة بجلس كل قباني فِي مَوضِع من الْبَلَد. وَفِيه قدم خَلِيل بن الطرفي من أُمَرَاء التركمان بِنَاحِيَة أبلستين وَقدم سَبْعمِائة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 216 إكديش وعدة تحف وَسَأَلَ أَن يسْتَقرّ فِي نِيَابَة الأبلستين بِأَلف فَارس وَعشرَة أُمَرَاء فَقبلت تقدمته وخلع عَلَيْهِ وَكتب منشوره بذلك. وَفِيه قدم من جِهَة بدر الدّين لُؤْلُؤ الفندشي الْحلَبِي شاد الدَّوَاوِين ثَلَاثَة أُلَّاف رَأس من الْغنم الضَّأْن فمشت حَال الدولة وَصَارَت سَببا للوقيعة بَين لُؤْلُؤ وَبَين النشو. وتحدث لُؤْلُؤ مَعَ الْأَمِير بشتاك أَنه إِن أسلم إِلَيْهِ النشو وحاشيته قَامَ بأربعمائة ألف دِينَار مِنْهُم فَقَامَتْ قِيَامَة النشو ومازال بالسلطان حَتَّى غَيره عَلَيْهِ. وَاتفقَ مَعَ ذَلِك وُصُول سنجر الْحِمصِي من حلب باستدعاء فأجلسه السُّلْطَان وَعرض عَلَيْهِ شدّ الدَّوَاوِين فَقبل الأَرْض وَطلب الإعفاء مِنْهَا وَكَانَ أَمينا ناهضاً فَلم يزل السُّلْطَان بِهِ حَتَّى خلع عَلَيْهِ وَاسْتقر عوضا عَن لؤلو فِي رَابِع جُمَادَى الْآخِرَة. فَأول مَا بَدَأَ بِهِ سنجر أَن قبض على لؤلو وأوقع الحوطة على بَيته وألزمه بِالْحملِ وَأخذت حواصله وَهُوَ يُورد شَيْئا بعد شَيْء. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء جُمَادَى عشرى ربيع الأول: أفرج عَن الْخَلِيفَة من سجنه بالقلعة فَكَانَت مُدَّة اعتقاله خَمْسَة أشهر وَسَبْعَة أَيَّام. ثمَّ أَمر بِهِ فَأخْرج إِلَى قوص وَمَعَهُ أَوْلَاده وَابْن عَمه وَكتب لوالي قوص أَن يحْتَفظ بهم. وَكَانَ سَبَب ذَلِك أَن السُّلْطَان لما نزل عَن الْملك فِي سنة ثَمَان وَسَبْعمائة وَحصل الِاجْتِمَاع على المظفر بيبرس وقلده المستكفي بالسلطنة نقمها عَلَيْهِ السُّلْطَان النَّاصِر وأسرها لَهُ ثمَّ لما قَامَ السُّلْطَان لاسترجاع ملكه جدد المستكفي للمظفر الْولَايَة ونسبت فِي السُّلْطَان أَقْوَال إِلَيْهِ حملت السُّلْطَان على التحامل عَلَيْهِ. فَلَمَّا عَاد السُّلْطَان إِلَى الْملك فِي سنة تسع وَسَبْعمائة أعرض عَن المستكفي كل الْإِعْرَاض وَلم يزل يكدر عَلَيْهِ المشارب حَتَّى تَركه فِي برج بالقلعة فِي بَيته وَحرمه وخاصته فَقَامَ الْأَمِير قوصون فِي أمره وتلطف بالسلطان إِلَى أَن أنزلهُ إِلَى دَاره. ثمَّ نسب إِلَى ابْنه صَدَقَة أَنه تعلق بِبَعْض خَاصَّة السُّلْطَان وَأَن ذَلِك الْغُلَام يتَرَدَّد إِلَيْهِ فنفي الْغُلَام وَبلغ السُّلْطَان أَنه هُوَ يكثر من اللَّهْو فِي دَاره الَّتِي عمرها على النّيل بِخَط جَزِيرَة الْفِيل وَأَن أحد الجمدارية يُقَال لَهُ أَبُو شامة جميل الْوَجْه يَنْقَطِع عِنْده ويتأخر عَن الْخدمَة فَقبض على الجمدار وَضرب وَنفي إِلَى صفد وَضرب رجل من مؤذني القلعة - اتهمَ أَنه كَانَ السفير بَين الجمدار وَبَين الْخَلِيفَة - حَتَّى مَاتَ واعتقل الْخَلِيفَة كَمَا تقدم. ثمَّ لما أفرج عَنهُ اتهمَ أَنه كتب على قصَّة رفعت إِلَيْهِ يحمل مَعَ غَرِيمه إِلَى الشَّرْع فَأحْضرهُ السُّلْطَان إِلَى القلعة ليجتمع بِهِ بِحَضْرَة الْقَضَاء فخيله قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين الْقزْوِينِي من حُضُوره أَن يفرط مِنْهُ كَلَام فِي غَضَبه يصعب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 217 تَدَارُكه. فأعجب السُّلْطَان ذَلِك وَأمر بِهِ أَن يخرج إِلَى قوص فَسَار صُحْبَة الْأَمِير سيف الدّين قطلوا تمرقلي فِي يَوْم السبت تَاسِع عشر ذِي الْحجَّة بِجَمِيعِ عِيَاله وهم مائَة شخص. وَكَانَ مرتبه فِي كل شهر خَمْسَة أُلَّاف دِرْهَم فَعمل لَهُ بقوص ثَلَاثَة أُلَّاف دِرْهَم ثمَّ اسْتَقر ألف دِرْهَم فَاحْتَاجَ حَتَّى بَاعَ نساؤه ثيابهن. وفيهَا كتب إِلَى الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام أَن يحضر بأولاده وَأَهله لعمل عرس الْأَمِير أبي بكر ابْن السُّلْطَان على ابْنة الْأَمِير طقزتمر واحتفل السُّلْطَان لقدومه احتفالاً زَائِدا. وَكَانَت عَادَته أَن يصرف عَلَيْهِ إِذا قدم مبلغ خمسين ألف دِينَار مَا بَين خلع وإنعام فرسم أَن يكون فِي هَذِه السّنة مبلغ سبعين ألف دِينَار. ثمَّ خرج السُّلْطَان لملاقاته وَنزل قُصُور سرياقوس حَتَّى سقط الطَّائِر بنزول الْأَمِير تنكز إِلَى الصالحية فَركب الْأَمِير قوصون إِلَى لِقَائِه وصحبته جَمِيع مَا يَلِيق من الْأَطْعِمَة والمشروب فَلَمَّا لقِيه مد بَين يَدَيْهِ سماطاً جَلِيلًا إِلَى الْغَايَة وَأَقْبل بِهِ حَتَّى دنا من سرياقوس. فَركب السُّلْطَان إِلَيْهِ وَمَعَهُ أَوْلَاده وَقدم إِلَيْهِ الحاحب ليخبره بِأَنَّهُ لَا يترجل عَن فرسه حَتَّى يرسم لَهُ وَتَقَدَّمت أَوْلَاد السُّلْطَان إِلَيْهِ أَولا. فَلَمَّا قرب تنكز نزل السُّلْطَان عَن فرسه إِلَى الأَرْض على حِين غَفلَة من الْأُمَرَاء فَألْقوا أنفسهم عَن خيولهم وَأُلْقِي تنكز نَفسه إِلَى الأَرْض وَعدا فِي مَشْيه جهد قدرته وَهُوَ يقبل الأَرْض وَيقوم إِلَى أَن قبل رجْلي السُّلْطَان وَقد دهش فَقَالَ لَهُ السُّلْطَان: اركب فرسك. وَركب السُّلْطَان والأمراء وسايره وَهُوَ يحادثه فَلم يسمع عَن ملك أَنه فعل مَعَ مَمْلُوكَة من التَّعْظِيم مَا فعله السُّلْطَان فِي هَذَا الْيَوْم مَعَ الْأَمِير تنكز. وَكَانَ الْعرس يَوْم الْإِثْنَيْنِ سلخ صفر وَالدُّخُول لَيْلَة الثُّلَاثَاء أول ربيع الأول. وَفِي خَامِس عشر شعْبَان: تَوَجَّهت التجريدة إِلَى بِلَاد سيس وخراب مَدِينَة. وَسبب ذَلِك وُصُول رَسُول القان مُوسَى وَعلي بادشاه بِطَلَب النجدة على الشَّيْخ حسن الْكَبِير وطغاي بن سونتاي وَأَوْلَاد دمرداش ليَكُون عَليّ بادشاه نَائِب السلطنة بِبَغْدَاد. فَاسْتَشَارَ السُّلْطَان نَائِب الشَّام والأمراء وَاسْتقر الرَّأْي على تَجْرِيد الْعَسْكَر نَحْو سيس فَإِن تكفور نقض الْهُدْنَة بِقَبْضِهِ على عدَّة مماليك وإرسالهم إِلَى مَدِينَة آياس فَلم يعلم خبرهم وَقطع الْحمل الْمُقَرّر عَلَيْهِ وَيكون فِي ذَلِك إِجَابَة عَليّ بادشاه إِلَى مَا قَصده الجزء: 3 ¦ الصفحة: 218 من نزُول الْعَسْكَر قَرِيبا من الْفُرَات مَعَ معرفَة الشَّيْخ حسن بِأَنا لم نساعد عَليّ بادشاه عَلَيْهِ وَإِنَّمَا بعثنَا الْعَسْكَر لغزو سيس. وَعمل مقدم الْعَسْكَر الْأَمِير أرقطاي وَيكون فِي السَّاقَة ويتقدم الجاليش صُحْبَة الْأَمِير طوغاي الطباخ ومعهما من الْأُمَرَاء قباتمر وبيدمر البدري وتمر الموساري وقطلوبغا الطَّوِيل وجوكتمر بن بهادو وبيبغا تتر حارس الطير وَمن أُمَرَاء الشَّام قطلوبغا الفخري مقدم الْجَيْش الشَّامي. وَكتب بِخُرُوج عَسْكَر دمشق وحماة وحلب وحمص وطرابلس إِلَى نَاحيَة جعبر فَإِذا وصل عَسْكَر مصر إِلَى حلب عَادَتْ عَسَاكِر الشَّام ثمَّ مضوا جَمِيعًا إِلَى سيس فَيكون فِي ذَلِك صدق مَا وعد بِهِ عَليّ بادشاه وبلوغ الغرص من غَزْو سيس فَسَار الْعَسْكَر من الْقَاهِرَة فِي ثَانِي عشر شعْبَان وَتوجه الْأَمِير تنكز إِلَى مَحل ولَايَته. وفيهَا أفرج عَن طرنطاي المحمدي بَعْدَمَا أَقَامَ فِي السجْن سبعا وَعشْرين سنة وَأخرج إِلَى دمشق وَأَفْرج عَن عَلَاء الدّين بن هِلَال الدولة وَأخرج إِلَى الشَّام وَأَفْرج عَن ابْن المحسني وَأخرج إِلَى طرابلس وَذَلِكَ فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي رَمَضَان. وَكَانَ ابْن هِلَال الدولة وَابْن المحسني معتقلين بالإسكندرية من ثَالِث عشر رَجَب سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ فَخلع السُّلْطَان عَلَيْهِمَا ورسم أَن يُقيم ابْن المحسني مَعَ أَبِيه بطرابلس وَيُقِيم ابْن هِلَال الدولة بِدِمَشْق فَسَار كل مِنْهُمَا فِي حادي عشريه صُحْبَة بريدي وَكَانَ هَذَا كُله بشفاعة نَائِب الشَّام. وفيهَا كتب سنجر الْحِمصِي شاد الدَّوَاوِين أوراقاً بِمَا على السُّلْطَان من الْقَرْض للتجار فَبلغ ألفي دِرْهَم فَلم يعْتَرف السُّلْطَان بهَا وَقَالَ: هَذِه أَخذهَا الدَّوَاوِين على اسْمِي ورسم أَن توزع على المباشرين فَنزل بهم من ذَلِك شدَّة وحملوا الْمبلغ شَيْئا بعد شَيْء وَكَانَ هَذَا من فعلات النشو بهم. وفيهَا رسم أَلا يضْرب أحد بالمقارع وطردت الرُّسُل والأعوان من بَاب شدّ الدَّوَاوِين وَكَانُوا قد كثرت مضرتهم وَاشْتَدَّ تسلطهم على النَّاس وحصلوا من ذَلِك مَالا كَبِيرا. وَكَانَ هَذَا بسفارة سنجر الْحِمصِي فَكثر الثَّنَاء عَلَيْهِ. وَفِيه توجه النشو ليتفقد نَاحيَة فَارس كور والمنزلة ودمياط فَقبض على عَلَاء الدّين بن توتل وَالِي أشوم وعَلى أقبغا وَالِي الْمحلة وصادرهما فَأخذ من وَالِي أشوم خمسين ألف دِرْهَم وَمن وَالِي الْمحلة مائَة ألف دِرْهَم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 219 وَفِيه كتب النشو بالحوطة على مباشري المعاصر والدواليب وَجَمِيع أَعمال الصَّيْد والفيوم وألزم ابْن المشنقص مدولب مطبغ الْأَمِير قوصو بِمِائَة ألف دِرْهَم وَاحْتج بِأَنَّهُ يعْمل الزغل فِي السكر وَالْعَسَل فحنق من ذَلِك قوصون وَقَامَ مَعَ السُّلْطَان فِي أمره حَتَّى أفرج عَنهُ. فشق هَذَا على النشو وَأثبت محضراً على القَاضِي ابْن مِسْكين بِأَن أَبَا الدراليب مَاتَ على غير الْملَّة وَأَن ابْنه لَا يسْتَحق إِرْثه بِحكم أَنه لبيت المَال وطلع بالمحضر إِلَى السُّلْطَان. فَطلب السُّلْطَان قوصون وَأَغْلظ عَلَيْهِ فاحتد قوصون وهال. أَنا مَا أسلم مَالِي الَّذِي عِنْده. فوهب السُّلْطَان قوصون مَا أثْبته النشو فأوقع الحوطة على جَمِيع موجوده وَأَخذه. وفيهَا وقفت الْعَامَّة للسُّلْطَان فِي الفار ضَامِن الْمُعَامَلَات وَشَكوا مَا أحدثه على الْقصب والمقاثي وصاحوا: يكفينا النشو فَلَا تسلط علينا الفار وتحبسه وتكتب على قَيده مخلد وتضمن غَيره بناقص عشرَة أُلَّاف دِرْهَم فَطلب السُّلْطَان النشو وَأنكر عَلَيْهِ ورسم لسنجر الْحِمصِي أَن يضْرب الفار ويحبسه وَيكْتب على قَيده مخلد وَيضمن غَيره بناقص عشرَة أُلَّاف دِرْهَم فَفعل ذَلِك ومشت أَحْوَال النَّاس. وفيهَا طرح النشو الفدان القلقاس على القلاقسية بِأَلف ومائتي دِرْهَم وصادر الشماسرة وَأخذ عدَّة مخازن للتجار وَأخرج مَا فِيهَا من البضائع وطرحها بِثَلَاثَة أَمْثَال قيمتهَا وَعوض أَرْبَابهَا سفانج على الْخشب والبوري فَكَانَ مِنْهَا مخزن فِيهِ حَدِيد قومه بِخَمْسِينَ ألف دِرْهَم على المارستان فَأبى الْأَمِير سنجر الجاولي نَاظر المارستان أَن يَأْخُذهُ فألزمه السُّلْطَان بِأَخْذِهِ للْوَقْف فَأَخذه وَوزن ثمنه. وَفِي ئالث عشر شَوَّال قدمت مَفَاتِيح القلاع الَّتِي كَانَت بيد صَاحب سيس. وَهِي آياس الجوانية وآياس البرانية والهارونية وكوارة وحميضة ونجيمة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 220 وسرفندكار فرسم بخراب بَعْضهَا وأقامت النواب بباقيها. وَفِي تَاسِع ذِي الْقعدَة: أضيف شدّ الصيارف للأمير نجم الدّين بن الزيبق عوضا عَن بهادر البكتمري ثمَّ أضيف إِلَيْهِ مَعَ ذَلِك ولَايَة مصر عوضا عَن شمس الدّين جنغر ابْن بكجري. وَفِي تَاسِع عشره: خلع عَليّ شهَاب الدّين مُحَمَّد بن عَلَاء الدّين أَحْمد ابْن قَاضِي القضاه تَاج الدّين ابْن بنت الْأَعَز وَاسْتقر فِي حَسبه مصر عوضا عَن القَاضِي ضِيَاء الدّين محتسب الْقَاهِرَة. وَفِي سادس ذِي الْحجَّة: اسْتَقر نجم الدّين أَيُّوب فِي ولَايَة الفيوم عوضا عَن بهادر أستادار الجمالي وَكَانَ أَيُّوب هَذَا أستادر الأكز. وَفِيه قدم الْخَبَر بِأَن القان مُوسَى لما كَانَت الْوَاقِعَة بَينه وَبَين الشَّيْخ حسن الْكَبِير وانكسر هُوَ وَعلي بادشاه صَار إِلَى بَغْدَاد وصادر النَّاس بهَا ثمَّ خرج عَليّ بادشاه إِلَى الْموصل فَسَار إِلَيْهِ الشَّيْخ بِمن مَعَه ولقبه شمَالي توريز فَكَانَت حَرْب شَدِيدَة فر مِنْهَا القان مُوسَى وَقتل عَليّ بادشاه وَخلق كثير فَكَانَت دولتهما ثَلَاثَة أشهر. وَلما انْكَسَرت عساكرهما مضى الشَّيْخ الْكَبِير إِلَى بَغْدَاد فملكها وَقد أَقَامَ سُلْطَانا مُحَمَّد بن يلقطلو بن هلاكو بن عنبرجي وَبعث الشَّيْخ حسن إِلَى السُّلْطَان بهدية فَأكْرم رسله وجهزهم بهدية سنية وَكتب بتهنئة. وَفِيه خلع عَليّ نجم الدّين دَاوُد بن أبي بكر مُحَمَّد بن الزبيق وَاسْتقر فِي ولَايَة الصِّنَاعَة والأهراء وخلع عَليّ صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن صُورَة وَاسْتقر فِي نظر الأهراء رَفِيقًا لَهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 221 وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشر رَمَضَان: ركب النشو على عَادَته فِي السحر فاعترضه فِي طَرِيقه فَارس هُوَ عبد الْمُؤمن بن عبد الْوَهَّاب السلَامِي الَّذِي ولي قوص وَقيل أَبُو بكر بن الناصري مُحَمَّد وضربه فَأَخْطَأَ سَيْفه رَأس النشو وَسَقَطت عِمَامَة النشو عَن رَأسه وَقد جرح كتفه ثمَّ خر إِلَى الأَرْض وَنَجَا الْفَارِس وَفِي ظَنّه أَن رَأس النشو قد سَقَطت عَن بدنه. فَغَضب السُّلْطَان من ذَلِك وَلم يحضر السماط وَبعث إِلَى النشو بعدة من الجمدارية بالجرائحية فقطب ذراعه بست إبر وجبينه باثنتي عشرَة إبرة. وألزم السُّلْطَان وَالِي الْقَاهِرَة ومصر بإحضار غَرِيم النشو وَأَغْلظ على الْأُمَرَاء بالْكلَام ومازال يشْتَد ويحتد حَتَّى عَادَتْ القصاد بسلامة النشو فسكن مَا بِهِ ثمَّ بعث النشو مَعَ أَخِيه رزق الله يخبر السُّلْطَان بِأَن هَذَا من فعل الْكتاب بموافقة لُؤْلُؤ فَطلب السُّلْطَان ابْن المرواني وَالِي الْقَاهِرَة ورسم بمعاقبة الْكتاب الَّذين فِي المصادرة على الِاعْتِرَاف بغريم النشو وعقوبة لُؤْلُؤ مَعَهم. فَضرب لُؤْلُؤ ضربا مبرحاً وعوقب الْعلم أَبُو شَاكر وعلق والمقايرات فِي يَدَيْهِ وعوقب قرموط وعدة من الْكتاب وحرثت بُيُوتهم وَأخذ رخامها وَخرجت بالمحاريث لإِظْهَار مَا فِيهَا من الخبايا. ثمَّ أَن النشو عوفي من جراحه وطلع إِلَى القلعة فَخلع عَلَيْهِ وَنزل وَقد رتب السُّلْطَان الْمُقدم إِبْرَاهِيم بن أبي بكر شَدَّاد بن صابر أَن يمشي فِي ركابه وَمَعَهُ عشرَة من رِجَاله وَكَانَ لَا يطلع الْفجْر إِلَّا وهم على بَابه فَإِذا ركب كَانُوا مَعَه حَتَّى يدْخل القلعة فَإِذا نزل مَشوا فِي ركابه حَتَّى يدْخل بَيته. وعندما نزل النشو إِلَى الْقَاهِرَة كَانَ أول مَا بَدَأَ بِهِ أَن عاقب المقدمين وَغَيرهم حَتَّى مَاتَ عدَّة مِنْهُم تَحت الْعقُوبَة. وَفِي حادي عشرى ذِي الْحجَّة: سَافر خواجا عمر وسرطقطاي مقدم البريدية بهدية إِلَى أزبك ومعهما مبلغ عشْرين ألف دِينَار لشراء مماليك وجواري من بِلَاد التّرْك. وفيهَا كملت عمَارَة جَامع الْأَمِير عز الدّين أيدمر الخطيري على شاطئ النّيل بمنية بولاق وَكَانَ مَوْضِعه ساقية لشرف الدّين مُوسَى بن زنبور. وأصل بِنَاء هَذَا الْجَامِع أَنه لما أنشئت العمائر ببولاق عمر الْحَاج مُحَمَّد بن عز الْفراش بجوار الساقية المذكوره دَارا على النّيل ثمَّ انْتَقَلت تِلْكَ الدَّار بعد مَوته إِلَى ابْن الْأَزْرَق فَعرفت بدار الْفَاسِقين من كَثْرَة اجْتِمَاع النَّصَارَى بهَا على مَا لَا يرضى الله فَلَمَّا صادره النشو بَاعهَا فِيمَا بَاعه. فاشتراها الْأَمِير أيدمر الخطيري بِثمَانِيَة أُلَّاف دِرْهَم وهدمها وَبنى مَكَانهَا وَمَكَان الساقية جَامعا أنْفق فِيهِ مَالا جزيلاً وَأخذ أَرَاضِي حوله من بَيت المَال وَأَنْشَأَ عَلَيْهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 222 الحوانيت والرباع والفنادق وأنعم السُّلْطَان عَلَيْهِ بعدة أَصْنَاف من خشب وَغَيره. فَلَمَّا تمّ بِنَاء الْجَامِع قوي عَلَيْهِ النّيل فهدم جانباً مِنْهُ فَأَنْشَأَ الخطيري تجاهه زريبة رمى بهَا ألف مركب موسوقة بِالْحِجَارَةِ وَسَماهُ جَامع النّوبَة فجَاء من أحسن مباني مصر وأبدعها وأنزهها. فَلَمَّا أفرج عَن ابْن الْأَزْرَق ادعِي أَنه كَانَ مكْرها فِي بَيْعه فَأعْطَاهُ الخطيري ثَمَانِيَة أُلَّاف دِرْهَم أُخْرَى فمازال بِهِ النشو حَتَّى قبض عَلَيْهِ مرّة ثَانِيَة وحبسه فَمَاتَ بعد قَلِيل فِي حَبسه. وفيهَا فرغ بِنَاء جَامع الْأَمِير سيف الدّين بشتاك بِخِلَاف قبو الْكرْمَانِي على بركَة الْفِيل خَارج الْقَاهِرَة وَكَانَ مَوْضِعه مسَاكِن للفرنج وَالنَّصَارَى ومسالمة الْكتاب. وَعمر بشتاك تجاه هَذَا الْجَامِع خانكاه على الخليج ورتب فِيهَا شَيخا وصوفية وَقرر لَهُنَّ المعاليم الْجَارِيَة ونظم مَا بَين الْجَامِع والخانكاه بساباط على الطَّرِيق المسلوك فجَاء من أحسن شَيْء بنى وتحول كثير من النَّصَارَى من هُنَاكَ. وفيهَا أُعِيدَت إِلَى عربان آل فضل وَآل مهنا إقطاعاتها الَّتِي أقطعت لِلْأُمَرَاءِ. وفيهَا خلع عَليّ عز الدّين عبد الْعَزِيز ابْن قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع شعْبَان وَاسْتقر فِي وكَالَة بَيت المَال عوضا عَن نجم الدّين الأسعردي مُضَافا لما بِيَدِهِ من وكَالَة الْخَاص. وَفِيه اسْتَقر جمال الدّين بن العديم فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بحماة عوضا عَن التقي مَحْمُود ابْن مُحَمَّد بن الْحَكِيم. وفيهَا مَاتَ متملك تلمسان أَبُو تاشفين عبد الرَّحْمَن بن مُوسَى بن عُثْمَان بن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 223 يغمراسن من عبد الواد الزياني قَتِيلا فِي محاربة سُلْطَان الْمغرب أبي الْحسن المريني أخر شهر رَمَضَان بَعْدَمَا ملك نيفا وَعشْرين سنة. وفيهَا وَقع الغلاء فِي جُمَادَى الأولى وأبيع الأردب الْقَمْح بِأَرْبَعِينَ درهما. وَالشعِير بِثمَانِيَة وَعشْرين درهما والفول بِاثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ درهما والبرسيم الْأَخْضَر كل فدان بِنَحْوِ مائَة وَسبعين درهما والحمص المسلوق بِثَلَاثَة دَرَاهِم الْقدح. وفيهَا كبست الفيوم فِي أخريات جُمَادَى الأولى وأحضر مِنْهَا ألف ومائتان فرس. ثمَّ قدم وَالِي الفيوم وأمراء العربان وأحضروا سِتِّينَ حمل سلَاح وَمِائَة فرس وَغير ذَلِك. وَفِي سَابِع ذِي الْحجَّة: وَردت الفصاد بِأَن الْملك مُوسَى قدم إِلَيْهِ من خُرَاسَان طغاي تمر وسارا لمحاربة مُحَمَّد بن عنبرجي فانكسرا فِي رَابِع عشر ذِي الْقعدَة واستقل مُحَمَّد بِالْملكِ وَكَانَت الْوَقْعَة قَرِيبا من السُّلْطَانِيَّة بِموضع يُقَال لَهُ صولق. وَفِي رَابِع عشريه: اسْتَقر الجمالي عبد الله أَخُو ظلظية فِي ولَايَة الْبحيرَة عوضا عَن الْغَرْس خَلِيل. وَمَات فِيهَا من الْأَعْيَان قطب الدّين إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عَليّ بن مطهر بن نَوْفَل التغلبي الأدفوي بعد كف بَصَره فِي يَوْم عَرَفَة بأدفو وَله شعر. وَتُوفِّي شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن حمائل بن غَانِم بِدِمَشْق فِي ثَالِث عشر الْمحرم وَله شعر ونثر ورحل إِلَى مصر وَغَيرهَا. وَتُوفِّي شهَاب الدّين أَحْمد بن عَليّ بن أَحْمد بن الخولي القوصي الشَّافِعِي بقوص. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين الأكز بِدِمَشْق فِي نصف رَمَضَان. وَتُوفِّي الشَّيْخ الإِمَام الْقدْوَة أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْحَاج الفاسي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 224 المغربي الْعَبدَرِي الْفَقِيه الْمَالِكِي عرف بِابْن الْحَاج فِي الْعشْرين من جُمَادَى الأولى وَدفن بالقرافة وَقد علت سنه وَكَانَت جنَازَته عَظِيمَة وَحدث وَكَانَ زاهداً صَالحا وَأخذ عَن جمَاعَة مِنْهُم الشَّيْخ أَبُو وَمَات الْأَمِير عز الدّين أيدمر الخطيري أحد الْأُمَرَاء مقدمي الألوف الْمَنْسُوب إِلَيْهِ جَامع الخطيري فِي أول رَجَب كَانَ مَمْلُوك الخطير الرُّومِي وَالِد الْأَمِير مَسْعُود بن خطير ثمَّ انْتقل إِلَى الْملك الْمَنْصُور قلاوون فرقاه حَتَّى صَار من أجل الْأُمَرَاء البرجية وَكَانَ جواداً كَبِير الهمة فِيهِ خير كثير. وَمَات الْأَمِير أزبك الْحَمَوِيّ فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس عشرى ذِي الْقعدَة على أياس وَقد بلغ مائَة سنة فَحمل إِلَى حماة وَدفن بهَا وَكَانَ مهاباً كثير الْعَطاء. وَمَات الْأَمِير بغا الدوادار بصفد منفياً وَكَانَ مشكور السيده. وَتُوفِّي عمر بن الشَّيْخ برهَان الدّين أَبُو اسحاق إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد ابْن تَمِيم بن عبد الصَّمد بن أبي الْحسن بن عبد الصَّمد بن تَمِيم المقريزي البعلى الصُّوفِي ببعلبك فِي ذِي الْقعدَة ومولده فِي ثَانِي عشر رَمَضَان سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وسِتمِائَة سمع من الْمُسلم بن عَدْلَانِ وَحدث وَسمع مِنْهُ الْأَمِير الواني وَابْن الْفَخر وَغَيرهمَا. وَمَات الشيح حُسَيْن بن إِبْرَاهِيم بن حُسَيْن خطيب جَامع الحاكمي من سويقة لاريش فِي يَوْم الْخَمِيس الْعشْرين من شَوَّال فَكَانَت جنَازَته عَظِيمَة جدا لِكَثْرَة صَلَاحه وقبره يزار خَارج بَاب النَّصْر. وَتُوفِّي الْمُحدث محب الدّين عبد الله بن أَحْمد بن الْمُحب الْمَقْدِسِي فِي ربيع الأول بِدِمَشْق حدث عَن الْفَخر وَغَيره. وَمَات أَسد الدّين عبد الْقَادِر بن عبد الْعَزِيز بن الْمُعظم عِيسَى بن الْعَادِل أبي بكر بن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 225 أَيُّوب بن شادي فِي ثَانِي شَوَّال برملة فَدفن بالقدس ومولده فِي ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وسِتمِائَة حدث بالسيرة النَّبَوِيَّة عَن خطيب مردا. وَتُوفِّي عَلَاء الدّين عَليّ بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن حمائل بن غَانِم الدِّمَشْقِي المنشأ فِي ثَالِث الْمحرم بتبوك وَهُوَ عَائِد من الْحَج. وَتُوفِّي الشَّيْخ مُحَمَّد بن عبد الله بن الْمجد إِبْرَاهِيم المرشدي صَاحب الْأَحْوَال والمكاشفات بِنَاحِيَة منية المرشد فِي ثامن رَمَضَان. وَتُوفِّي نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن معضاد بن شَدَّاد بن ماجد الجعبري الْوَاعِظ فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ رَابِع عشرى الْمحرم. وَتُوفِّي شيخ الخانكاه الناصرية سعيد السُّعَدَاء كَمَال الدّين أَبُو الْحُسَيْن عَليّ بن حسن بن عَليّ الحويزاني فِي خَامِس عشر صفر وَاسْتقر عوضه شمس الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن النقجواني. وَتُوفِّي محتسب الْقَاهِرَة ووكيل بَيت المَال نجم الدّين مُحَمَّد بن حُسَيْن بن عَليّ الأسعردي فِي يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشر شعْبَان. وَتُوفِّي نجم الدّين أَحْمد بن الْعِمَاد إِسْمَاعِيل بن الْأَمِير أحد كتاب الدرج فِي يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع عشرى الْمحرم. وَتُوفِّي سعد الدّين سعيد بن الشَّيْخ محيي الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد ابْن عبد الله عرف جده بِابْن أكنس الْبَغْدَادِيّ المنجم كَاتب التقاويم وَكَانَت لَهُ إصابات فِي النجامة عَجِيبَة وَكَانَت وَفَاته فِي خَامِس عشر صفر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 226 وَتُوفِّي مُسْند مصر شرف الدّين يحيى بن يُوسُف الْمَقْدِسِي وَالْمَعْرُوف بِابْن الْمصْرِيّ عَن نَيف وَسبعين سنة بِمصْر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 227 فارغة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 228 سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة أول الْمحرم: قدم مبشرو الْحَاج بسلامة الْحجَّاج ورخاء الأسعار وَحسن سيرة الْأَمِير شمس الدّين آقسنقر السِّلَاح دَار أَمِير الْحَاج. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشريه: قدمت عَسَاكِر التجريدة من بِلَاد سيس. وَكَانَ من خبر ذَلِك أَنهم لما سَارُوا من الْقَاهِرَة فِي ثَانِي عشر شعْبَان وَقدمُوا دمشق تلقاهم الْأَمِير تنكز وَلم يعبأ تنكز بالأمير أرقطاي مقدم الْعَسْكَر لما فِي نَفسه مِنْهُ. ومضوا إِلَى حلب. فقدموها فِي رَابِع عشرى رَمَضَان وَأَقَامُوا بهَا يَوْمَيْنِ فَقدم الْأَمِير قطلوبغا الفخري بعساكر الشَّام وَقد وصل إِلَى جعبر ثمَّ سَارُوا جَمِيعًا يَوْم عيد الْفطر وَمَعَهُمْ الْأَمِير عَلَاء الدّين ألطبغا نَائِب حلب وَهُوَ مقدم على الْعَسْكَر جَمِيعًا حَتَّى نزلُوا على الإسكندرونة أول بِلَاد سيس وَقد تقدمهم الْأَمِير مغلطاي الْغَزِّي إِلَيْهَا بشهرين حَتَّى جهز المجانيق والزحافات والجسور الْحَدِيد والمراكب وَغير ذَلِك لعبور نهر جهان. فَقدم عَلَيْهِم الْبَرِيد من دمشق بِأَن تكفرر وعد بِتَسْلِيم القلاع للسُّلْطَان فَلْتردَّ المجانيق وَجَمِيع ألات الْحصار إِلَى بغراس. وليقم الْعَسْكَر على مَدِينَة أياس حَتَّى يرد مرسوم السُّلْطَان بِمَا يعْتَمد فِي أَمرهم وَكَانَت التراكمين قد أَغَارُوا على بِلَاد سيس وَمَعَهُمْ عَسْكَر ابْن فرمان فتركوها أوحش من بطن حمَار فَبعث تكفور رسله فِي الْبَحْر إِلَى دمياط فَلم يَأْذَن السُّلْطَان لَهُم فِي الْقدوم عَلَيْهِ من أجل أَنهم لم يعلمُوا نَائِب الشَّام بحضورهم فعادوا إِلَى تكفور. فَبعث تكفور بهدية إِلَى تنكز نَائِب الشَّام وَسَأَلَهُ منع الْعَسْكَر من بِلَاده وَأَنه يسلم القلاع الَّتِي من وَرَاء نهر جهان جَمِيعًا للسُّلْطَان. فكاتب تنكز السُّلْطَان بذلك وَبعث أوحد المهمندار إِلَى الْأَمِير عَلَاء الدّين ألطبغا نَائِب حلب وَهُوَ الْمُقدم على الْعَسْكَر جَمِيعًا بِمَنْع الْغَارة ورد الْآلَات إِلَى بغراس فَردهَا ألطبغا وَركب بالعسكر إِلَى آياس فَقَدمهَا يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشر شَوَّال. وَكَانَت آياس قد تحصنت فبادر الْعَسْكَر وزحف عَلَيْهَا بِغَيْر أمره فَكَانَ يَوْمًا مهولاً جرح فِيهِ جمَاعَة كَثِيرَة. وَاسْتمرّ الْحصار إِلَى يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشره وأحضر نَائِب حلب خمسن نجاراً وَعمل زحافتين وستارتين ونادى فِي النَّاس بالركوب للزحف. فَاشْتَدَّ الْقِتَال حَتَّى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 229 وصلت الزحافات وَالرِّجَال إِلَى قريب السُّور بَعْدَمَا اسْتشْهد جمَاعَة كَثْرَة. فترجل الْأُمَرَاء عَن الْخُيُول لأخذ السُّور وَإِذا بأوحد المهمندار ورسل تكفور قد وافوا برسالة نَائِب الشَّام فعادوا إِلَى مخيمهم فَبَلغهُمْ أوحد المهنمدار أَن يكفوا عَن الْغَارة فَلم يوافقوه على ذَلِك وَاسْتقر الْحَال على أَن تسلموا أياس بعد ثَمَانِيَة أَيَّام. فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الثَّامِن أرسل تكفور مَفَاتِيح القلاع على أَن يرد مَا سبي وَنهب من بِلَاده فَنُوديَ برد السب فأحضر كثير مِنْهُ وأخرب الجسر الَّذِي نصب على نهر جهان. وَتوجه الْأَمِير مغلطاي الْغَزِّي فتسلم قلعة كوارة وَكَانَت من أحصن قلاع الأرمن وَلها سور مساحته فدان وَثلث وَربع فدان وارتفاعه اثْنَان وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعا بِالْعَمَلِ وَأنْفق تكفور على عِمَارَته أَرْبَعمِائَة ألف وَسِتِّينَ ألف دِينَار. وتسلم الْعَسْكَر آياس وَهدم البرج الأطلس فِي ثَمَانِيَة أَيَّام بَعْدَمَا عمل فِيهِ أَرْبَعُونَ حجاراً يَوْمَيْنِ وليلتين حَتَّى خرج مِنْهُ حجر وَاحِد. ثمَّ نقب البرج وعلق على الأخشاب وأضرمت فِيهِ النَّار فَسقط جَمِيعه وَكَانَ برجاً عَظِيما بلغ ضَمَانه فِي كل شهر لتكفور مبلغ ثَلَاثِينَ ألف دِينَار حسابا عَن كل يَوْم ألف دِينَار سوى خراج الْأَرَاضِي. وَكَانَ ببلدة آياس أَرْبَعمِائَة خمارة وسِتمِائَة بغى وَكَانَ بهَا فِي ظَاهرهَا ملاحة تضمن كل سنة بسبعمائة ألف دِرْهَم وَلها مِائَتي وَسِتَّة عشر بستاناً تغرس فِيهَا أَنْوَاع الْفَوَاكِه ودور سورها فدانان وَثلثا فدان. ثمَّ رَحل الْعَسْكَر عَن آياس بَعْدَمَا قَامُوا عَلَيْهَا اثْنَيْنِ وَسبعين يَوْمًا فَمر نَائِب حلب على قلعة نجيمة وقلعة سرفندكار وَقد أخربهما مغلطاي الْغَزِّي حَتَّى عبر بالعسكر إِلَى حلب فِي رَابِع عشرى ذِي الْحجَّة. فَعَاد الْعَسْكَر إِلَى مصر وَقد مرض كثير مِنْهُم وَمَات جمَاعَة. فَأكْرم السُّلْطَان الْأَمِير أرقطاي وخلع عَلَيْهِ وَبعث تَشْرِيفًا إِلَى نَائِب حلب. وأقطع السُّلْطَان أَرَاضِي سيس لنائب حلب ونائب الشَّام وَغَيرهمَا من أُمَرَاء الشَّام وَأمر فِيهَا جمَاعَة من التركمان والأجناد فاستعملوا الأَرْض فِي الفلاحة وحطوا عَنْهُم من الْخراج فعمرت ضياعها. وضمت بعض عَجَائِز الأرمن ألف دِرْهَم كل يَوْم فَلم يُوَافق السُّلْطَان على ذَلِك. وَعمل فِي كل قلعة من قلاع الأرمن نَائِب ورتب فِيهَا عَسْكَر. ثمَّ قدمت رسل تكفور فَخلع عَلَيْهِم وَكتب بترك الْخراج عَنْهُم ثَلَاث سِنِين ومهادنتهم عشر سِنِين. وفيهَا كالت حَرْب بَين خَلِيل الطرفي وَبَين خَلِيل بن دلغادر على أبلستين انتصر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 230 فِيهَا ابْن دلغادر. فانتمى الطرفي إِلَى نَائِب الشَّام. ووعد على نِيَابَة الأبلستين بألفي إكديش وَإِقَامَة ثَلَاثِينَ أَمِير طبلخاناه. فعني بِهِ نَائِب الشَّام حَتَّى قدم إِلَى قلعة الْجَبَل وخلع عَلَيْهِ وَكتب لَهُ ثَلَاثُونَ منشوراً بإمريات جمَاعَة عينهم وخلع على جَمِيع من مَعَه وَسَار. وَقدم الْخَبَر بِأَن القان مُوسَى لما فر بعد قتل عَليّ بادشاه لحق بخراسان فَقَامَ مَعَه طغاي تمر أميرها وَجمع لَهُ. فَسَار إِلَيْهِ الشَّيْخ حسن الْكَبِير وَأَوْلَاد دمردادش ولقوه بِالْقربِ من سلطانية فانكسر مُوسَى وَقتل من أَصْحَابه. فاختل فِي هَذِه الْفِتَن حَال بَغْدَاد والموصل وديار بكر وَقَوي أرتنا نَائِب الْمغل بِبِلَاد الرّوم لشغل الْمغل عَنهُ بِمَا هم فِيهِ. وفيهَا بعث النشو من كشف عَن أَرْبَاب دواليب القند فَوجدَ لأَوْلَاد فُضَيْل كثير من القند وَمِنْه أَرْبَعَة عشر ألف قِنْطَار قند عملت فِي هَذِه السّنة وَبَلغت زراعتهم فِي كل سنة ألف وَخَمْسمِائة فدان من الْقصب كَانُوا فِيمَا سلف يصالحون المباشرون على أَن قندهم ألف قِنْطَار يؤدون مَا عَلَيْهَا للديوان. فَلَمَّا علم النشو ذَلِك أوقع الحوطة على حواصلهم وَحمل القند إِلَى دَار القند وَكتب عَلَيْهِم حجَجًا بِثمَانِيَة أُلَّاف قِنْطَار للسُّلْطَان. فَلَمَّا تخلصوا مِنْهُ وجدوا لَهُم حَاصِلا لم يظفر بِهِ النشو وَفِيه عشرَة أُلَّاف قِنْطَار قند. وصادر النشو شاد دواليب الْخَاص بالصعيد وَأخذ مِنْهُ مائَة وَسِتِّينَ ألف دِرْهَم حملهَا للسُّلْطَان. وفيهَا أنعم السُّلْطَان فِي يَوْم وَاحِد على أَرْبَعه من مماليكه بِمِائَتي ألف دِينَار مصرية وهم قوصون وألطنبغا وملكتمر الْحِجَازِي وبشتاك وأنعم على مُوسَى بن مهنا بضيعة بِأَلف ألف دِرْهَم وَكَانَ قد قدم لَهُ فرسا. فشق دلك على النشو وَقَالَ: خاطرت بروحي فِي تَحْصِيل الْأَمْوَال وَهُوَ يفرقها. وفيهَا قدم أَمِير أَحْمد ابْن السُّلْطَان من الكرك باستدعاء وَكَانَ قد بلغه عَنهُ أَنه يعاشر أوباش الكرك فعقد لَهُ السُّلْطَان على ابْنة الْأَمِير سيف الدّين طايربغا وَعقد لِابْنِهِ يُوسُف على ابْنة الْأَمِير جنكلي بن البابا وَذَلِكَ فِي الْعشْرين من ربيع الآخر. وسير السُّلْطَان لكل أَمِير بِأَلف وَخَمْسمِائة دِينَار وثوب أطلس. وَفِيه سعى النشو بقاضي الْإسْكَنْدَريَّة عماد الدّين مُحَمَّد بن إِسْحَاق البلبيسي شيخ خانكاه بهاء الدّين أرسلان من أجل أَنه عَارضه فِي أَخذ أَمْوَال الْأَيْتَام ورماه بِأَنَّهُ أَخذ مَالا للأيتام اشْترى بهَا عدَّة جواري. فَطلب البلبيسي من الْإسْكَنْدَريَّة وَسلم إِلَى ابْن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 231 المرواني وَالِي الْقَاهِرَة ليخلص مِنْهُ مَال الْأَيْتَام فَقَامَ بأَمْره الْأَمِير جنكلي بن البابا والحاج آل ملك والأحمدي حَتَّى توجه الضياء الْمُحْتَسب وأقوش البريدي للكشف عَنهُ فَلم يظْهر لما رمي بِهِ صِحَة وَأكْثر مَا عيب عَلَيْهِ أَنه مطرح الاحتشام يمشي فِي الْأَسْوَاق لشراء حَاجته فأفرج عَنهُ. وَفِيه ولد للسُّلْطَان ابْنه صَالح من زَوجته بنت الْأَمِير تنكز فَعمل السُّلْطَان لَهَا بشخاناه وداير بَيت وَنَحْو ذَلِك بِمِائَة ألف وَأَرْبَعين ألف دِينَار وَعمل لَهَا الْفَرح مُدَّة أُسْبُوع حَضَره نسَاء الْأُمَرَاء وَمَا مِنْهُنَّ إِلَّا من عين لَهَا السُّلْطَان تعبية قماش على قدر رُتْبَة زَوجهَا. فَحصل للمغاني شَيْء كثير حَتَّى أَن مغنيات الْقَاهِرَة جَاءَ قسم كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ عشرَة أُلَّاف دِرْهَم سوى التفاصيل الْحَرِير والمقانع وَالْخلْع. وَقدم من الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام لابنته مقنعة وطرحة بسبعة آلَاف دِينَار. وَفِي هَذَا المهم اسْتعْمل السُّلْطَان للخركاه الْوَاصِلَة إِلَيْهِ من بِلَاد الشرق ثوبا من حَرِير أطلس وردي ورصعه بِاللُّؤْلُؤِ والجواهر وأسبل عَلَيْهَا سترا فَبلغ مَصْرُوف ذَلِك مائَة ألف دِينَار واثني عشر ألف دِينَار فنامت فِيهَا النِّسَاء. وَبلغ مَصْرُوف خَمْسمِائَة ألف دِينَار فَكَانَ شَيْئا لم يسمع بِمثلِهِ فِي الدولة التركية. وَفِيه اتّفق عدَّة من أَرْبَاب الجرائم بخزانة شمائل وَقتلُوا السحان وَخَرجُوا بعد الْمغرب من بَاب زويلة شاهرين السكاكين. فَركب الْوَالِي فِي طَلَبهمْ فَلم يظفر مِنْهُم سوى بِرَجُل أقطع فشنقه. وفيهَا استدعى السُّلْطَان من بِلَاد الصَّعِيد بألفي رَأس من الضَّأْن واستدعى من الْوَجْه البحري بِمِثْلِهَا وَشرع فِي عمل حوش برسمها ويرسم الأبقار البلق فَوَقع اخْتِيَاره على مَوضِع من قلعة الْجَبَل مساحته أَرْبَعَة أفدنة قد قطعت مِنْهُ بِالْحِجَارَةِ لعمارة القاعات الَّتِي بالقلعة حَتَّى صَار غوراً عَظِيما وَطلب السُّلْطَان كَاتب الْجَيْش ورتب على كل من الْأُمَرَاء المقدمين مائَة رجل وَمِائَة دَابَّة لنقل التُّرَاب وعَلى كل من أُمَرَاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 232 الطبلخاناه بِحَسبِهِ وَأقَام الْأَمِير قبغا عبد الْوَاحِد شادا وَأَن يُقيم مَعَه من جِهَة كل أَمِير أستاداره بعدة من جنده وألزم الْأُمَرَاء بِالْعَمَلِ ورسم لوالي الْقَاهِرَة بتسخير الْعَامَّة. فَأَقَامَ الْأَمِير أقبغا عبد الْوَاحِد فِي خيمته على جَانب الْموضع واستدعى أستادارية الْأُمَرَاء وَاشْتَدَّ عَلَيْهِم فَلم يمض ثَلَاثَة أَيَّام حَتَّى حضرت إِلَيْهِ رجال الْأُمَرَاء من نواحيهم وَنزل كل أستادار بخيمته وَمَعَهُ دوابه وَرِجَاله فقسمت عَلَيْهِم الأرص قطعا مُعينَة لكل وَاحِد مِنْهُم فجدا فِي الْعَمَل لَيْلًا وَنَهَارًا. هَذَا وأقبغا داير بفرسه عَلَيْهِم يستحثهم ويخرق بأستادارية الْأُمَرَاء وَيضْرب بَعضهم وَيضْرب أَكثر أجنادهم. ووكل الْمُقدم عنبر السحرتي بِالرِّجَالِ وَكَانَ ظَالِما غشوماً بهم وكلفهم السرعة فِي أَعْمَالهم من غير أَن يُوجد لَهُم رخصَة وَلَا مكنهم من الاسْتِرَاحَة. وَكَانَ الْوَقْت صيفاً حاراً فَهَلَك كثير مِنْهُم فِي الْعَمَل لعجز قدرتهم عَمَّا كلفوه. وَمَعَ ذَلِك كُله والولاة تسخر من تظفر بِهِ من الْعَامَّة وتسوقه إِلَى الْعَمَل فيزل بِهِ الْبلَاء مَا لَا قبل لَهُ بِهِ وَلَا عهد لَهُ بِمثلِهِ. وَكَانَ أحدهم إِذا عجز وَألقى بِنَفسِهِ إِلَى الأَرْض رمى أَصْحَابه عَلَيْهِ التُّرَاب فَمَاتَ لوقته هَذَا وَالسُّلْطَان يحضر كل يَوْم حَتَّى يرى الْعَمَل. وَكَانَ الْأَمِير ألطنبغا المارديني قد مرض وَأقَام بالميدان على النّيل أَيَّامًا حَتَّى برِئ وطلع إِلَى القلعة من بَاب القرافة. فاستغاث بِهِ النَّاس وسألوه أَن يخلصهم من هَذَا الْعَمَل فتوسط لَهُم عِنْد السُّلْطَان حَتَّى عفى السُّلْطَان النَّاس من السخرة وَأَفْرج عَمَّن قبض عَلَيْهِ مِنْهُم. فَأَقَامَ الْعَمَل سنة وَثَلَاثِينَ يَوْمًا إِلَى أَن فرغ مِنْهُ وأجريت إِلَيْهِ الْمِيَاه وأقيمت بِهِ الأغنام الْمَذْكُورَة والأبقار البلق. وبنيت بِهِ بيُوت للأوز فَبلغ ثمن البقل المصروف من الدِّيوَان برسم أكل فراخها فِي كل يَوْم مائَة وَخمسين درهما وَعند فرَاغ الْعَمَل من الحوش وترتيبه استدعى السُّلْطَان الْأُمَرَاء وَعمل لَهُم سماطاً جَلِيلًا وخلع على جمَاعَة مِمَّن بَاشر الْعَمَل وَغَيرهم. وفيهَا وصل من متجر الْخَاص سِتّمائَة قِطْعَة قطران طرحت على الزياتين وَأَصْحَاب المطابخ بِمِائَتي دِرْهَم الْقطعَة. ثمَّ طرح النشو أَيْضا ألف مقطع شرب بِحِسَاب ثَلَاثمِائَة دِرْهَم المقطع وَقِيمَته مَا بَين مائَة وَخمسين وَمِائَة وَسِتِّينَ درهما المقطع. ثمَّ طرح النشو ثِيَاب المماليك الْخلقَة وأخفافهم العتيقة على أَرْبَابهَا بأغلى ثمن. وفيهَا جد النشو فِي السّعَايَة بالصفي كَاتب قوصون عِنْد السُّلْطَان وَأَنه يلْزمه فِي كل سنة للديوان عَن متاجره وزراعاً نَحْو مِائَتي ألف دِرْهَم حَتَّى ألزم السُّلْطَان الْأَمِير قوصون بمصادرته وَأخذ مَاله لنَفسِهِ فأوقع قوصون الحوطة على جَمِيع مَاله. وسعى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 233 النشو أَيْضا بقطلو أستادار قوصون أَنه لما توجه إِلَى الشَّام لزمَه مَال كثير بِمَا أتْلفه من مَال معاصر الْغَوْر وَعَما أَخذه من ثمَّ بعث السُّلْطَان إِلَى قُضَاة الْقُضَاة أَلا يثبت أحد مِنْهُم محضراً بِاسْتِحْقَاق مِيرَاث حَتَّى يرسم لَهُم بذلك. وَسَببه أَن صدر الدّين الطَّيِّبِيّ لما ولاه النشو نظر ديوَان الْمَوَارِيث الْتزم لَهُ بِحمْل لأموال الْكَثِيرَة وَصَارَ يحْتَاط على أَمْوَال التركات ويحملها إِلَى النشو من غير أَن يُعْطي الْوَرَثَة مِنْهَا شَيْئا فَإِن كَانَ للْوَارِث جاه وَكَانَ لَهُ ولد مَعْرُوف ألزمهُ أَن يثبت نسبه من الْمَيِّت واستحقاقه لميراثه فَإِذا أثبت ذَلِك أَحَالهُ على مَا يتَحَصَّل من الْمَوَارِيث فيماطل بذلك مُدَّة وَلَا ينَال غَرَضه فَلَمَّا فحش الْأَمر فِي هَذَا بلغ السُّلْطَان فَأنْكر على النشو ذَلِك فدافع عَن نَفسه بأعذار قبلت مِنْهُ ثمَّ رسم السُّلْطَان للقضاة أَلا يثبتوا من ذَلِك شَيْئا إِلَّا بمرسومه فاشتذ الْأُمَرَاء على النَّاس وَصَارَت التَّرِكَة تنهب بِحَضْرَة الْوَارِث وَلَا يجد سَبِيلا إِلَيْهَا فَإِن عجز الطَّيِّبِيّ عَن أَخذ المَال من التَّرِكَة لقُوَّة الْوَارِث وَشدَّة بأسه رَمَاه عِنْد النشو بِأَن مُوَرِثه لَقِي وَوجد لقية مَال فِي بَيته فَيلْزم الْوَارِث بإحضار ذَلِك حَتَّى يتْرك مِيرَاثه. وفيهَا كتب مرسوم بمساحة ضَمَان جِهَات دمشق بِمَا عَلَيْهِم من الْبَوَاقِي للديوان ومبلغه مِائَتَان ألف دِرْهَم فأهملت من الْحساب. وفيهَا أنعم السُّلْطَان على الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام بِثَلَاث ضيَاع من فتوح سيس وَهِي قلعة كوارة وقلعة نجيمة وقلعة سرفندكار ورسم أَن يحمل إِلَيْهَا من حماة وحمص وطرابلس عشرُون ألف غرارة غلَّة برسم تقاويها وتخضيرها وَعين لكل ضَيْعَة مَا يكفيها وَكتب مراسيم لكل حهة بِمَا هُوَ مُقَرر عَلَيْهَا. وفيهَا أوقع الْأَمِير تنكز بِعلم الدّين مُحَمَّد بن القطب كَاتب السِّرّ بِدِمَشْق وضربه وصادره بمرافعة الْأَمِير حَمْزَة التركماني وَأخذ مِنْهُ عشْرين ألف دِينَار ومائتي ألف دِرْهَم. وفيهَا أعرس أَحْمد ابْن السُّلْطَان بابنة الْأَمِير طايربغا من غير عمل مُهِمّ. وأعرس كَذَلِك يُوسُف ابْن السُّلْطَان بابنة الْأَمِير جنكلي بن البابا. وفيهَا أنعم على قطلوبرس أستادار بكتمر الساقي بإمرة طبلخاناه وتسلم أَمِير أَحْمد ابْن السُّلْطَان وَتوجه بِهِ إِلَى الكرك فَتوجه الْأَمِير بيغرا إِلَى الكرك على النجب حَتَّى أحضر جَمِيع مَا كَانَ بهَا من المَال. وفيهَا اتضع سعر الغلال حَتَّى أبيع الأردب الْقَمْح الصعيدي بِعشْرَة دَرَاهِم والبحري الجزء: 3 ¦ الصفحة: 234 بِثمَانِيَة دَرَاهِم والفول وَالشعِير كل أردب بِسِتَّة دَرَاهِم وكسدت الغلال. فَكَانَ رزق الله أَخُو النشو - وَهُوَ كَاتب الْأَمِير ملكتمر الْحِجَازِي وَولي الدولة صهره - وَهُوَ كَاتب المجدي - يطرحان الْقَمْح بِزِيَادَة دِرْهَمَيْنِ الأردب ويأخذان ثمنه بعسف وظلم فتوقفت أَحْوَال الْجند لرخص السّعر. وسعى النشو بالضياء الْمُحْتَسب أَن الدَّقِيق وَالْخبْز سعرهما بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْقَمْح غال فرسم لوالي الْقَاهِرَة أَن يطْلب الْمُحْتَسب والطحانين وَيعْمل معدل الْقَمْح عِنْده فَلم يجد فِي الأسعار تَفَاوتا بَين الْقَمْح وَالْخبْز. وَفِي سَابِع عشر صفر: قدم من بَغْدَاد الْوَزير نجم الدّين مَحْمُود بن على بن شرْوَان وحسام الدّين الْحسن بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الغوري محتسب بَغْدَاد وفخر الدّين مَحْمُود نَائِب الْحلَّة. وعدة من الْأَعْيَان فِي خَمْسمِائَة عليقة. فَقدم الْوَزير للسُّلْطَان هَدِيَّة سنية. فِيهَا حجر بلخش يزن سَبْعَة وَعشْرين درهما فَخلع عَلَيْهِ وعَلى الْغَوْر وأنعم على مَحْمُود نَائِب الْحلَّة بإمرة طبلخاناه بِدِمَشْق وعَلى وَزِير بَغْدَاد بإمرة طبلخاناه بديار مصر ثمَّ أنعم عَلَيْهِ بتقدمة ألف بعد وَفَاة طايربغا. وَكَانَ سَبَب قدومهم أَن نجم الدّين هَذَا كَانَ تمكن بِبَغْدَاد وَكثر مَاله فَلَمَّا قدم عَليّ بادشاه إِلَى بَغْدَاد وَمَعَهُ القان مُوسَى وصادر أَهلهَا ثمَّ جمع العساكر وَخرج بعث بشمس الدّين السهروردي نَائِب بَغْدَاد وَقد كتب لَهُ أَسمَاء ليَأْخُذ مَالهم مِنْهُم نجم الدّين ابْن شرْوَان فَخر الدّين مَحْمُود نَائِب الْحلَّة. فَلَمَّا بَلغهُمْ ذَلِك تواطئوا على قَتله وَالْخُرُوج إِلَى مصر وَخَرجُوا إِلَى لِقَائِه واحتفوا بِهِ وَسَارُوا مَعَه ثمَّ بدره نجم الدّين بِسَيْفِهِ فَضَربهُ ضَرْبَة حلت عَاتِقه فَسقط إِلَى الأَرْض وَأخذت السيوس أَصْحَابه فارتجت بَغْدَاد بِأَهْلِهَا. وَفِي الْوَقْت نَادَى نجم الدّين بالأمان وَلَا يَتَحَرَّك أحد فقد كَانَ لنا غَرِيم قَتَلْنَاهُ وَأخرج هُوَ وَأَصْحَابه حريمهم وَأَمْوَالهمْ ومروا بهم على حمية من بَغْدَاد وَكَتَبُوا إِلَى الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام يستأذنونه. فَبعث تنكز الْبَرِيد إِلَى السُّلْطَان بخبرهم فَأُجِيب بإكرامهم إِلَى الْقَاهِرَة فَحمل إِلَيْهِم من الإقامات مَا يَلِيق بهم حَتَّى قدمُوا عَلَيْهِ ثمَّ سيرهم مكرمين. وفيهَا أنعم على آقسفقر بِخبْز طنجي السِّلَاح دَار وأنعم على قماري أَمِير شكار بتقدمة ألف. وَفِيه أنشأ السُّلْطَان قصراً للأمير يلبغا اليحياوي وقصراً للأمير ألطبغا المارديني تجاه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 235 حمام الْملك السعيد قَرِيبا من الرميلة تَحت القلعة وَأخذ لذَلِك من إسطبل الْأَمِير أيدغمش قِطْعَة وَمن إسطبل الْأَمِير طشتمر الساقي قِطْعَة وَمن إسطبل الْأَمِير قوصون قِطْعَة وَنزل بِنَفسِهِ حَتَّى مرر أمره. وَتقدم السُّلْطَان إِلَى الْأَمِير قوصون أَن يَشْتَرِي الْأَمْلَاك الْمُجَاورَة لإسطبله بالرميلة تَحت القلعة ويضيفها إِلَى إسطبله وَأمر أَن يكون بَاب الإسطبلين اللَّذين أنشأهما أَيْضا للأميرين يلبغا وألنبغا تجاه حمام الْملك السعيد وَأقَام آقبغا عبد الْوَاحِد شادا بعمارة القصرين. فَاشْترى قوصون عدَّة أَمْلَاك وسع بمواضعها فِي اسطبله وَطرح النشو أنقاضها بأغلى الْأَثْمَان وَجعل قوصون بَاب إسطبله من الرميلة تجاه القلعة. وَأنْفق النشو على القصرين جَمِيع مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي عمارتها. وفيهَا قدمت عدَّة تجار من الشَّام بِثِيَاب بعلبكي كَثِيرَة فختم عَلَيْهَا وَأخذ عَنْهَا مَا جرت بِهِ الْعَادة للديوان من المكس. ثمَّ أَمر النشو بأخذها جَمِيعهَا بِقِيمَة اخْتَارَهَا ثمَّ طرحها على تجار الْقَاهِرَة بِثَلَاثَة أَمْثَال قيمتهَا وألزم مباشري الْخَتْم أَلا يختموا قماشاً حَتَّى يستأذنوه. فَقدم قفل عقيب ذَلِك فِيهِ تَاجر من جِهَة الْأَمِير بشتاك فَأخذ قماشه فِيمَا أَخذ وَطرح الْجَمِيع على التُّجَّار. فَادّعى ذَلِك التَّاجِر أَن قماشه إِنَّمَا هُوَ للأمير بشتاك فَضَربهُ النشو ضربا مبرحاً فشق ذَلِك على بشتاك وشكا أمره إِلَى السُّلْطَان. وَكَانَ النشو قد بلغ السُّلْطَان أَن تَاجِرًا يحضر كل سنة القماش على اسْم الْأَمِير بشتاك بِغَيْر مكس حَتَّى وَجب عَلَيْهِ للديوان مائَة ألف دِرْهَم وَقد أكسر مُعَاملَة السُّلْطَان وَأَنه قد أَخذ مَا أحضرهُ من القماش فانفعل السُّلْطَان لكَلَامه. وفيهَا عزل قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين مُحَمَّد الْقزْوِينِي. وَسبب ذَلِك وَلَده جمال الدّين عبد الله وَمَا كَانَ عَلَيْهِ من كَثْرَة اللَّهْو والشره فِي المَال وَأَخذه الرِّشْوَة من الْقُضَاة وَنَحْوهم وتبسطه فِي الترف حَتَّى إِنَّه قد اقتنى عدَّة كَثِيرَة من الْخُيُول ورتب لَهَا عدَّة من الأجاقية والركابين وسابق بهَا. وَكَانَ جمال الدّين شغف أَيْضا بِسَمَاع الْغناء ومعاشرة الْأَحْدَاث من أَوْلَاد الأكابر ومماليك الْأُمَرَاء وتجاهر بالمنكرات. فرمعت فِيهِ للسُّلْطَان تَتَضَمَّن شعرًا بِمَا هُوَ عَلَيْهِ فَأخْرجهُ السُّلْطَان إِلَى الشَّام ثمَّ أَعَادَهُ بسعي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 236 أَبِيه بعد مُدَّة بسفارة الْأَمِير بكتمر الساقي فَلم يقم إِلَّا نَحْو السّنة وَزَاد فِي قبح السِّيرَة فَأخْرجهُ السُّلْطَان ثَانِيًا وَأقَام سنة. فَلم يُطلق أَبوهُ غيبته عَنهُ وَكَانَ قد فتن بِهِ حَتَّى أَنه لشدَّة حبه إِيَّاه لَا يكَاد يصبر عَنهُ سَاعَة وَاحِدَة فَسَأَلَ السُّلْطَان فِي عوده مشافهة وَضمن تَوْبَته فَأَعَادَهُ السُّلْطَان إِلَى الْقَاهِرَة فَأَنْشَأَ بجوار بَيت أَبِيه على النّيل دَارا كلف قُضَاة الْأَعْمَال فِيهَا لحمل الرخام وَغَيره واستدعى لَهَا الصناع من الشَّام وَبَالغ فِي اتقانها فبلغت النَّفَقَة عَلَيْهَا زِيَادَة على خَمْسمِائَة ألف دِرْهَم. وَبلغ السُّلْطَان ذَلِك فَحدث الْأُمَرَاء. بِمَا بلغه وَأنكر على القَاضِي بتمكين وَلَده من هَذَا فَبعث الْأَمِير عز الدّين أيدمر الخطيري إِلَى القَاضِي يعنفه ويشنع عَلَيْهِ ويلومه على إِنْفَاق وَلَده هَذَا المَال الْكَبِير فَاعْتَذر عَنهُ بِأَنَّهُ اقْترض مَا عمر بِهِ هَذِه الدَّار فَإِن سُكْنى الْقَاهِرَة لم توافقهم واحتاجوا إِلَى السُّكْنَى على النّيل. ثمَّ إِنَّه أَيْضا اشْترى فِي الْقَاهِرَة دَارا وجددها بِمَا يزِيد على مِائَتي ألف دِرْهَم فَكثر الْكَلَام فِيهِ. هَذَا مَعَ جفائه للنَّاس وَقُوَّة نَفسه وَسُوء سيرته وسيرة إخْوَته أَيْضا وتغافل أَبِيهِم عَنْهُم وتصاممه عَن الشكوى فيهم فَكتب فِي القَاضِي عدَّة أوراق للسُّلْطَان وَنسب فِيهَا إِلَى أَنه لَا يولي نَائِبا عَنهُ فِي بلد حَتَّى يجْتَمع بأولاده وشنع فِيهَا أَن الْقُضَاة فِي أَيَّامه إِنَّمَا تلِي بالبراطيل وتتزايد فِي الولايات. وَكَانَ السُّلْطَان لَا يرشى ويعاقب من يرتشي أَشد الْعقُوبَة فَكَانَ يُرَاعِي الْقُضَاة لما فِي نَفسه من إجلالهم وتعظيمهم إِلَى أَن نعاط أَمر أَوْلَاد القَاضِي جلال الدّين الْقزْوِينِي وَكَثُرت الْقَصَص فيهم وَفِي مَمْلُوكه. وَعمل حسن الْغَزِّي الشَّاعِر فيهم قصيدة شنيعة وأوصلها إِلَى شهَاب الدّين أَحْمد بن فضل الله فقصد نكاية الْقزْوِينِي وَقَالَ للسُّلْطَان عَنْهَا وَقرأَهَا عَلَيْهِ فأثرت فِي السُّلْطَان وغيرته على الْقزْوِينِي وَمِنْهَا وَهِي طَوِيلَة: قَاض على الْأَيَّام سل صَارِمًا بحده يلتقط الدراهما وَسن من أَوْلَاده لَهَا دَمًا جردهم فانتهكوا المحارما والشبل فِي الْمخبر مثل الْأسد وَابْنه البدري خطيب جلقي بِامْرَأَة الْكَامِل مشغوف شقي بادره بِالْعَزْلِ فَلَيْسَ يرتقي مَنَابِر الْإِسْلَام إِلَّا متقي متزر ثوب العفاف مُرْتَد يَا ملك الْإِسْلَام يَا ذَا الهمة أزل عَن الْملَّة هذي الْغُمَّة واحلل بِعَبْد الله سيف النقمَة فَإِنَّهُ حجاج هذي الْأمة واردعه ردع كل مُفسد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 237 فَلَمَّا حضر الْقُضَاة إِلَى دَار الْعدْل على الْعَادة لم يُؤذن لَهُم فِي دُخُوله وعندما نزلُوا بعث السُّلْطَان إِلَى الْقزْوِينِي مَعَ الدوادار بِأَن نَائِب الشَّام شكا من ابْن الْمجد قَاضِي دمشق وَقد اقْتضى رأية أَن أَن ترجع ابْنك عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ لَا ترجعه فَإِذا حضرت بدار الْعدْل استعف من الْقَضَاء بِحَضْرَة الْأُمَرَاء. وَاعْلَم أَنِّي آمُر نَائِب الشَّام أَنه إِذا رأى أولادك على سيرة مرضية قابلهم بِمَا يستحقونه. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْخَمِيس: وَحضر قَاضِي الْقُضَاة الْقزْوِينِي دَار الْعدْل سَأَلَ الْحَاجِب أَن يسْأَل لَهُ السُّلْطَان فِي تَمْكِينه من التَّوَجُّه إِلَى دمشق فَإِن مصر لم توافقه وَلَا وَافَقت أَهله فَأذن لَهُ السُّلْطَان فِي ذَلِك. وَنزل الْقزْوِينِي فَأخذ فِي وَفَاء دينه وَكَانَ عَلَيْهِ لجِهَة وقف التربة الأشرفية الْمُجَاورَة لمشهد السيدة نفيسة مبلغ مِائَتي ألف دِرْهَم وَثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم فَبَاعَ أملاكه وأملاك أَوْلَاده وأثاثهم وتحفهم بِربع ثمنهَا وَكَانَت نفيسة. فباعوا من صنف الْأَوَانِي الصيني بمبلغ أَرْبَعِينَ ألف دِرْهَم وَبَاعَ عبد الله إِحْدَى عشرَة جَارِيَة مَا بَين ثَمَانِيَة أُلَّاف دِرْهَم الْجَارِيَة إِلَى أَرْبَعَة أُلَّاف وَبَاعَ من اللُّؤْلُؤ والجواهر والزركش مَا قِيمَته زِيَادَة على مائَة وَعشْرين ألف دِرْهَم وَبَاعَ دَاره بِالْقَاهِرَةِ بِخَمْسَة وَثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم وأدوا مَا عَلَيْهِم من الدّين للأيتام وَغَيرهم. وَسَار قَاضِي الْقُضَاة بأَهْله وَأَوْلَاده إِلَى دمشق وصحبته سِتُّونَ زوج محاير على الْجمال فِي كل محارة امْرَأَة. وتأسف النَّاس على فِرَاقه لمحبتهم لَهُ مَعَ بغضهم لأولاده فَإِنَّهُ كَانَ كَرِيمًا جواداً سخياً لَهُ صدقَات ومراعاة لأرباب الْبيُوت يهب الْألف دِرْهَم وَلم يعرف فِي دولة الأتراك بِمصْر قَاض لَهُ مثل سعادته وَلَا مثل حظوته من السُّلْطَان وَقُوَّة حرمته وَكَانَ سَفَره فِي جُمَادَى الْآخِرَة. وَفِي يَوْم الْأَحَد ثامن عشره: استدعى عز الدّين عبد الْعَزِيز ابْن قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة الشَّافِعِي وخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر قَاضِي الْقُضَاة عوضا عَن الْجلَال الْقزْوِينِي. وَكَانَ السُّلْطَان قد جمع بَين يَدَيْهِ الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء وَفِيهِمْ عز الدّين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 238 وَحَدَّثَهُمْ فِيمَن يصلح للْقَضَاء وَقد تعين عِنْدهم شمس الدّين مُحَمَّد بن عَدْلَانِ. فَلم يلْتَفت إِلَيْهِ السُّلْطَان وَذكر لَهُم عز الدّين فَأَثْنوا عَلَيْهِ خيرا. وَكَانَ السُّلْطَان من أَيَّام بدر الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة يلهج بِذكر ابْنه عز الدّين وَيَقُول: لَوْلَا أَنه شَاب لوليته الْقَضَاء. وخلع فِيهِ أَيْضا على حسام الدّين الْحسن بن مُحَمَّد الغوري القادم من بَغْدَاد وَاسْتقر فِي قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة عوضا عَن برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن عَليّ بن عبد الْحق وَنزلا فِي موكب جليل. وَكَانَ سَبَب عزل ابْن عبد الْحق أَوْلَاده فَإِنَّهُم سَارُوا سيرة أَوْلَاد الْقزْوِينِي فَكَانَ السُّلْطَان يَقُول: ولينا قُضَاة جياداً أفسدهم ورسم بسفر ابْن عبد الْحق وَأَوْلَاده أَيْضا إِلَى الشَّام فسافروا. وَكَانَت قد وَقعت الشكوى فِي ابْن القَاضِي الْحَنْبَلِيّ من بَيْعه أوقاف الْأَيْتَام وَأخذ أثمانها وإتلافه فِي الْمُحرمَات فَطلب وَالِده تَقِيّ الدّين أَحْمد بن عز الدّين عمر بن مُحَمَّد الْمُقَدّس وَسُئِلَ عَن مَال الْأَوْقَاف الَّتِي بَاعهَا فَاعْتَذر بِمَا لَا يقبل وَسَأَلَ المهلة. فَأمر السُّلْطَان مُتَوَلِّي الْقَاهِرَة بِتَسْلِيمِهِ وضربه حَتَّى يحضر المَال جَمِيعه فأهانه ورسم عَلَيْهِ. وَأخذ السُّلْطَان يَقُول لِلْأُمَرَاءِ. انْظُر مَاذَا جرى علينا من أَوْلَاد الْقُضَاة وَذكر ابْن القَاضِي الْحَنْبَلِيّ وَمَا كَانَ مِنْهُ وهم أَن يُوقع بِهِ وبابنه الْمَكْرُوه فتلطفوا بِهِ فِي أَمرهمَا. والستر على القَاضِي لكبر سنه وشهرته. فعين الْأَمِير جنكلي بن البابا لولاية الْحَنَابِلَة موفق الدّين عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الْملك الْمَقْدِسِي فَطَلَبه السُّلْطَان وخلع عَلَيْهِ مَعَ رَفِيقه. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثاسع عشره: طلع الْقُضَاة الْأَرْبَعَة وقبلوا يَد السُّلْطَان وَاسْتَأْذَنَ قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين عبد الْعَزِيز بن جمَاعَة الشَّافِعِي فِي عزل نواب الحكم فَإِنَّهُم جيعهم إِنَّمَا ولوا ببذلهم المَال الجزيل لولد القزوين وَأَنَّهُمْ قد أفسدوا فِي الْأَعْمَال فَسَادًا كَبِيرا فَأَجَابَهُ السُّلْطَان بِأَن يفعل مَا فِيهِ خلاصه من الله تَعَالَى. فَنزل ابْن جمَاعَة وَكتب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 239 بعزل قُضَاة الْوَجْه القبلي والبحري بأسرهم وعزل فَخر الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مِسْكين من نِيَابَة الحكم بِمصْر وَولي عرضه بهاء الدّين عبد الله بن عقيل وَعين لقَضَاء الْأَعْمَال جمَاعَة مِمَّن وَقع اخْتِيَاره عَلَيْهِم فَلم يَجْسُر أحد على معارضته وَلَا مُخَالفَته واستخلف عَنهُ فِي الْقَضَاء تَاج الدّين مُحَمَّد بن إِسْحَاق الْمَنَاوِيّ وضياء الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْمَنَاوِيّ وعزل الضياء الْمُحْتَسب من نظر الْأَوْقَاف حَتَّى لم يدع أحدا بِالْقَاهِرَةِ ومصر وأعمالها مِمَّن ولاه الْقزْوِينِي. فانكف عَن النَّاس بدلك شَرّ كَبِير وَفَسَاد كثير. وَسَار رفقاؤه الْحَنَفِيّ والحنبلي مثل سيرته فِي النزاهة والصيانة. وعقيب ذَلِك قدم الْبَرِيد من الشَّام بِأَلفَيْنِ وَخَمْسمِائة دِينَار من وقف الأشرفية. فَأَخذهَا النشو وَعرف السُّلْطَان بهَا وَأَنه تعوض عَنْهَا لجِهَة الْوَقْف فِيمَا بعد فَأَخذهَا السُّلْطَان مِنْهُ. وفيهَا جمع النشو الطحانين وعرفاء الجمالة وَطرح عَلَيْهِم مَا زرع بِنَاحِيَة قليوب من الفول الْأَخْضَر والبرسيم بِحِسَاب ثَلَاثمِائَة دِرْهَم الفدان الفول والبرسيم بِمِائَتي دِرْهَم وَضرب جمَاعه مِنْهُم بالمقارع لأجل شكواهم إِيَّاه للسُّلْطَان. وَطرح النشو مبلغ مِائَتي ألف دِرْهَم فُلُوسًا نحساً ضرب إسكندرية وتروجة وفوة وبلاد الصَّعِيد على التُّجَّار وأرباب الْمُعَامَلَات فوقفت الْأَحْوَال. وَذَلِكَ أَن الْفُلُوس كَانَت تُؤْخَذ بِالْعدَدِ وَقد كثر فِيهَا الزغل من الرصاص وَنَحْوه وَصَارَ الْفلس الْكَبِير يقص ثَلَاث قطع وَيخرج بِثَلَاثَة فلوس فَصَارَت الباعة تردها وتحسن سعر الْغلَّة دَرَاهِم الأردب. فَقَامَ وَالِي الْقَاهِرَة فِي ذَلِك وَضرب جمَاعَة وَنُودِيَ أَن يرد الْفلس المقصوص والرصاص وَلَا يتعامل بِهِ فمشت الْأَحْوَال. وَفِيه قدم الْبَرِيد من الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام. وَمَعَهُ مبلغ عشْرين ألف دِينَار الَّذِي أَخذ من علم الدّين بن القطب كَاتب السِّرّ بِدِمَشْق فَخلع السُّلْطَان على جمال الدّين عبد الله بن الْكَمَال مُحَمَّد بن الْعِمَاد إِسْمَاعِيل بن الْأَثِير وَاسْتقر فِي كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق عوضا عَن ابْن القطب. وفيهَا اتّفق بِدِمَشْق أَن قاضيها شهَاب الدّين مُحَمَّد بن الْمجد عبد الله بن الْحُسَيْن بن عَليّ الأربلي كَانَ غير مرضِي الطَّرِيقَة فَلَمَّا عزل وَاسْتقر الْقزْوِينِي عوضه ركب ابْن الْمجد قبل أَن يبلغهُ الْعَزْل يُرِيد مَكَانا فنقرت بغلته من كلب خرج عَلَيْهَا فِي الطَّرِيق وألقته عَن ظهرهَا فاندق عُنُقه وسر النَّاس بذلك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 240 وفيهَا عزل الضياء من حسبَة الْقَاهِرَة بسعاية النشو بِهِ ورميه لَهُ بمحبة الْأَحْدَاث وخلع على الشريف شرف الدّين عَليّ بن حُسَيْن بن مُحَمَّد نقيب الْأَشْرَاف وَاسْتقر عوضه بَعْدَمَا أَقَامَت الْقَاهِرَة أَيَّامًا بِغَيْر محتسب. وفيهَا أفرج عَن الْأَمِير آقسنقر شاد العمائر من حَبسه بحلب وأنعم عَلَيْهِ بطلبخاناه فِي دمشق بعناية الْأَمِير قوصون. وفيهَا قدم الْبَرِيد بِأَن جَبَّار بن مهنا توجه فِي جماعته إِلَى بِلَاد الشرق وَصَارَ فِي جملَة الشَّيْخ حسن الْكَبِير بِسَبَب أَنه لما قدم بهديته إِلَى السُّلْطَان لم يجد مِنْهُ إقبالاً فَكتب إِلَّا إخْوَته بترجيعه إِلَى الْبِلَاد. وفيهَا قدم الْبَرِيد بِأَن الشَّيْخ حسن الْكَبِير قد جمع العساكر لمحاربة أرتنا صَاحب بِلَاد الرّوم وَأَن جَبَّار بن مهنا الْتزم لَهُ بِجمع الْعَرَب وَأَنه كتب لَهُ تقليداً بالإمرة على الْعَرَب. فَقدم بعد ذَلِك كتاب أرتنا وَمَعَهُ هَدِيَّة وَيسْأل فِيهِ أَن يكون نَائِب السُّلْطَان فِي بِلَاد الرّوم وَأَنه يضْرب السِّكَّة باسمه وَيُقِيم دَعوته على منابره. فَخلع على رسله وأنعم عَلَيْهِم وَكتب لَهُ تَقْلِيد بنيابة الرّوم من انشاء الشريف شهَاب الدّين الْحُسَيْن ابْن قَاضِي الْعَسْكَر. وَكَانَ الْحَامِل لِابْنِ أرتنا على ذَلِك أَنه عظم شَأْنه بِبِلَاد الرّوم وكثف جمعه حَتَّى خافه الشَّيْخ حسن الْكَبِير أَن ينْفَرد بمملكة الرّوم فَأخذ فِي التأهب لمحاربته. وَكَانَ ابْن دلغادر قد تمكن بأراضي أبلستين وَكَثُرت زراعاته بهَا وَأخذ يتخطف من أَطْرَاف الرّوم فخشى أرتنا مِنْهُ أَن ينازعه فِي مملكة الرّوم أَو يكون مَعَ الشَّيْخ حسن الْكَبِير فَرَأى الاتجاه إِلَى السُّلْطَان أقوى لَهُ وَأسلم فَإِنَّهُ إِمَّا يمده بعسكر يتقوى بِهِ على أهل الشرق أَو يأوي إِلَى بِلَاده إِن انهزم. وفيهَا بلغ النشو أَن النَّاس يَجْتَمعُونَ إِلَى الوعاظ بالجامع الْأَزْهَر وجامع الْحَاكِم وَغير ذَلِك وَيدعونَ الله عَلَيْهِ. فَلم يزل النشو بالسلطان حَتَّى منع الوعاظ بأجمعهم من الْوَعْظ وَأخرج رجلا كردياً كَانَ للنَّاس فِيهِ اعْتِقَاد إِلَى الشَّام. وفيهَا قدم الْمجد السلَامِي من الشرق صُحْبَة رسل الشَّيْخ حسن الْكَبِير باستدعاء السُّلْطَان لَهُ وَقد كلفه الشَّيْخ أَن يقوم لَهُ بِالصُّلْحِ بَينه وَبَين السُّلْطَان وجهز مَعَه هَدِيَّة جليلة. وفيهَا قدم نَاصِر الدّين خَليفَة بن خواجا عَليّ شاه وَزِير أبي سعيد فَأكْرمه السلطالن وأنعم عَلَيْهِ وَأخرج لَهُ راتباً بِدِمَشْق ثمَّ أنعم عَلَيْهِ بتقدمة ألف بهَا عوضا عَن برسبغا العادلي وأنعم على برسبغا بتقديمة آقول الْحَاجِب بعد مَوته. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 241 وفيهَا ندب النشو أحد مباشري العمائر السُّلْطَانِيَّة لمرافعة الْأَمِير آقبغا عبد الْوَاحِد فأنهى للسُّلْطَان عَنهُ أَنه عمر جَمِيع عمائر من مَال السُّلْطَان وَثَبت لمحاققته فَلم يجد آقبغا جَوَابا. وفيهَا اسْتَقر الْأَمِير أَخُو ظلظية فِي كشف الْوَجْه البحري عوضا عَن الْأَمِير سيف الدّين أبي بكر بن سُلَيْمَان البابيري وَأخرج البابيري إِلَى دمشق بِطَلَب الْأَمِير تنكز لَهُ وَكَانَت إِقَامَته فِي كشف الْوَجْه البحري سنة سَار فِيهَا سيرة سيئه. وَفِي لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشرى ربيع الآخر: سقط بِمصْر والقاهرة مطر عَظِيم مُدَّة سِتَّة أَيَّام فتهدم مِنْهُ عدَّة أَمَاكِن وسال الْجَبَل وأعقب الْمَطَر رياحاً عَاصِفَة وَاشْتَدَّ الْبرد بِخِلَاف الْعَادة وَسقط الثَّلج بسبخة بردويل حَتَّى جهلت الطَّرِيق وَسقط بِمصْر ثلج كثير وحصا فِيهِ مَا يزن سِتَّة عشر درهما وَأكْثر إِلَى ثَمَانِيَة وَعشْرين درهما. وَاشْتَدَّ الرّيح بِنَاحِيَة دمياط فِي بَحر الْملح حَتَّى غلب على النّيل وَوصل المَاء إِلَى شار مساح وَفَارِس كور. وفيهَا كثر تسخير النَّاس للْعَمَل فِي عمائر السُّلْطَان بالقلعة وَقبض عَلَيْهِم من بَين القصرين وهم نيام وَمن أَبْوَاب الْجَوَامِع عِنْد خروحهم من صَلَاة الصُّبْح فابتلي من ذَلِك ببلاء عَظِيم وَكَثُرت الغاثة فَلم يَجْسُر أحد من الْأُمَرَاء يكلم السُّلْطَان فِيهِ. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ رابعه: خلع عَليّ عَلَاء الدّين عَليّ بن محيي الدّين يحيى بن فضل الله وَاسْتقر فِي كِتَابَة السِّرّ عوضا عَن أَبِيه بعد وَفَاته وَركب مَعَه الْحَاجِب أَمِير مَسْعُود والدواداو طاجار إِلَى دَاره. (وَفِي ثَانِي عشرى رَمَضَان) قدمت الْحرَّة بنت السُّلْطَان أبي الْحسن عَليّ بن عُثْمَان ابْن يَعْقُوب المريني صَاحب فاس تُرِيدُ الْحَج وَمَعَهَا جمع كَبِير وهدية جليلة إِلَى الْغَايَة نزل لحملها من الإسطبل السلطاني ثَلَاثُونَ قطاراً من بغال النَّقْل سوى الْجمال وَكَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 242 من جُمْلَتهَا أَرْبَعمِائَة فرس مِنْهَا مائَة حجرَة وَمِائَة فَحل ومائتان بغل وجميعها بسروج ولجم مسقطة بِالذَّهَب وَالْفِضَّة وَبَعضهَا سُرُوجهَا وركبها من الذَّهَب وَكَذَلِكَ لجمها وَكَانَ جُمْلَتهَا أَيْضا أبقار عدتهَا اثْنَان وَأَرْبَعُونَ رَأْسا وَمِنْهَا سرجان من ذهب مرصع بجوهر وفيهَا اثْنَان وَثَلَاثُونَ بازاً وفيهَا سيف قرَابه من ذهب مرصع وحياصة ذهب مرصع وفيهَا سِتّمائَة كسَاء وَغير دلك من القماش الغالي. وَكَانَ قد خرج المهمندار إِلَى لقائهم وأنزلهم بالقرافة قرب مَسْجِد الْفَتْح وهم جمع كَبِير جدا. وَكَانَ يَوْم طُلُوع الْهَدِيَّة من الْأَيَّام الْمَذْكُورَة فَفرق السُّلْطَان الْهَدِيَّة على الْأُمَرَاء بأسرهم على قدر مَرَاتِبهمْ حَتَّى نفدت كلهَا سوى الْجَوْهَر واللؤلؤ فَإِنَّهُ اخْتصَّ بِهِ فقدرت قيمَة هَذِه الْهَدِيَّة بِمَا يزِيد على مائَة ألف دِينَار. ثمَّ نقلت الْحرَّة إِلَى الميدان بِمن مَعهَا ورتب لَهَا من الْغنم والدجاج وَالسكر والحلوى والفاكهة فِي كل يَوْم بكرَة وَعَشِيَّة مَا عمهم وَفضل عَنْهُم. فَكَانَ مرتبهم فِي كل يَوْم عدَّة ثَلَاثِينَ رَأْسا من الْغنم وَنصف أردب أرزاً وقنطار حب رمان وَربع قِنْطَار سكرا وثماني فانوسيات شمع وتوابل الطَّعَام وَحمل إِلَيْهَا برسم النَّفَقَة مبلغ خَمْسَة وَسبعين ألف دِرْهَم وَكَانَت أُجْرَة حمل أثقال ركبهَا قد بلغت سِتِّينَ ألف دِرْهَم. ثمَّ خلع على جَمِيع من قدم مَعَ الْحرَّة فَكَانَت عدَّة الْخلْع مِائَتَيْنِ وَعشْرين خلعة على قدر طبقاتهم حَتَّى على الرِّجَال الَّذين قادوا الْخُيُول. وَحمل إِلَى الْحرَّة من الْكسْوَة مَا يجل قدره وَقيل لَهَا أَن تملي مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فَقَالَت إِنَّه لَا يعوزها شَيْء إِنَّمَا تُرِيدُ عناية السُّلْطَان بإكرامها وإكرام من مَعهَا حَيْثُ كَانُوا. فَتقدم السُّلْطَان إِلَى النشو وَالِي الْأَمِير آقبغا بتجهيزها اللَّائِق بهَا فقاما بذلك واستخدما لَهَا السقائين والضوية وهيئا كل مَا تحْتَاج إِلَيْهِ فِي سفرها من أَصْنَاف الْحَلْوَى وَالسكر والدقيق والبشماط وطلبا الجمالة لحل جهازها وأزودتها. وَندب السُّلْطَان مَعهَا جمال الدّين مُتَوَلِّي الجيزة وَأمره أَن يرحل بهَا فِي ركب لَهَا بمفردها قُدَّام الْمحمل ويمتثل كل مَا تَأمر بِهِ وَكتب لأميري مَكَّة وَالْمَدينَة بخدمتها أتم خدمَة. وَفِيه تجهز الْأَمِير بشتاك والأمير ألطنبغا المارديني وخوند طغاي زَوْجَة السُّلْطَان وست حدق وعدة من الدّور وَمن الخدام لسفر الْحجاز. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 243 وَفِيه قرر الْأَمِير علم الدّين سنجر الجاولي شهَاب الدّين أَحْمد العسجدي فِي تدريس الحَدِيث بالقبه المنصورية بَين القصرين بعد وَفَاة زين الدّين عمر بن الكتاني. فتعصب عَلَيْهِ الْقُضَاة وَجَمَاعَة من شُيُوخ الْعلم وطعنوا فِي أَهْلِيَّته وَرفعُوا قصَّة للسُّلْطَان بالقدح فِيهِ. فَلَمَّا قُرِئت على السُّلْطَان بدار الْعدْل سَأَلَ السُّلْطَان من الْقُضَاة عَنهُ فثلبه قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين عبد الْعَزِيز بن جمَاعَة فَقَامَ الجاولي بمعارضة القاصي وَأثْنى عَلَيْهِ فرسم السُّلْطَان أَن يعْقد لَهُ مجْلِس ويطالع بأَمْره. فَاجْتمع الْقُضَاة وَكثير من الْفُقَهَاء بالمدرسه المنصورية وجبه بَعضهم الجاولي بالغض من العسجدي ورماه ركن الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن القوبع بِأَنَّهُ لحن فِي قِرَاءَة الْفَاتِحَة ثَلَاث مَرَّات فَقَامَ قَاضِي الْقُضَاة حسام الدّين الغوري فِي نصْرَة العسجدي وَأثْنى عَلَيْهِ وَقَالَ: أَنا أحكم بأهليته لهَذِهِ الوظيفه فدار بَينه وَبَين ابْن جمَاعَة مقاولة فِيهَا فحش وانفضوا على ذَلِك. فَأعْلم الغوري طاجار الدوادار بِأَن الْقَوْم تعصبوا على العسجدي وَأَنه يحكم بأهليته فَبلغ ا! سُلْطَان ذَلِك. فَلَمَّا حضرا سَأَلَ السُّلْطَان عَمَّا جرى فِي الْمجْلس من ابْن جمَاعَة والجاولي فتفاوضا وعارض كل مِنْهُمَا الآخر فَمَال السُّلْطَان إِلَى قَول ابْن جمَاعَة وَمنع العسجدي من التدريس. فشق ذَلِك على الجاولي وهم بعزل نَفسه من نظر المارستان فحذره الْأُمَرَاء عَاقِبَة ذَلِك. وفيهَا عمل جسر بالنيل على حكر ابْن الْأَثِير وَسَببه أَن الْميل قوي على نَاحيَة بولاق خَارج الْقَاهِرَة وَهدم جَامع الخطيري حَتَّى احْتِيجَ إِلَى تجديده وَحَتَّى احْتِيجَ إِلَى أَن رسم السُّلْطَان للسكان على شاطئ النّيل بِعَمَل الزرابي لجَمِيع تِلْكَ الدّور وَألا يُؤْخَذ عَلَيْهَا حكر. فَبنى صَاحب كل دَار زربية تجاه دَاره فَلم يفد ذَلِك شَيْئا. فَكتب بإحضار مهندسي الْبِلَاد الْقبلية وبلاد الْوَجْه البحري فَلَمَّا تكاملوا ركب السُّلْطَان النّيل وهم مَعَه وكشف الْبَحْر. فاتفق الرَّأْي على أَن يحْفر الرمل الَّذِي بالجزيرة حَتَّى يصير خليجاً يجْرِي فِيهِ المَاء وَيعْمل جسر فِي وسط النّيل يكون سداً يتَّصل بالجزيرة فَإِذا كَانَت زِيَادَة النّيل جرى المَاء فِي الخليج الَّذِي حفر وَكَانَ قدامه سد عَال يرد المَاء إِلَيْهِ حَتَّى يتراجع النّيل عَن سد الْقَاهِرَة إِلَى بر نَاحيَة منبابة وَعَاد السُّلْطَان إِلَى القلعة. وَخرجت الْبرد من الْغَد إِلَى الْأَعْمَال بإحضار الرِّجَال للْعَمَل صُحْبَة المشدين وَطلبت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 244 الحجارون بأجعهم لقطع الْحِجَارَة من الْجَبَل - وَكَانَت تِلْكَ الْحِجَارَة تحمل إِلَى السَّاحِل وتملأ بهَا المراكب وتغرق المراكب وَهِي ملأنة بِالْحِجَارَةِ حَيْثُ يعْمل الجسر -. فَلم يمض عشرَة أَيَّام حَتَّى قدمت الرِّجَال من النواح فتسلمهم الْأَمِير آقبغا عبد الْوَاحِد والأمير برسبغا الْحَاجِب. ورسم لوالي الْقَاهِرَة ووالي مصر بتسخيرهم للْعَمَل فركبا وقبضا على عدَّة كَثِيرَة مِنْهُم وَزَادا فِي ذَلِك حَتَّى صَارَت النَّاس تُؤْخَذ من الْمَسَاجِد والجوامع فِي السحر وَمن الْأَسْوَاق فتستر النَّاس ببيوتهم خوفًا من السخرة. وَوَقع الِاجْتِهَاد فِي الْعَمَل وَاشْتَدَّ الاستحثاث فِيهِ حَتَّى إِن الرجل كَانَ يخر إِلَى الأَرْض وَهُوَ يعْمل لعَجزه عَن الْحَرَكَة فتردم عَلَيْهِ الرمال فَيَمُوت من سَاعَته. وَاتفقَ هَذَا لخلائق كَثِيرَة جدا وآقبغا رَاكب فِي الحراقة يستعجل المراكب المشحونة بِالْحِجَارَةِ وَالسُّلْطَان ينزل إِلَيْهِم ويباشرهم ويغلظ على آقبغا ويحمله على السرعة واستنهاض الْعَمَل حَتَّى أكمل فِي مُدَّة شَهْرَيْن. وغرق فِيهِ اثْنَا عشر مركبا وسق كل مركب ألف أردب. وَكَانَت عدَّة المراكب الَّتِي أشحنت بِالْحِجَارَةِ المقطوعة من الْجَبَل - ورميت فِي الْبَحْر حَتَّى صَار جِسْرًا يمشي عَلَيْهِ ثَلَاثَة وَعشْرين ألف مركب حجر سوى مَا عمل فِيهِ من آلَات الْخشب والسرياقات والحلفاء وَنَحْو ذَلِك. وحفر الخليج بالجزيرة فَلَمَّا زَاد النّيل جرى فِي الخليج الَّذِي حفر وتراجع المَاء حَتَّى قوي على بر منبابة وبر بولاق التكرور فسر السُّلْطَان بذلك. وفيهَا اسْتَأْذن الْأَمِير ملكتمر الْحِجَازِي والأمير يلبغا اليحياوي السُّلْطَان فِي الْمسير إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة بطيور السُّلْطَان الْجَوَارِح ليتصيدا فِي الْبَريَّة. فرسم للنشو بتجهيزهما فخاف من دخولهما إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة أَن يبلغهما عَنهُ من أعدائه مَا إِذا نَقَلَاه للسُّلْطَان تغير عَلَيْهِ. فَعرف النشو السُّلْطَان أَن مراكب التُّجَّار قد وصلت وَأَنه يحْتَاج إِلَى السّفر حَتَّى يَأْخُذ مَا عَلَيْهَا للديوان وَيقوم أَيْضا بِخِدْمَة الأميرين فَأذن لَهُ فِي السّفر فسافر من ليلته. وبدا للسُّلْطَان أَن يبْعَث الْأَمِير بشتاك بالطيور - وَمَعَهُ الْأَمِير قماري أَمِير شكار والأمير ألطبغا المارديني - ويعوض يلبغا والحجازي بركوب النّيل فِي عيد الشَّهِيد فسافر الْأُمَرَاء الثَّلَاثَة. وَكَانَ عيد الشَّهِيد بعد يَوْمَيْنِ فَركب يلبغا والحجازي المراكب فِي النّيل للفرجة وَخرجت مغاني الْقَاهِرَة ومصر بأسرها وتهتكوا بِمَا كَانَ خافياً مَسْتُورا من أَنْوَاع اللَّهْو وَقد حشر النَّاس للفرجة من كل جِهَة. وَألقى الْأُمَرَاء للنَّاس فِي مراكبهم من أَنْوَاع الْأَشْرِبَة والحلاوات وَغَيرهَا مَا يتَجَاوَز الْوَصْف فمرت ثَلَاث لَيَال بأيامها كَانَ فِيهَا من اللَّذَّات وأنواع المسرات مَا لَا يُمكن شَرحه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 245 وَلما قدم الْأُمَرَاء بالطيور إِلَى ظَاهر الْإسْكَنْدَريَّة أخرج النشو إِلَى لقائهم عَامَّة أَهلهَا بِالْعدَدِ والآلات الحربية وَركب إِلَيْهِم حَتَّى عبروا الْمَدِينَة فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. ثمَّ خَرجُوا بعد يَوْمَيْنِ وَقد قدم النشو لَهُم من الأسمطة وأنواع القماش مَا يَلِيق بهم. وَأخذ النشو فِي مصادرة أهل الْإسْكَنْدَريَّة وَطلب عشرَة أُلَّاف دِينَار من الصيارفة قرضا فِي ذمَّته وَطلب من ثَلَاثَة تجار عشرَة أُلَّاف دِينَار ثمَّ إِنَّه غرم ابْن الربعِي الْمُحْتَسب بهَا خَمْسَة آلَاف دِينَار سوى مَا ضرب عَلَيْهِ الحوطة من موجوده وضربه ضربا مبرحاً وسجنه فَمَاتَ بعد قَلِيل فِي السجْن ثمَّ عَاد النشو إِلَى الْقَاهِرَة. وَقدم الْخَبَر من ماردين بِكَثْرَة جمع الشَّيْخ حسن الصَّغِير وَأَوْلَاد دمرداش وَأَنَّهُمْ على حَرَكَة لِحَرْب طغاي بن سونتاي بديار بكر فَإِذا بلغُوا مُرَادهم مِنْهُ عدوا الْفُرَات إِلَى أَخذ حلب. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشرى شَوَّال: قدم مُوسَى بن مهنا طَائِعا وَقدم عدَّة خُيُول وَورد صحبته طَائِفَة من عرب الْبَحْرين بخيول قومت بمبلغ خَمْسمِائَة ألف وَسِتِّينَ ألف دِرْهَم وقومت خيل مُوسَى بِخَمْسِمِائَة ألف دِرْهَم سوى مَا جرت الْعَادة بِهِ من الإنعام عَلَيْهِ وأنعم عَلَيْهِ بِعشْرين آلف دِينَار أَيْضا. وقومت من جِهَة أهل برقة بأربعمائة ألف دِرْهَم وقومت مماليك وجواري قدم بهَا التُّجَّار بستمائة ألف دِرْهَم. وَكَانَت جملَة ذَلِك كُله مَا عدا مَا أنعم بِهِ على مُوسَى بن مهنا ألفا ألف دِرْهَم وَسِتُّونَ ألف دِرْهَم مِنْهَا مائَة ألف دِينَار مصرية ونيف وَعشْرين ألف دِينَار وأحيل بذلك على النشو. وَلما كمل قصر يلبغا وَقصر المارديني جَاءَا فِي أحسن هَيْئَة فَإِن السُّلْطَان كَانَ ينزل إِلَيْهِمَا بِنَفسِهِ ويرتب عمارتهما. فَعمل أساس قصر يلبغا أَرْبَعِينَ ذِرَاعا وَبسطه حَصِيرا وَاحِدًا فجَاء مصروفه أَرْبَعمِائَة ألف دِرْهَم. وَكَانَ جملَة المصروف على هَذَا الْقصر أَرْبَعمِائَة ألف ألف وَسِتِّينَ ألف دِرْهَم من ذَلِك لازورد خَاصَّة بِمِائَة ألف د رهم. فَركب السُّلْطَان إِلَيْهِ يَوْم فَرَاغه وأعجب بِهِ وأنعم على يلبغا بتقدمة طرغاي الطباخي نَائِب حلب وفيهَا عشرَة أَزوَاج بسط - مِنْهَا زوج بسط حَرِير - وعدة أواني بلور وَغَيره وعدة خُيُول وجمال بَخَاتِي. وَتقدم السُّلْطَان إِلَى الْأَمِير آقبغا عبد الْوَاحِد بِعَمَل سماط فِي قصر يلبغا فَنزل إِلَيْهِ وَنزل النشو أَيْضا حَتَّى تهَيَّأ ذَلِك وَحضر الْأُمَرَاء كلهم فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا يومهم إِلَى الْعَصْر. ثمَّ خلع السُّلْطَان على أحد عشر أَمِيرا أحد عشر تَشْرِيفًا أطلس. وأركبوا الْخُيُول بسروج الذَّهَب وخلع على بَقِيَّة الْأُمَرَاء مَا بَين خلع كَامِلَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 246 وأقبية وأركبوا أَيْضا الْخُيُول المثمنة بسروج الذَّهَب وَالْفِضَّة على قدر مَرَاتِبهمْ. وَتَوَلَّى السُّلْطَان تعبية ذَلِك بِنَفسِهِ فَكَانَ مهما عَظِيما: ذبح فِيهِ سِتّمائَة رَأس من الْغنم وَأَرْبَعُونَ رَأْسا من الْبَقر وَعِشْرُونَ فرسا وَعمل فِيهِ برسم المشروب ثَلَاثمِائَة قِنْطَار من السكر. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سَابِع عشرى رَمَضَان: هبت ريح سَوْدَاء معتمة بِنَاحِيَة الغربية وأظلم الجو مِنْهَا وَسَقَطت دور كَثِيرَة. ثمَّ سقط برد أسود مر الطّعْم حاءت بِهِ الرّيح من نَحْو الْبَحْر حَتَّى مَلأ الطرقات ووزنت مِنْهُ وَاحِدَة فَكَانَت مائَة وَثَمَانِينَ درهما وَوجد فِيهِ وَاحِدَة على قدر النارنجة وعَلى قدر بيض النعام وَمَا دون ذَلِك إِلَى قدر البندقة. وَكَانَ الزَّرْع قد قرب حَصَاده فَرمى سنبله وحصد كثير مِنْهُ من أَصله وَهَلَكت مِنْهُ أَغْنَام كَثِيرَة. ورؤيت شَجَرَة جميز فِي غَايَة الْكبر وَقد سقط فِي وَسطهَا برده على هَيْئَة الرَّغِيف وَهِي سَوَاء - فشقتها نِصْفَيْنِ كَمَا يشق الْمِنْشَار وَوجدت بقرة مطروحة قد قطع ظهرهَا بِبُرْدَةٍ شقته نِصْفَيْنِ. وَتَلفت زروع ثَمَانِيَة وَعشْرين بَلَدا فَجمع زَرعهَا وَحمل إِلَى السُّلْطَان مَعَ فلاحيها واستغاثوا بالسلطان فرسم لمتولي الغربية أَن يكْشف تِلْكَ النواح وَيُحَرر مَا أصابتها الْجَائِحَة مِنْهَا ويحط خراجه عَن وَفِيه قدم الْبَرِيد من قوص بِأَن السَّمَاء احْمَرَّتْ فِي شهر رَمَضَان هَذَا حَتَّى ظَهرت النُّجُوم متلونة فَكَانَت تحمر سَاعَة وَتسود سَاعَة وتبيض سَاعَة إِلَى أَن طلع الْفجْر فجَاء مطر لم يعْهَد فِي تِلْكَ الْبِلَاد. وَقدم الْبَرِيد أَيْضا بِأَنَّهُ هبت ريح بأسوان أَلْقَت عَامَّة الْبيُوت وَكَثِيرًا من النّخل وهبت أَيْضا بعرب قمولة فَأَلْقَت أَلفَيْنِ وَخَمْسمِائة نَخْلَة مثمرة وَقدم بذلك محْضر ثَابت على قاضيها. وَخرج بِبِلَاد منفلوط فأر عَظِيم جدا فحصد الزَّرْع حصداً وأتلف جرون الغلال بِحَيْثُ كَانَ يذهب ربع الجرن فِي لَيْلَة وَاحِدَة. فَصَارَ النَّاس يبيتُونَ بالمشاعل على طول اللَّيْل وهم يقتلُون الفأر ثمَّ يتَوَلَّى أَمر النَّهَار طَائِفَة أخر وهم لَا يفترون عَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 247 قَتله ثمَّ يحمل مَا قتل مِنْهُ فِي شباك وَيحرق بالنَّار على بعد وَفِيهِمْ من يلقيه إِلَى النّيل فأفاموا مُدَّة شَهْرَيْن يحملون فِي الشباك كل يرم نو مائَة حمل. وشوهد مِنْهُ عجب: وَهُوَ أَن جمعا عَظِيما من فيران بيض خَرجُوا حَتَّى ملاوا الأَرْض فَخرج مقابلهم فيران سود وَاصْطَفُّوا صفّين فِي أَرض مساحتها فدنان ثمَّ تصايحوا وَحمل بَعضهم على بعض واقتتلوا سَاعَة وانكسرت الفيران السود وتبعهم الْبيض يَقْتُلُونَهُمْ حَتَّى مزقوهم فِي تِلْكَ الْأَرَاضِي وَكَانَ بِمحضر عَالم كَبِير من النَّاس فَكتب بذلك إِلَى السُّلْطَان والأمراء فانكسر للسُّلْطَان بِنَاحِيَة منفلوط بِسَبَب الفأر نَحْو سِتِّينَ ألف أردب فول. وفيهَا رفعت قصَّة إِلَى السُّلْطَان تَتَضَمَّن أَن الْأَمِير ملكتمر الْحِجَازِي يركب النّيل وَمَعَهُ أَرْبَاب الملاهي فِي عدَّة من المماليك السُّلْطَانِيَّة وَأَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ كل فَاحِشَة وَيَأْخُذُونَ حرم النَّاس. فَاشْتَدَّ غضب السُّلْطَان وَطلب الْحِجَازِي وأخرق بِهِ وهدده بِالْقَتْلِ إِن عَاد يركب النّيل وَأخرج السُّلْطَان مِمَّن كَانَ يعاشره من المماليك سِتَّة وَثَلَاثِينَ رجلا إِلَى الْبِلَاد الشامية على الْبَرِيد من يومهم وَأخرج من الْغَد أَرْبَعِينَ مَمْلُوكا من أَصْحَابه بِسَبَب شربهم الْخمر وفيهَا تقدم السُّلْطَان إِلَى ولي القلعة أَلا يُمكن أَمِيرا من النُّزُول إِلَّا بمرسوم وَأمر نقيب الْجَيْش فدار على الْأُمَرَاء كلهم وأعلمهم أَلا ينزل أحد مِنْهُم من القلعة إِلَّا بمرسوم السُّلْطَان وَمن نزل فَلَا يبيت إِلَّا بالقلعة. وَركب أَمِير مَسْعُود الْحَاجِب - وَمَعَهُ وَالِي الْقَاهِرَة - وَهدم مرامي النشاب الَّتِي بناها الْأُمَرَاء لرمي النشاب خَارج الْقَاهِرَة وَطلب جَمِيع صناع النشاب ومنعهم من عمل النشاب الميداني وَبيعه لسَائِر النَّاس وَأمر بدكاكين البندقانيين فغلقت وَمنع من عمل أقواس البندق وَبَيْعهَا وَقصد السُّلْطَان بذلك كف أَسبَاب اللَّهْو فَإِنَّهُ كَانَ يكره من يلْعَب ويلهو عَن شغله وخدمته. وفيهَا شفع الْأَمِير مُوسَى بن مهنا فِي لُؤْلُؤ وَغَيره من المصادرين فرسم السُّلْطَان لشاد الدَّوَاوِين بِكِتَابَة أسمائهم - وَكَانُوا خَمْسَة وَثَلَاثِينَ رجلا وَمِنْهُم قرموط وَأَوْلَاد التَّاج فأفرج عَنْهُم أما خلا قرموط وَأَوْلَاد التَّاج. وفيهَا أنشأ الْأَمِير أقبغا عبد الْوَاحِد مدرسة بجوار الْجَامِع الْأَزْهَر وَكَانَ موضعهَا دَار الْأَمِير ابْن الْحلِيّ وألزم الصناع بالعمائر السُّلْطَانِيَّة أَن يعملوا فِيهَا يَوْمًا من الْأُسْبُوع بِغَيْر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 248 أُجْرَة فَكَانَ يجْتَمع فِي كل أُسْبُوع بهَا كل صانع بِالْقَاهِرَةِ ومصر ويعملون نهارهم. وَحمل لَهَا أقبغا جَمِيع مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من عمائر السُّلْطَان وَأقَام بهَا من مماليكه شادا لم ير أظلم مِنْهُ فعسف الصناع وضربهم. وفيهَا توقفت زِيَادَة النّيل عِنْدَمَا قرب الْوَفَاء ثمَّ نقض فارنفع سعر الغلال حَتَّى بلغ الْقَمْح عشْرين درهما الأردب. ثمَّ تراجع النّيل ووفي سِتَّة عشر ذِرَاعا بَعْدَمَا زَاد ثَلَاثَة أَيَّام مُتَوَالِيَة أَرْبَعَة أَذْرع وَنصف ذِرَاع. وَتَلفت بِسَبَب ذَلِك غلال كَثِيرَة فِي الأجران فَإِنَّهُ زَاد زِيَادَة متتابعة على حِين غَفلَة. وَكَانَت سنة شَدِيدَة وَاتفقَ فِيهَا من الأمطار والفأر والمصادرات وَغير ذَلِك عدَّة محن. وَمَات فِيهَا من الْأَعْيَان مجد الدّين إِبْرَاهِيم بن الْأَجَل أبي هَاشم عَليّ بن الصَّدْر الأديب أبي طَالب مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الفامغار - الْمَعْرُوف بِابْن الخميمي - فِي سادس عشر جُمَادَى الأولى ومولده سنة تسع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَحدث عَن أَبِيه والرشيد الْعَطَّار وَغَيره. وَمَات الْأَمِير إِبْرَاهِيم ابْن السُّلْطَان فِي رَابِع عشرى ذِي الْقعدَة وَدفن بتربة عَمه الصَّالح عَليّ بن وَتُوفِّي الطّيب الأديب شهَاب الدّين أَحْمد بن يُوسُف بن هِلَال الصَّفَدِي بالفاهرة عَن سبع وَسبعين سنة وَله نظم حيد. وَتُوفِّي الشَّيْخ زين الدّين عمر بن الجمالي أبي الحزم بن عبد الرَّحْمَن بن يُونُس الْمَعْرُوف بِابْن الكتاني الدِّمَشْقِي شيخ الشَّافِعِيَّة بالقاهره فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سادس عشر رَمَضَان. وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة الشَّافِعِي بِدِمَشْق شهَاب الدّين مُحَمَّد بن الْمجد عبد الله بن الْحُسَيْن بن عَليّ الأربلي الشَّافِعِي بعد مَا ألقته بغلته بأسبوع فِي جُمَادَى الأولى بِدِمَشْق. وَتُوفِّي الشَّيْخ زكي الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن يُوسُف بن عبد الرَّحْمَن ابْن عبد الْجَلِيل الْمَعْرُوف بِابْن القوبع - الْقرشِي التّونسِيّ الْمَالِك صَاحب الْفُنُون الْكَثِيرَة بِالْقَاهِرَةِ عَن أَربع وَسبعين سنة. توفّي شيخ الخانكاه الصلاحية سعيد السُّعَدَاء شمس الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن النقجواني فِي حادي عشرى الْمحرم وَدفن بالقرافة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 249 وَتُوفِّي شيخ الْإِسْلَام شرف الدّين هبة الله ابْن قَاضِي حماة نجم الدّين عبد الرَّحِيم بن أبي الطَّاهِر إِبْرَاهِيم بن الْمُسلم بن هبة الله بن حسان بن مُحَمَّد بن مَنْصُور بن أَحْمد الْمَعْرُوف بِابْن الْبَارِزِيّ الشَّافِعِي قَاضِي حماة فِي نصف ذِي الْقعدَة ومولده فِي خَامِس رَمَضَان سنة خمس وَمَات الْأَمِير طغجي. وَمَات الْأَمِير أَقُول الْحَاجِب. وَمَات الْأَمِير ظلظية كاشف الْوَجْه القبلي. وَمَات كَاتب السِّرّ محيي الدّين بن يحيى ابْن فضل الله بن مجلي الْعمريّ فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع رَمَضَان. وَتُوفِّي جمال الدّين يُوسُف بن إِبْرَاهِيم بن جملَة وَكَانَ قد ولي قَضَاء دمشق بعد علم الدّين الأخنائي ثمَّ عزل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 250 سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة فِي أول الْمحرم: قبض على امْرَأَة خناقة وَقتلت. وفيهَا قدم رسل الْملك أزبك صُحْبَة الْأَمِير سرطقطاي مقدم البريدية بهدية وَكتاب يطْلب فِيهِ مصاهرة السُّلْطَان فجهزت إِلَيْهِ هَدِيَّة وأنعم على رسله وأعيدوا وَكَانَ سرطقطاي قد توجه رَسُولا إِلَى أزبك سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة. وفيهَا قدم الْخَبَر بِأَن القان الْكَبِير عزم على الْمسير إِلَى العراقين وَقدم أَمَامه عسكراً ليسير إِذا أَخذ الْعرَاق إِلَى الشَّام. فَسَار ثَمَانِي مراحل وَبعث الله على ذَلِك الْعَسْكَر ريحًا سَوْدَاء ثمَّ صَارَت زرقاء تشتعل نَارا فَيسْقط الْفَارِس وفرسه ميتين عِنْد هبوبها وَتَمَادَى هبوبها يَوْمَيْنِ وَكَانُوا زِيَادَة على مائَة ألف فَارس فَلم يرجع مِنْهُم إِلَى القان إِلَّا نَحْو عشرَة آلَاف وَهلك باقيهم. فسر السُّلْطَان بذلك. وفيهَا قدم الْملك الْأَفْضَل مُحَمَّد بن الْمُؤَيد إِسْمَاعِيل صَاحب حماة باستدعاء السُّلْطَان وَقد كثرت شكاية النَّاس لَهُ من شغفه باللهو وَأَخذه أَمْوَال الرّعية وَقد شفع فِيهِ الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام فَقدم الْأَفْضَل للسُّلْطَان والأمراء تقادم جليلة ثمَّ سَافر إِلَى بَلَده بعد مَا وصاه السُّلْطَان بِحَضْرَة الْقُضَاة وَعدد ذنُوبه وَأخْبرهُ أَنه قبل فِيهِ شَفَاعَة نَائِب الشَّام ثمَّ خلع عَلَيْهِ وسفره. وفيهَا اشْترى بدر الدّين أَمِين الحكم ملكا لبعص الْأَيْتَام فَحَضَرَ إِلَيْهِ الْعلم القراريطي شاد القراريط يطْلب مِنْهُ مُوجب الدِّيوَان عَن الْملك الْمَذْكُور فأفضي الْحَال بَينهمَا إِلَى مُفَاوَضَة. بِمَجْلِس قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين بن جمَاعَة أطلق فِيهَا الْعلم لِسَانه بِمَا أوجب تعزيره فَانْصَرف إِلَى النشو وعرفه أَنه لما طَالب أَمِين الحكم بالقراريط عزره ابْن جمَاعَة وكشف رَأسه فحرك ذَلِك مِنْهُ كامناً كَانَ فِي نَفسه من ابْن جمَاعَة وَبلغ السُّلْطَان ذَلِك وشنع عَلَيْهِ بِأَن أَمِين الحكم لما امْتنع من دفع القراريط عَن الْملك أخرج إِلَيْهِ الْعلم مرسوم السُّلْطَان وَعَلِيهِ مُحَمَّد بن قلاوون فَأَخذه مِنْهُ ورماه بِالْأَرْضِ عِنْد النِّعَال وَقَالَ: أَتجْعَلُ فِي مجْلِس الحكم الْبَاطِل حَقًا لتأْخذ أَمْوَال الْأَيْتَام ثمَّ كشف رَأسه وضربه بِالدرةِ. فَغَضب السُّلْطَان وَطلب أَمِين الحكم وَأمر طاجار الدوادار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 251 بضربه فَضَربهُ على بَاب الْقصر بالقلعة والنشو جَالس ضربا مؤلماً وَقطع أكمامه وشهره بالقلعة وَنُودِيَ عَلَيْهِ: هَذَا جَزَاء من يمْنَع الْحُقُوق السُّلْطَانِيَّة وألزم بِحمْل عشْرين ألف دِرْهَم ورسم عَلَيْهِ فَقَامَ بِخَمْسَة عشر ألف دِرْهَم. وَفِي شهر ربيع الأول: قبض على أوحد الدّين شيخ خانكاه بيبرس وَهُوَ بالروضة تجاه مصر على حَال غير مرض وَأخرج إِلَى الْقُدس منفياً. وفيهَا قدم الْخَبَر بِأَن ابْن دلغادر استولى على قلعة طرندة من بِلَاد الرّوم وَأخذ مَا فِيهَا من الْأَمْوَال وَأَن الْأَمِير تنكز بعث إِلَيْهَا الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن صبح. فسر السُّلْطَان بذلك وَبعث بتشريف لِابْنِ دلغادر وشكره وَأثْنى عَلَيْهِ. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير بكتمر العلائي الأستادار فِي نِيَابَة حمص بعد وَفَاة الْأَمِير جركتمر. وَفِيه أخرج الْأَمِير منكلي بغا الفخري إِلَى دمشق وَاسْتقر من مقدمي الألوف بهَا. وَفِيه أنعم على كل من قطليجا الْحَمَوِيّ وطاجار الدوادار بإمرة طبلخاناه. وَفِي ربيع الآخر: قدم الْأَمِير ألطنبغا نَائِب حلب وصحبته تقدمة جليلة وأخلع جليلة عَلَيْهِ وَفِي تاسعه: سَارَتْ الْحرَّة المغربية عَائِدَة إِلَى بلادها بعد قَضَاء حَجهَا. وَفِي حادي عشر جُمَادَى الأول: قدم الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام. وَذَلِكَ أَن ابْنَته الَّتِي تَحت السُّلْطَان قرب وضع حملهَا فَكتب السُّلْطَان يستدعيه - وَمَعَهُ أَهله وَأَوْلَاده - لأجل مُهِمّ ابْنَته وَتقدم السُّلْطَان إِلَى النشو بِعَمَل بشخاناه وداير بَيت من حَرِير مخمل ويزركشهما بِمِائَة ألف دِينَار وَأمره أَن يُجهز خمسين تَشْرِيفًا لِلْأُمَرَاءِ مِنْهَا ثَلَاثَة وَعشْرين تَشْرِيفًا أطلس بحوائص ذهب كَامِلَة وبقيتها مَا بَين طرد وَحش ومصمط وَطلب إِلَيْهِ أَيْضا أَن يُجهز مَا تحْتَاج إِلَيْهِ النُّفَسَاء وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ من السُّرُوج وَنَحْوهَا وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ المهم مِمَّا يبلغ زِيَادَة على ثَلَاثمِائَة ألف دِينَار. فَأخذ النشو فِي التَّدْبِير لذَلِك ورتب جهاته من ثمن سكر وَعسل وقندر وقماش وخشب يطرحه على النَّاس وَعمل أوراقاً بمظالم اقترحها بلغت جلتها خَمْسمِائَة ألف دِينَار وَمِائَة ألف أردب غلَّة وَأعلم بهَا السُّلْطَان من الْغَد. وَطرح النشو مَا عِنْده من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 252 البضائع على النَّاس بِمصْر والقاهرة حَتَّى زلزلهما بِكَثْرَة الْعقُوبَة وَلم يراع أحدا فخنق من ذَلِك الْأَمِير الْحَاج آل ملك وَبلغ السُّلْطَان مَا نزل بالرعية من الظُّلم فلولا مَا كَانَ من ملاطفة الْأُمَرَاء فِي الْحَال لَكَانَ لَهُ وللسلطان شَأْن غير مرضِي. فَلَمَّا قدم الْبَرِيد بتوجه الْأَمِير تنكز من غَزَّة إِلَى الْقَاهِرَة بعث السُّلْطَان بالأمير قوصون إِلَى لِقَائِه وَمَعَهُ المطبخ وَركب السُّلْطَان إِلَى قصوره بسرياقوس وَمَعَهُ أَوْلَاده فَنزل قوصون السعيدية وهيأ الأسمطة الجليلة وتلقى الْأَمِير تنكز وترجل إِلَيْهِ فَنزل الْأَمِير تنكز أَيْضا ومشيا خطوَات حَتَّى تعانقا وركبا إِلَى الْخَيْمَة الَّتِي نصبها السُّلْطَان للأمير تنكز. فَلَمَّا انْقَضى السماط ركب تنكز فَتَلقاهُ أَولا أَوْلَاد السُّلْطَان فترجل لَهُم ثمَّ سَار وهم مَعَه فَتَلقاهُ السُّلْطَان وأكرمه غَايَة الْكَرَامَة. ثمَّ سَار السُّلْطَان من الْغَد وطلع قلعة الْجَبَل وخلع عَلَيْهِ وعَلى أَوْلَاده وَأمرهمْ فَدَخَلُوا وأهليهم إِلَى الدّور. وَفِيه رسم بِخُرُوج الْأَمِير ألطنبغا نَائِب حلب إِلَى نِيَابَة غَزَّة وخلع عَلَيْهِ فاتهم الْأَمِير تنكز بِأَنَّهُ حمل السُّلْطَان على ذَلِك. وَنزل الْأَمِير تنكز من القلعة إِلَى بَيته بِخَط الكافوري من القاهره وجهز بِهِ تقادم السُّلْطَان وتقادم الْأُمَرَاء وَحملهَا من الْغَد وَكَانَت شَيْئا يجل عَن الْوَصْف: فِيهَا من صنف الْجَوْهَر مَا قِيمَته ثَلَاثُونَ ألف دِينَار وَمن الزركش عشرُون ألف دِينَار وَمن أواني البلور وتعابي القماش وَالْخَيْل والسروج وَالْجمال البخاتي مَا قِيمَته مِائَتَان وَعِشْرُونَ ألف دِينَار. فَلَمَّا انْقَضتْ نوبَة التقادم أدخلهُ السُّلْطَان إِلَى الدّور حَتَّى رأى ابْنَته وَقبلت يَده. ثمَّ أخرج السُّلْطَان إِلَيْهِ جَمِيع بَنَاته وأمرهن بتقبيل يَده وَهُوَ يَقُول لَهُنَّ وَاحِدَة بعد وَاحِدَة: بوسي يَد عمك ثمَّ عين مِنْهُنَّ اثْنَتَيْنِ لوَلَدي وَتقدم السُّلْطَان إِلَى النشو بتجهيز تنكز إِلَى الصَّعِيد للصَّيْد ثمَّ ركب وَتوجه إِلَى بِلَاد الصَّعِيد وتنكز مَعَه فَكَانَ من إكرامه لَهُ فِي هَذِه السفرة مَا لَا عهد من ملك مثله. فَلَمَّا عَاد السُّلْطَان أَمر النشو بتجهيز كلفة عقد ابْني تنكز على ابْنَتَيْهِ وكلفة سفر تنكز إِلَى الشَّام. فَأخذ النشو أَمْوَال التُّجَّار وَغَيرهم وَجمع أَرْبَعَة عشر ألف دِينَار حمل مِنْهَا برسم الْمهْر أَرْبَعَة أُلَّاف دِينَار وجهز تنكز بِاثْنَيْ عشر ألف دِينَار. وَعقد لوَلَدي تنكز على ابْنَتي السُّلْطَان فِي بَيت الْأَمِير قوصون بِحَضْرَة الْقُضَاة والأمراء. ثمَّ ولدت ابْنة تنكز من السُّلْطَان بِنْتا فَسجدَ تنكز لله شكرا بِحَضْرَة السُّلْطَان وَقَالَ: وَا لله يَا خوند! كنت أَتَمَنَّى أَن تكون المولودة بِنْتا فَإِنَّهَا لَو وضعت ذكرا كنت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 253 أخْشَى من كَمَال السَّعَادَة. فَإِن السُّلْطَان تصدق عَليّ بِمَا غمرني بِهِ من السَّعَادَة فَخَشِيت من كمالها. وَأخذ السُّلْطَان مَعَ النشو فِي تجهيز تنكز على عَادَته وَأمره أَن يُضَاعف لَهُ مَا جرت بِهِ عَادَته من الْخَيل والتعابي ورتب السُّلْطَان ذَلِك بِنَفسِهِ فَكَانَت قِيمَته مائَة وَخمسين ألف دِينَار عينا وَكَانَ تنكز قد أَقَامَ مُدَّة شَهْرَيْن وراتبه السلطاني فِي كل يَوْم أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم. فَلَمَّا وادع تنكز السُّلْطَان سَأَلَهُ فِي إعفاء الْأَمِير كجكن من الْخدمَة وَأَن ينعم عَلَيْهِ بسفر لُؤْلُؤ الْحلَبِي إِلَى الشَّام ليستقر فِي شدّ عداد الأغنام وَأَن ينْقل الْأَمِير بيبرس الْحَاجِب من حلب إِلَى دمشق وَأَن ينعم على قرمشي بإمرة ويستقر حاجباً بِدِمَشْق عوضا عَن عَلَاء الدّين بن صبح فَأَجَابَهُ السُّلْطَان إِلَى ذَلِك كُله وَكتب لَهُ تقليداً بتفويض الحكم فِي جَمِيع المماليك الشامية بأسرها وَأَن جَمِيع نوابها تكاتبه بأحوالها وَأَن تكون مُكَاتبَته: أعزالله أنصار الْمقر الشريف بَعْدَمَا كَانَت أعزالله أنصار الجناب وَأَن يُزَاد فِي ألقابه: الزَّاهدِيّ العابدي العالمي كافل الإسلامي أتابك الجيوش. وأنعم السُّلْطَان على مغنية قدمت مَعَه من دمشق بِعشْرَة أُلَّاف دِرْهَم وَحصل لَهَا من الدّور ثَلَاث بدلات زركش وَثَلَاثُونَ تعبيه قماش وَأَرْبع بدلات مقانع وَخَمْسمِائة دِينَار مبلغ متحصلها نَحْو سبعين ألف دِرْهَم. ثمَّ كَانَ آخر مَا قَالَ لَهُ السُّلْطَان: أيش بقى لَك حَاجَة أَو فِي نَفسك شَيْء أقضيه قبل سفرك فَقبل تنكز الأَرْض وَقَالَ: وَالله يَا خوند مَا بَقِي شَيْء أطلبه الا أَن أَمُوت فِي أيامك فَقَالَ السُّلْطَان: لَا إِن شَاءَ الله. يَا أَمِير تعيش أَنْت وأكون أَنا فدَاك أَو أكون بعْدك بِقَلِيل. فَقبل تنكز الأَرْض وَانْصَرف وَقد حسده جَمِيع الْأُمَرَاء وَكثر حَدِيثهمْ فِيمَا حصل لَهُ من الْكَرَامَة والمعزة. وَاتفقَ مَا قَالَه السُّلْطَان فَإِنَّهُ لم يقم بعد موت تنكز إِلَّا قَلِيل وَمَات كَمَا سَيَأْتِي ذكره. وفيهَا أنعم على الْأَمِير يلبغا اليحياوي بالمنزلة من أَعمال أشوم فَركب إِلَيْهَا النشو وحفر لَهَا ترعة، وأخرق بمتولى أشموم، وألزم آقبغا السيفي متولى الغريبة بِمِائَة ألف دِرْهَم. وَفِيه اسْتَقر عَلَاء الدّين عَليّ بن الكوراني فِي ولَايَة الغربية عوضا عَن آفبغا السيفي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 254 وَاسْتقر شهَاب الدّين بن الأز كشي فِي ولَايَة الأشمونين عوضا عَن ابْن الكوراني وَاسْتقر نجم الدّين أَيُّوب فِي ولَايَة الشرقية عوضا عَن ابْن الأزكشي. وَفِي مستهل جُمَادَى الأولى: صلى صَلَاة الْغَائِب بِمصْر والقاهرة على قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين مُحَمَّد الْقزْوِينِي فاستقر عوضه الشميخ تَقِيّ الدّين عَليّ بن السُّبْكِيّ. وَفِيه أخرج آقوش الزيني إِلَى حلب. وفبه أخرج الْأَمِير عز الدّين أيدمر الْعمريّ إِلَى صهيون وأنعم بإقطاعه على وَلَده أبي بكر فأحاط النشو بموجوده وَأخذ لَهُ ثَمَانِينَ ألف دِينَار. وَفِيه قدم الْبَرِيد بِأَن التركمان ساقوا إِلَى دمشق عشْرين ألف رَأس من الْغنم ليبيعوها بِالْقَاهِرَةِ فَلَمَّا حضرت رسم أَلا يُؤْخَذ مِنْهُم الْمُقَرّر وَهُوَ أَرْبَعَة دَرَاهِم الرَّأْس يُؤْخَذ عَن كل مائَة دِرْهَم خَمْسَة دَرَاهِم. وَكَانَ التركمان قد شكوا من أزدمر وَالِي بهنسا فكشف عَنهُ فَوجدَ أَنه كثر ظلمه وَأَخذه لأموال الرّعية فأحيط بضياعه وأمواله وأنعم بِبَعْض ضيَاعه على الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام ووقف بَعْضهَا على قلعة طرندة بِبِلَاد الرّوم. وفيهَا قدم الشريف مبارك بن عطيفة بخيله فسجن مَعَ أَبِيه لِكَثْرَة إفساده بالحجاز وفيهَا اتّفق موت ابْنة الْأَمِير الْكَبِير شمس الدّين إلدكز المنصوري - زَوْجَة الْأَمِير نَاصِر الدّين بن المحسني بعد عودهَا من طرابلس عَن بنت وَأُخْت وَزوج فَأخذ النشو جَمِيع مخلفها وَكَانَ شَيْئا كثيرا. وفيهَا مَاتَ بعض الْكتاب وَترك بَيْتا على الخليج فَلم يَجْسُر أحد يَشْتَرِيهِ إِلَى أَن قلبته ابْنة الْأَمِير قطز بن الفارقاني لتشتريه فَلم يعجبها فألزمها النشو أَن تشتريه بِمِائَة ألف دِرْهَم فمازالت بِهِ حَتَّى صالحها على شَيْء حَملته وَتركهَا. وفيهَا هلك بطرِيق النَّصَارَى الأقباط فَنزل النشو فِي الْكَنِيسَة وَأخذ كل مَا فِيهَا كل حَاصِل ذهب وَفِضة وشمع وَغَيره. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 255 وفيهَا مَاتَت امْرَأَة ظلظية الكاشف وَقد تزوجت بعده وخلفت ولدا ذكرا فَأخذ النشو موجودها كُله بِحجَّة أَن ظلظية أَخذ مَال السُّلْطَان وَتَركه بعد مَوته عِنْدهَا. وفيهَا ظفر النشو بحلي لِنسَاء أَمِين الدّين قرموط فأغري بِهِ السُّلْطَان حَتَّى سلم وَلَده وصهره وَأَهله لوالي الْقَاهِرَة. وفيهَا جدد النشو الطّلب على أَوْلَاد التَّاج إِسْحَاق وعوقب نِسَاءَهُمْ حَتَّى مَاتَ بَعضهنَّ من الْعقُوبَة. وفيهَا طلب النشو المَال الْحَاصِل بالمارستان المنصوري فَقَامَ الْأَمِير سنجر الجاولي فِي ذَلِك حَتَّى أَن ابتيع للْوَقْف من أَرَاضِي بهتيت من الضواحي مِائَتَان وَخَمْسُونَ فداناً وَأَرْبَعمِائَة ألف دِرْهَم وحملت إِلَى النشو. وفيهَا قبض على شهَاب الدّين أَحْمد بن محيي الدّين يحيى بن فضل الله فِي رَابِع عشرى شعْبَان. وَسَببه أَن الْأَمِير تنكز لما سَأَلَ السُّلْطَان أَن يولي علم الدّين مُحَمَّد ابْن القطب أَحْمد بن مفضل كَاتب السِّرّ بِدِمَشْق وأحابه السُّلْطَان وخلع عَلَيْهِ حدث شهَاب الدّين السلطاني فِي أمره وَقَالَ: هدا رجل قبْطِي لَا يدْرِي هَذِه الصِّنَاعَة فَلم يعبأ بقوله. ثمَّ رسم السُّلْطَان أَن تكْثر ألقاب علم الدّين وَيُزَاد فِي معلومه فَامْتنعَ شهَاب الدّين من ذَلِك واحتد خلقه وفاجأ السُّلْطَان بقوله كَيفَ يكون رجل أسلمى مِلَّته كَاتب السِّرّ وتزيد فِي حامكيته مَا يفلح من يخدمك وخدمتك عَليّ حرَام ونهض من بَين يَدي السُّلْطَان قَائِما. فَمَا شكّ الْأُمَرَاء فِي أَن السُّلْطَان يضْرب عُنُقه فرعى فِيهِ حق أَبِيه وَلم يؤاخذه. وَدخل شهَاب الدّين على أَبِيه محيي الدّين وعرفه مَا كَانَ مِنْهُ فخاف خوفًا شَدِيدا وَقَامَ مَعَ الْأُمَرَاء فِي ترقيع هَذَا الْخرق وَدخل إِلَى السُّلْطَان فَقبل الأَرْض وَطلب الْعَفو فَعرفهُ السُّلْطَان أَنه لأَجله حلم عَلَيْهِ وصفح عَنهُ ورسم أَن يدْخل ابْنه عَلَاء الدّين عَليّ فِي الْمُبَاشرَة عَنهُ عوضا عَن شهَاب الدّين. فَاعْتَذر محيي الدّين بِأَن ابْنه عَلَاء الدّين صَغِير لَا ينْهض أَن يقوم بأعباء الْوَظِيفَة فَقَالَ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 256 السُّلْطَان: أَنا أربيه كَمَا أعرف. فباشر عَلَاء الدّين عَن أَبِيه إِلَى أَن مَاتَ أَبوهُ وشهاب الدّين مُنْقَطع بداره طول تِلْكَ الْمدَّة من الْغبن. فَلَمَّا كَانَ فِي يَده هَذِه السّنة شكا قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين بن جمَاعَة أَنه كتب توقيع لِابْنِ الْأنْصَارِيّ بِرُجُوعِهِ إِلَى مُبَاشَرَته ورماه بقوادح. فَطلب السُّلْطَان الْأَمِير طاجار وَأنكر عَلَيْهِ فأحال على عَلَاء الدّين بن فضل الله أَنه أعطَاهُ قصَّته. فَطلب السُّلْطَان عَلَاء الدّين وَأنكر عَلَيْهِ فَاعْتَذر بِأَن أَخَاهُ شهَاب بعث بهَا إِلَيْهِ فاستقبح ردهَا عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ السُّلْطَان: لَا تكن تسمع من أَخِيك فَإِنَّهُ نحس وَمَا يقْعد حَتَّى أفعل بِهِ وأفعل بِهِ فَلم تمض إِلَّا أَيَّام حَتَّى رفع شهَاب الدّين قصَّة يشكو فِيهَا كَثْرَة كلفه وَيطْلب الْإِذْن بالتوجه إِلَى دمشق فَذكر السُّلْطَان بِنَفسِهِ وَأمر بِهِ فَقبض عَلَيْهِ وَحمل إِلَى القلعة. ورسم السُّلْطَان لطاجار والدوادار أَن يعريه فِي قاعة الصاحب ويضربه حَتَّى يلْزم بِحمْل عشرَة أُلَّاف دِينَار أَو يَمُوت تَحت الْعقُوبَة فعندما عراه طاجار رجف فُؤَاده وارتعدت مفاصله فَإِنَّهُ كَانَ ترفاً ذَا نعْمَة لم تمر بِهِ شدَّة قطّ فَكتب خطه بِعشْرَة أُلَّاف دِينَار. وَوَقعت الحوطة على موجوده وَأخذ لَهُ نَحْو خمسين ألف دِرْهَم وَبَاعَ قماشه وأثاثه وأملاكه بِدِمَشْق حَتَّى حمل مائَة وَأَرْبَعين ألف دِرْهَم وَسكن الطّلب مِنْهُ. وفيهَا وشى النشو بالأمير أقبغا عبد الْوَاحِد أَن لَهُ خَمْسَة أُلَّاف رَأس من الْغنم قدمت من بِلَاد الصَّعِيد ورعت براسيم الجيزة وَمَضَت إِلَى الغربية فرعت الزَّرْع فَطَلَبه السُّلْطَان وأخرق بِهِ فلولا شَاءَ الله أَن يتلطف الْأَمِير بشتاك فِي أمره وَألا أوقع بِهِ الْمَكْرُوه. وفيهَا خلع على الْأَمِير عز الدّين أيدمر كاشف الْوَجْه القبلي وَاسْتقر فِي كشف الْوَجْه البحري. وفيهَا أنشأ السُّلْطَان القناطر بجسر شيبين. وَذَلِكَ أَن بِلَاد الشرقية كَانَت لَا تروى إِلَّا من بَحر أبي المنجا وَفِي أَكثر السنين تشرق بِلَاد الْعُلُوّ مِنْهَا مثل مرصفا وسنيت وَكَانَ للأمير بشتاك بهَا نَاحيَة شَرقَتْ فَركب السُّلْطَان للنَّظَر فِي ذَلِك وصحبته المهندسون وكشف عدَّة مَوَاضِع وَكَانَ لَهُ بصر جيد وحدس صَحِيح فَوَقع اخْتِيَاره على عمل جسر من شيبين إِلَى بنها الْعَسَل وتعمر عَلَيْهِ قناطر لتحبس المَاء فَإِذا فتح بَحر أبي المنجا امْتَلَأت المخازن رَجَعَ المَاء إِلَى هَذَا الجسر ووقف عَلَيْهِ فوافقه المهندسون على ذَلِك. وَرجع السُّلْطَان إِلَى الْقَاهِرَة فَكتب إِلَى الْأَعْمَال بِجمع اثْنَي عشر ألف راجل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 257 وتجهيز مِائَتي قِطْعَة جراريف. فَلم تمض إِلَّا أَيَّام حَتَّى قدم مشدو الْبِلَاد بِمَا عَلَيْهِم من الرِّجَال وشرعوا فِي الْعَمَل حَتَّى تمّ فِي ثَلَاثَة أشهر وَكَانَ يصرف فِي كل يَوْم أُجْرَة رجال وَثمن كلف مبلغ أَرْبَعِينَ ألف دِرْهَم من مَال النواحي الَّتِي للأجناد. فَلَمَّا كَانَت أَيَّام النّيل أبطل السُّلْطَان وَفتح عوضه سد شيبيني فرويت الْبِلَاد كلهَا وَرُوِيَ مَا لم يكن يرْوى قبل ذَلِك واستنجزت عدَّة أَمَاكِن. وفيهَا قدم أَمِير أَحْمد ابْن السُّلْطَان من الكرك باستدعاء للعبه وشغفه بِبَعْض شباب أهل الكرك وإسرافه فِي الْعَطاء لوَاحِد مِنْهُم اسْمه الشهيب وَكَانَ جميل الصُّورَة وَقد هام بِهِ أَمِير أَحْمد غراماً وتهتك فِيهِ. فَلم يخرج أحد من الْأُمَرَاء إِلَى لِقَائِه فطلع مَعَ بكتاش النَّقِيب وَحده فَتَلقاهُ طاجار من بَاب الْقلَّة وَدخل بِهِ حَتَّى قبل الأَرْض ووقف وَاسِعَة ثمَّ رسم لَهُ بتقبيل الْيَد وَمضى إِلَى الدّور من غير أَن يقبل السُّلْطَان عَلَيْهِ. وَأمر السُّلْطَان بعقوبة الشَّاب الَّذِي كَانَ يهواه حَتَّى يحضر المَال الَّذِي وهبه لَهُ فَبعث أَحْمد إِلَى الْأُمَرَاء بِسَبَبِهِ حَتَّى عفى عَنهُ ومازال يجد فِي أمره إِلَى أَن أذن لَهُ أَن يدْخل عَلَيْهِ وَيُقِيم عِنْده. وفيهَا أنعم السُّلْطَان على الْأَمِير ملكتمر الْحِجَازِي بإقطاع بهادر المعزي بعد مَوته وزاده النحراوية وَكَانَت عبرتها فِي الشَّهْر سبعين ألف دِرْهَم. وفيهَا توجه الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام من دمشق يُرِيد بِلَاد سيس لكشف الْبِلَاد الَّتِي أنعم بهَا عَلَيْهِ فَمر على حماة ونادى بهَا أَلا يقف أحد لملك الْأُمَرَاء بِقصَّة وَمن كَانَت لَهُ حَاجَة فَعَلَيهِ بِصَاحِب حماة وخلع على صَاحب حماة. وَمضى تنكز إِلَى حلب وَدخل بِلَاد سيس فأهدى إِلَيْهِ تكفور هَدِيَّة سنية مَعَ أَخِيه فقبلها وخلع عَلَيْهِ وَعمر تنكز تِلْكَ الضّيَاع بِالرِّجَالِ والأبقار والغلال وَعَاد. وفيهَا عملت أوراق بِمَا على الدولة من الكلف فبلغت نَحْو مِائَتَيْنِ وَثَمَانِينَ ألف دِرْهَم فِي الشَّهْر فوفر السُّلْطَان مِنْهَا مَا يصرف للمباشرين والأمراء من التوابل ووفر شَيْئا من مَصْرُوف العمائر ووفر الدَّجَاج الْمُرَتّب برسم السماط والمخافي الْخَاصَّة بالسلطان والمخافي الَّتِي تحمل الطُّيُور المطبوخة كل يَوْم إِلَى الْأُمَرَاء وعدتها سَبْعمِائة طَائِر فِي كل يَوْم فَكَانَت جملَة مَا توفر فِي كل شهر مبلغ تسعين ألف دِرْهَم. وَاتفقَ بعد ذَلِك أَن السُّلْطَان طلب أَرْبَعَة أطيار دَجَاج فَكتب بهَا وُصُول من بَيت المَال فاستقبح النَّاس ذَلِك وَنسب توفير مَا توفر إِلَى النشو. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 258 وفيهَا الْتزم النشو بتدبير الدولة على أَن يتسلم الْجِهَات فَأُجِيب إِلَى ذَلِك. فَطلب السُّلْطَان الشَّمْس نصر الله وخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر بِهِ نظر الْجِهَات عوضا عَن وخلع على تَاج الدّين أَحْمد بن الصاحب أَمِين الدّين عبد الله بن الغنام وَاسْتقر بِهِ نظر الدولة عوضا عَن الْعلم بن فَخر الدولة وَولي اسْتِيفَاء الصُّحْبَة كريم الدّين أَخُو تَاج الدّين الْمَذْكُور. وَجلسَ النشو فِي قاعة الصاحب بالقلعة وَضرب يَعْقُوب مُسْتَوْفِي الْجِهَات بالمقارع وألزمه بِمَال كثير وألزم جَمِيع مباشري الدولة من الْكتاب وَالشُّهُود والشادين بِحمْل معالميهم المقررة لَهُم عَن أَرْبَعَة أشهر وَاحْتج عَلَيْهِم بِأَنَّهُم أهملوا مَال السُّلْطَان فاستعاد من الْجَمِيع جوامك أَرْبَعَة أشهر وَقطع عليق جَمِيع الْأُمَرَاء والدواوين وَبَعض الخاصكية وَطلب أَرْبَاب الْأَمْوَال من أهل النواح وأوقع الحوطة على موجودهم وَلم يدع من يشار إِلَيْهِ بغني أَو زراعة إِلَّا وألزمه بِمَال. حَتَّى مَشى على وَالِي الْمحلة فَإِنَّهُ بلغه عَنهُ أَنه جمع مَالا كثيرا فعاقبه وَأخذ مِنْهُ ثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم. وَكتب النشو لجَمِيع الْوُلَاة بشرَاء الشّعير وَدفع عَنهُ ثَلَاثَة دَرَاهِم الأردب وَعَن الْحمل التِّبْن درهما. فَشَكا الْجند ذَلِك فَلم يلْتَفت السُّلْطَان إِلَيْهِم. وفيهَا اسْتَقر المخلص أَخُو النشو مبَاشر ديوَان الْأَمِير آنوك ابْن السُّلْطَان وخلع عَلَيْهِ تشريف من الخزانة بِأَلف وسِتمِائَة دِرْهَم وجهز لَهُ حمَار بِأَلف دِرْهَم وعدته بِخَمْسِمِائَة دِرْهَم. وفيهَا كَانَت وقْعَة بَين ابْن دلغادر نَائِب أبلستين وَبَين الرّوم قتل فِيهَا خَمْسمِائَة نفس وَنهب ابْن دلغادر من أَمْوَال الرّوم شَيْئا كثيرا رد مِنْهُ بَعْدَمَا اصطلحا نَحْو عشْرين ألف رَأس مَا بَين غنم وخيل وحمال. وفيهَا كثرت مصادرة النشو للنَّاس من أهل مصر والقاهرة وَالْوَجْه القبلي وَالْوَجْه البحري حَتَّى خرج فِي ذَلِك عَن الْحَد وادغر النَّاس على اخْتِلَاف طبقاتهم. وفيهَا اسْتَقر زين الدّين عمر بن مُحَمَّد بن عبد الْحَاكِم البلقيائي فِي قَضَاء الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بحلب عوضا عَن فَخر الدّين عُثْمَان بن عَليّ بن عُثْمَان الْمَعْرُوف بِابْن خطيب جبرين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 259 وفيهَا اسْتَقر شهَاب الدّين أَحْمد بن فَخر الدّين أَحْمد بن قطب الدّين إِسْمَاعِيل بن يحيى وفيهَا حدثت زَلْزَلَة بطرابلس فِي رَجَب هلك فِيهَا سِتُّونَ إنْسَانا. وفيهَا انْتَهَت زِيَادَة النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا وَعشر أَصَابِع فَلم ترو الْأَرَاضِي كلهَا وغرق كثير مِنْهَا وتحسنت أسعار الغلال وَكَانَت سنة كَثِيرَة الْحَوَادِث. وَمَات فِيهَا من الْأَعْيَان جمال الدّين أَحْمد بن شرف الدّين هبة الله بن المكين الإسنائي الْفَقِيه الشَّافِعِي بإسنا وَقد جَاوز السّبْعين فِي شَوَّال. وَتُوفِّي الأديب أَبُو الْمَعَالِي خضر بن إِبْرَاهِيم بن عمر بن مُحَمَّد بن يحيى الرفا الخفاجي الْمصْرِيّ عَن تسع وَسبعين سنة. وَتُوفِّي خطيب الْقُدس زين الدّين عبد الرَّحِيم ابْن قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن سعد الله بن جمَاعَة الشَّافِعِي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 260 وَتُوفِّي قَاضِي الشافعيه بحلب فَخر الدّين عُثْمَان بن زين الدّين عَليّ بن عُثْمَان الْمَعْرُوف بِابْن خطيب جبرين الْفَقِيه الشَّافِعِي بِالْقَاهِرَةِ فِي الْمحرم وَله مصنفات فِي الْفِقْه وَالْأُصُول. وَتُوفِّي عَلَاء الدّين عَليّ بن بلبان الْفَارِسِي الجندي الْفَقِيه الْحَنَفِيّ بِالْقَاهِرَةِ عَن أَربع وَسِتِّينَ سنة. وَمَات أَمِير عَليّ بن أَمِير حَاجِب كَانَ وَالِي مصر وَأحد أُمَرَاء العشرات وَكَانَت وَفَاته وَهُوَ مَعْزُول وَقد عني بِجمع القصائد النَّبَوِيَّة حَتَّى كمل عِنْده مِنْهَا خَمْسَة وَسَبْعُونَ مجلداً. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين بهادر المعزي أحد أُمَرَاء الألوف فِي لَيْلَة الْجُمُعَة تَاسِع شعْبَان وَبَلغت تركته مائَة ألف دِينَار أَخذهَا النشو. وَمَات علم الدّين عبد الله بن كريم الدّين الْكَبِير. وَمَات نَاظر الْجَيْش بِدِمَشْق فَخر الدّين مُحَمَّد بن بهاء الدّين عبد الله بن نجم الدّين أَحْمد بن عَليّ الْمَعْرُوف بِابْن الْحلِيّ بالقدس وَكَانَ قد قدم إِلَيْهَا فولي عوضه نظر الْجَيْش بِدِمَشْق جمال الدّين سُلَيْمَان بن رَيَّان الْحلَبِي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 261 وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عمر بن أَحْمد بن مُحَمَّد ابْن عبد الْكَرِيم الْقزْوِينِي الشَّافِعِي بِدِمَشْق فِي يَوْم الْأَحَد خَامِس عشر جُمَادَى الْآخِرَة ومولده بالموصل فِي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وسِتمِائَة. وَمَات الْحَافِظ علم الدّين الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن يُوسُف بن مُحَمَّد الْبُرْزُليّ بخليص وَهُوَ محرم فِي رَابِع ذِي الْحجَّة عَن أَربع وَسبعين سنة. وَمَات الْأَمِير علم الدّين بن هِلَال الدولة بقلعة شيزر بَعْدَمَا ولي بِالْقَاهِرَةِ شدّ الْخَاص وَشد وَمَات السعيد بن الكردوش وَأخذ لَهُ النشو بعد مَوته خَمْسَة عشر ألف دِينَار. وَمَات الْأَمِير بدر الدّين بيليك المحسني بطرابلس بَعْدَمَا كَانَ وَالِي الْقَاهِرَة. وَتُوفِّي المؤرخ شمس الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن أبي بكر الْجَزرِي الدِّمَشْقِي عَن إِحْدَى وَثَمَانِينَ سنة. وَتُوفِّي بدر الدّين مُحَمَّد بن عز الدّين مُحَمَّد بن عبد الْقَادِر ابْن الصَّائِغ الْأنْصَارِيّ الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 262 (سنة أَرْبَعِينَ وَسَبْعمائة) فِي يَوْم السبت مستهل الْمحرم: قدم رَسُول الْأَمِير يُوسُف بن أتابك الْكرْدِي صَاحب الْجبَال ووطاة نَصِيبين يخبر بِكَثْرَة جموعه من الأكراد وَأَنه رغب فِي الانتماء إِلَى السُّلْطَان وَضرب السِّكَّة فِي بِلَاده باسمه وَطلب نجدته بعسكر يتسلم مَا بِيَدِهِ من الْبِلَاد ليَكُون نَائِب السلطنة بهَا وَأَن يشرف بصناجق سلطانية عَلَيْهَا اسْم السُّلْطَان لتعينه فِي غاراته فأحيب بالشكر وجهزت لَهُ هَدِيَّة وخيول وَسلَاح. وَفِيه: قدم الْخَبَر بِكَثْرَة الْفِتَن والغارات وَالِاخْتِلَاف بِبِلَاد الْمشرق من نَحْو الصين وبلاد الخطا إِلَى ديار بكر. وَفِيه: قدم مبشرو الْحَاج برخاء الأسعار وسلامة الْحَاج. وَفِي يَوْم الْأَحَد ثَانِيه: قدم الْأَمِير بشتاك من الْحَج وطلع القلعة بعد الظّهْر فِي اثْنَي عشر رجلا مِنْهُم أَرْبَعَة نجابة وصحبته الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن الْأَمِير بكتمر الْحَاجِب. وَكَانَ السُّلْطَان والأمراء أجِيبُوا لنواب قد قدمُوا لَهُ عِنْد سَفَره شَيْئا يجل عَن الْوَصْف فَبعث السُّلْطَان لَهُ مِائَتي ألف دِرْهَم وَمِائَة هجين وَأَرْبَعين بختياً وَسِتِّينَ جملا. فَلَمَّا قدم مَكَّة فرق فِي الْأُمَرَاء مَالا كثيرا فَبعث إِلَى كل من الْأُمَرَاء المقدمين ألف دِينَار وَإِلَى كل من أُمَرَاء الطبلخاناه خَمْسمِائَة دِينَار وَفرق فِي الأجناد وَبعث إِلَى بيُوت الْأُمَرَاء بِمَال كثير ثمَّ استدعى المجاورين جَمِيعهم والأشراف وَغَيرهم من أهل مَكَّة والزيالعة وَفرق فيهم المَال وَلم يبْق بِمَكَّة أحد حَتَّى أسدى إِلَيْهِ مَعْرُوفا فَكَانَ جملَة مَا فرق بشتاك ثَلَاثِينَ ألف دِينَار وَأَرْبَعمِائَة ألف دِرْهَم سوى مَا وصل إِلَيْهِ فِي المراكب من الغلال. فَلَمَّا قدم بشتاك الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة بعد قَضَاء نُسكه فعل بهَا خيرا كثيرا وَمضى مِنْهَا إِلَى الكرك فَتَلقاهُ الْأَمِير شطى بن عبِّيَّة أَمِير آل عقبَة فِي أَرْبَعمِائَة فَارس من عربه وأضافه ثمَّ سَار بشتاك وَمَعَهُ الْأَمِير شطى وَمن مَعَه من الْعَرَب إِلَى الْعقبَة وَقدم إِلَى الْقَاهِرَة ثَانِي الْمحرم كَمَا تقدم. وَفِي رَابِع عشريه: قدم ركب الْحَاج. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 263 وَفِيه انْقَطع مقطع بالقناطر الَّتِي أَنْشَأَهَا السُّلْطَان على جسر شيبين فَركب إِلَيْهِ الْأَمِير برسبغا الحاحب وَجمع لَهُ من النواحي أَرْبَعَة أُلَّاف رجل واستدعى بالأخشاب والصواري من دَار الصِّنَاعَة بِمصْر وغرق فِيهِ عدَّة مراكب. فَأَقَامَ برسبغا اثْنَيْنِ وَعشْرين يَوْمًا حَتَّى سد المقطع وَبلغ المصروف عَلَيْهِ فِي ثمن مراكب غرقت وَثمن صواري وحجارة وجير وجبس وحلفاً وَأُجْرَة رجال ثَلَاثِينَ ألف دِينَار غير سخر الْبِلَاد. وفيهَا قدم زين الدّين عمر بن مُحَمَّد بن عبد الْحَاكِم البلفيائي قَاضِي حلب باستدعاء فولى عوضه برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن خَلِيل بن إِبْرَاهِيم الرَّسْعَنِي. وَفِي هَذَا الشَّهْر: وضعت السِّت طولو قرطقا زَوْجَة الْأَمِير يلبغا اليحياوي وَأُخْت خوند زَاد وَزَوْجَة السُّلْطَان فَعمل لَهَا السُّلْطَان مهما عَظِيما أَقَامَت الأفراح سَبْعَة أَيَّام بلياليها وَلم يبْق أحد من الْأُمَرَاء إِلَّا وَبعث بِزَوْجَتِهِ فَفرق السُّلْطَان فِي نسَاء الْأُمَرَاء جَمِيعهنَّ مَا بَين خَمْسمِائَة دِينَار إِلَى أَرْبَعمِائَة دِينَار إِلَى ثَلَاثمِائَة الْوَاحِدَة. وَكَانَ السُّلْطَان قد عمل للنفساء قبل وِلَادَتهَا داير بَيت وبشخاناه وَنَحْو ذَلِك بِعشْرين ألف دِينَار وَعمل لَهَا عِصَابَة مُرْضِعَة بأنواع الْجَوَاهِر قومت بِخَمْسِينَ ألف دِينَار وأنعم على زوحها بِثَلَاثَة أُلَّاف دِينَار. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي صفر: قبض على النشو وعَلى أَخِيه شرف الدّين رزق الله وعَلى أَخِيه المخلص ورفيقه مجد الدّين وعَلى صهره ولي الدولة. وَسبب ذَلِك أَنه لما أسرف النشو فِي الظُّلم بِحَيْثُ قل الجالب للبضائع وَذهب أَكثر أَمْوَال التُّجَّار لطرح الْأَصْنَاف عَلَيْهِم بأغلى الْأَثْمَان وَطلب السُّلْطَان مِنْهُ يتزايد خَافَ النشو الْعَجز فَرجع عَن ظلم الْعَامَّة إِلَى التَّعَرُّض إِلَى الْخَاصَّة ورتب مَعَ أَصْحَابه ذَلِك. وَكَانَت عَادَته فِي كل لَيْلَة أَن يجمع إخْوَته وصهره وَمن يَثِق بِهِ للنَّظَر فِيمَا يحدثه من الْمَظَالِم فيدله ظلّ مِنْهُم على آبدة ثمَّ يفترقون وَقد أبرم للنَّاس بلَاء يعذبهم الله بِهِ من الْغَد على يَده فَكَانَ مِمَّا اقترحه أَن رتب أوراقاً تشْتَمل على فُصُول يتَحَصَّل فِيهَا ألف ألف دِينَار عينا وَقرأَهَا على السُّلْطَان: وَمِنْهَا التقاوي السُّلْطَانِيَّة المخلدة بالنواحي من الدولة الظَّاهِرِيَّة بيبرس والمنصورية قلاوون فِي إقطاعات الْأُمَرَاء والأجناد وجملتها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 264 مائَة ألف وَسِتُّونَ ألف أردب سوى مَا فِي بِلَاد السُّلْطَان من التقاوي وَمِنْهَا الرزق الأحباسية على الْجَوَامِع والمساجد والزوايا وَغير ذَلِك وَهِي مائَة ألف فدان وَثَلَاثُونَ آلف فدان وَقرر النشو مَعَ السُّلْطَان أَن يَأْخُذ التقاوي السُّلْطَانِيَّة الْمَذْكُورَة بِأَن يلْزم مُتَوَلِّي كل إقليم باستخراجها وَحملهَا وَأَن يُقيم شادا يختاره لكشف الرزق الأحباسية فَمَا كَانَ مِنْهَا على مَوضِع عَامر بِذكر الله يُعْطه نصف مَا هُوَ وقف عَلَيْهِ وَيَأْخُذ من مزارعه عَن النّصْف الآخر بِحِسَاب مائَة دِرْهَم الفدان وَيلْزمهُ بخراج ثَلَاث سِنِين وَمَا كَانَ من الرزق على مَوضِع خراب أَو على أهل الأرياف من الخطباء الْجُهَّال وَنَحْوهم أَخذ واستخرج من مزارعه خراج ثَلَاث سِنِين من حِسَاب مائَة دِرْهَم الفدان وَمِنْهَا أَرَاضِي الرَّوْضَة تجاه مَدِينَة مصر فَإِنَّهَا بيد أَوْلَاد الْمُلُوك ويستأجرها مِنْهُم الدَّوَاوِين وينشئون بهَا سواقي الأقصاب وَنَحْوهَا مِمَّا بلغ قيمَة الفدان مِنْهُ ألف دِرْهَم وَمِنْهَا مَا بَاعه أَوْلَاد الْمُلُوك بأبخس الْأَثْمَان - وَقرر النشو مَعَ السُّلْطَان أَخذ أَرَاضِي الرَّوْضَة للخاص وَأَن يُقَاس مَا أبيع مِنْهَا وَيُؤْخَذ مِمَّن هِيَ بِيَدِهِ تفَاوت قيمتهَا أَو تجدّد عَلَيْهِ إِجَارَة للسُّلْطَان بِالْقيمَةِ وَمِنْهَا أَرْبَاب الرَّوَاتِب السُّلْطَانِيَّة فَإِن أَكْثَرهم عبيد الدَّوَاوِين وغلمانهم وَنِسَاؤُهُمْ ويكتبونها باسم زيد وَعَمْرو وَمِنْهَا مَا هُوَ مُرَتّب لجَماعَة من النَّصَارَى والرهبان سكان الديارات - وَقرر النشو مَعَ السُّلْطَان عرض جَمِيع أَرْبَاب الرَّوَاتِب وَالنَّظَر فِي تواقيعهم وإبقاء أَرْبَاب الْبيُوت وَمن يسْتَحق على مَا بِيَدِهِ وَأخذ تواقيع من عداهم وإلزامه بِحل جَمِيع مَا استأداه من تَارِيخ توقيعه إِلَى أخر وَقت وَمِنْهَا ذكر حواصل الْأَمِير أقبغا عبد الْوَاحِد وتفصيل مَاله من أَمْلَاك وأراضي ومتاجر ومرتبات ورسوم على أَرْبَاب الْوَظَائِف السُّلْطَانِيَّة وعَلى صناع العمائر وتفصيل مَا حمل إِلَيْهِ من العمائر السُّلْطَانِيَّة من الْأَصْنَاف - وَذكر النشو العمائر الَّتِي عمرها أقبغا من ديوَان السُّلْطَان وَمَا لَهُ لبلاد الشَّام وجملتها وَحدهَا خَمْسمِائَة ألف دِينَار سوى مَا لَهُ بديار مصر وَمِنْهَا ذكر مَا أَخذه الْأَمِير طاجار الدوادار من الْبِلَاد الشامية وَمن أهل مصر على قَضَاء أشغالهم وتفصيل أملاكه. وَقرر النشو مَعَ السُّلْطَان الْقَبْض على آقبغا وطاجار فوافقه السُّلْطَان على ذَلِك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 265 وَكَانَ أول مَا بَدَأَ بِهِ النشو أَن ندب جمَاعَة لقياس الرَّوْضَة جَمِيعهَا من مذدرعها وأراضي دورها وألزم أَرْبَاب الدّور الَّتِي بهَا بإحضار كتب دُورهمْ وَأَن يقومُوا عَن أراضيها بِقِيمَتِهَا من تَارِيخ شِرَائهَا ووكل ابْن صابر باستخراج ذَلِك مِنْهُم وَأخذ عَن البروز فِي الدّور خَاصَّة مائَة وَأمر النشو مباشري الجوالي بِقطع مَا عَلَيْهَا من المرتبات عَن جوامك الْقُضَاة وَالشُّهُود ومشايخ الْعلم وَنَحْوهم وَكتب إِلَى جَمِيع الْأَعْمَال يحمل مَال الجوالي إِلَى خزانَة الْخَاص وَمن تعجل مِنْهَا شيا يستعاد مِنْهُ فَجمع من ذَلِك مَالا كَبِيرا. فانزعج النَّاس كلهم وَلم يتجاسرأحد من الْأُمَرَاء على السُّلْطَان فِي الحَدِيث مَعَه فِي ذَلِك حَتَّى ذكر السُّلْطَان لَهُم أَن لَهُ نَحْو آلف أردب غلَّة فِي الْبِلَاد وَأَنه يُرِيد أَخذهَا فتلطف بِهِ الْحَاج آل ملك وبيبرس الأحمدي وجنكلي بن البابا حَتَّى سمح بِأَن يتمهل بطلبها حتم يفرغ الْحَرْث وَيقبض الْمغل. فَلَمَّا فرغ النشو من قِيَاس الرَّوْضَة ألزم أَرْبَاب الرَّوَاتِب أَن يحضروا إِلَى القلعة وَمَعَهُمْ تواقيعهم وألزم المباشرين بِعَمَل الْحساب وَحمل مَا تَحت أَيّدهُم من ذَلِك وألزم جَمِيع أَرْبَاب الرزق الأحباسية بإحضار تواقيعهم وَبعث الْبَرِيد إِلَى الْأَعْمَال بذلك وألزم ديوَان الأحباس بِكِتَابَة الرزق كلهَا فزلزل أَرض مصر قبليهما وبحريها وَلم يقبل لأحد شَفَاعَة حَتَّى الأميرين بشتاك وقوصون فَإِنَّهُمَا كَانَا إِذا بعثا إِلَيْهِ فِي شَفَاعَة رد عَلَيْهِمَا ردا جَافيا وَأَغْلظ على رسلهما. فاتفق الخاصكية جَمِيعًا عَلَيْهِ وندبوا للْحَدِيث مَعَ السُّلْطَان الْأَمِير يلبغا اليحياوي والأمير ملكتمر الْحِجَازِي وَغَيرهمَا فَصَارَ كل مِنْهُم يسمع السُّلْطَان قبح سيرة النشو وَهُوَ يتغافل إِلَى أَن حَدثهُ يلبغا وَهُوَ يَوْمئِذٍ أخص الخاصكية عِنْده وَقَالَ عَنهُ: يَا خوند وَالله النشو يَضرك أَكثر مَا ينفعك وَاتفقَ وُصُول الْأَمِير قرمجي الْحَاجِب من دمشق فَأَعَادَهُ السُّلْطَان سَرِيعا ليستشير الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام فِي أَمر النشو وَأَنه قد بعضه أهل الدولة كلهم مَعَ كَثْرَة نَفعه لي ثمَّ وجد السُّلْطَان عدَّة أوراق فِي حق النشو قد رميت لَهُ من غير أَن يعرف رافعها مِنْهَا رقْعَة فِيهَا: أيا ملكا أصبح فِي نشوة من نشوة الظَّالِم فِي نشيه أنشيته فلتنشئن ضغائنا سترى غباوتها بِصُحْبَة غيه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 266 حكمته فحكمت أمرا فَاسِدا وتوحشت كل الْقُلُوب لفحشه سترى بوارقها إِذا مَا أظلمت وتحكمت أَيدي الزَّمَان ببطشه ودستندمن ندامة كسعية يَوْمًا إِذا ذبح الخروف بكبشه فَلَمَّا قَرَأَهَا السُّلْطَان تغير لَونه ومزقها. وَوجد السُّلْطَان ورقة أُخْرَى فِيهَا. أمعنت فِي الظُّلم وأكثرته وزدت يَا نشو على الْعَالم ترى من الظَّالِم فِيكُم لنا فلعنة الله على الظَّالِم وَعَن قريب عَاد قرمجي فِي سادس عشرى الْمحرم وَأخْبر عَن نَائِب الشَّام بِأَنَّهُ قد استفيض مَا ذكره السُّلْطَان من بغض مماليكه للنشو وَأَن التُّجَّار وأرباب الْأَمْوَال فِي خوف شَدِيد من ظلمه وَرَأى السُّلْطَان فِيهِ أَعلَى. وَكَانَ يَوْم وُصُوله بالقلعة منْظرًا مهولاً فَإِنَّهُ اجْتمع بهَا أَرْبَاب الرَّوَاتِب وَالصَّدقَات وَفِيهِمْ الأرامل والأيتام والزمناء والعميان وصاروا فِي بكاء ونحيب فتقطعت الْقُلُوب حسرات رَحْمَة لَهُم. وشغل الله النشو عَنْهُم بِنَفسِهِ فحد لَهُ قولنج وَهُوَ بخزانة الْخَاص. فَأمر السلطالن النَّاس أَن ينصرفوا ويحضروا أول الشَّهْر وَمن تَأَخّر شطب على اسْمه. فَنزل بعد الظّهْر من القلعة وَتَفَرَّقُوا تِلْكَ اللَّيْلَة بالجوامع فِي الْقَاهِرَة ومصر وَهِي لَيْلَة سَابِع عشرى الْمحرم للدُّعَاء بِسَبَب توقف النّيل عَن الزِّيَادَة فَإِنَّهُ كَانَ قد توقف توقفاً زَائِدا فَلَمَّا قرب الْوَفَاء نقص وَاسْتمرّ على نَقصه أَيَّامًا فصرفوا دعاءهم على النشو طول ليلتهم وَكَانُوا جموعاً كَثِيرَة إِلَى الْغَايَة. فَأصْبح النشو مَرِيضا وَانْقطع بداره حَتَّى فرغ الْمحرم فحذره الْفَاضِل شمس الدّين مُحَمَّد بن الْأَكْفَانِيِّ مَعَ قطع مخوف فِي أول صفر يخْشَى مِنْهُ إِرَاقَة دَمه. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْأَحَد أول صفر: ركب النشو إِلَى القلعة وَبِه أثر الْمَرَض فِي وَجهه فقرر مَعَ ا! سُلْطَان إِيقَاع الحوطة على أقبغا عبد الْوَاحِد من الْغَد. فتقرر الْحَال على أَنه يجلس على بَاب الخزانة فَإِذا خرج الْأَمِير بشتاك من الْخدمَة جلس مَعَه على بَاب الخزانة ثمَّ قاما إِلَى بَيت آقبغا وحاطا بموجوده كُله. فَلَمَّا عَاد النشو إِلَى دَاره عبر إِلَى الْحمام لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ وَمَعَهُ ابْن الأكفان فَأمر بعض عبيده السود أَن يحلق رَأسه ويجرحه بِحَيْثُ يسيل الدَّم على جِسْمه ليَكُون ذَلِك حَظه من الْقطع الْمخوف فَفعل بِهِ ذَلِك، بِمَا دفع الله عَنْهُم بِهَذَا، وَبَاتُوا ليلتهم فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 267 هَذَا وَقد كَانَ الْأَمِير يلبغا اليحياوي قد وعك جِسْمه فقلق السُّلْطَان لمرضه وَأقَام عِنْده لِكَثْرَة شغفه بِهِ. فَقَالَ لَهُ يلبغا فِيمَا قَالَ: يَا خوند قد عظم إحسانك لي وَوَجَب نصحك عَليّ والمصلحة الْقَبْض على النشو وَإِلَّا دخل عَلَيْك الدخيل فَإِنَّهُ مَا عنْدك أحد من مماليكك إِلَّا وَهُوَ يترقب غَفلَة مِنْك وَقد عرفتك ونصحتك قبل أَن أَمُوت وَبكى. فَبكى السُّلْطَان لبكائه وَقَامَ وَهُوَ لَا يعقل لِكَثْرَة مَا دَاخله من الْوَهم لِثِقَتِهِ بيليغا وَطلب بشتاك وعرفه أَن النَّاس قد كَرهُوا النشو وَأَنه عزم على الْإِيقَاع بِهِ فخاف بشتاك أَن يكون ذَلِك امتحاناً من السُّلْطَان فَوجدَ عزمه قَوِيا فِي الْقَبْض. وَاقْتضى الْحَال إِحْضَار الْأَمِير قوصون أَيْضا فقوي عزم السُّلْطَان على ذَلِك ومازال بِهِ حَتَّى قرر مَعَهُمَا أَخذه. وَأصْبح النشو يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي صفر وَفِي ذهنه أَن الْقطع الَّذِي خوف مِنْهُ قد زَالَ عَنهُ بِمَا دبره لَهُ ابْن الْأَكْفَانِيِّ من إسالة الدَّم فعلق عَلَيْهِ عدَّة من الْعُقُود والطلسمات والحروز وَركب إِلَى القلعة. وَجلسَ النشو بَين يَدي السُّلْطَان على عَادَته وَأخذ مَعَه فِي القبص على أقبغا عبد الْوَاحِد كَمَا قَرَّرَهُ فَأمره السُّلْطَان أَن يجلس على بَاب خزانَة الْقصر حَتَّى يخرج إِلَيْهِ الْأَمِير بشتاك ثمَّ يمضيا لإيقاع الحوطة على موجوده فَقَامَ. وَطلب السُّلْطَان الْمُقدم ابْن صابر وَأسر إِلَيْهِ أَن يقف بجماعته على بَاب القلعة وَبَاب القرافة وَلَا يدعوا أحدا من حَوَاشِي النشو وأقاربه وَإِخْوَته أَن ينزلُوا وَأَن يقبضوا عَلَيْهِم كلهم. وَأمر السُّلْطَان الْأَمِير بشتاك والأمير برسبغا الْحَاجِب أَن يمضيا إِلَى النشو ويقبضا عَلَيْهِ وعَلى أَقَاربه. فَخرج بشتاك وَجلسَ على بَاب الخزانة وَطلب النشو من داخلها فَظن النشو أَنه جَاءَ لميعاده مَعَ السُّلْطَان حَتَّى يحتاطا على مَوْجُود أقبغا عبد الْوَاحِد فساعة مَا وَقع بَصَره عَلَيْهِ أَمر مماليكه بِأَخْذِهِ إِلَى بَيته من القلعة وَبعث إِلَى الْأَمِير ملكتمر الْحِجَازِي فَأخذ أَخَاهُ رزق الله وَأخذ أَخَاهُ المخلص وَسَائِر أَقَاربه. فطار الْخَبَر إِلَى الْقَاهِرَة ومصر فَخرج النَّاس كَأَنَّهُمْ جَراد منتشر. وَركب الْأَمِير آقبغا عبد الْوَاحِد والأمير طيبغا المجدي والأمير بيغرا والأمير برسبغا لإيقاع الحوطة على بيُوت النشو وأقاربه وحواشيه وَمَعَهُمْ جمال الكفاة كَاتب الْأَمِير بشتاك وشهود الخزانة. وَأخذ السُّلْطَان لِلْأُمَرَاءِ: وَكم تَقولُونَ النشو نهب أَمْوَال النَّاس السَّاعَة نَنْظُر المَال الَّذِي عِنْده وَكَانَ السُّلْطَان يظنّ أَنه يُؤَدِّيه الْأَمَانَة وَأَنه لَا مَال لَهُ. فندم الْأُمَرَاء على تحسينهم مسك النشو خوفًا من أَن لَا يظْهر لَهُ مَال سِيمَا قوصون وبشتاك من أجل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 268 أَنَّهُمَا كَانَا قد بَالغا فِي الْحَط عَلَيْهِ وإغراء السُّلْطَان بِهِ فَكثر قلقهما وَلم يأكلا طَعَاما وبعثا فِي الْكَشْف عَن الْخَبَر. فَلَمَّا أوقع الْأُمَرَاء الحوطة على دور الممسوكين بَلغهُمْ أَن حَرِيم النشو فِي بُسْتَان بِجَزِيرَة الْفِيل فَسَارُوا إِلَيْهِ وهجموه فوجدوا سِتِّينَ جَارِيَة وَأم النشو وَامْرَأَته وَأُخْته وولديه وَسَائِر أَهله وَعِنْدهم مِائَتَا جنبة عِنَب وقند كثير ومعاصر وهم فِي عصر الْعِنَب. فختموا على الدّور والحواصل وَلم يتهيأ لَهُم نقل شَيْء مِنْهَا. هَذَا وَقد غلقت أسواق الْقَاهِرَة ومصر وَاجْتمعَ النَّاس بالرميلة تَحت القلعة وَمَعَهُمْ النِّسَاء والأطفال وَقد أشعلوا الشموع ورفمعوا على رُءُوسهم الْمَصَاحِف ونشروا الْأَعْلَام وهم يضجون ويصيحولن استبشاراً وفرحاً بِقَبض النشو والأمراء تُشِير لَهُم أَن يكثروا مِمَّا هم فِيهِ واستمروا لَيْلَة الثُّلَاثَاء على ذَلِك. فَلَمَّا أَصْبحُوا وَقع الصَّوْت دَاخل بَاب الْقلَّة من القلعة بِأَن رزق الله أَخُو النشو قد ذبح نَفسه. وَذَلِكَ أَنه لما قبض عَلَيْهِ تسلمه الْأَمِير قوصون ووكل بِهِ أَمِير شكار فسجنه أَمِير شكار فِي بعض خَزَائِن بَيته وَبَات يَحْرُسهُ حَتَّى طلع الْفجْر ثمَّ قَامَ أَمِير شكار للصَّلَاة. فاستغفله رزق الله وَأخذ من حياصته سكيناً ووضعها فِي نَحره حَتَّى نفذت مِنْهُ وَقطعت وريده فَلم يشْعر أَمِير شكار إِلَّا وَهُوَ يشخر وَقد تلف. فصاح أَمِير شكار حَتَّى بلغ صياحه قوصون فانزعج لذَلِك وَضرب أَمِير شكار ضربا مبرحاً إِلَى أَن علم السُّلْطَان بالْخبر فَلم يكترث بِهِ. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ: الْمَذْكُور أفرج عَن الصاحب شمس الدّين مُوسَى بن التَّاج إِسْحَاق وأخيه وَنزلا من القلعة إِلَى الْجَامِع الْجَدِيد خَارج مصر فَقَالَ الْكَمَال جَعْفَر الأدفوي فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ هَذَا وَفِي معنى مسك النشو وَغَيره هَذِه الأبيات: إِن يَوْم الْإِثْنَيْنِ يَوْم سعيد فِيهِ لاشك الْبَريَّة عيد أَخذ الله فِيهِ فِرْعَوْن جَهرا وَغدا النّيل فِي رباه يزِيد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 269 وَقَالَ شمس الدّين مُحَمَّد بن الصَّائِغ الْمصْرِيّ فِي معنى مسك النشو والإفراج عَن شمس الدّين مُوسَى وَزِيَادَة النّيل هَذِه الأبيات: لقد ظَهرت فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ آيَة أزالت بنعماها عَن الْعَالم البوسا تزايد بَحر النّيل فِيهِ وأغرقت بِهِ آل فِرْعَوْن وَفِيه نجا مُوسَى وَفِيه زَاد النّيل بعد توقفه فَقَالَ فِي ذَلِك عَلَاء الدّين بن فضل الله كَاتب السِّرّ: فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي الشَّهْر من صفر نَادَى البشير إِلَى أَن أسمع الفلكا يَا أهل مصر نجا مُوسَى ونيلكم طغا وَفرْعَوْن وَهُوَ النشو قد هلكا وَذَلِكَ أَنه كَانَ قد نقص فَلَمَّا قبض على النشو زَاد سِتَّة أَصَابِع ثمَّ ثَمَانِيَة أَصَابِع. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث صفر: نُودي بِالْقَاهِرَةِ ومصر: بيعوا واشتروا واحمدوا الله على خلاصكم من النشو. وَفِيه أخرج رزق الله أَخُو النشو فِي هَيْئَة تَابُوت امْرَأَة حَتَّى دفن فِي مَقَابِر النَّصَارَى خوفًا عَلَيْهِ من الْعَامَّة. وَفِيه أَدخل الْأَمِير بشتاك على السُّلْطَان وَطلب الإعفاء من تَسْلِيم النشو إِلَيْهِ خشيَة مِمَّا جرى على أَخِيه. فَأمره السُّلْطَان أَن يهدده على إِخْرَاج المَال ثمَّ يُسلمهُ لِابْنِ صابر. فأوقفه بشتاك وأهانه. فالتزم أَنه إِن أفرج عَنهُ جمع للسُّلْطَان من أَقَاربه خزانَة مَال فَسَبهُ ثمَّ سلمه لِابْنِ صابر. فَأَخذه ابْن صابر ليمضي بِهِ إِلَى قاعة الصاحب فتكاثرت الْعَامَّة تؤيد رجمه حَتَّى طردهم نقيب الْجَيْش وَأخرجه ابْن صابر فِي زنجير بعنقه حَتَّى أدخلهُ قاعة الصاحب والعامة تحمل عَلَيْهِ حَملَة بعد حَملَة والنقباء تطردهم. وَفِيه طلب السُّلْطَان جمال الكفاة إِبْرَاهِيم كَاتب الْأَمِير بشتاك وخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر فِي نظر الْخَاص عوضا عَن شرف الدّين عبد الْوَهَّاب بن فضل الله الْمَعْرُوف بالنشو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 270 بعد تَمنعهُ. ورسم لَهُ أَن ينزل للحوطة على النشو وأقاربه وَمَعَهُ الْأَمِير آقبغا والأمير برسبغا وشهود الخزانة. فَنزل جمال الكفاة بتشريفة وَركب بغلة النشو حَتَّى أخرج حواصله. وَقد أغلق النَّاس الْأَسْوَاق وتجمعوا من كل موصع وَمَعَهُمْ الطبول والشموع وأنواع الملاهي وأرباب الخيال بِحَيْثُ لم يُوجد حَانُوت مَفْتُوح نهارهم كُله. ثمَّ سَارُوا مَعَ الْأُمَرَاء على حَالهم إِلَى تَحت القلعة وصاحوا صَيْحَة حَتَّى انزعج وَدخل الْأُمَرَاء على السُّلْطَان بِمَا وجدوه للنشو وَهُوَ من الْعين خَمْسَة عشر ألف دِينَار مصرية والفان وَخَمْسمِائة حَبَّة لُؤْلُؤ قيمَة كل حَبَّة مَا بَين ألفي دِرْهَم إِلَى ألف دِرْهَم وَسَبْعُونَ فص بلخش قيمَة كل فص مَا بَين خَمْسَة أُلَّاف دِرْهَم إِلَى أَلفَيْنِ وقطعتان زمرد فاخر زنتهما رَطْل ونيف وَسِتُّونَ حبلاً من لُؤْلُؤ كبار زنة ذَلِك أَرْبَعمِائَة مِثْقَال وَمِائَة وَسَبْعُونَ خَاتم ذهب وَفِضة بفصوص مثمنة وكف مَرْيَم مرصع بجوهر وصليب ذهب مرصع وعدة قطع زركش سوى حواصل لم تفتح. فَخَجِلَ السُّلْطَان لما رأى ذَلِك وَقَالَ لِلْأُمَرَاءِ: لعن الله القبط وَمن يأمنهم أَو يُصدقهُمْ. وَذَلِكَ أَن النشو كَانَ يظْهر الْفَاقَة بِحَيْثُ يقترض الْخمسين درهما وَالثَّلَاثِينَ درهما حَتَّى ينفقها. وَبعث فِي بعض اللَّيَالِي إِلَى جمال الدّين إِبْرَاهِيم بن المغربي رَئِيس الْأَطِبَّاء يطْلب مِنْهُ مائَة دِرْهَم وَيذكر لَهُ أَنه طرقه ضيف وَلم يجد مَا يعشيه بِهِ. وَقصد بذلك أَن يكون لَهُ شَاهدا بِمَا يَدعِيهِ من الْفقر. فَلَمَّا كَانَ فِي بعض الْأَيَّام شكا النشو للسُّلْطَان الْفَاقَة وَابْن المغربي حَاضر فَذكر أَنه اقترص مِنْهُ فِي لَيْلَة كَذَا مائَة دِرْهَم فَمشى ذَلِك على السُّلْطَان وتقرر فِي ذهنه أَنه فَقير لَا مَال لَهُ وَصَارَ السُّلْطَان يذكر ذَلِك كل قَلِيل لِلْأُمَرَاءِ. وَاسْتمرّ الْأُمَرَاء ينزلون كل يَوْم لإِخْرَاج حواصل النشو فَوجدَ لَهُ من الْأَوَانِي الصيني والبلور وَفِيه ولي الْمُوفق نظر الْبيُوت. وَفِيه ولي الْمجد بن الْمُعْتَمد ديوَان الْأَمِير ملكتمر الْحِجَازِي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 271 وَفِي يَوْم الْخَمِيس خامسه: زينت الْقَاهِرَة ومصر زِينَة عَظِيمَة مُدَّة سَبْعَة أَيَّام وعملت بهَا أفراح كَثِيرَة ونظم فِيهِ الْعَامَّة عدَّة أزجال وبلاليق وأظهروا من الخيال وَاللَّهْو مَا يجل وَصفه. وَوجدت مآكل كَثِيرَة فِي حواصل النشو: مِنْهَا نَحْو مِائَتي مطر مَمْلُوءَة ملوحة وَثَمَانِينَ مطر جبن وأحمال كَثِيرَة من سواقة الشَّام وَلحم كثير من لحم الْخِنْزِير وَأَرْبَعَة أُلَّاف جرة خمر سوى مَا نهب. وَوجد لَهُ أَرْبَعمِائَة بدلة قماش جدد وَثَمَانُونَ بدلة مستعملة وزراكش ومفرجات كَثِيرَة. وَوجد لَهُ سِتُّونَ بغلطاق نسَائِي مزركش ومناديل زركش عدَّة كَثِيرَة. وَوجد لَهُ عدَّة صناديق بهَا قماش سكندري مِمَّا عمل برسم الْحرَّة جِهَة ملك الْمغرب قد اختلسه وَكثير من قماش الْأُمَرَاء الَّذين مَاتُوا وَالَّذين قبض عَلَيْهِم. وَوجد لَهُ مَمْلُوك تركي وَكَانَ النشو قد خصاه هُوَ واثنين مَعَه مَاتَا وَكَانَ قد خصى أَيْضا أَرْبَعَة عبيد فماتوا. فَطلب الَّذِي خصاهم وَضرب بالمقارع وجرس. وتتبعت أَصْحَاب النشو وَضرب مِنْهُم جمَاعَة وشهروا. (وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ تاسعه) خلع على نجم الدّين أَيُّوب الْكرْدِي أستادار الأكز وَهُوَ يَوْمئِذٍ وَالِي الشرقية وَاسْتقر وَالِي الْقَاهِرَة عوضا عَن عَلَاء الدّين عَليّ بن المروان وأحيط بموجود ابْن المرواني وَفِيه خلع أَيْضا على عز الدّين مَمْدُود بن عَلَاء الدّين عَليّ بن الكوران وَاسْتقر فِي ولَايَة مصر. وَفِيه خرج الْبَرِيد بِطَلَب الصاحب أَمِين الدّين وَزِير الشَّام من دمشق. وَفِيه وجد لأخوة النشو ذخائر نفيسة: مِنْهَا لصهره ولي الدولة صندوق فِيهِ مائَة وَسَبْعُونَ فص بلخش وَسِتَّة وَثَلَاثُونَ مرملة مكلة بالجواهر الرائعة وَإِحْدَى عشر عنبرية مكللة بلؤلؤ كبار وَعِشْرُونَ طراز زركش وَغير ذَلِك مَا بَين لُؤْلُؤ منظوم وزمرد وكوافي زركش قوم الْجَمِيع بأَرْبعَة وَعشْرين ألف دِينَار. وَفِيه ضرب المخلص اخو النشو ومفلح عَبده بالمقارع فأظهر المخلص الْإِسْلَام. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 272 وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء رابعه وثالث عشرى مسرى: وَفِي وَفَاء النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا وَفتح الخليج من الْغَد على الْعَادة. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن عشره: قدم أَمِين الدّين من دمشق على الْبَرِيد وطلع إِلَى بَين يَدي السُّلْطَان من الْغَد. وَأَجْلسهُ السُّلْطَان وحادثه وخلع عَلَيْهِ خلعة الوزارة بطرحة خبعة الْقدوم فَنزل أَمِين الدّين إِلَى دَاره وَتردد النَّاس إِلَيْهِ. وَفِيه أفرج عَن الصفي كَاتب الْأَمِير قوصون وأعيدوا إِلَى ديوَان قوصون عوضا عَن عَلَاء الدّين ابْن الْحَرَّانِي. وَفِي هَذِه السّنة: لم يركب السُّلْطَان إِلَى الميدان للعب الأكرة فَإِن الْأُمَرَاء لما تَأَخَّرت عُقُوبَة النشو تنكروا السُّلْطَان وتنكر لَهُم. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي عشرى ربيع الأول: وجدت ورقة بَين فرش السُّلْطَان فِيهَا: الْمَمْلُوك بيرم الناصح للسُّلْطَان يقبل الأَرْض وَينْهى أنني أكلت رزقك وَأَنت قوام الْمُسلمين وَيجب على كل أحد نصحك وَأَن بشتاك وآقبغا قد اتفقَا على قَتلك مَعَ جمَاعَة من المماليك فاحترس على نَفسك. وَكَانَ الْأَمِير بشتاك فِي هَذَا الْيَوْم قد توجه بكرَة النَّهَار إِلَى جِهَة الصَّعِيد فَطلب السُّلْطَان الْأَمِير قوصون والأمير آقبغا وأوقفهما على الورقة فَكَانَ عقل آقبغا ان يخْتَلط من شدَّة الرعب وَأخذ قوصون يعرف السُّلْطَان أَن هَذَا فعل من يُرِيد التشويش على السُّلْطَان وتغيير خاطره على مماليكه. فَأخْرج السُّلْطَان الْبَرِيد فِي الْحَال لرد الْأَمِير بشتاك فأدركه بإطفيح وَقد مد سماطه فَقَامَ وَلم يمد يَده إِلَى شَيْء مِنْهُ وجد فِي سيره حَتَّى دخل على السُّلْطَان. فأوقفه السُّلْطَان على الورقة فتنصل مِمَّا رمي بِهِ كَمَا تنصل آقبعا واستسلم وَقَالَ: هَذِه نَفسِي وَمَالِي بَين يَدي السُّلْطَان وَإِنَّمَا حمل من رماني بذلك الْحَسَد على قربي من السُّلْطَان وعظيمم إحسانه إِلَيّ وَنَحْو هَذَا حَتَّى رق لَهُ السُّلْطَان وَأمره أَن يعود إِلَى طلبه وَيتَوَجَّهُ إِلَى جِهَة قَصده فَسَار. ثمَّ طلب السُّلْطَان ديوَان الْجَيْش ورسم لَهُ أَن يكْتب كل من اسْمه بيرم ويحضره إِلَى الْأَمِير آقبغا. فارتجت القلعة والقاهرة لطلب الْمَذْكُورين وعرضهم وتهديدهم وَأخذ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 273 خطوطهم ليقابل بهَا كِتَابَة الورقة. فَلَمَّا أعيا آقبغا الظفر بالغريم وَهُوَ يُرَاجع السُّلْطَان فِي أَمرهم اتهمَ النشو أَنَّهَا من مكايده. وَاشْتَدَّ قلق السُّلْطَان وَكثر انزعاجه بِحَيْثُ لم يسْتَطع أَن يقر بمَكَان وَاحِد. ثمَّ طلب السُّلْطَان وَالِي الْقَاهِرَة لالا وَأمره أَن يهدم مَا بِالْقَاهِرَةِ من حوانيت صناع النشاب وينادي: من عمل نشاباً شنق فامتثل ذَلِك. وَخرجت أَيْضا جَمِيع مرامي النشاب وغلقت حوانيت القواسين. وَنزل الْأَمِير برسبغا الْحَاجِب إِلَى الْأُمَرَاء جَمِيعهم وعرفهم عَن السُّلْطَان أَن من رمي بالنشاب من مماليكهم أَو حمل قوساً كَانَ أستاذه عوضا عَنهُ فِي التلاف وَألا يركب اُحْدُ من الْأُمَرَاء بسلاح وَلَا تركاش نشاب. وَبينا النَّاس فِي هَذَا الهول الشَّديد إِذْ دخل شخص يعرف بِابْن الْأَزْرَق كَانَ أَبوهُ مِمَّن مَاتَ فِي عُقُوبَة النشو لَهُ عِنْد مصادرته لجمال الكفاة - وَطلب الورقة ليعرفهم من كتبهَا. فَقَامَ وَالِي الْقَاهِرَة إِلَى السُّلْطَان وَمَعَهُ الرجل فَلَمَّا وقف عَلَيْهَا قَالَ: يَا خوند هَذِه خطّ مُحَمَّد الْخطاب وَهُوَ رجل عِنْد ولي الدولة صهر النشو يلْعَب مَعَه النَّرْد ويعاقره الْخمر فَطلب الْمَذْكُور وحاققه الرجل محاققة طَوِيلَة فَلم يعْتَرف فَعُوقِبَ عقوبات مؤلمة إِلَى أَن أقرّ بِأَن ولي الدولة أمره بكتابتها فَجمع بَينه وَبَين ولي الدولة فَأنْكر ذَلِك. وَطلب ولي الدولة أَن يرى الورقة فَلَمَّا رأها حلف جهد أيمانه أَنَّهَا خطّ ابْن الْأَزْرَق لينال عرضه من أجل أَن النشو قتل أَبَاهُ وحاققه على ذَلِك. فَاقْتضى الْحَال عُقُوبَة ابْن الْأَزْرَق فاعترف أَنَّهَا كِتَابَته وَأَنه أَرَادَ أَن يَأْخُذ بثأر أَبِيه من النشو وَأَهله. فَعَفَا السُّلْطَان عَن ابْن الْأَزْرَق وَأمر بِحَبْس الْخطابِيّ. ورسم السُّلْطَان لبرسبغا الْحَاجِب وَابْن صابر الْمُقدم أَن يعاقبا النشو وَأَهله حَتَّى يموتوا وَأذن للأجناد فِي حمل النشاب فِي السّفر لَا غَيره. وَيُقَال إِن سَبَب عُقُوبَة النشو أَن أُمَرَاء المشورة تحدثُوا مَعَ السُّلْطَان فِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشريه فِي أَمر النشو فابتدأ الْأَمِير علم الدّين سنجر الجاولي وَقبل الأَرْض وَقَالَ: حاشا مَوْلَانَا السُّلْطَان من شغل الخاطر وضيق الصَّدْر فَقَالَ السُّلْطَان: يَا أُمَرَاء هَؤُلَاءِ مماليكي أنشأتهم وأعطيتهم الْعَطاء الجزيل وَقد بَلغنِي عَنْهُم مَا لَا يَلِيق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 274 فَقَالَ الجاولي: حاشا لله أَن يَبْدُو من مماليك السُّلْطَان شَيْء من هَذَا غير أَن علم مَوْلَانَا السُّلْطَان مُحِيط بِأَن ملك الْخُلَفَاء مَا زَالَ إِلَّا بِسَبَب الْكتاب وغالب السلاطين مَا دخل عَلَيْهِم الدخيل إِلَّا من جِهَة الوزراء. ومولانا السُّلْطَان مَا يحْتَاج فِي هَذَا إِلَى أَن يعرفهُ أحد بِمَا جرى لَهُم وَمن الْمصلحَة قتل هَذَا الْكَلْب وإراحة النَّاس مِنْهُ فوافقه الْجَمِيع على ذَلِك. فَضرب فِي هَذَا الْيَوْم المخلص أَخُو النشو بالمقارع مَعَ لَيْلَة الْجُمُعَة حَتَّى هلك يَوْم الْجُمُعَة الْعَصْر وَدفن بمقابر الْيَهُود ثمَّ مَاتَت أمه عَقِيبه. وَقتل بعْدهَا ولي الدولة عَامل المتجر وَرمي إِلَى الْكلاب. هَذَا والعقوبة تتنوع للنشو حَتَّى هلك فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِي ربيع الآخر فَوجدَ بِغَيْر ختان. وَكتب بِهِ محْضر وَدفن فِي مَقَابِر الْيَهُود بكفن قِيمَته أَرْبَعَة دَرَاهِم ووكل بقبره من يَحْرُسهُ مُدَّة أُسْبُوع خوفًا من الْعَامَّة أَن تخرجه وتحرقه. فَكَانَت مُدَّة ولَايَته وجوره سبع سِنِين وَسَبْعَة أشهر. ثمَّ أحضر ولي الدولة صهر النشو ليعاقب وَهُوَ بِخِلَاف ولي الدولة عَامل المتجر الَّذِي تقدم فَدلَّ على ذخائر للنشو مَا بَين ذهب وأواني فِي صندوق كَبِير. وَطلبت جمَاعَة بِسَبَب ودائع اتهموا بهَا عِنْدهم للنشو وَشَمل الضَّرَر غير وَاحِد مِنْهُم. وَكَانَ مَوْجُود النشو سوى الصندوق الْمَذْكُور شَيْئا كثيرا وَعمل لمبيعه تسع وَعِشْرُونَ حَلقَة أَخّرهَا حَلقَة لَا يُوجد لَهَا مثل إِذْ بلغت خمْسا وَسبعين ألف دِرْهَم فَكَانَ جملَة مَا أَخذ مِنْهُ سوى الصندوق نَحْو مِائَتي ألف دِينَار. وَوجد لوَلِيّ الدولة عَامل المتجر مَا قِيمَته خَمْسُونَ ألف دِينَار ولولي الدولة صهر النشو زِيَادَة على ثَمَانِينَ ألف دِينَار وبيعت للنشو دور بِمِائَة ألف دِرْهَم ثمَّ ركب الْأَمِير آقبغا إِلَى دور أل النشو بالمصاصة من مصر وَمَعَهُ الْأسر وخربها كلهَا حَتَّى سوى بهَا الأَرْض وحرثها بالمحاريث فِي طلب الخبايا وحملت أنقاضها ورخامها فَلم يُوجد بهَا من الخبايا إِلَّا الْقَلِيل. وَفِي ثَالِث عشره: أفرج عَن القَاضِي شهَاب الدّين أَحْمد بن يحيي بن فضل الله الْعمريّ من سجنه بقلعة الْجَبَل بَعْدَمَا أَقَامَ مسجوناً سَبْعَة أشهر وَثَمَانِية عشر يَوْمًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 275 وَسبب الإفراج عَنهُ أَنه كَانَ فِي السجْن كَاتب قد سجن على تزوير خطّ السُّلْطَان وَكَانَ قد قبض عَلَيْهِ فِي أَيَّام مُبَاشرَة شهَاب الدّين لوظيفة كَاتب السِّرّ ورسم السُّلْطَان بِقطع يَده فمازال شهَاب الدّين يتلطف فِي أمره حَتَّى عُفيَ من قطع يَده وسجن. فاتفق فِي هَذَا الْوَقْت أَنه رفع قصَّة يُنْهِي فِيهَا تَوْبَته وَيسْأل الْعَفو عَنهُ فَلم يتَذَكَّر السُّلْطَان شَيْئا من خَبره فَقيل لَهُ إِن شهَاب الدّين يعرف خَبره فَبعث إِلَيْهِ فِي ذَلِك وطالعه بأَمْره فأفرج عَن الْكَاتِب وَعَن شهَاب الدّين وَنزل شهَاب الدّين إِلَى دَاره. وَفِيه خلع على الْأَمِير عز الدّين أيدمر الزراق وَاسْتقر فِي ولَايَة ثغر الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن بيبرس الجمدار الركني. وَفِيه توجه جمال الكفاة نَاظر الْخَاص والأمير نجم الدّين وَزِير بَغْدَاد والأمير بيغرا والأمير طيبغا المجدي لإيقاع الحوطة على موجوده. وَذَلِكَ أَن ابْن الصاوي شاد مَعْدن الزمرد رفع فِيهِ أَن يربح فِي سنة من صنف الْخمر وَحده ثَلَاثِينَ ألف دِينَار وَأَن لَهُ بالإسكندرية عقارا كثيرا من جملَته ثَلَاثُونَ بستاناً أقلهَا بِأَلف دِينَار. فَوجدَ أَكثر مَا قيل عَنهُ صَحِيح فَحمل إِلَى الْقَاهِرَة وتعصب لَهُ عدَّة من الْأُمَرَاء حَتَّى تقرر عَلَيْهِ حمل عشْرين ألف دِينَار فحملها وَأَفْرج عَنهُ. وَفِيه نُودي بِالْقَاهِرَةِ أَن يكون صرف الدِّينَار بِخَمْسَة وَعشْرين درهما بَعْدَمَا كَانَ بِعشْرين درهما وَسبب ذَلِك أَن جمال الكفاة نَاظر الْخَاص عمل أوراقاً بِمَا على السُّلْطَان للتجار فَكَانَ مبلغ ألف ألف دِينَار. فَأجَاب السُّلْطَان بِأَن النشو ذكر أَنه وفى التُّجَّار مَا لَهُم وَقصد أَلا يعطهم شَيْئا فَأَشَارَ عَلَيْهِ جمال الكفاة بوفاء جمَاعَة مِنْهُم وَأَن يحْسب عَلَيْهِم الدِّينَار بِخَمْسَة وَعشْرين درهما وَمَا عدا هَذِه الْجَمَاعَة لَا يدْفع لَهُم شَيْء فتوقفت أَحْوَال النَّاس لزِيَادَة سعر الذَّهَب. وَلما نزل جمال الكفاة إِلَى دَار القند بِمصْر ابتهج النَّاس بِهِ فَطرح السكر بِأَقَلّ مِمَّا كَانَ يطرحه النشو على السكريين بِعشْرَة دَرَاهِم القنطار. وَوَقع بِبِلَاد الْبحيرَة والغربية مطر عَظِيم فِيهِ برد كبار تلف بِهِ عدَّة مزارع وَكثير من الأغنام وهبت مَعَ ذَلِك ريَاح عَاصِفَة أَلْقَت النّخل. وفيهَا فرغت مدرسة الْأَمِير آقبغا عبد الْوَاحِد بجوار الْجَامِع الْأَزْهَر. وبلي النَّاس فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 276 عمارتها ببلايا كَثِيرَة: مِنْهَا أَن الصناع كَانَ قد قرر عَلَيْهِم آقبغا أَن يعملوا بِهَذِهِ الْمدرسَة يَوْمًا فِي الْأُسْبُوع بِغَيْر أُجْرَة فَكَانُوا يتناوبون بهَا الْعَمَل سخرة وَمِنْهَا أَنه حمل لَهَا الْأَصْنَاف من النَّاس وَمن العمائر السُّلْطَانِيَّة فَكَانَت مَا بَين غضب وسرقة. وَمَعَ ذَلِك فَإِنَّهُ مَا نزلها قطّ إِلَّا وَضرب وفيهَا من الصناع عدَّة ضربا ومؤلماً فَيصير ذَلِك الضَّرْب زِيَادَة على شدَّة عسف مَمْلُوكه الَّذِي أَقَامَهُ شادا بهَا. فَلَمَّا تمت جمع بهَا الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء وَلم يول بهَا أحدا وَكَانَ الشريف الْمُحْتَسب قد عمل لَهَا بسطا بِنَحْوِ سِتَّة آلَاف دِرْهَم على أَن يَلِي تدريسها فَلم يتم لَهُ ذَلِك. وَفِيه قدم رَسُول الشَّيْخ حسن بن الْأَمِير حُسَيْن بن آقبغا بن أيدكين سبط القان أرغون أبغا بن هولاكو بن طولي بن جنكزخان مُتَوَلِّي الْعرَاق بكتابه يتَضَمَّن طلب عَسْكَر يتسلم بَغْدَاد والموصل وعراق الْعَجم ليقام بهَا الدعْوَة للسُّلْطَان وَسَأَلَ أَن يبْعَث السُّلْطَان إِلَى طغاي بن سونتاي فِي الصُّلْح بَينه وَبَين الشَّيْخ حسن فَأُجِيب إِلَى ذَلِك ووعد بتجهيز الْعَسْكَر. وَركب أَمِير أَحْمد قريب السُّلْطَان إِلَى طغاي وَمَعَهُ هَدِيَّة لينظم الصُّلْح بَينه وَبَين الشَّيْخ حسن. وَفِيه فرغت عمَارَة الخان الَّذِي أنشأه الْأَمِير طاجار الدوادار بجينين من طَرِيق الشَّام وَعمل بِهِ حَوْض مَاء للسبيل يجْرِي إِلَيْهِ المَاء وَعمل بِهِ حَماما وعدة حوانيت يُبَاع بهَا مَا يحْتَاج إِلَيْهِ الْمُسَافِر فَكثر النَّفْع بِهِ. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشرى ربيع الآخر: ركب السُّلْطَان إِلَى قصوره بسرياقوس وَمضى إِلَى خانكاته وَقد تقدمه إِلَيْهَا الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد الْأَصْفَهَانِي والقوام الْكرْمَانِي وَجَمَاعَة من صوفية سعيد السُّعَدَاء. فَوقف السُّلْطَان على الْبَاب بفرسه وَخرج إِلَيْهِ جَمِيع صوفيتها ووقفوا بَين يَدَيْهِ فَسَأَلَهُمْ من يختاروه شَيخا لَهُم بعد وَفَاة الشَّيْخ مجد الدّين مُوسَى بن أَحْمد بن مَحْمُود الأقصرائي فَلم يعينوا أحدا. فولى السُّلْطَان مشيخة الشُّيُوخ بهَا الرُّكْن الملطى خَادِم الْمجد الأقصرائي. وفيهَا قدم الْخَبَر بِأَن أرتنا لم يقم الْخطْبَة بِبِلَاد الرّوم للسُّلْطَان وَلَا ضرب السِّكَّة فَكتب بالغارة على أَطْرَاف بِلَاده. فَقدم رَسُوله بهدية فِيهَا خركاة كسوتها من داخلها وَمن خَارِجهَا حَرِير أطلس ودايرها فرو سمور وبسطها حَرِير قومت بِثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم وَمَعَهَا ثَلَاثُونَ إكديشاً وَأَرْبَعَة سناقر وَعشرَة بزاة وَعشرَة صقور وَسِتُّونَ تفصيلة حَرِير وَمَعَ ذَلِك كتاب يتَضَمَّن الشكوى من غَارة التركمان على أَطْرَاف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 277 بِلَاده. فَأُجِيب بِأَن ذَلِك بِسَبَب أَنه لم يقم الْخطْبَة وَلَا ضرب السِّكَّة باسم السُّلْطَان فِي بِلَاده كَمَا أخبر بِهِ. وفيهَا انْقَطع السُّلْطَان عَن الْخُرُوج إِلَى دَار الْعدْل نَحْو عشْرين يَوْمًا لشغل خاطره بِمَرَض الْأَمِير يلبغا اليحياوي وملازمته لَهُ. وفيهَا ادّعى صَلَاح الدّين يُوسُف بن المغربي الْحَكِيم على أَوْلَاد الْمُلُوك بمبلغ عشرَة آلَاف دِرْهَم عِنْد قَاضِي الْقُضَاة حسام الدّين الغوري تعجلوها مِنْهُ عَن أَرض بروضة مصر. وَكَانَ النشو قد أَخذهَا مِنْهُم وأدخلها فِي ديوَان الْخَاص فَوَجَبَ حَقه على أَوْلَاد الْمُلُوك فَلم يُوَافق القَاضِي على سجنهم وَجَرت بَينه وَبَين ابْن المغربي مُفَاوَضَة جرى فِيهَا على عَادَته من السَّفه فَلم يرخص لَهُ ابْن المغربي. وَآل الْأَمر إِلَى أَن خرج الغوري من الْمدرسَة الصالحية مَاشِيا وَجمع الْحَنَفِيَّة ليطلعوا إِلَى السُّلْطَان ويشكوا من ابْن المغربي. وَمَشى الغوري بالشارع وَبِيَدِهِ عكاز وَكَانَ يَوْمًا مطيراً - والعامة تنظر بِهِ وبجماعته وَقد سبقه ابْن المغربي وشكاه إِلَى السُّلْطَان. فَبعثت السُّلْطَان إِلَيْهِ الْأَمِير طاجار فَوَجَدَهُ قد طلع إِلَى القلعة مَاشِيا ليمين حلف بهَا فَبَلغهُ طاجار الرسَالَة وأراده أَن يرجع فَأبى أَن ينْصَرف حَتَّى يجْتَمع بالسلطان. فَلم يُمكنهُ السُّلْطَان من ذَلِك وواعده إِلَى دَار الْعدْل فَلَمَّا لم يجد سَبِيلا إِلَى الِاجْتِمَاع بِهِ عَاد وطلع يَوْم الْخدمَة إِلَى دَار الْعدْل. واستدعى السُّلْطَان أَوْلَاد الْمُلُوك وَادّعى عَلَيْهِم ابْن المغربي فألزمهم بِالْمَالِ وتسلمهم برسبغا الْحَاجِب حَتَّى أدوه لِابْنِ المغربي بعد إخراق وإهانة بَالِغَة. وَفِيه عمل سماط جليل بالميدان لعافية الْأَمِير يلبغا اليحياوي فِيهِ من الْأَطْعِمَة والأشربة والحلاوات ومشروب السكر مَا يجل وَصفه. واستدعى السُّلْطَان لحضوره جَمِيع صوفية الخوانك والزوايا وَأهل الْخَيْر وَسَائِر الطوائف وَأخرج من الخزانة السُّلْطَانِيَّة ثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم أفرج بهَا عَن المسجونين على دين وَأخرج للأمير يلبغا ثَلَاث حجورة بِمِائَة ألف دِرْهَم وحياصة ذهب مرصعة بالجواهر وَأَفْرج عَن شعْبَان قريب ألماس. وَفِيه خلع على الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن الكوراني وَالِي الغربية وَاسْتقر كاشف الْوَجْه القبلي عوضا عَن أخي ظلظيه لشكوى الْجند مِنْهُ. وَاسْتقر أسندمر مَمْلُوك القنجقي فِي ولَايَة الغربية عوضا عَن ابْن الكوراني بِتَعْيِين الْأَمِير برسبغا الْحَاجِب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 278 وفيهَا جهزت التعابي من الخزانة لنائب الشَّام ونائب حلب ونائب حماة ونائب طرابلس على الْعَادة فِي كل سنة. ورسم بتجهيز تعبئة للأمير ألطنبغا نَائِب غَزَّة وأنعم عَلَيْهِ من مَال دمشق بِخَمْسِينَ ألف دِرْهَم وَألف دِرْهَم وَألف غرارة من غلَّة وَحمل إِلَيْهِ ألف دِينَار وتعبئة قماش وتشريف كَامِل. وفيهَا خلع على الْأَمِير نكبيه البريدي مُتَوَلِّي قطيا وَاسْتقر فِي ولَايَة الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن الزراق لاستعفائه مِنْهَا. وَفِيه قدم أَمِير أَحْمد من بِلَاد الشرق وَقد عقد الصُّلْح بَين طغاي بن سونتاي وَبَين الشَّيْخ حسن الْكَبِير. وفيهَا طلبت النِّسَاء المغاني وصودرن مَا بَين ثَلَاثَة أُلَّاف دِرْهَم وَألف درهبم الْوَاحِدَة وسجن بالحجرة أَيَّامًا حَتَّى تَابَ بَعضهنَّ عَن الْغناء وَتزَوج بقيتهن. وَسبب ذَلِك أَن الْأَمِير آنوك بن السُّلْطَان كَانَ يركب إِلَى جِهَة بركَة الْحَبَش وَعمر لَهُ بهَا حوشاً لطيوره وموضعاً يتنزه بِهِ وأحضر إِلَيْهِ مغنية تعرف بالزهرة فشغف بهَا حَتَّى بلغ السُّلْطَان ذَلِك. فَأسر السُّلْطَان للأمير آقبغا عبد الْوَاحِد أَن يلْزم شاد المغاني والضامنة بالإنكار على المغاني حضورهن مجَالِس الْخمر وَإِقَامَة الْفِتَن وإلزامهن بِمَال يقمن بِهِ عُقُوبَة لَهُنَّ على ذَلِك وأكد عَلَيْهِ فِي أَن يكون ذَلِك من غير أَن ينْسب إِلَى السُّلْطَان أَنه أَمر بِهِ رِعَايَة لآنوك. فَلَمَّا وَقع ذَلِك شقّ على آنوك امْتنَاع الزهرة عَنهُ عدَّة أَيَّام ومازال حَتَّى أَتَتْهُ سرا ولهى بهَا عَن زَوجته ابْنة الْأَمِير بكتمر الساقي حَتَّى علمت أمه بذلك فلشفقتها عَلَيْهِ ترخصت لَهُ وأمكنته من هَوَاهُ. فخاف آنوك من السُّلْطَان ودبر هُوَ وبعص مماليكه حِيلَة أشغل بَال السُّلْطَان عَنهُ وَكتب ورقة يخيله فِيهَا من الْأَمِير بشتاك والأمير آقبغا وألقيت إِلَى السُّلْطَان. فنم بعض مماليكه للأمير آقبغا بذلك فَبَلغهُ السُّلْطَان فَدخل إِلَى الدّور واستدعى آنوك وهم بقتْله بِالسَّيْفِ فمنعته أمه وجواريه. فأرعد آنوك من الْخَوْف وَلزِمَ الْفراش وَتغَير السُّلْطَان على لالاه أرغون العلالي وَأقَام طيبغا المجدي عوضه ورسم بِبيع الدَّار الَّتِي عمرها آنوك ببركة الْحَبَش. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 279 وَفِيه قدم أَبُو بكر ابْن السُّلْطَان من الكرك باستدعاء وَمَعَهُ هَدِيَّة قيمتهَا نَحْو مِائَتي ألف دِرْهَم بعد مَا أَخذ أَمْوَال النَّاس بهَا على سَبِيل الْقَرْض وَكَانَ يقتل من يمْتَنع عَلَيْهِ ويصادره فَمَاتَ جمَاعَة من النَّاس تَحت الْعقُوبَة. وَفِيه توجه جمال الدّين الكفاة نَاظر الْخَاص إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وأوقع الحوطة على دور بيبرس الجمدار الركني نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة بعد مَوته فَوجدَ لَهُ عدَّة دور وحوانيت وَعشْرين بستاناً بَاعهَا بِخَمْسِمِائَة ألف وَسِتِّينَ ألف دِرْهَم وَعَاد. وفيهَا قوى المَاء على الجسر الَّذِي استجده السُّلْطَان بِنَاحِيَة شيبين وَصَارَت الْبِلَاد الواطئة تستبحر. فَاقْتضى رَأْي السُّلْطَان عمل زريبة كالجسر ترد قُوَّة المَاء فندب لعملها الْأَمِير بيبغا حارس الطير. وَفرض السُّلْطَان لذَلِك على الْبِلَاد عَن كل دِينَار ثمن دِرْهَم فجبي نَحْو أَرْبَعمِائَة ألف دِرْهَم. وجمعت البناة والفعلة وعملت أقمنة الجير والجبس والطوب حَتَّى تمت الزريبة فِي طول زِيَادَة على ثَلَاثِينَ آلف قَصَبَة. فَعظم النَّفْع بهَا وَشَمل الرّيّ عدَّة أراض مَا كَانَت تروى قبل ذَلِك إِلَّا فِي الأنيال الْعَالِيَة وَزَاد ارْتِفَاع النواحي بري الْأَرَاضِي. وَبَطل سد بَحر أبي المنجا وَتَأَخر فَتحه بعد أَوَانه بِعشْرَة أَيَّام وَقَامَ مقَامه سد قناطر شيبين وَبَطل مَا كَانَ من ركُوب النَّاس وفرجهم فِي فتح أبي المنجا وأراح الله تَعَالَى مِمَّا كَانَ يعْمل فِيهِ يَوْم فَتحه من الْمُنْكَرَات وَفِيه توجه الْأَمِير بشتاك بآنوك وَأبي بكر وَلَدي السُّلْطَان إِلَى العباسة وَحضر بهما بعد أَيَّام. ثمَّ توجه الْأَمِير يلبغا اليحياوي والأمير بشتاك بطيور السُّلْطَان إِلَى الْبحيرَة وصحبة يلبغا عشرَة أُمَرَاء طبلخاناه. فَدَخَلُوا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَقد تقدمهم جمال الكفاة إِلَيْهَا وجهز لَهُم الإقامات والتعابي والإنعامات فأقاموا ثَلَاثَة أَيَّام وعادوا. فأنعم السُّلْطَان على يلبغا يَوْم وُصُوله بِنَاحِيَة سوهاي من الصَّعِيد وعبرتها خَمْسَة عشر ألف دِينَار وَكتب بتمكين أهل الاسكندرية من فتح دكاكين الرُّمَاة على الْعَادة والإفراج لَهُم عَن السِّلَاح وَذَلِكَ بشفاعة يلبغا. وَفِيه قدم الْبَرِيد بِمَوْت الْأَمِير طقتمر الخازن نَائِب قلعة حلب وَأَنه وجد لَهُ عشرَة أُلَّاف دِينَار وَمِائَة وَسِتُّونَ ألف دِرْهَم. وفيهَا توقفت الْأَحْوَال بِسَبَب صرف الذَّهَب وَعدم وجود الْفضة من بَين النَّاس فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 280 الْأَسْوَاق. فَأخْرج السُّلْطَان من الخزانة ألف دِرْهَم فضَّة فرقت مُدَّة شهر فِي الصيارف وَأخذ عَنْهَا ذهب فمشت الْأَحْوَال قَلِيلا ثمَّ توقفت. وفيهَا قدمت طَائِفَة من الْعَجم لَهُم زِيّ غَرِيب على رُءُوسهم أقباع طوال جدا من فَوْقهَا عمائم مضلعة كَهَيئَةِ الطرطور وَلَهُم شيخ يعرف بالشيخ زَاده. فاحتفل بهم الْأَمِير قوصون وأنزلهم بخانكاته وَعمل لَهُم فِيهَا عدَّة أَوْقَات ثمَّ تحدث قوصون مَعَ السُّلْطَان فِي أَمرهم فولي زَاده مشيخة الخانكاه الركنية بيبرس فباشرها وَعمل بهَا فِي كل لَيْلَة جُمُعَة سَمَاعا قَامَ بِهِ الْأَمِير قوصون. وَفِي رَابِع عشرى شَوَّال: رَحل ركب الْحَاج من بركَة الْحَاج صُحْبَة الْأَمِير بكا الخضري. وَكَانَت الْعَادة أَن يرحل الركب فِي سادس عشره فقصد السُّلْطَان أَلا تطول إِقَامَة الْحَاج بِمَكَّة رفقا بالها فَأخر الرحيل فِي رَابِع عشريه ليوافي الْحجَّاج بِمَكَّة أول ذِي الْحجَّة وَاسْتمرّ ذَلِك فِيمَا بعد. وَسَار أَيْضا الْأَمِير أقبغا عبد الْوَاحِد إِلَى الْحَج بأَهْله. وفيهَا تسلم الْأَمِير زين الدّين قراجا بن دلغادر قلعة طرندة وَأقَام بهَا الدعْوَة للسُّلْطَان. وَذَلِكَ أَن مرجان الْخَادِم نَائِب طرندة من قبل أرتنا توجه مِنْهَا إِلَى مخدومه فِي مُهِمّ لَهُ فَنزل عَلَيْهَا من أُمَرَاء التركمان أَمِير عَليّ بن الكركري وَإِبْرَاهِيم كندلكي وَقَرَأَ خَلِيل بن البكي وَابْن قرا فِي زهاء أَرْبَعِينَ رجلا وَقد باطنهم رجل من أهل القلعة وجذب الْأَرْبَعين بجبال إِلَيْهَا فَقتلُوا من بهَا من جمَاعَة أرتنا واستولوا عَلَيْهَا وأسلموها لِابْنِ دلغادر. فَكتب إِلَى السُّلْطَان بذلك فأنعم بهَا على الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام فَبعث إِلَيْهَا تنكز وعمرها وَلم تزل قلعة طرندة بأيدي سلاطين مصر إِلَى أَن مَاتَ الظَّاهِر برقوق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 281 وفيهَا هبت سموم ورياح عَاصِفَة بجبل طرابلس وَسقط نجم اتَّصل نوره بِالْأَرْضِ مَعَ رعد قوي إِلَى الْغَايَة وعلقت مِنْهُ نَار فِي أَرَاضِي الجون أحرقت عدَّة أَشجَار ومنازل فَكَانَ ذَلِك آيَة. وَنزلت من السَّمَاء نَار بقرية الفيجة من عمل دمشق على قبَّة خشب أحرقتها وأحرقت ثَلَاثَة بيُوت بجانبها. وَفِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء سادس عشريه: وَقع بِدِمَشْق فِي أول اللَّيْل حريق بالدهشة شَرْقي الْجَامِع الْأمَوِي فَعظم الْأَمر حَتَّى وصل إِلَى الْجَامِع وَتعلق بالمنارة الشرقية وَسقط على الجملون الرصاص. فبادر النَّاس جَمِيعًا إِلَيْهِ وأطفأوه بِحَضْرَة الْأَمِير تنكز فِي مُدَّة يَوْمَيْنِ بلياليها. ثمَّ وَقع أَيْضا فِي لَيْلَة السبت أول ذِي الْقعدَة: حريق أخر بقيسارية القواسين والكفتيين وسوق الْخَيل من دمشق وَكَانَ أمرا مهولاً مُدَّة يَوْمَيْنِ بلياليها. فَعدم فِيهَا نَحْو خَمْسَة وَثَلَاثِينَ ألف قَوس وعدمت أَمْوَالًا عَظِيمَة مِنْهَا للتجار خَاصَّة مَا مبلغة ألف وسِتمِائَة ألف دِينَار وَخَربَتْ أَمَاكِن كَثِيرَة. فَبينا النَّاس فِي ذَلِك إِذْ وجدت ورقة فِيهَا: الْمَمْلُوك الناصح تَتَضَمَّن أَن أَمر الْحَرِيق يظْهر إِذا أمسك يَعْقُوب غُلَام المكين كَاتب الْجَيْش فَقبض على الْمَذْكُور وعوقب فاعترف على أستاذه عدَّة من كتاب النَّصَارَى وأحضروا بَين يَدي الْأَمِير تنكز فأقروا جَمِيعًا بذلك. فأوقع تنكز الحوطة على موجودهم وَكتب عَلَيْهِم محضراً ملخصه: أَن الرشيد سَلامَة بن سُلَيْمَان بن مرجا النَّصْرَانِي كَاتب الْأَمِير علم الدّين سنجر البشمقدار أشهد عَلَيْهِ أَنه حضر إِلَيْهِ منتصف شَوَّال المكين يُوسُف بن مجلي كَاتب الْأَمِير بهادر آص والمكين يُوسُف عَامل الْجَيْش وصحبتهما راهبان أَحدهمَا اسْمه ميلاني وَالْآخر اسْمه عازر وفدما من الْقُسْطَنْطِينِيَّة ليجاهدا فِي الْملَّة الإسلامية ومعابدها وَقد باعا نفسيهما على ذَلِك وأنهما يعلمَانِ صناعَة النفط. فَاجْتمعُوا فِي بُسْتَان المكين يُوسُف وأحضر لَهُم مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ من النفط وَعمِلُوا كعكات وتنكروا فِي لباسهم ونزلوا إِلَى الدهشة وَتَفَرَّقُوا فِي جوانبها وابتاعوا مِنْهَا قماشاً ودفعوا ثمنه لصَاحبه وَجعلُوا القماش عِنْده وَدِيعَة وَقد دسوا فِيهِ تِلْكَ الكعكات المصنوعة فَوَقع مِنْهَا ذَلِك الْحَرِيق ثمَّ دفعُوا إِلَى الجرائحي النَّصْرَانِي الَّذِي على بَاب قيسارية القواسين خَمْسمِائَة دِرْهَم وكعكة من تِلْكَ الكعكات فَرمي بهَا فِي دكان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 282 دَاخل القيسارية فَكَانَ مِنْهَا الْحَرِيق الثَّانِي وَأَن الراهبين الْمَذْكُورين خرجا بعد ذَلِك بكتب الْجَمَاعَة إِلَى بيروت حَتَّى سيرهم الْعَامِل بهَا فِي مركب إِلَى قبرص وأرخ الْمحْضر بعشرى ذِي الْقعدَة وَحمل إِلَى السُّلْطَان. ثمَّ سمر الْجَمَاعَة فِي يَوْم السبت ثَانِي عشرى ذِي الْقعدَة بَعْدَمَا عوقبوا عقوبات عَظِيمَة وعددهم أحد عشر رجلا: وهم المكين يُوسُف بن مجلي عَامل الْجَيْش وَأَخُوهُ والمكين جرجس كَاتب الحوطات والمكين كَاتب بهادر آص وسمعان وَأَخُوهُ بِشَارَة والرشيد سَلامَة بن سُلَيْمَان كَاتب سنجر البشمقدار وَالْعلم عَامل بيروت والجرائحي وجزاران نصرانيان وشخص يعرف بسبيل الله وَكَانَ هَذَا الرجل بِالْقَاهِرَةِ سنة خمس وَعشْرين بزِي غَرِيب يلبس جلدا وَيحمل على كتفه زيراً نُحَاسا أندلسياً وَبِيَدِهِ شربات كَذَلِك وَيَقُول بِلِسَان غتمي: سَبِيل الله ويسقي النَّاس بِغَيْر جعل فَمن النَّاس من اعتقده وَمِنْهُم من اتهمَ أَنه جاسوس ثمَّ خرج هَذَا الرجل حَاجا وَقدم دمشق وَأقَام بهَا يسْقِي المَاء حَتَّى دخل مَعَ النَّصَارَى فِيمَا قَامُوا فِيهِ من أَمر الْحَرِيق وَلما سمروا وسطوا بعد يَوْمَيْنِ وَوجد لَهُم مَا ينيف على آلف دِرْهَم أنْفق مِنْهَا فِي عمَارَة مَنَارَة الْجَامِع والدهشة. فَكتب السُّلْطَان إِلَى تنكز يُنكر عَلَيْهِ قتل النَّصَارَى وَأَن فِي ذَلِك إغراء لأهل الْقُسْطَنْطِينِيَّة بِمن يرد إِلَيْهِم من التُّجَّار الْمُسلمين وقتلهم وَيَأْمُر بِحمْل مَا وجد من المَاء وَأَن يُجهز بَنَاته اللَّاتِي عقد لأَوْلَاد السُّلْطَان عَلَيْهِنَّ. فَأجَاب تنكز بالاعتذار عَن تجهيز بَنَاته بِمَا شغله من عمَارَة مَا أحرق وَأَن المَال الَّذِي وجد لِلنَّصَارَى قد جعله لعمارة الْجَامِع وجهر قرمجي بذلك فَلم يرض السُّلْطَان وَتغَير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 283 على قرمجي وَكتب مَعَه إِلَيْهِ بِأَنَّهُ لابد من تجهيز بَنَاته. تمّ أر كب السُّلْطَان الْأَمِير طاجار الدوادار على الْبَرِيد إِلَى دمشق بملطفات فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشرى ذِي الْحجَّة وَكَانَ طاجار قد ثقل عَلَيْهِ أَمر تنكز وَأخذ فِي زَوَاله وَجعل توجهه إِنَّمَا هُوَ لعتب تنكز على تَأْخِيره حمل بَنَاته. وَكَانَ قد بلغ تنكز تغير السُّلْطَان عَلَيْهِ فَجهز أَمْوَاله ليحملها إِلَى قلعة جعبر وَيخرج إِلَيْهَا بِحجَّة أَنه يتصيد. فَقدم عَلَيْهِ طاجار قبل ذَلِك فِي يَوْم الْأَحَد رَابِع عشره وعتبه وبلغه عَن السُّلْطَان مَا حمله فَتغير الْأَمِير تنكز وبدا مِنْهُ مَا حفظه عَلَيْهِ طاجار. وَعَاد طاجار إِلَى السُّلْطَان فِي يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع عشر ذِي الْحجَّة قبل الصَّلَاة فأغرى السُّلْطَان بِهِ وَأَنه قد عزم على الْخُرُوج من دمشق. فَطلب السُّلْطَان بعد الصَّلَاة الْأَمِير بشتاك والأمير بيبرس الأحمدي والأمير جنكلي بن البابا والأمير أرقطاي والأمير طقزدمر فِي آخَرين وعرفهم أَن تنكز قد خرج عَن الطَّاعَة وَأَنه يبْعَث إِلَيْهِ تجريدة مَعَ الْأَمِير جنكلي والأمير بشتاك والأمير أرقطاي والأمير أرنبغا أَمِير جندار والأمير قماري أَمِير شكار والأمير قماري أَخُو بكتمر الساقي والأمير برسبغا الْحَاجِب. وَمَعَ هَذِه الْأُمَرَاء السَّبْعَة ثَلَاثُونَ أَمِير طبلخاناه وَعِشْرُونَ أَمِير عشرَة وَمن الطبلخاناه ملكتمر السرجواني وقباتمر الجمدار المظفري وبلك الجمدار المظفري وبكا الخصري وَمُحَمّد بن الْأَمِير جنكلي وأمير عَليّ بن صغريل وأمير أَحْمد الساقي قريب السُّلْطَان ونيررز وطقتمر قلي وبيغرا السِّلَاح دَار وقراجا السِّلَاح دَار وطيبغا المجدي وطاجار الدوادار وبغاتمر وتمربغا الْعقيلِيّ وطقتمر الصلاحي وجركتمر بن بهادر وَسيف الناصري وطقبغا الناصري وبيبغا حارس الطير وأيتمش الناصري وأباجي الْوَافِد وأرلان التتري الْوَافِد وملكتمر السعيدي وأمير مَحْمُود بن خطير وَخَمْسُونَ نَفرا من مقدمي الْحلقَة وَأَرْبَعمِائَة من المماليك السُّلْطَانِيَّة وَجلسَ السُّلْطَانِيَّة وَجلسَ السُّلْطَان وعرضهم. ثمَّ جمع السُّلْطَان فِي يَوْم السبت عشريه الْأُمَرَاء جَمِيعهم وَحلف المجردين والمقيمين لَهُ ولولده الْأَمِير أبي بكر من بعده وَطلب الأجناد من النواحي للحلف فَكَانَت بِالْقَاهِرَةِ حركات كَثِيرَة. وَحمل السُّلْطَان لكل مقدم آلف مبلغ آلف دِينَار وَلكُل أَمِير طبلخاناه أَرْبَعمِائَة دِينَار وَلكُل مقدم حَلقَة آلف دِرْهَم وَلكُل مَمْلُوك خَمْسمِائَة دِرْهَم وَفرس وقرقل وخوذة وَغير ذَلِك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 284 فاتفق قدوم الْأَمِير مُوسَى بن مهنا فِي يَوْم السبت هَذَا فقرر مَعَه السُّلْطَان الْقَبْض على تنكز وَكتب إِلَى العربان بِأخذ الطرقات من كل جِهَة على تنكز. وَبعث السُّلْطَان بهادر حلاوة من طَائِفَة الأوجاقية على الْبَرِيد إِلَى ألطنبغا الصَّالِحِي نَائِب غَزَّة وَسيف الدّين طشتمر نَائِب صفد وَالِي أُمَرَاء دمشق بملطفات كَثِيرَة وَأخرج مُوسَى بن مهنا لتجهيز العربان وإقامته على حمص واهتم بِأَمْر تنكز اهتماماً زَائِدا وَكثر قلقه وتنغص عيشه. وَخرج الْعَسْكَر إِلَى دمشق فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشرى ذِي الْحجَّة وَكَانَ حلاوة الأوجاقي قد قدم على الْأَمِير ألطنبغا الصَّالِحِي نَائِب غَزَّة بملطفه وَفِيه أَنه قد اسْتَقر فِي نِيَابَة الشَّام عوضا عَن تنكز وَأَن الْعَسْكَر وَاصل إِلَيْهِ ليسيروا بِهِ إِلَى دمشق وَأَن الْأَمِير طشتمر نَائِب صفد قد كتب إِلَيْهِ بالركوب إِلَى دمشق ليركب هُوَ والأمير قطلوبغا الفخري ويقبضا على تنكز فسر ألطنبغا بذلك وَوجه حلاوة إِلَى صفد فَقَدمهَا لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ ثَالِث عشريه أول اللَّيْل وأوقف الْأَمِير طشتمر على ملطفه فَركب فِي سَاعَته فِي ثَمَانِينَ فَارِسًا وسَاق إِلَى دمشق. وَاجْتمعَ طشتمر مَعَ قطلوبغا الفخري وسنجر البشمقدار وبيبرس السلحدار وَكَانَ قد قدم حلاوة إِلَى أُمَرَاء دمشق بكرَة يَوْم الثلائاء وَهُوَ متنكر وأوصل الملطفات إِلَى أَصْحَابهَا وَقد سبقته ملطفات الْأَمِير ألطنبغا من غَزَّة. فاتفق ركُوب الْأَمِير تنكز فِي ذَلِك الْيَوْم إِلَى قصره فَوق ميدان الْحَصَا فِي خواصه للنزهة وبينما هُوَ فِي ذَلِك إِذْ بلغه قدوم الْخَيل من صفد فَعَاد إِلَى دَار السَّعَادَة وألبس مماليكه السِّلَاح فَلم يكن بأسرع من أَن أحَاط بِهِ أُمَرَاء دمشق. وَوَقع الصَّوْت بوصول طشتمر نَائِب صفد فَخرج الْعَسْكَر إِلَى لِقَائِه وَقد نزل مَسْجِد الْقدَم. فَأمر طشتمر جمَاعَة من الْأُمَرَاء أَن يعودوا إِلَى تنكز ويخرجوه إِلَيْهِ فَدخل عَلَيْهِ مِنْهُم تمر الساقي وطرنطاي والبشمقدار وبيبرس السِّلَاح دَار وعرفوه مرسوم السُّلْطَان وأخذوه وأركبوه إكديشاً وَسَارُوا بِهِ إِلَى نَائِب صفد وَهُوَ وَاقِف بالعسكر فِي ميدان الْحَصَا وَقبض على جنغيه وطعيه مملوكي تنكز وسجنا بالقلعة. وَأمر طشتمر بتنكز فَأنْزل عَن فرسه على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 285 ثوب سرج وَقَيده قرمجي مَمْلُوكه وأخده الْأَمِير بيبرس السِّلَاح دَار وَتوجه بِهِ إِلَى الْكسْوَة فَحدث لَهُ إسهال ورعدة خيف عَلَيْهِ مِنْهُ الْمَوْت وَأقَام بهَا يَوْمًا وَلَيْلَة ثمَّ مضى بِهِ بيبرس إِلَى الْقَاهِرَة وَنزل الْأَمِير طشتمر نَائِب صفد بِالْمَدْرَسَةِ النجيبية. وَتقدم بهادر حلاوة عِنْدَمَا قبض على تنكز ليبشر السُّلْطَان فَقدم لَيْلًا بلبيس والعسكر نَازل عَلَيْهَا وَعرف الْأَمِير بشتاك ثمَّ سَار إِلَى السُّلْطَان فَقدم وَمَعَهُ أحد مماليك السُّلْطَان ومملوك طاجار الدوادار فِي خَامِس عشريه وَأخْبرهُ الْخَبَر فسر سُرُورًا كثيرا. وَكتب السُّلْطَان بِعُود الْعَسْكَر من بلبيس خلا الْأَمِير بشتاك والأمير أرقطاي والأمير برسغبا الْحَاجِب وَجَمَاعَة فَإِنَّهُم يتوجهون إِلَى دمشق وَأَن يُقيم الْأَمِير بيغرا أَمِير جندار والأمير قماري أَمِير شكار بالصالحية إِلَى أَن يقدم الْأَمِير تنكز فيدخلا بِهِ. فَعَاد الْعَسْكَر من بلبيس وَتوجه بشتاك ورفيقاه إِلَى دمشق فَركب مَعَهم الْأَمِير ألطنبغا من غَزَّة فَلَقوا الْأَمِير تنكز على بيسان. وفيهَا فرغ قصر الْأَمِير سيف الدّين بشتاك الناصري بِخَط بَين القصرين من الْقَاهِرَة. وَذَلِكَ أَن الْأَمِير قوصون لما أَخذ قصر بيسري وجدد عِمَارَته أحب الْأَمِير بشتاك أَن يعْمل لَهُ قصراً تجاه قصر بيسري فَدلَّ على دَار الْأَمِير بكناش الفخري الصَّالِحِي أَمِير سلَاح وَهِي أحد قُصُور الْخُلَفَاء الفاطميين الَّتِي اشْتَرَاهَا بكتاش من ذُرِّيتهمْ وَأَنْشَأَ بهَا دوراً وإسطبلات وَأبقى مَا وجد فِيهَا من الْمَسَاجِد فَشَاور بشتاك السُّلْطَان على أخدها فرسم لَهُ بذلك فَأَخذهَا من أَوْلَاد بكتاش وأرضاهم وأنعم لَهُ السُّلْطَان بِأَن كَانَت داخلها برسم الفراشخاناه السُّلْطَانِيَّة وَأخذ دَار أقطوان الساقي بجوارها وَهدم الْجَمِيع وَأَنْشَأَ قصراً مطلاً على الطَّرِيق ارتفاعه أَرْبَعُونَ ذِرَاعا وأساسه أَرْبَعُونَ ذِرَاعا وأجرى إِلَيْهِ المَاء ينزل من شادروان إِلَى بركَة. وأخرب بشتاك فِي عمل هَذَا الْقصر أحد عشر مَسْجِدا وَأَرْبَعَة معابد أدخلها فِيهِ وَلم يجدد مِنْهَا سوى مَسْجِد الفجل وَقد سمي هَذَا الْمَسْجِد بذلك الِاسْم من أجل أَن قيمه يعرف بالفجل وَأَنْشَأَ خَانا تجاه خَان الزَّكَاة ثمَّ بَاعَ بشتاك هَذَا الْقصر لزوجته الَّتِي كَانَت تَحت بكتمر الساقي. وفيهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 286 خطب للخليفة الواثق بِاللَّه إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد المستمسك بن أَحْمد الْحَاكِم بِأَمْر الله. وَذَلِكَ أَن الْخَبَر قدم فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشر شعْبَان بِمَوْت الْخَلِيفَة المستكفي بِاللَّه أبي الرّبيع سُلَيْمَان بقوص فِي مستهل شعْبَان بعد موت ابْنه صَدَقَة بِقَلِيل وَأَنه اشْتَدَّ جزعه عَلَيْهِ وَأَنه قد عَهده لوَلَده أَحْمد بِشَهَادَة أَرْبَعِينَ عدلا وَأثبت قَاضِي قوص ذَلِك. فَلم يمض السُّلْطَان عَهده وَطلب إِبْرَاهِيم فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ خَامِس عشرى شعْبَان وَأَجْلسهُ بجانبه وحادثه ثمَّ قَامَ إِبْرَاهِيم وَخرج مَعَه الْحجاب بَين يَدَيْهِ ثمَّ طلع إِلَى السُّلْطَان فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَالِث عشر رَمَضَان وَقد اجْتمع الْقُضَاة بدار الْعدْل على الْعَادة فعرفهم السُّلْطَان بِمَا أَرَادَ من إِقَامَة إِبْرَاهِيم فِي الْخلَافَة وَأمرهمْ بمبايعته فَأَجَابُوا بِعَدَمِ أَهْلِيَّته وَأَن المستكفي عهد إِلَى وَلَده أَحْمد بِشَهَادَة أَرْبَعِينَ عدلا وحاكم قوص وَيحْتَاج إِلَى النّظر فِي عَهده. فَكتب السُّلْطَان بِطَلَب أَحْمد وعائلة أَبِيه وَأقَام الخطباء بديار مصر وَالشَّام نَحْو أَرْبَعَة أشهر لَا يذكرُونَ فِي خطبهم الْخَلِيفَة. فَلَمَّا قدم أَحْمد من قوص لم يمض السُّلْطَان عَهده وَطلب إِبْرَاهِيم وعرفه قبح سيرته فأظهر التَّوْبَة مِنْهَا وَالْتزم بسلوك طَرِيق الْخَيْر فاستدعى السُّلْطَان الْقُضَاة فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ وعرفهم أَنه أَقَامَ إِبْرَاهِيم فِي الْخلَافَة فَأخذ قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين عبد الْعَزِيز بن جمَاعَة يعرفهُ سوء أَهْلِيَّته للخلافة فَأجَاب بِأَنَّهُ قد تَابَ والتائب من الذَّنب كمن لَا ذَنْب لَهُ وَقد وليته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 287 فَاشْهَدُوا عَليّ بولايته. ورتب لَهُ السُّلْطَان مَا جرت بِهِ الْعَادة وَهُوَ ثَلَاثَة آلَاف وَخَمْسمِائة وَسِتُّونَ درهما وَتِسْعَة عشر أردب شَعِيرًا فِي كل شهر فَلم يُعَارضهُ أحد. وخطب لَهُ فِي يَوْم الْجُمُعَة سادس ذِي الْقعدَة. ولقب بالواثق بِاللَّه أبي اسحاق فَكَانَت الْعَامَّة تسميه المستعطي فَإِنَّهُ كَانَ يستعطى من النَّاس مَا يُنْفِقهُ وَشهر بارتكاب أُمُور غير مرضية. وفيهَا اسْتَقر فِي قَضَاء الشَّافِعِيَّة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن الْفَخر خَلِيل بن إِبْرَاهِيم الرَّسْعَنِي عوضا عَن زين عمر بن مُحَمَّد بن عبد الْحَاكِم البلفيائي. وفيهَا اسْتَقر نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الصاحب شرف الدّين يشوب بن عبد الْكَرِيم بن أبي الْمَعَالِي الْحلَبِي فِي كِتَابَة السِّرّ بحلب عوضا عَن شهَاب الدّين أَحْمد بن القطب الْمصْرِيّ. وفيهَا اسْتَقر الشَّيْخ حسن الْكَبِير بن الْأَمِير حُسَيْن بن آقبفا بن أيدكين وَهُوَ سبط القان أرغون بن أبغا بن هولاكو فِي مملكة بَغْدَاد قدم إِلَيْهَا من خُرَاسَان وَكَانَ الشَّيْخ حسن الصَّغِير بن دمرداش إِذْ ذَاك حَاكم توريز. وَكَانَ قاع النّيل فِي هَذِه السّنة أَرْبَعَة أَذْرع وَخَمْسَة أَصَابِع وانتهت زِيَادَته إِلَى سَبْعَة عشر ذِرَاعا وَتِسْعَة عشر أصبعاً. وَمَات فِيهَا من الْأَعْيَان شهَاب الدّين أَحْمد بن عِيسَى بن جَعْفَر الأرمنتي الْمصْرِيّ عرف بِابْن الْكَمَال فِي جُمَادَى الأولى سمع من الأبرقوهي وَكَانَ ثِقَة. وَتُوفِّي الشَّيْخ مجد الدّين أَبُو بكر بن إِسْمَاعِيل بن عبد الْعَزِيز الزنكلوني الشَّافِعِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء رَابِع ربيع الأول وَله شرح التَّنْبِيه فِي الْفِقْه وَغَيره وَولي مشيخة خانكاه بيبرس. وَتُوفِّي الْخَلِيفَة المستكفي بِاللَّه أَبُو الرّبيع سُلَيْمَان ابْن الْخَلِيفَة الْحَاكِم بأمرالله أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن الْحسن بن أبي بكر بن أبي عَليّ بن الْحسن العباسي بِمَدِينَة قوص عَن سِتّ وَخمسين سنة وَسِتَّة أشهر وَأحد عشر يَوْمًا وَفِي خَامِس شعْبَان وَكَانَت خِلَافَته تسعا وَثَلَاثِينَ سنة وشهرين وَثَلَاثَة عشر يَوْمًا وَكَانَ حشماً كَرِيمًا فَاضلا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 288 وَتُوفِّي خطيب أحميم علم الدّين عَليّ وَكَانَ لَهُ مَال كثير وإفضال كثير. أضَاف السُّلْطَان مرَّتَيْنِ وَكَفاهُ بِجَمِيعِ مَا يحْتَاج إِلَيْهِ وَأهْدى إِلَى جَمِيع الْأُمَرَاء وَعمر مدرسة بِمَدِينَة أحميم وَمَات الْأَمِير ركن الدّين بيبرس الأوحدي وَالِي القلعة أحد المماليك المنصورية فِي يَوْم السبت تَاسِع عشر ربيع الأول. وَمَات الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْأَمِير عز الدّين أيدمر الخطيري وَكَانَ خيرا. وَمَات بِدِمَشْق الْأَمِير آقسنقر مشد الْعِمَارَة الْمَنْسُوب إِلَيْهِ قنطرة آقسنقر على الخليج خَارج الْقَاهِرَة وَالْجَامِع بسويقة السباعين على الْبركَة الناصرية فِيمَا بَين الْقَاهِرَة ومصر وَمَات الْأَمِير علم الدّين عَليّ بن حسن المرواني وَالِي الْقَاهِرَة فِي ثَانِي عشر رَجَب بعد مقاساة أمراض شنيعة مُدَّة سنة وَكَانَ سفاكاً أفاكاً ظلوماً غشوماً اقترح فِي ولَايَته عقوبات مهولة: مِنْهَا نعل الرجل فِي رجلَيْهِ بالحديد كَمَا تنعل الْخَيل وَمِنْهَا تَعْلِيق الرجل بيدَيْهِ وَتَعْلِيق مقابرات العلاج فِي رجلَيْهِ فتنخلع أعضاؤه وَيَمُوت وَقتل خلقا كثيرا من الْكتاب وَغَيرهم فِي أَيَّام النشو وَلما حملت جنَازَته وقف عَالم عَظِيم لرجمه فَركب الْوَالِي وَابْن صابر الْمُقدم حَتَّى طردهم. وَمَات الْأَمِير بهادر البدري نَائِب الكرك وَهُوَ منفي بطرابلس. وَتُوفِّي شرف الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد بن عَسْكَر بن مظفر القيراطي الشَّافِعِي بِالْقَاهِرَةِ عَن سبعين سنة تصدر بالجامع الْأَزْهَر وباشر قَضَاء دمياط. وَتُوفِّي جمال الدّين عبد القاهر بن مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التبريزي الْحَرَّانِي الشَّافِعِي قَاضِي دمياط كَانَ فَقِيها أديباً شَاعِرًا خَطِيبًا. وَتُوفِّي الشَّيْخ مجد الدّين أَبُو حَامِد مُوسَى بن أَحْمد بن مَحْمُود الأقصرائي شيخ الشُّيُوخ فِي يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشر ربيع الآخر وَقد أناف على السّبْعين بخانكاه سرياقوس. وَمَات الْأَمِير ركن الدّين بيبرس الركني المظفري كاشف الْبحيرَة ووالي ثغر الْإسْكَنْدَريَّة عَن مَال كثير. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 289 وَمَات شرف الدّين عبد الْوَهَّاب بن التَّاج فضل الله الْمَعْرُوف بالنشو نَاظر الْخَاص فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِي ربيع الآخر كَانَ أَبوهُ يكْتب عِنْد الْأَمِير بكتمر الحاحب وَهُوَ يَنُوب عَنهُ ثمَّ انْتقل إِلَى مُبَاشرَة ديوَان الْأَمِير أركتمر الجمدار ثمَّ ولي اسْتِيفَاء الدولة ثمَّ بَاشر ديوَان الْأَمِير آنوك ابْن السُّلْطَان وأكره حَتَّى أظهر الْإِسْلَام وَولي نظر الْخَاص السلطاني فَبلغ مَا لم يبلغهُ أحد من الأقباط فِي دولة التّرْك وَتقدم عِنْد السُّلْطَان على كل أحد وخدمه جَمِيع أَرْبَاب الأقلام وَكَانَ محْضر سوء لم يشْتَهر عَنهُ شَيْء من الْخَيْر وَجمع من الْأَمْوَال مَا لم يجمعه وَزِير للدولة التركية وَكَانَ مظفراً مَا ضرب على أحد إِلَّا ونال غَرَضه مِنْهُ بالإيقاع بِهِ وتخريب دياره وَقتل على يَدَيْهِ عدَّة من الْوُلَاة وَالْكتاب واجتهد غَايَة جهده فِي قتل مُوسَى بن التَّاج إِسْحَاق وعاقبة سِتَّة أشهر بأنواع الْعُقُوبَات من الضَّرْب بالمقارع وَالْعصر فِي كعابه وتسعيطه بِالْمَاءِ وَالْملح وبالخل والجير وَغير ذَلِك مَعَ نحافة بدنه ومرضه بالربو والحمى فَلم يمت وعاش التَّاج مُوسَى هَذَا ثَلَاثِينَ سنة بعد هَلَاك النشو. وَمَات مجد الدّين رزق الله بن فضل الله أَخُو النشو خدم وَهُوَ نَصْرَانِيّ فِي اسْتِيفَاء الْخَاص أَيَّام أَخِيه ثمَّ أسلم على يَد السُّلْطَان فِي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ كرها وخدم عِنْد الْأَمِير ملكتمر الْحِجَازِي فَعظم شَأْنه وَفعل خيرا فَلَمَّا قبض على أَخِيه قبض عَلَيْهِ مَعَه فذبح نَفسه فِي ثَالِث صفر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 290 (سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة) فِي يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع الْمحرم: وصل الْأَمِير سيف الدّين تنكز نَائِب الشَّام وَهُوَ متضعف صُحْبَة الْأَمِير بيبرس السِّلَاح دَار وَأنزل من القلعة بمَكَان ضيق حرج. وَقصد السُّلْطَان ضربه بالمقارع فَقَامَ الْأَمِير قوصون فِي الشَّفَاعَة لَهُ حَتَّى أُجِيب إِلَى ذَلِك وَبعث إِلَيْهِ السُّلْطَان يهدده حَتَّى يعْتَرف بِمَا لَهُ من المَال وَيذكر من كَانَ مُوَافقا على الْعِصْيَان من الْأُمَرَاء. فَأجَاب تنكز بِأَنَّهُ لَا مَال لَهُ سوى ثَلَاثِينَ ألف دِينَار وَدِيعَة عِنْده لأيتام بكتمر الساقي وَأنكر أَن يكون خرج عَن الطَّاعَة. فَأمر السُّلْطَان فِي اللَّيْل فَأخْرج مَعَ ابْن صابر الْمُقدم وأمير جندار وَحمل فِي حراقة بالنيل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فَقتله بهَا إِبْرَاهِيم بن صابر الْمُقدم فِي يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس عشره. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادسه: قدم الْأَمِير بشتاك والأمير ألطنبغا الصَّالِحِي إِلَى دمشق فِيمَن مَعَهُمَا من الْأُمَرَاء وَقد خرج النَّاس إِلَى لقائهم فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَنزل الْأَمِير ألطنبغا بدار السَّعَادَة وَنزل الْأَمِير بشتاك بالميدان. ثمَّ قبض على الْأَمِير صاروجا المظفري ألجيبغا العادلي وَطلب من ألزام تنكز مملوكاه جنغيه وطغيه وسلما للأمير برسبغا فعاقبهما أَشد عُقُوبَة على المَال وَقبض على أولادهما وحواشيهما وأوقع الحوطة على موجوديهما وموجود صاروجا وألجيبغا ثمَّ وسط جنغيه وطغيه بسوق الْخَيل وأكحل صاروجا. وتتبعت أَمْوَال تنكز فَوجدَ لَهُ مَا يجل وَصفه وعملت لبيع حواصلة عدَّة حلق تولى البيع فِيهَا الْأَمِير ألطنبغا نَائِب الشَّام والأمير أرقطاي وهما أعدى عَدو لَهُ وَكَانَ فِي ذَلِك عِبْرَة لمن اعْتبر. وَظهر لَهُ من التحف السنيه مَا يعز وجود مثله. مِنْهَا مِائَتَا منديل زركش وَمِائَة حياصة مرصعة بالجوهر وَأَرْبَعمِائَة حياصة ذهب وسِتمِائَة كلفتاه وَثَمَانِية وَسِتُّونَ بقجه بهَا بدلات ثِيَاب زركش وألفا ثوب أطلس وَمِائَتَا تخفيفة زركش وَذهب مختوم أَرْبَعمِائَة ألف مِثْقَال. واشتملت جملَة مَا أبيع لَهُ على مِائَتي ألف دِينَار فَكَانَ جملَة الْعين سِتّمائَة ألف دِينَار وَأَرْبَعمِائَة دِينَار. وَوجد لَهُ من الهجن وَالْخَيْل وَالْجمال البخاتي وَغَيرهَا نَحْو أَرْبَعَة أُلَّاف ومائتي رَأس وَذَلِكَ سوى مَا أَخذه الْأُمَرَاء ومماليكهم فَإِنَّهُم كَانُوا ينهبون مَا يخرج بِهِ نهباً. وَوجد لَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 291 من الثِّيَاب الصُّوف وَمن النصافي مَا لَا ينْحَصر وظفر الْأَمِير بشتاك بجوهر لَهُ ثمين اخْتصَّ بِهِ. وحملت حرمه وَأَوْلَاده إِلَى مصر صُحْبَة الْأَمِير بيغرا بَعْدَمَا أَخذ. لَهُم من الْجَوْهَر واللؤلؤ والزركش شَيْء كثير. وَوجد لألجيبغا العادلي مبلغ مائَة وَعشْرين ألف دِرْهَم وَألف ومائتي دِينَار وأصناف كَثِيرَة فبلغت تركته سِتّمائَة ألف دِرْهَم. وَلم يُؤْخَذ لصاروجا غير أَرْبَعِينَ ألف دِرْهَم وصودر جمَاعه من ألزام تنكز فَأخذ مِنْهُم نَحْو الألفي ألف دِرْهَم. ثمَّ توجه الْأَمِير بشتاك من دمشق وَقدم قلعه الْجَبَل فَخلع عَلَيْهِ وَأكْرم إِكْرَاما زَائِدا. ثمَّ قدم الْأَمِير قطلوبغا الفخري باستدعاء فَخلع عَلَيْهِ وأنعم عَلَيْهِ بتقدمة ألف ثمَّ قدم الْأَمِير وخلع على الْأَمِير مَسْعُود بن خطير الْحَاجِب بنيابة غَزَّة وأنعم على برسبغا بتقدمته وحجوبيته وَكتب بِحُضُور طرغاي من حلب. وفيهَا اسْتَقر الْأَمِير أرقطاي فِي نِيَابَة طرابلس عوضا عَن طينال وَأقَام طينال بِدِمَشْق. وفيهَا اسْتَقر الْأَمِير أقسنقر السلاري فِي نِيَابَة صفد عوضا عَن الْأَمِير طشتمر. وَلما قدم حَرِيم تنكز أنزلوا فِي دَاره بِخَط الكافوري وَكَانَ قد أخرج جمال الكفاة نَاظر الْخَاص مِنْهَا حواصل جليلة مَا بَين أواني صيني ومسك وعود وَغير ذَلِك أَقَامَ فِي بَيْعه مُدَّة أَرْبَعَة أشهر وَبَلغت قيمتهَا نَحْو ثَمَانِينَ ألف دِرْهَم وَألْفي دِينَار سوى مَا أنعم بِهِ على الْأُمَرَاء. وَوجد لتنكز بقلعة جعبر مبلغ ثَلَاثِينَ ألف دِينَار وَثَلَاثِينَ حمل سلَاح وَوجد لَهُ حَاصِل سروج ولجم وسلاسل ذهب وَفِضة وعدة سلَاح بِمَا ينيف على مائَة ألف دِينَار وقومت أملاكه بِمَا ينيف على مائَة ألف دِينَار. وَكَانَ لتغير السُّلْطَان على تنكز أَسبَاب: مِنْهَا أَنه كتب يسْتَأْذن فِي سيره إِلَى نَاحيَة جعبر فَمَنعه السُّلْطَان من ذَلِك لما فِي تِلْكَ الْبِلَاد من الغلاء وألح تنكز فِي الطّلب وَالْجَوَاب يرد بِمَنْعه حَتَّى حنق من السُّلْطَان وَقَالَ: وَالله لقد تغير عقل أستاذنا وَصَارَ يسمع من الصّبيان الَّذين حوله وَوَاللَّه لَو سمع مني لَكُنْت أُشير عَلَيْهِ بِأَن يُقيم أحد أَوْلَاده وأقوم أَنا بتدبير أمره وَيبقى هُوَ وَاتفقَ أَن أرتنا نَائِب الرّوم بعث رَسُولا إِلَى السُّلْطَان بكتابه وَلم يكْتب مَعَه كتابا إِلَى تنكز فخنق تنكز لعدم مُكَاتبَته ورد رَسُوله من دمشق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 292 فَكتب أرتنا يعرف السُّلْطَان بذلك ويسال أَلا يطلع تنكر على مَا بَينه وَبَين السُّلْطَان ورماه بِأُمُور أوجبت شدَّة تغيره عَلَيْهِ وَاتفقَ أَيْضا أَن غضب تنكز على جمَاعَة من مماليكه وضربهم وسجنهم بالكرك والشوبك فَكتب مِنْهُم جوبان وَكَانَ أكبر مماليكه الْأَمِير قوصون يشفع بِهِ فِي الإفراج عَنهُ من سجن الشوبك. فَكلم قوصون السُّلْطَان فِي ذَلِك فَكتب إِلَى تنكز يشفع فِي جوبان فَلم يجب عَن أمره بِشَيْء فَكتب إِلَيْهِ ثَانِيًا وثالثاً فَلم يجب فَاشْتَدَّ غضب السُّلْطَان حَتَّى قَالَ لِلْأُمَرَاءِ: مَا تَقولُونَ فِي هَذَا الرجل هُوَ شفع عِنْدِي فِي قَاتل أخي فَقبلت شَفَاعَته وأخرجته من السجْن وَسيرَته إِلَيْهِ يَعْنِي طشتمر آخا بتخاص وَأَنا أشفع فِي مَمْلُوكه مَا يقبل شفاعي وَكتب لنائب الشوبك بالإفراج عَن جوبان فأفرج عَنهُ. وَكَانَ تنكز رَحمَه الله فِي نِيَابَة دمشق قد أَزَال الْمَظَالِم وَأقَام منار الشَّرْع وَأمر بِالْمَعْرُوفِ وَنهى عَن الْمُنكر وأزال مَا كَانَ بِدِمَشْق وأعمالها من الْفَوَاحِش والخانات والخمارات وَبَالغ فِي الْعقُوبَة على ذَلِك حَتَّى قتل فِيهِ. وأنصف الْعَامَّة والتجار بخلاص حُقُوقهم من الْأُمَرَاء وَحَملهمْ مَعَ أخصامهم إِلَى الشَّرْع. واحتجب عَن الِاجْتِمَاع بالشاميين وَغَيرهم وَامْتنع من قبُول التقادم والهدايا جملَة. وتتبع الْمدَارِس والمساجد والأوقاف فعمرها جَمِيعهَا وَمنع مستحقيها من تنَاول ريعها حَتَّى كملت عمارتها. وحدد عدَّة أَمَاكِن قد دثرت أوقافها وَأعَاد فِيهَا وظائف الْعِبَادَات بَعْدَمَا بطلت وجدد عمَارَة الْجَامِع الْأمَوِي وَعمر أوقافه وَأصْلح تقاسيم الْمِيَاه بعد مَا كَانَت فَاسِدَة ونظف مجاريها ووضح طرقها وَهدم الْأَمْلَاك الَّتِي استجدها النَّاس وضيقوا بهَا الشوارع والطرقات المسلوكة. وألزم وَالِي الْمَدِينَة أَن يُعلمهُ. مِمَّن يشرب الْخمر من الْأُمَرَاء وَأَوْلَادهمْ فَتعذر وجود الْخمر فِي أَيَّامه وَلم يكن يُوجد. واستجد ديواناً لِلزَّكَاةِ وصرفها للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين وأرباب الْبيُوت. وانكفت الْوُلَاة فِي أَيَّامه عَن الظُّلم وأحبته الْعَامَّة وَمنع الْأُمَرَاء من تسخير الفلاحين والمزارعين فِي أَعْمَالهم ومنعهم أَيْضا من الِاجْتِمَاع فِي الْفرج والمتنزهات وَغَيرهَا فصاروا إِذا وكبوا فِي المواكب لَا يقدر أحد مِنْهُم يكلم رَفِيقه وَإِذا صَارُوا إِلَى بُيُوتهم لَا يَسْتَطِيع الْوَاحِد أَن يجْتَمع بِالْآخرِ وَإِذا اخْرُج تنكز إِلَى سفر لَا يتَأَخَّر مِنْهُم أحد سَوَاء قَالَ لَهُ: أخرج أَو لم يقل لَهُ. وَمنع أكَابِر الْأُمَرَاء أَن تترجل لَهُ أَو تمشي فِي خدمته فَأَقَامَ الله لَهُ من الْحُرْمَة مَا لَا حصل لأحد من نواب الدولة التركية وَكتب لنواب الْبِلَاد الشامية أَلا يكاتبوا السُّلْطَان إِلَّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 293 ويكاتبوه وَأَن ترد مكاتباتهم للسطان عَلَيْهِ بِغَيْر ختم ليقف عَلَيْهَا فَإِن أرضته بعث بهَا إِلَى السُّلْطَان وَإِلَّا ردهَا. وأضيف إِلَيْهِ أَمر صفد وغزة وَكَانَ مغرماً بالصيد بِحَيْثُ يركب لَهُ فِي السّنة ثَلَاث مَرَّات أَخّرهَا تَعديَة الْفُرَات فِي الشتَاء فَإِذا ضرب الْحلقَة لشتمل على ثَلَاثمِائَة غزال ونيف وعَلى مِائَتي رَأس من بقر ونعام وَغير ذَلِك. وَعمر قلعة جعبر بعد خرابها من عهد غازان وشحنها بِالرِّجَالِ وَالسِّلَاح والغلال وعدى الْفُرَات مرَارًا فاتفق أَنه عدى مرّة فَحمل إِلَيْهِ الشَّيْخ حسن الْكَبِير وَابْن سونتاي الْهَدَايَا الجليلة وخافه أهل بَغْدَاد والموصل فجلا كثير مِنْهُم وخافته الأكراد والتركمان والعربان بأجعهم. وَكَانَت أَوْلَاد دمرداش فِي أَعمال توريز مَاذَا بَلغهُمْ مسيره رحلوا خوفًا مِنْهُ حَتَّى يبلغهم عوده إِلَى دمشق. فَلَمَّا كَانَت أخر أَيَّامه صادر جمَاعَة كَثِيرَة من كتاب السِّرّ وَغَيرهم وَمن الضَّمَان والعرفاء. وَاتخذ الْأَمْلَاك وَأخذ عدَّة أوقاف من أَوْلَاد الْمُلُوك حَتَّى كَانَت غلَّة أملاكه كل سنة مائَة ألف دِرْهَم. وسخر الفلاحين وَقطع الزَّكَاة. وأخرق بِكَثِير من الْأُمَرَاء وَأخرج مِنْهُم جمَاعَة عَن دمشق وَبَالغ فِي الْعقُوبَة وساء خلقه كثيرا. وَكَانَت مُدَّة نيابته ثمانياً وَعشْرين سنة وأشهراً. وَفِيه طلب شهَاب الدّين أَحْمد بن فضل الله وخلع عَلَيْهِ بِكِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق بَعْدَمَا خَلفه السُّلْطَان عوضا عَن شهَاب الدّين يحيى بن إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد ابْن خَالِد بن مُحَمَّد بن نصر بن القيسراني. فَقدم ابْن فضل الله إِلَى دمشق وَقد كَاد الْأَمِير برسبغا الْحَاجِب أَن يقطع يَد ابْن القيسراني بمرسوم السُّلْطَان بَعْدَمَا صادره فَقَامَ فِي ذَلِك ابْن فضل الله حَتَّى أفرج عَنهُ. وَفِيه طلب أَيْضا شمس الدّين مُوسَى بن التَّاج إِسْحَاق وخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر فِي نظر الْجَيْش بدشق عوضا عَن فَخر الدّين مُحَمَّد بن الْحلِيّ بعد مَوته. وأخرجت لَهُ بغلة النشو الَّتِي كَانَ يركبهَا وجهز من الخزانة حَتَّى سَافر فباشر الْجَيْش بعفة زَائِدَة وأبطل مَا كَانَ يستهديه من قبله. وَفِيه قبض على الْأَمِير مكين الدّين إِبْرَاهِيم بن قروينة نَاظر الْجَيْش وَسلم للأمير برسبغا الْحَاجِب وَطلب جمال الكفاة نَاظر الْخَاص وخلع عَلَيْهِ لنظر الْجَيْش مَعَ نظر الْخَاص وَلم يجمعهما أحد قبله ثمَّ أفرج عَن ابْن قروينة بَعْدَمَا حمل مائَة وَثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم بشفاعة الْأَمِير بشناك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 294 وَفِيه قبض على الصاحب أَمِين الدّين أبي سعيد عبد الله بن تَاج الرياسة بن الغنام وَسلم إِلَى الْأَمِير برسبغا ورسم لَهُ بعقوبته من أجل أَنه اتهمَ بِأَنَّهُ كَانَ من جِهَة تنكز فعاقبه برسبغا وعاقب وَلَده تَاج الدّين أَحْمد نَاظر الدولة وأخاه كريم الدّين أَبَا شَاكر مُسْتَوْفِي الصُّحْبَة وَأخذ أَمْوَالهم ثمَّ خنق أَمِين الدّين. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة حادي عشرى ربيع الآخر: مَاتَ الْأَمِير آنوك ابْن السُّلْطَان بعد مرض طَوِيل فَدفن بالتربة الناصرية بَين القصرين وَكَانَ يَوْمًا مهولاً نزل فِي جنَازَته جَمِيع الْأُمَرَاء. وباعت أمه ثِيَابه وتصدقت بهَا على الْفُقَرَاء ورتبت الْقُرَّاء على قَبره بجار لَهُم فِي كل شهر من وقف وقفته على قَبره وأقامت سنة تعْمل فِي كل لَيْلَة جُمُعَة على قبر مجتمعاً يحضرهُ الْقُرَّاء لقِرَاءَة ختمة كَرِيمَة وتمد لَهُم الأسمطة الجليلة. وَفِيه أنعم على الْأَمِير قطلوبغا بإقطاع آنوك. وَفِي هَذِه السّنة: كثر وُقُوع الْحَرِيق بالنواحي فِي أَجْرَانِ الغلال بنواحي قليوب وسنديون وبلاد الغربية والبحيرة وَلم يعلم من أَيْن هُوَ. ثمَّ وَقع بِالْقَاهِرَةِ فِي أَمَاكِن مِنْهَا ربع طقزدمر بدار التفاح فاستعد النَّاس لذَلِك. وَفِي أخريات جُمَادَى الْآخِرَة: هبت ريح شَدِيدَة من بَحر الْإسْكَنْدَريَّة فاقتلعت نخلا كثيرا وهدمت دوراً عديدة ثمَّ أعقبها مطر غزير هلك بِهِ أَغْنَام كَثِيرَة وَعظم اضْطِرَاب النّيل حَتَّى غرق فِيهِ أحد وَعِشْرُونَ مركبا وَصَارَ يقذف الْمركب إِلَى الْبر حَتَّى يبعده نَحْو عشر قصبات عَن المَاء. وكل ذَلِك جَمِيع أَرَاضِي مصر قبليها وبحريها وَأَرْض برقة. وَفِيه نقل الْأَمِير عز الدّين أزدمر الكاشف من كشف الْوَجْه البحري إِلَى كشف الْوَجْه القبلي وَفِيه نقل عَلَاء الدّين عَليّ بن الكوراني إِلَى ولَايَة الغربية. وَفِيه ركب السُّلْطَان إِلَى جِهَة بركَة الْحَبَش وصحبته عدَّة من المهندسين وَأمر أَن يحْفر خليج من الْبَحْر إِلَى حَائِط الرصد ويحفر فِي وسط الشرق الْمَعْرُوف بالرصد عشرَة أبار عمق كل بِئْر نَحْو أَرْبَعِينَ ذِرَاعا يركب عَلَيْهَا السواقي حَتَّى يجْرِي المَاء من النّيل إِلَى القناطر الَّتِي تحمل المَاء إِلَى القلعة ليكْثر بهَا المَاء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 295 وَأقَام السُّلْطَان الْأَمِير آقبغا عبد الْوَاحِد على هَذَا الْعَمَل فشق الخليج من بحري رِبَاط الْآثَار ومروا بِهِ وسط بُسْتَان الصاحب تَاج الدّين بن حنا الْمَعْرُوف بالمعشوق وهدمت عدَّة بيُوت كَانَت هُنَاكَ وَجعل عمق الخليج أَربع قصبات. وجمعت عدَّة من الحجارين للْعَمَل فَكَانَ مهما عَظِيما. وَفِيه قدم الشَّيْخ أَحْمد بن مُوسَى الزرعي فَركب الْأُمَرَاء والقضاة للسلام عَلَيْهِ. ثمَّ عَاد الشَّيْخ إِلَى الشَّام بعد أَيَّام وَلم يجْتَمع بالسلطان. وَفِيه تغير السُّلْطَان على وَلَده أَحْمد بِسَبَب بَيِّنَات عِنْده وَأخرجه منفياً إِلَى صرخد وَبَاعَ خيله. فَلم يزل بِهِ الْأُمَرَاء حَتَّى أَمر برده فَرجع من سرياقوس. وَفِيه كتب السُّلْطَان بِطَلَب ابْنه أبي بكر من الكرك فَقدم وَمَعَهُ هَدِيَّة بِمِائَة ألف دِرْهَم فَتوجه الْأَمِير طيبغا المجدي إِلَى الكرك وأحضر طلب أبي بكر ومماليكه وخواصل الكرك كلهَا. وَفِيه خلع على الْأَمِير ملكتمر السرجواني وَاسْتقر فِي نِيَابَة الكرك وَتوجه إِلَيْهَا وَمَعَهُ أَحْمد ابْن السُّلْطَان وأوصاه السُّلْطَان أَلا يدع لِأَحْمَد حَدِيثا وَلَا حكما بَين اثْنَيْنِ. وَفِيه قدم الْبَرِيد بِأَن الغلاء شَدِيد بِبِلَاد الْمشرق وَأَنه ورد من أَهله عَالم عَظِيم إِلَى شط الْفُرَات وبلاد حلب فَكتب إِلَى نَائِب حلب بتمكينهم من العبور إِلَى حَيْثُ شَاءُوا من الْبِلَاد وأوصاه السُّلْطَان بهم فملأوا بِلَاد حلب وَغَيرهَا. وَقدم مِنْهُم إِلَى الْقَاهِرَة صُحْبَة قَاصد نَائِب حلب نَحْو المائتي نفر فَاخْتَارَ السُّلْطَان مِنْهُم طَائِفَة نَحْو ثَمَانِينَ شخصا جعل بَعضهم فِي الطباق وأسكن مِنْهُم عدَّة القلعة وَأمر مِنْهُم جمَاعَة وَفرق فِي الْأُمَرَاء مِنْهُم جمَاعَة. وفيهَا جدد السُّلْطَان جَامع راشدة وَقد تهدم أَكثر جدرانه. وفيهَا ابْتَاعَ الْأَمِير قوصون من الْأَمِير مَسْعُود بن خطير قصر الزمرد بِخَط رحبة بَاب الْعِيد من الْقَاهِرَة وَكَانَ سعته نَحْو عشر فدادين وَشرع قوصون فِي عِمَارَته سبع قاعات لكل قاعة إصطبل. وفيهَا قدم الْخَبَر بِخُرُوج ابْن دلغادر عَن الطَّاعَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 296 وفيهَا اسْتَقر ركن الدّين بيبرس السِّلَاح دَار أحد أُمَرَاء الألوف بِدِمَشْق فِي نِيَابَة أياس عوضا عَن مغلطاي الْغَزِّي بعد مَوته. وفيهَا شنعت القالة بِسوء سيرة الطَّائِفَة الأقباعية بخانكاه بيبرس فرسم السُّلْطَان بنفيهم وَنفي شيخهم فأخرجوا مِنْهَا بأجمعهم. وَاسْتقر فِي المشيخة بهَا الشَّيْخ شيرين. وَفِيه خرج الْأَمِير بشتاك إِلَى الْبِلَاد الشامية ليتصيد وَقد كتب إِلَى النواب بملاقاته وتعبية الإقامات لَهُ. وفيهَا توجه بكلمش المارديني على الْبَرِيد بهدية لصَاحب ماردين فِيهَا عشر أُلَّاف دِينَار وَعشرَة رُءُوس من الْخَيل وَمِائَتَا قِطْعَة قماش وَأَرْبَعَة فهود. وفيهَا قدم الْخَبَر باختلال حَال الْبَرِيد من كَثْرَة ركُوب التُّجَّار وَالْعرب الْبَرِيد فرسم أَلا يركب الْبَرِيد إِلَّا من يَأْذَن لَهُ السُّلْطَان فِي ركُوبه وَيكون مَعَه ورقة بتمكينه من ذَلِك وَأَن يفتش بقطيا كل من ورد فَمن وجد مَعَه ورقة وَكتب لغير السُّلْطَان أخذت مِنْهُ وحملت إِلَى السُّلْطَان. وفيهَا ركب أَمِير أَحْمد الساقي قريب السُّلْطَان الْبَرِيد إِلَى بِلَاد الشرق لمهمات سلطانية: مِنْهَا طلب رهائن طغاي سونتاي وَالشَّيْخ حسن بك الْكَبِير وَكَانَا قد سَأَلَا أَن يُجهز السُّلْطَان عسكراً ليسلماه بِلَاد الشرق فأجيبا إِلَى ذَلِك على أَن يبعثا بأولادهما رهنا على الْعَسْكَر فَجهز ابْن سونتاي وَلَده برهشين وجهز الشَّيْخ حسن ابْن أَخِيه ابراهيم شاه إِلَى حلب. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير بهاء الدّين أصلم فِي نِيَابَة صفد عوضا عَن أقسنقر السلاري وَنقل آقسنقر إِلَى نِيَابَة غَزَّة عوضا عَن أَمِير مَسْعُود بن خطير وَنقل أَمِير مَسْعُود إِلَى دمشق وأنعم عَلَيْهِ وَفِيه أنعم على الْأَمِير أبي بكر ابْن السُّلْطَان بإقطاع الْأَمِير أصلم ورسم للأمير بشتاك أَن يتَوَلَّى أمره فاستخدم لَهُ الوافدية من حلب وَغَيرهم حَتَّى أكمل عدته. وَعمل السُّلْطَان الْأَمِير ألطنقش مَمْلُوك الأفرم أستاداره وزوجه بابنة الْأَمِير ملكتمر الساقي الَّتِي كَانَت تَحت أَخِيه آنوك وَبنى عَلَيْهَا. وَفِيه رسم بِطَلَب أجناد الْحلقَة من الْأَعْمَال فَلَمَّا تَكَامل حضورهم تقدم السُّلْطَان إِلَى الْأَمِير برسبغا بعرضهم فَكتبت أوراق بعبرة كل خبز. ثمَّ جلس السُّلْطَان بالإيوان وَعرض عَلَيْهِ جمَاعَة كَبِيرَة من الْمَشَايِخ وَمن المحارفين فَقطع الْجَمِيع وَكتب بإقطاعاتهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 297 مثالات المماليك السُّلْطَانِيَّة أَرْبَاب الجوامك. وَعرض برسبغا بَقِيَّة الأجناد بالقلعة وفتش عَن ثِيَابهمْ الَّتِي هِيَ عَلَيْهِم وَقد كتبت أوراق بأرباب المرتبات الَّذين على مَدِينَة بلبيس وبساتينها وحوانيتها وأوراق بمتحصل المعادي ببولاق وأوراق بجهات النطرون وأوراق بأسماء الأجناد المقطعين على الحكورة. فرسم السُّلْطَان أَن يوفر الْجَمِيع وَأَن يُؤْخَذ من الْجند الْمُقطعَة على الحكر أخبارهم وينعم بهَا على الْأَمِير ألطنبغا المارديني ليَكُون وَقفا على جَامعه خَارج بَاب زويلة وعَلى الْأَمِير بشتاك ليَكُون وَقفا على جَامعه المطل على بركَة الْفِيل. فَلَمَّا تمّ عرض الأجناد قطع السُّلْطَان مِنْهُم الزمنى والعميان والضعفاء وأرباب العاهات وَفرق إقطاعاتهم على المماليك السُّلْطَانِيَّة وَأخرج بَعْضهَا للوافدية الَّذين يفدون من الْبِلَاد فَكَانَت مُدَّة الْعرض شَهْرَيْن أَولهَا مستهل رَمَضَان وأخرها سلخ شَوَّال. وَكتب إِلَى الْأَعْمَال بِحمْل مَا توفر عَن الأجناد من الإقطاعات لبيت المَال. وَفِيه كتبت أوراق بأسماء المجردين إِلَى بِلَاد الشرق: وهم الْأَمِير برسبغا الْحَاجِب والأمير كوكاي السِّلَاح دَار والأمير طوغاي الجاشنكير والأمير قماري أَمِير شكار وَمَعَهُمْ جمَاعَة كَثِيرَة ورسم أَن يكون خرجهم إِلَى توريز فِي نصف ذِي الْحجَّة. فَاشْتَدَّ ذَلِك على النَّاس وَكثر الدُّعَاء على السُّلْطَان بِسَبَب قطع أرزاق الْجند. وَفِيه كتب بتجهيز عَسَاكِر دمشق وحلب وَغَيرهمَا للتجريدة إِلَى توريز صُحْبَة الْأَمِير طشتمر نَائِب حلب وَيكون مَعَه عَامَّة أُمَرَاء التركمان والعربان. فتجهز الْأُمَرَاء والأجناد بمماليك الشَّام وبرز نَائِب حلب بمخيمه إِلَى ظَاهر الْمَدِينَة وَأقَام ينْتَظر قدوم عَسَاكِر مصر. فَأصْبح السُّلْطَان فِي مستهل ذِي الْحجَّة وَبِه وعك من قرف حدث عَنهُ إسهال لزم مِنْهُ الْفراش خَمْسَة أَيَّام فَتصدق بِمَال جزيل وَأَفْرج عَن المسجونين بسجن الْقُضَاة والولاة بِالْقَاهِرَةِ ومصر وَسَائِر الْأَعْمَال. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سادسه: قدم برهشين بن طغاي بن سونتاي وَإِبْرَاهِيم شاه ابْن أخي الشَّيْخ حسن الْكَبِير، فِي مِائَتي فار، فأنزلوا بالميدان، وأجريت لَهُم الرَّوَاتِب السّنيَّة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 298 ثمَّ أحضروا بَين يَدي السُّلْطَان فِي يَوْم الْجُمُعَة ثامنه وَفِيهِمْ قَاضِي بَغْدَاد وقاضي الْموصل وقاضي ديار بكر فقدموا كتاب طغاي وَكتاب الشَّيْخ حسن الْكَبِير ونسخة أيمانهما وأيمان عَامَّة أهل بِلَادهمْ من الْأُمَرَاء والأجناد وأرباب المعايش بِطَاعَة السُّلْطَان وَأَنَّهُمْ من جنده ومقاتلة من عَادَاهُ وَقدمُوا الْخطْبَة الَّتِي خطب بهَا للسُّلْطَان فِي بَغْدَاد والموصل وديار بكر. فقرئ ذَلِك كُله على السُّلْطَان فعرفهم السُّلْطَان أَنه رسم بتجهيز الْعَسْكَر إِلَيْهِم وَبعد عشرَة أَيَّام يسْتَقلّ بِالسَّفرِ نَحْو بِلَادهمْ ثمَّ خلع السُّلْطَان على الْجَمِيع ورسم لنقيب الْجَيْش باستعجال الْأُمَرَاء والأجناد فِي الْحَرَكَة للسَّفر فشرعوا فِي تجهيز أَمرهم. وَكَانَت الْأَحْوَال متوقفة لقلَّة وجود الدَّرَاهِم ورد الباعة من التُّجَّار والمتعيشين الذَّهَب لغلو صرفه فشق ذَلِك على النَّاس مشقه زَائِدَة. وَفِيه قوي الإسهال بالسلطان وَمنع الْأُمَرَاء من الدُّخُول إِلَيْهِ فَكَانُوا إِذا طلعوا إِلَى الْخدمَة خرج لَهُم السَّلَام من أَمِير جندار عَن السُّلْطَان فانصرفوا. وَكثر الْكَلَام إِلَى يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشر فخف عَن السُّلْطَان الإسهال فَجَلَسَ للْخدمَة وطلع لِلْأُمَرَاءِ وَوَجهه متغير. فَلَمَّا انْقَضتْ الْخدمَة نُودي بزينة الْقَاهِرَة ومصر وجمعت أَرْبَاب الملاهي بالقلعه وَجمع الْخبز وَقَامَ الْأُمَرَاء بِعَمَل الولائم والأفراح سُرُورًا بعافية السُّلْطَان وَعمل الْأَمِير ملكتمر الْحِجَازِي نفطاً كثيرا فِي سوق الْخَيل تَحت القلعة وَالسُّلْطَان قَاعد لنظره فَاجْتمع النَّاس من كل جِهَة لرويته. وقدمت عربان الشرقية بخيولها وقبابها المحمولة على الْجمال ولعبوا بِالرِّمَاحِ تَحت القلعة. وَخرجت الركابة والكلابزية وَطَائِفَة العتالين والحجارين إِلَى سوق الْخَيل للعب ثمَّ داروا على بيُوت الْأُمَرَاء وَأخذُوا الْخلْع هم والطبلكية فَحصل لَهُم شَيْء كثير جدا بِحَيْثُ جَاءَ نصيب مهتار الطبلخاناه مَا قِيمَته ثَمَانُون ألف دِرْهَم وَحصل لأرباب الملاهي مَالا ينْحَصر. وَفِيه رسم بِعرْض الْجند المجردين فِي غَد فطلعوا إِلَى القلعة. وَبينا هم فِي انْتِظَار الْعرض إِذْ قدم إِدْرِيس القاصد صُحْبَة مَمْلُوك صَاحب ماردين بكتابه يتَضَمَّن أَن أَوْلَاد دمرداش لما بَلغهُمْ طلب الشَّيْخ حسن الْكَبِير وطغاي بن سونتاي من السُّلْطَان أَن يُجهز الجزء: 3 ¦ الصفحة: 299 لَهُم عسكراً ليَأْخُذ الْبِلَاد وأنهما حلفا لَهُ وحلفاً أهل الْبِلَاد وخطباً باسمه على مَنَابِر بَغْدَاد والموصل ركبُوا إِلَى محاربتهما فَطلب مِنْهُم الشَّيْخ حسن الْكَبِير الصُّلْح وَحلف لَهُم وَسَار إِلَيْهَا طَائِعا فأكرموه وَكَتَبُوا لطغاي بن سونتاي أَمَانًا وَاتَّفَقُوا على أَن يعدوا الْفُرَات إِلَى الشَّام. وَأَشَارَ صَاحب ماردين أَلا تخرج التجريدة إِلَى توريز فَإِنَّهُ لَيْسَ لسيرها فَائِدَة. فتفرقت الأجناد من القلعة بِغَيْر عرض وَبعث السُّلْطَان من ليلته بِجَوَاب صَاحب ماردين وَاقْتضى رَأْيه فالما كَانَ نصف لَيْلَة: الْعِيد هبت ريح عَاصِفَة أَلْقَت الزِّينَة ثمَّ أمْطرت مَطَرا عَظِيما أتلف كثيرا من الزِّينَة. وَكَانَت عَامَّة بِبِلَاد الشرقية والغربية والمنوفية وَنزل بِتِلْكَ الْأَعْمَال برد كبار قتل من الْغنم والدجاج كثيرا وَتَلفت غلال كَثِيرَة كَانَت بالأجران فَإِنَّهُ كَانَ فِي شهر بشنس. وَأصْبح يَوْم الْأَحَد: يَوْم الْعِيد وَقد اجْتمع الْأَمر لخُرُوج السُّلْطَان إِلَى صَلَاة الْعِيد وَقد قوي بِهِ الإسهال وَأجْمع رَأْيه على أَلا يشْهد صَلَاة الْعِيد فمازال بِهِ الْأَمِير قوصون والأمير بشتاك حَتَّى ركب وَنزل إِلَى الميدان. وَأمر السُّلْطَان قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين عز الدّين عبد الْعَزِيز بن جمَاعَة أَن يوجز فِي خطته مِمَّا هُوَ إِلَّا أَن صلى السُّلْطَان وَجلسَ لسَمَاع الْخطْبَة تحرّك بَاطِنه فَقَامَ وَركب إِلَى الفصر وَأقَام يَوْمه. ثمَّ قدم الْبَرِيد من حلب بِصِحَّة الْخَبَر بصلح الشَّيْخ حسن الْكَبِير وطغاي مَعَ أَوْلَاد دمرداش فانزعج السُّلْطَان لذَلِك انزعاجاً شَدِيدا واضطرب مزاجه فَحدث لَهُ إسهال دموي. وَأصْبح يَوْم الْإِثْنَيْنِ: وَقد منع النَّاس من الِاجْتِمَاع بِهِ ثمَّ أشاع الْأَمِير قوصون والأمير بشتاك أَن السُّلْطَان قد أعفى الأجناد من التجريدة إِلَى توريز وَنُودِيَ بذلك فِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشره ففرح النَّاس فَرحا زَائِدا إِلَّا أَنه انْتَشَر بَين النَّاس أَن السُّلْطَان انتكس فساءهم ذَلِك. وَأخذ الْأُمَرَاء فِي إِنْزَال حرمهم وَأَمْوَالهمْ من القلعة حَيْثُ سكنهم إِلَى الْقَاهِرَة فارتجت الْمَدِينَة وَمَاجَتْ بِأَهْلِهَا. واستعد الْأُمَرَاء لاسيما قوصون وبشتاك فَإِن كلا مِنْهُم أحترز من الآخر وَجمع عَلَيْهِ أَصْحَابه وَأَكْثرُوا من شِرَاء الأزيار والدنان وملأوها مَاء وأخرجوا الْقرب والروايا والأحواض وحملوا إِلَيْهِم البشماط والرقاق والدقيق والقمح وَالشعِير خوفًا من وُقُوع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 300 الْحَرْب ومحاصرة القلعة. فَكَانَ يَوْمًا مهولاً ركب فِيهِ الأوجاقية وهجموا الطواحين لأخذ الدَّقِيق ونهبوا الحوانيت الَّتِي تَحت القلعة وسوق صليبة جَامع ابْن طولون. فارتفع سعر الأردب الْقَمْح من خَمْسَة عشر درهما إِلَى ثَلَاثِينَ درهما وغلق التُّجَّار وأرباب المعايش حوانيتهم خوفًا من وُقُوع الْفِتْنَة. هَذَا وَقد تنكر مَا بَين قوصون وبشتاك وَاخْتلفَا حَتَّى كادا يقتتلان. وَبلغ ذَلِك السُّلْطَان فزاده مَرضا على مَرضه وَكثر تأوهه وتقلبه من جنب إِلَى أخر وتهوس بِذكر قوصون وبشتاك نَهَاره. ثمَّ استدعى السُّلْطَان بهما فتنافسا بَين يَدَيْهِ فِي الْكَلَام فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ وقاما من عِنْده على مَا هما عَلَيْهِ. فَاجْتمع فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامن عشره الْأَمِير جنكلي والأمير آل ملك والجاولي والأحمدي وأكابر الْأُمَرَاء للمشورة فِيمَا يدبرونه حَتَّى اجْتَمعُوا على أَن بعث كل مِنْهُم مَمْلُوكا إِلَى قوصون وبشتاك ليأخذا لَهُم الْإِذْن على العبور على السُّلْطَان فَأخذُوا لَهُم الْإِذْن. فَلَمَّا أَخذ الْأُمَرَاء مجَالِسهمْ قَالَ الْأَمِير الجاولي وَآل ملك للسُّلْطَان كلَاما حَاصله أَن يعْهَد أَن أحد أَوْلَاده فأحاب إِلَى ذَلِك وَطلب وَلَده أَبَا بكر وَطلب قوصون وبشتاك وَأصْلح بَينهمَا. ثمَّ جعل السُّلْطَان ابْنه أَبَا بكر سُلْطَانا بعده وأوصاه بالأمراء وأوصي الْأُمَرَاء بِهِ وعهد إِلَيْهِم أَلا يخرجُوا ابْنه أَحْمد من الكرك وحذرهم من إِقَامَته سُلْطَانا وَجعل قوصون وبشتاك وصييه وإليهما تَدْبِير ابْنه أبي بكر وحلفهما. ثمَّ حلف السُّلْطَان الْأُمَرَاء والخاصكية وأكد على وَلَده فِي الْوَصِيَّة بالأمراء وَأَفْرج عَن الْأُمَرَاء المسجونين بِالشَّام وهم طيبغا حاجي وألجيبغا العادلى وصاروجا ثمَّ قَامَ الْأُمَرَاء. فَبَاتَ السُّلْطَان لَيْلَة الثُّلَاثَاء وَأصْبح وَقد تخلت عَنهُ قوته وَأخذ فِي النزع يَوْم الْأَرْبَعَاء فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ كرب الْمَوْت حَتَّى مَاتَ أول لَيْلَة الْخَمِيس حادى عشريه وَله من الْعُمر سبع وَخَمْسُونَ سنة وَأحد عشر شهرا وَخَمْسَة أَيَّام. وَأمه أشلون بنت سكناي بن قراجين بن جيغان وَقدم سكناي هُوَ وَأَخُوهُ قرمشي بن قراجين فِي سنة خمس وَسبعين وسِتمِائَة صُحْبَة سنجر الرُّومِي فِي أَيَّام الظَّاهِر بيبرس فَتزَوج الْأَمِير قلاوون بابنة سكناي فِي سنة ثَمَانِينَ وسِتمِائَة بعد موت أَبِيهَا. زوجه إِيَّاهَا عَمها قرمشى فَولدت النَّاصِر مُحَمَّدًا على فرَاش الْملك الْمَنْصُور قلاوون فِي السَّاعَة السَّابِعَة من يَوْم السبت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 301 سادس عشر الْمحرم سنة أَربع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة. وأقيم النَّاصِر فِي السلطنة بعد أَخِيه الْملك الْأَشْرَف خَلِيل سنة ثَلَاث وَتِسْعين وسِتمِائَة وعمره تسع سِنِين ثمَّ خلع فِي سادس عشر الْمحرم سنة أَربع وَتِسْعين وجري لَهُ مَا تقدم ذكره إِلَى أَن حضر من الكرك وأعيد إِلَى الْملك ثَانِيًا. فَأَقَامَ فِي الْملك إِلَى سنة ثَمَان وَسَبْعمائة وَخرج يُرِيد الْحَج فتوحه إِلَى الكرك غيظاً من حجر سلار وبيبرس عَلَيْهِ. فَقَامَ بيبرس فِي السلطة ثمَّ اضْطَرَبَتْ أُمُوره وَقدم النَّاصِر من الشَّام إِلَى مصر فَملك مرّة ثَالِثَة فِي شَوَّال سنة تسع وَسَبْعمائة واستبد النَّاصِر من حِينَئِذٍ بِالْأَمر من غير معَارض مُدَّة اثْنَتَيْنِ وثلانين سنة وشهرين وَخَمْسَة وَعشْرين يَوْمًا كَانَت لَهُ فِيهَا سير وأنباء كَمَا تقدم. وَكَانَ النَّاصِر أطول مُلُوك زَمَانه عمرا وأعظمهم مهابة: فَإِنَّهُ أول مَا بَدَأَ بِهِ بعد قدومه من الكرك الْقَبْض على الْأُمَرَاء البرجية وَغَيرهم فِي يَوْم وَاحِد وعدتهم زِيَادَة على ثَلَاثِينَ أَمِيرا. وأوقع مهابته فِي الْقُلُوب بِالْقَتْلِ وَأخذ الْأَمْوَال فَمنهمْ من قَتله جوعا وعطشاً وَمِنْهُم من أتْلفه بالخنق وَمِنْهُم من غرقه وَمِنْهُم من نَفَاهُ وَمِنْهُم من سجنه فَأَقَامَ مسجوناً الْعشْرين سنة فَمَا دونهَا. وَأكْثر النَّاصِر من جلب المماليك والجواري وَطلب التُّجَّار إِلَيْهِ وبذل لَهُم المَال وَوصف لَهُم حلي المماليك والجواري وسيرهم إِلَى بِلَاد أزبك وتوريز وَالروم وبغداد وَغير ذَلِك من الْبِلَاد. فَكَانَ التَّاجِر إِذا أَتَاهُ بالجلبة من المماليك بذل لَهُ فِيهَا أغْلى الْقيم وأنعم على تِلْكَ المماليك فِي يومهم بالملابس الفاخرة والحوائص الذَّهَب والخيول والعطايا حَتَّى يدهشهم. وَلم تكن هَذِه عَادَة من تقدمة من الْمُلُوك فَإِنَّهُم كَانُوا إِذا قدم لَهُم الْمَمْلُوك عرفُوا جنسه ثمَّ أسلموه إِلَى الطواشي الْمُقدم فيضيفه إِلَى جنسه من المماليك ويرتبه عِنْد الْفَقِيه فيربيه بالآداب والحشمة وَالْحُرْمَة ويمرنه فِي الرَّمْي بالنشاب واللعب بِالرُّمْحِ وركوب الْخَيل وأنواع الفروسية وَتَكون كسوته من الثِّيَاب الْقطن البعلبكي وَمن الثِّيَاب الْكَتَّان الخام الْمُتَوَسّط. ثمَّ يدرج الْمَمْلُوك فِي الجامكية من ثَلَاثَة دَنَانِير إِلَى خَمْسَة إِلَى سَبْعَة إِلَى عشرَة دَنَانِير فَإِذا الْتحق بالرحال أقيم ذَلِك الْوَقْت فِي وَظِيفَة من الوظالف اللائقة بِهِ فَيقوم بهَا على مَا يَنْبَغِي من الْأَدَب الَّذِي تأدب بِهِ فِي صغره ثمَّ يترقى الْمَمْلُوك فَإِذا وصل إِلَى منزلَة كَبِيرَة ورتبة عالية عرف مقدارها وَمَا كَانَ فِيهِ من الشَّقَاء وَمَا صَار إِلَيْهِ من النَّعيم فَأَعْرض الْملك النَّاصِر عَن هَذَا وَكَانَ يسفه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 302 رَأْي الْمُلُوك فِيهِ وَيَقُول إِذا عرض لَهُ بِشَيْء من ذَلِك وَبَقِي يبلغ الْمَمْلُوك قَصده من أستاذه أَو أستاذه مِنْهُ إِذا فعل مَعَه هَذَا بل إِذا رَأْي الْمَمْلُوك سَعَادَة تملأ عينه وَقَلبه نسي بِلَاده وَرغب فِي أستاذه. فَأكْثر التُّجَّار من جلب الممالليك إِلَيْهِ فطار فِي الْبِلَاد فعل السُّلْطَان مَعَهم فَأعْطى الْمغل أَوْلَادهم وبناتهم وأقاربهم للتجار وباعوهم مِنْهُم رَغْبَة فِي سَعَادَة مصر فَبلغ مِمَّن الْمَمْلُوك على التَّاجِر مَا بَين عشْرين ألف دِرْهَم إِلَى ثلالين ألف دِرْهَم إِلَى أَرْبَعِينَ ألف دِرْهَم ففسد بذلك حَال الْمغل فِيمَا بَينهم وَقدمُوا إِلَى مصر. فَكَانَ السُّلْطَان يدْفع فِي الْمَمْلُوك للتاجر الْمِائَة ألف دِرْهَم فَمَا دونهَا واقتدي بِهِ الْأُمَرَاء فِي ذَلِك حَتَّى إِن بعض أمرائه كَانَ لَهُ مَمْلُوك حظي كَانَ لَهُ فِي كل يَوْم ثَمَانُون عليقة وَكَانَ لأمير أخر مَمْلُوك حظي لَهُ فِي كل يَوْم أَرْبَعُونَ عليقة. وَكَانَ فِي الْأُمَرَاء من يبلغ خَاصَّة فِي كل سنة زِيَادَة على مِائَتي ألف دِينَار مثل بكتمر وقوصون وبشتاك وَمن عداهم يزِيد خاصه على مائَة ألف دِينَار فِي السّنة وَمِنْهُم من ينقص عَن دلك. وشغف السُّلْطَان النَّاصِر أَيْضا بِالْخَيْلِ فجلبت لَهُ من الْبِلَاد لاسيما خُيُول الْعَرَب آل مِنْهَا وَآل فضل فَإِنَّهُ كَانَ يقدمهَا على غَيرهَا وَلِهَذَا كَانَ السُّلْطَان يكرم الْعَرَب ويبذل لَهُم الرغائب فِي خيولهم ويتغالى فِي أثمانها. وَكَانَ إِذا سمع العربان بفرس عِنْد بدوي أخدوها مِنْهُ بأغلى الْقيم وَأخذُوا من السُّلْطَان مثلى مَا دفعوه فِيهَا. وَكَانَ لَهُ فِي كل طَائِفَة من طوائف الْعَرَب عين يدله على من عِنْده مِنْهُم الْفرس السَّابِق أَو الْأَصِيل حَتَّى يَأْخُذهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا فِي نفس صَاحبهَا من الثّمن. فتمكنت مِنْهُ بذلك العربان ونالوا الْمنزلَة الْعلية وحظوا بأنواع السعادات فِي أَيَّامه. وَكَانَ يكره خُيُول برقة فَلَا يَأْخُذ مِنْهَا إِلَّا مَا بلغ الْغَايَة فِي الْجَوْدَة وَمَا عدا ذَلِك مِنْهَا إِذا حملت إِلَيْهِ فرقه بِخِلَاف خُيُول الْعَرَب آل مهنا وَآل فضل فَإِنَّهُ كَانَ لَا يسمح بهَا إِلَّا للخاصكية. وَكَانَت لَهُ معرفَة بِالْخَيْلِ وأنسابها وَذكر من أحضرها ومبلغ ثمنهَا بِحَيْثُ يفوق فِيهَا من عداهُ. وَكَانَ إِذا استدعى بفرس يَقُول لأمير أخور: هَات الْفرس الْفُلَانِيَّة الَّتِي أحضرها فلَان واشتريناها بِكَذَا وَكَذَا. وَلما اشتهرت رغبته فِيهَا بَين الْعَرَب جلبت لَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 303 من بِلَاد الْعرَاق وَمن الْبَحْرين والحسا والقطيف وبلاد الْحجاز وتقرب بهَا إِلَيْهِ عَامَّة طوائف الْعَرَب وجلبوها لَهُ. وَكَانَ إِذا جَاءَهُ شَيْء مِنْهَا عرضه وَدفع فِي الْفرس الْعشْرَة آلَاف وَالْعِشْرين ألف وَالثَّلَاثِينَ آلف دِرْهَم سوى الإنعام على مَالِكهَا وَكَانَ صَاحب الْفرس إِذا اشْتَدَّ عَلَيْهِ زَاده حَتَّى يرضيه فَإِذا أَخذ ثمن فرسه وَأَرَادَ السّفر إِلَى بِلَاده أنعم عَلَيْهِ بتفاصيل ثِيَاب تصلح لَهُ ولعياله سوى السكر وَنَحْوه. وطالما وزن كريم الدّين الْكَبِير فِي أَثمَان خُيُول العربان الَّتِي جلبت للسُّلْطَان دفْعَة وَاحِدَة مبلغ ألف ألف دِرْهَم ومبلغ خَمْسمِائَة ألف دِرْهَم وَدون ذَلِك. وَكَانَت خُيُول مهنا وَأَوْلَاده فِيهَا مَا بلغ الْفرس مِنْهَا إِلَى سِتِّينَ ألف وَسبعين ألف دِرْهَم وَفِي حجورتهم مَا بلغ ثَمَانِينَ ألف وَتِسْعين ألفا وَمِائَة ألف دِرْهَم. وَبلغ ثمن بنت الكرتا الَّتِي أحضرها مُحَمَّد بن عِيسَى أَخُو الْأَمِير مهنا للسُّلْطَان سنة خمس عشرَة وَسَبْعمائة مائَة ألف دِرْهَم وضيعة بِثَمَانِينَ ألف دِرْهَم. وأقطع السُّلْطَان النَّاصِر عرب آل مهنا وَآل فضل بِسَبَب الْخَيل عدَّة ضيَاع بأراضي حماة وحلب سوى أثمانها. فَكَانَ أحدهم إِذا أَرَادَ من السُّلْطَان شَيْئا لَهُ قدم عَلَيْهِ فِي معنى أَنه جَاءَ ليدله على فرس عِنْد فلَان يُقَال إِلَّا كَذَا ويعظم أمرهَا عِنْده فَيكْتب السُّلْطَان من فوره بِطَلَب تِلْكَ الْفرس فيشتد صَاحبهَا وَيمْتَنع من قودها ثمَّ يقترح مَا شَاءَ من الضّيَاع ولايزال حَتَّى يبلغ غَرَضه وَصَارَ ذَلِك مَعْرُوفا فِيمَا بَينهم. وَكَانَ السُّلْطَان النَّاصِر أول من اتخذ من مُلُوك الأتراك ديواناً للإصطبل عمل لَهُ نَاظر وشهوداً وكتاباً لضبط أَسمَاء الْخَيل وشياتها وأوقات وُرُودهَا وَأَسْمَاء أَرْبَابهَا. ومبلغ ثمنهَا وَمَعْرِفَة سواسها وَغير ذَلِك من أحوالها وَكَانَ لايزال يتفقد الْخُيُول فَإِذا أُصِيب مِنْهَا فرس أَو كبر سنه بعث بِهِ مَعَ أحد الأوجاقية إِلَى الجشار بعد مَا يحمل عَلَيْهَا حصاناً يختاره وَيَأْمُر بضبط تَارِيخ نزوه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 304 فتوالدت عِنْده خُيُول كَثِيرَة حَتَّى أغنته عَن جلب مَا سواهَا وَمَعَ ذَلِك فَإِنَّهُ كَانَ يرغب فِي الْفرس الَّذِي يجلب إِلَيْهِ أَكثر مِمَّا توالد عِنْده. فعزت الْعَرَب من آل مهنا وَآل فضل وَآل مرا فِي أَيَّامه وَكَثُرت سعادتها واتسعت أحوالها بالأموال والضياع وحملتهم الدَّالَّة حَتَّى طلبُوا من السُّلْطَان النَّاصِر بِلَاد أُمَرَاء حلب وحماة ودمشق فأنعم بهَا عَلَيْهِم وَعوض الْأُمَرَاء عَنْهَا حَتَّى صَارُوا من الْقُوَّة وَالْكَثْرَة بِحَيْثُ يخافهم من عداهم من سَائِر الْعَرَب. وَشَمل الْغنى عامتهم فَكَانُوا إِذا رحلوا إِلَى مشاتيهم أَو مصائفهم تكون أَمْوَالهم من الذَّهَب وَالْفِضَّة ملْء رِقَاب الْجمال إِلَى غير ذَلِك من الْإِبِل وَالْغنم وَالْخَيْل الَّتِي لَا تدخل تَحت حصر. ولبسوا فِي أَيَّامه الْحَرِير الأطلس المعدني بالطرز الزوكشي والشاشات المرقومة بالطرز ولبسوا القرصيات بالطرز الزَّرْكَشِيّ والداير الباولي والإسكندري الْمُطَرز بِالذَّهَب وصاغ السُّلْطَان لنسائهم الأطواق الذَّهَب المرصع وَعمل لَهُنَّ الشنابر المشهرة بأكر الذَّهَب والأساور المرصعة بالجوهر واللؤلؤ وَبعث لَهُنَّ القماش السكندري وَالشرب والشمع وَعمل لَهُنَّ البراقع المزركشة والمسك وأنواع الطّيب. وَذَلِكَ بَعْدَمَا كَانَ لبس أمرائهم إِلَى آخر الْأَيَّام المنصورية قلاوون الطراطير الْحمر من تَحت العمائم الشامية من الْقطن وَكَانَت خلعهم إِمَّا مسمط أَو كنجي. وَأول من لبس مِنْهُم طرد وَحش مهنا بن عِيسَى فِي أَيَّام الْمَنْصُور لاجين لموده بَينهمَا فَأنْكر الْأُمَرَاء ذَلِك فَاعْتَذر لَهُم لاجين بتقدم صحبته لَهُ وأياديه عِنْده وَأَنه أَرَادَ أد يُكَافِئهُ على ذَلِك. وَقدم مهنا وَأَخُوهُ فِي أَيَّام تحكم بيبرس وسلار فِي الدولة فسألا أَن يقطعا ضَيْعَة من بِلَاد حلب وينزلا عَمَّا بأيديهما عوضا عَنْهَا فَغَضب الْأمين سلار من ذَلِك وَقَالَ: يَا عرب وصلتم إِلَى أَن تَأْخُذُوا ضيَاع القلاع والأجناد وتعملوها لكم إقطاعا ونهرهما فَخَرَجَا من عِنْده على حَالَة غير مرضية. وَلما عدى الظَّاهِر بيبرس الْفُرَات وَكسر الْمغل وَكَانَ مَعَه مهنا بن مَانع بن حُذَيْفَة فِي أَلفَيْنِ من عربه وَكَانُوا يقفون على مخائص الْفُرَات ويتقدمون بَين يَدي الْعَسْكَر خوفًا من غرقهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 305 فَلَمَّا قدم السُّلْطَان الظَّاهِر بيبرس إِلَى حلب سَأَلَ مَانع أَبُو مهنا الْأَمِير قلاوون أَن يكون لِابْنِهِ مهنا أَرض على سَبِيل الرزقة وَيقوم عَلَيْهَا أَرْبَعَة أَفْرَاس وَعشرَة جمال. فَلَمَّا تحدث قلاوون فِي ذَلِك مَعَ السُّلْطَان بيبرس لم يجبهُ بِشَيْء حَتَّى حضر مَانع فِي الْخدمَة مَعَ الْأُمَرَاء فَقَالَ لَهُ: وَيلك يَا بدوي نحس وصلت أَن تطلب زِيَادَة على إقطاع ولدت وتبرطل السُّلْطَان على ملكه وَالله لَئِن سَمِعت عَنْكُم شَيْئا من هَذَا لأخرجنكم من الْبِلَاد خُرُوجًا نحساً وَأكْثر من هَذَا وَشبهه فَمَا زَالَ بِهِ قلاوون والأمراء حَتَّى سكن غيظه. فَخَالف السُّلْطَان النَّاصِر سيرة من تقدمه من الْمُلُوك فِي أَمر الْعَرَب حَتَّى قَالَ لَهُ صفرَة بن سُلَيْمَان بن مهنا: لقد أفسدت علينا نسواننا يُرِيد لِكَثْرَة مَا غمرهن السُّلْطَان بِالْمَالِ. وَأرْسل لَهُ مرّة بن مهنا مَعَ قاصده يَقُول لَهُ: خف الله فِي الْمُسلمين وَبَيت المَال فَإنَّك تفرقه على الْعَرَب وَنِسَائِهِمْ وصغارهم. فَكيف يحل لَك هَذَا وَمَتى سَمِعت عَن بدوية أَنَّهَا تلبس غير الثَّوْب من الْقطن والبرقع الْمَصْبُوغ وَفِي يَدهَا سوار من حَدِيد وَإِن شمت طيبا فَمن زَاد بِهَذَا لَهَا فو الله لقد أفسدت حَال الْعَرَب وَحَال نِسَائِهِم وأطمعتهم فِي شَيْء لم يَكُونُوا يطمعون فِيهِ قبلك. وَنَحْو ذَلِك من العتب. وَمَات السُّلْطَان النَّاصِر وَفِي الجشارات ثَلَاثَة آلَاف فرس يعرض فِي كل سنة عَلَيْهِ فيدفعها ويسلمها للركابين من العربان لرياضتها ثمَّ ينعم بأكثرها على الْأُمَرَاء والخاصكية ويفرح بذلك وَيَقُول: هَذِه فُلَانَة بنت فُلَانَة أَو فلَان ابْن فُلَانَة عمرها كَذَا وَشِرَاء أمهَا كَذَا وَشِرَاء أَبِيهَا كَذَا وَكَانَ يتَقَدَّم إِلَى الْأُمَرَاء أَن يضمروا الْخُيُول ويرتب على كل أَمِير من أُمَرَاء الألوف أَرْبَعَة أرؤس فِي كل سنة يضمرها ويسير للأمير أيدغمش أَمِير أخور أَن يضمر خيلاً من غير أَن يعلم الْأُمَرَاء أَنَّهَا للسُّلْطَان بل يشيع أَنَّهَا لَهُ ويرسلها للسباق مَعَ خيل الْأُمَرَاء فِي كل سنة. وَكَانَ عِنْد الْأَمِير قطلوبغا الفخري حصان أدهم سبق خيل مصر كلهَا ثَلَاث سِنِين مُتَوَالِيَة. وَكَانَ السُّلْطَان يُرْسل إِلَى مهنا وَأَوْلَاده أَن يحضروا بِالْخَيْلِ السَّبق عِنْدهم للسباق ثمَّ يركب إِلَى ميدان القبق ظَاهر الْقَاهِرَة فِيمَا بَين قلعة الْجَبَل وقبة النَّصْر وَيُرْسل الْخَيل وعدتها دَائِما مَا ينيف على مائَة وَخمسين فرسا إِلَى أَن بعث مهنا مَعَ ولديه سُلَيْمَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 306 ومُوسَى حجرَة شهباء على أَنَّهَا إِن سبقت كَانَت للسُّلْطَان وَإِن سبقت ردَّتْ عَلَيْهِ بِشَرْط أَلا يركبهَا للسباق إِلَّا بدويها الَّذِي قادهاه فَلَمَّا ركب السُّلْطَان والأمراء ووقفوا على الْعَادة وَمَعَهُمْ أَوْلَاد مهنا بالميدان وَأرْسلت الْخَيل من الْبركَة كَمَا جرت بِهِ الْعَادة ركب البدوي حجرَة مهنا الشَّهْبَاء عريا بِغَيْر سرج وَقد لبس قَمِيصًا ولاطية فَوق رَأسه. فَأَقْبَلت الْخَيل تتبع بَعْضهَا بَعْضًا وَهِي قُدَّام الْجَمِيع وَبعدهَا على قرب مِنْهَا حصان لأيدغمش يعرف بِهِلَال. فَلَمَّا وقف البدوي بالشهباء بَين يَدي السُّلْطَان صَاح بِصَوْت مَلأ الْخَافِقين. السَّعَادَة لَك الْيَوْم يَا مهنا لَا شقيت وَألقى نَفسه إِلَى الأَرْض من شدَّة التَّعَب ثمَّ قدم الْحُجْرَة للسُّلْطَان. فَكَانَ هَذَا دأب السُّلْطَان النَّاصِر فِي كل سنة. وَترك السُّلْطَان النَّاصِر أَيْضا بالإسطبلات أَرْبَعَة آلَاف فرس وَثَمَانمِائَة فرس مَا بَين حجورة ومهارة وفحولة وأكاديش وَترك من الهجن الأصائل والنياق خَمْسَة أُلَّاف ونيف سوى أتباعها. وَكَانَ يحب الصَّيْد فَلم يدع أَرضًا تعرف بصيد الطير إِلَّا وَأقَام بهَا صيادين مقيمين فِي الْبَريَّة أَوَان الصَّيْد. وجلب طيور الْجَوَارِح من الصقورة والشواهين والسناقر والبزاة حَتَّى كثرت السناقر فِي أَيَّامه فَصَارَ كل أَمِير عِنْده مِنْهَا عشرَة سناقر وَأَقل وَأكْثر. وَجعل لَهَا بازدارية جوندارية وأقطع عدَّة مِنْهُم الإقطاعات وأجرى لَهُم الرَّوَاتِب من اللَّحْم والعليق والكساوي وَغير ذَلِك. وَترك بعد مَوته مائَة وَعشْرين سنقراً لخاصه وَلم يعْهَد مثل هَذَا لملك قبله بِمصْر بل كَانَ فِي الْأَيَّام المنصورية سنقر وَاحِد فَإِذا ركب السُّلْطَان فِي الموكب كَانَ بازداره أَيْضا رَاكِبًا والسنقر على يَده. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 307 وَلما توجه الْأَمِير حسام الدّين طرنطاي لحصار سنقر الْأَشْقَر بصهيون سَأَلَ أَن يكون هَذَا السنقر فِي طلبه ليتجمل بِهِ من غير أَن يتصيد بِهِ وَلَا يرميه على صيد. وَترك من الصقورة والشواهين وَنَحْوهَا مَا لَا ينْحَصر وَترك ثَمَانِينَ جوقة كلاب الصَّيْد بكلابزيتها وَكَانَ قد اتخذ لَهَا موضعا بِالْجَبَلِ. وعني السُّلْطَان النَّاصِر أَيْضا بِجمع الأعنام وَأقَام لَهَا خَوْلَة وَكَانَ يبْعَث فِي كل سنة الْأَمِير آقبغا عبد الْوَاحِد فِي عدَّة من المماليك السُّلْطَانِيَّة ليكشف المراحات من قوص إِلَى الجزيرة وَيَأْخُذ مِنْهَا مَا يتخيره من الأغنام وَكَانَ يجرد أَيْضا إِلَى عيذاب وبلاد النّوبَة لجلب الأغنام. وَعمل السُّلْطَان لَهَا حوشاً بقلعة الْجَبَل وَأقَام لَهَا خَوْلَة نَصَارَى من الأسرى. وعني أَيْضا بالإوز وَأقَام لَهَا عدَّة من الخدم والجواري وَجعل لَهَا جايرا بحوش الْغنم. فبلغت عدَّة الأغنام الَّتِي تَركهَا بعد مَوته نَحْو الثَّلَاثِينَ ألف رَأس سوى أتباعها. فاقتدى بِهِ الْأُمَرَاء وَصَارَت لَهُم أَغْنَام عَظِيمَة جدا فِي عَامَّة أَرض مصر قبليها وبحريها. وَكَانَ السُّلْطَان النَّاصِر كثير العنايه بأرباب وظائفه وحواشيه من الْأَمِير آخورية والأوجاقية وغلمان الإصطبل والبزدارية والفراشين والخولة والطباخين. فَكَانَ إِذا جَاءَ أَوَان تَفْرِقَة الْخُيُول على الْأُمَرَاء بعث إِلَى الْأَمِير بِمَا جرت بِهِ عَادَته مَعَ أَمِير أخور وأوجاقي وسايس وركبدار وترقب عودتهم حَتَّى يعرف مَا أنعم بِهِ ذَلِك الْأَمِير عَلَيْهِم فَإِن شج الْأَمِير عَلَيْهِم فِي عطائه تنكر لَهُ وبكته بَين الْأُمَرَاء ووبخه. وَقرر أَن يكون أَمِير أخور الْكَبِير بَينهم بقسمين وَمن عداهُ بقسم وَاحِد. وَكَانَ أَيْضا إِذا بعث إِلَى أحد من الْأُمَرَاء طيراً مَعَ أَمِير شكار أَو أحد من البزدارية يحْتَاج الْأَمِير أَن يلْبسهُ خلعة كَامِله بحياصة ذهب وكفلتاه زركش فَيَعُود بهَا وَيقبل الأَرْض بَين يَدي السُّلْطَان فيستدنيه ويفتش خلعته. وَكَانَت عَادَته أَن يبْعَث يَوْم النَّحْر أَغْنَام الضَّحَايَا إِلَى الْأُمَرَاء مَعَ الأبقار والنوق فَبعث مرّة صُحْبَة بعض الخولة النَّصَارَى إِلَى الْأَمِير بيبغا حارس الطير ثَلَاثَة كباش فَأعْطَاهُ بيبغا عشرَة دَرَاهِم فُلُوسًا فَعَاد الخولي إِلَى السُّلْطَان فَقَالَ لَهُ: وَأَيْنَ خلعتك فَطرح الْفُلُوس بَين يَدَيْهِ وعرفه بهَا فَغَضب وَأمر بعض الخدام أَن يسير بالخولي إِلَى بيبغا وَيَقُول لَهُ: قَالَ لَك السُّلْطَان: لَا فتح الله عَلَيْك برزق. وَيلك أما كَانَ عنْدك قبَاء ترميه على غلامي. وخله يلْبسهُ طرد وَحش. فَلَمَّا بلغه الْخَادِم ذَلِك نَدم وَأخذ يعْتَذر وألبس الخولي قبَاء طرد وَحش. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 308 وَكَانَت حرمته ومهابته قد تجاوزت الْحَد حَتَّى إِن الْأُمَرَاء إِذا وقفُوا بِالْخدمَةِ لَا يَجْسُر أحد مِنْهُم أَن يتحدث مِنْهُم رَفِيقه بِكَلِمَة وَاحِدَة وَلَا يلْتَفت نَحوه خوفًا من مراقبة السُّلْطَان لَهُم. وَكَانَ لَا يَجْسُر أَن يجْتَمع مَعَ خشداشه فِي نزهة وَلَا غَيرهَا من رمي النشاب وَنَحْوه فَإِذا بلغه اجْتِمَاع أحد مَعَ أخر أسر ذَلِك فِي نَفسه وأمسكه أَو نَفَاهُ. وَخرب السُّلْطَان النَّاصِر عدَّة مرار مرامي النشاب وَمنع المماليك من الرَّمْي وأغلق حوانيت البندقانيين وصناع قسي النشاب وقسي البندق ونادى من عمل قَوس بندق شنق. وَخرب مرّة دكاكينهم من أجل أَن مَمْلُوكا رمي بالبندق فَوَقَعت فِي عين امْرَأَة قلعتها. وَلَقي غازان عهلي فَرسَخ من حمص ثمَّ كَانَت لَهُ وقْعَة شقحب الْمَشْهُورَة وَدخل بعساكره بِلَاد سيس وَقرر على أَهلهَا الْخراج أَرْبَعمِائَة ألف دِرْهَم فِي السّنة كَمَا كَانَ بعد امتناعهم من حمله. وغزا ملطية وَأَخذهَا وغزا بِلَاد سيس بعسكر مصر ثَلَاث مَرَّات بَعْدَمَا أَمر التركمان بالغارة عَلَيْهَا - وَخرب بلادهما حَتَّى قرر عَلَيْهِم الْخراج سِتّمائَة ألف دِرْهَم فِي كل سنة وَمنعُوا الْخراج مرّة فَبعث الْعَسْكَر وَأخذ مدينه أياس وَخرب البرج الأطلس وَسَبْعَة حصون وأقطع أراضيها لِلْأُمَرَاءِ والأجناد. وَأخذ جَزِيرَة أرواد من الفرنج وغزا بِلَاد الْيمن وبلاد عانة والحديثة فِي طلب مهنا. وَبعث العساكر فِي طلب الشريف حميضة نَحْو الحسا والقطيف وجرد إِلَى مَكَّة وَالْمَدينَة العساكر لتمهيدها وَمنع أَهلهَا من حمل السِّلَاح بهَا. وَعمر قلعة جعبر بعد خرابها وأجرى نهر حلب إِلَى الْمَدِينَة وَعمر دمشق. وَولى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 309 بِلَاد الرّوم نِيَابَة لأرتنا وخطب لَهُ بهَا وبماردين وبجبال الأكراد وحصن كيفا وبغداد وَغَيرهَا من بِلَاد الشرق وَهُوَ بكرسي ملك مصر. وأتته هَدِيَّة مُلُوك الْمغرب والهند والصين والحبشة والتكرور وَكَانَ السُّلْطَان النَّاصِر على غَايَة من الحشمة ورياسة النَّفس وسياسة الْأُمُور فَلم يضْبط عَلَيْهِ أحد أَنه أطلق لِسَانه بِكَلَام فَاحش فِي شدَّة غَضَبه وَلَا فِي انبساطه وَكَانَ يَدْعُو الْأُمَرَاء وأرباب الولايات وَأَصْحَاب الأشغال بِأَحْسَن أسمائهم وَأجل ألقابهم وَإِذا غضب على أحد لَا يذكر لَهُ ذَلِك. وَكَانَ يقتصد فِي لِبَاسه فيلبس كثيرا البعلبكي والنصافي الْمُتَوَسّط وَيعْمل حياصته فضَّة نَحْو مائَة دِرْهَم بِغَيْر ذهب وَلَا جَوْهَر ويركب بالسرج الْمسْقط بِالْفِضَّةِ الَّتِي زنتها دون الْمِائَة دِرْهَم وعباءة فرسه إِمَّا تدمري أَو شَامي لَيْسَ فِيهَا حَرِير. وَكَانَ مفرط الذكاء يعرف جَمِيع مماليك أَبِيه وَأَوْلَادهمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَيعرف بهم الْأُمَرَاء وَكَذَلِكَ مماليكه لَا يغيب عَنهُ اسْم أحد مِنْهُم وَلَا شغله عِنْده وَلَا مبلغ جامكيته. وَكَانَ يعرف أَيْضا غلمانه وحاشيته على كَثْرَة عَددهمْ وَلَا يفوتهُ معرفَة أحد من الْكتاب فَإِذا أرد أَن يولي أحدا مَكَانا أَو يرتبه فِي وَظِيفَة استدعى جَمِيع الْكتاب إِلَى بَين يَدَيْهِ وَاخْتَارَ مِنْهُم وَاحِد أَو أَكثر من غير أَن يرجع فيهم إِلَى أحد ثمَّ يقيمه فِيمَا يُرِيد من الْوَظَائِف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 310 وَكَانَ فِيهِ تؤدة فَإِذا غضب على أحد من أمرائه أَو كِتَابه أسر ذَلِك فِي نَفسه وتروى فِيهِ مُدَّة طَوِيلَة وَهُوَ ينْتَظر لَهُ ذَنبا يَأْخُذهُ بِهِ كَمَا وَقع لَهُ فِي أَمر كريم الدّين الْكَبِير والأمير أرغون النَّائِب والأمير طغيه وَغَيرهم فَإِنَّهُ أَقَامَ عدَّة سِنِين يُرِيد الْقَبْض عَلَيْهِم وَهُوَ يتأنى وَلَا يعجل إِلَى أَن عثر لَهُم على ذنُوب توجب لَهُ أَخذهم بهَا حَتَّى لَا ينْسب إِلَى ظلم وَلَا حيف فَإِنَّهُ كَانَ يعظم عَلَيْهِ أَن يذكر عَنهُ أَنه ظَالِم أَو جَائِر أَو فِيهِ حيف أَو وَقع فِي أَيَّامه خراب أَو خلل ويحرص على حسن القالة فِيهِ وَذكره بالجميل. وَكَانَ يستبد بِأُمُور مَمْلَكَته ويتفرد بِالْأَحْكَامِ حَتَّى أَنه أبطل نِيَابَة السلطنة ليشتغل بأعباء الدولة وَحده. وَكَانَ يكره أَن يَقْتَدِي بِمن تقدمه من الْمُلُوك وَلَا يحْتَمل أَن يذكر عِنْده ملك. وَكَانَ يكره شرب الْخمر ويعاقب عَلَيْهِ وَيبعد من يشربه من الْأُمَرَاء عَنهُ. وَبلغ السُّلْطَان النَّاصِر من الْكَرم والجود والأفضال وسعة الْعَطاء غَايَة تخرج عَن الْحَد فوهب فِي يَوْم وَاحِد مَا يزِيد على مائَة ألف دِينَار ذَهَبا وَلم يزل مُسْتَمر الْعَطاء لخاصكيته مَا بَين عشرَة أُلَّاف دِينَار وَنَحْوهَا. وَسُئِلَ النشو: هَل أطلق السُّلْطَان يَوْمًا ألف ألف دِرْهَم قَالَ: نعم كثيرا. وأنعم فِي يَوْم على بشتاك بِأَلف ألف دِرْهَم فِي ثمن قَرْيَة وأنعم على مُوسَى بن مهنا بِأَلف ألف دِرْهَم فِي ثمن القريتين. وَاشْترى من الرَّقِيق فِي مُدَّة أَولهَا شعْبَان سنة اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ إِلَى سنة سبع وَثَلَاثِينَ بأربعمائة ألف دِينَار وَسبعين ألف دِينَار. وَكَانَ ينعم على تنكز فِي كل سنة يتَوَجَّه إِلَيْهِ بِمَا يزِيد على ألف ألف دِرْهَم وأنعم يَوْمًا على قوصون بزردخاناه بكتمر الساقي وَقِيمَة مَا فِيهَا سِتّمائَة ألف دِينَار أَخذ السُّلْطَان من الْجَمِيع سرجاً وَاحِدًا وسيفاً وَاحِدًا. وَلما تزوج قوصون بابنته حمل إِلَيْهِ الْأُمَرَاء شَيْئا كثيرا ثمَّ بعد ذَلِك زوج ابْنَته الْأُخْرَى بطغاي تمر وَقَالَ: مَا نعمل لَهُ عرساً لِأَن الْأُمَرَاء يَقُولُونَ هَذِه مصاردة بِحسن عبارَة وَنظر إِلَى طغاي تمر فرأه وَقد تغير. فَقَالَ للْقَاضِي تَاج الدّين إِسْحَاق نَاظر الْخَاص: يَا قَاضِي اعْمَلْ لي ورقة بمكارمة الْأُمَرَاء فِي عرس قوصون فَعمل ورقة وأحضرها فَقَالَ: كم الْجُمْلَة فَقَالَ: خَمْسُونَ ألف دِينَار فَقَالَ: أعْط نظيرها من الخزانة لطغاي تمر وَهَذَا سوى مَا دخل مَعَ الزَّوْجَة من الجهاز. وَجرى يَوْمًا عِنْد السُّلْطَان ذكر عشْرين ألف دِينَار فَقَالَ يلبغا اليحياوي: يَا خوند أَنا وَالله عمري مَا رَأَيْت عشْرين ألف دِينَار فَلَمَّا رَاح من عِنْده طلب النشو وَقَالَ لَهُ. احْمِلْ السَّاعَة إِلَى يلبغا عشْرين ألف دِينَار وجهزها مَعَ الخازندارية وجهز خَمْسَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 311 تشاريف أَحْمَر أطلس بكلفات زركش وطرز زركش وحوائص ذهب ليخلع ذَلِك عَلَيْهِم. وَكَانَ راتب مطبخه ورواتب الْأُمَرَاء وَالْكتاب الَّذين هم على مطبخه فِي كل يَوْم سِتَّة وَثَلَاثِينَ ألف رَطْل لحم. وَكَانَت نفقات العمائر الرَّاتِب لَهَا فِي كل يَوْم ألفا دِرْهَم سوى مَا يطْرَأ. وَبَالغ السُّلْطَان النَّاصِر أخيراً فِي مشترى المماليك: فَاشْترى صرغتمس بِخَمْسَة وَثَمَانِينَ ألف دِرْهَم سوى تشريف أستاذه وَغير مَا كتب لَهُ من الْمُسَامحَة وَأما الْعشْرَة وَالْعِشْرين وَالثَّلَاثِينَ فكثير. وغلا الْجَوَاهِر واللؤلؤ فِي أَيَّامه. وبذل فِي أَثمَان الْخَيل مَا لم يسمع بِمثلِهِ. وَجمع من المَال والجواهر واللؤلؤ مَا لم يجمعه ملك من مُلُوك التّرْك قبله. وَعرفت رغبته فِي الْجَوَاهِر فجلبها إِلَيْهَا التُّجَّار من الأقطار وشغف بالسراري فحاز مِنْهُنَّ كل بديعة الْجمال. وجهز إِحْدَى عشرَة ابْنة لَهُ بالجهاز الْعَظِيم فَكَانَ أقلهن جهازا بثمانمائة ألف دِينَار: مِنْهَا قيمَة بشخاناه وداير بَيت وَمَا يتَعَلَّق بِهِ بِمِائَة ألف دِينَار وَبَقِيَّة ذَلِك مَا بَين جَوَاهِر ولألئ وأواني وَنَحْو ذَلِك. ثمَّ إِنَّه زوجهن من مماليكه: مثل الْأَمِير قوصون والأمير بشتاك والأمير ألطنبغا المارديني والأمير طغاي تمر والأمير عمر بن النَّائِب وَغَيرهم وجهز سراريه وجواريه وَمن يحسن بخاطره من النِّسَاء كل وَاحِدَة بِنَحْوِ ذَلِك وبأكثر مِنْهُ. واستجد النِّسَاء فِي أَيَّامه المقنعة والطرحة بِنَحْوِ عشرَة أُلَّاف دِينَار وَبِمَا دون ذَلِك إِلَى خَمْسَة أُلَّاف دِرْهَم والفرجيات بِمثل ذَلِك. واستجد أَيْضا فِي أَيَّامه للنِّسَاء الخلاخيل الذَّهَب والأطواق المرصعة بالجواهر الثمينة والقباقيب الذَّهَب المرصعة بالجواهر والأوطية المرصعة والأزر الْحَرِير فَكَانَت قيمَة إِزَار الْمَرْأَة من أحاد النِّسَاء ألف دِرْهَم عَنْهَا نَحْو الْخمسين دِينَارا مصرية. وَكَانَ السُّلْطَان النَّاصِر يحمل إِلَى مُلُوك الشرق من المَال مَا لَا ينْحَصر وَبِذَلِك كَانَ ينَال مقاصده مِنْهُم ويبلغ أغراضه فيهم فَإِنَّهُ كَانَ يعم نواب الْملك والخواتين بِمَا يبهرهم بِهِ من المصاغ والجواهر والقماش الإسكندري الْمُنَاسب لَهُم. وَاتفقَ أَنه جهز مرّة لأبي سعيد بن خربندا صُحْبَة الْأَمِير أيتمش المحمدي هَدِيَّة عَظِيمَة جدا فَقَالَ لَهُ الْفَخر نَاظر الْجَيْش: قد اغنى الله السُّلْطَان عَن هَؤُلَاءِ فَإِنَّهُم فِي طَاعَته عَن أَن يبْعَث لَهُم بِهَذَا المَال. فَقَالَ لَهُ: اسْكُتْ يَا قَاضِي فَخر الدّين وَالله لَو علمت الَّذِي أعلمهُ مَا قلت هَذَا. اعْلَم يَا قَاضِي أَن المَال الَّذِي أسيره إِلَيْهِ مَا يَجِيء قدر ثمن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 312 الروايا وكلف السقايين الَّذين يذهبون معي فِي البيكار وأكون قد وفرت نَفسِي وعسكري. وَلم يعْهَد فِي أَيَّام ملك قبله مَا عهد فِي أَيَّامه من مسالمة الْأَيَّام لَهُ وَعدم حَرَكَة الْأَعْدَاء برا وبحراً وخضوع جَمِيع الْمُلُوك لَهُ ومهاداتهم إِيَّاه وَكَانَ يصل إِلَى قتل من يُرِيد قَتله بالفداوية لِكَثْرَة بذله لَهُم الْأَمْوَال. وَكَانَ يحب الْعِمَارَة فَلم يزل من حِين قدم من الكرك إِلَى أَن مَاتَ مُسْتَمر الْعِمَارَة فجَاء تَقْدِير مصروفه كل يَوْم مُدَّة هَذِه السنين ثَمَانِيَة آلَاف دِرْهَم. وَكَانَ ينْفق على الْعِمَارَة الْمِائَة ألف دِرْهَم فَإِذا رأى فِيهَا مَا لَا يعحبه هدمها كلهَا وجددها على مَا يخْتَار. وَلم يكن من قبله من الْمُلُوك فِي الْإِنْفَاق على الْعِمَارَة كَذَلِك بل أَرَادَ الْمَنْصُور قلاوون مرّة أَن يَبْنِي مصطبة عَلَيْهَا رَفْرَف يَقِيه حر الشَّمْس ليجلس عَلَيْهَا فَكتب لَهُ الشجاعي على تَقْدِير مصروفها أَرْبَعَة أُلَّاف دِرْهَم فَتَنَاول الورقة من يَد الشجاعي ومزقها وَقَالَ: أقعد فِي مقْعد بأَرْبعَة أُلَّاف انصبوا لي صيواناً إِذا نزلت وَلَا أخرج من بَيت المَال لمثل هَذَا شَيْئا. وَكَذَلِكَ كَانَ الظَّاهِر بيبرس وَمن قبله لَا يستهون بِالْمَالِ وَإِنَّمَا يدخرونه صِيَانة وخوفاً وَلم يعرف لآحد مِنْهُم أَنه أنعم بِأَلف دِينَار جملَة وَاحِدَة. وَرَاك السُّلْطَان النَّاصِر أَرض مصر وَالشَّام وأبطل عدَّة مظالم من المكوس والضمانات: مثل سَاحل الْغلَّة وَكَانَ عَلَيْهِ سِتّمائَة جندي مَا مِنْهُم إِلَّا من لَهُ فِي كل سنة مَا بَين ثَمَانِيَة أُلَّاف دِرْهَم إِلَى سِتَّة أُلَّاف دِرْهَم سوى مَا عَلَيْهِ لِلْأُمَرَاءِ وَمثل الْحُقُوق الَّتِي كَانَت على الأسربة إِذا كسحت وَعَلَيْهَا أَيْضا عدَّة أجناد فرتب لَهُم فِي كل سنة جملَة لكل مِنْهُم وَمثل جِهَات ابْن البطوني وَكَانَ هَذَا الرجل يَأْخُذ على رد العبيد والجواري الآبقين ضريبة وَيُقِيم من تَحت يَده رجَالًا على الطرقات لرد الهاربين وَيقوم للديوان فِي كل سنة بِمَال. وأبطل السُّلْطَان غير ذَلِك من المكوس كَمَا تقدم عِنْد عمل الروك. وَكَانَ السُّلْطَان النَّاصِر متسع الْحَال. بلغ راتبه من اللَّحْم فِي كل يَوْم لمطبخه ومرتب مماليكه سِتَّة وَثَلَاثِينَ ألف رَطْل لحم. واستجد فِي أَيَّامه عمائر كَثِيرَة: مِنْهَا حفر خليج الإسكندية من بَحر فوة فِي مُدَّة أَرْبَعِينَ يَوْمًا عمل فِيهِ فَوق الْمِائَة ألف رجل من أهل النواحي فاستجد عَلَيْهِ عدَّة سواقي وبساتين فِي أَرَاضِي كَانَت سباخا فَصَارَت مزارع قصب السكر والسمسم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 313 وعمرت هُنَاكَ الناصرية وَنقل إِلَيْهَا مقداد بن شماس بأولاده وعدتهم مائَة ولد ذكر وَاسْتمرّ المَاء طول السّنة بخليج الْإسْكَنْدَريَّة. وَأَنْشَأَ الميدان تَحت القلعة وأجرى لَهُ الْمِيَاه وغرس فِيهِ النّخل وَالْأَشْجَار وَلعب فِيهِ بالكرة فِي كل يَوْم ثلاثاء مَعَ الْأُمَرَاء والخاصكية وَعمر فَوْقه الْقصر الأبلق. وأخرب البرج الَّذِي عمره أَخُوهُ الْأَشْرَف خَلِيل على الإصطبل وَجعل فَوْقه رفرفا وَترك أَصله من أَسْفَله وَعمر بجانبه برجاً نقل إِلَيْهِ المماليك. وَغير بَاب النّحاس بالقلعه ووسع دهليزه. وَعمر فِي الساحة قُدَّام الإيوان طباقاً لِلْأُمَرَاءِ والخاصكية وَغير الإيوان مرَّتَيْنِ وَفِي الْمرة الثَّالِثَة أقره على مَا هُوَ عَلَيْهِ الْآن وَحمل إِلَيْهِ الْعمد الْكِبَار من بِلَاد الصَّعِيد فجَاء من أعظم المباني الملوكية. وَعمر بالقلعة دوراً لِلْأُمَرَاءِ الَّذين زوجهم ببناته وأجرى إِلَيْهَا الْمِيَاه وَعمل بهَا الحمامات وَزَاد فِي بَاب الْقلَّة من القلعة بَابا ثَانِيًا. وَعمر حارة مُخْتَصّ وَعمر الْجَامِع بالقلعة والقاعات السَّبع الَّتِي تشرف على الميدان وَبَاب القرافة لأجل سُكْنى سراريه. وَعمر المطبخ وَجعل عمائره كلهَا بِالْحِجَارَةِ خوفًا من الْحَرِيق. وعزم أَن يُغير بَاب القلعة الْمَعْرُوف بالمدرج وَيعْمل لَهُ دركاه فَمَاتَ قبل ذَلِك. وَعمل فِي القلعة حوش الْغنم وحوش الْبَقر وحوش المعزى وجاير الأوز وَغير ذَلِك فأوسع فِيهَا نَحْو خمسين فداناً. وَعمر الخانكاه بِنَاحِيَة سرياقوس ورتب بهَا مائَة صوفي لكل مِنْهُم الْخبز وَاللَّحم وَالطَّعَام والحلوى وَسَائِر مَا يحْتَاج إِلَيْهِ. وَعمر الْقُصُور بِالْقربِ مِنْهَا وَعمل لَهَا بستاناً حمل إِلَيْهَا الْأَشْجَار من دمشق وَغَيرهَا فَصَارَ بِهِ عَامَّة فواكه الشَّام. وحفر الخليج الناصري خَارج الْقَاهِرَة حَتَّى أوصله إِلَى سرياقوس فعمر على هَذَا الخليج عدَّة قناطر: مِنْهَا قنطرة بفمه عِنْد الميدان أَنْشَأَهَا الْفَخر نَاظر الْجَيْش وقنطرة قدادار وَالِي الْقَاهِرَة وَغير ذَلِك فَصَارَ بجانبي الخليج عدَّة بساتين وعمرت بِهِ أَرض الطبالة بعد خرابها من أَيَّام الْعَادِل كتبغا. وعمرت فِي أَيَّام السُّلْطَان النَّاصِر جَزِيرَة الْفِيل وناحية بولاق بَعْدَمَا كَانَت رمالاً ترمي بهَا المماليك النشاب وتلعب الْأُمَرَاء فِيهَا بالكرة فَصَارَت كلهَا دوراً وقصوراً وجوامع وأسواق وبساتين. وَبَلغت الْبَسَاتِين بِجَزِيرَة الْفِيل زِيَادَة على مائَة وَخمسين بستاناً بَعْدَمَا كَانَت نَحْو الْعشْرين بستاناً. واتصلت الْعِمَارَة على سَاحل النّيل من منية الشيرج إِلَى جَامع الخطيري إِلَى حكر ابْن الْأَثِير وزريبة قوصون إِلَى منشأة الكتبة ومنشأه المهراني إِلَى بركَة الْحَبَش حَتَّى كَانَ الْإِنْسَان يتعجب لذَلِك فَإِنَّهُ كَانَ يعْهَد هَذَا كُله تلال رمل وحلفاء فَصَارَ لَا يرى فِيهِ قدر ذِرَاع إِلَّا وَفِيه بِنَاء. وعمرت فِي أَيَّامه أَيْضا الْقطعَة الَّتِي فِيمَا بَين قبَّة الإِمَام الشَّافِعِي إِلَى بَاب القرافة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 314 بَعْدَمَا كَانَت فضاء لسباق خيل الْأُمَرَاء والأجناد والخدام فَتحصل بِهِ اجتماعات جليلة للتفرج عَلَيْهِم إِلَى أَن أنشأ السُّلْطَان تربة الْأَمِير بيبغا التركماني. فعمر ذَلِك كُله ترباً وخوانك حَتَّى صَارَت العمائر مُتَّصِلَة من بَاب القرافة إِلَى بركَة الْحَبَش لَا يُوجد بهَا قدر ذِرَاع بِغَيْر عمَارَة وتنافس الْأُمَرَاء فِي ذَلِك حَتَّى بلغُوا فِي عِمَارَته مبلغا عَظِيما إِلَى الْغَايَة وَعمر فِي أَيَّامه أَيْضا الصَّحرَاء الَّتِي فِيمَا بَين القلعة وخارج بَاب المحروق إِلَى قبَّة النَّصْر وَكَانَ هُنَاكَ ميدان القبق من عهد الظَّاهِر بيبرس برسم ركُوب السُّلْطَان وَعمل الموكب بِهِ وبرسم سباق الْخَيل. وَأول من عمر فِيهِ الْأُمَرَاء قراسنقر تربة وَعمل لَهَا حَوْض مَاء للسبيل يَعْلُو مَسْجِد ثمَّ اقْتدى بِهِ الْأُمَرَاء والأجناد وَغَيرهم حَتَّى امْتَلَأَ الميدان من كَثِيرَة العمائر. وَعمر السُّلْطَان لمماليكه عدَّة قُصُور: مِنْهَا قصر الْأَمِير طقتمر الدِّمَشْقِي بحدرة الْبَقر وَبلغ مصروفه ثَمَانمِائَة ألف دِرْهَم فَلَمَّا مَاتَ طقتمر أنعم بِهِ السُّلْطَان على الْأَمِير طشتمر حمص أَخْضَر فَزَاد فِيهِ. وَمِنْهَا قصر الْأَمِير بكتمر الساقي على بركَة الْفِيل فَعمل أساسه أَرْبَعِينَ ذِرَاعا وارتفاعه عَن الأساس مثلهَا فَزَاد مصروفه على ألف ألف دِرْهَم. وَمِنْهَا الْكَبْش حَيْثُ كَانَت عمَارَة الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب فعمله السُّلْطَان سبع قاعات برسم نزُول بَنَاته وسراريه فِيهَا للتفرج على ركُوب السُّلْطَان إِلَى الميدان الْكَبِير وَلم ينْحَصر مَا أنْفق فِيهَا لكثرته. وَمِنْهَا إصطبل الْأَمِير قوصون بسوق الْخَيل تَحت القلعة حَيْثُ كَانَ إصطبل الْأَمِير سنجر البشمقدار وإصطبل سنقر الطَّوِيل. وَمِنْهَا قصر بهادر الجوباني بجوار زَاوِيَة الْبُرْهَان الصَّائِغ بالجسر الْأَعْظَم تجاه الْكَبْش. وَمِنْهَا قصر قطلوبغا الفخري وَقصر ألطنبغا المارديني وَقصر يلبغا اليحياوي وَهُوَ أجل مَا عمره من الْقُصُور انْصَرف على أساسه خَاصَّة عَن ثمن جير وَحجر وَأُجْرَة مائَة وَثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم وَعمل نُزُوله فِي الأرص ثَلَاثِينَ ذِرَاعا واحتيج فِيهِ إِلَى زنة عشرَة آلَاف دِرْهَم لازورد لدهان سقوفه ثمنهَا مائَة ألف دِرْهَم. وَعمر الْأُمَرَاء فِي أَيَّام السُّلْطَان النَّاصِر عدَّة دور: مِنْهَا دَار الْأَمِير أيدغمش أَمِير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 315 آخور وَدَار آقبغا وَدَار طقزدمر وَدَار بشتاك على النّيل وَهِي تشْتَمل على ربع كَبِير فَوق زريبة بجوار جَامع طيبرس وَقصر بشتاك بِالْقَاهِرَةِ وَقد ذكرت هَذِه الْقُصُور والدور فِي كتاب المواعظ وَالِاعْتِبَار بِذكر الخطط والأمطار ذكرا مستوعباً لأخبارها. وَكَانَت للسُّلْطَان عناية كَبِيرَة بِبِلَاد الجيزة وَعمل على كل بلد بهَا جِسْرًا أَو قنطرة وَكَانَت أَكثر بلادها تشرق لعلوها فَعمل جسر أم دِينَار فِي ارْتِفَاع اثْنَتَيْ عشرَة قَصَبَة أَقَامَ الْعَمَل فِيهِ مُدَّة شَهْرَيْن فحبس المَاء حَتَّى رويت تِلْكَ الْأَرَاضِي كلهَا وَعم النَّفْع بهَا. وَقَوي بِسَبَب هَذَا الجسر المَاء حَتَّى حفر بحراً يتَّصل بالجيزة وَخرج فِي أراضيها عدَّة مَوَاضِع زرعت بَعْدَمَا كَانَت شاسعة أَخذ مِنْهَا قوصون وبشتاك وَغَيرهمَا عدَّة أَرَاضِي عمروها ووقفوها واستجد السُّلْطَان على بقيتها ثَلَاثمِائَة جندي. واستجدت فِي أَيَّامه عدَّة أَرَاضِي بنواحي الشرقية وفوة وشباس أقطعت لعدة أجناد وَعمل أَيْضا جسر شيبين فَزَاد بِسَبَبِهِ خراج الشرقية. وَعمل جِسْرًا خَارج الْقَاهِرَة حَتَّى رد النّيل على منية الشيرج وَغَيرهَا وعمرت بِسَبَبِهِ بساتين جَزِيرَة الْفِيل وَكثر عَددهَا. وَأحكم السُّلْطَان عَامَّة أَرض مصر قبليها وبحريها بالترع والجسور حَتَّى أتقن أمرهَا وَكَانَ يوكب إِلَيْهَا برسم الصَّيْد فِي كل قَلِيل ويتفقد أحوالها وَينظر فِي جسورها وتراعها وقناطرها بِنَفسِهِ بِحَيْثُ أَنه لم يدع فِي أَيَّامه موضعا مِنْهَا حَتَّى عمل فِيهِ مَا يحْتَاج إِلَيْهِ. وَكَانَ لَهُ سعد فِي جَمِيع أَعماله فَكَانَ يقترح الْمَنَافِع من قبله بعد أَن كَانَ يزهده فِيمَا يَأْمر بِهِ حذاق المهندسين وَيَقُول بَعضهم. يَا خوند الدّين جَاءُوا من قبلنَا لَو علمُوا أَن هَذَا يَصح لفعلوه فَلَا يلْتَفت إِلَى قَوْلهم وَيفْعل مَا بدا لَهُ من مصَالح الْبِلَاد فَتَأْتِيه أغراضه على مَا يحب ويختار فَزَاد فِي أَيَّامه خراج مصر زِيَادَة هائلة فِي سَائِر الأقاليم. وَكَانَ إِذا سممع بشراقي بلد أَو قَرْيَة من الْقرى أهمه ذَلِك وَسَأَلَ المقطع بهَا عَن أَحْوَال الْقرْيَة الْمَذْكُورَة غير مرّة بل كلما وَقع بَصَره عَلَيْهِ وَلَا يزَال يفحص عَن ذَلِك حَتَّى يتَوَصَّل إِلَى ريها بِكُل مَا تصل قدرته إِلَيْهِ. كل ذَلِك وصاحبها لَا يسْأَله فِي شَيْء من أمرهَا فيكلمه بعض الْأُمَرَاء فِي ذَلِك فَيَقُول: هَذِه قريتي وَأَنا الْمَلْزُوم بهَا والمسؤل عَنْهَا فَكَانَ هَذَا دأبه وَكَانَ يفرح إِذا سَأَلَهُ بعض الأجناد فِي عمل مصلحَة بَلَده بِسَبَب عمل جسر أَو تقاوي أَو غير ذَلِك وينبل ذَلِك الرجل فِي عينه وَيفْعل لَهُ مَا طلبه من غير توقف وَلَا ملل فِي إِخْرَاج المَال فَإِن كَلمه أحد فِي ذَلِك فَيَقُول: فَلم نجمع المَال فِي بَيت الْمُسلمين إِلَّا لهَذَا الْمَعْنى وَغَيره فَهَذِهِ كَانَت عوائده. وَكَذَلِكَ فعل بالبلاد الشامية حَتَّى إِن مَدِينَة غَزَّة هُوَ الَّذِي مصرها وَجعلهَا على هَذِه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 316 الْهَيْئَة وَكَانَت قبل كآحاد قرى الْبِلَاد الشامية وَجعل لَهُ نَائِبا وَسمي بِملك الْأُمَرَاء وَلم تكن قبل ذَلِك إِلَّا ضَيْعَة من ضيَاع الرملة وَمثلهَا فكثير من قرى الشَّام وحلب والساحل يطول الشَّرْح فِي ذكر ذَلِك. وَأَنْشَأَ السُّلْطَان النَّاصِر الميدان الْكَبِير على النّيل وَخرب ميدان اللوق الَّذِي أنشأه الظَّاهِر بيبرس وَعَمله بستاناً حملت إِلَيْهِ الْأَشْجَار من دمشق وَغَيرهَا فَكَانَت فواكه تحمل إِلَى الشَّرَاب خاناه السُّلْطَانِيَّة. ثمَّ أنعم بِهِ على الْأَمِير قوصون فَبنى تجاهه على الزريبة الْمَعْرُوفَة بزريبة قوصون ووقفهما. واقتدى بِهِ الْأُمَرَاء فِي الْعِمَارَة فَأخذ قوصون بُسْتَان بهادر رَأس نوبَة ومساحته خَمْسَة عشر فداناً وحكر للنَّاس فبنوه دوراً وَعرف بحكر قوصون. وحكر السُّلْطَان حول الْبركَة الناصرية أَرَاضِي الْبُسْتَان فعمره النَّاس وَسَكنُوا فِيهِ. وحكر الْأَمِير طقزدمر بجوار الخليج بستاناً مساحته ثَلَاثُونَ فدانا وَبني لَهُ قنطرة عرفت بِهِ وَعمل هُنَاكَ حَماما وحوانيت فَصَارَ حكراً عَظِيما للْمَسَاكِين. وحكر الْأَمِير آقبغا عبد الْوَاحِد بستاناً بجوار بركَة الْفِيل فعمر عمَارَة محميرة بَعْدَمَا كَانَ مقطع طَرِيق فَصَارَ قدر مَدِينَة كَبِيرَة وَأخذ بَقِيَّة الْأُمَرَاء جَمِيع مَا كَانَ من الْبَسَاتِين والجنينات ظَاهر الْقَاهِرَة وحكروها. وحكرت الدادة حدق - وَهِي الْمَعْرُوفَة باسم سِتّ مسكة القهرمانة - حكرين عرفا بهَا فجاءا من أحسن الأحكار وأنشات لكل وَاحِد مِنْهُمَا جَامعا تُقَام بِهِ الْجُمُعَة. فأنافت الأحكار الَّتِي استجدت فِي أَيَّامه على سِتِّينَ حكراً حَتَّى لم يُوجد مَوضِع بحكر واتصلت العمارات من خَارج الْقَاهِرَة إِلَى جَامع ابْن طولون والمشاهد وَقد ذكرنَا أَيْضا هَذِه الأحكار فِي كتاب المواعظ وَالِاعْتِبَار ذكرا شافياً. وَفِي أَيَّامه عمر الْأَمِير قوصون بِالْقَاهِرَةِ وكَالَة حَيْثُ كَانَت دَار تعويل البوغاني. وَعمر الْأَمِير طشتمر حمص أَخْضَر ربعا بجوار حدرة الْبَقر وَهُوَ الَّذِي عمر قيسارية الحريريين بجوار الوراقين من الْقَاهِرَة. وَعمر الْأَمِير بكتمر الساقي. بِمَدِينَة مصر ربعين وحوانيت على النّيل وَدَار وكَالَة ومطابخ سكر. وَعمر الْأَمِير طقزدمر دَار التفاح خَارج بَاب زويلة وَالرّبع الَّذِي فَوْقه. وتجددت عدَّة جَوَامِع فِي أَيَّامه أنافت على ثَلَاثِينَ جَامعا مِنْهَا الْجَامِع الناصري بقلعة الْجَبَل جدده السُّلْطَان النَّاصِر وأوسعه وَالْجَامِع الْجَدِيد الناصري ظَاهر من على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 317 النّيل وجامع المشهد النفيسي وجامع الْأَمِير كراي المنصوري بآخر الحسينية وجامع الْأَمِير طيبرس نقيب الْجَيْش على النّيل بجوار خانكاته - وَهُوَ الَّذِي عمر أَيْضا مدرسة بجوار الْجَامِع الْأَزْهَر بِالْقَاهِرَةِ وجامع الْأَمِير بدر الدّين مُحَمَّد بن التركماني بِالْقربِ من بَاب الْبَحْر وجامع الْفَخر نَاظر الْجَيْش على النّيل فِيمَا بَين بولاق وجزيرة الْفِيل وَهُوَ الَّذِي عمر جَامعا آخر خلف خص الكيالة ببولاق وجامعاً ثَالِثا بالروضة وجامع كريم الدّين خلف الميدان وجامع شرف الدّين الجاكي بسويقة الريش وجامع أَمِير حُسَيْن بالحكر - وَقد بني لَهُ قنطرة على الخليج - وجامع الْأَمِير قيدان الرُّومِي بقناطر الوز وجامع دولت شاه مَمْلُوك العلائى بكوم الريش وجامع الْأَمِير جمال الدّين أقوش نَائِب الكرك بِطرف الحسينية وجامع نَاصِر الدّين الْحَرَّانِي الشرابيشي بالقرافة وجامع الْأَمِير آقسنقر شاد العمائر قَرِيبا من الميدان وجامعاً خَارج بَاب القرافة عمره جمَاعَة من الْعَجم وجامع النّوبَة بِبَاب البرقية - عمره مغلطاي أَخُو الْأَمِير ألماس وجامع بنت الْملك الظَّاهِر بيبرس بالجزيرة المستجدة وَعمر مَا حوله أملاكاً كَثِيرَة - وجامع الْأَمِير ألماس بِالْقربِ من حَوْض ابْن هنس وجامع الْأَمِير قوصون خَارج الْقَاهِرَة وجامعه خَارج بَاب القرافة وجامع الْأَمِير عز الدّين أيدمر الخطيري على النّيل ببولاق وجامع أخي صاروجا بشون الْقصب وجامع الْحَاج آل ملك بالحسينية وجامع الْأَمِير بشتاك على بركَة الْفِيل تجاه خانكاته وجامع سِتّ حدق فِيمَا بَين قنطرة السد وقناطر السبَاع وجامع سِتّ مسكة قَرِيبا من قنطرة آقسنقر وجامع الْأَمِير ألطبغا المارديني خَارج بَاب زويلة وجامع مظفر الدّين بن الْفلك بسويقة الجميزة من الحسينية وجامع جَوْهَر السحرتي قَرِيبا من بَاب الشعرية وجامع فتح الدّين مُحَمَّد بن عبد الظَّاهِر بالقرافة. واستجد بِدِمَشْق فِي أَيَّام السُّلْطَان النَّاصِر أَيْضا جَامع كريم الدّين وجامع شمس الدّين غبريال وجامع الأفرم وجامع تنكز وجامع يلبغا. وجددت الْخطب فِي أَيَّامه بعدة مَوَاضِع: فجدد نَائِب الكرك خطْبَة بِالْمَدْرَسَةِ الصالحية وجدد طقزدمر خطة بالمعزية بِمصْر. وتجددت خطة بزاوية فَخر الدّين بن جوشن خَارج بَاب النَّصْر وجدد نجم الدّين أَبُو بكر بن غَازِي دلال المماليك خطْبَة بِمَسْجِد فِيمَا بَين بَاب الْبَحْر وبولاق وجددت خطة بِجَامِع مَحْمُود بالقرافة بَعْدَمَا كَانَ تربة. وَأخر مَا عمره السُّلْطَان السواقي بالرصد فَمَاتَ وَلم يكمل عَملهَا إِلَّا أَنه فِي أخر أَيَّامه أَقَامَ النشو فأفرط فِي الظُّلم. وشغف السُّلْطَان أَيْضا بحب الْجَوَارِي، فَكتب إِلَى أَعمال مصر بِبيع الْجَوَارِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 318 المولدات وحملهن إِلَيْهِ وأخذهن حَتَّى من الْمُغَنِّيَات فزادت عدتهن عِنْده على ألف ومائتي وصيفة. وَكَانَ يكره ممالك أَبِيه وأخيه ومازال بهم حَتَّى فنوا فِي أَيَّامه. وَكَانَ لَا يُمكن مماليكه بالاجتماع بالفقهاء وتعنت على أجناد الْحلقَة وعرضهم وَقطع مِنْهُم جمَاعَة فَمَاتَ عقيب ذَلِك. ورسم بعد مَوته بغلق حوانيت بَين القصرين وطردت النَّاس بأجعهم من هُنَاكَ. وَحمل فِي محفة وَأخرج من القلعة ومروا بِهِ من وَرَاء السُّور إِلَى بَاب النَّصْر وَمَعَهُ من الْأُمَرَاء بشتاك وملكتمر الْحِجَازِي وأيدغمش وعدة من الخاصكية. ثمَّ شَقوا بِهِ من بَاب النَّصْر إِلَى الْمدرسَة المنصورية وقدامه بعض الحراس تضيء عَلَيْهِ بمسرجة زَيْت حَار ثمَّ لحقه فانوس فشيعه إِلَى الْمدرسَة المنصورية. وَحمل إِلَى الْقبَّة بهَا وَغسل وحنط وكفن من المارستان وَقد اجْتمع الْفُقَهَاء والقراء ثمَّ دفن على أَبِيه. وَترك السُّلْطَان النَّاصِر من الْأَوْلَاد مُحَمَّدًا وابراهيم وعليا وَأحمد وَأَبا بكر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 319 وكجك ويوسف وَشَعْبَان ورمضان وَإِسْمَاعِيل وحاجي وَحسَيْنا وحسناً وصالحاً وَسبع بَنَات فولي السلطة من أَوْلَاده ثَمَانِيَة: وهم أَبُو بكر وكجك وَأحمد وَإِسْمَاعِيل وَشَعْبَان وحاجي وَصَالح وَحسن. وَكَانَت نوابه بديار مصر كتبغا وسلار وبيبرس الدوادار وبكتمر الجوكندار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 320 وأرغون الداوادار، وَلم يستنب بعد أرغون أحد. وَكَانَت وزراؤه سنجر الشجاعي وتاج الدّين مُحَمَّد بن حنا وفخر الدّين عمر بن الخليلي وسنقر الأعسر وَعز الدّين أيبك الْبَغْدَادِيّ وَمُحَمّد بن الشيخي وأيبك الْأَشْقَر - وَسمي الْمُدبر وَسعد الدّين مُحَمَّد بن عطايا وضياء الدّين أَبُو بكر بن عبد الله النشائي وَبدر الدّين مُحَمَّد بن التركماني وَأمين الدّين عبد الله بن الغنام وبكتمر الْحَاجِب ومغلطاي الجمالي. وَلم يستوزر بعد الجمالي أحدا. وَكَانَت قُضَاته تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن دَقِيق الْعِيد وَبدر الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة وجمال الدّين سُلَيْمَان الزرعي وجلال الدّين مُحَمَّد بن الْقزْوِينِي وَعز الدّين عيد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 321 الْعَزِيز بن جمَاعَة. وَكَانَ كتاب سره شرف الدّين عبد الْوَهَّاب بن فضل الله وعلاء الدّين عَليّ بن الْأَثِير ومحي الدّين يحيى بن فضل الله وعلاء الدّين عَليّ بن فصل الله. كَانَ دواداريته عز الدّين أيدمر وأرغون وأرسلان وألجاي ويوسف بن الأسعد وبغا وطاجار. وَكَانَ نظار جَيْشه بهاء الدّين عبد الله بن أَحْمد الْحلِيّ وَالْفَخْر مُحَمَّد بن فضل الله القبطي وقطب الدّين مرسي بن شيخ السلامية وشمس الدّين مُوسَى بن التَّاج إِسْحَاق والمكين إِبْرَاهِيم بن قروينة وجمال الكفاة إِبْرَاهِيم. تمّ ذَلِك السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور أَبُو بكر بن الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن الْملك الْمَنْصُور قلاوون جلس على تخت السلطنة بالإيوان من قلعة الْجَبَل بِعَهْد أَبِيه لَهُ صَبِيحَة توفّي وَالِده من يَوْم الْخَمِيس حادي عشرى ذِي الْحجَّة سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة. ولقبه الْأُمَرَاء الأكابر بِالْملكِ الْمَنْصُور وجلسوا حوله وَاتَّفَقُوا على إِقَامَة الْأَمِير سيف الدّين طقزدمر الْحَمَوِيّ - زوج أمه - نَائِب السلطة بديار مصر وَأَن يكون الْأَمِير قوصون مُدبر الدولة وَرَأس المشورة ويشاركه فِي الرَّأْي الْأَمِير بشتاك. ورسم بتجهيز التشاريف وَالْخلْع وَعين الْأَمِير قطلو بغا الفخري لتعزية نواب الشَّام بالسلطان النَّاصِر مُحَمَّد والبشارة بسلطنة ابْنه وتحليفهم. وَيكون صحبته تقاليدهم فَتوجه من يَوْمه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 322 وَفِيه نُودي بِالْقَاهِرَةِ ومصر أَن يتعامل النَّاس بِالْفِضَّةِ وَالذَّهَب بِسعْر الله فسر النَّاس ذَلِك فَإِنَّهُم كَانُوا منعُوا من الْمُعَامَلَة بِالْفِضَّةِ وَألا يكون معاملتهم إِلَّا بِالذَّهَب. وَفِيه أفرج عَن بركَة الْحَبَش وقف الْأَشْرَاف وَكَانَ النشو قد أَخذهَا مِنْهُم وَصَارَ ينْفق فيهم من بَيت المَال. وَفِيه كتب إِلَى وُلَاة الْأَعْمَال بِرَفْع الْمَظَالِم وَألا يَرْمِي على بِلَاد الأجناد شعير وَلَا تبن. وَفِي يَوْم السبت سلخه: جمع الْقُضَاة بِجَامِع القلعة للنَّظَر فِي أَمر الْخَلِيفَة الْحَاكِم بِأَمْر الله أَحْمد بن أبي الرّبيع سُلَيْمَان وإعادته إِلَى الْخلَافَة وَحضر مَعَهم الْأَمِير طاجار الدوادار وَغَيره. فاتفقوا على إِعَادَته لعهد أَبِيه إِلَيْهِ بالخلافة. بمقتضي مَكْتُوب ثَابت على قَاضِي قوص. وَفِيه فرقت التشاريف وَالْخلْع على الْأُمَرَاء. ليلبسوها فِي يَوْم الْخدمَة من الْعَام الْمقبل. وَفِيه أقيم الْأَمِير قرصون فِي تَدْبِير أُمُور الدولة. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان الْأَمِير سيف الدّين الْحَاج قطز الظَّاهِرِيّ أحد أُمَرَاء الطبلخاناة وَقد أناف على مائَة سنة وَهُوَ أخر من بَقِي من المماليك الظَّاهِرِيَّة بيبرس وَكَانَ مشكوراً. وَمَات الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْأَمِير بدر الدّين حنكلي بن البابا فِي يَوْم الرَّابِع وَالْعِشْرين من رَجَب. وَكَانَ فَقِيها أديباً شَاعِرًا جواداً. وَتُوفِّي الصاحب أَمِين الدّين أَمِين الْملك أَبُو سعيد عبد الله بن تَاج الرياسة بن الغنام تَحت الْعقُوبَة مخنوقا يَوْم الْجُمُعَة رَابِع جُمَادَى الأولى. ووزر الصاحب أَمِين الدّين ثَلَاث مَرَّات وباشر نظر الدولة وَاسْتِيفَاء الصُّحْبَة والدولة وخدم من الْأَيَّام الأشرفية فولي. بِمصْر ودمشق وطرابلس وَحسن إِسْلَامه وَكَانَ رَضِي الْخلق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 323 وَمَات الْأَمِير عَلَاء الدّين مغلطاي الْعزي نَائِب أياس والفتوحات الأندلسية بهَا وَكَانَ مشكور السِّيرَة. وَمَات طوغان الشمسي سنقر الطَّوِيل وَإِلَى الأشمونين وشاد الدَّوَاوِين بِمصْر وَالشَّام وَهُوَ منفي بِالشَّام وَكَانَ ظَالِما غشوماً مَذْمُوم السِّيرَة. وَمَات الْأَمِير آنوك ابْن السُّلْطَان النَّاصِر مُحَمَّد فِي يَوْم الْجُمُعَة سَابِع ربيع الأول فَاشْتَدَّ حزن وَالِده السُّلْطَان عَلَيْهِ. وَتُوفِّي الشَّيْخ المعتقد عز الدّين عبد الْمُؤمن بن قطب الدّين أبي طَالب عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن الكمالي أبي الْقَاسِم عمر بن عبد الرَّحِيم بن عبد الرَّحْمَن بن الْحسن الْمَعْرُوف بِابْن العجمي الْحلَبِي الشَّافِعِي بِمصْر. تزهد بعد الرياسة والاشتغال بِالْعلمِ وَكِتَابَة الْخط الْمَنْسُوب وَحج مَاشِيا من دمشق وجاور بِمَكَّة مرَارًا وَقدم مصر سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَأقَام بهَا حَتَّى مَاتَ. وَكَانَ لَا يقبل لأحد شَيْئا وَيُقِيم حَاله من وقف أَبِيه بحلب وتزيا بزِي الصُّوفِيَّة وَكَانَ فِيهِ مُرُوءَة وَله مَكَارِم وصدقات وَله شعر جيد. وَتُوفِّي افتخار الدّين جَابر بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْخَوَارِزْمِيّ الْحَنَفِيّ شيخ الْمدرسَة الجاولية بالكبش فِي يَوْم الْخَمِيس السَّادِس عشر الْمحرم. وَكَانَ بارعاً فِي النَّحْو شَاعِرًا. وَتُوفِّي عز الدّين عبد الرَّحِيم بن نور الدّين عَليّ بن الْحسن بن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز ابْن مُحَمَّد بن الْفُرَات أحد نواب الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة فِي لَيْلَة الْجُمُعَة ثَانِي عشرى ذِي الْحجَّة. وَتُوفِّي أوحد الدّين بالقدس فِي رَابِع عشرى شعْبَان. وَمَات الْأَمِير شمس الدّين قراسنقر المنصوري نَائِب حلب بِبِلَاد المراغة وَقد أقطعه إِيَّاهَا ابو سعيد بن خربندا. وَكَانَ مَوته بِمَرَض الإسهال وَقد أعيا الْملك النَّاصِر قَتله وَبعث إِلَيْهِ كثيرا من الفداوية فصانه الله مِنْهُم بِحَيْثُ قتل من الفداوية بِسَبَبِهِ نَحْو مائَة وَأَرْبَعَة وَعشْرين فداوياً. وَلما بلغ السُّلْطَان النَّاصِر مُحَمَّد مَوته قَالَ: وَا لله مَا كنت أشتهي مَوته إِلَّا من تَحت سَيفي وأكون قد قدرت عَلَيْهِ وَبَلغت مقصودي وَلَكِن الْأَجَل حُصَيْن. وَكَانَت لَهُ مَعَ الفداوية أَخْبَار طَوِيلَة: مِنْهَا أَن السُّلْطَان النَّاصِر مُحَمَّد أعْطى يُونُس التَّاجِر مَالا كثيرا وَبَعثه إِلَى توريز ليتَّخذ لَهُ بهَا أصحاباً يَثِق بهم حَتَّى يرد إِلَيْهِ الفداوية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 324 فيأووا عِنْده وَعرف يُونُس بمقاصده. ثمَّ إِن السُّلْطَان تلطف مَعَ صَاحب مصياف وبذل لَهُ مَالا كثيرا حَتَّى ندب لَهُ من الفداوية طَائِفَة. فبعثهم السُّلْطَان إِلَى يُونُس فأواهم وأعلمهم بالغرض فانتظروا وقتا يصلح للوثوب مُدَّة أَيَّام إِلَى أَن ركب النوين الْكَبِير جوبان يُرِيد مَدِينَة توريز وَركب آقوش الأفرم وقراسنقر إِلَى جانبيه. فَخرج اثْنَان من الفداوية أَحدهمَا للأفرم وَالْآخر لقراسنقر فبدر أَحدهمَا وَضرب آقوش الأفرم فاتقى الضَّرْبَة بِيَدِهِ وَكَانَ عَلَيْهِ قرضية فانشق كمه وجرحت يَده وَجبن الآخر عَن قراسنقر لقتل الفدواي. وَوَقع الحذر وكبست الفنادق والخانات بتوريز وَقبض على يُونُس فَقَامَ الْوَزير نَاصِر الدّين خَليفَة بن خواجا عَليّ شاه مَعَه حَتَّى تخلص من الْقَتْل. وَلم يصب قراسنقر بِسوء وعولج الأفرم حَتَّى برِئ من جراحته واحترسا على أَنفسهمَا وَمن غرائب الِاتِّفَاق فِيمَا سبق أَنه كَانَ لقراسنقر فرَاش من العليقة وَله معرفَة بِأَهْل مصياف فتتبع نواحي توريز حَتَّى ظفر بفداوي رسله السُّلْطَان النَّاصِر محصد لقتل قراسنقر فَإِذا هُوَ أَخُوهُ فاستماله وقربه من قراسنقر. فَأعْطَاهُ قراسنقر مائَة دِينَار ورتب لَهُ فِي كل شهر ثَلَاثمِائَة دِرْهَم وخدم عِنْده فراشا رَفِيقًا لِأَخِيهِ وَزَاد فِي الإنعام عَلَيْهِ حَتَّى بلغت عطيته لَهُ خَمْسمِائَة دِينَار. فَأعْلم هَذ الفداوي قراسنق بِمَا ندب إِلَيْهِ من قَتله وَضمن لَهُ أَنه يعرفهُ بِجَمِيعِ من يرد من الفداوية. فسر قراسنقر بذلك وَأعلم جوبان والوزير نَاصِر الدّين خَليفَة فكبسوا على جمَاعَة مِمَّن دلهم عَلَيْهِم فظفروا بِوَاحِد وفر بَعضهم وَقتل بَعضهم نَفسه وَجِيء بالفداوي الْمَقْبُوض عَلَيْهِ فَعُوقِبَ حَتَّى مَاتَ وَلم يعْتَرف بِشَيْء. وَاشْتَدَّ الْأَمر بتوريز وَغَيرهَا على الغرباء وقصاد السُّلْطَان تطالعه بذلك فِي كل وَقت إِلَى أَن كتبُوا إِلَيْهِ نَائِب بَغْدَاد بلغه عَن تَاجر أَنه اشْترى مملوكين للسُّلْطَان بِمِائَة وَعشْرين ألف دِرْهَم فأحضر نَائِب بَغْدَاد التَّاجِر وألزمه بإحضارهما فَافْتدى بأربعمائة دِينَار حَتَّى تَركه وَأخرجه من بَغْدَاد. فَبعث التَّاجِر بطَائفَة من الفداوية لقَتله وَقتل قراسنقر فَتَفَرَّقُوا بالأردو وتوريز وبغداد وَأَقَامُوا فِي الِانْتِظَار لانتهاز الفرصة. فَبينا نَائِب بَغْدَاد يَوْمًا وَقد مر فِي الشَّارِع إِذا وثب عَلَيْهِ أحد الفداوية وَصَاح. ياللملك النَّاصِر وضربه بالخنجر فِي صَدره وَمر يعدو فَلم يقدر عَلَيْهِ. وَعَاد الفداوي إِلَى مصياف وَكتب إِلَى السُّلْطَان النَّاصِر مُحَمَّد بِمَا جرى وَقتل نَائِب بَغْدَاد. فَلَمَّا بلغ ذَلِك قراسنقر وجوبان اشْتَدَّ حذرهما وألزم قراسنقر فرَاشه وأخاه الفداوي حَتَّى دلاه على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 325 أَرْبَعَة من الفداوية فَقبض عَلَيْهِم فاعترف أحدهم وَحكى لَهُ الْمِنْبَر بنصه فَقتلُوا وشهروا. وَأقَام رجال جوبان مُدَّة فِي طلب الفداوية فَلم يدْخل مِنْهُم أحد إِلَّا ظفر بِهِ. فَلَمَّا قدم الْمجد السلَامِي إِلَى الْقَاهِرَة وَصَحب كريم الدّين الْكَبِير واتصل بالسلطان أَقَامَهُ السُّلْطَان عينا لَهُ بِبِلَاد الشرق وَبَعثه بالهدايا والتحف. فصحب الْمجد السلَامِي جوبان والوزير ولزمهما وطالع السُّلْطَان بالأحوال. ثمَّ بعث السُّلْطَان إِلَيْهِ بعدة من الفداوية وَكَانَ من لطف الله بِهِ أَنه يَوْم قدم الْمجد السلَامِي توريز قبض بهَا على ثَلَاثَة من أَرْبَعَة من الفداوية وفر الرَّابِع الَّذِي مَعَه كتاب السُّلْطَان إِلَيْهِ. فَعُوقِبَ الثَّلَاثَة حَتَّى مَاتُوا وَلم يعترفوا بِشَيْء وَوصل الَّذِي فر إِلَى مصياف وَكتب إِلَى السُّلْطَان بِمَا جرى. فمازال السلَامِي يُقرر الصُّلْح بَين الْوَزير خواجاً عَليّ شاه وجوبان وَبَين ثمَّ حدث أَنه بَيْنَمَا قراسنقر فِي عدَّة من أُمَرَاء السَّاحِل يتصيد إِذْ وثب عَلَيْهِ من خَلفه فداوي وضربه فَوَقَعت الضَّرْبَة فِي خاصرة الْفرس ألْقى قراسنقر نَفسه إِلَى الأَرْض فَسلم وَقتل أَصْحَابه الفداوي. ثمَّ لما توجه الْأَمِير أيتمش بن عبد الله المحمدي الناصري فِي الْمرة الثَّانِيَة إِلَى أبي سعيد بعث السُّلْطَان النَّاصِر فِي أَثَره فداويين قبض على أَحدهمَا وَقتل الْأُخَر نَفسه فَلم يعْتَرف الْمَقْبُوض عَلَيْهِ بِشَيْء حَتَّى مَاتَ قتلا بِحُضُور أيتمش. وعتب جوبان على أيتمش بِسَبَب ذَلِك وَأَنه وَقع الصُّلْح على أَلا يدْخل أحد من هَؤُلَاءِ إِلَيْنَا فَاعْتَذر أيتمش بِأَن هَؤُلَاءِ إِلَيْنَا كَانُوا فداوية فقد كَانُوا فِي الْبِلَاد من قبل تَقْرِير الصُّلْح وَضمن أَن السُّلْطَان لَا يعود إِلَى إرْسَال أحد مِنْهُم فَمشى ذَلِك على جوبان وأعيد أيتمش إِلَى مصر. فَلَمَّا عَاد الْمجد السلَامِي أَيْضا بعث السُّلْطَان إِلَى مصياف بالإنكار على الفداوية فِي تَأَخّر قَضَاء شغله فأرسلوا إِلَيْهِ رجلا مِنْهُم ليقوم بِمَا يُؤمر بِهِ فَخَلا بِهِ السُّلْطَان وعرفه مقاصده وأنزله عِنْد كريم الدّين بِحَيْثُ لَا يرَاهُ أحد فَكَانَ راتبه فِي كل يَوْم خروفاً يَأْكُلهُ كُله فِي كشك من أول النَّهَار ثمَّ يَأْكُل فِي وسط النَّهَار دجاجاً أَو أوزاً أَو لَحْمًا مشوياً ثمَّ يتعشى بِثَلَاثَة ألوان من الطَّعَام وَيشْرب فِي كل يَوْم سِتِّينَ رطلا من الْخمر. فَأَقَامَ الرجل الفداوي على ذَلِك أَرْبَعَة وَثَلَاثِينَ يَوْمًا ثمَّ سَافر لقصده. وتسلم القاصد الَّذِي يدله على الْغَرِيم السكين ليعطها للرجل الفداوي وَقد ختمت. وَتوجه السلَامِي أَيْضا بهدية جليلة فوصل الْجَمِيع إِلَى الْبِلَاد. وخفي أَمر الفداوي حَتَّى كَانَ يَوْم عيد الْفطر وَدخل النَّاس يهنؤن أَبَا سعيد وجوبان وَفِيهِمْ قراسنقر ثمَّ انصرفوا بعد أكلهم إِلَى الْوَزير خواجا عَليّ شاه وأكلوا طَعَامه. ثمَّ بعث السلَامِي إِلَى الفداوي فَأحْضرهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 326 وَأَوْقفهُ بطرِيق قراسنقر وَدخل رَفِيقه حَتَّى ينظر وَقت فرَاغ قراسنقر من الطَّعَام ليعرف بِهِ الفداوي. فاتفق أَن قراسنقر قَامَ وَمَشى إِلَى أثنا الدهاليز وَقد سبقه القاصد وَعرف بِهِ الفداوي وَأَعْطَاهُ السكين وَوصف لَهُ شكله وزي ثِيَابه وَقَالَ لَهُ هُوَ أول من يركب. فعندما وضع قراسنقر رجله فِي الركاب استدعاه الْوَزير فَعَاد وَقد قَامَ دمرداش نَائِب الرّوم من الْمجْلس وَكَانَ فِيهِ شبه من قراسنقر وخلعته الَّتِي عَلَيْهِ حَمْرَاء مثل خلعة قراسنقر فعندما ركب دمرداش وتوسط الطَّرِيق مر بالفداوي فَظَنهُ قراسنقر فَألْقى نَفسه من سطح كَانَ فَوْقه فَصَارَ على كفل الْفرس وَصَاح بسعادة السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد وضربه فِي رقبته أَلْقَاهُ عَن فرسه قَتِيلا. وَقَامَ الفداوي يعدو فأدركه الْقَوْم وأحضروه إِلَى جوبان فاتهم بِأَنَّهُ كَانَ مَعَ السلَامِي فلولا لطف الله بِهِ وعناية الْوَزير لقتل السلَامِي شَرّ قتلة وَقتل الفداوي بعد مَا عُوقِبَ أَشد الْعقُوبَة وَلم يعْتَرف بِشَيْء. وَمِمَّا حدث كَذَلِك أَنه بَينا قراسنقر فِي بعض الأعياد وَقد خرج مَعَ أُمَرَاء الْمغل من حَضْرَة أبي سعيد إِلَى عِنْد جوبان إِذْ وثب عَلَيْهِ فداوي فَألْقى قراسنقر نَفسه إِلَى الأَرْض فَوَقع الفداوي عَلَيْهِ وضربه بالسكين فأخطأه وَوَقعت السكين فِي الأَرْض. فَقطع الفداوي فَوق صدر قراسنقر قطعا وأقيم قراسنقر وَقد خرب شاشه وطاحت الكلفتاه عَن رَأسه وَكَانَ عقله أَن يذهب. وَكَانَ قراسنقر أحد مماليك الْمَنْصُور قلاوون عمله كوكندار ثمَّ ترقى حَتَّى ولي نِيَابَة حلب ونيابة دمشق. وَكَانَ كَبِير الْقدر بشوش الْوَجْه صَاحب رَأْي وتدبير وَمَعْرِفَة وَبَلغت عدَّة مماليكه سِتّمائَة مَمْلُوك. وَكَانَ كثير الْعَطاء لَا يستكثر على أحد شَيْئا وَكَانَ مهاباً كثير المَال وَترك وَلدين هما أَمِير عَليّ وأمير فرج وَإِلَيْهِ تنْسب الْمدرسَة القراسنقرية بِخَط رحبة بَاب الْعِيد من الْقَاهِرَة وَدَار قراسنقر بحارة بهَا الدّين. وَمَات الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام يَوْم الثُّلَاثَاء نصف الْمحرم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 327 فارغة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 328 (سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة) أهل الْمحرم بِيَوْم الْأَحَد: فَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِيه: خلع على جَمِيع الْأُمَرَاء والمقدمين فِي الموكب بدار الْعدْل وَذَلِكَ أَن الْأُمَرَاء طلعوا بخلعهم الَّتِي فرقت عَلَيْهِم كَمَا تقدم وطلع الْقُضَاة فَاجْتمعُوا بدار الْعدْل. وَجلسَ الْخَلِيفَة الْحَاكِم بِأَمْر الله أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن أبي الرّبيع سُلَيْمَان على الدرجَة الثَّالِثَة من تَحت السلطنة وَعَلِيهِ خلعة خضراء وَفَوق عمَامَته سَوْدَاء مرقومة. ثمَّ خرج السُّلْطَان من بَاب السِّرّ على الْعَادة فَقَامَ الْخَلِيفَة والقضاة وَمن كَانَ جَالِسا هُنَاكَ من الْأُمَرَاء. وَجلسَ السُّلْطَان على الدرجَة الأولى دون الْخَلِيفَة فَقَامَ الْخَلِيفَة وافتتح الخطة بقوله تَعَالَى: إِن الله يَأْمر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان وإيتاء ذِي القربي وَينْهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر وَالْبَغي يعظكم لَعَلَّكُمْ تذكرُونَ وأوفوا بِعَهْد الله إِذا عَاهَدَ وَلَا تنقضوا الْأَيْمَان بعد توكيدها وَقد جعلتم الله عَلَيْكُم كَفِيلا إِن الله يعلم مَا ثفعلون. ثمَّ أوصى السُّلْطَان بالرفق بالرعية وَإِقَامَة الْحق وتعظيم شَعَائِر الْإِسْلَام ونصرة الدّين ثمَّ قَالَ: فوضت إِلَيْك جَمِيع أَحْكَام الْمُسلمين قلدتك مَا تقلدته من أُمُور الدّين ثمَّ تَلا قَوْله تَعَالَى: إِن الَّذين يُبَايعُونَك إِنَّمَا يبايعون الله يَد الله فَوق أَيْديهم فَمن نكث فَإِنَّمَا ينْكث على نَفسه وَمن أوفى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ الله فسيؤتيه أجرا عَظِيما. وَجلسَ الْخَلِيفَة فجيء فِي الْحَال بخلعة سَوْدَاء فألبسها الْخَلِيفَة للسُّلْطَان بِيَدِهِ وقلده سَيْفا عَرَبيا. وَأخذ عَلَاء الدّين عَليّ بن فضل الله كَاتب السِّرّ فِي قِرَاءَة عهد الْخَلِيفَة للسُّلْطَان حَتَّى فرع مِنْهُ ثمَّ قدمه للخليفة فَكتب عَلَيْهِ ثمَّ كتب بعده الْقُضَاة بِالشَّهَادَةِ عَلَيْهِ. ثمَّ قدم السماط فَأكل الْأُمَرَاء وانفضت الْخدمَة. وَفِي يَوْم الْخَمِيس خامسه: قدم الْأَمِير بيغرا من عِنْد أَمِير أَحْمد بن النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون وَقد حلف بِمَدِينَة الكرك لِأَخِيهِ السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 329 وَفِيه أنعم على الْأَمِير بيلك العلالي الساقي بإمرة البرواني وأنعم بعشرته على مغلطاي أَمِير شكار وأنعم على بزلار الساقي بطبلخاناة أَمِير حَاج ملك بن أيدغمش. وَفِي عصر يَوْم الْأَحَد ثامنه: قبض على أَمِير بشتاك الناصري وَذَلِكَ أَنه طلب أَن يسْتَقرّ فِي نِيَابَة الشَّام وَدخل على الْأَمِير قوصون وَسَأَلَهُ فِي ذَلِك وأعلمه أَن السُّلْطَان النَّاصِر مُحَمَّد كَانَ قبل مَوته وعده بهَا وألح بشتاك فِي سُؤَاله وقوصون يدافعه ويحتج عَلَيْهِ أَنه قد كتب إِلَى ألطنبغا الصَّالِحِي نَائِب الشَّام تقليداً باستقراره فِي نِيَابَة الشَّام على عَادَته فَلَا يَلِيق عَزله سَرِيعا. فَقَامَ بشتاك عَنهُ وَهُوَ غير رَاض فَإِنَّهُ كَانَ قد توهم من قوصون وخشي مِنْهُ لما كَانَ بَينهمَا قَدِيما من المنافرة وَلِأَنَّهُ قد صَار المتحكم فِي الدولة فَطلب أَن يخرج من مصر وَيبعد عَنهُ. فَلَمَّا لم يُوَافقهُ قوصون على ذَلِك سعى فِيهِ بخاصكية السُّلْطَان وَحمل إِلَيْهِم مَالا كثيرا فِي السِّرّ وَبعث إِلَى الْأُمَرَاء الْكِبَار يطْلب مِنْهُم المساعدة على قَصده فمازالوا بالسلطان حَتَّى أنعم لَهُ بنيابة الشَّام. وَطلب السُّلْطَان الْأَمِير قوصون وأعلمه بذلك فَلم يُوَافقهُ وغض من بشتاك وَأخر مَا قَرَّرَهُ مَعَ السُّلْطَان أَنه يحدث الْأُمَرَاء فِي ذَلِك ويعده بِأَنَّهُ يولي بشتاك إِذا قدم الْأَمِير قطلوبغا الفخري بنسخة الْيَمين من الشَّام. فَلَمَّا دخل الْأُمَرَاء عرفهم السُّلْطَان طلب بشتاك نِيَابَة الشَّام فَأخذُوا فِي الثَّنَاء عَلَيْهِ وَالشُّكْر فاستدعاه السُّلْطَان وَطيب خاطره ووعده بهَا عِنْد قدوم قطلوبغا وَتقدم إِلَيْهِ بَان يتجهز للسَّفر. فَظن بشتاك أَن ذَلِك صَحِيح وَقَامَ مَعَ الْأُمَرَاء من الْخدمَة وَأخذ فِي عرض خيوله وَبعث لكل من أكَابِر الْأُمَرَاء المقدمين مَا بَين ثَلَاثَة أرؤس إِلَى رَأْسَيْنِ من الْخَيل بالقماش. الفاخر وَبعث مَعهَا أَيْضا الهجن المهرية. ثمَّ بعث بشتاك إِلَى الْأُمَرَاء الخاصكية مثل ملكتمر الْحِجَازِي وطاجار بن عبد الله الناصري الدوادار ويلبغا اليحياوي وألطبغا المارداني وتنكز بغا بن عبد الله المارديني شَيْئا كثيرا من الذَّهَب والجوهر واللؤلؤ والتحف وَفرق عدَّة من الْجَوَارِي فِي الْأُمَرَاء بِحَيْثُ لم يبْق أحد من الْأُمَرَاء إِلَّا وَأرْسل إِلَيْهِ ثمَّ فرق بشتاك على مماليكه وأجناده وَأخرج ثَمَانِينَ جاريه من جواريه أعتقهن وزوجهن من مماليكه بعد مَا شورهن بِاللُّؤْلُؤِ والزركش وَغير ذَلِك مِمَّا لَهُ قيمَة كَبِيرَة جدا. وَفرق بشتاك من شونته على الْأُمَرَاء اثْنَي عشر ألف أردب غلَّة وَزَاد حَتَّى وَقع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 330 الْإِنْكَار عَلَيْهِ واتهمه السُّلْطَان والأمير قوصون بِأَنَّهُ يُرِيد التوثب على الْملك وَعمِلُوا هَذَا من فعله حجَّة للقبض عَلَيْهِ وَكَانَ مَا خص الْأَمِير قوصون من تفرقته هَذِه حجرين من حِجَارَة معاصر قصب السكر بِمَا فِيهَا من القنود والأعمال والأبقار والأغلال والآلات وَخَمْسمِائة فدان من الْقصب مزروعة فِي أَرض ملك لَهُ فأدهش الْأُمَرَاء بِكَثْرَة عطائه وَاسْتغْنى مِنْهُ جمَاعَة من مماليكه. وَلما كثرت القالة فِيهِ بِأَنَّهُ يُرِيد إِفْسَاد الدولة خلا بِهِ بعض خواصه وعرفه ذَلِك وَأَشَارَ عَلَيْهِ بإمساك يَده عَن الْعَطاء فَقَالَ لَهُم: إِذا قبضوا على أخدوا مَالِي وَأَنا أَحَق بِهِ مِنْهُم أَن أفرقه وَأسر بِهِ إِذا بذلته وَيبقى لي مَكَارِم على النَّاس أذكر بهَا وَإِذا سلمت فَالْمَال كثير. هَذَا وَقد قَامَ قوصون فِي أَمر بشتاك ومازال بالسلطان حَتَّى قرر مَعَه الْقَبْض عَلَيْهِ عِنْد قدوم قطلوبغا الفخري. وأشاع قوصون أَن بشتاك يُرِيد الْقَبْض على قطلوبغا فَبلغ ذَلِك بعض خَواص قطلوبغا فَبعث إِلَيْهِ من تَلقاهُ وعرفه مَا وَقع من تجهيز بشتاك وَأَنه على عزم من أَن يلقاك فِي طريقك ويقتلك فَكُن على حذر فَأخذ قطلوبغا من الصالحية يحْتَرز على نَفسه حَتَّى نزل سرياقوس. وَاتفقَ من الْأَمر العجيب أَن بشتاك خرج إِلَى حوشه بالريدانية خَارج الْقَاهِرَة ليعرض هجنه وجماله فطار الْخَبَر إِلَى قطلوبغا الفخري بِأَن بشتاك قد خرج إِلَى الريدانية فِي انتطارك فاستعد وَلبس السِّلَاح من تَحت ثِيَابه وَسَار وَقد تَلقاهُ عدَّة من مماليكه وَهُوَ على أهبة الْحَرْب. وعرج قطلوبغا عَن الطَّرِيق وسلك من تَحت الْجَبَل لينجو من بشتاك وَكَانَ عِنْد بشتاك علم من قدومه. فَلَمَّا قرب قطلوبغا من الْموضع الَّذِي فِيهِ بشتاك لاحت لَهُ غبرة خيله فحدس أَنه قطلوبغا قد قدم فَبعث إِلَيْهِ أحد مماليكه يبلغهُ السَّلَام ويعرفه أَن يقف حَتَّى يَأْتِيهِ ليجتمع بِهِ. فَلَمَّا بلغ قطلوبغا ذَلِك زَاد خَوفه من بشتاك وَقَوي عِنْده صِحَة مَا بلغه عَنهُ فَقَالَ للمملوك: سلم على الْأَمِير وَقل لَهُ لَا يكن اجتماعي بِهِ وَلَا بِأحد حَتَّى أَقف قُدَّام السُّلْطَان ثمَّ بعد ذَلِك اجْتمع بِهِ. فَمضى مَمْلُوك بشتاك وَفِي ظن قطلوبغا أَنه إِذا بلغه مَمْلُوكه الْجَواب ركب إِلَيْهِ فَأمر مماليكه أَن يَسِيرُوا قَلِيلا قَلِيلا وسَاق بمفرده مشواراً وَاحِدًا إِلَى القلعة. وَدخل قطلوبغا على السُّلْطَان وبلغه طَاعَة النواب وفرحهم بأيامه. ثمَّ أَخذ يعرف السُّلْطَان والأمير قوصون وَسَائِر الْأُمَرَاء مَا اتّفق لَهُ مَعَ بشتاك وَأَنه كَانَ يُرِيد معارضته فِي طَرِيقه وَقَتله فَأعلمهُ السُّلْطَان وقوصون بِمَا اتفقَا عَلَيْهِ من الْقَبْض على بشتاك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 331 فَلَمَّا كَانَ عصر هَذَا الْيَوْم دخل الْأُمَرَاء إِلَى الْخدمَة على الْعَادة بِالْقصرِ وَفِيهِمْ الْأَمِير بشتاك وأكلوا السماط تقدم الْأَمِير قطلوبغا الفخري والأمير طقزدمر الناصري الساقي إِلَى بشتاك وأخذا سَيْفه وكتفاه. وَقبض مَعَه على أَخِيه أيوان وعَلى طولوتمر ومملوكين من المماليك السُّلْطَانِيَّة كَانَا يلوذان بِهِ. وقيدوا جَمِيعًا. وسفروا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فِي اللَّيْل صُحْبَة الْأَمِير أسندمر الْعمريّ. وَقبض على جَمِيع مماليكه وأوقعت الحوطة على دوره وإصطبلاته وتتبعت غلمانه وحاشيته. وأنعم من إقطاع بشتاك على الْأَمِير قوصون بِخُصُوص الشرق زِيَادَة على إقطاعه وَأخذ السُّلْطَان المطرية ومنية ابْن خصيب وشبرا. وَفرق السُّلْطَان بَقِيَّة إقطاع بشتاك على ملكتمر الْحِجَازِي وَغَيره من الْأُمَرَاء. فَلَمَّا أَصْبحُوا يَوْم الْإِثْنَيْنِ تاسعه قبض على الْمجد السلَامِي واتهم بِأَن لبشتاك عِنْده جَوَاهِر مودعة. وَفِيه حملت حواصل بشتاك وَهِي من الذَّهَب مِائَتَا ألف دِينَار مصرية وَمن اللُّؤْلُؤ والجواهر والحوائص الذَّهَب والكلفتاه الزركش شَيْء كثير جدا. وَمن الغلال أحد عشر ألف أردب سوى مَا تقدم ذكره مِمَّا أنعم بِهِ شتاك وفرقه. وَفِيه أخرج أَحْمد شاد الشَّرَاب خاناه إِلَى طرابلس لنقله كلَاما بَين الْأُمَرَاء ولميلة مَعَ شتاك. وَفِي الْخَمِيس ثَانِي عشره أنعم على كل من شعْبَان ورمضان أخوي السُّلْطَان بإمرة وَفِيه قبض على الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن بكتمر الْحَاجِب وأنعم من الْغَد بإمرته على أَخِيه جمال الدّين عبد الله بن الْحَاجِب. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَالِث عشريه: خلع على الْأَمِير طقزدمر وَاسْتقر فِي نِيَابَة السلطانة فَجَلَسَ فِي دست النِّيَابَة وَحكم وسرف الْأُمُور. وَفِيه أَيْضا خلع على الْأَمِير نجم الدّين مَحْمُود بن عَليّ بن شروين الْمَعْرُوف بوزير بَغْدَاد وَاسْتقر فِي الوزارة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 332 وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع عشريه: قدم محمل الْحَاج من الْحجاز صُحْبَة ملكتمر الْحِجَازِي وَفِيه أَيْضا قدم الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن بيلبك الحسني من دمشق على الْبَرِيد بالاستدعاء. وَفِيه أنعم الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْأَمِير بكتمر الساقي أحد العشرات بإمرة طبلخاناة وَقدم الْبَرِيد من حلب بِأَن الْأَمِير بن فياض وَسليمَان بن مهنا وأخوتهما قطعُوا الطَّرِيق على التُّجَّار عِنْدَمَا بَلغهُمْ أَن أَمِيرهمْ مُوسَى بن مهنا قد قبض عَلَيْهِ بعد موت السُّلْطَان النَّاصِر مُحَمَّد وَكَانَ مُوسَى قد خلع عَلَيْهِ وسافر. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سلخه: قبض على الْأَمِير أقبغا عبد الْوَاحِد وَأَوْلَاده وخلع على الْأَمِير طقتمر الأحمدي وأستقر أستادار عوضه. وَسبب ذَلِك أَنه فِي أَيَّام السُّلْطَان الْملك النَّاصِر قد ولي الأستادارية وتقدمة المماليك وَشد العمائر وتحكم فِي سَائِر الْأُمُور وأرباب الأشغال وعظمت مهابته. فاتفق أَنه غضب على فرَاش لَهُ وَضَربا مبرحا كَمَا هِيَ عَادَته. فخدم الْفراش عِنْد أبي بكر ابْن السُّلْطَان ليحميه من آقبغا فَبعث آقبغا فِي طلبه فَمَنعه أَبُو بكر وَأرْسل مَعَ مَمْلُوكه يَقُول لَهُ: أُرِيد أَن تهبني هدا الْفراش فَأَغْلَظ آقبغا على الْمَمْلُوك وسبه وَقَالَ قل لَهُ يُرْسل الْفراش وَهُوَ جيد لَهُ وَكَانَ أَبُو بكر قبل ذَلِك خرج من الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة إِلَى بَيته وآقبغا يضْرب مَمْلُوكا فَوقف وشفع فِيهِ فَلم يعبأ بِهِ آقبغا وَلَا قبل شَفَاعَته وَسَار وَاقِفًا وآقبغا قَاعد فَانْصَرف أَبُو بكر وَقد خجل. فَلَمَّا أعَاد مَمْلُوكه جَوَاب آقبغا غضب وَحلف لَئِن صَار سُلْطَانا ليصادرنه وليضربنه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 333 بالمقارع وَحمى الْفراش من آقبغا. فَلَمَّا أفضت السلطة إِلَيْهِ بعد موت أَبِيه عرف الْأَمِير قوصون والأمير طقزدمر النَّائِب بِيَمِينِهِ فَأَجَابَهُ قوصون إِلَى مصادرته أَولا قبل ضربه وَأَرَادَ بذلك مدافعة عَنهُ فَقبض عَلَيْهِ ورسم للأمير طيبغا المجدي والأمير نحم الدّين بلبان الحسامي البريدي وَالِي الْقَاهِرَة بإيقاع الحوطة على موجوده وَسلم وَلَده الْكَبِير للمقدم إِبْرَاهِيم بن صابر. فَبَاتَ آقبغا ليلته بِغَيْر أكل وَأصْبح يَوْم الثُّلَاثَاء أول صفر فَتحدث لَهُ الْأُمَرَاء أَن ينزل فِي ترسيم طيبغا المجدي ليتصرف فِي أُمُوره فَنزل صحبته وَأخذ فِي بيع موجوده. وَكَانَ مِمَّا أبيع لَهُ سَرَاوِيل لزوجته بِمِائَتي ألف دِرْهَم فضه وقبقاب وخف نسَائِي وسرموجة لامْرَأَته بِخَمْسَة وَسبعين ألف دِرْهَم فثار بِهِ جمَاعَة مِمَّن ظلمهم فِي أَيَّام تحكمه وطلبوا حُقُوقهم مِنْهُ وَشَكَوْهُ. فأقسم السُّلْطَان لمن لم يرضهم ليسمرنه على جمل ويشهره بِالْقَاهِرَةِ فَفرق فيهم مِائَتي الف دِرْهَم حَتَّى سكتوا عَنهُ. وَفِي يَوْم الْأَحَد سادسه: خلع على الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن المحسني وَاسْتقر فِي ولَايَة الْقَاهِرَة عوضا عَن نجم الدّين بلبان الحسامي البريدي لقلَّة حرمته. وخلع على نجم الدّين وَاسْتقر فِي ولَايَة مصر. وَفِيه قدم الْأَمِير بدر الدّين أَمِير مَسْعُود بن خطير من الشَّام على الْبَرِيد باستدعاء. وَفِيه رسم لِابْنِ المحسني وَالِي الْقَاهِرَة أَن يستخلص من خَالِد وَابْن معِين مقدمي دَار الْوَالِي مَالا من أجل طمعهما وَكَثْرَة تحكمهما. وَفِيه أَيْضا قبض على الصَّدْر الطَّيِّبِيّ نَاظر الْمَوَارِيث وَسلم إِلَى الْوَالِي على مَال يحملهُ فعاقبه الْوَالِي حَتَّى حمل مَالا جزيلاً. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سابعه: خلع على الْأَمِير بدر أَمِير مَسْعُود وَاسْتقر حاجبا عوض عَن الْأَمِير برسبغا على إمرته بِغَيْر وَظِيفَة. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء تاسعه: قبض على مقدم الدولة إِبْرَاهِيم بن صابر وَسلم لمُحَمد بن شمس الدّين الْمُقدم وأحيط بأمواله. فَوجدَ لَهُ نَحْو تسعين حجرَة فِي الجشار وَمِائَة وَعشْرين بقرة فِي الزرايب ومائتي كَبْش وجوقتين كلاب سلوقية وعدة طيور جوارح مَعَ بزدارية وَوجد لَهُ من الغلال وَغَيرهَا شَيْء كثير فَعُوقِبَ وَحمل المَال شَيْئا بعد شَيْء. وَفِيه جهز ابْن طغيه وَقَرِيب الشَّيْخ حسن كجك وسفرا وَكتب إِلَى نواب الشَّام بإكرامهما. وَفِيه وَقع بَين قَاضِي الْقُضَاة حسام الدّين الغوري الْحَنَفِيّ وَبَين موفق الدّين نَاظر الدولة بِسَبَب معلومه وَقد توقف صرفه فَكتب قَاضِي الْقُضَاة حسام الدّين إِلَيْهِ ورقة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 334 يذكر فِيهَا مساوئ الْكتاب وأفحش القَوْل فيهم. فشق ذَلِك على موفق الدولة وعَلى بَقِيَّة الْكتاب وبلغوا السُّلْطَان عَنهُ تسلطه على أَعْرَاض النَّاس وسفه قَوْله. فَلَمَّا كَانَ الْغَد يَوْم الْخَمِيس عاشره: وَحضر الْقُضَاة بدار الْعدْل على الْعَادة تكلم القَاضِي الغوري مَعَ السُّلْطَان بالتركي فِي الْكتاب بقوادح وَطعن فِي إسْلَامهمْ. فَغَضب السُّلْطَان مِنْهُ واستدعى الْوَزير بعد الْخدمَة وَأنكر عَلَيْهِ مَا وَقع من الغوري وَقَالَ: لَوْلَا أَنه من بلدك وَإِلَّا كنت ضَربته بالمقارع لَكِن إكرامه لَك فاطلبه وحذره أَلا يعود لمثلهَا. فَطَلَبه الْوَزير وعتبه عتباً شَدِيدا. وَفِيه قدم الْبَرِيد من الْأَمِير طشتمر حمص أَخْضَر الساقي نَائِب حلب بِخُرُوج زين الدّين قراجا بن دلغادر عَن الطَّاعَة وموافقته لأرتنا متملك الرّوم على الْمسير لأخذ حلب وَأَنه قد قوي بالأبلستين وَجمع جمعا كثيرا وَسَأَلَ الْأَمِير طشتمر أَن ينجد بعسكر من مصر. وَفِيه رسم السُّلْطَان بِضَرْب أقبغا عبد الْوَاحِد بالمقارع فَلم يُمكنهُ الْأَمِير قوصون من ذَلِك فَاشْتَدَّ حنقه وَأطلق لِسَانه بِحَضْرَة خاصكيته. وَفِيه شفع الْأَمِير ملكتمر الْحِجَازِي فِي ولي الدولة أبي الْفرج بن الخطير صهر النشو فأفرج عَنهُ واستسلمه الْحِجَازِي وخلع عَلَيْهِ وَجعله صَاحب ديوانه. وَفِيه عقد السُّلْطَان نِكَاحه على جاريتين من المولدات اللَّاتِي فِي بَيت السُّلْطَان وَكتب عَلَاء الدّين كَاتب السِّرّ صداقهما فَخلع عَلَيْهِ وأنعم عَلَيْهِ بِعشْرَة أُلَّاف دِرْهَم. ورسم السُّلْطَان لجمال الكفاة ناظرات أَن يجهزهما بِمِائَة ألف دِينَار وَشرع فِي عمل المهم للعرس. (وَفِي يَوْم السبت تَاسِع عشره) ركب الْأَمِير قوصون والأمراء على الْملك الْمَنْصُور أبي بكر وخلعوه من الْملك فِي يَوْم الْأَحَد عشريه وَأخرج أَبُو بكر هُوَ وَإِخْوَته إِلَى قوص صُحْبَة الْأَمِير بهادر بن جركتمر. وَسبب ذَلِك أَن السُّلْطَان قرب الْأَمِير يلبغا اليحياوي وشغف بِهِ شغفاً كثيرا ونادم الْأَمِير ملكتمر الْحِجَازِي واختص بِهِ وبالأمير طاجار الدوادار وبالشهابي شاد العمائر وبالأمير قطليجا الْحَمَوِيّ وَجَمَاعَة من الخاصكية وَعَكَفَ على اللَّهْو وَشرب الْخُمُور وَسَمَاع الملاهي. فشق ذَلِك على الْأَمِير قوصون وَغَيره لِأَنَّهُ لم يعْهَد من ملك قبله شرب حمر. فحملوا الْأَمِير طقزدمر النَّائِب على محادثته فِي ذَلِك وكفه عَنهُ فزاده لومه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 335 إغراء وأفحش فِي التجاهر باللهو حَتَّى تحدث بِهِ كل أحد من الْأُمَرَاء والأجناد والعامة. وَصَارَ السُّلْطَان يطْلب الغلمان فِي اللَّيْل ويبعثهم لإحضار المغاني فغلب عَلَيْهِ الشَّرَاب فِي بعض لياليه فصاح من الشباك على الْأَمِير أيدغمش يَا أَمِير آخور هَات لي ابْن عطعط فَقَالَ أيدغمش: يَا خوند مَا عِنْدِي فرس بِهَذَا الِاسْم فَنقل ذَلِك السراخورية والركابية فتداولته الْأَلْسِنَة. فَطلب قوصون الْأَمِير طاجار والشهابي شاد العمائر وعنفهما وَقَالَ: سُلْطَان الْإِسْلَام يَلِيق بِهِ أَن يعْمل مقامات ويحضر إِلَيْهَا البغايا والمغاني وعرفهم أَن الْأُمَرَاء قد بَلغهُمْ هَذَا. فبلغوا السُّلْطَان كَلَام قوصون وَزَادُوا فِي القَوْل فَأخذ جُلَسَاؤُهُ من الْأُمَرَاء فِي الوقيعة فِي قوصون والتحدث فِي الْقَبْض عَلَيْهِ وعَلى الْأَمِير قطلوبغا الفخري والأمير بيبرس الأحمدي والأمير طقزدمر النَّائِب. فنم عَلَيْهِم الْأَمر يلبغا اليحياوي لقوصون وَكَانَ قد استماله بِكَثْرَة الْعَطاء فِيمَن استمال من المماليك السُّلْطَانِيَّة وعرفه أَن الِاتِّفَاق قد تقرر على الْقَبْض عَلَيْهِ فِي يَوْم الْجُمُعَة وَقت الصَّلَاة. فَانْقَطع قوصون عَن الصَّلَاة وَأظْهر أَن بِرجلِهِ وجعاً وَبعث فِي لَيْلَة السبت يعرف الْأَمِير بيبرس الأحمدي بالْخبر ويحثه على الرّكُوب مَعَه. وَطلب قوصون المماليك السُّلْطَانِيَّة وواعدهم على الرّكُوب صحبته وملأهم بِكَثْرَة مواعيده إيَّاهُم وَبعث إِلَى الْأَمِير الْحَاج آل ملك والأمير جنكلي بن البابا. فَلم يطلع الْفجْر حَتَّى ركب قوصون من القلعة من بَاب السِّرّ فِي مماليكه ومماليك السُّلْطَان وَسَار نَحْو الثغرة وَبث مماليكه فِي طلب الْأُمَرَاء. فَأَتَاهُ جركتمر بن بهادر فِي إخْوَته وبرسبغا بيبرس والأحمدي وقطلوبغا الفخري. وَأخذُوا أقبغا عبد الْوَاحِد من ترسيم طيبغا المجدي فَسَار مَعَه المجدي أَيْضا. ووقفوا بأجمعهم عِنْد قبَّة النَّصْر ودقوا طبلخاناتهم فَلم يبْق أحد من الْأُمَرَاء حَتَّى أَتَاهُم. هَذَا وَالسُّلْطَان وندماؤه فِي غَفلَة الْوَهم وغيبة سكرهم إِلَى أَن دخل عَلَيْهِم أَرْبَاب الْوَظَائِف وأيقظوهم من نومهم وعرفوهم مَا دهوا بِهِ. فَبعث السُّلْطَان طاجار إِلَى طقزدمر النَّائِب يسْأَله عَن الْخَبَر ويستدعيه فَوجدَ عِنْده جنكلي بن البابا والوزير وعدة من الْأُمَرَاء المقيمين بالقلعة. فَامْتنعَ طقزدمر من الدُّخُول إِلَى السُّلْطَان وَقَالَ: أَنا مَعَ الْأُمَرَاء حَتَّى أنظر عَاقِبَة هَذَا الْأَمر وَقَالَ لطاجار: أَنْت وَغَيْرك سَبَب هَذَا حَتَّى أفسدتم السُّلْطَان بفسادكم ولعبكم قل للسُّلْطَان يجمع مماليكه ومماليك أَبِيه حوله فَعَاد طاجار وَبلغ السُّلْطَان ذَلِك فَخرج السُّلْطَان إِلَى الإيوان وَطلب المماليك فَصَارَت كل طَائِفَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 336 تخرج على أَنَّهَا تدخل إِلَيْهِ فَتخرج إِلَى بَاب الْقلَّة حَتَّى صَارُوا نَحْو الأربعمائة مَمْلُوك وصاروا يدا وَاحِدَة من بَاب الْقلَّة إِلَى بَاب القلعة فَإِذا هُوَ قد أغلق فَرَجَعُوا إِلَى النَّائِب طقزدمر بعد مَا أخرقوا بوالي بَاب القلعة وأنكروا عَلَيْهِ وعَلى من عِنْده من الْأُمَرَاء. فَقَالَ لَهُم طقزدمر: السُّلْطَان ابْن أستاذكم جَالس على الْكُرْسِيّ وَأَنْتُم تطلبون غَيره فَقَالُوا. مَا لنا أستاذ إِلَّا قوصون. ابْن أستاذنا مَشْغُول عَنَّا لَا يعرفنا ومضوا إِلَى بَاب القرافة وهدموا مِنْهُ جانباً وَخَرجُوا فَإِذا خُيُول بَعضهم واقفة. فَركب بَعضهم وَأَرْدَفَ عدَّة مِنْهُم وَمَشى باقيهم إِلَى قبَّة النَّصْر. ففرح بهم قوصون والأمراء وَأمر لَهُم بالخيول والأسلحة واوقفهم مَعَ أَصْحَابه. وَبعث الْأَمِير مَسْعُود بن خطير الْحَاجِب إِلَى السُّلْطَان يطْلب مِنْهُ ملكتمر الْحِجَازِي ويلبغا اليحياوي وطاجار وَغَيره ويعرفه أَنه أستاذهم وَابْن استاذهم وَأَنَّهُمْ على طَاعَته وَأَنَّهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُونَ هَؤُلَاءِ لما صدر عَنْهُم من الْفساد وَرمي الْفِتَن وطلع الْأَمِير مَسْعُود إِلَى القلعه فَوجدَ السُّلْطَان فِي الإيوان وَهَؤُلَاء الْأُمَرَاء حوله فِي طَائِفَة من المماليك فَقبل الأَرْض وبلغه الرسَالَة. فَقَالَ السُّلْطَان: لَا كيد وَلَا كَرَامَة لَهُم وَلَا أَسِير مماليكي ومماليك أبي لَهُم وَقد كذبُوا فِيمَا نقلوه عَنْهُم وَمهما قدرُوا عَلَيْهِ يفعلوه. فَمَا هُوَ إِلَّا أَن خرج عَنهُ أَمِير مَسْعُود حَتَّى اقْتضى رَأْيه أَن يركب بِمن مَعَه وَينزل من القلعة وَيطْلب النَّائِب طقزدمو وَمن عِنْده من الْأُمَرَاء ويدق كوساته. فَتوجه إِلَى الشباك وَأمر أيدغمش أَمِير آخور أَن يشد الْخَيل للحرب فَأعلمهُ أَنه لم يبْق بالإصطبل غُلَام وَلَا سايس وَلَا سراخوري يشد فرسا وَاحِدًا فَبعث إِلَى النَّائِب طقزدمو يستدعيه فَامْتنعَ عَلَيْهِ. ثمَّ بعث قوصون الْأَمِير بلك الجمدار والأمير برسبغا إِلَى النَّائِب طقزدمر يعلمَانِهِ بِأَنَّهُ مَتى لم يحضر الْغُرَمَاء إِلَيْهِ وَإِلَّا زحف على القلعة وَأَخذهم غصبا. فَبعث طقزدمر إِلَى السُّلْطَان يُشِير عَلَيْهِ بإلرسالهم فَعلم السُّلْطَان أَن النَّائِب وأمير أخور قد خذلاه فَقَامَ وَدخل على أمه. فَلم يجد الْغُرَمَاء بدا من الإذغان وَخَرجُوا إِلَى النَّائِب طقزدمر وهم ملكتمر الْحِجَازِي وآلطنبغا المارديني ويلبغا اليحياوي وطاجار الدوادار والشهابي شاد العمائر وبكلمش المارديني وقطليجا الْحَمَوِيّ فبعثهم طقزدمر النَّائِب إِلَى قوصور صُحْبَة بلك وبرسبغا. فَلَمَّا رأهم قوصون صَاح فِي الْحَاجِب أَن يرجلهم عَن خيولهم من بعيد فأنزلوا منزلا قبيحاً وَأخذُوا حَتَّى وقفُوا بَين يَدَيْهِ فعنفهم ووبخهم وَأمر بهم فقيدوا وعملت الزناجير فِي رقابهم والخشب فِي أَيْديهم. ثمَّ نزل قوصون والأمراء فِي خيم ضربت لَهُم عِنْد قبَّة النَّصْر واستدعى طقزدمر النَّائِب والأمير جنكلي بن البابا وأيدغمش أَمِير أخور والوزير والأمراء المقيمين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 337 بالقلعة. واتففوا على خلع الْملك الْمَنْصُور وإخراجه وَإِخْوَته من القلعة فتوحه برسبغا فِي جمَاعَة إِلَى القلعة وَأخرج الْمَنْصُور وأخوته وَهُوَ سَابِع سَبْعَة وَمَعَ كل مِنْهُم مَمْلُوك صَغِير وخادم وَفرس وبقجة قماش. وأركبهم برسبغا إِلَى شاطئ النّيل وأنزلهم فِي الحراقة وسافر بهم جركتمر بن بهادر إِلَى قوص وَلم يتْرك برسبغا فِي القلعة من أَوْلَاد السُّلْطَان إِلَّا كجك. وَسلم قوصون الْأُمَرَاء المقيدين إِلَى وَالِي الْقَاهِرَة فَمضى بهم إِلَى خزانَة شمايل بِالْقَاهِرَةِ وسجنهم بهَا إِلَّا يلبغا اليحياوي فَإِنَّهُ أفرج عَنهُ. وَكَانَ يَوْمًا عَظِيما بالقلعة والقاهرة من تألم النَّاس على أَوْلَاد السُّلْطَان والأمراء وَكَثْرَة الْبكاء وَبَات قوصون وَمن مَعَه لَيْلَة الْأَحَد بخيامهم عِنْد قبَّة النَّصْر وركبوا بكرَة يَوْم الْأَحَد عشريه إِلَى القلعة وَاتَّفَقُوا على إِقَامَة كجك. فَكَانَت مُدَّة سلطنة الْمَنْصُور أبي بكر تِسْعَة وَخمسين يَوْمًا وَمن حِين قَلّدهُ الْخَلِيفَة أَرْبَعِينَ يَوْمًا. وَمن الِاتِّفَاق العجيب أَن الْملك النَّاصِر أخرج الْخَلِيفَة أَبَا الرّبيع سُلَيْمَان وَأَوْلَاده إِلَى قوص مرسماً عَلَيْهِم فقوصص بِمثل ذَلِك وَأخرج الله أَوْلَاده مرسماً عَلَيْهِم إِلَى قوص على يَد أقرب النَّاس إِلَيْهِ وَهُوَ قوصون مَمْلُوكه وثقته ووصيه على أَوْلَاده فليعتبر الْعَاقِل ويتجنب أَفعَال السوء. السُّلْطَان عَلَاء الدّين كجك السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف عَلَاء الدّين كجك بن النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون أقيم سُلْطَانا فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ حادي عشرى صفر سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وَلم يكمل لَهُ من الْعُمر خمس سِنِين وَأمه أم ولد اسْمهَا أردو تترية الْجِنْس. ولقب كجك بِالْملكِ الْأَشْرَف وَعرضت نِيَابَة السلطنة على الْأَمِير أيدغمش أَمِير أخور فَامْتنعَ وَامْتنع مِنْهَا فَوَقع الِاتِّفَاق على إِقَامَة الْأَمِير قوصون فِي النِّيَابَة فَأجَاب وَشرط على الْأُمَرَاء أَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 338 يُقيم على حَاله بالأشرفية من القلعة وَلَا يخرج مِنْهَا إِلَى دَار النِّيَابَة خَارج بَاب القلعة. فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِك فاستقر من يَوْمه نَائِب سلطاننا الْيَوْم طِفْل والأكابر فِي خلف وَبينهمْ الشَّيْطَان قد نزغا فَكيف يطْمع من مسته مظْلمَة ان تبلغ السؤل وَالسُّلْطَان مابلغا وَفِي يَوْمه: أفرج عَن الْأَمِير ألطنبغا المارديني وخلع على الْأَمِير مَسْعُود بن خطير وَاسْتمرّ حاجباً على عَادَته. وَفِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء: أخرج بالأمير طاجار والأمير قطلوبغا الْحَمَوِيّ والأمير ملكتمر الْحِجَازِي والشهابي شاد العمائر من خزانَة شمايل جملوا إِلَى ثغر الْإسْكَنْدَريَّة فستجنوا بهَا وَتوجه الْأَمِير بلك الجمدار على الْبَرِيد إِلَى حلب لتحليف النَّائِب والأمراء والأجناد وَتوجه الْأَمِير بيغرا إِلَى دمشق بِسَبَب ذَلِك والأمير جركتمر بن بهادر إِلَى طرابلس وجماه لتحليف من فِيهَا وَكتب إِلَى الْأَعْمَال بإعفاء الْجند من المغارم. وَفِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشريه: ركب الْأَمِير قوصون فِي دست النِّيَابَة وترجل لَهُ الْأُمَرَاء فَكَانَ موكباً عَظِيما. وَفِيه أنْفق الْأَمِير قوصون فِي الْعَسْكَر لكل مقدم ألف من الْأُمَرَاء ألف دِينَار وَلكُل أَمِير طبلخاناة خَمْسمِائَة دِينَار وَلكُل أَمِير عشرَة مِائَتي دِينَار وَلكُل مقدم حَلقَة خمسين دِينَار وَلكُل جندي خَمْسَة عشر دِينَار. وَفِي يَوْم السبت سادسه عشرِيَّة: سمر وَالِي الدولة أَبُو الْفرج بن الخطير صهر النشو. وَسَببه أَنه لما أفرج عَنهُ كثرت الإشاعة بِأَن الْأَمِير ملكتمر الْحِجَازِي يسْتَقرّ بِهِ فِي نظر الْخَاص وَأَنه ينْهض بِمَا ينْهض بِهِ النشو وَأَنه صَار يَخْلُو بالسلطان الْمَنْصُور أبي بكر ويحادثه فِي أُمُور الدولة وَأَنه كثر نزُول ملكتمر الْحِجَازِي وَغَيره من الْأُمَرَاء إِلَى بَيته لَيْلًا وحضوره عِنْده إِلَى مجَالِس اللَّهْو. واتهم الْملك الْمَنْصُور أبي بكر بِأَنَّهُ نزل إِلَيْهِ أَيْضا. فَنقل ذَلِك أعداؤه من الْكتاب إِلَى الْأَمِير قوصون وأغروه بِهِ إِلَى أَن كَانَ من قِيَامه على السُّلْطَان مَا كَانَ فَقبض على وَالِي الدولة وسجنه فَقَامَ الْكتاب فِي قَتله حَتَّى أجابهم قوصون إِلَى ذَلِك فَطلب ابْن المحسني وَالِي الْقَاهِرَة. طوائف من الْعَامَّة وألزمهم ان يشعلوا الشموع من بعد صَلَاة الصُّبْح خَارج بَاب زويلة وَأخرج وَإِلَى الدولة من خزانَة شمايل وسمره على جمل تسميراً فَاحش بمسامير خافية وَأمر فَنُوديَ عَلَيْهِ: هَذَا جَزَاء من يَرْمِي الْفِتَن ويتحدث فِيمَا لَا يعنيه وَيفْسد عقول الْمُلُوك. وَشهر وَالِي الدولة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 339 والشموع بَين يَدَيْهِ بِالْقَاهِرَةِ ومصر فطافوا بِهِ الْأَزِقَّة والشوارع وَهُوَ سَاكِت يتجلد فَإِذا مر بالشهود فِي الحوانيت أَو بِجمع من الْقُضَاة صَاح: يَا جمَاعَة اشْهَدُوا لي أنني مُسلم وَأَنا أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وَأَنا أَمُوت عَلَيْهَا فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَلم يزل وَالِي الدولة على ذَلِك أَيَّامًا حَتَّى مَاتَ وَقَالَ فِيهِ بعصهم. أَرَادَ للشر فتح بَاب فأغلقوه وسمروه وَكَانَت عدَّة الشموع الَّتِي أشعلت يَوْم تسميره ألفا وَخَمْسمِائة شمعة. وَفِي يَوْم الْخَمِيس مستهل ربيع الأول: أنعم الْأَمِير قوصون على أحد وَعشْرين رجلا من المماليك السُّلْطَانِيَّة بإمريات مِنْهُم سِتَّة طبلخاناة والبقية عشرات. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة تاسعه وَيُوَافِقهُ أول أَيَّام النسيء: وَفِي النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا وَفتح سد الخليج بكرَة يَوْم السبت. فنقص المَاء أَرْبَعَة أَصَابِع ثمَّ رد النَّقْص وَزَاد أصبعاً من سَبْعَة عشر ذِرَاعا فِي يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشره فسر النَّاس بذلك سُرُورًا زَائِدا. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشره: توجه الْأَمِير طوغان لإحضار أَحْمد ابْن السُّلْطَان النَّاصِر مُحَمَّد من الكرك محتفظاً بِهِ لينفى إِلَى أسوان وَسبب ذَلِك وُرُود كتاب ملكتمر السرجواني نَائِب الكرك يتَضَمَّن أَن أَحْمد قد خرج عَن طوعه وَكثر شغفه بشباب أهل الكرك وانهماكه فِي معاقرة الْخمر وَأَنه يخَاف على نَفسه مِنْهُ أَن يُوَافق الكركيين على قَتله وَطلب الإعفاء من نِيَابَة الكرك. وَفِي يَوْم السبت سَابِع عشره: خلع على الْأَمِير طقزدمر النَّائِب وَاسْتقر فِي نِيَابَة حماة عوضا عَن الْملك الْأَفْضَل ابْن الْملك الْمُؤَيد الأيوبي وأنعم على الْأَفْضَل بإمرة ألف فِي دمشق. وَفِيه أنعم الْأَمِير أقبغا عبد الْوَاحِد بإمرة فِي دمشق ورسم بِسَفَرِهِ إِلَيْهَا. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشريه: خلع على جَمِيع الْأُمَرَاء وَأهل الدولة بدار الْعدْل وَقد أَجْلِس السُّلْطَان على التخت وَقبل الْأُمَرَاء الأرص بَين يَدَيْهِ ثمَّ تقدمُوا إِلَيْهِ على قدر مَرَاتِبهمْ وقبلوا يَده. فَكَانَت عدَّة الْخلْع يَوْمئِذٍ ألف خلعة ومائتي خلعة وَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَفِيه توجه جركتمر بن بهادر إِلَى أسوان للاحتفاظ على الْمَنْصُور أبي بكر وَإِخْوَته وَكَانَ قد حضر إِلَى الْقَاهِرَة هُوَ وَغَيره مِمَّن توجه لتحليف نواب الشَّام بنسخ حلفهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 340 وَفِي تَاسِع عشريه: ورد الْبَرِيد من الكرك بِكِتَاب أَحْمد ابْن السُّلْطَان يتَضَمَّن أَنه لَا يحضر حَتَّى يَأْتِيهِ الْأُمَرَاء الأكابر إِلَى الكرك ويحلفهم ثمَّ تحضر إخْوَته من بِلَاد الصَّعِيد إِلَى قلعة الكرك ويحضر هُوَ بعد ذَلِك وينتصب سُلْطَانا. فَأُجِيب من الْغَد بِأَنَّهُ لم يطْلب إِلَّا لشكوى النَّائِب مِنْهُ وجهزت لَهُ هَدِيَّة سنية وَأَنه يحضر إِلَى الْقَاهِرَة حَتَّى تعْمل المصلحه وَفِيه أفرج عَن الشريف مبارك بن عطيفة. وَفِيه أنعم على عشرَة من مماليك السُّلْطَان بإمريات وَنُودِيَ بِالْقَاهِرَةِ بألا يرْمى على أحد من التُّجَّار والباعة شَيْء من البضائع. وَفِيه قبض على بدوي مَعَه كتاب أَمِير يحيى بن ظهير بغا المغلي لِأَحْمَد ابْن السُّلْطَان النَّاصِر مُحَمَّد يحذرهُ من دُخُول مصر وَأَنه مَتى دخل إِلَيْهَا قتل فَأنْكر قوصون على أَمِير يحيى ذَلِك وَفِيه ورد كتاب عبد الْمُؤمن وَالِي قوص يخبر بوصول الْمَنْصُور أبي بكر وَإِخْوَته وَأَنه ركب فِي خدمته. فَلَمَّا عَاد عبد الْمُؤمن من خدمته بعث إِلَيْهِ الْمَنْصُور بِخَمْسِمِائَة دِينَار فَكتب الْأَمِير قوصون جَوَابه بالاحتراس عَلَيْهِ. وَفِيه أخذت أُمُور قوصون تضطرب. وَذَلِكَ أَنه ألزم المماليك السُّلْطَانِيَّة بِالْمَشْيِ فِي خدمته كَمَا كَانُوا فِي الْأَيَّام الناصرية يَمْشُونَ فِي خدمَة السُّلْطَان النَّاصِر مُحَمَّد فَلم يوافقوه على ذَلِك وَكَانَ قوصون مَعَ كَثْرَة إحسانه قد ألْقى الله بغضته فِي قُلُوب النَّاس جَمِيعًا حَتَّى صَارُوا يلهجون بهَا. وَفِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشر ربيع الآخر: قدم من الكرك الْأَمِير شرف الدّين ملكتمر السرجواني نائبها والأمير طرغاي الطباخي وأخبرا بامتناع أَحْمد من الْحُضُور وَأَنه أَقَامَ على الْخلاف. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشره: اجْتمع الْأُمَرَاء للمشورة فِي أَمر أَحْمد ابْن السُّلْطَان حَتَّى تقرر الْأَمر على تَجْرِيد الْعَسْكَر لأَخذه. وَفِي يَوْم السبت سادس عشره: ابتدأت الْفِتْنَة بَين الْأَمِير قوصون وَبَين المماليك السُّلْطَانِيَّة. وَذَلِكَ أَنه أرسل يَسْتَدْعِي من الطواشي مقدم المماليك مَمْلُوكا من طبقَة الزمردية جميل الصُّورَة فَمَنعه خشداشيته أَن يخرج من عِنْدهم. فتلطف بهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 341 الطواشي الْمُقدم حَتَّى أَخذه وَمضى بِهِ إِلَى قوصون وَبَات عِنْده. وَطلب قوصون من الْغَد نَحْو أَرْبَعَة أَو خَمْسَة مماليك وَمِنْهُم شيخو وصرغمتش وأيتمش عبد الْغَنِيّ فامتن خشداشيتهم من ذَلِك وَقَامَ مِنْهُم نَحْو الْمِائَة مَمْلُوك وَقَالُوا: نَحن مماليك السُّلْطَان مَا نَحن مماليك قوصون. وأخرجوا الطواشي الْمُقدم على أقبح صُورَة. فَمضى الطواشي الْمُقدم إِلَى قوصون وعرفه ذَلِك فَأخْرج إِلَيْهِم الْأَمِير برسبعا الْحَاجِب وشاورشي دواداره فِي عدَّة من مماليكه ليأتوه بهم فَإِذا بالمماليك السُّلْطَانِيَّة قد تعصبوا مَعَ كبارهم وَخَرجُوا على حمية إِلَى بَاب الْقلَّة يُرِيدُونَ الْأَمِير بيبرس الأحمدي فَإِذا بِهِ رَاكب. فَمَضَوْا إِلَى بَيت الْأَمِير جنكلي بن البابا فَلَقوهُ فِي طريقهم فتقدموا إِلَيْهِ وَقَالُوا لَهُ. نَحن مماليك السُّلْطَان مُشْتَرِي مَاله كَيفَ نَتْرُك ابْن أستاذنا ونخدم غَيره فينال غَرَضه منا ويفضحنا بَين النَّاس وجهروا بالْكلَام الْفَاحِش. فتلطف بهم جنكلي فَلم يرجِعوا عَمَّا هم عَلَيْهِ فحنق مِنْهُم وَقَالَ لَهُم: أَنْتُم الظَّالِمُونَ بالْأَمْس لما خَرجْتُمْ قلت لكم أَنا ونائب السُّلْطَان طقزدمر ارْجعُوا إِلَى خدمَة أستاذكم قُلْتُمْ مَا لنا أستاذ غير قوصون والآن تشكون مِنْهُ فاعتذروا ومضوا وَقد حضر الْأَمِير بيبرس الأحمدي فَاجْتمعُوا بِهِ وتوجهوا إِلَى منكلي بغا الفخري فَإِذا قد وافاه برسبغا من عِنْد قوصون فأرادوا أَن يوقعوا بِهِ فكفهم الفحري عَنهُ ومازال يتلطف بهم. هدا وقوصون قد بلغه خبرهم فَأَرَادَ أَن يخرج وَيجمع الْأُمَرَاء فمازال بِهِ من عِنْده من الْأُمَرَاء حَتَّى سكن إِلَى بكرَة النَّهَار فَكَانَت لَيْلَة مهولة بالقلعة. ثمَّ طلب قوصون جنكلي والأحمدي والفخري وَبَقِيَّة الْأُمَرَاء إِلَيْهِ وأغراهم بالمماليك السُّلْطَانِيَّة. فبعثوا بأمير مَسْعُود إِلَيْهِم ليحضرهم فإدا جمعهم قد كثف وَكثر فَلم يلتفتوا إِلَيْهِ فَعَاد. وَخرج إِلَيْهِم ألطنبغا المارداني وقطلوبغا الفخري وهما أكبر الناصرية - ومازالا بهم حَتَّى أخذا من وَقع عَلَيْهِ الطّلب ودخلا بهم إِلَى قوصون فقبلوا يَده فَقَامَ لَهُم وَقبل رُءُوسهم وَطيب خاطرهم وَوَعدهمْ بِكُل خير وَانْصَرفُوا وَفِي الظَّن أَنه قد حصل الصُّلْح وَذَلِكَ يَوْم السبت الْمَذْكُور. فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ: وَقت الْغُرُوب تحالف المماليك السُّلْطَانِيَّة على قتل قوصون وبعثوا إِلَى من بِالْقَاهِرَةِ مِنْهُم فَبَاتَ قوصون وَقد بلغه ذَلِك على حذر. وَركب قوصون يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامن عشره الموكب مَعَ الْأُمَرَاء تَحت القلعة وَطلب أيدغمتش أَمِير أخور وَأخذ يلوم الْأُمَرَاء على إِقَامَته فِي نِيَابَة السلطنة وهم يترضونه ويعدونه بِالْقيامِ مَعَه. فأدركه الْأَمِير بيبرس الأحمدي وأعلمه بَان المماليك السُّلْطَانِيَّة قد اتَّفقُوا على قَتله فَمضى بالموكب مَعَ الْأُمَرَاء إِلَى جِهَة قبَّة النَّصْر. فارتجت القلعة وغلقت أَبْوَابهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 342 ولبست المماليك السُّلْطَانِيَّة السِّلَاح بالقلعة وكسروا الزردخاناه. وَقد امْتَلَأت الرميلة بالعامة وصاحوا: يَا ناصرية فأجابهم المماليك من القلعة. ثمَّ رجعُوا إِلَى بَاب إصطبل قوصون وهجموا عَلَيْهِ وكسروا من كَانَ يرجمهم من أَعْلَاهُ. فَبلغ ذَلِك قوصون فَعَاد بِمن مَعَه من الْأُمَرَاء فأوقعوا بالعامة حَتَّى وصلوا إِلَى سور القلعة فَرَمَاهُمْ المماليك السُّلْطَانِيَّة بالنشاب لحماية الْعَامَّة. فَقتل أَمِير مَحْمُود صهر الْأَمِير جنكلي بن البابا بِسَهْم وَقتل مَعَه أخر. وَوصل الْأُمَرَاء إِلَى إصطبل قوصون وَقد بَدَأَ النهب فِيهِ فَقتلُوا من الْعَامَّة جمَاعَة كَبِيرَة وقبضوا على جمَاعَة. فَلم تطق المماليك السُّلْطَانِيَّة مقاومة الْأُمَرَاء وَكفوا عَن الْحَرْب وفتحوا بَاب القلعة. فطلع إِلَيْهَا الْأَمِير برسبغا الْحَاجِب وَأنزل ثَمَانِيَة من أَعْيَان المماليك إِلَى قوصون وَقد وقف بِجَانِب زَاوِيَة تَقِيّ الدّين رَجَب تَحت القلعة. فوسط قوصون وَاحِدًا مِنْهُم اسْمه صربغا فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي فتح خَزَائِن السِّلَاح وألبس المماليك وَأمر بِهِ قوصون فعلق على بَاب زويلة وشفع الْأُمَرَاء فِي الْبَقِيَّة فسجنوا بخزانة شمايل مقيدين. ورسم بتسمير عدَّة من الْعَامَّة فسمر مِنْهُم تِسْعَة على بَاب زويلة وَأمر بالركوب على الْعَامَّة وقبضهم فَفرُّوا حَتَّى لم يقبض مِنْهُم على حرفوش وَاحِد. ثمَّ طلع الْأَمِير قوصون إِلَى القلعة قريب الْعَصْر وَمد لَهُ وللأمراء سماط فَأَكَلُوا. وَبقيت الأطلاب وأجناد الْحلقَة تَحت القلعة إِلَى أخر النَّهَار فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً وَكَانَت جملَة من قتل فِيهِ من الفئتين ثَمَانِيَة وَخمسين رجلا. وَفِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء: طلع الْأَمِير برسبغا فِي جمَاعَة إِلَى طباق المماليك بالقلعة وقبضوا على مائَة مَمْلُوك مِنْهُم وَعمِلُوا فِي الْحَدِيد وسجنوا بخزانة شمايل فَمنهمْ من قتل وَمِنْهُم من نفي من مصر. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع عشره: سمر تِسْعَة من الْعَوام. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء عشريه: سمر ثَلَاثَة من الطواشية على بَاب زويلة فِي عدَّة من الحرافيش. وَسبب ذَلِك أَن قوصون لما نزل من القلعة وَمضى إِلَى قبَّة النَّصْر وقابلته المماليك أخذت الطواشية فِي الصياح على نِسَائِهِ وأفحشوا فِي سبهن. فَمَاتَ أحدهم تَحت الْعقُوبَة وَأَفْرج عَن الْإِثْنَيْنِ. وَفِيه عرضت مماليك الطباق وأنعم على مِائَتي مَمْلُوك مِنْهُم بإقطاعات كَثِيرَة المتحصل وَعين جمَاعَة مِنْهُم للإمريات. وَأكْثر قوصون من الْإِحْسَان إِلَيْهِم والإنعام عَلَيْهِم. وَفِيه قدم الْبَرِيد من دمشق بكتب أَحْمد ابْن السُّلْطَان إِلَى نَائِب الشَّام وَهِي مختومة لم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 343 تفك فَإِذا فِيهَا أَنه كَاتب الْأَمِير طشتمر حمص أَخْضَر نَائِب حلب وَغَيره من النواب وَأَنَّهُمْ قد اتَّفقُوا مَعَه وَأكْثر أَحْمد من الشكوى من قوصون. فَأوقف قوصون الْأُمَرَاء عَلَيْهِمَا ومازال بهم حَتَّى وافقوه على تَجْرِيد الْعَسْكَر إِلَى الكرك. وَفِيه فرقت المماليك الَّتِي كَانَت الْفِتْنَة بسببهم على خشداشيتهم فَسلم صرغتمش إِلَى الْأَمِير ألطنبغا المارداني وَسلم أيتمش لأيدغمش أَمِير آخور وَسلم شيخو إِلَى أرنبغا السِّلَاح دَاره وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشريه: قدم الْبَرِيد من الكرك بِأَن أَحْمد ابْن السُّلْطَان لم يُوَافق طرغاي الطباخي على الْقدوم مَعَه وَأَن طرغاي توجه من الكرك عَائِدًا بِغَيْر طائل. وَكَانَت الإشاعة قد قويت بِالْقَاهِرَةِ أَن أَحْمد عزم على السّير إِلَى مصر وَطلب السلطنة. فَكثر الِاضْطِرَاب وَوَقع الشُّرُوع فِي تجهيز العساكر صُحْبَة الْأَمِير قطلوبغا الفخري واستحلفه قوصون وَبعث إِلَيْهِ عشرَة أُلَّاف دِينَار وَعين مَعَه الْأَمِير قماري أَخُو بكتمر الساقي ومعهما أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ أَمِيرا مَا بَين طبلخاناة وعشرات وَأنْفق عَلَيْهِم جَمِيعًا ثمَّ بعث قوصون إِلَى قطلوبغا الفخري بِخَمْسَة أُلَّاف دِينَار عِنْد سَفَره وَركب لوداعه صُحْبَة الْأُمَرَاء حَتَّى أَنَاخَ بالريدانية فِي يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس عشريه. وَلم يكن الْأُمَرَاء راضين بسفرهم بل أَشَارَ الْأَمِير آل ملك والأمير جنكلي بن البابا على قوصون بألا يُحَرك سَاكِنا فَلم يقبل فأشارا عَلَيْهِ بِأَن يكْتب إِلَى أَحْمد يعتبه على مُكَاتبَته نَائِب الشَّام فَكتب إِلَيْهِ بذلك فَأجَاب بِأَن طرغاي الطباخي أسمعهُ كلَاما فَاحِشا وَأَغْلظ عَلَيْهِ فِي القَوْل فَحَمله على مُكَاتبَة نَائِب الشَّام وَأَن الْأَمِير قوصون وَالِده بعد وَالِده وَنَحْو هَذَا من القَوْل. وَفِيه قدم الْأَمِير أزدمر الكاشف وَمَعَهُ ابْن حرجا خولي الأغنام السُّلْطَانِيَّة تَحت الاحتفاظ فَأخذ مِنْهُ ألف ألف دِرْهَم من غير أَن يضْرب لِكَثْرَة أَمْوَاله وسعادته. وَفِيه قدم الْخَبَر من شطي بن عبِّيَّة أَمِير الْعَرَب بِأَن أَحْمد ابْن السُّلْطَان النَّاصِر قد اخْتلفت عَلَيْهِ مماليكه وَقتلُوا الشَّاب الَّذِي كَانَ يهواه وَيعرف بشهيب من أجل أَنه كَانَ يهينهم. وَفِيه أفرج عَن مماليك دمرداش الَّذين بَعثهمْ السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد إِلَى صفد ورسم وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث جُمَادَى الأول: ركب الْأَمِير نَائِب قوصون نَائِب السلطنة إِلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 344 سرياقوس وصحبته الْأُمَرَاء على جاري الْعَادة. وَفِيه خلع على ضِيَاء الدّين يُوسُف. بن خطب بَيت الْآبَار وأعيد إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: ظهر لقوصون مُخَالفَة الْأَمِير طشتمر حمص أَخْضَر نَائِب حلب عَلَيْهِ وَسَببه أَنه شقّ عَلَيْهِ إِخْرَاج أَولا السُّلْطَان الْملك النَّاصِر إِلَى الصَّعِيد ويجهز الْعَسْكَر لقِتَال أَحْمد ابْن السُّلْطَان. وَكَانَ قد بعث إِلَيْهِ أَحْمد يشكو من قوصون وَأَنه يُرِيد الْقَبْض عَلَيْهِ وَيطْلب مِنْهُ النُّصْرَة عَلَيْهِ. فَكتب طشتمر حمص أَخْضَر إِلَى الْأُمَرَاء وَإِلَى قوصون بالعتب فَقبض على قاصده بقطيا وسجن. وَكتب قوصون إِلَى الْأَمِير ألطنبغا الصَّالِحِي نَائِب الشَّام بِأَن نَائِب حلب قد شرع يتَكَلَّم فِي الْفِتْنَة وَأَنه لَا يصغي إِلَى قَوْله وَحمل إِلَيْهِ أنعاماً كثيرا فَأجَاب بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة وَالشُّكْر وَالثنَاء. وَفِيه أَيْضا تنكرت الْأَحْوَال بَين الْأَمِير قوصون وَبَين الْأَمِير أيدغمش أَمِير أخور وكادت الْفِتْنَة تقع بَينهمَا. وَذَلِكَ أَن بعض مماليك أَمِير عَليّ بن أيدغمش وشى إِلَيْهِ بِأَن قوصون قدر مَعَ برسبغا أَنه يبيت بِالْقَاهِرَةِ ويكبس فِي عدَّة من مماليك قوصون على أيدغمش. فَأخذ أيدغمش فِي الِاحْتِرَاز وَامْتنع من طُلُوع القلعة أَيَّامًا بِحجَّة أَنه متوعك الْجِسْم. وَصَارَ إِذا سير قوصون فِي سوق الْخَيل يغلق أيدغمش بَاب الإصطبل وَيُوقف طَائِفَة الأوجاقية عَلَيْهِ. فاشتهر الْخَبَر بَين النَّاس وَكَثُرت القالة. وَبلغ قوصون تغير أيدغمش عَلَيْهِ فَحلف لِلْأُمَرَاءِ أَنه لَا يعرف لتغيره سَببا فمازالت الْأُمَرَاء بأيدغمش حَتَّى طلع إِلَى القلعه وَعرف قوصون بحضرتهم مَا بلغه فَحلف قوصون على الْمُصحف أَن هَذَا لم يَقع مِنْهُ وَلَا عِنْده مِنْهُ خبر وتصالحا. فَبعث إِلَيْهِ أيدغمش بعد نُزُوله إِلَى الإصطبل بالناقل لَهُ فَرده إِلَيْهِ وَلم يُعَاقِبهُ. وَفِيه قدم الْخَبَر من الْإسْكَنْدَريَّة بوفاة الْأَمِير بشتاك بحبسه فاتهم قوصون بقتْله. وَفِيه قدم الْخَبَر من جركتمر بن بهادر بِأَنَّهُ وصل إِلَى الْملك الْمَنْصُور أبي بكر وشكى من ترفعه وتعاظمه عَلَيْهِ فَكتب بِطَلَب عبد الْمُؤمن وَالِي قوص على الْبَرِيد فَلَمَّا قدم خلع عَلَيْهِ قوصون وَأكْثر من الإنعام عَلَيْهِ وَقرر مَعَه مَا يعمله وَأَعَادَهُ على الْبَرِيد وَكتب إِلَى جركتمر بن بهاد بمساعدته على مَا هُوَ بصدده. وَفِيه أنشأ الْأَمِير قوصون قاعة لجُلُوس مَعَ الْأُمَرَاء من دَاخل بَاب القلعة وَفتح إِلَّا شباكاً يطلّ على الدركاه وَجلسَ فِيهِ مَعَ أكَابِر الْأُمَرَاء وَمد السماط بهَا وَصَارَ يدْخل إِلَيْهِ الْأُمَرَاء والمقدمون والأجناد. وَزَاد قوصون فِي راتب سماطه كثيرا من الْحَلْوَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 345 والدجاج وَنَحْو ذَلِك وَأكْثر من الْخلْع والإنعامات إِلَى الْغَايَة بِحَيْثُ لم يمْنَع أحدا من خير يصل إِلَيْهِ مِنْهُ. وَكَانَ قوصون قبل ذَلِك يجلس بِبَاب القلعة مَوضِع النِّيَابَة فِي مَوضِع صنعه وأدار عَلَيْهِ درابزين يَحْجُبهُ عَن الزحمة من كَثْرَة النَّاس. وَفِيه قدم الْخَبَر من عبد الْمُؤمن وَالِي قوص بِأَن الْمَنْصُور أَبَا بكر وجد فِي نَفسه تغيراً وَفِي جِسْمه توعكاً لزم الْفراش مِنْهُ أَيَّامًا وَمَات. ثمَّ قدم جركتمر بن بهادر وَأخْبر بذلك فاتهم قوصون بِأَنَّهُ أَمر بقتْله. وَفِيه قدم الْخَبَر من الْعَسْكَر الْمُجَرّد إِلَى الكرك بغلاء السّعر عِنْدهم وَأَن التِّبْن بلغ أَرْبَعِينَ درهما الْحمل. ثمَّ قدم الْخَبَر بنزول الْعَسْكَر مَعَ قطلوبغا الفخري على الكرك وَقد امْتنعت واستعد أَهلهَا لِلْقِتَالِ وَكَانَ الْوَقْت شتاء فَأَقَامَ الْعَسْكَر نَحْو الْعشْرين يَوْمًا فِي شدَّة من الْبرد والأمطار والثلوج وَمَوْت الدَّوَابّ وتسلط أهل الكرك عَلَيْهِم بالسب واللعن وَكَثُرت غاراتهم فِي اللَّيْل عَلَيْهِم وتقطيع قربهم ورواياهم. هَذَا وقوصون يمد قطلوبغا الفخري بالأموال ويحرضه على لُزُوم الْحصار. وَفِيه قدم الْبَرِيد من عِنْد ألطبغا الصَّالِحِي نَائِب دمشق بِأَن تمر الموساوي قدم من حلب واستمال جمَاعَة من الْأُمَرَاء إِلَى طشتمر حمص أَخْضَر نَائِب حلب. فَكتب قوصون بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ وَحمل تشريف لنائب حلب. وَكتب قوصون إِلَى ألطبغا الصَّالِحِي نَائِب دمشق أَن يطالع بالأخبار وَأعلم القاصد بِأَنَّهُ إِنَّمَا أرسل لكشف أخباره. فَلم يرض نَائِب حلب بالتشريف وعابه وَكتب إِلَى قوصون يعتبه على إِخْرَاج أَوْلَاد السُّلْطَان فَأَجَابَهُ بأعذار غير مَقْبُولَة. ثمَّ قدم الْخَبَر من شطي بن عبِّيَّة أَمِير الْعَرَب بِأَن قطلوبغا الفخري قد خامر بالكرك على قوصون وَحلف لِأَحْمَد هُوَ وَمن مَعَه من الْأُمَرَاء وَأَنَّهُمْ أقاموه سُلْطَانا ولقبوه بِالْملكِ النَّاصِر وَذَلِكَ بمكاتبة طشتمر حمص أَخْضَر نَائِب حلب لَهُ يعتبه على مُوَافقَة قوصون وَقد فعل بأولاد السُّلْطَان مَا فعل ويعزم عَلَيْهِ أَن يدْخل فِي طَاعَة أَحْمد وَيقوم مَعَه بنصرته. فصادف ذَلِك من قطلوبغا الفخري ضجره من طول الْإِقَامَة على حِصَار الكرك وَشدَّة الْبرد وَكَثْرَة الغلاء فَجمع من مَعَه وَكتب إِلَى أَحْمد وخاطبه بالسلطنة وَقرر الصُّلْح مَعَه وَكتب إِلَى طشتمر حمص أَخْضَر نَائِب حلب بذلك فَأَعَادَ جَوَابه بالشكر وَالثنَاء وأعلمه بَان الْأَمِير طقزدمر نَائِب حماة وأمراء دمشق قد وافقوه على الْقيام بِأَمْر أَحْمد. وَكَانَ الْأَمِير ألطنبغا الصَّالِحِي نَائِب الشَّام قد أحس بِشَيْء من هَذَا فاحترس على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 346 الطرقات حَتَّى ظفر بقاصد طشتمر حمص أَخْضَر نَائِب حلب على طَرِيق بعلبك وَمَعَهُ كتب من هَؤُلَاءِ الْأُمَرَاء إِلَى أَحْمد فَبعث ألطنبغا بِهَذِهِ الْكتب إِلَى قوصون فَقدمت ثَانِي يَوْم وُرُود كتاب شطي بمخامرة قطلوبغا الفخري فَإِذا فِيهَا لملكي الناصري فاضطرب قوصون وَجمع الْأُمَرَاء وعرفهم بِمَا وَقع وأوقفهم على الْكتب وَذكر لَهُم أَنه وصل مِنْهُ إِلَى قطلوبغا الفخري فِي هَذِه السفرة أَرْبَعِينَ ألف دِينَار سوى الْخَيل والقماش والتحف. وَفِيه رسم قوصون بإيقاع الحوطة على دور الْأُمَرَاء المجردين إِلَى الكرك فمازال بِهِ الْأُمَرَاء حَتَّى كف عَن ذَلِك. وألزم مباشريهم بِحمْل حواصلهم وَصَارَ فِي أَمر مريج. ثمَّ كتب قوصون إِلَى ألطنبغا الصَّالِحِي نَائِب الشَّام بِخُرُوجِهِ لقِتَال طشتمر حمص أَخْضَر نَائِب حلب وَمَعَهُ نَائِب حمص ونائب صفد ونائب طرابلس وَكتب إِلَيْهِم بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة لَهُ وَحمل قوصون النَّفَقَات إِلَى العساكر الشامية. فَخرج الْأَمِير ألطنبغا الصَّالِحِي نَائِب الشَّام من دمشق بالعسكر فِي جُمَادَى الْآخِرَة فَتَلقاهُ الْأَمِير أرقطاي نَائِب طرابلس على حمص وَصَارَ من جملَته وَأخْبرهُ بِكِتَاب طشتمر حمص أَخْضَر نَائِب حلب يَدعُوهُ لموافقته وَأَنه أَبى عَلَيْهِ. ثمَّ كتب الْأَمِير ألطنبغا نَائِب الشَّام إِلَى الْأَمِير طقزدمر نَائِب حماة ليحضر مَعَه فَاعْتَذر بِأَنَّهُ من وجع رجله مَا يقدر على الرّكُوب وَكَانَ قد وَافق نَائِب حلب فَبعث إِلَيْهِ نَائِب الشَّام بِقبُول عذه وحلفه على طَاعَة السُّلْطَان الْأَشْرَف كجك وَألا يُوَافق طشتمر حمص أَخْضَر نَائِب حلب وَلَا قطلوبغا الفخري وَلَا يخرج من حماة حَتَّى يعود ألطنبغا من حلب فَحلف الْأَمِير طقزدمر على ذَلِك. وعندما بلغ طشتمر حمص أَخْضَر نَائِب حلب مسير ألطنبغا نَائِب الشَّام إِلَيْهِ بالعساكر استدعى ابْن دلغادر فَقدم عَلَيْهِ حلب وَاتفقَ مَعَه على الْخُرُوج إِلَى الأبلستين وَسَار بِهِ وَمَعَهُ مَا خف من أَمْوَاله وَأخذ أَوْلَاده ومماليكه. فأدركه عَسْكَر حلب وَقد وصل إِلَيْهِم كتاب ألطنبغا نَائِب الشَّام بالاحتراس عَلَيْهِ وَمنعه من الْخُرُوج عَن حلب وقاتلوه عدَّة وُجُوه فَلم ينالوا مِنْهُ غَرضا وَقتل من الْفَرِيقَيْنِ خَمْسَة نفر وعادوا وَأَكْثَرهم جرحى. فَلَمَّا وصل طشتمر حمص أَخْضَر إِلَى الأبلستين كتب إِلَى أرتنا يَسْتَأْذِنهُ فِي العبور إِلَى الرّوم فَبعث إِلَيْهِ أرتنا بقاضيه وعدة من ألزامه وجهز لَهُ الإقامات. فَمضى طشتمر حمص أَخْضَر إِلَى قيصرية وَتوجه أرتنا لمحاربة دمرداش بعد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 347 أَن رتب للأمير طشتمر فِي كل يَوْم ألفي دِرْهَم. وَأما الطنبغا الصَّالِحِي نَائِب الشَّام فَإِنَّهُ قدم إِلَى حلب وَكتب إِلَى قوصون يُعلمهُ بتسحب طشتمر حمص أَخْضَر وَأَنه استولى على حلب. فَقدم كِتَابه فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِي رَجَب صُحْبَة أطلمش الكريمي فَأخْرجهُ قوصون فِي رابعه إِلَى الشَّام لكشف الْأَخْبَار. وَفِي خامسه: خلع على جَمِيع الْأُمَرَاء المقدمين والطبلخاناة والعشرات وَلبس مَعَهم الْأَمِير قوصون تشريف النِّيَابَة وخلع على ثَلَاثمِائَة من المماليك السُّلْطَانِيَّة فان يَوْمًا مشهوداً. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامنه: فرق قوصون إقطاعات الْأُمَرَاء المجردين صُحْبَة قطلوبغا الفخري وعدتهم اثْنَان وَثَلَاثُونَ أَمِيرا مِنْهُم أُمَرَاء طبلخاناة سِتَّة عشر وأمراء عشرات سته عشر وأميران مقدمان. وَأعْطى قوصون إمرياتهم لأربعة وَثَلَاثِينَ أَمِيرا عوضا عَن أُولَئِكَ. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء عاشره: نزل الْوَزير نجم الدّين وناظر الْخَاص جمال الكفاة إِلَى بيُوت الْأُمَرَاء المجردين وَأخذُوا مَا قدرُوا عَلَيْهِ من أَمْوَالهم وخيولهم ففرقها قوصون على الْأُمَرَاء المستجدين. وَأخرج قوصون أَيْضا إقطاعات أَوْلَاد الْأُمَرَاء المجردين ومماليكهم وَمن يلوذ بهم من أجناد الْحلقَة لجَماعَة سواهُم. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع عشريه: قدم الْأَمِير الشَّيْخ عَليّ بن دلنجي القازاني أحد الْأُمَرَاء العشرات المجردين وَأخْبر بمسير قطلوبغا الفخري من الكرك إِلَى دمشق ومواقعته مَعَ ألطنبغا نَائِب الشَّام وَأَنه فر مِنْهُ فِي لَيْلَة الْوَقْعَة فَخلع عَلَيْهِ قوصون خلعة كَامِلَة بكلفتاه زركش وحياصة ذهب. وَكَانَ من خبر ذَلِك أَن ألطنبغا الصَّالِحِي نَائِب الشَّام لما دخل حلب استولى على حواصل طشتمر حمص أَخْضَر وأسلحته وخيوله وجماله وَبَاعَ ذَلِك على أهل حلب. وَبينا هُوَ فِي ذَلِك إِذْ بلغه دُخُول قطلوبغا الفخري إِلَى دمشق بِمن مَعَه من الْعَسْكَر وَأَنه دَعَا للناصر أَحْمد وَقد وَافقه أقسنقر السلاي نَائِب غَزَّة وأصلم نَائِب صفد وَمن تَأَخّر بِدِمَشْق من الْأُمَرَاء وهم شيخو البشمقدار وتمر الساقي وَأَن آقسنقر نَائِب غَزَّة وقف لحفظ الطرقات حَتَّى لَا يصل أحد من مصر وَاسْتولى على الْقصر المعيني بلد قوصون بالغور وَأخذ مَا فِيهَا من القند وَالسكر وَغير ذَلِك وَقبض على نوابه وأمواله وغلاله وَأَن قطلوبغا الفخري أَخذ فِي تَحْصِيل الْأَمْوَال من دمشق للنَّفَقَة على الْأُمَرَاء والأجناد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 348 وَأَن الْأَمِير طقزدمر نَائِب حماة قدم عَلَيْهِ فِي غَد دُخُوله فَركب وتلقاه وَقَوي بِهِ. واستخدم قطلوبغا الفخري جنداً كَبِيرا ونادى بِدِمَشْق: من أَرَادَ الإقطاع وَالنَّفقَة فليحضر وَأخذ مَالا كثيرا من التُّجَّار وأرباب الْأَمْوَال وأكره قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين ابْن السُّبْكِيّ حَتَّى أَخذ مَال الْأَيْتَام وَأخذ أجر الْأَمْلَاك والأوقاف لثلاث سِنِين فَلم يبْق أحد بِدِمَشْق إِلَّا وَغرم المَال على قدر حَاله. فَجمع قطلوبغا الفخري مَالا عَظِيما وأتته جماعات من الْجند والتركمان أوراقاً من ديوَان الْجَيْش بأسماء الأجناد والبطالين لإقطاعات بالحلقة فتجهزوا جَمِيعهم بِالْخَيْلِ والأسلحة. وَحلف قطلوبغا الْجَمِيع للسُّلْطَان الْملك النَّاصِر أَحْمد وَعمل برسمه العصائب السُّلْطَانِيَّة والسناجق الخليفتية ورقاب الْخَيل والكنابيش والسروج والغاشية والقبة وَالطير وَسَائِر مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من أبهة السلطنة وجهز الكوسات وَالْبِغَال. وَكتب قطلوبغا إِلَى النَّاصِر أَحْمد يعرفهُ بذلك فَأَجَابَهُ بالشكر وَالثنَاء وَبعث إِلَيْهِ مُوسَى بن التَّاج إِسْحَاق بِمَال وَسَأَلَ أَن يكون نَاظر الْخَاص على مَا كَانَ عَلَيْهِ أَبوهُ فِي أَيَّام أَبِيه السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد. فأحابه قطلوبغا إِلَى ذَلِك وَأقَام بِدِمَشْق يدبر أمره وَطلب ابْن صبح نَائِب صفد وَبَعثه لجمع العشير والجبلية من بِلَاد صفد وطرابلس وَغَيرهَا فَأَتَاهُ مِنْهُم جمع كثير. وَكتب قطلوبغا إِلَى سُلَيْمَان بن مهنا أَن يعرف بسير ألطنبغا الصَّالِحِي من حلب فَكتب الْأَمِير ألطنبغا يعرف الْأَمِير قوصون بذلك فازداد اضطرابه وَجمع الْأُمَرَاء. فاتفق الرَّأْي على تَجْرِيد أُمَرَاء إِلَى غَزَّة فَتوجه برسبغا الحاحب وأمير مَحْمُود الْحَاجِب وعلاء الدّين عَليّ بن طغريل فِي جمَاعَة وَأجِيب الْأَمِير ألطنبغا نَائِب الشَّام على يَد أطلمش الكريمي بِأَن يسير من حلب إِلَى قتال قطلوبغا الفخري بِدِمَشْق فَتوجه أطلمش على الْبَرِيد من الْبَريَّة لانْقِطَاع الدَّرْب وَوصل إِلَى حلب وَعرف ألطنبغا الْخَبَر فَسَار ألطنبغا مِنْهَا حَتَّى قدم حمص وَقد خرج قطلوبغا الفخري من دمشق إِلَى خَان لاجين وَأمْسك الْمضيق وَأقَام الجبلية والعشير على الجبلين ووقف هُوَ بالعسكر فِي وسط الطَّرِيق. وَأما ألطنبغا الصَّالِحِي فَإِنَّهُ حلف من مَعَه وَسَار من حمص حَتَّى قرب من قطلوبغا وعدة الجمعين نَحْو ثَلَاثَة عشر ألف فَارس. فتمهل ألطنبغا كَرَاهَة لسفك الدِّمَاء وراسل قطلوبغا مُدَّة ثَلَاثَة أَيَّام فَلم يتم بَينهمَا أَمر وَبعث قطلوبغا إِلَى جمَاعَة من أَصْحَاب ألطنبغا يعدهم ويستميلهم حَتَّى وافقوه. فَلَمَّا تعبت الرُّسُل وملت العساكر من شدَّة الْبرد بعث ألطنبغا فِي اللَّيْل عدَّة مِمَّن مَعَه على طَرِيق المرج ليهجموا على قطلوبغا من وَرَائه ويلقاهم هُوَ من أَمَامه. وَركب ألطنبغا من الْغَد فَمَال كل أَمِير مِمَّن مَعَه إِلَى جِهَة قطلوبغا وصاروا من جملَته. فَلم يبْق مَعَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 349 ألطنبغا سوى أرقطاي نَائِب طرابلس وأسنبغا بن بكتمر البوبكري وأيدمر المرقبي من أُمَرَاء دمشق فانتهزوا على طرلق صفد إِلَى جِهَة غَزَّة وَالْقَوْم فِي أَثَرهم بعد أَن كَانَت بَينهم وقبة هائلة انهزم فِيهَا ألطنبغا نَائِب الشَّام وهرب فِيهَا من مَعَهم وخلصوا هم بِأَنْفسِهِم. وَعَاد قطلوبغا الفخري إِلَى دمشق منصوراً. وَكتب مَعَ الْبَرِيد إِلَى الْأَمِير طشتمر حمص أَخْضَر يعرفهُ بنصرته ويدعوه إِلَى الْحُضُور وَأَنه فِي انْتِظَاره بِدِمَشْق وَحلف قطلوبغا الفخري من مَعَه للْملك النَّاصِر أَحْمد. وَأمر الخطاء فدعوا لَهُ على مَنَابِر دمشق وَضرب السِّكَّة باسمه وَكتب يعرفهُ بذلك. وَبعث قطلوبغا إِلَيْهِ تقدمة جليلة واستحثه على الْمسير إِلَى دمشق ليسير فِي خدمته إِلَى مصر وَبعث بخطوط الْأُمَرَاء إِلَيْهِ. وَأما ألطنبغا الصَّالِحِي نَائِب دمشق فَإِنَّهُ وصل إِلَى غَزَّة وَمَعَهُ أرقطاي وطرنطاي البشمقدار فِيمَن مَعَهم فَتَلقاهُمْ الْأَمِير برسبغا وَمن مَعَه. وَكتب ألطنبغا إِلَى قوصون بذلك فَقَامَتْ وَقبض على أخوة أَحْمد شاد الشرابخاناة وَعلي قرطاي أستادار قطلوبغا الفخري. ثمَّ قدم على قوصون كتاب قطلوبغا الفخري يعنفه على إِخْرَاج أَوْلَاد السُّلْطَان النَّاصِر مُحَمَّد وَقتل الْمَنْصُور أبي بكر وَأَن الِاتِّفَاق وَقع على سلطنة النَّاصِر أَحْمد وَيُشِير عَلَيْهِ بِأَن يخْتَار بَلَدا يُقيم بهَا حَتَّى يسْأَل لَهُ السُّلْطَان الْملك النَّاصِر أَحْمد فِي تَقْلِيده إِيَّاهَا. فَقَامَ قوصون وَقعد وَجمع الْأُمَرَاء فَوَقع الِاتِّفَاق على تجهيز التقادم لِلْأُمَرَاءِ بغزة. فَجهز قوصون لكل من ألطنبغا الصَّالِحِي نَائِب الشَّام وأرقطاي نَائِب طرابلس ثَلَاثِينَ بدلة وَثَلَاثِينَ قبَاء مسنجبة بطرازات زركش ومائتي خف ومائتي كلفتاه وَكِسْوَة لجَمِيع مماليكهما وغلمانهما وحواشيهما وجهز لكل من الْأُمَرَاء الَّذين مَعَهُمَا ثَلَاث بدلات وأقبية بسنجاب وَكِسْوَة لمماليكهم وأتباعهم. وَأخذ قوصون فِي الإنعام على المماليك السُّلْطَانِيَّة وَأخرج ثَلَاثمِائَة ألف دِينَار من الذَّخِيرَة لتجهيز أمره حَتَّى يخرج بالعساكر إِلَى الشَّام. وَأخرج أَرْبَعمِائَة قرقل وزرديات وخوذ وَغَيرهَا وأنعم على جمَاعَة من المماليك بإمريات وَغير إقطاعات جمَاعَة مِنْهُم بإقطاعات المجردين وَكتب إِلَى الْأُمَرَاء بمسيرهم من غَزَّة وهيأ لَهُم الإقامات والخيول وَبعث إِلَيْهِم بالحلاوات والفواكه وَسَائِر مَا يَلِيق بهم. فَبينا قوصون فِي ذَلِك إِذْ ركب الْأُمَرَاء عَلَيْهِ فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء تَاسِع عشرى رَجَب وَقت عشَاء الْآخِرَة. وَسبب ذَلِك تنكر قُلُوب أكَابِر الْأُمَرَاء عَلَيْهِ لأمور بَدَت مِنْهُ مِنْهَا قتل الْأَمِير بشتاك ثمَّ قتل الْملك الْمَنْصُور أبي بكر ثمَّ وُقُوع الوحشة بَينه وَبَين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 350 أيدغمش فَأخذ أيدغمش فِي التَّدْبِير عَلَيْهِ. ثمَّ كَانَ من انتصار قطلوبغا الفخري على ألطنبغا الصَّالِحِي نَائِب الشَّام مَا كَانَ فَكتب قطلربغا إِلَى أيدغمش سرا بِأَنَّهُ سلطن أَحْمد وحرضه على الرّكُوب إِلَى الكرك بِمن قدر على استمالته. وَكَانَ قوصون قد احتفل لقدوم ألطنبغا الصَّالِحِي نَائِب الشَّام وَمن مَعَه وَفتح ذخيرة السلطنة وَأكْثر من النَّفَقَات والإنعامات حَتَّى بلغت إنعاماته على الْأُمَرَاء والخاصكية وَمَا فرقه فيهم وَفِي الْعَسْكَر سِتّمائَة ألف دِينَار. فشاع بِأَنَّهُ يُرِيد أَن يتسلطن فخاف أيدغمش وَغَيره من تحكمه فِي السلطنة وحرض الخاصكية حَتَّى وَافقه الْأَمِير ألطنبغا المارداني ويلبغا اليحياوي فِي عدَّة من المماليك السُّلْطَانِيَّة وعدة من أكَابِر الْأُمَرَاء مِنْهُم الْحَاج آل ملك وجنكلي بن البابا أَنهم يَسِيرُونَ جَمِيعًا إِلَى الكرك عِنْد قدوم ألطنبغا الصَّالِحِي نَائِب الشَّام وخروجهم إِلَى لِقَائِه. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْإِثْنَيْنِ: ركب قوصون فِي الْمركب تَحت القلعة على الْعَادة وَطلب الْأَمِير يلجك ابْن أُخْته وَأخرج إِلَى لِقَاء نَائِب الشَّام - وَقد ورد الْخَبَر بنزوله على بلبيس - ليَأْتِي بِهِ سَرِيعا. فَوَافى يلجك الْأَمِير ألطنبغا الصَّالِحِي وَمن مَعَه على بلبيس فَلم يُوَافقهُ على السرعة وَقصد أَن يكون حُضُوره فِي يَوْم الْخَمِيس أول شعْبَان. وَبَات ألطنبغا لَيْلَة الثُّلَاثَاء على بلبيس وَركب من الْغَد وَنزل سرياقوس فَبَلغهُ ركُوب الْأُمَرَاء على قوصون وَأَنه مَحْصُور بالقلعة فَركب بِمن مَعَه إِلَى بركَة الْحَاج وَإِذا بِطَلَب قوصون وصنجقه فِي نَحْو مائَة مَمْلُوك قد وافوه وأعلموه أَن فِي نصف اللَّيْل ركب الْأُمَرَاء وأحاطت بإصطبل قوصون وحصروه فِي القلعة فَخَرجُوا هم على حمية حَتَّى وصلوا إِلَيْهِم. وَكَانَ من خبر ذَلِك أَن قوصون لما بعث يلجك ليَأْتِيه بنائب الشَّام سَرِيعا تواعد أيدغمش وَمن وَافقه على أَن يركبُوا فِي اللَّيْل إِلَى الكوك. فَجهز كل مِنْهُم حَاله حَتَّى كَانَ ثلث اللَّيْل فتح الْأُمَرَاء بَاب السِّرّ ونزلوا إِلَى أيدغمش بالإصطبل. وَمضى كل وَاحِد إِلَى إصطبله فَلم ينتصف اللَّيْل إِلَّا وَعَامة الْأُمَرَاء بأطلابهم فِي سوق الْخَيل تَحت القلعة وهم ألطنبغا المارداني ويلبغا اليحياوي وبهادر الدمرداشي والحاج آل ملك والجاولي وقماري الحسني أَمِير شكار وأرنبغا وآقسنقر السلاري. وبعثوا إِلَى إصطبلات الْأُمَرَاء مثل جنكلي بن البابا وبيبرس الأحمدي وطرغاي الطاخي وقياتمر وَغَيرهم فأخرجوا أطلاب الْجَمِيع إِلَيْهِم. وَخرج لَهُم أيدغمش بماليكه وَمن عِنْده من الأوجاقية فوقفوا جَمِيعًا ينتظرون نزُول قوصون إِلَيْهِم حَتَّى يمضوا إِلَى الكرك. فَأحْسن قوصون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 351 بهم وَقد انتبه فَطلب الْأُمَرَاء المقيمين بالقلعة فَأَتَاهُ مِنْهُم اثْنَي عشر أَمِيرا مِنْهُم جنكلي ابْن البابا والأحمدي وطرغيه وقباتمر والوزير. ولبست ممالكيه الَّتِي كَانَت عِنْده بالقلعة وَسَأَلته أَن ينزل وَيدْرك إصطبله ويجتمع بِمن فِيهِ من مماليكه وَكَانَ يعتز بهم فَإِنَّهُم كَانُوا سَبْعمِائة مَمْلُوك وطالما كَانَ يَقُول: إيش أُبَالِي بالأمراء وَغَيرهم عِنْدِي سَبْعمِائة مَمْلُوك ألْقى بهم كل من فِي الأَرْض فَلم يوافقهم قوصون لما أَرَادَ الله بِهِ وَأقَام إِلَى أَن طلع النَّهَار. فَلَمَّا لم تظهر لَهُ حَرَكَة أَمر أيدغمش أَن يطلع الأوجاقية إِلَى الطلخاناة السُّلْطَانِيَّة وَأخرج لَهُم الكوسات. ودق أيدغمش حَرْبِيّا ونادى: معاشر أجناد الْحلقَة ومماليك السُّلْطَان وأجناد الْأُمَرَاء والبطالين يحضروا وَمن لَيْسَ لَهُ لبس وَلَا فرس وَلَا سلَاح يحضر يَأْخُذ لَهُ الْفرس وَالسِّلَاح ويركب مَعنا فَأَتَاهُ جمَاعَة كَثْرَة من أجناد الْحلقَة والمماليك مَا بَين لابس السِّلَاح رَاكب وَبَين ماش أَو على حمَار وَأَقْبَلت الْعَامَّة كالجراد الْمُنْتَشِر. فَنَادَى أيدغمش: ياكسابة عَلَيْكُم بإصطبل قوصون اتهبوه فأحاطوا بِهِ ومماليك قوصون من أَعْلَاهُ ترميهم بالنشاب حَتَّى أتلفوا مِنْهُم عدَّة كَثْرَة. فَركب مماليك يلبغا اليحياوي أعلا بَيت يلبغا حَيْثُ مدرسة السُّلْطَان حسن الْآن ورموا مماليك قوصون بالنشاب مساعدة للعوام وجرحوا مِنْهُم جمَاعَة وحالوا بَينهم وَبَين الْعَامَّة. فهجم الْعَامَّة عِنْد ذَلِك على إصطبل قوصون ونهبوا ركب خاناته وحواصله وكسروا بَاب قصره بالفئوس بعد مكايدة شَدِيدَة وطلعوا إِلَيْهِ. فَخرجت مماليك قوصون على حمية وشقوا الْقَاهِرَة وصاروا إِلَى ألطنبغا الصَّالِحِي نَائِب الشَّام. فَبعث أيدغمش فِي أَثَرهم إِلَى ألطنبغا نَائِب الشَّام وَمن مَعَه من الْأُمَرَاء بِالسَّلَامِ عَلَيْهِم وَأَن يمنعوا مماليك قوصون من الِاخْتِلَاط بهم فَإِن الْأَمِير يلبغا اليحياوي والأمير آقسنقر قادمان فِي جَمِيع كَبِير لأخذ مماليك قوصون وحاشيه. فَأمر ألطنبغا نَائِب الشَّام مماليك قوصون ويلجك وبرسبغا أَن يَكُونُوا على حِدة. وَلبس الْجَمِيع وَأخذ برسبغا وجماعته نَحْو الْجَبَل فَلَقِيَهُمْ يلبغا اليحياوي وَمن مَعَه وَكَانَ ذَلِك بَعْدَمَا أمسك قوصون فَسَار خَلفهم إِلَى قرب إطفيح وهم فِي جمع كَبِير. وَلم تمض إِلَّا سَاعَات من النَّهَار حَتَّى نهب جَمِيع مَا فِي إصطبل قوصون من الْخَيل والسروج وألات الْخَيل وَالذَّهَب وَغير ذَلِك وقوصون ينظر وَيضْرب يدا على يَد وَيَقُول يَا أُمَرَاء هَذَا تصرف جند ينهب هَذَا المَال جَمِيعه وَكَانَ أيدغمش قصد بذلك أَن يقطع قلب قوصون. فَبعث قوصون إِلَى أيدغمش بِأَن هَذَا المَال عَظِيم وَهُوَ ينفع الْمُسلمين وَالسُّلْطَان فَكيف تفعل هَذَا وتنادي بنهبه فَرد جَوَابه: نَحن قصدنا أَنْت وَلَو رَاح هَذَا المَال وأضعافه. هَذَا والقلعة مغلقة الْأَبْوَاب وَجَمَاعَة قوصون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 352 يرْمونَ الأشرفية بالنشاب إِلَى قرب الْعَصْر والعامة تجمع نشابهم وتعطيه لأجناد الْأُمَرَاء المحاصرين للقلعة. فَألْقى حِينَئِذٍ قوصون بيدَيْهِ واستسلم وَدخل عَلَيْهِ مماليكه وَقد خذلوا فَدخل عَلَيْهِ بلك الجمدار وملكتمر السرجواني يأمرانه أَن يُقيم فِي مَوضِع حَتَّى يحضر ابْن أستاذه من الكرك فيتصرف فِيهِ كَمَا يخْتَار فَلم يجد بدا من الإذعان وَأخذ يُوصي الْأَمِير جنكلي على أَوْلَاده. وَأخذ قوصون وَقيد ومضوا بِهِ إِلَى البرج الَّذِي كَانَ بِهِ بشتاك ورسم عَلَيْهِ جمَاعَة من الْأُمَرَاء. وَكَانَ الَّذِي تولى مسكه وحبسه أرنبغا أَمِير جندار وَأما ألطنبغا الصَّالِحِي نَائِب الشَّام وَمن مَعَه فَإِن برسبغا ويلجك والقوصونية لما فارقوه سَار هُوَ وأرقطاي نَائِب طرابلس والأمراء يُرِيدُونَ القلعة. فَأَشَارَ الْأَمِير ألطنبغا نَائِب الشَّام على الْأَمِير أرقطاي نَائِب طرابلس أَن يرد برسبغا ويلجك والقوصونيه وبقالل أيدغمش فَإِنَّهُ يَنْضَم إِلَيْهِم جَمِيع حَوَاشِي قوصون وَيَأْخُذُونَ أيدغمش وَيخرجُونَ قوصون ويقيمونه كَبِيرا لَهُم ويخرجونه إِلَى حَيْثُ يخْتَار ويقيمون سُلْطَانا أَو ينتظرون قدوم أَحْمد فَلم يرافقه أرقطاي لعفته عَن سفك الدِّمَاء. فَلَمَّا وافيا تَحت القلعة وأيدغمش وَاقِف فِي أَصْحَابه أقبل إِلَيْهَا أيدغمش وعانقهما وَأَمرهمَا أَن يطلعا إِلَى القلعة فطلعا. وَأمر أيدغمش فَقبض على ابْن المحسني وَالِي الْقَاهِرَة وأحضره والأمراء واقفون تَحت القلعة فأنزله عَن فرسه وسجنه بالقلعة بَعْدَمَا كَادَت الْعَامَّة أَن تقتله لكَونه من جِهَة قوصون ثمَّ أرسل أيدغمش الْأَمِير آقسنقر والأمير قازان فِي عدَّة مماليك وَرَاء برسبغا ويلجك وَمن مَعَهُمَا. وَجلسَ أيدغمش مَعَ ثقاته من الْأُمَرَاء وَقرر مَعَهم تسفير قوصون فِي اللَّيْل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَالْقَبْض على ألطنبغا الصَّالِحِي نَائِب الشَّام وأرقطاي نَائِب طرابلس وَمن يلوذ بهما من الْغَد وتسفير الْأَمِير بيبرس الأحمدي والأمير جنكلي بن البابا لإحضار السُّلْطَان من الكرك. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سلخه: خرج الحصني بواب الْمدرسَة الصالحية تجاه بَاب المارستان وَقت الصُّبْح بإعلام خليفتية ومصحف على رَأسه وَهُوَ يُنَادي بِصَوْت عَال: يَا مُسلمين قَاض يفعل كَذَا بنساء الْمُسلمين من غير كِنَايَة وَيَأْكُل الْحَشِيش هَذَا لَا يحل. فَاجْتمع النَّاس عَلَيْهِ وَمضى بهم إِلَى بَيت قَاضِي الْقُضَاة حسام الدّين الغوري الْحَنَفِيّ بِالْمَدْرَسَةِ الصالحية وكسروا بَابه ودخلوا عَلَيْهِ. ففر مِنْهُم حسام الدّين إِلَى السَّطْح وَهُوَ فِي أَثَره وَقد نهبوا جَمِيع مَا عِنْده حَتَّى خشب الرفوف حَتَّى وجدوه فضربوه ونتفوا لحيته وَهُوَ يعدو إِلَى أَن خرج من الْبَيْت. واستجار حسام الدّين بقاضي الْقُضَاة موفق الدّين الْحَنْبَلِيّ فأجاره وَأدْخلهُ دَاره وَأقَام الْحَنَابِلَة على بَابه لمنع الْعَامَّة مِنْهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 353 وَقد اقتحموا بَابه فَقَالَ لَهُم قَاضِي الْقُضَاة موفق الدّين الْحَنْبَلِيّ. مَعكُمْ مرسوم بنهبي قَالُوا: لَا لَكِن سلمنَا الغوري فَقيل لَهُم: هَذَا غَرِيم السُّلْطَان قد صَار عِنْدِي وَأَنْتُم قد أَخَذْتُم مَاله ومازال بهم حَتَّى انْفَضُّوا عَنهُ وشنع الْحَال فِي النهب وَكَانَ ذَلِك من سوء تَدْبِير أيدغمش فَإِنَّهُ جرأ الْعَامَّة على نهب إصطبل قوصون لغرضه فوجدوا فِيهِ مَا لَا يكَاد يُوصف. وَبلغ ذَلِك مماليك الْأُمَرَاء والأجناد فأتوهم ووقفوا لانتظار من يخرج بِشَيْء حَتَّى يأخذوه فَإِن امْتنع من دَفعه إِلَيْهِم قَتَلُوهُ. فَوحد لقوصون أَربع سراري نهب جَمِيع مالهن وحملت أكياس الذَّهَب وَالْفِضَّة وَنَثَرت بالدهليز والطرق. فَأخذ مماليك أيدغمش وَغَيره شَيْئا كثيرا من المَال وَنزلت مماليك يلبغا اليحياوي من سور إصطبله وقووا على النَّاس واقتسموا الذَّهَب وأخرجت النهابة من الْبسط الرومية والآمدية وَعمل الشريف شَيْئا كثير قطعوها قطعا وتقاسموها وكسروا أواني البلور والصيني وسلاسل الْخَيل الْفضة وَالذَّهَب وَمن السُّرُوج وَاللَّحم مَا لَا يحد وَقَطعُوا الخيم وَثيَاب الخركاوات مَا بَين حَرِير وزرنيب بحاصله. وَكَانَ بحاصل قوصون لما نهب مَا ينيف على أَرْبَعمِائَة ألف دِينَار ذَهَبا فِي أكياس وَمن الحوايص والزركش والأواني مَا بَين أطباق وخونجات زِيَادَة على مائَة ألف وَمن حلي النِّسَاء مَا لَا ينْحَصر وَثَلَاثَة أكياس أطلس فِيهَا جَوَاهِر بِمَا ينيف على مائَة ألف دِينَار وَمِائَة وَثَلَاثِينَ زوج بسط مِنْهَا مَا طوله أَرْبَعُونَ ذِرَاعا وَثَلَاثُونَ ذِرَاعا كلهَا من عمل الرّوم وآمد وشيراز وَسِتَّة عشر زوجا من عمل الشريف بِمصْر قيمَة كل زوج اثْنَا عشر ألف دِرْهَم وَأَرْبَعَة أَزوَاج بسط حَرِير لَا يقوم عَلَيْهَا ونوبة خام جَمِيعهَا أطلس معدني قصّ. فَانْحَطَّ لذَلِك سعر الذَّهَب حَتَّى كَانَ صرفه بِأحد عشر درهما الدِّينَار من كَثْرَة مَا صَار فِي الْأَيْدِي بَعْدَمَا كَانَ الدِّينَار بِعشْرين درهما وَلِأَن أيدغمش نَادَى فِي الْقَاهِرَة ومصر أَن من أحضر من الْعَامَّة ذَهَبا لتاجر أَو صيرفي أَو متعيش يقبض عَلَيْهِ ويحضر بِهِ إِلَيْهِ فَكَانَ من مَعَه مِنْهُم ذهب يَأْخُذ فِيهِ مَا يدْفع إِلَيْهِ من غير توقف. وَكَثُرت مرافعة النَّاس بَعضهم لبَعض فِيمَا نهب فَجمع أيدغمش شَيْئا كثيرا من ذَلِك. ثمَّ إِن الْعَامَّة بعد نهب إصطبل قوصون وقصره حَتَّى أخذُوا سقوفه ورخامه وأبوابه وتركوه خراباً مضوا إِلَى خانكاته بِبَاب القرافة فَمَنعهُمْ أَهلهَا من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 354 النهب فمازالوا حَتَّى فتحوها ونهبوها وسلبوا الرِّجَال وَالنِّسَاء ثِيَابهمْ فَلم يدعوا لأحد شَيْئا وَقَطعُوا بسطها وكسروا رخامها وخربوا بركتها وأخذو الشبابيك وخشب السقوف والمصاحف وشعثوا الْجدر. ثمَّ مضوا إِلَى بيُوت مماليك قوصون وهم حشد عَظِيم فنهبوها وأحرقوها وَمَا حولهَا حَتَّى بِيعَتْ الْغلَّة بِسِتَّة دَرَاهِم كل أردب من الْقَمْح وتتبعوا حَوَاشِي قوصون بِالْقَاهِرَةِ والحكورة وبولاق والزريبة وبركة قرموط وَغير ذَلِك وَبَاعُوا الْأَمْتِعَة والأواني وَالثيَاب بأبخس ثمن وصاروا إِذا رَأَوْا نهب أحد قَالُوا هُوَ قوصوني فللحال يذهب جيع مَاله. وزادت الأوباش حَتَّى خَرجُوا عَن الْحَد وَشَمل الْخَوْف كل أحد فَقَامَ الْأُمَرَاء على أيدغمش وأنكروا عَلَيْهِ تَمْكِين الْعَامَّة من النهب فَأمر بسبعة من الْأُمَرَاء فنزلوا إِلَى القاهره والعامة مجتمعة على بَاب الصالحية فِي نهب بَيت قَاضِي الْقُضَاة حسام الدّين الغوري فقبضوا على عدَّة مِنْهُم وضربوهم بالمقارع. وأشهروهم فانكفوا عَن النهب. وَفِي لَيْلَة الْخَمِيس: أخرج الْأَمِير قوصون من سجنه بالقلعة فِي مائَة فَارس حَتَّى ركب النّيل وَمضى إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة. وَكَانَ قوصون فِي أول أمره على حَاله وَفِي أوسطه وأخره من أَعَاجِيب الزَّمَان وَمِمَّا قيل فِيهِ: فحطه فِي الْقَيْد أيدغمش من شَاهِق عَال على الطَّائِر وَلم يجد من ذلة صاحباً فَأَيْنَ عين الْملك النَّاصِر صَار عجيباً أمره كُله فِي أول الْأَمر وَفِي الآخر وَفِي يَوْم الْخَمِيس أول شعْبَان: خلع السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف كجك من السلطة وَكَانَت مدَّته خَمْسَة أشهر وَعشرَة أَيَّام لم يكن لَهُ فِيهَا أَمر وَلَا نهي وتدبير أُمُور الدولة كلهَا إِلَى قوصون. وَكَانَ إِذا حضرت الْعَلامَة أعْطى قَلما فِي يَده وَجَاء فقيهه الَّذِي يقرئ أَوْلَاد السُّلْطَان فَكيف الْعَلامَة والقلم فِي يَد السُّلْطَان. السُّلْطَان شهَاب الدّين أَحْمد السُّلْطَان الْملك النَّاصِر شهَاب الدّين أَحْمد بن النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون الصَّالِحِي أمه اسْمهَا بَيَاض كَانَت تجيد الْغناء وَكَانَت من عُتَقَاء الْأَمِير بهادر آص رَأس نوبَة. وَكَانَت شهرتها قَوِيَّة وَلها بِالنَّاسِ اجتماعات فِي مجَالِس أنسهم. فَلَمَّا بلغ السُّلْطَان النَّاصِر مُحَمَّد خَبَرهَا اخْتصَّ بهَا وحطت عِنْده فَولدت أَحْمد هَذَا على فرَاشه. ثمَّ تزَوجهَا الْأَمِير ملكتمر السرجواني وَقد مضى من أخباره جملَة. فَلَمَّا استولى الْأَمِير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 355 أيدغمش على الدولة بعد قوصون وَقرر مَعَ الْأُمَرَاء خلع الْأَشْرَف كجك فِي يَوْم الخميسي أول شعْبَان بعث الْأَمِير جنكلي بن البابا والأمير بيبرس الأحمدي والأمير قماري أَمِير شكار إِلَى السُّلْطَان أَحْمد بالكرك بكتب الْأُمَرَاء يخبرونه بِمَا وَقع ويستدعونه إِلَى تَحت ملكه وضربوا اسْمه على أَمْلَاك قوصون جَمِيعهَا وأعلن بِالدُّعَاءِ لَهُ فِي خانكاه سعيد السُّعَدَاء. وَفِيه جلس أيدغمش وألطنبغا المارداني ويلبغا اليحياوي وبهادر الدمرداش واستدعوا بَقِيَّة الْأُمَرَاء. وَفِيه قبض على ألطنبغا الصَّالِحِي نَائِب الشَّام وعَلى أرقطاي نَائِب طرابلس وَمضى بهما أَمِير جندار إِلَى قاعة سجنهما. وَأخذُوا بعدهمَا سَبْعَة عشر أَمِير طبلخاناة وقياتمر أحد مقدمي الألوف وجركتمر بن بهادر وَغَيره حَتَّى كَانَت عدَّة من قبض عَلَيْهِ فِي هَذَا الْيَوْم خَمْسَة وَعشْرين أَمِيرا. وَفِيه قبض على مزين مغربي كَانَ حاقق جركتمر بن بهادر بِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي قتل الْملك الْمَنْصُور وَكتب بذلك أَيْضا إِلَى الْأَمِير قطلوبغا الفخري. وَفِيه طلب أيدغمش جال الدّين يُوسُف وَالِي الجيزة وخلع عَلَيْهِ بِولَايَة الْقَاهِرَة فَنزل إِلَى الْقَاهِرَة فَإِذا بالعامة فِي نهب بَيت بعض مماليك قوصون فَقبض على عشْرين مِنْهُم وضربهم بالمقارع وسجنهم بَعْدَمَا أشهرهم. فاجتمعت الغوغاء ووقفوا لأيدغمش وصاحوا عَلَيْهِ: وليت على النَّاس قوصوني مَا يخلي منا أحد وعرفوه مَا وَقع. فَبعث أيدغمش الأوجاقية إِلَيْهِ فِي طلبه فوجدوه بالصليبة يُرِيد القلعة فصاحت عَلَيْهِ الغوغاء قوصوني يَا غيرية على الْملك النَّاصِر ورجموه من كل جِهَة. فَقَامَتْ الجبلية والأوجاقية فِي ردهم فَلم يطيقوا ذَلِك وَجَرت بَينهم الدِّمَاء. فهرب الْوَالِي إِلَى إصطبل ألطنبغا المارداني وحمته مماليك ألطنبغا من الْعَامَّة. فَطلب أيدغمش الغوغاء وَخَيرهمْ فِيمَن يَلِي فَقَالُوا نجم الدّين الَّذِي كَانَ قبل ابْن المحسني فَطَلَبه وخلع عَلَيْهِ فصاحوا: بحياة الْملك النَّاصِر عزل عَنَّا ابْن رخيمة الْمُقدم وحمامص رَفِيقه ومكنا مِنْهُمَا. فَأذن لَهُم فِي نهبهما فشرع نَحْو الْألف مِنْهُم إِلَى دَار ابْن رخيمة بِجَانِب بَيت الْأَمِير كوكاي بِالْقَاهِرَةِ فنهبوه ونهبوا بَيت رَفِيقه. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِيه: دعِي على مَنَابِر مصر والقاهرة للسُّلْطَان الْملك النَّاصِر أَحْمد. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ خامسه: تجمعت الغوغاء بسوق الْخَيل وَمَعَهُمْ الرَّايَات الصفر وتصايحوا بأيدغمش: زودنا لنروح إِلَى أستاذنا الْملك النَّاصِر وَنَجِيء صحبته فَكتب لَهُم مرسوماً بِالْإِقَامَةِ والراتب فِي كل منزلَة وتوجهوا مسافرين من الْغَد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 356 وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سابعه: وصل الْأُمَرَاء الَّذين كَانَ سجنهم قوصون من سجن الْإسْكَنْدَريَّة وهم ملكتمر الْحِجَازِي وقطليجا الْحَمَوِيّ وَأَرْبَعَة وَخَمْسُونَ نَفرا من المماليك السُّلْطَانِيَّة. وَمن الْغَرِيب أَن الحراقة الَّتِي سَارَتْ بهؤلاء الْأُمَرَاء إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة لما قبض عَلَيْهِم قوصون هِيَ الحراقة الَّتِي سَار فِيهَا قوصون إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة حَتَّى سجن بهَا. وَكَانَ قوصون لما دخل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة مُقَيّدا خرج وَالِي الثغر ليتسلمه وَقد ركب بالأمراء عِنْدَمَا أفرج عَنْهُم ليتوجهوا إِلَى الْقَاهِرَة فَسَلمُوا على قوصون فَبكى وَاعْتذر لَهُم مِمَّا صدر مِنْهُ فِي حَقهم. وعندما قدمُوا إِلَى سَاحل مصر ركب الْأُمَرَاء إِلَى لقائهم وَخرجت الْعَامَّة لرؤيتهم بِحَيْثُ غلقت الْأَسْوَاق يَوْمئِذٍ حَتَّى طلعوا إِلَى القلعة. فتلقت خوند الحجازية زَوجهَا الْأَمِير ملكتمر الْحِجَازِي بجواريها وخدامها ومغانيها تضرب بِالدُّفُوفِ والشبابات فَرحا بِهِ وجارتها أُخْتهَا امْرَأَة قوصون فِي عويل وبكاء وصياح هِيَ وجواريها وخدامها كَمَا كَانَ بالْأَمْس لما انتصر قوصون على الْحِجَازِي والأمراء فِي بَيته الأفراح والتهاني وَفِي بَيت الْحِجَازِي الْبكاء والعويل وَكَانَ فِي ذَلِك عِبْرَة للمعتبر. وَفِيه قدم كتاب الْأُمَرَاء المتوجين إِلَى الكرك وهم جنكلي بن البابا وبيبرس الأحمدي وقماري بِأَنَّهُم لما وصلوا إِلَى الكرك نزلُوا بظاهرها وَبعث كل مِنْهُ بملوكه يعرف السُّلْطَان أَحْمد بقدومه. فَبعث إِلَيْهِم السُّلْطَان رجلا من نَصَارَى الكرك فَقَالَ: يَا أُمَرَاء السُّلْطَان يَقُول لكم إِن كَانَ مَعكُمْ كتب فهاتهوا أَو مشافهة قولوها: وَفِي الْحَال عَادَتْ مماليكهم وَلم يمكنوا من الِاجْتِمَاع بالسلطان وَقيل لَهُم إِن السُّلْطَان قد سير كِتَابه إِلَى الْأُمَرَاء. فَدفعت الْكتب إِلَى النَّصْرَانِي فَمضى بهَا ثمَّ عَاد من أخر النَّهَار بِكِتَاب مختوم وَقَالَ عَن السُّلْطَان إِنَّه قَالَ: سلم على الْأُمَرَاء وعرفهم أَن يقيموا بغزة إِلَى أَن يرد لَهُم مَا يعتمدوه كَذَا. وَحضر مَمْلُوك من قبل السُّلْطَان يَأْمر الْأَمِير قماري بِالْإِقَامَةِ على نَاحيَة الصافية وَبعث إِلَيْهِ بِخَاتم. وَجَاء فِي كتاب الْأُمَرَاء المتوجهين إِلَى الكرك أَنهم وجدوا الْكتاب يتَضَمَّن إقامتهم على غَزَّة والاعتذار عَن لقائهم فَعَاد الأميران جنكلي بن البابا وبيبرس الأحمدي إِلَى غَزَّة. فَلَمَّا وقف الْأَمِير أيدغمش على ذَلِك كتب من وقته إِلَى الْأَمِير قطلوبغا الفخري يسْأَله أَن يستحث السُّلْطَان فِي قدومه إِلَى تخت ملكه وَكتب إِلَى الْأُمَرَاء بانتظار السُّلْطَان وعرفه بمكاتبته للفخري. وَأخذ أيدغمش فِي تجهيز أُمُور السلطنة وأشاع قدوم السُّلْطَان خوفًا من إِشَاعَة مَا عَامل بِهِ الْأُمَرَاء فَيفْسد عَلَيْهِ مَا دبره. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 357 فَلَمَّا قدم الْبَرِيد إِلَى دمشق بِكِتَاب أيدغمش وافى قدوم كتاب السُّلْطَان أَيْضا من الكرك يتَضَمَّن الْقَبْض على الْأَمِير طرنطاي البشمقدار والأمير طينال وَحمل مَالهم إِلَى الكرك. وَكَانَ الْأَمِير قطلوبغا الفخري قد ولى طينال نِيَابَة طرابلس وطرنطاي نِيَابَة حمص فَاعْتَذر فِي جَوَابه طينال فِي شغل بحركة الفرنج وَأَشَارَ بألا يُحَرك سَاكن فِي هَذَا الْوَقْت وَسَأَلَ سرعَة حُضُور السُّلْطَان ليسير بالعسكر فِي ركابه إِلَى مصر وَأكْثر الْأَمِير فطلوبغا الفخري من مصادرة النَّاس بِدِمَشْق. (وَفِي يَوْم السبت حادي عشرَة) كَانَ حُضُور يلجك ابْن أُخْت قوصون وبرسبغا الْحَاجِب صُحْبَة آقسنقر الناصري من الصَّعِيد. وَفِي خَامِس عشره: اسْتَقر شمس الدّين مُوسَى بن التَّاج إِسْحَاق فِي نظر الْخَاص. وَفِيه أخرج الْأَمِير قطلوبغا الفخري الإقطاعات بأسماء الأجناد وعزل وَولي وَكَانَ دواداره يعلم عَنهُ. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: قدم الْأَمِير طشتمر حمص أَخْضَر نَائِب حلب من بِلَاد أرتنا إِلَى دمشق فَتَلقاهُ الْأَمِير قطلوبغا الفخري وأنزله فِي مَكَان يَلِيق بِهِ وَبعث قطلوبغا من يَوْمه بالأمير آقسنقر السلاري نَائِب غَزَّة ليتلقى الْأُمَرَاء. وَفِيه قدم كتاب السُّلْطَان من الكرك إِلَى قطلوبغا الفخري يتَضَمَّن قدوم الْأُمَرَاء من مصر وَأَنه لم يجْتَمع بهم وَأَنه فِي انْتِظَار قدوم الْأَمِير طشتمر حمص أَخْضَر من بِلَاد أرتنا إِلَى حلب وَأَنه لَا يخرج من الكرك قبل ذَلِك. فَكتب قطلوبغا الفخري الْجَواب بقدوم طشتمر وَأَشَارَ على السُّلْطَان بِسُرْعَة الْحَرَكَة إِلَى دمشق. وَأخذ الفخري فِي تجهيز جَمِيع مَا يحْتَاج إِلَيْهِ السُّلْطَان وَفِي ظَنّه أَن السُّلْطَان يسير إِلَيْهِ بِدِمَشْق فيركب فِي خدمته بالعساكر إِلَى مصر فَلم يشْعر إِلَّا وَكتاب السُّلْطَان قد ورد عَلَيْهِ مَعَ بعض الكركيين يتَضَمَّن أَنه يركب من دمشق ليجتمح مَعَ السُّلْطَان على غَزَّة. فشق ذَلِك عَلَيْهِ وَسَار من دمشق بعساكرها وبمن استجده من أهل الطَّاعَة حَتَّى قدم غَزَّة فِي عدد كَبِير فلتقاه جنكلي بن البابا والأمير بيبرس الأحمدي والأمير قماري. وَكَانَ قدوم قَاصد السُّلْطَان من الكرك لكشف من فِي السجون من الْأُمَرَاء فَمضى إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة بِسَبَب ذَلِك وَورد كِتَابه على الْأَمِير أيدغمش بالشكر على مَا فعله وَجعل لَهُ أَن يحكم حَتَّى يحضر السُّلْطَان. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 358 وَفِيه قبض على خَمْسَة وَثَمَانِينَ من مماليك قوصون فقيدوا وسجنوا بخزانة شمايل. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء عشريه: قبض على ولد الْأَمِير جركتمر بن بهادر وعمره نَحْو اثْنَتَيْ عشرَة سنة إرضاء لأم الْمَنْصُور أبي بكر. وَفِي الْخَمِيس سلخه: وصل عبد الْمُؤمن وَالِي قوص مُقَيّدا صُحْبَة شُجَاع الدّين قنغلي المتوجه إِلَى قوص وَكَانَ قد توجه لإحضاره وَكتب إِلَى الوافدية أجناد قوص وَالِي العربان بِأخذ الطرقات عَلَيْهِ. فَلَمَّا قدم قنغلي إِلَى قوص ركب لَيْلًا بالوافدية وأحاط بدار الْولَايَة فَلبس عبد الْمُؤمن سلاحه وألبس جماعته وَقَاتل قنغلي وَرِجَاله حَتَّى نجا مِنْهُم وهم فِي أَثَره يَوْمَيْنِ وليلتين يأخدون من انْقَطع من أَصْحَابه حَتَّى أمسكوه وقيدوه. وعندما وصل ابْن الْمُؤمن إِلَى الْقَاهِرَة خرجت الْعَامَّة إِلَى رُؤْيَته وقصدوا قَتله فأركب إِلَيْهِ الْأَمِير أيدغمش جمَاعَة حَتَّى حموه وَأتوا بِهِ إِلَى القلعة فَلَمَّا طلعها أَقَامَت أم الْمَنْصُور أبي بكر العزاء وَأمر بِهِ فسجن. وَفِي لَيْلَة الْجُمُعَة أول شهر رَمَضَان: نزلت أم الْمَنْصُور أبي بكر من القلعة وَمَعَهَا مائَة خَادِم وَمِائَة جَارِيَة لعمل العزاء: فَدخلت بَيت جركتمر بن بهادر ونهبت مَا فِيهِ وألقته إِلَى من تبعها من الْعَامَّة ففرت حرم جركتمر مِنْهَا حَتَّى نجت من الْقَتْل. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء خامسه: تفاوض الأميران ملكتمر الْحِجَازِي ويلبغا اليحياوي حَتَّى خرجا إِلَى الْمُخَاصمَة وَصَارَ لكل مِنْهَا طَائِفَة ولبسوا آلَة الْحَرْب. فتجمعت الغوغاء تَحت القلعة لنهب بيُوت من ينكسر من الْفَرِيقَيْنِ فَلم يزل الْأَمِير أيدغمش بهم حَتَّى كفوا عَن الْقِتَال وَبعث إِلَى الْعَامَّة جمَاعَة من الأوجاقية فقبضوا على جمَاعَة مِنْهُم وأودعهم السجْن. وَفِي سادسه: قبض على جمَاعَة من القوصونية. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سابعه: قدم أَوْلَاد السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون من قوص وعدتهم سِتَّة. فَركب الْأُمَرَاء إِلَى لقائهم وهرعت الْعَامَّة إِلَيْهِم. فَسَارُوا من الحراقة على القرافة حَتَّى حاذوا تربة جركتمر فصاحت الْعَامَّة: هَذِه تربة الَّذِي قتل أستاذنا الْملك الْمَنْصُور وهجموها وَأخذُوا مَا فِيهَا وخربوها حَتَّى صَارَت كوم تُرَاب. فَلَمَّا وصل أَوْلَاد السُّلْطَان تَحت القلعة أَتَاهُم الْأَمِير جمال الدّين يُوسُف وَالِي الجيزة الَّذِي تولى الْقَاهِرَة وَقتل ركبة رَمَضَان ابْن السُّلْطَان فرفسه بِرجلِهِ وسبه وَقَالَ: أتنسى وَنحن فِي الحراقة عِنْد توجهنا لقوص وَقد طلبنا مأكلاً من الجيزة فَقلت خذوهم وروحوا إِلَى لعنة الله مَا عندنَا شَيْء فصاحت بِهِ الْعَامَّة: لله مكنا من نهبه هَذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 359 قوصوني فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَن انهبوا بَيته فتسارعوا فِي الْحَال إِلَى بَيته المجاور للجامع الظَّاهِرِيّ من الحسينية حَتَّى صَارُوا مِنْهُ إِلَى بَاب الْفتُوح. فَقَامَتْ إخْوَته وَمن يلوذ بِهِ فِي دفع الْعَامَّة بِالسِّلَاحِ وَبعث الْأَمِير أيدغمش أَيْضا بِجَمَاعَة ليردهم عَن النهب وَخرج إِلَيْهِم نجم الدّين وَالِي الْقَاهِرَة وَكَانَ أمرا مهولاً قتل فِيهِ من الْعَامَّة عشرَة رجال وجرح خلق كثير وَلم ينتهب شَيْء. وَفِي يَوْم الْأَحَد عاشره: قدم مَمْلُوك الْأَمِير قطلوبغا الفخري ومملوك الْأَمِير طقزدمر بوصول العساكر إِلَى غَزَّة فِي انْتِظَار قدوم السلالان إِلَيْهِم من الكرك وَأَن يحلف جَمِيع أُمَرَاء مصر وعساكرها على الْعَادة. فَجمعُوا بالميدان وأخرجت نُسْخَة الْيَمين المحضرة فَإِذا هِيَ تَتَضَمَّن الْحلف للسُّلْطَان ثمَّ للأمير قطلوبغا الفخري. فتوقف الْأُمَرَاء عَن الْحلف لقطلوبغا حَتَّى ابْتَدَأَ الْأَمِير أيدغمش وَحلف فَتَبِعَهُ الْجَمِيع خوفًا من وُقُوع الْفِتْنَة وجهزت نُسْخَة الْيَمين إِلَى قطلوبغا. وَفِيه قبض على عدَّة من الْعَامَّة نهبوا بعض كنائس النَّصَارَى وصلبوا تَحت القلعة ثمَّ أطْلقُوا. وَأما الْعَسْكَر الشَّامي فَإِنَّهُ أَقَامَ بغزة وَقد جمع لَهُم نائبها آقسنقر الإقامات من بِلَاد الشوبك وَغَيرهَا حَتَّى صَار عِنْده ثَلَاثَة آلَاف غرارة من الشّعير وَأَرْبَعَة أُلَّاف رَأس من الْغنم غير ذَلِك مِمَّا يحْتَاج عَلَيْهِ. وَكتب الْأُمَرَاء إِلَى السُّلْطَان بقدومهم صُحْبَة مماليكهم مَعَ الْأَمِير قماري أَمِير شكار فَسَارُوا إِلَى الكرك وَقد قدمهَا أَيْضا الْأَمِير يحيى بن طايربغا صهر السُّلْطَان برسالة الْأَمِير أيدغمش يستحثه على الْمسير إِلَى مصر فأقاموا جَمِيعًا ثَلَاثَة أَيَّام لم يُؤذن لَهُم فِي دُخُول الْمَدِينَة. ثمَّ أَتَاهُم كَاتب نَصْرَانِيّ وبازدار يُقَال لَهُ أَبُو بكر ويوسف بن البصال وَهَؤُلَاء الثَّلَاثَة هم خَاصَّة السُّلْطَان من أهل الكرك فَسَلمُوا عَلَيْهِم وطلبوا مَا مَعَهم من الْكتب. فشق ذَلِك على الْأَمِير قماري وَقَالَ لَهُم: مَعنا مشافهات من الْأُمَرَاء للسُّلْطَان ولابد من الِاجْتِمَاع بِهِ. فَقَالُوا: لَا يُمكن الِاجْتِمَاع بِهِ وَقد رسم إِن كَانَ مَعكُمْ كتاب أَو مشافهة أَن تعلمونا بهَا. فَلم يَجدوا بدا من دفع الْكتب إِلَيْهِم وَأَقَامُوا إِلَى غَد. فجاءتهم كتب مختومه وَقيل للأمير يحيى. اذْهَبْ إِلَى عِنْد الْأُمَرَاء بغزة فَسَارُوا جَمِيعًا عائدين إِلَى غزه فَإِذا فِي الْكتب الثَّنَاء على الْأُمَرَاء وَأَن يتوجهوا إِلَى مصر فَإِن السُّلْطَان يقْصد مصر بمفرده ويسبقهم. فتغيرت خواطرهم وَقَالُوا وطالوا وَخرج قطلوبغا الفخري عَن الْحَد وأفرط بِهِ الْغَضَب وعزم على الْخلاف. فَركب إِلَيْهِ الْأَمِير طشتمر حمص أَخْضَر نَائِب حلب والأمير جنكلي بن البابا والأمير بيبرس الأحمدي ومازالوا بِهِ حَتَّى كف عَمَّا عزم عَلَيْهِ وَوَافَقَ على الْمسير وكتبو بِمَا كَانَ من ذَلِك إِلَى الْأَمِير أيدغمش وتوجهوا جَمِيعًا من غَزَّة يُرِيدُونَ مصر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 360 وَكَانَ أيدغمش قد بعث وَلَده بِالْخَيْلِ الْخَاص إِلَى السُّلْطَان فَلَمَّا وصل الكرك أرسل السُّلْطَان من أَخذ مِنْهُ الْخَيل ورسم بعوده إِلَى أَبِيه. وَأخرج السُّلْطَان من الكرك رجلا يعرف بِأبي بكر البزدار وَمَعَهُ رجلَانِ ليبشروا بقدومه فوصلوا إِلَى الْأَمِير أيدغمش فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ خَامِس عشريه بلغوه السَّلَام من السُّلْطَان وعرفوه أَنه قد ركب الهجن وَسَار على الْبَريَّة صُحْبَة الْعَرَب وَأَنه يصابح أَو يماسي فَخلع عَلَيْهِم أيدغمش وبعثهم إِلَى الْأُمَرَاء فَأَعْطَاهُمْ كل من الْأُمَرَاء المقدمين خَمْسَة أُلَّاف دِرْهَم وَأَعْطَاهُمْ بَقِيَّة الْأُمَرَاء على قدر حَالهم وَخرج الْعَامَّة إِلَى لِقَاء السُّلْطَان. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع عشريه: قدم قَاصد السُّلْطَان إِلَى الْأَمِير أيدغمش بِأَن السُّلْطَان يَأْتِي لَيْلًا من بَاب القرافة وَأمره أَن يفتح لَهُ بَاب السِّرّ حَتَّى يعبر مِنْهُ ففتحه. وَجلسَ أيدغمش وألطنبغا المارداني حَتَّى مضى جَانب من لَيْلَة الْخَمِيس ثامن عشريه أقبل السُّلْطَان فِي نَحْو الْعشْرَة رجال من أهل الكرك وَقد تلثم وَعَلِيهِ ثِيَاب مفرجة فتلقوه وسلموا عَلَيْهِ فَلم يقف مَعَهم وَأخذ جماعته وَدخل بهم. وَرجع الْأُمَرَاء وهم يتعجبون من أمره وَأَصْبحُوا فدقت البشائر بالقلعة وزينت الْقَاهِرَة ومصر. واستدعى السُّلْطَان الْأَمِير أيدغمش فِي بكرَة يَوْم الْجُمُعَة فَدخل إِلَيْهِ وَقبل لَهُ الأَرْض فاستدناه السُّلْطَان وَطيب خاطره وَقَالَ لَهُ: أَنا مَا كنت أتطلع إِلَى الْملك وَكنت قانعاً بذلك الْمَكَان فَلَمَّا سيرتم فِي طلبي مَا أمكنني إِلَّا أَن أحضر كَمَا رسمتم فَقَامَ أيدغمش وَقبل الأَرْض ثَانِيًا. ثمَّ كتب أيدغمش عَن السُّلْطَان إِلَى الْأُمَرَاء الشاميين يعرفهُمْ بقدومه إِلَى مصر وَأَنه فِي انتظارهم وَكتب علامته بَين الأسطر الْمَمْلُوك أَحْمد بن مُحَمَّد وَكتب إِلَيْهِم أيدغمش أَيْضا. وَخرج مَمْلُوكه بذلك على الْبَرِيد فَلَقِيَهُمْ على الورادة فَلم يعجبهم هَيْئَة عبور السُّلْطَان وَكَتَبُوا إِلَى أيدغمش بِأَن يخرج إِلَيْهِم هُوَ والأمراء إِلَى سرياقوس ليتفقوا على مَا يَفْعَلُونَهُ. فَلَمَّا كَانَ يَوْم عيد الْفطر منع السُّلْطَان السماط وَمنع الْأُمَرَاء من طُلُوع القلعة ورسم أَن يعْمل كل أَمِير سماطه فِي دَاره وَلم ينزل لصَلَاة الْعِيد وَأمر الطواشي عنبر المسحرتي مقدم المماليك ونائبه الطواشي الْإِسْمَاعِيلِيّ أَن يجلسا على بَاب القلعة ويمنعا من يدْخل عَلَيْهِ. وخلا السُّلْطَان بِنَفسِهِ مَعَ الكركيين فَكَانَ الْحَاج عَليّ إخْوَان سلار إِذا أَتَى مَعَ الطَّعَام على عَادَته خرج إِلَيْهِ يُوسُف وَأَبُو بكر البزدار وأطعماه ششني الجزء: 3 ¦ الصفحة: 361 وتسلما مِنْهُ السماط وعبرا بِهِ إِلَى السُّلْطَان ووقف خوان سلار وَمن مَعَه حَتَّى يخرج إِلَيْهِم الماعون. وَحدث جمال الدّين بن المغربي رَئِيس الْأَطِبَّاء أَن السُّلْطَان استدعاه وَقد عرض لَهُ وجع فِي رَأسه فَوَجَدَهُ جَالِسا وَإِلَى جَانِبه شَاب من أهل الكرك جَالس وَبَقِيَّة الكركيين قيام فوصف لَهُ مَا يُنَاسِبه وَتردد إِلَيْهِ يَوْمَيْنِ وَهُوَ على هَذِه الْهَيْئَة. وَفِي يَوْم الْأَحَد تَاسِع شَوَّال: قدم الْأَمِير قطلوبغا الفخري والأمير طشتمر حمص أَخْضَر وَجَمِيع أُمَرَاء الشَّام وقضاتها والوزراء ونواب القلاع فِي عَالم كَبِير حَتَّى سدوا الْأُفق وَنزل كثير مِنْهُم تَحت القلعة فِي الخيم. وَكَانَ قد خرج إِلَى لقائهم الْأَمِير أيدغمش والحاج آل ملك والجاولي وألطنبغا المارداني وَأخذ قطلوبغا الفخري يتحدث مَعَ أيدغمش فِيمَا عمله السُّلْطَان من قدومه فِي زِيّ العربان واختصاصه بالكركيين وَإِقَامَة أبي بكر البزدار حاجباً. وَأنكر أيدغمش ذَلِك على السُّلْطَان غَايَة الْإِنْكَار وَطلب من الْأُمَرَاء مُوَافَقَته على خلعه ورده إِلَى مَكَانَهُ فَلم يُمكنهُ الْأَمِير طشتمر حمص أَخْضَر من ذَلِك وساعده الْأُمَرَاء أَيْضا ومازالوا بِهِ إِلَى أَن أعرض عَمَّا هم بِهِ. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْإِثْنَيْنِ عاشره: ألبس السُّلْطَان وَجلسَ على تخت الْملك وَقد حضر الْخَلِيفَة الْحَاكِم بِأَمْر الله وقضاة مصر الْأَرْبَعَة وقضاة دمشق الْأَرْبَعَة وجيع الْأُمَرَاء والمقدمين. وعهد إِلَيْهِ الْخَلِيفَة وَقبل الْأُمَرَاء الأَرْض على الْعَادة ثمَّ قَامَ العالمان على قَدَمَيْهِ فَتقدم الْأُمَرَاء وباسوا يَده وَاحِدًا بعد وَاحِد على مَرَاتِبهمْ وَجَاء الْخَلِيفَة بعدهمْ وقضاة الْقُضَاة مَا عدا الحسام حسن بن مُحَمَّد الغوري فَإِنَّهُ لما طلع مَعَ الْقُضَاة وجلسوا بِجَامِع القلعة حَتَّى يُؤذن لَهُم على الْعَادة جمع عَلَيْهِ صبي من صبيان المطبخ السلطاني جمعا كَبِيرا من الأوباش لحقد كَانَ فِي نَفسه عَلَيْهِ عِنْدَمَا تحاكم هُوَ وَزَوجته عِنْده فَإِنَّهُ أهانه وضربه وهجم هَذَا الصَّبِي على الْقُضَاة بأوباشه وَمد يَده إِلَى الغوري من بَينهم فأقامه الأوباش وحرقوا عمَامَته وَقَطعُوا ثِيَابه وهم يسحبونه ويصيحون عَلَيْهِ: يَا قوصوني ثمَّ ضربوه بالنعال ضربا مؤلماً وَقَالُوا لَهُ: يَا كَافِر يَا فَاسق فارتجت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 362 القلعة وَأَقْبل علم دَار حَتَّى خلصه مِنْهُم وَهُوَ يستغيث: يَا مُسلمين! كَيفَ يجْرِي هَذَا على قَاض من قُضَاة الْمُسلمين. فَأخذ المماليك جمَاعَة من تِلْكَ الأوباش وجروهم إِلَى الْأَمِير أيدغمش فضربهم وَبعث طَائِفَة من الأوجاقية فَسَارُوا بالغوري إِلَى منزله وَلم يحضر الموكب. فثارت الْعَامَّة على بَيته بِالْمَدْرَسَةِ الصالحية ونهبوه وَكَانَ يَوْمًا شنيعاً. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشره: خلع على جَمِيع الْأُمَرَاء الْكِبَار وَالصغَار ومقدمي الْحلقَة وأنعم على الْأَمِير طشتمر حمص أَخْضَر بِعشْرَة أُلَّاف دِينَار وعَلى الْأَمِير قطلوبغا الْفَخر بِمَا حضر صحبته من الشَّام وَهُوَ أَرْبَعَة أُلَّاف دِينَار وَمِائَة ألف دِرْهَم فضَّة وَنزل فِي موكب عَظِيم. وَكَانَ قد قدم مَعَه من أُمَرَاء الشَّام سنجر الجمقدار وتمر الساقي وطرنطاي البشمقدار وأقبغا عبد الْوَاحِد وتمر الموساوي والجلالي وَابْن قراسنقر وأسنبغا ابْن البو بكري وبكتمر العلائي وأصلم نَائِب صفد. وَفِيه طلب السُّلْطَان الْوَزير نجم الدّين ورسم لَهُ أَن يكون يُوسُف البزدار ورفيقه مقدمي البزدارية ومقدمي الدولة وخلع السُّلْطَان عَلَيْهِمَا كلفتاه زركش وأقبية طرد وَحش بحوائص ذهب فحكما فِي الدولة وتكبرا على النَّاس وصارا فيهم بحمق زَائِد وصارا لَا يأتمران بِأَمْر الْوَزير ويمضيان مَا أحبا. وصحبهما كثير من الأشرار وعرفوهما بأرباب الْأَمْوَال فشملت مضرتهما كثيرا من النَّاس وانهمكا فِي اللَّهْو فثقل أَمرهمَا على الكافة. وَفِي عصر يَوْم السبت خَامِس عشره: خلع على الْأَمِير طشتمر حمص أَخْضَر وَاسْتقر فِي نِيَابَة السلطنة بديار مصر فَجَلَسَ والحجاب قيام بَين يَدَيْهِ والأمراء فِي خدمته. فَكَانَ أول مَا بَدَأَ بِهِ أَن قلع الشباك الَّذِي كَانَ يجلس فِيهِ قوصون وخلع الْخشب الَّذِي عمله فِي بَاب القلعة وباشر النِّيَابَة بِحرْمَة وافرة. (وَفِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشره) أخرج السُّلْطَان محمل الْحَاج. وَفِيه أخرج السُّلْطَان عبد الْمُؤمن بن عبد الْوَهَّاب السلَامِي وَالِي قوص من السجْن وَسمر على بَاب المارستان المنصوري من الْقَاهِرَة بمسامير جافية شنعة وطيف بِهِ مُدَّة سِتَّة أَيَّام وَهُوَ يحادث النَّاس فِي اللَّيْل بأخباره. فمما حَدثهمْ بِهِ أَنه هُوَ الَّذِي ركب حَتَّى ضرب النشو كَمَا تقدم ذكره وَأَنه لما سَقَطت عمَامَته ظَنّهَا رَأسه. وَكَانَ إِذا قيل لَهُ اصبر يَا عبد الْمُؤمن يَقُول أسأَل الصَّبْر وينشد كثيرا. يبكى علينا وَلَا نبكي على أحد وَنحن أغْلظ أكباداً من الْإِبِل فَلَمَّا كَانَ يَوْم السبت ثَانِي عشريه: شنق عبد الْمُؤمن على قنطرة السد ظَاهر مَدِينَة مصر عِنْد الكيمان وَترك حَتَّى ورم وأكلته الْكلاب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 363 وَكَانَ عبد الْمُؤمن من السلامية بالعراق فَبَعثه الْمجد السلَامِي إِلَى السُّلْطَان النَّاصِر مُحَمَّد مرَارًا حَتَّى عرف عِنْده. ثمَّ تنكر عبد الْمُؤمن عَليّ الْمجد السلَامِي ورافعه إِلَى السُّلْطَان حَتَّى تغير عَلَيْهِ وَكتب إِلَى أبي سعيد بإحضاره. فَأثْبت الْمجد السلَامِي محضراً على عبد الْمُؤمن بِأَنَّهُ رَافِضِي كَافِر قتال الْأَنْفس وَقدم بِهِ على السُّلْطَان وتحاقق مَعَه. فتعصب قوصون لعبد الْمُؤمن حَتَّى بطلت حجَّة الْمجد السلَامِي عَلَيْهِ مَعَ ظُهُورهَا فاختص عبد الْمُؤمن بقوصون وَلبس الكلفتاه ثمَّ ولي قوصون. وَكَانَ شجاعاً فاتكاً يتجاهر بالرفض وَيَقُول إِذا حلف على شَيْء: وحياة مولَايَ عَليّ. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: أخرج بِأحد وَعشْرين أَمِيرا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة صَحبه الْأَمِير طشتمر طلليه مِنْهُم أرقطاي نَائِب طرابلس وجركتمر بن بهادر وَابْن المحسني وَالِي الْقَاهِرَة وأسنبغا بن البوبكري ويلجك ابْن أُخْت قوصون وبرسبغا الْحَاجِب. فَلَمَّا وصلوا إِلَى الثغر وسجنوا بِهِ قتل قوصون وألطنبغا الصَّالِحِي نَائِب الشَّام وجركتمر بن بهادر وبرسبغا الْحَاجِب. وَفِيه رسم للأجناد الَّذين استخدمهم قطلوبغا الفخري بعودهم إِلَى دمشق بطالين فَكثر تشكيهم ووقفوا للنائب فَلم تسمع لَهُم شكوى. وَفِيه أَكثر السُّلْطَان من الإنعام على أهل الكرك حَتَّى خرج عَن الْحَد وعزم على مسك بيبرس الأحمدي وَغَيره من الْأُمَرَاء فاحترزوا على أنفسهم إِلَى أَن وَقع الْكَلَام مَعَ السُّلْطَان فِي شَيْء من ذَلِك فَاجْتمع عِنْده الْأُمَرَاء وابتدأ الْحَاج آل ملك فِي طلب بلد يتَوَجَّه إِلَيْهِ وَسَأَلَ نِيَابَة حماة فَخلع عَلَيْهِ فِي يَوْم الْخَمِيس عشريه وَاسْتقر فِي نِيَابَة حماة عوضا عَن طقزدمر. وخلع السُّلْطَان على بيبرس الأحمدي وَاسْتقر فِي نِيَابَة صفد وعَلى أقسنقر وَاسْتقر فِي نِيَابَة غَزَّة. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ مستهل ذِي الْقعدَة: سَار الْأَمِير الْحَاج آل ملك إِلَى نِيَابَة حماة. وَفِيه خلع السُّلْطَان على الْأَمِير قطلوبغا الفخري وَاسْتقر فِي نِيَابَة الشَّام وَعلي الْأَمِير أيدغمش بنيابة حلب. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء: اسْتَقر قماري أَمِير أخور عوضا عَن أيدغمش أَحْمد شاد الشرابخاناه أَمِير شكار عوضا عَن قماري وَاسْتقر أقبغا عبد الْوَاحِد فِي نِيَابَة حمص. وَفِيه رسم السُّلْطَان أَن يسْتَقرّ سنجر البشمقدار وتمر الساقي من جملَة أُمَرَاء مصر. وَفِيه أنعم السُّلْطَان على قراجا بن دلغادر وَقد قدم إِلَى مصر بإنعامات كَثِيرَة وَكتب لَهُ بالأمرية على التركمان وَتوجه إِلَى نِيَابَة الإبلستين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 364 وَفِي يَوْم الْأَحَد سابعه: خرج الْأَمِير أيدغمش مُتَوَجها إِلَى نِيَابَة حلب. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ خَامِس عشره: خرج الْأَمِير قطلوبغا الفخري مُتَوَجها إِلَى دمشق وَمَعَهُ من تَأَخّر من عَسْكَر الشَّام. وَخرج الْأَمِير طشتمر حمص أَخْضَر النَّائِب وَمَعَهُ جَمِيع الْأُمَرَاء لوداعه وَمد لَهُ سماطاً عَظِيما. وَفِي يَوْم السبت عشريه: قبض على الْأَمِير طشتمر حمص أَخْضَر نَائِب السلطنة وَسبب ذَلِك أَنه أَكثر من مُعَارضَة السُّلْطَان بِحَيْثُ تغلب عَلَيْهِ ورد مراسيمه وَصَارَ يتعاظم وَيظْهر من الترفع على الْأُمَرَاء والأجناد مَا لَا يحْتَمل مثله وَإِذا شفع إِلَيْهِ أحد من الْأُمَرَاء رد شَفَاعَته وَلم يقبلهَا وَلَا يقف لأمير إِذا دخل إِلَيْهِ واذا أَتَتْهُ قصَّة عَلَيْهَا عَلامَة السُّلْطَان بإقطاع أَو غَيره أَخذ ذَلِك وطرد من هِيَ باسمه وأخرق بِهِ. وَقرر طشتمر مَعَ السُّلْطَان أَنه لَا يمْضِي من المراسيم السُّلْطَانِيَّة إِلَّا مَا يختاره وَتقدم إِلَى الْحَاجِب بألا يقدم أحد قصَّة إِلَى السُّلْطَان حَتَّى يكون حَاضرا وَمنع ذَلِك فَلم يتجاسر أحد أَن يقدم قصَّة للسُّلْطَان فِي غيبته وَتقدم جمَاعَة من المماليك لطلب مَا يزِيد فِي مَرَاتِبهمْ فرسم طشتمر أَن كل من خرج عَن خبزه يعود إِلَيْهِ وَلم يُمكن المماليك السُّلْطَانِيَّة من أَخذ شَيْء. وَأخذ طشتمر إقطاع الْأَمِير بيبرس الأحمدي وتقدمته لوَلَده فَكَرِهته النَّاس. وَصَارَت أَرْبَاب الدولة وَأَصْحَاب الأشغال كلهَا فِي بَابه وتقربوا إِلَيْهِ بالهدايا والتحف. وَانْفَرَدَ طشتمر بِأُمُور الدولة وَحط على الكركيين وَقصد مَنعهم من الدُّخُول على السُّلْطَان فَلم يتهيأ لَهُ ذَلِك. وَكَانَ نَاصِر الدّين الْمَعْرُوف بفأر السقوف قد توصل بالكركيين حَتَّى اسْتَقر بِفضل توصيتهم فِي وَظِيفَة إِمَام السُّلْطَان يُصَلِّي بِهِ وَصَارَ كَذَلِك نَاظر المشهد النفيسي عوضا عَن تَقِيّ الدّين عَليّ بن الْقُسْطَلَانِيّ خطيب جَامع عَمْرو وجامع القلعة. وخلع السُّلْطَان عَليّ نَاصِر الدّين بِغَيْر علم النَّائِب طشتمر فَبعث إِلَيْهِ طشتمر عدَّة نقباء وَنزع عَنهُ الخلعة وَسلمهُ إِلَى الْمُقدم إِبْرَاهِيم بن صابر وَأمر بضربه وإلزامه بِحمْل مائَة ألف دِرْهَم. فَضَربهُ ابْن صابر عُريَانا ضربا مبرحاً واستخرج مِنْهُ أَرْبَعِينَ ألف دِرْهَم ثمَّ أفرج عَنهُ بشفاعة أيدغمش وقطلوبغا الفخري بعد مَا أشهد عَلَيْهِ أَنه لَا يطلع إِلَى القلعة. وَأخذ طشتمر قصر معِين بالغور من مباشري قوصون وأحاط بِمَا فِيهِ من القند وَالْعَسَل وَالسكر وَغير ذَلِك. فَكثر حنق السُّلْطَان مِنْهُ وتغيره عَلَيْهِ إِلَى أَن قرر مَعَ الْمُقدم عنبر السحرتي والأمير أقسنقر السلاري فِي الْقَبْض عَلَيْهِ وعَلى قطلوبغا الفخري الجزء: 3 ¦ الصفحة: 365 وَأَن يَسْتَدْعِي مماليك بشتاك وقوصون وينزلهم بالأطباق من القلعة ويقطعهم إقطاعات بالحلقة ليصيروا من جملَة المماليك السُّلْطَانِيَّة خوفًا من حَرَكَة طشتمر النَّائِب فعارض طشتمر السُّلْطَان فيهم فرتب السُّلْطَان عدَّة مماليك بداخل الْقصر للقبض عَلَيْهِ. وَكَانَ مِمَّا جدد طشتمر فِي نيابته أَن منع الْأُمَرَاء أَن تدخل إِلَى الْقصر بمماليكها وَبسط من بَاب الْقصر بسطاً إِلَى دَاخله فَكَانَ الْأَمِير لَا يدْخل الْقصر وَقت الْخدمَة إِلَى مبفرده فَدخل هُوَ أَيْضا بمفرده وَمَعَهُ ولداه إِلَى الْقصر وَجلسَ على السماط على الْعَادة. فعندما رفع السماط قبض كشلي السِّلَاح دَار أحد المماليك وَكَانَ مَعْرُوفا بِالْقُوَّةِ على كَتفيهِ من خلف ظَهره قبضا عنيفاً وَبدر إِلَيْهِ جمَاعَة فَأخذُوا سَيْفه وقيدوه وقيدوا ولديه. وَنزل أَمِير مَسْعُود الحاحب فِي عدَّة من المماليك السُّلْطَانِيَّة فأوقع الحوطة على بَيته وَأخذ مماليكه جَمِيعهم فسجنهم. وَخرج فِي الْحَال سَاعَة القبص على طشتمر الْأَمِير ألطنبغا المارداني والأمير أروم بغا السِّلَاح دَار ومعهما من أُمَرَاء الطبلخاناة والعشرات نَحْو من خَمْسَة عشر أَمِيرا وَمَعَهُمْ من المماليك السُّلْطَانِيَّة وَغَيرهم ألف فَارس ليقبضوا على قطلوبغا الفخري نَائِب الشَّام. وَكتب السُّلْطَان إِلَى الْأَمِير أقسنقر الناصري نَائِب غَزَّة بالركوب مَعَهم بعسكره فَجمع من عِنْده وَمن فِي مُعَامَلَته من الجبلية. وَكَانَ قطلوبغا الفخري قد ركب من الصالحية فَبَلغهُ مسك طشتمر ومسير الْعَسْكَر إِلَيْهِ من هجان بعث بِهِ إِلَيْهِ بعض ثقاته فساق إِلَى قطيا وَأكل بهَا شَيْئا ورحل وَقد استعد حَتَّى تعدى للعريش فَإِذا أقسنقر بعسكر غَزَّة فِي انْتِظَاره على الزعقة. وَكَانَ ذَلِك وَقت الْغُرُوب فَوقف كل مِنْهُمَا تجاه أَصْحَابه حَتَّى أظلم اللَّيْل فَسَار الْفَخر بِمن مَعَه وهم سِتُّونَ فَارِسًا على الْبَريَّة. فَلَمَّا أصبح آقسنقر علم أَن الفخري فَاتَهُ فَمَال أَصْحَابه على أثقال الفخري فنهبوها وعادوا إِلَى غَزَّة. وَاسْتمرّ الفخري ليلته وَمن الْغَد حَتَّى انتصف النَّهَار وَهُوَ سائق فَلم يتَأَخَّر مَعَه إِلَّا سَبْعَة فرسَان ومبلغ أَرْبَعَة أُلَّاف دِينَار وَقد وصل بيسان وَعَلَيْهَا الْأَمِير أيدغمش نَازل. فترامى عَلَيْهِ الفخري وعرفه بِمَا جرى وَأَنه قطع خَمْسَة عشر بريداً فِي مسير وَاحِد. فطيب أيدغمش خاطره وأنزله فِي خام ضرب لَهُ وَقَامَ لَهُ بِمَا يَلِيق بِهِ فَلَمَّا جنه اللَّيْل أَمر بِهِ فقيد وَهُوَ نَائِم وَكتب بذلك إِلَى السُّلْطَان مَعَ بكا الخضري. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 366 وَكَانَ السُّلْطَان لما بلغه هروب قطلوبغا الفخري تنكر على الْأُمَرَاء واتهمهم بالمخامرة عَلَيْهِ وهم أَن يمسكهم فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ تَاسِع عشريه فَتَأَخر عَن الْخدمَة الجاولي وَجَمَاعَة فَلَمَّا كَانَ وَقت الظّهْر بعث السُّلْطَان لكل أَمِير أَرْبَعِينَ طَائِر أوز وَسَأَلَ عَنْهُم ثمَّ بعث أخر النَّهَار إِلَيْهِم بأمرهم أَن يطلعوا من الْغَد. فَقدم بكا عَشِيَّة يَوْم الثُّلَاثَاء مستهل ذِي الْحجَّة وَمَعَهُ سيف قطلوبغا الفخري فسر السُّلْطَان بذلك وَكتب بِحمْلِهِ إِلَى الكرك. فَلَمَّا طلع الْأُمَرَاء إِلَى الْخدمَة فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ترضاهم وبشرهم بمسك قطلوبغا الفخري ثمَّ أخْبرهُم أَنه مُتَوَجّه إِلَى الكرك وَأَنه يعود بعد شهر. وَكَانَ السُّلْطَان قد تجهز إِلَى الكرك فَأخْرج فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء طشتمر حمص أَخْضَر فِي محارة بقيده وَمَعَهُ جمَاعَة من المماليك السُّلْطَانِيَّة موكلون بحفظه وَعين مَعَ الْمُقدم عنبر السحرتي عدَّة من المماليك. وَتقدم السُّلْطَان إِلَى الْخَلِيفَة بَعْدَمَا ولاه نظر المشهد النفيسي عوضا عَن ابْن الْقُسْطَلَانِيّ أَن يُسَافر مَعَه إِلَى الكرك. ورسم لجمال الكفاة نَاظر الْخَاص والجيش ولعلاء الدّين على بن فضل الله كَاتب السِّرّ أَن يتوجها مَعَه إِلَى الكرك وَركب مَعَه الْأُمَرَاء من قلعة الْجَبَل يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِيه بَعْدَمَا ألبس ثَمَانِيَة من المماليك خلع الإمريات على بَاب الخزانة. وخلع السُّلْطَان على آقسنقر السلاري وَقَررهُ نَائِب الْغَيْبَة وخلع على شمس الدّين مُحَمَّد بن عَدْلَانِ وَاسْتقر قَاضِي الْعَسْكَر وخلع عَليّ زين الدّين عمر بن كَمَال الدّين عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر البسطامي وَاسْتقر بِهِ قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة عوضا عَن حسام الدّين الغوري. فَلَمَّا قَارب السُّلْطَان قبَّة النَّصْر خَارج الْقَاهِرَة وقف حَتَّى قبل الْأُمَرَاء يَده على مَرَاتِبهمْ وَرَجَعُوا عَنهُ. فَنزل عَن فرسه وَلبس ثِيَاب العربان وَهِي كاملية مفرجة وعمامة بلثامين وساير الكركيين وَترك الْأُمَرَاء الَّذين مَعَه وهم قماري والحجازي وَأَبُو بكر بن أرغون النَّائِب مَعَ المماليك السُّلْطَانِيَّة والطلب. وَتوجه السُّلْطَان على الْبَريَّة إِلَى الكرك وَلبس مَعَه إِلَّا الكركيين ومملوكين وهم فِي أَثَره فقاسوا مشقة كَبِيرَة من الْعَطش وَغَيره حَتَّى وصلوا ظَاهر الكرك وَقد سبقهمْ السُّلْطَان إِلَيْهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 367 وقدمها فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامنه فَكتب السُّلْطَان إِلَى الْأُمَرَاء بِمصْر يعرفهُمْ ذَلِك وَيسلم عَلَيْهِم فَقدم كِتَابه يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشره. وَلما دخل الْملك النَّاصِر أَحْمد إِلَى الكرك لم يُمكن أحدا من الْعَسْكَر أَن يدْخل الْمَدِينَة سوى عَلَاء الدّين عَليّ بن فضل الله كَاتب السِّرّ وجمال الكفاة نَاظر الْخَاص والجيش فَقَط. ورسم السُّلْطَان أَن يسير الْأَمِير الْمُقدم عنبر السحرتي بالمماليك إِلَى قَرْيَة الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَأَن يسير قماري وَعمر ابْن النَّائِب أرغون والخليفة إِلَى الْقُدس. ثمَّ رسم السُّلْطَان أَن ينْتَقل الْمُقدم بالمماليك إِلَى غَزَّة لغلاء السّعر بالخليل. وَفِي أثْنَاء ذَلِك وصل أَمِير عَليّ بن أيدغمش بالأمير قطلوبغا الفخري مُقَيّدا إِلَى غَزَّة وَبهَا الْعَسْكَر المجهز من مصر وَمضى بِهِ إِلَى الكرك. فَبعث السُّلْطَان إِلَيْهِ من تسلم الفخري مِنْهُ وَأَعَادَهُ إِلَى أَبِيه وَلم يجْتَمع بِهِ فسجن قطلوبغا الفخري وطشتمر حمص أَخْضَر بقلعة الكرك بعد مَا أهين الفخري من الْعَامَّة إهانة بَالِغَة وَنكل بِهِ نكالاً فَاحِشا. وَفِيه كتب السُّلْطَان لآقسنقر نَائِب غَزَّة بإرسال حَرِيم قطلوبغا الفخري إِلَى الكرك وَكَانُوا قد سَارُوا من الْقَاهِرَة بعد مسيره بِيَوْم فجهزهن آقسنقر إِلَيْهِ فَأخذ أهل الكرك جَمِيع مَا مَعَهُنَّ حَتَّى ثيابهن وبالغوا فِي الْفُحْش والإساءة. وَفِيه كتب السُّلْطَان لآقسنقر السلاري نَائِب الْغَيْبَة بِمصْر أَن يُوقع الحوطة على مَوْجُود طشتمر حمص أَخْضَر وقطلوبغا الفخري وَيحمل ذَلِك إِلَيْهِ بالكرك. وَكَانَ السُّلْطَان إِذا رسم بِشَيْء جَاءَ كَاتب كركي لكاتب السِّرّ وعرفه عَن السُّلْطَان بِمَا يُرِيد فَيكْتب ذَلِك ويناوله لِلْكَاتِبِ فَيَأْخُذ عَلَيْهِ عَلامَة السُّلْطَان. ويبعثه حَيْثُ رسم وَأما الْعَسْكَر المتوجه من الْقَاهِرَة إِلَى غَزَّة فَإِن ابْن أيدغمش لما قدم عَلَيْهِم غَزَّة وَمَعَهُ قطلوبغا الفخري أَرَادَ الْأَمِير ألطنبغا المارداني أَن يُؤَخِّرهُ عِنْده بغزة حَتَّى يُرَاجع فِيهِ السُّلْطَان. فَلم يُوَافقهُ ابْن أيدغمش وَتوجه إِلَى الكرك فَرَحل المارداني وَبَقِيَّة الْعَسْكَر عائدين إِلَى الْقَاهِرَة فقدموها يَوْم السبت خَامِس ذِي الْحجَّة. وَفِيه أَخذ السُّلْطَان فِي تحصين الكرك وشحنها بالغلال والأقوات وَأخرج بكتمر العلائي مِنْهَا إِلَى طرابلس وَمُحَمّد أَبوهُ إِلَى صفد. (وَفِي هده السّنة) أخرج حسام الدّين حسن الغوري من مصر بعد عَزله من قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة فَتوجه إِلَى الْعرَاق. وَسبب ذَلِك أَنه كَانَ قد توحش مَا بَينه وَبَين الْقُضَاة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 368 الثَّلَاثَة لقبح أَفعاله. وَكَانَ إِذا جلس مَعَ السُّلْطَان احتوى عَلَيْهِ وخاطبه بِاللِّسَانِ التركي ونكب على الْقُضَاة. وَكَانَ يتجرأ على النَّاس وَيَضَع مِنْهُم وَلَا يزَال ينصر الْمَرْأَة على زَوجهَا إِذا شكته إِلَيْهِ حَتَّى يخرج فِي ذَلِك عَن الْحَد. فادعت امْرَأَة عِنْده على زَوجهَا بِمَا اسْتحق من صَدَاقهَا وكسوتها وأظهرت صَدَاقهَا عَلَيْهِ فَإِذا فِيهِ أَن المنجم فِي كل سنة دِينَار. فاستدناها مِنْهُ وأمرها فكشف عَن وَجههَا وأعجبته وَقَالَ لأَبِيهَا وَكَانَ قد حضر مَعهَا: يَا مدمغ {مثل هَذِه تزوحها بِدِينَار كل سنة وَالله يَا مدمغ يُسَاوِي مبيتها كل لَيْلَة مائَة دِرْهَم} والتفت القَاضِي إِلَى زَوجهَا: وَقَالَ. يَا تَيْس {تستغلي هَذِه بِهَذَا الْقدر وَالله أَنْت أدمغ من أَبِيهَا هَذِه يُسَاوِي مبيتها كل لَيْلَة مائَة دِرْهَم. وَحكى القَاضِي الغوري عَن نَفسه فِي مجْلِس الْأَمِير قوصون بِحَضْرَة الْأُمَرَاء أَنه لما كَانَ محتسباً بِبَغْدَاد وقف على حَانُوت حلواني قد حل صَاحبه تَمرا وقصره حَتَّى أَبيض فَسَأَلَ عَنهُ فَقَالَ هَذِه قسب وقصرته بالبيض فَقَالَ لَهُ: وَيلك} مَجْنُون أَنْت أَنا عِنْدِي جَارِيَة سَوْدَاء لي عشر سِنِين أقصرها بالبيض وَمَا ابْيَضَّتْ. وَادعت امْرَأَة على زَوجهَا عِنْده بِحَق وَجب عَلَيْهِ فَكتب بحبسه فَقَالَ لَهُ الزَّوْج: وَالْمَرْأَة أَيْضا تكون برواق البغدادية حَتَّى أحصل لَهَا حَقّهَا فَقَالَ لَهُ الغوري وَيلك! أَنْت مَجْنُون أَنا أكون أَحَق من البغدادية بهذي وَتَكون عِنْدِي أحفظها وَأَشَارَ لنقيبه فَأخذ الْمَرْأَة إِلَى طبقته وأقامت عِنْده مُدَّة حَتَّى أصلح أمرهَا مَعَ زَوجهَا. وَكَانَ القَاضِي الغوري إِذا تداعى عِنْده اثْنَان يَأْمر موقعه فَيكْتب مَا يَقُول أَحدهمَا فِي غيبَة الآخر فَإِذا انْتهى كَلَامه أخرجه وأحضر خَصمه فَيكْتب أَيْضا مَا يَقُول. وَكَذَلِكَ إِذا شهد عِنْده جمَاعَة فرق بَينهم وَكتب مَا يَقُول كل وَاحِد على انْفِرَاد فَكَانَت المحاكمة لَا تَنْتَهِي عِنْده إِلَّا بعد مُدَّة. وَكَانَ من الغي على جَانب كَبِير. ودعى مرّة إِلَى عقد نِكَاح أَوْلَاد الْأُمَرَاء هُوَ والقضاة الثَّلَاثَة فَلَمَّا دخل مَعَهم وَقد فرش الْبَيْت بالحرير والزركش تجنب الْقُضَاة الْجُلُوس على ذَلِك وتنجوا عَنهُ. فَجَلَسَ هُوَ على مقْعد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 369 حَرِير مزركش وَقَالَ: يَا جمَاعَة الْجند أتبصروا كَذَا فعل هَؤُلَاءِ يدعوا كَذَا الْجُلُوس على هَذَا الْحَرِير وَأقسم با لله لَو قدرُوا عَلَيْهِ باعوه فِي الْأَسْوَاق وأكلوا ثمنه فَضَحِك من فِي الْمجْلس وَنزل بالقضاة من الخجل مَا لَا يعبر عَنهُ وَتقدم إِلَيْهِ مرّة مديون وضامنه فِي الدّين ضَمَان إِحْضَار فَادّعى عَلَيْهِ غَرِيمه فاعترف بِمَا عَلَيْهِ وَأقر الضَّامِن لَهُ بضمانه. وَكَانَ الْمَدْيُون رث الْهَيْئَة زري الْحَال فصاح القَاضِي: أخرجُوا هَذَا المعثر من قدامي وَنظر إِلَى ضامنه وَقَالَ. أعْط هَذَا مَاله. فَقَالَ: يَا مَوْلَانَا هَذَا غَرِيمه أحضرته إِلَيْهِ فَقَالَ: هاتوا الجحش - يَعْنِي الفلقة - واقتلوا هدا حَتَّى يُعْطي المَال وَأَنت تلبس المسنجب والفرجيات واللباس الرفيع حَتَّى أحْوج هَذَا أَن يُعْطي مَاله لمعثر فَلم يجد الضَّامِن بدا من الْتِزَامه بِالْمَالِ خوفًا من الإخراق. وَرَأى القَاضِي الغوري مرّة رجلا بِيَدِهِ فروجين قد مسك أرجلهما بِيَدِهِ وَصَارَت رأسهما إِلَى أَسْفَل فَأمر بِهِ أَن يصلب فمازال بِهِ النَّاس حَتَّى ضربه ضربا مؤلماً وَتَركه. وألزم القَاضِي الغوري الشُّهُود أَن يكون فِي كل مسطور شَهَادَة أَرْبَعَة وَأَن يكتبوا سكن الْمَدْيُون ومجونه وجنونه كثير لَهُ فِيهِ نَوَادِر مستقبحة وقبائح شنيعة. فَلَمَّا رسم بعزله أَثْبَتَت عَلَيْهِ محَاضِر توجب إِرَاقَة دَمه فَقَامَ بعض الْأُمَرَاء مَعَه ومازال بِبَعْض قُضَاة الشَّافِعِيَّة حَتَّى حكم بحقن دَمه وتسفيره من مصر. وَفِي هده السّنة: اتّفقت وَاقعَة غَرِيبَة وَهِي أَن رجلا بواردياً يُقَال لَهُ مُحَمَّد بن خلف - بِخَط السيوفيين من الْقَاهِرَة - قبض عَلَيْهِ فِي يَوْم السبت سادس عشر رَمَضَان وأحضر إِلَى الْمُحْتَسب فَوجدَ بخزنه من فراخ الْحمام والزرازير المملوحة عدَّة أَرْبَعَة وَثَلَاثِينَ ألف وَمِائَة وسته وَتِسْعين من دلك فراخ حمام عدَّة ألف وَمِائَة وَسِتَّة وَتِسْعين فرخاً وزرازير عدَّة ثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ ألف زرزور وجميعها قد نتنت وتغيرات ألوانها. فأدب وَشهر وأتلفت كلهَا. وفيهَا قدم الْأَمِير بيبرس الأحمدي نَائِب صفد بِمن مَعَه إِلَى دمشق وَلَيْسَ بهَا نَائِب. فجَاء مرسوم السُّلْطَان من الكرك بِمَكَّة فَقبض عَلَيْهِ أمراؤها وأنزلوه بقصر تنكز. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 370 جمال الدّين إِبْرَاهِيم بن أيبك الصَّفَدِي أَخُو الصّلاح الصَّفَدِي فِي رَابِع جُمَادَى الْآخِرَة بِدِمَشْق. وَكَانَ يتقن عدَّة صنائع وَسمع بِالْقَاهِرَةِ وَالشَّام وَشد أطرافاً من الْحساب والفرائض وَغير ذَلِك. وَمَات السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور سيف الدّين أَبُو بكر ابْن الْملك النَّاصِر مُحَمَّد ابْن الْملك الْمَنْصُور قلاوون الألفي الصَّالِحِي مقتولاً بقوص وَحمل رَأسه إِلَى قوصون. وَمَات الْأَمِير عَلَاء الدّين ألطنبغا الصَّالِحِي نَائِب دمشق وَهُوَ أحد المماليك المنصورية قلاوون وربي عِنْد السُّلْطَان النَّاصِر مُحَمَّد وَتوجه مَعَه إِلَى الكرك. فَلَمَّا عَاد النَّاصِر إِلَى السلطنة أنعم عَلَيْهِ بإمرة وَعَمله جاشنكيره ثمَّ ولاه حاجباً وَنَقله من الحجوبية إِلَى نِيَابَة حلب بعد موت أرغون النَّائِب فَسَار سيرة مشكورة. ثمَّ عَزله السُّلْطَان النَّاصِر فِي سَبِيل رضى الْأَمِير تنكز وأقدمه إِلَى مصر ثمَّ ولاه غَزَّة. ثمَّ ولاه قوصون نِيَابَة الشَّام وَآل أمره إِلَى أَن مَاتَ مسجوناً بالإسكندرية. وَمَات القان أزبك بن طغرلجا بن منكوتمر بن طغان بن باطو بن دوشي خَان بن جنكز خَان ملك الططر بالمملكة الشمالية بَعْدَمَا حكم بهَا مُدَّة ثَمَان وَعشْرين سنة وَقَامَ بعده ابْنه جاني بك خَان. وَكَانَ أزبك قد أسلم وَحسن إِسْلَامه. وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بحلب برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن الْفَخر خَلِيل بن إِبْرَاهِيم الرَّسْعَنِي. وَمَات الْأَمِير بشتاك الناصري مقتولاً بالإسكندرية فِي ربيع الآخر. وَكَانَ إقطاعه سبع عشرَة إمرة طبلخاناة تعْمل مِائَتي ألف دِينَار كل سنة. وأنعم عَلَيْهِ النَّاصِر مُحَمَّد فِي يَوْم بِأَلف ألف دِرْهَم وَكَانَ راتب سماطه كل يَوْم خمسين رَأس غنم وفرساً لابد من ذَلِك وَكَانَ كثير التيه لَا يحدث مباشريه إِلَّا بترجمان وَيعرف بالعربي وَلَا يتَكَلَّم بِهِ. وَمَات الْأَمِير طاجار الدوادار قتلا. وَمَات الْأَمِير جركتمر بن بهادر رَأس نوبَة قتلا. وَمَات أَمِير عَليّ ابْن الْأَمِير سلار يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث عشر ربيع الآخر. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين قوصون مقتولاً بسجن الْإسْكَنْدَريَّة. رقاه السُّلْطَان النَّاصِر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 371 مُحَمَّد حَتَّى صَار أكبر الْأُمَرَاء يركب فِي ثَلَاثمِائَة فَارس صفّين قُدَّام كل صف رجل يضْرب بالقبز كَمَا يركب مُلُوك الْمغل وَكَانَ يفرق كل سنة ثَلَاثِينَ حياصة ذهب وَمِائَة قبَاء بسنجاب وَيفرق فِي وَتُوفِّي خطيب الْجَامِع الْأمَوِي بِدِمَشْق بدر الدّين مُحَمَّد ابْن قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين مُحَمَّد الْقزْوِينِي. وَمَات وَكيل بَيت المَال بِدِمَشْق نجم الدّين مُحَمَّد بن عمر بن أبي الْقَاسِم بن عبد الْمُنعم بن أبي الطّيب الدِّمَشْقِي. وَتُوفِّي الْملك الْأَفْضَل مُحَمَّد بن الْمُؤَيد إِسْمَاعِيل بن الأفصل عَليّ ابْن المظفر مَحْمُود ابْن الْمَنْصُور مُحَمَّد ابْن المظفر تَقِيّ الدّين عمر بن شاهنشاه بن نجم الدّين أَيُّوب بن شادي بن مَرْوَان صَاحب حماة وَكَانَ بَاشَرَهَا عشر سِنِين ثمَّ نقل إِلَى إمرة مائَة بِدِمَشْق فَمَاتَ بهَا فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء حادي عشر ربيع الآخر عَن ثَلَاثِينَ سنة. وَمَات الْأَمِير مُوسَى بن مهنا بن عِيسَى بن مهنا بن مَانع بن حَدِيثَة بن عصية بن فضل ابْن ربيعَة أَمِير آل فضل بتدمر. وَمَات الْأَمِير بيبرس السِّلَاح دَار الناصري نَائِب الفتوحات بأياس. وَمَات شرف الدّين ابْن الْملك المغيث صَاحب الكرك بِالْقَاهِرَةِ. وَمَات عز الدّين أيبك يَوْم الْإِثْنَيْنِ تَاسِع الْمحرم. وَمَات الْحَافِظ جمال الدّين أَبُو الْحجَّاج يُوسُف بن الزكي أَبُو مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن بن يُوسُف وَمَات الْأَمِير عز الدّين الكبكي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن عشر الْمحرم. وَمَات الْأَمِير تمر الساقي يَوْم الْأَحَد ثامن عشرى ذِي الْعقْدَة. وَتُوفِّي تَاج الدّين بن الفكهاني الْمَالِكِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سَابِع ذِي الْحجَّة. وَمَات مسمراً وَالِي الدولة أَبُو الْفتُوح بن الخطير وَكَانَ قد تزوج وَهُوَ نَصْرَانِيّ بابنة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 372 شرف الدّين عبد الْوَهَّاب النشو نَاظر الْخَاص قبل اتِّصَاله بالسلطان النَّاصِر مُحَمَّد فَلَمَّا تولى النشو نظر الْخَاص عظم وَالِي الدولة وَتقدم على أخوة النشو وباشر عِنْد عدَّة من الْأُمَرَاء فَلَمَّا أمسك النشو أمسك مَعَه وصودر هُوَ وَأَخُوهُ الشَّيْخ الأكرم ومازالا فِي الْحَبْس حَتَّى أفرج عَنْهُمَا فِي مرض السُّلْطَان النَّاصِر مُحَمَّد الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَفِي جملَة من أفرج عَنهُ. وخدم أَبُو الْفتُوح عِنْد ملكتمر الْحِجَازِي إِلَى أَن نكب وَسمر فِي يَوْم السبت سادس عشرى صفر. وَكَانَ جميل الْوَجْه حسن الْخلق يَذُوق الْأَدَب ويحفظ الْأَشْعَار والوقائع وَيعرف الأحاجي والتصحيف. وَمَات الْأَمِير بدر الدّين لُؤْلُؤ الْحلَبِي. وَكَانَ ضَامِن حلب وَقدم الْقَاهِرَة غير مرّة وَرَافِع أَهلهَا إِلَى أَن سلمهم السُّلْطَان لَهُ فعاقبهم وَأخذ أَمْوَالهم. ثمَّ ولي شدّ الدَّوَاوِين بحلب فَكثر شاكوه فتسلمه الأكز مشد الْجِهَات بديار مصر ثمَّ نقل إِلَى شدّ الدَّوَاوِين بِالْقَاهِرَةِ وعزل وَأخرج بعد محنة إِلَى حلب شاد الدَّوَاوِين. ثمَّ ضرب بالمقارع حَتَّى مَاتَ قَالَ ابْن الوردي: نثر الْجنُوب بل الْقُلُوب بِسَوْطِهِ فَمَتَى أشاهد لؤلؤاً منثورا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 373 فارغة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 374 (سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة) أهلت وَالنَّاس فِي أَمر مريج لغيبة السُّلْطَان بالكرك وَعند الْأُمَرَاء تشوش كَبِير لما بَلغهُمْ من مصاب قطلوبغا الفخري. وَصَارَ الْأَمِير أقسنقر نَائِب الْغَيْبَة فِي تخوف فَإِنَّهُ بلغه أَن جمَاعَة من مماليك الْأُمَرَاء الَّذين قبض عَلَيْهِم قد باطنوا بعض الْأُمَرَاء على الرّكُوب عَلَيْهِ فَترك الرّكُوب للموكب أَيَّامًا حَتَّى اجْتَمعُوا عِنْده وحلفوا لَهُ. ثمَّ اتّفق رَأْيهمْ على أَن كتبُوا للسُّلْطَان كتابا فِي خَامِس الْمحرم بِأَن الْأُمُور ضائعة لغيبة السُّلْطَان وَقد نَافق عربان الصَّعِيد وطمع النَّاس وفسدت الْأَحْوَال كلهَا وسألوه الْحُضُور. وبعثوا بِهِ الْأَمِير طقتمر الصلاحي فَعَاد جَوَابه فِي حادي عشره: بأنني قَاعد فِي مَوضِع أشتهي وَأي وَقت أردْت أحضر إِلَيْكُم. وَذكر طقتمر أَن السُّلْطَان لم يُمكنهُ من الِاجْتِمَاع بِهِ وَأَنه بعث من أَخذ مِنْهُ الْكتاب ثمَّ أرسل إِلَيْهِ الْجَواب. وَفِيه قدم الْخَبَر بِأَن السُّلْطَان قتل الْأَمِير طشتمر حمص أَخْضَر والأمير قطلوبغا الفخري وَذَلِكَ أَنه قصد أَن يقتلهما بِالْجُوعِ فَأَقَامَ يَوْمَيْنِ بلياليهما لَا يطعمان طَعَاما. فكسرا قيدهما وَقد ركب السُّلْطَان للصَّيْد وخلعا بَاب السجْن لَيْلًا وخرجا إِلَى الحارس وَأخذ سَيْفه وَهُوَ نَائِم فأحس بهما وَقَامَ يَصِيح حَتَّى لحقه أَصْحَابه فأخذوهما. وبعثوا إِلَى السُّلْطَان بخبرهما فَقدم فِي زِيّ العربان ووقف على الخَنْدَق وَبِيَدِهِ حَرْبَة وأحضرهما وَقد كثرت بهما الْجِرَاحَات. فَأمر السُّلْطَان يُوسُف بن البصارة ورفيقه بِضَرْب أعناقهما وَأخذ يسبهما ويلعنهما فَردا عَلَيْهِ ردا قبيحاً وَضرب رقابهما فَاشْتَدَّ قلق الْأُمَرَاء. وَفِيه قدم كتاب السُّلْطَان إِلَى الْأُمَرَاء يطيب خواطرهم ويعرفهم أَن مصر وَالشَّام والكرك لَهُ وَأَنه حَيْثُ شَاءَ أَقَامَ ورسم أَن تجهز لَهُ الأغنام من بِلَاد الصَّعِيد وأكد فِي ذَلِك وَأوصى آقسنقر بِأَن يكون مُتَّفقا مَعَ الْأُمَرَاء على مَا يكون من الْمصَالح. فَتَنَكَّرت قُلُوب الْأُمَرَاء ونفرت خواطرهم وَاتَّفَقُوا على خلع السُّلْطَان وَإِقَامَة أَخِيه إِسْمَاعِيل فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء حادي عشريه فَكَانَت مُدَّة ولَايَته ثَلَاثَة أشهر وَثَلَاثَة عشر يَوْمًا مِنْهَا مُدَّة إِقَامَته بالكرك ومراسيمه نَافِذَة بِمصْر أحد وَخَمْسُونَ وإقامته بِمصْر مُدَّة شَهْرَيْن وَأَيَّام. وَكَانَت سيرته سَيِّئَة نقم الْأُمَرَاء عَلَيْهِ فِيهَا أموراً مِنْهَا أَن رسله الَّتِي كَانَت ترد من قبله إِلَى الْأُمَرَاء برسائله وأسراره أوباش أهل الكرك فَلَمَّا قدمُوا مَعَه إِلَى مصر أَكْثرُوا من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 375 أَخذ البراطيل وَولَايَة المناصب غير أَهلهَا وَمِنْهَا تحكمهم على الْوَزير وَغَيره وحجبهم السُّلْطَان حَتَّى عَن الْأُمَرَاء والمماليك وأرباب الدولة فَلَا يُمكن أحدا من رُؤْيَته سوى يومي الْخَمِيس والإثنين نَحْو سَاعَة. وَمَعَ ذَلِك فَإِنَّهُ جمع الأغنام الَّتِي كَانَت لِأَبِيهِ والأغنام الَّتِي كَانَت لفوصون وعدتها أَرْبَعَة أُلَّاف رَأس وأربعماية من الْبَقر الَّتِي استحسنها أَبوهُ. وَأخذ الطُّيُور الَّتِي كَانَت بالأحواش على اخْتِلَاف أَنْوَاعهَا وَحملهَا على رُءُوس الحمالين إِلَى الكرك. وسَاق الأغنام والأبقار إِلَيْهَا وَمَعَهُمْ عدَّة سقائين وَسَائِر مَا يحْتَاج إِلَيْهِ. وَعرض الْخُيُول والهجن وَأخذ مَا اخْتَارَهُ مِنْهَا وَمن البخاتي وحمر الْوَحْش والزراف وَالسِّبَاع وسيرها إِلَى الكرك. وَفتح الذَّخِيرَة وَأخذ مَا فِيهَا من الذَّهَب وَالْفِضَّة وَهُوَ سِتّمائَة ألف دِينَار وصندوق فِيهِ الْجَوَاهِر الَّتِي جمعهَا أَبوهُ فِي مُدَّة سلطنته. وتتبع جواري أَبِيه حَتَّى عرف المتمولات مِنْهُنَّ فَكَانَ يبْعَث إِلَى الْوَاحِدَة مِنْهُنَّ يعرفهَا أَنه يدْخل عَلَيْهَا اللَّيْلَة فَإِذا تجملت بحليها وجواهرها أرسل من يحضرها إِلَيْهِ فَإِذا خرجت من موضعهَا ندب من يَأْخُذ جَمِيع مَا عِنْدهَا ثمَّ يَأْخُذ جَمِيع مَا عَلَيْهَا حَتَّى سلب أكثرهن مَا بأيديهن وَعرض الركاب خاناه وَأخذ جَمِيع مَا فِيهَا من السُّرُوج واللجم والسلاسل الذَّهَب وَالْفِضَّة وَنزع مَا عَلَيْهَا من الذَّهَب وَالْفِضَّة. وَأخذ الطَّائِر الذَّهَب الَّذِي على الْقبَّة وَأخذ الغاشيه الذَّهَب وطلعات الصناجق وَمَا ترك بالقلعة مَالا حَتَّى أخده. وشنع فِي قتل أُمَرَاء أَبِيه وأتلف موجودهم وأحضر حَرِيم طشتمر حمص أَخْضَر من حلب وَقد تجهزن للمسير فَأخذ سَائِر مَا مَعَهُنَّ حَتَّى لم يتْرك عَلَيْهِنَّ سوى قَمِيص وسروال لكل وَاحِدَة. وَأخذ أَيْضا جَمِيع مَا مَعَ حَرِيم قطلوبغا الفخري حَتَّى لم تَجِد زَوجته سَرِيَّة تنكز مَا تتقوت بِهِ إِلَى أَن بعث لَهُم جمال الكفاة السُّلْطَان عماد الدّين أَبُو إِسْمَاعِيل السُّلْطَان الْملك الصَّالح عماد الدّين أَبُو إِسْمَاعِيل ابْن الْملك النَّاصِر مُحَمَّد ابْن الْملك الْمَنْصُور قلاوون الألفي الصَّالِحِي. جلس على تخت الْملك يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشرى الْمحرم سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 376 وَسَبْعمائة بعد خلع أَخِيه بِاتِّفَاق الْأُمَرَاء على ذَلِك لِأَنَّهُ بَلغهُمْ عَنهُ أَنه لما أخرجه الْأَمِير قوصون فِيمَن أخرج إِلَى قوص أَنه كَانَ يَصُوم يومي الْإِثْنَيْنِ وَالْخَمِيس ويشغل أوقاته بِالصَّلَاةِ وَقِرَاءَة الْقُرْآن مَعَ الْعِفَّة والصيانة عَمَّا يَرْمِي بِهِ الشَّبَاب من اللَّهْو واللعب. وَحلف لَهُ الْأُمَرَاء والعساكر وَحلف لَهُم السُّلْطَان أَلا يُؤْذِي أحدا وَلَا يقبض عَلَيْهِ بِغَيْر ذَنْب يجمع على صِحَّته. ودقت البشائر ولقب بِالْملكِ الصَّالح عماد الدّين وَنُودِيَ بالزينة. وَفِيه فرق السُّلْطَان أخباز الْأُمَرَاء البطالين ورسم بالإفراج عَن المسجونين وَكتب بذلك إِلَى الْوَجْه القبلي وَالْوَجْه البحري وَألا يتْرك بالسجون إِلَّا من وَجب عَلَيْهِ الْقَتْل. وَفِيه أخرج السُّلْطَان عددا كَبِيرا من سجون الْقَاهِرَة ومصر وَتوجه القصاد للإفراج عَن الْأُمَرَاء من الْإسْكَنْدَريَّة. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير أرغون العلائي زوج أم السُّلْطَان الصَّالح رَأس نوبَة وَيكون رَأس المشورة ومدبر الدولة وكافل السُّلْطَان. وَاسْتقر الْأَمِير آقسنقر السلاري نَائِب السلطنة. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث عشريه: دعِي للسُّلْطَان على مَنَابِر مصر والقاهرة وَكتب إِلَى الْأُمَرَاء بِبِلَاد الشَّام بالأمان والاطمئنان وَتوجه بذلك طقتمر الصلاحي. وَفِيه كتب تَقْلِيد الْأَمِير أيدغمش نِيَابَة الشَّام وَاسْتقر عوضه فِي نِيَابَة حلب الْأَمِير طقزدمر الْحَمَوِيّ نَائِب حماة. وَاسْتقر فِي نِيَابَة حماه الْأَمِير علم الدّين سنجر الجمولي. وَفِيه كتب السُّلْطَان بِحُضُور الْحَاج آل ملك وَحُضُور الْأَمِير بيبرس الأحمدي إِلَى الْقَاهِرَة. وَفِيه كتب السُّلْطَان الْملك الصَّالح إِلَى أَخِيه النَّاصِر أَحْمد بِالسَّلَامِ وإعلامه بِأَن الْأُمَرَاء أقاموه فِي السلطنة لأَنهم علمُوا أَن الْملك النَّاصِر أَحْمد لَيْسَ لَهُ رَغْبَة فِي ملك مصر وَأَنه يحب بِلَاد الكرك والشوبك فَهِيَ بحكمك وملكك وَرغب إِلَيْهِ فِي أَن يبْعَث الْقبَّة وَالطير والغاشية والنمجاة وَتوجه بِكِتَاب السُّلْطَان الْأَمِير قبلاي. وَفِيه خرج الْأَمِير بيغرا وَمَعَهُ عدَّة أُمَرَاء وأوجاقية لجر الْخُيُول السُّلْطَانِيَّة من الكرك. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن عشريه: قدم الْأُمَرَاء والمسجونون بالإسكندرية وعدتهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 377 سِتَّة وَعِشْرُونَ أَمِيرا مِنْهُم قياقر والمرقبي وطيبغا المحمدي وَابْن طوغان جق ودقماق وأسنبغا بن البوبكري وَابْن سوسون وناصر الدّين مُحَمَّد بن المحسني وَالِي الْقَاهِرَة وأمير عَليّ بن بهادر والحاج أرقطاي نَائِب طرابلس. فِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشريه: وقفُوا بَين يَدي السُّلْطَان فرسم أَن يجلس أرقطاي مَكَان الجاولي وَأَن يتَوَجَّه الْبَقِيَّة على أمريات بِبِلَاد الشَّام. وَفِي يَوْم السبت أول صفر: قدم من غَزَّة الْأَمِير قماري والأمير أَبُو بكر بن أرغون النَّائِب والأمير ملكتمر الْحِجَازِي وصحبتهم الْخَلِيفَة الْحَاكِم بِأَمْر الله أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد والمقدم عنبر السحرتي والمماليك السُّلْطَانِيَّة مفارقين للناصر أَحْمد. وَفِيه توجه الْأَمِير طقزدمر الْحَمَوِيّ لنيابة حلب. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثالثه: خلع على الْأَمِير علم الدّين سنجر الجاولي نَائِب حماة خلعة السّفر وخلع على أَمِير مَسْعُود بن خطير خلعة السّفر لنيابة غَزَّة. وَفِيه خلع على بدر الدّين مُحَمَّد بن محيي الدّين بن يحيى بن فضل الله وَاسْتقر فِي كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق عوضا عَن أَخِيه شهَاب الدّين أَحْمد. وَفِيه رسم بسفر مماليك قوصون ومماليك بشتاك إِلَى الْبِلَاد الشامية مُتَفَرّقين وَكتب للنواب بإقطاعهم الأخباز شَيْئا فَشَيْئًا. وَفِيه جلس الْأَمِير آقسنقر السلاري النَّائِب بدار النِّيَابَة بعد مَا عمرها وَفتح بهَا شباكاً ورسم لَهُ أَن يُعْطي الأخباز من ثَلَاثمِائَة إِلَى أَرْبَعمِائَة دِينَار ويشاور فِيمَا فَوق ذَلِك. وَفِيه اسْتَقر المكين إِبْرَاهِيم بن قروينة فِي نظر الْجَيْش وَعين ابْن التَّاج إِسْحَاق لنظر الْخَاص عوضا عَن جمال الكفاة نَاظر الْجَيْش وَالْخَاص لغيبته بالكرك فَقَامَ الْأَمِير جنكلي فِي ابقاء الْخَاص عَليّ جمال الكفاة حَتَّى يحضر. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سادسه: توجه الْأَمِير سنجر الجاولي وأمير مَسْعُود بن خطير إِلَى مَحل ولايتهما. وَفِيه أنعم السُّلْطَان على أَخِيه شعْبَان بإمرة طبلخاناة وعَلى خَلِيل بن خَاص ترك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 378 بإمرة طبلخاناة وَنُودِيَ بِأَن أجناد الْحلقَة ومماليك السُّلْطَان وأجناد الْأُمَرَاء لَا يركب أحد مِنْهُم فرسا بعد عشَاء الْآخِرَة وَلَا يقعدوا جمَاعَة يتحدثون. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ رَابِع عشريه: خلع على جَمِيع الْأُمَرَاء كَبِيرهمْ وصغيرهم. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس عشريه: قدم عَلَاء الدّين عَليّ بن فصل الله كَاتب السِّرّ وَمَعَهُ جمال الكفاة والشريف شهَاب الدّين بن أبي الركب وَمن الكرك مفارقين للناصر أَحْمد. بحيلة دبرهَا جمال الكفاة. وَكَانَ قد بلغه عَن النَّاصِر أَنه يُرِيد قَتلهمْ خوفًا من حضورهم إِلَى مصر ونقلهم مَا هُوَ عَلَيْهِ من سوء السِّيرَة فبذل جمال الكفاة مَالا جزيلاً ليوسف بن البصارة حَتَّى مكنهم من الْخُرُوج من الْمَدِينَة. وَأسر إِلَيْهِ السُّلْطَان النَّاصِر أَنه يبْعَث من يقتلهُمْ وَيَأْخُذ مَا مَعَهم فعرجوا فِي مَسِيرهمْ عَن الطَّرِيق صُحْبَة بدوي من عربان شطي إِلَى أَن قدمُوا غَزَّة فخلصوا مِمَّن خرج فِي طَلَبهمْ. فَأقبل عَلَيْهِم الْأُمَرَاء وَالسُّلْطَان وخلع عَلَيْهِم بالاستمرار على وظائفهم. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشريه: نهب سوق خزانَة البنود بِالْقَاهِرَةِ حَتَّى عَم النهب حوانيته كلهَا من النهب فِي الْجَانِبَيْنِ وَكسرت عدَّة جرار خمر من خزانَة البنود وهتكت نسَاء الفرنج. وَبلغ ذَلِك الْوَالِي فَركب نَائِبه لرد الْعَامَّة عَن الفرنج فرجموه وردوه ردا قبيحاً إِلَى أَن احتمى بِالْمَدْرَسَةِ الجمالية الْمُجَاورَة لخزانة البنود وأساءوا الْأَدَب على الْفُقَهَاء المجاورين بهَا فَخَرجُوا يحملون الْمَصَاحِف ووقفوا للسُّلْطَان. فرسم السُّلْطَان بِضَرْب الْوَالِي على بَاب الجمالية وَنُودِيَ من الْغَد أَلا يتَعَرَّض أحد لأسير من الفرنج وهدد من أَخذ لَهُم شَيْئا بالشنق. وَفِيه قدم الْخَبَر من حلب بِأَنَّهُ قد وَقع فِي بِلَاد الْموصل وبغداد وأصفهان وَعَامة بِلَاد الشرق غلاء شَدِيد حَتَّى بلغ الرطل الْخبز بالمصري إِلَى ثَمَانِيَة دَرَاهِم نقرة وأكلت الْجِيَف. وَصَارَ من مَاتَ يلقى فِي العراء عَجزا عَن مواراته وفنيت الدَّوَابّ عِنْدهم. ثمَّ عقب هَذَا الغلاء جَراد عَظِيم سد الْأُفق وَمنع النَّاس من كثرته رُؤْيَة السَّمَاء وَأكل جَمِيع الْأَشْجَار حَتَّى خشبها. وانتشر الْجَرَاد إِلَى حلب ودمشق والقدس وغزة فاض بِمَا هُنَاكَ ضَرَرا شَدِيدا بَالغا وأفسد الثِّمَار كلهَا. فَلَمَّا دخل الْجَرَاد الرمل هلك بأجمعه حَتَّى مَلأ الطرقات وتحسنت أسعار بِلَاد الشَّام. وَفِي هَذَا الشَّهْر: عقد السُّلْطَان على بنت الْأَمِير أَحْمد ابْن الْأَمِير بكتمر الساقي من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 379 بنت تنكز وَأصْدقهَا عشرَة أُلَّاف دِينَار. وخلع السُّلْطَان على الْأَمِير قماري وَجَمِيع أقاربها وَعمل مهما عَظِيما ورسم أَن يعْمل لَهَا بشخاناه وداير بَيت زركش بِثَمَانِينَ ألف دِينَار. وَفِيه أنعم السُّلْطَان على الْأَمِير أرقطاي بتقدمة ألف فَطلب نَاظر طرابلس بِسَبَب تَقْرِير مَا نهب لأرقطاي أَيَّام نيابته فَذكر أَنه نهب لَهُ شَيْء كثير من ذَلِك زردخاناه ضمن ثَلَاثِينَ صندوقاً وفيهَا نَحْو اثْنَي عشر جوشنا وفيهَا بركصطوانات حَرِير قيمَة الْوَاحِدَة مِنْهَا زِيَادَة على عشْرين ألف دِرْهَم وَمن السُّرُوج والخيول والخيام وَالْجمال وَغَيرهَا شَيْء كثير. فَكتب إِلَى نواب الشَّام يتتبع من مَعَه شَيْء من ذَلِك وَحمله إِلَيْهِ. وَفِيه أخرج الْأَمِير قرمجي الْحَاجِب إِلَى صفد حاجباً بسؤاله. وَفِيه خلع عَليّ قراجا وأخيه أولاجا واستقرا حاجبين. وَفِيه سَأَلَ الْأَمِير آقسنقر السلاري الإعفاء من النِّيَابَة فَلم يعف. وَفِي يَوْم الْخَمِيس حادي عشر ربيع الأول: قدم الْأَمِير الْحَاج آل ملك من حماة. وَفِيه رسم للأمير طقتمر الأحمدي بنيابة طرابلس بِحكم وَفَاة الْأَمِير طينال. وَفِيه وَقعت مُنَازعَة بَين الْأَمِير جنكلي بن البابا وَبَين الضياء الْمُحْتَسب بِسَبَب وقف الْملك الْمَنْصُور أبي بكر على الْقبَّة المنصورية فَإِنَّهُ أَرَادَ إِضَافَته إِلَى المارستان وَصرف متحصله فِي مصرف المارستان. فَلم يُوَافقهُ الضياء وَاحْتج بِأَن لهَذَا مصرفاً عينه واقفه لقراء وخدام وَوَافَقَهُ الْقُضَاة على ذَلِك. فاستقر وقف الْمَنْصُور أبي بكر على مَا شَرطه لطلبة الْعلم والفقراء والأيتام وَقرر فِيهِ نَحْو سِتِّينَ نفر بمعاليم مَا بَين خبز ودراهم فَعم النَّفْع بِهِ وَيعرف الْيَوْم هَذَا الْوَقْف بالسيفي. وَفِيه وشى الخدام للسُّلْطَان بقاضي الْقُضَاة عز الدّين عبد الْعَزِيز بن جمَاعَة بِأَنَّهُ قد استولى على الْأَوْقَاف هُوَ وأقاربه وَلم يوصلوا أَرْبَابهَا استحقاقهم. فرسم للطواشي محسن الشهابي والطواشي كافور الْهِنْدِيّ بِأَن يتحدثا فِي الْمدرسَة الأشرفية الْمُجَاورَة للمشهد النفيسي وَكتب لَهما توقيع بذلك ورسم لعلم دَار بِنَظَر الْمدرسَة الناصرية بَين القصرين وبنظر جَامع القلعة. فشق ذَلِك على ابْن جمَاعَة وسعى عِنْد الْأَمِير أرغون العلائي فَلم ينجح سَعْيه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 380 وَفِيه اسْتَقر سيمف الدّين وَأَخُوهُ من آل فضل على أخباز آل مهنا لِسُلَيْمَان بن مهنا وأخوته بعد مَا توفر مِنْهَا جملَة أقطعت للأجناد وأمراء الشَّام. (وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشريه) رسم للأمير ألطنبغا المارداني بنيابة حماة عوضا عَن الْأَمِير علم الدّين سنجر الجاولي وخلع عَلَيْهِ وَركب الْبَرِيد من يَوْمه وَسَار فِي خَمْسَة من مماليكه وَسبب ذَلِك ترفعه على الْأَمِير أرغون العلائي. وَفِيه كتب بِحُضُور الْأَمِير سنجر الجاولي إِلَى نِيَابَة غَزَّة عوضا عَن أَمِير مَسْعُود بن خطير وَنقل أَمِير مَسْعُود إِلَى إمرة طبلخاناة بِدِمَشْق. وَفِيه قدم خبر من شطي بِأَن النَّاصِر أَحْمد قرر مَعَ بعض الكركيين أَن يدْخل إِلَى مصر وَيقتل السُّلْطَان فتشوش الْأُمَرَاء من ذَلِك وَوَقع الِاتِّفَاق على تَجْرِيد الْعَسْكَر لقتاله. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشريه: خلع عَليّ شُجَاع الدّين عزلوا وَالِي الأشمون وَاسْتقر فِي ولَايَة الْقَاهِرَة عوضا عَن نجم الدّين وَاسْتمرّ نجم الدّين على إمرته. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث ربيع الآخر: تَوَجَّهت التجريدة إِلَى الكرك صُحْبَة بيغرا وَهِي أول التجاريد. وعقيب ذَلِك حدث بالسلطان رُعَاف مُسْتَمر فاتهمت أمه أردو أم الْأَشْرَف كجك بِأَنَّهَا سحرته وهجمت عَلَيْهَا وأوقعت الحوطة على جَمِيع موجودها وَضربت عدَّة من جواريها ليعترفوا عَلَيْهَا. فَلم يكن غير قَلِيل حَتَّى عوفي السُّلْطَان فرسم بزينة الْقَاهِرَة ومصر وحملت أم السُّلْطَان إِلَى مشْهد السيدة نفيسة قنديل ذهب زنته رطلان وَسبع أَوَاقٍ وَنصف وَفِي يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشريه وَهُوَ آخر توت: انْتَهَت زِيَادَة النّيل إِلَى ثَمَانِيَة ذِرَاعا وَتِسْعَة أَصَابِع. وَفِيه قَامَت الزِّينَة لعافية السُّلْطَان ثمَّ انتكس السُّلْطَان وعوفي. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء سادس جُمَادَى الأولى: قدم الْأَمِير بيبرس الأحمدي نَائِب صفد. وَكَانَ من خَبره أَن النَّاصِر أَحْمد لما كَانَ بالكرك قبل خلعه كتب لآقسنقر نَائِب غَزَّة أَن يركب إِلَى صفد وَيقبض عَلَيْهِ وَأَنه كتب لأمراء صفد بالاحتفاظ عَلَيْهِ. فَبلغ ذَلِك الأحمدي من عيونه فَركب لَيْلًا بِمن مَعَه وَهُوَ مستعد وَخرج من صفد. فَتَبِعَهُ عسكرها فَمَال عَلَيْهِم وَقتل مِنْهُم خَمْسَة وجرح جمَاعَة وَهُوَ مِنْهُم. فَبلغ ذَلِك آقسنقر نَائِب غَزَّة وَقد قرب من صفد فكر رَاجعا إِلَى غَزَّة وَكتب بالْخبر إِلَى السُّلْطَان النَّاصِر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 381 أَحْمد. وَمر الأحمدي سائراً إِلَى دمشق وفيهَا الْأَمِير بيبرس الْحَاجِب وطرنطاي الْحَاجِب. فَنزل الأحمدي ميدان الْحَصَا وَخرج الأميران الْمَذْكُورَان فِي عدَّة من الْعَسْكَر إِلَيْهِ فَسَلمُوا عَلَيْهِ وتوجعوا لَهُ ثمَّ عَادوا. فَقدم فِي ثَانِي يَوْم قدومه كتاب السُّلْطَان النَّاصِر أَحْمد على نَائِب دمشق بإكرامه واحترامه ثمَّ قدم من الْغَد يُوسُف بن البصارة بِكِتَاب السُّلْطَان النَّاصِر أَحْمد إِلَى أُمَرَاء دمشق بِأَنَّهُ قد طلب بيبرس الأحمدي إِلَى الكرك فعصى وَخرج من صفد بعد مَا قتل جمَاعَة مِنْهَا وَأمرهمْ بِأخذ الطرقات عَلَيْهِ ومسكه وَحمله إِلَى الكرك. فأخدوا فِي أهبة الْحَرْب وركبوا لقتاله فِي يَوْم الْخَمِيس ثامن الْمحرم وبعثوا إِلَيْهِ سرا يعرفونه بِمَا ورد عَلَيْهِم. فَركب الأحمدي إِلَى لقائهم حَتَّى ترَاءى الْفَرِيقَانِ فَبعث إِلَيْهِ الْأُمَرَاء بعض الْحجاب يُعلمهُ بمرسوم السُّلْطَان فِيهِ فَأَعَادَ الْجَواب باني طالع للسُّلْطَان إِذا كَانَ على كرْسِي ملكه بِمصْر وأسير إِلَيْهِ وَفِي عنقِي منديل ليعاقبني أَو يعْفُو عني. وَأما سُلْطَان يُقيم بالكرك وَيضْرب رِقَاب الْأُمَرَاء ويهتك حريمهم ويخرجهم بِحَيْثُ يتَصَدَّق النَّاس عَلَيْهِم ثمَّ يطلبني إِلَيْهِ فَلَا سمع وَلَا طَاعَة. وهأنا لَا أسلم نَفسِي حَتَّى أَمُوت على فرسي وَمن كَانَ فِي نَفسه مني فليأت إِلَى قتالي. فَلَمَّا سمعُوا جَوَابه أَمرهم ابْن البصارة بِأَن يهجموا عَلَيْهِ ويمسكوه فاحتجوا عَلَيْهِ بِأَن المرسوم لَا يتَضَمَّن قِتَاله وَهَذَا الَّذِي قلته يحْتَاج إِلَى قتال شَدِيد. وَلَكنَّا نكتب إِلَى السُّلْطَان بِمَا اتّفق ونستأذنه فِي قِتَاله ونمتثل مَا يرسم بِهِ وتكفلوا لَهُ بحفظه حَتَّى يعود بِالْجَوَابِ فَمشى ذَلِك عَلَيْهِ وَسَار بكتبهم. وَاجْتمعَ الْأُمَرَاء بالأحمدي وَكَتَبُوا إِلَى أُمَرَاء مصر بِمَا اتّفق وَكَتَبُوا لأيدغمش نَائِب حلب وللحاج آل ملك بحماة وَعرفُوا الْجَمِيع أَن هَذَا الْأَمر إِن تَمَادى بهم ركبُوا جَمِيعهم وعبروا لبلاد الْعَدو فَكَانَ هَذَا أكبر الْأَسْبَاب فِي خلع النَّاصِر أَحْمد. وَلم يزل بيبرس الأحمدي بِدِمَشْق حَتَّى كتب إِلَيْهِ الْملك الصَّالح أَن يقدم إِلَى مصر فَقَدمهَا وَاسْتقر على إقطاعه. وَفِي هَذَا الشَّهْر: عزل أقبغا عبد الْوَاحِد من نِيَابَة حمص وأنعم عَلَيْهِ بإمرة مائَة بِدِمَشْق. وَفِي يَوْم الْأَحَد عَاشر جُمَادَى الْآخِرَة: خرج أروم بغا السِّلَاح دَار لنيابة طرابلس غَضبا عَلَيْهِ لمكاتبته النَّاصِر أَحْمد لَهُ. وَفِيه كتب بقدوم طقتمر الأحمدي إِلَى الْقَاهِرَة. وَفِيه قبض على جمال الكفاة نَاظر الْجَيْش وَالْخَاص والموفق نَاظر الدولة والصفي نَاظر الْبيُوت وزجماعة من الْكتاب وسلموا لشاد الدَّوَاوِين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 382 وَفِيه قبض على ابْن رخيمة مقدم الْوَالِي وَسبب الْقَبْض على جمال الكفاة كَرَاهَة آقسنقر السلاري النَّائِب لَهُ لنقله للسُّلْطَان أخباره مَعَ توقف الدولة على الْوَزير وَكَثْرَة شكوى المماليك والخدام. وَكَانَ السُّلْطَان قد كثر إنعامه على الخدام وحواشيهم وعَلى جواريه ورتب لَهُم رواتب كَبِيرَة وأنعم عَلَيْهِم بعدة رزق. وَصَارَ كثير من النَّاس يحملون إِلَى الخدام الْهَدَايَا لتستقر لَهُم الرَّوَاتِب والمباشرات وَغَيرهَا. فكثرت كلف الْوَزير وَطلب الإعفاء فرسم لَهُ أَلا يمْضِي إِلَى بِمَا كَانَ بمرسوم الشَّهِيد الْملك النَّاصِر مُحَمَّد فوفر ألفاص وَأَرْبَعمِائَة دِينَار فِي كل شهر. وَأخذ النَّائِب يغري الْأَمِير أرغون العلائي بِجَمَال الكفاة فَتعين مُوسَى بن التَّاج إِسْحَاق لنظر الْخَاص بسعي الخدام وَتعين أَمِين الدّين إِبْرَاهِيم بن يُوسُف الْمَعْرُوف بكاتب طشتمر لنظر الْجَيْش. وَإِبْرَاهِيم بن يُوسُف هَذَا كَانَ من سامرة دمشق كتب عِنْد الْأَمِير بكتمر الْحَاجِب فَأسلم ثمَّ كتب بعد مسك بكتمر عِنْد بهاء الدّين أرسلان الدوادار ثمَّ بعد مَوته عِنْد الْأَمِير طشتمر حمص أَخْضَر وَمن بعد مَوته كتب عِنْد الْأَمِير قماري أستادار. ثمَّ طلب هُوَ ومُوسَى بن التَّاج فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ حادي عشرَة ليخلع عَلَيْهِمَا فَقَامَ الْأَمِير جنكلي بن البابا والحاج آل ملك وأرقطاي فِي مساعدة جمال الكفاة وتلطفوا بالنائب حَتَّى كف عَنهُ على أَن يحمل مَالا هُوَ ورفيقه. فالتزم جمال الكفاة. بِمِائَة ألف دِينَار وخلع عَلَيْهِ وعَلى بَقِيَّة الممسوكين فَحمل المَال شَيْئا بعد شَيْء ثمَّ أعفى عَمَّا بَقِي مِنْهُ. وَفِيه قدم أياز الساقي على الْبَرِيد بِمَوْت أيدغمش نَائِب الشَّام فَجْأَة فَوَقع الِاخْتِيَار على اسْتِقْرَار الْأَمِير طقزدمر الْحَمَوِيّ فِي نِيَابَة الشَّام ويستقر عوضه فِي نِيَابَة حلب ألطنبغا المارداني ويستقر يلبغا اليحياوي عوضه فِي نِيَابَة حماة. فَكتب بذلك فِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشره وَخرج يلبغا اليحياوي إِلَى نيابته بحماة وَمَعَهُ كل من يلوذ بِهِ. وَفِيه قدم كتاب سُلَيْمَان بن مهنا يسْأَل فِي الإفراج عَن أَخِيه فياض ورد مَا أخرج عَن آل مهنا من الإقطاعات وَإِلَّا سَار بعربه إِلَى الشرق. فأعيدت الإقطاعات إِلَى مهنا وَأَوْلَاده وأوقف إفراج فياض على ضَمَانه إِيَّاه. وَفِيه أنعم على الْأَمِير بهادر الدمرداشي بِثَلَاثَة بِلَاد زِيَادَة على مَا بِيَدِهِ. وَفِيه قدم الْخَبَر بِأَن قَاضِي الْقُضَاة الشَّافِعِي بِدِمَشْق تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ لما أَرَادَ أَن يخْطب بالجامع الْأمَوِي لم يرض بِهِ أهل دمشق خَطِيبًا وكرهوا خطته وَلم يُؤمنُوا على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 383 دُعَائِهِ وصاحوا عَلَيْهِ صياحاً مُنْكرا وَترك جمَاعَة الصَّلَاة وَقَالُوا مَا نصلي خَلفك فثارت عَلَيْهِ الْعَامَّة. فَلَمَّا كَانَت الْجُمُعَة الثَّانِيَة جرى أفحش مَا جرى فِي الأولى فآل الْأَمر إِلَى أَن أشهد على نَفسه أَنه ترك الخطابة. وَفِيه قدم الْخَبَر بِأَن شطي وثب عَلَيْهِ رجل وَهُوَ مَعَ الْعَسْكَر على الكرك فَضَربهُ بِحَرْبَة أرداه عَن فرسه فَحمل إِلَى بيوته وَأَن الْعَسْكَر فِي شدَّة من الأمطار وَقلة الْوَاصِل إِلَيْهِم وَأَن النَّاصِر أَحْمد رد جَوَاب كتاب السُّلْطَان إِلَيْهِ بِمَا لَا يَلِيق. فَكتب السُّلْطَان لِأَحْمَد بتعداد مساوئه وتهديده بتخريب الكرك حجرا حجرا وَكتب بمسير عَسْكَر غَزَّة وصفد إِلَى نجدة الْأَمِير بيغرا وَحمل الغلال والإقامات وحشد العربان مَعَهم ومحاصرة الكرك. وَفِيه أفرج عَن فياض بن مهنا بمساعدة الْأَمِير الْحَاج آل ملك وَسلم إِلَى الْأَمِير أقسنقر السلاري النَّائِب حَتَّى يحضر كتاب أَخِيه سُلَيْمَان بن مهنا. وَفِيه أنعم على أرغون العلائي بإقطاع قماري بعد مَوته وَاسْتقر تمر الموساوي أَمِير شكار وَفِيه خرج السُّلْطَان إِلَى سرياقوس على الْعَادة فَقدم عَلَيْهِ التقي السُّبْكِيّ قَاضِي دمشق فَأقبل عَلَيْهِ السُّلْطَان والأمراء. فَلَمَّا عَاد السُّلْطَان من سرحة سرياقوس مرض أَيَّامًا حَتَّى استرخت أعضاؤه وَصَارَ العلائي وآقسنقر النَّائِب يدبران أُمُور الدولة. وَفِيه ورد الْخَبَر بعافية شطي وَأَنه ركب مَعَ الْعَسْكَر على الكرك وقاتلوا أَهلهَا وهزموهم إِلَى القلعة. فأذعن النَّاصِر أَحْمد وَسَأَلَ أَن يُمْهل حَتَّى يُكَاتب السُّلْطَان ليرسل من يتسلم مِنْهُ القلعة فَرَجَعُوا عَنهُ. فَلم يكن غير قَلِيل حَتَّى استعد وَقَاتل بِمن مَعَه فَخرج جركتمر المارداني ليجهز ألفي راجل من غَزَّة وصفد. وَفِيه أنعم على فياض بِالْعودِ إِلَى بِلَاده فَتوجه إِلَيْهَا بَعْدَمَا حلف على الْتِزَام الطَّاعَة وَألا يتَعَرَّض لأمور التُّجَّار. وَفِي رَابِع عشره: أخرج جمَاعَة من الْأُمَرَاء إِلَى الشَّام مِنْهُم ملكتمر السرجواني وبكا الخضري وقطلقتمر وأباجي وَيحيى بن ظهير الدّين بغا وأخيه ثمَّ أُعِيد ملكتمر من يَوْمه. وَفِيه قدمت رسل متملك الخطا وَقد خَرجُوا من بِلَادهمْ سنة تسع وَثَلَاثِينَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 384 وَسَبْعمائة وَمَعَهُمْ كتاب للسُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد يتَضَمَّن أَن بعض الْفُقَرَاء قدم عَلَيْهِم وَأقَام عِنْدهم مُدَّة وهم يَسْجُدُونَ للشمس عِنْد طُلُوعهَا فمازال يُنكر عَلَيْهِم ذَلِك ويدعوهم إِلَى الْإِسْلَام حَتَّى عرف بِهِ الْملك فَأحْضرهُ إِلَيْهِ وَسمع كَلَامه وَدعَاهُ إِلَى الْإِسْلَام وهداه الله إِلَيْهِ وَأسلم فَبعث رسله إِلَى مصر فِي طلب كتب الْعلم وإرسال رجل عَارِف يعلمهُمْ شرائع الْإِسْلَام فَإِن الرجل الَّذِي هدَاهُم بِهِ مَاتَ. فَأقبل السُّلْطَان الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل عَلَيْهِم وخلع عَلَيْهِم ورسم بتجهيز الْكتب العلمية لَهُم. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي رَجَب: أنعم على أَرْبَعَة بإمريات طبلخاناة مِنْهُم أَمِير حاجي ابْن النَّاصِر مُحَمَّد. وَفِيه أنعم على خَمْسَة بإمريات عشرَة ونزلوا إِلَى الْمدرسَة المنصورية على الْعَادة بِالْقَاهِرَةِ فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَفِيه خلع على الْأَمِير ملكتمر السرجواني وَاسْتقر فِي الوزارة عوضا عَن نجم الدّين مَحْمُود بن عَليّ بن شرْوَان وَزِير بَغْدَاد لتوقف أَحْوَال الدولة وشكوى المماليك السُّلْطَانِيَّة من تَأَخّر جوامكهم. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء رابعه: كَانَت فتْنَة رَمَضَان أخى السُّلْطَان وَذَلِكَ أَنه كَانَ قد أنعم عَلَيْهِ بتقدمة ألف فَلَمَّا خرج السُّلْطَان إِلَى سرحة سرياقوس تَأَخّر عَنهُ بالقلعة وتحدث مَعَ جمَاعَة من المماليك فِي إِقَامَته سُلْطَانا. فَلَمَّا مرض السُّلْطَان بالاسترخاء قوي أمره وأشاع ذَلِك وراسل بكا الخضري وَمن خرج مَعَه من الْأُمَرَاء وواعد من وَافقه على الرّكُوب بقبة النَّصْر. فَبلغ ذَلِك السُّلْطَان ومدبر دولته الْأَمِير أرغون العلائي فَلم يعبأ بِهِ إِلَى أَن أهل رَجَب جهز الْأَمِير رَمَضَان خيله وهجنه بِنَاحِيَة بركَة الْحَبَش وواعد أَصْحَابه على يَوْم الْأَرْبَعَاء. فَبلغ الْأَمِير أقسنقر أَمِير أخور عِنْد الْغُرُوب من لَيْلَة الْأَرْبَعَاء مَا هم فِيهِ من الْحَرَكَة فَركب بِمن مَعَه وَندب عدَّة من العربان ليأتوه بِخَبَر الْقَوْم إِذا ركبُوا. فَلَمَّا أَتَاهُ خبرهم ركب وَسَار إِلَيْهِم وَأَخذهم عَن أخرهم من خلف القلعة لَيْلًا وساقهم إِلَى الإصطبل. وَعرف أقسنقر أَمِير أخور السُّلْطَان وأرغون العلائي من بَاب السِّرّ بِمَا فعله إِلَيْهِمَا فَصَعدَ بِمَا ظفر بِهِ من أسلحة الْقَوْم. وَاتَّفَقُوا على طلب إخْوَة السُّلْطَان إِلَى عِنْده والاحتفاظ بهم. فَلَمَّا طلع الْفجْر خرج أرغون العلائي من بَين يَدي السُّلْطَان وَطلب الْإِخْوَة ووكل بِبَيْت رَمَضَان حَتَّى طلعت الشَّمْس وَصعد الْأُمَرَاء الأكابر باستدعاء وأعلمو بِمَا وَقع فطلبوا رَمَضَان إِلَيْهِم فَامْتنعَ من الْحُضُور وهم يلحون فِي طلبه إِلَى أَن خرجت أمه وصاحت عَلَيْهِم فعادوا عَنهُ إِلَى أرغون العلائي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 385 فَبعث أرغون عدَّة من الخدام والمماليك لإحضاره. فَخرج رَمَضَان فِي عشْرين مَمْلُوكا إِلَى خَارج بَاب الْقلَّة وَسَأَلَ عَن النَّائِب أقسنقر السلاري فَقيل لَهُ أَنه عِنْد السُّلْطَان مَعَ الْأُمَرَاء فَمضى إِلَى بَاب القلعة وسيوف أَصْحَابه مصلتة وَركب من خُيُول الْأُمَرَاء وَمر بِمن مَعَه إِلَى سوق الْخَيل تَحت القلعة فَلم يجد أحدا من الْأُمَرَاء فَتوجه جِهَة قبَّة النَّصْر. ثمَّ وقف رَمَضَان وَمَعَهُ بكا الخضري وَقد اجْتمع النَّاس عَلَيْهِ. وَبلغ السُّلْطَان والأمراء خَبره فَأخْرج بالسلطان مَحْمُولا بَين أَرْبَعَة لما بِهِ من الاسترخاء وَركب النَّائِب وآقسنقر أَمِير أخور وقماري أَخُو بكتمر. وَأقَام أكَابِر الْأُمَرَاء عِنْد السُّلْطَان ووقفت أطلابهم تَحت القلعة وَضربت الكوسات حَرْبِيّا وَنزل النُّقَبَاء فِي طلب الأجناد. فَوقف النَّائِب بِمن مَعَه تجاه رَمَضَان وَقد كثر جمعه من أجناد الحسينية وَمن مماليك بكا وَمن الْعَامَّة وَبعث يخبر السُّلْطَان بذلك فَمن شدَّة انزعاحه نهضت قوته وَقَامَ على قَدَمَيْهِ يُرِيد الرّكُوب بِنَفسِهِ فَقَامَ الْأُمَرَاء وهنؤه بالعافية وقبلوا لَهُ الأَرْض وهونوا عَلَيْهِ أَمر أَخِيه. فَأَقَامَ السُّلْطَان إِلَى بعد الظّهْر والنائب يراسل رَمَضَان ويعده الْجَمِيل ويخوفه الْعَاقِبَة وَهُوَ لَا يلْتَفت إِلَى قَوْله. فعزم النَّائِب على الحملة عَلَيْهِ بِمن مَعَه وَسَار فَلم يثبت العامه والمتجمعه من الأجناد مَعَ رَمَضَان وانفلوا عَنهُ فَانْهَزَمَ رَمَضَان هُوَ وبكا الخضري فِي عدَّة من المماليك وتوجهوا نَحْو الْبَريَّة والأمراء فِي طلبه ثمَّ عَاد النَّائِب إِلَى السُّلْطَان فَلَمَّا كَانَ بعد عشَاء الْآخِرَة من لَيْلَة الْخَمِيس أحضر برمضان وبكا وَقد أدركوهما بعد الْمغرب عِنْد البويب ورموا بكا بالنشاب حَتَّى ألقوه عَن فرسه وَقد وقف فرس رَمَضَان من شدَّة السُّوق فَوكل برمضان من يحفظه وَأذن لِلْأُمَرَاءِ وَجلسَ السُّلْطَان وَطلب مماليك رمصان فأحضروا. وَأمر السُّلْطَان بحبسهم وحبسوا أَيَّامًا ثمَّ فرقوا على الْأُمَرَاء. وَفِيه رسم لجمال الكفاة بتجهيز التشاريف لِلْأُمَرَاءِ الأكابر فَحمل إِلَى كل من الْأَمِير جنكلي بن البابا والأمير بيبرس الأحمدي والأمير بيبرس الْحَاج آل ملك والأمير قماري والأمير أرقطاي تشريف كَامِل وَألف دِينَار وللنائب أقسنقر السلاري تشريف وألفا دِينَار وفرسان ولمقدمي الْحلقَة تشاريف بأقبية ساذجة مروزي لأجل إعادتهم فَإِنَّهَا كَانَت بغاليطق ملونة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 386 وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشر: أَمر السُّلْطَان سِتَّة أُمَرَاء. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس عشره: قدم الْأَمِير بيغرا وَمن مَعَه من الْعَسْكَر الْمُجَرّد لقِتَال النَّاصِر أَحْمد بعد مَا حَارَبُوهُ. وَكَانَ قد جرح مِنْهُم جمَاعَة وَقلت أَزْوَادهم فَكتب السُّلْطَان بإحضارهم إِلَى الديار المصرية وَلما مثلُوا بِالْخدمَةِ خلع عَلَيْهِم. وَفِيه كتب السُّلْطَان باستقرار طرنطاي البشممقدار فِي نِيَابَة غَزَّة عوضا عَن الجاولي وَقدم الجاولي إِلَى مصر. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع عشريه: وسط الْأَمِير بكا الخضري وَمَعَهُ مملوكان من المماليك السُّلْطَانِيَّة بسوق الْخَيل تَحت القلعة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: استجد السُّلْطَان بالقلعة عمَارَة جليلة وَأقَام أقجبا الْحَمَوِيّ شاد العمائر وَقرر على أَرْبَاب الدَّوَاوِين رخاماً يحملونه إِلَيْهَا. وَقصد بذلك محاكاة عمَارَة الْملك الْمُؤَيد بحماة الْمَعْرُوفَة بالدهشية. فَتوجه أقجبا وأبجيج المهندس إِلَى حماة حَتَّى عرفا ترتيبها. وَكتب السُّلْطَان إِلَى حلب بِطَلَب ألفي حجر أَبيض وَألْفي حجر أَحْمَر من دمشق فَحملت وسخر لَهَا الْجمال. فبلغت أُجْرَة الْحجر مِنْهَا ثَمَانِيَة دَرَاهِم من دمشق واثني عشر درهما من حلب. وَوَقع الاهتمام فِي الْعَمَل فَكَانَ المصروف فِي الْعِمَارَة كل يَوْم عشرَة أُلَّاف دِرْهَم. وَفِي هَذَا الشَّهْر: أَيْضا وقف السُّلْطَان الْملك الصَّالح ثُلثي نَاحيَة سندبيس من القليوبية على سِتَّة عشر خَادِمًا لخدمة الضريح الشريف النَّبَوِيّ فتمت عدَّة خدام الضريح الشريف أَرْبَعُونَ خَادِمًا. وَفِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع شعْبَان: قدم الْأَمِير علم الدّين سنجر الجاولي من غَزَّة. وَفِيه قدم الْبَرِيد بِمَوْت الْأَمِير أرنبغا نَائِب طرابلس فَعمِلت عَلَيْهِ أوراق بِحُقُوق سلطانية مبلغها ألفا ألف دِرْهَم. وَفِيه قدمت أَوْلَاد الْأَمِير أيدغمش من دمشق فألزموا بتفاوت الإقطاعات الَّتِي انْتَقَلت إِلَى أَبِيهِم من مصر وحلب ودمشق فبلغت جملَة كَثِيرَة باعوا فِيهَا خيولاً وعصابة مرصعة لأمهم بلغت مائَة ألف دِرْهَم. وَبَاعُوا حمام أيدغمش أَبِيهِم خَارج بَاب زويلة إِلَى خوند طغاي وعدة أَمْلَاك أَيْضا. وَفِي يَوْم السبت ثَالِث شَوَّال: توفّي الْأَمِير بهادر الجوباني. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 387 وَفِي عاشره: توجه الْأَمِير بيبرس الأحمدي والأمير كوكاي فِي ألفي فَارس تجريدة لقِتَال النَّاصِر أَحْمد بالكرك وَهِي ثَانِي تجريدة. وَكتب بِخُرُوج تجريدة من دمشق وَحمل المنجنيق ونصبه على الكرك. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشريه: صَار نقل الأير يلبغا اليحياوي إِلَى حماة مَعَ طلبه فَركب الْأَمِير أرغون العلائي فِي عدَّة من الْأُمَرَاء حَتَّى زين خيله زِينَة عَظِيمَة ورتبها بِنَفسِهِ وشقوا الْقَاهِرَة وَكتب لَهُم بالإقامات فِي الطرقات. وَفِيه أَيْضا أُعِيد نجم الدّين مَحْمُود وَزِير بَغْدَاد إِلَى الوزارة وأعفي ملكتمر السرجواني مِنْهَا لتوقف أَحْوَال الدولة. وخلع عَليّ جمال الكفاة وَاسْتقر مشير الدولة بسؤال وَزِير بَغْدَاد فِي ذَلِك فَنزلَا مَعًا بتشاريفهما. وَصَارَ جمال الكفاة يطلع بكرَة النَّهَار إِلَى بَاب القلعة وَمَعَهُ الْوَزير فيصرفان الأشغال. وَطلب جمال الكفاة ضَمَان جَمِيع الْجِهَات وَزَاد فِي كل جِهَة نَحْو الْعشْرين ألف دِرْهَم وَمنع أَن يحمل شَيْء من مَال الجيزة وَلَا يصرف مِنْهَا إِلَّا بمرسوم السُّلْطَان فمشمت (وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس ذِي الْقعدَة) اسْتَقر لاجين أَمِير أخور عوضا عَن الْأَمِير آقسنقر الناصري. وَسبب ذَلِك أَنه سَأَلَ أَن يتَزَوَّج بخوند أردو أم الْأَشْرَف كجك فَأُجِيب إِلَى ذَلِك وَتزَوج بهَا وَكَانَت جميلَة الصُّورَة. ثمَّ بعد زواجها بأيام سَأَلَ الْأَمِير أقسنقر أَن يمشي صرغتمش الناصري فِي خدمته وَكَانَ قد اشْتَرَاهُ السُّلْطَان النَّاصِر مُحَمَّد بِنَحْوِ مائَة ألف دِرْهَم دفع عَنْهَا السُّلْطَان قَرِيبا من نَحْو خَمْسَة أُلَّاف دِينَار مصرية لجماله وبسببه كَانَت فتْنَة الْأَمِير قوصون مَعَ المماليك السُّلْطَانِيَّة لما طلبه بِاللَّيْلِ. وَكَانَ آقسنقر يهواه وَهُوَ يترفع عَلَيْهِ فَاسْتَشَارَ السُّلْطَان الْأَمِير أرغون العلائي فِي إرْسَال صرغتمش إِلَى آقسنقر فَأنْكر ذَلِك. ثمَّ طلب السُّلْطَان صرغتمش وعرفه بِطَلَب أقسنقر لَهُ فَامْتنعَ أَشد امْتنَاع وَقَالَ: أقتل نَفسِي وَلَا أمضي إِلَيْهِ وأمشي فِي خدمته فَبعث السُّلْطَان إِلَى قماري والحجازي والنائب آقسنقر السلاري وعرفهم بذلك كُله فكلهم أنكر على آقسنقر الناصري طلبه صرغتمش وصابه وَأخذ الْحِجَازِي يتلطف بآقسنقر الناصري حَتَّى كف عَن طلبه على كره. ثمَّ رسم السُّلْطَان لآقسنقر الناصري أَن يتَوَجَّه مَعَ التجريدة إِلَى الكرك وَحمل إِلَيْهِ عشرَة أُلَّاف دِينَار وخسمائة جمل. وَأخذ الْأُمَرَاء فِي حمل التقادم إِلَيْهِ على حسب هممهم حَتَّى لم يبْق إِلَّا سَفَره. ثمَّ تخيل الْأَمِير أرغون العلائي من سَفَره أَن يخَامر مَعَ النَّاصِر أَحْمد فَبعث إِلَيْهِ يمنعهُ من السّفر فشق عَلَيْهِ ذَلِك وَلم يُوَافق فَأرْسل إِلَيْهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 388 السُّلْطَان الْأَمِير قماري أستادار فتلطف بِهِ حَتَّى وَافق بِشَرْط الإعفاء من الْأَمِير أخورية فأعفي وَسكن الْحِجَازِي بالأشرفية من القلعة وتحول آقسنقر إِلَى دَار الْحِجَازِي. وَفِي هَذِه السّنة: بعث أرتنا صَاحب الرّوم بهدية جليلة صُحْبَة قَاضِي الرّوم وَسَأَلَ أَن تجْرِي على مَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَمر فِي أَيَّام الشَّهِيد السُّلْطَان النَّاصِر مُحَمَّد من تجهيز التَّقْلِيد بنيابة الرّوم. وفيهَا رتب السُّلْطَان دروساً للمذاهب الْأَرْبَعَة بالقبة المنصورية ووقف عَلَيْهَا وعَلى قراء وخدام وَغير ذَلِك نَاحيَة دهمشا من الشرقية فاستقر ذَلِك وَعرف بوقف الصَّالح. وفيهَا اسْتَقر عَلَاء الدّين عَليّ بن عُثْمَان بن أَحْمد بن عَمْرو بن مُحَمَّد الزرعي فِي قَضَاء الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بحلب عوضا عَن الْبُرْهَان إِبْرَاهِيم الرَّسْعَنِي. ثمَّ صرف الزرعي ببدر الدّين إِبْرَاهِيم بن الصد أَحْمد بن عِيسَى بن عمر بن خَالِد بن عبد المحسن بن الخشاب الْمصْرِيّ. وفيهَا ولدت امْرَأَة بِدِمَشْق مولوداً برأسين وَأَرْبَعَة أَيدي. وفيهَا كَانَ بِعَرَفَة يَوْم عَرَفَة فتْنَة بَين الْعَرَب وَالْحجاج من قبل الظّهْر إِلَى غرُوب الشَّمْس قتل فِيهَا جمَاعَة. وسببها أَن الشريف رميثة بن أبي نمى أَمِير مَكَّة شكا من بني حسن إِلَى أَمِير الْحَاج. فَركب أَمِير الْحَاج فِي يَوْم عَرَفَة بِعَرَفَة لحربهم وَقَاتلهمْ وَقتل من التّرْك سِتَّة عشر فَارِسًا وَقتل من جمَاعَة بني حسن عدَّة وَانْهَزَمَ بَقِيَّتهمْ فنفر النَّاس من عَرَفَة على تخوف وَلم ينهب لأحد شَيْء وَلَا تزَال بَنو حسن بمنى. ثمَّ رَحل الْحَاج بأجمعهم يَوْم النَّفر الأول ونزلوا الزَّاهِر خَارج مَكَّة وَسَارُوا مِنْهُ لَيْلًا إِلَى بطن مرو. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشر ذِي الْحجَّة: رسم بتجريد الْأَمِير أبي بكر بن أرغون النَّائِب والأمير أصلم والأمير أرنبغا. وَبَلغت زِيَادَة النّيل فِي هَذِه السّنة ثَمَانِيَة عشر ذِرَاعا وَتِسْعَة أَصَابِع. وَمَات فِيهَا من الْأَعْيَان برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد السفاقسي الْمَالِكِي فِي ذِي الْحجَّة وَله إِعْرَاب القرأن وَشرح ابْن الْحَاجِب فِي الْفِقْه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 389 وَمَات الْأَمِير أرنبغا الناصري نَائِب طرابلس. وَمَات الْأَمِير أيدغمش الناصري نَائِب الشَّام. وَمَات الْأَمِير بيبرس الأحمدي الْحَاجِب وَهُوَ بِدِمَشْق فِي رَجَب. وَهُوَ أحد المماليك الناصرية ترقى فِي الخدم حَتَّى صَار أَمِير أخور ثمَّ عزل بأيدغمش وَاسْتقر حاجباً. وتجرد إِلَى الْيمن ثمَّ لما عَاد سجن فِي الْعشْرين من ذِي الْقعدَة سنة خمس وَعشْرين وَأقَام معتقلاً تسع سِنِين وَثَمَانِية أشهر إِلَى أَن أفرج عَنهُ فِي ثَانِي عشرى رَجَب سنة خمس وَثَلَاثِينَ. وَأخرج إِلَى حلب أَمِيرا بهَا ثمَّ نقل إِلَى إمرة بِدِمَشْق فِي سنة تسع وَثَلَاثِينَ فمازال بهَا حَتَّى مَاتَ. وَله دَار بِالْقَاهِرَةِ دَاخل بَاب الزهومة بحارة العدوية وحفيده أَمِير عَليّ بن أَمِير أَحْمد بن الْحَاجِب الْمُقْرِئ. وَمَات الْأَمِير بكا الخطيري مقتولاً فِي رَابِع عشرى رَجَب. وَمَات الْأَمِير بهادر الجوباني رَأس نوبَة. وَمَات الْأَمِير قماري أَمِير شكار يَوْم الْإِثْنَيْنِ خَامِس جُمَادَى الأولى. وَمَات الْأَمِير طشتمر حمص أَخْضَر نَائِب صفد وحلب مقتولاً بالكرك. وَمَات الْأَمِير سُلَيْمَان بن مهنا بن عِيسَى بن مهنا بن مَانع بن حَدِيثَة بن غضية بن فضل أَمِير آل فضل بِظَاهِر سلمية. وَمَات الْأَمِير طينال نَائِب صفد ونائب غَزَّة ونائب طرابلس وَهُوَ بصفد فِي يَوْم الْجُمُعَة رَابِع ربيع الأول. وَتُوفِّي تَاج الدّين أَبُو المحاسن عبد الْقَادِر بن عبد الْمجِيد بن عبد الله بن مَتى الْيَمَانِيّ المَخْزُومِي الشَّافِعِي الأديب الْكَاتِب بالقدس عَن ثَلَاث وَسِتِّينَ سنة. قدم الْقَاهِرَة وَأقَام بهَا وَله شعر وَمَات الْحَاجِب صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْمَعْرُوف بِابْن الْبُرْهَان. وَتُوفِّي فَخر الدّين مُحَمَّد بن يحيى بن عبد الله بن شكر الْمَالِكِي بِمصْر عَن سبعين سنة. وَتُوفِّي الْمُقْرِئ بدر الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن نصحان الدِّمَشْقِي شيخ الْقُرَّاء بهَا عَن خمس وَسبعين سنة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 390 وَمَات الْأَمِير قطلوبغا الفخري نَائِب الشَّام مقتولاً بالكرك. وَمَات سعد الْملك مطرف فِي حادي عشْرين جُمَادَى الأولى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 391 فارغة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 392 (سنة أَربع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة) يَوْم الْإِثْنَيْنِ مستهل الْمحرم: قدم مُبشر الْحَاج وَأخْبر بِكَثْرَة مَا كَانَ فِي هَذِه الْحجَّة من المشقات. وَذَلِكَ أَنه لما كَانَ يَوْم عَرَفَة تنافر أَشْرَاف مَكَّة مَعَ الأجناد من مصر فَرَكبُوا لحرابهم بكرَة النَّهَار ووقفوا للحرب صفّين. فَمشى الشريف عجلَان بَينهم فَلم تطعه الْأَشْرَاف وحملوا على الأجناد وقاتلوهم فَقتل مِنْهُم وَمن الْعَامَّة جمَاعَة. وأبلى الشريف عجلَان بن عقيل وأبلى كَذَلِك الْأَمِير أيدمر بلَاء عَظِيما فَعَاتَبَهُ بعض مماليك الْأَمِير بشتاك ورماه بِسَهْم فِي صَدره أَلْقَاهُ عَن فرسه وَقتل مَعَه أَيْضا جمَاعَة وَآل الْأَمر. إِلَى نهب شَيْء كثير ثمَّ تراجع عَنْهُم الْأَشْرَاف. وَفِيه قدم عِيسَى بن فضل بقود أَخِيه سيف بن فضل على عَادَته. وَكَانَ سُلَيْمَان بن مهنا قد سَافر إِلَى بِلَاده فَأكْرمه السُّلْطَان وأنعم عَلَيْهِ وأنزله منزلَة حَسَنَة. وَفِي يَوْم السبت سادسه: قدم من الكرك الطواشي صفي الدّين جَوْهَر ورفيقه مُخْتَار فارين من النَّاصِر أَحْمد. وَفِي يَوْم الْأَحَد سابعه: خرج المجردين إِلَى الكرك من الْقَاهِرَة صُحْبَة الْأَمِير أصلم والأمير بيبغا حارس الطير. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء عاشره: قبض السُّلْطَان على أَرْبَعَة أُمَرَاء وهم الْأَمِير أقسنقر السلاري نَائِب السلطنة والأمير بيغرا أَمِير جاندار صهره والأمير قراجا الْحَاجِب وأخيه أولاجا وقيدوا ورسم بسجنهم فِي الْإسْكَنْدَريَّة. وَفِيه خرج الْأَمِير بلك على الْبَرِيد إِلَى المجردين إِلَى الكرك فأدركهم على السعيدية فطيب خواطرهم وأعلمهم بِالْقَبْضِ على الْأُمَرَاء وَعَاد سَرِيعا فَقدم قلعة الْجَبَل طُلُوع الشَّمْس من يَوْم الْخَمِيس حادي عشره وَبعد وُصُوله قبض السُّلْطَان على الْأَمِير طيبغا الدوادار الصَّغِير. وَسبب قبض السُّلْطَان على هَؤُلَاءِ الْأُمَرَاء أَن الْأَمِير أقسنقر السلاري كَانَ فِي نيابته لَا يرد قصَّة ترفع إِلَيْهِ فقصده النَّاس من الأقطار وسألوه الرزق والأراضي الَّتِي أنهوا أَنَّهَا لم تكن بيد أحد وَكَذَلِكَ نيابات القلاع وولايات الْأَعْمَال والرواتب وإقطاعات الْحلقَة. فَلم يرد أحد سَأَلَهُ شَيْئا من ذَلِك سَوَاء كَانَ مَا أنهاه صَحِيحا أم بَاطِلا. فَإِذا قيل لَهُ هَذَا الَّذِي أنهاه يحْتَاج إِلَى كشف تغير وَجهه وَقَالَ: ليش تقطع رزق النَّاس. فَإِذا كتب بالإقطاع لأحد وَحضر صَاحبه من سَفَره أَو تعافى من مَرضه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 393 وَسَأَلَهُ فِي إِعَادَته قَالَ لَهُ: رح خُذ إقطاعك أَو يَقُول لَهُ: نَحن نعوضك. ففسدت الْأَحْوَال ولاسيما بالمملكة الشامية فَكتب النواب بذلك للسُّلْطَان فَكَلمهُ السُّلْطَان فَلم يرجع وَقَالَ: أَنا أَي من طلب مني شَيْئا أَعْطيته وَمَا أرد قلمي عَن أحد. بِحَيْثُ أَنه كَانَت تقدم لَهُ الْقِصَّة وَهُوَ يَأْكُل فَيتْرك أكله وَيكْتب عَلَيْهَا من غير أَن يعرف مَا فِيهَا فَأَغْلَظ لَهُ بِسَبَب ذَلِك آقسنقر الناصري أَمِير أخور. وَاتفقَ مَعَ ذَلِك أَنه وشى بِهِ أَنه يباطن للناصر أَحْمد ويواصل كتبه إِلَيْهِ فقرر أرغون العلائي مَعَ السُّلْطَان مسكه فمسك هُوَ وحاشيته. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشره: خلع السُّلْطَان عَليّ الْأَمِير الْحَاج آل ملك وَاسْتقر فِي نِيَابَة السلطنة عوضا عَن آقسنقر السلاري. وَكَانَ العلائي قد قرر مَعَ السُّلْطَان أَن يعرض على الْأُمَرَاء نِيَابَة السلطنة فَأول من عرضت عَلَيْهِ الْأَمِير بدر الدّين جنكلي بن البابا فَامْتنعَ فَقَالُوا بعده للأمير الْحَاج آل ملك فأظهر الْبشر وَأجَاب لَهَا إِن قبلت شُرُوطه. فَلَمَّا طلع الْأَمِير الْحَاج آل ملك لصَلَاة الْجُمُعَة على الْعَادة اشْترط على السُّلْطَان أَلا يفعل شَيْئا فِي المملكة إِلَّا بِرَأْيهِ وَأَنه يمْنَع الْخمر من البيع وَيُقِيم منار الشَّرْع وَأَنه لَا يُعَارض فِيمَا يَفْعَله. فَقبل السُّلْطَان شُرُوطه وَلبس الْأَمِير الْحَاج آل ملك تشريف النِّيَابَة بِجَامِع القلعة بعد صَلَاة الْجُمُعَة. وأنعم عَلَيْهِ السُّلْطَان زِيَادَة على إقطاع النِّيَابَة بناحيتي المطرية وَالْخُصُوص ومتحصلهما اربعمائة ألف وَخمسين ألف دِرْهَم. وَفِي يَوْم السبت ثَالِث عشره: خلع السُّلْطَان عَليّ منكلي بغا الفخري وَاسْتقر أَمِير جندار عوضا عَن بيغرا. وَفِيه فتح شباك النِّيَابَة وَجلسَ فِيهِ الْأَمِير الْحَاج آل ملك للمحاكمات. فَأول مَا بَدَأَ بِهِ أَن أَمر وَالِي الْقَاهِرَة بِأَن ينزل إِلَى خزانَة البنود بِالْقَاهِرَةِ ويحتاط على مَا بهَا من الْخمر والبغايا وَيخرج من فِيهَا من النَّصَارَى الأسرى ويريق مَا هُنَاكَ من الْخُمُور ويخربها حَتَّى يَجْعَلهَا دكاً وَسبب ذَلِك أَن خزانَة البنود كَانَت يَوْمئِذٍ حانة بعد مَا كَانَت سجناً يسجن فِيهِ الْأُمَرَاء والجند والمماليك كَمَا أَن خزانَة شمائل سجن لآرباب الجرائم من اللُّصُوص وقطاع الطَّرِيق. فَلَمَّا كَانَت دولة السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون بعد عوده من الكرك وشغف بِكَثْرَة العمارات اتخذ الأسرى وجلبهم إِلَى مصر من بِلَاد الأرمن وَغَيرهَا وَأنزل عدَّة كَثِيرَة مِنْهُم بقلعة الْجَبَل وَجَمَاعَة كَثِيرَة بخزانة البنود. فَمَلَأ أُولَئِكَ الأرمن خزانَة البنود حَتَّى بَطل السجْن بهَا وعمرها السُّلْطَان النَّاصِر مساكنا لَهُ وتوالدوا بهَا وعصروا الْخُمُور بِحَيْثُ أَنهم عصروا فِي سنة وَاحِدَة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ ألف جرة باعوها جهاراً وَكَانَ لحم الْخِنْزِير يعلق عِنْدهم على الْوَضم وَيُبَاع من غير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 394 احتشام. وَاتَّخذُوا عِنْدهم أَمَاكِن لِاجْتِمَاع النَّاس على الْمُحرمَات فيأتيهم الْفُسَّاق ويظلون عِنْدهم الْأَيَّام على شرب الْخُمُور ومعاشرة الفواجر والأحداث ففسدت حرم كَثِيرَة من النَّاس وَكثير من أَوْلَادهم وَجَمَاعَة من مماليك الْأُمَرَاء فَسَادًا شنيعاً حَتَّى إِن الْمَرْأَة إِذا تركت أَهلهَا أَو زَوجهَا أَو الْجَارِيَة إِذا تركت مواليها أَو الشَّاب إِذا ترك أَبَاهُ وَدخل عِنْد الأرمن بخزانه البنود لَا يقدر أَن يأخده مِنْهُم وَلَو كَانَ من كَانَ. فَقَامَ الْأَمِير الْحَاج آل ملك فِي أَمرهم وفاوض السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون فِي فسادهم غير مرّة فَلم يجبهُ إِلَى أَن أَكثر عَلَيْهِ فَغَضب السُّلْطَان عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ: يَا حَاج! كم تَشْتَكِي من هَؤُلَاءِ إِن كَانَ مَا يُعْجِبك مجاورتهم انْتقل عَنْهُم فشق ذَلِك عَلَيْهِ وَركب إِلَى ظَاهر الحسينية وَاخْتَارَ مَكَانا وعمره دَارا وَأَنْشَأَ بجانبها جَامعا وحماماً وربعاً وحوانيت. وَبقيت فِي نَفسه حزازات حَتَّى أمكنته الْقُدْرَة مِنْهُم وانبسطت يَده فيهم بِكَوْنِهِ نَائِب السُّلْطَان فَنزل وَالِي الْقَاهِرَة وَمَعَهُ الْحَاجِب وعدة من أَصْحَاب النَّائِب وهجموا خزانَة البنود وأخرجوا جَمِيع سكانها وكسروا أواني الْخمر فَكَانَت شَيْئا يجل وَصفه كَثْرَة وهدموها وَاشْترى أرْضهَا الْأَمِير قماري من بَيت المَال وَتقدم إِلَى الضياء الْمُحْتَسب أَن يُنَادي بتحكيرها فَرغب النَّاس فِي أرْضهَا واحتكروها وبنوها دوراً وطواحين وَغَيرهَا. وَقد ذكرنَا أَخْبَار خزانَة البنود فِي كتاب المواعظ وَالِاعْتِبَار بِذكر الخطط والْآثَار ذكرا شافياً فَكَانَ يَوْم هدم خزانَة البنود يَوْمًا مشهوداً من الْأَيَّام الْمَشْهُورَة الْمَذْكُورَة عدل هدمها فتح طرابلس وعكا لِكَثْرَة مَا كَانَ يعْمل فِيهِ بمعاصي الله. ثمَّ طلب النَّائِب وَالِي القلعة وألزمه أَن يفعل ذَلِك ببيوت الأسرى من القلعة فَمضى إِلَيْهَا وَكسر جرار الْخمر الَّتِي بهَا وأنزلهم من القلعة وجعلهم مَعَ نَصَارَى خزانَة البنود فِي مَوضِع بجوار وَكَانَت الأسرى الَّتِي بالقلعة من خَواص الأسرى وَعَلَيْهِم كَانَ يعْتَمد السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون فِي أَمر عمائره وَكَانُوا فِي فَسَاد كَبِير مَعَ المماليك وَحرم القلعة فأراح الله مِنْهُم. ثمَّ رسم الْأَمِير الْحَاج آل ملك النَّائِب بتتبع أهل الْفساد فَمنع النَّاس من ضرب الخيم على شاطئ النّيل بالجزيرة وَغَيرهَا للنزهة وَكَانَت مَحل فَسَاد كَبِير لاختلاط الرِّجَال فِيهَا بِالنسَاء وتعاطيهم الْمُنْكَرَات. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 395 واقترح الْأَمِير الْحَاج آل ملك فِي نِيَابَة اقتراحات كَثْرَة مِنْهَا أَنه منع من مُكَاتبَة وُلَاة الْأَعْمَال إِلَّا بعد أَن يبْعَث الْوَالِي أَن كَانَ للشاكي حق شَرْعِي وَجعل عوض الْمُكَاتبَة لَهُ كِتَابَة الشكوى خلف قصَّة المشتكي وَكَثِيرًا مَا كَانَ يرد الشكاة إِلَى الْوُلَاة والكشاف وَصَارَ يكنب لجَمِيع الْوُلَاة يعْتَمد. ورسم الْأَمِير الْحَاج آل ملك لأولي نيابته بِإِبْطَال جَمِيع الملعوب وَهِي جِهَة سلطانية كَانَ يتَحَصَّل مِنْهَا مَال كثير وَلها ضَامِن يُقَال لَهُ كمجتي. لَهُ ضَرَائِب مقررة على أَرْبَاب الملعوب من المناطحين بالكباش والمناقرين بالديوك وعَلى المعالجين والمصارعين والمثاقفين والملاكمين والمشابكين وعَلى المقامرين على اخْتِلَاف أَنْوَاع الْقمَار وعَلى القرادة والدبابة الَّذين يَلْعَبُونَ بالقرود والدب وَغير ذَلِك من أَنْوَاع اللّعب فَبَطل ذَلِك كُله. وأبطل الْأَمِير الْحَاج آل ملك أَيْضا جِهَة ابْن البطوني وَهِي جِهَة سلطانية لَهَا ضَامِن عَلَيْهِ مَال مُقَرر يَأْخُذهُ من كل من رد عَلَيْهِ عَبده أَو أمته إِذا أَبقوا فَكَانَ يتَعَدَّى حَتَّى يَأْخُذ من يجده من العبيد وَالْإِمَاء قد مضى لمَوْلَاهُ فِي حاحة ويحبسه عِنْده حَتَّى يصالحه مَوْلَاهُ على مَال يَدْفَعهُ إِلَيْهِ فَبَطل ذَلِك. وأبطل الْأَمِير الْحَاج آل ملك النُّزُول عَن الإقطاعات والمقايضات بِهَذِهِ بعد أَن فشى ذَلِك بَين الأجناد حَتَّى إِن جندياً قايض أخر بإقطاعه ومبلغ أَلفَيْنِ وَخَمْسمِائة دِرْهَم أقبضهُ مِنْهَا أَلفَيْنِ فألزمه الْأَمِير الْحَاج آل ملك بِحمْل الْأَلفَيْنِ لبيت المَال فانكف الأجناد عَن المقايضات. ومقت الْأَمِير الْحَاج آل ملك من يرفع إِلَيْهِ قصَّة بِطَلَب زِيَادَة فَرفع لَهُ عَلَاء الدّين بن القلنجقي أحد الْأُمَرَاء العشرات قصَّة يسْأَل فِيهَا زِيَادَة على إقطاعه فَوَقع لَهُ عَلَيْهِ بِمِائَتي فدان من الْجَبَل الْأَحْمَر زِيَادَة على مَا بِيَدِهِ. وَمنع الْأَمِير الْحَاج آل ملك من مُكَاتبَة نواب الشَّام وَكِتَابَة التواقيع السُّلْطَانِيَّة لأهل الشَّام وَكتب مرسوم السُّلْطَان إِلَى الممالك الشامية بِإِبْطَال الْعَمَل بِمَا كتب بِهِ من بعد وَفَاة السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد وَلَا يعْتَمد إِلَّا على المراسيم المستقرة إِلَى حِين وَفَاته ليبطل بذلك مَا كَانَ فِي نِيَابَة أقسنقر السلاري فبطلت جمَاعَة كَثِيرَة بِأَيْدِيهِم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 396 مراسيم سلطانية منصورية وأشرفية وصالحية تَجَدَّدَتْ بعد السُّلْطَان النَّاصِر مُحَمَّد وَأخذت مِنْهُم. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثامن عشره: قدم محمل الْحَاج. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشريه: نُودي بتحكير خزانَة البنود فشرع النَّاس فِي تحكيرها. وَفِي يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشريه: رسم السُّلْطَان أَن يُعَاد على نَاصِر الدّين الْمَعْرُوف بفأر السقوف مَا أَخذ لَهُ فِي نِيَابَة الْأَمِير طشتمر حمص أَخْضَر وخلع عَلَيْهِ بحسبة مصر عوضا عَن ابْن بنت الْأَعَز بشفاعة الْأَمِير ملكتمر الْحِجَازِي فأعيد لَهُ مبلغ أَرْبَعِينَ ألف دِرْهَم من بَيت المَال. وَفِيه قدم شهَاب الدّين أَحْمد بن فضل الله كَاتب السِّرّ بِدِمَشْق بِطَلَب لِكَثْرَة شعاته فَقَامَ أَخُوهُ عَلَاء الدّين عَليّ بن فضل الله فِي أمره حَتَّى أُعِيد إِلَى دمشق معزولاً من غير مصادرة ورتب لَهُ مَا يَكْفِيهِ. وَفِيه أنعم على عدَّة من المماليك السُّلْطَانِيَّة بإمريات مِنْهُم شيخو الْعمريّ وألطنبغا برناق. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كثر تخوف النَّاس من منسر انْعَقَد بِالْقَاهِرَةِ وَذَلِكَ أَن رجال هَذَا المنسر كبسوا عدَّة بيُوت وَكَتَبُوا أوراقاً يطْلبُونَ فِيهَا مَالا من الْأَغْنِيَاء وَمَتى لم يبْعَث لنا ذَلِك كُنَّا ضيوفك وأعيا الْوَالِي أَمرهم فاتفق أَنهم كبسوا بَيْتا ببولاق وَكَانَ أَهله قد أنذروا بهم فَاسْتَعدوا لَهُم وَتركُوا أَبْوَابهم مَفْتُوحَة فَدَخَلُوا نصف اللَّيْل وَإِذا بالنشاب قد وَقع فِي صُدُورهمْ فَأصَاب مِنْهُم ثَلَاثَة وَرجع باقيهم منهزمين. فَخرج مِنْهُم أَيْضا اثْنَان والطلب فِي أثرهما فَقتل مِنْهُمَا وَاحِد وقبضوا مِنْهُم على ثَلَاثَة وَأتوا بهم الْوَالِي فأقروا على جمَاعَة بالجزيرة وَغَيرهَا فتتبعوا إِلَى أَن ظفر بِجَمَاعَة سمروا وشهروا. وَفِيه قدم الرجل الصَّالح أَحْمد الزرعي فَأكْرمه الْأَمِير جنكلي بن البابا وَجمع بَينه وَبَين السُّلْطَان. فَسَأَلَ الزرعي أَن تعفى بَلَده زرع من المغارم وَالسحر وَأقَام أَيَّامًا ثمَّ عَاد إِلَى الشَّام. وَفِيه قدم الْأَمِير سيف بن فضل فَأكْرمه السُّلْطَان وَكتب لَهُ ببلدة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 397 زرع حسب سُؤَاله وسافر فَمَاتَ قبل أَن يستغلها. وَفِيه قدم أَيْضا أَحْمد بن مهنا وَسيف بن فضل بقود. وَفِيه وصلت رسل متملك الْهِنْد بهدية فِيهَا فصان ياقوت وَمَعَهُمْ كتاب يتَضَمَّن السَّلَام والمودة وَأَنَّهُمْ لم يَكُونُوا يعْرفُونَ الْإِسْلَام حَتَّى أَتَاهُم رجل عرفهم ذَلِك وَذكر لَهُم أَن ولَايَة الْملك لابد أَن تكون من الْخَلِيفَة. وَسَأَلَ متملك الْهِنْد أَن يكْتب لَهُ تَقْلِيد من جِهَة الْخَلِيفَة بِولَايَة مملكة الْهِنْد ليَكُون نَائِبا عَن السُّلْطَان بِتِلْكَ الْبِلَاد وَأَن يبْعَث السُّلْطَان إِلَيْهِم رجلا يعلمهُمْ شرائع الْإِسْلَام من الصَّلَاة وَالصِّيَام وَنَحْو ذَلِك. فأكرمت الرُّسُل وَطلب من الْخَلِيفَة أَن يكْتب تقليداً لمرسلهم بسلطنة الْهِنْد فَكتب لَهُ تَقْلِيد جليل ورسم بسفر ركن الدّين الْمَلْطِي شيخ الخانكاه الناصرية بسرياقوس مَعَ الرُّسُل. وَفِيه قدم الْبَرِيد من حلب بِطَلَب نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن صَغِير الطَّبِيب ليعاج الْأَمِير ألطنبغا المارداني فَأخْرج على الْبَرِيد وَقدم حلب يَوْم الثُّلَاثَاء سلخه وَقد احْتضرَ الْأَمِير ألطنبغا فَمَاتَ من الْغَد فَعَاد ابْن صَغِير بعد يَوْمَيْنِ من حلب. وَفِي تَاسِع عشريه: رسم بتجريد الْأَمِير جنكلي بن البابا والأمير آقسنقر الناصري والأمير أبي بكر بن أرغون النَّائِب والأمير طيبغا المجدي إِلَى الكرك. وَفِي ثَانِي عشر صفر: قدم الْخَبَر بوفاة الْأَمِير ألطنبغا المارداني نَائِب حلب فَصلي عَلَيْهِ صَلَاة الْغَائِب بجامعه وقرئت لَهُ ختمة شريفة. وَفِيه عقد مشور عِنْد السُّلْطَان فِيمَن يَلِي حلب فَأَشَارَ الْأَمِير أرغون العلائي باستقرار الْأَمِير يلبغا اليحياوي فِي نِيَابَة حلب وَأَن يسْتَقرّ عوضه فِي نِيَابَة حماة الْأَمِير طقتمر الأحمدي وَأَن يسْتَقرّ بلك الجمدار فِي نِيَابَة صفد عوضا عَن طقتمر الأحمدي. وَعين أرغون شاه للسَّفر بتقليد الْأَمِير يلبغا وَأَن يتَوَجَّه الْأَمِير أَحْمد لإحضار حَرِيم المارداني وأمواله من حلب. وَفِي رَابِع عشريه: توجه الْأَمِير ألطنبغا برناق بتقليد طقتمر نَائِب حماة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 398 وَفِي يَوْم السبت خَامِس عشريه: قدم الْأَمِير بيبرس الأحمدي والأمير كوكاي وَمن مَعَهُمَا من المجردين التجريدة الثَّانِيَة إِلَى الكرك فَركب الْأُمَرَاء إِلَى لقائهم. وَكَانَ قبل ذَلِك بيومين ورد كتاب الْأَمِير أصلم بِأَنَّهُ قدم إِلَى الكرك بِمن مَعَه وَخرج الْأَمِير بيبرس الأحمد بِمن مَعَه وَطلب أَن يقوى بعسكر. فَكتب إِلَى وُلَاة الأقاليم لِلْخُرُوجِ إِلَى الكرك بطلبهم وَنزل النُّقَبَاء إِلَى الْأُمَرَاء المعينين للسَّفر بخروجهم. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سلخه: خرج الْأَمِير بلك الجمدر من الْقَاهِرَة لنيابة صفد. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ رَابِع ربيع الأول: خرج الْأَمِير جنكلي بن البابا والأمير أقسنقر الناصري وملكتمر السرجواني وأمير عمر بن أرغون النَّائِب فِي أَرْبَعَة أُلَّاف فَارس تَقْوِيَة للأمير أصلم وَهِي التجريدة الرَّابِعَة للكرك. وَتوجه صحبتهم عدَّة حجارين ونقابين ونفطية وَتوجه السُّلْطَان بعد سفرهم إِلَى سرياقوس على الْعَادة. وَفِيه اشْتَدَّ الْأَمِير الْحَاج آل ملك النَّائِب على وَالِي الْقَاهِرَة ومصر فِي منع الْخمر وَغَيره من الْمُحرمَات وتتبع أهل الْفساد وإحضارهم إِلَيْهِ. وَنُودِيَ بِالْقَاهِرَةِ ومصر من أحضر سكراناً أَو أحدا مَعَه جرة خمر خلع عَلَيْهِ. فَقعدَ الْعَامَّة لشربة الْخمر بِكُل طَرِيق وأتوه مرّة بجندي قد سكر فَضَربهُ وَقطع خبزه وخلع على من أحضرهُ. وَقبض الْعَامَّة أَيْضا على بعض مماليك الْأُمَرَاء وَقد أحضر جرة خمر فِي مركب فَضَربهُ وَقطع خبزه. وَأخذ النَّائِب كثيرا من شربة الْخمر وباعته بِنَاحِيَة شبْرًا الخيم ومنية السيرج وَمن المراكب وَمن الْبيُوت فضربهم عرايا وكشف رُءُوسهم وصب عَلَيْهِم الْخمر وشهرهم. ونادى من اشْترى عنباً بالقنطار قبض عَلَيْهِ ويؤتي بِهِ إِلَيْهِ. فَعرفهُ شاد الدَّوَاوِين أَن متحصل الدِّيوَان من مُعَاملَة الْعِنَب مائَة ألف دِرْهَم وَقد بطلت فَلم يلْتَفت إِلَيْهِ وتنجز مرسوم السُّلْطَان بالمساجة بذلك. وَبعث النَّائِب فِي خُفْيَة من اشْترى لَهُ عنباً بِدِرْهَمَيْنِ فَجَاءَهُ عشرَة أَرْطَال فَطلب الْمُحْتَسب وَأنكر عَلَيْهِ كَيفَ يكون الْعِنَب بِهَذَا السّعر وَقد منعنَا من اعتصاره. وَمنع الْأَمِير الْحَاج ملك النَّائِب أَن يحمل الفرنج إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة خمرًا فَقَامَ فِي ذَلِك جمال الكفاة وَذكر أَنه يتَحَصَّل من ذَلِك فِي السّنة نَحْو الْأَرْبَعين ألف دِينَار وَمَتى منع الفرنج من حمل الْخمر فسد حَال الْإسْكَنْدَريَّة ومازال بالسلطان حَتَّى منع النَّائِب من ذَلِك. وأبطل الْأَمِير الْحَاج آل ملك النوايح من الْقَاهِرَة ومصر فَقَامَتْ الضامنة عِنْد الْأَمِير قماري الأستادار فِي إِعَادَة النوايح وخوفت أَن جِهَته تبطل وَكَانَ مرصده للحاشية فمازال الْأَمِير قماري يكلم الْأَمِير الْحَاج آل ملك حَتَّى أَعَادَهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 399 وَفِي هَذَا الشَّهْر: قَامَ قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين عبد الْعَزِيز بن جمَاعَة على إِمَام الْجَامِع الْأَزْهَر وحبسه. وَسبب ذَلِك أَنه كَانَ يَلِي نظر الْجَامِع فَأخْرجهُ عَنهُ قَاضِي الْقُضَاة وولاه للْقَاضِي الْحَنْبَلِيّ فتعصب جمَاعَة للْإِمَام حَتَّى أَعَادَهُ آقسنقر السلاري النَّائِب إِلَى نظر الْجَامِع. فشق ذَلِك على الْقُضَاة وتنكروا لَهُ فَقَامَ رجل وأنهى إِلَيْهِم أَن الإِمَام من خمس وَعشْرين سنة وَقع فِي حق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَن زعم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انهزم فِي بعض غَزَوَاته وَكتب بذلك محضراً وأثبته. وشنعوا بذلك عَلَيْهِ وأخذوه من الْجَامِع إِلَى الْحَبْس فَقَامَ الشَّيْخ خَلِيل الْمَالِكِي والقوام الْكرْمَانِي قيَاما زايداً حَتَّى وصل إِلَى السُّلْطَان والأمراء أَن بَين الْقُضَاة وَبَينه عَدَاوَة بِسَبَب نظر الْجمع من قديم. فَطلب الْقُضَاة إِلَى القلعة بِحَضْرَة السُّلْطَان وَحَدَّثَهُمْ السُّلْطَان فِي أمره فوقعوا فِيهِ وقيعة قبيحة وَأَنه قد وَجب قَتله وَقد حكم بعزله من الْإِمَامَة. فمازال السُّلْطَان بهم حَتَّى حكم الْحَنَفِيّ بتعزيره فعزر وَاسْتمرّ على وظيفته. وَكَثُرت القالة فِي ابْن جمَاعَة بِسَبَبِهِ فَإِنَّهُ كَانَت لَهُ سمعة عِنْد الخدام وتتردد إِلَيْهِ أم السُّلْطَان. وَفِيه خلع عَليّ نجم الدّين أَيُّوب وأعيد لولاية الْقَاهِرَة عوضا عَن شُجَاع الدّين غرلو وَأخرج غرلو إِلَى الشوبك عوضا عَن ألطنقش. وَفِي يَوْم الْخَمِيس عشر: قدم الْخَبَر بوصول المنجنيق من صفد إِلَى الكرك وَأَنه هرب من خدام أَحْمد ومماليكه نَحْو سِتَّة وَأَرْبَعين نَفرا ثمَّ قدمُوا فِي حادي عشريه فَخلع عَلَيْهِم. وَفِي رَابِع عشر ربيع الآخر: قدم الْخَبَر بوصول جنكلي بن البابا وأقسنقر الناصري إِلَى الكرك بِمن مَعَهُمَا فِي يَوْم السبت سابعه فزحفوا من غدهم وقاتلوا قتالاً شَدِيدا جرح فِيهِ بَالغ وَجَمَاعَة وعدة قتلوا وجرح كثير. فانكسر أهل الكرك كسرة قبيحة فسر السُّلْطَان بذلك وَبعث إِلَى الْأُمَرَاء المجردين خمسين حجاراً. وَفِيه قدم رَسُول حسن بن دمرداش بن جوبان بهدية وَسَأَلَ أَن يبْعَث إِلَيْهِ برمة أَبِيه فَاعْتَذر السُّلْطَان عَن ذَلِك بِأَنَّهُ لم يعرف لَهُ قبراً. وَاتفقَ فِي زِيَادَة النّيل أَنه كَانَ وفاؤه يَوْم الْأَحَد سَابِع عشر ربيع الأول وَهُوَ سَابِع عشر مسرى فَزَاد زِيَادَة كَبِيرَة بعد الْوَفَاء حَتَّى فاض من جِهَة قرموط من الخليج وطلع من الأسربة. فَركب الْوَالِي إِلَى بولاق وَركب النَّائِب إِلَى جسر بركَة الْحَبَش فِي عدَّة من الْأُمَرَاء وَأقَام ثَلَاثَة أَيَّام حَتَّى أتقن بعض الجسور. وفاض النّيل من جِهَة قناطر الأوز فَكتب لوالي الشرقية على أَجْنِحَة الْحمام أَن يقطع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 400 اللؤلؤة فَكثر تقطع الجسور وتعبت الْوُلَاة فِي سدها حَتَّى تقطعت جَمِيعهَا بِالْوَجْهِ القبلي وَالْوَجْه البحري. وفسدت الأقصاب والنيلة والقلقاس وَسَائِر الزراعات الصيفية والمخا زن. وَفِيه قدم الْخَبَر بِكَثْرَة الْفساد والمجاهرة بالخمور وأنواع الفسوق بِدِمَشْق وَقلة حُرْمَة نائبها الْأَمِير طقزدمر الْحَمَوِيّ وتغلب مماليكه وتهكمهم عَلَيْهِ وَسُوء سيرتهم فَكتب بالإنكار عَلَيْهِ. وَاتفقَ بِظَاهِر الْقَاهِرَة أَمر اعتني بضبطه وَهُوَ أَنه كَانَ بِنَاحِيَة اللوق كوم يعرف بكوم الزل يأوي إِلَيْهِ أهل الفسوق من أوباش الْعَامَّة فَأخذ بَعضهم مِنْهُ موضعا ليبني لَهُ فِيهِ بَيْتا فشرع فِي نقل التُّرَاب مِنْهُ فَبينا هُوَ يحْفر إِذْ ظهر لَهُ إِنَاء فخار فِيهِ مكاتيب دَار كَانَت فِي هَذَا الْبقْعَة وتدل على أَنه كَانَ بِهِ أَيْضا مَسْجِد وَرَأى أثار الْبُنيان. فأشاع بعض شياطين الْعَامَّة - وَكَانَ يُقَال لَهُ شُعَيْب أَنه رأى فِي نَومه أَن هَذَا الْبُنيان على قبر بعض الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وَأَن من كراماته أَنه يُقيم المقعد وَيرد بصر الْأَعْمَى وَصَارَ يَصِيح ويهلل وَيظْهر اختلال عقله. فاجتمعت عَلَيْهِ الغوغاء وَأَكْثرُوا من الصياح وتناولوا تِلْكَ الأَرْض بِالْحفرِ حَتَّى نزلُوا فِيهَا نَحْو قامتين فَإِذا مَسْجِد لَهُ محراب. فَزَاد نشاطهم وفرحوا فَرحا كَبِيرا وَبَاتُوا فِي ذكر وتسبيح. وَأَصْبحُوا وجمعهم نَحْو الْألف إِنْسَان فشالوا ذَلِك الكوم وساعدهم النِّسَاء حَتَّى إِن الْمَرْأَة كَانَت تشيل التُّرَاب فِي مقنعها وأتاهم النَّاس من كل أَوب وَرفعُوا مَعَهم التُّرَاب فِي أقبيتهم وعمائمهم وألقوه فِي الكيمان بِحَيْثُ تهَيَّأ لَهُم فِي يَوْم وَاحِد مَا لَا تفي مُدَّة شهر بنقله. وحفر شُعَيْب حُفْرَة كَبِيرَة وَزعم أَنَّهَا مَوضِع الصَّحَابِيّ فَخرج إِلَيْهِ أهل الْقَاهِرَة ومصر أَفْوَاجًا وَركب إِلَيْهِ نسَاء الْأُمَرَاء والأعيان فيأخذهن شُعَيْب وينزلهن تِلْكَ الحفرة لزيارتها وَمَا مِنْهُنَّ إِلَّا من تدفع الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم. وأشاع شُعَيْب أَنه أَقَامَ الزمنى وعافى المرضى ورد أبصار العميان فِي هَذِه الحفرة وَصَارَ يَأْخُذ جمَاعَة مِمَّن يظْهر أَنه من أهل هَذِه العاهات وَينزل بهم إِلَى الحفرة ثمَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 401 يخرجهم وهم يسبحون الله أكبر الله أكبر ويزعمون أَنهم قد زَالَ مَا كَانَ بهم. فَافْتتنَ النَّاس لتِلْك الحفرة وَنزلت أم السُّلْطَان لزيارتها وَلم تبْق أمْرَأَة مَشْهُورَة حَتَّى أتتها وَصَارَ للنَّاس هُنَاكَ مُجْتَمع عَظِيم بِحَيْثُ يسرج بِهِ كل لَيْلَة نَحْو مِائَتي قنديل وَمن الشموع الموكبية شَيْء كثير. فَقَامَتْ الْقُضَاة فِي ذَلِك مَعَ الْأَمِير أرغون العلائي والأمير الْحَاج آل ملك النَّائِب وقبحوا هَذَا الْفِعْل وخوفوا عاقبته حَتَّى رسم لوالي الْقَاهِرَة أَن يتَوَجَّه إِلَى مَكَان الحفره ويكشف أمرهَا فَإِن كَانَ فِيهَا مقبور يحمل إِلَى مَقَابِر الْمُسلمين ويدفن بِهِ سرا ثمَّ يُعْفَى الْموضع. فَلَمَّا مضى إِلَيْهِ ثارت بِهِ الْعَامَّة تُرِيدُ رجمه وصاحوا عَلَيْهِ بالإنكار الشنيع حَتَّى رماهم الْجند بالنشاب فتفرفوا وهرب شُعَيْب ورفيقه العجوي ومازال الحفارون يعْملُونَ فِي ذَلِك الْمَكَان إِلَى أَن انْتَهوا فِيهِ إِلَى سراب حمام وَلم يَجدوا هُنَاكَ قبراً وَلَا مقبوراً فطموه بِالتُّرَابِ وَانْصَرفُوا. وَفد انْحَلَّت عزائم النَّاس عَنهُ بَعْدَمَا فتنُوا بِهِ وَضَلُّوا ضلالا بَعيدا وَجمع شُعَيْب ورفيقه كثيرا من المَال وَالثيَاب شَيْئا طائلاً. وَفِيه توجه أيدمر الشمسي لكشف أَحْوَال الكرك. وَفِي يَوْم الْأَحَد سَابِع عشرى جُمَادَى الأولى: قدم الْأَمِير أصلم وَأَبُو بكر بن أرغون النَّائِب وأروم بغا من تجريدة الكرك بِغَيْر إِذن وَاعْتَذَرُوا بِضعْف أبدانهم وَكَثْرَة الْجِرَاحَات فِي أَصْحَابهم وَقلة الزَّاد عِنْدهم. فَقبل السُّلْطَان عذرهمْ ورسم الْأَمِير طقتمر الصلاحي وتمر الموساوي فِي عشْرين مقدما من الْحلقَة وَألْفي فَارس فَسَارُوا خلقه وَهِي التجريدة الْخَامِسَة. وَفِيه قدم الْبَرِيد من حلب أَنه خرجت عَسَاكِر حلب وحماة وطرابلس صُحْبَة سنقر وَصَلَاح الدّين الدوادار إِلَى جِهَة سيس لِحَرْب أَهلهَا من الأرمن لمنعهم الْخراج. تركمان الطَّاعَة وأغاروا مَعَهم وأثروا فِي أهل سيس آثَار قبيحة. وَفِيه نُودي من قبل الْأَمِير الْحَاج آل ملك نَائِب السُّلْطَان بِأَن أهل الْأَسْوَاق كلهَا إِذْ أذن الصَّلَاة يصلونَ قُدَّام دكاكينهم بِإِمَام يُصَلِّي بهم فعملوا أنخاخاً وحصروا برسم فرشها للصَّلَاة فِي الْأَسْوَاق. وَتوجه السُّلْطَان فِي هَذِه الْأَيَّام إِلَى سرياقوس على الْعَادة ورسم بلعب الرمْح بَين يَدَيْهِ. فَاجْتمع غواة لعب الرمْح وَحضر طيدمر الملكي وَابْن الطرابلسي الرماح وقطز الجزء: 3 ¦ الصفحة: 402 الشمسي وَمن ضاهاهم وتكافحوا. فَظهر ابْن الطرابلسي يَوْمئِذٍ على سَائِرهمْ وأنعم عَلَيْهِ. وفيهَا ترك الْأَمِير طقبغا الناصري إمريته وتزيا بزِي الْفُقَرَاء فَلَزِمَهُ بِحكم الدِّيوَان أَرْبَعمِائَة ألف دِرْهَم حمل مِنْهَا مباشروه ثَلَاثمِائَة ألف. وفيهَا رسم باستقرار الْأَمِير سيف الدّين بن فضل أَمِير الْأُمَرَاء فِي الإمرية عوضا عَن سُلَيْمَان بن مهنا بعد مَوته. وفيهَا كتب بِمَنْع أَحْمد بن مهنا من الْقدوم إِلَى مصر فَرده نَائِب الشَّام من دمشق وَعَاد إِلَى أَهله. فاتفق أَحْمد بن مهنا مَعَ فياض على إِقَامَة فتْنَة. وفيهَا تزوج السُّلْطَان ابْنة الْأَمِير طقزدمر الْحَمَوِيّ نَائِب الشَّام بعد مَا جهز الْأَمِير ملكتمر الْحِجَازِي بِالْمهْرِ إِلَى دمشق فَقَدمهَا فِي سادس عشر جُمَادَى الْآخِرَة وَقد تَلقاهُ الْأَمِير طقزدمر فَدفع إِلَيْهِ الْمهْر وَهُوَ مائَة ألف دِرْهَم. وَعَاد الْأَمِير ملكتمر الْحِجَازِي من دمشق من غير أَن يَأْخُذ لأحد شَيْئا هَدِيَّة فَبعث لَهُ الْأَمِير طقزدمر الْحَمَوِيّ ألفي دِينَار وَمِائَة قِطْعَة قماش وَأَرْبَعَة أرؤس خيل. وأنعم عَلَيْهِ السُّلْطَان بألفي دِينَار وخيول وَغَيرهَا. وَفِيه قدم الْخَبَر بِخُرُوج فياض وَآل مهنا عَن الطَّاعَة وإغارتهم على عرب سيف بن فضل وَأَخذهم قفلاً من بَغْدَاد إِلَى نواحي الرحبة كَانَ فِيهِ لرجل وَاحِد مَا قِيمَته نَحْو مِائَتي ألف دِينَار سوى مَا لغيره من التُّجَّار. وَفِيه قدم الْخَبَر بِأَن سُلَيْمَان شاه حَاكم الأردو جرت بَينه وَبَين أرتنا ملك الرّوم حَرْب انتصر فِيهَا أرتنا وَقتل عدَّة من أَصْحَاب سُلَيْمَان شاه وغنم مَا مَعَهم وَهزمَ باقيهم. وَفِي مستهل رَجَب: عَاد الْأَمِير جنكلي بن البابا والأمير آقسنقر الناصري من تجريدة الكرك إِلَى الْقَاهِرَة وَفِيه قدم الْبري بِمحضر ثَابت على قُضَاة حلب يتَضَمَّن أَنه لما كَانَ يَوْم السبت سادس شعْبَان إِذا برعد وبرق أعقبته زَلْزَلَة عَظِيمَة سمع حسها من نصف ميل عَن حلب وَهُوَ حس مزعج يرجف الْقُلُوب. فهدم من القلعة اثْنَا وَثَلَاثُونَ برجاً سوى الْبيُوت وَهدم من قلعة البيرة أَكثر من نصفهَا وَكَذَلِكَ من قلعة عين تَابَ وقلعة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 403 الراوند وبهسنا وبلاد منبج وقلعة الْمُسلمين. فَخرج أهل حلب إِلَى ظَاهرهَا وضربوا الخيم وغلقت سَائِر أسواقها وَفِي كل سَاعَة يسمع دوِي جَدِيد. ثمَّ إِنَّهُم تجمعُوا عَن أخرهم وكشفوا رُءُوسهم وَمَعَهُمْ أطفالهم والمصاحف مَرْفُوعَة وهم يضجون بِالدُّعَاءِ والابتهال إِلَى الله بِرَفْع هدا المقت. فأفاموا على ذَلِك أَيَّامًا إِلَى خَامِس عشريه حَتَّى رفع الله ذَلِك عَنْهُم بَعْدَمَا هَلَكت بِتِلْكَ الْبِلَاد تَحت الرَّدْم خلائق لَا يحصيها إِلَّا خَالِقهَا فَكتب بتجديد عمَارَة مَا هدم من القلاع من الْأَمْوَال الديوانية. وَقدم الْخَبَر من الكرك بِأَن العساكر أخذت على طرقها كلهَا بالاحتفاظ وأخدت أغناماً كَثِيرَة لأَهْلهَا وَقتلت جمَاعَة من الكركيين. فرسم بتجهيز الْأَمِير علم الدّين سنجر الجاولي والأمير أرقطاي والأمير قماري أستادار وَعشْرين أَمِير طبلخاناه وعشرات وَثَلَاثِينَ مقدم حَلقَة وَأنْفق السُّلْطَان فيهم. فَسَارُوا يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس عشر شَوَّال فِي ألفي فَارس وَهِي التجريدة السَّادِسَة وَتوجه مَعَهم عدَّة حجارين ونفطية. وَفِيه خلع على الْأَمِير طرغاي الطباخي وَاسْتقر فِي نِيَابَة طرابلس بعد موت رسغاي السِّلَاح دَار وكتبت أوراق ديوانية بِمَا يلْزم رسغاي بِحكم الدِّيوَان ويشتمل على ألفي ألف دِرْهَم. وَفِيه اسْتَقر عَلَاء الدّين عَليّ بن مُحَمَّد بن الأطروش السَّقطِي فِي حسبَة دمشق بعناية الْأَمِير أرغون العلائي فشنع النَّاس بِسَبَب ولَايَته لجهله بالأمور الشَّرْعِيَّة. وَفِي أول شعْبَان: ورد كتاب النَّاصِر أَحْمد من الكرك وَهُوَ يترفق وَيعْتَذر عَن قتل الْأَمِير قطلوبغا الفخري والأمير طشتمر حمص أَخْضَر وَأَنه إِن رسم بِحُضُورِهِ حضر وَإِن رسم بإقامته بالكرك أَقَامَ تَحت الطَّاعَة وَأَنه لَا رَغْبَة لَهُ فِي الْملك. وعقيب ذَلِك ورد كتاب نَائِب الشَّام وَكتاب نَائِب حلب وَفِي ضمنهما كتب النَّاصِر أَحْمد إِلَيْهِمَا بختمها وَهِي تشْتَمل على معنى مَا ذكر فِي كِتَابه. فَتوجه إِلَيْهِ الْأَمِير طشتمر طلليه بِجَوَاب يتَضَمَّن أَنه إِن أَرَادَ الْإِقَامَة بالكرك مطمئناً فليسير مَا أخده من المَال وَالْخَيْل وَغير ذَلِك وَيبْعَث يُوسُف بن البصارة أَيْضا وَإِلَّا هدمت عَلَيْهِ الكرك حجرا حجرا وَأسر إِلَى طلليه أَن يتحيل فِي الْقَبْض على أَحْمد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 404 وَفِي مستهل رَمَضَان: فرغت عمَارَة القاعة الْمَعْرُوفَة بالدهيشة من القلعة وفرشت بأنواع الْبسط والمقاعد الزركش وَجلسَ فِيهَا السُّلْطَان وَبَين يَدَيْهِ جواريه. فَأكْثر من الإنعام وَالعطَاء وَكَانَ قد اخْتصَّ بالمملوك بيبغا الصَّالِحِي وَأمره وخوله فِي نعم جليلة وزوجه بابنة الْأَمِير أرغون العلائي وَهِي أُخْت السُّلْطَان لأمه وَعمر لَهُ حوانيت خَارج بَاب القرافة. وَكثر اسْتِيلَاء الْجَوَارِي والخدام على الدولة وعارضوا النَّائِب وأبطلوا مَا أَحبُّوا إِبْطَاله مِمَّا يرسم بِهِ حَتَّى صَار يَقُول لمن يطْلب شَيْئا: رح إِلَى الطواشية يَنْقَضِي شغلك فَإِذا بَلغهُمْ ذَلِك أهدروا مكانته وردوا أَفعاله. وَفِي سابعه: توجه الْأَمِير آقسنقر الناصري لنيابة طرابلس بعد موت الْأَمِير طوغاي الطباخي وَقد تنكر السُّلْطَان لَهُ وَتغَير عَلَيْهِ. وَفِي عشريه: رَحل محمل الْحَاج من الْبركَة وَقد قدم من حجاج المغاربة زِيَادَة على عشره أُلَّاف إِنْسَان وَمن حجاج بِلَاد التكرور نَحْو خَمْسَة أُلَّاف نفر وَحج الطواشي عنبر السحرتي لالا السُّلْطَان فِي تجمل كثير. وَفِيه أعَاد النَّاصِر أَحْمد الْأَمِير طشتمر طلليه بِجَوَاب غير طائل وَمن غير أَن يجْتَمع بِهِ. وَقدم مَعَه وَبعده من الكركيين عدَّة أشخاص فمرروا مَعَ السُّلْطَان مخامرتهم على النَّاصِر أَحْمد وطلبوا إقطاعات عديدة لَهُم ولأصحابهم. فَكتب لَهُم السُّلْطَان بهَا وأعيدوا بإنعامات جليلة. فَقدم الْخَبَر بِأَن يُوسُف بن البصارة بَعثه النَّاصِر أَحْمد من الكرك ليحضر إِلَى مصر فَوجدَ قَتِيلا فِي أثْنَاء طَرِيقه واتهم النَّاصِر أَحْمد أَنه بعث من قَتله خوفًا مِنْهُ أَن ينم عَلَيْهِ لِأَخِيهِ وأحاط النَّاصِر أَحْمد بموجوده فَوجدَ لَهُ أَرْبَعَة وَعشْرين ألف دِينَار وَثَلَاثِينَ حياصة ذهب وَثَلَاثِينَ كلفتاه زركش سوى لُؤْلُؤ وقماش وَغير ذَلِك. فَوَقع الِاتِّفَاق على أَن يجرد السُّلْطَان إِلَى الكرك عدَّة عَسَاكِر من مصر وَالشَّام. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامن ذِي الْقعدَة: قدم بَالغ ومشايخ الكرك طائعين فأنعم السُّلْطَان عَلَيْهِم وعادوا فِي حادي عشره وَمَعَهُمْ عدَّة من المماليك السُّلْطَانِيَّة ليسلموهم قلعة الكرك. وَفِيه رسم بتجريدة سابعة فِيهَا الْأَمِير ركن الدّين بيبرس الأحمدي والأمير كوكاي وَعِشْرُونَ أَمِير طبلخاناة وسته عشر أَمِيرا. وَكتب بِخُرُوج عَسْكَر من دمشق وَمَعَهُمْ منجنيق وزحافات. وَحمل السُّلْطَان إِلَى الْأَمِير بيبرس الأحمدي ألفي دِينَار وَإِلَى كوكاي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 405 ألف دِينَار وَلكُل أَمِير طبلخاناة أَرْبَعمِائَة دِينَار وَلكُل أَمِير عشره مِائَتَا دِينَار. وَأرْسل السُّلْطَان أَيْضا مَعَ الآمير بيبرس الأحمدي أَرْبَعَة أُلَّاف دِينَار لأجل من عساه ينزل من الكرك وجهزت تشاريف كَثِيرَة. وَأقَام الْأُمَرَاء فِي طريقهم نَحْو شَهْرَيْن وَخرج مَعَهم سِتَّة أُلَّاف رَأس من الْبَقر وَالْغنم وَمِائَتَا رَأس جاموس وَنَحْو ألفي راجل. فاستعد لَهُم النَّاصِر أَحْمد وَجمع الرِّجَال وَأنْفق فيهم مَالا كثيرا وَجمع الأسلحة المرصدة بقلعة الكرك وَركب المنجنيق الَّذِي كَانَ بهَا. وَفِيه قدم سُلَيْمَان ابْن مهنا بقوده فَخلع عَلَيْهِ. وَفِي مستهل ذِي الْحجَّة: عرض السُّلْطَان الْخَيل ليختار فرسا يركبه يَوْم الْعِيد وأحضر عشرَة من النقاراتية فدقوا كوساتهم عِنْد الْعرض. فَظن الْعَسْكَر أَنَّهَا حربية فَرَكبُوا تَحت القلعة وتجمعت الْعَامَّة على عَادَتهم وغلقت الْأَسْوَاق. فَركب إِلَيْهِم نقيب الْجَيْش ولامهم على ركوبهم وردهم. وَأخذت القالة تكْثر حَتَّى تنكرت قُلُوب الْأُمَرَاء وَادخرُوا الأقوات خوفًا من الْفِتْنَة. ولهجت الْعَامَّة بقَوْلهمْ: يَا ولد خرا للعيد وغنوا بِهِ فِي الْأَسْوَاق. فَتوهم السُّلْطَان من فتْنَة تكون يَوْم الْعِيد وهم أَلا يُصَلِّي يَوْم الْعِيد خوفًا من طَائِفَة تهجم عَلَيْهِ فِي الصَّلَاة من جِهَة أَخِيه رَمَضَان واستعد لذَلِك. ثمَّ بعث السُّلْطَان إِلَى أَخِيه رَمَضَان فَقتله لَيْلَة الْعِيد وَصلى الْعِيد وَهُوَ متحرز. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: أُعِيد ضَمَان الملعوب من العلاج والصراع واللكلم والسعاة وَنَحْو ذَلِك. وأعيد ضَمَان ابْن البطوني وَضمن بِزِيَادَة عشرَة أُلَّاف دِرْهَم. وفيهَا قبض بِدِمَشْق على الْأَمِير آقبغا عبد الْوَاحِد فِي عدَّة من الْأُمَرَاء وسجنوا لميلهم إِلَى النَّاصِر أَحْمد. وفيهَا اختلت مراكز الْبَرِيد فَجمع لَهَا ثَمَانمِائَة فرس بعث السُّلْطَان مِنْهَا مِائَتي فرس وَأخذ من كل أَمِير مائَة أَرْبَعَة أرؤس وَمن كل أَمِير طبلخاناة فرسين وَمن كل أَمِير عشرَة فرسا وَاحِدًا وفيهَا نهبت منية السيرج وَذَلِكَ أَن جمَاعَة من الْفُقَرَاء المتعبدين بهَا أَنْكَرُوا على النَّصَارَى بيعهم الْخمر وهم مُعظم أهل الْمنية وبالغوا فِي الْإِنْكَار حَتَّى ضرب أحد الْفُقَرَاء نَصْرَانِيّا أسَال دَمه وَدخل إِلَى صَلَاة الْجُمُعَة بالجامع. فتجمع النَّصَارَى وَأتوا الْفُقَرَاء بالجامع بعد الصَّلَاة وضربوهم فثار الْمُسلمُونَ بهم فأثخنهم ضربا ومالوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 406 على بُيُوتهم فنهبوها. وتعدى النهب إِلَى بيُوت الْمُسلمين حَتَّى بلغ الْخَبَر إِلَى الْأَمِير الْحَاج آل ملك النَّائِب فَبعث الْحجاب والوالي فقبضوا على جمَاعَة كَثِيرَة وردوا كثيرا مِمَّا نهب وحملوا الَّذين قبض عَلَيْهِم وَفِيهِمْ عدَّة من الأجناد فَضربُوا وسجنوا وَقطعت أخبازهم. وأقامت الْمنية خراباً وبيوتها مهدمة نَحْو الشَّهْرَيْنِ حَتَّى عَاد أَهلهَا إِلَيْهَا. وَفِي هَذِه السّنة: نَافق عربان الصَّعِيد واقتتلوا وَقَطعُوا الطَّرِيق فَقتل بَينهم نَحْو الألفي رجل. فَركب الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن الكوراني وَقد استمال مَعَه طَائِفَة من أعدائهم يُرِيد حربهم فَلم يثبتوا لَهُ وفروا مِنْهُ فَأخذ لَهُم عدَّة جمال وخيول وَسلَاح. وفيهَا احتربت الدعاجية والسعديون فَقتل بَينهم خلق كثير جدا فَركب إِلَيْهِم الْأَمِير أزدمر كاشف الْوَجْه البحري وَقتل مِنْهُم أعداداً كَثِيرَة. وفيهَا كثر فَسَاد فياض وقطعه الطرقات فَلم يطق الْأَمِير سيف بن فضل رده وَمنعه لعَجزه وفيهَا اشْتَدَّ الْحصار على الكرك وَضَاقَتْ على النَّاصِر أَحْمد وَمن مَعَه لقلَّة الْقُوت عِنْدهم وتخلى عَنهُ أهل الكرك ووعدوا الْأُمَرَاء بالمساعدة عَلَيْهِ فَحملت إِلَيْهِم الْخلْع ومبلغ ثَمَانِينَ ألف دِرْهَم. وفيهَا اشْتَدَّ الغلاء بِبَغْدَاد وَعَامة بِلَاد الْعرَاق وَبلغ الرَّغِيف بِبَغْدَاد دِينَارا عراقياً عَنهُ سِتَّة دَرَاهِم والرطل اللَّحْم بِدِينَار وَنصف. وفيهَا اسْتَقر بيبغا ططر فِي نِيَابَة غَزَّة عوضا عَن طرنطاي البشمقدار. وفيهَا اسْتَقر طرنطاي حاجباً بِالْقَاهِرَةِ. وفيهَا جرد الْأَمِير يلبغا اليحياوي نَائِب حلب عسكره لقِتَال ابْن دلغادر فَلَقِيَهُمْ ابْن دلغادر وكسرهم كسرة قبيحة. فَركب يلبغا بعساكر حلب وَسَار إِلَيْهِ ففر مِنْهُ ابْن دلغادر إِلَى جبل وَترك أثقاله فنهبها الْعَسْكَر وَقتلُوا كثيرا من تركمانه وظفروا بِبَعْض حرمه وتبعوه إِلَى الْجَبَل وصعدوه. فَقَاتلهُمْ ابْن دلغادر وجرح أَكْثَرهم. وَأُصِيب فرس الْأَمِير يلبغا بِسَهْم قَتله وتقنطر عَنهُ يلبغا وَأخذ صنجقه وَمن أسروه من حَرِيم ابْن دلغادر وَمَا نهبوه لَهُ وتمت الكسرة على الْعَسْكَر فَكتب السُّلْطَان بالإنكار على نَائِب حلب وتعنيفه على مَا فعله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 407 وفيهَا اسْتَقر المكين إِبْرَاهِيم بن مزونية فِي نظر دمشق عوضا عَن التَّاج ابْن الصاحب أَمِين الْملك. وَاسْتقر مُوسَى بن التَّاج إِسْحَاق فِي نظر حلب وأستقر زين الدّين مُحَمَّد ابْن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الْقَادِر بن عبد الْخَالِق بن خَلِيل بن مقلة بن جَابر الْمَعْرُوف بِابْن الصَّائِغ الْأنْصَارِيّ الدِّمَشْقِي فِي قَضَاء الشَّافِعِيَّة بحلب عوضا عَن بدر الدّين بن الخشاب وَعَاد ابْن الخشاب إِلَى الْقَاهِرَة. وَكَانَت هَذِه السّنة من أنكد السنين وأشدها لِكَثْرَة الْفِتَن وَسَفك الدِّمَاء بِبِلَاد الصَّعِيد ونواحي الشرقية وبلاد عرب الشَّام وبلاد الرّوم والكرك وَغَلَاء الأسعار بالعراق وَكَثْرَة الْمَوْتَى عِنْدهم وَزِيَادَة النّيل الَّتِي فسد بهَا الأقصاب والزراعات الصيفية. فَلَمَّا أدْرك الشّعير هاف من السمُوم وهاف كثير من الفول أَيْضا وَبَعض الْقَمْح وتحسن السّعر حَتَّى بلغ الأردب درهما بعد مَا كَانَ بِعشْرَة دَرَاهِم. وفيهَا بلغت زِيَادَة النّيل عشْرين ذِرَاعا وَخَمْسَة عشر أصبعاً. وَمَات فِيهَا من الْأَعْيَان زين الدّين إِبْرَاهِيم بن عَرَفَات بن صَالح بن أبي المنا القناوي الشَّافِعِي وقاضي قِنَا وَكَانَ يتَصَدَّق فِي السّنة بِأَلف دِينَار فِي يَوْم وَاحِد. وَتُوفِّي برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن عَليّ بن أَحْمد بن عَليّ بن عبد الْحق قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بديار مصر وَهُوَ مُقيم بِدِمَشْق. وَمَات إِبْرَاهِيم بن صابر الْمُقدم. وَتُوفِّي الْمُحدث شهَاب الدّين أَحْمد بن عَليّ بن أَيُّوب بن علوي المستولي وَقد جَاوز الثَّمَانِينَ حدث عَن الأبرقوهي وَكَانَ ورعاً خيرا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 408 وَتُوفِّي شهَاب الدّين أَحْمد بن أبي الْفرج الْحلَبِي بِالْقَاهِرَةِ حدث عَن النجيب والأبرقوهي والرشيد بن عَلان وَغَيره ومولده فِي رَمَضَان سنة خمس وَسِتِّينَ وسِتمِائَة. وَتُوفِّي الْمسند شهَاب الدّين أَحْمد بن كشتغدي المعزي. وَمَات الْأَمِير أقسنقر السلاري قتلا بِحَبْس الْإسْكَنْدَريَّة تنقل فِي الخدم إِلَى أَن ولي نِيَابَة صفد ونيابة غَزَّة ثمَّ نِيَابَة السلطنة بديار مصر. وَمَات الْأَمِير ألطنبغا المارداني وَهُوَ فِي نِيَابَة حلب وَهُوَ الَّذِي أنشأ جَامع المارداني خَارج بَاب زويلة. وَمَات الْأَمِير ألطنبغا العلمي الجاولي الْفَقِيه الشَّافِعِي الأديب الشَّاعِر أَصله مَمْلُوك ابْن باخل ثمَّ صَار إِلَى الْأَمِير علم الدّين سنجر الجاولي فَعرف بِهِ وَعَمله دواداره وَهُوَ نَائِب غَزَّة ثمَّ تقلبت وَتُوفِّي شرف الدّين أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن الشهَاب مَحْمُود كَاتب السِّرّ بِدِمَشْق ومصر فِي ربيع الأول. وَتُوفِّي علم الدّين سُلَيْمَان بن إِبْرَاهِيم بن سُلَيْمَان الْمَعْرُوف بِابْن المستوفي الْمصْرِيّ نَاظر الْخَاص بِدِمَشْق سَابِع عشرى جُمَادَى الْآخِرَة عَن سبعين سنة بهَا وَكَانَ كَاتب قراسنقر وَله شعر. وَمَات الْأَمِير طوغاي الطباخي نَائِب حلب وطرابلس فِي شهر رَمَضَان. وَتُوفِّي شهَاب الدّين عبد اللَّطِيف بن عز الدّين عبد الْعَزِيز بن يُوسُف بن أبي الْعِزّ الْمَعْرُوف بِابْن المرحل الْحَرَّانِي الأَصْل النَّحْوِيّ بِالْقَاهِرَةِ وَقد جَاوز السِّتين. وَتُوفِّي الشَّيْخ المعتقد عبد الْكَرِيم فِي ربيع الأول وَدفن بالقرافة. وَتُوفِّي الْمسند الْمُحدث عَلَاء الدّين عَليّ بن قيران السكرِي ومولده فِي سنة ثَمَان وَخمسين وسِتمِائَة. وَمَات الْأَمِير عِيسَى بن فضل الله بن أخي مهنا ولي إمرة الْعَرَب بعد مُوسَى بن مهنا ثمَّ عزل بِسُلَيْمَان بن مهنا وَمَات بالقريتين وَدفن بحمص. وَتُوفِّي تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن القطب عبد اللَّطِيف بن الصَّدْر يحيى بن أبي الْحسن عَليّ ابْن تَمام بن يُوسُف بن مُوسَى بن تَمام السُّبْكِيّ وَهُوَ أحد الْفُقَهَاء النُّحَاة للقراء. وَتُوفِّي الإِمَام شمس الدّين مُحَمَّد بن الْعِمَاد أَحْمد بن عبد الْهَادِي بن عبد الْمجِيد بن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 409 عبد الْهَادِي بن يُوسُف بن مُحَمَّد بن قدامَة الْمَقْدِسِي الْحَنْبَلِيّ فِي جُمَادَى الأولى بِدِمَشْق عَن تسع وَثَلَاثِينَ سنة. وَمَات طغاي بن سوناي بالمشرق قتلا. وَمَات الْأَمِير أقبغا عبد الْوَاحِد الأستادار فِي محبسه بالإسكندرية وَإِلَيْهِ تنْسب الْمدرسَة الآقبغاوية بجوار الْجَامِع الْأَزْهَر. وَقتل الشَّيْخ حسن بن دمرداش بن جوبان بن بلك بتوريز فِي رَجَب وَكَانَ داهية صَاحب حيل ومكر وَأفْتى عدَّة كَثِيرَة من الْمغل. وَمَات طغاي بن سوناي. وَمن أخباره أَنه لما مَاتَ أَبوهُ ووثب بعده عَليّ باشا خَان بوسعيد حاربه طغاي حَتَّى قَتله فَقتله إِبْرَاهِيم شاه بن بارنباي يَوْم عَاشُورَاء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 410 (سنة خمس وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة) أهلت والعسكر فِي حَرَكَة اهتمام بِالسَّفرِ إِلَى الكرك وَقد تعين الْأَمِير بغا الفخري والأمير قماري والأمير طشتمر طلليه للتوجه بهم. وألزم السُّلْطَان كل أَمِير مائَة مقدم ألف بِإِخْرَاج عشرَة مماليك وَلم يُوجد فِي بَيت المَال وَلَا الخزانة مَا ينْفق عَلَيْهِم مِنْهُ فَأخذ مَالا من تجار الْعَجم وَمن بَيت الْأَمِير بكتمر وَجَمَاعَة أخرين على سَبِيل الْقَرْض وَأنْفق فيهم. وَفِي يَوْم السبت مستهل الْمحرم: قدم مُبشر الْحَاج. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء حادي عشره: خرج المجردون إِلَى الكرك. وَفِي رَابِع عشريه: قدم محمل الْحَاج وَقد قاسى الْحَاج فِي سفرهم مشقات كَبِيرَة من قلَّة المَاء وَغَلَاء الأسعار بِحَيْثُ أبيعت الويبة من الشّعير بِأَرْبَعِينَ درهما عَنْهَا دِينَارَانِ والويبة الدَّقِيق بخمسون درهما والرطل البشماط بِثَلَاثَة دَرَاهِم. وأبيع الأردب الْقَمْح فِي مَكَّة بِمِائَتي دِرْهَم وَبلغ الْجمل بمنى إِلَى أَرْبَعمِائَة وَخمسين درهما لقلَّة الْجمال. وَكَانَ من أَسبَاب ذَلِك أَن الشريف عجلَان بن رميثة خرج إِلَى جدة وَمنع تجار الْيمن من عبور مَكَّة فعز بهَا صنف المتجر وَهلك كثير من مشَاة الْحَاج. وَفِيه أَقَامَت العساكر على محاصرة الكرك وَقطع الْميرَة عَنْهَا وَكَانَت أَمْوَال النَّاصِر أَحْمد قد نفذت من كَثْرَة نفقاته فَوَقع الطمع فِيهِ. وَأخذ بَالغ - وَهُوَ أجل ثقاته من الكركيين - فِي الْعَمَل عَلَيْهِ وَكَاتب الْأُمَرَاء وَوَعدهمْ أَنه يسلم إِلَيْهِم الكرك وَسَأَلَ الْأمان. فَكتب إِلَيْهِ عَن السُّلْطَان أَمَان وَقدم إِلَى الْقَاهِرَة كَمَا تقدم فِي السّنة الخالية وَمَعَهُ مَسْعُود وَابْن آبي اللَّيْث وَهَؤُلَاء أَعْيَان مَشَايِخ الكرك فأكرمهم السُّلْطَان وأنعم عَلَيْهِم وَكتب لَهُم مناشير بِجَمِيعِ مَا طلبوه من الإقطاعات والأراضي وَكَانَت جملَة مَا طلبه بَالغ بمفرده نَحْو أَرْبَعمِائَة وَخمسين ألف دِرْهَم فِي السّنة وَكَذَلِكَ أَصْحَابه ثمَّ أعيدوا بعد مَا حلفوا وَقد بلغ النَّاصِر أَحْمد خبرهم فتحصن بالقلعة وَرفع جسرها وصاروا هم بِالْمَدِينَةِ ومكاتباتهم ترد على الْعَسْكَر. فَلَمَّا ركب الْعَسْكَر للحرب وَخرج الكركيون لم يكن غير سَاعَة حَتَّى انْهَزمُوا مِنْهُم إِلَى دَاخل الْمَدِينَة فَدَخلَهَا الْعَسْكَر أَفْوَاجًا واستوطنوها وجدوا فِي قتال أهل القلعة عدَّة أَيَّام وَالنَّاس تنزل مِنْهَا شَيْئا بعد شَيْء حَتَّى لم يبْق مَعَ النَّاصِر أَحْمد عشرَة أنفس فَأَقَامَ يَرْمِي بهم على الْعَسْكَر. وَكَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 411 النَّاصِر أَحْمد قوي الرَّمْي شجاعاً إِلَى أَن جرح فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وتمكنت النقابة من البرج وعلقوه وأضرموا النَّار تَحْتَهُ حَتَّى وَقع. وَكَانَ الْأَمِير سنجر الجاولي قد بَالغ أَشد مُبَالغَة فِي الْحصار وبذل فِيهِ مَالا كثيرا فَلَمَّا هجم الْعَسْكَر على النَّاصِر أَحْمد فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشرى صفر وجدوه قد خرج من مَوضِع وَعَلِيهِ زردية وَقد تنكب قوسه وَشهر سَيْفه. فوقفوا وسلموا عَلَيْهِ فَرد عَلَيْهِم السَّلَام وَهُوَ متجهم وَفِي وَجهه جرح وكتفه يسيل دَمًا. فَتقدم إِلَيْهِ الْأَمِير أرقطاي والأمير قماري فِي آخَرين فَأَخَذُوهُ ومضوا بِهِ إِلَى دهليز الْموضع الَّذِي كَانَ بِهِ وأجلسوه وطيبوا خاطره وَهُوَ سَاكِت لَا يُجِيبهُمْ فقيدوه ووكلوا بحفظه جمَاعَة ورتبوا لَهُ طَعَاما فَأَقَامَ يَوْمه وَلَيْلَته وَمن باكر الْغَد تقدم إِلَيْهِ الطَّعَام فَلَا يتَنَاوَل مِنْهُ شَيْئا إِلَى أَن سَأَلُوهُ فِي أَن يَأْكُل فَأبى أَن يَأْكُل حَتَّى يأتوه بشاب كَانَ يهواه يُقَال لَهُ عُثْمَان فَأتوهُ بِهِ فَأكل عِنْد ذَلِك. وَخرج ابْن الْأَمِير بيبغا الشمسي حارس الطير بالبشارة وعَلى يَده كتب الْأُمَرَاء فَقدم قلعة الْجَبَل يَوْم السبت ثامن عشريه فدقت البشائر سَبْعَة أَيَّام. ثمَّ قدم أَيْضا ابْن الْأَمِير قماري ثمَّ بعده أرلان وَمَعَهُ النمجاه. ثمَّ أخرج الْأَمِير منجك السِّلَاح دَار لَيْلًا من الْقَاهِرَة على النجب لقتل النَّاصِر أَحْمد من غير مُشَاورَة الْأُمَرَاء فوصل إِلَى الكرك. وَأدْخل منجك إِلَيْهِ من أخرج الشَّاب من عِنْده وخنقه فِي لَيْلَة رَابِع ربيع الأول وَقطع رَأسه. وَسَار منجك من ليلته وَلم يعلم الْأُمَرَاء وَلَا الْعَسْكَر بِشَيْء من ذَلِك حَتَّى أَصْبحُوا وَقد قطع منجك مَسَافَة بعيدَة فَقدم منجك بعد ثَلَاث إِلَى القلعة لَيْلًا وَقدم الرَّأْس بَين يَدي السُّلْطَان وَكَانَ ضخماً مهولاً لَهُ شعر طَوِيل فاقشعر السُّلْطَان عِنْد رُؤْيَته وَبَات مرجوفاً. وَفِيه طلب الْأَمِير قبلاي الْحَاجِب ورسم بتوجهه لحفظ الكرك إِلَى أَن ياتيه نَائِب لَهَا وَكتب بِعُود الْأُمَرَاء والعساكر وَكَانَت مُدَّة حِصَار النَّاصِر أَحْمد بالكرك سنتَيْن وشهراً وَثَمَانِية أَيَّام. وَكَانَ جمال الكفاة قد تقدم فِي الدولة تقدماً زَائِدا فَإِنَّهُ ولي الْخَاص ثمَّ نظر الْجَيْش فباشرهما جَمِيعًا. وَتمكن فِي أَيَّام السُّلْطَان الْملك الصَّالح تمَكنا عَظِيما سَببه أَن السُّلْطَان اشْتَدَّ شغفه بِجَارِيَة مولدة يُقَال لَهَا اتِّفَاق كَانَت تجيد ضرب الْعود وأخذته عَن عبد عَليّ العواد العجمي فرتبه جمال الكفاة عِنْد السُّلْطَان حَتَّى صَار يجلس مَعهَا عِنْد السُّلْطَان. وَكَانَ السُّلْطَان يخْشَى من الْأَمِير أرغون العلائي وَلَا يتجاسر أَن يبسط يَده بالعطا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 412 لِاتِّفَاق فَأسر ذَلِك لجمال الكفاة فَصَارَ يَأْتِيهِ بِكُل نَفِيس من الْجَوَاهِر وَغَيرهَا سرا فينعم بِهِ على اتِّفَاق. وَكَذَلِكَ كَانَ السُّلْطَان قد أسر للوزير نجم الدّين هَوَاهُ فِي اتِّفَاق فَكَانَ أَيْضا يحمل إِلَيْهِ فِي الْبَاطِن الْأَشْيَاء النفيسة وَلَا كَمَا يحملهُ جمال الكفاة. فعلت رُتْبَة جمال الكفاة بِحَيْثُ أَن الْوَزير نجم الدّين امْتنع عَن مُبَاشرَة الوزارة مَا لم يكن جمال الكفاة يلاحظه. ثمَّ رسم السُّلْطَان لجمال الكفاة أَن يكون مشير الدولة وَكتب لَهُ فِي توقيعه الجناب العالي بَعْدَمَا امْتنع عَلَاء الدّين عَليّ بن فضل الله كَاتب السِّرّ من ذَلِك وتوحش مَا بَينهمَا بِسَبَبِهِ. فرسم السُّلْطَان أَن يكْتب لَهُ ذَلِك فعظمت رتبته وَارْتَفَعت مكانته إِلَى أَن تعدى طوره وَأَرَادَ أَن ينخلع من زِيّ الْكتاب إِلَى هَيْئَة الْأُمَرَاء وَأَن يكون أَمِير مائَة مقدم ألف وَلم يبْق إِلَّا ذَلِك فشق على الْأُمَرَاء هَذَا الْأَمر. وَكَانَ جمال الكفاة قد تنكر عَلَيْهِ الْأَمِير أرغون العلائي بِسَبَب إقطاع عينه لبَعض أَصْحَابه فَأجَاب بِأَن السُّلْطَان قد أخرجه فَغَضب العلائي وَبعث إِلَيْهِ دواداره وَمَعَهُ حياصة من ذهب وَأمره أَن يَقُول لَهُ عَنهُ: أَنْت مَا بقيت تُعْطِي شَيْئا إِلَّا ببرطيل وَهَذِه الحياطة برطيلك خُذْهَا واقض شغل هَذَا الرجل فَلم يسمح جمال الكفاة لَهُ بالإقطاع وَقَامَ مَعَ السُّلْطَان حَتَّى عرف العلائي مشافهة بِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أخرج الإقطاع فأسرها العلائي فِي نَفسه وَأخذ يغري بِهِ النَّائِب الْحَاج آل ملك والأمراء فَمَال مَعَهم الْوَزير وصاروا جَمِيعهم وَاحِدًا عَلَيْهِ ورتبوا لَهُ مهالك ليقتلوه بهَا مِنْهَا أَنه يباطن النَّاصِر أَحْمد ويكاتبه ويتصرف فِي أَمْوَال الدولة بِاخْتِيَارِهِ وَقد ضيعها كلهَا فَإِنَّهُ كَانَ نَاظر الْجَيْش ومشير الدولة وَأَنه يتحدث مَعَ السُّلْطَان فِي الْأُمَرَاء وَيَقَع فيهم ويثلب أعراضهم عِنْده. وَأخذ الْوَزير يعلم السُّلْطَان والعلائي بِأَن سَائِر مَا يُخبرهُ السُّلْطَان بِهِ من محبته لِاتِّفَاق يخبر بِهِ الْوَزير وَنقل عَنهُ من ذَلِك أَشْيَاء تبين للسُّلْطَان صِحَّته. فانحطت بذلك مكانته عِنْد السُّلْطَان ورسم بقتْله بعد أَخذ مَاله فَقبض عَلَيْهِ فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِي عشر صفر وعَلى أَوْلَاده وَزَوجته. وَقبض مَعَه على الصفي الْحلِيّ مُوسَى كَاتب قوصون وناظر الْبيُوت وعَلى الْمُوفق عبد الله بن إِبْرَاهِيم نَاظر الدولة. وَنزل المجدي إِلَى بَيت جمال الكفاة وأوقع الحوطة عَلَيْهِ بِمَا فِيهِ وَنزل تمر الموساوي فأوقع الحوطة على بَيت الصفي وعني الْوَزير بالموفق فَلم يُعَاقب. ونوعت الْعُقُوبَات لجمال الكفاة والصفي وَضربت أَوْلَاد جمال الكفاة وَهُوَ يراهم ضربا مبرحاً بالمقارع وعصرت نساؤه وَنسَاء الصفي وَأخذت أَمْوَالهم. فَرفع خَالِد الْمُقدم قصَّة للسُّلْطَان ذكر فِيهَا أَنه إِن شدّ وَسطه وأقيم فِي التقدمة أظهر لَهُم مَالا كثيرا من مَال جمال الكفاة. فَطلب ورسم بشد وَسطه وَنزل إِلَيْهِم فأظهر لجمال الكفاة بتهديده إِيَّاه صندوقاً فِيهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 413 مَا قِيمَته نَحْو عشْرين ألف دِينَار خَالِد وَكَانَ مودعاً بعض جِيرَانه بالمنشية وَلم يظْهر لَهُ بعد ذَلِك شَيْء. وَفِيه خلع على الضياء الْمُحْتَسب وَاسْتقر فِي نظر الدولة عوضا عَن الْمُوَافق على كره مِنْهُ لذَلِك. وَفِيه قدم الْأُمَرَاء من تجريدة الكرك فاشتدت الْعقُوبَة على جمال الكفاة خشيَة من الشَّفَاعَة فِيهِ وَضرب مائَة وَعشْرين شيباً وَسلم لخَالِد الْمُقدم فخنقه فِي لَيْلَة الْأَحَد سادس ربيع الأول وَدفن فِي يَوْم الْأَحَد بجوار تربة ابْن عبود. فَكَانَت مُدَّة مصادرته أحدا وَعشْرين يَوْمًا وَمُدَّة مُبَاشَرَته خمس سِنِين وشهراً وَأَيَّام. وعوقب الصفي مُوسَى عُقُوبَة عَظِيمَة وعصر فِي أصداغه وَضرب بالمقارع حَتَّى أنتن بدنه كُله فَلم يمت. وَأَفْرج عَن الْمُوفق بِوَاسِطَة الْوَزير وخلع عَلَيْهِ فِي الْيَوْم الْمَذْكُور وَاسْتقر فِي نظر الْخَاص بعد مَا عين العلائي علم الدّين عبد الله بن تَاج الدّين أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن زنبور مُسْتَوْفِي الصُّحْبَة لنظر الْخَاص فَلم يتهيأ لَهُ لسفره بِبِلَاد الشَّام. وَفِيه خلع على أَمِين الدّين إِبْرَاهِيم بن يُوسُف السامري كَاتب طشتمر وَاسْتقر فِي نظرالجيش. وَفِيه خلع على علم الدّين بن مهلول وَاسْتقر فِي نظر الدولة عوضا عَن الضياء الْمُحْتَسب لاستعفائه وَعدم تنَاوله مَعْلُوم النّظر وأعيد الضياء الْمُحْتَسب إِلَى نظر المارستان. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشره: كَانَ وَفَاء النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا. وَفِيه قدم الْبَرِيد من حلب بِاتِّفَاق فياض وَابْن دلغادر أَمِير الأبلستين بمحاصرة قلعة طرنده وَأَخذهَا من أرتنا وَبهَا أَمْوَاله ثمَّ سيرهما إِلَى حلب. وَطلب نَائِب حلب تَجْرِيد الْعَسْكَر إِلَيْهِ فرسم بتوجه الْأَمِير مكتمر الْحِجَازِي والوزير نجم الدّين مَحْمُود والأمير طرنطاي الْحَاجِب وَخمسين مقدما من مقدمي الْحلقَة بِأَلف فَارس من أجناد الْحلقَة وجهزت نفقاتهم ثمَّ بطلت التجريدة. وتوقفت أَحْوَال الدولة من كَثْرَة الإنعامات والإطلاقات للخدام والجواري وَمن يلوذ بهم وَمن يعنون بِهِ فكثرت شكاية الْوَزير من ذَلِك. وَكتب أوراق بكلف الدولة ومتحصلها فَكَانَت الكلف ثَلَاثِينَ ألف ألف دِرْهَم فِي السّنة والمتحصل خَمْسَة عشر ألف ألف دِرْهَم. وقرئت الأوراق على السُّلْطَان والأمراء فرسم أَن يسْتَقرّ الْحَال على مَا كَانَ عَلَيْهِ إِلَى حِين وَفَاة السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون وَبَطل مَا استجد بعده الجزء: 3 ¦ الصفحة: 414 وَأَن تقطع توابل الْأُمَرَاء وَالْكتاب حَتَّى الكماج السميذ. فَعمل بدلك شهر وَاحِد وعادت الرَّوَاتِب على مَا كَانَت عَلَيْهِ حَتَّى بلغ مَصْرُوف الْحَوَائِج خاناه فِي كل يَوْم إثنين وَعشْرين ألف دِرْهَم بعد مَا كَانَت فِي الْأَيَّام الناصرية ثَلَاثَة عشر ألف دِرْهَم. وَبينا النَّائِب جَالس يَوْمًا إِذْ قدم لَهُ مرسوم عَلَيْهِ عَلامَة السُّلْطَان براتب لحم وتوابل وكماجتين عيد باسم ابْن علم الدّين. فَقَالَ النَّائِب لصَاحب المرسوم: وَيلك أَنا نَائِب السُّلْطَان قد قطعت الكماجة الَّتِي لي فَعَسَى بجاهك تخلص لي كماجة وتزايد الْأَمر فِي ذَلِك فَلم يُمكن أحد رَفعه وَفِيه خلع على الْأَمِير ملكتمر السرجواني وَاسْتقر فِي نِيَابَة الكرك وجهز مَعَه عدَّة صناع لعمارة مَا انْهَدم من قلعتها وإعادة البرج إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ. ورسم أَن يخرج مَعَه مائَة من مماليك قوصون وبشتاك الَّذين كَانَ النَّاصِر أَحْمد أسكنهم بالقلعة بِالْقَاهِرَةِ ورتب لَهُم الرَّوَاتِب وَأَن يخرج مِنْهُم مِائَتَان إِلَى دمشق وحمص وحماة وطرابلس وصفد وحلب. فأخرجوا جَمِيعًا فِي يَوْم وَاحِد وَنِسَاؤُهُمْ وَأَوْلَادهمْ فِي بكاء وعويل وَسَخِرُوا لَهُم خُيُول الطواحين ليركبوا عَلَيْهَا فَكَانَ يَوْمًا شنيعاً. وَقدم الْخَبَر من ماردين بِأَن فياض بن مهنا فَارق ابْن دلغادر وَقصد بِلَاد الشرق ليقوي عزم الْمغل على أَخذ بِلَاد الشَّام. فَمَنعه صَاحب ماردين من ذَلِك وشفع إِلَى السُّلْطَان فِيهِ أَن يرد إِلَيْهِ إقطاعه الَّذِي كَانَ بِيَدِهِ قبل الإمرية فَقبلت شَفَاعَته وَكتب برد إقطاعه الْمَذْكُور. وَفِيه قَامَ الْأَمِير ملكتمر الْحِجَازِي فِي خلاص الصفي مُوسَى كتاب قوصون حَتَّى أفرج عَنهُ وخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر فِي ديوانه بَعْدَمَا أشرف على الْهَلَاك. وَفِيه أفرج أَيْضا عَن أهل الْأَمِير سيف الدّين أيتمش الناصري وَاسْتقر فِي الوزارة عوضا عَن جمال الكفاة. وَفِي خَامِس عشر ربيع الآخر: خلع على الْأَمِير نجم الدّين مَحْمُود وَزِير بَغْدَاد بِطَلَبِهِ الإعفاء لتوقف الْحَال. وَفِيه قدم الْخَبَر بوفاة حَدِيثَة بن مهنا وَأَن أَخَاهُ فياض بن مهنا سَار عَن ماردين وكبس سيف بن فضل أَمِير الملا فَقتل جمَاعَة من أَصْحَابه وَنهب أَمْوَاله وَأسر أَخَاهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 415 وَفِيه تنكر الْأَمِير أرغون العلائي والأمير ملكتمر الْحِجَازِي على الْأَمِير آل ملك النَّائِب بِسَبَب أَنه كَانَ إِذا قدم إِلَيْهِ منشور أَو مرسوم بمرتب ليكتب عَلَيْهِ بالاعتماد يُنكره من ذَلِك وَإِذا سَأَلَهُ أحد إقطاعاً أَو مُرَتبا قَالَ لَهُ: يَا وَلَدي رح إِلَى بَاب الستارة أبْصر طواشي أَو توصل لبَعض المغاني تقضي حَاجَتك ودله بعض الْعَامَّة على مَوضِع تبَاع فِيهِ الْخمر والحشيش فأحضر أُولَئِكَ الَّذين يبيعونهما وضربهم فِي دَار النِّيَابَة بالقلعة بالمقارع وشهرهم وخلع على ذَلِك الْعَاميّ وأقامه عَنهُ فِي إِزَالَة الْمُنكر فَصَارَ يهجم الْبيُوت لأخذ الْخُمُور مِنْهَا. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامن عشرى ربيع الآخر. خلع على شُجَاع الدّين غرلو وَاسْتقر فِي ولَايَة الْقَاهِرَة عوضا عَن نجم الدّين. فَمنع شُجَاع الدّين ذَلِك الرجل الْعَاميّ من التَّعَرُّض للنَّاس وأدبه. فَطَلَبه الْأَمِير الْحَاج آل الْملك النَّائِب وَأنكر عَلَيْهِ مَنعه لَهُ فأحضر ذَلِك الرجل من الْغَد رجلا مَعَه جرة خمر فكشف النَّائِب رَأسه وصبها عَلَيْهِ وَحلق لحيته على بَاب القلعة بِحَضْرَة الْأُمَرَاء فعابوا عَلَيْهِ ذَلِك. وَأخذ الْأَمِير أرقطاي يلوم الْأَمِير الْحَاج آل ملك النَّائِب وينكر عَلَيْهِ فتفاوضا فِي الْكَلَام وافترقا على غير رضى. وَاتفقَ أَن الْأَمِير ملكتمر الْحِجَازِي كَانَ مُولَعا بِالْخمرِ وَيحمل إِلَيْهِ الْخمر على الْجمال إِلَى القلعة. فمرت الْجمال بالنائب وَهُوَ بشباك النِّيَابَة فَبعث نَقِيبًا لينْظر أَيْن تدخل ويأتيه بالجمال. فَلَمَّا دخلت الْجمال بَيت الْحِجَازِي وتسلم الشربدار مَا عَلَيْهَا وَقد فطن الْجمال بالنقيب تغيب فِي دَاخل الْبَيْت وَعرف الْأَمِير ملكتمر الْحِجَازِي الْخَبَر فأحضر الْأَمِير ملكتمر النَّقِيب وضربه ضربا مؤلماً فَقَامَتْ قِيَامَة الْأَمِير الْحَاج آل ملك النَّائِب وتحدث مَعَ الْأَمِير أرغون العلائي فِي الْخدمَة وَأنكر على الْحِجَازِي تعاطيه الْخمر. فَأَتَاهُ الْحِجَازِي وفاوضه مُفَاوَضَة كَثِيرَة وَقَامَ مغضباً والأمير أرغون العلائي سَاكِت فَلم يعجب النَّائِب من العلائي سُكُوته وانفضوا على غير رضى فَطلب النَّائِب الْإِذْن فِي سَفَره إِلَى الْحجاز فرسم لَهُ بذلك ثمَّ منع مِنْهُ وترضاه السُّلْطَان وَاتفقَ أَن حسن بن الرديني الهجان قتل لَيْلًا فِي بَيته بسوق الْخَيل من منسر كبس عَلَيْهِ وَقد خرج السُّلْطَان إِلَى سرحة سرياقوس فاتهم وَلَده بذلك عِيسَى بن حسن الهجان وبالغاً الْأَعْرَج لعداوة بَينهمَا وَبَين أَبِيه فَقبض عَلَيْهِمَا إِلَى النَّائِب فعراهما وأ! راد أَن يضربهما بالمقارع فمازالا بِهِ حَتَّى أمهلهما أَيَّامًا عينهَا ليكشفوا عَن الْقَاتِل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 416 فسعيا بالأمراء حَتَّى أفرج عَنْهُمَا مُعَارضَة للنائب وَمنع من طلبهما. وأنعم على ولد حسن بإقطاع أَبِيه ووظيفته فَاشْتَدَّ حنق النَّائِب وَأطلق لِسَانه بالْكلَام. وَفِيه قدم سيف بن فضل فَأكْرمه السُّلْطَان وَكتب إِلَى نَائِب الشَّام بِالْقَبْضِ على أَحْمد بن مهنا إِذا قدم عَلَيْهِ. وَكَانَ فياض قد بَعثه ليَأْخُذ لَهُ الْأمان من السُّلْطَان فَيوم قدم دمشق أمسك هُوَ وَابْن أَخِيه وحبسا بالقلعة ترضية للأمير سيف. فَجمع فياض عربه يُرِيد أَخذ دمشق فَجرد النَّائِب لَهُ عشرَة أُمَرَاء فَرجع عَن مقْصده. وَبلغ ذَلِك الْأَمِير أقسنفر الناصري نَائِب طرابلس فشق عَلَيْهِ سجن أَحْمد بن مهنا فَإِنَّهُ كتب فِيهِ للسُّلْطَان وَأَنه ضمن دركه ودرك فياض. فَأُجِيب أقسنقر بِقبُول شَفَاعَته ورسم بحضورهما إِلَى مصر فاتفق من مَكَّة مَا اتّفق. وَقدم الْخَبَر بِنفَاق عربان الْوَجْه القبلي وقطعهم الطرقات على النَّاس وامتداد الْفِتَن بَينهم نَحْو شَهْرَيْن قتل فِيهَا خلق عَظِيم وَأَن عرب الفيوم أغار بَعضهم على بعض وذبحوا الْأَطْفَال على صُدُور أمهاتهم فَقتل بَينهم قَتْلَى كَثِيره. وأخربوا ذَات الصَّفَا وَمنعُوا الْخراج فِي الْجبَال وَقَطعُوا الْمِيَاه حَتَّى شَرق أَكثر بِلَاد الفيوم فَلم يلْتَفت أُمَرَاء الدولة لذَلِك لشغلهم بالصيد وَنَحْوه. وَفِيه نقل غرلو من ولَايَة الْقَاهِرَة إِلَى سد الدَّوَاوِين والدولة فِي غَايَة التَّوَقُّف. فاستجد غرلوا من الْحَوَادِث أَن من طلب ولَايَة أَو شدّ جِهَة يحمل مَالا بِحَسب وظيفته إِلَى بَيت المَال. وَعرف غرلو السُّلْطَان أَن هَذَا المَال كَانَ يحمل للنَّاظِر والمباشرين وَأَنه تنزه عَن ذَلِك وَأظْهر نهضة وَأَمَانَة. وَفِيه قدم الْخَبَر بِكَثْرَة فَسَاد العشير بِبِلَاد الشَّام وقطعهم الطرقات لقلَّة حُرْمَة الْأَمِير طقزدمر نَائِب الشَّام. فَانْقَطَعت طرقات طرابلس وبعلبك ونهبت بلادهما. وامتدت الْفِتْنَة بَين العشير زياده على شهر قتل فِيهَا خلق كثير. ونحروا الْأَطْفَال على صُدُور أمهاتهم وأضرموا النَّار على مَوضِع احْتَرَقَ فِيهِ زِيَادَة على عشْرين امْرَأَة. وَفِيه توقفت أَحْوَال الْقَاهِرَة من جِهَة الْفُلُوس وتحسن سعر أَكثر المبيعات. وَذَلِكَ أَن الْمُعَامَلَة بالفلوس كَانَت بِالْعدَدِ فَكثر فِيهَا الْفُلُوس الخفاق وانتدب جمَاعَة لشراء النّحاس الْخلق بِدِرْهَمَيْنِ الرطل وقصه فُلُوسًا خفافاً فَبلغ الرطل مِنْهَا عشْرين درهما. وَصَارَ الرصاص يقطع على هَيْئَة الْفُلُوس ويخلط بهَا. وجلب كثير من فلوس الشَّام وَهِي وَاسِعَة فَكَانَت تقطع سِتّ قطع كل مِنْهَا فلس إِلَى أَن أفحش ذَلِك وَكثر التعنت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 417 فِيهَا. فَطلب السُّلْطَان الْمُحْتَسب والوالي وَأنكر عَلَيْهِمَا فقبضا على كثير من الباعة وضربوا عدَّة مِنْهُم بالمقارع وشهروهم فتحسنت الأسعار كلهَا. فألزم الْمُحْتَسب سماسرة الغلال أَلا يزِيدُوا فِي سعر الْغلَّة شَيْئا فَلم يتجاسر أحد مِنْهُم أَن يزِيد شَيْئا فِي السّعر. ثمَّ نُودي أَلا يُؤْخَذ من الْفُلُوس إِلَّا مَا عَلَيْهِ سكَّة السُّلْطَان وَمَا عدا ذَلِك يُؤْخَذ بِحِسَاب كل رَطْل دِرْهَمَيْنِ وَلَا يقبل فِيهِ نُحَاس وَلَا رصاص. فشريت الْفُلُوس وَأخذ مِنْهَا مَا عَلَيْهِ السِّكَّة السُّلْطَانِيَّة وتعامل النَّاس بهَا عددا ووزنوا فِي الْمُعَامَلَة الْفُلُوس الْخفاف بالرطل على حِسَاب دِرْهَمَيْنِ كل رَطْل ففقدت بعد قَلِيل. ثمَّ ألزم النَّاس بِحمْل مَا عِنْدهم من الْفُلُوس إِلَى دَار الضَّرْب فَضربت فُلُوسًا جدداً. وَلم يكن فِي الدولة حَاصِل يحمل لدار الضَّرْب كَمَا هِيَ الْعَادة لتوقف أمرهَا. وَفِيه قدم الْأَمِير جركتمر الْحَاجِب من كشف الغلال وَقد حصل من متوفر غلال العربان بِبِلَاد الشَّام أَرْبَعمِائَة ألف وَخمسين ألف دِرْهَم. وَفِيه توجه السُّلْطَان إِلَى سرياقوس على الْعَادة. وَفِيه قبض على الْمُقدم خَالِد وَوَقعت الحوطة على موجوده وَأخذ لسوء سيرته. وَفِيه قدم رَسُول ابْن دلغادر وَأَخُوهُ وَابْن عَمه بكتابه وأنعم عَلَيْهِ بِزِيَادَة من أَرَاضِي حلب. وَفِي نصف شعْبَان: قدمت الْحرَّة أُخْت صَاحب الغرب فِي جمَاعَة كَثِيرَة وعَلى يَدهَا كتاب السُّلْطَان أبي الْحسن يتَضَمَّن السَّلَام وَأَن يدعوا لَهَا الخطباء فِي يَوْم الْجُمُعَة فِي خطبهم ومشايخ الصّلاح وَأهل الْخَيْر بالنصر على عدوهم وَأَن يكْتَسب لأهل الْحَرَمَيْنِ بذلك. وَذَلِكَ أَن فِي السّنة الخالية كَانَت بَينه وَبَين الفرنج وقْعَة عَظِيمَة قتل فِيهَا وَلَده وَنَصره الله بمنه على الْعَدو وَقتل كثيرا مِنْهُم وَملك مِنْهُم الجزيرة الخضراء. فعمر الفرنج مِائَتي شيني وجمعوا طوائفهم وقصدوا الْمُسلمين بالجزيرة وأوقعوا بهم عي حِين غَفلَة. فاستشهد عَالم كَبِير وَنَجَا أَبُو الْحسن فِي طَائِفَة من ألزامه بعد شَدَائِد. وَملك الفرنج الجزيرة وأسروا وَسبوا وغنموا شَيْئا يجل وَصفه ثمَّ مضوا إِلَى جِهَة غرناطة ونصبوا عَلَيْهَا مائَة منجنيق حَتَّى صَالحهمْ أَهلهَا على قطيعة يقومُونَ بهَا وتهادنوا مُدَّة عشر سِنِين. وقدمت رسل البنادقة من الفرنج بهدية وسألوا الرِّفْق بهم وَالْمَنْع من ظلمهم وَألا يُؤْخَذ مِنْهُم إِلَّا مَا جرت بِهِ عَادَتهم وَأَن يمكنوا من بيع بضائعهم على من يختارونه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 418 فرسم لناظر الْخَاص أَلا يتَعَرَّض لبضائعهم وَلَا يَأْخُذ مِنْهَا شَيْئا إِلَّا بِقِيمَتِه وَلَا يلْزمهُم بشرَاء مَا لَا يختارون شِرَاءَهُ وَأَن يَأْخُذ مِنْهُم على كل مائَة دِينَار دِينَارَانِ وَكَانُوا يؤدون عَن الْمِائَة أَرْبَعَة دَنَانِير وَنصف دِينَار ليكْثر الفرنج من بِلَادهمْ جلب البضائع. وَفِي مستهل شهر رَمَضَان: توقفت أَحْوَال الدولة فِي كل شَيْء وَعجز الْوَزير عَن لحم المعاملين وجوامك المماليك وسكرهم الْجَارِي بِهِ الْعَادة فِي شهر رَمَضَان. وَكَانَ السكر الْجَارِي فِي الْأَيَّام الناصرية مُحَمَّد بن قلاوون ألف قِنْطَار فَبلغ فِي هَذَا الشَّهْر ثَلَاثَة آلَاف قِنْطَار ونيف وَلم يُوجد فِي بَيت المَال شَيْء لِكَثْرَة الزِّيَادَات فِي الرَّوَاتِب. وَعز وجود السكر لتلاف الْقصب فِيمَا مضى فرسم بِقطع راتب الْأُمَرَاء والمماليك وأرباب الْوَظَائِف كلهم وَلم يصرف سكر إِلَّا لِنسَاء السُّلْطَان فَقَط وكتبت أوراق بكلف الدولة فَمنع جَمِيع مَا استجد بعد السُّلْطَان النَّاصِر مُحَمَّد وَكتب بذلك مرسوم سلطاني فتوفر فِي كل يَوْم أَرْبَعَة آلَاف رَطْل لحم وسِتمِائَة كماج سميذ وثلاثمائة أردب شعير وَفِي كل شهر مبلغ ألف دِرْهَم وَفِي السّنة عدَّة كساوى. وأضيف سوق الْخَيل وَالْجمال وَالْحمير إِلَى الدولة وَعوض مقطوعها بِأَرْض سيلا من أَعمال الفيوم وبناحية سمنديون من القليوبية وبناحية فيشة من الغربية خلا ماهو فِيهَا لقضاة الْقُضَاة عوضا عَمَّا كَانَ لَهُم على الجوالي. وَفِي هَذَا الشَّهْر: خلع عَليّ تَقِيّ الدّين سُلَيْمَان بن عَليّ بن عبد الرَّحِيم بن سَالم بن مراحل وَاسْتقر فِي نظر دمشق وَكَانَ قد طلب إِلَى مصر عوضا عَن المكين إِبْرَاهِيم ابْن قروينة باستعفائه. وَفِيه كتب بِنَقْل نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن المحسني من طرابلس إِلَى دمشق واستقراره فِي وَظِيفَة الشد رَفِيقًا لِابْنِ مراحل. فضبطا الْجِهَات ضبطاً كَبِيرا وقطعا من موقعي دمشق نَحْو الْعشْرين قد استجدوا وَمِنْهُم ابْن الزملكاني وَابْن غَانِم وَابْن الشهَاب مَحْمُود وَأَوْلَاده وجمال الدّين بن نباتة الْمصْرِيّ وقطعا كثيرا من البريدية وحملا كسْوَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 419 المماليك على الْعَادة وَهِي ألفا ثوب بعلبكي سوى البطائن وَغَيرهَا. وَفِيه مَاتَ بدوه الططري فَفرق إقطاعه على ثَمَانِينَ من المماليك السُّلْطَانِيَّة ووفرت جوامكهم ورواتبهم وَأخرج عدَّة مِنْهُم إِلَى الكرك. وَفِيه رسم بِعرْض أجناد الْحلقَة على النَّائِب ليوفر مِنْهُم إقطاع الشَّيْخ الْعَاجِز والجندي المستجد. فَطلب الأجناد من الأقاليم وَنُودِيَ من تَأَخّر عَن الْعرض قطع خبزه فَقَامَ الْأُمَرَاء فِي ذَلِك حَتَّى بَطل. (وَفِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشريه) أفرج عَن الْأَمِير بيغرا وَعَن الْأَمِير قراجا والأمير أولاجا من سجن الْإسْكَنْدَريَّة وتوجهوا إِلَى دمشق. ثمَّ رسم لبيغرا بِالْإِقَامَةِ بِالْقَاهِرَةِ وأنعم عَلَيْهِ بتقدمة ألف. وَفِيه رسم أَن تكون نَفَقَة المماليك والأوجاقية والأيتام بَين يَدي الطواشي الْمُقدم فوفر مِنْهُم وَفِيه أنعم على الْأَمِير طرنطاي البشمقدار بإقطاع الْأَمِير علم الدّين سنجر الجاولي بعد مَوته. وَفِيه أنعم بإقطاع طرنطاي على الْأَمِير بيبغا ططر نَائِب غَزَّة ورسم بِحُضُورِهِ. وَفِيه خلع على الْأَمِير علم الدّين أيدمر الزراق وَاسْتقر فِي نِيَابَة غَزَّة وأنعم بإقطاعه على ابْن بكتمر الساقي. وَفِيه أنعم بإقطاع الْأَمِير ألطنقش بعد مَوته على أرغون الصَّغِير صهر أرغون العلائي. وَفِيه توجه ركب الْحَاج على الْعَادة صُحْبَة الْأَمِير طيبغا المجدي. وَفِي مستهل ذِي الْقعدَة: قدمت خوند بنت الْأَمِير طقزدمر نَائِب الشَّام وَزَوْجَة السُّلْطَان الصَّالح إِسْمَاعِيل فَدخل عَلَيْهَا. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ حادي عشريه: عزل الضياء أَبُو المحاسن يُوسُف بن أبي بكر بن مُحَمَّد ابْن خطيب بَيت الْآبَار الشَّامي من نظر المارستان المنصوري وَاسْتقر عوضه عَلَاء الدّين بن الأطروش. وَفِي يَوْم السَّابِع من ذِي الْحجَّة: انْفَرد الْعلم بن سهلول بوظيفة نظر الدولة بعد مَا الْتزم بِحمْل ألف دِينَار لبيت المَال. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 420 وَفِيه عزل موسي بن التَّاج إِسْحَاق لتوقف حَال الدولة وَكَثْرَة تقلقه وَكَرَاهَة النَّاس لَهُ لظلمه وتغييره قَوَاعِد كَثِيرَة. وَفِيه قدم كتاب التَّاج مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الْمُنعم البارنباي موقع طرابلس بحدوث سيل عَظِيم لم يعْهَد مثله فِيمَا تقدم. وفيهَا كثر سُقُوط الثَّلج بِدِمَشْق حَتَّى خرج عَن الْعَادة وأنفقوا على شيله من الأسطحة مَا ينيف على ثَمَانِينَ ألف دِرْهَم فَإِنَّهُ أَقَامَ يسْقط أسبوعين. وفيهَا زَاد عَاصِفَة حَتَّى خرب عدَّة بيُوت وفيهَا تَوَاتر سُقُوط الْبرد بِأَرْض مصر مَعَ ريح سَوْدَاء وشعث عَظِيم وبرق ورعد سهول. ثمَّ أعقب ذَلِك عَالم شَدِيدَة الْحر بِحَيْثُ تطاير مِنْهَا شرر أحرق رُءُوس الْأَشْجَار وزريعة الباذنجان وَبَعض الْكَتَّان حَتَّى اشْتَدَّ خوف النَّاس وضجوا إِلَى الله تَعَالَى. وَجَاء مطر غزير ثمَّ برد فِيهِ يبس لم يعْهَد مثله فَكَانَت أَرَاضِي النواحي تصبح بَيْضَاء من كَثْرَة الجليد وَهلك من شدَّة الْبرد جمَاعَة من بِلَاد الصَّعِيد وَغَيرهَا. وأمطرت السَّمَاء خَمْسَة أَيَّام مُتَوَالِيَة حَتَّى ارْتَفع المَاء فِي مزارع الْقصب قدر ذِرَاع وَعم ذَلِك أَرض مصر قبليها وبحريها ففسدت بِالرِّيحِ والمطر مَوَاضِع كَثِيرَة وَقلت أسماك بحيرة نستراوة وبحيرة دمياط والخلجان وبركة الْفِيل وَغَيرهَا لموتها من الْبرد. فَتلفت فِي هَذِه السّنة بعامة أَرض مصر وَجَمِيع بِلَاد الشَّام بالأمطار والثلوج وَالْبرد وهبوب السمائم وَشدَّة الْبرد من الزروع وَالْأَشْجَار والبائهم والأنعام والدور مَا لَا يدْخل تَحت حصر مَعَ مَا ابْتُلِيَ بِهِ أهل الشَّام من تَجْرِيد عساكرها وتسخير أهل الضّيَاع وتسلط العربان والعشير وَقلة حُرْمَة السلطنة مصرا وشاماً وَقطع الأرزاق وظلم الرّعية. وَبَلغت زِيَادَة النّيل فِي هَذِه السّنة ثَمَانِيَة عشر ذِرَاعا وَسَبْعَة عشر إصبعاً. وَفِيه قدم سيف الدّين بلطوا مبشراً بسلامة الْحجَّاج فِي خَامِس عشرى ذِي الْحجَّة. وَمَات فِيهَا من الْأَعْيَان إِبْرَاهِيم بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن الزبير الغرناطي فِي شعْبَان ببرشانة من الأندلس قدم الْقَاهِرَة وَأخذ عَن جمَاعَة وَولي بِبَلَدِهِ قَضَاء عدَّة مَوَاضِع. وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق جلال الدّين أَحْمد بن الْحمام أبي الْفَضَائِل الْحسن بن أَحْمد بن الْحسن بن أنوشروان الرَّازِيّ عَن بضع وَسبعين سنة بِدِمَشْق. وَمَات الْأَمِير بدر الدّين بكتاش نقيب الْجَيْش فِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشرى جُمَادَى الْآخِرَة وَكَانَ مشكوراً. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 421 وَمَات الْأَمِير علم الدّين سنجر الجاولي الْفَقِيه الشَّافِعِي فِي يَوْم الْخَمِيس ثامن رَمَضَان وَدفن بمدرسته فَوق جبل الْكَبْش أَصله من مماليك جاول أحد أُمَرَاء السُّلْطَان الظَّاهِر بيبرس ثمَّ انْتقل بعده إِلَى بَيت السُّلْطَان الْمَنْصُور قلاوون. وَأخرج فِي أَيَّام الْأَشْرَف خَلِيل إِلَى الكرك فاستقر فِي بحريتها. وَقدم فِي أَيَّام السُّلْطَان الْعَادِل كتبغا إِلَى مصر بِحَال زري فسلمه كتبغا إِلَى مَمْلُوكه بتخاص ليَكُون نَائِبه بالحوائج خاناه وتنقل حَتَّى قدمه الْأَمِير سلار وقربه ثمَّ ولي نِيَابَة غَزَّة وَصَارَ من أكبر أُمَرَاء مصر. وَله مدرسة على جبل الْكَبْش بجوار جَامع ابْن طولون وجامع بقرية الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام وجامع بغزة ومارستان وخان بِبَيَان وخان بقاقون وَله مصنفات وفضائل كَثِيرَة. وَمَات الْأَمِير طقصبا الظَّاهِرِيّ وَقد أناف على مائَة وَعشْرين سنة. وَمَات الْأَمِير ألطنقش أستادار السُّلْطَان النَّاصِر مُحَمَّد وَهُوَ من مماليك الأفرم. فَلَمَّا توجه الأفرم إِلَى بِلَاد التتار قدم هُوَ إِلَى الْقَاهِرَة فَقبض عَلَيْهِ وسجن ثمَّ أفرج عَنهُ وأنعم عَلَيْهِ بإمرية طبلخاناه. ثمَّ عمل أستاداراً صَغِيرا مَعَ أستادارية آنوك ابْن السُّلْطَان النَّاصِر مُحَمَّد. وَمَات الْأَمِير أرغون عبد الله. وَمَات الْأَمِير صَلَاح الدّين يُوسُف بن أسعد الدوادار الناصري بطرابلس ولي نِيَابَة الإسكندريه وكشفت الجيزة ثمَّ دوادارية السُّلْطَان النَّاصِر مُحَمَّد وَكَانَ كَاتبا شَاعِرًا ضابطاً. وَمَات الْأَمِير سنجر الجقدار أحد المماليك المنصورية وَقد أسن. وَمَات الْأَمِير طرنطاي المحمدي بِدِمَشْق وَهُوَ أحد المماليك المنصورية قلاوون وَمن جملَة من وَافق على قتل الْأَشْرَف خَلِيل. وسجن سبعا وَعشْرين سنة ثمَّ أخرج إِلَى طرابلس أَمِير عشرَة ثمَّ نقل إِلَى دمشق. وَمَات الْأَمِير بكتمر العلائي أحد المنصورية أَيْضا بَعْدَمَا ولي أستاداراً ونائب حمص ونائب غَزَّة ثمَّ نَائِب حمص وَبهَا مَاتَ. وَمَات الْأَمِير كندغدي الزراق المنصوري بحلب وَهُوَ رَأس الميسرة ومقدم العساكر الْمُجَرَّدَة إِلَى سيس. وَمَات الْأَمِير بلبان الشمسي أحد المنصورية بحلب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 422 وَمَات فتح الدّين صَدَقَة الشرابيني عَن مَال ومعروف كثير فِي يَوْم الْأَحَد ثَانِي شَوَّال. وَمَات جمال الكفاة إِبْرَاهِيم مشير الدولة وناظر الْخَاص والجيش تَحت الْعقُوبَة فِي لَيْلَة الْأَحَد سادس ربيع الأول. وَكَانَ أَولا يُبَاشر فِي بعض الْبَسَاتِين على بيع ثَمَرَته وتنقل فِي خدمَة ابْن هِلَال الدولة. ثمَّ خدم بيدمر البدري وَهُوَ خاصكي خبزه فِي محلّة منوف يكْتب على بَاب إِلَى أَن تَأمر فباشر عِنْده ثمَّ قَرَّرَهُ السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد فِي الِاسْتِيفَاء ثمَّ أَقَامَهُ فِي ديوَان الْأَمِير بشتاك بعد موت الْمُهَذّب إِلَى أَن قتل النشو فولاه نظر الْخَاص بعده. ثمَّ أضَاف إِلَيْهِ السُّلْطَان النَّاصِر مُحَمَّد نظر الْجَيْش عوضا عَن المكين إِبْرَاهِيم فَنَهَضَ بهما. ولاحظته السُّعُود حَتَّى انتقضت أَيَّامه فَزَالَ سعده وعوقب حَتَّى هلك. وَكَانَ يتحدث بالتركي والنوبي والتكروري وَله مَكَارِم كَثِيرَة. وَمَات خَالِد بن الزراد الْمُقدم فِي يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشرى جُمَادَى الْآخِرَة تَحت الْعقُوبَة وَكَانَ ظَالِما. وَتُوفِّي شمس الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن نجدة بن حمدَان الْمَعْرُوف بِابْن النَّقِيب الشَّافِعِي قَاضِي الْقُضَاة بحلب وَهُوَ مَعْزُول بِدِمَشْق عَن نَيف وَثَمَانِينَ سنة. وَتُوفِّي الشَّيْخ أثر الدّين أَبُو حَيَّان مُحَمَّد بن يُوسُف بن عَليّ بن حَيَّان الأندلسي إِمَام وقته فِي النَّحْو والقراءات والآداب فِي ثامن عشرى صفر. وَفِيه توجه طلب الْأَمِير أرغون الكاملي إِلَى حلب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 423 وَفِيه قدم طلب الْأَمِير أرقطاي مَعَ وَلَده. وَفِي يَوْم الْخَمِيس مستهل شعْبَان: خرج الْأَمِير قبلاي الْحَاجِب بمضافيه من الطبلخاناه والعشرات إِلَى غَزَّة لأحد شُيُوخ العشير. وَفِي هَذَا الشَّهْر: غير الْوَزير وُلَاة الْوَجْه القبلي وَكتب بطلبهم وعزل مازان من الغربية بِابْن وَفِيه أضيف كشف الجسور إِلَى وُلَاة الأقاليم. وَفِيه أُعِيد فأر السقوف إِلَى ضماد جِهَات الْقَاهِرَة ومصر بأجمعها وَكَانَ قد سجن فِي الْأَيَّام الناصرية مُحَمَّد بن قلاوون وَكتب على قَيده مخلد بعد مَا صودر وَضرب بالمقارع لقبح سيرته. فَلم يزل مسجوناً إِلَى أَن أفرج عَن المحابيس فِي أَيَّام الصَّالح إِسْمَاعِيل فأفرج عَنهُ فِي جُمْلَتهمْ وَانْقطع إِلَى أَن اتَّصل بالوزير منجك واستماله فسلمه الْجِهَات بأسرها وخلع عَلَيْهِ وَمنع مقدمي الدولة من مشاركته فِي التَّكَلُّم فِي الْجِهَات وَنُودِيَ لَهُ فِي الْقَاهِرَة ومصر فَزَاد فِي الْمُعَامَلَات ثَلَاثمِائَة ألف دِرْهَم فِي السّنة. وَفِيه قدم الْأَمِير قبلاي غَزَّة فاحتال على أُدي حَتَّى قدم عَلَيْهِ فَأكْرمه وأنزله ثمَّ رده بزوادة إِلَى أَهله فاطمأنت العشرات والعربان لذَلِك وبقوا على ذَلِك إِلَى أَن أهل رَمَضَان. حضر أُدي فِي بني عَمه لتهنئة قبلاي بِشَهْر الصَّوْم فساعة وُصُوله إِلَيْهِ قبض عَلَيْهِ وعَلى بني عَمه الْأَرْبَعَة وقيدهم وسجنهم وَكتب إِلَى عَليّ بن سنجر. بِأَنِّي قد قبضت على عَدوك ليَكُون لي عنْدك يَد بَيْضَاء فسر سنجر بذلك وَركب إِلَى قبلاي فَتَلقاهُ وأكرمه فضمن لَهُ سنجر دَرك الْبِلَاد. ورحل قبلاي من غده وَمَعَهُ أُدي وَبَنُو عَمه يُرِيد الْقَاهِرَة فَقدم فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ حادي عشره فَضربُوا على بَاب الْقلَّة بالمقارع ضربا مبرحاً وألزم أُدي بِأَلف جمل ومائتي ألف دِرْهَم فَبعث إِلَى قومه بإحضارها فَلَمَّا أخذت سمر هُوَ وَبَنُو عَمه فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ خَامِس عشريه وَقت الْعَصْر وسيروا إِلَى غَزَّة صُحْبَة جمَاعَة من أجناد الْحلقَة فوسطوا بهَا. فثار أَخُو أُدي وَقصد كبس غَزَّة فَخرج إِلَيْهِ الْأَمِير دلنجي ولقيه على ميل من غَزَّة وحاربه ثَلَاثَة أَيَّام وَقَتله فِي الْيَوْم الرَّابِع بِسَهْم أَصَابَهُ وَبعث دلنجي بذلك إِلَى الفاهرة فَكتب بِخُرُوج نَائِب صفد ونائب الكرك لنجدته. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 424 وَفِي مستهل شَوَّال: توجه السُّلْطَان إِلَى الأهرام على الْعَادة. وَفِيه كثر الْإِنْكَار على الْوَزير منجك فَإِنَّهُ أبطل سماط الْعِيد وَاحْتج بِأَنَّهُ يقوم بجملة كَبِيرَة تبلغ خمسين ألف دِرْهَم وتنهبه الغلمان وَكَانَ أَيْضا قد أبطل سماط شهر رَمَضَان. وَفِي هَذَا الشَّهْر: فرغت القيسارية الَّتِي أَنْشَأَهَا تَاج الدّين الْمَنَاوِيّ بجوار الْجَامِع الطولوني من مَال وَقفه وتشتمل على ثَلَاثِينَ حانوتاً. وَفِيه خرج ركب الْحَاج على الْعَادة صُحْبَة الْأَمِير فَارس الدّين وَمَعَهُ عدَّة من مماليك الْأُمَرَاء. وَحمل الْأَمِير فَارس الدّين مَعَه مَالا من بَيت المَال وَمن مُودع الحكم لعمارة عين جوبا بِمَكَّة ومبلغ عشرَة أُلَّاف دِرْهَم للْعَرَب بِسَبَب الْعين الْمَذْكُورَة ورسم أَن تكون مقررة لَهُم فِي كل سنة. وَخرج مَعَه حَاج كثير جدا وَحمل الْأُمَرَاء من الغلال فِي الْبَحْر إِلَى مَكَّة عدَّة أُلَّاف أردب. وَفِي مستهل ذِي الْقعدَة: قدم كتاب الْأَمِير دلنجي نَائِب غَزَّة بتفرق العربان ونزول أَكْثَرهم بالشرقية والغربية من أَرض مصر لربط إبلهم على البرسيم. فكبست الْبِلَاد عَلَيْهِم وَقبض على ثَلَاثمِائَة رجل وَأخذ لَهُم ثَلَاثَة أُلَّاف جمل. وَوجد عِنْدهم كثير من ثِيَاب الأجناد وسلاحهم وحوائصهم فَاسْتعْمل الرِّجَال فِي العمائر حَتَّى هلك أَكْثَرهم. وَفِي نصفه: خرج الْأُمَرَاء لكشف الجسور فَتوجه الْأَمِير أرنان للْوَجْه القبلي وَتوجه أَمِير أَحْمد قريب السُّلْطَان للغربية وَتوجه الْأَمِير أقجبا للمنوفية وَتوجه أراي أَمِير أخور للشرقية وَتوجه أحد أُمَرَاء العشرات لأشمون. وَفِيه توقف حَال الدولة فَكثر الْكَلَام من الْأُمَرَاء والمماليك السُّلْطَانِيَّة والمعاملين والخوشكاشية وَفِيه طلب الْأَمِير مغلطاي أَمِير أخور زِيَادَة على إقطاعه فكشف عَن بِلَاد الْخَاص فَدلَّ ديوَان الْجَيْش على أَنه لم يتَأَخَّر مِنْهَا سوى الْإسْكَنْدَريَّة ودمياط وَقُوَّة وَفَارِس كور وَخرج بَاقِيهَا لِلْأُمَرَاءِ وَخرج أَيْضا من الجيزة مَا كَانَ لديوان الْخَاص لِلْأُمَرَاءِ. وشكا الْوَزير من كَثْرَة الكلف والإنعامات وَأَن الْحَوَائِج خاناه فِي الْأَيَّام الناصرية مُحَمَّد ابْن قلاوون مرتبها فِي كل يَوْم ثَلَاثَة عشر ألف دِرْهَم وَهُوَ الْيَوْم اثْنَان وَعِشْرُونَ ألف دِرْهَم. فرسم بِكِتَابَة أوراق بمتحصل الدولة ومصروفها فَبلغ المتحصل فِي السّنة عشرَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 425 أُلَّاف ألف دِرْهَم والمصروف بديوان الوزارة وديوان الْخَاص أَرْبَعَة عشر ألف ألف دِرْهَم وسِتمِائَة ألف دِرْهَم وَأَن الَّذِي خرج من بِلَاد الجيزة على سَبِيل الإنعام زِيَادَة على إقطاعات الْأُمَرَاء نَحْو سِتِّينَ ألف دِينَار. فتغاضى الْأُمَرَاء عِنْد سَماع ذَلِك إِلَّا مغلطاي أَمِير آخور فَإِنَّهُ غضب وَقَالَ: من يحاقق الدَّوَاوِين على قَوْلهم. وَفِيه قدم طلب الْأَمِير قطليجا الْحَمَوِيّ من حلب فَوضع الْوَزير منجك يَده عَلَيْهِ وَتصرف بِحكم أَنه وَصِيّ. وَفِيه قدم الْأَمِير عز الدّين أزدمر الزراق من حلب باستدعائه بعد مَا أَقَامَ بهَا مُدَّة سنة من جملَة أُمَرَاء الألوف فأجلس مَعَ الْأُمَرَاء الْكِبَار فِي الْخدمَة. وَفِيه أخرج ابْن طقزدمر إِلَى حلب لِكَثْرَة فَسَاده وَسُوء تصرفه. وَفِيه خرج الْأَمِير طاز لسرحة الْبحيرَة وأنعم عَلَيْهِ من مَال الْإسْكَنْدَريَّة بألفي دِينَار. وَخرج الْأَمِير صرغتمش أَيْضا فأنعم عَلَيْهِ مِنْهَا بِأَلف دِينَار. ثمَّ توجه الْأَمِير بيبغا روس النَّائِب للسرحة وأنعم عَلَيْهِ بِثَلَاثَة أُلَّاف دِينَار. وَتوجه الْأَمِير شيخو أَيْضا ورسم لَهُ بِثَلَاثَة أُلَّاف دِينَار. وَفِيه أنعم على الْأَمِير مغلطاي أَمِير أخور إرضاء لخاطره بِنَاحِيَة صهرجت زِيَادَة على إقطاعه وعبرتها عشرُون ألف دِينَار فِي السّنة. فَدخل الْأَمِير شيخو فِي سرحته إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فَتَلَقَّتْهُ الْغُزَاة بآلات السِّلَاح ورموا بالجرخ بَين يَدَيْهِ ونصبوا المنجنيق ورموا بِهِ. ثمَّ شكوا لَهُ مَا عِنْدهم من الْمظْلمَة وَهِي أَن التَّاج إِسْحَاق ضمن دكاكين الْعطر وأفرد دكاناً لبيع النشا فَلَا تبَاع بغَيْرهَا وأفرد دكاناً لبيع الْأَشْرِبَة فَلَا تبَاع بغَيْرهَا وَجعل ذَلِك وَقفا على الخانكاه الناصرية بسرياقوس. فرسم بِإِبْطَال ذَلِك وَأطلق للنَّاس البيع حَيْثُ أَحبُّوا وَكتب مرسوم بِإِبْطَال ذَلِك. وَفِي مستهل ذِي الْحجَّة: عوفي علم الدّين عبد الله بن زنبور وخلع عَلَيْهِ بعد مَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 426 أَقَامَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا مَرِيضا تصدق فِيهَا بِثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم وَأَفْرج عَن جمَاعَة من المسجونين. وَفِيه كتب الْمُوفق نَاظر الدولة أوراق بِمَا استجد على الدولة من وَفَاة السُّلْطَان النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون إِلَى الْمحرم سنة خمسين وَسَبْعمائة فَكَانَت جملَة مَا أنعم بِهِ وأقطع من بِلَاد الصَّعِيد وبلاد الْوَجْه البحري وبلاد الفيوم وبلاد الْملك وأراضي الرزق - للخدام والجواري وغيرهن سَبْعمِائة ألف ألف أردب وَألف ألف وسِتمِائَة ألف دِرْهَم مُعينَة بأسماء أَرْبَابهَا من الْأُمَرَاء والخدام وَالنِّسَاء وعبرة الْبَلَد ومتحصلها وَجُمْلَة عَملهَا وقرئت على الْأُمَرَاء ومعظم ذَلِك بِأَسْمَائِهِمْ فَلم ينْطق أحد مِنْهُم بِشَيْء. وَفِيه أبطل الْوَزير منجك سماط عيد النَّحْر أَيْضا. وفيهَا أبطل مَا أحدثه النِّسَاء من ملابسهن. وَذَلِكَ أَن الخواتين نسَاء السُّلْطَان وجواريهن أحدثن قمصاناً طوَالًا تخب أذيالها على الأَرْض بأكمام سَعَة الْكمّ مِنْهَا ثَلَاثَة أَذْرع فَإِذا أرخته الْوَاحِدَة مِنْهُنَّ غطى رجلهَا وَعرف الْقَمِيص مِنْهَا فِيمَا بَينهُنَّ بالبهطلة ومبلغ مصروفه ألف دِرْهَم مِمَّا فَوْقهَا. وتشبه نسَاء الْقَاهِرَة بِهن فِي ذَلِك حَتَّى لم يبْق امْرَأَة إِلَّا وقميصها كَذَلِك. فَقَامَ الْوَزير منجك فِي إِبْطَالهَا وَطلب وَالِي الْقَاهِرَة ورسم لَهُ بِقطع أكمام النِّسَاء وَأخذ مَا عَلَيْهِنَّ. ثمَّ تحدث منجك مَعَ قُضَاة الْقُضَاة بدار الْعدْل يَوْم الْخدمَة بِحَضْرَة السُّلْطَان والأمراء فِيمَا أحدثه النِّسَاء من القمصان الْمَذْكُورَة وَأَن الْقَمِيص مِنْهَا مبلغ مصروفه ألف دِرْهَم وأنهن أبطلن لبس الْإِزَار الْبَغْدَادِيّ وأحدثن الْإِزَار الْحَرِير بِأَلف دِرْهَم وَأَن خف الْمَرْأَة وسرموزتها بِخَمْسِمِائَة دِرْهَم. فأفتوه جَمِيعهم بِأَن هَذَا من الْأُمُور الْمُحرمَة الَّتِي يجب منعهَا فقوي بفتواهم وَنزل إِلَى بَيته وَبعث أعوانه إِلَى بيُوت أَرْبَاب الملهى حَيْثُ كَانَ كثير من النِّسَاء فَهَجَمُوا عَلَيْهِنَّ وَأخذُوا مَا عِنْدهن من ذَلِك. وكبسوا مناشر الغسالين ودكاكين البابية وَأخذُوا مَا فِيهَا من قمصان النِّسَاء وقطعها الْوَزير منجك. ووكل الْوَزير مماليكه بالشوارع والطرقات فَقطعُوا أكمام النِّسَاء ونادى فِي الْقَاهِرَة ومصر بِمَنْع النِّسَاء من لبس مَا تقدم ذكره وَأَنه مَتى وجدت امْرَأَة عَلَيْهَا شَيْء مِمَّا منع أخرق بهَا وَأخذ مَا عَلَيْهَا. وَاشْتَدَّ الْأَمر على النِّسَاء وَقبض على عدَّة مِنْهُنَّ وَأخذت أقمصتهن. ونصبت أخشاب على سور الْقَاهِرَة بِبَاب زويلة وَبَاب النَّصْر وَبَاب الْفتُوح وعلق عَلَيْهَا تماثيل معمولة على سور النِّسَاء وعليهن القمصان الطوَال إرهاباً لَهُنَّ وتخويفاً. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 427 وَطلبت الأساكفة وَمنعُوا من بيع الأخفاف والسراميز الْمَذْكُورَة وَأَن تعْمل كَمَا كَانَت أَولا تعْمل وَنُودِيَ من بَاعَ أزاراً حَرِيرًا أَخذ جَمِيع مَاله للسُّلْطَان. فَانْقَطع خُرُوج النِّسَاء إِلَى الْأَسْوَاق وركوبهن حمير المكارية وَإِذا وجدت امْرَأَة كشف عَن ثِيَابهَا. وَامْتنع الأساكفة من عمل أَخْفَاف النِّسَاء وسراميزهن المحدثة وأنكف التُّجَّار عَن بيع الأزر الْحَرِير وشرائها حَتَّى أَنه نُودي على إِزَار حَرِير بِثَمَانِينَ درهما فَلم يلْتَفت لَهُ أحد فَكَانَ هَذَا من خير مَا عمل. وَفِيه اسْتَقر جمال الدّين يُوسُف المرداوي فِي قَضَاء الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق بعد وَفَاة عَلَاء الدّين عَليّ بن أبي البركات بن عُثْمَان بن أسعد بن المنجا. وَفِيه اسْتَقر نجم الدّين مُحَمَّد الزرعي فِي قَضَاء الشَّافِعِيَّة بحلب بعد وَفَاة نجم الدّين عبد القاهر بن أبي السفاح. وَفِيه توقف النّيل ثمَّ زَاد حَتَّى كَانَ الْوَفَاء فِي جُمَادَى الْآخِرَة. ثمَّ نقص نَحْو ثُلثي ذِرَاع وَبَقِي على النَّقْص إِلَى النوروز وَهُوَ سِتَّة عشر ذِرَاعا وَإِحْدَى وَعشْرين أصبعاً. ثمَّ رد النَّقْص وَزَاد وَفِيه أضاع الْوُلَاة عمل الجسور وَبَاعُوا الجراريف حَتَّى غرق كثير من الْبِلَاد. وَمَعَ ذَلِك امتدت أَيْديهم إِلَى الفلاحين وغرموهم مَا لم تجر بِهِ عَادَة فشكي من الْوُلَاة للوزير فَلم يلْتَفت لمن شكاهم. وَمَات فِيهَا من الْأَعْيَان شيخ الإقراء شهَاب الدّين أَحْمد بن مُوسَى بن موسك بن جكو الهكاري بِالْقَاهِرَةِ عَن سِتّ وَسبعين سنة فِي ثَانِي عشر جُمَادَى الأولى. وَكتب بِخَطِّهِ كثيرا ودرس الْقرَاءَات والْحَدِيث وَمَات النَّحْوِيّ شهَاب الدّين أَحْمد بن سعد بن مُحَمَّد بن أَحْمد النَّسَائِيّ الأندرشي بِدِمَشْق وَله شرح سِيبَوَيْهٍ فِي أَرْبَعَة أسفار. وَمَات مكين الدّين إِبْرَاهِيم بن قروينة بَعْدَمَا ولي اسْتِيفَاء الصُّحْبَة وَنظر الْبيُوت ثمَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 428 ولي نظر الْجَيْش مرَّتَيْنِ وصودر ثَلَاث مَرَّات وَأقَام بطالاً حَتَّى مَاتَ. وَمَات الْأَمِير أرغون شاه الناصري نَائِب الشَّام مذبوحاً فِي لَيْلَة الْخَمِيس رَابِع عشرى ربيع الأول رباه السُّلْطَان النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون حَتَّى عمله أَمِير طبلخاناه رَأس نوبَة الجمدارية ثمَّ اسْتمرّ بعد وَفَاته أستاداراً أَمِير مائَة مقدم ألف فتحكم على المظفر شعْبَان حَتَّى أخرجه لنيابة صفد وَولي بعْدهَا نِيَابَة حلب ثمَّ نِيَابَة الشَّام. وَكَانَ جفيفاً قوي النَّفس شرس الْأَخْلَاق مهاباً جائراً فِي أَحْكَامه سفاكاً للدماء غليظاً فحاشاً كثير المَال. وَأَصله من بِلَاد الصين حمل إِلَى أَبُو سعيد بن خربندا فَأَخذه دمشق خواجا بن جوبان ثمَّ ارتجعه أَبُو سعيد بعد قتل جربان وَبعث بِهِ إِلَى مصر هَدِيَّة وَمَعَهُ ملكتمر السعيدي. وَمَات الْأَمِير أرقطاي المنصوري بِظَاهِر حلب وَهُوَ مُتَوَجّه إِلَى دمشق عَن نَحْو ثَمَانِينَ سنة فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس جُمَادَى الأولى. وَأَصله من مماليك الْمَنْصُور قلاوون رباه الطواشي فاخر أحسن تربية إِلَى أَن توجه النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون إِلَى الكرك كَانَ مَعَه. فَلَمَّا عَاد إِلَيْهِ ملكه جعله من جملَة الْأُمَرَاء ثمَّ سيره صُحْبَة الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام وأوصاه أَلا يخرج عَن رَأْيه وَأقَام عِنْده مُدَّة. ثمَّ تنكر عَلَيْهِ السُّلْطَان النَّاصِر مُحَمَّد فولاه نِيَابَة حمص مُدَّة سنتَيْن وَنصف ثمَّ نَقله لنيابة صفد فَأَقَامَ بهَا ثَمَانِي عشر سنة. وَقدم مصر فَأَقَامَ بهَا عدَّة سِنِين وجرد إِلَى أياس. ثمَّ ولي نِيَابَة طرابلس وَمَات النَّاصِر مُحَمَّد وَهُوَ بهَا. ثمَّ قدم مصر وَقبض عَلَيْهِ ثمَّ أفرج عَنهُ وَأقَام مُدَّة. ثمَّ ولي نِيَابَة حلب ثمَّ طلب إِلَى مصر فَصَارَ رَأس الميمنة. ثمَّ ولي نِيَابَة السلطنة نَحْو سنتَيْن ثمَّ أخرج لنيابة حلب فَأَقَامَ بهَا مُدَّة. ثمَّ نقل لنيابة الشَّام فَمَاتَ فِي طَرِيقه لدمشق فَدفن بحلب وَكَانَ مشكور السِّيرَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 429 وَمَات الْأَمِير ألجيبغا المظفري نَائِب طرابلس موسطاً بِدِمَشْق فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامن عشر ربيع وَقتل مَعَه أَيْضا الْأَمِير أياس وَأَصله من الأرمن أسلم على يَد النَّاصِر مُحَمَّد ابْن قلاون فرقاه حَتَّى عمله شاد العمائر ثمَّ أخرجه إِلَى الشَّام ثمَّ أحضرهُ غرلو وتنقل إِلَى أَن صَار شاد الدَّوَاوِين. ثمَّ صَار حاجباً بِدِمَشْق ثمَّ نَائِبا بصفد ثمَّ نَائِبا بحلب ثمَّ أَمِيرا بِدِمَشْق حَتَّى كَانَ من أمره مَا تقدم ذكره. وَمَات بِدِمَشْق الْأَمِير طقتمر الشريفي بعد مَا عمي. وَمَات قَاضِي الشَّافِعِيَّة بحلب نجم الدّين عبد القاهر بن عبد الله بن يُوسُف بن أبي السفاح. وَتُوفِّي نجم الدّين عبد الرَّحْمَن بن يُوسُف بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عَليّ الْقرشِي الأصفوني الشَّافِعِي بمنى فِي ثَالِث عشر ذِي الْحجَّة. وَدفن بِالْعَلَاءِ وَله مُخْتَصر الرَّوْضَة وَغَيره. وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة عَلَاء الدّين عَليّ بن الْفَخر عُثْمَان بن إِبْرَاهِيم بن مصطفى المارديني الْمَعْرُوف بِابْن التركماني الْحَنَفِيّ فِي يَوْم الثُّلَاثَاء عَاشر الْمحرم بِالْقَاهِرَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 430 وَله كتاب الرَّد النقي فِي الرَّد على الْبَيْهَقِيّ وَغَيره وَله شعر وَكَانَ النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون يكره مِنْهُ اجتماعه بالأمراء وَكَانَ يغلو فِي مذْهبه غلواً زَائِدا. وَتُوفِّي قَاضِي الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق عَلَاء الدّين عَليّ بن الزين أبي البركات بن عُثْمَان بن أسعد بن المنجا التنوخي عَن ثَلَاث وَسبعين سنة. وَمَات الْأَمِير قطليجا الْحَمَوِيّ أَصله الْمَمْلُوك الْمُؤَيد صَاحب حماة فَبَعثه إِلَى النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون وترقى صَار من جملَة الْأُمَرَاء. ثمَّ ولي نِيَابَة حماة وَنقل إِلَى نِيَابَة حلب فَأَقَامَ بهَا أَيَّامًا وَمَات وَكَانَ سيء السِّيرَة. وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر بن عِيسَى بن بدران السَّعْدِيّ الأخنائي الْمَالِكِي فِي لَيْلَة الثَّالِث من صفر. وَمَات الْأَمِير نوغيه البدري وَالِي الفيوم. وَمَاتَتْ خوند بنت الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون وَهِي زَوْجَة الْأَمِير طاز. وَتركت مَالا عَظِيما أبيع موجودها بِبَاب الْقلَّة من القلعة بِخَمْسِمِائَة ألف دِرْهَم من جملَته قبقاب مرصع بِأَرْبَعِينَ ألف دِرْهَم ثمنهَا ألف دِينَار مصرية. وَمَات علم الدّين بن سهلول. كَانَ أَبوهُ كَاتبا عِنْد بعض الْأُمَرَاء فخدم بعده أَمِير حُسَيْن بن جندر ثمَّ ولي الِاسْتِيفَاء وَنظر الدولة شركَة للموفق. ثمَّ صودر وَلزِمَ بَيته وَعمر دَارا جليلة بحارة زويلة من الْقَاهِرَة. وفيهَا قَامَ بتونس أَبُو الْعَبَّاس الْفضل بن أبي بكر بن يحيى بن إِبْرَاهِيم بن عبد الْوَاحِد ابْن أبي حَفْص فِي ذِي الْقعدَة وَكَانَ قد قدم إِلَى تونس السُّلْطَان أَبُو الْحسن عَليّ بن أبي سعيد عُثْمَان بن يَعْقُوب بن عبد الْحق ملك بني مرين صَاحب فاس وَملك تونس وإفريقية ثمَّ سَار مِنْهَا لِلنِّصْفِ من شَوَّال واستخلف ابْنه أَبَا الْعَبَّاس الْفضل فَقَامَ أَبُو الْعَبَّاس الْمَذْكُور وَملك تونس ملك أَبِيه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 431 بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة) فِي الْمحرم: قدم كتاب أرتنا يتَضَمَّن اتضاع أَمر أَوْلَاد دمرادش ويغض من نَائِب حلب على مَا فعله مَعَ ابْن دلغادر. وَفِي عشريه: قدم محمل الْحَاج فَتحَرك عزم السُّلْطَان لِلْحَجِّ وَكتب إِلَى بِلَاد الشامية بابتياع سِتَّة آلَاف جمل وَألْفي رَأس غنم وَجَمِيع مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من العبي والأقتاب وَنَحْو ذَلِك. وَتوجه الْأَمِير طقتمر الصلاحي بِسَبَب ذَلِك وَكتب إِلَى الكرك والبلقاء بِحُضُور العربان بجمالهم وَأَن يحمل إِلَى عقبَة أَيْلَة ألفا غرارة شعير وَمَا يُنَاسب ذَلِك من الْأَصْنَاف. فَقدمت طَائِفَة من العربان وقبضوا مَالا ليجهزوا جمَالهمْ إِلَى أَن أهل ربيع الآخر تغير مزاج السُّلْطَان وَلزِمَ الْفراش فَلم يخرج للْخدمَة أَيَّامًا. وَكَثُرت القالة وتعنت الْعَامَّة فِي الْفُلُوس وتحسن السّعر. أرجف بالسلطان فغلقت الْأَسْوَاق حَتَّى ركب الْوَالِي والمحتسب وضربوا جمَاعَة وشهروهم. فَاجْتمع الْأُمَرَاء ودخلوا على السُّلْطَان وتلطفوا بِهِ حَتَّى أبطل الْحَرَكَة لِلْحَجِّ وَكتب بِعُود طقتمر من الشَّام واستعادة المَال من العربان. وَمَا زَالَ السُّلْطَان يتعلل إِلَى أَن تحرّك أَخُوهُ شعْبَان وَاتفقَ مَعَ عدَّة من المماليك وَقد أنقطع خبر السُّلْطَان عَن الْأُمَرَاء. فَكتب بالإفراج عَن المسجونين بِالْأَعْمَالِ وَفرقت صدقَات كَثِيرَة ورتب جمَاعَة لقِرَاءَة صَحِيح البخارى فقوى أَمر شعْبَان وعزم أَن يقبض على الْأَمِير الْحَاج آل ملك النَّائِب فتحرز مِنْهُ. وَأخذ الْأُمَرَاء والأكابر فِي توزيع أَمْوَالهم وحرمهم فِي عدَّة مَوَاضِع ودخلوا على السُّلْطَان وسألوه أَن يعْهَد إِلَى أحد من إخْوَته. فَطلب الْأَمِير الْحَاج آل ملك النَّائِب وَبَقِيَّة الْأُمَرَاء فَلم يحضر إِلَيْهِ أحد مِنْهُم. وَقد اتّفق الْأَمِير أرغون العلائي مَعَ جمَاعَة على إِقَامَة شعْبَان فرق فيهم مَالا كثيرا فَأَنَّهُ كَانَ ربيبه أَي ابْن زَوجته وشقيق السُّلْطَان الصَّالح إِسْمَاعِيل. وَقَامَ مَعَ الْأَمِير أرغون من الْأُمَرَاء غرلو وتمر الموساوى وَامْتنع الْأَمِير الْحَاج آل ملك النَّائِب من إِقَامَة شعْبَان. وَصَارَ الْأُمَرَاء حزبين فَقَامَ النَّائِب فِي الْإِنْكَار على الْكَلَام فِي هَذَا وَقد اجْتمع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 3 مَعَ الْأُمَرَاء بِبَاب القلعة وَقبض على غرلو وسجنه وتحالف هُوَ والأمير أرغون العلائي وَبَقِيَّة الْأُمَرَاء على عمل مصَالح الْمُسلمين. وَتُوفِّي السُّلْطَان فِي لَيْلَة الْخَمِيس رَابِع ربيع الآخر فكتم مَوته. وَقَامَ شعْبَان إِلَى أمه وَمنع من إِشَاعَة موت أَخِيه وَخرج إِلَى أَصْحَابه وَقرر مَعَهم أمره. فَخرج طشتمر ورسلان بصل إِلَى منكلى بغا ليسعوا عِنْد الْأَمِير أرقطاى والأمير أصلم. وَكَانَ الْأَمِير الْحَاج آل ملك النَّائِب والأمراء قد علمُوا من بعد الْعَصْر أَن السُّلْطَان فِي النزع فاتفقوا على النُّزُول من القلعة إِلَى بُيُوتهم بِالْمَدِينَةِ. فَدخل الْجَمَاعَة على أرقطاى ليستميلوه لشعبان فَوَعَدَهُمْ بذلك ثمَّ دخلُوا على أصلم أجابهم وعادوا إِلَى شعْبَان وَقد ظنُّوا أَن أَمرهم قد تمّ. فَلَمَّا أصبح يَوْم الْخَمِيس خرج الْأَمِير أرغون العلائي والأمير ملكتمر الْحِجَازِي والأمير تمر الموساوي والأمير طشتمر طلليه والأمير منكلى بغا الفخري والأمير أسندمر. وجلسوا بِبَاب الْقلَّة فَأَتَاهُم الأميران أرقطاى وأصلم والوزير نجم الدّين مَحْمُود والأمير قمارى استادر وطلبوا الْأَمِير الْحَاج آل ملك النَّائِب فَلم يحضر إِلَيْهِم فَمَضَوْا كلهم إِلَى عِنْده واستدعوا الْأَمِير جنكلى بن البابا واشتوروا فِيمَن يولونه السلطة فَأَشَارَ جنكلى بِأَن يُرْسل إِلَى المماليك السُّلْطَانِيَّة ويسألهم من يختارونه فَأن من اختاروه رضيناه فَعَاد جوابهم مَعَ الْحَاجِب أَنهم رَضوا بشعبان سُلْطَانا فَقَامُوا جَمِيعًا وَمَعَهُمْ الْأَمِير الْحَاج آل ملك النَّائِب إِلَى دَاخل بَاب الْقلَّة. وَكَانَ شعْبَان قد تخيل من فِي دُخُولهمْ عَلَيْهِ وَجمع المماليك وَقَالَ: من دخل قتلته بسيفي هَذَا وَأَنا أَجْلِس على الْكُرْسِيّ حَتَّى أبْصر من يقيمني عَنهُ فسير الْأَمِير أرغون العلائي إِلَيْهِ وبشره وَطيب خاطره. وَدخل الْأُمَرَاء عَلَيْهِ وسلطنوه انْقَضتْ أَيَّام الصَّالح. وَكَانَ السُّلْطَان الصَّالح فِي ابْتِدَاء دولته على دين وعفاف إِلَّا أَنه كَانَ فِي أَيَّامه مَا ذكر من قطع الأرزاق وَكَثْرَة حَرَكَة عَسَاكِر مصر وَالشَّام فِي التجاريد. وشغف السُّلْطَان الصَّالح مَعَ ذَلِك بالجواري السود وأفرط فِي حب اتِّفَاق وأسرف فِي الْعَطاء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 4 لَهَا وَقرب أَرْبَاب الملاهي وَأعْرض عَن تَدْبِير الْملك بإقباله على النِّسَاء والمطربين. حَتَّى أَنه إِذا ركب إِلَى سرحة سرياقوس أَو سرحة الأهرام ركبت أمه فِي مِائَتي امْرَأَة الأكاديش بِثِيَاب الأطلس الملون وعَلى رءوسهن الطراطير الْجلد البلغاري المرصع بالجواهر واللآلى وبن أَيْدِيهنَّ الخدام الطواشية من القلعة إِلَى السرحة. ثمَّ يركب حظاياه الْخُيُول الْعَرَبيَّة ويتسابقن ويركبن تَارَة بالكامليات الْحَرِير ويلعبن بالكرة وَكَانَت لَهُنَّ فِي المواسم والأعياد وأوقات النزه والفرح أَعمال يُمكن حكايتها وأكثرن من النُّزُول إِلَى بيُوت الْكتاب وَنَحْوهم. وَاسْتولى الخدام الطواشية فِي أَيَّامه على أَحْوَال الدولة وَعظم قدرهم بتحكم كَبِيرهمْ عنبر السحرتي اللالا فِي السُّلْطَان وركبوا الْخُيُول الرائعة ولبسوا الثِّيَاب الفاخرة وَأخذُوا من الْأَرَاضِي عدَّة رزق. واقتنى السحرتي البزاة والسناقر وَنَحْوهَا من الطُّيُور والجوارح وَصَارَ يركب إِلَى الْمطعم ويتصيد بِثِيَاب الْحَرِير المزركشة وَاتخذ لَهُ كفا مرصعاً بالجوهر وَعمل لَهُ خاصكية وخداما ومماليك تركب فِي خدمته حَتَّى ثقل أمره فَأَنَّهُ أَكثر من شِرَاء الْأَمْلَاك وَالتِّجَارَة فِي البضائع وأفرد لَهُ ميداناً يلْعَب فِيهِ بالكرة وتصدى لقَضَاء الأشغال. فَصَارَت الإقطاعات والرزق لَا تقضى إِلَّا بالخدام وَالنِّسَاء وَلَا يزَال الْأَمِير الْحَاج آل ملك النَّائِب يشنع بذلك وَإِذا أَتَاهُ أحد يطْلب مِنْهُ خبْزًا أَو رزقة يَقُول لَهُ: النَّائِب مَا لَهُ حكم رح إِلَى بَاب الستارة واسأل عَن الطواشي فَلِأَن الدّين والطواشي فَلِأَن الدّين يقضوا لَك حَاجَتك. وَكَانَ متحصل الدولة مَعَ هَذَا كُله فِي أَيَّام السُّلْطَان الصَّالح إِسْمَاعِيل قَلِيلا ومصروف الْعِمَارَة لَا يزآل جملَة مستكثرة فِي كل يَوْم فأنفق السُّلْطَان على الدهيشة بالقلعة خَمْسمِائَة ألف دِرْهَم سوى مَا حمل إِلَيْهِ من بِلَاد الشَّام وَغَيرهَا ثمَّ عمل فِيهَا من أوأني الذَّهَب وألفضة وَمن ألفرش مَا يجل وَصفه ومنذ فرغت عمارتها لم ينْتَفع بهَا أحد لشغفه بِالْغنَاءِ والجواري سِيمَا اتِّفَاق. وَلما ولدت مِنْهُ اتِّفَاق ولدا ذكرا عمل لَهَا مهما تناهى فِيهِ حَتَّى بلغ الْغَايَة الَّتِي لَا تُوصَف عَظمَة. وَكَانَت حَيَاته منغصة وعيشته نكدة لم يتم سروره بالدهيشة سوى سَاعَة وَاحِدَة. ثمَّ قدم عَلَيْهِ منجك بِرَأْس أَخِيه أَحْمد من الكرك بعد قَتله بهَا فَلَمَّا قدم بَين يَدَيْهِ وَرَآهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 5 بعد غسله اهتز وَتغَير لَونه وذعر، حَتَّى إِنَّه بَات ليلته يرَاهُ فِي نَومه، ويفزغ فَزعًا شَدِيدا. وتعلل السُّلْطَان الصَّالح إِسْمَاعِيل من رُؤْيَة رَأس أَحْمد وَمَا برح يَعْتَرِيه الأرق ورؤية الأحلام المفزعة وَتَمَادَى مَرضه وَكثر إرجافه وَكَثُرت أفزاعه حَتَّى اعتراه القولنج وَمَات كَمَا تقدم ذكره يَوْم الْخَمِيس وَدفن عِنْد أَبِيه وجده بالقبة المنصورية فِي لَيْلَة الْجُمُعَة. وَكَانَ السُّلْطَان الصَّالح إِسْمَاعِيل رَقِيق الْقلب زَائِد الرأفة والشفقة كَرِيمًا جواداً مائلاً إِلَى الْخَيْر. وَبلغ من الْعُمر نَحْو الْعشْرين سنة مِنْهَا مُدَّة سلطته ثَلَاث سِنِين وشهرأن وَأحد عشر يَوْمًا. السُّلْطَان الْملك الْكَامِل سيف الدّين شعْبَان بن النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون الألفي الصَّالِحِي لما اشْتَدَّ مرض أَخِيه شقيقه السلطاد الْملك الصَّالح عماد الدّين وَدخل عَلَيْهِ الْأَمِير أرغون العلائي فِي عدَّة من الْأُمَرَاء ليعهد بالسلطنة من بعده إِلَى أحد كَانَ الْأَمِير أرغون العلائي غَرَضه فِي أَن يعْهَد لشعبان من أجل أَن أمه كَانَت زَوجته. فَلم يحب الْأَمِير آل ملك النَّائِب وَجَمَاعَة من الْأُمَرَاء إِلَى الدُّخُول على السُّلْطَان الصَّالح إِسْمَاعِيل كَرَاهَة مِنْهُم فِي شعْبَان لما كَانَ قد اشْتهر عَنهُ من الْمَظَالِم. فقآل الصَّالح إِسْمَاعِيل بَعْدَمَا بَكَى وأبكى الْأُمَرَاء: سلمُوا على النَّائِب والأمراء وعرفوهم أَنى أَن مت يولوا أخي شعْبَان فَلَمَّا مَاتَ الصَّالح وَاقْتضى رأى الْأُمَرَاء أَن يعرفوا رأى المماليك السُّلْطَانِيَّة وَكَانَ جوابهم إِقَامَة شعْبَان حضر الْأُمَرَاء إِلَى بَاب الْقلَّة واستدعوا شعْبَان وأركبوه بشعار السلطنة وَمَشوا فِي ركابه والجاويشية تصيح على الْعَادة حَتَّى إِذا قرب من الإيوأن لعب ألفرس تَحْتَهُ وجفل من تصايح النَّاس فَنزل عَنهُ وَمَشى خطوَات بِسُرْعَة إِلَى أَن طلع الإيوأن فتفاءل النَّاس عَن فرسه أَنه لَا يُقيم فِي السلطة الا يَسِيرا. وَلما طلع السُّلْطَان شعْبَان الإيوأن والأمراء بَين يَدَيْهِ جلس على كرسى السلطنة وباس الْأُمَرَاء لَهُ الأَرْض وأحضروا الْمُصحف ليحلفوا فَحلف لَهُم أَولا أَنه لَا يؤذيهم ثمَّ حلفوا بعده وَذَلِكَ فِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع ربيع الآخر سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 6 ولقب بِالْملكِ الْكَامِل ودقت البشائر ونودى بسلطنته فِي الْقَاهِرَة ومصر وخطب لَهُ فِي الْغَد على مَنَابِر ديار مصر وَكتب بذلك إِلَى الأقطار مصرا وشاما. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامنه: جلس السُّلْطَان شعْبَان بدار الْعدْل من القلعة وجدد لَهُ الْعَهْد من الْخَلِيفَة بِحَضْرَة الْقُضَاة والأمراء وخلع على الْخَلِيفَة والأمراء والقضاة. وَفِيه كتب بِطَلَب الْأَمِير آقسنقر الناصرى من طرابلس فسآل الْأَمِير قمارى الأستادار أَن يسْتَقرّ عوضه فِي نِيَابَة طرابلس وَتشفع بالأمير أرغون العلائي والأمير ملكتمر الْحِجَازِي. فَأُجِيب إِلَى ذَلِك وخلع عَلَيْهِ فِي يَوْم الْخَمِيس حادي عشرَة وَخرج من فوره على الْبَرِيد. وَفِيه خلع على الْأَمِير أرقطاى وَاسْتقر فِي نِيَابَة حلب عوضا عَن يلبغا اليحياوي وَخرج على الْبَرِيد. وَفِيه طلب الْأَمِير الْحَاج آل ملك النَّائِب الإعفاء من نِيَابَة السلطنة وَقبل الأَرْض وسآل نِيَابَة الشَّام عوضا عَن الْأَمِير طقزدمر وَأَن ينْقل طقزدمر إِلَى مصر فَأُجِيب ذَلِك وَكتب بإحضار طقزدمر. وَفِي يَوْم السبت ثَالِث عشره: خلع على الْأَمِير الْحَاج آل ملك النَّائِب وَاسْتقر فِي نِيَابَة الشَّام عوضا عَن طقزدمر. وَأخرج من يَوْمه على الْبَرِيد فَلم يدْخل غَزَّة حَتَّى لحقه الْبَرِيد بتقليده نِيَابَة صفد وَأَن يكون وَلَده وَابْن أَخِيه ألفارس بحلب. وَسبب ذَلِك أَن الْأَمِير أرغون العلائي لما قَامَ فِي سلطنة شعْبَان هَذَا قآل لَهُ الْأَمِير الْحَاج آل ملك: بِشَرْط أَلا يلْعَب بالحمام فَلَمَّا بلغ السُّلْطَان شعْبَان ذَلِك نقم عَلَيْهِ. وَفِيه رسم بِطَلَب شُجَاع الدّين غرلو من دمياط فَقدم فِي يَوْمه. وخلع عَلَيْهِ شاد الدَّوَاوِين. فَنزل غرلو إِلَى دَار الْولَايَة وَقبض بِيَدِهِ على أطواق الْأَمِير جمآل الدّين يُوسُف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 7 وَإِلَى الْقَاهِرَة وأقامه من مجْلِس حكمه وَأخرجه من دَاره وأركبه حمارا إِلَى القلعة. وَسبب ذَلِك أَنه لما قبض على غرلو تقدم يُوسُف هَذَا وَأمْسك سَيْفه وقطعه من وَسطه فكافأه غرلو على ذَلِك. وَقبض غرلو مَعَه على ابْن أَخِيه وَإِلَى الجيزة فَمَا زَالا يحملأن الْمَآل حَتَّى بلغ حملهَا خمسين ألف دِرْهَم سوى عدد سلَاح وَغير ذَلِك فأفرج عَنْهُمَا بعد أَيَّام وَبعد شَفَاعَة جمَاعَة من الْأُمَرَاء. وَفِيه كتب بِنَقْل الْأَمِير يلبغا اليحياوي من نِيَابَة حلب إِلَى ليابة دمشق فَدَخلَهَا يَوْم السبت ثأني عشر جُمَادَى الأولى وباشر نيابتها. وَفِيه رسم السُّلْطَان الْكَامِل شعْبَان بِعرْض أحوآل الدولة للنَّظَر فِي تدبيرها فَترك مَا استجد من المصروف فِي العمائر بالقلعة والقاهرة ورسم أَن تسلم الأغنام الَّتِي استجدها أَخُوهُ الْملك الصَّالح لجَماعَة المتعاملين فِي اللَّحْم وبتثمينها عَلَيْهِم فَكَانَت عدتهَا تِسْعَة عشر ألف رَأس ونيف وَضبط السُّلْطَان أَحْوَال المملكة. وَفِيه رسم بسفر الْأَمِير طرنطاى البشمقدار نَائِبا بحمص وأنعم بتقدمته على بيبغا ططر. وَفِيه أنعم بإقطاع الْأَمِير أرقطاى المستقر فِي نِيَابَة حلب على أرغون شاه وخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر أستادار عوضا عَن قمارى المستقر فِي نِيَابَة طرابلس. وَفِيه أخرج أَحْمد شاد الشَّرَاب خأناه هُوَ وَإِخْوَته إِلَى صفد من أجل أَنهم كَانُوا مِمَّن نَام مَعَ الْأَمِير الْحَاج آل ملك النَّائِب وقمارى الأستادار فِي منع شعْبَان من السلطنة. وَفِيه خلع على علم الدّين عبد الله بن أَحْمد بن ابراهيم بن زنبور وَاسْتقر فِي نظر الْخَاص عوضا عَن الْمُوفق عبد الله بن إِبْرَاهِيم وخلع على كَاتبه فَخر الدّين بن السعيد وَاسْتقر عوضه فِي اسْتِيفَاء الصُّحْبَة وعنى الْأَمِير أرغون العلائى بالموفق حَتَّى ترك بِغَيْر مصادرة وَفِيه قدم الْأَمِير طقتمر الصلاحي من الشَّام بِالْمَالِ الَّذِي فرق على الْعَرَب وبسبب حمل الغلال إِلَى مَكَّة وَهُوَ مبلغ مائتى ألف دِرْهَم. وَفِيه رسم بعزل تقى الدّين سُلَيْمَان بن على بن عبد الرَّحِيم بن سَالم بن مراجل من نظر دِرْهَم وَاسْتقر عوضه بهاء الدّين بن أَبُو بكر بن شكر. وَفِيه قدم الْأَمِير آقسنقر الناصري من طرابلس وخلع عَلَيْهِ وَسُئِلَ نِيَابَة السلطنة بديار مصر فَامْتنعَ أَشد الإمتناع وَحلف أيمأناً مُغَلّظَة أَلا يَليهَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 8 وَفِيه خطب السُّلْطَان الْكَامِل شعْبَان ابْنة الْأَمر بكتمر الساقى فامتنعت أمهَا من إجَابَته واحتجت عَلَيْهِ بِأَن أُخْتهَا تَحْتَهُ وَلَا يجمع بَين أُخْتَيْنِ وَأَنه بِتَقْدِير أَن يفارقها فَأَنَّهُ شغف بِاتِّفَاق حظية أَخِيه الصَّالح إِسْمَاعِيل شغفاً زَائِدا. ثمَّ قَالَت أمهَا: وَمَعَ ذَلِك فقد تغير حَال المخطوبة من شدَّة الْحزن فَأن أول من أعرس عَلَيْهَا أنوك بن السُّلْطَان النَّاصِر مُحَمَّد فَمَاتَ عَنْهَا وهى بكر لم يَمَسهَا فَتَزَوجهَا بعده أَخُوهُ السُّلْطَان الْمَنْصُور أَبُو بكر وَقتل ثمَّ تزَوجهَا بعد الْمَنْصُور أَبُو بكر أَخُوهُ السُّلْطَان الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل وَمَات عَنْهَا أَيْضا فَحصل لَهَا حزن شَدِيد من كَونه تغير عَلَيْهَا عدَّة أزوج فِي مُدَّة يسيرَة. فَلم يلْتَفت السُّلْطَان الْكَامِل شعْبَان إِلَى هَذِه الْكَلَام وطلق أُخْتهَا وَأخرج جَمِيع مَا كَانَ لَهَا فِي ليلته ثمَّ عقد عَلَيْهَا وَدخل بهَا. وَفِيه أنعم السُّلْطَان على ابْن طشتمر حمص أَخْضَر بتقدمة ألف وعَلى ابْن أصلم بإمرية طبلخأناه. وَفِي مستهل جُمَادَى الأولى: خلع السُّلْطَان الْكَامِل شعْبَان على الْأُمَرَاء المقدمين والطبلخأناه وأنعم على سِتِّينَ مَمْلُوك بستين قبَاء بطرز زركش وَسِتِّينَ حياصة ذهب وَفرق الْخُيُول على الْأُمَرَاء برسم الميدأن. وَفِيه قدم أَحْمد بن مهنا وَابْن أَخِيه مخلع عَلَيْهِمَا وأعيد أَحْمد إِلَى إمرية الْعَرَب فَقدم حَاجِب سيف بن فضل يخبر بِأَنَّهُ وصل إِلَى غَزَّة بقوده فَكتب بقدومه سَرِيعا فَقدم وَمَعَهُ مائَة فرس مثمنة سوى الهجن وَغَيرهَا. فَخلع عَلَيْهِ وَلم ينعم لَهُ بالإمرية وَلَا أنصف فِي أثمأن خيوله. وَفِيه رسم السُّلْطَان الْكَامِل شعْبَان أَن يتوفر إقطاع النِّيَابَة للخاص. وَفِيه خلع السُّلْطَان على الْأَمِير بيغرا وَاسْتقر حاجباً كَبِيرا ليحكم بَين النَّاس. ورسم لَهُ السُّلْطَان أَن يجلس بَين يَدَيْهِ موقعين لكتابة الْكتب للولاة وهما رضى الدّين بن الموصلى وَابْن عبد الظَّاهِر. وَفِيه قبض على جمال الدّين يُوسُف وَإِلَى الْقَاهِرَة وعَلى أبن أَخِيه ونائبه حمود بسعاية غرلو شاد الدَّوَاوِين. وكشف غرلو رُءُوسهم وَضرب حمودا بالمقارع ضربا مبرحا فوعد بِأَن يحضر لَهُ مَالا قد دَفنه بالجيزة فسيره صُحْبَة أعوأنه ليَأْتِيه بِالْمَالِ فَلَمَّا ركب حمود النّيل وتوسطه والقى بِنَفسِهِ فِيهِ فغرق. فرسم بالإفراج عَن جمال الدّين وَابْن أَخِيه بعناية الْأُمَرَاء بِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 9 وَفِي يَوْم السبت: نزل السُّلْطَان إِلَى الميدأن على الْعَادة فِي كل سنة فَكَانَ يَوْمًا مشهودا. وَفِيه خلع السُّلْطَان على الشريف عجلأن بن رميثة بن أبي نفي الحسني وَاسْتقر أَمِير مكه. وَفِيه عَاد السُّلْطَان من آخر النَّهَار على الْعَادة إِلَى القلعة. واستدعى السُّلْطَان فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ غرلو شاد الدَّوَاوِين بِحَضْرَة الْأُمَرَاء والوزير ورسم لَهُ أَن يرتب بِلَاد الْخَاص وَيخرج من إقطاع النِّيَابَة وَغَيره بِلَاد المماليك السُّلْطَانِيَّة أَرْبَاب الجوامك الْكِبَار لتتوافر جوامكهم. فأفردت خمس نواح أقطعت لمِائَة مَمْلُوك وطلبوا حَتَّى فرقت عَلَيْهِم المثالات فردوها من الْغَد على السُّلْطَان وَقد وقفُوا جَمِيعًا فَاشْتَدَّ غَضَبه وَطلب الطواشي الْمُقدم وأهأنه ورسم لَهُ بضربهم وطردهم فَمَا زَالَ بِهِ الْأُمَرَاء حَتَّى رسم أَن الطواشي يضْرب مِنْهُم جمَاعَة وَأَن يفرق النواحى على ثمأنين مِنْهُم وأنعم على الْعشْرين بإقطاعات أخر. فأقاموا مُدَّة على الإمتناع حَتَّى ضرب مِنْهُم جمَاعَة كَثِيرَة وأنزلوا من القلعة إِلَى الْقَاهِرَة وَقطع جَمِيع راتبهم من لحم وَغَيره. وَرفع غرلو على الْحَاج على الطباخ الْمَعْرُوف بإخوأن سلار أَنه يَأْكُل كثيرا مِمَّا فِي المطبخ السلطانى وَأَن لَهُ فِي كل يَوْم على الْمُسلمين خَمْسمِائَة دِرْهَم ولولده أَحْمد ثَلَاثمِائَة دِرْهَم سوى الْأَطْعِمَة وَغَيرهَا. فرسم السُّلْطَان للأمير أرغون شاه أستادار بمصادرته فأوقع الحوطة على موجوده وأهأنه. وَكَانَ الْمَذْكُور قد خدم السُّلْطَان النَّاصِر مُحَمَّد فِي الكرك فَلَمَّا عَاد إِلَى السلطنة أَقَامَهُ إخوأن سلار وَسلم لَهُ المطبخ فنال سَعَادَة جليلة لاسيما فِي الْمُهِمَّات والأفراح الَّتِي كَانَ السُّلْطَان النَّاصِر مُحَمَّد يعملها لأولاده ومماليكه وحواشيه طول تِلْكَ الْمدَّة. فَكَانَ أقل مَا يحصل لَهُ فِي كل مُهِمّ مَا ينيف على عشرَة آلَاف دِرْهَم مَعَ كثرت تِلْكَ الْمُهِمَّات. وَلما عمل مُهِمّ ابْن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 10 بكتمر الساقى على بنت تنكز نَائِب الشَّام طلب السُّلْطَان النَّاصِر مُحَمَّد الْحَاج على هَذَا فِي آخر المهم وَقَالَ لَهُ: يَا حَاج على رح السَّاعَة اعْمَلْ لى خروف رميس فِي لون كَذَا فولى عَنهُ وَهُوَ متنكر قد عبس وَجهه. فصاح بِهِ السُّلْطَان ليرْجع وَقَالَ لَهُ: مَالك معبس الْوَجْه فَقَالَ: كَيفَ مَا أعبس وَقد أحرمتنى السَّاعَة عشْرين ألف دِرْهَم قَالَ: كَيفَ أحرمتك قَالَ: عِنْدِي رُءُوس وأكارع وكروش وأعضاد وكل مَا سَرقته من هَذَا المهم أُرِيد أَن أقعد أبيعه. فَقلت لي: رح اطبخ فيتلفوا الْجَمِيع. فَتَبَسَّمَ لَهُ السُّلْطَان وَقَالَ. لَا رح اطبخ وضمأنهم على. فَلَمَّا ذهب الْحَاج على طلب السُّلْطَان وَإِلَى مصر ووالي الْقَاهِرَة وَأَمرهمَا بِطَلَب الزفورية إِلَى القلعة وتفرقة تِلْكَ الأسقاط فيهم فَبلغ ثمنهَا ثَلَاثَة وَعشْرين ألف دِرْهَم. فَهَذَا أعزّك الله متحصل مُهِمّ وَاحِد من آلَاف سوى مَا لَهُ فِي كل يَوْم من جِهَة المطبخ وَهُوَ خَمْسمِائَة دِرْهَم فِي مُدَّة بضع وَثَلَاثِينَ سنة كم أَرَادَ النشو أَن يتَمَكَّن مِنْهُ وَالسُّلْطَان النَّاصِر مُحَمَّد يمنعهُ. وَلما قبض عَلَيْهِ وجد لَهُ خَمْسَة وَعِشْرُونَ ملكا فاخذت أم السُّلْطَان دَاره الَّتِي على الْبَحْر وَكَانَت من الدّور الْعَظِيمَة وَأخذت اتِّفَاق دَاره الَّتِي بالمحمودية من الْقَاهِرَة وَإِلَيْهِ ينْسب جَامع الطباخ على بركَة السقاف بِخَط بَاب اللوق فتعطل الْجَامِع أَيَّامًا مُدَّة الْقَبْض عَلَيْهِ فَأَنَّهُ كَانَ يقوم بِهِ من غير أَن يفرد لَهُ وَقفا وَأخذت أملاكه كلهَا وَضرب ابْنه أَحْمد وألزم بِبيع موجوده وَحمل وَهُوَ وَأَبوهُ مَالهم إِلَى بَيت المَال ثمَّ شفع فِيهِ الْأَمِير ملكتمر الْحِجَازِي فأفرج عَنهُ وَلزِمَ بَيته بطالا. وَفِي هَذَا الشَّهْر صودر جمَاعَة من أهل قوص اتهموا بِأَنَّهُم وجدوا خبية مَال وَأخذت أملاكهم وَغَيرهَا وصودر الْجَمَاعَة الَّذين كتبُوا فِي محْضر وَفَاة السُّلْطَان الْمَنْصُور أبي بكر أَنه مَاتَ بِقَضَاء الله وَقدره وَأخذ جَمِيع موجودهم فأقروا أَن الْمحْضر زور وَأَنَّهُمْ أكْرهُوا حَتَّى كتبُوا مَا لم يعاينوه. وَفِيه وشى بابنة الْملك المظفر بيبرس الجاشنكير أَن فِي دارها بِالْقَاهِرَةِ خبية مَال فحفر فِيهَا نَحْو قامة فَلم يُوجد شَيْء. وَفِي يَوْم السبت خَامِس عشريه: قدم الْأَمِير طقزدمر من دمشق فِي محفة وَهُوَ مَرِيض بَعْدَمَا خرج الْأَمِير أرغون العلائي إِلَى القائه فَوَجَدَهُ غير واع وَدخل عَلَيْهِ الْأُمَرَاء وَهُوَ قد أشفي على الْمَوْت. وَلما دخل طقزدمر الْقَاهِرَة على تِلْكَ الْحَال أَخذ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 11 أَوْلَاده فِي تجهيز تقدمة جليلة للسُّلْطَان تشْتَمل على خُيُول وتحف وجواهر فقبلها السُّلْطَان وَوَعدهمْ بِخَير. وَفِيه أنعم السُّلْطَان الْكَامِل شعْبَان على الْأَمِير أرغون الصَّالِحِي بتقدمة ألف ورسم أَن يُقَال لَهُ أرغون الكاملي ووهب لَهُ فِي أُسْبُوع وَاحِد ثَلَاثمِائَة ألف دِرْهَم وَعشرَة آلَاف أردب من الأهراء. ورسم لَهُ بدر شاد الشرابخأناه وَأَن يعمر لَهُ من مَال السُّلْطَان بجواره قصر على بركَة ألفيل ويطل على الشَّارِع وَأقَام السُّلْطَان الْأَمِير آقجبا شاد العمائر على عِمَارَته وَفِي هَذَا الشَّهْر: شرع الْأَمِير غرلو شاد الدَّوَاوِين يستخدم الْوُلَاة وَالْكتاب على مَال يحمل لبيت المَال فَلم يل أحد بعد ذَلِك الا بِمَال. واستجد غرلو أَيْضا مَالا فِي المقأيضاً ت والنزولات عَن الإقطاعات يحمل لبيت المَال. وَجعل على عِبْرَة الدِّينَار دِينَارا فاذا كَانَ الإقطاع عِبْرَة مائَة دِينَار حمل عَنهُ لبيت المَال مائَة دِينَار وَلم يلْتَفت السُّلْطَان لقَوْل الْأُمَرَاء وأجابهم بِأَن هَذَا كَانَ يَأْخُذهُ ديوأن الْجَيْش. وَفِي يَوْم الْخَمِيس مستهل جُمَادَى الآ خر: ركب السُّلْطَان إِلَى السرحة بسرياقوس وَمَعَهُ حريمه. فَنصبت لَهُنَّ الخيم فِي الْبَسَاتِين وأخليت المناظر الَّتِي لِلْأُمَرَاءِ حَتَّى نزل أكثرهن بهَا. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة: قدم أَوْلَاد الْأَمِير طقزدمر إِلَى سرياقوس بِخَبَر وَفَاة أَبِيهِم فَلم يُمكن السُّلْطَان الْأُمَرَاء من الْعود إِلَى الْقَاهِرَة للصَّلَاة عَلَيْهِ فَدفن بخأنكاته بالقرافة. وَأخذت خيله وجماله وهجنه إِلَى الإصطبل السلطاني وقيدت إِلَى سرياقوس على الْعَادة. ورسم السُّلْطَان أَن تعْمل أوراق بمتوفر إقطاع طقزدمر وَمَا عَلَيْهِ من حُقُوق القنود وَسَائِر مَا سومح بِهِ مِمَّا عَلَيْهِ للديوأن فِي حَيَاته من جَمِيع الْأَصْنَاف فَلم تزل أَوْلَاده تقدم التقادم الجليلة حَتَّى وعدوا بتقدمة سلطانية. وَفِيه خلع على الْأَمِير رسلأن بصل وَاسْتقر حاجباً ثأنياً مَعَ بيغرا ورسم لَهُ أَن يحكم بَين النَّاس. وَفِيه خلع على الْأَمِير ملكتمر السرجوأني وَاسْتقر فِي نِيَابَة الكرك وأنعم بإقطاعه على الْأَمِير طشتمر طلليه وأنعم بإقطاع طشتمر على الْأَمِير قبلاي. وَفِيه طلب السُّلْطَان العربأن الَّذين اتهموا بقتل ابْن الرديني وَأخذ مِنْهُم مائَة ألف دِرْهَم مصادرة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 12 وَفِيه مَاتَ الْأَشْرَف كجك عَن اثْنَتَيْ عشرَة سنة. واتهم السُّلْطَان أَنه بعث من سرياقوس من قَتله فِي مضجعه على يَد أَرْبَعَة خدام طواشية. وَفِيه قدم طلب الْأَمِير آقسنقر طرابلس فَسَار السُّلْطَان من سرياقوس حَتَّى لقِيه على بلبيس وَمنع الخدام أَن تعرف زَوجته أم كجك بوفاته. وَاخْتَارَ الْأَمِير آقسنقر من طلبه عدَّة خُيُول وجمال بخاتى وهجن وقدمها للسُّلْطَان مَعَ جَوَاهِر سنية وتحف بديعة فَخلع عَلَيْهِ السُّلْطَان وأنعم على ولد ابْن اخيه بطبلخأناه أَبِيه وعمره أَربع سِنِين. وَفِيه عَاد السُّلْطَان من سرياقوس إِلَى القلعة بَعْدَمَا تهتكت المماليك السُّلْطَانِيَّة بِشرب الْخمر والإعلأن بألفواحش وركبوا فِي اللَّيْل وَقَطعُوا الطَّرِيق على الْمُسَافِرين واغتصبوا حَرِيم النَّاس وَصَارَت سرياقوس حأنة. وَفِيه عزل تَاج الدّين ابْن الصاحب أَمِين الدّين بن الغنام من نظر الْبيُوت. وَذَلِكَ أَنه علم بِاجْتِهَاد السُّلْطَان فِي تَحْصِيل المَال فضبط الْبيُوت ووفر فِيهَا عشْرين ألف دِرْهَم وَأعلم السُّلْطَان بهَا من غير علم أرغون شاه الأستادار. فتنكر عَلَيْهِ أرغون شاه فَضَربهُ فسعى عَلَيْهِ أفلاطون كَاتب سنجر الجمقدار عِنْد غرلو بألفي دِينَار فولاه عوضه وَولى أَيْضا ابْن وَجه الطوبة نظر الْأَوْقَاف الصالحية إِسْمَاعِيل بَعْدَمَا حمل لبيت المَال خَمْسمِائَة دِينَار وَفِيه طُولِبَ الْمُوفق عبد الله بن إِبْرَاهِيم بِحمْل مائَة ألف دِرْهَم. وَسبب ذَلِك أَنه عثر على أَنه بَاعَ من أَرَاضِي الْخَاص إِلَى طغيتمر الدوادار. بِمِائَة ألف دِرْهَم فَبَاعَهَا طغيتمر لِابْنِ زعازع بالبهنساوية وألزم كل من طغيتمر وَابْن زعازم أَيْضا بِحمْل مائَة ألف دِرْهَم. وَفِيه عقد لابنَة بكتمر مُطلقَة السُّلْطَان شعْبَان على أرغون شاه أستادار وَعقد لزوجة أرغون شاه ابْنة آقبغا - وَقد بأنت مِنْهُ من مُدَّة - على بيبغا روس. وَفِيه رسم بِإِبْطَال المقأيضاً ت والنزولات عَن الإقطاعات بِقِيَام الْأُمَرَاء فِي ذَلِك مَعَ السُّلْطَان لكرة مَا فِيهِ من الْمَفَاسِد. وَكتب إِلَى الْبِلَاد الشامية أَن من مَاتَ من الأجناد أَو أَرْبَاب الْمَرَاتِب يطالع بوفاته ليخرج السُّلْطَان إقطاعه أَو مرتبه فامتثل ذَلِك. وَفِيه ألزم من بِيَدِهِ رزقه من أَرض مصر أَو أَرض اسْتَأْجرهَا أَن يقوم عَن كل فدان. بِمِائَة وَخمسين درهما. فَأخذ من ذَلِك مَال كثير قَامَ غرلو باستخراجه. فازدادت مكانته عِنْد السُّلْطَان وَعظم قدره بَين النَّاس وأنتمى إِلَيْهِ جمَاعَة وصاروا يغرونه بأرباب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 13 الْأَمْوَال ويفتحون لَهُ أَبْوَاب الْمَظَالِم. واستدعى غرلو طغيتمر متولى البهنسي وألزمه بِحمْل أربعمالة ألف دِرْهَم وأخرق بِهِ. وَقدم جمال الدّين سُلَيْمَان بن رَيَّان من حلب وبذل فِي نظر الْجَيْش بهَا ألف دِينَار حملت إِلَى بَيت المَال ووعد بِمِائَتي إكديش. فَخلع عَلَيْهِ وَتوجه مَعَه بريد لإحضار الْخَيل. وَفِيه رسم بِقطع جَمِيع مَا هُوَ مُرَتّب على الْحَوَائِج خاناه من التوابل لِلْأُمَرَاءِ وَالْكتاب وَغَيرهم. وَطلب عدَّة من مباشري الْوَجْه القبلي وَالْوَجْه البحري سلمُوا إِلَى غرلو فصادرهم. وَفِيه قدم الْبَرِيد من حلب بِوُقُوع الْحَرْب بَين الشَّيْخ حسن صَاحب بَغْدَاد وَبَين سُلْطَان شاه وَأَوْلَاد دمرداش انتصر فِيهَا الشَّيْخ حسن. والتجأ سُلْطَان شاه إِلَى ماردين فحصره الشَّيْخ حسن بهَا أَيَّامًا وأفسد ضياعها ثمَّ سَار عَنْهَا بِغَيْر طائل. وَفِيه هم السُّلْطَان أَن ينعم على غرلو بإمرة مائَة وتولية الوزارة ونيابة دَار الْعدْل فَلم يُوَافقهُ الْأَمِير أرغون العلائي على ذَلِك وأبطل أمره. وَفِيه عمل السُّلْطَان داير بَيت حَرِير مزركش عمل فِيهِ مبلغ أَرْبَعِينَ ألف دِينَار وَعمل أَيْضا لحريمه عشْرين بغلوطاق صدر فِي كل بغلوطاق ألف دِينَار زركش. وَفِي عشري رَجَب: خلع على فَخر الدّين بن السعيد وَاسْتقر فِي نظر الْخَاص عوضا عَن علم الدّين بن زنبور. وخلع على ابْن زنبور وَاسْتقر كَمَا كَانَ فِي اسْتِيفَاء الصُّحْبَة فَكَانَت مُدَّة مُبَاشرَة ابْن زنبور نظر الْخَاص نيفاً وَثَمَانِينَ يَوْمًا. وَفِيه عزم على إنْشَاء مدرسة مَوضِع خَان الزَّكَاة وَنزل الْأَمِير أرغون العلائي والوزير لنظره. وَكَانَ النَّاصِر مُحَمَّد قد وَقفه فَلم يُوَافق الْقُضَاة على حلّه. وَفِي مستهل شعْبَان: اسْتَقر تَاج الدّين مُحَمَّد بن المزين خضر بن عبد الرَّحْمَن فِي كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق عوضا عَن بدر الدّين مُحَمَّد بن فضل الله. وَفِيه كَانَ عرس السُّلْطَان على بنت طقزدمر وَعمل لَهَا مهما مُدَّة سَبْعَة أَيَّام بليإليها اجْتمع فِيهِ نسَاء الْأُمَرَاء جَمِيعًا. وَكَانَت فِيهِ عدَّة جوق مغانى حصل لَهُنَّ من الذَّهَب وَالْفِضَّة وتفاصيل الْحَرِير شىء يجل وَصفه وَبلغ نصيب ضامنة المغاني. بمفردها ثَمَانِينَ ألف دِرْهَم سوى بَقِيَّة المغاني. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 14 وَفِيه اسْتَقر تَقِيّ الدّين سُلَيْمَان بن مراجل نَاظر دمشق عوضا عَن بهاء الدّين أبي بكر ابْن سكرة بعد مَوته. وَكَانَ ذَلِك بعناية الْأَمِير أرغون العلائي فَأَنَّهُ كَانَ بعد عَزله من نظر الدولة ولاه نظر الْخَاص بِدِمَشْق ثمَّ انْتقض أمره. وَفِي مستهل شهر رَمَضَان: خلع على قشتمر وَإِلَى الجيزة وَاسْتقر شاد الدَّوَاوِين رَفِيقًا للأمير غرلو. وَفِيه خلع على نجم الدّين دَاوُد بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن الزيبق بِولَايَة الجيزة. وَفِيه اسْتَقر الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن اللبان فِي تدريس الْمدرسَة الناصرية بجوار قبَّة الشَّافِعِي بالقرافة عوضا عَن ضِيَاء الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم المناوى بعد وَفَاته. وَكَانَ ذَلِك بعناية الْأَمِير جنكلى بن البابا والأمير آقسنقر بَعْدَمَا اسْتَقر فِيهِ تَاج الدّين مُحَمَّد بن إِسْحَاق الْمَنَاوِيّ بسفارة قاضى الْقُضَاة عز الدّين عبد الْعَزِيز بن جمَاعَة فَنزل ابْن اللبان ودرس وَمَعَهُ الْأَمِير أرغون الكاملي وعدة أُمَرَاء وَجَمَاعَة الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء. وَكَانَ نَاصِر الدّين فَازَ السقوف محتسب مصر مُقيما بقاعة التدريس فَأخْرجهُ ابْن اللبان مِنْهَا وطالبه باجرتها مُدَّة سكنه. فرتب نَاصِر الدّين على ابْن اللبان فتيا نسبه فِيهَا إِلَى قوادح وَأَرَادَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ فَلم يتَمَكَّن من ذَلِك. وَفِيه قدم الشريف من مَكَّة يُرِيد أَن يسْتَقرّ شَرِيكا لِأَخِيهِ عجلَان فِي إمرة مَكَّة. وأحضر ثقبة قودا فِيهِ عدَّة خُيُول فوعد بِخَير. وَفِيه قدمت رسل خَلِيل بن دلغادر بتقدمته وَكتابه وَقد عَاد إِلَى الطَّاعَة بِحسن سياسة الْأَمِير أرقطاى نَائِب حلب فَخلع على رسله وجهز لَهُ تشريف. وَفِيه أخذت أم السُّلْطَان من أَوْلَاد الْأَمِير طقزدمر خَمْسمِائَة فدان بِنَاحِيَة بوتيج ودولابها. وَفِيه قدمت الْحرَّة من بِلَاد الغرب بهدية سنية تُرِيدُ الْحَج فرسم بتجهيزها. وَفِيه أَخذ السُّلْطَان من وَزِير بَغْدَاد دولابين جَعلهمَا باسم اتِّفَاق وعوضه عَنْهُمَا مَا ابتاعهما بِهِ وَهُوَ مبلغ ثَمَانِيَة وَعشْرين ألف دِرْهَم. وتبرع وَزِير بَغْدَاد للسُّلْطَان. مِمَّا أنفقهُ عَلَيْهِمَا وَهُوَ مائَة ألف دِرْهَم. وَفِيه قدم الْخَبَر من حلب بوقعة كَانَت بَين ابْن دلغادر وَبَين أَمِير يُقَال لَهُ طرفوش أَقَامَهُ الْأَمِير يلبغا اليحياوي ضدا لِابْنِ دلغادر وأغراه بِهِ ووعده بإمرته على التركمان واقتتل طرفوش وَابْن دلغادر فانتصر ابْن دلغادر بعد عدَّة وقائع قتل فِيهَا من الْفَرِيقَيْنِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 15 خلائق. فَلَمَّا قدم الْأَمِير أرقطاى إِلَى حلب تلطف بِابْن دلغادر حَتَّى أَعَادَهُ إِلَى الطَّاعَة وَمَا زَالَ يجْهد حَتَّى أصلح بَينه وَبَين طرفوش. ثمَّ الْتفت الْأَمِير أرقطاي إِلَى جِهَة الْأَمِير فياض بن مهنا وَقد كثر عبثه وفساده وَأَخذه قفول التُّجَّار. وبذل الْأَمِير أرقطاى جهده حَتَّى قدم عَلَيْهِ فياض بن مهنا بِظَاهِر حلب فَتَلقاهُ وأنزله وَبَالغ فِي إكرامه وَأخذ عَلَيْهِ العهود والمواثيق بِالْإِقَامَةِ على الطَّاعَة ثمَّ جهزه إِلَى بِلَاده. وَكتب الْأَمِير أرقطاي بذلك إِلَى السُّلْطَان فسر بِهِ سُرُورًا زَائِدا فَأَنَّهُ كَانَ فِي قلق من أَخْبَار فياض وعَلى عزم أَن يجرد الْعَسْكَر إِلَيْهِ ويورى بِقصد سيس. وَأخذ فياض فِي تجهيز الْقود إِلَى السُّلْطَان وسيره فَقدم وَفِيه سَبْعُونَ فرسا قَامَت عَلَيْهِ بِأَلف ألف دِرْهَم وَخَمْسُونَ هجينا وَعشر مهريات وعبي وَغير ذَلِك. ثمَّ قدم فياض عقيب قوده فَأكْرمه السُّلْطَان وَأحسن إِلَيْهِ وأنزله. وَفِي هَذَا الشَّهْر: أَمْسَكت امْرَأَة حرامية من حمام الأيدمرى فِي يَوْم السبت سَابِع عشريه. فضربها الْأَمِير نجم الدّين أَيُّوب أستادار الأكر ووالي الْقَاهِرَة بالمقارع على سَاقيهَا ثمَّ قطع يَدهَا فِي بَاب زويلة. وَفِي مستهل شَوَّال: رسم للأمير أرغون الكاملي بزيارة الْقُدس وأنعم عَلَيْهِ. بِمِائَة ألف دِرْهَم. وَكتب إِلَى نواب الشَّام بالركوب إِلَى خدمته وَحمل التقادم لَهُ وتجهيز الإقامات فِي الْمنَازل إِلَى حِين عوده. ورسم أَن يُنَادي. بِمَدِينَة بلبيس وأعمالها أَنه من قَالَ عَنهُ أرغون الصَّغِير شنق وَألا يُقَال إِلَّا أرغون الكاملي. فشهر النداء بذلك فِي الْأَعْمَال الشرقية فامتثل النَّاس ذَلِك وَتوجه الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن ملغريل فِي خدمته. وَفِيه ركب حَرِيم السُّلْطَان إِلَى نَاحيَة الجيزة للنزهة وصحبتهم الْأَمِير آقسنقر فَأَقَامَ بهم حَتَّى خرج محمل الْحَاج صُحْبَة مغلطاي أَمِير شكار ثمَّ عَادوا. وَحج فِي هَذِه السّنة عدَّة من نسَاء الْأُمَرَاء وبالغن فِي زِينَة محفاتهن ومحايرهن وألبسوا جمالهن الْحَرِير والقلائد المرصعة والمقاود الْحَرِير المزركشه وَفِي أيدهن خلاخل الذَّهَب وعليهن العبي الْحَرِير والأجلة الزركش حَتَّى خرجن فِي ذَلِك عَن الْحَد. وتفاخرن فِيمَا أبدعن وتناظرن وَصَارَت كل وَاحِدَة تُرِيدُ أَن تفوق على صاحبتها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 16 وتشبه بِهن غَيْرهنَّ من النِّسَاء. وَلم يعْهَد أَن عمل مثل هَذَا وَلَا قريب مِنْهُ فِيمَا تقدم فأنهن خلعن على الهجانة والسقائين الأقبية الطَّرْد وَحش فَأنْكر فعلهن النَّاس وَذكره قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين عبد الْعَزِيز بن جمَاعَة فِي خطْبَة الْعِيد بالقلعة وَصرح بالإنكار وصدع بالوعظ. وَفِيه قدم تَقِيّ الدّين سُلَيْمَان بن مراجل من دمشق وَابْن قرناص من حلب فبذل ابْن قرناص فِي نظر حلب نَحْو ألفي دِينَار حَتَّى رسم لَهُ بِهِ عوضا عَن ابْن الْموصِلِي. فَبعث ابْن الْموصِلِي ابْنه بهديه سنية فِيهَا جوارى حسان وَزوج بسط حَرِير فَقَامَ غرلو مَعَه وأوصله بالسلطان فَقبل هديته وَبسط الْحَرِير بالدهيشة وَأقر ابْن الْموصِلِي على حَاله فَكَانَت مُدَّة ابْن قرناص عشْرين يَوْمًا بألفي دِينَار. وَقَامَ الْأَمِير أرغون العلائي فِي حق ابْن مراجل حَتَّى خلع عَلَيْهِ وَاسْتقر فِي نظر الدولة وَأَجْلسهُ السُّلْطَان بَين يَدَيْهِ وغرلو قَائِم على يَدَيْهِ. فتفاوضا فِي الْكَلَام بِحَيْثُ قَالَ الْأَمِير أرغون العلائي لغرلو: أَنْت شاد بعصاتك إِذا عينت لَك سالا للسُّلْطَان تستخرجه وانصرفا من الْمجْلس وكل مِنْهُمَا يترفع على الآخر. فَاشْتَدَّ ابْن مراجل على الْكتاب وألزمهم بِعَمَل الْحساب ورسم عَلَيْهِم وَكتب بِطَلَب مبَاشر الشَّام. فَلَمَّا كَانَ بعد ثَلَاثَة أَيَّام تكاشف هُوَ غرلو وترافعا إِلَى السُّلْطَان فأخرق السُّلْطَان بغرلو وألزمه أَن يمتثل مَا يرسم لَهُ بِهِ ابْن مراجل وَلَا يتعداه. وَفِيه قدم من دمشق عَلَاء الدّين الْفَرْع وتوصل إِلَى السُّلْطَان وَقدم لَهُ تقديمة جليلة وَسَأَلَهُ فِي قَضَاء دمشق عوضا عَن تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ فرسم لَهُ بِهِ ففام الْأَمِير جنكلى ابْن البابا مَعَ السُّلْطَان فِي اسْتِقْرَار السُّبْكِيّ على عَادَته حَتَّى أَجَابَهُ وعوق توقيع الْفَرْع وَعوض عَن تقدمته الْأَوْقَاف بِدِمَشْق. وَفِيه قدم الْخَبَر بِأَن قَاصد نَائِب حلب توجه إِلَى سيس بِطَلَب الْحمل وَقد كَانَ تكفور كتب فِي الْأَيَّام الصالحية بِأَن بِلَاده خربَتْ فسومح بِنصْف الْخراج. فَلَمَّا وصل إِلَيْهِ قَاصد نَائِب حلب جهز الْحمل وَحضر كَبِير دولته ليحلفوه أَنه مَا بقى أَسِير من الْمُسلمين فِي مَمْلَكَته كَمَا جرت الْعَادة فِي كل سنة بتحليفه على ذَلِك. وَكَانَ فِي أَيْديهم عدَّة من الْمُسلمين أسرى فبيت مَعَ أَصْحَابه قَتلهمْ فِي اللَّيْلَة الَّتِي تكون خَلفه فِي صحبيتها فَقتل كل أحد أسيره فِي أول اللَّيْل. فَمَا هُوَ إِلَّا أَن مضى ثلثا اللَّيْل خرجت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 17 فِي الثُّلُث الْأَخير من تِلْكَ اللَّيْلَة ريح سوادء مَعهَا رعد وبرق أرعب الْقُلُوب. وَكَانَ من جملَة الأسرى عَجُوز من أهل حلب فِي أسر المنجنيقي ذَبحهَا عِنْد المنجنيق وَهِي تَقول: اللَّهُمَّ خُذ الْحق مِنْهُم فَقَامَ المنجنيقي يشرب الْخمر مَعَ أَهله بعد ذَبحهَا حَتَّى غلبهم السكر وغابوا عَن حسهم. فَسَقَطت الشمعة وأحرقت مَا حولهَا حَتَّى هبت الرّيح تطاير شرر مَا احْتَرَقَ من الْبَيْت حَتَّى اشتعل. بِمَا فِيهِ وتعلقت النيرَان مِمَّا حوله حَتَّى بلغت مَوضِع تكفور ففر بِنَفسِهِ. واستمرت النَّار مُدَّة اثْنَي عشر يَوْمًا فَاحْتَرَقَ أَكثر القلعة وَتلف المنجنيق كُله بالنَّار وَكَانَ هُوَ حصن سيس وَلم يعْمل مثله وَاحْتَرَقَ المنجنيقي وَأَوْلَاده السِّتَّة وَزَوجته واثني عشر رجلا من أَقَاربه. وَخَربَتْ سيس وَهدم سورها ومساكنها وَهلك كثير من أَهلهَا وَعجز تكفور عَن بنائها. وَفِيه نافقت العربان بِالْوَجْهِ القبلي والفيوم وَكَثُرت حروبهم وقطعهم الطرقات فَلم يُمكن خُرُوج الْعَسْكَر إِلَيْهِم فَأَنَّهُ كَانَ اوأن الْمغل خوفًا عَلَيْهِ. وَفِي مستهل ذِي الْقعدَة: قدم عَلَاء الدّين الْحَرَّانِي من دمشق باستدعاء وخلع عَلَيْهِ بِنَظَر الشَّام. وَفِيه قدم الْخَبَر بِأَنَّهُ ثارث ريح زرقاء شَدِيدَة فِي بِلَاد برقة وأعقبها مطر عَظِيم جدا يَوْمًا كَامِلا. ثمَّ نزل برد قدر بيص الْحمام مجوف وَبَعضه مثقوب من وَسطه. وَتَمَادَى حَتَّى وصل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة والبحيرة والغربية والمنوفية والشرقية وأفسد من الدّور والزروع شَيْئا كثيرا سِيمَا الفول فَأَنَّهُ تلف عَن آخِره وَنزلت صَاعِقَة فأحرقت نَخْلَة فِي دَار. وَقدم الْخَبَر أَن الْأَمِير أرغون الكاملي لعب بالكرة فِي ميدان غَزَّة وَتوجه بعد أَيَّام إِلَى الْقُدس. فَقدم عَلَيْهِ نَائِب الشَّام بتقدمته ثمَّ تواردت تقادم النواب من حلب إِلَى عزة ثمَّ خرج الْأَمِير أرغون الكاملي من الْقُدس فَكتب بِسُرْعَة قدومه فَلَمَّا وصل قطيا خرج السُّلْطَان إِلَى لِقَائِه بسرياقوس وَلعب مَعَه فِي الميدان بالكرة وَقد سر بقدومه ثمَّ سَار بِهِ السُّلْطَان إِلَى القلعة. وَفِيه خلع على الْأَمِير قبلاي وَاسْتقر فِي نِيَابَة الكرك عوضا عَن ملكتمر السرجواني لشدَّة مَرضه، وَكتب بإحضاره. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 18 وَفِيه كثر لعب النَّاس بالحمام وَكثر جري السعاة وتظاهر أَرْبَاب الملعوب بفنون لعبهم. وتزايد شلاق الزعر وسلط عبيد الخدام الطواشية وغلمأنهم وَعبيد الْكتاب على النَّاس وصاروا كل يَوْم يقفون للضراب فتسفك بَينهم دِمَاء كَثِيرَة وتنهب الحوانيت بالصليبة خَارج الْقَاهِرَة وَإِذا ركب إِلَيْهِم وَإِلَى الْقَاهِرَة لَا يعبئون بِهِ فَإِن قبض على أحد مِنْهُم أَخذ من يَده سَرِيعا فَاشْتَدَّ قلق النَّاس من ذَلِك وَلم يَجْسُر أحد يُنكر شَيْئا من هَذَا. وَفِيه أعرس بعض الطواشية ببعص سرارى السُّلْطَان بعد عقده عَلَيْهَا فَعمل لَهُ السُّلْطَان مهما حَضَره جَمِيع جواري بَيت السُّلْطَان. وجلبت الْعَرُوس على الطواشي ونثر السُّلْطَان عَلَيْهَا وَقت الجلا الذَّهَب بِيَدِهِ فَكَانَ أمرا شنيعاً. وَفِي مستهل ذِي الْحجَّة: قدم الْبَرِيد من دمشق بوفاة الْأَمِير ألماس الْحَاجِب وعلاء الدّين بن سعيد فَكتب باستقرار الْأَمِير بدر الدّين الْأَمِير مَسْعُود بن خطير حاجبا عوضا عَن ألماس وأنعم على مَمْلُوك ابْن سعيد بطبلخاناه بعد بذل نَحْو سِتَّة آلَاف دِينَار. وَفِيه اشْتهر أَخذ البراطيل للسُّلْطَان فقصده كل أحد لطلب الإقطاعات والرزق والرواتب. وَفِيه قدم ابْن سَالم قَاضِي الْقُدس وَقد عَزله السُّبْكِيّ وَأثبت عَلَيْهِ محصرا أَنه بَاعَ أيتاما من يتامى الْمُسلمين الْأَحْرَار لِلنَّصَارَى. وَمَا زَالَ ابْن سَالم يسْعَى بالخدام حَتَّى كتب لَهُ توقيع بِقَضَاء الْقُدس على ألف وَخَمْسمِائة دِينَار حملهَا للسُّلْطَان وَمثلهَا لمن سعى لَهُ. وَفِيه كثرت الإشاعة بِاتِّفَاق الْحَاج الْأَمِير آل ملك نَائِب صفد مَعَ الْأَمِير يلبغا نَائِب الشَّام على المخامرة فَجهز الْأَمِير الْحَاج آل ملك محضراً ثَابتا على قَاضِي صفد بِالْبَرَاءَةِ مِمَّا رمى بِهِ فَأنْكر السُّلْطَان عَلَيْهِ هَذَا. وجهز منجك السِّلَاح دَار للكشف عَمَّا ذكره فاتفق قدوم بعض مماليك الْأَمِير الْحَاج آل ملك فَارًّا مِنْهُ خوفًا أَن يضْربهُ على شربه الْخمر وَذكر عَنهُ للسُّلْطَان أَنه يُرِيد التَّوَجُّه إِلَى بِلَاد الْعَدو. فَزَاد هَذَا السُّلْطَان كَرَاهَة فِيهِ وَأخرج منجك على الْبَرِيد إِلَيْهِ. فَلَمَّا قدم عَلَيْهِ حلف أَنه برىء مِمَّا قيل عَنهُ وأنعم على منجك بألفي دِينَار سوى الْخَيل والقماش. وَفِيه نُودي بِالْقَاهِرَةِ ومصر الا يُعَارض أحد من لعاب الْحمام وأرباب الملاعيب والسعاة فتزايد الْفساد وشنع الْحَال. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 19 وَفِيه ركب الْأَمِير طقتمر الصلاحي الْبَرِيد ليوقع الحوطة على جَمِيع أَرْبَاب الْمُعَامَلَات وَأَصْحَاب الرزق والرواتب بالبلاد الشامية من الْفُرَات إِلَى غَزَّة وَألا يصرف لأحد مِنْهُم شَيْئا وَأَن يسْتَخْرج مِنْهُم وَمن الْأَوْقَاف وأرباب الجوامك ألف ألف دِرْهَم برسم سفر السُّلْطَان للحجاز وَيَشْتَرِي بذلك الْجمال وَنَحْوهَا مِمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ السُّلْطَان فِي سَفَره فمنعت الرَّوَاتِب من الْفُقَرَاء وَغَيرهم لم يصرف لأحد مِنْهُم الدِّرْهَم الْفَرد فَكثر ابتهالهم وتضرعهم إِلَى الله تَعَالَى فِي وَفِيه كتب بعد موت الْأَمِير جنكلى بن البابا بقدوم الْأَمِير آل ملك إِلَى الْقَاهِرَة من صفد ليستقر على إقطاع جنكلى وَتوجه إِلَيْهِ منجك لإحضاره. وَفِي يَوْم السبت تَاسِع عشريه: أمسك الْأَمِير أينبك أَخُو قمارى ثمَّ أفرج عَنهُ من يَوْمه. وَفِيه اسْتَقر نجم الدّين إِبْرَاهِيم بن الْعِمَاد عَليّ بن أَحْمد بن عبد الْوَاحِد الطرسوسى فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن أَبِيه. وَفِيه كتب باستقرار الْأَمِير سيف الدّين أراق الفتاح نَائِب غَزَّة فِي نِيَابَة صفد عوضا عَن الْأَمِير الْحَاج آل ملك. وَمَات فِيهَا من الْأَعْيَان فَخر الدّين أَحْمد بن الْحسن بن الْجَار بردى شَارِح البيضاوى. وَمَات الْأَمِير ألماس الناصري الْحَاجِب بِدِمَشْق. وَمَات بهاء الدّين أَبُو بكر بن مُوسَى بن سكرة نَاظر الدَّوَاوِين بِدِمَشْق فِي عَاشر شعْبَان بهَا عَن سِتِّينَ سنة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 20 وَتُوفِّي الْملك الْأَشْرَف كجك بن مُحَمَّد بن قلاوون. وَمَات الْأَمِير طقزدمر الحموى وَأَصله من مماليك الْمُؤَيد إِسْمَاعِيل بن عَليّ صَاحب حماة بَعثه للناصر مُحَمَّد وَهُوَ شَاب فخطى عَنهُ ورقاه حَتَّى صَار أَمِير مجْلِس وزوجه بابنته. ثمَّ ولي نِيَابَة السلطنة فِي أَيَّام الْمَنْصُور أبي بكر وَولي نِيَابَة حلب ودمشق ثمَّ قدم إِلَى الْقَاهِرَة وَمَات بهَا مستهل جُمَادَى الْآخِرَة وَله تنْسب خانكاه طقزدمر بالقرافة وَتُوفِّي بدر الدّين مُحَمَّد بن محيي الدّين بن فضل الله الْعمريّ الدِّمَشْقِي كَاتب السِّرّ بِدِمَشْق فِي سادس عشري رَجَب. وَتُوفِّي تَاج الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن عبد الله بن أبي بكر الأردبيلي الشَّافِعِي مدرس الْمدرسَة الحسامية طرنطاي بالقرافة. وَكَانَ إِمَامًا فِي الْفِقْه والعربية وَالْأُصُول والجدول والحساب والمنطق وَقد اشْتَدَّ صمه وأنتفع بالقراة عَلَيْهِ جمَاعَة. وَتُوفِّي القاضى ضِيَاء الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن الْمَنَاوِيّ الشَّافِعِي أحد نواب الحكم عِنْد قَاضِي الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بِالْقَاهِرَةِ فِي يَوْم السبت سادس رَمَضَان وَتجَاوز تسعين سنة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 21 وَمَات الْأَمِير بيبرس الأحمدي أحد المماليك المنصورية البرجيه فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشري الْمحرم وَهُوَ فِي عشر الثَّمَانِينَ. وَكَانَ جركسي الْجِنْس تنقل حَتَّى صَار من أُمَرَاء الألوف فِي وَظِيفَة أَمِير جاندار ثمَّ ولى نِيَابَة صفد وطرابلس وَكَانَ كَرِيمًا شجاعاً قوي النَّفس دينا لم يركب قطّ فرسا إِلَّا فحلاً وَلم يركب حجرَة قطّ. وَمَات الْأَمِير بدر الدّين جنكلى بن البابا العجلى أتابك العساكر فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سَابِع عشري ذِي الْحجَّة. قدم الْقَاهِرَة سنة ثَلَاث وَسَبْعمائة وتنقل حَتَّى صَار رَأس الميمنة. وَله حفدة كَبِيرَة وَلم ير أعف مِنْهُ فِي الْأُمَرَاء مَعَ الصدْق فِي الدّيانَة والحلم وَالْوَقار وَكَثْرَة الصَّدقَات فَكَانَ يخرج كل سنة ثَمَانِيَة آلَاف أردب من الْقَمْح ومبلغ ثَمَانِينَ ألف دِرْهَم فِي وُجُوه الْبر سوى زَكَاة مَاله. وَتُوفِّي تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن همام بن راجي الشَّافِعِي إِمَام جَامع الصَّالح خَارج بَاب زويلة وَهُوَ مُصَنف كتاب سلَاح الْمُؤمن وَغَيره. وَفِيه ضربت عنق ششملم وعنق رَفِيقه وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ عَاشر رَجَب. وَمَات الشريف رميثة بن أبي نمى بن أبي سعد حسن بن عَليّ بن قَتَادَة أَمِير مَكَّة يَوْم الْجُمُعَة ثامن ذِي الْقعدَة بمكه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 22 (سنة سبع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة) يَوْم الْإِثْنَيْنِ أول الْمحرم: قدم منجك مَدِينَة صفد بِكِتَاب السُّلْطَان يَسْتَدْعِي الْأَمِير الْحَاج آل ملك فَسَار مَعَه إِلَى غَزَّة فَقبض عَلَيْهِ بهَا وَقيد. وَقيل كَانَ الْقَبْض عَلَيْهِ يَوْم الْخَمِيس عشري ذِي الْحجَّة بغزة. وَفِي أَوله أَيْضا قدم الْأَمِير ملكتمر السرجواني من الكرك وَهُوَ مَرِيض فَمَاتَ عِنْد مَسْجِد تبر ظَاهر الْقَاهِرَة وَدخل إِلَيْهَا مَيتا فَدفن بتربته. وَفِيه أَيْضا قدم الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن الْأَمِير الْحَاج آل ملك من صفد فَأمْسك من سَاعَته وسجن. وَفِيه أَيْضا خلع على الْأَمِير أسندمر الْعمريّ وَاسْتقر فِي نِيَابَة طرابلس. وَفِي يَوْم السبت سادسه: قدم الْأَمِير الْحَاج آل ملك نَائِب صفد والأمير قمارة نَائِب طرابلس مقيدين إِلَى قليوب. وركبا النّيل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة واعتقلا بهَا. وَكَانَ الْأَمِير طقتمر الصّلاح قد قبض على قمارى بطرابلس وَقَيده وَبَعثه على الْبَرِيد وأوقع الحوطة على موجوده وَفِيه قبض على آينبك أخي قمارى وعَلى نصرات وغلبك وحواشيهم وأحيط بموجودهم. وَفِيه ركب مغلطاي الأستادار إِلَى صفد لإيقاع الحوطة على مَوْجُود الْأَمِير الْحَاج آل ملك وَركب الطواشي مقبل التَّقْوَى لإحضار مَوْجُود قمارى من طرابلس وألزم مباشروهما بِحمْل جَمِيع أمولهما فَوجدَ لآل ملك قريب ثَلَاثِينَ ألف أردب غلَّة وألزم وَلَده. بِمِائَة ألف دِرْهَم وَأخذ لزوجته خبية غمز عَلَيْهَا فِيهَا أَشْيَاء جليلة وَأخذ لزوجة قمارى صندوق فِيهِ مَال جزيل. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير رسْلَان بصل فِي نِيَابَة حماة عوضا عَن طقتمر الصلاحي وَنقل طقتمر من نِيَابَة حماة إِلَى نِيَابَة حلب عوضا عَن الْأَمِير أرقطاي. وَكتب بقدوم أرقطاى وَتوجه فِي ذَلِك الْأَمِير قطلوبغا الكركي وَمَعَهُ التَّقْلِيد فأنعم عَلَيْهِ أرقطاى بِمِائَة ألف دِرْهَم وأنعم عَلَيْهِ طقتمر بِأَلف وخسمائة دِينَار وَعشرَة آلَاف دِرْهَم ومائتي قِطْعَة قماش وَعشرَة أرؤس من الْخَيل وخلعة السُّلْطَان وَخَمْسمِائة أردب غلَّة من مصر قيمتهَا مائَة ألف دِرْهَم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 23 وَفِي عشريه: قدم الْأَمِير ارقطاي من حلب فَخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر عوضا عَن الْأَمِير جنكلى بن البابا رَأس الميمنة. وَفِيه خلع السُّلْطَان على أرغون العلائي زوج أمه وَاسْتقر فِي نظر المارستان المنصوري عوضا عَن الْأَمِير جنكلى بن البابا. فَنزل إِلَيْهِ أرغون وَأعَاد جمَاعَة مِمَّن قطعهم ابْن الأطروش بعد موت الْأَمِير جنكلى. وَأَنْشَأَ أرغون بجوار بَاب المارستان سَبِيل مَاء ومكتب سَبِيل لقِرَاءَة أَيْتَام الْمُسلمين الْقُرْآن الْكَرِيم ووقف عَلَيْهِ وَقفا بِنَاحِيَة من الضواحي وَفِيه أنعم السُّلْطَان على طغريل بتقدمة ألف وعزل تَقِيّ الدّين سُلَيْمَان بن مراجل من نظر الدولة وَقد كرهه النَّاس. وَفِيه خلع على الْأَمِير نجم الدّين مَحْمُود بن شروين وَزِير بَغْدَاد وأعيد إِلَى الوزارة وَكَانَت شاغرة. وَفِيه خلع على علم الدّين عبد الله بن زنبور وَاسْتقر فِي نظر الدولة عوضا عَن ابْن مراجل. وعزل جَمِيع من ولاه ابْن مراجل من الشاميين وَغَيرهم وأهينوا وألزموا بِحمْل مَا أخذُوا من المعاليم ونزعت أخفافهم. وألزم ابْن مراجل بِحمْل جَمِيع مَا استأده من الْمَعْلُوم وبثمن الخلعة وَالْبَغْلَة والدواة وقومت عَلَيْهِ بأزيد قيمَة وَأَرَادُوا أهانته بِكُل طَرِيق وَفِيه اسْتَقر ابْن سهلول فِي الِاسْتِيفَاء كَمَا كَانَ أَولا. وَاسْتقر النشو بن ريشة مُسْتَوْفيا. وَفِيه قدم الْأَمِير مغلطاى. مِمَّا وجد للأمير الْحَاج آل ملك وَهُوَ مبلغ خَمْسَة وَسَبْعُونَ ألف دِرْهَم وَأَرْبَعَة آلَاف دِينَار. وَوجد لَهُ أَيْضا ثمن غلَّة مبتاعة. بِمَكَّة نَحْو مائَة ألف وَثَلَاثِينَ ألف أردب وَنَحْو عشْرين ألف جلد حبشِي. وَوجد لَهُ عشرُون فرسا سوى مَا أرصده للتقدمة وعدتها سَبْعُونَ فرسا سوى الهجن والبخاتى وَنَحْو عشْرين بقجة قماش. وَوجد لَهُ أَرْبَعَة عشر قطار بخاتى أنعم بهَا على أَرْبَعَة عشر خَادِمًا فشق ذَلِك على الْأُمَرَاء. وَفِيه قدم مقبل من طرابلس بِجَمِيعِ قماش نسَاء الْأَمِير قمارى وَمَا وجده لَهُ وَفِيه زنة سبعين مِثْقَال من الْجَوَاهِر فرقه السُّلْطَان على اتِّفَاق وَغَيرهَا وَفِيه مبلغ أَرْبَعِينَ ألف دِرْهَم وَثَلَاثَة آلَاف دِينَار وزركش بِنَحْوِ مِائَتي ألف دِرْهَم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 24 وَفِي مستهل صفر: قدم ابْن زعازع من البهنسا وسعى بِبَعْض الْكتاب حَتَّى سلم إِلَيْهِ على مائَة ألف دِرْهَم فعاقبه حَتَّى مَاتَ. فاتهم ابْن زعازع بِأَنَّهُ أَخذ لَهُ مَالا كَبِيرا وَخرج الْأَمِير مغلطاي إِلَى البهنسا وَقبض عَلَيْهِ وَأخذ مِنْهُ ألفي ألف وَمِائَة وَسِتِّينَ ألف دِرْهَم ومائتي جَارِيَة وَسِتِّينَ عبدا وَسِتِّينَ فرسا وألفا وَثَمَانمِائَة فدان على سَبِيل الرزق سوى القنود والأعمال والمعاصر ثمَّ سمره مغلطاي وشهره فِي النواحي. وَفِيه قدم طلب الْأَمِير الْحَاج آل ملك ففرقت مماليكه على الْأُمَرَاء وَنزل بعصهم فِي البحرية. وَفِيه أخرج مماليك قمارى من الْحلقَة. وَفِيه انْتَهَت عمَارَة قصر الْأَمِير أرغون الكاملي وإصطبله الْأَعْظَم وَأنْفق فِيهِ مَال عَظِيم وأخد فِيهِ من بركَة النّيل نَحْو الْعشْرين ذِرَاعا. فَلَمَّا عزم أرغون الكاملي على النُّزُول إِلَيْهِ مرض فقلق السُّلْطَان لمرضه فَبعث لَهُ فرسا وَثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم تصدق بهَا عَنهُ. وَأخرج الْأَمِير أرغون العلائي أَيْضا عشرَة آلَاف دِرْهَم تصدق بهَا عَنهُ وَأَفْرج عَن أهل السجون وَركب السُّلْطَان لعيادته بالميدان. وَفِيه اهتم السُّلْطَان بِالسَّفرِ إِلَى الْحجاز ورسم بِحمْل مائَة ألف وَخمسين ألف أردب شعير وَندب لَهَا الْأَمِير عز الدّين أزدمر الكاشف فألزم الْأَمِير عز الدّين أزدمر الفلاحين بِالْوَجْهِ البحري عَن آخِرهم بِحمْل شعير على حِسَاب كل أردب بسبعة دَرَاهِم وَكتب لآل مهنا بِالشَّام أَن يَسِيرُوا الهجن المخبورة فَقدم حيار بن مهنا وَمَعَهُ قَود جليل فَقبل مِنْهُ وقومت خيوله بِمِائَتي ألف دِرْهَم. ثمَّ قدم أَحْمد بن مهنا أَيْضا بقود غير طائل. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة رَابِع عشريه: ولد للسُّلْطَان ولد ذكر من ابْنة الْأَمِير بكتمر الساقى. وَفِي يَوْم السبت خَامِس عشريه: أفرج عَن الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن الْأَمِير الْحَاج آل ملك وَعَن أَخِيه قمارى وألزما بيوتهما. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 25 وَفِي مستهل ربيع الأول: قدم الْبَرِيد بانتشار الْجَرَاد بأعمل دمشق والبلقاء ورعيه زُرُوعهمْ وَقد أدْرك الشّجر وَأَنه عَم الْبَلَد حَتَّى وصل إِلَى الرمل وَقرب من الصالحية فَهَلَك الشّعْر عَن آخِره. وَفِيه تحسن سعر الْغلَّة حَتَّى أبيع الأردب الْقَمْح بِثَلَاثِينَ درهما. وَفِيه توجه السُّلْطَان إِلَى سرياقوس وأحضر عِنْده الأوباش فلعبوا باللبخة وَهِي عصى كبار حدث اللّعب فِي هَذِه الدولة وَقتل فِي اللّعب بهَا جمَاعَة. فلعبوا بهَا بَين يَدَيْهِ وَقتل رجل رَفِيقه فَخلع على بَعضهم وأنعم على كَبِيرهمْ بِخبْز فِي الْحلقَة وَاسْتمرّ السُّلْطَان بلعب الكرة فِي كل يَوْم وَأعْرض عَن تَدْبِير الْأُمُور. فتمردت المماليك وَأخذُوا حرم النَّاس وَقَطعُوا الطَّرِيق وفسدت عدَّة من الْجَوَارِي. وَكَثُرت الْفِتَن بِسَبَب ذَلِك حَتَّى بلغ السُّلْطَان فَلم يعبأ بِهَذَا وَقَالَ: خلوا كل أحد يعْمل مَا يُرِيد. فَلَمَّا فحش الْأَمر قَامَ الْأَمِير أرغون العلائي فِيهِ مَعَ السُّلْطَان حَتَّى عَاد إِلَى القلعه وَقد تظاهر النَّاس بِكُل قَبِيح ونصبوا أخصاصا فِي جَزِيرَة بولاق والجزيرة الوسطانية الَّتِي سوها حليمة بلغ مَصْرُوف كل خص فِيهَا من أَلفَيْنِ إِلَى ثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم. وَعمل كل خص بالرخام والدهان البديع وَزرع حوله المقائي والرياحين وَأقَام بهَا مُعظم النَّاس من الباعة وَالتِّجَارَة وَغَيرهم وكشفوا ستر الْحيَاء وبالغوا فِي التهتك. مِمَّا تهوى أنفسهم فِي حليمة وَفِي الطمية وتنافسوا فِي أرْضهَا حَتَّى كَانَت كل قَصَبَة قِيَاس تؤجر بِعشْرين درهما فَيبلغ الفدان الْوَاحِد مِنْهَا بِثمَانِيَة آلَاف دِرْهَم وَيعْمل فِيهَا ضَامِن يسْتَأْجر مِنْهَا الأخصاص. فأقاموا على ذَلِك سِتَّة أشهر حَتَّى زَاد المَاء وغرقت الجزيرة فَاجْتمع فِيهَا من البغايا والأحدا وأنواع المسكرات مَا لَا يُمكن حكايته وَأنْفق النَّاس بهَا أَمْوَالًا تخرج عَن الْحَد فِي الْكَثْرَة. وَكَانَت الْأُمَرَاء والأعيان تسير إِلَيْهَا لَيْلًا إِلَى أَن قَامَ الْأَمِير أرغون العلائي فِي أمرهَا قيَاما عَظِيما وأحرق الأخصاص على حِين غَفلَة وَضرب جمَاعَة وشهرهم فَتلف بهَا مَال عَظِيم جدا وَفِي هده الْأَيَّام: قل مَاء النّيل حَتَّى صَار مَا بَين المقياس ومصر يخاض وَصَارَ من بولاق إِلَى منشاة المهراني وَمن جَزِيرَة الْفِيل إِلَى بولاق وَمِنْهَا إِلَى الْمنية طَرِيقا وَاحِدًا. وَبعد على السقائين طَرِيق المَاء فأنهم صَارُوا يَأْخُذُونَ المَاء من قريب نَاحيَة منبابة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 26 وَبَلغت الراوية المَاء إِلَى دِرْهَمَيْنِ بعد نصف وَربع دِرْهَم فَشَكا النَّاس ذَلِك إِلَى الْأَمِير أرغون العلائي. فَبلغ السُّلْطَان غلاء المَاء بِالْمَدِينَةِ وانكشاف مَا تَحت بيُوت الْبَحْر من المَاء فَركب وَمَعَهُ الْأُمَرَاء وَكثير من أَرْبَاب الهندسة حَتَّى كشف ذَلِك فَوجدَ الْوَقْت فِيهِ قد فَاتَ بِزِيَادَة النّيل وَاقْتضى الرأى أَن ينْقل التُّرَاب والشقف من مطابخ السكر بِمَدِينَة مصر وَيَرْمِي من بر الجيزة إِلَى المقياس حَتَّى يصير جِسْرًا يعْمل عَلَيْهِ وَيدْفَع المَاء إِلَى الْجِهَة الَّتِي أنحسر عَنْهَا. فنقلت الأتربة فِي المراكب والقيت هُنَاكَ إِلَى أَن بَقِي جِسْرًا ظَاهرا وتراجع المَاء قَلِيلا إِلَى بر مصر فَلَمَّا قويت الزِّيَادَة علا المَاء على هَذَا الجسر. وَفِيه لعب السُّلْطَان مَعَ الْأُمَرَاء بالكرة فِي الميدان من القلعة فاصطدم الْأَمِير بيبغا الصلاحي مَعَ آخر سقطا مَعًا عَن فرسيهما إِلَى الأَرْض. وَوَقع فرس بيبغا على صَدره فَانْقَطع نخاعه وَمَات لوقته فأنعم بإقطاعه على قطلوبغا الكركى. وَفِيه قدم الشريف عجلَان بن رميثة من مَكَّة وصحبته الْقود فَمنع من الْأَنْعَام عَلَيْهِ بعادته عِنْد قدومه بقوده وهى أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم. وَكتب إِلَى أَخِيه ثقبة أَلا يُعَارض وَأَن يحضر إِلَى الْقَاهِرَة. وَفِيه كتب إِلَى نَائِب حماة بإيقاع الحوطة على الْأَمْلَاك والأراضي الَّتِي تقدم بيعهَا من الْملك الْمُؤَيد إِسْمَاعِيل وَمن وَلَده فَأَنَّهَا أبيعت بِدُونِ الْقيمَة فَقَامَ أَرْبَابهَا بِقِيمَة الْمثل وَحصل مِنْهُم ثَلَاثمِائَة ألف وَفِيه قدم عَلَاء الدّين بن الْحَرَّانِي نَاظر دمشق وشكا من قطع طقتمر الصلاحي مرتبات النَّاس بِبِلَاد الشَّام. فَلم تسمع شكواه ورسم لَهُ أَلا يصرف لأحد مُرَتبا وَلَا حِوَالَة يُحَال بهَا على مَال الشَّام بل يوفر الْجَمِيع لمهم السّفر للحجاز. ثمَّ عَاد عَلَاء الدّين بن الْحَرَّانِي إِلَى دمشق وَتوجه صحبته تَقِيّ الدّين سُلَيْمَان بن مراجل بِشَفَاعَتِهِ لَهُ فِي السّفر. وَفِيه قدمت رسل ابْن دلغادر بِكِتَاب يتَضَمَّن أَنه أَخذ قلعة كَانَت بيد الأرمن إحتوى على مَا فِيهَا وَقتل أَهلهَا فأنعم عَلَيْهِ بهَا. وَفِيه أخرج الْأَمِير ايتمش عبد الْغَنِيّ أحد الطلبخاناه على الْبَرِيد منفيا إِلَى الشَّام. وَفِيه ولد السُّلْطَان ولد ذكر من ابْنة الْأَمِير تنكز فدقت البشائر. وَنزل الْأَمِير قطلوبغا الكركي إِلَى الْأُمَرَاء يبشرهم فَلبس من أَرْبَعَة وَعشْرين أَمِيرا مقدما أَرْبَعَة وَعشْرين تَشْرِيفًا أطلس بحوائصها سوى الذَّهَب وَالْفِضَّة وَالْخَيْل والتفاصيل. وأعفى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 27 قطلوبغا مقدمين من الْأَخْذ مِنْهُمَا وهما عَلَاء الدّين عَليّ بن طغريل وبهادر الْعقيلِيّ من أجل أَنَّهُمَا أخذا الإمرة عَن قريب. وأنعم عَلَيْهِ السُّلْطَان مَعَ ذَلِك من الأهراء بِخَمْسَة عشر ألف أردب غلَّة فَاشْتَدَّ حد المماليك لَهُ على مَا ناله من السَّعَادَة فَلم يطلّ عمر هَذَا الْمَوْلُود وَمَات. وَفِيه اشتدت الْمُطَالبَة على أهل النواحي بالجمال وَالشعِير والأعدال والأخراج والعبي بِسَبَب سفر السُّلْطَان للحجاز. وَكَثُرت مغارم أهل النواحي للولاة والرقاصين وشكا أَرْبَاب الإقطاعات ضَرَر بِلَادهمْ للسُّلْطَان فَلم يلْتَفت لَهُم. وَقَامَ فِي ذَلِك الْأَمِير أرغون شاه أستادار مَعَ الْأَمِير أرغون العلائي فِي التحدث مَعَ السُّلْطَان فِي إبِْطَال حَرَكَة السّفر حَتَّى تفاوضا بِسَبَبِهِ وتنافرا. فَحدث الْأَمِير أرغون العلائي السُّلْطَان فِي تَركه السّفر فَلم يصغ لقَوْله وَكتب باستعجال الْعَرَب بالجمال واستحثاث طقتمر الصلاحي فِيمَا هُوَ بصدده من ذَلِك. وَفِيه أوقع السُّلْطَان الحوطة. على أَمْوَال الطواشي عَرَفَات وَأخرج إِلَى الشَّام. وَقصد السُّلْطَان أَخذ أَمْوَال الطواشي كافور الْهِنْدِيّ فشفعت فِيهِ خوند طغاى فَأخْرج إِلَى الْقُدس. وَكَانَ عَرَفَات وكافور من خَواص السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد ونالا سَعَادَة عَظِيمَة وَبنى كافور تربة عَظِيمَة بالقرافة. وَفِيه نفي أَيْضا ياقوت الْكَبِير وكافور الْمحرم وسرور الدمامينى. وَفِي ثامن عشره: نفي أَيْضا من الطواشية دِينَار الصَّواف ومختص الخطائي. وَأهل ربيع الآخر: فَفِيهِ قدم الْخَبَر. بِمَوْت تَاج الدّين مُحَمَّد بن الزين خضر بن مُحَمَّد ابْن عبد الرَّحْمَن كَاتب السِّرّ بِدِمَشْق فرسم أَن يسْتَقرّ عوضه فِي كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن يَعْقُوب عبد الْكَرِيم بن أبي الْمَعَالِي وَأَن يسْتَقرّ جمال الدّين إِبْرَاهِيم ابْن الشهَاب مَحْمُود كَاتب السِّرّ وَفِيه اشْتَدَّ فَسَاد العربان بالصعيد والفيوم والإطفيحية فَأخْرج الْأَمِير غرلو إِلَى إطفيح فأمن غرلو شيخ العربان مغنى وَأخذ فِي التحيل على نمي حَتَّى قبض عَلَيْهِ وَسلمهُ لمغنى فَعَذَّبَهُ عذَابا شَدِيدا. فثارت أَصْحَابه وكبسوا الْحَيّ وَتلك النواحي وكسروا عرب المغنى قتلوا مِنْهُم ثَلَاثمِائَة رجل وَسِتِّينَ امْرَأَة وذبحوا الْأَطْفَال ونهبوا الأجران وهدموا الْبيُوت وَلَحِقُوا بعربان الصَّعِيد والفيوم فَكَانَت عدَّة من قتل مِنْهُم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 28 فِي هَذِه السّنة نَحْو الألفي انسان لم يفكر أحد فِي أَمرهم وَلَا فِيمَا أفسدوه. وَفِيه مَاتَ ولد السُّلْطَان من ابْنة الْأَمِير تنكز فولد لَهُ فِي يَوْمه ولد ذكر من حظيته اتِّفَاق سَمَّاهُ شاهنشاه وسر بِهِ سُرُورًا زَائِدا وَقصد أَن يعْمل لَهُ مهما وتدق البشائر فَمَنعه الْأَمِير أرغون العلائي من ذَلِك فَعمل فَرحا مُدَّة سَبْعَة أَيَّام. وَكَانَ السُّلْطَان قد عمل لِاتِّفَاق على وِلَادَتهَا بشخاناه وداير بَيت وغشاء مهد الْوَلَد وقماطه عمل فيهم مبلغ سِتَّة وَثَمَانِينَ ألف دِينَار. وَحصل لآرباب الملهى أَيَّام ألفرح من خلع الخوانين عَلَيْهِم البغالطيق بداير زركش وباولى وطرازات زركش وَغير ذَلِك مَا يعظم قدره. وَمَعَ ذَلِك مَاتَ الْوَلَد يَوْم سابعه. وَفِيه مَاتَ يُوسُف بن السُّلْطَان النَّاصِر مُحَمَّد واتهم السُّلْطَان بقتْله. وَفِيه قدم الْأَمِير طقتمر الصلاحي من الشَّام وَمَعَهُ مبلغ ألف ألف دِرْهَم لتتمة جملَة مَا حمل من الشَّام ألف ألف وسِتمِائَة ألف دِرْهَم مِمَّا توفر من المرتبات الَّتِي اقتطعت وَجِيء من الْأَعْمَال بالصنف وَذَلِكَ سوى الْأَصْنَاف المستعملة برسم السّفر. وَفِيه ورد كتاب الْأَمِير يلبغا اليحياوي نَائِب الشَّام يتَضَمَّن خراب بِلَاد الشَّام مِمَّا اتّفق بهَا من أَخذ الْأَمْوَال وَانْقِطَاع الجالب إِلَيْهَا وَأَن الرَّأْي تَأْخِير السّفر إِلَى الْحجاز فِي هَذِه السّنة فَقَامَ الْأَمِير أرغون العلائي والأمير ملكتمر الحجازة فِي تصويب رَأْي نَائِب الشَّام وذكرا مَا حدث بِبِلَاد مصر من نفاق العربان وضرر الزَّرْع وَكَثْرَة مغارم الْبِلَاد. وَمَا زَالا حَتَّى رَجَعَ السُّلْطَان عَن السّفر وَكتب لنائب الشَّام بِقبُول رَأْيه فِي ذَلِك وَكتب إِلَى الْأَعْمَال باسترجاع مَا قَبضه الْعَرَب من كرى الْجمال وَرمى البشماط الَّذِي عمل على الباعة. فَلم يُوَافق هَذَا غَرَض نسَاء الساطان ووالدته وَأخذت والدته فِي تَقْوِيَة عزمه على السّفر حَتَّى قوي وَكتب لنائب الشَّام وحلب وَغَيرهمَا أَنه لابد من السّفر للحجاز وَأمرهمْ بِحمْل مَا يحْتَاج إِلَيْهِ. وَاشْترى السُّلْطَان الْجمال وَطلب الكاشف ورسم لَهُ عربان مصر وتفرقة المَال عَلَيْهِم لكرى أحمال الشّعير والدقيق والبشماط. فتجدد الطّلب على النَّاس وحملت الغلال إِلَى الطحانين لعمل البشماط والدقيق واستعيد مَا رمي من دلك. فتحسن سعر الْغلَّة واختلت النواحي من العنف فِي الطّلب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 29 وَرفعت أُجْرَة الْجمل إِلَى الْعقبَة عشرَة دَرَاهِم وَإِلَى يَنْبع ثَلَاثِينَ درهما وَإِلَى مَكَّة خمسين درهما واشتغل النَّاس بِهَذَا المهم وتوقفت أَحْوَال أَرْبَاب المعايش وَقل الْوَاصِل من كل شىء. وَأخذ الْأُمَرَاء فِي أهبة السّفر وقلقوا لذك وسألوا الْأَمِير أرغون العلائي والأمير ملكتمر الْحِجَازِي فِي الْكَلَام مَعَ السُّلْطَان فِي إبِْطَال سَفَره وتعريفه رقة حَالهم من حِين تجاريدهم إِلَى الكرك فِي نوبَة النَّاصِر أإحمد وَمن خراب بِلَادهمْ لطلب الْكَشَّاف والولاة فلاحيها بِالشَّعِيرِ وَغَيره فَكلما السُّلْطَان بذلك فَاشْتَدَّ غَضَبه وَأطلق لِسَانه فَمَا زَالا بِهِ حَتَّى سكن غَضَبه فرسم من الْغَد الْحَج لجَمِيع الْأُمَرَاء بالتأهب للسَّفر وَمن عجز عَن السّفر يُقيم بِالْقَاهِرَةِ. فَاشْتَدَّ الْأَمر على النَّاس بديار مصر وبلاد الشَّام وَكثر دعاؤهم لماهم فِيهِ من السخر والمغارم. وتنكرت قُلُوب الْأُمَرَاء وَكَثُرت الإشاعة بتنكر السُّلْطَان على الْأَمِير يلبغا اليحياوي نَائِب الشَّام وَأَنه يُرِيد مسكه حَتَّى بلغه ذَلِك فاحترز على نَفسه وَبلغ الْأَمِير يلبغا اليحياوي قتل يُوسُف أخي السُّلْطَان وَقُوَّة عزم السُّلْطَان على سفر الْحجاز مُوَافق لأغراض نِسَائِهِ فَجمع أُمَرَاء دمشق وحلفهم على الْقيام مَعَه وبرز إِلَى ظَاهر دمشق فِي نصف جُمَادَى الأولى وَأقَام هُنَاكَ وَحضر إِلَيْهِ الْأَمِير طرنطاي البشمقدار نَائِب حمص والأمير أراق الفتاح نَائِب صفد والأمير أستدمر نَائِب حماة والأمير بيدمر البدري نَائِب طرابلس. فَاجْتمعُوا جَمِيعًا ظَاهر دمشق مَعَ عسكرها وَكَتَبُوا بخلع الْملك الْكَامِل وظاهروا بِالْخرُوجِ عَن طَاعَته. وَكتب الامير يلبغا اليحياوي نَائِب الشَّام إِلَى السُّلْطَان: إِنِّي أحد الأوصياء عَلَيْك وَإِن مِمَّا قَالَه الشَّهِيد رَحمَه الله لي وللأمراء فِي وَصيته إِذا أقمتم أحدا من أَوْلَادِي وَلم ترتضوا سيرته جروه بِرجلِهِ وأخرجوه وَأقِيمُوا غَيره. وَأَنت أفسدت المملكة وأفقرت الْأُمَرَاء والأجناد وَقتلت أَخَاك وقبضت على أكَابِر أُمَرَاء السُّلْطَان الشَّهِيد. واشتغلت عَن الْملك والتهيت بِالنسَاء وَشرب الْخمر: وصرت تبيع أَخْبَار الأجناد بِالْفِضَّةِ وَذكر الْأَمِير يلبغا اليحياوي لَهُ أموراً فَاحِشَة عَملهَا فَقدم كِتَابه فِي يَوْم الْجُمُعَة الْعشْرين من جُمَادَى الأولى. فَلَمَّا قَرَأَهُ السُّلْطَان الْكَامِل تغير تغيراً زَائِدا وأوقف عَلَيْهِ الْأَمِير أرغون العلائي. بمفرده فَقَالَ لَهُ: وَالله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 30 لقد كنت أَحسب هَذَا وَقلت لَك فَلم تسمع قولى وَأَشَارَ عَلَيْهِ بكتمان هَذَا. وَكتب الْكَامِل الْجَواب يتَضَمَّن التلطف فِي القَوْل وَأخرج الْأَمِير منجك على الْبَرِيد إِلَى الْأَمِير يلبغا اليحياوي فِي ثَانِي عشريه ليرجعه عَمَّا عزم عَلَيْهِ ويكشف أَحْوَال الْأُمَرَاء وَكتب السُّلْطَان إِلَى أَعمال مصر بإطال السّفر. فكثرت القالة بَين النَّاس بِخُرُوج نَائِب الشَّام عَن الطَّاعَة حَتَّى بلغ الْأُمَرَاء والمماليك فَأَشَارَ الْأَمِير أرغون العلائي على السُّلْطَان بإعلام الْأُمَرَاء الْخَبَر. فطلبوا إِلَى القلعة وَأخذ رَأْيهمْ فَوَقع الِاتِّفَاق على خُرُوج الْعَسْكَر إِلَى الشَّام مَعَ الْأَمِير أرقطاي وَمَعَهُ من الْأُمَرَاء منكلى بغا الفخري أَمِير جاندار وآقسنقر الناصري وطيبغا المجدي وأرغون الكاملي وأمير عَليّ بن طغريل النوغاي وَابْن طقزدمر وَابْن طشتمر وَأَرْبَعين أَمِير طبلخاناه وَعشْرين أَمِير عشرَة وَأَرْبَعين مقدم حَلقَة. وحملت النَّفَقَة إِلَيْهِم: لكل مقدم ألف دِينَار ماعدا ثَلَاثَة مقدمين لكل مقدم ثَلَاثَة آلَاف دِينَار وَكتب بإحضار الأجناد من الْبِلَاد فَقدم كتب منجك من الْغَوْر. بموافقة النواب لنائب الشَّام وَأَن التجريدة إِلَيْهِ لَا تفِيد فَأَنَّهُ يَقُول أَن أُمَرَاء مصر مَعَه. وَقدم كتاب نَائِب الشَّام أَيْضا - وَفِيه خطّ أَمِير مَسْعُود بن خطير وأمير عَليّ بن قراسنقر وقلاوون وحسام الدّين البقشمدار - يتَضَمَّن: أَنَّك لَا تصلح للْملك وَأَنَّك أَنما أَخَذته بالغلبة من غير رضى الْأُمَرَاء وَعدد مَا فعله. ثمَّ قَالَ: وَنحن مَا بَقينَا نصلح لَك وَأَنت فَمَا تصلح لنا. والمصلحة أَن تعزل نَفسك. فاستدعى السُّلْطَان الْكَامِل الْأُمَرَاء وحلفهم على طَاعَته ثمَّ أَمرهم بِالسَّفرِ إِلَى فَخَرجُوا من الْغَد وَخرج طلب منكلى بغا الفخري وَبعده أرغون الكاملي. وعندما وصل أرغون الكاملي تَحت القلعة خرجت ريح شَدِيدَة أَلْقَت شاليشه إِلَى الأَرْض فصاحت الْعَامَّة: راحت عَلَيْكُم ياكاملية وتطيروا بِأَنَّهُم غير منصورين. وَأخذ المجردون فِي الْخُرُوج شَيْئا بعد شَيْء وَتقدم حلاوة الأوجاقي يَوْم الْخَمِيس عشريه وَأخْبر بِأَن منجك سَاعَة وُصُوله دمشق قبض عَلَيْهِ يلبغا اليحياوي نَائِب الشَّام وسجنه بالقلعة. فَبعث السُّلْطَان الطواشي سرُور الزينى لإحضار أَخَوَيْهِ أَمِير حاجي وأمير حُسَيْن فَاعْتَذر بوعكهما وَبعثت أمهاتهما إِلَى الْأَمِير أرغون العلائي والأمير الْحِجَازِي يسالأنهما فِي التلطف مَعَ السُّلْطَان فِي أَمرهمَا. فبلغت الْأَمِير أرغون بعض جواري زَوجته أم السُّلْطَان الْكَامِل أَنَّهَا سَمِعت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 31 السُّلْطَان وَقد سكر وكشف رَأسه وَقَالَ: إلهي أَعْطَيْتنِي الْملك ومكنتني من آل ملك وقمارى وَبَقِي العلائي والحجازي فمكنى مِنْهُمَا حَتَّى أبلغ غرضى فيهمَا فأقلقه ذَلِك. ثمَّ دخل الْأَمِير أرغون العلائي على السُّلْطَان فِي خلْوَة فَإِذا هُوَ متغير الْوَجْه مفكر. فبدره السُّلْطَان بِأَن قَالَ لَهُ: من جَاءَك من جِهَة إخوتي أَنْت والحجازي فَعرفهُ أَن النِّسَاء دخلن عَلَيْهِمَا وَطلبت أَن يكون السُّلْطَان طيب الخاطر على أَخَوَيْهِ ويؤمنهما فأنهما خائفان. فَرد عَلَيْهِ السُّلْطَان جَوَابا جَافيا وَوضع يَده فِي السَّيْف ليضربه بِهِ فَقَامَ عَنهُ لينجو بِنَفسِهِ. وَعرف الْأَمِير أرغون العلائي والأمير ملكتمر الْحِجَازِي بِمَا جرى لَهُ وشكا من فَسَاد السلطنة. فتوحش خاطر كل مِنْهُمَا وأنقطع العلائي عَن الْخدمَة وتعلل. وَأخذت المماليك أَيْضا فِي التنكرعلى السُّلْطَان وَكَاتب بَعضهم الْأَمِير يبلغَا اليحياوي نَائِب الشَّام وَاتَّفَقُوا بأجمعهم حَتَّى اشْتهر أَمرهم وتحدثت بِهِ الْعَامَّة وَوَافَقَهُمْ الْأَمِير قراسنقر. فألح السُّلْطَان فِي طلب أَخَوَيْهِ وَبعث قطلوبغا الكركي فِي جمَاعَة حَتَّى هجموا عَلَيْهِمَا لَيْلًا فَقَامَتْ النِّسَاء ومنعوهما مِنْهُم. فهم السُّلْطَان أَن يقوم بِنَفسِهِ حَتَّى يأخذهما فجيء بهما إِلَيْهِ وَقت الظّهْر من يَوْم السبت تَاسِع عشريه فَأدْخل بهما إِلَى مَوضِع ووكل بهما وَقَامَ العزاء فِي الدّور عَلَيْهِمَا. وهمت المماليك بالثورة وَالرُّكُوب للحرب. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ مستهل جُمَادَى الآخر: خرج الْأَمِير أرقطاى بِطَلَبِهِ حَتَّى وصل طلبه إِلَى بَاب زويله ووقف مَعَ الْأُمَرَاء فِي الموكب تَحت القلعة وَإِذا بِالنَّاسِ قد اضْطَرَبُوا. وَنزل الْأَمِير ملكتمر الْحِجَازِي سائقاً يُرِيد إصطبله وَتَبعهُ الْأَمِير أرغون شاه أَيْضا إِلَى جِهَة إصطبله. وَسبب ذَلِك أَن السُّلْطَان جلس بالإيوان على الْعَادة وَقد بَيت مَعَ ثقاته الْقَبْض على الْأَمِير ملكتمر الْحِجَازِي والأمير أرغون شاه إِذا دخلا وَكَانَا جالسين ينتظران الْإِذْن على الْعَادة. فَخرج طغيتمر الدوادار ليأذن لَهما فَأَشَارَ لَهما بِعَيْنِه أَن يذهبا وَكَانَ قد بلغهما التنكر عَلَيْهِمَا فقاما من فورهما وَنزلا إِلَى خيولهما فلبسا وسارا إِلَى قبَّة النَّصْر وَبعث الْأَمِير ملكتمر الْحِجَازِي يَسْتَدْعِي آقسنقر من سرياقوس فَمَا تضحى النَّهَار حَتَّى اجْتمعت أطلاب الْأُمَرَاء بقبة النَّصْر. وَطلب السُّلْطَان الْأَمِير أرغون العلائي واستشاره فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِأَن يركب بِنَفسِهِ إِلَيْهِم فَركب وَمَعَهُ الْأَمِير أرغون العلائي وقطلوبغا الكركي وتمر الموساوي وعدة من المماليك. وَأمر السُّلْطَان فدقت الكوسات حَرْبِيّا ودارت النُّقَبَاء على أجناد الحلقه والمماليك ليركبوا فَركب بَعضهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 32 هَذَا وَقد قدم آقسنقر إِلَى قبَّة النَّصْر وَصَارَ السُّلْطَان فِي جَمِيع كَبِير من الْعَامَّة وَهُوَ يسألهم الدُّعَاء فنظروا إِلَيْهِ وأسمعوه مَا لَا يَلِيق. وَسَار السُّلْطَان فِي ألف فَارس حَتَّى قَابل الْأُمَرَاء فأنسل عَنهُ أَصْحَابه وَبَقِي فِي أَرْبَعمِائَة فَارس. فبز لَهُ آقسنقر ووقف مَعَه وَأَشَارَ عَلَيْهِ أَن ينخلع من السلطنة فاجابه إِلَى ذَلِك وَبكى. فَتَركه آقسنقر وَعَاد إِلَى الْأُمَرَاء وعرفهم ذَلِك. فَلم يرض أرغون شاه وَبدر وَمَعَهُ قرابغا وصمغار وبزلار وغرلو فِي أَصْحَابهم حَتَّى وصلوا إِلَى السُّلْطَان وسيروا إِلَى الْأَمِير أرغون العلائي أَن. يَأْتِيهم ليأخذوه إِلَى عِنْد الْأُمَرَاء. فَلم يُوَافق الْأَمِير أرغون العلائي على ذَلِك فَهَجَمُوا عَلَيْهِ وَفرقُوا من مَعَه وضربوه بدبوس حَتَّى سقط إِلَى الأرص فَضَربهُ يلبغا أروس بِسيف قطع خَدّه وَأخذ أَسِيرًا فسجن فِي خزانَة شمايل وفر السُّلْطَان الْكَامِل شعْبَان إِلَى القلعة واختفى عِنْد أمه زَوْجَة الْأَمِير أرغون العلائي. وَسَار الْأُمَرَاء إِلَى القلعة وأخرجوا أَمِير حاجي وأمير حُسَيْن من سجنهما وقبلوا يَد أَمِير حاجي وخاطبوه بالسلطة. وطلبوا الْكَامِل شعْبَان وسجنوه حَيْثُ كَانَ أَخَوَيْهِ مسجونين وَمن غرائب الِاتِّفَاق أَنه كَانَ قد عمل طَعَام لأمير حاجي وأمير حُسَيْن حَتَّى كَانَ غداءهما وَعمل سماط السُّلْطَان على الْعَادة. فَوَقَعت الضجة وَقد مد السماط فَركب السُّلْطَان شعْبَان من غير أكل. فَلَمَّا انهزم شعْبَان وَقبض عَلَيْهِ وأقيم أَخُوهُ أَمِير حاجي بدله مد السماط بِعَيْنِه لَهُ فَأكل مَعَه حاجي وَأدْخل بطعامه وَطَعَام أَمِير حُسَيْن إِلَى شعْبَان الْكَامِل فَأَكله فِي السجْن ثمَّ قتل شعْبَان فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثالثه وَقت الظّهْر وَدفن عِنْد أَخِيه يُوسُف لَيْلَة الْخَمِيس فَكَانَت مدَّته سنة وَثَمَانِية وَخمسين يَوْمًا وَكثر التظاهر فِيهَا بالمنكرات لشغفه باللهو وعكوفه على معاقرة الْخمر وَسَمَاع الأغاني واللعب وَبيعه الإقطاعات والولايات حَتَّى إِن الإقطاع كَانَ يخرج عَن صَاحبه وَهُوَ حَيّ. بِمَال الآخر فَإِذا وقف من أخرج إقطاعه قيل لَهُ: نعوض عَلَيْك وَأخذ الْأُمَرَاء على شعْبَان تَمْكِينه الخدام وَالنِّسَاء من التَّصَرُّف فِي المملكة والتهتك فِي النزه وَالصَّيْد واللعب بالكرة بالهيئات الجميلة وركوب الْخَيل المسومة وَعدم الاحتشام من فعل الْمُنْكَرَات حَتَّى أَن حريمه إِذا نَزَلْنَ إِلَى نزهة تبلغ عِنْدهن الجرة الْخمر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 33 إِلَى ثَلَاثِينَ درهما وشره حَرِيم شعْبَان فِيمَا فِي أَيدي النَّاس من الدواليب والأحجار والبساتين والدور وَنَحْوهَا. فَأخذت أمه معصرة وَزِير بَغْدَاد وَأخذت إتفاق أَرْبَعَة أَحْجَار وأخدت أمه أَيْضا من وَزِير بَغْدَاد منظرة على بركَة الْفِيل. وَحدث فِي أَيَّامه أَخذ خراج الرزق وَزِيَادَة القانون وَنقص الأجاير وأعيد ضَمَان أَرْبَاب الملاعيب. وَلم يُوجد لَهُ من المَال سوى مبلغ ثَمَانِينَ ألف دِينَار وَخَمْسمِائة ألف دِرْهَم. وَكَانَ مَعَ ذَلِك مهاباً سيوساً متفقداً لأحوال المملكة لَا يشْغلهُ لهوه عَن الْجُلُوس للْخدمَة وَكَانَ حازماً ذَا رَأْي واحتياط ومحبة لجمع المَال وَفِيه قيل: بَيت قلاوون سعاداته فِي عَاجل كَانَت بِلَا آجل حل على أملاكه للردى دين قد اسْتَوْفَاهُ بالكامل السُّلْطَان الْملك المظفر زين الدّين حاجي بن النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون الصَّالِحِي الألفي سجنه أَخُوهُ شعْبَان الْكَامِل كَمَا تقدم وَمَعَهُ أَخُوهُ حُسَيْن. فَلَمَّا انهزم شعْبَان من الْأُمَرَاء مر وَهُوَ سائق فِي أَرْبَعَة مماليك إِلَى بَاب السِّرّ فَوَجَدَهُ مغلقا والمماليك بأعلاه فتلطف بهم حَتَّى فتح لَهُ أحدهم وَدخل ليقْتل أَخَوَيْهِ فَلم يفتح الخدام لَهُ الْبَاب فَمضى إِلَى أمه. وَصعد الْأُمَرَاء إِلَى القلعة وَقد قبضوا على الْأَمِير أرغون العلائي وعَلى الطواشي جَوْهَر السحرتى اللالا وأسندمر الكاملي وقطلوبغا الكركى وَجَمَاعَة وَدخل بزلار وصمغار راكبين إِلَى بَاب الستارة وطلبا أَمِير حاجي فادخلهما الخدام إِلَى الدهيشة حَتَّى أَخْرجُوهُ وأخاه من سجنهما. وبشرا حاجي بالظفر. ثمَّ دخل الْأَمِير أرغون شاه إِلَى حاجي وَقبل لَهُ الأَرْض وَقَالَ لَهُ: باسم الله اخْرُج أَنْت سلطاننا وَسَار بِهِ وبحسين إِلَى الرحبة وَأَجْلسهُ على بَاب الستارة. ثمَّ طلب الْأَمِير أرغون شاه شعْبَان الْكَامِل حَتَّى وَحده قَائِما بَين الأزيار وَقد اتسخت ثِيَابه فَأخْرجهُ إِلَى الرحبة وَأدْخلهُ إِلَى الدهيشة حَتَّى سجنه بهَا حَيْثُ كَانَ حاجي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 34 وَطلب الْأَمِير أرغون شاه الْخَلِيفَة والقضاة وأركب حاجي من بَاب الستارة إِلَى الإيوان وَحمل المماليك أَمِير حُسَيْن على أكتافهم حَتَّى جلس حاجي على سَرِير الْملك فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ مستهل جُمَادَى الْآخِرَة. ولقب حاجي بِالْملكِ المظفر لَهُ من الْعُمر خمس عشرَة سنة. وَقبل الْأُمَرَاء الأَرْض بَين يَدَيْهِ وَحلف لَهُم أَولا أَنه لَا يُؤْذِي أحدا مِنْهُم وَلَا يخرب بَيت أحد وحلفوا لَهُ على طَاعَته. وَركب الْأَمِير بيغرا الْبَرِيد ليبشر الْأَمِير يلبغا اليحياوي نَائِب الشَّام ويحلفه وأمراء الشَّام. وَفِيه كتب إِلَى وُلَاة الْأَعْمَال بإعفاء النواحي من المغارم ورماية الشّعير والبرسيم. وَفِيه حمل الْأَمِير أرغون العلائي إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثالثه: قبض على الشَّيْخ عَليّ الدوادار وعَلى عشرَة من الخدام الكاملية وسلموا إِلَى شاد الدَّوَاوِين. وَسلم لَهُ أَيْضا الطواشي جَوْهَر السحرتى وقطلوبغا الكركي ومقبل الرُّومِي وألزموا بِحمْل الْأَمْوَال الَّتِي أخذوها من النَّاس على قَضَاء الأشغال فعذبوا بأنواع الْعَذَاب وَوَقعت الحوطة على موجودهم. وَفِيه قبض على الْأَمِير تمر الموساوي وَأخرج إِلَى الشَّام وَفِيه أَمر بِأم الْكَامِل وزوجاته فأنزلن من القلعة إِلَى الْقَاهِرَة وَعرضت جواري دَار السُّلْطَان فبلغت عدتهن خَمْسمِائَة جَارِيَة فرقن على الْأُمَرَاء. وَفِيه أحيط بموجود إتفاق وأنزلت من القلعة. وَكَانَت سَوْدَاء حالكة السوَاد اشترتها ضامنة المغالي بِدُونِ الأربعمائة دِرْهَم من ضامنة المغاني. بِمَدِينَة بلبيس وعلمتها الضَّرْب بِالْعودِ على عبد عَليّ العواد فمهرت فِيهِ. وكات إتفاق حَسَنَة الصَّوْت جَيِّدَة الْغناء قدمتها ضامنة المغاني لبيت السُّلْطَان فاشتهرت فِيهِ حَتَّى شغف بهَا الصَّالح إِسْمَاعِيل وَتزَوج بهَا. ثمَّ لما تسلطن شعْبَان الْكَامِل باتت عِنْده من ليلته لما كَانَ فِي نَفسه مِنْهَا أَيَّام أَخِيه ونالت من الحظوة والسعادة مَا لَا عرف فِي زمانها لامْرَأَة غَيرهَا حَتَّى أَنه عمل لَهَا داير بَيت طوله اثْنَان وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعا وَعرضه سِتَّة أَذْرع فِيهِ خَمْسَة وَتسْعُونَ ألف دِينَار مصرية سوى البشخاناه والمخاد والمساند. وَكَانَ لَهَا أَرْبَعُونَ بذلة ثِيَاب مرصعة بالجوهر وست عشرَة بدلة بداير زركش وَثَمَانُونَ مقنعة فِيهَا مَا قِيمَته عشرُون ألف دِرْهَم وأقلها بِخَمْسَة آلَاف دِرْهَم إِلَى غير ذَلِك مِمَّا يجل وَفِيه وفر من مَصْرُوف الْحَوَائِج خاناه فِي كل يَوْم أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم. وَفِيه رسم بِإِعَادَة الْأَمْلَاك الَّتِي أَخذهَا حَرِيم الْكَامِل لأربابها فاستعاد الْوَزير نجم الدّين معصرته وَأخذ من اتِّفَاق وَغَيرهَا مَا أَخَذته من النَّاس. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 35 وَفِيه نُودي فِي الْقَاهِرَة ومصر بِرَفْع الظلامات وَمنع أَرْبَاب الملاعيب جَمِيعهم. وَفِي عاشره: وجد صندوق مفتاحه تَحت يَد الشَّيْخ عَليّ الدوادار. فِيهِ براني فضَّة مختومة وأحقاق فتحت بِحَضْرَة الْأَطِبَّاء فَإِذا هِيَ سموم قاتلة. فَعرض الْعَذَاب على الشَّيْخ عَليّ حَتَّى اعْترف أَن المزين المغربي الَّذِي أَقَامَهُ الْكَامِل رَئِيس الجرائحية ركب ذَلِك. فَاحْتَرَقَ بالنَّار قُدَّام الايوان وَكَانَ هَذَا المغربى تعرف بأولاد السُّلْطَان وهم بقوص وَقدم مَعَهم فَلَمَّا تسلطن شعْبَان الْكَامِل تقرب إِلَيْهِ بِعَمَل السمُوم وصناعة الكيمياء. وَكَانَ قد قدم فِي الْأَيَّام الناصيرية مُحَمَّد بن قلاوون تَاجر فرنجى بهدية إِلَى ملكتمر الْحِجَازِي فَأَعْجَبتهُ مصر وَأسلم وَعرف بآقسنقر الرُّومِي. وأنعم عَلَيْهِ السُّلْطَان النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون بإمرة عشرَة وَمَا زَالَ. بِمصْر إِلَى أَيَّام شعْبَان الْكَامِل فتقرب إِلَيْهِ آقسنقر الرُّومِي بِعَمَل الْفلك والشعبذة واختص بِهِ وَقَامَ مَعَ المغربي فِي عمل السمُوم وَخرج على الْبَرِيد مرَارًا لإحضار الحشائش القاتلة من بِلَاد الشَّام حَتَّى ركبت بَين يدى الْكَامِل وَفِيه نقل علم الدّين عبد الله بن زنبور من نظر الدولة إِلَى نظر الْخَاص عوضا عَن فَخر الدّين بن السعيد. وَفِيه قبض على ابْن السعيد وألزم بِحمْل مَال. وَفِيه خلع على موفق الدّين عبد الله بن إِبْرَاهِيم وَاسْتقر فِي نظر الدولة وخلع على سعد الدّين بن جرباش وَاسْتقر فِي الِاسْتِيفَاء عوضا عَن ابْن ريشة. وَفِيه قبض على أقطوان مُتَوَلِّي الأهراء والصناعة وَشد الْأَوْقَاف الصلاحية وَنظر الْحَرَمَيْنِ وَسلم لشاد الدَّوَاوِين فَأَنَّهُ كَانَ تجاه أستاذه الطواشي شُجَاع الدّين اللالا وَاجْتمعَ لَهُ خمس عشرَة وَظِيفَة وَبعد صيته واشتدت حرمته. وَفِيه قدم بيغرا من الشَّام وَقد لقى الْأَمِير يلبغا اليحياوي نَائِب الشَّام وَقد برز خَارج دمشق يُرِيد الْمسير إِلَى مصر بالعساكر فسر الْأَمِير يلبغا اليحياوي سُرُورًا زَائِدا بِإِزَالَة الْكَامِل وَإِقَامَة أَخِيه المظفر حاجي وَعَاد إِلَى دمشق وَحلف الْأُمَرَاء على الْعَادة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 36 وَأقَام يلبغا اليحياوي الْخطْبَة وَضرب السِّكَّة باسم السُّلْطَان حاجي وسير دَنَانِير ودراهم مِنْهَا وَكتب يهنئ السُّلْطَان حاجي بجلوسه على تخت الْملك. وشكا الْأَمِير يلبغا اليحياوي من نَائِب حلب ونائب غَزَّة ونائب قلعة دمشق مغلطاي المرتيني وَمن نَائِب قلعه صفد قرمجي من أجل أَنهم لم يوافقوه على خُرُوجه فِي طَاعَة شعْبَان الْكَامِل. فرسم بعزل طقتمر الأحمدي نَائِب حلب وقدومه إِلَى مصر واستقرار الْأَمِير بيدمر البدرى نَائِب طرابلس عوضه فِي نِيَابَة حلب واستقرار الْأَمِير أسندمر الْعمريّ نَائِب حماة فِي نِيَابَة طرابلس وَالْقَبْض على مغلطاي المرتيني نَائِب قلعة دمشق وعَلى قرمجي نَائِب قلعة صفد وعزل نَائِب غَزَّة وَأَن يحضر الْأَمِير أيتمش عبد الْغَنِيّ وقطليجا الْحَمَوِيّ إِلَى مصر واستقرار أَمِير مَسْعُود بن خطير فِي نِيَابَة غَزَّة واستقرار طقتمر الصلاحي فِي نِيَابَة حمص. وَكَانَ الْأَمِير يلبغا اليحياوي نَائِب الشَّام لما عَاد إِلَى دمشق عمر قبَّة عِنْد مَسْجِد الْقدَم حَيْثُ كَانَ قد برز وسماها قبَّة النَّصْر وَهِي الَّتِي تعرف بقبة يلبغا. وَفِي رَابِع عشره: خلع عَليّ بمنبر السحرتى وَاسْتقر مقدم المماليك عوضا عَن محسن الشهابي. خلع على مُخْتَصّ الرسولى وَاسْتقر زِمَام الدّور فأنعم عَلَيْهِ بإمرة طبلخاناه. وَفِيه قبض على مَمْدُود بن الكوراني أَمِير طبر وعَلى أَخِيه عَلَاء الدّين عَليّ بن الكوراني وَاسْتقر جمال الدّين يُوسُف وَإِلَى الجيزة عوضه أَمِير طبر وعزل عَلَاء الدّين الكوراني من كشف الْوَجْه القبلي. وَفِيه أنعم بإقطاع الْأَمِير أرغون العلائي على الْأَمِير أرغون شاه. وَفِيه اسْتَقر عَلَاء الدّين بن الأطروش فِي حسبَة دمشق وتدريس الخاتونية. وَفِيه أنعم على ابْن الْأَمِير تنكز بإمرة طبلخاناه وعَلى أَخِيه بإمرة عشرَة. وَفِيه أنعم على ابْن الْأَمِير ألطنبغا نَائِب حلب بإمرة عشرَة فِي دمشق. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ خَامِس عشره: أَمر السُّلْطَان ثَمَانِيَة عشر أَمِيرا فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً كثر فِيهِ جَمِيع النَّاس عِنْد نزولهم إِلَى الْقبَّة المنصورية على الْعَادة. وَفِي سَابِع عشرَة: أخرج آقجباي إِلَى حماة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 37 وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث شهر رَجَب: خلع على الْأَمِير أرقطاى وَاسْتقر نَائِب السُّلْطَان بِاتِّفَاق الْأُمَرَاء عَلَيْهِ بَعْدَمَا تمنع من ذَلِك تمنعاً كثيرا حَتَّى قَامَ الْحِجَازِي بِنَفسِهِ وَأخذ السَّيْف وَأخذ أرغون شاه الخلعة ودارت الْأُمَرَاء حوله وألبسوه على كره مِنْهُ. فَخرج الْأَمِير أرقطاى فِي موكب عَظِيم حَتَّى جلس فِي شباك دَار النِّيَابَة وَحكم بَين النَّاس فرسم لَهُ بِزِيَادَة ناحيتي المطرية وَالْخُصُوص لأجل سماط النِّيَابَة. وَفِيه توجه السُّلْطَان إِلَى سرحة سرياقوس على الْعَادة. وَفِيه خرج الْأَمِير بيدمر البدرى إِلَى نِيَابَة حلب. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامن عشريه. خلع على الْأَمِير قطليجا وَاسْتقر فِي ولَايَة الْقَاهِرَة وَفِيه نقل من تَسْلِيم شاد الدَّوَاوِين إِلَى تَسْلِيم وَالِي القاهره سِتَّة خدام وهم نصر الْهِنْدِيّ وَأنس وفاتن الصَّالِحِي وسرور الزيني وَعَنْبَر سيغا وجوهر السحرتى اللالا وَمَعَهُمْ المزين المغربي وَنَصْرَانِي رَاهِب. ورسم بتسميرهم جَمِيعًا فأخرجوا من الْغَد ليسمروا بسوق الْخَيل تَحت القلعة وأقعدوا على الْجمل وربطوا. فشفع فيهم الْأُمَرَاء فأنزلوا ومضوا بهم ماشين إِلَى خزانَة شمايل ثمَّ أفرج عَنْهُم فِي يقية يومهم وَنَفَوْا من مصر وَكَانَ الْقَمْح قد تحسن فِي الدولة الكاملية من أول السّنة هُوَ وَجَمِيع الغلال وَبلغ خَمْسَة وَخمسين درهما الأردب وَبلغ الشّعير اثْنَيْنِ وَعشْرين درهما الأردب والفول عشْرين درهما. فَانْحَطَّ سعر الْقَمْح فِي الْأَيَّام المظفرية إِلَى خَمْسَة وَثَلَاثِينَ درهما وَنقص من بَقِيَّة الغلال ثلث سعرها فتيامن النَّاس بِهِ. وَفِيه أخذت الباعة تتعنت فِي الْفُلُوس وَترد الصالحية والكاملية حَتَّى توقفت الْأَحْوَال وَعَاد سعر الغلال إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فَنُوديَ برد القصوص من الْفُلُوس ورد الرصاص والنحاس الْأَصْفَر مِنْهَا وَألا يُؤْخَذ إِلَّا مَا عَلَيْهِ سكَّة. وترافقوا بِالنَّاسِ وَيضْرب أحد مِنْهُم بِسَبَب ذَلِك فمشت الْأَحْوَال. وَفِيه قدم الْأَمِير أيتمش عبد الْغَنِيّ والأمير قطليجا الْحَمَوِيّ. فرسم لأرغون الكاملي بِلُزُوم بَيته وَفِي مستهل شعْبَان: ابْتَدَأَ مرض الْأَمِير بهاء الدّين أصلم فَأَقَامَ أَيَّامًا وَمَات فأنعم بإمرته على طغيتمر النجمي الدوادار. وَأخذ إقطاعه - وَهُوَ عِبْرَة مائَة ألف وَأَرْبَعين ألف دِينَار فسلخ مِنْهُ مبلغ أَرْبَعِينَ ألف دِينَار وأضيفت لديوان الْخَاص. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 38 وَفِيه قدم الْأَمِير سيف بن فضل فَخلع عَلَيْهِ ووعد بإمرة الْعَرَب وَقبلت خيوله الَّتِي صَار للسُّلْطَان بِهِ أنس. وَفِيه خلع على الْأَمِير تمربغا الْعقيلِيّ وَاسْتقر فِي نِيَابَة الكرك عوضا عَن الْأَمِير قبلاي باستعفائه. وَفِيه قدم نغيه مَمْلُوك المحسني من برقة فَارًّا. وَكَانَ قد ورد فِي الْأَيَّام الكاملية أَن قايد شيخ برقة مَاتَ بَعْدَمَا خَالف عَلَيْهِ أَقَاربه. فَسُمي نغيه فِي إقطاعه وَأَن يكون أَمِير برقة وَيَأْخُذ الْعداد على الْعَادة وَيقوم بِخَمْسِينَ فرسا. فأنعم عَلَيْهِ بذلك وَتوجه إِلَى عداد الأغنام بالعسف حَتَّى جمع مِنْهَا شَيْئا كثيرا واقتنى الْجمال وَالْخَيْل. فَلَمَّا بلغ أهل برقة قتل الْملك الْكَامِل شعْبَان ثَارُوا بِهِ وَقتلُوا من أجناده ثَلَاثِينَ رجلا وفر بِنَفسِهِ إِلَى الْقَاهِرَة. وَفِيه رسم بِإِزَالَة مَا أحدثه غرلو وَالِي الْقَاهِرَة على بَاب زويلة. وَذَلِكَ أَنه نصب خشبتين وَعمل فيهمَا بكرتين وأرخى فيهمَا سلباً ليرتفع فيهمَا الْمُجْرمين حَتَّى يهلكا فأزيلتا. ورسم أَن يكون توسيط من يوسط أَو شنقه على كيمان البرقية خَارج سور الْقَاهِرَة. وَفِيه أخرج الْأَمِير بيغرا لكشف الجسور بِالْوَجْهِ القبلي والأمير أرلان لكشف الجسور بِالْوَجْهِ البحري. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ خَامِس عشري: خرج الْأَمِير أرغون شاه أستادار على الْبَرِيد لنيابة صفد وَسبب ذَلِك تكبره وتعاظمه فِي نَفسه وتحكمه على السُّلْطَان فِيمَا يرسم بِهِ ومعارضته وفحشه فِي مُخَاطبَة السُّلْطَان والأمراء حَتَّى كرهته النُّفُوس وعزم السُّلْطَان على مسكة فتلطف بِهِ النَّائِب الْأَمِير أرقطاى حَتَّى تَركه وخلع عَلَيْهِ بنيابة صفد وَأخرجه من وقته خشيَة من فتْنَة يثيرها فَإِنَّهُ كَانَ قد اتّفق مَعَ عدَّة من المماليك على المقامرة وأنعم بإقطاعه على الْأَمِير ملكتمر الْحِجَازِي وَأعْطى نَاحيَة بوتيج زِيَادَة عَلَيْهِ. وَفِيه اسْتَقر الصاحب تَقِيّ الدّين أَحْمد بن الْجمال سُلَيْمَان بن مُحَمَّد بن هِلَال فِي الشَّام عَن ابْن الْحَرَّانِي وَكَانَ بِمصْر من الْأَيَّام الكاملية شعْبَان. وَفِيه قدم أَحْمد بن مهنا فِي طلب إمرة الْعَرَب فَلم يقبل السُّلْطَان عَلَيْهِ. (وَفِي يَوْم الْأَحَد أول شَوَّال) تزوج السُّلْطَان بابنة الْأَمِير تنكز زَوْجَة أَخِيه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 39 وَفِي آخِره طلبت إتفاق إِلَى القلعة فطلعت بجواريها مَعَ الخدام وَتزَوج بهَا السُّلْطَان خُفْيَة وَعقد لَهُ عَلَيْهَا شهَاب الدّين أَحْمد بن يحيى الْجَوْجَرِيّ شَاهد الخزانة. وَبنى السُّلْطَان عَلَيْهَا من ليلته بَعْدَمَا جليت عَلَيْهِ وفرش تَحت رِجْلَيْهَا سِتُّونَ شقة أطلس ونثر عَلَيْهَا الذَّهَب. ثمَّ ضربت بعودها وغنت فأنعم عَلَيْهَا السُّلْطَان بأَرْبعَة فصوص وست لؤلؤات ثمنهَا أَرْبَعمِائَة ألف دِرْهَم. وَفِي ثامنه: أنعم السُّلْطَان على طنيرق أحد مماليك أَخِيه يُوسُف بتقدمة ألف وَنَقله من الجندية إِلَى التقدمة لجماله وَحسنه فَكثر كَلَام المماليك بِسَبَب ذَلِك وَفِيه رسم بِإِعَادَة مَا خرج عَن إتفاق وخدامها وجواريها من الرَّوَاتِب وَطلب عبد على العواد معلم إتفاق إِلَى القلعة فغنى للسُّلْطَان فأنعم عَلَيْهِ بإقطاع فِي الْحلقَة زِيَادَة على مَا بِيَدِهِ وَأَعْطَاهُ مِائَتي دِينَار وكاملية حَرِير بِفَرْوٍ سمور. وأنهمك السُّلْطَان فِي اللَّهْو وشغف بِاتِّفَاق حَتَّى أشغلة عَن غَيرهَا وملكت قلبه بفرط حبه لَهَا. فشق ذَلِك على الْأُمَرَاء والمماليك وَأَكْثرُوا من الْكَلَام حَتَّى بلغ السُّلْطَان وعزم على مسك جمَاعَة مِنْهُم فمازال بِهِ الْأَمِير أرقطاى النَّائِب حَتَّى رَجَعَ عَن دلك ورسم السُّلْطَان فِي يَوْم الْجُمُعَة سادسه بعد الصَّلَاة أَن يخلع على قطليجا الْحَمَوِيّ واستقراره فِي نِيَابَة حماة عوضا عَن طيبغا المجدي وخلع أَيْضا على أيتمش عبد الْغَنِيّ فاستقر فِي نِيَابَة غَزَّة وخرجا من وَقتهَا على الْبَرِيد. وفيهَا جلس السُّلْطَان والأمير أرقطاي النَّائِب لعرض المماليك وانتقى من كل عشرَة اثْنَيْنِ وَزَاد إقطاعاتهم وَأكْرمهمْ وَقدم مِنْهُم جمَاعَة. وَقصد السُّلْطَان عرض أجناد الْحلقَة فتلطف بِهِ الْأَمِير أرقطاى النَّائِب حَتَّى كف عَن عرضهمْ. وَفِيه قدم الْخَبَر بغلاء الأسعار بِدِمَشْق حَتَّى أبيع الْخبز كل رطلين بدرهم والقمح كل غرارة. بِمِائَة وَسبعين وَفِيه تَأَخّر الْمَطَر بعامة بِلَاد الشَّام. وتوقفت أَحْوَال الدولة من كَثْرَة رواتب الخدام والقهرمانات وَالْعَبِيد والغلمان وزيادتها عَمَّا كَانَت عَلَيْهِ فِي الْأَيَّام الكاملية. فَأَشَارَ غرلو بِأَن توزع على المباشرين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 40 جامكية شَهْرَيْن يقبضهَا المعاملون فوزعت عَلَيْهِم واحتال بهَا المعاملون فمشت الْأَحْوَال قَلِيلا. وَكَانَ غرلو قد تمكن من السُّلْطَان وَصَارَ يدْخل مَعَ الخاصكية فَإِذا أَشَارَ بِشَيْء قبل قَوْله. وَفِيه قدم رَسُول ابْن دلغادر بهديته فَخلع عَلَيْهِ وجهزت لَهُ خلعة مَعَ بريدي فَأَخذهَا نَائِب الشَّام وَمنع من حملهَا إِلَيْهِ فَأَنَّهُ كَانَ يكرههُ وَيُرِيد إِقَامَة غَيره وَالْقَبْض عَلَيْهِ. وَفِي ذِي الْقعدَة: توجه أَحْمد بن مهنا عَائِدًا إِلَى بِلَاده من غير طائل وَفِيه دخل السُّلْطَان على زَوجته بنت تنكز وَعمل المهم سَبْعَة أَيَّام جمعت سَائِر أَرْبَاب الملهى فَخص كل جوقة خَمْسَة آلَاف دِرْهَم. ونثر السُّلْطَان على الْعَرُوس عِنْد جلائها الذَّهَب وَفِيه خلع على سيف بن فضل بإمرة الْعَرَب وأنعم عَلَيْهِ بِزِيَادَة ثَلَاثمِائَة ألف دِرْهَم فِي السّنة من إقطاع أَحْمد بن مهنا وأعيد إِلَى بِلَاده فَسَار إِلَيْهَا. وَفِي مستهل ذِي الْحجَّة: توجه الْأَمِير ملكتمر الْحِجَازِي للصَّيْد وصحبته خَمْسَة عشر أَمِيرا. وَفِيه تقدم الْأَمِير طقتمر الصلاحي من حلب فَلم تطل إِقَامَته حَتَّى مَاتَ. وَفِيه قتل قرمجي بن أقطوان نَائِب قلعة صفد بِدِمَشْق فِي شعْبَان وَأخذ مَاله. وَفِيه قدم حمل سيس بِحَق النّصْف. وَخرجت هَذِه السّنة وَقد مر بِالنَّاسِ فِيهَا شَدَائِد من غلاء الأسعار لغلال مصر وَالشَّام ونفاق العربان وَتوقف النّيل وَاخْتِلَاف الدولة. وَمَات فِيهَا من الْأَعْيَان الْأَمِير بهاء الدّين بن أصلم أحد المماليك المنصورية قلاوون فِي يَوْم السبت عَاشر شعْبَان وَإِلَيْهِ ينْسب جَامع أصلم خَارج الْقَاهِرَة. وَمَات الْأَمِير بيدمر الأشرفي أحد أُمَرَاء دمشق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 41 وَمَات الْأَمِير الْحَاج آل ملك الجوكندار مقتولاً بالاسكندرية فِي الْأَيَّام الكاملية وأحضر مَيتا إِلَى الْقَاهِرَة فِي يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع عشرى جُمَادَى الآخر. وَأَصله من كسب الأبلستين فِي الْأَيَّام الظَّاهِرِيَّة بيبرس سنة سِتّ وَسبعين وسِتمِائَة فَاشْتَرَاهُ قلاوون وَهُوَ أَمِير وَمَعَهُ سلار. وَأهْدى قلاوون سلاراً لوَلَده عَليّ وَآل ملك للسعيد بركَة بن الظَّاهِر زوج ابْنَته. فَأعْطَاهُ الْملك السعيد لكوندك ثمَّ سَار بعده لعَلي بن قلاوون وترقى حَتَّى صَار نَائِب السلطنة زمن السُّلْطَان عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن النَّاصِر مُحَمَّد. وَله تنْسب مدرسة آل ملك بِالْقَاهِرَةِ وجامع آل ملك بالحسينية وَكَانَ خيرا دينا. وَتُوفِّي تَاج الدّين مُحَمَّد بن الْخضر بن عبد الرَّحْمَن بن سُلَيْمَان بن أَحْمد بن عَليّ الْمصْرِيّ كَاتب السِّرّ بِدِمَشْق فِي لَيْلَة الْجُمُعَة تَاسِع ربيع الآخر وَقد أناف على السِّتين. وَمَات الْأَمِير قمارى أَخُو بكتمر الساقي مقتولاً وَقد ولى أستادارا وَعمل نَائِب طرابلس وَذكر أَنه كَانَ فِي بِلَاده راعي غنم. وَمَات الْأَمِير ملكتمر السرجواني نَائِب الكرك فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ مستهل الْمحرم خَارج الْقَاهِرَة وَقد قدم مَرِيضا. وَتُوفِّي الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن نمير بن السراج الْمُقْرِئ الْكَاتِب فِي يَوْم الْخَمِيس نصف شعْبَان. وَمَات الشَّيْخ ركن الدّين عمر بن الشَّيْخ إِبْرَاهِيم الجعبري يَوْم الْخَمِيس سلخ ذِي الْحجَّة وَمَات الشَّيْخ عبد الله بن عَليّ بن سُلَيْمَان بن فلاح عفيف الدّين بن عبد الرَّحْمَن اليافعي اليمني الشَّافِعِي فِي لَيْلَة الْأَحَد الْعشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة بِمَكَّة. وَمَات ملك تونس أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بن أبي حَفْص فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء ثَانِي رَجَب بعد مَا ملك ثَلَاثِينَ سنة تنقص شهرا وَسَبْعَة أَيَّام وأقيم بعده ابْنه أَبُو حَفْص عمر. وَمَات الْأَمِير طقتمر الصلاحي أحد خَواص شعْبَان الكاملي وَكَانَ من أعين أُمَرَاء مصر ثمَّ أخرج لنيابة حمص فَمَاتَ بهَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 42 (سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة) يَوْم الثُّلَاثَاء أول الْمحرم: ركب السُّلْطَان فِي أمرائه الخاصكية وَلعب بالكرة فِي الميدان تَحت القلعة فغلب الْأَمِير ملكتمر الْحِجَازِي فَلَزِمَ بِعَمَل وَلِيمَة فِي سرياقوس للسُّلْطَان ذبح فِيهَا خَمْسمِائَة رَأس غنم وَعشرَة أَفْرَاس وَعمل أحواضاً مَمْلُوءَة بالسكر الْمُذَاب وَجمع سَائِر أَرْبَاب الملهى وَحضر إِلَيْهِ السُّلْطَان والأمراء. وَفِيه قدم كتاب أسندمر الْعُمْرَى نَائِب طرابلس يسْأَل الإعفاء فَأُجِيب إِلَى ذَلِك. وخلع على الْأَمِير منكلى بغا الفخري أَمِير جاندار وَاسْتقر فِي نِيَابَة طرابلس وَسَار فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ حادي وَفِي هَذَا الشَّهْر: وقف جمَاعَة للسُّلْطَان وَشَكوا من بعد المَاء وانحساره عَن بر مصر والقاهرة حَتَّى غلت روايا المَاء. فرسم بنزول المهندسين لكشف ذَلِك فَكتب تَقْدِير مَا يصرف على الجسر مبلغ مائَة ألف وَعشْرين ألف دِرْهَم جبيت من أَرْبَاب الْأَمْلَاك المطلة على النّيل حسابا عَن كل دراع خَمْسَة عشر درهما فَبلغ قياسها سَبْعَة آلَاف ذِرَاع وسِتمِائَة ذِرَاع. وَقَامَ باستخراج ذَلِك وَقِيَاسه محتسب الْقَاهِرَة ضِيَاء الدّين يُوسُف ابْن. خطيب بَيت الْآبَار. وَفِيه توقفت أَحْوَال الدولة من كَثْرَة رواتب الخدام والعجائز والجواري وَأَخذهم بِأَرْض بهيتت من الضواحي وبأرض الجيزة وَغَيرهَا بِحَيْثُ أَخذ مقبل الرُّومِي عشرَة آلَاف فدان من شاسع الْبحيرَة قَامَ السُّلْطَان والأجناد بكلفة جسورها. وَفِيه فرق السُّلْطَان نصف إقطاع منكلى بغا الفخري وَتَأَخر نصفه. وَفِيه قدم الْأَمِير بيغرا من كشف الجسور فَخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر أَمِير جاندار عوضا عَن منكلى بغا الفخري. وَفِيه قدم الْأَمِير أسندمر الْعمريّ من طرابلس فأنعم عَلَيْهِ بِبَقِيَّة إقطاع مكلى بغا الفخري وَفِي خَامِس عشريه: قدم الْحَاج وأخبروا برخاء أسعار مَكَّة وَحسن سيرة الشريف عجلَان. وَفِيه قدم تجار الْيمن والهند وَكَانَ الفلفل قد عز وجوده بِالْقَاهِرَةِ حَتَّى بلغ الرطل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 43 سِتَّة وَأَرْبَعين درهما، وَلم يعْهَد مثل ذَلِك فِيمَا سلف، فأبيع عِنْد قدوم الْحَاج بِخَمْسَة دَرَاهِم الرطل. وَوَقع اخْتِلَاف فِي أَمر الْوُقُوف بِعَرَفَة فَإِن الوقفة كَانَت عِنْد أهل مَكَّة يَوْم الْجُمُعَة على مَا ثَبت. بِمَكَّة على قاضيها بِحُضُور قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين عبد الْعَزِيز بن جمَاعَة وَغَيره من حجاج مصر وَالشَّام وَالْعراق. وَكَانَ يَوْم عَرَفَة. بِمصْر والإسكندرية يَوْم الْخَمِيس فَقَامَ الشَّيْخ عَلَاء الدّين عَليّ بن عُثْمَان التركماني الْحَنَفِيّ فِي الْإِنْكَار على ابْن جمَاعَة وَأفْتى أَن حج النَّاس فَاسد وَيلْزم من وقف بِالنَّاسِ يَوْم الْجُمُعَة بِعَرَفَة جَمِيع مَا أنفقهُ الْحجَّاج من الْأَمْوَال وَأَنه يجب على الْحجَّاج كلهم أَن يقيموا محرمين لَا يطئوا نِسَائِهِم وَلَا يمسوا طيبا حَتَّى يقفوا بِعَرَفَة مرّة أُخْرَى. وشنع بذلك عِنْد الْأُمَرَاء وَأظْهر الْحزن على النَّاس والأسف على مَا أنفقوه من أَمْوَالهم. فشق ذَلِك على الْأَمِير طغيتمر الدوادار من أجل أَن زَوجته حجت فِيمَن حج وَأخذ خطّ ابْن التركمان. بِمَا تقدم ذكره. فَغَضب الشَّافِعِيَّة وأنكروا مقَالَته وردوها. وَقصد ابْن جمَاعَة أَن يعْقد مَجْلِسا فِي ذَلِك وَيطْلب ابْن التركماني ويدعى عَلَيْهِ. بِمَا أفتى بِهِ مِمَّا لَا يُوجد فِي كتب الْحَنَفِيَّة فَرَاجعه النَّاس عَن ذَلِك مَخَافَة الشناعة. وَفِيه رسم لمقبل الرُّومِي أَن يخرج إتفاقا وسلمى والكركية حظايا السُّلْطَان من القلعة. بِمَا عَلَيْهِنَّ من الثِّيَاب من غير أَن يحملن شَيْئا من الْجَوْهَر والزركش وَأَن يقْلع عِصَابَة اتِّفَاق عَن رَأسهَا ويدعها عِنْده. وَكَانَت هَذِه الْعِصَابَة قد اشتهرت عِنْد الْأُمَرَاء وشنعت قالتها فَإِنَّهُ قَامَ بعملها ثَلَاثَة مُلُوك: الصَّالح إِسْمَاعِيل والكامل شعْبَان والمظفر حاجي وتنافسوا فِيهَا واعتنوا بجواهرها حَتَّى بلغت قيمتهَا زِيَادَة على مائَة ألف دِينَار مصرية وَسبب ذَلِك أَن الْأُمَرَاء الخاصكية قرابغا وصمغار وَغَيرهمَا بَلغهُمْ إِنْكَار الْأُمَرَاء الْكِبَار والمماليك على السُّلْطَان شدَّة شغفه بالنسوة الثَّلَاث الْمَذْكُورَات وأنهماكه على اللَّهْو بِهن وانقطاعه إلَيْهِنَّ بالدهيشة عَن الْأُمَرَاء وإتلافه الْأَمْوَال الْعَظِيمَة فِي الْعَطاء لَهُنَّ ولأمثالهن فعرفا السُّلْطَان إِنْكَار الْأُمَرَاء عَلَيْهِ إعراضه عَن تَدْبِير الْملك وخوفوه عَاقِبَة ذَلِك فتلطف بِهِ وَصوب مَا أشاروا بِهِ عَلَيْهِ من الإقلاع عَن اللَّهْو بِالنسَاء وأخرجهن وَفِي نَفسه حزازات لفراقهن تَمنعهُ من الهدوء وَالصَّبْر عَنْهُم فَأحب أَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 44 يتعوض عَنْهُن. بِمَا يلهيه ويسليه وَاخْتَارَ صنف الْحمام وَأَنْشَأَ حضيراً بِأَعْلَى الدهيشة رَكبه على صوار وأخشاب عالية وملأه بأنواع الْحمام فَبلغ مَصْرُوف الْحضير خَاصَّة سبعين ألف دِرْهَم. وَقدم الْبَرِيد من حلب بِأَن صَاحب سيس جهز مِائَتي أرمني إِلَى نَاحيَة أياس فَلَمَّا قربوا من كوار ليهجموا على قلعتها قَاتلهم أَرْبَعُونَ من الْمُسلمين فنصرهم الله على الأرمن وَقتلُوا مِنْهُم خمسين وأسروا ثَلَاثِينَ وهزموا باقيهم. فَقتل بكوار عدَّة مِمَّن أسر وَحمل بَقِيَّتهمْ إِلَى حلب فَكتب بِالْإِحْسَانِ إِلَى أهل كوار والإنعام عَلَيْهِم. وَاتفقَ بِمَدِينَة حلب أَن الْأَمِير بيدمر البدري لما قدمهَا ترفع على الْأُمَرَاء وعزل الْوُلَاة والمباشرين بَعْدَمَا أَخذ تقادمهم واستبدل بهم غَيرهم. بِمَال قَامُوا لَهُ بِهِ واشتدت وَطْأَة حَاشِيَته. على النَّاس بظلمهم وَسُوء معاملتهم. ثمَّ بلغه أَن رجلا من الْأَعْيَان مَاتَ عَن ابْنة وَترك مَالا جزيلا وَأوصى أَن تتَزَوَّج ابْنَته بِابْن عَمها. فَرغب بعض النَّاس فِي زواجها وبذل لأوليائها مَالا كثيرا حَتَّى زوجوها مِنْهُ بِغَيْر رِضَاهَا فَلم ترض بِهِ وكرهته كَرَاهَة زَائِدَة حَتَّى قَالَت لأَهْلهَا: أَن لم تطلقوني مِنْهُ وَإِلَّا كفرت فأحضروها إِلَى بعض الْقُضَاة وجددوا إسْلَامهَا. فَطلب الْأَمِير بيدمر ابْن عَمها وضربه بالمقارع ضربا مبرحاً وَضرب الْمَرْأَة أَيْضا ضربا شنيعاً وَقطع أنفها وأذنيها وشهرها بحلب فتألم النَّاس لَهَا ألماً كَبِيرا وَوصل خَبَرهَا إِلَى أُمَرَاء مصر فَقَامَ صمغار وقرابغا وأصحابهما قيَاما كَبِيرا فِي الْإِنْكَار على بيدمر. وصادف مَعَ ذَلِك وُرُود كتاب الْأَمِير أرغون شاه نَائِب صفد يتَضَمَّن أَن ابْن طشتمر كَاتب أرتنا نَائِب الرّوم بِأَن يتَوَجَّه إِلَيْهِ وَأَن يُقيم عِنْده. فظفر الْأَمِير أرغون شاه بقاصده وَأخذ مِنْهُ الْكتاب وَقبض على ابْن طشتمر وسجنه بالقلعة فَأُجِيب بالشكر وَالثنَاء وَكتب إِلَيْهِ أَصْحَابه بِأَن يبْعَث تقدمة للسُّلْطَان حَتَّى يتهيأ نقلته إِلَى غير صفد فَبعث سَبْعَة أَفْرَاس وَعقد جَوْهَر. بِمِائَة ألف دِرْهَم وَغير ذَلِك من الْأَصْنَاف فأعجبت السُّلْطَان وشكره. فَأخذ صمغار وقرابغا وأصحابهما فِي ذكر بيدمر نَائِب حلب وَكَرَاهَة النَّاس لَهُ وَمَا فعله بِالْمَرْأَةِ وَابْن عَمها وتحسين ولَايَة أرغون شاه عوضه فَإِنَّهُ سَار فِي أهل صفد سيرة جميلَة وَلم يقبل لأحد تقدمة وَجلسَ للْحكم بَين النَّاس وأنصف فِي حكمه حَتَّى أحبه أهل صفد. فرسم بقدوم أرغون شاه ليستقر فِي نِيَابَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 45 حلب وَحُضُور الْأَمِير بيدمر من حلب فَقدم أرغون شاه صُحْبَة طنيرق فَأكْرمه السُّلْطَان وخلع عَلَيْهِ يَوْم الْإِثْنَيْنِ تَاسِع عشرى صفر بنيابة حلب عوضا عَن بيدمر البدري ورسم أَلا يكون لنائب الشَّام عَلَيْهِ حكم وَأَن تكون مكاتباته للسُّلْطَان وكنب لنائب الشَّام بذلك. وَتوجه الْأَمِير أرغون شاه إِلَى حلب فِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث ربيع الأول فَقدم دمشق على الْبَرِيد فِي سادس عشره وَنزل مصر معِين الدّين حَتَّى قدم طلبه من صفد فِي أبهة زَائِدَة وخيوله بسروج ذهب مرصعة وكنابيش ذهب وقلائد مرصعة. وَكَانَ بيدمر قد رأى فِي مَنَامه الْمَرْأَة الَّتِي فعل بهَا مَا فعل وهى تَقوله لَهُ: أخرج عَنَّا وكررت ذَلِك ثَلَاث مَرَّات وَقَالَت لَهُ: قد شكوتك إِلَى الله تَعَالَى فعزلك فأنتبه مَرْعُوبًا وَبعث إِلَيْهَا لتحالله وبذل لَهَا مَالا فَلم تقبله وامتنعت من محاللته. فَقدم خبر عَزله بعد ثَلَاثَة أَيَّام من رُؤْيَاهُ وَقدم إِلَى الْقَاهِرَة صُحْبَة طنيرق وَقد أوصل طنيرق الْأَمِير أرغون شاه إِلَى حلب وسر بِهِ أهل وَفِيه ارْتَفَعت الأسعار بِالشَّام فبلغت الغرارة بِدِمَشْق مِائَتَيْنِ وَخمسين درهما وَذَلِكَ أَن الْجَرَاد انْتَشَر من بعلبك إِلَى البلقاء ورعى الزروع. وَفِيه كثر عَبث العربان بِأَرْض مصر وَكثر سفكهم للدماء وَنهب الغلال من الأجران مَعَ هيف الْغلَّة. وَفِيه اشْتَدَّ احتراق النّيل وَقل مَاؤُهُ حَتَّى تَأَخّر حمل الغلال فِي المراكب فارتفع السّعر من ثَلَاثِينَ درهما الأردب من الْقَمْح إِلَى خَمْسَة وَخمسين وَبلغ الشّعير خَمْسَة وَعشْرين درهما الأردب والفول عشْرين درهما. وَفِيه اسْتَقر أَمِير عَليّ بن طغربل حاجبا بِدِمَشْق عوضا عَن أياس وَاسْتقر أياس فِي نِيَابَة صفد. وَفِيه ورد الْخَبَر باختلال مراكز الْبَرِيد بطرِيق الشَّام فَأخذ من كل أَمِير مقدم ألف أَرْبَعَة أَفْرَاس وَمن كل أَمِير طبلخاناه فرسَان وَمن كل أَمِير عشرَة فرس وَاحِد وكشف عَن الْبِلَاد المرصدة برسم الْبَرِيد فَوجدت ثَلَاث بِلَاد مِنْهَا وقف إِسْمَاعِيل بَعْضهَا وَأخرج بَاقِيهَا إقطاعات فَأخْرج السُّلْطَان عَن عِيسَى بن حسن الهجان بَلَدا تعْمل فِي كل سنة عشْرين ألف دِرْهَم وَثَلَاثَة آلَاف أردب غلَّة وَجعلهَا مرصدة لمراكز الْبَرِيد. وَفِيه قدم الْخَبَر بِأَن أرتنا نَائِب الرّوم بعث يَسْتَدْعِي أَحْمد بن مهنا وَأرْسل إِلَيْهِ هَدِيَّة فَأبى أَن يُجيب. وَاتفقَ أَن أَخا سيف بن فضل قصد فياض بن مهنا وَقد سَار إِلَيْهِ من دمشق بمبلغ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 46 ثَمَانِينَ ألف دِرْهَم ثمن خُيُول قدمهَا للسُّلْطَان فَأَخذه مِنْهُ وَقصد قَتله. فَركب فياض لما بلغه ذَلِك وأغار على جمال سيف وَآل فضل وساقها وَهِي نَحْو خَمْسَة عشر ألف بعير. فَبعث سيف يطْلب من نائبي دمشق وحلب عسكراً يُقَاتل آل مهنا فَلم ينجداه. وَفِيه كتب الْأَمِير أرغون شاه نَائِب حلب فِي حق سيف فَإِنَّهُ لَا طَاقَة لَهُ بآل مهنا. فرسم بقدوم سيف وَآل مرا وقدوم أَحْمد بن مهنا ووعد أَحْمد بالإمرة وَخرج الْأَمِير قطلوبغا الذَّهَبِيّ لذَلِك. وَفِيه قدم ابْن الأطروش من دمشق وَقد عزل من الْحِسْبَة وَكتب نَائِب الشَّام يذم فِيهِ وَفِي عصر يَوْم الْأَحَد تَاسِع عشر ربيع الآخر: قتل الْأَمِير آقسنقر الناصري والأمير ملكتمر الْحِجَازِي وَأمْسك الْأَمِير بزلار والأمير صغَار والأمير أيتمش عبد الْغَنِيّ. وَسبب ذَلِك أَن السُّلْطَان لما أخرج إتفاق وَغَيرهَا من عِنْده وتشاغل عَنْهُن بالحمام صَار يحضر إِلَى الدهيشة والأوباش وتلعب بالعصا لعب صباح ويحضر الشَّيْخ عَليّ بن الكسيح مَعَ حظاياه فيسخر لَهُ وينقل إِلَيْهِ أَخْبَار النَّاس. فشق ذَلِك على الْأُمَرَاء حدثوا ألجيبغا وطينرق وَكَانَا عُمْدَة السُّلْطَان وخاصكيته فِيمَا يَفْعَله السُّلْطَان وَأَن الْحَال قد فسد فعرفا السُّلْطَان ذَلِك فَاشْتَدَّ حنقه وَأطلق لِسَانه وَقَامَ إِلَى السَّطْح وَذبح الْحمام بحضرتهما وَقَالَ: وَالله لأذبحنكم كَمَا ذبحت هَذِه الطُّيُور وأغلق بَاب الدهيشة وَأقَام غضبانا يَوْمه وَلَيْلَته. وَكَانَ الْأَمِير غرلو قد تمكن مِنْهُ فَأعلمهُ. بِمَا وَقع فَوَقع فِي الْأُمَرَاء وهونهم عَلَيْهِ وجسره على الفتك بهم وَالْقَبْض على الْأَمِير آقسنقر الناصري النَّائِب. فَأخذ السُّلْطَان فِي تَدْبِير مَا يَفْعَله وَقرر ذَلِك مَعَ غرلو. ثمَّ بعث السُّلْطَان بعد أَيَّام طنيرق إِلَى الْأَمِير آقسنقر الناصري النَّائِب فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس ربيع الآخر ويعرفه أَن قرابغا القاسمي وصمغار وبزلار وأيتمش عبد الْغَنِيّ قد اتَّفقُوا على الْفِتْنَة وعزمي أَن أَقبض عَلَيْهِم فوعد برد الْجَواب غَدا على السُّلْطَان فِي الْخدمَة وَأَشَارَ عَلَيْهِ من الْغَد بالتثبت فِي أَمرهم حَتَّى يَصح لَهُ مَا قيل عَنْهُم فَعرفهُ السُّلْطَان من الْغَد يَوْم الْجُمُعَة بِأَنَّهُ صَحَّ لَهُ بِإِخْبَار بيبغاروس وَبَين لَهُ أَنهم تحالفوا على قَتله فَأَشَارَ عَلَيْهِ أَن يجمع بَينهم وَبَين بيبغاروس حَتَّى يحاققهم بِحَضْرَة الْأُمَرَاء يَوْم الْأَحَد. وَكَانَ الْأَمر على خلاف هَذَا فَإِنَّهُ اتّفق مَعَ غرلو وَعَنْبَر السحرتى مقدم المماليك على مسك الْأَمِير آقسنقر الناصري والأمير ملكتمر الْحِجَازِي يَوْم الْأَحَد وَأظْهر للنائب أَنه يُرِيد الْقَبْض على قرابغا وصمغار وبزلار وأيتمش. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 47 فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْأَحَد تَاسِع عشره: حضر الْأُمَرَاء والنائب إِلَى الْخدمَة بعد الْعَصْر وَمد السماط وَإِذا بِالْقصرِ قد ملئ بسيوف مسللة من خلف آقسنقر والحجازي وأحيط بهما وبقرابغا وَأخذُوا إِلَى قاعة هُنَاكَ فَضرب الْحِجَازِي بِالسُّيُوفِ وبضع هُوَ وآقسنقر وفر صمغار وأيتمش عبد الْغنى فَركب صمغار فرسه من بَاب القلعة وَمر واختفى أيتمش عِنْد زَوجته. فَخرجت الْخَيل وَرَاء صمغار حَتَّى أدركوه خَارج الْقَاهِرَة وَأخذ أيتمش من دَاره فارتجت الْقَاهِرَة وغلقت الْأَسْوَاق وأبواب القلعة. وَكثر الإرجاف إِلَى أَن خرج النَّائِب أرقطاى والوزير نجم الدّين مَحْمُود بن شروين قريب الْمغرب فاشتهر مَا جرى. وَفِيه رسم بِالْقَبْضِ على مرزه عَليّ وعَلى مُحَمَّد بن بكتمر الْحَاجِب وأخيه وَأَوْلَاد أيدغمش وَأَوْلَاد قمارى. وأخرجوا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وهم وبزلار وأيتمش وصمغار لأَنهم من ألزام الْحِجَازِي ومعاشريه فسجنوا بهَا. وَفِيه أخرج آقسنقر والحجازي فِي لَيْلَة الإثنينعشريه على جنويات فدفنا بالقرافة وَأصْبح الْأَمِير شُجَاع الدّين غرلو وَقد جلس فِي دست عَظِيم ثمَّ ركب وأوقع الحوطة على بيُوت الْأُمَرَاء المقتولين والممسوكين وَأَمْوَالهمْ وطلع بِجَمِيعِ خيولهم إِلَى الإصطبل السلطاني وَنزل وَمَعَهُ نَاظر الْخَاص حَتَّى أخرج حواصلهم. وَضرب غرلو عبد الْعَزِيز الْجَوْهَرِي صَاحب آقسنقر وَعبد الْمُؤمن أستاداره بالمقارع وَأخذ مِنْهُمَا مَالا جزيلا. فَخلع عَلَيْهِ السُّلْطَان قبَاء من ملابسي آقسنقر بطراز زركش عريض وأركبه حصان الججازي بسرج ذهب وخلا بِهِ يَأْخُذ رَأْيه فِيمَا. يَفْعَله. فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِأَن يكْتب إِلَى نوابي الشَّام. بِمَا جرى ويعدد لَهُم ذنوبا كَثِيرَة على الْأُمَرَاء الَّذين قبض عَلَيْهِم. فَكتب السُّلْطَان إِلَى الْأَمِير يلبغا اليحياوي نَائِب الشَّام على يَد الْأَمِير آقسنقر المظفري أَمِير جاندار. وَقدم آقسنقر المظفر على الْأَمِير يلبغا اليحياوي فِي ثامن عشريه فَكتب يلبغا بتصويب رَأْي السُّلْطَان فِيمَا فعله وَهُوَ فِي الْبَاطِن غير ذَلِك. وَعظم على الْأَمِير يلبغا قتل ملكتمر الْحِجَازِي وآقسنقر الناصري وتوحش خاطره وَجمع الْأُمَرَاء بعد يَوْمَيْنِ بدار السَّعَادَة وأعلمهم. بِمَا ورد عَلَيْهِ. وَكتب يلبغا إِلَى النواب بذلك فَبعث الْأَمِير ملك آص إِلَى حمص وحلب وَبعث الْأَمِير طيبغا القاسمي إِلَى طرابلس فَجَاءَهُ لَيْلَة الْجُمُعَة مستهل جُمَادَى الأولى من زَاده وحشه فَلم يصبح لَهُ بدار السَّعَادَة أثر غير نِسَائِهِ. وانتقل يلبغا يَوْم الْجُمُعَة إِلَى الْقصر فَنزل بِهِ وَشرع فِي الاستعداد لِلْخُرُوجِ عَن طَاعَة السُّلْطَان وَنزل إِلْزَامه حوله بالميدان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 48 وَأخذ السُّلْطَان المظفر حاجي يستميل المماليك بتفرقة المَال فيهم وَأمر جمَاعَة وأنعم على غرلو بإقطاع أيتمش عبد الْغَنِيّ وتقدمته وَأصْبح هُوَ الْمشَار إِلَيْهِ فِي الدولة وعظمت نَفسه إِلَى الْغَايَة. وَفِيه أخرج ابْن طقزدمر على إمرة طبلخاناه بحلب لِكَثْرَة لعبه وأنعم بتقدمته على الْأَمِير طاز. وَفِيه قدم الْخَيْر بِكَثْرَة حشود العربان بالصعيد وبلاد الفيوم وَشدَّة فسادهم وَتعذر السّفر من قطعهم الطرقات على الْمُسَافِرين. فَلم يعبأ السُّلْطَان بذلك لاشتغاله بلهوه وتلفته إِلَى أَخْبَار نواب الشَّام لتخوفه من خُرُوجهمْ عَن طَاعَته للقبض على الْأُمَرَاء وقتلهم فَقدمت أجوبتهم. بِمَا يظْهر مِنْهُ تصويب رَأْي السُّلْطَان فِيمَا فعله فَلم يطمئن ورسم بِخُرُوج الْعَسْكَر إِلَيْهِ. وَفِيه رسم السُّلْطَان بِخُرُوج الْعَسْكَر إِلَى الْبِلَاد الشامية ورسم فِي عَاشر جُمَادَى الأولى بسفر سَبْعَة أُمَرَاء مقدمين وهم طيبغا المجدي وَملك الجمدار والوزير نجم مَحْمُود بن شروين وطنغرا وأيتمش الناصري الْحَاجِب وكوكاي والزراق وَمَعَهُمْ مضافوهم من الأجناد. وَكتب بِطَلَب الأجناد من النواحي وَكَانَ وَقت إِدْرَاك الْمغل فصعب ذَلِك على الْأُمَرَاء وارتجت الْقَاهِرَة بِأَهْلِهَا لطلب السِّلَاح وآلات للسَّفر. وَكتب السُّلْطَان إِلَى أُمَرَاء دمشق ملطفات على أَيدي النجابة بالتيقظ لحركات الْأَمِير يلبغا اليحياوي فَأَشَارَ الْأَمِير أرقطاى النَّائِب بِطَلَب يلبغا ليَكُون. بِمصْر فَإِن أجَاب وَإِلَّا أعلم بِأَنَّهُ قد عزل من نِيَابَة الشَّام بأرغون شاه نَائِب حلب. فَكتب بِطَلَبِهِ على يَد الْأَمِير سيف الدّين أراى أَمِير آخور وَعند سفر أراي قدمت كتب نَائِب حماة ونائب طرابلس ونائب صفد بِأَن يلبغا دعاهم للْقِيَام مَعَه على السُّلْطَان لقَتله الْأُمَرَاء وبعثوا للسُّلْطَان بكتبه إِلَيْهِم. فَكتب السُّلْطَان لأرغون شاه نَائِب حلب أَن يتَقَدَّم لعرب آل مهنا بمسك الطرقات على يلبغا وأعلمه أَنه ولاه نِيَابَة الشَّام فَقَامَ أرغون شاه فِي ذَلِك أتم قيام وَأظْهر ليلبغا أَنه مَعَه. وَلما وصل الْأَمِير سيف الدّين أراى إِلَى الْأَمِير يلبغا اليحياوي فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سادس جُمَادَى الأولى إِذا فِي كتاب السُّلْطَان طلب يلبغا ليَكُون رَأس أُمَرَاء المشورة وَأَن نِيَابَة الشَّام أنعم بهَا على أرغون شاه نَائِب حلب وَظن الْأَمِير يلبغا اليحياوي أَن استدعاءه حَقِيقَة وَقَرَأَ كتاب السُّلْطَان فَأجَاب بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة وَأَنه إِذا وصل الْأَمِير أرغون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 49 شاه إِلَى دمشق توجه مِنْهَا إِلَى مصر وَكتب الْجَواب بذلك وَأعَاد الْأَمِير سيف الدّين أراى سَرِيعا. فَأَتَت قصاد أُمَرَاء دمشق إِلَى الْأَمِير سيف الدّين أراى فِي عوده لتعرف فِيمَا جَاءَ بِهِ عَلَيْهِم فأعلمهم بعزل يلبغا بأرغون شاه فتحللت عزائم الْأُمَرَاء عَن يلبغا. وتجهز يلبغا وبزر إِلَى الجسورة ظَاهر دمشق فِي خَامِس عشره وَكَانَت ملطفات السُّلْطَان وَردت إِلَى الْأُمَرَاء فِي عَشِيَّة يَوْم الْخَمِيس بإمساكه فَرَكبُوا وقصدوه ففر مِنْهُم بمماليكه وَأَهله وهم فِي أَثَره إِلَى خلف ضمير. وَأما الْأَمِير سيف الدّين أراى فَأَنَّهُ قدم إِلَى السُّلْطَان فَقدم الْخَبَر فِي غَد قدومه بِأَن يلبغا جمع ثقاته من أُمَرَاء الشَّام وأغراهم بالسلطان وَأَنه إِن مضى إِلَيْهِ قَتله كَمَا قتل الْأُمَرَاء وَأَنه جمع أمره على التَّوَجُّه إِلَى أَوْلَاد دمرداش بِبِلَاد الشرق. وَركب الْأَمِير يلبغا فِي يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشره وَمَعَهُ الْأَمِير قلاوون والأمير سَيْفه والأمير مُحَمَّد بن بك بن جمق فِي مماليكهم وَخَرجُوا بِآلَة الْحَرْب فاضطرب النَّاس بِدِمَشْق. وَركب الْعَسْكَر فِي طلبه وَقد سَار نَحْو القريتين وَدخل الْبَريَّة حَتَّى وصل حماة بعد أَرْبَعَة أَيَّام وَخمْس ليَالِي. فَركب الْأَمِير قطليجا نَائِب حماة بعسكره وتلقاه وَدخل بِهِ إِلَى الْمَدِينَة وَقبض عَلَيْهِ وعَلى من مَعَه وَكتب بذلك إِلَى السُّلْطَان فسر بِهِ سُرُورًا كَبِيرا وَأمر بِإِبْطَال التجريدة وَكتب بِحمْلِهِ إِلَى مصر. ثمَّ خرج الْأَمِير منجك السِّلَاح دَار لقَتله فلقى آقجبا الْحَمَوِيّ وصحبته يلبغا اليحياوي وَأَبوهُ وَقد نزل بقاقون. فَصَعدَ منجك مَعَ يلبغا إِلَى قلعتها وَقَتله فِي يَوْم الْجُمُعَة عشريه وجهز رَأسه إِلَى السُّلْطَان. وَتوجه منجك إِلَى حماة وجهز الْأَمِير قراكر والأمير أسندمر أخوى يلبغا اليحياوي والأمير طقطاى دواداره والأمير جوبان مَمْلُوكه إِلَى السُّلْطَان مقيدين وَكَانَ أَبوهُ الْأَمِير طابطا حمل مُقَيّدا من فاقون إِلَى السُّلْطَان. وَفِيه قدم الْخَبَر بِأَن أَحْمد بن مهنا وفياضاً وفوازاً وقمارى كَانُوا بحلب لما قبض على يلبغا بحماة فَرَكبُوا بِجَمْعِهِمْ يُرِيدُونَ آل مرا وَقد نزلُوا قَرِيبا من سيف بن فضل فَركب سيف بآل مرا وَآل عَليّ إِلَى لقائهم فَلم يطقهم وفر فنهبوا أبياته وَأخذُوا مِنْهَا خَمْسمِائَة حمل دَقِيق وَسَاقُوا خَمْسَة عشر ألف بعير. وَمر سيف على وَجهه إِلَى الْقَاهِرَة فطلع إِلَى السُّلْطَان وَبكى بَين يَدَيْهِ بكاء كثيرا فتنكر السُّلْطَان على أَوْلَاد مهنا. فَقدم كتاب الْأَمِير أرغون بالثناء عَلَيْهِم لخدمتهم السُّلْطَان فِي أَمر يلبغا أتم الْخدمَة وَقدم أَحْمد بن مهنا عقيب ذَلِك فَلم ير من السُّلْطَان إقبالاً. وَفِي يَوْم الْأَحَد خَامِس عشريه: أخرج بالوزير نجم الدّين مَحْمُود والأمير بيدمر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 50 البدري نَائِب حلب كَانَ والأمير طغيتمر الفخري الدوادار إِلَى الشَّام وَسَببه أَن غرلو لما كَانَ شاد الدَّوَاوِين حقد على الْوَزير نجم الدّين وعَلى طغيتمر الدوادار فَحسن للسُّلْطَان أَخذ أموالهما. فَذكر السُّلْطَان للنائب أرقطاى عَنْهُمَا وَعَن بيدمر أَنهم كَانُوا يكاتبون يلبغا اليحياوي فَأَشَارَ عَلَيْهِ بإبعادهم عَنهُ وَأَن يكون الْوَزير نَائِب غَزَّة وبيدمر نَائِب حمص وطغيتمر بطرابلس فَأخْرجهُمْ أرقطاى على الْبَرِيد. فَلم يعجب غرلو ذَلِك وَأكْثر من الوقيعة فِي الْأَمِير أرقطاى النَّائِب حَتَّى غير السُّلْطَان عَلَيْهِ ومازال بِهِ حَتَّى بعث أرغون الْإِسْمَاعِيلِيّ نَائِب غَزَّة بِقَتْلِهِم. فَدخل أرغون الْإِسْمَاعِيلِيّ مَعَهم إِلَيْهَا وَقت الْعَصْر فَقتلُوا لَيْلًا وَتمكن غرلو من أَمْوَالهم. وتزايد أَمر غرلو واشتدت وطأته وكتر إنعام السُّلْطَان عَلَيْهِ حَتَّى لم يكن يَوْم إِلَّا وينعم عَلَيْهِ وَأخذ غرلو فِي الْعَمَل على علم الدّين بن زنبور نَاظر الْخَاص وعَلى عَلَاء الدّين عَليّ بن فضل الله كَاتب السِّرّ وَحسن للسُّلْطَان الْقَبْض عَلَيْهِمَا وَأخذ أموالهما فتلطف الْأَمِير أرقطاى النَّائِب فِي أَمرهمَا حَتَّى كف عَنْهُمَا. فَلم يبْق أحد من أهل الدولة حَتَّى خَافَ غرلو وَرجع يصانعه بِالْمَالِ. وَفِيه توجه مقبل الرُّومِي لقتل المسجونين بالإسكندرية بِإِشَارَة غرلو فَقتل أرغون العلائي وقرابغا القاسمي وتمر الموساوى وصمغار وأيتمش عبد الْغَنِيّ. وَفِيه أفرج عَن أَوْلَاد قمارى وَأَوْلَاد أيدغمش وأخرجوا إِلَى الشَّام. وَفِيه قدم الْأَمِير منكلى بغا الفخري من طرابلس وأنعم عَلَيْهِ بتقدمة ألف وَاسْتمرّ السُّلْطَان على الأنهماك فِي لهوه وَصَارَ يلْعَب فِي الميدان تَحت القلعة بالكرة فِي يومي الْأَحَد وَالثُّلَاثَاء ويركب إِلَى الميدان على النّيل فِي يَوْم السبت. فَلَمَّا كَانَ آخر ركُوبه الميدان رسم بركوب الأمرء المقدمين. بمضافيهم ووقوفهم صفّين من الصليبة إِلَى فَوق الإصطبل ليرى الْعَسْكَر. فَضَاقَ الْموضع عَنْهُم فَوقف كل مقدم بِخَمْسَة من مضافيه وجمعت أَرْبَاب الملهى ورتبوا فِي عدَّة أَمَاكِن بالميدان وَنزلت أم السُّلْطَان فِي جمعهَا وَأَقْبل النَّاس من كل جِهَة. فَبلغ كِرَاء كل طبقَة فِي ذَلِك الْيَوْم مائَة دِرْهَم وكل بَيت كَبِير لِنسَاء الْأُمَرَاء مِائَتي دِرْهَم وكل حَانُوت خمسين درهما وكل مَوضِع إِنْسَان بِدِرْهَمَيْنِ فَكَانَ يَوْمًا لم يعْهَد فِي ركُوب الميدان. وَفِيه أخرج سيف بن فضل من الْقَاهِرَة مرسماً عَلَيْهِ لكَلَام نَقله عَن الْأَمِير أرقطاى النَّائِب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 51 وَفِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع حمادى الآخر: وصل رَأس يلبغا اليحاوي. وَفِي وَفِي يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشره: قبض على غرلو وَقتل. وَسبب ذَلِك شدَّة كَرَاهَة الْأُمَرَاء أَرْبَاب الدولة لسوء أَثَره فيهم فَأَنَّهُ كَانَ يَخْلُو بالسلطان ويشر عَلَيْهِ بِمَا يمضيه فَلَا يُخَالِفهُ فِي شَيْء وَعَمله السُّلْطَان أَمِير سلَاح فَخرج عَن الْحَد فِي التعاظم وجسر السُّلْطَان على قتل الْأُمَرَاء وَقَامَ فِي حق الْأَمِير أرقطاى النَّائِب يُرِيد الْقَبْض عَلَيْهِ وَقَتله وَأخذ المماليك الناصرية والصالحية والكاملية بكمالهم واستمالهم لتجديد دولة مظفرية. وَقرر مَعَ السُّلْطَان أَن يُفَوض إِلَيْهِ أُمُور المملكة ليقوم عَنهُ بتديرها ويتوفر السُّلْطَان على لذاته. وأغراه أَيْضا بالجيبغا وطنيرق وهما أخص النَّاس بالسلطان حَتَّى تغير عَلَيْهِمَا. وَبلغ ذَلِك ألجيبغا وتناقله المماليك فتعصبوا عَلَيْهِ وراسلوا الْأُمَرَاء الْكِبَار حَتَّى حدثوا السُّلْطَان فِي أمره وخوفوه عاقبته فَلم يعبا السُّلْطَان بقَوْلهمْ فتنكروا بأجمعهم على السُّلْطَان وصاروا إلباً عَلَيْهِ بِسَبَب غرلو إِلَى أَن بلغه ذَلِك عَنْهُم من بعض ثقاته. فَاسْتَشَارَ الْأَمِير أرقطاى النَّائِب فِي أَمر غرلو وعرفه مَا يخَاف من غائلته فَلم يشر عَلَيْهِ بِشَيْء وَقَالَ لَهُ: لَعَلَّ الرجل قد كثرت حساده على تقريب السُّلْطَان لَهُ والمصلحة التثبت فِي أمره كَانَ الْأَمِير أرقطاي النَّائِب عَاقِلا سيوسا يخْشَى من مُعَارضَة غَرَض السُّلْطَان فِيهِ. فاجتهد ألجيبغا وعدة من الخاصكية فِي التَّدْبِير على غرلو وتخويف السُّلْطَان مِنْهُ وَمن عواقبه حَتَّى أثر قَوْلهم فِي نَفسه. وَأَقَامُوا أَحْمد شاد الشرابخاناه - وَكَانَ مزاحا - للوقيعة فِيهِ فَأخذ فِي خلوته مَعَ السُّلْطَان بِذكر كَرَاهَة الْأُمَرَاء لغرلو وموافقة المماليك لَهُم وَأَنه يُرِيد أَن يدبر الدولة وَيكون نَائِب السُّلْطَان وليتوثب بذلك على المملكة وَيصير سُلْطَانا وَيخرج قَوْله هَذَا فِي صُورَة السخرية والضحك. وَبَالغ فِي ذَلِك على عدَّة فنون من الهزؤ إِلَى أَن قَالَ: وَإِن خلاه السُّلْطَان رحنا كلنا الحبوسات من بعده فانفعل السُّلْطَان لكَلَامه وَقَالَ: أَنا السَّاعَة أخرجه وأعمله أَمِير آخور ثمَّ مضى أَحْمد إِلَى الْأَمِير أرقطاى النَّائِب وعرفه مَا كَانَ مِنْهُ وَمَا قَالَه السُّلْطَان وجسره على الوقيعة فِي غرلو. فَاسْتَشَارَ السُّلْطَان الْأَمِير أرقطاى النَّائِب فِي غرلو ثَانِيًا فَأثْنى عَلَيْهِ وشكره فَعرفهُ وُقُوع الخاصكية فِيهِ وَأَنه قصد أَن يعمله أَمِير آخور فَقَالَ أرقطاي غرلو شُجَاع جسور لَا يَلِيق أَن يكون أَمِير آخور فَكَأَنَّهُ أيقظ السُّلْطَان من رقدته وَأخذ مَعَه فِيمَا يوليه فَأَشَارَ بولايته غَزَّة فَقبل السُّلْطَان ذَلِك وَقَامَ عَنهُ فاصبح السُّلْطَان بكرَة يَوْم الْجُمُعَة وَقد بعث طنيرق إِلَى الْأَمِير أرقطاى النَّائِب بِأَن يخرج غرلو إِلَى غَزَّة. فَلم يكن غير قَلِيل حَتَّى طلع غرلو على عَادَته إِلَى القلعة وَجلسَ على بَاب الْقلَّة فَبعث الْأَمِير أرقطاي النَّائِب بِطَلَبِهِ فَقَالَ: مَالِي عِنْد النَّائِب شغل وَمَا لأحد معي حَدِيث غير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 52 أستاذي السُّلْطَان وَأرْسل النَّائِب يعرف السُّلْطَان جَوَاب غرلو لَهُ بِطَلَبِهِ فَغَضب السُّلْطَان وَقَالَ لمغلطاى أَمِير شكار والأمراء أَن يعرفوه عَن السُّلْطَان بتوجهه إِلَى غَزَّة وَإِن امْتنع يمسكوه. فَلَمَّا صَار غرلو دَاخل الْقصر لم يحدثوه بِشَيْء وقبضوا عَلَيْهِ وقيدوه وسلموه لألجيبغا فَأدْخلهُ إِلَى بَيته بالأشرفية فَلَمَّا خرج السُّلْطَان لصَلَاة الْجُمُعَة على الْعَادة قتلوا غرلو وَهُوَ فِي الصَّلَاة واخذ السُّلْطَان بعد عوده من الصَّلَاة يسْأَل عَنهُ فَقَالُوا عَنهُ أَنه قَالَ: مَا أروح مَكَانا فَأَرَادَ سل سَيْفه وَضرب الْأُمَرَاء بِهِ وَأَنَّهُمْ تكاثروا عَلَيْهِ فَلَمَّا سلم نَفسه حَتَّى قتل. فعز قَتله على السُّلْطَان وحقد عَلَيْهِم قَتله وَلم يظهره لَهُم وَتقدم السُّلْطَان بإيقاع الحوطة على حواصله فَكَانَ يَوْمًا عَظِيما بالقلعة وَالْمَدينَة مُعظم النَّاس إِلَى تَحت القلعة فشوهد يَوْمئِذٍ من اجْتِمَاعهم أَمر مهول. وَأخرج غرلو حَتَّى دفن بِبَاب القرافة فَأصْبح وَقد خرجت يَده من الأَرْض فَأَتَاهُ النَّاس أَفْوَاجًا ليروه ونبشوا عَلَيْهِ وجروه بِحَبل فِي رجله إِلَى تَحت القلعة. وَأتوا بِنَار ليحرقوه وَصَارَ لَهُم ضجيج عَظِيم. فَبعث السُّلْطَان عدَّة من الأوجاقية قبضوا على كثير مِنْهُم فضربهم الْوَالِي بالمقارع وَأخذ مِنْهُم غرلو وَدفن وَلم يظْهر لَهُ كَبِير مَال. وَفِيه قدم الْخَبَر بِدُخُول الْأَمِير أرغون شاه إِلَى دمشق فِي يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع عشره صُحْبَة متسفرة الْأَمِير آقسنقر جاندار فَعرض يَوْم دُخُوله أهل السجون ووسط وَسمر مِنْهُم عدَّة من أَرْبَاب الجرائم وألزم جَمِيع من لَهُ إقطاع بحلب أَو حماة أَو طرابلس أَو غَيرهَا من الْبِلَاد الشامية أَن يتَوَجَّه إِلَى مَحل خدمته وَلَا يُقيم بِغَيْرِهِ وأنعم الْأَمِير أرغون شاه على متسفره بِخَمْسَة عشر فرسا مِنْهَا خمس عربيات مسرجات ملجمات وَأحد عشر إكديش وَجَارِيَة بِخَمْسَة آلَاف دِرْهَم وَأَرْبَعين ألف دِرْهَم وَمِائَة قِطْعَة قماش وتشريف النِّيَابَة بِكَمَالِهِ وسيفه الْمحلى وَكتب لَهُ بِأَلف أردب غلَّة من مصر وَكَانَ الْأَمِير أرغون شاه أعطاء بحلب ألف وَخَمْسمِائة دِينَار. فَأَقَامَ آقسنقر بِدِمَشْق نَحْو ثَلَاثَة أشهر وَلم يسْأَله فِي ولَايَة وَلَا عزل إِلَّا أَجَابَهُ فَرجع بِمَال عَظِيم وَفِيه أفرج عَن ابْن طشتمر من صفد وأنعم عَلَيْهِ بإمرة فِي دمشق. وَفِيه نقل أَمِير مَسْعُود بن خطير من نِيَابَة غَزَّة إِلَى نِيَابَة طرابلس عوضا عَن الْأَمِير منكلى بغا الفخري. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير فَخر الدّين أياس حَاجِب دمشق فِي نِيَابَة حلب عوضا عَن الْأَمِير أرغون شاه وَفِيه خرج السُّلْطَان إِلَى سرياقوس على الْعَادة فَأَقَامَ أَيَّامًا وَعَاد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 53 وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس عشر رَجَب: أخرج لاجين أَمِير آخور إِلَى دمشق على إقطاع قلاوون. وَفِيه أخرج منجك السِّلَاح دَار وَاسْتقر حاجباً بِدِمَشْق عوضا عَن أَمِير عَليّ بن طغربل وَفِيه أنعم على اثْنَي عشر من المماليك بإمرات مَا بَين طبلخاناه وعشرات بِمصْر وَالشَّام. وَفِيه أُعِيد الأطروش إِلَى الْحِسْبَة عوضا عَن الضياء ورتب للضياء مَا يقوم بِهِ. وَفِيه عمل الإستيمار بِمَا على الدولة من الكلف وَمَا يتَحَصَّل. فَوجدت الكلف ثَلَاثَة أَمْثَال مَا كَانَت فِي الْأَيَّام الناصرية مُحَمَّد بن قلاوون ومرتب الْحَوَائِج خاناه فِي كل يَوْم مِقْدَار اثْنَيْنِ وَعشْرين ألف رَطْل لحم ونفقات المماليك مبلغ مِائَتَيْنِ وَعشْرين ألف دِرْهَم بَعْدَمَا كَانَت تسعين ألف دِرْهَم. فرسم السُّلْطَان بِقطع مَا استجد من الرَّوَاتِب بعد موت السُّلْطَان النَّاصِر مُحَمَّد فمازال بِهِ الْأَمِير أرقطاى النَّائِب يخوفه سوء عَاقِبَة قطع الأرزاق ويعرفه أَن أحدا من الْمُلُوك مَا قرئَ عَلَيْهِ الإستيمار وَقطع شَيْئا إِلَّا وأصابه مَا يكره فِي دولته حَتَّى رسم باستمرار الرَّوَاتِب على حَالهَا. وَفِيه وزع على مباشري الْجِهَات مبلغ سِتّمائَة ألف دِرْهَم خص مقدمي الدولة مِنْهَا مائَة ألف دِرْهَم. وَفِيه رسم أَن يكون فِي كل مُعَاملَة شَاهد وَكَاتب وَاسْتقر قطلوابغا شاد الْجِهَات بِالْقَاهِرَةِ وَابْن المزوالي شادا بجهات مصر. وَفِيه قدم على بن طغربل من دمشق. وَفِيه أنعم على الْأَمِير بيبغا روس عِنْد قدومه من سرحة العباسة بألفي دِينَار وَمِائَة قِطْعَة قماش وَأَرْبَعَة أرؤس خيل بسروج ذهب. وَفِي مستهل شعْبَان: خرج الْأَمِير طيبغا المجدي والأمير أسندمر الْعمريّ والأمير أرغون الكاملي والأمير بيبغا روس والأمير بيبغا ططر إِلَى الصَّيْد ثمَّ خرج الْأَمِير أرقطاى النَّائِب بعدهمْ إِلَى الْوَجْه القبلي بطور السُّلْطَان. ورسم السُّلْطَان لَهُم أَلا يحضروا إِلَى الْعشْر الْأَخير من رَمَضَان. فَخَلا الجو للسُّلْطَان وَأعَاد حضير الْحمام وأحضر إِلَيْهِ عدَّة من عبيده وَأعَاد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 54 أَرْبَاب الملاعيب من الصراع والثقاف والشباك وَجرى السعاة والنطاح بالكباش ومناقرة الديوك والقمارى وَغير ذَلِك من أَنْوَاع الْفساد وَنُودِيَ بِإِطْلَاق اللّعب بذلك فِي الْقَاهِرَة ومصر. فَصَارَ للسُّلْطَان اجتماعات بالأوباش وأراذل الطوائف من الفراشين والبابية ومطيري الْحمام فَكَانَ يقف مَعَهم ويراهن على الطير الْفُلَانِيّ والطيرة الْفُلَانِيَّة. وَبينا هُوَ ذَات يَوْم مَعَهم عِنْد حضير الْحمام وَقد سيبها إِذْ أذن الْعَصْر بالقلعة والقرافة فجفلت الْحمام على مقاصرها وتطايرت. فَجرد السُّلْطَان وَبعث إِلَى المؤذنين يَأْمُرهُم أَنهم إِذا رَأَوْا الْحمام لَا يرفعون أَصْوَاتهم. وَكَانَ السُّلْطَان أَيْضا يلْعَب مَعَ الْعَوام ويلبس تبان جلد ويتعرى من ثِيَابه كلهَا ثمَّ يلْعَب مَعَهم بالعصى ويلعب بِالرُّمْحِ وبالكرة. فيظل نَهَاره مَعَ الغلمان وَالْعَبِيد الدهيشة ويحضر فِي اللَّيْل وشغف السُّلْطَان بكيدا حَتَّى كَانَ لَا يكَاد يفارقها وَاشْترى لَهَا أَمْلَاك النشو وأخيه رزق الله وصهره المخلص بِخَط الزربية فاشتراها لَهَا بِمِائَة ألف دِرْهَم. وَكَانَت هَذِه الزريبة فِي غَايَة الْحسن قد أنْفق عَلَيْهَا النشو أَمْوَالًا عَظِيمَة وَصَارَت بعد النشو إِلَى إمرأة الْأَمِير بكتمر الساقي اشْتَرَاهَا لَهَا الْأَمِير بشتاك بِنَحْوِ الْألف دِرْهَم إِلَى أَن طلبتها كيدا فَأرْسل السُّلْطَان إِلَيْهَا يستوهبها مِنْهَا فتركتها لَهُ فرسم لَهَا بِمِائَة ألف دِرْهَم وكاتبها على الْأَمْلَاك باسم كيدا فَلم يهن بهَا وَوَقعت نَار فِي دَار رزق الله جَعلتهَا دكاً. وفيهَا ارْتَفع سعر الْقَمْح من أَرْبَعِينَ درهما للأردب إِلَى خمسين وغلا اللَّحْم وَعَامة الْأَصْنَاف المأكولة حَتَّى بلغت مثلى ثمنهَا. وتوقفت الْأَحْوَال وَقلت الغلال وَكثر ة قدوم أهل النواحي إِلَى الْقَاهِرَة حَتَّى ضَاقَتْ بهم فَكَانُوا كَذَلِك مُدَّة سنة مَعَ كَثْرَة المناسر فِي الْبِلَاد والقاهرة وَقُوَّة المفسدين وقطاع الطَّرِيق بِأَرْض مصر وبلاد الْقُدس ونابلس وفتنة العشير بَعضهم مَعَ بعض. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 55 وَفِي نصفه: توجه ألجيبغا وَأحمد شاد الشرابخاناه إِلَى الصَّيْد فَأخذ السُّلْطَان فِي التَّدْبِير على أَخِيه حُسَيْن ليَقْتُلهُ وأرصد لَهُ عدَّة خدام ليهجموا عَلَيْهِ عِنْد إِمْكَان الفرصة ويغتالوه فتمارض واحترس على نَفسه فَلم يَجدوا مِنْهُ غَفلَة. وَفِي سَابِع عشره: اسْتَقر فِي الْخلَافَة أَبُو بكر بن أبي الرّبيع سُلَيْمَان ونعت بالمتعصم بِاللَّه أبي وَفِي أخريات شعْبَان: قدم الْأُمَرَاء والأمير أرقطاى النَّائِب قبل أوانهم من الصَّيْد شَيْئا بعد شَيْء وَقد بَلغهُمْ مَا كَانَ من أَفعَال السُّلْطَان فِي غيبتهم. وَفِي يَوْم السبت رَابِع رَمَضَان: زلزلت الْقَاهِرَة مرَّتَيْنِ فِي سَاعَة وَاحِدَة. وَفِيه قدم ابْن الْحَرَّانِي من دمشق بِمَال يلبغا اليحياوي فتسلمه الخدام وأنعم السُّلْطَان من ليلته على كيدا حظته بِعشْرين ألف مِنْهُ سوى الْجَوَاهِر واللآلى ونثر الذَّهَب على الخدام والجواري فاختطفوه وَهُوَ يضْحك مِنْهُم وَفرق السُّلْطَان على لعاب الْحمام والفراشين وَالْعَبِيد الذَّهَب واللؤلؤ وَصَارَ يحذفه لَهُم وهم يترامون عَلَيْهِ ويأخذونه بِحَيْثُ لم يدع مِنْهُ شَيْئا سوى القماش والتفاصيل والآنية وَالْعدَد فَإِنَّهَا صَارَت إِلَى الخزانة. فَكَانَت جملَة مَا فرقه السُّلْطَان ثَلَاثِينَ ألف دِينَار وثلاثمائة ألف دِرْهَم وجواهر وحلياً وزركشاً ومصاغاً قِيمَته زِيَادَة على ثَمَانِينَ ألف دِينَار. فَعظم ذَلِك على الْأُمَرَاء وَأخذ ألجيبغا وطنيرق يعرفان السُّلْطَان مَا يُنكره عَلَيْهِ الْأُمَرَاء من اللّعب بالحمام وتقريب الأوباش وخوفاه فَسَاد الْأَمر. فَغَضب السُّلْطَان وَأمر آقجبا شاد العمائر بخراب حضير الْحمام وأحضر الْحمام وذبحها وَاحِدًا وَاحِدًا بِيَدِهِ وَقَالَ لألجيبغا وطنيرق: وَالله لأذبحنكم كلكُمْ كَمَا ذبحت هَذَا الْحمام وتركهم وَقَامَ. فَبَاتَ ليلته وَأصْبح فَفرق جمَاعَة من خشداشية ألجيبغا وطنيرق فِي الْبِلَاد الشامية وَاسْتمرّ على إعراضه عَن الْجَمِيع وَقَالَ لحظاياه وَعِنْده مَعَهُنَّ الشَّيْخ على الكسيح: وَالله مَا بقى هُنَا لي عَيْش وَهَذَانِ الكذا وَكَذَا بِالْحَيَاةِ يعْنى ألجيبغا وطنيرق فقد أفسدا على مَا كَانَ فِيهِ سرُور واتفقا على ولابد من ذبحهما. فَنقل ذَلِك الشَّيْخ على الكسيح لألجيبغا فَإِنَّهُ الَّذِي كَانَ أوصله بالسلطان وَقَالَ لَهُ مَعَ ذَلِك: خُذ لنَفسك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 56 فوَاللَّه لايرجع عَنْك ولاعن طنيرق. فَطلب ألجيبغا صَاحبه طنيرق حَتَّى عرفه ذَلِك فأخذا فِي التَّدْبِير على السُّلْطَان وَأخذ السُّلْطَان فِي التَّدْبِير عَلَيْهِمَا. وَفِيه أخرج السُّلْطَان الْأَمِير بيبغا روس للصَّيْد بالعباسة فَإِنَّهُ كَانَ صديقا لألجيبغا وتنمر السُّلْطَان على طنيرق وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ وَبَالغ فِي تهديده. فَبعث طنيرق وألجيبغا إِلَى طشتمر طلليه وَمَا زَالا بِهِ حَتَّى وافقهما. وَدَار طنيرق على الْأُمَرَاء وَمَا مِنْهُم إِلَّا من نفرت نَفسه من السُّلْطَان وتوقع مِنْهُ أَن يفتك بِهِ. وأغراهم طنيرق بالسلطان فصاروا مَعَه يدا وَاحِدَة وكلموا الْأَمِير أرقطاى النَّائِب فِي موافقتهم وأعلموه أَنه يُرِيد الْقَبْض عَلَيْهِ وَأَكْثرُوا من تشجيعه إِلَى أَن أجابهم وتواكدوا جَمِيعًا فِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع رَمَضَان على الرّكُوب فِي يَوْم الْأَحَد ثَانِي عشره. فَبعث السُّلْطَان فِي يَوْم السبت يطْلب الْأَمِير بيبغا روس من العباسة وَقرر مَعَ الطواشي عنبر مقدم المماليك أَن يعرف المماليك السِّلَاح دارية أَن يقفوا متأهبين فَإِذا دخل بيبغا روس وَقبل الأَرْض ضربوه بسيوفهم وقطعوه قطعا. فَعلم بذلك ألجيبغا فَبعث إِلَى بيبغا يُعلمهُ بِمَا دبره السُّلْطَان من قَتله ويعرفه بِمَا وَقع من اتِّفَاق الْأُمَرَاء عَلَيْهِ بكرَة يَوْم الْأَحَد على قبَّة النَّصْر. واستعدوا ليلتهم وَنزل ألجيبغا أَوَّلهمْ من القلعة وتلاه بَقِيَّة الْأُمَرَاء فَكَانَ آخِرهم ركوباً الْأَمِير أرقطاى النَّائِب. وتوافوا بأجمهم عِنْد مطعم الطير وَإِذا بيبغا قد وصل إِلَيْهِم فأحضروا مماليكهم وأطلابهم وبعثوا فِي طلب بَقِيَّة الْأُمَرَاء فَمَا ارْتَفع النَّهَار حَتَّى وقفُوا بأجمعهم لابسين آلَة الْحَرْب عِنْد قبَّة النَّصْر. فَأمر السُّلْطَان بدق الكوسات وَبعث الأوجاقية فِي طلب الْأُمَرَاء وَجمع عَلَيْهِ طنيرق وشيخو وأرغون الكاملي وطاز وَنَحْوهم من الخاصكية فَحَضَرَ إِلَيْهِ أجناد الْحلقَة ومقدموها وعدة من الْأُمَرَاء. وَأرْسل السُّلْطَان يعتب الْأَمِير أرقطاي النَّائِب على ركُوبه فَرد جَوَابه بِأَن مملوكك الَّذِي ربيته ركب عَلَيْك وَأَعْلَمنَا فَسَاد نيتك وَقد قتلت مماليك أَبِيك وَأخذت أَمْوَالهم وهتكت حريمهم بِغَيْر مُوجب وعزمت على الفتك بِمن بَقِي وَأَنت أول من حلف أَلا تخون الْأُمَرَاء وَلَا تخرب بَيت أحد فَرد السُّلْطَان الرَّسُول إِلَيْهِ يستخبره عَمَّا يريدونه مِنْهُ حَتَّى يَفْعَله لَهُم فَأَعَادُوا جَوَابه أَنهم لابد أَن يسلطنوا غَيره فَقَالَ: مَا أَمُوت إِلَّا على ظهر فرسي فقبضوا على رَسُوله وهموا بالزحف إِلَيْهِ فَمَنعهُمْ الْأَمِير أرقطاي النَّائِب. فبادر السُّلْطَان بالركوب إِلَيْهِم وَأقَام أرغون الكاملي وشيخو فِي الميسرة وَأقَام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 57 عدَّة أُمَرَاء فِي الميمنة وَسَار بمماليكه حَتَّى وصل إِلَى قريب قبَّة النَّصْر. فَكَانَ أول من تَركه الْأَمِير أرغون الكاملي والأمير ملكتمر السعيدي ثمَّ الْأَمِير شيخو. وَأتوا الْأَمِير أرقطاي النَّائِب والأمراء وتلاهم بَقِيَّتهمْ حَتَّى جَاءَ الْأَمِير طنيرق والأمير لاجين أَمِير جاندار صهر السُّلْطَان آخِرهم. وَبَقِي السُّلْطَان فِي نَحْو عشْرين فَارِسًا فبرز لَهُ الْأَمِير بيبغا روس والأمير ألجيبغا فولى فرسه وأنهزم عَنْهُم فأدركوه وَأَحَاطُوا بِهِ. فَتقدم إِلَيْهِ بيبغا روس فَضَربهُ السُّلْطَان بطير فَأخذ الضَّرْبَة بترسه وَحمل عَلَيْهِ بِالرُّمْحِ. وتكاثروا عَلَيْهِ حَتَّى قلعوه من سَرْجه فَكَانَ بيبغا روس هُوَ الَّذِي أرداه وضربه طنيرق جرح وَجهه وأصابعه. وَسَارُوا بِهِ على فرس إِلَى تربة آقسنقر الرُّومِي تَحت الْجَبَل وذبحوه من سَاعَته قبل الْعَصْر. وَلما أنزلوه وَأَرَادُوا ذبحه توسل إِلَى الْأُمَرَاء وَهُوَ يَقُول: بِاللَّه لَا تستعجلوا على قَتْلِي وخلوني سَاعَة فَقَالُوا: فَكيف استعجلت على قتل النَّاس لَو صبرت عَلَيْهِم صَبرنَا عَلَيْك. وَصعد الْأُمَرَاء إِلَى القلعة فِي يومهم وَنَادَوْا فِي الْقَاهِرَة بالأمان والاطمئنان وَبَاتُوا بهَا لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ وَقد اتَّفقُوا على مُكَاتبَة الْأَمِير أرغون شاه نَائِب الشَّام بِمَا وَقع وَأَن يَأْخُذُوا رَأْيه فِيمَن يقيمونه سُلْطَانا. فَأَصْبحُوا وَقد اجْتمع المماليك على إِقَامَة حُسَيْن بن النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون فِي السلطة وَوَقعت بَينه وَبينهمْ مراسلات. فَقبض الْأُمَرَاء على عدَّة من المماليك ووكلوا الْأَمِير طاز بِبَاب حُسَيْن حَتَّى لَا يجْتَمع بِهِ أحد وغلقوا بَاب القلعة وهم بِآلَة الْحَرْب يومهم وَلَيْلَة الثُّلَاثَاء. وَقصد المماليك إِقَامَة الْفِتْنَة فخاف الْأُمَرَاء تَأْخِير السلطة حَتَّى يستشيروا نَائِب الشَّام أَن يَقع من المماليك مَا لَا يدْرك فارطه فَوَقع اتِّفَاقهم عِنْد ذَلِك على حسن بن النَّاصِر محد بن قلاوون فتم أمره. فَكَانَت مُدَّة المظفر حاجي سنة وَثَلَاثَة أشهر واثني عشر يَوْمًا وعمره نَحْو عشْرين سنة وَكَانَ شجاعاً جريئاً على الدُّنْيَا منهمكاً فِي الْفساد كثير الْإِتْلَاف لِلْمَالِ. السُّلْطَان الْملك النَّاصِر بدر الدّين أَبُو الْمَعَالِي الْحسن بن مُحَمَّد بن قلاوون الألفي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 58 أمه أمة تدعى كدا مَاتَت وَهُوَ صَغِير فربته خوند أردو وَدعوهُ قماري حَتَّى كَانَ من أَمر أَخِيه حاجي مَا كَانَ. وَطلب المماليك إِقَامَة حُسَيْن فِي السلطة وَبَات لَيْلَة أَكْثَرهم بِالْمَدِينَةِ لِيخْرجُوا إِلَى قبَّة النَّصْر فَقَامَ الْأُمَرَاء بسلطة حسن هَذَا وأركبوه بشعار السلطنة فِي يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع عشرى رَمَضَان سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وأجلسوه على تخت الْملك بالإيوان لقبوه بِالْملكِ النَّاصِر سيف الدّين قمارى. فَقَالَ السُّلْطَان للأمير أرقطاى نَائِب السلطة: يَا بة {مَا اسْمِي قمارى إِنَّمَا اسْمِي حسن فَقَالَ أرقطاى: يَا خوند} وَالله إِن هَذَا اسْم حسن على خيرة الله فاستقرت سلطنته وَحلف لَهُ الْأُمَرَاء على الْعَادة وعمره يَوْمئِذٍ إِحْدَى عشرَة سنة. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس عشره: اجْتمع الْأُمَرَاء وَأخرج لَهُم دِينَار الشبلي المَال فَنقل إِلَى الخزانة. وَفِيه طلب خدام المظفر وعبيده وَمن كَانَ يعاشره من الفراشين ومطيري الْحمام وسلموا لشاد الدَّوَاوِين على حمل مَا أَخَذُوهُ من المَال. فَأقر الخدام أَن الَّذِي خص كيدا فِي مُدَّة شَهْرَيْن نَحْو خَمْسَة وَثَلَاثِينَ ألف دِينَار وَمِائَتَيْنِ وَعشْرين ألف دِرْهَم وَخص العواد نَحْو سِتِّينَ ألف دِرْهَم وخفي الْإِسْكَنْدَر بن كتيلة الجنكي نَحْو الْأَرْبَعين ألف دِرْهَم وَخص العبيد والفراشين ومطيري الْحمام نَحْو مائَة ألف دِرْهَم. وَأظْهر بعض الخدام حَاصِلا تَحت يَده فِيهِ لُؤْلُؤ وجوهر قِيمَته زِيَادَة على مائَة ألف دِينَار وَفِيه تحف وتفاصيل وزركش وبدلات ثِيَاب بِنَحْوِ مائَة ألف دِينَار. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سادس عشره: قبض على الْأَمِير أيدمر الرَّزَّاق والأمير قطز أَمِير آخور والأمير ملك وَأخرج قطز لنيابة صفد وَفِيه قطعت أخباز عشْرين خَادِمًا وخبز عبد على العواد وإسكندر بن كتيلة الجنكي. وَفِيه طلبت دبيقة مغنية عرب الجيزة وَكَانَت تخايل بالقلعة وَطلبت ضامنة المغاني أَيْضا وألزمتا بِمَال فِي نَظِير مَا حصل لَهما من بَيت المَال. وَفِي يَوْم الْأَحَد تَاسِع عشره: عرضت جَمِيع الْجَوَارِي اللَّاتِي بالقلعة ورسم بتزوج من أعتق مِنْهُنَّ وَفرق باقيهن. وَفِيه قبض على الطواشي عنبر السحرتي وعَلى الْأَمِير آقسنقر أَمِير جاندار زوج أم المظفر. وَفِيه عرضت المماليك أَرْبَاب الْوَظَائِف وَأخرج مِنْهُم جمَاعَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 59 وَفِيه أحيط بأموال كيدا وأموال بَقِيَّة الحظايا وأنزلن من القلعة. وَفِيه كتبت أوراق. بمرتبات الخدام وَالْعَبِيد والجواري وَقطعت كلهَا. وَكَانَ أُمَرَاء المشورة وَالتَّدْبِير تِسْعَة وهم بيبغا روس القاسمي بألجيبغا المظفري ومنكلى بغا الفخري وطشتمر طلليه وأرقطاى النَّائِب وطاز وَأحمد شاد الشرابخاناه وأرغون الْإِسْمَاعِيلِيّ فاستقر شيخو الْعمريّ رَأس نوبَة كَبِير وشارك الْأُمَرَاء فِي تَدْبِير أُمُور المملكة. وَفِيه اسْتَقر مغلطاي أَمِير آخور عوضا عَن قطز. وَفِيه أفرج عَن بزلار. وَفِيه أنعم على فَارس الدّين قريب آل ملك بإمرة طبلخاناه. وَفِيه وَقع الِاتِّفَاق على تَخْفيف الكلف السُّلْطَانِيَّة وتقليل المصروف بِسَائِر الْجِهَات وكتبت أوراق بِمَا على الدولة من الكلف. وَفِيه أَخذ الْأُمَرَاء فِي تتبع طَائِفَة الجراكسية من المماليك وَقد كَانَ المظفر قربهم إِلَيْهِ بسفارة غرلو فَأَنَّهُ كَانَ جركسي الْجِنْس. وجلبهم المظفر من كل مَكَان حَتَّى عرفُوا بَين الْأُمَرَاء وقوى أَمرهم وَصَارَ مِنْهُم أُمَرَاء وَأَصْحَاب أخباز وتميزوا بكبر عمائمهم وَعمِلُوا كلفتاه خَارِجَة عَن الْحَد. فطلبوا الْجَمِيع وأخرجوهم منفيين خُرُوجًا فَاحِشا. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي شَوَّال: ركب الْأُمَرَاء وَأهل الدولة إِلَى الْخدمَة وكتبت أوراق من ديوَان الْجَيْش بأسماء الَّذين اشْتَروا الإقطاعات فِي الْحلقَة من أَرْبَاب الصَّنَائِع ورسم بِقطع أخبازهم فشفع الْأُمَرَاء فِي كثير مِنْهُم وَلم يقطع غير عشْرين جندياً. وَفِيه قدم جَوَاب الْأَمِير أرغون شاه نَائِب الشَّام بموافقته وَرضَاهُ بِمَا وَقع وغض من فَخر الدّين أياس نَائِب حلب. وَكَانَ الْأَمِير أرقطاى نَائِب السلطة قد أَرَادَ من الْأُمَرَاء أَن يعفوه من النِّيَابَة ويولوه بَلَدا من الْبِلَاد فَلم يوافقوا على ذَلِك. فَلَمَّا ورد كتاب الْأَمِير أرغون شاه نَائِب الشَّام يذكر فِيهِ أَن أياس يصغر عَن نِيَابَة حلب فَأَنَّهُ لَا يصلح لَهَا إِلَّا رجل شيخ كَبِير الْقدر لَهُ ذكر وشهرة وَطلب الْأَمِير أرقطاى نِيَابَة حلب فأجال الْأُمَرَاء الرَّأْي فِي ذَلِك إِلَى أَن اتَّفقُوا عَلَيْهِ. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْخَمِيس خامسه واجتمعوا لخدمة خلع الْأَمِير بيبغا روس القاسمي وَاسْتقر فِي نِيَابَة السلطنة عوضا عَن أرقطاي. وخلع على أَمِير أرقطاي وَاسْتقر فِي نِيَابَة حلب عوضا عَن فَخر الدّين أياس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 60 وَخرج بتشريفهما. فَجَلَسَ بيبغا روس فِي دست النِّيَابَة وبيبغا جَالس دونه. وَفِي يَوْم السبت سابعه: قدم أَمِير منجك اليوسفي السلحدار أَخُو النَّائِب بيبغا روس من الشَّام فرسم لَهُ بتقدمة ألف وخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر وزيراً وأستادارا. وَخرج فِي موكب عَظِيم والأمراء فِي خدمته فَصَارَ حكم مصر للأخوين بيبغا روس ومنجك السِّلَاح دَار. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء عاشره: سَار أرقطاى مُتَوَجها إِلَى حلب وصحبته الْأَمِير كشلي الأدريسي متسفرا. وَكَانَ قد رسم بِنَقْل الْأُمَرَاء المقتولين بالإسكندرية فنقلوا إِلَى الْقَاهِرَة. وَدفن الْأَمِير قمار أَخِيه الْأَمِير بكتمر الساقى قبلى القرافة. وَدفن الْأَمِير أرغون العلائي بخانكاته من القرافة. وَدفن الْأَمِير قوصون بخانكاته دَاخل بَاب القرافة. وَدفن الْأَمِير بشتاك الجاولي فَوق جبل الْكَبْش. وَدفن الْأَمِير ملكتمر الْحِجَازِي فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سَابِع عشري رَمَضَان. بِموضع من قصر الزمرد عِنْد رحبة بَاب الْعِيد من الْقَاهِرَة أنشأته لَهُ زَوجته ثمَّ عملته مدرسة تعرف الْيَوْم بالحجازية وَدفن الْملك الْأَشْرَف كجك بجماع آقسنقر من التبانة قَرِيبا من القلعة بجوار قبر زوج أمه آقسنقر. وَأخرج يُوسُف وَشَعْبَان ورمضان النَّاصِر مُحَمَّد ودفنوا. بمواضع أُخْرَى. وَسلم الْأَمِير تمر الموساوى لأَهله فدفنوه بتربتهم. وَنقل جمَاعَة كثير سواهُم وَلم يعْهَد مثل ذَلِك فِي الدولة التركية. وَفِيه خلع على الشَّيْخ عَلَاء الدّين عَليّ بن الْفَخر عُثْمَان بن إِبْرَاهِيم المارديني الْمَعْرُوف بِابْن التركماني الْحَنَفِيّ وَاسْتقر فِي قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة. بِمصْر عوضا عَن زين الدّين عمر بن عبد الرَّحْمَن البسطائي. وَفِيه رسم بِكِتَابَة أوراق بكلف الدولة وفر مِنْهَا مبلغ سِتِّينَ ألف دِرْهَم فِي كل شهر من جامكية المماليك. وَقطعت جوامك الخدم والجواري والبيوتات ووفر كثير من رواتب لزوجات السُّلْطَان وكيدا واتفاق وَقطعت رواتب المغاني. وَقطع من الإصطبل السلطاني جمَاعَة مَا بَين أَمِير آخورية وسر آخورية وسياس وغلمان ووفر من رواتب عليق الْخُيُول نَحْو خمسين أردبا فِي الْيَوْم. وَقطعت الكلابزية وَكَانُوا خمسين جوقة كلاب فاستقروا جوقتين. وَقطعت رواتب كثير من الأسرى والعتالين والمستخدمين فِي العمائر وأبطلوا العمائر من بَيت السُّلْطَان. وَاسْتقر مَصْرُوف الْحَوَائِج خاناه فِي كل يَوْم ثَمَانِيَة عشر ألف دِرْهَم بَعْدَمَا كَانَ أحدا وَعشْرين ألف دِرْهَم فتوفر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 61 مِنْهُ ثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم. وَاشْتَدَّ الْوَزير منجك على أَرْبَاب الدَّوَاوِين وَتكلم فيهم حَتَّى خافوه بأسرهم وَقَامُوا لَهُ بتقادم تلِيق بِهِ فَلم يمضى شهر حَتَّى أنس بهم وَاعْتمد عَلَيْهِم فِي أُمُوره كلهَا. واستدعى الْوَزير منجك أَيْضا وُلَاة الأقاليم والزم آقبغا وَالِي الْمحلة. بِمِائَة ألف دِرْهَم وَولى أسندمر القلنجيقى الغربية ثمَّ عَزله وَولى قطليجا مَمْلُوك بكتمر وَولي أسندمر الْقَاهِرَة وأضاف لَهُ الْجِهَات يتحدث فِيهَا. وَفِيه أنعم على أَمِير أرغون الكاملي بتقدمة ألف وأنعم بإقطاعه على يلجك ابْن أُخْت قوصون. وَفِيه قدم سيف فَخر الدّين أياس نَائِب حلب على يَد عمر شاه. وَقد قبض عمر شاه على أياس وأحضره إِلَى الْقَاهِرَة فَحمل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة. وَفِيه قدم الْخَبَر بِكَثْرَة فَسَاد العربان بالصعيد والفيوم فَخرج ابْن طقزدمر وَمَعَهُ خَمْسَة أُمَرَاء طبلخاناه إِلَى الْوَجْه القبلي وَخرج بكلمش أَمِير شكار فِي عده أُمَرَاء إِلَى الفيوم. وَفِيه اسْتَقر طغيه فِي ولَايَة قوص عوضا عَن إِسْمَاعِيل الوافدي وَقد فر بأمواله من قوص. ثمَّ نقل طغيه إِلَى كاشف الْوَجْه القبلي عوضا عَن عَلَاء الدّين على بن الكوارنى وَاسْتقر ابْن المزوق فِي ولَايَة قوص. وَاسْتقر مجد الدّين مُوسَى الهذباني فِي ولَايَة الأشمونين عوضا عَن ابْن فتسامع النَّاس بِولَايَة الْوَزير منجك الْأَعْمَال بِالْمَالِ وَأَنه قد انْفَتح بَاب الْأَخْذ وَالعطَاء فهرعوا إِلَيْهِ من حلب ودمشق وَسَائِر النواحي ورتب الْوَزير بِبَابِهِ جمَاعَة لاستقضاء النَّاس وَقَضَاء أشغالهم - وَفِي أول ذِي الْقعدَة: قدم الْخَبَر بِأَن الْأُمَرَاء المجردين أوقعوا بالعرب وَقتلُوا مِنْهُم جمَاعَة ونهبوا مَا وجدوه فَانْهَزَمَ باقيهم إِلَى جِهَة الواحات. وَفِيه توقفت أَحْوَال الدولة وتحسن السّعر فاتفق الْأُمَرَاء ورتبوا لنفقة السُّلْطَان فِي كل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 62 يَوْم مائَة دِرْهَم تكون بِيَدِهِ. فَكَانَ خادمه يحضر فِي كل يَوْم إِلَى علم الدّين بن زنبور نَاظر الخزانة وَهُوَ جَالس بخزانة الْخَاص من القلعة يُطَالِبهُ. بِمِائَة دِرْهَم فَيكْتب لمباشري الخزانة بِصَرْف جامكية السُّلْطَان وصلا يَأْخُذهُ صيرفي الخزانة عِنْده ويزن للخادم الْمِائَة دِرْهَم فَيدْخل بهَا إِلَى السُّلْطَان ليتوسع بهَا فِيمَا يعن لَهُ. وَكَانَ هَذَا راتبه كل يَوْم وَلم يسمع. بِمثل ذَلِك أَن يكون ملك يجلس على تخت الْملك وَيصرف الْأُمُور بِالْعَزْلِ وَالْولَايَة وَتحمل إِلَيْهِ أَمْوَال مصر وَالشَّام وَلَا يتَصَرَّف مِنْهَا فِي شَيْء. وَذَلِكَ أَن الْأُمَرَاء تحالفوا - بعد خُرُوج الْأَمِير أرقطاى النَّائِب إِلَى حلب - أَن يَكُونُوا يدا وَاحِدَة وكلمتهم وَاحِدَة وَلَا يدْخل بَينهم غَرِيب وَأَن يكون الْأَمِير شيخو إِلَيْهِ أَمر خزانَة الْخَاص ويراجعه عَليّ الدّين عبد الله بن زنبور نَاظر الْخَاص ويتصرف بأَمْره وَأَن يكون الْأَمِير بيبغا روس يتحدث فِي المملكة فَيخرج الإقطاعات للأجناد والإمرات لِلْأُمَرَاءِ. بِمصْر وَالشَّام وَإِلَيْهِ يرجع أَمر نواب الشَّام أَيْضا وَأَنَّهُمْ يَجْتَمعُونَ للمشورة بَين يَدي السُّلْطَان فِيمَا يَتَجَدَّد وَألا يدعوا السُّلْطَان يتَصَرَّف فِي المَال وَلَا ينعم على أحد وَلَا يُمكن من شَيْء يَطْلُبهُ فمشت الْأُمُور على هَذَا. وَفِيه وقف نَحْو الْمِائَتَيْنِ مِمَّن كَانَ بِخِدْمَة الْأُمَرَاء للنائب بيبغا روس يَشكونَ البطالة ففرقوا على كل أَمِير مائَة ثَلَاثَة نفر وعَلى كل أَمِير طبلخاناه اثْنَيْنِ وعَلى كل أَمِير عشرَة وَاحِدًا وَمن لم يكن من الْأُمَرَاء عِنْده إقطاع محلول يرتب للْوَاحِد مِنْهُم مائَة دِرْهَم وأردبين غلَّة فِي الشَّهْر. فَمن الْأُمَرَاء من قبل وَمِنْهُم من أَبى أَن يقبل مِنْهُم أحدا وَفِيه تراسل المماليك الجراكسة والأمير حُسَيْن بن النَّاصِر مُحَمَّد على أَن يقيموه سُلْطَانا فَقبض على أَرْبَعِينَ من الجراكسة وأخرجوا على الهجن مفرقين إِلَى الْبِلَاد الشامية ثمَّ قبض على سِتَّة وضربوا قُدَّام الإيوان بالقلعة ضربا مبرحاً وقيدوا وحبسوا بخزانة شمايل. ثمَّ عملت الْخدمَة بالإيوان وَتمّ الِاتِّفَاق على أَن الْأُمَرَاء إِذا أنفضوا من خدمَة الإيوان دخل أُمَرَاء المشورة المقدمين إِلَى الْقصر دون من عداهم من بَقِيَّة الْأُمَرَاء ونفذوا الْأُمُور على اختيارهم من غير أَن يشاركهم أحد من الْأُمَرَاء فِي ذَلِك. وَكَانُوا إِذا حَضَرُوا الْخدمَة بالإيوان خرج الْأَمِير منكلى بغا الفخري والأمير بيغرا والأمير بيبغا ططر والأمير طيبغا المجدى والأمير أرلان وَسَائِر الْأُمَرَاء فيمضون لحالهم إِلَّا أُمَرَاء المشورة وَالتَّدْبِير وهم الْأَمِير بيبغا النَّائِب والأمير شيخو الْعمريّ والوزير منجك والأمير ألجيبغا المظفري والأمير طاز والأمير طنيرق فَإِنَّهُم يدْخلُونَ إِلَى الْقصر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 63 وينفذون أَحْوَال الدولة بَين يَدي السُّلْطَان بِمُقْتَضى علمهمْ وَحسب اختيارهم فتمضي الْأُمُور على ذَلِك وَلَا يشاركهم أحد فِي شَيْء من أَحْوَال الدولة. وَفِيه قدم الْأَمِير كشلى الإدريسي من حلب فِي تَاسِع عشره بِكِتَاب الْأَمِير أرقطاى نَائِب حلب أَنه قدمهَا فِي ثَانِيه فَكَانَت جملَة مَا أنعم بِهِ عَلَيْهِ من ذهب وخيل وقماش نَحْو مائَة ألف دِرْهَم. وَفِيه كتب لنائب الشَّام أرغون شاه أَن يعْمل بِرَأْيهِ فِي نِيَابَة دمشق ويتحكم فِي جَمِيع الْأَحْوَال من غير مُشَاورَة. وَفِي مستهل ذِي الْحجَّة: قدم الْأُمَرَاء المجردون الْوَجْه القبلي وَقد أثروا آثارا قبيحة من سفك الدِّمَاء وَنهب الْأَمْوَال بِغَيْر حق فَإِن أَرْبَاب الجرائم فروا فِي الْبَريَّة فأوقعوا بأصحاب الزروع. وَفِيه كتب لطغيه كاشف الْوَجْه القبلي برمي الشّعير على بِلَاد الْأُمَرَاء والأجناد وجباية عشرَة آلَاف أردب مِنْهَا بِسعْر عشرَة دَرَاهِم الأردب فَطلب طغيه مقطعي الْبِلَاد وَفرق فيهم المَال وواتفق فِي هَذِه السّنة حُدُوث حر شَدِيد لم يعْهَد مثل بِأَرْض مصر مُدَّة أَيَّام ثمَّ أعقب الْحر ريح من جِهَة برقه مرت بِبِلَاد الْبحيرَة والغربية تحمل تُرَابا أصفر بلون الزَّعْفَرَان لبس الزَّرْع لبساً حَتَّى أيس النَّاس مِنْهُ. فَبعث الله مَطَرا مُدَّة يَوْم وَلَيْلَة غسلت ذَلِك التُّرَاب كُله فَأصْبح من غَد يَوْم الْمَطَر وَقد جَاءَ تُرَاب أصفر أَشد من الأول وَالزَّرْع مبتل فلصق بالزروع وَاسْتمرّ عَلَيْهَا. وَقد خامر الْيَأْس من الزروع قُلُوب النَّاس وتيقنوا الْهَلَاك فتدارك الله النَّاس بِلُطْفِهِ وَبعث ندا كثيرا فِي الأسحار فأنحل التُّرَاب عَن أَخّرهُ وَلما أدْركْت الغلال لحقها بعض الهيف. وَفِيه قدم كثير من أهل دمشق للسعي من بَاب الْوَزير منجك فِي المباشرات مِنْهُم ابْن السلعوس وَصَلَاح الدّين بن الْمُؤَيد وَابْن الْأَجَل وَابْن عبد الْحق فولى ابْن الْأَجَل نظر الشَّام وَتوجه إِلَى دمشق فَضَربهُ الْأَمِير أرغون شاه نَائِب الشَّام ضربا مؤلماً وَأخذ خلعته وَكتب بِسَبَبِهِ إِلَى مصر يغض مِنْهُ فرسم أَن من طلب وَظِيفَة بِغَيْر كتاب نَائِب الشَّام شنق وَأخذ مَاله. وَفِيه اسْتَقر جمال الدّين مُحَمَّد بن زين الدّين عبد الرَّحِيم المسلاتي فِي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن شرف الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر بن ظافر بعد وَفَاته. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 64 وَفِي هَذِه السّنة: استجد. بِمَدِينَة حلب قَاض مالكي وقاض حنبلي فولى قَضَاء الْمَالِكِيَّة بهَا شهَاب الدّين أَحْمد بن ياسين الرباحي وَولي قَضَاء الْحَنَابِلَة بهَا شرف الدّين أَبُو البركات مُوسَى وفيهَا كَانَ الغلاء بِأَرْض مصر وَالشَّام حَتَّى بِيعَتْ غرارة الْقَمْح فِي دمشق بثلاثمائة دِرْهَم ثمَّ أنحط السّعر. وفيهَا توقف النّيل فِي أَوَائِل أَيَّام الزِّيَادَة فارتفع سعر الغلال. ثمَّ توالت الزِّيَادَة حَتَّى كَانَ الْوَفَاء فِي رَابِع جُمَادَى الأولى وَهُوَ تَاسِع مسرى وانتهت الزِّيَادَة إِلَى سِتَّة عشر ذِرَاعا واثنين وَعشْرين إصبعاً. ثمَّ تناقص النّيل نَحْو سبع أَصَابِع إِلَى عيد الصَّلِيب فَرد نَقصه وَزَاد حَتَّى بلغ سَبْعَة عشر وَخمْس أَصَابِع. هَذَا وسعر الْغلَّة يتزايد إِلَى أَن بلغ الأردب سِتِّينَ دِرْهَم ثمَّ تناقص حَتَّى بيع بِعشْرين درهما. وَمَات فِيهَا من الْأَعْيَان تَقِيّ الدّين أَحْمد بن الْجمال سُلَيْمَان بن مُحَمَّد بن هِلَال الدِّمَشْقِي بهَا فِي لَيْلَة الْجُمُعَة سادس رَجَب. وَقد ولي بِدِمَشْق وكَالَة بَيت المَال والحسبة وتوقيع الدست ثمَّ نظر النظار وَقدم الْقَاهِرَة غير مرّة. وَمَات الْأَمِير آقسنقر الناصرى مقتولا فِي يَوْم الْأَحَد تَاسِع عشر ربيع الآخر وَكَانَ السُّلْطَان النَّاصِر مُحَمَّد قد اخْتصَّ بِهِ وزوجه ابْنَته وَجعله أَمِير شكار ثمَّ نَائِب غَزَّة. وأعيد بعده فِي أَيَّام الصَّالح إِسْمَاعِيل فِي مصر وَعمل أَمِير آخور. ثمَّ اسْتَقر فِي نِيَابَة طرابلس مُدَّة وأحضر إِلَى مصر فِي أَيَّام شعْبَان الكاملي وَعظم قدره ودبر الدولة فِي أَيَّام المظفر حاجي حَتَّى قَتله. وَكَانَ وَمَات الْأَمِير بيدمر البدري مقتولا بغزة فِي أَوَائِل جُمَادَى الآخر. وَهُوَ أحد المماليك الناصرية وَولي نِيَابَة حلب واليه تنْسب الْمدرسَة الأيدمرية بِالْقَاهِرَةِ قَرِيبا من المشهد الْحُسَيْنِي. وَتُوفِّي قاضى الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق عماد الدّين على بن محيى الدّين أَحْمد بن عبد الْوَاحِد ابْن عبد الْمُنعم بن عبد الصَّمد الطرسوسي عَن تسع وَسبعين سنة بَعْدَمَا ترك الْقَضَاء لوَلَده وَانْقطع بداره. وَمَات أَمِير عَليّ بن الْأَمِير قراسنقر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 65 وَتُوفِّي قاضى الْمَالِكِيَّة وَشَيخ الشُّيُوخ بِدِمَشْق شرف الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر بن ظافر عبد الْوَهَّاب الْهَمدَانِي فِي ثَالِث الْحرم عَن ثَلَاث وَسبعين سنة. وَتُوفِّي الْحَافِظ شمس الدّين بن أَحْمد بن عُثْمَان بن قايماز الذَّهَبِيّ صَاحب التصانيف الْكَثِيرَة فِي الحَدِيث والتاريخ وَغير ذَلِك فِي ثَالِث ذِي الْقعدَة ومولده فِي ربيع الآخر سنة ثَلَاث وَسبعين وسِتمِائَة. وَمَات الْأَمِير الْوَزير نجم الدّين بن عَليّ بن شروين الْمَعْرُوف بوزير بَغْدَاد مقتولا بغزة فِي أَوَائِل جُمَادَى الآخر. قدم من بَغْدَاد إِلَى الْقَاهِرَة وَولي الوزارة ثَلَاث مَرَّات فَشَكَرت سيرته وَعرف بالمكارم. وَله خانكاه بالقرافة بجوار تربة كافور الْهِنْدِيّ. وَمَات قوام الدّين مَسْعُود بن مُحَمَّد بن سهل الْكرْمَانِي الْحَنَفِيّ بِدِمَشْق وَقد جَاوز الثَّمَانِينَ سنة وَكَانَ بارعاً فِي الْفِقْه والنحو وَالْأُصُول وَله شعر. وَمَات الْأَمِير نجم الدّين دَاوُد بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن الزيبق بِدِمَشْق فِي سادس رَجَب وتنقل فِي ولايات مصر وَالشَّام. وَمَات أَمِير بني عقبَة بدر الدّين شطي بن عبِّيَّة لَيْلَة عيد الْأَضْحَى وأنعم على ولديه أَحْمد ونصير بإمرته. وَمَات الْأَمِير طرنطاى البشمقدار فِي شعْبَان. وَمَات الْأَمِير ملكتمر الْحِجَازِي مقتولا فِي تَاسِع عشر ربيع الآخر. وَكَانَ من مماليك شمس الدّين أَحْمد بن يحيى بن مُحَمَّد بن عمر الشهرزوري فبذل لَهُ فِيهِ السُّلْطَان النَّاصِر مُحَمَّد زِيَادَة على مائَة ألف دِرْهَم حَتَّى ابتاعه لَهُ مِنْهُ الْمجد السلَامِي. بِمَكَّة لما حج ابْن الشهرزورى. وَقدم بِهِ الْمجد السلَامِي إِلَى السُّلْطَان النَّاصِر مُحَمَّد فَلم ير. بِمصْر أحسن مِنْهُ وَلَا أظرف فَعرف بالحجازي وحظى عِنْد السُّلْطَان حَتَّى زوجه بابنته وَكَانَ مدمن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 66 الْخمر مرتبه مِنْهُ فِي كل يَوْم زنة خمسين رطلا. لم تسمع مِنْهُ كلمة فحش قطّ وَلَا توَسط بِسوء أبدا مَعَ سخاء النَّفس وَعدم الشَّرّ. وَمَات الْأَمِير طغيتمر النجمي الدوادار صَاحب الخانكاه النجمية خَارج بَاب المحروق. وَمَات الْأَمِير يلبغا اليحياوي نَائِب الشَّام قتلا بقاقون وَهُوَ من المماليك الناصرية الَّذين شغف بهم السُّلْطَان النَّاصِر مُحَمَّد وَعمر لَهُ الدَّار الْعَظِيمَة الَّتِي موضعهَا الْآن مدرسة السُّلْطَان حسن وَولي نِيَابَة حلب ثمَّ نِيَابَة دمشق وَعمر بهَا الْجَامِع الْمَعْرُوف بِجَامِع يلبغا بسوق الْخَيل وَلم يكمله فكمل بعد مَوته. وَكَانَ كَرِيمًا يبلغ إنعامه فِي كل سنة على مماليكه مائَة وَعشْرين فرسا وَثَمَانِينَ حياصة ذهب وَمَات إِسْمَاعِيل وَأَوْلَاده قتلا بالإسكندرية. وَمَات الْأَمِير أرغون العلائي أحد المماليك الناصرية. رقاه السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد وزوجه أم ابنيه شعْبَان وَإِسْمَاعِيل وَعَمله لالا أَوْلَاده فدبر الدولة فِي أَيَّام ربيبه الصَّالح إِسْمَاعِيل وشكرت سيرته ثمَّ قَامَ بدولة شعْبَان الْكَامِل حَتَّى قتل وَإِلَيْهِ تنْسب خانكاه العلائي بالقرافة. وَكَانَ كَرِيمًا ينعم فِي السّنة. بمائتين وَثَلَاثِينَ فرسا ومبلغ أَرْبَعِينَ ألف دِينَار على الْأُمَرَاء وَغَيرهم. وَقتل أيتمش عبد الْغَنِيّ وتمر وقراجا وصمغار. وَقتل بقلعة الْجَبَل الْأَمِير شُجَاع الدّين غرلو فِي خَامِس عشر جُمَادَى الْآخِرَة. وَكَانَ من أرمن قلعة الرّوم ويدعى أَنه جركسي الْجِنْس. وَقدم مصر وخدم فِي جملَة أوجاقية الْأَمِير بهادر المغربي وَصَارَ بعده أوجاقيا عِنْد الْأَمِير بكتمر الساقي ثمَّ عمله أَمِير آخور حَتَّى مَاتَ بكتمر ثمَّ خدم الْأَمِير بشتاك ثمَّ تنكر عَلَيْهِ بشتاك وضربه لتحامقه وَأخرجه فولى ولَايَة أشمون ثمَّ اسْتَقر فِي ولَايَة الْقَاهِرَة وانتقل إِلَى وَظِيفَة شاد الدَّوَاوِين وأحدث مظالم كَثِيرَة. وَجمع الجراكسة على المظفر حاجي لأَنهم من جنسة وَعظم فِي الدولة المظفرية حَتَّى قتل كَمَا تقدم. وَقتل السُّلْطَان المظفر حاجي فِي مُدَّة أَرْبَعِينَ يَوْمًا أحدا وَثَلَاثِينَ أَمِير مِنْهُم أحد عشر أُمَرَاء أُلُوف. وَقتل متملك تونس أَبُو حَفْص عمر بن أبي بكر بن يحيى بن إِبْرَاهِيم بن يحيى بن عبد الْوَاحِد بن أبي حقص فِي جُمَادَى الْآخِرَة فَكَانَت مدَّته نَحوا من أحد عشر شهرا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 67 وَكَانَ قد بُويِعَ أَخُوهُ الْعَبَّاس أَحْمد فِي تَاسِع رَمَضَان سنة سبع وَأَرْبَعين ثمَّ قتل بعد سَبْعَة أَيَّام. وَمَات الشَّيْخ حسن بن النوين أرتنا ملك الرّوم فِي شَوَّال. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 68 (سنة تسع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة) أهلت بِيَوْم الثُّلَاثَاء وَهُوَ الْخَامِس من برمودة وَالشَّمْس فِي الدرجَة التَّاسِعَة عشر من برج الْحمل أول برج فصل الرّبيع. فِي يَوْم الثُّلَاثَاء أول الْمحرم: قدم الْخَبَر بقتل إِسْمَاعِيل الوافدي وَالِي قوص بعد فراره مِنْهَا وَقد جمع عَلَيْهِ عدَّة من الوافدية يُرِيد تملك بِلَاد السوادن فحاربوه وقتلوه وَمن مَعَه بأسرهم وَأخذُوا مِنْهُم مَالا كَبِيرا. وَفِيه خلع على الْأَمِير عَلَاء الدّين على بن الكوراني وَاسْتقر فِي ولَايَة الْقَاهِرَة عوضا عَن أسندمر القلنجقى بعد مَوته - وَأخرج ابْن الكوراني من السجْن أَرْبَعِينَ مسجوناً وَفعل بهم من الْقَتْل وَالْقطع مَا توجبه جرائمهم شرعا. وَفِيه قبض على الشَّيْخ عَليّ الكسيح نديم المظفر حاجي وَضرب بالمقارع والكسارات ضربا عَظِيما وقلعت أَضْرَاسه وأسنانه شَيْئا بعد شَيْء فِي عدَّة أَيَّام وَنَوع لَهُ الْعَذَاب أنواعاً حَتَّى هلك. وَكَانَ شنع المنظر لَهُ حدبة فِي ظَهره وحدبة فِي صَدره كسيحاً لَا يسْتَطع الْقيام إِنَّمَا يحمل على ظهر غُلَامه. وَكَانَ يلوذ بألجيبغا المظفري وَهُوَ مَمْلُوك فَعرف بِهِ ألجيبغا الْملك المظفر حاجي فَصَارَ يضحكه. وَصَارَ المظفر يخرج عَلَيْهِ ويعاقره الشَّرَاب فتهبه الحظايا شَيْئا كثيرا. ثمَّ زوجه المظفر حاجي بِإِحْدَى حظاياه وَصَارَ يسْأَله عَن النَّاس فينقل لَهُ أخبارهم على مَا يُرِيد وداخله فِي قَضَاء الأشغال فخافه الْأُمَرَاء وَغَيرهم خشيَة لستانه وصانعوه بِالْمَالِ حَتَّى كثرت أَمْوَاله بِحَيْثُ أَنه إِذا دخل خزانَة الْخَاص لابد أَن يُعْطِيهِ نَاظر الخزانة مِنْهَا شَيْئا لَهُ قدر وَيدخل عَلَيْهِ الْخَاص حَتَّى يقبله مِنْهُ. وَإِذا دخل إِلَى النَّائِب أرقطاى استعاذ من شَره ثمَّ قَامَ لَهُ وترحب بِهِ وسقاه مشروبا وَقضى شغله الَّذِي جَاءَ بِسَبَبِهِ وَأَعْطَاهُ ألف دِرْهَم من يَده وَاعْتذر إِلَيْهِ فَيَقُول للنائب: هَا أَنا أَدخل على ابْني السُّلْطَان فأعرفه أحسانك. فَلَمَّا زَالَت دولة المظفر حاجي عَنى بِهِ ألجيبغا إِلَى أَن شكاه عبد الْعَزِيز العجمي - أحد أَصْحَاب الْأَمِير قراسنقر - على مَال أَخذه مِنْهُ لما قبض عَلَيْهِ غرلو بعد قتل قراسنقر حَتَّى خلصه مِنْهُ فتذكره أهل الدولة وسلموه إِلَى الْوَالِي فعاقبه وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْوَزير منجك حَتَّى أهلكه. وَفِيه رجمت الْعَامَّة ابْن الأطروش الْمُحْتَسب. وَسَببه أَن السّعر لما تحسن بلغ الْخبز سِتَّة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 69 أَرْطَال وَسَبْعَة أَرْطَال بدرهم عمل بعض الخبازين خبْزًا ونادى عَلَيْهِ ثَمَانِيَة أَرْطَال بدرهم فَطَلَبه الْمُحْتَسب وضربه فثارت الْعَامَّة بِهِ وَرَجَمُوا بَابه حَتَّى ركب الْوَالِي وَضرب مِنْهُم جمَاعَة. وَفِيه توحش مَا بَين الْأَمِير شيخو والأمير بيبغا روس نَائِب السُّلْطَان. وَسَببه أَن نَفَقَة السُّلْطَان الْمِائَة دِرْهَم دخلت إِلَيْهِ على الْعَادة فَطلب مِنْهُ أحد المماليك ثَلَاثمِائَة دِرْهَم فَبعث إِلَى الْأَمِير شيخو يطْلب مِنْهُ ذَلِك فَقَالَ لقاصده: أيش تعْمل بِالدَّرَاهِمِ وأيش لَهُ حَاجَة بهَا وَمَا ثمَّ هَذَا الْوَقْت شَيْء. فعز عَلَيْهِ ذَلِك لما بلغه وَأرْسل يطْلب هَذَا الْمبلغ من النَّائِب بيبغا روس فَبعث إِلَيْهِ ثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم. وَقَامَت قِيَامَة شيخو وَأقَام أَيَّامًا لَا يحدث النَّائِب بيبغا روس حَتَّى دخل بَينهمَا الْوَزير منجك وَسَأَلَ عَن سَبَب الْغَضَب على النَّائِب. فَقَالَ لَهُ شيخو: أَنا مَا كَانَ عِنْدِي دَرَاهِم أَسِيرهَا للسُّلْطَان لَكِن حفظت مَا اتفقنا عَلَيْهِ فَعمل النَّائِب وَجهه أَبيض عِنْد السُّلْطَان وسود وَجْهي فَمَا زَالَ بِهِ الْوَزير منجك حَتَّى رضى. وَفِيه قدم الْخَبَر بِوُقُوع الْحَرْب بَين سيف بن فضل وَعمر بن مُوسَى بن مهنا أسر فِيهَا سيف وَقتل أَخُوهُ وَجَمَاعَة من أَصْحَابه. وَفِيه توقف أَمر الدولة على الْوَزير منجك فَقطع سِتِّينَ من السواقين ووفر لحمهم ومعلومهم وكسوتهم وعليقهم وَقطع كثيرا من الركابين والنجابة وَقطع كثيرا من المباشرين حَتَّى وفر فِي كل يَوْم أحد عشر ألف دِرْهَم. وَفتح ابْن منجك بَاب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 70 المفايضات بالأخباز والنزولات عَنْهَا وَأخذ من ذَلِك مَالا كثيرا وَحكم على أَخِيه الْأَمِير بيبغا روس النَّائِب بتمشية هَذَا فَاشْترى الإقطاعات كثير من الْعَامَّة. وَفِيه قدم خبر من طرابلس بِأَن قبرص وَقع بهَا فنَاء عَظِيم هلك فِيهِ خلق كثير. وَفِيه مَاتَ ثَلَاثَة مُلُوك فِي شهر وَاحِد وَأَن جمَاعَة مِنْهُم ركبُوا الْبَحْر إِلَى بعض الجزائر فهلكوا عَن آخِرهم. وَفِي رَابِع عشريه: قدم الْحَاج. وَفِي خَامِس عشريه: قبض على الطواشي عنبر السحرتي مقدم المماليك فِي الدولة المظفرية وَكَانَ قد أخرج إِلَى الْمُقَدّس وَحج مِنْهُ بِغَيْر إِذن وَقدم الْقَاهِرَة. فَأنْكر عَلَيْهِ حجه بِغَيْر إِذن وَأخذت أَمْوَاله ثمَّ أخرج إِلَى الْقُدس. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَالِث ربيع الأول: عزل الْأَمِير منجك من الوزارة. وَسبب ذَلِك أَن علم الدّين عبد الله بن زنبور نَاظر الْخَاص قدم من الاسكندرية بِالْحملِ على الْعَادة فَوَقع الِاتِّفَاق على تفرقته فِي الْأُمَرَاء فَحمل إِلَى الْأَمِير بيبغا روس النَّائِب مِنْهُ ثَلَاثَة آلَاف دِينَار وَإِلَى الْأَمِير شيخو ثَلَاثَة آلَاف دِينَار ولجماعة من الْأُمَرَاء كل وَاحِد ألف دِينَار ولجماعة أُخْرَى مِنْهُم كل أَمِير ألف دِينَار فَامْتنعَ شيخو من الْأَخْذ وَقَالَ: أَنا مَا يحل لي أَن أَخذ من هَذَا شَيْئا وَقدم أَيْضا حمل قطيا وَهُوَ مبلغ سبعين ألف دِرْهَم وَكَانَت قطيا قد أرصدت لنفقة المماليك فَأخذ الْوَزير منجك من الْحمل أَرْبَعِينَ ألف وَزعم أَنَّهَا كَانَت قرضا فِي نَفَقَة المماليك. فَوقف المماليك إِلَى الْأَمِير شيخو وَشَكوا الْوَزير بِسَبَبِهَا فَحدث الْأَمِير شيخو الْوَزير فِي الْخدمَة ليردها فَلم يفعل وَأخذ فِي الْحَط على ابْن زنبور نَاظر الْخَاص وَأَنه يَأْكُل المَال جَمِيعه وَطلب إِضَافَة نظر الْخَاص لَهُ مَعَ الوزارة والأستادرية. وألح منجك فِي ذَلِك عدَّة أَيَّام فَمَنعه شيخو من ذَلِك وَشد من أزر ابْن زنبور وَقَامَ بالمحاققة عَنهُ حَتَّى غضب منجك بِحَضْرَة الْأُمَرَاء فِي الْخدمَة. فَمنع الْأَمِير بيبغا روس النَّائِب الْوَزير منجك من التحدث فِي الْخَاص وانفض الْجمع وَقد تنكر كل مِنْهُمَا على الآخر. فكثرت القالة بالركوب على النَّائِب ومنجك حَتَّى بلغهما ذَلِك فَطلب النَّائِب الاعفاء من النِّيَابَة وَإِخْرَاج أَخِيه منجك من الوزارة وأبدأ وَأعَاد حَتَّى طَال الْكَلَام. وَوَقع الِاتِّفَاق على عزل منجك من الوزارة واستقراره أستادارا وشادا على عمل الجسور فِي النّيل. وَفِيه طلب الْأَمِير أسندمر الْعمريّ الْمَعْرُوف برسلان بصل من كشف الجسور ليتولى الوزارة. فَخلع عَلَيْهِ فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ رَابِع عشريه خلعة الوزارة وَخرج إِلَى قاعة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 71 الصاحب وَجلسَ والموفق نَاظر الدولة والمستوفون وَطلب جَمِيع المشدين وأرباب الْوَظَائِف. وَفِيه أخرج الْأَمِير أَحْمد شاد الشربخاناه إِلَى نِيَابَة صفد وَسبب ذَلِك أَنه كَانَ قد كبر فِي نَفسه وَقَامَ مَعَ المماليك على المظفر حَتَّى قتل. ثمَّ أَخذ فِي تَحْرِيك الْفِتْنَة وَاتفقَ مَعَ ألجيبغا وطنبرق على الرّكُوب. فَبلغ الْأَمِير بيبغا روس النَّائِب الْخَبَر فَطلب الإعفاء من النِّيَابَة وَذكر مَا بلغه. وَرمى أَحْمد شاد الشرابخاناه بِأَنَّهُ صَاحب فتن ولابد من إخراجهم من بَينهم فَطلب أَحْمد وخلع عَلَيْهِ وَأخرج من يَوْمه. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس عشريه: اجْتمع الْقُضَاة الْأَرْبَعَة وَالْفُقَهَاء وَكثير من الْأُمَرَاء بالجامع الحاكمي وقرأوا الْقُرْآن ودعوا الله. ثمَّ اجْتَمعُوا ثَانِيًا فِي عصر النَّهَار فَبعث الله مَطَرا كثيرا. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشريه: امْتنع النَّائِب من الرّكُوب فِي الموكب وَأجَاب بِأَنَّهُ ترك النِّيَابَة. فَطلب إِلَى الْخدمَة وَسُئِلَ عَن سَبَب تغيره فَذكر أَن الْأُمَرَاء المظفرية تُرِيدُ إثارة الْفِتْنَة وتبيت خيولهم فِي كل لَيْلَة مشدودة وَقد اتَّفقُوا على مسكه وَأَشَارَ لألجيبغا وطنيرق. فأنكرا مَا ذكر عَنْهُمَا فحاققهما الْأَمِير أرغون الكاملي أَن ألجيبغا واعده بالْأَمْس على الرّكُوب فِي الْغَد إِلَى الموكب ومسك بيبغا روس النَّائِب والوزير منجك فعوتب ألجيبغا على هَذَا فَاعْتَذر بِعُذْر لم يقبل مِنْهُ وَظهر صدق مَا رمي بِهِ فَخلع عَلَيْهِ بنيابة طرابلس وعَلى طينرق بإمرة فِي دمشق وَأَخْرَجَا من يومهما. فَقَامَ فِي حق طينرق صهره الْأَمِير طشتمر طلليه حَتَّى أعفي من السّفر وَتوجه ألجيبغا لطرابلس فِي ثَانِي ربيع الآخر بَعْدَمَا أمْهل أَيَّامًا فَأَقَامَ الْأُمَرَاء على حذر وقلق مُدَّة أَيَّام. وَكَانَ مَاء النّيل قد نشف فِيمَا بَين مَدِينَة مصر ومنشأة المهراني إِلَى زربية قوصون وفم الخور وَفِيمَا بَين الرَّوْضَة والجزيرة الْوُسْطَى وَصَارَ فِي أَيَّام احتراق النّيل رمالاً وَكَانَ قد ركب فِي الْأَيَّام الْمَاضِيَة جمَاعَة من الْأُمَرَاء والمهندسين ورؤساء المراكب للكشف عَن ذَلِك وقاسوا مَا بَين الجيزة والمقياس ليعملوه جِسْرًا. فَقَالَ الريس يُوسُف: مَا يستد هَذَا الْبَحْر أبدا وَمَتى مَا سديتوه مَال على الجيزة وأخربها وَرَأى الْأَمِير طقزدمر النَّائِب أَن عمل هَذَا الجسر يدْفع قُوَّة المَاء إِلَى بر مصر وبولاق وَيخرب مَا هُنَاكَ من الْأَمْلَاك. فَقَامَ الْأَمِير ملكتمر الْحِجَازِي فِي شكر رجل عِنْده قد تكفل بسد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 72 ذَلِك وَقَامَ الْأَمِير طغيتمر النجمي بشكر رجل آخر. فرسم بإحضار الرجلَيْن وَنزل النَّائِب والوزير لعمل ذَلِك وهما مَعَهُمَا فاستدعى صَاحب الْحِجَازِي بالخشاب والصواري الْكِبَار والحلفاء وَطلب مراكب لتملأ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى يغرقها من جِهَة المقياس ويعمله سداً ثمَّ يرجع إِلَى السد الثَّانِي فيسده بِالتُّرَابِ وَطلب الأبقار والجراريف فخالفه الآخر صَاحب طغيتمر وَقَالَ بل يسد من بُسْتَان الذَّهَبِيّ إِلَى رَأس الجزيرة وَالْتزم أَنه لَا يصرف عَلَيْهِ سوى أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم فَسخرَ مِنْهُ جَمِيع من حضر النَّائِب كَيفَ يكون هَذَا فَذكر أَنه يسده بالحلفاء والخوص فعادوا إِلَى السُّلْطَان المظفر حاجي فالتزم لَهُ أَن يسد الجسر. مِمَّا تقدم ذكره على أَن يُعْطِيهِ إقطاعاً ويرتب لَهُ لَحْمًا وعليقاً وَأَن لم يسده شنقه السُّلْطَان. فرسم للأمير أسندمر الكاشف ولشاد العمائر بِالْوُقُوفِ مَعَه فِي الْعَمَل فاستدعى الرجل بأخشاب وحلفاء وخوازيق وَطلب الرِّجَال وابتدأ الْعَمَل من مَوضِع قَلِيل المَاء تجاه بُسْتَان الذَّهَبِيّ وَرمى فِيهِ التُّرَاب والحلفاء ودكه بالرمال مُدَّة أُسْبُوع. وَكلما سد موضعا بِالنَّهَارِ قطعه المَاء بِاللَّيْلِ وَعَاد كَمَا كَانَ فَظهر جَهله وَقصد السُّلْطَان تأديبه حَتَّى شفع فِيهِ النَّائِب. فَقَامَ صَاحب الْحِجَازِي بِالْعَمَلِ وَكتب تَقْدِير مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من صواري وأخشاب وَغَيرهَا مائَة وَخمسين ألف دِرْهَم وَذَلِكَ عَن ثمن خَمْسمِائَة صاري وَألف حسنية وَألف حجر عرض ذراعين فِي مثلهَا وَخَمْسَة آلَاف شنف وَغير ذَلِك فرسم بجباية ذَلِك من الْأَمْلَاك الَّتِي على شاطئ النّيل من رَأس الخليج إِلَى آخر بولاق فاستخرج مِنْهَا هُوَ سبعين ألف دِرْهَم وَكَانَ من انْتِقَاض الدولة المظفرية مَا كَانَ. فَلَمَّا كَانَ فِي سنة تسع وَأَرْبَعين هَذِه وَقع الْكَلَام فِي ذَلِك فَأَرَادَ الْأَمِير شيخو أَن يكون عمله على الْأُمَرَاء والأجناد وفلاحي الْبِلَاد فَلم يُوَافقهُ الْأَمِير منجك وَاحْتج بِقرب زِيَادَة النّيل وَأَن الغلات قد تعطل حملهَا فِي النّيل من النواحي لقلَّة المَاء فِي مَوَاضِع الْحمل وَالْتزم بِعَمَلِهِ من غير أَن يسخر فِيهِ أحدا. فيكب الْأَمِير بيبغا روس النَّائِب والأمير شيخو والأمير منجك وَعَامة الْأُمَرَاء إِلَى الجزيرة وقاسوا مِنْهَا إِلَى المقياس ليعْمَل هُنَاكَ جسر. فَذكرت البحارة أَن هَذَا الْموضع لَا يُمكن سَده لِكَثْرَة كلفه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 73 وَأَنَّهُمْ إِن سدوه أضرّ بِبِلَاد الجيزة وقوى المَاء على جِهَة مصر وأضر وأتلف مَا على النّيل من الدّور فسفه الْأَمِير منجك رَأْيهمْ ورد قَوْلهم وَالْتزم لِلْأُمَرَاءِ بسده. فعادوا وقدروا مصروفه على الْأُمَرَاء والأجناد وَالْكتاب وَأَصْحَاب الْأَمْلَاك وَسَائِر النَّاس وَكتب أوراق من ديوَان الْجَيْش بأسماء الأجناد والأمراء وَعبر إقطاعاتهم. وَفرض على كل مائَة دِينَار دِرْهَم وَاحِد وَفرض على كل أَمِير من أُمَرَاء الألوف مَا بَين أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم إِلَى خَمْسَة آلَاف دِرْهَم وَفرض على بَقِيَّة الْأُمَرَاء الطبلخاناه والعشرات بحسبهم. ورسم أَن يُؤْخَذ من كل كَاتب أَمِير مقدم مبلغ مِائَتي دِرْهَم وَمن كل كَاتب أَمِير طبلخاناه مائَة دِرْهَم. وَفرض على كل حَانُوت من حوانيت التُّجَّار والباعة دِرْهَم وعَلى كل دَار بِالْقَاهِرَةِ ومصر وظواهرهما دِرْهَمَانِ وعَلى كل بُسْتَان عشرَة دَرَاهِم الفدان وَبَعضهَا أَخذ مِنْهُ عَن كل فدان عشرُون درهما وعَلى كل حجر من حِجَارَة الطواحين خَمْسَة دَرَاهِم. وجبى من كل صهريج مَاء بتربة أَو مدرسة مَا بَين عشر دَرَاهِم إِلَى خَمْسَة دَرَاهِم وَمن كل تربة مَا بَين ثَلَاثَة دَرَاهِم إِلَى دِرْهَمَيْنِ وضقعت الْأَمْلَاك الَّتِي استجدت من الدّور والبساتين وَغَيرهَا فِيمَا بَين بولاق إِلَى كوم الريش ومنية السيرج والأحكار الَّتِي عمزت على الخليج الناصري وبركة الطوابين الْمَعْرُوفَة ببركة الرطلى وقنطرة الْحَاجِب وَأَرْض الطبالة وجامع حكر أخي صاروحا وقيست كلهَا وَأخذ عَن كل ذِرَاع خَمْسَة عشر درهما وَأخذ من أقمنة الطوابين والفواخير. وَطلب مباشرو أوقاف الشَّافِعِي وأوقاف الْمدَارِس الصالحية والظاهرية والمارستان وَسَائِر الْأَوْقَاف وألزموا بِمَال. وَكتب بِطَلَب الرهبان من الديارات بِالْأَعْمَالِ وَقرر على كل مِنْهُم مَا بَين المائتي دِرْهَم إِلَى الْمِائَة دِرْهَم وَأَن يُؤْخَذ عَن كل نَخْلَة بِبِلَاد الصَّعِيد دِرْهَم. وجبى من المتعيشين فِي الْقَاهِرَة ومصر مَا بَين دِرْهَم كل وَاحِد إِلَى عشرَة دَرَاهِم وَمن كل قاعة ثَلَاثَة دَرَاهِم وَمن كل طبقَة دِرْهَمَانِ وَمن كل مخزن أَو اسطبل دِرْهَم وَمن كل فندق وخان بِحَسبِهِ. وَقرر على ضامنة المغاني خَمْسَة آلَاف دِرْهَم. وَعمل مَوضِع الْمُسْتَخْرج من النَّاس خَان مسرور بِالْقَاهِرَةِ وشاد الْمُسْتَخْرج الْأَمِير تِلْكَ. وَعمل لكل جِهَة من هَذَا الْجِهَات شاد وَكَاتب وعدة أعوان من الرُّسُل وصيرفي. فارتجت أَحْوَال المدينتين وأعمالهما وَبَطلَت الْأَسْبَاب لسعى النَّاس فِيمَا عَلَيْهِم وتسلطت العرفاء وَالضَّمان وَأَصْحَاب الرباع وَالرسل على كل أحد فَلم يبْق رجل وَلَا امْرَأَة حَتَّى جبوا مِنْهُ وَكَانَ الْوَاحِد مِنْهُم يغرم للرقاص والصيرفي والشاد وَيُعْطِي أُجْرَة الشُّهُود الَّذين يشْهدُونَ عَلَيْهِ أَنه قَامَ. مِمَّا عَلَيْهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 74 وَشرع منحك فِي جَمِيع الْأَصْنَاف الْمُحْتَاج إِلَيْهَا وَضرب لَهُ خياماً على جَانب النّيل بالروضة. وَنُودِيَ فِي النَّاس من أَرَادَ الْعَمَل فَلهُ دِرْهَم وَنصف وَثَلَاثَة أرغفة خبز فَاجْتمع لَهُ خلائق وَعمل لَهُم موضعا يَسْتَظِلُّونَ فِيهِ حر الشَّمْس ورفق منجك بهم فِي الْعَمَل. وَأقَام منجك عدَّة من الحجارين لقطع الْحِجَارَة من الْجَبَل ونقلها إِلَى السَّاحِل وَحملهَا فِي المراكب لبر الجيزة لعمل جسر من الجيزة إِلَى المقياس. ورتب منجك عمل جسر آخر من الرَّوْضَة إِلَى الجزيرة الْوُسْطَى وَأقَام الأخشاب بجانبي كل جسر مِنْهُمَا وردم التُّرَاب وَالْحِجَارَة فِي وَسطه مَعَ الحلفاء ورتب جمال السُّلْطَان لقطع الطين من بر الرَّوْضَة ورميه بوسط الجسر وَأقَام على كل جِهَة شادين ومستحثين. وَأقَام منجك الصارم شاد العمائر على الْعَمَل ورسم أَلا يتاخر عَنهُ صانع والزم تجار مصر وَغَيرهم بِنَقْل التُّرَاب إِلَى الجسر فَكَانَ الرجل مِنْهُم يغرم فِي نقل التُّرَاب مَا بَين الْخَمْسمِائَةِ إِلَى آلَاف دِرْهَم ورميت عشر مراكب مَمْلُوءَة حِجَارَة فِي وسط جسر المقياس. وَلم يزل الْعَمَل مُدَّة أَرْبَعَة أشهر أَولهَا مستهل الْمحرم وَآخِرهَا سلخ ربيع الآخر. وَكَانَ منجك قد حفر أَيْضا خليجاً تَحت الدّور من موردة الحلفاء إِلَى بولاق فَلَمَّا زَاد النّيل جرى المَاء فِيهِ ودخلته المراكب الصغار. ففرح النَّاس بِهِ وسروا سُرُورًا زَائِدا ونسوا مَا نزل بهم من الغرامة وَالْمَشَقَّة. غير أَن الشناعة قَامَت على منجك لِكَثْرَة مَا جبى من الْأَمْوَال الْعَظِيمَة حَتَّى أَرَادَ بيبغا روس النَّائِب مَنعه من ذَلِك فَلم يقبل مِنْهُ وَلم يتم من الْعَمَل سوى ثُلثَيْهِ وقويت الزِّيَادَة فَبَطل الْعَمَل. وَكَانَ القاع فِي هَذِه السّنة أَرْبَعَة أَذْرع وَنُودِيَ فِي أول الزِّيَادَة بإصبعين ثمَّ بِعشر أَصَابِع ثمَّ بِخَمْسَة عشر إصبعا ثمَّ بثمان ثمَّ بِعشْرين. وَلم تزل الزِّيَادَة تقوى حَتَّى غرقت المقاتي والتقى الْبَحْر بِرَأْس الخليج الَّذِي استجد فِيهِ المَاء. ثمَّ علا المَاء على الجسر وَكَاد يقطعهُ. فَركب منجك وَمَعَهُ وَالِي الجيزة وخلائق من الْعَامَّة والأمراء وردمه بِالتُّرَابِ فَانْدفع المَاء إِلَى جِهَة الميدان وزربية قوصن. فَكَانَ قِيَاس جسر الجزيرة الْوُسْطَى مِائَتي قَصَبَة فِي عرض ثَمَانِي قصبات وارتفاع أَربع قصبات وَطول جسر المقياس مِائَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ قَصَبَة وعدة مَا رمى فِيهِ من المراكب الْحجر اثْنَا عشر ألف مركب سوى التُّرَاب والطين وَغرم عَلَيْهِ مَا لَا يُمكن حصره. وَيُقَال إِنَّه جبى من النَّاس بِسَبَبِهِ زِيَادَة على ثَلَاثمِائَة ألف دِينَار فَإِن الرجل كَانَ يفْرض عَلَيْهِ دِرْهَمَانِ فَيغرم فِيمَا تقدم ذكره عشرَة دَرَاهِم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 75 (وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ خَامِس عشر ربيع الآخر) أُعِيد الْأَمِير منجك اٍ لى الوزارة باستعفاء أسندمر الْعُمْرَى لتوقف أَحْوَال الدولة. وَفِيه أخرج من الْأُمَرَاء المظفرية لاجين العلائى وطيبغا المظفرى ومنكلى بغا المظفرى وفُرقوا بِبِلَاد الشَّام. وَفِيه قدم من جِهَة أَولاد جوبان قَاصد. بِمَال لعمارة عين جوبان بِمَكَّة وإجراء المَاء إِلَيْهَا وَقد انْقَطع. فَلم توَافق الْأُمَرَاء على ذَلِك وعينوا فَارس الدّين قريب ال ملك لعمارتها صُحْبَة الرجبية. ورُسم لقاضى الْقُضَاة عز الدّين بن جمَاعَة بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا من مَال الْحَرَمَيْنِ فاً خُذ فى الاهتمام للسَّفر. وَفِيه خلع على أيتمش الناصرى الْحَاجِب وَاسْتقر أَمِير جاندار. وَفِيه خلع على الْأَمِير جركتمر وَاسْتقر نَائِب الكرك بعد وَفَاة تمربغا العقيلى وَفِيه قدمت هَدِيَّة الْأَمِير شاه نَائِب الشَّام وقوده بِزِيَادَة عَمَّا جرت بِهِ الْعَادة وهى مائَة وَأَرْبَعُونَ فرسا بعبى تدممرية فَوْقهَا أجلة أطلس ومقاود سلاسلها فضَّة ولواوين بحلق فضَّة وَأَرْبَعَة قطر هجن سلاسل مقاردها الْحَرِير من فضَّة وَذهب وأكوارها مغشاة بِذَهَب وَأَرْبَعَة كنافيش ذهب عَلَيْهَا ألقاب السُّلْطَان وتعابى قماش مفتخر. وَلم يدع الْأَمِير أرغون شاه نَائِب الشَّام أحدَا من الْأُمَرَاء المقدمين وَلَا من أَرْبَاب الْوَظَائِف حَتَّى الْفراش ومقدم الاسطبل ومقدم الطبلخاناه والطباخ حَتَّى بعث إِلَيْهِم هَدِيَّة. فَخلع على مَمْلُوكه عدَّة خلع وكُتب إِلَيْهِ بِزِيَادَة على اٍ قطاعه ورسم لَهُ بتفويض حكم الشَّام اٍ ليه يعْزل ويولى بِحَسب اخْتِيَاره. وَفِيه خلع على صدر الدّين الكازاتى بمشيخة الشُّيُوخ بخانكاه سرياقرس عرضاعن الرُّكْن الملطى. وَكَانَ هَذَا الرجل قد ورد اٍ لى مصر وَأقَام بهَا لَا يؤبه لَهُ حَتَّى نِيَابَة بيبغا روس ووزارة منجك فتردد إِلَيْهِمَا وَأظْهر التزهد وَمَعْرِفَة الْعلم وصنف كتابا على مَذْهَب الْحَنَفِيَّة بالتركى وَقدمه لَهما فراج بِهِ عِنْدهمَا وَكَانَ قد تحرّك للحنفية حَظّ مندْ أَعْوَام. ثمَّ سَأَلَهُمَا صدر الدّين هَذَا فى مشيخة الشُّيُوخ جْمع بيبغا روس النَّائِب الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد الأصفهانى وَعَامة صوفية الخوانك وشمايخها بِجَامِع القلعة وعرفهما الْأَمِير قبلاى الْحَاجِب عَن الْأَمِير بيبغا روس النَّائِب أَن الرُّكْن الملطى لَهُ مُنْذُ غَابَ سبع سِنِين وَقد ثبتَتْ عِنْده وَفَاته وَعين عوضه الكازاتى ة فأنكروا بأجمعهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 76 ولَايَته وَوَضَعُوا مِنْهُ فشق ذَلِك على الْأَمِير بيبغا روس النَّائِب ورسم بحضورهم بعد الْعَصْر فِي الْخدمَة. فَلَمَّا حَضَرُوا خلع بيبغا روس على الكازاتي فَلم يتَكَلَّم أحد مِنْهُم فَنزل وهم مَعَه. وَفِيه أنعم على خَلِيل بن قوصون بإمرة طبلخاناه وعَلى ابْن المجدي بإمرة طبلخاناه أَيْضا. وَفِي جُمَادَى الأولى: ركب السُّلْطَان إِلَى الميدان على الْعَادة ثمَّ خرج إِلَى نَاحيَة سرياقوس فِي أول جماد الأولى وَأقَام بهَا أَيَّامًا. فَكثر تسلط السراق على النَّاس فَوكل بهم الْوَزير منجك عرب بني صبرَة بإقطاعات وندبهم للرُّكُوب فِي اللَّيْل ودركهم تِلْكَ الْأَرَاضِي. وَفِي مستهل رَجَب: جهز لعمارة عين جوبان من مَال الْحَرَمَيْنِ مبلغ مِائَتي ألف دِرْهَم. وَفِيه قدم الْخَبَر بوقعة كَانَت بَين الشَّيْخ حسن وَأَوْلَاد دمرداش وانتصر فِيهَا أَوْلَاد دمرادش وَقتلُوا كثيرا من عَسْكَر الشَّيْخ حسن. وَفِيه قدم أَحْمد بن مهنا فَخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر فِي إمرة الْعَرَب وَتوجه إِلَى بِلَاده وَهُوَ مَرِيض وَفِيه أنعم على الْأَمِير أسندمر الْعمريّ بإمرة كوكاى المنصوري بعد مَوته وأنعم بإمرة أسندمر على الْأَمِير نوروز. وَفِيه أوقعت الحوطة على بَقِيَّة مَوْجُود عنبر السحرتي بعد مَوته. وَفِيه ولي الْوَزير مازان الغربيه وَولي ابْن سلمَان منوف عوضا عَن مازان وَولي صَلَاح الدّين بن العنتابي البهنساوية وَكَانَ جملَة مَا أَخذ من الْمَذْكُورين سِتَّة آلَاف دِينَار. وَفِيه سَار ركب الْحجَّاج الرجبية على الْعَادة. وَفِيه أنعم على ابْن الْوَزير منجك بإمرة مائَة. وَفِيه وفر إقطاع الْأَمِير قشتمر شاد الدَّوَاوِين وأقطع المماليك وأنعم عَلَيْهِ باقطاع الْأَمِير جركتمر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 77 وَفِيه وفرت جوامك جمَاعَة ورواتبهم. وَفِيه قصد عدَّة من أَطْرَاف النَّاس بَاب الْوَزير للسعي فِي الْوَظَائِف. بِمَال فَلم يرد أحدا وَكثر طعن الْأُمَرَاء فِيهِ بِسَبَب ذَلِك. وَفِيه توجه الْأَمِير طاز لسرحة الْبحيرَة وأنعم عَلَيْهِ بِأَلف عليقة. وَفِيه توجه ببيغا روس النَّائِب إِلَى العباسة ثمَّ توجه إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فأنعم عَلَيْهِ من مَالهَا بِسِتَّة آلَاف دِينَار وأتته تقادم جليلة. وَفِي هَذَا الْأَيَّام: كثر سُقُوط الدّور الَّتِي على النّيل وَذَلِكَ أَن مَاء النّيل كثرت زِيَادَته فِي ابْتِدَاء أوانها حَتَّى غرقت المقاتى كَمَا تقدم ذكره إِلَى أَن كَانَ الْوَفَاء فِي يَوْم الْجُمُعَة أول جُمَادَى الأولى وَهُوَ ثامن مسرى. ثمَّ ولت زِيَادَته وَتوقف أَيَّامًا ثمَّ نقص إِلَى يَوْم عيد الصَّلِيب حمس أَصَابِع فقلق النَّاس قلقا زَائِدا. فَمن الله بِزِيَادَتِهِ حَتَّى رد مَا نَقصه وَثَبت على سَبْعَة عشر ذِرَاعا وثمان عشرَة إصبعا. فَشَمَلَ الرّيّ الْبِلَاد وانحط سعر الغلال. فَلَمَّا أَخذ مَاء النّيل فِي الهبوط تساقطت الدّور الْمُجَاورَة للْمَاء شَيْئا بعد شَيْء ثمَّ سقط أحد عشر بَيْتا بِنَاحِيَة بولاق دفْعَة وَاحِدَة من شدَّة القلقيلة فَإِن المَاء لما عمل الجسر الَّذِي تقدم ذكره انْدفع على نَاحيَة بولاق وقوى هُنَاكَ حَتَّى سَقَطت الدّور الْمَذْكُورَة وَسقط مَا خلفهَا وَذهب فِيهَا مَال كَبِير للنَّاس فِي الْغَرق وَنهب الأوباش. ثمَّ خرب ربع السنافي وَقطعَة من ربع الخطيرى وعدة دور. وَفِيه كثرت الْأَخْبَار بِوُقُوع الوباء فِي عَامَّة أَرض مصر وتحسين جَمِيع الأسعار وَكَثْرَة أمراض النَّاس بِالْقَاهِرَةِ ومصر فَخرج السُّلْطَان والأمراء إِلَى سرياقوس. فَكثر الوباء حَتَّى بلغ فِي شعْبَان عدد من يَمُوت فِي كل يَوْم مِائَتي إِنْسَان فَوَقع الِاتِّفَاق على صَوْم السُّلْطَان شهر رَمَضَان بسرياقوس. وَفِيه قدم محْضر ثَابت على قاضى حلب بِجَمَاعَة من القادمين إِلَيْهَا أَنهم شاهدوا بواد فِي نَاحيَة توريز أفاعي ذَات خلق عَظِيم من الطول والضخامة وَقد اجْتمع مِنْهَا عدد كثير جدا. وَصَارَت فرْقَتَيْن واقتتلت يَوْمًا كَامِلا حَتَّى دخل اللَّيْل فافترقوا ثمَّ عَادوا من الْغَد بكزة النَّهَار إِلَى الْقِتَال وَأَقَامُوا كَذَلِك ثَلَاثَة أَيَّام. وَفِي الْيَوْم الرَّابِع قويت إِحْدَى الْفرْقَتَيْنِ على الْأُخْرَى وَقتلت مِنْهَا مقتلة عَظِيمَة وَانْهَزَمَ بَاقِيهَا فَلم تدع فِي هزيمتها حجرا إِلَّا قصمته وَلَا شَجرا إِلَّا قلعته من أَصله وَلَا حَيَوَانا إِلَّا أتلفته فَكَانَ منْظرًا مهولا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 78 وَفِيه قدم فياض بن مهنا بقوده وَفِيه اثْنَان وَسَبْعُونَ فرسا أقلهَا بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم وأوسطها بِعشْرين ألفا وأغلاها بِثَلَاثِينَ ألفا سوى الهجن وَغَيرهَا. وَقدم صحبته أَحْمد ططر أَمِير بني كلاب وندا أَمِير آل مرا فَأكْرم ندا وَأحمد ططر وأعيدا إِلَى بلادهما وَقبض على فياض وَأخذت خيوله وَمَا مَعَه وَحمل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجن بهَا. وَفِيه قدم الْخَبَر بقتل الْأَمِير صعبه كاشف الْوَجْه القبلي فِيمَا بَين عَرك وَبني هِلَال وَقتل كثير من أَصْحَابه وَأخذ مَا مَعَهم. وَشن الْعَرَب بعد قَتله الغارات على الْبِلَاد وأمعنوا فِي نهب الغلال وَقطع الطرقات وَذَلِكَ بعد دُخُولهمْ سيوط ونهبها. فعين عشرَة أُمَرَاء للتجريدة ثمَّ تَأَخّر سفرهم خوفًا على الزَّرْع وَفِي ثَالِث ذِي الْحجَّة: أخرج الْأَمِير طشبغا الدوادار إِلَى الشَّام. وَسَببه مُفَاوَضَة جرت لَهُ مَعَ عَلَاء الدّين عَليّ بن فضل الله كَاتب السِّرّ أفضت بِهِ إِلَى أَن أَخذ بأطواق كَاتب السِّرّ ودخلا على الْأَمِير شيخو كَذَلِك. فَأنْكر شيخو عَلَيْهِ ذَلِك وبقى بطالا وَعمل قطليجا الأرغوني دواداراً عوضه. وَفِيه أنعم على جاورجي مَمْلُوك قوصون بإمرة عشرَة وعَلى عرب بن نَاصِر الدّين الشيخي بإمرة طبلخاناه. وَفِيه قدم محمل سيس بِحَق النّصْف لخراب الْبِلَاد من كَثْرَة الفناء بهَا. وَفِيه كتب بِولَايَة حياد بن مهنا إمرة الْعَرَب. وَفِيه قدم الْخَبَر بِخُرُوج عشير الشَّام عَن الطَّاعَة وَكَثْرَة الحروب بَينهم وَقتل بَعضهم بَعْضًا وَنهب الغرد ونابلس وَكَثْرَة فَسَاد عرب الكرك وقطعهم الطرقات وكسرهم الْأَمِير جركتمر نَائِب الكرك. وَفِيه أخرج يلجك قريب لنيابة غَزَّة عوضا عَن أَحْمد الساقي وَقدم أَحْمد الساقي إِلَى مصر. وَفِيه انْحَلَّت إقطاعيات كَثِيرَة لمَوْت النَّاس فوفر الْوَزير جوازك الْحَاشِيَة ورواتبها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 79 وَقطعت مثالات لجَمِيع أَرْبَاب الْوَظَائِف وَأَصْحَاب الأشغال والمرتبين فِي الصَّدقَات وَالْكتاب والموقعين والمماليك السُّلْطَانِيَّة على قدر مَا بِأَسْمَائِهِمْ. وَفِيه توقفت الْأَحْوَال بِالْقَاهِرَةِ ومصر وغلقت أَكثر الحوانيت بِسَبَب زغل الْفُلُوس بالرصاص والنحاس. فَنُوديَ أَلا يَأْخُذ من الْفُلُوس إِلَّا مَا عَلَيْهِ سكَّة وَبرد الرصاص والنحاس الْأَصْفَر فمشت الْأَحْوَال. وَفِيه رسم أَن يجلس الْأَمِير بيغرا أَمِير جندار رَأس الميسرة وَاسْتقر الْأَمِير أيتمش الناصري عوضا أَمِير جندار وَاسْتقر الْأَمِير قبلاوي حاحب الْحجاب عوضا عَن أيتمش. وَفِيه اسْتَقر ابْن الأطروش فِي قَضَاء الْعَسْكَر على مَذْهَب أَبى حنيفَة وَلم يعرف أحدا قبله ولي هَذَا. بِمصْر وَاسْتقر تَاج الدّين مُحَمَّد بن إِسْحَاق الْمَنَاوِيّ فِي قَضَاء الْعَسْكَر على مَذْهَب الشَّافِعِي. وَفِيه اسْتَقر خَاص ترك بن طغيه الكاشف فِي ولَايَة منفلوط وَاسْتقر مجد الدّين مُوسَى بن الهذباني وَالِي الأشمونين فِي كشف الْوَجْه القبلي بعد قتل طغيه بِمَ وَنقل مُحَمَّد ابْن أياس الدويداري من ولَايَة أشموم إِلَى ولَايَة البهنساوية. وَفِيه اسْتَقر نجم الدّين عبد القاهر بن عبد الله بن يُوسُف فِي قَضَاء الشَّافِعِيَّة بحلب عوضا عَن نور الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الصابغ بعد وَفَاته. وَاسْتقر زين الدّين عمر بن يُوسُف بن عبد الله بن أبي السفاح كَاتب السِّرّ بحلب عوضا عَن جمال الدّين إِبْرَاهِيم بن الشهَاب مَحْمُود. وفيهَا وجد للشَّيْخ حسن مُتَوَلِّي بَغْدَاد بدار الْخلَافَة دَفِينا فِي خربة مبلغ نَحْو عشرَة قناطير دمشقية ذَهَبا. فَكَانَت سنة كَثِيرَة الْفساد فِي عَامَّة أَرض مصر وَالشَّام من كَثْرَة النِّفَاق وَقطع الطَّرِيق وَولَايَة الْوَزير منجك جَمِيع أَعمال المملكة بِالْمَالِ وانفراده وأخيه الْأَمِير بيبغا روس النَّائِب بِالتَّدْبِيرِ دون كل أحد. وَمَعَ ذَلِك فَكَانَ فِيهَا الوباء الَّذِي لم يعْهَد فِي الْإِسْلَام مثله فَإِنَّهُ ابْتَدَأَ بِأَرْض مصر آخر أَيَّام التخضير وَذَلِكَ فِي فصل الخريف فِي أثْنَاء سنة ثَمَان وَأَرْبَعين. وَمَا أهل محرم سنة تسع وَأَرْبَعين حَتَّى انْتَشَر الوباء فِي الإقليم بأسره وَاشْتَدَّ بديار مصر فِي شعْبَان ورمضان وشوال وارتفع فِي نصف ذِي الْقعدَة. وَكَانَ يَمُوت بِالْقَاهِرَةِ ومصر مَا بَين عشرَة آلَاف إِلَى خَمْسَة عشر ألف إِلَى عشْرين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 80 ألف نفس فِي كل يَوْم. وعملت النَّاس التوابيت والدكك لتغسيل الْمَوْتَى للسبيل بِغَيْر أجره وَحمل أَكثر الْمَوْتَى على أَلْوَاح الْخشب وعَلى السلالم والأبواب وحفرت الحفائر وألقوا فِيهَا. وَكَانَت الحفرة يدْفن فِيهَا الثَّلَاثُونَ وَالْأَرْبَعُونَ وَأكْثر. وَكَانَ الْمَوْت بالطاعون يبصق الْإِنْسَان دَمًا ثمَّ يَصِيح وَيَمُوت وَعم مَعَ ذَلِك الغلاء الدُّنْيَا جَمِيعهَا. وَلم يكن هَذَا الوباء كَمَا عهد فِي إقليم دون إقليم بل عَم أقاليم الأَرْض شرقا وغربا وَشمَالًا وجنوبا جَمِيع أَجنَاس بني أَدَم وَغَيرهم حَتَّى حيتان الْبَحْر وطير السَّمَاء ووحش الْبر. وَأول ابْتِدَائه من بِلَاد القان الْكَبِير حَيْثُ الإقليم الأول وَبعدهَا من توريز إِلَى أَخّرهَا سِتَّة أشهر وهى بِلَاد الخطا والمغل وَأَهْلهَا يعْبدُونَ النَّار وَالشَّمْس وَالْقَمَر وتزيد عدتهمْ على ثَلَاثمِائَة جنس. فهلكوا بأجمعهم من غير عِلّة فِي مشاتيهم ومصايفهم وَفِي مراعيهم وعَلى ظُهُور خيولهم وَمَاتَتْ خيولهم وصاروا كلهم جيفاً مرمية فَوق الأَرْض وَذَلِكَ فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة على مَا وصلت بِهِ الْأَخْبَار من بِلَاد أزبك ثمَّ حملت الرّيح نتنتهم إِلَى الْبِلَاد فَمَا مرت على بلد وَلَا خركاه وَلَا أَرض إِلَّا وَسَاعَة يشمها إِنْسَان أَو حَيَوَان مَاتَ لوقته وساعته. فَهَلَك من زوق القان الْكَبِير خلائق لَا يُحْصى عَددهَا إِلَّا الله وَمَات القان وَأَوْلَاده السِّتَّة وَلم يبْق بِذَاكَ الإقليم من يحكمه. ثمَّ اتَّصل الوباء بِبِلَاد الشرق جَمِيعهَا وبلاد أزبك وبلاد اسطنبول وقيصرية الرّوم وَدخل إِلَى أنطاكية حَتَّى باد أَهلهَا. وَخرج جمَاعَة من جبال أنطاكية فارين من الْمَوْت فماتوا بأجمعهم فِي طريقهم وبدت فرس مِنْهُم بعد مَوْتهمْ عَائِدَة إِلَى جبالهم فَأخذ بَقِيَّة من تَأَخّر بهَا فِي تتبع آثَارهم حَتَّى تعرف خبرهم فَأخذُوا مَا تركُوا من المَال وعادوا فَأَخذهُم الْمَوْت أَيْضا فِي طريقهم وَلم يرجع إِلَى الْجَبَل إِلَّا الْقَلِيل فماتوا مَعَ أَهَالِيهمْ جَمِيعًا إِلَّا قَلِيلا نَجوا إِلَى بِلَاد الرّوم فَأَصَابَهُمْ الوباء. وَعم الوباء بِلَاد قرمان وقيصرية وَجَمِيع جبالها وأعمالها ففني أَهلهَا ودوابهم ومواشيهم. فرحلت الأكراد خوفًا من الْمَوْت فَلم يَجدوا أَرضًا إِلَّا وفيهَا الْمَوْتَى فعادوا إِلَى أَرضهم وماتوا جَمِيعًا. وَعظم الموتان بِبِلَاد سيس وَمَات من أهل تكفور فِي يَوْم وَاحِد. بِموضع وَاحِد مائَة وَثَمَانُونَ نفسا وخلت سيس وبلادها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 81 وَوَقع فِي بِلَاد الخطا مطر لم يعْهَد مثله فِي غير أَوَانه فَمَاتَتْ دوابهم ومواشيهم عقيب ذَلِك الْمَطَر حَتَّى فنيت ثمَّ مَاتَ النَّاس والطيور والوحوش حَتَّى خلت بِلَاد الخطا وَهلك سِتَّة عشر ملكا فِي مُدَّة ثَلَاثَة أشهر. وباد أهل الصين وَلم يبْق مِنْهُم إِلَّا الْقَلِيل وَكَانَ الفناء بِبِلَاد الْهِنْد أقل مِنْهُ بِبِلَاد الصين. وَوَقع الوباء بِبَغْدَاد أَيْضا وَكَانَ الْإِنْسَان يصبح وَقد وجد بِوَجْهِهِ طلوعاً فَمَا هُوَ إِلَّا أَن يمر بِيَدِهِ عَلَيْهِ مَاتَ فَجْأَة. وَكَانَ أَوْلَاد دمرداش قد حصروا الشَّيْخ حسن بهَا ففجأهم الْمَوْت فِي عَسْكَرهمْ من وَقت الْمغرب إِلَى باكر النَّهَار من الْغَد حَتَّى مَاتَ عدد كثير فرحلوا وَقد مَاتَ مِنْهُم سِتَّة أُمَرَاء وَنَحْو ألف وَمِائَتَا رجل. ودواب كَثِيرَة فَكتب الشَّيْخ حسن بذلك إِلَى سُلْطَان مصر. وَفِي أول جُمَادَى الأولى: ابْتَدَأَ الوباء بِأَرْض حلب فَعم جَمِيع بِلَاد الشَّام وبلاد ماردين وجبالها وباد أهل الْغَوْر وسواحل عكا وصفد وبلاد الْقُدس ونابلس والكرك وعربان الْبَوَادِي وسكان الْجبَال والضياع. وَلم يبْق فِي بَلْدَة جينين سوى عَجُوز وَاحِدَة خرجت مِنْهَا فارة. وَلم يبْق. بِمَدِينَة لد أحد وَلَا بالرملة وَصَارَت الْخَانَات وَغَيرهَا ملآنة بجيف الْمَوْتَى. وَلم يدْخل الوباء معرة النُّعْمَان من بِلَاد الشَّام وَلَا بلد شيزر وَلَا حارم. وَأول مَا بَدَأَ الوباء بِدِمَشْق كَانَ يخرج خلف أذن الْإِنْسَان بثرة فيخر صَرِيعًا ثمَّ صَار يخرج بالإنسان كبة تَحت إبطه فَلَا يلبث وَيَمُوت سَرِيعا. ثمَّ خرجت بِالنَّاسِ خيارة فقتلت قتلا كثيرا. وَأَقَامُوا على ذَلِك مُدَّة ثمَّ بصقوا الدَّم فَاشْتَدَّ الهول من كَثْرَة الْمَوْت حَتَّى أَنه أَكثر من كَانَ يعِيش بعد نفث الدَّم نَحْو خمسين سَاعَة. وَبلغ عدد من يَمُوت بحلب فِي كل يَوْم خَمْسمِائَة إِنْسَان وَمَات بغزة من ثَانِي الْمحرم إِلَى رَابِع صفر - على مَا ورد فِي كتاب نائبها - زِيَادَة على اثْنَيْنِ وَعشْرين ألف إِنْسَان حَتَّى لقت أسواقها. وَشَمل الْمَوْت أهل الضّيَاع بِأَرْض غَزَّة وَكَانَ أَوَاخِر زمَان الْحَرْث. فَكَانَ الرجل يُوجد مَيتا والمحراث فِي يَده وَيُوجد أخر قد مَاتَ وَفِي يَده مَا يبذره وَمَاتَتْ أبقارهم. وَخرج رجل بِعشْرين نَفرا لإِصْلَاح أرضه فماتوا وَاحِدًا بعد وَاحِد وَهُوَ يراهم يتساقطون قدامه. فَعَاد إِلَى غَزَّة وَسَار مِنْهَا إِلَى الْقَاهِرَة. وَدخل سِتَّة نفر لسرقة دَار بغزة فَأخذُوا مَا فِي الدَّار لِيخْرجُوا بِهِ فماتوا كلهم. وفر نائبها إِلَى نَاحيَة بدعرش وَترك غَزَّة خَالِيَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 82 وَمَات أهل قطا وَصَارَت جثثهم تَحت النخيل وعَلى الحوانيت حَتَّى لم يبْق بهَا سوى الْوَالِي وغلامين من أَصْحَابه وحاربة عَجُوز. وَبعث الْوَالِي يستعفي فولى الْوَزير عوضه مبارك أستادار طغجى. وَعم الوباء بِلَاد الفرنج وابتدأ فِي الدَّوَابّ ثمَّ الْأَطْفَال والشباب. فَلَمَّا شنع الْمَوْت فيهم جمع أهل قبرص من فِي أَيْديهم من الأسرى الْمُسلمين وقتلوهم جَمِيعًا من بعد الْعَصْر إِلَى الْمغرب خوفًا أَن يبيد الْمَوْت الفرنج فتملك الْمُسلمُونَ قبرص. فَلَمَّا كَانَ بعد عشَاء الْآخِرَة هبت ريح شَدِيدَة وَحدثت زَلْزَلَة عَظِيمَة وامتد الْبَحْر من المينة نَحْو مائَة قَصَبَة فغرق كثير من مراكبهم وتكسرت. فَظن أهل قبرص أَن السَّاعَة قَامَت فَخَرجُوا حيارى لَا يَدْرُونَ مَا يصنعون ثمَّ عَادوا إِلَى مَنَازِلهمْ فَإِذا أَهَالِيهمْ قد مَاتُوا وَهلك لَهُم ثَلَاثَة مُلُوك وَاسْتمرّ الوباء فيهم مُدَّة أُسْبُوع فَركب فيهم ملكهم الَّذِي ملكوه عَلَيْهِم رَابِعا بجماعته فِي مركب يُرِيدُونَ جَزِيرَة بِقرب مِنْهُم فَلم يمض عَلَيْهِم فِي الْبَحْر سوى يَوْم وَلَيْلَة حَتَّى مَاتَ أَكْثَرهم فِي الْمركب وَوصل باقيهم إِلَى الجزيرة فماتوا بهَا عَن أخرهم. ووافى هَذِه الجزيرة بعد مَوْتهمْ مركب فِيهَا تجار فماتوا كلهم وتجارتهم إِلَّا ثَلَاثَة عشر رجلا فَمروا إِلَى قبرص وَقد بقوا أَرْبَعَة نفر فَلم يَجدوا بهَا أحدا فَسَارُوا إِلَى طرابلس الغرب وَحَدثُوا بذلك فَلم تطل إقامتهم بهَا وماتوا. وَكَانَت المراكب إِذا مرت بجزائر الفرنج لَا تَجِد ركابهَا بهَا أحدا وَإِن صدفت أحدا فِي بَعْضهَا يَدعُوهُم أَن يَأْخُذُوا من أَصْنَاف البضائع بِالصبرِ بِغَيْر ثمن لِكَثْرَة من كَانَ يَمُوت عِنْدهم صَارُوا يلقون فِي الْبَحْر. وَكَانَ سَبَب الْمَوْت عِنْدهم ريح تمر على الْبَحْر فساعة يشمها الْإِنْسَان سقط وَلَا يزَال يضْرب بِرَأْسِهِ الأَرْض حَتَّى يَمُوت. وقدمت مركب إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فِيهَا اثْنَان وَثَلَاثُونَ تَاجِرًا وَثَلَاثُونَ رجل مَا بَين تجار وَعبيد فماتوا كلهم وَلم يبْق مِنْهُم غير أَرْبَعَة من التُّجَّار وَعبد وَاحِد وَنَحْو أَرْبَعِينَ من البحارة فماتوا جَمِيعًا بالثغر وَعم الْمَوْت أهل حزيرة الأندلس إِلَّا مَدِينَة غرناطة فَإِنَّهُ لم يصب أَهلهَا مِنْهُ شَيْء وباد من عداهم حَتَّى لم يبْق للفرنج من يمْنَع أَمْوَالهم. فأتتهم الْعَرَب من إفريقية تُرِيدُ أَخذ الْأَمْوَال إِلَى أَن صَارُوا على نصف يَوْم مِنْهَا مرت بهم ريح فَمَاتَ مِنْهُم على ظُهُور الْخَيل جمَاعَة كَثِيرَة. ودخلها باقيهم فَرَأَوْا من الْأَمْوَات مَا هالهم وَأَمْوَالهمْ لَيْسَ لَهَا من يحفظها فَأخذُوا مَا قدرُوا عَلَيْهِ وهم يتساقطون موتى. فنجا من بَقِي مِنْهُم بِنَفسِهِ وعادوا إِلَى بِلَادهمْ وَقد هلك أَكْثَرهم وَالْمَوْت قد فَشَا بأرضهم بِحَيْثُ مَاتَ مِنْهُم فِي لَيْلَة وَاحِدَة عدد عَظِيم وَمَاتَتْ مَوَاشِيهمْ ودوابهم كلهَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 83 وَعم الموتان إفريقية بأسرها جبالها وصحاريها ومدنها وجافت من الْمَوْتَى وَبقيت أَمْوَال العربان سائبة لَا تَجِد من يرعاها. ثمَّ أصَاب الْغنم دَاء فَكَانَت الشاه إِذا ذبحت وجد لَحمهَا منتنا قد اسود. وَتغَير أَيْضا ريح السّمن وَاللَّبن وَمَاتَتْ الْمَوَاشِي بأسرها. وَشَمل الوباء أَيْضا أَرض برقة إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فَصَارَ يَمُوت بهَا فِي كل يَوْم مائَة. ثمَّ مَاتَ بالإسكندرية فِي الْيَوْم مِائَتَان وشنع ذَلِك حَتَّى أَنه صلى فِي يَوْم الْجُمُعَة بالجامع الإسكندري دفْعَة وَاحِدَة على سَبْعمِائة جَنَازَة. وَصَارَ يحملون الْمَوْتَى على الجنويات والألواح. وغلقت دَار الطّراز لعدم الصناع وغلقت دَار الْوكَالَة لعدم الْوَاصِل إِلَيْهَا وغلقت الْأَسْوَاق وديوان الْخمس وأريق من الْخمر مَا يبلغ ثمنه زِيَادَة على خَمْسمِائَة دِينَار. وقدمها مركب فِيهِ إفرنج فَأخْبرُوا أَنهم رَأَوْا بِجَزِيرَة طرابلس مركبا عَلَيْهِ طير يحوم فِي غَايَة الْكَثْرَة فقصدوه فَإِذا جَمِيع من فِيهِ من النَّاس موتى وَالطير تأكلهم وَقد مَاتَ من الطير أَيْضا شَيْء كثير فتركوهم ومروا فَمَا وصلوا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة حَتَّى مَاتَ زِيَادَة على ثلثيهم. وفشى الْمَوْت. بِمَدِينَة دمنهور وتروجه والبحيرة كلهَا حَتَّى عَم أَهلهَا وَمَاتَتْ دوابهم فَبَطل من الْوَجْه البحري سَائِر الضمانات وَالْمُوجِبَات السُّلْطَانِيَّة. وكل الْمَوْت أهل البرلس ونستراوه وتعطل الصَّيْد من البحرة لمَوْت الصيادين. وَكَانَ يخرج بهَا فِي المراكب عدَّة من الصيادين لصيد الْحُوت فَيَمُوت أَكْثَرهم فِي المراكب وَيعود من بَقِي مِنْهُم فَيَمُوت بعد عوده من يَوْمه هُوَ وَأَوْلَاده وَأَهله. وَوجد فِي حيتان البطارخ شَيْء منتن وَفِيه على رَأس البطرخة كَبه قدر البندقة قد اسودت. وَوجد فِي جَمِيع زراعات البرلس وبلحها وقثائها دود وَتلف أَكثر ثَمَر النّخل عِنْدهم. وَصَارَت الْأَمْوَات على الأَرْض فِي جَمِيع الْوَجْه البحري وَلَا يُوجد من يدفنها وَعظم الوباء بالمحلة حَتَّى أَن الْوَالِي كَانَ لَا يجد من يشكو إِلَيْهِ وَكَانَ القَاضِي إِذا أَتَاهُ من يُرِيد الْإِشْهَاد على وَصيته لَا يجد من الْعُدُول أحدا إِلَّا بعد عناء لقلتهم وَصَارَت الفنادق تَجِد من يحفظها. وَعم الوباء جَمِيع تِلْكَ الْأَرَاضِي وَمَات الفلاحون بأسرهم فَلم يُوجد من يضم الزَّرْع وزهد أَرْبَاب الْأَمْوَال فِي أَمْوَالهم وبذلوها للْفُقَرَاء. فَبعث الْوَزير منجك إِلَى الغربية كريم الدّين مُسْتَوْفِي الدولة وَمُحَمّد بن يُوسُف مقدم الدولة فِي جمَاعَة فَدَخَلُوا سنباط وسمنود وبوصير وسنهور وأبشيه وَنَحْوهَا من الْبِلَاد وَأخذُوا مَالا كثير لم يحضروا مِنْهُ سوى سِتِّينَ ألف دِرْهَم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 84 وَعجز أهل بلبيس وَسَائِر الْبِلَاد الشرقية عَن ضم الزَّرْع لِكَثْرَة موت الفلاحين. وَكَانَ ابْتِدَاء الوباء من أول فصل الصَّيف وَذَلِكَ فِي أثْنَاء ربيع الآخر. فجافت الطرقات بالموتى وَمَات سكان بيُوت الشّعْر ودوابهم وكلابهم وتعطلت سواقي ألحنا وَمَاتَتْ الدَّوَابّ والمواشي وَأكْثر هجن السُّلْطَان والأمراء. وامتلأت مَسَاجِد بلبيس وفنادقها وحوانيتها بالموتى وَلم يَجدوا من يدفنهم وجافت سوقها فَلم يقدر أحد على الْقعُود فِيهِ وَخرج من بَقِي من باعتها إِلَى مَا بَين الْبَسَاتِين. وَلم يبْق بهَا مُؤذن وطرحت الْمَوْتَى بجامعها وَصَارَت الْكلاب فِيهِ تَأْكُل الْمَوْتَى ورحل كثير من أَهلهَا إِلَى الْقَاهِرَة وتعطلت بساتين دمياط وسواقيها وجفت أشجارها لِكَثْرَة موت أَهلهَا ودوابهم وَصَارَت حوانيتها مفتحة والمعايش بهَا لَا يقربهَا أحد وغلقت دورها. وَبقيت المراكب فِي الْبحيرَة وَقد مَاتَ الصيادون فِيهَا والشباك بِأَيْدِيهِم مَمْلُوءَة سمكًا مَيتا فَكَانَ يُوجد فِي السَّمَكَة كبة. وَهَلَكت الأبقار الخيسية والجاموس فِي المراحات والجزائر وَوجد فِيهَا أَيْضا الكبة. وَقدم الْخَبَر من دمشق بِأَن الوباء كَانَ بهَا أخف مِمَّا كَانَ بطرابلس وحماة وحلب فَلَمَّا دخل شهر رَجَب وَالشَّمْس فِي برج الْمِيزَان أَوَائِل فصل الخريف هبت ريح فِي نصف اللَّيْل شَدِيدَة جدا واستمرت حَتَّى مضى من النَّهَار قدر ساعتين واشتدت الظلمَة حَتَّى كَانَ الرجل لَا يرى من بجانبه ثمَّ انجلت وَقد علت وُجُوه النَّاس صفرَة ظَاهِرَة فِي وَادي دمشق كُله. وَأخذ فيهم الْمَوْت مِنْهُ شهر رَجَب فَبلغ فِي الْيَوْم ألفا ومائتي إِنْسَان. وَبَطل إِطْلَاق الْمَوْتَى من الدِّيوَان فَصَارَت الْأَمْوَات مطروحة فِي الْبَسَاتِين وعَلى الطرقات. فَقدم على قَاضِي دمشق تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ رجل من جبال الرّوم وَأخْبرهُ أَنه لما وَقع الفناء بِبِلَاد الرّوم رأى رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَشَكا إِلَيْهِ مَا نزل بِالنَّاسِ من الفناء فَأمره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَقُول لَهُم: اقرأوا سُورَة نوح ثَلَاثَة آلَاف وثلاثمائة وَسِتِّينَ مرّة واسألوا الله أَن يرفع عَنْكُم مَا أَنْتُم فِيهِ فعرفهم قَاضِي دمشق ذَلِك. فَاجْتمع النَّاس فِي الْمَسَاجِد وفعلوا مَا ذكر لَهُم وَتَضَرَّعُوا إِلَى الله وتابوا من ذنوبهم وذبحوا أبقاراً وأغناما كَثِيرَة للْفُقَرَاء مُدَّة سَبْعَة أَيَّام والفناء يتناقص كل يَوْم حَتَّى زَالَ. فَنُوديَ فِي دمشق باجتماع النَّاس بالجامع الْأمَوِي فصاروا إِلَيْهِ جَمِيعًا وقرأوا بِهِ صَحِيح البُخَارِيّ فِي ثَلَاثَة أَيَّام وَثَلَاث لَيَال ثمَّ خرج النَّاس كَافَّة بصبيانهم إِلَى الْمصلى وكشفوا رُءُوسهم وضجوا بِالدُّعَاءِ وَمَا زَالُوا على ذَلِك ثَلَاثَة أَيَّام فتناقص الوباء حَتَّى ذهب بِالْجُمْلَةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 85 وابتدأ الوباء فِي الْقَاهِرَة ومصر بِالنسَاء والأطفال ثمَّ فِي الباعة حَتَّى كثر عدد الْأَمْوَات. فَركب السُّلْطَان إِلَى سرياقوس وَأقَام بهَا من أول رَجَب إِلَى الْعشْرين مِنْهُ وَقصد الْعود إِلَى القلعة وأشير عَلَيْهِ بِالْإِقَامَةِ بسرياقوس وَصَوْم شهر رَمَضَان بهَا. فبلغت عدَّة من يَمُوت ثَلَاثمِائَة نفر كل يَوْم بالطاعون موتا وجباً فِي يَوْم أَو لَيْلَة فَمَا فرغ شهر رَجَب حَتَّى بلغت الْعدة زِيَادَة على الْألف فِي كل يَوْم. وَصَارَ إقطاع الْحلقَة ينْتَقل إِلَى سِتَّة أنفس فِي أقل من أُسْبُوع فشرع النَّاس فِي فعل الْخَيْر وتوهم كل أحد أَنه ميت وَقدم كتب نَائِب حلب بِأَن بعض أكَابِر الصلحاء بحلب رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نَومه وشكا إِلَيْهِ مَا نزل بِالنَّاسِ من الوباء فَأمره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَأْمُرهُم بِالتَّوْبَةِ وَالدُّعَاء وَهُوَ: اللَّهُمَّ سكن هَيْبَة صدمى قهرمان الحروب بألطافك النَّازِلَة الْوَارِدَة من فيضان الملكوت حَتَّى نتشبث بأذيال لطفك ونعتصم بك عَن إِنْزَال قهرك. يَاذَا الْقُوَّة وَالْعَظَمَة الشاملة وَالْقُدْرَة الْكَامِلَة يَا ذَا الْجلَال وَالْإِكْرَام وَأَنه كتب بهَا عدَّة نسخ بعث بهَا إِلَى حماة وطرابلس ودمشق. وَفِي شعْبَان: تزايد الوباء فِي الْقَاهِرَة وَعظم فِي رَمَضَان وَقد دخل فصل الشتَاء فرسم بالاجتماع فِي الْجَوَامِع للدُّعَاء. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة سادس رَمَضَان نُودي أَن يجْتَمع النَّاس بالصناجق الخليفية والمصاحف عِنْد قبَّة النَّصْر فَاجْتمع النَّاس بعامة جَوَامِع مصر والقاهرة وَخرج المصريون إِلَى مصلى خولان بالقرافة واستمرت قِرَاءَة البُخَارِيّ بالجامع الْأَزْهَر وَغَيره عدَّة أَيَّام وَالنَّاس يدعونَ الله تَعَالَى ويقنتون فِي صلواتهم ثمَّ خَرجُوا إِلَى قبَّة النَّصْر وَفِيهِمْ الْأَمِير شيخو والوزير منجك والأمراء بملابسهم الفاخرة من الذَّهَب وَنَحْوه فِي يَوْم الْأَحَد ثامنه. وَفِيه مَاتَ الرحل الصَّالح عبد الله المنوفي فصلى عَلَيْهِ ذَلِك الْجمع الْعَظِيم. وَعَاد الْأُمَرَاء إِلَى سرياقوس وانفض الْجمع. وَاشْتَدَّ الوباء بعد ذَلِك حَتَّى عجز النَّاس عَن حصر الْأَمْوَات. فَلَمَّا انْقَضى شهر رَمَضَان قدم السُّلْطَان من سرياقوس وَحدث فِي شَوَّال بِالنَّاسِ نفث الدَّم فَكَانَ الْإِنْسَان يحس فِي بدنه بحرارة ويجد فِي نَفسه غثيان فيبصق دَمًا وَيَمُوت عَقِيبه ويتبعه أهل الدَّار وَاحِد بعد وَاحِد حَتَّى يفنوا جَمِيعًا بعد لَيْلَة أَو لَيْلَتَيْنِ فَلم يبْق أحد إِلَّا وَغلب على ظَنّه أَنه يَمُوت بِهَذَا الدَّاء. واستعد النَّاس جَمِيعًا وَأَكْثرُوا من الصَّدقَات وتحاللوا وَأَقْبلُوا على الْعِبَادَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 86 وَلم يحْتَج أحد فِي هَذَا الوباء إِلَى أشربة وَلَا أدوية وَلَا أطباء لسرعة الْمَوْت. فَمَا تنصف شَوَّال إِلَّا والطرقات والأسوق قد امْتَلَأت بالأموات وانتدبت جمَاعَة لمواراتهم وَانْقطع جمَاعَة للصَّلَاة عَلَيْهِم فِي جَمِيع مصليات الْقَاهِرَة ومصر. وَخرج الْأَمر عَن الْحَد وَوَقع الْعَجز عَن الْعَدو وَهلك أَكثر أجناد الْحلقَة وخلت أطباق القلعة من المماليك السُّلْطَانِيَّة لموتهم. وَمَا أهل ذُو الْقعدَة: إِلَّا الْقَاهِرَة خَالِيَة مقفرة لَا يُوجد فِي شوارعها مار بِحَيْثُ إِنَّه يمر الْإِنْسَان من بَاب زويلة إِلَى بَاب النَّصْر فَلَا يرى من يزاحمه لِكَثْرَة الْمَوْتَى والاشتغال بهم وعلت الأتربة على الطرقات وتنكرت وُجُوه النَّاس وامتلأت الْأَمَاكِن بالصياح فَلَا تَجِد بَيْتا إِلَّا وَفِيه صبحة وَلَا تمر بشارع إِلَّا وَفِيه عدَّة أموات وَصَارَت النعوش لكثرتها تصطدم والأموات تختلط. وصل فِي يَوْم الْجُمُعَة بعد الصَّلَاة على الْأَمْوَات بالجامع الحاكمي من الْقَاهِرَة فصفت التوابيت اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ من بَاب مَقْصُورَة الخطابة إِلَى الْبَاب الْكَبِير. ووقف الإِمَام على العتبة وَالنَّاس خَلفه خَارج الْجَامِع. وخلت أَزِقَّة كَثِيرَة وحارات عديدة وَصَارَت حارة برجوان اثْنَيْنِ وَأَرْبَعين دَارا خَالِيَة. وَبقيت الْأَزِقَّة والدروب. مِمَّا فِيهَا من الدّور المتعددة خَالِيَة وَصَارَت أَمْتعَة أَهلهَا لَا تَجِد من يَأْخُذهَا وَإِذا ورث إِنْسَان شَيْئا انْتقل فِي يَوْم وَاحِد عَنهُ إِلَى رَابِع وخامس. وحصرت عدَّة من صلى عَلَيْهِ بالمصليات خَارج بَاب النَّصْر وخارج بَاب زويلة وخارج بَاب المحروق وَتَحْت القلعة ومصلى قتال السَّبع تجاه بَاب جَامع قوصون فِي يَوْمَيْنِ فبلغت ثَلَاثَة عشر ألفا وَثَمَانمِائَة سوى من مَاتَ فِي الْأَسْوَاق والأحكار وخارج بَاب الْبَحْر وعَلى الدكاكين وَفِي الحسينية وجامع ابْن طولون وَمن تَأَخّر دَفنه فِي الْبيُوت وَيُقَال بلغت عدَّة الْأَمْوَات فِي يَوْم وَاحِد عشْرين ألفا وأحصيت الْجَنَائِز بِالْقَاهِرَةِ فَقَط فِي مُدَّة شعْبَان ورمضان تِسْعمائَة ألف سوى من مَاتَ بالأحكار والحسينية والصليبة وَبَاقِي الخطط خَارج الْقَاهِرَة وهم أَضْعَاف ذَلِك. وعدمت النعوش وَبَلغت عدتهَا ألفا وَأَرْبَعمِائَة نعش. فَحملت الْأَمْوَات على الأقفاص ودراريب الحوانيت وألواح الْخشب وَصَارَ يحمل الإثنان وَالثَّلَاثَة فِي نعش وَاحِد على لوح وَاحِد. وَطلبت الْقُرَّاء إِلَى الْأَمْوَات فَأبْطل كثير من النَّاس صناعاتهم وانتدبوا للْقِرَاءَة أَمَام الْجَنَائِز. وَعمل جمَاعَة من النَّاس مدراء وَجَمَاعَة تصدوا لتغسيل الْأَمْوَات وَجَمَاعَة لحملهم فنالوا بذلك سَعَادَة وافرة. وَصَارَ الْمُقْرِئ يَأْخُذ عشرَة دَرَاهِم وَإِذا وصل الْمَيِّت إِلَى الْمصلى تَركه وَانْصَرف لآخر. وَصَارَ الْحمال يَأْخُذ سِتَّة دَرَاهِم بعد الدخلة عَلَيْهِ إِذا وجد وَيَأْخُذ الحفار أُجْرَة الْقَبْر خمسين درهما فَلم يمتع أَكْثَرهم بذلك وماتوا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 87 وَدخلت غاسلة مرّة لتغسل امْرَأَة فَلَمَّا جردتها من ثِيَابهَا وَمَرَّتْ بِيَدِهَا على مَوضِع الكبة صاحت وَسَقَطت ميته فَوجدَ فِي بعض أصابعها كبة بِقدر الفولة. وامتلأت الْمَقَابِر من بَاب النَّصْر إِلَى قبَّة النَّصْر طولا وَإِلَى الْجَبَل عرضا. وامتلأت مَقَابِر الحسينية إِلَى الريدانية ومقابر خَارج بَاب المحروق والقرافة. وَصَارَ النَّاس يبيتُونَ بموتاهم على الترب لعجزهم عَن تواريهم. وَكَانَ أهل الْبَيْت يموتون جَمِيعًا وهم عشرات فَمَا يُوجد لَهُم سوى نعش وَاحِد ينقلون فِيهِ شَيْئا بعد شَيْء. وَأخذ كثير من النَّاس دوراً وأثاثاً وأموالا من غير اسْتِحْقَاق لمَوْت مستحقيها فَلم يتمل أَكْثَرهم. مِمَّا أَخذ وَمَات وَمن عَاشَ مِنْهُم اسْتغنى بِهِ. وَأخذ كثير من الْعَامَّة إقطاعات الْحلقَة وَقَامَ الْأَمِير شيخو والأمير مغلطاي أَمِير آخور بتغسيل النَّاس وتكفينهم ودفنهم. وَبَطلَت الأفراح والأعراس من بَين النَّاس فَلم يعرف أَن أحدا عمل فَرحا فِي مُدَّة الوباء وَلَا سمع صَوت غناء. وتعطل الْأَذَان من عدَّة مَوَاضِع وَبَقِي فِي الْموضع الْمَشْهُور بِأَذَان وَاحِد. وَبَطلَت أَكثر طبلخاناه الْأُمَرَاء وَصَارَ فِي طبلخاناه الْمُقدم ثَلَاثَة نفر بَعْدَمَا كَانُوا خَمْسَة عشر. وغلقت أَكثر الْمَسَاجِد والزوايا. وَاسْتقر أَنه مَا ولد أحد فِي هَذَا الوباء إِلَّا وَمَات بعد يَوْم أَو يَوْمَيْنِ وَلَحِقتهُ أمه. وَشَمل فِي آخر السّنة الفناء بِلَاد الصَّعِيد بأسرها وتعطلت دواليبها. وَلم يدْخل الوباء ثغر أسوان فَلم يمت بِهِ سوى أحد عشر إنْسَانا. وَطلب بِنَاحِيَة بهجورة شَاهد فَلم يُوجد وَخرج من مَدِينَة أخميم شَاهد مساحة مَعَ قاضيها بقياسين لقياس بعض الْأَرَاضِي فعندما وضعت القصبة للْقِيَاس سقط أحد القياسين فَحَمله رَفِيقه إِلَى الْبَلَد فَسقط بجنبه وَمَات وَأخذت الشَّاهِد الْحمى. وَاجْتمعَ ثَلَاثَة بِنَاحِيَة أبيار وَكَتَبُوا أوراقاً بِأَسْمَائِهِمْ وَمن يَمُوت مِنْهُم قبل صَاحبه فطلعت الأوراق. بِمَوْت وَاحِد بعد آخر فَمَاتَ الثَّلَاثَة على مَا طلع فِي الأوراق وَكتب بذلك محْضر ثَابت قدم إِلَى الْقَاهِرَة. وَكَانَت البزداريه إِذا رمت طيراً من الْجَوَارِح على طَائِر ليصيده وجد الصَّيْد وَفِيه كبة كالبندقة وَلم تذبح أوزة وَلَا شَيْء من الطُّيُور إِلَّا وجد فِيهِ كبة. وَوجدت طيور الجزء: 4 ¦ الصفحة: 88 كَثِيرَة فِي الزروع ميتَة مَا بَين غربان وحدأة وَغَيرهَا من سَائِر أَصْنَاف الطُّيُور فَكَانَت إِذا نتفت وجد فِيهَا أثر الكبة. وَمَاتَتْ القطاط حَتَّى قل وجودهَا. وتواترت الْأَخْبَار من الْغَوْر وبيسان وَغير ذَلِك من النواحي أَنهم كَانُوا يَجدونَ الْأسود والذئاب والأرانب وَالْإِبِل وحمر الْوَحْش والخنازير وَغَيرهَا من الوحوش ميتَة وفيهَا أثر الكبة. وَكَانَت الْعَادة إِذا خرج السُّلْطَان إِلَى سرحة سرياقوس يقلق النَّاس من كَثْرَة الحدأة والغربان وتحليقها على مَا هُنَاكَ من اللحوم الْكَثِيرَة فَلم يُشَاهد مِنْهَا شَيْء مُدَّة شهر رَمَضَان وَالسُّلْطَان هُنَاكَ لفنائها. وَكَانَت بحيرات السّمك بدمياط ونستراوة وسخا تُوجد أسماكها الْكَثِيرَة طافية على المَاء وفيهَا الكبة. وَكَذَلِكَ كلما يصطاد مِنْهَا بِحَيْثُ امْتنع النَّاس من أكله. وَكثر عناء الأجناد وَغَيرهم فِي أَمر الزَّرْع فَإِن الوباء ابْتَدَأَ فِي آخر أَيَّام التخضير فَكَانَ الحراث يمر ببقره وهى تحرث فِي أَرَاضِي الرملة وغزة والساحل وَإِذا بِهِ يخر مَيتا والمحراث فِي يَده وَيبقى بقره بِلَا صَاحب. ثمَّ كَانَ الْحَال كَذَلِك بأراضي مصر فَمَا جَاءَ أَوَان الْحَصاد حَتَّى فني الفلاحون وَلم يبْقى مِنْهُم إِلَّا الْقَلِيل فَخرج الأجناد وغلمانهم لتحصد وَنَادَوْا من يحصد وَيَأْخُذ نصف مَا يحصده. فَلم يَجدوا من يساعدهم على ضم الزروع ودرسوا غلالهم على خيوهم وذروها بِأَيْدِيهِم وعجزوا عَن كثير من الزَّرْع فَتَرَكُوهُ. وَكَانَت الإقطاعات قد كثر تنقلها من كَثْرَة موت الأجناد بِحَيْثُ كَانَ الإقطاع الْوَاحِد يصير من وَاحِد إِلَى آخر حَتَّى يَأْخُذهُ السَّابِع وَالثَّامِن. فَأخذ إقطاعات الأجناد أَرْبَاب الصَّنَائِع من الخياطين والإسكافية والمنادمين وركبوا الْخُيُول ولبسوا تكلفتاه والقباء. وَلم يتَنَاوَل أحد من إقطاعه مغلا كَامِلا وَكثير مِنْهُم لم يحصل لَهُ شَيْء. فَلَمَّا كَانَ أَيَّام النّيل وَجَاء أَوَان التخضير تعذر وجود الرِّجَال فَلم يخضر إِلَّا نصف الْأَرَاضِي. وَلم يُوجد أحد يَشْتَرِي القرط الْأَخْضَر وَلَا من يرْبط عَلَيْهِ خيوله فَانْكَسَرت بِلَاد الْملك من ضواحي الْقَاهِرَة مثل المطرية وَالْخُصُوص وسرياقوس وبهتيت. وَتركت. ألف وَخَمْسمِائة فدان براسيم بِنَاحِيَة ناي وطنان فَلم يُوجد من يَشْتَرِيهَا لرعي دوابه وَلَا من يعملها دريسا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 89 وخلت بِلَاد الصَّعِيد مَعَ اتساع أرْضهَا بِحَيْثُ كَانَت مكلفة مساحي أَرض سيوط تشْتَمل على سِتَّة آلَاف نفر يَجِيء مِنْهُم الْخراج فَصَارَت فِي سنة الوباء هَذِه تشْتَمل على مائَة وَسِتَّة عشر نَفرا وَمَعَ ذَلِك فَكَانَ سعر الْقَمْح لَا يتَجَاوَز خَمْسَة عشر درهما الأردب. وتعطلت أَكثر الصَّنَائِع وَعمل كثير من أَرْبَاب الصَّنَائِع أشغال الْمَوْتَى وتصدى كثير مِنْهُم للنداء على الْأَمْتِعَة. وانحط سعر القماش وَنَحْوه حَتَّى أبيع بِخمْس ثمنه وَأَقل وَلم يُوجد من يَشْتَرِيهِ وَصَارَت كتب الْعلم يُنَادى عَلَيْهَا بالأحمال فَيُبَاع الْحمل مِنْهَا بأبخس ثمن واتضعت أسعار المبيعات كلهَا حَتَّى كَانَت الْفضة النقرة الَّتِي يُقَال لَهَا. بِمصْر الْفضة الْحجر تبَاع الْعشْرَة مِنْهَا بِتِسْعَة دَرَاهِم كاملية. وَبَقِي الدِّينَار بِخَمْسَة عشر درهما بَعْدَمَا كَانَ بِعشْرين. وعدمت جَمِيع الصَّنَائِع فَلم يُوجد سقاء وَلَا بَابا وَلَا غُلَام. وَبَلغت جامكية غُلَام الْخَيل ثَمَانِينَ درهما فِي كل شهر بعد ثَلَاثِينَ درهما. فَنُوديَ بِالْقَاهِرَةِ من كَانَت لَهُ صَنْعَة فَليرْجع إِلَى صَنعته وَضرب جمَاعَة مِنْهُم. وَبلغ ثمن راوية المَاء إِلَى ثَمَانِيَة دَرَاهِم لقلَّة الرّحال وَالْجمال وَبَلغت أُجْرَة طحن الأردب الْقَمْح خَمْسَة عشر درهما. وَيُقَال إِن هَذَا الوباء أَقَامَ على أهل الأَرْض مُدَّة خمس عشرَة سنة وَقد أَكثر النَّاس من ذكره فِي أشعارهم فَقَالَ الأديب زين الدّين عمر بن الوردي من مقامة عَملهَا: إسكندرية ذَا الوبا سبع يمد إِلَيْك ضبعه صبرا لقسمتك الَّتِي تركت من السّبْعين سبعه وَقَالَ: أصلح الله دمشقاً وحماها عَن مسبه وَقَالَ: إِن الوبا قد غلبا وَقد بدا فِي حَلبًا قَالُوا لَهُ عي الورى كَاف ورا قلت وبا وَقَالَ: الله أكبر من وباء قد سبا ويصول فِي الْعُقَلَاء كَالْمَجْنُونِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 90 سنت أسنته لكل مَدِينَة فعجبت للمكروه فِي الْمسنون. وَقَالَ: حلب وَالله يَكْفِي شَرها أَرض مشقه أَصبَحت حَبَّة سوء تقتل النَّاس ببزقه وَقَالَ: قَالُوا فَسَاد الْهَوَاء يردى فَقلت يردى هوى الْفساد كم سيئات وَكم خَطَايَا نَادَى عَلَيْكُم بهَا الْمُنَادِي وَقَالَ: فَهَذَا يوصى بأولاده وَهَذَا يودع إخوانه وَهَذَا يُصَالح أعداءه وَهَذَا يلاطف جِيرَانه وَهَذَا يُوسع إِنْفَاقه وَهَذَا يخالل من خانه وَهَذَا يحبس أملاكه وَهَذَا يحرر غلمانه وَهَذَا يُغير أخلافه وَهَذَا يُغير مِيزَانه أَلا إِن هَذَا الوبا قد سبا وَقد كَاد يُرْسل طوفانه وَلَا عَاصِم الْيَوْم من أمره سوى رَحْمَة الله عبدانه وَقَالَ الصّلاح خَلِيل بن أيبك الصَّفَدِي: قد قلت الطَّاعُون وَهُوَ بغزة قد جال من قطيا إِلَى بيروت أخليت أَرض الشَّام من سكانها وحكمت يَا طاعون بالطاغوت وَقَالَ: لما افترست صَحَابِيّ يَا عَام تسع وأربعينا مَا كنت وَالله تسعا بل كنت سبعا يَقِينا وَقَالَ: وَقَالَ: أسفي على أكناف جلق إِذْ غَدا الطَّاعُون فِيهَا ذَا زناد وارى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 91 الْمَوْت أرخص مَا يكون بِحَبَّة وَالظُّلم زَاد فَصَارَ بالقنطار وَقَالَ: أما دمشق فَإِنَّهَا قد أوحشت من بعد مَا شهد الْبَريَّة أُنْسُهَا تاهت بعجب زَائِد حَتَّى لقد ضربت بطاعون عَظِيم نَفسهَا وَقَالَ: تعجبت من طاعون جلق إِذْ غَدا وَمَا فَاتَت الآذان وقْعَة طعنه فكم مُؤمن تَلقاهُ أذعن طَائِعا على أَنه قد مَاتَ من خلف أُذُنه وَقَالَ: رعى الرَّحْمَن دهرا قد تولى يُحَاذِي بالسلامة كل شَرط وَكَانَ النَّاس فِي غفلات أَمر فجا طاعونهم من تَحت إبط وَقَالَ: يَا رحمتا لدمشق من طاعونها فَالْكل مغتبق بِهِ أَو مصطبح وَقَالَ: مُصِيبَة الطَّاعُون قد أَصبَحت لم يخل مِنْهَا فِي الورى بقعه يدْخل فِي الْمنزل لَو أَنه مَدِينَة أخلاه فِي جمعه وَقَالَ الأديب بدر الدّين الْحسن بن حبيب الْحلَبِي: إِن هَذَا الطَّاعُون يفتك فِي الْعَالم فتك امْرِئ ظلوم حقود وَيَطوف الْبَلَد شرقاً وغرباً وَيسْرق الْعباد نَحْو اللحود قد أَبَاحَ الدما وَحرم جمع الشمل قهرا وَحل نظم الْعُقُود كم طوى النشر من أَخ عَن أَخِيه وسبا عقل وَالِد بوليد وَقَالَ: أيتم الطِّفْل أنكل الْأُم أبكى الْعين أجْرى الدُّمُوع فَوق الخدود بسهام يَرْمِي الْأَنَام خفيات تشق الْقُلُوب قبل الْجُلُود كَمَا قلب زِدْت فِي النَّقْص أقصر وتلبث يَقُول هَل من مزِيد إِن أعش بعده فَإِنِّي شكور مخلص الْحَمد للْوَلِيّ الحميد وَإِذا مت هنئوني وَقُولُوا كم قَتِيل كَمَا قتلت شَهِيد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 92 وَقَالَ الأديب جمال الدّين مُحَمَّد بن نباتة الْمصْرِيّ: سر بِنَا عَن دمشق ياطالب الْعَيْش فَمَا فِي الْمقَام للمرء رغبه رخصت أنفس الْخَلَائق بالطاعون فِيهَا كل نفس بحبه وَقَالَ الصّلاح خَلِيل بن أيبك الصَّفَدِي أَيْضا: قد نغص الطَّاعُون عَيْش الورى وأذهل الْوَالِد والوالده كم منزل كالشمع سكانه أطفأهم فِي نفخة واحده وَقَالَ: لَا تثق بِالْحَيَاةِ طرفَة عين فِي زمَان طاعونه مستطير فَكَأَن الْقُبُور شغلة شمع والبرايا لَهَا فرَاش يطير وَقَالَ الأديب إِبْرَاهِيم المعمار: يَا طَالب الْمَوْت أفق وانتبه هَذَا أَوَان الْمَوْت مَا فاتا قد رخص الْمَوْت على أَهله وَمَات من لَا عمره مَاتَا وَقَالَ: قبح الطَّاعُون دَاء فقدت فِيهِ الْأَحِبَّة وَمَات فِي هده السّنة خلائق من الْأَعْيَان مِنْهُم برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن لاجين بن عبد الله الرَّشِيدِيّ الشَّافِعِي يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع عشري شَوَّال ومولده سنة ثَلَاث وَسبعين وسِتمِائَة أَخذ الْقرَاءَات على التقي الصَّائِغ وَسمع الحَدِيث من الأبرقوهي وَأخذ الْفِقْه عَن الْعلم الْعِرَاقِيّ وبرع فِيهِ وَفِي الْأُصُول والنحو وَغَيره ودرس وأقرأ وخطب بِجَامِع أَمِير حُسَيْن واشتهر بالصلاح. وَتُوفِّي برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن عَليّ الحكري شيخ الإقراء فِي يَوْم عيد النَّحْر. أَخذ الْقرَاءَات عَن التقي الصَّائِغ وَنور الدّين عَليّ بن يُوسُف بن حَرِير الشنطوفي. وَتُوفِّي الأديب إِبْرَاهِيم بن عَليّ بن إِبْرَاهِيم المعمار. وَمَات شهَاب الدّين أَحْمد بن عز الدّين أيبك بن عبد الله الحسامي الْمصْرِيّ الدمياطي نِسْبَة إِلَى جده لأمه الشَّافِعِي الجندي. وَمَات الأديب المادح شهَاب الدّين أَحْمد بن مَسْعُود بن أَحْمد بن مَمْدُود السنهوري أَبُو الْعَبَّاس الضَّرِير كَانَت لَهُ قدرَة زَائِدَة على النّظم وشعره كثير. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 93 وَمَات الْأَمِير أَحْمد بن مهنا بن عِيسَى بن مهنا بن مَانع بن حَدِيثَة بن غضية بن فضل ابْن ربيعَة أَمِير آل فضل بسلمية عَن نَيف وَخمسين سنة. وَتُوفِّي كَاتب السِّرّ بِدِمَشْق شهَاب الدّين أَحْمد بن محيى الدّين بن فضل الله بن عَليّ الْعمريّ فِي تَاسِع ذِي الْحجَّة بِدِمَشْق ومولده بهَا فِي ثَالِث شَوَّال سنة سَبْعمِائة. عرف الْفِقْه على مَذْهَب الشَّافِعِي ودرس الْعَرَبيَّة وبرع فِي الْإِنْشَاء والتاريخ وَقَالَ الشّعْر الْجيد وصنف عدَّة كتب فِي التَّارِيخ وَالْأَدب وباشر كِتَابَة السِّرّ بديار مصر عَن أَبِيه فِي حَيَاته ثمَّ اسْتَقل فِي كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق. وَتُوفِّي شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن قيس بن ظهير الْأنْصَارِيّ الْمصْرِيّ الشَّافِعِي يَوْم عيد النَّحْر بِالْقَاهِرَةِ. درس بالخشابية والمشهد الْحُسَيْنِي وبرع فِي الْفِقْه وعظمت شهرته وَمَات أَحْمد بن الْأَمِير آقبغا عبد الْوَاحِد. وَمَات الْأَمِير أَحْمد بن الْأَمِير أصلم. وَمَات شهَاب الدّين أَحْمد بن الْوَجِيه الْمُحدث. وَتُوفِّي شهَاب الدّين أَحْمد بن ميلق الشاذلي. وَمَات الْأَمِير أَحْمد بن الْأَمِير جنكلى بن البابا قَرِيبا من عقبَة أَيْلَة بعد عوده من الْحَج وَتُوفِّي شهَاب الدّين أَحْمد بن الغزاوي نَاظر الْأَوْقَاف المارستان بطرِيق الْحجاز. وَتُوفِّي الْمسند زين الدّين أَبُو بكر بن قَاسم بن أبي بكر الرَّحبِي الْحَنْبَلِيّ بِدِمَشْق ومولده سنة سِتّ وَسِتِّينَ وسِتمِائَة. وَمَات الْأَمِير آقبغا أَخُو الْأَمِير طقزدمر الْحَمَوِيّ. وَمَات الْأَمِير أسندمر القلنجقي وَالِي الْقَاهِرَة. وَمَات الْأَمِير إِسْمَاعِيل الوافدي وَالِي قوص مقتولا. وَمَات الْأَمِير إلمش الجمدار الْحَاجِب بِدِمَشْق وَكَانَ مشكورا. وَمَات الْأَمِير بلك المظفري الجمدار أحد أُمَرَاء الألوف فِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشرى شَوَّال. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 94 وَمَات الْأَمِير برلغي الصَّغِير قريب السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور قلاوون. قدم إِلَى الْقَاهِرَة صُحْبَة القازانية سنة أَربع وَسَبْعمائة فأنعم عَلَيْهِ بإمرة وَتزَوج ابْنة الْأَمِير بيبرس الجاشنكير قبل سلطنته وَعمل لَهُ مُهِمّ عَظِيم أشعل فِيهِ ثَلَاثَة آلَاف شمعة. ثمَّ قبض عَلَيْهِ بعد زَوَال المظفر بيبرس وامتحن وَحبس عشْرين سنة. ثمَّ أفرج عَنهُ وأنعم عَلَيْهِ بتقدمة ألف فَمَاتَ بعد أَيَّام. وَمَات الْأَمِير بلبان الْحُسَيْنِي أَمِير جاندار وَهُوَ من المماليك المنصورية قلاوون وَقد أناف على الثَّمَانِينَ. وَمَات الْأَمِير بكتوت الفرماني أحد المماليك المنصورية قلاوون وَكَانَ أحد الْأُمَرَاء البرجية ثمَّ ولي شدّ الدَّوَاوِين بِدِمَشْق وَحبس ثمَّ أنعم عَلَيْهِ بطبلخاناه فِي ديار مُضر وَكَانَت بِهِ حدبة فَاحِشَة وولع بتتبع المطالب وَعمل الكيميا. وَمَات الْأَمِير تمربغا الْعقيلِيّ نَائِب الكرك فِي جُمَادَى الْآخِرَة وَكَانَ مشكور السِّيرَة وَتُوفِّي كَمَال الدّين جَعْفَر بن ثَعْلَب بن جَعْفَر بن عَليّ الإدفوي الْفَقِيه الشَّافِعِي الأديب الْفَاضِل لَهُ كتاب الطالع السعيد فِي تَارِيخ الصَّعِيد وَغَيره وشعره جيد. وَمَات الْأَمِير وداد بن الشَّيْبَانِيّ متولى إِيَاس وَكَانَ مشكور السِّيرَة. وَمَات الْأَمِير سنقر الرُّومِي الْمُسْتَأْمن. قدم رَسُولا من الفرنج فِي الْأَيَّام الناصرية مُحَمَّد قلاوون فَأسلم وأنعم عَلَيْهِ بإمرة عشرَة. ثمَّ اخْتصَّ بالصالح إِسْمَاعِيل وأخيه شعْبَان الْكَامِل واتهم بِأَنَّهُ ركب لَهما السمُوم فَقبض عَلَيْهِ بعد انْقِضَاء أَيَّام المظفر حاجي وَنفي. ثمَّ أحضر وأنعم عَلَيْهِ بإمرة. وَمَات الْأَمِير نَاصِر الدّين خَليفَة وَزِير الْبِلَاد القانية عَليّ شاه فِي سادس عشرى جُمَادَى الأولى بِدِمَشْق وَكَانَ قد قدم من بِلَاد الْمشرق وَأعْطِي إقطاعاً. وَتُوفِّي نجم الدّين سعيد بن عبد الله الدهلي بِكَسْر الدَّال الْمُهْملَة الْفَقِيه الْحَنْبَلِيّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 95 الْحَافِظ خَامِس عشرى ذِي الْقعدَة وَله كتاب تفتيت الأكباد فِي وَاقعَة بَغْدَاد. ولد سنة سبع عشرَة وَسَبْعمائة وَقدم من بَغْدَاد إِلَى الْقَاهِرَة وَسمع ودأب وصنف فبرع فِي الحَدِيث وَمَعْرِفَة التراحم. وَتُوفِّي جمال الدّين أَبُو الرّبيع سُلَيْمَان بن أبي الْحسن بن سُلَيْمَان بن رَيَّان الْحلَبِي نَاظر الْجَيْش بهَا وَمَات شيرين بن شيخ الخانكاه الركنية بيبرس فولى بعده نجم الدّين الْمَلْطِي فَمَاتَ عَن قريب. وَمَات الْأَمِير طشتمر طلليه أحد الْأُمَرَاء المقدمين فِي شَوَّال وَقيل لَهُ طلليه لِأَنَّهُ كَانَ إِذا تكلم قَالَ فِي أخر كَلَامه طلليه وَهُوَ من المماليك الناصرية. وَمَات الْأَمِير طغاي الكاشف مقتولا فَقدم الْخَبَر بقتْله يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشرى ذِي الْقعدَة. وَمَاتَتْ خوند طغاي أم آنوك وَتركت مَالا كَبِيرا وَألف جَارِيَة وَثَمَانِينَ طواشيا وأعتقت الْجَمِيع وَلها تنْسب تربة خوند بالصحراء. وَتُوفِّي الصفي عبد الْعَزِيز بن سَرَايَا بن عَليّ بن أبي الْقَاسِم بن أَحْمد بن نصر بن أبي الْعَزِيز سَرَايَا بن ناقا بن عبد الله السنبسي الْحلِيّ الأديب الشَّاعِر آخر يَوْم من ذِي الْحجَّة ومولده خَامِس ربيع الآخر سنة سبع وَسبعين وسِتمِائَة قدم الْقَاهِرَة مرَّتَيْنِ. وَتُوفِّي تَاج الدّين عبد الرَّحِيم بن قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن ابْن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد عبد الْكَرِيم الْقزْوِينِي الشَّافِعِي خطيب الْجَامِع الْأمَوِي بِدِمَشْق وَتُوفِّي مَعَه أَخُوهُ صدر الدّين عبد الْكَرِيم. وَتُوفِّي الرجل الصَّالح عبد الله المنوفي الْمَالِكِي فِي يَوْم الْأَحَد ثامن رَمَضَان وقبره خَارج الْقَاهِرَة يقْصد للتبرك بِهِ. وَتُوفِّي الْمسند بهاء الدّين عَليّ بن عمر بن أَحْمد الْمَقْدِسِي الصَّالِحِي الدِّمَشْقِي وَقد أناف على الثَّمَانِينَ حدث عَن ابْن البُخَارِيّ وَغَيره. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 96 وَمَات أَمِير عَليّ بن طغريل الإيغاني أحد أُمَرَاء الألوف. وَمَات أَمِير عَليّ بن الْأَمِير أرغون النَّائِب. وَتُوفِّي شيخ الشُّيُوخ بِدِمَشْق عَلَاء الدّين عَليّ بن مَحْمُود بن حميد القونوي الْحَنَفِيّ فِي رَابِع رَمَضَان. وَتُوفِّي زين الدّين عمر بن دَاوُد هَارُون بن يُوسُف بن عَليّ الْحَارِثِيّ الصَّفَدِي أحد موقعي الدست - وَقد أناف على السِّتين - بِالْقَاهِرَةِ برع فِي الْفِقْه على مَذْهَب الشَّافِعِي وَفِي الْعَرَبيَّة والإنشاء ونظم الشّعْر. وَتُوفِّي زين الدّين عمر بن المظفر بن عمر بن مُحَمَّد بن أبي الفوارس بن عَليّ المغربي الْحلَبِي الْمَعْرُوف بِابْن الوردي الْفَقِيه الشَّافِعِي وَهُوَ ناظم الْحَاوِي وَقد جَاوز السِّتين وَكَانَت وَفَاته بحلب فِي تَاسِع عشرى ذِي الْحجَّة. وَتُوفِّي زين الدّين عمر بن عَامر بن الْخضر بن عمر بن ربيع العامري الغري الشَّافِعِي. بِمَدِينَة بلبيس عَن إِحْدَى وَسبعين بَاشر بالكرك وعجلون وقوص وبلبيس وبرع فِي الْفِقْه. وَتُوفِّي زين الدّين عمر بن مُحَمَّد بن عبد الْحَاكِم بن عبد الرَّزَّاق البلقيائي الشَّافِعِي قَاضِي حلب وصفد وَبهَا مَاتَ عَن نَحْو سبعين سنة. وَمَات الْأَمِير ركن الدّين عمر بن طقصو وَكَانَ فَاضلا صنف فِي الموسيقا وَغَيره. وَمَات الطواشي عنبر السحرتي اللالا مقدم المماليك منفياً بالقدس. وَمَات الْأَمِير قطز أَمِير آخور ونائب صفد وَهُوَ من جملَة الْأُمَرَاء بِدِمَشْق يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع ذِي الْقعدَة وَمَات الْأَمِير قرونه من الأويراتية. وَمَات الْأَمِير قطليجا السيفي البكتمري مُتَوَلِّي الْإسْكَنْدَريَّة ووالي الْقَاهِرَة. وَمَات الْأَمِير كوكاي السِّلَاح دَار المنصوري وَترك زِيَادَة على أَرْبَعمِائَة ألف دِينَار. وَتُوفِّي قَاضِي الشَّافِعِيَّة بحلب نور الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الْقَادِر بن عبد الْخَالِق بن خَلِيل بن مقلد بن جَابر بن الصَّائِغ الْأنْصَارِيّ وَقد أناف على السّبْعين. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن عُثْمَان بن إِبْرَاهِيم بن عَدْلَانِ الْفَقِيه الشَّافِعِي عَن سِتّ وَثَمَانِينَ سنة بِالْقَاهِرَةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 97 وَتُوفِّي شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الْمُؤمن بن اللبان الأسعردي الْفَقِيه الشَّافِعِي عَن تسع وَتُوفِّي شمس الدّين مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن الكتاني الشَّافِعِي. وَتُوفِّي عماد الدّين مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن مُحَمَّد البلبيسي الشَّافِعِي قَاضِي الْإسْكَنْدَريَّة فِي الْأَيَّام الناصرية وَهُوَ مَعْزُول فِي يَوْم الثُّلَاثَاء حادي عشر شعْبَان. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن مِسْكين نَاظر الأحباس. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عمر الأسيوطي وناظر بَيت المَال وَهُوَ باني جَامع الأسيوطي بِخَط جَزِيرَة الْفِيل. وَتُوفِّي الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد الْأَكْفَانِيِّ الْحَكِيم صَاحب التصانيف فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَالِث عشرى شَوَّال. وَتُوفِّي شمس الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن صَغِير الطّيب وَله شعر جيد. وَمَات الشَّيْخ شمس الدّين مَحْمُود بن أبي الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أبي بكر الْأَصْفَهَانِي الْفَقِيه الشَّافِعِي ذُو الْفُنُون بِالْقَاهِرَةِ فِي ذِي الْقعدَة ومولده سنة أَربع وَسبعين وسِتمِائَة. وَمَات الْأَمِير شرف الدّين مَحْمُود بن خطير أَخُو أَمِير مَسْعُود. وَمَات نكباي البريدي أحد المماليك المنصورية قلاوون ولي قطيا وإسكندرية ثمَّ أنعم عَلَيْهِ بطبلخاناه وَاسْتقر مهمنداراً وَإِلَيْهِ تنْسب دَار نكباي خَارج مَدِينَة مصر على النّيل وعني بعمارتها فَلم يمتع بهَا. وَتُوفِّي الشَّيْخ المعتقد يُوسُف المرحلي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 98 وَمَات نور الدّين الْفرج. وَتُوفِّي نور الدّين الْفرج بن مُحَمَّد بن أبي الْفرج الأردبيلي الشَّافِعِي: شَارِح منهاج الْبَيْضَاوِيّ فِي ثَالِث عشر جُمَادَى الْآخِرَة بِدِمَشْق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 99 فارغة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 100 (سنة خمسين وَسَبْعمائة) أهل شهر الله الْمحرم: وَقد تناقص الوباء. وَفِيه أخرج الْأَمِير قبجق إِلَى دمشق على إمرة طبلخاناه. وَفِيه اجْتمع رَأْي كثير من طَائِفَة الْفُقَهَاء الْحَنَفِيَّة على أَن يكون قاضيهم جمال الدّين عبد الله بن قَاضِي الْقُضَاة عَلَاء الدّين بن عُثْمَان التركماني بعد موت وَالِده فِي تاسعه وطلبوا ذَلِك من الْأَمِير شيخو وَغَيره فأجيبوا إِلَيْهِ. وَطلب جمال الدّين وخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة وَنزل إِلَى الْمدرسَة الصالحية وعمره دون الثَّلَاثِينَ سنة. وَفِيه قدم الْحَاج وَفهم قَاضِي الْقُضَاة زين الدّين عمر البسطامي. فَترك قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين عبد الله بن التركماني تدريس الْحَنَفِيَّة بِجَامِع أَحْمد بن طولون فشكره النَّاس على هَذَا. وَفِيه وَقدم أَيْضا قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين عبد الْعَزِيز بن جمَاعَة فزوج قاضى الْقُضَاة عز الدّين بن جمَاعَة جمال الدّين عبد الله بن التركماني بابنته. وَفِيه وَقدم أَيْضا الْأَمِير فَارس الدّين وَقد نازعه عرب بني شُعْبَة فِي عمَارَة عين جوبان فَجمع لَهُم وَقَاتلهمْ وَقتل مِنْهُم جمَاعَة وجرح كثيرا وَهَزَمَهُمْ وَقتل لَهُ مملوكان وَأصْلح الْأَمِير فَارس الدّين الْعين حَتَّى جرى مَاؤُهَا بقلة وَكَانَ الغلاء. بِمَكَّة شَدِيدا بلغت الويبة من الشّعير إِلَى سبعين درهما فَهَلَك كثير من الْجمال وَوَقع. بِمَكَّة وَالْمَدينَة وَعَامة بِلَاد الْحجاز وبواديها وباء عَظِيم حَتَّى جافت الْبَوَادِي. وَفِيه خلع على تَاج الدّين مُحَمَّد بن علم الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر بن عِيسَى الأخنائي وَاسْتقر فِي قَضَاء الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة عوضا عَن عَمه تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر بن عِيسَى الأخنائي بعد مَوته. وَفِيه تقدم الْوَزير منجك لعلاء الدّين عَليّ بن الكوراني وَالِي الْقَاهِرَة بِطَلَب الخفراء أَصْحَاب الرباع وإلزامهم بِكِتَابَة أَمْلَاك الْقَاهِرَة ومصر وظواهرهما وَأَسْمَاء سكانها وملاكها فَكَتَبُوا ذَلِك. وَكَانَ يُوجد فِي الزقاق الْوَاحِد من كل حارة وَخط عدَّة دور الجزء: 4 ¦ الصفحة: 101 خَالِيَة لَا يعرف لَهَا ملاك فختم عَلَيْهَا. وتتبع الْوَالِي الفنادق والمخازن وَدَار الْوكَالَة والحواصل والشون وَفعل فِيهَا كَذَلِك وَفِيه قدم الْخَبَر بِنفَاق العشير وعرب الكرك وَذَلِكَ أَن عشير بِلَاد الشَّام فرقنان - قيس ويمن - لَا ينفقان قطّ وَفِي كل قَلِيل يثور بَعضهم على بعض وَيكثر قتلاهم فَيَأْتِي إِلَيْهِم من السُّلْطَان من يجبيهم الْأَمْوَال الْكَثِيرَة. فَلَمَّا وَقع الفناء فِي النَّاس ثَارُوا على عَادَتهم وطالت حروبهم لاشتغال الدولة عَنْهُم فَعظم فسادهم وقطعهم الطرقات على الْمُسَافِرين. فَجرد إِلَيْهِم النَّائِب - أَعنِي الْأَمِير أرغون شاه نَائِب الشَّام - ابْن صبح مقدم الجبلية فِي عدَّة من الْأُمَرَاء فَلم يظفر بهم وَأقَام بالعسكر على اللجون وَأخذ العشير فِي الغارات على بِلَاد الْقُدس والخليل ونابلس فَكتب نَائِب غَزَّة. بمساعدة الْعَسْكَر. وَفِيه اشتدت الْفِتْنَة أَيْضا فِي بِلَاد الكرك بَين بني نمير وَبني ربيعَة فَإِن الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون كَانَ لما أعياه أَمرهم وتحصنهم بجبالهم المنيعة أَخذ فِي الْحِيلَة عَلَيْهِم وَتقدم إِلَى شطي أَمِير بني عقبَة وَإِلَى نَائِب الشَّام ونائب غَزَّة ونائب الكرك بِأَن يدخلُوا إِلَى الْبَريَّة كَأَنَّهُمْ يصطادون ويوقعون بهم فقبضوا على كثير مِنْهُم وَقتلُوا فِي جبالهم خلقا كثيرا مِنْهُم وحبسوا باقيهم حَتَّى مَاتُوا. فسكن الشَّرّ بِتِلْكَ الْجِهَات إِلَى أَن كَانَت فتْنَة النَّاصِر أَحْمد بالكرك عَاد بَنو نمير وَبَنُو ربيعَة إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ من الْفساد وَقَوي أَمرهم. فَركب إِلَيْهِم الْأَمِير جركتمر نَائِب الكرك وطلع إِلَيْهِم فقاتلوه وَقتلُوا من أَصْحَابه عشرَة وكسروه أقبح كسرة فَكتب لنائب الشَّام الْأَمِير أرغون شاه بتجهيز عَسْكَر لقتالهم. وَفِي صفر: أنعم على عرب بن نَاصِر الدّين الشيخي بإمرة طبلخاناه وعَلى شاورشي دوادار قوصون بإمرة عشرَة. وَفِي أول ربيع الأول: قدم قَود الْأَمِير جَبَّار بن مهنا صُحْبَة وَلَده نعير. وَفِيه قدم الْبَرِيد من غَزَّة بركوب نائبها على العشير وكبسهم لَيْلًا وَأسر أَكْثَرهم وَقتل سِتِّينَ مِنْهُم وتوسيط الأسرى بغزة. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِي عشريه: شنقت جَارِيَة رُومِية الْجِنْس خَارج بَاب النَّصْر عِنْد مصلى الْأَمْوَات. وَسبب ذَلِك أَنَّهَا كَانَت جَارِيَة أم الْأَمِير يلبغا اليحياوي فاتفقت مَعَ عدَّة من الْجَوَارِي على قتل سيدتها وقتلوها لَيْلًا بِأَن وضعن على وَجههَا مخدة وَحبس نَفسهَا حَتَّى مَاتَت وأقمن من الْغَد عزاءها وزعمن أَنَّهَا ضربت بِدَم. فمشت حيلتهن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 102 على النَّاس أَيَّامًا إِلَى أَن تنافسن على قسْمَة المَال الَّذِي سرقنه وتحدثن. بِمَا كَانَ وأعترفن على الْجَارِيَة الَّتِي تولت الْقَتْل فَأخذت وشنقت وهى بإزارها ونقابها. وَأخذ من الْجَوَارِي مَا مَعَهُنَّ من المَال وَكَانَ جملَة كَثِيرَة. وَلم يعْهَد. بِمصْر امْرَأَة شنقت سوى هَذِه. وَقد وَقع فِي أَيَّام الْمَنْصُور قلاوون أَن امْرَأَة كَانَت تستميل النِّسَاء وترغبهن حَتَّى تمْضِي بِهن إِلَى مَوضِع توهمن أَن بِهِ من يعاشرهن بِفَاحِشَة فَإِذا صَارَت الْمَرْأَة إِلَيْهَا قبضهَا رجال قد أعدتهم وقتلوها وَأخذُوا ثِيَابهَا. فاشتهر بِالْقَاهِرَةِ خَبَرهَا وَعرفت بالخناقة فَمَا زَالَ بهَا الْأَمِير علم الدّين سنجر الْخياط وَالِي الْقَاهِرَة حَتَّى قبص عَلَيْهَا وسمرها. وَوَقع أَيْضا فِي أَيَّام الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون أَن امْرَأَة بِأَرْض الطبالة كَانَت عِنْد طَائِفَة البزادرية تفعل ذَلِك بِالنسَاء فَقبض عَلَيْهَا وسمروا وسمرت مَعَهم فَكَانَت تَقول - وَهِي مسمرة يُطَاف بهَا على الْجمال فِي الْقَاهِرَة - إِذا رَأَتْ النِّسَاء وَهن يتفرجن عَلَيْهَا: أه يَا قحاب لَو عِشْت لَكِن لأفنيتكن وَلَكِن مَا عِشْت. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشريه: قدم الْخَبَر بقتل الْأَمِير أرغون شاه نَائِب الشَّام وَكَانَ شَأْنه مِمَّا يستغرب. وَذَلِكَ أَنه لما كَانَ نصف لَيْلَة الْخَمِيس ثَالِث عشريه لم يشْعر الْأَمِير أرغون شاه وَقد نزل بِالْقصرِ الأبلق من الميدان خَارج مَدِينَة دمشق وَمَعَهُ أَهله وَإِذا بِصَوْت قد وَقع فِي النَّاس بِدُخُول الْعَسْكَر فثاروا بأجمهم. ودارت النُّقَبَاء على الْأُمَرَاء بالركوب ليقفوا على مرسوم السُّلْطَان. فَرَكبُوا جَمِيعًا إِلَى سوق الْخَيل تَحت القلعة فوجدوا الْأَمِير ألجيبغا المظفري نَائِب طرابلس وَإِذا بالأمير أرغون شاه ماش وَعَلِيهِ بغلوطاق صدر وتخفيفة على رَأسه وَهُوَ مكتف بَين مماليك الْأَمِير فَخر الدّين أياس. وَذَلِكَ أَن ألجيبغا لما قدم من طرابلس سَار حَتَّى طرق دمشق على حِين غَفلَة وَركب مَعَه الْأَمِير فَخر الدّين أياس السِّلَاح دَار ثمَّ ركب أياس بِأَصْحَابِهِ وأحاط بِالْقصرِ الأبلق وطرق بَابه وَعلم الخدام بِأَنَّهُ قد حدث أَمر مُهِمّ فأيقظوا الْأَمِير أرغون شاه فَقَامَ من فرشه وَخرج إِلَيْهِم فقبضوا عَلَيْهِ وَقَالُوا حضر مرسوم السُّلْطَان بمسكه والعسكر وَاقِف. فَلم يحسر أحد يدْفع عَنهُ وَأَخذه أياس وأتى بِهِ ألجيبغا. فَسلم أُمَرَاء دمشق على ألجيبغا وسألوه عَن الْخَبَر فَذكر لَهُم أَن مرسوم السُّلْطَان ورد عَلَيْهِ بركوبه إِلَى دمشق بعسكر طرابلس وَقبض أرغون شاه وَقَتله والحوطة على موجوده الجزء: 4 ¦ الصفحة: 103 وَأخرج لَهُم كتاب السُّلْطَان بذلك فَأَجَابُوا بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة وعادوا إِلَى مَنَازِلهمْ وَنزل ألجيبغا بالميدان. وَأصْبح يَوْم الْخَمِيس: فأوقع ألجيبغا الحوطة على مَوْجُود أرغون شاه وَأصْبح يَوْم الْجُمُعَة أرغون شاه مذبوحا. فَكتب ألجيبغا محضراً بِأَنَّهُ وجد مذبوحاً والسكين فِي يَده فَأنْكر الْأُمَرَاء ذَلِك عَلَيْهِ وَكَونه لما قبض أَمْوَال أرغون شاه لم يرفعها إِلَى القلعة على الْعَادة واتهموه فِيمَا فعل وركبوا لحربه يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشريه. فَقَاتلهُمْ ألجيبغا وجرح الْأَمِير مَسْعُود بن خطير وَقطعت يَد الْأَمِير ألجيبغا العادلي وَقد جَاوز تسعين سنة. وَولي ألجيبغا نَائِب طرابلس وَمَعَهُ خُيُول أرغون شاه وأمواله وَتوجه نَحْو المزة وصحبته الْأَمِير أياس الَّذِي كَانَ نَائِب حلب وَمضى إِلَى طرابلس. وَسبب ذَلِك أَن أياس لما عزل من نِيَابَة حلب بأرغون شاه وَأخذت أَمْوَاله وسجن ثمَّ أفرج عَنهُ وَاسْتقر من جملَة أُمَرَاء دمشق وأرغون شاه نائبها. وَكَانَ أرغون شاه يهينه ويخرق بِهِ. وَاتفقَ أَيْضا إِخْرَاج ألجيبغا المظفري من الْقَاهِرَة إِلَى دمشق أَمِيرا بهَا فَترفع عَلَيْهِ أرغون شاه وأذله فاتفق مَعَ أياس على مكيدة. وَأخذ ألجيبغا فِي السَّعْي لِخُرُوجِهِ من دمشق عِنْد الْأُمَرَاء وَبعث إِلَى الْأَمِير بيبغا روس نَائِب السُّلْطَان وَإِلَى أَخِيه الْوَزير منجك هَدِيَّة سنية فولوه طرابلس كَمَا تقدم وَأقَام بهَا إِلَى أَن كتب يعرف السُّلْطَان والأمراء أَن أَكثر عَسْكَر طرابلس مُقيم بِدِمَشْق وَطلب أَن يكْتب لنائب الشَّام يردهم إِلَى طرابلس فَكتب لَهُ بدلك. فشق على أرغون شاه أَن ألجيبغا لم يكْتب إِلَيْهِ يسْأَله وَإِنَّمَا كتب إِلَى السُّلْطَان والأمراء دونه وَكتب إِلَى ألجيبغا بالإنكار عَلَيْهِ وَأَغْلظ لَهُ فِي القَوْل وَحمل الْبَرِيد إِلَيْهِ مشافهة شنيعة فَقَامَتْ قِيَامَة ألجيبغا عِنْد سماعهَا وَفعل مَا فعل. وَلما قدم خبر قتل الْأَمِير أرغون شاه ارتاع الْأُمَرَاء واتهم بَعضهم بَعْضًا. فخلف كل من شيخو والنائب بيبغا روس على الْبَرَاءَة من قَتله وَكَتَبُوا إِلَى ألجيبغا بِأَنَّهُ قتل أرغون بمرسوم من وإعلامهم. بمستنده فِي ذَلِك وَكتب إِلَى أُمَرَاء دمشق بالفحص عَن هَذِه الْوَاقِعَة. وَكَانَ ألجيبغا وأياس قد وصلا إِلَى طرابلس وخيما بظاهرها فَقدمت فِي غَد وصولهما كتب أُمَرَاء دمشق إِلَى أُمَرَاء طرابلس بالاحتراز على ألجيبغا حَتَّى يرد مرسوم السُّلْطَان فَإِنَّهُ فعل فعلته بِغَيْر مرسوم السُّلْطَان ومشت حليته علينا وَكَتَبُوا إِلَى نَائِب حماة ونائب حلب وَإِلَى العربان. بمسك الطرقات عَلَيْهِ. فَركب عَسْكَر طرابلس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 104 بِالسِّلَاحِ ووقفوا تجاه ألجيبغا وَأَحَاطُوا بِهِ. فوافاهم كتاب السُّلْطَان بمسكه وَقد صَار عَن طرابلس فَسَارُوا خَلفه إِلَى نهر الْكَلْب عِنْد بيروت فَإِذا أُمَرَاء العربان وَأهل بيروت واقفون فِي وَجهه. فَوقف ألجيبغا نَهَاره ثمَّ كرّ رَاجعا فقابله عَسْكَر طرابلس فَقبض عَلَيْهِ وفر أياس فَلم يقدر عَلَيْهِ. وَوَقعت الحوطة على مماليك ألجيبغا وأمواله وَأخذ الَّذِي كتب الْكتاب بقتل أرغون شاه فَاعْتَذر بِأَنَّهُ أكره على ذَلِك وَأَنه غير الألقاب وَكتب أوصال الْكتاب مَقْلُوبَة حَتَّى يعرف أَنه مزور. وَحمل ألجيبغا مُقَيّد إِلَى دمشق. فَقبض نَائِب بعلبك على أياس وَقد حلق لحيته وَرَأسه واختفي عِنْد بعض البصارى وَبعث إِلَى دمشق فحبسا بقلعتها وَكتب بذلك إِلَى السُّلْطَان والأمراء. وَكَانَ قد ركب الْأَمِير قجا السِّلَاح دَار الْبَرِيد إِلَى دمشق بِأَمْر السُّلْطَان فَأخْرج أياس وألجيبغا ووسطهما وعلقهما على الْخشب يَوْم الْخَمِيس حادي عشري ربيع الآخر. وَكَانَ عمر ألجيبغا نَحْو تسع عشرَة سنة وَهُوَ مَا طر شَاربه. وَفِيه كتب باستقرار الْأَمِير أرقطاى نَائِب حلب فِي نِيَابَة الشَّام عوضا عَن أرغون شاه. وَاسْتقر الْأَمِير قطليجا الْحَمَوِيّ نَائِب حماة فِي نِيَابَة حلب عوضا عَن الْأَمِير أرقطاى وَاسْتقر أَمِير مَسْعُود بن خطير فِي نِيَابَة طرابلس عوضا عَن ألجيبغا المظفري. وَفِيه قدم طلب أرغون شاه ومماليكه وموجوده ثمَّ وصل طلب ألجيبغا ومماليكه وأمواله وأموال أياس فتصرف الْوَزير منجك فِي الْجَمِيع. وَفِيه قدم الْخَبَر. بِمَوْت الْأَمِير أرقطاي نَائِب الشَّام فَكتب باستقرار الْأَمِير قطليجا نَائِب حلب فِي نِيَابَة الشَّام وَتوجه ملكتمر المحمدي بتقليده. فَقدم الْخَبَر بِأَن ملكتمر المحمدي قدم حلب وقطليجا متغير المزاج فَأخْرج ثقله بريد دمشق وَأقَام بِظَاهِر حلب مُدَّة أُسْبُوع وَمَات فَأَرَادَ بيبغا روس النَّائِب منجك إِخْرَاج الْأَمِير طاز لنيابة الشَّام والأمير مغلطاي أَمِير آخور لنيابة حلب فَلم يوافقا على ذَلِك وكادت الْفِتْنَة أَن تقع. فَخلع على الْأَمِير أيتمش الناصري وَاسْتقر فِي نِيَابَة الشَّام عوضا عَن قطليجا فِي يَوْم الْجُمُعَة سادس عشرى جُمَادَى الأولى وَتوجه إِلَيْهَا وَخرج الْأَمِير قماري الْحَمَوِيّ إِلَى دمشق وَجمع أمراءها وَقبض على كثير مِنْهُم وقيدهم وسجنهم. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: توقفت أَحْوَال الدولة وَقطعت مرتبات النَّاس من اللَّحْم وَالشعِير وَصرف للماليك السُّلْطَانِيَّة عَن كل أردب شعير خَمْسَة دَرَاهِم وَقِيمَته اثْنَا عشر درهما. (وَفِي عَاشر جُمَادَى الآخر) خرحت التجريدة إِلَى قتال العشير والعربان. وَسَببه كَثْرَة فسادهم بِبِلَاد الْقُدس ونابلس. وَكَانَ قد قبض على أدّى بن فضل أَمِير جرم وسجن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 105 بقلعة الْجَبَل ثمَّ أفرج عَنهُ بعناية الْوَزير منجك. فَجمع أدّى وَقَاتل سنجر بن عَليّ أَمِير ثَعْلَبَة فمالت حَارِثَة مَعَ أدّى ومالت بَنو كنَانَة مَعَ سنجر وَجَرت بَينهم حروب كَثِيرَة قتل فِيهَا خلائق وفسدت الطرقات على الْمُسَافِرين. فخرحت إِلَيْهِم عَسَاكِر دمشق فَلم يعبئوا بهم. فَلَمَّا ولي الْأَمِير يلجك غَزَّة استمال أدّى بعد أَيَّام وعضده على ثَعْلَبَة واشتدت الحروب بَينهم وفسدت أَحْوَال النَّاس. فَركب يلجك بعسكر غَزَّة لَيْلًا وطرق ثَعْلَبَة فقاتلوه وكسروه كسرة قبيحة وألقوه عَن فرسه إِلَى الأَرْض وسحبوه إِلَى بُيُوتهم فَقَامَ سنجر بن عَليّ أَمِير ثَعْلَبَة عَلَيْهِم حَتَّى تركُوا قَتله بعد أَن سلبوا مَا عَلَيْهِ وبالغوا فِي إهانته ثمَّ أفرجوا عَنهُ بعد يَوْمَيْنِ فَعَاد يلجك إِلَى غَزَّة وَقد اتضع قدره وتقوى العشير. بِمَا أَخَذُوهُ من عسكره وَعز حانبهم فقصدوا الْغَوْر وكبسوا الْقصير المعيني وَقتلُوا بِهِ جمَاعَة كَثِيرَة من الجبلية وعمال المعاصر ونهبوا جَمِيع مَا فِيهِ من القنود والأعمال والعسكر وَغَيره وذبحوا الْأَطْفَال على صدر الْأُمَّهَات. وَقَطعُوا الطرقات فَلم يدعوا أحدا يمر من الشَّام إِلَى مصر حَتَّى أَخَذُوهُ. وقصدوا الْقُدس فخلى النَّاس مِنْهُ وَمن الْخَيل ثمَّ قصدُوا الرملة ولد فانتهبوها وَزَادُوا فِي التَّعَدِّي وخرحوا عَن الْحَد وَالْأَخْبَار ترد بذلك. فَوَقع الِاتِّفَاق على ولَايَة الْأَمِير سيف الدّين دلنجي نِيَابَة غَزَّة وَأبقى على إقطاعه بِمصْر وخلع عَلَيْهِ وَأخرج إِلَيْهَا وَكتب بِخُرُوج ابْن صبح من دمشمق على ألفي فَارس وتجهز الْوَزير منجك وَمَعَهُ ثَلَاثَة أُمَرَاء من المقدمين وهم المحمدي وأرغن الكاملي وطقتمر فَسَار قبلهم لاجين أَمِير وبينما الْوَزير وَمن مَعَه فِي أهبة السّفر إِذْ قدم الْخَبَر أَن الْأَمِير قطيلجا توجه من حماه إِلَى نِيَابَة حلب عوضا عَن الْأَمِير أرقطاي فَوحد طلب أرقطاى وَقد برز خَارج حلب يُرِيد الْقَاهِرَة فأعاقه لعمل محاسبة إقطاع النِّيَابَة بحلب وَركب بحلب موكبا. ثمَّ ركب الْأَمِير قطليجا الموكب الثانى وَنزل وَفِي بدنه تغير فَلَزِمَ الْفراش أسبوعاً وَمَات. فَسَأَلَ أرغون الكاملي أَن يسْتَقرّ عوضه فِي نِيَابَة حلب فَأُجِيب إِلَى ذَلِك وخلع عَلَيْهِ فِي يَوْم الْخَمِيس وأنعم بتقديمة على الْأَمِير قطلوبغا الذَّهَبِيّ ورسم بِسَفَرِهِ فِي يَوْم الْخَمِيس الْمَذْكُور. وَخرج الْوَزير منجك فِي تجمل عَظِيم وَقد كثرت القالة فِي أنقضاء مدَّته وَمُدَّة أَخِيه الْأَمِير بيبغا روس وَأَن الْأَمِير شيخو وطاز ومغلطاي وَغَيرهم من الْأُمَرَاء قد اتَّفقُوا عَلَيْهِمَا حَتَّى بلغهما ذَلِك وَأَن الْوَزير منجك قصد إبِْطَال التجريدة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 106 وَهَذَا وَقد قدم الْوَزير النجابة لكشف أَخْبَار الْعَشِيرَة فَلَمَّا رَحل عَن بلبيس عَادَتْ نجابته بِأَن ثَعْلَبَة ركبت بأجمعها وَدخلت بَريَّة الْحجاز لما بَلغهُمْ مسير الْعَسْكَر إِلَيْهِم فنهب أدّى كثيرا مِنْهُم وَانْفَرَدَ فِي الْبِلَاد بعشيرة. فَعَاد الْوَزير. بِمن مَعَه وَعبر الْقَاهِرَة فِي ثَانِي عشريه بعد أَرْبَعَة أَيَّام. وَكَانَ قد حصل للوزير فِي هَذِه الْحَرَكَة من تقادم الْكَشَّاف والولاة والأمراء والمباشرين مَا ينيف على مائَة ألف دِينَار فَتَلَقَّتْهُ الْعَامَّة بالشموع وابتهجوا بقدومه وأتته الضامنة بِجَمِيعِ وَفِي مستهل رَجَب: قدم الْخَبَر بِأَن الْأَمِير دلنجي نَائِب غَزَّة بلغه كَثْرَة جَمِيع العشير وقصدهم نهب لد والرملة فَركب إِلَيْهِم ولقيهم قَرِيبا من لد منزل تجاههم وَمَا زَالَ يراسلهم ويخدعهم حَتَّى قدم إِلَيْهِ نَحْو الْمِائَتَيْنِ من أكابرهم فقبضهم وَعَاد إِلَى غَزَّة وَقد تفرق جمعهم فوسطهم كلهم. وَفِيه توحه طلب الْأَمِير أرغون الكاملي إِلَى حلب. وَفِيه قدم طلب الْأَمِير أرقطاى مَعَ وَلَده وَفِي يَوْم الْخَمِيس مستهل شعْبَان: خرج الْأَمِير قبلاي الْحَاجِب. بمضافيه من الطبلخاناه والعشرات إِلَى غَزَّة لأحد شُيُوخ الْعشْر. وَفِي هَذَا الشَّهْر: غير الْوَزير وُلَاة الْوَجْه القبلي وَكتب بطلبهم وعزل مازان من الغربية بِابْن الدواداري. وَفِيه أضيف كشف الجسور إِلَى وُلَاة الأقاليم. وَفِيه أُعِيد فار السقوف إِلَى ضَمَان جِهَات الْقَاهِرَة ومصر بأجمعها وَكَانَ قد سجن فِي الْأَيَّام الناصرية مُحَمَّد بن قلاوون وَكتب على قَيده مخلد بعد مَا صودر وَضرب بالمقارع لقبح سيرته. فَلم يزل مسجونا إِلَى أَن أفرج عَن المحابيس فِي أَيَّام الصَّالح إِسْمَاعِيل فافرج عَنهُ فِي جُمْلَتهمْ وَانْقطع إِلَى أَن اتَّصل بالوزير منجك واستماله فسلمه الْجِهَات بأسرها وخلع عَلَيْهِ وَمنع مقدمي الدولة من مشاركته فِي التَّكَلُّم فِي الْجِهَات الجزء: 4 ¦ الصفحة: 107 ونودى لَهُ فِي الْقَاهِرَة ومصر فَزَاد فِي الْمُعَامَلَات ثَلَاثمِائَة ألف دِرْهَم فِي السّنة. وَفِيه قدم الْأَمِير قبلاي غَزَّة فاحتال على أدّى حَتَّى قدم عَلَيْهِ فَأكْرمه وأنزله ثمَّ رده بزوادة إِلَى أَهله فاطمأنت العشرات والعربان لذَلِك وبقوا على ذَلِك إِلَى أَن أهل رَمَضَان. حضر أدّى فِي بنى عَمه لتهنئة قبلاي بِشَهْر الصَّوْم فساعة وُصُوله اليه قبض عَلَيْهِ وعَلى بني عَمه الْأَرْبَعَة وقيدهم وسجنهم وَكتب إِلَى على بن سنجر: بِأَنِّي قد قبضت على عَدوك ليَكُون لي عنْدك يَد بَيْضَاء فسر سنجر بذلك وَركب إِلَى قبلاى فَتَلقاهُ وأكرمه فضمن لَهُ سنجر دَرك الْبِلَاد. ورحل قبلاى من غده وَمَعَهُ أدّى وَبَنُو عَمه يُرِيد الْقَاهِرَة فَقدم فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ حادي عشره فَضربُوا على بَاب الْقلَّة بالمقارع ضربا مبرحاً وألزم أدّى بِأَلف رجل ومائتي ألف دِرْهَم فَبعث إِلَى قومه بإحضارها فَلَمَّا أخذت سمر هُوَ وَبَنُو عَمه فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ خَامِس عشريه وَقت الْعَصْر وسيروا إِلَى غَزَّة صُحْبَة جمَاعَة من أجناد الْحلقَة فوسطوا بهَا. فثار أَخُو أدّى وَقصد كبس غَزَّة فَخرج إِلَيْهِ الْأَمِير دلنجى ولقيه على ميل من غَزَّة وحاربه ثَلَاثَة أَيَّام وَقَتله فِي الْيَوْم الرَّابِع بِسَهْم أَصَابَهُ وَبعث دلنجي بذلك إِلَى الْقَاهِرَة فَكتب بِخُرُوج نَائِب صفد ونائب الكرك لنجدته وَفِيه كثر الْإِنْكَار على الْوَزير منجك فَإِنَّهُ أبطل سماط الْعِيد وَاحْتج بِأَنَّهُ يقوم بحملة كَبِيرَة تبلغ خمسين ألف فِي دِرْهَم وتنهبه الغلمان وَكَانَ أَيْضا قد أبطل سماط شهر رَمَضَان. وَفِي هَذَا الشَّهْر: فرغت القيسارية الَّتِي أَنْشَأَهَا تَاج الدّين الْمَنَاوِيّ بجوار الْجَامِع الطولوني من مَال وَقفه وتشتمل على ثَلَاثِينَ حانوتا. وَفِيه خرج ركب الْحَاج على الْعَادة صُحْبَة الْأَمِير فَارس الدّين وَمَعَهُ عدَّة من مماليك الْأُمَرَاء. وَحمل الْأَمِير فَارس الدّين مَعَه مَالا من بَيت المَال وَمن مُودع الحكم لعمارة عين جوبان. بِمَكَّة ومبلغ عشرَة آلَاف دِرْهَم للْعَرَب بِسَبَب الْعين الْمَذْكُورَة ورسم أَن تكون مقررة لَهُم فِي كل سنة. وَخرج مَعَه حَاج كثير جدا وَحمل الْأُمَرَاء من الغلال فِي الْبَحْر إِلَى مَكَّة عدَّة آلَاف أردب. وَفِي مستهل ذِي الْقعدَة: قدم كتاب الْأَمِير دلنجى نَائِب غَزَّة بتفرق العربان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 108 ونزول أَكْثَرهم بالشرقية والغربية من أَرض مصر لربط إبلهم على البرسيم. فكبست الْبِلَاد عَلَيْهِم وَقبض على ثَلَاثمِائَة رجل وَأخذ لَهُم ثَلَاثَة آلَاف جمل. ووحد عِنْدهم كثير من ثِيَاب الأجناد وسلاحهم وحوائصهم فَاسْتعْمل الرِّجَال فِي العمائر حَتَّى هلك أَكْثَرهم. وَفِي نصفه: خرج الْأُمَرَاء لكشف الجسور فَتوجه الْأَمِير أرنان للوحه القبلي وَتوجه أَمِير أَحْمد قريب السُّلْطَان للغربية وتوحه الْأَمِير آقجبا للمنوفية وَتوجه أراى أَمِير آخور للشرقية وَتوجه وَفِيه توقف حَال الدولة فَكثر الْكَلَام من الْأُمَرَاء والمماليك السُّلْطَانِيَّة والمعاملين والخوشكاشية وَفِيه طلب الْأَمِير مغلطاي أَمِير آخور زِيَادَة على إقطاعه فكشف عَن بِلَاد الْخَاص فَدلَّ ديوَان الْجَيْش على أَنه لم يتَأَخَّر مِنْهَا سوى الْإسْكَنْدَريَّة ودمياط وَقُوَّة وَفَارِس كور وَخرج بَاقِيهَا لِلْأُمَرَاءِ وَخرج أَيْضا من الجيزة مَا كَانَ لديوان الْخَاص لِلْأُمَرَاءِ. وشكا الْوَزير من كَثْرَة الكلف والإنعامات وَأَن الْحَوَائِج خاناه فِي الْأَيَّام الناصرية مُحَمَّد بن قلاوون مرتبها فِي كل يَوْم ثَلَاثَة عشر ألف دِرْهَم وَهُوَ الْيَوْم اثْنَان وَعِشْرُونَ ألف دِرْهَم. فرسم بِكِتَابَة أوراق. بمتحصل الدولة ومصروفها فَبلغ المتحصل فِي السّنة عشرَة آلَاف ألف دِرْهَم والمصروف بديوان الوزارة وديوان الْخَاص أَرْبَعَة عشر ألف ألف دِرْهَم وسِتمِائَة ألف دِرْهَم وَأَن الَّذِي خرج من بِلَاد الجيزة على سَبِيل الإنعام زِيَادَة على إقطاعات الْأُمَرَاء نَحْو سِتِّينَ ألف دِينَار. فتغاضى الْأُمَرَاء عِنْد سَماع ذَلِك إِلَّا مغلطاي أَمِير آخور فَإِنَّهُ غضب وَقَالَ: من يحاقق الدَّوَاوِين على قَوْلهم. وَفِيه قدم طلب الْأَمِير قطليجا الْحَمَوِيّ من حلب فَوضع الْوَزير منجك يَده عَلَيْهِ وَتصرف بِحكم أَنه وَصِيّ. وَفِيه قدم الْأَمِير عز الدّين أزدمر الزراق من حلب باستدعائه بعد مَا أَقَامَ بهَا مُدَّة سنة من جملَة أُمَرَاء الألوف فأجلس مَعَ الْأُمَرَاء الْكِبَار فِي الْخدمَة. وَفِيه خرج الْأَمِير طاز لسرحة الْبحيرَة وأنعم عَلَيْهِ من مَال الْإسْكَنْدَريَّة بألفي دِينَار. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 109 وَخرج الْأَمِير صرغتمش أَيْضا فأنعم عَلَيْهِ مِنْهَا بِأَلف دِينَار. ثمَّ توجه الْأَمِير بيبغا روس النَّائِب للسرحة وأنعم عَلَيْهِ بِثَلَاثَة آلَاف دِينَار. وَتوجه الْأَمِير شيخو أَيْضا ورسم لَهُ بِثَلَاثَة آلَاف دِينَار. وَفِيه أنعم على الْأَمِير مغلطاي أَمِير آخور إرضاء لخاطره بِنَاحِيَة صهرجت زِيَادَة على إقطاعه وعبرتها عشرُون ألف دِينَار فِي السّنة فَدخل الْأَمِير شيخو فِي سرحته إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فَتَلَقَّتْهُ الْغُزَاة بآلات السِّلَاح ورموا بالجرخ بَين يَدَيْهِ ونصبوا المنجنيق ورموا بِهِ. ثمَّ شكوا لَهُ مَا عِنْدهم من الْمظْلمَة وَهِي أَن التَّاج إِسْحَاق ضمن دكاكين الْعطر وأفرد دكانا لبيع النشا فَلَا تبَاع بغَيْرهَا وأفرد دكانا لبيع الْأَشْرِبَة فَلَا تبَاع بغَيْرهَا وَجعل ذَلِك وَقفا على الخانكاه الناصرية بسرياقوس. فرسم بِإِبْطَال ذَلِك وَأطلق للنَّاس البيع حَيْثُ أَحبُّوا وَكتب مرسوم بِإِبْطَال ذَلِك وَفِي مستهل ذِي الْحجَّة: عوفي علم الدّين عبد الله بن زنبور وخلع عَلَيْهِ بعد مَا أَقَامَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا مَرِيضا تصدق فِيهَا بِثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم وَأَفْرج عَن جمَاعَة من المسجونين. وَفِيه كتب الْمُوفق نَاظر الدولة أوراقا بِمَا استجد على الدولة من وَفَاة السُّلْطَان النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون إِلَى الْمحرم سنة خمسين وَسَبْعمائة فَكَانَت جملَة مَا أنعم بِهِ وأقطع - من بِلَاد الصَّعِيد وبلاد الوحه البحري وبلاد الفيوم وبلاد الْملك وأراضي الرزق - للخدام والجواري وغيرهن سَبْعمِائة ألف الف أردب وَألف ألف وسِتمِائَة ألف دِرْهَم مُعينَة بأسماء أَرْبَابهَا من الْأُمَرَاء والخدام وَالنِّسَاء وعبرة الْبَلَد ومتحصلها وَجُمْلَة عَملهَا وقرئت على الْأُمَرَاء ومعظم ذَلِك بِأَسْمَائِهِمْ فَلم ينْطق أحد مِنْهُم بشىء. وَفِيه أبطل الْوَزير منجك سماط عيد النَّحْر أَيْضا. وفيهَا أبطل مَا أحدثه النِّسَاء من ملابسهن. وَذَلِكَ أَن الخواتين نسَاء السُّلْطَان وجواريهن أحدثن قمصانا طوَالًا تخب أذيالها على الأَرْض بأكمام سَعَة الْكمّ مِنْهَا ثَلَاثَة أَذْرع فَإِذا أرخته الْوَاحِدَة مِنْهُنَّ غطى رجلهَا وَعرف الْقَمِيص مِنْهَا فِيمَا بَينهُنَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 110 بالبهطلة ومبلغ مصروفه ألف دِرْهَم فَمَا فَوْقهَا. وتشبه نسَاء الْقَاهِرَة بِهن فِي ذَلِك حَتَّى لم يبْق امْرَأَة إِلَّا وقميصها كَذَلِك. فَقَامَ الْوَزير منجك فِي إِبْطَالهَا وَطلب وَالِي الْقَاهِرَة ورسم لَهُ بِقطع أكمام النِّسَاء وَأخذ مَا عَلَيْهِنَّ. ثمَّ تحدث منجك مَعَ قُضَاة الْقُضَاة بدار الْعدْل يَوْم الْخدمَة بِحَضْرَة السُّلْطَان والأمراء فِيمَا أحدثه النِّسَاء من القمصان الْمَذْكُورَة وَأَن الْقَمِيص مِنْهَا مبلغ مصروفه ألف دِرْهَم وأنهن أبطلن لبس الْإِزَار الْبَغْدَادِيّ وأحدثن الْإِزَار الْحَرِير بِأَلف دِرْهَم وَأَن خف الْمَرْأَة وسرموزتها بِخَمْسِمِائَة دِرْهَم. فأفتوه جَمِيعهم بِأَن هَذَا من الْأُمُور الْمُحرمَة الَّتِى يجب منعهَا فقوى بفتواهم وَنزل إِلَى بَيته وَبعث أعوانه إِلَى بيُوت أَرْبَاب الملهى حَيْثُ كَانَ كثير من النِّسَاء فَهَجَمُوا عَلَيْهِنَّ وَأخذُوا مَا عِنْدهن من ذَلِك. وكبسوا مناشر الغسالين ودكاكين البابية وَأخذُوا مَا فِيهَا من قمصان النِّسَاء وقطعها الْوَزير منجك. ووكل الْوَزير مماليكه بالشوارع والطرقات فَقطعُوا أكمام النِّسَاء ونادى فِي الْقَاهِرَة ومصر. بِمَنْع النِّسَاء من لبس مَا تقدم ذكره وَأَنه مَتى وجدت امْرَأَة عَلَيْهَا شىء مِمَّا منع أخرق بهَا وَأخذ مَا عَلَيْهَا. وَاشْتَدَّ الْأَمر على النِّسَاء وَقبض على عدَّة مِنْهُنَّ وَأخذت أقمصتهن. ونصبت أخشاب على سور الْقَاهِرَة بِبَاب زويلة وَبَاب النَّصْر وَبَاب الْفتُوح وعلق عَلَيْهَا تماثيل معمولة على صور النِّسَاء وعليهن القمصان الطوَال ارهابا لَهُنَّ وتخويفا. وَطلبت الأساكفة وَمنعُوا من بيع الأخفاف والسراميز الْمَذْكُورَة وَأَن تعْمل كَمَا كَانَت أَولا تعْمل وَنُودِيَ من بَاعَ إزاراً حَرِيرًا أَخذ جَمِيع مَاله للسُّلْطَان. فَانْقَطع خُرُوج النِّسَاء إِلَى الْأَسْوَاق وركوبهن حمير المكارية وَإِذا وجدت امْرَأَة كشف عَن ثِيَابهَا وَامْتنع الأساكفة من عمل أَخْفَاف النِّسَاء وسراميزهن المحدثة وانكف التُّجَّار عَن بيع الأزر الْحَرِير وشرائها حَتَّى إِنَّه نُودي على وَفِيه اسْتَقر جمال الدّين يُوسُف المرداوي فِي قَضَاء الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق بعد وَفَاة عَلَاء الدّين على بن أبي البركات بن عُثْمَان بن أسعد بن المنجا. وَفِيه اسْتَقر نجم الدّين مُحَمَّد الأزرعي فِي قَضَاء الشَّافِعِيَّة بحلب بعد وَفَاة نجم الدّين عبد القاهر بن أبي السفاح. وَفِيه توقف النّيل ثمَّ زَاد حَتَّى كَانَ الْوَفَاء فِي جُمَادَى الْآخِرَة. ثمَّ نقص نَحْو ثُلثي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 111 ذِرَاع وبقى على النَّقْص إِلَى النوروز وَهُوَ سِتَّة عشر ذِرَاعا وَإِحْدَى وَعشْرين اصبعاً. ثمَّ رد النَّقْص وَزَاد إِصْبَعَيْنِ فَبلغ سِتَّة عشر ذِرَاعا وَثَلَاثًا وَعشْرين اصبعاً فِي يَوْم عيد الصَّلِيب وَفِيه أضاع الْوُلَاة عمل الجسور وَبَاعُوا الجراريف حَتَّى غرق كثير من الْبِلَاد. وَمَعَ ذَلِك امتدت أَيْديهم إِلَى الفلاحين وغرموهم مَا لم تجر بِهِ عَادَة فَشكى من الْوُلَاة للوزير فَلم يلْتَفت لمن شكاهم. وَمَات فِيهَا من الْأَعْيَان شيخ الإقراء شهَاب الدّين أَحْمد بن مُوسَى بن موسك بن جكو الهكاري بِالْقَاهِرَةِ عَن سِتّ وَسبعين سنة فِي ثَانِي عشر جُمَادَى الأولى. وَكتب بِخَطِّهِ كثيرا ودرس الْقرَاءَات والْحَدِيث وَمَات النحوى شهَاب الدّين أَحْمد بن سعد بن مُحَمَّد بن أَحْمد النشائي الأندرشي بِدِمَشْق وَله شرح سِيبَوَيْهٍ فِي أَرْبَعَة أسفار. وَمَات مكين الدّين إِبْرَاهِيم بن قروينة بعد مَا ولي اسْتِيفَاء الصُّحْبَة وَنظر الْبيُوت ثمَّ ولي نظر الْجَيْش مرَّتَيْنِ وصودر ثَلَاث مَرَّات وَأقَام بطالا حَتَّى مَاتَ وَمَات الْأَمِير أرغون شاه الناصري نَائِب الشَّام مذبوحا فِي لَيْلَة الْخَمِيس رَابِع ربيع الأول رباه السُّلْطَان النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاون حَتَّى عمله أَمِير طبلخاناه رَأس نوبَة الجمدارية ثمَّ اسْتَقر بعد وَفَاته أستادارا أَمِير مائَة مقدم ألف فتحكم على المظفر شعْبَان حَتَّى أخرجه لنيابة صفد وَولي بعْدهَا نِيَابَة حلب ثمَّ نِيَابَة الشَّام. وَكَانَ جفيفاً قوي النَّفس شرس الْأَخْلَاق مهابا جائراً فِي أَحْكَامه سفاكا للدماء غليظاً الجزء: 4 ¦ الصفحة: 112 فحاشاً كثير المَال وَأَصله من بِلَاد الصين حمل إِلَى أَبُو سعيد بن خربندا فَأَخذه دمشق خواجا بن جوبان ثمَّ ارتجعه أَبُو سعيد بعد قتل جربان وَبعث بِهِ إِلَى مصر هَدِيَّة وَمَعَهُ ملكتمر السعيدى وَمَات الْأَمِير أرقطاى المنصورى بِظَاهِر حلب وَهُوَ مُتَوَجّه إِلَى دمشق عَن نَحْو ثَمَانِينَ سنة فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس جُمَادَى الأولى. وَأَصله من مماليك الْمَنْصُور قلاوون رباه الطواشي فاخر أحسن تربية إِلَى أَن توجه النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون إِلَى الكرك كَانَ مَعَه. فَلَمَّا عَاد إِلَيْهِ ملكه جعله من جملَة الْأُمَرَاء ثمَّ سيره صُحْبَة الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام وأوصاه أَلا يخرج عَن رَأْيه وَأقَام عِنْده مُدَّة. ثمَّ تنكر عَلَيْهِ السُّلْطَان النَّاصِر مُحَمَّد فولاه نِيَابَة حمص مُدَّة سنتَيْن وَنصف ثمَّ نَقله لنيابة صفد فَأَقَامَ بهَا ثَمَانِي عشر سنة. وَقدم مصر فَأَقَامَ بهَا عدَّة سِنِين وجرد إِلَى أياس. ثمَّ ولي نِيَابَة طرابلس وَمَات النَّاصِر مُحَمَّد وَهُوَ بهَا. ثمَّ قدم مصر وَقبض عَلَيْهِ ثمَّ أفرج عَنهُ وَأقَام مُدَّة. ثمَّ ولي نِيَابَة حلب ثمَّ طلب إِلَى مصر فَصَارَ رَأس الميمنة. ثمَّ ولى نِيَابَة السلطنة نَحْو سنتَيْن ثمَّ أخرج لنيابة حلب فَأَقَامَ بهَا مُدَّة. ثمَّ نقل لنيابة الشَّام فَمَاتَ فِي طَرِيقه لدمشق فَدفن بحلب وَكَانَ مشكور السِّيرَة وَمَات الْأَمِير ألجيبغا المظفري نَائِب طرابلس موسطاً بِدِمَشْق فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامن عشر ربيع الآخر. وَقتل مَعَه أَيْضا الْأَمِير أياس وَأَصله من الأرمن أسلم على يَد النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون فرقاه حَتَّى عمله شاد العمائر ثمَّ أخرحه إِلَى الشَّام ثمَّ أحضرهُ غرلو وتنقل إِلَى أَن صَار شاد الدَّوَاوِين. ثمَّ صَار حاجباً بِدِمَشْق ثمَّ نَائِبا بصفد ثمَّ نَائِبا بحلب ثمَّ أَمِيرا بِدِمَشْق حَتَّى كَانَ من أمره مَا تقدم ذكره وَمَات بِدِمَشْق الْأَمِير طقتمر الشريفي بعد مَا عمى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 113 وَمَات قَاضِي الشَّافِعِيَّة بحلب نجم الدّين عبد القاهر بن عبد الله بن يُوسُف بن أبي السفاح. وَتُوفِّي نجم الدّين عبد الرَّحْمَن بن يُوسُف بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عَليّ الْقرشِي الأصفوني الشَّافِعِي. بمنى فِي ثَالِث عشر ذِي الْحجَّة. وَدفن بِالْعَلَاءِ وَله مُخْتَصر الرَّوْضَة وَغَيره. وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة عَلَاء الدّين عَليّ بن الْفَخر عُثْمَان بن إِبْرَاهِيم بن مصطفى المارديني الْمَعْرُوف بِابْن التركماني الْحَنَفِيّ فِي يَوْم الثُّلَاثَاء عَاشر الْمحرم بِالْقَاهِرَةِ. وَله كتاب الرَّد النقي فِي الرَّد على الْبَيْهَقِيّ وَغَيره وَله شعر وَكَانَ النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاون يكره مِنْهُ اجتماعه بالأمراء وَكَانَ يغلو فِي مذْهبه غلواً زَائِدا. وَتُوفِّي قَاضِي الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق عَلَاء الدّين عَليّ بن الزَّبْن أبي البركات بن عُثْمَان ابْن أسعد بن المنجا التنوخي عَن ثَلَاث وَسبعين سنة. وَمَات الْأَمِير قطليجا الْحَمَوِيّ أَصله الْمَمْلُوك الْمُؤَيد صَاحب حماة فَبَعثه إِلَى النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاون وترقى صَار من جملَة الْأُمَرَاء. ثمَّ ولي نِيَابَة حماة وَنقل إِلَى نِيَابَة حلب فَأَقَامَ بهَا أَيَّامًا وَمَات وَكَانَ سيىء السِّيرَة. وَتُوفِّي قاضى الْقُضَاة تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر بن عِيسَى بن بدران السَّعْدِيّ الأخنائي الْمَالِكِي فِي لَيْلَة الثَّالِث من صفر وَمَات الْأَمِير نوغيه البدري وَالِي الفيوم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 114 وَمَاتَتْ خوند بنت الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون وَهِي زَوْجَة الْأَمِير طاز. وَتركت. مَالا عَظِيما أبيع موجودها بِبَاب الْقلَّة من القلعة بِخَمْسِمِائَة ألف دِرْهَم من جملَته فبقاب مرصع بِأَرْبَعِينَ ألف دِرْهَم ثمنهَا ألف دِينَار مصرية. وَمَات علم الدّين بن سهلول. كَانَ أَبوهُ كَاتبا عِنْد بعض الْأُمَرَاء فخدم بعده أَمِير حُسَيْن بن جندر ثمَّ ولي الإستيفاء وَنظر الدولة شركَة للموفق. ثمَّ صودر وَلزِمَ بَيته وَعمر دَارا جليلة بحارة زويلة من الْقَاهِرَة وفيهَا قَامَ بتونس أَبُو الْعَبَّاس الْفضل بن أبي بكر بن يحيى بن إِبْرَاهِيم بن عبد الْوَاحِد ابْن أبي حَفْص فِي ذِي الْقعدَة وَكَانَ فد قدم إِلَى تونس السُّلْطَان أَبُو الْحسن عَليّ بن أبي سعيد عُثْمَان بن. يَعْقُوب بن عبد الْحق ملك بني مرين صَاحب فاس وَملك تونس وإفريقية ثمَّ سَار مِنْهَا لِلنِّصْفِ من شَوَّال واستخلف ابْنه أَبَا الْعَبَّاس الْفضل فَقَامَ أَبُو الْعَبَّاس الْمَذْكُور وَملك تونس ملك أَبِيه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 115 فارغة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 116 (سنة إِحْدَى وَخمسين وَسَبْعمائة) أهل الْمحرم وَالنَّاس فِي بِلَاد عَظِيم من فأر السقوف ضَامِن الْجِهَات فَإِنَّهُ أحدث حوادث قبيحة فِي دَار الْبِطِّيخ وَدَار السّمك وَسَائِر الْمُعَامَلَات وَزَاد فِي ضَرَائِب المكوس وَتمكن من الْوَزير منجك تمَكنا زَائِدا حَتَّى كَانَ يَقُول: هَذَا أخي وَكَثُرت الشكاية مِنْهُ ووقفت الْعَامَّة فِيهِ للسُّلْطَان فَلم يتَغَيَّر الْوَزير عَلَيْهِ وَفِيه أوقع الْأَمِير أرغون الكاملي نَائِب حلب بكاتب سرها زين الدّين عمر بن يُوسُف بن عبد الله بن يُوسُف بن أبي السفاح وضربه وسجنه. فاستقر عوضه فيكتابة السِّرّ بحلب الشريف شهَاب الدّين الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الْمَعْرُوف بِابْن قَاضِي الْعَسْكَر. وَفِيه أوقع الشَّيْخ حسن نَائِب بَغْدَاد والأمير حيار بن مهنا بطَائفَة من الْعَرَب وَقتل مِنْهُم نَحْو الْمِائَتَيْنِ وَأسر كثيرا مِنْهُم ففر عدَّة مِنْهُم إِلَى الرحبة. فَطلب الْأَمِير حيار من أزدمر النوري نَائِب الرحبة تَمْكِينه مِنْهُم فَأبى عَلَيْهِ فَكتب فِيهِ الْأَمِير حيار إِلَى السُّلْطَان فَعَزله وَفِيه اقتتل مُوسَى بن مهنا وَسيف بن فضل فَانْهَزَمَ سيف ونهبت أَمْوَاله وَفِيه ابتدأت الوحشة بَين الْأَمِير مغلطاي أَمِير آخور وَبَين الْوَزير منحك بِسَبَب الفار الضَّامِن وَقد شكى مِنْهُ. فَطَلَبه مغلطاي من الْوَزير عِنْدَمَا احتمى بِهِ فَلم يُمكنهُ مِنْهُ وَفِيه قدم صَاحب حصن كيفا والخواجا عمر بن مُسَافر بعد غيبَة طَوِيلَة. فسر بِهِ الْأَمِير شيخو لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي جلبه من بِلَاده وَنسب إِلَيْهِ فَقيل لَهُ شيخو الْعمريّ. وَأكْرم صَاحب حصن كيفا وروعي فِي متجره وَكَانَ من جملَته ثَلَاثمِائَة ألف جلد سنجاب. فَقدم صَاحب حصن كيفا عدَّة تقادم لِلْأُمَرَاءِ فبعثوا إِلَيْهِ. بِمَال كثير وَبعث إِلَيْهِ الْأَمِير شيخو ألف دِينَار وتعبئة قماش وَبعث إِلَيْهِ الْوَزير منجم بألفي دِينَار وقماش الجزء: 4 ¦ الصفحة: 117 كثير وأنزله فِي بَيته وَبعث إِلَيْهِ الْأَمِير بيبغا روس وَغَيره ثمَّ عَاد بعد شهر إِلَى بِلَاده. وَفِيه كمل صهريج الْوَزير منجك على الثغرة تَحت القلعة وَاشْترى لَهُ من بَيت المَال نَاحيَة بلقينة من الغربية بِخَمْسَة وَعشْرين ألف دِينَار أنعم عَلَيْهِ بهَا ووقفها على صهريجه. وَكَانَت بلقينة مرصدة لجوامك الْحَاشِيَة فعوضوا عَنْهَا. وَفِي رَابِع عشريه: قدم الْأَمِير فَارس الدّين بالحجاج وَكَانُوا لما قدمُوا مَكَّة نزلت رَبهم شدَّة من غلاء الأسعاء وَقلة المَاء بِحَيْثُ أبيعت الراوية بِعشْرين درهما حَتَّى هموا بِالْخرُوجِ مِنْهَا ونزول بطن مرو. فَبعث الله فِي تِلْكَ اللَّيْلَة مَطَرا اسْتمرّ يَوْمَيْنِ وَلَيْلَة حَتَّى امْتَلَأت الْآبَار والبرك وَقدم عدَّة قوافل فانحل السّعر قَلِيلا. وَحصل لَهُم خود من عبور الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة وَذَلِكَ أَن الشريف أدّى لما عزل بالشريف سعد جمع العربان وهجم الْمَدِينَة قبل قدوم سعد إِلَيْهَا وَأخذ أَمْوَال الخدام وودائع الشاميين وقناديل الْحُجْرَة الشَّرِيفَة وأموال الْأَغْنِيَاء وَغَيرهم وَخرج. وَفِيه أفرج عَن عِيسَى بن حسن الهجان وَكَانَ قد قبض عَلَيْهِ وسجن بِسَبَب أَنه مَالا هُوَ وعربه جمَاعَة العايد المفسدين من العربان وأحيط بأمواله. وَكَانَ فد كثرت سعادته فَإِنَّهُ كَانَ مَعَ النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون فِي الكرك فَلَمَّا عَاد إِلَيْهِ ملكه سلمه الهجن وَحكمه فِيهَا فطالت أَيَّامه وَكَثُرت أَمْوَاله. وتسلم بعده الهجن جمال الدّين نفر فَقَامَ الْوَزير حَتَّى أفرج عَنهُ ورد عَلَيْهِ إقطاعه وأنعم على جمَاعَة من عربه بإقطاعات. وَفِي مستهل صفر: قدمت رسل أرتنا نَائِب الرّوم وَسَأَلَ أَن يكْتب لَهُ تَقْلِيد نِيَابَة الرّوم على عَادَته فَكتب لَهُ وَأكْرم رَسُوله. وَفِيه تنافس الْوَزير منجك والأمير مغلطاي واستعد كل مِنْهُمَا بِأَصْحَابِهِ للْآخر فَقَامَ الْأَمِير شيخو حَتَّى أخمد الْفِتْنَة. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشريه: وَقت الصَّلَاة وَقعت نَار بِخَط البندقانيين من الْقَاهِرَة فأحرقت دَار هُنَاكَ. فَركب الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن الكوراني لإطفائها على الْعَادة وَكَانَ الْهَوَاء شَدِيدا والدور متلاصقة فَاشْتَدَّ لَهب النَّار بِحَيْثُ رؤى من القلعة. فَركب الْوَزير منجك والأمير بيبغا روس النَّائِب والأمير شيخو والأمير طاز والأمير مغلطاى والأمير قبلاى حَاجِب الْحجاب وَغَيرهم من الْأُمَرَاء بمماليكهم وَأتوا إِلَى الْحَرِيق ونزلوا عَن خيولهم وَمنعُوا الْعَامَّة من النهب فامتدت النَّار من دكاكين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 118 البندقانيين إِلَى دكاكين الرسامين ودكاكين الفقاعين والفندق المجاور لَهَا وَالرّبع علوة. وتعلقت. بِمَا نجاه ذَلِك من الدّور الْمُجَاورَة لبيت المظفر بيبرس الجاشنكير فأحرقت الرّبع واتصلت بزقاق الْكَنِيسَة إِلَى بَيت كريم الدّين بن الصاحب أَمِين الدّين إِلَى بير الدلاء الَّتِي كَانَت تعرف قَدِيما ببئر زويلة فأحرقت النَّار الدكاكين وَالرّبع المجاور لدار الجوكندار وَلم يبْق إِلَّا أَن تصل إِلَى دَار عَلَاء الدّين على بن فضل الله كَاتب السِّرّ وَعظم الْأَمر والأمراء جَمِيعهم على أَرجُلهم. بِمن مَعَهم والمقيدون بِالْمَسَاحِي بَين أَيْديهم تهدم الدّور وتطفي النَّار وَالنَّاس فِي أَمر مريج. وَبينا أَصْحَاب الدَّار فِي نقلة مَتَاعهمْ خوفًا من وُصُول النَّار إِلَيْهِم إِذا بالنَّار قد ظَهرت عِنْدهم فينجون بِأَنْفسِهِم ويتركون أَمْوَالهم حَتَّى شَمل الْهدم والحريق مَا هُنَالك من العمائر. وَلم يبْق بِالْقَاهِرَةِ سقاء إِلَّا وأحضر لإطفاء الْحَرِيق وَكَانَت الْجمال تحمل الروايا بِالْمَاءِ من بَاب زويلة إِلَى البندقانيين. واستمرت النَّار يَوْمَيْنِ وليلتين وَجَمِيع الْأُمَرَاء وقُوف حَتَّى خف اللهب. فَوكل بالحريق بعض الْأُمَرَاء مَعَ الْوَالِي وَمضى بَقِيَّتهمْ إِلَى بُيُوتهم وبهم من التَّعَب مَا لَا يُوصف. فأقامت النَّار بعد انصرافهم ثَلَاثَة أَيَّام وَهِي تطفا فَكَانَ حريقا مهولا ذهب فِيهِ من الْأَمْوَال مَا لَا ينْحَصر. وامتد الْحَرِيق إِلَى قيسارية طشتمر وَربع بكتمر ثمَّ صَارَت النَّار تُوجد بعد ذَلِك فِي مَوَاضِع عديدة من الْقَاهِرَة وظواهرها. وَوجد فِي بعض الْمَوَاضِع الَّتِي بهَا الْحَرِيق كعكات زَيْت ومطران وَوجد فِي بَعْضهَا نشابة فِي وَسطهَا نفط. وَكَانَ أَكثر الْأَمَاكِن تقع النَّار بسطحها وَلم يعرف من فعل ذَلِك فَنُوديَ باحتراس النَّاس على أملاكهم من الْحَرِيق فَلم يبْق جليل وَلَا حقير حَتَّى اتخذ عِنْده أوعية ملأها مَاء. وَلم يزل الْحَرِيق فِي الْأَمَاكِن إِلَى أثْنَاء شهر ربيع الأول فَقبض فِي هَذِه الْمدَّة على كثير من أوباش الْعَامَّة وقيدوا ليكونوا عونا على إطفاء الْحَرِيق ففر معظمهم من الْقَاهِرَة. ثمَّ نُودي أَلا يُقيم بِالْقَاهِرَةِ غَرِيب ورسم للخفراء تتبعهم وإحضارهم. وتعب وَالِي الْقَاهِرَة فِي مُدَّة الْحَرِيق تعباً لَا يُوصف فَإِنَّهُ أَقَامَ مُدَّة شهر لَا يكَاد ينَام هُوَ وحفدته فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو وَقت من صَيْحَة تقع بِسَبَب الْحَرِيق فَذَهَبت دور كَثِيرَة. ثمَّ وَقع بعد شهر. بِمصْر حريق فِي شونة حلفاء بجوار مطابخ السُّلْطَان وبعدة أَمَاكِن. وَفِي يَوْم السبت حادي عشرى ربيع الأول: سمر حمام وَعَبده الَّذِي كَانَ يحمل سلاحه وَثَلَاثَة نفر. وَكَانَ قد عظم فَسَاده وَكثر هجومه على الدّور وَأخذ مَا فِيهَا وَقتل من يمنعهُ وأعيا الْوُلَاة أمره حَتَّى أوقعه الله وَكفى شَره. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 119 وَفِي أول ربيع الآخر: قبض على أَحْمد بن أبي ريد وَمُحَمّد بن يُوسُف مقدمي الدولة. وَسبب ذَلِك أَن ابْن يُوسُف حج فِي السّنة الْمَاضِيَة على سِتَّة قطر جمال وَثَلَاثَة قطر هجن بطبل وبيزه كَمَا حج الْأُمَرَاء بِحَيْثُ كَانَ مَعَه نَحْو مِائَتي عليقة. وَلما قدم ابْن يُوسُف إِلَى الْقَاهِرَة أهْدى للوزير منجك والنائب بيبغا روس والأمير طاز والأمير صرغتمش الْهَدَايَا الجليلة الْقدر وَلم يهد إِلَى الْأَمِير شيخو وَلَا إِلَى الْأَمِير مغلطاي شَيْئا. فعاب عَلَيْهِ النَّاس ترك مهاداة شيخو فَحمل إِلَيْهِ بعد مُدَّة هَدِيَّة سنية فَردهَا عَلَيْهِ وَقَالَ: هَذَا مَاله حرَام. ثمَّ يعد أَيَّام وقف جمَاعَة من الأجناد وَشَكوا فِي الْوُلَاة طمعهم وَفَسَاد الْبِلَاد فَأنْكر الْأُمَرَاء على الْوَزير منج سيرة وُلَاة الْأَعْمَال وتعرضوا لَهُم بِأَنَّهُم ولوا بِالْبرِّ أطيل فاحتاجوا إِلَى نهب أَمْوَال النَّاس وَأخذ الْأَمِير شيخو فِي الْحَط على مقدمي الدولة وَأنكر كَثْرَة مَا أنفقهُ ابْن يُوسُف فِي حجَّته وَأَن ذَلِك جَمِيعه من مَال السُّلْطَان فَقَامَ الْأُمَرَاء فِي مساعدة شيخو وعددوا مَا يشْتَمل عَلَيْهِ ابْن يُوسُف من لعبه ولهوه وانهماكه فِي اللَّذَّات فَلم يجد الْوَزير بدا من موافقتهم على عزل الْوُلَاة ومسك المقدمين أَحْمد بن أبي زيد وَمُحَمّد بن يُوسُف فَقبض عَلَيْهِمَا وألزما بِحمْل المَال وَطلب ابْن سلمَان مُتَوَلِّي المنوفية وألزم. بِمَال وَاسْتقر عوضه ابْن فنغلي وَاسْتقر فِي ولَايَة الشرقية ابْن الجاكي وعزل أسندمر مِنْهَا. وَفِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشريه: خرج إِلَى الأطفيحية سَبْعَة أُمَرَاء أُلُوف وَعِشْرُونَ أَمِير طبلخاناه وَقت الْعَصْر بأطلابهم فيهم الْوَزير منجك والأمير طاز وَسبب ذَلِك أَن الْأَمِير بيبغا روس فَأمر بهم فقيدوا وحبسوا وَأَعَادَهُ النَّائِب إِلَى الأطفيحية فَقبض الْأَمِير. عرب بن الشيخي كَانَ بالإطفيحية مُقيما بهَا فاستمال الْعَرَب حَتَّى وثقوا بِهِ وَأَتَاهُ مِنْهُم نَحْو عشْرين رجلا فَقبض عَلَيْهِم وَركب بهم إِلَى الْقَاهِرَة وأوقفهم بَين يَدي النَّائِب الْأَمِير عرب بن الشيخي على خَمْسَة أخر وقيدهم فَأَتَاهُم لَيْلًا عدَّة من العربان وفكوا قيودهم وكبسوا خيمته ففر إِلَى الْقَاهِرَة ومالوا على موجوده وانتهبوه. فَعظم ذَلِك على الْأُمَرَاء وَخَرجُوا إِلَى الأطفيحية. وَقد بلغ الْعَرَب خبرهم فَارْتَفعُوا إِلَى الْجبَال فَقبض الْأُمَرَاء على نَحْو مائَة من الأوباش وَأهل الْبِلَاد وَقَطعُوا جَمِيع مَا هُنَاكَ من شجر الْمغل وخربوا السواقي وعادوا بعد ثَلَاثَة أَيَّام فِي يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع عشريه. فَعَادَت العربان بعد رُجُوع الْعَسْكَر وَأَكْثرُوا من قطع الطَّرِيق. وَفِي نصف جُمَادَى الأولى: وصلت أم الْأَمِير بيبغا روس النَّائِب وَأم الْأَمِير أرغون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 120 الكاملي نَائِب حلب وَأَبوهُ وعدة من أقاربهم. فَركب النَّائِب وتلقاهم من سرياقوس وسر بهم. وَفِيه أخرج أَمِير أَحْمد الساقي إِلَى حلب لسوء سيرته فِي كشف الجسور بالغربية. وَفِيه قدم قَود جَبَّار بن مهنا وقود سيف بن فضل صحبته. ثمَّ قدم الْأَمِير جَبَّار بعده فَأَقَامَ أَيَّامًا وَعَاد إِلَى بِلَاده. وَفِيه قدم كتاب الْملك الْأَشْرَف دمرداش بن جوبان صَاحب توريز يتَضَمَّن السَّلَام والتودد. فَأكْرم رَسُوله وأعيد بِالْجَوَابِ وَأرْسل السُّلْطَان بعده إِلَيْهِ وَالِي الشَّيْخ حسن صَاحب بَغْدَاد وَفِيه قدم الْخَبَر بَان الْأَمِير أرغون الكاملي نَائِب حلب ركب إِلَى التركمان وَقد كثر فسادهم فَقبض على كثير مِنْهُم وأتلفهم وأوقع بالعرب حَتَّى عظمت مهابته ثمَّ بعث مُوسَى الْحَاجِب على ألفي فَارس فِي طلب نجمة أَمِير الأكراد فَلَمَّا قرب مِنْهُ بعث صَاحب ماردين يُشِير بِعُود الْعَسْكَر خوفًا من كسر حُرْمَة السلطة. فَعَاد مُوسَى الْحَاجِب بهم إِلَى حلب من غير لِقَاء. فتنكر الْأَمِير أرغون على مُوسَى الْحَاجِب وَكتب يشكو مِنْهُ وَفِيه قدم الْخَبَر بِأَن الهذباني الكاشف وَاقع عرب عَرك وَبني هِلَال فهزموه أقبح هزيمَة وجرحوا فرسه وَقتلُوا عدَّة من أَصْحَابه وَأخذُوا الطّلب. بِمَا فِيهِ من خيل وَغَيرهَا وَأَنه نزل بسيوط وَطلب تَجْرِيد الْعَسْكَر إِلَيْهِ فَاقْتضى الرَّأْي تَأْخِير التجريدة حَتَّى يفرغ تَأْخِير الْأَرَاضِي بالزرع. (وَفِي رَجَب) سَار ركب الْحجَّاج الرجبية فَلَقوا الشريف عجلَان بِالْعقبَةِ وَقد أخرجه أَخُوهُ ثقبة من مَكَّة. فَقدم عجلَان إِلَى الْقَاهِرَة وَدخل على السُّلْطَان وَطلب مِنْهُ تَجْرِيد عَسْكَر مَعَه فَلم يجب إِلَى ذَلِك. ورسم لَهُ بشرَاء مماليك واستخدام الأجناد البطالين فشرع فِي ذَلِك. وَقدم كتاب أَخِيه ثقبة يشكو مِنْهُ فَكتب لعجلان توقيع بإمرة مَكَّة. بمفردة وَاشْترى أَرْبَعِينَ مَمْلُوكا واستخدم عشْرين جندياً وَأنْفق فيهم خَمْسمِائَة دِرْهَم كل وَاحِد ثمَّ استجد عجلَان طَائِفَة أَحْرَى حَتَّى صَار فِي مائَة فَارس. وَحمل مَعَه حملين نشاباً وقسياً وَنَحْوهَا وسافر إِلَى مَكَّة وَفِيه توجه السُّلْطَان لسرحة سرياقوس. وَفِيه أنعم على الْأَمِير قطلوبغا الذَّهَبِيّ بإقطاع الْأَمِير لجحين أَمِير آخور بعد إمرته وأنعم لإمرته وتقدمته على عمر بن أرغون النَّائِب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 121 وَفِيه أخرج بكلمش أَمِير شكار لنيابة طرابلس عوضا عَن أَمِير مَسْعُود بن خطير وَكتب بإحضار أَمِير مَسْعُود. وَفِيه هجم ابْن معِين بعربه على الأطفيحية فقاتله أَهلهَا فكسرهم بعد أَن قتل مِنْهُم عدَّة قَتْلَى كَبِيرَة تبلغ المائتي رجل. وَفِيه قدم حمل سيس بِحَق النّصْف لخراب بِلَادهمْ. وَفِيه قدم كتاب الشريف ثقبة وصحبته محْضر ثَابت يتَضَمَّن الشُّكْر من سيرته وَتَكْذيب عجلَان فِيمَا نقل عَنهُ فَكتب باستقراره شَرِيكا لِأَخِيهِ عجلَان. وَفِيه كتب بِعُود أَمِير مَسْعُود إِلَى دمشق بطالا حَتَّى ينْحل من الإقطاع مَا يَلِيق بِهِ. فَعَاد من الرملة إِلَى دمشق وأنعم عَلَيْهِ بإمرة طبلخاناه ورسم بجلوسه فَوق الْأُمَرَاء المقدمين. وَفِيه خلع على الْأَمِير فَارس الدّين ألبكي وَاسْتقر فِي نِيَابَة غَزَّة بعد موت دلنجي وأنعم بإمرته على أَخِيه وأنعم على قطليجا الدوادار بإمرة طبلخاناه. وَفِيه قدم قرا وأشقتمر المتوجهين إِلَى الشَّيْخ حسن وَإِلَى الْأَشْرَف دمرداش بن جوبان بكتابيهما. وَذكر الشَّيْخ حسن فِي كِتَابه أَن دمرداش إِنَّمَا طلب الود مكراً مِنْهُ فَإِن رَسُوله إِنَّمَا قدم مصر لكشف أَمر عسكرها فَإِنَّهُ طمع فِي أَخذ الْبِلَاد. وَفِيه توجه الْأَمِير طاز لسرحة الْبحيرَة وأنعم عَلَيْهِ بِعشْرَة آلَاف أردب شعير وَخمسين ألف دِرْهَم بِنَاحِيَة طموه من الجيزية زِيَادَة على إقطاعه. وَفِيه توجه السُّلْطَان إِلَى بر الجيزة ليتم صَوْم شهر رَمَضَان بهَا. وَفِيه تواردت تقادم نواب الشَّام والأمراء بديار مصر على الْأَمِير بيبغا روس لحركته لِلْحَجِّ. وَفِي شَوَّال: قدم السُّلْطَان من بر الجيزة إِلَى القلعة. وَفِي خَامِس عشره: خرج محمل الْحَاج إِلَى بركَة الْحَاج صُحْبَة الْأَمِير بزلار أَمِير سلَاح. وَخرج طلب الْأَمِير بيبغاروس النَّائِب بتجمل زَائِد وَفِيه مائَة وَخَمْسُونَ مَمْلُوكا معدة بِالسِّلَاحِ وَخرج طلب الْأَمِير طاز وَفِيه سِتُّونَ فَارِسًا. فَرَحل النَّائِب قبل طاز بيومين ثمَّ رَحل الْأَمِير طاز بعده ثمَّ رَحل بزلار بالحجاج ركباً ثَالِثا فِي عشريه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 122 وَفِي يَوْم السبت رَابِع عشره: عزل الْأَمِير منجك من الوزارة وَكَانَ الْأَمِير شيخو قد خرج إِلَى العباسة. وَذَلِكَ أَن السُّلْطَان بعد توجه الْأَمِير شيخو طلب الْقُضَاة والأمراء فَلَمَّا اجْتَمعُوا بِالْخدمَةِ قَالَ لَهُم: يَا أُمَرَاء هَل لأحد على ولَايَة حجر أَو أَنا حَاكم نَفسِي. فَقَالَ الْجَمِيع: يَا خوند مَا ثمَّ أحد يحكم على مَوْلَانَا السُّلْطَان وَهُوَ مَالك رقابنا. فَقَالَ: إِذا قلت لكم قولا ترجعوا إِلَيْهِ فَقَالُوا جَمِيعًا: نَحن فِي طَاعَة السُّلْطَان وممتثلون مَا يرسم بِهِ. فَالْتَفت إِلَى الْحَاجِب وَقَالَ: خُذ سيف هَذَا. وَأَشَارَ إِلَى منجك فَأخذ سَيْفه وَأخرج وَقيد وَنزلت الحوطة على أَمْوَاله مَعَ الْأَمِير كشلى السِّلَاح دَار فَوجدَ لَهُ خَمْسُونَ حمل جمل زردخاناه وَلم يُوجد لَهُ كثر مَال فرسم بعقوبته ثمَّ أخرج إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجن بهَا. وَسَاعَة قبض عَلَيْهِ رسم بإحضار الْأَمِير شيخو من العباسة على لِسَان بعض الجمدارية وإعلامه بمسك منجك. فَقَامَ الْأَمِير منكلى بغا والأمير مغلطاي فِي مَنعه من الْحُضُور ومازالا يخيلان السُّلْطَان مِنْهُ حَتَّى كتب لَهُ مرسوم بنيابة طرابلس على يَد طينال الجاشنكير فَلَقِيَهُ طينال قريب بلبيس وَقد عَاد صُحْبَة الجمدارية وَأَوْقفهُ على المرسوم فَأجَاب بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة وَبعث شيخو يسْأَل فِي الْإِقَامَة بِدِمَشْق فَكتب لَهُ بِخبْز الْأَمِير بلك بِدِمَشْق وَحُضُور بلك فَتوجه شيخو إِلَيْهَا وَفِيه قبض على الْأَمِير عمر شاه الْحَاجِب وَأخرج إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَفِيه أنعم على الْأَمِير طنيرق باستقراره رَأس نوبَة كَبِيرا وَفِيه قبص على حَوَاشِي منجك وعَلى عَبده عنبر البابا وصودر. وَكَانَ عنبر البابا قد أفحش فِي سيرته مَعَ النَّاس وشره فِي قطع المصانعات وترفع ترفعا زَائِدا. فَضرب ضربا مبرحا وَأخذ مِنْهُ نَحْو سبعين ألف دِرْهَم وَفِيه ضرب بكتمر شاد الأهراء فاعترف للوزير بِاثْنَيْ عشر ألف أردب غلَّة اشْتَرَاهَا منجك من أَرْبَاب الرَّوَاتِب وَالصَّدقَات على حِسَاب سِتَّة دَرَاهِم الأردب وَسَبْعَة دَرَاهِم. وَفِي مستهل ذِي الْقعدَة: قبض على نَاظر الدولة والمستوفين وألزموا بِخَمْسِمِائَة ألف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 123 دِينَار. فترفق فِي أَمرهم الْأَمِير طنيرق حَتَّى اسْتَقَرَّتْ خَمْسمِائَة ألف دِرْهَم وزعها الْمُوفق نَاظر الدولة على جَمِيع المباشرين من الْكتاب وَالشُّهُود والشادين وَنَحْوهم وألزم كل مِنْهُم بِحمْل معلومه عَن سِتَّة أشهر. فَاشْتَدَّ شاد الدَّوَاوِين فِي استخراحها وأخرق بِجَمَاعَة مِنْهُم وَالْتزم علم الدّين عبد الله بن زنبور نَاظر الْخَاص والجيش بتكفية جَمِيع الْأُمَرَاء والمقدمين بِالْخلْعِ من مَاله وَقيمتهَا خَمْسمِائَة ألف دِرْهَم وفصلها وعرضها على السُّلْطَان. فَبعث السُّلْطَان بهَا إِلَى الْأُمَرَاء وركبوا بهَا الموكب وقبلوا الأَرْض فَكَانَ موكباً جَلِيلًا وَفِيه قبض على أسندمر كاشف الْوَجْه القبلي وناصر الدّين مُحَمَّد بن الدوادارى مُتَوَلِّي الْمحلة والغربية وألزم ابْن الدواداري بِحمْل مائَة ألف دِرْهَم. وَفِيه قبض على الفأر الضَّامِن وَضرب بالمقارع وَأخذ مِنْهُ جملَة مَال وسجن. وَفِي يَوْم السبت ثامنه: خلع على الْأَمِير بيبغا ططر حارس الطير وَاسْتقر فِي نِيَابَة السلطنة عوضا عَن بيبغا روس بعد مَا عرضت على أكَابِر الْأُمَرَاء فَلم يقبلهَا أحد. وتمنع بيبغا ططر تمنعاً كَبِيرا ثمَّ قبلهَا. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير مغلطاي رَأس نوبَة عوضا عَن طينرق. وَأطلق لَهُ التحدث فِي أُمُور الدولة كلهَا عوضا عَن الْأَمِير شيخو مُضَافا إِلَى مَا بِيَدِهِ من التحدث فِي الإصطبل. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير منكلى بغا الفخري رَأس المشورة أتابك العساكر وأنعم على وَلَده بإمرة. ودقت الكوسات وطبلخاناه الْأُمَرَاء بأجمعها وزينت الْقَاهِرَة ومصر يَوْم الْأَحَد تاسعه واستمرت ثَمَانِيَة أَيَّام وَفِيه قدم الْخَبَر صُحْبَة الْأَمِير طشبغا الدوادار من دمشق بِأَن الْأَمِير شيخو لما قدم دمشق لَيْلَة الثُّلَاثَاء رَابِع ذِي الْقعدَة أظهر طينال كتابا بِأَن يسْتَقرّ شيخو على إمرة بلك السلَامِي وتجهز بلك إِلَى الْقَاهِرَة. فَقدم من الْغَد الْأَمِير أرغون التاجي بإمساكه فقيد وَأخرج من دمشق. وَكَانَ شيخو لما قدم تَلقاهُ النَّائِب وَأخرج لَهُ كتاب السُّلْطَان. بِمَكَّة وإرساله صُحْبَة الْأَمِير طيلان. فَحل شيخو سَيْفه بِيَدِهِ وَقَالَ: وَأي حَاجَة إِلَى غدونا إِلَى الشَّام كفي هتكنا فِي مصر. ثمَّ قَالَ للنائب: وَالله يَا أَمِير مَا أعرف لي ذَنبا غير أَنِّي كنت جِسْرًا بَينهم أمنع بَعضهم من الْوُصُول إِلَى بعض " فقيد، وتسلمه طيلان ليسير بِهِ إِلَى مصر، وَسلم سَيْفه لطشبغا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 124 وَفِيه قبض على ملك آص شاد الدَّوَاوِين وعَلى شهَاب الدّين أَحْمد بن عَليّ بن صبح وتسلم سيفهما طشبغا. وَفِيه أركب قطلوبغا فَخرج أَخُوهُ مغلطاي رَأس نوبَة إِلَى لِقَائِه. وَفِيه قدم الْأَمِير شيخو إِلَى قطيا فَتوجه بِهِ متسلمه مِنْهَا إِلَى الطينة وأوصله إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجن بهَا. وَفِيه خلع على طشبغا وَاسْتقر على مَا كَانَ عَلَيْهِ دواداراً. وتصالح هُوَ وعلاء الدّين عَليّ بن فضل الله كَاتب السِّرّ بِحَضْرَة الْأُمَرَاء وَبعث كل مِنْهُمَا إِلَى الآخر هَدِيَّة. وَكَانَ لما أمسك منجك خرج الْأَمِير قردم إِلَى الْأَمِير طاز وأمير بزلار أَمِير الركب بِكِتَاب السُّلْطَان يتَضَمَّن الْقَبْض على الْوَزير منجك وأنهما يحترسان على الْأَمِير بيبغاروس. وَكتب يبغا روس بتطييب خاطره وإعلامه بِتَغَيُّر السُّلْطَان على أَخِيه لأمور صدرت مِنْهُ اقْتَضَت مسكه وَأَنه مُسْتَمر على نِيَابَة السلطنة فَإِن أَرَادَ الْعود عَاد وان أَرَادَ الْحَج حج. فَركب الْأَمِير قردم يَوْم الْقَبْض على الْوَزير منجك الهجن وَقت الْعَصْر وأوصل طاز وبزلار كِتَابَيْهِمَا وَمضى إِلَى بيبغاروس وَقد نزل سطح الْعقبَة. فَلَمَّا قَرَأَ بيبغاروس الْكتاب وجم ثمَّ قَالَ: كلنا مماليك السُّلْطَان وخلع على الْأَمِير قردم وَكتب جَوَابه بِأَنَّهُ مَاض لأَدَاء الْحَج. ثمَّ إِن السُّلْطَان رسم للأمير صرغتمش أَن يدْخل الْخدمَة مَعَ الْأُمَرَاء بعد أَن عَزله من وَظِيفَة الجمدارية هُوَ وأمير على وَكَانَا من جملَة حَاشِيَة شيخو. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِي عشره: أمسك الْأَمِير عمر شاه الحاحب والأمير آقبغا البالسي. وَأخرج عمر شاه إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَنفي أقبغا البالسي وطشتمر القاسمي إِلَى طرابلس. وَأخرج أَمِير على إِلَى الشَّام وَأخرج الْأَمِير صرتمش لكشف الجسور بالصعيد. وَفِيه ألزم أستادار بيبغا روس بِكِتَابَة حواصله وَندب الْأَمِير آقجبا الْحَمَوِيّ لبيع حواصل منجك. وَأخذت جواري النَّائِب بيبغا روس ومماليكه وجواري منجك ومماليكه إِلَى القلعة. وطلع من مماليك منجك خَمْسَة وَسَبْعُونَ مَمْلُوكا صغَارًا وطلع من جواري بيبغا روس خمس وَأَرْبَعُونَ جَارِيَة فَلَمَّا وصلن إِلَى دَار النِّيَابَة بالقلعة صحن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 125 صَيْحَة وَاحِدَة وبكين فأبكين من هُنَاكَ وَفِي يَوْم الْجُمُعَة رَابِع عشره: نفي ابْن العرضي إِلَى حماة بعد مَا صورد. وَفِيه خلع على بَابَانِ السناني نَائِب البيرة وَقد حضر مِنْهَا وَاسْتقر أستادارا عوضا عَن الْأَمِير منجك الْوَزير. وَفِيه قدم الْخَبَر أَن الْأَمِير أَحْمد الساقي نَائِب صفد خرج عَن الطَّاعَة. وَسَببه أَنه لما قبض على الْوَزير منجك خرج الْأَمِير قمارى الْحَمَوِيّ وعَلى يَده ملطفات لأمراء صفد بِالْقَبْضِ على أَحْمد فَبَلغهُ ذَلِك من هجان جهزه إِلَيْهِ أَخُوهُ فندب الْأَمِير أَحْمد الساقي طَائِفَة من مماليكه لتلقى قمارى. وَطلب نَائِب قلعه صفد وديوانه وَأمره أَن يقْرَأ عَلَيْهِ كم لَهُ بالقلعة من غلَّة فَأمر لمماليكه مِنْهَا بِشَيْء فرقه عَلَيْهِم إِعَانَة لَهُم على مَا حصل من الْمحل فِي الْبِلَاد وبعثهم ليأخذوا ذَلِك فعندما طلعوا القلعة شهروا سيوفهم وملكوها فَقبض الْأَمِير أَحْمد الساقي على عدَّة من الْأُمَرَاء وطلع بحريمه إِلَى القلعة وحصنها وَأخذ مماليكه قمارى وأتوه بِهِ فَكتب السُّلْطَان لنائب عزه ونائب الشَّام تَجْرِيد الْعَسْكَر إِلَيْهِ ورسم بالإفراج عَن فياض بن مهنا وَعِيسَى بن حسن الهجان أُمُور العايد وخلع عَلَيْهِ وجهز وَأخذت الهجن من جمال الدّين بقر أَمِير عرب الشرقية وأعيدت إِلَى عَليّ بن حسن. وَكَانَت الأراجيف قد كثرت بِأَن الْأَمِير طاز قد تحالف هُوَ والأمير بيبغا روس بعقبة أيله فَخرج الْأَمِير فياض وَعِيسَى بن حسن أَمِير العايد ليقيما على عقبَة أَيْلَة بِسَبَب بيبغا روس. وَكتب لعرب شطي وَبني عقبَة وَبني مهْدي بِالْقيامِ مَعَ الْأَمِير فضل وَكتب لنائب غَزَّة بإرسال السوقة إِلَى الْعقبَة. وَفِيه خلع على شهَاب الدّين أَحْمد بن قزمان بنيابة الْإسْكَنْدَريَّة عرضا عَن بكتمر المؤمني. وَفِيه خلع على الْأَمِير أرلان أَمِير آخور وَاسْتقر فِي نِيَابَة الكرك عوضا عَن جركتمر. وأنعم وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سادس عشريه: قدم سيف الْأَمِير بيبغا روس وَقد قبض عَلَيْهِ. وَذَلِكَ أَنه لما وردعليه الْكتاب. بمسك أَخِيه منجك اشْتَدَّ خَوفه وطلع إِلَى الْعقبَة وَنزل الْمنزلَة فَبَلغهُ أَن الْأَمِير طاز والأمير بزلار ركبا للقبض عَلَيْهِ فَركب. بِمن مَعَه من الْأُمَرَاء والمماليك بِآلَة الْحَرْب. فَقَامَ الْأَمِير عز الدّين إزدمر الكاشف. بملاطفته وَأَشَارَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 126 عَلَيْهِ أَلا يعجل وَأَن يكْشف عَن الْخَبَر أَولا فَبعث الْأَمِير بيبغا روس نجاباً فِي اللَّيْل لذَلِك فَعَاد وأخبروا أَن الْأَمِير طاز مُقيم بركبه وَأَنه سَار بهم وَلَيْسَ فيهم أحد لابس عدَّة الْحَرْب فَقلع الْأَمِير بيبغا روس السِّلَاح هُوَ وَمن مَعَه وتلقى طاز وَسَأَلَهُ عَمَّا تخوف مِنْهُ فأوقفه طاز على كتاب السُّلْطَان إِلَيْهِ. فَلم ير بيبغا روس فِيهِ مَا يكره فاطمأن ورحل كل مِنْهُمَا بركبه من الْعقبَة. فَأَتَت الْأَخْبَار إِلَى الْأُمَرَاء باتفاف طاز وبيبغا روس فَكتب السُّلْطَان إِلَى طاز بزلار أَمِير الركب بِالْقَبْضِ على بيبغا روس قبل دُخُول مَكَّة وَتوجه إِلَيْهِمَا طيلان الجاشنكير وَقد رسم لَهُ أَن يتَوَجَّه مَعَ بيبغا روس إِلَى الكرك وجرد فياض وَعِيسَى بن حسن إِلَى الْعقبَة ثمَّ خرج الْأَمِير أرلان. بمضافية تَقْوِيَة لَهما. فَلَمَّا قدم طيلان على طاز وبزلار كتبا إِلَى أزدمر الكاشف يعلمَانِهِ. بِمَا رسم بِهِ لَهما من مسك بيبغا روس ويؤكدان عَلَيْهِ فِي استمالة الْأَمِير فَاضل والأمير مُحَمَّد بن بكتمر الْحَاجِب وَبَقِيَّة من مَعَ بيبغاروس وتعجيزهم عَن الْقيام مَعَه فَأخذ أزدمر الكاشف فِي تَنْفِيذ ذَلِك. ثمَّ كتب طاز وبزلار لبيبغا روس أَن يتَأَخَّر لسَمَاع مرسرم السُّلْطَان حَتَّى يكون دُخُولهمْ مَكَّة جَمِيعًا فأحس بيبغا روس بِالشَّرِّ وهم بالتوجه إِلَى الشَّام فمازال أزدمر الكاشف بِهِ حَتَّى رجعه عَن ذَلِك. وَعند نزُول بيبغا روس المويلحة قدم طاز وبزلار فتلقاهما وَأسلم نَفسه من غير ممانعة فَأخذُوا سَيْفه وأرادا تَسْلِيمه لطيلان حَتَّى يحملهُ إِلَى الكرك. فَرغب بيبغا روس إِلَى طاز أَن يحجّ مَعَه فَأَخذه صحبته محتفظا بِهِ وَكتب بذلك إِلَى السُّلْطَان فَتوهم السُّلْطَان ومغلطاى أَن طاز قد مَال مَعَ بيبغاروس. وتشوشا تشوشاً زَائِدا ثمَّ أكد ذَلِك وُرُود الْخَبَر بعصيان أَحْمد فِي صفد وظنوا أَنه مناظر لبيبغا روس فَأخْرج طيلان ليقيم على الصَّفْرَاء حَتَّى يرد الْحجَّاج إِلَيْهَا فيمضي بيبغا إِلَى الكرك (وَفِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشريه) خلع على علم الدّين عبد الله بن زنبور خلعة الوزارة مُضَافا لما مَعَه من نظر الْخَاص وَنظر الْجَيْش بعد مَا امْتنع وَشرط شُرُوطًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 127 كَثِيرَة وَخرج ابْن زنبور فِي موكب عَظِيم فَركب بالزنارى الْحَرِير الأطلس إِلَى دَاره. بِمصْر فَكَانَ يَوْمًا مَذْكُورا. وَفِيه خلع على الْأَمِير طنيرق بنياية حماة عرضا عَن أسندمر الْعمريّ. وَفِي يَوْم السبت تَاسِع عشريه: جلس الْوَزير علم الدّين بن زنبور بشباك قاعة الصاحب من القلعة وَفِي دست الوزارة. وَجلسَ الْمُوفق نَاظر الدولة قدامه وَمَعَهُ جمَاعَة المستوفين. فَطلب ابْن زنبور جَمِيع المباشرين وَقرر مَعَهم مَا يعتمدونه وَطلب مُحَمَّد بن يُوسُف وَشد وَسطه على عَادَته وَطلب المعاملين وسلفهم على اللَّحْم وَغَيره. وَأمر فَكتبت أوراق من بَيت المَال والأهراء فَإِنَّهُ لم يكن بهما دِرْهَم وَاحِد وَلَا أردب غلَّة وَقرأَهَا على السُّلْطَان والأمراء. وَشرع فِي عرض الشادين وَالْكتاب وَسَائِر أَرْبَاب الْوَظَائِف وَتقدم إِلَى المستوفين بِكِتَابَة أوراق الْمُتَأَخر فِي النواحي واهتم بتدبير الدولة. ورسم على بدر الدّين نَاظر الْبيُوت وألزمه. بِمَال لشَيْء كَانَ فِي نَفسه مِنْهُ وَولى عوضه فَخر الدّين ماجد بن قرونه صهره نظر الْبيُوت. ورسم لأَوْلَاد الخروبي النجار. بِمصْر بتجهيز راتب السكر لشهر الْمحرم وَأنْفق فِي بَيت السُّلْطَان جامكية شهر فطلع إِلَى الْحَوَائِج خاناه السكر وَالزَّيْت والقلوبات وَسَائِر الْأَصْنَاف. وَفِيه أفرج ابْن زنبور عَن الفأر الضَّامِن بسفارة الْأَمِير ملكتمر المحمدي وَضَمنَهُ الْجِهَات بِزِيَادَة خمسين ألف دِرْهَم وَضمن الفأر مُعَاملَة الكيزان من الْأَمِير طيبغا المجدي بِزِيَادَة ثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم. وَفِيه حمل عَلَاء الدّين بن فضل الله كَاتب السِّرّ تَقْلِيد الوزارة إِلَى الصاحب علم الدّين عبد الله بن زنبور ونعت فِيهِ بالجناب العالي. وَكَانَ جمال الكفاة قد سعى أَن يكْتب لَهُ ذَلِك زمن السُّلْطَان الصَّالح إِسْمَاعِيل فَلم يرض كَاتب السِّرّ وشح بِهِ. فَخرج الصاحب وتلقى كَاتب السِّرّ وَبَالغ فِي إكرامه وَبعث إِلَيْهِ تقدمة سنية. وَفِي مستهل ذِي الْحجَّة: خلع على بكتمر المؤمني نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة وَاسْتقر شاد الدَّوَاوِين. وَفِيه خلع على سعد الدّين رزق الله ولد الْوَزير علم الدّين وَاسْتقر بديوان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 128 المماليك. وَفِيه الْتزم الْوَزير علم الدّين بَين يَدي السُّلْطَان والأمراء أَنه يُبَاشر الوزارة بِغَيْر مَعْلُوم ويباشر ابْنه أَيْضا بِغَيْر مَعْلُوم ويوفر ذَلِك للسُّلْطَان. وَفِيه قدم الْخَبَر بِأَن هِنْد وَأحد الأكراد استولى على بِلَاد الْموصل وَصَارَ فِي جمع كَبِير يقطع الطَّرِيق والتحق بِهِ نجمة التركماني فاستنابه وتقوى بِهِ وَركب من مندر إِلَى سنجار وتحصن بهَا وأغار على الْموصل وَنهب وَقتل وَمضى إِلَى الرحبة وأفسد بهَا وَمَشى على بِلَاد ماردين ونهبها. فَخرجت إِلَيْهِ عَسَاكِر الشَّام وحصروه بسنجار وَمَعَهُمْ عَسْكَر ماردين ونصبوا عَلَيْهَا المنجنيق مُدَّة شهر حَتَّى طلب هِنْد الْأمان على أَنه يُقيم الْخطْبَة للسُّلْطَان وَيبْعَث بأَخيه ونجمة فِي عقد الصُّلْح وبقطع قطيعة يقوم بهَا كل سنة فَأَمنهُ الْعَسْكَر وسروا عَنهُ بأَخيه ونجمة إِلَى حلب فَحمل نجمة ورفيقه إِلَى مصر فَلَمَّا نزلا منزلَة قانون هرب نجمة. وَفِي خامسه: رسم بِعرْض أجناد الْحلقَة وَخرجت البريدية إِلَى النواحي لإحضار من بهَا مِنْهُم فَحَضَرُوا وابتدئ بعرضهم بَين يَدي النَّائِب بيبغا ططر حارس الطير فِي يَوْم السبت حادي عشره. وَسبب ذَلِك دُخُول جمَاعَة كَبِيرَة من أَرْبَاب الصَّنَائِع فِي جملَة أجناد الْحلقَة وَأخذ جمَاعَة كَثِيرَة من الْأَطْفَال الإقطاعات حَتَّى فسد الْعَسْكَر. فرسم لنقيب الْجَيْش بِطَلَب المقدمين ومضافيهم وإحضار الغائبين وحذروهم من إخفاء أحد مِنْهُم وتقرر الْعرض بَين يَدي السُّلْطَان فِي كل يَوْم مقدمين. بمضافيهما ثمَّ رسم للنائب بيبغا ططر حارس الطير أَن يتَوَلَّى ذَلِك فطلع إِلَيْهِ عدَّة أَيْتَام مَعَ أمهاتهم مَا بَين أَطْفَال تحمل على الأكتاف وصغار وشباب وَجَمَاعَة من أَرْبَاب الصَّنَائِع. فساءه ذَلِك وَكره أَن يقطع أَرْزَاقهم وَمضى يَوْمه بالتغاضي وصرفهم جَمِيعًا على أَن يحضروا من الْغَد. وتحدث بيبغا ططر حارس الطير مَعَ الْأُمَرَاء فِي إبِْطَال الْعرض فعارضه منكلى بغا الفخري وَأَشَارَ بِأَن الْعرض فِيهِ مصلحَة فَإِن الْقَصْد من إِقَامَة الأجناد إِنَّمَا هُوَ الذب عَن الْمُسلمين فَلَو تحرّك الْعَدو مَا وجد فِي عَسْكَر مصر من يَدْفَعهُ فَلم توافقه الْأُمَرَاء على دلك وَخرج الْأَمِير قبلاى الْحَاجِب على لِسَان السُّلْطَان بِإِبْطَال الْعرض وَقد اجْتمع بالقلعة عَالم كَبِير فَكَانَ يَوْمًا مهولا من كَثْرَة الدُّعَاء والبكاء والتضرع. وَفِيه قدم الْخَبَر بنزول عَسْكَر دمشق وطرابلس على صفد وزحفهم عَلَيْهَا عدَّة أَيَّام جرح فِيهَا كثير من الأجناد وَلم ينالوا من القلعة غَرضا إِلَى أَن بَلغهُمْ الْقَبْض على بيبغا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 129 روس. وَعلم بذلك الْأَمِير أَحْمد الساقي نَائِب صفد من هجانته فانحل عزمه فَبعث إِلَيْهِ بكلمش نَائِب طرابلس يرغبه فِي الطَّاعَة ودس إِلَى من مَعَه فِي القلعة حَتَّى حاصروا عَلَيْهِ وهموا. بمسكه. فَوَافَقَ الْأَمِير أَحْمد الساقي على الطَّاعَة وَحلف لنائب طرابلس وَنزل إِلَيْهِ. بِمن مَعَه. فسر السُّلْطَان بذلك وَكتب بإعانته وَحمله. وَفِي عاشره: كَانَت الْوَقْعَة. بمنى وَقبض على الْمُجَاهِد على بن الْمُؤَيد دَاوُد بن المظفر أَبُو سعيد المنصوري عمر بن رَسُول صَاحب الْيمن فَكَانَ من خبر ذَلِك أَن ثقبة لما بلغه اسْتِقْرَار أَخِيه عجلَان فِي إمرة مَكَّة توجه إِلَى الْيمن وأغرى الْمُجَاهِد بِأخذ مَكَّة وَكِسْوَة الْكَعْبَة. فتجهز الْمُجَاهِد وَسَار يُرِيد الْحَج فِي جحفل كَبِير بأولاده وَأمه حَتَّى قرب من مَكَّة وَقد سبق حَاج مصر. فَلبس عجلَان آلَة الْحَرْب وَعرف أُمَرَاء مصر مَا عزم عَلَيْهِ صَاحب الْيمن وحذرهم غائلته. فبعثوا إِلَيْهِ بِأَن من يُرِيد الْحَج إِنَّمَا يدْخل مَكَّة بذلة ومسكنة وَقد ابتدعت من ركوبك وَالسِّلَاح حولك بِدعَة لَا يمكنك أَن تدخل بهَا وَابعث إِلَيْنَا ثقبة ليَكُون عندنَا حَتَّى تَنْقَضِي أَيَّام الْحَج ثمَّ نرسله إِلَيْك فَأجَاب الْمُجَاهِد إِلَى ذَلِك وَبعث ثقبة رهينة فَأكْرمه الْأُمَرَاء وأركبوا الْأَمِير طقطاي فِي جمَاعَة إِلَى لِقَاء الْمُجَاهِد فتوجهوا إِلَيْهِ وَمنعُوا سلاحداريته من الْمَشْي مَعَه بِالسِّلَاحِ وَلم يمكنوهم من حمل الغاشية. ودخلوا بِهِ مَكَّة فَطَافَ وسمى وَسلم على الْأُمَرَاء وَاعْتذر إِلَيْهِم وَمضى إِلَى منزله وَصَارَ كل مِنْهُم على حذر حَتَّى وقفُوا بِعَرَفَة وعادوا إِلَى الحيف من منى وَقد تقرر الْحَال بَين الشريف ثقبة وَبَين الْمُجَاهِد على أَن الْأَمِير طاز إِذا سَار من مَكَّة أرقعاهما بأمير الركب وَمن مَعَه وقبضا على عجلَان وتسلم ثقبة مَكَّة. فاتفق أَن الْأَمِير بزلار رأى وَقد عَاد من مَكَّة إِلَى منى خَادِم الْمُجَاهِد سائراً فَبعث يستدعيه فَلم يَأْته وَضرب مَمْلُوكه - بعد مُفَاوَضَة جرت بَينهمَا - بِحَرْبَة فِي كتفه فماج الْحَاج وَركب بزلار وَقت الظّهْر إِلَى طاز فَلم يصل إِلَيْهِ حَتَّى أَقبلت النَّاس جافلة تخبر بركوب الْمُجَاهِد بعسكره للحرب وَظَهَرت لوامع أسلحتهم فَركب طاز وبزلار والعسكر وَأَكْثَرهم بِمَكَّة. فَكَانَ أول من صدم أهل الْيمن الْأَمِير بزلار وَهُوَ فِي ثَلَاثِينَ فَارِسًا فَأَخَذُوهُ فِي صُدُورهمْ إِلَى أَن أرموه قرب خيمة. وَمَضَت فرقة مِنْهُم إِلَى جِهَة طاز فأوسع لَهُم ثمَّ عَاد عَلَيْهِم وَركب الشريف عجلَان وَالنَّاس فَبعث طاز لعجلان أَن احفظ الْحَاج وَلَا تدخل بَيْننَا فِي حَرْب وَدعنَا مَعَ غريمنا وَاسْتمرّ الْقِتَال بَينهم إِلَى بعد الْعَصْر. فَركب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 130 أهل الْيمن الذلة والتجأ الْمُجَاهِد إِلَى دهليزه وَقد أحيط بِهِ وَقطعت أطنابه وألقوه إِلَى الأَرْض. فَمر الْمُجَاهِد على وَجهه وَمَعَهُ أَوْلَاده فَلم يجد طَرِيقا ولديه إِلَى بعض الْأَعْرَاب وَعَاد. بِمن مَعَه وهم يصيحون: الْأمان يَا مُسلمين فَأخذُوا وزيره وتمزقت عساكره فِي تِلْكَ الْجبَال وَقتل مِنْهُم خلق كثير ونهبت أَمْوَالهم وخيولهم حَتَّى لم يبْق لَهُم شَيْء وَمَا انْفَصل الْحَال إِلَى غرُوب الشَّمْس. وفر ثقبة بعربه وَأخذ عبيد عجلَان جمَاعَة من الْحجَّاج فِيمَا بَين مَكَّة وَمنى وَقتلُوا جمَاعَة. فَلَمَّا أَرَادَ الْأَمِير طاز الرحيل من منى سلم أم الْمُجَاهِد وحريمه لعجلان وأوصاه بِهن وَركب الْأَمِير طاز وَمَعَهُ الْمُجَاهِد محتفظاً بِهِ وَبَالغ فِي إكرامه وَصَحب مَعَه أَيْضا الْأَمِير بيبغا روس مُقَيّدا وَبعث الْأَمِير طنطاي مبشراً. وَلما قدم الْأَمِير طاز الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة قبض على الشريف طفيل وَكَانَ قاع النّيل فِي هَذِه السّنة أَرْبَعَة أَذْرع وَنصف ذِرَاع. وتوقفت الزِّيَادَة حَتَّى ارْتَفع سعر الأردب الْقَمْح من خَمْسَة عشر درهما إِلَى عشْرين درهما ثمَّ زَاد النّيل فِي يَوْم وَاحِد أَرْبعا وَعشْرين إصبعا وَنُودِيَ من الْغَد بِزِيَادَة عشْرين إصبعاً ثمَّ بِزِيَادَة خَمْسَة عشر إصبعا ثمَّ ثَمَانِي أَصَابِع. واستمرت الزِّيَادَة حَتَّى بَقِي من ذِرَاع الْوَفَاء ثَلَاثَة أَصَابِع فتوقف سِتَّة أَيَّام ثمَّ وفى السِّتَّة عشر ذِرَاعا فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشْرين مسرى. وَزَاد بعد ذَلِك إِلَى خَامِس توت فَبلغ سَبْعَة عشر ذِرَاعا وَهَبَطَ فشرقت بِلَاد كَثِيرَة وتوالى الشراقي ثَلَاث سِنِين شقّ الْأَمر فِيهَا على النَّاس من عدم الفلاحين وخيبة الزَّرْع بِخِلَاف مَا يعْهَد وَكَثْرَة المغارم والكلف وظلم الْوُلَاة وعسفهم وَزِيَادَة طمعهم فِي أَخذ مَا بذلوا مثله حَتَّى ولوا مَعَ نفاق عرب الصَّعِيد وطمعهم فِي الْكَشَّاف والولاة وَكسر الْمغل وعنتقهم فِي إِعْطَائِهِ الأجناد وَرمي الشّعير على الْبِلَاد من حِسَاب سَبْعَة دَرَاهِم الأردب وَحمله إِلَى الأهراء فَحمل نَحْو الْأَرْبَعين ألف أردب شَعِيرًا وَنَحْو خَمْسَة آلَاف أردب برسيما. وَفِيه خلع على ملك تونس أَبُو الْعَبَّاس الْفضل بن أبي بكر بن يحيى بن إِبْرَاهِيم بن عبد الْوَاحِد بن أبي حَفْص فِي ثامن عشر جُمَادَى الأولى فَكَانَت مدَّته سِتَّة أشهر فَقَامَ بعده أَخُوهُ أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن أبي بكر. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان الْأَمِير سيف الدّين دلنجى نَائِب غَزَّة. قدم الْقَاهِرَة سنة ثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة فأنعم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 131 عَلَيْهِ بإمرة عشره ثمَّ إمرة طبلخاناه وَولي غَزَّة بعد يلجك فأوقع بالعشير وقويت حرمته. وَمَات الْأَمِير لاجين أَمِير آخور. وَتُوفِّي فَخر الدّين مُحَمَّد بن على بن إِبْرَاهِيم بن عبد الْكَرِيم الْمصْرِيّ الْفَقِيه الشَّافِعِي بِدِمَشْق فِي ثَالِث عشر ذِي الْقعدَة ومولده سنة إِحْدَى وَتِسْعين وسِتمِائَة وَخرج من الْقَاهِرَة سنة اثْنَتَيْنِ وَسَبْعمائة وَسكن دمشق وبرع فِي الْفِقْه والعربية وَغير ذَلِك. وَكَانَ يتوقد ذكاء بِحَيْثُ أَنه حفظ مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب مَعَ تعقد أَلْفَاظه فِي تِسْعَة عشر يَوْمًا ودرس وَأفْتى وَأفَاد وَتُوفِّي الْعَلامَة شمس الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر بن أَيُّوب الْمَعْرُوف بِابْن قيم الجوزية الزرعي الدِّمَشْقِي فِي ثَالِث عشر رَجَب ومولده سنة إِحْدَى وَتِسْعين وسِتمِائَة. وبرع فِي عدَّة عُلُوم مَا بَين تَفْسِير وَفقه وعربية وَغير ذَلِك. وَلزِمَ شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين أَحْمد بن تَيْمِية بعد عوده من الْقَاهِرَة سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَسَبْعمائة حَتَّى مَاتَ وَأخذ عَنهُ علما جماً فَصَارَ أحد أَفْرَاد الدُّنْيَا وتصانيفه كَثِيرَة وَقدم الْقَاهِرَة غير مرّة وَمَات ابْن قرقمان صَاحب جبال الرّوم وَمَات الْحُسَيْن بن خضر بن مُحَمَّد بن حجي بن كَرَامَة بن بختر بن على بن إِبْرَاهِيم ابْن الْحُسَيْن بن إِسْحَاق بن مُحَمَّد الْأَمِير نَاصِر الدّين الْمَعْرُوف بِابْن أَمِير الغرب التنوخى فِي نصف شَوَّال. وَولى عوضه ابْنه زين الدّين صَالح وولايته بِبِلَاد الغرب من بيروت. وَأول من وَليهَا مِنْهُم كَرَامَة بن بختر فِي أَيَّام نور الدّين مَحْمُود بن زنكي فَسُمي كَرَامَة أَمِير الغرب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 132 (سنة اثْنَتَيْنِ فِي خمسين وَسَبْعمائة) فِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع الْمحرم: قدم الْأَمِير أسندمر الْعمريّ من حماة. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة خامسه: قدم الْأَمِير أرغون الكاملي من حلب بِغَيْر مرسوم فَخلع عَلَيْهِ وَأنزل بالقلعة وَسبب ذَلِك أَنه كَانَ قد أشيع بحلب الْقَبْض عَلَيْهِ وَأشيع. بِمصْر أَنه خامر فكره تمكن مُوسَى حَاجِب حلب لما بَينهمَا من الْعَدَاوَة وَرَأى أَن وُقُوع الْمَكْرُوه بِهِ فِي غير حلب أخف عَلَيْهِ فَركب من حلب وَقدم مصر ففرح السُّلْطَان بقدومه لما كَانَ عِنْده من إِشَاعَة عصيانه وَفِيه قدم عِيسَى بن حسن الهجان من الْعقبَة بِكِتَاب الْأَمِير فياض يتَضَمَّن حُضُور طقطاى ورفيقه مبشرين وَأَنه عوقهما بِالْعقبَةِ وَبعث مَا على يديهما من الْكتب وَأَن طيلان لفي الْحَاج يَنْبع فَكتب بإحضار طقطاى ورفيقه. وَفِيه قدم الْخَبَر بِأَن طيلان تسلم الْأَمِير بيبغا روس من الْأَمِير طاز وَتوجه بِهِ إِلَى الكرك من بدر. فسر السُّلْطَان والأمراء بذلك وَكتب بِإِعَادَة الْعَسْكَر من الْعقبَة. وَفِيه توجه الْأَمِير فياض بن مهنا إِلَى أَهله وسير إِلَيْهِ منشوره بإمرة الْعَرَب عوضا عَن جَبَّار صُحْبَة قطلوبغا أخي الْأَمِير مغلطاى ليسافر بِهِ إِلَى بِلَاده. وَفِي رَابِع عشره: خلع على الضياء يُوسُف الشَّامي وأعيد إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة وَنظر المارستان عوضا عَن ابْن الأطروش بسفارة النَّائِب الْأَمِير بيبغا ططر حارس الطير لكَلَام نَقله ابْن الأطروش للوزير ابْن زنبور فَسَبهُ وأهانه وتحدث فِي عَزله وعود الضياء. فَعرض الضياء حواصل المارستان فَلم يجد بهَا شَيْئا وَكتب بذلك أوراقاً وأوقف الْأَمِير بيبغا ططر حارس الطير النَّائِب عَلَيْهَا. فَنزل النَّائِب مَعَه إِلَى المارستان واستدعى الْقُضَاة وأرباب الْوَظَائِف بالمارستان وأحضر ابْن الأطروش وَطلب كتاب الْوَقْف وقرأه حَتَّى وصل فِيهِ الْقَارئ إِلَى قَوْله: عَن النَّاظر التعمم وَيكون عَارِفًا بِالْحِسَابِ وَأُمُور الْكِتَابَة. فَقَالَ الضياء لِابْنِ الأطروش: قد سَمِعت مَا شَرطه الْوَاقِف فِيك وَأَنت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 133 عَامي مَشْهُور بِبيع الخرائط لَا تَدْرِي شَيْئا مِمَّا شَرطه الْوَاقِف. وناوله ورقة حِسَاب لِيَقْرَأهَا فَقَامَ إِلَيْهِ بعض الْفُقَهَاء وَقَالَ: هَذَا مَعَه تدريس وإعادة وَأَنا أسأله عَن شَيْء فَإِن أجَاب اسْتحق الْمَعْلُوم. وأخذته الْأَلْسِنَة من كل جَانب فَقَالَ النَّائِب: يَا قوم! هَذَا رجل عَامي وَقد أَخطَأ وَمَا بَقِي إِلَّا السّتْر عَلَيْهِ فاعترف ابْن الأطروش أَنه لَا يدْرِي الْحساب وَأَنه عَاجز عَن الْمُبَاشرَة وألزم نَفسه أَلا يعود إِلَيْهَا أبدا بإشهاد كتب فِيهِ قُضَاة الْقُضَاة ونوابهم يتَضَمَّن قوادح شنيعة ومازال النَّائِب بأخصامه حَتَّى كفوا عَنهُ ثمَّ قَامَ النَّائِب لكشف أَحْوَال المرضى فَوجدت فرشهم قد تلفت وَلها ثَلَاث سِنِين لم تغير فسد النَّائِب خلله وَانْصَرف. وَفِيه قبض على مُسْتَوْفِي الدولة الأسعد حَرْبَة وكريم الدّين أكْرم بن شيخ وسلما لشاد الدَّوَاوِين فَضرب شاد الدَّوَاوِين ابْن شيخ وعاقبه حَتَّى وزن مائَة وَسِتِّينَ ألف دِرْهَم تَتِمَّة ثَلَاثمِائَة ألف دِرْهَم وَوزن حَرْبَة مَالا جزيلا. وَاسْتقر عوضهما تَاج الدّين ابْن ريشة وَالْعلم كَاتب آل ملك. وَفِي يَوْم السبت عشريه: قدم الْأَمِير طاز من الْحجاز. بِمن مَعَه وصحبته الْملك الْمُجَاهِد والشريف أدّى أَمِير الْمَدِينَة بعد مَا سَافر وَلحق بِالْيمن وَقدم مَعَ الْمُجَاهِد إِلَى مَكَّة. فَخرج الْأَمِير مغلطاي إِلَى الْبركَة وَمَعَهُ الْأُمَرَاء وَمد لَهُ سماطاً جَلِيلًا وَقبض على من مَعَه من الْأُمَرَاء الَّذين كَانُوا من جمَاعَة الْأَمِير بيبغا روس وقيدوهم وهم فَاضل أَخُو بيبغا روس وناصر الدّين مُحَمَّد بن بكتمر الْحَاجِب. وَأما الْأَمِير أزدمر الكاشف فَإِنَّهُ أخرج عَنهُ إقطاعه وَلزِمَ بَيته وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ عشريه: طلع الْأَمِير طاز بالمجاهد إِلَى القلعة فقيد عِنْد بَاب القلعة وَمَشى بقيده حَتَّى وقف مَعَ الْعُمُوم بالدركاه - تجاه النَّائِب والأمراء جُلُوس - وقوفاً طَويلا إِلَى أَن خرج أَمِير جاندار يطْلب الْأُمَرَاء على الْعَادة فَدخل مَعَهم وخلع السُّلْطَان على الْأَمِير طاز ثمَّ أَخذ الْمُجَاهِد وَأمر بِهِ مقبل الأَرْض ثَلَاث مَرَّات. وَطلب السُّلْطَان الْأَمِير طاز وَسَأَلَ عَنهُ فمازال طاز يتشفع فِي أَمر الْمُجَاهِد إِلَى أَن أَمر بقيده ففك وَأنزل بالأشرفية من القلعة عِنْد الْأَمِير مغلطاى وأجريت لَهُ الرَّوَاتِب السّنيَّة وأقيم لَهُ من يَخْدمه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 134 وَفِيه أنعم على الْأَمِير طاز. بِمِائَتي ألف دِرْهَم وَفِيه قبض على الْأَمِير حُسَيْن الططرى وَولده وَأخرج مَعَ الْأُمَرَاء الممسوكين إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة. وَفِيه خلع على الْأَمِير أرغون الكاملي وَاسْتقر فِي نِيَابَة حلب على عَادَته ورسم أَن يكون وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ خَامِس عشريه: حضر الْمُجَاهِد الْخدمَة وأجلس تَحت الْأُمَرَاء. وَفِيه ألزم الْمُجَاهِد بِحمْل أَرْبَعمِائَة ألف دِينَار يقترضها من الكارم ثمَّ بعد ذَلِك ينعم لَهُ بِالسَّفرِ إِلَى بِلَاده. وَفِيه قدم المجردون من الْعقبَة بِسَبَب بيبغا روس. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثامن عشريه: قدم الْأَمِير قطلوبغا الكركي وَمَعَهُ أَمِير أَحْمد الثائر بصفد فَأرْسل إِلَى الاسكندرية فسجن بهَا. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ تَاسِع عشريه: خلع على الْأُمَرَاء اليمنيين المقيدين وعَلى الْمُجَاهِد صَاحب الْيمن بالإيوان وَقبل الأَرْض عدَّة مرار. وَكَانَ الْأَمِير طاز والأمير مغلطاي تلطفا فِي أمره حَتَّى أعفى من حمل المَال وقربه السُّلْطَان ووعده بِالسَّفرِ إِلَى بِلَاده مكْرها فَقبل الْمُجَاهِد الأَرْض وسر بذلك فَأذن لَهُ أَن ينزل من القلعة إِلَى إصطبل الْأَمِير مغلطاى ويتجهز للسَّفر. وَأَفْرج عَن وزيره وخادمه وحواشيه وأنعم عَلَيْهِ. بِمَال. فَبعث لَهُ الْأُمَرَاء مَالا جزيلا وَشرع فِي الْقَرْض من الكارم تجار مصر واليمن فبعثوا لَهُ عدَّة هَدَايَا وَصَارَ يركب حَيْثُ شَاءَ وَفِيه خلع على ابْن بورقية وَاسْتقر فِي حسبَة مصر عوضا عَن ولي الدّين. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي صفر: ركب الْمُجَاهِد فِي الموكب بسوق الْخَيل تَحت القلعة وطلع مَعَ الْأَمِير بيبغا ططر حارس الطير النَّائِب إِلَى القلعة وَدخل إِلَى الْخدمَة بالإيوان مَعَ الْأُمَرَاء والنائب فَكَانَ موكباً عَظِيما ركب فِيهِ جمَاعَة من أجناد الْحلقَة مَعَ مقدميهم وخلع السُّلْطَان على المقدمين وطلعوا إِلَى القلعة وأجناد الْحلقَة مَعَهم. وَاسْتمرّ الْمُجَاهِد يركب فِي الْخدمَة مَعَ النَّائِب فِي سوق الْخَيل ويطلع إِلَى الْخدمَة بالقلعة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 135 وَفِيه خلع على الْأَمِير صرغتمش وَاسْتقر رَأس نوبَة على مَا كَانَ عَلَيْهِ بعناية الْأَمِير طاز والأمير مغلطاي وَفِيه قبض على مُحَمَّد بن يُوسُف مقدم الدولة وَسلم لشاد الدَّوَاوِين وأفرد مُحَمَّد ابْن زيد بالتقدمة. وَفِي يَوْم السبت ثامن عشره: برز الْمُجَاهِد صَاحب الْيمن بثقله إِلَى الريدانيه ليسافر إِلَى بِلَاده وصحبته الْأَمِير قشتمر شاد الدَّوَاوِين. وَكتب السُّلْطَان إِلَى الشريف عجلَان أَمِير مَكَّة بتجهيزه إِلَى بِلَاده وَكتب لبنى شُعْبَة وَغَيرهم من العربان بِالْقيامِ فِي خدمته وخلع عَلَيْهِ أطلس فوعد الْمُجَاهِد بإرسال الدِّيَة وَالْمَال وَقرر على نَفسه حملا فِي كل سنة وَأسر السُّلْطَان إِلَى قشتمر أَنه إِن رأى مِنْهُ مَا يرِيبهُ. بِمَنْعه من الْمُضِيّ ويطالع بأَمْره. فَرَحل الْمُجَاهِد من الريدانية خَارج الْقَاهِرَة فِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشريه وَمَعَهُ عدَّة مماليك اشْتَرَاهَا وَكثر من الْخَيل وَالْجمال وَفِي مستهل ربيع الأول: قدم الْأَمِير قطلوبغا مُسْتَقر الْأَمِير فياض بن مهنا وَقد أنعم عَلَيْهِ. بِمِائَة ألف دِرْهَم وَثَلَاثِينَ فرسا وَخمسين جملا وقماش كثير. وَفِيه قدم الْخَبَر بلين الْأَمِير أيتمش الْمصْرِيّ نَائِب الشَّام وضياع أَحْوَال الشَّام وَكَثْرَة قطع الطرقات وَأَن أهل الشَّام سموهُ ايش كنت أَنا وَأَن أَحْوَال شمس الدّين مُوسَى بن التَّاج إِسْحَاق النَّاظر توقفت. وَوَقع جَراد مُضر بالزرع أفسد أَكْثَرهَا وَأَن الغرارة الْقَمْح ارْتَفَعت من ثَمَانِينَ إِلَى مائَة وَعشْرين درهما. وَوَقع بحماة سيل لم يعْهَد مثله وَخرب السَّيْل أَمَاكِن كَثِيرَة. وَفِيه قدم الْأَمِير قطلوبغا الذَّهَبِيّ من الْوَجْه القبلي وَقد عجز عَن مقاومة الأحدب. وَفِيه قدم الْخَبَر بقتل الشريف سعد بن ثَابت أَمِير الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة. وَسَببه أَن الشريف أدّى لما نهب الْمَدِينَة وفر إِلَى الْيمن وَصَارَ عِنْد صَاحبهَا الْمُجَاهِد حَتَّى قدم مَكَّة ترامى على الْأَمِير طاز إِلَى أَن أَخذ لَهُ أَمَانًا من السُّلْطَان وَقدم مَعَه وَمثل بَين يَدي السُّلْطَان وَفِي عُنُقه منديل الْأمان فَقيل لَهُ: إِنَّمَا أمنك على نَفسك وَأما الْأَمْوَال الَّتِى أَخَذتهَا من أهل الْمَدِينَة وَمن الْحجَج فلابد من ردهَا إِلَى أَرْبَابهَا. فَجمع أدّى وَلَده وطرق سعد بن ثَابت لَيْلًا وحاربه فَقتل سعد وَكتب باستقرار فضل ابْن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 136 وَفِي مستهل ربيع الآخر. كَانَ عرس خوند زهراء ابْنة السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد وَهِي زَوْجَة آقسنقر الناصري الْمَقْتُول زمن المظفر حاجي على الْأَمِير طاز ثمَّ كَانَ بعد ذَلِك عرس الْأَمِير تنكز بغا وأعرس جمَاعَة من الْأُمَرَاء وَعمل السُّلْطَان لكل مِنْهُم مهما يَلِيق بِهِ فأقامت الأفراح طول الشَّهْر وأنعم السُّلْطَان على طاز وعَلى تنكز بغا بثلاثمائة ألف دِرْهَم وأنعم على كل من الْأَمِير مغلطاي رَأس نوبَة والأمير منكلى بغا الفخري. وَفِيه أخرج الْأَمِير نوروز على إمرة طبلخاناه بِدِمَشْق. وَسَببه أَنه لما قدم من الشَّام أنعم عَلَيْهِ بتقدمة ألف فَصَارَ يتحدث مَعَ السُّلْطَان فِي المشور وترفع على الْأُمَرَاء. وَفِيه قدم سيف بن فضل بقوده. وَفِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء رابعه: قدم الْخَبَر بِأَن الْأَمِير قشتمر أمسك الْمُجَاهِد صَاحب الْيمن بينبع بعد مَا فر بِنَفسِهِ وَترك ثقله. ثمَّ قدم قشتمر فِي يَوْم السبت خَامِس عشره وَأرْسل الْمُجَاهِد إِلَى الكرك فسجن بهَا. وَفِي أول جُمَادَى الأولى: قدمت رسل الْأَشْرَف دمرداش بن جوبان بِسَبَب الصُّلْح فأنزلوا بصهريج منجك ثَلَاثَة أَيَّام وَلم يُمكن أحد من الِاجْتِمَاع بهم. ثمَّ مثلُوا بَين يَدي السُّلْطَان وأعيدوا بجوابهم. وَفِيه خلع على الْأَمِير أرغون الْإِسْمَاعِيلِيّ وَاسْتقر فِي نِيَابَة غَزَّة عوضا عَن فَارس الدّين ألبكي. وَقدم فَارس الدّين فأنعم عَلَيْهِ بإمرة طبلخاناه. وَفِيه خرجت الْعَرَب الْمَعْرُوفَة ثَعْلَبَة من أماكنها وَتَفَرَّقُوا فِي الْبِلَاد. فوقفت أَحْوَال مراكز الْبَرِيد فَإِن دَرك الْبَرِيد عَلَيْهِم فسعى ابْن طلدية فِي ولَايَة الشرقية وتكفل برد ثَعْلَبَة فَخلع عَلَيْهِ بولايتها. وَفِيه ركب الْأَمِير طاز لكبس عرب الأطفيحية وَقد اشْتَدَّ ضررهم وَكثر قطعهم الطَّرِيق فَلم يظفر مِنْهُم بِأحد وتعلقوا بالجبال. وَفِيه توعك السُّلْطَان وَلزِمَ الْفراش أَيَّامًا فَبلغ طاز ومغلطاى ومنكلى بغا أَنه أَرَادَ بِإِظْهَار توعكه الْقَبْض عَلَيْهِم إِذا دخلُوا إِلَيْهِ وَأَنه قد اتّفق مَعَ قشتمر وألطنبغا الزامر وملكتمر المارديني وتنكز بغا على ذَلِك وَأَن ينعم عَلَيْهِم بإقطاعاتهم وإمراتهم. فواعدوا أَصْحَابهم وَاتَّفَقُوا مَعَ الْأَمِير بيبغا ططر حارس الطير النَّائِب والأمير طيبغا المجدي والأمير رسْلَان بصل وركبوا يَوْم الْأَحَد سَابِع عشري جُمَادَى الْآخِرَة بأطلابهم ووقفوا عِنْد قبَّة النَّصْر. فَخرج السُّلْطَان إِلَى الْقصر الأبلق وَبعث يسألهم عَن سَبَب ركوبهم فَقَالُوا: أَنْت اتّفقت مَعَ مماليكك على مسكنا ولابد من إرسالهم إِلَيْنَا. فَبعث السُّلْطَان إِلَيْهِم تنكز الجزء: 4 ¦ الصفحة: 137 بغا وقشتمر وألطنبغا الزامر وملكتمر فعندما وصلوا إِلَيْهِم قيدوهم وبعثوهم إِلَى خزانَة كايل فسجنوا بهَا. فشق ذَلِك على السُّلْطَان وَبكى وَقَالَ: قد نزلت عَن السلطنة وسير إِلَيْهِم النجَاة فسلموها للأمير طيبغا المجدي. وَقَامَ السُّلْطَان إِلَى حريمه فَبعث الْأُمَرَاء الْأَمِير صرغتش وَمَعَهُ الْأَمِير قطلوبغا الذَّهَبِيّ وَجَمَاعَة ليأخذه ويحبسه. فطلعوا إِلَى القلعة راكبين إِلَى بَاب الْقصر الأبلق ودخلوا إِلَى النَّاصِر حسن وأخذوه من بَين حرمه فَصَرَخَ النِّسَاء صراخاً عَظِيما وصاحت سِتّ حدق على صرغتمش صياحاً مُنْكرا وسبته وَقَالَت: هَذَا جَزَاؤُهُ مِنْك. فَأخْرجهُ صرغتمش وَقد غطى وَجهه إِلَى الرحبة فَلَمَّا رأه الخدام والمماليك تباكوا عَلَيْهِ بكاءاً كثيرا. وطلع صرغتمش بِهِ إِلَى رواق فَوق الإيوان ووكل بِهِ من يحفظه وَعَاد إِلَى الْأُمَرَاء. وَكَانَت مدَّته ثَلَاث سِنِين وَتِسْعَة أشهر وَأَرْبَعَة عشر يَوْمًا مِنْهَا مُدَّة الْحجر عَلَيْهِ ثَلَاث سِنِين وَمُدَّة استبداده تِسْعَة أشهر وَكَانَ الْقَائِم بدولته الْأَمِير شيخو رَأس نوبَة وَإِلَيْهِ أَمر خزانَة الْخَاص - ومرجع ذَلِك إِلَى علم الدّين بن زنبور نَاظر الْخَاص - والأمير بيبغاروس نَائِب السلطة وَإِلَيْهِ حكم الْعَسْكَر وتدبره وَالْحكم بَين النَّاس والأمير منجك الْوَزير الأستادار مقدم المماليك وَإِلَيْهِ التَّصَرُّف فِي أَمْوَال الدولة وَالْمُتوَلِّيّ لتربيته خوند طغاي أم آنوك وَفِي خدمته سِتّ حدق. ورتب لَهُ فِي كل يَوْم مائَة دِرْهَم تصرف لخدامه من خزانَة الْخَاص فَكَانَ كَذَلِك فِي طوع الْأُمَرَاء يصرفونه على حسب اختيارهم إِلَى أَن نفرت نفوس الْأُمَرَاء الخاصكية من الْوَزير منجك وحسدوه على مَا هُوَ فِيهِ وَكَانَ أَشَّدهم عَلَيْهِ حقدا الْأَمِير مغلطاي والأمير طاز. وَكَانَ الْأَمِير شيخو يفهم عَنهُ إِلَى أَن خرج الْأَمِير بيبغا روس إِلَى الْحَج وَخرج الْأَمِير شيخو إِلَى السرحة بالعباسة وَقع الِاتِّفَاق على ترشيد السُّلْطَان ومسك منجك كَمَا تقدم. فاستبد السُّلْطَان بِالتَّصَرُّفِ وَأخذ أَمْوَال الْأُمَرَاء الْمَقْبُوض عَلَيْهِم وفرقها فِي خواصه. ثمَّ اخْتصَّ بطاز وَبَالغ فِي الإنعام عَلَيْهِ واستخص قشتمر وألطنبغا وملكتمر وتنكز بغا وجعلهم ندماءه فِي اللَّيْل ومشيريه فِي النَّهَار فَلم يكن يفارقهم أبدا لَيْلًا وَلَا نَهَارا وسوغهم من الْأَمْلَاك وأنعم عَلَيْهِم من الْجَوَاهِر وَالْأَمْوَال بِشَيْء جليل إِلَى الْغَايَة وَأعْرض عَن الْأُمَرَاء فَلم يلْتَفت إِلَيْهِم حَتَّى كَانَ مَا كَانَ من خلعه. وَكَانَت أَيَّامه شَدِيدَة كثرت فِيهَا المغارم بالنواحي وَخَربَتْ عدَّة أَمْلَاك على النّيل واحترقت مَوَاضِع كَثِيرَة بِالْقَاهِرَةِ ومصر وخرحت عربان العايد وثعلبة وعشير الشَّام وعرب الصَّعِيد عَن الطَّاعَة وَاشْتَدَّ فسادهم وَكثر قطعهم الطرقات. وَكَانَ الفناء الْعَظِيم الَّذِي لم يعْهَد مثله وتوالي شراقي الْأَرَاضِي وتلاف الجسور وَقيام ابْن وَاصل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 138 الأحدب بِبِلَاد الصَّعِيد وَالْعجز عَنهُ وَقتل عرب الصَّعِيد طغية الكاشف وهزيمتهم الهذباني وَأخذ ثقله. فاختلت أَرض مصر وبلاد الشَّام بِسَبَب ذَلِك خللاً فَاحِشا إِلَّا أَن النَّاصِر حسن كَانَ فِي نَفسه مفرط الذكاء ضابطاً لما يدْخل السُّلْطَان الْملك الصَّالح صَلَاح الدّين صَالح بن النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاون أمه بنت الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام أقيم سُلْطَانا بعد خلع أَخِيه النَّاصِر حسن فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامن عشرى جُمَادَى الْآخِرَة سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَسَبْعمائة. وَذَلِكَ أَن الْأُمَرَاء لما حملت إِلَيْهِم النمجاة باتوا لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ بإصطبلاتهم وبكروا يَوْم الْإِثْنَيْنِ إِلَى القلعة واجتمعوا بالرحبة دَاخل بَاب النّحاس وطلبوا الْخَلِيفَة والقضاة وَسَائِر أهل الدولة واستدعوا بِهِ. فَلَمَّا خرج إِلَيْهِم ألبسوه شعار السلطنة وأركبوه فرس النّوبَة من دَاخل بَاب الستارة وَرفعت الغاشية بَين يَدَيْهِ. وَكَانَ الْأَمِير طاز والأمير منكلى بغا الفخري آخذين بشكيمة الْفرس حَتَّى جلس على التخت. وحلفوا لَهُ وحلفوه على الْعَادة ولقبوه بِالْملكِ الصَّالح وَنُودِيَ بسلطنته فِي الْقَاهِرَة ومصر. وَكَانَ النّيل قد نقص عِنْدَمَا كسر فَرد نَقصه وَنُودِيَ عَلَيْهِ هَذَا الْيَوْم بِزِيَادَة ثَلَاثَة أَصَابِع من سَبْعَة عشر ذِرَاعا فتباشر النَّاس بولايته. وَفِيه نقل السُّلْطَان أَخَاهُ حسن النَّاصِر إِلَى حَيْثُ سَاكِنا ورتب فِي خدمته جمَاعَة وَطلب أَخَاهُ أَمِير حُسَيْن وأكرمه ووعده بتغيير إقطاعه وَزِيَادَة راتبه. وَفِيه توجه الْأَمِير بزلار أَمِير سلَاح إِلَى الشَّام وَمَعَهُ التشريف والبشارة بِولَايَة السُّلْطَان وتحليف العساكر لَهُ على الْعَادة. وَفِيه دقَّتْ البشائر وَنُودِيَ بزينة الْقَاهِرَة ومصر فزينتا. وَفِيه طلب الْأَمِير مغلطاي والأمير طاز مَفَاتِيح الذَّخِيرَة ليعتبروا مَا فِيهَا فَوجدَ شَيْء يسير. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 139 وَفِيه رسم للوزير علم الدّين عبد الله بن زنبور بتجهيزه تشاريف الْأُمَرَاء وأرباب الْوَظَائِف على الْعَادة فجهزها. وَفِيه وقف الْأَمِير طاز وَسَأَلَ الْأُمَرَاء وَالسُّلْطَان فِي الإفراج عَن الْأَمِير شيخو فرسم بِهِ. وَكتب كل من مغلطاي وطاز إِلَيْهِ كتابا فَبعث مغلطاي بكتابه أَخَاهُ قطلوبغا رَأس نوبَة وَبعث طاز الْأَمِير طقطاي صهره. وجهزت الحراقة لإحضار شيخو من الْإسْكَنْدَريَّة فِي يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع عشرينه. وَكَانَ ذَلِك بِغَيْر اخْتِيَار الْأَمِير مغلطاى فَإِن الْأَمِير طاز دخل عَلَيْهِ فِي ذَلِك وَمضى إِلَى بَيته فَاعْتَذر إِلَيْهِ بِأَنَّهُ يخْشَى من خلاصه على نَفسه فَحلف لَهُ طاز أيمانا مُغَلّظَة أَنه مَعَه على كل مَا يُرِيد وَلَا يُصِيبهُ من شيخو مَا يكره وَأَن شيخو إِذا حضر مَا يُعَارضهُ من فِي شَيْء من أَمر المملكة وَإِنِّي ضَامِن لَهُ فِي هَذَا وَمَا زَالَ بِهِ حَتَّى وَافق على الإفراج عَنهُ وَكتب إِلَيْهِ مَعَ أَخِيه. فشق ذَلِك على الْأَمِير منكلى بغا الفخري وعتب مغلطاي على مُوَافَقَته لطاز وأوهمه أَن بِحُضُور شيخو يَزُول عَنْهُم مَا هم فِيهِ حَتَّى تقرر ذَلِك فِي ذهنه وَنَدم على مَا كَانَ مِنْهُ إِلَى أَن كَانَ يَوْم الْخَمِيس أول شهر رحب وَركب الْأُمَرَاء فِي الموكب على الْعَادة أَخذ منكلى بغا يعرف الْأَمِير بيبغا ططر حارس الطير النَّائِب والأمراء الْكِبَار مَا دَار بَينه وَبَين مغلطاى وخيلهم من حُضُور شيخو إِلَى أَن وافقوه وطلعوا إِلَى القلعة ودخلوا إِلَى الْخدمَة. فابتدأ الْأَمِير بيبغا حارس الطير النَّائِب بِحَدِيث شيخو وَأَنه رجل كَبِير وَيحْتَاج إِلَى إقطاع كَبِير وكلف كَبِيرَة. فَتكلم منكلى بغا ومغلطاي والأمراء وطاز سَاكِت قد اختبط لتغير مغلطاي ورجوعه عَمَّا وَافقه عَلَيْهِ. وَأخذ طاز يتلطف بِهِ فصمم مغلطاي على مَا هُوَ عَلَيْهِ وَقَالَ: مَا لى وَجه أنظر بِهِ شيخو وَقد أخذت منصبه بعد مَا مسكته وسكنت بَيته. فوافقه الْأَمِير بيبغا ططر حارس الطير النَّائِب وَقَالَ لناظر الْجَيْش: اكْتُبْ لَهُ مِثَالا بنيابة حماه وانتقال طنبرق لنيابة حلب وَقَالَ لكاتب السِّرّ. اكْتُبْ كتابا بعوده من طَرِيقه إِلَى نِيَابَة حماه فَكتب ذَلِك وَتوجه بِهِ أيدمر الدوادار من وقته وساعته فِي حراقته. وَعين لسفر شيخو إِلَى حماة عشرُون هجينا ليرْكبَهَا ويسير عَلَيْهَا وانفضوا وَفِي نفس طاز مَا لَا يعبر عَنهُ. فَاجْتمع هُوَ وصرغتمش وملكتمر وَجَمَاعَة وَاتَّفَقُوا جَمِيعًا وبعثوا إِلَى مغلطاي بِأَن منكلى بغا رجل فتنى وَمَا دَامَ بَيْننَا لَا نتفق أبدا. فَلم يصغ مغلطاي إِلَى قَوْلهم وَاحْتج بِأَنَّهُ إِن وافقهم لَا يَأْمَن على نَفسه. فَدخل عَلَيْهِ طاز لَيْلًا بالأشرفية من القلعة حَيْثُ سكنه وخادعه حَتَّى أَجَابَهُ إِلَى إِخْرَاج منكلى بغا وتحالفا على ذَلِك. فَمَا هُوَ إِلَّا أَن خرج عَنهُ طاز أَخذ دوادار مغلطاي يفتح مَا صدر مِنْهُ ويهول عَلَيْهِ الْأَمر بِأَنَّهُ مَتى أبعد منكلى بغا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 140 وَحضر شيخو أَخذ لَا محَالة فَمَال إِلَيْهِ. وَبلغ الْخَبَر منكلى بغا بكرَة يَوْم الْجُمُعَة ثَانِيه فواعد الْأَمِير بيبغا ططر حارس الطير النَّائِب والأمراء على الِاجْتِمَاع فِي صَلَاة الْجُمُعَة ليَقَع الِاتِّفَاق على مَا يكون. فَلم يخف عَن طاز وصرغتمش رُجُوع مغلطاي عَمَّا تقرر بَينه وَبَين طاز لَيْلًا فاستعد للحرب وواعد الْأَمِير ملكتمر المحمدي والأمير قردم الْحَمَوِيّ وَمن هوى هواهم واستمالوا مماليك بيبغا روس ومماليك منجك حَتَّى صَارُوا مَعَهم رَجَاء الْخَلَاص أستاذيهم وَشد الْجَمِيع خيولهم. فَلَمَّا دخل الْأُمَرَاء لصَلَاة الْجُمُعَة اجْتمع منكلى بغا بالنائب بيبغا ططر حارس الطير وَجَمَاعَة وَقرر مَعَهم أَن يطلبوا طاز وصرغتمش إِلَى عِنْدهم فِي دَار النِّيَابَة ويقبضوا عَلَيْهِمَا. فَلَمَّا أَتَاهُم الرَّسُول بطلبهما أحسا بِالشَّرِّ وقاما ليتهيئا للحضور وصرفا الرَّسُول على أَنَّهُمَا يكونَانِ فِي أَثَره وبادر إِلَى بَاب الدّور وَنَحْوه من الْأَبْوَاب فأغلقاها واستدعوا من مَعَهم من المماليك السُّلْطَانِيَّة ولبسوا السِّلَاح. وَنزل صرغتمش بِمن مَعَه من بَاب السِّرّ ليمنع من يخرج من إصطبلات الْأُمَرَاء وَدخل طاز على السُّلْطَان حَتَّى يركب بِهِ للحرب فلقى الْأَمِير صرغتمش فِي نُزُوله الْأَمِير أيدغدي أَمِير آخور فَلم يطق مَنعه وَأخذ بعض الْخُيُول من الإصطبل وَخرج فَوجدَ خيله وخيل من مَعَه فِي انتظارهم. فَرَكبُوا إِلَى الطبلخاناه فَإِذا طلب منكلى بغا مَعَ وَلَده ومماليكه يُرِيدُونَ قبَّة النَّصْر فألقوه عَن فرسه وجرحوه فِي وَجهه وَقتلُوا حَامِل الصنجق وشتتوا كل الْجَمِيع. فَمَا استتم هَذَا حَتَّى ظهر طب مغلطاي مَعَ مماليكه وَلم يكن لَهُم علم. بِمَا وَقع على طلب منكلى بغا. فصدمهم صرغتمش. بِمن مَعَه صدمة بددهم وحرح جمَاعَة مِنْهُم وَهزمَ بَقِيَّتهمْ. ثمَّ عَاد صرغتمش ليدرك الْأُمَرَاء قبل نزولهم من القلعة وَكَانَت خيولهم واقفة على بَاب السلسلة تنتظرهم فَمَال عَلَيْهَا ليأخذها. وامتدت أَيدي أَصْحَابه إِلَيْهَا فَقتلُوا الغلمان وَقد عظم الصياح وانعقد الْغُبَار وَإِذا بالنائب بيبغا ططر حارس الطير ومغلطاى ومنكلى بغا وبيغرا وَمن مَعَهم قد نزلُوا وركبوا خيولهم. وَكَانُوا لما أَبْطَأَ عَلَيْهِم مَجِيء طاز وصرغتمش بعثوا فِي استعجالهما فَإِذا الْأَبْوَاب مغلقة والصيحة دَاخل بَاب الْقلَّة فَقَامُوا من دَار النِّيَابَة يُرِيدُونَ الرّكُوب فَمَا توسطوا القلعة حَتَّى سمعُوا ضجة الغلمان وصياحهم. فَأَسْرعُوا إِلَيْهِم وركبوا فشهر مغلطاي سَيْفه واقتحم. بِمن مَعَه على صرغتمش وَمن مَعَه وَمر النَّائِب بيبغا ططر حارس الطير وبيغرا ورسلان بصل يُرِيد كل مِنْهُم اصطبله. فَلم يكن غير سَاعَة حَتَّى انْكَسَرَ مغلطاي كسرة قبيحة وجرح كثير من أَصْحَابه وفر إِلَى جِهَة قبَّة النَّصْر وهم فِي أَثَره وَانْهَزَمَ منكلى بغا أَيْضا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 141 وَكَانَ طاز لما دخل على السُّلْطَان عرفه أَن الْأَمِير بيبغا ططر حارس الطير النَّائِب والأمراء اتَّفقُوا على إِعَادَة النَّاصِر حسن إِلَى السلطنة وَأَخذه فِي مماليكه وَنزل بِهِ من بَاب السِّرّ إِلَى الإصطبل. واستدعى السُّلْطَان بِالْخَيْلِ ليركب فَقعدَ بِهِ أيدغدي أَمِير آخور وَاحْتج بقلة السُّرُوج فَإِنَّهُ كَانَ ممالئاً لمغلطاي فَأخذ المماليك مَا وجدوه وَخَرجُوا بالسلطان ودقت الكوسات. فَاجْتمع إِلَيْهِ الْأُمَرَاء والأجناد والمماليك السُّلْطَانِيَّة من كل جِهَة حَتَّى عظم جمعه فَلم تغرب الشَّمْس إِلَّا وَالْمَدينَة قد غلقت والرميلة قد امْتَلَأت بالعامة. وَسَار طاز بالسلطان يُرِيد قبَّة النَّصْر حَتَّى يعرف خبر صرغتمش فَوَافى قبَّة النَّصْر بعد الْمغرب. وَأما صرغتمش فَإِنَّهُ تَمَادى فِي طلب مغلطاي ومنكلى بغا حَتَّى أظلم اللَّيْل فَلم يشْعر إِلَّا. بمملوك الْأَمِير بيبغا ططر حارس الطير النَّائِب قد أَتَاهُ برسالة النَّائِب أَن مغلطاي عِنْده فِي بَيت آل ملك بالحسينية فَبعث جمَاعَة لأَخذه. وَمر صرغتمش فِي طلب منكلى بغا فَلَقِيَهُ الْأَمِير مُحَمَّد بن بكتمر الحاحب وعرفه أَن منكلى بغا نزل قَرِيبا من قناطر الأميرية ووقف يُصَلِّي وَأَن طلب الْأَمِير مجد الدّين مُوسَى الهذباني كَانَ قد جَاءَ من جِهَة كوم الريش. وَلحق بالأمير منكلى بغا الْأَمِير أرغون الْمَكِّيّ فِي جمَاعَة فقبضوا عَلَيْهِ وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي وكتفوه بعمامته وأركبوه بعد مَا نكلوا بِهِ. فَلم يكن غير قَلِيل حَتَّى أَتَوا بِهِ وبمغلطاي فقيدا وسجنا بخزانة شمائل ثمَّ أخرجَا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة ومعهما ابْن منكلى بغا فسجنوا بهَا وَأَقْبل صرغتمش وَمن مَعَه إِلَى السُّلْطَان بقبة النَّصْر وعرفه بمسك الأميرين فسر سُرُورًا كَبِيرا وَنزل هُوَ والأمراء وَبَاتُوا عِنْد قبَّة النَّصْر. وَركب السُّلْطَان بكرَة يَوْم السبت ثالثه إِلَى القلعة وَجلسَ بالإيوان وَدخل الْأُمَرَاء فهنأوه السَّلامَة وَنُودِيَ بالزينة. وَفِي الْحَال كتب باستدعاء الْأَمِير شيخو وَخرج جمَاعَة من الْأُمَرَاء ومماليكه إِلَى لِقَائِه. وَنزلت البشائر إِلَى بيُوت شيخو وبيبغا روس ومنجك وَكَانَ يَوْمًا مَذْكُورا وَبَات الْأُمَرَاء على تخوف. وَأما شيخو فَإِن حراقة أخي طاز وطقطاي وافت الاسكندرية يَوْم الْخَمِيس أول رَجَب فَخرج شيخو من السجْن وَهُوَ ضَعِيف وَركب الحراقة فِي الخليج وَأهل الْإسْكَنْدَريَّة فِي فَرح وسرور بخلاصه. فوافاه كتاب صرغتمش بِأَنَّهُ إِذا أَتَاك أيدمر بمرسوم توجهك إِلَى حماة لَا ترجع وَأَقْبل إِلَى الْقَاهِرَة فَأَنا مَعَك فَتغير لقرَاءَته وَعلم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 142 أَنه قد حدث فِي أمره حَادث. فَلم يكن غير ساعتين حَتَّى لاحت لَهُ حراقة أيدمر فَمر وَهُوَ مقلع وأيدمر منحدر إِلَى أَن تجاوزه وَهُوَ يَصِيح وَيُشِير. بمنديله فَلَا يلتفتون إِلَيْهِ. واستمرت حراقة شيخو طول اللَّيْل وأيدمر فِي أَثَره فَلم يُدْرِكهُ إِلَّا بكرَة يَوْم السبت. فعندما طلع إِلَيْهِ أيدمر وعرفه مَا رسم لَهُ من عوده إِلَى حماة وَقَرَأَ المرسوم الَّذِي على يَده وَإِذا بِالْخَيْلِ على الْبر تتبع بَعْضهَا بَعْضًا والمراكب قد مَلَأت وَجه المَاء تبادر لبشارته وإعلامه. بِمَا وَقع من الرّكُوب ومسك مغلطاي ومنكلى بغا فسر شيخو بذلك سُرُورًا كثيرا وَسَار إِلَى أَن أرسى بساحل بولاق فِي يَوْم الْأَحَد رابعه. وَكَانَ النَّاس قد خَرجُوا يَوْم السبت إِلَى لِقَائِه وَأَقَامُوا ببولاق ومنبابه. ووصلت المشاة إِلَى منية السيرج تنْتَظر قدومه. فَلَمَّا رَأَوْا الحراقة صاحوا ودعوا لَهُ وَتَلَقَّتْهُ مراكب أَصْحَابه. وَخرج النَّاس للفرجة فَبلغ كِرَاء المراكب إِلَى مائَة دِرْهَم وَمَا وصلت الحراقة إِلَّا وحولها فَوق الْألف مركب. وَركب الْأُمَرَاء إِلَى لِقَائِه وزينت الصليبة وأشعلت الشموع وَخرج مَشَايِخ الصُّوفِيَّة بصوفيتهم إِلَى لِقَائِه. فَسَار شيخو فِي موكب عَظِيم إِلَى الْغَايَة لم ير مثله لأمير إِلَى أَن صعد القلعة. وَدخل شيخو على السُّلْطَان فَأقبل عَلَيْهِ وخلع عَنهُ ثِيَاب السجْن وَألبسهُ تَشْرِيفًا جَلِيلًا وَخرج شيخو إِلَى منزله والتهاني تتلقاه. وَفِيه فرقت الْخلْع على الْأُمَرَاء وركبوا بهَا إِلَى الْخدمَة فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ خامسه. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سابعه: رسم بِإِخْرَاج الْأَمِير بيبغا ططر حارس الطير نَائِب السلطنة والأمير بيغرا. فَنزل الحاحب إِلَى بَيت آل ملك بالحسينية وَأخرج مِنْهُ النَّائِب ليسير إِلَى نِيَابَة غَزَّة. وَفِيه قبض على الطّيب أحد أُمَرَاء الطبلخاناه من أَصْحَاب مغلطاي وَقيد وسجن. وَفِيه أخرج أيدغدي أَمِير آخور إِلَى طرابلس بطالا وَفِيه كتب بالإفراج عَن المسجونين بالإسكندرية والكرك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 143 وَفِي يَوْم السبت عاشره: ركب السُّلْطَان والأمراء إِلَى الميدان على الْعَادة وَلعب فِيهِ بالكرة فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَفِيه وقف النَّاس فِي الفأر الضَّامِن وَرفعُوا فِيهِ مائَة قصَّة. فَقبض عَلَيْهِ وضربه الْوَزير بالمقارع ضربا كثيرا وَهُوَ يحمل المَال فَوجدت لَهُ خبية فِيهَا نَحْو مِائَتي ألف دِرْهَم حملت إِلَى بَيت المَال. وَفِيه قبض على النَّائِب بيبغا ططر حارس الطير فِي طَرِيقه وسجن بالإسكندرية. وَفِي يَوْم الْأَحَد حادي عشره. وصل الْأُمَرَاء من سجن الإسكندريه وهم سَبْعَة. منجك الْوَزير وفاضل أَخُو بيبغا روس وَأحمد الساقي نَائِب صفد وَعمر شاه الْحَاجِب وأمير حُسَيْن التتري وَولده وَمُحَمّد بن بكتمر الْحَاجِب. فَركب الْأَمِير طاز وَمَعَهُ الْخُيُول المجهزة لركوبهم حَتَّى لَقِيَهُمْ وطلع بهم إِلَى القلعة فَخلع عَلَيْهِم بَين يَدي السُّلْطَان. ونزلوا إِلَى بُيُوتهم فامتلأت الْقَاهِرَة بالأفراح والتهاني وَنزل الْأَمِير شيخو والأمير طاز والأمير صرغتمش إِلَى إصطبلاتهم وبعثوا إِلَى الْأُمَرَاء القادمين من السجْن التقادم السّنيَّة من الْخُيُول والتعابي القماش والبسط وَغَيرهَا فَكَانَ الَّذِي بَعثه الْأَمِير شيخو لمنجك خَمْسَة أَفْرَاس ومبلغ ألفي دِينَار وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشره: خلع على الْأَمِير قبلاي الْحَاجِب وَاسْتقر فِي نِيَابَة السلطنة عوضا عَن بيبغا ططر حارس الطير. وَفِيه قدم الْخَبَر بِنفَاق عرب الصَّعِيد ونهبهم الغلال ومعاصر السكر وكبسهم الْبِلَاد وكثره حروبهم بِحَيْثُ قتل مِنْهُم ألف رجل وَأَن ابْن مغنى حشد وَركب فِي الْبر وَالْبَحْر. وَامْتنع النَّاس من سلوك الطرقات وَأَنه مَتى لم يُبَادر الْأُمَرَاء إِلَى حربه لَا يحصل للأراضي تخضير وَكَانَ زمن النّيل. فَطلب عز الدّين أزدمر الْأَعْمَى الكاشف وأعيد لَهُ إقطاعه من الْأَمِير قندس أَمِير آخور وخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر فِي كشف الْوَجْه القبلي. وخلع على مَمْلُوك أسندمر وَاسْتقر فِي كشف الإطفيحية وأنعم عَلَيْهِ بإقطاع ابْن بيبغا ططر حارس الطير النَّائِب. وأنعم على فَارس الدّين ألبكي نَائِب غَزَّة بتقدمة ألف ورسم بِخُرُوجِهِ صُحْبَة أزدمر الْأَعْمَى الكاشف وَعين مَعَه سِتَّة أُمَرَاء طبلخاناه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 144 وَفِي يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشره: قدم الْأَمِير بيبغا روس من سجن الكرك فَركب الْأُمَرَاء إِلَى لِقَائِه وطلع إِلَى السُّلْطَان فَخلع عَلَيْهِ وَنزل بيبغا روس إِلَى بَيته فَلم يبْق أحد من الْأُمَرَاء حَتَّى وَفِي يَوْم السبت سَابِع عشره: ركب السُّلْطَان إِلَى الميدان وَمَعَهُ الْأَمِير بيبغا روس وَعَلِيهِ التشريف وصحبته الْأُمَرَاء. فلعب السُّلْطَان بالكرة وَعَاد إِلَى القلعة آخر النَّهَار. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ تَاسِع عشره: خلع على الْأَمِير بيبغا روس وَاسْتقر فِي نِيَابَة حلب عوضا عَن أرغون الكاملي. وَاسْتقر أرغون الكاملي فِي نِيَابَة الشَّام عوضا عَن أيتمش الناصري وَفِيه خلع أَيْضا على أَمِير أَحْمد الساقي شاد الشرابخاناه ونائب صفد وَاسْتقر فِي نِيَابَة حماة عوضا عَن طنبرق. ورسم طنبرق إِلَى حلب أَمِير طبلخاناه ثمَّ رسم أَن يكون بطالا بِدِمَشْق وَفِيه خلع على الْوَزير علم الدّين بن زنبور خلعة الِاسْتِمْرَار وَركب قُدَّام الْمحمل بالزناري فِي موكب عَظِيم. وَلم يركب أحد من الوزراء قُدَّام الْمحمل سوى ابْن السلعوس فِي أَيَّام الْأَشْرَف خَلِيل وَأمين الْملك بن الغنام فِي أَيَّام النَّاصِر مُحَمَّد مرّة وَاحِدَة. وَفِيه أحيط بموجود سِتّ حدق ووكل بهَا. وَكتب موجودها وألزمت. بِمَال كَبِير سوى موجودها ثمَّ أفرج عَنْهَا وَلم يُؤْخَذ لَهَا شَيْء. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة أول شعْبَان: خلع على مُحَمَّد بن الكوراني بِولَايَة مصر والصناعة عوضا عَن بلاط. وَفِي يَوْم الْأَحَد ثالثه: سَافر الْأَمِير بيبغا روس إِلَى نِيَابَة حلب وأمير أَحْمد إِلَى نِيَابَة حماة وَفِيه كتب باستقرار منجك فِي نِيَابَة صفد فَسَأَلَ الإعفاء وَأَن يُقيم بجامعه بطالا فَأُجِيب إِلَى ذَلِك بسفارة الْأَمِير شيخو. فاسترد أملاكه الَّتِي أنعم بهَا على المماليك والخدام والجواري ورم مَا تشعت من صهريجه واستجد بِهِ خطْبَة وَولي زين الدّين البسطامي فِي خطابته الجزء: 4 ¦ الصفحة: 145 وَفِيه خلع على عمر شاه وَاسْتقر حاحب الْحجاب عوضا عَن النَّائِب قبلاي وَفِيه أنعم على طشتمر القاسمي بتقدمة ألف وَاسْتقر حاجباً ثَانِيًا. وَفِيه أنعم على جمَاعَة من المماليك السُّلْطَانِيَّة بإمرات. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سابعه: قدم أَمِير على المارديني وأنعم عَلَيْهِ بتقدمة بيغرا. وَفِيه أخرج أقجبا الحاحب الْحَمَوِيّ وطينال الجاشنكير وملكتمر السعيدي وقطلوبغا أَخُو مغلطاى وطشنبغا الدوادار وَفرقُوا بِبِلَاد الشَّام. وَفِي يَوْم السبت تاسعه: وصل الْمُجَاهِد صَاحب الْيمن من سجن الكرك فَخلع عَلَيْهِ من الْغَد ورسم لَهُ بِالْعودِ إِلَى بِلَاده من جِهَة عيذاب فَبعث إِلَيْهِ الْأُمَرَاء تقادم كَثِيرَة وَتوجه. وَكَانَت أمه رجعت من مَكَّة بعد مسكه وأقامت فِي مملكة الْيمن ابْنه الْملك الصَّالح وكتبت إِلَى تجار الكارم توصيهم بابنها الْمُجَاهِد صَاحب الْيمن أَن يقرضوه مَا يحْتَاج إِلَيْهِ وختمت على مَالهم من أَصْنَاف المتجر بعدن وزبيد وتعز فَقدم قاصدها وَقد قبض على الْمُجَاهِد ثَانِيًا وسجن وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشره: وصل الْأَمِير أيتمش الناصري من الشَّام فَقبض عَلَيْهِ من الْغَد وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشريه: خرج الْأَمِير فَارس الدّين ألبكي وَمَعَهُ الْأَمِير آينبك وَأَرْبَعَة أُمَرَاء طبلخاناه صُحْبَة الْأَمِير أزدمر الْأَعْمَى الكاشف إِلَى الْوَجْه القبلي بِسَبَب نفاق العربان فِي تجمل كَبِير. وَفِي مستهل شهر رَمَضَان: قدم الشريف ثقبة بعد مَا قدم قوده وقود أَخِيه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 146 عجلَان فَخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر فِي إِمَارَة مَكَّة بمفرده وأنعم عَلَيْهِ الْأَمِير طاز بقرض ألف دِينَار وأقرضه الْأَمِير شيخو عشرَة آلَاف دِرْهَم. واقترض ثقبة من التُّجَّار مَالا كثيرا وَاشْترى الْخَلِيل وَالسِّلَاح والمماليك واستخدم عدَّة مماليك. وَفِيه رسم بسفر الحسام لاجين العلائي مَمْلُوك آقبغا الجاشنكير وأستادار العلائي صُحْبَة ثقبة ليقلده بِمَكَّة. وَفِيه رسم بِإِبْطَال رمى والبرسيم وَالشعِير على أهل النواحي وَنقش المرسوم على رخامة بِجَانِب بَاب الْقلَّة وَكتب بذلك إِلَى الْوُلَاة. وَفِيه خلع على ابْن الأطرش وأعيد إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة وَنظر المارستان عوضا عَن الضياء بعناية جمَاعَة من الْأُمَرَاء بِهِ لِكَثْرَة مهاداته لَهُم. وَفِيه قدم الْخَبَر بِخُرُوج عِيسَى بن حسن الهجان عَن الطَّاعَة وَامْتنع بجماعته فِي الْوَادي. وَفِي شَوَّال: قدم كتاب الْأَمِير أرغون الكاملي نَائِب الشَّام بالحط على قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ وَأَنه حكم بِنَزْع وقف من أَصْحَابه وَأَعَادَهُ ملكا وَطلب الْأَمِير أرغون الكاملي أَن يعْقد لذَلِك مجْلِس فِيهِ قُضَاة مصر وعلماؤها بَين يَدي السُّلْطَان. وَكَانَ من خبر ذَلِك أَن أرغون لما ولى نِيَابَة الشَّام خرج عَلَاء الدّين الْفَرْع إِلَى لِقَائِه قريب حلب وأغراه بالسبكي وقدح فِيهِ وفى وَلَده بقوادح حَتَّى غير خاطره. فَلَمَّا لقِيه السُّبْكِيّ لم يجد مِنْهُ إقبالا وَبَقِي على ذَلِك إِلَى أَن وقف جمَاعَة بدار الْعدْل يَشكونَ من السُّبْكِيّ أَن لَهُم وَقفا من عهد أجدادهم وأقطع للأجناد ثمَّ استرجعوه مِنْهُم وَثَبت وَقفه على قَاضِي الْقُضَاة الْمَالِكِي بِدِمَشْق فانتزعه السُّبْكِيّ مِنْهُم وَسلمهُ لمن كَانَ قَدِيما فِي يَده بالملكية وسألوا عقد مجْلِس. فَلَمَّا اجْتمع الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء لذَلِك قَامَ الْفَرْع وَجَمَاعَة فِي العصبية على السُّبْكِيّ وشنعوا عَلَيْهِ. فَأجَاب السُّبْكِيّ بِأَنَّهُ ثَبت عندى أَن يكون فِي يَد مَالِكه وَقد حكم بذلك. وهأنا وَمن يُنَازعنِي فِيمَا حكمت فَلم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 147 ينازعه أحد. فَطلب الْأَمِير أرغون الكاملي قُضَاة الْقُضَاة فَحَضَرُوا إِلَّا عز الدّين بن جمَاعَة فَإِنَّهُ تعذر حُضُوره. وَقُرِئَ عَلَيْهِم كتاب النَّائِب بِحَضْرَة الشَّيْخ بهاء الدّين أَحْمد إِبْنِ السُّبْكِيّ فأظهر كتاب أَبِيه بِصُورَة الْوَاقِعَة وهى أَن أجداد الشكاة ادعوا الوقفية فِي ضَيْعَة كَذَا فوقفها أَبْنَاءَهُم من بعدهمْ ثمَّ أقطعت بعد وفاتهم لجَماعَة من الْجند فَادّعى الشَّيْخ تَقِيّ الدّين البوسي لما قدم من بعلبك أَنَّهَا ملكه وَبِيَدِهِ وَأَنه ابتاعها من أَهلهَا قبل وفاتهم وَأثبت كتاب مشتراه وتسلمها وَأَن الشِّرَاء كَانَ سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَبَقِي إِلَى سنة أَربع وَتِسْعين. فأظهر قوم كتاب وَقفهَا وأثبتوه وتسلموها فَسُمي البوسي فِي سنة أَربع وسبعمائه واستعاد الضَّيْعَة مِنْهُم بعد منازعا عقد فِيهَا عدَّة مجَالِس. فَأَخذهَا تنكز مِنْهُم ثمَّ استردها البوسى فَلم يزل إِلَى هَذَا الْوَقْت وقف أهل الْوَقْف وأثبتوه على قَاضِي الْمَالِكِيَّة جمال الدّين المسلاتى. فَأثْبت الْآخرُونَ أَن المسلاتي كَانَت بَينه وَبَين البوسي عَدَاوَة لَا يجوز مَعهَا أَن يحكم كل وَأخذُوا الضَّيْعَة. فتحاكم الْفَرِيقَانِ إِلَى السُّبْكِيّ فَحكم باستقرار يَد الْملاك وَأبقى كل ذِي حجَّة على حجَّته. فَتَنَازَعَ ابْن السُّبْكِيّ والتاج الْمَنَاوِيّ طَويلا وانقضوا وَأخذ السُّبْكِيّ خطوط جمَاعَة من الْمُفْتِينَ بِصِحَّة حكم أَبِيه. ثمَّ اجْتَمعُوا ثَانِيًا وَحضر قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين بن جمَاعَة وانتدب للنَّظَر فِي ذَلِك. بمفرده. فَادّعى قوام الدّين أَمِير كَاتب الْحَنَفِيّ فَسَاد حكم السُّبْكِيّ وتعصب عَلَيْهِ تعصبا زَائِدا. وَذَلِكَ أَنه لما قدم قوام الدّين دمشق وَبهَا يلبغا اليحياوي نَائِبا اخْتصَّ بِهِ وَأخذ ينهاه عَن رفع يَدَيْهِ فِي الرُّكُوع وَأَن هَذَا لَا يجوز وَصلَاته الَّتِي صلاهَا كَذَلِك بَاطِلَة يجب عَلَيْهِ إِعَادَتهَا فَسَأَلَ يلبغا ابْن السُّبْكِيّ عَن ذَلِك فَأنْكر مقَالَة القوام. واشتهر بَين الْأُمَرَاء والأجناد مقَالَة القوام وَكَثُرت القالة فِيهَا. فَطلب السُّبْكِيّ القوام وَمنعه من الْإِفْتَاء وَاقْتضى رَأْي ابْن جمَاعَة النّظر فِي من شهد بالعداوة وفيمن شهد بالوقفية فَكتب بذلك لنائب الشَّام. وَفِيه ارْتَفع سعر اللَّحْم ووقف حَال المعاملين بِحَيْثُ أخذُوا الأغنام من أَرْبَابهَا بِغَيْر ثمن. فَأبْطل الْوَزير المعاملين وَاشْترى الأغنام بِالثّمن الناض وَكَانَت عَادَة اللَّحْم من أَرْبَعِينَ درهما إِلَى خمسين درهما القنطار وَأكْثر مَا عهد بستين درهما القنطار. فَبلغ فِي هَذِه الْأَيَّام بتعريف الْحِسْبَة إِلَى مائَة وَأَرْبَعين وَمِائَة وَخمسين درهما وأبيع فِي الحوانيت كل رَطْل بِخَمْسَة دَرَاهِم سَوْدَاء عَنْهَا دِرْهَم وَثلث دِرْهَم كاملية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 148 وَتعذر وجود الْغنم فَكتب فِي الْبِلَاد الشامية بتجهيز التركمان بالأغنام وَحمل نَحْو الْخَمْسمِائَةِ ألف دِرْهَم لشراء الأغنام. وَكتب إِلَى وُلَاة الْوَجْه القبلي وَالْوَجْه البحري بِحمْل الأغنام فَحملت أَغْنَام كَثِيرَة من أَعمال مصر. وَقدم من الشَّام نَحْو الْعشْرين ألف رَأس فَانْحَطَّ سعر اللَّحْم. وَفِي خَامِس عشره: سَار محمل الْحَاج صُحْبَة الْأَمِير طيبغا المجدي. وَقدم الْحَج عَالم كثير من أهل الصَّعِيد والفيوم وَالْوَجْه البحري وَقدم من أهل الْمغرب جمَاعَة كَثِيرَة وَقدم التكرور وَمَعَهُمْ رَقِيق كثير وَفِيهِمْ ملكهم. فَسَأَلَ ملكهم الإعفاء من الدُّخُول على السُّلْطَان فأعفي وَسَار بقَوْمه وَفِيه قدم الْبَرِيد بقتل نجمة الْكرْدِي بحيلة عَملهَا عَلَيْهِ صَاحب ماردين حَتَّى قدم عَلَيْهِ فَتَلقاهُ وأكرمه ثمَّ قبض عَلَيْهِ وَضرب عُنُقه بِيَدِهِ وَقتل من مَعَه. وَفِيه قدم الْخَبَر بَان الْأَمِير أزدمر الْأَعْمَى الكاشف رتب من مَعَه من الْأُمَرَاء فِي عدَّة مَوَاضِع وَركب وَمَعَهُ الْأَمِير آينبك لَيْلًا وَصَاح العربان من عَرك صباحاً وَقتل مِنْهُم جمَاعَة وَامْتنع باقيهم بِالْجَبَلِ. فَعَاد الْأَمِير أزدمر وَطلب بني هِلَال أَعدَاء عَرك فَأَتَاهُ مِنْهُم وَمن غَيرهم خلق كثير. وَكتب الْأَمِير أزدمر لأَوْلَاد الْكَنْز. بمسك الطرقات على عَرك وَركب وَمَعَهُ الْأَمِير فَارس الدّين والأمراء وأسندمر المتوفي الإطفيحية إِلَى الْجَبَل وَقد لقِيه الأحدب فِي حشد كَبِير فَلم بثبت الأحدب وَانْهَزَمَ من رمي النشاب وَترك أثقاله وحريمه. ونادى الْأَمِير أزدمر. يَا بنى هِلَال دونكم أعداءكم فمالوا عَلَيْهِم يقتلُون وينهبون الواشي والغلال والدقيق والقرب والروايا وسلبوا الْحَرِيم حَتَّى امْتَلَأت أَيدي بني هِلَال وأيدي الأجناد والغلمان من النهب. وَكتب بذلك إِلَى السُّلْطَان وَأَن الْبِلَاد قد خضرت أراضيها وأطاع عربانها العصاة وتوطن أَهلهَا. فسر السُّلْطَان والأمراء بذلك وَحمل إِلَى كل من الكاشف والأمراء خلعة. وَفِيه ألزمت سِتّ حدق أَلا تَجْتَمِع بِأحد فَإِنَّهَا كَانَت من جملَة أنصار النَّاصِر حسن. وَفِيه ضيق على النَّاصِر حسن وسدت عَنهُ أَمَاكِن كَثِيرَة كَانَ ينظر مِنْهَا وَيحدث من يُرِيد وَفِيه توجه السُّلْطَان والأمراء إِلَى السرحة قَرِيبا من الأهرام. وَفِي أول ذِي الْحجَّة قدم عِيسَى بن حسن الهجان طَائِعا بِأَمَان فَخلع عَلَيْهِ. وَفِيه ارْتَفع سعر الْقَمْح من عشْرين إِلَى سَبْعَة وَثَلَاثِينَ درهما الأردب وانحط سعر اللَّحْم فأبيع بدرهم الرطل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 149 وَفِيه قدم كتاب الْأَمِير أرغون الكاملي نَائِب الشَّام يطْلب الإعفاء من النِّيَابَة. وَفِي هَذِه السّنة: اسْتَقر فِي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بحلب زين الدّين عمر بن سعيد بن يحيى التلمساني عوضا عَن الشهَاب أَحْمد بن ياسين الريَاحي. وَاسْتقر فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بهَا جمال الدّين إِبْرَاهِيم بن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْكَمَال عمر بن الْعِزّ عبد الْعَزِيز بن العديم بعد وَفَاة أَبِيه. وَاسْتقر فِي كِتَابَة السِّرّ بحلب جمال الدّين إِبْرَاهِيم بن الشهَاب مَحْمُود عوضا عَن الشريف شهَاب الدّين بن قَاضِي الْعَسْكَر وَقدم الشريف إِلَى الْقَاهِرَة. وَمَات فِيهَا من الْأَعْيَان قطب الدّين أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن مكرم كَاتب الْإِنْشَاء فِي أَوَاخِر شعْبَان عَن اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ سنة وَأشهر وَكَانَ كثير الْعِبَادَة. وَتُوفِّي الشريف أدّى صَاحب الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة فِي السحن. وَتُوفِّي قاضى الْحَنَفِيَّة بحلب نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن أبي الْحسن ابْن أَحْمد بن هبة الله بن مُحَمَّد بن هبة الله بن أَحْمد بن يحيى بن أَبى جَرَادَة الْمَعْرُوف بِابْن العديم عَن ثَلَاث وَسِتِّينَ سنة مِنْهَا فِي قَضَاء حماة عشر سِنِين وَفِي قَضَاء حلب اثْنَتَانِ وَثَلَاثُونَ سنة. وَتُوفِّي تَاج مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن يُوسُف بن حَامِد المراكشي الْفَقِيه الشَّافِعِي بِدِمَشْق فِي يَوْم الْأَحَد ثَالِث عشرى جُمَادَى الْآخِرَة عَن اثْنَتَيْنِ وَخمسين سنة نَشأ بِالْقَاهِرَةِ واستوطن بِدِمَشْق. وَمَات الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْأَمِير بيبرس الأحمدي أحد الطبلخاناه وَهُوَ مُجَرّد بالصعيد. فَحمل مَيتا إِلَى الْقَاهِرَة وَقدم فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشري رَمَضَان. وَمَات عَلَاء الدّين على بن مُحَمَّد بن مقَاتل الْحَرَّانِي نَاظر الشَّام فِي عَاشر رَمَضَان بالقدس. وَتُوفِّي شمس الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد خَالِد بن مُحَمَّد بن نصر الْمَعْرُوف بِابْن القيسراني موقع الدست وَصَاحب الْمدرسَة بسويقة الصاحب من الْقَاهِرَة وَبهَا قَبره. وَمَات الشَّيْخ. ابْن بدلك فِي يَوْم الْأَحَد سَابِع عشرى شَوَّال. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 150 وَمَات تَاج الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن الكويك فِي دَاره لَيْلَة السبت سادس عشرى ذِي الْحجَّة ذبحه الحرامية. وَمَات ملك الْمغرب أَبُو الْحسن عَليّ بن أبي سعيد عُثْمَان بن يَعْقُوب بن عبد الْحق ابْن محيو بن أبي بكر بن حمامة فِي ثَالِث عشري ربيع الآخر. وَقَامَ بعده ابْنه أَبُو عنان فَارس وَكَانَت مدَّته احدى وَعشْرين سنة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 151 فارغة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 152 (سنة ثَلَاث وَخمسين وَسَبْعمائة) فِي أول الْمحرم: قدم مبشرو الْحَاج وأخبروا أَن الشريف ثقبة لما نزل بطن مر وتدم إِلَى مَكَّة متسفر الْحَاج حسام الدّين لاجين وَعرف الشريف عجلَان بانفراد أَخِيه ثقبة بالإمرة امْتنع الشريف عجلَان من تَسْلِيمه مَكَّة. وَعَاد حسام الدّين إِلَى ثقبة فأقاما حَتَّى قدم الْحَاج صُحْبَة الْأَمِير طيبغا المجدى. فَتَلقاهُ ثقبة وَطلب مِنْهُ أَن يحارب مَعَه عجلَان فَلم يُوَافقهُ على محاربته فأسمعه مَا لَا يَلِيق وهدده أَنه لَا يُمكن الْحَاج من دُخُول مَكَّة. وَقَامَ ثقبة عَنهُ وَقد اشْتَدَّ غَضَبه وألبس من مَعَه من العربان وَغَيرهم السِّلَاح. فَاجْتمع أَمِير الركب وقاضي الْقُضَاة عز الدّين بن جمَاعَة - وَكَانَ قد توجه صُحْبَة الركب لِلْحَجِّ - واتفقا على إرْسَال الحسام إِلَى عجلَان وَمَعَهُ ابْن جمَاعَة. فجرت لَهُم مَعَه منازعات آخرهَا أَن تكون الإمرة شركَة بَينه وَبَين أَخِيه ثقبة. وعادا إِلَى بطن مر وقررا ذَلِك مَعَ ثقبة حَتَّى رَضِي وَسَارُوا جَمِيعًا إِلَى مَكَّة. فَتَلقاهُمْ عجلَان على الْعَادة وأنصف ثقبة وأنعم عَلَيْهِ بسبعين ألف دِرْهَم. وَكَانَت الوقفة بِعَرَفَة يَوْم الْجُمُعَة وجاور قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين بن جمَاعَة. وَلَقي الْحَاج من عبيد مَكَّة شرا كثيرا. وَفِيه قدم الْخَبَر أَن الْمُجَاهِد قدم إِلَى تعز فِي ثامن عشري ذِي الْحجَّة الْمَاضِيَة وَاسْتولى على ملكه. وَكَانَت أمه قد ضبطت الْبِلَاد فِي غيبته وأنفقت عِنْد قدومها مائَة ألف دِينَار للشريف الزيدي صَاحب صنعاء وَلأَهل الْجبَال ولأكابر المملكة حَتَّى أَقَامَت ابْن الْمُجَاهِد واسْمه الصَّالح. ثمَّ قبضت عَلَيْهِ وساست الْأُمُور ووفت مَا اقترضه الْمُجَاهِد من التُّجَّار. بِمصْر. وَفِيه قدم الْأَمِير أزدمر الْأَعْمَى الكاشف والأمراء من بِلَاد الصَّعِيد فَركب الأحدب وكبس نَاحيَة طما على بني هِلَال وَقتل مِنْهُم جمَاعَة وَنهب مَا وجد. فَتوجه إِلَيْهِم الْأَمِير بلبان السناني الأستادار. بمضافيه والأمير قمارى الْحَمَوِيّ الحاحب وعدة من أَوْلَاد الْأُمَرَاء فِي مستهل صفر ليقيموا حَتَّى يتم قبض الْمغل. وَفِيه اسْتَقر ابْن عقيل فِي ولَايَة البهنسي وَاسْتقر بيبغا الشمسي فِي ولَايَة إطفيح. وكانتا مَعَ أسندمر مَمْلُوك أزدمر الْأَعْمَى الكاشف فَعَادَت العربان بعد عزل أسندمر إِلَى مَا كَانَت عَلَيْهِ من الْفساد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 153 وَفِي يَوْم الْخَمِيس حادي عشر ربيع الأول: قدم الْأَمِير أيتمش الناصري من سجن الْإسْكَنْدَريَّة وَخرج من الْقَاهِرَة فِي يَوْم السبت ثَالِث عشرَة إِلَى صفد بطلانا. وَفِي حادي عشريه: نفي الْأَمِير قردم أَمِير آخور إِلَى صفد ثمَّ أنعم عَلَيْهِ بإقطاع يلك الحسني الأرغوني الْحَاجِب وَأَن يحضر يلك إِلَى مصر فَلَمَّا حضر يلك هَذَا - وَيعرف بيلك الشّحْنَة - أنعم عَلَيْهِ بإقطاع قردم. وَفِيه اسْتَقر يلك الحسني الأرغوني الحاحب أَمِير آخور عوضا عَن قردم على إقطاعه وَهُوَ حاحب. وَفِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشريه: أخرج الْأَمِير ألطنبغا العلائي شاد الشرابخاناه إِلَى حلب. وَفِي هَذَا الشَّهْر: شرع الْأَمِير طاز فِي عمَارَة قصر وإسطبل تجاه حمام الفارقاني بجوار الْمدرسَة البندقدارية وَأدْخل فِيهِ عدَّة أَمْلَاك. وَتَوَلَّى عِمَارَته الْأَمِير منجك وَحمل إِلَيْهَا الْأُمَرَاء وَغَيرهم من الرخام وآلات الْعِمَارَة شَيْئا كثيرا. وَفِيه ابْتَدَأَ الْأَمِير صرغتمش عمَارَة إصطبل الْأَمِير بدرجك بجوار بِئْر الوطاويط قَرِيبا من الْجَامِع الطولوني وَأدْخل فِيهِ عدَّة دور وَحمل إِلَيْهِ النَّاس مَا يحْتَاج اليه من الرخام وَغَيره. وَفِيه عوفي الْأَمِير قبلاي النَّائِب وَركب الموكب. وَكَانَ مُنْذُ اسْتَقر فِي النِّيَابَة مَرِيضا بوجع المفاصل لم يركب فرسا وَإِنَّمَا يجلس فِي شباك النِّيَابَة للْحكم بَين النَّاس. ومشت فِي ولَايَته المقايضات والنزولات عَن الإقطاعات فَزَاد فَسَاد الأجناد بِكَثْرَة دُخُول أَرْبَاب الصَّنَائِع فيهم. وفحش ذَلِك حَتَّى نزل مقدمو الْحلقَة عَن التقدمة وَقَامَ جمَاعَة نَحْو الثلاثمائة رجل عرفُوا بالمهيسين على الإقطاعات وصاروا يطوفون على الأجناد ويبذلون لَهُم الرغبات فِي النُّزُول عَن إقطاعاتهم. وَفِيه خلع على الْأَمِير صرغتمش وَاسْتقر رَأس نوبَة كَبِير فِي رُتْبَة الْأَمِير شيخو بِاخْتِيَارِهِ. وَجعل إِلَيْهِ التَّصَرُّف فِي أُمُور الدولة كلهَا من الْولَايَة والعزل وَالْحكم مَا عدا مَال الْخَاص فَإِن الْأَمِير شيخو متحدث فِيهِ وَمَا عدا أُمُور الوزارة. فقصده النَّاس وَكَثُرت مهابته وعارض الْأُمَرَاء فِي جَمِيع أفعالهم. وَأَرَادَ صرغتمش أَلا يعْمل شَيْء إِلَّا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 154 من بَابه وبإشارته فان تحدث غَيره فِي عزل أَو ولَايَة غضب وأبطل مَا تحدث فِيهِ وأخرق بِصَاحِبِهِ. وَفِيه اجْتمع الْأُمَرَاء على استبداد السُّلْطَان بِالتَّصَرُّفِ وَأَن يكون مَا يرسم بِهِ على لِسَان الْأَمِير صرغتمش رَأس نوبَة. وَفِيه قدم الْخَبَر من مَكَّة بِأَن الأسعار بهَا غلت حَتَّى بلغ الأردب الْقَمْح ثَلَاثمِائَة دِرْهَم وَالشعِير مِائَتي دِرْهَم والراوية المَاء بأَرْبعَة دَرَاهِم مسعودية فأغاثهم الله تَعَالَى فِي أول يَوْم من الْمحرم. بمطر اسْتمرّ ثَلَاثَة أَيَّام فانحل السّعر وأبيع الأردب الْقَمْح بِمِائَة وَخمسين درهما والراوية المَاء بِنصْف وَربع مسعودي لجَرَيَان مَاء عين جوبان. وَفِيه قدم الْخَبَر بِنفَاق عرب الصَّعِيد ونهبهم سقط ميدان وَقتل أَهلهَا وَنهب بِلَاد سودى بن مَانع وَأَن أهل منفلوط رجموا الْوَالِي. فألزم الْأَمِير أزدمر الْأَعْمَى الكاشف بِالْخرُوجِ إِلَيْهِم وأنعم عَلَيْهِ بِأَلف أردب شعير وَأَرْبَعين ألف دِرْهَم قبضهَا وسافر. وَفِيه قدم الْخَبَر أَن طَائِفَة الزيلع كَانَت عَادَتهم حمل قطيعة فِي كل سنة إِلَى ملك الْحَبَشَة من تقادم السنين. فَقَامَ فِيهَا عبد صَالح ومنعهم من الْحمل وشنع عَلَيْهِم إعطاءهم الْجِزْيَة وهم مُسلمُونَ لنصراني ورد رَسُول ملك الْحَبَشَة. فشق ذَلِك على ملك الْحَبَشَة وَخرج بعساكره ليقْتل الزيلع عَن آخِرهم. فَلَمَّا صَار على يَوْم مِنْهُم قَامَ العَبْد الصَّالح تِلْكَ اللَّيْلَة يسْأَل الله تَعَالَى كِفَايَة أَمر الحبشي فَاسْتَجَاب دعاءه. وعندما ركب ملك الْحَبَشَة بكرَة النَّهَار أظلم الجو - حَتَّى كَاد الرجل لَا يرى صَاحبه - مِقْدَار سَاعَة ثمَّ انقشع الظلام وأمطرت السَّمَاء عَلَيْهِم مَاء متغير اللَّوْن بحمرة وأعقبه رمل أَحْمَر امْتَلَأت مِنْهُ أَعينهم ووجوههم وَنزل من بعده حيات كَبِيرَة جدا فقتلت مِنْهُم عَالما كثيرا. فَعَاد بَقِيَّتهمْ من حَيْثُ أَتَوا وَهلك فِي عودهم معظمهم دوابهم وَكثير مِنْهُم. وَفِيه تزايد تسلط الْأَمِير صرغتمش رَأس نوبَة وَكثر ترفعه. فتنكر لَهُ الْأُمَرَاء وَكَثُرت الأراجيف بِوُقُوع الْفِتْنَة بَينهم وإعادة النَّاصِر حسن ومسك شيخو وطاز وَانْفَرَدَ صرغتمش بِالْكَلِمَةِ فقلق طاز - وَكَانَ حاد الْخلق - وهم بالركوب فَمَنعه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 155 شيخو فاحترز طاز وشيخو. وَأخذ صرغتمش فِي التبرئ مِمَّا رمى بِهِ وَحلف للأمير شيخو والأمير طاز فَلم يصدقهُ طاز وهم بِهِ. فَقَامَ شيخو قيَاما كَبِيرا حَتَّى أصلح بَينهمَا وَأَشَارَ على طاز بالركوب إِلَى عمَارَة صرغتمش فَركب إِلَيْهِ وتصافيا. وَفِيه خلع على جرجى الدوادار وَاسْتقر حاجبا عوضا عَن طشتمر القاسمي باستعفائه. وَفِيه ركب الْأَمِير ضروط الْبَرِيد لطلب جمال وهجن للسُّلْطَان من الْأَمِير فياض بن مهنا فَإِن جمال السُّلْطَان قلت بِحَيْثُ أَنه لما خرج إِلَى السرحة اكترى لَهُ جمالا كَثِيرَة لحمل ثقله وَمنع أَمِير آخور الْكتاب والموقعين وَغَيرهم مِمَّا جرت بِهِ عَادَتهم من حمل أثقالهم على جمال السُّلْطَان. وَفِيه قدم الْخَبَر بفتنة الفرنج الجنوية والبنادقة وَكَثْرَة الحروب بَينهم من أول الْمحرم إِلَى آخر ربيع الآخر. فَقل الْوَاصِل من بِلَاد الفرنج إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَعز وجود الْخشب وغلا وَتعذر وجود الرصاص والقصدير والزعفران. وَبلغ الْمَنّ بعد مِائَتي دِرْهَم إِلَى خَمْسمِائَة وَلم يعْهَد مثل ذَلِك فِيمَا سلف. ثمَّ قدم الْخَبَر بِأَن البنادقة انتصرت على الجنوية وَأخذت لَهُم وَاحِدًا وَثَلَاثِينَ غراباً بعد قتل من بهَا. وَفِيه قدم الشَّيْخ أَحْمد الزرعي من الشَّام فَبَالغ الْأَمِير شيخو والأمير طاز فِي إكرامه. وَفِيه قدمت رسل الْأَشْرَف دمرداش بن جوبان صَاحب توريز بكتابه يخبر أَنه قد حسن إِسْلَامه هُوَ وأخوته وأقاربه وَالْتزم سيرة الْعدْل فِي رَعيته وَترك ظلمهم. وشكا الْأَشْرَف دمرداش من كَثْرَة الِاخْتِلَاف بَينهم حَتَّى هلك رَعيته وَطلب أَن يبْعَث إِلَيْهِ. مِمَّن نزح عَن بِلَاده من التُّجَّار وَكتب إِلَيْهِم أَمَانًا وَأَن أرتنا نَائِب الرّوم قد أفسد بِلَاده وَمنع التُّجَّار أَن تسير إِلَيْهِم وَطلب أَلا يدْخل السُّلْطَان بَينهمَا. وَكَانَ قد قدم إِلَى مصر وَالشَّام فِي هَذِه السّنة وَمَا قبلهَا كثير من تجار الْعَجم لسوء سيرة الْوُلَاة فيهم فَعرض عَلَيْهِم أَمَان الْأَشْرَف دمرداش فَلم يوافقوا على الْعود إِلَى بِلَاده. وَفِيه رسم للأمير جرجي الْحَاجِب أَن يتحدث فِي أَمر أَرْبَاب الدِّيوَان ويفصلهم من غرمائهم بِأَحْكَام السياسة وَلم يكن عَادَة الْحجاب فِيمَا تقدم أَن يحكموا فِي الْأُمُور الشَّرْعِيَّة فاستمر ذَلِك فِيمَا بعد. وَكَانَ سَبَب ذَلِك وقُوف تجار الْعَجم بدار الْعدْل وَذكروا أَنهم لم يخرجُوا من بِلَادهمْ إِلَّا لما نزل بهم من جور التتار وَأَنَّهُمْ باعوا بضائعهم لعدة من تجار الْقَاهِرَة فأكلوها عَلَيْهِم وَأَرَادُوا إِثْبَات إعسارهم على القَاضِي الْحَنَفِيّ وَهُوَ فِي سجنه وَقد فلس بَعضهم. فرسم لجرجي بِإِخْرَاج غُرَمَاء التُّجَّار من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 156 السجْن وخلاصهم مِمَّا فِي قبلهم وَأنكر على القَاضِي الْحَنَفِيّ مَا عمله وَمنع من التحدث فِي أَمر التُّجَّار والمديونين. فَأخْرج جرجي التُّجَّار من السجْن وأحضر لَهُم أعوان الْوَالِي وضربهم وخلص مِنْهُم المَال شَيْئا بعد شَيْء وَمن حِينَئِذٍ صَارَت الْحجاب بِالْقَاهِرَةِ وبلاد الشَّام تتصدى للْحكم بَين النَّاس فِيمَا كَانَ من شَأْن الْقُضَاة الحكم فِيهِ. وَفِيه ركب عرب إطفيح على بيبغا الشمسي ونهبوا مَا مَعَه وهزموه وَخَرجُوا عَن الطَّاعَة فَجرد إِلَيْهِم طَائِفَة من الْأُمَرَاء. وَفِي هَذِه السّنة: رتب الْأَمِير شيخو فِي كل لَيْلَة جُمُعَة وقتا يجْتَمع عِنْده فِيهِ الْفُقَهَاء للمذاكرة وَيقوم الشَّيْخ عَليّ بن الركبدار المادح فينشد من مدائح الصرصري وَنَحْوه مَا يطربهم وينصرفون بعد أكلهم. وَفِيه كثرت الإشاعة بِمَدِينَة حلب أَن الْأَمِير بيبغا روس نائبها يُرِيد الْفِرَار مِنْهَا إِلَى بِلَاد الْعَدو حَتَّى سَاءَهُ ذك وَقبض على عدَّة من الْعَامَّة سمرهم وشهرهم ثمَّ أفرج عَنْهُم. وفيهَا رتب الْأَمِير شيخو فِي الْجَامِع الَّذِي أنشأه للشَّيْخ أكمل الدّين مُحَمَّد الرُّومِي الْحَنَفِيّ مدرساً وَشَيخ صوفية وَقرر لَهُ فِي كل شهر أَرْبَعمِائَة دِرْهَم وَجعل عِنْده عشْرين فَقِيها. وَجعل خَطِيبه جمال الدّين خَلِيل بن عُثْمَان الزولي وَنَقله من مَذْهَب الشَّافِعِي إِلَى مَذْهَب الْحَنَفِيّ. وَجعل بِهِ درساً للمالكية أَيْضا وَولي تدريبه نور الدّين السخاوي وَقرر لَهُ ثَلَاثمِائَة دِرْهَم فِي كل شهر. ورتب بِهِ قراء ومؤذنين وَغير ذَلِك من أَرْبَاب الْوَظَائِف وَقرر لَهُم معاليم بلغت جُمْلَتهَا فِي الشَّهْر وَفِيه قدم الشريف طفيل بن أدّى من الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة يطْلب تَرِكَة سعد فِي الْإِمَارَة. وَفِيه قدم صدر الدّين سُلَيْمَان بن مُحَمَّد بن قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين سُلَيْمَان بن عبد الْحق فَخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر فِي توقيع الدست. وَفِي عَاشر جُمَادَى الْآخِرَة: خلع على الْأَمِير شيخو وأعيد رَأس نوبَة عوضا عَن صرغتمش. فَعِنْدَ لبسه التشريف قدم البشير بِوِلَادَة بعض سراريه ولدا ذكرا فسر بِهِ سُرُورًا زَائِدا لِأَنَّهُ لم يكن لَهُ ذكر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 157 وهنأه الأدباء بعدة قصائد مِنْهَا أَبْيَات فَخر الدّين عبد الْوَهَّاب كَاتب الدرج قَالَ: بأيمن سَاعَة قدم الْوَلِيد تحف بِهِ النجابة والسعود مبارك غرَّة مَيْمُون وَجه فَيوم وُرُوده بشرى وَعِيد لقد كَادَت سروج الْخَيل تأتى إِلَيْهِ قبل أَن تأتى المهود هِلَال سَوف تستجليه بَدْرًا تَمامًا يَسْتَنِير بِهِ الْوُجُود وشبل سَوف يَبْدُو وَهُوَ لَيْث تروع من بسالته الْأسود وزهرعن قريب مِنْهُ تجنى ثمار كلهَا كرم وجود وفجر سَوف يظْهر مِنْهُ صبح وجوهرة تزان بهَا الْعُقُود أيا من نَفعه عَم البرايا وَيَا من سَعْيه سعي حميد وَمن للْملك مِنْهُ أجل ذخر إِلَى أبوابه يأوى الطريد وَمن لولاه لم تسكن خطوب وَلم تكْتم مواضيها الغمود وَمن قد شدّ لِلْإِسْلَامِ أزرا وأيده وَإِن رغم الحسود لقد وافاك مَوْلُود كريم يَسُرك فِيهِ ذُو الْعَرْش الْمجِيد وَفِي هَذَا الْيَوْم: قدم الْبَرِيد من صفد بِأَن فِي يَوْم الْجُمُعَة سلخ جُمَادَى الأولى ظهر بقرية حطين من عمل صفد شخص ادّعى أَنه السُّلْطَان أَبُو بكر الْمَنْصُور ابْن السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون وَمَعَهُ جمَاعَة تَقْدِير عشرَة أَنْفَار فلاحين فَبلغ ذَلِك الْأَمِير عَلَاء الدّين ألطنبغا برناق نَائِب صفد فَجهز إِلَيْهِ دواداره شهَاب الدّين أَحْمد وناصر الدّين مُحَمَّد بن البتخاصي الْحَاجِب فَأحْضرهُ. فَجمع لَهُ النَّائِب النَّاس والحكام فَادّعى أَنه كَانَ فِي قوص وَأَن واليها عبد الْمُؤمن لم يقْتله وَأَنه أطلقهُ وَركب فِي الْبَحْر وَوصل إِلَى قطيا وَبَقِي مخفياً فِي بِلَاد غَزَّة إِلَى الْآن وَأَن لَهُ دادة مُقِيمَة فِي غَزَّة عِنْدهَا النمجاة والقبة وَالطير فَقَالَ النَّائِب: إِذا كنت فِي تِلْكَ الْأَيَّام جاشنكيراً وَكنت أمد السماط بكرَة وعشياً وَمَا أعرفك. فَأَقَامَ مصرا على حَاله وانفسدت لَهُ عقول جمَاعَة وَمَا شكوا فِي ذَلِك. فكشف أمره من غَزَّة فَوجدت الْمَرْأَة الَّتِي ذكر أَنَّهَا دادته وَاعْتَرَفت أَنَّهَا أمه وَأَنه يَعْتَرِيه جُنُون مُنْذُ سنَن فِي كل سنة مرَّتَيْنِ وَثَلَاثًا. وَذكر أهل غَزَّة أَنه يعرف بِأبي بكر بن الرماح وَله سيرة قبيحة وَأَنه ضرب غير مرّة بالمقارع. فَكتب بِحمْلِهِ فخشبه نَائِب صفد فِي يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ وَجعل الْحَدِيد فِي عُنُقه وَحمله إِلَى السُّلْطَان. فَقدم قلعة الْجَبَل فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشره فَسئلَ بِحَضْرَة الْأُمَرَاء فخلط فِي كَلَامه وهذي هذياناً كثيرا. ثمَّ قدم بَين يَدي السُّلْطَان فَتكلم. مِمَّا سَوَّلت لَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 158 نَفسه. فسمر فِي يَوْم الْخَمِيس عشريه تسمير سَلامَة وَشهر بِالْقَاهِرَةِ ومصر. فَكَانَ فِي تِلْكَ الْحَالة يتحدث أَنه كَانَ سُلْطَانا وَيَقُول: اشفقوا على سلطانكم فَعَن قَلِيل أَعُود إِلَيْكُم. فَاجْتمع حوله عَالم كثير وأتوه بِالشرابِ والحلوى وحادثوه. فَكَانَ إِذا أَتَى اليه أحد بِالْمَاءِ حَتَّى يشربه يَقُول لَهُ: اشرب ششني وَإِذا رأى أَمِيرا قَالَ: هَذَا مملوكي ومملوك أبي. وَيَقُول: لي أُسْوَة بأخي النَّاصِر أَحْمد وَأخي الْكَامِل شعْبَان وَأخي المظفر حاجي الْكل قتلوهم. وَأقَام على الْخشب يَوْمَيْنِ ثمَّ حبس فِي ثالثه فاستمر فِي الْحَبْس على حَاله فَقطع لِسَانه. وَفِيه ادّعى شخص بِالْقَاهِرَةِ النُّبُوَّة وَأَن معجزته أَن ينْكح امْرَأَة فتلد من وَقتهَا ولدا ذكرا يخبر بِصِحَّة نبوته. فَقيل لَهُ: إِنَّك لبئس النَّبِي. فَقَالَ: لكونكم لبئس الْأمة. فسجن وكشف عَن أَمر فَوجدَ لَهُ اثْنَا عشر يَوْمًا مُنْذُ خرج من عِنْد الممرورين بالمارستان وَأَنه أَخذ غير مرّة وَهُوَ وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ رَابِع عشريه: سمر ابْن مغنى وَمَعَهُ جمَاعَة قبض عَلَيْهِم الْأَمِير مجد الدّين بن مُوسَى الهذباني. الكاشف من معدية زفتية. وَفِي مستهل رَجَب: قدم الْأَمِير أزدمر الْأَعْمَى الكاشف وَقد كمل تحضير أَرَاضِي الْوَجْه القبلي وَاطْمَأَنَّ أَهله. وَطلب أزدمر الإعفاء من كشف الْوَجْه القبلي فَخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر فِي كشف الْوَجْه البحري عوضا عَن مجد الدّين بن مُوسَى الهذباني. وَفِيه قدم كتاب الْملك الْمُجَاهِد على من الْيمن بوصوله إِلَى بِلَاده وَأَنه جهز تقدمته وأوفي التُّجَّار أَمْوَالهم الَّتِي اقترضها وَأَنه أطلق مراكب التُّجَّار لتسير إِلَّا أَنه منعهَا أَن ترسى بجدة وتعبر إِلَى مَكَّة كَرَاهَة فِي أمرائها. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء عَاشر رَجَب: قدم كتاب الْأَمِير أرغون الكاملي نَائِب الشَّام يتَضَمَّن أَنه قبض على قَاصد الْأَمِير منجك الْوَزير بكتابه إِلَى أَخِيه الْأَمِير بيبغا روس نَائِب حلب يحسن لَهُ الْحَرَكَة. وَقد أرْسلهُ الْأَمِير أرغون الكاملي فَإِذا فِيهِ أَنه قد اتّفق مَعَ سَائِر الْأُمَرَاء على الْأَمر وَمَا بَقِي إِلَّا أَن تركب وتتحرك. فَاقْتضى الرأى التأني حَتَّى يحضر الْأُمَرَاء والنائب من الْغَد إِلَى الْخدمَة وَيقْرَأ الْكتاب عَلَيْهِم ليدبروا الْأَمر على مَا يَقع عَلَيْهِ الِاتِّفَاق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 159 فَلَمَّا طلع الْجَمَاعَة من الْغَد إِلَى الْخدمَة لم يحضر منجك فَطلب فَلم يُوجد وَذكر أَتْبَاعه أَنه من عشَاء الْآخِرَة لم يعرفوا خَبره. فَركب الْأَمِير صرغتمش فِي عدَّة من الْأُمَرَاء وكبس بيُوت جمَاعَة فَلم يُوقف لَهُ على خبر. وافتقدوا مماليكه ففقد مِنْهُم اثْنَان. فَنُوديَ عَلَيْهِ فِي الْقَاهِرَة وهدد من أخفاه. وَأخرج عِيسَى بن حسن الهجان فِي جماعته من عرب العايد على النجب لأخذ الطرقات عَلَيْهِ وَكتب إِلَى العربان ونواب الشَّام وولاة الْأَعْمَال على أَجْنِحَة الطُّيُور بتحصيله فَلم يقدر عَلَيْهِ فكبست بيُوت كَثِيرَة. وَكَانَ قد خرج فِي يَوْم الْخَمِيس حادي عشره الْأَمِير فَارس الدّين ألبكي بألفه والأمير طشتمر القاسمي بألفه إِلَى غَزَّة فَأخر أَمرهم وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشريه: قدم الْبَرِيد من دمشق بعصيان الْأَمِير بيبغا روس نَائِب حلب واتفاقه مَعَ الْأَمِير أَحْمد الساقى نَائِب حماة والأمير بكلمش نَائِب طرابلس فَجرد فِي يَوْم السبت سَابِع عشريه جمَاعَة من الْأُمَرَاء وأجناد الْحلقَة إِلَى الصَّعِيد مِنْهُم عمر شاه الْحَاجِب وقماري الْحَاجِب وَمُحَمّد بن بكتمر الْحَاجِب وَشَعْبَان قريب يلبغا. وَكتب لبيبغا روس نَائِب حلب بالحضور إِلَى مصر على يَد سنقر وطيدمر من مماليك الْحَاج أرقطاي وَكتب مَعَهُمَا ملطفات لأمراء حلب تَتَضَمَّن أَنه إِن امْتنع عَن الْحُضُور فَهُوَ مَعْزُول ورسم لَهما أَن يعلمَا بيبغا بذلك أَيْضا مشافهة بِحَضْرَة الْأُمَرَاء فَقدم الْبَرِيد من دمشق. بموافقة ابْن دلغادر لبيبغا روس وَأَنه تسلطن يحلب وتلقب بِالْملكِ الْعَادِل وَأظْهر أَنه يُرِيد مصر لأخذ غُرَمَائه وهم طاز وشيخو وصرغتمش وبزلار وأرغون الكاملي نَائِب الشَّام. فرسم للنائب بيبغا ططر حارس الطير بِعرْض مقدمي الْحلقَة وَتَعْيِين مضافيهم من عِبْرَة أَرْبَعمِائَة دِينَار الإقطاع فَمَا فَوْقهَا ليسافروا. فَقدم الْبَرِيد بِأَن قراجا بن دلغادر قدم حلب فِي جمع كَبِير من التركمان فَركب بيبغا روس وَقد وَاعد نَائِب حماة ونائب طرابلس على مسيرَة أول شعْبَان وَأَنَّهُمْ تلقوهُ بعساكرهم على الدستن. فَركب الْأَمِير أرقطاى الدوادار الْكَبِير الْبَرِيد. بملطفات لجَمِيع أُمَرَاء حلب وحماة ونائب طرابلس فَقدم دمشق وَبعث بالمطلفات لأصحابها فَوجدَ أَمر بيبغا روس قد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 160 قوي وَوَافَقَهُ النواب والعساكر وَابْن دلغادر تركمانه وكسابته وجبار بن مهنا بعربانه فَكتب الْأَمِير أرغون الكاملي نَائِب الشَّام بِأَن سفر السُّلْطَان لابد مِنْهُ وَإِلَّا خرح عَنْكُم جَمِيعه. فاتفق رَأْي الْأُمَرَاء على ذَلِك وَطلب الْوَزير علم الدّين عبد الله ابْن زنبور ورسم لَهُ بتهيئة بيُوت السُّلْطَان وتجهيزه الإقامات فِي الْمنَازل فَذكر أَنه مَا عِنْده مَال لذَلِك فرسم لَهُ بقرض مَا يحْتَاج اليه من التُّجَّار فَطلب الكارم وباعهم غلالا من الأهراء بالسعر الْحَاضِر وعدة أَصْنَاف أُخْرَى وَكتب إِلَى مغلطاي بالإسكندرية بقرض أَرْبَعمِائَة ألف دِرْهَم فَأجَاب إِلَيْهَا. وَأخذ من ابْن منكلى بغا سِتّمائَة ألف دِرْهَم وأنعم عَلَيْهِ بإمرة طبلخاناه. وَأخذ من الْأَمِير بيبغا ططر حارس الطير النَّائِب مائَة ألف دِرْهَم قرضا وَمن الْأَمِير بلبان السناني أستادار مائَة ألف دِرْهَم. فَلم يمْضِي أُسْبُوع حَتَّى جهز الْوَزير جَمِيع مَا يحْتَاج اليه وَحمل الشّعير إِلَى الْعَريش وَحمل فِي الخزانة أَرْبَعمِائَة تشريف مِنْهَا خَمْسُونَ أطلس بحوائص ذهب وَخرج الْأَمِير طاز فِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث شعْبَان وَمَعَهُ الْأَمِير بزلار والأمير كلتاي أَخُو طاز وَفَارِس الدّين ألبكي ثمَّ خرج الْأَمِير طيبغا المجدي وَابْن أرغون النَّائِب فِي يَوْم السبت خامسه وَخرج الْأَمِير شيخو فِي يَوْم الْأَحَد سادسه فِي تجمل عَظِيم فَبينا النَّاس فِي التَّفْرِيج على طلبه إِذْ قيل قبض على منجك. وَسبب ذَلِك أَن الْأَمِير طاز رَحل فِي يَوْم السبت فَلَمَّا وصل بلبيس قيل لَهُ إِن رجلا من بعض أَصْحَاب منجك صُحْبَة شاروشي مَمْلُوك قوصون فطلبهما طاز وفحص عَن أَمرهمَا فَرَأى بِهِ بعض شَيْء فَأمر بِالرجلِ ففتش فَإِذا مَعَه كتاب منجك لبيبغا روس تضمن أَنه قد فعل كل مَا يختاره وجهز أمره مَعَ الْأُمَرَاء كلهم وَأَنه أُخْفِي نَفسه وَأقَام عِنْد شاورشى أَيَّامًا ثمَّ خرج من عِنْده إِلَى بَيت الحسام الْقصرى أستاداره وَهُوَ مُقيم حَتَّى يكْشف خَبره وهبر يستحثه على الْخُرُوج من حلب. فَبعث الْأَمِير طاز بِالْكتاب إِلَى الْأَمِير شيخو فَوَافى والأطلاب خَارِجَة. فَطلب الْأَمِير شيخو الحسام الْقصرى وَسَأَلَهُ فَأنْكر فَأخذ الْأَمِير صرغتمش وعاقبه ثمَّ ركب إِلَى بَيته بجوار الْجَامِع الْأَزْهَر وهجمه فَإِذا منجك ومملوكه فأركبه وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سابعه: ركب السُّلْطَان إِلَى الريدانية وَجعل الْأَمِير قبلاي نَائِب الْغَيْبَة ورتب أَمِير عَليّ المارديني فِي القلعة وَمَعَهُ الْأَمِير كشلي السِّلَاح دَار ليقيما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 161 دَاخل القلعة وَيكون على بَاب القلعة الْأَمِير أرنال والأمير قطلوبغا الذَّهَبِيّ ورتب الْأَمِير مجد الدّين مُوسَى الهذباني مَعَ وَالِي الْقَاهِرَة لحفظها. واستقل السُّلْطَان بِالْمَسِيرِ من الريدانية يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن شعْبَان بعد الظّهْر فَقدم الْبَرِيد بِأَن الْأَمِير طقطاي الدوادار خرج من دمشق يُرِيد مصر وَأَن الْأَمِير أرغون الكاملي نَائِب الشَّام لما بلغه خُرُوج بيبغا روس من حلب فِي ثَالِث عشر رَجَب وَمَعَهُ قراجا بن دلغادر وجبار بن مهنا وَقد نزل بكلمش نَائِب طرابلس وأمير أَحْمد نَائِب حماه على الرستن فِي انْتِظَاره عزم أرغون كَذَلِك على لِقَائِه. فَبَلغهُ مخامرة أكَابِر أُمَرَاء دمشق عَلَيْهِ فاحترس على نَفسه وَصَارَ يجلس بالميدان وَهُوَ لابس آلَة الْحَرْب. ثمَّ اقْتضى رَأْي أَمِير مَسْعُود بن خطير أَن النَّائِب لَا يلقى الْقَوْم وَأَنه يُنَادى بِالْعرضِ للنَّفَقَة فِي منزلَة الْكسْوَة ويركب اليها فَإِذا خرج الْعَسْكَر إِلَيْهِ. بِمَنْزِلَة الْكسْوَة مَنعهم من عبور دمشق وَسَار بهم إِلَى الرملة فِي انْتِظَار قدوم السُّلْطَان. فَفعل أرغون ذَلِك وَأَنه مُقيم على الرملة بعسكر دمشق فَإِن ألطنبغا برناق نَائِب صفد سَار إِلَى بيبغا روس فِي طَاعَته وَأَن بيبغاروس وصل إِلَى حماه وَاجْتمعَ مَعَ نائبها أَحْمد وبكلمش نَائِب طرابلس وَسَار بهم إِلَى حمص فَلَقِيَهُ مَمْلُوك أرقطاى بِكِتَاب السُّلْطَان ليحضر فَقبض عَلَيْهِمَا وقيدهما وَسَار يُرِيد دمشق فَبَلغهُ مسير السُّلْطَان بعساكره واشتهر ذَلِك فِي عسكره وَأَنه قد عزل من نِيَابَة حلب فانحلت عزائم كثير مِمَّن مَعَه وَأخذ فِي الاحتفاظ بهم والتحرر مِنْهُم إِلَى أَن قدم دمشق يَوْم الْخَمِيس خَامِس رَجَب فَإِذا أَبْوَاب الْمَدِينَة مغلقة والقلعة مُحصنَة. فَبعث بيبغا روس إِلَى الْأَمِير أياجي نَائِب القلعة يَأْمُرهُ بالإفراج عَن الْأَمِير وقردم وَأَن يفتح أَبْوَاب الْمَدِينَة. فَفتح أياجي أَبْوَاب دمشق وَلم يفرج عَن قردم. فَركب أَمِير أَحْمد نَائِب حماة وبكلمش نَائِب طرابلس من الْغَد ليعبرا على الضّيَاع فواقى نجاب بِخَبَر مسك منجك ومسير السُّلْطَان من خَارج الْقَاهِرَة. وَعَاد أَحْمد وبكلمش فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ رَابِع عشره وَقد نزل الْأَمِير طاز بِمن مَعَه المزيرب فارتج عَسْكَر بيبغا روس وتواعد فراجا بن دلغادر وجبار ابْن مهنا على الرحيل فَمَا غربت الشَّمْس يَوْمئِذٍ إِلَّا وَقد خرحا بأثقالهما وأصحابهما وسارا فَركب بيبغا روس فِي أَثَرهَا فَلم يدركهما وَعَاد بكرَة يَوْم الثُّلَاثَاء فَلم يسْتَقرّ قراره حَتَّى دقَّتْ البشائر بالقلعة وأعلن أَهلهَا بِأَن الْأَمِير طاز والأمير أرغون نَائِب الشَّام وافيا وَأَن الْأَمِير شيخو وَالسُّلْطَان سَاقه. فبهت بيبغاروس وتفخد عَنهُ من مَعَه وَركب عَائِدًا إِلَى حلب فِي تَاسِع عشر شعْبَان فَكَانَت إِقَامَته أَرْبَعَة وَعشْرين يَوْمًا أثر أَصْحَابه فِيهَا بِدِمَشْق وأعمالها آثاراً قبيحة من النهب والسبي والحريق والغارات على الجزء: 4 ¦ الصفحة: 162 الضّيَاع من حلب إِلَى دمشق كَمَا فعل المغول أَصْحَاب غازان. فَبعث السُّلْطَان الْأَمِير أسندمر العلائي وَالِي الْقَاهِرَة ليبشر بذك فَقدم إِلَى الْقَاهِرَة يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشريه. فدقت البشاثر وطبلخاناه الْأُمَرَاء وزينت الْقَاهِرَة سَبْعَة أَيَّام. وجبى من الْأُمَرَاء والدواوين والولاة ومقدمي الْحلقَة الَّذين لم يسافروا ثمن الشقق الْحَرِير الَّتِى تفرش إِذا قدم السُّلْطَان وَكَانَ قدم إِلَيْهِ من صفد الْأَمِير أيتمش الناصري فَكَانَ يرجعه عَن كثير من ذَلِك وَأما السُّلْطَان فَإِنَّهُ التقى مَعَ الْأَمِير أرغون الكاملي نَائِب الشَّام على بدعرش من عمل غَزَّة وَقد تَأَخّر مَعَه الْأَمِير طاز. بِمن مَعَه. فَدخل السُّلْطَان بهم إِلَى غَزَّة وخلع على نَائِب الشَّام وأنعم عَلَيْهِ بأربعمائة ألف دِرْهَم وأنعم على أَمِير مَسْعُود بِأَلف دِينَار وأنعم على كل من أُمَرَاء الألوف بِدِمَشْق بألفي دِينَار وعَلى كل من أُمَرَاء الطبلخاناه بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم وعَلى كل من أُمَرَاء العشرات بِخَمْسَة آلَاف دِرْهَم فَكَانَت جملَة مَا أنْفق فيهم سِتّمائَة ألف دِرْهَم. وَتقدم الْأَمِير شيخو والأمير طاز والأمير أرغون الكاملي نَائِب الشَّام. بِمن مَعَهم إِلَى دمشق وَتَأَخر الْأَمِير صرغتمش صُحْبَة السُّلْطَان ليدبر الْعَسْكَر. وتبعهم السُّلْطَان فَكَانَ دُخُوله دمشق فِي يَوْم الْخَمِيس مستهل رَمَضَان وَقد خرج النَّاس إِلَى لِقَائِه وزينت الْمَدِينَة زِينَة حفلة فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَنزل السُّلْطَان بالقلعة ثمَّ ركب مِنْهَا فِي غده يَوْم الْجُمُعَة ثَانِيه إِلَى الْجَامِع الْأمَوِي فِي موكب جليل حَتَّى صلى بِهِ الْجُمُعَة. وَكَانَ الْأُمَرَاء قد مضوا فِي طلب بيبغا روس فَقدم خبرهم فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ خامسه بنزول الْأَمِير شيخو والأمير طاز على حمص وَأَنه قد بَلغهُمْ مسك بيبغا روس وأمير أَحْمد نَائِب حماه وَجَمَاعَة. فدقت البشائر بالقلعة ثمَّ تبين كذب هَذَا الْخَبَر وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سابعه: رسم بِعُود أجناد الْحلقَة ومقدميها وأطلاب الْأُمَرَاء إِلَى الْقَاهِرَة فخرحوا فِيهِ من دمشق أَرْسَالًا. وَكَانَت جمَاعَة من الْعَسْكَر قد تخلفوا بغزة فقدموا الْقَاهِرَة فِي رابعه وَقدم الأجناد وأطلاب الْأُمَرَاء إِلَى الْقَاهِرَة فِي خَامِس عشريه وَأما بيبغا روس فَإِنَّهُ قدم حلب فِي تَاسِع عشري شعْبَان وَقد حفرت خنادق تجاه أَبْوَابهَا وغلقت الْأَبْوَاب وامتنعت القلعة ورمته رجالها بالمنجنيق وَالْحِجَارَة وتبعهم من فَوق الأسوار من الرِّجَال بِالرَّمْي عَلَيْهِ. وصاحوا عَلَيْهِ فَبَاتَ. بِمن مَعَه وَركب من الْغَد يَوْم الْخَمِيس أول شهر رَمَضَان للزحف على الْمَدِينَة وَإِذا بصياح عَظِيم والبشائر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 163 تدق فِي القلعة وَالرِّجَال يصيحون: يَا منافقين! الْعَسْكَر وصل. فَالْتَفت بيبغا روس بِمن مَعَه فَإِذا البيارق والصناجق نَحْو جبل جوشن فَانْهَزَمُوا بأجمعهم نَحْو الْبر. وَلم يكن مَا رَأَوْهُ على حَبل جوشن عَسْكَر السُّلْطَان وَلكنه جمَاعَة من جند حلب وطرابلس وحماة كَانُوا مختفين من عَسْكَر بيبغا روس عِنْد خروحه من دمشق فَسَارُوا فِي أعقابه رَجَاء أَن يدركهم عَسْكَر السُّلْطَان. فَلَمَّا حضر بيبغا روس إِلَى حلب أَجمعُوا على كبسه وراسلوا أهل جبل بانقوسا بموافاتهم وجمعوا عَلَيْهِم كثيرا من العربان. وركبوا أول اللَّيْل وترتبوا بأعلا جبل حوشن ونشروا الصناجق. فعندما أشرقت الشَّمْس سَارُوا وهم يصرخون صَوتا وَاحِدًا فَلم يثبت بيبغا روس وَلَا أَصْحَابه وولوا ظنا مِنْهُم أَنه عَسْكَر السُّلْطَان. فَإِذا أهل بانقوسا قد أَمْسكُوا عَلَيْهِم طرق الْمضيق وأدركهم الْعَسْكَر فتبددوا وتمزقوا وَقد انْعَقَد عَلَيْهِم الْغُبَار حَتَّى لم يكن أحد ينظر رَفِيقه. فَأَخذهُم الْعَرَب وَأهل حلب قبضا بِالْيَدِ ونهبوا الخزائن والأثقال وسلبوهم مَا عَلَيْهِم من آلَة الْحَرْب. وَنَجَا بيبغا روس بِنَفسِهِ وامتلأت الْأَيْدِي بِنَهْب مَا كَانَ مَعَه وَهُوَ شَيْء يجل عَن الْوَصْف لكثرته وَعظم قدره. وتتبع أهل حلب أمراءه ومماليكه وأخرجوهم من عدَّة مَوَاضِع فظفروا بِكَثِير مِنْهُم فيهم أَخُوهُ الْأَمِير فَاضل والأمير ألطنبغا العلائي مشد الشرابخاناه وألطنبغا برناق نَائِب صفد وملكتمر السعيدي وشادي أَخُو أَمِير أَحْمد نَائِب حماة وطيبغا حلاوة الأوجاقي وَابْن أيدغدي الزراق أحد أُمَرَاء حلب ومهدي شاد الدَّوَاوِين بحلب وأسنباى قريب بن دلغادر وبهادر الجاموس وقلج أرسلان أستادار بيبغا روس وَمِائَة من مماليك الْأُمَرَاء فقيد الْجَمِيع وسجنوا. وَتوجه مَعَ بيبغا روس أَمِير أَحْمد نَائِب حماة وبكلمش نَائِب طرابلس وطشتمر القاسمي نَائِب الرحبة وآقبغا البالسي وصصمق وطيدمر وَجَمَاعَة تبلغ عدتهمْ نَحْو مائَة وَسِتَّة عشر فَدخل الْأُمَرَاء حلب وبعثوا بالمماليك إِلَى دمشق وَتركُوا الْأُمَرَاء المقيدين بسجن القلعة. وَركب الحسام العلائي إِلَى طرابلس فأوقع الحوطة على مَوْجُود نائبها بكلمش وَتمّ إِيقَاع الحوطة بحماة على مَوْجُود أَمِير أَحْمد. وَكتب الْأُمَرَاء إِلَى قراجا بن دلغادر بِالْعَفو عَنهُ وَالْقَبْض على بيبغا روس وَمن مَعَه وَكَانَ بيبغا روس قد قدم عَلَيْهِ فَركب وتلقاه وَقَامَ لَهُ. بِمَا يَلِيق بِهِ. فَلَمَّا وقف قراجا بن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 164 دلغادر على كتب الْأُمَرَاء أجَاب بِأَنَّهُ ينْتَظر فِي الْقَبْض عَلَيْهِ مرسوم السُّلْطَان بِهِ وارسال الْأمان لبيبغا روس وَأَنه مُسْتَمر على إمرته فَلَمَّا حهز لَهُ ذَلِك امْتنع من تَسْلِيمه. فَطلب رَمَضَان من أُمَرَاء التركمان وخلع عَلَيْهِ بإمرة قراجا بن دلغادر وإقطاعه. وَعَاد الْأُمَرَاء من حلب وَاسْتقر بهَا الْأَمِير أرغون الكاملي نَائِبا عوضا عَن بيبغا روس وَقدمُوا دمشق وَمَعَهُمْ الْأُمَرَاء المسجونون يَوْم الْجُمُعَة سلخ رَمَضَان وركبوا مَعَ السُّلْطَان لصَلَاة الْعِيد والأمير مَسْعُود بن خطير حَامِل الجتر على السُّلْطَان حَتَّى عبر الميدان فصلى بهم تَاج الدّين مُحَمَّد بن إِسْحَاق الْمَنَاوِيّ قَاضِي الْعَسْكَر صَلَاة الْعِيد وخطب وَمد السماط بالميدان فَكَانَ يَوْمًا مَذْكُورا. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثالثه: جلس السُّلْطَان بطارمة قلعة دمشق ووقف الْأَمِير شيخو وطاز وَسَائِر الْأُمَرَاء بسوق الْخَيل تَحت القلعة. وَأخرج الْأُمَرَاء المسجونون فِي الْحَدِيد وَنُودِيَ عَلَيْهِم: هَذَا جَزَاء من يخَامر على السُّلْطَان ويخون الْإِسْلَام ووسطوهم وَاحِدًا بعد وَاحِد وهم ألطنبغا برناق وطيبغا حلاوة ومهدي شاد الدَّوَاوِين بحلب وأسنبغا التركماني وألطنبغا الثلاثي شاد الشرابخاناه وشادي أَخُو أَمِير أَحْمد نَائِب حماه وأعيد ملكتمر السيدي إِلَى السجْن وَفِيه قبض على ملك آص شاد الدَّوَاوِين بِدِمَشْق وساطلش الجلالي ومصطفى والحسام مَمْلُوك أرغون شاه وأمير عَليّ بن طرنطاي البشمقدار وَابْن جودى وقردم أَمِير آخور وأخرجوا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَمَعَهُمْ ملكتمر السعيدي وَنفي مقبل نقيب الْجَيْش إِلَى طرابلس وَفِيه خلع على الْأَمِير أيتمش الناصري وَاسْتقر فِي نِيَابَة طرابلس عوضا عَن بكلمش. وأنعم على أَمِير مَسْعُود بن خطير بإقطاع قردم وأنعم على كل من ولديه بإمرة طبلخاناه وَاسْتقر الْأَمِير طنيرق فِي نِيَابَة حماة عوضا عَن أَمِير أَحْمد الساقى. وَاسْتقر شهَاب الدّين أَحْمد بن صبح فِي نِيَابَة صفد ورسم بِإِقَامَة الْأَمِير طيبغا المجدي بِدِمَشْق على إمرة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 165 وَتوجه الْأَمِير يلبك والأمير نوروز إِلَى مصر. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة سابعه: صلى السُّلْطَان الْجُمُعَة وَخرج من دمشق يُرِيد مصر. فَكَانَت إِقَامَته بهَا سَبْعَة وَثَلَاثِينَ يَوْمًا. وَأما الْقَاهِرَة فَإِن مماليك الْأُمَرَاء وأجنادهم كَانَت تركب فِي مُدَّة غيبَة السُّلْطَان كل لَيْلَة من عشَاء الْآخِرَة وتتفرق فِي نواحي الْمَدِينَة وظواهرها لحفظ النَّاس فَإِذا رَأَوْا أحدا يمشى لَيْلًا حبسوه حَتَّى يتَبَيَّن أمره وَلم يبْق حَانُوت وَلَا زقاق إِلَّا وَعَلِيهِ قنديل يَشْمَل طول اللَّيْل. وَطلب الْأَمِير قبلاي النَّائِب مقدمي الْوَالِي وألزمهم أَن يقومُوا بِجَمِيعِ مَا يصرف فِي الْقَاهِرَة وظواهرها. وانتدب الْأَمِير مجد الدّين مُوسَى الهذباني والأمير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الكوراني لحفظ مَدِينَة مصر. ورتب جمَاعَة لحفظ بيُوت المتجر فِي الْبر وَالْبَحْر. فَلم يعْدم لأحد شَيْء سوى سَرقَة مَتَاع من حَانُوت يَهُودِيّ فَضرب الْأَمِير قبلاى النَّائِب مقدمي الْوَالِي بالمقارع حَتَّى أحضروا مَتَاع الْيَهُودِيّ لَهُ. وَاتفقَ أَن ابْن الأطروش محتسب الْقَاهِرَة مر بسوق الشرابشيين وَابْن أَيُّوب الشرابيشي فِي حانوته. وَكَانَ أَيُّوب هَذَا يَعْتَرِيه جُنُون فِي بعض الأحيان فَأخذ يسب الْمُحْتَسب ويهزأ بِهِ ثمَّ وثب اليه وألقاه عَن بغلته وَركب صَدره. فَمَا خلصه النَّاس مِنْهُ إِلَّا بعد جهد وأقاموه من تَحت ابْن أَيُّوب وَقد تَبَاعَدت عمَامَته وانكشف رَأسه. فطلع ابْن الأطروش إِلَى الْأَمِير قبلاي النَّائِب وَأخْبرهُ. بِمَا جرى عَلَيْهِ فأحضر الْأَمِير قبلاى ابْن أَيُّوب وضربه وحبسه. وَفِيه حدثت زَلْزَلَة فِي رَمَضَان وَالنَّاس فِي صَلَاة الْعشَاء الْآخِرَة. وَفِي سَابِع عشره: خرج الْأَمِير أرنان والأمير قطلوبغا الذَّهَبِيّ والأمير علم دَار إِلَى الصَّعِيد فِي الْبر (وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس عشرى شَوَّال) قدم السُّلْطَان وَمَشى بفرسه على شقَاق الْحَرِير الَّتِي فرشت لَهُ وَخرج النَّاس إِلَى لِقَائِه ورويته فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً لم يتَّفق مثله لأحد من أخوة السُّلْطَان الَّذين تسلطنوا. وعندما طلع السُّلْطَان القلعة تَلَقَّتْهُ أمه وجواريه وأخوته ونثر عَلَيْهِ الذَّهَب وَالْفِضَّة وَقد فرشت لَهُ طَرِيقه بشقاق الْحَرِير الأطلسي وَلم يبْق بَيت من بيُوت الْأُمَرَاء إِلَّا وَفِيه الأفراح والتهاني. وَفِيه يَقُول الأديب شهَاب الدّين أَحْمد بن أبي حجلة: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 166 الصَّالح الْملك الْعَظِيم قدره يطوى لَهُ الأَرْض الْبعيد النازح لاتعجبوا من طيها لمسيره فالأرض تطوى دَائِما للصالح وَعم الْمَوْت أهل جَزِيرَة الأندلس إِلَّا مَدِينَة غرناطة فَإِنَّهُ لم يصب أَهلهَا مِنْهُ شَيْء وباد من عداهم حَتَّى لم يبْق للفرنج من يمْنَع أَمْوَالهم. فأتتهم الْعَرَب من إفريقية تُرِيدُ أَخذ الْأَمْوَال إِلَى أَن صَارُوا على نصف يَوْم مِنْهَا مرت بهم ريح فَمَاتَ مِنْهُم على ظُهُور الْخَيل جمَاعَة كَثِيرَة. ودخلها باقيهم فَرَأَوْا من الْأَمْوَات مَا هالهم وَأَمْوَالهمْ لَيْسَ لَهَا من يحفظها فَأخذُوا مَا قدرُوا عَلَيْهِ وهم يتساقطون موتى فنجا من بقى مِنْهُم بِنَفسِهِ وعادوا إِلَى بِلَادهمْ وَقد هلك أَكْثَرهم وَالْمَوْت قد فَشَا بأرضهم بِحَيْثُ مَاتَ مِنْهُم فِي لَيْلَة وَاحِدَة عدد عَظِيم وَمَاتَتْ مَوَاشِيهمْ وَعم الموتان أَرض إفريقية بأسرها جبالها وصحاريها ومدنها وجافت من الْمَوْتَى وَبقيت أَمْوَال العربان سائبة لَا تَجِد من يرعاها. ثمَّ أصَاب الْغنم دَاء فَكَانَت الشَّاة إِذا ذبحت وجد لَحمهَا منتناً قد اسود. وَتغَير أَيْضا ريح السّمن وَاللَّبن وَمَاتَتْ الْمَوَاشِي بأسرها. وَشَمل الوباء أَيْضا أَرض برقة إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فَصَارَ يَمُوت بهَا فِي كل يَوْم مائَة. ثمَّ مَاتَ بالإسكندرية فِي الْيَوْم مِائَتَان وشنع ذَلِك حَتَّى أَنه صلى فِي يَوْم الْجُمُعَة بالجامع الاسكندري دفْعَة وَاحِدَة على سَبْعمِائة جَنَازَة. وصاروا يحملون الْمَوْتَى على الجنويات والألواح وغلفت دَار الطّراز لعدم الصناع وغلقت دَار الْوكَالَة لعدم الْوَاصِل إِلَيْهَا وغلقت الْأَسْوَاق وديوان الْخمس وأريق من الْخمر مَا يبلغ ثمنه زِيَادَة على خَمْسمِائَة دِينَار. وقدمها مركب فِيهِ إفرنج فَأخْبرُوا أَنهم رَأَوْا بِجَزِيرَة طرابلس مركبا عَلَيْهِ طير يحوم فِي غَايَة الْكَثْرَة فقصدوه فَإِذا جَمِيع من فِيهِ من النَّاس موتى وَالطير تأكلهم وَقد مَاتَ من الطير أَيْضا شَيْء كثير فتركوهم ومروا فَمَا وصلوا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة حَتَّى مَاتَ زِيَادَة على ثلثيهم. وفشى الْمَوْت. بِمَدِينَة دمنهور وتروجة والبحيرة كلهَا حَتَّى عَم أَهلهَا وَمَاتَتْ دوابهم فَبَطل من الْوَجْه البحري سَائِر الضمانات وَالْمُوجِبَات السُّلْطَانِيَّة. وَشَمل الْمَوْت أهل البرلس نستراوه وتعطل الصَّيْد من الْبحيرَة لمَوْت الصيادين. وَكَانَ يخرج بهَا فِي الْمركب عدَّة من الصيادين لصيد الْحُوت فَيَمُوت أَكْثَرهم فِي الْمركب وَيعود من بَقِي مِنْهُم فَيَمُوت بعد عوده من يَوْمه هُوَ وَأَوْلَاده وَأَهله. وَوجد فِي حيتان البطارخ شَيْء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 167 منتن وَفِيه على رَأس البطرخة كبة قدر البندقة قد اسودت وَوجد فِي جَمِيع زراعات البرلس وبلحها وقثائها دود وَتلف أَكثر ثَمَر النّخل عِنْدهم. وَصَارَت الْأَمْوَات على الأَرْض فِي جَمِيع الْوَجْه البحري لَا يوحد من يدفنها. وَعظم الوباء بالمحلة حَتَّى أَن الْوَالِي كَانَ لَا يجد من يشكو إِلَيْهِ وَكَانَ القَاضِي إِذا أَتَاهُ من يُرِيد الْإِشْهَاد على وَصيته لَا يجد من الْعُدُول أحدا إِلَّا بعد عناء لقلتهم وَصَارَت الفنادق لَا تَجِد من يحفظها. وَعم الوباء جَمِيع تِلْكَ الْأَرَاضِي وَمَات الفلاحون بأسرهم فَلم يُوجد من يضم الزَّرْع. وزهد أَرْبَاب الْأَمْوَال فِي أَمْوَالهم وبذلوها للْفُقَرَاء. فَبعث الْوَزير منجك إِلَى الغربية كريم الدّين مُسْتَوْفِي الدولة وَمُحَمّد بن يُوسُف مقدم الدولة فِي جمَاعَة فَدَخَلُوا سنباط وسمنود وبوصير وسنهور وأبشيه وَنَحْوهَا من الْبِلَاد وَأخذُوا مَالا كثيرا لم يحضروا مِنْهُ سوى سِتِّينَ ألف دِرْهَم. وَعجز أهل بلبيس وَسَائِر بِلَاد الشرقية عَن ضم الزَّرْع لِكَثْرَة موت الفلاحين. وَكَانَ ابْتِدَاء الوباء عِنْدهم من أول فصل الصَّيف وَذَلِكَ فِي أثْنَاء ربيع الآخر. فجافت الطرقات وَغير ذَلِك. وألزم مُحَمَّد بن الكوراني وَالِي مصر بتحصيل بَنَات ابْن زنبور فَنُوديَ عَلَيْهِنَّ. وَنقل مَا فِي دور صهري ابْن زنبور وسلما لشاد الدَّوَاوِين. وَعَاد الْأَمِير صرغتمش إِلَى القلعة. فَطلب السُّلْطَان جَمِيع الْكتاب وعرضهم وَعين الْمُوفق هبة الله بن إِبْرَاهِيم للوزارة وَبدر الدّين كَاتب يلبغا لنظر الْخَاص وتاج الدّين أَحْمد بن الصاحب أَمِين الْملك عبد الله بن الغنام لنظر الْجَيْش وأخاه كريم الدّين لنظر الْبيُوت وَابْن السعيد لنظر الدولة وقشتمر مَمْلُوك طقزدمر لشد الدَّوَاوِين. وَفِي يَوْم الْأَحَد تَاسِع عشريه: خلع عَلَيْهِم. فَأقبل النَّاس إِلَى طلب الْأَمِير صرغتمش للسعي فِي الْوَظَائِف فولي أسعد حَرْبَة اسْتِيفَاء الدولة وَولي كريم الدّين أكْرم بن شيخ ديوَان الْجَيْش. وَسلم الْأَمِير صرغتمش الْمَقْبُوض عَلَيْهِم لشاد الدَّوَاوِين وهم الْفَخر بن قزوينة نَاظر الْبيُوت وَالْفَخْر بن مليحة نَاظر الجيزة وَالْفَخْر مُسْتَوْفِي الصُّحْبَة وَالْفَخْر ابْن الرضي كَاتب الإصطبل وَابْن معتوق كَاتب الْجِهَات وَأكْرم الملكي. وَطلب التَّاج ابْن لفيتة نَاظر المتجر وناظر المطبخ وَهُوَ خَال ابْن زنبور فَلم يُوجد وكسبت بِسَبَبِهِ عدَّة بيُوت حَتَّى أَخذ. وَصَارَ الْأَمِير صرغتمش ينزل وَمَعَهُ نَاظر الْخَاص وشهود الخزانة وينقل حواصل ابْن زنبور من مصر إِلَى حارة زويلة بِالْقَاهِرَةِ فأعياهم كَثْرَة مَا وجدوا لَهُ. وتتبعت حَوَاشِي ابْن زنبور وهجمت دور كَثِيرَة بسببهم عدم لأربابها مَال عَظِيم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 168 وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ مستهل ذِي الْقعدَة: قدم الْبَرِيد من نَائِب حلب بِمِائَة وَعشْرين منشوراً للتركمان ويستأذن فِي تَجْرِيد عَسْكَر حلب إِلَى ابْن دلغادر. وَفِيه نزل الْأَمِير صرغتمش إِلَى بَيت ابْن زنبور بالمصاصة وَعدم مِنْهُ ركغاً دلّ عَلَيْهِ فَوجدَ فِيهِ خَمْسَة وَسِتِّينَ ألف دِينَار حملهَا إِلَى القلعة. وَطلب الْأَمِير صرغتمش ابْن زنبور وضربه عُريَانا فَلم يعْتَرف بشىء فَنزل إِلَى بَيته وَضرب ابْنه الصَّغِير وَأمه ترَاهُ فِي عدَّة أَيَّام حَتَّى أسمعته كلَاما جَافيا فَأمر بهَا فعصرت. وَأخذ نَاظر الْخَاص فِي كشف حواصل ابْن زنبور. بِمصْر فَوجدَ لَهُ من الزَّيْت والشيرج والنحاس والرصاص والكبريت والعكر والبقم والقند وَالسكر وَالْعَسَل وَسَائِر أَصْنَاف المتجر مَا أذهله فشرع فِي بيع ذَلِك. هَذَا والأمير صرغتمش ينزل بِنَفسِهِ وينقل قماش ابْن زنبور وأثاثه إِلَى حارة زويلة ليَكُون ذخيرة للسُّلْطَان. فبلغت عدَّة الحمالين الَّذين حملُوا النصافي والتفاصيل وأواني الذَّهَب وَالْفِضَّة والبلور والصيني والكفت والسنجاب والملابس الرجالية والنسائية والزراكش والجواهر واللالىء والبسط الْحَرِير وَالصُّوف والفرش والمقاعد وأواني الذَّهَب وَالْفِضَّة زنة سِتِّينَ قِنْطَارًا وَمن الْجَوْهَر زنة سِتِّينَ رطلا وَمن اللُّؤْلُؤ كيل أردبين وَمن الذَّهَب الهرجة مبلغ ثَلَاثِينَ ألف دِينَار وَأَرْبَعَة آلَاف دِينَار وَمن الحوائص سِتَّة آلَاف حياصة وَمن الكلفتاه الزركش سِتَّة آلَاف كلفتاه وَمن ملابس ابْن زنبور نَفسه عدَّة أَلفَيْنِ وسِتمِائَة فرجية وَمن الْبسط سِتَّة آلَاف بِسَاط وَمن الصنج لوزن الذَّهَب وَالْفِضَّة بِقِيمَة خمسين ألف دِرْهَم وَمن الشاشات ثَلَاثمِائَة شاش. وَوجد لَهُ من الْخَيل وَالْبِغَال ألف رَأس ودواب عاملة سِتَّة آلَاف رَأس ودواب حلابة سِتَّة آلَاف رَأس وَمن معاصر السكر خَمْسَة وَعِشْرُونَ معصرة وَمن الإقطاعات سَبْعمِائة إقطاع كل إقطاع متحصله خَمْسَة وَعِشْرُونَ ألف دِرْهَم فِي السّنة. وَوجد لَهُ مائَة عبد وَسِتُّونَ طواشي وَسَبْعمائة جَارِيَة وَسَبْعمائة مركب فِي النّيل وأملاك قومت بثلاثمائة ألف دِينَار ورخام. بِمِائَتي ألف دِرْهَم ونحاس بأَرْبعَة آلَاف دِينَار وسروج وبدلات عدَّة خَمْسمِائَة. وَوجد لَهُ اثْنَان وَثَلَاثُونَ مخزناً فِيهَا من أَصْنَاف المتجر مَا قِيمَته أَرْبَعمِائَة ألف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 169 دِينَار. وَوجد لَهُ سَبْعَة آلَاف نطع وَخَمْسمِائة حمَار وَمِائَتَا بُسْتَان وَألف وَأَرْبَعمِائَة ساقية وَذَلِكَ سوى مَا نهب وَسوى مَا اختلس على أَن موجوده أبيع بِنصْف قِيمَته. وَوجد لَهُ فِي حَاصِل بَيت المَال مبلغ مائَة ألف وَسِتِّينَ ألف دِرْهَم وَفِي الأهراء نَحْو عشْرين ألف أردب وَكَانَ مبدأ أمره أَنه بَاشر اسْتِيفَاء الْوَجْه القبلي وَتوجه إِلَيْهِ صُحْبَة الْأَمِير علم الدّين أيدمر الزراق وَهُوَ كاشف. فَنَهَضَ فِيهِ وشكرت سيرته إِلَى أَن عرض السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون الْكتاب فِي أَيَّام النشو ليختار مِنْهُم من يوليه كَاتب الإصطبل وَكَانَ ابْن زنبور من جُمْلَتهمْ وَهُوَ شَاب فَأثْنى عَلَيْهِ الْفَخر نَاظر الْجَيْش وساعده الأكوز. فَخلع عَلَيْهِ السُّلْطَان النَّاصِر مُحَمَّد وَاسْتقر بِهِ كَاتب الإصطبل عوضا عَن ابْن الجيعان فنال فِي مُبَاشرَة الإصطبل سَعَادَة طائلة. وأعجب بِهِ السُّلْطَان لفطنته وشكره من تَحت يَده حَتَّى مَاتَ السُّلْطَان النَّاصِر مُحَمَّد. ثمَّ اسْتَقر ابْن زنبور مُسْتَوْفِي الصُّحْبَة فِي أَيَّام الْمَنْصُور أبي بكر وانتقل مِنْهَا فِي وزارة نجم الدّين مَحْمُود وَزِير بَغْدَاد إِلَى نظر الدولة. ثمَّ أخرجه جمال الكفاة لكشف القلاع فَقدم إِلَى مصر بعد مَوته. ثمَّ اسْتَقر فِي نظر الْخَاص بعناية الْأَمِير أرغون العلائي ثمَّ أضيف إِلَيْهِ نظر الْجَيْش وَجمع بعد مُدَّة إِلَيْهِمَا الوزارة. وَلم يتَّفق لأحد قبله بِالْجمعِ بَين الْوَظَائِف الثَّلَاث وَعظم ابْن زنبور إِلَى الْغَايَة حَتَّى أَنه كَانَ إِذا خرجت الْخُيُول لأرباب الْوَظَائِف من إصطبل السُّلْطَان يخرج لَهُ ثَلَاثَة أرؤس وَإِذا خلع عَلَيْهِ خلع عَلَيْهِ ثَلَاث خلع. ونفذت كَلمته وقويت مهابته وفخمت سعادته واتجر فِي جَمِيع الْأَصْنَاف حَتَّى فِي الْملح والكبريت وَربح فِي سنة وَاحِدَة من المتجر زِيَادَة على ألف ألف دِرْهَم مِنْهَا فِي صنف الزَّيْت الْحَار خَاصَّة مائَة ألف وَعشرَة آلَاف. فكثرت حساده وعادته الْكتاب لضبطه وأحصوا عَلَيْهِ جَمِيع مَا يتَحَصَّل لَهُ. فَلَمَّا ولى الْأَمِير صرغتمش بعد الْأَمِير شيخو رَأس نوبَة أغروه بِهِ فَإِنَّهُ كَانَ يحمل لشيخو مَال الخلص وَهُوَ الَّذِي عمر لَهُ الْعِمَارَة الَّتِي على النّيل من مَاله وَكَانَ يقوم لَهُ بِمَا يفرقه من الحوائص على مماليكه وَنَحْو ذَلِك حَتَّى تغير صرغتمش وَصَارَ صرغتمش الجزء: 4 ¦ الصفحة: 170 يسمع شيخو الْكَلَام. الْكثير بِسَبَبِهِ فَيَقُول لَهُ: قد كثرت القالة فِيك بِسَبَب ابْن زنبور وَأَنه يحمل إِلَيْك كل مَا يتَحَصَّل من الْخَاص وَأَنه قد كثر مَاله. فَلَو مكنتني أخدت للسُّلْطَان مَالا ينقصهُ. فيدافع شيخو عَنهُ وَيعْتَذر لَهُ بِأَنَّهُ إِذا قبض عَلَيْهِ لَا يجد من يسد مسده وَإِن كَانَ ولابد فيقرر عَلَيْهِ النشو مَال يحملهُ وَهُوَ على وظائفه. وبينما هُوَ فِي ذَلِك إِذْ قدم خبر مخامرة بيبغا روس فاشتغل عَنهُ صرغتمش وَخرج إِلَى الشَّام وَفِي نَفسه مِنْهُ مَا فِيهَا. وَصَارَ صرغتمش يتجهم لِابْنِ زنبور ويسمعه مَا يكره إِلَى أَن أرجف. بمسكه وَهُوَ يسترضيه وَيحمل لَهُ أَنْوَاع المَال فَلَا يرضى حَتَّى أعيى ابْن زنبور أمره. وَحدث ابْن زنبور شيخو بِدِمَشْق. بِمَا هُوَ فِيهِ مَعَ صرغتمش فطب شيخو خاطره بِأَنَّهُ مادام حَيا لَا يتَمَكَّن مِنْهُ أحد فركن لقَوْله. وَأخذ صرغتمش يغري الْأَمِير طاز بِابْن زنبور حَتَّى وَافقه على مسكه فقوى بِهِ على شيخو ووكل يثقله لما توجه من دمشق من يَحْرُسهُ وَهُوَ لَا يشْعر فَلَمَّا وصل السُّلْطَان خَارج الْقَاهِرَة أشيع أَنه يعبر من بَاب النَّصْر ويشق الْقَاهِرَة فَاجْتمع لرُؤْيَته عَالم عَظِيم وأشعلوا لَهُ الشموع والقناديل. فَدخل ابْن زنبور على بغلة رائعة بزناري أطلس فِي موكب جليل إِلَى الْغَايَة وَبَين يَدَيْهِ جَمِيع المتعممين من الْقُضَاة وَالْكتاب وَقد أعجب بِنَفسِهِ إعجاباً كثيرا وَالنَّاس تُشِير إِلَيْهِ بالأصابع. فَكَانَت تِلْكَ نهايته وَقبض عَلَيْهِ كَمَا تقدم. وانتدب جمَاعَة بعد مسك ابْن زنبور للسعي فِي هَلَاكه وأشاعوا أَنه وجد فِي بَيته عدَّة صلبان وَأَنه لما دخل إِلَى الْقُدس فِي سفرته هَذِه بَدَأَ بكنيسة الْقِيَامَة فَقبل عتبتها وَتعبد فِيهَا ثمَّ خرج إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى فأراق المَاء فِي بَابه وَلم يصل فِيهِ وَكَانَت صدقته على النَّصَارَى بكنيسة الْقِيَامَة وَلم يتَصَدَّق على أحد من فُقَرَاء الْمُسلمين بالقدس. فأثبتوا فِي ذهن صرغتمش أَنه بَاقٍ على النَّصْرَانِيَّة ورتبوا فَتَاوَى تَتَضَمَّن أَنه ارْتَدَّ عَن الْإِسْلَام. وَكَانَ أحل من قَامَ عَلَيْهِ الشريف شرف الدّين نقيب الْأَشْرَاف والشريف أَبُو الْعَبَّاس الصفراوي وَبدر الدّين نَاظر الْخَاص والصواف تَاجر صرغتمش. فَأول مَا بدأوا بِهِ من نكايته أَن حسنوا لصرغتمش حَتَّى بعث إِلَيْهِ الصَّدْر عمر وشهود الخزانة فَشَهِدُوا عَلَيْهِ فِي مَكْتُوب أَن جَمِيع مَا بِيَدِهِ من الدّور والبساتين والأراضي مَا وَقفه مِنْهَا وَمَا هُوَ طلق - جَمِيعه اشْتَرَاهُ من مَال السُّلْطَان دون مَاله وَأَنه ملك للسُّلْطَان لَيْسَ فِيهِ شَيْء قل أَو جلّ. ثمَّ حسنوا لَهُ ضرّ بِهِ فَأمر بِهِ فَأخْرج بكرَة يَوْم وَفِي عُنُقه باشة وجنزير وَضرب عُريَانا قُدَّام بَاب قاعة الصاحب من القلعة. ثمَّ أُعِيد إِلَى مَوْضِعه وعصر وَسَقَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 171 المَاء وَالْملح. ثمَّ سلم لشاد الدَّوَاوِين وَأمر بقتْله فنوع عُقُوبَته. فَمنع الْأَمِير شيخو من قَتله فَأمْسك عَنهُ ورتب لَهُ الْأكل وَالشرب وغيرت عَنهُ ثِيَابه وَنقل من قاعة الصاحب إِلَى بَيت الْأَمِير صرغتمش. وَفِي يَوْم الْأَحَد رَابِع عشر ذِي الْقعدَة: قبض على الْأُمَرَاء قمارى الْحَمَوِيّ وَشَعْبَان قريب يلبغا وَمُحَمّد بن بكتمر الحاحب ومأمور وحملوا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجنوا بهَا ماعدا شعْبَان فَإِنَّهُ أخرج إِلَى دمشق. وَفِيه قدمت رسل الْأَشْرَف بن جوبان أَنه يُرِيد محاربة أرتنا نَائِب الرّوم وَطلب أَلا يدْخل السُّلْطَان بَينهمَا فَأُجِيب عَن ذَلِك. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ خَامِس عشره: قدم الْأَمِير نَاصِر الدّين بن المحسني. وَفِي أول ذِي الْحجَّة: قرر على أَتبَاع ابْن زنبور مَال وَأَفْرج عَنْهُم فَكَانَت جملَة ذَلِك سِتّمائَة وَسبعين ألف دِرْهَم. وَفِي خامسه: وصل أَمِير عَليّ المارديني نَائِب الشَّام إِلَى دمشق صُحْبَة الْأَمِير عز الدّين أزدمر الخازاندر متسفره وَركب أَمِير على الموكب على الْعَادة. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامن عشريه: قدم الْبَرِيد من حلب بِأخذ أَحْمد الساقي نَائِب حماة وبكلمش نَائِب طرابلس من عِنْد ابْن دلغادر وَقد قبضهما. فدخلا حلب فِي حادي عشريه وسجنا بقلعتها فَأُجِيب الْأَمِير أرغون الكاملي نَائِب حلب بالشكر وَالثنَاء وَأَنه يشهر الْمَذْكُورين بحلب ويقتلهما وجهز لنائب حلب خلعة. وَفِيه قدم الْخَبَر من غَزَّة بِكَثْرَة الأمطار الَّتِي لم يعْهَد بغزة مثلهَا وَأَنه هدم عدَّة بيُوت كَثِيرَة مِنْهَا على أهاليها وَسقط نصف دَار النِّيَابَة وَسكن النَّائِب بِجَامِع الجاولي وَتلف مَا زرع من كَثْرَة الْمِيَاه. ثمَّ سقط ثلج كثير حَتَّى تعدى الْعَريش. وَفِيه كَانَت الأمطار بأراض كَثِيرَة جدا وَسقط الثَّلج بِنَاحِيَة بركَة الْحَبَش وعَلى الْجَبَل وبأراضي الجيزة. وَأما النّيل فان القاع جَاءَ ثَلَاثَة أَذْرع وَثلث وتوقفت الزِّيَادَة أَيَّامًا. ثمَّ زَاد فِي كل يَوْم مَا بَين أَرْبَعِينَ وَثَلَاثِينَ وَعشْرين إصبعاً حَتَّى كَانَ الْوَفَاء فِي يَوْم الثُّلَاثَاء حادي عشري جُمَادَى الْآخِرَة وثالث عشر مسرى وَنُودِيَ بِزِيَادَة عشر أَصَابِع من سَبْعَة عشر ذِرَاعا وانتهت زِيَادَته إِلَى ثَمَانِيَة عشر ذِرَاعا وَتِسْعَة عشر أصبعاً. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 172 وفيهَا وَقع بِدِمَشْق حريق عَظِيم عِنْد بَاب جيرون عدم فِيهِ الْبَاب النّحاس الْأَصْفَر الَّذِي لم ير مثله وَيَزْعُم أهل دمشق أَنه من بِنَاء جيرون بن سعيد بن عَاد بن أرم بن سَام بن نوح. وفيهَا ولي الْأَمِير بكتمر المؤمني شاد الدَّوَاوِين عوضا عَن الْأَمِير يلك أَمِير آخور بعد مَوته بغزة. وَكَانَ قد توجه إِلَى الْحجاز فَتوجه النجاب لإحضاره حَتَّى قدم وَاسْتقر بعناية الْأَمِير شيخو وتعيينه لَهُ. وَفِيه تولى نظر خزانَة الْخَاص قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أبي بكر الأخنائي ثمَّ استعفي مِنْهَا بعد الْقَبْض على ابْن زنبور فولى عوضه تَاج الدّين الْجَوْجَرِيّ. وَمَات فِيهَا من الْأَعْيَان أرتنا نَائِب الرّوم من قبل بوسعيد. وَتُوفِّي بدر الدّين حسن بن عَليّ بن أَحْمد الْغَزِّي الْمَعْرُوف بالزغاري الدِّمَشْقِي الأديب الشَّاعِر عَن نَيف وَخمسين سنة بِدِمَشْق فِي لَيْلَة الْخَمِيس حادي عشر رَجَب ومولده سنة سِتّ وَسَبْعمائة. وَتُوفِّي الْعَضُد عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن عبد الْغفار الْعِرَاقِيّ شَارِح الْمُخْتَصر والمواقف. ولي قَضَاء مملكة أبي سعيد. وَتُوفِّي الْأَمِير فَاضل أَخُو بيبغا روس بحلب وَكَانَ عسوفاً. وَمَات الْأَمِير يلك أَمِير آخور بغزة وَهُوَ عَائِد إِلَى الْقَاهِرَة وَتُوفِّي شمس الدّين مُحَمَّد بن سُلَيْمَان القفصي أحد نواب الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق. وَتُوفِّي بهاء الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن سعيد وَالْمَعْرُوف بِابْن إِمَام المشهد الْفَقِيه الشَّافِعِي بِدِمَشْق فِي ثامن عشرى رَمَضَان وَقد أناف على السِّتين وَولي حسبَة دمشق وَقدم الْقَاهِرَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 173 وَتُوفِّي شهَاب الدّين يحيى بن إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن خَالِد بن مُحَمَّد بن نصر الْمَعْرُوف بِابْن القيسراني كَاتب السِّرّ لدمشق وَهُوَ بطال عَن نَيف وَخمسين سنة. وَتُوفِّي نَاظر الخزانة تَاج الدّين ابْن بنت الْأَعَز. وَمَات الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن بيليك الحسني وَالِي دمياط. وَكَانَ فَقِيها شافعياً شَاعِرًا أديباً نظم كتاب التَّنْبِيه فِي الْفِقْه وَكتب عدَّة مصنفات وَمَات الْأَمِير منكلى بغا الفخري قدم الْخَبَر بوفاته مستهل جُمَادَى الأولى. وَمَات الْحَاج عمر مهتار السُّلْطَان يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي جُمَادَى الأولى. وَمَات سيف الدّين خَالِد بن الْمُلُوك بالقدس فِي أول رَمَضَان. وَمَات الْأَمِير تمر بغا لَيْلَة الْأَرْبَعَاء رَابِع عشري رَجَب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 174 (سنة أَربع وَخمسين وَسَبْعمائة) شهر الله الْمحرم أَوله الْخَمِيس: فِيهِ قدم الْخَبَر من مُتَوَلِّي مَدِينَة قوص بقدوم رسل الْملك الْمُجَاهِد على بن الْمُؤَيد دَاوُد ابْن المظفر يُوسُف بن مَنْصُور عمر بن عَليّ بن رَسُول متملك الْيمن إِلَى عيذاب بهدية. فتوحه الْأَمِير آقبحا الْحَمَوِيّ لملاقاتهم وصحبته الإقامات من الأنزال والعلوفات والطبائخ وَنَحْو ذَلِك. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سابعه: قدم الْبَرِيد من حلب بِالْقَبْضِ على الْأَمِير قراجا بن دلغادر مقدم التركمان فسر أهل الدولة بذلك. وَفِيه قدم الْأَمِير جنتمر أَخُو طاز برأسي الْأَمِير بكلمش والأمير أَحْمد الساقي وَقد قتلا بحلب. وَفِي هَذَا الشَّهْر: حملت رمتا وَالِد الْأَمِير طاز وأخيه جركس. وَكَانَ أَبوهُ قدم إِلَى مصر من بِلَاد التّرْك فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَسَبْعمائة فَتَلقاهُ وأكرمه وَأدْخلهُ فِي دين الْإِسْلَام وَخَتنه. ثمَّ توجه أَبوهُ هَذَا بعد مُدَّة عَائِدًا إِلَى بِلَاده بِحجَّة أَن يَسُوق بَقِيَّة أَهله فَهَلَك بالمعرة وَدفن بهَا فَبنى نَائِب حلب على قَبره تربة. ثمَّ لما توجه الْأَمِير طاز بالعسكر إِلَى حلب هلك أَخُوهُ جركس فدفنه بالمعرة مَعَ أَبِيه ثمَّ بدا لَهُ فِي نقلهما إِلَى مصر فنقلهما فِي هَذَا الشَّهْر ودفنهما خَارج بَاب المحروق ظَاهر الْقَاهِرَة فِي تربة أَنْشَأَهَا هُنَاكَ ورتب بهَا الْقُرَّاء وَغير ذَلِك من أَرْبَاب الْوَظَائِف وَجعل لَهَا أوقافاً دارة وَعمل لقدومهما عدَّة مجتمعات ختم فِيهَا الْقُرْآن الْكَرِيم على قبريهما. وَحصر تِلْكَ المجتمعات مَعَه الْأُمَرَاء والأعيان فاحتفل لذَلِك احتفالا زَائِدا. وَفِي ثامن عشره: قدم شيخ الشُّيُوخ زكي الدّين الْمَلْطِي من بِلَاد الْهِنْد فَتَلقاهُ طوائف النَّاس وطلع قلعة الْجَبَل. فَخلع عَلَيْهِ بَين يَدي السُّلْطَان وَحمل على بغلة رائعة بزنارى وَاسْتقر على مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي مشيخة الخانكاه الناصرية بسرياقوس. وَقد تقدم سَفَره فِي شهر ربيع الأول سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين فَكَانَت غيبته بِالْهِنْدِ عشر سِنِين وَتِسْعَة أشهر وَعَاد بِغَيْر طائل. وَلم يرض الْأَمِير صرغتمش بولايته. وَفِي يَوْم السبت سَابِع عشريه: أُعِيد الْوَزير ابْن زنبور إِلَى تَسْلِيم قشتمر شاد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 175 الدَّوَاوِين وَأمر بقتْله فعاقبه بقاعة الصاحب من قلعة الْجَبَل أَشد عُقُوبَة. فشق ذَلِك على الْأَمِير شيخو وعتب الْأَمِير طاز والأمير صرغتمش وَأَغْلظ فِي القَوْل وَمنع من التَّعَرُّض لِابْنِ زنبور وَأخرجه بعد الْمغرب من لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ تَاسِع عشريه وَحمله فِي النّيل إِلَى قوص. وَكَانَت مُدَّة شدته ثَلَاثَة أشهر. وَلما قدم الْحَاج أخبروا أَن الشريف عجلَان مضى قبل قدوم الْحَاج إِلَيْهِ من مَكَّة يُرِيد جدة لأخذ مكس التُّجَّار الواردين فِي الْبَحْر. فَبعث اليه أَخُوهُ ثقبة يطْلب نصِيبه من ذَلِك فَأبى عجلَان أَن يدْفع لَهُ شَيْئا فَركب إِلَيْهِ ولقيه. فَلَمَّا نزلا غدر ثقبة بعجلان وقبص عَلَيْهِ وَقَيده وأسلمه لمن يحفظه وَركب ليَأْخُذ أَمْوَال عجلَان من وَادي نَخْلَة. فَلَمَّا أبعد ثقبة فِي السّير أفرج الموكلون بعجلان عَنهُ وأطلقوه فَرمى نَفسه على عرب بِالْقربِ مِنْهُ وتذمم مِنْهُم. فأنزلوه عِنْدهم وأركبوه لَيْلًا وصاروا بِهِ إِلَى بني حسن وَبني شُعْبَة وَأقَام عجلَان مَعَهم خَارج مَكَّة وَمن الْأَخْبَار كَذَلِك أَن الْحَاج لما قدم مَكَّة لم يجد بهَا أحدا من بني حسن وَلَا من العبيد وَأَن أسعار مَكَّة رخية وَأَن الْمُجَاهِد بِالْيمن منع التُّجَّار من الْمَجِيء إِلَى مَكَّة غيظا من أمرائها. وَفِي أول صفر: قَامَ الْأَمِير صرغتمش فِي أَمر أوقاف ابْن زنبور يُرِيد حلهَا وَبَيْعهَا وَقد حسن لَهُ ذَلِك الشريف شرف الدّين عَليّ بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد نقيب الْأَشْرَاف والشريف أَبُو الْعَبَّاس الصفراوي ولقناه فِي ذَلِك أموراً يحْتَج بهَا مِنْهَا أَن السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون لما قبض على كريم الدّين الْكَبِير أَرَادَ أَخذ أوقافه فَلم يُوَافقهُ على ذَلِك قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة فندب السُّلْطَان من شهد على كريم الدّين بإشهاده لَهُ على نَفسه أَن جَمِيع مَا ملكه من الْعقار وَغَيره - وَقفه وطلقه - هُوَ من مَال السُّلْطَان دون مَاله. فَلَمَّا ثَبت ذَلِك بطريقة صَارَت أَمْلَاك كريم الدّين بأجمعها للسُّلْطَان فَأقر مَا كَانَ مِنْهَا وَقفا على حَاله وسعاه الْوَقْف الناصري وَتصرف فِيمَا لَيْسَ بوقف. فَلَمَّا اجْتمع الْقُضَاة الْأَرْبَعَة بدار الْعدْل من قلعة الْجَبَل فِي يَوْم الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة على الْعَادة كَلمهمْ الْأَمِير صرغتمش فِي حل أوقاف ابْن زنبور فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين عبد الْعَزِيز بن جمَاعَة فِي الْإِنْكَار لذَلِك وساعده قَاضِي الْقُضَاة موفق الدّين عبد الله الْحَنْبَلِيّ وجبه صرغتمش بِكَلَام خشن وَقَالَ لَهُ: أخربت الْبَلَد بشرك يَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 176 صبي. هَذَا وصرغتمش يحاججهم وَيذكر قَضِيَّة أوقاف كريم الدّين فأجاباه بِأَن كريم الدّين كَانَت بِيَدِهِ جَمِيع أَمْوَال السُّلْطَان كلهَا مَا بَين خزانته وحواصله ومتاجره يتَصَرَّف فِيهَا بِرَأْيهِ فَلهَذَا سَاغَ أَن يثبت الْإِشْهَاد عَلَيْهِ بِأَن جَمِيع أملاكه وعقاراته وَغَيرهَا إِنَّمَا هِيَ من مَال السُّلْطَان دون مَاله. وَأما من لَهُ مَال من متجر أَو اكْتَسبهُ من مُبَاشرَة وَنَحْوهَا فَلَيْسَ لأحد أَن يتَعَرَّض لمَاله وَلَا يجوز نقض شىء وَقفه من ذَلِك وَلَا أَخذ مَا ملكه أَو وهبه من يَد من هُوَ فِي أَيْديهم فَإِن جَمِيع تَصَرُّفَاته فِي مَاله سَائِغَة بطريقها. فَذكر لَهُم صرغتمش أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ شاطر عماله وَمَال الْوَزير جَمِيعه إِنَّمَا هُوَ مَال السُّلْطَان. فَعرض لَهُ قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين بِذكر الشريفين عَليّ بن حُسَيْن وَأبي الْعَبَّاس الصفراوي وَقَالَ يَا أَمِير: إِن كنت تبحث مَعنا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة بحثنا مَعَك وَإِن كَانَ أحد ذكرهَا لَك فليحضر حَتَّى نناظره فِيهَا فَإِنَّهُ مَا قصد بِذكر هَذِه الْمَسْأَلَة إِلَّا مصادرة سَائِر النَّاس وَأخذ أَمْوَالهم وَقَامُوا على الِامْتِنَاع وَالْإِنْكَار على من يُرِيد هَذَا وَنَحْوه. وَكَانَ صرغتمش قد وعد أم السُّلْطَان بِالدَّار الْمَعْرُوفَة بالسبع قاعات من أوقاف ابْن زنبور فَبعث لقَاضِي الْقُضَاة عز الدّين فِي ذَلِك فخوفها عَاقِبَة ذَلِك ومازال بهَا حَتَّى أَعرَضت عَن طلبه. فشق ذَلِك على الْأَمِير صرغتمش وَاشْتَدَّ حنقه حَتَّى مرض عدَّة أَيَّام مَرضا خيف عَلَيْهِ مِنْهُ فَتصدق بأموال جزيلة على الْفُقَرَاء وافتك أهل السجون. وَفِي أثْنَاء ذَلِك اتّفق الأميران شيخو وطاز على عزل صرغتمش من وَظِيفَة رَأس نوبَة ليقل شَره وتنحط رتبته وَيعود الْأَمِير شيخو رَأس نوبَة. فَلَمَّا عوفي صرغتمش نزل من القلعة إِلَى إصطبله المجاور لمدرسته فأشعلت لَهُ الشموع وَفَرح بِهِ سكان الصليبة وَتصدق صرغتمش بِمَال كَبِير. وَفِيه اجْتمع الْأُمَرَاء بِالْقصرِ بَين يَدي السُّلْطَان فِي الْخدمَة على الْعَادة وَذكروا أَمر توقف حَال الدولة من قلَّة حَاصِل بَيت المَال وخزانة الْخَاص وَأَن الْوَقْت مُحْتَاج إِلَى نظر الْأَمِير شيخو. وَكَانَ الْأَمِير شيخو مُنْذُ خرج من وَظِيفَة رَأس نوبَة ووليها الْأَمِير صرغتمش ترك التحدث فِي أَمر الدولة لصرغتمش وَصَارَ كالمشير. فَلَمَّا عينه الْأُمَرَاء فِي هَذَا الْيَوْم للتحدث كَمَا كَانَ امْتنع عَلَيْهِم فمازالوا بِهِ حَتَّى ألبوه التشريف وَولي على عَادَته بعد مَا شَرط عَلَيْهِم أَلا يتحدث أحد فِي أَمر جليل وَلَا حقير غَيره فَأَجَابُوا إِلَى ذَلِك. وَفِيه خلع أَيْضا على الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن بدر الدّين بيليك المحسني وَاسْتقر مشير الدولة رَفِيقًا للصاحب موفق الدّين على قَاعِدَة الأكوز فِي الدولة الناصرية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 177 وَفِيه اسْتَقر سيف الدّين قطلو شاد الدَّوَاوِين أَمِير طبلخاناه كَمَا كَانَ لُؤْلُؤ مَعَ الأكوز وَقيل للوزير أَلا يفصل أمرا دونهمَا وخرحوا من الْخدمَة. فَجَلَسَ ابْن المحسني من دَاخل الشباك بدار الوزارة من القلعة تجاه الْوَزير وَأمر بِكِتَابَة كلف الدولة. وَأَقْبل النَّاس إِلَى بَاب الْأَمِير شيخو فَصَارَت أُمُور الدولة كلهَا تصدر عَنهُ حَتَّى الإقطاعات. وَفِيه رسم بِإِبْطَال المقايضات والنزولات فِي الإقطاعات فَبَطل ذَلِك بعد مَا كَانَ قد فحش الْأَمر فِيهِ وَأخذ كتاب الْجَيْش مِنْهُ مَالا جزيلا. فتعطل كتاب الْجَيْش بِسَبَب ذَلِك ولاسيما بعد أَن رسم لَهُم أَلا يَأْخُذُوا رسماً فِي كل منشور أَو محاسبة سوى ثَلَاثَة دَرَاهِم وَكَانَ رسم ذَلِك عشْرين درهما. وَفِيه اسْتَقر أَن الْوَزير والمشير وَنَحْوهمَا يحْضرُون كل يَوْم إِلَى مجْلِس الْأَمِير شيخو ويطالعونه. بِمَا تحصل وَانْصَرف ويحضر إِلَيْهِ نَاظر الْجَيْش من الأشغال مَا شَاءَ حَتَّى تعطل حكم الْأَمِير قبلاي نَائِب السلطنة. وَفِي ربيع الأول: ورد الْخَبَر بوصول الصاحب علم الدّين بن زنبور إِلَى قبرص سالما وَقد نفي إِلَيْهَا. وَفِيه رفعت يَد نَاظر الْخَاص من وقف الصَّالح إِسْمَاعِيل وفوض نظره إِلَى الْأَمِير عز الدّين أزدمر الخازندار. وَفِيه قدم الْخَبَر بوصول الْأَمِير بيبغا روس إِلَى حلب وَقَتله فَكتب إِلَى الْأَمِير أرغون الكاملي نَائِب حلب بالشكر وَالثنَاء وَعمل وَحمل اليه تشريف وَأمر أَن يعْمل الْحِيلَة فِي إِحْضَار قراجا بن دلغادر وجهز إِلَيْهِ تشريف برسمه وتقليد تقدمة التركمان فاستدعاه الْأَمِير أرغون الكاملي نَائِب حلب ليلبس التشريف السلطاني وَيقْرَأ عَلَيْهِ التَّقْلِيد بِحَضْرَة أُمَرَاء حلب فَاعْتَذر عَن حُضُوره. فَلَمَّا قدم كتاب الْأَمِير أرغون الكاملي نَائِب حلب بذلك كتب لَهُ بالركوب اليه ومحاربته فَاعْتَذر بِأَنَّهُ قد حلف لَهُ قبل ذَلِك بِأَنَّهُ إِن سير إِلَيْهِ بيبغا روس لَا يحاربه. فشق ذَلِك على الْأُمَرَاء وَكَتَبُوا إِلَيْهِ بالإنكار عَلَيْهِ وجهز لَهُ الْأَمِير عز الدّين طقطاي الدوادار وَمَعَهُ الْكتب إِلَى نواب الشَّام بنجدة الْأَمِير أرغون الْكَامِل نَائِب حلب على قتال ابْن دلغادر فَسَار طقطاي فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ مستهل شهر ربيع الآخر. وَفِيه انحطت رُتْبَة الشريف أبي الْعَبَّاس الصفراوي. بِمَنْع الْأَمِير شيخو لَهُ من عبوره إِلَى دَاره وصعوده إِلَى القلعة. فثار عَلَيْهِ أعداؤه ونفوه من الشّرف وشنعوا عَلَيْهِ فالتجأ الشريف أَبُو الْعَبَّاس إِلَى الْأَمِير طاز حَتَّى كف عَنهُ من يقاومه. وَفِي يَوْم الْخَمِيس رابعه: سمر عِيسَى بن حسن شيخ العايد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 178 وَفِيه أعرس الْأَمِير أَخُو طاز بابنة الْأَمِير آقسنقر أنعم عَلَيْهِ بسبعة آلَاف دِينَار ومائتي قِطْعَة قماش وَعمل لَهُ مُهِمّ جليل. وَفِيه قدم من الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة جمَاعَة يَشكونَ من قاضيها شمس الدّين مُحَمَّد بن سبع فعين عوضه بدر الدّين ابراهيم بن أَحْمد بن عِيسَى الخشاب فَلم يجب حَتَّى اشْترط أَلا يُقيم بهَا سوى سنة وَاحِدَة وَأَن تَسْتَقِر وظائفه الَّتِي بِالْقَاهِرَةِ بيد نوابه فَأُجِيب بدر الدّين إِلَى ذَلِك وَولي قَضَاء الْمَدِينَة. وعزل أَيْضا عَن قَضَاء الْإسْكَنْدَريَّة لسوء سيرته وَولي عوضه الربعِي. وَفِيه اسْتَقر صدر الدّين سُلَيْمَان بن عبد الْحق فِي نظر الأحباس عوضا عَن شمس الدّين بن الصاحب. وَفِي يَوْم السبت حادي عشر ربيع الآخر: قدمت رسل الْمُجَاهِد صَاحب الْيمن وَمَعَهُمْ ابْنه الْملك النَّاصِر وعمره إِحْدَى عشرَة سنة. فأنزلوا بالميدان وَنزل اليهم الْأَمِير طاز حَتَّى عرضت عَلَيْهِ الْهَدِيَّة ثمَّ تمثلوا بَين يَدي السُّلْطَان بهديتهم قدر سِتِّينَ رَأْسا من الرَّقِيق بَقِيَّة ثَلَاثمِائَة مَاتُوا ومائتي شاش وَأَرْبَعمِائَة قِطْعَة صيني وَمِائَة وَخمسين نافجه مسك وَقرن زباد وعدة تفاصيل وَمِائَة وَخمسين قِنْطَارًا من الفلفل وَأَشْيَاء مَا بَين زنجبيل وَعَنْبَر وأفاويه وفيل وَاحِد وَذَلِكَ سوى هَدِيَّة لكل من الْأَمِير شيخو وطاز وقبلاي نَائِب السلطنة وللوزير علم الدّين بن زنبور. فَحملت الْهَدِيَّة السُّلْطَانِيَّة إِلَى الصاحب موفق الدّين فَلم يرض الْأُمَرَاء بذلك فَإِن هَدِيَّة الْمُؤَيد للْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون كَانَ فِيهَا قدر ألفي شاش. وَمَعَ ذك فَإِنَّهُ أنْفق على الرُّسُل مُنْذُ قدمُوا عيذاب إِلَى وصلوا إِلَى الميدان نَحْو مِائَتي ألف دِرْهَم وخلع على الْجَمِيع وتقرر لَهُم فِي كل يَوْم خَمْسمِائَة دِرْهَم وَلم يبْق أحد من الْأُمَرَاء حَتَّى عمل لَهُم ضِيَافَة. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشره: صلى قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين عبد الْعَزِيز بن جمَاعَة بالسلطان الْجُمُعَة على الْعَادة ثمَّ اجْتمع بالسلطان وَعِنْده الْأَمِير شيخو واستعفي من الْقَضَاء فَإِنَّهُ عزم على الْحَج والمحاورة وَاعْتذر بكبر سنه. فَلم يجب إِلَى ذَلِك فَمَا زَالَ يتلطف ويترفق حَتَّى - أُجِيب بِشَرْط أَن يعين للْقَضَاء من يختاره. فعين صهره وخليفته الجزء: 4 ¦ الصفحة: 179 على الحكم قَاضِي الْعَسْكَر تَاج الدّين مُحَمَّد بن إِسْحَاق الْمَنَاوِيّ فولاه السُّلْطَان الْقَضَاء وَأشْهد عَلَيْهِ بذلك فِي غيبته وانفضوا على ذَلِك. فَامْتنعَ الْمَنَاوِيّ من الْقبُول فَمَا زَالَ بِهِ قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين حَتَّى قبل فِي يَوْم السبت ثامن عشره. وَولي الْمَنَاوِيّ سهاب الدّين أَحْمد بن يُوسُف بن مُحَمَّد الْحلَبِي الْمَعْرُوف بِالسِّين وَغَيره فبادر النَّاس للسعي فِي وظائفه وَكَانَت جليلة وَكتب الْمَنَاوِيّ لبهاء الدّين أَحْمد بن تَقِيّ الدّين بن عَليّ بن السُّبْكِيّ بِقَضَاء الْعَسْكَر. وَمَا أذن عصر يَوْم السبت حَتَّى اجْتمع عِنْد الْأَمِير شيخو نَحْو سِتِّينَ قصَّة رفعت اليه بالسعي فِي وظائف الْمَنَاوِيّ فَقَامَ قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين عبد الله الْحَنَفِيّ وقاضي الْقُضَاة موفق الدّين عبد الله الْحَنْبَلِيّ فِي عود ابْن جمَاعَة إِلَى الْقَضَاء ومازالا بالأمير شيخو حَتَّى بعث بالأمير عز الدّين أزدمر الخازندار إِلَيْهِ فتلطف بِهِ إِلَى أَن أجَاب إِلَى استقراره فِي الْقَضَاء على عَادَته وَأَنه يتَوَجَّه إِلَى الْحجاز ويستخلف على الحكم والأوقاف إِلَى أَن يعود أَو تُدْرِكهُ الْوَفَاة. فاستدعي ابْن جمَاعَة فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ خَامِس عشريه وجددت لَهُ ولَايَة ثَانِيَة وخلع عَلَيْهِ وَنزل فِي موكب عَظِيم إِلَى دَاره. وَفِي يَوْم السبت: الْمَذْكُور توجه عز الدّين أيدمر السناني إِلَى الشَّام وَقدم الْأَمِير طقطاى الدوادار من حلب وَقد ألزم الْأَمِير أرغون الكاملي نَائِب حلب حَتَّى سَار لِحَرْب ابْن دلغادر وَأَتَاهُ نواب القلاع حَتَّى صَار فِي عشرَة آلَاف فَارس سوى الرجالة والتركمان. وَنزل الْأَمِير أرغون الكاملي على الأبلستين فنهبها وهدمها وَتوجه إِلَى قراجا بن دلغادر وَقد امْتنع بجبل عَال فقاتلوه عشْرين يَوْمًا فَقتل فِيهَا وجرح عدد كثير من الْفَرِيقَيْنِ. فَلَمَّا طَال الْأَمر نزل إِلَيْهِم قراجا بن دلغادر وَقَاتلهمْ صَدرا من النَّهَار قتالا شَدِيدا فاستمر الْقَتْل فِي تركمانه وَانْهَزَمَ إِلَى جِهَة الرّوم فَأخذت أَمْوَاله ومواشيه. وَصعد الْعَسْكَر إِلَى جبل فوجدوا فِيهِ من الأغنام والأبقار مَا لَا يكَاد ينْحَصر فاحتووا عَلَيْهَا بِحَيْثُ ضَاقَتْ أَيْديهم عَنْهَا وأبيع الرَّأْس من الْبَقر بِعشْرين إِلَى ثَلَاثِينَ درهما وَالرَّأْس من الضان بِثَلَاثَة دَرَاهِم والإكديش من أَرْبَعِينَ إِلَى خمسين درهما. وسبيت نساؤه وَنسَاء تركمانه وَأَوْلَاده وبيعوا بحلب وَغَيرهَا بالهوان فَكَانَت خِيَار بَنَاته تبَاع بِخَمْسِمِائَة دِرْهَم وظفروا بدفائن فِيهَا مَال كَبِير. وَفِي هَذَا الشَّهْر: أعلن بعض النَّصَارَى الواردين من الطّور بالقدح فِي الْملَّة الإسلامية فأحضر إِلَى القَاضِي تَاج الدّين الْمَنَاوِيّ وَسَأَلَهُ الْمَنَاوِيّ عَن سَبَب قدومه فَقَالَ: جِئْت أعرفكُم أَنكُمْ لَسْتُم على شَيْء وَلَا دين الا دين النَّصْرَانِيَّة وَمَا قلت هَذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 180 إِلَّا لكَي أَمُوت شَهِيدا فَضَربهُ الْمَنَاوِيّ بالمقارع ضربا مبرحاً مُدَّة أُسْبُوع وَهُوَ يَقُول: عجل على الْقَتْل حَتَّى ألحق بِالشُّهَدَاءِ فَيَقُول لَهُ: مَا أعجل عَلَيْك غير الْعقُوبَة ثمَّ ضربت عُنُقه وأحرقت جثته. وَفِيه قدم الْبَرِيد من حلب بِأَن ابْن دلغادر لما انهزم تبعه الْعَسْكَر وأسروا ولديه وَنَحْو الْأَرْبَعين من أَصْحَابه وَنَجَا بِخَاصَّة نَفسه إِلَى ابْن أرتنا وَقد سبق الْكتاب إِلَيْهِ بإعمال الْحِيلَة فِي قَبضه. فَأكْرمه ابْن أرتنا وأواه ثمَّ قبض عَلَيْهِ وَحمله إِلَى حلب فَدَخلَهَا وسجن بقلعتها فِي ثَانِي عشرى شعْبَان. فَكتب إِلَى الْأَمِير أرغون الكاملي نَائِب حلب بِحمْلِهِ إِلَى مصر وأنعم عَلَيْهِ بِخَمْسِمِائَة ألف دِرْهَم مِنْهَا ثَلَاثمِائَة ألف من مَال دمشق وَبَاقِيه من مَال حلب. وأعفي الْأَمِير أرغون من تسيير الْقود الَّذِي جرت عَادَة نواب حلب بِحمْلِهِ إِلَى السُّلْطَان من الْخَيل وَالْجمال البخاتي والهجن والعراب وَمن البغال والقماش والجواري والمماليك وَقِيمَته خَمْسمِائَة ألف دِرْهَم. فَعظم بذلك شَأْن الْأَمِير أرغون الكاملي نَائِب حلب فَإِنَّهُ مَعَ صغر سنه كَانَ لَهُ أَرْبَعَة مماليك أُمَرَاء وَله ولد عمره ثَلَاث سِنِين أَمِير مائَة مقدم ألف فَلَمَّا مَاتَ هَذَا الْوَلَد أضيفت تقدمته إِلَى إقطاع النِّيَابَة وَكَانَ لأربعة من أخوته القادمين من الْبِلَاد وأقاربه أَربع إمرات. وَفِي ثَالِث جُمَادَى الْآخِرَة: سَافر الْأَمِير حسام الدّين طرنطاي إِلَى الْبِلَاد الشامية بعدة خُيُول لنواب الشَّام. وَفِي خامسه: عزل الْأَمِير بكتمر المؤمني أُمِّي آخور وَاسْتقر عوضه الْأَمِير قندس. وَكَانَ من خير آل مهنا أَنهم قووا وفخم أَمرهم حَتَّى صَار من أَوْلَاد مهنا بن عِيسَى وَأَوْلَادهمْ نَحْو مائَة وَعشرَة مَا مِنْهُم إِلَّا وَمن لَهُ إمرة وإقطاع. فبطروا وشنوا الغارات على الْبِلَاد وَقَطعُوا الطرقات على التُّجَّار حَتَّى امْتنعت السابلة وَذَلِكَ بعد موت السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد فَقبض على فياض وسجن واستقرت الإمرة لِأَخِيهِ جَبَّار فسكن الشَّرّ وسافرت القوافل. ثمَّ خلص فياض من السجْن بشفاعة الْأَمِير مغلطاي أَمِير آخور وَركب من الْقَاهِرَة وَلحق بأَهْله فَلَمَّا خامر بيبغا روس كتب لَهُ بالإمرة فَبعث أَوْلَاده بتقدمته. ثمَّ قدم سيف بن فضل فولى الإمرة وعزل فياض فَلم يُحَرك سَاكِنا حَتَّى توجه الْأَمِير أرغون الكاملي نَائِب حلب لقِتَال ابْن دلغادر فَكثر طمعه وفساده. ثمَّ ركب جَبَّار وفياض ابْنا مهنا إِلَى إقطاعاتهم الَّتِي خرجت عَنْهُم لسيف بن فضل وبريد بن تتر وقسموها وَرفعُوا مغلاتها. فَلم يطق سيف معارضتهم لقوتهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 181 وَكَثْرَة جمعهم فَبعث يعرفهُمْ أَن هَذِه الْبِلَاد قد أقطعها لَهُ السُّلْطَان فَردا عَلَيْهِ جَوَابا جَافيا. فَكتب إِلَيْهِمَا الْأَمِير أرغون الكاملي نَائِب حلب يعتب عَلَيْهِمَا فَلم يذعنا لَهُ فَكتب إِلَى السُّلْطَان والأمراء بذلك فَكتب إِلَيْهِمَا بالقدوم إِلَى الحضرة فاعتذرا عَن الْحُضُور. فَتوجه الْأَمِير قشتمر الحاحب لإحضار الْجَمِيع على الْبَرِيد فِي نصف شعْبَان فَلم يوافقاه وأجابا بالاعتذار فَعَاد قشتمر. وَقدم عمر بن مُوسَى بن مهنا بِهِ بقوده وسعى فِي الإمرة فأدركه سيف بن فضل بعد حُضُور الْأَمِير قشتمر وسعى حَتَّى اسْتَقر على إمرته شَرِيكا لعمر بن مُوسَى. وَفِيه أَيْضا كثر عَبث العربان بِبِلَاد الصَّعِيد وقووا على المقطعين وَقَامَ من شيوخهم رجل أحدب فَجمع جمعا كَبِيرا وَتسَمى بالأمير. فَقدم الْخَبَر فِي شعْبَان بِأَنَّهُم كبسوا نَاحيَة ملوى وَقتلُوا بهَا نَحْو ثَلَاثمِائَة رجل ونهبوا المعاصر وَأخذُوا حواصلها وذبحوا أبقارها وَأَن عرب منفلوط والمراغة وَغَيرهم قد نافقوا وَقَطعُوا بعض الجسور بالأشمونين. فَوَقع الِاتِّفَاق على الرّكُوب عَلَيْهِم بعد تخضير الْأَرَاضِي بالزراعة وَكتب إِلَى الْوُلَاة بتجهيز الإقامات. وَفِي يَوْم السبت سَابِع عشرى جُمَادَى الْآخِرَة: عمل الْأَمِير طاز وَلِيمَة عَظِيمَة بداره الَّتِي عمرها بِرَأْس الصليبة عِنْدَمَا كملت حضرها السُّلْطَان وَجَمِيع الْأُمَرَاء فَلَمَّا انْقَضى السماط قدم الْأَمِير طاز للسُّلْطَان أَرْبَعَة أرؤس خيل مسرجة ملجمة بسروج ذهب وكنابيش ذهب مطرز وَلكُل من الأميرين شيخو وصرغتمش فرسين وَلمن عداهما من الْأُمَرَاء كل وَاحِد فرسا وَلم يعْهَد قبل ذَلِك أَن أحدا من مُلُوك التّرْك بِمصْر نزل إِلَى بَيت أَمِير. وَفِيه ورد كتاب الْأَمِير أيتمش نَائِب طرابلس وَمَعَهُ محْضر ثَابت على قاضيها يتَضَمَّن أَن امْرَأَة من أهل طرابلس اسْمهَا نفيسة جميلَة الصُّورَة تزوجت بِثَلَاثَة أَزوَاج وَلم يقدر وَاحِد مِنْهُم على بَكَارَتهَا من غير مَانع مِنْهُم وظنوا أَنَّهَا رتقاء وطبقوها وَاحِدًا بعد وَاحِد. فَلَمَّا بلغت خمس عشرَة سنة غر ثدياها واعتراها النّوم لَيْلًا وَنَهَارًا وَصَارَ يخرج من فرجهَا شَيْء قَلِيلا قَلِيلا إِلَى أَن تشكل مِنْهُ ذكر صَغِير وأنثيين فكتمت أمرهَا إِلَى أَن خطبهَا رجل رَابِع وَلم يبْق إِلَّا العقد عَلَيْهَا فأطلعت أمهَا على أمرهَا فاشتهر ذَلِك بطرابلس وَأعلم بِهِ الْأَمِير أيتمش النَّائِب فَكتب بِهِ محضراً وجهزه إِلَى السُّلْطَان. وبرز الْمَذْكُور بَين النَّاس وَتسَمى عبد الله وَسَار إِلَى دمشق ووقف بَين يَدي نائبها أَمِير عَليّ فَسَأَلَهُ عَن حَاله فَأخْبرهُ. بِمَا ذكر فَأَخذه الْحَاجِب كجكن عِنْده وَأخْبر أَنه احْتَلَمَ ثَلَاث مَرَّات مُنْذُ صَار ذكرا فِي مُدَّة سِتَّة أشهر. ثمَّ نَبتَت لَهُ لحية سَوْدَاء وَصَارَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 182 من جملَة الأجناد وَلم تبْق فِيهِ من سمات النِّسَاء شَيْء سوى كَلَامه فَإِن فِيهِ أنوثة فَكتب بإحضاره إِلَى مصر فَكَانَ هَذَا من عجائب صنع الله. وَقد ذكر شَيخنَا عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن عمر بن كثير فِي تَارِيخه أَنه اجْتمع بِهِ. وَفِيه وقف السُّلْطَان الْملك الصَّالح نَاحيَة سردوس من القليوبية على كسْوَة الْكَعْبَة وَكَانَت تعْمل بدار الطّراز فَيُؤْخَذ حريرها من التُّجَّار بِغَيْر ثمن يرضيهم. وأضيف إِلَيْهَا أَرَاضِي أخر مِمَّا تغل فِي السّنة مبلغ سِتِّينَ ألف دِرْهَم وَاسْتقر نظرها لوكيل بَيت المَال فاستمر ذَلِك فِيمَا بعد. وَفِيه قدم الْأَمِير طيبغا المجدي من دمشق فَلَزِمَ بَيته وَبَقِي على إقطاعه الَّذِي بِدِمَشْق. وَفِي يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشرى رَمَضَان: وصل مقدم التركمان قراجا بن دلغادر وَهُوَ مُقَيّد فِي زنجير فأقيم بَين يدى السُّلْطَان وعددت ذنُوبه. ثمَّ أخرج إِلَى الْحَبْس فَلم يزل بِهِ إِلَى أَن قدم الْبَرِيد من حلب بِأَن جَبَّار بن مهنا استدعى أَوْلَادًا بن دلغادر فِي طَائِفَة كَبِيرَة من التركمان. لينجدوه على سيف. وَكَانَ سيف قد التجأ إِلَى بني كلاب فَالتقى الْجَمْعَانِ على تعبئة فانكسر التركمان وَقتل مِنْهُم نَحْو سَبْعمِائة رجل وَأخذ مِنْهُم سِتّمائَة إكديش. فَكتب السُّلْطَان من سرياقوس - وَكَانَ بهَا - إِلَى النَّائِب قبلاي بقتل ابْن دلغادر فَأخْرجهُ من السجْن إِلَى تَحت القلعة ووسطه فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ رَابِع عشر ذِي الْقعدَة بعد مَا أَقَامَ مسجوناً ثَمَانِيَة وَأَرْبَعين يَوْمًا. وَفِيه عزل ركن الدّين عَن مشيخة الشُّيُوخ بخانكاه سرياقوس وأعيد. وَأما العربان فَإِن الْأُمَرَاء عقدوا مشورا بَين يَدي السُّلْطَان فِي أَمرهم فتقرر الْحَال على التَّجْرِيد إِلَيْهِم فرسم للأمير سيف الدّين بزلار الْعمريّ أَن يتَوَجَّه إِلَى قوص بمضافيه وللأمير سيف الدّين أرلان والأمير قطلوبغا الذَّهَبِيّ أَن يتوجها. بمضافيهما إِلَى أَلْوَاح وتتمة ثَلَاثَة عشر مقدما. بمضافيهم من أُمَرَاء الطبلخاناه وَأَن يكون مقدمهم الْأَمِير شيخو وجهزت الإقامات برا وبحراً. فَأخذ الْعَرَب حذرهم فَتَفَرَّقُوا واختفوا وقدمت طَائِفَة مِنْهُم إِلَى مصر فَأخذُوا وَكَانُوا عشرَة. فَقبض مَا وجد مَعَهم من المَال وَحمل لأمير جندار فَإِنَّهُم كَانُوا فلاحيه وأتلفوا. فَلَمَّا برز الْحَاج إِلَى بركَة الْحجَّاج ركب الْأَمِير شيخو وَضرب حَلقَة على الركب ونادى من كَانَ عِنْده بدوي وأخفاه حل دَمه وفتش الْخيام وَغَيرهَا فَقبض على جمَاعَة فوسط بَعضهم وَأَفْرج عَن بعض. ثمَّ لما عَاد السُّلْطَان إِلَى الجيزة كبست تِلْكَ النواحي وحذر النَّاس من إخفاء العربان فَأخذ البحري والبري وقبضت خُيُول تِلْكَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 183 النواحي وسيوف أَهلهَا بأسرها. وَعرضت الرِّجَال فَمن كَانَ مَعْرُوفا أفرج عَنهُ وَمن لم يعرف أقرّ فِي الْحَدِيد وَحمل إِلَى السجْن. ورسم أَن الفلاحين تبيع خيولهم بِالسوقِ ويوردون أثمانها مِمَّا عَلَيْهِم من الْخراج فبيعت عدَّة خُيُول وَأورد أثمانها للمقطعين وَالْفرس الَّذِي لم يعرف لَهُ صَاحب حمل إِلَى إصطبل السُّلْطَان. وَكتب للأمير عز الدّين أزدمر الكاشف بِالْوَجْهِ البحري أَن يركب ويكبس الْبِلَاد الَّتِي لأرباب الجاه وَالَّتِي يَأْوِيهَا أهل الْفساد فَقبض على جمَاعَة كَثِيرَة ووسطهم وسَاق مِنْهُم إِلَى الْقَاهِرَة نَحْو ثَلَاثمِائَة وَخمسين رجلا وَمِائَة وَعشْرين فرسا وسلاحاً كثيرا. ثمَّ أحضر الْأَمِير أزدمر من الْبحيرَة سِتّمائَة وَأَرْبَعين فرسا فَلم يبْق بِالْوَجْهِ البحري فرس ورسم لقضاة الْبر وعدوله بركوب البغال والأكاديش. ثمَّ كبست البهنسا وبلاد الفيوم فَركب الأميران طاز وصرغتمش. بِمن مَعَهُمَا إِلَى الْبِلَاد وَقد مر أَهلهَا واختفى بَعضهم فِي حفائر تَحت الأَرْض. فقبضوا النِّسَاء وَالصبيان وعاقبوهم حَتَّى دلوهم على الرِّجَال فسفكوا دِمَاء كثيرين وعوقب كثير من النَّاس بِسَبَب من اختفي وَأخذت عدَّة أسلحة. وَاتفقَ لناحية النحريرية أَنه شهد على بعض نصاراها أَن جده كَانَ مُسلما فَحكم قاضيها بِإِسْلَامِهِ وحبسه حَتَّى يسلم. فَاجْتمع النَّصَارَى إِلَى الْوَالِي وأخرجوا الحبيس لَيْلًا فتصايحت الْعَامَّة من الغض بِالْقَاضِي فَغَضب الْوَالِي من ذَلِك وَطلب القَاضِي لينكر عَلَيْهِ مَا فعله فَقَامَتْ الْعَامَّة مَعَ القاضى وَأَغْلقُوا الحوانيت واجتمعوا ليرجموا الْوَالِي. فَجمع لَهُم الْوَالِي أَيْضا ليوقع بهم فحملوا عَلَيْهِ وهزموه حَتَّى خرج من الْبَلَد وهدموا كَنِيسَة كَانَت بهَا حَتَّى لم يبْق بهَا جِدَار قَائِم وأحرقوا مَا بهَا من الصلبان والتماثيل وعمروها مَسْجِدا ونبشوا قُبُور النَّصَارَى وأحرقوا رممهم وهموا يَأْخُذُونَ النَّصَارَى فَهَرَبُوا مِنْهُم وَكَانَ يَوْمًا مهولا. فَكتب الْوَالِي إِلَى الْأُمَرَاء والوزير بالشكاية من القَاضِي وَأَنه ضيع مَال السُّلْطَان وَهُوَ خَمْسمِائَة ألف دِرْهَم بتعرضه لِلنَّصْرَانِيِّ حَتَّى ثارت بِسَبَبِهِ الْفِتْنَة. وَكتب النَّصَارَى أَيْضا إِلَى الحسام أستادار العلائي - وَقد ترقى حَتَّى صَار أَمِير طبلخاناه - فَقَامَ مَعَ النَّصَارَى وَحدث الْأَمِير شيخو وشنع على القَاضِي وسعى فِي إِلْزَامه لإعادة الْكَنِيسَة من مَاله. فَطلب القَاضِي والوالي فحضرا وَعقد مجْلِس حَضَره الْقُضَاة الْأَرْبَعَة بِجَامِع القلعة وَمَعَهُمْ الْوَزير وَغَيره من أهل الدولة فانتصب الحسام لمخاصمة قَاضِي النحريرية ومازالوا حَتَّى انْفَضُّوا على غير رضى فأغرى الْأَمِير شيخو بِقِيَام الْقُضَاة مَعَ قَاضِي النحريرية وهول الْأَمر فانعقد الْمجْلس بَين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 184 يَدَيْهِ وَقد امْتَلَأَ غَضبا على القَاضِي. فعندما اسْتَقر بهم الْمجْلس أغْلظ شيخو على القَاضِي وَأخذ الحسام ينهره ويخزيه بالْقَوْل وساعده على هَذَا الْأَمِير عز الدّين أزدمر كاشف الْوَجْه البحري حَتَّى يتَبَيَّن الْغَرَض. فامتعض لذَلِك الشَّيْخ أكمل الدّين مُحَمَّد بن مَحْمُود بن أَحْمد شيخ الْجَامِع الشيخوني يَوْمئِذٍ وَله اخْتِصَاص زَائِد بالأمير شيخو وَأخذ يتَكَلَّم مَعَه بالتركية فِي إِنْكَار مَا قَامَ فِيهِ الحسام من إِعَادَة الْكَنِيسَة وتعصبه على القَاضِي لِلنَّصَارَى وَخَوف الْأَمِير عَاقِبَة ذَلِك. فشاركه الحسام فِي الْكَلَام مَعَ الْأَمِير وَجرى على عَادَته فِي إِعَادَة الْكَنِيسَة فصدعه الْأَكْمَل بالإنكار وزجره وَمنعه من الْكَلَام فِي هَذَا وَقَالَ لَهُ: مَا يحل السَّلَام عَلَيْك فَإنَّك فد خرحت من الْإِسْلَام بتعصبك لِلنَّصَارَى. ومازال الشَّيْخ أكمل الدّين يلح فِي الْكَلَام حَتَّى رسم الْأَمِير شيخو بالكشف عَن الْوَاقِعَة لينْظر من تعدى من الرجلَيْن - القَاضِي أَو الْوَالِي ووكل بهما من يحفظهما حَتَّى يحضر الْكَشْف عَن أَمرهمَا. فَلَمَّا حضر الْكَشْف من وَالِي الْمحلة وَكَانَ قد حسن أَمرهمَا بِأَن ذكر أَن كلا مِنْهُمَا أَسَاءَ التَّدْبِير رسم بعزل الوالى وَالْقَاضِي. وَفِيه رسم بتجريد أجناد الْحلقَة إِلَى بِلَاد الصَّعِيد فَعرض النَّائِب قبلاي مقدمي الْحلقَة وَعين مِنْهُم تسعين مقدما اخْتَار مِنْهُم خَمْسَة وَعشْرين مقدما مَعَ كل مقدم عشرُون من أجناد الْحلقَة لتَكون عدَّة الْجُمْلَة خَمْسمِائَة فَارس فَبَيْنَمَا هم فِي تجهيز أَمرهم إِذْ ورد كتاب الْأَمِير بِأَنَّهُ لَا يحْتَاج إِلَى ذَلِك فبطلت تجريدتهم. وفيهَا كثرت المناسر بِظَاهِر الْقَاهِرَة فِي مُدَّة غيبَة السُّلْطَان وكبسوا عدَّة دور وركبوا الْخَيل وَضَاقَتْ بهم الرجالة فَعظم الضَّرَر بهم. وتتبع الْوَالِي آثَارهم حَتَّى ظهر أَنهم فِي نَاحيَة بلبيس فكبس عَلَيْهِم وَقبض مِنْهُم جمَاعَة اعْتَرَفُوا بعد - عقوبتهم على بَقِيَّة أَصْحَابهم فتتبعهم الْوُلَاة بالنواحي حَتَّى أخذوهم. ورتب فِي أثْنَاء ذَلِك أَرْبَعَة أُمَرَاء وأضيف إِلَيْهِم عدَّة من أجناد الْحلقَة للطَّواف بِاللَّيْلِ خَارج الْقَاهِرَة. وَركب الْوَالِي بجماعته طول اللَّيْل فِي الْقَاهِرَة وَسمر عدد كثير من أهل الْفساد بِالْقَاهِرَةِ ووسط خلق فِي النواحي. وَكتب إِلَى جَمِيع أَعمال الْوَجْه البحرى بألا يدعوا عِنْدهم مُفْسِدا وَلَا أحدا مِمَّن يتجمع إِلَيْهِم من بِلَاد الصَّعِيد والفيوم وَمن آواهم حل دَمه. وحذر أَيْضا من اقتناء الْخَيل بِجَمِيعِ الْأَعْمَال وألزموا بإحضارها. فَاشْتَدَّ طلب الْوُلَاة لذَلِك وَقبض على جمع كَبِير وَأخذت خُيُول وأسلحة كَثِيرَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 185 وفيهَا استسقى أهل دمشق لتأخر نزُول الْمَطَر بعامة بِلَاد الشَّام حَتَّى بلغت الغرارة من الْقَمْح إِلَى مائَة وَعشْرين درهما بعد مَا كَانَت بِثَمَانِينَ درهما. فأغيثوا من ليلتهم وأمطروا كثيرا مُدَّة أُسْبُوع فَنزل سعر الْقَمْح فِي يَوْمه عشْرين درهما للغرارة. وفيهَا كثرت تزويرات المساطير وَغَيرهَا فَقَامَ فِي ذَلِك قَاضِي الْقُضَاة موفق الدّين الْحَنْبَلِيّ وتحدث مَعَ الْأَمِير شيخو فِيهِ حَتَّى رسم لَهُ بالفحص عَن ذَلِك ومقابلة من يَفْعَله. بِمَا يسْتَحقّهُ. فكبس قَاضِي الْقُضَاة عدَّة بيُوت وَأخرج مِنْهَا تزاوير كَثِيرَة وَقبض على جمَاعَة وعاقبهم وسجنهم وَلم يقبل فيهم شَفَاعَة أحد من الْأُمَرَاء. وَاشْتَدَّ الطّلب على ابْن أبي الحوافر فَإِنَّهُ كَانَ عجبا فِي محاكاة الخطوط وكبست دَاره فَوجدَ فِيهَا من تزويره كتب كَثِيرَة وَلم يقدر عَلَيْهِ لاختفائه. وفيهَا قدم نَفِيس الدواداري الدَّاودِيّ الْيَهُودِيّ التبريزي لمعالجة الْأَمِير قبلاى النَّائِب من ضَرْبَان المفاصل وَمَعَهُ ولداه وَهُوَ فِي خنزوانة وتعاظم. فَادّعى دَعْوَى عريضة وَأَرَادَ أَن يركب بغلة فَلم يُمكن من ذَلِك. وفيهَا ولدت امْرَأَة طفلين ملتصقين لكل مِنْهُمَا ثَلَاثَة أَيدي وَثَلَاثَة أرجل وَلَيْسَ لَهما قبل وَلَا دبره وفيهَا انحطت الأسعار بِأَرْض مصر حَتَّى بيع الأردب من الْقَمْح من عشرَة دَرَاهِم الى خَمْسَة عشر درهما. وفيهَا فَشَتْ الْأَمْرَاض فِي النَّاس بالاسكندرية وَالْوَجْه البحري كُله والقاهرة مُدَّة شَهْرَيْن وَبلغ عدَّة الْمَوْتَى فِي كل يَوْم مَا بَين الْخمسين إِلَى السِّتين. وفيهَا ولد السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف شعْبَان بن حُسَيْن بن مُحَمَّد بن قلاوون وفيهَا توجه ركب الْحجَّاج صُحْبَة الْأَمِير ركن الدّين عمر شاه الحاحب وَحج من الْأُمَرَاء الْأَمِير سيف الدّين كشلى والأمير سيف الدّين بزلار والأمير سيف الدّين طقطاي والأمير شهَاب الدّين أَحْمد بن آل ملك والأمير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن بكتمر الساقي والأمير ركن الدّين عمر بن طقزدمر وَحج الْخَلِيفَة المعتضد بِاللَّه أَبُو بكر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 186 وَحج قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين عبد الْعَزِيز بن جمَاعَة وَالشَّيْخ بهاء الدّين عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن عقيل. وَأسر السُّلْطَان والأمراء مدبرو الدولة إِلَى أَمِير الْحَاج وَمن صحبته من الْأُمَرَاء أَن يقبضوا على الشريف ثقبة ويقرروا الشريف عجلَان بمفرده على إِمَارَة مَكَّة. فَلَمَّا قدم الْحَاج بطن مر وَمضى عجلَان إِلَى لقائهم شكا إِلَى الْأُمَرَاء من أَخِيه ثقبة وَذكر مَا فعله مَعَه وَبكى. فطمنوا قلبه وَسَارُوا بِهِ مَعَهم حَتَّى لَقِيَهُمْ ثقبة فِي قواده وعبيده فألبسوه خلعة على الْعَادة ومضوا حافين بِهِ نَحْو مَكَّة وهم يحادثونه فِي الصُّلْح مَعَ أَخِيه عجلَان ويحسنون لَهُ ذَلِك وَهُوَ يَأْبَى موافقتهم حَتَّى أيسوا مِنْهُ. فَمد الْأَمِير كشلى يَده إِلَى سَيْفه فَقبض عَلَيْهِ وَأَشَارَ إِلَى من مَعَه فألقوه عَن فرسه وأخدوه وَمَعَهُ ابْن لعطيفة وَآخر من بني حسن وكبلوهم بالحديد ففر القواد وَالْعَبِيد. وأحضر عجلَان وألبس التشريف وعبروا بِهِ إِلَى مَكَّة فَلم يخْتَلف عَلَيْهِم اثْنَان. وَسلم ثقبة للأمير أَحْمد بن آل ملك فسر النَّاس بذلك. وَكثر حلب الغلال وَغَيرهَا فانحل السّعر عشْرين درهما الأردب. وَقبض على إِمَام الزيدية أبي الْقَاسِم مُحَمَّد بن أَحْمد اليمني وَكَانَ يُصَلِّي فِي الْحرم بطائفته ويتجاهر وَنصب لَهُ منبراً فِي الْحرم يخْطب عَلَيْهِ يَوْم الْعِيد وَغَيره. بمذهبه. فَضرب بالمقارع ضربا مبرحاً ليرْجع عَن مذْهبه فَلم يرجع وسجن ففر إِلَى وَادي نَخْلَة فَلَمَّا انْقَضى موسم الْحَاج حمل الشريف ثقبة مُقَيّدا إِلَى مصر وَبلغ النّيل فِي زِيَادَته إِلَى سِتَّة عشر أصبعاً من تِسْعَة عشر ذِرَاعا بعد مَا توقف فِي ابْتِدَاء الزِّيَادَة. وَكَانَ الْوَفَاء يَوْم الْأَحَد تَاسِع رَجَب وَهُوَ ثامن عشر مسرى وَفتح الخليج على الْعَادة. وَمَات فِيهَا أَمِين الدّين إِبْرَاهِيم بن يُوسُف الْمَعْرُوف بكاتب طشتمر وَولي نظر الْجَيْش فِي أَيَّام الصَّالح إِسْمَاعِيل ثمَّ عزل وَتوجه إِلَى الْقُدس حَتَّى أقدم الْأَمِير شيخو وَعَمله نَاظر ديوانه فَمَاتَ قَتِيلا بحلب فِي رَابِع عشر الْمحرم. وَمَات الْأَمِير بكلمش نَائِب طرابلس فِي أول الْمحرم. وَأَصله من مماليك صَاحب ماردين بَعثه إِلَى السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون فترقى فِي خدمته وأنعم عَلَيْهِ إِلَى أَن ولى نِيَابَة طرابلس فِي الْأَيَّام المظفرية وَكَانَ من أمره مَا ذكره. وَمَات الْأَمِير أَحْمد بن الساقي نَائِب حماة فِي أول الْمحرم. وَأَصله من الأويرانية وَبَعثه نَائِب البيرة فِي الْأَيَّام الناصرية فَأعْطَاهُ السُّلْطَان للأمير بكتمر الساقي ثمَّ أنعم عَلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 187 السُّلْطَان بعد موت بكتمر بإمرة عشرَة ولقبه بِأَحْمَد الساقى ثمَّ أنعم عَلَيْهِ بإمره طبلخاناه وَعَمله شاد الشَّرَاب خاناه. وتنقل بعد موت السُّلْطَان فَعمل أَمِير شكار فِي الْأَيَّام المظفرية ثمَّ أخرج لنيابة صفد ثمَّ ولي نِيَابَة حماة حَتَّى كَانَ من أمره مَا كَانَ وَكَانَ شجاعاً أهوج جهولا مقداماً. وَمَات الْأَمِير بيبغا روس القاسمي أحد المماليك الناصرية. توفّي السُّلْطَان النَّاصِر مُحَمَّد ابْن قلاوون وَهُوَ من خاصكيته فترقى حَتَّى صَار فِي الْأَيَّام الصالحية إِسْمَاعِيل أَمِير طبلخاناه وَتمكن مِنْهُ حَتَّى كَانَ الصَّالح لَا يُفَارِقهُ سَاعَة وَاحِدَة. ثمَّ أنعم عَلَيْهِ فِي الْأَيَّام الكاملية شعْبَان ثمَّ ولي فِي الْأَيَّام الناصرية حسن نِيَابَة السلطنة فَشَكَرت سيرته فِيهَا ثمَّ قبض عَلَيْهِ بطرِيق الْحجاز وسجن ثمَّ أفرج عَنهُ. وَولى نِيَابَة حلب وَكَانَ من عصيانه مَا كَانَ حَتَّى لحق بقراجا بن دلغادر فاخذه وَبعث بِهِ إِلَى حلب فَقتل بهَا وَمَات الْأَمِير ألجيبغا العادلي فِي سَابِع ربيع الآخر بِدِمَشْق وَكَانَ فَارِسًا جواداً وَمَات الْأَمِير شعْبَان قريب يلبغا اليحياوي. وَكَانَ من جلة خَواص ألماس الحاحب فسجن عِنْد مسكه مُدَّة ثمَّ نفي إِلَى صفد. وأنعم عَلَيْهِ بعد مُدَّة بإمرة وَتوجه إِلَى حلب فِي نِيَابَة يلبغا اليحياوي ثمَّ سجن بعد موت يلبغا اليحياوي مُدَّة ثمَّ أفرج عَنهُ وأنعم عَلَيْهِ بإمرة وَقدم مصر ثمَّ توجه إِلَى دمشق فَمَاتَ بهَا. وَمَات الْأَمِير بيغرا المنصوري أحد أُمَرَاء الألوف بديار مصر وَهُوَ بطال بحلب وَكَانَ خيرا ولى الحجوبية. بِمصْر فَشَكَرت سيرته لجودة عقله وَمَات الْأَمِير بدر الدّين مَسْعُود بن أوحد بن مَسْعُود بن الخطير الرُّومِي فِي سَابِع شَوَّال ومولده لَيْلَة السبت سَابِع جُمَادَى الأولى سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة بِدِمَشْق. ترقى فِي خدمَة الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام وَولي حاجباً بِالْقَاهِرَةِ ثمَّ ولى نِيَابَة غَزَّة وطرابلس غير مرّة وَكَانَ مشكوراً. وَمَات الشريف أَمِير يَنْبع عِيسَى بن حسن الهجان فِي رَابِع ربيع الآخر. وَمَات قراجا بن دلغادر فِي رابععشر ذِي الْقعدَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 188 وَمَات الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن الصَّائِغ فِي رَابِع عشرى رَجَب. وَمَات عمر بن مُسَافر الخواجا ركن الدّين أستاذ الْأَمِير شيخو وَغَيره من المماليك العمرية فِي عشرى ربيع الآخر. وَمَات الْوَزير علم الدّين عبد الله بن تَاج الدّين أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن زنبور بقوص فِي يَوْم الْأَحَد رَابِع عشر ذِي الْقعدَة. وَمَات أسعد خربه مُسْتَوْفِي الصُّحْبَة وَهُوَ أحد مسالمة الْكتاب فِي عشرى ذِي الْقعدَة. وَمَات شهَاب الدّين أَحْمد بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن الشهَاب مَحْمُود بن سُلَيْمَان الْحلَبِي أحد موقعي الدست بِدِمَشْق. وَمَات شرف الدّين عبد الْوَهَّاب الشهَاب أَحْمد بن محيى الدّين يحيى بن فضل الله الْعمريّ أحد موقعي الدست بِدِمَشْق. وَمَات شرف الدّين عمر بن يُوسُف بن عبد الله بن يُوسُف بن أبي السفاح كَاتب سر حلب بهَا. وَمَات صدر الدّين مُحَمَّد بن الشّرف مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن أبي الْقَاسِم الْمَيْدُومِيُّ أَبُو الْفَتْح الشَّيْخ الْمسند المعمر. حدث عَن النجيب وَغَيره. ومولده سنة أَربع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة. حَدثنَا عَنهُ وَتُوفِّي إِمَام الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن الْحسن بن عبد الله بن أَحْمد بن مَيْمُون إِمَام الدّين بن زين الدّين بن الْمُحدث أَمِين الدّين أبي الْمَعَالِي بن الإِمَام الْقدْوَة قطب الدّين أبي بكر بن الْفَقِيه أبي الْعَبَّاس الْقَيْسِي الْقُسْطَلَانِيّ بِالْقَاهِرَةِ فِي الْمحرم ومولده بِمَكَّة سنة إِحْدَى وَسبعين وسِتمِائَة وَمَات جمال الدّين أَبُو الْحجَّاج يُوسُف بن الإِمَام شمس الدّين أبي مُحَمَّد أبي عبد الله ابْن الْعَفِيف مُحَمَّد بن يُوسُف بن عبد الْمُنعم بن سُلْطَان الْمَقْدِسِي النابلسي ثمَّ الدِّمَشْقِي الْحَنْبَلِيّ فِي رَجَب. ومولده بنابلس فِي سنة إِحْدَى وَتِسْعين وسِتمِائَة حدث عَن جمَاعَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 189 وَمَات الْفَقِيه الْمُحدث تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عَسْكَر بن مظفر نجم الطَّائِي. وَمَات القيراطي الْمصْرِيّ ثمَّ الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي فِي شَوَّال. حدث بِالْقَاهِرَةِ ودمشق ودرس بهما. وَقتل حسن بن هِنْد وَهُوَ الْحَاكِم بِمَدِينَة سنجار وبالموصل قَتله صَاحب ماردين وَكَانَت عَسَاكِر الشَّام حاصرته ثمَّ عَادَتْ عَنهُ. الْجُزْء الثَّالِث الجزء: 4 ¦ الصفحة: 190 (سنة خمس وَخمسين وَسَبْعمائة) شهر الله الْمحرم أَوله يَوْم الْأَحَد وَفِي ثامن عشره: قدم الْحَاج وَلم يتَّفق بِمثل هَذَا فِيمَا سلف وَهلك جمَاعَة من المشاة وَقدم الشريف ثقبة مُقَيّدا فسجن. وَفِي ثامن عشريه: قدم الْأَمِير شيخو مِمَّن مَعَه من بِلَاد الصَّعِيد وَكَانَ من خَبره أَن العربان بِالْوَجْهِ القبلى خَرجُوا عَن الطَّاعَة وَسَفك بَعضهم دِمَاء بعض وَقَطعُوا الطرقات وَأخذُوا أَمْوَال النَّاس وكسروا مغل الْأُمَرَاء والأجناد. وَقتلُوا الكاشف طغاى وكسروا مجد الدّين مُوسَى الهذبانى وَأخذُوا خامه وقماشه وَقتلُوا بعض أجناده. وَقَامَ فِي البهنساوية ابْن سودى وحشد على بنى عَمه وَقتل مِنْهُم نَحْو الالفي رجل وأغار على الْبِلَاد وَأكْثر من الْقَتْل والنهب. ونافق أَيْضا ميسرَة بالأطفيحية واقتتل مَعَ ابْن مغنى قتالاً كَبِيرا فاستمر هَذَا الْبلَاء بالصعيد سنة كَامِلَة هلك فِيهَا من العربان خلائق كَثِيرَة فمازال السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون يسوس الْأَمر حَتَّى سكنت تِلْكَ الْفِتَن وتتبع أهل الْفساد وحرث دِيَارهمْ بالأبقار وأفناهم بِالْقَتْلِ. ثمَّ ثَارُوا بعد ذَلِك وركبوا على بيبغا الشمسى الكاشف وحاربوه وتجمعوا على الْفساد ثمَّ تبع ذَلِك قيام الأحدب واسْمه مُحَمَّد بن وَاصل وَلم يكن أحدب وَلَكِن أقفص فشهر لذَلِك بالأحدب وَقَامَ الأحدب هَذَا فِي عرب عَرك بِنَاحِيَة وَقَاتل بنى هِلَال. فَلَمَّا تغافل أهل الدولة بعد موت السُّلْطَان النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون عَن أهل النواحي قلت مهابة الْكَشَّاف والولاة عِنْدهم فَخَرجُوا عَن الْحَد وَقَطعُوا الطرقات برا وبحراً حَتَّى تعذر سلوكها. ومالوا على المعاصر والسواقي فنهبوا حواصلها من القنود وَالسكر والأعسال وذبحوا الأبقار. وَادّعى الأحدب السلطنة وَجلسَ فِي جتر أَخذه من قماش الهذبانى وَجعل خَلفه الْمسند وأجلس الْعَرَب حوله وَمد السماط بَين يَدَيْهِ فنفذ أمره فِي الفلاحين. وَصَارَ الجندي إِذا انْكَسَرَ لَهُ خراج قَصده وساله فِي خلاصه من فلاحه فَيكْتب لهورقة لفلاحه وَأهل بَلَده فيصل بهَا إِلَى حَقه وَيُرْسل مَعَ مماليك الكاشف والوالي بِالسَّلَامِ عَلَيْهِ ويأمره أَن يَقُول: إِن كَانَت لَك حَاجَة قضيتها لَك. وحدثته نَفسه بتملك الصَّعِيد وقويت نَفسه بتأخر وُلَاة الْأُمُور عَنهُ وَأقَام لَهُ حاجباً وكاتباً. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 191 فَلَمَّا عظم أمره عقد الْأُمَرَاء المشور بَين يَدي السُّلْطَان الْملك الصَّالح فِي مستهل شَوَّال سنة أَربع وَخمسين وَسَبْعمائة فِي أَمر عرب الصَّعِيد. وقرروا تَجْرِيد الْعَسْكَر لَهُم صُحْبَة الْأَمِير سيف الدّين شيخو الْعُمْرَى رَأس نوبَة وَمَعَهُ اثنى عشر مقدما. بمضافيهم من أُمَرَاء الطبلخاناه والعشرات وهم أسندمر الْعُمْرَى وطشتمر القاسمي وقطلوبغا الطرخانى وأرلان وبزلار أَمِير سلَاح وكلتاى أَخُو طاز واصر على بن أرغون النَّائِب وتنكز بغا وجركتمر ويلجك قريب قوصون وقطلوبغا الذهبى وَأَن يتَوَجَّه كلتاى وَابْن أرغون النَّائِب نَحْو الشرق بالإطفيحية وَيتَوَجَّهُ يلجك إِلَى الفيوم وبزلار وأرلان نَحْو الواح وَيتَوَجَّهُ الْأَمِير شيخو بِبَقِيَّة الْأُمَرَاء إِلَى جِهَة قوص ويتأخر فِي صُحْبَة السُّلْطَان عِنْد سَفَره الْأَمِير طاز والأمير صرغتمش والأمير قجا أَمِير شكار. فَيتَوَجَّه السُّلْطَان نَحْو البهنسا كَأَنَّهُ يتصيد وَأَن يكون السّفر فِي ذِي الْقعدَة فَيتَوَجَّه الْأُمَرَاء أَولا ثمَّ يركب السُّلْطَان بعدهمْ. فطار الْخَبَر إِلَى عَامَّة بِلَاد الْوَجْه القبلي فَأخذ العربان حذرهم فَمنهمْ من عزم على الدُّخُول بأَهْله إِلَى بِلَاد النّوبَة وَمِنْهُم من اختفي فِي مَوضِع أعده ليأمن فِيهِ على نَفسه وَمِنْهُم من عزم على الْحَج وَقدم إِلَى مصر فَفطن بهم أعداؤهم ودلوا عَلَيْهِم الْأُمَرَاء. فَقبض على جمَاعَة مِمَّن قدم مصر نَحْو الْعشْرَة وَأخذ مَا مَعَهم. ثمَّ ركب الْأَمِير شيخو إِلَى بركَة الْحَاج فِي عدَّة وافرة وأحاط بالركب وتتبع الْخيام وَغَيرهَا بعد مَا حذر من أُخْفِي الْعَرَب فَقبض على جمَاعَة مِنْهُم وَقتل من عرف مِنْهُم بِفساد وَأطلق من شكر حَاله. ثمَّ توجه الْأُمَرَاء فِي ذِي الْقعدَة وعدى السُّلْطَان. مِمَّن مَعَه من بَقِيَّة الْأُمَرَاء إِلَى بر الجيزة فكبست بِلَاد الجيزة بعد مَا كتب لمتوليها ومشايخها وأرباب أدراكها أَنهم لَا يخفون أحدا من الْعَرَب وَلَا من أَوْلَادهم وَنِسَائِهِمْ فَأخذ الصَّالح والطالح. وَقبض الْأُمَرَاء على الْخُيُول وَالسُّيُوف حَتَّى لم يبْق بِبِلَاد الجيزة فرس وَلَا سيف وأحضروا أَصْحَابهَا إِلَى الوطاق. واستدعى الْوَالِي ومشايخ العربان وَعرض من قبض عَلَيْهِ فَمن عرفوه أَنه من أهل الْبِلَاد أفرج عَنهُ وَمن لم يعرفوه قيد وَحمل إِلَى الْقَاهِرَة فسجن بهَا. وَعرضت الْخُيُول فَمن عرف فرسه من الفلاحين رسم لَهُ بِبَيْعِهَا فِي سوق الْخَيل تَحت القلعة وَحمل ثمنهَا إِلَى الدِّيوَان مِمَّا عَلَيْهِ من الْخراج. ورسم بِمثل ذَلِك فِيمَا يحضر من خُيُول فلاحي بَقِيَّة النواحي أَي أَن الْفَلاح يَبِيعهَا ويورد ثمنهَا فِيمَا عَلَيْهِ من الْخراج إِمَّا الْأَمِير أَو للجندي. فامتثل ذَلِك وَعمل بِهِ وسيقت خُيُول المفسدين وَمن لم يعرف لَهُ صَاحب حمل إِلَى إصطبل السُّلْطَان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 192 وَندب الْأَمِير عز الدّين أزدمر كاشف الْوَجْه البحري للسَّفر إِلَى عمله فكبس الْبِلَاد المتجوهة وَالَّتِي تعرف بِأَنَّهَا مأوى المفسدين فِي عَامَّة الشرقية وَالْوَجْه البحري بأجمعه. وَأحسن أزدمر التَّدْبِير فِي ذَلِك فَإِنَّهُ كتب لجَمِيع الْوُلَاة أَن يلاقوه فِي الْبر وَالْبَحْر وواعدهم يَوْمًا عينه. وَكَانَ الْوَالِي بالغربية فِي بره والكاشف والولاة وأرباب الأدراك مُقَابِله وَمنعُوا النَّاس كلهم من ركُوب النّيل فَأخذ الْوَالِي عربا كثيرا وكبس بلاداً عديدة وَأخذ مِنْهَا المفسدين فوسط وَسمر جماعات مِنْهُم وسير إِلَى الْقَاهِرَة مائَة وَخمسين رجلا فِي الْحَدِيد وَمِائَة وَعشْرين فرسا وسلاحاً كثيرا. وَأرْسل مُتَوَلِّي الْبحيرَة من خيل عريها سِتّمائَة وَأَرْبَعين فرسا فَلم يتَأَخَّر فِي الْوَجْه البحري فرس وَاحِد من خُيُول العربان. ورسم لقضاة الْبر وعدوله بركوب البغال والأكاديش. وَتوجه السُّلْطَان بعد رحيل الْأُمَرَاء من الجيزة إِلَى البهنسا فَتَوَلّى الكبسات الْأَمِير طاز والأمير صرغتمش وتتبعوا الرِّجَال وعاقبوا النِّسَاء وَالصبيان حَتَّى دلوهم على أماكنهم فأخرجوهم من المطامير وسفكوا دِمَاء كَثِيرَة. وقبضوا على عدَّة رجال فأودعوهم الْحَدِيد وحازوا من الْخَيل وَالسِّلَاح شَيْئا كثيرا. فحشد الأحدب بن وَاصل شيخ عَرك جموعه وصمم على لِقَاء الْأُمَرَاء وَحلف أَصْحَابه على ذَلِك. وَقد اجْتمع مَعَه عرب منفلوط وعرب المراغة وَبني كلب وجهينة وعرك حَتَّى تجاوزت فرسانه عشرَة آلَاف فَارس تحمل السِّلَاح سوى الرجالة الْمعدة فَإِنَّهَا لَا تعد وَلَا تحصى لكثرتها. وَجمع الأحدب مواشي أَصْحَابه كلهم وَأَمْوَالهمْ وغلالهم وحريمهم وَأَوْلَادهمْ وَأقَام ينْتَظر قدوم الْعَسْكَر. فَقدم الْأَمِير شيخو بِمن مَعَه حَتَّى نزل سيوط وَمَعَهُ الْوُلَاة والكشاف فتلقها أَهلهَا وعرفوه أُمُور الْعَرَب وَمَا هم عَلَيْهِ من الْعَزْم على اللِّقَاء والمحاربة وَكَثْرَة جمعهم. فاستراح الْأَمِير شيخو وقدمت عَلَيْهِ عرب الطَّاعَة وهولوا عَلَيْهِ بِكَثْرَة جمع المارقين حَتَّى دَاخله الْوَهم وَبعث يَسْتَدْعِي بالعسكر من الْقَاهِرَة. فَعرض الْأَمِير سيف الدّين قبلاى نَائِب السلطنة مقدمي الْحلقَة ومضافيهم وَعين مِنْهُم تسعين مقدما وأضاف إِلَى كل مقدم جمَاعَة. وَعرضت أوراق بِأَسْمَائِهِمْ على السُّلْطَان والأمراء فَاخْتَارُوا مِنْهُم خَمْسَة وَعشْرين مقدما مَعَ كل مقدم من مضافيه عشرُون جندياً فَتكون عدتهمْ خَمْسمِائَة فَارس ورسم بتجهيزهم. وأعيد جَوَاب الْأَمِير شيخو بذلك فَرد جَوَابه بِأَن فِي حُضُور الجزء: 4 ¦ الصفحة: 193 نجدة من الْقَاهِرَة مَا يُوجب طمع العربان فِي الْعَسْكَر وظنهم أَن ذَلِك من عجزهم عَن اللِّقَاء وَأَشَارَ بِإِبْطَال تَجْرِيد النجدة فبطلت. ثمَّ رَحل الْأَمِير شيخو عَن سيوط وَبعث الْأَمِير مجد الدّين الهذبانى ليؤمن بنى هِلَال أَعدَاء عَرك ويحضرهم لِيُقَاتِلُوا عَرك أعداءهم. فانخدعوا بذلك وفرحوا بِهِ وركبوا بأسلحتهم وَقدمُوا فِي أَرْبَعمِائَة فَارس فَمَا هُوَ الا أَن وصلوا إِلَى الْأَمِير شيخو فَأمر بأسلحتهم وخيولهم فَأخذت بأسرها وَوضع فيهم السَّيْف فأفناهم جَمِيعًا. وَركب الْأَمِير شيخو من فوره وَصعد عقبَة أدفو فِي يَوْم وَلَيْلَة فَلَمَّا نزل إِلَى الوطاة قدم عَلَيْهِ نجاب من أُمَرَاء أسوان بِأَن الْعَرَب قد نزلُوا فِي بَريَّة بوادي الغزلان فالبس الْعَسْكَر الة الْحَرْب. وَقدم الْأَمِير سودون أحد أمرأء الطبلخاناه فِي مائَة من مماليك الْأُمَرَاء طَلِيعَة وَسَارُوا. فَلَمَّا كَانَ قبيل الْعَصْر الْتَقت الطليعة بفئة من طلائع الْعَرَب فَبعث سودون يخبر الْأَمِير شيخو بذلك وَقَاتلهمْ فَانْهَزَمُوا ثمَّ عَادوا للحرب مرَارًا حَتَّى كلت خُيُول التّرْك وَلم يبْق الا أَن تأخذهم الْعَرَب. فأدركهم الْأَمِير شيخو وَقد سَاق لما أَتَاهُ الْخَبَر سوقاً عَظِيما مِمَّن مَعَه وامتلأ الجو من غبارهم. وهبت ريح فَحملت الْغُبَار والقته فِي وُجُوه الْعَرَب حَتَّى صَار أحدهم لَا يرى رَفِيقه مَعَ رُؤْيَتهمْ بريق الأسنة ولمعان السيوف. فخارت قواهم وانهزموا بأجمعهم بعد مَا اسْتَعدوا للقاء اسْتِعْدَادًا محكماً. فقدموا الرجالة بالدرق أَمَام الفرسان لتلقى عَنْهُم السِّهَام وَقَامَت الفرسان من ورائهم بأسلحتها وأوقفوا حريمهم من ورائهم. وَصَارَ الرجل مِنْهُم يصدم ابْنه وأخاه وَهُوَ لَا يلوى على شَيْء. فَركب التّرْك أقفيتهم وَمن وَقت الْغُرُوب عِنْد الْهَزِيمَة يقتلُون وَيَأْسِرُونَ حَتَّى أعتم اللَّيْل وَبَاتُوا متحارسين فَلم يعد أحد من الْعَرَب اليهم. وَعند ارْتِفَاع النَّهَار جرد الْأَمِير شيخو طَائِفَة فِي طَلَبهمْ فأحاطوا بِمَال كثير مَا بَين مواشي وقماش وحلى ونقود وعروض وأقوات وأزواد وروايا مَاء. وَسبوا حريمهم وَأَوْلَادهمْ فاسترقوا كثيرا مِنْهُم وَصَارَ إِلَى الأجناد والغلمان مِنْهُم شَيْء كَبِير باعوا مِنْهُ عددا كثيرا بِالْقَاهِرَةِ بعد عودهم. وَهلك من الْعَرَب خلائق بالعطش مَا بَين فرسَان ورجالة وجدهم المجردون فِي طَلَبهمْ فسلبوهم. وَصعد كثير مِنْهُم إِلَى الْجبَال واختفوا فِي المغائر فَقتل الْعَسْكَر وَأسر وسبا عددا كثيرا وارتقوا إِلَى الْجبَال فِي طَلَبهمْ وأضرمرا النيرَان فِي أَبْوَاب المغائر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 194 فَمَاتَ بهَا خلق كثير من الدُّخان. وَخرج اليهم جمَاعَة فَكَانَ فيهم من يلقى نَفسه من أَعلَى الْجَبَل وَلَا يسلم نَفسه وَيرى الْهَلَاك أسهل من أَخذ الْعَدو لَهُ. فَهَلَك فِي الْجبَال أُمَم كَثِيرَة وَقتل مِنْهُم بِالسَّيْفِ مَا لَا يُحْصى كَثْرَة حَتَّى عملت عدَّة حفائر وملئت من رممهم وَبنى فَوْقهَا مصاطب ضربت الْأُمَرَاء رنوكها عَلَيْهَا وأنتنت الْبَريَّة من جيف الْقَتْلَى ورمم الْخَيل. ثمَّ فرق الْأَمِير شيخو الْأُمَرَاء فِي الْبِلَاد لكبسها فطرقوا عَامَّة النواحي وقبضوا على جمَاعَة كَثِيرَة قتلوا مِنْهُم خلقا كثيرا وأحضروا خلقا إِلَى الْأَمِير شيخو فأقاموا على هَذَا عدَّة أَيَّام حَتَّى لم يبْق بِبِلَاد الصَّعِيد بدوي. ثمَّ نصبت الأخشاب على الطرقات وعلق فِيهَا أعداد وافرة مِمَّن شنق ووسط من الْعَرَب فَكَانَ أَولهَا طما وأخرها منية ابْن خصيب. ثمَّ عَاد الْأَمِير شيخو. مِمَّن مَعَه وصحبته نَحْو الالفي رجل فِي الْحَدِيد فَلم يصل إِلَى الْقَاهِرَة مِنْهُم سوى ألف وَمِائَتَيْنِ وَهلك باقيهم بِالْجُوعِ والتعب. فَلَمَّا نزل طموة خرج اليه الْأُمَرَاء بأجمعهم وَعمِلُوا لَهُ الولائم الْعَظِيمَة مُدَّة أَيَّام. ثمَّ سَافر الْأَمِير شيخو مِنْهَا فِي موكب جليل والأسرى بَين يَدَيْهِ والخيول وَالْجمال وَالسِّلَاح حَتَّى صعد القلعة وَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَأثْنى عَلَيْهِ من كَانَ مَعَه بإحسانه اليهم ونفقاته فيهم فَكَانَت مُدَّة غيبته نَحْو ثَلَاثَة أشهر وَأَقل مَا قيل إِنَّه قتل فِي هَذِه الْوَاقِعَة زِيَادَة على عشرَة الاف رجل. ثمَّ قدمت الأسرى الَّتِي أحضرت مَعَ الْأَمِير شيخو أَو من بعث بِهِ الْكَشَّاف والولاة وَفِيهِمْ ابْن ميسرَة الثائر بالأطفيحية فأفرج عَن جمَاعَة مِنْهُم. وسمو ابْن ميسرَة وَثَلَاثَة عشر من أكَابِر العربان وَمِائَة وَأَرْبَعُونَ رجلا من شرارهم وشهروا. وَقيد جمَاعَة وَسَخِرُوا فِي الْعَمَل. وَعرضت الدَّوَابّ فَكَانَت الْفَا وثلاثمائة فرس والفا وَخَمْسمِائة جمل وَسَبْعمائة حمَار وأغناماً كَثِيرَة سوى مَا نهبه العبيد وأكلوه. وَعرض السِّلَاح فَكَانَ مائَة حمل رماح وَثَمَانِينَ حمل سيوف وَثَلَاثِينَ حمل درق. وَكتب لجَمِيع وُلَاة الْأَعْمَال وكشافها الا يدعوا فِي جَمِيع النواحي فرسا لبدوي وَلَا لفلاح سوى أَرْبَاب الأدراك فَإِنَّهُ يتْرك لكل وَاحِد مِنْهُم فرس. فَركب الْوُلَاة إِلَى الْبِلَاد وَأخذُوا مَا بهَا من الْخُيُول وسيروها إِلَى اصطبل السُّلْطَان. فَكَانَ الرجل إِذا حضر وَادّعى ملك شَيْء سلم اليه بعد مَا تظهر صِحَة دَعْوَاهُ والزم بعد تَسْلِيمه بِأَن يَبِيعهُ وَيُعْطى ثمنه مِمَّا عَلَيْهِ من الْخراج فكثرت الْخُيُول بِالْقَاهِرَةِ وَاسْتوْفى الأجناد خراجهم قبل أَوَانه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 195 فَكَانَت هَذِه الْوَاقِعَة من أعظم حوادث الصَّعِيد وأشنع محنها وَلذَلِك سقتها فِي هَذَا الْموضع كَمَا هِيَ وَإِن كَانَ قد تقدم فِي السّنة الحالية طرف مِنْهَا لِأَن حكايتها مُتَوَالِيَة أبين لَهَا وَأكْثر وَقد مدح الْأَمِير شيخو غير وَاحِد عِنْد قدومه مِنْهُم نَاصِر الدّين النشائي أحد كتاب الْإِنْشَاء فَقَالَ قصيدة أَولهَا: صعودك للصَّيْد لَهُ سعود بِهِ نجزت من النَّصْر الوعود وَأرْسل نحوهم فرسَان حَرْب ضراغمة تحافهم الْأسود فخاضوا فيهم بِالسَّيْفِ حَتَّى غدوا وهم قَتِيل أَو شريد ومهدت الْبِلَاد فَزَالَ عَنْهَا ظلام الظُّلم وابتهج الْوُجُود وَقَالَ الْفَخر عبد الْوَهَّاب كَاتب الدرج من أَبْيَات: قدوم سعيد مبهج وإياب بِهِ حف للنصر الْعَزِيز ركاب مضيت مضى السهْم فِي غَزْو عصبَة بغاة وغازى المفسدين يُتَاب وَمن كَانَ قتل النَّفس بعض ذنُوبه فَلَيْسَ لَهُ الا السيوف عتاب فَلم تنجهم أَرض وَلَا عصمتهم مغائر مَا بَين الصخور صعاب وَقَالَ الْأَمِير عز الدّين أزدمر الكاشف قصيدة مِنْهَا: حسام عزمك بردى الْأسد فِي الأجم وَنور رَأْيك يهدى النَّاس فِي الظُّلم سعى اليهم وَنصر الله يقدمهُ فِي بَحر جَيش بموج الْخَيل مُنْتَظم وَالْأَرْض ترجف تَحت الْخَيل من فرق وَالْخَيْل تمشى على الأشلاء والرمم فأوقع السَّيْف فِي الْأَعْدَاء منتصراً لله حَتَّى غدوا لَحْمًا على وَضم وَلم يدع دَار بغى غير دَائِرَة وَلَا منار شقَاق غير منهدم وَكَانَ الأحدب قد نجا بِنَفسِهِ فَلم يقدر عَلَيْهِ وَمن حينئد أمنت الطرقات برا وبحراً فَلم يسمع بقاطع طَرِيق بعْدهَا. وَوَقع الْمَوْت فِيمَن تَأَخّر فِي السجون من العربان فكاد يَمُوت مِنْهُم فِي الْيَوْم من عشْرين إِلَى ثَلَاثِينَ حَتَّى فنوا الا قَلِيلا. وَقدم الْخَبَر من الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة أَن الشريف مَانع بن على بن مَسْعُود بن جماز وَأَوْلَاد طفيل جمعُوا ونازلوا الْمَدِينَة يُرِيدُونَ قتل الشريف فضل بن قَاسم بن قَاسم بن جماز فَامْتنعَ بهَا وهم يحارصرونه اثْنَي عشر يَوْمًا مرت بَينهم فِيهَا حروب فَانْهَزَمُوا ومضو من حَيْثُ أَتَوا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 196 وَفِيه أخرج الْأَمِير ساطلمش تركاش منفياً لسوء سيرته. وَفِيه ضربت عدَّة من شُهُود الزُّور وحلقت لحاهم وشهروا فِي الْقَاهِرَة وَكَانَ يَوْمًا شنيعاً. وفيهَا أخرج ابْن طشتمر الساقي منفياً إِلَى طرابلس لانهماكه فِي اللّعب. وَفِي شهر ربيع الأول: قدم مُحَمَّد بن وَاصل الأحدب شيخ عَرك من بِلَاد الصَّعِيد طَائِعا. وَكَانَ من خَبره أَنه لما نجا وَقت الْهَزِيمَة. وَأخذت أَمْوَاله وَحرمه ترامى بعد عود الْعَسْكَر على الشَّيْخ المعتقد أَبى الْقَاسِم الطحاوى فَكتب الشَّيْخ فِي أمره إِلَى الْأَمِير شيخو يسال الْعَفو عَنهُ وتأمينه. على أَنه يقوم بدرك الْبِلَاد ويلتزم بتحصيل جَمِيع غلالها وأموالها وَمَا يحدث بهَا من الْفساد فَإِنَّهُ مواخذ بِهِ وَأَنه يُقَابل نواب السُّلْطَان من الْكَشَّاف والولاة فَكتب لَهُ أَمَان سلطاني وكوتب بتطييب خاطره وحضوره أمنا فَسَار وَمَعَهُ الشَّيْخ أَبُو الْقَاسِم. فَأكْرم الْأُمَرَاء الشَّيْخ وأكرموا لأَجله الأحدب وَكَانَ دُخُوله يَوْمًا مشهوداً. وتمثل الأحداب بَين يَدي السُّلْطَان. وأنعم عَلَيْهِ السُّلْطَان والبسه تَشْرِيفًا وناله من الْأُمَرَاء إنعام كثير وَضمن مِنْهُم دَرك الْبِلَاد على مَا تقدم ذكره فرسم لَهُ بإقطاع. وَعَاد الأحدب إِلَى بِلَاده بعد مَا أَقَامَ نَحْو شهر وَقد البسه السُّلْطَان تَشْرِيفًا ثَانِيًا ثمَّ توجه الشَّيْخ أَبُو الْقَاسِم الطَّحَاوِيّ أَيْضا بعد أَيَّام وَكَانَ نُزُوله بزاوية العربان من القرافة فجددها الْأَمِير شيخو تجديداً حسنا. وَفِيه توجه النَّاصِر بن الْمُجَاهِد صَاحب الْيمن عَائِدًا إِلَى أَبِيه بِمن مَعَه بعد أَرْبَعَة أشهر من قدومه. وَأخذ مَعَه كثير من الصناع والمخايلين والشعبذين والمساخر وأرباب الملاهى وتحفا عديدة قَامَت عَلَيْهِ بأموال جزيلة وأنعم عَلَيْهِ السُّلْطَان والأمراء بِغَيْر نوع من الْهَدَايَا والتحف السّنيَّة والبسوه الْخلْع الجليلة وبالغوا فِي إكرامه. وجهروا لَهُ مَا يحْتَاج اليه من المراكب وَكتب إِلَى وَفِي حادي عشر رَجَب: أفرج عَن الْأَمِير سيف الدّين منجك والأمير عَلَاء الدّين مغلطاي أَمِير أخور. وَكَانَ المعتنى بالأمير منجك الْأَمِير شيخو والمعتنى بالأمير مغلطاي الْأَمِير طاز. فَتوجه اليهما الْأَمِير جنتمر أَخُو طاز وحملهما من الْإسْكَنْدَريَّة فَكَانَ دخولهما يَوْمًا مشهوداً بعد مَا أَقَامَا بسرياقوس عشرَة أَيَّام والتقادم ترد اليهما وتمد لَهما الأسمطة الْعَظِيمَة بالهمة الجليلة فانعما على متسفرهما الْأَمِير جنتمر بسبعة الاف دِينَار. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 197 وَفِيه قدم الْبَرِيد من حلب بتعذر مسير القوافل من كَثْرَة فَسَاد الْعَرَب وقطعهم الطَّرِيق وَأَن سيف بن فضل تعجز عَن مقاومة عرب فياض بن مهنا وَأَن الْأَمِير أرغون الكاملي نَائِب حلب أخرج مقدما من مقدميه فِي تجريدة لحفظ الطَّرِيق مَعَ بعض الْأُمَرَاء فكبسه الْعَرَب وقاتلوه فَقتل فِي المعركة وَأَن سيف بن فضل عمر بن مُوسَى ابْن مهنا لما الزمهما الْأَمِير أرغون الكاملى نَائِب حلب بتحصيل من قتل الْمَذْكُور ادعوا أَنهم من غير عربهم. وَكَانَ فياض لما كتب اليه بالحضور اعتذر عَن ذَلِك وَالْتزم بدرك الْبِلَاد وكف أَسبَاب الْفساد وَبعث ابْنه إِلَى السُّلْطَان رهينة بِمصْر. فَحَضَرَ سيف وَعمر بقود كَبِير من جمال وخيل فاعتنى الْأَمِير طاز بِسيف ومازال حَتَّى خلعه عَلَيْهِ وعَلى عمر وأستقرا فِي الإمرة. فَتوجه ولد فياض من مصر إِلَى أَبِيه وَأخْبرهُ بذلك فَاشْتَدَّ حنقه وَكثر قطعه الطَّرِيق وعزم على الْمسير إِلَى أَوْلَاد قراجا بن دلغادر وإحضارهم بجمائعهم لأخذ حلب. فانحصر الْأَمِير أرغون الكاملي نَائِب حلب وضاق ذرعه. فَلَمَّا قدم كِتَابه اقْتضى الرَّأْي إرْسَال الْأَمِير جنتمر أخي طاز إِلَى الْأَمِير فياض وكتبت على يَده عدَّة كتب من السُّلْطَان والأمراء بتطمين خاطره وَالْحلف لَهُ الا يتَعَرَّض لَهُ بِسوء. فَركب الْأَمِير جنتمر فِي عشرَة سروج على الْبَرِيد ولقى فياضاً ومازال بِهِ حَتَّى أذعن لَهُ ووكب مَعَه بعد مَا بَالغ فِي إكرامه وَأكْثر من التقادم السّنيَّة لَهُ وَقدم إِلَى الْقَاهِرَة فِي عَاشر جُمَادَى الْآخِرَة. وَفِيه أَخذ الْأَمِير صرغتمش من دَار ابْن زنبور بِالْقَاهِرَةِ مَا كَانَ بهَا من الرخام فَوجدَ فِي زواياها من أواني الصيني والنحاس وَمن القماش وَغَيره شَيْئا كثيرا. وَفِيه قدم عدَّة من النَّصَارَى بالغربية ووقفوا بدار الْعدْل من القلعة للسُّلْطَان وسالوا إِعَادَة كَنِيسَة النحريرية الَّتِي هدمها الْعَامَّة وعملوها مَسْجِدا. فَلم يجابوا لذَلِك وطردوا بعد ضَربهمْ وَكتب إِلَى متولى النَّاحِيَة أَن يعْمل لهَذَا الْمَسْجِد مناراً يُؤذن فِيهِ للصلوات الْخمس وتجدد عمَارَة الْمَسْجِد فامتثل ذَلِك. وَفِي شهر ربيع الآخر: وقفت أَحْوَال ديوانى الْخَاص والدولة حَتَّى إِن السُّلْطَان كَانَ إِذا استدعى بِشَيْء من الْخَاص يَقُول بدر الدّين نَاظر الْخَاص: مَا تمّ حَاصِل وَلَيْسَ لي مَال. وَتَأَخر من الدولة مَا يصرف للحوالج كاشية وأرباب الْمُرَتّب ونفقات مماليك السُّلْطَان. فَكثر الْإِنْكَار على بدر الدّين نَاظر الْخَاص وأسمعه الْأُمَرَاء مَا يكره فالتجأ إِلَى الْأَمِير صرغتمش وَكَانَ يعضده وَذكر لَهُ مَا هُوَ فِيهِ من الْعَجز. فوعده الْأَمِير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 198 صرغتمش بتخليصه وَأسر اليه أَن يتمارض فِي بَيته أَيَّامًا حَتَّى يدبر أمره مَعَ السُّلْطَان والأمراء. فَانْقَطع بدر الدّين عَن الْخدمَة وَأظْهر أَنه مَرِيض فَلم يبْق أحد من أهل الدولة حَتَّى عَاده على الْعَادة. ثمَّ بعد أَيَّام انْقَطع الْوَزير الصاحب موفق الدّين أَبُو الْفضل عبد الله بن سعيد الدولة لوعك أَصَابَهُ فتعطلت أشغال السلطنة. وَأخذ الْأَمِير صرغتمش يحدث الْأُمَرَاء فِي إعفاء بدر الدّين نَاظر الْخَاص فاستدعى تَاج الدّين أَحْمد بن الصاحب أَمِين الْملك عبد الله بن غَنَّام وَعرض عَلَيْهِ السُّلْطَان نظر الْخَاص فتمنع تمنعاً زَائِدا فَلم يُوَافقهُ الْأَمِير طاز والبسه التشريف فِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشره فولي الْخَاص عوضا عَن بدر الدّين. ثمَّ كَانَ موت الْوَزير موفق الدّين فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشريه فَتعين الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن بيليك المحسنى وَطلب الْأَمِير نَاصِر الدّين لذَلِك فَامْتنعَ أَشد الِامْتِنَاع وَجَرت بَينه وَبَين تَاج الدّين نَاظر الْخَاص مُفَاوَضَة فِي مجْلِس السُّلْطَان سَببهَا أَنه قَالَ: أما ثمَّ من يصلح للوزارة الا الْأَمِير نَاصِر الدّين فحنق مِنْهُ وَقَالَ لَهُ: مَا يصلح الا أَنْت فَتكون الوزارة مُضَافَة للخاص كَمَا كَانَ من قبلك. فَامْتنعَ تَاج الدّين من ذَلِك وانفض الْمجْلس فَأخذ الْأَمِير طاز بِحسن لناظر الْخَاص التحدث فِي الوزارة ويعده بمساعدته وَهُوَ يَأْبَى. وَفِي أثْنَاء ذَلِك استعفى الْأَمِير شيخو من التحدث فِي أَمر الدولة فتقرر الْحَال على أَن ينْفَرد السُّلْطَان بتدبير دولته من غير أَن يُعَارضهُ أحد فِي ذَلِك ويستبد بالمملكة وَحده كَمَا كَانَ أَبوهُ وَحده. وَاجْتمعَ الْأُمَرَاء وَسَائِر أهل الدولة بَين يَدي السُّلْطَان وفاوضوه فِي ذَلِك فَوَافَقَ غَرَضه فَإِنَّهُ كَانَ فِي حصر شَدِيد لَيْسَ لَهُ أَمر وَلَا نهى وَلَا تصرف فِي شَيْء من أُمُور الدولة وَهُوَ مَحْجُور عَلَيْهِ مَعَ الْأَمِير شيخو. فقلدوه الْأُمُور والتزموا بِطَاعَتِهِ فِيمَا يرسم بِهِ. فَصَارَ مباشرو الدولة يدْخلُونَ على السُّلْطَان وَينْهَوْنَ لَهُ الْأَحْوَال فيمضيها بأَمْره وَنَهْيه. واختص السُّلْطَان بالأمير طاز وَتقدم اليه أَن ينظر فِي أُمُور الدولة من غير أَن يظْهر ذَلِك. فاشتهر بَين الْأُمَرَاء وَغَيرهم أَن استعفاء الْأَمِير شيخو من التحدث فِي أُمُور الدولة واستقلال السُّلْطَان بِالْأَمر إِنَّمَا هُوَ بتدبير طاز وقيامه فِيهِ مَعَ السُّلْطَان فَإِن السُّلْطَان كَانَ لَهُ ميل كَبِير إِلَى الْأَمِير طاز وشغف بحب أَخِيه جنتمر وَفتن بِهِ وَكَانَ ذَلِك مِمَّا لَا يخفي على شيخو فَرَأى أَن ترك التحدث فِي الدولة من تِلْقَاء من نَفسه خير من عَزله عَنهُ. فَلَمَّا استبد السُّلْطَان بأَمْره منع الْأَمِير شيخو الْوَزير وناظر الْخَاص وأمثالهما من الدُّخُول اليه وَاسْتَأْذَنَ السُّلْطَان فِي الْإِقَامَة بإصطبله عدَّة أَيَّام ليشْرب دَوَاء. فَخَلا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 199 تَاج الدّين نَاظر الْخَاص بالأمير طاز وعرفه كَثْرَة مَا على الدولة من الكلف وَأَنَّهَا لَا تفى بذلك وَقرر مَعَه أَن يوفر من المصاريف جلة. وَكتب تَاج الدّين مَا على الدولة من المصروف فَكَانَت جملَة مَا أطلقهُ الصاحب موفق الدّين لزوجته اتِّفَاق وخدامها وَمن يلوذ بهَا سَبْعمِائة ألف دِرْهَم فِي كل سنة. ثمَّ كتب تَاج الدّين استيمارا بِمَا يَتَرَتَّب صرفه وَأخذ عَلَيْهِ خطّ السُّلْطَان وَعين صهره فَخر الدّين ماجد بن قزوينة لنظر الدولة فَطلب وخلع عَلَيْهِ شريك فَخر الدّين بن السعيد. فَكَانَ المتوفر من معاليم المباشريين جملَة كَثِيرَة فَإِنَّهُ لم يدع مباشراً الا وفر من معلومه نصفه أَو ثُلثَيْهِ وَلم يراع مِنْهُم أحدا لَا من مباشرى الدولة وَلَا مباشرى الْخَاص وَلَا مباشرى الْإسْكَنْدَريَّة ودمياط وجيع أَعمال الْوَجْه القبلى وَالْوَجْه البحرى. ثمَّ عزل تَاج الدّين كثيرا من مباشرى الْمُعَامَلَات فَإِنَّهُ كَانَ فِي كل مُعَاملَة سِتَّة مباشرين وَأكْثر فَجعل فِي كل مُعَاملَة ثَلَاثَة مباشرين ورتب لكل مِنْهُم نصف مَعْلُوم. ووفر تَاج الدّين معلومه على نظر الْخَاص وباشر الْخَاص بِمَعْلُوم الْجَيْش. فَشَمَلَ هَذَا كل من لَهُ مَعْلُوم فِي بَيت السُّلْطَان من متجر وَغَيره مَا خلا الموقعين والأطباء فَإِن الموقعين عَنى بهم كَاتب السِّرّ عَلَاء الدّين على بن فضل الله وَكَانَ عَظِيما فِي الدولة فَلم يتَعَرَّض تَاج الدّين لشَيْء من معاليمهم وأقرها بكمالها. وَأما الْأَطِبَّاء فاعتنى بهم الْأَمِير طاز فانه أَمِير مجْلِس وهم من تعلقه. وَأما من عدا هَؤُلَاءِ فَإِنَّهُ حاصصه على مباشرى صرغتمش وطاز وشيخو فجَاء جملَة المتوفر نَحْو سَبْعمِائة ألف دِرْهَم فِي كل سنة. فشق ذَلِك على الْأُمَرَاء وكرهوا قطع الأرزاق وتشاءموا بِهَذَا الْفِعْل. واشتهر ذَلِك بَين النَّاس فَتَنَكَّرت قُلُوبهم وَكثر دعاؤهم وابتهالهم إِلَى الله تَعَالَى. ثمَّ إِن تَاج الدّين اتهمَ بدر الدّين نَاظر الْخَاص بِأَنَّهُ حوى مَالا كثيرا من جِهَة تَرِكَة ابْن زنبور ومازال بِهِ حَتَّى حمل من بَيته وَهُوَ مَرِيض إِلَى القلعة والزم بِحمْل مَال كَبِير فَحمل بدر الدّين المَال مُدَّة أَيَّام وَمَات يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع عشرى جُمَادَى الأولى فِي قاعة الصاحب بالقلعة بعد موت الصاحب موفق الدّين بِشَهْر ويومين. فَقَامَ الْأَمِير صرغتمش فِي مساعدته وَمنع من الحوطة على موجوده وَكَانَ بدر الدّين قد خلف سَعَادَة جليلة مِمَّا حصله من جِهَة ابْن زنبور. وَفِي سادس عشر جُمَادَى الأولى: قدم ابْن رَمَضَان التركمانى المستقر عوضا عَن قراجا بن دلغادر وَقدم للسُّلْطَان والأمراء ألف أكديش. فرسم لَهُ بالإمرة على التركمان وأنعم لَهُ بالإقطاع وأنعم على عدَّة من أَصْحَابه بإمرات مَا بَين عشرات وطبلخاناه وَعَاد إِلَى بِلَاده. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 200 وَفِيه رسم بِعَمَل أوراق بالرزق الأحباسيه الَّتِي فِي إقطاعات الْأُمَرَاء وَفِي غير ذَلِك من أَرَاضِي مصر مِمَّا هِيَ مَوْقُوفَة على الْكَنَائِس والديارات فَجَاءَت خَمْسَة وَعشْرين ألف فدان. فأنعم وَفِي هَذِه السّنة: كَانَت وَاقعَة النَّصَارَى وَذَلِكَ أَنهم كَانُوا قد تعاظموا وتباهوا بالملابس الفاخرة وَمن الفرجيات المصقولة والبقيار الَّذِي يبلع ثمنه ثَلَاثمِائَة دِرْهَم والفرط الَّتِي تلفهَا عبيدهم على رؤوسهم. بمبلغ ثَمَانِينَ درهما الفوطة. وركبوا الْحمير الفره ذَات الْأَثْمَان الْكَثِيرَة وَمن ورائهم عبيدهم على الأكاديش. وبنوا الْأَمْلَاك الجليلة فِي مصر والقاهرة ومتنزهاتها واقتنوا الْجَوَارِي الجميلة من الأتراك والمولدات واستولوا على دواوين السُّلْطَان والأمراء وَزَادُوا فِي الْحمق والرقاعة وتعدوا طورهم فِي الترفع والتعاظم. وَأَكْثرُوا من أذي الْمُسلمين وإهانتهم إِلَى أَن مر بَعضهم يَوْمًا على الْجَامِع الْأَزْهَر بِالْقَاهِرَةِ وَهُوَ رَاكب بخف ومهماز وبقيار طرح سكندرى على رَأسه وَبَين يَدَيْهِ طرادون يبعدون النَّاس عَنهُ وَخَلفه عدَّة عبيد على أكاديش وَهُوَ فِي تعاظم كَبِير. فَوَثَبَ بِهِ طَائِفَة من الْمُسلمين وأنزلوه عَن فرسه وهموا بقتْله فخلصه النَّاس من أَيْديهم. وتحركت النَّاس فِي أَمر النَّصَارَى وماجوا وانتدب عدَّة من أهل الْخَيْر لذَلِك وصاروا إِلَى الْأَمِير طاز الشريف أَبى الْعَبَّاس الصفراوي وبلغوه مَا عَلَيْهِ النَّصَارَى مِمَّا يُوجِبهُ نقض عَهدهم وانتدبوه لنصرة الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين. فانتفض الْأَمِير طاز لذَلِك وَحدث الاصرين شيخو وصرغتمش وَبَقِيَّة الْأُمَرَاء فِي ذَلِك بَين يَدي السُّلْطَان فوافقوه جَمِيعًا وَكَانَ لَهُم يَوْمئِذٍ بِالْإِسْلَامِ وَأَهله عناية. ورتبوا قصَّة على لِسَان الْمُسلمين قُرِئت بدار الْعدْل على السُّلْطَان بِحَضْرَة الْأُمَرَاء والقضاة وَعَامة أهل الدولة. فرسم بِعقد مجْلِس للنَّظَر فِي هَذَا الْأَمر ليحمل النَّصَارَى وَالْيَهُود على الْعَهْد الَّذِي تقرر فِي خلَافَة أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ. وَطلب بطرك النَّصَارَى وَرَئِيس الْيَهُود وَحَضَرت قُضَاة الْقُضَاة وعلماء الشَّرِيعَة وأمراء الدولة وجىء بالبطرك والرئيس فوقفا على أرجلهما وَقَرَأَ العلائى على ابْن فضل الله كَاتب السِّرّ نُسْخَة الْعَهْد الَّذِي بَيْننَا وَبَين أهل الذِّمَّة بعد مَا الزموا بإحضاره وَهُوَ الا يحدثوا فِي الْبِلَاد الإسلامية وأعمالها ديراً وَلَا كَنِيسَة وَلَا صومعة وَلَا يجددوا مِنْهَا مَا خرب وَلَا يمنعوا من كنائسهم الَّتِي عَاهَدُوا عَلَيْهَا أَن ينزل بهَا أحد من الْمُسلمين ثَلَاث لَيَال يطعمونه. وَلَا يكتموا غشاً للْمُسلمين وَلَا يعلمُوا أَوْلَادهم الْقُرْآن وَلَا يمنعوهم من الْإِسْلَام إِن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 201 أَرَادوا وَإِن أسلم أحدهم لَا يردوه. وَلَا يتشبهوا بِشَيْء من ملابس الْمُسلمين ويلبس النَّصْرَانِي مِنْهُم الْعِمَامَة الزَّرْقَاء عشر أَذْرع فَمَا دونهَا واليهودي الْعِمَامَة الصَّفْرَاء كَذَلِك وَيمْنَع نِسَاؤُهُم من التَّشَبُّه بنساء الْمُسلمين. وَلَا يتسموا بأسماء الْمُسلمين وَلَا يكتنوا بكناهم وَلَا يتلقبوا بالقابهم وَلَا يركبُوا على سرج وَلَا يتقلدوا سَيْفا وَلَا يركبُوا الْخَيل وَالْبِغَال ويركبون الْحمير عرضا بالكف من غير تَزْيِين وَلَا قيمَة عَظِيمَة لَهَا. وَلَا ينقشوا خواتمهم بِالْعَرَبِيَّةِ وَأَن يجزوا مقادم رؤوسهم وَالْمَرْأَة من النَّصَارَى تلبس الْإِزَار الْمَصْبُوغ أَزْرَق وَالْمَرْأَة من الْيَهُود تلبس الْإِزَار الْمَصْبُوغ بالأصفر. وَلَا يدْخل أحد مِنْهُم الْحمام الا بعلامة مُمَيزَة عَن الْمُسلم فِي عُنُقه من نُحَاس أَو حَدِيد أَو رصاص أَو غير ذَلِك وَلَا يستخدموا مُسلما فِي أَعْمَالهم. وتلبس الْمَرْأَة السائرة خُفَّيْنِ أَحدهمَا أسود وَالْآخر أَبيض وَلَا يجاوروا الْمُسلمين بموتاهم وَلَا يرفعوا بِنَاء قُبُورهم وَلَا يعلوا على الْمُسلمين على الْمُسلمين فِي بِنَاء وَلَا يضْربُوا بالناقوس الا ضربا خَفِيفا وَلَا يرفعوا أَصْوَاتهم فِي كنائسهم. وَلَا يشتروا من الرَّقِيق مُسلما وَلَا مسلمة وَلَا مَا جرت عَلَيْهِ سِهَام الْمُسلمين وَلَا يمشوا وسط الطَّرِيق توسعة للْمُسلمين وَلَا يفتنوا مُسلما عَن دينه وَلَا يدلوا على عورات الْمُسلمين. وَمن زنى بِمسلمَة قتل وَمن خَالف ذَلِك فقد حل مِنْهُ مَا يحل من أهل المعاندة والشقاق. وكل من مَاتَ من الْيَهُود وَالنَّصَارَى والسامرة ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى يحْتَاط عَلَيْهِ ديوَان الْمَوَارِيث الحشرية بالديار المصرية وأعمالها وَسَائِر الممالك الإسلامية إِلَى أَن يثبت ورثته مَا يستحقونه بِمُقْتَضى الشَّرْع الشريف. فَإِذا اسْتحق يعطونه. بِمُقْتَضَاهُ وَتحمل الْبَقِيَّة لبيت مَال الْمُسلمين وَمن مَاتَ مِنْهُم وَلَا وَارِث لَهُ يحمل موجوده لبيت المَال. ويجرى على موتاهم الحوطة من ديوَان الْمَوَارِيث ووكلاء بَيت المَال مجْرى من يَمُوت من الْمُسلمين إِلَى أَن تبين مواريثهم. وَكَانَ هَذَا الْعَهْد قد كتب فِي رَجَب سنة سَبْعمِائة فِي الْأَيَّام الناصرية مُحَمَّد بن قلاوون فَلَمَّا انْتهى العلائى على بن فضل الله كَاتب السِّرّ من قِرَاءَته تقلد بطرك النَّصَارَى وديان الْيَهُود حكم ذَلِك والتزما بِمَا فِيهِ وأجابا بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة. ثمَّ جال الحَدِيث فِي أَمر الْيَهُود وَالنَّصَارَى وإعادة وقائعهم الْمَاضِيَة وَأَنَّهُمْ بعد التزامهم أَحْكَام الْعَهْد يعودون إِلَى مَا نهوا عَنهُ. فاستقر الْحَال على أَنهم يمْنَعُونَ من الخدم فِي جَمِيع الْأَعْمَال وَلَا يستخدم نَصْرَانِيّ وَلَا يَهُودِيّ فِي ديوَان السُّلْطَان وَلَا فِي شَيْء من دواوين الْأُمَرَاء وَلَو تلفظ بِالْإِسْلَامِ على أَن أحدا مِنْهُم لَا يكره على الجزء: 4 ¦ الصفحة: 202 الْإِسْلَام فَإِن أسلم بِرِضَاهُ لَا يدْخل منزله وَلَا يجْتَمع بأَهْله الا إِن اتَّبعُوهُ فِي الْإِسْلَام وَيلْزم أحدهم إِذا أسلم. بملازمة الْمَسَاجِد والجوامع. وَأَن تكون عِمَامَة النَّصْرَانِي واليهودي عشر أَذْرع ويلزموا بِزِيَادَة صبغها والا يستخدموا مُسلما وَأَن يركبُوا الْحمير بالآكل وَإِذا مروا بِجَمَاعَة من الْمُسلمين نزلُوا عَن دوابهم وَأَن يكون قيمَة حمَار أحدهم أقل من مائَة دِرْهَم وَأَن يلجأوا إِلَى أضيق الطّرق وَلَا يكرموا فِي مجْلِس وَأَن تلبس نِسَاؤُهُم ثيابًا مُغيرَة الزي إِذا مررن فِي الطرقات حَتَّى أخفافهن تكون فِي لونين وَلَا يدخلن حمامات الْمُسلمين مَعَ المسلمات. وَكتب بذلك كُله مراسيم سلطانية سَار بهَا الْبَرِيد إِلَى الْبِلَاد الإسلامية فَكَانَ تاريخها ثَانِي عشري جُمَادَى الْآخِرَة وقرىء مِنْهَا مرسوم. بِمَجْلِس السُّلْطَان فِي يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشريه. وَركب من الْغَد يَوْم الْجُمُعَة سادس عشريه الْأَمِير سيف الدّين وقرىء مرسوم بِجَامِع عَمْرو من مَدِينَة مصر وَآخر بِجَامِع الْأَزْهَر من الْقَاهِرَة فَكَانَ يَوْمًا عَظِيما هَاجَتْ فِيهِ حفاظ الْمُسلمين وتحركت سواكنهم لما فِي صُدُورهمْ من الحنق على النَّصَارَى ونهضوا من ذَلِك الْمجْلس بعد صَلَاة الْجُمُعَة وثاروا باليهود وَالنَّصَارَى وأمسكوهم من الطرقات وتتبعوهم فِي الْمَوَاضِع وتناولوهم بِالضَّرْبِ ومزقوا مَا عَلَيْهِم من الثِّيَاب وأكرهوهم على الْإِسْلَام فيضطرهم كَثْرَة الضَّرْب والإهانة إِلَى التَّلَفُّظ بِالشَّهَادَتَيْنِ خوف الْهَلَاك. فَإِنَّهُم زادوا فِي الْأَمر حَتَّى أضرموا النيرَان وحملوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى والقوهم فِيهَا. فاختفوا فِي بُيُوتهم حَتَّى لم يُوجد مِنْهُم أحد فِي طَرِيق وَلَا ممر وَشَرِبُوا مياه الْآبَار لِامْتِنَاع السقائين من حمل المَاء من النّيل اليهم. فَلَمَّا شنع الْأَمر نُودي فِي الْقَاهِرَة ومصر الا يُعَارض أحد من النَّصَارَى أَو الْيَهُود فَلم يرجِعوا عَنْهُم. وَحل بهم من ذَلِك بلَاء شَدِيد كَانَ أعظمه نكاية لَهُم أَنهم منعُوا من الخدم بعد إسْلَامهمْ فَإِنَّهُم كَانُوا فِيمَا مضى من وقائعهم إِذا منعُوا من ذَلِك كَادُوا الْمُسلمين لإِظْهَار الْإِسْلَام ثمَّ بالغوا فِي إِيصَال الأذي لَهُم بِكُل طَرِيق بِحَيْثُ لم يبْق مَانع يمنعهُم لِأَنَّهُ صَار الْوَاحِد مِنْهُم فِيمَا يظْهر مُسلما وَيَده مبسوطة فِي الْأَعْمَال وَأمره نَافِذ وَقَوله ممتثل. فَبَطل مَا كَانُوا يعْملُونَ وتعطلوا عَن الخدم فِي الدِّيوَان وَامْتنع الْيَهُود وَالنَّصَارَى من تعاطى صناعَة الطِّبّ. وَبدل الأقباط ذَلِك فَلم يجابوا إِلَيْهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 203 ثمَّ لم يكف النَّاس من النَّصَارَى مَا مر بهم حَتَّى تسلطوا على كنائسهم ومساكنهم الجليلة الَّتِي رفعوها على أبنية الْمُسلمين فهدموها. فازداد النَّصَارَى وَالْيَهُود خوفًا على خوفهم وبالغوا فِي الاختفاء حَتَّى لم يظْهر مِنْهُم أحد فِي سوق وَلَا فِي غير. ثمَّ وَقعت قصَص على لِسَان الْمُسلمين بدار الْعدْل تَتَضَمَّن أَن النَّصَارَى استجدوا فِي كنائسهم عُمَّال ووسعوا بناءها وَتجمع من النَّاس عدد لَا ينْحَصر واستغاثوا بالسلطان فِي نصْرَة الْإِسْلَام وَذَلِكَ فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ رَابِع عشر رَجَب. فرسم لَهُم أَن يهدموا الْكَنَائِس المستجدة فنزلوا يدا وَاحِدَة وهم يضجون. وَركب الْأَمِير عَلَاء الدّين على بن الكوراني والى الْقَاهِرَة ليكشف عَن صِحَة مَا ذَكرُوهُ فَلم يتمهلوا بل هجموا على كَنِيسَة بجوار قناطر السبَاع وكنيسة للأسرى فِي طَرِيق مصر ونهبوهما وَأخذُوا مَا فيهمَا من الأخشاب والرخام وَغير ذَلِك وَوَقع النهب فِي دير بِنَاحِيَة بولاق التكرور. وهجموا على كنائس مصر والقاهرة وأخربوا كَنِيسَة بحارة الفهادين من الجوانية بِالْقَاهِرَةِ. وتجمعوا لتخريب كَنِيسَة بالبندقانيين من الْقَاهِرَة فَركب وَالِي الْقَاهِرَة فَركب وَالِي الْقَاهِرَة ومازال حَتَّى ردهم عَنْهَا وَتَمَادَى هَذَا الْحَال حَتَّى عجزت الْحُكَّام عَن كفهم. فَلَمَّا كَانَ فِي أخريات رَجَب بلغ الْأَمِير صرغتمش أَن بِنَاحِيَة شبْرًا الْخيام كَنِيسَة فِيهَا أصْبع الشَّهِيد الَّتِي ترمى كل سنة فِي النّيل فَتحدث مَعَ السُّلْطَان فِيهِ. فرسم بركوب الْحَاجِب والوالي إِلَى هَذِه الْكَنِيسَة وهدمها فهدمت ونهبت حواصلها وأخد الصندوق الَّذِي فِيهِ أصْبع الشَّهِيد وأحضر إِلَى السُّلْطَان وَهُوَ بالميدان الْكَبِير قد أَقَامَ بِهِ كَمَا يَأْتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى. فأضرمت النَّار وأحرق الصندوق. بِمَا فِيهِ ثمَّ ذرى رماده فِي الْبَحْر. وَكَانَ يَوْم رمى هَذَا الْأصْبع فِي النّيل من الْأَيَّام المشهودة فَإِن النَّصَارَى كَانُوا يَجْتَمعُونَ من جَمِيع الْوَجْه البحري وَمن الْقَاهِرَة ومصر فِي نَاحيَة شبْرًا وتركب النَّاس المراكب فِي النّيل وتنصب الخيم الَّتِي يتَجَاوَز عَددهَا الْحَد فِي الْبر وتنصب الْأَسْوَاق الْعَظِيمَة وَيُبَاع من الْخمر مَا يودون بِهِ مَا عَلَيْهِم من الْخراج فَيكون من المواسم القبيحة. وَكَانَ المظفر بيبرس قد أبْطلهُ كَمَا ذكره فأكذب الله النَّصَارَى فِي قَوْلهم أَن النّيل لَا يزِيد مَا لم يرم فِيهِ أصْبع الشَّهِيد وَزَاد تِلْكَ السّنة حَتَّى بلغ إِلَى أصْبع من ثَمَانِيَة عشر ذِرَاعا. ثمَّ سعت الأقباط حَتَّى أُعِيد رميه فِي الْأَيَّام الناصرية كَمَا تقدم فأراح الله مِنْهُ بإحراقه. وَأخذ عباد الصَّلِيب فِي الإرجاف بِأَن النّيل لَا يزِيد فِي هَذِه السّنة فاظهر الله تَعَالَى قدرته وَبَين للنَّاس كذبهمْ بِأَن زَاد النّيل زِيَادَة لم يعْهَد مثلهَا كَمَا سَيَأْتِي ذكره. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 204 وَكَثُرت الْأَخْبَار من الْوَجْه القبلي وَالْوَجْه البحري بِدُخُول النَّصَارَى فِي الْإِسْلَام ومواظبتهم الْمَسَاجِد وحفظهم لِلْقُرْآنِ حَتَّى أَن مِنْهُم من ثبتَتْ عَدَالَته وَجلسَ مَعَ الشُّهُود. فَإِنَّهُ لم يبْق فِي جَمِيع أَعمال مصر كلهَا قبليها وبحريها كَنِيسَة حَتَّى هدمت وَبنى مَوَاضِع كثير مِنْهَا مَسَاجِد. فَلَمَّا عظم الْبلَاء على النَّصَارَى وَقلت أَرْزَاقهم رَأَوْا أَن يدخلُوا فِي الْإِسْلَام. فَفَشَا الْإِسْلَام فِي عَامَّة نَصَارَى أَرض مصر حَتَّى أَنه أسلم من مَدِينَة قليوب خَاصَّة فِي يَوْم وَاحِد أَرْبَعمِائَة وَخَمْسُونَ نَفرا وَمِمَّنْ أسلم فِي هَذِه الْحَادِثَة الشَّمْس القسى والخيصم. وَحمل كثير من النَّاس فعلهم هَذَا على أَنه من جملَة مَكْرهمْ لِكَثْرَة مَا شنع الْعَامَّة فِي أَمرهم فَكَانَت هَذِه الْوَاقِعَة أَيْضا من حوادث مصر الْعَظِيمَة. وَمن حِينَئِذٍ اخْتلطت الْأَنْسَاب بِأَرْض مصر فنكح هَؤُلَاءِ الَّذين أظهرُوا الْإِسْلَام بالأرياف المسلمات واستولدوهن ثمَّ قدم أَوْلَادهم إِلَى الْقَاهِرَة وَصَارَ مِنْهُم قُضَاة وشهود وعلماء وَمن عرف سيرتهم فِي أنفسهم وَفِيمَا ولوه من أُمُور الْمُسلمين تفطن لما لَا يُمكن التَّصْرِيح بِهِ. وَفِي يَوْم السبت ثَانِي عشري رَجَب: ركب السُّلْطَان إِلَى الميدان الْكَبِير المطل على النّيل بعد كسر الخليج من الْعَادة وَعَاد من أَخّرهُ إِلَى القلعة. ثمَّ ركب السُّلْطَان السبت الثَّانِي إِلَى الميدان. وأقامبه وَمَعَهُ الْأَمِير شيخو والأمير طاز والأمير صرغتمش وَبَقِيَّة الْأُمَرَاء الخاصكية. وَعمل السُّلْطَان بِهِ الْخدمَة فِي يومي الْإِثْنَيْنِ وَالْخَمِيس كَمَا تعْمل بالإيوان فِي القلعة وَلم يتقدمه أحد إِلَى مثل هَذَا. مِنْهُم عَالم عَظِيم ونصبت هُنَاكَ أسواق كَثِيرَة فصاروا يَخُوضُونَ فِيمَا لَا يعنيهم ويتكلمون فِي اللَّيْل بِكُل فَاحِشَة فِي حق كبراء الدولة وَيَقُولُونَ ليسمع السُّلْطَان: قُم اطلع قلعتك مَا جرت بذا عَادَة واحترس على نَفسك وَإِيَّاك تأمن لأحد. فَلَمَّا كثر هَذَا وَشبهه من كَلَامهم وسَمعه مِنْهُم الْأُمَرَاء اشْتَدَّ حنقهم وَأمرُوا مماليكهم فَرَكبُوا وأوقعوا بهم ضربا بالدبابيس والعصى فَفرُّوا هاربين والقوا أنفسهم فِي الْبَحْر وَتَفَرَّقُوا فِي كل جِهَة. فَقبض مِنْهُم جمَاعَة وَأَسْلمُوا لوالى الْقَاهِرَة ورسم لَهُ بِأَن يتتبع غوغاء الْعَامَّة حَيْثُ كَانُوا فهجم أماكنهم وَقبض على جمَاعَة كَثِيرَة وسجنهم. فاظهر النَّصَارَى الشماتة بهم وتجاهروا بِأَن هَذَا عُقُوبَة من الله لَهُم بِمَا فَعَلُوهُ مَعَهم. فشق هَذَا على الْأُمَرَاء وَأمرُوا بِأَن يفرج عَنْهُم حَتَّى لَا يشمت بهم أهل الْكفْر فأطلقوا وَخرج عدَّة مِنْهُم إِلَى الأرياف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 205 وَركب السُّلْطَان فِي يَوْم السبت ثَالِث شعْبَان - بعد مَا لعب بالكرة على عَادَته - إِلَى القلعة. فَلَمَّا اسثقر بهَا حسن لَهُ نَاظر الْخَاص أَن ينْقل مَا بخزانة الْخَاص من التحف الَّتِي قدمهَا النواب وَغَيرهم إِلَى دَاخل الدَّار فَحملت كلهَا. ثمَّ كتب نَاظر الْخَاص أَسمَاء جمَاعَة لَهُم أَمْوَال من جُمْلَتهمْ خَالِد بن دَاوُد مقدم الْخَاص وأغرى السُّلْطَان بِهِ. فَأخذ الْأَمِير قجا أَمِير شكار فِي الدّفع عَن خَالِد وَكَانَ يعْنى بِهِ ثمَّ أعلم خَالِدا بِمَا كَانَ فالتزم لَهُ خَالِد أَن يحصل للسُّلْطَان أَمْوَالًا عَظِيمَة من ودائع ابْن زنبور أَضْعَاف مَا يطْلب مِنْهُ على أَن يُعْفَى من تقدمة الْخَاص وينعم عَلَيْهِ بإقطاع وَيبقى من جملَة الأجناد فأتقن لَهُ أَمِير شكار ذَلِك مَعَ السُّلْطَان فَأجَاب السُّلْطَان سُؤَاله واستدعى خَالِد والبسه الكلفتاه ومكنه مِمَّا يُرِيد. فَنزل خَالِد وَقبض على جمَاعَة من الزام ابْن زنبور فدلوه على صندوق قد أودع عِنْد قاضى الْحَنَفِيَّة بالجيزة فَركب اليه وَأَخذه مِنْهُ فَوجدَ فِيهِ مصاغاً وزراكش. فَأخذ خَالِد فِي تتبع حَوَاشِي ابْن زنبور حَتَّى أَخذ مِنْهُم مَا ينيف على مائَة ألف دِينَار فاشتكى نَاظر الْخَاص من فعله نكاية بَالِغَة. فَلَمَّا كَانَ فِي شهر رَمَضَان خرج السُّلْطَان إِلَى نَاحيَة سرياقوس على الْعَادة وَمَعَهُ والدته وحريمه وَجَمِيع الْأُمَرَاء وَغَيرهم من أهل الدولة وَتَأَخر الْأَمِير شيخو بإصطبله لوعك بِهِ. فَكثر لَهو السُّلْطَان ولعبه وشغفه بالأمير جنتمر حَتَّى أفرط وَجمع عَلَيْهِ الْأَمِير قجا أَمِير شكار وأخوته. وَمَال السُّلْطَان إِلَى جِهَة الْأَمِير طاز وَأعْرض عَن الْأَمِير شيخو والأمير صرغتمش. وَصَارَ يركب النّيل فِي اللَّيْل ويستدعى أَرْبَاب الصَّنَائِع من الطباخين والخراطين والقزازين وَنصب لَهُ نول قزازة وَعمل هَذِه الْأَعْمَال بِيَدِهِ فَكَانَ إِذا رأى صناعَة من الصناعات عَملهَا فِي أيسر زمن بِيَدِهِ. وَعمل لخوند قطلوبك أمه مهما طبخ فِيهِ الطَّعَام بِيَدِهِ وَعمل لَهَا جَمِيع مَا يعْمل فِي الموكب السلطاني ورتب لَهَا الخدام والجواري مَا بَين حمدارية وسقاة وَمِنْهُم من حمل الغاشية والقبة وَالطَّرِيق وأركبها فِي الحوش بزِي الْملك وهيئة السلطنة. وخلع وَأنْفق ووهب شَيْئا كثيرا من المَال. ثمَّ شدّ فِي وَسطه فوطة ووقف فطبخ الطَّعَام فِي هَذَا المهم بِنَفسِهِ وَمد السماط بَين يَديهَا بِنَفسِهِ فَكَانَ مهما يخرج عَن الْحَد فِي كَثْرَة المصروف فَأنْكر ذَلِك الْأَمِير شيخو وكتم مَا فِي نَفسه. فَلَمَّا عَاد السُّلْطَان فِي آخر الشَّهْر من سرياقوس إِلَى القلعة وَقد بلغ شيخو أَن السُّلْطَان قد اتّفق مَعَ إخْوَة طاز على أَن يقبض عَلَيْهِ وعَلى صرغتمش يَوْم الْعِيد. وَكَانَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 206 طاز قد توجه إِلَى الْبحيرَة فِي هَذِه الْأَيَّام بعد مَا قرر مَعَ السُّلْطَان مَا ذكر فَركب السُّلْطَان فِي يَوْم الْأَحَد أول شَوَّال لصَلَاة الْعِيد فِي الإصطبل على الْعَادة وَقرر مَعَ كلتاي وجنتمر واصر عمر مَا يَفْعَلُونَهُ وَأمر بِمِائَة فرس فشدت وأوقفت فَلم يحضر شيخو صَلَاة الْعِيد وَكَانَ قد بلغه جَمِيع مَا تقرر فَبَاتُوا لَيْلَة الِاثْنَيْنِ على حذر وَأَصْبحُوا وَقد اجْتمع مَعَ الْأَمِير شيخو من الْأُمَرَاء صرغمتش وطقطاى وَمن يلوذ بهم وركبوا إِلَى تَحت الطبلخاناه ورسموا للاصر علم بِضَرْب الكوسات فَضربت حَرْبِيّا. فَركب جَمِيع الْعَسْكَر تَحت القلعة بِالسِّلَاحِ وَصعد الْأَمِير تنكربغا والأمير أسنبغا المحمودي إِلَى القلعة وقبضا على السُّلْطَان وسجناه مُقَيّدا فَزَالَ ملكه فِي أقل من سَاعَة وَصعد الْأَمِير شيخو وَمن مَعَه من الْأُمَرَاء إِلَى القلعة وأقامت أطلابهم على حَالهَا تَحت القلعة. وَقبض الْأَمِير شيخو على إخْوَة الْأَمِير طاز وَاسْتَشَارَ فِيمَن يقيمه للسسلطة وَصرح هُوَ وَمن مَعَه بخلع الْملك الصَّالح صَالح فَكَانَت مُدَّة سلطنته ثَلَاث سِنِين وَثَلَاثَة أشهر وَثَلَاثَة أَيَّام فسبحان من لَا يَزُول ملكه. السُّلْطَان الْملك النَّاصِر حسن بن مُحَمَّد بن قلاوون الالفي وَلما قبض على الْملك الصَّالح وخلع اقْتضى رأى الْأَمِير شيخو - وَسَائِر الْأُمَرَاء - إِعَادَة السُّلْطَان حسن لما كَانَ يبلغهم عَنهُ من ملازمته فِي مُدَّة حَبسه للصلوات الْخمس والإقبال على الِاشْتِغَال بِالْعلمِ حَتَّى إِنَّه كتب بِخَطِّهِ كتاب دَلَائِل النُّبُوَّة للبيهقي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 207 فاستدعوا الْخَلِيفَة وقضاة الْقُضَاة وأحضروا السُّلْطَان من محبسه وأركبوه بشعار المملكة وَمَشى الْأُمَرَاء كلهم وَسَائِر أَرْبَاب الدولة فِي ركابه حَتَّى جلس على تخت الْملك وَبَايَعَهُ الْخَلِيفَة فقبلوا لَهُ الأَرْض على الْعَادة وَذَلِكَ فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي شهر شَوَّال. وَبَات الْأُمَرَاء فِي الأشرفية من القلعة. وَأرْسل الْأَمِير صرغتمش والأمير تقطاى الدوادار إِلَى الْأَمِير طاز ليخبراه. مِمَّا وَقع فصارا اليه ولقياه بالطرانة وَقد رَجَعَ. وبلغه الْخَبَر فعرفاه مَا كَانَ فِي غيبته وأقبلا مَعَه إِلَى حَيْثُ أَرَادَا تَعديَة النّيل فَأرْسل الله ريحًا عاصفاً منعت المعادى من الْمسير. وَنزل الْأَمِير طاز بِالْمَدْرَسَةِ المعزية ليفطر فَإِنَّهُ كَانَ صَائِم. وَبلغ إخْوَته وَمن يلوذ بِهِ مَجِيئه فَأخذُوا فِي تَدْبِير أُمُورهم فَلم يَجدوا إِلَى ذَلِك سَبِيلا لاحتراز الْأَمِير شيخو مِنْهُم وَالتَّوْكِيل بهم. الا أَن الْأَمِير كلتا ركب فِي عدَّة من مماليكه - ومماليك أَخِيه الْأَمِير طاز - يُرِيد ملتقاه فَأنْكر شيخو ذَلِك. وَاتفقَ أَن مماليكه ظفروا. بمملوكين من أَصْحَاب كلتا لابسين وأحضروهما إِلَى شيخو. فَركب الْأَمِير بلجك فِي عدَّة من مماليكه والتقاه بعد الْعَصْر عِنْد بَاب اصطبل طاز فَلم يطق محاربته. لِكَثْرَة جمعه فَرجع فَرَمَوْهُ بالنشاب وَسَارُوا إِلَى لِقَاء طاز. وَبعث الْأَمِير شيخو. بمماليك كل من الاصرين صرغتمش وتقطاى ليلتقوهما فجدوا فِي الْمسير حَتَّى لقوهما عِنْد الرصد بعد الْمغرب وهما مَعَ الْأَمِير طاز. فَمَا هُوَ الا أَن أَتَت أطلاب الاصرين رفس كل مِنْهُمَا فرسه ودكس من جَانب طاز وَصَارَ فِي طلبه بَين مماليكه فَإِنَّهُمَا كَانَا لما رَأيا مماليك كلتا قد أَقبلُوا إِلَى لِقَاء طاز وهم ملبسين خافا على أَنفسهمَا. وَفِي الْحَال وَقعت الضجة وَلم يبْق الا وُقُوع الْحَرْب. فتفرقت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 208 مماليك طاز عَنهُ لقلَّة عَددهمْ فَإِن الأطلاب صَارَت تتلاحق من قبل الْأَمِير شيخو شَيْئا بعد شَيْء فَطلب طاز أَيْضا نجاة نَفسه وَولى بفرسه فَلم يعرف أَيْن يذهب. وَأَقْبَلت الْأُمَرَاء إِلَى الْأَمِير شيخو فأركب الْأَمِير قطلوبغا الطرخانى فِي جمَاعَة من الْأُمَرَاء لحراسة الطرقات فَتَفَرَّقُوا فِي عدَّة جِهَات وَبَات بَقِيَّة الْأُمَرَاء فِي الأشرفية من القلعة ووقفت عدَّة وافرة تَحت القلعة. وَبَات السلطات والأمير شيخو على بَاب الإصطبل فَكَانُوا طول ليلتهم فِي أَمر مريج وظلوا يَوْم الْخَمِيس وَلَيْلَة الْجُمُعَة كَذَلِك. فَفِي أثْنَاء لَيْلَة الْجُمُعَة حضر الْأَمِير تقطاى الدوادار - وصحبته الْأَمِير طاز - إِلَى عِنْد الْأَمِير شيخو. وَكَانَ طاز قد التجأ إِلَى بَيت تقطاى فَإِن أُخْت طاز كَانَت تَحْتَهُ فَقَامَ اليه الْأَمِير شيخو وعانقه وَبكى بكاء كثيرا وتعاتبا وَأقَام عِنْده ليلته تِلْكَ. وَركب بِهِ يَوْم الْجُمُعَة إِلَى القلعة فَأقبل عَلَيْهِ السُّلْطَان وَطيب خاطره ورسم لَهُ بنيابة حلب عوضا عَن الْأَمِير أرغون الكاملى. فَلبس طاز التشريف فِي يَوْم السبت سابعه وَسَار من يَوْمه وَمَعَهُ الْأَمِير شيخو وصرغتمش وَجَمِيع الْأُمَرَاء لوداعه فَسَالَ أَن تكون إخْوَته صحبته فَأُجِيب إِلَى ذَلِك وأخرجوا اليه بِحَيْثُ لم يتَأَخَّر عَنهُ أحد من حَاشِيَته وَعَاد الْأُمَرَاء وَمضى لمحل نيابته. وسجن الْملك الصَّالح صَالح حَيْثُ كَانَ أَخُوهُ الْملك النَّاصِر حسن مسجوناً. وَمن غَرِيب مَا وَقع - مِمَّا فِيهِ أعظم مُعْتَبر - أَنه عمل الطَّعَام للسُّلْطَان الْملك الصَّالح ليمد بَين يَدَيْهِ على الْعَادة وَعمل الطَّعَام للناصر حسن ليأكله فِي محبسه فاتفق خلع الصَّالح فِي أق من سَاعَة وسجنه وَولَايَة أَخِيه حسن السلطنة عوضه فَمد السماط بِالطَّعَامِ الَّذِي عمل ليأكله الصَّالح فَأَكله حسن فِي دست مَمْلَكَته وَأدْخل الطَّعَام - الَّذِي عمل لحسن ليأكله فِي محبسه - على الصَّالح فَأَكله فِي السجْن الَّذِي كَانَ أَخُوهُ حسن فِيهِ. فسبحان محيل الْأَحْوَال لَا اله الا هُوَ. وفيهَا كَانَ الْقَبْض على تَاج الدّين أَحْمد بن الصاحب أَمِين الْملك عبد الله بن غَنَّام نَاظر الْخَاص وناظر الْجَيْش. وعددت لَهُ ذنُوب مِنْهَا أَنه لما ولى نظر الْجَيْش - بعد علم الدّين بن زنبور - تشدد فِيهِ مَعَ سلوكه سَبِيل الْأَمَانَة على الْمَعْنى. بِمَنْع المقايضات والنزولات حَتَّى قلت أَرْزَاقهم. ثمَّ لما ولى نظر الْخَاص بعد بدر الدّين - مُضَافا إِلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 209 الْجَيْش - ثمَّ مَاتَ الْوَزير موفق الدّين مالط إِلَى جِهَة طاز وَالْملك الصَّالح وأوقع فِي ذهنهما أَنه لَا يتَمَكَّن من عمل مصَالح السُّلْطَان مَعَ تحدث الْأَمِير شيخو فِي أُمُور الدولة. فَنقل ذَلِك إِلَى شيخو وصرغتمش فَقَامَ صرغتمش على شيخو حَتَّى استعفي من التحدث فِي أُمُور الدولة وقلدوا السُّلْطَان أمرهَا فاستقل بِالتَّدْبِيرِ وَحده. وَجعل الْأَمِير طاز كَأَنَّهُ يتحدث عَنهُ من غير إِظْهَار ذَلِك فاتفق مَعَ الْأَمِير طاز على توفير جملَة من المعاليم المستقرة للمباشرين فوفر مِنْهَا مَا تقدم ذكره وَلم يراع أحدا فَتَنَكَّرت الْقُلُوب لَهُ. وَنقل مَعَ هَذَا الْأَمِير شيخو عَنهُ أَنه أغرى الْملك الصَّالح بِهِ. وعرفه كَثْرَة متاجره وأمواله حَتَّى تنكر عَلَيْهِ وعَلى الْأَمِير صرغتمش. فَلَمَّا توطدت دولة الْملك النَّاصِر حسن تفرغ الْأَمِير شيخو لناظر الْخَاص. وعندما خرج من خزانَة الْخَاص بالقلعة أَخذ وَوضع فِي رقبته باسة وجنزير وكشف رَأسه وتناولته أَيدي النَّاس يضربونه بنعالهم وهم خدام السُّلْطَان ومماليكه بقتْله فلولا من هُوَ مُوكل بِهِ لأتوا على نَفسه ومازالوا بِهِ حَتَّى أدخلوه قاعة الصاحب بالقلعة. وَمَاجَتْ الْقَاهِرَة ومصر بِأَهْلِهَا لسرورهم بذلك فَكَانَ يَوْمًا معدوداً. وَوَقع الطّلب عَلَيْهِ بِحمْل المَال وَبسطت عَلَيْهِ الْعُقُوبَات بأنواعها. وَتَوَلَّى تعذيبه عدوه خَالِد بن دَاوُد فَقبض على أَخِيه كريم الدّين نَاظر الْبيُوت وعَلى الزامه وأصهاره وَأَتْبَاعه. وَولى مجد الدّين مُوسَى الهذبانى شاد الدَّوَاوِين فعظمت مصيبتهم وجلت بلاياهم فَإِنَّهُ أَدخل على تَاج الدّين. بمزين حلق رَأسه ثمَّ شقّ جلدَة رَأسه بِالْمُوسَى وحشى جراحاته من الخنافس. ثمَّ البس رَأسه طاسة من نُحَاس قد أوقد عَلَيْهِ بالنَّار حَتَّى اشتدت سخونتها فعندما أحست الخنافس بالحرارة سعت لتخرج فَلم تَجِد سَبِيلا فَجعلت تنقب فِي جراحات رَأسه حَتَّى هلك بعد مَا رأى فِي نَفسه العبر من كَثْرَة تنوع الْعَذَاب الاليم عَلَيْهِ. وَاعْتَزل بخبيئة فِي دَاره فَنزل الْأَمِير قشتمر الحاحب ومجد الدّين الهذبانى - شاد الدَّوَاوِين - وخَالِد بن دَاوُد اليها فوجدوا سِتَّة الاف دِينَار. وأبيع موجوده وهدمت دَاره فَكَانَت جملَة مَا أَخذ مِنْهُ عشرَة الاف دِينَار. وَاسْتقر عوضه فِي نظر الْخَاص والجيش علم الدّين عبد الله بن نقولا كَاتب الخزانة. وَاسْتقر كريم الدّين أكْرم بن شيخ فِي نظر الدولة وَنظر الْبيُوت. وَاسْتقر الْفَخر ابْن السعيد - صَاحب وَفِي هَذَا الشَّهْر: قدم الْأَمِير أرغون الكاملى نَائِب حلب فَأكْرم إِكْرَاما زَائِدا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 210 وخلع عَلَيْهِ وأنعم عَلَيْهِ بإقطاع الْأَمِير طاز من غير زِيَادَة وَهِي منية ابْن خصيب وناحية أُخْرَى. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع عشر ذِي الْقعدَة: أخرج الْأَمِير أسندمر الْعُمْرَى لنيابة حماة وَنقل الْأَمِير سيف الدّين طبيرق نَائِب حماة إِلَى إمرة بِدِمَشْق. وَنقل الْأَمِير منجك من صفد إِلَى نِيَابَة طرابلس عوضا عَن أيتمش الناصري بعد وَفَاته. وَفِي هَذَا الشَّهْر: ركب السُّلْطَان إِلَى جِهَة الأهرام وَعَاد فَدخل إِلَى بَيت الْأَمِير شيخو يعودهُ وَقد وعك فَقدم لَهُ تقدمة جليلة. وَفِيه خلع على الْأَمِير صرغتمش وَاسْتقر فِي نظر المارستان المنصوري وَكَانَ قد تعطل نظره من متحدث تركي وَانْفَرَدَ بالْكلَام فِيهِ القَاضِي عَلَاء الدّين على بن الأطروش وَفَسَد حَال وَقفه فَإِنَّهُ كَانَ يكثر من مهاداة أُمَرَاء الدولة ومدبريها ويمهل عمَارَة رباعه حَتَّى تشعثت فَنزل اليه الْأَمِير صرغتمش وَدَار فِيهِ على المرضى فساءه مَا رأى من ضياعهم وَقلة الْعِنَايَة بهم فاستدعى القَاضِي ضِيَاء الدّين يُوسُف بن أَبى بكر بن مُحَمَّد بن خطيب بَيت الْآبَار وَعرض عَلَيْهِ التحدث فِي المارستان كَمَا كَانَ عوضا عَن ابْن الأطروش. فَامْتنعَ من ذَلِك فمازال بِهِ حَتَّى أجَاب. وركبا إِلَى أوقاف المارستان بالمهندسين لكشف مَا يحْتَاج اليه من الْعِمَارَة فَكتب تَقْدِير المصروف ثَلَاثمِائَة ألف دِرْهَم فرسم بِالشُّرُوعِ فِي الْعِمَارَة فعمرت الْأَوْقَاف حَتَّى ترفع مَا فسد مِنْهَا ونودى بحمايه من سكن فِيهَا فَزَاد ريع الْوَقْف فِي الشَّهْر نَحْو أَرْبَعِينَ ألف دِرْهَم وَمنع من يتَعَرَّض اليهم وانصلحت أَحْوَال المرضى أَيْضا. وَعرض الْأَمِير صرغتمش جَمِيع مستحقى الْوَقْف من الْفُقَهَاء والقراء وَغَيرهم وَأكْثر من سُؤَالهمْ ونقب عَن أُمُورهم والزمهم بمواظبة وظائفهم. وفيهَا انْفَتح بَاب السَّعْي عِنْد الْأَمِير شيخو بالبراطيل فِي الولايات فسعى جمَاعَة بأموال فِي عدَّة جِهَات فأجيبوا إِلَى ذَلِك وقرروا فِيمَا أرادوه وَأخذ مِنْهُم مَا وعدوا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 211 بِهِ مِنْهُم حاجي أستادار ظهير بغا اسْتَقر فِي ولَايَة قوص بمائتين وَخمسين ألف دِرْهَم قَامَ بهَا للسُّلْطَان والأمراء. وَاسْتقر أَيْضا نَاصِر الدّين عمد بن إِيَاس بن الدويدارى فِي كشف الْوَجْه البحري عوضا عَن عز الدّين أزدمر الْأَعْمَى بِنَحْوِ سِتَّة الاف دِينَار. وَكَانَ أزدمر قد عمى من اثْنَتَيْ عشرَة سنة وَهُوَ لَا يظْهر أَنه أعمى ويركب ويكبس الْبِلَاد ويحضر الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة مَعَ الْأُمَرَاء وَله مَمْلُوك يكون مَعَه حَيْثُ سلك يعرفهُ مَا يُرِيد وَإِذا رأى أحدا يَقْصِدهُ يعرفهُ بِهِ فيستقبله من بعد وَيسلم عَلَيْهِ كَأَنَّهُ يرَاهُ. وَكَذَا إِذا جلس للْحكم أرشده سرا لما لابد مِنْهُ. وَمَعَ ذَلِك فقد كَانَ لطول مدَّته وتمرنه صَار يعرف أَكثر أَحْوَال العربان ويستحضر أَسْمَاءَهُم فيقوى بذلك على تمشية أُمُوره بِحَيْثُ يخفي على أَكثر النَّاس عماؤه وأنعم عَلَيْهِ بإمرة طبلخاناه. وفيهَا خرج ركب الْحجَّاج الرجبية صُحْبَة الْأَمِير عز الدّين أزدمر الخازندار وَنزل بركَة الْجب على الْعَادة فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ حادي عشْرين رَجَب. وسافر فِيهِ الطواشي شبْل الدولة كافور الْهِنْدِيّ وقطب الدّين هرماس وَجَمَاعَة من الْأَعْيَان. فَلَمَّا وصل الركب إِلَى بدر لَقِيَهُمْ قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين عبد الْعَزِيز بن جمَاعَة وَقد توجه من الْمَدِينَة النبويه - وَكَانَ مجاوراً بهَا - يُرِيد مَكَّة ليصوم بهَا شهر رَمَضَان. وَعند نزولهم بطن مرو لقبهم الشريف عجلَان أَمِير مَكَّة. فَخلع عَلَيْهِ ومضوا إِلَى مَكَّة فَدَخَلُوهَا معتمرين يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشْرين شعْبَان فَنُوديَ من الْغَد مستهل رَمَضَان الا يحمل أحد من بنى حسن والقواد وَالْعَبِيد سِلَاحا بِمَكَّة فامتنعوا من حمله. وَكَانَ الرخَاء كثيرا كل غرارة قَمح - وَهِي سبع ويبات مصرية - بِثَمَانِينَ درهما والغرارة الشّعير بِخَمْسِينَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 212 درهما. الا أَن المَاء قَلِيل بِحَيْثُ نزحت الْآبَار وانقطعت عين جوبان فأغاثهم الله بمطر عَظِيم رووا مِنْهُ. وَحضر أَبُو الْقَاسِم مُحَمَّد بن أَحْمد الْيُمْنَى - إِمَام الزيدية الَّذِي ضربه عمر شاه أَمِير الركب فِي السّنة الخالية - إِلَى قاضى الْقُضَاة عز الدّين بن جمَاعَة تَائِبًا مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ من مَذْهَب الزيدية فعقد لَهُ مجْلِس بِالْحرم حَضَره أَمِير الركب وَعَامة أهل مصر وَمَكَّة وأشهدهم أَنه رَجَعَ عَن مَذْهَب الزيدية وتبرأ إِلَى الله تَعَالَى من إِبَاحَة دِمَاء الشَّافِعِيَّة وَأَمْوَالهمْ وَأَنه يواظب على صَلَاة الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة مَعَ أَئِمَّة الْحرم وَإِن خرج عَن ذَلِك فعل بِهِ مَا تَقْتَضِيه الشَّرِيعَة وَكتب خطه بذلك. فَقَالَ بَعضهم: استتوبوا الزيدى عَن مَذْهَب قد كَانَ من قبل بِهِ معجبا لَو لم يدارك نَفسه بتوبة لعجل الله لَهُ مذهبا وهبت الرّيح بِمَكَّة من قبل الْيمن أظلم عقبيها الْحرم وفشث الْأَمْرَاض فِي النَّاس حَتَّى لم يكن أحد الا وَبِه وعك الا أَنه كَانَ سليما يحصل الْبُرْء مِنْهُ بعد أُسْبُوع. فَلَمَّا كَانَ شهر شَوَّال ظهر بعد الْعشَاء الْآخِرَة من قبل جبل أبي قبيس كَوْكَب فِي قدر الْهلَال وَأكْثر نورا مِنْهُ وَمر على الْكَعْبَة ثمَّ اختفي بعد ثَلَاثَة درج فَسمع من فَقير يماني وَهُوَ يَقُول: لَا اله الا الله الْقَادِر على كل شَيْء هَذَا يدل على رجل يكون فِي شدَّة يفرج الله عَنهُ وَرجل يكون فِي فرج يصير إِلَى شدَّة وَالله يدبر الْأَمر بقدرته. وَقدم الْخَبَر فِي أخريات شَوَّال بخلع الصَّالح وإعادة السُّلْطَان حسن وَكَانَ اتّفق أَيْضا أَن الشَّيْخ المعتقد أَبَا طرطور قَالَ يَوْمًا: لَا اله الا الله الْيَوْم جلس حسن فِي دست مملكة مصر. وَلم يكن عِنْده سوى الشَّيْخ قطب الدّين أَبى عبد الله مُحَمَّد بن أَبى الثَّنَاء مَحْمُود ابْن هرماس بن ماضي الْقُدسِي الْمَعْرُوف بالهرماس فَقَامَ من فوره إِلَى أَمِير الركب عز الدّين أزدمر وقاضى الْقُضَاة عز الدّين عبد الْعَزِيز بن جمَاعَة وهما بِالْحرم فَجَلَسَ اليهما ثمَّ أطرق وَرفع رَأسه وَقَالَ: لَا اله الا الله الْيَوْم جلس الْملك النَّاصِر حسن فِي دست مملكة مصر عَن الْملك الصَّالح صَالح فَور خوا ذَلِك عنْدكُمْ. فورخه الْأَمِير عز الدّين أزدمر. وَقدم الْخَبَر بخلع الصَّالح وجلوس النَّاصِر حسن فِي ذَلِك الْيَوْم بِعَيْنِه. فَمن حِينَئِذٍ ارْتبط الْأَمِير عز الدّين أزدمر على الهرماس وأوصله للسُّلْطَان حسن حَتَّى بلغ مَا بلغ ظنا مِنْهُ أَن الْكَلَام الْمَذْكُور كَانَ من قبله على جِهَة الْكَشْف وَمَا كَانَ الا مِمَّا تلقفه من الشَّيْخ أبي طرطور فنسبه إِلَى نَفسه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 213 وفيهَا كَانَ من زِيَادَة النّيل مَا ينْدر وُقُوع مثله فَإِنَّهُ انْتهى فِي الزِّيَادَة إِلَى أَصَابِع من عشْرين ذِرَاعا فَقيل خَمْسَة وَقيل سَبْعَة وَقيل عشرُون أصبعاً من عشْرين ذِرَاعا ففسدت الأقصاب والنيلة وَنَحْوهَا من الزراعات وفسدت الغلال الَّتِي بالمطاصر والأجران والمخازن وتقطعت الجسور الَّتِي بِجَمِيعِ النواحي قبليها وبحريها وتعطلت أَكثر الدواليب وتهدمت دور كَثِيرَة مِمَّا يجاور النّيل والخلجان وغرقت الْبَسَاتِين وفاض المَاء حَتَّى بلغ قنطرة قديدار فَكَانَت المراكب تصل من بولاق اليها ويركب النَّاس فِي المراكب من بولاق إِلَى شبْرًا ودمنهور. وغرقت كوم الريش وَسَقَطت دورها فَركب الْأَمِير عَلَاء الدّين على بن الكوراني وَالِي الْقَاهِرَة والأمير قشتمر الحاحب وَجَمَاعَة. وَقطعت أَشجَار كَثِيرَة وَعمل سد عَظِيم حَتَّى رَجَعَ المَاء عَن الحسينية بعد مَا أشرفت على الْغَرق فَإِن المطرية والاصرية والمنيا وشبرا مَعَ جَمِيع الضواحي بقوا ملقة وَاحِدَة مُتَّصِلَة بالنيل الْأَعْظَم فعز التِّبْن بالنواحي لتلفه كُله وَبلغ كل حمل عشْرين درهما فِي الرِّيف وَوصل فِي الْقَاهِرَة كل حمل إِلَى خَمْسَة وَأَرْبَعين درهما ثمَّ انحط إِلَى خَمْسَة وَعشْرين درهما. وتحسنت الأسعار فَبلغ الأردب الْقَمْح إِلَى سِتَّة وَثَلَاثِينَ درهما والأردب الشّعير إِلَى عشْرين درهما والأردب الفول إِلَى سِتَّة عشر درهما. وشرق مَعَ ذَلِك كثير من بِلَاد الفيوم فَإِن جسرها انْقَطع فَتوجه الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن المحسنى والأمير مجد الدّين مُوسَى الهذبانى والأمير عمر شاه - كاشف الجسور - وَغَيره حَتَّى سدوه وجبوا من بِلَاد الفيوم ثَلَاثمِائَة ألف دِرْهَم وبنوا زريبة حجر مَوضِع الجسر حَتَّى أتقنوه ثمَّ عَادوا. وغلا البرسيم الأخصر حَتَّى بلغ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 214 الفدان بالضواحي إِلَى مِائَتَيْنِ وَخمسين درهما وَفِي غَيرهَا إِلَى مِائَتَيْنِ من قلَّة الأتبان. وانحط سعر الْعَسَل وَالسكر وَتَلفت الْفَوَاكِه جَمِيعهَا وَهَلَكت أَشجَار أَكثر الْبَسَاتِين. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان مِمَّن لَهُ ذكر الْأَمِير سيف الدّين أيتمش المحمدي الناصري نَائِب طرابلس فِي رَمَضَان ترقى فِي الخدم إِلَى أمره الناصري قَرِيبا من سنة أَربع وَعشْرين ثمَّ ولى حاجباً فِي الْمحرم سنة أَربع وَأَرْبَعين وانتقل مِنْهَا إِلَى الوزارة فِي شهر رَمَضَان مِنْهَا فاستمر إِلَى سنة خمس وَأَرْبَعين وأعيد إِلَى الحجابة. فَلَمَّا قتل أرغون شاه نَائِب دمشق اسْتَقر عوضه فَقدم دمشق فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمسين وَأقَام بهَا إِلَى رَجَب سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين فدعى إِلَى مصر وَقبض عَلَيْهِ بهَا وسجن بالإسكندرية ثمَّ أفرج عَنهُ بعد يسير وَأخرج إِلَى صفد وَمِنْهَا لحق بيبغ روس فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِخَبَرِهِ. فَلَمَّا قدم السُّلْطَان إِلَى دمشق وَعرفت سيرته الْحَسَنَة ولى نِيَابَة طرابلس فَمَاتَ بهَا. وَكَانَ لين العريكة وطى الْجَانِب. وَمَات الْأَمِير عَلَاء الدّين مغلطاي - أَمِير شكار واصر أخور - بطالا بِدِمَشْق. كَانَ من خَواص الناصري فترقى فِي خدمته حَتَّى صَار رَأس نوبَة كَبِير أَمِير مايه وَاسْتقر أَمِير شكار واصر آخور ثمَّ قبض عَلَيْهِ وَأخرج إِلَى طرابلس ثمَّ نقل إِلَى دمشق فَمَاتَ بهَا فِي عَاشر رَمَضَان وَكَانَ حاد الْخلق. وَمَات جمال الدّين أَبُو الطِّبّ الْحُسَيْن ابْن قاضى قُضَاة دمشق تَقِيّ الدّين أَبى الْحسن على بن عبد الْكَافِي بن على بن تَمام بن يُوسُف بن مُوسَى بن تَمام الْأنْصَارِيّ السُّبْكِيّ بِدِمَشْق فِي يَوْم السبت ثَانِي شهر رَمَضَان ومولده. بِمصْر سنة إِحْدَى وَعشْرين. كتب بديوان الْإِنْشَاء فِي وزارة أَبِيه ثمَّ ولى اسْتِيفَاء الصُّحْبَة. وتقلد فِي سنة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 215 تسع وَثَلَاثِينَ إِلَى نظر الدولة وَاسْتقر عوضه فِي اسْتِيفَاء الصُّحْبَة أَخُوهُ كريم الدّين حَتَّى أمسك مَعَ أَبِيه فِي نوبَة النشو وعوقبوا. ثمَّ توجه بعد موت أَبِيه إِلَى الْقُدس وَأقَام بِهِ مُدَّة. ثمَّ طلب وَولى نظر الْبيُوت فاستعفى مِنْهَا وَولى نظر النظار بِالشَّام. ثمَّ استعفى مِنْهَا أَيْضا وَقدم الْقَاهِرَة حَتَّى ولى نظر الْجَيْش بعد ابْن زنبور وأضيف اليه نظر الْخَاص وَكَانَ فَاضلا كَرِيمًا درس بعدة مَوَاضِع. توفّي تَاج الدّين أَبُو الفضايل أَحْمد بن الصاحب أَمِين الْملك عبد الله بن غَنَّام فِي رَابِع شَوَّال تَحت الْعقُوبَة كَمَا تقدم. وَهُوَ أحد كتاب مصر المعدودة وَكَانَ يخْدم جريدته بِيَدِهِ وَلَا يحْتَاج إِلَى كشف عَامل وَلَا غَيره بل يكَاد أَن يعْمل محاسبة كل أحد من ذهنه لفرط ذكائه وَشدَّة فطنته مَعَ الْعِفَّة وَالْأَمَانَة أَو التشدد على النَّاس والتوفير من الأرزاق حَتَّى لم يعْهَد أَنه جرى على يَده رزق لأحد بل مَا برح يومر المَال للسُّلْطَان إِلَى أَن كَانَ من أمره مَا كَانَ. وَكَانَ لَا يُرَاعى أحدا وَلَا يحابى وَيكثر من المحاققة والضبط. توفّي الْأَمِير سيف الدّين أياجى نَائِب قلعة دمشق وَتوفى الشريف عَلَاء الدّين أَبُو الْحسن على بن عز الدّين حَمْزَة بن الْفَخر على بن الْحسن الْحسن بن زهرَة بن الْحسن بن زهرَة الْحُسَيْنِي الْحلَبِي نقيب الْأَشْرَاف بحلب. قدم الْقَاهِرَة وَكتب بديوان الْإِنْشَاء مُدَّة ثمَّ عَاد إِلَى حلب وَولى وكَالَة بَيت المَال ونقابة الْأَشْرَاف لَهَا حَتَّى مَاتَ وَقد أناف على السّبْعين. وَتُوفِّي الْوَزير الصاحب موفق الدّين أَبُو الْفضل هبة الله بن سعيد الدولة إِبْرَاهِيم فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشْرين ربيع الآخر. وَكَانَ كَاتبا مجيداً مشكور السِّيرَة. لَهُ بر ومعروف. بَاشر أَولا نظر الدولة ثمَّ تنقل إِلَى الوزارة فَلم يزل وزيراً حَتَّى مَاتَ وَدفن بتربته من الْقَاهِرَة وَكَانَت جنَازَته حفلة. وَتُوفِّي متملك الأندلس أَبُو الْحجَّاج يُوسُف بن إِسْمَاعِيل بن فرج بن الْأَحْمَر فِي صَلَاة عيد الْفطر طعن بخنجر وَهُوَ ساجد فَكَانَت منيته. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 216 وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة بِبِلَاد الشرق عضد الدّين عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن عبد الْغفار بن أَحْمد الإيجي المطرزي الْمَعْرُوف بالعضد الشِّيرَازِيّ الشَّافِعِي مسجوناً فِي سخط صَاحب كرمان ومولده سنة ثَمَانِينَ وسِتمِائَة. وَله شرح مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب فِي الْأُصُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المواقف وَكتاب الْقَوَاعِد الغياثية. وَكَانَ إِمَامًا فِي المعقولات والنحو وَالْأُصُول والمعاني وَالْبَيَان مشاركاً فِي الْفِقْه. وَله سَعَادَة ضخمة وَكلمَة نَافِذَة. وولاه أَبُو سعيد الْقَضَاء وَسكن سلطانية ثمَّ شيراز. وَبَينه وَبَين فَخر الدّين أَحْمد بن الْحسن الجاربردى مناظرات الجزء: 4 ¦ الصفحة: 217 فارغه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 218 (سنة سِتّ وَخمسين وَسَبْعمائة) فِي الْمحرم: شرع الْأَمِير شيخو فِي هدم أَمْلَاك ابتاعها بِخَط صليبة جَامع ابْن طولون. فَكَانَت مساحتها زِيَادَة على فدان واختط موضعهَا خانكاه وحمامين وحوانيت يعلوها رباع. وجد فِي بنائها بِحَيْثُ أَنه عمل فِيهَا بِنَفسِهِ ومماليكه حَتَّى انْتَهَت عمارتها وَأشْهد عَلَيْهِ بوقفها. ووقف عَلَيْهَا عدَّة جِهَات بِأَرْض مصر وَالشَّام. ورتب بهَا دروس الْفِقْه للمذاهب الْأَرْبَعَة وشيخاً للصوفية ومدرساً للْحَدِيث النَّبَوِيّ وشيخاً لإقراء الْقُرْآن الْكَرِيم بالقراءات السَّبع وَغير ذَلِك من الفراشين والقومة والمباشرين. وَشرط على الْفُقَهَاء والصوفية الا يتَزَوَّج مِنْهُم الا طَائِفَة عينهم من كل مَذْهَب وَأَن يُقيم العزاب بالخانكاه لَيْلًا وَنَهَارًا. وَشرط الا يكون فيهم وَلَا مِنْهُم قَاض وَلَا شَاهد يتكسب بتحمل الشَّهَادَة. فَلَمَّا كَانَ يَوْم عَرَفَة مِنْهَا ركب فِي جمَاعَة الْأُمَرَاء وأعيان الدولة وقضاة الْقُضَاة ومشايخ الْعلم إِلَى هَذِه الخانكاه. وَقد قرر فِي تدريس الشَّافِعِيَّة بهاء الدّين أَحْمد ابْن الشَّيْخ الإِمَام تَقِيّ الدّين على بن عبد الْكَافِي السُّبْكِيّ وَالشَّيْخ خَلِيل الجندي فِي تدريس الْمَالِكِيَّة وَالْقَاضِي نَاصِر الدّين نصر الله فِي تدريس الْحَنَابِلَة شَرِيكا لقَاضِي الْقُضَاة موفق الدّين عبد الله الْحَنْبَلِيّ. والقى المدرسون الثَّلَاثَة دروس الْفِقْه على مذاهبهم وطلبتهم قد تحلقوا بَين أَيْديهم فِيمَا بَين الظّهْر إِلَى الْعَصْر. فَلَمَّا صلوا الْعَصْر فرش الْأَمِير شيخو سجادة مشيخة التصوف بِيَدِهِ وأجلس الشَّيْخ أكمل الدّين مُحَمَّد بن مَحْمُود الْحَنَفِيّ عَلَيْهَا. ثمَّ لما انْقَضى الْحُضُور انْفَضُّوا. فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَلم يسخر فِي بنائها أحد من المقيدين الَّذين بالسجون كَمَا هِيَ عَادَة أُمَرَاء الدولة فِي عمايرهم وَلَا سخر من النَّاس أحدا بِغَيْر أُجْرَة فِي شَيْء من أَعمال هَذِه الخانكاه بل كَانَت توفى للعمال أجرهم. وَأنْشد أدباء الْعَصْر فِي هَذِه الخانكاه عدَّة أشعار مِنْهَا قَول الأديب صَلَاح الدّين صَلَاح بن الزين لبيكم: لقد شاد شيخو خانكاه بديعة تفوق على الرَّوْض المكلل بالندا بناها وَلم يعْمل بهَا من مُقَيّد وَلَكِن على أهل الوظايف قيدا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 219 وَقَالَ الأديب شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى بن أبي بكر بن عبد الْوَاحِد الشهير بِابْن أبي حجلة المغربي من مقَامه عَملهَا فِي الخانكاه الْمَذْكُورَة: ومدرسة للْعلم فِيهَا مَوَاطِن فشيخو بهَا فَرد وإيثارة جمع لَئِن بَات فِيهَا فِي الْقُلُوب مهابة فواقفها لَيْث وأشياخها سبع وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي صفر: عزل تَاج الدّين مُحَمَّد بن علم الدّين مُحَمَّد بن أَبى بكر الأخنائي عَن وَاسْتقر فِي قَضَاء الْمَالِكِيَّة الشَّيْخ نور الدّين أَبُو الْحسن على بن عبد النصير بن عَليّ السخاوي فَمَرض بعد شهر وَلزِمَ الْفراش حَتَّى مَاتَ بعد اثْنَيْنِ وَسبعين يَوْمًا بعد مَا أَفَاق من مَرضه إفاقة. وبلغه أَنه لما أيس مِنْهُ عزل فَسَالَ الْأَمِير شيخو أَن بجدد السُّلْطَان لَهُ ولَايَة فَخلع عَلَيْهِ وَعمل الْأَمِير شيخو وَلِيمَة لعافيته فَمَاتَ يَوْم الثَّامِن من الْوَلِيمَة فاستدعى تَاج الدّين الإخنائي وخلع عَلَيْهِ وأعيد إِلَى قَضَاء الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة مَعَ نظر خزانَة الْخَاص فاستناب فِي نظر الْخَاص أَخَاهُ برهَان الدّين إِبْرَاهِيم. وَفِيه كتب توقيع لتاج الدّين عبد الْوَهَّاب بن تَقِيّ الدّين على السُّبْكِيّ بِأَن يكون نَائِبا عَن أَبِيه فِي قَضَاء الْقُضَاة بِدِمَشْق ومستقلاً بعد وَفَاته. ورسم بِحُضُور التقى إِلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 220 الْقَاهِرَة بسعى وَلَده بهاء الدّين أَحْمد فِي ذَلِك فكتم التقى عَن أهل دمشق هَذَا وَخرج - وَهُوَ مَرِيض - فِي محفة ليزور الْقُدس فَقدم الْقَاهِرَة وَقد اشْتَدَّ مَرضه فَمَاتَ بعد أَيَّام. وَاسْتقر عوضه فِي قَضَاء الْقُضَاة بِدِمَشْق ابْنه تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ تَاسِع صفر: قبض على الْأَمِير أرغون الكاملي خوفًا من شَره وسجن بالإسكندرية. وَاسْتقر كريم الدّين أكْرم ابْن شيخ فِي نظر الدولة وأعيد شهَاب الدّين أَحْمد بن ياسين بن مُحَمَّد الريَاحي إِلَى قَضَاء الْمَالِكِيَّة بحلب بعد وَفَاة زين عمر بن سعيد يحيى التلمستاني المغربي. وَاسْتقر خَالِد بن دَاوُد شاد الدَّوَاوِين بأمرة عشرَة وَلبس الشربوش فِي يَوْم عاشرة وَاسْتقر الْحَاج مُحَمَّد بن يُوسُف مقدم الدولة عوضا عَن الْحَاج أَحْمد بن زيد. والزم ابْن زيد بِحمْل ثَلَاثمِائَة ألف دِرْهَم فحملها فتتبع ابْن يُوسُف أثاره حَتَّى أظهر لَهُ من دفائن وودائع نَحْو أَرْبَعمِائَة ألف دِرْهَم. ثمَّ صرف ابْن يُوسُف وأعيد ابْن زيد. وَقبض على ابْن يُوسُف وعَلى خَالِد بن دَاوُد شاد الدَّوَاوِين وسلما لِأَحْمَد بن زيد فعاقبهما والزمهما بِحمْل المَال فَلم يزل خَالِد فِي الْعقُوبَة حَتَّى مَاتَ وأنعم السُّلْطَان على وَلَده الْأَمِير أَحْمد بإمرة مائَة تقدمة الف وأفرد لَهُ ديواناً. وَقدم الْخَبَر بهجوم الفرنج على طرابلس الغرب وَأَخذهَا وَقتل عَامَّة أَهلهَا. فَلَمَّا بلغ ذَلِك أَبُو عنان فَارس بن أَبى الْحسن عَليّ بن يَعْقُوب - متملك فاس - اشْتَرَاهَا من الفرنج. بِمَال كَبِير وعمرها. وَفِيه سَافر الْأَمِير عمر شاه إِلَى الصَّعِيد وَقد خرج سودى بن مَانع وَأَخُوهُ عَن الطَّاعَة فَأَخذهُمَا ووسطهما فِي عدَّة من أصحابهما وَعَاد. وَفِيه قدم أَوْلَاد قراجا بن دلغادر بتقادم فأعيد كَبِيرهمْ إِلَى الإمرة. وَقدم الْأَمِير فياض بن مهنا بقول جليل فَأكْرم وأجريت لَهُ الرَّوَاتِب على الْعَادة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 221 فشفع فِي الشريف ثفبة فأفرج عَنهُ وَعَن أَخِيه وَابْن عَمه مغامس فأقاموا مُدَّة قَليلَة ثمَّ فر ثقبة إِلَى مَكَّة فَطلب فَلم يقدر عَلَيْهِ. وَفِي سَابِع جُمَادَى الأولى: أُعِيد تَاج الدّين مُحَمَّد الأخنائي إِلَى قَضَاء الْمَالِكِيَّة بعد موت نور الدّين على السخاوى. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سادس جُمَادَى الْأُخَر: ولد للاصر شيخو ولد ذكر من أبنة السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون فاحتفل احتفالاً زَائِد فِي عقيقته وَمَات الْوَلِيد بعد أَيَّام وعميت أمه عقيب وِلَادَته. وَفِي خَامِس عشره قطعت يَد الشريف المزور وَضرب أَصْحَابه بالمقارع وشهروا وَكَانَ فِي التزوير ومحاكاة الخطوط عجبا وسجن بِسَبَب ذَلِك مرَارًا. وَفِيه سقط مطر فِي غير أَوَانه عَم الْوَجْه البحري وَنزل مَعَه برد قتل عدَّة أَغْنَام كَثِيرَة بلغ وزد الْبردَة أُوقِيَّة وأوقيتين وَمِنْهَا مَا نزل فِي قدر الرَّغِيف الْكَبِير. وَتلف زرع كثير من السَّيْل وهبت قبل هَذِه المطرة ريح عَاصِفَة غرق مِنْهَا عدَّة مراكب. وَفِي هَذِه السّنة: ابْتَدَأَ الْأَمِير صرغتمش فِي هدم مسَاكِن بجوار الْجَامِع الطولوني واختط موضعهَا مدرسة فِي خَامِس رَمَضَان وكشف أوقاف الْجَامِع بِنَفسِهِ ورم شعثها. وَقدم الْخَبَر بِأَن فِي شهر ربيع الآخر أمْطرت السَّمَاء بِأَرْض الرّوم بردا أهلك مِنْهُ نَحْو مائَة وَخمسين قَرْيَة فَجَعلهَا دكاً وَكَاد وزن الْبردَة الْوَاحِدَة نَحْو رَطْل وَثلث بالحلبي وَذَلِكَ فِي شهر نيسان. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان مِمَّن لَهُ ذكر شهَاب الدّين أَحْمد بن حسن بن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن الْفُرَات الْمَالِكِي - موقع الحكم - فِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ عَاشر ذِي الْقعدَة وَكَانَ عَاقِلا دينا فَاضلا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 222 وَتُوفِّي الشَّيْخ الإِمَام قاضى الْقُضَاة بِدِمَشْق تَقِيّ الدّين أَبُو الْحسن على بن زين الدّين عبد الْكَافِي بن على بن تَمام بن يُوسُف بن مُوسَى بن تَمام بن حَامِد بن يحيى بن عمر بن عُثْمَان بن سوار بن سليم الْأنْصَارِيّ السُّبْكِيّ بحزيرة النّيل من شاطىء النّيل خَارج الْقَاهِرَة فِي لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ رَابِع جُمَادَى الآخر. ومولده فِي صفر سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة بِنَاحِيَة سبك من المنوفية أحد أَعمال مصر. قَرَأَ الْقرَاءَات على التقى الصايغ وَالتَّفْسِير على الْعلم الْعِرَاقِيّ وَسمع على الْحَافِظ الدمياطي وتفقه للشَّافِعِيّ وَولى قَضَاء دمشق بعد الْجلَال الْقزْوِينِي فِي تَاسِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وانتهت اليه رياسة الْعلم. وَتُوفِّي قاضى الْقُضَاة الْمَالِكِي نور الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن عبد النصير بن عَليّ السخاوي الْمَالِكِي لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ رَابِع جُمَادَى الأولى وَدفن بالقرافة. وَتُوفِّي زين الدّين أَبُو حَفْص عمر بن سعيد بن يحيى التلمساني الْمَالِكِي قَاضِي قُضَاة الْمَالِكِيَّة بحلب عَن نَيف وَسِتِّينَ سنة مِنْهَا فِي قَضَاء حلب نَحْو خمس سِنِين. وَتُوفِّي تَاج الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الْمُنعم بن عبد الْعَزِيز بن عبد الْحق السَّعْدِيّ البارنباري كَاتب سر طرابلس وَله شعر جيد. وَتُوفِّي الأديب الشَّاعِر شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن يُوسُف بن عبد الله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 223 يلقب بالضفدع ويشهر بالخياط الدِّمَشْقِي فِي طَرِيق الْحجاز. قدم الْقَاهِرَة ومدح الْأَعْيَان وَجمع شعره فِي عدَّة أَجزَاء وتكسب بتحمل الشَّهَادَة فِي دمشق. وَكَانَ لَا يُؤمن هجوه لطول لِسَانه وتعرضه لكل أحد. وَتُوفِّي الْعَلامَة شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن يُوسُف بن مُحَمَّد الْحلَبِي النَّحْوِيّ المقرىء الْفَقِيه الشَّافِعِي الْمَعْرُوف بِابْن السمين فِي عَاشر جُمَادَى الْآخِرَة. قَرَأَ النَّحْو على أَبى حَيَّان والقراءات على التقى الصايغ وَسمع بِآخِرهِ من يُونُس الدبابيسي وتصدر للإقراء بِجَامِع ابْن طولون. وناب فِي الحكم بِالْقَاهِرَةِ وَولى نظر الْأَوْقَاف وصنف تَفْسِير الْقُرْآن فَأطَال فِيهِ جدا حَتَّى جَاءَ فِي عشْرين سفرا كبارًا وصنف إِعْرَاب الْقُرْآن وَشرح التسهيل والشاطبية. وَكَانَ فَقِيها بارعاً فِي النَّحْو وَالتَّفْسِير وَعلم الْقرَاءَات وَتكلم فِي علم الْأُصُول وَكَانَ خيرا دينا. وَتُوفِّي فَخر الدّين عُثْمَان بن علم الدّين يُوسُف بن أبي بكر بن مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ النويري الْمَالِكِي فِي ذِي الْحجَّة. ومولده سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وسِتمِائَة. وَحفظ الْمُوَطَّأ وَسمع على جمَاعَة. بِمصْر وَالشَّام والحرمين وتفقه ودرس وَأفْتى وَأحكم الْمَذْهَب. وَكَانَ كثير الْحَج والمجاورة والتاله. وَمَات الْأَمِير قبلاى النَّائِب يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَالِث ربيع الأول. وَمَات شهَاب الدّين شَاهد الْجَيْش يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَالِث عشْرين صفر. وَمَات زين الدّين الْخضر بن تَاج الدّين مُحَمَّد بن زين الدّين الْخضر بن جمال عبد الرَّحْمَن بن علم الدّين سُلَيْمَان بن نور الدّين على الْمَعْرُوف بِابْن الزين خضر فِي آخر ربيع الأول. ومولده سنة عشر وَسَبْعمائة. سمع على الْحجاز وَقَرَأَ فِي النَّحْو وَغَيره وَكتب فِي الْإِنْشَاء ونوه بِهِ كَاتب السِّرّ عَلَاء الدّين على بن فضل الله وَاعْتمد عَلَيْهِ وَأقرهُ يكْتب بَين يَدي نَائِب السلطة وَكَانَ يكْتب سَرِيعا من رَأس الْقَلَم مَا شَاءَ وَكَانَ ينْطق بِالْجِيم كافاً. وَمَات الْأَمِير ملك آص فِي ثامن عشر رَمَضَان بِدِمَشْق وَكَانَ جاشنكير ثمَّ ولى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 224 شاد الدَّوَاوِين بِدِمَشْق ونيابة جعبر وسجن بالإسكندرية ثمَّ أَقَامَ بِدِمَشْق بطالا حَتَّى مَاتَ. وَمَات الْأَمِير قردم بِدِمَشْق يَوْم الْأَحَد تَاسِع عشر شهر رَمَضَان. كَانَ أَمِير أخور ثمَّ أخرج إِلَى دمشق بطالا وَقبض عَلَيْهِ ثمَّ صَار بِدِمَشْق من جملَة الْأُمَرَاء حَتَّى مَاتَ. وَالله تَعَالَى أعلم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 225 فارغه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 226 (سنة سبع وَخمسين وَسَبْعمائة) فِيهَا ولى أويس بن الشَّيْخ حسن بن أقبغا بن أيلكا لسطان بَغْدَاد بعد موت أَبِيه. وَولى كَمَال الدّين أَبُو الْقَاسِم عمر بن الْفَخر بن عَمْرو عُثْمَان بن هبة الله المعري قَضَاء الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بحلب بعد وَفَاة نجم الدّين مُحَمَّد الزرعي. وهجم على طرابلس الشَّام الفرنج فِي عدَّة شوانى وأفسدوا ثمَّ عَادوا. وَوَقع حريق بِمَدِينَة دمشق فَتلف مِنْهُ عدَّة مَوَاضِع ظَاهر بَاب الْفرج مِنْهَا سِتّمائَة حَانُوت سوى الْبيُوت عدم فِيهَا مَا تزيد قِيمَته على ألف الف دِرْهَم. ثمَّ وَقع حريق آخر بالعقيبة - ثمَّ حريق آخر بالصالحية وحريق أخر دَاخل بَاب الصَّغِير مثل الْحَرِيق الَّذِي بِبَاب الْفرج. ثمَّ وَقع فِي أَمَاكِن أُخْرَى من الْبَلَد. وَاسْتولى الفرنج على صيدا وَقتلُوا وأسروا وَقتل مِنْهُم أَيْضا جمَاعَة وعادوا. وَفِي شهر ربيع الأول: هبت بِالْقَاهِرَةِ ومصر ريح غَرِيبَة من أول النَّهَار إِلَى الْمغرب اصفر مِنْهَا الجو ثمَّ احمر ثمَّ اسود. واستمرت الرّيح إِلَى نصف اللَّيْل فَسَقَطت عدَّة أَمَاكِن وامتلأت الأَرْض من تُرَاب أصفر ثمَّ أمْطرت السَّمَاء وَسكن الرّيح. وفيهَا كمل بِنَاء مدرسة الْأَمِير صرغتمش بجوار جَامع أَحْمد بن طولون. ورتب فِي تدريس الْحَنَفِيَّة بهَا قوام الدّين أَمِير كَاتب بن أَمِير عمر بن أَمِير غَازِي أَبُو حنيفَة الفارابي الأتقائي الْحَنَفِيّ وَقرر عِنْده عدَّة من طلبة الْحَنَفِيَّة وَشرط أَن يَكُونُوا أفاقية وَعمل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 227 بهَا درسا للْحَدِيث النَّبَوِيّ وَحضر فِي يَوْم الثُّلَاثَاء تاسعه صرغتمش وَمَعَهُ الْأُمَرَاء والقضاة والمشايخ فَألْقى القوام الدَّرْس ثمَّ مد سماط جليل وملئت الْبركَة سكرا مذابا فَأكل النَّاس وَشَرِبُوا ثمَّ انْفَضُّوا. وفيهَا يَقُول الْعَلامَة شمس الدّين مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الصايغ الْحَنَفِيّ: لِيَهنك يَا صرغتمش مَا بنيته لأخراك فِي دنياك من حسن بُنيان بِهِ يزدهي الرخيم كالزهر بهجة فَللَّه من زهر وَللَّه من بَان وَقَالَ النَّقِيب صَلَاح الدّين صَلَاح بن الزين لبيكم الرِّفَاعِي: صَرْغَتمش قد شاد يَا حبذا مدرسة بديعة فائقة كَأَنَّهَا من حسنها جنَّة وَقد غَدَتْ قبابها شاهقة وَقد حكى رخامها رَوْضَة أزهارها من طيبها عابقة وَقَالَ الشهَاب أَحْمد بن أَبى حجلة: وَقد أنبت التَّرْخِيم فِي مِحْرَابهَا زاهراً كدر قلائد العقيان فَكَأَنَّهُ كسْرَى أنو شرْوَان قد وضعُوا عَلَيْهِ التَّاج فِي الإيوان لَو لم يبت وَأَبُو حنيفَة شيخها ماشبهت بشقائق النُّعْمَان حبر يطوف بِمصْر بَحر علومه حَتَّى كَأَن النَّاس فِي طوفان يثنى إِلَيْهِ الْعلم فضل زَمَانه وَأَبُو حنيفتنا الإِمَام الثَّانِي وفيهَا أَمر بإحضار الشَّيْخ جمال الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن نباتة الْمصْرِيّ من دمشق فَقدم الْقَاهِرَة فَلم ينجح سَعْيه وَأقَام خاملاً. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 228 وفيهَا وَقع حريق عَظِيم بِبِلَاد السَّاحِل وأراضي كسروان من بِلَاد الشَّام عَم من بِلَاد طرابلس إِلَى مُعَاملَة بيروت أتلف كثيرا من الْوَحْش والأمتعة وَشَجر الزَّيْتُون. وَكَانَ عجبا من الْعجب فَإِن ورقة من شَجَرَة سَقَطت فِي بَيت فَاحْتَرَقَ جَمِيع مَا فِيهَا واستمرت ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ وَقع مَطَرا فأطفاه. وفيهَا عمرت مَدِينَة عمان من البلقاء للأمير صَرْغَتمش وَنقل إِلَيْهَا الْولَايَة وَالْقَضَاء من حسبان وَجعلت أم تِلْكَ الْبِلَاد. وَهِي بلد قديم من بِنَاء عمان ابْن أخي لوط بناها بعد هَلَاك قوم لوط. وَقيل هِيَ مَدِينَة دقيانوس الْملك الَّذِي أخرج مِنْهَا أَصْحَاب الْكَهْف والرقيم هُنَاكَ مَوضِع وفيهَا ولى شَيخنَا الشَّيْخ جمال الدّين عبد الرَّحِيم الأسنوي وكَالَة بَيت المَال بعد وَفَاة الشريف شرف الدّين على نقيب الْأَشْرَاف. وَولى نقابة الْأَشْرَاف الشريف شهَاب الدّين بن أبي الركب. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان مِمَّن لَهُ ذكر شرف الدّين أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْمَنَاوِيّ الشَّافِعِي فِي يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس شهر رَجَب نَاب فِي الحكم بِالْقَاهِرَةِ وتفقه وشارك فِي الحَدِيث وَأفْتى ودرس وَشرح فَرَائض الرسيط. وَتوفى كَمَال الدّين أَبُو مُحَمَّد وَأَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مهْدي النشائي الشَّافِعِي فِي يَوْم الْأَحَد حادي عشر صفر. ومولده فِي أَوَائِل ذِي الْقعدَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 229 سنة إِحْدَى وَتِسْعين وسِتمِائَة. تفقه على أَبِيه وبرع ودرس بالجامع الخطيري ببولاق. وَهُوَ أول من ولى خطابته وإمامته وتدريسه. وصنف كتاب جَامع المختصرات وَكتاب الْمُنْتَقى وعلق على التَّنْبِيه استدراكات. وَمَات متملك بَغْدَاد الشَّيْخ حسن بن حُسَيْن بن أقبغا بن أيلكان التتري سبط أرغون بن أبغا بن هولاكو وَكَانَت مدَّته سبع عشرَة سنة. وَتوفى الشريف شرف الدّين أَبُو الْحسن على بن حُسَيْن بن مُحَمَّد الْحُسَيْنِي نقيب الْأَشْرَاف ووكيل بَيت المَال ومحتسب الْقَاهِرَة فِي ثَالِث عشر جُمَادَى الْآخِرَة. مولده سنة إِحْدَى وَتِسْعين وسِتمِائَة. حدث وتفقه للشَّافِعِيّ وَقَرَأَ النَّحْو ودرس بالمشهد الْحُسَيْنِي والمدرسة الفخرية وَكتب توضيح الْحَاوِي وأقرأه بِمَكَّة فِي مجاورته سنة إِحْدَى وَخمسين. وَتُوفِّي نجم الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن فَخر الدّين عُثْمَان بن أَحْمد بن عَمْرو بن مُحَمَّد الزرعي الْحلَبِي الْفَقِيه الشَّافِعِي قَاضِي الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بحلب. فَكَانَت مدَّته نَحْو سِتّ سِنِين. وَكَانَ فَاضلا ممدحاً أديباً ماهراً فِي النثر مَعَ معرفَة بالفقه وَالْأُصُول والنحو. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 230 سنة ثَمَان وخسمين وَسَبْعمائة فِيهَا قبض على ابْن الزبير نَاظر الدولة وعوقب حَتَّى هلك. وفى جُمَادَى الآخر: خلع على شمس الدّين مُحَمَّد ابْن الصاحب مدرس الصاحبية والشريفية. بِمصْر وَاسْتقر محتسب الْقَاهِرَة بعد وَفَاة عَلَاء الدّين عَليّ بن الأطروش. وَاسْتقر شَيخنَا سراج الدّين الْهِنْدِيّ عوضه فِي قَضَاء الْعَسْكَر. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثامن شعْبَان: وثب قطا وقجا - وَيُقَال باي قجا - أحد المماليك السِّلَاح دارية على الْأَمِير شَيْخُو وَهُوَ بدار الْعدْل وضربه بِسيف ثَلَاث ضربات فِي رَأسه وَوَجهه وذراعه فَسقط وَارْتجَّ الْمجْلس. وَقَامَ السُّلْطَان عَن كرْسِي الْملك إِلَى قصره فِي خاصكيته وتفرق الْأُمَرَاء. وطار الْخَبَر بِأَن الْأَمِير شيخو قتل فَركب الْأَمِير خَلِيل ابْن قوصون - ربيب شيخو وَلبس آلَة الْحَرْب وسَاق فِي عدَّة وافرة إِلَى القلعة وصعدها. بِمن مَعَه وهم ركاب إِلَى رحبة دَار الْعدْل. وَحمل شيخو على جنوية - على أَنه قد مَاتَ - إِلَى إصطبله. وَركب الْعَسْكَر جَمِيعهم إِلَى تَحت القلعة بِالسِّلَاحِ. وَركب الْأَمِير صرغَتمش فِي عدَّة من الْأُمَرَاء إِلَى الْأَمِير شيخو فوجدوا بِهِ رمقاً فاعتذروا إِلَيْهِ مِمَّا وَقع وَأَنه لم يكن يعلم السُّلْطَان وَأَنه قبض على الْغَرِيم وَأمر بتسميره وتوسيطه. ثمَّ قَامُوا فسمر الْمَذْكُور وطيف بِهِ على جمل ثمَّ وسط بعد مَا قرر فَلم يقر على أحد. وَقَالَ: قدمت لَهُ قصَّة لينقلني من الجامكية إِلَى الإقطاع فَلم يفعل فَبَقيَ فِي نَفسِي مِنْهُ وَركب السُّلْطَان من الْغَد لعيادة شَيْخُو وَحلف لَهُ أَنه لم يعلم. بِمَا جرى حَتَّى وَقع ثمَّ عَاد. فمازال شيخو صَاحب فرَاش حَتَّى مَاتَ يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشْرين ذِي الْقعدَة وَدفن من الْغَد بخانكاته وقبره بهَا وَكَانَ قد قَارب السِّتين سنة. وَكَانَ كثير الْمَعْرُوف وَهُوَ أول من قيل لَهُ الْأَمِير الْكَبِير بِمصْر. وَفِي شعْبَان: قدم رسل السُّلْطَان جَانِبك بن أزبك فَركب الْعَسْكَر من الْأُمَرَاء والمماليك والمقدمين وأجناد الْحلقَة إِلَى لقائهم بالزي الفاخر. وتمثلوا بَين يَدي السُّلْطَان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 231 وَقدمُوا مَعَهم من الْهَدِيَّة، وَهِي عدَّة مماليك، وفرو سمور، وطيور جوارح. فَكتب جوابهم وأعيدوا. وَفِي هَذَا الشَّهْر: حملت جَارِيَة بِدِمَشْق من عُتَقَاء الْأَمِير تمر المهمندار قَرِيبا من سبعين يَوْمًا ثمَّ طرحت أَرْبَعَة عشر بِنْتا وصبياً يعرف الذّكر من الْأُنْثَى فِي نَحْو أَرْبَعِينَ يَوْمًا. وَلما مَاتَ شيخو قبض السُّلْطَان على الْأَمِير خَلِيل بن قوصون وَغَيره من أَتبَاع شيخو فيهم الْأَمِير قجا السِّلَاح دَار أَمِير شكار والأمير تقطاى الدوادار والأمير قطلوبغا الذَّهَبِيّ وأرغون الطرخاني فنفي بَعضهم إِلَى الشَّام وسجن بَعضهم بالإسكندرية وَانْفَرَدَ الْأَمِير صرغتمش بتدبير الدولة. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة: اسْتَقر الْأَمِير تنكزبغا أَمِير مجْلِس والأمير أزدَمُر الخازندار أَمِير سلَاح والأمير كشتمر القاسمي حَاجِب الْحجاب والأمير علم دَار دوادارا كَبِيرا. وأنعم على يلبغا الْعمريّ الخاصكي بإمارة طبلخاناه وعَلى مَنْكلى بُغا بإمرة طبلخاناه وعَلى أيْدَمُر بإمرة طبلخاناه وعَلى طَيبغا الطَّوِيل بإمر طبلخاناه. وَاسْتقر قطب الدّين ابْن عرب فِي حسبَة الْقَاهِرَة بعد وَفَاة شمس الدّين مُحَمَّد ابْن الصاحب فَجْأَة وَهُوَ رَاكب على بغلته بَين القصرين فَسقط عَنْهَا فَلَا يدرى أمات فَسقط أَو سقط فَمَاتَ. وَاسْتقر تَاج الدّين بن الريشة فِي نظر الدولة. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان قَاضِي قُضَاة الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق نجم الدّين أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن الْعِمَاد أبي الْحسن عَليّ ابْن أَحْمد بن عبد الْوَاحِد بن عبد الْمُنعم بن عبد الصَّمد الطرسوسي الْحَنَفِيّ عَن أَرْبَعِينَ سنة. وَكَانَ مشكور السِّيرَة صنف كتاب رفع الكلفة عَن الأخوان فِي ذكر مَا قدم الْقيَاس على الِاسْتِحْسَان وَكتاب الاختلافات الْوَاقِعَة فِي المصنفات الجزء: 4 ¦ الصفحة: 232 وَكتاب مَنَاسِك الْحَج - مطولا - وَكتاب مَحْظُورَات الْإِحْرَام وَكتاب الإشارات فِي ضبط المشكلات - عدَّة مجلدات - وَكتاب الْفَتَاوَى فِي الْفِقْه وَكتاب الْإِعْلَام فِي مصطلح الشُّهُود والحكام وَكتاب الفوايد الْمَنْظُومَة فِي الْفِقْه. وَمَات شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم بن عبد المحسن العسجدي الشَّافِعِي وَقد قَارب الثَّمَانِينَ. وَمَات الْأَمِير أرغون الكاملي بالقدس فِي تِلْكَ السّنة أَصله من مماليك الْكَامِل شعْبَان بن النَّاصِر مُحَمَّد فترقى فِي الخدم حَتَّى صَار من أُمَرَاء الألوف وَولى نِيَابَة حلب ونيابة دمشق ثمَّ قبض عَلَيْهِ وسجن ثمَّ نفي إِلَى الْقُدس فَمَاتَ بهَا. وَتُوفِّي الشَّيْخ قوام الدّين أَبُو حنيفَة أَمِير بن كَاتب بن أَمِير عمر بن أَمِير غَازِي الفارابي الْأَتْقَانِيّ فِي شَوَّال ولى تدريس مشْهد الإِمَام أَبى حنيفَة - رَحمَه الله تَعَالَى - بِبَغْدَاد ثمَّ قدم إِلَى الشَّام فاستدعى مِنْهَا إِلَى الْقَاهِرَة واختص بالأمير صَرْغَتمش وَعمل لَهُ درساً بِجَامِع المارديني ثمَّ وَتوفى محب الدّين أَبُو عبد الله مَحْمُود بن عَلَاء الدّين على بن إِسْمَاعِيل بن يُوسُف القونوي الشَّافِعِي فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن عشْرين ربيع الآخر. درس بِالْمَدْرَسَةِ الشريفية من الْقَاهِرَة وبالجامع المارديني. وَشرح كتاب ابْن الْحَاجِب فِي الْأُصُول وَكتب تَعْلِيقه فِي الْفِقْه وَكتب إعتراضات على شرح الْحَاوِي فِي الْفِقْه لِأَبِيهِ. وَتُوفِّي عَلَاء الدّين أَبُو الْحسن على بن مُحَمَّد بن الأطروش الْحَنَفِيّ محتسب الْقَاهِرَة وقاضي الْعَسْكَر فِي تِلْكَ السّنة. حدث وَكَانَ فِيهِ كرم وَهُوَ مَعْدُود من رجال الدُّنْيَا فِي مَعْنَاهُ. وَله منازعات مَعَ الضياء الشَّامي فِي نظر المارستان وحسبة الْقَاهِرَة. وَكَانَ يَلِي هَذَا مرّة وَهَذَا مرّة. وَولى أَولا حسبَة دمشق. وَكَانَ أَبوهُ يَبِيع السقط. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 233 فارغه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 234 (سنة تسع وَخمسين وَسَبْعمائة) أول الْمحرم: اسْتَقر محب الدّين مُحَمَّد بن نجم الدّين يُوسُف بن أَحْمد بن عبد الدايم التَّيْمِيّ الْمَعْرُوف بكاتب جانكلى صَاحب ديوَان الْأَمِير قجا السِّلَاح دَار فِي نظر الْبيُوت. وَفِي هَذَا الشَّهْر: أَمر - بِإِشَارَة الْأَمِير صَرْغتمش - أَن تضرب فلوس زنة الْفلس مِنْهَا مِثْقَال فَضرب مِنْهَا عدَّة قناطير. ثمَّ رسم أَن يكون كل فلس من هَذِه الجدد بفلسين من الْعتْق وكل رَطْل من الْفُلُوس الْعتْق بدرهم وَنصف بعد مَا كَانَ الرطل مِنْهَا بِدِرْهَمَيْنِ. وَركب وَالِي الْقَاهِرَة ووالي مصر ومحتسبيهما وأحمال الْفُلُوس الجدد بَين أَيْديهم. وَنُودِيَ فِي النَّاس بِأَن يتعاملوا بهَا على مَا ذكرنَا. فاستمرت الْمُعَامَلَة بالفلوس الجدد واستقرت أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ فلسًا بدرهم فضَّة. وعزل تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب بن السُّبْكِيّ عَن قَضَاء دمشق وَاسْتقر عوضه بهاء الدّين أَبُو الْبَقَاء مُحَمَّد بن عبد الْبر السُّبْكِيّ الشَّافِعِي. وَاسْتقر جمال الدّين مَحْمُود بن أَحْمد بن مَسْعُود القونوي - الْمَعْرُوف بِابْن السراج الْحَنَفِيّ - فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن شهَاب الدّين أَحْمد بن فَزَارَة الكفري. وَاسْتقر شرف الدّين أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عَسْكَر الْبَغْدَادِيّ الْمَالِكِي فِي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن جمال الدّين المسلاتي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 235 وأستقر شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن المخلطة فِي قَضَاء الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن ابْن الريغي. وَفِي يَوْم سَار الْبَرِيد بِالْقَبْضِ على الْأَمِير طاز نَائِب حلب فَبلغ الْخَبَر طاز فَسَار من حلب فِي أَصْحَابه كَأَنَّهُ يُرِيد الْحَرْب. وَأخذ السُّلْطَان فِي تجهيز العساكر لقتاله فَلَمَّا قَارب دمشق أرسل إِلَى الْأَمِير على النَّائِب بِأَنَّهُ مَمْلُوك السُّلْطَان وَفِي طَاعَته وَمَا قصدت إِلَّا أَن يصل أَهلِي إِلَى دمشق فِي سَلامَة من نهب العربان والتراكمين. وَسلم نَفسه فَقبض نَائِب الشَّام على حَاشِيَته وجهز سيوفهم إِلَى السُّلْطَان على الْعَادة وَحمل طاز مُقَيّدا إِلَى الكرك فبطلت تجريدة العساكر ورسم بِنَقْل طاز إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة. وَكتب باستقرار الْأَمِير منجك فِي نِيَابَة حلب عوضا عَن طاز. وَتقدم مرسوم قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن جمَاعَة بألا يشْهد فِي المساطير المكتبة بمبلغ كَبِير من المَال وَفِي صدقَات النِّسَاء الَّتِي مبلغها كَبِير إِلَّا أَرْبَعَة شُهُود وَلَا يشْهد على مَرِيض بِوَصِيَّة إِلَّا بِإِذن أحد الْقُضَاة الْأَرْبَعَة أَو أحد نواب الشَّافِعِي. وفى يَوْم الْخَمِيس ثامن عشْرين جُمَادَى الآخر: صرف قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين بن جمَاعَة عَن الْقَضَاء وَاسْتقر عوضه الشَّيْخ بهاء الدّين عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن عقيل الْعقيلِيّ فَأبْطل مَا رسم بِهِ للشُّهُود وَفرق من مَال الصَّدقَات فِي الْفُقَرَاء نَحْو السِّتين ألف دِرْهَم فِي أَيَّام ولَايَته وَفرق الْفُقَهَاء مائَة وَخمسين ألف دِرْهَم من وَصِيَّة واستناب زوج ابْنَته سراج الدّين عمر بن رسْلَان بن نصير بن صَالح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 236 البُلْقِينِيّ وتاج الدّين بن سَالم وَغَيره من أصهاره. وأنعم على الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن قشتمر حمص أَخْضَر بإمرة مائَة. وَكثر فِي شهر رَمَضَان إكرام السُّلْطَان للأمير صَرْغَتْمش وَأمر فَعمل لَهُ بثغر الْإسْكَنْدَريَّة قبانخ. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الاحد تَاسِع عشره أصبح السُّلْطَان متوعك الْبدن فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ صَرْغَتْمُش ليعوده ألبسهُ القبانخ وَنزل إِلَى دَاره. ثمَّ صعد من الْغَد يَوْم الْإِثْنَيْنِ عشرينه إِلَى الْقصر على عَادَته وَأمر وَنهى على بَاب الْقصر وَصرف أُمُور الدولة على عَادَته ثمَّ دخل. فَلَمَّا اسْتَقر بِهِ الْجُلُوس وتكامل الْمركب تقدم الْأَمِير طيبغا الطَّوِيل وَقبض عَلَيْهِ وأعانه الْأَمِير منكلى بغا ثمَّ قبض على الْأَمِير قشتمر القاعي حَاجِب الْحجاب والأمير طقبغا صاروق الماجارى. وَارْتجَّ الْقصر. بِمن فِيهِ فَركب الْأَمِير أَحْمد بن قشتمر فِي عدَّة من المماليك وَلبس وهم آلَة الْحَرْب ووقف تَحت القلعة فَركب إِلَيْهِ الْأَمِير عز الدّين أزدمر الخازندار والأمير يلبغا الخاصكي والأمير تنكر بغا والأمير طيبغا الطَّوِيل والأمير منكلى بغا فِي طَائِفَة من المماليك السُّلْطَانِيَّة وقاتلوه من بكرَة النَّهَار إِلَى الْعَصْر حَتَّى هزموه وَمن مَعَه. وَركب الْعَامَّة أقفيتهم يرجمونهم بِالْحِجَارَةِ ثمَّ امتدت أَيْديهم إِلَى بَيت الْأَمِير صَرْغتْمش فنهبوه ونهبوا الحوانيت الَّتِي بالصليبة بجواره وتتبعوا الْعَجم فَإِن صرغتمش كَانَ يعْنى بهم ونوه باسمهم وَجعل مدرسته وَقفا عَلَيْهِم. فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً عَظِيما شناعته. وَاسْتمرّ الطّلب على ابْن قَشتَمُر حَتَّى قيض عَلَيْهِ وعَلى جماعته من أخر النَّهَار فقيدوا وحملوا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة - وَفِيهِمْ صرغَتمش - فسجنوا بهَا. وَقبض على القَاضِي ضِيَاء الدّين يُوسُف بن أَبى بكر مُحَمَّد نَاظر المارستان وأهين وأركب على حمَار ثمَّ نفي بعد ضربه بالمقارع عرياً ومصادرته. وعزل عَامَّة من كَانَ جِهَته صَرْغَتْمُش فعزل قطب الدّين بن عرب من حسبَة الْقَاهِرَة وَاسْتقر عوضه الشَّيْخ عبد الرَّحِيم الْإِسْنَوِيّ وعزل ابْن عقيل عَن قَضَاء الْقُضَاة بعد اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ يَوْمًا وأعيد عز الدّين بن جمَاعَة فِي يَوْم الثُّلَاثَاء حادي عشْرين شهر رَمَضَان. وَقبض على نَاظر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 237 الْخَاص والجيش علم الدّين عبد الله بن نقُوله وصودر وَاسْتقر عوضه فِي نظر الْخَاص تَاج الدّين بن الريشة مُضَافا إِلَى الوزارة. وَفِي نظر الْجَيْش محب الدّين مُحَمَّد بن نجم الدّين يُوسُف بن أَحْمد بن عبد الدايم. وَاسْتقر عوض محب الدّين فِي نظر الْبيُوت فَخر الدّين بن السعيد. قبض على جرجى الأدريسي وَنفي فِي عدَّة من الْأُمَرَاء. وأنعم السُّلْطَان على عدَّة من مماليكه بأمريات أنعم على مَمْلُوكه الْأَمِير يلبغا الخاصكي بتقدمة ألف وَعَمله أَمِير مجْلِس عوضا عَن تنكز بغا. وأنعم على كل من الأميرين مَنكَلى بُغَا والأمير طَيبغا الطَّوِيل والأمير أندَمُر الشَّامي والأمير ألجَاي اليوسفي بإمرة مائَة وتقدمة ألف. وَعمل أيْدَمر الشَّامي داودارا وألحَا حاجباً ثَانِيًا. وَعمل الْأَمِير عز الدّين أزدمر الخازن دَار أَمِيرا كَبِيرا مَكَان صَرْغَتمش وولاه نظر المارستان المنصوري وَنظر وقف الصَّالح إِسْمَاعِيل بَقِيَّة المنصورية. وأنعم على عدَّة من مماليكه أَيْضا بأمريات مَا بَين طبلخاناه وعشرات. وَفِي يَوْم الْأَحَد: الْمُبَارك ولد للسُّلْطَان ولد ذكر سَمَّاهُ قَاسم وَأَعْطَاهُ إمرة مائَة. وَنقل الْأَمِير مَنْجَك من نِيَابَة حلب إِلَى نِيَابَة الشَّام عوضا عَن أَمِير عَليّ. وَنقل أَمِير عَليّ إِلَى نِيَابَة حلب. وَفِيه خرجت تجريدة إِلَى برقة مَعَ الْأَمِير مُحَمَّد باك القازاني. وَفِي هَذِه السّنة: كثر اخْتِصَاص قطب الدّين هِرْماس بالسلطان وَصَارَ يدْخل عَلَيْهِ مَتى أَرَادَ بِغَيْر إِذن وَيدخل مَعَه أَيْضا زوج ابْنَته صدر الدّين. وَكَانَت بَين الْهِنْدِيّ سراج الدّين عمر الْحَنَفِيّ وَبَين الهرماس منافرة فَتقدم لقَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين عبد الله بن التركماني أَن يعزله من نِيَابَة الحكم فَصَرفهُ وهجره فَأَعْرض عَنهُ عَامَّة فُقَهَاء الْحَنَفِيَّة. وَفِيه اسْتَقر التنيسِي الْمَالِكِي فِي قَضَاء الْإسْكَنْدَريَّة بعد وَفَاة ابْن المختلطة وَقدم الْخَبَر بِمَوْت صرغَتمش فِي سجنه بالإسكندرية فَكَانَت مُدَّة سجنه شَهْرَيْن واثني عشر يَوْمًا. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان شرف الدّين أَبُو الْبَقَاء خَالِد بن الْعِمَاد إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن خَالِد بن مُحَمَّد بن نصر القَنسَراني بِدِمَشْق عَن نَيف وَخمسين سنة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 238 وَمَات الْأَمِير الْكَبِير سيف الدّين صَرغَتْمش الناصري بسجن الْإسْكَنْدَريَّة مقتولاً فِي ذِي الْحجَّة. كَانَ يكْتب الْخط الْجيد ويشارك فِي الْفِقْه على مَذْهَب أَبى حنيفَة ويتعصب لمذهبه ويجل الْعَجم وَيخْتَص بهم وَيتَكَلَّم أَيْضا فِي الْعَرَبيَّة ودبر أَمر الدولة مُدَّة. وَمَات أَبُو عنان فَارس بن أبي الْحسن عَليّ بن أبي يُوسُف يَعْقُوب بن عبد الْحق بن محيو بن جمَاعَة المريني متملك الْمغرب وَصَاحب فاس. وَتُوفِّي فَخر الدّين أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله بن المُختَلطَة قَاضِي الْإسْكَنْدَريَّة فِي يَوْم الْجُمُعَة سَابِع رَجَب. وَتُوفِّي شمس الدّين بن عِيسَى بن حسن بن كرّ الْحَنْبَلِيّ إِمَام أهل الموسيقى وَله تأليف حسن فِي الموسيقى. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين تَنْكِزبغا المارديني أَمِير مجْلِس وَزوج أُخْت السُّلْطَان حسن وَمَات الْأَمِير الطواشي صفي الدّين جَوْهَر الجَناحي مقدم المماليك وَقد قَارب الْمِائَة سنة. وَتوفى شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن دَاوُد بن نصر الهكاري الْكرْدِي الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي بِدِمَشْق فِي ذِي الْقعدَة ومولده سنة خمس وَثَمَانِينَ وست مائَة. حدث عَن التقي الواسلي والشريف بن عَسَاكِر وتفقه وَأفْتى ودرس. وَتوفى أَمِير الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة الشريف مَانع بن عَليّ بن مَسْعُود بن جَازَ بن شيحة الْحُسَيْنِي. وَاسْتقر بعد ابْن عَمه فضل بن قَاسم فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاث وَخمسين. وَكثر تظاهره. بمذهبه. فَلَمَّا قدم الْحَاج وَلبس الخلعة على الْعَادة وثب عَلَيْهِ فداويان قتلاه فِي أَوَاخِر ذِي الْحجَّة فثارت الْفِتْنَة بعد قَتله وتأذى بهَا كثير من الْحجَّاج. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 239 وَتُوفِّي إِمَام الْحَنَابِلَة بِمَكَّة أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عُثْمَان بن مُوسَى الْآمِدِيّ الْحَنْبَلِيّ بَعْدَمَا أم النَّاس ثَلَاثِينَ سنة. وَمَات قَتِيلا الْأَمِير سيف بن فضل بن مهنا بن عِيسَى بن مهنا بن مَانع بن حَدِيثَة بن غضينة بن فضل فِي ذِي الْقعدَة. وَكَانَ جواداً ولى إمرة آل فضل غير مرّة. وَمَات الْأَمِير مَلَكتمُر السعيدي فِي ثامن ذِي الْقعدَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 240 (سنة سِتِّينَ وَسَبْعمائة) فِي الْأَرْبَعَاء ثَالِث الْمحرم: قدم أَمِير على إِلَى دمشق وَقد أُعِيد إِلَى نيابتها وعزل الْأَمِير مَنجَك عَنْهَا وَطلب إِلَى مصر ففر من غَزَّة وَلم يُقف على خَبره فَعُوقِبَ بِسَبَبِهِ عدَّة من النَّاس. وَاسْتقر الْأَمِير سيف الدّين بكتمر المؤمني فِي نِيَابَة حلب ثمَّ صرف عَنْهَا وَاسْتقر عوضه الْأَمِير سيف الدّين بيدمر الْخَوَارِزْمِيّ. وَصرف أَمِير على عَن نِيَابَة الشَّام وَاسْتقر عوضه الْأَمِير سيف الدّين أَسَنْدَمُر الزيني. وانتهت زِيَادَة مَاء النّيل إِلَى أَربع أَصَابِع من عشْرين ذِرَاعا وَثَبت إِلَى أول شهر هاتور فَخرج النَّاس ودعوا حَتَّى هَبَط فكثرت الْأَمْرَاض بِبِلَاد الصَّعِيد. وفيهَا عقد لشمس الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الْوَاحِد بن يُوسُف بن عبد الرَّحِيم الدكالي الأَصْل الْمَعْرُوف بِابْن النقاش الْفَقِيه الشَّافِعِي فَجَلَسَ بَين يَدي قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين بِإِشَارَة الهرماس وَادّعى عَلَيْهِ زين الدّين عبد الرَّحِيم الْعِرَاقِيّ أَنه يُفْتِي بِغَيْر مَذْهَب الشَّافِعِي فَمنع من الْإِفْتَاء وَألا يتَكَلَّم فِي مجَالِس الْوَعْظ إِلَّا من كتاب فَامْتنعَ بعد مَا حبس ثمَّ أفرج عَنهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 241 وَفِيه أخرج الْأَمِير عز الدّين. أَزدَمر الخازندار إِلَى الشَّام على إمرة بهَا فَانْحَطَّ قدر الهرماس وَفِي شهر رَجَب: سَارَتْ الْحجَّاج الرجبية من الْقَاهِرَة وسافر فيهم قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين بن جمَاعَة وقاضي الْقُضَاة موفق الدّين الْحَنْبَلِيّ وقطب الدّين الهرماس. وَكَانَ الشريف عجلَان قد قدم من مَكَّة فَعَزله السُّلْطَان عَن إمارتها وَولى عوضه الشريفان مُحَمَّد بن عُطفة وَسَنَد بن رُمَيثة وقواهما بالأمير جرَكتمُر الْحَاجِب والأمير قطلوبغا المنصوري وناصر الدّين أَحْمد بن أصلَم ليقيموا بِمَكَّة حَتَّى يَأْتِيهم الْبَدَل من مصر. وعُوق الشريف عجلَان بِمصْر فاتصل - فِي غيبَة الهرماس - بالسلطان سراج الدّين عمر الْهِنْدِيّ قَاضِي الْعَسْكَر وشمس الدّين مُحَمَّد بن النقاش ولازماه سفرا وَإِقَامَة وبلغا مِنْهُ منزلَة مكينة فأخذا فِي إغراء السُّلْطَان بِهِ حَتَّى تنكر لَهُ وَتغَير عَلَيْهِ لقوادح رمياه بهَا. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان جمال الدّين أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن الشهَاب مَحْمُود بن سلمَان بن فَهد الْحلَبِي كَاتب سر حلب. وَمَات الْأَمِير عز الدّين تُقطاي الداودار الصَّالِحِي بطرابلس منفياً أَصله من مماليك يلبغا اليحياوي ثمَّ انْتقل إِلَى الْملك الصَّالح فترقى حَتَّى صَار من الْأُمَرَاء ثمَّ أخرج إِلَى الشَّام فَقدم دمشق فِي ربيع الآخر سنة تسع وَخمسين وَمضى إِلَى طرابلس فَأَقَامَ لَهَا حَتَّى هلك. وَمَات علم الدّين مُحَمَّد بن القطب أَحْمد بن مفضل كَاتب سر دمشق وناظر الْجَيْش بهَا وَقد جَاوز السِّتين. وَمَات تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن شَاس الْمَالِكِي فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع شَوَّال وَقد نَاب فِي الحكم وَأفْتى ودرس. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 242 وَمَات تَقِيّ الدّين مَحْمُود بن مُحَمَّد بن عبد السَّلَام بن عُثْمَان الْقَيْسِي أَبُو المظفر الْحَمَوِيّ عرف بِابْن الْحَكِيم الْحَنَفِيّ قَاضِي حماة وَقد أناف على سِتِّينَ سنة. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين بن فضل بن عِيسَى قَتله عمر بن مُوسَى. وَكَانَ قد ولى إمرة الْعَرَب فِي أَيَّام المظفر حاجى بعد أَحْمد بن مهنا فَلَمَّا مَاتَ أُعِيد أَحْمد بن مهنا. وَالله تَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 243 فارغه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 244 سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة فِيهَا اسْتَقر أَمِين الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن نصر الله بن المظفر بن أسعد بن حَمْزَة التَّمِيمِي الْمَعْرُوف بِابْن القلانسي الدِّمَشْقِي كَاتب السِّرّ بِدِمَشْق اسْتَقر صَلَاح الدّين خَلِيل بن أيبك الصَّفَدِي كَاتب السِّرّ بحلب. وَلما قدم الْحَاج كَانَ السُّلْطَان بقصور سرياقوس توجه قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين ابْن جمَاعَة وقاضي الْقُضَاة موفق الدّين عبد الله الْحَنْبَلِيّ وَالشَّيْخ قطب الدّين الهرماس وَقد قدمُوا من الْحَج للسلام على السُّلْطَان فَأذن للقاضيين فِي الدُّخُول على السُّلْطَان فدخلا وَمنع الهرماس من ذَلِك فَأقبل السُّلْطَان عَلَيْهِمَا وألبسهما خلعتين وخرجا إِلَى منازلهما بِالْقَاهِرَةِ. وَتبين للنَّاس انحطاط رُتْبَة الهرماس وَفَسَاد حَاله مَعَ السُّلْطَان. وَفِيه سَار الْأَمِير بيدمر نَائِب حلب بالعساكر إِلَى بِلَاد سيس فَفتح أذنة وطرسوس والمصيصة وعدة قلاع وَأقَام بأذنة وطرسوس نائبين بعسكر مَعَهُمَا وَعَاد بالغنائم إِلَى حلب فَنقل فِي شهر ربيع الأول إِلَى نِيَابَة دمشق عوضا عَن أسندمر الزيني. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 245 وَاسْتقر الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن القشتمري فِي نِيَابَة حلب. وَاسْتقر نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن يَعْقُوب بن عبد الْكَرِيم بن أبي الْمَعَالِي الْحلَبِي كَاتب السِّرّ بحلب عوضا عَن الصّلاح الصَّفَدِي وَاسْتقر الْأَمِير ألجاي اليوسفي صَاحب الْحجاب بِدِمَشْق. وظفر الْمُسلمُونَ بغراب للفرنج فأسروا من فِيهِ وَقدمُوا بهم الْقَاهِرَة. وَاسْتقر فَخر الدّين ماجد - ويدعى عبد الله بن أَمِين الدّين خصيب - فِي الوزارة بعد وَفَاة ابْن الريشة. وَكَانَ خصيب من جملَة الْكتاب النَّصَارَى فَأسلم وترقى ابْنة ماجد فِي الخدم وفيهَا اشْترى السُّلْطَان الْقصر الْمَعْرُوف بالبيسري من الْقَاهِرَة وَقصر بشتاك الْمُقَابل لَهُ وجدد عمارتهما. وَفِي يَوْم الْأَحَد: ركب السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل وَعبر من بَاب زويلة إِلَى المارستان المنصوري وشقاق الْحَرِير مفروشة ليمشي عَلَيْهَا فزار أَبَاهُ وجده. وَقد زينت لَهُ الْقَاهِرَة وَاجْتمعَ بِالْمَدْرَسَةِ المنصورية قُضَاة الْقُضَاة الْأَرْبَع ومشايخ الْعلم. بهاء الدّين ابْن عقيل وزين الدّين البسطامي الْحَنَفِيّ وأكمل الدّين الْحَنَفِيّ وبهاء الدّين السُّبْكِيّ وسراج الدّين الْهِنْدِيّ وسراج الدّين البُلْقِينِيّ وناصر الدّين نصر الله الْحَنْبَلِيّ وشمس الدّين بن الصايغ الْحَنَفِيّ وشمس الدّين مُحَمَّد بن النقاش وَبدر الدّين حسن الشجاع الْحَنَفِيّ وعدة أخر. فَأَتَاهُم السُّلْطَان وهم بالإيوان القبلي فَجَلَسَ وهم حَلقَة بَين يَدَيْهِ وأداروا الْبَحْث فِي مَسْأَلَة حَتَّى انْتَهوا إِلَى غايتهم فِيهَا. وقدمت عدَّة سجاجيد وَغَيرهَا للسُّلْطَان فقبلها وَصَارَ يَرْمِي بهَا إِلَى الْأُمَرَاء وهم يقبلُونَ الأَرْض. ثمَّ قَامَ فَركب من الْبَاب وَركب مَعَه ابْن النقاش وسراج الْهِنْدِيّ حَتَّى حَاذَى جَامع الْحَاكِم فَأمر بهدم دَار الهرماس. ثمَّ خرج من بَاب النَّصْر وَصعد إِلَى القلعة. فهدمت دَار الهرماس الْمُجَاورَة للجامع وَنزل الْأَمِير شرف الدّين مُوسَى بن الأزكشي فَقبض على الهرماس وَولده وَنزع عَنهُ ثِيَابه وضربه بالمقارع قَرِيبا من عشرَة شيوب وداره تهدم وَهُوَ يشاهدها، ثمَّ أخرج إِلَى مصياف من بِلَاد الشَّام منفيا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 246 وَكَانَ من الدهاء وَالْمَكْر على جَانب كَبِير. وَفِيه يَقُول الْعَلامَة شمس الدّين مُحَمَّد بن الصايغ الْحَنَفِيّ: نَالَ هرماس الخسارة من بعد ربح وجسارة وَحسب الْبُهْتَان يبْقى أخرب الله دياره وَقبض على الْأَمِير منجك من داريا بالشرف الْأَعْلَى ظَاهر مَدِينَة دمشق بعد مَا أَقَامَ مختفياً نَحْو سنة فَحمل إِلَى مصر وتمثل بَين يَدي السُّلْطَان وَهُوَ لابس بشتا من صوف وَقد أعتم. بميزر من صوف فَعَفَا عَنهُ وأنعم عَلَيْهِ بإمرة طبلخاناه بِالشَّام ورسم أَن يكون طرخانا وَأَن يُقيم حَيْثُ شَاءَ من الْبِلَاد. وَكَانَ النّيل فِي هَذِه السّنة مِمَّا يتعجب مِنْهُ فَإِن القاع جَاءَ نَحْو اثْنَتَيْ عشرَة ذِرَاعا. وَكَانَ الْوَفَاء يَوْم الْخَمِيس وَهُوَ سادس مسرى فَكسر سد الخليج من الْغَد يَوْم الْجُمُعَة وَنُودِيَ عَلَيْهِ تِسْعَة أَصَابِع من عشْرين ذِرَاعا. ثمَّ بَطل النداء عَلَيْهِ فَبلغ نَحْو أَرْبَعَة وَعشْرين ذِرَاعا وَخَربَتْ عدَّة مسَاكِن وَاسْتمرّ ثَابتا إِلَى خَامِس بابة فَخرج النَّاس من الْغَد ودعوا الله فهبط من يَوْمه أَرْبَعَة أَصَابِع. وسارت الْحجَّاج الرجبية على الْعَادة. وَتوجه الْأَمِير قُنْدش بَدَلا من الْأَمِير جركتمر. ورسم بتوجه جركتمر إِلَى الشَّام بعد الْحَج وَقد قطع خبزه. وَكَانَ الشريف ثقبة فِيمَا مضى مُقيما بجدة فَلَمَّا خرج جركتمر من مَكَّة بعد قَضَاء الْحَج هجم ثقبة عَلَيْهَا وَأخذ خُيُول قُندسُ وَمن مَعَه وحصرهم فِي الْمَسْجِد فأغلقوا عَلَيْهِم أبوابه وقاتلوا من أَعْلَاهُ بالنشاب فَقتل الشريف مغامس وَانْهَزَمَ قُندسُ بِأَصْحَابِهِ فَقتل مِنْهُم وَأسر جمَاعَة نُودي عَلَيْهِم. بِمَكَّة للْبيع فبيعوا بأبخس الْأَثْمَان. وَأخذ قندس فعذب عذَابا أشفى مِنْهُ على الْمَوْت. ثمَّ نُودي عَلَيْهِ وأبيع بِدِرْهَمَيْنِ فشفع إِلَيْهِ تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد ابْن قَاسم الْحرَازِي قَاضِي مَكَّة حَتَّى أخرج من مَكَّة وَمَعَهُ جَمِيع الأتراك. وَقد اقْترض مَا يبلغهُ إِلَى يَنْبع. وفر أَيْضا الشريف مُحَمَّد بن عُطيفة إِلَى يَنْبع والتجأ الشريف سَنَد بن رميثة إِلَى الشريف ثقبة وَصَارَ من جملَته. فَلَمَّا قدم الْحَاج من الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة إِلَى يَنْبع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 247 وجدوا بهَا الْأَمِير قُنْدُس وَمن بَقِي من المجردين وَمُحَمّد بن عُطَيْفَةَ فَسَارُوا مَعَ الْحَاج إِلَى الْقَاهِرَة. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان صَلَاح الدّين خَلِيل بن كيكلدي العلاي أَبُو سعيد الشَّافِعِي صَاحب كتاب الْقَوَاعِد وَغَيره فِي الْمحرم. ومولده سنة أَربع وَتِسْعين وسِتمِائَة. وَكَانَ حَافِظًا فَقِيها شافعياً لم يخلف بعده فِي وَمَات صدر الدّين أَبُو الرّبيع سُلَيْمَان بن دَاوُد بن سُلَيْمَان بن مُحَمَّد بن عبد الْحق الْحَنَفِيّ نَاظر الأحباس عَن ثَلَاث وَسِتِّينَ سنة. وَمَات جمال الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن يُوسُف بن أَحْمد بن عبد الله بن هِشَام النَّحْوِيّ فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي ذِي الْقعدَة ومولده فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَسَبْعمائة. وَمَات الشريف زين الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الله بن جَعْفَر بن زيد بن جَعْفَر بن مُحَمَّد الممدوح الْحُسَيْنِي الْحلَبِي نقيب الْأَشْرَاف بحلب. وَمَات السُّلْطَان الْملك الصَّالح صَالح بن مُحَمَّد بن قلاوون فِي محبسه من قلعة الْحَبل سلخ ذِي الْحجَّة وَدفن بتربة عَمه الصَّالح عَليّ بن قلاوون قَرِيبا من المشهد النفيسي. رَحمَه اللهّ تَعَالَى. وَتوفى فَخر الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مِسْكين الشَّافِعِي أحد نواب الحكم ولى قَضَاء الْإسْكَنْدَريَّة وَغَيرهَا عَن ثَلَاث وَتِسْعين سنة فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع رَجَب رَحمَه الله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 248 وَمَات صدر الدّين مُحَمَّد بن قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين أَحْمد بن عمر بن عبد الله بن عمر بن عوض الْحَنْبَلِيّ فاستقر عوضه فِي تدريس الْمدرسَة المنصورية قَاضِي الْقُضَاة موفق الدّين عبد الله الْحَنْبَلِيّ. وَفِي تدريس الْمدرسَة الأشرفية نَاصِر الدّين نصر الله الْحَنْبَلِيّ. وَمَات شرف الدّين مُوسَى بن كجك الإسرائيلي الأَصْل الطّيب فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن شَوَّال. وَتُوفِّي شهَاب الدّين أَحْمد الْقُسْطَلَانِيّ خطيب جَامع عَمْرو بِمصْر وخطيب جَامع القلعة فِي يَوْم الْجُمُعَة خَامِس ذِي الْحجَّة. وَتُوفِّي تَاج الدّين أَحْمد الزَركشي الشَّافِعِي مدرس الْمدرسَة الفارسية وخطيب الْجَامِع الْأَخْضَر فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامن ذِي الْحجَّة. وَتُوفِّي سراج الدّين عبد الله بن مُحَمَّد بن معز يَوْم الْخَمِيس حادي عشْرين الْمحرم عَن ماية سنة وَولى حسبَة الْإسْكَنْدَريَّة وَشَهَادَة بَيت المَال. وَتُوفِّي ضِيَاء الدّين أَبُو المحاسن يُوسُف بن أَبى بكر بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالضياء بن خطيب بَيت الْآبَار الشَّامي فِي ذِي الْحجَّة. ولى الْحِسْبَة وَنظر الدولة وَنظر المارستان وَغير ذَلِك وَكَانَ ناهضاً أَمينا. رَحمَه الله تَعَالَى وَالله تَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ. وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 249 فارغه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 250 سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة أهلت والأمراض بالباردة فَاشِية فِي النَّاس وَقد ساءت أَحْوَالهم لطول مُدَّة أمراضهم. وفيهَا قدم الْأَمِير بيدمر نَائِب الشَّام وَمَعَهُ الْأَمِير جركتمر المارديني الْمُجَرّد بالحجاز وَقد قبض عَلَيْهِ وفيهَا عدى السُّلْطَان إِلَى بر الجيزة وَنزل بِنَاحِيَة كوم برا قَرِيبا من الأهرام. وفيهَا قبض على الْوَزير الصاحب فَخر الدّين ماجد بن خصيب وعَلى أَخِيه وحواشيه وأصهاره وأحيط بدياره وألزم بِمَال كَبِير. ثمَّ نفي إِلَى مصياف من بِلَاد الشَّام فَأَقَامَ بهَا سنة ونيفاً ثمَّ نقل إِلَى الْقُدس فَأَقَامَ هُنَاكَ أَربع سِنِين مَاتَ وَكَانَ قد أظهر فِي وزارته من الترفع والتعاظم أمرا زَائِدا. من ذَلِك أَنه ألزم جَمِيع مباشري الدولة وَالْخَاص وَعَامة المشدين بالركوب مَعَه إِذا ركب فَإِذا وصلوا بَين يَدَيْهِ إِلَى رَأس سوق الحريريين من الْقَاهِرَة نزل مقدم الدولة ومقدم الْخَاص ومضيا فِي ركابه إِلَى بَين القصرين ثمَّ نزلت طَائِفَة بعد طَائِفَة بِحَسب رتبهم وَمَشوا بَين يَدَيْهِ حَتَّى لَا يبْقى أحد رَاكب سواهُ إِلَى أَن يصل إِلَى دَاره بِرَأْس حارة زويلة فَإِن كَانَ فِي دَاره بِفَم الخور على النّيل نزل من ينزل من قنطرة قدادار وَمَشوا إِلَى دَاره وَهُوَ رَاكب فَإِذا مضى إِلَى الصِّنَاعَة بِمَدِينَة مصر نزل النَّاس من بَاب مصر وَبَقِي هُوَ وَأَخُوهُ راكبين. بمفردهما إِلَى الصِّنَاعَة وَالنَّاس جَمِيعًا مشَاة. وعنى بالأسمطة فَكَانَ يطْبخ دَائِما فِي كل يَوْم بداره ألف رَطْل من اللَّحْم سوى الدَّجَاج والأوز. وَكَانَ يبْعَث كل لَيْلَة بعد عشائه إِلَى بَين القصرين من الْقَاهِرَة فيشترى لَهُ. بمبلغ مِائَتَيْنِ وَخمسين درهما فضَّة مَا بَين قطا وسمان وفراخ وحمام وعصافير مقلوة. وتناهي فِي أَنْوَاع الْأَطْعِمَة الفاخرة واقترح عُلَبًا كبار للحلوى عرفت بعده مُدَّة سِنِين بالعلب الخصيبية. وَأَخْبرنِي الْوَزير الصاحب تَقِيّ الدّين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 251 عبد الْوَهَّاب بن الْوَزير فَخر الدّين ماجد بن أبي شَاكر أَنه كَانَ فِي دَارهم من جواري ابْن خصيب جاريتين تحسن كل وَاحِدَة مِنْهُمَا ثَمَانِينَ لوناً من التقالى سوى بَقِيَّة ألوان الطَّعَام. وَبَلغت عدَّة جواريه سَبْعمِائة جَارِيَة بعد مَا كَانَ من أفقر الْكتاب. وَقد غَلبه الدّين وَأقَام فِي السجْن والترسيم على دُيُون النَّاس مُدَّة شهر. وفيهَا قدم فَخر الدّين ماجد بن قزوينة وَزِير دمشق إِلَى الْقَاهِرَة باستدعاء فَخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر فِي الوزارة وَنظر الْخَاص عوضا عَن ابْن خصيب. وفيهَا عزل الشَّيْخ جمال الدّين عبد الرَّحِيم الْإِسْنَوِيّ نَفسه من حسبَة الْقَاهِرَة لمفاوضة حصلت كَانَت بَينه وَبَين الصاحب فَخر الدّين ماجد بن قزوينة. وَاسْتقر عوضه برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن أَبى بكر الأخنائي أَخُو قَاضِي الْقُضَاة علم الدّين مُحَمَّد الأخنائي فَسَار فِي الْحِسْبَة أحسن سيرة وتصلحت عَامَّة المعايش وَفِي يَوْم السبت سادس ربيع الآخر: سَقَطت إِحْدَى منارتي مدرسة السُّلْطَان حسن فَهَلَك تحتهَا نَحْو ثَلَاثمِائَة من الْأَطْفَال الْأَيْتَام الَّذين كَانُوا بمكتب السَّبِيل وَغير الْأَيْتَام فتشاءم النَّاس بذلك وتطيروا بِهِ لزوَال السُّلْطَان فَكَانَ كَذَلِك وَزَالَ ملكه فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء تَاسِع جُمَادَى الأولى وَذَلِكَ أَنه بلغه وَهُوَ بمنزله بكوم برا أَن الْأَمِير يلبغا الخاصكي يُرِيد قَتله وَأَنه لَا يدْخل إِلَى الْخدمَة إِلَّا وَهُوَ لابس آلَة الْحَرْب من تَحت ثِيَابه فاستدعى بِهِ وَهُوَ مَعَ حريمه فِي خلْوَة وَأمر فنزعت عَنهُ ثِيَابه كلهَا ثمَّ كتفت يَدَاهُ فْشفعت فِيهِ إِحْدَى حظايا السُّلْطَان حَتَّى خلى عَنهُ وخلع عَلَيْهِ وَاعْتذر إِلَيْهِ بِأَنَّهُ بلغه عَنهُ أَنه لَا يدْخل إِلَّا بِالسِّلَاحِ مخفي فِي ثِيَابه. فَخرج إِلَى مخيمه وَقد اشْتَدَّ حنقه فَلم يمض سوى ثلاثةّ أَيَّام وَبلغ السُّلْطَان أَن يلبغا قد خامر وَأظْهر الْعِصْيَان وألبس مماليكه آلَة الْحَرْب فبادر للرُّكُوب فِي طَائِفَة من مماليكه ليكبسه على بَغْتَة وَيَأْخُذهُ من مخيمه فَسبق ذَلِك إِلَى يلبغا من الطواشي بشير الجمدار وَقيل بل من الحطة الَّتِي شفعت فِيهِ. فَركب بمماليكه من فوره بِالسِّلَاحِ يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامن جُمَادَى الأولى بعد الْعَصْر ولقى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 252 السُّلْطَان وَهُوَ سَائِر إِلَيْهِ وتوافقا حَتَّى غربت الشَّمْس فَحمل يلبغا. بِمن مَعَه يُرِيد السُّلْطَان فَانْهَزَمَ من غير قتال وَمَعَهُ الْأَمِير عز الدّين أيدمر الدوادار فتفرقت مماليكه فِي كل جِهَة وَتَمَادَى السُّلْطَان فِي هزيمته إِلَى شاطىء النّيل وَركب هُوَ وأيدمر فَقَط فِي بعض المراكب وَترك ركُوب الحراقة السُّلْطَانِيَّة وَصعد قلعة الْجَبَل وألبس من بهَا من المماليك فَلم يجد فِي الإصطبل خيولاً لَهُم فَإِنَّهَا كَانَت مرتبطة على البرسيم لتربع على الْعَادة فاضطرب وَنزل من القلعة وَمَعَهُ أيْدَمُر وَقد تنكرا ليسيرا إِلَى الشَّام فعرفهما بعض المماليك فَأنْكر حَالهمَا وَأَخذهمَا وَمضى بهما إِلَى بَيت الْأَمِير شرف الدّين مُوسَى بن المازْكَشي فأواهما. هَذَا وَقد مضى يلبغا وَقت هزيمَة السُّلْطَان فِي إسره فَلم يظفر بِهِ فَركب الحراقة وَمنع أَن يعدى مركب بِأحد من المماليك السُّلْطَانِيَّة إِلَى بر مصر وعدى بَأصحابه فِي اللَّيْل إِلَى الْبر فَلَقِيَهُ الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن المحسني والأمير قشتمر المنصوري فِي عدَّة وافرة فحاربهما وهزمهما وَتقدم فَهزمَ طَائِفَة بعد طَائِفَة. ثمَّ وجد الْأَمِير أسنبغا ابْن البوبكري فِي عدَّة وافرة فقاتله قَرِيبا من قنطرة قديدار قتالاً كَبِيرا جرح فِيهِ أسنبغا وَانْهَزَمَ من كَانَ مَعَه. وَمضى يلبغا حَتَّى وقف تَحت القلعة فَبَلغهُ نزُول السُّلْطَان وأَيْدَمُر منكسرين. وبينما هُوَ مفكر فِيمَا يَفْعَله إِذْ أَتَاهُ قَاصد ابْن الأزْكَشي وَأخْبرهُ بِأَن السُّلْطَان وأَيْدَمر عِنْده فَسَار بعسكره إِلَى بَيت ابْن الأزْكَشي بالحسينية وأحاط بِهِ وَأخذ السُّلْطَان والأمير أَيْدَمُر وَمضى بهما إِلَى دَاره قرب جبل الْكَبْش فحبسهما بهَا ووكل بهما من يَثِق بِهِ. ثمَّ عَاد إِلَى القلعة وَقد امْتنع بهَا طَائِفَة من مماليك السُّلْطَان ورموه بالنشاب فأعلمهم بِأَنَّهُ قد قبض على السُّلْطَان وسجنه فِي دَاره فانحلت عزائمهم وفتحوا بَاب القلعة فَصَعدَ يلبغا وَمن مَعَه إِلَيْهَا وملكها وَأقَام فِي السلطنة مُحَمَّد بن المظفر حاجي بن مُحَمَّد بن قلاوون. وَلم يُوقف للسُّلْطَان حسن على خبر فَقيل إِنَّه عاقبه عُقُوبَة شَدِيدَة حَتَّى مَاتَ وَدَفنه فِي مصبطة كَانَ يركب عَلَيْهَا من دَاره بالكبش. وَقيل دَفنه بكيمان مُضر وأَخفي قَبره فَكَانَ عمره دون الثَّلَاثِينَ سنة مِنْهَا مُدَّة سلطنته هَذِه الثَّانِيَة سِتّ سِنِين وَسَبْعَة أشهر وَسَبْعَة أَيَّام. وَترك عشرَة أَوْلَاد ذُكُور وهم أَحْمد وقاسم وَعلي وإسكندر وَشَعْبَان وَإِسْمَاعِيل وَيحيى ومُوسَى ويوسف وَمُحَمّد وست بَنَات. وَكَانَ من خِيَار مُلُوك الأتراك. أَخْبرنِي ثقتان من النَّاس أَنَّهُمَا سمعاه يحلف بالأيمان الحرجة أَنه مَا شرب خمرًا وَلَا لَاطَ مُنْذُ كَانَ إِلَّا أَنه شغف بنسائه وجواريه شغفاً زَائِدا واشتهر فِي أمرهن وأفرط فِي الإقبال عَلَيْهِنَّ مَعَ الْقيام بتدبير ملكه. وعزم على قطع دابر الأقباط والأتراك المماليك فولى عدَّة وظائف كَانَت بيد الأقباط الجزء: 4 ¦ الصفحة: 253 لجَماعَة من الْفُقَهَاء مِنْهَا وَظِيفَة نظر الْجَيْش وَنظر بَيت المَال. وَجعل عشرَة من أَوْلَاد النَّاس أُمَرَاء أُلُوف وهم ولداه أَحْمد وقاسم وأسنبغا بن البوبكري وَعمر بن أرغون النَّائِب وَمُحَمّد بن طرغاي وَمُحَمّد بن بهادر آص وَمُحَمّد بن المحسني ومُوسَى بن أرقطاي وَأحمد بن آل ملك ومُوسَى بن الأزكشي. وأنعم على عدَّة مِنْهُم بإمريات طبلخاناه وعشرات. وَولى ابْن القَشتَمُري نِيَابَة حلب وَابْن صُبْح نِيَابَة صفد. وَقد وَافق أَبَاهُ فِي عدَّة أُمُور فِي اللقب الْخَاص بالملوك فكلاهما لقب بِالْملكِ النَّاصِر. وَفِي أَنه خلع ثمَّ أُعِيد كل مِنْهُمَا إِلَى السلطنة بعد الْخلْع كَانَ ذَلِك فِي ثَانِي شَوَّال. وَمَا مِنْهُمَا إِلَّا من وزر لَهُ مُتعمم وَصَاحب سيف. وَأقَام مُدَّة بِغَيْر وَزِير وَلَا نَائِب وَبنى الْمدرسَة الَّتِي لم يبن فِي ممالك الْإِسْلَام بَيت لله مثلهَا فِي الْعظم وَالْجَلالَة والضخامة. السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن الْملك المظفر حاجي بن النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون أَقَامَهُ الْأَمِير يلبغا فِي السلطنة. وَذَلِكَ أَنه لما قبض على السُّلْطَان حسن وَصعد إِلَى القلعة وَمَعَهُ الْأَمِير طيبغا الطَّوِيل أَمِير سلَاح والأمير مَلَكتمُر المارديني رَأس نوبَة الجمدارية والأمير أَشَقتمر أَمِير مجْلِس فِي بَقِيَّة الْأُمَرَاء اشتوروا فِيمَن يُقَام فِي السلطة فَذكر بَعضهم الْأَمِير حُسَيْن بن مُحَمَّد بن قلاوون وَهُوَ آخر من بقى من أَوْلَاد الْملك النَّاصِر مُحَمَّد لصلبه فَلم يرضوه خشيَة من أَن يستبد بالأمير دونهم ثمَّ لَا يبْقى مِنْهُم أحدا. وَذكر الْأَمِير أَحْمد بن السُّلْطَان حسن فَرَأَوْا أَن تَقْدِيمه - وَقد عُمل بِأَبِيهِ مَا عُمل - سوء تَدْبِير فَإِن الْحَال يلجئه لِأَن يَأْخُذ بثأر أَبِيه فأعرضوا عَنهُ. وَوَقع الطارق على مُحَمَّد بن المظفر حاجى فاستدعى الْخَلِيفَة وقضاة الْقُضَاة وأحضر ابْن المظفر وعمره نَحْو أَربع عشرَة سنة ففوض الْخَلِيفَة إِلَيْهِ أُمُور الرّعية وَركب والكافة بَين يَدَيْهِ من بَاب الدَّار إِلَى الإيوان حَتَّى جلس على تخت الْملك وَحلف لَهُ الْأُمَرَاء على الْعَادة وَهُوَ لابس الثَّوْب الخليفتي وَذَلِكَ فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 254 جُمَادَى الأولى ولقب بِالْملكِ الْمَنْصُور صَلَاح الدّين. وَهُوَ أول من تسلطن من أَوْلَاد أَوْلَاد الْملك النَّاصِر مُحَمَّد فَقَامَ الْأَمِير يلبغا بتدبير الدولة وَلم يبْق للمنصور سوى الِاسْم. وَاسْتقر الْأَمِير طَيبغا الطَّوِيل على عَادَته أَمِير سلَاح والأمير قطلُوبغا الأحمدي رَأس نوبَة كَبِير والأمير مَلَكتمُر المارديني رَأس نوبَة الجمدارية والأمير أشَقتمُر أَمِير مجْلِس والأمير أرغون الأشعردي دوادارا والأمير ألجاى اليوسفي حَاجِب الْحجاب والأمير قَشتمر المنصوري نَائِب السلطنة. ودقت البشائر وَنُودِيَ بِالْقَاهِرَةِ ومصر بسلطنة الْملك الْمَنْصُور وَكتب إِلَى الْأَعْمَال بذلك فسارت البريدية. وَقبض على الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن المحسني وسجن بالإسكندرية. وَأَفْرج عَن الْأَمِير طاز وَقد سمل النَّاصِر حسن عَيْنَيْهِ فَلَمَّا مثل بَين يَدي السُّلْطَان وعَلى عَيْنَيْهِ شعرية توجع لَهُ وخلع عَلَيْهِ فَسَأَلَ الْإِقَامَة بالقدس وَأجِيب إِلَى ذَلِك وأنعم لَهُ بإمرة طبلخاناه. فَسَار إِلَيّ الْقُدس وَأقَام بِهِ. وَأَفْرج عَن الْأَمِير جركَتمر المارديني والأمير قَطْلُوبُغا المنصوري والأمير قَشتَمُر القاسمي والأمير مَلَكتمُر المحمدي والأمير أَقتمُر عبد الْغَنِيّ والأمير بَكتمر المؤمني وأخيه طاز. وَاسْتقر قَشتَمُر القاعي نَائِب الكرك ومَلَكتمُر المحمدي نَائِب صفد. وَأخرج بَكتمُر المؤمني إِلَى أسوان منفياً. ونقلت رمة الْأَمِير صَرْغَتمش من الْإسْكَنْدَريَّة ودفنت بمدرسته الْمُجَاورَة لجامع ابْن طولون خَارج الْقَاهِرَة. وخلع على الشريف عجلَان وأعيد إِلَى إِمَارَة مَكَّة. وقدمت الْأَخْبَار فِي شهر رَجَب بِخُرُوج الْأَمِير بَيدَمُر نَائِب الشَّام عَن الطَّاعَة وموافقة جمَاعَة من الْأُمَرَاء لَهُ على ذَلِك مِنْهُم أسَنْدَمُر أَخُو يَلبغا اليحياوي والأمير مَنجَك وَجَمَاعَة وَأَنه قَامَ لأخذ ثأر السُّلْطَان حسن وَأَفْتَاهُ جمَاعَة من الْفُقَهَاء بِجَوَاز قتال قَاتله الَّذِي تغلب على المُلك - يَعْنِي الْأَمِير يَلْبُغا - وَمنع الْبَرِيد أَن يمر من الشَّام. وجهز الْأَمِير مَنجَك والأمير أَسَندَمُر الزيني فِي عَسْكَر إِلَى غَزَّة فحاربوا نائبها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 255 وملكوها. فنصب الْأَمِير يَلبُغا. السَنْجق السلطاني وَتقدم إِلَى الْأُمَرَاء بالتجهيز للسَّفر وَأخرج الْأَمِير قَشَتمر نَائِب السلطة إِلَى جِهَة الصَّعِيد فِي عَسْكَر ليحفظ تِلْكَ الْجِهَة فِي مُدَّة الْغَيْبَة بِالشَّام. وأقيم الْأَمِير شرف الدّين مُوسَى بن الأزْكَشي نَائِب الْغَيْبَة وَخرجت طلاب الْأُمَرَاء شَيْئا بعد شَيْء. وَركب السُّلْطَان فِي أول شهر رَمَضَان من قلعه الْجَبَل وَنزل خَارج الْقَاهِرَة ثمَّ رَحل وصحبته الْخَلِيفَة والأمراء وتاج الدّين مُحَمَّد بن إِسْحَاق الْمَنَاوِيّ قاضى الْعَسْكَر وسراج الدّين عمر الندى قَاضِي الْعَسْكَر. فَرَحل الْأَمِير منجَك بِمن مَعَه من غَزَّة عَائِدًا إِلَى دمشق. فَنزل بهَا السُّلْطَان بعساكره وَجلسَ الْأَمِير يلبغا لعرض الْعَسْكَر. ثمَّ سَارُوا جَمِيعًا إِلَى دمشق وخيموا بظاهرها فَخرج إِلَيْهِم أَكثر أُمَرَاء دمشق وعسكرها راغبين فِي الطَّاعَة حَتَّى لم يبْق من الْأُمَرَاء مَعَ بَيْدَمُر سوى مَنجَك وأَسَنْدَمُر - وَقد امْتَنعُوا بالقلعة - فترددت الْقُضَاة بَين الْفَرِيقَيْنِ فِي الصُّلْح حَتَّى تقرر وَحلف لَهُم الْأَمِير يَلُبغا على ذَلِك فاطمأنوا إِلَيْهِ ونزلوا من القلعة. فَركب السُّلْطَان بعساكره صبح يَوْم الْإِثْنَيْنِ تَاسِع عشْرين شهر رَمَضَان وَدخل إِلَى دمشق وَقبض على الْأَمِير بيدمر والأمير منجك والأمير أَسَندَمُر وقيدوا فَأنْكر ذَلِك جمال الدّين يُوسُف بن مُحَمَّد المرداوي الْحَنْبَلِيّ قَاضِي دمشق وَصَارَ إِلَى الْأَمِير يَلْبُغا وَقَالَ لَهُ: لم يَقع الصُّلْح على هَذَا فَاعْتَذر بِأَنَّهُ مَا قصد إِلَّا إِقَامَة حُرْمَة السُّلْطَان ووعد بالإفراج عَنْهُم. فَلَمَّا انْصَرف بعث بهم إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجنوا بهَا. وَصعد السُّلْطَان إِلَى قلعة دمشق وسكنها. واستبد الْأَمِير يَلْبُغا بتدبير الْأُمُور فِي الشَّام على عَادَته فِي مصر. وَاسْتقر الْأَمِير عَلَاء الدّين أَمِير على نَائِب الشَّام عوضا عَن الْأَمِير بَيْدَمُر وَاسْتقر الْأَمِير قطْلُوبُغا الأحمدي رَأس نوبَة فِي نِيَابَة حلب عوضا عَن الْأَمِير أَحْمد بن القَشتمري. ثمَّ سَار السُّلْطَان بعساكره من دمشق فِي يَوْم الْأَحَد فَلَمَّا قرب من الْقَاهِرَة دُقت البشائر بقلعة الْجَبَل وزينت الْقَاهِرَة ومصر زِينَة عَظِيمَة وَصعد إِلَى قلعته فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ عشْرين شَوَّال. وَفِيه قدم الْأَمِير قَشْتَمُر النَّائِب من الْوَجْه القبلي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 256 وَقدم الْأَمِير حيار بن مهنا فَخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر فِي الإمرة عوضا عَن أَخِيه فياض ابْن مهنا بعد مَوته. وَاسْتقر عَلَاء الدّين على بن إِبْرَاهِيم بن حسن بن تَمِيم فِي كِتَابَة سر حلب عوضا عَن نَاصِر وَاتفقَ بحلب أَن فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس عشْرين ربيع الأول جىء إِلَى النَّائِب بمولود قد مَاتَ بعد وِلَادَته بساعة فَإِذا لَهُ على كل كتف رَأس بِوَجْه مستدير وهما إِلَى جِهَة وَاحِدَة. وفيهَا اتّفق الْأَمِير حُسَيْن بن مُحَمَّد بن قلاوون مَعَ الطواشي جَوْهَر الزمردي نَائِب مقدم المماليك على أَن يلبس المماليك السُّلْطَانِيَّة آلَة الْحَرْب ويتسلطن. وَكَانَ السفير بَينهمَا نصر السُّلَيْمَانِي أحد طواشية الْأَمِير حُسَيْن فوشى بذلك إِلَى الْأُمَرَاء. وَكَانَ السُّلْطَان بِالشَّام فبادر الْأَمِير أَيْدَمُر الشمسي نَائِب الْغَيْبَة والأمير مُوسَى بن الأزْكَشي وقبضا على جَوْهَر وَنصر وسجنا بخزانة شمايل بِالْقَاهِرَةِ. فَلَمَّا قدم السُّلْطَان والأمير يلبغا سمراً وشهراً ثمَّ نفيا إِلَى قوص فِي ذِي الْقعدَة. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان مِمَّن لَهُ ذكر شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد الْوَهَّاب بن خلف بن بدر الْمَعْرُوف بِابْن بنت الْأَعَز العلائي الففيه الشَّافِعِي نَاظر بَيت المَال وناظر الأحباس فِي يَوْم الْخَمِيس ثامن عشر ربيع الآخر. والأمير بلبان السناني أستادار السُّلْطَان وَأحد مقدمى الألوف بعد مَا نَفَاهُ النَّاصِر حسن ثمَّ أُعِيد وَاسْتقر إِلَى القلعة وَهُوَ من المماليك الناصرية مُحَمَّد بن قلاوون. وَمَات الشريف شهَاب الدّين حُسَيْن بن مُحَمَّد بن حُسَيْن بن مُحَمَّد بن حُسَيْن بن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 257 حُسَيْن بن زيد الْمَعْرُوف بِابْن قَاضِي الْعَسْكَر الأرموي نقيب الْأَشْرَاف بديار مصر وَكَاتب السِّرّ بحلب عَن اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سنة بِالْقَاهِرَةِ. وَمَات الشريف بدر الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن حَمْزَة بن عَليّ بن الْحسن بن زهرَة بن الْحسن بن زهرَة نقيب الْأَشْرَاف بحلب. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن عِيسَى بن مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب بن دويب الْآمِدِيّ الدِّمَشْقِي الْمَعْرُوف بِابْن قَاضِي شُهْبَة الأديب الماهر خطيب مَدِينَة غَزَّة وَكَاتب الْإِنْشَاء بِدِمَشْق. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن مجد الدّين عِيسَى بن مَحْمُود بن عبد الضَّيْف البعلبكي الْمَعْرُوف بِابْن الْمجد الموسوي فِي سلخ صفر. وَكَانَ قد ابتلى فِي الوسواس بِأَمْر شَدِيد حَتَّى أَنه كَانَ إِذا تَوَضَّأ من فسقية الْمدرسَة الصالحية بَين القصرين لايزال بِهِ وسواسه إِلَى أَن يلقى نَفسه فِي المَاء بثيابه ويغطس شتاءً وصيفاً زعماً مِنْهُ أَنه لَا يسبغ الْوضُوء مَا لم يفعل هَذَا. وَكَانَ جميل المعاشرة حسن المحاضرة لَا تمل مُجَالَسَته. وَتُوفِّي الشَّيْخ جمال الدّين عبد الله بن الزَّيْلَعِيّ الْحَنَفِيّ فِي حادي عشْرين الْمحرم برع فِي الْفِقْه والْحَدِيث وَخرج أَحَادِيث الْهِدَايَة فِي الْفِقْه على مَذْهَب أبي حنيفَة وَخرج أَحَادِيث الْكَشَّاف للزمخشري فِي تَفْسِير الْقُرْآن وَبَين مَا وصلت إِلَيْهِ قدرته من أسانيدها فَأحْسن مَا وَتُوفِّي الشَّيْخ جمال الدّين خَلِيل بن عُثْمَان بن الزولي فِي حادي عشْرين الْمحرم كَانَ شافعياً ثمَّ صَار حنفياً وَكَانَ تيمي الِاعْتِقَاد حَتَّى مَاتَ. ولي خطابة جَامع شيخو وإمامته وتدريس الحَدِيث بالخانكاه الشيخونية. وَكَانَ لشيخو فِيهِ اعْتِقَاد جيد وَله بِهِ اخْتِصَاص. وَكَانَ عبدا صَالحا كثير السّكُون يكْتب الْخط الْجيد. وَتُوفِّي الْحَافِظ عَلَاء الدّين مُغْلطَاي بن قليج بن عبد الله البَكْخَري الْحَنَفِيّ الْمُحدث. وَتُوفِّي الشَّيْخ المعمر أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُوسَى الزرعي الحنْبلي أحد الآمرين بِالْمَعْرُوفِ والناهين عَن الْمُنكر فِي الْمحرم بِمَدِينَة حبراص من الشَّام. قدم إِلَى الْقَاهِرَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 258 وَكَانَ قَوِيا فِي ذَات الله جريئاً على الْمُلُوك أبطل مظالم كَثِيرَة وَصَحب شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين أَحْمد بن تَيْمِية فَانْتَفع بِهِ. وَكَانَ متقشفاً وَله وجاهة عِنْد الْخَاصَّة والعامة لزهده وورعه وتقواه. وَلما قدم على النَّاصِر مُحَمَّد بقلعة الْجَبَل قَالَ لَهُ: يَا شيخ مَا جئتنا بهدية! فَقَالَ: نعم جراب ملآن حيات وعقارب. وَأخرج جراباً فِيهِ قصَص مظالم فرسم السُّلْطَان بإجابته إِلَى جَمِيع ذَلِك. وَعَاد إِلَى دمشق فَأمْضى النَّائِب بَعْضهَا ودافع فِي الْبَعْض. وَتُوفِّي الْفَقِيه المنشىء الْكَاتِب كَمَال الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن شرف الدّين أَحْمد ابْن يَعْقُوب بن فضل بن طرخان الزَّيْنَبِي الْجَعْفَرِي العباسي الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي بضواحي الْقَاهِرَة عَن بضع وَتُوفِّي الخواجا عز الدّين حُسَيْن بن دَاوُد بن عبد السَّيِّد بن علوان السلَامِي التَّاجِر فِي رَجَب بِدِمَشْق وَقد حدث عَن ابْن النجاري وَغَيره. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين المهمندار حَاجِب الْحجاب بِدِمَشْق فِي شَوَّال. والأمير سيف الدّين برناق نَائِب قلعة دمشق فِي شعْبَان. وَمَات محيى الدّين أَبُو زَكَرِيَّا يحيى بن عمر بن الزكي بن أبي الْقَاسِم الشَّافِعِي قَاضِي الكرك فِي أَوَائِل ذِي الْقعدَة بالقدس معزولاً. وَتُوفِّي الشريف ثُقبة بن رُميثَة فِي شَوَّال وَانْفَرَدَ أَخُوهُ عَجلان بعده بإمارة مَكَّة. وفيهَا قتل صَاحب فاس ملك الْمغرب السُّلْطَان أَبُو سَالم إِبْرَاهِيم ابْن السُّلْطَان أبي الْحسن عَليّ بن عُثْمَان بن يَعْقُوب بن عبد الْحق فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء ثامن عشر ذِي الْقعدَة. وأقيم بعده أَبُو عمر تاشفين بن السُّلْطَان أبي الْحسن. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 259 فارغه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 260 (سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة) فِي شهر الله الْمحرم: تزوج الْأَمِير يَلْبُغا الأتابك بخوند طولونية زوج السُّلْطَان حسن. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس صفر: خلع على الْأَمِير الطواشي سَابق الدّين مِثْقَال الآنوكي وَاسْتقر مقدم المماليك عوضا عَن شرف الدّين مُخْتَصّ الطَقتمُري بعد وَفَاته. وَخرج السُّلْطَان والأمير يَلبغَا إِلَى الصَّيْد بالجيزة. واستدعى جمَاعَة من الْفُقَهَاء إِلَى مخيم الْأَمِير يَلْبُغَا فعين طَائِفَة مِنْهُم وعرضهم على السُّلْطَان فِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشْرين صفر فَخلع على برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن علم الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر بن عِيسَى بن بدران الأخنائي محتسب الْقَاهِرَة وَاسْتقر فِي قَضَاء الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة عوضا عَن أَخِيه تَاج الدّين بعد مَوته. وخلع على صَلَاح الدّين عبد الله بن عبد الله بن إِبْرَاهِيم البردمي الْمَالِكِي مدرس الْمدرسَة الأشرفية وَاسْتقر فِي حسبَة القاهرةْ عوضا عَن الْبُرْهَان الأخنائي. وخلع على تَاج الدّين مُحَمَّد بن بهاء الدّين شَاهد الجمالي وَاسْتقر فِي نظر المارستان المنصوري عوضا عَن الْبُرْهَان الأخنائي. وخلع على الشَّيْخ شرف الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عَسْكَر الْبَغْدَادِيّ الْمَالِكِي وَاسْتقر فِي نظر الخزانة الْخَاص عوضا عَن التَّاج الأخنائي. وعدوا النّيل إِلَى الْقَاهِرَة فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. ثمَّ عَاد السُّلْطَان إِلَى قلعة الْجَبَل. وَفِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع شهر رَجَب: خلع على الْأَمِير طُغاى تَمُر النظامي وَاسْتقر حَاجِب الْحجاب عوضا عَن الْأَمِير ألجاي اليوسفي. وَاسْتقر أُلجاي أَمِير جندار. وَفِي سَابِع عشريه: نفي الْأَمِير مُوسَى بن الأزكشي إِلَى حماة بطالاً وَاسْتقر عوضه أستادار الْأَمِير أروس المحمودي. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ خَامِس شعْبَان: خلع على الْأَمِير قشتمر النَّائِب وَاسْتقر فِي نِيَابَة الشَّام عوضا عَن أَمِير على بِحكم استعفائه. وخلع على الشَّيْخ بهاء الدّين أَحْمد بن التقي السُّبْكِيّ وَاسْتقر فِي قَضَاء دمشق عوضا عَن أَخِيه تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب. وَاسْتقر التَّاج فِي وظائف أَخِيه وَهِي تدريس الْمدرسَة المنصورية والخانكاه الشيخونية والمدرسة الناصرية بجوار قبَّة الإِمَام الشَّافِعِي وإفتاء دَار الْعدْل. وَقد استدعى إِلَى الْقَاهِرَة لِكَثْرَة شكواه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 261 وَفِي ثامنه: أنعم على الْأَمِير قَطْلَقتمُر العلاي الجاشنكير بتقدمة ألف. وَفِي يَوْم الْخَمِيس خَامِس شَوَّال: خلع على الْأَمِير أَشَقتمر المارديني أَمِير مجْلِس وَاسْتقر فِي نِيَابَة وخلع على الْأَمِير طُغَاى تَمر النظامي وَاسْتقر أَمِير مجْلِس عوضا عَن أَشقتمر وخلع على الْأَمِير أَسنبغا بن البوبكري وَاسْتقر حَاجِب الْحجاب. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير عز الدّين أَيْدَمُر الشيخي فِي نِيَابَة حماة. وَاسْتقر الْأَمِير مَنكَلى بغا الشمسي فِي نِيَابَة حلب عوضا عَن قطلوبغا الأحمدي. وَاسْتقر الْأَمِير أَسندمر الطازي فِي نِيَابَة ملطية فَأكْثر من الغارات على بِلَاد الرّوم وأسرهم وقتلهم فَبعث إلية الْأَمِير مُحَمَّد بن أَرتَنَا صَاحب قيصرية الرّوم عسكراً مَعَ ابْن دُلغَادر فكسبه وَهُوَ يتصيد فقاتله قتالاً شَدِيدا وَنَجَا بِنَفسِهِ إِلَى ملطية. فَكتب السُّلْطَان والأمير يلبُغا بِخُرُوج عَسَاكِر دمشق وطرابلس وحماة وحلب بآلات الْحَرْب والحصار صُحْبَة الْأَمِير قطْلُوبغا نَائِب حلب. فَخرج من دمشق خَمْسَة آلَاف فَارس وَمن بَقِيَّة الْبِلَاد الشامية سَبْعَة آلَاف فَارس. وَتوجه نَائِب حلب فِي اثْنَي عشر ألفا وَمَعَهُ المجانيق والنقابون وَجَمِيع مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فَشُنُّوا الغارات على بِلَاد الرّوم ثمَّ عَادوا بِغَيْر طائل. وفيهَا استدعى أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْخَلِيفَة المعتضد بِاللَّه أبي بكر فِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشر جُمَادَى الأولى إِلَى قلعة الْجَبَل وَجلسَ مَعَ السُّلْطَان بِالْقصرِ وَقد حضر الْأُمَرَاء فأقيم فِي الْخلَافَة بعد وَفَاة أَبِيه ولقب بالمتوكل على الله وخلع عَلَيْهِ وفوض لَهُ نظر المشهد النفْيسي. ليستعين بِمَا يحمل إِلَيْهِ من النذور على حَاله وَركب إِلَى منزله فهنأه النَّاس بالخلافة. وفيهَا اسْتَقر جمال الدّين يُوسُف بن قَاضِي الْقُضَاة شرف الدّين أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن الْحُسَيْن بن سُلَيْمَان بن فَزَارَة الكفري فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن وَالِده فِي جُمَادَى الأولى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 262 وَاسْتقر صدر الدّين أَحْمد بن عبد الظَّاهِر بن مُحَمَّد الدَّمِيرِيّ فِي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بحلب عوضا عَن الشهَاب أَحْمد بن مُحَمَّد بن ياسين الريَاحي فِي صفر. وَاسْتقر كَمَال الدّين أَبُو الْفضل مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الْعَزِيز بن الْقسم النويري فِي قَضَاء مَكَّة عوضا عَن تَقِيّ الدّين أبي الْيمن مُحَمَّد بن أَبى الْعَبَّاس أَحْمد بن قَاسم الْحرَازِي بعد عَزله. وفيهَا اسْتَقر جمال الدّين عبد الله بن كَمَال الدّين مُحَمَّد بن عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن تَاج الدّين أَحْمد بن السعيد بن الْأَثِير فِي كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق عوضا عَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الصاحب شرف الدّين يَعْقُوب بن عبد الْكَرِيم الْحلَبِي بعد وَفَاته. وفيهَا اشْتَدَّ الْبرد بِدِمَشْق. وَخرج ركب الْحَاج من الْقَاهِرَة صُحْبَة الْأَمِير طَيبغَا الطَّوِيل أَمِير سلَاح وَهُوَ فِي تجمل عَظِيم فوصلت إِلَيْهِ الإقامات إِلَى عَرَفَة حملهَا إِلَيْهِ الْأَمِير يَلبغا وفيهَا خلع صَاحب فاس ملك الْمغرب أَبُو عمر تاشفين بن السُّلْطَان أبي الْحسن على ابْن عُثْمَان بن يَعْقُوب بن عبد الْحق فِي محرم. وَولى ملك الْمغرب بعد أَبُو زيان مُحَمَّد ابْن الْأَمِير أَبى عبد الرَّحْمَن بن السُّلْطَان أبي الْحسن. وفيهَا اشْتَدَّ الْبرد بِبِلَاد الشَّام وجمدت الْمِيَاه حَتَّى مَاء الْفُرَات وَمر المسافرون عَلَيْهِ بأثقالهم فَرَأَوْا مِنْهُ منْظرًا عجيباً. وَهَذَا الْأَمر لم يعْهَد فِي هَذِه الْأَعْصَار مثله. وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر من الْأَعْيَان الْخَلِيفَة المعتضد بِاللَّه أَبُو الْفَتْح واسْمه أَبُو بكر بن المستكفي بِاللَّه أبي الرّبيع سُلَيْمَان ابْن الْحَاكِم بِأَمْر الله أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن الْحسن بن أبي بكر بن أبي عَليّ بن الْحسن بن الْخَلِيفَة الراشد بن المسترشد فِي يَوْم الثُّلَاثَاء عَاشر جُمَادَى الأولى وَمُدَّة خِلَافَته عشرَة أَعْوَام. وَحج سنة أَربع وَخمسين وَسنة سِتِّينَ. وَكَانَ يلثغ فِي حرف الْكَاف وعهد إِلَى ابْنه مُحَمَّد قبل وَفَاته بِقَلِيل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 263 وَتُوفِّي السُّلْطَان أَبُو سَالم إِبْرَاهِيم بن أبي الْحسن عَليّ بن أبي سعيد عُثْمَان بن أبي يُوسُف يَعْقُوب بن عبد الْحق المريني صَاحب فاس من بِلَاد الْمغرب. وَكَانَ من خَبره أَن أَبَاهُ السُّلْطَان - أَبَا الْحسن - أَقَامَهُ أَمِيرا فَقدم هُوَ وَأَخُوهُ إِلَى غرناطة من الأندلس فِي الْعشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين فأقاما بهَا إِلَى أَن مَاتَ أَبُو عنان فِي سنة تسع وَخمسين وأقيم بعده ابْنه السعيد فِي الْملك فَخرج أَبُو سَالم من غرناطة لَيْلًا وَلحق بأشبيلية وَبهَا سُلْطَان قشتالة فَطرح نَفسه عَلَيْهِ فوعده وَلم يَفِ لَهُ فَاجْتمع النَّاس على مَنْصُور بن سُلَيْمَان بن مَنْصُور بن عبد الْوَاحِد بن يَعْقُوب بن عبد الْحق ونازل الْبَلَد الْجَدِيد فَخرج أَبُو سَالم من إشبيلية بِغَيْر طائل وَمضى إِلَى الإفرنس فانضم إِلَيْهِ طَائِفَة وأخدْ مَدِينَة أصيلا وطنجة فتلاحقت بِهِ جيوش مَنْصُور بن سُلَيْمَان وَقد اخْتَلَّ أمره ففر. فَسَار أَبُو سَالم بِمن مَعَه وَدخل دَار الْإِمَارَة يَوْم الْخَمِيس النّصْف من شعْبَان سنة تسع وَخمسين فَلم يخْتَلف عَلَيْهِ أحد إِلَى أَن كَانَت هَذِه السّنة ثار عَلَيْهِ ثقته ودعا إِلَى أَخِيه تاشفين. ففر النَّاس عَنهُ وَخرج لَيْلًا فَأخذ وَذبح فاضطربت الْأُمُور من بعده. وَكَانَ وسيماً بديناً كثير الْحيَاء مؤثراً للجميل لَهُ معرفَة بِالْحِسَابِ والنجوم ومحبة فِي الرَّاحَة. وَتُوفِّي الْأَمِير طاز فِي الْعشْرين من ذِي الْحجَّة بِالشَّام. وَتُوفِّي الشريف شمس الدّين مُحَمَّد بن شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن أَبى الركب نقيب الْأَشْرَاف بِالْقَاهِرَةِ وَإِلَيْهِ تنْسب الْمدرسَة الشريفية بحارة بهاء الدّين. وَتُوفِّي أَبوهُ شهَاب الدّين فِي شعْبَان سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ. وَتُوفِّي شمس الدّين أَبُو إِمَامَة مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الْوَاحِد بن يحيى بن عبد الرَّحِيم الْمَعْرُوف بِابْن النقاش الشَّافِعِي الْفَقِيه الْمُحدث الْمُفَسّر الْوَاعِظ فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشر ربيع الأول. وَتُوفِّي أَمِين الدّين مُحَمَّد بن الْجمال أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن نصر الله بن المظفر ابْن أسعد بن حَمْزَة الْمَعْرُوف بِابْن القلانس التَّمِيمِي الدِّمَشْقِي وَكَانَ أحد أَعْيَان دمشق وباشر بهَا وكَالَة بَيت المَال وَقَضَاء الْعَسْكَر ودرس الْفِقْه ثمَّ ولي كِتَابَة السِّرّ مُدَّة وعزل عَنْهَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 264 وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة تَاج الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن علم الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر بن عِيسَى بن بدران الأخنائي الْمَالِكِي فِي ثامن عشر صفر بِالْقَاهِرَةِ. وَتُوفِّي نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أبي الْقَاسِم بن حمل الْمَعْرُوف بِابْن التّونسِيّ أحد نواب الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة فِي يَوْم الْجُمُعَة حادي عشر صفر بِالْقَاهِرَةِ. وَمَات نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الصاحب شرف الدّين يَعْقُوب بن عبد الْكَرِيم بن أبي الْمَعَالِي الْحلَبِي الشَّافِعِي. ولي كِتَابَة السِّرّ بحلب ودمشق ثلاَثاً وَعشْرين سنة ودرس وَقَالَ الشّعْر. وَتُوفِّي صَلَاح الدّين عبد الله بن مُحَمَّد بن كثير التَّاجِر النَّحْوِيّ الْمَعْرُوف بِابْن المعزى بِمَكَّة فِي ذِي الْقعدَة. أَخذ النَّحْو بِالْقَاهِرَةِ عَن أبي الْحسن وَالِد الشَّيْخ سراج الدّين عمر بن الملقن. وَكَانَ عبدا صَالحا. وَتُوفِّي الْأَمِير أَيْنَبَك أَخُو الْأَمِير بَكتمُر الساقي. وَتُوفِّي الصاحب الطواشي صفي الدّين جَوْهَر الزمردي بقوص فِي شعْبَان. وَتُوفِّي فتح الدّين يحيى بن عبد الله بن مَرْوَان بن عبد الله بن قمر بن الْحسن الفارقي الأَصْل الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي فِي ربيع الآخر بِدِمَشْق. ومولده فِي الْقَاهِرَة سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وسِتمِائَة. وَقد حدث وَكَانَ صَالحا ثِقَة ثبتاً. وَتُوفِّي وَالِده فِي صفر سنة ثَلَاث وَسَبْعمائة. وَتُوفِّي شمس الدّين مُحَمَّد بن مُفْلِح بن مُحَمَّد بن مفرح الدِّمَشْقِي الْحَنْبَلِيّ فِي رَجَب بِدِمَشْق ومولده بعد سنة سَبْعمِائة برع فِي الْفِقْه وَغَيره وصنْف كتاب الْفُرُوع وَهُوَ مُفِيد جدا. وَالله أعلم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 265 فارغه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 266 (سنة أَربع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة) فِي الْمحرم: عدى السُّلْطَان والأمير يَلْبغا النّيل إِلَى بر الجيزة وخيم قَرِيبا من الأهرام وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ: رَابِع عشر صفر قدم قَاضِي الْقُضَاة بهاء الدّين أَحْمد بن السُّبْكِيّ على الْبَرِيد من دمشق باستدعاء فَاجْتمع بالسلطان والأمير يلبغا ثمَّ عَاد إِلَى الْقَاهِرَة. وَفِي تَاسِع عشر شهر ربيع الأول: عَاد السُّلْطَان من السرحة بالجيزة وَمَعَهُ الْأَمِير يَلْبُغَا. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشرينه: خلع على تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب بن السُّبْكِيّ وأعيد إِلَى قَضَاء دمشق وخلع على أَخِيه بهاء الدّين وأعيد إِلَى إِفْتَاء دَار الْعدْل وَبَقِيَّة وظائفه. وخلع على الْأَمِير وَفِي جُمَادَى الأولى: فَشَتْ الطواعين والأمراض الحادة فِي النَّاس بِالْقَاهِرَةِ ومصر وَعَامة الْوَجْه البحري وتزايد حَتَّى بلغ فِي شهر رَجَب عدَّة من يَمُوت فِي الْيَوْم ثَلَاثَة آلَاف. وَلم تزل الْأَمْرَاض بِالنَّاسِ إِلَى شهر رَمَضَان. وَقدم الْخَبَر بِوُقُوع الوباء بِدِمَشْق وغزة وحلب وَعَامة بِلَاد الشَّام فَهَلَك فِيهِ خلائق كَثِيرَة جدا وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ رَابِع عشر شعْبَان: اقْتضى رأى الْأَمِير يَلبغَا خلع السُّلْطَان فوافقه الْأُمَرَاء على ذَلِك فخلعوه من الْغَد لاختلال عقله وسجنوه بِبَعْض الدّور السُّلْطَانِيَّة من القلعة فَكَانَت مُدَّة سلطنته سنتَيْن وَثَلَاثَة أشهر وَسِتَّة أَيَّام لم يكن لَهُ سوى الِاسْم فَقَط السُّلْطَان زين الدّين أَبُو الْمَعَالِي السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف زين الدّين أَبُو الْمَعَالِي شعْبَان بن الأمجد حُسَيْن بن النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون ولي السلطنة وعمره عشر سِنِين وَلم يل أحد من بني قلاوون وَا بوه لم يل السلطنة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 267 سواهُ. وَكَانَ من خَبره أَن الْأَمِير يلبغا جمع الْأُمَرَاء بقلعة الْجَبَل كَمَا تقدم حَتَّى اتَّفقُوا على خلع السُّلْطَان الْمَنْصُور. ثمَّ بَكرُوا فِي يَوْم الثُّلَاثَاء النّصْف من شعْبَان إِلَى القلعة وأحضروا الْخَلِيفَة أَبَا عبد الله مُحَمَّد المتَوَكل على الله وقضاة الْقُضَاة الْأَرْبَع وأعلموهم باختلال عقل الْمَنْصُور وَعدم أَهْلِيَّته للْقِيَام بِأُمُور المملكة وَأَن الِاتِّفَاق وَقع على خلعه فخلعوه وأحضروا شعْبَان بن حُسَيْن وأفاضوا عَلَيْهِ خلعة السلطنة ولقبوه بِالْملكِ الْأَشْرَف زين الدّين أبي الْمَعَالِي وأركبوه بشعار السلطة حَتَّى جلس على تخت الْملك وحلفوا لَهُ وقبلوا الأَرْض على الْعَادة. وَكتب إِلَى الْأَعْمَال بذلك فسارت الْبرد فِي أقطار المملكة وخلع على أَرْبَاب الْوَظَائِف. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشْرين رَمَضَان: عزل قَاضِي الْقُضَاة موفق الدّين الْحَنْبَلِيّ نَفسه من الْقَضَاء من أجل أَن الْأَمِير يَلبغَا استدعاه فوافاه القاصد وَهُوَ نايم فَلم يتمهل عَلَيْهِ حَتَّى ينتبه بل أَمر بِهِ فأيقظ وَقد انزعج فَغَضب لذَلِك وعزل نَفسه وأبى أَن يُجيب القاصد أَو يجْتَمع بِهِ فشق ذَلِك على الْأَمِير يَلبغَا. ومازال يُرْسل إِلَيْهِ ويترضاه حَتَّى رَضِي. ثمَّ استدعى فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سَابِع عشرينه إِلَى مجْلِس السُّلْطَان وخلع عَلَيْهِ وأعيد إِلَى وَظِيفَة الْقَضَاء على عَادَته. وَاسْتقر الْأَمِير مَنْكَلى بُغَا الشمسي فِي نِيَابَة الشَّام عوضا عَن الْأَمِير قَشْتَمُر. وَاسْتقر الْأَمِير أَشَقتمر المارديني فِي نِيَابَة حلب عوضا عَن الْأَمِير سيف الدولة قطلوبغا الأحمدي بعد مَوته. وَاسْتقر الْأَمِير أَزْدَمر الخازندار فِي نِيَابَة طرابلس وَاسْتقر عوضه فِي نِيَابَة صفد الْأَمِير قَشْتَمُر المنصوري نَائِب الشَّام ومصر. وَاسْتقر الْأَمِير عمر شاه فِي نِيَابَة حماة. وَاسْتقر الْأَمِير أَحْمد بن القَشَتمُري فِي نِيَابَة الكرك والأمير أَرَنبُغا فِي نِيَابَة غَزَّة. وَاسْتقر الْأَمِير أَرْغون الأحمدي الخازندار لالا السُّلْطَان وَاسْتقر عوضه خازندار الْأَمِير يَعْقُوب شاه. وَاسْتقر الشريف بَكتمُر بن عَليّ الحسني وَالِي قطا فِي ولَايَة الْقَاهِرَة عوضا عَن الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن الكوراني بِحكم استعفائه. وَولي الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن الطشلاقي وَالِي دمياط ولَايَة قطيا. وَاسْتقر خَلِيل بن الزيني فِي ولَايَة الغربية عوضا عَن عمر بن الكركَنْد وَهِي ولَايَته الثَّالِثَة. وَاسْتقر قَشْتَمُر أستادار طَقَزْدَمُرْ فِي ولَايَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 268 الجيزة ثمَّ عزل عَن قريب بمُوسَى بن الديناري. وَاسْتقر أَحْمد بن جميل وَالِي الأشمونين ومقبل السيفي وَالِي منوف عوضا عَن مُحَمَّد بن عقيل وَمُحَمّد بن السميساطي وَالِي دمياط. وَاسْتقر الحسام الْمَعْرُوف بِالدَّمِ الْأسود أستادار أيتمش فِي ولَايَة الفيوم عوضا عَن مُحَمَّد بن طغاى. وَاسْتقر فتح الدّين أَبُو بكر مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم ابْن أبي الْكَرم مُحَمَّد بن الشَّهِيد فِي كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق عوضا عَن الْجمال عبد الله بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن أَحْمد بن سعيد بن الْأَثِير. وَفِي هده السّنة: توقفت زِيَادَة مَاء النّيل فِي أَيَّام زِيَادَته مُدَّة أَيَّام ثمَّ نُودي عَلَيْهِ فِي يَوْم السبت سَابِع ذِي الْقعدَة وسادس عشْرين مسرى زِيَادَة إِصْبَع لتتمة سَبْعَة عشر إصبعاً من سِتَّة عشر ذِرَاعا. ثمَّ نقص ثلث ذِرَاع وتوقفت الزِّيَادَة حَتَّى انْقَضتْ أَيَّام مسرى وَبعدهَا أَيَّام النسىء. ثمَّ زَاد فِي آخر أَيَّام النسىء إصبعاً وَاحِدًا وَاسْتمرّ حَتَّى كَانَ الْوَفَاء فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشر ذِي الْقعدَة. وَفتح الخليج فتمادت زِيَادَته حَتَّى انْتَهَت إِلَى أَرْبَعَة أَصَابِع من ثَمَانِيَة عشر ذِرَاعا ثمَّ انهبط فَتحَرك سعر الغلال. وفيهَا فرق الْأَمِير يلبغا كثيرا من الغلال وَالْأَمْوَال فِي الْفُقَهَاء والصوفية. وَولى من ذَلِك جانباً موفوراً للْقَاضِي محب الدّين نَاظر الْجَيْش فارتفق النَّاس بِهَذِهِ الصَّدقَات بِحَيْثُ اسْتغنى مِنْهَا جمَاعَة. وفيهَا اسْتَقر الْأَمِير بَكتمُر مَمْلُوك طاز - أحد الطبلخاناه - فِي نِيَابَة الرحبة. وَمَات فِيهَا من الْأَعْيَان الشريف غياث الدّين أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن صدر الدّين حَمْزَة الْعِرَاقِيّ وَالِد الشريف مرتضى وَمَات شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الرَّحِيم البعلبكي مفتي دَار الْعدْل بِدِمَشْق فِي سَابِع عشْرين شهر رَمَضَان. برع فِي الْفِقْه على مَذْهَب الإِمَام الشَّافِعِي وشارك فِي عدَّة فنون وَأفْتى ودرس وَقدم الْقَاهِرَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 269 وَتُوفِّي الشَّيْخ مجد الدّين أَبُو الفدا إِسْمَاعِيل بن يُوسُف بن مُحَمَّد الكفتي شيخ الْقرَاءَات فِي نصف شعْبَان. قَرَأَ على الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن نمير بن السراج وَعلي التقي الصايغ وَنجم الدّين عبد الله الوَاسِطِيّ وتصدر للإقراء بِجَامِع أَحْمد بن طولون وَعَلِيهِ قَرَأَ التقي وَمَات بَكتمر أَمِير علم وَمَات جَرْكَس النوروزي أحد أُمَرَاء الطبلخاناه. وَتُوفِّي الْفَقِير المعتقد حسن بن مُسلم المسلمي الْمُقِيم بِجَامِع الفيلة وَكَانَ يُجَاهد الفرنج من جِهَة طرابلس الْمغرب وَيُقِيم حَاله وَحَال من مَعَه من الْفُقَرَاء الْمُسلمين مِمَّا يكون من الغنايم. وَكَانَ عِنْده أَسد قد رباه وساسه حَتَّى صَار بَين فقرائه بِمَنْزِلَة الهر فِي الْبيُوت. فَلَمَّا مَاتَ أَخذ السباعون الْأسد فتوحش عِنْدهم وَعَاد إِلَى مَا جبل عَلَيْهِ. وَتُوفِّي أَبُو حَاتِم بن بهاء الدّين أَحْمد بن السُّبْكِيّ وَتُوفِّي الشَّيْخ صَلَاح الدّين أَبُو الصَّفَا خَلِيل بن أيبك الصَّفَدِي فِي لَيْلَة الْأَحَد عَاشر شَوَّال بِدِمَشْق. برع فِي عدَّة فنون من أدب وتاريخ وَغَيره وَأكْثر من قَول الشّعْر وإنشاء الْكتب والرسائل وَنَحْوهَا. وَألف كتبا كَثِيرَة مفيدة مِنْهَا كتاب الوافي بالوفيات فِي التَّارِيخ كَبِير جدا وَكتاب أعوان النَّصْر فِي أَعْيَان الْعَصْر جدد فِيهِ مَا شَاءَ وَكتاب شرح لامية الْعَجم طول فِيهِ كثيرا وملأه بفوائد جليلة وَغير ذَلِك وَكتب الْإِنْشَاء بِالْقَاهِرَةِ ودمشق وباشر كِتَابَة سر حلب قَلِيلا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 270 وَتُوفِّي تَقِيّ الدّين أَبُو الرّبيع سُلَيْمَان بن عَليّ بن عبد الرَّحِيم بن أبي سَالم بن مراجل الدِّمَشْقِي وَمَات شمس الدّين عبد الله بن يُوسُف بن عبد الله بن يُوسُف بن أبي السفاح بِالْقَاهِرَةِ. وَمَات شمس الدّين عبد الرَّحْمَن بن الضياء الْمَنَاوِيّ فِي تَاسِع عشْرين جُمَادَى الآخر وَهُوَ شَاب وَتُوفِّي زين الدّين عمر بن الشّرف عِيسَى بن عمر الباريني الْحلَبِي الْفَقِيه الشَّافِعِي بحلب وَمَات الشَّيْخ عماد الدّين مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن عمر الْإِسْنَوِيّ الشَّافِعِي فِي ثامن عشْرين جُمَادَى الآخر بِالْقَاهِرَةِ برع فِي الْفِقْه وَالْأُصُول ودرس وناب فِي الحكم وصْنف وَمَات نَاصِر الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الْعَزِيز بن الربوة القونوى ثمَّ الدِّمَشْقِي الْحَنَفِيّ الْفَقِيه الْخَطِيب الْمُفْتِي. شرح كتاب السِّرَاجِيَّة فِي الْفَرَائِض والمنار فِي الْأُصُول ودرس وخطب بِجَامِع يَلْبُغَا. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين قطلوبغا الأحمدى نَائِب حلب بهَا. وَمَات تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحسن بن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن الْفُرَات الشَّافِعِي النَّحْوِيّ موقع الحكم فِي يَوْم السبت تَاسِع عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة بِالْقَاهِرَةِ. برع فِي الْعَرَبيَّة وَانْفَرَدَ بِمَعْرِِفَة التواقيع الْحكمِيَّة. وَتُوفِّي نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن صَلَاح الدّين عبد الله بن شرف الدّين عبد الْوَهَّاب بن فضل الله الْعمريّ أحد أُمَرَاء دمشق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 271 وَتُوفِّي مُحدث الشَّام أَمِين الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ الجوخي فِي لَيْلَة السبت حادي عشر رَمَضَان. حدث عَن الْفَخر عَليّ وَزَيْنَب بنت كَامِل وَسمع النَّاس عَلَيْهِ مُسْند الإِمَام أَحْمد. وَتُوفِّي خطيب دمشق جمال الدّين مَحْمُود بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن جملَة فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ الْعشْرين من رَمَضَان. وَمَات يزدار أَمِير شكار وجوهر المظفري اللالا وَجَمَاعَة كثير جدا. وَتُوفِّي حُسَيْن بن مُحَمَّد بن قلاوون لَيْلَة السبت رَابِع ربيع الآخر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 272 سنة خمس وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة فِي الْمحرم: أنعم على الْأَمِير طَيْدَمر البالسي بتقدمة الْأَمِير قَندس الناصري. وَقد كف بَصَره. وأنعم على الْأَمِير عَليّ بن قندس الناصري بإمرة طبلخاناه. وَاسْتقر الْأَمِير أَرْغُون التاجى أَمِير جندار حَاجِب طرابلس وَاسْتقر الْأَمِير ألطنبُغَا فرفور جاشنكيرا. عوضا عَن مَنْكُوتَمُر عبد الْغَنِيّ وَقد استعفي. وَاسْتقر الْأَمِير آسن قُجَا على بك الجوكندار فِي نِيَابَة ملطية فِي ثَالِث صفر وَاسْتقر الْأَمِير عمر بن أرغون النايب فِي نِيَابَة صفد عوضا عَن قَشْتَمر الْمَنْصُور. واستدعى قَشْتَمُر إِلَى الْقَاهِرَة. وأنعم عَلَيْهِ بتقدمهْ عمر ابْن أرغون النايب. وَاسْتقر الْأَمِير طَيْنال المارديني وَالِي القلعة عوضا عَن أَلْطنْبُغا الشمسي آنوك وَقد استعفي. وأنعم السُّلْطَان على جمَاعَة بإمريات طبلخاناه مِنْهُم تَمُرقُبا الْعمريّ وَمُحَمّد بن قمارى أَمِير شكار وأَلْطنبُغَا الأحمدي وأقبغا الصَّفَدِي. وأنعم على كل من إِبْرَاهِيم بن الْأَمِير صرغتمش وقَشتمُر العلاي طاجار من عوض وأروس بغا الخليلي وَرَجَب بن كَلَفتَ التركماني بإمرة عشرَة. وَاسْتقر الْأَمِير قمارى الْحَمَوِيّ فِي نِيَابَة طرسوس. وَاسْتقر الْأَمِير قَشْتَمُر القاسمي فِي نِيَابَة سلمية عوضا عَن الْأَمِير طنيرق. واستمّر عمر بن الكَركَند فِي ولَايَة الغربية عوضا عَن خَلِيل بن الزيني. وَاسْتقر فَخر الدّين عُثْمَان الشرفي فِي ولَايَة الأشمونين. وفيهَا ارْتَفع سعر الغلال فَبلغ الْقَمْح أَرْبَعِينَ درهما الأردب وَوَقع الْمَوْت فِي الأبقار بِأَرْض مصر وإفريقية. وَفِي الْمحرم: قدم بهاء الدّين أَبُو الْبَقَاء مُحَمَّد بن عبد الْبر بن يحيى السبكى إِلَى الْقَاهِرَة من دمشق معزولاً عَن قضاياها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 273 وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشْرين صفر: خلع على عَلَاء الدّين على بن سديد الدّين أبي مُحَمَّد عبد الْوَهَّاب بن الْفَخر عثمادْ بن مُحَمَّد بن هبة الله بن عَليّ بن إِبْرَاهِيم بن حُسَيْن بن عبد الْعَظِيم بن عبد الْكَرِيم بن عبد الله بن سُلَيْمَان بن عبد الْوَهَّاب بن سُلَيْمَان بن خَالِد بن الْوَلِيد الْمَعْرُوف بِابْن عرب وَاسْتقر محتسب الْقَاهِرَة عوضا عَن الصّلاح عبد الله بن عبد الله الْبُرُلُّسِيّ بعد وَفَاته وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشر ربيع الآخر: خلع على بهاء الدّين أبي الْبَقَاء وَاسْتقر قاضى الْعَسْكَر ووكيل الْخَاص عوضا عَن التَّاج مُحَمَّد بن عبد الْحق المناوى بعد وَفَاته. وخلع على السراج عمر الْهِنْدِيّ الْحَنَفِيّ وَاسْتقر قَاضِي الْعَسْكَر أَيْضا. وخلع على الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الصايغ الْحَنَفِيّ وَاسْتقر فِي إِفْتَاء دَار الْعدْل وَهُوَ أول حَنَفِيّ ولي إِفْتَاء دَار الْعدْل. وخلع على الشَّيْخ سراج الدّين عمر بن رسْلَان البُلْقِينِيّ الشَّافِعِي وَاسْتقر فِي إِفْتَاء دَار الْعدْل أَيْضا. وَأمر هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة مَعَ الشَّيْخ بهاء الدّين بن السُّبْكِيّ بِحُضُور دَار الْعدْل فِي أَيَّام الْخدمَة. وَفِي شَوَّال: خلع على أبي الْبَقَاء وَاسْتقر فِي نظر الْأَوْقَاف ونيابة الحكم مُضَافا لما بِيَدِهِ وقدمت رسل متملك سيس فِي طلب تَخْفيف الضريبة المقررة عَلَيْهِم فَهَلَك ملكهم وهم بِمصْر فعادوا بِغَيْر طائل. وَكثر الْجَرَاد بِالشَّام حَتَّى شنع وأتلف الزروع فغلت الأسعار حَتَّى بلغت الغرارة الْقَمْح بِدِمَشْق ماية وَثَمَانِينَ درهما ثمَّ انحطت إِلَى مائَة وَعشرَة دَرَاهِم وفشت الطواعين والأمراض الحادة فِي النَّاس بِدِمَشْق. وَفتح الْأَمِير منكلى بغا الشمسي نَائِب الشَّام بَاب كيسَان من مَدِينَة دمشق بعد مَا أَقَامَ مغلوقا زِيَادَة على مِائَتي عَام مُنْذُ أَيَّام الْملك الْعَادِل نور الدّين مَحْمُود بن زنكي وَعقد عَلَيْهِ قبوا كَبِيرا وَنصب لَهُ جِسْرًا يمر النَّاس عَلَيْهِ وَأَنْشَأَ هُنَاكَ جَامعا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 274 وفيهَا برز مرسوم السُّلْطَان. بِمَنْع الوكلاء الَّذين. بمجالس الْقُضَاة. بِمصْر وَالشَّام لِكَثْرَة خداعهم ومكرهم وتحذلقهم فى تنوع الشرور. وفى ثامن عشْرين ذِي الْحجَّة: السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف زين الدّين أَبُو الْمَعَالِي شعْبَان بن الأمجد حُسَيْن بن النَّاصِر مُحَمَّد بن قلا اسْتَقر الْأَمِير قَطْلُبَك والأمير منوف. وَمَات فى هَذِه السّنة من الْأَعْيَان شهَاب الدّين أَحْمد بن الْجمال مُحَمَّد بن عمر بن أَحْمد بن هبة الله بن مُحَمَّد بن هبة الّله بن أَحْمد بن يحيى بن أَبى جَرَادَة العقيلى الحلبى الْمَعْرُوف بِابْن العديم الحنفْى نَائِب شيزر عَن بضع وَسِتِّينَ سنة. وَتُوفِّي قاضى حماة نجم الدّين عبد الرَّحِيم بن شمس الدّين إِبْرَاهِيم بن هبة الله بن عبد الرَّحِيم بن اٍ براهيم بن المسَلْم بن هبة الله بن حسان بن مُحَمَّد بن مَنْصُور بن أَحْمد بن البارزى الْجُهَنِىّ الحموى الشافعى بعد مَا أَقَامَ قَاضِيا شَيْئا وَعشْرين سنة. وَمَات الْأَمِير قُطْلُوئغا الأحمدى. تقدم ذكره فى السّنة الَّتِى قبلهَا وَهُوَ نْائب حلب. وَمَات القاضى تَاج الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن بهاء الدّين إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم ا! سَلَمى الممناوى الشافْعى خْليفهْ الحكم وقاضي الْعَسْكَر ووكيل الْخَاص فِي يَوْم الجمعهْ سادس ربيع الآخر وَدفن بالقرافة. وَتوفى صَلَاح الدّين عبد الله بن عبد الله بن اٍ براهيم البرلسى المالكى محتسب الْقَاهِرَة يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشْرين صفر وَدفن بالقرافة وبيعت كتبه. بِمِائَة ألف دِرْهَم ونيف. وفى حسبته أَمر الموًذنين أَن يَقُولُوا مَعَ قَوْلهم فى ليَالِي الْجُمُعَة بعد أَذَان عشَاء الْآخِرَة وَفِي السَّلَام قبل الْفجْر السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله الصلاهْ وَالسَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله. فاستمر ذَلِك. وَتوفى فتح الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَبى الْحسن القلانسى الحنبلى. عَاقد الْأَنْكِحَة. فى لَيْلَة الْجُمُعَة رَابِع جُمَادَى الأولى عَن سنّ عالية وَقد حدث بعلو إِسْنَاد عَن جماعهَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 275 وَتُوفِّي أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الْعَزِيز بن إِسْحَاق بن أَحْمد بن أَسد بن قَاسم الْمَعْرُوف بِابْن الْحَاج النميري الغرناطي قدم إِلَى الْقَاهِرَة حَاجا وَكتب الْإِنْشَاء بغرناطة وبجاية وَقَالَ الشّعْر. وَتُوفِّي قَاضِي مَكَّة تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن قَاسم الْعمريّ الْحرَازِي الشَّافِعِي معزولاً وَمَات الْأَمِير أقبغا بوذ السيفي أحد رُءُوس النوب. وَمَات الْأَمِير أرغون التاجي أحد الطبلخاناه. وَتوفيت خوند طولباى التركية عتيقة السُّلْطَان حسن وَامْرَأَة الْأَمِير يلبغا الأتابك فِي رَابِع وَتُوفِّي الْملك الصَّالح صَالح بن الْمَنْصُور نجم الدّين غَازِي بن المظفر قرا أرسلان بن السعيد غَازِي بن أرتق بن أرسلان بن إيلغازى بن ألبى بن تمرداش بن إيلغازى بن أرتق. متملك ماردين فَلَمَّا قدم الْخَبَر بوفاته جهزت الخلعة بالسلطنة لوَلَده الْملك الْمَنْصُور حسام الدّين أَحْمد. وَكَانَ قد ملك أَرْبعا وَخمسين سنة. وَمَات بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة الْحَافِظ عفيف الدّين أَبُو السِّيَادَة عبد الله بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن خلف المطري فِي سادس عشْرين ربيع الأول. وَالله تَعَالَى أعلم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 276 سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة فِي المحرمك استعفى الشَّيْخ جمال الدّين عبد الرَّحِيم الْإِسْنَوِيّ من وكَالَة بَيت المَال. حنقا من الْوَزير فَخر الدّين بن قزوينة فأعفي وخلع على عَلَاء الدّين عَليّ بن عرب. وَاسْتقر عوضه فِي الْوكَالَة وَالْكِسْوَة مُضَافا إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة. وَفِيه خلع على شمس الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي رقيبة وَاسْتقر فِي حسبَة مَدِينَة مصر وَالْوَجْه القبلي عوضا عَن بهاء الدّين بن الْمُفَسّر بعد عَزله. وَفِي رَجَب اسْتَقر الْأَمِير جرجى الإدريسي أَمِير آخور فِي نِيَابَة حلب عوضا عَن أشقتمر المارديني. وَفِي عشْرين صفر: اسْتَقر جمال الدّين مُحَمَّد بن السراج أَحْمد بن مَسْعُود القونوي - الْمَعْرُوف بِابْن السراج الْحَنَفِيّ - فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن الْجمال يُوسُف الكفري. وفيهَا أسلم الشَّمْس أَبُو الْفرج المقسي وَتسَمى عبد الله ولقب شمس الدّين وَاسْتقر مُسْتَوْفِي المماليك ثمَّ نقل إِلَى اسْتِيفَاء الْخَاص. وَاسْتقر الْأَمِير يَعْقُوب شاه أَمِير آخور عوضا عَن الْأَمِير جرجى نَائِب حلب بإمرة طبلخاناه وأنعم على كل من قَطلَوبُغا البلاني وكمُشْبغا الْحَمَوِيّ وجنغرا السيفي وأقبغا الْجَوْهَرِي بإمرة طبلخاناه وعَلى كل من سلجوك الرُّومِي وأروس السيفي وسُنْقر السيفي بإمرة عشرَة وَاسْتقر حسام الدّين حسن بن عَلَاء الدّين عَليّ بن مَمْدُود الكوراني فِي ولَايَة المنوفية عوضا عَن قَطْلُبَك السيفي وَاسْتقر حسن بن الحرامي فِي ولَايَة قوص عوضا عَن بَكتمُر العلمي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 277 وَفِي أول شهر بيع الأول: قدم التَّاج عبد الْوَهَّاب بن السُّبْكِيّ قَاضِي دمشق إِلَى الْقَاهِرَة ثمَّ عَاد فِي عَاشر جُمَادَى الآخر إِلَى مَحل ولَايَته بِدِمَشْق. وَقدم الْخَبَر بغلاء الأسعار بِمَكَّة حَتَّى بِيعَتْ الغرارة الْقَمْح - وَهِي مائَة قدح مصري - بأربعمائة دِرْهَم وَثَمَانِينَ درهما وَعز وجود الأقوات بهَا فَهَلَك جمَاعَة كَثِيرَة جوعا وَنزع أَكثر أَهلهَا عَنْهَا فَجهز الْأَمِير يلبغا الأتابك فِي جُمَادَى الأولى إِلَى مَكَّة ألفي أردب قمحاً وواصل الْإِرْسَال حَتَّى حمل من مصر إِلَيْهَا اثْنَي عشر ألف أردب. فرقت كلهَا فِي النَّاس فَعم النَّفْع بهَا. وَكتب مرسوم بِإِسْقَاط مَا يُؤْخَذ من مكس الْحَاج بِمَكَّة فِيمَا يحمل إِلَيْهَا من البضائع خلا مكس الكارم تجار الْيمن ومكس الْخَيل ومكس تجار الْعرَاق وَعوض أَمِير مَكَّة عَن ذَلِك إقطاعاً. بِمصْر وَحمل إِلَيْهِ مبلغ أَرْبَعِينَ ألف دِرْهَم فضَّة عَنْهَا يَوْمئِذٍ نَحْو الألفي مِثْقَال ذَهَبا. واستقو آل ملك السيفي فِي ولَايَة الشرقية. وفخر الدّين عُثْمَان الشوفي ولَايَة البهنسا عوضا عَن الشهَاب أَحْمد بن جميل. وَاسْتقر ابْن جميل فِي ولَايَة الأشمونين. وَاسْتقر شمس الدّين بن الديناري فِي ولَايَة الفيوم عوضا عَن عَلَاء الدّين الْعمريّ. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس عشر جُمَادَى الْآخِرَة: عدى قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين بن جمَاعَة النّيل إِلَى بر الجيزة وَقد خيم بهَا السُّلْطَان على الْعَادة بكوم برا وَسَأَلَ الْأَمِير يلبغا فِي إعفائه من الْقَضَاء وَتشفع إِلَيْهِ بمصحف مَعَه وعزل نَفسه. وَقَامَ وَقد أقرّ الْأَمِير يلبغا نواب الحكم على حَالهم. فَلَمَّا عدى السُّلْطَان النّيل وَصعد القلعة فِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشره وَجه الْأَمِير يلبغا بالأمير جرجي أَمِير آخور إِلَى ابْن جمَاعَة يدْخل عَلَيْهِ فِي عوده إِلَى وَظِيفَة الْقَضَاء فَامْتنعَ غَايَة الِامْتِنَاع. فَبعث إِلَيْهِ بكاتب السِّرّ عَلَاء الدّين عَليّ بن فضل الله فَلم يجبهُ أَيْضا. فَركب الْأَمِير يلبغا بِنَفسِهِ فِي يَوْم السبت حادي عشرينه وَأَتَاهُ إِلَى منزله بالجامع الْأَقْمَر وألح فِي سُؤَاله وَهُوَ يمْتَنع. فَلَمَّا أيس مِنْهُ سَأَلَهُ أَن يعين من يصلح فَأَشَارَ بِولَايَة أبي الْبَقَاء ثمَّ صلى وَرَاءه الْمغرب وَانْصَرف. فاستدعى فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَالِث عشرينه بِأبي الْبَقَاء وفوض إِلَيْهِ السُّلْطَان قَضَاء الْقُضَاة عوضا عَن ابْن جمَاعَة وخلع عَلَيْهِ وأضاف إِلَيْهِ نظر وقف الْأَشْرَاف وخلع مَعَه على بهاء الدّين أَحْمد بن السُّبْكِيّ وَاسْتقر فِي قَضَاء الْعَسْكَر عوضا عَن أَبى الْبَقَاء. وخلع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 278 على تَاج الدّين مُحَمَّد بن بهاء الدّين وَاسْتقر فِي وكَالَة الْخَاص زِيَادَة على مَا بِيَدِهِ من نظر المارستان. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سادس عشرينه: خلع على عز الدّين بن جمَاعَة وَاسْتقر فِي نظر جَامع أَحْمد بن طولون وتدريس الْفِقْه وتدريس الحَدِيث بِهِ ورتب لَهُ على بَيت المَال فِي كل شهر ألف دِرْهَم. وَفِي أول شهر رَجَب: عزل فَخر الدّين أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن الكُويك عَن نظر الأحباس وَاسْتقر عوضه نَاصِر الدّين مُحَمَّد الْقرشِي موقع الدست. وَفِي سابعه: اسْتَقر الْأَمِير قُطلو أقتمر العلاى أَمِير جاندار فِي نِيَابَة صفد عوضا عَن الْأَمِير عمر بن أرغون النَّائِب وأنعم على عمر بإمرة قُطلو أقتمر. وَفِي حادي عشره: اسْتَقر الْأَمِير أينال اليوسفي أَمِير جاندار. وَاسْتقر ألطُنبغا البُشْتكي فِي نِيَابَة غَزَّة عوضا عَن أربغا الكاملي. وَاسْتقر الْأَمِير جمال الدّين عبد الله بن بَكتمُر الْحَاجِب فِي نظر المشهد النفيسي عوضا عَن الْخَلِيفَة. وأنعم على الْأَمِير شعْبَان بن الْأَمِير يلبغا الأتابك بتقدمة ألف. وَفِي شهر رَمَضَان: اسْتَقر الْأَمِير أزدمر نَائِب طرابلس فِي نِيَابَة صفد عوضا عَن قطلو أقتمر. وَاسْتقر الْأَمِير قشْتَمُر المنصوري فِي نِيَابَة طرابلس. وَفِي سادس عشْرين شَوَّال: اسْتَقر الْأَمِير عبد الله بن بَكتمر الْحَاجِب أَمِير شكار عوضا عَن الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن ألجيبغا. وَاسْتقر أَسَنْدمُر حرفوش حاجباً عوضا عَن عبد الله بن بَكتمر. وَفِي آخر ذِي الْقعدَة: اسْتَقر الْأَمِير مَنْجَك اليوسفي فِي نِيَابَة طرسوس عوضا عَن قمارى الْحَمَوِيّ بعد وَفَاته. وفيهَا توجه نَائِب حلب بالعسكر إِلَى نجدة نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن باك بن أرتنا وَتوجه عز الدّين عبد الْعَزِيز بن جمَاعَة إِلَى مَكَّة صُحْبَة الركب وجاور بهَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 279 وَقدم السُّلْطَان حلى عبد الْحَكِيم من الْمغرب فَارًّا فأنعم السُّلْطَان عَلَيْهِ وأجرى لَهُ الرَّوَاتِب السّنيَّة فَتزَوج بإتفاق الصالحية امْرَأَة الصاحب موفق الدّين هبة الله بن إِبْرَاهِيم وَتوجه حَاجا صُحْبَة الركب فِي تجمل زايد. وَتوجه أَيْضا إِلَى الْحَج الْأَمِير صَلَاح الدّين خَلِيل بن عرام مُتَوَلِّي الْإسْكَنْدَريَّة واستناب عَنهُ فِي الثغر الْأَمِير جنغرا وَكَانَ أَمِير الْحَاج مُحَمَّد بن قُندس وفيهَا لخمس وَعشْرين من ذِي الْقعدَة قدم الْبَرِيد من نَاحيَة الْمشرق إِلَى دمشق بقماقم فِيهَا مَاء من عين هُنَاكَ من خاصيته أَن يتبعهُ طير يُسمى السمرمر فِي قدر الزرزور ولونه وَفِيه ريش أصفر يَأْكُل الْجَرَاد. فعلق بطارمة القلعة وبمأذنة الْعَرُوس وقبة النَّصْر من الْجَامِع الْأمَوِي وَكَانَ الْجَرَاد قد كثر بأعمال دمشق وأضر بمزارعها فَبعث الْأَمِير منكلى بغا الشمسي نَائِب الشَّام لإحضار هَذَا المَاء. فَلَمَّا جِيءَ بِهِ وعلق كثر السمرمر بِدِمَشْق وأفنى مَا كَانَ الْجَرَاد هُنَاكَ حَتَّى لم يبْق مِنْهُ شَيْئا وأقامت قماقم المَاء معلقَة بِتِلْكَ الْأَمَاكِن إِلَى أَن جف مَا فِيهَا وَالطير مَوْجُود. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان مِمَّن لَهُ ذكر الشريف شمس الدّين حسن بن مُحَمَّد بن حسن بن عَليّ بن حسن بن زهرَة بن حسن بن زهرَة الحسني نقيب الْأَشْرَاف بحلب. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن عبد الْهَادِي الفوَّى الْفَقِيه الشَّافِعِي فِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشر جُمَادَى الأولى وَقد تصدر للتدريس. وَتُوفِّي قطب الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد الرَّازِيّ الْمَعْرُوف بالقطب التحتاني بِدِمَشْق وَقد أناف على السِّتين. وبرع فِي الْمنطق والنحو وصنف شرح الشمسية والمطالع وحواشي على الْكَشَّاف وَغير ذَلِك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 280 وَتُوفِّي زين الدّين مُحَمَّد بن سراج الدّين عمر بن مَحْمُود الْمَعْرُوف بِابْن السراج الْحَنَفِيّ أحد نواب الحكم بِالْقَاهِرَةِ فِي يَوْم السبت الْعشْرين من ذِي الْقعدَة عَن بضع وَسبعين سنة. وَكَانَ يحفظ الْهِدَايَة فِي الْفِقْه ودرس وَأعَاد. وَتُوفِّي بدر الدّين مُحَمَّد بن قطب الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مَنْصُور الْمَعْرُوف بِابْن الشامية موقع الحكم فِي يَوْم السبت ثَانِي شهر رَمَضَان. وَتُوفِّي شرف الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي بكر الْمزي الدِّمَشْقِي الحريري بِمصْر فِي شعْبَان حدث عَن سُلَيْمَان بن حسن وَالقَاسِم بن عَسَاكِر وأبى نصر الشِّيرَازِيّ. وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق جمال الدّين يُوسُف بن شرف الدّين أَحْمد بن الْحُسَيْن بن سُلَيْمَان بن فَزَارَة الكفري الْحَنَفِيّ. كَانَ بارعاً فِي الْفِقْه والعربية عَارِفًا بِالْأَحْكَامِ. وَمَات الْأَمِير قمارى الْحَمَوِيّ الْحَاجِب. وَهُوَ على نِيَابَة طرسوس بهَا. وَمَات الْأَمِير آسن قجا بن عبد الله من على بك أحد أُمَرَاء الطبلخاناه بعد مَا ولى نِيَابَة البيرة ثمَّ نِيَابَة طرسوس وَبهَا مَاتَ. وَتُوفِّي أَبُو مُحَمَّد عبد السَّلَام بن سعيد بن عبد العال القيرواني الْمَالِكِي بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة. وَكَانَ قد برع فِي الْفِقْه ودرس زَمَانا. وَتُوفِّي الْمسند شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن أبي بكر بن إِبْرَاهِيم بن يَعْقُوب بن إلْيَاس الْأنْصَارِيّ الخزرجي الْبَيَانِي الْمَقْدِسِي الدِّمَشْقِي الشَّاهِد عرف بِابْن إِمَام الصَّخْرَة فِي تَاسِع عشْرين ذِي الْقعدَة بِالْقَاهِرَةِ. ومولده سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة. حضر على زَيْنَب بنت مكي فِي الثَّانِيَة وعَلى الْفَخر بن البُخَارِيّ. وَابْن القواس وَغَيرهم فِي الثَّالِثَة. وَسمع من ابْن عَسَاكِر وَطَائِفَة وَحدث وَخرج لَهُ ابْن رَافع مشيخة حدث بهَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 281 فارغه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 282 سنة سبع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة فِي الْمحرم: ولى قَاضِي الْقُضَاة زين الدّين عمر بن عبد الرَّحْمَن البسطامي الْحَنَفِيّ خطابة جَامع شَيْخُو خَارج الْقَاهِرَة بعد وَفَاة شهَاب الدّين أَحْمد بن الشّرف. وَفِيه سرح السُّلْطَان على الْعَادة إِلَى سرياقوس. وَتوجه الْأَمِير يلبغا الأتابك إِلَى بر الصَّيْد بالعباسة فورد الْبر فِي يَوْم السبت رَابِع عشرينه. بمنازلة الفرنج الْإسْكَنْدَريَّة وَأَنَّهُمْ قدمُوا يَوْم الْأَرْبَعَاء حادي عشرينه. فسرح الطَّائِر بذلك إِلَى الْأَمِير يلبغا فَتوهم أَن تكون هَذِه مكيدة يكَاد بهَا فبادر وَدخل إِلَى دَاره خَارج الْقَاهِرَة وَتَبعهُ السُّلْطَان فَصَعدَ القلعة فِي يَوْم الْأَحَد خَامِس عشرينه. فَلَمَّا تحقق الْأَمِير يلبغا الْخَبَر عدى النّيل من سَاعَته إِلَى الْبر الغربي وتلاحق بِهِ أَصْحَابه وَنُودِيَ بِالْقَاهِرَةِ: من تَأَخّر من الأجناد غَدا حل دَمه وَمَاله فَخرج النَّاس أَفْوَاجًا وَسَار السُّلْطَان بعساكره إِلَى الطرانة وَقدم عسكراً عَلَيْهِ الْأَمِير قطلوبغا المنصوري والأمير كوكنداي والأمير خَلِيل بن قوصون ليدركوا أهل الثغر فَقدر الله تَعَالَى فِي ذَلِك أَن أهل الثغر كَانَ قد بَلغهُمْ مُنْذُ أشهر إهتمام الفرنج بغزوهم فَكتب بذلك الْأَمِير صَلَاح الدّين خَلِيل بن عرام - متوفي الثغر - إِلَى السُّلْطَان والأمير يلبغا فَلم يكن من الدولة اهتمام بأمرهم. فَلَمَّا توجه ابْن عرام إِلَى الْحَج واستناب عَنهُ فِي الثغر الْأَمِير جنغرا - أحد أُمَرَاء العشرات - وَجَاء أَوَان قدوم مراكب البنادقة من الفرنج لَاحَ للناظور عدَّة قلاع فِي الْبَحْر. ثمَّ قدم فِي عسكره يَوْم الْأَرْبَعَاء حادي عشرينه إِلَى الميناء ثَمَانِيَة أغربة وتلاها من الأغربة والقراقر مَا بلغت عدتهَا مَا بَين سبعين إِلَى ثَمَانِينَ قِطْعَة. فأغلق الْمُسلمُونَ أَبْوَاب الْمَدِينَة وركبوا الأسوار بِآلَة الْحَرْب وَخرجت طَائِفَة إِلَى ظَاهر الْبَلَد وَبَاتُوا يتحارسون. وَخَرجُوا بكرَة يَوْم الْخَمِيس يُرِيدُونَ لِقَاء الْعَدو فَلم يَتَحَرَّك الفرنج لَهُم طول يومهم وَلَيْلَة الْجُمُعَة. فَقدم بكرَة يَوْم الْجُمُعَة طوايف من عربان الْبحيرَة وَغَيرهم ومضوا جِهَة الْمنَار وَقد نزل من الفرنج جمَاعَة فِي اللَّيْل بخيولهم وكمنوا فِي الترب الَّتِي بِظَاهِر الْمَدِينَة. فَلَمَّا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 283 تكاثر جمع الْمُسلمين من العربان وَأهل الثغر عِنْد الْمنَار برز لَهُم غراب إِلَى بَحر السلسلة حَتَّى قَارب السُّور فقاتله الْمُسلمُونَ قتالاً شَدِيدا قتل فِيهِ عدَّة من الفرنج وَاسْتشْهدَ جمَاعَة من الْمُسلمين. وَخرج إِلَيْهِم أهل الْمَدِينَة وصاروا فرْقَتَيْن فرقة مَضَت مَعَ العربان نَحْو الْمنَار وَفرْقَة وقفت تقَاتل الفرنج بالغراب. وَخرجت الباعة وَالصبيان وصاروا فِي لَهو وَلَيْسَ لَهُم اكتراث بالعدو. فَضرب الفرنج عِنْد ذَلِك نفيرهم. فَخرج الكمين وحملوا على الْمُسلمين حَملَة مُنكرَة. وَرمى الفرنج من المراكب بِالسِّهَامِ فَانْهَزَمَ الْمُسلمُونَ وَركب الفرنج أقفيتهم بِالسَّيْفِ. وَنزل بَقِيَّتهمْ إِلَى الْبر فملكوه بِغَيْر مَانع وَقدمُوا مراكبهم إِلَى الأسوار فاستشهد خلق كثير من الْمُسلمين وَهلك مِنْهُم فِي الازدحام عِنْد عبور بَاب الْمَدِينَة جمَاعَة وخلت الأسوار من الحماة فنصب الفرنج سلالم وَوَضَعُوا السُّور وَأخذُوا نَحْو الصِّنَاعَة فحرقوا مَا بهَا وألقوا النَّار فِيهَا ومضوا إِلَى بَاب السِّدْرَة وعلقوا الصَّلِيب عَلَيْهِ فانحشر النَّاس إِلَى بَاب رشيد وأحرقوه ومروا مِنْهُ على وجوهم وَتركُوا الْمَدِينَة مَفْتُوحَة بِمَا فِيهَا للفرنج وَأخذ الْأَمِير جنغرا مَا كَانَ فِي بَيت المَال وقاد مَعَه خمسين تَاجِرًا من تجار الفرنج كَانُوا مسجونين عِنْده وَمضى هُوَ وَعَامة النَّاس إِلَى جِهَة دمنهور فَدخل وَقت الضُّحَى من يَوْم الْجُمُعَة ملك قبرص - واسْمه ربير بطرس بن ريوك - وشق الْمَدِينَة وَهُوَ رَاكب فاستلم الفرنج النَّاس بِالسَّيْفِ ونهبوا مَا وجدوه من صَامت وناطق وأسروا وَسبوا خلائق كَثِيرَة وأحرقوا عدَّة أَمَاكِن وَهلك فِي الزحام بِبَاب رشيد مَا لَا يَقع عَلَيْهِ حصر فأعلن الفرنج بدينهم وانضم إِلَيْهِم من كَانَ بالثغر من النَّصَارَى ودلوهم على دور الْأَغْنِيَاء فَأخذُوا مَا فِيهَا واستمروا كَذَلِك يقتلُون وَيَأْسِرُونَ ويسبون وينهبون ويحرقون من ضحوة نَهَار الْجُمُعَة إِلَى بكر نَهَار الْأَحَد فَرفعُوا السَّيْف وَخَرجُوا بالأسرى والغنايم إِلَى مراكبهم وَأَقَامُوا بهَا إِلَى يَوْم الْخَمِيس ثامن عشرينه ثمَّ أقلعوا وَمَعَهُمْ خَمْسَة آلَاف أَسِير فَكَانَت إقامتهم ثَمَانِيَة أَيَّام. وَكَانُوا عدَّة طوائف فَكَانَ فيهم من البنادقة أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ غراباً وَمن الجنوية غرابين وَمن أهل رودس عشرَة أغربة والفرنسيس فِي خَمْسَة أغربة وَبَقِيَّة الأغربة من أهل قبرص. وَكَانَ مَسِيرهمْ عِنْد قدوم الْأَمِير يلبغا بِمن مَعَه فَلَمَّا قدم عَلَيْهِ الْأَمِير قطلوبغا المنصوري لم يجد مَعَه سوى عشْرين فَارِسًا وَعَلِيهِ إِقَامَة مائَة فَارس فَغَضب عَلَيْهِ وَوجد الْأَمر قد فَاتَ فَكتب بذلك إِلَى السُّلْطَان فَعَاد إِلَى القلعة وَبعث بِابْن عرام نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة على عَادَته بِأَمْر الْأَمِير يلبغا. بموارة من اسْتشْهد من الْمُسلمين ورم مَا احْتَرَقَ وَغَضب على جنغرا وهدده وَعَاد فَأخذ فِي التأهب لغزو الفرنج. وتتبعت النَّصَارَى فَقبض على جَمِيع من بديار مصر وبلاد الشَّام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 284 وَغَيرهمَا من الفرنج وأحضر البطريق وَالنَّصَارَى وألزموا بِحمْل أَمْوَالهم لفكاك أسرى الْمُسلمين من أَيدي الفرنج وَكتب بذلك إِلَى الْبِلَاد الشامية وتتبعت ديارات النَّصَارَى الَّتِي بأعمال مصر كلهَا وألزم سكانها بِإِظْهَار أَمْوَالهم وأوانيهم وعوقبوا على ذَلِك. فَكَانَت هَذِه الْوَاقِعَة من أشنع مَا مر بالإسكندرية من الْحَوَادِث وَمِنْهَا اختلت أحوالها واتضع أَهلهَا وَقلت أَمْوَالهم وزالت نعمهم. وَكَأن النَّاس فِي الْقَاهِرَة مُنْذُ أَعْوَام كَثِيرَة تجرى على ألسنتهم جَمِيعًا: فِي يَوْم الْجُمُعَة تُؤْخَذ الْإسْكَنْدَريَّة فَكَانَ كَذَلِك. وَمر بِمن خرج من الْإسْكَنْدَريَّة فِي وَقت الْهَزِيمَة من العربان بلَاء لَا يُوصف. وَلما اسْتَقر الْأَمِير يلبغا بعد عوده من الْإسْكَنْدَريَّة أَشَارَ بِالْقَبْضِ على الْأَمِير قطلوبغا المنصوري فَقبض عَلَيْهِ وَنفي إِلَى الشَّام. وأنعم على الْأَمِير أرغون الأزقي بتقدمته. وَاسْتقر الْأَمِير يَعْقُوب شاه اليحياوي حاجباً عوضا عَن قطلوبغا المنصوري. وَاسْتقر الْأَمِير طشتمر الحسني أَمِير آخور عوضا عَن يَعْقُوب شاه. وَأخذ الْأَمِير يلبغا فِي تجهيز مولَايَ حلى بعد عوده من الْحَج للسَّفر إِلَى بِلَاده وخلع عَلَيْهِ السُّلْطَان فرجية حَرِير أطلس أَحْمَر من تحتهَا تَحْتَانِيَّة أطلس أصفر وعَلى الفرجية تركيبة زركش وطوق بعنبرانية. وألبس طرحة عَن عمَامَته وقلد بِسيف محلى بِالذَّهَب فِي يَوْم الْخَمِيس ثامن عشْرين صفر. وسافر فَمَاتَ على تروجة فِي أَوَائِل شهر ربيع الأول. وَفِيه قدم تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب بن السُّبْكِيّ قَاضِي دمشق باستدعاء. وَقد شُكى وَأمر بِالْكَاف عَلَيْهِ. وَقدم الْخَبَر بِكَثْرَة فَسَاد أَوْلَاد الْكَنْز وَطَائِفَة العكارمة بأسوان وسواكن وَأَنَّهُمْ منعُوا التُّجَّار وَغَيرهم من السّفر لقطعهم الطَّرِيق وَأَخذهم أَمْوَال النَّاس. وَأَن أَوْلَاد الْكَنْز قد غلبوا على ثغر أسوان وصحرا عيذاب وبرية الواحات الدَّاخِلَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 285 وصاهروا مُلُوك النّوبَة وأمراء العكارمة واشتدت شوكتهم. ثمَّ قدم ركن الدّين كرنبس من أُمَرَاء النّوبَة والحاج ياقوت ترجمان النّوبَة وأرغون مَمْلُوك فَارس الدّين برسالة متملك دمقلة بِأَن ابْن أُخْته خرج عَن طَاعَته واستنجد ببني جعد من الْعَرَب وقصدوا دمقلة فاقتتلا قتالاً كثيرا قتل فِيهِ الْملك وَانْهَزَمَ أَصْحَابه. ثمَّ أَقَامُوا عوضه فِي المملكة أَخَاهُ وامتنعوا بقلعة الدو فِيمَا بَين دمقلة وأسوان. فَأخذ ابْن أُخْت الْمَقْتُول دمقلة وَجلسَ على سَرِير المملكة وَعمل وَلِيمَة جمع فِيهَا أُمَرَاء بني جعد وكبارهم وَقد أعد لَهُم جمَاعَة من ثقاته ليفتكوا بهم وَأمر فأخليت الدّور الَّتِي حوال دَار مضيفهم وملأها حطباً. فَلَمَّا أكلُوا وَشَرِبُوا خرجت جمَاعَة بأسلحتهم وَقَامُوا على بَاب الدَّار وأضرم آخَرُونَ النَّار فِي الْحَطب فَلَمَّا اشتعلت بَادر العربان بِالْخرُوجِ من الدَّار فأوقع الْقَوْم بهم وَقتلُوا مِنْهُم تِسْعَة عشر أَمِير فِي عدَّة من أكابرهم. ثمَّ ركب إِلَى عَسْكَرهمْ فَقتل مِنْهُم مقتلة كَبِيرَة وَانْهَزَمَ باقيهم فَأخذ جَمِيع ماكان مَعَهم واستخرج ذخائر دمقلة وأموالها وأخلاها من أَهلهَا. وَمضى إِلَى قلعة الدو وسألا أَن ينجدهما السُّلْطَان على الْعَرَب حَتَّى يستردوا ملكهمَا وَالْتزم بِحمْل مَال فِي كل سنة إِلَى مصر. فرسم بسفر الْأَمِير أقتمر عبد الْغَنِيّ حَاجِب الْحجاب وَمَعَهُ الْأَمِير ألجاي أحد أُمَرَاء الألوف وَعشرَة أُمَرَاء عشرات وَثَمَانِية أُمَرَاء طبلخاناه مِنْهُم أَمِير خَلِيل بن قوصون وأسندمر حرفوش الْحَاجِب ومنكوتمر الجاشنكير ودقماق بن طغنجى ويَكتمر شاد الْقصر وأمير مُوسَى بن قرمان وأمير مُحَمَّد بن سرطقطاى فِي عدَّة من المماليك السُّلْطَانِيَّة وَأخذُوا فِي تجهيزهم من سادس عشر شهر ربيع الأول. وَسَارُوا فِي رَابِع عشرينه وهم نَحْو الثَّلَاثَة آلَاف فَارس فأقاموا بِمَدِينَة قوص سِتَّة أَيَّام واستدعوا أُمَرَاء أَوْلَاد الْكَنْز من ثغر أسوان ورغبوهم فِي الطَّاعَة وخوفوهم عَاقِبَة الْمعْصِيَة وأمنوهم. ثمَّ سَارُوا من قوص فأتتهم أُمَرَاء الْكُنُوز طائعين عِنْد عقبَة أدفو فَخلع عَلَيْهِم الْأَمِير أَقتمر عبد الْغَنِيّ وَبَالغ فِي إكرامهم. وَمضى بهم أسوان فخيم بِظَاهِرِهِ من الْبر الغربي أَرْبَعَة عشر يَوْمًا نقل مَا كَانَ مَعَ الْعَسْكَر فِي المراكب من الأسلحة وَغَيرهَا على الْبر حَتَّى قطعت الجنادل إِلَى قَرْيَة بلاق فأكمل نقل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 286 الأسلحة والغلال وَغير ذَلِك وطلعت المراكب من الجنادل وَأصْلح مَا فسد مِنْهَا فِي طُلُوعهَا من الجنادل وَصَارَت من وَرَاء الجنادل وشحنت بالأسلحة والغلال وَبَقِيَّة الأزواد والأمتعة وَمَرَّتْ فِي النّيل. وسارت العساكر تُرِيدُ النّوبَة على محازاتها فِي الْبر يَوْمًا وَاحِدًا وَإِذا برسل متملك النّوبَة قد لاقتهم وأخبروهم بِأَن الْعَرَب قد نازلوا الْملك وحصره بقلعة الدوه فبادر الْأَمِير أقتمر عبد الْغَنِيّ لانتقاء الْعَسْكَر وَسَار فِي طَائِفَة مِنْهُم جَرِيدَة وَترك الْبَقِيَّة مَعَ الأثقال. وجد فِي سيره حَتَّى نزل بقلعة أبريم وَبَات بهَا ليلته وَقد اجْتمع بِملك النّوبَة وعرب العكارمة وَبَقِيَّة أَوْلَاد الْكَنْز ووافاه بَقِيَّة الْعَسْكَر. فدبر مَعَ ملك النّوبَة على أَوْلَاد الْكَنْز وأمراء العكارمة وأمسكهم جَمِيعًا. وَركب متملك النّوبَة فِي الْحَال وَمَعَهُ طَائِفَة من المماليك. وَمضى فِي الْبر الشَّرْقِي إِلَى جَزِيرَة مِيكَائِيل حَيْثُ إِقَامَة العكارمة. وَسَار الْأَمِير خَلِيل بن قوصون فِي الْجَانِب الغربي وَمَعَهُ طَائِفَة فأحاطوا جَمِيعًا بِجَزِيرَة مِيكَائِيل عِنْد طُلُوع الشَّمْس وأسروا من بهَا من العكارمة وَقتلُوا مِنْهُم عدَّة بالنشاب والنفط. وفر جمَاعَة نجا بَعضهم وَتعلق بالجبال وغرق أَكْثَرهم. وسَاق بن قوصون النِّسَاء وَالْأَوْلَاد والأسرى والغنائم إِلَى عِنْد الْأَمِير أَقتمر فَفرق عدَّة من السَّبي فِي الْأُمَرَاء وَأطلق عدَّة وَعين طَائِفَة للسُّلْطَان. وَوَقع الِاتِّفَاق على أَن يكون كرْسِي ملك النّوبَة بقلعة الدو لخراب دمقلة كَمَا مر ذكره وَلِأَنَّهُ يخَاف من عرب بني جعد أَيْضا إِن نزل الْملك بدنقلة أَن يأخذوه فَكتب الْأَمِير أقتمر عبد الْغَنِيّ محضراً برضاء ملك النّوبَة بإقامته بقلعة الدو واستغنائه عَن النجدة وَأَنه أذن للعسكر فِي الْعود إِلَى مصر. ثمَّ ألبسهُ التشريف السلطاني وَأَجْلسهُ على سَرِير الْملك بقلعة الدو وَأقَام ابْن أُخْته بقلعة أبريم. فَلَمَّا تمّ ذَلِك جهز ملك النّوبَة هَدِيَّة للسُّلْطَان وهدية للأمير يَلْبُغا الأتابك مَا بَين خيل وهجن ورقيق وتحف. وَعَاد الْعَسْكَر وَمَعَهُمْ أُمَرَاء الْكَنْز وأمراء العكارمة فِي الْحَدِيد. فأقاموا بأسوان سَبْعَة أَيَّام ونودى فِيهَا بالأمان والإنصاف من أَوْلَاد الْكَنْز. فَرفعت عَلَيْهِم عدَّة مرافعات فَقبض على عدَّة من عبيدهم ووسطوا. ورحل الْعَسْكَر من أسوان ومروا إِلَى الْقَاهِرَة فقدموا فِي ثَانِي شهر رَجَب وَمَعَهُمْ الأسرى فعرضوا على السُّلْطَان وقيدوا إِلَى السجْن وخلع على الْأَمِير عبد الْغَنِيّ وَقبلت الْهَدِيَّة. وفيهَا حدثت وَحْشَة بَين السُّلْطَان أويس متملك بَغْدَاد وتوريز وَبَين نَائِبه بِبَغْدَاد خواجا مرجان فعصى عَلَيْهِ مرجان وخطب بِبَغْدَاد للسُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف. وَبعث رسله بذلك فقدموا فِي أَوَائِل جُمَادَى الأولى وَمَعَهُمْ كِتَابه بِأَنَّهُ قد خلع أويس وَأقَام الْخطْبَة وَضرب السِّكَّة باسم السُّلْطَان الْأَشْرَف وَأخذ لَهُ الْبيعَة على النَّاس بِبَغْدَاد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 287 وعزم على محاربة أويس وَأَنه نَائِب السُّلْطَان بِبَغْدَاد إِن نَصره الله عَلَيْهِ وَإِن تكن الْأُخْرَى قدم إِلَى أَبْوَاب السُّلْطَان. فأكرمت رسله وجهز لَهُ تشريف جليل وأعلام خليفتية وأعلام سلطانية وَكتب لَهُ تَقْلِيد بنيابة بَغْدَاد وجهز أَيْضا عدَّة خلع لأمرائه وأكابر دولته وخلع على رسله وأعيد. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشره: خلع على تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب بن السُّبْكِيّ وأعيد إِلَى قَضَاء دمشق على عَادَته وسافر فِي ثَالِث عشرينه وَهَذِه ولَايَته الثَّالِثَة. وَفِي هَذِه الْمدَّة: اهتم الْأَمِير يَلْبُغا الأتابك بِعَمَل الشواني البحرية لغْزو الفرنج فَجمع من الأخشاب وَالْحَدِيد والآلات مَا يجل وَصفه وَشرع النجارون فِي عَملهَا بِجَزِيرَة أروى الْمَعْرُوفَة بالجزيرة الْوُسْطَى وَتَوَلَّى عَملهَا الْوَزير فَخر الدّين ماجد بن قزوينة فَقَامَ فِي ذَلِك أتم قيام وبذل همته وأستفرغ وَسعه وتصدى لَهُ لَيْلًا وَنَهَارًا وَاسْتقر شاد الْعَمَل الْأَمِير عَلَاء الدّين طيبغا العلاي أستادار الْأَمِير يلبغا وناظر الْعَمَل بهاء الدّين بن الْمُفَسّر فَقدم للْعَمَل مائَة شيني مَا بَين غراب وطريدة برسم حمل الْخَيل فَكَانَ أمرا مهولاً. وَنُودِيَ بِالْقَاهِرَةِ ومصر بِحُضُور البحارة والنفاطة وَمن يُرِيد الْجِهَاد فِي سَبِيل الله إِلَى بَيت الْأَمِير يلبغا الأتابك للعرض وَأخذ نَفَقَة للسَّفر فِي المراكب. فَاجْتمع عدَّة من المغْاربة رجال الْبَحْر وكتبت أَسمَاؤُهُم وقررت لَهُم المعاليم وأقيمت لَهُم نقباء وَقَامُوا فِي مساعدة صناع المراكب. وَكتب إِلَى طرابلس وَنَحْوهَا من بِلَاد السَّاحِل بإنشاء مراكب حربية وَجمع رجالها فَكَانَ عملا جَلِيلًا. وَفِي تَاسِع عشره: قدم الْخَبَر بفرار تجار الفرنج من الْإسْكَنْدَريَّة فِي الْبَحْر فَلم يقدر عَلَيْهِم. وَفِي عشرينه: طلب نقباء أجناد الْحَرَكَة وألزموا بألا يخفوا أحدا من أجناد الْحلقَة وهددوا إِن أخفوا أحدا مِنْهُم فَكتب كل نقيب مضافيه وأحضروهم للعرض فَقطع الْأَمِير يلبغا مِنْهُم جمَاعَة. وَفِي آخِره: قدم قَاضِي تبريز فِي جمَاعَة برسالة السُّلْطَان أويس أَن مرجان قد عصى عَلَيْهِ وَأَنه قصد الْمسير لقتاله فَلَا يُمكن - إِذا فر - من دُخُوله إِلَى الشَّام ومصر فَأُجِيب بِمَا لَا يُرِيد وَأَنه إِن أَرَادَ نجدة سيرنا إِلَيْهِ العساكر لنصرته وأهين رَسُوله وأعيد خائباً. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 288 وَفِي حادي عشر جُمَادَى الْآخِرَة: أنعم على الْأَمِير طيبغا العلاى - أستادار الأتابك يلبغا - بتقدمة ألف عوضا عَن ملكَتمر المارديني بعد مَوته. وأنعم على الْأَمِير أَيْنَبكَ البدري - أَمِير آخور يلبغا - بإمرة طبلخاناه وَاسْتقر أستادار يلبغا عوضا عَن طيبغا. وَاسْتقر الْأَمِير أرغون ططر رَأس نوبَة كَبِيرا عوضا عَن ملكتمر المارديني. وَفِي ثَانِي عشره: اسْتَقر الْأَمِير أرغون الأزقي أستادار السُّلْطَان عوضا عَن أروس المحمودي. وَفِي خَامِس عشره: اسْتَقر الشريف بكتمر وَالِي الْقَاهِرَة فِي ولَايَة الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن صَلَاح الدّين خَلِيل بن عرام وَكَانَت ولَايَة حَرْب. فاستقر لبَكتَمُر نِيَابَة بتقدمة ألف وَهُوَ أول من بَاشَرَهَا نِيَابَة سلطنة وَعمل مَعَه حَاجِب أَمِير طبلخاناه ووالي حَرْب إمرية عشرَة وَخَمْسمِائة فَارس بالثغر. وَاسْتقر الْأَمِير عَلَاء الدّين طيبغا أستادار كشلي فِي ولَايَة الْقَاهِرَة. وَاسْتقر عوضه فِي ولَايَة مصر الْأَمِير - حسام الدّين حُسَيْن بن عَلَاء الدّين عَليّ بن الكوراني. وَكَانَ الْأَمِير طَيبغا الطَّوِيل أَمِير سلَاح قد خرج إِلَى العباسة يتصيد فَبعث الْأَمِير يلبغا إِلَيْهِ مرسوم السُّلْطَان فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشره مَعَ الْأَمِير أقبغا الْعمريّ الْحَاجِب بِأَن يتَوَجَّه إِلَى دمشق نَائِب السلطنة بهَا وَحمل مَعَه التَّقْلِيد والتشريف فَلم يُوَافق على ذَلِك ورد الْحَاجِب ردا غير جميل وَكَانَ الْأَمِير يلبغا بتربة مَلَكتمر المارديني مُقيما على قَبره فَلَمَّا بلغه الْحَاجِب جَوَاب الْأَمِير طيبغا غضب وَبعث إِلَيْهِ الْأَمِير أرغون الأسعردي الدوادار والأمير أروس المحمودي والأمير أرغون الأزقي والأمير طيبغا العلاي بالتشريف وتقليد النِّيَابَة وأكد عَلَيْهِمَا فِي ترجيعه عَن الْفِتْنَة وَإِن لم يمض فليقبضوا عَلَيْهِ. فَمَا هُوَ إِلَّا أَن مضوا حَتَّى أبعدوا قَلِيلا فَتَأَخر عدَّة من مماليك الْأَمِير طَيبغا العلاي ومماليك أرغون الأزقي ووافى الْأَمِير طيبغا فَامْتنعَ من إجابتهم إِلَى السّفر وَقَالَ: لَيْسَ بيني وَبينهمْ إِلَّا السَّيْف. فَمَال إِلَيْهِ أرغون الأسْعَردي والأمير أروس وقبضوا على الْأَمِير طيبغا العلاي ففر أرغون الأزقي إِلَى الْأَمِير يلبغا وَهُوَ بالتربة ثمَّ لحق بِهِ الْأَمِير طيبغا العلاي وأخبراه بِمَا وَقع فَركب من فوره إِلَى قلعة الْجَبَل وَأمر فدقت الكوسات حَرْبِيّا. وَلبس السُّلْطَان وَعَامة الْعَسْكَر السِّلَاح وركبوا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 289 لَيْلَة السبت سَابِع عشره وَعمل كميناً فِي خلف الْجَبَل قَرِيبا من قبَّة النَّصْر. فَمَا طلع الْفجْر حَتَّى وافى الْأَمِير طيبغا الطَّوِيل قبَّة النَّصْر فاقتتل الْفَرِيقَانِ فاستظهر طيبغا الطَّوِيل على الْقَوْم وكادت النُّصْرَة تتمّ لَهُ فَخرج الكمين من وَرَائه. وَعَاد الْأَمِير يلبغا بعد مَا أبعد قَلِيلا فَانْهَزَمَ طيبغا الطَّوِيل وتفرق جمعه فاختفي بِالْقَاهِرَةِ. وَعَاد السُّلْطَان إِلَى القلعة وَنُودِيَ بإحضار من وجد من المنهزمين وهدد من أخفاهم فَلم يسر وَإِلَى الْقَاهِرَة والنداء بَين يَدَيْهِ عَن بَين القصرين - من الْقَاهِرَة - غير قَلِيل حَتَّى دله بعض النَّاس على طيبغا الطَّوِيل فَدخل خانكاه بيبرس وَأَخذه مِنْهَا وَصعد بِهِ القلعة فقيده وسجن. وظفر أَيْضا فِي آخر النَّهَار بالأمير أروس وبالأمير أرغون الأسعردي والأمير كَوْكَنداي أخي طيبغا الطَّوِيل والأمير كليم. ثمَّ قبض على الْأَمِير جَرَكتمُر السيفي منجك الجوكندار والأمير أرغون عبد الْملك شاد الشرابخاناه والأمير جمق الشيخوني والأمير تِلْكَ وأقبعا الْعمريّ البالسي وقرا السِّلَاح دَار والأمير أزكاه السيفي وجرجى بن كوكندي وأزرمق بن مصطفي وطشتمر العلاي فحملوا ثغر إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فِي النّيل مقيدين وسجنوا هُنَاكَ. وَأخرج الْأَمِير حُسَيْن بن طوغان الساقي منفياً إِلَى الشَّام. وارتجع إقطاع ولدى طيبغا الطَّوِيل - وهما على وَحَمْزَة - وأنعم فِي يَوْمه على الْأَمِير طيْدمر البالسي وَاسْتقر أَمِير سلَاح عوضا عَن طيبغا الطَّوِيل. وَاسْتقر الْأَمِير طيبغا البوبكري المهمندار دوادارا بإمرة طبلخاناه. وَفِي ثَانِي عشرينه: خلع على الْأَمِير أرغون الأزقي وَاسْتقر أستادار السُّلْطَان عوضا عَن أروس. وَاسْتقر الْأَمِير قطلوبغا الشَّعْبَانِي شاد الشرابخاناه بإمرة طبلخاناه عوضا عَن أرغون عبد الْملك. وَاسْتقر الْأَمِير تمرقيا الْعمريّ جوكندار عوضا عَن جَرَكتمر السيفي. وأنعم على كل من الْأَمِير أقبغا الأحمدي الْمَعْرُوف بالجلب والأمير أسندمر الناصري بتقدمة ألف. وَفِي يَوْم الْأَحَد خَامِس عشرينه: نُودي بزينة الْقَاهِرَة ومصر فزينتا أحسن زِينَة. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس عشرينه: قدم ثَمَانِيَة وَثَلَاثِينَ أَمِيرا مِنْهُم أُمَرَاء طبلخاناه: أقبغا الْجَوْهَرِي وأرغون القَشْتَمُري وأَيْنَبَك البدري وعَلى السيفي كُشلى - وَالِي الْقَاهِرَة - وطُغَاى تَمُر العثماني وألطنبغا الْعُزَّى وقجماس السيفي طاز وأرغون الْعُزَّى كتك وقَراتمر المحمدي وأروس بغا الخليلي وطاجار من عَوض وقطْلُوبغا الْعُزَّى وأقْبُغا اليوسفي وألطنبغا المارديني ورسلان السيفي - وَاسْتقر حَاجِب الْإسْكَنْدَريَّة - وعَلى بن قَشْتَمُر وسودون القُطلُقتمُرى وقطلوبغا الشَّعْبَانِي وطُغَاى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 290 تَمُر الْعُزَّى وَمُحَمّد الترجمان. وبقيتهم أُمَرَاء عشرات وهم ككبغا السيفي وتنبك الأزقي وأرغون الأحمدي وأرغون الأرغوني وسودون الشيخوني وأزدمر الْعُزَّى وأروسِ النظامي وَيُونُس الْعمريّ ودَرْتُ بُغا البالسي وطُرحسن وقرا بغا الصَرْغتْمُشي وطاز الحسنِي وقماري الجمالي ويوسف شاه وطقبغا العلاي وفيرعلي وقرقماس الصَرْغتْمُشي وطاجار المحمدي. وخلع على الْجَمِيع وألبسوا الشرابيش ونزلوا جَمِيعًا من دَار الْعدْل بالقلعة إِلَى الْمدرسَة المنصورية بَين القصرين من الْقَاهِرَة حَتَّى حلفوا كَمَا هِيَ الْعَادة. ثمَّ ركبُوا إِلَى القلعة وَقد أُقِيمَت لَهُم المغاني فِي عدَّة مَوَاضِع من بَين القصرين إِلَى القلعة فَكَانَ يَوْمًا مَذْكُورا ثمَّ أزيلت الزِّينَة بعد ثَلَاث من نصبها. وَفِي أول شهر رَجَب: قدم الْخَبَر بوصول رسل الفرنج إِلَى ميناء الْإسْكَنْدَريَّة وَأَنَّهُمْ طلبُوا رهائن عِنْدهم حَتَّى ينزلُوا من مراكبهم ويردوا رسالتهم فَلم تؤمن مكيدتهم. وَاقْتضى الْحَال إجابتهم فَأخْرج من سجن الوافي - الْمَعْرُوف بخزانة شمايل - جمَاعَة وَجب قَتلهمْ وغسلوا بالحمام وألبسوا ثيابًا جميلَة وسفروا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة. فأكرمهم النايب وأشاع أَنهم من رُؤَسَاء الثغر وَبعث بهم إِلَى الفرنج وشيع خَلفهم نسَاء وصبيانا يصيحون ويبكون كَأَنَّهُمْ عِيَالهمْ وهم يخَافُونَ الفرنج عَلَيْهِم. فَمشى ذَلِك على الفرنج وعَلى أهل الثغر لانتظام حَال المملكة وملاك أمرهَا وجودة تدبيرها. فتسلم الفرنج الْجَمَاعَة وَنزلت رسلهم من المراكب. وَقدمُوا إِلَى قلعة الْجَبَل وَقد عدى السُّلْطَان إِلَى سرحة كوم برا بالجيزة فحملوا إِلَى هُنَاكَ. وَجلسَ لَهُم الْأَمِير يلبغا الأتابك وَقَامَ الْأُمَرَاء والحجاب بَين يَدَيْهِ وأدخلوا عَلَيْهِ فهالهم مَجْلِسه وطنوا أَنه السُّلْطَان فَقيل لَهُم هَذَا مَمْلُوك السُّلْطَان. فكشفوا عَن رُءُوسهم وخروا على وُجُوههم يقبلُونَ الأَرْض ثمَّ قَامُوا ودنوا إِلَيْهِ وناولوه كتاب ملكهم وَقدمُوا هديته إِلَيْهِ فَفرق ذَلِك بحضرتهم فِيمَن بَين يَدَيْهِ وَاخْتَارَ مِنْهُ طشطا وأبريقاً من ذهب وصندوقاً لم يعرف مَا فِيهِ. وتضمنت رسالتهم أَنهم فِي طَاعَة السُّلْطَان ومساعدوه على متملك قبرص حَتَّى ترد الأسرى الَّتِي أخذت من الْإسْكَنْدَريَّة ويعوض المَال وسألوا تَجْدِيد الصُّلْح وَأَن يُمكن تجارهم من قدوم الثغر وَأَن تفتح كَنِيسَة الْقِيَامَة بالقدس وَكَانَت قد غلقت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 291 بعد وَاقعَة الْإسْكَنْدَريَّة. فأجابهم بِأَنَّهُ لابد من غَزْو قبرص وتخريبها. ثمَّ أخرجُوا فأقاموا بالوطاق ثَلَاثَة أَيَّام وحملوا إِلَى دَار الضِّيَافَة بجوار قلعة الْجَبَل. فَلَمَّا عَاد السُّلْطَان من السرحة وقفُوا بَين يَدَيْهِ وَقدمُوا هديتهم وأدوا رسالتهم فَلم يجابوا وأعيدوا إِلَى بِلَادهمْ خائبين. وَفِي أول شعْبَان: أخرج الْأَمِير جركس الرَّسُول شاد العماير منفياً إِلَى حلب واستمْر عوضه الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أقبغا آص فِي شدّ العماير. ورسم بإحضار الْأَمِير قشتمر المنصوري نايب طرابلس وَاسْتقر عوضه الْأَمِير أشَقتمُر المارديني. وَاسْتقر الْأَمِير أسندمر الزيني فِي نِيَابَة صفد. وَكتب إِلَى الْأَمِير جرجي نايب حلب أَن يسير لأخذ قلعة خرت برت من ديار بكر وَأخذ صَاحبهَا خَلِيل بن قراجا بن دُلغادر مقدم التركمان فنازل قلعتها نَحْو أَرْبَعَة أشهر وَعَاد بِغَيْر طائل. لمنعتها وحصانتها. ثمَّ إِن ابْن دلغادر طلب الْأمان فأمن وَقدم إِلَى الْقَاهِرَة. وَفِيه أخرج الْأَمِير قطْلوبغا الْعمريّ الْحَاجِب والأمير أَحْمد بن أبي بكر بن أرغون النايب بعد مَا قطع لِسَان كل مِنْهُمَا وَنفي إِلَى الشَّام وَاسْتقر سعد الدّين بن الريشة نَاظر الدولة. وَاسْتقر عوضه فِي نظر الخزانة الْكُبْرَى فَخر الدّين بن السعيد. ثمَّ أضيف إِلَى الْفَخر بن السعيد نظر الْبيُوت عوضا عَن تَاج الدّين مُوسَى بن أبي شَاكر. وَتوجه الْأَمِير طقبغا رَسُولا إِلَى قبرص فَأدى رسَالَته وَعَاد فِي أول شهر رَمَضَان وَفِيه رسم بالإفراج عَن الْأَمِير طيبغا الطَّوِيل فَتوجه إِلَيْهِ الْأَمِير خَلِيل بن قوصون وَقدم بِهِ فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامنه فَأخْرج إِلَى الْقُدس بطالا. وَفِيه عزل جمال الدّين يُوسُف بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن مَحْمُود المرداوي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 292 قَاضِي الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق. وَاسْتقر عوضه شرف الدّين أَحْمد بن الْحسن بن عبد الله بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن قدامَة الْمَقْدِسِي الْمَعْرُوف بِابْن قَاضِي الْجَبَل. وعزل جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم بن عَليّ بن عبد الْملك المسلاتي قَاضِي الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق وَاسْتقر عوضه سرى الدّين أَبُو الْوَلِيد إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد هاني اللَّخْمِيّ الأندلسي وعزل شمس الدّين مُحَمَّد بن الحكري عَن قَضَاء الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة وَاسْتقر عوضه شمس الدّين مُحَمَّد بن خطيب أبرود. وَفِي يَوْم عيد الْفطر: رسم بالإفراج عَن الْأَمِير أرغون الأسعردي والأمير أروس المحمودي وَبَقِيَّة الْأُمَرَاء المسجونين فأفرج عَنْهُم وأخرجوا إِلَى الشَّام مُتَفَرّقين. وَفِي خامسه: قدم رَسُول الْملك أرخان بن عُثْمَان ملك الرّوم يخبر أَنه جهز مِائَتي غراب بحريّة نجدة للسُّلْطَان على متملك قبرص فَأُجِيب بالشكر وَالثنَاء وَأَنه لَا يَتَحَرَّك حَتَّى تقدم من ديار مصر الشواني. وَقدم الْخَبَر بمسير السُّلْطَان أويس من توريز إِلَى بَغْدَاد وَقَبضه على خواجا مرجان وسمل عَيْنَيْهِ وحبسه. وأَن حيار بن مهنا لما خرج عَن الطَّاعَة ثمَّ فر إِلَى الْعرَاق وطردت عربه من بِلَاد الشَّام خدم أويس زِيَادَة على سنتَيْن حَتَّى خَالف عَلَيْهِ خواجا مرجان بِبَغْدَاد وَقبض عَلَيْهِ فر مِنْهُ بعض أمرائه إِلَى حيار. فَلَمَّا طلبه مِنْهُ أويس لم يبْعَث بِهِ إِلَيْهِ فَبعث أويس يطرده من بِلَاده. فَسَار عَنْهَا وَسَأَلَ الْأَمِير عمر شاه نَائِب حماة أَن يشفع إِلَى السُّلْطَان فِيهِ ويسأله رد إقطاعه إِلَيْهِ فَكتب بذلك عمر شاه فَأُجِيب إِلَى قبُول شَفَاعَته وَأَن يجهزه إِلَى الْأَبْوَاب السُّلْطَانِيَّة صحبته. فَقدم الْأَمِير عمر شاه وَمَعَهُ الْأَمِير حيار فِي يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشره. وَقدم عقيب ذَلِك رَسُول السُّلْطَان أويس بِطَلَب الْأَمِير الَّذِي فر إِلَى حيار وَألا يُمكن أحدا فر من مَمْلَكَته أَن يعبر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 293 الشَّام ومصر فَلم يجب إِلَى قَصده. وخلع على حيار وَولده الْأَمِير نعير وخواصه وَفِي أول ذِي الْقعدَة: قدم رَسُول متملك ماردين بِأَن بيرم خجا التركماني تغلب على الْموصل مُنْذُ سِنِين وَبلغ عسكره نَحْو الثَّلَاثِينَ ألفا. فَلَمَّا أَخذ السُّلْطَان أويس نايبه مرجان بعث إِلَى الْموصل جَيْشًا ففر مِنْهُ بيرم خجا إِلَى بِلَاد الْعَجم وملكها أويس وَقد عزم على أَخذ ماردين وَمَتى ملكهَا تعدى مِنْهَا إِلَى حلب. وَطلب نجدة فَخرج من يكْشف عَن هَذَا الْأَمر. وقدمت أَيْضا رسل متملك جنوة بستين أَسِيرًا من أهل الْإسْكَنْدَريَّة وهدية للسُّلْطَان وللأمير يلبغا. وَذكر أَن هَذِه الأسرى كَانَت نصِيبه وَاعْتذر بِأَنَّهُ لم يعلم بواقعة الْإسْكَنْدَريَّة إِلَّا بعد وُقُوعهَا وَأَنه مُسْتَمر على الصُّلْح وَمَتى قدر على متملك قبرص قَبضه وَقَتله. فَقبلت هديته وَأثْنى الأسرى عَلَيْهِ خيرا وَأَن متملك قبرص لما عَاد من الْإسْكَنْدَريَّة قسم مَا غنمه مِنْهَا بَين مُلُوك الفرنج وَبعث بهؤلاء إِلَى متملك جنوة فعرضهم وتغمم لَهُم وَأحسن إِلَيْهِم وكساهم وأجرى لَهُم الرَّوَاتِب حَتَّى بعث بهم. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير حسام الدّين حُسَيْن بن الكوراني وَإِلَى الْقَاهِرَة. وَاسْتقر الْأَمِير الأكز الكشلاوي نايب الْإسْكَنْدَريَّة. وَنقل الشريف بَكتمُر مِنْهَا إِلَى ولَايَة الْبر بِالشَّام. وَقدم وَزِير متملك الْيمن بهدية من جُمْلَتهَا فيل. واستجد السُّلْطَان والياً بأسوان على إقطاع أَوْلَاد الْكَنْز وَلم يعْهَد مثل ذَلِك. فِيمَا سلف. وخلع على الحسام الْمَعْرُوف بِالدَّمِ الْأسود وَسلمهُ أَوْلَاد الْكَنْز المسجونين بِالْقَاهِرَةِ. وَسَار إِلَى قوص فسمرهم جَمِيعًا وَمضى بهم مسمرين من قوص إِلَى أسوان ووسطهم بهَا. فشق ذَلِك على أَوْلَادهم وعبيدهم واجتمعوا مَعَ العكارمة وَأتوا. فِي جمع كَبِير إِلَى أسوان. فَلَقِيَهُمْ الدَّم الْأسود وَقَاتلهمْ فهزموه وجرحوا عدَّة من مماليكه ومالوا على أهل أسوان يقتلُون وينهبون ويخربون الدّور ويحرقون بالنَّار حَتَّى أفنوا عدَّة من النَّاس وأسروا النِّسَاء وفعلوا كَمَا فعلت الفرنج بالإسكندرية وفيهَا قَامَ بمملكة الْيمن الْملك الْأَفْضَل عَبَّاس بن الْمُجَاهِد على بن الْمُؤَيد هزبر الدّين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 294 دَاوُد المظفر يُوسُف بن عمر بن على بن رَسُول بعد موت أَبِيه. وَاسْتقر شَيخنَا ضِيَاء الدّين عبد الله بن سعد العفيفي الْمَعْرُوف بقاضي قرم فِي مشيخة الخانكاه الركنية بيبرس من الْقَاهِرَة بعد موت الرضي. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الظَّاهِر الْمَعْرُوف بِابْن الشّرف الْحَنَفِيّ. خطب جَامع شيخو. وَمَات الْأَمِير بُطَا أحد أُمَرَاء الطبلخاناه. وَقَرَأَ على قَبره ألف ختمة بوصيته. وَمَات شهَاب الدّين أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن أَيُّوب العينتابي الْحلَبِي قَاضِي الْعَسْكَر بِدِمَشْق. برع فِي الْفِقْه وَشرح مجمع الْبَحْرين والمغنى فِي الْأُصُول. وَمَات الشَّيْخ خَلِيل الدّين بن إِسْحَاق الْمَعْرُوف بِابْن الجندي الْفَقِيه الْمَالِكِي صَاحب الْمُخْتَصر فِي الْفِقْه فِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشر شهر ربيع الأول وَدفن خَارج الْقَاهِرَة. أَخذ الْفِقْه على مَذْهَب مَالك عَن الشَّيْخ عبد الله المنوفي وبرع فِيهِ. وصنف مُخْتَصرا فِي الْفِقْه على طَريقَة الْحَاوِي فِي الْفِقْه على مَذْهَب الشَّافِعِي. وَشرح كتاب ابْن الْحَاجِب فِي الْفِقْه. وتصدر بعد المنوفي. بمجلسه من الْمدرسَة الصالحية بَين القصرين. وَكَانَ يرتزق من إقطاع لَهُ بالحلقة ثمَّ قَرَّرَهُ الْأَمِير شيخو فِي تدريس الْمَالِكِيَّة بخانكاته وَلم يزل بهَا حَتَّى مَاتَ. وَكَانَ عبدا صَالحا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 295 وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الْعَزِيز بن الْبَدْر بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم ابْن سعد الله بن جمَاعَة الْكِنَانِي الْحَمَوِيّ بمكى يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشر جُمَادَى الْآخِرَة ومولده فِي محرم سنة أَربع وَتِسْعين وسِتمِائَة بِدِمَشْق. سمع الْكثير عَن جمَاعَة كَثِيرَة وَحدث بِأَكْثَرَ مسموعاته. وَقَرَأَ الْفِقْه والْحَدِيث وَأفْتى ودرس وخطب وَولي قَضَاء الْقُضَاة بديار مصر تسعا وَعشْرين سنة بِأَحْسَن سيرة وَأجل طَريقَة. ثمَّ ترك ذَلِك تنزهاً وَتَعَفُّفًا وجاور بِمَكَّة فَقضى بهَا نحبه. رَحمَه الله. وَتُوفِّي الْملك الْمُجَاهِد سيف الدّين على ابْن الْمُؤَيد هزبر الدّين دَاوُد ابْن المظفر شمس الدّين وَتُوفِّي شمس الْأَئِمَّة مَحْمُود بن خَليفَة مدرس الْحَنَفِيَّة بِالْمَدْرَسَةِ الناصرية حسن. وَتُوفِّي الرضي شيخ الخانكاه الركنية بيبرس فِي لَيْلَة الْجُمُعَة حادي عشْرين رَجَب. وَمَات الْأَمِير ملكتمر المارديني رَأس نوبَة الجمدارية أحد مقدمى الألوف فِي يَوْم الْأَحَد حادي عشر جُمَادَى الْآخِرَة. وَمَات الْأَمِير أرغون الْعزي بِدِمَشْق. وَمَات الْأَمِير أرغون البَكتمري أحد رُءُوس النوب. وَمَات الْأَمِير أروس الْعُزَّى أحد الطبلخاناه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 296 (سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة) فِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث الْمحرم: قدمت رسل الْملك الْأَفْضَل عَبَّاس بن الْمُجَاهِد صَاحب الْيمن بهدية سنية على الْعَادة وهم وزيره شرف الدّين حُسَيْن بن عَليّ الفارقي وأمير أخوره نَاصِر الدّين. فوقفوا بَين يَدي السُّلْطَان وأدوا رسالتهم ثمَّ أنزلوا فِي الميدان الْكَبِير على شاطىء النّيل وَقدمُوا هَدِيَّة مرسلهم فِي يَوْم السبت خامسه. وفيهَا فرس لَيْسَ لَهُ ذكر وَلَا أنثيين وَإِنَّمَا يَبُول من ثقب فَقبلت. وَفِي تَاسِع صفر: اسْتَقر الْأَمِير طَيبغا الطَّوِيل فِي نِيَابَة حماة. واستدعى الْأَمِير منكلى بغا الشمسي نَائِب الشَّام فَقدم فِي محفة لتوعك بِهِ فَأكْرمه السُّلْطَان وخلع عَلَيْهِ. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشْرين صفر: خلع على الْأَمِير منكلى بغا الشمسي وَاسْتقر فِي نِيَابَة حلب عوضا عَن جرجي الإدريسي. فَصَارَت نِيَابَة حلب أكبر رُتْبَة من نِيَابَة دمشق وأضيف من عَسْكَر دمشق إِلَى حلب أَرْبَعَة آلَاف فَارس. وخلع على الْأَمِير أقتمُر عبد الْغَنِيّ وَاسْتقر فِي نِيَابَة دمشق. وخلع على الْأَمِير طيبغا العلاي أستادار الْأَمِير يلبغا الأتابك وَاسْتقر حَاجِب الْحجاب عوضا عَن أقتمر عبد الْغَنِيّ وَنزل الثَّلَاثَة بتشاريفهم من القلعة. وَاسْتقر جمال الدّين عبد الله بن نجم الدّين عمر بن الْجمال مُحَمَّد بن الْكَمَال عمر ابْن أَحْمد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن هبة الله بن أَحْمد بن يحيى بن العديم الْحَنَفِيّ فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بحماة بعد وَفَاة أَمِين الدّين عبد الْوَهَّاب بن أَحْمد بن وهبان. وَاسْتقر جمال الدّين عبد الله بن الْكَمَال مُحَمَّد بن الْعِمَاد إِسْمَاعِيل بن التَّاج أَحْمد بن سعيد بن الْأَثِير فِي كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق عوضا عَن فتح الدّين أبي بكر مُحَمَّد بن عُثْمَان بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد ابْن الشَّهِيد. ورسم لِلْأُمَرَاءِ جَمِيعًا بِأَن يسكنوا بقلعة الْجَبَل على مَا جرت بِهِ الْعَادة الْقَدِيمَة فِي الْأَيَّام الناصرية مُحَمَّد بن قلاوون فسكن بَعضهم. وَاسْتقر شهَاب الدّين أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن عمر الْمَعْرُوف بِابْن زُبَيبَة الْحَنَفِيّ قَاضِيا بالإسكندرية زِيَادَة على قاضيها جمال الدّين بن الربعِي الْمَالِكِي وَلم يعْهَد قبل ذَلِك بالإسكندرية قاضيان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 297 وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ تَاسِع عشر ربيع الأول: قبض الْأَمِير يلبغا الأتابك على الْأَمِير الطواشي سَابق الدّين مِثْقَال الآنوكي مقدم المماليك السُّلْطَانِيَّة وضربه نَحْو ستماية ضَرْبَة بالعصى وَأخرجه إِلَى أسوان منفياً لكَلَام نقل لَهُ عَنهُ. وَولى عوضه الطواشي ظهير الدّين مُخْتَار الْمَعْرُوف بشاذروان مقدم المماليك. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير أرغون الأزقي فِي نِيَابَة غَزَّة عوضا عَن ألطبغا البشتكي. وَفِي ثَانِي عشرينه: أخرج الْأَمِير أرغون الأحمدي اللالا منفياً وَأخرج أَيْضا الْأَمِير تمرقيا الْعمريّ منفياً فتوجها إِلَى الشَّام وخلع على الْأَمِير أقبغا حلب الأحمدي وَاسْتقر لالا السُّلْطَان. وَفِيه رسم للأمير طيبغا حَاجِب الْحجاب بِعرْض أجناد الْحلقَة فاستدعاهم وَجلسَ لعرضهم جَزِيرَة أروى حَيْثُ تعْمل الشواني الحربية وتشدد عَلَيْهِم وَقطع مِنْهُم جمَاعَة فِي عدَّة أَيَّام حَتَّى عرض مِنْهُم نَحْو ثلثيهم ثمَّ كَانَ مَا يَأْتِي ذكره. إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَفِي تَاسِع عشرينه: اسْتَقر الْأَمِير قُطْلُوبك السيفي وَالِي قوص عوضا عَن الْأَمِير شهَاب الدّين قرطاي. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كملت عمَارَة الشواني البحرية وعدتها ماية قِطْعَة مَا بَين غربان وطرايد فاستخدم الْأَمِير يلبغا لَهَا من الرِّجَال مَا يكفيها وجمعهم مَا بَين مغاربة وتراكمين وصعايدة ورتب لَهُم رؤوساء ونقباء وَأنْفق فيهم المعاليم المقررة وشحن الأغربة بِالْعدَدِ الحربية وَجَمِيع آلَات السِّلَاح. فَلَمَّا تهيأت كلهَا فرقها الْأَمِير يلبغا على الْأُمَرَاء فتسلم كل أَمِير مَا خصّه من الشواني وزينها بأعلامه وَأقَام فِيهَا الطبول والأبواق وَأنزل بهَا عدَّة من مماليكه وَقد ألبسهم آلَة الْحَرْب وَأمرهمْ بِالْمَسِيرِ فِيهَا للغزو إِذا سَارَتْ. ثمَّ ركب السُّلْطَان والأمير يلبغا وَسَائِر أُمَرَاء الدولة وأعيانها لرؤية الشواني وَقد كملت وَتمّ أمرهَا وتهيأت رِحَالهَا وَخرج النَّاس من أقطار الْمَدِينَة وَأتوا من كل جِهَة فِي يَوْم السبت رَابِع عشْرين ربيع الأول. فَسَار السُّلْطَان بعساكره من القلعة إِلَى جَزِيرَة أروى وَركب الحراقة وَقد امْتَلَأت تِلْكَ الْأَرَاضِي بِالنَّاسِ. فَقدمت الشواني ولعبت رجالها بالآلات الحربية كَمَا يفعل عِنْد لِقَاء الْعَدو ودقت كوساتها ونفخت بوقاتها وأفلتت النفوط فَكَانَ أمرا مهولاً ومنظراً جميلاً وأمراً حسنا لَو تمّ. فَلَمَّا انْقَضى ذَلِك توجه السُّلْطَان فِي الحراقة حَتَّى نزل من بولاق التكروري وخيم بِمَنْزِلَتِهِ من بر الجيزة على الْعَادة. وَمضى الْأَمِير يلبغا لتصيد فِي جَزِيرَة القط وأقيم الْأَمِير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 298 عمر بن أرغون النايب بقلعة الْجَبَل نايب الْغَيْبَة وَأقَام الْأَمِير طيبغا حَاجِب الْحجاب بِجَزِيرَة وَكَانَ الْأَمِير يلبغا - لأمر يُريدهُ الله تَعَالَى - قد شحت نَفسه وَسَاءَتْ أخلاقه فَاجْتمع مماليكه الأجلاب إِلَى رُؤُوس النوب وَشَكوا مَا يلقوه من الْأَمِير يلبغا وَأَنه يجفوهم ويهينهم ويبالغ فِي معاقبة أحدهم على الذَّنب الْيَسِير حَتَّى أَنه ضرب عدَّة مِنْهُم بالمقارع وَقطع أَلْسِنَة جمَاعَة وَأَنَّهُمْ قد صَارُوا يدا وَاحِدَة يُرِيدُونَ قَتله وَقتل من لم يوافقهم على ذَلِك فَأَشَارَ الأكابر مِنْهُم عَلَيْهِم بالتمهل قَلِيلا حَتَّى يَأْخُذُوا مَا عِنْد الْأَمِير يلبغا وحدثوه فِي شَأْنهمْ وانتدب مِنْهُم الْأَمِير أسندمر الناصري والأمير أقبغا جلب الأحمدي والأمير قجماس الطازي والأمير تغرى برمش العلاي والأمير أقبغا جركس أَمِير سلَاح والأمير قرابغا الصرغتمشي ومضوا إِلَى الْأَمِير يلبغا وحدثوه فِي أَمر المماليك وسألوه الرِّفْق بهم فجبههم ورد عَلَيْهِم ردا جَافيا وتهددهم وَحلف بالأيمان الحرجة أَنه لابد من ضرب جمَاعَة من مماليكه بالمقارع وإشهارهم فِي الوطاق. فشق ذَلِك عَلَيْهِم وَخَرجُوا من بَين يَدَيْهِ وَقد توغرت صُدُورهمْ. وَحَدثُوا إخْوَانهمْ من المماليك بِمَا كَانَ من الْأَمِير يلبغا واتففو جَمِيعًا على الفتك بِهِ وتحالفوا على ذَلِك ولبسوا سِلَاحهمْ فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء خَامِس ربيع الآخر وكبسوا مخيم يلبغا وَأَحَاطُوا بِهِ ليأخذوه. فَمضى إِلَيْهِ بعض خواصه مِنْهُم وأعلمه الْخَبَر. فبادر إِلَى الْفِرَار على فرس وَقصد بولاق التكروري فِي نفر من خاصته وَبعث إِلَى الْأَمِير طيبغا حَاجِب الْحجاب يُعلمهُ بِمَا هُوَ فِيهِ فَلم يشْعر الْحَاجِب وَقد جلس بكرَة يَوْم الْأَرْبَعَاء لعرض الأجناد على عَادَته وهم مِنْهُ على تخوف أَن يقطعهم كَمَا فعل بغيرهم إِذْ جَاءَهُ أحد مماليك يَلبغا وَأسر إِلَيْهِ طَويلا. ثمَّ قَامَ عَنهُ. وَقد تغير حَاله فَأمر الأجناد بالإنصراف وأبطل عرضهمْ. وَركب إِلَى دَاره فَلبس آلَة الْحَرْب هُوَ ومماليكه. وَعَاد إِلَى الجزيرة وَتقدم بِطَلَب أجناد الْحلقَة وَمن تَأَخّر بِالْقَاهِرَةِ من الْأُمَرَاء فَأتوهُ فِي السِّلَاح وَقد ارتجت الْقَاهِرَة بِأَهْلِهَا وَخرجت الْعَامَّة من كل مَوضِع إِلَى الجزيرة وَمَا حولهَا وَمنع أَرْبَاب المراكب النيلية أَن يعدوا بِأحد النّيل من البرين. وجمعت المراكب كلهَا إِلَى بر مصر وضموا الشواني الحربية وألقوا مراسيها فِي وسط النّيل وأخرجوا مِنْهَا رجالها. وَتقدم حَاجِب الْحجاب إِلَى فتح الدّين صَدَقَة وَلَيْسَ الحراقة السُّلْطَانِيَّة أَن يخرج الحراقة الذهبية من بر الجيزة وَلَا يعدى إِلَّا بالسلطان والأمير يلبغا فَقَط وَمن يصحبهما. وَكَانَ الْأَمِير عمر ابْن النَّائِب - نَائِب الْغَيْبَة - قد أغلق أَبْوَاب القلعة وألبس من بهَا من مماليك السُّلْطَان السِّلَاح وأقامهم على الأسوار واستعد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 299 وَأما يلبغا فَإِنَّهُ سَار لَيْلَة من جَزِيرَة القط إِلَى بولاق التكروري فَلم يأتها إِلَّا عِنْد نصف النَّهَار من يَوْم الْأَرْبَعَاء. فَلم يجد مركبا يعدى بِهِ النّيل إِلَّا الحراقة الذهبية فَعدى فِيهَا وَقد عرفه الرايس صَدَقَة حَتَّى وافى حَاجِب بالجزيرة وَمن انْضَمَّ إِلَيْهِ من الْأُمَرَاء والأجناد فأكد فِي الْمَنْع بالتعدية بِأحد من بر الجزيرة. وَسَار فِي جحفل كَبِير إِلَى القلعة فَمَنعهُمْ نايب الْغَيْبَة من دُخُولهَا وَرَأَوا منعتها عَلَيْهِم بِمن فَوْقهَا من الْمُقَاتلَة فَعَاد عَنْهَا يجمعه من منزله بالكبش وظل فِيهِ بَقِيَّة نَهَاره وَبَات لَيْلَة الْخَمِيس وَقد رَجَعَ الْأَمِير طيبغا حَاجِب الْحجاب إِلَى الجزيرة لحراسة المعادي. وَأما المماليك لما بَلغهُمْ فرار يلبغا نادوا من أَرَادَ مخدومه يلبغا فليتبعه وَمن أَرَادَ السُّلْطَان فَليقمْ مَعنا. فتبع يلبغا طايفة وَتَأَخر أَكْثَرهم فأسرع الْقَوْم إِلَى من فارقهم وأخذوهم وقيدوهم واقتسموا جَمِيع مَا مَعَهم. وتجمعوا بأسرهم عِنْد وطاق السُّلْطَان ونزلوا عَن خيولهم ومثلوا بَين يَدَيْهِ وقبلوا الأَرْض وأعلموه بِمَا كَانَ من يلبغا فِي حَقهم وَمَا رده من الْكَلَام الجافي عَلَيْهِم وسألوه نصرتهم عَلَيْهِ فَوَعَدَهُمْ بِخَير وقوى عزايمهم فَحَلَفُوا لَهُ. ثمَّ سَارُوا بِهِ إِلَى بولاق التكرووي فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء حَتَّى وافى شط النّيل فَلم يجد مراكب يعدى بهَا النّيل فخيم هُنَاكَ بِمن مَعَه وَنُودِيَ بِالْإِقَامَةِ ثَلَاثَة أَيَّام. وكتبت البطايق إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة ودمياط ورشيد والبرلسي على أَجْنِحَة الْحمام بقدوم من بهَا من الْأُمَرَاء والأجناد المركزين فِي اليزك على الْعَادة لحفظ الثغور من الفرنج. وَكتب بِحُضُور من بِالْوَجْهِ القبلي وَالْوَجْه البحري أَيْضا فقدموا شَيْئا بعد شَيْء. وَأخذ وُلَاة الجيزة فِي جمع المراكب من شاطىء النّيل فَجمعُوا مِنْهَا عدَّة ركب بهَا طَائِفَة فِي اللَّيْل. وَأخذُوا كثيرا من الشواني الحربية الَّتِي فِي وسط النّيل وضموا بهَا مَا بقى مِنْهَا وصاروا بهَا جَمِيعًا إِلَى بولاق التكروري وفيهَا آلَات الْحَرْب فَمَا طلع النَّهَار حَتَّى زينت ونصبت عَددهَا وعمرت بِالرِّجَالِ البحرية والمماليك السُّلْطَانِيَّة فَكَأَن الْأَمِير يلبغا إِنَّمَا تَعب فِيهَا لتَكون مقاتلة لَهُ ومزيلة نعْمَته وسالبة لملكه. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْخَمِيس: ركب الْأَمِير يلبغا فِي عَسْكَر موفور إِلَى الجزيرة فبرزت إِلَيْهِ الشواني من بر الجيزة حَتَّى صَارَت فِي وسط النّيل ورمته المماليك السُّلْطَانِيَّة مِنْهَا بِالسِّهَامِ والنفط فمازال الْقَوْم يترامون نهارهم ثمَّ أَمر يلبغا فجيء إِلَيْهِ بالخليفة وآنوك ابْن حُسَيْن بن مُحَمَّد بن قلاوون. وَطلب يلبغا من الْخَلِيفَة أَن يُفَوض إِلَيْهِ السلطة عوضا عَن أَخِيه شعْبَان بن حُسَيْن فَامْتنعَ الْخَلِيفَة من ذَلِك. وَاحْتج بِأَن الشَّوْكَة للأشرف شعْبَان فَأمر يلبغا بالكوسات فدقت وَأقَام شعار السلطنة كُله وَقَالَ: أَنا أعينه وأؤيده. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 300 وَمن الشَّوْكَة غَيْرِي فَلم يجد الْخَلِيفَة بدا من سلطة آنوك فأقاموه سُلْطَانا ولقبوه بِالْملكِ الْمَنْصُور وأركبوه بالشعار السلطاني. واشتدت الْحَرْب بَين الْفَرِيقَيْنِ يَوْم الْخَمِيس وَلَيْلَة الْجُمُعَة. وَجلسَ الْمَنْصُور آنوك بكرَة يَوْم الْخَمِيس وَبَين يَدَيْهِ أَرْبَاب الدولة من الْأُمَرَاء وأرباب الأقلام على الْعَادة. فَلَمَّا انْقَضتْ الْخدمَة ركب بالعساكر مَعَ الْأَمِير يلبغا للحرب. وَاسْتمرّ الرَّمْي من الشواني طول النَّهَار إِلَى نصف نَهَار يَوْم السبت. ثمَّ نزل عدَّة من الأشرفية فِي أَرْبَعَة شواني يُرِيدُونَ جِهَة الرَّوْضَة فندب يلبغا جمَاعَة من أَصْحَابه إِلَى جهتهم حَتَّى يمنعوهم الصعُود إِلَى الْبر. ثمَّ خرجت ثَلَاث طرايد أَيْضا وَمَضَت من بولاق التكروري تُرِيدُ جِهَة جَزِيرَة الْفِيل وشبرا فسير إِلَيْهِم يلبغا طَائِفَة أُخْرَى تمنعهم النُّزُول إِلَى الْبر وَمِنْهُم الْأَمِير طغاي تمر النظامي والأمير قرابغا البدري والأمير طيبغا المجدي فَالْتَقوا قَرِيبا من الْوراق. وَصَارَ البدري والنظامي فِي جلة الأشرفية فبعثوا بهما إِلَى بولاق التكروري. وَنزل الأشرفية إِلَى نَاحيَة شبْرًا فِي نَحْو ثَلَاثَة آلَاف فملكوا الْبر الشَّرْقِي. هَذَا وأسواق الْقَاهِرَة طول هَذِه الْأَيَّام مغلقة والأسباب متعطلة وَلَيْسَ للنَّاس شغل سوى التفرج فِي شاطىء النّيل على المقاتلين من السُّلْطَانِيَّة واليلبغاوية وصاروا يلهجون كثير بقَوْلهمْ. السُّلْطَان الجزيرة مَا يُسَاوِي شعيرَة. يُرِيدُونَ أَن أَمر آنوك لَا يتم ويهزأون بِهِ وَصَارَ الْأَمِير قجماس الطازي يمر فِي قَارب لطيف وَمَعَهُ طَائِفَة حَتَّى يقرب من الْبر ويرمى بالنشاب فيرموه أَيْضا ويتسابقوا وتعصبت الْعَامَّة للسُّلْطَان وَعمِلُوا لَهُم رايات وسبحوا النّيل إِلَيْهِ وصاحوا عِنْده السُّلْطَان مَنْصُور فَأخذ أَمر يلبغا ينْحل. فَلَمَّا قدم البدري والنظامي على السُّلْطَان. وأعلماه بِأخذ السُّلْطَانِيَّة الْبر الشَّرْقِي. وتفرق اليلبغاوية فِي طلب الشواني وأشارا عَلَيْهِ بتعدية النّيل. ركب فِي بَقِيَّة الأغربة بِمن مَعَه وَمضى إِلَى جِهَة شبْرًا والعامة تحاذيه من البرين وتستغيث بِالدُّعَاءِ لَهُ. حَتَّى نزل شبْرًا والتفت عَلَيْهِ جموعه فَسَار يُرِيد القلعة فتسلل أَصْحَاب يلبغا عَنهُ طَائِفَة بعد طَائِفَة. فَلم يجد يلبغا بدا من الْفِرَار وَتوجه يُرِيد القلعة. وَقد فر عَنهُ من كَانَ قد بَقِي مَعَه من الْأُمَرَاء وهم يَعْقُوب شاه وأرغون ططر وبيبغا العلاي الدوادار وخليل بن قوصون وأقبغا الْجَوْهَرِي وكمشبغا وبيبغا شقير وأينبك. وَلَحِقُوا جَمِيعهم بالسلطان وَلم يتَأَخَّر مَعَ يلبغا سوى علاي الدّين طيبغا حَاجِب الْحجاب. وَكَانَ الْعَامَّة قد لقبوه قنصا ونسن. وفر مماليكه شَيْئا بعد شَيْء. فأيقن بالزوال. وَبعث بسُلْطَان الجزيرة آنوك إِلَى القلعة وأصعد بكوساته إِلَى الطبلخاناه وَنزل عَن فرسه تَحت الميدان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 301 بسوق الْخَيل وَصلى رَكْعَتَيْنِ وَحل سَيْفه من وَسطه. وَأمر طيبغا حَاجِب الْحجاب أَن يمْضِي بِهِ ثمَّ ركب فرسه وَمضى إِلَى دَاره بالكبش وَلم يبْق مَعَه إِلَّا دون الْمِائَة فَارس والعامة تهزأ بِهِ وتسبه وترجمه بِالْحِجَارَةِ حَتَّى وصل دَاره. وَقدم السُّلْطَان إِلَى القلعة فِي عساكره وعساكر يلبغا وعالم كَبِير من الْعَامَّة. فَدخل من بَاب الإصطبل أول لَيْلَة الْأَحَد فَنزل عِنْد بَابه. والكوسات تدق والعساكر واقفة تَحت القلعة فِي الرميلة. ثمَّ أَمر بإحضار يلبغا فأحضر إِلَيْهِ فِي الْحَال مَعَ عدَّة من الْأُمَرَاء والمماليك المتوجهين إِلَيْهِ من قبل السُّلْطَان وأحضر مَعَه طيبغا حَاجِب الْحجاب فحبسا بالقلعة فَخَشِيت المماليك مِنْهُ أَن يفرج السُّلْطَان عَنهُ فيبيدهم فصاروا بأجمعهم إِلَى أكابرهم والأعيان مِنْهُم وهم الْأَمِير أسنَدُمر والأمير أَقبُغا حَلَب والأمير قجْماس. ومازالوا بهم حَتَّى طلبُوا من السُّلْطَان أَن يُمكنهُم مِنْهُ فخلاهم وإياه فأخرجوه من السجْن وَمَشوا بِهِ حَتَّى قرب من بَاب السلسلة قدم لَهُ فرس لركبه فعندما أَرَادَ ركُوبه بدره من مماليكه قراتَمُر ألْقى رَأسه عَن بدنه واقتحم بَقِيَّتهمْ عَلَيْهِ بسيوفهم حَتَّى أتلفوا شلوه. وحملوا رَأسه إِلَى السُّلْطَان وَبَين يَدَيْهِ مشعل قد أضرمت ناره وَعلا لهبه فَألْقوا الرَّأْس فِي النَّار ثمَّ أَخْرجُوهُ وغسلوه فَعرفهُ من هُنَالك بسلعة كَانَت تَحت أُذُنه. وحملت جثته إِلَى خلف القلعة. فَعِنْدَ ذَلِك قَامَ السُّلْطَان وَصعد إِلَى قصره من القلعة فَأخذ الْأَمِير طاش تَمُر - دوادار يلبغا - الرَّأْس وتتبع الجثة حَتَّى وجدهَا فِي ليلته. ثمَّ غسل الْجَمِيع وَدَفنه بتربته الْمَعْرُوفَة بتربة يَلْبُغا خَارج بَاب المحروق من الْقَاهِرَة وَذَلِكَ لَيْلَة الْأَحَد عَاشر شهر ربيع الآخر. واستمرت الكوسات تدق طول تِلْكَ اللَّيْلَة والعساكر واقفة تَحت القلعة حَتَّى أصبح نَهَار الْأَحَد صعدوا إِلَى الْخدمَة بالقلعة وَقد تعين مِنْهُم الْأَمِير أقبغا الجلب والأمير أسندمر والأمير قجماس وَأخذُوا فِي تَدْبِير أُمُور الدولة وقبضوا على الْأَمِير قرابغا البدري والأمير يَعْقُوب شاه والأمير يَلْبُغا الدوادار وقيدوهم وبعثوا بهم فحبسوا بالإسكندرية وألزم الْأَمِير خَلِيل ابْن قوصون بِأَن يُقيم فِي دَاره بطالا. هَذَا وَقد امتدت أَيدي الْعَامَّة وأسافل الأجناد إِلَى بيُوت الْأَعْيَان فنهبوها بِحجَّة أَنهم من حَوَاشِي يلبغا حَتَّى شنع الْأَمر فِي ذَلِك. ونهبوا بَيت الْأَمِير فَخر الدّين ماجد بن قزوينة وبيوت ألزامه وَأَتْبَاعه ونهبوا بَيت الْأَمِير علاي الدّين وَالِي الْقَاهِرَة. وَصَارَ من يُرِيد أَن يبلغ عَن عدوه مَا يُرِيد يَقُول عَنهُ أَنه يلبغاوي فَمَا هُوَ إِلَّا أَن تسمع الْعَامَّة عَنهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 302 ذَلِك وَإِذا بهم أَتَوا كَأَنَّهُمْ جَراد منتشر فَمَا يعفوا وَلَا يكفوا. وَإِن صدفوا فِي طريقهم أحدا سلبوه ثِيَابه. فَحل بِالنَّاسِ من هَذَا بلَاء لايمكن وَصفه وتخوف كل أحد أَن يُصِيبهُ بلاؤهم. فتنهب دَاره ثمَّ تخرب وتتفرق آلاتها فِي الْأَيْدِي كَمَا فعل بجاره أَو قَرِيبه أوصديقه. فَلَمَّا تجَاوز الْعَامَّة فِي إفسادهم الْمِقْدَار ركب الْأَمِير ضروط الْحَاجِب وَمَعَهُ وَالِي الْقَاهِرَة فِي عَشِيَّة النَّهَار وَنُودِيَ بالأمان. وَأَن غَرِيم السُّلْطَان قد أمسك وَمن تعرض لأحد من النَّاس أَو نهب شَيْئا حل مَاله وَدَمه للسُّلْطَان وشق فانكفوا عَن فسادهم. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ حادي عشره: جلس السُّلْطَان بدار الْعدْل من القلعة على الْعَادة وخلع على الْأَمِير قشتمر المنصوري. وَاسْتقر حَاجِب الْحجاب. وخلع على الْأَمِير أيدَمر الشَّامي وَاسْتقر مقدم ألف نَاظر الأحباس دوادارا كَبِيرا وعَلى الْأَمِير قجماس الطازي. وَاسْتقر أَمِير سلَاح. وعَلى الْأَمِير ضروط وَاسْتقر حاجباً عوضا عَن يَعْقُوب شاه. وعَلى الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن قماري. وَاسْتقر أَمِير شكار عوضا عَن جمال الدّين عبد الله بكتَمر الْحَاجِب. وخلع على الْوَزير فَخر الدّين ماجد بن قزوينة وَاسْتمرّ على عَادَته وَقبض على الْأَمِير أرغون الْعزي والأمير أرغون الأرغوني والأمير أزدَمُر الْعزي أَبُو دقن والأمير يُونُس الْعمريّ الرماح والأمير أقبغا الْجَوْهَرِي والأمير كمشبغا الْحَمَوِيّ الْأَمِير نوبَة يلبغا. وسجنوا بالقلعة ماعدا كمشبغا الْحَمَوِيّ وأقبغا الْجَوْهَرِي فَإِنَّهُمَا سجنا بخزانة شمايل. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي عشره: قبض على الْأَمِير آَينبك البدري فَصَالح عَن نَفسه بِأَن ينْفق على المماليك الأجلاب من مَاله فأنفق فيهم وَكَانُوا ألفا وثماني ماية مَمْلُوك وعَلى كل مَمْلُوك مِنْهُم ألف دِرْهَم فضَّة عَنْهَا يَوْمئِذٍ زِيَادَة على خمسين مِثْقَالا من الذَّهَب وَحمل مَالا جزيلاً إِلَى الْأُمَرَاء حَتَّى أُعِيد إِلَيْهِ إقطاعه. وَفِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء ثَالِث عشره: توجه الْأَمِير تغرى برمش بعدة من الْأُمَرَاء والمماليك الْمَقْبُوض عَلَيْهِم إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجنوا بهَا. وَفِي الْخَمِيس رَابِع عشره: قدم الْأَمِير ألطنبغا البشتَكي نَائِب غَزَّة. وَفِي لَيْلَة السبت سادس عشره: أخرج كمشبغا الْحَمَوِيّ وأقبغا الْجَوْهَرِي من خزانَة شمايل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 303 وَفِي يَوْم السبت: الْمَذْكُور خُلع على الْأَمِير طيدَمُر البالسي وَاسْتقر أستادار على الْأَمِير قرابغا الصَرْغَتمشي أحد العشرات بتقدمة ألف. وَفِي عشرينه: خلع على الْأَمِير أَسنبغا القوصوني وَاسْتقر لالا عوضا الأحمدي وَاسْتقر قراتمر المحمدي خازندار عوضا عَن ملكتمُر المحمدي. وَفِيه قدم الطواشي سَابق الدّين مِثْقَال الآنوكي من قوص فقربه وأكرمه. وَنُودِيَ فِي النَّاس: من قطع طيبغا حَاجِب الْحجاب خبزه وَقت الْعرض فليحضر وَيَأْخُذهُ. فَاجْتمع كثير مِنْهُم فِي دَار الْأَمِير قَشْتَمُر حَاجِب الْحجاب فَرد إِلَيْهِم أخبازهم. وَفِيه كثرت المرافعات على الْأَمِير آينبك فَرد إِلَى جمَاعَة كَبِيرَة مَا كَانَ أَخذ مِنْهُم أَيَّام يلبغا. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشر جُمَادَى الأولى: خلع على الْوَزير فَخر الدّين ماجد ابْن قزوينة وَلم يقدر على أَخَوَيْهِ سعد الدّين وَعلم الدّين إِبْرَاهِيم. وعزل الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن كلفت شاد الدَّوَاوِين وَقبض عَلَيْهِ وعَلى أَخِيه زين الدّين رَجَب. وخلع على فَخر الدّين ماجد - ويدعى عبد الله بن التَّاج مُوسَى ويدعى مَالك الرّقّ ابْن أبي شَاكر كَاتب الْأَمِير يلبغا وَاسْتقر فِي الوزارة وَنظر الْخَاص عوضا عَن الْفَخر بن قزوينة. وخلع على الْأَمِير صَلَاح الدّين خَلِيل بن عرام وَاسْتقر شاد الدَّوَاوِين وسُلم ابْن قزوينة للأمير قرابغا الصرغتمشي ليستخلص أَمْوَاله. وَفِي سادس عشره: خلع على الطواشي سَابق الدّين مِثْقَال الآنوكي وَاسْتقر مقدم المماليك على عَادَته. وَفِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشره: نزل جمَاعَة الْأُمَرَاء من القلعة إِلَى الْمدرسَة المنصورية فَحَلَفُوا بهَا وخلع عَلَيْهِم بالشرابيش على الْعَادة وركبوا إِلَى القلعة وَقد زينت الْقَاهِرَة لَهُم فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَفِيه نقل الْأَمِير عَلَاء الدّين وَالِي الْقَاهِرَة إِلَى مصر، وَاسْتقر عوضه فِي ولَايَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 304 الْقَاهِرَة الشريف بكتمُر فُسر النَّاس بعزله وَزَوَال دولة يلبغا وَقبض ابْن قزوينة وأبقوا الزِّينَة يومهم كُله. وَفِي ثامن عشره: قدمت رسل متملك جنوة من بِلَاد الفرنج يسْأَل أَن تمكن تجارهم فِي الْقدوم إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة على عَادَتهم فأجيبوا إِلَى ذَلِك. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سادس عشر شهر رَجَب: ركب الْأُمَرَاء للحرب بِالسِّلَاحِ ووقفوا تَحت القلعة وَكَانَ قد أشيع أَن الأجلاب اليلبغاوية يُرِيدُونَ الْحَرْب وَقبض الْأُمَرَاء وأَول مَا بدأوا بِهِ أَن قبضوا على الْأَمِير قرابغا الصرغتمشي وحبسوه وَأَقَامُوا على تخوف هَذَا وَقد تفاحش أَمر الأجلاب بِحَيْثُ سلبوا النَّاس فِي الطرقات وهجموا الحمامات على النِّسَاء وأخذوهن بالقهر وقصدوا أَرْبَاب الْأَمْوَال بالأذى حَتَّى شَمل الْخَوْف النَّاس. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الثُّلَاثَاء حادي عشرينه: ركب الْأَمِير تغرى بَرْمِش للحرب فِي جمَاعَة كَبِيرَة من الأجلاب فَركب الْأُمَرَاء لحربهم وقبضوا على تغرى برمش الْمَذْكُور وعَلى الْأَمِير آيْنَبَك البدري والأمير قرابغا الْعُزَّى والأمير مُقبل الرُّومِي وَإِسْحَاق الرَّحبِي وبعثوا بهم إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وقبضوا أَيْضا عدَّة من الأجلاب ونفوهم من أَرض مصر. وَفِي سادس عشرينه: أنعم على الْأَمِير أقطاى بتقدمة ألف وعَلى الْأَمِير قطلوبُغا جركس بتقدمة ألف وَكَانَ الْأَمِير أسندمر قد صَار فِي رُتْبَة أستاذه يلبغا وَإِلَيْهِ تَدْبِير أُمُور الدولة وَعنهُ يصدر ولَايَة أَرْبَابهَا وعزلهم وَسكن فِي دَار يلبغا بالكبش. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْأَحَد سَابِع شَوَّال: بلغ الْأَمِير أسندَمُر أَن جمَاعَة من الْأُمَرَاء قد اتَّفقُوا على الفتك بِهِ وبالأجلاب وهم أعضاده وبهم يصول. فَخرج لَيْلًا من دَاره إِلَى دَار الْأَمِير قجماس الطازي وبذل لَهُ مَالا كَبِيرا حَتَّى استماله إِلَيْهِ. ثمَّ فَارقه وَفِي ظَنّه أَنه قد صَار مَعَه وَلم يكن كَذَلِك. وَعَاد إِلَى منزله بالكبش واستدعى خواصه من اليلبغاوية وَقرر مَعَهم أَنه إِذا ركب للحرب يقتل كل وَاحِد مِنْهُم أَمِيرا أَو يقبض عَلَيْهِ وبذل لَهُم مَالا كَبِيرا حَتَّى وافقوه وَمَا هُوَ إِلَّا أَن خرج أسنَدمر من عِنْد قجماس ليدبر مَا قد ذكر مَعَ الأجلاب. ركب قجماس إِلَى جمَاعَة من الْأُمَرَاء وَقرر مَعَهم الْقَبْض على أسنَدمُر فَرَكبُوا مَعَه للحرب ووقفوا تَحت القلعة فَنزل السُّلْطَان فِي الْحَال إِلَى الإصطبل ودقت الكوسات حَرْبِيّا. وَأما أسندمر فَإِنَّهُ بَات هَذِه اللَّيْلَة فِي إصطبله حَتَّى طلعت الشَّمْس ركب من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 305 الْكَبْش بِمن مَعَه من اليلبغاوية وَغَيرهم وَمضى نَحْو القرافة وَمر من وَرَاء القلعة حَتَّى وافاهم من تَحت دَار الضِّيَافَة ووقف تَحت الطلبخاناه فَالتقى مَعَ الْأُمَرَاء واقتتلوا فَهَزَمَهُمْ بِمن كَانَ قد دبر مَعَهم من اليلبغاوية فِي اللَّيْل قبض الْأُمَرَاء أَو قَتلهمْ. وَثَبت الْأَمِير ألجَاي اليوسفي والأمير أرغون ططر وقاتلا أسندمر إِلَى قبيل الظّهْر فَلَمَّا لم يجد معينا وَلَا ناصراً انكسرا إِلَى قبَّة النَّصْر وانفض الْجمع بعد مَا قتل الْأَمِير ضروط الْحَاجِب وجرح الْأَمِير قجماس والأمير أقبغا الجلب وَكثير من الأجناد والعامة فَقبض الْأَمِير أَسَندَمر على الْأَمِير قجماس والأمير أَقبغا الجلب والأمير أقطاي والأمير قُطْلُوبغا جركس وَهَؤُلَاء أُمَرَاء أُلُوف. وَقبض من أُمَرَاء الطلبخاناه على قرابغا شاد الأحواش واختفى كثير من الْأُمَرَاء. وَمَرَّتْ مماليك أَسَندَمُر وَطَائِفَة من الأجلاب فِي خلق كثير من الْعَامَّة فنهبوا بيُوت الْأُمَرَاء فَكَانَت هَذِه الْوَاقِعَة من أشنع حوادث مصر وَأَعْظَمهَا فَسَادًا. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء: غَد الْوَاقِعَة قبض على الْأَمِير أيدمر الشَّامي الدوادار فَضَربهُ الْأَمِير أَسَندمر ضربا مبرحاً وعنفه على مُخَالفَته عَلَيْهِ. ثمَّ قَيده مَعَ بَقِيَّة من قبض عَلَيْهِ. وَفِيه أمسك أَيْضا الْأَمِير أُلْجاي اليوسفي أحد أُمَرَاء الألوف والأمير يلبغا شُقَير أحد الطبخاناه فقيدوا وَحمل الْجَمِيع إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة. فسجنوا بهَا. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء: قبض على الْأَمِير طُغاى تَمُر النظامي - أحد الألوف - وعَلى الْأَمِير أرغون طَطَر - أحد الألوف - وعَلى قُطلُوبغا الشَّعْبَانِي. وأيدَمُر الخطاي وتمراز الطازي وهم من الطلبخاناه. ثمَّ قبض على الْأَمِير ألطنبغا الأحمدي أحد مقدمي الألوف وعَلى طاجار من عوض وآسن الناصري. وقراتمر المحمدي وقرابغا الأحمدي من الطلبخاناه. وعَلى جمَاعَة أُخْرَى فَكَانَت عدَّة من قبض عَلَيْهِ أسندَمُر خَمْسَة وَعشْرين أَمِيرا. وَفِي يَوْم الْخَمِيس حادي عشرينه: اسْتَقر أَزْدَمُر الْعُزَّى أَبُو دقن أَمِير سلَاح وجركَتَمر السيفي منجك أَمِير مجْلِس وألطبغا اليلبغاوي أحد العشرات رَأس نوبَة كَبِير وأنعم عَلَيْهِ بمأمرة ماية. وَاسْتقر قطلو أقتمر العلاي أَمِير جندار وسلطان شاه حاجباً ثَانِيًا. وأنعم على يبرم الْعُزَّى أحد الأجناد بتقدمة ألف وَأعْطى إقطاع طُغَاى تَمُر النظامي وَجَمِيع مَاله من خيل ومماليك وقماش وَمَال وغلال وَغير ذَلِك وَاسْتقر دواداراً كَبِيرا وخلع عَلَيْهِم وعَلى الْأَمِير خَلِيل بن قوصون وعَلى الْأَمِير قُنقُ الْعُزَّى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 306 والامير أرغون القَشْتَمُري وعَلى مُحَمَّد بن طيطَق العلاي - وَاسْتقر - جوكندار - وعَلى قَرْمش الصَرغَتْمشي وعَلى الْأَمِير مبارك الطازى والأمير إينال اليوسفي وعَلى الْأَمِير ملكتمر المحمدي - وَاسْتقر خازندار - وعَلى الْأَمِير بهادر الجمافي وَاسْتقر شاد الدَّوَاوِين عوضا عَن ابْن عرام وخلع على ابْن عرام وَاسْتقر فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة وأنعم على كل من أرغون المحمدي الآنوكي الخازن وبزلار الْعمريّ وأرغون المارغوني وَمُحَمّد بن طقبغا الماجاري وباكيش السيفي يلبغا وسودون الشيخوني وأَقبغا آص الشيخوني وكبك الصرغتمشي وجلبان السَّعْدِيّ وإينال اليوسفي وكمشْبغا الطازي وقماري الجمالي وبكتمر العلمي وأَرْسَلان خجا ومبارك الطازي وتَلَكتمُر الكشلاوي وأسنبغا الْعُزَّى وقطلوبغا الْحلَبِي ومأمور القلمطاوي بإمرة طلبخاناة وارتجع عَن أَوْلَاد يلبغا الأتابك تقادمهم وأنعم عَلَيْهِم بطبلخاناه وأنعم على كل من ألطُنْبُغا المحمودي وقرابغا الأحمدي وكَزَك الأرغوني وحاجي بك بن شادي وعَلى بن بكتاش وَرَجَب بن خضر وطيطق الرماح بإمرة عشرَة فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَقدم الْخَبَر بِاتِّفَاق الْأَمِير طبغا الطَّوِيل نايب حماة والأمير أشقتمُر نايب طرابلس على المخامرة فتجهز الْأَمِير أسندمر الأتابك للسَّفر وَتقدم بتهيؤ الْأُمَرَاء وَبعث القصاد للكشف عَن ذَلِك على الْبَرِيد فعادوا باستمرار بَقِيَّة النواب على الطَّاعَة ماعدا الْمَذْكُورين. فَكتب بِالْقَبْضِ عَلَيْهِمَا فقبضا وَقبض مَعَهُمَا على إخْوَة طيبغا الطَّوِيل وحملوا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة مقيدين. وَاسْتقر أسندمر الزيني فِي نِيَابَة طرابلس وأعيد عمر شاه إِلَى نِيَابَة حماة فِي أَوَائِل ذِي الْقعدَة وَاسْتقر أرغون الأزقي فِي نِيَابَة صفد. وَاسْتقر مُحَمَّد بن أقوش الشجاعي فِي ولَايَة الغربية وعَلى الْعمريّ فِي ولَايَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 307 الأشمونين وَاسْتقر بيبغا القوصوني أَمِير آخور عوضا عَن أقبغا الصفوي بعد مَوته. وَبَلغت زِيَادَة مَاء النّيل إِصْبَعَيْنِ من عشْرين ذِرَاعا ثمَّ زَاد بعد ذَلِك فَلم يتَأذّى بِهِ. وَمر بالحاج مشقة وعناء لقلَّة الْمِيَاه وَمَوْت فَشَا فيهم من شدَّة الْحر والعطش. وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر من الْأَعْيَان الْأَمِير ألطنبغا الْعُزَّى أحد الطلبخاناه فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ رَابِع شهر ربيع الآخر. وَمَات الْأَمِير أقبغا الأحمدي أحد اليلبغاوية وَيعرف بالجلب من أُمَرَاء الألوف الَّذين خامروا على يلبغا. فَلم يمْتَنع بعده. وَمَات الْأَمِير أقبغا الصفوي أَمِير آخور فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سَابِع عشر ذِي الْقعدَة. وَتُوفِّي بهاء الدّين حسن بن سُلَيْمَان بن أبي الْحسن بن سُلَيْمَان بن رَيَّان نَاظر الْجَيْش بحلب عَن ثَمَان وَسِتِّينَ سنة بِدِمَشْق وَقد اعتزل النَّاس. وَتُوفِّي الشَّيْخ المعتقد عبد الله بن أسعد بن عَليّ بن سُلَيْمَان بن فلاح الشَّافِعِي اليمني بِمَكَّة عَن سبعين سنة. وَله شعر ومصنفات فِي التصوف وَغَيره. وَتُوفِّي نجم الدّين عبد الْجَلِيل بن سَالم بن عبد الرَّحْمَن الْحَنْبَلِيّ الْأَعْمَى أحد شُيُوخ الْحَنَابِلَة بِالْقَاهِرَةِ فِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشْرين شهر ربيع الأول وَهُوَ عَم الشَّيْخ صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن الْأَعْمَى الْحَنْبَلِيّ. وَتُوفِّي قَاضِي حماة أَمِين الدّين عبد الْوَهَّاب بن أَحْمد بن وهبان الدِّمَشْقِي الْحَنَفِيّ وَقد برع فِي الْقرَاءَات والعربية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 308 وَتُوفِّي نور الدّين على الدِميري الرجل الصَّالح بِالْقَاهِرَةِ فِي لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ حادي عشْرين صفر أفنى عمره فِي تَعْلِيم الْقُرْآن وبر الْفُقَرَاء. وَتُوفِّي شرف الدّين عِيسَى الزنكلوني الشَّافِعِي أحد نواب الحكم بِالْقَاهِرَةِ فِي سَابِع عشْرين رَمَضَان. وَمَات تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عِيسَى بن مَحْمُود بن عبد الضَّيْف البعلبكي الشهير بِابْن الْمجد الشَّافِعِي. ولي قَضَاء طرابلس وحمص وبعلبك وَقدم مصر وبغداد وَسمع الحَدِيث وبرع فِي الْفِقْه وشارك فِي عدَّة فنون. وَتُوفِّي الأديب البارع جمال الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْحسن بن أبي الْحسن بن صَالح بن عَليّ بن يحيى بن طَاهِر بن مُحَمَّد الْخَطِيب بن عبد الرَّحِيم بن نباتة الْمصْرِيّ بِالْقَاهِرَةِ فِي ثامن وَتُوفِّي الْوَزير الصاحب نَاظر الْخَاص فَخر الدّين ماجد بن قزوينة الْأَسْلَمِيّ تَحت الْعقُوبَة فِي ثامن جُمَادَى الآخر وَترك بالأهراء السُّلْطَانِيَّة مَا ينيف على ثَلَاثمِائَة ألف أردب وَفِي النواحي مغل سنتَيْن وَكَانَ يحمل إِلَى الْأَمِير يلبغا بعد تكفية السُّلْطَان وتكفية الْأَمِير يلبغا وَصرف الرَّوَاتِب فِي كل شهر سِتِّينَ ألف دِينَار وَكَانَ أَمينا عَارِفًا مهاباً عمر بيُوت الْأَمْوَال وخزائن الْخَاص بأنواع الْأَمْوَال إِلَّا أَنه كَانَ كثير الترفع حَتَّى على الْأُمَرَاء فعذب عذَابا شنيعاً وَضرب غير مرّة بالمقارع ولفت أَصَابِع يَده الْيُمْنَى بالمشاق وغمست فِي الزَّيْت ثمَّ أشعلت بالنَّار حَتَّى احترقت يَده كلهَا وَعمل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 309 فِي عُنُقه الْحَدِيد وَصَارَ يمر بالأسواق وَهُوَ كَذَلِك على حمَار. وَيذكر أَن فَقِيرا قدم لَهُ فِي وزارته فمزقها وطرده فَدَعَا عَلَيْهِ وَخرج فَلم يمض سوى أَيَّام حَتَّى قبض عَلَيْهِ وعذب إِلَى أَن مَاتَ. وَتُوفِّي الْأَمِير تمرتاش العلاي خازندار يلبغا أحد الطبلخاناه فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشر ربيع الآخر. وَتُوفِّي الشَّيْخ المسلك يُوسُف بن عبد الله بن عمر بن عَليّ بن خضر الكوراني الْكرْدِي العجمي مرَبي الْفُقَرَاء فِي يَوْم الْأَحَد النّصْف من جُمَادَى الأولى بزاويته من القرافة. وَقتل صَاحب فاس ملك الْمغرب أَبُو زيان بن الْأَمِير أبي عبد الرَّحْمَن بن أبي الْحسن فِي الْمحرم. وأقيم بعده عَمه عبد الْعَزِيز بن أبي الْحسن، رَحمَه الله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 310 (سنة تسع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة) فِي الْمحرم: اسْتَقر الْأَمِير بيدمر الْخَوَارِزْمِيّ فِي نِيَابَة الشَّام والأمير منجك فِي نِيَابَة طرابلس عوضا عَن أسندمر الزيني. وَفِي أول صفر: ورد الْخَبَر بوصول الفرنج إِلَى طرابلس فِي ماية وَثَلَاثِينَ مركبا مَا بَين شيني وقرقورة وغراب وطريدة وشختور عَلَيْهَا متملك قبرص ومتملك رودس والاسبتار وَكَانَ النَّائِب غَائِبا فَقَاتلهُمْ الْمُسلمُونَ قتالاً شَدِيدا حَتَّى اقتحم الْعَدو الْمَدِينَة ونهبوا من أسواقها فتحامل الْمُسلمُونَ عَلَيْهِم واشتدوا فِي قِتَالهمْ حَتَّى أخرجوهم بعد مَا قتلوا مِنْهُم نَحْو الْألف وَاسْتشْهدَ من الْمُسلمين نَحْو الْأَرْبَعين رجلا. فَرَكبُوا سفنهم وانقلبوا خايبين فَمروا بِمَدِينَة إِيَاس فِي ماية قِطْعَة فَسَار إِلَيْهِم الْأَمِير منكلى بغا نايب حلب وَقد فر أهل إِيَاس مِنْهَا فَدَخلَهَا الفرنج. فَلَمَّا قدم نايب حلب جلوا عَنْهَا. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِيه: خلع على نَاصِر الدّين نصر الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أبي الْفَتْح الْعَسْقَلَانِي الْكِنَانِي الْحَنْبَلِيّ قَضَاء الْحَنَابِلَة بديار مصر بعد وَفَاة موفق الدّين عبد الله بن مُحَمَّد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 311 وَفِي يَوْم الْجُمُعَة سادسه: ركب المماليك الأجلاب اليلبغاوية لمحاربة الْأَمِير أسنْدَمُر الناصري الأتابك وطلبوه فِي أَن يسلمهم بيرم وأزدمر أَبُو دقن وجَرَكتمُر أَمِير مجْلِس فِي عدَّة أُخْرَى. فَلم يجد بدا من أَن يبْعَث إِلَى الْأُمَرَاء فَلَمَّا أَتَوْهُ قبض على الْأَمِير جَرَكتمُر والأمير أَزْدَمُر أَبُو دقن أَمِير سلَاح واِلأمير بيرم الْعُزَّى الدوادار والأمير يلبغا القوصوني أَمِير آخور والأمير كَبَك الصرغتمُشي الجوكندار وَحَملهمْ مقيدين إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة. فَلم يقنعهم ذَلِك وَبَاتُوا بسلاحهم وغدوا يَوْم السبت على حربهم وطلبوا مِنْهُ خَلِيل بن قوصون فسلمه إِلَيْهِم فَافْتدى نَفسه مِنْهُ بماية ألف دِرْهَم عجل مِنْهَا ربعهَا ورسموا عَلَيْهِ لقوم بباقيها وأهانه إهانة بَالِغَة ونزعوا السِّلَاح وَفِي باطنهم غل كثير ثمَّ تجمع أكابرهم فِي لَيْلَة الْأَحَد وَاتَّفَقُوا على قتل الْأَمِير أسنْدَمُر وَقتل السُّلْطَان وَإِقَامَة سُلْطَان غَيره وتحالفوا على ذَلِك وركبوا من ليلتهم وقصدوا القلعة فَأمر السُّلْطَان بالكوسات فدقت ليجتمع الْأُمَرَاء والعسكر وأحضر الْأَمِير خَلِيل بن قوصون وأركب مَعَه المماليك السُّلْطَانِيَّة وهم نَحْو الْمِائَتَيْنِ والأجلاب نَحْو الْألف وَخَمْسمِائة وَنُودِيَ فِي الْقَاهِرَة بركوب أجناد الْحلقَة وَحُضُور الْعَامَّة لقِتَال الأجلاب. وَكَانَت النُّفُوس قد مقتتهم لقبح سيرتهم وَكَثْرَة شرهم وَزِيَادَة تعديهم. فبادروا إِلَى تَحت القلعة زمراً زمراً وَركب الْأَمِير أسنبغا بن البوبكري والأمير قشتَمر المنصوري وَغَيره فتناولت الْعَامَّة الأجلاب بِالرَّجمِ من كل جِهَة وَتقدم إِلَيْهِم المماليك السُّلْطَانِيَّة والأمراء والأجناد وقاتلوهم فكسروهم. فَمَضَوْا فِي كسرتهم إِلَى الْأَمِير أسَندَمر. بمنزله من الْكَبْش ومازالوا بِهِ حَتَّى ركب مَعَهم فِي موكب عَظِيم وَمر على القرافة حَتَّى أَتَى من وَرَاء القلعة كَمَا فعل فِيمَا تقدم فَلم تثبت لَهُ المماليك السُّلْطَانِيَّة وانهزمت عِنْد رُؤْيَته فثبتت الْعَامَّة وَحدهَا لقتاله وتقدموا إِلَيْهِ ورموه بِالْحِجَارَةِ رمياً مُتَتَابِعًا وَهُوَ وَمن مَعَه يرموهم بالنشاب فَكَانَ بَين الْفَرِيقَيْنِ قتال شَدِيد شنيع قتل فِيهِ جمَاعَة مِنْهُمَا وطالت المعركة بَينهمَا فَعَادَت المماليك السُّلْطَانِيَّة والأمراء وحملوا هم والعامة على أسندمر والأجلاب حَملَة مُنكرَة فَلم يثبت لَهُم وَولى الأدبار بِمن مَعَه وَامْتنع بإصطبله من الْكَبْش وفت الظّهْر فَقبض من أَصْحَابه على الْأَمِير قرمش الصرغتمشي والأمير أقبغا آص الشيخوني والأمير أرسلان خجا وسجنوا بخزانة شمايل من الْقَاهِرَة. وَركب الْوَالِي عَن أَمر السُّلْطَان ونادى بِالْقَاهِرَةِ ومصر وظواهرهما من قدر على حد من الأجلاب فَلهُ سلبه وَيُعْطى كَذَا من المَال إِذا أحضرهُ فتتبعت الْعَامَّة عِنْد ذَلِك الأجلاب فِي الْأَزِقَّة والحارات وَأخذُوا مِنْهُم جمَاعَة وَركب الْأَمِير خَلِيل بن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 312 قوصون إِلَى الْأَمِير أسنَدمر فَأَخذه من دَاره وطلع بِهِ إِلَى القلعة ليقيد ويسجن فشفع فِيهِ جمَاعَة من الْأُمَرَاء وقرروا عَلَيْهِ مَالا لينفق فِي مماليك السُّلْطَان فَقبل السُّلْطَان شفاعتهم وخلع عَلَيْهِ وَأقرهُ على حَاله فَنزل إِلَى دَاره فِي لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ وَمَعَهُ الْأَمِير خَلِيل بن قوصون مرسماً عَلَيْهِ حَتَّى يحضر من الْغَد بِالْمَالِ. فخدع أسندمر بن قوصون ووعده بِأَن يقيمه فِي السلطة فَإِنَّهُ ابْن بنت السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون فانخدع ابْن قوصون وَمَال إِلَيْهِ وتحالفا على ذَلِك. فَبعث أسندَمُر فَجمع إِلَيْهِ الأجلاب وبذل فيهم المَال وَوَعدهمْ ومناهم فَمَا طلع نَهَار يَوْم الْإِثْنَيْنِ حَتَّى وكب أسندَمر وَابْن قوصون فِي جمع كَبِير ووقفا تَحت القلعة فَعَادَت الْحَرْب وَركب الْأُمَرَاء والأجناد وَخرج عَامَّة النَّاس فَكَانَ الْأُمَرَاء إِذا رَأَوْا ابْن قوصون بِجَانِب أسندمر انضموا إِلَيْهِ ظنا مِنْهُم أَنه سلطاني. فَأمر السُّلْطَان فدُقت الكوسات وَنزل إِلَى الإصطبل بِآلَة الْحَرْب فَاجْتمع إِلَيْهِ الْأُمَرَاء والمماليك السُّلْطَانِيَّة والعامة وَبعث إِلَى أسندَمُر وَابْن قوصون ليحضرا إِلَيْهِ فامتنعا وصرحا بِأَنَّهُمَا يُريدَان نزع السُّلْطَان من الْملك وَإِقَامَة غَيره فِي السلطة لتخمد الْفِتْنَة. فَلَمَّا عَاد جوابهما إِلَى السُّلْطَان بعث ثَانِيًا يخوفهما عَاقِبَة الْغدر فأظهرا أَنَّهُمَا أجابا وهمّا بالحضور ثمَّ سَلا سيفيهما وَمَرا ليفتكا بالسلطان وَقد ركب ووقف تَحت الإصطبل فتبعهما من مَعَهُمَا من الأجلاب وهم شاهرون السِّلَاح ليفعلا فعلهمَا. فبادر السُّلْطَان بالنداء فِي الْعَامَّة هَؤُلَاءِ مخامرون فارجموهم. فصاحت الْعَامَّة بأجمعهما مخامرين ورجموهم بِالْحِجَارَةِ ورمتهم المماليك السُّلْطَانِيَّة بالنشاب فَلم يكن غير سَاعَة حَتَّى انْكَسَرَ أسندمُر وَابْن قوصون وَقتل عدَّة من الأجلاب فَأَخَذتهم الْعَامَّة فِي هزيمتهم وَأتوا بهم إِلَى السُّلْطَان أَرْسَالًا وَقد نزعوا ثِيَابهمْ وكشفوا رؤوسهم ونالوا مِنْهُم مَا شفي صُدُورهمْ. ثمَّ قبضوا على خَلِيل ابْن قوصون من نَاحيَة المطرية وَأتوا بِهِ. ثمَّ أخذُوا أسندمر من نَحْو وَادي السِّدْرَة تجاه قبَّة النَّصْر. وَقبض على الْأَمِير ألطبغا اليلبغاوي والأمير سُلْطَان شاه بن قرا وهما من أُمَرَاء الألوف. وَقبض على أحد عشر أَمِير سوى هَؤُلَاءِ من اليلبغاوية وقيدوا وَمضى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 313 بهم الْأَمِير مَلَكتمُر والأمير ألطنبغا العلاي والأمير درت بغا البالسي إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَمَات فِي هَذَا الْيَوْم الْأَمِير قنق أحد الألوف. وَنُودِيَ فِي آخر النَّهَار بالأمان فَلَا ينهب أحد شَيْئا فقد ظفر السُّلْطَان بغرمائه فزينوا الْقَاهِرَة ومصر فزينتا أحسن زِينَة وَفَرح النَّاس بِزَوَال دولة الأجلاب. وَفِي عاشره: رسم بالإفراج عَن الْأَمِير طغاى تَمُر النظامي والأمير ألجاي اليوسفي والأمير أيدَمُر من صديق. وأنعم على الْأَمِير مَلَكتمُر بن بركَة بتقدمة خَلِيل بن قوصون. وَفِي ثَالِث عشره: اسْتَقر الْأَمِير أقبغا عبد الله دواداراً كَبِيرا بإمرة طبلخاناه. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس عشره: اسْتَقر الْأَمِير يلبغا آص المنصوري أَمِيرا كَبِيرا أتابك شَرِيكا للأمير تَلكتَمر المحمدي. وأنعم على كل مِنْهُمَا بتقدمة ألف وأجلسا بالإيوان. وَاشْتَدَّ الطّلب على المماليك اليلبغاوية فَقبض مِنْهُم على نَحْو الْألف وحبسوا فَبلغ السُّلْطَان أَن الأميرين يلبغا آص وتلكتَمر يريدا إِخْرَاج الْمَذْكُورين وسكنى بَيت يلبغا فِي الْكَبْش وركوبهما بهم على السُّلْطَان وَقَتله فبادر وَقبض على يلبغا آص من الْغَد يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع عشره وعَلى تلكتمر المحمدي وَجَمَاعَة من المماليك وَحمل الأميران إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجنا بهَا. وَفِيه قدم الْأَمِير طُغاى تَمُر النظامي والأمير أُلجاى اليوسفي والأمير أيْدَمُر من صديق الخطاي من الْإسْكَنْدَريَّة فَخلع عَلَيْهِم. وَفِيه أنْفق السُّلْطَان فِي مماليكه ماية دِينَار لكل وَاحِد وخلع على الْأَمِير بكتمر المؤمني وَاسْتقر أَمِير أخور عوضا عَن بيبغا القوصوني. وَقدم الْأَمِير أَقتمُر عبد الْغَنِيّ من الشَّام باستدعاء فَخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر حَاجِب الْحجاب وخلع على الْأَمِير الأكز الكشلاوي وَاسْتقر شاد الدَّوَاوِين عوضا عَن بهادر الجمالي. وَفِي لَيْلَة الْخَمِيس تَاسِع عشره: أغرق السُّلْطَان فِي النّيل جمَاعَة من المماليك اليلبغاوية الَّذين اتَّفقُوا على قَتله وَأمر بتقوية زِينَة الْقَاهِرَة ومصر فَبَالغ النَّاس فِي تحسينهما. وَفِي بكرَة يَوْم الْخَمِيس: هَذَا سمر من الأجلاب اليلبغاوية ماية من أعيانهم ووسطهم وَأغْرقَ جمَاعَة مِنْهُم وَنفي باقيهم إِلَى الشَّام وَإِلَى أسوان فَكَانَ مِمَّن نفي من اليلبغاوية برقوق وبركة وألطنبغا الجوباني وجركس الخليلي وأقبغا المارديني. تسلمهم الشريف بكتمر وَالِي الْقَاهِرَة وأوقفهم فِي دَاره وَقد جعلت أَيْديهم فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 314 الْخشب وَحضر غداؤه فَلم يُطعمهُمْ شَيْئا. ورسم عَلَيْهِم من توجه بهم إِلَى قطيا فتسلمهم وَالِي قطيا وَبعث بهم إِلَى غَزَّة فأرسلهم نائبها إِلَى الكرك فسجنوا بجب مظلم فِي قلعتها عدَّة سِنِين. ثمَّ أفرج عَنْهُم ومضوا إِلَى دمشق فخدموا عِنْد الْأَمِير مَنْجَك نَائِب الشَّام حَتَّى استدعى السُّلْطَان بالمماليك اليلبغاوية ليستخدمهم بديوان ولديه فَحَضَرَ برقوق وبركة وَغَيرهمَا إِلَى الْقَاهِرَة وخدم برقوق فِيمَن خدم عِنْد وَلَدي السُّلْطَان حَتَّى قتل السُّلْطَان بعد عوده من عقبَة أَيْلَة وَقَامَ الْأَمِير أَيْنبَك بِأَمْر الدولة فَصَارَ برقوق من جملَة أُمَرَاء الطبلخاناه وَمِنْهَا ملك الإصطبل وَأقَام بِهِ حَتَّى تسلطن. كَمَا سَيَأْتِي ذَلِك كُله فِي أوقاته مبسطاً إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَفِي هَذَا الْيَوْم: أَيْضا خلع على الْأَمِير ألجاي اليوسفي وَاسْتقر أَمِير سلَاح عوضا عَن أزدَمُر الَّذِي يُقَال لَهُ أَبُو دقن. وَأمر بهدم بَيت الْأَمِير يلبغا الخاصكي بالكبش فهدم جَمِيعه حَتَّى لم يبْق مِنْهُ سوى بعض سوره. وَأَفْرج عَن الْأَمِير أرغون ططر فَقدم فِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث ربيع الأول وَمضى الْبَرِيد لإحضار الْأَمِير قُطْلُبغا الشَّعْبَانِي من الشَّام فَخلع على أرغون ططر وَاسْتقر أَمِير شكار بتقدمة ألف وَقدم الشَّعْبَانِي فِي خامسه. وَخرج الْبَرِيد بِطَلَب الْأَمِير منكلى بغا الشمسي فَقدم وخُلع عَلَيْهِ بالإيوان. وَاسْتقر نايب السُّلْطَان وأتابك العساكر وَأَفْرج عَن الْأَمِير طيبغا الطَّوِيل وَاسْتقر فِي نِيَابَة حلب عوضا عَن منكلى بغا الشمسي واستدعى أَيْضا الْأَمِير أزدَمُر الخازندار من الشَّام فَقدم. وَفِي سَابِع عشره: اسْتَقر محيى الدّين مُحَمَّد بن الصَّدْر عمر فِي حسبَة الْقَاهِرَة عوضا عَن علاي الدّين عَليّ بن عرب وَاسْتقر ابْن عرب فِي نظر الخزانة وخلع عَلَيْهِمَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 315 وَفِي رَابِع عشرينه: اسْتَقر الْأَمِير أسنبغا بن البوبكري فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن ابْن عرام وَقدم الْأَمِير أَمِير على من الشَّام باستدعاء خلع عَلَيْهِ وَاسْتقر نايب الشَّام فِي رَابِع عشر جُمَادَى الأولى. وَفِي خَامِس عشرينه: قدم من الْإسْكَنْدَريَّة نَحْو ماية وَخمسين من الفرنج فِي الْخشب وَذَلِكَ أَنه ورد ميناء الْإسْكَنْدَريَّة عدَّة مراكب فِي هَيْئَة أَنَّهَا مراكب تحمل البضائع فَدخل مِنْهَا إِلَى الْمَدِينَة نَحْو ماية وَخمسين رجلا فعوقهم الْأَمِير أسنبغا النَّائِب حَتَّى يتَبَيَّن لَهُ أَمرهم فسارت المراكب مقلعة وعادت من حَيْثُ أَتَت فَأمر بتخشيب أَيدي الْمَذْكُورين وَحَملهمْ إِلَى الْقَاهِرَة ليرى السُّلْطَان مَا رَأْيه. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي جُمَادَى الْآخِرَة: قدم الْأَمِير قطلوبغا المنصوري بإستدعاء ورسم بمسك الْأَمِير بيدمر نايب الشَّام فَقبض عَلَيْهِ وَاسْتقر عوضه الْأَمِير منْجَك وَاسْتقر عوض منجك فِي وَاسْتقر الْأَمِير طَقتمُر الشريفي فِي نِيَابَة غَزَّة وَاسْتقر علاي الدّين عَليّ بن الطشلاقي. فِي ولَايَة قطيا عوضا عَن ابْن الدوادارى وَاسْتقر الْملك الصَرْغَتمُشي فِي ولَايَة بلبيس وَاسْتقر الْأَمِير علاي الدّين عَليّ بن بكتاش فِي ولَايَة الْقَاهِرَة عوضا عَن الشريف بكتمر وَاسْتقر بكتَمر فِي ولَايَة الجيزة وَاسْتقر الْأَمِير شرف الدّين مُوسَى الأزكَشي الأستادار فِي الْبحيرَة عوضا عَن بدر الدّين بن معِين. وَفِي ثامن عشره: خلع على الْأَمِير أقتمر الصاحبي الْحَنْبَلِيّ وَاسْتقر دوادارا عوضا عَن أقبغا عبد الله. وَفِي يَوْم السبت ثامن عشرينه: اسْتَقر سراج الدّين مُحَمَّد بن رسْلَان بن نصير البُلْقِينِيّ قَاضِي قُضَاة الشَّام عوضا عَن تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب بن السُّبْكِيّ وخلع عَلَيْهِ وَمضى إِلَى دمشق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 316 وَفِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع رَجَب: تزوج الْأَمِير الأتابك منكلى بغا الشمسي بأخت السُّلْطَان وَهِي خوند سارة بنت حُسَيْن بن مُحَمَّد بن قلاوون. وَفِيه خلع عَلَيْهِ وَاسْتقر نَاظر المارستان المنصوري. وَاسْتقر الْأَمِير الأكز الكشملاوي أستادار السُّلْطَان عوضا عَن ألْطنبغا البَشْتَكي بعد وَفَاته وَاسْتقر أَرغون الأحمدي لالا السُّلْطَان عوضا عَن سودون الشيخوني. وَاسْتقر الْأَمِير طغاى تمر النظامي شاد الشرابخاناه. وَاسْتقر الْأَمِير بشتاك الْعمريّ رَأس نوبَة ثَانِيًا وَاسْتقر الْأَمِير ككبغا السيفي خازندارا ثمَّ نفي بعد قَلِيل وَاسْتقر عوضه الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أقبغا آص وَاسْتقر الْأَمِير درت بغا البالسي خاصكيا بإمرة طبلخاناه. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء سادس عشره: أُعِيد علاي الدّين عَليّ بن عرب إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة وعزل ابْن الصَّدْر عمر فَمَاتَ بعد تِسْعَة أَيَّام من عَزله وَفِي ثَالِث عشرينه وَقع حريق عَظِيم بداخل الدّور السُّلْطَانِيَّة من قلعة الْجَبَل فَدخل الْأُمَرَاء حَتَّى أطفوه. وَفِي سابعِ شعْبَان: اسْتَقر الْأَمِير عمر بن أرغون النايب فِي نِيَابَة الكرك عوضا عَن ابْن القشتمُري. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ حادي عشرينه: خلع على سراج الدّين عمر بن إِسْحَاق بن أَحْمد الْهِنْدِيّ وَاسْتقر فِي قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة عوضا عَن جمال الدّين عبد الله بن عَليّ التركماني بعد وَفَاته وخلع على بدر الدّين مُحَمَّد بن جمال الدّين التركماني وَاسْتقر فِي قَضَاء الْعَسْكَر عوضا عَن السراج الْهِنْدِيّ وَنزلا جَمِيعًا من القلعة فَكَانَ يَوْمًا مَذْكُورا. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ خَامِس رَمَضَان: خلع على بدر الدّين مُحَمَّد بن علاي الدّين عَليّ بن فضل الله الْعمريّ وَاسْتقر فِي كِتَابَة السِّرّ عوضا عَن أَبِيه وَقد اشْتَدَّ مَرضه. فَلَمَّا رَآهُ أَبوهُ بالخلعة بَكَى. وَقدم الْحَاج مُحَمَّد التازي المغربي رايس الْبَحْر وَقد تسلم من الشواني الَّتِي عمرها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 317 الْأَمِير يلبغا غراباً كمله بِالْعدَدِ والآلات وشحنه بالمقاتلة من رجال المغاربة وَأخذ غراباً آخر من الْإسْكَنْدَريَّة متكملاً بِالْعدَدِ وَالرِّجَال وَمضى فِي الْبَحْر وهجم على الفرنج فَملك مِنْهُم غراباً قتل مِنْهُ جمَاعَة وَأسر باقيهم. وَقدم فِي تَاسِع عشْرين شعْبَان فَتَلقاهُ جمَاعَة من الْأُمَرَاء بتجمل عَظِيم وَخرج النَّاس إِلَى لِقَائِه وسروا بِهِ فَلَمَّا تمثل بَين يَدي السُّلْطَان خلع عَلَيْهِ وأنعم عَلَيْهِ بِجَمِيعِ مَا أحضرهُ من الغنايم. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشره: قبض على الْأَمِير طغاي تمر النظامي والأمير أرغون طَطر واتهما بإثارة فتْنَة على السُّلْطَان. وَفِي تَاسِع عشرينه: اسْتَقر الْأَمِير أَرغون الأزقي رَأس نوبَة كَبِيرا عوضا عَن تلكتُمر وَاسْتقر تلكتمر أَمِير مجْلِس عوضا عَن طغاي تمر النظامي وخلع عَلَيْهِمَا. وَفِي الْعشْرين من ذِي الْقعدَة: قدم سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ من دمشق باستدعاء وَاسْتقر أسنبغا بن البوبكري فِي نِيَابَة حلب عوضا عَن طيبغا الطَّوِيل بعد مَوته وَاسْتقر طَيْدَمُر البالسي فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن ابْن البوبكري وَاسْتقر صَلَاح الدّين خَلِيل بن عرام حاجباً بالثغر وَاسْتقر قطْلُوبغا المنصوري حاجباً ثَانِيًا عوضا عَن طَيدَمُر البالسي. وَفِيه خلع على علم الدّين إِبْرَاهِيم بن قزوينة وَاسْتقر فِي الوزارة عوضا عَن فَخر الدّين ماجد بن أبي شَاكر وخلع على ابْن أبي شَاكر وَاسْتقر فِي نظر الخزانة الْكُبْرَى عوضا عَن شمس الدّين بن الْمُوفق وخلع على ابْن الْمُوفق وَاسْتقر فِي نظر الإصطبل عوضا عَن شمس الدّين بن الصفي فِي ثَالِث عشرينه. وخلع على شمس الدّين المقسي وَاسْتقر فِي نظر الْخَاص عوضا عَن ابْن أبي شَاكر وخلع على كريم الدّين شَاكر بن الغنام وَاسْتقر فِي نظر الْبيُوت وخلع على الْحَاج مُحَمَّد بن يُوسُف وَاسْتقر مقدم الدولة عوضا عَن الْمُقدم عز وَاسْتقر الْأَمِير أشَقتمُر المارديني فِي نِيَابَة طرابلس ثمَّ عزل وَاسْتقر الْأَمِير أيدمر الشيخي فِي نِيَابَة حماة عوضا عَن عمر شاه وَاسْتقر الْأَمِير أيدمُر يانق فِي كشف الْوَجْه القبلي وَاسْتقر ابْن الديناري فِي ولَايَة قوص عوضا عَن قُرُطاى الكركي وَاسْتقر مُحَمَّد بن عقيل فِي ولَايَة الغربية وَاسْتقر عُثْمَان الشَرفي بالبهنساوية وَمُحَمّد الكركى بالأشمونين وَأحمد الطرخاني بمنوف عوضا عَن خَاص ترك بن طغاى وَاسْتقر قُطُلوبك بالفيوم وَاسْتقر أَمِين الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 318 الْحسن الألفي فِي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بحلب عوضا عَن صدر الدّين أَحْمد الدَّمِيرِيّ بعد وَفَاته وأعيد فتح الدّين أَبُو بكر مُحَمَّد بن الشَّهِيد إِلَى كِتَابَة بِدِمَشْق وَقدم جمال الدّين بن الْأَثِير إِلَى الْقَاهِرَة. وَقبض على الْأَمِير أرغون القشُتَمري وَأخرج بطالا إِلَى الْقُدس وَنفي أَيْضا الْأَمِير بَشْتَاك العُمري وَفِي حادي عشْرين ذِي الْحجَّة: قدمت رسل السُّلْطَان أويس من بَغْدَاد وَكَانَ قاع النّيل أَرْبَعَة أَذْرع وَأَرْبَعَة عشر إصبعاً. وأنعم على كل من كَجَك بن أرطُق وأزدَمر الخازندار وأقتمر الْحَنْبَلِيّ وبكتمر المؤمني والأكز الكشلاوى وأرغون الأحمدي اللالا بتقدمة ألف وأنعم على كل من مُحَمَّد بن طُرغاي وَإِبْرَاهِيم الناصري وصُراي العلاي وبكتمر الأحمدي شاد الْقصر وبشتاك العُمري وتنبك الأزقي ودْرت بغا البالسي وككبُغا السيفي وأقبغا عبد الله وطغاى تمر عبد الله ويوسف شاه بن يلو وأروس السيفي وأيدَمُر بن صديق وَمُحَمّد ابْن أقتمر عبد الْغَنِيّ وَيُونُس الشيخوني ومُوسَى بن أيتْمش وَمُحَمّد ابْن الدواداري وسودون جركس أَمِير آخور وبرسبغا وقرابغا الأناقي وَعلي بن بكتاش وَمُحَمّد بن أَمِير عَليّ المارديني وصصلان الجمالي وصراى تمر المحمدي وأَسنبغا القوصوني وخليل بن تنكزبغا بإمرة طبلخاناه. وأنعم على كل من قماري الجمالي وَعمر بن طقتمر وصربغا السيفي وجاني بك العلاي وألطنبغا عبد الْمُؤمن وطقتُمر الحسني ومبارك شاه الرسولي وجَرْقُطْلو وجَرجي البالسي وَمُحَمّد بن أزدمر الخازندار وقدق الشيخوني وكوجيا وَأبي بكر بن قنْدُس وأَسنْبُغا البهادري وأقتمر عبد الْغَنِيّ الساقي ويلبغا الناصري وَمُحَمّد بن قرابغا الأناقي وألطنبغا النظامي وقطلوبغا من بايزيد بإمرة عشرَة. وَفِي هَذِه السّنة: فَشَتْ الْأَمْرَاض الحادة والطواعين بِالنَّاسِ فِي الْقَاهِرَة ومصر فَمَاتَ فِي كل يَوْم مَا ينيف على مائَة ألف نفس. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان الْفَقِير المعتقد إِبْرَاهِيم بن الْبُرُلُّسِيّ وَهُوَ مجاور بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة وَقد أناف على ماية سنة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 319 وَمَات الْملك الْمَنْصُور أَحْمد بن الصَّالح صَالح بن الْمَنْصُور غَازِي بن المظفر قَرَأَ أرسلان ابْن أرتق صَاحب ماردين فَكَانَت مدَّته نَحْو ثَلَاث سِنِين وَقد جَاوز سِتِّينَ سنة. وَتُوفِّي صدر الدّين أَحْمد بن عبد الظَّاهِر بن عبد الدَّمِيرِيّ قَاضِي الْمَالِكِيَّة بحلب وَله نظم وَخمْس الْبردَة. وَتُوفِّي شهَاب الدّين أَحْمد بن لُؤْلُؤ بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن النَّقِيب الشَّافِعِي يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشر شهر رَمَضَان. ومولده سنة اثْنَيْنِ وَسَبْعمائة. أَخذ الْقرَاءَات السَّبع عَن جمَاعَة وَقَرَأَ النَّحْو على أبي حَيَّان وبرع فِي الْفِقْه وَكتب مُخْتَصرا حسنا فِي الْفِقْه وَاخْتصرَ الْكِفَايَة وَكتب النكت على الْمِنْهَاج وَكتب قِطْعَة على الْمُهَذّب وَقَالَ الشّعْر وتصدر بِالْمَدْرَسَةِ الحسامية والمدرسة الأشرفية وَأم بالندقدارية وَكَانَ جيد الْقِرَاءَة حسن الصَّوْت ويقصد سَماع قِرَاءَته فِي الْمِحْرَاب وَتُوفِّي شيخ الشُّيُوخ بخانكاه سرياقوس شهَاب الدّين أَحْمد بن سَلامَة بن الْمَقْدِسِي الشَّافِعِي وَكَانَ قبل ذَلِك شيخ خانكاه بَشتَاك وخطيب جَامعه وصنف كتابا مُفِيدا فِي التصوف. وَمَات الْأَمِير عز الدّين أزدمر الناصري الخازندار أحد مقدمي الألوف ونائب طرابلس وصفد فِي أول شهر ربيع الآخر. وَمَات الْأَمِير عز الدّين أزدمر الْعُزَّى أَبُو دقن أَمِير سلَاح منفياً بِالشَّام فِي صفر. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين أسنَدمُر النَّاصِر أتابك العساكر بسجن الْإسْكَنْدَريَّة فِي يَوْم الْأَحَد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 320 وَمَات الْأَمِير أسندمر العلاي نايب الشَّام ونايب طرابلس فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ. وَمَات الْأَمِير أسندمر العلاى الخازن. وَمَات الْأَمِير ألطنبغا البشتكي نَائِب غَزَّة وأستادار السُّلْطَان فِي رَابِع عشْرين شعْبَان. وَمَات الْأَمِير أيدمر يانق كاشف الْوَجْه القبلي فِي ثامن عشْرين ذِي الْحجَّة. وَمَات الْأَمِير بكتمر الأحمدي شاد الدَّوَاوِين ومقدم المماليك. وَمَات الْأَمِير باكيش اليلبغاوي الْحَاجِب فِي صفر. وَمَات الْأَمِير بيليك الْفَقِيه الزراق أحد مقدمي المماليك. وَمَات الْأَمِير بركان شاد الصندوق. وَمَات الْأَمِير جرجي الإدريسي أَمِير آخور ونائب حلب وَهُوَ بِدِمَشْق. وَمَات الْأَمِير جَرْقُطلو أَمِير جندار فِي صفر. وَمَات الْأَمِير جركتمر المارديني الْحَاجِب بعد عطلة طَوِيلَة. وَتُوفِّي عز الدّين حَمْزَة بن قطب الدّين مُوسَى بن الضياء أَحْمد بن الْحُسَيْن الْمَعْرُوف بِابْن شيخ السلامية الْحَنْبَلِيّ وَقد أناف على السِّتين بِدِمَشْق فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ. وَله شرح على الْمُنْتَقى لِابْنِ تَيْمِية. وَتُوفِّي بهاء الدّين خَلِيل أحد نواب الْحَنَفِيَّة يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث عشر شعْبَان. وَتُوفِّي الْأَمِير طيبغا البوبكري المهمندار فِي تَاسِع عشر الْمحرم. وَمَات الْأَمِير طيبغا الطَّوِيل نَائِب حلب بهَا فِي تَاسِع ذِي الْقعدَة. وَتُوفِّي قاضى الْقُضَاة الْحَنْبَلِيّ موفق الدّين عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الْملك بن عبد الْبَاقِي الجازي الْقُدسِي فِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشْرين الْمحرم ومولده فِي أَوَائِل سنة تسعين وسِتمِائَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 321 وَتُوفِّي الشَّيْخ بهاء الدّين عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن عقيل الشَّافِعِي فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَالِث عشْرين شهر ربيع الأول. وَتُوفِّي قاضى الْقُضَاة الْحَنَفِيّ جمال الدّين عبد الله بن عَلَاء الدّين عَليّ بن فَخر الدّين عُثْمَان بن إِبْرَاهِيم بن مصطفي بن سُلَيْمَان المارديني التركماني فِي لَيْلَة الْجُمُعَة حادى عشر شعْبَان وَتُوفِّي جمال الدّين عبد الله بن عَليّ بن الْحسن بن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن الْفُرَات موقع الحكم فِي الْعشْرين من شهر رَمَضَان. وَتُوفِّي فَقِيه الْمَالِكِيَّة بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة بدر الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد بن فَرِحُونَ بن مُحَمَّد بن فَرِحُونَ. وَتُوفِّي صَلَاح الدّين عبد الله بن الْمُحدث شمس الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن غَنَائِم بن وَاحِد بن سعيد الْمَعْرُوف بِابْن المهندس الصَّالِحِي الْحلَبِي الْحَنَفِيّ سمع كثيرا بِالشَّام ومصر والحجاز وَكتب وَجمع وَحدث وَوعظ وَقد أناف على السّبْعين. وَتُوفِّي علاى الدّين عَليّ بن محيى الدّين بن فضل الله بن مُجَلي بن دعجان بن خلف بن مَنْصُور بن نصير الْعمريّ كَاتب السِّرّ فِي يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع شهر رَمَضَان. وَقد بَاشر كِتَابَة السِّرّ نيفاً وَثَلَاثِينَ سنة وخدم أحد عشر سُلْطَانا وَكتب الْخط الْمَنْسُوب وَقَالَ الشّعْر الْجيد. وَتُوفِّي تَقِيّ الدّين عمر بن نجم الدّين مُحَمَّد بن عمر بن أبي الْقَاسِم بن عبد الْمُنعم بن أبي الطِّبّ الدِّمَشْقِي نَاظر الخزانة بهَا فِي يَوْم الْأَرْبَع. وَمَات قنق الْعُزَّى الْأَمِير. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 322 وَتُوفِّي قَاضِي الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن مَحْمُود المرداوي صَاحب الحمارة. وَتُوفِّي قَاضِي الْحَنَفِيَّة بطرابلس بدر الدّين مُحَمَّد بن عبد الله بن الشبلي. وَتُوفِّي جمال الدّين مُحَمَّد بن كَمَال الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن الشريشي الْبكْرِيّ الوايلي الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي. وَتُوفِّي كَمَال الدّين مُحَمَّد بن جمال الدّين إِبْرَاهِيم بن الشهَاب مَحْمُود بن سُلَيْمَان بن فَهد الْحلَبِي بِالْقَاهِرَةِ. وَتُوفِّي بدر الدّين مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن الشجاع الْحَنَفِيّ أحد نواب الْحَنَفِيَّة فِي يَوْم الْأَحَد رَابِع رَمَضَان. وَتُوفِّي تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن يُوسُف أحد نواب الْمَالِكِيَّة فِي الحكم بِالْقَاهِرَةِ يَوْم الْخَامِس من شَوَّال. وَتُوفِّي الفقيهَ مُوسَى الضَّرِير الْمَالِكِي. وَمَات محتسب الْقَاهِرَة محيى الدّين مُحَمَّد بن الصَّدْر عمر فِي يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس عشْرين رَجَب وَتُوفِّي نَاظر الأحباس فَخر الدّين أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن عبد اللَّطِيف بن الكويك فِي ثَالِث عشر رَمَضَان. وَمَات الْأَمِير يبرم الْعُزَّى الدوادار بطالا الشَّام. وَمَات الْأَمِير أروس البَشْتَكي رَأس نوبَة الجمدارية. وَمَات الْأَمِير أرغون الأحمدي أحد الطبلخاناه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 323 وَمَات الْأَمِير أرغون القَشْتَمُر أحد الألوف بطالا بالقدس. وَتُوفِّي قطب الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي الْبَقَاء مَحْمُود بن هرماس بن مامضى الْمَعْرُوف بالهرماس الْمَقْدِسِي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 324 (سنة سبعين وَسَبْعمائة) أهل الْمحرم يَوْم الْأَرْبَعَاء وَهُوَ ثَالِث عشر مسرى من شهور قبط مصر وَفِيه نُودي بوفاء النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا فَفتح الخليج على الْعَادة. وَفِي أول ربيع الأول: قدم الْأَمِير منجك نَائِب الشَّام بتقدمة سنية فَخلع عَلَيْهِ وَقبل تقدمته ثمَّ أُعِيد بعد أَيَّام إِلَى نيابته وأعيد تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب بن السُّبْكِيّ إِلَى قَضَاء دمشق عوضا عَن سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ. وَفِي لَيْلَة عشرينه: ولد للسُّلْطَان ولد سَمَّاهُ أَحْمد فدقت البشائر ثَلَاثَة أَيَّام. وَفِي يَوْمه: ولى الْأَمِير قَشْتَمُر المنصوري نِيَابَة حلب عوضا عَن أسنبغا بن البوبكرى. وَقدم رَسُول متملك الْقُسْطَنْطِينِيَّة وصحبته بطرِيق الملكانية. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامن ربيع الآخر: اسْتَقر الْأَمِير الأكز الكشلاوي وزيراً عوضا عَن علم الدّين إِبْرَاهِيم الحليق بن قزوينة مُضَافا إِلَى الإستادارية. وَاسْتقر ابْن قزونية فِي نظر الْخَاص عوضا عَن الشَّمْس المقسي وَاسْتقر المقسي فِي نظر الإصطبل عوضا عَن شمس الدّين بن الْمُوفق وخلع عَلَيْهِم. وَفِي يَوْم السبت ثَالِث عاشره: سَار السُّلْطَان إِلَى نَاحيَة طنان للصَّيْد وَمضى إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فَدَخلَهَا يَوْم الْجُمُعَة رَابِع جماد الأولى وَقد زينت زِينَة عَظِيمَة الْقدر وترجل جَمِيع الْأُمَرَاء من بَاب رشيد إِلَى بَاب الْبَحْر فِي ركابه فَرمى بالمجانيق بَين يَدَيْهِ. ثمَّ عَاد من الْبَاب الْأَخْضَر إِلَى دَار السُّلْطَان وَجلسَ على التخت بهَا ومدَّ السماط الجزء: 4 ¦ الصفحة: 325 فَأكل الْأُمَرَاء ثمَّ رفع فَلَمَّا أذن الْعَصْر ركب السُّلْطَان وَدخل إِلَى دَار الطّراز وَصعد إِلَى الْقصر ثمَّ عَاد إِلَى المخيم بِبَاب رشيد من آخر النَّهَار وَتوجه فِي يَوْم الْأَحَد إِلَى الْقَاهِرَة فَصَعدَ قلعة الْجَبَل. وَفِي سَابِع عشرينه: جمع الْأُمَرَاء وقضاة الْقُضَاة بالإيوان من القلعة وَعقد لخوند سارة أُخْت السُّلْطَان على الْأَمِير بشتاك رَأس نوبَة بِصَدَاق حَملته خَمْسَة عشر ألف دِينَار وأربعماية ألف دِرْهَم فضَّة عَنْهَا نَحْو الْعشْرين ألف دِينَار. وَكَانَ الَّذِي تولى عقد النِّكَاح بَينهمَا قَاضِي الْقُضَاة سراج الدّين عمر الْهِنْدِيّ الْحَنَفِيّ وَأنكر عَلَيْهِ بعض الْفُقَهَاء عقد النِّكَاح من أجل أَن الزَّوْج قد مَسّه الرّقّ فألف فِي جَوَاز ذَلِك كتابا. وَفِي ثامن عشرينه: قبض على الْأَمِير الأكز الْوَزير وعوق بقاعة الصاحب من القلعة. وخلع على شمس الدّين أبي الْفرج المقسى وَاسْتقر فِي الوزارة وَنظر الْخَاص وخلع على الْوَزير علم الدّين إِبْرَاهِيم بن قزوينة وَاسْتقر فِي نظر الإصطبل عوضا عَن المقسى وَأخرج الْأَمِير آقبغا عبد الله الدوادار منفياً. وخلع على الْأَمِير أقتمر الْحَنْبَلِيّ وَاسْتقر فِي نظر الخانكاه الناصرية بسرياقوس. وَفِي رَابِع عشْرين شهر رَجَب: قبض على أرغون العجمي الساقي - من المماليك السُّلْطَانِيَّة - وَنفي إِلَى الشَّام من أجل أَنه فقد للسُّلْطَان جَوَاهِر نفيسة الْقدر فَلم يعرف لَهَا خبر فأحضر بعض الفرنج مِنْهَا حجرا رَابِعا - يعرف بِوَجْه الْفرس - إِلَى الْأَمِير مَنْجَك نَائِب الشَّام فَعرفهُ وَسَأَلَ الفرنجى عَن سَبَب وُصُوله إِلَيْهِ فَذكر أَن أرغون هَذَا بَاعه إِيَّاه فَبعث بِهِ إِلَى السُّلْطَان وطالعه بالْخبر فَقبض على أرغون فَلم يُوجد مَعَه من ثمن الْحجر الْمَذْكُور كَبِير شَيْء فَعَفَا السُّلْطَان عَنهُ ونفاه. وَفِي يَوْم الأثنين أول شهر رَمَضَان: أُعِيد ابْن عرام إِلَى نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن طيدمر البالسي بِحكم استعفائه. وَفِي يَوْم الْخَمِيس رابعه: خلع على الصاحب علم الدّين إِبْرَاهِيم الحليق بن قزوينة إِلَى الوزارة وَاسْتقر المقسي على نظر الْخَاص فَقَط وأضيف إِلَيْهِ نظر أَمْلَاك خوند بركَة أم السُّلْطَان وأوقافها. وَفِي ليلية الْجُمُعَة خامسه: هبت بِالْقَاهِرَةِ وأعمالها ريَاح عَاصِفَة سقط مِنْهَا نخيل كَثِيرَة وأعالي عدَّة من الدّور وغرقت سفن مُتعَدِّدَة فَهَلَك تَحت الرَّدْم جمَاعَة من النَّاس وَكَانَ أمرا مهولاً عَامَّة تِلْكَ اللَّيْلَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 326 وَفِي يَوْم السبت عشرينه: تنكر السُّلْطَان على الْأَمِير أقتمر الْحَنْبَلِيّ لكَلَام جرى بَينه وَبَين الْأَمِير ألجاي وَأمر بنفيه إِلَى الشَّام وَاسْتقر عوضه دوادار الْأَمِير منكوتَمُر عبد الْغَنِيّ بإمرة طبلخاناه وخلع عَلَيْهِ فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشرينه وخلع فِيهِ أَيْضا على الْأَمِير بهادر الجمالي وَاسْتقر أستادار وأنعم عَلَيْهِ بتقدمة ألف. وَفِي أول شَوَّال: قدم الْبَرِيد من حلب بِأَن الْأَمِير قَشْتَمُر نَائِب حلب أَخذ سيس من الأرمن وَعَاد إِلَى حلب فغلب الأرمن عَلَيْهَا بعد عوده. وَفِي أول شهر ذِي الْقعدَة: قبض الصاحب علم الدّين إِبْرَاهِيم بن قزوينة على كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن الرويهب من أجل أَنه بلغه أَنه يسْعَى فِي الوزارة. وَفِي رَابِع عشره: أَخذ قاع النّيل فَكَانَ خَمْسَة أَذْرع وَعشْرين إصبعاً. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ تَاسِع عشره: قدم الْأَمِير بَيدمُر نايب الشَّام صُحْبَة الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن قُمارى أَمِير شكار وَقد وكب الْبَرِيد لإحضاره فَأمر بِهِ إِلَى الْأَمِير علاى الدّين عَليّ بن مُحَمَّد بن كَلَفْت فسجنه بقاعة الصاحب وألزمه بِحمْل ثَلَاثمِائَة ألف دِينَار وعصره فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء حادي عشرينه فَحمل مِنْهُ ماية ألف دِينَار وَخرج إِلَى دمشق ليؤدي بَقِيَّة مَا ألزم بِهِ ثمَّ ينفى إِلَى طرسوس. وَكَانَ قد اسْتَقر عوضه فِي نِيَابَة الشَّام الْأَمِير منجك. وَفِي هَذَا الشَّهْر: خرج بِبِلَاد الشَّام جَراد مُضر وَكثر بهَا الفأر فِي البيادر فَتلفت الغلال وَفَشَا بهَا الوباء. وَكثر الْخَوْف بِبِلَاد السَّاحِل من الفرنج والعشمير. وَوصل إِلَى صيدا عدَّة من مراكب الفرنج فحاربوا الْمُسلمين وَرَجَعُوا خايبين. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث عشرينه: تجمعت الغوغاء من زعر الْعَامَّة بأراضي اللوق خَارج الْقَاهِرَة للشلاق فَقتل بَينهم وَاحِد مِنْهُم فَركب وَالِي الْقَاهِرَة الشريف بَكتمُر وأركب مَعَه الْأَمِير علاى الدّين على بن كَلَفت الْحَاجِب والأمير أقبغا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 327 اليوسفي الْحَاجِب وَقصد المشالقين فَفرُّوا مِنْهُم وبقى من هُنَاكَ من النظارة فَضرب عدَّة مِنْهُم بالمقارع. فتعصبت الْعَامَّة ووقفوا تَحت القلعة فِي يَوْم الثُّلَاثَاء وَأَصْبحُوا يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن عشرينه كَذَلِك وهم يستغيثون ويضجون بالشكوى من الْوَالِي فأجيبوا بِأَن السُّلْطَان يعْزل عَنْكُم هَذَا الْوَالِي فَأَبَوا إِلَّا أَن يُسلمهُ إِلَيْهِم هُوَ والحاجبين. وَكَانَ الْوَالِي قد ركب على عَادَته بكرَة النَّهَار يُرِيد القلعة فرجمته الْعَامَّة حَتَّى كَاد يهْلك فالتجأ مِنْهُم بالإصطبل وظل نَهَاره فِيهِ والعامة وقُوف تَحت القلعة إِلَى قريب الْعَصْر وَكلما أمروا بِأَن يمضوا أَبَوا ولجوا فَركب إِلَيْهِم الْوَالِي فِي جمع موفور من مماليك الْأَمِير بَكتمُر المومني أَمِير آخور وَمن الأوجاقية فثارت الْعَامَّة ورجمتهم رجماً متداركاً حَتَّى كسروهم كسرة قبيحة فركبت المماليك السُّلْطَانِيَّة والأوجاقية وحملوا على الْعَامَّة وَقتلُوا مِنْهُم جمَاعَة وقبضوا على خلائق مِنْهُم وَركب الْأَمِير ألجاي اليوسفي وَقسم الخطط والحارات على الْأُمَرَاء والمماليك وَأمرهمْ بِوَضْع السَّيْف فِي النَّاس فجرت خطوب شنيعة قتل فِيهَا خلائق ذهبت دِمَاؤُهُمْ هدرا وأودعت السجون مِنْهُم طوائف وامتدت أَيدي الأجناد إِلَى الْعَامَّة حَتَّى أَنه كَانَ الجندي يدْخل إِلَى حَانُوت البياع من المتعيشين ويذبحه ويمضي. وَحكى بَعضهم أَنه قتل بِيَدِهِ فِي هَذِه الْوَاقِعَة من الْعَامَّة سَبْعَة عشر رجلا. وَكَانَت لَيْلَة الْخَمِيس تَاسِع عشرينه: من ليَالِي السوء وَأصْبح النَّاس وَقد بلغ السُّلْطَان الْخَبَر فشق عَلَيْهِ وَأنْكرهُ وَقَالَ للأمير بكتمر المومني عجلت بالأضحية على النَّاس وتوعده فَرَجَفَ فُؤَاده ونحب قلبه وَقَامَ فَلم يزل صَاحب فرَاش حَتَّى مَاتَ وَأمر السُّلْطَان بالإفراج عَن المسجونين وَنُودِيَ بالأمان وَفتح الْأَسْوَاق ففتحت وَقد كَانَ النَّاس قد أَصْبحُوا على تخوف شَدِيد لما مر بهم فِي اللَّيْل. وَفِيه خلع على الْأَمِير حسام الدّين حُسَيْن بن الكوراني وَالِي مصر وَاسْتقر فِي ولَايَة الْقَاهِرَة عوضا عَن الشريف بكتمر. وأتفق فِي هَذَا الشَّهْر: أَيْضا أَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن مُسلم - كَبِير تجار مصر - سَافر للقاء بضائع قدمت لَهُ من الْهِنْد بقوص فأشاع وَلَده فِي النَّاس موت أَبِيه وَعمل عزاهُ وَاجْتمعَ بالسلطان وَسَأَلَهُ أَن يقوم عوض أَبِيه فِي المتجر ووعد بِحمْل خمسين ألف دِينَار فَخلع عَلَيْهِ وَنزل فَأخذ فِي حمل مَا وعد بِهِ حَتَّى أَتَى على مبلغ كَبِير مِنْهُ. فَبَيْنَمَا هُوَ فِي ذَلِك إِذْ قدم كتاب أَبِيه فِي بعض حاجاته فسر أَهله بحياته الجزء: 4 ¦ الصفحة: 328 وَبعث إِلَيْهِ بِمَا كَانَ من مولده فبادر إِلَى الْمَجِيء وَاجْتمعَ بِأَهْل الدولة وبالسلطان فاعتذروا إِلَيْهِ بِمَا كَانَ من وَلَده ورسم لَهُ أَن يعْتد لَهُ بِمَا حمل وَلَده فِي نَظِير مَا يرد لَهُ من البضائع وَيُحَاسب بِهِ مِمَّا عَلَيْهِ للديوان وخلع عَلَيْهِ فَكَانَ ذَلِك أَيْضا من شنيع مَا وَقع. وَاتفقَ أَيْضا أَن بني كلاب كثر فسادهم وقطعم الطَّرِيق فِيمَا بَين حماة وحلب وَأخذُوا بعض الْحجَّاج فَخرج إِلَيْهِم الْأَمِير قشتمر نَائِب حلب بالعسكر حَتَّى أَتَوا تل السُّلْطَان بِظَاهِر حلب فَإِذا عدَّة من مضَارب عرب آل فضل فاستاق الْعَسْكَر جمَالهمْ ومواشيهم ومالوا على بيُوت الْعَرَب فنهبوها. فثارت الْعَرَب بهم وقاتلوهم واستنجدوا من قرب مِنْهُم من بنى مهنا وأتاهم الْأَمِير حيار وَولده نعير بِجمع كَبِير فَكَانَت معركة شنيعة قتل فِيهَا الْأَمِير قشتمر النايب وَولده وعدة من عسكره وَانْهَزَمَ باقيهم فَركب الْعَرَب أقفيتهم فَلم ينج مِنْهُم عُريَانا إِلَّا من شَاءَ الله وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثامن ذِي الْحجَّة: قدم الْخَبَر بنزول أَربع قطايع على الْإسْكَنْدَريَّة من الفرنج وَأَنَّهُمْ رموا على الْمَدِينَة بمنجنيق فَخرج تِلْكَ اللَّيْلَة ثَلَاثَة وَعِشْرُونَ أَمِيرا مِنْهُم ثَلَاثَة من الألوف وَعشرَة من الطبلخاناه وَعشرَة من أُمَرَاء العشرات فَقدم الْخَبَر فِي عَشِيَّة السبت أَن المغاربة والتركمان نزلُوا فِي المراكب وقاتلوا الفرنج وَقتلُوا مِنْهُم نَحْو الْمِائَة وغنموا مِنْهُم مركبا. وَفِي خَامِس عشره: خرج على الْبَرِيد الْأَمِير قطلوبغا الشَّعْبَانِي ليسير بالأمير أشَقتمر المارديني إِلَى حلب وَكتب مَعَه تَقْلِيده بالنيابة وحملت إِلَيْهِ الخلعة وَأَن يُقَلّد الْأَمِير زامل إمرة الْعَرَب عوضا عَن حيار بن مهنا فاستقر الْأَمِير أَشَقتمر فِي نِيَابَة حلب وَوجد الْعَرَب قد شرقوا. وَفِيه توجه الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْأَمِير سرتقطاى فِي الرسَالَة إِلَى أويس متملك بَغْدَاد. وَاسْتقر جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم بن عَليّ بن عبد الْملك المسلاني فِي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن سرى الدّين إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن هاني الأندلسي وَاسْتقر الْأَمِير بيبغا القوصوني كاشف القليوبية والأمير مُحَمَّد بك الشيخوني فِي نِيَابَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 329 غَزَّة والشريف بكتمر فِي ولَايَة قطيا عوضا عَن ابْن الطشلاقي والأمير بكتمر أستادار الطَّوِيل فِي ولَايَة قوص والأمير أسندمر الخضري فِي الْبحيرَة عوضا عَن ابْن معِين والأمير قطلوبك السيفي فِي ولَايَة مصر وأنعم على الْأَمِير مُحَمَّد بن طرغاي بإمرة طبلخاناه وَاسْتقر أستادار وارتجع عَن الْأَمِير أَسَندَمر المظفري تقدمته وَعوض طبلخاناة لعَجزه عَن الْخدمَة من مرض وأنعم على كل من الْأَمِير بَتْشَاك الْعمريّ والأمير بهادر الجمالي بإمرة ماية تقدمة ألف وعَلى كل من الْأَمِير بيبغا القوصوني وصراي الإدريسي وَأحمد بن أقتمر عبد الْغَنِيّ وَأحمد بن قنغلى وطَقتمُر الْحسنى وخليل بن قمارى وأرغون شاه الأشرفي وحسين بن الكوراني بإمرة طبلخاناه وعَلى كل من جلبان العلاى وَمُحَمّد بن لاجين وأسنبغا النظامي وَمُحَمّد بن قطلوبغا المحمدي وَعمر بن أسن البوبكرى بإمرة عشرَة. وَفِي هَذِه السّنة: حجت خوند بركَة أم السُّلْطَان فِي تجمل عَظِيم وَمَعَهَا الكوسات والعصايب السُّلْطَانِيَّة وعدة جمال تحمل الْخضر المزروعة وَفِي خدمتها الْأَمِير بشتاك الْعمريّ والأمير بهادر الجمالي وماية من المماليك السُّلْطَانِيَّة. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان الْأَمِير إِبْرَاهِيم ابْن الْأَمِير صَرغَتْمش الناصري أحد العشرات فِي تَاسِع شَوَّال وَدفن بمدرسة أَبِيه. وَمَات الأديب الموَالِي أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد الْمَعْرُوف بالفار طرنجي الْعَالِيَة. وَمَات الْأَمِير أرغون عَليّ بك الأزقي نَائِب غَزَّة وَأحد أُمَرَاء الألوف رَأس نوبَة فِي أول جُمَادَى الْآخِرَة. وَمَات تَقِيّ الدّين حسن بن مُحَمَّد بن فتيَان كَاتب سر طرابلس. وَمَات الْأَمِير خَلِيل بن عَليّ بن الْأَمِير سلار النَّائِب أحد الطبلخاناه. وَمَات الْأَمِير الطواشي نَاصِر الدّين شَفِيع أحد العشرات ونائب مقدم المماليك فِي ثامن شعْبَان. وَمَات الْأَمِير طُغاى الفخري - أحد الطبلخاناه - غريقاً بالنيل. وَمَات قَاضِي الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق جمال الدّين مَحْمُود بن أَحْمد بن مَسْعُود أحد فُقَهَاء الْحَنَفِيَّة الْأَعْيَان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 330 وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن خلف بن كَامِل الْغَزِّي أحد نواب الحكم بِدِمَشْق وأعيان الْفُقَهَاء الشَّافِعِيَّة وَله رحْلَة إِلَى الْقَاهِرَة. وَتُوفِّي نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن تَقِيّ الدّين عبد القاهر بن الْوَزير الصاحب ضِيَاء الدّين أبي بكر بن عبد الله بن أَحْمد بن مَنْصُور بن أَحْمد النشابي أحد موقعي الدست فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي عشر ذِي الْحجَّة عَن اثْنَتَيْنِ وَخمسين سنة. وَمَات عماد الدّين مُحَمَّد بن مُوسَى بن سُلَيْمَان بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب بن عبد الله بن عَليّ بن أَحْمد بن الشيرحي محتسب دمشق وناظر الخزانة بهَا. وَمَات بدر الدّين مُحَمَّد بن الْجمال مُحَمَّد بن الْكَمَال أَحْمد بن مُحَمَّد بن الشريشي الشَّافِعِي برع فِي الْفِقْه واللغة وَقَالَ الشّعْر. وَمَات الْأَمِير مُحَمَّد بن الْأَمِير طقبغا الماجاري صاووق أحد الطبلخاناه. وَمَات الأديب الشَّاعِر شمس الدّين مُحَمَّد بن تَقِيّ الدّين على الوَاسِطِيّ فِي شهر رَجَب. وَمَات الْأَمِير ألطنبغا المؤمني الجوكندار أحد العشرات فِي صفر. وَمَات الْأَمِير أقَتمُر عبد الْغَنِيّ الصَّغِير - أحد العشرات - فِي تَاسِع عشْرين شهر رَمَضَان. وَمَات الْأَمِير أزكا السيفي أحد الطبلخاناه. وَمَات متملك تونس أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن أبي بكر بن يحيى بن إِبْرَاهِيم بن يحيى فِي الْعشْرين من رَجَب بعد مَا ملك تسع عشرَة سنة وشهرين فَقَامَ بعده ابْنه أَبُو الْبَقَاء خَالِد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 331 فارغه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 332 (سنة إِحْدَى وَسبعين وَسَبْعمائة) فِي أول الْمحرم: ورد قَاصد الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْأَمِير طاز وَمَعَهُ أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ من وَفِي يَوْم الْأَحَد ثامنه: ورد الْبَرِيد بِطَلَب الْأَمِير حيار الْأمان وَكَانَ القاصد بذلك الْأَمِير سيف الدّين بهادر أستادار الْأَمِير منجك نَائِب الشَّام ومعيقل حَاجِب حيار فَأُجِيب إِلَى ذَلِك. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثامن عشره: خلع على كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن الرويهب وَاسْتقر فِي الوزارة عوضا عَن علم الدّين إِبْرَاهِيم بن قزوينة باستعفائه وَلم يتَعَرَّض لِابْنِ قزوينة بِسوء. وَفِيه اسْتَقر عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن أبي الْعِزّ بن صَالح الْمَعْرُوف بِابْن الكشك الدِّمَشْقِي فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق بعد وَفَاة جمال الدّين أبي الثَّنَاء مَحْمُود بن سراج الدّين أَحْمد بن مَسْعُود الْمَعْرُوف بِابْن السراج. وَفِي يَوْم السبت رَابِع عشر: ركب السُّلْطَان إِلَى لِقَاء والدته عِنْد قدومها من الْحَج وَنزل بركَة الْحجَّاج ثمَّ مضى إِلَى البويب. فَلَمَّا قدمت فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس عشره عَاد إِلَى قلعة الْجَبَل. وَفِي يَوْم السبت حادي عشرينه: خلع على الْأَمِير بهادر الجمالي وَاسْتقر أَمِير أخور عوضا عَن الْأَمِير بَكتمُر المؤمني بعد وَفَاته وخلع على الْأَمِير تَلكتَمُر بن بركَة أستادار عوضا عَن بهادر الجمالي وَاسْتقر الْأَمِير أرغون شاه الأشرفي أَمِير مجْلِس عوضا عَن تلكتمر وأنعم على الْأَمِير جلبان العلاى بإمرة طبلخاناة. وَخرج الْبَرِيد بِطَلَب الْأَمِير أَقتمُر الصاحبي الْحَنْبَلِيّ من الشَّام فَقدم فِي رَابِع عشر صفر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 333 وَفِيه اسْتَقر كَمَال الدّين - التنسي الْمَالِكِي فِي قَضَاء الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن كَمَال الدّين الريغي. وَفِي أول شهر ربيع الأول: قدم الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن يُوسُف بن إلْيَاس القونوي الْحَنَفِيّ فَخرج الْأَمِير منكلى بغا الشمسي الأتابك إِلَى لِقَائِه وأنزله فِي بَيت بالمارستان فَأَتَاهُ النَّاس من كل جِهَة. وَكَانَ مُنْقَطع القرين فِي الْوَرع والصدع بِالْحَقِّ. وَفِي ثَالِث ربيع الآخر: اسْتَقر الْأَمِير كنجكجي المنصوري فِي نِيَابَة حماة عوضا عَن أيدمر الشيخي. وَفِي رابعه: خلع على الصاحب شمس الدّين أبي الْفرج المقسي وَاسْتقر فِي الوزارة عوضا عَن كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن الرويهب مُضَافا إِلَى نظر الْخَاص. وَفِي ثَانِي جُمَادَى الْآخِرَة: أخرج الْأَمِير مُحَمَّد بن قمار أَمِير شكار منفياً وَاسْتقر عوضه الْأَمِير جمال الدّين عبد الله بن بَكتمر الْحَاجِب أَمِير شكار وخلع على الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن قيران الحسامي الْمَعْرُوف بِابْن شرف الدّين وَاسْتقر أَمِير طبر عوضا عَن شرف الدّين مُوسَى بن ديدار بن قرمان عِنْد استعفائه وخلع على الْأَمِير نصرات وَاسْتقر حاجباً عوضا عَن أسنبغا. وَفِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشْرين رَجَب: اسْتَقر عَلَاء الدّين عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ ابْن عبد الله بن أبي الْفَتْح بن هَاشم الْمَقْدِسِي فِي قَضَاء الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق عوضا عَن شرف الدّين أَحْمد بن شيخ الْجَبَل بعد وَفَاته. وَفِي تَاسِع عشرينه: رسم الْأَمِير أسندَمُر حرفوش بِالْجُلُوسِ وَقت الْخدمَة بالإيوان. وَفِي ثامن عشر شعْبَان: اسْتَقر الشريف بكتمر بن عَليّ الْحُسَيْنِي حاجباً عوضا عَن أقبغا اليوسفي. وَاسْتقر الْأَمِير أرغون شاه الأشرفي رَأس نوبَة عوضا عَن الْأَمِير بَشتاك الْعمريّ بعد وَفَاته وَاسْتقر الْأَمِير أرغون الأحمدي اللالا أَمِير مجْلِس عوضا عَن أرغون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 334 شاه وأنعم على الْأَمِير طينال المارديني بتقدمة ألف وعَلى الْأَمِير علم دَار بتقدمة ألف وَاسْتقر أستادارا وَاسْتقر الْأَمِير مُحَمَّد بن سرتقَطَاي نقيب الْجَيْش عوضا عَن أرغون بن قيران. وَاسْتقر الْأَمِير شرف الدّين مُوسَى بن الأزكَشي شاد الدَّوَاوِين عوضا عَن شرف الدّين مُوسَى بن الديناري وَاسْتقر ابْن الديناري حاجباً عوضا عَن عَلَاء الدّين ابْن كلفت وَاسْتقر الْأَمِير آقبغا بن مصطفى جاشنكيرا عوضا عَن الْأَمِير ألطبغا العلاى فرفور وَاسْتقر الْأَمِير جركس الرسولي أستادارا ثَانِيًا عوضا عَن مُحَمَّد بن طرغاي وَاسْتقر الْأَمِير طغاى تمر العثماني أَمِير جاندار عوضا عَن الْأَمِير أسندمر حرفوش وخلع على الْجَمِيع. وَقدم الْبَرِيد بغلاء الأسعار بِدِمَشْق وتجاوزت الغرارة الْقَمْح مِائَتي دِرْهَم وفشت بهَا الآوبئة. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَالِث عشْرين شَوَّال: توجه قَاضِي الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق عَلَاء الدّين على ابْن مُحَمَّد إِلَى مَحل ولَايَته. وَفِي رَابِع ذِي الْقعدَة: اسْتَقر عَلَاء الدّين عَليّ بن الرصاص فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بصفد وخلع عَلَيْهِ وَتوجه إِلَى ولَايَته. وَفِي يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشرينه: خلع على الصاحب فَخر الدّين ماجد بن تَاج الدّين مُوسَى بن أبي شَاكر وأعيد إِلَى الوزارة عوضا عَن شمس الدّين أبي الْفرج المقسي وخلع على الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن إياز الدواداري وَاسْتقر كاشف الْوَجْه البحري وَاسْتقر علاى الدّين السناني فِي ولَايَة الغربية عوضا عَن قطلوبك صهر المزوق وَاسْتقر بهادر وَالِي الْعَرَب فِي ولَايَة البهنسا وَاسْتقر ركن الدّين عمر بن الْمعِين وَالِي الْبحيرَة عوضا عَن أسَندَمُر الخضري. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامن عشرينه: رسم بتسمير نَصْرَانِيّ اتهمَ أَنه سحر خوند ابْنة الْأَمِير طاز وَزَوْجَة السُّلْطَان فَمَاتَتْ بسحره فسمر ووسط وأحرق بالنَّار. وَاسْتقر نجم الدّين أَحْمد بن عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن الكشك فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن أَبِيه برغبته لَهُ عَن ذَلِك وَاسْتقر برهَان الدّين أَبُو سَالم إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن على الصنهاجي فِي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بحلب، عوضا عَن تَقِيّ الدّين الأنفي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 335 وَفِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع ذِي الْحجَّة: اسْتَقر زين الدّين أَبُو بكر على بن عبد الْملك المازوني فِي قَضَاء الماليكة بِدِمَشْق بعد وَفَاة جمال الدّين المسلاتي. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس عشرينه: قدم الْبَرِيد بوفاة التَّاج عبد الْوَهَّاب بن السُّبْكِيّ قَاضِي الْقُضَاة بِدِمَشْق فاستقر عوضه كَمَال الدّين أَبُو الْقَاسِم عمر بن الْفَخر عُثْمَان ابْن هبة الله المعري قَاضِي حلب وَاسْتقر فِي قَضَاء حلب عوض المعري قَاضِي طرابلس فَخر الدّين عُثْمَان بن أَحْمد بن عُثْمَان بن أَحْمد الزرعي. وأعيد الْأَمِير ألطبغا الشمسي إِلَى ولَايَة القلعة وَأخرج الْأَمِير نصرات إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَعمل بهَا حاجباً وأنعم على كل من الْأَمِير منكوتَمر عبد الْغَنِيّ والأمير يلبغا الْمَجْنُون بتقدمة ألف وعَلى كل من الْأَمِير يلبغا الناصري والأمير ألطبغا الشمسي والأمير قطلو أقتمر العثماني والأمير آل ملك الصرغتمشي والأمير عبد الرَّحِيم بن الْأَمِير منكلى بغا الشمسي والأمير يَاوَرجي القوصوني والأمير تغرى بردش بن ألجاي والأمير تلكتَمُر الجمالي بإمرة طبلخاناه وعَلى كل من مُحَمَّد بن قرا ابْن كُلَيته وَرَجَب بن طيبغا المحمدي وَعبد الله بن مُحَمَّد بن طرغاي وصراي تمر المحمدي ومنكلى بغا الْبَلَدِي الأحمدي ويلبغا المحمدي وبكتمر العلمي وَمُحَمّد شاه ابْن الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أقبغا آص وطيدمر الذَّهَبِيّ أَمِير شكار وبكتاش بن قطليجا. وفيهَا ولد للسُّلْطَان ولد ذكر سَمَّاهُ رَمَضَان وزينت الْقَاهِرَة لولادته ودقت البشاير وَذَلِكَ فِي شهر رَمَضَان. وَكَانَ أَمِير الْحَاج عَلَاء الدّين عَليّ بن كَلَفْت فَأَقَامَ بِمَكَّة لعمارة مأذنة بَاب الْحَزْوَرَة وَعَاد بالحاج الطواشي سَابق الدّين مِثْقَال الآنوكي مقدم المماليك. وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر من الْأَعْيَان الْوَزير الصاحب علم الدّين إِبْرَاهِيم بن قزوينة الْمَعْرُوف بالحليق فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء سَابِع شهر رَجَب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 336 وَتُوفِّي قَاضِي الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق شرف الدّين أَحْمد بن قَاضِي الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق شرف الدّين أبي الْفَضَائِل الْحسن بن الْخَطِيب شرف الدّين أبي بكر عبد الله بن الشَّيْخ أبي عمر مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن قدامَة الْمَقْدِسِي ثمَّ الصَّالِحِي الدِّمَشْقِي الْمَعْرُوف بِابْن قَاضِي الْجَبَل الْحَنْبَلِيّ عَلامَة وقته فِي كَثْرَة النَّقْل وَقفه الْحَنَابِلَة فِي يَوْم الثَّالِث عشر من رَجَب. وَتُوفِّي قاضى الْمَالِكِيَّة بحماة ودمشق أَبُو الْوَلِيد سرى الدّين إِسْمَاعِيل بن الْبَدْر مُحَمَّد ابْن مُحَمَّد بن هانىء اللَّخْمِيّ الأندلسي بِالْقَاهِرَةِ برع فِي الْعَرَبيَّة واللغة وَالْأَدب وَشرح التَّلْقِين فِي النَّحْو لأبي وَمَات الْأَمِير أروس بغا الخليلي أحد الطبلخاناه فِي آخر شهر رَجَب. وَمَات الْأَمِير أسندَمُر الكاملي زوج خوند القُرْدُمية وَأحد أُمَرَاء الألوف. وَمَات الْأَمِير آسن الصرغتمشي أحد الطبلخاناه منفياً بِدِمَشْق. وَمَات الْأَمِير أقبغا اليوسفي الْحَاجِب فِي شعْبَان بِمَدِينَة منفلوط وَقد توجه إِلَى لِقَاء هَدِيَّة صَاحب الْيمن وَكَانَ مشكور السِّيرَة. وَمَات الْأَمِير ألطبغا العلاى الجاشنكيرى فرفور أحد الطبلخاناه. وَمَات الْأَمِير بكتمر المؤمني أَمِير آخور فِي يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع عشر الْمحرم. وَمَات الْأَمِير بكتمر الأحمدي أحد الطبلخاناه. وَمَات الْأَمِير تنبك الأزقي أحد الطبلخاناه وَرَأس نوبَة ثَانِيًا. وَكَانَ من الْأَبْطَال. وَمَات الْأَمِير طيبغا المحمدي أحد أُمَرَاء الألوف فِي صفر. وَمَات قَاضِي قُضَاة دمشق تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب بن قَاضِي قُضَاة دمشق تَقِيّ الدّين على بن عبد الْكَافِي بن عَليّ بن تَمام بن يُوسُف بن مُوسَى بن تَمام الْأنْصَارِيّ السبكى فِي يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع ذِي الْحجَّة بِدِمَشْق عَن أَربع وَأَرْبَعين سنة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 337 وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة وعالمهم زين الدّين عمر بن الْكَمَال أبي عمر عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر البسطامي لَيْلَة الْجُمُعَة خَامِس عشْرين جُمَادَى الآخرى بِالْقَاهِرَةِ ومولده فِي جُمَادَى سنة أَربع وَتِسْعين وسِتمِائَة وَدفن بالقرافة عِنْد جده لأمه قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد السرُوجِي. وَتُوفِّي زين الدّين عبد الله بن القوصي أحد نواب الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة فِي لَيْلَة الْخَمِيس سَابِع عشر جُمَادَى الآخر. وَتُوفِّي قاضى الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق جمال الدّين مُحَمَّد بن الزين عبد الرَّحِيم بن عَليّ بن عبد الْملك المسلاتي بِالْقَاهِرَةِ فِي يَوْم السبت ثَالِث عشر ذِي الْقعدَة وَدفن بتربة الصُّوفِيَّة خَارج بَاب النَّصْر. وَتُوفِّي قَاضِي الْعَسْكَر بدر الدّين مُحَمَّد بن أبي الْفَتْح مُحَمَّد بن عبد اللطف بن يحيى بن عَليّ بن تَمام بن يُوسُف بن مُوسَى بن تَمام السُّبْكِيّ بطرِيق الْقُدس أَو قد توجه لزيارته. وَتُوفِّي الْفَقِيه النَّحْوِيّ شمس الدّين مُحَمَّد بن الْحسن بن مُحَمَّد المالقي المغربي الْمَالِكِي بِدِمَشْق وَله شرح التسهيل فِي النَّحْو. وَمَات الْأَمِير مُحَمَّد بن الْأَمِير تنكز نايب الشَّام أحد الطبلخاناه. وَمَات الْأَمِير مُحَمَّد بن الْأَمِير طرغاي أحد الطبلخاناه. وَمَات شمس الدّين مُوسَى بن التَّاج أبي إِسْحَاق عبد الْوَهَّاب بن عبد الْكَرِيم نَاظر الْجَيْش وناظر الْخَاص بعد مَا عزل ووزر وزارة دمشق غير مرّة. وَهُوَ من أَبنَاء السّبْعين بِظَاهِر دمشق. وَمَات الْأَمِير الأكز الكشلاوي الْوَزير الأستادار وَهُوَ منفي بحلب فِي ربيع الأول. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 338 سنة اثنتن وَسبعين وَسَبْعمائة فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي عشر الْمحرم: اسْتَقر سعد الدّين ماجد بن التَّاج أبي إِسْحَاق فِي وزارة الشَّام. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشره: سَافر زين الدّين أَبُو بكر بن عَليّ بن عبد الْملك المازوني - قَاضِي الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق - إِلَى مَحل ولَايَته. وَفِي حادي عشرينه: أخرج الْأَمِير يَعْقُوب شاه الخازندار منفياً إِلَى ملطة. وَفِي أول صفر: قدمت رسل الفرنج لطلب الصُّلْح فَحَلَفُوا على أَلا يغدروا وَلَا يحزنوا وخلع عَلَيْهِم وسافروا وَمَعَهُمْ من يحلف ملكهم وَأخذت مِنْهُم رهائن بالقلعة. وَفِي شهر ربيع الأول عزل الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن قنغلى من ولَايَة الجيزة بسؤاله وارتجعت عَنهُ إمرة طبلخاناه وأنعم على طيبغا الْعمريّ الْفَقِيه بإمرة عشرَة. وَاسْتقر مُحَمَّد بن قرطاي الْموصِلِي نقيب الْجَيْش عوضا عَن أرغون بن قيران ثمَّ أُعِيد أرغون واستدعى مُحَمَّد بن قماري من غَزَّة وأنعم عَلَيْهِ بإمرة طبلخاناه وَاسْتقر أَمِير شكار على عَادَته. وَفِي يَوْم السبت ثامن عشر ربيع الآخر: ركب السُّلْطَان للصَّيْد وَعبر الْقَاهِرَة من بَاب زويلة وَنزل إِلَى الْقبَّة المنصورية فزار جده وجد أَبِيه وَركب فَخرج من بَاب النَّصْر وتصيد وَعَاد يُرِيد التَّوَجُّه إِلَى الْوَجْه القبلي فَقدمت لَهُ أَرْبَاب الأدراك تقادم جليلة. وَفِي لَيْلَة الْخَمِيس الْخَامِس من جُمَادَى الأولى: ظهر بالسماء على الْقُدس ودمشق وحلب حمرَة شَدِيدَة جدا كَأَنَّهَا الْجَمْر وَصَارَت فِي خلل النُّجُوم كالعمد الْبيض حَتَّى سد ذَلِك الْأُفق طول لَيْلَة الْخَمِيس حَتَّى طلع الْفجْر فارتاع النَّاس وَاشْتَدَّ خوفهم وَبَاتُوا يَسْتَغْفِرُونَ الله ويذكرونه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 339 وَفِي آخِره: خلع على الْأَمِير سيف الدّين طشتمر العلاى وَاسْتقر دوادارا بإمرة طبلخاناه نقل إِلَيْهَا من الجندية بعد وَفَاة منكوتمر عبد الْغَنِيّ الدوادار. وَفِيه عَادَتْ رسل الفرنج وَمَعَهُمْ عدَّة مِمَّن أسروهم من الْمُسلمين نَحْو الْمِائَة. وَكَانَ الْوَقْت خَرِيفًا فكثرت الْأَمْرَاض فِي النَّاس بِالْقَاهِرَةِ وَالْوَجْه البحري وَتجَاوز عدد الْأَمْوَات بِالْقَاهِرَةِ ثَمَانِينَ فِي كل يَوْم. وَفِي أول جُمَادَى الْآخِرَة: اسْتَقر شرف الدّين عبد الْمُنعم بن سُلَيْمَان بن دَاوُد الْبَغْدَادِيّ الْحَنْبَلِيّ فِي إِفْتَاء دَار الْعدْل وتدريس مدرسة أم السُّلْطَان بِخَط التبانة عوضا عَن بدر الدّين حسن النابلسي بعد وَفَاته. وَفِيه بعث الفرنج من بَقِي من أسرى الْمُسلمين ببلادهم وَتمّ الصُّلْح وَفتحت كَنِيسَة القمامة بالقدس. وَفِي ثَالِث عشْرين شهر رَجَب: سَار ركب الْحجَّاج الرحبية إِلَى مَكَّة. وَفِي سَابِع شعْبَان: اسْتَقر بدر الدّين عبد الْوَهَّاب بن أَحْمد بن مُحَمَّد الأخناي فِي إِفْتَاء دَار الْعدْل عوضا عَن تَاج الدّين مُحَمَّد بن بهاء الدّين بعد وَفَاته بعقبة أَيْلَة صُحْبَة الرجبية. وَفِي تاسعه: اسْتَقر علم الدّين صَالح الْإِسْنَوِيّ موقع الحكم وَاسْتقر فِي وكَالَة الْخَاص عوضا عَن ابْن بهاء الدّين وَاسْتقر بدر الدّين الأقفهسي شَاهد الْأَمِير ألجاي اليوسفي عوضه فِي شَهَادَة الْجَيْش وَاسْتقر محب الدّين السمسطاي فِي نظر المارستان عوض ابْن بهاء الدّين. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ رَابِع عشر شعْبَان: خلع على الصاحب شمس الدّين أبي الْفرج المقسي وَاسْتقر وَكيل الْخَاص عوضا عَن علم الدّين صَالح مُضَافا لما بِيَدِهِ. وَفِي أول شهر رَمَضَان: خلع على الْأَمِير علم دَار وَاسْتقر فِي نِيَابَة صفد عوضا عَن تَلَكتمُر الْفَقِيه من بركَة وَقدم تَلَكتمُر وَاسْتقر أستادارا عوضا عَن علم دَار. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 340 وَفِي عَاشر شَوَّال: خلع على الْأَمِير أرغون شاه، وَاسْتقر رَأس نوبَة بعد موت الْأَمِير بشتاك. وَفِي سَابِع عشر ذِي الْقعدَة: خلع على الْأَمِير طيدمر البالسي وَاسْتقر فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن ابْن عرام وأنعم على أبن عرام بإمرة طبلخاناه بِالْقَاهِرَةِ. وَفِي رَابِع عشرينه: خلع على بدر الدّين بن السكرِي وَاسْتقر فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بالإسكندرية بعد موت ابْن الزبيبة وخلع على مُحَمَّد بن سرتُقطَاي وَاسْتقر نقيب الْجَيْش عوضا عَن أرغون بن قيران. وَفِيه خلع أَبُو الْبَقَاء خَالِد بن إِبْرَاهِيم بن أبي بكر متملك تونس بعد إِقَامَته فِي الْملك سنة وَتِسْعَة أشهر تنقص يَوْمَيْنِ وَقَامَ بعده ابْن عَمه أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن أبي بكر بن يحيى بن إِبْرَاهِيم فِي يَوْم السبت ثامن عشر ربيع الآخر. وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر من الْأَعْيَان قَاضِي الْحَنَفِيَّة بثغر الْإسْكَنْدَريَّة شهَاب الدّين أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن عمر الصَّالِحِي عرف بِابْن زْبيبّة - تَصْغِير زبيبة - فِي خَامِس عشر ربيع الأول وَهُوَ أول من ولي من قَضَاء الْمَدِينَة بالإسكندرية. وَمَات الْأَمِير أسندمر حرفوش العلاى الْحَاجِب بعد مَا أخرج إِلَى الشَّام وأنعم عَلَيْهِ بإمرة ألف فِي دمشق. وَمَات الْأَمِير عَليّ المارديني نَائِب الشَّام وديار مصر فِي يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع الْمحرم وَكَانَ مشكور السِّيرَة. وَمَات الْأَمِير بَشْتَاك الْعمريّ رَأس نوبَة. وَمَات الْأَمِير جرجي نَائِب حلب وَهُوَ أَمِير كَبِير بِدِمَشْق فِي صفر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 341 وَمَات الْأَمِير جرجي البالسي أحد الطبلخاناه. وَمَات الْأَمِير جرقطلو المظفري أحد العشرات. وَمَات بدر الدّين حسن بن مُحَمَّد بن صَالح بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد المحسن النابلسي الْفَقِيه الْحَنْبَلِيّ مفتي دَار الْعدْل ومدرس الْحَنَابِلَة بمدرسة أم السُّلْطَان فِي رَابِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة توفّي بِالْقَاهِرَةِ. وَمَات شرف الدّين سَالم بن قَاضِي الْقُضَاة بهاء الدّين أبي الْبَقَاء فِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشر شَوَّال بِالْقَاهِرَةِ. وَمَات الشَّيْخ عبد الرَّحِيم جمال الدّين أَبُو مُحَمَّد بن الْحسن بن عَليّ بن عمر الْأمَوِي الْإِسْنَوِيّ الشَّافِعِي فَجْأَة لَيْلَة الْأَحَد ثامن جُمَادَى الأولى وَقد انْتَهَت إِلَيْهِ رياسة الْعلم. وَأكْثر من التصانيف فِي الْفِقْه وَغَيره. وَتُوفِّي قَاضِي الْحَنَفِيَّة بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة نور الدّين عَليّ بن الْفَقِيه عز الدّين يُوسُف بن الْحسن بن مُحَمَّد بن مَحْمُود الزرندي. وَتُوفِّي عَلَاء الدّين على بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى الْمَعْرُوف بِابْن الظريف الْفَقِيه الْمَالِكِي موقع الحكم وَأحد نواب الْمَالِكِيَّة والمقدم فِي عمل المناسخات فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء رَابِع عشر جُمَادَى الأولى. وَمَات سراج الدّين عمر بن الْحسن بن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن الْفُرَات موقع الحكم فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء حادي عشر جُمَادَى الْآخِرَة. وَمَات الْأَمِير قُطْلو أَقتَمُر الناصري رَأس نوبَة فِي ثامن عشر جُمَادَى الأولى. وَمَات تَاج الدّين مُحَمَّد بن بهاء الدّين الْمَالِكِي الْمَعْرُوف بِابْن شَاهد الْجمال مفتي دَار الْعدْل وَشَاهد الْجَيْش وناظر المارستان ووكيل الْخَاص فِي أول شعْبَان بمنزل الْعقبَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 342 وَتُوفِّي شمس الدّين مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد الزَّرْكَشِيّ أحد أَعْيَان الْفُقَهَاء الْحَنَابِلَة فِي لَيْلَة السبت رَابِع عشْرين جُمَادَى الأولى. وَمَات الشَّيْخ أَبُو الظَّاهِر تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد إِمَام أهل الْمِيقَات فِي يَوْم السبت حادي عشْرين شهر رَجَب. وَمَات الشَّيْخ المجذوب المعتقد ذُو الكرامات العجيبة أَبُو زَكَرِيَّا يحيى بن عَليّ بن يحيى الصنافيري الْأَعْمَى فِي يَوْم الْأَحَد سَابِع عشْرين شعْبَان وحزر الْجمع الَّذين صلوا عَلَيْهِ بمصلى خولان من الْقَاهِرَة فَكَانَ ينيف على خمسين ألفا. وَتُوفِّي زين الدّين عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن إِبْرَاهِيم أحد قراء السَّبع وَشَيخ خانكاه بكتمر بالقرافة فِي سَابِع عشْرين ربيع الآخر أَخذ الْقرَاءَات عَن التقي الصايغ. وَمَات الْأَمِير أروس النظامي أحد الطبلخاناه. وَمَات الْأَمِير أزْدَمُر الصفوي الجوكندار. وَتُوفِّي الطّيب الْفَاضِل جمال الدّين يُوسُف الشربكي فِي تَاسِع عشر جُمَادَى الأولى. وَالله تَعَالَى أعلم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 343 فارغه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 344 سنة ثَلَاث وَسبعين وَسَبْعمائة فِي أول الْمحرم: اسْتَقر الْأَمِير أيدمر الدوادار فِي نِيَابَة حلب عوضا عَن أَشَقتمُر المارديني. وَفِي صفر: طُلب شمس الدّين مُحَمَّد الركراكي المغربي من فُقَهَاء الْمَالِكِيَّة إِلَى مجْلِس الْأَمِير الْكَبِير ألجاي وَادّعى عَلَيْهِ بقوادح توجب إِرَاقَة دَمه فتعصب لَهُ قوم وتعصب عَلَيْهِ آخَرُونَ. وَكَثُرت زِيَادَة النّيل فَنُوديَ عَلَيْهِ فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي عشر شهر ربيع الأول وَهُوَ خَامِس عشْرين توت أَرْبَعَة أَصَابِع لتتمة إِصْبَعَيْنِ من عشْرين ذِرَاعا ثمَّ زَاد بعد ذَلِك عدَّة أَيَّام فَلم يناد عَلَيْهِ فَإِنَّهُ فاض حَتَّى تقطعت الطرقات وتأخرت الزِّرَاعَة ثمَّ نقص قَلِيلا وَثَبت حَتَّى مضى من هاتور عدَّة أَيَّام فَاجْتمع النَّاس بِجَامِع عَمْرو من مَدِينَة مصر وَالْجَامِع الْأَزْهَر بِالْقَاهِرَةِ ودعوا الله لهبوط النّيل عدَّة مرار فهبط وَزرع النَّاس على الْعَادة. وَركب السُّلْطَان للعب بالكرة فِي الميدان الْكَبِير بشاطىء النّيل خمس سبوت مُتَوَالِيَة وَلم يتقدمه لذَلِك أحد وَإِنَّمَا الْعَادة أَن يكون الرّكُوب بعد وَفَاء النّيل إِلَى الميدان فِي ثَلَاثَة سبوت مُتَوَالِيَة. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ أول جُمَادَى الأولى: ضرب عنق بعادة مشارف ديوَان الْمَوَارِيث الحشرية لقوادح أوجبت إِرَاقَة دَمه شرعا. وَفِي هَذَا الشَّهْر: تنجز لقَاضِي الْقُضَاة سراج الدّين عمر الْهِنْدِيّ الْحَنَفِيّ مرسوماً بِأَن يلبس الطرحة ويستنيب عَنهُ قُضَاة فِي أَعمال مصر قبليهاوبحريها ويفرد لَهُ مودعاً لأموال يتامى الْحَنَفِيَّة كَمَا يفعل قَاضِي الْقُضَاة الشَّافِعِي فَشَغلهُ الله عَن إتْمَام ذَلِك بِمَرَض نزل بِهِ فَلَزِمَ الْفراش حَتَّى مَاتَ. وَفِيه أَيْضا جرى بَين قَاضِي الْقُضَاة بهاء الدّين أبي الْبناء الشَّافِعِي وَبَين قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم الأخناي الْمَالِكِي كَلَام فِي مَسْأَلَة وَكَانَ أَبُو الْبَقَاء بَحر علم لَا يُدْرِكهُ الدلاء والأخناي بضاعته فِي الْعلم مزجاة فأنجز الْكَلَام إِلَى أَن قَالَ أَبُو الْبَقَاء: لَو كَانَ مَالك حَيا لناظرته فِي هَذِه الْمَسْأَلَة. فعد الأخناي ذَلِك خُرُوجًا من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 345 بهاء الدّين وَقَالَ: إيش أَنْت حَتَّى تذكر مَالِكًا وَالله لَو كَانَ غَيْرك لفَعَلت بِهِ كَذَا يَعْنِي الْقَتْل وهجره. فاتفق عَن قريب عزل أبي الْبَقَاء فطار الْبُرْهَان كل مطار وعدى هُوَ وَأَصْحَابه ذَلِك من كرامات الإِمَام رَحمَه الله. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامنه: كَانَت الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة بدار الْعدْل من القلعة وَحضر قُضَاة الْقُضَاة على الْعَادة ثمَّ انْقَضتْ الْخدمَة فَمضى الْقُضَاة على عَادَتهم وجلسوا بالجامع من القلعة إِذْ أَتَاهُم رجل من عِنْد السُّلْطَان وَأسر إِلَى أبي الْبَقَاء ثمَّ الْتفت إِلَى بَقِيَّة الْقُضَاة وبلغهم عَن السُّلْطَان أَنه قد عزل أَبَا الْبَقَاء وَأمره أَن يلْزم بَيته فَانْفَضُّوا على ذَلِك وَخرج الْبَرِيد بِطَلَب خطيب الْقُدس برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحِيم بن جمَاعَة فَقدم فِي يَوْم الْأَحَد خَامِس جُمَادَى الْآخِرَة وَدخل على السُّلْطَان فَبَالغ فِي إكرامه وخلع عَلَيْهِ وولاه قَضَاء الْقُضَاة عوضا عَن أبي الْبَقَاء فَنزل وَبَين يَدَيْهِ حاجبين من حجاب السُّلْطَان. وَلم يتَقَدَّم لأحد من الْقُضَاة قبله أَن تركب مَعَه الْأُمَرَاء وَركب مَعَه أَيْضا الْأَعْيَان فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَكَانَت مُدَّة عطلة النَّاس من ولَايَة قَاضِي الْقُضَاة سَبْعَة وَعشْرين يَوْمًا وَقد وَقع مثل ذَلِك فِي الْأَيَّام الناصرية مُحَمَّد بن قلاوون تعطلت الْقَاهِرَة من بعض قُضَاة الْقُضَاة بسبعة وَعشْرين يَوْمًا. وَوَقع نَظِير ذَلِك فِي سنة إِحْدَى وَسبعين وَثَمَانمِائَة فِي الْأَيَّام الظَّاهِرِيَّة خشقدم - يبْقى الله عَهده - عِنْد عَزله قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين أَبُو السعادات مُحَمَّد بن تَاج الدّين البُلْقِينِيّ الْكِنَانِي الشَّافِعِي وَطلب السُّلْطَان الشَّيْخ أبي يحيى زَكَرِيَّا السُّبْكِيّ الْأنْصَارِيّ الشَّافِعِي ليوليه وَظِيفَة الْقَضَاء فاختفي عِنْد طلبه وشغر منصب الْقَضَاء سَبْعَة وَعشْرين يَوْمًا ثمَّ ظهر بعد ذَلِك وَطلب إِلَى عِنْد السُّلْطَان هُوَ وَالشَّيْخ كَمَال الدّين مُحَمَّد بن إِمَام الكاملية وَعرض عَلَيْهِمَا وَظِيفَة الْقَضَاء وسألهما السُّلْطَان فِي ذَلِك فأصرا على عدم الدُّخُول فِي ذَلِك وسعى جمَاعَة فَلم يجابوا إِلَى شَيْء فَاسْتَشَارَ السُّلْطَان الشَّيْخ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 346 أَمِين الدّين يحيى بن الأقصري الْحَنَفِيّ فِيمَن يوليه فَأَشَارَ بِولَايَة الشَّيْخ ولي الدّين أبي الْفضل أَحْمد بن أَحْمد السُّيُوطِيّ الشَّافِعِي أحد خلفاء الحكم الْعَزِيز وَذكر الشَّيْخ أَمِين الْمَذْكُور أَنه أصلح الْمَوْجُودين فَطلب ولي الدّين الْمَذْكُور وخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر فِي وَظِيفَة الْقَضَاء وَسَار سيرة حَسَنَة بالسبة إِلَى مستنيبه القَاضِي الْمُنْفَصِل وَللَّه الْأَمر من قبل وَمن بعد. وَفِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشر شهر رَجَب: دَار محمل الْحَاج على الْعَادة فِي كل سنة فاستدعى صدر الدّين مُحَمَّد بن جمال الدّين عبد الله بن عَلَاء الدّين عَليّ التركماني قَاضِي الْعَسْكَر وخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة عوضا عَن السراج عمر الْهِنْدِيّ. وَنزل والمحمل والقضاة وَغَيرهم وقُوف بالرميلة تَحت القلعة كَمَا هِيَ الْعَادة فَوقف مَعَهم ثمَّ مضى فِي موكب الْمحمل حَتَّى انْقَضى دورانه فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامن عشرَة: خلع على الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الصَّائِغ الْحَنَفِيّ وَاسْتقر قَاضِي الْعَسْكَر عوضا عَن صدر الدّين مُحَمَّد التركماني وأضيف إِلَيْهِ أَيْضا تدريس الْحَنَفِيَّة بالجامع الطولوني عوضا عَن السراج الْهِنْدِيّ وَاسْتقر جلال الدّين جَار الله فِي تدريس الْحَنَفِيَّة بِالْمَدْرَسَةِ المنصورية عوضا عَن حميه السراج الْهِنْدِيّ. وَفِي شعْبَان: على الشَّيْخ سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ وَاسْتقر فِي قَضَاء الْعَسْكَر عوضا عَن الشَّيْخ بهاء الدّين أَحْمد بن السُّبْكِيّ بعد مَوته وَاسْتقر فِي تدريس الْمدرسَة الناصرية بجوار قبَّة الإِمَام الشَّافِعِي - رَحمَه الله - من القرافة وتدريس الشَّافِعِيَّة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 347 بِالْمَدْرَسَةِ المنصورية بَين القصرين من الْقَاهِرَة قَاضِي الْقُضَاة بهاء الدّين أَبُو الْبَقَاء. وَاسْتقر فِي إِفْتَاء دَار الْعدْل كَمَال الدّين أَبُو البركات بن السُّبْكِيّ وخلع عَلَيْهِ فِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشره وَاسْتقر الشَّيْخ ضِيَاء الدّين عبيد الله بن سعد القرمي فِي تدريس الشَّافِعِيَّة بخانكاه شيخو وَحضر مَعَه الْقُضَاة والأعيان وعدة من الْأُمَرَاء مِنْهُم الْأَمِير الْكَبِير منكلى بغا الشمسي الأتابك والأمير أرغون اللالا والأمير تلكتمر الْفَقِيه أستادار السُّلْطَان والأمير أرغون شاه رَأس نوبَة والأمير طشتمر الدوادار فِي آخَرين وَمد سماط عَظِيم بالخانكاه فَكَانَ يَوْم مشهوداً ثمَّ انْفَضُّوا بعد مَا ألْقى الدَّرْس وأكلوا السماط. وَفِي هَذَا الشَّهْر: ألزم الْأَشْرَاف بِأَن يتميزوا بعلامة خضراء فِي عمائم الرِّجَال وأزر النِّسَاء فعملوا ذَلِك وَاسْتمرّ وَقَالَ: فِي ذَلِك الأديب شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن جَابر الأندلسي: جعلُوا لأبناء الرَّسُول عَلامَة إِن الْعَلامَة شَأْن من لم يشهر نور النُّبُوَّة فِي كريم وجوهم يُغني الشريف عَن الطّراز الْأَخْضَر وَقَالَ الأديب المنشىء زين الدّين طَاهِر بن حبيب الْحلَبِي: أَلا قل لمن يَبْغِي ظُهُور سيادة تَملكهَا الزهر الْكِرَام بَنو الزهرا وفيهَا اسْتَقر شهَاب الدّين أَحْمد بن الْعِمَاد مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْمُسلم بن عَلان الْقَيْسِي فِي كِتَابَة السِّرّ بحلب بعد وَفَاة عَلَاء الدّين عَليّ بن إِبْرَاهِيم بن حسن بن تَمِيم. وَمَات فِيهَا من الْأَعْيَان مِمَّن لَهُ ذكر الشَّيْخ بهاء الدّين أَبُو حَامِد أَحْمد بن تَقِيّ الدّين أبي الْحسن عَليّ بن عبد الْكَافِي بن عَليّ بن تَمام بن يُوسُف بن مُوسَى بن تَمام الْأنْصَارِيّ السبكى الشَّافِعِي بِمَكَّة لَيْلَة الْخَمِيس سَابِع رَجَب. وَمَات الْأَمِير أيدمر الشيخي أحد أُمَرَاء الألوف ونائب حماة بعد مَا أَقَامَ بحلب. وَمَات قَاضِي الْقُضَاة سراج الدّين عمر بن إِسْحَاق بن أَحْمد الغزنوي الْهِنْدِيّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 348 الْحَنَفِيّ فِي لَيْلَة الْخَمِيس سَابِع رَجَب اللَّيْلَة الَّتِي مَاتَ بهَا ابْن السُّبْكِيّ بِمَكَّة. وَمَات كَمَال الدّين أَبُو الْغَيْث مُحَمَّد بن تَقِيّ الدّين عبد الله بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الْقَادِر الْمَعْرُوف بِابْن الصايغ الْأنْصَارِيّ الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي قَاضِي حمص عَن بضع وَأَرْبَعين سنة. وَمَات الأديب يحيى بن زَكَرِيَّا بن مُحَمَّد بن يحيى بن الخباز العامري الحمري وَهُوَ من أَبنَاء الثَّمَانِينَ بِدِمَشْق. وَمَات الْفَقِير المعتقد عبد الله درويش فِي سَابِع عشر رَجَب. وَمَات الْأَمِير أسنبغا التَلَكسي أحد العشرات. وَمَات الأديب الشَّاعِر شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن عُثْمَان بن شيحان الْمَعْرُوف بِابْن الْمجد الْبكْرِيّ التَّيْمِيّ الْقرشِي الْبَغْدَادِيّ فِي عَاشر شهر رَمَضَان. بمنية بني خصيب. وَالله تَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 349 فارغة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 350 (سنة أَربع وَسبعين وَسَبْعمائة) وفيهَا اسْتَقر الْأَمِير قُرُطاى الكركي شاد العماير فِي كشف الْوَجْه القبلي وَاسْتقر شاد العماير عوضه أسنبغا البهادري وَاسْتقر مُحَمَّد بن قيران الحسامي فِي كشف الْوَجْه البحري عوضا عَن عُثْمَان الشرفي وَاسْتقر قطلوبغا الْعُزَّى أَمِير علم. وَاسْتقر قرابغا الأحمد أَمِير جاندار وَاسْتقر تمراز الطازي حاجباً صَغِيرا وَاسْتقر شهَاب الدّين أَحْمد بن شرف الدّين مُوسَى بن فياض بن عبد الْعَزِيز بن فياض الْمَقْدِسِي قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَابِلَة بحلب عوضا عَن أَبِيه برغبته لَهُ وَاسْتقر شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن مهَاجر فِي كِتَابَة السِّرّ بحلب عوضا عَن ابْن عَلان بعد وَفَاته. وفيهَا اسْتَقر الْأَمِير شرف الدّين مُوسَى بن الأزكشي فِي نِيَابَة غَزَّة عوضا عَن طيدَمُر البالسي. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ جُمَادَى الأولى: ضرب الْبُرْهَان الأخناي قَاضِي الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة عنق رجل لوُقُوعه فِيمَا أوجب ذَلِك. وَفِي عشرينه: تقدم الْأَمِير الْكَبِير ألجاي اليوسفي بألا يجلس فِي كل حَانُوت من حوانيت الشُّهُود سوى أَرْبَعَة وَأمر قُضَاة الْقُضَاة أَلا يجلس كل قَاض من الشُّهُود إِلَّا من كَانَ على مذْهبه فانحصر الشُّهُود من ذَلِك ثمَّ تنجزوا مرسوم السُّلْطَان بإعادتهم إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ فَبَطل ذَلِك. وَفِي يَوْم الْأَحَد أول جُمَادَى الْآخِرَة: قدم قَود الْأَمِير منجك نَائِب الشَّام وَفِيه أسدان وضبع وإبل وَثَمَانِية وَأَرْبَعُونَ كَلْبا سلوقياً وَأَرْبَعُونَ فرسا وَخَمْسُونَ بقجة قماش وقطاران بخاتى بقماشها الفاخر وَأَرْبَعَة قطّ بخاتى بقماش دون قماش القطارين الْأَوَّلين وَخمْس جمال بخاتى لكل وَاحِد مِنْهَا سنامان وقماشها من حَرِير وَسِتَّة قطر جمال عراب بقماشها وَأَرْبَعَة وَأَرْبَعُونَ هجيناً وَثَلَاثَة قباقيب نساوية من ذهب فِيهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 351 اثْنَان مرصعان بالجوهر قيمتهَا مائَة وَخَمْسُونَ ألف دِرْهَم عَنْهَا نَحْو ثَمَانِيَة آلَاف مِثْقَال من الذَّهَب وعدة قنادير من حَرِير مزركش بتراكيب مرصعة من الْجَوْهَر من ملابس النِّسَاء وعدة كنابيش زركش وعرقيات زركش برسم الْخَيل وعدة عبي من حَرِير وَكثير من أحمال الحلاوات والفواكه والأشربة والنخللات فَاسْتَكْثر ذَلِك. وَفِيه أنعم على الْأَمِير منكلى بغا الإحمدي بتقدمة ألف وعَلى سُلْطَان شاه بإمرة طبلخاناه وَاسْتقر الْأَمِير يلبغا الناصري الخازندار شاد الشَّرَاب خاناه عوضا عَن منكلى بغا الأحمدي وَاسْتقر تلكتَمُر خازندار. وَفِي ثَانِيه: عرضت مماليك الْأَمِير الْكَبِير الأتابك منكلى بُغا الشمسي على السُّلْطَان بعد مَوته وهم مِائَتَان وَوَاحِد فجعلهم فِي خدمَة وَلَده أَمِير عَليّ. وَفِيه ورد قَود الْأَمِير أَشقتمر المارديني نَائِب طرابلس وَهُوَ خَمْسَة وَعِشْرُونَ فرسا وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ بقجة قماش وَلكُل من وَلَدي السُّلْطَان - أَمِير عَليّ وأمير حاجي - أَرْبَعَة أَفراس وَأَرْبع بقج فأنعم عَلَيْهِ بنيابة حلب عوضا عَن الْأَمِير عز الدّين أزدَمُر الدوادار وَنقل أيدمر إِلَى نِيَابَة طرابلس وَاسْتقر الْأَمِير ألجاي اليوسفي أتابك العساكر وناظر المارستان عوضا عَن الْأَمِير منكلى بغا الشمسي فَسَأَلَ قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة فِي التحدث عَنهُ فِي نظر المارستان فَلم يقبل فولى الصاحب كريم الدّين شَاكر بن إِبْرَاهِيم بن غَنَّام فِي نِيَابَة النّظر عَنهُ بالمارستان كل ذَلِك وَالسُّلْطَان بسرحة الْبحيرَة على عَادَته فِي كل سنة. فَلَمَّا قدم السُّلْطَان من السرحة وَقع فِي لَيْلَة الْأَحَد تَاسِع عشرينه بالدور السُّلْطَانِيَّة من قلعة الْجَبَل حريق عَظِيم تَمَادى عدَّة أَيَّام وَالْخَلَائِق فِي إطفائه حَتَّى قيل إِنَّه صَاعِقَة سَمَاوِيَّة وضاق وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء أول شهر رَجَب: عرض الشريف فَخر الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن حُسَيْن - نقيب الْأَشْرَاف - عَامَّة الْأَشْرَاف لتحدث الشريفي بدر الدّين حسن بن النسابة بِأَن النَّقِيب أَدخل فِي الْأَشْرَاف من لَيْسَ بشريف ثَابت النّسَب وقدح فِيهِ بِسَبَب ذَلِك فرسم على النسابة حَتَّى يثبت مَا رمى بِهِ النَّقِيب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 352 وَفِي ثالثه: اسْتَقر الْأَمِير كَجَك أَمِير سلَاح عوضا عَن الْأَمِير ألجاي اليوسفي. وَفِيه خلع مَا استجده السُّلْطَان عِنْد قدومه كل سنة من سرحة البحرة من الْخلْع على الْأُمَرَاء الألوف وهى أقبية حَرِير بِفَرْوٍ سمور وأطواق سمور بزركش وعَلى أُمَرَاء الطبلخاناه والعشرات أقبية حَرِير بطرز زركش مِنْهَا مَا تَحْتَهُ فرو قاقم وَمِنْهَا مَا فروه سنجاب. واستجد فِي هَذِه السّنة خلعة للأمير سَابق الدّين مقدم المماليك وَهِي قبَاء حَرِير أَزْرَق بطرز زركش عريض فَخلع عَلَيْهِ ذَلِك وَلم يتَقَدَّم قبله لأحد من مقدمي المماليك مثل هَذَا. وَاسْتقر الْأَمِير أَحْمد بن جميل فِي ولَايَة الغربية والأمير علم دَار المحمدي فِي نِيَابَة صفد عوضا عَن مُوسَى بن أرقطاى. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي شعْبَان: اسْتَقر الْأَمِير صَلَاح الدّين خَلِيل بن عرام فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن شرف الدّين مُوسَى بن الأزكشي. وَفِي هَذَا الشَّهْر: قصد الْأَمِير ألجاي أَن يجدد بِالْمَدْرَسَةِ المنصورية بَين القصرين من الْقَاهِرَة منبراً ويقرر بهَا خطباً لتقام بهَا الْجُمُعَة فأفتاه سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ من الشَّافِعِيَّة وشمس الدّين مُحَمَّد بن الصايغ من الْحَنَفِيَّة بِجَوَاز ذَلِك وَأنْكرهُ من عداهما من الْفُقَهَاء لقرب الْمدرسَة الصالحية - وَبهَا خطة للْجُمُعَة - بِحَيْثُ يرى من المنصورية مِنْبَر الصالحية وَكثر الْكَلَام فِي ذَلِك فعقد مجْلِس فِي يَوْم السبت سادس عشرينه اجْتمع فِيهِ الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء بِالْمَدْرَسَةِ المنصورية لهَذَا فَجرى بَينهم نزاع طَوِيل آل أمره إِلَى الْمَنْع من تَجْدِيد الخطة وانفضوا على أحن فِي نفوس من أفتى بِالْجَوَازِ على من منع فِي الْجَوَاز. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 353 وَفِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشر شَوَّال: خلع على الشريف عَاصِم وَاسْتقر نقيب الْأَشْرَاف عوضا عَن السَّيِّد فَخر الدّين لما رمى بِهِ من أَخذ الرِّشْوَة على إِدْخَال من لَيْسَ بِثَابِت النّسَب فِي جملَة الْأَشْرَاف وَذَلِكَ بعناية الْأَمِير الْكَبِير ألجاي بعاصم. وَفِي الثُّلَاثَاء سادس عشر ذِي الْقعدَة: ركب السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل إِلَى رِبَاط الْآثَار النَّبَوِيَّة خَارج مَدِينَة مصر للزيارة ثمَّ توجه لعيادة أمه بالروضة فَأَقَامَ عِنْدهَا على شاطىء النّيل حَتَّى عَاد إِلَى القلعة فِي يَوْم الْخَمِيس ثامن عشره. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير أرغون الْعُزَّى شاد الدَّوَاوِين عوضا عَن شرف الدّين مُوسَى بن الديناري وَاسْتقر أَبُو بكر القرماني فِي ولَايَة الغربية عوضا عَن أَحْمد بن جميل وَاسْتقر فَخر الدّين عُثْمَان الشرفي وَالِي الجيزة. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ عشْرين ذِي الْحجَّة: أُعِيد الشريف فَخر الدّين إِلَى نقابة الْأَشْرَاف وعزل الشريف عَاصِم الْحُسَيْنِي وَاسْتقر الصاحب كريم الدّين شَاكر بن إِبْرَاهِيم بن غَنَّام فِي الوزارة عوضا عَن فَخر الدّين ماجد بن مُوسَى بن أبي شَاكر وخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر علم الدّين عبد الله بن الصاحب كريم الدّين شَاكر بن غَنَّام فِي نظر الْبيُوت عوضا عَن أَبِيه. وَفِي ثَالِث عشرينه: خلع على الْوَزير كريم الدّين بن الرويهب وَاسْتقر فِي نظر الدولة فرسم لَهُ الصاحب كريم الدّين بن غَنَّام أَن يجلس مُقَابِله بشباك قاعة الصاحب من القلعة إجلالاً لَهُ فَإِنَّهُ جلس بالشباك الْمَذْكُور وَهُوَ وَزِير فصارا يجلسان مَعًا بِهِ. وَفِيه خلع على جمال الدّين عبد الرَّحِيم بن الْوراق الْحَنَفِيّ مؤدب وَلَدي السُّلْطَان وَاسْتقر فِي نظر الخزانة الْكُبْرَى وخلع على تَاج الدّين النشو الْمَالِكِي وَاسْتقر فِي اسْتِيفَاء الصُّحْبَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 354 وَفِي سَابِع عشرينه: أخرج الْأَمِير مُحَمَّد بن أياز الدواداري نقيب الْجَيْش منفياً إِلَى الشَّام. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان وَتُوفِّي كَاتب السِّرّ بحلب شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْمُسلم بن عَلَاء القبيسي. وَتُوفِّي من فُقَهَاء الْحَنَابِلَة بِالْقَاهِرَةِ الشهَاب أَحْمد العباسي سبط فتح الدّين القلانسي الْمُحدث فِي حادي عشْرين جُمَادَى الأولى. وَمَات من فُقَهَاء الشَّافِعِيَّة الشهَاب أَحْمد بن عبد الْوَارِث الْبكْرِيّ فِي سَابِع عشْرين رَمَضَان. وَمَات الْأَمِير أرغون ططر الناصري رَأس نوبَة بعد مَا نفي بحماة فِي الْمحرم. وَتُوفِّي خطيب حلب شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن جُمُعَة بن أبي بكر الْأنْصَارِيّ الْحلَبِي الْفَقِيه الشَّافِعِي عَن سِتّ وَسبعين سنة بحلب وَله رحْلَة إِلَى الْقَاهِرَة. وَتُوفِّي الشَّيْخ عماد الدّين أَبُو الفدا إِسْمَاعِيل بن الْخَطِيب شهَاب الدّين عمر بن كثير بن ضو بن كثير الْقرشِي الشَّافِعِي الإِمَام الْمُفَسّر الْمُحدث الْوَاعِظ الْفَقِيه فِي يَوْم الْخَمِيس سادس عشر شعْبَان بِدِمَشْق عَن أَربع وَسبعين سنة. وَتُوفِّي بدر الدّين حسن بن عبد الْعَزِيز بن عبد الْكَرِيم بن أبي طَالب بن عَليّ مُسْتَوْفِي ديوَان الْجَيْش يُقَال إِنَّه من لخم فِي يَوْم الْعشْرين من جُمَادَى الأولى. كَانَت لَهُ مُرُوءَة غزيرة وَمَكَارِم مَشْهُورَة. وَتُوفِّي الشَّيْخ ولي الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم الملوي الدمياجي الشَّافِعِي ذُو الْفُنُون بِالْقَاهِرَةِ فِي لَيْلَة الْخَمِيس خَامِس عشْرين ربيع الأول عَن بضع وَسِتِّينَ سنة وحزر الْجمع فِي جنَازَته بِثَلَاثِينَ ألف رجل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 355 وَتُوفِّي الشَّيْخ الْعَارِف المُسَلك بهاء الدّين مُحَمَّد الكازروني فِي لَيْلَة الْأَحَد خَامِس ذِي الْحَج بزاويته الَّتِي يُقَال لَهَا المشتهي بالروضة أَخذ عَن أَحْمد الحويري خَادِم ياقوت الحبشي خَادِم أبي الْعَبَّاس المرسي عَن الشَّيْخ أبي الْحسن الشاذلي وَصَحبه زَمَانا. وَتُوفِّي تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن الْجمال رَافع بن هجرس بن مُحَمَّد بن شَافِع السلَامِي الْمصْرِيّ الْفَقِيه الشَّافِعِي الْمُحدث عَن سبعين سنة بِدِمَشْق يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشر جُمَادَى الأولى. وَمَات الأديب البارع الْفَقِيه شمس الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم بن رضوَان الْموصِلِي بطرابلس فِي جُمَادَى الْآخِرَة عَن خمس وَسبعين سنة. وَتُوفِّي نَاظر الْجَيْش بحلب بدر الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الشهَاب مَحْمُود بن سُلَيْمَان الْحلَبِي بهَا عَن خمس وَسبعين سنة. وَمَات الْأَمِير منكلى بغا الشمسي الأتابك فِي جُمَادَى الأولى. وَمَات الْأَمِير مُوسَى بن الْأَمِير أرقطاي نَائِب صفد. وَمَات الشَّيْخ يحيى بن الرهوني الْمَالِكِي فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء ثَالِث ذِي الْقعدَة. وَمَات الْفَقِيه المعتقد عبد الله بن عمر بن سُلَيْمَان المغربي الْمَعْرُوف بالسبطير بالجامع الْأَزْهَر فِي ثَانِي عشْرين صفر. وَمَات نَاصِر الدّين مُحَمَّد الزفتاوي الْمَعْرُوف بسباسب رَئِيس المؤذنين وَقد اخْتصَّ بالسلطان فِي عَاشر شهر وَجب. وَتوفيت خوند بركَة أم السُّلْطَان فِي يَوْم الثُّلَاثَاء آخر ذِي الْقعدَة وَهِي الَّتِي بنت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 356 الْمدرسَة الْمَعْرُوفَة بمدرسة أم السُّلْطَان بِخَط التبانة قَرِيبا من قلعة الْجَبَل وَبنت الرّبع الْمَعْرُوف بِربع أم السُّلْطَان وقيسارية الْجُلُود الَّتِي تَحت الرّبع الْمَذْكُور بِخَط الرُّكْن المخلق وَكَانَا فِي جملَة أوقاف مدرستها هَذِه حَتَّى أخذهما الْأَمِير جمال الدّين يُوسُف الأستادار فِيمَا أَخذ من الْأَوْقَاف والأملاك وهما الْآن وقف على مدرسته الَّتِي أَنشأها بِخَط رحبة بَاب الْعِيد وَمن غَرِيب الِاتِّفَاق أَن الأديب شهَاب الدّين أَحْمد السَّعْدِيّ قَالَ فِي مَوتهَا: فِي مستهل الْعشْر من ذِي الْحَج - ة كَانَت صَبِيحَة موت أم الْأَشْرَف فَالله يرحمها ويعظم أجره يكون عاشورا موت اليوسفي يعْنى الْأَمِير ألجاي اليوسفي زَوجهَا فَكَانَ كَذَلِك وَمَات يَوْم عَاشُورَاء كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى. أَنْشدني الْبَيْتَيْنِ الْمَذْكُورين صاحبنا صارم الدّين إِبْرَاهِيم ابْن دقماق قَالَ: أنشدنيهما وَمَات ملك الْمغرب صَاحب فاس عبد الْعَزِيز بن السُّلْطَان أبي الْحسن عَليّ بن عُثْمَان بن يَعْقُوب بن عبد الْحق المريني لَيْلَة الثَّانِي وَالْعِشْرين من ربيع الآخر وأقيم بعده ابْنه السعيد مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز أبي الْحسن. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 357 فارغه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 358 سنة خمس وَسبعين وَسَبْعمائة فِي أول الْمحرم: خلع على الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن كَلَفت وَاسْتقر حاجباً. وَكَانَت عَادَة الْأَمِير ألجاي أَنه يسكن الْغَوْر من القلعة وَيدخل إِلَى الأشرفية فِي كل يَوْم اثْنَيْنِ وَيَوْم الْخَمِيس وَإِلَيْهِ أُمُور الدولة كلهَا فَلَمَّا مَاتَت زَوجته خوند بركَة أم السُّلْطَان انحطت مَنْزِلَته وتنكر مَا بَينه وَبَين السُّلْطَان بِسَبَب تركتهَا وبلغه عَن السُّلْطَان مَا يكره فَامْتنعَ فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء سادسه من الطُّلُوع للمبيت بالقلعة على عَادَته وَاعْتذر للسُّلْطَان عَن ذَلِك وَأخذ فِي الاستعداد للحرب وَفرق السِّلَاح فِي مماليكه فألبس السُّلْطَان أَيْضا مماليكه وَأمر بدق الكوسات حَرْبِيّا فدقت بعد الْعشَاء من لَيْلَة الْأَرْبَعَاء فَركب الْأُمَرَاء بِالسِّلَاحِ إِلَى القلعة وَبَاتُوا مَعَ السُّلْطَان على حذر حَتَّى طلع نَهَار يَوْم الْأَرْبَعَاء برز الْأَمِير ألجاي من إصطبله فِي جمع موفور من مماليكه وَأَتْبَاعه شاكين فِي السِّلَاح حَتَّى وقفُوا تَحت القلعة وَبعث ليمنع الْأُمَرَاء أَن يخرجُوا من بُيُوتهم فَنزلت إِلَيْهِ المماليك السُّلْطَانِيَّة من بَاب السلسلة وَقد لقيتهم أطلاب الْأُمَرَاء واقتتلوا مَعَ ألجاي قتالاً شَدِيدا كَانَت فِيهِ إِحْدَى عشرَة وقْعَة قتل فِيهَا من الْفَرِيقَيْنِ وجرح كثير مِنْهُم فَانْهَزَمَ ألجاي يُرِيد جِهَة الصليبة فَلَقِيَهُ طلب الْأَمِير طَشْتَمُر الدوادار وَمَال مَعَه عدَّة أطلاب على ألجاي فَمر على وَجهه نَحْو بَاب القرافة والطلب فِي أَثَره حَتَّى أَتَى بركَة الْحَبَش وَمر على الْجَبَل المقطم حَتَّى خرج من جَانب الْجَبَل الْأَحْمَر خَارج الْقَاهِرَة وَنزل قَرِيبا من قبَّة النَّصْر وَقد ضرب لَهُ مخيماه وَاجْتمعَ عَلَيْهِ عدَّة من أَصْحَابه وَبَات لَيْلَة الْخَمِيس فَبعث السُّلْطَان يرغبه فِي الطَّاعَة فَذكر أَنه مَمْلُوك السُّلْطَان وَلم يخرج عَن طَاعَته وَإِنَّمَا يُرِيد بعض الْأُمَرَاء الخاصكية أَن يسلمهم إِلَيْهِ أَو يبرزوا لمحاربته فَمن انتصر كَانَ هُوَ الْمشَار إِلَيْهِ وَإِلَّا فَإِنَّهُ لَا يَمُوت إِلَّا على ظهر فرسه فَبعث إِلَيْهِ ثَانِيًا يخوفه عَاقِبَة الْبَغي ويعرض عَلَيْهِ أَن يتَخَيَّر من الْبِلَاد الشامية مَا شَاءَ فَلم يُوَافق وترددت الرُّسُل بَينهمَا مرَارًا وَبعث إِلَيْهِ بتشريف نِيَابَة حماة فَقَالَ: لَا أتوجه لذَلِك إِلَّا وَمَعِي جَمِيع مماليكي وقماشي وكل مَا أملكهُ. فَلم يرض السُّلْطَان بذلك واستدعى بالأمير عز الدّين أَيْنَبَك - وَكَانَ فِي جملَة ألجاي - فَأَتَاهُ طايعاً وَالْتزم أَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 359 يستميل من مَعَ ألجاي من اليلبغاوية وهم مائَة مَمْلُوك فوعده السُّلْطَان بإمرة طبلخاناه وَانْصَرف إِلَى تربة أستاذه الْأَمِير يلبغا واختفى بهَا بَقِيَّة نَهَاره فَلَمَّا أقبل اللَّيْل بعث غُلَامه إِلَى اليلبغاوية فَمَا زَالَ بهم حَتَّى أَتَوْهُ زمراً زمراً إِلَى التربة فَصَعدَ بهم جَمِيعًا إِلَى السُّلْطَان فرتبهم فِي خدمَة وَلَده أَمِير عَليّ وتبعهم أَكثر من كَانَ مَعَ ألجاي من الْأُمَرَاء والمماليك بِحَيْثُ لم يطلع الْفجْر إِلَّا وَمَعَهُ دون الْخَمْسمِائَةِ فَارس. فتوج إِلَى قِتَاله الْأَمِير أرغون شاه فِي عدَّة وافرة وخلائق من الْعَامَّة. وَمضى أَيْضا الْأَمِير منكلى بغا الْبَلَدِي من طَرِيق أُخْرَى فِي جمع موفور وَكثير من الْعَامَّة. وَسَار الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن شرف الدّين وَمَعَهُ طَائِفَة من الْمُقَاتلَة وَطَوَائِف من أهل الحسينية وَغَيرهم من طَرِيق ثَالِثَة فعندما رأى أُلجاى أَوَائِل الْقَوْم تَأَخّر عَن مَوْضِعه قَلِيلا قَلِيلا حَتَّى صَار الْأَمِير أرغون فِي مَكَانَهُ من قبَّة النَّصْر وانضم إِلَيْهِ الْأُمَرَاء وَمن مَعَهم وَبعث طَائِفَة مِنْهُم فَلَقِيت ألجاي وقاتلته فانكسر مِنْهُم وَأخذ فِي الْفِرَار فَركب الْقَوْم قَفاهُ وَقد تَأَخّر عَنهُ من بَقِي مَعَه حَتَّى وصل إِلَى الخرقانية من القليوبية فِي ثَلَاثَة فرسَان وَابْن شرف الدّين فِي طلبه فَوقف على شاطئ النّيل ظَاهر قليوب واقتحمه بفرسه فغرقا فِي النّيل واستدعى ابْن شرف الدّين بالغطاسين فأخرجوه ووضعوه على بر نَاحيَة شبْرًا وَحَمَلُوهُ فِي تَابُوت إِلَى الْقَاهِرَة فِي بكرَة يَوْم الْجُمُعَة يَوْم تاسوعاء فَدفن بمدرسته من سويقة الْعُزَّى قَرِيبا من القلعة وَكَانَ الْأَمِير أرغون قد عَاد لما انهزم ألجاي وغرق وَعرف السُّلْطَان فَصَعدَ إِلَى القلعة وَبقيت العساكر واقفة تَحت القلعة يَوْم الْخَمِيس. وَقبض السُّلْطَان على الْأَمِير طقتمر الحسني والأمير صراي العلاى وسلطان شاه بن قرا الْحَاجِب ونفاهم. وَقبض على الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن كلفت وألزمه بِحمْل مَال وَقبض على الْأَمِير بيبغا القوصوني والأمير خَلِيل بن أقماري ثمَّ أفرج عَنْهُمَا بشفاعة الْأَمِير طشتمر الدوادار. وَفِيه نُودي من وجد مَمْلُوكا من الألجيهية وأحضره فَلهُ خلعة وحذر من أخفاهم فَظهر السُّلْطَان مِنْهُم بعدة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 360 فَلَمَّا دفن ألجاي نزع الْأُمَرَاء سِلَاحهمْ وهنأوا السُّلْطَان بسلامته وظفره بعدوه وَنُودِيَ بالأمان وَكتب إِلَى الأقطار بِخَير هَذِه الْوَاقِعَة. وَفِيه خرج على الْبَرِيد الْأَمِير بوري الأحمدي الخازن دَار لإحضار الْأَمِير أيدمر الدوادار. وَفِي يَوْم السبت عاشره: خلع على الْأَمِير يَعْقُوب شاه وَاسْتقر نَائِب طرابلس عوضا عَن الْأَمِير أيدمر. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَالِث عشره: اسْتَقر الْأَمِير أرغون شاه أَمِيرا كَبِيرا ورسم لَهُ أَن يجلس بالإيوان فِي وَقت الْخدمَة وَاسْتقر الْأَمِير صرغتمش الأشرفي أَمِير سلَاح ورسم لَهُ أَيْضا أَن يجلس وَقت الْخدمَة وَاسْتقر الْأَمِير أرغون الأحمدي اللالا أَمِيرا كَبِيرا أَيْضا ورسم لَهُ أَن يجلس وَقت الْخدمَة بِجَانِب الْأَمِير أيدمر الشمسي وَاسْتقر الْأَمِير قطلوبغا الشَّعْبَانِي رَأس نوبَة ثَانِيًا وأنعم عَلَيْهِ بإمرة مائَة بتقدمة ألف وَاسْتقر الطواشي مُخْتَار الحسامي مقدم الرفرف فِي تقدمة المماليك عوضا عَن سَابق الدّين مِثْقَال الأنوكي وَأمر سَابق الدّين أَن يلْزم بَيته وَاسْتقر الْأَمِير أيدمر من صديق رَأس نوبَة رَابِعا وخلع على الْجَمِيع واستدعى بأولاد ألجاي وأسكنا بالقلعة ورتب لَهُم كفايتهم وَوَقعت الحوطة على جَمِيع مخلف ألجاي فَكَانَ شَيْئا كثيرا ورتبت مماليكه فِي خدمَة وَلَدي السُّلْطَان وَقبض على مُحَمَّد شاه دوادار ألجاي وعَلى أقبغا البجمقدار خَازِن دَاره وعَلى مباشري ديوانه وألزامه وألزموا بِمَال كَبِير فحملوا بعض مَا ألزموا بِهِ وخلى عَنْهُم. وَفِيه اسْتَقر كَجَك من أرْطَق شاه فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن ابْن عرام وَاسْتقر كَمَال الدّين الربغي فِي قَضَاء الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن الْكَمَال بن التنسي وَاسْتقر الْأَمِير فَخر الدّين عُثْمَان الشرفي أستادار ابْن صبح فِي ولَايَة الْقَاهِرَة عوضا عَن الْأَمِير بَكتَمُر السيفي وَقبض على بَكتَمُر وصودر وَاسْتقر الْأَمِير شرف الدّين مُوسَى بن الديناري فِي ولَايَة الجيزة عوضا عَن عُثْمَان الشرفي وخلع عَلَيْهِم. وَفِيه أنعم على كل من الْأَمِير أقتمر الصاحبي الْحَنْبَلِيّ والأمير تمر باي الحسني والأمير أَحْمد بن يلبغا وإينال اليوسفي وبلوط الصَرغَتْمُشي وَأحمد بن الْأَمِير بُهادر الجمالي وألجنبغا المحمدي وحاجي بك بن شادي والطواشي مُخْتَار الحسامي بإمرة طبلخاناة وعَلى كل من طشتمر الصَّالِحِي، وألطنبغا عبد الْملك بإمرة عشرَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 361 وَفِي ثَانِي عشرينه: اسْتَقر الْأَمِير قطلوبغا المنصوري فِي نِيَابَة صفد عوضا عَن علمدار المحمدي وَاسْتقر الْأَمِير تلكتمر من بركَة حاجباً ثَانِيًا عوضا عَن المنصوري. وَفِي رَابِع صفر: قدم الْأَمِير أيدمر الدوادار من طرابلس فَخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر أتابك العساكر عوضا عَن ألجاي اليوسفي وَاسْتقر تمراز الطازي فِي نِيَابَة حمص عوضا عَن آقبغا عبد الله وأنعم على كل من آقبغا الْمَذْكُور - وَقد قدم من حمص - ويلبغا الناصري اليلبغاوي بإمرة طبلخاناة. وَفِي سَابِع عشره: اسْتَقر الْأَمِير أسنبغا البهادري نقيب. الْجَيْش وَاسْتقر عوضه فِي شدّ العماير قطلوبغا الكوكاي. وَفِي يَوْم الْخَمِيس حادي عشرينه: خلع على الْأَمِير أقتمر عبد الْغَنِيّ حَاجِب الْحجاب وَاسْتقر نايب السُّلْطَان. وَفِي هَذَا الشَّهْر: اجْتمع قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة وَالشَّيْخ سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ بالسلطان وعرفاه مَا فِي ضَمَان المغاني من الْمَفَاسِد والقبايح وَمَا فِي مكس القراريط من الْمَظَالِم - وَهُوَ مَا يُؤْخَذ من الدّور إِذا بِيعَتْ - فسمح بإبطالهما وَكتب بذلك مرسومين إِلَى الْوَجْه القبلي وَالْوَجْه البحري بعد مَا قرءا على مَنَابِر الْقَاهِرَة ومصر فَبَطل وَالْحَمْد لله ضَمَان وَفِي آخِره: نفي الْأَمِير صَلَاح الدّين خَلِيل بن عوام والأمير عَلَاء الدّين على بن كَلَفت وَمُحَمّد شاه - دوادار ألجاي - وأقبغا البجمدار فَسَارُوا إِلَى الشَّام وَنفي الْأَمِير بَكتمُر السيفي إِلَى طرسوس. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير شرف الدّين مُوسَى بن الأزكشي فِي ولَايَة قوص وأضيف إِلَيْهِ الْكَشْف أَيْضا. وَفِي هَذِه السّنة: توقف مَاء النّيل عَن الزِّيَادَة فِي أوانها حَتَّى كَانَ النوروز وَلم يبلغ سِتَّة عشر ذِرَاعا وَتَأَخر مِنْهَا ثَمَانِيَة أَصَابِع فَنُوديَ فِي يَوْم النوروز - وَهُوَ يَوْم الْإِثْنَيْنِ تَاسِع شهر ربيع الأول - بِزِيَادَة إِصْبَعَيْنِ وَنُودِيَ من الْغَد يَوْم الثُّلَاثَاء بِزِيَادَة إِصْبَعَيْنِ وَنُودِيَ فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء بِزِيَادَة إِصْبَعَيْنِ وَتَأَخر من ذِرَاع الْوَفَاء إصبعان فَلم يزدْ بعد ذَلِك شَيْئا ثمَّ نقص فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث عشره فقلق النَّاس لذَلِك وتزايد قلقهم إِلَى يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع عشره خرج الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء وَغَيرهم إِلَى جَامع عَمْرو بِمصْر وضجوا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 362 بِالدُّعَاءِ إِلَى الله فِي إِجْرَاء النّيل ثمَّ فتح الخليج من أخر النَّهَار وَقد بَقِي من الْوَفَاء خَمْسَة أَصَابِع فهبط المَاء من يَوْمه وَلم يعد. وَفِي تَاسِع عشره: قدم الْأَمِير حيار بن مهنا فَخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر فِي إمرة الْعَرَب على عَادَته وَلم يُؤَاخذ بِمَا كَانَ من قَتله الْأَمِير قشتمر وعفي عَنهُ. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة عشرينه: خرج الْقُضَاة وَالنَّاس إِلَى رِبَاط الْآثَار النَّبَوِيَّة خَارج مَدِينَة مصر وغسلوها فِي النّيل بالمقياس وقرأوا هُنَاكَ الْقُرْآن الْكَرِيم وَتَضَرَّعُوا إِلَى الله تَعَالَى فِي إِجْرَاء النّيل ورد مَا نقص ثمَّ عَادوا فَنزل حَتَّى جَفتْ الخلجان من المَاء فارتفع السّعر وَبيع الإردب من الْقَمْح بِسِتَّة وَثَلَاثِينَ درهما سوى كلفه وشرهت الْأَنْفس وتكالب النَّاس على طلب الْقُوت وَغلب على النَّاس الْيَأْس فَنُوديَ يَوْم الْأَحَد ثَانِي عشرينه فِي النَّاس بِالتَّوْبَةِ والإقلاع عَن الْمعاصِي وَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام فصَام من صَامَ الْإِثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاء وَالْأَرْبِعَاء. وَخرج النَّاس فِي بكرَة يَوْم الْخَمِيس سادس عشرينه إِلَى قبَّة النَّصْر - خَارج الْقَاهِرَة - وهم حُفَاة بِثِيَاب مهنتهم وَمَعَهُمْ أطفالهم وَكتب مِمَّن خرج يَوْمئِذٍ وَقد نصب هُنَاكَ مِنْبَر وَنزل الْأَمِير أقتمر عبد الْغَنِيّ النَّائِب فِي عدَّة من الْأُمَرَاء فَخَطب ابْن القْسِطلاني خطيب جَامع عَمْرو خطْبَة الاسْتِسْقَاء وَصلى صَلَاة الاسْتِسْقَاء وكشف رَأسه عِنْد الدُّعَاء وحول رِدَاءَهُ فكشف النَّاس جَمِيعًا رؤوسهم وضجوا بِالدُّعَاءِ إِلَى الله تَعَالَى وَارْتَفَعت أَصْوَاتهم بالاستغاثة وهملت أَعينهم بالبكاء فَكَانَ مشهداً عَظِيما فَلم يسقوا وعادوا خائبين فعز وجود الغلال. وَفِيه تجمعت الْعَامَّة تَحت القلعة وسألوا عزل ابْن عرب عَن الْحِسْبَة وَكَانُوا قد توعدوه فاختفى وَلم يركب فِي هَذَا الْيَوْم وَلَا خرج إِلَى الاسْتِسْقَاء. وَفِيه نفي كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن الرويهب نَاظر الدولة إِلَى طرابلس وَاسْتقر فِي نظر الدولة عوضه تَاج الدّين النشو الْمَالِكِي وَاسْتقر الطواشي سَابق الدّين مِثْقَال الأنوكي فِي تقدمة المماليك على عَادَته وأعيد مُخْتَار كَمَا كَانَ مقدم الرفوف وخلع على الْجَمِيع. وَفِي يَوْم الْخَمِيس عَاشر شهر ربيع الآخر اسْتَقر الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن الْأَمِير الْحَاج آل ملك فِي نِيَابَة غَزَّة عوضا عَن طشبغا المظفري وأنعم على كل من الْأَمِير الطازي والأمير سودُن جركس المنجكي بإمرة مائَة وارتجع عَن طينال المارديني تقدمته وَعوض إمرة طبلخاناه وأنعم على الْأَمِير جركتمر الخاصكي بطبلخاناه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 363 وَفِي يَوْم الْجُمُعَة حادي عشره: خلع على بهاء الدّين مُحَمَّد بن الْمُفَسّر وَاسْتقر فِي حسبَة الْقَاهِرَة عوضا عَن علاى الدّين عَليّ بن عرب باستعفائه مِنْهَا. وَفِي لَيْلَة السبت ثَانِي عشره: أرعدت السَّمَاء وأبرقت وسحت بأمطار غزيرة عَمت كثيرا من أَرَاضِي مصر بِحَيْثُ زرع بَعْضهَا لريها من هَذِه المطرة البرسيم فسر النَّاس بذلك وانحل سعر الْقَمْح خَمْسَة دَرَاهِم الأردب وَكَانَ قد بلغ أَرْبَعِينَ درهما. وَفِي آخِره. خلع على بهاء الدّين بن الْمُفَسّر محتسب الْقَاهِرَة وَاسْتقر فِي وكَالَة بَيت المَال وَنظر كسْوَة الْكَعْبَة عوضا عَن ابْن عرب مُضَافا إِلَى الْحِسْبَة وَأخذ سعر الغلال يرْتَفع. وَفِي خَامِس عشر جُمَادَى الأولى - وَهُوَ سَابِع هاتور -: زَاد النّيل اثْنَي عشر إصبعاً وَفِي الْغَد وَبعد الْغَد ثَمَانِيَة أَصَابِع ثمَّ نقص وَلم يعْهَد مثل ذَلِك. وَفِي يَوْم السبت خَامِس عشرينه: ركب الْأَمِير منكلى بغا الْبَلَدِي إِلَى بَيت الْأَمِير أقتمر عبد الْغَنِيّ النَّائِب ليبلغه عَن السُّلْطَان رِسَالَة فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ أَمر بإمساكه وَأخرجه من بَاب سر دَاره منفياً إِلَى الشَّام فانفض من كَانَ مَعَه من المماليك وَلم يَتَحَرَّك أحد مِنْهُم بحركة ثمَّ رسم لَهُ بنيابة مَدِينَة الكرك فَتوجه إِلَيْهَا. وَبلغ سعر الأردب الْقَمْح إِلَى خمسين درهما والأردب من الشّعير والفول إِلَى خَمْسَة وَعشْرين درهما والحملة الدَّقِيق - وَهِي ثَلَاثمِائَة رَطْل - إِلَى أَرْبَعَة وَثَمَانِينَ درهما. وَقدم الْأَمِير بَيْدَمُر وَمَعَهُ تقادم جليلة فَأكْرم وخلع عَلَيْهِ فِي يَوْم الْخَمِيس أول جُمَادَى الْآخِرَة وَاسْتقر فِي نِيَابَة حلب عوضا عَن الْأَمِير أشقتمر وَركب السُّلْطَان - وَهُوَ مَعَه - فَعدى النّيل إِلَى الجيزة وَهُوَ بتشريف النِّيَابَة ثمَّ عَاد وَتوجه إِلَى حلب وَاسْتقر الْأَمِير أشقتمر فِي نِيَابَة صفد عوضا عَن قطلوبغا المنصوري وَاسْتقر المنصوري فِي نِيَابَة غَزَّة عوضا عَن الْأَمِير أَحْمد بن آل ملك وَاسْتقر ابْن آل ملك فِي نظر الْقُدس والخليل. وَفِي ثامنه: خلع على علاى الدّين على بن عرب وأعيد إِلَى وكَالَة بَيت المَال وَنظر الْكسْوَة وَفِي خَامِس عشره: خلع على الطواشي جَوْهَر الصلاحي - مقدم الْقصر - وَاسْتقر نَائِب مقدم المماليك عوضا عَن نحتار الدمنهوري وخلع على نحتار الْمَذْكُور وَيعرف بشاذروان وَاسْتقر مقدم مماليك وَلَدي السُّلْطَان وأنعم عَلَيْهِ بإمرة عشرَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 364 وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشرينه: خلع على تَاج الدّين النشو الْمَالِكِي وَاسْتقر فِي الوزارة عوضا عَن كريم الدّين شَاكر بن غَنَّام وخلع على ابْن غَنَّام وَاسْتقر فِي نظر الْبيُوت وَنظر المارستان وَنظر دَار الطّراز وأنعم على نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أقبغا آص بتقدمة ألف عوضا عَن منكلى بغا الْبَلَدِي وَاسْتقر أستادار السُّلْطَان وأنعم على الْأَمِير ألطبغا العثماني طَطَق بتقدمة ألف وَاسْتقر أَمِير سلَاح عوضا عَن طيدمر البالسي. وَفِيه قدم شرف الدّين حُسَيْن الفارقي وَزِير صَاحب الْيمن بكتابه وصحبته أَمِير آخوره نَاصِر الدّين مُحَمَّد ومعهما هَدِيَّة سنية. وخلع على الْأَمِير طُغَاى تَمُر دوادار الْأَمِير يلبغا وَاسْتقر دوادارا ثَانِيًا بإمرة طبلخاناه وخلع على الْأَمِير قرطاي الكركي وَاسْتقر فِي كشف الْوَجْه البحري عوضا عَن الْأَمِير آل ملك الصرغتمشي. وَفِيه شنقت الْمَرْأَة الخناقة وَزوجهَا جُمُعَة الخناق وَكَانَا فِي تربة من ترب الْقَاهِرَة فيدوران بِالْقَاهِرَةِ ومصر وظواهرهما ويأخذان من أَطْفَال النَّاس وَأَوْلَادهمْ من قدرُوا عَلَيْهِ ويخنقاه لأخذ مَا عَلَيْهِ من ثِيَاب الجميلة ففقد النَّاس عدَّة أَوْلَاد وَاشْتَدَّ حزنهمْ عَلَيْهِم وَكثر ذَلِك فِي النَّاس حَتَّى ذعروا مِنْهُ ففضح الله جُمُعَة هَذَا وَامْرَأَته وَقبض عَلَيْهِمَا وعوقبا وَأخذ مَا وجد عِنْدهمَا من على الْأَوْلَاد وثيابهم ثمَّ شنقا وَكَانَ يَوْمًا مَجْمُوع لَهُ النَّاس بِالْقَاهِرَةِ خَارج بَاب النَّصْر مِنْهَا. وَتقدم مرسوم السُّلْطَان بِإِقَامَة الْأَمِير جَاوَرْجي القوصوني والأمير أقبغا بن مصطفى والأمير أسنبغا القوصوني والأمير قرابغا الأحمدي والأمير نصرات أخي بكتمر الساقي فِي ثغر الْإسْكَنْدَريَّة فَسَارُوا. وَفِي يَوْم الْخَمِيس عشْرين شهر رَجَب: خلع على الْأَمِير قُطْلوبغا الكوكاي وَاسْتقر أستادارا عوضا عَن الْأَمِير نصرات وَاسْتقر الْأَمِير أسنبغا البهادري شاد العماير على عَادَته وَاسْتقر الْأَمِير آل ملك الصرغتمشي نقيب الْجَيْش وخلع على برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن بهاء الدّين بن الحِلىّ نَاظر بَيت المَال وَاسْتقر فِي نظر المارستان مُضَافا لما بِيَدِهِ. وَفِي سَابِع عشر شعْبَان: خلع على الْأَمِير أرغون الأحمدي اللالا وَاسْتقر نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن الْأَمِير كَجَك وَاسْتقر كجك فِي نِيَابَة غَزَّة. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشرينه: خلع على بهاء الدّين أبي الْبَقَاء وَاسْتقر فِي قَضَاء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 365 دمشق عوضا عَن كَمَال الدّين عمر بن عُثْمَان بن هبة الله المعري وَاسْتقر المعري فِي قَضَاء حلب عوضا عَن فَخر الدّين عُثْمَان بن أَحْمد بن أَحْمد بن عُثْمَان الزرعي. وَاسْتقر قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة فِي تدريس الشَّافِعِي عوضا عَن أبي الْبَقَاء. وخلع عَلَيْهِ فِي يَوْم الْأَحَد سلخه وَحضر الدَّرْس بِهِ فَكَانَ يَوْمًا جَلِيلًا جمعه. وَاسْتقر شهَاب الدّين أَحْمد بن عَلَاء الدّين على بن محيى الدّين يحيى بن فضل الله الْعمريّ فِي كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق عوضا عَن شَيخنَا فتح الدّين أبي بكر بن الشَّهِيد وَاسْتقر الْأَمِير ككبغا البيبغاوي فِي نِيَابَة قلعة جعبر. وَفِيه قدم الْأَمِير آسَنقُر. وَأهل شهر رَمَضَان بِيَوْم الْإِثْنَيْنِ. وَفِيه استجد السُّلْطَان عِنْده بِالْقصرِ من قلعة الْجَبَل قِرَاءَة كتاب صَحِيح البُخَارِيّ فِي كل يَوْم من أَيَّام شهر رَمَضَان بِحَضْرَة جمَاعَة الْقُضَاة ومشايخ الْعلم تبركاً بقرَاءَته لما نزل بِالنَّاسِ من الغلاء فاستمر ذَلِك وتناوب قِرَاءَته شهَاب الدّين أَحْمد بن العرياني وزين الدّين عبد الرَّحِيم الْعِرَاقِيّ لمعرفتهما علم الحَدِيث فَكَانَ كل وَاحِد يقْرَأ يَوْمًا. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ حادي عشرينه: خلع على الْأَمِير أَشَقتمُر وَاسْتقر فِي نِيَابَة حلب عوضا عَن الْأَمِير بَيدَمُر الْخَوَارِزْمِيّ وَاسْتقر بيدمر فِي نِيَابَة الشَّام عوضا عَن الْأَمِير منجك وَركب الْأَمِير يلبغا الناصري الْبَرِيد لإحضار الْأَمِير منجك ومملوكه جَرَكتمُر المنجكي وصهره أروس المحمودي وخلع على الْأَمِير أقتمر عبد الْغَنِيّ النايب وَاسْتقر فِي نِيَابَة طرابلس عوضا عَن الْأَمِير يَعْقُوب شاه وَاسْتقر يَعْقُوب شاه حَاجِب الْحجاب بِدِمَشْق وخلع على الْأَمِير طيدمر البالسي وَاسْتقر فِي نِيَابَة الكرك عوضا عَن الْأَمِير منكلى بغا الْبَلَدِي وَاسْتقر الْبَلَدِي فِي نِيَابَة صفد واستدعى الْأَمِير أَحْمد بن الْحَاج آل ملك من الْقُدس فَلَمَّا قدم أنعم عَلَيْهِ بإمرة طبلخاناه وأنعم على الْأَمِير جركتمر الأشرفي الخاصكي بتقدمة ألف وعَلى الْأَمِير أقتمر الْحَنْبَلِيّ بتقدمة ألف وَاسْتقر رَأس نوبَة ثَانِيًا وارتجع عَن الْأَمِير آقبغا من مصطفى إقطاعه. وَفِي خَامِس شَوَّال: خلع على الصاحب كريم الدّين شَاكر بن غَنَّام وأعيد إِلَى نظر المارستان عوضا عَن ابْن الخلى. وَفِي خَامِس عشرَة: اسْتَقر الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن آل ملك حاجباً ثَالِثا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 366 وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَالِث ذِي الْحجَّة: قدم الْأَمِير مَنجَك بأولاده ومملوكه الْأَمِير جَرَكتمر المنجكي وصهره الْأَمِير آروس المحمودي فَنزل بسرياقوس وَخرج إِلَيْهِ جَمِيع أَرْبَاب الدولة من الْوَزير وقضاة الْقُضَاة والأمراء بِحَيْثُ لم يتَأَخَّر عَنهُ سوى السُّلْطَان وولديه فَقَط ثمَّ سَارُوا جَمِيعًا بَين يَدَيْهِ حَتَّى طلع القلعة فَلم يعْهَد لأمير موكب مثل موكبه. فَمشى الْأُمَرَاء من بَاب السِّرّ بَين يَدَيْهِ وَهُوَ رَاكب بمفرده وَفِيهِمْ الْأَمِير أيدمر الدوادار - أتابك العساكر - والأمير أرغون شاه والأمير صَرْغَتمش فَلَمَّا دخل على السُّلْطَان ابتهج بقدومه وَبَالغ فِي إكرامه وخلع عَلَيْهِ خلعة نِيَابَة السلطنة وفوض إِلَيْهِ نظر الأحباس والأوقاف وَحسن إِلَيْهِ التحدث فِي الْخَاص والوزارة وَأَن يخرج من إقطاعات الْحلقَة مَا عبرته سِتّمائَة دِينَار فَمَا دونهَا ويعزل من أَرْبَاب الدولة وَأَصْحَاب المناصب من شَاءَ ويولي مِنْهُم شَاءَ وَأَن يُقرر فِي سَائِر أَعمال المملكة من أَرَادَ وَيخرج إمريات الطبلخاناه والعشرات من الْبِلَاد الشامية مِمَّن أحب وينعم بهَا على من يُرِيد وقرىء تَقْلِيده بالنيابة فِي الإيوان الْمَعْرُوف بدار الْعدْل من القلعة بِحَضْرَة السُّلْطَان والأمراء وَسَائِر أَرْبَاب الدولة. وَفِيه أَن السُّلْطَان قد أَقَامَهُ مقَام نَفسه فِي كل شَيْء بِيَدِهِ وفوض لَهُ مَا فوض إِلَيْهِ الْخَلِيفَة من سَائِر أُمُور المملكة ثمَّ خرج فَجَلَسَ بدركاه بَاب الْقلَّة من القلعة وَجلسَ الْوَزير بَين يَدَيْهِ وَقعد موقعو الدست لإمضاء مَا يرسم بِهِ وَرفعت إِلَيْهِ الْقَصَص من ديوَان الْجَيْش وَغَيره فَنظر فِي الْأَمر نظر مستبد بهَا. وَفِي سادسه: خلع على بَكتمُر العلمي حَاجِب الْإسْكَنْدَريَّة وَاسْتقر نقيب الْجَيْش وأنعم على وَفِي هَذَا الشَّهْر: فَشَتْ الأوبئة بثغر الْإسْكَنْدَريَّة وَغَيرهَا من بِلَاد الْوَجْه البحري. وَمَات الْأَمِير أرغون اللالا نايب الْإسْكَنْدَريَّة فاستقر عوضه الْأَمِير قطلوبغا الشَّعْبَانِي وَاسْتقر مُحَمَّد بن قرابغا - أحد العشرات - فِي ولَايَة أطفيح على إمرته. وَفِي رَابِع عشرينه: خلع على الْأَمِير يلبغا الناصري وَاسْتقر حاجباً ثَانِيًا أَمِير مائَة مقدم ألف وأنعم على الْأَمِير بلاط السيفي بإمرة طبلخاناه وعَلى كل من مغلطاي الجمالي وكبك الصرغتمشي بإمرة عشرَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 367 وَمَات صدر الدّين مُحَمَّد بن السكر قَاضِي الْحَنَفِيَّة بثغر الْإسْكَنْدَريَّة فَلم يسْتَقرّ أحد عوضه. وَفِيه تزايد سعر الْغلَّة فَبيع الْخبز أَرْبَعَة أَرْطَال بدرهم بعد مَا كَانَ خَمْسَة أَرْطَال. وَفِي ثَالِث عشر ذِي الْحجَّة: قبض على رجل مغربي كَانَ يقف فِي اللَّيْل تَحت القلعة ويصيح اقْتُلُوا سلطانكم ترخص أسعاركم وَيجْرِي نيلكم. فَضَربهُ وَالِي الْقَاهِرَة بالمقارع وَتَركه لحاله. وَفِي رَابِع عشره: أنعم على الطواشي مُخْتَار شاذروان الدمنهوري بإمرة وَاسْتقر نقيب المماليك عوضا عَن مُحَمَّد بن قرطاي الْموصِلِي باستعفائه مِنْهَا وَقدم الْأَمِير خَلِيل ابْن قوصون باستدعاء. وَقد الْخَبَر بِأَن دجلة فاضت حَتَّى علا مَاؤُهَا على سور بَغْدَاد وأغرقها فتهدم بهَا نَحْو السِّتين ألف دَار وعبرت المراكب من دجلة إِلَى الْأَزِقَّة والأسواق وَأَن الرّيح هبت بسنجار فأحرقت أوراق الْأَشْجَار وَهلك بهَا كثير من النَّاس وأمطرت ثعابين. بِمَدِينَة شيزر وَأَن مَدِينَة حلب أَصَابَهَا سيل عَظِيم خرب بِهِ نَحْو الأربعماية دَار. وَفِيه اسْتَقر جلال الدّين جَار الله فِي تدريس الْحَنَفِيَّة بِالْمَدْرَسَةِ الصرغتمشية بعد وَفَاة أرشد الدّين مَحْمُود. وفيهَا خلع على صَاحب فاس وبلاد الْمغرب السعيد مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز أبي الْحسن فِي ذِي الْحجَّة وَملك بعده السُّلْطَان أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن أبي سَالم إِبْرَاهِيم ابْن أبي الْحسن. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 368 وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان مِمَّن لَهُ ذكر قَاضِي حلب وقاضي الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة وَأحد خلفاء الحكم بِالْقَاهِرَةِ. بدر الدّين إِبْرَاهِيم ابْن صدر الدّين أبي البركات أَحْمد بن مجد الدّين عِيسَى بن عمر بن خَالِد بن عبد المحسن ابْن الخشاب المَخْزُومِي الشَّافِعِي وَهُوَ عَائِد من الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة قَرِيبا من عينونة وَدفن بِجَزِيرَة سقر فِي صفر. وَمَات الْأَمِير أسندمر الجوباني وَكَانَ خيرا يقبله الْقُضَاة. وَمَات آقبغا بن مصطفى أحد الطلبخاناه وَهُوَ مُجَرّد بالإسكندرية فِي ثَالِث عشر ذِي الْقعدَة. وَمَات الْأَمِير آل ملك الصرغتمشي الكاشف بِالْوَجْهِ البحري ونقيب الْجَيْش فِي تَاسِع شَوَّال. وَمَات الْأَمِير تَلَكتمُر الجمالي أحد الطبلخاناه بِمَنْزِلَة قاقون من طَرِيق الشَّام فِي ذِي الْحجَّة وَمَات الْأَمِير تمرقيا الْعمريّ أحد الطبلخاناه. وَمَات الْحَاج صبيح الخازن النوبي الْجِنْس فِي حادي عشر الْمحرم وَقد انْتَشَر ذكره وَعظم قدره بِحَيْثُ كَانَ لَهُ من الْحُرْمَة مَا لأعيان الْأُمَرَاء وَترك دنيا عريضة وَنِعما جليلة وَكَانَ خَازِن الشَّرَاب خاناه السُّلْطَانِيَّة. وَمَات الْأَمِير طيبغا الْفَقِيه الْعمريّ أحد العشرات. وَمَات مُهتار الطشتخاناه السُّلْطَانِيَّة شهَاب الدّين أَحْمد بن كسيرات فِي ثَانِي عشر الْمحرم كَانَ وافر الْحُرْمَة عريض الجاه لم يزل من عهد النَّاصِر مُحَمَّد فِي خدمَة الْمُلُوك فعز جَانِبه وَكَثُرت نعْمَته. وَتُوفِّي قَاضِي الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة تَاج الدّين مُحَمَّد بن الكركي الشَّافِعِي وَهُوَ يَنُوب عَن الْقُضَاة بِالْقَاهِرَةِ فِي سادس عشْرين شعْبَان. وملت قَاضِي الْحَنَفِيَّة بالإسكندرية صدر الدّين مُحَمَّد بن السكرِي، فِي أول ذِي الْحجَّة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 369 وَتُوفِّي الشيِخ أرشد الدّين مَحْمُود بن قُطْلوشاه السيرامي أحد أَعْيَان الْحَنَفِيَّة مدرس الْمدرسَة الصَرغتُمِشيَّة فِي يَوْم الثَّامِن وَالْعِشْرين من جُمَادَى الآخر. وَتُوفِّي سعد الدّين ماجد بن التَّاج أبي إِسْحَاق عبد الْوَهَّاب بن عبد الْكَرِيم عَن نَيف وَسِتِّينَ سنة بِمصْر. وَتُوفِّي نور الدّين عَليّ بن الْحسن بن عَليّ الإسناي أَخُو الشَّيْخ جمال الدّين عبد الرَّحِيم فِي ثامن عشر رَجَب. وَتُوفِّي شمس الدّين شَاكر الْمَعْرُوف بِابْن البقري نَاظر الذَّخِيرَة صَاحب الْمدرسَة النَّبَوِيَّة بِالْقَاهِرَةِ فِي ثَالِث عشر شَوَّال وَكَانَ مشكوراً فِي أقباط مصر. وَتُوفِّي سراج الدّين عمر بن مُحَمَّد السعودي شيخ خانكاه بَكتمُر الساقي فِي سَابِع عشْرين ذِي الْحجَّة. وَتُوفِّي صَلَاح الدّين بن مَسْعُود المقرىء الْمَالِكِي أحد أَصْحَاب التقي الصَّانِع فِي ثَالِث عشْرين ذِي الْحجَّة. وَمَات الْأَمِير بيبغا حارس طير أحد الطبلخاناه. وَمَات الْأَمِير تغرى برمش بن الْأَمِير ألجاي اليوسفي أحد أُمَرَاء الطبلخاناه. وَمَات الْأَمِير أرسلان خجا اليلبغاوي - أحد الطبلخاناه - قَتِيلا فِي وَاقعَة الْأَمِير ألجاي فِي الْمحرم. وَتُوفِّي الْأَمِير آروس المحمودي الأستادار أحد الألوف وَزوج ابْنة الْأَمِير مَنجك النَّائِب فِي ثَانِي ذِي الْقعدَة. وَتُوفِّي الْأَمِير ألطبغا المارديني فِي ثَانِي جُمَادَى الآخر. وَتُوفِّي الْأَمِير أقبغا الْعمريّ البالسي أَخُو طيبغا الطَّوِيل من أُمَرَاء الطبلخاناه وَهُوَ منفي بِالشَّام. وَتُوفِّي الْأَمِير أقبغا الناصري نايب الكرك ونايب قلعة بهسنا وَبهَا مَاتَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 370 وَتُوفِّي الْأَمِير الْكَبِير الأتابك ألجاي اليوسفي أحد ممالك الناصري حسن. ترقى حَتَّى صَار حَاجِب الْحجاب ثمَّ عزل فِي تَاسِع رَجَب سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَاسْتقر أَمِير جاندار إِلَى أَن كَانَت فتْنَة الْأَمِير أَسنَدُمر والأجلاب تولى حربه وقاتله قتالاً عَظِيما كَانَت بَينهمَا فِيهِ سِتّ عشرَة وقْعَة فَلَمَّا انتصر أَسنَدُمر قبض على ألجاي وسجنه بالإسكندرية إِلَى أَن زَالَت أَيَّام أسندمر أفرج عَنهُ وَعمل أَمِير سلَاح ثمَّ صَار الأتابك وَإِلَيْهِ أُمُور الدولة كلهَا حَتَّى مَاتَ فِي يَوْم عَاشُورَاء كَمَا تقدم ذكره. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 371 فارغه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 372 سنة سِتّ وَسبعين سَبْعمِائة فِي أول الْمحرم: اتّفق أَمر غَرِيب قد وَقع مثله فِيمَا تقدم وَهُوَ أَن الْأَمِير شرف الدّين عِيسَى بن بَاب جك - وَالِي الأشمونين - كَانَ لَهُ ابْنة فَلَمَّا أَن تمّ لَهَا من الْعُمر خمس عشرَة سنة استد فرجهَا وتدلى لَهَا ذكر وأنثيان واحتملت كَمَا تحتلم الرِّجَال واشتهر ذَلِك بالحسينية - حَيْثُ سكنه - وبالقاهرة حَتَّى بلغ منجك فاستدعى بهَا ووقف على حَقِيقَة خَبَرهَا فَأمر بِنَزْع ثِيَاب النسوان عَنْهَا وألبسها ثِيَاب الرِّجَال من الأجناد وسماها مُحَمَّدًا وَجعله من حَملَة مشَاة خدمته وأنعم عَلَيْهِ بإقطاع فشاهده كل أحد. وَفِي ثامنه: أَخذ قاع النّيل فجَاء أَرْبَعَة أَذْرع واثني عشر إصبعاً. وَفِي أول شهر ربيع الأول: شرع السُّلْطَان فِي التَّجْهِيز إِلَى الْحَج وَتقدم إِلَى الْأُمَرَاء بتجهيز أُمُورهم أَيْضا. وَفِي تاسعه: كَانَ وَفَاء مَاء النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا وَيُوَافِقهُ رَابِع عشْرين مسرى فَفتح الخليج على الْعَادة واستمرت الزِّيَادَة حَتَّى بلغت سَبْعَة عشر ذِرَاعا وَخَمْسَة أَصَابِع وَثَبت أَوَان ثباته ثمَّ انحط وَقت الْحَاجة إِلَى هُبُوطه فَعم النَّفْع وَالْحَمْد لله بِهِ إِلَّا أَن الأسعار تزايدت فَبلغ الْقَمْح ماية دِرْهَم الأردب وَالشعِير سِتِّينَ درهما الأردب والفول خمسين درهما الأردب. وَفِي أول شهر ربيع الآخر: ركب السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل إِلَى الميدان الْكَبِير الناصري بشاطىء النّيل للعب بالكرة على الْعَادة فِي كل سنة وَركب وَلَده أَمِير على قدامه بَين يَدَيْهِ وَجعل على رَأسه شطفة كَمَا يَجْعَل على رَأس السُّلْطَان وَعين جمَاعَة من الْأُمَرَاء للمشي فِي ركابه وخلع عَلَيْهِم أقبية حَرِير بطرز زركش وأركبهم الْخُيُول المسومة بالسروج الذَّهَب وكنابيش زركش وألبس أكَابِر مماليكه ومقدم مماليكه الطواشي شاذروان أَيْضا الأقبية الْحَرِير بالطرز. وَفِيه أنعم على الْأَمِير عَلَاء الدّين على بن كَلَفْت بإمرة طبلخاناه وعَلى الْأَمِير نَاصِر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 373 الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْأَمِير تنكز نايب الشَّام بإمرة عشرَة وخلع على الشريفّ بكتمر بن عَليّ الْحُسَيْنِي وَاسْتقر فِي ولَايَة منفلوط وعَلى الْأَمِير مُحَمَّد بن بهادر وَاسْتقر فِي ولَايَة البهنسي وأنعم على الْأَمِير طشتمر الصَّالِحِي بإمرة طبلخاناه وخلع على الْأَمِير أَحْمد بن أرغون الأحمدي بإمرة عشرَة. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشْرين جُمَادَى الأولى: خلع على شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الْملك الدَّمِيرِيّ الْمَالِكِي وَاسْتقر فِي حسبَة الْقَاهِرَة عوضا عَن بهاء الدّين مُحَمَّد ابْن الْمُفَسّر فأمطرت لَيْلَة الثُّلَاثَاء مَطَرا عَظِيما. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء: وضع الْمُحْتَسب الْخبز على رُؤُوس عدَّة من الحمالين وشق بِهِ الْقَاهِرَة إِلَى القلعة وصنوج الخليلية تزفه والطبول تضرب وَنُودِيَ عَلَيْهِ كل ثَلَاثَة أَرْطَال إِلَّا ربع رَطْل بدرهم وَكَانَ كل رطلين وَثلث بدرهم فسر النَّاس بذلك إِلَّا أَن الْخبز عز وجوده وفقد من الْأَسْوَاق خَمْسَة أَيَّام وَالنَّاس تتزاحم على أَخذه من الأفران وَاشْتَدَّ شَره النُّفُوس وَكَانَ يخامرها الْيَأْس فَنُوديَ بتكثير الْخبز وَأَن يُبَاع بِغَيْر تسعير فتزايدت الأسعار فِي ساير الغلال بعد تناقصها حَتَّى بلغ فِي أَوَائِل جُمَادَى الْآخِرَة الأردب الْقَمْح بماية وَعشرَة دَرَاهِم والأردب الشّعير سِتِّينَ درهما والأردب الفول خَمْسَة وَخمسين درهما والقدح الْأرز بِدِرْهَمَيْنِ والقدح من العدس والحمص بدرهم وَربع وارتفع الزَّيْت والشيرج وأبيع الرطل من حب الرُّمَّان بِعشْرَة دَرَاهِم وَنصف والرطل من لحم الضَّأْن بِدِرْهَمَيْنِ وَمن لحم الْبَقر بدرهم وَثلث وَقلت البهايم من الْخَيل وَالْبِغَال وَالْجمال وَالْحمير والأبقار والأغنام لفنائها جوعا وَبيع الزَّوْج الأوز بِعشْرين درهما وكل دجَاجَة بأَرْبعَة دَرَاهِم. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشره: ركب السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل وَعبر الْقَاهِرَة من بَاب زويلة وَخرج من بَاب النَّصْر للسرحة على الْعَادة فِي كل سنة. وَفِي نصف جُمَادَى الآخر: هَذَا ابْتَدَأَ الوباء فِي النَّاس فِي الْقَاهِرَة ومصر وَكثر موت الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين بِالْجُوعِ فَكنت أسمع الْفَقِير يصْرخ بِأَعْلَى صَوته: لله لبَابَة قدر شحمة أُذُنِي أشمها وخذوها فَلَا يزَال كَذَلِك حَتَّى يَمُوت هَذَا وَقد توقفت أَحْوَال النَّاس من قلَّة المكاسب لشدَّة الغلاء وَعدم وجود مَا يقتات بِهِ وشح الْأَغْنِيَاء وَقلت رحمتهم وَمَعَ ذَلِك فَلم يزْدَاد أجر الْعمَّال من البناة والفعلة والحمالين وَنَحْوهم من أَرْبَاب الصنايع شَيْئا بل اسْتَقر على مَا كَانَت عَلَيْهِ قبل الغلاء فَمن كَانَ يكْتَسب فِي الْيَوْم درهما يقوم بِحَالهِ ويفضل لَهُ مِنْهُ شَيْء صَار الدِّرْهَم لَا يجدي شَيْئا فَمَاتَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 374 وَمَات أَمْثَاله من الأجراء والعمال والصناع والفلاحين وَالسُّؤَال من الْفُقَرَاء. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث شهر رَجَب: عدى السُّلْطَان النّيل من بر الجيزة عَائِدًا من السرحة فزار الْآثَار النَّبَوِيَّة وَصلى الْجُمُعَة بِجَامِع عَمْرو بِمَدِينَة مصر وَركب إِلَى القلعة. وَفِي يَوْم السبت خَامِس عشرينه: قبض على الْوَزير الصاحب تَاج الدّين النشو الْمَالِكِي وخلع على الصاحب كريم الدّين شَاكر بن الغنام وأعيد إِلَى الوزارة وتسلم الْمَالِكِي واستخلص مِنْهُ ثَمَانِينَ ألف مِثْقَال من الذَّهَب وَهدم دَاره بِمَدِينَة مصر إِلَى الأَرْض وَأخرجه على حمَار منفياً إِلَى الشَّام. وَفِيه خلع على الْأَمِير قرطاي الكركي وَاسْتقر شاد العماير بإمرة عشرَة وَاسْتقر الْأَمِير بَكتمر العلمي فِي كشف الْوَجْه البحري عوضا عَن قرطاي وَاسْتقر مُحَمَّد بن قرابغا الأناقي فِي نقابة الْجَيْش عوضا عَن بكتمر وَاسْتقر الْأَمِير فَخر الدّين عُثْمَان الشرفي كاشفاً بِالْوَجْهِ القبلي من حُدُود الجيزة إِلَى أسوان. وَفِي شَهْري رَجَب وَشَعْبَان: اشْتَدَّ الغلاء فَبلغ الأردب الْقَمْح ماية وَخَمْسَة وَعشْرين درهما والإردب الشّعير تسعين درهما والأردب الفول ثَمَانِينَ درهما والبطة الدَّقِيق زنة خمسين رطلا بأَرْبعَة وَثَلَاثِينَ درهما وشفع الْمَوْت فِي الْفُقَرَاء من شدَّة الْبرد والجوع والعري وهم يستغيثون فَلَا يغاثون وَأكل أَكثر النَّاس خبز الفول والنخال عَجزا عَن خبز الْقَمْح وَبلغ الْخبز الْأسود كل رَطْل وَنصف بدرهم وَكثر خطف الْفُقَرَاء لَهُ مَا قدرُوا عَلَيْهِ من أَيدي النَّاس وَرمى طين بالسجن لعمارة حايط بِهِ فَأَكله المسجونون من شدَّة جوعهم وَعز وجود الدَّوَابّ لموتها جوعا. وَفِي رَابِع عشْرين شعْبَان: انتدب الْأَمِير منجك نايب السُّلْطَان لتفرقة الْفُقَرَاء على الْأُمَرَاء وَغَيرهم فَجمع أهل الْحَاجة والمسكنة وَبعث إِلَى كل أَمِير من أُمَرَاء الألوف ماية فَقير وَإِلَى من عدا أُمَرَاء الأولوف على قدر حَاله وَفرق على الدَّوَاوِين والتجار وأرباب الْأَمْوَال كل وَاحِد عددا من الْفُقَرَاء ثمَّ نُودي فِي الْقَاهِرَة ومصر بألا يتَصَدَّق أحد على حرفوش وَأي حرفوش شحذ صلب فآوى كل أحد فقراءه فِي مَكَان وَقَامَ لَهُم من الْغذَاء بِمَا يمد رمقهم على قدر همته وسماح نَفسه ومنعهم من التطواف لسؤال النَّاس فَخفت تِلْكَ الشناعات الَّتِي كَانَت بَين النَّاس إِلَّا أَن الْموَات عظم حَتَّى كَانَ يَمُوت فِي كل يَوْم من الطرحاء على الطرقات مَا يزِيد على خَمْسمِائَة نفر وَيُطلق من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 375 ديوَان الْمَوَارِيث مَا ينيف على مِائَتي نفس وتزايد فِي شهر رَمَضَان مرض النَّاس وموتهم ونفدت الأقوات وَاشْتَدَّ الْأَمر فبلغت عدَّة من يرد اسْمه للديوان فِي كل يَوْم خَمْسمِائَة وَبَلغت عدَّة الطرحاء زِيَادَة على خَمْسمِائَة طريح فَقَامَ بمواراة الطرحاء الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْأَمِير أقبغا آص والأمير سودن الشيخوني وَغَيرهمَا وَكَانَ من أَتَى بميت طريح أَعْطوهُ درهما فَأَتَاهُم النَّاس بالأموات فَقَامُوا بتغسيلهم وتكفينهم ودفنهم أحسن قيام بعد مَا شَاهد النَّاس الْكلاب تَأْكُل الْمَوْتَى من الطرحاء. فَلَمَّا فني مُعظم الْفُقَرَاء وخلت دور كَثِيرَة خَارج الْقَاهِرَة ومصر لمَوْت أَهلهَا فشمت الْأَمْرَاض من أخريات شهر رَمَضَان فِي الْأَغْنِيَاء وَوَقع الْمَوْت فيهم فازداد سعر الْأَدْوِيَة وَبلغ الْفروج خَمْسَة وَأَرْبَعين درهما ثمَّ فقدت الفراريج حَتَّى خرج الْبَرِيد فِي الْأَعْمَال بطلبها للسُّلْطَان وَبَلغت الْحبَّة الْوَاحِدَة من السفرجل خمسين درهما والحبة من الرُّمَّان الحامض عشرَة دَرَاهِم والرمانة الْوَاحِدَة من الحلو بِسِتَّة عشر درهما والبطيخة الْوَاحِدَة من الْبِطِّيخ الصيفي تسعين درهما وكل رَطْل مِنْهُ بِثَلَاثَة دَرَاهِم وَاشْتَدَّ الْأَمر فِي شَوَّال إِلَى الْغَايَة. وَفِي خَامِس عشر شَوَّال: قدمت أم سَالم الدكري أَمِير التركمان بنواحي الأبلستين وَمَعَهَا أَحْمد بن همز التركماني أحد الْأَبْطَال وَكَانَ قد أَقَامَ دهراً يقطع الطَّرِيق على قوافل الْعرَاق يَأْخُذ أَمْوَالهم وَيقتل رِجَالهمْ وأعيا النواب بالممالمك أمره وهدروا دَمه فتشتت شَمله وَضَاقَتْ عَلَيْهِ تِلْكَ الْبِلَاد حَتَّى اضطره الْحَال إِلَى الدُّخُول فِي الطَّاعَة وَقدم بِأم سَالم لتشفع فِيهِ فَقبل السُّلْطَان شَفَاعَتهَا وأنعم عَلَيْهِ بإقطاع وَجعله من جملَة من مقدمي المماليك وأنعم على أم سَالم وردهَا إِلَى بلادها مكرمَة. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير أَحْمد الطرخاني فِي ولَايَة الأشمونين عوضا عَن الْأَمِير شرف الدّين يحيى بن قرمان. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشرينه: اسْتَقر فِي قَضَاء الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق شمس الدّين مُحَمَّد بن تَقِيّ الدّين عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله الْمَقْدِسِي الْمَعْرُوف بِابْن تَقِيّ المرداوي عوضا عَن عَلَاء الدّين عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ الْعَسْقَلَانِي. وَفِي أول ذِي الْقعدَة: وصلت تراويج الْقَمْح الْجَدِيد فانحل السّعر حَتَّى أبيع الأردب بستين درهما بعد مائَة وَثَلَاثِينَ وأبيع الأردب الشّعير بِعشْرين درهما والأردب الفول بِدُونِ الْعشْرين درهما وأبيع الْخبز أَرْبَعَة أَرْطَال بدرهم ثمَّ تناقصت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 376 الأسعار وَاتفقَ أَنه أبيع فِي بعض الْأَيَّام الأردب الْقَمْح بماية وَعشْرين درهما ثمَّ أبيع فِي أثْنَاء النَّهَار بتسعين ثمَّ أبيع بستين ثمَّ أبيع من آخر النَّهَار بِثَلَاثِينَ درهما. وَفِي الْخَمِيس ثالثه: أنعم على الْأَمِير بيبغا السابقي الخاصكي بتقدمة ألف. وَفِي تَاسِع عشره: سقط الطَّائِر بالبشارة بِفَتْح سيس بعث بِهِ الْأَمِير بيدمر نَائِب الشَّام ثمَّ قدم من الْغَد الْبَرِيد من النواب بذلك فدقت البشائر بقلعة الْجَبَل ثَلَاثَة أَيَّام وَحمل إِلَى الْأَمِير أشَقتمُر نَائِب حلب تشريف جليل وَذَلِكَ أَنه توجه بعساكر حلب إِلَيْهَا فنازلها وَحصر التكفور متملكها مُدَّة شَهْرَيْن حَتَّى طلب الْأمان من فنَاء أزودتهم وعجزهم عَن الْعَسْكَر فتسلم الْأَمِير أشَقتمُر قلعتها وأعلن فِي مَدِينَة سيس بِكَلِمَة التَّوْحِيد ورتب بهَا عسكراً وَأخذ التكفور وأمراءه من أجناد وَعَاد إِلَى حلب وجهزهم إِلَى الْقَاهِرَة فَبعث السُّلْطَان الْأَمِير يَعْقُوب شاه لنيابة سيس وأزال الله مِنْهَا دولة الأرمن عباد الصَّلِيب وَقَالَ الأدباء فِي ذَلِك شعرًا كثيرا ذكرنَا بعضه فِي تَرْجَمَة الْأَمِير أشقتمر من تاريخنا الْكَبِير المقفا. وَاسْتقر الْأَمِير صرغتمش الخاصكي فِي نظر المارستان بعد وَفَاة الْأَمِير أيدمر الدوادار. وَفِيه عين قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة لقَضَاء الْحَنَفِيَّة بديار مصر بعد وَفَاة صدر الدّين مُحَمَّد بن التركماني شرف الدّين أَحْمد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد أبي الْعِزّ الدِّمَشْقِي فَسَار الْبَرِيد لإحضاره. وَقدم الْبَرِيد بغلاء الأسعار بحلب حَتَّى أبيع المكوك الْقَمْح بِمِائَة وَخمسين درهما وَأَن الشَّيْخ أويس بن الشَّيْخ حسن متملك بَغْدَاد مَاتَ وَاسْتقر فِي السلطنة بعده ابْنه حُسَيْن بن أويس بن الشَّيْخ حسن بن حُسَيْن بن أقبغا بن إيلكين. وَاسْتقر فِي قَضَاء الْقُضَاة بحلب فَخر الدّين عُثْمَان بن أَحْمد بن أَحْمد بن عُثْمَان الزرعي الشَّافِعِي عوضا عَن كَمَال الدّين عمر بن عُثْمَان بن هبة الله المعري وَاسْتقر سرى الدّين إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن هاني الأندلسي فِي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بحلب عوضا عَن برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن على الصنهاجي الشاذلي وَاسْتقر الطواشي ياقوت الشيخي زِمَام الدّور فِي تقدمة المماليك بعد وَفَاة الْأَمِير سَابق الدّين مِثْقَال الآنوكي وَاسْتقر الطواشي سَابق الدّين مِثْقَال الجمالي الساقي شاد الحوش زِمَام الدّور الجزء: 4 ¦ الصفحة: 377 وخلع عَلَيْهِمَا. وَاسْتقر الْأَمِير منكلى بغا الْبَلَدِي فِي نِيَابَة طرابلس عوضا عَن الْأَمِير أَقتمُر عبد الْغَنِيّ وَاسْتقر أقتمر عبد الْغَنِيّ فِي نِيَابَة صفد وَخرج الْبَرِيد بإحضار يَعْقُوب شاه نايب سيس وَاسْتقر عوضه الْأَمِير أقبغا عبد الله. وَفِي آخِره: فَشَتْ الْأَمْرَاض فِي النَّاس بالطاعون وَقل وجود الْأَمْوَات الطرحاء وأبيع الأردب الشّعير من عشْرين درهما إِلَى سِتَّة وَعشْرين درهما. وَفِي رَابِع ذِي الْحجَّة: قطع الدَّمِيرِيّ الْمُحْتَسب سعر الْخبز ثَمَانِيَة أَرْطَال بدرهم وَقد كَانَ خَمْسَة أَرْطَال وَثلث بدرهم فَامْتنعَ الطحانون أَن يشتروا الْقَمْح إِلَّا بِثمَانِيَة عشر درهما فأبي تجار الغلال الجلابة بيع الْقَمْح بِهَذَا وعادوا بمراكب الغلال من حَيْثُ أَتَوا فعز وجود الْقَمْح وَبلغ أَرْبَعَة وَثَلَاثِينَ درهما الأردب وَتعذر وجود الْخبز فِي الْأَسْوَاق عدَّة أَيَّام وأبيع أقل من سِتَّة أَرْطَال وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ خامسه: قدم الْأَمِير يَعْقُوب شاه على الْبَرِيد من سيس فَخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن قطلوبغا الشَّعْبَانِي. وَفِي يَوْم النَّحْر: تناقص الوباء. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشره: قدم الشَّيْخ شرف الدّين أَحْمد بن مَنْصُور الْحَنَفِيّ من دمشق فَنزل بمدرسة السُّلْطَان حسن. ثمَّ استدعى فِي يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشره إِلَى القلعة فأجلس بِبَاب الْقصر ثمَّ أَمر أَن يجلس على بَاب خزانَة الْخَاص بجوار الْقصر فَجَلَسَ حَتَّى خرج الْأُمَرَاء من الْخدمَة بِالْقصرِ وَفِيهِمْ الْأَمِير طشتمر الدوادار فَسلم عَلَيْهِ وَسَار بِهِ إِلَى منزله وباسطه وأطعمه مَعَه من غذائه. وَكَانَ عِنْده الشَّيْخ سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ وَالشَّيْخ ضِيَاء الدّين القرم فتجابذوا أَطْرَاف الْبَحْث فِي فنون الْعلم. ثمَّ أمره الْأَمِير طشتمر أَن يسْتَمر حَيْثُ نزل إِلَى أَن يَطْلُبهُ السُّلْطَان فَمضى وَقد عَاق الْقَوْم أمره. وتحدث الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أقبغا آص فِي ولَايَة الْجلَال رَسُولا بن أَحْمد بن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 378 يُوسُف التباني الرُّومِي - مدرس الْحَنَفِيَّة بمدرسة الْأَمِير ألجاي - قَضَاء الْحَنَفِيَّة. فاستدعاه السُّلْطَان وَعرض عَلَيْهِ ولَايَة قَضَاء الْقُضَاة فَامْتنعَ من قبُوله وَاعْتذر بِأَن الْعَجم لَيْسَ لَهَا معرفَة بإصطلاح أهل مصر فَقبل السُّلْطَان عذره وَصَرفه مكرماً. فَتحدث بعض الْأُمَرَاء فِي ولَايَة مجد الدّين إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم وَكَاد أمره يتم ثمَّ بَطل. فَتحدث بعض أهل الدولة لنجم الدّين أَحْمد بن عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن أبي الْعِزّ الْمَعْرُوف بِابْن الكشك فِي ولَايَته فَأُجِيب إِلَى ذَلِك وَخرج الْبَرِيد يَطْلُبهُ من دمشق. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ تَاسِع عشره: قبض على الصاحب كريم الدّين شَاكر بن الغنام وعَلى حَوَاشِيه وعَلى مقدم الدولة الْحَاج سيف وشريكه عبيد البازدار وعَلى الْأَمِير شرف الدّين حَمْزَة شاد الدَّوَاوِين وأبطل الوزارة وَأمر فأغلق شباك الوزارة بقاعة الصاحب من قلعة الْجَبَل فَخلع على الْأَمِير شرف الدّين مُوسَى بن الأزكشي أطلسين وَاسْتقر مشير الدولة بإمرة طبلخاناه ورسم لَهُ أَن يحمل الدواة والمرملة كَمَا هِيَ عَادَة الوزراء وخلع على سعد الدّين بن الريشة وعَلى أَمِين الدّين أَمِين واستقرا فِي نظر الدولة ورسم لَهما أَن يجلسا من وَرَاء شباك الوزارة وَهُوَ مغلق. وخلع على كريم الدّين صهر النشو وعَلى فَخر الدّين بن علم الطَّوِيل واستقرا فِي اسْتِيفَاء الدولة. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشرينه: أفرج عَن الْمُقدم سيف ونوابه وخلع عَلَيْهِ فَإِنَّهُ الْتزم أَن يسْتَخْرج للسُّلْطَان سِتّمائَة ألف من مَال السُّلْطَان وَأَفْرج أَيْضا عَن كريم الدّين شَاكر ابْن غَنَّام على مَال الْتزم بِهِ فَنزل على حمَار حَتَّى بَاعَ أثاثه وخيوله. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث عشرينه: عزل قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة نَفسه من الْقَضَاء من أجل أَنه منع بعض موقعي الحكم من التوقيع فألح عَلَيْهِ بعض أهل الدولة فِي الْإِذْن لَهُ فَغَضب من الِاعْتِرَاض عَلَيْهِ وأغلق بَابه وَاعْتَزل عَن الحكم هُوَ ونوابه فشق ذَلِك على السُّلْطَان وَبعث إِلَيْهِ بالأمير نَاصِر الدّين مُحَمَّد أقبغا آص يسْأَله فِي العودة إِلَى الحكم فَنزل إِلَيْهِ فِي يَوْم السبت وَسَأَلَهُ عَن السُّلْطَان وتضرع إِلَيْهِ وترفق فأبي من الْعود إِلَى الْولَايَة. وَرجع الْأَمِير إِلَى السُّلْطَان فَأرْسل إِلَيْهِ بالأمير بهادر الجمالي أَمِير آخور آخر النَّهَار فألح فِي مَسْأَلته وَأكْثر من الترقق لَهُ فَلم يقبل مِنْهُ وصمم على الِامْتِنَاع. فَلَمَّا أيس مِنْهُ قَالَ لَهُ: مَوْلَانَا السُّلْطَان يسلم عَلَيْك وَقد حلف إِن لم تقبل عَنهُ الْولَايَة وَلم تركب إِلَيْهِ ليركبن إِلَيْك حَتَّى يَأْتِيك فِي هَذِه اللَّيْلَة إِلَى مَنْزِلك حَتَّى تقبل عَنهُ ولَايَة الْقَضَاء وَحلف لَهُ الْأَمِير بهادر بِالطَّلَاق أَنه سمع السُّلْطَان وَهُوَ يحلف بِالطَّلَاق على هَذَا. فَلم يجد القَاضِي عِنْد ذَلِك بدا من أَن قَالَ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 379 أَنا أجتمع بالسلطان ثمَّ ركب بِثِيَاب جُلُوسه وَصعد إِلَى القلعة فَعرض عَلَيْهِ السُّلْطَان الْعود إِلَى ولَايَة الْقَضَاء ولاطفه. فَأجَاب بعد جهد: إِنِّي أستخير الله تَعَالَى هَذِه اللَّيْلَة ثمَّ يكون مَا يقدره الله. فَرضِي مِنْهُ السُّلْطَان بذلك وَقَامَ عَنهُ وَأجل الْأُمَرَاء من يسْعد بتقبيل يَده حَتَّى أَتَى منزله. وَركب من الْغَد يَوْم الْأَحَد خَامِس عشرينه إِلَى القلعة وَاشْترط على السُّلْطَان شُرُوطًا كَثِيرَة الْتزم لَهُ بهَا حَتَّى قبل الْولَايَة. وَلبس التشريف الصُّوف وَنزل عَلَيْهِ من المهابة مَا يكان بشق الصُّدُور فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَفِي هَذَا الشَّهْر: اسْتَقر جلال الدّين جَار الله فِي تدريس الْحَنَفِيَّة بالجامع الطولوني بعد وَفَاة ابْن التركماني. وَاسْتقر الْأَمِير قارا بن مهنا فِي إمرة الْعَرَب بعد موت أَخِيه حيار بن مهنا. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع عشرينه: ركب السُّلْطَان إِلَى عِيَادَة الْأَمِير منجك فِي مَرضه فَقدم لَهُ عشرَة مماليك وَعشرَة بقج قماش وعدة من الْخَيل فَقبل ذَلِك ثمَّ أنعم بِهِ عَلَيْهِ وَلم يرزأه مِنْهُ شَيْئا وَقد فرش لَهُ عدَّة شقَاق من حَرِير مَشى عَلَيْهَا بفرسه فِي دَاره ثمَّ عَاد إِلَى القلعة. وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر من الْأَعْيَان خلائق لَا يحصيها إِلَّا خَالِقهَا فَمن الْأَعْيَان: الْأَمِير أسنبغا القوصوني اللالا أحد الطبلخاناه وَهُوَ مُجَرّد بالإسكندرية فِي ثَالِث عشر الْمحرم. وَمَات الْأَمِير أسنبغا البهاوري شاد العماير ونقيب الْجَيْش فِي آخر شهر رَجَب. وَمَات شهَاب الدّين أَحْمد عرف بطبيق ابْن الْفَقِيه بدر الدّين حسن أحد فُقَهَاء الْحَنَفِيَّة فِي رَابِع ذِي الْقعدَة. وَمَات شهَاب الدّين أَحْمد بن براغيث فِي خَامِس عشْرين شَوَّال. وَمَات قَاضِي الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق شرف الدّين أَحْمد بن شهَاب الدّين حُسَيْن بن سُلَيْمَان بن فَزَارَة الكفري بعد أَن كف بَصَره عَن خمس وَثَمَانِينَ سنة. وَمَات قَاضِي الشَّافِعِيَّة بحلب وطرابلس شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد اللَّطِيف بن أَيُّوب الْحَمَوِيّ عَن بضع وَسبعين سنة بحماة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 380 وَمَات الإِمَام النَّحْوِيّ شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ العنابي الدِّمَشْقِي عَن بضع وَسِتِّينَ سنة بِدِمَشْق. أَخذ النَّحْو بِالْقَاهِرَةِ عَن أبي حَيَّان وَشرح كتاب سِيبَوَيْهٍ. وَمَات الأديب البارع شهَاب الدّين أَحْمد بن يحيى بن أبي بكر بن عبد الْوَاحِد الْمَعْرُوف بِابْن أبي حجلة التلمساني الْحَنَفِيّ شيخ صهريج منجك فِي يَوْم الْخَمِيس أول ذِي الْحجَّة بِالْقَاهِرَةِ عَن إِحْدَى وَخمسين سنة. وَمَات الإِمَام الْمُحدث شهَاب الدّين أَحْمد بن الزَّيْلَعِيّ شيخ الإقراء بخانكاه شيخو فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع ذِي الْحجَّة. وَمَات الْأَمِير ألطنبغا النظامي الجوكندار. وَمَات سُلْطَان بَغْدَاد وتوريز القان أويس ابْن الشَّيْخ حسن بن حُسَيْن بن أقبغا بن أيلكان عَن نَيف وَثَلَاثِينَ سنة مِنْهَا فِي السلطنة تسع عشرَة سنة وَكَانَ قد اعتزل قبل مَوته وَأقَام عوضه فِي المملكة ابْنه الشَّيْخ حُسَيْن لمنام رأه نعيت إِلَيْهِ نَفسه وَعين لَهُ يَوْم مَوته فتخلى عَن الْملك وَأَقْبل يتعبد فَمَاتَ كَمَا ذكر لَهُ فِي نَومه. وَمَات الْأَمِير أيدمر الدوادار الآنوكي الناصري أتابك العساكر فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سادس عشر ذِي الْقعدَة وَكَانَ مهاباً سيوساً حازماً يبْدَأ النَّاس بِالسَّلَامِ وَيتبع الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة. وَتُوفِّي شيخ خانكاه سعيد السُّعَدَاء بدر الدّين حُسَيْن بن قَاضِي دمشق عَلَاء الدّين عَليّ بن إِسْمَاعِيل بن يُوسُف القونوي الشَّافِعِي فِي يَوْم السبت سادس عشر شعْبَان وَهُوَ يَنُوب فِي الحكم عَن قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة ويدرس فِي الْمدرسَة الشريفية وَمَات الْأَمِير حيار بن مهنا بن عِيسَى. بن مهنا بن مَانع بن حَدِيثَة بن غضية بن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 381 فضل بن ربيعَة أَمِير آل فضل بنواحي سَلَمية عَن بضع وَسِتِّينَ سنة. وَمَات الْأَمِير سُلْطَان شاه بن قرا الْحَاجِب من أَمراء الطبلخاناه. وَتُوفِّي الشَّيْخ جمال الدّين عبد الله بن مُحَمَّد بن أَحْمد الْحُسَيْنِي النَّيْسَابُورِي الشَّافِعِي وَهُوَ من أَبنَاء التسعين بحلب بعد مَا أَقَامَ بِالْقَاهِرَةِ زَمَانا وبرع فِي الْعَرَبيَّة وَالْأُصُول. وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق عَلَاء الدّين على بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله ابْن أبي الْفَتْح الْعَسْقَلَانِي الْمصْرِيّ أحد أَعْلَام الْحَنَابِلَة فِي ثامن عشر شَوَّال بِدِمَشْق. وَمَات قَاضِي حلب عَلَاء الدّين عَليّ بن الْفَخر عُثْمَان بن أَحْمد بن عَمْرو بن مُحَمَّد الزرعي الشَّافِعِي عَن خمس وَثَمَانِينَ سنة بِدِمَشْق وَقد بَاشر بهَا وكَالَة بَيت المَال وَكِتَابَة الْإِنْشَاء. وَمَات الْأَمِير قرقماس الصَرْغَتْمُشي أحد العشرات. وَمَات الْأَمِير كَبَكَ الصَرْغَتْمُشي أحد أُمَرَاء الطبلخاناه. وَتُوفِّي قَاضِي الْعَسْكَر مفتي دَار الْعدْل أحد الْفُقَهَاء الْحَنَفِيَّة وَشَيخ الْعَرَبيَّة وَالْأَدب شمس الدّين مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن الصايغ الْحَنَفِيّ فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي عشر شعْبَان. وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين مُحَمَّد بن قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين عبد الله بن قَاضِي الْقُضَاة عَلَاء الدّين على بن فَخر الدّين عُثْمَان بن إِبْرَاهِيم بن مصطفى المارديني الْمَعْرُوف بِابْن التركماني الْحَنَفِيّ فِي لَيْلَة الْجُمُعَة رَابِع ذِي الْقعدَة عَن نَحْو أَرْبَعِينَ سنة بمنزله من نَاحيَة كوم الريش خَارج الْقَاهِرَة وَقد أَقَامَ فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة ثَلَاث سِنِين وَأشهر وَأوصى أَن يكْتب على قَبره من شعره. إِن الْفَقِير الَّذِي أضحى بحفرته نزيل رب كثير الْعَفو ستار يوصيك بالأهل وَالْأَوْلَاد تحفظهم فهم عِيَال على مَعْرُوفك الساري الجزء: 4 ¦ الصفحة: 382 وَتُوفِّي مفتي الشَّام جمال الدّين مُحَمَّد بن الْحسن بن مُحَمَّد بن عمار الْمَعْرُوف بِابْن قَاضِي الزبداني الْحَارِثِيّ الدِّمَشْقِي عَن سبع وَثَمَانِينَ سنة. وَتُوفِّي أَمِين الدّين مُحَمَّد بن قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن عَليّ بن أَحْمد بن عَليّ بن يُوسُف بن إِبْرَاهِيم بن عبد الْحق الْحَنَفِيّ بِدِمَشْق عَن بضع وَسِتِّينَ سنة. وَتُوفِّي الْمُحدث شمس الدّين مُحَمَّد بن الْأنْصَارِيّ الْمَعْرُوف بِابْن العلاف عَن نَحْو مائَة سنة. وَتُوفِّي رَئِيس التُّجَّار نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن مُسلم فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشر شَوَّال وَإِلَيْهِ ينْسب الْمدرسَة المسلمية بِمصْر. وَمَات الْأَمِير منجك اليوسفي نَائِب السلطنة فِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشْرين ذِي الْحجَّة وَدفن من الْغَد بخانكاته تَحت القلعة. وَتُوفِّي الْوَزير الصاحب نَاظر الْخَاص فَخر الدّين ماجد ويدعى عبد الله بن تَاج الدّين مُوسَى بن علم الدّين أبي شَاكر بن سعيد الدولة فِي يَوْم الْجُمُعَة عَاشر ذِي الْقعدَة وَأَبوهُ حَيّ. وَمَات الْأَمِير مُوسَى بن أيدمر الخطيري أحد أُمَرَاء العشرات. وَمَات الْأَمِير الطواشي سَابق الدّين مِثْقَال الآنوكي مقدم المماليك وَأحد أُمَرَاء الطبلخاناه فِي يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشر ذِي الْقعدَة وَإِلَيْهِ تنْسب الْمدرسَة السابقية بِالْقَاهِرَةِ. وَتُوفِّي الْمسند زين الدّين عبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن مُحَمَّد بن هَارُون بن مُحَمَّد بن هَارُون الْمَعْرُوف بِابْن الْقَارئ التغلبي فِي نصف ذِي الْقعدَة حدث بِصَحِيح عَن الشهَاب أَحْمد بن إِسْحَاق بن الْمُؤَيد الأبرقوهي وَهُوَ آخر من حدث عَنهُ وَله مشيخة حدث بهَا أَيْضا. وَتُوفِّي أحد فُقَهَاء الْمَالِكِيَّة نَاصِر الدّين مُحَمَّد الهاروني أَبُو جَابر بِمصْر فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سادس شعْبَان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 383 وَتُوفِّي كَمَال الدّين أَبُو البركات السُّبْكِيّ الشَّافِعِي مدرس الحَدِيث بالشيخونية ومفتي دَار الْعدْل فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشْرين شَوَّال. وَتُوفِّي شيخ كتاب الْمَنْسُوب عز الدّين أيبك بن عبد الله التركي عَتيق طرغاي الجاشنكير الناصري فِي يَوْم الْأَحَد بِالْقَاهِرَةِ وَكتب على الْفَخر السنباطي وجاد وتصدر للكتابة بالجامع الْأَزْهَر دهراً فَكتب النَّاس عَلَيْهِ وانتفع بِهِ جمَاعَة وَكَانَ خيرا دينا. وَمَات الْأَمِير يلبغا الناصري أحد مقدمي الألوف فِي لَيْلَة الْجُمُعَة آخر ذِي الْحجَّة. وَمَات الشَّيْخ مجد الدّين مُحَمَّد بن الشَّيْخ مجد الدّين أبي بكر بن إِسْمَاعِيل بن عبد الْعَزِيز الزنكلوني الشَّافِعِي فِي سَابِع شَوَّال. وَمَات نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الكتناني أحد فضلاء الميقاتية فِي يَوْم الثُّلَاثَاء وَمَات شرف الدّين مُحَمَّد بن الشَّيْخ نَاصِر الدّين أبي جَابر الْمَالِكِي أحد نواب الْمَالِكِيَّة بِمصْر فِي سادس عشر شَوَّال. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن ثَعْلَب الْمَالِكِي مدرس الْمدرسَة القمحية بِمصْر فِي تَاسِع شَوَّال. وَمَات شرف الدّين حسن بن صدر الدّين بن قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين أَحْمد الْمَقْدِسِي الْحَنْبَلِيّ أحد كتاب الْإِنْشَاء ومدرس الْحَنَابِلَة بالجامع الحاكمي فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سادس عشر ذِي الْقعدَة. وَمَات الْأَمِير بيبغا العلاى الدوادار وَهُوَ منفي بطرابلس. وَتُوفِّي صَلَاح الدّين يُوسُف بن مُحَمَّد عرف بِابْن المغربي رَئِيس الْأَطِبَّاء فِي يَوْم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 384 الْأَرْبَعَاء ثامن عشر جُمَادَى الْآخِرَة عَن سنّ عَال وَإِلَيْهِ ينْسب جَامع ابْن المغربي بشاطىء الخليج الناصري بِجَانِب بركَة قرموط. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 385 فارغه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 386 سنة سبع وَسبعين وَسَبْعمائة فِي ثَالِث الْمحرم: خلع على نجم الدّين بن الشَّهِيد موقع الدَست وَاسْتقر كَاتب السِّرّ بسيس. وَفِي يَوْم الْأَحَد تاسعه: ختن السُّلْطَان ولديه أَمِير عَليّ وأمير حاجي وعملت الأفراح مُدَّة سَبْعَة وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشره: قدم قَاضِي الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق نجم الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد ابْن قَاضِي دمشق عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن أبي الْعِزّ بن صَالح بن أبي الْعِزّ وهيب بن عطا بن جُبَير بن وهيب الْأَذْرَعِيّ الدِّمَشْقِي الْمَعْرُوف بِابْن أبي الْعِزّ وَدخل على الْأَمِير طشتمر الدوادار والأمير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن آقبغا آص ومحب الدّين مُحَمَّد نَاظر الْجَيْش وقاضي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة وَنزل بصهريج منجك تَحت القلعة وَأَقْبل الْأَعْيَان للسلام عَلَيْهِ. وَفِيه قدم قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم الأخناي الْمَالِكِي من الْحَج وَسلم على السُّلْطَان فَخلع عَلَيْهِ وأكرمه. وَفِي آخِره: استدعى نجم الدّين بن أبي الْعِزّ إِلَى القلعة وفوض إِلَيْهِ السُّلْطَان قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بديار مصر وخلع عَلَيْهِ وَقرر عوضه فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق ابْن عَمه صدر الدّين عَليّ بن عَليّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أبي الْعِزّ صَالح بن أبي الْعِزّ فَنزل قَاضِي الْقُضَاة نجم الدّين فِي موكب جليل إِلَى الْمدرسَة الصالحية بَين القصرين على الْعَادة. وَفِي رَابِع عشرينه: أنعم على الْأَمِير طيْبغُا الجمالي الصفوي بإمرة طبلخاناه وخلع على شرف الدّين بن مَنْصُور وَاسْتقر فِي قَضَاء الْعَسْكَر عوضا عَن ابْن الصايغ. وَفِيه قدم النشو الملكي الْوَزير من الشَّام باستدعاء وَلزِمَ بَيته وأنعم على الْأَمِير سراي تمر الخاصكي بتقدمة ألف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 387 وَفِي نصف صفر: ابْتَدَأَ السُّلْطَان بعمارة مدرسة بالصوة تجاه الطبلخاناه من قلعة الْجَبَل وَشرع فِي هدم بَيت الْأَمِير سُنقر الجمالي ليضيفه إِلَيْهَا. وَفِي هَذَا الشَّهْر: وجد فِي قصر الحجازية من الْقَاهِرَة - حَيْثُ كَانَ بَاب الزمرد أحد أَبْوَاب الْقصر الفاطمي - تجاه رحبة بَاب الْعِيد عمودان عظيمان إِلَى الْغَايَة تَحت ردم فرسم بسحبهما إِلَى عمَارَة السُّلْطَان فأعيا العتالون أَمرهمَا وعجزوا عَن شحطهما لكبرهما فَانْتدبَ ابْن عايد رايس الْخلَافَة وَإِلَيْهِ أَمر الحراقة السُّلْطَانِيَّة لذَلِك وَعمل حركات هندسية فانجرا مَعَ تِلْكَ الحركات بطول شَارِع الْقَاهِرَة إِلَى تَحت القلعة حَيْثُ الْعِمَارَة فِي عدَّة أَيَّام كَانَ للعامة فِيهَا اجتماعات بطبولهم وزمورهم وَقَالُوا من نزهاتهم فِي جر العامود غناء تداولته ألسنتهم عدَّة سِنِين واقترحوا بالإسكندرية قماشاً سموهُ جر العامود للبس النِّسَاء من الْحَرِير. فَلَمَّا وصل العمودان إِلَى الْعِمَارَة انْكَسَرَ أكبرهما نِصْفَيْنِ. وَفِي خَامِس شهر ربيع الأول: خلع على الْأَمِير تمرباي التُّمُرْتَاشِيّ وَاسْتقر فِي نِيَابَة الكرك عوضا عَن طَيدَمُر البالسي. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامن عشرينه: خلع على الصاحب تَاج الدّين النشو الْمَالِكِي وأَعيد إِلَى الوزارة بعد إِبْطَالهَا وخلع على أَمِين الدّين أَمِين وَاسْتقر فِي نظر الدولة بمفرده وعزل الْأَمِير شرف الدّين مُوسَى بن الأزكشي من الْإِشَارَة. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس عشْرين شهر وَبيع الاخر: خلع على الْأَمِير أقتمر الصاحبي الْحَنْبَلِيّ وَاسْتقر نَائِب السُّلْطَان عوضا عَن الْأَمِير سيف الدّين منجك بِحكم وَفَاته فَخرج وَجلسَ بدار النِّيَابَة من قلعة الْجَبَل على الْعَادة وأمضى الْأُمُور وَحكم بَين المتخاصمين. وَفِيه اسْتَقر ولي الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن أبي الْبَقَاء فِي قَضَاء الْقُضَاة بِدِمَشْق بعد موت أَبِيه وَحمل إِلَيْهِ التَّقْلِيد والخلعة على الْبَرِيد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 388 وَفِي هَذَا الشَّهْر: ارْتَفع سعر اللَّحْم فأبيع الرطل من لحم الضَّأْن بدرهم وَنصف والرطل من لحم الْبَقر بدرهم وَثمن. وَفِي سَابِع عشر شهر جُمَادَى الأولى: قدم الْأَمِير قطلوبغا المنصوري من الشَّام باستدعاء. وَفِي يَوْم الْخَمِيس خَامِس جُمَادَى الْآخِرَة: خرج قَاضِي الْقُضَاة نجم الدّين أَحْمد بن أبي الْعِزّ من الْقَاهِرَة عَائِدًا إِلَى دمشق من غير أَن يعلم بِهِ أحد شبه الفأر وَذَلِكَ أَنه لم تعجبه الْقَاهِرَة وَلَا أَهلهَا فَكَانَ إِذا دخل عَلَيْهِ أحد وَجلسَ قَالَ نقيب الحكم بِسم الله يُشِير إِلَيْهِ أَن قُم فينفض من فِي مَجْلِسه وَأكْثر من التضجر والقلق ومازال يسْأَل فِي الإعفاء وَأَن يسْتَقرّ ابْن عَمه صدر الدّين عوضا عَنهُ حَتَّى أُجِيب فاغتنم ذَلِك وسافر. وَفِي نصفه: قبض على الصاحب كريم الدّين شَاكر بن غَنَّام وَأدْخل قاعة الصاحب على مَال يحملهُ ثمَّ أفرج عَنهُ بعد ثَلَاثَة أَيَّام فاختفى وَلم يقدر عَلَيْهِ فأوقع الملكي الحوطة على دَاره وَقبض على أَتْبَاعه ومعارفه وصادرهم وَنُودِيَ عَلَيْهِ بِالْقَاهِرَةِ ومصر وهدد من أخفاه وَجَاء الْمَالِكِي ليهْدم دَاره بِالْقربِ من الْجَامِع الْأَزْهَر فَلم يتهيأ لَهُ ذَلِك فَإِنَّهُ وجد بهَا محراباً فَصَارَت مدرسة إِلَى الْيَوْم. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع شهر رَجَب: قدم صدر الدّين عَليّ بن عَليّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد أبي الْعِزّ الْحَنَفِيّ من دمشق باستدعاء فَخلع عَلَيْهِ من الْغَد يَوْم الْخَمِيس خامسه وَاسْتقر فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشرينه: خلع على بدر الدّين عبد الْوَهَّاب بن كَمَال الدّين أَحْمد بن قَاضِي الْقُضَاة علم الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر الأخناي وَاسْتقر فِي قَضَاء الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة بِالْقَاهِرَةِ بعد وَفَاة الْبُرْهَان إِبْرَاهِيم الأخناي وخلع على الْأَمِير قطلوبغا المنصوري وَاسْتقر حَاجِب الْحجاب وسافر ركب الْحجَّاج الرجبية على الْعَادة. وخلع على ابْن عرام وأعيد إِلَى نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن جركتَمُر المنجكي بعد وَفَاته وعَلى الطواشي مُخْتَار شاذروان الدمنهوري وَاسْتقر مقدم المماليك بعد وَفَاة افتخار الدّين ياقوت الشيخي وعَلى الطواشي ظهير الدّين مُخْتَار الحسامي مقدم الْقصر وَاسْتقر مقدم الأسياد ولدى السُّلْطَان بإمرة عشرَة عوضا عَن مُخْتَار شاذروان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 389 وقدمت رسل صَاحب إصطنبول بهدية فِيهَا صهرج محمل بحركات هندسية فَإِذا مَضَت سَاعَة من اللَّيْل وَالنَّهَار خرجت ثماثيل بنى آدم وَضربت بصنوج فِي أيديها وأنواع من آلَات الملاهي مَعهَا وَإِذا مَضَت دَرَجَة سَقَطت بندقة. وَفِي خَامِس عشره: سَافر الْأَمِير أشقتمر على نِيَابَة حلب بعد مَا خلع عَلَيْهِ وَقدم صَاحب سنجار بعد مَا سلمهَا لنواب السُّلْطَان فَخلع عَلَيْهِ وَأكْرم وَخرج الْأَمِير أرغون العثماني لإحضار الْأَمِير بيدمر نَائِب الشَّام. وَفِي خَامِس عشرينه خلع على الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن الطواشي وَاسْتقر فِي توقيع الدست عوضا عَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْقرشِي بعد وَفَاته وخلع على علم الدّين يحيى كَاتب الْأَمِير شرف الدّين مُوسَى بن الديناري بعد مَا أسلم وَاسْتقر فِي نظر الخزانة الْكُبْرَى عوضا عَن الْقرشِي وخلع على شمس الدّين مُحَمَّد الدَّمِيرِيّ الْمُحْتَسب وَاسْتقر فِي نظر الأحباس وَفِي تَاسِع عشرينه: خلع على الْأَمِير طيبغا الصفوي وأستقر لالا إخْوَة السُّلْطَان وعَلى الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن قرطاي الكركي وَاسْتقر فِي ولَايَة قوص عوضا عَن ركن الدّين عمر بن الْمعِين. وَفِي تَاسِع شهر رَمَضَان: خلع على شرف الدّين أَحْمد بن عَليّ ابْن مَنْصُور وَاسْتقر فِي قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة عوضا عَن صدر الدّين عَليّ بن أبي الْعِزّ وسافر ابْن أبي الْعِزّ إِلَى دمشق وخلع على مجد الدّين إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم التركماني الْحَنَفِيّ وَاسْتقر فِي قَضَاء الْعَسْكَر عوضا عَن شرف الدّين أَحْمد بن مَنْصُور. وَفِي تَاسِع عشرينه: قدم الْأَمِير بيدمر نَائِب الشَّام وَمَعَهُ هَدِيَّة للسُّلْطَان لم يعْهَد مثلهَا للنائب قبله مِنْهَا مِائَتَان وَخَمْسُونَ فرسا وَأهْدى لجَمِيع الْأُمَرَاء والأعيان عدَّة هَدَايَا وَنزل بالميدان الْكَبِير على النّيل حَتَّى سَافر فِي ثَالِث عشر شَوَّال بعد مَا خلع عَلَيْهِ. وَفِي لَيْلَة السبت ثَالِث عشرينه: طلق السُّلْطَان نِسَاءَهُ الثَّلَاث وَهن خوند صَاحِبَة القاعة ابْنة عَمه السُّلْطَان حسن وَابْنَة الْأَمِير تنكزبغا وَابْنَة الْأَمِير طغاى تمر النظامي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 390 وَقدم ابْن عرام نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة باستدعاء وَقدم طيدمر البالسي من الْقُدس باستدعاء وَظهر الصاحب كريم الدّين شَاكر بن غَنَّام من اختفائه فَخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر فِي نظر الْبيُوت. وَفِي يَوْم الْأَحَد ثَانِي عشْرين ذِي الْقعدَة: عزل الملكي من الوزارة وخلع من الْغَد يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَالِث عشرينه على أَمِين الدّين أَمِين وَاسْتقر فِي نظر الدولة بِغَيْر وَزِير فَانْفَرد الصاحب شمس الدّين أَبُو الْفرج المقسي نَاظر الْخَاص بِالتَّدْبِيرِ وخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر مشير الدولة وخلع على أَمِين الدّين جعيص وَاسْتقر مُسْتَوْفِي الدولة. وَقدم الْبَرِيد بغلاء الأسعار بِدِمَشْق وَأَن الغرارة الْقَمْح بلغت نَحْو خَمْسمِائَة دِرْهَم وأبيع الْخبز بحلب كل رَطْل حَلَبِيّ بِسِتَّة دَرَاهِم والمكوك الْقَمْح بثلاثمائة دِرْهَم ونيف وأكلت الميتات وَالْكلاب والقطاط وَمَات خلق كثير من الْمَسَاكِين وانكشف عدَّة من الْأَغْنِيَاء وَعم الغلاء بِبِلَاد الشَّام كلهَا حَتَّى أكلت القطاط وبيعت الْأَوْلَاد بحلب وأعمالها. وَفِيه استناب قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة صهره سرى الدّين مُحَمَّد ابْن قَاضِي الْمَالِكِيَّة جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم بن عَليّ المسلاتي فِي الحكم بِالْقَاهِرَةِ بعد مَا انْتقل عَن مَذْهَب مَالك إِلَى مَذْهَب الشَّافِعِي وَاسْتقر الْبُرْهَان أَبُو سَالم إيراهيم بن مُحَمَّد بن عَليّ الصنهاجي فِي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بحلب عوضا عَن نَاصِر الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد بن سرى الدّين أبي الْوَلِيد إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن هاني الأندلسي وَاسْتقر بدر الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد بن مزهر فِي كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق عوضا عَن شهَاب الدّين أَحْمد بن فضل الله بعد وَكَانَ أَمِير الْحَاج فِي هَذِه السّنة الْأَمِير بوري الخاصكي فَخرج على الْحَاج بطرِيق الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة قطاع الطَّرِيق وَقتلُوا مِنْهُم طَائِفَة. وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر من الْأَعْيَان قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن علم الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر بن عِيسَى بن بدران السَّعْدِيّ الهذباني الأخناي الْمَالِكِي فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء ثَانِي شهر رَجَب وَكَانَت مُدَّة ولَايَته قَضَاء خمس عشرَة سنة. وَتُوفِّي نَاظر بَيت المَال برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن بهاء الدّين الحلى فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس الْمحرم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 391 وَتُوفِّي الْفَقِير المجذوب الْمُعْتَمد أَحْمد بن عبد الله وَيُسمى مَسْعُود بِخَط المريس فِيمَا بَين الْقَاهِرَة ومصر يَوْم الْخَمِيس تَاسِع شهر رَمَضَان كَانَ أسود اللَّوْن ويؤثر عَنهُ كرامات وَرُبمَا غَابَ عقله مُدَّة ثمَّ حضر. وَتُوفِّي كَاتب السِّرّ بِدِمَشْق شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عَلَاء الدّين على بن محيى الدّين يحيى بن فضل الله الْعمريّ وَقد أناف على الثَّلَاثِينَ. وَمَات الْأَمِير أرغون المحمدي الآنوكي أحد الطبلخاناه. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين أسنبغا بن بكتمر البوبكري أحد أُمَرَاء الألوف فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس الْمحرم وَإِلَيْهِ تنْسب الْمدرسَة البوبكرية بِالْقَاهِرَةِ. وَمَات الْأَمِير جركتمر المنجكي أَمِير مجْلِس وَقد ولي قلعة الْمُسلمين حَتَّى مَاتَ بهَا. وَمَات الْأَمِير طقبغا الْعمريّ أحد الطبلخاناه. وَتُوفِّي الشَّيْخ عبد الله بن مُحَمَّد بن أبي بكر بن خَلِيل بن إِبْرَاهِيم بن يحيى بن أبي عبد الله يحيى بن إِبْرَاهِيم بن سعيد بن طَلْحَة بن مُوسَى بن إِسْحَاق بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبان بن أَمِير الْمُؤمنِينَ عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ فِي يَوْم الْأَحَد ثَالِث جُمَادَى الأولى بخلوته من سطح جَامع الْحَاكِم وَكَانَت لَهُ جَنَازَة عَظِيمَة جدا ومولده سنة أَربع وَتِسْعين وسِتمِائَة. كَانَ فَقِيها شافعياً صَاحب فنون قدم من مَكَّة سنة إِحْدَى وَعشْرين وَسَبْعمائة إِلَى الْقَاهِرَة وَأخذ الْفِقْه عَن التقي السُّبْكِيّ والْعَلَاء القونوي والنحو عَن أبي حَيَّان والأصفهاني وَعَاد إِلَى مَكَّة بعد سبع سِنِين ثمَّ قدم مِنْهَا بعد سنتَيْن إِلَى الْبِلَاد الشامية سمع من جمَاعَة كالبرهان بن سِبَاع وَابْن عبد الدايم ثمَّ استوطن الْقَاهِرَة ودرس الحَدِيث بِالْمَدْرَسَةِ المنصورية وباشر عدَّة وظائف تنزه عَنْهَا وَانْقطع لِلْعِبَادَةِ بسطح الْجَامِع الحاكمي حَتَّى مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ نَظِير فِي حفظه وَدينه. وَتُوفِّي كَمَال الدّين أَبُو حَفْص عمر بن التقي إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم بن عبد الرَّحْمَن بن الْحسن بن العجمي الْحلَبِي الْفَقِيه الشَّافِعِي الْمُحدث بحلب وَقدم إِلَى الْقَاهِرَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 392 وَتُوفِّي زين الدّين عمر بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن عبد الْمُنعم بن أَمِين الدولة الْحَنْبَلِيّ الْحلَبِي عَن بضع وَسِتِّينَ سنة بحلب وَقدم إِلَى الْقَاهِرَة. وَمَات الشريف عجلَان بن رميثة بن أبي نمى مُحَمَّد بن أبي سعد عَليّ بن الْحسن بن قَتَادَة ابْن إِدْرِيس بن مطاعن بن عبد الْكَرِيم بن مُوسَى بن عِيسَى بن سُلَيْمَان بن عبد الله بن مُوسَى الْجور بن عبد الله الْكَامِل بن الْحسن الْمثنى بن الإِمَام الْحسن بن الإِمَام أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب عَلَيْهِم السَّلَام بعد مَا وَفِي إِمَارَة مَكَّة شَرِيكا لِأَخِيهِ ثقبة ثمَّ انْفَرد بالإمارة بعد موت أَخِيه حَتَّى رغب عَنْهَا لوَلَده أَحْمد بن عجلَان وَاعْتَزل حَتَّى مَاتَ فِي لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ حادي عشر جُمَادَى الأولى. وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة بهاء الدّين أَبُو الْبَقَاء مُحَمَّد بن سديد الدّين أبي مُحَمَّد عبد الْبر ابْن القَاضِي صدر الدّين أبي زَكَرِيَّا يحيى بن عَليّ بن تَمام بن يُوسُف بن مُوسَى بن تَمام ابْن حَامِد بن يحيى بن عمر بن عُثْمَان الْأنْصَارِيّ السُّبْكِيّ الشَّافِعِي فِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشْرين شهر ربيع الآخر بِدِمَشْق ومولده سنة سبع وَسَبْعمائة. وَتُوفِّي شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن خطيب بيروت الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي فِي شَوَّال بِدِمَشْق ومولده سنة إِحْدَى وَسَبْعمائة قدم الْقَاهِرَة وسكنها مُدَّة ودرس بالشافعي وَولي قَضَاء الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة. وَتُوفِّي كَمَال الدّين مُحَمَّد بن زين الدّين أبي الْقَاسِم عمر بن الْحسن بن عمر بن حبيب الْحلَبِي بِالْقَاهِرَةِ عَن أَربع وَسبعين سنة وَهُوَ أَخُو شَيخنَا زين الدّين طَاهِر. وَتُوفِّي تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن كَمَال الدّين الشهَاب مَحْمُود أحد موقعي الدست بِالْقَاهِرَةِ عَن أَربع وَسبعين سنة. وَتُوفِّي الشَّيْخ مُحَمَّد بن شرف عادي - بِعَين مُهْملَة - الكلائي الشَّافِعِي الفرضي النَّحْوِيّ المقرىء فِي يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع شهر رَجَب بِالْمَدْرَسَةِ القطبية من الْقَاهِرَة ودرس الْفَرَائِض زَمَانا وصنف فِيهَا ومَهُر بِهِ جمَاعَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 393 وَمَات الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْأَمِير قيران الحسامي أحد الطبلخاناه. وَتُوفِّي صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن صوره مدرس المعزية بِمَدِينَة مصر وَأحد نواب الحكم الشَّافِعِيَّة فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء سَابِع عشْرين ربيع الآخر. وَتُوفِّي قَاضِي الْإسْكَنْدَريَّة كَمَال الدّين التنسي الْمَالِكِي أحد فُقَهَاء الْمَالِكِيَّة فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ وَتُوفِّي نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْقرشِي موقع الدست وناظر الأحباس وناظر الخزانة الْكُبْرَى فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ حادي عشْرين شعْبَان. وَتُوفِّي التَّاجِر نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن سَلام الإسكندري بهَا فِي يَوْم الثُّلَاثَاء سادس عشر شهر رَجَب. وَتُوفِّي الشريف نجم الدّين حَمْزَة بن عَليّ بن مُحَمَّد بن أبي بكر بن عمر أحد نواب الْمَالِكِيَّة وَهُوَ عَائِد من الْحَج بِمَنْزِلَة رَابِع فِي ذِي الْحجَّة. وَتُوفِّي موقع الحكم علم الدّين صَالح بن أَحْمد بن عبد الله الْإِسْنَوِيّ فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء ثَالِث عشر جُمَادَى الأولى وَقد انْتَهَت إِلَيْهِ رياسة جليلة ورزق حظاً وافراً من الْأُمَرَاء وَغَيرهم بِغَيْر علم وَفِيه قيل وَقد ولى إِعَادَة. ومعيد لَو كتبت لَهُ حروفاً وَقلت أعد عَليّ تِلْكَ الْحُرُوف لقصر فِي إِعَادَته عَلَيْهَا فَكيف يُعِيد فِي الْعلم الشريف وَتُوفِّي تَاج الدّين أَبُو غَالب الكلبشاوي الْأَسْلَمِيّ نَاظر الذَّخِيرَة فِي نصف شَوَّال وَإِلَيْهِ تنْسب الْمدرسَة الْمَعْرُوفَة بمدرسة أبي غَالب تجاه بَاب الخوخة من ظَاهر الْقَاهِرَة وَكَانَ مشكوراً فِي مسالمة الْكتاب. وَتُوفِّي شيخ الْكتاب المجودين بِالْقَاهِرَةِ شهَاب الدّين غَازِي بن قطلوبغا التركي فِي يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع رَجَب وَقد تصدى لتعليم النَّاس كِتَابه الْمَنْسُوب دهراً طَويلا وَتخرج بِهِ جمَاعَة وَكتب على محتسب مصر شمس الدّين مُحَمَّد بن أبي رقيبة وَكتب ابْن أبي رقيبة على ابْن الْعَفِيف. وَتُوفِّي شمس الدّين مُحَمَّد بن سَالم بن عبد الرَّحْمَن الْجبلي الدِّمَشْقِي الْحَنْبَلِيّ الْأَعْمَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 394 وَالِد شَيخنَا صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن الْأَعْمَى فِي يَوْم السبت سادس عشْرين شعْبَان وَقد درس الْفِقْه بمدرسة حسن وَغَيرهَا. وَتُوفِّي نور الدّين عَليّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن أَحْمد بن أَحْمد الْكِنَانِي الْعَسْقَلَانِي الشهير بِابْن حجر. وَالِد أخينا فِي الله الْحَافِظ شهَاب الدّين أبي الْفضل قَاضِي الْقُضَاة أَحْمد بن حجر الشَّافِعِي فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء عَاشر شهر رَجَب وَكَانَ تَاجِرًا بِمَدِينَة مصر تفقه للشَّافِعِيّ وَحفظ كتاب الْحَاوِي وَأخذ الْفِقْه عَن الْبَهَاء مُحَمَّد بن عقيل وَقَالَ الشّعْر وَكثر فَضله وأفضاله وَمن شعره يُشِير إِلَى صناعَة أَبِيه فَإِنَّهُ كَانَ يَبِيع الْبَز بالإسكندرية. إسكندرية كم ذَا يسمو قماشك عزا فطمت نَفسِي عَنْهَا فلست أطلب بزا وَتُوفِّي الطواشي افتخار الدّين ياقوت الشيخي مقدم المماليك. وَتوفيت خوند ابْنة أَمِير منكلى بغا الشمسي، زَوْجَة السُّلْطَان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 395 بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم سنة ثَمَان وَسبعين وَسَبْعمائة فِي أول الْمحرم: وقف صوفية خانكاة سعيد السُّعَدَاء إِلَى السُّلْطَان وَشَكوا من شيخهم جلال الدّين جَار الله فرسم بعزله وَعين لمشيختها عَلَاء الدّين السراني وَكَانَ بالحجاز. وَفِيه طلب قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة دوادار الْأَمِير آقتمر الْحَنْبَلِيّ نَائِب السُّلْطَان وَأنكر عَلَيْهِ ونهره فِي مجْلِس حكمه وَوضع من أستاذه بِسَبَب مَا يجْرِي من أَحْكَامه بَين النَّاس فَإِنَّهُ بلغه عَنهُ أَنه ضرب رب دين بِحَضْرَة مديونه فترقق لَهُ وتلطف بِهِ فِي المداراة حَتَّى خلص من مَجْلِسه وَقد ملىء قلبه مِنْهُ خوفًا. وَفِيه أخرج الْوَزير الْمَالِكِي إِلَى الكرك منفيا وَخرجت النجب فِي أول صفر إِلَى مَكَّة إِحْضَار الصاحب كريم الدّين شَاكر بن غَنَّام وَكَانَ قد جاور بهَا. وَفِي ثامن عشرينه: خلع على الشريف بكتمر وَاسْتقر فِي كشف الْوَجْه البحري عوضا عَن الْأَمِير عَليّ خَان وخلع على الْأَمِير بكتمر السيفي وَاسْتقر فِي ولَايَة الْقَاهِرَة عوضا عَن حُسَيْن بن الكوراني وأنعم على الْأَمِير أروس النظامي بإمرة فِي حلب. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثامن عشر ربيع الأول: أُعِيد الْأَمِير حُسَيْن بن الكوراني إِلَى ولَايَة الْقَاهِرَة بعد وَفِي أَوَائِل هَذَا الشَّهْر: انْقَطع مقطع من الخليج قَرِيبا من قناطر الأوز سَببه أَن شهَاب الدّين بن أَحْمد بن قايماز - أستادار ابْن آقبغا آص الأستادار - عمر بركَة بجوار الخليج من شرقيه ليجتمع فِيهَا السّمك وَفتح لَهَا من جَانب الخليج كوَّة يدْخل مِنْهَا المَاء فقوي المَاء واتسع الْخرق حَتَّى فاض المَاء وَأغْرقَ مَا فِي تِلْكَ الْجِهَة من الدّور فِي يَوْم الْجُمُعَة تاسعه فخربت عدَّة حارات كَانَ فِيهَا مَا ينيف على ألف دَار وَصَارَت ساحة وتعب الْأَمِير حُسَيْن بن الكوراني تعباً كَبِيرا حَتَّى سد المقطع خشيَة أَن تغرق الحسينية بأسرها وَأنْفق فِيهَا زِيَادَة على ثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم فِي ثمن أخشاب وَنَحْوهَا واستمرت تِلْكَ الديار خرابا إِلَى يَوْمنَا وَعمل مَوضِع بَعْضهَا بساتين وَمَوْضِع بعض برك مَاء. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشره: قدم الصاحب كريم الدّين شَاكر بن غَنَّام من الْحجاز. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3 وَفِي أخريات هَذَا الشَّهْر: استجد السُّلْطَان عدَّة خاصكية من مماليكه وأسكنهم فِي بَيت الْأَمِير أنوك بجوار بَاب الدَّار من القلعة وَقدم عَلَيْهِم الطواشي شرف الدّين مُخْتَصّ الأشرفي وَأمره أَن يوقفهم بَين يَدَيْهِ وَلَا يدع أحدا مِنْهُم يجلس فصاروا مضافيه مِنْهُم الْأَمِير بشتاك عبد الْكَرِيم الخاصكي. وَفِي مستهل شهر جُمَادَى الأولى: رسم بِإِبْطَال ضَمَان المغاني والأفراح بِجَمِيعِ أَعمال مصر من أسوان إِلَى الْعَريش وَكَانَ قد أَعَادَهُ وزراء السوء لِكَثْرَة مَا يتَحَصَّل مِنْهُ فَإِن الْعرس مَا كَانَ يتهيأ حَتَّى يغرم أَهله للضامنة خَمْسمِائَة دِرْهَم فَمَا فَوْقهَا بِحَسب حَال أهل الْعرس وَلَا تقدر امْرَأَة وَإِن جلت تنتقش إِلَّا بِإِطْلَاق من الضامنة وَلَا يضْرب بدف فِي عرس أَو ختان أَو نَحْو ذَلِك إِلَّا بِإِطْلَاق وعَلى كل إِطْلَاق فَرِيضَة مَال مقررة فِي الدِّيوَان وَكَانَ على كل مغنية قطيعة تحملهَا إِلَى الضامنة فَإِن باتت فِي غير بَيتهَا قَامَت. بِمَال للضامنة وتدور فِي كل لَيْلَة على بيُوت المغاني جمَاعَة من جِهَة الضامنة لمعْرِفَة من باتت مِنْهُنَّ خَارج بَيتهَا وَكَانَ على البغايا ضَرَائِب مقررة وَأما فِي بِلَاد الصَّعِيد وَالْوَجْه البحري فَإِنَّهُ يفرد حارات للمغاني والبغايا تقوم كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ. بِمَال مُقَرر فَيكون هُنَاكَ من التجاهر بِالزِّنَا وَشرب الْخمر مَا يشنع ذكره حَتَّى لَو مر غَرِيب بِتِلْكَ الْمَوَاضِع من غير أَن يقْصد الزِّنَا لألزم بِأَن يَأْتِي بغيا من تِلْكَ البغايا وَيكرهُ على ذَلِك أَو يفتدى. بِمَال يَدْفَعهُ إِلَيْهَا حَتَّى تقوم بِهِ مِمَّا عَلَيْهَا من الضريبة. وأبطل السُّلْطَان أَيْضا مَا أَعَادَهُ الوزراء من ضَمَان القراريط بأعمال مصر كلهَا فَكَأَن كل أحد من النَّاس - وَلَو جلّ - لَا يقدر أَن يشترى دَارا حَتَّى يُؤْخَذ مِنْهُ عَن كل ألف دِرْهَم من ثمنهَا عشرُون درهما فَمَاذَا أدّى مَا عَلَيْهِ من ذَلِك طبع لَهُ على رق طبع أَحْمَر شبه دَائِرَة وَعلم حولهَا مبَاشر هَذَا الدِّيوَان علاماتهم فَيشْهد بعد ذَلِك الْعُدُول فِي هَذَا الرّقّ بقضية التَّتَابُع وَمَتى لم يكن هَذَا فِي الرّقّ لَا يقدر الْعُدُول وَإِن جلوا عَن كِتَابَة الْمُبَايعَة خوفًا من أَن ينكل النكال بهم الْعَظِيم. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كَانَ تَحْويل مغل سنة سبع وَتِسْعين لديوان السنين. وَفِيه كَانَ الْوَفَاء فِي خَامِس عشر مسرى وَبَلغت زِيَادَة النّيل ثَمَانِيَة أَصَابِع من عشْرين ذِرَاعا وَثَبت حَتَّى خيف فَوَات الزَّرْع ثمَّ هَبَط. وعزم الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن آقبغا آص على إِعَادَة ضَمَان المغاني فَغَضب من ذَلِك قاضى الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة وَامْتنع من الحكم وَحُضُور دَار الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4 الْعدْل فاستدعاه السُّلْطَان وَسَأَلَهُ عَن امْتِنَاعه من الحكم فَقَالَ: بَلغنِي أَن ضَمَان المغاني أُعِيد وَهَذَا يُوجب الْفسق. فَحلف لَهُ السُّلْطَان أَنه مَا أَمر بإعادته ولاعنده مِنْهُ علم وَبعث إِلَى ابْن آقبغا آص يُعلمهُ بذلك فَاعْتَذر بِعُذْر غير طائل فرسم بإبطاله وَكتب بذلك تواقيع قُرِئت على النَّاس وسيرت إِلَى النواحي فَبَطل ذَلِك وَلم يعد وَللَّه الْحَمد وتنكر السُّلْطَان على ابْن آقبغا آص وَكَانَ مَا يَأْتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَفِيه خرج الْبَرِيد بِطَلَب الْأَمِير آقتمر عبد الْغنى نايب صفد فَلَمَّا قدم أنعم عَلَيْهِ بتقدمة ألف وأنعم على الْأَمِير حاجي بن الْأَمِير أيدغمش بإمرة بحلب وَأخرج إِلَيْهَا. وَفِي أول جُمَادَى الْآخِرَة: خلع على الْأَمِير ملكتمر من بركَة وَاسْتقر فِي نِيَابَة الكرك عوضا عَن تمرباي الدمرداشي وَنقل تمرباي إِلَى نِيَابَة صفد عوضا عَن آقتمر عبد الْغنى فَدخل صفد فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ خامسه. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشره: قبض على الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن آقبغا آص الاستادار وأحيط. بموجوده. بِمصْر وَالشَّام وَأمر بنفيه وَولده إِلَى طرسوس فَلم يزل الْأُمَرَاء بالسلطان حَتَّى رسم أَن يسْتَقرّ بالقدس بطالا فَسَار إِلَيْهَا من يَوْمه وَلحق بِهِ ابْنه من الْغَد هَذَا مَعَ شدَّة تمكنه من السُّلْطَان وَكَثْرَة اخْتِصَاصه بِهِ حَتَّى أَنه كَانَ يَقُول وَلَده فِي الْمَلأ إِذا دَعَاهُ سَيِّدي مُحَمَّد. وَفِيه خلع على الْوَزير الْمَالِكِي بَعْدَمَا أحضر وأعيد إِلَى الوزارة مرّة ثَالِثَة وَقبض على نَاظر الدولة أَمِين الدّين أَمِين وعوق بقاعة الصاحب من القلعة أَيَّامًا ثمَّ أفرج عَنهُ. وَفِيه أخرج الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أيبك ألفافا أَمِير آخور منفيا إِلَى الشَّام وأنعم بإقطاعه على الْأَمِير قرابغا. وَفِي هَذَا الشَّهْر: بَدَت الْأَمْرَاض بالحميات فِي النَّاس واستمرت إِلَى أخر شعْبَان فَمَاتَ خلق كثير. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَالِث شهر وَجب: خلع على السَّيِّد الشريف شرف الدّين عَليّ بن السَّيِّد فَخر الدّين وَاسْتقر فِي نقابة الْأَشْرَاف بعد وَفَاة أَبِيه بسؤال عدَّة من الْأَشْرَاف ولَايَته. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سادسه: أدير محمل الْحَاج بِالْقَاهِرَةِ ومصر وَلم يعْهَد دورانه فِيمَا سلف قبل النّصْف من رَجَب وَكَانَ النَّاس فِي شغل عَنهُ بِكَثْرَة الْأَمْرَاض وَفِيه رسم السُّلْطَان بتجهيزه للسَّفر إِلَى الْحجاز فَبَيْنَمَا هم فِي عمل أهبة السّفر إِذْ مرض السُّلْطَان مَرضا شَدِيدا حَتَّى أرجف. بِمَوْتِهِ غير مرّة ونكس عدَّة نكسات اتهمَ فِيهَا أطباؤه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5 بموافقتهم بعض الْأُمَرَاء على هَلَاكه فَقَامَ بعلاجه شَيخنَا زكى الدّين أَبُو البركات مُحَمَّد الْفَقِيه لمالكي وَشَيخنَا جلال الدّين جَار الله وَهُوَ أَبُو عبد الله مُحَمَّد ابْن الشَّيْخ قطب الدّين أَبى عبد الله مُحَمَّد بن شرف الدّين أَبى الْبَقَاء مَحْمُود النَّيْسَابُورِي الْحَنَفِيّ حَتَّى تمّ بُرْؤُهُ. وَفِي أثْنَاء ذَلِك ألزم بعض أُمَرَاء الدولة قاضى الْقُضَاة شرف الدّين بن مَنْصُور الْحَنَفِيّ أَن يحكم لَهُ باستبدال بعض الدّور الْمَوْقُوفَة. بِملك أحسن مِنْهُ على مُقْتَضى مَذْهَب أَبى حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى وَكَانَ الِاسْتِبْدَال بالأوقاف حِينَئِذٍ غير مَعْمُول بِهِ فِي مصر وَالشَّام يتْركهُ قُضَاة الْحَنَفِيَّة تنزها وتحرجا لما فِيهِ من الْخلاف فَامْتنعَ ابْن مَنْصُور من الِاسْتِبْدَال للأمير فَلَمَّا ألح عَلَيْهِ فِي ذَلِك عزل نَفسه فِي يَوْم الْأَحَد تاسعه فَتحدث لِجَار الله بعض من يعْنى بِهِ مَعَ السُّلْطَان فِي ولَايَة الْقَضَاء وَهُوَ إِذْ ذَاك مُقيم عِنْد السُّلْطَان ليعالج مَرضه فَأجَاب إِلَى ولَايَته وخلع عَلَيْهِ فِي يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس عشرينه وَاسْتقر عوضا عَن شرف الدّين بن مَنْصُور. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع عشرينه: عوفي السُّلْطَان من مَرضه وَعبر الْحمام وَصلى بِجَامِع القلعة على الْعَادة فدقت البشائر ثَلَاثَة أَيَّام وَنُودِيَ بزينة الْقَاهِرَة ومصر فزينتا زِينَة عَظِيمَة ونثر على السُّلْطَان لما خرج إِلَى الْجُمُعَة ذهب كثير فانتكس بعد يَوْمَيْنِ. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشر شعْبَان: أخرج السُّلْطَان إخْوَته وَبنى أَعْمَامه ذُرِّيَّة قلاوون بأجمعهم وَمَعَهُمْ حرمهم إِلَى مَدِينَة الكرك وَكَانَ الْوَقْت شتاء بَارِدًا فتألم النَّاس لذَلِك وَسَار بهم الْأَمِير سودن الشيخوني هَذَا وَالسُّلْطَان مَرِيض وحركة السّفر مستمرة. وَفِي سادس عشرينه: أنعم على كل من الْأَمِير يلبغا المنجكي والأمير مغلطاي البدري بإمرة طبلخاناة وعَلى كل من قطلوبغا البزلارى وطشتمر المحمدي اللفاف وألطنبغا العلائي بإمرة عشرَة. وَفِي سَابِع عشرينه: خلع على الطواشي ظهير الدّين مُخْتَار الحسامي وَاسْتقر مِنْهُم المماليك عوضا عَن مُخْتَار شاذروان بعد مَوته وأنعم على الْأَمِير فَخر الدّين إِيَاس الصرغتمشى بإمرة طبلخاناة وَاسْتقر أستادارا ثَانِيًا. وَفِي يَوْم الْخَمِيس حادي عشر شهر رَمَضَان: عزل الْأَمِير أقتمر الْحَنْبَلِيّ من نِيَابَة السلطنة وَاسْتقر أَمِيرا كَبِيرا يجلس بالإيوان وَقت الْخدمَة وخلع على الْأَمِير آقتمر عبد الْغنى وَاسْتقر حَاجِب الْحجاب وأبطلت النِّيَابَة وخلع على الْأَمِير بلوط الصرغتمشى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 6 أَمِير مشوى وَاسْتقر شاد الشربخاناة، وأنعم على الْأَمِير علم الدّين دَار بتقدمة ألف، وَقد قدم من دمشق باستدعاء. وَفِي لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ خَامِس عشره: سَقَطت نَار احْتَرَقَ بهَا حَاصِل مدرسة السُّلْطَان الَّتِي يعمرها تَحت القلعة فَتلف بهَا ماشاء الله من آلَات الْعِمَارَة وتفاءل النَّاس بذلك على السُّلْطَان وَكَانَ كَذَلِك وَقتل كَمَا سَيَأْتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى ثمَّ تعطلت سِنِين إِلَى أَن خربها كلهَا النَّاصِر فرج بن برقوق كَمَا سَيَأْتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَفِي هَذَا الشَّهْر: ارْتَفع الوباء وعوفي السُّلْطَان وَركب إِلَى السرحة بالجيزة وَعَاد إِلَى قلعة الْجَبَل وَفِيه كثر الاهتمام بحركة السُّلْطَان إِلَى الْحَج وَخرجت الإقامات من الشّعير والدقيق والبشماط لتوضع فِي الْمنَازل بطرِيق مَكَّة. وَفِي رَابِع شَوَّال: خلع على الْأَمِير مغلطاي الجمالي وَاسْتقر فِي عوضا عَن جرحى البالسي بعد مَوته وخلع على الشريف عَاصِم وَاسْتقر فِي حسبَة مصر وَالْوَجْه القبلي بعد وَفَاة شمس الدّين مُحَمَّد بن أَبى رقيبة. وَندب الْأَمِير آقتمر الْحَنْبَلِيّ أَن يخرج إِلَى بِلَاد الصَّعِيد وَمَعَهُ عدَّة من الْأُمَرَاء والأجناد وَيُقِيم بِهِ لحفظه مُدَّة غيبَة السُّلْطَان بالحجاز وَندب إِلَى الثغور - مثل الْإسْكَنْدَريَّة ودمياط ورشيد والبرلس - جمَاعَة من الْأُمَرَاء والأجناد يَكُونُوا مركزين بهَا لدفع الْعَدو من الفرنج وَندب عدَّة أُمَرَاء للمبيت كل لَيْلَة فِي أَمَاكِن عينت لَهُم من خَارج الْقَاهِرَة ومصر ورتب الْأَمِير أيدمر الشمسي للإقامة بقلعة الْجَبَل لحفظها وَجعل نَائِب الْغَيْبَة بِالْقَاهِرَةِ الْأَمِير آقتمر عبد الْغنى ورسم لَهُ وَلِجَمِيعِ الْأُمَرَاء المقيمين أَن حَضَرُوا فِي أَيَّام المواكب الْخدمَة عِنْد بَاب الستارة من القلعة ويقبلوا أَيدي ولدى السُّلْطَان ويقفوا سَاعَة لَطِيفَة ثمَّ يقوم أَمِير على ابْن السُّلْطَان من مَجْلِسه وَيَقُول لِلْأُمَرَاءِ بِيَدِهِ بِسم الله فينصرفوا بعد أَن يسقوا مشروبا. وَلما قوى الْعَزْم على السّفر أَشَارَ على السُّلْطَان جمَاعَة من أهل الصّلاح بألا يُسَافر فَلم يقبل وصمم على السّفر ليقضى الله أمرا كَانَ مَفْعُولا وَخرجت أطلاب الْأُمَرَاء فِي يَوْم السبت ثَانِي عشره بتجمل عظم إِلَى الْغَايَة وأناخوا ببركة الْحجَّاج وَخرج من الْغَد يَوْم الْأَحَد ثَالِث عشره طلب السُّلْطَان وَفِيه من الْحَرِير وَالذَّهَب مَا لَا يقدر على وَصفه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 7 وتفنن الغلمان فِي حسن ترتيبه وتأنقوا فِيهِ وأبدوا من صنائعهم الْعَجَائِب والغرائب فجروا أَولا عشْرين قطارا من الرَّوَاحِل بقماش من ذهب أكوارها وعرقياتها وحطمها ومياثرها حَرِير مزوكش غطس وَخَمْسَة عشر قطارا من الرَّوَاحِل بعبي حَرِير وقطار رواحل قماشها أسود خليفتي وقطار رواحل قماشها أَبيض برسم الْإِحْرَام وَمِائَة فرس عَلَيْهَا من السُّرُوج والكنافيش والعبي مَا يجل قِيمَته وكجاوتين وتسع محفات أغشية الكجاوتين مَعَ خمس محفات حَرِير كُله زركش غطس وَأَرْبع محفات دونهَا وَسِتَّة وَأَرْبَعين جملا محاير بغشية الْحَرِير وخزانة المَال على عشْرين جملا وقطارين تحمل البقل وَالثِّمَار والنعناع والسلق والكزبرة المزروع ذَلِك فِي محاير. وَمن أحمال المطابخ والمشارب وأنواع المآكل الملوكية مَا لَا يدْخل تَحت حصر مِنْهَا ثَلَاثُونَ ألف علبة حلوى زنة مَا فِي كل علبة خَمْسَة أَرْطَال فَيكون ذَلِك مائَة ألف وَخمسين ألف رَطْل وجميعها قد عملت من السكر النقي وطيبت. بِمِائَة مِثْقَال من الْمسك سوى الصندل وَالْعود وَعمل الْأُمَرَاء من الْحَلْوَى مثل ذَلِك وَأما الأجناد والأعيان فَلم ينْحَصر مَا عملوه من هَذَا الصِّنْف فَانْظُر عَظمَة بلد يعْمل فِيهِ للسُّلْطَان وأمراؤه فِي شهر وَاحِد ثَلَاثمِائَة ألف رَطْل وَسِتِّينَ ألف رَطْل من السكر سوى من دونهم وَلَعَلَّه نَظِير ذَلِك وَلم يعز مَعَ هَذَا وجود السكر بل وَلَا غلا سعره فقد أدركنا وَعلمنَا صِحَّته وَحمل مَعَه عدَّة من أَرْبَاب الملاهي والمخايلين فَأنْكر النَّاس ذَلِك من أجل أَنه غير لَائِق بِالْحَجِّ. وَكَانَ لمشاهدة هَذَا الطّلب يَوْمًا مشهودا ومنظرا بديعا يتَعَذَّر حكايته وَوَصفه زَادَت فِيهِ سَعَادَة الدولة. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ رَابِع عشره: خلع على الشَّيْخ ضِيَاء الدّين عبيد الله القرمي وَاسْتقر فِي مشيخة الْمدرسَة الأشرفية ولقب بشيخ الشُّيُوخ وأبطل هَذَا اللقب من مُتَوَلِّي مشيخة خانكاة سرياقوس فسكنها ودرس بهَا قبل أَن تكمل عمارتها. وَفِيه أَمر بسد بَاب القلعة مِمَّا يَلِي القرافة فسد وَأوصى السُّلْطَان مماليك ولديه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 8 بهما وبحفظ القلعة وعهد إِلَيْهِم أَنه إِن أَصَابَهُ الْمَوْت فولده أَمِير عَليّ هُوَ السُّلْطَان من بعده. وَركب من قلعة الْجَبَل وَسَار إِلَى سرياقوس فَبَاتَ بقصوره مِنْهَا لَيْلَة الثُّلَاثَاء وَنزل إِلَى بركَة الْحجَّاج فَأَقَامَ بهَا إِلَى يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي عشرينه ورحل مِنْهَا بكرَة النَّهَار وَمَعَهُ من أُمَرَاء الألوف أرغون شاه الأشرفي وبهادر الجمالي أَمِير آخور وصرغتمش الأشرفي وبيبغا السابقي وصراي تمر المحمدي وطشتمر لعلاي الدوادار ومبارك الطازي وقطلو آقتمر العلاي الطَّوِيل وبشتاك عبد الْكَرِيم الأشرفي وَمن أُمَرَاء الطبلخاناة جمال الدّين عبد الله بن بكتمر الْحَاجِب وأيدمر الخطاي وبورى الأحمدي وبلوط الصرغتمشى وأروس المحمودي ويلبغا المحمدي ويلبغا الناصري وأرغون الْعُزَّى الأفرم وطغاي تمر الأشرفي ويلبغا المنجكي وكزل الأرغوني وقطلوبغا الشَّعْبَانِي وأمير حَاج بن كغلطاي وعَلى بن الْأَمِير منجك وَمُحَمّد بن الْأَمِير تنكز بغا وتمر باي الْحسنى وأسندمر العثماني وقرابغا الإحمدي وإينال اليوسفي وَأحمد ابْن الْأَمِير يلبغا الخاصكي ومُوسَى بن دندار بن قرمان ويدي بن قرطقا بن سيسون وبكتمر العلمي ومغلطاي البدري وَمن أُمَرَاء العشرات سنقر الجمالي وَأحمد بن مُحَمَّد بن لاجين وأقبغابوز الشيخوني وأسنبغا التلكي وَمُحَمّد بن بكتمر الشمسي وَمُحَمّد بن قطلوبغا المحمدي وجوبان الطيدمري وألطنبغا عبد الْملك وقطلوبغا البزلاري وطوغان الْعمريّ وتلكتمر العيسوي وَمُحَمّد بن سنقر المحمدي وخضر بن عمر بن أَحْمد ابْن الْأَمِير بكتمر الساقي ومنجك الأشرفي وَمَعَهُ قاضى الْقُضَاة برهَان الدّين بن جمَاعَة الشَّافِعِي وقاضى الْقُضَاة جلال الدّين جَار الله الْحَنَفِيّ وقاضى الْقُضَاة بدر الدّين عبد الْوَهَّاب الأخناي الْمَالِكِي وسراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ قاضى الْعَسْكَر وَتوجه أَيْضا الْخَلِيفَة المتَوَكل على الله وَكَاتب السِّرّ بدر الدّين مُحَمَّد ابْن فضل الله وناظر الْجَيْش تَقِيّ الدّين عبد الرَّحْمَن وَتَأَخر قاضى الْقُضَاة نَاصِر الدّين نصر الله الْحَنْبَلِيّ بِالْقَاهِرَةِ. فَلم يزل السُّلْطَان سائرا. بِمن مَعَه حَتَّى نزل من عقبَة أَيْلَة وأناخ على الْبَحْر فِي يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع عشرينه وَنزل بَقِيَّة الْحَاج من الْغَد يَوْم الْأَرْبَعَاء آخِره. فَلَمَّا كَانَ يَوْم السبت ثَالِث ذِي الْقعدَة: انتدب لإثارة الْفِتْنَة بِالْقَاهِرَةِ أينبك البدري وأسندمر الصرغتمشى وقرطاي وطشتمر اللفاف وَمَشوا حِين تَأَخّر بالقلعة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 9 من المماليك السُّلْطَانِيَّة وَفِي مماليك الأسياد ولدى السُّلْطَان وَفِي مماليك الْأُمَرَاء الْمُسَافِرين صُحْبَة السُّلْطَان وَفِي جمَاعَة من المماليك البطالة وواعدوهم جَمِيعًا على الْقيام مَعَهم ووعدوهم بِأَن ينفقوا فيهم خَمْسمِائَة دِينَار عَنْهَا عشرَة آلَاف دِرْهَم لكل وَاحِد مِنْهُم فمالوا إِلَيْهِم وتحالفوا جَمِيعًا على الِاتِّفَاق وركبوا بِآلَة الْحَرْب. وَنزل المماليك السُّلْطَانِيَّة الَّذين بالطباق من قلعة الْجَبَل وَصعد الَّذين كَانُوا أَسْفَل القلعة إِلَيْهَا وَصَارَ الْجَمِيع بِبَاب الستارة وَفِي دَاخله الطواشي سَابق الدّين مِثْقَال زِمَام الدّور والأمير جلبان لالا الأسياد والأمير أقبغا جركس اللالا فأغلقوا بَاب الستارة وَأخذ الْقَوْم يطرقون عَلَيْهِم الْبَاب وَيطْلبُونَ أَمِير عَليّ ابْن السُّلْطَان وَيَقُولُونَ: قد مَاتَ السُّلْطَان وَنحن نُرِيد نسلطن ابْنه أَمِير عَليّ. فَقيل لَهُم: من كبيركم حَتَّى نسلم إِلَيْهِ ابْن السُّلْطَان فتآمروا فِيمَا بَينهم سَاعَة وجمعهم يكثر ثمَّ كسروا شباك الزِّمَام المطل على تِلْكَ الْجِهَة وصعدوا مِنْهُ فنهبوا مَا فِي بَيت الزِّمَام ونزلوا إِلَى رحبة بَاب الستارة وقبضوا على الطواشي مثفال الزِّمَام وعَلى الْأَمِير حلبان ودخلوا من بَاب الستارة بأجعهم وأخرجوا أَمِير عَليّ وأجلسوه بِبَاب الستارة وأحضروا الْأَمِير أيدمر الشمسي وألزموه بتقبيل الأَرْض فقبلها وأركبوا أَمِير عَليّ إِلَى الإيوان الْمَعْرُوف بدار الْعدْل وأجلسوه على تخت الْملك ولقبوه بِالْملكِ الْعَادِل. فَتَأَخر نَاظر الْخَاص شمس الدّين أَبُو الْفرج المقسي فِي دَاره عَن الطُّلُوع إِلَى القلعة خوفًا من المماليك فَإِن رُءُوس النوب وأكابر المماليك طلبُوا مِنْهُ أَن يصرف لَهُم ولبقية المماليك رواتبهم من الدَّرَاهِم وَاللَّحم وَنَحْو ذَلِك فماطلهم بِالصرْفِ وهم يلحون فِي الطّلب فنهرهم وَقَالَ: مَا لكم عِنْدِي شَيْء حَتَّى يَجِيء أستاذكم خُذُوا مِنْهُ. وطلع نَاظر الدولة أَمِين الدّين أَمِين وَمَعَهُ مقدم الدولة الْحَاج سيف وَبَقِيَّة مباشري الدولة فَقبض المماليك عَلَيْهِم ظنا مِنْهُم أَنه المقسى وَأَغْلقُوا بَاب القلعة ووكلوا بناظر الدولة وَمن مَعَه عدَّة من المماليك ثمَّ نزلُوا من القلعة ووقفوا على خيولهم تحتهَا وبعثوا طَائِفَة مِنْهُم لإحضار المقسي فَلم يظفروا بِهِ فاستدعوا الْأَمِير آقتمر عبد الْغنى والأمير أيدمر الشمسي والأمير علم دَار وَبَقِيَّة الْأُمَرَاء فأتوهم تَحت القلعة وأبوا من طُلُوعهَا فَأنْزل المماليك أَمِير عَليّ من القلعة إِلَى الإصطبل وطلعوا بالأمراء إِلَيْهِ فقبلوا لَهُ الأَرْض وحلفوا على الْعَادة إِلَّا الْأَمِير طشتمر الصَّالِحِي والأمير بلاط الْكَبِير السيفي والأمير خطط رَأس نوبَة فَإِنَّهُم لم يوافقوا المماليك على مَا فَعَلُوهُ فقبضوا عَلَيْهِم وطلبوا الْأَمِير سيف الدّين ألطنبغا أَبُو قورة أَمِير سلَاح - وَكَانَ قد تَأَخّر عَن السّفر لمَرض بِهِ - والأمير طاز فاعتذرا عَن الْحُضُور بالضعف وأرسلا مماليكهما الجزء: 5 ¦ الصفحة: 10 وَكَانَ قبل ذَلِك قد بلغ كل من الْأَمِير سودن أَمِير آخور وأمير عَليّ بن قشتمر الْحَاجِب وَأَبُو بكر بن طاز وأيدمر الشمسي وأقتمر عبد الْغَنِيّ وعلمدار وطشتمر الصَّالِحِي وَبَقِيَّة الْأُمَرَاء أَن مماليك السُّلْطَان ومماليك الأسياد يُرِيدُونَ إثارة الْفِتْنَة وَالرُّكُوب للحرب فتغافلوا عَنْهُم خوفًا على أنفسهم فَلَمَّا وَقع مَا وَقع وأتاهم الْأُمَرَاء ورسموا عَلَيْهِم وَأخذُوا مِنْهُم مماليكهم وَصَارَ دبير الْقَوْم أينبك ويشاركه الْأَمِير طشتمر اللفاف وأسندمر الصرغتمشى وقرطاي فَأمروا أَن يُنَادى فِي النَّاس بالأمان فَنُوديَ فِي الْقَاهِرَة ومصر بَين يَدي وَإِلَى الْقَاهِرَة الْأمان والإطمئنان افتحو دكاكينكم وبيعوا واشتروا وترحموا على الْملك الْأَشْرَف وَالدُّعَاء لوَلَده الْملك الْعَادِل عَليّ ونائبه الْأَمِير آقتمر الْحَنْبَلِيّ فكثرت القالة بَين النَّاس واستمرت الكوسات تدق بالقلعة حَرْبِيّا وطبلخاناة الْأُمَرَاء أَيْضا تدق وَالْقَوْم وقُوف تَحت القلعة طول الْيَوْم السبت وَلَيْلَة الْأَحَد وأمير عَليّ بالإصطبل. فَلَمَّا أصبح نَهَار الْأَحَد رابعه غيروا لقب أَمِير عَليّ وجعلوه الْملك الْمَنْصُور وَأخذُوا خطوط جَمِيع الْعلمَاء والأمراء أَنهم رَضوا بِهِ سُلْطَانا وَنَادَوْا بِالْقَاهِرَةِ وأعمالهما ثَانِيًا بالأمان والإطمئنان وَالدُّعَاء للْملك الْمَنْصُور وَخرج الْبَرِيد لإحضار الْأَمِير آقتمر الْحَنْبَلِيّ من بِلَاد الصَّعِيد وتقسموا الأمريات فَأخذ طشتمر اللفاف تقدمة أرغون شاه رَأس نوبَة وَأخذ قرطاي تقدمة صرغتمش وَأخذ أينبك تقدمة بيبغا السابقي وَأخذ أسندمر الصرغتمشى تقدمة وَأخذ بلاط الصَّغِير تقدمة حَتَّى عموا من أَرَادوا مِنْهُم بالأمريات. وَاسْتقر الْأَمِير شهَاب الدّين قرطاي أتابك العساكر ونصبوا لَهُم خَليفَة من بنى عَم الْخَلِيفَة المتَوَكل وَأَقَامُوا عز الدّين حَمْزَة بن عَلَاء الدّين على بن محيى الدّين يحيى بن فضل الله فِي وَظِيفَة كِتَابَة السِّرّ حَتَّى يحضر أَخُوهُ بدر الدّين وأحضروا نَاظر الْخَاص شمس الدّين المقسي حَتَّى فتح لَهُم خزانَة الْخَاص من القلعة وَأخرج مِنْهَا تشاريف الْأُمَرَاء وخلعهم وفرقها فيهم ورتب أَحْوَال المملكة وَمد السماط على الْعَادة وَأعْطى الرَّوَاتِب هَذَا وهم بِالسِّلَاحِ على الْخُيُول تَحت القلعة يترقبون مَا يرد من الْأَخْبَار فَإِنَّهُم كَانُوا قد وعدوا أَصْحَابهم على أَن يثيروا الْفِتْنَة مَعَ السُّلْطَان أَيْضا. فاتفق أَن السُّلْطَان لما أصبح فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء. بِمَنْزِلَة الْعقبَة تجمع المماليك وطلبوا عليق دوابهم فَوَعَدَهُمْ السُّلْطَان بصرفه فِي منزلَة الأزلم فَسَأَلُوهُ أَن ينْفق فيهم مَالا لينفقوه فِي غلمانهم فَقَالَ: مَا عِنْدِي إِلَّا البشماط وَالشعِير فرادوه مرَارًا حَتَّى نهرهم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 11 وتوعدهم فَمَضَوْا إِلَى الْأَمِير الْكَبِير أرغون شاه رَأس نوبَة وَشَكوا مَا لَقِيَهُمْ من السُّلْطَان فَوَعَدَهُمْ أَن يتحدث لَهُم مَعَ السُّلْطَان فانصرفوا من عِنْده إِلَى الْأَمِير طشتمر الدوادار وتنمروا عَلَيْهِ وَقَالُوا لَهُ إِن لم ينْفق فِينَا قَتَلْنَاهُ. فَقَامَ إِلَى السُّلْطَان وَسَأَلَهُ فِي النَّفَقَة على المماليك فَامْتنعَ فمازال يرادده حَتَّى غضب مِنْهُ وسبه وَقَالَ لَهُ تحكم على فِي مصر وَهنا أَيْضا وهدده فَقَامَ وَقد أحدق المماليك بخامه ينتظرونه فَأخْبرهُم. بِمَا كَانَ وَأَكْثَرهم حِينَئِذٍ شباب ومماليك يلبغا فهاجت حفائظهم وتحركت أحقادهم وتواعدوا على قتل السُّلْطَان وخاصكيته ولبسوا السِّلَاح وَأتوا إِلَى الْأَمِير طشتمر وتوعدوه بِالْقَتْلِ إِن لم يوافقهم فألبس مماليكه السِّلَاح وَركب مَعَهم هُوَ والأمير مبارك الطازي والأمير صراي تمر المحمدي والأمير قطلو آقتمر الطَّوِيل العلاي وقصدوا السُّلْطَان وَكَانَ فِي خامة يتحدث مَعَ خاصكيته وَإِذا بضجة فَبعث من يكْشف لَهُ الْخَبَر فَقيل قد ركب المماليك فَأمر من عِنْده بِلبْس السِّلَاح فَمَا تمّ كَلَامه حَتَّى هجموا على الخام وَقَطعُوا الْأَطْنَاب فَأمر بالشموع فأطفئت وَخرج السُّلْطَان. بِمن مَعَه هَارِبا وهم الْأَمِير أرغون شاه والأمير صرغتمش والأمير بيبغا السابقي والأمير بشتاك الخاصكي والأمير أرغون الْعزي والأمير يلبغا الناصري والأمير ألطنبغا فرفور والأمير طشبغا رَأس نوبَة وَذَلِكَ فِي لَيْلَة الْخَمِيس وَقد أعد الْأَمِير قازان أَمِير آخور للسُّلْطَان مَا يركبه هُوَ وَمن مَعَه من مراكب الْخَاص فَرَكبُوا وطلبوا جِهَة الْقَاهِرَة وَلَيْسَ مَعَ كل وَاحِد مِنْهُم سوى مَمْلُوك وَاحِد حَتَّى قطعُوا الْعقبَة فَإِذا. بِمقدم الهجانة مُحَمَّد بن عِيسَى وَمَعَهُ نَحْو اثْنَي عشر هجينا فَنزل السُّلْطَان عَن فرسه وَركب مِنْهَا وأركب من مَعَه بقيتها وَسَارُوا حَتَّى أَتَوا قبَّة النَّصْر خَارج الْقَاهِرَة فِي يَوْم الْأَحَد ثَانِي يَوْم قيام المماليك بالقلعة فَسَمِعُوا دق الكوسات حَرْبِيّا فرابهم ذَلِك وبعثوا لكشف الْخَبَر وَتوجه السُّلْطَان وَمَعَهُ الْأَمِير يلبغا الناصري نَحْو الْجَبَل وَدخل بقبة الآمراء قبَّة النَّصْر وناموا فَبَيْنَمَا المماليك راكبين تَحت القلعة إِذْ قبض بعد الظّهْر على رَحل متنكر اسْمه قازان مِمَّن قدم مَعَ السُّلْطَان فَأتى بِهِ إِلَى أكابرهم فعرفهم خبر وقْعَة الْعقبَة ودلهم على مَوضِع السُّلْطَان فَتوجه الْأَمِير أسندمر الصرغتمشى وطولوا الصرغتمشى فِي جمَاعَة إِلَى قبَّة النَّصْر فذبحوا الْأَمِير أرغون شاه والأمير صرغتمش والأمير بيبغا السابقى والأمير بشتاك والأمير أرغون الْعُزَّى الأفرم وَأتوا برءوسهم إِلَى تَحت القلعة وهم يَقُولُونَ صلوا على مُحَمَّد ثمَّ دفعُوا الرُّءُوس إِلَى أَهلهَا فَذَهَبُوا إِلَى جثث الْأُمَرَاء الْخَمْسَة وواروها مَعهَا. وَقد اضْطربَ النَّاس بِالْقَاهِرَةِ وَأَغْلقُوا مَا فتح من الحوانيت وَكثر تخلقهم للْحَدِيث الجزء: 5 ¦ الصفحة: 12 فِي أَمر السُّلْطَان والقائمين بالدولة وَنُودِيَ بِالْقَاهِرَةِ ومصر على السُّلْطَان وتوعد من أخفاه فاضطرب النَّاس وَبَاتُوا لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ على تخوف وقلق شَدِيد فَلَمَّا طلع نَهَار الْإِثْنَيْنِ قبض على مُحَمَّد بن عِيسَى وَسُئِلَ عَن السُّلْطَان فَذكر أَن آخر علمه بِهِ أَنه فَارق الْأُمَرَاء وَمضى هُوَ ويلبغا الناصرى. وَأما السُّلْطَان فَإِنَّهُ لما أَخذ نَحْو الْجَبَل وَمَعَهُ الناصري قعد لحَاجَة وَإِذا بِالْخَيْلِ قد أَتَت إِلَى قبَّة النَّصْر فِي طلبه فاختفي هُوَ والناصرى حَتَّى جنهما اللَّيْل فَخرج بِهِ الناصري وَسَار إِلَى بَيت أستاداره فآواهما وحدثهما بِقِيَام المماليك وَمَا كَانَ مِنْهُم وَذبح الْأُمَرَاء فَاشْتَدَّ خوف السُّلْطَان وَخرج من ليلته. بمفرده من بَيت أستادار الناصري وَقصد بَيت آمِنَة امْرَأَة المشتولى بحارة المحمودية من الْقَاهِرَة وَبَات عِنْدهَا بَقِيَّة لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ وَأصْبح كَذَلِك إِلَى أخر النَّهَار فمضت امْرَأَة وأعلمت القائمين بالدولة بمكانه فَركب الْأَمِير قرطاى فِي عدَّة وافرة وَأتوا بَيت أَمَنَة وقبضوا عَلَيْهَا وأرهبوها فَأَشَارَتْ إِلَى بادهنج الْبَيْت فوجدوا السُّلْطَان قد لبس ثِيَاب النِّسَاء واختفي فِيهِ فَأَخَذُوهُ وألبسوه سِلَاحا وستروا وَجهه وَخَرجُوا بِهِ من بَاب سَعَادَة أحد أَبْوَاب الْقَاهِرَة حَتَّى صعدوا بِهِ قلعة الْجَبَل فتسلمه الْأَمِير أينبك وعاقبه حَتَّى دلهم على ذخائره وجمعوا بَينه وَبَين نَاظر الْخَاص شمس الدّين المقسى حَتَّى تحاققا على الذَّخَائِر وأعادوه إِلَى دَاره ثمَّ استدعوا بِالْقَاضِي صدر الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم المناوى - أحد خلفاء الحكم - فِي يَوْم الثُّلَاثَاء سادسه وأرادوه أَن يثبت وَصِيَّة الْملك الْأَشْرَف فَقَالَ: لابد من إِثْبَات وَفَاته فَدخل إِلَيْهِ مَمْلُوك مِنْهُم اسْمه جركس السيفي - من مماليك ألجاى اليوسفي - وخنقه ثمَّ أدخلُوا إِلَيْهِ جمَاعَة حَتَّى عاينوه مَيتا وعادوا إِلَى القاضى فَشَهِدُوا عِنْده. بِمَوْتِهِ وَأَنه أوصى الْأَمِير عز الدّين أينبك ثمَّ أنعم على جركس هَذَا بإمرة عشرَة وَاسْتقر شاد العماير جَزَاء لَهُ. بِمَا فعله من خنق السُّلْطَان ثمَّ أخذت جثة الْأَشْرَف وَوضعت فِي قفة وخيط عَلَيْهَا بلاس شعر أسود وألقيت فِي بِئْر آخر نَهَار الثُّلَاثَاء الْمَذْكُور فَلَمَّا مَضَت لَهُ أَيَّام ظهر نَتنه فَأخْرجهُ جيران تِلْكَ الْبِئْر فعرفوه ودفنوه بالكيمان الَّتِي بِجَانِب مشْهد السيدة نفيسة فَأتى بعض خدام السُّلْطَان لَيْلًا وَأخرجه من قَبره وَحمله إِلَى تربة أمه خوند بركَة من التبانة وغسله وكفنه وَصلى عَلَيْهِ وَدَفنه بالقبة الَّتِي بهَا. ومولده فِي سنة أَربع وَخمسين وَمُدَّة سلطنته أَربع عشرَة سنة وشهرين وَخَمْسَة عشر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 13 يَوْمًا وعمره أَربع وَعِشْرُونَ سنة وَكَانَ لينًا يحب أهل الْخَيْر وَيقف عِنْد مَا يحسن لَهُ من فعل الْخَيْر إِلَّا أَنه كَانَ يحب جمع المَال وتفرقته جدد فِي أَيَّام دولته الأقبية الْحَرِير بالطرز الزركش فِي كل سنة على الْأُمَرَاء مَعَ ركوبهم الْخَيل وَقت لبس الأقبية الْمَذْكُورَة بالسروج الذَّهَب والكنابيش الزركشى فَكَانَ يعم بذلك أُمَرَاء الألوف والطبلخاناة والعشرات والمماليك الخاصكية على قدر رتبهم وَلم يتقدمه ملك لفعل ذَلِك وَكَانَت أَيَّامه فِي هدوء وَسُكُون وأبطل مِسْكين شنيعين كَانَ يتَحَصَّل مِنْهُمَا مَال عَظِيم فبطلا من بعده وَلم يكن فِيهِ أَذَى وَلَا تجبر بل يرفع يَدَيْهِ وَيسْأل الله تعإلى أَن يخرب ديار من يُرِيد بِالنَّاسِ سوءا بِالْجُمْلَةِ فَكَانَ إِلَى التَّشَبُّه بِالنسَاء أميل مِنْهُ إِلَى التَّشَبُّه بِالرِّجَالِ وَترك من الْأَوْلَاد سَبْعَة ذُكُور أَمِير عَليّ وأمير حاجى وَكِلَاهُمَا تسلطن وَقَاسما ومحمدا وَإِسْمَاعِيل وَأَبا بكر وَأحمد وَسبع بَنَات. السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور عَليّ السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور عَليّ بن السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف شعْبَان بن حُسَيْن بن مُحَمَّد بن قلاوون الصالحى الألفي. أقيم فِي السلطنة - كَمَا تقدم - يَوْم السبت ثَالِث ذِي الْقعدَة وَأَبوهُ حَيّ فَلَمَّا قتل أَبوهُ - كَمَا مر ذكره - فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء قدم فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سابعه الْأَمِير آقتمر الْحَنْبَلِيّ من بِلَاد الصَّعِيد. بِمن كَانَ مَعَه فَتَلقاهُ الْأُمَرَاء وأجلوا قدره وَقَالُوا لَهُ: أَنْت نَائِب السُّلْطَان والمتحدث عَنهُ وكلنَا من تَحت أَمرك فوافقهم ووقف بِطَلَبِهِ مَعَ أطلابهم تَحت القلعة. وَأما الَّذين بِالْعقبَةِ فَإِن السُّلْطَان لما انهزم قَامَ الْأَمِير طشتمر الدوادار بِالْأَمر وعزم على الْعود بِالنَّاسِ جَمِيعهم إِلَى الْقَاهِرَة وَإِبْطَال الْحَج فثارت الْعَامَّة ورجمته وَوَقع النهب فِي السُّوق فَمضى قاضى الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة وَمَعَهُ قاضى الْقُضَاة جلال الدّين جَار الله الْحَنَفِيّ من الْعقبَة إِلَى جِهَة الْقُدس وَتوجه مَعَهُمَا طَائِفَة كَبِيرَة من الْحجَّاج. وَوضع الْأَمِير بهادر - أَمِير أخور - بعض الزَّاد والعلف بخان الْعقبَة وانتهبت المماليك من الأثقال مَا قدرت عَلَيْهِ ورحل الْأُمَرَاء والمماليك وَمَعَهُمْ الْمحمل وَمن بقى من الْحجَّاج عائدين إِلَى الْقَاهِرَة ورموا من الزَّاد وَالشعِير وأنواع المأكل وَمن الأثقال مَا لَا يقدر قدره فَلَمَّا وصلوا إِلَى الْمنزلَة الْمَعْرُوفَة بأبار العلاى أُعِيد الْمحمل مَعَ الْأَمِير بهادر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 14 إِلَى مَكَّة وَسَار مَعَه قَلِيل من النَّاس وَمضى الْأُمَرَاء نَحْو الْقَاهِرَة وَلَا علم لَهُم بالسلطان حَتَّى نزلُوا نخل فَبَلغهُمْ أَن عدَّة من النَّاس مرت بهم بَعضهم على رواحل وَبَعْضهمْ على خيل تُرِيدُ نَاحيَة الْقَاهِرَة فَعَلمُوا أَنه السُّلْطَان فخاف المماليك عَاقِبَة أَمرهم وَأَن يتَّفق لَهُم مَا اتّفق على الأجلاب بعد وَاقعَة الْأَمِير أسندمر فمالوا على خَزَائِن السُّلْطَان المحمولة فِي الطّلب ونهبوها وتقاسموا مَا بقى فِيهَا وَتوجه عدَّة مِنْهُم إِلَى جِهَة الشَّام وَبقيت طَائِفَة صُحْبَة الْأَمِير طشتمر الدوادار وَمَعَهُ الْخَلِيفَة وَكَاتب السِّرّ وناظر الْجَيْش وقاضى الْقُضَاة بدر الدّين الإخناى والحريم السلطانى وعدة كَبِيرَة من الْحجَّاج وَقد أَرَادوا الْخَلِيفَة أَن يقوم بِالْأَمر من غير سُلْطَان ويستبد بالمملكة ويكونوا عونا لَهُ على من خَالفه فَلم يوافقهم على ذَلِك وهم يلحون فِي سُؤَاله حَتَّى نزلُوا عجرود بَلغهُمْ مَا وَقع من قيام المماليك وسلطة أَمِير على ابْن السُّلْطَان وظفرهم بالأمراء وَالسُّلْطَان وقتلهم فَسَارُوا وَقد أمنُوا من السُّلْطَان وَكَانُوا على تخوف شَدِيد مِنْهُ أَن يظفر بهم ويقتلهم حَتَّى نزلُوا بركَة الْحجَّاج بعث الْأُمَرَاء القائمون بالدولة طَائِفَة من المماليك الأجلاب لِحَرْب الْأَمِير طشتمر وَعَلَيْهِم الْأَمِير أَحْمد بن همز فَلَقِيَهُمْ الْأَمِير قطلوا آقتمر العلاى الطَّوِيل - وَكَانَ طَلِيعَة الْأَمِير طشتمر - فكسرهم وَركب أقفيتهم إِلَى قرب قلعة الْجَبَل فتكاثروا عَلَيْهِ وأمسكوه وَذَلِكَ يَوْم الثُّلَاثَاء سادسه فَبعث الْأَمِير طشتمر بالأمير قطلوبغا الشعبانى فِي تَقْرِير أمره فَلَمَّا كَانَ الْغَد يَوْم الْأَرْبَعَاء سابعه ركبت عدَّة من الأجلاب لمحاربة طشتمر وافترقوا فرْقَتَيْن ومضوا فمالت فرقة على الخزائن والأثقال فنهبوا مَا هُنَاكَ وامتدت أَيْديهم إِلَى حَرِيم السُّلْطَان وَإِلَى الْحجَّاج فتجاوزوا الْحَد فِي النهب وفعلوا مَا لَا يفعل مثله فِي أهل الْإِسْلَام فَكَانَ شَيْئا قبيحا إِلَى الْغَايَة ذهب فِيهِ من الْأَمْوَال مَا لَا يُحْصِيه إِلَّا الله وَكَانَت هَذِه السفرة سَببا لزوَال سَعَادَة الدولة وَذَهَاب دولة آل قلاوون إِلَى أخر الدَّهْر. وَأما الْفرْقَة الْأُخْرَى فَإِنَّهَا قَاتَلت الْأَمِير طشتمر وَمن مَعَه قتالا عَظِيما فكسرهم ومروا فِي الْهَزِيمَة - وَهُوَ فِي طَلَبهمْ - إِلَى تَحت القلعة فوصل عصر يَوْم الْخَمِيس ثامنه فَاجْتمع الْقَوْم على قِتَاله من نصف وَقت الْعَصْر حَتَّى غَابَتْ الشَّمْس فانكسر مِنْهُم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 15 وَمضى نَحْو كيمان مصر فِي نفر يسير فأدركه بعض الْأُمَرَاء مِمَّن يَثِق بِهِ ومازال بِهِ حَتَّى قرر مَعَه أَن يسْتَقرّ فِي نِيَابَة الشَّام وَحلف لَهُ القائمون بالدولة فاطمأن لذَلِك وَنزل بداره فقبضوا عَلَيْهِ وحبسوه بقلعة الْجَبَل وقبضوا على الْأَمِير سراى تمر وبعثوه إِلَى الشَّام وقبضوا على الْأَمِير وَفِي يَوْم الْخَمِيس هَذَا: قدم الْخَلِيفَة وأصعد إِلَى القلعة واستدعى قاضى الْقُضَاة نَاصِر الدّين نصر الله الْحَنْبَلِيّ ونواب الْقُضَاة والأمراء القائمون بالدولة إِلَى بَاب الستارة من القلعة وأخرجوا السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور عَليّ فَبَايعهُ الْخَلِيفَة وَقبل لَهُ الْبيعَة الْأَمِير آقتمر الْحَنْبَلِيّ ثمَّ أفيضت عَلَيْهِ الخلعة الْخَلِيفَة وَهِي فرجية حَرِير بنفسجى بطرازين ذهب وديراها من رَأس كميها وعاتقيها وذيلها تركيبة ذهب وتحتانية حَرِير أَزْرَق خطاى وألبس عِمَامَة عَرَبِيَّة من حَرِير أسود على قبع حَرِير أسود وأرخى لَهَا عذبة حَرِير مزركش وَركب من بَاب الستارة بأبهة السلطنة إِلَى إيوَان دَار الْعدْل وَجلسَ على تخت الْملك وسرير السلطنة وَمد السماط بالإيوان فَأكل من حضر على الْعَادة ثمَّ قَامَ السُّلْطَان عَن التخت إِلَى الْقصر وخلع على الْأَمِير طشتمر اللفاف المحمدي أحد أُمَرَاء العشرات وَاسْتقر أَمِير مائَة مقدم ألف وأنعم عَلَيْهِ بإقطاع أتابك العساكر وبجميع مَا خَلفه الْأَمِير أرغون شاه من مَال وغلال وخيول وجمال ومماليك وَغير ذَلِك وخلع على الْأَمِير قرطاي الطازى أحد المماليك المفاردة وَاسْتقر رَأس نوبَة كَبِير على تقدمة صرغتمش وإقطاعه وأنعم عَلَيْهِ. بِمَا خَلفه من صَامت وناطق وَعين وغلة. ورسم لَهُ وللفاف أَن يجلسا بالإيوان فِي الميمنة. وخلع على اسندمر الذباح الصرغتمشى - أحد المماليك المفاردة - وَاسْتقر أَمِير سلَاح مقدم ألف ورسم لَهُ أَن أَن يجلس بالميسرة من الإيوان وخلع على قطلوبغا البدري وَاسْتقر أَمِير مجْلِس. وعَلى الْأَمِير طشتمر الدوادار وَاسْتقر نَائِب الشَّام وسافر من يَوْمه وخلع على الْأَمِير فَخر الدّين إِيَاس الصرغتمشى وَاسْتقر دواداراً بإمرة طبلخاناه وأنعم على دمرادش اليوسفي أحد المماليك بتقدمة ألف وَاسْتقر رَأس نوبَة ثَانِيًا وأنعم على بلاط الصَّغِير السيفي أحد المماليك المفاردة بتقدمة ألف وأنعم على ألطنبغا النظامي بتقدمة ألف وعَلى يلبغا النظامي بتقدمة ألف وَكِلَاهُمَا من جملَة المماليك المفاردة وأنعم على الْأَمِير أينبك بتقدمة ألف وَاسْتقر أَمِير أخور وأنعم على كل من بيقجا الكمالي وقطلوبغا البشيرى وطغاي تمر الناصري وصربغا الناصري وطولوا الصرغتمشى وألجبغا السيفي وقطلوبك النظامي وَأحمد بن همز التركمانى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 16 وقطلوخجا أخي أينيك وتمربغا البدري وألطنبغا الْمعلم وتلكتمر عبد الله المنصوري وأسنبغا الصارمي وأطلمش الطازى وأربغا السيفي وَإِبْرَاهِيم بن قطلو آقتمر العلاى وعَلى بن آقتمر عبد الْغنى وأسنبغا النظامي ومأمور القلمطاوى وأطلمش الأرغوني ومقبل الرُّومِي بإمرة طبلخاناة. وأنعم على كل مِمَّن يذكر بإمرة عشرَة وهم: مُحَمَّد بن قرطاي الطازي وخضر بن ألطبغا السلطاني وتكا الشمسي وَمُحَمّد بن شعْبَان ابْن الْأَمِير يلبغا الْعمريّ وأسنبغا المحمودي وطبج المحمدي وتلكتمر المنجكي وأقبغا السيفي وجركس السيفي وطقتمش السيفي وطوغان الْعمريّ وبكلمش الإبراهيمي ويلبغا العلاى ويوسف بن شادي البريدي وخضر الرسولي وأسندمر الشرفي ومغلطاي الشرفي وخليل بن أسندمر العلاي ورمضان بن صرغتمش وأخيه حسن صرغتمش وقطلوبغا حاجي أَمِير علم ومنكلى الشمسي وألجبغا السيفي وألطنبغا شادي وسودون العثماني فاتفق من ارْتِفَاع الأسافل مَا فِيهِ عِبْرَة لمن اعْتبر وَأصْبح المماليك الأجلاب الَّذين كَانُوا بالْأَمْس أقل مَذْكُور ثمَّ تتبعوا بِالْقَتْلِ وَالنَّفْي وأنواع الْعَذَاب ملوكا تجبى إِلَيْهِم ثَمَرَات كل شَيْء ويتحكمون فِي ممالك الأَرْض بِمَا تهوى أنفسهم وَمن حِينَئِذٍ تَغَيَّرت أَحْوَال الْبِلَاد بِتَغَيُّر أَهلهَا. وَفِيه أَيْضا قدم حَرِيم الْأَشْرَف من بركَة الْحجَّاج فَصَعدَ بهم إِلَى القلعة من بَاب السِّرّ بعد مَا نهبت خزانَة السُّلْطَان بالريدانية خَارج الْقَاهِرَة. وَفِيه سَار على الْبَرِيد الْأَمِير قطلوبغا جركس إِلَى دمشق ليقْبض على الْأَمِير بيدمر ويحبسه بقلعة صفد. وَفِي يَوْم السبت عاشره: اسْتَقر الْأَمِير طشتمر نَائِب الشَّام بِالْمَسِيرِ من ظَاهر الْقَاهِرَة إِلَى مَحل ولَايَته. وَفِيه أفرج عَن الْأُمَرَاء المعتقلين بقلعة الْجَبَل وهم آقتمر عبد الْغَنِيّ وَعلم دَار المحمدي وأيدمر الشمسي وسودون جركس وطيبغا الصفوي ومغلطاي البدري وصربغا السيفي وطشتمر الصَّالِحِي وبلاط الْكَبِير وحطط السيفي وإيامى المارديني وبلوط الصرغتمشى ويلبغا المنجكي وقرا بغا وَالِد جركتمر وحاجي خطاي وَالِد غَرِيب فِي جمَاعَة آخَرين. ثمَّ قبض عَلَيْهِم جَمِيعًا من الْغَد - خلا آقتمر عبد الْغَنِيّ وسودون جركس - وقيدوا وحملوا من ليلتهم إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجنوا بهَا. وَفِيه استولى الْأُمَرَاء القائمون بالدولة على مَا كَانَ الْملك الْأَشْرَف وَضعه من المَال فِي مُودع الحكم بِالْقَاهِرَةِ وَحمل على ثَمَانِيَة وَعشْرين جملا. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشره: قرئَ بالإيوان تَقْلِيد السُّلْطَان وَعلم عَلَيْهِ الْخَلِيفَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 17 وَشهد عَلَيْهِ فِيهِ الْقُضَاة على الْعَادة. ثمَّ خلع على الْخَلِيفَة وأنعم عَلَيْهِ بِأَلف دِينَار رسم الْمُبَايعَة وخلع على الْقُضَاة وأرباب المناصب واستدعى الْوَزير تَاج الدّين النشو الملكي وخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر فِي الوزارة وخلع على الصاحب كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن الرويهب وَاسْتقر فِي نظر الدولة عوضا عَن أَمِين الدّين أَمِين وخلع على الْأَمِير طيدمر البالسي وَاسْتقر حَاجِب الْحجاب عوضا عَن أنتمر عبد الْغنى وخلع على الْأَمِير عَليّ ابْن قشتمر وَاسْتقر حاجبا ثَانِيًا عوضا عَن الْأَمِير علم دَار. وَفِيه طلب المماليك من الْأُمَرَاء. وعدوهم بِهِ من النَّفَقَة فيهم وَهِي مبلغ خَمْسمِائَة دِينَار لكل وَاحِد فرسموا لَهُم. بِمِائَة دِينَار لكل مَمْلُوك فَأَبَوا وتجمعوا فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشره وقبضوا على الْأَمِير طشتمر اللفاف وهموا بِضَرْب عُنُقه فَقَامَ الْأَمِير قرطاي وَضمن لَهُم أَن ينْفق فيهم مَا عدوا بِهِ وَمَا زَالَ يتلطف بهم حَتَّى أطْلقُوا اللفاف وَأخذ الْأُمَرَاء فِي الإهتمام بِنَفَقَة المماليك وطلبوا أَمِين الحكم وَأَرَادُوا مِنْهُ أَن يقرضهم من مَال الْأَيْتَام مِائَتي ألف دِينَار ذَهَبا وَإِلَّا نهبوا الْمُودع وَكَانَ فِيهِ حِينَئِذٍ أَمْوَال عَظِيمَة جدا ورسموا جمَاعَة حَتَّى أخذُوا مَا شَاءُوا فَذَهَبت على الْأَيْتَام إِلَى الْيَوْم وقبضوا على شمس الدّين المقسي نَاظر الْخَاص وعَلى سعد الدّين نصر الله ابْن البقرى وتاج الدّين مُوسَى بن كَاتب السَّعْدِيّ وَولده سعد الدّين. وَفِي يَوْم الْأَحَد ثامن عشره: حمل المقسي وتاج الدّين مُوسَى وَأمين الدّين مين وعلاء الدّين عَليّ بن السايس والمعلم شهَاب الدّين أَحْمد بن الطولوني إِلَى قاعة الصاحب بالقلعة وألزموا بأموال جزيلة وَقبض على جمَاعَة من مباشري الدولة وألزم كل وَاحِد مِنْهُم بِنَفَقَة عدَّة من المماليك وسلموا كل من ألزم بِنَفَقَة جمَاعَة لَهُم حَتَّى ينْفق فيهم فَلم يبْق أحد من مباشري الدولة وَالْخَاص حَتَّى وزع عَلَيْهِ عدَّة مماليك بِحَسب حَاله وَقبض على محتسب الْقَاهِرَة شمس الدّين مُحَمَّد الدَّمِيرِيّ وَحمل على قفص حمال إِلَى القلعة لمَرض بِهِ وألزم بِالنَّفَقَةِ على عشرَة مماليك. وَنهب بَيت أَخِيه وَقبض على جمَاعَة من التُّجَّار. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ تَاسِع عشره: طلع الْأَمِير أسندمر الصرغتمشى والأمير دمرداش اليوسفي إِلَى الدّور السُّلْطَانِيَّة من قلعة الْجَبَل وفرقا جواري الْملك الْأَشْرَف على الْأُمَرَاء. وَفِيه قبض على الطواشي مُخْتَصّ الأشرفي والطواشي جَوْهَر السكندري والطواشي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 18 سنبل رَأس نوبَة وأدخلوا قاعة الصاحب على مَال ألزموا بِهِ وألزم أَيْضا الطواشي سَابق الدّين مِثْقَال الجمالي بِحمْل ثَلَاثمِائَة ألف دِرْهَم ثمَّ تقرر حمله مائَة ألف دِرْهَم. وَفِيه قدم الْأَمِير صَلَاح الدّين خَلِيل بن عرام من ثغر الْإسْكَنْدَريَّة باستدعاء فَقبض عَلَيْهِ وصودر على ألف ألف دِرْهَم ثمَّ خلع عَلَيْهِ وَاسْتقر على عَادَته نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة. وَفِيه خلع على الْأَمِير آقتمر الْحَنْبَلِيّ وَاسْتقر نَائِب السُّلْطَان وَأذن لَهُ أَن يخرج الإقطاعات لِلْأُمَرَاءِ والأجناد ونواب المماليك وَأَن ينْفَرد وَحده بالتحدث فِي المملكة بعد مَا تقرر ذَلِك مَعَ الْأُمَرَاء والمماليك وَرَضوا بِهِ. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء عشرينه: قبض على جمَاعَة من خدام السُّلْطَان مِنْهُم الطواشي دِينَار اللالا والطواشي شاهين دست والطواشي سنبل اللفاف وأدخلوا قاعة الصاحب على حمل مَال. وَفِيه خلع على جمال الدّين مَحْمُود القيصري العجمي خطيب مدرسة ألحاي وَاسْتقر فِي حسبَة الْقَاهِرَة عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد الدميرى فَسخرَ الْعَامَّة مِنْهُ واستهزءوا بِهِ لعهدهم بِهِ أمس - وَهُوَ من فُقَرَاء الْعَجم يجلس تجاه بَاب المارستان بِالْقَاهِرَةِ وَيبِيع التَّمْر - فَلم يجد لَهُ بَيْتا ينزل فِيهِ حَتَّى نزل فِي بَيت تَاج الدّين أَحْمد بن عَليّ بن الظريف إِلَى أَن وجد دَارا سكنها. وَفِي يَوْم السبت رَابِع عشرينه: أفرج عَن الصاحب شمس الدّين المقسي نَاظر الْخَاص بعد مَا حمل مَالا عَظِيما وخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر فِي نظر الْخَاص ووكالة الْخَاص على عَادَته. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس عشرينه: قدم قاضى الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة وقاضى الْقُضَاة جلال الدّين جَار الله الْحَنَفِيّ وَمن رافقهما من الْحجَّاج بعد مَا زاروا بَيت الْمُقَدّس وعافاهم الله مِمَّا ابتلى بِهِ وَقدم من الْعقبَة من النهب وَالْخَوْف الشَّديد والشنعة القبيحة فعد هَذَا من سَعَادَة قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع عشرينه: خلع على علم الدّين سُلَيْمَان بن خَالِد بن نعيم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 19 الْبِسَاطِيّ - أحد نواب الحكم - وَاسْتقر قَاضِي الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة عوضا عَن بدر الدّين عبد الْوَهَّاب الأخناى بِوَاسِطَة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن اللبان لَهُ الْأَمِير قرطاي. وَكَانَ إِبْرَاهِيم هَذَا أَبوهُ لبانا يَبِيع اللَّبن خَارج الْقَاهِرَة فَنَشَأَ فِي صغره مَعَ الْفُقَهَاء الْمَالِكِيَّة وتفقه على مَذْهَب مَالك وخدم الأتراك وَمِنْهُم قرطاي فَلَمَّا صَار قرطاي من الْأُمَرَاء فِي هَذِه النّوبَة جعل إِبْرَاهِيم شَاهد ديوانه وَمن جملَة موقعي الدست فهرع النَّاس لبابه فِي طلب شفاعاته لَهُم وتحدث للبساطي فِي ولَايَة الْقَضَاء مَعَ مخدومه الْأَمِير قرطاي وَكَانَ الْوَقْت قَابلا فولاه وَظِيفَة الْقَضَاء فاستناب عَنهُ فِي الحكم ابْن اللبان وَقدم جمَاعَة من الْمَالِكِيَّة كَانُوا فِي الْأَعْين محتقرين وَعند النَّاس غير وجيهين وَلَا معتبرين فَنَاسَبَ الْحَال فِي الدولة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: اسْتَقر فِي سلطنة ماردين الْملك الظَّاهِر مجد الدّين عِيسَى بن المظفر فَخر الدّين دَاوُد بن الصَّالح صَالح بن مَنْصُور غَازِي بن المظفر قرا أرسلان بن أرتق أرسلان بن إيلغازي بن ألبى بن تمر تاش بن إبلغازي بن أرتق الأرتقى بعد موت أَبِيه وَكتب إِلَى السُّلْطَان يُعلمهُ بذلك فَأُجِيب بتعزيته وتهنأته. وَولي الْأَمِير أرغون الأسعردي نِيَابَة طرابلس عوضا عَن منكلي بغا الْبَلَدِي الأحمدي. وَاسْتقر برهَان الدّين أَبُو سَالم إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عَليّ الصنهاحي قَاضِي الْمَالِكِيَّة بحلب فِي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن زين الدّين أبي بكر المازوني. وَاسْتقر جلال الدّين أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّد بن قَاضِي الْقُضَاة نجم الدّين مُحَمَّد بن فَخر الدّين عُثْمَان الزرعي فِي قَضَاء الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بحلب بعد وَفَاة ابْن عَمه فَخر الدّين عُثْمَان الزرعي وَاسْتقر محب الدّين أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّد بن الشَّيْخ كَمَال الدّين أَبُو الْفضل مُحَمَّد بن الشَّيْخ شمس الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد بن الشّحْنَة فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بحلب عوضا عَن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 20 الْجمال إِبْرَاهِيم بن العديم ثمَّ عزل بعد قَلِيل وأعيد ابْن العديم وَاسْتقر نَاصِر الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن تَقِيّ الدّين عمر بن نجم الدّين مُحَمَّد بن عمر بن أبي الطّيب فِي كِتَابَة السِّرّ بحلب عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن مهَاجر الْحَنَفِيّ. وَولى الْملك الْأَشْرَف إِسْمَاعِيل بن الْأَفْضَل عَبَّاس مملكة الْيمن بعد وَفَاة أَبِيه. وَفِيه كَانَت النَّفَقَة فِي المماليك وعدتهم ثَلَاثَة أُلَّاف لكل وَاحِد خَمْسمِائَة دِينَار عَنْهَا عشرَة أُلَّاف دِرْهَم فضَّة حسابا عَن كل دِينَار عشرُون درهما ومبلغ ذَلِك ألف ألف وَخَمْسمِائة ألف دِينَار صودر فِيهَا عَامَّة كتاب الدولة وأعيان الطواشية وَطرح فِيهَا عدَّة بضائع من أَصْنَاف الْخَاص على التُّجَّار وألزموا بِحمْل أثمانها فنالهم بِسَبَب ذَلِك عناء شَدِيد وَلم يسمع. بِمثل هَذِه النَّفَقَة فِي الدولة التركية. وَفِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشر ذِي الْحجَّة: خلع عَليّ تَقِيّ الدّين عبد الرَّحْمَن بن محب الدّين مُحَمَّد نَاظر الْجَيْش وَاسْتقر فِي الْجَيْش بعد وَفَاة أَبِيه. وَفِي آخِره: توجه قَاضِي الْقُضَاة شرف الدّين مُحَمَّد بن مَنْصُور الْحَنَفِيّ من الْقَاهِرَة عَائِدًا إِلَى مَدِينَة دمشق وَهُوَ متضعف مُنْذُ رغب عَن منصب الْقَضَاء. وَفِي هَذِه السّنة: ابْتَدَأَ الوباء من ذِي الْقعدَة فَمَاتَ جمَاعَة كَثِيرَة بالطاعون وَخرجت السّنة والوباء شَدِيد. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان السَّيِّد الشريف نقيب الْأَشْرَاف بحلب شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ بن مُحَمَّد ابْن عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الله بن جَعْفَر بن زيد بن جَعْفَر بن إِبْرَاهِيم الممدوح الْحُسَيْنِي الْحلَبِي وَقد أناف على سبعين سنة. وَقَالَ الْعَلامَة حسن بن زين الدّين طَاهِر بن عمر بن الْحسن بن عمر بن حبيب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 21 الْحلَبِي يَوْمئِذٍ: مضى إِلَى الله جميل الثنا لما قضى الْعُمر مدى حَده فَلَا حرمنا مِنْهُ أجرا وَقد كَانَ لنا الأسوة فِي جده. وَفِيه يَقُول الْعَلامَة وَالِد طَاهِر الْمَذْكُور: جرت أعين الشهبا بعد شهابها سليل الْكِرَام السَّيِّد الشامخ الذرا. فَقل لِبَنِيهِ الطاهرين تثبتوا لكم أُسْوَة فِي جدكم سيد الورا. وَتُوفِّي الْمُحدث شهَاب الدّين أَحْمد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن قَاسم العرياني الْفَقِيه الشَّافِعِي شيخ خانكاه الْأَمِير طيبغا الطَّوِيل فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشر جُمَادَى الْآخِرَة وَمَات الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن الْأَمِير لاجين أحد الطبلخاناه فِي يَوْم السبت ثامن شهررجب. وَمَات الْأَمِير أستبغا الْعزي أحد الطبلخاناه. وَمَات الْأَمِير أستبغا عبد الْغَنِيّ أحد العشرات. وَمَات الْأَمِير ألطنبغا الإبراهيمي أحد العشرات. وَمَات الْأَمِير إِيَاس المرديني أحد العشرات. وَمَات الْأَمِير جركتمر الخاصكي أحد أُمَرَاء الألوف يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشر وَمَات الْأَمِير صَلَاح الدّين خَلِيل بن الْأَمِير قوصون أحد أُمَرَاء الألوف فِي يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس عشْرين رَجَب. وَمَات الْأَمِير طاز العثماني أحد أُمَرَاء الألوف فِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشر ذِي الْحجَّة. وَمَات الْأَمِير طغيتمر العثماني أحد أُمَرَاء الطبلخاناه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 22 وَمَات الْأَمِير جرجي البالسي أَمِير جندار. وَمَات الْأَمِير شاهين أَمِير علم أحد العشرات. وَتُوفِّي جمال الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن كَمَال الدّين أبي الْمَعَالِي مُحَمَّد بن عماد الدّين أبي الفدا إِسْمَاعِيل بن تَاج الدّين أبي الْعَبَّاس مُحَمَّد بن شرف الدّين بن أبي الْفضل أَحْمد بن سعيد بن مُحَمَّد بن سعيد بن الْأَثِير الْحلَبِي الأَصْل الْمصْرِيّ المنشأ والوفاة فِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة بِالْقَاهِرَةِ عَن أَربع وَسبعين سنة وَولى كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق وَكتب الْإِنْشَاء بقلعة الْجَبَل ثمَّ تنزه عَن ذَلِك وَانْقطع إِلَى ربه حَتَّى مَاتَ وَكَانَ فَاضلا لَهُ عدَّة مصنفات. وَتُوفِّي نَاظر الْجَيْش بحلب ودمشق تَاج الدّين عبد الله بن مشكور فِي جُمَادَى الْآخِرَة بِدِمَشْق وَكَانَ مشكور السِّيرَة وَله مُرُوءَة. وَتُوفِّي مُسْند الشَّام زين الدّين عمر بن الْحسن بن مزِيد بن أُميَّة المراغي الأَصْل الْحلَبِي الدِّمَشْقِي فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامن ربيع الآخر بِدِمَشْق ومولده فِي رَجَب سنة ثَمَانِينَ وسِتمِائَة تفرد بأَشْيَاء رَوَاهَا عَنهُ النَّاس. وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بحلب فَخر الدّين عُثْمَان بن صدر الدّين أَحْمد بن أَحْمد بن عُثْمَان الزرعي الشَّافِعِي فِي سادس شعْبَان بحلب. وَتُوفِّي خطيب حلب عَلَاء الدّين عَليّ بن وَمَات بِدِمَشْق خواجا عَلَاء الدّين عَليّ بن ذِي النُّون الأسعردي صَاحب الخان خَارج دمشق وَأحد أَعْيَان التُّجَّار فِي ذِي الْقعدَة. وَتُوفِّي الشَّيْخ تَقِيّ الدّين إِسْمَاعِيل بن عَليّ بن الْحسن بن سعيد بن صَالح القرقشندي الْمصْرِيّ الشَّافِعِي مفتي الْقُدس ومدرس الصلاحية بهَا فِي سادس جُمَادَى الْآخِرَة ومولده سنة اثْنَتَيْنِ وَسَبْعمائة. كَانَ يستحضر كتاب الرَّوْضَة فِي الْفِقْه وَحدث عَن وزيره. وَتُوفِّي فَقِيه دمشق عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن خَليفَة بن عبد العال بن خَليفَة الحسباني الشَّافِعِي فِي ذِي الْقعدَة. وَتُوفِّي الأديب البارع جمال الدّين أَبُو الرّبيع سُلَيْمَان بن دَاوُد بن يَعْقُوب بن أبي سعيد الْمصْرِيّ بحلب عَن نَحْو خمسين سنة وَهُوَ كَاتب أديب منشئ وَمن شعره: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 23 بَعدت وَلم تقنع بِذَاكَ وَإِنَّمَا بخلت على الإخوان بالكتب وَالرسل. وَإِنَّا لنجري فِي ودادك جهدنا وَإِن كنت تمشي فِي الوداد على رسل. وَمَات الْأَمِير قبلاي نَائِب حمص وحاجب دمشق فِي شهر ربيع الآخر بحمص. وَتُوفِّي القَاضِي محب الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن يُوسُف بن أَحْمد بن عبد الدايم التَّيْمِيّ الْحلَبِي نَاظر الْجَيْش فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي عشر ذِي الْحجَّة. أَخذ الْقرَاءَات السَّبع عَن التقي الصايغ وَسمع الحَدِيث على نصر المنبجي وعَلى الْحجاز ووزيره والشريف أخى عطوف وَجَمَاعَة وبرع فِي الْفِقْه والنحو وَالتَّفْسِير وصنف كتبا عديدة ودرس عدَّة سِنِين وَكتب الْخط الْمَنْسُوب وفَاق فِي معرفَة الْحساب وباشر ديوَان الْأَمِير جنكلي بن البابا ثمَّ ديوَان الْأَمِير منكلي بغا الفخري ثمَّ ديوَان قجاه أَمِير شكار وَولي نظر الْبيُوت ثمَّ ولي نظر الْجَيْش بعد ابْن خصيب فَبلغ فِيهِ من نُفُوذ الْكَلِمَة وشهرة الذّكر وارتفاع الْقدر مبلغا عَظِيما فِي عدَّة دوَل. وَتُوفِّي محتسب مصر شمس الدّين مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن أبي رقيبة الشَّافِعِي. وَتُوفِّي الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن سرتقطاي أحد العشرات. وَتُوفِّي الْأَمِير شرف الدّين مُوسَى بن الْأَمِير قبلاى أحد الطبلخاناة. وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَابِلَة بحلب شرف الدّين مُوسَى بن فياض بن عبد الْعَزِيز بن فياض الْمَقْدِسِي الصَّالِحِي وَهُوَ أول من ولي قَضَاء حلب من الْحَنَابِلَة. بَاشر وَظِيفَة الْقَضَاء بهَا نيفا وَعشْرين سنة حَتَّى مَاتَ فِي ذِي الْقعدَة وَقد أناف على تسعين سنة. وَمَات الْأَمِير الطواشي ظهير الدّين مُخْتَار الدمنزوري مقدم المماليك. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 24 وَتُوفِّي الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عبد الرَّحِيم التّونسِيّ النَّحْوِيّ الْمَالِكِي فِي لَيْلَة الْجُمُعَة رَابِع عشر شعْبَان بِالْقَاهِرَةِ. وَمَات الْأَمِير قطلوبغا المنصوري حَاجِب الْحجاب فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سادس عشْرين وَتُوفِّي الْأَمِير أرغون شاه الجمالي الخاصكي رَأس نوبَة مذبوحا هُوَ والأمير صرغتمش والأمير بيبغا السابقي والأمير بشتاك والأمير أرغون المعزي الأقرم فِي يَوْم الْأَحَد رَابِع ذِي الْقعدَة. وَتُوفِّي محتسب الْقَاهِرَة بهاء الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْمُفَسّر فِي يَوْم الْجُمُعَة آخر جُمَادَى الْآخِرَة. وَتُوفِّي السَّيِّد الشريف نقيب الْأَشْرَاف وموقع الدست فَخر الدّين أَحْمد بن عَليّ الْحُسَيْن بن حسن بن مُحَمَّد بن حُسَيْن بن حسن بن زيد فِي يَوْم السبت أول شهر رَجَب. وَتُوفِّي نَاصِر الدّين مُحَمَّد المقسى أستادار الْأَمِير صرغتمش فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سَابِع عشر رَجَب وَله مَسْجِد بالمقس خَارج الْقَاهِرَة. وَتُوفِّي الْفَقِير المعتقد على السدار صَاحب الزاوية بحارة الرّوم من الْقَاهِرَة فِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشْرين رَجَب. وَتُوفِّي شمس الدّين مُحَمَّد بن براق الدِّمَشْقِي أحد موقعي الدست فِي أخر شهررجب. وَتُوفِّي الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْأَمِير الْكَبِير ظاز يَوْم السبت ثامن عشْرين شعْبَان. وَتُوفِّي الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن قماري فِي يَوْم الْخَمِيس حادي عشر رَمَضَان. وَتُوفِّي الْأَمِير بكتمر السيفي وَالِي الْقَاهِرَة فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع عشر ربيع الأول. وَمَات الطواشي شرف الدّين مُخْتَصّ الْمَعْرُوف بشاذروان مقدم المماليك فِي يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع عشر شعْبَان. وَمَات صدر الدّين بن البارنباري أحد موقعي الْإِنْشَاء فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث شعْبَان. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 25 وَتُوفِّي بدر الدّين حسن المليكشي الْمَالِكِي فِي تَاسِع ذِي الْحجَّة. وَتُوفِّي خطيب الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة شهَاب الدّين أَحْمد بن سُلَيْمَان الصقيلي الشَّافِعِي بِالْقَاهِرَةِ فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامن ربيع الآخر وَهُوَ من نَاحيَة صقيل بالجيزة. وَتُوفِّي قَاضِي الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق زين الدّين أَبُو بكر بن عَليّ بن عبد الْملك المازوني فِي شَوَّال. وَتُوفِّي الْأَمِير يُونُس الْعمريّ. أحد الطبلخاناه. وَتُوفِّي الْأَمِير يَعْقُوب شاه أحد الألوف فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سَابِع عشر شهر رَجَب. وَتُوفِّي مؤدب الْأَطْفَال شمس الدّين مُحَمَّد بن عمر الخزرجي. وَتُوفِّي الْفَقِير المعتقد عَليّ العقيدي بَائِع العقيد بِالْقَاهِرَةِ فِي يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع رَجَب وحكيت لَهُ كرامات. وَتُوفِّي التَّاجِر زكي الدّين أَبُو بكر بن الحمامية فِي رَابِع رَجَب وَترك مَالا جزيلا. وَتُوفِّي الْفَقِير المعتقد جمال الدّين الْأَصْفَهَانِي بسطح الْجَامِع الْأَزْهَر فِي ثَالِث عشر ذِي الْحجَّة. وَتُوفِّي الْمسند جمال الدّين يُوسُف بن عبد الله بن حَاتِم بن مُحَمَّد بن يُوسُف بن الحبال البعلبكي ومولده فِي صفر سنة ثَمَانِينَ وسِتمِائَة حدث عَن جمَاعَة. وَمَات سُلْطَان بنى مرين صَاحب فاس وبلاد الْمغرب السُّلْطَان أبوالعباس أَحْمد بن أبي سَالم إِبْرَاهِيم بن أبي الْحسن فِي جُمَادَى الْآخِرَة وَملك بعده السُّلْطَان الواثق مُحَمَّد ابْن أبي الْفضل بن أبي الْحسن. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 26 (سنة تسع وَسبعين وَسَبْعمائة) أهلت والأمراض فِي النَّاس فَاشِية فتزايد الوباء فِي هَذَا الشَّهْر وَمَات جمَاعَة من النَّاس بالطاعون. وَفِي خَامِس الْمحرم: خلع عَليّ الْأَمِير شهَاب الدّين قرطاي وَاسْتقر أتابك العساكر. وخلع على الْأَمِير زين الدّين مبارك الطازي وَاسْتقر رَأس نوبَة كَبِيرا وخلع على الْأَمِير سودن جركس وَاسْتقر أستادار وخلع على الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْأَمِير قرابغا الأناقي أحد العشرات وَاسْتقر فِي ولَايَة مصر وَأَفْرج عَن الْأَمِير قطلو أقتمر الطَّوِيل العلاي وأنعم عَلَيْهِ بإمرة طبلخاناه وَقبض عَليّ الْأَمِير طولوا الصرغتمشى بقطيا وَقد عَاد من الشَّام لما كَانَ من ظلمه وعسفه. وَفِي تاسعه: وصل أَوْلَاد قلاوون من الكرك وهم الْملك الْمَنْصُور مُحَمَّد بن حاجي ابْن مُحَمَّد بن قلاوون وَأَوْلَاد النَّاصِر حسن وهم أَحْمد وقاسم وَعلي واسكندر ومُوسَى وَإِسْمَاعِيل ويوسف وَيحيى وَشَعْبَان وَمُحَمّد وَأَوْلَاد حسن بن مُحَمَّد بن قلاوون وهم أنوك وَأحمد وَإِبْرَاهِيم وجان بك وَمُحَمّد بن الصَّالح صَالح بن مُحَمَّد بن قلاوون وقاسم بن أَمِير عَليّ بن يُوسُف فأدخلوا بحريمهم وَأَوْلَادهمْ إِلَى قلعة الْجَبَل لَيْلًا وأنزلوا بدورهم مِنْهَا. وَفِي تَاسِع عشره: خلع على الْأَمِير الْكَبِير قرطاي وَاسْتقر فِي نظر المارستان. وَنزل إِلَيْهِ بتشريفة فَنظر فِي أَحْوَال المرضى وَغَيرهم على الْعَادة ثمَّ عَاد إِلَى منزله. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 27 وَفِيه قبض على الْأَمِير يلبغا النظامي - أحد الْأُمَرَاء الآلوف - وعَلى أستبغا النظامي أحد أُمَرَاء الطبلخاناه. وَفِي عشرينه: خلع على الْأَمِير سودن الشيخوني وعَلى الْأَمِير بلوط الصرغتمشى واستقرا حاحبين يحكمان بَين النَّاس. وَفِي رَابِع عشرينه: عزل الْأَمِير منكلي بغا الْبَلَدِي من نِيَابَة طرابلس والأمير تمرباى من نِيَابَة صفد. وَفِيه قدم محمل الْحَاج صُحْبَة الْأَمِير بهادر الجمالي وَقدم الْخَبَر بِأَن أهل الْبحيرَة قد عصوا وَفِي أَخّرهُ خلع على الْأَمِير عز الدّين أينبك البدري وَاسْتقر نَاظر المارستان عوضا عَن الْأَمِير الْكَبِير قرطاي. وَفِي خَامِس صفر: قدم الْبَرِيد بِسيف منكلي بغا الْبَلَدِي من طرابلس وَأَنه سجن بالكرك. وَفِي تاسعه: قدم الْأَمِير. يلبغا الناصري من الشَّام باستدعاء بعد مَا نفي إِلَيْهَا فأنعم عَلَيْهِ بإمرة طبلخاناه. وَفِي عاشره: أَخذ قاع النّيل وَكَانَ خمس أَذْرع وَأَرْبع وَعشْرين إصبعا وَكَانَ فِي الْعَام الْمَاضِي خمس أَذْرع وست عشرَة إصبعا. وَفِيه ورد الْبَرِيد بِأَن تمر باى الدمرداشي لم يسمع لعزله عَن نِيَابَة صفد وَخرج عَن الطَّاعَة. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير أرغون الأسعردي فِي نِيَابَة طرابلس عوضا عَن منكلي بغا الْبَلَدِي. وَاسْتقر الْأَمِير تمراز الطازي فِي نِيَابَة حماة وَاتفقَ أَن الْأَمِير قرطاي تزوج بابنة الْأَمِير أينبك وَشرع فِي عمل المهم للعرس فَأخذ أينبك فِي الْعَمَل عَلَيْهِ واستمال جمَاعَة من أَصْحَابه مِنْهُم برقوق العثماني أحد المماليك الأجلاب اليلبغاوية وبركة وَوَعدهمْ بإمرات طبلخاناه فمالوا إِلَيْهِ وواعدوه على الفتك بِهِ فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْأَحَد عشرينه حمل الْأَمِير أينبك تقدمة برسم عرس الْأَمِير قرطاي وجهزها إِلَيْهِ مَا بَين خراف ودجاج الجزء: 5 ¦ الصفحة: 28 وأوز وسكر وَمن جُمْلَتهَا عدَّة جرار حمر قد عمل فِيهِ بنج فَقدمت إِلَيْهِ فقبلها وخلع على محضرها وَجلسَ للشُّرْب مَعَ أَصْحَابه من الْخمر الَّذِي بعث بِهِ إِلَيْهِ أينبك فاختلط وَصَارَ كالحجر الْملقى لَا يحس وَلَا يدْرِي فَبعث أَصْحَابه الَّذين استمالهم أينبك إِلَيْهِ يعلموه. بِمَا صَار إِلَيْهِ وَأَنَّهُمْ قد احترزوا على أنفسهم حَتَّى لم يصبهم شَيْء مِمَّا أَصَابَهُ فَركب فِي الْحَال بِآلَة الْحَرْب وَأنزل بالسلطان من قصره إِلَى الإصطبل وَأمر بدق الكوسات فدقت حَرْبِيّا حَتَّى اجْتمع الْأُمَرَاء والمماليك لِلْقِتَالِ مَعَ السُّلْطَان على الْعَادة فَلم يزل الْأَمِير أينبك رَاكِبًا تَحت القلعة من عصر يَوْم الْأَحَد حَتَّى أصبح نَهَار يَوْم الْإِثْنَيْنِ. هَذَا وقرطاي وَمن مَعَه من الْأُمَرَاء الألوف والطبلخاناه وَغَيرهم فِي غيبَة من السكر لايعون وَلَا يفيقون وهم الْأَمِير أسندمر الصرغتمشى والأمير سودن جركس والأمير قطلوبغا البدري والأمير قطلوبغا جركس أَمِير سلَاح والأمير مبارك الطازي فِي آخَرين فَلَمَّا أَصْبحُوا أَفَاق قرطاي إفاقة مَا وَبعث يسْأَل الْأَمِير أينبك أَن ينعم عَلَيْهِ بنيابة حلب فَأرْسل إِلَيْهِ التشريف ليلبسه وَيخرج من وقته وَكَانَ أينبك قد أحَاط فِي اللَّيْل بإصطبلات الْأُمَرَاء الَّذين عِنْد قرطاي وخواص مماليكه أَيْضا وَأخذ خيولهم بأجمعها وَكَانَ مماليك قرطاي قد أعياهم أمره وعجزوا عَن إيقاظه وأتوه فِي اللَّيْل برئيس الْأَطِبَّاء فعالجه وَمن مَعَه من الْأُمَرَاء فَلم ينجع فيهم الدَّوَاء فَلَمَّا جَاءَهُ التشريف بنيابة حلب مَعَ عدَّة من أَصْحَاب أينبك أخذُوا قرطاي وأخرجوه من بَاب سرداره ومروا بِهِ وَهُوَ لَا يعي حَتَّى أوصلوه إِلَى سرياقوس وَعبر الْأَمِير أينبك إِلَى بَيت قرطاي - بعد إِخْرَاجه مِنْهُ - وَقبض على الْأُمَرَاء وعَلى عَامَّة أَصْحَاب قرطاي وحبسهم مقيدين وَبعث بعدة مِنْهُم إِلَى ثغر الْإسْكَنْدَريَّة فسجنوا بهَا وَنُودِيَ فِي الْقَاهِرَة الْأمان والإطمئنان وَالْبيع وَالشِّرَاء وَالدُّعَاء للسُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور. ففتحت الْأَسْوَاق. وَفِي ثَانِي عشرينه: أخرج الْأَمِير أتمر الْحَنْبَلِيّ نَائِب السُّلْطَان إِلَى الشَّام منفيا. وَفِيه خلع على بدر الدّين عبد الْوَهَّاب الأخناي وأعيد إِلَى قَضَاء الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة. عوضا عَن علم الدّين سُلَيْمَان الْبِسَاطِيّ. وَفِيه نُودي بِالْقَاهِرَةِ ومصر من كَانَت لَهُ ظلامة فَعَلَيهِ بِبَاب الْأَمِير أينبك. وَفِي آخِره: أشيع بِأَن الْأُمَرَاء تركب للحرب فرسم للأمير حُسَيْن بن الكوراني وَإِلَى الْقَاهِرَة بقتل جمَاعَة لإرهاب الْعَامَّة فَأخْرج عدَّة من خزانَة شمايل قد وَجب عَلَيْهِم الْقَتْل ونحرهم وَنُودِيَ عَلَيْهِم وَهَذَا جَزَاء من يكثر فضوله. وَيتَكَلَّم فِيمَا لَا يعنيه. ثمَّ وَسطهمْ تَحت القلعة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 29 وَفِي ثَالِث عشرينه: سمر ثَلَاثَة مماليك صبيان من أجل أَنهم نهبوا من خُيُول الْأَمِير أقتمر الْحَنْبَلِيّ وطيف بهم الْقَاهِرَة وَتَحْت القلعة. وَفِيه أخرج الْأَمِير بيقجا الكمالي منفيا. وَفِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشرينه: خلع على الْأَمِير أينبك وَاسْتقر أتابك العساكر عوضا عَن قرطاى وخلع على الْأَمِير أقتمر عبد الْغَنِيّ وَاسْتقر نَائِب السُّلْطَان عوضا عَن أقتمر الْحَنْبَلِيّ وخلع على الْأَمِير بهادر الجمالي الْمَعْرُوف بالمشرف وَاسْتقر أستادارا عوضا عَن سودون جركس وخلع على الْأَمِير بلاط السيفي وَاسْتقر أَمِير سلَاح. وخلع على الْأَمِير ألطنبغا السلطاني وَاسْتقر أَمِير مجْلِس وخلع على الْأَمِير دمرداش اليوسفي وَاسْتقر رَأس نوبَة كَبِير وخلع على الْأَمِير أطلمش الأرغوني وَاسْتقر دوادارا عوضا عَن فَخر الدّين إِيَاس الصرغتمشى وخلع على قطلوخجا السيفي وأنعم عَلَيْهِ بتقدمة وخلع على الْأَمِير يلبغا الناصري وأنعم عَلَيْهِ بتقدمة ألف وَاسْتقر رَأس نوبَة ثَانِيًا وخلع على الطواشي مقبل الدواداري وَاسْتقر زام الدَّار عوضا عَن مِثْقَال الجمالي وخلع على الْأَمِير أربوز السيفي وَاسْتقر مهمندار بإمرة عشرَة. وَفِيه أنعم على برقوق العثماني بإمرة طبلخاناه وعَلى بركَة بإمرة طبلخاناه وَكَانَ من جملَة المماليك صَارا من إقطاع الْحلقَة إِلَى إمرة طبلخاناه من غير أَن يَكُونَا من أُمَرَاء العشرات. وَفِيه خلع على عبد العال شَاهد مطبخ الْأَمِير أينبك وَاسْتقر فِي توقيع الدست عوضا عَن برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن اللبان شَاهد قرطاي. وَفِيه سكن الْأَمِير الْكَبِير أينبك بالإصطبل السلطاني وَلم تجر عَادَة من تقدمُوا بذلك. وَفِيه أنعم على ولديه أَحْمد وَأبي بكر بتقدمتي ألف وسكنا فِي بَيت قرطاي تجاه بَاب السلسلة. وَاسْتقر الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن قشتمر فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن صَلَاح الدّين خَلِيل بن عرام واستدعي ابْن عرام إِلَى الْقَاهِرَة. وَفِي أول شهر وَبيع الأول: خلع على الْأَمِير بهادر الجمالي وَاسْتقر فِي نظر المارستان. وَفِي يَوْم الْأَحَد رابعه: استدعى الْأَمِير الْكَبِير أينبك الْخَلِيفَة المتَوَكل على الله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 30 مُحَمَّد إِلَى حَضرته وَأَرَادَ أَن يَجْعَل فِي السلطة الْأَمِير أَحْمد بن الْأَمِير يلبغا الْعمريّ فَاعْتَذر بِأَنَّهُ ابْن أَمِير وَلَيْسَ من بَيت الْملك فَقَالَ لَهُ أينبك: إِنَّمَا هُوَ ابْن السُّلْطَان حسن حملت بِهِ أمه فَلَمَّا قتل السُّلْطَان أَخذهَا الْأَمِير يلبغا فولدته على فرَاشه. فَلم يُوَافقهُ على ذَلِك فَسَبهُ الْأَمِير أينبك وَقَالَ لَهُ: مَا أَنْت فاره إِلَّا فِي اللّعب بالحمام والإشتغال بالجواري الْمُغَنِّيَات وَالضَّرْب بِالْعودِ ونهره وَأمر بِهِ فَأخْرج منفياً إِلَى قوص فَنزل برباط الْآثَار خَارج مَدِينَة مصر ليجهز حَاله للسَّفر وَبَات النَّاس فِي قلق وعَلى تخوف من ركُوب الْأُمَرَاء للحرب وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ خامسه استدعى الْأَمِير الْكَبِير أينبك بزكريا بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن أَحْمد الْحَاكِم وخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر بِهِ خَليفَة عوضا عَن المتَوَكل على الله ولقبه المستعصم بِاللَّه وَفِي عصر هَذَا الْيَوْم بعث الْأَمِير أينبك بالأمير بلوط الْحَاجِب إِلَى الْخَلِيفَة المتَوَكل حَتَّى عَاد من رِبَاط الْآثَار إِلَى دَاره فلزمها. وَفِيه خلع على الْأَمِير صَلَاح الدّين خَلِيل بن عرام وَاسْتقر حَاجِب الْحجاب. وخلع على الْأَمِير جمال الدّين عبد الله بن بكتمر وَاسْتقر حاجبا ثَانِيًا. وَفِي ثامنه: أخرج بالأمير أرغون العثماني منفيا إِلَى الشَّام. وَفِيه أنزل الْأَمِير الْكَبِير أينبك. بِمِائَتي مَمْلُوك أسكن مائَة بمدرسة حسن وَمِائَة. بمدرسة الْأَشْرَاف. وَفِي يَوْم السبت سَابِع عشره: ورد الْخَبَر بِأَن الْأَمِير طشتمر نَائِب الشَّام والأمير أشقتمر نَائِب حلب والأمير تمرباى نَائِب صفد والأمير منكلي بغا الْبَلَدِي - وَقد خرج من سجن الكرك وأنعم عَلَيْهِ بإقطاع جنتمر أخي طاز وتقدمته - والأمير أرغون الجزء: 5 ¦ الصفحة: 31 الأسعردي والأمير قرطاي قد خَرجُوا عَن الطَّاعَة وصاروا فِي جمع كَبِير من المماليك والعربان والتركمان وَقَالُوا: لَا ترْضى بتحكم أبنبك. وَأَنَّهُمْ جَمِيعًا فِي طَاعَة الْأَمِير طشتمر وَقد عزموا على الْمسير إِلَى مصر وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ تَاسِع عشره: قدم الْأَمِير أقتمر الْحَنْبَلِيّ والأمير قرطاي إِلَى دمشق فتلقاهما الْأَمِير طشتمر وَبَالغ فِي إكرامهما وَفِيه جمع الْأَمِير أينبك الْأُمَرَاء والقضاة وَحلف الْأُمَرَاء لنَفسِهِ وللسلطان وَأمرهمْ بِأَن يتجهزوا إِلَى الشَّام وَأمر بالجاليش السلطاني فعلق على الطبلخاناه من قلعة الْجَبَل. وَفِيه - وَهُوَ سَابِع عشْرين تموز وثالث مسرى -: وَقع مطر كَبِير جدا سَالَ مِنْهُ جبل المقطم وَكَانَ مَعَ ذَلِك رعد قوي وبرق متواتر وتساقطت فِي اللَّيْل نُجُوم عديدة. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء عشرينه: خلع على الْخَلِيفَة المتَوَكل على الله وَاسْتقر خَليفَة على عَادَته. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث عشرينه: خلع على شمس الدّين مُحَمَّد الدَّمِيرِيّ وأعيد إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة عوضا عَن جمال الدّين مَحْمُود العجمي. وَفِيه خرج الْأَمِير صَلَاح الدّين خَلِيل بن عرام ليقف على رَأس الرمل بطرِيق الشَّام ليرد من عساه يتسحب من المماليك إِلَى الشَّام. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس عشرينه: خرج الجاليش سائرا إِلَى الشَّام وهم خَمْسَة أُمَرَاء مقدمي أُلُوف: قطلوخجا والأمير شهَاب الدّين أَحْمد بن الْأَمِير الْكَبِير أينبك والأمير يلبغا الناصري والأمير دمرداش اليوسفي والأمير بلاط الصَّغِير والأمير تمر باي الحسني وَأَرْبَعَة أُمَرَاء طبلخاناه وهم: بورى الأحمدي وآقبغا آص الشيخوني وبرقوق العثماني وبركة وَمِائَة من المماليك وَفِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشرينه: خرج طلب السُّلْطَان وَطلب الْأَمِير الْكَبِير أينبك وَسَائِر أطلاب الْأُمَرَاء وَغَيرهم. وَفِي يَوْم السبت أول شهر ربيع الآخر: ركب السُّلْطَان والأمير قطلوأقتمر الطَّوِيل والأمير مبارك الطازي والأمير ألطنبغا السلطاني والأمير إينال فِي بَقِيَّة الْأُمَرَاء والمماليك وَسَار من قلعة الْجَبَل حَتَّى نزل. بمخيمه على نَاجِية العكرشا شمَالي سرياقوس. وَفِيه نُودي أَن النّيل أَرْبعا وَعشْرين إصبعا من أول النَّهَار ثمَّ نُودي عِنْد الْعَصْر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 32 بِزِيَادَة اثْنَتَيْ عشرَة إصبعا لتتمة سِتّ عشرَة ذِرَاعا وَزِيَادَة إِصْبَع من سبع عشرَة ذِرَاعا وَذَلِكَ هُوَ الْيَوْم الْخَامِس عشر من شهر مسرى فسر النَّاس الْوَفَاء وَخُرُوج أينبك من الْبَلَد وَكَانَ أينبك قد ثقل على النَّاس وتطيروا لَهُ بذلك فَقَالُوا: خرج فِي يَوْم الْكسر فَوَقَعت عَلَيْهِ الطَّيرَة. وَفِي يَوْم الْأَحَد ثَانِيه: فتح الخليج على الْعَادة فَنُوديَ بِزِيَادَة خمس أَصَابِع. فَلَمَّا كَانَ بعد عصر هَذَا الْيَوْم رَجَعَ الْأَمِير أينبك بالسلطان إِلَى القلعة وَمَعَهُ الْأَمِير قطلو أقتمر الطَّوِيل والأمير ألطنبغا السلطاني وَقد اضْطَرَبَتْ الْقَاهِرَة وَذَلِكَ أَن أُمَرَاء الشَّام وَردت. مكاتبتهم إِلَى أُمَرَاء مصر تَتَضَمَّن توبيخهم على تقديمهم أينبك وتمكينمه من الإنفراد بِالتَّدْبِيرِ وقرروا مَعَهم إِشَاعَة مخامرة نواب الشَّام وخروجهم عَن الطَّاعَة وَعمل الْحِيلَة فِي إزعاج أينبك حَتَّى يخرج لمحاربتهم بِالشَّام ليحصل التَّمَكُّن من الْقَبْض عَلَيْهِ فدبروا على أينبك حَتَّى خرج بالسلطان وَسَار جاليش الْعَسْكَر حَتَّى نزل بالصالحية فَبلغ الْأَمِير قطلوخجا أخوأينبك وَهُوَ مقدم الجاليش أَن الَّذين مَعَه من الْأُمَرَاء والمماليك قد اتَّفقُوا على أَن يكبسوه فَجمع مماليكه ومماليك الْأَمِير أَحْمد بن أينبك وبادر ليأخذهم قبل أَن يأخذوه وَركب إِلَيْهِم وهم متهيئون لَهُ فقاتلوه وكسروه كسرة قبيحة لم ينج مِنْهَا إِلَّا بِنَفسِهِ وَثَلَاثَة مَعَه وَأَقْبل إِلَى أَخِيه أينبك فَلم يثبت وَرجع من فوره بالسلطان وَكَانَ رَأس هَذِه الْحَرَكَة ومحرك سلسلتها الْأَمِير برقوق العثماني. وَفِي غده - يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثالثه -: أنزل الْأَمِير أينبك بالسلطان من قصره إِلَى الْأَصِيل ودقت الكوسات حَرْبِيّا ليجتمع الْعَسْكَر على الْعَادة وَكَانَ قد اتّفق الْأَمِير قطلو أقتمر الطَّوِيل - هُوَ والأمير ألطنبغا السلطاني وَجَمَاعَة كَبِيرَة - على مُخَالفَة أينبك وتوجها نصف اللَّيْل إِلَى قبَّة النَّصْر خَارج الْقَاهِرَة ووقفوا هُنَاكَ للحرب فَبعث إِلَيْهِم الْأَمِير أينبك بأَخيه الْأَمِير قطلوخجا وَمَعَهُ نَحْو مِائَتي فَارس فَلَقِيَهُ الْقَوْم وقاتلوه وأخدوه أَسِيرًا. فَبعث إِلَيْهِم من الْأُمَرَاء أقتمر عبد الْغَنِيّ وبهادر الجمالي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 33 ومبارك الطازي فعندما سَارُوا عَنهُ لم يثبت وفر إِلَى جِهَة كيمان مصر فَتَبِعَهُ الْأَمِير أيدمر الخطاي فِي جمَاعَة فَلم يقفوا لَهُ على خبر ثمَّ رَأَوْا فرسه وقباه وَآلَة حربه فعادوا بذلك وَقد بلغ قطلو أقتمر الطَّوِيل فرار أينبك فَعَاد بِمن مَعَه وَضرب رنكة على بَيت أَحْمد بن أينبك بالرميلة ليستولي عَلَيْهِ. بِمَا فِيهِ وَسكن حَيْثُ كَانَ سكن أينبك من الإصطبل السلطاني وَظن أَنه قد أَمن وَقلع عَنهُ السِّلَاح وَأقَام ينْتَظر قدوم من خرج من الْأُمَرَاء والمماليك فِي الجاليش ليقوى بهم. فَلَمَّا كَانَ بكرَة الْغَد - يَوْم الثُّلَاثَاء رابعه - قدم أُمَرَاء الجاليش. بِمن مَعَهم وهم الْأَمِير دمرداش اليوسفي والأمير بلاط الصَّغِير والأمير يلبغا الناصري وثلاثتهم مقدموا أُلُوف والأمير برقوق العثماني والأمير بركَة وهما طبلخاناه وطلعوا إِلَى الإصطبل وَدَار بَينهم وَبَين الْأَمِير قطلو أقتمر الطَّوِيل كَلَام آل إِلَى اخْتلَافهمْ وتنازعهم فقبضوا عَلَيْهِ وعَلى الْأَمِير ألطنبغا السلطاني والأمير مبارك الطازي وقيدوهم ثَلَاثَتهمْ وبعثوا بهم عَشِيَّة النَّهَار إِلَى سجن الْإسْكَنْدَريَّة مَعَ الْأَمِير جمال الدّين عبد الله بن بكتمر الْحَاجِب فسجنوا بِهِ وَصَارَ التحدث من الْأُمَرَاء فِي الدولة للأمير يلبغا الناصري وَأخرج الْبَرِيد من وقته وساعته لإحضار الْأَمِير طشتمر نَائِب الشَّام. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سادسه: وقفت الْعَامَّة تطلب عزل الدَّمِيرِيّ وإعادة العجمي إِلَى الْحِسْبَة فأجيبوا إِلَى ذَلِك وخلع على جمال الدّين مَحْمُود العجمي وأعيد إِلَى الْحِسْبَة عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد الدَّمِيرِيّ. وَفِيه أنعم على كل من الْأَمِير برقوق العثماني والأمير بركَة بتقدمة ألف وَاسْتقر الْأَمِير يلبغا الناصري أَمِير أخور وَسكن بإصطبل كَمَا سكن أينبك وقطلو أقتمر وَفِي يَوْم الْأَحَد تاسعه: جَاءَ الْأَمِير أينبك. بمفرده إِلَى بَيت الْأَمِير بلاط الصَّغِير. فطلع بِهِ إِلَى الْأَمِير يلبغا الناصري وَقد سكن أَيْضا بالإصطبل فقيده وَقبض مَعَه على أَمِير اسْمه نعناع وَبعث بهما مقيدين إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجنا بهَا أَيْضا. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِي عشره: قدم الْبَرِيد إِلَى دمشق بِطَلَب الْأَمِير قشتمر وَهُوَ بقبة يلبغا - خَارج الْمَدِينَة - وَقد برز وَمَعَهُ العساكر ونواب الشَّام يُرِيد الْمسير إِلَى مصر ومحاربة أينبك وَنزع يَده من التَّصَرُّف. فَلَمَّا قَرَأَ كتاب السُّلْطَان. بِمَا كَانَ من الْقَبْض على أينبك وسجنه بالإسكندرية والمرسوم لَهُ بِأَن يحضر إِلَى مصر ليَكُون الْأَمِير الْكَبِير الجزء: 5 ¦ الصفحة: 34 الأتابك ويحضر صحبته الْأَمِير تمرباى ليستقر رَأس نوبَة كَبِير وَأَن يسْتَقرّ الْأَمِير أقتمر الْحَنْبَلِيّ فِي نِيَابَة الشَّام والأمير أشقتمر فِي نِيَابَة حلب والأميرمنكلي بغا الأحمدي فِي نِيَابَة حماة والأمير أقبغا الدوادار نَائِب غَزَّة فِي نِيَابَة صفد فسر بذلك وَتَفَرَّقَتْ تِلْكَ العساكر وَتوجه الْأَمِير طشتمر إِلَى مصر وَاسْتقر الْأَمِير أقتمر الْحَنْبَلِيّ فِي نِيَابَة الشَّام عوضا عَن الْأَمِير طشتمر. وَفِي يَوْم الْأَحَد سادس عشره: بلغ الْأُمَرَاء القائمين بِأَمْر الدولة وهم: يلبغا الناصري وبرقوق وبركة أَن جمَاعَة من الْأُمَرَاء قد عزموا على الفتك بهم فَركب الْأُمَرَاء الثَّلَاثَة فِي عدَّة من اليلبغاوية وقبضوا على الْأَمِير دمرداش اليوسفي وعَلى الْأَمِير تمر باى الحسني وعَلى الْأَمِير آقبغا آص الشيخوني وعَلى الْأَمِير قطلوبغا الشَّعْبَانِي وعَلى الْأَمِير دمرداش التمان تمرى الْمعلم وعَلى الْأَمِير أسندمر العثماني وعَلى الْأَمِير بجمان العلاي وعَلى الْأَمِير أسنبغا التلكي وقيدوهم وبعثوا بهم إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجنوا بهَا وَهَؤُلَاء مِمَّن وثب من المماليك فِي هَذِه الْفِتْنَة وَعمل أَمِيرا. وَفِيه قبض على الطواشي مُخْتَار الحسامي مقدم المماليك وسجن بالبرج من القلعة. وَفِي يَوْم الْأَحَد ثَالِث عشرينه: خلع على مُخْتَار وأعيد إِلَى تقدمة المماليك. وَفِيه ركب الْأَمِير برقوق العثماني - وَقت القايلة - فِي جمَاعَة من أَصْحَابه وَصعد إِلَى الإصطبل وَأنزل الْأَمِير يلبغا الناصري مِنْهُ ونزعه من وظيفته وَسكن فِي مَوْضِعه من الأصطبل السلطاني وَاسْتقر عوضه أَمِير أخور وَاسْتقر بأَخيه الْأَمِير بركَة الجوباني أَمِير مجْلِس وَأَسْكَنَهُ فِي بَيت الْأَمِير قوصون تجاه بَاب السلسلة من الرميلة واقتسما الحكم فِي الدولة بَينهمَا. وَكَانَت الْفِتَن الَّتِي تقدم ذكرهَا وثورات المماليك وَتغَير دولهم إِنَّمَا هِيَ تَوْطِئَة لبرقوق وتمهيد لَهُ حَتَّى ملك الْبِلَاد وَقَامَ بدولة الجراكسة كَمَا ستراه إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَإِنَّهُ من يَوْمه هَذَا اسْتَقر قراره بالإصطبل ورسخت قدمه فِي الدولة وَثَبت أوتاده بهَا وَمَا زَالَت الأقدار تساعده وَالْأَيَّام تساعده حَتَّى استبد بالمملكة وَانْفَرَدَ بتدبير السلطة وَصعد من الإصطبل فسكن الْقصر حَتَّى نقل مِنْهُ إِلَى الْقَبْر عَزِيزًا منيعا عالي الْقدر رفيعا فسبحان من يدبر الْأَمر كُله، لَا إِلَه إِلَّا هُوَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 35 وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ رَابِع عشرينه: خلع على الْأَمِير جمال الدّين مغلطاي الشرفي وَاسْتقر فِي ولَايَة الْقَاهِرَة عوضا عَن حُسَيْن بن عَليّ الكوراني وَقبض على حُسَيْن واعتقل. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ أول جُمَادَى الأولى: قدم الْأَمِير طشتمر العلاي من دمشق فَركب السُّلْطَان والأمراء إِلَى لِقَائِه فَلَمَّا رأى السُّلْطَان بالريدانية خَارج الْقَاهِرَة نزل عَن فرسه وَقبل الأَرْض وَبكى فَنزل إِلَيْهِ الْأُمَرَاء وسلموا عَلَيْهِ وأركبوه وَسَارُوا بِهِ إِلَى القلعة فَخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر أتابك العساكر وخلع على الْأَمِير تمر باي الدمرداشي - وَقد قدم أَيْضا - وَاسْتقر رَأس نوبَة كَبِيرا وأنعم على الْأَمِير تغرى بتقدمة ألف فَكَانَ يَوْمًا مشهودا. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثالثه: نُودي بِالْقَاهِرَةِ ومصر: من ظلم فَعَلَيهِ بِبَاب الْأَمِير طشتمر الأتابك. وَفِيه خلع على الْأَمِير برقوق وَاسْتقر أَمِير أخور وخلع على الْأَمِير بركَة وَاسْتقر أَمِير مجْلِس. وَفِيه أنعم على الْأَمِير أطلمش الأرغوني بتقدمة ألف وَاسْتقر دوادار وَعلي يلبغا المنجكي وَاسْتقر شاد الشَّرَاب خاناه. وعَلى الْأَمِير بلاط وَاسْتقر أَمِير سلَاح ورسم أَن يجلس بالإيوان فِي وَقت الْخدمَة. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ خَامِس عشره: أفرج عَن الْأَمِير سودن جركس والأمير قطلوبغا جركس والأمير قطلوبغا البدري والأمير ألطنبغا السلطاني والأمير طغيتمر الناصري والأمير ألجبغا السيفي والأمير إِيَاس الصرغتمشى والأمير قطلوبغا البشيري والأمير أسنبغا ورسم إحضارهم من الْإسْكَنْدَريَّة. وَفِي عشرينه: خلع على برهَان الدّين إِبْرَاهِيم الأبناسي - من أَعْيَان الْفُقَهَاء الشَّافِعِيَّة - وَاسْتقر فِي مشيخة خانكاه سعيد السُّعَدَاء بعد وَفَاة عَلَاء الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد السراي. وَنزل مَعَه شمس الدّين أَبُو الْفرج المقسي نَاظر الْخَاص إِلَى الخانكاه. وَفِيه حمل إِلَى الْأَمِير أقتمر الْحَنْبَلِيّ تشريف نِيَابَة دمشق وتقليده بهَا. وَفِي خَامِس عشرينه: قدم الْأَمِير قطلو أقتمر العلاي أَمِير جاندار أَخُو الْأَمِير أقتمر الْحَنْبَلِيّ والأمير عَلَاء الدّين عَليّ بن تشتمر نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة فأنعم على كل مِنْهُمَا بإمرة مائَة تقدمة ألف. وَفِيه أُعِيد الْأَمِير صَلَاح الدّين خَلِيل بن عرام إِلَى نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 36 وَفِي سادس عشرينه: اسْتَقر الطواشي دِينَار الناصري لالا السُّلْطَان وَأخرج الطواشي مقبل الكلفتي منفيا وخلع على الْأَمِير تمرباي الدمرداشي وَاسْتقر نَاظر المارستان. وَفِي سلخه: خلع على الْأَمِير تغرى برمش وَاسْتقر حَاجِب الْحجاب وعزل الْأَمِير أقتمر عبد الْغَنِيّ من نِيَابَة السلطنة وخلع على الْأَمِير عَليّ بن قشتمر وَاسْتقر حاجبا لَهَا. وَفِي لَيْلَة الرَّابِع من شهر رَجَب: تردى الْأَمِير قطلو أقتمر الطَّوِيل من مَكَان بسجنه من الْإسْكَنْدَريَّة فَمَاتَ وَقيل إِنَّه كَانَ سكرانا وَمِنْه تفرعت الْفِتَن الَّتِي نرد ذكرهَا وَدفن من الْغَد وَلم يصل عَلَيْهِ أحد. وَفِي يَوْم الْأَحَد خامسه: قدم الْأَمِير أيتمش البجاسى إِلَى ثغر الْإسْكَنْدَريَّة بالإفراج عَن جَمِيع الْأُمَرَاء المعتقلين مَا عدا أَرْبَعَة: الْأَمِير أينبك والأمير قطلو خجا والأمير أسندمر الصرغتمشى والأمير جركس الإلجاوي وَأَفْرج عَنْهُم وَتوجه بهم إِلَى الْقَاهِرَة فَلَمَّا وصلوا قَرِيبا مِنْهَا رسم بتفرقهم فِي الْبِلَاد الشامية فَسَارُوا إِلَى حَيْثُ أمروا وأحضر إِلَى قلعة الْجَبَل مِنْهُم بِأَحْمَد بن همز وأسنبغا التلكي. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَالِث عشره: خلع على علم الدّين سُلَيْمَان الْبِسَاطِيّ وأعيد إِلَى قَضَاء الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة عوضا عَن بدر الدّين عبد الْوَهَّاب الأخناي وَكتب باستقرار الْأَمِير بيدمر الْخَوَارِزْمِيّ فِي نِيَابَة الشَّام عوضا عَن الْأَمِير أقتمر الْحَنْبَلِيّ بعد وَفَاته. وَاسْتقر الْأَمِير زين الدّين مبارك شاه العلاي المشطوب فِي نِيَابَة غَزَّة. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سَابِع عشرينه: خلع على صَاحب كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن الرويهب وَاسْتقر فِي الوزارة عوضا عَن التَّاج النشو الملكي وسجن الملكي بقاعة الصاحب من القلعة وَفِيه خلع على الْأَمِير قطلو أقتمر أَمِير جندار أخي الْحَنْبَلِيّ وَاسْتقر فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن ابْن وَفِيه جهزت خلعة نِيَابَة طرابلس إِلَى الْأَمِير بلاط السيفي وَقد خرج إِلَى نَاحيَة العكرشا ورسم لَهُ أَن يتَوَجَّه من مَوْضِعه إِلَى طرابلس ثمَّ انْتقض ذَلِك واستعيدت الخلعة وَاسْتقر على حَاله. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 37 وَفِي ثَانِي شعْبَان: ارتجعت إمرية طيبغا الجمالي وَكَانَ قد جرد لكبس الْغرْبَان بِنَاحِيَة أطفيح فكبسه الْعَرَب وجرحوه وَعَاد مَرِيضا من جراحته. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: عزل قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة نَفسه من وَظِيفَة قَضَاء الْقُضَاة وَخرج إِلَى تربة كوكاى بنية الْعود إِلَى الْقُدس بعد أَن انجمع عَن أهل الدولة وَترك حُضُور الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة بالإيوان فِي يومي الْإِثْنَيْنِ وَالْخَمِيس مَعَ الْأُمَرَاء مُدَّة أَيَّام تورعا واحتياط لدينِهِ لما دهم النَّاس من تغير الْأَحْوَال وحدوث مَا لم يعْهَد وتهاون القائمون بالدولة بالأمور الدِّينِيَّة فعين الْأَمِير الأتابك طشتمر العلاي لقَضَاء الْقُضَاة سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ قَاضِي الْعَسْكَر فَلم توافقه بعض الْأُمَرَاء فَتحدث لبدر الدّين مُحَمَّد بن أبي الْبَقَاء فِي ولَايَته. بِمَال قَامَ بِهِ فشق ذَلِك على البُلْقِينِيّ وَترك قَضَاء الْعَسْكَر لوَلَده فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامن عشره خلع عَليّ بدر الدّين مُحَمَّد ابْن قَاضِي الْقُضَاة بهاء الدّين أبي الْبَقَاء وَاسْتقر فِي قَضَاء الْقُضَاة عوضا عَن برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة وخلع عَليّ بدر الدّين مُحَمَّد بن سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ وَاسْتقر الشَّيْخ سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ فِي تدريس الْمدرسَة الناصرية بجوار قبَّة الشَّافِعِي - رَحمَه الله - من القرافة وَاسْتقر الشَّيْخ ضِيَاء الدّين عبيد الله القرمي - شيخ الخانكاه الركنية بيبرس - فِي تدريس الْفِقْه وتدريس الحَدِيث بِالْمَدْرَسَةِ المنصورية عوضا عَن ابْن أبي الْبَقَاء وَاسْتقر جلال الدّين عبد الرَّحْمَن بن البُلْقِينِيّ فِي توقيع الدست عوضا عَن أَخِيه بدر الدّين وَاسْتقر صدر الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْمَنَاوِيّ - أحد نواب الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة - فِي إِفْتَاء دَار الْعدْل عوضا عَن أَبى الْبَقَاء وخلع على الْجَمِيع ونزلوا بَين يَدي قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن أبي الْبَقَاء فَكَانَ يَوْمًا مشهودا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 38 وَفِيه أخرج الْأَمِير بيبغا الطَّوِيل العلاي - أحد أُمَرَاء الطبلخاناه - منفيا إِلَى الشَّام. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير منكلي بغا الْبَلَدِي فِي نِيَابَة طرابلس عوضا عَن أرغون الأسعردي وَاسْتقر الأسعردي فِي نِيَابَة حماة عوضا عَن منكلي بغا الْبَلَدِي وَاسْتقر أقبغا الْجَوْهَرِي - حَاجِب طرابلس - فِي نِيَابَة غَزَّة عوضا عَن مبارك شاه المشطوب - وَاسْتقر مبارك شاه حاجبا بطرابلس. وَفِي ثامن عشرينه: ارتجعت طبلخاناه طينال المارديني وَعوض عَنْهَا بإمرة عشرَة ورسم أَن يكون طرخانا. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي شَوَّال: أَمر الْأَمِير برقوق بتسمير مَمْلُوك من مماليك السُّلْطَان السِّلَاح دارية اسْمه تكا فسمر وطيف بِهِ وَهُوَ يُنَادي عَلَيْهِ. هَذَا جَزَاء من يَرْمِي الْفِتَن بَين الْمُلُوك وَيتَكَلَّم فِيمَا لَا يعنيه من أجل أَنه وشى بِهِ إِلَى الْأَمِير طشتمر الأتابك بِأَن الْأَمِير برقوق قد عزم أَن يركب عَلَيْهِ فَبعث يعتبه على ذَلِك فَأنْكر وَحلف وَطلب مِنْهُ النَّاقِل هَذَا عَنهُ فَبعث بِهِ إِلَيْهِ فَفعل بِهِ مَا ذكر. وَفِي يَوْم السبت رَابِع عشره: صَار قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة على الْبَرِيد إِلَى الْقُدس. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس عشره: خلع على الْأَمِير صَلَاح الدّين خَلِيل بن عرام فاستقر فِي الوزارة عوضا عَن ابْن الرويهب وخلع على التَّاج عبد الْوَهَّاب النشو الملكي وَاسْتقر بعد الوزارة فِي نظر الدولة عوضا عَن سعد الدّين بن الريشة وَاسْتقر ابْن الريشة فِي نظر الْأَسْوَاق وَدَار الضِّيَافَة وألزم ابْن الرويهب بِحمْل مائَة ألف دِرْهَم. وصادر الْوَزير ابْن عرام مباشري الْجِهَات جَمِيعهم فهرب أَكْثَرهم. وَكَانَ الْأَمِير بلاط أَمِير سلَاح قد عدى النّيل إِلَى الجيزة وَنزل عِنْد مرابط خيله على الرّبيع ليتنزه هُنَاكَ فَبعث إِلَيْهِ الْأُمَرَاء بخلعة لنيابة طرابلس وعوقت عَنهُ المعادي فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَالِث عشرينه وَبعث من الْغَد إِلَيْهِ الْأَمِير برقوق أَمِير أخور يخيره فِي نيابات الْبِلَاد فَامْتنعَ من ذَلِك وعزم على الْحَرْب وَأَقْبل إِلَى سَاحل النّيل ليعديه فَوجدَ المعادي قد انْحَازَتْ عَنهُ إِلَى جِهَة بر مصر فَسقط فِي يَده وأذعن للطاعة فَأخْرج إِلَى الْقُدس بطالا وأنعم عَلَيْهِ بضيعة تغل فِي السّنة نَحْو مِائَتي ألف دِرْهَم فَلَمَّا صَار فِي أثْنَاء الطَّرِيق كتب بِأَن يتَوَجَّه إِلَى الكرك وَيُقِيم بهَا بطالا وَلم يجر فِي ذَلِك فتْنَة إِلَّا أَن الْأَمِير برقوق ألبس مماليكه آلَة الْحَرْب حَتَّى سَار بلاط ثمَّ قبض على إخْوَته وحاشيته وأكابر مماليكه وسجنوا وَمنع الْأُمَرَاء من اسْتِخْدَام مماليكه عِنْدهم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 39 وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث ذِي الْقعدَة: خلع على الْأَمِير يلبغا الناصري وَاسْتقر أَمِير سلَاح عوضا عَن بلاط وخلع على الْأَمِير إينال اليوسفي وَاسْتقر رَأس نوبَة ثَانِيًا عوضا عَن يلبغا الناصري وَكثر الرخَاء فِي هَذَا الشَّهْر حَتَّى أبيع الْخبز البايت كل أَرْبَعَة وَعشْرين رطلا بدرهم حسابا عَن كل رَطْل - وَهُوَ رغيف - بفلس والجبن الجاموسي الطري كل عشرَة أَرْطَال بِثَلَاثَة دَرَاهِم وَنصف دِرْهَم وَالْبيض كل أَرْبَعِينَ بَيْضَة بدرهم. وَفِي ثامن عشرينه: خلع على الْوَزير صَاحب تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب النشو الملكي نَاظر الدولة وَاسْتقر فِي نظر الْجَيْش عوضا عَن تَقِيّ الدّين عبد الرَّحْمَن بن محب الدّين مُحَمَّد. وَفِي ذِي الْحجَّة: توحش مَا بَين الْأَمِير الْكَبِير طشتمر الأتابك وَبَين الْأَمِير برقوق أَمِير أخور وَأخذ الْأَمِير برقوق فِي التعنت عَلَيْهِ حَتَّى يُخَالِفهُ فَيجْعَل ذَلِك سَببا لإثارة الْفِتْنَة وَصَارَ برسل إِلَيْهِ بِأَن يَنْفِي فلَانا من مماليكه عَنهُ فيمتثل إِشَارَته وينفي ذَلِك الْمَمْلُوك قصدا لإخماد الْفِتْنَة حَتَّى بعث إِلَيْهِ هُوَ والأمير بركَة بِأَن يقبض على مَمْلُوكه رَأس نوبَته كمشبغا ويخرجه منفيا فَلم يجد بدا من ذَلِك وَأمر بِهِ فَقبض عَلَيْهِ. وَجلسَ بعد صَلَاة الْعشَاء من لَيْلَة عَرَفَة على عَادَته مَعَ خواصه يتحدث وَإِذا بمماليكه قد دخلُوا عَلَيْهِ لابسين السِّلَاح وعنفوه على مُوَافقَة برقوق على مسك مماليكه وأظهروا الْغَضَب لذَلِك وأرادوه أَن يركب للحرب فَقَامَ إِلَى حريمه وأغلق عَلَيْهِ بَابه فَخَرجُوا عَنهُ يدا وَاحِدَة وركبوا خيولهم ووقفوا تَحت القلعة فَأمر برقوق بالكوسات فدقت وَركب هُوَ والأمير بركَة وَوَقعت الْحَرْب بَينهم طول تِلْكَ اللَّيْلَة إِلَى الصَّباح فَقتل جمَاعَة وجرح كمشبغا رَأس نوبَة طشتمر مَاتَ مِنْهَا بعد ذَلِك. وانكسرت بَقِيَّة الطشتمرية فَخرج الْأَمِير طشتمر من دَاره فِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع ذِي الْحجَّة - صَبِيحَة الْوَقْعَة - وَفِي عُنُقه منديل وَمضى إِلَى الْأَمِير برقوق وَهُوَ قد تزوج بابنته فَقبض عَلَيْهِ وعَلى الْأَمِير أطلمش الدوادار والأمير بزلار وأرغون - دوادار طشتمر - وألابغا رَأس نوبَته وعَلى أَمِير حَاج بن مغلطاي وبعثهم جَمِيعًا مقيدين إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجنوا بهَا وتتبع حَوَاشِي طشتمر فَقبض على طواشيه تقطاي - وَكَانَ قد قَاتل تِلْكَ اللَّيْلَة قتالاً شَدِيدا - وَقبض عدَّة من مماليكه أَيْضا نفاهم إِلَى قوص. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَالِث عشره: خلع على الْأَمِير سيف الدّين برقوق العثماني أَمِير آخور وَاسْتقر أَمِيرا كَبِيرا أتابك العساكر عوضا عَن أبي زَوجته الْأَمِير طشتمر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 40 العلاي وخلع على صديقه الْأَمِير أيتمش البجاسي وَاسْتقر عوضه أَمِير آخور بإمرة مائَة تقدمة ألف وَاسْتمرّ سُكْنى الْأَمِير برقوق حَيْثُ كَانَ من الإصطبل وَصَارَ يطلع إِلَى الأشرفية من قلعة الْجَبَل فِي يومي الْإِثْنَيْنِ وَالْخَمِيس وتقاسم الْأَمر هُوَ والأمير بركَة فصارا فحلي الشول إِلَيْهِمَا ترجع أُمُور الدولة بأسرها إِلَّا أَن الولايات والعزل إِذا انتظمت عِنْد الْأَمِير بركَة فِي بَيته كَانَ أمضاها بَين يَدي الْأَمِير الْكَبِير برقوق بالإصطبل فَإِذا أَرَادَ أحد ولَايَة شَيْء من الْأُمُور تحدث مَعَ حَاشِيَة الْأَمِير بركَة حَتَّى يَتَقَرَّر لَهُ مَا يُرِيد ثمَّ بِيعَتْ بذلك الرجل إِلَى أَخِيه الْأَمِير الْكَبِير برقوق ويعلمه. مِمَّا أَرَادَ فيرضيه أَيْضا ثمَّ يسْتَقرّ فِيمَا يُقرر فِيهِ من الْوَظَائِف إِمَّا فِي الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة أَو فِي مجْلِس الْأَمِير الْكَبِير برقوق فَكَانَ هَذَا حَال النَّاس جَمِيعًا فِيمَا يريدونه من الدولة وَفِي الظَّاهِر صَاحب الْأَمر الْأَمِير برقوق غير أَن الولايات كلهَا من الْقَضَاء والحسبة وَولَايَة الْحَرْب فِي الْأَعْمَال والكشف وَسَائِر الْوَظَائِف لَا سَبِيل أَن ينالها أحد إلابمال يقوم بِهِ أَو بِأَدَائِهِ وَيكْتب بِهِ خطه فتطاول كل نذل رذل وسفلة إِلَى مَا سنح بخاطره عَن الْأَعْمَال الجليلة والرتب الْعلية فدهى النَّاس من ذَلِك بداهية دهياء أوجبت خراب مصر وَالشَّام كَمَا ستراه فِيمَا يمر بك على طول السنين فِي أوقاته إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس عشره: أرسل الْأَمِير الْكَبِير برقوق يَسْتَدْعِي الْأَمِير يلبغا الناصري ليَأْخُذ رَأْيه فِي شَيْء عَن لَهُ فَظن أَن الْأَمر على هَذَا وَركب إِلَيْهِ غير مستعد فِي قَلِيل من مماليكه فَلَمَّا صَار إِلَيْهِ عزم عَلَيْهِ أَن يتخفف من ثِيَابه ويظل نَهَاره عِنْده ليفاوضه فِي مهماته فَقَامَ ليخلع عَنهُ ثِيَاب ركُوبه فِي بعض مخادع الدَّار فأحيط بِهِ وَقبض عَلَيْهِ وَقيد وَحمل من وقته إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجن بهَا وَقبض مَعَه على كجلي أحد أُمَرَاء الطبلخاناه أَيْضا. وَفِي عشرينه: خلع على الْأَمِير إينال اليوسفي وَاسْتقر أَمِير سلَاح عوضا عَن يلبغا الناصري وَاسْتقر مُحَمَّد بن طاجار فِي ولَايَة دمياط وَاسْتقر علم الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن نَاصِر الدّين مُحَمَّد القفصي الْمصْرِيّ فِي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن الْبُرْهَان إِبْرَاهِيم الصنهاجي وَاسْتقر كَمَال الدّين عمر بن الْفَخر عُثْمَان بن هبة الله المعري فِي قَضَاء الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بحلب عوضا عَن جلال الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد الزرعي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 41 وفيهَا ولي محب الدّين أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الشّحْنَة قَضَاء الْحَنَفِيَّة بحلب عوضا عَن الْجمال إِبْرَاهِيم بن العديم وعزل بعد أشهر قَلَائِل بِابْن العديم. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان شهَاب الدّين أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن يُوسُف بن مَالك الرعيني الغرناطي النَّحْوِيّ بحلب عَن سبعين سنة وَكَانَ حسن الْأَخْلَاق عَالما بالنحو والتصريف والبديع لَهُ مُشَاركَة فِي علم الحَدِيث وَغَيره وَيَد طولى فِي الْأَدَب وَله عدَّة مصنفات فِي النَّحْو والبديع وَالْعرُوض مِنْهَا شرح ألفية ابْن معطي وَله شعر أَقَامَ بحلب ثَلَاثِينَ سنة وَحج مرَارًا. وَمَات الْأَمِير أَحْمد بن الْأَمِير قوصون فِي ثَانِي عشر ذِي الْحجَّة. وَمَات الْأَمِير أقتمر الصاحبي - الْمَعْرُوف بالحنبلي لِكَثْرَة مبالغتنا فِي الطَّهَارَة بِالْمَاءِ وتشدده فِي ذَلِك - وَهُوَ على نِيَابَة دمشق فِي لَيْلَة الْحَادِي عشر من رَجَب. وَمَات الْأَمِير ألطنبغا أَبُو قورة أَمِير سلَاح. وَتُوفِّي صَلَاح الدّين صَالح بن أَحْمد بن عمر بن السفاح الْحلَبِي وَهُوَ عَائِد من الْحَج بِمَدِينَة بصرى عَن سبع وَسِتِّينَ سنة. وَمَات الْأَمِير طشتمر اللفاف أحد رُؤُوس الْفِتَن فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث الْمحرم بالطاعون. وَتُوفِّي بدر الدّين حسن بن عمر بن حسن بن عمر بن حبيب الْحلَبِي المؤرخ بحلب عَن سبعين سنة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 42 وَمَات الْأَمِير قرطاي أحد مثيري الْفِتَن ثمَّ أتابك العساكر مخنوقا بطرابلس فِي شهر رَمَضَان وَتُوفِّي وَالِدي عَلَاء الدّين عَليّ بن محيى الدّين عبد الْقَادِر بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن تَمِيم بن عبد الصَّمد بن أبي الْحسن بن عبد الصَّمد بن تَمِيم المقريزي الشَّافِعِي فِي يَوْم الْأَحَد خَامِس عشْرين شهر رَمَضَان عَن خمسين سنة. وَقد بَاشر التوقيع السلطاني وعدة وظائف وَكَانَ الْأَغْلَب عَلَيْهِ صناعَة كِتَابَة الْإِنْشَاء والحساب مَعَ دين متين وعقل رَاجِح رصين وَالله تَعَالَى أعلم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 43 فارغه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 44 (سنة ثَمَانِينَ وَسَبْعمائة) أهلت بِيَوْم الْخَمِيس: وَفِيه خلع على الْأَمِير أقتمر العثماني وَاسْتقر دوادارا بتقدمة ألف عوضا عَن أطلمش الأرغوني. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ خامسه: اسْتَقر الْأَمِير مبارك شاه الطازي فِي نِيَابَة غَزَّة عوضا عَن أقبغا الْجَوْهَرِي وَاسْتقر أقبغا الْجَوْهَرِي فِي نِيَابَة صفد عوضا عَن صُراي تَمُر المحمدي وَقبض على صرا تمر وسجن بالكرك. وَفِي عاشره: مَاتَ الْأَمِير أينَبَك مثيرالفتن بسجن الْإسْكَنْدَريَّة وصودرت زَوجته وَأخذ مِنْهَا مَال عَظِيم فَكَانَ هَذَا مِمَّا استشنع فعله فَإِنَّهُ لم تجر الْعَادة بالتعرض للحرم. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشره: خلع على كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن عبد الرازق بن إِبْرَاهِيم بن مكانس وَاسْتقر فِي نظر الدولة عوضا عَن تَاج الدّين نشو الملكي وأفرد الملكي بِنَظَر الْجَيْش. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ تَاسِع عشره: خلع على تَقِيّ الدّين عبد الرَّحْمَن بن محب الدّين مُحَمَّد وأعيد إِلَى نظر الْجَيْش عوضا عَن الملكي. وَقبض على الملكي وسجن بقاعة الصاحب من القلعة حَتَّى مائَة ألف دِرْهَم فضَّة ثمَّ أفرج عَنهُ. وَفِي لَيْلَة الْأَحَد خَامِس عشرينه: وَقع حريق عَظِيم خَارج بَاب زويلة احْتَرَقَ مِنْهُ دكاكين الفاكهانيين والنقليين والبرادعيين وَالرَّابِع الْمَعْرُوف بالدهيشة تجاه بَاب زويلة وامتدت النَّار إِلَى سور الْقَاهِرَة فَركب الْأَمِير بركَة الجوباني والأمير أيتمش البجاسي والأمير دمرداش الأحمدي والأمير تغرى برمش حَاجِب الْحجاب وطفوه بِأَنْفسِهِم ومماليكهم فَكَانَ أمرا مهولا أَقَامَت النَّار فِيهِ يَوْمَيْنِ وَخَربَتْ أَمَاكِن جليلة كَبِيرَة كَانَت من أبهج الْمَوَاضِع وأحسنها. وتحدث النَّاس أَن هَذَا مبدأ خراب الْقَاهِرَة وَكثر ذَلِك على الْأَلْسِنَة فَكَانَ كَذَلِك ثمَّ إِن النَّاس أخذُوا فِي عمَارَة مَا احْتَرَقَ حَتَّى عادوه كَمَا كَانَ وَقَالَ فِي هَذَا الْحَرِيق القَاضِي زين الدّين طَاهِر. بِبَاب زويلة وافي حريق أَزَال مَعَاني الْحسن المصون. وَدَمرَ كل عَال من ذراه وصير كل عَال مُقلّ دون. وَمَا برح الْخَلَائق فِي ابتهال لمحى الأَرْض من بعد الْمنون. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 45 إِلَى أَن قَالَ فِي لطف خَفِي وَفضل عناية يانار كوني. وَفِي آخِره: أفرج عَن الْأَمِير يلبغا الناصري وأنعم عَلَيْهِ بإمرة مائَة تقدمة ألف بِدِمَشْق عوضا عَن الْأَمِير جَنتمُر أخي طاز وَقبض على جَنتمر وسجن بقلعة المرقب. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سادس صفر: خلع على كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن مكانس نَاظر الدولة وَاسْتقر فِي الوزارة عوضا عَن صَلَاح الدّين خَلِيل بن عرام وَركب بنجيبين أَحدهمَا قدامه وَالْآخر وَرَاءه كَمَا كَانَت عَادَة الوزراء. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ عاشره: خلع على فَخر الدّين عبد الرَّحْمَن بن عبد الرازق بن إِبْرَاهِيم بن مكانس وَاسْتقر فِي نظر الدولة مَكَان أَخِيه الصاحب كريم الدّين. وخلع على تَاج الدّين فضل الله بن الرَّمْلِيّ وَاسْتقر فِي وزارة دمشق وَتوجه إِلَيْهَا. وَكَانَ من شياطين كتاب مصر المسالمة. وَفِيه قبض على الْوَزير الملكي وسجن بقاعة الصاحب وألزم. بِمَال كَبِير. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: وَقع حريق فِي خَارج بَاب النَّصْر وحريق تجاه اليانسية خَارج بَاب زويلة. وَركب الْأَمِير ألطنبُغا الْمعلم الْبَرِيد إِلَى حلب ليقْبض على الْأَمِير أَشَقتمُر النَّائِب. وَفِي عشرينه: خلع عَن الرُّكْن وَإِلَى الفيوم وَاسْتقر فِي ولَايَة الفيوم والبهنسي وَعلي مُحَمَّد بن وَفِي ثامن عشرينه: أَخذ قاع النّيل فَكَانَ سِتَّة أَذْرع واثنتين وَعشْرين إصبعاً. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 46 وَفِي هَذَا الشَّهْر: رخصت الأسعار حَتَّى أبيع لحم الضَّأْن السليخ كل عشرَة أَرْطَال بسبعة دَرَاهِم وَنصف دِرْهَم وكل عشرَة أَرْطَال إِلَيْهِ بِسِتَّة دَرَاهِم. وَفِي أول شهر ربيع الأول: رُسم للأمير تَلَكتمُر من بركَة أَن يجلس فِي الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة بالإيوان فِيمَن يجلس من الْأُمَرَاء الْكِبَار. وَفِي سادسه: قبض على الْحَاج سيف مقدم الدولة وخلع على الْحَاج مُحَمَّد بن يُوسُف وَاسْتقر مقدم الدولة وَسلم لَهُ سيف ثمَّ نقل دَار الْوَالِي فعُوقب حَتَّى الْتزم بِحمْل مائَة ألف دِينَار حمل مِنْهَا خَمْسمِائَة ألف دِرْهَم عَنْهَا خَمْسَة وَعِشْرُونَ ألف دِينَار وَأخذ جَمِيع مَاله من مراكب بحريّة ودواليب وَقيمتهَا أَكثر مُنْذُ لَك ثمَّ أفرج عَنهُ فِي سَابِع عشره فَكَانَ هَذَا مِمَّا لم يعْهَد قبل ذَلِك أَعنِي تَسْلِيم من يصادر لوالي الْقَاهِرَة وإٍ نما كَانَ يتسلم المصادر شاد الدَّوَاوِين أَو مقدم الدولة. بمرسوم الْوَزير وَلَا يتَعَدَّى حكم الْوَالِي الْعَامَّة وَأهل الجرائم مِنْهُم وَأما الأجناد وَالْكتاب وأعيان التُّجَّار فَلَا تمتد يَده إِلَى الحكم فيهم وَيرجع أَمرهم إِلَى نَائِب السُّلْطَان فَإِن لم يكن فحاجب الْحجاب لِأَن كل أحد لَهُ رُتْبَة مَحْفُوظَة لَا يتعداها فانخرق السياج وَأخذ كل أحد يتَعَدَّى طوره ويجهل قدره. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: نُقل الْأَمِير مَنْكلي بُغا الْبَلَدِي من نِيَابَة طرابلس إِلَى نِيَابَة حلب عوضا عَن أَشقتمُر. وَاسْتقر الْأَمِير يلبغا الناصري عوضه فِي نِيَابَة طرابلس. وفيهَا أشيع أَن المماليك الألجائية وهم نَحْو ثَمَانمِائَة مَمْلُوك اتَّفقُوا مَعَ جمَاعَة على إثارة الْفِتْنَة فَقبض على عدَّة من الْأُمَرَاء ومماليك السُّلْطَان ورسم للْجَمِيع بِالْقَبْضِ على من فِي خدمتهم من مماليك ألجاي اليوسفي فقبضوهم وبالغوا فِي إهانتهم بِأَن وضعت الزناجير فِي أَعْنَاقهم وعملت يَدي كل اثْنَيْنِ مِنْهُم فِي خَشَبَة وسجنوا بخزانة شمايل - سجن أهل الجرائم - فَلم يعْهَد قبل ذَلِك أَن التّرْك رجال الدولة أهينوا هَذِه الإهانة ثمَّ أشيع أَن جمَاعَة من مماليك الْأُمَرَاء عزموا على الفتك بأستاذيهم فَقبض على كثير مِنْهُم. وَفِي ثامنه: قبض على ألطنبُغا شادي - من أُمَرَاء العشرات - وعدة من مماليك ألجاي. وَفِي تاسعه: قبض على قطلوبغا حاجي أَمِير علم وألطنيغا العلاي وأَسَنْبُغا التلكي وَتلك الأحمدي وألطنبغا عبد الْملك وغريب الأشرفي وأسَندمُر الأشرفي وجوبان الطيدَمُري وآقسُنقُر الأشرفي وأقبغا القَطلقَتمُري وتمان تمر الموسوي وجنتمُر المحمدي وسودن العثماني وبدى قُرُطُقا بن سوسون وَبِك يُونُس وبجمان العلاي وآقبغا ينسون وحملوا مقيدين إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 47 وَفِي عاشره: قبض على الْأَمِير تَمُر باى الدمرداشي رَأس نوبه بحيلة وَهِي أَن الْأَمِير بركَة بعث إِلَيْهِ فرسا بسرج ذهب وكنبوش ذهب فَرَكبهُ وأ تَاه متشكرا لصنيعه فَأَخذه وطلع إِلَى الْأَمِير الْكَبِير برقوق ليصلح بَينهمَا وَكَانَا قد تنافرا وَكَانَ تمر باى بِثِيَاب جُلُوسه لَيْسَ مَعَه كثير أحد من مماليكه فَلَمَّا اسْتَقر بهم الْمجْلس قبض عَلَيْهِ وَقيد وَأخرج فِي اللَّيْل إِلَى ثغر الْإسْكَنْدَريَّة فسجن بهَا وأنعم على الْأَمِير ألطنبغا الجوباني بإقطاع تمر باى. وَفِيه خلع على جال الدّين مَحْمُود العجمي وأضيف غليه حسبَة مصر عوضا عَن الشريف عَاصِم فَرغب عَنْهَا لصديقه سراج الدّين عمر بن مَنْصُور بن سُلَيْمَان القرمي فَخلع عَلَيْهِ وباشرها. وَفِي عشرينه: نزل الْأَمِير أَشَقتمر نَائِب حلب على بلبيس وَكَانَ لما قدم عَلَيْهِ أَلطنبغُا الْمعلم ليقْبض عَلَيْهِ وَيبْعَث بِهِ إِلَى الْقُدس بطالا قدم عَلَيْهِ مرسوم بِأَن يحضر إِلَى الْأَبْوَاب السُّلْطَانِيَّة فَسَار من حلب وَمَعَهُ تقدمة جليلة فَبَيْنَمَا هُوَ على بلبيس أَتَاهُ من قبض عَلَيْهِ وَقَيده وَحمله إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجن بهَا. وَفِي يَوْم الْأَحَد حادي عشرينه: سُمر اثْنَا عشر من الأتراك وطيف بهم الْقَاهِرَة ثمَّ وسط مِنْهُم سِتَّة وهم الْأَمِير أقبغا البجمقدار خَازِن دَار الْأَمِير ألجاي والأمير قَراكَسَك وأسنْبُغا من وَفِيه أفرج عَن غَرِيب الأشرفي أحد أُمَرَاء العشرات. وَفِي أول شهر ربيع الآخر: أهين السَّيِّد الشريف عَليّ نقيب الْأَشْرَاف من الأميرين بركَة وبرقوق إهانة بَالِغَة لمَنعه عَنْهُم كتاب وقف نَاحيَة بلقس على الْأَشْرَاف ليتسلمه الشريف مرتضى صدر الدّين مرتضى وَقد اسْتَقر فِي نظر وقف الْأَشْرَاف عوضا عَنهُ وَمنع من التحدث فِي نقابة الْأَشْرَاف. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشره: خلع على الشريف عَاصِم وَاسْتقر نقيب الْأَشْرَاف. وخلع على الْأَمِير بزلار وَاسْتقر فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن الْأَمِير قطلو أقتَمُر وأنعم عَلَيْهِ بتقدمة تلكتمر بن بركَة واسنقر قطلو أقتَمُر أَمِير جاندار على تقدمته. وخلع على عَلَاء الدّين على الْعمريّ وَاسْتقر كاشفا بِالْوَجْهِ البحري. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 48 وَفِيه كَانَ وَفَاء النّيل وَهُوَ عَاشر مسرى. وَفِيه عين الشَّيْخ راج الدّين عمر بن الملقن أحد نواب الحكم بِقَضَاء الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة عوضا عَن بدر الدّين مُحَمَّد بن أبي الْبَقَاء ليلبس فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْإِثْنَيْنِ حادي عشرينه: طلع إِلَى القلعة فَلم يتهيأ لَهُ لبس وَذَلِكَ أَن الْأَمِير الْكَبِير برقوق كَانَ قد عينه لذَلِك بِغَيْر مَال فسعى عَلَيْهِ يقوم بِهِ إِذا اسْتَقر فِي قَضَاء الْقُضَاة كَمَا قد جرت بِهِ الْعَادة فِي هَذَا الزَّمَان فَبعث بهَا الْأَمِير بركَة إِلَى الْأَمِير برقوق فَلَمَّا بلغته الورقة غضب وَأمر بِجمع الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء فتجمعوا بَين يَدَيْهِ بالحراقة من الإصطبل فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي عشرينه وَطَلَبه وَأخرج الورقة الَّتِي بعثها إِلَيْهِ الْأَمِير بركَة تَتَضَمَّن الْتِزَامه بأَرْبعَة آلَاف دِينَار يقوم بهَا إِذا اسْتَقر قَاضِي الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة. فَأنْكر أَن يكون خطه فَزَاد حنق الْأَمِير برقوق وَأمر بِهِ فَسلم إِلَى الْحَاج مُحَمَّد بن يُوسُف مقدم الدولة ليستلخص مِنْهُ الْأَرْبَعَة آلَاف دِينَار وانفض الْمجْلس فرفق بِهِ ابْن يُوسُف من أجل أَنه كَانَ قد اتهمَ بِأَنَّهُ وَقع فِي وَاقع يَقْتَضِي إِرَاقَة دَمه عِنْد الْمَالِكِيَّة. فَحكم ابْن الملقن بحقن دَمه فرعى لَهُ ذَلِك ودافع عِنْد شاد الدَّوَاوِين وخوفه من التَّعَرُّض لَهُ. بمكروه إِلَى أَن طلع الشَّيْخ سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ فِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشرينه إِلَى الْأَمِير برقوق هُوَ وَالشَّيْخ المعتقد أَبُو عبد الله مُحَمَّد الركراكي المغربي فِي عدَّة من الْفُقَهَاء وَسَأَلَهُ فِي الإفراج عَن ابْن الملقن فوعده بإرساله إِلَيْهِ فَحلف البُلْقِينِيّ ثَلَاثَة أَيْمَان فِي ثَلَاث مَرَّات أَنه مَا ينْصَرف إِلَّا بِهِ فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِك وَأمر بِتَسْلِيمِهِ إِلَيْهِ فَمضى بِهِ وَللَّه الْحَمد. وَفِي أخريات هَذَا الشَّهْر: أفرج عَن الْأَمِير طشتمر الأتابك من سجنه بالإسكندرية ورسم بإقامته بثغر دمياط وأقطع بَلَدا بِالْقربِ مِنْهُ. وَفِي سَابِع عشرينه: خلع على الْأَمِير منكلي الطرخاني وَاسْتقر نَائِب الكرك عوضا عَن تمرباي الطازي. وَفِيه خلع على همام الدّين أَمِير غَالب بن القوام أَمِير كَاتب الأنقاني الأتراري الْحَنَفِيّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 49 محتسب دمشق وَاسْتقر فِي قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بهَا عوضا عَن نجم الدّين أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن أبي الْعِزّ. بِمَال الْتزم بِهِ وسافر إِلَيْهَا. وَفِي تَاسِع عشرينه: خلع على الْأَمِير بركَة واسثقر فِي نظر المارستان وَاسْتقر رَأس نوبَة كَبِيرا عوضا عَن تمرباي. وخلع على قرا دمرداش الأحمدي واسنقر أَمِير مجْلِس. وخلع على الْأَمِير ألطنبغا الجوباني وَاسْتقر رَأس نوبَة ثَانِيًا. وخلع على محتسب الْقَاهِرَة جمال الدّين مَحْمُود العجمي وَاسْتقر فِي نظر المارستان نِيَابَة عَن الْأَمِير بركَة عوَضا عَن بدر الدّين مُحَمَّد بن عُثْمَان الأنفهسى. وَفِيه ورد الْبَرِيد من طرابلس بقدوم الفرنج إِلَيْهَا فِي عشرَة مراكب ونزولهم إِلَى الْبر فحاربهم الْأَمِير يلبغا الناصري نَائِب طرابلس وَقتل مِنْهُم عدَّة وَفِي باقيهم إِلَى مراكبهم وَسَارُوا. وَفِي جُمَادَى الأولى: ركب السُّلْطَان ثَلَاثَة سبوت مُتَوَالِيَة إِلَى الميدان برسم الملعب بالكرة على مَا جرت بِهِ الْعَادة. وَلم يتَّفق فِي السّنة الْمَاضِيَة الرّكُوب إِلَى الميدان لما كَانَ من الإشتغال بالحروب والفتن وأنعم الأميران بركَة وبرقوق فِي الميدان على أكَابِر مماليكهما بأقبية بطرز زركش. وَفِيه قدم زامل بن مُوسَى بن مهنا. وَفِيه قبض على سَلام بن التركية من الْبحيرَة وَقيد وَحمل إِلَى الْقَاهِرَة. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ حادي عشره: قدم الْبَرِيد بِأَن خَلِيل بن دلغادر أَمِير التركمان قتل الْأَمِير مبارك الطازي نَائِب الأبلستين وَذَلِكَ أَنه ركب فِي عَسْكَر من حلب لقِتَال ابْن دلغادر فَهَزَمَهُ وَأخذ مَا مَعَه ثمَّ ركب قَفاهُ فِي جمَاعَة فَمَال عَلَيْهِ ابْن دلغادر وقاتله فَوَقع فِي قَبضته فقدمه وَضرب عُنُقه. وَفِيه قبض على الصاحب شمس الدّين أبي الْفرج عبد الله المقسي نَاظر الْخَاص وعَلى كثير من ألزامه وَحبس فِي بَيت الْأَمِير بركَة. بمرافعة الْوَزير كريم الدّين بن مكانس إِيَّاه وأحبط. بموجوده وَنقل من الْغَد مَا فِي دَاره فَوجدَ لَهُ شَيْء كثير من المَال وَالثيَاب والقماش من جملَته نَحْو الألفي بدن فرو سنجاب. وَفِيه أفرج عَن الْأَمِير تمر باي الدمرداشي وَأخرج إِلَى الْقُدس وَأَفْرج عَن الْأُمَرَاء الَّذين سجنوا قبله أَيْضا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 50 وَفِي يَوْم الْأَحَد سَابِع عشره: أُعِيد الْمُقدم سيف إِلَى تقدمة الدولة وَقبض على مُحَمَّد بن يُوسُف وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامن عشره: خلع على الْوَزير الصاحب كريم الدّين عبد الْكَرِيم ابْن مكانس وَاسْتقر فِي نظر الْخَاص عوضا عَن المقسي مُضَافا لما مَعَه من نظر ديواني الأميرين برقوق وبركة. ثمَّ خلع على سعد الدّين سعد الله بن البقري وَاسْتقر فِي نظر ديوَان الْأَمِير الْكَبِير برقوق وخلع على الْأَمِير صَلَاح الدّين خَلِيل بن عرام وَاسْتقر أستادار الْأَمِير بركَة فَكَانَ هَذَا أَيْضا من الْأُمُور الَّتِي لم تعهد أَن أَمِيرا من أُمَرَاء الألوف يكون أستادار أَمِير. وَفِيه ظهر فِي السَّمَاء كَوْكَب من كواكب الذوابة لَهُ وَجه وذنب. وَفِي ثَانِي عشرينه: خرج الْبَرِيد بِالْقَبْضِ على الْأَمِير بيدمر نَائِب الشَّام وإحضاره. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير بركَة نَاظر الْأَوْقَاف جَمِيعهَا واستناب فِي التحدث عَنهُ جمال الدّين مَحْمُود الْمُحْتَسب فَلم يبْق وقف حكمي وَلَا أَهلِي إِلَّا وَطلب مُبَاشَرَته وتحد فِيهِ استضعافا لجَانب قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن أبي الْبَقَاء. وَفِي ثَالِث جُمَادَى الْآخِرَة: خلع على الْأَمِير مُوسَى بن قرمان وَاسْتقر وَالِي الجيزة ثمَّ عزل من الْغَد وَاسْتقر على عَادَته أَمِير طبر. وَفِيه أفرج عَن الْأَمِير أَشَقتمُر نَائِب حلب ورسم بإقامته بالقدس. وَفِي سادسه: انْتَهَت زِيَادَة مَاء النّيل إِلَى تِسْعَة عشر ذِرَاعا وست أَصَابِع. وَفِي تاسعه: أخرج الْأَمِير تغري بَرْمش حَاجِب الْحجاب إِلَى حلب وَسَببه أَنه عرّف الْأَمِير بركَة سوء سيرة بنى مكانس وَكَثْرَة ظلمهم وفسادهم فَقَالَ لَهُ: أصلح أَنْت نَفسك فشق ذَلِك عَلَيْهِ وعزل نَفسه من الحجوبية وَرمى الإمرة وَقَالَ: مَا عدت أعمل أَمِيرا وخلع قباه وَألقى مهمازه من رجله وَخرج عَنهُ فَأمر بِهِ فَخرج حاجبا بحلب فَلَمَّا وصل دمشق عزل عَنْهَا. وَفِي ثَالِث عشره: خلع على الْأَمِير مَأْمُور القلمطاي وَاسْتقر حَاجِب الْحجاب عوضا عَن تغري برمش وَقدم الْأَمِير بيْدَمُر نَائِب الشَّام من دمشق فَحمل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة مُقَيّدا وسجن بهَا وَاسْتقر عوضه فِي نِيَابَة الشَّام الْأَمِير كُمُشبغَا الْحَمَوِيّ نَائِب حماة وَاسْتقر عوضه فِي نِيَابَة حماة الْأَمِير تمرباي الدمرداشي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 51 وَفِي ثامن عشره: أنعم على الْأَمِير أزدمر الصفوي بإمرة عشرَة بِدِمَشْق وَأخرج إِلَيْهَا. وَفِي الْعشْرين مِنْهُ: توجه الشَّيْخ برهَان الدّين إِبْرَاهِيم الأبناسي إِلَى الْحجاز مُعْتَمِرًا واستناب عَنهُ فِي مشيخة خانكاه سعيد السُّعَدَاء الشَّيْخ زين الدّين عبد الرَّحِيم بن الْحُسَيْن الْعِرَاقِيّ وَقدم الْخَبَر بِأَن رجلا بِدِمَشْق من آحَاد الْعَامَّة مَاتَ بالمارستان فغُسل وكفن وأرخى فِي قَبره. بمقبرة بَاب الفراديس فعندما أضجع بالقبر عطس فَأخْرج وعوفي وَحدث النَّاس. بِمَا جرى لَهُ وعاش بعد ذَلِك نَحْو ثَلَاث سِنِين. وَفِي ثَالِث شهر رَجَب: خرج الْأَمِير قَراكَسكَ على الْبَرِيد لإحضار الْأَمِير منكلي بغا الْبَلَدِي نَائِب حلب. وَفِي سابعه: أخرج الْأَمِير بُورى الأحمدي إِلَى الْقُدس منفيا وأنعم عَلَيْهِ بِنَظَر مَسْجِدي الْقُدس والخليل. وَفِيه خلع على شمس الدّين مُحَمَّد النَّيْسَابُورِي ابْن أخي جَار الله وَاسْتقر فِي مشيخة خانكاه سعيد السُّعَدَاء عوضا عَن الْبُرْهَان الأبناسي. وَفِيه قدم الْبَرِيد بِسيف منكلي بغا الْبَلَدِي نَائِب حلب وَأَنه سجن بقلعتها فَكتب باستقرار الْأَمِير تمرباي الدمرداشي فِي نِيَابَة حلب وَاسْتقر الْأَمِير جَنتمُر أَخُو طاز فِي نِيَابَة حماة وَكَانَ بطالا بِدِمَشْق وَحمل إِلَى كل مِنْهُمَا تشريفه وتقليده على الْبَرِيد. وَفِي سادس عشرينه: قبض على الْمُقدم سيف وَسلم للأمير صَلَاح الدّين خَلِيل بن عرام ثمَّ أفرج عَنهُ. وَفِي ثامن عشرينه: قبض على الْوَزير كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن مكانس ثمَّ أفرج عَنهُ من يَوْمه ورسم باستقرار الْأَمِير تغرى برمش حَاجِب الْحجاب فِي نِيَابَة غَزَّة. وَفِيه قدم من الْأَمِير قُرط - مُتَوَلِّي ثغر أسوان - أحد عشر رَأْسا من رُؤُوس أُمَرَاء أَوْلَاد الْكَنْز ومائتي رجل مِنْهُم فِي الْحَدِيد فعلقت الرؤوس على بَاب زويلة وَلم يعْهَد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 52 هَذَا من قبل. وَقدم الْخَبَر بِأَن طَائِفَة من أهل الْبحيرَة - كَبِيرهمْ بدر بن سَلام - سَارُوا إِلَى الصَّعِيد فَلَقِيَهُمْ الْأَمِير مُرَاد كاشف الْوَجْه القبلي وَقَاتلهمْ فَقتل فِي الْحَرْب مَعَهم. وَفِيه قدم الشَّيْخ أَمِين الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد النَّسَفِيّ الْخَوَارِزْمِيّ الخلوتي من بِلَاد خوارزم فِي طَائِفَة من الْفُقَرَاء فأنزله شيخ الشُّيُوخ نظام الدّين إِسْحَاق الْأَصْفَهَانِي - شيخ خانكاه سرياقوس بمدرسته الَّتِي على طارف الْجَبَل خَارج بَاب المحروق من الْقَاهِرَة تَحت دَار الضِّيَافَة فَأقبل إِلَيْهِ الْأُمَرَاء وبالغوا فِي إكرامه وبعثوا لَهُ بضيافات كَثِيرَة وصلات سنية فَلم يدّخر مِنْهَا شَيْئا وَعمل بِهِ أوقاتا يجمع عِنْده فِيهَا النَّاس فيطعمهم المآكل الطّيبَة وَذكر أَنه عبر فِي سياحته إِلَى بلد بلغار حَيْثُ لَا تطلع الشَّمْس عدَّة أشهر فَدَعَا سكانه - وهم قوم لَا يعلمُونَ شَيْئا - إِلَى الْإِسْلَام فَاسْتَجَاب لَهُ كثير مِنْهُم وَأسلم فعلمهم شرائع الْإِسْلَام وَمضى عَنْهُم وَكَانَ من خير من أدركناه. وَفِي أول شهر رَمَضَان: قدم الْأَمِير مَنْكَلي بُغا الْبَلَدِي إِلَى دمشق وَقد أفرج عَنهُ من سجنه بقلعة حلب فَأَقَامَ بِدِمَشْق بطالا. وَفِي سادسه: خلع على الْأَمِير شرف الدّين مُوسَى بن قرمان أطلسين وَاسْتقر نَائِب الْوَجْه القبلي ورسم أَن يُكَاتب. بِملك الْأُمَرَاء وأنعم عَلَيْهِ لتقدمة ألف وَعمل فِي خدمته حَاجِب أَمِير طبلخاناه وَهُوَ أول من ولي من كشاف الصَّعِيد نِيَابَة السلطنة وَاسْتمرّ الْحَال كَذَلِك فِيمَا بعد وخلع على الْأَمِير عَليّ خَان وَاسْتقر وَالِي الْبحيرَة عوضا عَن أيدمر الشمسي ثمَّ عزل من يَوْمه وَاسْتقر أيدمر على عَادَته. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامنه: كَانَت وَاقعَة كَنِيسَة نَاحيَة بو النمرس من الجيزة وَذَلِكَ أَن رجلا من فُقَرَاء الزيلع بَات بِنَاحِيَة بو النمرس فَسمع لنواقيس كنيستها صَوتا عَالِيا وَقيل لَهُ إِنَّهُم يضْربُونَ بنواقيسهم عِنْد خطْبَة الإِمَام للْجُمُعَة بِحَيْثُ لَا تكَاد تسمع خطْبَة الْخَطِيب فَوقف للسُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف شعْبَان فَلم ينل غَرضا فَتوجه إِلَى الْحجاز الجزء: 5 ¦ الصفحة: 53 وَعَاد بعد مُدَّة طَوِيلَة وَبِيَدِهِ أوراق تَتَضَمَّن أَنه تشفع برَسُول الله وَهُوَ نَائِم عِنْد قَبره الْمُقَدّس فِي هدم كَنِيسَة بو النمرس ووقف بهَا إِلَى الْأَمِير الْكَبِير برقوق الأتابك فرسم للمحتسب جمال الدّين مَحْمُود العجمي أَن يتَوَجَّه إِلَى الْكَنِيسَة الْمَذْكُورَة وَينظر فِي أمرهَا فَسَار إِلَيْهَا وكشف عَن أمرهَا فَبَلغهُ من أهل النَّاحِيَة مَا اقْتضى عِنْده غلقها فأغلقها وَعَاد إِلَى الْأَمِير الْكَبِير وعرفه مَا قيل عَن نَصَارَى الْكَنِيسَة فَطلب مَتى بطرِيق النَّصَارَى اليعاقبة وأهانه فسعى النَّصَارَى فِي فتح الْكَنِيسَة وبذلوا مَالا كَبِيرا فَعرف الْمُحْتَسب الْأَمِير الْكَبِير بذلك فرسم بهدمها بتحسين الْمُحْتَسب لَهُ ذَلِك فَسَار إِلَيْهَا وهدمها وعملها مَسْجِدا. وَفِي ثَانِي شَوَّال: قبض على الطواشي سَابق الدّين مِثْقَال الجمالي زَمَامِ الدّور وَأخذ وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سادسه: قبض على الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن هُمُز التركماني خشيَة من فراره إِلَى التركمان وَقد ورد الْبَرِيد بخروجهم عَن الطَّاعَة. وَفِي سابعه: قبض على الْأَمِير جمال الدّين عبد الله بن بَكتمُر الْحَاجِب وَولده الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد وأخرجهما برقوق إِلَى الشَّام ثمَّ ردهما بعد ثَلَاثَة أَيَّام وَأخذ مِنْهُمَا عشر آلَاف دِينَار وأنعم على الْأَمِير جمال الدّين بإمرة طبلخاناه وَترك وَلَده بطالا وَسبب ذَلِك أَنه أهْدى إِلَى الْأَمِير بركَة عِنْدَمَا صرع بالبندق طائراً من طيور الْوَاجِب وَادّعى لَهُ فِي رمي البندق يشْتَمل الإهداء على خمس بقج حَرِير أطلس ضمنهَا قماش حَرِير وصوف وفرو وبدلة برسم الصَّيْد غيار بِذَهَب وجراوات برسم بندق الرَّمْي عدتهَا أَرْبَعُونَ مزركشة وكمرانات عدَّة أَرْبَعِينَ وَمن قسي الحلقةَ اثْنَيْنِ وَمن قسي البندق مِائَتي قَوس وَمن بندق الرَّمْي سِتِّينَ بندقة من ذهب صَامت وَمِائَة بندقة من فضَّة خَالِصَة واثني عشر فرسا مِنْهَا وَاحِد بسرج ذهب وكنبوش زركش وَآخر بسرج مغرق وعرقية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 54 صوف سمك وَسَبْعَة أرءوس بعبي وفرسين عراه وَعشر جُفَن سكر ومائتي طَائِر دَجَاج وَثَلَاثِينَ جملا وَمِائَة رَأس غنم فَلَمَّا قدمت بَين يَدَيْهِ قَالَ لَهُ من حضر: أَنه قَدَمَ للأمير صرغَتُمش تقدمة أَكثر من هَذِه. فَغَضب برقوق وَقَالَ: مَا ساواني بصرغتمش وَأخذ الْهَدِيَّة الْمَذْكُورَة ثمَّ أَمر بِهِ فنفي كَمَا تَقدم ذكره. وَفِي سادس عشرينه: توجه الْأَمِير قرا دمرداش الأحمدي أَمِير مجْلِس إِلَى الْحجاز حَاجا. وَفِيه قبض على الْوَزير كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن مكانس وعَلى أَخِيه فَخر الدّين وعذبا عذَابا شَدِيدا ففرا بعد أَيَّام وَلم يُوقف لَهما على خبر وَكَانَ ابْن مكانس كريم الدّين هُوَ وَأَخُوهُ فَخر الدّين قد أحدثا عدَّة مظالم قبيحة مِنْهَا أَن الْأَمِير يلبغا الخاصكي لما أبطل المكس من مَكَّة عوض الشريف أَمِير مَكَّة عَن ذَلِك فِي كل سنة مائَة وَسبعين ألف دِرْهَم تحمل إِلَيْهِ فَكَانَ ابْن مكانس يجبي ذَلِك من مباشري الدولة وَالْخَاص على قدر حَالهم وَكَانَ المقسي - وَهُوَ نَاظر الْخَاص - يقوم عَن مباشري الْخَاص. بمبلغ سِتَّة عشر ألف دِرْهَم وَمِنْهَا أَنه ختم على قيسارية جهاركس بِالْقَاهِرَةِ فِي أخريات شهر رَمَضَان وَزعم أَن عِنْد التُّجَّار ثيابًا بِغَيْر ختم فتعطل بيع النَّاس وشرائهم على عيد الْفطر حَتَّى ألتزموا لَهُ. بِمَال يقوم بِهِ فَلَمَّا حملوه إِلَيْهِ رفع خَتمه بعد ثَمَانِيَة أَيَّام وَمِنْهَا أَنه صَار يخرج إِلَى بركَة الْحَاج عِنْد تَكَامل الْحَج بهَا فِي شهر شَوَّال وَيلْزم مقومي الْحجَّاج بإحضار أوراق مُشتَرى جمَالهمْ من سوق الْجمال فَمن لم يحضر ورقة مباشري مكسي سوق الْجمال نكل بِهِ وغرمه مَالا فأضر ذَلِك بكثر من الجمالة وتعطل حجاجهم عَن الْحَج وعادوا من الْبركَة إِلَى الْقَاهِرَة وَمِنْهَا أَنه عمل بعد ذَلِك دَائِرَة كَبِيرَة. بِمَال كَبِير حملوه إِلَيْهِ واقتدى بِهِ من بعده من الوزراء فِي ذَلِك صَار يخرج إِلَى بركَة الْحجَّاج فِي كل سنة وَيُطَالب المقومين بأوراق المكس وَلما قبض عَلَيْهِ وقف التُّجَّار إِلَى الْأَمِير الْكَبِير برقوق فرسم برد مَا أَخذ مِنْهُم أَبنَاء مكانس فَردا عَلَيْهِم المَال. هَذَا مَعَ تظاهر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 55 بنى مكانس بِالْفِسْقِ على أَنْوَاعه تظاهراً بِغَيْر احتشام وَبَقَاء نِسَائِهِم وبناتهم على النَّصْرَانِيَّة واستخفاف رِجَالهمْ بِكِتَاب الله وَدينه وَرَسُوله. وَفِيه خلع على الصاحب تَاج الدّين النشو الْمَالِكِي وأعيد إِلَى الوزارة. وَفِي ثامن عشرينه: خلع على الصاحب شمس الدّين أبي الْفرج عبد الله المقسي وأعيد إِلَى نظر الْخَاص وخلع على علم الدّين عبد الله بن الصاحب كريم الدّين بن غَنَّام وَاسْتقر فِي نظر الْأَسْوَاق. وَفِي ثَالِث فِي ذِي الْقعدَة: خلع على علم الدّين يحيى طباهجة بن رزق الله بن إِبْرَاهِيم ابْن الْفَخر وَاسْتقر فِي نظر الدولة عوضا عَن الْفَخر بن مكانس. وَفِي ثَانِي ذِي الْحجَّة: قبض على سَلام بن التركية - أَمِير عرب الْبحيرَة فسجن بخزانة شمايل من الْقَاهِرَة. وَفِيه اسْتَقر نَاصِر الدّين أَحْمد بن جمال الدّين مُحَمَّد بن قَاضِي الْإسْكَنْدَريَّة شمس الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عطا الله التنسي الْمَالِكِي فِي قَضَاء مَدِينَة الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن عز الدّين الربعِي. وَفِي سادسه: نقل الْأَمِير كُرْجى الشمسي من ولَايَة قليوب إِلَى ولَايَة الغربية. وَفِي سابعه: خرج الْأَمِير إينال اليوسفي أَمِير سلاحِ وألان الشَّعْبَانِي وَأحمد بن يلبغا وطبج المحمدي وأقتمُر العثماني وطَقتمُر وطقتمُش وأَطْلَمِش ألطازي وطُغاي تَمُر القبلاوي فِي عدَّة وافرة لقِتَال عرب الْبحيرَة فَفرُّوا مِنْهُم وعادوا بعد مَا وصلوا إِلَى الفيوم وَقد ساقوا أنعاما كَثِيرَة جدا. وَلما وصل ركب الْحجَّاج إِلَى مَكَّة بَلغهُمْ قدوم محمل من الْيمن وَكِسْوَة للكعبة فَمنع الْأَمِير قرا دمرداش حجاج الْيمن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 56 من دُخُول مَكَّة فَلم يزل الشريف أَحْمد بن عجلَان يتوسط بَين حَاج الْيمن وحاج مصر حَتَّى دخل أهل الْيمن. بمحلهم ووقفوا بِعَرَفَة وَلم تكن فتْنَة بِحَمْد الله فَلَمَّا كسا الْأَمِير قرا دمرداش الْكَعْبَة فِي يَوْم النَّحْر على الْعَادة خرج من مَكَّة عَائِدًا إِلَى مصر. وَفِي سادس عشره: استدعى الْأَمِير الْكَبِير برقوق الْقُضَاة وشيوخ الْعلم وتحدث مَعَهم فِي حل الْأَرَاضِي الْأَوْقَاف على الْجَوَامِع والمساجد والمدارس والخوانك والزوايا والربط وعَلى أَوْلَاد الْمُلُوك والأمراء وَغَيرهم وعَلى الرزق الأحباسية وَكَيف يجوز بيع أَرَاضِي مصر وَالشَّام الخراجية على بَيت المَال وأحضرت أوراق. بِمَا أوقف من بِلَاد مصر وَالشَّام وَبِمَا تملك مِنْهَا - ومبلغها فِي كل سنة مَال كَبِير جدا - فَلَمَّا قُرِئت على من قد حضر من الْأُمَرَاء وَأهل الْعلم قَالَ الْأَمِير برقوق: هَذَا هُوَ الَّذِي أَضْعَف جَيش الْمُسلمين. فَقَالَ قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن أبي الْبَقَاء: هما جيشان جَيش اللَّيْل وجيش النَّهَار فَأخذ الشَّيْخ أكمل الدّين فِي الْكَلَام مَعَ الأميرين بركَة وبرقوق فِي ذَلِك باللغة التركية حَتَّى غَضبا مِنْهُ فَقَالَ بَعضهم لشيخ الْإِسْلَام سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ لم لَا تَتَكَلَّم فَقَالَ: مَا استفتاني أحد حَتَّى أفتيه. فَأَشَارَ لَهُ الْأَمِير برقوق أَن يتَكَلَّم فطال كَلَامه على عَادَته وَمُلَخَّصه أَن أوقاف الْجَوَامِع والمساجد والمدارس والخوانك الَّتِي هِيَ على عُلَمَاء الشَّرِيعَة وفقهاء الْإِسْلَام وعَلى المؤذنين وأئمة الصَّلَوَات وَنَحْو ذَلِك لَا يحل لأحد أَن يتَعَرَّض بحلها بِوَجْه من الْوُجُوه فَإِن للْمُسلمين حق لم يدْفع إِلَيْهِم وَإِلَّا فانصبوا لنا ديوانا نحاسبه على حَقنا حَتَّى يظْهر لكم أَن مَا نستحقه أَكثر مِمَّا هُوَ مَوْقُوف علينا وَأما مَا وقف على عويشة وفطيمة وَاشْترى من بَيت المَال بحيلة أَن يُؤْخَذ المَال صُورَة ثمَّ يُعَاد فَإِنَّهُ يحْتَاج إِلَى أَن ينظر فِي ذَلِك فَإِن كَانَ قد أَخذ بطرِيق شَرْعِي فَلَا سَبِيل إِلَى نقضه وَإِن كَانَ غير ذَلِك نقض. فَقَالَ ابْن أبي الْبَقَاء: يَا أُمَرَاء أَنْتُم أَصْحَاب الشَّوْكَة وَالْأَمر لكم. فَقَالَ لَهُ البُلْقِينِيّ اسْكُتْ مَا أَنْت وَهَذَا. فَسَأَلَ الْأَمِير بركَة والأمير برقوق بن أبي الْبَقَاء من أَيْن يَشْتَرِي السُّلْطَان هَذَا فَقَالَ: الأَرْض كلهَا للسُّلْطَان. فَقَالَ لَهُ الْبَدْر مُحَمَّد بن البُلْقِينِيّ - قَاضِي الْعَسْكَر - كَيفَ تَقول هَذَا من أَيْن للسُّلْطَان ذَلِك وَإِنَّمَا هُوَ كآحاد النَّاس. فَقَالَ البُلْقِينِيّ: يَا أُمَرَاء أَنْتُم تأمرون الْقُضَاة فَإِن لم يَفْعَلُوا مَا ترسموا بِهِ عزلتموهم كَمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 57 جرى لشرف الدّين بن مَنْصُور مَعَ الْملك الْأَشْرَف لما لم يفعل لَهُ مَا أَرَادَ عَزله ثمَّ انْفَضُّوا وأخرجوا عدَّة أوقاف وَفِيه خلع على شهَاب الدّين أَحْمد الدفري الْمَالِكِي وَاسْتقر مفتي دَار الْعدْل. وَفِيه أخرج الْأَمِير سودون العلاي والأمير بهادر الأشْقَتَمُري منفيين إِلَى صفد. وَفِي ثَانِي عشرينه: اسْتَقر الْأَمِير منكلي بُغا الْبَلَدِي فِي نِيَابَة صفد عوضا عَن أقبغا الْجَوْهَرِي وَاسْتقر الْأَمِير فِي ولَايَة منفلوط. وَفِي خَامِس عشرينه: قدم الْأَمِير قرا دمرداش أَمِير مجْلِس من الْحجاز. وَفِيه وجد الْأَمِير الْكَبِير برقوق ورقة فِيهَا أَن غُلَام الله يُرِيد أَن يكبس عَلَيْك فِي صَلَاة الْجُمُعَة. بِمِائَتي عبد فَطلب غُلَام الله ورسم عَلَيْهِ وسجن بخزانة شمايل وَوَقع التَّحَرُّز بِحَيْثُ أَمر خطيب مدرسة السُّلْطَان فِي يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشرينه أَن يعجل فِي الْخطْبَة وَقبض على جمَاعَة العبيد وَكثر الأرجاف بكبس الْجَوَامِع - فِي يَوْم الْجُمُعَة هَذَا - وَقتل الْعَامَّة فَنُوديَ بالأمان. وَفِيه اسْتَقر أوحد الدّين عبد الْوَاحِد بن إِسْمَاعِيل بن ياسين - موقع الْأَمِير الْكَبِير برقوق - فِي نظر خزانَة الْخَاص بعد موت عَلَاء الدّين عَليّ بن عرب وَقدم الْبَرِيد بِأَن الْأَمِير تمر باي الدمرداشي - نَائِب حلب - سَار بالعسكر الْحلَبِي وعدة من عَسْكَر دمشق وحماة إِلَى جِهَة سيس وَقد كثر فَسَاد طَائِفَة التركمان الأجقية والأغاجرية حَتَّى قرب من مَدِينَة إِيَاس أَتَاهُم من أُمَرَاء التركمان نَحْو الْأَرْبَعين بهدية وسألوا الْأمان لأصحابهم والتزموا بالدرك على الْعَادة فَقبض عَلَيْهِم وقيدهم وَركب فِي الْحَال إِلَى بُيُوتهم. بِمن مَعَه فنهب أَمْوَالهم وسبى حريمهم وَقتل رِجَالهمْ وارتكب مِنْهُم كل قَبِيح وَعَاد فَجمع التركمان جمائعهم وكمنوا للعسكر. بمضيق يُقَال لَهُ بَاب الْملك - الجزء: 5 ¦ الصفحة: 58 على شط الْبَحْر - وأوقعوا بهم فهلكوا مَا بَين غريق وقتيل وَلم ينج مِنْهُم إِلَّا طريح أَو جريح أومن نجا بِخَاصَّة نَفسه - وَقَلِيل مَا هم - وَحَازَ التركمان من المَال والآلات والخيول وَالْجمال والأسلحة مَا يجل وَصفه من ذَلِك ثَلَاثُونَ ألف جمل بأحمالها وَثَلَاثَة عشر ألف رَأس من الْخَيل غالبها مسرجة ملجمة إِلَى غير ذَلِك فَكَانَ هَذَا أَيْضا من الوهن فِي الدولة فَإِن التراكمين كَانُوا للدولة. بِمَنْزِلَة السُّور عَلَيْهَا ويتحصل مِنْهُم فِي كل سنة عشرات آلَاف من الْغنم يُؤْخَذ مِنْهُم عَن زَكَاة أغنامهم يُقَال لَهُ الْعداد وينال أهل حلب مِنْهُم مَنَافِع لَا تحصى وَإِذا ندبهم السُّلْطَان لِحَرْب بَادرُوا إِلَى امْتِثَال أمره وعدوا ذَلِك طَاعَة وَعبادَة فصيرهم سوء التَّدْبِير وَكَثْرَة الظُّلم أَعدَاء لدولة تقتل رجالها وتنهب أموالها وتستولي على أَعمالهَا وَللَّه عَاقِبَة الْأُمُور. وَاتفقَ أَيْضا للْحَاج فِي عودهم محن شَدِيدَة من موت الْجمال وتزايد الأسعار فَلَمَّا نزلُوا بالأزلم - وَفِي ظنهم أَنهم يَجدوا مَا جرت بِهِ الْعَادة من الشّعير والبشماط الْمَحْمُول إِلَيْهِم من الْقَاهِرَة - فَلم يَجدوا شَيْئا من ذَلِك وَذَلِكَ أَن العربان تعرضت للإقامات تُرِيدُ نهبها فَلم تتجاوز مغارة شُعَيْب فَاشْتَدَّ الْأَمر على الْحجَّاج وعلفوا جمَالهمْ. مِمَّا مَعَهم من زادهم الَّذِي هُوَ قوتهم وَانْقطع كثير مِنْهُم فِي الطرقات جوعا وتعباً وَبَلغت الويبة الشّعير إِلَى خمسين درهما فضَّة ثمَّ تزايد سعرها حَتَّى بلغت مائَة دِرْهَم وغلا عَامَّة مَا يُبَاع أَيْضا. وفيهَا أُعِيد الْبُرْهَان إِبْرَاهِيم الصنهاجي إِلَى قَضَاء الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن علم الدّين القفصي وأعيد فتح الدّين أَبُو بكر بن عماد الدّين أبي إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم جمال الدّين أبي الْكَرم مُحَمَّد بن الشَّهِيد إِلَى كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق عوضا عَن بدر الدّين مُحَمَّد ابْن مُزْهِر وأعيد الْجلَال مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عُثْمَان الزرعي إِلَى قَضَاء الشَّافِعِيَّة بحلب عوضا عَن الْكَمَال عمر بن عُثْمَان المعري وأعيد شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُهاجر إِلَى كِتَابَة السِّرّ بحلب عوضا عَن ابْن أبي الطّيب. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان الشَّيْخ أَحْمد بادار العجمي نزيل الْقَاهِرَة بالقدس وَقد عمى وأناف على السّبْعين وَكَانَت لَهُ أَحْوَال عَجِيبَة وَلِلنَّاسِ فِيهِ اعْتِقَاد. وَمَات الْأَمِير أطْلمش الدوادار أحد أُمَرَاء الألوف فِي ربيع الآخر بِدِمَشْق وَقد أخرج إِلَيْهَا على إمرة بهَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 59 وَتُوفِّي الْفَقِير المعتقد الصَّالح بن نجم بن صَالح نزيل منية السيرج فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس عشر رَمَضَان وَكَانَ يُقصد للتبرك بزيارته. وَتُوفِّي الشَّيْخ ضِيَاء الدّين عبيد الله بن سعد الله العفيفي الْقزْوِينِي الْمَعْرُوف بقاضي قرم شيخ الخانكاه الركنية بيبرس فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَالِث عشْرين ذِي الْحجَّة وَقد تصدى للتدريس على مَذْهَب الشَّافِعِي وَأبي حنيفَة وإقراء النَّحْو وَالْأُصُول وَغير ذَلِك عدَّة سِنِين وانتفع بِهِ جمَاعَة كَثِيرَة مَعَ صدق فِي الدّيانَة وتواضع وبر وَخير كثير. وَتُوفِّي الْفَقِير المعتقد عبد الله الجبرتي الزَّيْلَعِيّ فِي لَيْلَة الْجُمُعَة سادس عشر الْمحرم وقبره يزار بالقرافة. وَتُوفِّي جمال الدّين عبد الله بن مُخْتَار فِي تَاسِع صفر. وَتُوفِّي عَلَاء الدّين عَليّ بن عبد الْوَهَّاب بن عُثْمَان بن مُحَمَّد بن هبة الله بن عرب محتسب الْقَاهِرَة فِي ثَالِث عشر ذِي الْحجَّة. بِمَكَّة بعد قَضَاء الْحَج وَدفن بالمعلا. وَمَات الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن كلفت شاد الدَّوَاوِين فِي جُمَادَى الْآخِرَة وَهُوَ عَائِد من حلب إِلَى دمشق وَكَانَ عفيفاً لَا يقبل رشوة أحد. وَتُوفِّي الشَّيْخ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن عَليّ بن جَابر الهواري الأندلسي النَّحْوِيّ الأديب بحلب عَن سبعين سنة وَهُوَ عَلامَة وقته فِي الْأَدَب والنحو والتصريف مَعَ كَثْرَة الْعِبَادَة وَكَانَ هُوَ ورفيقه أَبُو جَعْفَر كالخالدين لَا يزَالَانِ سفرا وحضرا وَله مصنفات وَمن شعره: وقفتْ للوداع زينبُ لما رَحَل الركبُ والمدامعُ تُسْكَبْ. فالتقتْ بالبَنَانِ دَمعي وحُلْو سَكب دمعي على أَصَابِع زَينَب وَتُوفِّي مُسْند الْوَقْت صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن الشَّيْخ أبي عمر الْمَقْدِسِي آخر من بَقِي من أَصْحَاب ابْن البُخَارِيّ فِي شَوَّال بصالحية دمشق حدث. بِمُسْنَد أَحْمد وَغَيره. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 60 وَمَات الْأَمِير شرف الدّين مُوسَى بن مُحَمَّد بن شهرى نَائِب سيس بعد عوده من الْقَاهِرَة إِلَيْهَا وَكَانَ فَقِيها شافعياً أذن لَهُ فِي الْفتيا وَكتب الْخط الْمَنْسُوب وَله تَرْجَمَة. وَمَات الْأَمِير شرف الدّين مُوسَى بن الأزكَشِي فِي سادس عشر من ذِي الْقعدَة بالمحلة من قرى مصر بعد مَا ولي أستادارا ومشيرًا فِي الْأَيَّام الأشرفية. وَتُوفِّي الْفَقِيه المعتقد نَهَار المغربي بالإسكندرية فِي يَوْم الثُّلَاثَاء حادي عشر جُمَادَى الْآخِرَة. وَمَات الْمُقْرِئ حَافظ الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن تَاج الدّين إِبْرَاهِيم بن سنبكي بن أَيُّوب بن قراجا الْمُقْرِئ بن الْجمال يُوسُف القصيري الْحَنَفِيّ أَخذ الْقرَاءَات عَن ابْن نصحان وبرع فِي الْقرَاءَات وَغَيرهَا وَولي قَضَاء الْعَسْكَر بحلب ثمَّ بِدِمَشْق ثمَّ انْقَطع بداره حَتَّى مَاتَ عَن نَيف وَسبعين سنة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 61 فارغه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 62 (سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة) فِي حادي عشر الْمحرم: قبض على غُلَام الله مهتار - الطشت خاناه السُّلْطَانِيَّة - بَعْدَمَا أفرج عَنهُ وأعيد إِلَى خزانَة شمايل وَسبب ذَلِك أَن الْأَمِير قُرُط - مُتَوَلِّي أسوان - وجد عدَّة سيوف قد بعث بهَا من الْقَاهِرَة مَكْتُوب عَلَيْهَا غُلَام الله وَهِي مُتَوجه بهَا إِلَى أَوْلَاد الْكَنْز فأحضرها مَعَه لما قدم. وَفِي سَابِع عشره: سُمر رجلَانِ من أَوْلَاد الْكَنْز وطيف بهما الْقَاهِرَة ومصر ثمَّ وسطا وَهَذَا أَيْضا مِمَّا أوجب وَهن الدولة فَإِن قُرُط لشدَّة عسفه وَكَثْرَة عتوه أوجب خُرُوج أَوْلَاد الْكَنْز على الطَّاعَة وَكَثْرَة فسادهم حَتَّى خرجت أسوان من أَيدي الدولة ثمَّ خربَتْ. وَفِيه قبض على الْأَمِير قُرُط وصودر وَأخذ مِنْهُ مَال كثير فَإِنَّهُ كَانَ قد ساءت سيرته وشرهه فِي أَخذ أَمْوَال الرّعية ثمَّ أفرج عَنهُ. وَفِي هَذِه الْأَيَّام كثر تخوف الْعَامَّة من أَن يركب عَلَيْهِم الْأَمِير بركَة ويبذل فيهم السَّيْف ويقتلهم وَأَغْلقُوا حوانيت مَعَايشهمْ من أول اللَّيْل ثمَّ أَمر وَالِي الْقَاهِرَة بِقَبض الزعر وَالْعَبِيد فتطلبهم بعدة مَوَاضِع فازداد خوف الْعَامَّة حَتَّى نُودي على لِسَان الْأَمِير الْكَبِير برقوق بالأمان وَأَن من سخركم يَا عوام اقبضوا عَلَيْهِ واحضروا بِهِ إِلَى الْأَمِير الْكَبِير فاطمئنوا وَكَانَ برقوق دَائِما يقْصد التحبب إِلَى الْعَامَّة ويذب عَنْهُم حَتَّى أحبوه وتعصبوا لَهُ. وَفِي رَابِع عشرينه: قدم محمل الْحَاج وَقد تَأَخّر عَن عَادَته لما بالحجاج من الْمَشَقَّة. وَفِيه خلع على الْأَمِير قُرُط وَاسْتقر نَائِب الْوَجْه القبلي وخلع على وَلَده حُسَيْن بِولَايَة قوص فَانْفَرد بالتحكم فِي بِلَاد الصَّعِيد بأسرها من الجيزة إِلَى بِلَاد النّوبَة. وَفِيه خلع على الْأَمِير بَلوط الصَّرغَتْمُشى فاستقر نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن بُزْلار الناصري وَنفي بُزْلار إِلَى الشَّام. وَفِي سَابِع عشرينه: أفرج عَن غُلَام الله. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 63 وَفِي رَابِع صفر: عزل قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن أبي الْبَقَاء عَن الحكم. وَفِي هَذَا الشَّهْر اسْتَقر عز الدّين يُوسُف بن مَحْمُود بن مُحَمَّد الرَّازِيّ فِي مشيخة الخانكاه الركنية بيبرس عوضا عَن الشَّيْخ ضِيَاء الدّين القرمي وَفِي درس الحَدِيث بالمنصورية فافتضح بَين وَفِي رَابِع صفر عزل قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن أبي الْبَقَاء عَن الحكم وَخرج الْأَمِير فَخر الدّين إِيَاس أَمِير أخور على الْبَرِيد لإحضار قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة من الْقُدس. وَفِي سابعه: ألزم الطواشي مِثْقَال الجمالي الزِّمَام بِإِظْهَار ذخاير الْملك الْأَشْرَف فَدلَّ على صندوق فِي مَوضِع من الدّور السُّلْطَانِيَّة فَوجدَ فِيهِ مبلغ ثَلَاثِينَ ألف دِينَار ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَوضِع آخر فَوجدَ فِيهِ خَمْسَة عشر ألف دِينَار وبرنية بهَا جَوَاهِر مِنْهَا فص عين الهر زنته سِتَّة عشر درهما ثمَّ عُوقِبَ فَلم يعْتَرف بِشَيْء وَوجدت أوراق عِنْد بعض جواري الْملك الْأَشْرَف بِخَطِّهِ تَتَضَمَّن أَمَاكِن أَمْوَاله وتفصيلها فاعتبرت فَإِذا تِلْكَ الْأَمْوَال قد أخذت من بعده وَلم يتَأَخَّر مِنْهَا سوى مبلغ ثَلَاثِينَ ألف دِينَار وعلبة بهَا جَوَاهِر وعلبة بهَا لُؤْلُؤ عِنْد الْأَمِير طشتمر الدوادار فأفرج عَن الزِّمَام مِثْقَال. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِي عشرينه: قدم قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة من الْقُدس فَركب الْأَمِير بركَة إِلَى لِقَائِه وَبَالغ فِي التأدب مَعَه والتواضع لَهُ وَسَار بِهِ حَتَّى طلع إِلَى الْأَمِير الْكَبِير برقوق فَأَجله وَقَامَ بِوَاجِب حَقه وأنزله بصهريج الْأَمِير منجك تَحت القلعة فَلَمَّا أصبح نَهَار الْخَمِيس ثَالِث عشرينه استدعى بِهِ إِلَى حَضْرَة السُّلْطَان بقلعة الْجَبَل وخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر قَاضِي الْقُضَاة على عَادَته فِي الْأَيَّام الأشرفية وَنزل وَفِي خدمته من أُمَرَاء الدَّرك ثَلَاثَة عشر أَمِيرا مِنْهُم دوادار السُّلْطَان وَركب مَعَه قُضَاة الْقُضَاة وأعيان النَّاس وأشعلت الْقَاهِرَة لنزوله بالشموع والقناديل وَكَانَ يَوْمًا عَظِيما إِلَى الْغَايَة فِي كَثْرَة جمع النَّاس لمشاهدته فأرضى من يَوْمه شيخ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 64 الْإِسْلَام سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ وَصَالَحَهُ من نفره كَانَت بَينهمَا وَنزل لَهُ عَن وقف السيفي بالقبة المنصورية عوضا عَن تدريس الشَّافِعِي وأركبه بغلة رائعة بقماش فاخر. وَفِي هَذَا الشَّهْر: رفع أهل منوف على متوليهم عدَّة مرافعات فَطَلَبه الْأَمِير الْكَبِير برقوق وَبعث بالكشف عَلَيْهِ فعادوا عَلَيْهِ بشنايع فَضَربهُ بالمقارع وألزمه أَن يقوم للنَّاس. بِمَا أَخذ من أَمْوَالهم. وَفِيه ألزم الْأَمِير بركَة جَمِيع الْأُمَرَاء أَن يأتوه بالكلاب وَقرر على كل أَمِير عددا من الْكلاب وألزم أَرْبَاب الحوانيت أَن يحضر كل صَاحب حَانُوت كَلْبا فتتبعت الْكلاب بِالْقَاهِرَةِ ومصر وظواهرها وَقد كَانَت كثرت إِلَى الْغَايَة فِي الْأَزِقَّة والشوارع فَأخذت من كل مَوضِع وعدى بهَا النّيل إِلَى بر الجيزة فَكَانَ يُبَاع كل كلب بدرهم وقيلت فِي ذَلِك عدَّة أشعار. وَفِيه فرق الميدان تَحت القلعة على الْأُمَرَاء وألزموا بعزقه وتنظيفه فَإِنَّهُ كَانَ قد هجر مُنْذُ وَفِي رَابِع شهر ربيع الأول: أَخذ قاع النّيل فَكَانَ سِتَّة أَذْرع وَعشْرين إصبعا. وَفِي سادس عشره: خلع على الْأَمِير مُحَمَّد بن قرطاي الكركي وَاسْتقر نقيب الْجَيْش عوضا عَن عَليّ خَان بن قرمان. وَفِي ثامن عشره: قدم الْبَرِيد بِأَن أقبغا عبد الله وقُطوبُغَا جَركس وأَلْطنبغَا شادي وأسنبغا الألجاوي ثَارُوا فِي جمَاعَة من المماليك بحلب يُرِيدُونَ قتل نائبها فَلَمَّا فطن بهم ركب لحربهم وَقَاتلهمْ فانكسروا وفر أقبغا عبد الله إِلَى الْأَمِير نُعَيْر بن حيار بن مهنا فأجاره. وَفِيه ركب الْأَمِير أقبغا صيوان الْبَرِيد لإحضار الْأَمِير مُحَمَّد بن ألجبغا المظفري من دمشق واستقراره نَائِب غَزَّة عوضا عَن تغري برمش والتوجه بتغري برمش إِلَى دمشق واستقراره بهَا أَمِير مائَة مقدم ألف وَكتب باستقرار زامل بن مُوسَى ومعيقل بن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 65 فضل - وَلَدي عِيسَى بن مهنا بن مَانع بن حَدِيثَة بن غضية بن فضل بن ربيعَة - فِي إمرة الْعَرَب عوضا عَن الْأَمِير قار بن مهنا بعد مَوته. وَفِي تَاسِع عشره: قدم قَاصد الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد نعير بن حيار يسْأَل فِي إمرة الْعَرَب وَأَن ينعم على أقبغا عبد الله بن مُحَمَّد بنيابة بعض الْأَطْرَاف فَقبض عَلَيْهِ وسجن بالبرج من القلعة. وَفِيه سَار الْبَرِيد بإحضار الْأَمِير أَشَقتمُر. وَفِي هَذَا الشَّهْر: اسْتَقر شمس الدّين مُحَمَّد الركراكي فِي تدريس الْمَالِكِيَّة بخانكاه شَيْخو بعد موت ابْن مَرْزُوق وَاسْتقر جمال الدّين مَحْمُود الْمُحْتَسب فِي تدريس الحَدِيث بِالْمَدْرَسَةِ الصَّرْغَتْمُشية عوضا عَن ابْن مَرْزُوق وَاسْتقر شَيخنَا أَبُو البركات عوضه فِي تدريس القمحية. وَفِي أول شهر ربيع الآخر: ركبت سلسلة على فَم قنطرة الخور وعَلى قنطرة الْفَخر. بموردة الْجَيْش لمنع مراكب المتفرجين من دُخُول الخليج الناصري وبركة الرطلي من أَرَاضِي الطبالة بِقِيَام الشَّيْخ مُحَمَّد صَائِم الدَّهْر فِي ذَلِك. وَفِي ثامن عشره: توجه الْأَمِير سودن باشاه دوادار الْأَمِير بركَة إِلَى مَكَّة لعمارة الْحرم وأجرى عين عَرَفَة. وَفِي تَاسِع عشره: كبست بيُوت كَثِيرَة بحارة الأسرى خَارج مَدِينَة مصر وأريقت خمور كَثِيرَة جدا على يَد الْأَمِير مَأْمُور حَاجِب الْحجاب. وَفِي عشرينه - وَهُوَ ثَالِث عشر مسرى -: فتح الخليج بعد الْوَفَاء على يَد الْأَمِير بركَة. وَفِيه أراق الْأَمِير بركَة خمرًا كثيرا من بيُوت الأقباط. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 66 وَفِي سادس عشرينه: ورد الْخَبَر بِأَن عربان الصَّعِيد كبسوا على الْأَمِير قرط وَقتلُوا من عسكره سبعين فَارِسًا فحاربهم وَهَزَمَهُمْ. وَفِي أول جُمَادَى الأولى: قدم الْأَمِير أشقتمر المارديني من الْقُدس فَركب الأميران بركَة وبرقوق إِلَى لِقَائِه بالريدانية وترجلا لَهُ فَنزل إِلَيْهِمَا وَسلم عَلَيْهِمَا وَسَار مَعَهُمَا إِلَى القلعة فأنزله الْأَمِير برقوق وَقَامَ لَهُ. بِمَا يَلِيق بِهِ. وَفِيه خلع على الْأَمِير سودن الشيخوني وَاسْتقر حاجبا ثَالِثا. وَفِي يَوْم الْخَمِيس رابعه: خلع على الْأَمِير أشقتمر وَاسْتقر فِي نِيَابَة حلب. وخلع عَلَيْهِ من الْغَد خلعة السّفر فَركب الْبَرِيد فِي لَيْلَة الْأَحَد سابعه وَتوجه إِلَى حلب. وَكتب. بمجيء تمرباي من حلب إِلَى الْقُدس وإقامته بهَا. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامنه: خلع على قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين جَار الله الْحَنَفِيّ ورسم لَهُ أَن يلبس الطرحة فِي أَيَّام الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة كَمَا يلبسهَا قَاضِي الْقُضَاة الشَّافِعِي وَأَن يَسْتَنِيب عَنهُ فِي أَعمال مصر قبليها وبحريها قُضَاة حنفية وَأَن يتَّخذ لأيتام الْحَنَفِيَّة مودعا يودع فِيهِ أَمْوَالهم حَتَّى لَا يخرج مِنْهَا زَكَاة فشق ذَلِك على قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة وتحدث فِي إبِْطَال ذَلِك فعقد مجْلِس عِنْد الْأَمِير برقوق الْكَبِير بِسَبَب ذَلِك فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ خَامِس عشره حَضَره الْأُمَرَاء والقضاة ومشايخ الْعلم - إِلَّا البُلْقِينِيّ - فَقَامَ الشَّيْخ أكمل الدّين شيخ خانكاه شيخو فِي إبِْطَال مَا أَرَادَ الْجَار بإحداثه قيَاما بَالغا مَعَ الْأَمِير الْكَبِير وَدَار بَينه وَبَين الْجَار فِي ذَلِك كَلَام غير لَائِق فتم للأكمل مَا أَرَادَ ورسم. بِمَنْع الْجَار مِمَّا طلبه وَكَانَ الْفَقِير الْمُعْتَمد خلف الطوخي قد اجْتمع بالأمير الْكَبِير برقوق بالْأَمْس وَكَلمه فِي إبِْطَال ذَلِك وَبَالغ مَعَه فِيهِ. حَتَّى قَالَ لَهُ: إِن لم ترجع وَإِلَّا بَيْننَا وَبَيْنك سِهَام اللَّيْل فانفعل الْأَمِير الْكَبِير لكَلَامه وَخَافَ عاقبته. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشرينه: خلع على قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة وَاسْتقر على عَادَته وَألا يخرج شَيْء عَن حكمه وَهَذِه مرّة ثَانِيَة سعى الْعَجم فِي إِفْرَاد مُودع للحنفية وَولَايَة قُضَاة حنفية بأعمال مصر. فَلم ينجح سَعْيهمْ الأولى فِي ولَايَة السراج الْهِنْدِيّ عاقه عَن إِتْمَامه مَرضه حَتَّى مَاتَ وَثَانِيها هَذِه فكثرت الشناعة بِأَنَّهُم أَرَادوا منع الزَّكَاة وقيلت فِي ذَلِك أشعار كَثِيرَة. وَفِي ثَالِث عشرينه: كتب باستقرار الْأَمِير حطط فِي نِيَابَة حماة وخلع على قراجا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 67 العلاى أحد مقدمي الْحلقَة وَاسْتقر فِي ولَايَة الجيزة بإمرة عشرَة. وَفِي أَوَائِل جُمَادَى الْآخِرَة: فاض الخليج الناصري وَأغْرقَ عدَّة بساتين وَأغْرقَ كوم الريش وَمَا حول تِلْكَ الْأَرَاضِي بِحَيْثُ صَارَت لجة مَاء. وَفِي خامسه: أفرج عَن الْأَمِير بيدمر الْخَوَارِزْمِيّ من سجن الْإسْكَنْدَريَّة وَتوجه ليقيم بالقدس. وَفِي تاسعه: قدم الْأَمِير أقبغا عبد الله طَائِعا فَخلع عَلَيْهِ. وَاسْتقر نَائِب غَزَّة بعد وَفَاة مُحَمَّد بن وَفِيه خلع على مُحَمَّد بن أياز الدوادارى وَاسْتقر فِي نِيَابَة الْوَجْه القبلي عوضا عَن قرط. وخلع على أَحْمد بن غرلو وَاسْتقر فِي ولَايَة البهنسا وكل ذَلِك. بِمَال التزما بِهِ. وانتهت زِيَادَة مَاء النّيل إِلَى إِصْبَعَيْنِ من عشْرين ذِرَاعا ورسم لقَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين جَار الله الْحَنَفِيّ بعزل نائبين من نوابه بِالْقَاهِرَةِ وهما جمال الدّين عبد الرَّحِيم بن الْوراق وزين الدّين السكندري أما ابْن الْوراق فَإِن امْرَأَة اعْترفت عِنْده بِانْقِضَاء عدتهَا بسقط تخلق فَحكم بِهِ ثمَّ ادَّعَت ثَانِيًا بعد ذَلِك على مُطلقهَا عِنْده أَنَّهَا حَامِل مِنْهُ فقرر عَلَيْهِ فرض الْحمل وَهَذَا غير مذْهبه. وَأما السكندري فَإِن رجلا احتمى بِهِ خوفًا بَطش الْأَمِير مَأْمُور الْحَاجِب كَمَا جرت الْعَادة بِأَن من خَافَ جور من يعتدي عَلَيْهِ يركن إِلَى قَاض من الْقُضَاة فَيصير فِي حماية الشَّرْع النَّبَوِيّ مَا أَقَامَ وَلَا يَجْسُر أحد على أَخذه من ذَلِك القَاضِي احتراما لَهُ وتعظيما لحُرْمَة الدّين فَشكى الْأَمِير مَأْمُور ذَلِك إِلَى الْأَمِير الْكَبِير برقوق فرسم بعزله وَطلب الرجل المحتمي بِالْقَاضِي وضربه ضربا مبرحا بالمقارع هُوَ وَولده وشهرهما بِالْقَاهِرَةِ وَنُودِيَ عَلَيْهِمَا: هَذَا جَزَاء من يتجاهى على الْحَاجِب. فَكَانَ هَذَا أَيْضا من الْحَوَادِث الَّتِي لم تعهد واتضع بهَا جَانب الْقُضَاة وانبسطت أَيدي الْحجاب فِي الْأَحْكَام. بِمَا تهوى أنفسهم وزين لَهُم شيطانهم بِغَيْر علم وَلَا دين يزعهم. وَفِي شهر رَجَب: اتّفقت حَادِثَة مستغربة وَهِي أَن بعض من يتكسب بتحمل الشَّهَادَة بجلوسه فِي حوانيت الشُّهُود من رحبة بَاب الْعِيد بِالْقَاهِرَةِ يعرف بالشهاب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 68 أَحْمد بن الفيشي من الْحَنَفِيَّة دخل إِلَى منزله بِالْقربِ من الْجَامِع الْأَزْهَر فَسمع صَوتا من جِدَار بَيته يَقُول لَهُ: اتَّقِ الله وعاشر زَوجتك بِالْمَعْرُوفِ فَظن أَن هَذَا من الجان فَإِنَّهُ لم ير شَيْئا وَحدث أَصْحَابه بذلك فصاروا مَعَه إِلَى بَيته فَسَمِعُوا الْكَلَام من الْجِدَار فسألوا عَمَّا بدا لَهُم فأجابهم الْمُتَكَلّم من غير أَن يرَوا شَيْئا فغلب على ظنهم أَن هَذَا من الجان وأشاعوه فِي النَّاس فارتجت الْقَاهِرَة ومصر وَأَقْبل النَّاس من كل جِهَة إِلَى بَيت ابْن الفيشي لسَمَاع كَلَام الْحَائِط وصاروا يحادثون الْحَائِط بزعمهم ويحادثهم فَكثر بَين النَّاس قَوْلهم: يَا سَلام سلم الْحَائِط بيتكلم وَكَاد النَّاس أَن يفتتنوا بِهَذَا وجلبوا إِلَى ذَلِك الْجِدَار من الطِّبّ شَيْئا كثيرا وَحَضَرت الْعَذْرَاء من خدرها إِلَيْهِ. فَركب محتسب الْقَاهِرَة جمال الدّين مَحْمُود العجمي إِلَى بَيت ابْن الفيشي هَذَا ليختبر مَا يُقَال ووكل بِابْن الفيشي أحد أعوانه فَإِذا بِالْبَيْتِ مُرْتَفع وَتَحْته إصطبل فِيهِ بعض الأجناد فَوكل بِهِ أَيْضا وطلع إِلَى عِنْد الْحَائِط وحدثه فحادثه فَأمر بهدم الْحَائِط فَقَالَ لَهُ: اخرب فَإِنَّهُ مَا ينزل على شَيْء وَلَا أُبَالِي لَا فَلَمَّا هدم الْحَائِط لم ير شَيْئا فَعَاد إِلَى بَيته وَقد كثر تعجبه وازدادت فتْنَة النَّاس بِالْحَائِطِ وَأخذ الْمُحْتَسب مَعَ أَصْحَابه فِي ذكر ذَلِك فَبعث من يكْشف لَهُ الْخَبَر: هَل انْقَطع الْكَلَام بعد تخريب الْحَائِط أَو لَا فَوَجَدَهُ قاصده يتَكَلَّم كَمَا كَانَ قبل خرابه فتحير من ذَلِك وَكَانَ هَذَا الْمُحْتَسب شهما جريئًا قد مارس الْأُمُور وحلب الدَّهْر أشطره ولاحظته مَعَ ذَلِك السُّعُود فَلَا يَتَحَرَّك حَرَكَة إِلَّا حمد عَلَيْهَا وَلَا بَاشر جِهَة وقف إِلَّا عمر خرابه وَأنْفق على مستحقيه معاليمهم بعد تَأَخّر صرفهَا لَهُم. وَإِذا بَاشر حسبَة الْقَاهِرَة رخت الأسعار فَإِذا عزل ارْتَفَعت فتقف الْعَامَّة وتطلب عوده لسعادة جده ويمن إقباله. وَمَعَ ذَلِك فَكَانَ كَمَا قيل نفس عِصَام سودت عصاما فَلَمَّا عَاد قاصده إِلَيْهِ أخبرهُ بِأَن الْكَلَام مُسْتَمر قَامَ من فوره وَمَعَهُ عدَّة من أَصْحَابه حَتَّى جَلَسُوا عِنْد الْجِدَار وَأخذُوا فِي قِرَاءَة شَيْء من الْقُرْآن ثمَّ طلب صَاحب الْبَيْت وَقَالَ لَهُ: قل لهَذَا الْمُتَكَلّم: القَاضِي جمال الدّين يسلم عَلَيْك. فَقَالَ: يَا سَيِّدي الشَّيْخ القَاضِي يسلم عَلَيْك. فَقَالَ الْجِدَار: وَعَلِيهِ السَّلَام وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. فَقَالَ الْمُحْتَسب: قل لَهُ إِلَى مَتى هَذَا الْفساد. فَأَجَابَهُ: إِلَى أَن يُرِيد الله تَعَالَى فَقَالَ لصَاحب الْبَيْت: قل لَهُ: هَذَا الَّذِي تَفْعَلهُ فتْنَة للنَّاس وَهَذَا مَا هُوَ جيد. فَأَجَابَهُ: مَا بَقِي بعد هَذَا كَلَام وَسكت وهم يَقُولُونَ لَهُ يَا سَيِّدي الشَّيْخ فَلم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 69 يكلمهم بعْدهَا. وَكَانَ فِي صَوته غلظ يُوهم أَنه لَيْسَ بِكَلَام إنس فَلَمَّا أيس من مكالمته قَامَ عَنهُ وَقد اشتدت فتْنَة النَّاس بِالْحَائِطِ حَتَّى كَادُوا يتخذوه معبودا لَهُم وغلوا فِيهِ كعادتهم وَزَعَمُوا لَهُ مَا شَاءُوا من ترهاتهم وَكَانَ ذَلِك يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشره. ثمَّ ذَلِك عَاد إِلَى الحَدِيث مَعَ النَّاس فَنزل إِلَيْهِ عدَّة من الْأُمَرَاء والأعيان وحملوا إِلَيْهِ المأكل وَغَيرهَا إِلَى يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَالِث شعْبَان والمحتسب يدبر فِي كشف هَذِه الْحِيلَة. ودس إِلَى الفيشي من استدرجه حَتَّى اعْترف بِأَنَّهَا حِيلَة فَركب الْمُحْتَسب فِي يَوْمه وَمَعَهُ جمَاعَة إِلَى بَيت الفيشي وَقبض عَلَيْهِ وعَلى امْرَأَته وعَلى فَقير عِنْدهم للنَّاس فِيهِ اعْتِقَاد يعرف بالركن عمر وَعَاد بهم إِلَى دَاره وَمَا زَالَ وَالْمَرْأَة إِلَى أَن أعلمته أَنَّهَا هِيَ الَّتِي كَانَت تَتَكَلَّم وَسبب ذَلِك أَن ابْن الفيشي زَوجهَا كَانَ يسيء عشرتها فاحتالت عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْحِيلَة توهمه بِأَن الجان توصيه بهَا فتمت حيلتها عَلَيْهِ وانفعل لَهَا فأعلمته. بِمَا كَانَ مِنْهَا فَرَأى أَن تستمر على ذَلِك لينالا بِهِ جاها ومالا فوافقته على ذَلِك حَتَّى كَانَ مَا كَانَ. فَركب وَأعلم الْأَمِير الْكَبِير بقول الْمَرْأَة وَأَخذهَا وَزوجهَا وَالشَّيْخ عمر مَعَه فَضرب الْأَمِير الْكَبِير الرجلَيْن بالمقارع وَضرب الْمَرْأَة بالعصى نَحوا من سِتّمائَة ضَرْبَة وَأمر بهم فسمروا ثَلَاثَتهمْ على جمال وشهروا بِالْقَاهِرَةِ ومصر فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ هَذَا فَكَانَ يَوْمًا شنيعا عظم فِيهِ بكاء النَّاس على الْمَرْأَة فَإِنَّهَا أركبت على الْجمل ومدت يداها وسمرتا فِي الْخشب وَهِي بإزارها ونقابها وَلم وَاتفقَ نزُول المحسب بخلعة خلعت عَلَيْهِ فَكثر دُعَاء الْعَامَّة امتعاضا عَلَيْهَا - أَي على الْمَرْأَة. وَكَانَ قبل ذَلِك قد طلع ابْن الفيشي هَذَا إِلَى الْأَمِير الْكَبِير وعَلى رَأسه طيلسان وصوف وَقدم لَهُ شَيْئا من كعك قَالَ لَهُ: الشَّيْخ مُحَمَّد شيخ الْحَائِط أرسل لَك هَذَا وَأخذ بِيَدِهِ يَد الْأَمِير وَقبض عَلَيْهَا وهزها وَقَالَ لَهُ: اتَّقِ الله وَأَعْدل فِي الرّعية. فانفعل بِكَلَامِهِ وَمَشى ذَلِك عَلَيْهِ ثمَّ طلع إِلَيْهِ بعده الشَّيْخ عمر الرُّكْن وَكَانَ مَشْهُورا قد انْقَطع بسطح جَامع عَمْرو بن الْعَاصِ من مصرا نَحْو من ثَلَاثِينَ سنة وَالنَّاس تَتَرَدَّد إِلَيْهِ مَا بَين أَمِير وَرَئِيس وَغير ذَلِك ويلتمسون بركَة دُعَائِهِ إِلَى أَن اشْتهر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 70 كَلَام الْحَائِط فَأتى إِلَى ابْن الفيشي وَلَزِمَه وَجمع عَلَيْهِ النَّاس فَلَمَّا رَآهُ الْأَمِير الْكَبِير أكْرمه وَأخذ هُوَ فِي خزعبلاته وَانْصَرف فَلَمَّا طلع بهما إِلَيْهِ الْمُحْتَسب اشْتَدَّ غَضَبه عَلَيْهِمَا لما تبين لَهُ من محرفتهما وانكشفا عَن حِيلَة شنيعة أوقع بهما مَا أوقع. وَمِمَّا اتّفق فِي هَذِه الْحَادِثَة أَن امْرَأَة ابْن الفيشي هَذِه رَأَتْ فِي منامها قبل هَذِه الْحَادِثَة بأيام أَنَّهَا تخْطب على مِنْبَر فعبره لَهَا بعض من عاصرناه من حذاق المعبرين بِأَنَّهُ يحصل لَهَا شهرة قبيحة فَإِن الْمَرْأَة لَيْسَ من شَأْنهَا ركُوب المنابر وتعاطي الْخطب فَكَانَ كَذَلِك وَركبت الْجمل يَوْمًا وَفِي سادس عشرينه: اسْتَقر الْأَمِير كرجي فِي ولَايَة الشرقية عوضا عَن عَليّ القرمي وَأخرج من السجْن حَتَّى خلع عَلَيْهِ. بِمَال الْتزم بِهِ. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ رَابِع عشرينه: ركب الْأَمِير الْكَبِير برقوق من الحراقة حَيْثُ سكنه من الإصطبل وَمضى نَحْو مطعم الطُّيُور الْجَوَارِح بالريدانية خَارج الْقَاهِرَة. وَكَانَ الْأَمِير إينال اليوسفي - أَمِير سلَاح - قد انْقَطع بداره على أَنه مَرِيض وَنزل الْأَمِير الْكَبِير حَتَّى عَاده فَركب وَمَعَهُ الْأَمِير سودن جركس المنجكي والأمير صصلان الجمالي والأمير سودن النوروزي والأمير جمق الناصري فِي عمق من المماليك وَقصد إِلَى الإصطبل فطلع إِلَى الحراقة وَملك بَيت الْأَمِير الْكَبِير برقوق وَقبض على الْأَمِير جركس الخليجي فَمَال أَصْحَابه على مَا هُنَاكَ من الْعدَد والآلات وَالْأَمْوَال ينهبوها وَبعث إينال بقماري الخازندار فِي طلب السُّلْطَان لينزل إِلَى الإصطبل فَلم يُوَافقهُ على ذَلِك فألبس من بالإصطبل من مماليك برقوق السِّلَاح وَوَعدهمْ بأموال جمة ينفقها فيهم وَأمر بالكوسات فدقت حَرْبِيّا بالطلخاناه من القلعة. وطار الْخَبَر إِلَى الْأَمِير برقوق فأيس من الْحَيَاة وَكَاد ينهزم إِلَّا أَن الْأَمِير أيتمش البجاسي شجعه وَعَاد بِهِ إِلَى بَيته تَحت القلعة وأنزله فِيهِ وَجمع عَلَيْهِ مماليكه وألبسهم آلَة الْحَرْب. وَركب بِهِ فِي عدَّة وافرة وَخرج مَعَه من بَاب الْوَزير يُرِيد القلعة فَلم يشْعر إينال حَتَّى وافاه وَقد تفرق عَنهُ أَصْحَابه فِي نهب مَا وجدوه وغصت الرميلة تَحت القلعة بالعامة فَهموا برجمه ظنا مِنْهُم أَن أيتمش قد خامر مَعَ إينال عصبية مِنْهُ للأمير برقوق. فصاح بهم أيتمش يَا جمَاعَة هَذَا أخوكم برقوق مَعنا وَأَشَارَ إِلَيْهِ وَقد تلثم فَقَالُوا: حَتَّى نرى وَجهه فأماط لثامه وَقَالَ لَهُم: يَا إخوتي هَذَا وَقت الْمُرُوءَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 71 والعصبية وَكَانَ كثير الدهاء وَالْمَكْر فثاروا ثورة وَاحِدَة وصرخوا جَمِيعًا: امش قدامنا. فَسَار وهم حوله كالجراد الْمُنْتَشِر حَتَّى وقف على بَاب سر الإصطبل أضرموا فِيهِ النَّار وأحرقوه وتسلق الْأَمِير قرط الكاشف وَقد لحق ببرقوق وَنزل إِلَى الإصطبل حَتَّى فتح الْبَاب فَدَخَلُوا مِنْهُ جَمِيعًا وقاتلوا أَصْحَاب إينال فَمَال مَعَهم من كَانَ من أَصْحَاب برقوق هُنَاكَ فَاشْتَدَّ الْقِتَال وجرح الْأَمِير إينال فِي عُنُقه بِسَهْم رمى بِهِ فَانْهَزَمَ إِلَى بَيته فَبعث الْأَمِير برقوق من قبض عَلَيْهِ وَحمله إِلَيْهِ وسجنه. وَهَذَا والأمير بركَة غَائِب فِي الصَّعِيد وتتبع الْأَمِير برقوق أَصْحَاب إينال فَقبض عَلَيْهِم وَنُودِيَ فِي الْقَاهِرَة على مماليك إينال فَقبض مِنْهُم على عدَّة. وَحمل الْأَمِير إينال مُقَيّدا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة هُوَ وسودن جركس وسجنا بهَا وفر برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن اللبان فِي هَذِه الْوَاقِعَة إِلَى بِلَاد التكرور وذُلك أَنه كَانَ قد قبض عَلَيْهِ بِسَبَب مَال الْأَمِير قرطاي ثمَّ أفرج عَنهُ. فَلَمَّا ملك إينال الإصطبل صعد إِلَيْهِ وأسمع الْأَمِير جركس مَا وَفِي ثامن عشرينه: قدم الْأَمِير بركَة من سرحة الْبحيرَة فَخرج الْأَمِير الْكَبِير برقوق وتلقاه فَنزلَا جَمِيعًا عَن فرسيهما وتعانقا فَرحا بالسلامة وعادا فَأمر بزينة الْقَاهِرَة ومصر فزينتا. وَفِيه قبض على الْأَمِير جمق - أحد العاشرات - وعَلى الْأَمِير أزبك وسجنا وَأخرج الْأَمِير قطلوبغا الكوكاي منفيا إِلَى الشَّام. وَفِي ثَانِي شهر رَمَضَان: أنعم على كل من يذكر بإمرة طبلخاناه وهم الْأَمِير قرط ابْن عمر التركماني وشاهين الصرغتمشى ومجلس النوروزي وطوجى العلاي وقردم الحسني وأنعم على كل مِمَّن يذكر بإمرة عشرَة وهم: أقبغا الناصري - رَأس نوبَة الْأَمِير برقوق - وكمشبغا وبكبلاط الصَّالِحِي وطوجى. وَكتب باستقرار الْأَمِير منكلي الْبَلَدِي فِي نِيَابَة طرابلس عوضا عَن يلبغا الناصري ورسم بإحضار الناصري إِلَى قلعة الْجَبَل. وَفِي يَوْم السبت سابعه: شهر رجلَانِ بَعْدَمَا ضربا وأركبا جملا وَظهر أَحدهمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 72 إِلَى ظهر الآخر وَنُودِيَ عَلَيْهِمَا بِالْقَاهِرَةِ ومصر: هَذَا جَزَاء من يتحدث فِيمَا لَا يعنيه. وَكَانَ سَبَب ذَلِك أَن أَحدهمَا يعرف بالكمال ابْن بنت الخروبي من أهل مصر مَعْرُوف بقلة الْعقل والفقر من المَال تحدث مَعَ الْأَمِير خضر رَأس نوبَة الْأَمِير بركَة أَن يسْتَقرّ فِي الوزارة وَعين رجلا من آحَاد معلمي المماليك الْقِرَاءَة لنظر الدولة وَعين رجلا من آحَاد الْجند يُقَال لَهُ كراي بن خَاص ترك لشد الدَّوَاوِين وَعين آخر لنظر الْجِهَات وَآخر من أَطْرَاف الْعَامَّة لتقدمة الدولة ووعد على ذَلِك بِمَال عَظِيم وَضمن تكفية الدولة سِتَّة أشهر فأتقن خضر الْأَمر مَعَ أستاذه الْأَمِير بركَة حَتَّى لم يبْق إِلَّا وُقُوع ذَلِك فِي الْخَارِج وجهز لَهُ تشريف الوزارة فَفطن بِهِ الْوَزير وَجَمَاعَة الخراربة التُّجَّار وَقد بَلغهُمْ عَنهُ أَنه عينهم فِيمَن عين لأخذ أَمْوَالهم وَعرفُوا أهل الدولة بِحَالهِ فَقبض عَلَيْهِ الْأَمِير الْكَبِير برقوق وضربه وجرسه هُوَ ورفيقه وفر بَقِيَّة أَصْحَابه. وَفِي عاشره: قدم الْأَمِير يلبغا الناصري وأنعم عَلَيْهِ بإقطاع الْأَمِير إينال وَاسْتقر أَمِير سلَاح. وَفِي تَاسِع عشرينه: خلع على مُحَمَّد بن طاجار وَاسْتقر فِي ولَايَة الغربية عوضا عَن أيدمر السيفي وخلع على خَان وَاسْتقر فِي ولَايَة قوص. وَفِي سَابِع شَوَّال: خلع على مُحَمَّد بن الجلبي وَاسْتقر فِي ولَايَة منفلوط عوضا عَن. بيرم كل ذَلِك بِمَال التزموا بِالْقيامِ بِهِ من مظالم الْعباد. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس عشره: قبض على رجل ادّعى النُّبُوَّة وَأَنه النَّبِي الْأُمِّي وَأَنه مُصدق بنبوة نَبينَا. وَزعم أَن حُرُوف الْقُرْآن تنطق لَهُ مَعَ أَنه أُمِّي وَأَن الَّذِي يَأْتِيهِ بِالْوَحْي جِبْرَائِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل وعزرائيل ورضوان وَمَالك ودرديائيل وَزعم أَنه عَرَبِيّ من مصر وَأَنه أرسل بقتل الْكَفَرَة وَأَن التّرْك يحكموه ويملكوه عَلَيْهِم وَأَنه أنزل عَلَيْهِ الْقُرْآن فسجن عِنْد المجانين بالمارستان ثمَّ أخرجه الْأَمِير بركَة وَسَأَلَهُ عَن نبوته فَأخْبرهُ فَأمر بِهِ فَضرب حَتَّى رَجَعَ عَن. قَوْله ثمَّ أفرج عَنهُ بعد أَيَّام وَكنت أرَاهُ زَمَانا طَويلا وَله سمت وينمسة وحَدثني عَنهُ بعض الثِّقَات أَنه كَانَ يَتْلُو عَلَيْهِ من قرآنه لنَفسِهِ بِهِ ثمَّ فقدناه. وَفِي ثَانِي عشرينه: عوقبت دادة السُّلْطَان حَتَّى أظهرت قبع السُّلْطَان الَّذِي عمله لَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 73 أَبوهُ الْملك الْأَشْرَف عِنْد ختانه وطراز ذهب وطشت من ذهب وَهَذِه الثَّلَاثَة مرصعة بجواهر نفيسة وأظهرت أَيْضا تَرِكَة أم السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور عَليّ. وَفِيه خرج الْأَمِير تمربغا الْحَاجِب على الْبَرِيد بتقليد الْأَمِير نُعَيْر بن حيار بن مهنا إمرة الْعَرَب عوضا عَن زامل ومُعَيقْلِ. وَفِيه أخرج أسنبُغَا القوصوني من أُمَرَاء العشرات منفيا. وَفِيه أَرَادَ الْأَمِير بركَة أَخذ مَال أَوْلَاد ابْن سَلام التَّاجِر وَأَوْلَاد ابْن الْأنْصَارِيّ وَكَانَ شَيْئا كثيرا فَركب إِلَيْهِ قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة وَمَا زَالَ بِهِ حَتَّى رَجَعَ عَن ذَلِك. وَفِي أول ذِي الْقعدَة: رسم بإحضار الْأَمِير بزلار الَّذِي كَانَ مُتَوَلِّي الْإسْكَنْدَريَّة. وَفِيه قَامَ الْمُحْتَسب جمال الدّين العجمي على الشَّيْخ زين الدّين عمر بن مُسلم بن سعيد بن عمر الْقرشِي وَكَانَ قد قدم من دمشق وَعمل ميعادا للوعظ بالجامع الْأَزْهَرِي وَظهر عَن حفظ جم للأحاديث النَّبَوِيَّة وَتَفْسِير الْقُرْآن الْعَزِيز من أجل أَنه اتهمَ بِأَن لَازم مَا يُورِدهُ من الْأَحَادِيث أَنه يثبت الصِّفَات الإلهية وَأقَام شخصا ادّعى عَلَيْهِ بِشَيْء من هَذَا ورسم عَلَيْهِ وعَلى وَلَده عدَّة أَيَّام فَقَامَ قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة فِي نصرته وكف يَد الْمُحْتَسب عَنهُ وَمنعه من التَّعَرُّض لَهُ. وَفِي عشرينه: قدم الْأَمِير بزلار. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع عشرينه. طلب الْأَمِير بركَة الوزراء المعزولين وهم: كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن الرويهب وكريم الدّين شَاكر بن غَنَّام وكريم عبد الْكَرِيم بن مكانس وَقد ظهر من اختفائه. وَأمر بِابْن الرويهب فنزعت عَنهُ ثِيَابه ليضربه ثمَّ أعَاد ثِيَابه عَلَيْهِ وَلم يضْربهُ وَأخرجه منفيا إِلَى طرسوس وجرد ابْن مكانس من ثِيَابه وضربه عُريَانا بالمقارع نَحْو الْعشْرين شيبا وألزم ابْن غَنَّام. بِمَال فَكتب خطه أَن كل مَا يملكهُ فَهُوَ للسُّلْطَان وَكَانَ للأمير أيتمش البجاسي بِهِ عناية فَلم يَأْخُذ مِنْهُ شَيْء وَأخرج إِلَى الْقُدس منفيا. ثمَّ أفرج عَن ابْن مكانس بشفاعة الْأَمِير يلبغا الناصري فِيهِ. واتهم الْوَزير الْمَالِكِي بِأَنَّهُ الْحَامِل للأمير بركَة على هَذَا. وَقدم الْبَرِيد بتجمع التراكمين لقصد أَخذ ملطة فَركب الْأَمِير طاش الْبَرِيد لكشف الْخَبَر. وَفِي يَوْم السبت ثَانِي ذِي الْحجَّة: خلع على مُحَمَّد بن سُلَيْمَان - من مقدمي الْحلقَة - الجزء: 5 ¦ الصفحة: 74 وَاسْتقر فِي ولَايَة الأشمونين وعَلى أسنبغا المنجكي وَاسْتقر فِي ولَايَة الفيوم عوضا عَن الرُّكْن. وَسلم الرُّكْن للمقدم سيف ليستخلص مِنْهُ المَال. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَالِث عشره: خلع على بهاء الدّين باد الْكرْدِي - أحد الطبردارية - وَاسْتقر فِي ولَايَة الْقَاهِرَة عوضا عَن الْأَمِير حسام الدّين حُسَيْن عَليّ بن الكوراني وَسلم حُسَيْن لشاد الدَّوَاوِين على مَال فَبَاعَ ثِيَابه ثمَّ أفرج عَنهُ فِي خَامِس عشره. وَفِي يَوْم السبت سادس عشره: استعفى الْأَمِير أيتمش البجاسي من نظر خانكاه سرياقوس فأعفى وخلع على الْأَمِير مَأْمُور الْحَاجِب وَاسْتقر عوضه فِي نظرها. وَفِي عشرينه: خلع على معِين الدّين مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي بكر الدماميني السكندري وَاسْتقر فِي نظر الْأَسْوَاق عوضا عَن علم الدّين بن غَنَّام. وَفِي ثَالِث عشرينه: خلع على بيرم وَاسْتقر فِي ولَايَة الغربية عوضا عَن مُحَمَّد بن طاجار وخلع على الْأَمِير قادوس وَاسْتقر فِي ولَايَة الأشمونين عوضا عَن مُحَمَّد بن العادلي وخلع على ابْن العادلي وَاسْتقر فِي ولَايَة منوف عوضا عَن أبي بكر بن خطاب كل ذَلِك. بِمَال يقومُونَ بِهِ إِذا صَارُوا إِلَى الْأَعْمَال فَكَانُوا يجبونَ النَّاس من أهل النواحي أَولا ويسمون ذَلِك الْقدوم فيفرض الْوَالِي على كل بلد قدرا من المَال ثمَّ إِذا جبى ذَلِك أَخذ فِي تَحْصِيل المَال من الْمَظَالِم وبينما هُوَ فِي ذَلِك إِذْ اسْتَقر غَيره فِي عمله. بِمَال الْتزم بِهِ فَيقبض عَلَيْهِ ويحاط. بِمَالِه من خيل وخام وَثيَاب وآلات وَغير ذَلِك مِمَّا قد استدانه بأضعاف ثمنه ويُعاقب على بَقِيَّة مَا تَأَخّر عَلَيْهِ. فعندما يجد وَهُوَ فِي الْعقُوبَة سَبِيلا إِلَى عوده إِلَى عمله أَو عمل آخر وعد. بِمَال وَاسْتمرّ فِيهِ وسلط على النَّاس بسفك دِمَائِهِمْ وبضرب أبشارهم وبأخذ مَالهم فَأخذ إقليم مصر فِي الاختلال بِهَذَا السَّبَب. وَفِي هَذَا الشَّهْر: جرت عين الْأَزْرَق المستمدة من عين ثقبة وَعين ابْن رَخَم من عَرَفَة إِلَى البركتين خَارج بَاب المعلاة. بِمَكَّة المشرفة. واستجدت ميضأة عِنْد بَاب بني شيبَة وَربع وحوانيت وأصلحت زَمْزَم وَحجر إِسْمَاعِيل والميزاب وسطح الْكَعْبَة. كل ذَلِك على يَد الْأَمِير باشاه دوادار الْأَمِير بركَة. وَفِيه حضر إِلَى الْقَاهِرَة طَائِفَة مَا بَين رجال وَنسَاء ذْكروا أَنهم ارْتَدُّوا عَن الْإِسْلَام الجزء: 5 ¦ الصفحة: 75 وَقد كَانُوا قبل ذَلِك على النَّصْرَانِيَّة يُرِيدُونَ بارتدادهم التَّقَرُّب إِلَى الْمَسِيح بسفك دِمَائِهِمْ فَعرض عَلَيْهِم الْإِسْلَام مرَارًا فَلم يقبلُوا وَقَالُوا: إِنَّمَا جِئْنَا لنتطهر ونتقرب بنفوسنا إِلَى السَّيِّد الْمَسِيح فَقدم الرِّجَال تَحت شباك الْمدرسَة الصالحية بَين القصرين وضُربت أَعْنَاقهم وَعرض الْإِسْلَام على النِّسَاء فأبين أَن يسلمن فأخذهن القَاضِي الْمَالِكِي إِلَى تَحت القلعة وَضرب أعناقهن فشنّع الْفُقَهَاء على القَاضِي الْمَالِكِي ضرب أَعْنَاق النِّسَاء وأنكروا عَلَيْهِ ذَلِك. وَفِيه قدم أَيْضا بعض رُهْبَان النَّصَارَى وقدح فِي الْإِسْلَام وأصر على قبيحه فَضربت عُنُقه وَكَانَ هُنَاكَ ثَلَاث نسْوَة فرفعن أصواتهن بلقلقة ألسنتهن كَمَا تفعل النِّسَاء عِنْد فرحهن واستبشارا بقتل الراهب وأظهرن شغفا بِهِ وهياما لما جرى لَهُ وصنعن كصنيعه من الْقدح فِي الْإِسْلَام وأردن تطهيرهن بِالسَّيْفِ أَيْضا. ثمَّ ضربت رَقَبَة رَفِيق الراهب فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشرينه تَحت شباك الصالحية وَضربت رِقَاب النسْوَة الثَّلَاث من الْغَد يَوْم السبت ثَالِث عشرينه تَحت القلعة بيد الْأَمِير سودن الشيخوني الْحَاجِب وأحرقت جثثهن بِحكم أَنَّهُنَّ ارتددن عَن الإِسلام وأظهرن أَنَّهُنَّ فعلن هَذَا لعشقهن فِي الراهب الْمَذْكُور. وَكَانَ يعرف بِأبي نفيفة. وَلم نسْمع فِي أَخْبَار العشاق خَبرا أغرب من هَذَا ثمَّ جَاءَ بعد ذَلِك رجل من الأجناد على فرس وَقَالَ للْقَاضِي: طهرني بِالسَّيْفِ فَإِنِّي مُرْتَد عَن الْإِسْلَام فَضرب وسجن. وَفِيه عزم الْأَمِير بركَة على السّفر لمحاربة التركمان وَقد عَاد للكشف عَن أخبارهم بخروجهم عَن الطَّاعَة ثمَّ اقْتضى الرَّأْي أَن يتَوَلَّى محاربتهم الْأَمِير بَيدَمُر الْخَوَارِزْمِيّ فرسم بإحضاره وَخرج الأميران برقوق وبركة وَسَائِر الْأُمَرَاء إِلَى لِقَائِه وترجلوا لَهُ جَمِيعًا حَتَّى الأميران وَأتوا بِهِ إِلَى منزل أعد لَهُ وحملت لَهُ تقادم كَثِيرَة جدا وخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر فِي نِيَابَة الشَّام على إِعَادَته عوضا عَن كمشبغا الْحَمَوِيّ وَاسْتقر الْأَمِير طَشْتَمُر السيفي فِي نِيَابَة حماة بعد وَفَاة الْأَمِير حَطَطَ. وَفِيه قتل مُحَمَّد بن مكي دَاعِيَة الرافضة تَحت قلعة دمشق. وَفِيه قطع الْوَزير الملكي معاليم النَّاس ومرتباتهم على الدولة وَمنع مباشري الْجِهَات من الْمُبَاشرَة ظنا مِنْهُ أَنه تمشى أَحْوَاله. بِمَا وفره من ذَلِك فَبلغ الْأَمِير الْكَبِير برقوق مَا عمله فَسَأَلَهُ عَن مِقْدَار مَا وفره فَأخْبرهُ. بمبلغه فَأخْرج عَن الوزارة بلادا يتَحَصَّل مِنْهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 76 بِقدر مَا وفره فَعَاد ذَلِك عَلَيْهِ بِضَرَر كَبِير فَإِن الوزراء كَانُوا يوفرون من ذَلِك مَعْلُوم من استضعفوا جَانِبه ليتوسعوا بِهِ ففات الملكي ذَلِك وباء بقبح القالة ومقت النَّاس لَهُ. وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن شرف الدّين أبي مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد بن عَسْكَر بن مظفر بن نجم بن شادي بن هِلَال الطَّائِي الطريفي الشهير بالقيراطي الأديب الشَّافِعِي بِمَكَّة فِي لَيْلَة الْجُمُعَة الْعشْرين من شهر ربيع الآخر ومولده يَوْم الْأَحَد حادي عشْرين صفر سنة سِتّ وَعشْرين وَسَبْعمائة. وَتوفى الشَّيْخ شرف الدّين أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عَسْكَر الْبَغْدَادِيّ الْمَالِكِي بَعْدَمَا عمى فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سادس عشْرين شعْبَان بِالْقَاهِرَةِ ومولده بِبَغْدَاد فِي سنة سبع وَتِسْعين وسِتمِائَة. ودرس بالمستنصرية ثمَّ قدم الشَّام وَولى قَضَاء الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق بعد الْجمال المسلاتي سنة تسع وَخمسين ثمَّ صرف فِي سنة سِتِّينَ وَسكن الْقَاهِرَة وَولي نظر خزانَة الْخَاص ثمَّ صرف عَنْهَا بِابْن عرب فَلَزِمَ بَيته حَتَّى مَاتَ. وَمَات الْأَمِير حَطَطَ اليلبغاوي نَائِب حماة فِي جُمَادَى الْآخِرَة. وَمَات الْأَمِير حاجي بك من أُمَرَاء الطبلخاناه. وَتُوفِّي الشَّيْخ المعتقد حسن الصبان المغربي فِي ثَانِي عشْرين ربيع الأول بَعْدَمَا أقعد وَتوفى الْفَقِير المعتقد صَالح الجزيري فِي رَابِع عشر ربيع الأول وَدفن بزاويته من جَزِيرَة أروى الْمَعْرُوفَة بالجزيرة الْوُسْطَى. وَتوفى شيخ الْقُرَّاء تَقِيّ الدّين أَبُو الْفضل عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن عَليّ الْمَعْرُوف بِابْن الْبَغْدَادِيّ الوَاسِطِيّ الأَصْل، بِالْقَاهِرَةِ، فِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع صفر. ومولده سنة ثَلَاث وَسبع مائَة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 77 وَمَات الْأَمِير قارا بن مهنا بن عِيسَى بن مهنا بن مَانع بن حَدِيثَة بن غُضية بن فضل بن ربيعَة أَمِير آل فضل. وَمَات الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن ألجْبُغا العادلي نَائِب غَزَّة وَقد استعفى وَرجع إِلَى دمشق فِي سلخ جُمَادَى الْآخِرَة وَهُوَ فِي عشر الْخمسين بشقحب فَدفن بِدِمَشْق. وَتوفى الْفَقِيه شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن مَرْزُوق العجيسي التلمساني المغربي الْمَالِكِي وَزِير الْمغرب ومدرس الْفِقْه بِالْمَدْرَسَةِ الخانكاه الشيخونية ومدرس الْمدرسَة القمحية فِي يَوْم الْجُمُعَة ثامن شهر ربيع الأول بِالْقَاهِرَةِ. وَتوفى بهاء الدّين بن يُوسُف بن عبد الله بن قُرَيْش شَاهد ديوَان أَوْلَاد النَّاصِر حسن فِي ثَانِي عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة. وَمَات شَيخنَا نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن يُوسُف بن عَليّ الحراوي الْكرْدِي الطبردار فِي ثامن عشر ربيع الأول. وَمَات الْأَمِير ماماق أحد أُمَرَاء الطبلخاناه فِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث شعْبَان وَدفن بتربة أَنْشَأَهَا لَهُ الْأَمِير الْكَبِير برقوق تَحت دَار الضِّيَافَة. وَمَات الطواشي افتخار الدّين ياقوت الرسولي شيخ خدام الْحُجْرَة النَّبَوِيَّة فِي لَيْلَة سَابِع عشْرين وَمَات الْأَمِير ساطلمِش الجلالي بِدِمَشْق فِي ذِي الْقعدَة وَهُوَ من أَبنَاء السّبْعين. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُزهِر أحد موقعي دمشق وأخو بدر الدّين كَاتب السِّرّ بهَا فِي شَوَّال عَن نَحْو أَرْبَعِينَ سنة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 78 (سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة) فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي الْمحرم: خلع على الرُّكْن مُتَوَلِّي الفيوم وَاسْتقر فِي نِيَابَة الْوَجْه القبلي عوضا عَن مُحَمَّد بن إياز الدوادارى. بِمَال كَبِير الْتزم بِهِ. وخلع على الْأَمِير بَيْدَمُر نَائِب الشَّام خلعة السّفر وَسَار إِلَى دمشق وَمَعَهُ الْأَمِير خضر متسفرا على الْعَادة وَقدم الْبَرِيد من حلب بِكَثْرَة جمائع التركمان واتفاقهم على قصد الْبِلَاد الحلبية. وَفِي تاسعه: أعَاد الْأَمِير بركَة الْأَمِير أقبغا صيوان إِلَى استاداريته وعزل عَنْهَا الْأَمِير صَلَاح الدّين خَلِيل بن عرام وَفِي عاشره: خلع على السَّيِّد الشريف عَليّ وأعيد إِلَى نقابة الْأَشْرَاف بعد وَفَاة الشريف عَاصِم. وَفِيه حمل جهاز خوند ابْنة الْأَمِير طَشْتَمُر إِلَى الْأَمِير الْكَبِير برقوق فَبنى عَلَيْهَا لَيْلَة الْجُمُعَة حادي عشر وَفِي تَاسِع عشره: خُلع على مُحَمَّد بن طاجار وَاسْتقر فِي ولَايَة البهنسي عوضا عَن أَحْمد بن غُرلوا. وَفِي رَابِع عشرينه: ضرب الْأَمِير بركَة الْوَزير الْمَالِكِي نَحْو السّبْعين ضَرْبَة بالعصى ثمَّ خلع عَلَيْهِ من الْغَد وَنُودِيَ بِأَن أحدا لَا يتجاهى عَلَيْهِ. وَفِي عشرينه: خلع على أبي بكر بن خطاب وَاسْتقر فِي ولَايَة منوف وَفِي آخِره: قدم الْبَرِيد من حلب بِأَن رجلا قَامَ يُصَلِّي بِقوم فتعرض لَهُ شخص يعبث بِهِ فتمادى فِي صلَاته وَلم يقطعهَا حَتَّى سلم مِنْهَا فِي آخرهَا فتحول وَجه الشَّخْص الَّذِي عَبث بِهِ وَجه خِنْزِير وَمر على وَجهه هَارِبا إِلَى غابة بِالْقربِ من ذَلِك الْمَسْجِد فعبرها. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامن صفر: قدم الْأَمِير خضر - متسفر الْأَمِير بيدمر نَائِب الشَّام - وَعرض مَا أنعم بِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ مبلغ مِائَتَيْنِ ألف دِرْهَم فضَّة عَنْهَا خَمْسَة عشر ألف مِثْقَال الجزء: 5 ¦ الصفحة: 79 من الذَّهَب وَعشرَة أرءوس من الْخَيل بسروج ذهب وكنابيش ذهب وسلاسل ذهب وَعشرَة أرءوس خيل بقماش دون ذَلِك وَثَمَانُونَ أكديش عريا وَمِائَة نَاقَة وَمِائَة وَخَمْسُونَ جملا وَعِشْرُونَ مَمْلُوكا وَعِشْرُونَ جَارِيَة وَخَمْسُونَ بقجة فِيهَا ثِيَاب الصُّوف وأنواع الفرو من السمور والقاقم والسنجاب والفوط وَالثيَاب القطنية من النصافي والبعلبكي وَغير ذَلِك. وَفِي عاشره: شهرت امْرَأَة على رَأسهَا طرطور أَحْمَر وَنُودِيَ عَلَيْهَا: هَذَا جَزَاء من تتَزَوَّج برجلَيْن فِي وَقت وَاحِد. وَفِي سَابِع عشره: بعث الْأَمِير بركَة إِلَى الْأَمِير برقوق بِأَن الْأَمِير أَيتمش قد ألبس مماليكه حَرْبِيّا فكشف عَن ذَلِك فَلم يظْهر لَهُ صِحَة وطلع أَيْتمش إِلَيْهِ وَأقَام عِنْده خوفًا من الْفِتْنَة فترددت الرُّسُل بَينهم فِي الصُّلْح مرَارًا حَتَّى ركب بَينهمَا الشَّيْخ أكمل الدّين وَالشَّيْخ أَمِين الدّين الخلوى وقررا الصُّلْح وَنزلا بالأمير أيتمش إِلَيْهِ فَخلع عَلَيْهِ الْأَمِير بركَة. وَفِيه اتّفق شَيْء يُستغرب وَهُوَ أَن رجلا من الفرنج خَاصم شخصا على مَال ادّعى بِهِ عَلَيْهِ بَين يَدي الْأَمِير بركَة فَلم يثبت لَهُ عَلَيْهِ شَيْء فَغَضب وَأخرج سكينا وَضرب بهَا بلبان الترجمان فَقتله فِي موقف الدَّعْوَى بَين يَدي الْأَمِير بركَة بِحَضْرَة الْمَلأ الْعَظِيم من النَّاس وَلم يخْش عَاقِبَة فَأمْسك وَسمر على لطليطة فدور على الْجمل ثمَّ قطعت يَدَاهُ وَرجلَاهُ وأحرق خَارج الْقَاهِرَة. وَفِي لَيْلَة الْجُمُعَة تَاسِع عشره: لبس الْأَمِير بركَة السِّلَاح هُوَ ومماليكه وَلبس الْأُمَرَاء أَيْضا وَبَاتُوا فِي اصطبلاتهم على احْتِرَاز فَلَمَّا أصبح نَهَار يَوْم الْجُمُعَة طلب الْأَمِير الْكَبِير برقوق الْقُضَاة ومشايخ الْعلم وندبهم للدخول بَينه وَبَين الْأَمِير بركَة فِي الصُّلْح مكيدة مِنْهُ ودهاء فَمَا زَالُوا يَتَرَدَّدُونَ بَينهمَا عدَّة مرار حَتَّى وَقع الصُّلْح على دخن وَحلف كل مِنْهُم لصَاحبه ونزعوا عَنْهُم السِّلَاح فَبعث الْأَمِير برقوق بالأمير أَيْتَمِش إِلَى الْأَمِير بركَة فَنزل إِلَيْهِ وَفِي عُنُقه منديل ليفعل مَا يُرِيد من قتل أَو حبس أَو غير ذَلِك وخضع لَهُ خضوعا زَائِدا فَلم يجد بركَة بدا من الإغضاء عَنهُ وَقبُول معذرته وخلع عَلَيْهِ وَأَعَادَهُ إِلَى الْأَمِير برقوق والقلوب ممتلئة حنقا وَنُودِيَ فِي الْقَاهِرَة بالأمان وَفتح الْأَسْوَاق فسكن انزعاج النَّاس. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 80 وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشرينه: خلع على قُضَاة الْقُضَاة الثَّلَاث: برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة الشَّافِعِي وجلال الدّين جَار الله الْحَنَفِيّ وناصر الدّين نصر الله الْحَنْبَلِيّ وخلع على الشَّيْخ أكمل الدّين مُحَمَّد الْحَنَفِيّ شيخ الشيخونية لكَوْنهم سعوا فِي الصُّلْح بَين الأميرين وَالْتزم الْأَمِير بركَة بِأَنَّهُ لَا يتحدث فِي شَيْء من أُمُور الدولة. وَأَن يسْتَقرّ الْأَمِير الْكَبِير برقوق متحدثا فِي جَمِيع الْأُمُور. بمفرده وانفضوا من الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة بِالْقصرِ على هَذَا فشق على علم الدّين سُلَيْمَان الْبِسَاطِيّ الْمَالِكِي حرمانه من لبس الخلعة وَكَثُرت الإشاعة بعزله وَكَانَت شائعة فوعد بِمَال على استقراره حَتَّى اسْتَقر وخلع عَلَيْهِ فِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث ربيع الأول. وَفِيه أنعم على الْأَمِير بُزْلار الناصري بإمرة طبلخاناه وعَلى الْأَمِير مُحَمَّد بن قرطاي الكركي بإمرة عشرَة. وَفِي يَوْم السبت خامسه: ولد للأمير الْكَبِير برقوق ولد ذكر من جَارِيَته أَردو فَسَماهُ مُحَمَّدًا وَأخذ فِي عمل مُهِمّ عَظِيم لولادته. هَذَا وَهُوَ والأمير بركَة كل مِنْهُمَا يدبر فِي الْعَمَل على الآخر. وَسبب ذَلِك أَنه لما كَانَت فتْنَة الْأَمِير إينال مَعَ الْأَمِير برقوقّ وَقبض عَلَيْهِ عَتبه على مَا كَانَ مِنْهُ فَاعْتَذر بِأَن الْأَمِير أيتمش اتّفق مَعَه هُوَ وعدة من الْأُمَرَاء على ذَلِك فَجمع بَينه وَبَين أيتمش لثقة الْأَمِير برقوق بِهِ فَظهر أَن الِاتِّفَاق إِنَّمَا كَانَ بَينهمَا على أَن يأخذا الْأَمِير بركَة وحواشيه فَبلغ ذَلِك بركَة فأسرها فِي نَفسه وَأَرَادَ غير مرّة الْقَبْض على أيتمش وبرقوق يدافعه عَنهُ فتوحش مابينهما إِلَى الْغَايَة إِلَى أَن عزم أيتمش على الْقيام بِالْحَرْبِ فَفطن بِهِ بركَة واستعد لَهُ فكاده برقوق. بِمَا كَانَ من خبر الصُّلْح الَّذِي تقدم ذكره هَذَا مَعَ مَا كَانَ بَين الأميرين بركَة وبرقوق من التحاسد الَّذِي لابد مِنْهُ غَالِبا بَين الشَّرِيكَيْنِ فَإِنَّهُمَا قاما بتدبير أُمُور الدولة. وَمن طبع كل أحد من الْمُلُوك الإنفراد بالمجد ومحبة الاستئثار بِالْملكِ. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْإِثْنَيْنِ سابعه: ركب الأميران بركَة وبرقوق فِي عَامَّة الْأُمَرَاء وسيرا إِلَى جِهَة قبَّة النَّصْر خَارج الْقَاهِرَة وَعَاد كل مِنْهُمَا إِلَى منزله فَمد الْأَمِير برقوق سماط المهم لولادة وَلَده مُحَمَّد وطلع إِلَيْهِ الْأَمِير صراي الطَّوِيل الرجبي - من إخْوَة بركَة - وَأسر إِلَيْهِ فِيمَا قيل بِأَن الْأَمِير بركَة قد اتّفق مَعَ جماعته على اغتيالك فِي وَقت صَلَاة الْجُمُعَة ثُم طلع الْأَمِير أيتمش وَغَيره من الْأُمَرَاء لحضور السماط وَتَأَخر الْأَمِير بركَة عَن الْحُضُور وَبعث من إخْوَته الْأَمِير قرادمرداش الأحمدي أَمِير مجْلِس والأمير طبج المحمدي والأمير أَقتمر الدوادار فهنوا الْأَمِير الْكَبِير بتجدد وَلَده مُحَمَّد. وجلسوا على الجزء: 5 ¦ الصفحة: 81 السماط وأكلوا حَاجتهم مِنْهُ. فَلَمَّا انْقَضى السماط أَشَارَ الْأَمِير برقوق إِلَى الْأَمِير جركس الخليلي والأمير يُونُس النوروزي دواداره فقبضا على صراي الطَّوِيل وقرادمرداش وطبج وأَقتمُر العثماني الدوادار وألبس مماليكه فِي الْحَال آلَة الْحَرْب وبادر بإرسال الْأَمِير بزلار الناصري إِلَى مدرسة السُّلْطَان الْملك النَّاصِر حسن فِي عدَّة مَعَه فملكها وَصعد إِلَى منارتها وَرمى بالنشاب على الْأَمِير بركَة فَإِنَّهُمَا يشرفان على بَيته. وَقد بلغه الْقَبْض على إخْوَته فَلبس وألبس مماليكه حَرْبِيّا. وَفِي الْحَال نَادَى الْأَمِير برقوق فِي الْعَامَّة عَلَيْكُم بِبَيْت بركَة فانهبوه. فجَاء مِنْهُم خلق كالجراد الْمُنْتَشِر إِلَى بَيت بركَة من جِهَة بَابه الَّذِي بالرميلة تجاه بَاب السلسلة وَقد أغلق فأضرموا فِيهِ النَّار حَتَّى احْتَرَقَ وهجموا عَلَيْهِ فَلم يثبت لَهُم وَالرَّمْي عَلَيْهِ من أَعلَى مأذنتي مدرسة حسن وَخرج. بِمن مَعَه من بَاب سرداره وَمر إِلَى بَاب زويلة فدخله وشق. بِمن مَعَه الْقَاهِرَة إِلَى بَاب الْفتُوح فِي عَسْكَر عَظِيم وَأخذ وَالِي الْقَاهِرَة حَتَّى فَتحه لَهُ وَقد أغلق وَخرج مِنْهُ إِلَى قبَّة النَّصْر وَكَانَت بَينه وَبَين أَصْحَاب برقوق وقْعَة انتصف كل طَائِفَة من الْأُخْرَى. وَبعث الْأَمِير برقوق إِلَى الْأَمِير حسام الدّين حُسَيْن بن الكوراني فَأحْضرهُ إِلَيْهِ وولاه ولَايَة الْقَاهِرَة عوضا عَن بهاء الدّين باد لمخامرته مَعَ الْأَمِير بركَة. فَنزل إِلَى الْقَاهِرَة وأغلق أَبْوَابهَا على الْعَادة فِي أَيَّام الْفِتْنَة وَمنع المماليك من دُخُولهَا. فَلَمَّا كَانَ الْغَد يَوْم الثُّلَاثَاء ثامنه: أصبح بَيت بركَة خرابا نبابا قد نهبت الْعَامَّة أخشابه ورخامه وهدمت عدَّة مَوَاضِع مِنْهُ وَلم تدع فِيهِ إِلَّا الْجدر الْقَائِمَة وَلَا يجد بِهِ مَالا وَلَا حريما فَإِنَّهُ كَانَ قد استعد للحرب ووزع حريمه وأمواله فِي عدَّة أَمَاكِن. وَفِيه نَادَى الْأَمِير برقوق فِي الْعَامَّة من قبض على مَمْلُوك من مماليك بركَة كَانَ لَهُ مَاله وَلنَا روحه. وَركب الْأَمِير آلان الشَّعْبَانِي والأمير أيتمش البجاسي والأمير قُرُط التركماني من جِهَة الْأَمِير الْكَبِير برقوق لقِتَال الْأَمِير بركَة فَركب إِلَيْهِم الْأَمِير يلبغا الناصري - من أَصْحَاب بركَة - وَقَاتلهمْ وكسرهم كسرة قبيحة قتل فِيهَا جمَاعَة فَبَاتُوا متحارسين وَصَارَ الْعَسْكَر فريقين فرقة جراكسة - وهم أَصْحَاب الْأَمِير الْكَبِير برقوق - وَفرْقَة ترك - وهم أَصْحَاب الْأَمِير بركَة - فَلَمَّا أصبح نَهَار يَوْم الْأَرْبَعَاء الجزء: 5 ¦ الصفحة: 82 تاسعه أنزل الْأَمِير برقوق بالسلطان إِلَى عِنْده بالحراقة من الإصطبل ودقت الكوسات حَرْبِيّا بالطبلخاناه من القلعة فطلع مماليك السُّلْطَان إِلَيْهِ وَأمر بِبَاب القلعة من جِهَة بَاب القرافة فسد بِالْحِجَارَةِ وَنُودِيَ فِي الأجناد البطالة وأجناد الْحلقَة بطلوعهم إِلَى السُّلْطَان فطلع جمَاعَة كَبِيرَة فرقت فيهم أسلحة أُخذت فِي اللَّيْل من سوق السِّلَاح بِالْقَاهِرَةِ وركزت كل طَائِفَة مِنْهُم على تربة من الترب - فِيمَا بَين القلعة وقبة النَّصْر - ليرموا من أَعْلَاهَا أَصْحَاب بركَة عِنْد محاربتهم بِالسِّهَامِ وَبَالغ حُسَيْن بن الكوراني فِي حفظ الْقَاهِرَة وَأخذ الطرقات على من يتَوَجَّه إِلَى بركَة بِشَيْء من الأقوات والعلوفات. وَقبض على جمال الدّين مَحْمُود الْمُحْتَسب وسجن بالإصطبل من أجل أَنه نقل عَنهُ أَنه بعث إِلَى الْأَمِير بركَة. بمأكل من خبز وَلحم وَغَيره. وَتوجه الْأَمِير سودون الشيخوني فِي الْحَاجِب إِلَى بركَة بتشريف نِيَابَة الشَّام فأخرق بِهِ وَأَعَادَهُ أقبح عود ثمَّ ركب وَقت القايلة وَكَانَ الْوَقْت صيفا وَمَعَهُ الْأَمِير يلبغا الناصري من طَرِيقين وهجما على حِين غَفلَة إِلَى تَحت الطبلخاناه يُريدَان الهجوم على القلعة فتناولت الْعَامَّة الْحِجَارَة يرجمونهم بهَا وَرَمَاهُمْ مَعَ ذَلِك من بِأَعْلَى القلعة بالنشاب وَثَبت لَهُم الْأَمِير آلان فِي نَحْو مائَة فَارس فَكَانَت وقْعَة عَظِيمَة جدا أبلى فِيهَا أَحْمد بن هُمُز التركمانى ومماليك بركَة - وعدتهم سِتّمائَة فَارس - بلَاء اعظيما كسروا فِيهِ أَصْحَاب برقوق عشْرين كسرة يمر فِي كل وقْعَة مِنْهَا مَا يتعجب مِنْهُ فَلَمَّا كثرت عَلَيْهِم حِجَارَة الْعَامَّة ونشاب من بالقلعة تقنطر بركَة عَن فرسه فأركبه أَصْحَابه وعادوا بِهِ إِلَى مخيمهم بقبة النَّصْر مكسورا وَقد اقتحم أيتمش على يلبغا الناصري بطبر وضربه حَتَّى كَاد يَأْتِي على نَفسه وَأخذ جاليشه وطبلخاناته. وجرح كثير مِنْهُم وفر مِنْهُم الْأَمِير مبارك شاه المارديني إِلَى الْأَمِير برقوق فِي طَائِفَة فَلَمَّا دخل اللَّيْل تفرق عَن بركَة أَكثر من مَعَه وأشرفت خُيُول من بَقِي على الْهَلَاك من كَثْرَة جراحاتها أَمرهم أَن يطلبوا النجَاة لأَنْفُسِهِمْ وَمضى وَمَعَهُ الْأَمِير أقبغا صيوان استاداره بعد نصف اللَّيْل من قبَّة النَّصْر إِلَى جَامع المَقْس خَارج بَاب القنطرة من الْقَاهِرَة فاختفيا بِهِ فَدلَّ عَلَيْهِمَا بعض من هُنَاكَ فَبعث الْأَمِير الْكَبِير بِيُونُس النوروزى دواداره إِلَيْهِمَا فَأَخذهُمَا وأتى بهما إِلَيْهِ فِي يَوْم الْخَمِيس عاشره فسجنه نَهَاره عِنْده وَحمله فِي لَيْلَة الْجُمُعَة مُقَيّدا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجن بهَا وَبعث مَعَه بقرًا دمرداش وبأقتمر العثماني وَاسْتمرّ بَاب القلعة فِي يَوْم الْجُمُعَة حادي عشره مغلقا وَلم تصل الْجُمُعَة يَوْمئِذٍ يُجَامع القلعة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 83 وَفِيه قبض على الْأَمِير خُضَر والأمير قراكسَك والأمير أيدَمُر الخطاي والأمير حَاج ابْن مُغْلطاي والأمير سودُن باشا والأمير يَلبغا المنجكي والأمير قرا بلاط والأمير قّرابغا الأبو بكري والأمير إلْيَاس الماجارى والأميرَ تمُربغا السيفي والأمير يُوسُف بن شادي والأمير تمربغا الشمسي والأمير قُطلُوبك النظامي والأمير أقبغُا صيوان الصَّالِحِي والأمير أَحْمد بن هُمُز التركماني. والأمير كُزَل القرمي والأمير طولو تمر الأحمدي والأمير طُوجي الحسني والأمير تنكز العثماني والأمير قطلوبك السيفي والأمير غَرِيب الأشرفي والأمير يلبغا الناصري وَجَمِيع أَصْحَاب بركَة وألزامه ومماليكه فانقرضت دولة الأتراك بأسرها وتتبعوا بِالْأَخْذِ فَقتلُوا وَنَفَرًا وسجنوا وَلَقَد كَانَت الجراكسة قبل ذَلِك تَتَحَدَّث فِيمَا بَينهَا بِأَنَّهُ يكون فتْنَة كَبِيرَة ثمَّ تخمد ويثور بعْدهَا فتْنَة بَينهم وَبَين التّرْك ينتصرون على الأتراك فِيهَا بعد وقْعَة وَتَعْلُو كلمتهم عَلَيْهِم وصاروا يتدارسون هَذَا فِيمَا بَينهم لَا يَشكونَ فِي وُقُوعه. فَلَمَّا كَانَت حَرَكَة الْأَمِير أينال جهروا بِذكر ذَلِك وقالوه من غير احتشام وأذاعوه حَتَّى تحدث بِهِ كَبِيرهمْ وصغيرهم فَكَانَ كَذَلِك كَمَا تقدم ذكره وَللَّه عَاقِبَة الْأُمُور. وَمن عَجِيب مَا وَقع فِي هَذِه الْحَادِثَة الْعَظِيمَة أَنه لم يركب فِيهَا الْأَمِير برقوق لِحَرْب سَاعَة من النَّهَار بل لم يزل فِي مَكَانَهُ وَالْحَرب بَين أَصْحَابه وَكَبِيرهمْ الْأَمِير أيتمش وَبَين بركَة وَمن مَعَه حَتَّى نَصره الله عَلَيْهِم من غير تَعب وأقامت الْقَاهِرَة ثَلَاثَة أَيَّام مغلقة الْأَبْوَاب إِلَّا أَن الْخَيْر كثير بالأسواق وَلم يقل سوى المَاء فَإِنَّهُ صَار ينْقل بِالْقربِ من خوخة أيدغمش فبلغت الْقرْبَة نصف دِرْهَم ثمَّ نُودي من آخر يَوْم الْجُمُعَة فِي الْقَاهِرَة بالأمان وَنُودِيَ يَا عوام إِن كُنْتُم راضين. بمحتسبي الْقَاهِرَة ومصر. وَإِلَّا عزلنا هما. فطلع جمع من الغوغاء إِلَى تَحت القلعة وصاحوا مَا نرضى بهما فرسم بعزلهما. وَفِيه خلع على الْأَمِير أَحْمد الطرخاني وَاسْتقر فِي ولَايَة الجيزة وَوجدت ذخيرة للأمير بركَة فِي ضمن مصطبة صَغِيرَة بوسط اصطبله. كَانَ يجلس عَلَيْهَا أَحْيَانًا فِيهَا زنة سبعين قِنْطَارًا من ذهب وَوجد لَهُ عِنْد جمال الدّين مَحْمُود العجمي - محتسب الْقَاهِرَة - مبلغ ثَلَاثَة وَعشْرين ألف دِينَار. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 84 وَفِي يَوْم السبت ثَانِي عشره: عرضت مماليك بركَة على الْأَمِير برقوق ومماليك يلبغا الناصري فَاخْتَارَ من شَاءَ مِنْهُم. وَفِيه أفرج عَن قراكَسَك. وطولو تمر الأحمدي وتنكز العثماني وأَيْدَمُر الخطاي وأمير حَاج بن مُغْلِطَاي ويوسف بن شادي وَقبض على أرسلان دوادار بركَة وَسلم هُوَ وأقبغا صيوان وخضر وباشا إِلَى الْمُقدم سيف فنوع لَهُم الْعَذَاب أنواعا وَهُوَ يَقُول لَهُم أَنْتُم أَخَذْتُم مني ألف ألف وَخمسين ألف دِرْهَم وَكَانَت عقوبتهم بقاعة الصاحب من القلعة كَمَا هِيَ الْعَادة فِيمَن يصادر. وَفِي لَيْلَة الْأَحَد ثَالِث عشره: أخرج الْأَمِير يلبغا الناصري مُقَيّدا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَمَعَهُ الْأَمِير طُبُج المحمدي والأمير أَطْلَمش الطازي والأمير قرابلاط. والأمير إلْيَاس والأمير تمربغا السيفي والأمير تمربغا الشمسي فَسَارُوا جَمِيعًا فِي الْحَدِيد حَتَّى سجنوا بهَا. وَفِي نَهَار الْإِثْنَيْنِ رَابِع عشره: خلع على الْأَمِير مبارك شاه السيفي وَاسْتقر فِي ولَايَة بلبيس وخلع على السَّيِّد على نقيب الْأَشْرَاف وَاسْتقر فِي حسبَة مصر عوضا عَن سراج الدّين عمر العجمي وخلع على شمس الدّين مُحَمَّد الدَّمِيرِيّ وأعيد إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة عوضا عَن جمال الدّين مَحْمُود العجمي وخلع على مُحَمَّد بن العادلي وَاسْتقر فِي ولَايَة الأشمونين وَأَفْرج عَن الْأَمِير خضر وَعَن الْأَمِير أرسلان وَعَن مُسَافر استادار الصُّحْبَة لبركة على مَال قرر عَلَيْهِم وَأَفْرج عَن الْأَمِير أقبغا صيوان ثمَّ أخرج بعد أَيَّام هُوَ وخضر إِلَى الشَّام منفيين. وَفِيه أنعم على كل مِمَّن يذكر بتقدمة ألف وهم: الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْأَمِير الْكَبِير وأنعم عَلَيْهِ بإقطاع بركَة والأمير جركس الخليلي والأمير بزلار الناصري والأمير أَلْطنبُغا الْمعلم والأمير ألابغا العثماني. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سادس عشره: أَخذ قاع النّيل فَكَانَ سِتَّة أَذْرع وست أَصَابِع. وَفِي سَابِع عشره: أنعم على الْأَمِير أَطْلَمش الطازي بطبلخاناه بِدِمَشْق وَأخرج إِلَيْهَا. وأنعم على كل مِمَّن يذكر بإمرة طبلخاناه وهم: تَنْكز بُغا السيفي وأقبُغا الناصري وطوجي العلاي وَفَارِس الصَّرْغَتْمُشى وكَمُشبغا الخاصكي الأشرفي وتمربُغا المنجكي وسودُن السيفي بَاقٍ وأياس الصَّرْغَتْمُشي وقُطُلوبغا السيفي كوكاي وأنعم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 85 على كل مِمَّن يذكر بإمرة عشرَة وهم: بيبرس التمانَ تمرى وطنا الكريمي وبيرم العلاي وأقبغا اللاجيني وقوصون الأشرفي. وَفِيه خلع على الْأَمِير بهادر الشاطر وَاسْتقر شاد الدَّوَاوِين عرضا عَن أقبغا الْفِيل. وَفِي ثامن عشره: قدم الْبَرِيد بِسيف الْأَمِير بيدمر نَائِب الشَّام وَذَلِكَ الْأَمِير بركَة لما خرج إِلَى قبَّة النَّصْر بعث إِلَيْهِ بِأخذ قلعة دمشق وَالْقَبْض على أكَابِر أمرائها وَأَنه إِن انْكَسَرَ قدم إِلَيْهِ فَركب يُرِيد الْقَبْض على الْأُمَرَاء وَكَانُوا قد وصل إِلَيْهِم كتاب الْأَمِير الْكَبِير برقوق باحترازهم وأعلمهم. بِمَا كَانَ من مخامرة بركَة وَأَنه إِن قدم إِلَيْهِم يأخذوه فَاسْتَعدوا وَقَامَ بِحَرب بَيدَمُر الْأَمِير مُحَمَّد بيك والأمير أَحْمد بن جُرجي الإدريسي والأمير جَنتمُر أَخُو طاز والأمير أرغون الأسعردي مُدَّة ثَلَاثَة أَيَّام وأعياهم من فِي القلعة بِالرَّمْي من أَعْلَاهَا فانكسر بيدمُر وَقبض عَلَيْهِ وعَلى تغرى بَرْمَش وجبرائيل والصارم البيدمري وَعَامة حَوَاشِي بيدمر وسجنوا بقلعة دمشق فسر الْأَمِير الْكَبِير بذلك سُرُورًا كَبِيرا. وَفِيه أفرج عَن الْأَمِير أينَال اليوسفي من سجنه بالإسكندرية. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ حادي عشرينه: خلع على الْأَمِير أَيتمش البجاسي وَاسْتقر رَأس نوبَة كَبِيرا عوضا عَن الْأَمِير بركَة. وخلع على الْأَمِير آلان الشَّعْبَانِي وَاسْتقر أَمِير سلَاح. عوضا عَن يَلبغا الناصري. وخلع على الْأَمِير أَلْطنبُغا الجوباني وَاسْتقر أَمِير مجْلِس وخلع على الْأَمِير ألطنبغا الْمعلم وَاسْتقر رَأس نوبَة ثَانِيًا بتقدمة ألف وخلع على الْأَمِير ألابغا العثماني وَاسْتقر دوادارا كَبِيرا بتقدمة ألف وخلع على الْأَمِير جركس الخليلي وَاسْتقر أَمِير أخور بتقدمة ألف وخلع على الْأَمِير بجمان المحمدي وَاسْتقر رَأس نوبَة صَغِيرا وعَلى كُمُشبغا الخاصكي الأشرفي وَاسْتقر شاد الشَّرَاب خاناه فَصَارَ أَرْبَاب الدولة كلهم جراكسة من أَتبَاع الْأَمِير الْكَبِير برقرق. وَفِي ثَانِي عشرينه: خلع على صَلَاح الدّين خَلِيل بن عرام وأعيد إِلَى نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن بلوط الصَرغَتمُشى وأنعم عَلَيْهِ بتقدمة وخلع على الْأَمِير شرف الدّين مُوسَى بن دَندار بن قرمان وَاسْتقر استادار الْأَمِير مُحَمَّد بن الْأَمِير الْكَبِير برقوق الأتابك وخلع على وَلَده دَمُردان بن مُوسَى وَاسْتقر أَمِير طَّبر وَكَاشف الجيزة. وَفِيه قدم الْأَمِير أينال اليوسفي من الْإسْكَنْدَريَّة فَنزل نَاحيَة سرياقوس وَتوجه مِنْهَا إِلَى نِيَابَة طرابلس عوضا عَن منكلي بغا الْبَلَدِي وَنقل الْبَلَدِي إِلَى نِيَابَة حلب عوضا عَن أشَقتمُر المارديني وَنقل أشقتمر إِلَى نِيَابَة الشَّام عوضا عَن بيدمر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 86 وَفِيه قدم نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الدمرداشي محتفظا بِهِ وَكَانَ قد مَاتَ خطيب أحميم عَن مَال كَبِير وَجعل وَصِيّه الْأَمِير بركَة ووصى لَهُ. بِمَال جزيل حماية لتركته فشره لأخذ التَّرِكَة جَمِيعهَا. وَبعث ابْن الدمرداشي للحوطة على مخلفه فأوقع بأصحاب الْخَطِيب كل مَكْرُوه فَزَالَتْ دولة بركَة وَهُوَ فِي عقوبتهم فَلم يشْعر إِلَّا وَقد قبض عَلَيْهِ وَحمل إِلَى الْقَاهِرَة فِي أَسْوَأ حَال فضُرب ضربا عَظِيما وأُخذ مَاله وَأخرج منفيا إِلَى الصَّعِيد وَاتفقَ أَيْضا أَن امْرَأَة من مياسير نسَاء التُّجَّار خرجت حَاجَة فأشيع أَنَّهَا مَاتَت فَأخذ جَمِيع مَالهَا وعادت إِلَى الْقَاهِرَة فَلم تُعوض عَن ذَلِك بِشَيْء وافتقرت بعد غناها كَمَا افْتقر أَوْلَاد خطيب أحميم مَعَ كَثْرَة عَددهمْ وَعظم مَال أَبِيهِم. وَمَات أَيْضا بعض المماليك السُّلْطَانِيَّة وَترك أَوْلَادًا فَأخذ مَاله وَلم تعط ورثته شَيْئا فَكَانَ هَذَا من الْحَوَادِث الَّتِي لم تعهد. وَفِي ثامن عشرينه: أخرج مبارك شاه المارديني - أحد أُمَرَاء الطبلخاناه - إِلَى حماة أَمِيرا بهَا. وَفِيه خلع على الصاحب شمس الدّين أبي الْفرج المقسي وَاسْتقر نَاظر ديوَان الْأَمِير أيتمش. وَهَذَا أَيْضا مِمَّا لم يعْهَد أَن وزيرا خدم ديوَان أَمِير. وَفِيه رسم للأمير ألطنبغا الجوباني أَن يجلس بالإيوان فِي وَقت الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة وَلَا يقف. وَفِي يَوْم السبت ثَالِث شهر ربيع الآخر: ركب الْأَمِير الْكَبِير الأتابك برقوق من الإصطبل وسير بعد مَا كَانَ مُنْذُ حَرَكَة بركَة لم يَتَحَرَّك من مَوْضِعه خوفًا على نَفسه فَوقف لَهُ أهل الرَّوَاتِب وَالصَّدقَات المقررة على الدولة واستغاثوا بِهِ على الْوَزير الملكي أَن عوّق حاريهم عَن الصّرْف فَلَمَّا عَاد إِلَى الحراقة من الإصطبل طلب الملكي والمقدم سيف وضربهما وأسلمهما إِلَى الْأَمِير بهادر شاد الدَّوَاوِين ثمَّ أفرج عَنْهُمَا. وَفِي رابعه: قدم الصاحب كريم الدّين شَاكر بن غَنَّام من الْقُدس وَعظم أَمر الْأَمِير الْكَبِير وَانْفَرَدَ بتدبير الدولة وَصَارَ فِي موكب عَظِيم لم يعْهَد مثله لأمير قبله. وَفِي خامسه: خُلع على صدر الدّين بديع بن نَفِيس الدواداري الْأَسْلَمِيّ التوريزي وَاسْتقر وَفِيه أنعم على الْأَمِير مَأْمُور حَاجِب الْحجاب بِزِيَادَة فِي إقطاعه وأنعم على الْأَمِير الجزء: 5 ¦ الصفحة: 87 أَحْمد ابْن الْأَمِير يلبغا الخاصكي بِزِيَادَة فِي إقطاعه وخلع على نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الأسناي شَاهد ألابغا الدوادار وَاسْتقر فِي نظر الأحباس عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد الدميرى الْمُحْتَسب وَخرج الْبَرِيد بإحضار الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن آقبغا آص. وَفِي رَابِع عشرينه: ترك الْوَزير الملكي الوزارة وَلبس هَيْئَة الزهاد وَأقَام بِجَامِع عَمْرو بن الْعَاصِ. بِمصْر فطُلب فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سَابِع عشرينه وسجن بقاعة الصاحب من القلعة وَتَوَلَّى شاد الدَّوَاوِين مصادرته فَعَذَّبَهُ عذَابا أَلِيمًا. حَتَّى هلك تَحت الْعقُوبَة فِي يَوْم النوروز وَلما قبض عَلَيْهِ خلع على الصاحب شمس الدّين أبي الْفرج المقسي وَاسْتقر عوضه فِي الوزارة مُضَافا إِلَى نظر الْخَاص. وَفِيه قدم الْخَبَر بِخُرُوج بدر بن سَلام بعربان الْبحيرَة عَن الطَّاعَة فرُسم أَن يجرد لَهُم من الْأُمَرَاء أَيتمش البجاسي وآلان الشَّعْبَانِي وألطنبغا الجوباني ومأمور الْحَاجِب وَأحمد بن الْأَمِير يلبغا وبَلوط الصَرْغَتْمُشى وبزلار الناصري وبهادر الجمالي. وَمَعَهُمْ من أُمَرَاء الطبلخاناه اثْنَي عشر أَمِيرا مِنْهُم سَوكَب الشيخوني وقرابغا البوبكري وبجمان المحمدي وطغايَ تمُر القبلاوي ومازى السيفي وقُرُط بن عمر التركماني ويدكار السيفي وبجاس النوروزي وقرابغا السيفي وعدة من أُمَرَاء العشرات وَطَائِفَة من مماليك الْأَمِير الْكَبِير برقوق وَسَارُوا فِي أول جُمَادَى الأولى فارتفع بدر. بِمن مَعَه عَن الْبِلَاد وَخرج ابْن عرام بعسكر الْإسْكَنْدَريَّة إِلَى لِقَاء الْأُمَرَاء فَبَلغهُمْ أَن بدر بن سَلام يُرِيد كبسهم لَيْلًا فتركوا مخيمهم وقصدوا الْجِهَة الَّتِي يكون مَجِيء بدر مِنْهَا فَأقبل بدر من غير تِلْكَ الطَّرِيق وهجم لَيْلًا على مخيم الْأُمَرَاء وَلَيْسَ بِهِ إِلَّا الغلمان وَقَلِيل من المماليك فَقتل وَنهب وَمضى فَأدْرك الْأَمِير آلان طَائِفَة من أَصْحَابه فَقَاتلهُمْ قتالا كَبِيرا. انْكَسَرَ مِنْهُم مرَّتَيْنِ ثمَّ كَانَت الكرة لَهُ فَقتل مِنْهُم جمَاعَة وَقبض على بني بدران - من أعيانهم - وَاسْتولى على كثير مِمَّا كَانَ مَعَهم وَلما طَال على الْأَمِير أيتمش وَمن مَعَه السُرى عَادوا فَإِذا ببدر وجماعته قد عَادوا من وقعتهم. بِمن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 88 فِي المخيمات فقصدوه فَلم يدركوه وَقتلُوا عدَّة مِمَّن تخلف من أَصْحَابه. وَفِي ثالثه: على الْأَمِير جمال الدّين عبد الله بن بَكتمُر الْحَاجِب وَاسْتقر حاجبا ثَالِثا وَفِي سادسه: قدم الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن آقبغا آص. وَفِي رَابِع عشره: قدم الْبَرِيد من الْبحيرَة بِمَا تقدم ذكره وَأَنه قُتل من عرب بدر نَحْو الْألف. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير كمشبغا الْحَمَوِيّ فِي نِيَابَة صفد عوضا عَن تمرباي الدمرداشي. وَفِي يَوْم السبت خَامِس عشره وخامس وَعشْرين مسرى: أوفى النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا وَفتح وَفِيه قدم الْأُمَرَاء من تجريدة الْبحيرَة وَلم يدركوا بدر بن سَلام وَقتلُوا من ظفروا بِهِ مَا بَين مذنب وبريء ونهبوا أَمْوَالًا كَثِيرَة وخربوا تروجة وَمَا حولهَا فَلَمَّا عَاد الْأُمَرَاء رَجَعَ بدر إِلَى الْبحيرَة وَبعث ابْن عرام يسْأَل لَهُ الْأمان فَأُجِيب إِلَى ذَلِك وَخرج إِلَيْهِ الْأَمِير بهادر المنجكي - استادار الْأَمِير الْكَبِير - والشريف بَكتمُر فِي ثَانِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 89 عشرينه ومعهما أَمَان وخلعة لبدر وطبلخاناه فالقهما وَبَالغ فِي إكرامهما وَالْتزم تدريك الْبِلَاد وَعمارَة مَا خرب مِنْهَا وتعويض أَهلهَا عَمَّا تلف لَهُم وَاعْتذر عَمَّا وَقع مِنْهُ وَقدم إِلَيْهَا ابْن عرام من الْإسْكَنْدَريَّة فَقَرَأَ الْأمان على النَّاس فَوق مِنْبَر مَدِينَة دمنهور وَنُودِيَ بالأمان فَعَاد أهل دمنهور إِلَيْهَا بَعْدَمَا كَانَت لَا أنيس بهَا وَعَاد الْأَمِير بهادر والشريف بَكتمُر ومعهما بدر حَتَّى قاربا الْقَاهِرَة ثمَّ مضى عَنْهَا وقدما إِلَى الْقَاهِرَة وَقد قويت الإشاعة. بمباطنة ابْن عرام لبدر بن سَلام فَخرج الْبَرِيد بِطَلَبِهِ فَحَضَرَ بتقادم جليلة وَاعْتذر عَمَّا رمُى بِهِ فَخلع عَلَيْهِ وأعيد إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة على حَاله. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سادس عشرينه: نُودي بِالْقَاهِرَةِ ومصر أَلا يلْعَب أحد بِالْمَاءِ فِي النوروز. وهدد من لعب فِيهِ بِالْمَاءِ أَن يضْرب وَيُؤْخَذ مَاله فَامْتنعَ النَّاس فِيهِ مِمَّا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ. وَوجد أَرْبَعَة من النَّاس يَلْعَبُونَ بِالْمَاءِ فِي يَوْم النوروز. فَضربُوا بالمقارع وشهروا. وَقدم الْبَرِيد من طرابلس بِأَن الْأَمِير طَقتمُر - مُسْتَقر الْأَمِير إينال - أفسد بطرابلس من كَثْرَة سكره وعربدته وَقلة احترامه للنائب وَأَن النَّائِب ضربه بِحَضْرَة أُمَرَاء طرابلس ضربا مبرحا. فَأخْرج إقطاع طقتمر ورسم بسجنه بالكرك ورُسم بالإفراج عَمَّن بالإسكندرية من الْأُمَرَاء. فأفرج عَنْهُم وَتَأَخر بالسجن مِنْهُم أَرْبَعَة وهم بركَة ويلبغا الناصري وقرا دمرداش وبَيْدَمُر نَائِب الشَّام. فَلَمَّا قدم المسجونون. فرقوا بِبِلَاد الشَّام وَأرْسل بَعضهم إِلَى قوص. وَفِي تَاسِع عشرينه: خلع على الْأَمِير كرجي. وَاسْتقر كاشف الْوَجْه البحري عوضا عَن قُطلوبَك صهر أيدمر المزوق. ثمَّ خلع على الشريف بَكتمُر أطلسين. وَاسْتقر ملك الْأُمَرَاء بِالْوَجْهِ البحري. ورسم أَن تكون إِقَامَته بتروجة. وَأَن يُكَاتب. بِملك الْأُمَرَاء. فَكَانَ أول من خُوطِبَ بذلك من كشاف الْوَجْه البحري. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث عشر جُمَادَى الآخر: رست السلَاسِل على قنطرة المقسي بخليج فَم الخور وعَلى قنطرة الْفَخر بِرَأْس الخليج الناصري - بجوار الميدان الْكَبِير - كَمَا عمل فِي السّنة الْمَاضِيَة. فامتنعت المراكب الَّتِي تحمل المتفرجين وَأهل الخلاعة من عبور الخليج وبركة الرطلي وانكف بذلك فَسَاد كَبِير وَبَلغت زِيَادَة النّيل إِلَى أَربع أَصَابِع من ثَمَانِيَة عشر ذِرَاعا وَثَبت إِلَى سادس عشر توت. ثمَّ هَبَط فارتفع سعر الغلال وطلبها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 90 النَّاس للخزن طلبا للفائدة فِيهَا. فَكثر قلق النَّاس واستغاثت الْعَامَّة فِي عزل الدَّمِيرِيّ من الْحِسْبَة وسألوا عود العجمي إِلَيْهَا وهموا برجم وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَالِث عشرينه:. خلع على جمال الدّين مَحْمُود العجمي وأعيد إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة ففرح الْعَامَّة بِهِ فَرحا زَائِدا وكادوا يحملون بغلته وَهُوَ عَلَيْهَا بالخلعة وأتلفوا من مَاء الْورْد الَّذِي صبوه عَلَيْهِ وعَلى من مَعَه وَمن الزَّعْفَرَان الَّذِي تخلقوا بِهِ شَيْئا كثيرا. - بالغوا فِي إشعال الشموع والقناديل بِالْقَاهِرَةِ ووقفت لَهُ المغاني تزفه إِذا مر بهَا فِي مَوَاضِع عديدة فَكَانَ يَوْمًا مشهودا. وَذَلِكَ أَنه كَانَ قد تعذر وجود الْخبز بالأسواق. وفقد مِنْهَا عدَّة أَيَّام فظنوا أَن قدوم الْجمال مَحْمُود يكون مُبَارَكًا فَكَانَ كَمَا ظنُّوا. وَقدم فِي هَذَا الْيَوْم عدَّة مراكب مشحونة بالغلال فانحل السّعر. وَفِيه خلع على الْأَمِير قطلوبغا الكوكاي وَاسْتقر أستادارا ثَالِثا. وَقدم الْأَمِير زامل بنى مُوسَى بن مهنا فَأكْرمه الْأَمِير الْكَبِير كَرَامَة زَائِدَة. وَفِي سَابِع عشرينه: خلع على شرف الدّين بن عرب وَاسْتقر فِي حسبَة مَدِينَة مصر عوضا عَن الشريف عَليّ نقيب الْأَشْرَاف. وَفِيه أخرج إقطاع الْأَمِير قرابغا فرج الله عَنهُ وَقبض عَلَيْهِ من أجل قتل بعض مماليكه وَهُوَ سَكرَان. وَكتب باستقرار الْأَمِير إينال اليوسفي فِي نِيَابَة حلب وَاسْتقر عوضه فِي نِيَابَة طرابلس كُمُشبُغا الْحَمَوِيّ وَاسْتقر طشتمر اللفاف فِي نِيَابَة صفد عوضا عَن كُمُشبغا. وَفِي أول شهر رَجَب: قبض على الْأَمِير زامل وسجن وَذَلِكَ أَن وَلَده نزل مرج دمشق فِي طَائِفَة من آل فضل. كَمَا قد استجد. وأنزلوهم فِيهِ أَيَّام الشتَاء فَمَنعهُمْ الْأَمِير أَشَقتمر من الْإِقَامَة بِهِ. فَرَكبُوا للحرب وقاتلوا عَسْكَر دمشق مرَّتَيْنِ. ثمَّ انكسروا ونهبت عَامَّة أَمْوَالهم وجمالهم وانجلت هَذِه الْوَقْعَة على قتل طَقتمُر الحسني. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء خامسه: أحيط. بموجود الْأَمِير صَلَاح الدّين خَلِيل بن أَحْمد بن عرام وَتوجه الْأَمِير يُونُس دوادار الْأَمِير الْكَبِير للقبض عَلَيْهِ وَسبب ذَلِك وُرُود الْخَبَر بقتل الْأَمِير بركَة بسجنه من الْإسْكَنْدَريَّة فثارت مماليكه تُرِيدُ الْفِتْنَة فَأنْكر الْأَمِير الْكَبِير أَن يكون قد أَمر بقتْله. وَيُقَال أَنه كَانَ قد تقدم إِلَى ابْن عرام عِنْد حُضُوره بِأَن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 91 يقتل بركَة. فَأخذ بذلك خطه وخطوط الْأُمَرَاء الأكابر وَعَاد إِلَى الثغر وَقَتله. فَلَمَّا دخل يُونُس الدوادار إِلَى الثغر نبش قبر بركَة فَوجدَ فِي رَأسه ضَرْبَة وَفِي جسده ضربات عديدة وَقد دفن بثيابه من غير غسل وَلَا كفن فَغسله وكفنه وَصلى عَلَيْهِ وَدَفنه فِي تربة بناها على قَبره. وَقبض على ابْن عرام. وَخَافَ من بدر بن سَلام أَن يَعْتَرِضهُ فِي الطَّرِيق وَيُخَلِّصهُ فَطلب نجدة فَسَار إِلَيْهِ عدَّة مماليك سَارُوا بِهِ فِي بَحر الْملح إِلَى دمياط وَأتوا فِي النّيل إِلَى القاهر وسجن فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي عشره بخزانة شمايل مُقَيّدا وعذب على مَال اتهمَ أَنه أَخذه من بركَة فَلم يقر بِشَيْء. ثمَّ أخرج فِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشرينه وَحمل على حمَار إِلَى القلعة وَقد اجْتمع الْأُمَرَاء بِبَاب القلعة مِنْهَا فَجرد من ثِيَابه وَضرب بالمقارع نَحْو التسعين شيبا. وَنُودِيَ عَلَيْهِ وَهُوَ يضْرب: هَذَا جَزَاء من يقتل الْأُمَرَاء بِغَيْر إِذن. فَقَالَ: مَا قتلته إِلَّا بِإِذن الْأُمَرَاء وَأخرج خطوطهم فَأخذت مِنْهُ وَهُوَ بستغيث: بيني وَبَيْنكُم اللهّ ياسيدي الشَّيْخ نَهَار هَذَا الْيَوْم الَّذِي وَعَدتنِي فَإنَّا لله وَإِن إِلَيْهِ رَاجِعُون. وَذَلِكَ أَن الشَّيْخ نَهَار كَانَ حَدثهُ بِأُمُور وَمِنْهَا أَنه لَا يَمُوت إِلَّا مقتولا بِالسَّيْفِ موسطا أَو مسمرا فَكَانَ يتَوَقَّع ذَلِك. ثمَّ أركب الْجمل ودقت المسامير الْحَدِيد فِي كفيه وذراعيه وقدميه على الْخشب. وَهُوَ يَقُول: يَا سَيِّدي الشَّيْخ نَهَار قد صَحَّ الَّذِي وَعَدتنِي بِهِ هَذَا الْيَوْم الَّذِي وَعَدتنِي بِهِ. وَسَارُوا بِهِ من بَاب القلعة على الْجمل ليشهر فَصَارَ ينشد فِي تِلْكَ الْحَال الَّتِي يذهل فِيهَا الْمَرْء عَن نَفسه. لَك قلتبى تعِله فدمى لم تحله قَالَ إِن كنت مَالِكًا فلي الْأَمر كُله فَلَمَّا صَار بالرمَيلة تَحت القلعة. أوقف تجاه بَاب السلسلة فبدره مماليك بركَة بسيوفهم يضربوه بهَا حَتَّى صَار قطعا وَفرقُوا شلوة تفريقا. ثمَّ حملت رَأسه وعلقت بِبَاب زويلة فَأخذت أمه مَا قدرت عَلَيْهِ من بدنه وَأخذت رَأسه وغسلت ذَلِك. ودفنته. بمدرسته جوَار قنطرة أَمِير حُسَيْن. من حكر جَوْهَر النوبي خَارج الْقَاهِرَة. وَكَانَ ابْن عرام فطنا ذكيا فَأحْسن الْمُشَاركَة فِي الْقَلَم. كتب تَارِيخا مُفِيدا. وَكَانَت لَهُ نَوَادِر وَعِنْده حكايات يذاكر بهَا. وَكَانَ مهابا رَئِيسا سيوسا وَكَانَ يداخل كل ذِي فن ويتنقل فِي أَحْوَال مُخْتَلفَة ويخوض فِي كل مَا يُفِيد وينفع. وَفِي رَابِع عشره: اسْتَقر الْأَمِير بلّوط الصَرغَتْمشى فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة. وَفِي حادي عشرينه: استدعى الْأَمِير الْكَبِير برقوق الشَّيْخ جلال الدّين رَسُولا التباني فطلع إِلَيْهِ بعد مراجعات كَثِيرَة وَعرض عَلَيْهِ أَن يسْتَقرّ فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة. فَلم يُوَافق على ذَلِك وَامْتنع كَمَا امْتنع فِي الْأَيَّام الأشرفية شعْبَان بن حُسَيْن. وَقَالَ: هَذِه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 92 الْوَظِيفَة مَا يصلح لَهَا عجمي وَالْعرب أولى بهَا فَلَمَّا ألح عَلَيْهِ الْأَمِير الْكَبِير فِي الْقبُول. أخرج مُصحفا شريفا وَكتاب الشِّفَاء للْقَاضِي عِيَاض وَقَالَ: أَسأَلك بِحَق هذَيْن. أَلا مَا أعفيتني وَقَامَ عَنهُ فاستدعى الْأَمِير الْكَبِير الْقُضَاة. وشاورهم فِيمَن يصلح لقَضَاء الْحَنَفِيَّة. فَأَشَارَ قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة بِولَايَة صدر الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد بن الشَّيْخ عَلَاء الدّين أبي الْحسن على بن مَنْصُور الدِّمَشْقِي. فَسَار بإحضاره من دمشق فِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشرينه. وَفِي خَامِس عشرينه: أنعم على نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن آقبغا آص. بإمرة طبلخاناه. عوضا عَن أروس المحمدي وَأخرج أروس على إمرة بصفد وأنعم على سودون النظامي بإمرة طبلخاناة. وَفِي ثامن عشرينه: قدم الْأَمِير خضر الزيني باستدعاء. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة رَابِع عشْرين شعْبَان: قبل الْأُمَرَاء الأَرْض بَين يَدي السُّلْطَان وسألوا عَفوه عَن الْأُمَرَاء المسجونين فرسم بالإفراج عَن الْأَمِير يلبغا الناصري. والأمير قرادمرداش والأمير بيدمر نَائِب الشَّام. وَفِي أول شهر رَمَضَان: قدم بيرم وَالِي الغربية بِطَلَب وَضرب وسجن. وَفِي يَوْم الْأَحَد رابعه: قدم صدر الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي البركات مَنْصُور الدِّمَشْقِي الْحَنَفِيّ وَنزل بصهريج منجك تَحت القلعة وَأَتَاهُ النَّاس على اخْتِلَاف طبقاتهم للسلام عَلَيْهِ ثمَّ طلب فِي يَوْم الْخَمِيس ثامنه بعد الْعَصْر. إِلَى بَين يَدي السُّلْطَان فَخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة عوضا عَن جلال الدّين جَار الله بعد وَفَاته. وَنزل وَمَعَهُ قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين بن جمَاعَة والأمير قرابغا الْحَاجِب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 93 وَفِي عاشره: خلع على أَحْمد بن سنقر البريدي. وَاسْتقر فِي ولَايَة الغربية عوضا عَن بيرم. وخلع على فرج بن أيدَمُر المرزوق وَاسْتقر فِي ولَايَة أشموم الرُّمَّان. وَفِي تَاسِع عشره: كتب مرسوم سلطاني ثَان يسْتَقرّ لكل من الْقُضَاة الْأَرْبَع أَرْبَعَة نواب. فاستقر لقَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة الشَّافِعِي أَرْبَعَة نواب بِالْقَاهِرَةِ وهم: جمال الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْخَطِيب الأسناي. وَصدر الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْمَنَاوِيّ وَصدر الدّين عمَر بن عبد المحسن بن رزين. وسرى الدّين مُحَمَّد بن المسلاتي. وَاسْتقر فَخر الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد القاياتي نَائِبه بِمصْر. وَاسْتقر لقَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين مُحَمَّد بن مَنْصُور الْحَنَفِيّ أَرْبَعَة نواب وهم: مجد الدّين إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم. وشمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي بكر الطرابلسي. وشهاب الدّين أَحْمد الشنشي. وجمال الدّين مَحْمُود الْمُحْتَسب. وَاسْتقر لقَاضِي الْقُضَاة علم الدّين سُلَيْمَان اليساطي الْمَالِكِي أَرْبَعَة نواب. وهم: جمال الدّين عبد الله بن عمر الفيشي وتاج الدّين بهْرَام وشهاب الدّين أَحْمد الدفري وَعبيد البشكالسي. وَلم يستنب قَاضِي الْقُضَاة نَاصِر الدّين نصر الله الْحَنْبَلِيّ عَنهُ أحدا. فاستراح النَّاس من نواب الْمجَالِس وهم قوم يتكسبون من الحكم بَين النَّاس ويجلسون لذَلِك فِي مجَالِس من الْجَوَامِع أَو الْمدَارِس أَو حوانيت الشُّهُود ويقاسمون الشُّهُود فِيمَا يتكسبونه من تحملهم الشَّهَادَات للنَّاس وَعَلَيْهِم فَبَطل ذَلِك بسفارة قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة وَللَّه الْحَمد. وَفِي رَابِع عشرينه: خلع على أوحد الدّين عبد الْوَاحِد بن إِسْمَاعِيل بن ياسين - موقع الْأَمِير الْكَبِير - كاملية حَرِير أَخْضَر كمخا سكندري بِفَرْوٍ قاقم وَلم يعْهَد قبله متعمم يلبس مثل ذَلِك. وَفِي ثَالِث شَوَّال: أخرج الْأَمِير طُغاي تمر القبلاوي منفيا إِلَى طرابلس. وَفِي رابعه خلع على عبيد بن البازدار وَاسْتقر مقدم الدولة. وخلع على قُطلوبُغا الأسَنْ قجاوي أَبُو درقة وَاسْتقر فِي ولَايَة قوص. وخلع على الْأَمِير قُرُط بن عمر التركماني وَاسْتقر نَائِب الْبحيرَة والوه البحري. عوضا عَن الشريف بُكتمُر وأنعم عَلَيْهِ بعُدد حربية وأسلحة كَثِيرَة، وَمَال جزيل فَأكْثر من اسْتِخْدَام التراكمين وسارقي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 94 عَسْكَر كثير فاستعد بدر بن سَلام للقائه وَجمع لَهُ جمعا موفورا فعرج قُرُط عَن الطَّرِيق حَتَّى قَارب دمنهور فَلَقِيَهُ بدر وقاتله أَشد قتال حَتَّى احْتَاجَ إِلَى طلب نجدة من الْقَاهِرَة. وَفِي سادس عشرينه: خلع أقمغا المارديني وَاسْتقر نَائِب الْوَجْه القبلي بعد موت الرُّكْن. وَفِيه أخرج الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن آقبغا آص منفيا إِلَى الشَّام وخلع على الشَّيْخ برهَان الدّين إِبْرَاهِيم الأبناسي وأُعيد إِلَى مشيخة الخانكاة الصلاحية سعيد السُّعَدَاء عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد بن أخي الْجَار. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كثر الوباء بالإسكندرية فَمَاتَ فِي كل يَوْم مَا ينيف على مائَة وَخمسين إنْسَانا وَتَمَادَى إِلَى أثْنَاء ذِي الْحجَّة. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء أول ذِي الْحجَّة: خلع على شمس الدّين مُحَمَّد الدِّميري الْمُحْتَسب وأعيد إِلَى نظر الأحباس عوضا عَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الأسناى وَاسْتقر كَمَال الدّين المعري فِي قَضَاء الشَّافِعِيَّة بحلب. عوضا عَن الْجمال الزُرَعي بعد وَفَاته. وَفِي ثالثه خلع على سعد الدّين نصر الله بن البقري. وَاسْتقر فِي نظر الدخيرة وَنظر خَاص الْخَاص. وأضيفت إِلَيْهِ الْإسْكَنْدَريَّة والكارم والأملاك والمستأجرات. وخلع على الْأَمِير شرف الدّين مُوسَى بن قرمان وَاسْتقر أستادار الدخيرة رَفِيقًا لِابْنِ البقري. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامنة: قدم الْبَرِيد بوصول آنص - وَالِد الْأَمِير الْكَبِير برقوق - صُحْبَة الخواجا عُثْمَان بن مُسَافر فَركب الْأَمِير الْكَبِير إِلَى لِقَائِه وَخرج مَعَه عَامَّة الْعَسْكَر من الْأُمَرَاء والأجناد وَجَمِيع أَرْبَاب الدولة من الْقُضَاة والوزراء والأعيان فلقي أَبَاهُ بِمَنْزِلَة العكرشا وَعَاد بِهِ وَقد قدم مَعَه الْكَمَال المعري قَاضِي حلب وَولي الدّين عبد الله بن أبي الْبَقَاء قَاضِي دمشق. فَنزل بالمخيم من سرياقوس وَقد أعد لَهُ. وَهَيَّأْت المطابخ. فَمد سماط عَظِيم إِلَى الْغَايَة أَجْلِس الْأَمِير الْكَبِير أَبَاهُ فِي صَدره وأجلس بحانبه الْأَمِير عز الدّين أيدَمُر الشمسي. وَجلسَ الْأَمِير الْكَبِير تَحت الْأَمِير أَيدَمُر وَجلسَ بحانب ولد الْأَمِير الْكَبِير من الْجِهَة الْأُخْرَى الْأَمِير سيف الدّين أَقتمُر عبد الْغَنِيّ فَأَكَلُوا وَأكل عَامَّة من حضر حَتَّى اكتفوا ثمَّ رفع فتناهبه الغلمان وسغيرهم حَتَّى عَم ذَلِك الْجمع مَعَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 95 كثرته. وركبوا جَمِيعًا وَقت الظّهْر. وعبروا إِلَى الْقَاهِرَة وَقد خلع على الخواجا عُثْمَان وصعدوا بِهِ إِلَى الإصطبل فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً بَالغ الْعَامَّة فِي إشعال الشموع والقناديل. ثمَّ طلع الخواجا عُثْمَان بآنص فاشراه السُّلْطَان مِنْهُ وَأعْتقهُ وخلع عَلَيْهِ. وأنعم على آنص بتقدمة ألف فَلم يبْق أحد من الْأُمَرَاء حَتَّى قدم لَهُ التقادم الجليلة على قدر همته وبذل الْأَمِير الْكَبِير برقوق للخواجا عُثْمَان مَالا كثيرا وأنعم عَلَيْهِ بإنعامات سنية من أجل أَنه جلب أَبَاهُ من بِلَاد الجركس. وَفِي ثَانِي عشره: خرج الْأَمِير آلان الشَّعْبَانِي وَمَعَهُ خَمْسمِائَة مَمْلُوك إِلَى الْبحيرَة نجدة للأمير قرُط. وَفِي ثامن عشره: قدم الْبَرِيد من الطرانة - وَقد نزل بهَا الْأَمِير آلان - بِأَن الْأَمِير قرط قتل فاضطرب الْعَسْكَر بالقلعة. وعلق الجاليش للسَّفر وَنُودِيَ فِي الْقَاهِرَة بِخُرُوج الْأُمَرَاء والمماليك وأجناد الْحلقَة للبحيرة. ورسم بتجهيز السُّلْطَان فَأَشَارَ الْأَمِير أيدمُر الشمسي بِإِقَامَة السُّلْطَان وتجهيز الْأُمَرَاء فعين للتجريدة الْأَمِير أيتمش البجاسي والأمير ألطنبغا الجوباني والأمير أَحْمد بن يلبغا الخاصكي والأمير مَأْمُور القلمُطاوي والأمير أَقبغا العثماني والأمير ألطنبغا الْمعلم وَكلهمْ أُمَرَاء أُلُوف وَمَعَهُمْ من أُمَرَاء الطبلخاناة: قرابغا الأحمدي ومازي وقرابغا البوبكري وبجَمَان المحمدي وَفَارِس الصَرغتمشى وبجاس النوروزي. وطوجي الحسني. وطقتمشى السيفي وأطرجي العلاي وأرسلان اللفاف. وَمن أُمَرَاء العشرات: أقبغا بوز الشيخوني وكمجي ويوسف بن شادي وبكبلاط الصَّالح وبيبرس التمان تمري وأقبغا اللاجيني وسبرُج الكمشبغاوي فَقدم الْخَبَر آخر النَّهَار بِأَن قرُط بن همر لم يقتل فسكن الْحَال بعض الشَّيْء. وَفِي تَاسِع عشره: قدم من شُيُوخ الْبحيرَة خِضْر بن مُوسَى بن خضر وَجَمَاعَة تَحت الاحتفاظ فَضربُوا بالمقارع. وَفِيه سَارَتْ التجريدة الْمَذْكُورَة صُحْبَة الْأَمِير أيتمِش إِلَى الْبحيرَة. وَفِي حاي عشرينه: قدم حُسَيْن بن الْأَمِير قُرُط بعدة رُءُوس من الْقَتْلَى فِي الْحَرْب وَأخْبر أَنه حصِرَ. بِمَدِينَة دمنهور وَكَاد بدر أَن يَأْخُذهُ ففر إِلَى الْعَطف وعدى النّيل إِلَى مَدِينَة فوة وَسَأَلَ أَن يمد بنشاب وَغَيره من آلَة الْحَرْب وَأخْبر بوصول الْأَمِير آلان. بِمن مَعَه إِلَى دمنهور فَخلع عَلَيْهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 96 وَفِيه أُعِيد فتح الدّين مُحَمَّد بن الشَّهِيد إِلَى كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق بعد وَفَاة شهَاب الدّين أَحْمد بن نجم الدّين مُحَمَّد بن القَاضِي بهَا الدّين أَحْمد بن القَاضِي محيى الدّين يحيى ابْن فضل الله. وَفِي ثَانِي عشرينه: خُلع على الطواشي صفي الدّين جَوْهَر الصلاحي وَاسْتقر مقدم المماليك بعد موت ظهير الدّين مُخْتَار الحسامي. وَفِيه أبطل الْأَمِير الْكَبِير برقوق ضَمَان المغاني بِمَدِينَة حماة وبمدينة الكرك وبمديته الشوبك وبناحية منية ابْن خصيب من أَرَاضِي مصر وبناحية زفتا مِنْهَا وأبطل ضَمَان الْملح. بِمَدِينَة عين تَابَ وَضَمان الدَّقِيق من البيرة - مُعَاملَة حلب - وَضَمان قَمح المؤونة بدمياط وَفَارِس كور من أردبين إِلَى مَا دون ذَلِك. وأبطل الْمُقَرّر على أهل البرلس وشورى وبلطيم وَهُوَ شبه الجالية ومبلغه سِتُّونَ ألف دِرْهَم فِي السّنة. وأبطل مكس مَدِينَة إعزاز بأجمعه وَعمر جسر الْأُرْدُن الَّذِي يعرف بالشريعة. فِيمَا بَين بيسان ودمشق فجَاء طوله مائَة وَعِشْرُونَ ذِرَاعا. وَفِيه أنعم على قُطلوبَك السيفي - وَإِلَى مَدِينَة مصر - بإمرة عشرَة زِيَادَة على عشرَة فاستقر أَمِير عشْرين فَارِسًا. وَفِيه أنعم على الْأَمِير قديد القلمطاوي بإمرة عشرَة. وَمَات فِي هَذَا السّنة من الْأَعْيَان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 97 شرف الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عَلَاء الدّين أبي الْحسن عَليّ ابْن أبي البركات مَنْصُور الدِّمَشْقِي الْحَنَفِيّ قَاضِي الْقُضَاة بديار مصر بعد مَا عزل نَفسه وَأقَام بِدِمَشْق فِي لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ عشْرين شعْبَان. وَتُوفِّي الشريف شرف الدّين عَاصِم بن مُحَمَّد الحسني نقيب الْأَشْرَاف فِي عَاشر وَتُوفِّي الشَّيْخ عَبَّاس بن حسن التَّمِيمِي الشَّافِعِي الْمُقْرِئ خطيب جَامع أصلم خَارج الْقَاهِرَة فِي يَوْم الْأَحَد ثَالِث عشر ذِي الْحجَّة. تصدى لتدريس الْفِقْه وإقراء الْقرَاءَات عدَّة سِنِين. وَتُوفِّي نور الدّين عَليّ عبد الصَّمد الجلاوي - بِالْجِيم - أحد فُقَهَاء الْمَالِكِيَّة فِي رَابِع عشْرين ذِي الْحجَّة. وَمَات الْأَمِير منكلي بغا الأحمدي الشهير بالبلدي نَائِب حلب وَقد تجَاوز نَحْو أَرْبَعِينَ سنة. وَمَات الرُّكْن عمر نَائِب الْوَجْه القبلي. وَمَات الْأَمِير فطلوبغا البزلاري أحد العشرات. وَتُوفِّي قَاضِي الفضاة جلال الدّين أَبُو عبد الله وَيعرف بجار الله بن قطب الدّين مُحَمَّد بن مَحْمُود النَّيْسَابُورِي الْحَنَفِيّ يَوْم الْإِثْنَيْنِ رَابِع عشر شهر رحب. وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة بحلب جلال الدّين أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عُثْمَان بن أَحْمد ابْن عَمْرو بن مُحَمَّد الزُرَعي الشَّافِعِي قَاضِي حلب. وَتُوفِّي الْفَقِير المعتقد زين الدّين مُحَمَّد بن الَموِاز فِي ثَانِي عشْرين ربيع الأول بِالْقَاهِرَةِ. وَتُوفِّي شمس الدّين مُحَمَّد الحكري فِي ذِي الْحجَّة بالرملة وَكَانَ فَقِيها شافعيا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 98 عَارِفًا بالقراءات. قَرَأَ على الْبُرْهَان الحكري نَاب فِي الحكم ثمَّ ولي قَضَاء الْقُدس وصيدا توفّي الْوَزير الصاحب تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب النشو الملكي الْأَسْلَمِيّ تَحت الْعقُوبَة مستهل شهر جُمَادَى الْآخِرَة. وَتُوفِّي أحد فُقَهَاء الشَّافِعِيَّة بِدِمَشْق شمس الدّين مُحَمَّد بن نجم الدّين عمر بن مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب بن مُحَمَّد بن ذُؤَيْب الْأَسدي الدِّمَشْقِي الْمَعْرُوف بِابْن قَاضِي شُهْبَة. فِي ثامن الْمحرم. ومولده فِي يَوْم الثُّلَاثَاء الْعشْرين من ربيع الأول سنة إِحْدَى وَتِسْعين وسِتمِائَة بِدِمَشْق. وَتُوفِّي أَبُو مُحَمَّد حَجي بن مُوسَى بن أَحْمد بن سعد السَّعْدِيّ الحسباني الشَّافِعِي بِدِمَشْق فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء سَابِع عشر صفر وَقد صَار من أَعْيَان فقهائها مَعَ اقتصاد وانجماع. وَمَات قَتِيلا الْأَمِير صَلَاح الدّين خَلِيل بن عَليّ بن أَحْمد بن عرام فِي رَابِع عشْرين شهر رَجَب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 99 فارغه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 100 (سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة) فِي يَوْم الْأَحَد ثَالِث الْمحرم: قبض على طَائِفَة من عرب الْبحيرَة نَحْو ثَلَاثَة وَعشْرين رجلا عِنْد الأهرام قد فروا يُرِيدُونَ النجَاة فوسطوا وَأخذت مَوَاشِيهمْ. وَفِيه ابْتَدَأَ الوباء بالطاعون فِي النَّاس بِالْقَاهِرَةِ ومصر وتزايد حَتَّى بلغ عدَّة من يَمُوت فِي الْيَوْم ثَلَاثمِائَة ميت. وَفِي خامسه: خلع على قَاضِي الْقُضَاة بِدِمَشْق ولي الدّين عبد الله بن أبي الْبَقَاء باستقراره على عادتَه. وخلع على قَاضِي الْقُضَاة بحلب كَمَال الدّين المعري باستقراره. وسارا عائدين إِلَى بلديهما فِي عاشره: ابْتَدَأَ الْأَمِير مَأْمُور الْحَاجِب بِعرْض الأجناد وإلزام من عِبْرَة إقطاعه سِتّمائَة دِينَار بِالسَّفرِ إِلَى الْبحيرَة أَو إِخْرَاج بديل عَنهُ. وَفِي ثَانِي عشره: قدم الْخَبَر بِأَن خَمْسَة من أَعْيَان أهل الْبحيرَة قدمُوا على الْأَمِير أيتمش راغبين فِي الطَّاعَة وَمَعَهُمْ نَحْو سِتّمائَة فَارس وعدة رجالة. قدم الْبَرِيد من الْإسْكَنْدَريَّة بِطَلَب بدر بن سَلام من الْأَمِير بلوط أَن يسْأَل لَهُ فِي الْأمان فَلم يجبهُ الْأَمِير الْكَبِير برقوق إِلَى سُؤَاله. وَكتب بِالْقَبْضِ على الَّذين قدمُوا إِلَى الْأَمِير أيتمش فَقبض عَلَيْهِم وَقتل أكابرهم. فِي تَاسِع عشره: قدم الْأَمِير قطلوبغا الكُوكَاي وَمَعَهُ خَمْسَة وَعِشْرُونَ رجلا من أَعْيَان الْبحيرَة فعفي الْأَمِير الْكَبِير عَنْهُم. وَفِي خَامِس عشرينه: خلع على جمال الدّين مَحْمُود بن عَليّ بن أصفر عينة شاد الْجنان بالإسكندرية ثمَّ أحد أجناد الْحلقَة وَاسْتقر نقيب الْجَيْش عوضا عَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن وَفِي هَذِه الْأَيَّام: مرض السُّلْطَان حَتَّى أرجف. بِمَوْتِهِ ثمَّ عوفي. وَفِي يَوْم الْأَحَد ثَانِي صفر: قدم الْأَمِير أَيتمِشِ. بِمن مَعَه من تجريدة الْبحيرَة وَقد فر بدر سَلام إِلَى جِهَة برقة وَبعث الْأَمِير قرط بِرِجَال كثير قد قبض عَلَيْهِم وبعدة من رُءُوس قتلاهم فعلقت على بَاب زويلة. وَنزل قُرُط دمنهور وَبنى عَلَيْهَا سورا أَخذ فِي عمَارَة مَا خرب من بِلَاد الْبحيرَة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 101 وَفِي تاسعه خلع على آلطنبغا الصلاحي وَاسْتقر فِي ولَايَة الأشمونين عوضا عَن مُحَمَّد بن العادلي. وَفِي حادي عشره: استعفي الصاحب شمس الدّين أَبُو الْفرج المقلى من الوزارة لضعف حَالهَا. فَإِنَّهُ أَخذ مِنْهَا عدَّة بِلَاد. فَقبض عَلَيْهِ وعَلى علم الدّين يحيى نَاظر الدولة وعدة من الْكتاب وسلموا الشاد الدَّوَاوِين. فَلَمَّا كَانَ من الْغَد بعث الْأَمِير الْكَبِير إِلَى المقسي بخلعة الوزارة ليستمر على عَادَته فَامْتنعَ من الْولَايَة مَا لم يعد إِلَى الدولة مَا خرج عَنْهَا من الْبِلَاد فالتزم كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن مكانس بتكفية الدولة وَالْخَاص من غير أَن تُعَاد الْبِلَاد الَّتِي خرجت عَن الوزارة. فَخلع عَلَيْهِ فِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشره وَاسْتقر فِي الوزارة. وَنظر الْخَاص وَنظر ديوَان الْأَمِير الْكَبِير ووكالة الْخَاص عوضا عَن المقسي. وَفِيه أنعم على الْأَمِير شرف آنص - وَالِد الْأَمِير الْكَبِير - بتقدمة الْأَمِير أَيدمُر الشمسي بعد مَوته. وخلع عَلَيْهِ فَقبل الأَرْض بَين يَدي السُّلْطَان وَأقَام فِي الْخدمَة حَتَّى انْقَضتْ. وَفِيه أحَاط الْوَزير على مَوْجُود الْأَمِير أيدَمُر ورسم على مباشري ديوانه وَلم تجر عَادَة بذلك. وَفِي رَابِع عشره: قدم الْأَمِير قرُط وَمَعَهُ رحاب وَإِبْرَاهِيم وشادي من أُمَرَاء الْبحيرَة. وَفِي تَاسِع عشره: قبض على الْمُقدم سيف وأحاط الْوَزير يجميع مَاله وأُلزم بِحمْل مِائَتي ألف دِينَار. وعوقب فَكتب خطه. بِمِائَتي ألف دِرْهَم. وَفِي عشرينه: خلع على رحاب ورفيقيه. وَفِيه خلع على أَحْمد العَظْمَةَ - نقيب قرا غلامية - وَاسْتقر مقدم الدولة عوضا عَن الْمُقدم ورفيقه عبيد. وخلع على سعد الدّين بن الريشة وَاسْتقر نَاظر الدولة عوضا عَن علم الدّين يحيى وخلع على عدَّة من الْكتاب باستقرارهم فِي وظائف كَانَت بأيدي أَصْحَاب ابْن المقسي فاستقر زين الدّين نصر الله بن مكانس فِي نظر الْأَسْوَاق وَاسْتقر علم الدّين أفسح فِي نظر دَار الضِّيَافَة وَاسْتقر تَاج الدّين عبد الله بن سعد الدّين نصر الله بن البقري صَاحب ديوَان خزانَة الْخَاص وَاسْتقر تَاج الدّين عبد الرَّحِيم ابْن الْوَزير الجزء: 5 ¦ الصفحة: 102 فَخر الدّين ماجد بن أَبُو شَاكر فِي نظر دَار الضَّرْب وَاسْتقر فَخر الدّين عبد الرَّحْمَن ابْن مكانس فِي نظر الإصطبل. وَفِيه أفرج عَن المقسى وَعلم الدّين يحيى على مَال مبلغه خَمْسمِائَة ألف دِرْهَم، ليورده. وَفِي يَوْم الْأَحَد ثَالِث عشرينه: توفّي السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور عَليّ بن الْأَشْرَف شعْبَان وَدفن لَيْلًا بتربة جدته خوند بركَة بالتبانة وَتَوَلَّى تَجْهِيزه الْأَمِير قطلوبغا الكوكاي فَكَانَت مُدَّة سلطنته خمس سِنِين وَثَلَاثَة أشهر وَعشْرين يَوْمًا وعمُره نُحو اثْنَتَيْ عشرَة سنة وَلم يكن لَهُ من السلطنة سوى الِاسْم وَالْجُلُوس على التخت وَله نَفَقَة كل يَوْم. ثمَّ إِن القبرسي لما قصد غَزْو الْإسْكَنْدَريَّة استنجد. بملوك النَّصَارَى بِإِشَارَة الْبَاب لَهُم فِي ذَلِك وَالْبَاب هُوَ بتفخيم الْبَاء الأولى وَهُوَ الَّذِي تنقاد النَّصَارَى بِهِ ويزعمرن أَنه من ذُرِّيَّة الحواريين وَعِنْده الصَّلِيب الْأَكْبَر الَّذِي إِذا أبرزه للغزو لم يبْق ملك مَن مُلُوك النَّصَارَى إِلَّا أَتَى بجيشه نَحوه. فَإِذا خرج الْبَاب بصليبه ذَلِك ارتجت لَهُ بِلَاد النَّصْرَانِيَّة فيظفر بِتِلْكَ الجيوش القوية على مملكة من خَالفه من مُلُوك الرومانية. فَلَمَّا أعانت مُلُوك النَّصَارَى صَاحب قبرس بِالْمَالِ وَالرِّجَال والغربان بِإِشَارَة الْبَاب لَهُم فِي ذَلِك فعمرت المراكب لَهُ على مَا قيل برودس لِأَنَّهَا دَار صناعَة الفرنج فَكَانَت عمارتها على مَا قيل فِي أَربع سِنِين وَذَلِكَ فِي مُدَّة طَوَافه على الْمُلُوك. فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى قبرس وجدهم تهيئوا لَهُ فَجمع مَا جَاءَ بِهِ على مَا عمر لَهُ وَتوجه إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة. وَكَانَت الْأَخْبَار تَأتي إِلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 103 الْإسْكَنْدَريَّة بِأَن الْعِمَارَة عِنْد القبرسي فاهتم نَائِب السُّلْطَان بهَا - وَهُوَ الْأَمِير زين الدّين خَالِد. - فَرفع سورها الْقصير من جِهَة الْبَاب الْأَخْضَر وَصَارَ يجْتَهد فِي الْعِمَارَة وَيُرْسل يطْلب من الْأَمِير يلبغا الخاسكي - مقدم الجيوش المنصورة الْإِعَانَة على عمَارَة السُّور ويعلمه بِخَبَر عمَارَة القبرسي للمراكب الحربية فَيَقُول: إِن القبرسي أقل وأذل من أَن يَأْتِي إِلَى الأسكندرية. وَمَا علم يلبغا أَن شرارة أحرقت الجلمود وبعوضة أهلكت النمرود ودلمة قتلت فيلا وبرغوثا أَشهر ملكا جَلِيلًا. ذكر كَيْفيَّة ظفر القبرسي بالاسكندرية بِمَا جمعه من أَجنَاس نَصَارَى الرومانية وَغير ذَلِك من الواردات المستطردات. وَذَلِكَ أَن نَائِب السُّلْطَان بثغر الْإسْكَنْدَريَّة - وَهُوَ الْأَمِير صَلَاح الدّين خَلِيل بن عرام - كَانَ غَائِبا عَن الثغر الْمَذْكُور بالحجاز الشريف بِسَبَب الْحَج. وَكَانَ نَائِبا عَنهُ فِيهِ بِإِشَارَة الْأَمِير الأتابكي الخاسكي أَمِير يُسمى جنغرا. فَلَمَّا دخل جنغرا الْمَذْكُور الْإسْكَنْدَريَّة رأى طوائفها المتطوعة الحارسة لمينتها تبحر عَلَيْهِ بالجزيرة بقسيهم الجرخ الموترة وأعلامهم الْحَرِير المنشورة مَعَ مَا بِأَيْدِيهِم من المزاريق وَالرمْح والدرق والصفاح والزرد النضيد ومصفحات الْحَدِيد والنفط الطيار الصاعد مِنْهُ لَهب النَّار وهم بملبوسهم الْمُخْتَلف الألوان كالزهر فِي الْبُسْتَان. فَلَمَّا عاينهم جنغرا بَكَى وَقَالَ: هَؤُلَاءِ أهل الْجنَّة لرباطهم وجهادهم فِي سَبِيل الله قد طَابَ وَالله الْعَيْش بِقُوَّة هَذَا الْجَيْش لَو أَتَى الْإسْكَنْدَريَّة جَمِيع نَصَارَى الرومانية مَا قدرُوا على هَذَا الْجَيْش الثقيل على الْإسْكَنْدَريَّة بل يكسرون النَّصَارَى ويصيرونهم قَتْلَى وأسارى. فَأَقَامَ جنغرا بالإسكندرية من شَوَّال سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة إِلَى الْمحرم ينظر إِلَى تِلْكَ الطوائف الَّتِي لكل طَائِفَة مِنْهَا لَيْلَة فِي الْأُسْبُوع تبيت تحرس بساحل المينا وَرُبمَا بَات لَيَال فِي الغرفة الَّتِي على بَاب مَسْجِد تربة طغية وَيقدم قدامه فانوسين أكرتين مُقَابل بَاب الْمَسْجِد الْمَذْكُور. وَتَأْتِي طَائِفَة الزراقين يطلقون النفط وَهُوَ ينظر من طيقان الغرفة الْمَذْكُورَة إِلَى الشرار الطيار واللوالب الَّتِي تَدور بألوان النَّار من الخضرة والصفرة وَالْبَيَاض والحمرة فيتحصل بذلك الانشراح من الْعشي إِلَى الصَّباح ويبتهج أَيْضا بنظره إِلَى كَثْرَة الْخَلَائق المنتشرة على السَّاحِل من الرُّمَاة والعوام وَقد نصب لَهُم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 104 سوق فِيهِ من أَصْنَاف الْمَأْكُول يشْتَرونَ ويأكلون وَمن مَاء الروايا والقرب الَّتِي تحمل من الْبَلَد إِلَيْهِم يشربون. فَإِذا أَصْبحُوا انتظمت الطَّائِفَة الَّتِي باتت تحرس وَدخل الْبَلَد فِي همة وَجلد وَكَثْرَة ومدد فتجتمع لدخولهم الرِّجَال والنسوان ينظرُونَ لأقوام كزهر بُسْتَان من حسن الملابس وَبَيَاض تِلْكَ الأطالس فتزغرت لَهُم النسوان إعلانا عِنْد مشاهدتهن لَهُم عيَانًا والأبواق حِينَئِذٍ تصرخ والكوسات تدق والمزامر تزمر والأعلام منشورة والمباخر بالطيب معمورة ودخانها يفوح فتنبسط لتِلْك الروائح الأرجة كل روح وَالنَّاس فِي شرح وسرور لرؤية ذَلِك الْجَيْش المخبور المهتز لَهُ الشوارع والدور. فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك على عَادَتهم مستمرين وَفِي ثغرهم مُطْمَئِنين لَا تروعهم الْأَعْدَاء وَلَا رَأَوْا مَكْرُوها أبدا إِذا دهمهم صَاحب قبرس اللعين فِي جنده الضَّالّين وشتت شملهم أجميعن فروا مِنْهُ فِي الْبلدَانِ وَدخل الْبَلَد باطمئنان وَذَلِكَ فِي يَوْم الْجُمُعَة الثَّانِي وَالْعِشْرين من الْمحرم سنة سبع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة والنيل منتَشر على الْبِلَاد قصد الملعون بإتيانه لتتعوق النجدة من مصر لبعد الطَّرِيق من الْجَبَل فنال الْخَبيث قَصده فِي ذَلِك الْيَوْم وَالَّذِي بعده وتحصن قبل إتْيَان النجدة. بمراكبه وَفَرح بسلامة نَفسه ومكاسبه فَلَو كَانَ بهَا أُمَرَاء مُجَرّدَة مَا نَالَ الْخَبيث مِنْهَا ثمن زردة لَكِن كَانَ ذَلِك فِي. الْكتاب مسطورا وَكَانَ أَمر الله قدرا مَقْدُورًا. عود إِلَى ذكر كَيْفيَّة إتْيَان القبرسي إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وظفره بهَا وَذَلِكَ أَنه لما كَانَ فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء الْعشْرين من الْمحرم سنة سبع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة ظهر فِي الْبَحْر مراكب مشرقة ومغربة زعم أهل الْإسْكَنْدَريَّة أَنهم تجار البنادقة ينتظرونهم يأْتونَ بمتاجرهم على جاري عَادَتهم فِي كل سنة. وَكَانَت تجار الْمُسلمين جلبوا لَهُم من الْيمن أَصْنَاف البهار يبيعونها عَلَيْهِم ويتَعوضون عَنْهَا من متاجرهم. فَلَمَّا لم يدخلُوا لميناء بَات النَّاس فِي خوف شَدِيد بسببهم. فَلَمَّا أصبح يَوْم الْخَمِيس أقبلته المراكب الْكَثِيرَة طالبة سَاحل الجزيرة منشورة قلاعها كالقصور الْبيض. فَصَارَ النَّاس فِي الطَّوِيل العريض من كَثْرَة لهجهم وحر وهجهم. وَتلك المراكب مقلعة آتِيَة قد مَلَأت الْبَحْر من كل نَاحيَة فَلم تزل تشق الْبَحْر كالزلزلة إِلَى أَن حطت قلاعها ببحر السلسلة وَذَلِكَ من جِهَة الْبَاب الْأَخْضَر المسدود بعد الْوَقْعَة بالجير وَالْحجر ثمَّ فتح بعد ذَلِك وَركبت علمِه أبوابه الأول وَالثَّانِي وَالثَّالِث المتجددة وَذَلِكَ فِي يَوْم الْوَقْعَة سنة سبع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة فِي ولَايَة الْأَمِير سيف الدّين الأكز بالإسكندرية وَسَيَأْتِي ذكر ولَايَته بهَا وَمَا فعل فِيهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى. نعود وَلما أرست المراكب الحربية ببحر السلسلة مبرزة عَن السَّاحِل اعْتد أهل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 105 الْإسْكَنْدَريَّة لِلْقِتَالِ وَالْحَرب والنزال فتعمرت القلاع الَّتِي من جِهَة الْبَحْر والجزيرة بالرماة الْكَثِيرَة وانتشر النَّاس على السُّور وَصَارَ برماة الجرخ معمور فَخرج من مراكب الفرنج قَارب يجس الميناء بقميرة فَرمى الْمُسلمُونَ عَلَيْهِ بِالسِّهَامِ فولى هَارِبا حَتَّى لصق بالمراكب. فَلَمَّا كَانَ بعد الْغُرُوب أوقدت الفوانيس على السُّور فضاء السُّور بِالنورِ وَبَات الْمُسلمُونَ متأهبين بالسور محدقين والعدو خانس لم يَتَحَرَّك من الْموضع الَّذِي أرسى بِهِ. وَصَارَت تِلْكَ المراكب منضمة بَعْضهَا إِلَى بعض كالطوقَ الصَّغِير فِي الْبَحْر الْكَبِير فاستهون المسلون أمره وَقَالُوا: مَا يقدر هَذَا على هَذِه الْمَدِينَة المسورة الحصينة. والقلاع المشيدة المتينة. فَلَمَّا كَانَ بعد طُلُوع الشَّمْس من يَوْم الْجُمُعَة انْتَشَر على السَّاحِل بالجزيرة خلق من الْمُسلمين كَثِيرَة مِنْهُم من مَعَه سَيْفه وترسه وَمِنْهُم من مَعَه نبله وقوسه وَمِنْهُم من مَعَه رمحه وخنجره وَمِنْهُم من لَيْسَ عَلَيْهِ سوى ثَوْبه الَّذِي يستره وَبَعْضهمْ قد لبس الزرد المنضد وَبَعْضهمْ من هُوَ عاري مُجَرّد. وَكَانَت الباعة خَرجُوا من الْبَلَد بطباليهم وقدورهم ودسوتهم ملآنة بِالطَّعَامِ يبيعونه على من بالجزيرة من الْخَاص وَالْعَام وَذَلِكَ من لَيْلَة الْخَمِيس ليكسبوا مَعَايشهمْ وهم معلنون بلعن كل رَاهِب وقسيس وَذَلِكَ من غير خوف من المراكب الَّتِي رؤيت يَوْم الْأَرْبَعَاء فِي الْبَحْر. ثمَّ إِنَّهُم مَا فزعوا من الإفرنج باجتماع أفروطتهم يَوْم الْخَمِيس بل صَارُوا يلعنون القبرسي كلعنهم لإبليس لأَنهم فِيمَا تقدم لَهُم من بيعهم على الطوائف الْمُتَقَدّم ذكرهم. فَكَانَ أحدهم يغْضب إِذا أنقص لَهُ الْمُشْتَرى حَبَّة أَو حبتين ويفرح إِذا غلب المُشْتَرِي بِحَبَّة وَاحِدَة فَيصير البَائِع كَمَا قَالَ الشَّاعِر: لاتغضب السوقي فبالحبة ترضيه وَأخذ الْفلس من يَده كأخذ الْفرس من فِيهِ فصاروا يشْتَرونَ من الباعة ويأكلون كَمَا كَانُوا فِي خُرُوجهمْ مَعَ الطوائف يعهدون وَلَيْسَ كل مِنْهُم مفكر فِي أسطول الإفرنج وَلَا مِنْهُ خَائِف. وَصَارَت الحرافيش والعوام يشتمون القبرسي بِالصَّرِيحِ ويسبونه بِكُل لفظ قَبِيح والقبرسي يسمعهم من مراكبه وَهُوَ سَاكن وكل من مَعَه لم ينْطق بِكَلِمَة بل كل مِنْهُم صَامت فَقيل: إِن القبرسي رمى من أَعلَى الجزيرة فِي اللَّيْل جواسيسه فِي زِيّ لِبَاس الْمُسلمين مستعربين كالشياطين فاحتاطوا بِالْمُسْلِمين متجسسين فرأوهم من لِبَاس الْحَرْب عارين فاشتروا كَمَا قيل من الْمَأْكُول وَأتوا بِهِ لصَاحب قبرس بالأسطول وَقَالُوا: لَهُ لَيْسَ بالجزيرة أحد من الشجعان وَلَيْسَ بهَا إِلَّا من هُوَ من لِبَاس الْحَرْب عُرْيَان يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ وَبَعْضهمْ يحْفر فِي الرمل حفائر وَبهَا ينامون فَلَمَّا كَانَ قبل الشَّمْس من يَوْم الْجُمُعَة. أَقبلت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 106 العربان من كل نَاحيَة وَمَكَان قد تخللوا بالكسيان. وَكَانَت النسوان ينظرن إِلَى مراكب الفرنج من رُءُوس الكيمان الَّتِي هِيَ دَاخل السُّور المشرفة على الْقُبُور فزرغتت النسوان لتِلْك العربان. وقلن قد أَتَت الشجعان يقتلُون عباد الصلبان فصاروا يتطاردون على خيولهم تَحت الكيمان وَقد أَرخُوا لَهَا الأعنة عِنْد سماعهم الزرغتة وَتلك العربان كالمطر من كثرتهم خَارِجين من الْبَاب الْأَخْضَر. فصاروا فِي الجزيرة كالجراد الْمُنْتَشِر وكل من سرابيل الْحَرْب منتشر لَيْسَ مَعَ كل وَاحِد مِنْهُم غير سَيْفه الأجرب وَرمحه قَاصِدا إِمَّا لقَتله أَو لجرحه فَقَالَ أحد المغاربة وَغَيره للأمير جنغرا: هَذَا عَدو ثقيل وَقد خرج النَّاس من الثغر عرايا للبلايا والمصلحة دُخُولهمْ الْمَدِينَة يتحصنون بأسوارها الحصينة. ويقاتلون من خلف الأسوار. ليظن الْعَدو أَن خلفهَا كل رجل كالأسد المغوار يذيقونه برميهم عَلَيْهِ الشدَّة. إِلَى أَن تصل من مصر النجحة فَقَالَ مِمَّن لَهُ رِبَاط بالجزيرة: قد انْصَرف على بنائِهِ أُلُوف كَثِيرَة بنيت بَين مَقَابِر الْأَمْوَات لمبيت طوائف القاعات: مَا نَتْرُك هَؤُلَاءِ الفرنج الَّذِي كل مِنْهُم رِجْس مقامر تطرق بأرجلها ترب الْمَقَابِر. قَالُوا ذَلِك خوفًا على ربطهم تخربها الفرنج إِذا نزلُوا الجزيرة بجموعهم الْكَثِيرَة. فَقَالَ عبد الله التَّاجِر لجنغرا: دُخُول الْمُسلمين الْبَلَد أصلح لَهُم فَقَالَت أَرْبَاب الرَّبْط: أَنْتُم مغاربة أخربتم بلدكم طرابلس بِأخذ الفرنج وتريدون أَن تخربوا ربط الْمُسلمين بِدُخُول الْمُسلمين الْبَلَد كَذَلِك وَلَا كَرَامَة بل نمنعهم النُّزُول من الْمركب نذيقهم بِالسِّهَامِ الْعَذَاب والرعب. ثمَّ لما كَانَ بعد وقْعَة القبرسي بِسنتَيْنِ رسم السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف شعْبَان بهدم ماتجده فِي الجزيرة من الرَّبْط والقصور احْتِرَازًا من الْعَدو أَن ينزلها فيجد مأوى يأويه ويجد مَا يشرب من صهاريجها المملوءة. بِمَاء الأمطار فهدمت تِلْكَ الرَّبْط والقصور. وَلَو كَانَ تركُوا للقبرسي الجزيرة وتحصنوا بالسور وقاتلوا من وَرَائه كل رِجْس كفور لَكَانَ الْمُسلمُونَ بتحصينهم بالثغر سلمُوا من الْقَتْل والنهب والأسر وَمَا كَانَ عَلَيْهِم من إخراب الفرنج للربط المبينة لِسَلَامَةِ الْإسْكَنْدَريَّة من أَذَى الْملَّة النَّصْرَانِيَّة فَالَّذِينَ خَافُوا على ربطهم تخربت ودورهم الَّتِي دَاخل الْبَلَد نهبت وَذَلِكَ بِالرَّأْيِ الْغَيْر صائب حَتَّى حلت بهم المصائب لَكِن الْقَضَاء إِذا نزل لَا يرد وَإِذا أَرَادَ الله بِحكم نفذ قَالَ بَعضهم قَضَاء الْمُهَيْمِن لايدفع إِذا حل من ذَا لَهُ يمْنَع وَقَالَ الآخر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 107 وَإِذا أَرَادَ الله إِنْفَاذ القضا لم يكن فِيهِ لمخلوق مفر نعود إِلَى ركُوب أَمِير جنغرا لكَلَام أَصْحَاب الرَّبْط وَتَركه لما قَالَه لَهُ عبد الله التَّاجِر المغربي فَكَانَ جَوَاب جنغرا لعبد الله التَّاجِر الْمَذْكُور: لست أترك أحدا من الفرنج يصل إِلَى السَّاحِل وَلَو قطعت مني الْأَوْدَاج ونفذت الْمقَاتل وَإِذا أَرَادَ الله أَن يلطف بِعَبْدِهِ ألهمه حسن التَّدْبِير وَإِذا خذله شتت رَأْيه. ثمَّ إِن الفرنج صَارُوا. بمراكبهم ينظرُونَ أَحْوَال النَّاس فَلم يرَوا إِلَّا من هُوَ عَار من اللبَاس فطمعوا فيهم وزحفوا بغراب التقدمة إِلَيْهِم فَنزلت إِلَيْهِ طَائِفَة من المغاربة خَائِفين فِي المَاء ناوشوا من فِيهِ الْقِتَال وَالْحَرب و. النزال وأمسكوا الْغُرَاب بِأَيْدِيهِم وطلبوا من الزراقين النَّار ليحرقوه فَلم يَأْتِ أحد بشرارة وَذَلِكَ لقلَّة همتهم وتهاونهم وغفلتهم فاستعجلوهم بالنَّار فرموا. بمدفع فِيهِ نَار كنار الحلفاء فَوَقع فِي المَاء فانطفأ. ثمَّ إِن المغاربة وَأَصْحَاب الْغُرَاب ضربوا بَعضهم بَعْضًا بِالسُّيُوفِ إِلَى أَن قتلت المغاربة فِي تِلْكَ الْمُحَاربَة فَحِينَئِذٍ دخل الْغُرَاب السَّاحِل وَتَبعهُ آخر كَانَ يَرْمِي بِالسِّهَامِ. فَلَمَّا دخلا الْبر تَتَابَعَت الْغرْبَان داخلي من أَمَاكِن مُتَفَرِّقَة فَنزلت الفرنج سَرِيعا من مراكبها بخيلها ورجالها وَقت ضحى نَهَار يَوْم الْجُمُعَة إِلَى الْبر فرمت الخيالة الْمُسلمُونَ يقدمهم أَصْحَاب الدرق وَالسُّيُوف مشَاة على الْأَقْدَام. فَلَمَّا رَأَتْ الباعة الطَّعَام الَّذين كَانَ كل وَاحِد مِنْهُم يخَاف على الْحبَّة والحبتين ترك ماعونه وهرب حافيا بِغَيْر نَعْلَيْنِ فَمنهمْ من نجا من الْكَفَرَة وَمِنْهُم من صَارَت هامته على الأَرْض مكركرة. وَكَانَت الفرنج مسربلة بالزرد النضيد متجلية بصفائح الْحَدِيد على رُءُوسهم الخوذ اللامعة وبأيديهم السيوف القاطعة قد تنكبوا القسي المولَودة ورفعواأعلام الصلبان المنشورة. وصاروا يرْمونَ على الْمُسلمين فارتشقت سِهَامهمْ فِي أهل الْإِيمَان وَفِي خُيُول العربان فهاجت بهم تِلْكَ الْخُيُول فِي كل جِهَة وَمَكَان فَانْهَزَمُوا إِلَى نَاحيَة السُّور. فَصَارَ جَيش الْمُسلمين بهزيمة العربان مكسور وَلَا عَادوا قابلوا الفرنج الْكلاب بل دخلُوا الْبَلَد عابرين من الْأَبْوَاب. وَكَانَت الفرنج الجزء: 5 ¦ الصفحة: 108 لابسين الْحَدِيد من الْفرق إِلَى الْقدَم والمسلمون كَاللَّحْمِ على وَضم فَكيف يُقَاتل اللَّحْم الْحَدِيد وَكَيف يبرز العاري لمن كسى الزرد النضيد فانهزمت الْمُسلمُونَ وَوَلَّتْ وَمن الْكفَّار فرت فَقَالَ الشَّاعِر فِي ذَلِك: قد ولت الْمُسلمُونَ لما باللبس وافاهم جنود وَكَيف لايهربنون مِنْهُم وَالنَّاس لحم وهم حَدِيد ثمَّ إِن أهل الْإسْكَنْدَريَّة لما رأو مَا لم يعهدوه أبدا وَلَا شاهدوه على طول المدى رجفت مِنْهُم الْقُلُوب وَصَارَ كل وَاحِد من عقله مسلوب وَلما رأو من الرُّءُوس الطائرة والخيول الغائرة فتزاحموا فِي الْأَبْوَاب بَعضهم على بعض فصاروا موتى بالطول وَالْعرض وَثَبت بعض النَّاس وَقَاتل وَهُوَ مُجْتَهد حَتَّى قتل من الفرنج مَا تيَسّر لَهُ قبل أَن يستشهد. قيل إِن مُحَمَّد الشريف الجزار هجم على الفرنج بساطور المجزرة جعل عِظَام جمَاعَة مِنْهُم مكسرة وَهُوَ يَقُول: الله أكبر قتل من كفر إِلَى أَن تكاثرت عَلَيْهِ مِنْهُم جمَاعَة كَثِيرَة فاستشهد - رَحمَه الله - بالجزيرة وروى بعض فُقَهَاء الْمكَاتب يعرف بالفقيه مُحَمَّد بن الطفال - وَهُوَ قَاصد الفرنج بِسَيْفِهِ فَقيل لَهُ تَمُوت يَا فَقِيه مُحَمَّد فَقَالَ إِذا أسعد وأصير مجاورا للنَّبِي مُحَمَّد وَأي موتَة أحسن من الْجِهَاد فِي سَبِيل الله لأصير إِلَى الْجنَّة وهجم فيهم فَصَارَ يَضْرِبهُمْ ويضربونه إِلَى أَن رزق الشَّهَادَة وَختم لَهُ بالسعادة. نعود إِلَى ذكر من قَاتل بالجزيرة من الْمُسلمين للفرنج الْكَافرين. وَذَلِكَ أَن جمَاعَة من رُمَاة قاعة القرافة المتطوعة. لما حوصروا فِي الرِّبَاط الَّذِي عمره لَهما الشَّيْخ الصَّالح أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن سَلام خَارج بَاب الْبَحْر بالجزيرة بِسَبَب مبيتهم فِيهِ وصلواتهم وَذكرهمْ لَيْلَة خُرُوج طائفتهم ترابط بِهِ وَكَانَ بِنَاؤُه قبل الْوَقْعَة مَا يزِيد على سنة قيل وَذكرهمْ لَيْلَة خُرُوج طائفتهم ترابط بِهِ وَكَانَ بِنَاؤُه قبل الْوَقْعَة مَا يزِيد على سنة قيل إِنَّه انْصَرف على عِمَارَته ثَمَانمِائَة دِينَار فَلَمَّا تكاثرت الفرنج حول الرِّبَاط صَارَت رُمَاة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 109 الْمُسلمين فِي أعلاء يرْمونَ على الفرنج بسهامهم فَقتلُوا من الفرنج جمَاعَة. فَلَمَّا نفدت سِهَامهمْ عَمدُوا إِلَى شرفات الرِّبَاط صَارُوا يهدمونها ويرمون الفرنج بأحجارها إِلَى أَن نفذت حِجَارَة الشراريف مِنْهُم. فَانْقَطع رميهم فَكسرت الفرنج شبابيك الرِّبَاط الْمَذْكُور وصعدوا إِلَيْهِم فَلَمَّا صَارَت الفرانج مَعَهم صاحوا بأجعهم يَا مُحَمَّد وصمتوا فَلم يسمع لَهُم بعد ذَلِك صَوت. أخبر عَنْهُم بذلك عبد الله بن الْفَقِيه أَبُو بكر قيم مَسْجِد الْقشيرِي كَانَ مختفيا بصهريج الْمَذْكُور فذبحتهم الفرنج عَن آخِرهم بخناجرهم فَصَارَت أدميتهم تجْرِي من ميازيب الرِّبَاط الْمَذْكُور كجري الأمطار حِين أَبَانهَا فِيهَا. وَقيل كَانَ عدد المذبوحين فَوق السَّطْح الرِّبَاط من الْمُسلمين زِيَادَة على الثَّلَاثِينَ فطوبى لَهُم إِذْ رزقوا الشَّهَادَة وَختم لَهُم بالسعادة. فَلَمَّا رَجَعَ من خرج من الْإسْكَنْدَريَّة فَارًّا من الفرنج من أَبْوَاب الْبر - كَمَا سَيَأْتِي ذكر صفة فرارهم - وعاينوا الْقَتْلَى المطروحين بِالْأَرْضِ دَاخل الْبَلَد وخارجه بالجزيرة. وقصدوا رِبَاط ابْن سَلام المذكرر فَرَأَوْا تَحت الميازيب دِمَاء كَثْرَة جامدة فَصَعِدُوا إِلَى سطحه فوجدوا الرُّمَاة ذَبَحُوا. وبالجنة قد فرحوا وربحوا فَحَفَرُوا لَهُم خَارج الرَّبْط قبرا متسعا ودفنوهم فِيهِ رَحْمَة الله عَلَيْهِم. فَكَانُوا كَمَا قَالَ الله تَعَالَى فِي أمثالهم: وِقاتَلوا وَقتلُوا لأكفِرن عَنْهُم سيئاتهم ولأدخلنهم جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار ثَوابًا من عِنْد الله وَالله عِنْده حسن الثَّوَاب قَالَ الْمُؤلف - غفر الله لَهُ ولوالديه وللمسلمين أجعين -: حَدثنِي الشَّيْخ الصَّاع أَحْمد بن النشاء - شيخ رُمَاة قاعة القرافة بالإسكندرية - قَالَ: حَدثنِي مُحَمَّد الْخياط بعد قدومه من مَدِينَة قبرص مَعَ من حَضَرُوا من أسَارِي الْإسْكَنْدَريَّة الراجعين إِلَيْهَا مِنْهَا. قَالَ: كنت مَعَ رُمَاة الْمُسلمين على سطح رِبَاط ابْن سَلام. حِين صعدت الفرنج إِلَيْنَا فصاروا يذبحون الرُّمَاة وَأَنا أَضْطَرِب من الْخَوْف فتركوني حَيا لصِغَر سني وَأما حُسَيْن البياع فَإِنَّهُم لما قصدُوا ذبحه. ضحك لَهُم فَضَحكت الفرنج بضحكه: وَقَالُوا: اتركوه لِأَنَّهُ ضحك مَوضِع الْخَوْف فَأَسَرْنَا نَحن الْإِثْنَيْنِ فَحزن حُسَيْن بعد ذَلِك وَبكى. وَلما رأى الشَّيْخ مُحَمَّد بن سَلام مَا فعل برباطه من بَابه وشبابيكه النّحاس وَكسر قناديله. وَحرق سقف إيوانه وَقتل رُمَاة الْمُسلمين بِهِ بَكَى وتألم على مَا رأى وَشَاهد. فسد حِينَئِذٍ شبابيكه وبابه بِالْحِجَارَةِ. ثمَّ أَنه عمره ثَانِيًا سنة إِحْدَى وَسبعين وَسَبْعمائة فَصَارَ كَمَا كَانَ أَولا لكنه أقنى سقف إيوانه بِالْحِجَارَةِ لَا بالخشب حَتَّى لَا يصير للنار الجزء: 5 ¦ الصفحة: 110 فِيهِ عمل إِن حدث أَمر. نعود إِلَى ذكر خبر الْإسْكَنْدَريَّة: وَذَلِكَ أَن الْأَمِير جنغرا الْمُتَقَدّم ذكره لما رأى النَّاس فروا من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه وَعَن يَمِينه وشماله بلذع سِهَام الفرنج والتذع هُوَ أَيْضا بهَا وسال دَمه من نصلها. نَدم على مُخَالفَته لقَوْل الْقَائِل: أَدخل النَّاس ليتحصنوا بأسوارها الحصينة يقاتلوا الفرنج الْكفَّار بسهامهم من كوى الأسوار. إِلَى أَن تَأتي النجدة فِي أقرب مُدَّة ليزول بحضروها عَن الْمُسلمين الشدَّة. فتيقن حِينَئِذٍ أَن عدم خُرُوجهمْ من الْأَبْوَاب كَانَ عين الصَّوَاب وَأَن الَّذِي أَشَارَ بِعَدَمِ دُخُولهمْ الْبَلَد كَانَ فِيهِ أَلِيم الْعَذَاب وَصَارَ كل مِنْهُم بالفرار مركون بِبَلَد البسلقون وبلد الكريان وَغَيرهمَا من الْبِلَاد الدانية والبعاد. ثمَّ إِن جنغرا قصد نَاحيَة المطرق المحاذي لدار السُّلْطَان غربي الْإسْكَنْدَريَّة من ظَاهر سورها خائضا بفرسه فِي المَاء وَمن مَعَه من الْمُسلمين فَدخل الْإسْكَنْدَريَّة من بَاب الخوخة. فَأتى بَيت المَال أَخذ مَا كَانَ فِيهِ من ذهب وَفِضة وأخرجها من بَاب الْبر وَأمر بتجار الفرنج وقناصلهم - وَكَانُوا نَحْو خمسين بالإسكندرية مقيمين - أخرجهم من بَاب الْبر ووجههم إِلَى نَاحيَة دمنهور بعد أَن امْتَنعُوا من الْخُرُوج مَعَ الجبلية المرسمين عَلَيْهِم. فَعِنْدَ ذَلِك ضرب أحد الجبلية عنق إفرنجي مِنْهُم بِسَيْفِهِ فحين رَأَوْا ذَلِك خَافُوا أَن تضرب أَعْنَاقهم فأذعنوا بِالْخرُوجِ سرحة فَخرجت الجبلية بهم مسلسلين إِلَى جِهَة دمنهور. وَكَانَ خُرُوجهمْ بهم حِين انضمام الْعَدو إِلَى الْقرب من السُّور فرمتهم الْمُسلمُونَ من أَعلَى السُّور بِالسِّهَامِ فَلم يقدروا على الْوُصُول إِلَيْهِ. ثمَّ إِن الفرنج عَمدُوا إِلَى بتية خشب مَاؤُهَا حريقا وقصدوا بهَا حرق بَاب الْبَحْر بكركرتها بأسنة الرماح فتتابعت عَلَيْهِم السِّهَام من أَعلَى السُّور فَقتل من الفرنج جمَاعَة فحاروا فِي أَمرهم مَاذَا يَفْعَلُونَ فتركوا البتية تتقد بنارها بَعيدا من الْبَاب وَرَجَعُوا إِلَى نَاحيَة الميناء الشرقية ونظروا فَلم يَجدوا على السُّور من تِلْكَ الْجِهَة أحدا. وَلَا ثمَّ خَنْدَق يمْنَع من الصعُود إِلَى السُّور فدرجوا إِلَى جِهَة بَاب الدِّيوَان أحرقوه ودخلوا مَعَ مَا نصبوا هُنَاكَ من السلالم الْخشب المفصلة صعدوا عَلَيْهَا السُّور فَلَمَّا رَآهُمْ الْمُسلمُونَ الَّذين على السُّور من الْبعد قد صعدوه وَبينهمْ وَبَين الفرنج قلعة عالية غير نَافِذَة إِلَيْهِم شردوا طَالِبين النجَاة مِنْهُم لكثرتهم ولتحققهم بِأَن الفرنج ملكت الْبَلَد فَقتل من الْمُسلمين من أَدْرَكته الفرنج وَسلم مِنْهُم من خرج من أَبْوَاب الْبر فَلَو كَانَ السُّور الَّذِي يَلِي الْبَحْر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 111 معمراً بِالرِّجَالِ من جِهَة الدِّيوَان والصناعة سلمت مِنْهُم الْإسْكَنْدَريَّة وَإِنَّمَا قَالَ شمس الدّين بن غراب كَاتب الدِّيوَان وشمس الدّين بن أبي عذيبة النَّاظر أغلقوا بَاب الدِّيوَان الَّذِي يَلِي الْبَلَد لِئَلَّا تنقل التُّجَّار بضائعها مِنْهُ إِلَى الْبَلَد فتضيع الْحُقُوق الَّتِي عَلَيْهَا. فقفل الْبَاب فَلذَلِك امْتنعت الرُّمَاة من تِلْكَ الْجِهَة من السُّور فبذلك رأى الْعَدو جِهَة خَالِيَة وَدخل الْبَلَد مِنْهَا. وَقيل إِن ابْن غراب الْمَذْكُور كَانَ متعاملا مَعَ صَاحب قبرس عَلَيْهَا وَأَن صَاحب قبرس أَتَاهَا قبل الْوَقْعَة فِي زِيّ تَاجر أَواه ابْن غراب الْمَذْكُور مُدَّة فَصَارَ القبرسي يتمشى بِالْبَلَدِ فِي جملَة الفرنج الَّتِي بهَا تجارًا وَهُوَ يكيفها وَينظر أَحْوَال النَّاس. فَلَمَّا علم ذَلِك بعد الْوَقْعَة وسط الْأَمِير صَلَاح الدّين بن عرام بعد قدومه من الْحجاز شمس الدّين بن غراب وعلقه قطعتين على بَاب رشيد. فَلَو فتح بَاب الدِّيوَان الَّذِي على الْبَلَد قَاتَلت الْمُسلمُونَ الفرنج من أَعلَى سوره ووجدوا مَا يقوتهم بِالْأَكْلِ من نقل الشَّام. وَكَانَت أَصْحَاب البضائع تحرسها ويطعمون مِنْهَا الْمُجَاهدين. فَلَمَّا لم يكن للأمير جنغرا رأى صائب وقفل ابْن غراب والناظر لباب الدِّيوَان أخذت الفرنج الْبَلَد مِنْهُ ونفذت الْمَقَادِير من كل كَبِير من أهل الثغر وصغير فَمنهمْ من قتل وَمِنْهُم من أسر وَمِنْهُم من سلم وَمِنْهُم من كسر وَمِنْهُم من هرب بعد أَن ألْقى سلاحه واضطرب وَمِنْهُم من ترك وَطنه وتغرب وَمِنْهُم من ازْدحم فِي الْأَبْوَاب وَمَات وَمِنْهُم من افْتقر وبلى بالشتات فَمَا أسْرع مَا أَخذ الثغر وَمَا أعجل مَا انكوت قُلُوب أَهله بالجمر ظَفرت بِهِ الفرنج فِي الْيَوْم الَّذِي نزلُوا فِيهِ من مراكبهم إِلَى الْبر وَلَا أمسك بالحصار يَوْمَيْنِ بل أَخذ من الْمُسلمين فِي ساعتين وَقيل إِن الْحصار للمدن والحصون تمسك السّنة والسنتين. فَلَمَّا دخل الْإسْكَنْدَريَّة الْأَمِير الأتابكي يلبغا الخاسكي بعد الْوَقْعَة قيل لَهُ ذَلِك فَقَالَ: إِذا كَانَ النخال حفظ جِهَته فَكيف لَو كَانَ دَقِيقًا أَو سويقاً. كَانَ يحمي الْبَلَد وَلم يدْخل إِلَيْهِ من الإفرنج أحد وَكَانَ فرار أهل الْإسْكَنْدَريَّة من الفرنج من بَاب السِّدْرَة وَبَاب الزُّهْرِيّ وَبَاب رشيد بعد زحام شَدِيد فَمنهمْ من أَدْرَكته الفرنج بِبَاب السِّدْرَة فَقتلته وَمِنْهُم من أسرته وَمِنْهُم من نزل من السُّور فِي الحبال والعمائم فَعَطب العاطب وَسلم السَّالِم وصعدت الفرنج على أَعلَى بَاب السِّدْرَة. نصبت عَلَيْهِ الصلبان وَصَارَ كل وَاحِد من الْمُسلمين بِرُؤْيَتِهِ للفرنج كالهائم الولهان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 112 وَكَانَ خُرُوج أهل الْإسْكَنْدَريَّة من الْأَبْوَاب من أعجب العجاب وَذَلِكَ لازدحامهم. وهلاك بَعضهم من قُوَّة الزحمة. وَفِي ذَلِك الْوَقْت نزعت من قُلُوبهم الرَّحْمَة فَخرج من الْأَبْوَاب أُلُوف مؤلفة بتوحيد الله معترفة فامتلأت مِنْهُم الْغِيطَان والبلدان وَنهب بَعضهم العربان وغلا السّعر بَينهم مَا جلبته الباعة إِلَيْهِم من الْبلدَانِ فباعوا الغالي بالرخيص وَصَارَ كل مِنْهُم على تَحْصِيل الْقُوت حَرِيص وَلَا أمكنهم ترك الْقُوت لزِيَادَة الغلاء وَلَا رجعُوا إِلَى قَول الشَّاعِر فِي بَيته السائر بَين الْمَلأ وَهُوَ: وَإِذا غلا شَيْء على تركته فَيكون أرخص مَا يكون إِذا غلا ثمَّ إِنَّه لما حصل الغلاء بَين أهل الْإسْكَنْدَريَّة الَّذين فروا من الْملَّة النَّصْرَانِيَّة وَمِنْهُم من بَاعَ مَا عَلَيْهِ من فوطة وفاضل قَمِيص وَمِنْهُم من بَاعَ مَا يتدفأ بِهِ من جُبَّة وفرو مصيص وَذَلِكَ لخروجهم من بلدهم سرعَة وليسمع بَعضهم دِرْهَم وَلَا قِطْعَة بل تركُوا دِيَارهمْ مغلقة الْأَبْوَاب كسرتها ورتعت فِيهَا الإفرنج الْكلاب فنهبتها من الحوانيت والفنادق. وحملت مَا فِيهَا على الْجمال وَالْبِغَال وَالْحمير والأيانق ثمَّ قتلوا من اختفي عِنْد مصادفتها لَهُ من كَبِير وصغير وعرقبوا الْمَوَاشِي فَمنهمْ هَالك وكسير. ثمَّ إِنَّهُم أحرقوا القياسر والخانات وأفسدوا النسوان وَالْبَنَات وَكسر كل علج مارد قناديل الْجَوَامِع والمساجد وعلقوا على السُّور أَعْلَام الصلبان وأسروا الرِّجَال وَالنِّسَاء والولدن وَقتلُوا كل شيخ عَاجز. حَتَّى المجانين والبلهاء والعجائز وَضاع للنَّاس فِي خُرُوجهمْ من أَبْوَاب الْمَدِينَة مَا استخفوا حمله من ذهب ومصاغ للزِّينَة وَذَلِكَ من قُوَّة الزحمة وَطلب النجَاة بِقُوَّة يتمه فَمن النَّاس من خرج. بِمن كَانَ مَعَه وَمِنْهُم من ضَاعَ مَا مَعَه فِي تِلْكَ الزحمة المفظعة وَمِنْهُم من ضَاعَ مَاله الَّذِي خرج بِهِ بَين الْأَبْوَاب وَصَارَ من ضيَاعه فِي حسرة واكتئاب قيل إِن بعض تجار الْأَعَاجِم خرج من بَاب رشيد وَمَعَهُ جراب فِيهِ سِتَّة آلَاف دِينَار فَمن قُوَّة الزحمة فِي الْبَاب سقط من بَين يَدَيْهِ بعد أَن كَانَ قَابِضا عَلَيْهِ فَمَا قدر على الانحناء يَأْخُذهُ من الأَرْض من قُوَّة ازدحام النَّاس بَعضهم لبَعض بل رَفعه من كَانَ خَلفه فَخرج صَحِيح الْبدن من الْبَاب مَجْرُوح الْقلب من ضيَاع الجراب فتفتت أكباده وَعدم نَومه ورقاده وَصَارَ إِلَى الْجُنُون انقياده وَزَالَ عَنهُ عقله ورشاده وَصَارَ يستغيث فَلَا يغاث وَنحل جِسْمه حَتَّى صَارَت عِظَامه كالرفات ثمَّ حصل لَهُ بذلك الضَّرَر والبؤس لما أحاطت بِهِ العكوس والنحوس فَصَارَت الأحباب تلومه على ضَيْعَة الجراب فَأَنْشد من لوعة الاكتئاب: إِذا كنت ألْقى الْبُؤْس عِنْد أحبتي ترى عِنْد أعدائي يكون دوائي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 113 ثمَّ إِن الفرنج فعلوا بالإسكندرية مَا تقدم ذكره من نهب بعد كسر وَقتل وإحراق من عصر يَوْم الْجُمُعَة إِلَى أخر يَوْم السبت ثَانِيه. وَكَانَ مِمَّا أحرقوه حوانيت الْحَرْف بكمالها وسوق القشاشين بالمعاريج والحوانيت الملاصقة لقيسارية الْأَعَاجِم من خَارِجهَا من الْجِهَة الشرقية وحوانيت شَارِع المرجانيين وَبَعض فنادقه وفندق الطبيبة مَعَ فندق الجوكندار وفندق الدماميني الَّذِي يَسُوق الْجوَار ووكالة الكنان الْمُقَابلَة لجامع الجيوشي بِالْقربِ من العطارين مَعَ سوق الخشابين. وأحرقوا أَيْضا درابزي مدرسة ابْن حُبَاشَة مَعَ سقف الإيوان وعبثوا بِكُل نَاحيَة وَمَكَان وأحرقوا بَاب مدرسة الْفَخر الْقَرِيبَة من بَاب رشيد وعبث بإحراق بعض حوانيت المحجة كل علج مُرِيد. ذكر لي شيخ يسكن بِالْحجَّةِ قَالَ: كنت مختفيا بِأَعْلَى دَاري فِي مَكَان أنظر من كوَّة صَغِيرَة فَرَأَيْت الفرنج يأْتونَ إِلَى الْحَانُوت المغلق الْبَاب فيمد أحدهم على بَابه خطة سَوْدَاء ويخط من فَوْقهَا خطة حَمْرَاء ويلقم الْخط النَّار فيلتهب الْبَاب بِسُرْعَة قيل إِن الفرنج يستصحبون مَعَهم حلق الحراقات المغموسة بالزيت والقطران والزفت والنفط فَيَضَع أحدهم الْحلقَة الْوَاحِدَة فِي نصل السهْم الْمَوْضُوع على متن قَوس الركاب ويلقم الْحلقَة النَّار ويفك الْوتر من الْحَوْزَة فيخرح السهْم صاعداً إِلَى السّقف يوكز فِيهِ فليتهب الْخشب بِسُرْعَة فَينزل إِلَى الأَرْض يحرق كل مَا فِي الْبَيْت مِمَّا لَيْسَ تحملهم بِهِ حَاجَة. يَفْعَلُونَ ذَلِك نكاية للْمُسلمين. لعنة الله على الفرنج أَجْمَعِينَ. نعود إِلَى ذكر مَا فعلته الفرنج بالإسكندرية: ثمَّ إِن الملاعين أحرقوا فندق الكيتلانيين وفندق الجنويين وفندق الموزة وفندق الموسليين فَصَارَت النَّار تعْمل فِي البندق والبضائع الَّتِي لم تَجِد لَهَا محملًا مَعَهم لإشحان مراكبهم مِمَّا أَخَذُوهُ من أَمْوَال الْإسْكَنْدَريَّة ثمَّ كسرت الفرنج أَيْضا حوانيت الشماعين والبياعين بعد نهب قياسر البزازين وكسروا مَا فِيهَا من الأوعية والأواني والأحقاف والبراني فَصَارَت ملقاة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 114 مطروحة فِي الطرقات قد سَالَ مَا فِيهَا من زَيْت وَعسل وَسمن وَغير ذَلِك وكسروا أَيْضا حوانيت الصاغة وَأخذُوا مَا فِيهَا من مَال ومصاغ كَمَا أخذُوا من حوانيت الصّرْف مَا كَانَ بهَا من دَنَانِير ودراهم ونهبوا أقمشة التُّجَّار المصريين والشاميين المخزونة الْمَبِيعَة للسَّفر بهَا لمصر وَالشَّام ونهبوا أَيْضا الْحَدِيد الَّذِي قدمت بِهِ تجار الْأَعَاجِم وَغَيرهم إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَكَانَت عدَّة قناطير ونهبوا من الدّور الْأَمْوَال والأقمشة والمصاغ والفرش والبسط والنحاس وَغَيره وَأخذُوا مَعَهم بَاب الْمنَار الَّذِي كَانَ عمره الْأَمِير صَلَاح الدّين عرام قبل الْوَقْعَة على الأساس الَّذِي كَانَ أسسه الْملك الْمَنْصُور قلاوون وَبَطل عِمَارَته فَعمل ابْن عرام عَلَيْهِ حصنا دائراً ثمَّ أخذت الفرنج أَيْضا شبابيك قبَّة طغية انتي بالجزيرة وأحرقوا سقف الرَّبْط الَّتِي بهَا وَهِي الَّتِي خَافَ عَلَيْهَا أَصْحَابهَا من الإفرنج قبل نزُول الفرنج من مراكبهم وكسروا قناديلها وقناديل المزارات وأفسدوا قُصُور الجزيرة وتربها وكسروا أعمدة قبَّة مِنْبَر مصلى الْعِيد وعمودي ضريح قبَّة تربة الْأَمِير طغية والأمير بلاط واللذين فيهمَا تَارِيخ وفاتهما. وَكَانَا مموهين بِالذَّهَب واللازورد وقلعوا حلقتي بَاب الْمدرسَة الخلاصية الَّتِي عمرها نور الدّين بن خلاص وَكَانَا من النّحاس المخرم فَعمل لباب الْمَذْكُورَة غَيرهمَا بعد أشهر من حِين الْوَقْعَة وَأخذُوا مِنْهَا كرْسِي الربعة وبيتها وَكَانَا من النّحاس الأندلسي المخرم الْمنزل فيهمَا اليقات الْفضة بدائرها لم ير مِنْهَا حسن صَنْعَة وتدقيق وتخريم وَتركُوا أَجزَاء الربعة الْمَذْكُورَة الثَّلَاثِينَ جُزْءا مطروحة بِالْمَدْرَسَةِ الْمَذْكُورَة لَا يَأْخُذُوا جُزْءا وَاحِدًا وصعدوا صومعة الْمدرسَة النابلسية فوجدوا فِيهَا جمال الدّين ابْن بانيها مختفيا مِنْهُم بهَا وَكَانَ شَيخا كَبِيرا ضَعِيف البنية فألقوه على رَأسه من أَعْلَاهَا إِلَى الأَرْض فاندقت عُنُقه. فَمَاتَ شَهِيدا رَحمَه الله. وَقتلُوا من وجدوه بالجوامع والمشاهد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 115 وَأَقَامُوا بالإسكندرية العرابد فَقتلُوا النَّاس فِي الدّور والحمامات والشوارع والخانات وَكَانَت الفرنج تخرج بالنهب من الْإسْكَنْدَريَّة إِلَى مراكبهم على الْإِبِل وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحمير فَمَا فرغوا من النهب. وقضوا إربهم من الْبَلَد طعنوها بِالرِّمَاحِ وعرقبوها بالصفاح فَصَارَت مطروحة بالجزيرة والبلد لم يعلم لَهَا عدد فَهَلَكت وجافت فأحرقها الْمُسلمُونَ بالنَّار لتزول رَائِحَة جيفها. ثمَّ إِن الفرنج تحَصَّنُوا. بمراكبهم بعد وقرها وإشحانها. بِمَا نهبوه وَكَانَت تزيد على سبعين مركبا وَتركُوا بالسَّاحل فضلات البهار الَّتِي لم يَجدوا لَهَا محملًا فَرجع إِلَى أربابه من وجد عَلامَة عَلَيْهِ أَخذه ثمَّ إِن مراكب الفرنج ثقلت. بِمَا فِيهَا فصاروا يلقون مَا فِيهَا فِي الْبَحْر - على مَا قيل - لتخف من كَثْرَة الوسق وَكَانَ الغواصون يرفعون النّحاس وَغَيره بِنَاحِيَة أَبُو قير وَلَوْلَا لطف الله تَعَالَى بعباده بحرقهم بَاب رشيد وَبَاب الزيَادي كَانَت الفرنج ملكت الْبَلَد وَحصل التَّعَب فِي خلاصه كَمَا حصل فِي طرابلس الغرب ومدينة أنطاكية ببر التركية وَسَيَأْتِي فِيمَا يرد من هَذَا الْكتاب ذكر ظفر الفرنج بهما إِن شَاءَ الله تَعَالَى. ولطف الله تَعَالَى بعباده الْمُسلمين فِي عدم معرفَة الفرنج لقصر السِّلَاح الَّذِي بالموضع الْمَعْرُوف بالإسكندرية بالزريبة لَو فهموه أحرقوا جَمِيع مَا فِيهِ من السِّلَاح المدخر من عهد الْمُلُوك السالفة. رَحْمَة الله عَلَيْهِم فَلَقَد وضعُوا فِيهِ من الأسلحة الْكَثِيرَة مَا لَيْسَ لعددها حصر ذكر أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد شيخ رُمَاة قاعة القرافة المرصدة لسلاح الْجِهَاد المتطوع بِهِ: بهَا سِتُّونَ ألف سهم من بعض السِّهَام الَّتِي فِي أحد بيُوت قاعة من قاعاته قيل إِن فِيهِ عدَّة قاعات فِي كل قاعة عدَّة بيُوت فِي كل بَيت آلَاف مؤلفة من السِّهَام إِلَى غَيرهَا من السيوف والرماح والمزاريق والأتراس والخوذ والقنابر والزرد والزرديات والأطواف والقرقلات والسواعد والركب والساقات والأقدام الْحَدِيد والقسي الملولبة والجرخ والركاب والأعلام مَا لَا ينْحَصر بلأقلام. ثمَّ فِيهِ أَيْضا من حِجَارَة العلاج والمدافع والنفط وحيل الحروب ومكايدها كثيرا فَلَو علمت بِهِ الفرنج أحرقته سَرِيعا فَحصل اللطف الْكَبِير من اللَّطِيف الْخَبِير لعدم معرفتهم إِيَّاه بعد أَن أَتَوا إِلَى بَابه ظنُّوا أَنه أحد أَبْوَاب الْمَدِينَة خَافُوا من كسر بَابه ليَكُون وَرَائه كمين يطبق عَلَيْهِم. قَالَ الْمُؤلف - غفر الله لَهُ ولوالديه وللمسلمين أَجْمَعِينَ - حَدثنِي الشَّيْخ الصَّالح أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن يُوسُف حارس الْقصر الْمَذْكُور - وَيعرف بِابْن قراجا - قَالَ: كنت فِيهِ. بمفردي لما دخلت الفرنج الْإسْكَنْدَريَّة فأغلقت بَابه وقرأت حزب سَيِّدي الشَّيْخ الصَّالح أبي الْحسن الشاذلي وَإِذا بالفرنج أَتَوا إِلَى الزريبة فيهم خيالة وَمُشَاة وَكنت صعدت أَعلَى الْقصر فعدت أنظر إِلَيْهِم من شقوق فِي حَائِط فطلع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 116 بَعضهم على زلاقة بَابه وصاروا يتشاورون فِي أمره وَكنت أَعدَدْت لنَفْسي مَكَانا أختفي فِيهِ إِن دَخَلُوهُ وَلَكِن خفت بِأَن يحرقوه فَأهْلك بالنَّار فوفقوا سَاعَة وتركوه ومضوا فَرَأى أحدهم صَبيا بالزريبة يعدو سَرِيعا حِين معاينته لَهُم فَعدى الإفرنجي فَلَمَّا أحس بِهِ الصَّبِي ووقف باهتا من الْخَوْف فَضَربهُ الإفرنجي فَالتقى الصَّبِي الضَّرْبَة بِيَدِهِ الْيُسْرَى. فطارت يَده إِلَى الأَرْض ثمَّ ضربه ضَرْبَة أُخْرَى على عانقه فَوَقع على شقَّه الْأَيْمن مُسْتَقْبل الْقبْلَة وَمضى وَتَركه. فَصَارَ الصَّبِي ينمق الذُّبَاب بِيَدِهِ الْيُمْنَى عَن وَجهه وجراحه وَهُوَ رَاقِد وَمَا أمكنني النُّزُول إِلَيْهِ من الْقصر خوفًا من رُجُوع الفرنج إِلَى الزريبة فَصَارَ الصَّبِي مطروحا بِالْأَرْضِ إِلَى أَن مَاتَ شَهِيدا رَحمَه الله. انْتهى. نعود إِلَى ذكر مَا أحرقته الفرنج أَيْضا بالإسكندرية: وَذَلِكَ أَنهم أحرقوا أَبْوَاب الْبَحْر الأولى وَالثَّانِي وأبواب الْبَاب الْأَخْضَر الثَّلَاثَة وَبَاب الخوخة والمجانيق الَّتِي كَانَت بالصناعتين الشرقية والغربية وَكَانَ أهل الْإسْكَنْدَريَّة وَقت هزيمتهم خرقوا إغربة كَانَت بالصناعة الشرقية لِئَلَّا تأخذها الفرنج فَلَمَّا رأتها الفرنج محروقة أحرقتها بالنَّار ثمَّ أحرقت الفرنج أَيْضا دَار الطّراز والديوان بعد أَن أخفوا مَا فِي دَار الطّراز من الاستعمالات الرفيعة الْأَثْمَان وأحرقوا أَيْضا قلعة ضرغام وَالْمَكَان الْمَعْرُوف بالمكدس وَكَانَ برسم الاستعمالات أَيْضا. وَكَانَت مُدَّة إِقَامَة الفرنج من حِين أَتَوا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وظفروا بهَا إِلَى آخر من سَافر مِنْهُم ثَمَانِيَة أَيَّام وَذَلِكَ أَنهم أتوها يَوْم الْخَمِيس حادي عشْرين الْمحرم سنة سبع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وسافر آخِرهم يَوْم الْخَمِيس الثَّامِن وَالْعِشْرين من الشَّهْر الْمَذْكُور وَكَانَ سَبَب إقامتهم تِلْكَ الْأَيَّام لينظروا من الْبَحْر من يَأْتِي من الْبحيرَة من مصر. فَلَمَّا عاينوا وهم. بمراكبهم العساكر أَقبلت كالجراد الْمُنْتَشِر يقدمهَا الْأَمِير الأتابكي يلبغا الخاسكي سافروا. السُّلْطَان صَلَاح زين الدّين أَبُو الْجُود حاجي بن الْملك الْأَشْرَف شعْبَان بن حُسَيْن بن مُحَمَّد بن قلاون الألفي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 117 أقيم فِي السلطنة ثَانِي يَوْم مَاتَ أَخُوهُ الْمَنْصُور وَقد اجْتمع الْأَمِير الْكَبِير برقوق والأمراء بالقلعة فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ رَابِع عشرينه واستدعوا الْخَلِيفَة وقضاة الْقُضَاة إِلَى بَاب الستارة وأحضر إِلَيْهِم أَوْلَاد الْملك الْأَشْرَف شعْبَان وهم إِسْمَاعِيل وَأَبُو بكر وحاجي فَوَقع الِاخْتِيَار على حاجي - فَإِنَّهُ أكبرهم - فَحَلَفُوا لَهُ وَبَايَعَهُ الْخَلِيفَة. ثمَّ أركب من بَاب الستارة بشعار السلطنة والأمراء فِي ركابه مَشاهُ حَتَّى صعد الإيوان فأجلس على تخت الْملك ولقب بِالْملكِ الصَّالح وَمد السماط بَين يَدَيْهِ ثمَّ عبروا بِهِ إِلَى الْقصر فأجلس بِهِ وخلع على الْخَلِيفَة وَنُودِيَ فِي الْقَاهِرَة ومصر بِالدُّعَاءِ للسُّلْطَان الْملك الصَّالح. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشرينه: أَجْلِس السُّلْطَان بدار الْعدْل وعملت الْخدمَة على الْعَادة فَلَمَّا دخل إِلَى الْقصر بعد الْخدمَة حضر الْخَلِيفَة والقضاة ومشايخ الْعلم وَقَرَأَ عهد الْخَلِيفَة للسُّلْطَان على الْأُمَرَاء وَكتب عَلَيْهِ الْخَلِيفَة خطه وَشهد فِيهِ الْقُضَاة عَلَيْهِ ثمَّ خلع على الْقُضَاة وَكَاتب السِّرّ والوزير وَفِيه خلع الْوَزير على يُوسُف بن الْمُقدم مُحَمَّد بن يُوسُف وَاسْتقر مقدم الدولة عوضا عَن أَحْمد العظمة باستعفائه. وَفِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء خَامِس عشرينه: مَاتَ الْمُقدم سيف تَحت الْعقُوبَة وَلم يخلف بعده فِي مَعْنَاهُ وَفِي هَذَا الشَّهْر: كثر الوباء بِالْقَاهِرَةِ ومصر. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع عشر شهر ربيع الأول: خلع على تَاج الدّين بن وَزِير بَيته مُسْتَوْفِي الْخَاص وَاسْتقر فِي نظر الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن مجد الدّين بن الْبُرْهَان. وَاسْتقر علم الدّين ودينات فِي اسْتِيفَاء الْخَاص. وخلع على نَاصِر الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد ابْن مُحَمَّد التنسي وأعيد إِلَى قَضَاء الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن تَاج الدّين بن الربعِي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 118 وخلع على جلال الدّين أَحْمد بن نظام الدّين إِسْحَاق وَاسْتقر فِي مشيخة خانكاه سرياقوس عوضا عَن وَالِده ونعت بشيخ الْإِسْلَام شيخ الشُّيُوخ. وَفِي تَاسِع عشره: ركب الْأَمِير يُونُس - دوادار الْأَمِير الْكَبِير - الْبَرِيد إِلَى حلب لكشف أَحْوَال التركمان - وَقد ورد خير خُرُوجهمْ عَن الطَّاعَة - وتجهيز عَسَاكِر الشَّام لقتالهم. وَفِي سادس عشرينه: أَخذ قاع النّيل فَكَانَ خَمْسَة أَذْرع وثماني أَصَابِع. وَفِي ثامن عشرينه: قدم الْأَمِير تغري برمش من الشَّام باستدعاء. وَفِي تَاسِع عشرينه: خلع على شرف الدّين بن عرب وَاسْتقر فِي وكَالَة بَيت المَال عوضا عَن نجم الدّين مُحَمَّد الطنبدي. بِمَال. وَفِي آخر هَذَا الشَّهْر ارْتَفع الوباء وَأكْثر من مَاتَ فِيهِ الْأَطْفَال. وَفِي يَوْم الْخَمِيس: ثَالِث شهرِ ربيع الآخر أنعم على الْأَمِير تغري برمش بتقدمة ألف عوضا عَن أَمِير عَليّ بن قشتمُر بعد وَفَاته. وَفِيه نُودي بسفر الْحجَّاج الرجبية فسر النَّاس ذَلِك وَكتب بِولَايَة علم الدّين أبي عبد الله بن نَاصِر الدّين مُحَمَّد القفصي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن الْبُرْهَان الصنهاجي. وَفِي سَابِع عشرينه: وصلت خيمة جليلة من الشَّام عملت للأمير الْكَبِير تُحمل على مائَة وَثَمَانِينَ جملا فَضربت بالميدان الْكَبِير. وَفِي حادي عشرينه: أُنعم على الْأَمِير سودن الشيخوني بتقدمة ألف وخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر حاجبا ثَانِيًا. وَفِي ثَانِي عشرينه: ركب الْأَمِير الْكَبِير لرؤية الْخَيْمَة بالميدان. وَمد لِلْأُمَرَاءِ سماطا جَلِيلًا. وَمد بعده سماط حلوى ثمَّ سماط فَاكِهَة فَكَانَ يَوْمًا مَذْكُورا خرج النَّاس لمشاهدة ذَلِك فَكَانَ جمعا كَبِيرا. وَفِي ثامن عشرينه: خلع على عَليّ القرمي وَاسْتقر فِي ولَايَة الشرقية عوضا عَن مبارك شاه. وخلع على الْأَمِير فَخر الدّين إِيَاس الصَرْغَتْمُشِى وَاسْتقر حاجبًا رَابِعا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 119 وَهَذَا أَيْضا مِمَّا تجدّد وَكَانَت الْعَادة أَولا أَن يكون حَاجِب وَاحِد ثمَّ اسْتَقر حَاجِب الْحجاب وَفِي أول جُمَادَى الأولى ذكر بعض الْعَجم للأمير الْكَبِير أَن النّيل لَا يزِيد فِي هَذِه السّنة شَيْئا وأرجف بذلك فَزَاد فِي هَذَا الْيَوْم خمس عشرَة أصبعا وَفِي غده سِتّ عشرَة أصبعا فَضَربهُ الْأَمِير الْكَبِير وشهره. وَفِي يَوْم السبت حادي عشره: - وعاشر مسرى - وَفِي النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا فَركب الْأَمِير الْكَبِير حَتَّى خلق المقياس وفُتح الخليج من يَوْمه. وَفِيه قطعت أَخْبَار الطواشين: شاهين دست وشاهين الجلالي وأمرا بِلُزُوم بيتهما. وَفِيه هبت ريح شَدِيدَة بِدِمَشْق اقتلعت أشجارا كَثِيرَة بعروشها واستمرت عدَّة أَيَّام فهال النَّاس أمرهَا. وَقدم الْبَرِيد بِخُرُوج الْأَمِير أشقتمُر نَائِب الشَّام بعسكر دمشق والأمير إينال اليوسفي بعسكر حلب والأمير كمشبغا الْحَمَوِيّ بعسكر طرابلس والأمير طَشتمر القاسي بعسكر حماة والأمير طَشتمر العلاي بعسكر صفد وَمَعَهُمْ نواب القلاع وتراكمين الطَّاعَة وللعربان العشران لقِتَال خَلِيل بن قراجا بن دلغادر وجمائعه بِبِلَاد مَرعش وَأَنَّهُمْ اجْتَمعُوا بحلب وَسَارُوا مِنْهَا صُحْبَة الْأَمِير يُونُس الدوادار فِي أول شهر ربيع الأول فنزلو ظَاهر مرعش. وَتوجه فِي ثامن شهر جُمَادَى الأولى ضِيَاء الْملك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 120 ابْن بوزدوغان الْوَاصِل بعسكره إِلَى نصْرَة العساكر وَمَعَهُ طَائِفَة من العربان والأكراد لقِتَال التركمان فَقَاتلهُمْ ويومه وكسرهم وَقتل ثَلَاثَة من أعيانهم وَعَاد فَاقْتضى رَأْي النواب الرّكُوب لأخذ مرعش فَأَخَذُوهَا ثمَّ مَشوا لتمهيد الْبِلَاد حَتَّى انْتَهوا إِلَى ملطية ثمَّ عَادوا فِي آخر شهر شعْبَان. وَفِي خَامِس عشره: عقد مجْلِس عِنْد الْأَمِير الْكَبِير برقوق بِسَبَب وقف فَاجْتمع الْقُضَاة ومشايخ الْعلم فتغيظ قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة على علم الدّين سُلَيْمَان الْبِسَاطِيّ قَاضِي الْمَالِكِي ونهره فرسم بعزل الْبِسَاطِيّ وَجعل تعْيين غَيره لِابْنِ جمَاعَة فعين جمال الدّين عبد الرَّحْمَن بن خير وخلع عَلَيْهِ. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سَابِع عشرينه: قدم الْبَرِيد بِأَن الْعَسْكَر ركب فِي يَوْم السبت ثَانِي عشره وصدم ابْن دلغادر فَكَسرهُ وَولى مُنْهَزِمًا. بِمن مَعَه والعسكر فِي آثَارهم فغنموا مِنْهُم شَيْئا كثيرا وملكوا مِنْهُم مَدِينَة مرعش وَنُودِيَ فِيهَا بالأمان فَأتى النَّاس من الْجبَال وبطون الأودية. ورحل الْعَسْكَر حَتَّى نزل بِمَدِينَة الأبلستين فِي تَاسِع عشره وَأَقَامُوا بهَا. وَفِي نصف شهر جُمَادَى الْآخِرَة أوقعت الحوطة على الصاحب شمس الدّين المقسي وَأخذ على حمَار إِلَى القلعة فسجن بقاعة الصاحب. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كثر ظلم الْوَزير ابْن مكانس وَأخذ مَالا من الكارم وَطلب من مباشري الدولة وَالْخَاص جامكية شَهْرَيْن ووكل بعدة من التُّجَّار أعوانه وَأخذ مِنْهُم جملَة مَال وأخرق ببعضهم فكثرت الشناعة عَلَيْهِ. وَفِي تَاسِع عشرينه: أفرج عَن المقسي. وَفِي هَذَا الشَّهْر قدمت رسل الْملك الْمعز جلال الدّين حُسَيْن بن السُّلْطَان أويس - الجزء: 5 ¦ الصفحة: 121 متملك توريز وبغداد - وهم قَاضِي الْقُضَاة بتوريز وبغداد عَلَاء الدّين عَليّ بن الْجلَال عبد الله بن سُلَيْمَان العتائقي الْأَسدي الشَّافِعِي والصاحب الْوَزير الْأَعْظَم شرف الدّين عطا بن الْحَاج زين الدّين حُسَيْن الوَاسِطِيّ وَالشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن البرادعي الْبَغْدَادِيّ وَالشَّيْخ زين الدّين على بن عبد الله بن الشَّامي المعري فأنزلوا بالميدان الْكَبِير وأُجرى عَلَيْهِم فِي كل يَوْم مبلغ مِائَتي دِرْهَم ومائتي رَطْل لحم وثماني فردات أوز وَعشرَة أطيار دَجَاج وسميد ومصبعات وخبز جراية بِقدر كفايتهم. وَكَانُوا فِي تجمل زَائِد. ذكر العتائقي عَن نَفسه أَنه أنْفق من توريز إِلَى مصر مِائَتَيْنِ وَخمسين ألف دِرْهَم. وَجَاء فِي مائَة عليقة فَترك جماعته بِالشَّام فَأَتَاهُ قُضَاة الْقُضَاة وسلموا عَلَيْهِ ثمَّ مثلُوا بَين يِدي الْأَمِير الْكَبِير فَخلع عَلَيْهِم بَعْدَمَا مد لَهُم سماطاً جَلِيلًا أوقف عَلَيْهِ الطواشي مقدم المماليك السُّلْطَانِيَّة وَلم يتقدمه أَمِير لفعل ذَلِك. وَفِيه عزل ابْن التنس عَن قَضَاء الْإسْكَنْدَريَّة بِابْن الربعِي ثمَّ أُعِيد بعد ثَلَاثَة أَيَّام. وَورد الْخَبَر بِأَن متملك الْحَبَشَة دَاوُد بن سيف أرعد - الملقب بالحطى - أنفذ جَيْشًا إِلَى أَطْرَاف مُعَاملَة أسوان فأوقعوا بالعربان ونال أهل الْإِسْلَام مِنْهُم بلَاء كَبِير فَبعث الْأَمِير الْكَبِير إِلَى مَتى بن سمْعَان بطرِيق النَّصَارَى اليعاقبة بالمعلقة من مَدِينَة مصر يَأْمُرهُ أَن يكْتب إِلَى صَاحب الْحَبَشَة يمنعهُ من التطرق إِلَى بِلَاد الْمُسلمين فَأجَاب بعد امْتنَاع وَكتب إِلَيْهِ بِمَا اقترحه عَلَيْهِ الْأَمِير الْكَبِير من ذَلِك. وَكتب السُّلْطَان إِلَيْهِ كتابا بالإنكار عَلَيْهِ وَندب لرسالته الْبُرْهَان إِبْرَاهِيم الدمياطي نقيب قَاضِي الْقُضَاة الْمَالِكِي وجهز. بِمَا يَلِيق بِهِ. وَفِي أول شهر رَجَب: وفُر إقطاع تقدمة الْأَمِير أَقتمُر عبد الْغَنِيّ وَلم ينعم بِهِ على أحد. وَفِيه امْتنع قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة من الحكم لأجل مَال طلب مِنْهُ من الْأَوْقَاف لتجهيز الرُّسُل إِلَى الْحَبَشَة فأعفي من ذَلِك وخلع عَلَيْهِ فِي ثَانِيه خلعة الِاسْتِمْرَار. وخلع على عَليّ بن القرماني وَاسْتقر فِي ولَايَة منوف عوضا عَن أبي بكر بن خطاب. وَفِيه رسم بِقطع مَا تكاثر من الأتربة وَغَيرهَا بالشوارع المسلوكة حَتَّى علت الطرقات بِالْقَاهِرَةِ ومصر وَندب الْأَمِير مَأْمُور الْحَاجِب لذَلِك فَقطعت بالمساحر وَنقل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 122 مَا خرج مِنْهَا إِلَى الكيمان. وَبَلغت زِيَادَة مَاء النّيل تسع عشرَة ذِرَاعا واثني عشرَة أصبعاً وَثَبت إِلَى سادس عشْرين توت فغرقت بساتين كَثِيرَة. وَفِي سادسه: خلع على الْأَمِير تغري برمشى وَاسْتقر أَمِير سلَاح وخلع على العتاقي - قَاضِي بَغْدَاد - أطلسين بطرز زركش وطرحة حَرِير. وَفِي سابعه: طلع الْوَزير ابْن مكانس بهم الميدان على الْعَادة وَهِي كنابيش زركش وطرز زركشي فَخلع عَلَيْهِ. وَفِي يَوْم السبت ثامنه: ركب السُّلْطَان إِلَى الميدان - كَمَا هِيَ الْعَادة فِي كل سنة - وخلع على تَقي الدّين عبد الرَّحْمَن نَاظر الْجَيْش وعَلى بدر الدّين مُحَمَّد بن فضل الله كَاتب السِّرّ خلع الميدان وَكَانَت عَادَتهمَا أَن يلبسا الجبب فِي الميدان الثَّانِي فتعجلا خلعتيهما فِي الميدان الأول. وَفِي يَوْم السبت خَامِس عشره: ركب السُّلْطَان إِلَى الميدان ثَانِيًا برسم اللّعب بالكرة مَعَ الْأُمَرَاء. وخلع على الْوَزير جُبَّة نخ بقصب فَركب بهَا إِلَى تَحت القلعة ثمَّ عَاد. وَفِي يَوْم السبت ثَمَانِي عشرينه: ركب السُّلْطَان إِلَى الميدان ثَالِثا. وخلع على الْوَزير خلعة ثَانِيَة جُبَّة حَرِير بنفسجي بطرز زركش وفرو قاقم وخلع على جَمِيع من جرت عَادَته بِالْخلْعِ. وَفِي هَذَا الشَّهْر: دَار محمل الْحَاج على الْعَادة وَخرجت أثقال الْحجَّاج الرجبية يَوْم دَار الْمحمل إِلَى بركَة الْحجَّاج صُحْبَة الْأَمِير بهادُر الجمالي المشرف وَخرج النَّاس أَفْوَاجًا ثمَّ رحلوا من الْبركَة فِي يَوْم الْأَحَد ثَالِث عشرينه. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشرينه: تَوَجَّهت الرسُل إِلَى بِلَاد الْحَبَشَة. وَفِيه أخرج الْأَمِير مَأْمُور حَاجِب الْحجاب منفياً إِلَى الشَّام ثمَّ رسم لَهُ بنيابة حماة عوضا عَن طَشتمر القاسمي بعد مَوته. وخلع على الْأَمِير تغري برمش وَاسْتقر حَاجِب الْحجاب عوضا عَن مَأْمُور. وخلع على نجم الدّين مُحَمَّد الطنبَدي وأعيد إِلَى وكَالَة بَيت المَال عوضا عَن ابْن عرب. وَفِيه أخذت دَوَاة الْوَزير ابْن مكانس وعوق نَهَاره ثمَّ أفرج عَنهُ. وَفِيه سارترسل بَغْدَاد بَعْدَمَا خُلع عَلَيْهِم. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي شعْبَان: خُلع على الْوَزير ابْن مكانس خلعة الِاسْتِمْرَار. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء رابعه: رسم بِنَفْي جمال الدّين مَحْمُود العجمي محتسب الْقَاهِرَة فشفع فِيهِ الْأَمِير أيتمش فَأمر أَن يلْزم بَيته. وَسبب ذَلِك أَنه نقل لقَاضِي الْقُضَاة صدر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 123 الدّين مُحَمَّد بن مَنْصُور الْحَنَفِيّ عَن الْأَمِير الْكَبِير برقوق أَنه قَالَ بالتركية لمن حوله - وَهُوَ - فيهم -: إِن الْقُضَاة مَا هم. بمسلمين. فشق ذَلِك عَلَيْهِ وَركب إِلَى قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة واستشاره فِي عزل نَفسه عَن الْقَضَاء وَقَالَ: قطعت عمري فِي الِاشْتِغَال بِالْعلمِ فِي دمشق ثمَّ فِي آخر عمري أنفى بِمصْر عَن الْإِسْلَام. وحدثه. بِمَا نَقله الْمُحْتَسب فِي حق الْقُضَاة عَن الْأَمِير الْكَبِير فَتغير ابْن جمَاعَة من ذَلِك تغيراً كَبِيرا وَقَامَ من فوره إِلَى الْأَمِير الْكَبِير وَأخْبرهُ الْخَبَر فَغَضب على مَحْمُود وعزله. وَهَذَا أَيْضا مِمَّا تجدّد من الْحَوَادِث القبيحة وَهُوَ أَن الْأَمِير الْكَبِير صَار يَقع فِي حق الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء مَعَ خاصته فتضع أقدارهم عِنْد الْأُمَرَاء والمماليك بَعْدَمَا كَانُوا يرَوْنَ السُّلْطَان وأكابر الْأُمَرَاء ييالغون فِي إجلال الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء ويرون أَن بهم عرفُوا دين الْإِسْلَام وَفِي بركتهم يعيشون. وَحسب أعظمهم قدرا أَن يقبل يَد الْفَقِيه وَالْقَاضِي فَانْقَلَبَ الْأَمر وانعكس الْحَال حَتَّى كثرت وقيعة الْأُمَرَاء والمماليك فيهم لما لُقِّنوه من الْأَمِير الْكَبِير. ثمَّ تزايد الْحَال بِحَيْثُ صَار الْفُقَهَاء والقضاة فِي أخريات الدولة الظَّاهِرِيَّة برقوق وَفِي الدولة الناصرية فرج وَمَا بعد ذَلِك ينزلون من أهل الدولة منزلَة سوء وَيتَكَلَّم فيهم أقل الغلمان وأرذل الباعة بِكُل قَبِيح عُقُوبَة من الله لَهُم لامتهانهم الْعلم وخضوعهم فِي طلب الدُّنْيَا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه. وَفِي يَوْم الْخَمِيس خامسه: خلع على تَاج الدّين مُحَمَّد المليجي شَاهد خزانَة الْخَاص صَائِم الدَّهْر وَاسْتقر فِي حسبَة الْقَاهِرَة عوضا عَن جمال الدّين مَحْمُود العجمي. وخلع على علم الدّين يحيى وأعيد إِلَى نظر الدولة عوضا عَن ابْن الريشة وَكَانَ مَرِيضا فُحملت لَهُ الخلعة إِلَى دَاره. وخلع على الْأَمِير قرط بن عمر وأعيد إِلَى نِيَابَة الْبحيرَة. وخلع على عمر ابْن أَخِيه وأعيد إِلَى ولَايَة الْبحيرَة. وَفِيه قدم الْأَمِير يُونُس النوروزي - دوادار الْأَمِير الْكَبِير - من حلب وَقد عَادَتْ العساكر من محاربة ابْن دلغادر. وَذَلِكَ أَنهم أَقَامُوا على الأبلستين إِلَى خَامِس عشر جُمَادَى الْآخِرَة ثمَّ رحلوا عَنْهَا وَقد بَلغهُمْ نزُول خَلِيل بن دلغادر بقلعة خرت برت إِلَى جِهَة ملطية فورد عَلَيْهِم فِي أثْنَاء طريقهم كتاب الْأَمِير حسام الدّين طُرنطاي - الجزء: 5 ¦ الصفحة: 124 مقدم الْعَسْكَر - بسيس يتَضَمَّن دُخُول الصارم إِبْرَاهِيم بن رَمَضَان - مقدم التركمان - عَلَيْهِ فِي قبُول تَوْبَته وتنصله من مساعدة ابْن دلغادر فَأُجِيب بِقبُول عذره. ونزلوا بِظَاهِر ملطية فِي ثامن عشره. ثمَّ رحلوا عَنْهَا فِي أول شهر رَجَب عائدين إِلَى حلب بَعْدَمَا عزموا على خوض الْفُرَات وكشفوا مخايضها فوجدوا تعديتها إِلَى الْبر والوصول إِلَى خرت برت متعذراً. فَلَمَّا نزلُوا على بريد من عين تَابَ - فِي ثَالِث عشر رَجَب - قدم عَلَيْهِم الْأَمِير حيدر بن باشان كَبِير التركمان البوزوقية فِي طلب الْأمان لأمراء طائفته فَكتب لَهُ أَمَان ورحلوا فِي سَابِع عشره فقدموا حلب فِي ثَانِي عشرينه وَتَفَرَّقَتْ العساكر إِلَى موَاضعهَا وَقد نالهم مشقة عَظِيمَة من الْبرد وَكَثْرَة الأمطار. وَفِي هَذَا الشَّهْر ظهر فِي السَّمَاء كَوْكَب لَهُ ذؤابة قدر رُمْحَيْنِ من جِهَة الْقبْلَة وَأقَام كَذَلِك مُدَّة. وَفِيه كُتب باستقرار شهَاب الدّين أَحْمد بن أبي الرِّضَا بن عمر فِي قَضَاء الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بحلب بعد وَفَاة كَمَال الدّين عمر بن عُثْمَان بن هبة الله المعري. وَفِيه قبض الْأَمِير قرط على طَائِفَة من أَعْيَان الْبحيرَة مِنْهُم شادي ووسطهم وَرَمَاهُمْ فِي النّيل وأحاط. بموجودهم كُله. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ آخِره: قدم الْأَمِير يلبغا الناصري فَخرج الْأَمِير الْكَبِير إِلَى لِقَائِه وترجل لَهُ ثمَّ أركبه فرسا من مراكيبه. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء أول شهر رَمَضَان: أنعم على الْأَمِير يلبغا الناصري بتقدمة ألف وأجلس وَقت الْخدمَة - السُّلْطَانِيَّة - بالإيوان رَأس الميسرة فَوق أَمِير سلَاح. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 125 وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثالثه: خلع على سعد الدّين نصر الله بن البقري وَاسْتقر فِي نظر الْخَاص عوضا عَن كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن مكانس. وخُلع على الْوَزير ابْن مكانس وَاسْتقر على عَادَته فِي الوزارة فَقَط. وخلع على الْأَمِير جركس الخليلي - أَمِير أخور - وَاسْتقر مشير الدولة. ورسم للوزير أَلا يتَصَرَّف فِي شَيْء إِلَّا بعد مُرَاجعَته. وَفِيه اسْتَقر تَاج الدّين عبد الله بن البقري فِي اسْتِيفَاء الصُّحْبَة عوضا عَن أَبِيه سعد الدّين وخلع عَلَيْهِ وعَلى علم الدّين يحيى - نَاظر الدولة - خلعة اسْتِمْرَار. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: سَاق الْأَمِير جركس الخليلي مَاء النّيل إِلَى الميدان تَحت القلعة وصُب فِي الْحَوْض الَّذِي على بَابه بالرميلة فَعم النَّفْع بِهِ سكان تِلْكَ الْجِهَات. وَكَانَ لَهُ نَحْو من سَبْعَة سِنِين لم يجر فِيهِ مَاء. وَفِي هَذَا الشَّهْر: قرئَ صَحِيح البُخَارِيّ بِالْقصرِ من قلعة الْجَبَل كَمَا هِيَ الْعَادة من عهد الْملك الْأَشْرَف شعْبَان بن حُسَيْن. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْإِثْنَيْنِ سابعه وانفض مجْلِس السماع قَامَ قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة لينصرف إِلَى دَاره. فَلَمَّا ركب أَخذ شخص - يعرف بِابْن نَهَار - بعنان بغلته وَقَالَ لَهُ: حكمت عليّ بِحكم لَا يجوز شرعا وَقد فسقت بجهلك. فَرجع وَمَعَهُ الْمَذْكُور إِلَى الْأَمِير الْكَبِير وَهُوَ فِي فكره فَأخذ ابْن نَهَار فِي الْإِسَاءَة على ابْن جمَاعَة والأمير الْكَبِير فِي شغل. بِمَا عِنْده من شدَّة الْفِكر فشق ذَلِك على ابْن جمَاعَة وعزل نَفسه وَقَامَ فَتوجه إِلَى تربة كوكاي خَارج الْقَاهِرَة ة ليمضي مِنْهَا إِلَى الْقُدس. وَفِي أثْنَاء نُزُوله من عِنْد الْأَمِير الْكَبِير تجلى عَنهُ الْفِكر وَسَأَلَ من حضر عَمَّا كَانَ فأخبروه الْخَبَر فَبعث فِي طلب ابْن نَهَار فَأتى بِهِ من الْغَد واستدعى الْقُضَاة ومشايخ الْعلم فَأفْتى شيخ الْإِسْلَام البُلْقِينِيّ بتعزيز ابْن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 126 نَهَار فَضَربهُ وَالِي الْقَاهِرَة بالمقارع وشهره بِالْقَاهِرَةِ. وَبعث الْأَمِير الْكَبِير يسترضي. ابْن جمَاعَة فَلم يرض فَرَاجعه ثَانِيًا فَلم يرض فَبعث إِلَيْهِ الْأَمِير قطلوبغا الكُوكاي والأمير فَخر الدّين إِيَاس الصرغَتمشى فَلم يَزَالَا بِهِ حَتَّى أخذاه وَأَتيا بِهِ الْأَمِير الْكَبِير. فَلَمَّا شَاهده من بعد قَامَ إِلَى لِقَائِه وَمَشى إِلَيْهِ وترضاه. فَقَالَ لَهُ: أعدائي كثير وَمَا آمنهم وَمَالِي وَلِهَذَا الْأَمر. فَقَالَ لَهُ: كل من تعرض لَك - وَلَو بِكَلِمَة سوء - ضَربته بالمقارع. ثمَّ جِيءَ بالتشريف فأفيض عَلَيْهِ وَنزل إِلَى الْقَاهِرَة فِي تاسعه فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَفِيه ركب الْبَرِيد الْأَمِير جلبان الدوادار وَفِي ثَانِي عشرينه: أُخرج الْأَمِير مقبل الرُّومِي الخازندار - أحد اليلبغاوية - منفياً وَكَانَ ظَالِما غشوما. وَفِيه أمْطرت السَّمَاء مَطَرا قل مَا عُهد مثله فِي الْكَثْرَة حَتَّى سَالَتْ الْأَزِقَّة والشوارع وخاضت الْخَيل بالشارع فِي المَاء فَبلغ بطونها وسال الْجَبَل سيلا عَظِيما إِلَى الْغَايَة. وَفِي سَابِع عشرينه: قدم الْبَرِيد بِخُرُوج الْأَمِير إينال من غَزَّة فَركب الْأَمِير أقبغا الصَّغِير - أحد أُمَرَاء الطبلخاناة - الْبَرِيد وَقبض عَلَيْهِ بقطيا وَبَعثه إِلَى الكرك فسجن بهَا. وَفِي تَاسِع عشرينه: ابْتَدَأَ بهدم خَان الزَّكَاة بَين القصرين لتداعيه للسقوط. وَفِيه ثَبت أَن هِلَال رَمَضَان رؤى لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ وَأَن هَذَا الْيَوْم تَمام ثَلَاثِينَ. وَفِي هَذَا الشَّهْر زَاد سعر اللَّحْم عَمَّا يعْهَد. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء - يَوْم عيد الْفطر -: حمل الْأَمِير يلبغا الناصري الفبة وَالطير على رَأس السُّلْطَان عِنْد نُزُوله لصَلَاة الْعِيد بالميدان تَحت القلعة. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِيه: خلع على الْأَمِير يلبغا الناصري وَاسْتقر نَائِب حلب عوضا عَن إينال اليوسفي. وأنعم على الْأَمِير يُونُس - دوادار الْأَمِير الْكَبِير - بتقدمة ألف وَرَأس نوبَته الْأَمِير قُردُم الحسني أَمِير مائَة مقدم ألف وَلم يعْهَد فَبل ذَلِك أَن يكون دوادار أَمِير وَرَأس نوبَته من جملَة مقدمي الألوف. وَفِيه نَادَى الْأَمِير المشير جركس الخليلي فِي الْقَاهِرَة ومصر أَن تكون الْفُلُوس الْعتْق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 127 كل رَطْل بدرهم وَثلث بعد مَا كَانَت بدرهم وَنصف الرطل وَفرق فِي الصيارفة فُلُوسًا استجد ضربهَا وَعمل عَلَيْهَا رنكه فَمِنْهَا فلس زنته أُوقِيَّة ليَكُون كل أَرْبَعَة بدرهم كل فلس بِربع دِرْهَم. وَمِنْهَا مَا زنته نصف أُوقِيَّة فَكل ثَمَانِيَة بدرهم حسابا عَن كل فلس ثُمن دِرْهَم. وَمِنْهَا مَا يكون كل ثَمَانِيَة وَأَرْبَعين فلسًا بدرهم فَلم يمش لَهُ ذَلِك وتوقفت أَحْوَال النَّاس وَبَطل بيعهم وشراؤهم وقلّ جلب البضائع من المآكل وَغَيرهَا فَنَادَى الْأَمِير الْكَبِير برقوق فِي يَوْم الْجُمُعَة ثالثه بِإِبْطَال ذَلِك واستمرار الْفُلُوس على حَالهَا. وَفِي ثَالِث عشره: خلع على الْأَمِير يلبغا الناصري خلعة السّفر وَتوجه إِلَى حلب. وَفِي رَابِع عشره: خلع على صَلَاح الدّين خَلِيل بن عبد الْمُعْطِي بن عبد المحسن نقيب دروس الْفُقَهَاء الْحَنَفِيَّة وَاسْتقر فِي حسبَة مصر عوضا عَن ابْن عرب. بِمَال الْتزم بِهِ فاستفظع النَّاس ذَلِك وعدوه بلَاء ونقمة لسوء سيرته ونذالته فَلَمَّا دخل على الْأَمِير المشير جركس الخليلي أنكر ولَايَته وضربه. وَفِيه خلع على شمس الدّين إِبْرَاهِيم كَاتب أرلان وَاسْتقر فِي وزارة الشَّام وَنظر الْخَاص والمهمات والمرتجع بهَا وَنظر ديوَان نَائِب الشَّام على قَاعِدَة فَخر الدّين ماجد ابْن قزوينه وَكتب لَهُ فِي توقيعه. الْوَزير وأنعم عَلَيْهِ ببغلة من الإصطبل السلطاني وَعَلَيْهَا زناري جنيب خَلفه فَلم يرض بذلك لعلمه أَنه إِنَّمَا قصد الْوَزير ابْن مكانس إبعاده وَخُرُوجه من مصر خوفًا مِنْهُ. وَفِيه اسُتدعى الْجلَال رَسُولا التبانى وسُئل أَن يحجّ عَن الْأَمِير آنص وَالِد الْأَمِير الْكَبِير بعد وَفَاته فَأجَاب إِلَى ذَلِك وجُهز أحسن جهاز وسافر صُحْبَة الركب. وَفِي ثَانِي عشرينه: توجه محمل الْحَاج سائرا من الْبركَة وَتَبعهُ الركب على الْعَادة فِي كل سنة وَفِيه أنعم على طُغاي تمُر القبلاوي - من أُمَرَاء الطبلخاناة بطرابلس - بنيابة الكرك عوضا عَن منكلي بُغا الشمسي وخلع على زين الدّين عمر بن مِنهال وَاسْتقر فِي كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق عوضا عَن فتح الدّين مُحَمَّد بن الشَّهِيد. وَكتب. بمصادرة ابْن الشَّهِيد. وأنعم على الْأَمِير قطلوبغا الكوكاي بتقدمة آنص - وَالِد الْأَمِير الْكَبِير - بعد موتَه. وَفِي رَابِع ذِي الْقعدَة: خلع على الشريف جماز بن هبة الْحُسَيْنِي وَاسْتقر أَمِير الجزء: 5 ¦ الصفحة: 128 بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة عوضا عَن عَمه عَطِيَّة بعد وَفَاته. وَقدم الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد القُونَوي من دمشق فَنزل بِالْمَدْرَسَةِ الصالحية بَين القصرين من الْقَاهِرَة وَأَتَاهُ النَّاس يَلْتَمِسُونَ بركَة زيارته. وجُهز أَرْبَعمِائَة خلعة إِلَى الْبِلَاد الشامية برسم النواب والأمراء وَغَيرهم لنصرتهم على التراكمين. وَفِي سادسه: قبض على بني مكانس جَمِيعًا بحيلة دبرهَا الْأَمِير الْكَبِير فَإِنَّهُ تقدم فِي الْوَزير بِجمع الكُتاب ليندبهم إِلَى أشغال سلطانية فَلَمَّا اجْتَمعُوا عِنْده قبض على الْوَزير وَإِخْوَته وَقبض على علم الدّين بن قَارُورَة - نَاظر ديوَان الْأَمِير الْكَبِير - وألزم بِحمْل خَمْسمِائَة ألف دِرْهَم وخُلع على شمس الدّين إِبْرَاهِيم - الْمَعْرُوف بكاتب أرلان - المستقر فِي وزارة الشَّام وَاسْتقر نَاظر ديوَان الْأَمِير الْكَبِير عوضا عَن ابْن قَارُورَة فَمَا أغْنى عَن ابْن مكانس حذره مِنْهُ. وكُتب باستقرار ابْن بِشَارَة فِي نظر الشَّام على عَادَته. وخلع على سعد الدّين إِبْرَاهِيم الْمَيْمُونِيّ وَاسْتقر عَامل ديوَان الْأَمِير الْكَبِير. وَفِي ثَانِي عشرينه: خلع على الشريف جمال الدّين عبد الله بن عبد الْكَافِي بن عبد الله الطاطبي وَاسْتقر فِي نقابة الْأَشْرَاف عوضا عَن السَّيِّد على بن فَخر الدّين. وَفِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشرينه: خلع على علم الدّين عبد الْوَهَّاب الطنساوي وَيُقَال لَهُ سنّ إبرة وَاسْتقر فِي الوزارة عوضا عَن كريم الدّين بن مكانس وَسلم ابْن مكانس وَإِخْوَته وحاشيتهم إِلَى شاد الدَّوَاوِين فعذبهم بأنواع الْعُقُوبَات. وَفِيه استناب قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين بن جمَاعَة عَنهُ فِي نظر وقف الْأَشْرَاف الشريف صدر الدّين مرتضى بن غياث الدّين إِبْرَاهِيم بن حَمْزَة. وَفِي خَامِس عشرينه: خلع على بلوط نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة خلعة الِاسْتِمْرَار وَقد حضر باستدعاء ثمَّ توجه إِلَيْهَا. وَكَانَت الأسعار قد ارْتَفَعت من شهر رَمَضَان حَتَّى بلغ الإردب الْقَمْح إِلَى أَرْبَعِينَ درهما وتزايد حَتَّى بلغ فِي ذِي الْقعدَة سِتِّينَ درهما وَعز وجوده وَارْتَفَعت أسعار الْحُبُوب كلهَا وَتعذر وجود الْخبز بالأسواق واختطفه النَّاس من الأفران. فرسم فِي خَامِس عشرينه بِفَتْح شونة الذَّخِيرَة وَبيع مِنْهَا. ثمَّ توقفت أَحْوَال الجزء: 5 ¦ الصفحة: 129 النَّاس وَكَثُرت الشكاية فِي النَّاس جَمِيعهم من وقُوف الْحَال وَقلة وجود الدَّرَاهِم فَكَانَ هَذَا - أعنى الشكاية - مِمَّا تجدّد وَلم يكن يُعرف بل أدركنا النَّاس وَإِذا شكا أحد من النَّاس حَاله عُد عَلَيْهِ ذَلِك فصرنا وَمَا من صَغِير وَلَا كَبِير إِلَّا وَهُوَ يشكو وتزايد أَمرهم فِي ذَلِك حَتَّى صَار أَمر النَّاس. بِمصْر فِي الْأَيَّام الناصرية فرج وَمَا بعْدهَا إِلَى فاقة وضعة. وَفِي تَاسِع عشرينه: وقفت الْعَامَّة واستغاثت وَطلبت ولَايَة العجمي الْحِسْبَة فطُلب فِي يَوْم السبت سلخه وخُلع عَلَيْهِ وأعيد إِلَى الْحِسْبَة عوضا عَن المليجي. وَفِي ثَالِث ذِي الْحجَّة: سُمر ثَلَاثَة من قطاع الطَّرِيق ووسطوا ثمَّ سُمر فِي خامسه ثَلَاثَة أخر. وَفِي تاسعه: ترك الْأَمِير تغري برمش أَمِير سلَاح إمرته وتزيا بزِي الْفُقَرَاء وَفرق عَنهُ مماليكه وحاشيته وَجلسَ بِجَامِع قوصون خَارج بَاب زويلة وَجمع عَلَيْهِ طَائِفَة من الْعَامَّة فَبعث إِلَيْهِ الْأَمِير الْكَبِير بالأمير سودُن الشيخوني الْحَاجِب والأمير قُردُم الحسني - رَأس نوبَة - ليعود إِلَى إمرته وَلكنه أَبى وصمم على الزهادة فتردد إِلَيْهِ الْأُمَرَاء وسألوه ذَلِك فَأبى عَلَيْهِم ثمَّ لم يكن بأسرع من توجهه إِلَى الشَّيْخ أكمل الدّين شيخ خانكاه شيخو وسؤاله فِي التحدث مَعَ الْأَمِير الْكَبِير فِي عوده إِلَى إمرته كَمَا كَانَ فَبعث يسْأَل الْأَمِير الْكَبِير فِي ذَلِك فَاشْتَدَّ غَضَبه عَلَيْهِ وَأمر بِهِ فَأخْرج فِي الْحَال مَاشِيا ليمضي إِلَى الْقُدس فَمشى على قَدَمَيْهِ إِلَى قبَّة النَّصْر خَارج الْقَاهِرَة وأدركه قَاصد. بِالْإِذْنِ لَهُ. بالركوب فَركب وَسَار. وَفِي حادي عشره: وسُط رحاب أَمِير عربان الْبحيرَة وَمَعَهُ ثَلَاثَة نفر من أعيانها. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: اتّفقت حَادِثَة مستغربة وَهِي أَن بعض تجار قيسارية جهاركس - يعرف بِابْن القماح - أخلى حَماما بِالْقربِ مِنْهَا فِي لَيْلَة الْجُمُعَة خامسه وأطمع صدقه - حارس القيسارية - بِأَن فِي الْبِئْر الَّتِي بهَا كنزًا فَفتح لَهُ القيسارية ليستخرج الْكَنْز من الْبِئْر. فَلَمَّا صَار بهَا هُوَ وَولده والحارس أَوْهَمهُ أَنه يحْتَاج إِلَى قِرَاءَة عَزِيمَة وَإِلَى تبخير الْبِئْر حَتَّى يَتَيَسَّر أَخذ الْكَنْز بِإِبْطَال موانعه وَأمره أَن ينْصَرف عَنهُ - هُوَ وَالْولد - إِلَى الْحمام ة ليخلو. بِمَا ذكر. وَترك عِنْده رجلا فِي صُورَة أَنه يُعينهُ على ذَلِك وَكَانَ صانع أقفال فَمضى الحارس وَولد ابْن القماح فَأخذ ابْن القماح فِي فتح مَا على الجزء: 5 ¦ الصفحة: 130 حوانيت القيسارية من الأقفال الحديدية بيد ذَلِك الرجل حَتَّى فتحهَا كلهَا وَأخذ مِنْهَا مَا يزِيد قِيمَته على عشرَة آلَاف دِينَار وهرب فِي اللَّيْل هُوَ وَأَهله. فَأصْبح النَّاس بالقيسارية وَهِي مفتحة الحوانيت فارتجت الْقَاهِرَة بِأَهْلِهَا وَحضر وَالِي الْقَاهِرَة وَاجْتمعَ التُّجَّار وَغَيرهم بهَا. فَقَالَت امْرَأَة مِمَّن يسكن بِالربعِ علو القيسارية: قد رَأينَا البارحة لَيْلًا ابْن القماح هُنَا فَأخذ الْوَالِي فِي طلبه فَلم يقدر عَلَيْهِ وَلَا على صَدَقَة الحارس. وَرفع التُّجَّار شكواهم إِلَى الْأَمِير الْكَبِير فَاشْتَدَّ حنقه على وَالِي الْقَاهِرَة وألزمه بِإِخْرَاج السَّارِق. فَبينا هُوَ فِي الفحص عَن ابْن القماح إِذْ دلّه شخص على مَوْضِعه فَركب إِلَيْهِ فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامنه وأحاط بِالْبَيْتِ الَّذِي هُوَ بِهِ فَألْقى نَفسه من علو الْبَيْت يُرِيد النجَاة فَانْكَسَرت يَده وَقبض عَلَيْهِ وعَلى وَلَده أَحْمد وعَلى الأقفالي الَّذِي فتح لَهُ الحوانيت. فَوجدَ القماش الَّذِي أَخذ وَالْمَال بِعَيْنِه لم يُفقد مِنْهُ شَيْء فَحمل ذَلِك على عدَّة حمالين وَسَار بهم والمغاني تزفهم حَتَّى طلع إِلَى الْأَمِير الْكَبِير. فَأقر ابْن القماح. بِمَا تقدم ذكره فَأمر الْوَالِي بعقوبة الْجَمِيع. فَنزل بهم فِي الْحَدِيد والعملة من ورائهم على رُءُوس الحمالين والمغاني تزفهم فِي شَارِع الْقَاهِرَة فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. ثمَّ أَخذ التُّجَّار مَالهم بِتَمَامِهِ وكماله. وظفر أَيْضا الْوَالِي بِصَدقَة الحارس فَمَا زَالَ هُوَ والأقفالي تَحت الْعقُوبَة حَتَّى هلكا. وضُرب ابْن القماح وَولده مرَارًا وسُجن فِي خزانَة شمايل فَإِنَّهُ لم يجب عَلَيْهِ الْقطع شرعا. لِأَنَّهُ كَانَ يَقُول عَن الأقفال هَذَا ناولني الْمَتَاع من الحوانيت. فَأَقَامَ عدَّة سِنِين فِي السجْن ثمَّ أخرج واتضع حَاله حَتَّى مَاتَ. فِي سَابِع عشره: قدم الْأَمِير كُمُشبغا الْحَمَوِيّ نَائِب طرابلس باستدعاء فَأكْرم غَايَة الْإِكْرَام وَحمل إِلَيْهِ الْأُمَرَاء تقادم كَبِيرَة جدا. وَفِي هَذَا الْوَاقِعَة ألزم وَالِي الْقَاهِرَة عريف قيسارية جهاركس أَلا يُسكن بهَا تَاجِرًا حَتَّى يضمن عَلَيْهِ وَصَارَ يتهدد التُّجَّار بفعلة ابْن القماح فَتحدث النَّاس فِي الْقَاهِرَة بِهَذِهِ الْوَاقِعَة أعواما كَثِيرَة. وَقدم الْبَرِيد بِوُقُوع الوباء بصفد. وَجَاءَت الْأَخْبَار بغلاء الأسعار. بِمَكَّة فَلَمَّا قدمهَا الرجبية انْحَلَّت قَلِيلا حَتَّى أبيعت الويبة الدَّقِيق درهما والويبة الشّعير من ثَلَاثِينَ إِلَى عشْرين درهما مَعَ غلاء كل مَا يُؤْكَل وَبَلغت الغرارة بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة أَرْبَعمِائَة دِرْهَم. فَلَمَّا قدم الْحَاج فِي الْمَوْسِم ارْتَفَعت الأسعار وَبَلغت الويبة الدَّقِيق إِلَى خمسين درهما وَمَا فَوْقهَا والويية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 131 الشّعير إِلَى أَرْبَعِينَ درهما وعظمت الْمَشَقَّة فِي الرّجْعَة إِلَى الْقَاهِرَة من غلاء الأسعار. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان الْأَمِير إِبْرَاهِيم بن حسن بن النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاون فِي عَاشر جُمَادَى الْآخِرَة. وَتُوفِّي مفتى دَار الْعدْل ركن الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بقاضي قرم الْحَنَفِيّ فِي عَاشر رَجَب. وَتُوفِّي فَقِيه حلب شهَاب الدّين أَحْمد بن حمدَان بن أَحْمد بن عبد الْوَاحِد بن عبد الْغَنِيّ بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن سَالم بن دَاوُد بن يُوسُف الْأَذْرَعِيّ الشَّافِعِي فِي خَامِس عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة بحلب. ومولده سنة تسع وَسَبْعمائة وَله مصنفات فِي الْفِقْه. وَتُوفِّي شيخ الشُّيُوخ نظام الدّين إِسْحَاق بن عَاصِم بن سعد الدّين مُحَمَّد بن الْأَصْفَهَانِي شيخ خانكاة سرياقوس فِي لَيْلَة الْأَحَد ثَالِث ربيع الآخر. وَدفن. بمدرسته فَوق الشّرف بجوار الضِّيَافَة رَحمَه الله تَعَالَى. وَتُوفِّي عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن شرف الدّين أبي البركات مُحَمَّد بن أبي الْعِزّ بن صَالح الدِّمَشْقِي الْحَنَفِيّ بِدِمَشْق وَقد أناف على التَسعين. وَمَات أَمِير أَحْمد بن الْملك المظفر حاجي بن مُحَمَّد بن قلاون فِي سادس صفر. وَمَات الْأَمِير أَقتمر عبد الْغَنِيّ نَائِب طرابلس ونائب الشَّام ونائب السُّلْطَان بديار مصر وأمير كَبِير فِي تَاسِع عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة. وَمَات الْأَمِير آنص - وَالِد الْأَمِير الْكَبِير برقوق - فِي يَوْم السبت ثامن عشر شَوَّال. وَمَات الْأَمِير أيدمُر الشمسي أحد أُمَرَاء الألوف فِي ثَالِث عشر صفر. وَمَات الْأَمِير آلان الشَّعْبَانِي أَمِير سلَاح فِي ثامن عشر ربيع الآخر. وَمَات الْحَاج سيف بن عَليّ مقدم الدولة تَحت الْعقُوبَة فِي لَيْلَة الْأَحَد ثَالِث عشْرين صفر وَلم يخلف فِي مَعْنَاهُ مثله. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 132 وَمَات الْأَمِير طَشتَمُر الشَّعْبَانِي اليلبغاوي نَائِب حماة فِي رَجَب بِعَين تَابَ. صُحْبَة الْعَسْكَر. وَتُوفِّي الشَّيْخ الْمسند جمال الدّين عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ بن حَديدة الْأنْصَارِيّ فِي خَامِس عشْرين شعْبَان. ومولده سنة عشر وَسَبْعمائة. وَتُوفِّي جمال الدّين عبد الله بن الرَّقِيق الأسملمي أحد أَعْيَان الْكتاب فِي ثَالِث عشر صفر. وَتُوفِّي قَاضِي قُضَاة حلب كَمَال الدّين عمر بن عُثْمَان بن هبة الله المعري الشَّافِعِي فِي شهر رَجَب بحلب. وَمَات خواجا فَخر الدّين عُثْمَان بن مُسَافر جالب الْأَمِير الْكَبِير برقوق. وَإِلَيْهِ ينْسب فَيُقَال برقوق العثماني فِي سادس عشر رَجَب بِالْقَاهِرَةِ وَشهد الْأَمِير الْكَبِير جنَازَته. وَتُوفِّي الْفَقِير المعتقد أَبُو لِحَاف عَليّ الشَّامي بِالْقَاهِرَةِ فِي خَامِس صفر. وَتُوفِّي نور الدّين عَليّ بن قَشتَمُر المنصوري الشَّافِعِي فِي ثامن عشْرين ربيع الأول. وَمَات أَمِير على بن قَشتَمُر الْحَاجِب أحد أُمَرَاء الألوف الشهير بالوزير فِي تَاسِع عشْرين ربيع وَمَات غُلَام الله مُهتار الطشت خاناه فِي ثَالِث عشْرين ربيع الْآخِرَه وَتُوفِّي الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن الكومي الشَّافِعِي الْأَعْمَى فِي تَاسِع عشْرين ربيع الأول. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن السيوري العمَّاري نِسْبَة إِلَى عمار بن يَاسر - رضى الله عَنهُ - الْموصِلِي إِمَام أهل الموسيقا فِي زَمَنه يَوْم الْعشْرين من صفر. وتوفْيت المسندة جويرة بنت الشهَاب أبي الْحسن أَحْمد بن أَحْمد الهكاري فِي يَوْم السبت ثَانِي عشْرين صفر. وَقد انْفَرَدت بِرِوَايَة النَّسَائِيّ وَغَيره. وَالله تَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 133 فارغه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 134 سنه أَربع وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة أهل الْمحرم بِيَوْم الثُّلَاثَاء: فِيهِ خُلع على الْأَمِير مُبارك شاه السيفي وَاسْتقر وَالِي الفيوم وَكَاشف الفيوم وَكَاشف البهنساوية والأطفيحية عوضا عَن أسنبغا المنجكي. وَفِي ثالثه: خلع على الْأَمِير سودُن الشيخوني وَاسْتقر حَاجِب الْحجاب على إقطاع تغري بَرمش. وخلع على الْأَمِير كُمُشبغا الْحَمَوِيّ اليلبغاوي - نَائِب طرابلس - خلعة الِاسْتِمْرَار على عَادَته. وخُلع على فرج بن أَيدَمُر السيفي وَاسْتقر فِي ولَايَة الغربية عوضا عَن أَحْمد بن سُنقُر. وخلع على أَلطُنبُغا الصلاحي وَاسْتقر فِي ولَايَة الأشمونين عوضا عَن مبارك شَاة السيفي. وأنعم بإقطاع الْأَمِير سودن الشيخوني على الْأَمِير أيدكار وَاسْتقر حاجبًا ثَالِثا. وَفِي عاشره: قدم الْأَمِير أَقبُعا المارديني نَائِب الوجهالقبلي باستدعاء. وَفِي حادي عشره: توجه الْأَمِير بكلمش العلاي لإحضار الْأَمِير بيدمر الْخَوَارِزْمِيّ من سجنه فِي ثغر دمياط. وَقدم الْأَمِير جَتتمُر أَخُو طاز من دمشق بسؤاله. وَفِي هَذَا الشَّهْر: تزايد سعر الغلال وفقد الْخبز من الْأَسْوَاق وأبيع كل رطلين بدرهم وأبيع الْقَمْح. بِمِائَة وَخَمْسَة دَرَاهِم الأردب والبطة الدَّقِيق بِثَلَاثِينَ درهما فَلَمَّا دخل الشّعير الْجَدِيد وَفِيه رسم الْأَمِير الْكَبِير بِإِطْلَاق من فِي سجني الديلم والرحبة من المديونين فأفرج عَنْهُم جيعهم وأغلق بَاب السجنين وَمنع الْقُضَاة من سجن أحد على دين لما بِالنَّاسِ من الغلاء ووقوف الْحَال فاشتدت وَطْأَة الْحجاب على النَّاس بِالضَّرْبِ على الدُّيُون وترسيم نقبائهم على من فِي ذمَّته دين. وَفِي ثامن عشرَة: قدم ركب الْحَاج. وَفِي عشرينه: قدم الْأَمِير بيدمر من دمياط فِي النّيل فَركب الْأَمِير الْكَبِير إِلَى لِقَائِه وَحضر من الْغَد يَوْم الْإِثْنَيْنِ حادي عشرينه الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة وَقبل الأَرْض على الْعَادة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 135 فَخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر فِي نِيَابَة الشَّام على عَادَته عوضا عَن الْأَمِير أشَقتمُر وَهَذِه ولَايَته السَّادِسَة. وَكتب بتوجه الْأَمِير أَشَقتمر إِلَى الْقُدس بطالا. وَفِيه خلع على الْأَمِير أقبغا المارديني نَائِب الْوَجْه القبلي خلعة الِاسْتِمْرَار. وَفِي آخِره: انحط السّعر إِلَى أَرْبَعِينَ درهما الأردب الْقَمْح وَالشعِير والفول إِلَى اثْنَيْنِ وَعشْرين درهما الأردب والبطة الدَّقِيق إِلَى أحد عشر درهما. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء: أول صفر خُلع على ابْن عرب وأعيد إِلَى حسبَة مصر عوضا عَن خَلِيل بن عبد الْمُعْطِي على مَال يقوم بِهِ. وأضيف إِلَيْهِ وكَالَة بَيت المَال عوضا عَن نجم الدّين الطنبَدي. وَفِي سادسه: خلع على مُحَمَّد بن أَشَقتمُر بِولَايَة قطيا عوضا عَن عَلَاء الدّين على ابْن الطشلاقي. وخلع عَليّ أبي بكر بن المزوَّق بِولَايَة قرص عوضا عَن أَبُو درقة قُطلوبُغا الأسن قُجاوي. وَفِيه أُعِيد نجم الدّين أَحْمد بن قَاضِي الْقُضَاة عماد الدّين أبي الْفِدَاء إِسْمَاعِيل بن شرف الدّين أبي البركات مُحَمَّد بن أبي الْعِزّ بن صَالح بن أبي الْعِزّ إِلَى قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن الْهمام أَمِير غَالب بن القوام أَمِير كَاتب الْأَتْقَانِيّ. وَفِي تاسعه: قدم المجذوب المعتقد على الروبي من الفيوم وَاجْتمعَ بالأمير الْكَبِير فهرع النَّاس إِلَى زيارته وبالغوا فِي اعْتِقَاده ونقلوا عَنهُ خوارق الله أعلم بحقيقتها. وَفِي سادس عشره: ركب الْأَمِير بَهَدُر المنجكي أستادار الْأَمِير الْكَبِير على الْبَرِيد. ليحضر من دمشق المَال الَّذِي وعد بِهِ الْأَمِير بَيدَمُر. وَفِي ثامن عشره: أُعِيد النَّجْم الطنبدي إِلَى وكَالَة بَيت المَال. لعجز ابْن عرب عَن الْقيام بِالْمَالِ الَّذِي وعد بِهِ. وَفِي رَابِع عشرينه: طلب الْأَمِير الْكَبِير برقوق من قَاضِي الْقُضَاة أَن يُسلمهُ مَال تَاجر قد مَاتَ عَن وَرَثَة غائبين وَترك مَا خَلفه. بمودع الحكم فَأبى أَن يَدْفَعهُ إِلَيْهِ وَقَالَ: ثَبت عِنْدِي أَن لَهُ وَرَثَة وَلَا سَبِيل أَن أدفَع المَال إِلَّا لوَرثَته فَغَضب الْأَمِير الْكَبِير برقوق واستدعى الشَّيْخ برهَان الدّين إِبْرَاهِيم الأبناسي ليوليه الْقَضَاء فغيَّب وَلم يظفر بِهِ فَامْتنعَ ابْن جمَاعَة من الحكم وَأخذ النَّاس فِي السَّعْي. وَفِي ثامن عشرينه: خلع على سراج الدّين عمر العجمي وأعيد إِلَى حبسة مصر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 136 عوضا عَن ابْن عرب لعَجزه عَن الْقيام. بِمَا وعد بِهِ. ورسم الْغُرَمَاء على ابْن عرب ليقوم لَهُم بِمَا استدانه مِنْهُم وبرطل بِهِ ورفعوه إِلَى الْأَمِير أيدَكار الْحَاجِب فأخرق بِهِ وَبَالغ فِي إهانته نسْأَل الله الْعَافِيَة. وَفتحت طبقَة الرفرف وَبَيت الْأَمِير طاز علو خزانَة الْخَاص بالقلعة من الإصطبل حَيْثُ سُكْنى الْأَمِير الْكَبِير برقوق ورَكب لَهما سلما ليتوصل إِلَيْهَا وأسكن بهَا مماليكه الَّذين اشتراهم. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سلخه: خلع على قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن أبي الْبَقَاء وأضيف إِلَى وَظِيفَة الْقَضَاء عوضا عَن الْبُرْهَان إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة وسافر ابْن جمَاعَة إِلَى الْقُدس. وَقدم الْبَرِيد. بمسير نَائِب حلب إِلَى محاربة التركمان فَلَمَّا دخل دربند أصلان توفّي حادي عشر صفر وَقد فر مِنْهُ سولى بن دلغادر فَلم يظفر بِهِ فَثنى عنانه إِلَى ابْن أوزر فداس بيوته وَوضع فِيمَن لقِيه السَّيْف فَامْتنعَ مِنْهُ بِالْجَبَلِ فَعَاد النَّائِب من تل حمدون يُرِيد مَدِينَة مرعش وَفِي يَوْم الْأَحَد عَاشر شهر ربيع الأول: قرئَ تَقْلِيد ابْن أبي الْبَقَاء وفوض أَمَانَة الحكم لشهاب الدّين أَحْمد الزَّرْكَشِيّ وفوض نظر أوقاف مصر لشمس الدّين مُحَمَّد بن الوحيد وفوض نظر أوقاف الْقَاهِرَة لجمال الدّين مَحْمُود العجمي الْمُحْتَسب. واستناب فِي الحكم تَقِيّ الدّين عبد الرَّحْمَن الزبيرِي أحد موقعي الحكم. وَأقر الصَّدْر بن مُحَمَّد الْمَنَاوِيّ وَعمر بن رزين على خلَافَة الحكم. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: شرع الْأَمِير المشير جركش الخليلي فِي عمل جسر بَين الرَّوْضَة وجزيرة أروى فِي طول ثَلَاثمِائَة قَصَبَة وَعرض عشر قصبات وَعمل فِيهِ بِنَفسِهِ ومماليكه وحفر فِي وسط مجْرى النّيل خليجا من هَذَا الجسر إِلَى زريبة قوصون. ليعود المَاء إِلَى الْبر الشَّرْقِي وَيسْتَمر طول السّنة فأنفق على ذَلِك من مَاله جملَة من غير أَن يُكَلف أحد فِيهِ شَيْئا حَتَّى تمّ الجسر فَلم يفد شَيْئا وَقَالَ فِيهِ أدباء الْعَصْر شعرًا كثيرا. وَكَانَ القاع سِتَّة أَذْرع وَنصف ذِرَاع. وَفِيه هرب الْوَزير كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن مكانس من ميضأة جَامع الصَّالح خَارج بَاب زويلة وَكَانَ مسجونا بِهِ هُوَ وَإِخْوَته فَغَضب الْأَمِير الْكَبِير على الْأَمِير بهادر الأعسر - شاد الدَّوَاوِين - وَضرب إخْوَته بالمقارع وَقبض على حواشيهم وحريمهم وَنُودِيَ عَلَيْهِ فَلم يُوجد. وَفِي عَاشر ربيع الْأُخَر: خلع على ابْن عبد الْمُعْطِي بِنَظَر الْمَوَارِيث. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 137 وَفِي سَابِع عشره: خرجت تجريدة إِلَى الْبحيرَة فِيهَا خَمْسَة أُمَرَاء أُلُوف وهم بهادر الجمالي وقُطلوبُغا الكوكاي وَأحمد بن يلبغا الخاصكي وقُردُم الحسني وآلابغا العثماني وَأَرْبَعَة أُمَرَاء طبلخاناة وَعشرَة أُمَرَاء عشرات. فَلم يَجدوا من أهل الْبحيرَة أحدا فساقوا من مَوَاشِيهمْ ثَلَاثَة آلَاف رَأس من الضَّأْن وَسِتَّة آلَاف رَأس من الْمعز. وَفِي آخِره: انْتهى عمل الجسر الخليلي. وَفِيه قدم الْبَرِيد بِأَن حُسَيْن بن أويس - متملك بَغْدَاد - قَتله أَخُوهُ أَحْمد بن أويس وَاسْتقر فِي المملكة بعده وَذَلِكَ بِإِشَارَة خواجا شيخ الكحجاني. وَفِي خَامِس عشر جُمَادَى الأول: اسْتَقر الْأَمِير قُطلوبُغا أَبُو درقة فِي ولَايَة دمياط عوضا عَن مُحَمَّد بن قرابغا. وَفِي عشرينه: اسْتَقر فتح الدّين صَدَقَة أَبُو دقن فِي نظر الْمَوَارِيث عوضا عَن ابْن عبد الْمُعْطِي. وَفِي يَوْم الْأَحَد أول جُمَادَى الْآخِرَة: - الْمُوَافق لَهُ من أشهر القبط تَاسِع عشر مسرى - كَانَ وَفَاء النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا بَعْدَمَا توقف عدَّة أَيَّام وأرجف خُزَّان الغلال يكون الغلاء فخاب أملهم. وَفِي سَابِع عشره: خُلع على جمال الدّين مَحْمُود الْمُحْتَسب خلعة الِاسْتِمْرَار وَقد أرجف بعزله وَنقل قراجا من ولَايَة قليوب إِلَى ولَايَة الجيزة وَنقل حُسَيْن من ولَايَة الجيزة إِلَى ولَايَة قليوب. وقدمت رسل ألفنس - متملك أشبيلية - بِسَبَب الإفراج عَن تكفور حَاكم سيس فأجيبوا إِلَى وَفِي هَذِه السّنة: ركب السطان إِلَى الميدان سبتين وَلم يركب السبت الثَّالِث لغرق الميدان. بِمَاء النّيل. وَفِي عشرينه: اسْتَقر مُقبل الطَّيِّبِيّ فِي ولَايَة قوص عوضا عَن ابْن المُزَوق وأعيد عَلَاء الدّين الطشلاقي إِلَى ولَايَة قطيا. وَفِي ثَالِث عشرينه: قدم الْأَمِير أقبُغا المارديني - نَائِب الْوَجْه القبلي - فَقبض عَلَيْهِ وسجن فِي الْحَدِيد بخزانة شمايل لقبح سيرته وعتوه على الْخلق وإسرافه فِي إِرَاقَة الدِّمَاء وَأخذ الْأَمْوَال وأحيط بأمواله الَّتِي اغتصبها من أهل الْبِلَاد. وَفِيه ضرب الْأَمِير الْكَبِير عَليّ خَان بن قرمان - كاشف الْوَجْه البحري - ضربا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 138 مبرحاً وأسلمه إِلَى حَاجِب الْحجاب. وَقدم نَصَارَى مَدِينَة سيس فِي طلب من يقوم بأمرهم وَقد مَاتَ حاكمهم فاختير لَهُم بعض الأسرى المقيمين بالكوم فِيمَا بَين جَامع ابْن طولون ومدينة مصر. وخلع عَلَيْهِ وعَلى القادمين من سيس وَكتب تَقْلِيده فَأصْبح خماراً يَبِيع الْخمر وَأمسى ملك الأرمن ينفذ حكمه فِي خلق كثير. وَفِي سلخه: اسْتَقر الْأَمِير أرسبغا المنجكي ملك الْأُمَرَاء بِالْوَجْهِ القبلي عوضا عَن أقبغا المارديني. وانتهت زِيَادَة مَاء النّيل إِلَى ثَلَاث أَصَابِع من عشْرين ذِرَاعا فعد ذَلِك طوفانا. وَفِيه عمل الْأَمِير جركس الخليلي طاحوناً فِي مركب عِنْد بسطة المقياس يديرها المَاء برسم طحن الْقَمْح دَقِيقًا فَأتى النَّاس من كل جِهَة لرؤيتها وَقَالَ فِيهَا أدباء الزَّمَان شعرًا كثيرا. وَفِيه نقل الْأَمِير مَأْمُور من نِيَابَة حماة إِلَى نِيَابَة طرابلس وَنقل كُمُشبُغا الْحَمَوِيّ من نِيَابَة طرابلس إِلَى نِيَابَة دمشق وأنعم عَلَيْهِ بإمرة جَنتمُر أخي طاز وَقبض على جَنتمُر وسجن بقلعة دمشق ثمَّ نقل إِلَى قلعة المرقب وَاسْتقر الْأَمِير يلو الْحَاجِب بِدِمَشْق فِي نِيَابَة حماة. وَنقل الْأَمِير طُرنطاي الكاملي من نِيَابَة سيس إِلَى حجوبية دمشق وَاسْتقر تمراز العلاي فِي ولَايَة البهنسي عوضا عَن طاجار. وَفِيه نقل عَن مماليك الأسياد الَّذين فِي خدمَة الْأَمِير الْكَبِير برقوق أَنهم قد اتَّفقُوا مَعَ طَائِفَة من مماليكه على أَن يفتَكوا بِهِ وَكَبِيرهمْ فِي ذَلِك أيتمش الخاصكي. فعندما بلغه ذَلِك بَادر بِالْقَبْضِ على الْمَذْكُور وعَلى بطا الخاصطي واستدعى من فِي خدمته من مماليك الأسياد أَوْلَاد الْأَشْرَف وَقبض على سَبْعَة عشر من أعيانهم وسجنهم فِي البرج من القلعة. وَأصْبح فَقبض مِنْهُم على تَكْمِلَة خَمْسَة وَسِتِّينَ وسجنهم بخزانة شمايل مقيدين فهرب من بَقِي من مماليك الأسياد فَنُوديَ فِي الْقَاهِرَة عَلَيْهِم وهدد من أخفاهم. وَقبض على الْأَمِير ألابغا العثماني الدوادار فِي تَاسع عشرينه وَأخرج على إمرة بِالشَّام. وَأخرج أَيْضا أَيْضا بأميرين من العشرات منفيين. وَاسْتقر الْأَمِير بيرم فِي ولَايَة أشموم الرُّمَّان. وَفِي يَوْم السبت أول شهر رَمَضَان: نفي الْأَمِير الْكَبِير برقوق إِلَى قوص مِمَّن قبض الجزء: 5 ¦ الصفحة: 139 عَلَيْهِ ثَلَاثَة وَأَرْبَعين مَمْلُوكا وَنفي بَقِيَّتهمْ إِلَى الشَّام وتتبع من اختفي مِنْهُم فأغرق جمَاعَة مِنْهُم فِي النّيل وَنفي كثيرا مِنْهُم حَتَّى ذَهَبُوا بأجمعهم. وخلا الجو للأمير الْكَبِير وَرَأى أَنه قد أَمن فَإِنَّهُ لما أَخذ الإمرة فِي أَيَّام الْأَمِير أَينَبَك كَانَ مَعَه فِي ضيق لِأَن نَفسه تُرِيدُ مِنْهُ مَا لَا يؤهل لَهُ. فَلَمَّا زَالَت دولة أينبكَ وتحكم الْأَمِير طَشتَمُر العلاي لم يكن لَهُ مَعَه كَبِير أَمر فَمَا زَالَ بَطشَتمر حَتَّى أزله وَصَارَ هُوَ والأمير بركَة يتنازعان الْأُمُور وَلَا يقدر على عمل شَيْء إِلَّا. بمراجعة بركَة حَتَّى كَانَ من أمره مَا قد ذكر فَصَارَت مماليك الأسياد يُرِيدُونَ التوثب عَلَيْهِ وَهُوَ يداريهم جهده حَتَّى وثب بهم وَأَخذهم فَم يبْق لَهُ معاند وَصَارَ لَهُ من المماليك الجراكسة عدد كَبِير جلبوا إِلَيْهِ من الْبِلَاد فرقاهم إِلَى مَا لم يخْطر لَهُم ببال وأنعم على جمَاعَة مِنْهُم بإمريات. وَفِيه نقل الْأَمِير طشتمر العلاي من نِيَابَة صفد إِلَى الْقُدس بِطَلَبِهِ لذَلِك فَأَقَامَ بِهِ بطالا. وَفِيه أَمر الْأَمِير الْكَبِير بالإفراج عَن المسجونين بسجن الديلم وسجن الرحبة على الدُّيُون فأفرج عَنْهُم. (وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشره) جمع الْأَمِير الْكَبِير برقوق الْأُمَرَاء والقضاة ومشايخ الْعلم وَأهل الدولة والخليفة إِلَى عِنْده بالحراقة من الإصطل وعرفهم أَن الْأُمُور مضطربة لصِغَر سنّ السُّلْطَان وَقلة حرمته وَأَن الْوَقْت مُحْتَاج إِلَى ملك عَاقل يستبد بأحوال الدولة وَيقوم بِأُمُور النَّاس وينهض بأعباء الحروب وَالتَّدْبِير وَنَحْو ذَلِك. فاتفقوا جَمِيعهم مَعَه على خلع الْملك الصَّالح حاجي وبعثوا فِي الْحَال بالأمير قُطلوبُغا الكوكاي - أَمِير سلَاح - والأمير ألطُنبُغُا الْمعلم - رَأس نوبَة - فقبضا على الْملك الصَّالح من الْقصر وأدخلاه إِلَى دور الْحرم وأخذا مِنْهُ نمجاة الْملك وعادا بهَا فانقضت دولة الأتراك من مصر وزالت دولة بني قلاون وَصَحَّ مَا أنذر بِهِ أَرْبَاب الْحدثَان فقد قيل: تمت ولايتهم بِالْحَاء لَا أحد من الْبَنِينَ يداني الْملك فِي الزَّمن وَكَذَا كَانَ فَإِن آخر أَوْلَاد النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون السُّلْطَان حسن بن مُحَمَّد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 140 وَآخر من ولي من أَوْلَاد الْأَوْلَاد حاجي وعَلى رَأسه زَالَت دولتهم وَبِه ختمت مُلُوكهمْ فسبحان محيل الْأَحْوَال لَا إِلَه إِلَّا هُوَ. السُّلْطَان سيف الدّين أَبُو سعيد السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر سيف الدّين أَبُو سعيد برقوق بن آنص الجركسي العثماني اليلبغاوي الْقَائِم بدولة الجراكسة أَخذ من بِلَاد الجركس فأبيع بِبِلَاد الفرم ثمَّ جلبه الخواجا فَخر الدّين عُثْمَان بن مُسَافر إِلَى مصر فَاشْتَرَاهُ الْأَمِير يلبُغا العُمَري الخاصكي وَأعْتقهُ وَجعله من جملَة مماليكه الأجلاب وَكَانَ اسْمه ألطنبغا فَسَماهُ الْأَمِير يلبغا - برقوق - لنتوء فِي عينه ومولده فِي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة - تخمينا - فَإِنَّهُ ذكر فِي سنة ثَمَان وَتِسْعين أَن سنه سبع وَخَمْسُونَ سنة. فَلَمَّا قتل الْأَمِير يلبغا - وَكَانَت وَاقعَة الأجلاب - أخرج برقوق فِيمَن أخرج مِنْهُم وسجن بالكرك مُدَّة ثمَّ أفرج عَنهُ وَصَارَ إِلَى دمشق فخدم عِنْد نائبها الْأَمِير مَنجكَ حَتَّى طلب الْملك الْأَشْرَف شعْبَان اليلبغاوية قدم مَعَ من قدم مِنْهُم وَصَارَ فِي خدمَة الأسياد من جملَة مماليكهم إِلَى أَن ثَارُوا بعد سفر الْأَشْرَف إِلَى الْحجاز كَانَ مِمَّن ثار مَعَهم وانتقل من الجندية إِلَى إمرة طبلخاناه ثمَّ إِلَى إمرة مائَة وَملك الإصطبل وَعمل أَمِير آخور ثمَّ أَمِيرا كَبِيرا. ومازال يدبر الْأُمُور والأقدار تساعده حَتَّى ذهب من يعانده وَتثبت دولته وَوَافَقَهُ الْجَمِيع على أَن يكون سُلْطَان الْبِلَاد. فَلَمَّا خُلع الصَّالح وَصلى الْجَمَاعَة الظّهْر من يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشر شهر رَمَضَان سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَسبع مائَة - الْمُوَافق لَهُ آخر هتور وسادس عشْرين تشرين الثَّانِي - خطب الْخَلِيفَة المتَوَكل على الله أَبُو عبد الله مُحَمَّد الْخطْبَة على الْعَادة وَبَايع الْأَمِير الْكَبِير الأتابك على السلطنة وقلده أَمر الْعباد والبلاد فأفيض فِي الْحَال على السُّلْطَان تشريف الْخلَافَة وأفيض على الْخَلِيفَة التشريف على الْعَادة. وَأَشَارَ شيخ الْإِسْلَام سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ أَن يقلب السُّلْطَان بِالْملكِ الظَّاهِر وَقَالَ: هَذَا وَقت الظّهْر وَالظّهْر مَأْخُوذ من الظهيرة والظهور وَقد ظهر هَذَا الْأَمر بعد أَن كَانَ خافيا فتلقب بِالْملكِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 141 الظَّاهِر وَركب من الحراقة بالإصطبل وطلع من بَاب السِّرّ إِلَى الْقصر. وعندما ركب أمْطرت السَّمَاء فتفاءل النَّاس بذلك. وَلما دخل إِلَى الْقصر جلس على التخت فَكَانَ طالع جُلُوسه برج الْحُوت. وَنُودِيَ بِالْقَاهِرَةِ ومصر الدُّعَاء للسُّلْطَان الْملك الظَّاهِر كتب إِلَى أَعمال المملكة بذلك وَأَن يحلف النواب والأمراء للسُّلْطَان على الْعَادة فسارت الْبرد بذلك ودقت البشائر بقلعة الْجَبَل عِنْد تَمام الْبيعَة وزينت الْقَاهِرَة ومصر وَعَامة مَدَائِن مصر وَالشَّام. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ رَابِع عشرينه: قرئَ عهد الْخَلِيفَة للسُّلْطَان على الْأُمَرَاء بِحَضْرَة الْخَلِيفَة والقضاة وأعيان الدولة. وَفِيه خلع على الْأَمِير أيتَمش البجاسي - رَأس نوبَة - وعَلى الْأَمِير آلطنبغا الجوباني - أَمِير مجْلِس - وعَلى الْأَمِير جركس الخليلي - أَمِير أخور - وخلع على الْأَمِير سودُن الشيخوني الْحَاجِب وَاسْتقر نَائِب السُّلْطَان. وخلع على الْأَمِير قُطْلُوبغا الكوكاي وَاسْتقر حَاجِب الْحجاب عوضا عَن الْأَمِير سودن النَّائِب. وخلع على الْأَمِير ألطنبغا الْمعلم وَاسْتقر أَمِير سلَاح عوضا عَن الكوكاي الْحَاجِب. وخلع على الْأَمِير قردم الحسني وَاسْتقر رَأس نوبَة ثَانِيًا. وخلع على الْأَمِير يُونُس النوروزي الدوادار وَاسْتقر دوادار السُّلْطَان عوضا عَن ألابغا. وخلع على قُضَاة الْقُضَاة الْأَرْبَع وقضاة الْعَسْكَر ومفتين دَار الْعدْل ومحتسبي الْقَاهِرَة ومصر وَكَاتب السِّرّ والوزير وناظر الْخَاص وناظر الْجَيْش ووكيل بَيت المَال وَسَائِر أَرْبَاب الدولة فَكَانَ يَوْمًا مشهودًا كثرت فِيهِ التهاني والأفراح. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشرينه: جمع السُّلْطَان الْأُمَرَاء بأجمعهم وحلفهم - صَغِيرهمْ وَكَبِيرهمْ - على طَاعَته. وَفِيه خلع على أوحد الدّين عبد الْوَاحِد بن إِسْمَاعِيل بن ياسين وَاسْتقر فِي نظر خزانَة الْخَاص ووكالة الْخَاص. وخلع على الْأَمِير بهادر المنجكي الأستادار وَاسْتقر أستادار السُّلْطَان بإمرة طبلخاناة وأضيف إِلَيْهِ أستادارية الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن السُّلْطَان. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ تَاسِع شَوَّال: خلع على أوحد الدّين عبد الْوَاحِد بن إِسْمَاعِيل بن ياسين الْحَنَفِيّ وَاسْتقر فِي كِتَابَة السِّرّ عوضا عَن بدر الدّين مُحَمَّد بن على بن يحيى بن فضل الله الْعمريّ. وَفِي حادي عشرينه: عرض السُّلْطَان المماليك الأشرفية وعزل مِنْهُم خَمْسَة جعل لَهُم رواتب ليكونوا طرخان وَأرْسل بَقِيَّتهمْ إِلَى الْأَمِير سودن النَّائِب فَعمل أَصْحَاب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 142 الْأَخْبَار الثفال مقدمين فِي الْحلقَة وباقيهم من جملَة أجناد الْحلقَة. وَطلب السُّلْطَان من المقسي أَسمَاء من قبض بعد الْأَشْرَف الْعشْرَة آلَاف فَوجدَ مِنْهُم قد بَقِي خَمْسمِائَة مَمْلُوك فيهم أَرْبَعمِائَة مَمْلُوك بِأَيْدِيهِم إقطاعات فِي الْحلقَة وَمِائَة مَمْلُوك لَهُم جوامك فَأمر فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سلخه الأربعمائة أَصْحَاب الأخباز فِي الْحلقَة بِلُزُوم دُورهمْ وأكلهم إقطاعاتهم وَقطع جوامك الْمِائَة أَرْبَاب الجوامك وَقرر عوضهم من مماليكه الَّذين اشتراهم ورباهم وَقَالَ: هَؤُلَاءِ خونة قد خانوا أستاذهم الْملك الْأَشْرَف وأعانوا على قَتله بِشَيْء يسير أَخَذُوهُ من المَال بعد مَا عاشوا فِي نعْمَته دهرا طَويلا فَلَا خير فيهم فتلقوا قله وذله وَلَقَد رَأَيْت بعض من كَانَ من أُمَرَاء الألوف فِي أَيَّام الْأَشْرَف وَقد صَار فَقِيرا يسْأَل النَّاس وَعَلِيهِ ثِيَاب صوف شبه عباءة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: قدم شَيخنَا أَبُو زيد عبد الرَّحْمَن بن خلدون من بِلَاد الْمغرب واتصل بالأمير ألطنبغا الجوباني وتصدر للاشتغال بالجامع الْأَزْهَر فَأقبل النَّاس إِلَيْهِ وراقهم كَلَامه وأعجبوا بِهِ. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سَابِع ذِي الْقعدَة: غضب السُّلْطَان على الْوَزير علم الدّين عبد الْوَهَّاب الطْنساوي - وَيُقَال لَهُ سنّ إبرة - وضربه واستدعى بالأسعد أَبى الْفرج النَّصْرَانِي - كَاتب الْحَوَائِج خاناه - وأكرهه حَتَّى أظهر الْإِسْلَام فَخلع عَلَيْهِ وأركبه فرسا بسرج ذهب وكنبوش زركش وَفِي عاشره: خلع على الْوَزير سنّ إبرة خلعة الِاسْتِمْرَار وخلع على الْأَمِير منكلى الطرخاني وَاسْتقر حاجبا رَابِعا وخلع على الْأَمِير جلبان العلاي وَاسْتقر حاجبا خَامِسًا وَلم يعْهَد قبل ذَلِك خَمْسَة حجاب فِي الدولة التركية. وَفِيه اسْتَقر خير الدّين العجمي - من صوفية خانكاه شيخو - فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بالقدس وَلم يعرف قبله بالقدس قَاض حَنَفِيّ وَاسْتقر موفق الدّين العجمي - من صوفية خانكاه شيخو - فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بغزة. وَلم يعرف أَيْضا قبل ذَلِك بغزة قَاض حَنَفِيّ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 143 وَفِيه كَانَ بحث بَين شيخ الْإِسْلَام البُلْقِينِيّ وَبَين بدر الدّين بن الصاحب فِي مَسْأَلَة علمية آل الْأَمر إِلَى أَن كفر البُلْقِينِيّ ابْن الصاحب فَطَلَبه إِلَى قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين عبد الرَّحْمَن بن خير الْمَالِكِي وَأقَام رجلا يدعى عَلَيْهِ بِأُمُور رتبت عَلَيْهِ فجرت أَحْوَال عقد من أجلهَا مجْلِس حَضَره الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء وَذكر مَا يدعى بِهِ عَلَيْهِ فَلم يثبت مِنْهُ شَيْء بِوَجْه شَرْعِي فَحكم بعض الْقُضَاة بِعَدَمِ كفر ابْن الصاحب وبقائه على دين الْإِسْلَام. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع عشرينه: ركب السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل وَمر على قناطر السبَاع حَتَّى عدى النّيل من بولاق إِلَى الجيزة وتصيد ثمَّ عَاد من أخر النَّهَار وَقد ركب الْأَمِير أيتمش عَن يَمِينه وَالشَّيْخ أكمل الدّين - شيخ خانكاه شيخو - عَن يسَاره. وَفِيه اسْتَقر بدر الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُزْهر فِي كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق عوضا عَن فتح الدّين مُحَمَّد بن الشَّهِيد. وَفِي هَذَا الشَّهْر: ورد الْبَرِيد بِأَن الْأَمِير يلبغا الناصري - نَائِب حلب - سَار بعسكر حلب إِلَى إلبيرة يُرِيد تَعديَة الْفُرَات فَجَاءَهُ الْخَبَر بعصيان الْأَمِير عَلَاء الدّين ألطنبغا السلطاني - نَائِب الأبلستين - وَأَنه لم يحلف للسُّلْطَان وَاسْتولى على قلعة درندة - المضافة إِلَيْهِ - وطلع إِلَيْهَا وَأمْسك بعض أمرائها وأطلع إِلَيْهَا ذخيرة وميرة فَركب الْعَسْكَر الَّذِي بِالْمَدِينَةِ عَلَيْهِ وأمسكوا رِجَاله فَطلب الْأمان مِنْهُم وفر من القلعة إِلَى الأبلستين. فَكتب إِلَيْهِ الْأَمِير يلبغا الناصري يهدده ويخيفه فَلم يرجعه إِلَيْهِ وَمر هَارِبا على وَجهه إِلَى بِلَاد التتر فَعَاد الْأَمِير يلبغا الْمَذْكُور إِلَى حلب. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء سادس ذِي الْحجَّة: قبض على الْأَمِير قُرط - نَائِب الْوَجْه البحري - لقبح سيرته وَسُوء أَفعَال حَاشِيَته وَضرب بَين يَدي الْأَمِير أيتمش ضربا مبرحا ثمَّ جلس وصودر - هُوَ وجماعته - وفر ابْنه حُسَيْن فَنُوديَ عَلَيْهِ وهدد من أخفاه وخلع على الْأَمِير قرابلاط الأحمدي وَاسْتقر عوض قرط. وَفِيه رسم باستقراء ولى الدّين عبد الرَّحْمَن بن رشد فِي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بحلب عوضا عَن علم وَفِي يَوْم السبت سَابِع عشره: ركب السُّلْطَان من القلعة إِلَى جِهَة المطرية وَمضى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 144 اٍ لى قناطر أبي المنجا وَعَاد فَدخل إِلَى الْقَاهِرَة من بَاب الشعرية حَتَّى خرج من بَاب زويلة وَصعد القلعة فَكَانَ يَوْمًا مشهودا زينت فِيهِ الْأَسْوَاق وأشعلت الشموع والقناديل فَرحا بِرُؤْيَتِهِ: وَفِي ثَانِي عشرينه: خلع على مَحْمُود بن عَليّ بن أصفر عينه - أستادار الْأَمِير سودن بَاقٍ - وَاسْتقر شاد الدَّوَاوِين عوضا عَن بهادر الأعسر. وأنعم عَلَيْهِ بإمرة طبلخاناة. وَفِيه ورد الْبَرِيد بِأَن الْأَمِير أقبغا عبد الله - نَائِب غَزَّة - فر مِنْهَا إِلَى جِهَة الْأَمِير نعير. وَفِيه خلع على الْأَمِير قرقماس الطشتَمري اليلبغاوي وَاسْتقر خازندارا كَبِيرا. وَفِي رَابِع عشرينه: ركب السُّلْطَان من القلعة وشق مَدِينَة مصر وَقد زينت لَهُ حَتَّى عدى النّيل إِلَى بر الجيزة. ثمَّ عَاد على بولاق إِلَى القلعة. وَفِي سَابِع عشرينه: قدم الْأَمِير ألطنبغا الجوباني من الْحجاز وَكَانَ قد حج مَعَ الركب. مَاتَ فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان قاضى الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق همام الدّين - أَمِير غَالب - ابْن قوام الدّين - أَمِير كَاتب - الْأَتْقَانِيّ بعد عَزله. وَكَانَ قد بلغ غَايَة فِي الْجَهْل. وَمَات قَاضِي الْقُضَاة بَحر الدّين عبد الْوَهَّاب بن الْكَمَال أَحْمد بن قاضى الْقُضَاة علم الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر بن عِيسَى بن بدران الأخناي الْمَالِكِي فِي يَوْم الْخَمِيس سادس عشر رَجَب وَهُوَ مَعْزُول. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 145 وَمَات الصاحب الْوَزير كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن الرويهب فِي سَابِع عشر شهر رَمَضَان وَقد اتضع حَاله وافتقر. وَمَات عَلَاء الدّين عَليّ بن عمر بن مُحَمَّد بن قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن دَقِيق الْعِيد - موقع الحكم - فِي خَامِس عشْرين صفر. وَمَات جمال الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن يُوسُف الْمَعْرُوف بالخطب الأسنوي أحد خلفاء الحكم الشَّافِعِيَّة فِي يَوْم الْأَحَد عَاشر ربيع الأول. وَتُوفِّي الشَّيْخ عز الدّين عبد الْعَزِيز بن عبد الْخَالِق الأسيوطي الشَّافِعِي فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء حادي ذِي الْحجَّة وَقد تصدر للأشغال عدَّة سِنِين. وَمَات الْأَمِير فَخر الدّين إِيَاس الصرغتمشي الْحَاجِب أحد الطبلخاناه فِي ثَالِث ربيع الآخر. وَمَات الْأَمِير زين الدّين زبالة الفارقاني نَائِب قلعة دمشق فِي شعْبَان بِدِمَشْق وَقد أناف على السّبْعين. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 146 سنة خمس وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة فِي يَوْم السبت الأول الْمحرم: قدم الْأَمِير يلبغا الناصري نَائِب حلب فَخرج الْأَمِير سودان النَّائِب إِلَى لِقَائِه وَصعد بِهِ إِلَى بَين يَدي السُّلْطَان فَقبل لَهُ الأَرْض وَجلسَ تَحت الْأَمِير سودن النَّائِب. ثمَّ نزل إِلَى بَيت أعد لَهُ فَكَانَ فِي هَذَا عِبْرَة فَإِنَّهُ بلأمس قد كَانَ الناصري من جملَة الْأُمَرَاء الأشرفية وبرقوق إِذْ ذَاك من جملَة مماليك الأسياد إِذا ضمه مجْلِس مَعَ الناصري قَامَ على رجلَيْهِ بَين يَدَيْهِ فَأصْبح ملكا يقبل الناصري لَهُ الأَرْض أمره وَنَهْيه فسبحان مُقَلِّب الْأُمُور. وقِي سادسه: خلع على الْأَمِير يلبغا الناصري خلعة الِاسْتِمْرَار على نِيَابَة حلب وَنزل من القلعة وَعَن يَمِينه الْأَمِير أيتمش وَعَن يسَاره الْأَمِير ألطنبغا الجوباني وَمن وَرَاءه سَبْعَة جنائب من الْخُيُول السُّلْطَانِيَّة بسروج ذهب وكنابيش زركش أخرجت لَهُ من الإصطبل. وَكَانَ قد حمل إِلَيْهِ السُّلْطَان والأمراء من أَنْوَاع التقادم مَا يجل وَصفه. وَفِي يَوْم السبت ثامنه: ركب السُّلْطَان وَمَعَهُ الْأَمِير يلبغا الناصري حَتَّى عدى النّيل من بولاق إِلَى الجيزة وتصيد ثمَّ عَاد من آخِره. وَفِي عاشره: خلع على الناصري خلعة السّفر وَتوجه من وقته إِلَى حلب. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سَابِع عشره: خلع على شمس الدّين إِبْرَاهِيم كَاتب أرلان وَاسْتقر فِي الوزارة بغد سدة تَمنعهُ وَكَثْرَة إبائه وتشترط عدَّة شُرُوط مِنْهَا أَنه لَا يلبس تشريف الوزارة فَأُجِيب إِلَى كل مَا سَأَلَهُ وَلبس خلعة من صوف كخلع الْقُضَاة وَأَشَارَ لَهُ السُّلْطَان بِأَن تكون يَده فَوق كل أَيدي أهل الدولة وَأَنه يستبد بالأمور من غير مُشَاورَة فَنزل إِلَى دَاره وَلم يُمكن أحدا من الرّكُوب مَعَه كَمَا جرت بِهِ الْعَادة وَمضى النَّاس حَتَّى نزل منزله وَضبط الْأُمُور أَشد ضبط. وَلم يتَنَاوَل من مَعْلُوم الوزراة إِلَّا الشَّيْء الْيَسِير الَّذِي كَانَ لَا يرضاه أقل عبيد الوزراء وَأنْفق فِي أَرْبَاب الرَّوَاتِب جاريهم من غير نقص بالغلال وَبَيت المَال بالأموال وأدار الطواحين السُّلْطَانِيَّة بجوار الأهراء بِمَدِينَة مصر وَعمل الحواصل بِسَائِر الْأَصْنَاف. وَلم يُمكن أحدا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 147 أَن يركب مَعَه وَصَارَ يخرج من بَيته ويغلق بَابه بِيَدِهِ وَيَضَع مفاتيحه فِي كمه ثمَّ يركب فرسه ويركب غُلَامه بغلة ويردف خَلفه الدوادار وَهُوَ حَامِل الدواة تَحت إبطه ويمضى إِلَى القلعة من غير أَن يكون مَعَه أحد من الْكتاب وَلَا الأعوان فَلَا يعرفهُ إِلَّا من لَهُ بِهِ معرفَة. وَمنع جَمِيع أَرْبَاب الدولة أَن يَأْتُوا إِلَى بَيته وَإِنَّمَا يأتوه بقاعة الصاحب من القلعة. وَرفع يَد الْأَمِير جركس الخليلي من التحدث فِي الدولة وَانْفَرَدَ بِالْكَلِمَةِ فِي الوزارة مَعَ هَذَا الاقتصاد ونفذت كَلمته وعظمت مهابته حَتَّى عِنْد أكَابِر الْأُمَرَاء وَلم يجد فِيهِ عدوه سَبِيلا إِلَى الطعْن عَلَيْهِ بِوَجْه. وَفِيه أنعم على الْأَمِير بَهَادر المنجكي الأستادار بتقدمة الْأَمِير قطلوبغا الكوكاي بعد مَوته. وخلع على علم الدّين الحزين وَاسْتقر فِي اسْتِيفَاء الدولة عوضا عَن أَمِين الدّين عبد الله جعيص بعد مَوته. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي صفر: قدمت رسل السُّلْطَان أَحْمد بن أويس - متملك بَغْدَاد - بهدية فِيهَا فَهد وصقر وَأَرْبع بقج قماش وتضمن كِتَابه أَنه ملك بَغْدَاد بعد أَخِيه. وَفِي سَابِع عشرَة: أفرج عَن الْأَمِير قرط. وَفِي سلخه: قدم الْبَرِيد بِأَن الْأَمِير طُغاي تَمُر القبلاوي - نَائِب الكرك - تنَازع مَعَ الْأَمِير خاطر بِسَبَب أَنه كبس عربانا كَانُوا نزلائه وَقبض عَلَيْهِم وَآل الْأَمر إِلَى اقتتالهما فانكسر نَائِب الكرك من خاطر وتخلص العربان من يَده. وَفِي أول شهر ربيع الأول: قدم الْخَبَر بِأَن طَائِفَة من الفرنج شحنوا مراكبهم وَسَارُوا من مَدِينَة الْإسْكَنْدَريَّة هاربين فَتَبِعهُمْ الْمُسلمُونَ من الْغَد وقاتلوهم فَقتل عدَّة من الْمُسلمين وَعَاد من بَقِي بِغَيْر طائل فَقبض الْأَمِير بلوط النَّائِب على من تَأَخّر بالثغر من الفرنج وَأخذ أَمْوَالهم فتنكر السُّلْطَان على النَّائِب وَكتب بقدومه. وَفِي سابعه: ضرب قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين عبد الرَّحْمَن بن خير الْمَالِكِي عنقِي رجلَيْنِ ارتدا عَن الْإِسْلَام وَلم يوافقا على العودة إِلَيْهِ. وَفِي حادي عشره: صُرف الشريف مرتضى عَن نِيَابَة نظر وقف الْأَشْرَاف برغبته عَنهُ وَاسْتقر عوضه صدر الدّين عمر بن رزين أحد خلفاء الحكم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 148 وَفِي ثَانِي عشره: قدم الْأَمِير بلوط تقدمة سنية. وَفِي خَامِس عشره: ضرب قَاضِي الْمَالِكِيَّة عنق رجل على الرِّدَّة عَن الْإِسْلَام. وَفِي سَابِع عشره: خلع على بلوط خلعة الإستمرار على نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة وَتوجه إِلَيْهَا وَكتب بِالْقَبْضِ على الْأَمِير طغاي تمر الجركتمري والأمير ألطنبغا السابقي وَكَانَا مجردين بالإسكندرية. وَفِيه أخرج الْأَمِير إِيَاس السيفي - من العشرات - إِلَى دمشق على إمرة بهَا. وأنعم على كل من سودن العلاي وإينال الجركسي بإمرة طبلخاناة وعَلى حسن قجا الأسن قجاوي بإمرة عشرَة. وَقدم الْبَرِيد بِأَن الْأَمِير يلبغا الناصري نَائِب حلب توجه مِنْهَا بالعسكر فِي طلب التركمان فوافاه فِي أثْنَاء طَرِيقه غَالب تركمان الطَّاعَة فَخلع عَلَيْهِم وَسَار حَتَّى وصل دربند بغراص وَقدم طَائِفَة من الْعَسْكَر فَلَقِيَهُمْ التركمان وقاتلوهم فَقتل نَائِب بغراص وجرح جمَاعَة فَعَاد إِلَى حلب. ثمَّ قدم الْبَرِيد بِأَن الْأَمِير قرا مُحَمَّد - حَاكم الْموصل - قد اتّفق مَعَ ضِيَاء الْملك بن بوز دوغان على محاربة سَالم الدكري لما كَانَ مِنْهُ من قطع الطَّرِيق على حجاج الْموصل وذبحهم وَأخذ أَمْوَالهم وَأَن الْأَمِير يلبغا الناصري لما بلغه ذَلِك سَار من حلب بالعسكر إِلَى البيرة وعدى الْفُرَات فِي المراكب إِلَى الرها فَوجدَ قرا مُحَمَّد وضياء الْملك قد ركبا فِي زِيَادَة على اثْنَي عشر ألف فَارس على سَالم وَضَربا بيوته فأخذا مَالا يحد كَثْرَة مِنْهَا قدر ثَلَاثِينَ ألف حمل وَكَانَ بَينهم وقْعَة عَظِيمَة قتل فِيهَا من الْفَرِيقَيْنِ خلق كثير وفر سَالم إِلَى جِهَة قلعة الْمُسلمين وقرا مُحَمَّد فِي إثره فَلم ينج إِلَّا فِي نفر قَلِيل فنهب عَسْكَر قرا مُحَمَّد تِلْكَ النواحي وأفسدوا فَلم مجد سَالم بدا من الترامي على الْأَمِير يلبغا الناصري وكفنه فِي عُنُقه وَعَاد بِهِ إِلَى حلب فَكتب بتجهيزه إِلَى مصر. وَفِي عشرينه: أخرج الْأَمِير مقبل الرُّومِي منفيا وَكَانَ قد قدم من الشَّام وأنعم عَلَيْهِ بإمرة طبلخاناة فَلم يقبلهَا. وَفِي نصف شهر ربيع الآخر: قدمت طَائِفَة من الفرنج إِلَى الطينة وأسروا مِنْهَا سَبْعَة وَقتلُوا رجلا وَاحِدًا فَمروا على دمياط وَبَاعُوا بهَا الأسرى السَّبْعَة. وَفِيه قدم أَمِير أَسد الْكرْدِي - أحد أُمَرَاء الألوف بحلب - فِي الْحَدِيد لشكوى بعض التُّجَّار عَلَيْهِ أَنه أَخذ لَهُ مَمْلُوكا غصبا فحبس أَيَّامًا ثمَّ أفرج عَنهُ وَأخرج على إمرة بطرابلس. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 149 وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير تمرباي الدمرداشي فِي نِيَابَة صفد. وأنعم على الْأَمِير أينال اليوسفي بتقدمة بِدِمَشْق. وَفِي تَاسِع عشره: قدم سَالم الدكري من حلب فَأكْرمه السُّلْطَان وخلع عَلَيْهِ وأنعم عَلَيْهِ بإمرة طبلخاناة بحلب. وَفِيه أَخذ قاع النّيل فَكَانَ ثَمَانِيَة أَذْرع سَوَاء. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ حادي عشر جُمَادَى الأولى: اسْتَقر جمال الدّين مَحْمُود العجمي الْمُحْتَسب فِي نظر الْأَوْقَاف كلهَا. وَاسْتقر الْأَمِير قديد القلمطاوي - شاد الْأَوْقَاف - رَفِيقًا لَهُ وخلع عَلَيْهِمَا فشق ذَلِك على قُضَاة الْقُضَاة. وَفِي عشرينه: قدم الْخَبَر بِأَن سَلام ابْن التركية عملت لَهُ مبارد فِي ربَاب أحضرت لَهُ وَطلب سواسي خام ليفصلها لَهُ تمصانا فبرد شبابيك البرج الَّذِي هُوَ مسجون فِيهِ وتدلى مِنْهَا فِي تِلْكَ السواسي وهرب فَلم يقدر عَلَيْهِ فَغَضب السُّلْطَان على نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة وَأمر بإحضاره ثمَّ أعفي عَنهُ. وَفِي خَامِس عشرينه: أنعم على دمر خَان بن مُوسَى بن قرمان بطبلخاناة أَبِيه بعد مَوته. وَكَانَ النّيل فِي أول مسرى على اثْنَي عشر ذِرَاعا وَأَرْبع أَصَابِع فَزَاد فِي رابعه - وَهُوَ سادس عشْرين جُمَادَى الأولى - أَرْبَعِينَ أصبعا وَفِي الْغَد أَرْبَعَة وَثَلَاثِينَ أصبعا ثمَّ زَاد أَرْبعا فوفى سِتَّة عشر ذِرَاعا وَزَاد أصبعين من سَبْعَة ذِرَاعا فَركب السُّلْطَان فِي نَهَاره - وَهُوَ خَامِس مسرى - وفتَح الخليج على الْعَادة وَلم يعْهَد بعد الْملك الظَّاهِر بيبرس ملك ركب حَتَّى خلق المقياس وَفتح الخليج سوى السُّلْطَان برقوق. وَفِي هَذَا الشَّهْر: اتّفق بِنَاحِيَة برما من الغربية أَن طَائِفَة من مسلمة النَّصَارَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 150 صَنَعُوا عُرسًا جمعُوا فِيهِ عدَّة من أَرْبَاب الملاهي فَلَمَّا صعد الْمُؤَذّن ليسبح الله تَعَالَى فِي اللَّيْل على الْعَادة سبوه وأهانوه ثمَّ صعدوا إِلَيْهِ وأنزلوه بَعْدَمَا ضربوه فثار خطيب الْجَامِع بهم ليخلصه مِنْهُم فأوسعوه سباً ولعناً وهموا بقتْله وَقتل من مَعَه فَقدم إِلَى الْقَاهِرَة فِي طَائِفَة وَشَكوا أَمرهم إِلَى الْأَمِير سودن النَّائِب فَبعث بهم إِلَى الْأَمِير جركس الخليلي من أجل أَن نَاحيَة وبرما من جملَة إقطاعه فَلم يقبل قوالهم وسجن عدَّة مِنْهُم فَمضى من بَقِي مِنْهُم إِلَى أَعْيَان النَّاس كالبلقيني وَأَمْثَاله وَتوجه الْحَافِظ الْمُعْتَمد نَاصِر الدّين مُحَمَّد فيق إِلَى الخليلي وَأَغْلظ عَلَيْهِ حَتَّى أفرج عَمَّن سجنه فَغَضب كثير من أهل برما واستغاثوا بالسلطان فَأنْكر على الخليلي مَا وَقع مِنْهُ. وَبعث الْأَمِير أبدكار الْحَاجِب للكشف عَمَّا جرى فِي برما فَتبين لَهُ قبح سيرة الْمَسْأَلَة فحملهم مَعَه إِلَى السُّلْطَان فَأمر بهم وبغرمائهم أَن يتحاكموا إِلَى قَاضِي الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة فَادّعى عَلَيْهِم بقوادح وأقيمت الْبَينَات بهَا فسجنهم. وَاتفقَ أَن الخليلي وَقع - فِي شونة قصب لَهُ - نَار أحرقها كلهَا وفيهَا جملَة من المَال وَحدث بِهِ وَفِي أول جُمَادَى الْآخِرَة: قدم الْبَرِيد بِأَن الْأَمِير تمربادي الدمرداشي نَائِب صفد قدمهَا وَأقَام بهَا خَمْسَة أَيَّام وَمَات فِيهَا. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير صنجق السيفي فِي نِيَابَة حماة عوضا عَن يلو. وَفِيه قدمت رسل الفرنج. وَقدم الْبَرِيد من الكرك بِأَن نائبها الْأَمِير طغاي تمر صَالح الْأَمِير خاطر حَتَّى اطْمَأَن لَهُ وَدخل إِلَيْهِ وَمَعَهُ إبناه فَقبض عَلَيْهِم وذبحهم ثَلَاثَتهمْ. وَفِي تاسعه: اسْتَقر الْأَمِير كْمُشبغا الْحَمَوِيّ فِي نِيَابَة صفد. وَفِي رَابِع عشرينه: أُعِيد ابْن وَزِير بَيته إِلَى نظر الْإسْكَنْدَريَّة وَاسْتقر جمال الدّين عبد الله بن عَزِيز الإسْكَنْدراني - تَاجر السُّلْطَان - بهَا. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سادس عشرينه: اجْتمع الْأَمِير سودن النَّائِب وقضاة الْقُضَاة الْأَرْبَع بشباك الْمدرسَة الصالحية بَين القصرين وقدمت رسل مسلمة أهل برمة - وهم سِتَّة - وَضربت أَعْنَاقهم على الزندقة ثمَّ غسلوا وكفنوا ودفنوا. بمقابر الْمُسلمين. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ أول شهر رَجَب: طلع الْأَمِير صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن تكنز - الجزء: 5 ¦ الصفحة: 151 نَائِب الشَّام - بالسلطان وَنقل لَهُ عَن الْخَلِيفَة المتَوَكل على الله أبي عبد الله مُحَمَّد أَنه اتّفق مَعَ الْأَمِير قُرُط بن عمر التركماني والأمير إِبْرَاهِيم بن الْأَمِير قُطْلو أَقتمر العلاي أَمِير جاندار وَجَمَاعَة قرط من التركمان والأكراد وهم نَحْو الثماني مائَة فَارس على أَن السُّلْطَان إِذْ نزل من القلعة إِلَى الميدان فِي يَوْم السبت للعب بالكرة وترجل الْأُمَرَاء والمماليك كلهم وَمَشوا فِي ركاب السُّلْطَان على الْعَادة عِنْد قربه من الميدان خَرجُوا جَمِيعًا وَقتلُوا السُّلْطَان والأمراء وأركبوا الْخَلِيفَة وصعدوا بِهِ إِلَى القلعة ومكنوه من الْقيام بالسلطنة فَإِن عَارضه معَارض فر بِهِ قرط إِلَى الفيوم ودعا عربان الصَّعِيد للْقِيَام بنصرته وَأَن الْخَلِيفَة قد كتب إِلَى بدر الدّين بن سَلام أَن يقوم لَهُ فِي الْبحيرَة بالدعوة. فَحلف السُّلْطَان ابْن تنكز على صِحَة مَا نَقله فَحلف لَهُ. وَالْتزم أَنه يحاققهم على مَا نقل عَنْهُم. فَبعث السُّلْطَان إِلَى الْخَلِيفَة وَإِلَى قرط وَإِبْرَاهِيم بن قطلو أقتمر فأحضرهم إِلَيْهِ واستدعى أَيْضا الْأَمِير سودن النَّائِب وحدثه. بِمَا بلغه عَن الْخَلِيفَة وقرط وَإِبْرَاهِيم فَأخذ يُنكر ذَلِك ويستبعد وُقُوعه مِنْهُم فَأمر السُّلْطَان بِالثَّلَاثَةِ فَحَضَرُوا بَين يَدَيْهِ وَأخذ يذكر لَهُم مَا نقل عَنْهُم فأنكروا إِلَّا قرط فَإِنَّهُ لما اشْتَدَّ عَلَيْهِ السُّلْطَان وَخَافَ تهديده قَالَ: إِن الْخَلِيفَة طلبني وَقَالَ لي هَؤُلَاءِ ظلمَة وَقد استولوا على هَذَا الْأَمِير بِغَيْر رضائي وَأَنِّي لم أقلد برقوق أَمر السلطنة إِلَّا غصبا وَقد أَخذ أَمْوَال النَّاس بِالْبَاطِلِ وَطلب مني أَن أقوم مَعَه لله وأنصر الْحق وأزيل هَذِه الدولة الظالمة. وَالْتزم أَنه يبطل المكَوس جَمِيعهَا وَلَا يفعل إِلَّا الْحق. فأجبته إِلَى ذَلِك ووعدته المساعدة وَأَن أجمع لَهُ ثَمَانِي مائَة فَارس من الأكراد والتركمان وأقوم بأَمْره. فَقَالَ السُّلْطَان للخليفة: مَا قَوْلك فِي هَذَا. فَقَالَ. لَيْسَ لمقاله صِحَة. فَسَأَلَ إِبْرَاهِيم بن قطلو أقتمر عَن ذَلِك فَقَالَ: مَا كنت حَاضرا هَذَا الْأَمر والاتفاق لَكِن الْخَلِيفَة استدعاني إِلَى بَيته بِجَزِيرَة الْفِيل وَأَخْبرنِي بِهَذَا الْكَلَام وَقَالَ لي إِن هَذَا مصلحَة ورغبني فِي مُوَافَقَته وَالْقِيَام لله تَعَالَى ونصرة الْحق. فَأنْكر الْخَلِيفَة مَا قَالَه إِبْرَاهِيم وَأخذ إِبْرَاهِيم يحاققه وَيذكر لَهُ أَمَارَات والخليفة يحلف أَن هَذَا الْكَلَام لَيْسَ لَهُ صِحَة فَاشْتَدَّ حنق السُّلْطَان واستل السَّيْف ليضْرب بِهِ عنق الْخَلِيفَة فَقَامَ الْأَمِير سودن النَّائِب وَحَال بَينه وَبَينه وَمَا زَالَ بِهِ حَتَّى سكن بعض غَضَبه. فَأمر بقرط وَإِبْرَاهِيم أَن يسمرا واستدعى الْقُضَاة ليفتوه بقتل الْخَلِيفَة فَلم يفتوه بقتْله وَقَامُوا عَنهُ. فَأخذ الْخَلِيفَة وسجن فِي مَوضِع بالقلعة وَهُوَ مُقَيّد. وَسمر قرط وَإِبْرَاهِيم وشهرا فِي الْقَاهِرَة ومصر. ثمَّ أوقفا تَحت القلعة بعد الْعَصْر. فَنزل الْأَمِير أيد كار الْحَاجِب وَسَار بهما ليوسطا خَارج بَاب المحروق من الْقَاهِرَة. وابتدأ بقرط فوسطه. وَقبل أَن يوسط إِبْرَاهِيم جَاءَت عدَّة من المماليك بِأَن الْأُمَرَاء قد شفعوا فِي إِبْرَاهِيم ففكت مَسَامِيرهُ وسجن بخزانة شمايل. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 152 وَطلب السُّلْطَان زَكَرِيَّا وَعمر ابْني إِبْرَاهِيم عَم المتَوَكل فَوَقع اخْتِيَاره على عمر بن الْخَلِيفَة المستعصم بِاللَّه أبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن المستمسك بِاللَّه أبي عبد الله مُحَمَّد بن الإِمَام الْحَاكِم بِأَمْر الله أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن الْحسن بن أبي بكر بن أبي عَليّ إِسْحَاق ابْن عَليّ القبي فولاه الْخلَافَة وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِيه: قبض على حُسَيْن بن قرط وَعمر ابْن أخي قرط فسجنا بخزانة شمايل وخلع على الْأَمِير سَبرج الكُمُشبغاوي وَاسْتقر وَالِي قلعة الْجَبَل بإمرة طبلخاناة عوضا عَن طَشتمر المظفري. وَقبض على عَليّ ابْن بدر وَالِي أطفيح وَقيد وَاسْتعْمل مَعَ المقيدين فِي نقل التُّرَاب وَنَحْوه بالقلعة. وَكتب بِولَايَة عُثْمَان بن قارة إمرة الْعَرَب عوضا عَن نعير بن حيار بن مهنا وَتوجه بِهِ وبالتشريف الْأَمِير بجمان المحمدي وقلده الْإِمَارَة. وَركب هُوَ والأمير يلبغا الناصري نَائِب حلب وكبسوا نعير ابْن حيار. وَكَانَت بَينهم وَبَينه وقْعَة عَظِيمَة انهزم فِيهَا نعير وَنهب لَهُ مَا لَا يُوصف فمما أَخذ لَهُ ثَلَاثُونَ ألف بعير. وَوجد لَهُ بسط تحمل الفردة الْوَاحِدَة مِنْهَا على بعير وسبى حريمه. فَكَانَ هَذَا أَيْضا من أعظم أَسبَاب الْفساد فِي الدولة وَمن أكبر أَسبَاب خراب الشَّام. وَفِي يَوْم السبت سادسه: قدم الْبَرِيد بِخَبَر هَذِه الْوَاقِعَة. وَفِيه ركب السُّلْطَان إِلَى الميدان على الْعَادة. وَفِي ثامنه: خلع على الطواشي بهادر الشهابي وَاسْتقر مقدم المماليك عوضا عَن جَوْهَر الصلاحي. وخلع على الْأَمِير كمشبغا الخاصكي وَاسْتقر رَأس نوبَة ثَالِثا بعد وَفَاة أيدمر من صديق. وخلع على الْأَمِير بكلمش الطازي العلاي وَاسْتقر رَأس نوبَة خَامِسًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 153 عوضا عَن بجمان المحمدي وخلع على الْأَمِير حسن قجا الأسن قجاوي وَاسْتقر شاد الشَّرَاب خاناه عوضا عَن كمشبغا الخاصكي. وَفِي يَوْم السبت ثَالِث عشره: ركب السُّلْطَان إِلَى الميدان ثَانِي مرّة. وَفِي ثامن عشره: خلع على كرجي بِولَايَة الأشمونين عوضا عَن قطلوبغا حاجي وَفِيه دَار الْمحمل بِالْقَاهِرَةِ ومصر على الْعَادة فِي كل سنة واستجد لَهُ ثوب حَرِير أصفر بشمسات زركش فِيهَا اسْم السُّلْطَان وعملت لَهُ رصافيات فضَّة مطلية بِذَهَب فجَاء أحسن مَا عهد قبل ذَلِك. وَفِيه عرضت كسْوَة الْكَعْبَة وَقد استجد فِيهِ أَيْضا أَن عمل طرازها الدائر بِأَعْلَاهَا من قصب. وَفِي يَوْم السبت عشرينه: ركب السُّلْطَان إِلَى الميدان ثَالِث مرّة. وَفِي يَوْم السبت سَابِع عشرينه: ركب السُّلْطَان إِلَى خَارج الْقَاهِرَة وَعبر من بَاب النَّصْر وَنزل بالبيمارستان المنصوري ثمَّ ركب مِنْهُ إِلَى القلعة. وَبلغ النداء على النّيل أَربع أَصَابِع من عشْرين ذِرَاعا ثمَّ زَاد بعد ذَلِك حَتَّى انْتهى إِلَى أَصَابِع من أحد وَعشْرين ذِرَاعا فغرقت مَوَاضِع عديدة وتهدمت عدَّة دور وانتهبت وانتدب عدَّة من الْأُمَرَاء لسد مقاطع المَاء. وَفِيه قدم عدَّة من رجال نَائِب سنجار وَمن تكريت وقيصرية الرّوم يسْأَلُوا أَن تكون مُضَافَة إِلَى مملكة مصر فَكتبت تقاليد الثَّلَاثَة وحملت لَهُم التشاريف وَخرج السُّلْطَان إِلَى السرحة بسرياقوس على الْعَادة فِي كل سنة. وَفِي أول شعْبَان: قدم الْخَبَر بحركة الفرنج فرسم بِخُرُوج اليزك إِلَى السَّاحِل فتجهزوا وَسَارُوا فِي لَيْلَة الْخَمِيس سَابِع عشره فَتوجه الْأَمِير أَحْمد بن يلبغا الخاصكي إِلَى ثغر رشيد وَتوجه الْأَمِير أيدكار الْحَاجِب إِلَى ثغر دمياط. وَقدم الْخَبَر بِأَن سَلام ابْن التركية جمع عَلَيْهِ كثيرا من العربان وَنهب نواحي الفيوم. وَقد لحق بِهِ إِبْرَاهِيم بن اللبان فِي زِيّ أَنه من جِهَة الْخَلِيفَة وَلحق بِهِ أَحْمد بن الزعلي مُتَوَلِّي قليوب - وَقد فر من الشكوى عَلَيْهِ - فَخرج أَرْبَعَة أُمَرَاء فِي طلب ابْن التركية ففر مِنْهُم إِلَى جِهَة الصَّعِيد الْأَعْلَى وَاسْتقر فِي ولَايَة قليوب قُطْليجا الصفوي. وَاسْتقر أوناط اليوسفي فِي ولَايَة الشرقية عوضا عَن عَليّ القرمي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 154 وَقدم الْبَرِيد بِخُرُوج الْأَمِير يلبغا الناصري من حلب بالعسكر للقاء الفرنج وَقد وَردت شوانيهم فِي الْبَحْر لقصد إِيَاس ونزوله بالعمق لقُرْبه من الْبَحْر. فورد عَلَيْهِ كتاب نَائِب اللاذقية بوصول الفرنج إِلَى بيروت وَأَنَّهُمْ نزلُوا إِلَى الْبر وملكوا بعض أبراجها. فأدركهم الْعَسْكَر الشَّامي فِي طَائِفَة من رجّالة الأكراد وقاتلوهم فأيد الله الْمُسلمين حتَى قتلوا من الفرنج نَحْو خَمْسمِائَة رجل وَانْهَزَمَ باقيهم إِلَى مراكبهم وَسَارُوا وعادت العساكر إِلَى الشَّام. وَأَن الْأَمِير يلبغا الناصري ألْقى الْفِتْنَة بَين التركمان الأجقية والقنقية فَرمى طَائِفَة القنقية على الْأُخْرَى وَكتب إِلَيْهِم بالنزول على بَاب الْملك مفتتح الْبِلَاد السيسية حَيْثُ مقَام الأجقية لإيقاع سيف الْفِتْنَة بَينهم. وَفِيه اسْتَقر تَقِيّ الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الله ابْن قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين أَبُو المحاسن يُوسُف ابْن قَاضِي الْقُضَاة شرف الدّين أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن الْحُسَيْن بن سُلَيْمَان بن فَزَارَة الكفري فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن نجم الدّين أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن أبي الْعِزّ. وَفِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع شهر رَمَضَان: حضر سعد الدّين نصر الله بن البقري نَاظر الْخَاص الْخدمَة على الْعَادة وَقد اجْتمع نساؤه فِي دَاره لفرح عِنْدهم وعليهن من اللُّؤْلُؤ والجوهر وَالذَّهَب وَثيَاب الْحَرِير مَا تجل قِيمَته وَالْخُمُور بَينهُنَّ دَائِرَة والمغاني تغنيهن فَنزل الْأَمِير قُرقُماس الخازندار والأمير بهاء الدّين بهادر الأستادار وأحاطا بداره وَأخذ النِّسَاء والغلمان وحملا جَمِيع مَا فِي الدَّار فبلغت قِيمَته زِيَادَة على مِائَتي ألف دِينَار وَقبض على ابْن البقري بِالْقصرِ وَعمل فِي الْحَدِيد وسجن بقاعة الصاحب من القلعة وَلَا علم لَهُ. بِمَا كَانَ فِي دَاره. وخلع على الْوَزير الصاحب شمس الدّين إِبْرَاهِيم كَاتب أرلان بِنَظَر الْخَاص فاستعفي من ذَلِك وَقَالَ: هَذِه خلعة الِاسْتِمْرَار فَلم يُكَلف لولايتها. وَطلب موفق الدّين أَبُو الْفرج عبد الله الَّذِي أسلم وخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر فِي نظر الْخَاص. وَفِي سادس عشره: قبض الْوَزير على عبيد البازدار - مقدم الدولة - وَأخذ مِنْهُ مائَة ألف دِرْهَم وَأقَام عوضه مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن فِي تقدمة الدولة ثمَّ جعل مَعَه شَرِيكا لَهُ عبد الله بن مُحَمَّد بن يُوسُف. وَفِي عشرينه: خرجت تجريدة إِلَى دمياط فِيهَا سِتُّونَ مَمْلُوكا وَخرجت تجريدة إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَإِلَى رشيد. وَفِيه أخرجت إقطاعات المماليك الأشرفية عَنْهُم إِلَى مماليك السُّلْطَان. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 155 وَفِيه اشتدت عُقُوبَة ابْن البقري بالمقارع وألزم بِحمْل خَمْسمِائَة ألف دِرْهَم بعد مَا أَخذ مِنْهُ مَا يُقَارب الثلاثمائة ألف دِينَار. وَفِي هَذَا الشَّهْر ركب السُّلْطَان للصَّيْد عدَّة مرار. وَفِيه كتبت أَسمَاء الَّذين فِي سجن الْقُضَاة على الدُّيُون وصولح غرماؤهم عمالهم عَلَيْهِم من الدّين بِمَال أخرجه السُّلْطَان على يَد الْأَمِير جركسالخليلي وَأَفْرج عَنْهُم. وَفِيه شفع الْأُمَرَاء فِي الْخَلِيفَة وَتقدم مِنْهُم الْأَمِير أَيتمش والأمير ألطنبُغا الجوباني وقبلا الأَرْض وسألا السُّلْطَان فِي الْعَفو عَنهُ وترفقا فِي سُؤَاله فعدد لَهما مَا أَرَادَ أَن يَفْعَله من قَتله وقتلهم فكفا عَن مساءلته. ثمَّ سَأَلَهُ بعد ذَلِك الْأَمِير سودن النَّائِب فِيهِ فَأمر بقيده ففك عَنهُ. وَفِي يَوْم الْأَحَد ثَالِث شَوَّال: عدى السُّلْطَان إِلَى بر الجيزة وَعَاد من يَوْمه وَأمر بتتبع المماليك الأشرفية والمماليك البطالين فَأخذُوا وَعمِلُوا فِي الْحَدِيد وَنَفَوْا من مصر. وَفِي ثَانِي عشره: عدى السُّلْطَان النّيل إِلَى الجيزة وتصيد ثمَّ عَاد إِلَى مخيمه تَحت الأهرام فَمر على خيمة الْأَمِير قُطْلو أقتمر أَمِير جاندار فَوقف عَلَيْهَا وَخرج إِلَيْهِ قطلو أقتمر وَقبل لَهُ الأَرْض وَقدم لَهُ أَرْبَعَة أَفْرَاس فَلم يقبلهَا فَقبل الأَرْض ثَانِيًا وَسَأَلَ السُّلْطَان أَن يقبلهَا فَأجَاب سُؤَاله وَقبلهَا. وَتوجه السُّلْطَان إِلَى مخيمه واستدعى فِي الْحَال بإبراهيم بن قطلو أقتمر من خزانَة شمايل وخلع عَلَيْهِ وأركبه فرسا بسرج ذهب وكنبوش زركش وَأَعْطَاهُ ثَلَاثَة أروس أخر وَهِي الَّتِي قدمهَا أَبوهُ وَأذن لَهُ أَن يمشي فِي الْخدمَة ووعده برزق وأرسله إِلَى أَبِيه فسر بِهِ سُرُورًا كَبِيرا وَكَانَ فِي هَذِه الْمدَّة لم يحدث السُّلْطَان وَلَا أحدا من الْأُمَرَاء فِي أَمر وَلَده فَأَتَاهُ الله بالفرج من حَيْثُ لَا يحْتَسب. ورحل السُّلْطَان إِلَى سسرحة بالبحيرة على الْعَادة وَعَاد فِي يَوْم الْخَمِيس سادس ذِي الْقعدَة إِلَى القلعة. وخلع على قَاضِي الْعَسْكَر بدر الدّين مُحَمَّد بن البُلْقِينِيّ الشَّافِعِي وشمس الدّين مُحَمَّد القرمي الْحَنَفِيّ. وَفِي يَوْم السبت ثامنه: جمع السُّلْطَان الْقُضَاة وَاشْترى الْأَمِير أيتمش البجاسي من وَرَثَة الْأَمِير جَرجي نَائِب حلب بِحكم أَن جرجي لما مَاتَ لم يكن أيتمش البجاسي مِمَّن أعْتقهُ بل كَانَ فِي رقّه فَأَخذه بعد جرجي بجاس وَأعْتقهُ من غير أَن يملكهُ بطرِيق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 156 صَحِيح فَلم يُصَادف عتقه محلا وأثبتوا ذَلِك على الْقُضَاة. فَلَمَّا اشْتَرَاهُ السُّلْطَان مِنْهُم بِمِائَة ألف دِرْهَم أعْتقهُ وأنعم عَلَيْهِ بأربعمائة ألف دِرْهَم فضَّة وبناحية سفط رشين ثمَّ خلع على الْقُضَاة والموقعين الَّذين أسجلوا قَضِيَّة البيع وَالْعِتْق. وَفِي تاسعه: ركب السُّلْطَان إِلَى بركَة الْحجَّاج وَعَاد فَدخل من بَاب الْفتُوح وشق الْقَاهِرَة إِلَى بَاب زويلة وَصعد إِلَى القلعة. وَفِي عاشره: خلع على كَاتب السِّرّ أوحد الدّين لقرَاءَته عتاقة الْأَمِير أيتمش الظَّاهِرِيّ. وخلع على نقيب الْأَشْرَاف السَّيِّد الشريف جمال الدّين عبد الله عبد الرَّحِيم الطباطبي وَاسْتقر فِي نظر وقف الْأَشْرَاف عوضا عَن قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن أبي الْبَقَاء فَخرج من حِينَئِذٍ نظر الْأَشْرَاف عَن الْقُضَاة وَلم يعد إِلَيْهِم. وأنعم على الْأَمِير ألطنبغا السلطاني بإمرة طبلخاناة. وَفِي سَابِع عشره: ضرب ابْن البقري بَين يَدي السُّلْطَان ضربا مبرحا. وَفِيه خلع على الْمُحْتَسب جمال الدّين مَحْمُود العجمي خلعة الِاسْتِمْرَار وَقد أرجف بعزله. وَفِيه كتب باستقرار قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة فِي قَضَاء الْقُضَاة بِدِمَشْق بعد وَفَاة ولي الدّين عبد الله بن أبي الْبَقَاء وَحمل إِلَيْهِ تَقْلِيده وتشريفه فَلم يقبل فخوف عَاقِبَة ذَلِك فَأجَاب وَتوجه من الْقُدس إِلَى دمشق. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع ذِي الْحجَّة: أفرج عَن الْخَلِيفَة المتَوَكل وَنقل من سجنه بالبرج إِلَى دَار بالقلعة وطلع إِلَيْهِ عِيَاله. وَفِيه قدم الْبَرِيد بمحاربة التركمان. وَكَانَ من خبر ذَلِك أَنه كتب بتجريد عَسْكَر دمشق وطرابلس وحماة وحلب ونواب الثغور وتركمان الطَّاعَة وأكرادها إِلَى جِهَة التركمان العصاة بالبلاد السيسية كالصارم بن رَمَضَان نَائِب أدنه وَبني أوزر وَابْن برناص من طَائِفَة الأجقية لمقاتلتهم على تعديهم طريقهم وقطعهم الطرقات ونهبهم حجاج الرّوم ولاتفاقهم مَعَ الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بك بن قرمان - صَاحب لارندة على اقتلاع بِلَاد سيس فتأهبت العساكر لذَلِك ووافت حلب فتقدمها الْأَمِير يلبغا الناصري نَائِب حلب وَركب من حلب فِي ثَانِي ذِي الْقعدَة يُرِيد العمق وَكتب إِلَى بني أوزر وَبَقِيَّة التركمان العصاة ينذرهم ويحذرهم التَّخَلُّف عَن الْحُضُور إِلَى الطَّاعَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 157 ويخوفهم بَأْس العساكر وَإِنَّهُم إِن أذعنوا وأطاعوا كَانُوا آمِنين على أنفسهم وَأَمْوَالهمْ وَمن تخلف كَانَ غنيمَة للعساكر. وَسَار حَتَّى نزل تَحت عقبَة بغراس فَعرض العساكر وَترك الثّقل وَتوجه مخفا وَجَاوَزَ عقبَة بغراس وَترك بهَا نائبي عين تَابَ وبغراس بخيالتهما ورجالهما حفظا للدربند إِلَى أَن تصل العساكر الشامية. وجد السّير إِلَى أَن نزل بَاب إسكندرونه بِجَانِب الْبَحْر وأراح الْخَلِيل يَسِيرا. وَقدم أَمَامه من أُمَرَاء الألوف بحلب دمرداش وكَشلى ليملكا جسر المصيصة قبل أَن يفْطن التركمان بوصول العساكر فيقطعونه وَلَا يُمكن جَوَازه إِلَّا بعد تَعب زايد. ثمَّ ركب فِي الثُّلُث الأول من لَيْلَة الْأَحَد خَامِس عشره وَسَار مجدا فوصل المصيصة عصر نَهَار الْأَحَد فَوجدَ الأميرين قد ملكا الجسر بعد أنْ هدم التركمان بعضه وَقَطعُوا مِنْهُ جانبا لَا يمْنَع الاجتياز وتوقدت بَينهم نَار الْحَرْب. وعدت العساكر نهر جاهان إِلَى جَانب بِلَاد سيس واقتفوا آثَار من كَانَ بِالْمصِّيصَةِ من التركمان فأدركوا بعض الْبيُوت فانتهبوها فَتعلق الرِّجَال بشعف الحبال ثمَّ حضرت قصاد التركمان - على اخْتِلَاف طوائفهم - يسْأَلُون الْأمان فَأجَاب الْأَمِير يلبغا الناصري سُؤَالهمْ وَكتب لَهُم أَمَانًا. وَلما أحس الصارم بن رَمَضَان بالعساكر ترك أذنة وفر إِلَى الْجبَال الَّتِي لَا تسلك. ووصلت الأطلاب والثقل إِلَى المصيصة فِي سَابِع عشره فَقدم من الْغَد ثامن عشره قَاصد الْأَمِير طَشبُغا الْعزي - نَائِب سيس - بِخَبَر وُصُول ابْن رَمَضَان إِلَى أَطْرَاف الْبِلَاد السيسية وَأَنه ركب فِي أَثَره وَمَعَهُ طَائِفَة من التركمان القرمانيين فأدركوا بيوته فانتهبوها وأمسكوا أَوْلَاده وحريمه وَنَجَا بِنَفسِهِ وَلحق بالتركمان البياضية مستجيرا بهم فأجمعت الآراء على التَّوَجُّه بالعساكر إِلَى جهتهم وإمساكه. فَقدم الْخَبَر من نَائِب سيس فِي أخر النَّهَار بِأَنَّهُ اسْتمرّ فِي طلب ابْن رَمَضَان إِلَى أَن أدْركهُ وأمسكه وَأمْسك مَعَه أَخَاهُ قرا مُحَمَّد وَأَوْلَاده وَأمه وجماعته وَعَاد إِلَى سيس فسرت العساكر بذلك سُرُورًا زَائِدا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 158 ورحلت فِي تَاسِع عشره تُرِيدُ سيس وأحاطت بطَائفَة من التراكمين اليراكية فانتهبت كثيرا من خيل ومتاع وأثاث ثمَّ أمنوهم بسؤالهم ذَلِك وَتَفَرَّقَتْ جموع التركمان بالجبال وَمَرَّتْ العساكر إِلَى جِهَة سيس. وأحضر ابْن رَمَضَان وَأَخُوهُ قرا مُحَمَّد وَمن أمسك مَعَهُمَا فوسطوا وَعَاد الْعَسْكَر يُرِيد المصيصة. وَركب الْأَمِير يلبغا الناصري بعسكر حلب وسلبهم جبلا يُسمى صاروجا شام وَهُوَ مَكَان ضيق حرج وعر بِهِ جبال شوامخ وأودية عِظَام مغلقة بالأشجار والمياه والأوحال وَبِه دربندات خطرة لَا يكَاد الراجل يسلكه فَكيف بالفارس وفرسه الموفرين حملا باللبوس وَإِذا هم بطَائفَة من التركمان اليراكرية فَجرى بَينهم الْقِتَال الشَّديد. فَقتل بَين الْفَرِيقَيْنِ جمَاعَة وفقد الْأَمِير يلبغا الناصري وَجَمَاعَة من أُمَرَاء حلب وَإِذا بهم قد تاهوا فِي تِلْكَ الأودية. ثمَّ تراجع النَّاس وَقد فقد مِنْهُم طَائِفَة. وداخل الْعَسْكَر رعب شَدِيد وَخَوف كَاد يذهب مِنْهُ أَرْوَاحهم. ووصلهم الْخَبَر بِأَن التركمان قد أحاطوا بدربند بَاب الْملك فالتجأوا إِلَى مَدِينَة إِيَاس. ثمَّ قدم يلبغا الناصري إِلَى إِيَاس بعد انْقِطَاع خَبره فتباشروا بقدومه وَأَقَامُوا عَلَيْهَا أَيَّامًا ثمَّ رحلوا فَلَقِيَهُمْ التركمان فِي جمع كَبِير. فَكَانَت بَينهم وقْعَة لم يمر لَهُم مثلهَا. قتل فِيهَا خلق كثير وانجلت عَن كسرة التركمان بعد مَا أبلى فِيهَا الناصري بلَاء عَظِيما. وارتحل الْعَسْكَر يَوْم عيد الْأَضْحَى إِلَى جِهَة بإياس فَمَا ضربت خيامهم بهَا حَتَّى أحَاط بهم التركمان وأنفذوا فرقة مِنْهُم إِلَى بَاب الْملك فوقفوا على دربنده وَمنعُوا عَنْهُم الْميرَة فعزت الأقوات عِنْد الْعَسْكَر وجاعت الْخُيُول وَكثر الْخَوْف وأشرفوا على الْهَلَاك إِلَّا أَن الله تداركهم بخفي لطفه فَقدم عَلَيْهِم الْخَبَر بوصول الْأَمِير سودن المظفري - حَاجِب الْحجاب بحلب - فِي عدَّة من الْأُمَرَاء. وَقد استخدم من أهل حلب ألف راجل من شُبَّان بانقوسا ودفعوا إِلَيْهِم مائَة دِرْهَم كل وَاحِد. وَخرج الْعلمَاء والصلحاء وغالب النَّاس وَقد بَلغهُمْ مَا نزل بالعسكر. وَنُودِيَ بالنفير الْعَام فَتَبِعهُمْ كثير من الرجالة والخيالة والأكراد بِبَلَد الْقصير والجبل الْأَقْرَع وَغَيره من أَعمال حلب. فَقَامَ بمؤنتهم الْحَاجِب وَمن مَعَه من الْأُمَرَاء وهجموا على بَاب الْملك فملكوه وَقتلُوا طَائِفَة مِمَّن كَانَ بِهِ من التركمان وهزموا بَقِيَّتهمْ. ففرح الْعَسْكَر بذلك فَرحا كَبِيرا وَسَارُوا إِلَى بَاب الْملك حَتَّى جاوزوا دربنده ونزلوا بغراس ثمَّ رحلوا إِلَى أنطاكية وَقدمُوا حلب. فَكَانَت سفرة شَدِيدَة الْمَشَقَّة بلوا فِيهَا من كَثْرَة تتَابع الأمطار الغزيرة وتوالى هبوب الرِّيَاح الْعَاصِفَة وَكَثْرَة الْخَوْف ومقاساة آلام الْجُوع مَا لَا يُمكن وَصفه. . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 159 وَفِي سادس عشرينه: قدم مبشرو الْحَاج وأخبروا بِأَن الشريف سعد بن أبي الْغَيْث الحسني - الَّذِي كَانَ أَمِير يَنْبع - نزل على الْحَاج المغاربة بوادي العقي وسألهم أَن يعطوه شَيْئا فأمسكوه وربطوا كَتفيهِ وَأخذُوا فرسه وأخذوه مَعَهم مَاشِيا فَأَتَاهُم كثر من عربه وقاتلوهم فَقتل من المغاربة عدد كثير وأفلت مِنْهُم سعد فأدركهم حجاج التكرور وقاتلوهم فَقتل كثير من التكرور وَأخذت أَمْوَالهم وأموال من كَانَ مَعَهم من الصعايدة وَغَيرهم. وَأَن حَاج الْعرَاق أخبروا بِأَن حَاج شيراز وَالْبَصْرَة والحسا خرج عَلَيْهِم قُرَيْش ابْن أخي زامل فِي ثَمَانِيَة آلَاف نفس فَأخذُوا مَا مَعَهم من اللُّؤْلُؤ وَغَيره - وَكَانَ شَيْئا لَهُ مبلغ عَظِيم - وَقتلُوا مِنْهُم خلقا كثيرا. فَرد من بَقِي مِنْهُم مَاشِيا عَارِيا وَقدم بَعضهم إِلَى مَكَّة كَذَلِك صُحْبَة حَاج بَغْدَاد. وَأَن ركب الْعرَاق جبى مِنْهُم عشرُون ألف دِينَارا عراقية حسابا عَن كل جمل خَمْسَة دَنَانِير حَتَّى أمكنهم التَّوَجُّه إِلَى وَفِي هَذِه السّنة: كثر الرخَاء بِالْقَاهِرَةِ وأبيع لحم الضَّأْن السليخ كل عشرَة أَرْطَال بِثمَانِيَة دَرَاهِم وَلحم الْبَقر كل رَطْل بِنصْف دِرْهَم والقمح كل أردب من ثَمَانِيَة دَرَاهِم إِلَى خَمْسَة عشر درهما وَالشعِير من سِتَّة دَرَاهِم الأردب إِلَى ثَمَانِيَة دَرَاهِم. وَفِي هَذَا الشَّهْر. اسْتَقر شرف الدّين مَسْعُود بن شعْبَان بن إِسْمَاعِيل فِي قَضَاء الشَّافِعِيَّة بحلب عوضا عَن الشهَاب أَحْمد بن عمر بن أبي الرِّضَا. ثمَّ بعد قَلِيل أُعِيد ابْن أبي الرِّضَا. وفيهَا ولى الْأَمِير فَخر الدّين عُثْمَان بن قارا بن مهنا بن عِيسَى بن مهنا بن مَانع بن حَدِيثه بن غضبة بن حَازِم بن فضل بن ربيعَة إمرة آل فضل عوضا عَن الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن نعير بن حيار بن مهنا. وفيهَا أنشىء حَوْض للسبيل عِنْد بَاب المعلا. بِمَكَّة باسم السُّلْطَان. وَوصل المَاء إِلَى الْقُدس من قناة العروب بعدعمارتها بِأَمْر السُّلْطَان. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 160 وفيهَا قتل مُحَمَّد بن مكي كَبِير الرافضة بِدِمَشْق لتظاهره بزِي النصرية ضربت عُنُقه تَحت القلعة. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان الأديب شهَاب الدّين أَحْمد بن يحيى بن مخلوف بن مر بن فضل الله بن سعد بن ساعد الْمَعْرُوف بالأعرج السَّعْدِيّ رَحمَه الله. وَمَات الْأَمِير أرغون دوادار الْأَمِير طَشتَمُر أحد الطبلخاناة. وَمَات الْأَمِير أَيْدمَر الْخطابِيّ من صديق وَهُوَ مُجَرّد بالإسكندرية. وَمَات الْأَمِير بلاط السيفي الصَّغِير أَمِير سلَاح وَهُوَ بطرابلس فِي جُمَادَى الأولى. وَمَات الْأَمِير تمرباي نَائِب صفد فِي جُمَادَى الأولى بهَا. وَمَات علم الدّين سُلَيْمَان بن أَحْمد بن سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن بن أبي الْفَتْح بن هَاشم الْعَسْقَلَانِي أحد أَعْيَان الْفُقَهَاء الْحَنَابِلَة فِي ثَالِث عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة. وَمَات قَاضِي قُضَاة دمشق ولى الدّين عبد الله ابْن قَاضِي الْقُضَاة بهاء الدّين أبي الْبَقَاء مُحَمَّد بن عبد الْبر بن يحيى بن على تَمام السُّبْكِيّ الشَّافِعِي بهَا. وَمَات الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أيبك الفافا أحد العشرات. وَمَات شرف الدّين مُوسَى بن الْبَدْر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الشهَاب مَحْمُود الْحلَبِي أحد موقعي الدست. بِمَدِينَة الرملة عَائِدًا من الْقَاهِرَة إِلَى دمشق فِي رَابِع عشْرين صفر عَن ثَلَاث وَأَرْبَعين سنة. وَمن شعره: طيف دُونك ناظري خُذ نوره إِن حئت زائر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 161 أخْشَى عَلَيْك لشقوتي من أَن تعثر فِي المحابر وَمَات الْأَمِير شرف الدّين مُوسَى بن دِينَار بن قرمان أحد الطبلخاناة فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء عشْرين جُمَادَى الأولى. وَمَات الْأَمِير قُطْلوبغا الكوكاي أحد أُمَرَاء الألوف فِي سادس الْمحرم. وَمَات مُسْتَوْفِي المرتجع أَمِين الدّين عبد الله بن جعيص الْأَسْلَمِيّ فِي ثَالِث عشر الْمحرم. وَمَات الشَّيْخ نَهَار المجنوب المغربي بالإسكندرية وَكَانَ يتحدث بالمغيبات وَله كرامات. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 162 سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة فِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي الْمحرم: اسْتَقر طشتتمُر السيفي فِي ولَايَة دمياط عوضا عَن الْأَمِير قطلوبغا أَبُو درقة. وَفِي ثامن عشره: اسْتَقر أَبُو درقة فِي ولَايَة الفيوم وكشفها وكشف البهنساوية والأطفيحية عوضا عَن مُحَمَّد بن قرابغا. وَفِي عشرينه: قدم محمل الْحَاج. وَفِيه رسم برمي الإقامات بالصعيد لسفر السُّلْطَان. وَفِي حادي عشرينه: رسم بعمارة برجي ثغر دمياط وَعمارَة جسر السَّبِيل البنهاوي. وَفِيه قدم الْبَرِيد بِأَن السَّيْل هجم على دمشق وَخرب بهَا عدَّة دور فَلم يعْهَد بهَا سيل مثله. وَفِي يَوْم السبت ثَالِث صفر: قبض على الْأَمِير يلبغا الصَّغِير الخازندار وَسَبْعَة من المماليك وَشَيْء بهم أَنهم قصدُوا الفتك بالسلطان وضربوا ثمَّ نفوا إِلَى الشَّام. وَفِي خَامِس عشرينه: درس شَيخنَا أَبُو زيد عبد الرَّحْمَن بن خلدون بِالْمَدْرَسَةِ القمحية بِمصْر عوضا عَن علم الدّين سُلَيْمَان الْبِسَاطِيّ بعد مَوته وَحضر مَعَه بهَا الْأَمِير ألطنبغا الجوباني وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ عَاشر ربيع الأول: قدم الْأَمِير بَيدمُر الْخَوَارِزْمِيّ نَائِب الشَّام فَجَلَسَ بدار الْعدْل فَوق الْأَمِير سودن النَّائِب. وَفِي ثَالِث عشره خُلع عَلَيْهِ وَقيد لَهُ من الإصطبل ثَمَانِيَة جنائب من الْخَيل بقماش ذهب جرها الأوجاقية خَلفه. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة رَابِع عشره: كَانَ عقد السُّلْطَان على فَاطِمَة ابْنة الْأَمِير مَنجك اليوسفي وَقبل النِّكَاح كَاتب السِّرّ أوحد الدّين عبد الْوَاحِد وخلع عَلَيْهِ وعَلى نَاظر الْخَاص وقضاة الْقُضَاة الْأَرْبَع وموقعي الحكم وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشره: نزل السُّلْطَان إِلَى عِيَادَة الْأَمِير الطنبغا الجوباني أَمِير مجْلِس وَقد مرض الجزء: 5 ¦ الصفحة: 163 وَفِيه طلع الْأَمِير بيدمُر نَائِب الشَّام بتقدمة جليلة تشْتَمل على عشْرين مَمْلُوكا منتخبة وَثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ حمالا عَلَيْهَا أَنْوَاع الثِّيَاب من الْحَرِير وَالصُّوف والفرو بأنواعه وَثَلَاثَة عشر كَلْبا سلوقيا وَثَمَانِية عشر فرسا عَلَيْهَا جلال الْحَرِير وَخمسين فحلا واثنين وَثَلَاثِينَ حجرَة وَمِائَة أكديش لتتمة مِائَتي فرس وثماني قطر هجن بقماش ذهب وَخَمْسَة وَعشْرين قِنْطَارًا من الهُجن بُعبي وبكيران ساذجة وَأَرْبَعَة قطر جمال بَخَاتِي لكل جمل مِنْهَا سنمان وَثَمَانِينَ جملا عرايا. وباسم ولد السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد عشْرين فرسا وَخمْس عشرَة حمَّالا ثيابًا وَغَيرهَا. وَفِي عشرينة: خلع عَلَيْهِ خلعة السّفر، وَتوجه إِلَى مَحل ولَايَته. وفى رَابِع عشرينه: أذن السُّلْطَان لنواب القَاضِي الْحَنَفِيّ أَن يستمروا على حكمهم بعد موت قاضيهم صدر الدّين بن مَنْصُور. وَفِي خَامِس عشرينه: نزل السُّلْطَان لعيادة الجوباني مرّة ثَانِيَة ففرش لَهُ الجوباني شقَاق الْحَرِير السكندري وشقاف الْحَرِير الشَّامي وشقاق نخ من بَاب اصطبله إِلَى حَيْثُ هُوَ مَضْجَع فَمشى عَلَيْهَا بفرسه ثمَّ بقدميه وَنَثَرت عَلَيْهِ الدَّنَانِير والمراهم وقدّم لَهُ الجوباني جَمِيع مَا عِنْده من الْخَيل والمماليك فَلم يرزأه شَيْئا مِنْهَا. وَفِي يَوْم الْأَحَد سلخه: حمل جهاز فَاطِمَة ابْنة الْأَمِير منجك - زَوْجَة السُّلْطَان - إِلَى القلعة وَقِيمَته مائَة ألف مِثْقَال ذَهَبا يحملهُ ثَلَاثمِائَة حمال وَعشرَة أطباق مَمْلُوءَة زركش وَسَبْعُونَ بغلاً. والأمير أيدكار الْحَاجِب ماش أَمَام الجهاز هُوَ والأمير بهادر الأستدار. والأمير قُردُم الْحسي رَأس نوبَة والأمير يُونُس الدوادار والأمير قرقماس الخازندار فَكَانَ يَوْمًا مشهودًا. وَفِي لَيْلَة الْخَمِيس رَابِع شهر ربيع الآخر: بنى عَلَيْهَا السُّلْطَان. وَفِي سابعه: قدم الْبُرْهَان إِبْرَاهِيم الدمياطي من الْحَبَشَة وخلع عَلَيْهِ. وَفِي تاسعه: قدم الْخَبَر بنزول مركبين من مراكب الفرنج على رشيد فَخرج الْأَمِير يُونُس الدوادار والأمير ألطنبغا الْمعلم فَلم يدركوهم. وَفِي ثامن عشرَة: ركب الْأَمِير ألطنبغا الجوباني إِلَى الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة، وَقد عوفي مِمَّا كَانَ بِهِ.) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 164 وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشرينه: استدعى شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي بكر الطرابلسي - أحد نواب الحكم الْحَنَفِيَّة - وخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة عوضا عَن صدر الدّين مُحَمَّد بن مَنْصُور بعد وَفَاته. وَقد شغر منصب الْقُضَاة بعد مَوته أحدا وَأَرْبَعين يَوْمًا وسعى فِيهِ غير وَاحِد فَلم يتهيأ إِلَّا للطرابلسي بسفارة أوحد الدّين كَاتب السِّرّ. وَفِي سادس عشرينه: توفّي للسُّلْطَان ولد ذكر فَدفن بتربة الْأَمِير يُونُس الدوادار خَارج بَاب النَّصْر. وَفِي تَاسِع عشرينه: نزل السُّلْطَان لزيارة قَبره وَعبر من بَاب النَّصْر فمرّ فِي الْقَاهِرَة وَعَاد إِلَى القلعة. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن جُمَادَى الأولى: قرىء تَقْلِيد قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر الطرابلسي الْحَنَفِيّ بِالْمَدْرَسَةِ الناصرية بَين القصرين على الْعَادة وحضره الْقُضَاة والأعيان وَتكلم على قَوْله تَعَالَى: يأيها الَّذين آمنُوا كونُوا قوامين بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لله وَفِي ثَالِث عشره: غضب السُّلْطَان على نَاظر الْجَيْش تَقي الدّين عبد الرَّحْمَن بن محب الدّين مُحَمَّد بن يُوسُف بن أَحْمد الشَّافِعِي بِسَبَب إقطاع زامل أَمِير آل فضل وَقد رادَّه فِيهِ فَضَربهُ بالدواة ثمَّ أَمر بِهِ فَضرب بَين يَدَيْهِ نَحْو ثَلَاثمِائَة ضَرْبَة بالعصى. وَكَانَ ترفا فَحمل فِي محفة إِلَى دَاره بِالْقَاهِرَةِ فَلَزِمَ الْفراش حَتَّى مَاتَ لَيْلَة الْخَمِيس سادس عشره. وَفِي خَامِس عشره: قدم الْأَمِير جمال الدّين عبد الله بن بكَتمُر الْحَاجِب من سَفَره وَهُوَ مَرِيض فِي محفة فَمَاتَ من يَوْمه. وأنعم بإقطاعه على الْأَمِير بورى صهر الْأَمِير أيتمش الأتابك. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سادس عشره: خلع على نَاظر الْخَاص موفق الدّين أبي الْفرج الْأَسْلَمِيّ وَاسْتقر فِي نظر الْجَيْش عوضا عَن تَقِيّ الدّين مُضَافا إِلَى نظر الْخَاص وَنظر الذَّخِيرَة وَاسْتِيفَاء الصُّحْبَة. وَفِيه أخرج الشريف بَكتمُر الْوَالِي منفيا إِلَى الشَّام وأنعم بإمرته على الْأَمِير نَاصِر. وَفِي يَوْم السبت ثَالِث جُمَادَى الْآخِرَة: عزلا قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين عبد الرَّحْمَن ابْن خير الْمَالِكِي من أجل أَنه حكم فِي قَضِيَّة خطّأه فِيهَا فُقَهَاء الْمَالِكِيَّة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 165 وَكَانَ قاع النّيل فِي هَذِه السّنة ثَمَانِيَة أَذْرع وَأَرْبع أَصَابِع وَزَاد على الْعَادة حَتَّى كَانَ الْوَفَاء فِي يَوْم الْخَمِيس ثامنه ورابع مسرى. فَركب السُّلْطَان إِلَى المقياس حَتَّى خُلّق بَين يَدَيْهِ ثمَّ فتح الخليج بِحَضْرَتِهِ على الْعَادة وَعَاد إِلَى القلعة. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة سادس عشره: صلى الشَّيْخ أكمل الدّين صَلَاة الْجُمُعَة مَعَ السُّلْطَان بقلعة الْجَبَل وترضاه. وَذَلِكَ أَنه كَانَ عزل مدرس الْمَالِكِيَّة شمس الدّين مُحَمَّد الركراكي المغربي من تدريس الشيخونية فَبعث السُّلْطَان إِلَيْهِ عدَّة من الْأُمَرَاء ليعيدوا الركراكي فَلم يقبل شَفَاعَته فتغيظ عَلَيْهِ بِسَبَب ذَلِك فصمم على منع الركراكي وترضي السُّلْطَان. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ تَاسِع عشره: استدعى شَيخنَا أَبُو زيد عبد الرَّحْمَن بن خلدون إِلَى قلعة الْجَبَل وَعرض عَلَيْهِ السُّلْطَان ولَايَة قَضَاء الْمَالِكِيَّة وخلع عَلَيْهِ ولقب ولي الدّين. فاستقر قَاضِي الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة عوضا عَن جمال الدّين عبد الرَّحْمَن بن خير وَذَلِكَ بسفارة الْأَمِير ألطنبغا الجوباني أَمِير مجْلِس وَقُرِئَ فِي الْمدرسَة الناصرية بَين القصرين على الْعَادة وَتكلم على قَوْله تَعَالَى: إِنَّا عرضنَا الْأَمَانَة على السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال وَفِي تَاسِع عشرينه ولي الشَّيْخ أكمل الدّين تدريس الْمَالِكِيَّة بخانكاة شيخو تَاج الدّين بهْرَام عوضا عَن شمس الدّين الركراكي وَحضر مَعَه الدَّرْس بهَا قُضَاة الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء. وَفِي آخِره ركب الْأَمِير سودن بن النَّائِب وَمَعَهُ قُضَاة الْقُضَاة إِلَى الْكَنِيسَة الْمُعَلقَة بقصر الشمع من مَدِينَة مصر الْفسْطَاط وكشفها وَهدم مَا استجده النَّصَارَى بهَا من الْبناء. وَفِي يَوْم السبت تَاسِع رَجَب: - ورابع أَيَّام النسيء - ركب السُّلْطَان إِلَى الميدان للعب بالكرة مَعَ الْأُمَرَاء على الْعَادة فِي كل سنة. وَفِيه قدم عَلَيْهِ رسل التركمان فَعَفَا عَنْهُم. وَكَانَ من خبرهم أَن الْأَمِير يلبغا الناصري نَائِب حلب بلغه أَن التركمان الأجقية والبوزقية استولوا على مَدِينَة مرعش واقتلعوها وكسروا تركمان الطَّاعَة المقيمين بهَا. فَركب فِي أَوَائِل ربيع الآخر بفرقة من الْعَسْكَر وَنزل مرعش وَقتل عدَّة من الْمَذْكُورين وجرح كثيرا وَهزمَ باقيهم إِلَى الْجبَال فَأخذ أَمْوَالهم وَحرق بُيُوتهم وَأقَام. بمرعش أَيَّامًا فَأَتَاهُ الْخَبَر بِأَن خَلِيل ابْن دلغادر - عَدو الجزء: 5 ¦ الصفحة: 166 الدولة - اتّفق مَعَ القَاضِي إِبْرَاهِيم حَاكم سيواس وأرزنجان وَمَعَ التتار وَسَار بهم أَطْرَاف بِلَاد درندة دوركي فنهبوا وعاثوا فَركب من مرعش وَسَار إِلَى أبلستين وَبعث كشافته فِي طلب الْقَوْم فَإِذا بهم قد تفَرقُوا فَأَقَامَ عَلَيْهَا أَيَّامًا - على نهر جاهان - ثمَّ رَحل يُرِيد ابْن دلغادر. وَقد بلغه نُزُوله بِالْقربِ من سيواس فَبَلغهُ ذَلِك ففر وَعَاد الناصري. ثمَّ سَار إِلَى رَأس الْعين من عمل ماردين ثمَّ عَاد إِلَى حران فِي طلب التركمان فَأَقَامَ عَلَيْهَا أَيَّامًا ثمَّ عَاد. وَفِي أثْنَاء شهر رَجَب: استبدل السُّلْطَان خَان الزَّكَاة من وَرَثَة النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون بِقِطْعَة أَرض وَأقَام الْأَمِير جركس الخليلي أَمِير آخور على عمَارَة مَوْضِعه مدرسة فابتدى بهدمه فِي يَوْم الْأَحَد رَابِع عشرينه. وَفِي آخِره: عزل السُّلْطَان قُضَاة حلب الْأَرْبَع وأعيد محب الدّين مُحَمَّد بن الشّحْنَة إِلَى قَضَاء وَاسْتقر جمال الدّين عبد الله النحريري فِي قَضَاء الْمَالِكِيَّة عوضا عَن أبي يزِيد عبد الرَّحْمَن بن رشد. وَاسْتقر شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن قَاضِي الْقُضَاة شرف الدّين أبي البركات مُوسَى بن فياض بن عبد الْعَزِيز بن فياض الْمَقْدِسِي الصَّالِحِي فِي قَضَاء الْحَنَابِلَة بهَا عوضا عَن عَمه شهَاب الدّين أَحْمد بن شرف الدّين مُوسَى بن فياض. وَاسْتقر نَاصِر الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن تَقِيّ الدّين بن أبي حَفْص عمر بن نجم الدّين بن أبي عبد الله مُحَمَّد بن زين الدّين عمر بن أبي الطّيب الدِّمَشْقِي فِي كِتَابَة السِّرّ بحلب عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن مهَاجر وَولى شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد الله النحريري قُضَاة الْمَالِكِيَّة بطرابلس عوضا عَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن قَاضِي الْقُضَاة سرى الدّين أبي الْوَلِيد إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن هاني اللَّخْمِيّ الأندلسي. وَأعَاد علم الدّين القفصي إِلَى قَضَاء الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن الْبُرْهَان إِبْرَاهِيم الشاذلي. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي شعْبَان: مَاتَ تَحت الْهدم بخان الزَّكَاة جمَاعَة من الفعلة. وَفِي خامسه: ركب السُّلْطَان إِلَى عِمَارَته فَدخل من بَاب النَّصْر وَخرج من بَاب زويلة فَدخل إِلَى بَيت الْأَمِير الأتابك أيتمش وَعَاد إِلَى القلعة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 167 وَفِي تاسعه: سَار السُّلْطَان إِلَى سرحة سرياقوس على الْعَادة فِي كل سنة، وَنزل بالقصور) وَفِي يَوْم السبت رَابِع عشره ورابع بابة: ابْتَدَأَ نقص مَاء النّيل وَقد بلغت زِيَادَته إِلَى عشر أَصَابِع من عشْرين ذِرَاعا. وَفِي سادس عشره: ضُرب بهادر كاشف الْوَجْه البحري بالمقارع سِتِّينَ شيبا ثمَّ خلع عَلَيْهِ وَاسْتمرّ على الْكَشْف. وَفِي ثَالِث عشرينه: عَاد السُّلْطَان من السرحة. للقبض على سعد الدّين نصر الله ابْن البقري وألزم. بِمَال وَقبض على نِسَائِهِ فدلت امْرَأَته على مَوضِع أَخذ مِنْهُ سَبْعَة آلَاف دِرْهَم فضَّة وَمِائَتَا دِينَار وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي شهر رَمَضَان: ركب السُّلْطَان وشق الْقَاهِرَة. وَفِي حادي عشره: خلع على تمرباي الحسني نَائِب أبلستين وعَلى دمرداش القشتمُري نَائِب الكرك وعَلى أيدمر الشمسي أَبُو زلطة نَائِب الْوَجْه القبلي وعَلى ابْن رَمَضَان التركماني نَائِب البيرة. وحملت خلعة لأركماس حَاجِب طرابلس بنيابة صفد وخلعة لطغاي تمر القبلاوي بنيابة سيس. وخلع على الشريف سعد بن أبي الْغَيْث وَاسْتقر شَرِيكا لِابْنِ عَمه مُحَمَّد بن مَسْعُود فِي إِمَارَة يَنْبع. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء سادس عشره: نزل السُّلْطَان لعيادة الشَّيْخ أكمل الدّين فِي مَرضه ثمَّ نزل حَتَّى يصلى عَلَيْهِ فِي يَوْم الْخَمِيس ثامن عشره. وَظهر أَنه أُغمي عَلَيْهِ وَلم يمت فَعَاد السُّلْطَان. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشره نزل السُّلْطَان حَتَّى صلى عَلَيْهِ بمصلى المؤمني تَحت القلعة وَمَشى على قَدَمَيْهِ إِلَى الخانكاة الشيخونية مَعَ النَّاس فِي الْجِنَازَة بَعْدَمَا أَرَادَ أَن يحمل النعش فَحَمله الْأُمَرَاء عَنهُ وَمَا زَالَ على الْقَبْر حَتَّى دفن ثمَّ عَاد إِلَى القلعة. وَفِيه خلع على بكتمُر الطرخاني وَاسْتقر فِي ولَايَة الأشمونين عوضا عَن كَرْجي. وَفِيه عُزل الْبُرْهَان إِبْرَاهِيم الدمياطي رَسُول الْحَبَشَة بِالْحَبْسِ من أجل أَنه قَالَ: لَا رحم الله أكمل الدّين فَإِن مَوته فتح. وَفِي ثَانِي عشرينه: عدَّى السُّلْطَان إِلَى بر الجيزة للصَّيْد وَعَاد من يَوْمه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 168 وَفِي سَابِع عشرينه: خلع على عز الدّين يُوسُف بن مَحْمُود الرَّازِيّ العجمي الْأَصَم وَاسْتقر فِي مشيخة خانكاه شيخو عوضا عَن أكمل الدّين بعد وَفَاته وخلع على الشّرف الْأَشْقَر - واسْمه عُثْمَان بن سُلَيْمَان بن رَسُول بن أَمِير يُوسُف بن خَلِيل ابْن نوح الكرادي العجمي الْحَنَفِيّ - إِمَام السُّلْطَان وَاسْتقر فِي مشيخة خانكاه بيبرس عوضا عَن الرَّازِيّ وَاسْتقر جمال الدّين مَحْمُود الْمُحْتَسب فِي تدريس الحَدِيث بالقبة المنصورية عوضا عَن الرَّازِيّ وأعيد الركراكي إِلَى تدريس الْمَالِكِيَّة بخانكاه شيخو عوضا عَن بهْرَام واستَقر أوحد الدّين عبد الْوَاحِد كَاتب السِّرّ مُحدثا فِي نظر خانكاه شيخو بعد أكمل الدّين بِحكم أَن النّظر لَهُ لرأس نوبَة بِشَرْط الْوَاقِف. وَفِي ثامن عشرينه: عدى السُّلْطَان النّيل إِلَى الجيزة فتَصيد وَعَاد من يَوْمه. وَاسْتقر شرف الدّين مَسْعُود بن شعْبَان بن إِسْمَاعِيل فِي قَضَاء الشَّافِعِيَّة بحلب عوضا عَن شهَاب الدّين أَحْمد بن عمر بن أبي الرِّضَا. وَقدم كبيش بن الشريف عجلَان بالقود من جِهَة أَخِيه الشريف أَحْمد بن عجلَان أَمِير مَكَّة على الْعَادة فِي كل سنة. وَفِيه اسْتَقر شهَاب الدّين أَحْمد بن ظُهيرة فِي قَضَاء مَكَّة عوضا عَن كَمَال الدّين أبي الْفضل مُحَمَّد النويري بعد وَفَاته بعناية أوحد الدّين كَاتب السِّرّ وحمُل إِلَيْهِ تَقْلِيده وتشريفه. وقدمت هَدِيَّة متملك قيصرية الرّوم. وَفِي يَوْم السبت سادس شَوَّال: عدى السُّلْطَان النّيل إِلَى بر الجيزة يُرِيد سرحة الْبحيرَة على الْعَادة كل سنة. وَفِي حادي عشره: قدم الْأَمِير يلبغا الناصري نَائِب حلب فَعدى إِلَى السُّلْطَان. وَفِي رَابِع عشره: خرج محمل الْحَاج على الْعَادة فِي كل سنة صُحْبَة الْأَمِير بهادر الجمالي المشرف الجزء: 5 ¦ الصفحة: 169 وَفِي يَوْم الْخَمِيس أول ذِي الْقعدَة: قدم السُّلْطَان من سرحة الْبحيرَة. وَفِي خامسه: خلع على الْأَمِير يلبغا الناصري خلعة السّفر وَتوجه إِلَى حلب. وَفِي سادسه: ركب السُّلْطَان إِلَى بركَة الْحجَّاج وَعَاد فشق الْقَاهِرَة إِلَى القلعة. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثامنه: أسست الْمدرسَة الظَّاهِرِيَّة مَوضِع خَان الزَّكَاة بِخَط بَين القصرين من الْقَاهِرَة. وَفِي ثَالِث عشره: عدى السُّلْطَان إِلَى الجيزة وَعَاد من يَوْمه. وَفِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء رَابِع عشرَة: قدم الْخَبَر. بِمَوْت الْأَمِير بهادر أَمِير الْحَاج. بِمَنْزِلَة عينونة فَقَامَ الْأَمِير عبد الرَّحْمَن بن الْأَمِير منكلي بغا الشمسي بإمرة الْحَاج. وَفِي سادس عشره: خلع على الْأَمِير أبي بكر بن الْأَمِير سنقُر الجمالي وأنعم عَلَيْهِ بتقدمة عَمه الْأَمِير بهادر وَاسْتقر أَمِير الْحَاج فَسَار إِلَى الْحجاز فِي لَيْلَة السبت سَابِع عشره. وأنعم على أَمِير عمر بن بهادر الجمالي بإمرة عشرَة وَهُوَ أعمى. وَفِي رَابِع عشرينه: خلع على مُحَمَّد بن طاجار بِولَايَة الغربية عوضا عَن أَمِير فرج بن أيدمر وَفِي تَاسِع عشرينه: خلع على عَليّ خَان بِولَايَة الْبحيرَة. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ رَابِع ذِي الْحجَّة: نزل الْأَمِير يُونُس الدوادار إِلَى بَيت بدر الدّين مُحَمَّد بن فضل الله الْعمريّ وَتوجه بِهِ إِلَى القلعة فَخلع عَلَيْهِ السُّلْطَان وَأَعَادَهُ إِلَى كِتَابَة السِّرّ بعد وَفَاة أوحد الدّين فَنزل إِلَى دَاره وَمَعَهُ عدَّة من الْأُمَرَاء والأعيان. وَفِي حادي عشره: قدم رسل الخان طَقتمش بن أزبك - متملك بِلَاد الدشت فَخرج الْأَمِير سودن النَّائِب والأمير يُونُس الدوادار وأنزلوهم بالميدان الْكَبِير على النّيل ثمَّ أحضروا إِلَى الْخدمَة بالإيوان فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامن عشره وَمَعَهُمْ هديتهم وَهِي سَبْعَة سناقر من الطُّيُور الْجَوَارِح وَسبع بقج قماش وعدة مماليك. فَلَمَّا قرئَ كِتَابهمْ ظهر أَنهم رسل متملك بِلَاد القرم. فَقطع راتبهم وَكَانَ فِي كل يَوْم خَمْسمِائَة رَطْل لجم وَرَأس بقر ورأسا من الْخَيل برسم الذّبْح ومبلغ ألف دِرْهَم. وأخرجوا من الميدان إِلَى مَوضِع بالقلعة وخلع عَلَيْهِم فِي حادي عشرينه وأعيدوا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 170 وَفِي عشرينه: أخرج مُحَمَّد بن طاجار - وَالِي الغربية - منفيا إِلَى طرابلس. وَفِي خَامِس عشرينه: أخرج مُحَمَّد بن طيبغا الدمرداش منفيا إِلَى صفد وَتوجه الْأَمِير كمشبغا الخاصكي بخلعة قرابلاط الأحمدي نَائِب الْبحيرَة ليستقر فِي نِيَابَة ثغر الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن بلوط الصَرْغَتمشُي. وَاسْتقر جَمُق السيفي فِي ولَايَة البهنسا والإطفيحية عوضا عَن أبي درقة. وَفِي ثامن عشرينه: استجد لقرافة مصر وَالِي بإمرة عشرَة وَاسْتقر فِيهَا سُلَيْمَان الْكرْدِي وأخرجت عَن والى مَدِينَة مصر. وَلم يعْهَد هَذَا فِيمَا سلف. وَفِي سلخه: خلع على خَان بِولَايَة البهنسي عوضا عَن جَمُق. وَاسْتقر الْأَمِير كمشبغا الْحَمَوِيّ فِي نِيَابَة طرابلس عوضا عَن مَأْمُور القلمطاوي. وَفِيه أَخذ بقطيا مكس سِتِّينَ ألف نصفية قدمت من بَغْدَاد سوى الثِّيَاب البغدادية والموصلية والحموية والدمشقية وَهِي أَضْعَاف ذَلِك. وفيهَا خُلع ملك الْمغرب صَاحب فاس أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن أبي سَالم إِبْرَاهِيم بن أبي الْحسن المريني ومَلَكَ فاس عوضه مُوسَى بن أبي عنان فِي الْعشْرين من ربيع الأول. وأعيد الْأَمِير نعير بن حيار إِلَى إمرة آل فضل عوضا عَن الْأَمِير فَخر الدّين عُثْمَان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 171 بن قارا بن مهنا. وَنقل الْأَمِير سيف الدّين سودن المظفري من نِيَابَة حماة إِلَى نِيَابَة حلب عوضا عَن الْأَمِير يلبغا الناصري. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الفيشي نَاظر الْمَوَارِيث وناظر الأهرام فِي سادس وَمَات الْأَمِير بهادر الجمالي الْمَعْرُوف بالمشرف أَمِير الْحَاج أَحْمد الألوف فِي ذِي الْقعدَة بعينونة من طَرِيق الْحجاز وَبهَا دفن. وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة علم الدّين أَبُو الرّبيع سُلَيْمَان بن خَالِد بن نعيم بن مقدم بن مُحَمَّد بن حسن بن غَانِم بن مُحَمَّد الطاي الْبِسَاطِيّ الْمَالِكِي وَهُوَ مَعْزُول فِي يَوْم الْجُمُعَة سادس عشر صفر وَقد أناف على السِّتين وَمَات الْأَمِير طبج المحمدي - أحد أُمَرَاء الألوف - وَقد أُخرج إِلَى دمشق. وَتُوفِّي كَاتب السِّرّ أوحد الدّين عبد الْوَاحِد بن تَاج الدّين إِسْمَاعِيل بن ياسين الْحَنَفِيّ فِي يَوْم السبت ثَانِي ذِي الْحجَّة. وَتُوفِّي نَاظر الْجَيْش تَقي الدّين عبد الرَّحْمَن بن نَاظر الْجَيْش محب الدّين مُحَمَّد بن يُوسُف بن أَحْمد بن عبد الدايم التَّيْمِيّ الْحلَبِي الأَصْل الشَّافِعِي فِي لَيْلَة الْخَمِيس سادس جُمَادَى الأولى. وَتُوفِّي الْأَمِير جمال الدّين عبد الله بن الْأَمِير بَكتمُر الْحَاجِب - أحد الطبلخاناة - فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس عشر جُمَادَى الأولى. وَمَات الْأَمِير علاي الدّين عَليّ بن أَحْمد بن السايس الطيبرسي - أستادار خوند بركَة أم الْأَشْرَف شعْبَان - فِي سادس شَوَّال. وَمَات قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين مُحَمَّد بن عَلَاء الدّين على بن مَنْصُور الْحَنَفِيّ وَهُوَ قَاضِي فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ عَاشر ربيع الأول. وَقد أناف على ثَمَانِينَ سنة وفَاق فِي علم الْفِقْه أهل زَمَانه. وَمَات الشَّيْخ أكمل الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مَحْمُود الرُّومِي البابرتي الْحَنَفِيّ شيخ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 172 الخانكاة الشيخونية وعظيم فُقَهَاء مصر فِي لَيْلَة الْجُمُعَة تَاسع عشر رَمَضَان. شرح الْهِدَايَة فِي الْفِقْه وَكتب تَفْسِير الْقُرْآن وَشرح تَلْخِيص الْمِفْتَاح وَأخذ عَن شمس الدّين الْأَصْفَهَانِي وَأبي حَيَّان. وَمَات قَاضِي مَكَّة وخطبها كَمَال الدّين أَبُو الْفضل مُحَمَّد بن شهَاب الدّين أَحْمد بن عَليّ الْعقيلِيّ النويري الْمصْرِيّ بِمَكَّة فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء ثَالِث عشر رَجَب. وَمَات عَالم بَغْدَاد شمس الدّين مُحَمَّد بن يُوسُف بن عَليّ الْكرْمَانِي ثمَّ الْبَغْدَادِيّ الشَّافِعِي شَارِح البُخَارِيّ فِي الْمحرم بطرِيق الْحجاز فَحمل إِلَى بَغْدَاد وَدفن بهَا. ومولده فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة تسع عشرَة وَسَبْعمائة. قدم مصر وَالشَّام. وَمَات صَائِم الدَّهْر مُحَمَّد بن صديق التبريزي الصُّوفِي فِي لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ خَامِس عشر رَمَضَان بِالْقَاهِرَةِ. وَأقَام نيفًا وَأَرْبَعين سنة يَصُوم الدَّهْر وَيفْطر دَائِما على حمص بفلس لَا يخلطه إِلَّا بالملح فَقَط ويقسّم أوقاته كلهَا لِلْعِبَادَةِ مَا بَين صَلَاة وَذكر وتلاوة ومطالعة كتب الْعلم. وَكَانَ شَدِيدا فِي وَمَات تَاج الدّين مُوسَى بن أبي شَاكر بن سعيد الدولة أَحْمد وَيعرف. بِمَالك الرّقّ. وَالِد الْوَزير فَخر الدّين ماجد بن أبي شَاكر فِي أول ذِي الْقعدَة. وَمَات نَاظر الْخَاص تَاج الدّين مُوسَى بن سعد الدّين أبي الْفرج عرف بِابْن كَاتب السَّعْدِيّ وَهُوَ مَعْزُول. وَتُوفِّي الطواشي شبْل الدولة كافور الْهِنْدِيّ الزمردي الناصري صَاحب التربة بالقرافة فِي ثامن ربيع الأول وَقد عمَر طَويلا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 173 وَمَات يحيى بن النَّاصِر حسن بن مُحَمَّد بن قلاوون فِي لَيْلَة الْأَحَد سَابِع عشْرين شَوَّال. وَمَات تَاج الدّين بن وَزِير بَيته الْأَسْلَمِيّ نَاظر الْإسْكَنْدَريَّة بهَا فِي ربيع الآخر. وَمَات أَمِين الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحسن الأنفي قَاضِي الْمَالِكِيَّة بحلب فِي شَوَّال وَقد ناهز السّبْعين. ومولده سنة ثَلَاث عشرَة وَسَبْعمائة. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين طَشتَمُر العلاي الدوادار. كَانَ خيرا محسنًا لَهُ مُشَاركَة فِي فهم الْعُلُوم محبًا لأهل الْعلم كثير الِاجْتِمَاع بهم وَيعرف الْكِتَابَة وَيُحب الْأَدَب وَأَهله وَلَا يهمل وقتا بِغَيْر فَائِدَة مَعَ الدّيانَة. وباشر الدوادارية فِي الْأَيَّام الأشرفية ثمَّ نِيَابَة الشَّام ثمَّ صَار أتابك العساكر وَالله تَعَالَى أرْحم بهم أَجْمَعِينَ. وَمَات الْأَمِير معيقل بن فضل بن عِيسَى بن مهنا بن مَانع بن حَدِيثَة أَمِير آل فضل شَرِيكا لِابْنِ عَمه زامل. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 174 (سنة سبع وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة) فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي الْمحرم: خلع على الطواشي شمس الدّين صَوَاب الشهابي شَنكَل وَاسْتقر نَائِب المماليك عوضا عَن نصر البلسي. وخلع على نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أبي الطّيب وَاسْتقر كَاتب السِّرّ بحلب. وَاسْتقر الْأَمِير سودُن المظفري حَاجِب حلب فِي نِيَابَة حماة عوضا عَن صَنجَق وَاسْتقر صنجق من أُمَرَاء طرابلس. وَفِي ثامنه: أخرج الْأَمِير بلُوط الصَرغُتمشى - نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة - منفيا إِلَى الكرك. وَفِي تاسعه: خلع على الْأَمِير قطلوبغا الأسَن قُجَاوي - الَّذِي يُقَال لَهُ أَبُو درقَة - اسْتَقر نَائِب الْوَجْه البحري عوضا عَن قرابلاط الأحمدي وَاسْتقر قرابلاط فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس عشره: فرش الإيوان الَّذِي يُقَال لَهُ دَار الْعدْل من قلعة الْجَبَل ببسط جدد كَانَ الْملك الْأَشْرَف شعْبَان بن حُسَيْن قد رسم بعملها بالكرك عِنْد توجهه إِلَى الْحَج فأهمل عَملهَا بعد قَتله حَتَّى عرف السُّلْطَان برقوق بهَا فَبعث فِي تجهيزها فَحملت إِلَيْهِ. وَفِيه بسط دهليز الْقصر من القلعة ورسم لِلْأُمَرَاءِ أَلا يدْخل أحد مِنْهُم إِلَى الْقصر وَمَعَهُ من مماليكه غير مَمْلُوك وَاحِد وتقف مماليكهم بأسرها خَارج الْقصر فامتثل الْأُمَرَاء ذَلِك وَاسْتمرّ. وَفِي سَابِع عشره: ضرب الْأَمِير على خَان وَالِي البهنسي وأُخذ مِنْهُ عشرَة آلَاف دِرْهَم وَأخرج من الْقَاهِرَة منفياً. وَفِي تَاسِع عشره: خُلع على الْأَمِير مبارك شاه مُتَوَلِّي أسوان وَاسْتقر وَالِي البهنسي. وَفِيه قدمت رسل الخان طَقتمُش خَان بن أُزبك فَخرج الْأُمَرَاء وأجناد الْحلقَة إِلَى لقائهم ومثلوا بَين يَدي السُّلْطَان وَقدمُوا هديتهم. وَفِي سادس عشرينه: قدم الْبَرِيد من حلب بورود سولى بن دلغادر طَائِعا فَخلع على القاصد وأنعم عَلَيْهِ بِثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم. وَفِي نصف شهر ربيع الأول: قدم الْبَرِيد من حلب بِأَن سولى بِنَا دلغادر التركماني لما قدم طَائِعا بَعْدَمَا حلف لَهُ الْأَمِير يلبغا الناصري أَقَامَ بحلب حَتَّى ورد مرسوم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 175 السُّلْطَان بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ فسجن بالقلعة من حلب ثمَّ رسم بإحضاره إِلَى مصر فتسلمه حَاجِب حلب وأنزله إِلَى الميدان فهرب مِنْهُ لَيْلًا فَركب الْأَمِير يلبغا الناصري فِي طلبه حَتَّى عدى الْفُرَات فَلم يقدر عَلَيْهِ. وَفِي سلخه: خُلع على مُحَمَّد بن العادلي وَاسْتقر فِي ولَايَة أطفيح عوضا عَن قُطْلوشاه. وَفِي يَوْم السبت ثَانِي ربيع الآخر: ركب السُّلْطَان وشق الْقَاهِرَة لرؤية عِمَارَته وَدخل إِلَى بَيت الْأَمِير الطنبُغا الجوباني مُسلما عَلَيْهِ ثمَّ عَاد إِلَى القلعة. وَاسْتقر جمال الدّين بن بِشَارَة وَزِير دمشق فِي نظر الْجَيْش بهَا عوضا عَن نَاصِر الدّين بن مشكور مُضَافا إِلَى الوزارة. وأعيد الْأَمِير نُعير بن حَيا بن مهنا إِلَى إمرة آل فضل بعد موت عُثْمَان بن قارا وَحمل إِلَيْهِ تَقْلِيده وتشريفه وَحمل إِلَى الْأَمِير يلبغا الناصري نَائِب حلب تشريف بالاستمرار على نيابته. وَفِيه اشْترى السُّلْطَان تُمُربُغا الأفضلي الْمَعْرُوف. بمنطاش أَخُو الْأَمِير تمرباي وَأعْتقهُ. وَفِي ثامن عشره: تَوَجَّهت شواني الْأَمِير ألطنبغا الجوباني من سَاحل مصر نَحْو دمياط. وَقد أَنْشَأَهَا وشحنهما بِالْعدَدِ والمقاتلة ليغزو بِلَاد الفرنج. وخلع على الْأَمِير بجمان وَاسْتقر فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة بعد موت قرا بلاط الأحمدي. وَفِي حادي عشرينه: أخرج جوبان الْعمريّ - من أُمَرَاء العشرات - منفيا إِلَى الشَّام. وَفِي يَوْم السبت سَابِع جُمَادَى الأولى: خلع على جمال الدّين عبد الرَّحْمَن بن خير وأعيد إِلَى قَضَاء الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة عوضا عَن ولي الدّين أبي زيد عبد الرَّحْمَن بن خلدون. وَفِي عاشره: أَخذ قاع النّيل فَكَانَ سِتّ أَذْرع وَأَرْبع أَصَابِع. وأنعم على أزدمر الشرفي بإمرة جوبان الْعمريّ. وَفِي ثَانِي عشرينه: قرىء تَقْلِيد ابْن خير بِالْمَدْرَسَةِ الناصرية على الْعَادة. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة: قدم الْخَبَر بِأَن شواني الْأَمِير ألطنبغا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 176 الجوباني سَارَتْ من ثغر دمياط فِي بَحر الْملح فوجدوا مركبا فِيهِ الفرنج الجنوية فَأَخَذُوهُ وأسروا مِنْهُم خَمْسَة وَثَلَاثِينَ رجلا وَقتلُوا غ مِنْهُم جمَاعَة. وَفِي حادي عشرينه: قدمت الشواني إِلَى شاطىء النّيل ببولاق - خَارج الْقَاهِرَة - بالأسرى وَالْغنيمَة فعرضت الأسرى من الْغَد على السُّلْطَان. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث رَجَب - وثامن عشر مسرى -: كَانَ وَفَاء النّيل سِتّ عشر ذِرَاعا. وَتوجه الْأَمِير حسن قجا على الْبَرِيد لإحضار الْأَمِير يلبغا الناصري نَائِب حلب. وَفِي عشرينه: سَار كُمشبغا الخاصكي على الْبَرِيد لنقل سودُن المظفري من نِيَابَة حماة إِلَى نِيَابَة حلب. وَقدم الْخَبَر بِأَن أَوْلَاد الْكَنْز هجموا على ثغر أسوان وَقتلُوا مُعظم أَهله ونهبوا النَّاس وَأَن الْوَالِي فر مِنْهُم. فَخلع على حُسَيْن بن قرط بن عمر التركماني وَاسْتقر فِي ولَايَة أسوان. ورُسم أَن يتَوَجَّه مَعَه الكاشف وَابْن مَازِن. وخلع على مُقبل مَمْلُوك الأزقي وَاسْتقر فِي ولَايَة أشموم الرُّمَّان بعد موت بيليك. وَفِيه قدم الْأَمِير يلبغا الناصري إِلَى بلبيس فقيد وَحمل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجن بهَا. وَفِي يَوْم السبت ثَالِث شعْبَان: سَار الْأَمِير جمال الدّين مَحْمُود شاد الدَّوَاوِين على الْبَرِيد لاستخلاص أَمْوَال الْأَمِير يلبغا الناصري من حلب وَحملهَا. وَفِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء ثَالِث عشره: زلزلت الْقَاهِرَة مرَّتَيْنِ زلزالاً قَلِيلا. واتفقت فِي هَذَا الشَّهْر حَادِثَة يتعجب مِنْهَا وَهِي أَن امْرَأَة رَأَتْ فِي منامها رَسُول الله وَهُوَ يَنْهَاهَا عَن لبس الشاش وَهُوَ عصبَة أحدثها النِّسَاء من نَحْو سنة ثَمَانِينَ وَسَبْعمائة صَارَت تشبه أسنمة البخت وسمينها الشاش يكون أَوله على جبين الْمَرْأَة وَآخره عِنْد ظهرهَا فَمِنْهُ مَا يبلغ طوله ممتداً نَحْو الذِّرَاع فِي ارْتِفَاع دون الرّبع ذِرَاع فَلم تَنْتَهِ عَن لبسه فرأته - مرّة ثَانِيَة فِي منامها وَهُوَ يَقُول لَهَا: قد نهيتك عَن لبس الشاش فَلم تسمعي ولبستيه مَا تموتي إِلَّا نَصْرَانِيَّة فَأَتَت بهَا أمهَا إِلَى شيخ الْإِسْلَام سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ حَتَّى قصت رؤياها عَلَيْهِ فَأمرهَا أَن تذْهب إِلَى كَنِيسَة النَّصَارَى وَتصلي بهَا رَكْعَات وتسأل الله تَعَالَى لَعَلَّه يرحمها ثمَّ تَأتيه حَتَّى يَدْعُو لَهَا. فمضت بهَا أمهَا من مجْلِس البُلْقِينِيّ إِلَى الْكَنِيسَة فصلت ثمَّ خرت ميتَة لوقتهافتركها أمهَا وَانْصَرف عَنْهَا، فدفنها النَّصَارَى عِنْدهم. نَعُوذ بِاللَّه من سوء عَاقِبَة الْقَضَاء. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 177 وَفِيه قدم رسل متملك مَدِينَة اصطنبول بهديته وَكتابه يتَضَمَّن. أَن تمكن تجارهم من الْقدوم إِلَى بِلَاد مصر وَالشَّام وَأَن يُقَام لَهُم قنصل بثغر الْإسْكَنْدَريَّة أُسْوَة بغيرهم من طوائف الفرنج فَأُجِيب إِلَى ذَلِك. وَفِي أول شهر رَمَضَان: اسْترْجع عَن الْخَلِيفَة المتَوَكل نَاحيَة أَبو رجْوَان. وَفِي هَذَا الشَّهْر: ولدت امْرَأَة ابْنة لَهَا رأسان كاملان على صدر وَاحِد ويدين وَمن تَحت السُّرَّة تَنْقَسِم إِلَى شكل نِصْفَيْنِ فِي كل نصف رجلَانِ كاملتان فَلم تعش وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ عَاشر شهر رَمَضَان: ألبس السُّلْطَان الْمُقدم عبيد البازدارزي الأجناد من الكَلْفتاه والقباء والخف. وَفِي سَابِع عشرينه: خلع على همام الدّين عبد الْوَاحِد السيواسي العجمي نَائِب الْحِسْبَة بِالْقَاهِرَةِ وَاسْتقر فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بالإسكندرية وَنظر أوقافها. بمساعدة جمال الدّين مَحْمُود العجمي الْمُحْتَسب. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء عَاشر شَوَّال: عدّى السُّلْطَان النّيل إِلَى الجيزة وَسَار إِلَى سرحة الْبحيرَة على الْعَادة. وَفِيه قدم مصر خُجا أَخُو بيرم خجا عَم قرا مُحَمَّد أَمِير الْموصل بعد بيرم خجا برسالة ابْن أَخِيه قرا محمل يسْأَل إِن دهمه عَدو أَن يُمكن من الانتماء إِلَى الدولة وعبور الشَّام. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثالثه: عَاد السُّلْطَان من سرحة الْبحيرَة. وَفِي ثامن عشرينه: كسفت الشَّمْس من قبل نصف النَّهَار إِلَى الْعَصْر. وَفِيه حمل الْأَمِير جركس الخليلي قمحًا كثيرا إِلَى مَكَّة وَالْمَدينَة ليعْمَل مِنْهُ فِي كل يَوْم. بِمَكَّة خَمْسمِائَة رغيف وبالمدينة فِي كل يَوْم خَمْسمِائَة رغيف تفرق فِي السُّؤَال وَنَحْوهم من الْفُقَرَاء. وَألا يُقرر مِنْهَا لأحد راتبًا بل يَأْخُذ من حضر وَلَا يُرَاعِي أحد فِي التَّفْرِقَة فَعم النَّفْع بهَا. وَلم يبْق بالحرمين من يسْأَل عَن جوع. وَفِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء رَابِع عشر ذِي الْحجَّة: خسف الْقَمَر من آخر اللَّيْل. وَفِي ثامن عشره: خلع على أَمِير حَاج بِولَايَة الأشمونين عوضا عَن بَكتمُر الشهابي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 178 وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشرينه: قبض على الْأَمِير أَلْطنبُغا الجوباني أَمِير مجْلِس وقُيد ثمَّ أفرج عَنهُ بعد أَيَّام وخلع عَلَيْهِ بنيابة الكرك عوضا عَن دمرداش القَشتَمُري. وَتوجه إِلَيْهَا فِي تجمل زَائِد كَبِير. وَفِي هَذَا الشَّهْر: قدمت رسل تيمورلنك - الْقَائِم بِبِلَاد الشرق - بكتابه فأعيدوا بجوابه. وَفِيه اسْتَقر محب الدّين أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّد بن الْكَمَال مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الشّحْنَة فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بحلب بعد وَفَاة جمال الدّين إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن العديم. وَاسْتقر جمال الدّين عبد الله النحريري فِي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بحلب بعد وَفَاة زين الدّين عبد الرَّحْمَن بن رشد. وَاسْتقر شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُوسَى بن فياض بن عبد الْعَزِيز الْمَقْدِسِي الصَّالِحِي فِي قَضَاء الْحَنَابِلَة بحلب عوضا عَن عَمه شهَاب الدّين أَحْمد ابْن مُوسَى بن فياض. وَاسْتقر شهَاب الدّين أَحمد بن السلاوي فِي قَضَاء الشَّافِعِيَّة بطرابلس عوضا عَن ابْن وهيبة. وَاسْتقر شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد الله النحريري فِي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بطرابلس عوضا عَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن سرى الدّين إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن هانىء الأندلسي. وَفِي هَذِه السّنة: تزايد سعر الغلال بتوقف النّيل فأبيع الأردب الْقَمْح بِثَلَاثِينَ درهما والأردب الشّجر بِعشْرين درهما والأردب الفول بِثمَانِيَة عشر درهما. فَلَمَّا دخل شهر ذِي الْحجَّة أُبيع الأردب الْقَمْح بِخَمْسِينَ درهما. وَفِيه كثرت رماية الْقَمْح على الطحانين بِالثّمن الغال والتكلف للأعوان. وَهَذَا أَيْضا مِمَّا أحدث وَنَشَأ مِنْهُ مفاسد كَثِيرَة. وَحج بِالنَّاسِ فِي هَذِه السّنة الْأَمِير أَبُو بكر بن سُنقُر الجمالي. وَحج الْأَمِير أَحْمد بن الْأَمِير يلبغا الخاصكي. وَكَانَ الْحجاز رخى السّعر. وفيهَا كَانَ بحلب وباء بلغ عدَّة من مَاتَ فِي كل يَوْم ألف إِنْسَان وَزِيَادَة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 179 وَمَات فِيهَا من الْأَعْيَان قَاضِي الْحَنَفِيَّة بحلب تَاج الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن مَحْبُوب الْمُحدث الْمسند الْفَاضِل الأديب عَن سنّ عالية بِدِمَشْق. وَمَات جمال الدّين إِبْرَاهِيم بن قَاضِي حلب نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن قَاضِي حلب كَمَال الدّين عمر بن قَاضِي حلب عز الدّين أبي البركات عبد الْعَزِيز بن الصاحب محيى الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد ابْن قَاضِي الْقُضَاة نجم الدّين أبي الْحسن أَحْمد ابْن قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين أبي الْفضل هبة الله ابْن قَاضِي حلب مجد الدّين أبي غَانِم مُحَمَّد ابْن قَاضِي حلب جمال الدّين هبة الله ابْن قَاضِي حلب نجم الدّين أَحْمد ابْن يحيى بن زُهَيْر بن هَارُون بن مُوسَى بن عِيسَى بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عَامر أبي جَرَادَة بن ربيعَة بن خويلد بن عَوْف ابْن عَامر بن عقيل بن كَعْب بن ربيعَة بن عَامر بن صعصعة الْمَعْرُوف بِابْن العديم الْحلَبِي الْحَنَفِيّ. عَن نَيف وَسبعين سنة. حدث عَن ابْن الشّحْنَة. وَتُوفِّي كَبِير التُّجَّار زكي الدّين أَبُو بكر بن عَليّ الخروبي. بِمصْر فِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشر الْمحرم. وَمَات الْأَمِير بيليك وَالِي الأشمونين. وَتُوفِّي قَاضِي الْمَالِكِيَّة بحلب زين الدّين عبد الرَّحْمَن بن رشد. وَمَات نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة الْأَمِير قرابلاط الأحمدي اليلبغاوي فِي نصف ربيع الآخر. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن سبع الْعَبْسِي أحد الأدباء ومستوفي ديوَان الأحباس فِي ثامن عشر شعْبَان. وَمَات الْأَمِير أقبغا الدوادار فِي شهر ربيع الآخر. وَمَات شيخ الشَّام نجم الدّين أَحْمد ابْن عُثْمَان بن عِيسَى بن حسن بن حُسَيْن بن عبد المحسن الْمَعْرُوف بِابْن الجابي الياسوفي الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي فِي جُمَادَى الْآخِرَة بعد عوده من مصر. وَتُوفِّي الشَّيْخ محيى الدّين عبد الْقَادِر بن الإِمَام شمس الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد بن سيف الدّين يحيى بن أَحْمد بن مُحَمَّد بنَ عبد الرَّزَّاق بن الشَّيْخ عبد الْقَادِر الكيلاني. وَمَات السَّيِّد الشريف شمس الدّين أَبُو الْمجد مُحَمَّد ابْن النَّقِيب شهَاب الدّين أَحْمد ابْن النَّقِيب شمي الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد الْحُسَيْنِي الْحَرَّانِي الْحلَبِي عَن تسع وَأَرْبَعين سنة بحلب وَلم يل وَظِيفَة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 180 مَاتَ شيخ الشُّيُوخ بحلب نجم الدّين عبد اللَّطِيف بن مُحَمَّد بن مُوسَى بن أبي الْفتُوح بن أبي سعيد فضل الله بن أبي الْخَيْر الْخُرَاسَانِي ثمَّ الْحلَبِي عَن بضع وَسبعين سنة بحلب. وَتُوفِّي شرف الدّين أَبُو بكر بن زين الدّين عمر بن مظفر بن عمر ابْن الوردي المعرى الْحلَبِي الْفَقِيه الأديب عَن بضع وَسبعين سنة بحلب. وَالله أعلم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 181 فارغه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 182 سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة أهلت بِيَوْم الْجُمُعَة. فِي سادسه: قدم مبشرو الْحَاج وَقد تَأَخَّرُوا عَن عَادَتهم. وَفِيه أخرج الْأَمِير جوبان الْعمريّ منفياً إِلَى صفد. وأُنعم بإمرته على أرسبغا السيفي. وَفِي تاسعه: عقد السُّلْطَان على هَاجر ابْنة الْأَمِير منكلى بغا الشمسي وَأمّهَا أُخْت الْملك أشرف شعْبَان. وَفِي ثامن عشره: قدم الْأَمِير أَحْمد بن يلبغا الْعمريّ الخاصكي من الْحجاز وَمَعَهُ الركب الأول. وَفِي حادي عشرينه: قدم الْأَمِير أَبُو بكر بن سنقر. بمحمل الْحَاج. وَفِيه قبض على عدَّة من المماليك وضربوا ضربا مبرحًا بالمقارع لكَلَام بلغ السُّلْطَان عَنْهُم من الفتك بِهِ. وَقبض على الْأَمِير تمُربُغا الْحَاجِب وسُمر وَمَعَهُ عشرَة مماليكِ وأركب كل مملوكين على جمل ظهر أَحدهمَا إِلَى ظهر الآخر وسُمرا بالحديد وأفرد تمربغا على جمل. وشهروا وَنِسَاؤُهُمْ حاسرات يصحن ويلطمن خدودهن ثمَّ وسطوا فَكَانَ أمرا شنيعا. وَفِي خَامِس عشرينه: قبض على سِتَّة عشر من مماليك الْأَمِير الْكَبِير أَيْتمش وَنَفَوْا إِلَى الشَّام وَفِي سلخه: قدم الْأَمِير إِبْرَاهِيم بن قَراجا بن دلغادر طَائِعا فَخلع عَلَيْهِ ورسم لَهُ بإمرة طبلخاناة بديار مصر. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَالِث صفر: نقل الشريف هيازع بن هبة الله الْحُسَيْنِي أَخُو جماز أَمِير الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة من سجنه بقلعة الْجَبَل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجن بهَا. وَكَانَ قد قبض عَلَيْهِ وسجن نَحْو سنة وَنصف ثمَّ أفرج عَنهُ فِي ذِي الْحجَّة من السّنة الْمَاضِيَة ثمَّ قبض عَلَيْهِ فِي هَذِه السّنة وسجن. . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 183 وَقدم الْخَبَر ماردين باستيلاء تيمورلنك على مَدِينَة تبريز وَقتل أَهلهَا وتخريبها. وَفِي لَيْلَة السبت تَاسِع عشرينه: دخل إِلَى الْقَاهِرَة نَحْو سِتِّينَ رجلا يُقَال أَنهم تدلوا من السُّور ونهبوا سوق الجمالين بِالْقربِ من جَامع الْحَاكِم وَقتلُوا نفرين. فَركب الْأَمِير حسام الدّين حُسَيْن بن الكوراني - وَالِي الْقَاهِرَة - وَقبض على ثَلَاثَة مِنْهُم فِي بعض الضواحي وَمَعَهُمْ بعض مَا نهبوه فعاقبهم حَتَّى دلوه على بَقِيَّتهمْ. وَفِي يَوْم الْأَحَد سلخه: وَقع حريق بالجسر قريب قنطرة الْحَاجِب تلف فِيهِ عدَّة بيُوت وَنزل عدَّة من الْأُمَرَاء حَتَّى أطفوه. وَفِي أول شهر ربيع الأول: أبيع اللَّحْم البقري كل رطلين وَنصف بدرهم وأبيع اللَّحْم الضَّأْن وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشره: رُسم بالإفراج عَن الْأَمِير يلبغا الناصري نَائِب حلب وَنَقله من سجنه بالإسكندرية إِلَى إِقَامَته بدمياط. وأُذن لَهُ أَن يركب ويتنزه بهَا. وَفِي خَامِس عشره: سُمر من رجال المنسر ثَمَانِيَة عشرَة على جمال وَثَلَاثَة سمرت أَيْديهم فِي الْخشب وألبسوا فِي أَرجلهم قباقيب خشَب ثمَّ سمرت أَرجُلهم فِيهَا. وأكرهوا حَتَّى مَشوا وهم مسمرون كَذَلِك وشهروا جَمِيعًا بِالْقَاهِرَةِ ثمَّ وسطوا إِلَّا وَاحِد مِنْهُم وأبقي عَلَيْهِ ليدل على بَقِيَّتهمْ. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء أول ربيع الآخر: أَخرق السُّلْطَان بالأمير بَهادُر المنجكي الأستادار وَقبض عَلَيْهِ ثمَّ أفرج عَنهُ. وَفِيه قدم الْبَرِيد من حلب بِرَأْس الْأَمِير خَلِيل بن قراجا بن دلغادر فَقبض فِي الْحَال على أَخِيه عُثْمَان بن قراجا وعَلى ابْن أَخِيه إِبْرَاهِيم. وَفِيه غضب السُّلْطَان على موفق الدّين أبي الْفرج - نَاظر الْجَيْش - وضربه نَحْو مائَة وَأَرْبَعين ضَرْبَة بالعصى. وَقدم الْخَبَر بِوُقُوع الوباء بالإسكندرية وَأَنه تجَاوز عدَّة من يَمُوت بهَا فِي كل يَوْم مائَة إِنْسَان. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 184 وَفِيه اسْتَقر مُحَمَّد بن عِيسَى - شيخ عرب الْعَائِد بالشرقية - كاشف الحسور بإمرة طبلخاناة. وَفِي تَاسِع عشرينه: مَاتَت للسُّلْطَان ابْنة فأدفنت بالعمارة بَين القصرين قبل أَن تكمل وَكَانَت جنازتها حَفلَة. وَفِي يَوْم الْخَمِيس أول جُمَادَى الأولى: خُلع على الْوَزير الصاحب كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن مكانس وَاسْتقر فِي نظر الدولة بعد موت علم الدّين يحيى. وَفِي خامسه: خلع على الْوَزير الصاحب علم الدّين سنّ إبرة وَاسْتقر فِي نظر الْأَسْوَاق عوضا عَن شرف الدّين مُحَمَّد بن الدماميني وَفِي ثَانِي: قدم الْأَمِير أقبُغُا الْجَوْهَرِي - أحد أُمَرَاء الألوف بحلب - وَقدم أَمِير زه ابْن ملك الكُرْج رَاغِبًا فِي الْإِسْلَام فَأسلم بِحَضْرَة الْقُضَاة بَين يَدي السُّلْطَان وسمى عبد الله وأنعم عَلَيْهِ بإمرة عشرَة وَأنزل بقصر الحجازية من رحبة بَاب الْعِيد بِالْقَاهِرَةِ. وَفِي حادي عشرينه: - وَهُوَ سادس عشْرين بؤونة - أَخذ قاع النّيل على الْعَادة فِي كل سنة فَكَانَ سِتَّة أَذْرع سَوَاء. وَفِي ثَانِي عشرينه: خلع على عُبَيد البازدار وأعيد إِلَى تقدمة الدولة على مَا كَانَ عَلَيْهِ وَفِي سادس عشرينه: خلع على مُحَمَّد بن أشَقتمُر وَاسْتقر وَالِي منفلوط. وَفِيه عزل شهَاب الدّين أَحْمد بن ظهيرة عَن قَضَاء مَكَّة وخطابتها بمكاتبة الشريف أَحْمد بن عجلَان أَمِير مَكَّة فِيهِ وكُتب بِنَقْل محب الدّين مُحَمَّد بن. أبي االفضل النويري الجزء: 5 ¦ الصفحة: 185 من قَضَاء الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة وخطابتها إِلَى قَضَاء مَكَّة وخطابتها. وخلع على شيخ الحَدِيث زين الدّين عبد الرَّحِيم بن الْحُسَيْن الْعِرَاقِيّ وَاسْتقر فِي قَضَاء الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة وخطابتها. وَفِيه كملت عمَارَة ثَمَانِيَة غربان حربية وشحنت بالأسلحة وَالْعدَد والمقاتلة. وَفِي سلخه: قدمت هَدِيَّة أَحْمد بن أويس صَاحب بَغْدَاد. وَقدم الشريف ثَابت بن نعير الْحُسَيْنِي من الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة. بِمَوْت ابْن عَمه مُحَمَّد بن عَطِيَّة - أَمِير الْمَدِينَة - فَقبض عَلَيْهِ وَحمل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وسجن بهَا. وَفِيه قدم الشريف عنان بن مَغَامس الحسني من مَكَّة فَارًّا من سجن ابْن عَمه الشريف أَحْمد بن عجلَان أَمِير مَكَّة. وَفِي أول جماى الْآخِرَة: قدم الْبَرِيد من حلب. بمسير عَسَاكِر الشَّام لمحاربة التركمان وَكَانَت بَينهم وقْعَة عَظِيمَة قتل فِيهَا سَبْعَة عشر أَمِيرا مِنْهُم سودن العلاي نَائِب حماة. وَقتل من الأجناد خلق كثير وانكسر بَقِيَّة الْعَسْكَر. وَفِيه كملت عمَارَة الْمدرسَة الظَّاهِرِيَّة بَين القصرين. وَفِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشره: نُقلت رمم أَوْلَاد السُّلْطَان الْخَمْسَة من مدافنهم إِلَى الْقبَّة بِالْمَدْرَسَةِ الظَّاهِرِيَّة المستجدة ونقلت رمة الْأَمِير آنص وَالِد السُّلْطَان عشَاء والأمراء مشَاة قدامه حَتَّى دفن بالقبة الْمَذْكُورَة. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامن عشره: زلزلت الْقَاهِرَة فِي السَّاعَة الرَّابِعَة زَلْزَلَة خَفِيفَة. وَفِي ثامن عشرينه: اسْتَقر سودن العثماني الساقي فِي نِيَابَة حماة عوضا عَن سودن العلاي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 186 وَفِي سلخه: قدمت رسل الفرنج بهدية جليلة الْقدر. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث شهر رَجَب - وسابع مسرى: - كَانَ وَفَاء النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا فَركب الْأَمِير قُرْدُم الحسني رَأس نوبَة والأمير يُونُس الدوادار إِلَى المقياس حَتَّى خُلق العمود بحضرتهما على الْعَادة ثمَّ فتح الخليج. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء حادي عشره: نزل الْأَمِير جركس الخليلي إِلَى الْمدرسَة الظَّاهِرِيَّة المستجدة وهيأ بهَا الْأَطْعِمَة والحلاوات والفواكه فَركب السُّلْطَان من الْغَد يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشره من القلعهّ بأمرائه ومماليكه وَنزل بهَا وَقد بسطت. وَاجْتمعَ فِيهَا قُضَاة الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء والأعيِان فَمد سماط أَوله عِنْد الْمِحْرَاب وَآخره عِنْد البحرة الَّتِي فِي وسط الْمدرسَة مَمْلُوء كُله بأنواع الْأَطْعِمَة الفاخرة والأشوية من الْخَيل والخراف والأوز والدجاج والغزلان فَأكل الْقُضَاة والأعيِان أَولا ثمَّ أكل الْأُمَرَاء والمماليك وتناهب النَّاس بَقِيَّته. ثمَّ مُد سماط الحلاوات الْفَوَاكِه وملئت البحرة من مشروب السكر. فَلَمَّا انْقَضى الْأكل وَالشرب خلع على عَلَاء الدّين عَليّ السيرامي الْحَنَفِيّ وَقد استدعاه السُّلْطَان من بِلَاد الْمشرق وَاسْتقر مدرس الْحَنَفِيَّة وَشَيخ الصُّوفِيَّة. وفرش لَهُ الْأَمِير جركس الخليلي السجادة بِنَفسِهِ حَتَّى جلس عَلَيْهَا. ثمَّ خلع على الْأَمِير جركس وعَلى الْمعلم شهَاب الدّين أَحْمد الطولوني المهندس وأركبا فرسين بقماش ذهب وخلع على خَمْسَة عشر من مماليك الخليلي وأنعم على كل مِنْهُم بِخَمْسِمِائَة دِرْهَم. وخُلع على مباشري الْعِمَارَة وشاديها وعَلى المهندسين والبنائين. وَتكلم الْعَلَاء السيرامي على قَوْله تَعَالَى: قل اللَّهُمَّ ملك الْملك ثمَّ قَرَأَ الْقَارئ عشرا من الْقُرْآن ودعا. وَقَامَ السُّلْطَان وَركب إِلَى القلعة فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَفِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشره: دَار محمل الْحَاج الْقَاهِرَة ومصر على الْعَادة فِي كل سنة. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ أول شعْبَان: خلع على الْأَمِير اً حمد بن الْأَمِير يلبغا الْعمريّ الخاصكي وَاسْتقر أَمِير مجْلِس عوضا عَن الْأَمِير ألطُنْبُغا الجوباني. وَفِي يَوْم السبت سادسه: ركب السُّلْطَان إِلَى الميدان على الْعَادة وَلعب بالكرة مَعَ الْأُمَرَاء. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 187 وَفِيه أنعم على أَحْمد بن هُمز التركماني بإمرة طبلخاناة عوضا عَن عَليّ بن الْأَمِير منجك بعد وَفَاته. وَفِي ثَمَانِي عشرينه: خُلع على سودن الطُرنطاي الخاصكي - أحد أُمَرَاء العشرات - وَاسْتقر رَأس نوبَة صَغِيرا. وأنعم على مُقْبل الرُّومِي الطَّوِيل بإمرة عشرَة عوضا عَن أَحْمد بن همز. وَفِي ثَالِث عشرينه: أسلم ميخائيل الصبان - من نَصَارَى مَدِينَة مصر - خلع عَلَيْهِ وأركب بغلة سلطانية وَاسْتقر نَاظر المتجر السلطاني. وانتهت زِيَادَة مَاء النّيل إِلَى عشْرين ذِرَاعا وَثَبت إِلَى عيد الصَّلِيب ثمَّ هَبَط بعده بيِومين. وَفِي ثامن عشرينه: خُلع على أَمِير مُوسَى بن سلار - من الطبر دارية - وَاسْتقر أَمِير طبر بإمرة عشرَة. وَفِي أول شهر رَمَضَان: عُزل نَاصِر الدّين أَحْمد التنسي من قَضَاء الْإسْكَنْدَريَّة وَركب طاش البريدي الْبَرِيد للقبض على الْأَمِير بيدمر نَائِب الشَّام وعَلى جَمِيع ألزامه وإيقاع الحوطة على موجوده. وَركب الْأَمِير تمربغا المنجكي الْبَرِيد لتقليد الْأَمِير أشقتَمُر المارديني نِيَابَة الشَّام وَحمله من الْقُدس إِلَى دمشق وَحمل إِلَيْهِ التَّقْلِيد والتشريف. وَقدم الشريف مُحَمَّد بن مبارك بن رميثة الحسني من مَكَّة وأَخبر بِمَوْت الشريف أَحْمد بن عجلَان أَمِير مَكَّة وَأَن ابْنه مُحَمَّد بن أَحْمد أقيم بعده وَقَامَ بإمرة عَمه كُبيش بن عجلَان. وَقدم الْخَبَر من الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة أَن الشريف جماز بن هبة حضر الْمَدِينَة بحشده فحاربه على بن عَطِيَّة وَفِي سادسه: ركب السُّلْطَان إِلَى بركَة الْحَاج وَعَاد إِلَى الْقَاهِرَة من بَاب النَّصْر وَنزل بمدرسته ثمَّ مضى إِلَى القلعة. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة عاشره: أُقِيمَت الْجُمُعَة بِالْمَدْرَسَةِ الظَّاهِرِيَّة المستجدة بَين القصرين وخطب بهَا جمال الدّين مَحْمُود العجمي الْمُحْتَسب بِثِيَاب بيض. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشره: نزل من قلعه الْجَبَل أحد أُمَرَاء الدولة بسواد الْخطْبَة إِلَى الْمدرسَة الظَّاهِرِيَّة فلبسه جمال الدّين مَحْمُود وخطب بِثِيَاب السوَاد على الْعَادة وَصلى بِالنَّاسِ الْجُمُعَة. فَلَمَّا انْقَضتْ الصَّلَاة أَخرج لَهُ الْأَمِير الْمَذْكُور خلعة سلطانية وأفاضها عَلَيْهِ فَسَار إِلَى منزله فِي موكب جليل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 188 وَقدم الْخَبَر بِأَن كبيش بن عجلَان سمل أعين جمَاعَة من بني حسن وهم: أَحْمد وَحسن ابْنا ثقبة وَمُحَمّد بن عجلَان وَابْن أَحْمد بن ثقبة وعمره نَحْو اثْنَتَا عشرَة سنة فَتغير السُّلْطَان على كبيش وَابْن أَخِيه مُحَمَّد بن عجلَان. وَفِي سلخه: أنعم على نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْأَمِير جُلبان العلاي بطبلخاناة أَبِيه بعد مَوته. وارتفع سعر لب الفستق حَتَّى بلغ خَمْسَة وَثَلَاثِينَ درهما الرطل وعنها يَوْمئِذٍ قريب من مِثْقَال وَنصف وَلم يعْهَد مثل ذَلِك فِيمَا سلف. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ رَابِع شَوَّال: ركب السُّلْطَان وَتوجه إِلَى سرحة سرياقوس على الْعَادة فِي كل سنة. وَاسْتقر شَيخنَا سراج الدّين عمر بن الملقن فِي مشيخة دَار الحَدِيث الكاملية عوضا عَن زين الدّين عبد الرَّحِيم الْعِرَاقِيّ بِحكم انْتِقَاله إِلَى قَضَاء الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة. وَفِيه أخرج السُّلْطَان خَمْسَة من مماليكه على إمريات بِدِمَشْق. وَفِيه ضرب شهَاب الدّين أَحْمد بن الجندي الشَّافِعِي - من فُقَهَاء نَاحيَة دمنهور من أجل أَنه أنكر على الضمن مَا يَأْخُذهُ من المكوس وألزم بألا يسكن دمنهور. ثمَّ بلغ السُّلْطَان مَا هُوَ عَلَيْهِ من الْوَرع وَكَثْرَة الْعلم فَاعْتَذر إِلَيْهِ وخلع عَلَيْهِ وَأَعَادَهُ إِلَى دمنهور مكرمًا. وَفِي يَوْم الْأَحَد عاشره: حضر المدرسون بِالْمَدْرَسَةِ الظَّاهِرِيَّة المستجدة وهم سَبْعَة أَرْبَعَة مدرسين الْفِقْه على الْمذَاهب الْأَرْبَعَة ومدرس تَفْسِير ومدرس حَدِيث ومُصدر لإقراء الْقرَاءَات السَّبع. وَفِي ثامن عشره: سَار محمل الْحَاج صُحْبَة الْأَمِير أقبغا المارديني وَحج أَيْضا الْأَمِير جركس الخليلي بتجمل كثر. وَحج من الْأُمَرَاء أَيْضا كُمُشبُغا الخاصكي وَمُحَمّد بن تنكربُغا وجركس المحمدي. وكنب لنواب الشَّام باستخدام المماليك البطّالين الَّذين نفوا من الأشرفية وَغَيرهم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 189 وَفِي حادي عشرينه: عَاد السُّلْطَان من سرحة سرياقوس. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ خَامِس عشرينه: استدعى السُّلْطَان زَكَرِيَّا بن الخليِفة المعتصم بِاللَّه أبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن المستمسك باللهّ أبي عبد الله مُحَمَّد بن الْحَاكِم بِاللَّه أَحْمد وأعلمه أَنه يُرِيد أَن ينصبه خَليفَة عوضا عَن الْخَلِيفَة الواثق بِاللَّه عمر بن المعتصم إِبْرَاهِيم بعد وَفَاته. ثمَّ استدعى بقضاة الْقُضَاة وَأهل الدولة فَلَمَّا اجْتَمعُوا أظهر زَكَرِيَّا عهد عَمه - المعتضد بِاللَّه أبي الْفَتْح أبي بكر إِلَيْهِ بالخلافة فَخلع عَلَيْهِ خلعة الْخلَافَة وَنزل إِلَى دَاره. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْخَمِيس ثامن عشرينه طلع الْخَلِيفَة زَكَرِيَّا إِلَى الْقصر من قلعة الْجَبَل وَحضر أَعْيَان الْأُمَرَاء وقضاة الْقُضَاة الْأَرْبَع وشيِخ الْإِسْلَام سراج الدّين البُلْقِينِيّ وَصدر الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْمَنَاوِيّ مفتي دَار الْعدْل - وَبدر الدّين مُحَمَّد بن فضل الله كَاتب السِّرّ وَنجم الدّين مُحَمَّد الطنْبَدي - وَكيل بَيت المَال - فَبَدَأَ شيخ الْإِسْلَام بالْكلَام مَعَ السُّلْطَان فِي مبايعة زَكَرِيَّا على الْخلَافَة فَبَايعهُ السُّلْطَان أَولا ثمَّ بَايعه من حضر على مَرَاتِبهمْ. ونعت نَفسه بالمستعصم بِاللَّه أبي يحيى. ثمَّ أشهد عَلَيْهِ الْخَلِيفَة أَنه قلد السُّلْطَان أُمُور الْعباد والبلاد وأقامه فِي ذَلِك مقَام نَفسه فَخلع عَلَيْهِ خلعة الْخلَافَة وخلع على عَامَّة من حضر وَركب الْقُضَاة بَين يَدي الْخَلِيفَة إِلَى منزله فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَفِي سلخه: قدمت رسل أَحْمد بن أويس - متملك بَغْدَاد - بكتابه يتَضَمَّن أَن تيمورلنك نزل قرا بَاغ ليشتي بهَا ثمَّ يعود وحذر مِنْهُ. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَالِث ذِي الْقعدَة: خُلع على الْخَلِيفَة المستعصم بِالْقصرِ وَاسْتقر فِي نظر مشْهد السيدة نفيسة. وخلع على شهَاب الدّين أَحْمد الْأنْصَارِيّ وَاسْتقر فِي مشيخة خانكاه سعيد السُّعَدَاء عوضا عَن برهَان الدّين إِبْرَاهِيم الأبناسي بواسطةَ الْأَمِير سُودن النَّائِب. وَذَلِكَ أَنه الْتزم أَن يعمّر أوقاف الخانكاه من مَاله بمبلغ ثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم وَلَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 190 يتَنَاوَل مَعْلُوم المشيخة بل يقنع. بِمَالِه من مَعْلُوم التصوف فَإِنَّهُ كَانَ من جملَة صوفيتَها. على أَنه لَا يستجد بهَا صوفيا وَأَنه يوفر نصيب من مَاتَ مِنْهُم حَتَّى تُعمر أوقافها. وَفِي سادسه: خلع على رسل ابْن أويس وسافروا. وَفِي ثامنه: عدّى السُّلْطَان النّيل وَنزل تَحت الأهرام فَأَقَامَ فِي سرحته حَتَّى وصل إِلَى نَاحيَة دلنجة ثمَّ عَاد فطلع إِلَى القلعة فِي عشرينه. وَفِي هَذَا الشَّهْر أخرج الْوَزير الصاحب شمس الدّين إِبْرَاهِيم كَاتب أرنان مائَة ألف وَثَمَانِية عشر ألف أردب قمحًا طَرحه على التُّجَّار كل أَرْبَعَة أرادب بِثَلَاثَة وَتِسْعين درهما - عَنْهَا أَرْبَعَة دَنَانِير - سعر كل دِينَار ثَلَاثَة وَعِشْرُونَ درهما وَربع دِرْهَم. فَمن هَذِه الْأَرْبَعَة أرادب إِرْدَب بسبعة وَعشْرين درهما وإردب بِسِتَّة وَعشْرين درهما وإردب بِأحد وَعشْرين درهما وإردب بِتِسْعَة عشر درهما فَيَجِيء معدل كل إِرْدَب بِدِينَار. وَفِيه خلع على قوزي السيفي وَاسْتقر فِي ولَايَة قوص عوضا عَن مقبل الطَّيِّبِيّ. وخلع على سعد الدّين نصر الله بن البقري وَاسْتقر نَاظر الدِّيوَان الْمُفْرد الَّذِي استَجده السُّلْطَان وناظر ديوَان المماليك. وَاسْتقر برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن عمر الصنهاجي فِي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن علم الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد القفصي. وَاسْتقر فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بحلب موفق الدّين عوضا عَن محب الدّين مُحَمَّد بن الشّحْنَة. وَفِي أول ذِي الْحجَّة: أحضر من دمشق بأَرْبعَة من الْفُقَهَاء فِي الْحَدِيد اتهموا أَنهم سعوا فِي نقض المملكة وَالدُّعَاء لإِمَام قرشي فسجنوا. ثمَّ أحضروا فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشرينه إِلَى بَين يَدي السُّلْطَان وَتقدم كَبِيرهمْ - أَحْمد بن الْبُرْهَان - فَكلم السُّلْطَان عَمَّا سَأَلَهُ عَنهُ وصدع بالإنكار عَلَيْهِ وَأَنه غير أهل للْقِيَام بِأَمْر الْمُسلمين وَعدد لَهُ مَا هُوَ عَلَيْهِ من أَخذ المكوس وَنَحْو ذَلِك وَأَنه لَا يقوم بِأَمْر الْمُسلمين إِلَّا إِمَام قرشي. فَأمر بِهِ وَأَصْحَابه أَن يعاقبوا حَتَّى يعترفوا. بِمن مَعَهم من أُمَرَاء الدولة فَتَوَلّى عقوبتهم الْأَمِير حسام الدّين حُسَيْن وَالِي الْقَاهِرَة ثمَّ سجنهم بخزانة شمايل. وَفِي خَامِس عشرينه: قدم مبشرو الْحَاج وَفِيهِمْ بطا الخاصكي وأخبروا أَن أقبغا المارديني - أَمِير الْحَاج - لما قدم مَكَّة فِي أول ذِي الْحجَّة خرج الشريف مُحَمَّد بن أَحْمد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 191 عجلَان لتلقيه على الْعَادة وَقبل الأَرْض ثمَّ خُفَّ الْجمل. وعندما انحنى ليقبل عقب الرمْح وثب عَلَيْهِ فداويان ضربه أَحدهمَا بخنجر فِي جنبه وضربه الآخر بخنجر فِي عُنُقه وهما يَقُولَانِ: غَرِيم السُّلْطَان فَخر مَيتا وَترك نَهَاره ملقى ثمَّ حمله أَهله وَوَاروهُ وَكَانَ كبيش على بعد فَقتل الفداوية رجلا يظنوه كبيشا ففر كبيش وَأقَام الْأُمَرَاء لابسين السِّلَاح سَبْعَة أَيَّام خوفًا من الْفِتْنَة. فَلم يَتَحَرَّك أحد وَلبس الشريف عنان خلعته وتسلم مَكَّة وخطب لَهُ بهَا. وَفِي تَاسِع عشرينه: قدمت رسل الْحَبَشَة بِكِتَاب ملكهم الحطي واسْمه دَاوُد بن سيف أرعد وَمَعَهُمْ هَدِيَّة على أحد وَعشْرين حمالا فِيهَا من ظرائف بِلَادهمْ وَمن جُمْلَتهَا قد ملئت قد صِيغ على قدرالحمص. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان أديب مصر بدر الدّين أَحْمد بن الشّرف مُحَمَّد بن الْوَزير الصاحب فَخر الدّين مُحَمَّد بن الْوَزير الصاحب بهاء الدّين عَليّ بن مُحَمَّد بن سليم بن حنا فِي يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة. بِمَدِينَة مصر عَن نَيف وَسبعين سنة. وَتُوفِّي الشريف أَبُو سُلَيْمَان أَحْمد بن عجلَان بن رميثة بن أبي نمي مُحَمَّد بن أبي سعد الحسني أَمِير مَكَّة فِي حادي عشْرين شعْبَان عَن نَيف وَسِتِّينَ سنة. بِمَكَّة وَدفن بالمعلا وَكَانَ حسن وَتُوفِّي الشَّيْخ المعتقد شهَاب الدّين أَحْمد بن شرف الدّين عبد الْهَادِي بن الشَّيْخ أبي الْعَبَّاس أَحْمد الشاطر الدمنهوري الأديب الشَّاعِر ذُو الْفُنُون فِي الْمحرم وَهُوَ عَائِد من الْحَج. وَتُوفِّي شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن على الزَّرْكَشِيّ - أَمن الحكم - فَجْأَة فِي لَيْلَة الْجُمُعَة تَاسِع عشر شهر ربيع الأول. واتهم أَنه سم نَفسه فَإِنَّهُ نقص من مَال الْأَيْتَام عَلَيْهِ نَحْو خَمْسمِائَة ألف دِرْهَم ذهبت كأمس الذَّاهِب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 192 وَمَات أَحْمد بن النَّاصِر حسن بن النَّاصِر مُحَمَّد بن الْمَنْصُور قلاون فِي لَيْلَة الْخَمِيس رَابِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة وَدفن. بمدرسة أَبِيه وَكَانَ أسن أَوْلَاده. وَتُوفِّي عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن الزمُكحُل النَّاسِخ أحد الْأَفْرَاد كَانَ يكْتب سُورَة قل هُو الله أَحَدْ بكمالها على حَبَّة أرز كِتَابَة بَيِّنَة لَا يطمس فِيهَا واوا إِلَى غير ذَلِك من بدائعه. وَمَات الْأَمِير جلبان الْحَاجِب أحد أُمَرَاء الطبلخاناه فِي أخريات شهر رَمَضَان. وَكَانَ مشكور السِّيرَة. وَمَات الْأَمِير خَلِيل بن قراجا بن دلغادر كَبِير التركمان البزوقية وأمير أبلستين قَتِيلا فِي الْحَرْب مَعَ الصارم إِبْرَاهِيم بن همز التركماني قَرِيبا من مَدِينَة مرعش عَن نَيف وَسِتِّينَ سنة. وَمَات الْأَمِير سودن العلاي نَائِب حماة قَتِيلا فِي محاربة التركمان. وَتُوفِّي المقرىء فتح الدّين عبد الْمُعْطِي بن عبد الله فِي سادس عشر رَمَضَان وَقد أسن. أَخذ الْقرَاءَات عَن أثير الدّين أبي حَيَّان. وَتُوفِّي الشريف مُحَمَّد بن عطيفة بن مَنْصُور بن جماز بن شيحة الْحُسَيْنِي أَمِير الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة. وَتُوفِّي أحد الْأَفْرَاد فِي الْعِبَادَة والزهد والورع شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن عُثْمَان القرمي بالقدس فِي صفر. ومولده فِي ذِي الْحجَّة سنة سِتّ وَعشْرين وَسَبْعمائة. كَانَ لَا يزَال يَتْلُو الْقُرْآن فَيُقَال إِنَّه قَرَأَ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة ثَمَانِي ختمات وَقدم الْقَاهِرَة. وَتُوفِّي الشَّديد فِي الله الْوَرع شمس الدّين مُحَمَّد بن يُوسُف بن إلْيَاس القونوي الْحَنَفِيّ بِدِمَشْق عَن نَيف وَسبعين سنة. قدم الْقَاهِرَة غير مرّة. وَأقسم بِاللَّه أَنه إِذا رأى مُنْكرا يحُمُّ. وَتُوفِّي قَاضِي الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن تَقِيّ الدّين عبد الله بن مُحَمَّد ابْن مَحْمُود بن أَحْمد بن عزاز الْحَنْبَلِيّ الْمَعْرُوف بِابْن التقي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 193 وَتُوفِّي شيخ أهل الْمِيقَات نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الخطائي فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَالِث عشْرين شعْبَان. وَتُوفِّي قرينه فِي الْعلم بالميقات شمس الدّين مُحَمَّد بن الغزولي فِي رَابِع رَجَب. وَتُوفِّي زين الدّين أَبُو بكر بن نور الدّين عَليّ بن تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن يُوسُف السَّعْدِيّ الخزرجي الْأنْصَارِيّ الْمَعْرُوف بالسندوبي أحد موقعي الدست فِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث ربيع الْأُخَر وَهُوَ وَتُوفِّي شرف الدّين مُوسَى بن الفافا أستادار الْأَمِير أَيتمش الأتابك فِي تَاسِع شَوَّال وَكَانَ من رُءُوس الظَّاهِرِيَّة. وَتُوفِّي الشريف هيازع بن هبة بن جماز بن هبة بن جماز بن مَنْصُور الْحُسَيْنِي أَمِير الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة فِي سجنه بالإسكندرية لأيام من شهر ربيع الأول. وَتُوفِّي شيخ القادرية شرف الدّين صَدَقَة ويدعى مُحَمَّد بن عمر بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد العادلي فِي سادس عشر جُمَادَى الْآخِرَة بالفيوم وَأحرم مرّة بِالْحَجِّ من الْقَاهِرَة. وَتُوفِّي نَاظر الدولة علم الدّين يحيى بن فَخر الدولة الْمَعْرُوف بكاتب ابْن الديناري فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع شهر ربيع الْأُخَر بِالْقَاهِرَةِ كَانَ أَولا نَصْرَانِيّا ثمَّ أسلم وَهُوَ فِي خدمَة الْأَمِير شرف الدّين مُوسَى بن الديناري شاد الدَّوَاوِين. وصاهر المقسي نَاظر الْخَاص. ثمَّ ولي نظر الدولة وتمذهب لأبي حنيفَة رَحمَه الله. وَسمع الحَدِيث وَجمع عِنْده الْفُقَهَاء وَأفضل عَلَيْهِم وَجمع كتبا كَثِيرَة. وَكَانَ غَايَة فِي الترف يَقُول عَن نَفسه أَن بدنه يحْتَاج فِي كل يَوْم إِلَى ثَمَانِينَ درهما عَنْهَا نَحْو أَرْبَعَة مَثَاقِيل ذَهَبا يصرفهَا فِيمَا يَأْكُلهُ ويشربه خَاصَّة. وَترك أواني وقماشا وأثاثا أبيعت بجملة كَبِيرَة وَخلف من الْكتب النفيسة عدَّة يحل ثمنهَا مَعَ كَثْرَة شكواه الْفقر. وَمَات ملك الْمغرب صَاحب فاس مُوسَى بن السُّلْطَان أبي عنان فَارس بن أبي الْحسن المريني فِي جُمَادَى وأقيم بعده الْمُنْتَصر بِاللَّه مُحَمَّد بن أبي الْعَبَّاس أَحْمد المخلوع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 194 ابْن أبي سَالم ثمَّ خلع بعد قَلِيل وأقيم الواثق مُحَمَّد بن أبي الْفضل بن السُّلْطَان أبي الْحسن كل ذَلِك بتدبير الْوَزير مَسْعُود بن رحوب ماساي وَالله تَعَالَى أعلم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 195 فارغه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 196 سنه تسع وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة فِي يَوْم السبت سَابِع عشر صفر: قدم الْأَمِير ألطُنْبغا الجوباني من الكرك باستدعاء فَبَالغ السُّلْطَان فِي إكرامه وَألبسهُ لنيابة دمشق تَشْرِيفًا سنيا فِي تَاسِع عشره عوضا عَن أشَقتمُر المارديني. وَفِيه اسْتَقر جمال الدّين ميخائيل الْأَسْلَمِيّ فِي نظر الْإسْكَنْدَريَّة وعزل علم الدّين توما وَكَانَ ميخائيل هَذَا قد أسلم يَوْم الثُّلَاثَاء عشْرين شعْبَان من السّنة الْمَاضِيَة بِحَضْرَة السُّلْطَان وخلع عَلَيْهِ وأركب بغلة رائعة وَعمل تَاجر الْخَاص. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير زين الدّين مبارك شاه - مُتَوَلِّي البهنسا - فِي نِيَابَة الْوَجْه القبلي عوضا عَن أيدمر الشمسي الَّذِي يُقَال لَهُ أَبُو زلطة. وَاسْتقر نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن الحسام فِي ولَايَة البهنسا. وَفِي سَابِع عشرينه: اسْتَقر شمس الدّين بن مشكور نَاظر الْجَيْش بِدِمَشْق عوضا عَن ابْن بِشَارَة. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة أول شهر ربيع الأول: برز الْأَمِير ألطنبغا الجوباني ليسافر إِلَى دمشق بعد مَا خلع عَلَيْهِ وَحمل إِلَيْهِ مبلغ ثَلَاثمِائَة ألف دِرْهَم فضَّة. وَقيد إِلَيْهِ فرس بسرج وكنفوش ذهب. وَأرْسل إِلَيْهِ الْأَمِير الْكَبِير أَيتمش مائَة ألف دِرْهَم وعدة بقج ثِيَاب قيمتهَا نَحْو السّبْعين ألف دِرْهَم وَعين مُسَفِّره قُرقُماس الظَّاهِرِيّ وَخرج بتجمل عَظِيم. وَفِي رابعه رأى السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل خيمة قد ضربت على شاطىء النّيل فَبعث للكشف عَنْهَا فَوجدَ فِيهَا كريم الدّين بن مكانس وشمس الدّين أَبُو البركات فأحضرا إِلَيْهِ وَقد كَانَا يتعاقران الْخمر فِي خواصهما فضربهما بالمقارع وألزم ابْن مكانس. بِمِائَة ألف دِرْهَم وَأَبا البركات بِخَمْسِينَ ألفا. وَفِيه اسْتَقر عمر بن إلْيَاس - قريب قرُط - فِي ولَايَة الشرقية عوضا عَن أُوناط اليوسفي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 197 وعزم السُّلْطَان على عرض أجناد الْحلقَة وَشرع فِيهِ فَتحدث مَعَه شيخ الْإِسْلَام سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ فِي إعفائهم من ذَلِك فَأَجَابَهُ وَعَفا عَنْهُم. وَفِي عَاشر ربيع الآخر: ابْتَدَأَ السُّلْطَان فِي اللّعب بِالرُّمْحِ وألزم المماليك بذلك فاستمر. وَكَثُرت المرافعات فِي ميخائيل فعزل عَن نظر الْإسْكَنْدَريَّة وَقبض عَلَيْهِ الْأَمِير جمال الدّين مَحْمُود شاد الدَّوَاوِين السُّلْطَانِيَّة وحبسه فَأثْبت أهل الثغر عَلَيْهِ أَنه زنديق وَشهد عَلَيْهِ فِي الْمحْضر بذلك تِسْعَة وَأَرْبَعُونَ نفسا فَضربت رقبته بالثغر يَوْم السبت ثَالِث عشره وَفِي هَذَا الشَّهْر: ضربت فلوس بِإِشَارَة الْأَمِير جركس الخليلي فِي قلعة الْجَبَل وَجعل اسْم السُّلْطَان فِي دَائِرَة فتطير النَّاس بذلك وَقَالُوا: هَذَا يُؤذن بِأَن السُّلْطَان تَدور عَلَيْهِ الدَّوَائِر وَيحبس فَبَطل ذَلِك وَلم يتم. وَورد الْبَرِيد بنزول الفرنج على طرابلس فحاربهم الْمُسلمُونَ وغنموا مِنْهُم ثَلَاثَة مراكب وَقتلُوا جمَاعَة كَثِيرَة. وَورد الْخَبَر بِأَن على بن عطيفة الحسني طرق الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة ونهبها وَقتل مِنْهَا أُنَاسًا وَأخذ مَا كَانَ لجماز بن هبة الله من المَال فأفرج عَن ثَابت بن نعير وقلد إِمَارَة. الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة. وَقدم الْبَرِيد بارتفاع الأسعار بِالشَّام وَأَن الْخبز وصل بِدِمَشْق كل رَطْل بدرهم والجرة المَاء فِي الْقُدس بِنصْف دِرْهَم وَقدم الْخَبَر من مَكَّة بِأَن كبيش بن عجلَان حصر مَكَّة وَأخذ من جدة ثَلَاثَة مراكب للتجار. وَقدم الْبَرِيد. بمحاربة ابْن همز نَائِب أبلستين مَعَ ابْن دلغان. وَفِي جُمَادَى الْآخِرَة: أَخذ قاع النّيل، فَكَانَ سَبْعَة أَذْرع، وَأَرْبع أَصَابِع. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 198 وَفِي سادسه: اسْتَقر الْأَمِير نَاصِر الدّين بن مبارك حفيد المهمندار فِي نِيَابَة حماة عوضا عَن سودن العثماني. وَاسْتقر سودن فِي إقطاع ابْن المهمندار بحلب. وَفِي سادس عشره - وَهُوَ تَاسِع أبيب: - توقف مَاء النّيل عَن الزِّيَادَة وَنقص فاضطرب النَّاس. ثمَّ أَنه رد النَّقْص وَزَاد فِي رَابِع عشرينه. وَفِي لَيْلَة ثامن عشرينه: ظهر كَوْكَب فِي جِهَة الشمَال عَظِيم الْقدر ممتد إِلَى جِهَة الغرب لَهُ ثَلَاث شعب فِي أحديها ذَنْب طَوِيل بِقدر الرمْح وَله ضوء زايد على نور الْقَمَر ثمَّ أَنه تحول امتداده من الغرب إِلَى الْجنُوب وَسمع لَهُ صَوت مرعب وَذَلِكَ بعد عشَاء الْآخِرَة بِقدر سَاعَة. وَفِي آخِره: ورد الْبَرِيد بِأَن تمرلنك كبس قرا مُحَمَّد وكسره ففر مِنْهُ فِي نَحْو مِائَتي فَارس وَنزل قريب ملطية. وَنزل تمرلنك على آمد فاستدعى السُّلْطَان الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء والأمراء وتحدث فِي أَخذ الْأَوْقَاف من الْأَرَاضِي الخراجية فَكثر النزاع وَآل الْأَمر إِلَى أَنه يَأْخُذ متحصل الْأَوْقَاف لسنة. ورسم السُّلْطَان بتجهيز أَرْبَعَة من الْأُمَرَاء - الألوف وهم الْأَمِير ألطنبغا الْمعلم أَمِير سلَاح والأمير قردم الحسني والأمير يُونُس الدوادار والأمير سودن بَاقٍ وَسَبْعَة من أُمَرَاء الطبلخاناة وَخَمْسَة من أُمَرَاء العشرات. فتجهزوا وَعين مَعَهم من أجناد الْحلقَة ثَلَاثمِائَة فَارس وَخَرجُوا من الْقَاهِرَة فِي أول رَجَب فَسَارُوا إِلَى حلب وَبهَا يَوْمئِذٍ فِي نِيَابَة السلطنة سودن المظفري. وَقدم الْخَبَر بوقعة بَين قرا مُحَمَّد وَولد تمرلنك انْكَسَرَ فِيهَا ابْن تمرلنك. وَفِي تَاسِع عشر رَجَب: رسم للْقَاضِي جمال الدّين مَحْمُود محتسب الْقَاهِرَة بِطَلَب التُّجَّار وأرباب الْأَمْوَال وَأخذ زكوات أَمْوَالهم وَأَن يتَوَلَّى قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة شمس الدّين مُحَمَّد الطرابلسي تحليفهم على مَا يدعونَ أَنه ملكهم فَعمل ذَلِك يَوْم وَاحِد ثمَّ رد عَلَيْهِم مَا أَخذ مِنْهُم وَبَطل فَإِن الْخَبَر ورد بِرُجُوع تمرلنك إِلَى بِلَاده. وَبعث نَائِب دمشق رجلا تركيا اتهمَ أَنه جاسوس لتمرلنك فَعُوقِبَ حَتَّى أقرّ بِأَنَّهُم ثَلَاثَة قدمُوا إِلَى دمشق فسجن وَكتب بِطَلَب الْمَذْكُورين. وَفِي سادس عشرينه - وَهُوَ تَاسِع عشر مسرى -: كَانَ وَفَاء النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ رَابِع شعْبَان: استدعى السُّلْطَان الشَّيْخ نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن بنت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 199 ميلق وولاه قَضَاء الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بديار مصر بعد مَا امْتنع وَصلى رَكْعَتي الاستخارة وعزل بدر الدّين مُحَمَّد بن أبي الْبَقَاء. وَفِي سادس عشرينه: اسْتَقر فِي الوزارة علم الدّين عبد الْوَهَّاب بن القسيس كَاتب سَيِّدي عوضا عَن الصاحب شمس الدّين إِبْرَاهِيم كَاتب أرنان نقل من اسْتِيفَاء المرتجع إِلَى الوزارة وَفِي ثَانِي رَمَضَان: عزل كريم الدّين بن مكانس من نظر الدولة وَاسْتقر عوضه أَمِين الدّين بن ريشة وَاسْتقر حسن السيفي أَمِير أخور فِي ولَايَة قطيا عوضا عَن ابْن الطَشلاقي فَلم يقم سوى أَيَّام واعيد ابْن الطَشلاقي. وَفِي تاسعه: اسْتَقر جلال الدّين عبد الرَّحْمَن بن شيخ الْإِسْلَام سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ فِي إِفْتَاء دَار الْعدْل برغبة أَخِيه بدر الدّين مُحَمَّد لَهُ عَن ذَلِك. وَاسْتقر زوج أُخْته بهاء الدّين مُحَمَّد بن الْبُرْجِي فِيمَا كَانَ باسمه من توقيع الدست وَصَارَ بيد أَخِيه بدر الدّين قَضَاء الْعَسْكَر. وانتهت زِيَادَة مَاء النّيل إِلَى ثَمَانِيَة عشر ذِرَاعا وَأَرْبَعَة عشر أصبعا وَثَبت إِلَى خَامِس بابة أحد شهور القبط. وَفِي يَوْم الْأَحَد ثامن عشرينه: جلس السُّلْطَان بالميدان تَحت القلعة للْحكم بَين النَّاس بعد مَا نُودي قبل ذَلِك بيومين: من كَانَت لَهُ ظلامة فَعَلَيهِ بالإصطبل السلطاني يَوْم الْأَحَد وَالْأَرْبِعَاء. فداخل أَعْيَان النَّاس من ذَلِك خوف شَدِيد واجترأ أسافل النَّاس على الأكابر. وَفِيه قدم الشريف على بن عجلَان يُرِيد إِمَارَة مَكَّة. وَورد الْخَبَر بِأَن الشريف عنان بن مغامس اقتتل مَعَ كبيش فَقتل كبيش فِي عدَّة من بني حسن وَفِي خَامِس عشرينه: اسْتَقر نجم الدّين مُحَمَّد الطنبدي - وَكيل بَيت المَال - فِي حسبَة الْقَاهِرَة عوضا عَن جمال الدّين مَحْمُود على خمسين ألف دِرْهَم فضَّة يقوم بهَا عَنْهَا ألف دِينَار مصريهَ. وَاسْتقر جمال الدّين فِي قَضَاء الْعَسْكَر عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد القرمي بعد وَفَاته. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 200 وَفِي ثَالِث شَوَّال: اسْتَقر شمس الدّين مُحَمَّد النويري فِي قَضَاء طرابلس مسئولا بهَا. وَورد الْخَبَر بوصول الْعَسْكَر إِلَى حلب فِي أول شهر رَمَضَان. وَقدم الْأَمِير جِبْرَائِيل الْخَوَارِزْمِيّ والأمير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن بيدَمُر نَائِب الشَّام فسلما إِلَى الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن الكوراني وَالِي الْقَاهِرَة ليخلص مِنْهُمَا مبلغ ألفي ألف دِرْهَم. وَفِي نصفه: اسْتَقر الشريف على بن عجلَان فِي إِمَارَة مَكَّة شَرِيكا لعنان. وَفِي عاشره: توجه السُّلْطَان إِلَى سرحة سرياقوس على الْعَادة. واستدعى الْأَمِير يلبغا الناصري من دمياط فوصل إِلَى المخيم بسرياقوس فِي حادي عشرينه فَأكْرمه السُّلْطَان وأنعم عَلَيْهِ. بِمِائَة فرس وَمِائَة جمل وَسلَاح وَمَال وَثيَاب قيمَة ذَلِك خَمْسمِائَة ألف دِرْهَم فضَّة. وَبعث إِلَيْهِ سَائِر الْأُمَرَاء. وَعَاد السُّلْطَان من سرياقوس أول ذِي الْقعدَة وخلع على يلبغا الناصري فِي خامسه وَأَعَادَهُ لنيابة حلب عوضا عَن سودن المظفري. وَاسْتقر سودن أتابك الْعَسْكَر بحلب ثمَّ خلع عَلَيْهِ وَفِي ثَانِي عشره: قدم الْبَرِيد بِأَن تمربغا الأفضلي منطاش نَائِب ملطية خامر وَوَافَقَهُ القَاضِي برهَان الدّين أَحْمد صَاحب سيواس وقرا مُحَمَّد التركماني والماجاري نَائِب البيرة ويلبغا المنجكي وعدة من الأشرفية. وَفِي ثَالِث عشره: عدى السُّلْطَان إِلَى بر الجيزة وتصيد. وَفِي عشرينه: اسْتَقر قُطلَيجا الصفوي فِي ولَايَة قليوب عوضا عَن الصارم إِبْرَاهِيم الباشقردي وَفِي سادس عشرينه: عَاد السُّلْطَان من الصَّيْد بالجيزة إِلَى القلعة. وَفِي تَاسِع عشرينه: جَاءَت رَأس بدر بن سَلام فعلقت على بَاب القلعة. وَكَانَ قد فر وفسدت أَحْوَاله بالبحيرة وَالسُّلْطَان يعْمل فكره فِي قَتله إِلَى أَن قَتله بعض أَتْبَاعه وأحضر رَأسه إِلَى الكاشف فحملها وَكفى السُّلْطَان شَره. وَفِيه اسْتَقر نجم الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن قَاضِي الْقُضَاة عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن شرف الدّين مُحَمَّد بن أبي الْعِزّ صَالح الْمَعْرُوف بِابْن الكِشك قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق وعوضا عَن تَقِيّ الدّين الكُفْري. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 201 وَفِي رَابِع ذِي الْحجَّة: اسْتَقر زين الدّين أَمِير حَاج ابْن مغْلطاي فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة وعزل الْأَمِير بجمان المحمدي. وَاسْتقر أَمِير حَاج بن أيدمر وَالِي الأشمونين وعزل الصارم إِبْرَاهِيم الشهابي وَفِي خَامِس عشرينه: قدم مبشرو الْحَاج وأخبروا أَن عنان بن مغامس لم يُقَابل الْأَمِير قُرقُماس الطَشتمري الخازندار أَمِير الْحَاج وَتوجه من مَكَّة إِلَى نَخْلَة فَدخل عَليّ بن عجلَان إِلَيْهَا وَقُرِئَ تَقْلِيده بِالْحرم وتسلم مَكَّة ثمَّ خرج فِي طلب عنان ففر مِنْهُ. وفْيه خلع الواثق مُحَمَّد بن أبي الْفضل بن أبي الْحسن وأعيد السُّلْطَان المخلوع أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن أبي سَالم إِبْرَاهِيم بن أبي الْحسن فَملك فاس فِي خَامِس رَمَضَان وَحمل الواثق إِلَى طنجة فسجن بهَا ثمَّ قتل. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان الْوَزير الصاحب شمس الدّين إِبْرَاهِيم الْمَعْرُوف بكاتب أرلان لَيْلَة الثُّلَاثَاء سادس عشْرين شعْبَان. وَأَصله من نَصَارَى مصر وَأظْهر الْإِسْلَام. وخدم فِي دواوين الْأُمَرَاء حَتَّى تعلق بِخِدْمَة الْملك الظَّاهِر - وَهُوَ أَمِير - فولاه نظر ديوانه. ثمَّ فوض إِلَيْهِ الوزارة لما صَارَت إِلَيْهِ سلطنة مصر فنفذ الْأُمُور وَمَشى الْأَحْوَال أحسن تمشية مَعَ الْغَايَة فِي وفور الْحُرْمَة ونفوذ الْكَلِمَة والتقلل فِي ملبسه ومركبه وَسَائِر أَسبَابه بِحَيْثُ كَانَ كَهَيئَةِ أوساط الْكتاب. وَدخل فِي الوزارة وأحوال الوزارة غير مُسْتَقِيمَة وَلَيْسَ للدولة حَاصِل من عين وَلَا غلَّة وَقد اسْتَأْجر الْأُمَرَاء النواحي بِأَجْر قَليلَة عجلوها فَكف أَيدي الْأُمَرَاء عَن النواحي وَضبط المتحصل وَمَشى على الْقَوَاعِد الْقَدِيمَة والقوانين الْمَعْرُوفَة فهابه الْخَاص وَالْعَام. وجدد مطابخ السكر ودواليب النُّقُود وَمَات وَالْحَاصِل ألف ألف دِرْهَم فضَّة وثلاثمائة ألف وَسِتُّونَ ألف أردب غلَّة وَسِتَّة وَثَلَاثُونَ ألف رَأس من الْغنم وَمِائَة ألف طَائِر من الأوز والدجاج وَألف قِنْطَار من الزَّيْت وَأَرْبَعمِائَة قِنْطَار مَاء ورد قيمَة ذَلِك كُله خَمْسمِائَة ألف دِينَار. وَمَات الْأَمِير تَاج الدّين إِسْمَاعِيل بن مَازِن الهواري وَترك أَمْوَالًا جزيلة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 202 وَمَات القَاضِي شهَاب الدّين أَحْمد بن الْجمال إِبْرَاهِيم بن إِسْحَاق الغزاوي الشَّافِعِي خطيب الْمدرسَة الصالحية وَشَاهد الإصطبلات السُّلْطَانِيَّة فِي تَاسِع عشر صفر. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين بهادر أستادار طبج كاشف الْوَجْه البحري فِي نصف رَمَضَان. وَمَات الشَّيْخ صدر الدّين سُلَيْمَان بن يُوسُف بن مُفلح الياسوفي بِدِمَشْق معتقلا بقلعتها. وَكَانَ من أَعْيَان فقهائها الشَّافِعِيَّة وأكابر محدثيها. واشتهر بالزهد والعفة واتهم بِأَنَّهُ مِمَّن مالىء الْفُقَهَاء الظَّاهِرِيَّة فاعتقل بِسَبَب ذَلِك. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين طيْنال المارديني عَتيق النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاون ترقى فِي الخدم من الْأَيَّام الناصرية حَتَّى صَار من أُمَرَاء الألوف فِي أَيَّام النَّاصِر حسن ثمَّ نَفَاهُ إِلَى دمشق فَأَقَامَ بهَا إِلَى أَن استبد الْأَشْرَف شعْبَان أحضرهُ إِلَى الْقَاهِرَة وَأَعْطَاهُ إمرة مائَة ثمَّ نَزعهَا مِنْهُ وَأَعْطَاهُ إمرة طبلخاناه ثمَّ جعله وَالِي قلعة الْجَبَل فباشر ذَلِك مُدَّة ثمَّ أعْطى إمرة عشرَة وتُرك طرخانا حَتَّى مَاتَ فِي شهر رَمَضَان. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين طقتمش الحسني أحد المماليك اليلبغاوية وأمير طبلخاناة. مَاتَ فِي تَاسِع عشْرين رَجَب. وَمَات زين الدّين أَبُو زيد عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَفِيد بن رُشْد السجلماسي المغربي الْمَالِكِي سمع بغلناطة أَبَا البركات مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم البلفيقي وبمكة ضِيَاء الدّين أَبَا الْفضل مُحَمَّد بن خَلِيل بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عمر بن حسن الْقُسْطَلَانِيّ وبالمدينة النَّبَوِيَّة عفيف الدّين المطري. وبرع فِي الْفِقْه وَغَيره. وَأقَام بِالْقَاهِرَةِ زَمَانا. وَولى قَضَاء الْمَالِكِيَّة بحلب فَسَار فِي النَّاس سيرة عسوف فعزل. وَأقَام بغزة حَتَّى مَاتَ. ومولده فِي ثَانِي عشْرين شعْبَان سنة سِتّ وَعشْرين وَسَبْعمائة. وَمَات الرئيس نور الدّين على بن عنان التَّاجِر بالخاص فِي لَيْلَة الْجُمُعَة ثامن عشر شَوَّال. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 203 وَمَات الْخَطِيب نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن هَاشم بن عبد الْوَاحِد بن عشاير الْحلَبِي بِالْقَاهِرَةِ فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء سادس عشْرين ربيع الآخر. وَكَانَ فَقِيها شافعيا عَارِفًا بالفقه والْحَدِيث والنحو وَالشعر وَغَيره. ولي هُوَ وَأَبوهُ خطابة حلب. وَقدم إِلَى الْقَاهِرَة فَلم تطل مدَّته بهَا حَتَّى مَاتَ. وَمَات القَاضِي فتح الدّين مُحَمَّد بن قَاضِي الْقُضَاة بهاء الدّين عبد الله بن عبد الرَّحْمَن ابْن عقيل الشَّافِعِي موقع الدرج فِي حادي عشْرين صفر - وَمَات الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن الْحَافِظ محب الدّين عبد الله بن أَحْمد ابْن الْمُحب الْحَنْبَلِيّ الدِّمَشْقِي بهَا. وَكَانَ إِمَامًا فِي الحَدِيث والورع والزهد. وَمَات الشَّيْخ أَمِين الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد النَّسَفِيّ الْخَوَارِزْمِيّ البلغاري الْمَعْرُوف بالخلوتي فِي سَابِع عشْرين شعْبَان خَارج الْقَاهِرَة. وَمَات القَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد القرمي الْحَنَفِيّ قَاضِي الْعَسْكَر فِي سَابِع عشْرين ربيع الآخر. وَمَات القَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن الخشاب الشَّافِعِي فِي تَاسِع عشْرين شعْبَان. حدث بِصَحِيح البُخَارِيّ عَن وزيره والحجار. وناب فِي حسبَة الْقَاهِرَة وَعمر. وَمَات القَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد بن الوحيد الدِّمَشْقِي بَاشر نظر الْمَوَارِيث وَنظر الْأَوْقَاف. بِمَدِينَة مصر وَشَهَادَة الْجَيْش مَاتَ فِي سَابِع ربيع الأول. وَمَات الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن قطب الْبكْرِيّ الشَّافِعِي فِي خَامِس عشر شَوَّال. تصدر للإشتَغال بالفقه مُدَّة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 204 سنة تسعين وَسَبْعمائة فِي الْمحرم: قدم قَاصد من الْأَمِير منطاش يخبر أَنه بَاقٍ على الطَّاعَة فَقدم الْبَرِيد من حلب أَنه خَارج عَن الطَّاعَة وَقصد بِهَذَا المدافعة عنهَ حَتَّى يدْخل فصل الرّبيع وتذوب الثلوج. فسير السُّلْطَان الْأَمِير سيف الدّين تُلَكتمُر الدوادار بِعشْرَة آلَاف دِينَار لِلْأُمَرَاءِ المجردين تَقْوِيَة لَهُم وتوسعة عَلَيْهِم وليعرف حَقِيقَة أَمر منطاش وَقدم الْأَمِير جُمُق بن الأتابك أيْتمش من حلب وَقد قلد الناصري النِّيَابَة بهَا. وَفِي يَوْم السبت حادي عشرينه: قدم الْأَمِير قُرقُماس - أَمِير الْحَاج - بالمحمل والحاج بعد مَا أَصَابَهُم سيل عَظِيم فِي ترعة حَامِد - فَم وَادي القباب - فَمَاتَ فِيهِ عدد كَبِير غرق مِنْهُم جمع وَدفن مائَة وَسَبْعَة وَتلف من الْأَمْتِعَة شَيْء لَا يعبر عَنهُ كَثْرَة وَذَلِكَ فِي لَيْلَة التَّاسِع عشر مِنْهُ. وَفِيه سمر عَليّ بن نجم أَمِير عرب الفيوم وَمَعَهُ عشرُون رجلا ووسطوا كلهم بِسَبَب قَتلهمْ مُحَمَّد وَعمر ابْني شادي. وَاسْتقر الْأَمِير عَلَاء الدّين أقبغا المارداني كاشف الجيزة. وَقدم رسل ابْن عُثْمَان ملك بُرصا فأنزلوا بالميدان الْكَبِير بِخَط موردة الجبس. وَاسْتقر عمر بن الْخطاب فِي ولَايَة الفيوم وكشفها وكشف البهنسا وأطفيح عوضا عَن أَمِير أَحْمد بن الرُّكْن. وَفِي أول صفر اسْتَقر أيدمر أَبُو زلطة نَائِب الْوَجْه البحري. وعزل قطلوبغا أَبُو درقة. وَاسْتقر أَبُو درقة كاشف الْوَجْه البحري. وَفِي ثامن عشره: أحضر ترسل ابْن عُثْمَان إِلَى الْخدمَة بالقلعة وَقدمُوا هَدِيَّة مرسلهم. وَقدم الْخَبَر برحيل تمرلنك عَن توريز إِلَى سَمَرْقَنْد وَأَن الأسعار ارْتَفَعت بِسَائِر بِلَاد الشَّام وأبيعت الغرارة الْقَمْح فِي بلد الرملة بثلاثمائة دِرْهَم فضَّة فَنقل النَّاس الغلال من ديار مصر إِلَيْهَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 205 وَقدم الْخَبَر بِأَن الشريف عنان بن مغامس اقتتل مَعَ الشريف عَليّ بن عجلَان وَانْهَزَمَ من عَليّ. ثمَّ قدم مقاصده يسْأَل السُّلْطَان الْعَفو عَنهُ. وَقدم الْبَرِيد بِأَن مِنْطاش خرج من ملطية إِلَى سيواس فَسَار الْبَرِيد بِالْخلْعِ وَالْأَمْوَال. لتفرق فِي تَلك الْبِلَاد. وَفِيه فرق نجم الدّين مُحَمَّد الطنبدي محتسب الْقَاهِرَة عدق فُقَرَاء الْفُقَهَاء على الباعة بِسَائِر الْأَسْوَاق ليعلموهم من الْقُرْآن مَا لَا بُد مِنْهُ فِي الصَّلَاة فاستمر ذَلِك وَقرر لكل معلم على كل وَفِي ربيع الأول: منع قراء الأجواق عَامَّة من التهنيك وَأَن يكون عوضه الصَّلَاة على النَّبِي. وَفِي هَذَا الشَّهْر: وَقع بِالْقَاهِرَةِ ومصر وضواحيهم طاعون وحميات حادة وفشى الْمَوْت بذلك فِي النَّاس. وَفِيه عمل السُّلْطَان المولد النَّبَوِيّ بِالْقصرِ على الْعَادة وأقيم السماع بإبراهيم بن الْجمال وأخيهخليل يشبب. وَفِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء ثَمَانِي عشره: حضر ابْنا الْجمال الْمَذْكُورين عِنْد بعض أهل مصر مولدا. فَلَمَّا أقيم السماع سقط الْبَيْت. بِمن فِيهِ فَمَاتَ ابْنا الْجمال فِي سِتَّة أنفس وَسلم من عداهم. وَمن الِاتِّفَاق الْغَرِيب أَنه كَانَ يُغني بِهَذِهِ الأبيات: تَغَنَّيْت فِي حبكم وَلَا فادني مِنْهُ. فن وخضت بحار الْهوى وجزت بوادي محن. وَقَالُوا بِهِ جنَّة ومثلي بكم من يجن. فُؤَادِي بكم هايم وعقلي بكم مفتن أُغني ولي فِيكُم فؤاد كثير الشجن سيطرب من فِي الْحمى ويرقص حَتَّى السكن. فَلَمَّا وصل فِي غنائه إِلَى قَوْله ويرقص حَتَّى السكن سقط الْبَيْت على من فِيهِ وتتمة هَذِه الأبيات: لقد جِئْت مستِعذرا لكم يَا أهيل المحن. فجودوا على عبدكم وَإِن لم تجودوا فَمن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 206 وَفِي هَذِه اللَّيْلَة: عمل الشَّيْخ المعتقد إِسْمَاعِيل بن يُوسُف الإنبابي المولد على عَادَته فِي زاويته بِنَاحِيَة منبوبة من الجيزة تجاه بولاق فَكَانَ فِيهِ من الْفساد مَا لَا يُوصف إِلَّا أَنه وجد من الْغَد فِي الْمزَارِع مائَة وَخَمْسُونَ جرة فارغة من جرار الْخمر الَّتِي شربت - تِلْكَ اللَّيْلَة فِي الخيم سوى مَا حكى عَن الزِّنَا واللياطة فَجَاءَت ريح كَادَت تقتلع الأَرْض. بِمن عَلَيْهَا وَامْتنع النَّاس من ركُوب النّيل فتأخروا هُنَاكَ. وَاتفقَ فِي هَذَا الشَّهْر موت خَمْسَة من الْمَشْهُورين لم يخلفوا بعدهمْ مثلهم فِي مغناهم وهم: علم الدّين سُلَيْمَان الْقَرَافِيّ المادح مَاتَ لَيْلَة الْخَمِيس تاسعه وَإِبْرَاهِيم ابْن الْجمال الْمُغنِي وَأَخُوهُ خَلِيل المشبب فِي لَيْلَة الْأَحَد ثَانِي عشره. وَعلي بن الشاطر رَئِيس المؤذنين بالجامع الْأَزْهَر فِي لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ ثَالِث عشره. والمعلم إِسْمَاعِيل الدجَيجاتي فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء خَامِس عشره. وَفِيه ورد الْخَبَر بِدُخُول الْعَسْكَر الْمصْرِيّ إِلَى بِلَاد ملطية لقِتَال منطاش. وَفِي يَوْم السبت ثَالِث ربيع الآخر: اسْتَقر جمال الدّين يُوسُف بن مُحَمَّد بن عبد الله الْحميدِي فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بالإسكندرية وعزل همام الدّين عبد الْوَاحِد السواسي العجمي. وَسَار الشريف حسن بن عجلَان من الْقَاهِرَة إِلَى مَكَّة وَسَار مَعَه جمَاعَة يُرِيدُونَ الْعمرَة والمجاورة بِمَكَّة. وتزايد الْمَوْت وَطلب الْبِطِّيخ الصيفي للمرضى فأبيعت البطيخة بِخَمْسِينَ درهما فضَّة وأبيع الرطل من الكمثرى بِعشْرَة دَرَاهِم. وَفِيه ندب قَاضِي الْقُضَاة نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن بنت ميلق جماعهَ فقرأو بالجامع الْأَزْهَر صَحِيح البُخَارِيّ ودعوا الله تَعَالَى فِي رفع الطَّاعُون. واجتمعوا أَيْضا فِي يَوْم الْجُمُعَة سادس عشره بالجامع الحاكمي وفعلوا ذَلِك. ثمَّ اجْتَمعُوا مرّة ثَالِثَة بالجامع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 207 الْأَزْهَر بعد عصر يَوْم الْإِثْنَيْنِ تَاسِع عشره وَمَعَهُ كثير من الْأَطْفَال الْأَيْتَام فَكَانَ جمعا موفوراً. وَفِي سادس عشرينه: اسْتَقر الْأَمِير أيدكار الْعمريّ حَاجِب الْحجاب بديار مصر عوضا عَن الْأَمِير قطلوبغا الكوكاي وَكَانَت هَذِه الْوَظِيفَة متوفرة نَحْو أَربع سِنِين بعد وَفَاة الكوكاي وأضيف إِلَيْهِ نظر الخانقاة الشيخونية. وَاسْتقر الْأَمِير سيف الدّين الْمَعْرُوف بسيدي أَبُو بكر بن سنقر الجمالي حَاجِب ميسرَة بإمرة مائَة عوضا عَن أيدكار بِحكم انْتِقَاله حَاجِب الْحجاب. وَفِي تَاسِع عشرينه: مَاتَ الْأَمِير سُبْرج وَالِي بَاب قلعة الْجَبَل. وَكثر الْمَوْت فِي المماليك بالقلعة فَكَانَ يَمُوت مِنْهُم فِي كل يَوْم زِيَادَة على عشْرين نفسا. وَفِي أَول جُمَادَى الأولى: بلغت عدَّة الْأَمْوَات الواردين على الدِّيوَان إِلَى مِائَتَيْنِ وَخَمْسَة وَثَلَاثِينَ سوى من يَمُوت بالمارستَان وَسوى الطرحاء على الطرقات. وَفِي رابعه: اسْتَقر بحاس النوروزي نَائِب بَاب القلعة وتزايدت عدَّة الْمَوْتَى. وَفِي رَابِع عشره: اسْتَقر فَخر الدّين عبد الرَّحْمَن بن عبد الرَّزَّاق بن إِبْرَاهِيم بن مكانس فِي نظر الدولة عوضا عَن أَمِين الدّين عبد الله بن ريشة بعد مَوته. وَفِي حادي عشرينه: ورد صراي تَمُر - دوادار الْأَمِير يُونُس الدوادار ومملوك نَائِب حلب - على الْبَرِيد بِأَن الْعَسْكَر توجه إِلَى سيواس وَقَاتل عسكرها وَقد استنجدوا بالتتر فَأَتَاهُم مِنْهُم نَحْو السِّتين ألفا فحاربوهم يَوْمًا كَامِلا وهزموهم وحصروا سيواس بَعْدَمَا قتل كثير من الْفَرِيقَيْنِ وجرح معظمهم وَأَن الأقوات عِنْدهم عزيزة فَجهز السُّلْطَان إِلَى الْعَسْكَر مبلغ خمسين ألف دِينَار مصرية وَسَار بهَا تُلَكتمُر الدوادار فِي سَابِع عشرينه. ثمَّ أَن الْعَسْكَر تحركوا للرحيل عَن سيواس فهجم عَلَيْهِم التتار من ورائهم فبرز إِلَيْهِم الْأَمِير يلبغا الناصري نَائِب حلب وَقتل مِنْهُم خلقا كثير وَأسر نَحْو الْألف وَأخذ مِنْهُم الْعَسْكَر نَحْو عشرَة وَفِي حادي عشرينه: اسْتَقر كل من جَركس وقُطْلوبَك السيفي أَمِير جاندار عوضا عَن يَلْبُغا المحمدي وألطنبغا عبد الْملك بعد مَوْتهمَا. وَقدم الْبَرِيد بقتل الصارم إِبْرَاهِيم بن شَهْري نَائِب دوركي على سيواس. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 208 وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث جُمَادَى الْآخِرَة: اسْتَقر الْأَمِير جمال الدّين مَحْمُود بن على شاد الدَّوَاوِين فِي أستادارية السُّلْطَان بعد موت الْأَمِير بهادر المنجكي وَاسْتقر نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الحسام لاجين الصقري أستادار الْأَمِير سودن بَاقٍ فِي شدّ الدَّوَاوِين. وَفِي يَوْم الْخَمِيس خَامِس جُمَادَى الْآخِرَة: أنعم على كل من بَلُوط الصَرْغَتْمشىُ ونوغيه العلاي وناصر الدّين مُحَمَّد بن الْأَمِير مَحْمُود بإمرة طبلخاناة. وعَلى كل من دَاوُد ابْن دلغادر وناصر الدّين مُحَمَّد بن الحسام الصقري الشاد بإمرة عشرَة. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير مَحْمُود الأستادرار مشير الدولة وخلع عَلَيْهِ فَتحدث فِي الدولة وَالْخَاص والديوان الْمُفْرد وَصَارَ عَزِيز مصر. وَحضر عِنْده الصاحب علم الدّين كَاتب سَيِّدي وموفق الدّين أَبُو الْفرج نَاظر الْخَاص وائتمرا بأَمْره. وَفِي ثامنه: ارْتَفع الوباء بَعْدَمَا تجَاوز الثلاثمائة فِي كل يَوْم. وَفِي عاشره: قدم الْبَرِيد من الْأَمِير يُونُس وَمن نَائِب حلب بِخَبَر وقْعَة سيواس الَّتِي ذَكرنَاهَا وَفِي ثَانِي عشره: خلع على الصاحب علم الدّين خلعة اسْتِمْرَار بعقب غضب السُّلْطَان عَلَيْهِ. وَفِي رَابِع عشره - الْمُوَافق سادس عشْرين بؤونة: - أَخذ قاع النّيل فجَاء سِتَّة أَذْرع وَثَمَانِية أَصَابِع. وَفِيه قدم الْفَقِيه قَاضِي الْقُضَاة ولي الدّين أَبُو زيد عبد الرَّحْمَن بن خلدون الأشبيلي المغربي من الْحجاز إِلَى الْقَاهِرَة. وَفِي تَاسِع رَجَب: قدم الْأَمِير تُلَكتمر الدوادار وَأخْبر بِأَن منطاش قد فر من سيواس خوفًا من القَاضِي برهَان الدّين أَحْمد صَاحبهَا أَن يقبض عَلَيْهِ. وَفِي خَامِس عشره: اسْتَقر الْأَمِير قُطلوبُغا الأسَنْقجاوي أَبُو درقة كاشف الْوَجْه البحري عوضا عَن ركن الدّين عمر بن إلْيَاس بن أخلا قُرطُ. وَفِي خَامِس عشرينه: اسْتَقر مُقْبل الطَّيِّبِيّ وَالِي قوص ملك الْأُمَرَاء بِالْوَجْهِ القبلي وعزل مبارك. وَاسْتقر الصارم إِبْرَاهِيم الشهابي فِي ولَايَة قوص. وَفِي أول شعْبَان: أوفي النّيل وَوَافَقَ ثَالِث عشر مسرى. وَفِي ثالثه: قدم الْعَسْكَر الْمُجَرّد والأمراء من سيواس إِلَى قلعة الْجَبَل بِغَيْر طائل فَخلع على الْأُمَرَاء وأركبوا خيولا بقماش ذهب فَكَانَت غيبتهم عَن. الْقَاهِرَة سنة أَيَّامًا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 209 وَفِي عاشره: اسْتَقر بتخاص السودوني - حَاجِب طرابلس - فِي نِيَابَة صفد بعد موت أركماس. وَفِي خَامِس عشره: طلب السُّلْطَان الطواشي بهادُر مقدم المماليك فَلم يُوجد بالقلعة فَأحْضرهُ سكرانا من بَيت على الْبَحْر فَاشْتَدَّ حنق السُّلْطَان عَلَيْهِ ونفاه إِلَى صفد وَأعْطى بهَا إمرة عشرَة. وَاسْتقر عوضه الطواشي شمس الدّين صَوَاب السَّعْدِيّ - الْمَعْرُوف بشنكل الْأسود - مقدم المماليك فِي سَابِع عشره. وَاسْتقر الطواشي سعد الدّين بشير الشرفي عوضا عَن شنكل فِي نِيَابَة الْمُقدم. وَفِيه قدمت رسل الفرنج بجنوة فِي الحَدِيث بِسَبَب من قبض عَلَيْهِ من الفرنج. وَذَلِكَ أَنه ورد الْخَبَر أَن بعض أقَارِب السُّلْطَان قدمُوا من بِلَاد الجراكسة فِي الْبَحْر فَأَخذهُم الفرنج فَقبض على من بالإسكندرية مِنْهُم وَختم على أَمْوَالهم. وَفِي ثَالِث عشرينه: قدم الْبَرِيد. بِمَوْت قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة بِدِمَشْق فصلى عَلَيْهِ صَلَاة الْغَائِب بجوامع الْقَاهِرَة ومصر فِي يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشرينه. وَفِيه عُقد عقد القَاضِي جمال الدّين مَحْمُود القيصري - قَاضِي الْعَسْكَر - على ابْنة نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْمعلم شهَاب الدّين أَحْمد الطيلُوني فِي بَيت الْأَمِير يُونُس الدوادار فَكَانَ يَوْمًا مشهودا. وَفِيه اسْتَقر القَاضِي سرى الدّين أَبُو الْخطاب مُحَمَّد ابْن قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد بن زين الدّين أبي مُحَمَّد عبد الرَّحِيم بن عَليّ بن عبد الْملك السُّلمي المسَّلاتي فِي قَضَاء الْقُضَاة بِدِمَشْق عوضا عَن الْبُرْهَان بن جمَاعَة وَحمل إِلَيْهِ التشريف والتقليد إِلَى دمشق مسئولا بذلك. وَفِي ثامن رَمَضَان: خلع على الصاحب علم الدّين عقب عافيته من مَرضه وعَلى الْفَخر بن مكانس نَاظر الدولة وَابْن الحسام الشاد وعَلى مُحَمَّد بن صَدَقَة الأعسر وَاسْتقر وَالِي الأشمونين عوضا عَن أَمِير حَاج بن أيدمر وَنقل أَمِير حَاج إِلَى ولَايَة الفيوم وكشفها وكشف البهنسا وأطفيح عوضا عَن عمر بن خطاب. وَاسْتقر مُحَمَّد بن الهذباني فِي ولَايَة البهنسا وعزل قُوزي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 210 وَفِي تَاسِع عشره: قبض على سعد الدّين نصر الله بن البقري نَاظر الدِّيوَان الْمُفْرد وَسلم لشاد الدَّوَاوِين وألزم بِخَمْسَة آلَاف دِينَار فَبَاعَ أملاكه. وَقبض على سعد الدّين ابْن قَارُورَة مُسْتَوْفِي الدولة - وألزم بِثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم. وَفِي رَابِع عشرينه: قبض على الصاحب الْوَزير علم الدّين عبد الْوَهَّاب بن القسيس الْمَعْرُوف بكاتب سَيِّدي. واستدعى الصاحب كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن الغنام وخلع خلعة الوزارة وَسلم إِلَيْهِ كَاتب سَيِّدي فألزمه. بِمَال حمل مِنْهُ ثَلَاثمِائَة ألف دِرْهَم بعد مَا قبض على حَوَاشِيه والحاج عبيد البزدار مقدم الدولة. وَفِي يَوْم الْخَمِيس - سادس شَوَّال: قدم من حلب الْأَمِير قرادمراش باستدعاء. وَفِي تاسعه: قدم من الْحجاز الشريف عنان بن مغامس أَمِير مَكَّة واستجار بالأمير الْكَبِير أَيتمش وَنزل عِنْده فشفع فِيهِ وأحضره إِلَى السُّلْطَان فَعَفَا عَنهُ. وَفِي عاشره: اسْتَقر شمس الدّين مُحَمَّد بن أخي الْجَار النَّيْسَابُورِي فِي مشيخة سعيد السُّعَدَاء عوضا عَن شهَاب الدّين أَحْمد الْأنْصَارِيّ. وَخرج الْحَاج على الْعَادة وأمير الركب الأول جركس الخليلي أَمِير آخور وأمير الركب الثَّانِي أقبغا المارداني صُحْبَة الْمحمل. وَقدم الْخَبَر من أُمَرَاء دمشق. بمخامرة أَلطُنبُغا الجوباني نَائِب دمشق وَأَنه ضرب طُرنُطاي حَاجِب الْحجاب واستكثر من اسْتِخْدَام المماليك فَبلغ الجوباني ذَلِك فَاسْتَأْذن فِي الْحُضُور فَأذن لَهُ فَركب الْبَرِيد من دمشق وَنزل سرياقوس - خَارج الْقَاهِرَة - لَيْلَة الْخَمِيس سَابِع عشرينه فَبعث إِلَيْهِ السُّلْطَان الْأَمِير فَارس الصَرْغَتْمشُى الجوكندار فقيده وَسَار بِهِ إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجنه بهَا. وَقبض بقلعة الْجَبَل فِي يَوْم السبت تَاسِع عشرينه على الْأَمِير أَلْطُنْبغا الْمعلم أَمِير سلَاح وقردُم الحَسَنيِ - رَأس نوبَة - وقيدا وحملا إِلَى سجن الْإسْكَنْدَريَّة مَعَ أَلْجبُغا الجمالي الدوادار. وَاسْتقر الْأَمِير سيف الدّين طرنطاي حَاجِب دمشق فِي نيابتها عوضا عَن الجوباني وَحمل إِلَيْهِ التشريف والتقليد من قلعة الْجَبَل إِلَى دمشق مَعَ سودن الطرنطاي. وَكتب بِقَبض الْأَمِير كمشبغا الْحَمَوِيّ نَائِب طرابلس فَقدم سَيْفه فِي عَاشر ذِي الْقعدَة. وَفِي حادي عشره: اسْتَقر الْأَمِير ألجبُغا الجمالي الدوادار خازندارا ثَانِيًا. وَتوجه الْأَمِير شيخ الصفوي بتقليد أسندمر المحمودي حَاجِب طرابلس نِيَابَة طرابلس. وَنفي كُمُشبغُا الأشرفي الخاصكي رَأس نوبَة إِلَى طرابلس فَسَار من دمياط لِأَنَّهُ كَانَ فِي اليزك بهَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 211 وَفِي خَامِس عشرينه: عزل أَيدمر نَائِب الْوَجْه البحري ثمَّ أُعِيد من يَوْمه. وَفِي سادس عشرينه: قدم الْبَرِيد بِعشْرين سَيْفا من سيوف الْأُمَرَاء الَّذين قبض عَلَيْهِم بِبِلَاد الشَّام. وَكتب بِالْقَبْضِ على الْأُمَرَاء البطالين بِبِلَاد الشَّام فَقبض عَلَيْهِم. وأعيد سودن العثماني على نِيَابَة حماة. وَاسْتقر كشلي القلمطاوي نَائِبا. بملطية. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي ذِي الْحجَّة: قدم الْأَمِير سودن الطرنطاي من الشَّام بَعْدَمَا قلد نَائِب وَفِيه قدمت رسل الْأَمِير قرا مُحَمَّد التركماني بكتابه يخبر أَنه أَخذ مَدِينَة تبريز وَضرب بهَا السِّكَّة باسم السُّلْطَان ودعا لَهُ على منابرها وسير دَنَانِير ودراهم ضربت بالسكة السُّلْطَانِيَّة. وَسَأَلَ أَن يكون بهَا نَائِبا عَن السلطة فَأُجِيب بالشكر وَالثنَاء. وَاسْتقر جمق السيفي فِي ولَايَة الفيوم وكشفها عوضا عَن أَمِير حَاج بن أَيدَمُر. وَقدم الْأَمِير شيخ الصفوي من طرابلس. وَفِي ثَانِي عشرينه: اسْتَقر شمس الدّين مُحَمَّد بن عِيسَى أَمِير عرب الْعَائِد فِي كشف الشرقية وولايتها عوضا عَن قُطْلُوبُغا التركماني. وَفِي سادس عشرينه: قدم مبشرو الْحَاج وأخبروا بالأمن والسلامة. وَقدم الْبَرِيد من الْإسْكَنْدَريَّة بوصول خواجا عَليّ أخي الخواجا عُثْمَان وَمَعَهُ جَمِيع من أسرهم الفرنج من أقَارِب السُّلْطَان. وَاسْتقر تَقِيّ الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الله ابْن قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين أبي المحاسن يُوسُف ابْن قَاضِي الْقُضَاة شرف الدّين أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن الْحُسَيْن بن سُلَيْمَان بن فَزَارَة الكُفْري فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن نجم الدّين أَحْمد بن أبي الْعِزّ بن الكشك. وَاسْتقر شمس الدّين مُحَمَّد بن الشهَاب أَحْمد بن المُهَاجر الْحلَبِي فِي قَضَاء الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بحلب عوضا عَن شرف الدّين مَسْعُود. وأعيد محب الدّين مُحَمَّد بن الْكَمَال مُحَمَّد بن الشّحْنَة إِلَى قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بحلب عوضا عَن موفق الدّين. وَاسْتقر عَلَاء الدّين عَليّ بن أَحْمد بن عبد الله بن المقارعي فِي قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَابِلَة بحلب عوضا عَن شهَاب الدّين أَحْمد بن فياض. وَكَانَ الْحَاج من مصر خَاصَّة سَبْعَة ركُوب من كثرتهم سوى ركبي المغاربة والتكاررة لتتمة تِسْعَة ركُوب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 212 وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر من الْأَعْيَان قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحِيم بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم ابْن سعد الله بن جمَاعَة الْكِنَانِي الشَّافِعِي بِدِمَشْق لَيْلَة الْجُمُعَة ثامن عشر شعْبَان ومولده سنة خمس وَعشْرين وَسَبْعمائة. وَلم يخلف بعده مثله. وَمَات الشَّيْخ جمال الدّين إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم الأسيوطي الشَّافِعِي بِمَكَّة فِي ثَانِي شهر رَجَب. وَقد أسن وَأفْتى ودرس وأسمع صَحِيح مُسلم وَغَيره. وَمَات الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن عمر بن قليج وَالِي الفيوم. كَانَ أَبوهُ أحد أُمَرَاء الألوف وَكَاشف الْوَجْه القبلي. وَمَات الشَّيْخ المعتقد إِسْمَاعِيل بن يُوسُف الإنبابني بزاويته بِنَاحِيَة منبابة فِي سلخ شعْبَان. وَمَات عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن عَليّ الْمَعْرُوف بِابْن المشرف أستادار الْأَمِير جركس الخليلي فِي الْعشْرين من ذِي الْقعدَة. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين بهادر المنجكي أستدار السُّلْطَان وَأحد الْأُمَرَاء الألوف فِي أول جُمَادَى الْآخِرَة. وَمَات الْوَزير الصاحب علم الدّين بن القسيس الْمَعْرُوف بكاتب سَيِّدي الْأَسْلَمِيّ فِي آخر ذِي الْحجَّة. وَمَات القَاضِي أَمِين الدّين عبد الله بن مجد الدّين فضل الله بن أَمِين الدّين عبد الله بن ريشة القبطي الْأَسْلَمِيّ نَاظر الدولة فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء سادس جُمَادَى الأولى. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين جلبان الْحَاجِب فِي خَامِس عشْرين رَمَضَان وَكَانَ خيرا متدينا عَارِفًا. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين سُبْرج الكمشبغاوي نَائِب قلعة الْجَبَل فِي تَاسِع عشْرين ربيع الآخر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 213 وَمَات الشَّيْخ عَلَاء الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِالْعَلَاءِ السيرامي العجمي شيخ الْمدرسَة الظَّاهِرِيَّة المستجدة بَين القصرين فِي ثَالِث جُمَادَى الأولى. وَكَانَ فَاضلا فِي الْفِقْه على مَذْهَب أبي حنيفَة مشاركا فِي غَيره مشكور السِّيرَة. وَمَات الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن قطلوبغا المحمدي الْمَعْرُوف بقشقلدق أحد أُمَرَاء العشرات فِي ثَانِي جُمَادَى الْآخِرَة. وَمَات القَاضِي عز الدّين أَبُو الْيمن مُحَمَّد بن عبد اللطف بن الكُوَيك الربعِي الشَّافِعِي فِي ثَانِي عشر جُمَادَى الأولى عَن خمس وَسِتِّينَ سنة وَقد أسمع الحَدِيث مُدَّة. وَمَات القَاضِي تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن شَاس الْمَالِكِي موقع الدست فِي سَابِع عشر شعْبَان. وَقد عين لكتابة السِّرّ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 214 (سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَسَبْعمائة) أهلت بِيَوْم الْخَمِيس فَفِي خَامِس الْمحرم: اسْتَقر قطلوبك السَّعْدِيّ البريدي وَالِي الشرقية عوضا عَن الْأَمِير شمس الدّين مُحَمَّد بن عِيسَى العايدي. وَاسْتقر ابْن عِيسَى كاشف الشرقية. وَفِي ثامنه: قدمت رسل ابْن قَرَمان بهدية فقبلها السُّلْطَان وخلع عَلَيْهِم. وَفِي تَاسِع عشره: قدمت رسل فرنج جنوة بالخواجا عَليّ وأقارب السُّلْطَان وَمَعَهُ هَدِيَّة ملكهم فَقبلت وخلع عَلَيْهِم. وَفِيه قدم الْأَمِير جركس الخليلي من الْحجاز بإخوة السُّلْطَان. وَفِي ثَالِث عشرينه: قدم الْبَرِيد من سيس بِأَن خَلِيل بن دلغادر ونائب سيس جمعا تركمان الطَّاعَة وحاربوا سولى بن دلغادر ومنطاش وَقتلُوا كثيرا من أصحابهما وهزماهما وَغنما مَا مَعَهُمَا من الْأَمْوَال والحريم. وَفِيه قدم الْأَمِير أقبغا المارداني بالمحمل وَبَقِيَّة الْحَاج. وَفِيه اسْتَقر الشَّيْخ جلال الدّين نصر الله الْبَغْدَادِيّ الْحَنْبَلِيّ فِي تدريس الْمدرسَة الظَّاهِرِيَّة المستجد بدرس الحَدِيث النَّبَوِيّ عوضا عَن الشَّيْخ أَحْمد بن أبي يزِيد الْمَعْرُوف بمولانا زَاده السيرامي. وَاسْتقر قَاضِي الْقُضَاة ولي الدّين أَبُو زيد عبد الرَّحْمَن ابْن خلدون عوضه فِي تدريس الحَدِيث بِالْمَدْرَسَةِ الصَرْغُتمشية خَارج الْقَاهِرَة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: أشيع أَن الْأَمِير يلبغا الناصري - نَائِب حلب - وَقع بَينه وَبَين الْأَمِير سودُن المظفري وَكَاتب كل مِنْهُمَا فِي الآخر فلهج الْعَامَّة فِي كل وَقت بقَوْلهمْ: من غلب صَاحب حلب حَتَّى لَا تكَاد تَجِد صَغِيرا وَلَا كَبِيرا إِلَّا وَيَقُول ذَلِك حَتَّى كَانَ من غلب الناصري نَائِب حلب مَا يَأْتِي ذكره فَكَانَ هَذَا من غرائب الاتفاقات. وَفِي يَوْم الْأَحَد خَامِس صفر: جمع السُّلْطَان الْأُمَرَاء الخاصكية فِي الميدان تَحت القلعة وَشرب مَعَهم القمز وَقرر لشربه يومي الْأَحَد وَالْأَرْبِعَاء. وَفِي سابعه: اسْتَقر سيف الدّين أَبُو بكر بن شرف الدّين مُوسَى بن الديناري فِي ولَايَة قوص عوضا عَن الصارم إِبْرَاهِيم الشهابي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 215 وَفِي عاشره: بعث السُّلْطَان هَدِيَّة الْأَمِير يلبغا الناصري فِيهَا عدَّة خُيُول بقماش ذهب وقباء واستدعاه ليحضر. فَلَمَّا قدم ذَلِك عَلَيْهِ خشِي أَن يفعل بِهِ كَمَا فعل بالأمير ألطنبغا الجوباني فَكتب يعْتَذر عَن الْحُضُور بحركهَ التركمان ومنطاش وَالْخَوْف على حلب مِنْهُم فَلم يقبل السُّلْطَان عذره وَكثر تخيله مِنْهُ. وَبعث الْأَمِير تلكتمر المحمدي الدوادار إِلَى حلب وعَلى يَده مثالين ليلبغا الناصري وسودُن المظفري أَن يصطلحا بِحَضْرَة الْأُمَرَاء والقضاة. وسير مَعَه خلعتين يلبسانهما بعد صلحهما. وَحمله فِي الْبَاطِن عدَّة ملطفات إِلَى سودن المظفري وَغَيره من الْأُمَرَاء بِقَبض الناصري وَقَتله إِن امْتنع من الصُّلْح. وَكَانَ مَمْلُوك الناصري قد تَأَخّر عَن السّفر ليفرق كتبا من أستاذه على الْأُمَرَاء يَدعُوهُم إِلَى مُوَافَقَته على الثورة بالسلطان. وَأخر السُّلْطَان جَوَاب الناصري الْوَارِد على يَده ليسبقه تلكتمر إِلَى حلب فَبلغ الْمَمْلُوك مَا على يَد تلكتمر من الملطفات وَأخذ الْجَواب وَسَار على الْبَرِيد وجد فِي السُّوق حَتَّى دخل حلب قبل تلكتمر. وَعرف الناصري الْحَال كُله وَيُقَال إِن تلكتمر كَانَ بَينه وَبَين الشَّيْخ حسن - رَأس نوبَة الناصري - مصاهرة فَلَمَّا قرب من حلب بعث يُخبرهُ. بِمَا أَتَى فِيهِ فَتنبه الناصري لما أخبرهُ الشَّيْخ حسن برسالة تلكتمر وَاحْترز لنَفسِهِ. وَخرج حَتَّى لَقِي تلكتمر على الْعَادة وَأخذ مِنْهُ الْمِثَال وَحضر بِهِ إِلَى دَار السَّعَادَة وَقد اجْتمع الْأُمَرَاء والقضاة وَغَيرهم لسَمَاع الْمِثَال السلطاني. وَتَأَخر سودُن المظفري عَن الْحُضُور وَالرسل تستدعيه حَتَّى حضر وَهُوَ لابس آلَة الْحَرْب من تَحت ثِيَابه. فعندما دخل الدهليز جس قازان البرقشي - أَمِير آخور الناصري - كتفه فَوجدَ السِّلَاح وَقَالَ: يَا أَمِير الَّذِي يُرِيد الصُّلْح يدْخل لابس آلَة الْحَرْب. فَسَبهُ المظفري فسل قازان عَلَيْهِ السَّيْف وضربه وأخذته السيوف من الدّين رتبهم الناصري من مماليكه حَتَّى برد فَجرد ممالكيه أَيْضا سيوفهم وقاتلوا مماليك الناصري فَقتل بَينهم أَرْبَعَة. وثارت الْفِتْنَة فَقبض الناصري على حَاجِب الْحجاب وَأَوْلَاد المهمندار وعدة مِمَّن يخافهم وَركب إِلَى القلعة وتسلمها. واستدعى التركمان والعربان وَقدم عَلَيْهِ الْأَمِير منطاش معاونا لَهُ وداخلاً فِي طاعتة. وَبعث تلكتمر إِلَى السُّلْطَان فَقدم فِي خَامِس عشره وَأعلم السُّلْطَان بِخُرُوج الناصري عَن الطَّاعَة وَاجْتمعَ النَّاس مَعَه وَكتب السُّلْطَان فِي سَابِع عشره إِلَى الْأَمِير سيف الدّين أينال اليوسفي أتابك دمشق بنيابة حلب وجهز إِلَيْهِ التشريف والتقليد. وَطلب السُّلْطَان فِي ثامن عشره الْقُضَاة والأعيان وَأهل الدولة من الْأُمَرَاء وَغَيرهم وَحَدَّثَهُمْ بعصيان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 216 الناصري واستشارهم فِي أمره فَوَقع الِاتِّفَاق على إرْسَال عَسْكَر لقتاله فَحلف الْأُمَرَاء كلهم ثمَّ خرج السُّلْطَان إِلَى الْقصر الأول وَحلف أكَابِر المماليك على الطَّاعَة. وَفِي تَاسِع عشره: ضربت خيمة كَبِيرَة بالميدان تَحت القلعة وَضرب بجانبها عدَّة صواوين برسم الْأُمَرَاء وَنزل السُّلْطَان إِلَى الْخَيْمَة وَحلف الْأُمَرَاء وَسَائِر المماليك. ثمَّ مد لَهُم سماطاً جَلِيلًا فَأَكَلُوا وانفضوا. وَفِي رَابِع عشرينه: قدم الْبَرِيد من دمشق بِأَن قرا بغا فرج الله وبزلار الْعمريّ ودمرداش اليوسفي وكمشبغا الخاصكي الْأَشْرَف وأقبغا حنجق اتجمع مَعَهم عدَّة كَبِيرَة من المماليك المنفيين وقبضوا على الْأَمِير سيف الدّين أسندمر نَائِب طرابلس وَقتلُوا من الْأُمَرَاء صَلَاح الدّين خَلِيل بن سنجر وَابْنه وقبضوا على جمَاعَة ودخلوا فِي طَاعَة الناصري. وَفِيه عرض السُّلْطَان المماليك وَعين مِنْهُم أَرْبَعمِائَة وَثَلَاثِينَ للسَّفر ورسم لمن يذكر من الْأُمَرَاء بِالسَّفرِ وهم: الْأَمِير الْكَبِير أيتمش الأتابك والأمير جركس الخليلي أَمِير آخور والأمير شهَاب الدّين أَحْمد بن يلبغا أَمِير مجْلِس والأمير يُونُس الدوادار والأمير أيدكار حَاجِب الْحجاب وَهَؤُلَاء أُمَرَاء أُلُوف. وَمن أُمَرَاء الطبلخانات فَارس الصَرْغَتْمُشى وبَكْلمش رَأس نوبَة وجركس المحمدي وشاهين الصرغتمشى وأقبغا الصَّغِير السلطاني وأينال الجركسي أَمِير آخور وقديد القلمْطاوي. وَمن أُمَرَاء العشراوات خضر بن عمر بن بَكتمُر الساقي وناصر الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أقبغا آص وَحمل إِلَى الْأَمِير أيتمشِ مِائَتَا ألف دِرْهَم فضَّة وَعشرَة آلَاف دِينَار ذَهَبا مصرية. وَإِلَى كل من أُمَرَاء الألوف مائَة ألف دِرْهَم وَخَمْسَة آلَاف دِينَار مَا خلا أيدكار فَإِنَّهُ حُمل لَهُ مبلغ سِتِّينَ ألف دِرْهَم مَعَ الذَّهَب نظيرهم. وَلمن عداهم من الْأُمَرَاء لكل مِنْهُم بلغ خمسين ألف دِرْهَم وَألف دِينَار وَأَرْبَعمِائَة دِينَار. وَفِي سادس عشرينه: قدم الْبَرِيد بِأَن مماليك الْأَمِير سيف الدّين سودن العثماني - نَائِب حماة - هموا بقتْله ففر إِلَى دمشق وَأَن الْأَمِير سيف الدّين بيرم الْعزي الْحَاجِب بحماة دخل فِي طَاعَة الناصري وَملك حماة فَعرض السُّلْطَان المماليك وَعين مِنْهُم أَرْبَعَة وَسبعين لتتم جملَة من يُسَافر من المماليك خَمْسمِائَة. وَورد الْخَبَر باستيلاء الفرنج على جَزِيرَة جَربة. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشرينه: رسم للأمير بجاس وَالِي بَاب القلعة فَتوجه إِلَى الْخَلِيفَة المتَوَكل وَنَقله إِلَى برج وضيق عَلَيْهِ وَمنع النَّاس من الدُّخُول إِلَيْهِ خوفًا من الجزء: 5 ¦ الصفحة: 217 الناصري أَن يدس من يَأْخُذهُ فَإِنَّهُ - أَي الناصري - شنع على السُّلْطَان بِأُمُور أكبرها سجن الْخَلِيفَة. فَبَاتَ الْخَلِيفَة بِهِ لَيْلَة وَاحِدَة ثمَّ أُعِيد إِلَى مَكَانَهُ. ورسم للطواشي مقبل الزِّمَام بالتضييق على الأسياد أَوْلَاد الْمُلُوك الناصرية وَمنع من يتَرَدَّد إِلَيْهِم والفحص عَن أَحْوَالهم فَفعل ذَلِك. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي ربيع الأول: خرج الْبَرِيد بتقليد الْأَمِير سيف الدّين طُغاي تَمُر القبلاوي - أحد أُمَرَاء دمشق - نِيَابَة طرابلس. وَفِي خامسه: قدم قَاصد خَلِيل بن دلغادر بكتاه يخبر أَن سُنْقُر - نَائِب سيس - توجه إِلَى الناصري وَدخل فِي طَاعَته فَلَمَّا عَاد قبض عَلَيْهِ وَبعث سَيْفه فَخلع على قاصده. وَفِيه أنْفق فِي المماليك نَفَقَة ثَانِيَة فَالْأولى لكل وَاحِد من الْخَمْسمِائَةِ مَمْلُوك ألف دِرْهَم فضَّة وَالثَّانيَِة أَيْضا ألف دِرْهَم سوى الْخَيل وَالْجمال وَالسِّلَاح فَإِنَّهُ فرق فِي أَرْبَاب الجوامك لكل وَاحِد جملان وَلكُل اثْنَيْنِ من أَرْبَاب الأخباز ورتب لَهُم اللَّحْم والجرايات والعليق فرتب لكل من رُءُوس النوب فِي الْيَوْم سِتّ عشرَة عليقة وَلكُل من أكَابِر المماليك فِي الْيَوْم عشر علائق وَلكُل من أَرْبَاب الجوامك خمس علائق. ورسم لكل مَمْلُوك فِي دمشق. بمبلغ خَمْسمِائَة دِرْهَم. وَفِي رَابِع عشره: استدعى السُّلْطَان شيخ الْإِسْلَام سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ إِلَى مَسْجِد رُديني دَاخل القلعة واستدعى الْخَلِيفَة المتَوَكل على الله فَقَامَ إِلَيْهِ وتلقاه وَأخذ فِي ملاطفته والاعتذار إِلَيْهِ وتحالفا. وَمضى الْخَلِيفَة إِلَى مَوْضِعه فَبعث إِلَيْهِ السُّلْطَان عشرَة آلَاف دِرْهَم وعدة بقج فِيهَا صوف وَثيَاب سكندرية وفرو لتتمة الْقيمَة عَن الْجَمِيع ألف دِينَار. فَبعث الْخَلِيفَة بِجُزْء وافر من ذَلِك إِلَى شيخ الْإِسْلَام وَإِلَى وَالِي القلعة. وتواترت الْأَخْبَار بِدُخُول سَائِر أُمَرَاء الشَّام والمماليك اليلبغاوية والأشرفية وسولى أَمِير التركمان ونعير أَمِير العربان فِي طَاعَة الناصري على محاربة السُّلْطَان. وَأَنه أَقَامَ سناجق خليفتيه وَأخذ جَمِيع القلاع خلا دمشق وبعلبك والكرك فَكثر الِاضْطِرَاب بِالْقَاهِرَةِ وقلعة الْجَبَل. وَخرج الْأُمَرَاء والمماليك فِي يَوْم السبت رَابِع عشره إِلَى الريدانية خَارج الْقَاهِرَة بتجمل عَظِيم واحتفال زائده فَإِن الدولة كَانَت لم تطرق والبلد لم يتَغَيَّر حَاله وَالنَّاس فِي عَافِيَة بِلَا محنة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 218 وَأَقَامُوا فِي التبريز إِلَى يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس عشره فَكَانَت أَيَّامًا مَشْهُودَة. وَفِيه قدم الْبَرِيد من صفد بِأَن وقْعَة كَانَت بهَا من أجل مخامرة بعض الْأُمَرَاء. وَفِيه أنعم على قرابغا الأبو بكري بإمرة صراي الرجي الطَّوِيل وأنعم بإقطاعه على طغايَ تمُر الجَرَكتمُرى. وَفِي سَابِع عشره: عزل موفق الدّين أَبُو الْفرج من نظر الْجَيْش وَاسْتقر عوضه جمال الدّين مَحْمُود القيسري قَاضِي الْعَسْكَر الْحَنَفِيّ وَاسْتقر الشَّيْخ شرف الدّين عُثْمَان الْأَشْقَر إِمَام السُّلْطَان فِي قَضَاء الْعَسْكَر. وَاسْتقر القَاضِي سراج الدّين عمر الْحَنَفِيّ العجمي محتسب الْقَاهِرَة فِي تدريس التَّفْسِير بالقبة المنصورية عوضا عَن جمال الدّين برغبته لَهُ عَنهُ. وَقدم الْبَرِيد من دمشق بِأَن سودن العثماني - نَائِب حماة - جدد لَهُ بركا بِدِمَشْق وَأقَام عسكرا وَسَار مَعَه الْأَمِير صارم الدّين إِبْرَاهِيم بن هُمُزْ التركماني يُرِيد أَخذ حماة فَلَقِيَهُ الْأَمِير منطاش بعسكر حلب وقاتله وهزمه إِلَى حمص وَمَعَهُ ابْن هُمُز. وَفِيه أَمر السُّلْطَان بِإِبْطَال الرماية والسلَف على البرسيم وَالشعِير وَإِبْطَال قِيَاس الفصب والقلقاس والإعفاء بِمَا على ذَلِك من الْمُقَرّر السلطاني. وَفِي سلخه: عزل مُقْبل الطَّيِّبِيّ عَن نِيَابَة الْوَجْه القبلي وأعيد مبارك شاه. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء أول ربيع الآخر: قدم الْبَرِيد من دمشق بِأَن كُمُشْبُغا المنجكي - نَائِب بعلبك - دخل فِي طَاعَة الناصري. وَفِي خامسه: قدم الْبَرِيد بِأَن ثَلَاثَة عشر من أُمَرَاء دمشق خَرجُوا. بمماليكهم إِلَى حلب نصْرَة للناصري فواقعهم النَّائِب بِمن مَعَه وجرح مِنْهُم عدَّة وَسَارُوا إِلَى حلب. وَأَن الْأَمِير جركس الخليلي لما قدم إِلَى غَزَّة أحس. بمخامرة الْأَمِير عَلَاء الدّين أقبغا الصفوي نَائِب غَزَّة فَقبض عَلَيْهِ وَبَعثه إِلَى الكرك وَأقر فِي نِيَابَة غَزَّة الْأَمِير حسام الدّين حسن ابْن باكيش. وَفِي عاشره: أنعم على بلاط المنجكي بإمرة عشْرين عوضا عَن نوغاي العلاي بعد مَوته. وَفِي حادي عشره: عزل نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن العادلي وَاسْتقر عوضه فِي ولَايَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 219 منوف أقبغا البَشْتَكي. وعزل الصارم إِبْرَاهِيم الباشقردي من ولَايَة أشموم الرُّمَّان وَاسْتقر عوضه عَلَاء الدّين عَليّ بن الْمُقدم. وَفِي تَاسِع عشره: عزل قنُق السيفي عَن كشف الفيوم وولايتها وكشف البهنسا وأطفيح وَاسْتقر شاهين الكلبكي عوضه. وعزل مُحَمَّد بن صَدَقَة بن الأعسر من الأشمونين وَاسْتقر عوضه عز الدّين أيدَمُر المظفري. وَفِي عشرينه: قدم رَسُول قرا مُحَمَّد التركماني وَرَسُول الْملك الظَّاهِر صَاحب ماردين بقدومهما إِلَى الخابور ويستأذنان فِي محاربة الناصري فأجيا بالثناء وَالشُّكْر وأنهما ادخرا لأهم من هَذَا. وَدخل الْعَسْكَر الْمصْرِيّ إِلَى دمشق يَوْم الْإِثْنَيْنِ سَابِع ربيع الآخر فَتَلقاهُ الْأَمِير حسام الدّين طُرُنطاَي النَّائِب وَاتَّفَقُوا على إرْسَال طَائِفَة من أَعْيَان الْفُقَهَاء إِلَى الناصري ليدخلوا بَينه وَبَين السُّلْطَان فِي الصُّلْح فساوا فِي ثَانِي عشره بكتب الْأُمَرَاء وَهُوَ فِيمَا بَين قارا والنبك فَلَمَّا وصل الْجَمَاعَة إِلَيْهِ تلقاهم وَوَعدهمْ بالجميل وأنزلهم فِي مَكَان ووكل بهم من يحفظهم. وَقد سَار من حلب. بِمن مَعَه يُرِيد دمشق. وَقد أقبل المماليك السُّلْطَانِيَّة على الْفساد بِدِمَشْق وَاشْتَغلُوا باللهو حَتَّى نزل عَلَيْهِم الناصري فِي يَوْم السبت تَاسِع عشره خَان لاجين - خَارج دمشق - فَخرج فِي يَوْم الْأَحَد وَيَوْم الْإِثْنَيْنِ حادي عشرينه عَسَاكِر مصر ودمشق إِلَى بَرزَة والتقوا بالناصري عَليّ خَان لاجين وقاتلوه قتالا شَدِيدا انْكَسَرَ فِيهِ مرَّتَيْنِ من المماليك السُّلْطَانِيَّة. فعندما تنازلوا فِي الْمرة الثَّانِيَة أقلب الْأَمِير أَحْمد بن يلبغا رمحه وَصَاح فرج الله وَلحق بعسكر الناصري وَمَعَهُ مماليكه وَتَبعهُ الْأَمِير أيدكار والأمير فَارس الصرْغَتْمُشى والأمير شاهين أَمِير آخور. بِمن مَعَهم وقاتلوا المماليك وَمن بَقِي من أُمَرَاء مصر ودمشق معاونة للناصري فثبتوا لَهُم سَاعَة ثمَّ انْهَزمُوا. فهجم مَمْلُوك من عَسْكَر الناصري يُقَال لَهُ يلبغا الزيني الْأَعْوَر وَضرب الْأَمِير جركس الخليلي فَقتله وَأخذ سلبه وَترك رمته بالعراء عَارِية مُدَّة إِلَى أَن كفنته امْرَأَة ودفنته. ومدت التراكميين أَيْديهم ينهبون من انهزم وَيَأْسِرُونَ من ظفروا بِهِ. وَلحق الْأَمِير أيتَمش بِدِمَشْق وتحصن بقلعتها. وتمزق سَائِر الْعَسْكَر وَدخل الناصري دمشق فِي يَوْمه بعساكره وجموعه وَنزل بِالْقصرِ من الميدان وتسلم القلعة بِغَيْر قتال. وأوقع الحوطة على سَائِر مَا للعسكر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 220 وَقيد أيْتَمش وطُرُنَطاي نَائِب دمشق وسجنهما بالقلعة. وتتبع بَقِيَّة الْأُمَرَاء والمماليك فَقبض من يَوْمه على الْأَمِير بَكلَمش العلاي فِي عدَّة من المماليك واعتقلهم. ومدت الأجناد والتركمان أَيْديهم إِلَى النهب وتبعهم أوغاد النَّاس فَمَا عفوا وَلَا كفوا وتمادوا على هَذَا عدَّة أَيَّام. وَفِي رَابِع عشرينه: عزل سُنْقُر السيفي عَن ولَايَة دمياط وَاسْتقر عوضه ركن الدّين عمر بن إلْيَاس قريب قُرُط. وَفِي سادس عشرينه: اسْتَقر قَاضِي الْقُضَاة ولي الدّين أَبُو زيد عبد الرَّحْمَن بن خلدون فِي مشيخة الخانقاة الركنية بيبرس عوضا عَن شرف الدّين عُثْمَان الْأَشْقَر بعد مَوته. وَفِي سَابِع عشرينه: ورد الْخَبَر من غَزَّة بكسرة الأسراء والممالك فِي محاربة الناصري واستيلائه على دمشق وَقتل الخليلي وَالْقَبْض على الْأَمِير أيتمش وَغَيره فاضطربت النَّاس بِالْقَاهِرَةِ ومصر وظواهرهما اضطرابا عَظِيما وغلقت الْأَسْوَاق وانتهبت الأخباز وشغب الزعر وَتجمع أهل الْفساد. وَكَانَ فِي الْبَلَد وباء وَالنَّاس فِي شغل بدفن موتاهم فَاشْتَدَّ الْخَوْف وتزايد الإرجاف وشنعت القالة. وَفِي ثامن عشرينه: صرف سراج الدّين عمر بن مَنْصُور بن سُلَيْمَان القرمي العجمي عَن حسبَة مَدِينَة مصر وَاسْتقر فِي قَضَاء الْعَسْكَر عوضا عَن شرف الدّين عُثْمَان الْأَشْقَر. اسْتَقر عوضا عَنهُ فِي حسبَة مصر همام الدّين العجمي. وَاسْتقر الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن عَليّ البلالي الْحلَبِي فِي مشيخة سعيد السُّعَدَاء عوضا عَن الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد ابْن أخي جَار الله النَّيْسَابُورِي بعد مَوته. وَاسْتقر شمس الدّين مُحَمَّد القليجي فِي إِفْتَاء دَار الْعدْل عوضا عَن النَّيْسَابُورِي. وَفِيه خرج السُّلْطَان إِلَى الإيوان واستدعى المماليك وَاخْتَارَ مِنْهُم خَمْسمِائَة وَأنْفق فيهم ذَهَبا حسابا عَن ألف دِرْهَم فضَّة ة ليتوجهوا إِلَى دمشق صُحْبَة الْأَمِير سودن الطرنطاي. وَفِي تَاسِع عشرينه: أنْفق فِي خَمْسمِائَة مَمْلُوك ثمَّ فِي أَرْبَعمِائَة لتتمة ألف وَأَرْبع مائَة مَمْلُوك. ثمَّ أنْفق فِي المماليك الْكِتَابِيَّة لكل مَمْلُوك مِائَتي دِرْهَم فضَّة. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء أول جُمَادَى الأولى: أنعم على كل من قرابغا الأبو بكري وبجاس النوروزي وَالِي القلعة وَشَيخ الصفوي وقرقماس الطشتمري بإمرة مائَة وتقدمة ألف الجزء: 5 ¦ الصفحة: 221 انقلوا إِلَيْهَا من إمرة الطبلخاناه وأنعم على كل من ألجبغا الجمالي الخازندار وألطنبغا العثماني رَأس نوبَة وَيُونُس الأسْعَردي الرماح وقنق باي الألجاوي اللالا وأسن بغا الأرغون شاهي وبغداد الأحمدي وأرسلان السيفي اللفاف وَأحمد الأرغوني وجرباش الشيخي وألطنبغا شادي وأروس بغا المنجكي وَإِبْرَاهِيم بن طَشْتمُر العلاي وقراكسك السيفي بإمرة طبلخاناه نقلوا إِلَيْهَا من إمرة الْعشْرَة. وأنعم على كل من السَّيِّد الشريف بكتمُر الحسني وَالِي الْقَاهِرَة - كَانَ - وقنق باي الأحمدي بإمرة عشْرين. وعَلى كل من سيف الدّين بطا الطولو تمري ويلبغا السودوني وسودن اليحياوي وتانى بك اليحياوي وأرغون شاه البيدمري وأقبغا الجمالي الهذباني وقوزى الشَّعْبَانِي وتعزي بردي وبكبلاط السونجي وأردبغا العثماني وشكرباي العثماني وأسنبغا السيفي بإمرة عشرَة وَكَانُوا من جملَة المماليك. وَفِيه قدم الْبَرِيد من قطا بِأَن الْأَمِير أينال اليوسفي والأمير أينال أَمِير آخور وَإيَاس أَمِير آخور دخلُوا إِلَى غَزَّة فِي عَسْكَر فَاشْتَدَّ الِاضْطِرَاب وَكثر الْخَوْف وبدا على السُّلْطَان سيماء الزَّوَال. وَفِي يَوْمه استدعى السُّلْطَان الْقُضَاة والأعيان وَشَيخ الْإِسْلَام سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ. وَبعث الْأَمِير سودن الطُرُنْطاي والأمير قُرقُماس الطَشتمُري فأحضرا الْخَلِيفَة المتَوَكل على الله فَقَامَ إِلَيْهِ السُّلْطَان وتلقاه وَأَجْلسهُ وَأَشَارَ إِلَى الْقُضَاة فَحَلَفُوا كلا مِنْهُمَا للْآخر فَحَلفا على الْمُوَالَاة والمناصحة وخلع على الْخَلِيفَة وَقيد إِلَيْهِ حجرَة شهباء بسرج وكنبوش وسلسلة ذهب فَركب وَنزل من القلعة إِلَى دَاره وَبَين يَدَيْهِ الْأَمِير بجاس النوروزي وَغَيره فِي موكب جليل إِلَى الْغَايَة فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وأًعيدت إقطاعاته ورواتبه وأخلى لَهُ بَيت بالقلعة ليسكنه فَنقل إِلَيْهِ حرمه وسكنه وَصَارَ يركب وَينزل لداره ويسير حَيْثُ شَاءَ من غير ترسيم إِلَّا أَنه لَا يبيت إِلَّا. بمنزله من القلعة وَأَفْرج فِيهِ أَيْضا عَن الْأَمِير أسَنْبُغا السيفي ألجاي من خزانَة شمايل وأنعم عَلَيْهِ بإمرة طبلخاناه وخيل وجمال وَثيَاب وَسلَاح كَبِير. وَفِيه عرض السُّلْطَان المماليك وهم لابسين آلَة الْحَرْب وَقد ركبُوا على خيولهم وتفقد مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ وأنعم عَلَيْهِم بِهِ. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة: ثالثه قدم الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن بقر أَمِير عرب الشرقية - وَمَعَهُ هجان الْأَمِير جركس الخليلي وَحدث السُّلْطَان بتفصيل وقْعَة الْأُمَرَاء مَعَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 222 الناصري وَأَنه فر مَعَ الْأَمِير يُونُس الدوادار فِي خمس نفر فعارضه الْأَمِير عَنْقاء بن شَطِّى أَمِير آل مرا بِالْقربِ من الخربة وَأخذ يُونُس الدوادار وَقَتله وَبعث بِرَأْسِهِ إِلَى الناصري وَوَقع الْأَمِير أينال اليوسفي بيد حسن بن باكيش بِالْقربِ من غَزَّة فَبعث بِهِ إِلَى الكرك مُقَيّدا. ففت ذَلِك فِي عضد السُّلْطَان وَاشْتَدَّ قلقه وانحط قدره وزالت مهابته واستشعر كل أحد ذهَاب ملكه مِنْهُ. وَفِي رابعه: نُودي فِي الْقَاهِرَة ومصر بِإِبْطَال سَائِر المكوس فَتفرق الْكتاب وأرباب الشَّرْط من مَقَاعِدهمْ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ بهَا لأخذ المكوس. وَفِي سادسه: ركب الْخَلِيفَة المتَوَكل على الله والأمير سودن الشيخوني - نَائِب السلطة - وقضاة الْقُضَاة وَشَيخ الْإِسْلَام سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ فَكَانَ الموكب للخليفة وبجانبه شيخ الْإِسْلَام وَبَين يَدَيْهِ النَّائِب والحجاب والقضاة والأعيان وداروا وَرجل على فرس أمامهم يقْرَأ من ورقة أَن السُّلْطَان قد أَزَال الْمَظَالِم وَهُوَ يَأْمر النَّاس بتقوى الله وَلُزُوم الطَّاعَة وَأَنا قد سَأَلنَا الْعَدو الْبَاغِي فِي الصُّلْح فَأبى وَقد قوي أمره فاحفظوا دُوركُمْ وأمتعتكم وَأقِيمُوا الدروب على الحارات والسكك وقاتلوا عَن أَنفسكُم وحريمكم فتزايد خوف النَّاس وقلقهم وشرعوا فِي عمل الدروب وَشِرَاء الأقوات والاستعداد لِلْقِتَالِ والحصار. وَكثر كَلَام الْعَامَّة وانتقاصهم للدولة وَتجمع الزعر والدُعَّار ينتظرون قيام الْفِتْنَة لينتهبوا النَّاس. وألزم الْوَزير الصاحب كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن الغنام مباشري جِهَات المكس بإحضار مكوس المبيعات فَاعْتَلُّوا بِأَن النَّاس امْتَنعُوا من إِعْطَاء المكس إعمادا على المناداة بِإِبْطَال المكوس فألزمهم. بمطالبة الباعة. بمكس مَا أبيع فَكثر بِسَبَب ذَلِك اضْطِرَاب النَّاس وتزايد طعنهم وهزؤهم بالدولة وتناجوا فِيمَا بَينهم وَأَكْثرُوا من الْجَهْر بقَوْلهمْ: السُّلْطَان من عَكسه عَاد فِي مكسه. وبدا من الْأَمِير قرا دمرداش وَغَيره تخذيل السُّلْطَان عَن الْحَرَكَة وَأَنه يحصن القلعة وَيُقَاتل من وَرَائِهَا. هَذَا وَقد انْقَطَعت الْأَخْبَار عَن مصر فَإِن مَأْمُور نَائِب الكرك وَابْن باكيش - نَائِب غَزَّة - دخلا فِي طَاعَة الناصري ومنعا أحدا أَن يرد إِلَى مصر فَكثر الْكَلَام إِلَى أَن قدم أحد مماليك السُّلْطَان الَّذين حَضَرُوا الْوَقْعَة وَأخْبر. بِمَا أخبر بِهِ ابْن بقر وَذَلِكَ فِي سابعه فَزَالَ الشَّك وتيقن كل أحد إدبار أَمر السُّلْطَان. وَفِي تاسعه: دمت طوائف من هوارة نجدة للسُّلْطَان ونزلوا تَحت القلعة وَوَقع الشُّرُوع فِي حفر خَنْدَق القلعة وَمَرَمَّة أسوارها وتوعير طَرِيق بَاب القلعة الْمَعْرُوف الجزء: 5 ¦ الصفحة: 223 بياب القرافة وتوعير بَاب الحوش وَبَاب الدرفيل وسدت خوخة أيدغمش حَتَّى صَار لَا يدْخل مِنْهَا رَاكب فرس. وَنُودِيَ بِإِبْطَال مكس النشا ومكس النّحاس ومكس الْجُلُود. وَفِي عاشره - وَهُوَ يَوْم الْجُمُعَة: - دعى فِي الخطة بجوامع الْقَاهِرَة ومصر للخليفة المتَوَكل على الله قبل السُّلْطَان. وَفِي ثَانِي عشره: اجْتمع الْقُضَاة بالمشهد النفيسي لقِرَاءَة تَقْلِيد ولد الْخَلِيفَة المتَوَكل بِنَظَر المشهد الْمَذْكُور ثمَّ توجهوا إِلَى رِبَاط الْآثَار النَّبَوِيَّة وقرأوا صَحِيح البُخَارِيّ ودعوا الله تَعَالَى للسُّلْطَان وسألوه إخماد الْفِتْنَة. وَفِي ثَالِث عشره: اسْتَقر قرا دمرداش أتابك العساكر عوضا عَن أَيتَمش البجاسي وسودن بَاقٍ أَمِير سلَاح وقرقماش الطشتمري الخازندار دوادار عوضا عَن يُونُس وقرا بغا الأبو بكري أَمِير مجْلِس عوضا عَن أَحْمد بن يلبغا وأقبغا المارداني حَاجِب الْحجاب عوضا عَن أيدكار وتمربغا المنجكي أَمِير آخور عوضا عَن جركس الخليلي وخلع عَلَيْهِم كلهم. وأنعم على صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن تنكز بإمرة طبلخاناه وعَلى جلبان الكمشبغاوي الخاصكي بإمرة طبلخاناة. وَفِيه كثر الاهتمام بتحصين قلعة الْجَبَل وَنقل الْأَحْجَار إِلَيْهَا ليرمى بهَا فِي المنجنيق وَأمر سكان القلعة بادخار الْقُوت لشهرين ورسم بِجمع الحجارين لسد فَم وَادي السِّدْرَة بجوار الْجَبَل الْأَحْمَر وَأَن يَبْنِي حَائِط بَين بَاب الدرفيل وسور القلعة وَأَن يبْنى أَيْضا حَائِط من جوَار بَاب الدرفيل إِلَى الْجَبَل. وَفِيه أَيْضا نُودي بِأَن يركب من لَهُ فرس من أجناد الْحلقَة للحرب وَيخرج من لَيْسَ لَهُ فرس بنشاب يَرْمِي بِهِ مَعَ الْعَسْكَر أَو يصعد إِلَى القلعة حَتَّى يَرْمِي من بَين شرفاتها فَكثر الْهَرج وشنع الْكَلَام وتزايد القلق وَصَارَت الشوارع كلهَا ملآنة بالخيول الملبسة آلَة الْحَرْب. وَطلبت آلَات الْقِتَال بِكُل ثمن فكسب أَرْبَابهَا مَالا جزيلا وتحاكى النَّاس عدَّة منامات روأها تدل على وَفِي ثامن عشره: اسْتَقر الْأَمِير قرا دمرداش الأتابك فِي نظر المارستان المنصوري الجزء: 5 ¦ الصفحة: 224 بِالْقَاهِرَةِ وخلع عَلَيْهِ وَنزل إِلَيْهِ على الْعَادة وتتبعت عدَّة طرق تُفْضِي إِلَى القلعة فَسدتْ. وَفِي سادس عشرينه: اسْتَقر فَخر الدّين عبد الرَّحْمَن بن مكانس بمفرده فِي نظر الدولة من غير شريك بعد وَفَاة رَفِيقه تَاج الدّين بن ريشة. وفى سَابِع عشرينه: قدم الْأَمِير عَلَاء الدّين الطَشلاقي وَالِي قطيا مُنْهَزِمًا من عَسَاكِر الناصري فرسم للأمير حسام الدّين حُسَيْن بن على بن الكوراني وَالِي الْقَاهِرَة فسد الْبَاب المحروق وَالْبَاب الْحَدِيد - من أَبْوَاب الْقَاهِرَة - وسد بَاب الدرفيل بجوار القلعة وَالْبَاب المجاور للقلعة الْمَعْرُوف قَدِيما بِبَاب سَارِيَة وَيعرف الْيَوْم بِبَاب المدرج تَحت دَار الضِّيَافَة. وسد عدَّة خوخ وأزقة يتَوَصَّل مِنْهَا إِلَى القلعة. وَركب عِنْد قناطر السبَاع ثَلَاثَة دروب أَحدهمَا من جِهَة مصر وَأخر من طَرِيق قبر الْكرْمَانِي وَأخر بِالْقربِ من الميدان وَعمل عدَّة دروب أخر وحفر خنادق كَثِيرَة. هَذَا وَالْمَوْت بالطاعون فخبر فِي النَّاس. وَأما الناصري فَإِنَّهُ لما اسْتَقر بِدِمَشْق نَادَى فِي جَمِيع بِلَاد الشَّام وقلاعها أَلا يتَأَخَّر أحد عَن الْحُضُور إِلَى دمشق من النواب والأجناد وَمن تَأَخّر - سوى من عين لحفظ الْبِلَاد - قطع خبزه وسلبت نعْمَته. فَاجْتمع النَّاس إِلَيْهِ بأسرهم وَأنْفق فيهم وَخرج من دمشق بعساكر كَثِيرَة جدا فِي يَوْم السبت حادي عشر جُمَادَى الأولى وَأقر فِي نِيَابَة دمشق الْأَمِير جَنتمُر أخاطاز وَسَار حَتَّى نزل قطيا ففر إِلَيْهِ من أُمَرَاء السُّلْطَان فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء ثامن عشْرين جُمَادَى الأولى سيف الدّين طُغيتَمنُر الجركتمري وأرسلان اللفاف وأزدبغا العثماني فِي عدَّة من المماليك وَلَحِقُوا بالناصري بعد مَا صدفوا الْأَمِير عز الدّين أندَمُر أَبُو درقة - ملك الْأُمَرَاء بِالْوَجْهِ البحري - وَقد سَار لكشف الْأَخْبَار فضربوه وَأخذُوا جَمِيع مَا مَعَه وساقوه مَعَهم وفرت عَنهُ مماليكه. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشرينه: أنْفق السُّلْطَان بالإيوان فِي الْعَسْكَر فَأخذ كل من المماليك السُّلْطَانِيَّة ومماليك الْأُمَرَاء الألوف وأجنادهم خَمْسمِائَة دِرْهَم فضَّة واستدعاهم طَائِفَة طَائِفَة وَأعْطى كل أحد بِيَدِهِ وَسَار يحرضهم على الْقِتَال مَعَه وَبكى بكاء كثيرا وَفرق جَمِيع الْخُيُول - حَتَّى خيل الْخَاص - فِي الْأُمَرَاء والأجناد. وَفِي أثْنَاء ذَلِك كثرت الشناعة فِي الْقَاهِرَة بوصول الناصري ومنطاش فتزاحم النَّاس فِي شِرَاء الْخبز وغلقت الْأَسْوَاق وَلبس جَمِيع الْأُمَرَاء آلَة الْحَرْب وركبوا إِلَى القلعة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 225 ووقفوا بالرميلة وَحمل إِلَى الْأَمِير أقبغا المارداني جملَة مَال من السُّلْطَان ليفرق ذَلِك فِي الزعر وَحَملَة السِّلَاح من الْعَامَّة تَقْوِيَة لَهُم لِيُقَاتِلُوا مَعَ الْعَسْكَر فَاشْتَدَّ خوف النَّاس من النِّهَايَة وَصَارَت لَهُم اجتماعات وعصبيات. وافترقوا عدَّة أحزاب لكل حزب كَبِير وصاروا يخرجُون إِلَى ظَاهر الْقَاهِرَة ويقتتلون بالحديد والمقاليع وَمن انفردوا من النَّاس أخذُوا ثِيَابه فتعطلت الْأَسْوَاق وشغل كل أحد. مِمَّا يترقبه من الْخَوْف والنهب. واستعد الكافة للحصار وَأَكْثرُوا من شِرَاء البقسماط والدقيق والدهن وَنَحْو ذَلِك وَنقل من ذَلِك وَمن الأغنام إِلَى القلعة شَيْء كثير جدا. وَفِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء حضر بهادر والى الْعَرَب وَأخْبر نزُول الناصري إِلَى الصالحية وَمن مَعَه من العساكر فِي جهد. وَقد وقف لَهُم فِي الرمل عدَّة خُيُول وَا نه لما وجد الصالحية خَالِيَة من الْعَسْكَر سر بذلك وَسجد لله شكرا فَإِنَّهُ كَانَ بِحَال لَو تَلقاهُ عَسْكَر لما وجد فِيمَن مَعَه مَنْعَة يلقى بهَا وَأَن عرب العايد تَلقاهُ بهم الْأَمِير شمس الدّين مُحَمَّد بن عِيسَى وخدموا على الْعَادة وأحضروا الشّعير وَغَيره من الإقامات. فرسم للأمير قرا دمرداش أَن يتَوَجَّه لكشف الْأَخْبَار من جِهَة بركَة الْحَبَش خشيَة أَن يَأْتِي أحد من قبل أطفيح فَسَار لذَلِك. ورتب السُّلْطَان عسكره نوبتين نوبَة للْحِفْظ بِالنَّهَارِ ونوبة للْحِفْظ بِاللَّيْلِ وسير عدَّة من الْأُمَرَاء إِلَى جِهَة مرج الزيات طَلِيعَة تكشف الْخَبَر. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشرينه: أنْفق فِي مماليك أُمَرَاء الطبلخاناة والعشراوات فَأعْطى كل وَاحِد أَرْبَعمِائَة دِرْهَم فضَّة وَأنْفق فِي الحطبردارية والبزدارية والأوجاقية وَأَعْطَاهُمْ القسى والنشاب ورتب كثيرا من الأجناد البطالين بَين شرفات القلعة وَمَعَهُمْ القسى والنشاب وَأنْفق فيهم المَال واستدعى رُمَاة قسى الرجل من الْإسْكَنْدَريَّة فَحَضَرُوا وَأنْفق فيهم ورتبهم بالقلعة فِي يَوْم وَفِيه عَاد الْأَمِير سيف الدّين قجماس ابْن عَم السُّلْطَان وَمن مَعَه من مرج الزيات وَلم يقفوا على خبر فَخرج لَيْلَة الْخَمِيس الْأَمِير سودن الطرنطاي فِي عدَّة من الْأُمَرَاء إِلَى قبَّة النَّصْر للحرس وسارت طَائِفَة أُخْرَى إِلَى بركَة الْحَبَش. وَبَات السُّلْطَان بالإصطبل ساهراً لم ينم وَمَعَهُ النَّائِب سودن وقرا دمردش وعدة من المماليك والأمراء. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 226 وَفِي يَوْم الْخَمِيس أول جُمَادَى الْآخِرَة: توجه الْأَمِير قرا بغا الأبو بكري إِلَى قبَّة النَّصْر وَعَاد وَلم يقف على خبر. وظل الْأُمَرَاء نهارهم لابسين آلَة الْحَرْب وهم على ظُهُور خيولهم بسوق الْخَيل تَحت القلعة وَمَعَهُمْ مماليكهم ففر من مماليك السُّلْطَان اثْنَان وَمن ممالك الْأُمَرَاء نَحْو الْخمسين وَلَحِقُوا بالناصري. ودارت النُّقَبَاء على أجناد الْحلقَة فَحَضَرُوا إِلَى بَيْتِي الْأَمِير سودن النَّائِب والأمير أقبغا حَاجِب الْحجاب ففرقوا على أَبْوَاب الْقَاهِرَة ورتبوا بهَا لحفظها. وَندب الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الدواداري - أحد أُمَرَاء الطبلخاناه - وَمَعَهُ جمَاعَة لحفظ قياسر الْقَاهِرَة وأسواقها. وأغلق وَالِي الْقَاهِرَة بَاب البرقية وَأمر النَّاس بِحِفْظ الدروب والخوخ ورتبت النفطية على برج الطبلخاناه وَغَيره بالقلعة. وَقدم الْخَبَر بنزول طَلِيعَة الناصري بلبيس ومقدمها الطواشي تُقْطاي الطَشْتَمُري. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِيه نزلت عَسَاكِر الناصري البير الْبَيْضَاء فتسلل إِلَيْهِ الْعَسْكَر أَولا بِأول. فَكَانَ أول من يخرج إِلَيْهِ من الْقَاهِرَة الْأَمِير جِبْرَائِيل الْخَوَارِزْمِيّ وَمُحَمّد بن بَيْدَمُر نَائِب الشَّام والأمير بجمان المحمدي نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة وغريب الخاصكي وَأحمد ابْن أرغون الأحمدي اللالا. فَنصبت الصناجق السُّلْطَانِيَّة على برج القلعة ودقت الكوسات الحربية فَاجْتمع الْأُمَرَاء والمماليك السُّلْطَانِيَّة والأجناد. وَركب السُّلْطَان والخليفة المتَوَكل على الله من القلعة بعد الْعَصْر ووقفا خلف دَار الضِّيَافَة وَجَمِيع من بَقِي من الْعَسْكَر لابسون السِّلَاح. وَاجْتمعَ حوله من الْعَامَّة مَا لَا يَقع عَلَيْهِ حصر ثمَّ سَار إِلَى الإسطبل وَجلسَ فِيهِ. وَصعد الْخَلِيفَة إِلَى منزله بالقلعة وَقد نزلت الذلة بالدولة وَظهر من جزع السُّلْطَان وبكائه مَا أبكى النَّاس شَفَقَة لَهُ وَرَحْمَة. فَلَمَّا غربت الشَّمْس صعد إِلَى القلعة. وَفِي يَوْم السبت ثالثه: نزل الْأَمِير يلبغا الناصري بركَة الْجب ظَاهر الْقَاهِرَة وَمَعَهُ من الْأُمَرَاء الْأَمِير سيف الدّين تمُربغا الأفضلي الْمَدْعُو منطاش والأمير سيف الدّين بزلار والأمير سيف الدّين كُمُشبغا والأمير أَحْمد بن يلبغا الخاصكي والأمير مَأْمُور والأمير أيدكار فِي آخَرين وَتَقَدَّمت الطَّلَائِع إِلَى مرج الزيات وَالِي مَسْجِد تبر فغلقت أَبْوَاب الْقَاهِرَة كلهَا إِلَّا بَاب زويلة وغلقت جَمِيع الدروب والخوخ وسد بَاب القرافة وماج النَّاس وانتشر الزعر وَأهل الْفساد فِي أقطار الْمَدِينَة وأفسدوا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 227 وَنزل السُّلْطَان والخليفة من القلعة إِلَى تَحت دَار الضِّيَافَة فَقدم من الْإسْكَنْدَريَّة رُمَاة قسى الرجل بالقسى محملة على الْجمال وهم نَحْو الثلاثمائة رام. فَفرق فيهم مائَة دِرْهَم لكل وَاحِد ورتبهم فِي عدَّة أَمَاكِن. وَنُودِيَ فِي الْقَاهِرَة ومصر بِإِبْطَال جَمِيع المكوس وَفرقت دَرَاهِم على الْعَامَّة. وَخرج كثير من الْعَامَّة إِلَى بركَة الْجب حَتَّى شاهدوا عَسْكَر الناصري وحدثوهم. مِمَّا فعله السُّلْطَان من تحصين القلعة وَغَيرهَا. وَقدم الْخَبَر باً ن طَلِيعَة الناصري وصلت إِلَى الخراب طرف الحسينية فَلَقِيَهُمْ كشافة السُّلْطَان وكسروهم فَسَار الْأُمَرَاء إِلَى قبَّة النَّصْر وَنزل السُّلْطَان فِي بعض الزوايا عِنْد دَار الضِّيَافَة إِلَى أخر النَّهَار ثمَّ عَاد إِلَى الإسطبل وَعَاد إِلَيْهِ الْأُمَرَاء والمماليك والكوسات تدق وهم جَمِيعًا على أهبة اللِّقَاء ومدافع النفوط لَا تفتر والرميلة قد امْتَلَأت بالزعر والعامة ومماليك الْأُمَرَاء فَلم يزَالُوا على ذَلِك حَتَّى أَصْبحُوا يَوْم الْأَحَد فَإِذا بالأمير عَلَاء الدّين أقبغا المارداني - حَاجِب الْحَاجِب - والأمير جُمق بن الْأَمِير أيتَمُش والأمير صَار الدّين إِبْرَاهِيم بن الْأَمِير طشتمر الدوادار قد فروا فِي اللَّيْل وَمَعَهُمْ خَمْسمِائَة من مماليك السُّلْطَان ومماليك الْأُمَرَاء وَلَحِقُوا بالناصري. وَفِي يَوْم الْأَحَد رابعه: فر الْأَمِير قرْقُمَاش الطشتَمُري الدوادار والأمير ترا دمرداش الأحمدي والأمير سودن بَاقٍ صَارُوا فِي جملَة الناصري فِي عدَّة وافرة بِحَيْثُ لم يتَأَخَّر مَعَ السُّلْطَان إِلَّا طَائِفَة من خاصكيته من الْأُمَرَاء وَابْن عَمه الْأَمِير قَجْماس وسودن الشيخوني نَائِب السلطنة وسودن الطُرُنطاي وتَمُربغا المنجكي وسيدي أَبُو بكر بن سُنْقُر وبيبرس التمان تَمُري وشَنْكل الْمُقدم وشَيْخ الصفوي. وَفِيه أغلق بَاب زويلة وَجَمِيع الدروب والخوخ وتعطلت الْأَسْوَاق وغصت الْقَاهِرَة بالزعر وَاشْتَدَّ فسادهم وتلاشت الدولة واضمحل أمرهَا. وَخَافَ وَالِي الْقَاهِرَة على نَفسه فَقَامَ من خلف بَاب زويلة وَسَار بِمن مَعَه إِلَى منزله واختفى. وَبَقِي النَّاس فوضى فطمع المسجونون بخزانة شمايل وكسروا قيودهم وأتلفوا بَاب الخزانة وخلصوا على حمية جملَة وَاحِدَة فتشبه بهم أهل سجن الديلم والرحبة وَخَرجُوا أَيْضا. وَاشْتَدَّ الْأَمر حَتَّى دَاخل الْخَوْف كل أحد من النَّاس على نَفسه وَمَاله وَأَهله وَأمر السُّلْطَان من عِنْده من المماليك فوقفوا تَحت الطبلخاناه وَمنعُوا الْعَوام من التَّوَجُّه إِلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 228 يلبغا الناصري لما بلغه من فعلهم بالْأَمْس فرجمهم الْعَامَّة بِالْحِجَارَةِ فَرَمَاهُمْ المماليك بالنشاب وَقتلُوا مِنْهُم عدَّة تزيد على الْعشْرَة. وَأَقْبَلت طَلِيعَة الناصري فَقَاتلهُمْ قجماس ابْن عَم السُّلْطَان وَكثر الرَّمْي عَلَيْهِم من فَوق القلعة بِالسِّهَامِ والنفط وَالْحِجَارَة فِي المقاليع وهم يوالون الْكر والفر وَأمر السُّلْطَان فِي إدبار وَأَصْحَابه تتفرق عَنهُ شَيْئا بعد شَيْء وَتصير إِلَى الناصري. وَكَانَ السُّلْطَان قد فرق فِي كل من الْأُمَرَاء الْكِبَار عشرَة آلَاف دِينَار وَفِي كل من الطبلخاناه خَمْسَة آلَاف دِينَار وَفِي كل من العشراوات ألف دِينَار وَأعْطى الْأَمِير قرا دمرداش فِي لَيْلَة وَاحِدَة ثَلَاثِينَ ألف دِينَار وحلفهم أَلا يغدروا بِهِ فَمَا أغْنى عَنهُ ذَلِك شَيْئا وفروا عَنهُ وصاروا مَعَ عدوه عَلَيْهِ وَلم يتَأَخَّر عِنْده إِلَّا من لَا غنى فِيهِ. وتكاثر الزعر يُرِيدُونَ نهب الْقَاهِرَة لِكَثْرَة مَا كَانَ فِيهَا من حواصل الْأُمَرَاء فَقَاتلهُمْ أهل الحارات والدروب ومنعوهم فَكَانَ يَوْمًا فِي غَايَة الشناعة. فَلَمَّا كَانَ أخر النَّهَار أَرَادَ السُّلْطَان أَن يسلم نَفسه فَمَنعه من بَقِي عِنْده وهم قجماس ابْن عَمه وسودن النَّائِب وسودن الطرنطاي ومحمود الأستادار وَبَعض المماليك وَقَالُوا: نَحن نُقَاتِل بَين يَديك حَتَّى نموت. فَلم يَثِق بذلك مِنْهُم لكنه شكرهم على قَوْلهم. وَقدم بعد الْعَصْر من عَسْكَر الناصري الطواشي طُقْطاي الطَشْتُمري والأمير بزلار الْعمريّ والأمير ألطنبغا الأشرفي فِي نَحْو الْألف وَخَمْسمِائة فَارس يُرِيدُونَ القلعة فبرز إِلَيْهِم الْأَمِير بُطا الخاصكي والأمير شكربيه فِي عشْرين فَارِسًا فكسروهم إِلَى قبَّة النَّصْر. فَلم يغتر السُّلْطَان بذلك وَعلم أَن أمره قد زَالَ فدبر لنَفسِهِ وَبعث الْأَمِير الْمَعْرُوف بسيدي أَبُو بكر بن سُنقر الْحَاجِب والأمير بَيْدَمُر المجدي - شاد الْقصر - بالمنجاة إِلَى الناصري ليَأْخُذ لَهُ مِنْهُ الْأمان فَسَارُوا فِي خُفْيَة واجتمعا بالناصري خلْوَة فَأَمنهُ على نَفسه وَأمره بالاختفاء حَتَّى يدبر لَهُ أمرا فَإِن الْفِتْنَة الْآن قَائِمَة والكلمة غير متفقة فعادا إِلَيْهِ بذلك. فَلَمَّا صلى الْعشَاء الْآخِرَة قَامَ الْخَلِيفَة إِلَى منزله بالقلعة وبقى فِي قَلِيل من أَصْحَابه فَأذن لسودن النَّائِب فِي التَّوَجُّه إِلَى منزله وَالنَّظَر لنَفسِهِ وَفرق الْبَقِيَّة فَمضى كل أحد لسبيله. وَاسْتقر حَتَّى نزل من الإسطبل فَلم يعرف لَهُ خبر وانفض ذَلِك الْجمع من الأسوار وَسكن دق الكوسات وَرمى مدافع النفط. وَوَقع النهب فِي حواصل الإسطبل فاً خُذُوا مِنْهُ نَحْو الألفي أردب من الشّعير ومائتي ألف دِرْهَم من الْفُلُوس الجدد وَسَائِر مَا كَانَ فِيهِ. ونهبوا أَيْضا مَا كَانَ فِيهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 229 ونهبوا أَيْضا مَا كَانَ بالميدان من الْغنم الضَّأْن وعدتها نَحْو الألفي رَأس. وَنبت طباق المماليك بالقلعة وَاشْتَدَّ بَأْس الزعر وتخطفوا من مر بهم من المماليك والأجناد وَأخذُوا مَا عَلَيْهِ وأحاط أَصْحَاب الناصري بالقلعة وأعلموا الناصري بفرار السُّلْطَان فَثَبت مَكَانَهُ. وزالت دولة الْملك الظَّاهِر كَأَن لم تكن فَكَانَت مُدَّة تحكمه مُنْذُ قبض على الْأَمِير طَشْتَمُر الدوادار فِي تَاسِع ذِي الْحجَّة سنة تسع وَسبعين وَسَبْعمائة إِلَى أَن جلس على تخت الْملك وتلقب بِالْملكِ الظَّاهِر فِي تَاسِع عشر شهر رَمَضَان سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة أَربع سِنِين وَتِسْعَة أشهر وَعشرَة أَيَّام. وَيُقَال لَهُ فِي هَذِه الْمدَّة الْأَمِير الْكَبِير أتابك العساكر. وَمن حِين تسلطن إِلَى أَن اختفي سِتّ سِنِين وَثَمَانِية أشهر وَسَبْعَة عشر يَوْمًا فَيكون مُدَّة حكمه أَمِيرا وسلطاناً إِحْدَى عشرَة سنة وَخَمْسَة أشهر وَسَبْعَة وَعشْرين يَوْمًا. وَترك ملك مصر وَله نَحْو الألفي مَمْلُوك اشتراهم سوى المستخدمين. وَكَانَت لَهُ فِي مدَّته هَذِه آثَار فاضلة مِنْهَا: إِبْطَاله مَا كَانَ يُؤْخَذ من أهل البرلس وشورى وبلطيم من أَعم الْمصر شبه الجالية فِي كل سنة وَهُوَ مبلغ سِتِّينَ ألف دِرْهَم فضَّة وَمَا كَانَ يُؤْخَذ على الْقَمْح بثغر دمياط من المكس وَمَا كَانَ يُؤْخَذ من معمل الفراريج بالنحريرية وأعمال الغربية بديار مصر وَمَا كَانَ يُؤْخَذ على الْملح من المكس بِعَين تَابَ وَمَا كَانَ يُؤْخَذ على الدَّقِيق بالبيرة من المكس وَمَا كَانَ يُؤْخَذ فِي طرابلس عِنْد قدوم النَّائِب إِلَيْهَا من قُضَاة الْبر وولاة الْأَعْمَال عَن كل وَاحِد مبلغ خَمْسمِائَة دِرْهَم فِي ثمن بغلة وَيُقَال لذَلِك مُقَرر النَّائِب وَمَا كَانَ يحمل فِي كل سنة من الْخَيل وَالْجمال وَالْبَقر وَالْغنم من أهل الشرقية بديار مصر إِلَى من يسرح إِلَى العباسة وَمَا كَانَ يُؤْخَذ من مكس الدريس والحلفاء خَارج بَاب النَّصْر من الْقَاهِرَة وَضَمان المغاني بالكرك والشوبك من البلقاء ومنية بني خصيب وزفتي بديار مصر. وأبطل رمي الأبقار عِنْد فرَاغ عمل الجسور على أهل النواحي. وَأَنْشَأَ من العمائر الْمدرسَة بِخَط بَين القصرين من الْقَاهِرَة. وَلم يعمر دَاخل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 230 الْقَاهِرَة مثلهَا وَلَا بِأَرْض مصر وَالشَّام نظيرها بعد مدرسة السُّلْطَان حسن وَلَا أَكثر مَعْلُوما مِنْهَا بعد خانكاة شيخو. وَله أَيْضا السَّبِيل من الصهريج بقلعة الْجَبَل من أحسن المباني والسبيل تجاه الإيوان بالقلعة والطاحون بالقلعة أَيْضا وجسر الشَّرِيعَة على نهر الْأُرْدُن وَطوله مائَة وَعِشْرُونَ ذِرَاعا فِي عرض عشْرين ذِرَاعا. وجدد خَزَائِن السِّلَاح بالإسكندرية وسور دمنهور بالبحيرة. وَعمر الْجبَال الشرقية بالفيوم وزريبة البرزخ بدمياط وقناة بالقدس. وَبنى بحيرة بِرَأْس وَادي بني سَالم قَرِيبا من الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة. وَكَانَ حازماً مهاباً محباً لأهل الْخَيْر وَالْعلم إِذا أَتَاهُ أحد مِنْهُم قَامَ إِلَيْهِ وَلم يعرف قبله أحد من مُلُوك التّرْك يقوم لفقيه وَقل مَا كَانَ يُمكن قَامَ إِلَيْهِ وَقل مَا كَانَ يُمكن أحد من تَقْبِيل يَدَيْهِ إِلَّا أَنه كَانَ محباً لجمع المَال. وَحدث فِي أَيَّامه تجاهر النَّاس بالبراطيل فَلَا يكَاد أَن يَلِي أحد وَظِيفَة وَلَا عملا إِلَّا بِمَال فترقى للأعمال الجليلة والرتب السّنيَّة الأراذل وَفَسَد بذلك كثير من الْأَحْوَال. وَكَانَ مُولَعا بِتَقْدِيم الأسافل وَحط ذَوي البيوتات وغيَّر مَا كَانَ للنَّاس من التَّرْتِيب وعادى أكَابِر التركمان والعربان بِبِلَاد الشَّام ومصر والحجاز. واشتهر فِي أَيَّامه ثَلَاثَة أَشْيَاء قبيحة: إتْيَان الذكران حَتَّى تشبه البغايا لبوارهن بالغلمان لينفق سوق فسوقهن وَذَلِكَ لاشتهاره بتقريب المماليك الحسان وتهمته وتهمة أمرائه بِعَمَل الْفَاحِشَة فيهم. والتظاهر بالبراطيل الَّتِي يستأديها واقتدى الْوُلَاة بِهِ فِي ذَلِك حَتَّى صَار عرفا غير مُنكر الْبَتَّةَ. وكساد الْأَسْوَاق وَقلة المكاسب لشحه وَقلة عطائه. وَبِالْجُمْلَةِ فمساوئه أَضْعَاف حَسَنَاته. وَلَقَد بِعْت العَبْد الصَّالح جمال الدّين عبد الله السَكسيوي المغربي يخبر أبي - رحمهمَا الله - أَنه رأى فِي مَنَامه أَن قرداً صعد مِنْبَر الْجَامِع الحاكمي وخطب ثمَّ نزل وَدخل الْمِحْرَاب ليُصَلِّي بِالنَّاسِ الْجُمُعَة فثار النَّاس عَلَيْهِ فِي أثْنَاء صلَاته بهم وأخرجوه من الْمِحْرَاب. وَكَانَت هَذِه الرُّؤْيَا فِي أخريات سلطة الْملك الْأَشْرَف شعْبَان ابْن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 231 حُسَيْن وَفِي سنة ثَمَان وَسبعين وَسَبْعمائة. فَكَانَ تقدمه على النَّاس وسلطنته تَأْوِيل هَذِه الرُّؤْيَا فَإِنَّهُ كَانَ متخلقاً بِكَثِير من أَخْلَاق القردة شحا وَطَمَعًا وَفَسَادًا ورذالة وَلَكِن الله يفعل مَا يُرِيد. السُّلْطَان الْملك الصَّالح الْمَنْصُور حاجي ابْن الْملك الْأَشْرَف بن حُسَيْن بن مُحَمَّد بن قلاون وَلما اختفى الْملك الظَّاهِر برقوق فِي اللَّيْل سَار الْأَمِير منطاش بكرَة يَوْم الِاثْنَيْنِ خَامِس جُمَادَى الْآخِرَة إِلَى بَاب القلعة فَنزل إِلَيْهِ الْخَلِيفَة وَسَار مَعَه إِلَى الْأَمِير يلبغا الناصري بَقِيَّة النَّصْر خَارج الْقَاهِرَة وَقد انضمت أوغاد الْعَامَّة وزعرانها إِلَى التركمان من أَصْحَاب الناصري وَتَفَرَّقُوا على بيُوت الْأُمَرَاء وحواصلهم فانتهبوا مَا وجدوا وشعثوا الدّور وَأخذُوا أَبْوَابهَا وَكَثِيرًا من وَقدم نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الحسام أستادار أرغون هزكه وَالِي البهنسا كَانَ من قبل الناصري على أَنه وَالِي الْقَاهِرَة فَوجدَ بَاب النَّصْر مغلوقاً فَدخل بفرسه رَاكِبًا من الْجَامِع الحاكمي إِلَى الْقَاهِرَة وَفتح بَابي النَّصْر والفتوح. واقتحم كثير من عَسْكَر الناصري الْمَدِينَة وعاثوا فِيهَا وَمَعَهُمْ من الزعر وأراذل الْعَامَّة عَالم عَظِيم وحاصروا الدروب والحارات والأزقة ليدخلوا إِلَيْهَا وينهبوها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 232 فَمَنعهُمْ النَّاس وقاتلوهم جهدهمْ فغلب الزعر وأشباههم على حواصل الْأَمِير مَحْمُود الأستادار بِالْقربِ من الْجَامِع الْأَزْهَر وَأخذُوا مِنْهُ شَيْئا كثيرا وغلبوا على عدَّة حوانيت للتجار بشارع الْقَاهِرَة ونهبوها فَقَاتلهُمْ النَّاس وَقتلُوا مِنْهُم أَرْبَعَة. فَمر بِالنَّاسِ من الْأَهْوَال مَا لَا يُوصف. وَبلغ الْخَبَر الناصري فندب سَيِّدي أَبُو بكر أَمِير حَاجِب وتنكز بغا رَأس نوبَة إِلَى حفظ الْقَاهِرَة فدخلا وَنُودِيَ بالأمان وَأَن من ينهب شَيْئا فَلَا يَلُومن إِلَّا نَفسه وَنزل تنكز بغا عِنْد الجملون وسط شَارِع الْقَاهِرَة وَنزل سَيِّدي أَبُو بكر عِنْد بَاب زويلة فسكن الْحَال. وعندما أقبل الْخَلِيفَة إِلَى وطاق الناصري قَامَ إِلَيْهِ وتلقاه وَأَجْلسهُ بجانبه وَحضر قُضَاة الْقُضَاة والأعيان للهناء. وأُمر الْخَلِيفَة فَصَارَ إِلَى خيمة وَأخرج الْقُضَاة إِلَى خيمة أُخْرَى. وَاجْتمعَ عِنْد الناصري من مَعَه من الْأُمَرَاء لتدبير أَمرهم وَإِقَامَة أحد فِي السلطنة فَأَشَارَ بَعضهم بسلطنة الناصري فَامْتنعَ من ذَلِك وانفضوا بِغَيْر طائل فَتقدم الناصري بِكِتَابَة مرسوم عَن الْخَلِيفَة وَعَن الْأَمِير الْكَبِير يلبغا الناصري بالإفراج عَن الْأُمَرَاء المعتقلين بالإسكندرية وهم ألطنبغا الجوبانى وقردم الحسني وألطنبغا الْمعلم وإحضارهم إِلَى قلعة الْجَبَل وَسَار الْبَرِيد بذلك وَأمر بالرحيل من قبَّة النَّصْر وَركب فِي عَالم كَبِير من العساكر القادمين مَعَه وعدتهم فِيمَا يُقَال نَحْو السِّتين ألفا وَأَن عليق جماله فِي كل لَيْلَة ألف وثلاثمائة أردب. وَسَار إِلَى القلعة فَنزل بالإسطبل السلطاني وَنزل الْخَلِيفَة بمنزله من القلعة وَنزلت الْأُمَرَاء فِي منَازِل أُمَرَاء الظَّاهِر برقوق فَفِي الْحَال حضر إِلَى الناصري الْوَزير الصاحب كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن الغنام وموفق الدّين أَبُو الْفرج نَاظر الْخَاص وجمال الدّين مَحْمُود نَاظر الْجَيْش وفخر الدّين عبد الرَّحْمَن بن مكانس نَاظر الدولة والأمير نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن الحسام شاد الدَّوَاوِين وَبدر الدّين مُحَمَّد بن فضل الله كَاتب السِّرّ وَسَائِر أَرْبَاب الْوَظَائِف وَقَامُوا بخدمته فَتقدم إِلَى ابْن الحسام بتحصيل الأغنام لمطابخ الْأُمَرَاء. وَإِذا بِالنَّاسِ تصرخ تَحت القلعة وتشكوا من كَثْرَة نهب التراكمين والزعر فَأمر الناصري الْأَمِير منكلي الْحَاجِب وسيدي أَبُو بكر حَاجِب الْحَاجِب وأقبغا المارداني وبلوط فنزلوا إِلَى الْقَاهِرَة وَنُودِيَ بِأَن من نهب من التّرْك والتركمان والعامة فَاقْتُلُوهُ. ووقف ابْن الحسام مُتَوَلِّي الْقَاهِرَة عِنْد بَاب زويلة لمنع من يدْخل إِلَى الْقَاهِرَة وَقبض على ثَلَاثَة من التركمان وسجنوا بخزانة شمايل فخف الْأَمر. وَنزل أَيْضا طَائِفَة من الْأُمَرَاء لحراسة الْقَاهِرَة وظاهرها. ورسم للأمير تنكز بغا رَأس نوبَة بتحصيل مماليك الظَّاهِر برقوق فَأخذ فِي تتبعهم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 233 وَأصْبح النَّاس يَوْم الثُّلَاثَاء فِي هرج ومرج وقالات كَثِيرَة فِي الظَّاهِر برقوق. واستدعى الناصري الْأُمَرَاء وشاورهم فِيمَن ينصب فِي السلطنة حَتَّى اسْتَقر الرَّأْي على إِقَامَة الْملك الصَّالح حاجي بن الْأَشْرَف فَإِنَّهُ خلعه برقوق بِغَيْر مُوجب فَصَعِدُوا من الإصطبل إِلَى الحوش بالقلعة واستدعوه وأركبوه بشعار السلطنة من الحوش إِلَى الإيوان وأجلسوه على تخت الْملك بِهِ ولقبوه بِالْملكِ الْمَنْصُور وقلده الْخَلِيفَة أُمُور النَّاس على الْعَادة وَقبل الْأُمَرَاء الأَرْض بَين يَدَيْهِ. ودقت البشاير وَقَامَ إِلَى الْقصر وَسَائِر أَرْبَاب الدولة بَين يَدَيْهِ. وَنُودِيَ فِي الْحَال بِالْقَاهِرَةِ بالأمان وَالدُّعَاء للْملك الْمَنْصُور والأمير الْكَبِير يلبغا الناصري وتهديد من نهب فاطمأن النَّاس. ورتب الناصري عِنْد الْملك الْمَنْصُور بِالْقصرِ من الْأُمَرَاء عَلَاء الدّين ألطنبغا الأشرفي وأرسلان اللفاف وقراكسك وأردبغا العثماني. ورسم بِمَنْع الأتراك والتركمان من دُخُول الْقَاهِرَة. وَنزل سَيِّدي أَبُو بكر بن سنقر الجمالي وتنكز بغا رَأس نوبَة وَنُودِيَ بَين أَيْدِيهِمَا بتهديد من نهب شَيْئا وَأقَام تنكز بغا عِنْد الجملون وسط الْقَاهِرَة وَأَبُو بكر بن سنقر عِنْد بَاب زويلة وَأَخْرَجَا من كَانَ فِي الْقَاهِرَة من المماليك والتركمان. وَطلب الْأَمِير حُسَيْن بن الكوراني وخلع عَلَيْهِ عِنْد الناصري باستمراره على ولَايَة الْقَاهِرَة وَنزل وَقد سر النَّاس ولَايَته فَنَادَى بالأمان وَالْبيع وَالشِّرَاء وَالدُّعَاء للسُّلْطَان والأمير الْكَبِير وَتعين الصاحب كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن عبد الرَّزَّاق بن إِبْرَاهِيم بن مكانس مشير الدولة وَتعين أَخُوهُ فَخر الدّين عبد الرَّحْمَن لنظر الدولة على عَادَته وأخوهما زين الدّين نصر الله فِي ديوَان الْأَمِير الْكَبِير يلبغا الناصري. فاستدعى الْفَخر ابْن مكانس مباشري الْجِهَات وَأعَاد جَمِيع المكوس الَّتِي أبطلها الْملك الظَّاهِر فَأخذت من النَّاس على الْعَادة. وَنُودِيَ بِأَمَان الجراكسة وَأَن جَمِيع المماليك والأجناد على حَالهم لَا يُغير على أحد مِنْهُم شَيْء مِمَّا هُوَ فِيهِ وَلَا يخرج عَنهُ إقطاعه. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سابعه: قدم الجوباني وقردم وألطنبغا الْمعلم من الْإسْكَنْدَريَّة على الْبَرِيد إِلَى الْأَمِير الْكَبِير وَنُودِيَ بِأَن من ظهر من المماليك الظَّاهِرِيَّة فَهُوَ بَاقٍ على إقطاعه وَمن اختفى بعد هَذَا النداء حل مَاله وَدَمه للسُّلْطَان. ورسم لسودن النَّائِب بِلُزُوم بَيته بطالاً. وَصَارَ الْأَمِير مَحْمُود الأستادار إِلَى ابْن مكانس المشير وترامى عَلَيْهِ فَأصْلح حَاله على مَال يحملهُ إِلَى الْأَمِير الْكَبِير وَجمع بَينهمَا فَأَمنهُ الْأَمِير الْكَبِير. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 234 وَفِي ثامنه: اجْتمع الْأُمَرَاء وَغَيرهم فِي القلعة للْخدمَة السُّلْطَانِيَّة فأغلق بَاب القلعة وَقبض على تِسْعَة من الْأُمَرَاء المقدمين وهم الْأَمِير سودُن الفخري الشيخوني نَائِب السلطنة وسودن بَاقٍ وسودن الطرنطاي وَشَيخ الصفوي وقجماس الصَّالِحِي ابْن عَم الظَّاهِر برقوق وَأَبُو بكر بن سنقر الْحَاجِب وأقبغا المارديني حَاجِب الْحَاجِب وبجاس النوروزي ومحمود بن على الأستادار وَقبض من أُمَرَاء الطبلخاناه على عبد الرَّحِيم بن منكلي بغا الشمسي وبوري الأحمدي وتمربغا المنجكي ومنكلي الشمسي الطرخاني وَمُحَمّد جمق بن الْأَمِير أيتمش وطوجي وقرمان المنجكي وَحسن خجا وبيرس التمان تمري وَأحمد الأرغوني وأسنبغا الأرغون شاهي وقنق باي السيفي الجاي وجرباش الشيخي وبغداد الأحمدي وَيُونُس الرماح الأسعردي وأروس بغا الخليلي وبطا الطولوتمري وقوص المحمدي وتنكز العثماني وأرسلان اللفاف وتنكز بغا السيفي وألطنبغا شادي وأقبغا اللاشيني وبلاط المنجكي وبجمان المحمدي وألطنبغا العثماني وعَلى بن أقتمر عبد الْغَنِيّ وَإِبْرَاهِيم بن طشتمر العلاي وخليل بن تنكزبغا وَمُحَمّد بن الدواداري وَسليمَان بن يُوسُف الشهرزوري وحسام الدّين حُسَيْن بن على الكوراني الْوَالِي وبلبل الرُّومِي الطَّوِيل والطواشي صَوَاب السَّعْدِيّ شنكل الْمُقدم ومقبل الدواداري الزِّمَام. وَمن أُمَرَاء العشراوات أزدمر الجوكاني وقمارى الجمالي وحلبان أَخُو مامق وقلم طاي ابْن ألجاي اليوسفي وأقبغا توز الشيخوني وَصَلَاح الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن تنكز وعبدوق العلاي ويمنشاه الشيخوني وطولو بغا الأحمدي وَمُحَمّد بن أرغون الأحمدي وَإِبْرَاهِيم بن الشَّيْخ على ابْن قرا وغريب ابْن حاجي وأسَنْبُغَا السيفي وَأحمد بن حاجي بك بن شادي وأقبغا الجمالى الهذباني وأمير زاه بن ملك الكرج وحلبان الكمشبغاوى ومُوسَى بن أَبى بكر بن سلار أَمِير طبر وقنق باي الأحمدي وأمير حَاج بن أيدغمش وكمشبغا اليوسفي وَمُحَمّد بن أقتمر الصاحبي الْحَنْبَلِيّ النَّائِب وأقبغا الناصري حطب وَمُحَمّد بن سنقر المحمدي وبهادر القجاوي وَمُحَمّد بن طغاي تمر النظامي وَيُونُس العثماني وَعبد الرَّحْمَن بن منكلي بغا الشمسي وَعمر بن يَعْقُوب شاه وعَلى بن بلاط الْكَبِير وَمُحَمّد بن أَحْمد بن أرغون النَّائِب وَمُحَمّد بن بكتمر الشمسي وألجبغا الدوادار وَمُحَمّد ابْن يُونُس الدوادار وخليل بن قرطاي شاد العماير وَمُحَمّد بن قرطاي نقيب الْجَيْش وقطلربك أَمِير جندار. وَقبض على جمَاعَة من المماليك. وسفر قجُمْاس ابْن عَم الظَّاهِر برقرق إِلَى طرابلس على الْبَرِيد. وَأَفْرج عَن شَنكل الْمُقدم ومقبل الزِّمَام وَشَيخ الصفوي وَمُحَمّد بن يُونُس الدوادار وَإِبْرَاهِيم بن طشتمر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 235 الدوادار وَعبد الرَّحِيم وَعبد الرَّحْمَن ابْني منكلي بغا وَمُحَمّد بن الدواداري وخليل وَمُحَمّد ابْني قرطاي ويمن شاه وقماري وحسين بن الكوراني وَعلي بن أقتمر عبد الْغَنِيّ وتنكز بغا وبجمان وبوري وأقبغا اللاشيني وخليل بن تنكزبغا وَسليمَان بن يُوسُف الشهرزوري وأزدمر الجوكاني وجامان وقماري الجمالي وَابْن ألجاي اليوسفي وَابْن أقتمُر الْحَنْبَلِيّ وَابْن أيْدَغْمُش وَأحمد بن حاجي بك ومُوسَى أَمِير طبر. وسجن الْبَقِيَّة بالزردخاناه. وَفِيه نُودي بِالْقَاهِرَةِ ومصر وظواهرهما من أحضر السُّلْطَان برقوق وَكَانَ عامياً خلع عَلَيْهِ وَأعْطى ألف دِينَار وَإِن كَانَ جندياً أعطي إمرة عشرَة واٍ ن كَانَ أَمِير عشرَة أعطي طبلخاناة وَإِن كَانَ أَمِير طبلخاناة أعطي إمرة مائَة وَمن أخفاه بعد النداء شنق وَحل مَاله للسُّلْطَان فَكثر كَلَام الْعَامَّة فِي ذَلِك. وَفِي لَيْلَة الْجُمُعَة: حمل الْأُمَرَاء المسجونون فِي الحراريق إِلَى سجن الْإسْكَنْدَريَّة خلا الْأَمِير مَحْمُود. وعدتهم تِسْعَة وَعِشْرُونَ أَمِيرا وَنفي المماليك. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة تاسعه: قبض على ابْن بقر وَابْن عِيسَى العايدي وَابْن حسن السلطاني وطولبوا بِمَال قرر عَلَيْهِم ثمَّ أطْلقُوا. وَفِي عاشره: أفرج عَن أقبغا المارداني بشفاعة صهره أَحْمد بن يلبغا فأعيد من الحراقة وَمَعَهُ مُحَمَّد بن تنكز ورسلان اللفاف. وَورد الْخَبَر باجتماع طَائِفَة كَبِيرَة من المماليك الظَّاهِرِيَّة بِنَاحِيَة أطفيح فَتوجه إِلَيْهِم الْأَمِير وَفِيه نُودي ثَانِيًا على الْملك الظَّاهِر وهدد من أخفاه فَكثر الدُّعَاء من الْعَامَّة لَهُ وَعظم الأسف على فَقده وثقلت وَطْأَة أَصْحَاب الناصري على النَّاس ونفروا مِنْهُم فَصَارَ الْعَامَّة يلهجون كثيرا بقَوْلهمْ: رَاح برقوق وغزلانه وَجَاء الناصري وثيرانه. وَفِيه قبض على الْأَمِير مَحْمُود وَولده مُحَمَّد وَقيد بِقَيْد زنته أَرْبَعُونَ رطلا وقوائمه عشرَة أَرْطَال. وَجعل فِي عُنُقه ثَلَاث باشات. وَفِي حادي عشره: اسْتَقر الشريف بكتمر بن على الحسينى فِي كشف الجيزة وَابْن الطشلاقى فِي ولَايَة قطيا على عَادَته. وَقبض على الطواشي بهادر الشهابي مقدم المماليك كَانَ وَقد حضر مَعَ الناصري وَختم على حواصله. وَذَلِكَ أَنه اتهمَ بِأَنَّهُ أخْفى السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر وَأخرج منفيا إِلَى قلعة المرقب هُوَ وأسنبغا الْمَجْنُون. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 236 وَفِي ثَانِي عشره: سجن الْأَمِير مَحْمُود بالزردخاناه وَهُوَ مُقَيّد. وَقبض على شيخ الصفوي وسجن. وألزم حُسَيْن بن الكوراني الْوَالِي بِطَلَب المماليك الظَّاهِرِيَّة فَنَادَى عَلَيْهِم بِالْقَاهِرَةِ ومصر وهدد من أخفاهم. وَفِيه أَمر الْوَالِي تجار الْقَاهِرَة بِنَقْل قماشهم من الحوانيت وخوفهم من النهب فاضطرب النَّاس وَكثر كَلَامهم وتوهموا اخْتِلَاف الدولة وَقيام الْفِتْنَة وَأخذُوا فِي الِاحْتِرَاز. وَفِيه كثر فَسَاد التركمان وَأخذُوا النِّسَاء من الطرقات وَمن بعض الحمامات وسلبوا من انفردوا بِهِ ثِيَابه من غير أَن يتجاسر أحد على مَنعهم. وَكثر أَيْضا ضَرَر الزعر وإخافتهم النَّاس. وَفِيه أَمر الْعَسْكَر بِنَزْع السِّلَاح وَكَانُوا فِي هَذِه الْأَيَّام لَا يزَالُوا بِالسِّلَاحِ عَلَيْهِم وعَلى خيولهم فَلَا ترى أَمِيرا وَلَا مَمْلُوكا وَلَا جندياً إِلَّا لابس آلَة الْحَرْب. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشره: غُمز على الْملك الظَّاهِر برقوق. وَذَلِكَ أَنه لما نزل من الإصطبل فِي اللَّيْل مختفياً مضى إِلَى بَيت أَبى يزِيد - أحد أُمَرَاء العشراوات - واختفي بداره فَلم يعرف خَبره والطلب لَهُ يشْتَد وهجم على عدَّة بيُوت بِسَبَبِهِ فَلم يُوجد. ونكر النداء عَلَيْهِ فخاف أَن يُؤْخَذ بِالْيَدِ فَلَا يُبقي عَلَيْهِ فَأعْلم الْأَمِير ألطبغا الجوباني بمكانه فَصَارَ إِلَيْهِ وَقيل إِنَّه نزل من الإسطبل وَمَعَهُ أَبُو يزِيد لَا غير فَتَبِعَهُ نعْمَان مهتار الطشت خاناه إِلَى الرميلة فَرده. وَمضى هُوَ وَأَبُو يزِيد إِلَى أَن أَخلى لَهُ مَكَانا اختفى فِيهِ. وَأخذ الناصري يتتبع أَثَره حَتَّى سَأَلَ المهتار نعْمَان عَنهُ فَأخْبرهُ أَنه نزل وَمَعَهُ أَبُو يزِيد وَإنَّهُ لما تبعه رده فَأمر حينئذٍ حُسَيْن بن الكوراني بإحضار أبي يزِيد فَشدد فِي طلبه وهجم بُيُوتًا كَثِيرَة فَلم يقف لَهُ على خبر فَقبض جمَاعَة مِمَّن يعرفهُ وقررهم فَلم يجد عِنْدهم علما بِهِ. وَمَا زَالَ يفحص حَتَّى دله بَعضهم على مَمْلُوك أبي يزِيد فَقبض على امْرَأَة الْمَمْلُوك وعاقبها فدلته على أبي يزِيد وعَلى الْملك الظَّاهِر وأنهما فِي بَيت رجل خياط بجوار بَيت أبي يزِيد فَمضى إِلَى الْبَيْت وَبعث إِلَى الناصري يُعلمهُ فَأرْسل إِلَيْهِ الْأُمَرَاء. وَقيل إِنَّه لما نزل من الإسطبل كَانَ نَحْو نصف لَيْلَة الِاثْنَيْنِ فَسَار إِلَى النّيل وعدى إِلَى الجيزة وَنزل عِنْد الأهرام وَأقَام ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ عَاد إِلَى بَيت أبي يزِيد فَأَقَامَ عِنْده إِلَى يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشره حضر مَمْلُوك أبي يزِيد إِلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 237 الناصري وأعلمه بِأَن الظَّاهِر فِي دَاره أستاذه فأحضر أَبَا يزِيد وَسَأَلَهُ فاعترف أَنه عِنْده فَأَخذه الْأَمِير ألطنبغا الجوباني وَسَار بِهِ إِلَى حَيْثُ الظَّاهِر فَأوقف الجوباني من مَعَه وَصعد إِلَيْهِ وَحده. فَلَمَّا رَآهُ الظَّاهِر قَامَ لَهُ وهّم أَن يقبل يَده فاستعاذ بِاللَّه من ذَلِك. وَقَالَ: يَا خوند أَنْت أستاذنا وَنحن مماليكك. ثمَّ ألبسهُ عِمَامَة وطيلسة وَنزل بِهِ وأركبه وشق بِهِ الصليبة نَهَارا حَتَّى مر فِي الرميلة إِلَى أَن صعد بِهِ إِلَى الناصري فِي الإصطبل فحبس بقاعة الْفضة من القلعة. وألزم أَبُو زيد بإحضار مَا للظَّاهِر عِنْده فأحضر كيساً فِيهِ ألف دِينَار فأنعم بِهِ عَلَيْهِ وخلع عَلَيْهِ وخلى عَنهُ. ورتب لخدمة الظَّاهِر مملوكان وَغُلَامه المهتار نعْمَان وَقيد بِقَيْد ثقيل. وَفِي خَامِس عشره: أفيض على الْخَلِيفَة المتَوَكل تشريف جليل. وخلع على بدر الدّين مُحَمَّد بن فضل الله عِنْد قِرَاءَة عهد الْملك الْمَنْصُور وألبس الْأُمَرَاء الَّذين قدمُوا مَعَ الناصري أقبية مطرزة بِذَهَب. وَاسْتقر حسام الدّين حسن بن على الكجكني فِي نِيَابَة الكرك عوضا عَن مَأْمُور القلمطاوي. وأُنعم على مَأْمُور بإمرة مائَة بديار مصر. وَفِي سَابِع عشره: توجه حسن لنيابة الكرك. وَفِي تَاسِع عشره: قدم الْبَرِيد من دمشق بِأَن الْأَمِير أقبغا الصَّغِير والطنبغا استادار جَنتمُر اجْتمع عَلَيْهِمَا نَحْو الأربعمائة من المماليك الظَّاهِرِيَّة ليركبوا على جَنتمُر نَائِب دمشق ويملكوا مِنْهُ الْبَلَد. فَلَمَّا بلغ جَنتمُر ذَلِك ركب وكبسهم على حِين غَفلَة فَلم يفلت مِنْهُم إِلَّا الْيَسِير وَفِيهِمْ أَقْبُغا الصَّغِير. وَفِيه أنعم على من يذكر من الْأُمَرَاء وخلع عَلَيْهِم وهم: الْأَمِير سيف الدّين بزلار الْعمريّ اسْتَقر فِي نِيَابَة دمشق والأمير سيف الدّين كمشبغا الْحَمَوِيّ فِي نِيَابَة حلب وَسيف الدّين صنجق السيفي نَائِب طرابلس وشهاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد ابْن المهندار فِي نِيَابَة حماة. وَفِي حادي عشرينه: عرض الْأَمِير ألطُنْبُغا الجوباني المماليك الظَّاهِرِيَّة وَأخرج من المستخدمين مِائَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ لخدمة الْمَنْصُور وَسبعين من المشتروات نزلهم بالطباق من القلعة وَفرق من عداهم من الْأُمَرَاء. وَكَانَ الْغَرَض بالإصطبل وأنعم على كل من أقبغا الجمالي الهذباني أَمِير أخور الجزء: 5 ¦ الصفحة: 238 ويلبغا السودوني وتاني بك اليحياوي، وسودن اليحاوي، بإمرة عشرَة فِي حلب ورسم بسفؤهم مَعَ النَّائِب. وَفِي لَيْلَة الْخَمِيس ثَانِي عشرينه: رسم بسفر الْملك الظَّاهِر بروق إِلَى الكرك فَأخْرج من قاعة الْفضة ثلث اللَّيْل إِلَى بَاب الفرافة - أحد أَبْوَاب القلعة - وَمَعَهُ الْأَمِير ألطنبغا الجوباني فأركبه هجيناً وَعين مَعَه من مماليكه ثَلَاثَة مماليك صغَار وهم: سوُدن وقُطلوبغا وأقباي. وَسَار بِهِ إِلَى قبَّة النَّصْر خَارج الْقَاهِرَة وأسلمه إِلَى الْأَمِير شمس الدّين مُحَمَّد بن عِيسَى العائدي فَتوجه على عجرود إِلَى مَدِينَة كرك الشوبك وَسلمهُ إِلَى الْأَمِير حسام الدّين حسن الكجكني نائبها فأنزله بالقلعة فِي قاعة النّحاس. وَكَانَت ابْنة الْأَمِير يلبغا الْعمريّ - امْرَأَة مَأْمُور - بالكرك فَقَامَتْ لَهُ. مِمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ من الْفرش والآلات. وقدمت لَهُ أسمطة تلِيق بِهِ واعتنى حسن الكجكني بخدمته أَيْضا وَكَانَ الناصري قد أوصاه لَهُ وَقرر مَعَه إِن رابه أَمر من شَيْء يبلغهُ عَن منطاش فليفرج عَن الظَّاهِر فاعتمد ذَلِك وَصَارَ يتلطف بِهِ ويعده بالتوجه مَعَه إِلَى التركمان فَإِن لَهُ فيهم معارف. وحصن القلعة وَصَارَ لَا يبرح عَنهُ وَيَأْكُل مَعَه حَتَّى أنس بِهِ وركن لَهُ وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ. وَفِي يَوْم الْخَمِيس: خلع على نواب الشَّام خلع السّفر. وَفِيه اسْتَقر سيف الدّين قُطْلوبُغا الصفوي فِي نِيَابَة صفد وَسيف الدّين بُغاجُق السيفي فِي نِيَابَة ملطية. وَفِيه نُودي بِالْقَاهِرَةِ ومصر أَن المماليك الظَّاهِرِيَّة يخدموا مَعَ نواب الشَّام وَألا يُقيم أحد مِنْهُم بديار مصر وَمن تَأَخّر بعد النداء حل دَمه وَمَاله وَنُودِيَ بذلك من الْغَد. وَفِي رَابِع عشرينه: برز النواب بالريدانية خَارج الْقَاهِرَة للسَّفر. وَفِي سادس عشرينه: أَخْلَع على الْأَمِير يلبغا الناصري وَاسْتقر أتابك العساكر وعَلى الْأَمِير ألطُنْبُغا الجوباني وَاسْتقر رَأس نوبَة النوب وعَلى الْأَمِير سيف الدّين قرا دمرداش الأحمدي وَاسْتقر أَمِير سلَاح وعَلى الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن يلبغا وَاسْتقر أَمِير مجْلِس وعَلى الْأَمِير سيف الدّين تمرباي الحسني وَاسْتقر حَاجِب الْحجاب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 239 وخلع على قُضَاة الْقُضَاة الثَّلَاثَة: جال الدّين عبد الرَّحْمَن بن خير الْمَالِكِي وشمس الدّين مُحَمَّد الطرابلسي الْحَنَفِيّ وناصر الدّين نصر الله الْحَنْبَلِيّ. وخلع على صدر الدّين مُحَمَّد الْمَنَاوِيّ مفتي دَار الْعدْل وعَلى بدر الدّين مُحَمَّد بن على بن فضل الله الْعمريّ كَاتب السِّرّ وعَلى الْوَزير الصاحب كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن الغنام وعَلى موفق الدّين أبي الْفرج نَاظر الْخَاص وعَلى جمال الدّين مَحْمُود القيصري نَاظر الْجَيْش وعَلى فَخر الدّين عبد الرَّحْمَن بن مكانس نَاظر الدولة وعَلى نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الحسام شاد الدَّوَاوِين وعَلى مقدمي الدولة وَالْخَاص باستمرارهم على وظائفهم. وَفِيه أُعِيد السَّيِّد الشريف شرف الدّين عَليّ بن السَّيِّد فَخر الدّين إِلَى نقابة الْأَشْرَاف. وَصرف السَّيِّد جمال الدّين عبد الله الطباطبي. وَاسْتقر كُمُشمْبغا الأشرفي الخاصكي نَائِب قلعة الرّوم. وَلم يخلع على قَاضِي الْقُضَاة نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن بنت ميلق لتوعكه وانقطاعه. وَفِيه رَحل النواب من الريدانية وسافروا إِلَى الْبِلَاد الشامية وسافر مَعَهم كثير من التركمان وأجناد الشَّام وأمرائها. وَفِيه نُودي أَلا يتَأَخَّر بديار مصر أحد من المماليك الظَّاهِرِيَّة إِلَّا أَن يكون فِي خدمَة السُّلْطَان أَو الْأُمَرَاء وَمن تَأَخّر شُنق. وَفِيه أَخذ قاع النّيل فجَاء خَمْسَة أَذْرع وَعِشْرُونَ إصبعاً. وَنُودِيَ فِي يومي الْأَرْبَعَاء وَالْخَمِيس أَن التركمان والعربان يرجِعوا إِلَى الشَّام. وأخلع يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشرينه على قَاضِي الْقُضَاة نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن بنت ميلق وعَلى بدر الدّين مُحَمَّد بن شيخ الْإِسْلَام البُلْقِينِيّ قَاضِي العسكِر وعَلى أَخِيه جلال الدّين عبد الرَّحْمَن مفتي دَار الْعدْل وعَلى شهَاب الدّين أَحْمد الدَّفري مفتي دَار الْعدْل الْمَالِكِي وعَلى نجم الدّين مُحَمَّد الطَنْبَدي محتسب الْقَاهِرَة وعَلى همام الدّين العجمي محتسب مصر وعَلى شمس الدّين مُحَمَّد الدَّمِيرِيّ نَاظر الأحباس وعَلى بقيه أَرْبَاب الْوَظَائِف باستمرارهم على وظائفهم. وأخلع أَيْضا على الْأَمِير عَلَاء الدّين أقبغا الْجَوْهَرِي وَاسْتقر أستادار السُّلْطَان وعَلى الْأَمِير آلابغا العثماني وَاسْتقر دواداراً كَبِيرا وعَلى الْأَمِير عَلَاء الدّين ألطنبغا الأشرفي وَاسْتقر رَأس نوبَة ثَانِيًا وعَلى الْأَمِير سيف الدّين جُلْبان العلاي وَاسْتقر حاجباً وعَلى سيف الدّين بلاط العلاي وَاسْتقر حاجباً وعَلى سيف الدّين قطلوبك السيفي وَاسْتقر أَمِير جاندار بإمرة طبلخاناه وعَلى ابْن شَهْري وَاسْتقر نَائِب دُوْركي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 240 وَفِيه قدم الْبَرِيد بوصول الْأَمِير نعير بن حيار بن مهنا أَمِير العربان إِلَى دمشق قَاصِدا رُؤْيَة الْملك الْمَنْصُور. وَلم يحضر قطّ فِي الْأَيَّام الظَّاهِرِيَّة. وَفِيه قدم فتح الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن أبي بكر بن الشَّهِيد كَاتب سر دمشق. وَفِي سلخه: فرق الناصري المثالات على الْأُمَرَاء وجعلهم أَرْبَعَة وَعشْرين تقدمة. وَنُودِيَ فِي الْقَاهِرَة ومصر بالأمان وَمن ظُلم أَو غُبن أَو قُهر من مُدَّة عشْرين سنة فَعَلَيهِ بِبَاب الْأَمِير الْكَبِير يَلبغا أَو حَاجِب الْحجاب حَتَّى يَأْخُذ حَقه. وَفِيه كُبست بيُوت الأسرى وأُخذ مِنْهَا جرار الْخمر وَكسرت تَحت القلعة. وَفِي يَوْم السبت أول شهر رَجَب: زعق زامر على بَاب السلسلة تَحت الإسطبل - حَيْثُ سكن الْأَمِير الْكَبِير - فَاجْتمع الْأُمَرَاء والممالك وَلم يعْهَد هَذَا الزمر قطّ بِمصْر وَذكروا أَنَّهَا الْعَادة فِي بِلَاد وَفِيه عقد مجْلِس بِالْمَدْرَسَةِ الصالحية بَين القصرين وَحضر الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء وَجِيء بِابْن سبع من السجْن. وَقد شُهد عَلَيْهِ بأَشْيَاء شَنِعة وأرد أخصامه إِرَاقَة دَمه عِنْد الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة فَكثر سَعْيه بِالْمَالِ حَتَّى فوض أمره للقضاة الشَّافِعِيَّة ليحكموا بحقن دَمه ثمَّ أُعِيد إِلَى السجْن. وَفِي ثالثه: اسْتَقر الْأَمِير حسام الدّين حُسَيْن بن باكيش فِي نِيَابَة غَزَّة على عَادَته وَسيف الدّين بوري الأحمدي لالا السُّلْطَان وبهاء الدّين أرسلان اللفاف السيفي وَسيف الدّين قراكسك وَسيف الدّين أردبغُا العثماني رُؤُوس نوب وَا خلع عَلَيْهِم. وَفِيه رسم أَن يكون رُؤُوس نواب السلحدارية والسقاة والجمدارية سِتَّة لكل طَائِفَة على مَا كَانُوا أَولا قبل أَن يسْتَقرّ الْملك الْأَشْرَف شعْبَان بهم ثَمَانِيَة فِي سنة سِتّ وَسبعين بِزِيَادَة اثْنَيْنِ فِي كل طَائِفَة وَاسْتقر قُطْلُوبَك السيفي فِي ولَايَة قلعة الْجَبَل عوضا عَن بَجَاس. وَاسْتقر زين الدّين مْرج السيفي أَمِير جاندار بإمرة طبلخاناه. وَولى شهَاب الدّين أَحْمد بن زين الدّين عمر الْقرشِي الْوَاعِظ قَضَاء الْقُضَاة بِدِمَشْق عوضا عَن سري الدّين مُحَمَّد بن المسلاتي وأضيف إِلَيْهِ نظر الْجَامِع الْأمَوِي وخلع على الْجَمِيع. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 241 وَفِي خامسه: قدم الْأَمِير نعَيْر وَخرج الْأَمِير الْكَبِير إِلَى لِقَائِه وَمَعَهُ سَائِر الْأُمَرَاء وَقدم سرى الدّين المسلاتي مَعَه. وَفِي سادسه: صعد الْأَمِير نُعَيْر إِلَى القلعة وَقبل الأَرْض بِحَضْرَة السُّلْطَان فَخلع عَلَيْهِ وَأنزل بالميدان الْكَبِير تَحت القلعة. وَفِيه أَخْلَع على الْأَمِير ألابغا الدوادار وَاسْتقر فِي نظر الأحباس وعَلى قُرْقُماس الطَشْتَمُري وَاسْتقر خازندارا. وَفِيه عُقد عِنْد الْأَمِير الْكَبِير مجْلِس بِسَبَب ابْن سبع وَحضر الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء وَكثر الْكَلَام إِلَى أَن قَالَ قَاضِي الْقُضَاة ولي الدّين أَبُو زيد بن خلدون للأمير الْكَبِير. يَا أَمِير أَنْت صَاحب الشَّوْكَة وحُكمك ماضٍ فِي الْأمة وَمهما حكمت بِهِ نُفذ. فَحكم الْأَمِير الْكَبِير بحقن دَمه وإطلاقه فأفرج عَنهُ وَلم يعْهَد قطّ أَن أحدا من أُمَرَاء التّرْك وَلَا مُلُوكهمْ حكم فِي شَيْء من الْأُمُور الَّتِي من عَادَة الْقُضَاة الحكم فِيهَا إِلَّا أَن قَضِيَّة ابْن سبع هَذَا كَانَت قد شَنُعت وَطَالَ أمرهَا وَكثر التعصب فِيهَا فقوم يُرِيدُونَ قَتله وَقوم يُرِيدُونَ إِطْلَاقه وَجبن الْقُضَاة عَن إِمْضَاء شَيْء من ذَلِك حَتَّى عُمل مَا ذكر وهى من غَرِيب مَا وَقع. وَفِي ثامنه: أُخلع على الْأَمِير نعير خلعة السّفر. وَفِي ثَالِث عشره: أنعم على الطواشي صَوَاب السَّعْدِيّ شنكل بإمرة عشرَة وَأخذت مِنْهُ إمرة الطبلخاناه. وَلم يَقع مثل ذَلِك أَن يكون مقدم الممليلك بإمرة عشرَة قطّ. وَقبض على الْأَمِير وَفِيه أخْلَع الْملك الْمَنْصُور على شخص وَعَمله خياط السُّلْطَان فَطَلَبه الْأَمِير الْكَبِير وَأخذ مِنْهُ الخلعة وضربه ضربا مبرحاً وأسلمه إِلَى شاد الدَّوَاوِين ثمَّ أفرج عَنهُ بشفاعة أَحْمد بن يلبغا فشق ذَلِك على الْمَنْصُور وَقَالَ: إِذا لم ينفذ مرسومي فِي خياط فَمَا هَذِه السلطنة وَسكت على مضض. وَفِي خَامِس عشره: قبض على الْأَمِير سيف الدّين قراكسك وَنفى. وَفِي سَابِع عشره: رُسم بالإفراج عَن الْأُمَرَاء المسجونين بثغر الْإسْكَنْدَريَّة لشفاعة الْأَمِير نُعَيْر فيهم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 242 وَفِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء ثامن عشره: توجه أَرْبَعُونَ أَمِيرا من المقدمين والطبلخاناه والعشراوات إِلَى الشرقية للكبس على العربان الزهيرية وَقد كثر عبثهم وَعظم فسادهم فِي الرِّيف وَصَارَت لَهُم جموع يذبح لَهُم فِي بعض الْأَوْقَات أَرْبَعمِائَة رَأس من الْغنم وَالْبَقر حَتَّى يكفيهم أَكلَة وَاحِدَة من كثرتهم. فَسَار الْأُمَرَاء وَفِيهِمْ الْأَمِير ألطُنْبُغا الجوماني ومنطاش وقرا دمرداش وشنوا الغارات فِي السباخ وبلاد أشموم الرُّمَّان وَقتلُوا جمَاعَة وَأخذُوا نَحْو الثلاثمائة رجل وَألف فرس وعادوا بهم فسمر مِنْهُم فِي خَامِس عشرينه نَحْو الثَّمَانِينَ رجلا وطيف بهم على الْجمال وَمُشَاة ثمَّ أفرج وَفِي سَابِع عشرينه: اسْتَقر طَغَنْجى فِي نِيَابَة البيرة وسافر وَاسْتقر بدر الدّين مَحْمُود الكلُسْتاني السراي فِي قَضَاء الْعَسْكَر عوضا عَن سراج الدّين عمر العجمي. وَاسْتقر إِمَام الدّين مُحَمَّد بن العلاف - وَكَانَ مؤدب أَطْفَال مصر ثمَّ اتَّصل بالناصري بحلب فَصَارَ إِمَام الْأَمِير الْكَبِير - فِي حسبَة مصر عوضا عَن همام الدّين. وَفِي أول شعْبَان: أُمر المؤذنون بِالْقَاهِرَةِ ومصر أَن يزِيدُوا فِي الآذان لكل صَلَاة بعد الْفَرَاغ مِنْهُ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله عدَّة مرار. وَسبب هَذَا أَن رجلا من الْفُقَرَاء المعتقدين جمع فِي لَيْلَة الْجُمُعَة بعد أَذَان الْعشَاء الْآخِرَة الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأعجبه ذَلِك وَقَالَ لأَصْحَابه. أتحبون أَن يعْمل هَذَا فِي كل أَذَان. قَالُوا نعم فَبَاتَ وَأصْبح وَقد زعم أَنه رأى رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَنَامه يَأْمُرهُ أَن يَقُول لنجم الدّين الطنْبَدي الْمُحْتَسب بِأَمْر المؤذنين أَن يصلوا عَلَيْهِ عقيب كل أَذَان فَمضى إِلَى الطنبَدي - وَكَانَ فِي غَايَة الْجَهْل - فسره قَول هَذَا الرَّأْي وَأمر بذلك فاستمر إِلَى يَوْمنَا من سنة عشْرين وَثَمَانمِائَة. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي شعْبَان: اسْتَقر عَلَاء الدّين على البيري الْحلَبِي - موقع الْأَمِير الجزء: 5 ¦ الصفحة: 243 الْكَبِير - فِي توقيع الدست وأخلع عَلَيْهِ. وَاسْتقر قطلوبك النظامي نَائِب الْوَجْه القبلي عوضا عَن مبارك شاه. وَاسْتقر أَرَسبغا المنجكي كاشف الْوَجْه القبلي عوضا عَن أَبُو درقة. وَاسْتقر قطلوبغا التركماني وَالِي الفيوم عوضا عَن شاهين العلاي. وَاسْتقر تمراز العلاي وَالِي الْبحيرَة عوضا عَن أَيْدَمُر الشمسي أَبُو زلطة. وَفِيه نُودي على النّيل ثَلَاثِينَ إصبعاً. وَاسْتقر مقبل الطَّيِّبِيّ وَالِي قوص عوضا عَن أبي بكر بن مُوسَى بن الديناري. وَقبض على أقبغا اللاجيني وَنفي إِلَى الشَّام. وَاسْتقر أَمِير مَلَك - قريب جَنتمر أخي طاز - فِي نِيَابَة الرحبة بتقدمة ألف. وَفِيه أنزل بالمماليك السّبْعين الَّذين رتبوا فِي الطاق بالقلعة وَفرقُوا على الْأُمَرَاء. ورُسم أَيْضا بِإِبْطَال المقدمين والسوَّاقين والطواشية وَنَحْوهم وأنزلوا من القلعة فاتضع أَمر الْملك الْمَنْصُور. وَفِيه حضر من الْإسْكَنْدَريَّة الْأَمِير أَبُو بكر بن سنقر ومنكلي الطرخاني وطرجي الحسمي وَعبد الرَّحْمَن بن منكلي بغا فسفِّر الطرخاني وطرجي إِلَى الشَّام بِغَيْر خُبز. وَلزِمَ أَبُو بكر وَعبد الرَّحْمَن منزلهما بطالين. وَفِي خامسه: اسْتَقر أقبغا الْفِيل فِي ولَايَة الشرقية عوضا عَن قطْلُوبك السَّعْدِيّ. وَفِي سادسه: نُودي بوفاء النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا وَهُوَ سادس مسري أَيْضا فَفتح الخيج على وَفِي ثَانِي عشره: أَخْلَع على الصاحب كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن عبد الرَّزَّاق بن إِبْرَاهِيم بن مكانس وَاسْتقر مشير الدولة. وعَلى أَخِيه زين الدّين نصر الله لنظر الإسطبل وَاسْتقر صَاحب ديوَان الْأَمِير. الْكَبِير وَنزلا وَبَين أَيْدِيهِمَا زامر يزمر وَلم يعْهَد مثل هَذَا. بِمصْر قطّ. وفمه أُشيع أَن منطاش تنكر مَعَ الْأَمِير الْكَبِير وَتَأَخر عَن الْخدمَة وَأظْهر أَنه متضعف فَفطن الْأَمِير الْكَبِير بِأَنَّهُ يُرِيد عمل مكيدة وَلم ينزل لعيادته. وَبعث إِلَيْهِ الْأَمِير ألطنْبغا الجوباني فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سادس عشره فَدخل عَلَيْهِ وَقضى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 244 حق العيادة وهمَّ بِالْقيامِ فَقبض عَلَيْهِ وعَلى عشرَة من مماليكه وَضرب قرقُماس دواداره فَمَاتَ من ذَلِك بعد أَيَّام. وَركب منطاش حَال مسكه الجوباني فِي أَصْحَابه إِلَى بَاب السلسلة وَأخذ جَمِيع الْخُيُول الَّتِي كَانَت واقفة هُنَاكَ. وَأَرَادَ اقتحام الْبَاب ليَأْخُذ الناصري على غَفلَة فَلم يتَمَكَّن من ذَلِك وأغلق الْبَاب. وَرمى عَلَيْهِ مماليك الناصري من أَعلَى السُّور فَعَاد وَمَعَهُ الْخُيُول إِلَى دَاره وهى قريب من الرميلة بجوار مدرسة السُّلْطَان حسن وَنهب بَيت الْأَمِير أقبغا الْجَوْهَرِي وَأخذ خيله وقماشه وأصعد إِلَى مدرسة السُّلْطَان حسن الْأَمِير تنكزبغا رَأس نوبَة والأمير أَزْدَمُر الجوكاني دوادار الظَّاهِر برقوق فِي عدَّة مماليك وَحمل إِلَيْهَا النشاب وَالْحِجَارَة فرموا على من فِي الرميلة من أَصْحَاب الناصري من أَعلَى المأذنتين وجوانب الْقبَّة. وألبس الناصري مماليكه السِّلَاح وتلاحقت المماليك الأشرفية والظاهرية بمنطاش وَصَارَ فِي فَارس بعد مَا كَانَت عدَّة من مَعَه أَولا نَحْو السّبْعين فَارِسًا. وَأَتَاهُ من الْعَامَّة عَالم كَبِير فترامى الْفَرِيقَانِ واقتتلا. وَنزل الْأَمِير حسام الدّين حُسَيْن بن الكوراني وَالِي الْقَاهِرَة والأمير مَأْمُور الْحَاجِب من عِنْد الْأَمِير الْكَبِير. وَنُودِيَ فِي النَّاس بِنَهْب مماليك منطاش وَالْقَبْض على من قدرُوا عَلَيْهِ وإحضاره إِلَى الْأَمِير الْكَبِير فَخرج عَلَيْهِمَا طَائِفَة من المنطاشية وضربوهما وهزموا من مَعَهُمَا فعادوا إِلَى الناصري. وَلحق الْوَالِي بِالْقَاهِرَةِ وأغلق أَبْوَابهَا. واشتدت الْحَرْب وتقرب منطاش من الْعَامَّة ولاطفهم وَأَعْطَاهُمْ فتعصبوا لَهُ وتزاحموا على الْتِقَاط النشاب الذى يَرْمِي بِهِ أَصْحَاب الناصري على منطاش وأتوه بِهِ وبالغوا فِي المخاطرهَ مَعَه حَتَّى كَانَ الْوَاحِد بعد الْوَاحِد مِنْهُم يثب فِي الْهَوَاء ويختطف السهْم وَهُوَ مار وَيَأْتِي بِهِ منطاش. وَلَا يزالون فِي نقل الْحِجَارَة إِلَى مأذن مدرسة حسن. وَأَقْبل اللَّيْل وهم على ذَلِك فَبَاتَ منطاش لَيْلَة الثُّلَاثَاء على بَاب مدرسة حسن وَالرَّمْي لَا يبطل وَأَتَاهُ طوائف من الظَّاهِرِيَّة حَتَّى أصبح يَوْم الثُّلَاثَاء وَقد زَادَت أَصْحَابه على الأف فَارس فَأَتَاهُ مماليك الْأُمَرَاء وَغَيرهم شَيْئا بعد شَيْء حَتَّى خشن جَانِبه وَاشْتَدَّ بأسه. فَبعث الناصري بالأمير بجمان والأمير قرابُغا الأبو بكري فِي طَائِفَة كَبِيرَة وَمَعَهُمْ الْمعلم أَحْمد بن الطولوني وَكثير من الحجارين لينقبوا بَيت منطاش من ظَهره حَتَّى ينْحَصر. فَبعث إِلَيْهِم عدَّة من الجزء: 5 ¦ الصفحة: 245 جماعته قاتلوهم وَأخذُوا بجمان والأمير قرابغا وهزموا من مَعَهُمَا فرتب الناصري عدَّة رُمَاة على الطبلخاناة وعَلى مدرسة الْأَشْرَف فرموا على منطاش بالمدافع والنشاب فَقتل عدَّة من الْعَوام وجرح كثير وَنزل الْأَمِير أَحْمد بن يلبغا والأمير جمق بن أيمش فِي جمع كَبِير وطردوا الْعَامَّة وَقتلُوا مِنْهُم وجرحوا عددا كَبِيرا فَحملت الْعَامَّة فِي فرسَان منطاش عَلَيْهِم حَملَة وَاحِدَة وهزموهم أقبح هزيمَة. وَاسْتمرّ ذَلِك بَينهمَا حَتَّى انْقَضى النَّهَار وَأَقْبل إِلَى منطاش الْأَمِير أقبغا المارداني بِطَلَبِهِ وَصَارَ من جماعته فتسلل الْأُمَرَاء عِنْد ذَلِك وَاحِدًا وَاحِدًا بعد ذَلِك وأتوه. وكل من يَأْتِيهِ من الْأُمَرَاء يُوكل بِهِ من يحفظه وَيبْعَث بِهِ فِي دَاره وَيَأْخُذ مماليكه يُقَاتل بهم. فَلَمَّا رأى حُسَيْن الكوراني جَانب الناصري قد انهضم خَافَ واختفى فَطلب منطاش نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن ليلى نَائِب حُسَيْن بن الكوراني وولاه ولَايَة الْقَاهِرَة وألزمه بتحصيل النشاب. وَنزل إِلَى الْقَاهِرَة وَحمل إِلَيْهِ كثيرا من النشاب. ونادى فِي الْقَاهِرَة بالأمان وَالْبيع وَالشِّرَاء وَإِبْطَال المكوس وَالدُّعَاء للأمير منطاش بالنصر فَبعث الناصري الْخَلِيفَة المتَوَكل إِلَى منطاش فحدثه فِي الصُّلْح وإخماد الْفِتْنَة فَقَالَ: أَنا فِي طَاعَة السُّلْطَان وموافقة الْأُمَرَاء. لَكِن الناصري غريمي فَإِنَّهُ حلف لي وَأَنا بسيواس وَحلف لي بحلب وبدمشق أننا نَكُون شَيْئا وَاحِدًا وَأَن السُّلْطَان يتحكم كَيفَ يَشَاء. فَمنع السُّلْطَان من التَّصَرُّف واستبد هُوَ بِالْأَمر وَأخرج بزلار إِلَى الشَّام وبعثني إِلَى قتال الفلاحين وَلم يُعْطِنِي شَيْئا من المَال سوى مائَة ألف دِرْهَم. وَأخذ لنَفسِهِ أحسن الإقطاعات وَأَعْطَانِي أضعفها تعْمل فِي السّنة سِتّمائَة ألف دِرْهَم. وَوَاللَّه مَا أَنا براجع عَنهُ حَتَّى أَقتلهُ أَو يقتلني أَو يُقيم سُلْطَانا يستبد بالأمور. فَقَامَ الْخَلِيفَة وَأعَاد الْجَواب على الناصري فَركب. بِمن مَعَه وَنزل فِي جمع كَبِير لقِتَال منطاش فبرز إِلَيْهِ وقاتله وكسره فقوى. وَأَتَاهُ من الْأُمَرَاء عبد الرَّحِيم بن منكلي بغا وَصَلَاح الدّين مُحَمَّد بن تنكز وَمَعَهُ خَمْسَة أحمال نشاباً وَثَمَانُونَ حمالاً عَلَيْهَا المآكل وَعِشْرُونَ ألف دِرْهَم فَنزل الْأَمِير قرا دمرداش وَأحمد بن يلبغا وألطنبغا الْمعلم ومأمور فِي جمع موفور لقِتَال منطاش فَقَاتلهُمْ وَاشْتَدَّ الرَّمْي عَلَيْهِم من أَعلَى مدرسة حسن فَرَجَعُوا خائبين. وَأَتَاهُ الْعَوام بنشاب كثير مِمَّا التقطوا من الرميلة فترقق لَهُم وَقَالَ أَنا وَاحِد مِنْهُم وَنَحْو ذَلِك وهم يبذلون نُفُوسهم فِي خدمته. هَذَا وَالرَّمْي شَدِيد من القلعة على مدرسة حسن وَمِنْهَا على القلعة. وظفر منطاش بحاصل لجركس الخليلي وبحاصل لِبَكلمش فَأخذ مِنْهُمَا نشاباً كثيرا تقوى بِهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 246 وَنزل إِلَيْهِ الْأَمِير مَأْمُور وكشلي وجُمُق بن أيتمش فِي عدَّة كَبِيرَة فبرز إِلَيْهِم الْعَامَّة وَأَكْثرُوا من رميهم بِالْحِجَارَةِ حَتَّى كسروهم مرَّتَيْنِ إِلَّا أَن الرَّمْي من القلعة اشْتَدَّ على من بِأَعْلَى الْمدرسَة وَأصَاب حجر من حِجَارَة المدافع الْقبَّة خرقها وَقتل مَمْلُوكا من المنطاشية فَبعث منطاش من أحضر إِلَيْهِ نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الطرابلسي وَكَانَ أستاذاً فِي الرَّمْي بمدافع النفط. فَلَمَّا جَاءَهُ جرده من ثِيَابه ليوسطه من أجل تَأَخره عَنهُ فَاعْتَذر إِلَيْهِ وَمضى فِي طَائِفَة من الفرسان وأحضر الْآلَات وَصعد أَعلَى مدرسة حسن وَرمى على الإسطبل حَيْثُ سكن الناصري حَتَّى أحرق جانباً من الْخَيْمَة وَفرق ذَلِك الْجمع وفر السُّلْطَان والناصري إِلَى مَوضِع امتنعا فِيهِ. وَلم يمض النَّهَار حَتَّى بلغت فرسَان منطاش نَحْو الْأَلفَيْنِ وَبَات الْفَرِيقَانِ لَا يبطلان الرَّمْي حَتَّى أصبحا فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء وَقد جَاءَ كثير من مماليك الْأُمَرَاء إِلَى منطاش وَأَتَاهُ الْأَمِير تَمُرباي الحسني حَاجِب الْحجاب والأمير قُرْدِمُ الحسني فِي جمَاعَة من الْأُمَرَاء وصاروا فِي جملَته. وانتدب لقتاله الْأَمِير قرا دمرداش وَأحمد بن يلبغا فهزمهما مرَارًا عديدة. وَفِي كل سَاعَة يتسلل طَائِفَة من أَصْحَاب الناصري إِلَى منطاش وتعبث الْعَامَّة بالأتراك وصاروا من وجدوه مِنْهُم قَالُوا ناصرى أَو منطاشى فَإِن قَالَ منطاش تَرَكُوهُ وأتوه بِهِ إِلَى منطاش وَإِن قَالَ ناصري أنزلوه عَن فرسه وَأخذُوا مَا عَلَيْهِ وسجنوه حَتَّى يَأْتُوا بِهِ إِلَى منطاش. وتكاثروا على بَيت الْأَمِير أيدكار حَتَّى أخذُوا أيدكار وساقوه إِلَى منطاش فَأكْرمه وَأَتَاهُ الْأَمِير ألطبغا الْمعلم أَيْضا فعين لَهما جِهَة يقفا بهَا ويقاتلا هُنَاكَ. وَبعث إِلَيْهِ الْأَمِير قرا دمرداش يَسْتَأْذِنهُ فِي الْحُضُور إِلَيْهِ طَائِعا فَلم يَأْذَن لَهُ وَأَتَاهُ الْأَمِير بَلوط الصرغتمشي بَعْدَمَا حاربه عدَّة مرار وَحضر أَيْضا جمق بن أيتمش طَائِعا فَاعْتَذر فَقبل عذره. فَلَمَّا أذن الْعَصْر اخْتَلَّ أَمر الناصري وَصَارَ فِي عدد قَلِيل فَلم يثبت وفر هُوَ وقرا دمرداش وأقبغا الْجَوْهَرِي وَابْن يلبغا وألابغا الدوادار وكشلي فِي نفر من المماليك بعد مَا أغلق بَاب الإسطبل. وَصعد إِلَى القلعة وَخرج من بَاب القرافة فَبعث أهل القلعة إِلَى منطاش بذلك فَسَار بِمن مَعَه وَصعد إِلَى الإسطبل وَوَقع النهب فِيهِ فَأخذ مِنْهُ من الْخَيل والقماش وَالْمَال شَيْء كَبِير جدا. وتفرق الزعر والعامة إِلَى دور المنهزمين يُرِيدُونَ نهبها فَأخذُوا مَا قدرُوا عَلَيْهِ ومنعهم النَّاس من عدَّة مَوَاضِع. وَبَات منطاش بالإصطبل. وَأصْبح يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشره فَصَعدَ القلعة إِلَى السُّلْطَان وأعلمه أَنه فِي طَاعَته وممتثل سَائِر مَا يرسم بِهِ وَتقدم إِلَى رُؤُوس النوب بِجمع المماليك وَإِنْزَالهمْ فِي الطاق على الْعَادة. وَنزل إِلَى الإسطبل فأحضر إِلَيْهِ بالأمير أَحْمد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 247 ابْن يلبغا والأمير مَأْمُور فحبسهما بقاعة الْفضة. وَأخرج الْأَمِير بجمان المحمدي إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجن بهَا. وَكتب بإحضار الْأَمِير سردن الفخري النَّائِب. واستدعى الْوَزير الصاحب كريم الدّين بن الغنام وَبَقِيَّة المباشرين وأرباب الدولة فَأتوهُ. وَقبض على كريم الدّين بن مكانس فَوكل بِهِ من يحفظه وَفِي الْعشْرين مِنْهُ: قبض على الْأَمِير قرا دمرداش. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير سيف الدّين دمرداش القَشتَمُري فِي نِيَابَة الكرك وخلع عَلَيْهِ ثمَّ انْتقض ذَلِك من يَوْمه. وَقبض أَيْضا على الْأَمِير ألطنبغا الْمعلم وكشلي القلمطاوي وأقبغا الْجَوْهَرِي وألطُنبُغا الأشرفي وألابغا العثماني وتمرباي السيفي وتمرباي الأشرفي وَفَارِس الصرَغَتْمُشى وكُمَشبغا شيخ اليوسفي وعبدوق العلاي وبعثهم بأجمعهم إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة. وَفِي حادي عشرينه: أنعم على الْأَمِير إِبْرَاهِيم بن قطلو أقتمر أَمِير جاندار بإمرة مائَة وَاسْتقر أَمِير مجْلِس. وَفِيه سَار الْبَرِيد بإحضار الْأَمِير قطلوبغا الصفوي نَائِب صفد والأمير أسنَدْمُر الشرفي بن يَعْقُوب شاه والأمير تمان تمر الأشرفي وَعين لكل مِنْهُم إمرة مائَة. وَفِيه ضرب كريم الدّين بن مكانس وعصر مرَّتَيْنِ بخزانة شمايل فَحمل مَالا كَبِيرا من حَاصِل لجركس الخليلي. وَفِي ثَانِي عشرينه: قبض على الْأَمِير تمرباي الحسني حَاجِب الْحَاجِب ويلبغا المنجكي وَإِبْرَاهِيم بن قطلو أفتمر أَمِير مجْلِس. وَفِيه اسْتَقر نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن ليلى فِي ولَايَة الْقَاهِرَة وخلع عَلَيْهِ وَأخرج الطواشي تُقْطَاي وَفِي ثَالِث عشرينه: قبض على الْأَمِير أرسلان اللفاف وقراكَسَك السيفي وأيدكار الْعمريّ وقْرْدم الحسني وأقبغا المارداني وعدة مماليك. وَفِي خَامِس عشرينه: ظهر فَخر الدّين بن مكانس نَاظر الدولة وَالْتزم بِمَال فخلى عَنهُ وَاسْتمرّ على وظيفته وَقبض على الطواشي مقبل الدواداري الزِّمَام وجوهر اليلبغاوي لالا الْملك الْمَنْصُور. وَفِيه أنعم على ألطنبغا دوادار الناصري بإمرة فِي صفد وعَلى بكتمر دواداره أَيْضا بإمرة فِي طرابلس وعَلى رَأس نوبَته بإمرة فِي حلب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 248 وفى سادس عشرينه: نقل قطلوبَكَ النظامي من نِيَابَة الْوَجْه القبلي إِلَى نِيَابَة صفد عوضا عَن قطلوبغا الصفوي وأعيد الْأَمِير مبارك شاه إِلَى نِيَابَة الْوَجْه القبلي. وأنعم على إِبْرَاهِيم بن قطلو أقتمر أَمِير جاندار بإمرة تقدمة فِي حلب وَأخرج إِلَيْهَا من يَوْمه. وَأخرج قراكسك إِلَى طرابلس على إمرة. وَفِيه عذب الطواشي زين الدّين صندل المنجكي على ذخائر الْملك الظَّاهِر وعصر مرَارًا حَتَّى دلّ عَلَيْهَا. وَاسْتقر شمس الدّين بن الرويهب فِي نظر الدولة رَفِيقًا للفخر بن مكانس وخلع عَلَيْهِمَا. وَفِيه ألزم كتاب الدولة بِمَال فوزع على كل أحد بِحَسبِهِ. وأعيد همام الدّين إِلَى حسبَة مصر عوضا عَن إِمَام الدّين وأعيد سراج الدّين عمر العجمي إِلَى قَضَاء الْعَسْكَر. وَفِي ثامن عشرينه: وصل الْأَمِير سودن النَّائِب من الْإسْكَنْدَريَّة فَأمر بِلُزُوم دَاره. وَقدم من الشَّام الْأَمِير منكلي الشمسي الحاحب وطوجي الحسني فأخرجا إِلَى مَدِينَة قوص منفيين. وَحبس الْأَمِير ألطنبغا الجوباني فِي قاعة الْفضة بالقلعة. وَفِيه أنْفق الْأَمِير منطاش على من قَاتل مَعَه فَأعْطى مائَة مِنْهُم ألف دِينَار لكل وَاحِد وَأعْطى جمَاعَة عشرَة آلَاف لكل مِنْهُم ودونهم لكل وَاحِد خَمْسَة آلَاف دِرْهَم ودونهم طَائِفَة لكل مِنْهُم ألف دِرْهَم وَطَائِفَة لكل وَاحِد خَمْسمِائَة دِرْهَم وَطَائِفَة لكل مِنْهُم مِائَتي دِرْهَم. وَفِي تَاسِع عشرينه: خلع على زين الدّين نصر الله بن مكانس وَاسْتمرّ على نظر الإسطبل. بِمَال يحملهُ. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي شهر رَمَضَان: استدعى منطاش المماليك الظَّاهِرِيَّة وأغلق عَلَيْهِم بَاب السلسلة وَقبض على نَحْو مِائَتي مِنْهُم. وَبعث بالأمير جلبان الْحَاجِب والأمير بلاط الحاحب فقبضا على كثير من الظَّاهِرِيَّة. وَأخذ منطاش خيولهم وقيدوا الْجَمِيع وسجنوا فِي البرج بالقلعة وَنُودِيَ من أحضر مَمْلُوكا من مماليك برقوق فَلهُ كَذَا وهدد من أُخْفِي أحدا مِنْهُم وتتبعت أسبابهم وأتباعهم وألزموا بهم. وَقبض أَيْضا على الْأَمِير أقبغا المارداني وَقيد بعد مَا خلع عَلَيْهِ بِولَايَة الْوَجْه القبلي عوضا عَن مبارك شاه ثمَّ عصر حَتَّى يقر على المماليك الظَّاهِرِيَّة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 249 وَفِي ثالثه: قبض على الْأَمِير سودُن النَّائِب وأُلزم. ممال يحملهُ وَقبض على الْأَمِير تُردُم الحسني بعد مَا أفرج عَنهُ وَقبض على بوري الأحمدي وأرغون السلَامِي وشاهين أَمِير أخور وبهادر فطيس أَمِير أخور وَجَمَاعَة من المماليك وَاشْتَدَّ الطّلب على الظَّاهِرِيَّة. وَفِي رابعه: ضرب الْأَمِير أقبغا المارداني وَضرب عبد الرَّحِيم ابْن الصاحب كريم الدّين بن مكانس فَحمل مَالا. وألزم سودن النَّائِب بِحمْل سِتّمائَة ألف دِرْهَم أنعم عَلَيْهِ بهَا فِي الْأَيَّام الظَّاهِرِيَّة. وَفِيه نُودي بتجهيز النَّاس لِلْحَجِّ مَعَ الْأَمِير أبي بكر بن سنْقُر. وَفِيه وقف النَّاس تَحت القلعة وطلبوا إِعَادَة حُسَيْن بن الكوراني إِلَى الْولَايَة فَإِن الزعر اشتدت شوكتهم وشنع ضررهم فَإِن منطاش كَانَ قد استدعاهم وَأنْفق فيهم سِتِّينَ ألف دِرْهَم وَجعل عَلَيْهِم عرفاء. فأجابهم إِلَى ذَلِك وَبعث إِلَيْهِ أَمَانًا فَحَضَرَ إِلَيْهِ من اختفائه وَاسْتقر فِي الْولَايَة وخلع عَلَيْهِ فَنزل فِي موكب عَظِيم. وَفِي خامسه: نُودي على الظَّاهِرِيَّة وهدد من أُخْفِي أحدا مِنْهُم وَقبض حُسَيْن الْوَالِي على جمَاعَة مِنْهُم وقيدهم وسجنهم. وتتبع أَيْضا الزعر وَأخذ ثَمَانِيَة من كبارهم ثمَّ أَخذ سِتَّة أَيْضا وَقطع أَيْديهم فِي يَوْم الْأَحَد سابعه وشهرهم. وأحضر خفراء الحارات وألزمهم بإحضار الزعر فَأخذُوا من كل مَوضِع وسجنوا بخزانة شمايل فسكن شرهم. وَفِيه قبض على عدَّة من الظَّاهِرِيَّة والناصرية وسجنوا. وَفِي ثامنه: قدم الْأَمِير قطلوبغا الصفوي نَائِب صفد والأمير أسندَمُر الشرفي بن يَعْقُوب شاه فأنعم عَلَيْهِمَا بالإمرة. وَفِيه قبض على من كَانَ فِي خدمَة الْأُمَرَاء من الناصرية وَمن كَانَ بطالاً فَأخذُوا بأجمعهم من الْبيُوت والإصطبلات وحبسوا بخزانة شمايل فِي الْقُيُود. وَفِيه ظفر منطاش بذخيرة للظَّاهِر كَانَت بجوار الْجَامِع الْأَزْهَر من الْقَاهِرَة. وَفِيه أُفرج عَن الْأَمِير مَحْمُود الأستادار وخُلع عَلَيْهِ وخلى لسبيله. وَفِي تاسعه: قبض على الشريف عنان بن مَغَاس وَحبس مُقَيّدا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 250 وَفِيه ورد الْبَرِيد بِخُرُوج الْأَمِير نُعير عَن الطَّاعَة غَضبا للأمير يلبغا الناصري وَاتفقَ هُوَ وسولي بن دلغادر التركماني ونهبوا عدَّة من الْبِلَاد الحلبية وَأَن الْأَمِير بزلار نَائِب دمشق خرج عَن وَفِيه اسْتَقر أَبُو بكر بن المزوَّق فِي ولَايَة الشرقية وعزل أقبغا الْفِيل. وَفِي عاشره: قدم من الْإسْكَنْدَريَّة فِي النّيل إِلَى بولاق سَاحل الْقَاهِرَة عدَّة من الْأُمَرَاء المسجونين فرسم الْأَمِير منطاش بِأَن يتَوَجَّه مِنْهُم ألطنبغا العثماني وبطا الطولوتَمُري وألطنبغا شادي وعبدوق العلاي إِلَى دمياط. وَيتَوَجَّهُ مِنْهُم تمربُغا المنجكي وقرمان المنجكي وقُنُق باي السيفي وبيبرس التمَّان تَمُري وطوجي الحسني وقوصون المحمدي وَحسن خُجا ومُقبل الرُّومِي وبغداد الأحمدي وَيُونُس الأسعَردي وبلاط المنجكي وطولوبغا الأحمدي وتتمة خَمْسَة عشر إِلَى قوص. وَفِيه حمل الْأَمِير سودُن النَّائِب مَالا وَاسْتمرّ الطّلب عَلَيْهِ. وَفِي حادى عشره: قبض على الْأَمِير أرغون البحمقدار العثماني بعد مَا كَانَ أخص النَّاس. منطاش وقُيد وعُصر. وَفِي ثَالِث عشره: أخرج الطواشي صَوَاب السَّعْدِيّ شَنْكل من القلعة وأعبد الطواشي جَوْهَر إِلَى تقدمة المماليك عوضه وَاسْتقر صارم الدّين إِبْرَاهِيم بن بلُرغي فِي ولَايَة القلعة عوضا عَن حمُلْبان أخي مامُق. وَفِيه أنعم على كل من يذكر بإمرة مائَة وتقدمة ألف وهمِ قُطلوبغا الصفوي وناصر الدّين مُحَمَّد بن الْأَمِير منطاش وأسندَمُر بن يَعْقُوب شاه وتمَّان تَمُر الأشرفي وأيدكار الْعمريّ وأسندمر الشرفي - رَأس نوبَة منطاش وجنتمر الأشرفي ومنكلي بيه الأشرفي وتُكا الأشرفي ومنكلي بغا خازندار منطاش وصراي تَمُر دوادار منطاش. وتمَربُغا الكريمي وألطبغا الْحلَبِي ومبارك شاه. وأنعم على كل مِمَّن يذكر بإمرة طبلخاناه وهم: الشريف بَكتمُر بن على الحسني وَأَبُو بكر سُنْقُر الجمالي ودمرداش القَشْتَمُري وَعبد الرَّحْمَن بن منكلي بغا وجُلْبَان السَّعْدِيّ وأروس بغا سلنغر السيفي وَإِبْرَاهِيم بن طَشتَمُر وصُربغا الناصري وتنكز الْأَعْوَر الأشرفي وصراي تمَرُ الأشرفي وأقبغا المنجكي وتَلَكْتمُر المحمدي وقرابغا السيفي وقُطْلُوبُغا الزيني وتمربغا المنجكي وأرغون شاه السيفي ومُقْبل السيفي ومنطاش أَمِير سلَاح وطَيْبرَس السيفي رَأس نوبَة وبَيْرم خُجا الأشرفي وألْطبغا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 251 الجُرْبغاوي ومَنْجَك الزيني وبُزلار الخليلي وَمُحَمّد بن أَسَنْدَمُر العلاي وَطَالِق بغا السيفي وإلياس الأشرفي وقُطْلُوبغا السيفي وشَيْخو الصرغَتْمُشي وجُلبان السيفي وألطُنبغا الطازي وَإِسْمَاعِيل السيفي وحسين بن الكوراني. وأنعم على كل مِمَّن يذكر بإمرة عشْرين وهم: غَرِيب خطاي وياينجي الأشرفي ومنكلي بغا الجوبانى وقرابغا الأحمدي وأق كَبَك السيفي وَفرج شاد الدَّوَاوِين ورمضان السيفي وَمُحَمّد وأنعم على كل مِمَّن يذكر بإمرة عشرَة وهم: صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن تنكز وخضر بن عمر بن بَكتمُر الساقي وَمُحَمّد بن يُونُس الدوادار وعَلى الجركتمري وَمُحَمّد بن رَجَب بن مُحَمَّد التركماني وَمُحَمّد بن منكوتَمُر عبد الْغَنِيّ وجوهر الصلاحي وَإِبْرَاهِيم بن يُوسُف بن بلرغي ولؤلؤ العلاي وتنكز العثماني وصُراي تَمُر الشرفي ومنكلي بغا المنجكي وشيخون الأرغون شاهي وأقسنقر الأشرفي وتمربُغا النظامي وطاز الأشرفي وجركس القرا بغاوي وأسنبغا التاجي وسنقر السيفي وكزل الجوباني وقرابُغا الشهابي وقطلوبغا الزيني وألطنبغا أَمِير سلَاح وبَكْ بلاط الأشرفي وكمُشبغا الطشَتُمرى وبَمبغا العلاى ويلبغا التركمانى ورُاسْبُغا الأشرفي وحاجي اليْلبغاوي وأرغون الزيني ويلبغا الزيني وتمر الأشر وجنبغا الشرفي وجمق السيفي وأرغون شاه البكْلَمشي وألطنبغا الْأَشْقَر وصُراي تمَرُ السيفي وألطبغا الإبراهيمي وأقبغا الأشرفي وألجُبغا السيفي. وَفِي خَامِس عشره: نُودي على الزعر من حمل مِنْهُم سَيْفا أَو سكيناً أَو شالق بِحجر وُسّط وتتبعوا فَقطع الْوَالِي فِي ثامن عشره أيدى ستهَ مِنْهُم. وَفِي تَاسِع عشره: قدم قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن أبي الْبَقَاء من دمشق. وَفِيه اسْتَقر عمر بن خطاب فِي ولَايَة الغربية عوضا عَن أَمِير فرج بن أيدمر بِحكم انْتِقَاله إِلَى وَفِي عشرينه: قدم الْبَرِيد باً ن الْأَمِير بزلار نَائِب دمشق قبض عَلَيْهِ الْأَمِير جَنتمُر أَخُو طاز. وَفِيه نزع الْأَمِير منطاش عَنهُ آلَة الْحَرْب وَأمر الْعَسْكَر والأمراء بنزعها فنزعوها. وَفِي هَذِه الْمدَّة كلهَا كَانُوا بأجمعهم لابسين آلَة الْحَرْب. وَفِي حادى عشرينه: قبض على جمق بن أيتمش وبيرم العلاي رَأس نوبَة أيتمش. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 252 وَفِيه قدم سيف بَزْلار نَائِب دمشق. وَكَانَ من خَبره أَن منطاش لما غلب على الْأَمر كتب يستدعيه فِي ثَلَاثَة سروج على الْبَرِيد فَأجَاب: لَا أحضر إِلَيْهِ إِلَّا فِي ثَلَاثِينَ ألفا فَكتب إِلَى الْأَمِير جَنتمُر بِولَايَة دمشق أَن اقبض عَلَيْهِ. ثمَّ سير إِلَيْهِ التشريف والتقليد وَكتب إِلَيْهِ بِأَن يكون مُحَمَّد شاه بن بيدمر أتابك دمشق وجبرائيل حَاجِب الْحَاجِب فتعاون الْجَمَاعَة عَلَيْهِ وقبضوه ففر دواداره وَأظْهر الْخلاف وانضم إِلَيْهِ طَائِفَة كَبِيرَة خَارج دمشق. وَفِيه قدم الْبَرِيد من غَزَّة بِأَن الْملك الظَّاهِر برقوق خلص من السجْن وَاسْتولى على مَدِينَة الكرك وَوَافَقَهُ حسن الكجكني النَّائِب وَقَامَ فِي خدمته وَقد حضر إِلَيْهِ ابْن خاطر أَمِير بني عقبَة - عرب الكرك - وَدخل فِي طَاعَته فاضطرب منطاش. وَكَانَ من خبر الظَّاهِر أَن منطاش لما تحكم بِمصْر بعث شخصا يعرف بالشهاب البريدي إِلَى الكرك وَمَعَهُ كُتب إِلَى الْأَمِير حسام الدّين حسن الكجكني بقتل الظَّاهِر. وَكَانَ هَذَا الشَّاب من أهل الكرك وَتزَوج بابنة عماد الدّين أَحْمد بن عِيسَى المقيري قَاضِي الكرك ثمَّ شجر بَينهمَا فَمَا زَالَ بِهِ حَتَّى طَلقهَا وَزوجهَا بِغَيْرِهِ. وَكَانَت جميلَة فشق عَلَيْهِ فراقها وَخرج من الكرك. وَضرب الدَّهْر ضرباته فَكَانَ من قيام منطاش مَا قد ذكرنَا فاتصل بِهِ ووعده بِأَنَّهُ يقتل لَهُ الْملك الظَّاهِر برقوق. فَكتب مَعَه إِلَى الْأَمِير حسن الكجكني بمعاونته على قتل الظَّاهِر وَأَن ينزله بالقلعة فَمضى على الْبَرِيد وَنزل بالمقير بلد القَاضِي عماد الدّين. وَلم يكتم مَا فِي نَفسه من الحقد وَقَالَ: وَالله لأخربن دياره وأزيد فِي احكار أملاكه وأملاك أَقَاربه بالمقير فأوحش قُلُوب النَّاس مِنْهُ. وَقَامَ فِي اللَّيْل يُرِيد دُخُول مَدِينَة الكرك وَبعث إِلَى النَّائِب من يَصِيح بِهِ من تَحت السُّور فَمَنعه من ذَلِك وأحس بِالشَّرِّ. فَلَمَّا أصبح أحضرهُ إِلَى دَار السَّعَادَة وَقَرَأَ كتاب السُّلْطَان وَكتاب الْأَمِير منطاش بِأُمُور أخر. فَلَمَّا انفض النَّاس أخرج إِلَيْهِ الْكتاب بقتل الظَّاهِر فَقَامَ من فوره وَدخل على الْملك الظَّاهِر بعد أَن أنزل الشهَاب فِي مَكَان بالقلعة - اخْتَارَهُ قَرِيبا من الْموضع الَّذِي فِيهِ الظَّاهِر - وَأَوْقفهُ على الْكتاب فكاد أَن يهْلك من الْجزع فَحلف عِنْد ذَلِك بِكُل يَمِين أَنه لَا يُسلمهُ أَو يَمُوت. وَمَا زَالَ بِهِ حَتَّى سكن روعه. هَذَا وَقد اشْتهر فِي الْمَدِينَة مَجِيء الشهَاب وَكثر الْكَلَام فِيهِ وَثقل على النَّاس وخافوا شَره. وَأخذ يلج فِي العجلة بقتل الظَّاهِر والنائب يدافعه إِلَى أَن قَالَ لَهُ: هَذَا مَا أَفعلهُ بِوَجْه حَتَّى أكتب إِلَى مصر بِمَا أعرفهُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 253 وَبعث الْبَرِيد بِأَنَّهُ لَا يدْخل فِي هَذَا الْأَمر وَلَكِن يحضر إِلَيْهِ من يتسلمه مِنْهُ وَيفْعل فِيهِ مَا يرسم لَهُ بِهِ. وَكَانَ فِي خدمَة الظَّاهِر غُلَام من أهل الكرك يُقَال لَهُ عبد الرَّحْمَن فَنزل إِلَى جمَاعَة من أوغاد الْمَدِينَة وأعلمهم أَن الشهَاب حضر لقتل الْملك الظَّاهِر فأنفقوا من ذَلِك وَقَامُوا إِلَى القلعة وهجموا على الشهَاب وقتلوه وجروه بِرجلِهِ إِلَى بَاب القاعة الَّتِي فِيهَا الظَّاهِر فَلم يشْعر - والنائب عِنْده وَقد ابتدأوا فِي الْإِفْطَار لَيْلَة الْأَرْبَعَاء عَاشر شهر رَمَضَان - إِلَّا وَجَمَاعَة قد اقتحموا عَلَيْهِ وهم يدعونَ لَهُ بالنصر وأخذوه بِيَدِهِ حَتَّى أَخْرجُوهُ وَقَالُوا: دس بقدمك على رَأس عَدوك. وأروه الشهَاب مقتولاً ونزلوا بِهِ إِلَى الْمَدِينَة فدهش النَّائِب وَلم يجد بدا من الْقيام فِي خدمته وتجهيزه. وتسامع بِهِ أهل الْبِلَاد فَأتوهُ من كل نَاحيَة. وَفِي ثَانِي عشرينه: اسْتَقر مُحَمَّد بن أسندمر العلاي فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن أَمِير حَاج بن مُغْلطاي وَاسْتقر ابْن مُغلطاوي أحد الْأُمَرَاء المقدمين بِالْقَاهِرَةِ. وَفِيه اسْتَقر تَاج الدّين بهْرَام بن عبد الله بن عبد الْعَزِيز الدَّمِيرِيّ فِي قَضَاء الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة بِالْقَاهِرَةِ ومصر بعد وَفَاة جمال الدّين عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن خير الإسْكَنْدراني. وَفِيه بلغت زِيَادَة مَاء النّيل إِلَى ثَمَانِيَة أَصَابِع من عشْرين ذِرَاعا وَهُوَ يَوْم عيد الصَّلِيب. وَفِي خَامِس عشرينه: قبض منطاش على الْأَمِير قُرقماس الطشتَمُري الخازندار وعَلى الْأَمِير شاهين الصَرْغَتْمُشي أَمِير أخور وقُطلوبَك أستادار الْأَمِير أيتمش وعَلى عدَّة من المماليك الظَّاهِرِيَّة. وقَبض على الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الحسام شاد الدَّوَاوِين وضربه ضربا كثيرا. وَفِيه اسْتَقر جلال الدّين عبد الرَّحْمَن ابْن شيخ الْإِسْلَام سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ فِي قَضَاء الْعَسْكَر بعد وَفَاة أَخِيه بدر الدّين مُحَمَّد. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 254 وَفِي تَاسِع عشرينه: نُودي على المماليك الظَّاهِرِيَّة وهدد من أُخْفِي أحدا مِنْهُم. وَنُودِيَ أَيْضا بسفر أجناد غَزَّة من الْقَاهِرَة إِلَيْهَا. وَفِي سلخه: أحضر حسام الدّين حسن بن باكيش مَمْلُوكا وبدوياً حضرا إِلَيْهِ من الكرك تجهيز الإقامات للْملك الظَّاهِر وملاقاته فسحنا بخزانة شمايل. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء أول شَوَّال: - وَهُوَ عيد الْفطر - نزل الْملك الْمَنْصُور وَصلى صَلَاة الْعِيد بالميدان وَحمل الْأَمِير قطلو أقتمر الْقبَّة على رَأسه. وَفِي ثالثه: أفرج عَن كريم الدّين بن مكانس بعد أَن حمل أَرْبَعمِائَة ألف دِرْهَم فضَّة وانساق حَاصِل الْأَمِير منطاش على ثلاثماية ألف دِينَار وَخَمْسَة وَثَلَاثِينَ ألف دِينَار مصرية سوى الدَّرَاهِم وَغير مَا أنفقهُ. وَفِي خامسه: سُمّر الَّذين أحضرهما ابْن باكيش من الكرك وَنُودِيَ أَلا يُسَافر أحد إِلَى الْحجاز من الْخَاص وَالْعَام إِلَّا بِوَرَقَة فِيهَا إِذن الْأَمِير الْكَبِير منطاش. وَفِي سادسه: رُسم بسفر أَرْبَعَة آلَاف فَارس إِلَى غَزَّة وَأَرْبَعَة أُمَرَاء هم: أسنَدمُر اليوسفي وقُطلوبغا الصفوي ومنكلي بيه الأشرفي وتَمُر بُغا الكريمي وأُنفق فِي كل أَمِير ماية ألف دِرْهَم. وَفِيه اسْتَقر نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن العادلي فِي ولَايَة منوف وَعمر بن قادوس وَالِي أكوم الرُّمَّان وعزل عَليّ بن الْمُقدم. وَفِيه عين مائَة مَمْلُوك للسَّفر صُحْبَة أَمِير الركب إِلَى الْحجاز. وَفِي سابعه: خُلع بِحَضْرَة الْملك الْمَنْصُور على الْأَمِير منطاش وفوض إِلَيْهِ تَدْبِير الْأُمُور وَصَارَ أتابك العساكر. وعَلى قطلوبُغا الصفوي وَاسْتقر أَمِير سلَاح. وعلىَ تمان تَمُر الأشرفي وَاسْتقر رَأس نوبَة النوب. وعَلى أسندمر بن يَعْقُوب شاه وَاسْتقر أَمِير مجْلِس. وعَلى ألطنبُغا الْحلَبِي وَاسْتقر دواداراً. وعَلى تكَا الأشرفي وَاسْتقر رَأس نوبَة. وَاسْتقر إلْيَاس الأشرفي أَمِير أخور بإمرة طبلخاناه وأرغون شاه السيفي رَأس نوبَة أَيْضا وتمُربغا المنجكي رَأس نوبَة رَابِعا وقطلوبغا الأرغوني أستاداراً وجقمق السيفي شاد الشَّرَاب خاناه. وَفِي ثامنه: خلع على الأميرَ تمّان تمر رَأس نوبَة لنظر المارستان المنصوري وعَلى الْأَمِير أَلْطنبغا وَفِيه بَطل أَمر التجريدة خوفًا من المماليك أَن يخامروا ويذهبوا إِلَى الْملك الظَّاهِر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 255 وَفِي تاسعه: اسْتَقر الْأَمِير أيدكار الْعمريّ حَاجِب الْحجاب والأمير أصر حَاج بن مغلطاي حاجباً ثَانِيًا. وَفِيه استدعى الصاحب شمس الدّين عبد الله المقسي وَعرض عَلَيْهِ الْأَمِير الْكَبِير منطاش الوزارة وَنظر الْخَاص وأحضر التشريف ليلبسه فَامْتنعَ وَاعْتذر بِأَن يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ قد بطلت من ضَرَبان المفاصل وَكَانَ قد عصبهما وَلم يحضر إِلَّا مَحْمُولا فَقبل عذره وخلِّى عَنهُ. واستدعى الْوَزير الصاحب كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن الغنام وَقرر عَلَيْهِ مَال وخلع عَلَيْهِ بالاستمرار. وخلع أَيْضا على موفق الدّين أبي الْفرج نَاظر الْخَاص وألزم بِمَال يحملهُ. وَفِيه سُمر أَرْبَعَة من الْأُمَرَاء وهم: سودُن الرماح أَمِير عشرَة رَأس نوبَة وألطبغا أَمِير عشرَة. وأيران من الشَّام ووسطوا. وَفِي عاشره: أفرج عَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الحسام شاد الدَّوَاوِين. وَفِي حادي عشره: ضرب نجم الدّين مُحَمَّد الطنبدي محتسب الْقَاهِرَة عِنْد الْأَمِير الْكَبِير وألزم بِمَال يحملهُ. وَفِي ثَانِي عشره: أُعِيد سراج الدّين عمر إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة. وَفِيه حمل جهاز خوند بنت الْملك الْأَشْرَف وَأُخْت الْملك الْمَنْصُور إِلَى القلعة لتزف على الْأَمِير الْكَبِير منطاش - وَقد عقد عَلَيْهَا - فَكَانَ على خَمْسمِائَة حمال وَعشرَة قُطر بغال. وَمَشى الْحجاب والعسكر مَعَه فَخلع عَلَيْهِم كلهم. وَبنى عَلَيْهَا من ليلته واهتم للعرس اهتماماً زَائِدا. وعندما زفت إِلَيْهِ خوند علق بشربوشها دِينَارا زنته مِائَتَا مِثْقَال ثمَّ دِينَارا زنته مائَة مِثْقَال. وَفتح للقصر بَابا من الإسطبل بجوار بَاب السِّرّ. وَفِي ثَالِث عشره: اسْتَقر شمس الدّين مُحَمَّد السلاوي الدِّمَشْقِي فِي قَضَاء الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة عوضا عَن الشَّيْخ زين الدّين عبد الرَّحِيم بن الْحُسَيْن الْعِرَاقِيّ شيخ الحَدِيث. وَقدم الْبَرِيد بدوادار بزلار نَائِب دمشق الثائر بهَا وَمَعَهُ أَمِير أخر فسجنا. وَفِيه اسْتَقر تنكز الْأَعْوَر نَائِب حماة عوضا عَن طُغاي تمَرُ القبلاوي. وَأخرج عدَّة من الظَّاهِرِيَّة إِلَى قوص. وعزل عمر بن قُرُط عَن ولَايَة أسوان وَاسْتقر عوضه أَبُو درقة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 256 وَفِيه قدم الْبَرِيد بِأَن الْأُمَرَاء المقيمين. ممدينة قوص خَرجُوا عَن الطَّاعَة وقبضوا على الْوَالِي فندب إِلَى الخروجَ تمُربغا الناصري وبيرم خجا وأروس بغا من أُمَرَاء الطبلخاناه. وَفِيه انْتَهَت زِيَادَة مَاء النّيل إِلَى تِسْعَة عشر ذِرَاعا وَثَمَانِية عشر أصبعاً وَلم يسمع بِمثل ذَلِك إِلَّا وَفِي ثَالِث عشرينه: قُبض على نور الدّين على الحاضري وضُرب وعُصر وسجق بِسَبَب تحدثه بمجيء كتب الْملك الظَّاهِر وَأَنه هُوَ الذى ينتصر. وَفِيه قدم الْبَرِيد بِخُرُوج الْأَمِير كمشبغا الْحَمَوِيّ نَائِب حلب عَن الطَّاعَة وَأَنه حَارب إِبْرَاهِيم بن قُطلو أَقتمُر أَمِير جاندار وَقبض عَلَيْهِ ووسطه - هُوَ وشهاب الدّين أَحْمد بن عمر بن أبي الرِّضَا الشَّافِعِي قَاضِي حلب - بعد أَن قَاتلُوهُ وَمَعَهُمْ أهل بانقوسا فَلَمَّا ظفر بهم قتل عدَّة كَبِيرَة مِنْهُم. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير أق كَبك السونجة أَمِير علم بإمرة طبلخاناه. وَفِي خَامِس عشرينه اسْتَقر فِي نظر الْخَاص الْوَزير الصاحب كريم الدّين بن الغنبم عوضا عَن موفق الدّين أبي الْفرج. وَاسْتقر عوضه فِي الوزارة موفق الدّين أَبُو الْفرج وخلع عَلَيْهِمَا. وَفِيه قدم الْبَرِيد بِأَن الْأَمِير حسام الدّين حسن بن باكيش نَائِب غَزَّة جمع العشير وَسَار لمحاربة الْملك الظَّاهِر. وَقدم الْبَرِيد بِقُوَّة شَوْكَة الْأُمَرَاء الخارجين بالصعيد فَخرج الْأَمِير أسندمر بن يَعْقُوب شاه فِي نَحْو الْخَمْسمِائَةِ فَارس وَسَار فِي ثامن عشرينه. وَفِي سادس عشرينه: أفردت بِلَاد من الْخَاص وتحدث فِيهَا نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الحسام فحنق من ذَلِك الصاحب كريم الدّين بن الغنام واستعفى فَقبض عَلَيْهِ وسجن بقاعة الصاحب منالقلعة، وَأخذ خطة بثلاثمائة ألف دِرْهَم فضَّة، وَقبض على بعض حَوَاشِيه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 257 وَفِيه اسْتَقر أَمِير عَليّ بن القرماني فِي ولَايَة الجيزة وعزل قراجا العلاي. وَاسْتقر طشبغا القَشْتَمُري وَالِي دمياط. وَفِيه ورد الْخَبَر بِاتِّفَاق الْوُلَاة مَعَ الْأُمَرَاء بالصعيد. وَكَانَ من خبرهم أَنه لما اسْتَقر أَبُو درقة فِي ولَايَة أسوان سَار إِلَى ابْن قرط واتفقا على المخامرة وسارا إِلَى قوص وأفرجا عَن الْأُمَرَاء وعدتهم زِيَادَة على ثَلَاثِينَ أَمِيرا فِي عدَّة كَبِيرَة من المماليك. فَلَمَّا بلغ ذَلِك الْأَمِير مبارك شاه نَائِب الْوَجْه القبلي - وَقد اجْتمع مَعَه نَحْو الثلاثمائة من الظَّاهِرِيَّة - وافقهم على المخامرة واستمال عرب هوارة وعرب ابْن الأحدب فواقوه واستولوا على الْبِلَاد. فَلَمَّا خرجت التجريدة الأولى من قلعة الْجَبَل انْتَهَت إِلَى أسيوط فَقبض عَلَيْهِم مبارك شاه وَأَفْرج عَمَّن كَانَ مَعَهم من المماليك الظَّاهِرِيَّة فَخرج ابْن يَعْقُوب شاه كَمَا تقدم ذكره وَسَار فِي الشرق. وَفِي سَابِع عشرينه: أضيف نظر الْخَاص إِلَى الْوَزير موفق الدّين أبي الْفرج وَأَفْرج عَن الصاحب كريم الدّين بن الغنام وَاسْتقر فِي نظر الإسطبلات. وَفِيه عين خَمْسَة أُمَرَاء من مُقَدّمَة الألوف وثلاثمائة مَمْلُوك. ليسيروا إِلَى الكرك. وَفِي ثامن عشرينه: اسْتَقر أَمِير على بن المكَلَلْة فِي ولَايَة منفلوط وعزل مُحَمَّد أَشَقْتمر. وَفِيه ورد الْخَبَر بِأَن الْأَمِير أسندمر بن يَعْقُوب شاه. مِمَّن مَعَه وصل أخميم فلقبهم الخارجون عَن وَفِي سلخه: استدعى القَاضِي صدر الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْمَنَاوِيّ - مفتي دَار الْعدْل - وَاسْتقر فِي قَضَاء الْقُضَاة بديار مصر عوضا عَن الشَّيْخ نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن بنت الميلق وخلع عَلَيْهِ فَنزل وَمَعَهُ الْأَمِير الدوادار والحجاب إِلَى الْمدرسَة الصالحية على الْعَادة وسر النَّاس بولايته. وَخرج الْأَمِير بلوط الصرغتمشي والأمير غَرِيب لكشف أَخْبَار الْملك الظَّاهِر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 258 وَفِي يَوْم السبت ثَمَانِي ذِي الْقعدَة: اسْتَقر قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن أبي الْبَقَاء فِي قَضَاء الْقُضَاة بِدِمَشْق عوضا عَن شهَاب الدّين أَحْمد بن عمر الْقرشِي. واستَقر قَاضِي الْقُضَاة سري الدّين مُحَمَّد بن المسلاني خطيب الْجَامِع الْأمَوِي وَشَيخ الشُّيُوخ بِدِمَشْق وَاسْتقر موفق الدّين بن العجمي فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بحلب عوضا عَن محب الدبن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الشّحْنَة. وَاسْتقر بدر الدّين مَحْمُود السراي الكُلُسْتانى فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن نجم الدّين الكفري. وَفِي ثالثه: توجه قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين مُحَمَّد الْمَنَاوِيّ إِلَى مَدِينَة مصر فِي موكب جليل على الْعَادة. وَفِي سادسه: حضر الْأَمِير حُسَيْن بن أخي قرط طَائِعا وَاعْتذر فَقبل عذره وخلع عَلَيْهِ لولاية وَفِي عاشره: قرئَ تَقْلِيد قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين مُحَمَّد الْمَنَاوِيّ فَكَانَ الْجمع موفوراً. وَفِي ثَانِي عشره: أحضر بالأمير مبارك شاه الكاشف مُقَيّدا فسجن بخزانة شمايل. وَفِي هدا الشَّهْر: كثرت الإشاعات وقويت الأراجيف وَاخْتلفت الْأَقْوَال فِي الْملك الظَّاهِر برقوق وَكَانَ من خَبره أَنه لما قتل الشهَاب بالكرك وَأنزل عوام الْبَلَد الْملك الظَّاهِر من قلعتها وَقَامُوا بخدمته أَتَتْهُ العربان وَصَارَ فِي طَائِفَة فَلم تَجِد أكَابِر مَدِينَة الكرك بدا من الْمُوَافقَة إِلَّا أَنهم قد سقط فِي أَيْديهم وخافوا سوء الْعَاقِبَة. فَلَمَّا كثر جمع الظَّاهِر عزم على الْخُرُوج من الْمَدِينَة وبرّز أثقاله. فَاجْتمع الْأَعْيَان عِنْد الْعِمَاد أَحْمد بن عِيسَى المقيري قَاضِي الكرك وأحالوا الرَّأْي وخشوا من السلطنة بِمصْر فاتفقوا على الْقيام عَلَيْهِ وَقَبضه وإعلام أهل مصر بذلك وَأَنه لم يخرج إِلَّا باجتماع السُّفَهَاء مِنْهُم ليَكُون ذَلِك خلاصاً لَهُم من معرة معاداة الدولة. وبعثوا نَاصِر الدّين مُحَمَّد أَخا القاضى فأغلق بَاب الْمَدِينَة وَصَارَ الظَّاهِر وَقد حيل بَينه وَبَين أثقاله وَعَامة أَصْحَابه فَلَمَّا قَامَ. ليركب وَيخرج بلغه ذَلِك. وَكَانَ عَلَاء الدّين على - أَخُو القاضى - مبَاشر الْإِنْشَاء بالكرك فَكتب للظَّاهِر فِي مُدَّة خُرُوجه وخدمه. فَلَمَّا رأى مَا نزل بِالظَّاهِرِ عِنْدَمَا بلغه اتِّفَاق أهل الْمَدِينَة فِي بَيت أَخِيه على قبض الظَّاهِر حَدثهُ وقوّى جأشه وَسَار بِهِ حَتَّى وصل بَاب الْمَدِينَة فَإِذا بِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 259 مغلوق وَأَخُوهُ نَاصِر الدّين قَائِم عِنْده فَمَا زَالَ بِهِ حَتَّى فتح الْبَاب وَخرج بِالظَّاهِرِ من الْمَدِينَة والتحق بِبَقِيَّة أَصْحَابه من المماليك الَّذين وصلوا اٍ ليه والعربان الَّتِى اجْتمعت عَلَيْهِ وأخلاط أهل مَدِينَة الكرك. فَأَقَامَ بالثنية خَارج الكرك يَوْمَيْنِ ورحل فِي ثامن عشْرين شَوَّال وَسَار بهم يُرِيد دمشق - وَبهَا الْأَمِير جَنتمُر أَخُو طاز مُتَوَلِّي نيابتها - وَقد وصل إِلَيْهِ الْأَمِير ألْطُنْبغا الْحلَبِي الدوادار من مصر نَائِبا على حلب بِحكم عصيان كمشبغا الْحَمَوِيّ. فاستعدا لقِتَال الظَّاهِر وَتوجه إِلَيْهِمَا الْأَمِير حسام الدّين حُسَيْن بن باكيش - نَائِب غَزَّة - بعساكرها وعشيرها. وَأَقْبل الظَّاهِر. مِمَّن مَعَه فَخَرجُوا إِلَيْهِ وقاتلوه بشقحب - قَرِيبا من دمشق - قتالاً شَدِيدا كسروه فِيهِ غير مرّة وَهُوَ يعود إِلَيْهِم ويقاتلهم إِلَى أَن كسرهم وانهزموا مِنْهُ إِلَى دمشق. وَقتل مِنْهُم مَا ينيف على الْألف فيهم خَمْسَة عشر أَمِيرا وَقتل من أَصْحَابه نَحْو السِّتين وَمن أمرائه سَبْعَة. وَركب اً قفية المنهزمين فَامْتنعَ جَنتمُر بالقلعة وَتوجه بالقلعة وَتوجه من أُمَرَاء دمشق سِتَّة وَثَلَاثُونَ أَمِيرا وَمَعَهُمْ نَحْو الثلاثمائة وَخمسين فَارِسًا قد أثخنوا بالجراحات. وَأخذُوا نَائِب صفد وقصدوا ديار مصر. فَلم يمض غير يَوْم وَاحِد حَتَّى وصل ابْن باكيش بجمائعه فقاتله الظَّاهِر وهزمه وَأخذ جَمِيع مَا كَانَ مَعَه فقوي بِهِ قُوَّة كَبِيرَة. وَأَتَاهُ عدَّة من مماليكه وَمن أُمَرَاء الشَّام فَصَارَ فِي عَسْكَر كَبِير وَأَقْبل إِلَيْهِ الْأَمِير جِبْرَائِيل حَاجِب الْحجاب بِدِمَشْق وأمير عَليّ بن وَنزل السُّلْطَان بوقوق على قبَّة يلبغا ظَاهر دمشق وَقد امْتنع أَهلهَا بهَا وبالغوا فِي تحصينها فحصرها وأحرق القبيبات وخربها وَأهْلك فِي الْحَرِيق خلقا كثيرا وجد أهل الْمَدِينَة فِي قِتَاله وأفحشوا فِي سبه وَهُوَ لَا يفتر عَن قِتَالهمْ فأمده الْأَمِير كمشبغا من حلب بِثَمَانِينَ فَارِسًا من المماليك الظَّاهِرِيَّة فَأخْرج إِلَيْهِم الْأَمِير جَنتمُر خَمْسمِائَة فَارس من دمشق ليحولوا بَينهم وَبَين الظَّاهِر فقاتلوهم فكسرهم الظَّاهِرِيَّة واستولوا على جَمِيع مَا مَعَهم. وَأتوا إِلَى الظَّاهِر فَأقبل الْأَمِير نعير بعربانه يُرِيد محاربته فحاربه وكسره فَانْهَزَمَ عَنهُ وتقوى. مِمَّا صَار إِلَيْهِ فِي هَذِه الوقائع. وَصَارَ لَهُ برك ويرق بَعْدَمَا كَانَ بهيئة رثَّة لَا يكنه من الْمَطَر إِلَّا خيمة صَغِيرَة ومماليكه فِي أخصاص كل مِنْهُم هُوَ الذى يتَوَلَّى خدمَة فرسه بِنَفسِهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 260 وَاسْتمرّ الظَّاهِر برقوق على حِصَار دمشق وقتال أَهلهَا فورد الْخَبَر بذلك إِلَى منطاش فِي خَامِس عشر ذى الْقعدَة فَتقدم فِي سَابِع عشره إِلَى الصاحب موفق الدّين أبي الْفرج بتجهيز الْملك الْمَنْصُور للسَّفر فَلم يجد فِي الخزائن مَا يجهزه بِهِ وَاعْتذر بِأَن المَال انتهب وتفرق فِي هَذِه الوقائع فَقبل ذَلِك واستدعى الْقُضَاة وَسَأَلَ قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين مُحَمَّد الْمَنَاوِيّ أَن يقْرضهُ مَال الْأَيْتَام فَامْتنعَ من ذَلِك ووعظه فَلم تنجح فِيهِ المواعظ وَختم فِي يَوْمه على موادع الْأَيْتَام وَكَانَت إِذْ ذَاك عامرة بالأموال. ورسم لحاجب الْحجاب وناصر الدّين بن قُرطُاى - نقيب وَفِي تَاسِع عشره: قدم الْبَرِيد بكسرة ابْن باكيش وَأخذ الْملك الظَّاهِر جَمِيع مَا كَانَ مَعَه فَاشْتَدَّ اضْطِرَاب النَّاس وَكثر الإرجاف وَوَقع الِاجْتِهَاد فِي الْحَرَكَة للسَّفر وأزعج أجناد الْحلقَة. واستدعى الْأَمِير منطاش الْخَلِيفَة المتَوَكل على الله وقضاة الْقُضَاة وَشَيخ الْإِسْلَام وأعيان أهل الْعلم فرتبوا صُورَة فتيا فِي أَمر الْملك الظَّاهِر وانفضوا من غير شَيْء. وَفِيه قدم الْبَرِيد بواقعة صفد وكَان من خَبَرهَا أَن مَمْلُوك من المماليك الظَّاهِرِيَّة - يعرف بيلبغا السالمي - أسلمه الْملك الظَّاهِر للطواشي بهادر الشهابي مقدم المماليك فرتبه خازنداره. وَاسْتمرّ على ذَلِك إِلَى أَن نفي الْمُقدم كَمَا تقدم ذكره فخدم يلبغا الطواشي صَوَاب السَّعْدِيّ شنكل الْمُقدم وَصَارَ دواداره الصَّغِير. فَلَمَّا قبض الناصري على شنكل خدم يلبغا عِنْد الْأَمِير قطلوبك النظامي صفد دواداراً وَسَار مَعَه إِلَى صفد فتحبب إِلَى النَّاس بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِم وملاطفتهم إِلَى أَن قدم إِلَى صفد خبر مسير الْملك الظَّاهِر من الكرك إِلَى دمشق. وجع النظامي الْعَسْكَر ليصير إِلَى نَائِب دمشق. وَقَامَ يلبغا فِي طَائِفَة من المماليك الَّذين استمالهم وَأَفْرج عَن الْأَمِير أينال اليوسفي الْأَمِير قجماس ابْن عَم الظَّاهِر وَنَحْو الْمِائَتَيْنِ من المماليك الظَّاهِرِيَّة من سجن صفد. ونادى بشعار الْملك الظَّاهِر يُرِيد الْقَبْض على النظامي. فَلم يثبت وفر من صفد فِي مملوكين فاستولى يلبغا. مِمَّن مَعَه على مَدِينَة صفد وقلعتها وَصَارَ الْأَمِير أينال قَائِما بِأَمْر صفد ووقف يلبغا فِي خدمته وَقد تقووا بثقل النظامي وبركة. فَلَمَّا ورد هَذَا الْخَبَر عظم اضْطِرَاب الْأَمِير منطاش وَزَاد قلقه وَكَثُرت قالة النَّاس وتوالت الْأَخْبَار ذَلِك. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 261 وَفِي حادي عشرينه: اسْتَقر الشريف بَكتمُر فِي ولَايَة البحرة وَنقل تمراز العلاي إِلَى كشف الْوَجْه البحري ورسم لَهما بِجمع عرب الْبحيرَة لقِتَال الظَّاهِر. وَفِيه قدم الْخَبَر بوصول نَائِب صفد ونائب حماة وَحمد بن بيدمر أتابك دمشق فِي تَتِمَّة خَمْسَة وَثَلَاثِينَ أَمِيرا وَجمع كثير من المماليك وَقد انْهَزمُوا من الظَّاهِر فرسم بدخولهم. وَفِيه استدعى الْخَلِيفَة والقضاة وَالْفُقَهَاء بِسَبَب الْفتيا فَكتب نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الصَّالِحِي - موقع الحكم - فتيا تَتَضَمَّن السُّؤَال عَن رجل خلع الْخَلِيفَة وَالسُّلْطَان وَقتل شريفاً فِي الشَّهْر الْحَرَام والبلد الْحَرَام وَهُوَ محرم واستحل أَخذ أَمْوَال النَّاس وَقتل الْأَنْفس وَجعلهَا عشر نسخ. وَفِي ثَالِث عشرينه: قدم سواق من سواقي الْبَرِيد وبدوي وبشرا منطاش بِأَن الظَّاهِر بعد مَا ملك دمشق كبس فِي اللَّيْل وهرب فَمشى ذَلِك عَلَيْهِ وأنعم عَلَيْهِمَا. وَفِيه رسم بِفَتْح سجن قديم بالقلعة وَقد ارتدم وسجن بِهِ عدَّة مماليك وسجن كثير مِنْهُم بأبراج القلعة وضيق عَلَيْهِم. وَفِيه وجدت ذخيرة بِالْقَاهِرَةِ فِي بَيت عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن المشرف أستادار جركس الخليلي فِيهَا سِتّمائَة ألف دِرْهَم وَنَحْو الْخمسين ألف دِرْهَم فَأَخذهَا الْأَمِير منطاش وَأخذ وَفِيه قدم الْأُمَرَاء والمماليك المنهزمون من الظَّاهِر وهم: قطلوبك النظامي نَائِب صفد وتنكز الْأَعْوَر نَائِب حماة وَمُحَمّد بن بيدمر أتابك دمشق ويلبغا العلاي أحد المقدمين بِدِمَشْق وأقباي الأشرفي نَائِب قلعة الْمُسلمين وَمن أُمَرَاء الطبلخاناة دمرداش الأطروش وَالِي الْوُلَاة وشكر اً حمد وجوبان الخاصكي وقطلوبغا جَبْجَق وجبرائيل. وَمن العشرينات أقبغا الوزيري وأزدمر الأشقَتمري وقُنُق الزيني ومنكلي بغا الناصري وبَمبغا وطومان وأقبغا الإينالي وَأحمد بن يانوق. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 262 وَمن العشراوات بيبغا العلاي وطغاي تمر الأشرفي ومصطفي البيدمري ويوسف الأطروش وأقتمر الأشقتمري وأرغون شاه - دوادار يلبغا المنجكي - وألطنبغا البيدمري وقر ابغا السيفي. وَمن أُمَرَاء صفد تغري بردي الأشرفي ومنجك الخاصكي وقجقار السيفي. وَمن أُمَرَاء حماة جَنتمُر الأسعردي وألطبغا المارديني وبكلمق الأرغوني وطيبغا القرمي وأسنبغا الأشرفي وحسين الأيتمشي. وَمن المماليك عدَّة مِائَتَيْنِ وَأحد وَعشْرين. وَفِيه أفرج عَن الْأَمِير قرقماس الطشتمري وَاسْتقر خازندارا على عَادَته. وَفِيه رسم على مباشري الْأُمَرَاء المنفصلين ليجهزوا الْأُمَرَاء المستجدين للسَّفر فَلم يسمع بِمثل هَذَا. وَفِيه نُودي أَن الْفُقَهَاء وَالْكتاب لَا يركب أحد مِنْهُم فرسا عَرَبيا وَأَن الْكتاب الْكِبَار أَرْبَاب الْوَظَائِف السُّلْطَانِيَّة وَكتاب الْأُمَرَاء يركبون البغال. وَفِيه أخذت أكاديش الحمالين الْمعدة للْحَمْل عَلَيْهَا وَأخذت خيرل الطواحين الْجِيَاد وتتبعت المماليك الجراكسة وطلبهم حُسَيْن وَالِي الْقَاهِرَة وَأَخذهم من كل مَوضِع فَقبض مِنْهُم على رجل شيخ يُقَال لَهُ يُلوا الأحمدي وَضرب وَأخذ مِنْهُ مبلغ خمسين ألف دِرْهَم فضَّة وَأَفْرج عَنهُ وَعَن طُرنطاي الخطيري وطولو بغا الأحمدي وَا قبغا البشتكي ومسافر لأجل أَن لكل مِنْهُم فِي مصر نَحْو السِّتين سنة. وَفِيه خشبت أيدى المماليك المسجونين وأرجلهم. وَفِي خَامِس عشرينه: اجْتمع الْأُمَرَاء وَأهل الدولة مَعَ الْأَمِير الْكَبِير منطاش وَاتَّفَقُوا على استبداد السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور وأثبتوا رشده بِحَضْرَة الْقُضَاة والخليفة. فرسم السُّلْطَان بتعليق الجاليش بالطبلخاناة ليعلم النَّاس بِالسَّفرِ إِلَى الشَّام وَأَفْرج عَن الْأَمِير مَحْمُود الأستادار وَأمر بِعرْض أجناد الْحلقَة والمماليك السُّلْطَانِيَّة وَنُودِيَ أَن الْعَامَّة لَا يركب أحد مِنْهُم فرسا أصيلاً وَأَن وَفِيه أحضرت نسخ الْفَتْوَى فِي الْملك الظَّاهِر وَزيد فِيهَا: واستعان بالكفار على الجزء: 5 ¦ الصفحة: 263 قتال الْمُسلمين وَحضر الْخَلِيفَة المتَوَكل وقضاة الْقُضَاة الْأَرْبَع وَشَيخ الْإِسْلَام سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ وَولده جلال الدّين عبد الرَّحْمَن قَاضِي الْعَسْكَر وقاضي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن أبي الْبَقَاء وَولي الدّين أَبُو زيد عبد الرَّحْمَن بن خلدون الْمَالِكِي وسراج الدّين عمر بن الملقن الشَّافِعِي وعدة دون هَؤُلَاءِ بِالْقصرِ الأبلق من القلعة بِحَضْرَة الْملك الْمَنْصُور والأمير الْكَبِير منطاش وقدمت إِلَيْهِم الْفَتْوَى فكنبوا عَلَيْهَا بأجمعهم وَانْصَرفُوا. وَفِيه نُودي على أجناد الْحلقَة بِالْعرضِ وهدد من تَأَخّر مِنْهُم. وَفِيه كتب لعرب الْبحيرَة بالحضور للسَّفر مَعَ الْعَسْكَر إِلَى الشَّام. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير قُطلبوبغا الزيني أَمِير جاندار شَرِيكا لطوغان الْعمريّ. وَاسْتقر أَمِير حَاج بن مُغْلطاي الحاحب أستادار السُّلْطَان. وأنعم على كل من أرغون شاه السيفي وقطلوبغا السيفي بإمرة مائَة. وأنعم على الْأُمَرَاء القادمين من الشَّام بفرس بقماش ذهب وَخمسين ألف دِرْهَم فضَّة لكل أَمِير مائَة وَلمن عداهم من الْأُمَرَاء بأقبية مغرية. ورتب لَهُم اللَّحْم والجرايات والعليق وَفِيه أُعِيد مبارك شاه فِي نِيَابَة الْوَجْه القبلي وخلع عَلَيْهِ. وَفِي سَابِع عشرينه: أخليت خزانَة الْخَاص بالقلعة وسدت شبابيكها وبابها وَفتح من سقفها وَفِي يَوْم السبت أول فِي ذِي الْحجَّة: قدم الْبَرِيد من الصَّعِيد بِأَن الْعَسْكَر الْمُجَرّد مَعَ الْأَمِير أسندمر بن يَعْقُوب شاه وَاقع الْأُمَرَاء الخارجين عَن الطَّاعَة بِمَدِينَة قوص وقبضوا عَلَيْهِم كلهم فدقت البشاير ثَلَاثَة أَيَّام بالقلعة. وَفِيه قبض على الصاحب كريم الدّين بن الغنام وألزم بِحمْل ثَلَاثمِائَة ألف دِرْهَم فضَّة وَخمسين فرسا. وَفِيه أنْفق على كل من الْأُمَرَاء الألوف مائَة ألف دِرْهَم فضَّة وعَلى كل من أُمَرَاء الطبلخاناة خَمْسُونَ ألف دِرْهَم. وَفِيه سد بَاب الْفرج - أحد أَبْوَاب الْقَاهِرَة - وخوخة أيدغمش وَغير ذَلِك. وَفِي ثالثه: قبض على مَتى بطرك النَّصَارَى وألزم بِمَال وَقبض على رَئِيس الْيَهُود وألزم بِمَال. فتقرر على البطرك مائَة ألف دِرْهَم وعَلى رَئِيس الْيَهُودِيّ خَمْسُونَ ألف دِرْهَم جبوها وَحملُوهَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 264 وَفِيه طلب الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد الركراكي الْمَالِكِي وألزم بِالْكِتَابَةِ على الْفَتْوَى فِي الْملك الظَّاهِر فَامْتنعَ فَضرب مائَة ضَرْبَة وسجن بالإصطبل. وَفِي رابعه: أفرج عَن ابْن غَنَّام. وَفِيه خرجت تجريدة إِلَى الصَّعِيد خوفًا منأخذ الْعَرَب الْأُمَرَاء المماليك الظَّاهِرِيَّة الْمَقْبُوض عَلَيْهِم. وَفِي سابعه: دقَّتْ البشائر لكذبة نمقت وهى أَن إينال اليوسفي سَار من صفد. مِمَّن مَعَه فقاتله أهل دمشق وقتلوه وجرح الْملك الظَّاهِر. وَفِي ثَالِث عشره: تولى الْأَمِير تمان تمر الأشرفي رَأس نوبَة عرض المماليك السُّلْطَانِيَّة وَكَثُرت فِي أَمر الظَّاهِر والأرجاف تَارَة بنصرته وَتارَة بهزيمته وتحدث كل أحد على مُقْتَضى غَرَضه. وَفِي خَامِس عشره: عرض الْأَمِير تمان تمر أجناد الْحلقَة مَنْ إقطاعه عِبْرَة أَرْبَعمِائَة دِينَار فَمَا فَوْقهَا وَعين جمَاعَة مِنْهُم للسَّفر وَجَمَاعَة لحراسة القلعة وَجَمَاعَة لحراسة الْقَاهِرَة وَجَمَاعَة لحراسة مصر وَعرض مقدمي المماليك وَعرض البحرية والمفاردة. وَفِيه برز الْأُمَرَاء الشاميون بِظَاهِر الْقَاهِرَة للتوجه إِلَى الشَّام. وَفِيه قبض على الْخَلِيفَة المخلوع زَكَرِيَّا وَأخذ مِنْهُ الْعَهْد الَّذِي عَهده إِلَيْهِ أَبوهُ بالخلافة وَأشْهد عَلَيْهِ أَنه لَا حق لَهُ فِي الْخلَافَة. وَفِيه قدمت التجاريد من بِلَاد الصَّعِيد بالخارجين عَن الطَّاعَة فِي الْقُيُود فغرق جمَاعَة من المماليك فِي النّيل لَيْلًا وَأخرج بِسِتَّة من الْجب بالقلعة موتى. وَفِي سادس عشره: أحضر بالقادمين من الصَّعِيد مَعَ الْأَمِير أسندمر بن يَعْقُوب شاه إِلَى القلعة وهم: تمرباي الحسني وقرابغا الأبو بكري وبجمان المحمدي ومنكلي الشمسي وَفَارِس الصرغتمشي وتمربغا المنجكي وطوجي الحسني وقرمان المنجكي وبيبرس التمان تمرى وقراكسك السيفي وأرسلان اللفاف ومقبل الرُّومِي وطوغاي تمر الجركتمري وجرباش الشيخي وبغداد الأسعدي وَيُونُس الأسعردي وأردبغا العثماني وتنكز العثماني وبلاط المنجكي وقراجا السيفي وكمشبغا اليوسفي وأقبغا حطب وقرابغا المحمدي وَعِيسَى التركماني وَبِك بلاط السونجي فأوقفوا فِي الْقُيُود الجزء: 5 ¦ الصفحة: 265 زَمَانا ثمَّ سجنوا. وَأَفْرج عَن جمَاعَة مِمَّن حضر وهم: قُنُق بيه اللالا وأقبغا السيفي وتمرباي الأشرفي وَعز الصرغتمشي وخلع عَلَيْهِم. وَأَفْرج أَيْضا عَن بك بلاط السونجي. وَفِيه سجن بخزانة الْخَاص الْأَمِير مَحْمُود والأمير أقبغا المارداني وأيدمر أَبُو زلطة وشاهين الصرغتمشي أَمِير أخور وجُمُق بن أيتمش وبطا الطولوتمرى وبهادر الأعسر وعدة كَبِيرَة من الْأُمَرَاء والمماليك. وَفِيه ألزم سَائِر مباشري الدَّوَاوِين بِأَن يحمل كل وَاحِد خَمْسمِائَة دِرْهَم ثمن فرس وَقرر ذَلِك على الْوَظَائِف لَا على الْأَشْخَاص على أَن من كَانَ لَهُ عشر وظائف فِي عدَّة دواوين تحمل كل وَظِيفَة خَمْسمِائَة دِرْهَم فَنزل بِالنَّاسِ مَا لم يعهدوه فتوزعوا ذَلِك بعد أَن جبى مِنْهُم عدَّة خُيُول فجَاء جملَة الْحمل من المباشرين خيلاً وعينا ألف فرس. وَفِيه أحضر من ألزم بِالسَّفرِ من أجناد الْحلقَة وأعفوا من السّفر على أَن يحضر كل مِنْهُم فرسا جيدا فأحضروا خيولهم فَأخذ جيادها ورد مَا عَداهَا. وألزم من لم يحضر فرسا بِأَلف دِرْهَم عَن ثمن فرس فتضرروا من ذَلِك فاستقرت خَمْسمِائَة دِرْهَم جبيت مِنْهُم. وألزم رُؤُوس نوب الْحجاب بِحمْل كل مِنْهُم خمسين ألف دِرْهَم وعدتهم أَرْبَعَة ثمَّ اسْتَقر على كل وَاحِد أَرْبَعَة عشر ألف دِرْهَم حملهَا وَأَفْرج عَنهُ. وَفِيه أنْفق على مماليك الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْأَمِير منطاش لكل وَاحِد ألف دِرْهَم. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع عشره: نزل الْملك الْمَنْصُور والأمير الْكَبِير منطاش من قلعة الْجَبَل بالعساكر إِلَى الريدانية خَارج الْقَاهِرَة. واستدعى قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين مُحَمَّد الْمَنَاوِيّ إِلَى الريدانية وألزم بِالسَّفرِ فَامْتنعَ وَسَأَلَ الإعفاء فأعفى. وَاسْتقر قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن أبي الْبَقَاء على أَنه يعْطى مَال الْأَيْتَام وَيحمل من مَاله مائَة ألف دِرْهَم فضَّة ثمَّ خلع عَلَيْهِ وَعبر إِلَى الْقَاهِرَة من بَاب النَّصْر. وَفِيه اسْتَقر عبيد الله العجمي فِي قَضَاء الْعَسْكَر وعزل سراج الدّين عمر. وفيهَا اعتقل الْخَلِيفَة المخلوع زَكَرِيَّا والأمير سودن النَّائِب بقاعة الْفضة من القلعة. وَفِيه تقرر على سَائِر المماليك البحرية والمفاردة وَأَوْلَاد الْأُمَرَاء المقيمين بِالْقَاهِرَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 266 - مِمَّن تعين لحفظها وَحفظ القلعة ومصر فِي مُدَّة غيبَة السُّلْطَان - خيولاً يحملونها إِلَى الريدانية وتقرر على موقعي الْإِنْشَاء أَيْضا خيولاً وعَلى بَقِيَّة أَرْبَاب الْوَظَائِف من المتعممين وأزعجوا بِسَبَب ذَلِك فَمنهمْ من قاد الْعشْرَة أرءوس وَمِنْهُم من قاد دونهَا على قدر مَا لزمَه كَمَا تقدم فِي الْكتاب فَاشْتَدَّ غم النَّاس وَكَثُرت حركاتهم وَنزل بهم مَا لم يرَوا مثله. وَفِي تَاسِع عشره: ركب الْأَمِير تُمان تَمُر رَأس نوبَة فِي عدَّة مماليك إِلَى الرميلة تَحت القلعة وَقبض على كل من رَآهُ رَاكِبًا على فرس من المتعممين وَغَيرهم وَأخذ خيولهم وَمضى بهَا إِلَى دَاره. وَفِيه اشْتَدَّ الطّلب على الأجناد وَغَيرهم بِسَبَب جباية الْخُيُول وأثمانها وَسلم كثير مِنْهُم للأمير حسام الدّين حُسَيْن بن الكوراني - الْوَالِي - ليخلص ذَلِك مِنْهُم بالعقوبة وَفِيه نزل الْوَزير موفق الدّين أَبُو الْفرج والأمير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الحسام إِلَى خَان مسرور بِالْقَاهِرَةِ حَيْثُ مُودع الْأَيْتَام وأخذا مِنْهُ ثَلَاثمِائَة ألف دِرْهَم وألزم أَمِين الحكم بِالْقَاهِرَةِ أَن يحمل تَتِمَّة خَمْسمِائَة ألف دِرْهَم وألزم أَمِين الحكم. ممصر أَن يحمل مائَة ألف دِرْهَم وألزم أَمِين الحكم بالحسينية أَن يحمل وَفِيه استدعى قُضَاة الْقُضَاة الْأَرْبَع إِلَى الريدانية بكرَة النَّهَار فأجلسوا فِي خيمة وَتركُوا بِغَيْر أكل إِلَى قريب الْعَصْر. ثمَّ طلبُوا إِلَى عِنْد السُّلْطَان فعقدوا عقده على خوند بنت أَحْمد بن السُّلْطَان حسن بِصَدَاق مبلغه ألف دِينَار وَعِشْرُونَ ألف دِرْهَم وعقدوا عقد الْأَمِير قطلوبغا الصفوي على ابْنة الْأَمِير أيدمر الدوادار. وَفِي عشرينه: رَحل طَلِيعَة الْعَسْكَر أَرْبَعَة أُمَرَاء وهم: أسندمر بن يَعْقُوب شاه والكريمي وثمان تمر رَأس نوبَة وقطلوبغا الصفوي. وَفِي ثَانِي عشرينه: رَحل الْأَمِير منطاش فِي عدَّة من الْأُمَرَاء ثمَّ رَحل السُّلْطَان والخليفة والقضاة وَبَقِيَّة الْعَسْكَر وَقد أقيم نَائِب الْغَيْبَة بالقلعة الْأَمِير تكا وَمَعَهُ الْأَمِير دمرداش القشتمري وبالإسطبل الْأَمِير سرايَ تمُر وبالقاهرة الْأَمِير قُطلوبغا الْحَاجِب وَجعل أَمر الْعَزْل وَالْولَايَة إِلَى الْأَمِير سراي تمر. وَفِيه نقل الْأَمِير سودن النَّائِب إِلَى بَيت بالقلعة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 267 وَفِيه ألزم قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن أبي الْبَقَاء الشَّافِعِي بإحضار عشرَة أروس من الْخَيل. وَطلب من كل الْأُمَرَاء من المقدمين المقيمين عشرَة أروس وَمن كل أَمِير طبلخاناة أَرْبَعَة أروس وَمن كل أَمِير عشرَة فرسَان فَأخذ ذَلِك من الْجَمِيع. وكلب من سَائِر الْوُلَاة المستقرين بأعمال ديار مصر والمعزولين الْخَيل. وَقرر على كل وَاحِد مِنْهُم بِحَسب حَاله وَطلب من سَائِر الخدام الطواشية خُيُول ثمَّ أعفوا. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير حسام الدّين حُسَيْن بن الكوراني فِي ولَايَة مصر مُضَافَة إِلَى ولَايَة الْقَاهِرَة فاستناب فِي مصر ابْن أَخِيه أَمِير عمر بن مَمْدُود. وَاسْتقر نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن ليلى فِي ولَايَة الجيزة عوضا عَن قرطاي التاجي بِحكم انْتِقَاله لكشف التُّرَاب بالجيزية. وَفِي ثَالِث عشرينه: اسْتَقر قُطلوبغا السيفي أَمِير حَاجِب ثَانِيًا عوضا عَن أَمِير حَاج ابْن مغلطاي. ورسم لفراج السيفي بإمرة عشرَة. وأنعم على كل من قراكسك وأرسلان اللفاف وَبِك بلاط السونجي بقباء بِفَرْوٍ وشق. وَفِيه قدم نجاب من الْحجاز بِمَوْت الطواشي مِثْقَال الساقي الزِّمَام ببدر. وَفِيه رَحل السُّلْطَان من العكرشا إِلَى بلبيس فتقنطر عَن الْفرس فتطير النَّاس من ذَلِك بِأَنَّهُ يرجع مقهوراً وَكَذَا كَانَ. وَفِي سلخه: سد الْأَمِير صراي تمر بَاب الْقصر الَّذِي بالإصطبل وسد شبابيك الشَّرَاب خاناة. وَانْقَضَت هَذِه السّنة وَالنَّاس فِي مصر وَالشَّام بشر كَبِير. وَاتفقَ أَيْضا فِي هَذِه السّنة. وُقُوع حَادِثَة عَظِيمَة بِبِلَاد خُرَاسَان وهى أَنه هبت بِمَدِينَة نيسابور ريَاح عَاصِفَة فِي شهر صفر ارتجت الأَرْض من شدَّة هبوبها وَحدثت زَلْزَلَة مهولة تحركت الأَرْض مِنْهَا حَرَكَة عنيفة حَتَّى كَانَ الْإِنْسَان وَغَيره يرْتَفع عَن مَوْضِعه قامتين وَأكْثر وَصَارَت الأَرْض تنْتَقل من مَوضِع إِلَى مَوضِع فَلم يبْق شَيْء فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 268 جَمِيع أقطار الْمَدِينَة من الْبيُوت والأسواق والمدارس وَنَحْوهَا إِلَّا واهتز اهتزازاً عَظِيما وَاسْتمرّ الْحَال كَذَلِك إِلَى ضحوة نَهَار الْيَوْم الرَّابِع فسكنت الزلزلة وَأمن النَّاس واطمأنوا وَإِذا برِيح عَظِيمَة هبت فِي الْحَال ثمَّ تحركت الأَرْض أقوى مِمَّا تحركت قبل ذَلِك وانقلبت بِأَهْلِهَا فَصَارَ عاليها سافلها وَخَربَتْ الْمَدِينَة وَهلك أَهلهَا فَلم يسلم مِنْهُم إِلَّا النَّادِر. وَسلم سكان الفوقانيات وَهلك سكان التحتانيات وَسلم قوم كَانُوا فِي بعض الحمامات وَقد خَرجُوا إِلَى الدهاليز فاحتوى من بَقِي من الأراذل على أَمْوَال من قد هلك من الأماثل وترأسوا بعدهمْ. ثمَّ بعد أشهر عمر من بَقِي عمارات بِالْقربِ من الْمَدِينَة الَّتِي هَلَكت وَعمِلُوا عاليها من الْخشب والخيام. وَمن غَرِيب مَا وَقع فِي هَذِه الْحَادِثَة أَن قَرْيَة انْتَقَلت من مَكَانهَا إِلَى مَكَان قَرْيَة أُخْرَى فَصَارَت فَوْقهَا بِحَيْثُ لم يبْق للَّتِي كَانَت أَولا أثر يعرف فَكَانَت بَين أهل القريتين عدَّة خصومات ومحاربات. وَاتفقَ أَيْضا أَن رجلا كَانَ فِي بَيته فَسقط الْبَيْت إِلَّا الْموضع الَّذِي فِيهِ الرجل فَإِنَّهُ لم يسْقط وَسلم الرجل. وَكَانَت امْرَأَة فِي الْحمام وَقد أخذت لقْمَة وَضَعتهَا فِي فمها فَسقط الْحمام عَلَيْهَا فَهَلَكت فِيمَن هلك فَلَمَّا نبش عَنْهَا وجدت واللقمة فِي فِيهَا لم تبلعها وَوَلدهَا فِي حضنها ومئزرها فِي وَسطهَا وَقد أدخلت إِحْدَى رِجْلَيْهَا فِي دَاخل الْحمام ورجلها الْأُخْرَى من خَارج لم تهمل حَتَّى تدْخلهَا بل هَلَكت قبل ذَلِك وَسلم مَعَ ذَلِك الْوَقَّاد فِي أتون الْحمام فَإِنَّهُ مِمَّن ألقته الأَرْض عَنْهَا فحدفته إِلَى الْعُلُوّ وَصَارَ بالبعد عَن مَوْضِعه فَسلم. وَقد اشْتهر عِنْد أهل نيسابور أَنَّهَا خربَتْ بالزلازل سبع مَرَّات فَكَانَت هَذِه الْمرة أشنع مِمَّا مضى لِأَنَّهَا تركت الْمَدِينَة عاليها سافلها. وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه. وَمَات فِي هَذِه السّنة عَالم كَبِير بالطاعون وَالسيف فَمِمَّنْ لَهُ ذكر من الْأَعْيَان: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 269 الْأَمِير صارم الدّين إِبْرَاهِيم بن الْأَمِير سيف الدّين قُطلو أَقتمُر العلاي أَمِير جاندار بحلب قَتله الْأَمِير كُمشبغا الْحَمَوِيّ وَقد عصى كمشبغا. وَقَامَ إِبْرَاهِيم بنصرة منطاش واستمال جمَاعَة وَحَارب كُمُشبغا فانتصر عَلَيْهِ ووسطه فِي شَوَّال. وَمَات شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عمر بن أبي الرِّضَا قَاضِي الْقُضَاة الشَّافِعِي بحلب. ثار على كمشبغا نَائِب حلب وجع أهل بانقوسا وقاتله وظفر بهم كمشبغا وَقتل كثيرا مِنْهُم وفر ابْن أبي الرِّضَا فَأخذ قَرِيبا من المعرة. وَقتل وعمره زِيَادَة على أَرْبَعِينَ سنة. وَكَانَ إِمَامًا فِي عدَّة عُلُوم شهماً صَارِمًا مهاباً محباً للْحَدِيث وَأَهله. وَمَات برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن على الْمَعْرُوف بِابْن الْحلْوانِي الشَّامي الأَصْل الْمصْرِيّ الْوَاعِظ بِالْقَاهِرَةِ فِي عَاشر صفر وَلم يُر بعده من يعْمل المواعيد مثله فِي حسن أَدَائِهِ وَكَانَ لَا يعظ إِلَّا من كتاب. وَمَات الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن أبي يزِيد بن مُحَمَّد وَيعرف بمولانا زَاده السرائي العجمي فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء حادي عشْرين الْمحرم بِالْقَاهِرَةِ. وَكَانَ فَاضلا فِي عدَّة عُلُوم وَهُوَ أول من ولى درس الحَدِيث بالظاهرية المستجدة بَين القصرين. وَمَات الْأَمِير أرنبغا مقدم البريدية وَأحد أُمَرَاء العشراوات بِالْقَاهِرَةِ فِي صفر. وَمَات الْأَمِير تلكتمر أحد أُمَرَاء الطبلخاناه وَكَاشف الجسور. مَاتَ بالطاعون فِي جُمَادَى الأولى. وَمَات الْأَمِير جركس الخليلي أَمِير أخور. قُتل فِي محاربة الناصري خَارج دمشق يَوْم الِاثْنَيْنِ حادي عشْرين ربيع الآخر. وَكَانَ مهاباً عَارِفًا خَبرا بالأمور حسن السياسة عَاقِلا خيرا. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين بزلار الْعمريّ نَائِب دمشق. كَانَ من مماليك النَّاصِر حسن. رَبِّي مَعَ أَوْلَاده وتأدب وَمهر فِي الْكِتَابَة وشارك فِي الْعُلُوم سِيمَا الفلكيات وَعلم النُّجُوم. وَتقدم فِي الفروسية وأتقن أَنْوَاع الثقافة وَكَانَ ذكياً فطناً شجاعاً ولي نِيَابَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 270 الْإسْكَنْدَريَّة وتنقل فِي الرتب. ثمَّ نفي إِلَى طرابلس. وَقدم مَعَ الْأَمِير يلبغا الناصري إِلَى الْقَاهِرَة وَولى نِيَابَة دمشق. ثمَّ قبض عَلَيْهِ واعتقل بقلعتها حَتَّى مَاتَ وَقد أناف على الْخمسين. وَمَات الْأَمِير حسام الدّين حسن بن الْأَمِير عَلَاء الدّين على ابْن الْأَمِير سيف الدّين قَشْتمر أحد العشراوات. مَاتَ بالطاعون فِي الْقَاهِرَة. وَمَات الشَّيْخ حُسَيْن الخبَّاز الْوَاعِظ المعتقد. صحب الشَّيْخ ياقوت الشاذلي وتلقن مِنْهُ وَتزَوج ابْنَته وَترك بيع الْخبز وَانْقطع بزاويته خَارج الْقَاهِرَة وَجلسَ للوعظ فاشتهر وَصَارَ لَهُ عدَّة أَتبَاع حَتَّى مَاتَ فِي حادي عشْرين ربيع الآخر وَدفن بالقرافة وَمَات الْأَمِير سودن المظفري مقتولاً بحلب. وَكَانَ مشكوراً فِيهِ خير وبر ومحبة للْفُقَرَاء وملازماً لِلْعِبَادَةِ وَقلة الْكَلَام مَعَ الْمعرفَة وَأَصله من مماليك الْأَمِير قُطلوبُغا المظفري أحد أُمَرَاء حلب. وَبهَا نَشأ وترقى إِلَى أَن صَار خازندار الْأَمِير جرجي الإدريسى نَائِب حلب. ثمَّ صَار أحد الْحجاب وانتقل إِلَى نِيَابَة حماة ثمَّ ولي نِيَابَة حلب وعزل مِنْهَا وَصَارَ أتابك حلب إِلَى أَن قتل وَقد أناف على السِّتين. وَمَات الْأَمِير سراي الطَّوِيل الرَّحبِي أحد المماليك اليلبغاوية والأمراء الطبلخاناه. مَاتَ خَارج الْقَاهِرَة ثَالِث عشر ربيع الأول. وَمَات قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن خير الإسكندري الْمَالِكِي فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع عشر رَمَضَان. نَشأ بالإسكندرية وبرع فِي الْفِقْه واشتهر بِحسن السِّيرَة فَطلب لقَضَاء الْمَالِكِيَّة بديار مصر وباشره أحسن مُبَاشرَة. وَمَات جمال الدّين عبد الله بن الشَّيْخ عَلَاء الدّين مغلطاي فِي ثامن عشْرين ربيع الْآخِرَة بِالْقَاهِرَةِ. وَمَات الشَّيْخ شرف الدّين عُثْمَان بن سُلَيْمَان بن رَسُول ابْن أَمِير يُوسُف بن خَلِيل بن نوح الكراني التركماني الْحَنَفِيّ الْمَعْرُوف بالأشقر. قدم إِلَى الْقَاهِرَة واتصل بالأمير الْكَبِير برقوق وحظي عِنْده وَصَارَ يؤاكله فَلَمَّا ولي السلطنة رتبه إِمَامًا يؤم بِهِ فِي الصَّلَوَات. ثمَّ ولاه مشيخة الخانقاة الركنية بيبرس وَقَضَاء الْعَسْكَر حَتَّى مَاتَ فِي رَابِع عضرين ربيع الآخر بالطاعون. وَمَات الْأَمِير أشقتمر المارديني نَائِب حلب مَاتَ بطالاً بالقدس. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 271 وَمَات علم دَار بن عبد الله الناصري بِدِمَشْق. وَكَانَ خيرا لَهُ مثار جميلَة بِمصْر وَالشَّام. وَمَات الطواشي سَابق الدّين مِثْقَال الجمالي الساقي زِمَام الدّور. كَانَ من خدام الْمُجَاهِد صَاحب الْيمن فَلَمَّا حج نهب وأبيع فَاشْتَرَاهُ حُسَيْن بن النَّاصِر مُحَمَّد فترقى فِي الخدم وَصَارَ من الجمدارية. ثمَّ ولى شدّ الأحواش. فَلَمَّا مَاتَ سَابق الدّين مِثْقَال الآنوكي نقل افتخار الدّين ياقوت الزِّمَام إِلَى تقدمة المماليك وَولى مِثْقَال هَذَا زِمَام الدّور عوضه ثمَّ صرف بمقبل الدوادري فسافر إِلَى الْحجاز وجاور بالحرمين حَتَّى مَاتَ ببدر لَيْلَة الْجُمُعَة تَاسِع عشر ذِي الْقعدَة. وَمَات الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن بزلار أحد العشراوات. مَاتَ بالطاعون فِي الْقَاهِرَة. وَمَات الشَّيْخ بدر الدّين مُحَمَّد بن شيخ الْإِسْلَام سراج الدّين عمر بن رسْلَان بن نصير البُلْقِينِيّ الشَّافِعِي قَاضِي الْعَسْكَر فِي يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشْرين شعْبَان وَدفن بمدرسة أَبِيه من حارة بهاء الدّين بِالْقَاهِرَةِ وَكَانَ مفتياً فِي عدَّة عُلُوم حاد المزاج مفرط الذكاء منهمكاً فِي اللَّذَّات الَّتِي تهواها النُّفُوس مُتَمَتِّعا بالجاه وَالْمَال. وَمَات الشَّيْخ شمس الدّين بن مَحْمُود بن عبد الله النَّيْسَابُورِي الْمَعْرُوف بِابْن أخي جَار الله الْحَنَفِيّ فِي سَابِع عشْرين جُمَادَى الأولى عَن قريب من خمسين سنة. ولي إِفْتَاء دَار الْعدْل ومشيخة الخانكاة الصلاحية سعيد السُّعَدَاء وعدة تداريس وَكَانَ خيرا. وَمَات الشَّيْخ منهاج الدّين العجمي فِي رَابِع عشر ربيع الأول. درس فقه الْحَنَفِيَّة بالجامع الطولوني وبمدرسة أم الْأَشْرَف. وَكَانَ قَلِيل الْعلم جدا لَا يزِيد فِي الدَّرْس على سَماع مَا يقْرَأ عَلَيْهِ. وَمَات الشَّيْخ محب الدّين أَحْمد السبتي المعتقد فِي الْعشْرين من صفر. وَمَات الْأَمِير عَلَاء الدّين مغلطاي وَالِي الْقَاهِرَة فِي الْمحرم. وَمَات شهَاب الدّين أَحْمد بن مُوسَى بن عَليّ عرف بِابْن الْوَكِيل الشَّافِعِي الْمَكِّيّ بِالْقَاهِرَةِ فِي نصف صفر. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين نوغاي أحد أُمَرَاء العشرينات وأمير علم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 272 وَمَات القَاضِي تَاج الدّين ابْن ريشة نَاظر الدولة فِي سادس عشْرين جُمَادَى الأولى. وَمَات الْأَمِير شرف الدّين يُونُس النوروزي الدوادار أَصله من مماليك الْأَمِير جرجي الإدريسي نَائِب حلب. وَاسْتقر من جملَة المماليك اليلبغاوية وَصَارَ دوادار الْأَمِير الْكَبِير أسندمر الأتابك. فَلَمَّا ملك الظَّاهِر برقوق جعله داودارا كَبِيرا. وَكَانَ أخص أمرائه حَتَّى خرج إِلَى محاربة الناصري وَانْهَزَمَ فَقتله عنقاء بن شطي أَمِير آل مرا قَرِيبا من خربة اللُّصُوص فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي عشْرين ربيع الآخر عَن نَيف وَسِتِّينَ سنة. وَكَانَ خيرا كثير الْمَعْرُوف صَاحب نسك من صَوْم كثير وَصَلَاة فِي اللَّيْل مَعَ وفور الْحُرْمَة وَقُوَّة المهابة والإعراض عَن سَائِر الْهزْل ومحبة أهل الْعلم وَالدّين وإكرامهم. وَله بِالْقَاهِرَةِ قيسارية وَربع وَله تربة بقبة النَّصْر وتربة خَارج بَاب الْوَزير ومدرسة خَارج دمشق وخاناً حليلاً خَارج غَزَّة وعدة أحواض سَبِيل بديار مصر وَالشَّام. وَمَاتَتْ خوند شقراء ابْنة الْملك النَّاصِر حسن زَوْجَة الْأَمِير أروس فِي ثامن عشْرين جُمَادَى الأولى. وَمَات الْأَمِير قرا مُحَمَّد صَاحب الْموصل قَتِيلا. وَمَات الْأَمِير زامل بن مهنا أَمِير آل فضل فِي السّنة الْمَذْكُورَة. وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 273 فارغه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 274 (سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَسَبْعمائة) أهل الْمحرم يَوْم الِاثْنَيْنِ وديار مصر وَالشَّام من الْفُرَات إِلَى أسوان فِي غَايَة الِاضْطِرَاب وترقب الشَّرّ. وَفِي ثَانِيه: وصل السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور إِلَى مَدِينَة غَزَّة بعساكر مصر وجميعهم السلاخ أبدانهم وخيولهم. وَفِي سادسه: عدى الْأَمِير صراي تمر نَائِب الْغَيْبَة بَحر النّيل إِلَى بر الجيزة وأحاط بخيول النَّاس المرتبطة على البرسيم للربيع وَأَخذهَا كلهَا - وَلم يكن بِذَاكَ الْكَبِير - وأدخلها فِي الجشارات السُّلْطَانِيَّة. وتتبعت الْخُيُول فَأخذت خُيُول الْأُمَرَاء وَأَوْلَاد النَّاس وخيول عربان الْبحيرَة والغربية والشرقية. وَشرع الناشب فِي تجهيز الشّعير والزاد إِلَى الْعَسْكَر لغلاء السّعر مَعَهم. وَفِي سابعه: دقَّتْ البشائر بالقلعة وأبواب الْأُمَرَاء ثَلَاثَة أَيَّام لكذب أشاعوه من جمرار الْملك الظَّاهِر وتابعوا الإشاعات بفلك. ورسم بزينة الْقَاهِرَة ومصر فزينتا فِي ثامنه. وَفِيه اسْتَقر قُرُطاي التاجي فِي ولَايَة الفيوم وكشفها وكشف البهنساوية والأطفيحية عوضا عَن أَمِير حَاج بن أيدمر. وَفِي حادي عشره: قُبض على سِتَّة مماليك بالبرقية من الْقَاهِرَة وَقد لبسوا السِّلَاح وَأَعدُّوا عِنْدهم كثيرا من السِّلَاح فأقروا أَن مَعَهم جمَاعَة من مماليك نَائِب الْغَيْبَة ومماليك غَيره من الْأُمَرَاء قد اتَّفقُوا على أَنهم يثوروا يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشره وَتَأْخُذ كل طَائِفَة أَمِيرا ويملكوا الإصطبل والقلعة. فَأمْسك الْأَمِير صراي تمر نَائِب الْغَيْبَة من مماليكه خَمْسَة وَثَلَاثِينَ رجلا وَقبض الْأَمِير تكا على عشْرين وَقبض الْأَمِير مقبل أَمِير سلَاح على سَبْعَة. وَضرب الْجَمِيع فأقروا على جمَاعَة قبض مِنْهُم يُونُس من أُمَرَاء العشراوات وناصر البدري الأستادار وقطلوبك وفراج. وَنزل وَالِي الْقَاهِرَة حُسَيْن بن الكوراني والأمير قطلوبغا الْحَاجِب إِلَى الْحَار البيسرية بِالْقَاهِرَةِ وَبهَا أَخَوَات الْملك الظَّاهِر فأخفوا بيبرس ابْن أُخْت الظَّاهِر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 275 برقوق وأفحش حُسَيْن الْوَالِي فِي سبّ أَخَوَات الظَّاهِر وَبَالغ فِي إهانتهن وذم الظَّاهِر حَتَّى ألجأهن إِلَى الْخُرُوج حاسرات مَعَ الجنادرة يسحبن فِي طول الْقَاهِرَة حَتَّى قدم مرسوم نَائِب الْغَيْبَة بردهن من بَاب زويلة فَكَانَ هَذَا أعظم الْأَسْبَاب فِي هَلَاك حُسَيْن كَمَا يَأْتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَفِيه اسْتَقر عمر بن خطاب فِي ولَايَة المنوفية عوضا عَن مُحَمَّد بن العادلي. وَفِي ثَانِي عشره: قلعت الزِّينَة. وَفِيه نزل قطلوبغا الْحَاجِب وفتش البيسرية فَلم يجد فِيهَا أحدا من المماليك الظَّاهِرِيَّة فَدخل الْمدرسَة الظَّاهِرِيَّة برقوق وفتش سَائِر بيُوت فقهائها فَلم يجد أحدا فَقبض على رجلَيْنِ من التُّجَّار الْعَجم أَحدهمَا خواجاً إِسْمَاعِيل وعملهما فِي الْحَدِيد وَسَار بهما إِلَى القلعة. وَفِيه ألزم أَرْبَاب المراكب أَلا يعدوا بفرس من بر الجيزة إِلَى بر مصر والقاهرة. وَفِيه نُودي على الممالك الظَّاهِرِيَّة أَن من أحضر مِنْهُم مَمْلُوكا أَخذ ألفي دِرْهَم. وَأما الْملك الْمَنْصُور والأمير منطاش فَإِن الْأَخْبَار أتتهما بِأَن الْأَمِير كُمُشبغا لم يزل يبْعَث من حلب يمد الْملك الظَّاهِر بالعساكر والأزواد والآلات وَغير ذَلِك حَتَّى صَار لَهُ برك كَبِير ثمَّ إِنَّه قدم لنصرته بعساكر حلب وَقَاتل مَعَه فجد الْملك الْمَنْصُور من غَزَّة فِي الْمسير وَبلغ ذَلِك الْملك الظَّاهِر فَترك قتال أهل دمشق وَأَقْبل نحوهم فَنزل الْعَسْكَر الْمصْرِيّ على قَرْيَة المليحة - وهى عَن شقحب بِنَحْوِ بريد - وَأَقَامُوا بهَا يومهم. وبعثوا كشافتهم فوجدوا الظَّاهِر برقوق على شقحب فَكَانَ اللِّقَاء يَوْم الْأَحَد رَابِع عشره وَقد وافاهم الظَّاهِر برقوق فَوقف الْأَمِير منطاش فِي الميمنة وَحمل على ميسرَة الظَّاهِر فَحمل أَصْحَاب ميمنة الظَّاهِر على ميسرَة الْمَنْصُور وبذل كل من الْفَرِيقَيْنِ جهده وَكَانَت حروب شَدِيدَة انْهَزَمت فِيهَا ميمنة الظَّاهِر وميسرته وتبعهم منطاش بِمن مَعَه وَثَبت الظَّاهِر فِي الْقلب وَقد انْقَطع عَنهُ خبر أَصْحَابه وأيقن بِالْهَلَاكِ. ثمَّ حمل على الْمَنْصُور بِمن بَقِي مَعَه فَأخذ الْمَنْصُور والخليفة المتَوَكل والقضاة والخزاين ومالت الطَّائِفَة الَّتِي ثبتَتْ مَعَه على الأثقال فأخذتها عَن أَخّرهَا وَكَانَت شَيْئا يخرج عَن الْحَد فِي الْكَثْرَة وَوَقع الْأَمِير قُجماس ابْن عَم الظَّاهِر فِي قَبْضَة منطاش وَمر فِي أثر المنهزمين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 276 حَتَّى وصل إِلَى دمشق وَبهَا يَوْمئِذٍ الْأَمِير جَنتمُر أَخُو طاز فَقَالَ لَهُ: قد كسرنا برقوق وَفِي غَد يقدم الْملك الْمَنْصُور فَاخْرُج إِلَى ملاقاته. فَمشى ذَلِك عَلَيْهِ واستعد وَخرج فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ خَامِس عشره والأمير منطاش وَمن مَعَه. وَأما الظَّاهِر وَأَصْحَابه فَإِن الْأَمِير كُمشبغا نَائِب حلب كَانَ مِمَّن انهزم على شَقْحب فتم فِي الْهَزِيمَة إِلَى حلب وَتَبعهُ الْأَمِير حسام الدّين حسن الكجكني نَائِب الكرك وَمن بقى من عَسَاكِر حلب فاستولى عَلَيْهَا وَانْهَزَمَ أهل الكرك إِلَيْهَا فَلم يصلوا حَتَّى مرت بهم شَدَائِد. وَلم يتَأَخَّر مَعَ الظَّاهِر إِلَّا نَحْو الثَّلَاثِينَ وَقد تمزقت عساكره وعساكر مصر فَلم يقْصد إِلَّا الْمَنْصُور فَأَخذه بِمن مَعَه وجرح قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن أَبى الْبَقَاء الشَّافِعِي وقاضي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد بن الطرابلسي الْحَنَفِيّ. وسلب النِّهَايَة جَمِيع الْقُضَاة والمتعممين مَا عدا قَاضِي الْقُضَاة نَاصِر الدّين نصر الله الْحَنْبَلِيّ فَإِنَّهُ كَانَ لم يركب وَقت الْحَرْب فَسلم من النهب هُوَ وَولده برهَان الدّين إِبْرَاهِيم. وَقتل خلق كثير. وَمضى بدر الدّين مُحَمَّد بن فضل الله كَاتب السِّرّ وَأَخُوهُ عز الدّين حَمْزَة وجمال الدّين مَحْمُود نَاظر الْجَيْش وشمس الدّين مُحَمَّد بن الصاحب موقع الْإِنْشَاء وتاج الدّين عبد الرَّحِيم - ابْن الْوَزير فَخر الدّين بن أَبى شَاكر صَاحب ديوَان منطاش فِي طَائِفَة كَبِيرَة إِلَى دمشق. ووقف الظَّاهِر تَحت العصائب السُّلْطَانِيَّة والمنصور والخليفة بجانبيه فتلاحق بِهِ عدَّة من أَصْحَابه. وَبَات ليلته على ظهر فرسه. ووكل بالمنصور والخليفة من يحفظهما وَهُوَ فِي قتل من خَالفه وَلم من غَابَ من أَصْحَابه أَو أطاعه من عَسْكَر مصر حَتَّى أصبح فِي نَهَار يَوْم الِاثْنَيْنِ وَقد صَار فِي عَسْكَر كثيف. وَأَقْبل منطاش فِي عَالم كَبِير من عوام دمشق وعساكرها وَمن كَانَ مَعَه فدارت بَينه وَبَين الظَّاهِر فِي هَذَا الْيَوْم مُنْذُ شروق الشَّمْس إِلَى آخِره حروب لم يعْهَد بِمصْر وَالشَّام فِي هَذِه الأعصر مثلهَا وَبعث الله ريحًا ومطراً فِي وَجه منطاش وَمن مَعَه فَكَانَت من أكبر أَسبَاب خذلانه. وَلم تغرب الشَّمْس حَتَّى فني من الْفَرِيقَيْنِ خلق كثير من الفرسان والعامة. وَانْهَزَمَ منطاش إِلَى دمشق. وَعَاد الظَّاهِر إِلَى مَنْزِلَته فَأَقَامَ بهَا سَبْعَة أَيَّام. وعزت عِنْده الأقوات حَتَّى أبيعت البشماطة بِخَمْسَة دَرَاهِم فضَّة وأبيع الْفرس بِعشْرين درهما والجمل بِعشْرَة دَرَاهِم لِكَثْرَة الدَّوَابّ وَقلة الْعلف. ثمَّ طُلب من يَشْتَرِي الْجمال فَلم يُوجد وغنم أَصْحَاب الظَّاهِر أَمْوَالًا جزيلة اسْتغنى بِهِ مِنْهُم عدَّة بعد فَقرهمْ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 277 وَفِي أثْنَاء إِقَامَته أَمر الظَّاهِر فَجمع كل من مَعَه من الْأَعْيَان وَأشْهد على الْمَنْصُور حاجي أَنه خلع نَفسه وَحكم بِتِلْكَ الْقُضَاة. ثمَّ بُويِعَ الظَّاهِر وَأثبت الْقُضَاة بيعَته. فولى الظَّاهِر الْأَمِير فَخر الدّين إِيَاس الجرجاوي نِيَابَة صفد والأمير سيف الدّين قديد القَمطاي الكرك والأمير عَلَاء الدّين أقبغا الصَّغِير غَزَّة. ورحل الظَّاهِر فَأَتَاهُ عِنْد رحيله منطاش بعسكر الشَّام ووقف على بعد فاستعد الظَّاهِر إِلَى لِقَائِه فولى عَنهُ وَعَاد إِلَى دمشق. وَسَار الْملك الظَّاهِر عَن مَعَه يُرِيد ديار مصر وَبعث إِلَى غَزَّة يَأْمر مَنْصُور الْحَاجِب بِالْقَبْضِ على حسام الدّين حسن بن باكيش فَقبض عَلَيْهِ وَاسْتولى على غَزَّة. وَبعث بِابْن باكيش إِلَى السُّلْطَان الظَّاهِر برقوق فَضَربهُ بالمقارع وَهُوَ بالرملة. وَسَار الظَّاهِر إِلَى غَزَّة فَضَربهُ بهَا ضربا مبرحاً يَوْم دَخلهَا مستهل صفر. وَأما أَمر ديار مصر فَإِنَّهُ أشيع كسرة الظَّاهِر لمنطاش فِي رَابِع عشر الْمحرم يَوْم الْوَقْعَة. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الحسام أستادار الْأَمِير منطاش قَرَّرَهُ فِي ذَلِك الْأَمِير صراي تمر وخلع عَلَيْهِ. وَفِي خَامِس عشره: أفرج عَن الْأَمِير نَاصِر الدّين نَاصِر البدري وصُراي تمُر الشرفي وبييرس ابْن أُخْت الظَّاهِر فِي جمَاعَة أخر. وَفِيه قدم من الفيوم محْضر - يُقَال إِنَّه مفتَعل - بِأَن حَائِطا سقط على الْأُمَرَاء المحبوسين بالفيوم فَقَتلهُمْ وهم: تمُر باي الحسني وقرابغا الأبو بكري وطغاي تمر الجركتمري وَيُونُس الأسعردي وقازان السيفي وتنكز العثماني وأردبغا العثماني وَعِيسَى التركماني. وَفِي ثَانِي عشرينه: قدم الْمحمل والحاج وَكَانُوا ركباً وَاحِدًا. وَفِي خَامِس عشرينه: قدم سواق بكتب مزورة تَتَضَمَّن أَن الْملك الْمَنْصُور ملك دمشق وفر الظَّاهِر فدقت البشائر ثَلَاثَة أَيَّام وَعمل الْأَمِير حُسَيْن بن الكوراني وَلِيمَة عَظِيمَة وَأظْهر فَرحا زَائِدا فَلم يمش هَذَا على أَكثر النَّاس. وَفِي ثامن عشرينه: كثرت الإشاعات بكسرة منطاش واستيلاء الظَّاهِر على الْمَنْصُور والخليفة وَأَنه مُتَوَجّه إِلَى الْقَاهِرَة. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء أول صفر: قدم الْبَرِيد من غَزَّة وعَلى يَده كتاب مفتعل بِدُخُول الْمَنْصُور دمشق وهرب الظَّاهِر. هَذَا والفتنة قَائِمَة بَين الْأَمِير صُراي تمُر نَائِب الْغَيْبَة وَبَين الْأَمِير تكا الْمُقِيم بالقلعة وكل مِنْهُمَا ينافس الآخر ويحترز مِنْهُ حَتَّى اشْتهر هَذَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 278 وَاتفقَ أَن الْأُمَرَاء والمماليك الَّذين سجنوا بخزانة الْخَاص من القلعة زرعوا بصلاً فِي قصريتين فخار وسقوه فنجب بصل إِحْدَى القصريتين وَلم ينحب الآخر فَرفعُوا القصرية الَّتِي لم ينحب بصلها فَإِذا هِيَ مثقوبة من أَسْفَلهَا وتحتها حجر يخرج من شقوق مَا بَينه وَبَين حجر آخر هَوَاء ففكوا الطَّاقَة ورفعوه فوجدوا تحتَه خلوا فَمَا زَالُوا حَتَّى اتَّسع وأفضى بهم إِلَى سرداب مَشوا فِيهِ حَتَّى صعدوا الأشرفية من القلعة. وَكَانَ منطاش قد سد بَابهَا الَّذِي ينزل مِنْهُ إِلَى الإسطبل فَعَاد الَّذين مَشوا فِي السرادب وأعلموا أَصْحَابهم فَقَامُوا بأجمعهم - وهم نَحْو الْخَمْسمِائَةِ رجل - وَمَشوا فِيهِ لَيْلَة الْخَمِيس ثَانِي صفر. هَذَا وَقد ترأس عَلَيْهِم الْأَمِير بطا الطولوتمري وحاولوا بَاب الأشرفية حَتَّى فتحوه فثار بهم الحرس الموكلون بِحِفْظ الْبَاب وضربوا مَمْلُوكا يُقَال لَهُ تمربغا قَتَلُوهُ فبادر بطا ليخرج فضربوه ضَرْبَة سقط مِنْهَا إِلَى الأَرْض. ثمَّ قَامَ وَضرب بِقَيْد الرجل صرعه وفر الْبَقِيَّة فَصَرَخَ المماليك صرخة وَاحِدَة وَخَرجُوا وَقد جعلُوا قيودهم سِلَاحا يُقَاتلُون بِهِ وَصَارَ الحرس يصيحون فِي هروبهم تكا يَا مَنْصُور فانتبه الْأَمِير صريتمر فَزعًا وَهُوَ لَا يشك أَن تكا ركب عَلَيْهِ ليأخذه واستخفه الْفَزع فَنزل من الإسطبل وَصَارَ إِلَى بَيت الْأَمِير قطلوبغا الْحَاجِب - وَكَانَ قَرِيبا من الإسطبل فَملك بطا الإسطبل واحتوى على مَا فِيهِ من قماش صراي تمر وأثاثه وَقبض على المنطاشية وَأَفْرج عَن المعوقين بِهِ وَأخذ الْخُيُول الَّتِي كَانَت هُنَاكَ وَأمر فحقت الكوسات حَرْبِيّا من نَحْو ثلث اللَّيْل الأول إِلَى أَن أصبح النَّاس يَوْم الْخَمِيس فَرَمَاهُمْ الْأَمِير تكا من الرفرف وَالْقصر وساعده الْأَمِير مقبل أَمِير سلَاح ودمرداش القَشْتَمُري بيمن مَعَهم. هَذَا وَقد تسامعت المماليك الظَّاهِرِيَّة وَخَرجُوا من كل مَكَان وَلَحِقُوا ببطا وبعثوا بهم! خزانَة شمايل بِالْقَاهِرَةِ وكسروا بَابهَا وأخرجوا من كَانَ فِيهَا من المماليك الظَّاهِرِيَّة واليلبغاوية ويخربهم. وكسروا أَيْضا سجني الديلم والرحبة وأفرجوا عَن المسجونين. فخاف الْأَمِير حُسَيْن بن الكوراني وهرب. وَركب الْأَمِير صراي تمر والأمير قطلوبغا الْحَاجِب فِي جمع لقِتَال بطا وَأَصْحَابه فَنزل إِلَيْهِم وَقَاتلهمْ وَقد اجْتمع مَعَه من الْعَوام خلق كثير لمعاونته فخامر أَكثر من مَعَهُمَا وصاروا إِلَى بطا فانكسرا ودخلا إِلَى مدرسة حسن. فَلَمَّا رأى الْأَمِير تكا جمع بطا يزْدَاد وصُراي تمر قد انْكَسَرَ نزل من القلعة إِلَى الطبلخاناة وَرمى على بطا فَمضى طَائِفَة مِنْهُم وملكوا بَيت قطلوبغا الْحَاجِب ونقبوا مِنْهُ حَتَّى ملكوا الْمدرسَة الأشرفية ورموا على من فِي الطبلخاناة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 279 فَانْهَزَمُوا وملكوا الطبلخاناة وحاصروا مدرسة حسن وَكَانَ بهَا طَائِفَة من التركمان أعدهم منطاش لحفظها فسألوا الْأمان لشدَّة الرَّمْي عَلَيْهِم. بمكاحل النفط فَانْهَزَمَ عِنْد ذَلِك من كَانَ على بَاب القلعة من الرُّمَاة فسارت الظَّاهِرِيَّة إِلَى بيُوت الْأُمَرَاء ونهبوها وَالنَّاس فِي الْقَاهِرَة مَعَ هَذَا فِي أَمن لم يَقع بهَا نهب وَلَا شَرّ مَعَ عدم من يحميها. وَلم يمض النَّهَار حَتَّى تجَاوز عدد الظَّاهِرِيَّة الأ! ف وأمدهم نَاصِر الدّين نَاصِر - أستادار منطاش - بِمِائَة ألف دِرْهَم فضَّة وَأذن بطا لناصر الدّين مُحَمَّد بن العادلي أَن يتحدث فِي ولَايَة الْقَاهِرَة فَدَخلَهَا ونادى بالأمان وَالدُّعَاء للْملك الظَّاهِر برقوق فسر النَّاس سيروراً زَائِدا بِزَوَال الدولة المنطاشية. وَفِي بكرَة يَوْم الْجُمُعَة - ثالثه -: سلم الْأَمِير تكا قلعة الْجَبَل إِلَى الْأَمِير سودن النَّائِب. وَفِيه أَقَامَ الْأَمِير بطا منجك المنجكي فِي ولَايَة الْقَاهِرَة عوضا عَن ابْن العادلي فَدَخلَهَا ونادى بالأمان. وَفِيه نزل الْأَمِير سودن النَّائِب من قلعة الْجَبَل وَمَعَهُ تكا ودمرداش القَشْتَمري ومقبل السيفي إِلَى عِنْد الْأَمِير بطا فَقبض عَلَيْهِم وقيدهم. وَبَالغ فِي إكرام الْأَمِير سودن وَبَعثه إِلَى الْأَمِير صُراي تمر فَمَا زَالَ بِهِ حَتَّى كف عَن الرَّمْي. وَنزل هُوَ وقُطلوبُغا الْحَاجِب إِلَيْهِ فتكاثرت الْعَامَّة تُرِيدُ قتَلهما والأمير سودن يمنعهُم من ذَلِك أَشد الْمَنْع فَلم يلتفتوا إِلَيْهِ ورجوهما رجماً مُتَتَابِعًا كَاد يهْلك الْجَمِيع فاحتاجوا إِلَى الرَّمْي بالنشاب عَلَيْهِم وضربهم بِالسُّيُوفِ فَقتل مِنْهُم جمَاعَة. وَصَارَ سودن بهما وبمن كَانَ مَعَهُمَا إِلَى الإسطبل فقيدهما بطا وسجنهما وَأمر بِمن فِي الْمدرسَة من الْمُقَاتلَة فأنزلوا كلهم وأذهب الله الدولة المنطاشية من مصر. وَركب الْأَمِير سودن النَّائِب وَعبر إِلَى الْقَاهِرَة والمنادي بَين يَدَيْهِ يُنَادي بالأمان والاطمئنان وَالدُّعَاء للسُّلْطَان الْملك الظَّاهِر. وَبعث إِلَى خطباء الْجَوَامِع فدعوا فِي خطة الْجُمُعَة. وَفِيه أفرج الْأَمِير بطا عَن الْخَلِيفَة المخلوع زَكَرِيَّا وَالشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد الركراكي الْمَالِكِي وَسَائِر من كَانَ بالفلعة من المسجونين وتتبع المنطاشية. وَفِيه قدم أَحْمد بن شكير الْخَلِيل وأشاع فِي الْقَاهِرَة أَن الْملك الظَّاهِر قادم إِلَى الْقَاهِرَة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 280 وَقدم أَيْضا جلبان العيسوي الخاصكي وَأخْبر برحيل الْملك الظَّاهِر من غَزَّة يَوْم الْخَمِيس ثَانِي صفر فدقت البشائر وتخلق الظَّاهِرِيَّة بالزعفران. وَكتب بطا إِلَى السُّلْطَان يُخبرهُ بِمَا اتّفق لَهُم وَأَنَّهُمْ ملكوا ديار مصر وَأَقَامُوا الْخطْبَة باسمه واستولوا على القلعة والإسطبل وقبضوا على سَائِر الْأُمَرَاء المنطاشية. وبعثوا بِهِ الشريف عنان بن مغامس وَمَعَهُ أقبغا الطولو تمري الْمَعْرُوف باللكاش - أحد المماليك الظَّاهِرِيَّة - فسارا لَيْلَة السبت رابعه. وَفِيه اسْتَقر نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن ليلى فِي ولَايَة الْقَاهِرَة عوضا عَن منجك فَنزل الْقَاهِرَة بخلعته ونادى بالأمان وَالدُّعَاء للْملك الظَّاهِر وَكتب بطا إِلَى وُلَاة الْأَعْمَال بإحضار المنطاشية والإفراج عَن الظَّاهِرِيَّة وتجهيزهم إِلَى قلعة الْجَبَل. وَفِيه طلب الْأَمِير حُسَيْن بن الكوراني إِلَى الإسطبل. فَلَمَّا حضر أَرَادَ المماليك الظَّاهِرِيَّة قَتله لقبيح مَا فعله فيهم فشفع فِيهِ الْأَمِير سودن النَّائِب. وَفِيه قبض على ألطبغا الطازي كاشف الجيزية وَقَيده وَاسْتقر الْأَمِير مبارك شاه عوضه. وَفِي خامسه: خلع بطا على الْأَمِير حُسَيْن بن الكوراني وأعيد إِلَى ولَايَة الْقَاهِرَة وَأمره أَن يحصل المنطاشية كَمَا حصل الظَّاهِرِيَّة فَنَادَى: من أحضر مَمْلُوكا من الأشرفية أَو من مماليك منطاش فَلهُ كَذَا. وَفِيه قبض بطا على الْأَمِير قطلوبغا اللالا والأمير بيدمر شاد الْقصر والأمير بوري صهر منطاش والأمير صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن تنكز وسجنهم بالقلعة. وَفِيه حُصنت القلعة والإسطبل ومدرسة حسن ومدرسة الْأَشْرَف تحصيناً زَائِدا ورتب الرُّمَاة والمقاتلة والنفطية حَتَّى ظن النَّاس أَن بطا يمْنَع الْملك الظَّاهِر من القلعة وَكثر الْكَلَام فِي هَذَا. وَفِيه أَمر الْأَمِير بطا فَخر الدّين بن مكانس نَاظر الدولة بِعَمَل السماط بالإسطبل فَصَارَت الْأُمَرَاء والمماليك بأجمعهم تحضر السماط فِي كل يَوْم عِنْد الْأَمِير بطا ورتب لَهُم على الدولة اللحوم وَغَيرهَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 281 وَفِيه أفرج بطا عَن الصارم بن بلرغي وَالِي القلعة وَأَعَادَهُ إِلَى ولَايَته. وَفِيه قدم الْأَمِير سيف الدّين بن مُحَمَّد بن عِيسَى العائدي بِكِتَاب الْملك الظَّاهِر إِلَى الْأَمِير بطا بتجهيز الإقامات والإخبار بِمَا من الله عَلَيْهِ وَأَن يواصل الْأَخْبَار فِي كل يَوْم. وَفِي سادسه: حضر زيد بن عِيسَى العائدي وَأخْبر بتفصيل الْوَقْعَة. وَقدم الْبَرِيد من قطا بِكِتَاب الْمَالِك الظَّاهِر إِلَى الْأَمِير عَلَاء الدّين الطشلاقي وَالِي قطيا بِحِفْظ الدَّرْب وَالْقَبْض على من انهزم وإعلامه بالنصرة على منطاش وفراره. وكل هَذَا وَلم تطمئِن النُّفُوس وَلَا ارْتَفع الشَّك بل كَانَ بطا يخْشَى أَن يكون هَذَا من مكايد منطاش وَهُوَ ينْتَظر جَوَاب كِتَابه. وَفِي سابعه: اسْتَقر الْأَمِير بُطا بالصارم إِبْرَاهِيم الباشقردي فِي ولَايَة البهنسا عوضا عَن مُحَمَّد بن وَفِي ثامنه: اسْتَقر بالأمير بَكتمُر الطرخاني فِي ولَايَة الأكونين عوضا عَن أبي بكر بن بدر وَاسْتقر بِأَحْمَد السيفي فِي ولَايَة قوص. وَفِيه قدم أقبغا اللكاش وَقد ألبسهُ الْملك الظَّاهِر خلعة سنية شقّ بهَا الْقَاهِرَة وَكتب على يَده كتابا إِلَى الْأَمِير بطا فتحقق النَّاس نصْرَة السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر وَنُودِيَ فِي النَّاس بالأمان وَمن ظلم أَو قهر فَعَلَيهِ بالأمير بطا. وَفِيه قُبض على الْأَمِير حُسَيْن بن الكوراني وَقيد بِقَيْد ثقيل جدا ونهبت دَاره. وَاسْتقر الصارم عوضه فِي ولَايَة الْقَاهِرَة. وَفِي غده سلم إِلَى الصارم فَأَخذه فِي الْحَدِيد كَمَا تُؤْخَذ اللُّصُوص وضربه وعصره ثمَّ نقل من عِنْد الصارم الْوَالِي إِلَى الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أقبغا آص - شاد الدَّوَاوِين - فعاقبه أَشد الْعقُوبَة. وَفِي تاسعه: قدم الْبَرِيد بِكِتَاب السُّلْطَان إِلَى الْأُمَرَاء والمماليك بِالسَّلَامِ عَلَيْهِم فتزايدت مسرات النَّاس بنصرة الْملك الظَّاهِر وَكثر فَرَحهمْ حَتَّى قل بَيت لم يداخل أَهله السرُور بذلك. وَفِيه قدم تاني بك - الْمَعْرُوف بتنم الحسني - من الْإسْكَنْدَريَّة المتوجه برسالة بطا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَقد امْتنع نائبها من الإفراج عَن الْأُمَرَاء إِلَّا بِكِتَاب السُّلْطَان. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 282 وَفِيه ألزم الْفَخر بن مكانس نَاظر الدولة بتجهيز الإقامات السُّلْطَانِيَّة وتجهيز الشقق الْحَرِير وَفِيه قدم من دمياط الْأَمِير شيخ الصفوي وقُنُق باي السيفي ومقبل الرُّومِي الطَّوِيل وألطبغا العثماني وعبدون العلاي وطوجي الحسني وَأَرْبَعَة أخر. وَفِي عاشره: شدّ الْعَذَاب على حُسَيْن بن الكوراني وألزم بِمِائَة ألف دِرْهَم فضَّة وَمِائَة فرس وَمِائَة لبس حَرْبِيّ. وَفِي حادي عشره: اسْتَقر قطلو شاه - نَائِب وَالِي الجيزة - فِي ولَايَة الجيزة وَاسْتقر بوري القَلَنْجَقي فِي ولَايَة الفيوم وكشفها وكشف البهنساوية والأطفيحية عوضا عَن قرطاي التاجي. وَقدم الْبَرِيد بنزول السُّلْطَان إِلَى الصالحية فَخرج النَّاس إِلَى لِقَائِه. وَفِي ثَانِي عشره: ورد مرسوم السُّلْطَان على حُسَيْن بن الكوراني بِعَمَل شَيْء من الْأُمُور السُّلْطَانِيَّة ظنا أَنه مُسْتَمر على ولَايَة الْقَاهِرَة فَأمر الْأَمِير بطا بالإفراج عَنهُ فَخرج لسبيله. وَفِيه نُودي بزينة الْقَاهِرَة ومصر وظواهرهما فاهتم النَّاس فِي الزِّينَة وتناظروا فِي التفاخر بهَا رَغْبَة مِنْهُم فِي الدولة الظَّاهِرِيَّة حَتَّى لم نعهد زِينَة نظيرها. وَفِي ثَالِث عشره: نزل السُّلْطَان بالعكرشا قَرِيبا من سرياقوس. الْملك الظَّاهِر سيف الدّين أَبُو سعيد برقوق فِي بكرَة نَهَار يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع عشر صفر نزل الْملك الظَّاهِر بالريدانية خَارج الْقَاهِرَة فَخرج إِلَى لِقَائِه الْأَشْرَف مَعَ السَّيِّد على نقيب الْأَشْرَاف وَخرجت طوائف الْفُقَرَاء بصناجقها وَخرجت العساكر بلبوسها الحربية. وَكَانَت العساكر مُنْذُ خرج بطا وَأَصْحَابه لابسة السِّلَاح لَيْلًا وَنَهَارًا. وَخرجت الْيَهُود بِالتَّوْرَاةِ وَالنَّصَارَى بالإنجيل وَمَعَهُمْ شموع كَثِيرَة مشعلة. وَخرج من عَامَّة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 283 النَّاس رِجَالهمْ وَنِسَاؤُهُمْ مَا لَا يُحْصِيه إِلَّا الله وَعِنْدهم من الْفَرح وَالسُّرُور شَيْء زَائِد وهم يضجون بِالدُّعَاءِ للسُّلْطَان حَتَّى لقوه وَأَحَاطُوا بِهِ وَقد فرشت الشقق الْحَرِير من الترب إِلَى بَاب السلسة. فَلَمَّا وصل إِلَيْهَا تنحى بفرسه عَنْهَا وَقدم الْملك الْمَنْصُور حاجي بن الْأَشْرَف حَتَّى مَشى بفرسه عَلَيْهَا وَمَشى بجانبه فَصَارَ كَأَن الموكب للمنصور فَوَقع هَذَا من النَّاس موقعاً عَظِيما وَرفعُوا أَصْوَاتهم بِالدُّعَاءِ والابتهال لَهُ لتواضعه مَعَ الْمَنْصُور فِي حَال غلبته وقهره لَهُ وَأَنه مَعَه أَسِير وعد هَذَا من فضائله. وَصَارَت الْقبَّة وَالطير أَيْضا على رَأس الْمَنْصُور الْخَلِيفَة رَاكب بَين أَيْدِيهِمَا وقضاة الْقُضَاة بَين يَدي الْخَلِيفَة. فَإِذا تقدم الْفرس عَن شقة إِلَى أُخْرَى تناهبها الْعَامَّة من غير أَن يمنعهُم أحد. وَكَانَت الْعَادة أَن الشقق الْحَرِير لجمدارية السُّلْطَان لكنه قصد بفلك التحبب للعامة فَإِنَّهُ صَاحب كيد ودهاء. وَكَذَلِكَ لما نثر عَلَيْهِ الذَّهَب وَالْفِضَّة تناهبه الْعَامَّة. وعندما وصل إِلَى بَاب القلعة نزل عَن فرسه وَمَشى رَاجِلا تجاه فرس الْمَنْصُور - وَهُوَ رَاكب - حَتَّى نزل فَأخذ يعضده وأنزله فَحسن هَذَا مِنْهُ إِلَى الْغَايَة. وَأخذ فِي الْمُبَالغَة فِي تَعْظِيمه ومعاملته. مِمَّا يُعَامل بِهِ الْأُمَرَاء سلطانهم إِلَى أَن أدخلهُ دَاره بالقلعة ثمَّ تفرغ لشأنه. واستَدعى الْخَلِيفَة وَشَيخ الْإِسْلَام وقضاة الْقُضَاة وَأهل الدولة وَهُوَ بالإصطبل. وجدد عقد السلطنة وتجديد التَّفْوِيض الخليفتي فَشهد بفلك الْقُضَاة على الْخَلِيفَة ثَانِيًا وأفيضت التشاريف الخليفتية على السُّلْطَان ثمَّ أفيضت التشاريف السُّلْطَانِيَّة على الْخَلِيفَة. وَركب السُّلْطَان من الإصطبل وَصعد القلعة وتسلم قصوره وَقد عَاد إِلَيْهَا حرمه وجواريه فحقت البشائر. واستمرت التهاني والأفراح بالقلعة ودور الأمواء وَأهل الدولة وَنُودِيَ بالأمان وَالدُّعَاء للسُّلْطَان فسر النَّاس فِي هَذَا الْيَوْم مَسَرَّة كَبِيرَة جدا. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس عشره: خلع السُّلْطَان على الْفَخر عبد الرَّحْمَن بن مكانس نَاظر خلعة الدولة خلعة الِاسْتِمْرَار. واستدعى كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن عبد الْعَزِيز صَاحب ديوَان الجيوش وَاسْتقر بِهِ فِي نظر الْجَيْش عوضا عَن جمال الدّين مَحْمُود العجمي القيصري. وخلع على الْوَزير الصاحب موفق الدّين أَبى الْفرج وَاسْتقر بِهِ فِي الوزارة وَنظر الْخَاص. وَخرج الْبَرِيد إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة بإحضار الْأُمَرَاء المسجونين بهَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 284 وَفِي سادس عشره: خلع على الامير حسام الدّين حُسَيْن بن الكورني وعَلى الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أقبغا آص شاد الدَّوَاوِين خلعة الِاسْتِمْرَار. وأنعم على الْأَمِير بُطا بإمرة مائَة وَعين للدوادارية. وَاسْتقر الْأَمِير قرقماس الطشتمري أستاداراً. وَاسْتقر شمس الدّين مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز فِي صحابة ديوَان الْجَيْش. وَفِي سَابِع عشره: وصل الْأُمَرَاء من الْإسْكَنْدَريَّة إِلَى بر الجيزة فَبَاتُوا بِهِ وعدوا فِي ثامن عشره إِلَى القلعة وهم سَبْعَة عشر أَمِيرا: يلبغا الناصري وألطبغا الجوباني وألطبُغا الْمعلم وقرا دمرداش الأسعدي وَأحمد بن يلبغا الْعمريّ وقُرْدُم الحسني وسودُن بَاقٍ وسودُن الطُرنطاي وأقبغا المارداني وأقبغا الْجَوْهَرِي وكَشْلي القلمطاوي وبَجَاس النوروزي ومأمور القلمطاوي وألطُنبُغا الأشرفي ويُلبغا المنجكي وَيُونُس العثماني وألابغا العثماني فقبلوا الأَرْض وعادوا إِلَى مَنَازِلهمْ من غير أَن يُؤَاخذ أحد مِنْهُم بِفِعْلِهِ فعد هَذَا من جميل الْأَفْعَال. وَفِي تَاسِع عشره: أُعِيد الشريف جمال الدّين عبد الله الطاطبي إِلَى نقابة الْأَشْرَاف وَصرف الشريف عَليّ. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ عشرينه: جلس السُّلْطَان بالإيوان الْمَعْرُوف بدار الْعدْل من القلعة فِي الموكب السلطاني وَحضر أهل الدولة للْخدمَة على الْعَادة فأخلع على الْأَمِير سودن الفخري الشيخوني وَاسْتقر نَائِب السلطنة على عَادَته وعَلى الْأَمِير كُمشبغا الأشرفي الخاصكي وَاسْتقر أَمِير مجْلِس. وعَلى الْأَمِير إينال اليوسفي وَاسْتقر أَمِيرا كَبِيرا أتابك العساكر. وعَلى الْأَمِير يلبغا الناصري وَاسْتقر أَمِير سلَاح. وعَلى الْأَمِير الجوباني وَاسْتمرّ رَأس نوبَة النوب. وعَلى الْأَمِير بطا وَاسْتقر دواداراً. وعَلى الْأَمِير طوغان الْعمريّ وَاسْتقر أَمِير جاندار. وعَلى الْأَمِير سودن النظامي وَاسْتقر وَالِي القلعة فَكَانَ يَوْمًا عَظِيما. وَفِي حادي عشرينه: أُعِيد نجم الدّين مُحَمَّد الطنبدي إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة وَصرف سراج الدّين عمر العجمي وَاسْتقر الْأَمِير بَكْلَمش العلاي أَمِير أخور وَسكن بالإسطبل السلطاني. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشرينه: قرئَ عهد السُّلْطَان بدار الْعدْل وخلع على الْخَلِيفَة المتَوَكل على الله وَكَانَ حَاضر الْقِرَاءَة. وَفِيه اسْتَقر عَلَاء الدّين على بن عِيسَى المقيري الكركي فِي كِتَابَة السِّرّ عوضا عَن بدر الدّين مُحَمَّد بن فضل الله. وَاسْتقر الْأَمِير سيف الدّين بدخاص السودوني - نَائِب صفد - حاجباً ثَانِيًا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 285 وَفِي رَابِع عشرينه: قدم من دمياط جماعةُ محْتَفظ بهم كَانَ منطاش بَعثهمْ فِي بدر الْملح من جِهَة طرابلس - قبل وقْعَة شقحب - إِلَى غَزَّة خوفًا من أَخذهم فِي الْبر حَتَّى إِذا وصلوا غَزَّة ركبُوا الْبَرِيد إِلَى الْقَاهِرَة وَمَعَهُمْ كتب بقتل الْأُمَرَاء المسجونين عَن أخرهم. فَلَمَّا وصلوا غَزَّة بَلغهُمْ نصْرَة السُّلْطَان فَسَارُوا فِي الْبَحْر يُرِيدُونَ طرابلس فألقاهم الرّيح بدمياط فسجنوا. وَفِي سادس عشرينه: قبض على حُسَيْن بن الكورا وعُذب. وَفِيه عرض السُّلْطَان المماليك. وَفِيه قدم الْبَرِيد من صفد بفرار الْأَمِير طُغاي تمر القبلاوي من دمشق إِلَى حلب فِي مِائَتَيْنِ من المنطاشية. وَقدم مِنْهُم إِلَى صفد ثَلَاثمِائَة مَمْلُوك وَشَكوا من سوء حَال أهل دمشق بمنطاش. وَفِي سَابِع عشرينه: اسْتَقر الْأَمِير جمال الدّين مَحْمُود بن على الأستادار مشير الدولة. وَفِيه سلم الصاحب كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن مكانس إِلَى الْأَمِير بَكْلمش أَمِير أخور فَضَربهُ بالمقارع وألزمه. مِمَّا أَخذ من دواوينه فِي أَيَّام الناصري وَأطْلقهُ بعد مَا ضمن عَلَيْهِ. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشرينه: جلس السُّلْطَان بالميدان تَحت القلعة للنَّظَر فِي الْمَظَالِم وَالْحكم بيِن النَّاس على عَادَته فهرع النَّاس إِلَيْهِ وَأَكْثرُوا من الشكايات فَكثر خوف الأكابر وفزعهم وترقب كل مِنْهُم أَن يشتكي إِلَيْهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 286 وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس ربيع الأول: قدم الْأَمِير أَسْبُغا التاجي وَنَحْو الْعشْرين مَمْلُوكا وَمَعَهُمْ عدَّة من المباشرين فروا من دمشق. وَفِي حادي عشره: هرب كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن مكانس عِنْدَمَا طلب فَلم يُوقف لَهُ على خبر فَأخذ كثير من أَقَاربه وحواشيه وَقبض على أَخَوَيْهِ فَخر الدّين عبد الرَّحْمَن نَاظر الدولة وزين الدّين نصر الله. وَفِي ثَانِي عشره: اسْتَقر نور الدّين عَليّ بن عبد الْوَارِث الْبكْرِيّ فِي حسبَة مصر عوضا عَن همام الدّين. وَفِي ثامن عشره: اسْتَقر شمس الدّين مُحَمَّد الركراكي فِي قَضَاء الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة عوضا عَن تَاج الدّين بهْرَام الْحِمْيَرِي. وَفِيه اسْتَقر سعد الدّين أَبُو الْفرج بن تَاج الدّين مُوسَى - الْمَعْرُوف بِابْن كَاتب السَّعْدِيّ - فِي نظر الْخَاص عوضا عَن صَاحب موقف الدّين وَانْفَرَدَ الْمُوفق أَبُو الْفرج بالوزارة. وَفِيه عزل شرف الدّين مُحَمَّد بن الدمامني عَن حسبَة الْإسْكَنْدَريَّة بِجَمَال الدّين بن خلاص. وَنقل الشَّيْخ عَلَاء الدّين عَليّ بن عُصْفُور الشَّامي الْمكتب من توقيع الدرج إِلَى توقيع الدست. وَفِي خَامِس عشرينه: اسْتَقر الْأَمِير عَلَاء الدّين ألطبغا الجوباني - رَأس نوبَة النوب - فِي نِيَابَة دمشق والأمير سيف الدّين قرا دمرداش الأسعدي نَائِب طرابلس ورسم لَهما بمحاربة منطاش. وَاسْتقر عَلَاء الدّين عَليّ الكركي كَاتب السِّرّ فِي نظر الْمدرسَة الظَّاهِرِيَّة المستجدة وَفِي ثامن عشرينه: طلب الصاحب كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن الغنام وفخر الدّين عبد الرَّحْمَن بن مكانس إِلَى الْقصر السلطاني وَضَربا بالمقارع فَضرب ابْن الغنام سَبْعَة شيوب وَضرب ابْن مكانس نَحْو الْخمسين شيباً. وَفِي يَوْم السبت أول ربيع الآخر: اسْتَقر الْأَمِير مَأْمُور القلمطاوي فِي نِيَابَة حماة وأرغون العثماني فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة وألابغا العثماني حَاجِب الْحجاب بِدِمَشْق وأسندَمُر السيفي حَاجِب الْحجاب بطرابلس. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 287 وَفِيه أنعم على كل من: ألطبغا الأشرفي وسودُن بَاقٍ وبجْمان المحمدي بإمرة فِي دمشق ورسم أَن يخرجُوا مَعَ النواب. وَفِي ثالثه: اسْتَقر شرف الدّين مَسْعُود فِي قَضَاء الْقُضَاة بِدِمَشْق عوضا عَن شهَاب الدّين أَحْمد بن عمر الْقرشِي. وَفِي رابعه: اسْتَقر الشريف عنان بن مغامس الحسني شَرِيكا لعَلي بن عجلَان فِي إِمَارَة مَكَّة. وَفِي ثامنه: اسْتَقر جمال الدّين عبد الله السكسيوي المغربي فِي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق. وَفِي عاشره: قدم جمَاعَة من المنطاشية فارين من دمشق. وَفِي سادس عشره: قبض على الْوَزير موفق الدّين أَبُو الْفرج. وَفِي سَابِع عشره: اسْتَقر فِي الوزارة سعد الدّين سعد الله بن البقري وَاسْتقر الصاحب علم الدّين عبد الْوَهَّاب سنّ إبرة فِي نظر الدولة بمفرده عوضا عَن الْفَخر ابْن مكانس وشمس الدّين بن الرويهب. وَفِي ثامن عشره: عُوقِبَ الصاحب موفق الدّين أَبُو الْفرج. وَفِي عشرينه: اسْتَقر تَاج الدّين عبد الله بن الصاحب سعد الدّين سعد الله بن البقري فِي نظر الْبيُوت مَعَ مَا بِيَدِهِ من اسْتِيفَاء الصُّحْبَة. وَفِي رَابِع عشرينه: قبض على الْأَمِير يدكار الْعمريّ وسُربغَا الظَّاهِرِيّ وتلَكتمُر الموادار وطاش بغا الحسني وقرا بُغا وأرغون الزيني. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير الدّين جُلْبان الكمشبغاوى رَأس نوبَة كَبِيرا عوضا عَن حسن خجا بعد وَفَاته. وَفِي خَامِس عشرينه: قدم الْبَرِيد بِأَن تجريدة خرجت من دمشق المحاصرة صفد مَعَ الْأَمِير قطلوبغا الصفوي فَدَخَلُوا بأجمعهم فِي الطَّاعَة وتوجهوا إِلَى مصر فدق البشائر بالقلعة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 288 وَفِي سَابِع عشرينه: اسْتَقر الْحَاج عبيد بن مُحَمَّد بن عبد الْهَادِي الهويدي نقيب الجوندارية فِي مُقَدّمَة الدولة عوضا عَن الْمُقدم عبيد البازدار شَرِيكا للمقدم ثُنيتين وَلبس عبيد البزدار وَفِيه قتل ابْن سبع الَّذِي كَانَ شهد عَلَيْهِ بالْكفْر قَتله بعض عبيده بالحمام فأوقع الْأَمِير قرقماس الأستادار الحوطة على موجوده فَوجدَ لَهُ من النَّقْد ألف ألف وَسِتُّونَ ألف دِرْهَم مَا بَين ذهب وَفِضة وفلوس وَوجد لَهُ من الْجمال وَالْبَقر والجاموس والأغنام ثَمَانُون ألف رَأس غير عدَّة دواليب. وَفِيه خلع على الْأَمِير يلبغا الناصري وَاسْتقر مقدم العساكر المتوجهة لقِتَال منطاش وخلع على نواب الشَّام خلع السّفر وأنعم على جمَاعَة بإمريات فِي الشَّام ورسم لجَماعَة من أُمَرَاء مصر للسَّفر مَعَ النواب وألزم من لَهُ إقطاع فِي شَيْء من بِلَاد الشَّام بِالسَّفرِ مَعَ الْعَسْكَر. وَفِي عاشره: برزت أطلاب نواب الشَّام والأمراء إِلَى الريحانية خَارج الْقَاهِرَة. وَفِي ثَالِث عشره: قدم الْأَمِير قطلوبغا الصفوي. بِمن مَعَه فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَفِيه قدم الْبَرِيد من صفد بِأَن منطاش لما بلغه مخامرة الصفوي وَمن مَعَه قبض على الْأَمِير جنتمر أخي طاز وَولده وألطبغا أستاداره أَحْمد بن جرجي وَأحمد بن جبجق وكمشبغا المنجكي نَائِب بعلبك وشهاب الدّين أَحْمد بن عمر الْقرشِي قَاضِي دمشق وعَلى عدَّة من الْأُمَرَاء والأعيان وَا ن طرنطاي بن ألجاي قدم فِي سبعين فَارِسًا إِلَى صفد رَاغِبًا فِي الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة. وَفِيه قدم زِيَادَة على عشْرين من مماليك الْأَمِير يلبغا الناصري فارين من دمشق. وَقدم الْبَرِيد بِأَن منطاش أَخذ بعلبك بعد أَن حاصرها مُحَمَّد بن بيدمر أَرْبَعَة أشهر وَأَنه وسط ابْن حَنش وَأَرْبَعَة مَعَه. وَفِي ثَانِي عشرينه: توجه الشريف عنان إِلَى مَكَّة وَقد استخدم عدَّة أتراك. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 289 وَفِي ثامن عشرينه: ألزم شمس الدّين مُحَمَّد الدَّمِيرِيّ نَاظر الأحباس بِعَمَل حِسَاب الْأَمِير قجماس ابْن عَم الظَّاهِر فَإِنَّهُ كَانَ شَاهد ديوانه. وَفِي تَاسِع عشرينه: اسْتَقر الْأَمِير جمال الدّين مَحْمُود بن على المشير فِي أستادارية السُّلْطَان على عَادَته عوضا عَن الْأَمِير قرقماس بعد وَفَاته. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء أول جُمَادَى الأولى: قدم الْبَرِيد من صفد بنزول إِبْرَاهِيم بن دُلغادر بجمائع التركمان على حلب وَأَنه كسر تمان تمر الأشرفي. وَفِي ثَانِيه: قدم رَسُول الْأَمِير مُحَمَّد شاه بن بيدَمُر مترامياً على السُّلْطَان يسْأَله الْعَفو عَنهُ فَأُجِيب إِلَى ذَلِك وجُهز إِلَيْهِ أَمَان وتشريف. وَفِي ثامنه: قدم الْبَرِيد من صفد بِأَن الْأَمِير قَشتمر الأشرفي حضر على عَسْكَر من قبل منطاش فقاتله أهل صفد فانكسروا مِنْهُ ثمَّ إِن جمَاعَة من المنطاشية حَضَرُوا إِلَى صفد طائعين وقاتلوا مَعَ عَسْكَر صفد فَأنْكر قَشْتمُر وقُتل كثير مِمَّن مَعَه وَأخذت أثُقالهم. وَفِي ثَانِي عشره: عزل شمس الدّين مُحَمَّد الدَّمِيرِيّ عَن نظر الأحباس وَاسْتقر عوضه القَاضِي تَاج الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد المليجي. وَفِيه اسْتَقر تَاج الدّين بن الرَّمْلِيّ فِي نظر الْأَسْوَاق. وَفِي رَابِع عشره: أنعم على الْأَمِير قطلوبغا الصفوي بإمرة مائَة وتقدمة ألف عوضا عَن الْأَمِير قرقماس الطَشْتَمُري وأنعم بإقطاعه على الْأَمِير سودن الطرنطاي. وَفِي سادس عشره: قدم الْبَرِيد من صفد بِأَن نواب الممالك لما وصلت بالعساكر إِلَى بحيرة قَلسَ حضر إِلَيْهِم ولد الْأَمِير نُعير وعدة من الْأُمَرَاء المنطاشية. وَفِي سَابِع عشره: قدم الْبَرِيد من دمشق بِأَن منطاش لما بلغه قدوم العساكر برز من دمشق وَأقَام بقبة يلبغا ثمَّ رَحل نصف لَيْلَة الْأَحَد ثَالِث عشر جُمَادَى الْآخِرَة بخواصه وهم نَحْو الستمائة فَارس وَمَعَهُ نَحْو السّبْعين حملا مَا بَين ذهب ودراهم وقماش وَتوجه نَحْو قارا والنبك بعد أَن قتل المماليك الظَّاهِرِيَّة والأمير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن المهمندار وَأَن الْأَمِير الْكَبِير أيتمش خرج من سجنه بقلعة دمشق وَأَفْرج عَمَّن بهَا وَملك القلعة وَبعث إِلَى النواب يعلمهُمْ وسير كِتَابه إِلَى السُّلْطَان بذلك فَسَار النواب إِلَى دمشق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 290 وملكوها بِغَيْر حَرْب ففرح السُّلْطَان فَرحا زَائِدا وتخلق الْأُمَرَاء وَأهل الدولة وَنُودِيَ بذلك فِي الْقَاهِرَة ومصر وَأَن تزين الْأَسْوَاق وَغَيرهَا. ودقت البشائر ثَلَاثَة أَيَّام بالقلعة وتباهى النَّاس فِي تَحْسِين الزِّينَة إِلَى الْغَايَة وأقامت الْقَاهِرَة ومصر مزينتين عشرَة أَيَّام. وَفِي تَاسِع عشره: قدم الْبَرِيد من دمشق بِثَلَاثَة عشر سَيْفا من سيوف الْأُمَرَاء المنطاشية الَّذين قبض عَلَيْهِم بِدِمَشْق. وَفِي حادي عشرينه: قدم الْبَرِيد بِثمَانِيَة سيوف أَيْضا. وَفِيه أَمر النَّاس بتقوية الزِّينَة فبالغوا فِيهَا ونصبوا عدَّة قلاع تزيد على عشْرين قلعة وَكثر اللّعب وتوالت الأفراح وَأنْفق النَّاس مَالا كَبِيرا. وَفِيه قدم أَيْضا الْبَرِيد بسبعة سيوف مِنْهُم سيف الْأَمِير ألطنبغا الْحلَبِي وَسيف الْأَمِير دمرداش اليوسفي. وَذَلِكَ أَن منطاش كَانَ قد بعث بإحضْار عَسْكَر طرابلس لِيُقَاتل بهم العساكر المصرية فَقَبْل حُضُور عَسْكَر طرابلس فر من دمشق وَقدم الْعَسْكَر بعد ذَلِك من غير أَن يعلم بفراره فَقبض عَلَيْهِ بِكَمَالِهِ. وَفِي ثَانِي عشرينه: قدم الْبَرِيد بِأَن الْأَمِير مُحَمَّد بن أينال اليوسفي حضر إِلَى الطَّاعَة بِدِمَشْق وَمَعَهُ من عَسْكَر منطاش نَحْو المائتي فَارس وَأَن منطاش توجه إِلَى الْأَمِير نعير وَمَعَهُ عنقًا بن شطى أَمِير آل مرا. وَفِي ثَالِث عشرينه: قدم الْبَرِيد بِأَن الْأَمِير نعير بن حيار قبض على منطاش فزينت القلعة ودقت البشائر ثمَّ تبين كذب هَذَا الْخَبَر. وَفِي سَابِع عشرينه: حضر الْأُمَرَاء الْمَقْبُوض عَلَيْهِم بِدِمَشْق وهم أرسلان اللفاف وقرا دمرداش وألطنبغا الجربغاوي وطنبرق رَأس نوبَة منطاش وأسنبغا الأرغون شاهي. فأفرج عَن أسنبغا وحُبس الْبَقِيَّة. وَفِي تَاسِع عشرينه: قُلِعت الزِّينَة. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي رَجَب: قدم عماد الدّين أَحْمد بن عِيسَى قَاضِي الكرك وَقد خرج الْأَعْيَان إِلَى لِقَائِه وَصعد إِلَى القلعة فَقَامَ السُّلْطَان عِنْد رُؤْيَته وَمَشى إِلَيْهِ وعانقه وَأَجْلسهُ وتحادثا سَاعَة. وَنزل إِلَى دَار أعدت لَهُ بِالْقَاهِرَةِ. وَفِيه أُخذ قاع النّيل فجَاء خَمْسَة أَذْرع وَثَمَانِية أَصَابِع. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 291 وَفِي ثَانِي عشره: حضر من دمشق بدر الدّين مُحَمَّد بن فضل الله الْعمريّ كَاتب السِّرّ وجمال الدّين مَحْمُود القيصري نَاظر الجيوش وَنزلا فِي بيوتهما من غير أَن يجتمعا بالسلطان. وَفِي ثَالِث عشره: اسْتَقر عماد الدّين أَحْمد بن عِيسَى الكركي فِي قَضَاء الْقُضَاة بديار مصر عوضا عَن بدر الدّين مُحَمَّد أَحْمد بن أبي الْبَقَاء وَنزل بالتشريف فِي موكب جليل إِلَى الْغَايَة. وَفِي رَابِع عشره: اسْتَقر عَلَاء عَليّ بن الطبلاوي شاد المارستان المنصوري فِي ولَايَة الْقَاهِرَة عوضا عَن الصارم وَاسْتقر علم الدّين سُلَيْمَان وَالِي القرافة فِي ولَايَة مصر عوضا عَن مُحَمَّد بن مُغلطاوي. وَفِي سادس عشره: دَار الْمحمل على الْعَادة فحجب الْوَزير الصاحب سعد الدّين سعد الله بن البقري قَاضِي الْقُضَاة عماد الدّين أَحْمد الكركي لخصوصيته بالسلطان وَلم تكن الْعَادة إِلَّا أَن الْوَزير يكون هُوَ صَاحب الموكب والقضْاة بَين يَدَيْهِ. وَفِيه اسْتَقر شرف الدّين مُوسَى بن الْعِمَاد أَحْمد بن عِيسَى فِي قَضَاء الكرك عوضا عَن أَبِيه. وَفِيه قدم الْبَرِيد من حلب بِأَن الْأَمِير كمشبغا الْحَمَوِيّ لما انهزم من شقحب دخل حلب وَأقَام بهَا فَجهز إِلَيْهِ منطاش من دمشق - بعد توجه السُّلْطَان إِلَى ديار مصر - عسكراً عَلَيْهِ الْأَمِير تمانُ تمُر الأشرفي فَدخل إِلَيْهِ وَاجْتمعَ عَلَيْهِ أهل بانقوسا وَقد امْتنع كُمُشبغا بالقلعة فحصره تمان تمر أَرْبَعَة أشهر وَنصف وأحرق الْبَاب والجسر ونقب القلعة من ثَلَاثَة مَوَاضِع فَنقبَ كُمشبغا أحد النقوب حَتَّى خرقه وَرمى على المقاتة من دَاخل النقب بمكاحل النفط واختطفهم بالكلاليب الْحَدِيد وَصَارَ يقاتلهم من النقب فَوق السّبْعين يَوْمًا وَهُوَ فِي ضوء الشمع بِحَيْثُ لَا ينظر شمسا وَلَا قمرا وَلَا يعرف اللَّيْل من النَّهَار إِلَى أَن بلغ تمان تمر فرار منطاش من دمشق فضعف وفر فثار عَلَيْهِ أهل بانقوسا ونهبوه. وَحضر حجاب حلب إِلَى الْأَمِير كمشبغا وأعلموه بذلك فعمر الجسر فِي يَوْم وَاحِد وَنزل وَقَاتل أهل بانقوسا يَوْمَيْنِ وَقد أَقَامُوا رجلا يعرف بِأَحْمَد بن الحرامي. فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الثَّالِث وَقت الْعَصْر انْكَسَرَ أَحْمد بن الحرامي وقُبض عَلَيْهِ وعَلى أَخِيه وَنَحْو الثَّمَانمِائَة من الأتراك والأمور والبانقوسية فوسطوا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 292 بأجمعهم وَخَربَتْ بانقوسا حَتَّى صَارَت دكا وَنهب جَمِيع مَا كَانَ بهَا وَأَن كمشبغا بَالغ فِي تحصين حلب وَعمارَة قلعتها وَأعد بهَا مُؤنَة عشر سِنِين. وَأَنه جمع من أهل حلب مبلغ ألف ألف دِرْهَم وَعمر سور مَدِينَة حلب وَكَانَ مُنْذُ خربه هولاكو خراباً فجَاء فِي غَايَة الإتقان وعَمَل لَهُ بَابَيْنِ وَفرغ مِنْهُ فِي نَحْو الشَّهْرَيْنِ وَبَعض الثَّالِث وَكَانَ أَكثر أهل حلب تعْمل فِيهِ وَا ن الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن المهمندار والأمير طُغنجي نَائِب دوركي كَانَ لَهما بلَاء كَبِير فِي الْقِتَال لأهل بانقوسا. وَيُقَال إِنَّه قتل فِي هَذِه الْوَاقِعَة بحلب عشرات الآلاف من النَّاس حَيْثُ لم يُمكن عدهم لكثرتهم. وَفِيه أُلزم أَمِير حَاج بن مغُلطاي بِلُزُوم بَيته بطالاً. وَفِي ثامن عشره: خرج الْبَرِيد بإحضار الْأَمِير كمشبغا من حلب. وَفِيه قدم الْأَمِير طغاي تمر القبلاوي نَائِب حماة. وَفِيه كثرت القالة بِأَن الْأَمِير بطا الدوادار يُرِيد إثارة فتْنَة فتحرز الْأُمَرَاء وَأَعدُّوا للحرب إِلَى أَن كَانَ يَوْم الِاثْنَيْنِ: عشرينه جلس السُّلْطَان بدار الْعدْل على الْعَادة وَصَارَ بعد انْقِضَاء الْخدمَة إِلَى الْقصر وَمَعَهُ الْأُمَرَاء فَتقدم الْأَمِير بطا وَقَالَ للسُّلْطَان: قد سَمِعت مَا قيل عني وَهَا أَنا وَحل سَيْفه وَعمل فِي عُنُقه منديلا كالمستسلم للْمَوْت فشكره السُّلْطَان وَسَأَلَ الْأُمَرَاء عَمَّا ذكره الْأَمِير بطا وَأظْهر إِنَّه لم يسمع شَيْئا من ذَلِك فَذكرُوا أَن الْأَمِير كُمشبغا رَأس نوبَة تنافس مَعَ الْأَمِير بَكْلَمش أَمِير أخور وَجرى أَيْضا بَين الْأَمِير بطا والأمير مَحْمُود الأستادار مخاشنة فأشاع النَّاس مَا أشاعوا فَجَمعهُمْ السُّلْطَان وحلفهم وَحلف المماليك أَيْضا وَطيب خواطر الْجَمِيع بلين كَلَامه ودهائه. وأحضر مَمْلُوك اتهمَ أَنه هُوَ الَّذِي أشاع الْفِتْنَة فَضرب ضربا مبرحاً وَسمر على جمل وَشهر ثمَّ سجن بخزانة شمايل فَلم يعرف لَهُ خبر. وَقبض على بَكْبُغا - أحد العشراوت - وَسمر وَشهر أَيْضا وَنُودِيَ عَلَيْهِ هَذَا جَزَاء من يَرْمِي الْفِتَن بَين الْأُمَرَاء. فسكنت الْفِتْنَة بعد أَن كَادَت الْحَرْب أَن تقوم. وَفِيه قدم الْبَرِيد بِأَن منطاش ونعيرا جمعا جمعا كَبِيرا من العربان والأشفية والتركمان وَسَارُوا لمحاربة النواب فَخرج الْأَمِير يلبغا الناصري والأمير ألطبغا الجوباني بالعساكر من دمشق إِلَى سليمَة. وَفِي حادي عشرينه: قدم الْبَرِيد من طرابلس بِأَن ابْن أَيْمَان التركماني توجه إِلَى طرابلس من قبل منطاش فِي ثَمَانِيَة آلَاف فَارس، وحاصرها حَتَّى ملكهَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 293 وَفِي سلخه: رسم لأمير حَاج بن مغلطاي بِالْمَشْيِ فِي الْخدمَة مَعَ الْأُمَرَاء فواظب الرّكُوب للْخدمَة. وَفِيه نفي تنكز بغا السيفي - كاشف التُّرَاب بالبهنسا - إِلَى قوص وَفِي ثَانِي شعْبَان: اجْتمع البَيْدَمُرية والطازية والجنتمرية فِي طوائف من الْعَامَّة بِدِمَشْق يُرِيدُونَ أَخذهَا فسرح الْأَمِير الْكَبِير أيتمش الطَّائِر من القلعة إِلَى سليمَة يعلم الْأَمِير يلبغا الناصري بذلك فَركب لَيْلًا فِي طَائِفَة من الْعَسْكَر وَقدم دمشق وَقَاتلهمْ وَمَعَهُ ألابغا العثماني حَاجِب الْحجاب بِدِمَشْق فَقتل بَينهمَا خلق كثير من الأتراك والعوام وكسرهم وَقبض على جمَاعَة ووسطهم تَحت قلعة دمشق وَحبس جمَاعَة وَقطع أَيدي سَبْعمِائة رجل وَعَاد إِلَى سليمَة. وافترقت جمائع منطاش وعساكر الشَّام ثَلَاث فرق وَتَوَلَّى الْأَمِير يلبغا الناصري محاربة الْأَمِير نعير فَكَسرهُ وَقتل جمعا من عربانه وَركب قفا نعير إِلَى مَنَازِله. وَحَارب الْأَمِير قرا دمرداش منطاش وَمن مَعَه من التركمان فَضرب كل مِنْهُمَا الآخر فَوَقَعت الضَّرْبَة بكتف منطاش جرحته وَقطعت أَصَابِع قرا دمرداش. وخامر جمَاعَة من الأشرفية على منطاش وصاروا فِي جملَة الْأَمِير ألطبغا الجوباني فَأحْسن إِلَيْهِم وقربهم فَلَمَّا وَقعت الْحَرْب اتّفق الأشرفية المذكورون مَعَ بعض مماليكه وقتلوه وقبضوا على الْأَمِير مَأْمُور ووسطوه وَقتلُوا الْأَمِير أَقْبُغا الْجَوْهَرِي وعدة من الْأُمَرَاء فَكَانَت حروباً شَدِيدَة قتل فِيهَا بَين الفرف الثَّلَاث خلق لَا يُحْصى عَددهمْ إِلَّا خالقهم - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - ونهبت الْعَرَب والعشير جَمِيع مَا كَانَ مَعَ العسكرين. وَقدم الْبَرِيد بذلك فِي ثامنه وَأَن منطاش انْكَسَرَ فَأَقَامَ الأشرفية بدله ألطبغا الأشرفي. فَحَضَرَ منطاش من الْغَد وَأَرَادَ قَتله فَلم تمكنه الأشرفية من ذَلِك وَأَن الناصري لما رَجَعَ من محاربة نعير جع العساكر وَعَاد إِلَى دمشق ثمَّ خرج بعد يَوْمَيْنِ وأغار على آل عَليّ ووسط مِنْهُم مِائَتي نفس وَنهب كثيرا من جمَالهمْ وَعَاد إِلَى دمشق. وَفِي ثَانِي عشره: نُودي على المماليك والأجناد البطالين بالحضور لأخذ النَّفَقَة وَالسّفر لقِتَال نعير ومنطاش. وَفِي رَابِع عشره: طرحت الغلال على التُّجَّار وأرباب الْأَمْوَال وَتَفَرَّقَتْ الأعوان فِي طَلَبهمْ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 294 وَقدم الْبَرِيد بِأَن الْأَمِير جبق السيفي خرج من دمشق لكشف أَخْبَار طرابلس فَأَخذه الْعَرَب وَحَمَلُوهُ إِلَى منطاش فَقتله وأنعم بإقطاعه على الْأَمِير سودن الطرنطاي. وَفِيه سَار الْأَمِير أَبُو يزِيد على الْبَرِيد بتقليد الْأَمِير يلبغا الناصري دمشق عوضا عَن ألطنبغا الجوباني وَمَعَهُ التشريف ومبلغ عشْرين ألف دِينَار برسم النَّفَقَة فِي العساكر وَتوجه مَعَه الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد الصُّوفِي لكشف الْأَخْبَار. وَفِي ثَالِث عشرينه: أنعم على الْأَمِير بجاس النوروزي بإقطاع سودن الطرنطاي. وَفِيه قدم الْبَرِيد من حلب بنزول نعير على سرمين ليقسم مغلها وَأَن الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن المهندار والأمير طُغنجي قاتلاه فِي عَسْكَر كَبِير من التركمان وَأهل حلب وأسروا وَلَده عليا فِي نَحْو المائتي رجل وَقتلُوا جمَاعَة كَبِيرَة وهزموه وَسَاقُوا أبنه وَأَصْحَابه إِلَى حلب فَقَتلهُمْ كمشبغا النَّائِب وسجن ابْن نعير وَجَمَاعَة. وَفِيه سَار الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الحسام الصقري إِلَى الصَّعِيد ليحضر الْخَيل وَالْجمال وَالرَّقِيق وَغير ذَلِك من العربان وَأهل الْبِلَاد. وَفِي يَوْم السبت ثامن رَمَضَان: عزل الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أقبغا آص من شدّ الدَّوَاوِين وأُلزم بِحمْل مِائَتي ألف دِرْهَم فضَّة وَاسْتقر عوضه الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن رَجَب بن كلفت. وَفِيه قدم الْبَرِيد من الصَّعِيد أَن ابْن التركية خرج على ابْن الحسام وَأخذ جَمِيع مَا حصَّله فَخرجت إِلَيْهِ التجريدة. وَفِي خَامِس عشره: اسْتَقر الْأَمِير ألطبغا الْمعلم نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن أرغون البجمقدار العثماني وَاسْتقر على بن غَلْبَك وَالِي منفلوط عوضا عَن أبي بكر ابْن الْكِنَانِي. وَفِيه قدم الْبَرِيد بنزول عدَّة مراكب للإفرنج على طرابلس فعندما أشرفوا على الميناء: بعث الله عَلَيْهِم ريحًا أغرقت مركبا وَفرقت الْبَقِيَّة وَكَانَت نَحْو السّبْعين فَردُّوا خائبين. وَفِي سَابِع عشره: اسْتَقر مجد الدّين أَبُو الفدا إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الْحَنَفِيّ فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن أَبى بكر الطرابلسي. وَنزل مَعَه الْأَمِير شيخ الصفوي الْقَائِم بالسعي لَهُ فِي عدَّة من الْأُمَرَاء إِلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 295 الْمدرسَة الصالحية على عَادَة الْقُضَاة ثمَّ عَاد إِلَى مُعْتَكفه بِالْمَدْرَسَةِ الطيبرسية بجوار الْجَامِع الْأَزْهَر. وَلم يول أحدا من نواب الْحَنَفِيَّة وَلَا عُقّاد الْأَنْكِحَة وَوَعدهمْ إِلَى الْعِيد فثقل عَلَيْهِم ذَلِك. وَفِي الْعشْرين: مِنْهُ أُعِيد الصاحب موفق الدّين أَبُو الْفرج إِلَى الوزارة وَقبض على ابْن البقري وَولده وأوقعت الحوطة على دورهما وَجَمِيع حواشيهما. وَفِي حادي عشرينه: قدم الْبَرِيد من دمشق بِأَن الْأَمِير قَشْتَمُر الأشرفي الْحَاكِم بطرابلس من جِهَة منطاش سلمهَا من غير قتال وَأَن حماة وحمص أَيْضا استولت العساكر السُّلْطَانِيَّة عَلَيْهِمَا. وَفِي ثَانِي عشرينه: قدم مُحَمَّد بن على بن أَبى هِلَال بهدية أَبى الْعَبَّاس المتَوَكل على الله بن الْأَمِير أبي عبد الله مُحَمَّد بن أبي يحيى بن أبي بكر بن أَبى حَفْص صَاحب تونس وَمَعَهُ كِتَابه يتَضَمَّن الهناء بِالْعودِ إِلَى المملكة فَخرج الْأَمِير مَحْمُود الأستادار إِلَى لِقَائِه بالجيزة وأُحضر بَين يَدي السُّلْطَان فِي سادس عشرينه فَأكْرمه السُّلْطَان وَأمر بِهِ فَأنْزل بدار ورتب لَهُ فِي كل يَوْم مائَة دِرْهَم. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ أول شَوَّال: قدم الْبَرِيد من حلب بِعَبْد الرَّحْمَن حَاجِب الْأَمِير نعير وَمَعَهُ كِتَابه يعْتَذر عَمَّا وَقع مِنْهُ وَيسْأل الْأمان فَكتب اٍ ليه الْأمان فَجهز إِلَيْهِ تشريف وتقليد بعوده إِلَى إمرة آل فضل على عَادَته. وَفِي ثَانِيه: قدم الْبَرِيد من دمشق بفرار منطاش عَن أَرض حلب وَمَعَهُ عنقاء بن شطي خوفًا على نَفسه من نعير وَأَنه توجه فِي نَحْو سَبْعمِائة فَارس من الْعَرَب أَخذهم على أَنه يكبس التركمان وَيَأْخُذ أَعْنَاقهم فَلَمَّا قطع الدربند أَخذ خُيُول الْعَرَب وَسَار إِلَى مرَعش وَترك الْعَرَب مَشاهُ فعادوا. وَفِيه قدم الْخَبَر من الْإسْكَنْدَريَّة بِأَن الفرنج الَّذين مزقت الرّيح مراكبهم على طرابلس سَارُوا إِلَى إفريقية وحاصروا المهدية وَبهَا ولد أبي الْعَبَّاس صَاحب تونس فَكَانَت حروباً شَدِيدَة انتصر فِيهَا الْمُسلمُونَ على الفرنج وَقتلُوا كثيرا مِنْهُم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 296 وَفِيه ضرب الْأَمِير ألطنبغا الجربغاوي بالمقارع على مَال أَخذه لجركس الخليلي وأعيد بعد الضَّرْب إِلَى السجْن بالبرج. وَفِي ثَالِث عشره: قدم الْبَرِيد بِأَن أسَنْدَمُر اليوسفي وَجَمَاعَة من المنطاشية دخلُوا فِي الطَّاعَة. وَفِي ثَالِث عشرينه: رَحل الْحَاج من بركَة الْحجَّاج وأميرهم عبد الرَّحْمَن بن منكلي بغا الشمسي. وَحج الْأَمِير مُحَمَّد بن أَبى هِلَال الرَّسُول والفقيه مُحَمَّد بن عَرَفَة وَخلق كثير جدا وحملت خوند أم بيبرس وَهِي عَائِشَة أُخْت السُّلْطَان كسْوَة للحجرة النَّبَوِيَّة بالغت فِي تحسينها وعملت بَابهَا مطرزا بِالذَّهَب. وَلما وصل الْحَاج عجرود أَصَابَهُم عَطش شَدِيد بِحَيْثُ أبيعت قربَة المَاء بِنَحْوِ الْمِائَة دِرْهَم وَرجع كثير من الْحجَّاج. وَفِي سَابِع ذِي الْقعدَة: ركب السُّلْطَان للصَّيْد فِي بركَة الْحَاج وشق الْقَاهِرَة فِي عوده إِلَى القلعة من بَاب النَّصْر وَخرج من بَاب زويلة وَنزل عِنْد الْأَمِير بطا الدودار وَأقَام عِنْده دَاره سَاعَة. ثمَّ صعد إِلَى القلعة من يَوْمه فَكَانَ من الْأَيَّام المشهودة. ثمَّ ركب فِي عاشره إِلَى مطعم الطُّيُور خَارج الريدانية تَحت الْجَبَل الْأَحْمَر فَقدم عَلَيْهِ من مماليكه الَّذين كَانُوا بحلب نَحْو الْأَرْبَعين مَمْلُوكا. وَفِي سَابِع عاشره: قدم الْبَرِيد من حلب بِأَن منطاش سَار إِلَى عين تَابَ وَقَاتل نائبها نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن شُهري وَأخذ الْمَدِينَة فَامْتنعَ ابْن شَهْري بقلعتها وكبسه لَيْلًا وَقتل سِتَّة من أمرائه وَنَحْو المائتي فَارس. وَفِي ثَانِي عشرينه: قدم الْأَمِير مُحَمَّد شاه بن بيدمر فَلم يؤاخذه السُّلْطَان وأنزله عِنْد الْأَمِير وَحضر أَيْضا الْأَمِير أسندمر اليوسفي رَأس نوبَة منطاش فِي عمَّة من الْأُمَرَاء المنطاشية فَلم يؤاخذهم أَيْضا وخلع على أسندمر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 297 وَفِي يَوْم الْخَمِيس أول ذِي الْحجَّة: رسم الْأَمِير قرا دمرداش نَائِب طرابلس بنيابة حلب وجهزٍ إِلَيْهِ التشريف والتقليد على الْبَرِيد مَعَ الْأَمِير تنم الحسني. وَفِي خامسه: اسْتَقر إينال من خجا على فِي نِيَابَة طرابلس وَاسْتقر الْأَمِير أَقْبُغا الجمالي أتابك حلب والأمير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن سلار حَاجِب الْحجاب بحلب. وَكتب السولي بنيابة الأبلستين وجهزت الخلعة إِلَيْهِ. وَفِي يَوْم عيد النَّحْر: خرج الْأَمِير تنبك المحمدي لإحضار الْأَمِير كمشبغا الْحَمَوِيّ من حلب. وَفِي تَاسِع عشره: برز أينال - نَائِب طرابلس - إِلَى الريدانية وَسَار إِلَى طرابلس فِي ثَالِث عشرينه. وَفِيه سَار الْأَمِير تمربغا المنجكي بِمَال كَبِير ينْفق فِي عَسَاكِر الشَّام وتجهيزهم إِلَى عين تَابَ لقِتَال منطاش. وَفِيه نُودي فِي الْقَاهِرَة ومصر: لَا يركب أحد من المتعممين فرسا سوى الْوَزير وَكَاتب السِّرّ وناظر الْخَاص فَقَط وَمن عداهم فَإِنَّهُ يركب البغال وَأَن طحانا لَا يتْرك عِنْده فرسا صَحِيحا وَلَا وَفِي سَابِع عشرينه: قدم مبشرو الْحَاج وأخبروا بسلامة الْحَاج ورخاء الأسعار مَعَهم وَأَنه لم يحضر حَاج الْيمن. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الحسام الصقري وزيرًا عوض الْمُوفق أَبى الْفرج ورسم لَهُ بِإِعَادَة بِلَاد الدولة على قَاعِدَة الْوَزير شمس الدّين إِبْرَاهِيم كَاتب أرلان وَألا يكون مَعَه مشير يُشَارِكهُ فِي التحدث وَالتَّصَرُّف بل ينْفَرد بِالْولَايَةِ والعزل وتنفيذ الْأُمُور وَأَن يستخدم جَمِيع الوزراء المنفصلين فِي المباشرات تَحت يَده فَخرج بتشريف الوزارة إِلَى قاعة الصاحب بالقلعة واستدعى بالوزراء المصروفين فقرر شمس الدّين المقسي فِي نظر الدولة وَعلم الدّين سنّ إبرة شَرِيكا لَهُ وَسعد الدّين بن البقري فِي نظر الْبيُوت وَاسْتِيفَاء الدولة وموفق الدّين أَبَا الْفرج فِي اسْتِيفَاء الصُّحْبَة. وَقرر الفخري بن مكانس فِي اسْتِيفَاء الدولة شَرِيكا لِابْنِ البقري وركبوا فِي خدمته وَصَارَ ذَلِك دأبهم دَائِما وَلم يسمع بِمثل ذَلِك. وَمن العجيب أَن ابْن الحسام هَذَا كَانَ أَولا دوادار البقري أَيَّام كَانَ فِي نظر الْخَاص لَا يبرح لَيْلًا وَنَهَارًا قَائِما بَين يَدَيْهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 298 يصرف أمره وَنَهْيه كآحاد خدمه فَصَارَ ابْن البقري يقف بَين يَدي ابْن الحسام فِي وزارته هَذِه ويتصرف بأَمْره وَنَهْيه وَرُبمَا أهانه فسبحان محيل الْأَحْوَال. وَفِي هَذَا الْيَوْم: أُعِيد نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أقبغا آص إِلَى شدّ الدَّوَاوِين عوضا عَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن رَجَب. وَاسْتقر ابْن رَجَب شاد دواليب الْخَاص عوضا عَن خَاله الْأَمِير الْوَزير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الحسام. وَأصَاب الْحَاج فِي عودهم مشقات لسوء سيرة ابْن منكلي بغا ورذالته وفساده إِلَّا الركب الأول فَإِن أَمِيرهمْ بيسق الشيخوني أَمِير أخور كَانَ مشكور السِّيرَة وَمَعَ ذَلِك فَنزل بالجمال وباء كثير فِي كثير مِنْهُم. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان مِمَّن لَهُ ذكر مَاتَ أَمِير حَاج ابْن السُّلْطَان فِي ثامن جُمَادَى الْآخِرَة وَدفن بِالْمَدْرَسَةِ الظَّاهِرِيَّة المستجدة وَكَانَ أحد الْأُمَرَاء وَهُوَ صَغِير. وَمَات الْأَمِير عَلَاء الدّين أَقبغا الْجَوْهَرِي أحد اليلبغاوية مقتولاً فِي وقْعَة حمص عَن بضع وَخمسين سنة وَكَانَ عَارِفًا يذاكر بمسائل فقهية وَغَيرهَا مَعَ حِدة خلق وَسُوء مُعَاملَة. وَمَات الْأَمِير أردبغا العثماني أحد أُمَرَاء الطبلخاناه قَتِيلا. وَمَات الْأَمِير عَلَاء الدّين ألطنبغا الجوباني قَتِيلا وَقد قَارب الْخمسين سنة وَكَانَ حشمًا فخوراً. وَمَات الْأَمِير تمر الأشرفي نَائِب قلعة بهنسا. وَمَات الْأَمِير تمرباي الأشرفي الحسني حَاجِب الْحجاب بديار مصر. وَمَات الْأَمِير جبق الكمشبغاوي أحد الْأُمَرَاء الألوف بديار مصر. وَمَات الْأَمِير حسن خجا رَأس نوبَة. وَمَات الْأَمِير طغاي تمر الجركتمري أحد أُمَرَاء الطبلخاناة. وَمَات الْأَمِير طولوبغا الأسعدي أحد أُمَرَاء العشراوات. وَمَات عِيسَى التركماني أحد العشراوات. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 299 وَمَات الْأَمِير قرابغا الأبو بكرى أَمِير مجْلِس. وَمَات الْأَمِير قرقماس الطشتمري فِي يَوْم الْجُمُعَة حادي عشر جُمَادَى الْآخِرَة. وَمَات الْأَمِير قازان اليرقشي أحد أُمَرَاء الطبلخاناة. وَمَات الْأَمِير مَأْمُور القلمطاوي حَاجِب الْحجاب وَأحد اليلبغاوية قتل على حمص وَهُوَ يَلِي نِيَابَة حماة. وَمَات الْأَمِير مقبل الطَّيِّبِيّ نَائِب الْوَجْه القبلي. وَمَات الْأَمِير يُونُس الرماح الأسعردي أحد أُمَرَاء الطبلخاناه. وَمَات الْأَمِير على سُلْطَان الطَّائِفَة الجعيدية بديار مصر مَاتَ فِي سادس عشر جُمَادَى الأولى وَلم يقم بعده مثله. وَمَات الشَّيْخ المعتقد على المغربل فِي خَامِس جُمَادَى الأولى وَدفن بزاويته خَارج الْقَاهِرَة بحكر الزراق. وَمَات الشَّيْخ المعتقد مُحَمَّد الفاوي فِي ثامن عشر جُمَادَى الأولى وَدفن فِي خَارج بَاب النَّصْر. وَمَات الأديب الشَّاعِر شمس الدّين مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الأفلاقي الْمَالِكِي فِي سادس جُمَادَى الأولى. وَمَات الشَّيْخ الْمُقْرِئ شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد الرفاء فِي سَابِع جُمَادَى الأولى. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 300 سنة ثَالِث وَتِسْعين وَسَبْعمائة أهل الْمحرم يَوْم الْجُمُعَة. فَفِي ثَانِيه: عزل السُّلْطَان أَكثر وُلَاة أَعمال مصر ورسم أَلا يولي أحد مِمَّن بَاشر الْولَايَة وَأَن يُعين الْأَمِير سودن النَّائِب جمَاعَة من مقدمي الْحلقَة فأحضر مقدمي الْحلقَة وَاخْتَارَ مِنْهُم ثَلَاثَة وهم: شاهين الكلفتي اسْتَقر فِي الغربية وطرقجى فِي ولَايَة البهنسا وقجماس السيفي فِي المنوفية وأخلع عَلَيْهِم فِي رابعه. وَفِي سادسه: قدم الْبَرِيد من دمشق بِأَن الْأَمِير يلبغا الناصري تنافس هُوَ والأمير الْكَبِير أيتمش فأظهر الْخُرُوج عَن الطَّاعَة وَلبس السِّلَاح وألبس حَاشِيَته. ونادى بِدِمَشْق من كَانَ من جِهَة منطاش فليحضر فَصَارَ إِلَيْهِ نَحْو الْألف ومائتي فَارس من المنطاشية فَقبض عَلَيْهِم كلهم وسجنهم وَكتب إِلَى السُّلْطَان يُعَرِّفه بذلك فَأَجَابَهُ بالشكر وَالثنَاء. وَفِي سادس عشره: قُبض على الصاحب موفق الدّين أبي الْفرج وألزم بِحمْل سِتِّينَ ألف دِرْهَم وقُبض على الصاحب علم الدّين سنّ إبرة وأُلزم بِعشْرين ألف دِرْهَم وعَلى الصاحب سعد الدّين بن البقري وألزم بسبعين ألف دِرْهَم. وَفِي ثامن عشره: ولي شيخ الحَدِيث زين الدّين عبد الرَّحِيم بن الْحُسَيْن الْعِرَاقِيّ تدريس الظَّاهِرِيَّة العتيقة ونظرها بعد وَفَاة القَاضِي صدر الدّين عمر بن عبد المحسن بن رزين وَنقل القَاضِي فَخر الدّين مُحَمَّد القاياتي إِلَى مَكَانَهُ بإيوان الْمدرسَة الصالحية للْحكم بَين النَّاس. وَفِيه نُودي لَا يركب متعمم فرسا إِلَّا أَرْبَاب الْوَظَائِف الْكِبَار وَمن وجد عِنْده فرس أخذت مِنْهُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 301 وَفِي يَوْم الْأَحَد ثامن صفر: هدمت سلالم بَاب مدرسة السُّلْطَان حسن والسلالم الَّتِي تصعد إِلَى السَّطْح والمناراتان مِنْهَا وَفتح بَابهَا من شباك بالرميلة تجاه بَاب السلسلة وَصَارَ يتَطَرَّق إِلَيْهَا مِنْهُ وَيقف المؤذنون عِنْده ويؤذنون فِي أَوْقَات الصَّلَاة وَاسْتمرّ الْأَمر على ذَلِك. وَفِي تاسعه: قدم الْأَمِير سيف الدّين كُمُشْبُغا الْحَمَوِيّ من حلب فَخرج الْأَمِير سودن النَّائِب إِلَى لِقَائِه وَمَعَهُ الْحجاب وعدة من الْأُمَرَاء. وَصَارَ بِهِ إِلَى القلعة فَقَبّل الأَرْض وَجلسَ فَوق الْأَمِير اٍ ينَال اليوسفي أتابك العساكر وَنزل إِلَى دَار أعدت لَهُ وَبعث إِلَيْهِ السُّلْطَان ثَلَاثَة أروس من الْخَيل بقماش ذهب وعدة بقج قماش. وَبعث إِلَيْهِ كل من أُمَرَاء الألوف فرسا بقماش ذهب وَقدم إِلَيْهِ أُمَرَاء الطبلخاناه وَغَيرهم عدَّة تقادم من جند وَغير ذَلِك. وَحضر مَعَ الْأَمِير كُمشبغا الْأَمِير حسام الدّين حسن الكجكنة - نَائِب الكرك - فِي عدَّة من وَفِي حادي عشره: قدم الْبَرِيد بِأَن العساكر وصلت إِلَى مَدِينَة عينتاب ففر منطاش إِلَى جِهَة مرعش وَحضر عدَّة من جماعته إِلَى الطَّاعَة. وَفِيه حضر الْأَمِير أقبغا المارديني نَائِب الْوَجْه القبلي فَقبض عَلَيْهِ وسجن بخزانة شمايل فِي صُورَة أَنه كثر ظلمه وتعسفه. وَهَذِه عَادَة السُّلْطَان أَنه يصير على أعدائه فَلَا ينْتَقم مِنْهُم لنَفسِهِ حَتَّى يتهيأ لَهُ فيهم مَا يُوجب الْعقُوبَة فيأخذهم بذلك الذَّنب وَلَا يظْهر أَنه انتقم لنَفسِهِ وَذَلِكَ من حسن ملكته وثباته واستقرى هَذَا تَجدهُ كَمَا قلت لَك. وَفِي خَامِس عشره: أحضر الْأَمِير حسام الدّين حسن بن باكيش نَائِب غَزَّة من السجْن وضُرب بالمقارع بَين يَدي السُّلْطَان وأحضر أقبغا المارديني وَضرب على أكتافه. وَأمر وَالِي الْقَاهِرَة بتخليض حُقُوق النَّاس مِنْهُ. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير مبارك شاه كاشف الجيزية عوضا عَن مُحَمَّد بن ليلى. وَفِي تَاسِع عشره: اسْتَقر الْأَمِير يلبغا الأسعدي الْمَجْنُون نَائِب الْوَجْه القبلي عوضا عَن أقبغا المارديني وَاسْتقر أسنبغا السيفي فِي ولَايَة الفيوم وكشف البهنسا والأطفيحية عوضا عَن يلبغا الأسعدي وَاسْتقر تقطاي الشهابي وَالِي الأشمونين عوضا عَن أسنبغا السيفي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 302 وَفِي حادي عشرينه: اسْتَقر دمرداش السيفي نَائِب الْوَجْه البحري عوضا عَن الشريف بكتمر. وَفِي تَاسِع عشرينه: أحضر القَاضِي شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن الحبال قَاضِي الْحَنَابِلَة بطرابلس وَضرب بَين يَدي السُّلْطَان بِسَبَب قِيَامه مَعَ منطاش وَأخذ طرابلس وَقتل من قتل بهَا وَأَن ذَلِك كَانَ بفتواه لَهُم. وَفِيه وسط من الزهور الْمَقْبُوض عَلَيْهِم من الْوَجْه البحري نَحْو السّبْعين بعد تسميرهم وإشهارهم بِالْقَاهِرَةِ وَكَانُوا قد أَكْثرُوا من الْفساد وَقطع الطَّرِيق على الْمُسَافِرين وَأخذ أَمْوَالهم. وَفِيه سَار الشَّيْخ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي هِلَال رَسُول صَاحب تونس بِجَوَاب كِتَابه وهدية سنية. وَفِي سَابِع شهر ربيع الأول: اسْتَقر الْأَمِير يُونُس القشتمري نَائِب الكرك عوضا عَن قديد. وَفِي ثامنه: أنعم بإقطاع أرغون البجمقدار العثماني نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة على الْأَمِير حسن الكجكني وَأخرج أرغون منفياً إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة. وَفِيه خرج الْبَرِيد بإحضار الْأَمِير الْكَبِير أيتمش من دمشق فَسَار الْأَمِير قُنقباي الأسعدي رَأس نوبَة لذَلِك. وَفِي عاشره: قدم الْأَمِير أَبُو يزِيد وَالشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد الصُّوفِي على الْبَرِيد من الشَّام. وَفِي ثَالِث عشره: شدد الْعقَاب على ابْن باكيش لإحضار المَال وَقبض على الشريف بكتمر وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير عَلَاء الدّين بن الطشلاقي فِي ولَايَة قطيا وَالْتزم فِيهَا بِحمْل مائَة ألف وَثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم فِي كل شهر. وَفِيه توجه يلبغا السالمي على الْبَرِيد بتقليد الْأَمِير نُعير الإمرة على عَادَته. وَفِي يَوْم الْأَحَد أول شهر ربيع الآخر: اسْتَقر برمش الكمشبغاوي حَاجِب الْحجاب بطرابلس. وَاسْتقر الْحَاج مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن مقدم الْخَاص فِي تقدمة الدولة عوضا عَن عبيد البازدار بعد مَوته فَصَارَ مقدم ديواني الْخَاص والدولة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 303 وَفِي تَاسِع عشره: قبض على الْأَمِير شاهين أَمِير آخور ونُفي إِلَى الصَّعِيد. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ رَابِع جُمَادَى الأولى: قدم الْأَمِير الْكَبِير أيتمش من دمشق على الْبَرِيد فَتَلقاهُ الْأَمِير سودُن النَّائِب وَقدم مَعَه عدَّة من الْأُمَرَاء مِنْهُم: آلابغا العثماني الدوادار حَاجِب دمشق والأمير جنتمر أَخُو طاز وأمير ملك ابْن أُخْت جنتمر الْمَذْكُور وألطبغا أستادار جنتمر ودمرداش اليوسفي وألطبغا الْحلَبِي وَكثير من المماليك السُّلْطَانِيَّة فَمثل بِالْخدمَةِ السُّلْطَانِيَّة وَقبل الأَرْض وَجلسَ بالميسرة تَحت الْأَمِير سودُن النَّائِب واحضر بالأمراء القادمين مَعَه وعدتهم سِتَّة وَثَلَاثُونَ أَمِيرا وبشهاب الدّين أَحْمد بن عمر الْقرشِي قَاضِي دمشق وبفتح الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن أبي بكر بن الشَّهِيد كَاتب السِّرّ بِدِمَشْق وَابْن مشكور نَاظر الْجَيْش بِدِمَشْق وَكلهمْ فِي الْقُيُود. فوبخ السُّلْطَان الْأَمِير ألطبغا الْحلَبِي والأمير جنتمر وَابْن الْقرشِي وَأطَال الحَدِيث مَعَهم وَكَانُوا قد قَاتلُوهُ فِي محاصرته لدمشق وأفحشوا فِي أمره فحشاً زَائِدا حَتَّى أَن ابْن الْقرشِي كَانَ يقف على الأسوار وينادي إِن قتال برقوق أوجب من صَلَاة الْجُمُعَة وَيجمع الْعَامَّة ويحرضهم على محاربته. ثمَّ أَمر السُّلْطَان بهم فسجنوا وأُسلم ابْن مشكور لشاد الدَّوَاوِين فعصر وَالْتزم بِحمْل سبعين ألف دِرْهَم وَأَفْرج عَنهُ. وَنزل الْأَمِير أيتمش إِلَى دَاره وَبعث إِلَيْهِ السُّلْطَان بإنعام كثير وَقدم إِلَيْهِ جَمِيع الْأُمَرَاء على قدر حَالهم. وَفِي ثَالِث عشره: وَقع الْهدم فِي أَمْلَاك تجاه بَاب حارة الجوانبة بِالْقَاهِرَةِ وَشرع الْأَمِير مَحْمُود فِي عمَارَة وكَالَة. وَفِيه أحضر من الزهور سِتَّة وَثَلَاثُونَ رجلا وَقدم الْأَمِير جِبْرَائِيل الْخَوَارِزْمِيّ فَارًّا من منطاش فَلم يؤاخذه السُّلْطَان ورسم لَهُ بالمثنى فِي الْخدمَة مَعَ الْأُمَرَاء. وَفِي ثامن عشرينه: اسْتَقر جمال الدّين مَحْمُود بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْمَعْرُوف بِابْن الْحَافِظ فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بحلب عوضا عَن محب الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الشّحْنَة وَاسْتقر جمال الدّين مَحْمُود بن العديم فِي قَضَاء عَسْكَر حلب عوضا عَن ابْن الْحَافِظ والشريف حَمْزَة الْجَعْفَرِي فِي وكَالَة بَيت المَال بحلب وَنظر جَامعهَا وَاسْتقر المعري فِي قَضَاء الشَّافِعِيَّة بطرابلس عوضا عَن شهَاب الدّين أَحْمد السلاوي وَاسْتقر علم الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد القفصي فِي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن السكسيوي وَهِي ولَايَته الْخَامِسَة ثمَّ عزل بالبرهان أبي سَالم إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عَليّ الصنهاجي. وَولى ابْن المنجا قَضَاء الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق عوضا عَن شرف الدّين عبد الْقَادِر. وَولى جمال الدّين أَبُو الثَّنَاء مَحْمُود بن قَاضِي الْعَسْكَر حَافظ الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن سنبكي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بحلب عوضا عَن عَليّ بن الشّحْنَة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 304 وبرهان الدّين إِبْرَاهِيم التادلي فِي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن القفصي. وَبدر الدّين مُحَمَّد بن شرف الدّين مُوسَى بن الشهَاب مَحْمُود فِي نظر الْجَيْش بحلب وخلع على الْجَمِيع. وَفِيه أفرج عَن أقبغا المارديني من خزانَة شمايل وَعَن طاش بغا السيفي. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي جُمَادَى الْآخِرَة: قبض على أسندمر الشرفي وَإِسْمَاعِيل التركماني وكزل القرمي وأقبغا البجاسي وصربغا وتسلمهم وَالِي الْقَاهِرَة. وَفِي تاسعه: قبض أَيْضا على أحد عشر أَمِيرا وهم: قطلوبغا الطشتمري الْحَاجِب وتَقْطاي الطشتمري وآلابغا الطشتمري وقرابغا السيفي وأقبغا السيفي وبيبغا السيفي وطيبغا السيفي وَمُحَمّد بن بيدمر نَائِب الشَّام وجبرائيل الْخَوَارِزْمِيّ ومنجك الزيني وأرغون شاه وَفِيه سُمر أسندمر الأشرفي رَأس نوبَة وأقبغا الظريف البجاسي وَإِسْمَاعِيل التركماني أَمِير البطالين فِي أَيَّام منطاش وكُزَل القرمي وصربغا وشهروا بِالْقَاهِرَةِ ثمَّ وسطوا بالكوم وَلم يعْهَد مثل هَذَا يفعل إِلَّا بقطاع الطَّرِيق. وَفِيه أُحضر الْأَمِير ألطبغا الْحلَبِي وألطُنبغا أستادار جَنتمُر إِلَى مجْلِس قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد الركراكي الْمَالِكِي وأُدعى عَلَيْهِمَا بِمَا يَقْتَضِي الْقَتْل فسجنهما بخزانة شمايل مقيدين. وَفِي ثَانِي عشره: قبض على الْأَمِير صَنْجقَ. وَفِي خَامِس عشره: شكا رجل شهَاب الدّين أَحْمد بن عمر الْقرشِي للسُّلْطَان فأحضر من السجْن واستدعى عَلَيْهِ غَرِيمه بِمَال لَهُ فِي قلبه وبدعاوى شنعة فَضرب بالمقارع وَسلم إِلَى وَالِي الْقَاهِرَة ليخلص مِنْهُ مَال الْمُدَّعِي الَّذِي أَقَرَّ بِهِ فوالى ضربه وعصره مرَارًا وسجنه بخزانة شمايل. وَفِي تَاسِع عشره: اسْتَقر الْأَمِير قُطْلُوبغا الصفوي حَاجِب الْحجاب وَاسْتقر الْأَمِير بدخاص حَاجِب الميسرة وَاسْتقر الْأَمِير قديد نَائِب الكرك حاجباً ثَالِثا وَاسْتقر الْأَمِير على باشاه حاجباً رَابِعا. وَاسْتقر يلبغا الآشْقَتُمري أَمِير أخور فِي نِيَابَة غَزَّة وناصر الدّين مُحَمَّد بن شَهْري فِي نِيَابَة ملطية. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 305 وَفِي ثَانِي عشرينه: وقف شخص وَادّعى أَن أَمِير ملك - ابْن أُخْت جَنتَمُر - أَخذ لَهُ سِتّمائَة ألف دِرْهَم وأغرى بِهِ منطاش حَتَّى ضربه بالمقارع فأحضر وَادّعى عَلَيْهِ غَرِيمه فَضرب بالمقارع ضربا مبرحاً وتسلمه وَالِي الْقَاهِرَة فَمَاتَ لَيْلَة خَامِس عشرينه. وَفِي يَوْمه اسْتَقر أرغون شاه الإبراهيمي الخازندار حَاجِب الْحجاب بِدِمَشْق عوضا عَن آلابغا العثماني. وَاسْتقر آلابغا فِي نِيَابَة حماة وَخرج الْبَرِيد بتقليده. وَفِيه أُنعم على كل من قَاسم ابْن الْأَمِير الْكَبِير كُمُشبغا الْحَمَوِيّ ولاجين الناصري وسودن العثماني النظامي وأرغون شاه الأقبغاوي وسودُن باشاه الطاي تُمري وشكرباي العثماني وقجقار القَرْمُشي بإمرة طبلخاناه. وعَلى كل من قطلوبغا الطَقتمُشي وَعبد الله أَمِير زاه بن ملك الكرُجْ وكُزَل الناصري وآلان اليحياوي وكُمُشبغا الْإِسْمَاعِيلِيّ طاز وقَلَمْطاي العثماني بإمرة عشرَة. وَفِيه قدم آقبغا الصَّغِير نَائِب غَزَّة بِطَلَب. وَفِيه قبض على مماليك الْأَمِير بركَة والمماليك الَّذين خدموا منطاش وتُتُبعوا من سَائِر الْمَوَاضِع وأُخذوا من كل مَكَان. وَفِي ثَانِي عشرينه: عرضهمْ السُّلْطَان وَأَفْرج عَن جمَاعَة مِنْهُم. وَفِي خَامِس عشرينه: ضرب ابْن الْقرشِي نَحْو مِائَتي شيب بالمقارع عِنْد الْوَالِي. وَفِي سادس عشرينه: اسْتَقر الصارم وَالِي الْقَاهِرَة فِي ولَايَة الأشمونين عوضا عَن تُقْطاي الشهابي. وَفِي أخريات هَذَا الشَّهْر: ظهر كَوْكَب طوله نَحْو ثَلَاثَة أرماح قَلِيل النُّور يرى فِي أول اللَّيْل ويغيب نصف اللَّيْل أَقَامَ ليَالِي واختفي. وَفِي أول شهر رَجَب: قدم منطاش دمشق وَسَار إِلَيْهَا من مرعش على العمق حَتَّى قَارب من حماة فَانْهَزَمَ مِنْهُ نائبها إِلَى جِهَة طرابلس من غير لِقَاء ودخلها منطاش وَلم يحدث حَدثا. وَتوجه مِنْهَا إِلَى حمص ففر مِنْهُ أَيْضا نائبها إِلَى دمشق وَمَعَهُ نَائِب بعلبك فَخرج الْأَمِير يلبغا الناصري يُرِيد لِقَائِه من طَرِيق الزبداني فثار أَحْمد شكر بِجَمَاعَة البيدمرية وَدخل دمشق من بَاب كيسَان وَأخذ مَا فِي الإصطبلات من الْخُيُول الجزء: 5 ¦ الصفحة: 306 وَخرج فِي يَوْم الْأَحَد تَاسِع عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة. وَقدم منطاش فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ أول رَجَب من طَرِيق أُخْرَى وَنزل الْقصر الأبلق وَنزل جماعته حوله. وَقد أَحضر إِلَيْهِ أَحْمد شكر من الْخُيُول الَّتِي نهبها ثَمَانمِائَة فرس وندبه ليدْخل الْمَدِينَة وَيَأْخُذ من أسواقها المَال فَبينا هُوَ كَذَلِك إِذْ قدم الناصري بعساكر دمشق فاقتتلا قتالاً كَبِيرا مُدَّة أَيَّام. وَفِي ثالثه: اسْتَقر أَمِير بن الدمر فِي ولَايَة الغربية عوضا عَن شاهين الكلفتي. وَفِي تاسعه: ضرب الشهَاب أَحْمد بن عمر الْقرشِي حَتَّى مَاتَ بخزانة شمايل وأُخرج من وقف الطرحاء. وَفِي حادي عشره: اجْتمع الْقُضَاة والأمير بدخاص الْحَاجِب بشباك الْمدرسَة الصالحية بَين القصرين من الْقَاهِرَة وأحضر الْأَمِير ألطبغا دوادار جَنْتمر وأوقف تَحت الشباك فِي الطَّرِيق وَادّعى عَلَيْهِ. مِمَّا اقْتضى إِرَاقَة دَمه وشُهد عَلَيْهِ بِهِ فَضرب عُنُقه وَشهد أَيْضا على الْأَمِير ألطبغا الْحلَبِي فَضرب عُنُقه وحملت رؤسهما على رُمْحَيْنِ. وَنُودِيَ عَلَيْهَا فِي الْقَاهِرَة. وَفِي سادس عشره: أَخذ قاع النّيل فجَاء أَرْبَعَة أَذْرع وَعِشْرُونَ إصبعاً وَفِي رَابِع عشرينه قدم على ابْن الْأَمِير نُعير فَقبض عَلَيْهِ. وَفِي خَامِس عشرينه: خلع على نجم الدّين الطبدى خلعة اسْتِمْرَار. وَفِي سَابِع عشرينه: قدم الْبَرِيد من دمشق باستمرار الْحَرْب بَين الناصري ومنطاش وَأَن منطاش انْكَسَرَ وَقتل كثير مِمَّن مَعَه وفر مُعظم التركمان الَّذين قدم بهم وَصَارَ محصوراً بِالْقصرِ الأبلق. وَفِيه اسْتَقر الصارم إِبْرَاهِيم الباشَقَردي فِي ولَايَة أسوان عوضا عَن الصارم الشهابي. وَفِيه أحضر أنواط - كاشف الْوَجْه البحري - سبعين رجلا من الْعَرَب الزهور وخيولاً كَثِيرَة فوسط مِنْهُم سِتَّة وَثَلَاثُونَ رجلا. وَفِي الأول من شعْبَان: رسم بتجهيز الْأُمَرَاء للسَّفر إِلَى الشَّام وَشرع الْوَزير وناظر الْخَاص فِي تهيئة بيوتات السُّلْطَان وَعمل مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي السّفر. وَفِي خامسه: قدم الْبَرِيد من صفد بِأَن منطاش فر من دمشق وتبعته العساكر فسر السُّلْطَان والأمراء بذلك. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 307 وَفِيه قتل حسام الدّين حُسَيْن بن باكيش وَسَببه أَن الْخَبَر ورد بِأَن وَلَده جمع كثيرا من العشير وَنهب الرملة وَقتل عدَّة من النَّاس. وَفِي سادسه: ضرب حُسَيْن بن الكوراني بالمقارع. وَفِي عاشره: نصب جاليش السّفر ورسم للقضاة بالتهيؤ إِلَى السّفر. وَفِي حادي عشره: تسلم الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن الطبلاوي: الْأَمِير صراي تمر داودار منطاش وتَكا الأشرفي ودمرداش اليوسفي ودمرداش القَشتمري وَعلي الجركتمَري فَقتلُوا إِلَّا عَليّ الجَرْكَتَمري فَإِنَّهُ عصر وقُتل بعد ذَلِك هُوَ وقطلوبك صفد. وَفِي ثَانِي عشره: عرض السُّلْطَان المحابيس من المنطاشية وأفرد مِنْهُم جمَاعَة للْقَتْل فَقتل فِي لَيْلَة الْأَحَد ثَالِث عشره مِنْهُم: الْأَمِير جَنتمُر أَخُو طاز وَابْنه وألطبغا الجُربُغاوي والطواشي تُقْطاي الطَشتَمُري وَفتح الدّين مُحَمَّد بن الشَّهِيد ضربت أَعْنَاقهم بالصحراء. وَفِي خَامِس عشره: صرف مجد الدّين إِسْمَاعِيل عَن قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة وَاسْتقر عوضه جمال الدّين مَحْمُود العجمي القيصري وَنزل مَعَه بَعْدَمَا خلع عَلَيْهِ الْأَمِير بُطا الدوادار والأمير جُلبان رَأس نوبَة فِي عدَّة من الْأُمَرَاء وَسَائِر الْقُضَاة فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَكتب لَهُ فِي توقيعه الْجَانِب العالي كَمَا كتب للعماد أَحْمد الكركي وهما أول من كُتب بِهِ ذَلِك من قُضَاة الْقُضَاة وَلم يُكتب هَذَا لأحد من المتعممين إِ لَا للوزير فَقَط وَيكْتب للقضاة الْمجْلس العالي فَكتب للعماد الكَرَكي الجناب العالي وتشبه بِهِ الْجمال مَحْمُود فَكتب لَهُ ذَلِك وَاسْتمرّ لمن بعدهمَا. وَفِي سَابِع عشره: أخرج أَمِير حَاج بن مُغْلطاي إِلَى دمياط وَأخرج الْأُمَرَاء البطالون إِلَى ثغر الْإسْكَنْدَريَّة وَأَفْرج عَن تَلكتمر الدوادار وصراتمر دوادار يُونُس الدوادار وَنزلا إِلَى بيوتهما. وَفِي ثامن عشره: قبض على عدَّة من الْأُمَرَاء وسجنوا وأُمض من الْغَد فيهم قَضَاء الله الَّذِي لَا يرد. وَفِيه تعين لنيابة الْغَيْبَة بديار مصر الْأَمِير الْكَبِير كُمُشْبُغا الْحَمَوِيّ وتحول إِلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 308 الإصطبل السلطاني. وتحول الْأَمِير سودن النَّائِب إِلَى قلعة الْجَبَل وَمَعَهُ الْأَمِير بجاس - النوروزي وَأقَام بالقلعة سِتّمائَة مَمْلُوك عَلَيْهِم تغرى بردى رَأس نوبَة والأمير الطواشي صَوَاب السَّعْدِيّ. وَتعين للإقامة بِالْقَاهِرَةِ الْأَمِير قُطلوبغا الصفوي حَاجِب الْحجاب والأمير بدخاص السودوني أَمِير حَاجِب ورسم لشيخ الْإِسْلَام سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ وقضاة الْعَسْكَر ومفتيين دَار الْعدْل وَبدر الدّين مُحَمَّد بن أبي الْبَقَاء الشَّافِعِي وَبدر الدّين مُحَمَّد بن فضل الله الْعمريّ بِالسَّفرِ فتجهزوا لذَلِك. وَنزل السُّلْطَان بعد صَلَاة الظّهْر من القلعة وَسَار إِلَى الوطاق بالريدانية خَارج الْقَاهِرَة وتلاحقت الْأُمَرَاء والعساكر وأرباب الدولة بِهِ. وَفِي ثَانِي عشرينه: قبض على الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أقبغا آص بالريدانية وَضرب على إِحْضَار أَرْبَعمِائَة ألف دِرْهَم فضَّة. ورسم للأمير عَلَاء الدّين عَليّ بن سعد الدّين عبد الله بن مُحَمَّد الطلاوي الوافي بالتحدث فِي شدّ الدَّوَاوِين عوضا عَن ابْن أقبغا آص وَسلم إِلَيْهِ فَشدد فِي عُقُوبَته وَوجد لَهُ سَبْعُونَ فرسا وَأَرْبَعُونَ جملا وَأَرْبَعَة وَعِشْرُونَ مركبا فِي النّيل وقماش كثير. وَفِي ثَالِث عشرينه: اسْتَقر شمس الدّين مُحَمَّد بن الْجَزرِي الْمُقْرِئ فِي قَضَاء الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن شرف الدّين مَسْعُود بِمَال قَامَ بِهِ وَأخرج بِسَائِر من فِي خزانَة شمايل إِلَى الريدانية وعُرضوا على السُّلْطَان فأفرد مِنْهُم سَبْعَة وَثَلَاثِينَ رجلا للْقَتْل مِنْهُم: مُحَمَّد بن الحسام أستادار أرغون أسكي وَأحمد بن النقوعي ومقبل الصفوي فغُرِقوا فِي النّيل. وَسمر مِنْهُم سَبْعَة وهم: شيخ الكريمي وأسندمر وَالِي القلعة وَثَلَاثَة من أهل الشَّام وَاثْنَانِ من التركمان ثمَّ وَفِي رَابِع عشرينه: اسْتَقر نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن رَجَب بن تلفت فِي شدّ الدَّوَاوِين. وأنعم على الْأَمِير سَيِّدي أبي بكر بن نقر الجمالي بإمرة طبلخاناة ورسم بِهِ بإمرة الْحَاج. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 309 وَفِي سادس عشرينه: رَحل السُّلْطَان من الريدانية. وَفِيه نُودي بِالْقَاهِرَةِ أَن يتجهز النَّاس لِلْحَجِّ على الْعَادة. وَفِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء تَاسِع عشرينه: قتل اثْنَا عشر من الْأُمَرَاء مِنْهُم الْأَمِير أرغون شاه السيفي وآلابغا الطشتمري وآقبغا السيفي وبزلار الخليلي. وَفِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء سلخه: قتل من الْأُمَرَاء سنجق الحسني وقرابغا السيفي وَمَنْصُور حَاجِب غَزَّة. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء: قدم الْبَرِيد من السُّلْطَان بكسرة منطاش وفراره فِي سادس عشره وَمَعَهُ عنقاء بن شطي فدقت البشائر وتخلق الْأُمَرَاء والممالك وَنُودِيَ بذلك فِي الْقَاهِرَة. وَفِي رَابِع شهر رَمَضَان: قدم بريد السُّلْطَان بنزوله قطيا وَأَن الْأَخْبَار صحت بفرار منطاش من دمشق فِي خمسين فَارِسًا. وَفِيه قدم الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن رَجَب بمثال سلطاني إِلَى الْأَمِير جمال الدّين مُحَمَّد الأستادار فَإِذا هُوَ يتَضَمَّن مسكه وإلزامه بِحمْل مائَة وَسِتِّينَ ألف دِرْهَم فَقبض عَلَيْهِ وَأخذ وَفِي سادس شهر رَمَضَان: زينت الْقَاهِرَة. وَفِيه أخرج الْأَمِير كُمُشبغا مِائَتي فَارس من أجناد الْحلقَة إِلَى كاشف الْوَجْه البحري تَقْوِيَة لَهُ. وَفِيه وُسط أَحْمد بن عَلَاء الدّين عَليّ بن الطشلاقي وَالِي قطيا. وَفِي ثامنه: قلعت الزِّينَة من الْقَاهِرَة وَلم يكن للزِّينَة سَبَب يَقْتَضِي ذَلِك. وَفِيه اسْتَقر بهاء الدّين مُحَمَّد بن الْبُرْجِي موقع الدست فِي حسبَة الْقَاهِرَة عوضا عَن نجم الدّين مُحَمَّد الطنبدي بِمَال قَامَ بِهِ للأمير كُمُشبغا. وَفِي عاشره: نُودي على النّيل بعد توقفه أَيَّامًا وَكَانَ عَاشر مسرى - وَقد ارْتَفَعت الأسعار - فتوالت الزِّيَادَة فِي نَهَاره حَتَّى أوفي النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا وَكسر الخليج وَخرج شرف الدّين بن أبي الرداد على الْبَرِيد بِبِشَارَة الْوَفَاء. وَفِيه قبض على بكتمر - دوادار الجوباني - فهرب وَلم يُوقف لَهُ على خبر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 310 وَفِي ثَانِي عشرينه: دخل السُّلْطَان إِلَى دمشق وَقد زينت لَهُ وَخرج الْأَمِير يلبغا الناصري إِلَى لِقَائِه. بِمَنْزِلَة اللجون فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَفِيه نُودي بِدِمَشْق بالأمان. وَصلى يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث عشرينه بِدِمَشْق صَلَاة الْجُمُعَة فِي جَامع بني أُميَّة. وَعِنْدهَا انْقَضتْ الصَّلَاة نَادَى الجاويش فِي النادي بالأمان والماضي لَا يُعَاد وَنحن من الْيَوْم تعارفنا فَضَجَّ النَّاس بِالدُّعَاءِ للسُّلْطَان وَقد كَانُوا مترقبين بلَاء كَبِيرا ينزل بهم مِنْهُ لسوء مَا فعلوا مَعَه فِي السّنة الْمَاضِيَة وَكَثْرَة مبالغتهم فِي سبه وإعلانهم بفاحش القَوْل لَهُ وهم يقاتلونه. وَفِي ثَانِي عشرينه: اسْتَقر الْأَمِير كمشبغا نَائِب الْغَيْبَة بشاهين الكلفتي فِي كشف الْوَجْه البحري وعزل أنواط السيفي وَقبض عَلَيْهِ. وَفِي لَيْلَة الْأَحَد خَامِس عشرينه: قتل خَارج الْقَاهِرَة أَمِير عَليّ الجَركتمُري القازاني المهمندار فِي أَيَّام منطاش. وَفِي تَاسِع عشرينه: نُودي فِي الْقَاهِرَة. بِمَنْع النِّسَاء من الْخُرُوج يَوْم الْعِيد إِلَى الترب وَمن خرجت وسطت هِيَ والمكاري والحمارة وَألا يركب أحد فِي مركب للتفرج على النّيل وهدد من فعل ذَلِك بإحراق الْمركب فَلم يتجاسر أحد يخرج فِي الْعِيد إِلَى القرافة وَلَا إِلَى ترب الْقَاهِرَة. وَفِي ثَانِي شَوَّال: قدم الْبَرِيد بِدُخُول السُّلْطَان إِلَى دمشق. وَقدم الْبَرِيد بنزول خوندكار أبي يزِيد بن عُثْمَان ملك الرّوم إِلَى قيصرية وَأَخذهَا. وَفِيه اسْتَقر قطلوبغا الصفوي فِي ولَايَة قليوب وعزل تنكز البريدي. وَفِي سابعه: خرج السُّلْطَان من دمشق يُرِيد حلب. وَفِيه اسْتَقر فَخر الدّين عبد الرَّحْمَن بن مكانس فِي وزارة دمشق وعزل ابْن الْجَزرِي عَن قَضَاء دمشق قبل أَن يدْخل إِلَى دمشق وأعيد مَسْعُود. وَفِي تَاسِع عشره: قدم الْبَرِيد إِلَى القلعة بتوجه السُّلْطَان إِلَى حلب وَأَنه ورد عَلَيْهِ دوادار الْأَمِير سولي بن دلغادر بهدية فِيهَا مائَة بقجة قماش وَمِائَتَا فرس وَهُوَ يعْتَذر عَن أَخذ سيس وَبعث مفاتيحها وَسَأَلَ تعْيين من يتسلمها مِنْهُ وأنَ نعير ومنطاش نزلا الرحبة وجعبر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 311 وَفِيه اسْتَقر مُحَمَّد بن صَحْفَة بن الأعسر فِي ولَايَة الأشمونين وعزل الصارم وَاسْتقر مُحَمَّد بن قرابغا فِي ولَايَة دمياط وعزل صديق. وَفِي ثَالِث عشرينه: نُودي بِالْقَاهِرَةِ أَلا تلبس امْرَأَة قَمِيصًا وَاسِعًا وَلَا تزيد على تَفْصِيل الْقَمِيص من أَرْبَعَة عشر ذِرَاعا. وَكَانَ النِّسَاء بالغن فِي سَعَة القمصان حَتَّى كَانَ يفصل الْقَمِيص الْوَاحِد من اثْنَيْنِ وَتِسْعين ذِرَاعا من البندقي الَّذِي عرضه ثَلَاثَة أَذْرع وَنصف فَيكون مساحة الْقَمِيص زِيَادَة على ثَلَاثَة وَعشْرين ذِرَاعا. وفحش هَذَا حَتَّى تشبه عوام النِّسَاء فِي اللّبْس بنساء الْمُلُوك والأعيان. وَفِي لَيْلَة الْأَحَد رَابِع عشرينه: أحضر الْأَمِير مُحَمَّد شاه بن بيدمر من الْإسْكَنْدَريَّة فَقتل خَارج الْقَاهِرَة لَيْلَة الِاثْنَيْنِ خَامِس عشرينه. وَفِي سادس عشرينه: صرف نور الدّين عَليّ بن عبد الْوَارِث عَن حسبَة مصر بالشريف أَحْمد بن مُحَمَّد بن حسن بن حيدرة الْمَعْرُوف بِابْن بنت عطا قَاضِي الْحَنَفِيَّة بثغر الْإسْكَنْدَريَّة. وَفِي سلخه: قدم الْبَرِيد بِدُخُول السُّلْطَان إِلَى حلب فِي ثَانِي عشرينه وَأَن بدر الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن فضل الله الْعمريّ أُعِيد إِلَى كِتَابَة السِّرّ وعزل عَلَاء الدّين عَليّ بن عِيسَى الكركي لضَعْفه. وَفِي يَوْم الْأَحَد أول ذِي الْقعدَة: دقَّتْ البشائر واستمرت ثَلَاثَة أَيَّام. وَفِي ثَانِيه: ندب الْأَمِير كُمُشْبُغا نَائِب الْغَيْبَة جمَاعَة نزلُوا إِلَى أسواق الْقَاهِرَة وشوارعها وَقَطعُوا أكمام النِّسَاء الواسعة فَامْتنعَ النِّسَاء من يَوْمئِذٍ أَن يَمْشين بقمصان وَاسِعَة مُدَّة نِيَابَة الْأَمِير كمشبغا ثمَّ عدن إِلَى ذَلِك بعد عود السُّلْطَان. وَفِيه ورد الْخَبَر بِالْقَبْضِ على منطاش وَلم يَصح ذَلِك. وَفِي ثالثه: قدم الْبَرِيد بِمَوْت نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن الطوسي واستقرار نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن حسن الفاقوسي موقع الدرج عوضه فِي توقيع الدست وَمَوْت قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد الركراكي الْمَالِكِي فَأذن الْأَمِير كمشبغا لنوابه بالحكم بَين النَّاس على عَادَتهم. وَفِي ثامنه - وَهُوَ عَاشر بَابه: - انْتَهَت زِيَادَة النّيل إِلَى إِصْبَع من عشْرين ذِرَاعا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 312 وَفِي سادس عشرينه: قدم الْبَرِيد من حلب بِأَن الْخَبَر ورد بِقَبض سَالم الذكرى على منطاش وَأَن صَاحب ماردين قبض على جمَاعَة من المنطاشية حَضَرُوا إِلَيْهِ فَبعث السُّلْطَان قرا دمراش نَائِب حلب على عَسْكَر والأمير يلبغا الناصري نَائِب دمشق على عَسْكَر والأمير أينال اليوسفي أتابك العساكر على عَسْكَر فَسَارُوا لإحضار منطاش وَمن مَعَه فَنُوديَ فِي الْقَاهِرَة بالأمان وَقد حصل غَرِيم السُّلْطَان فدقت البشائر ثَلَاثَة أَيَّام. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير أيدمر الشمسي أَبُو زلطة فِي نِيَابَة الْبحيرَة وعزل دمرداش السيفي. وَفِي سَابِع عشرينه: قدم الْبَرِيد من حلب بِأَن الْأَمِير قرا دمرداش وصل بعسكر حلب إِلَى أَبْيَات سَالم الذكرى وَأقَام أَرْبَعَة أَيَّام يُطَالِبهُ بِتَسْلِيم منطاش وَهُوَ يماطله فحنق مِنْهُ وَركب بِمن مَعَه وَنهب بيوته وَقتل عدَّة من أَصْحَابه. ففر سَالم بمنطاش إِلَى سنجار وَامْتنع بهَا. وَأَن الْأَمِير يلبغا الناصري حضر بعساكر دمشق بعد ذَلِك فَأنْكر على قرا دمرداش مَا وَقع مِنْهُ وَأَغْلظ فِي القَوْل وهم بضربه فَكَادَتْ تكون فتْنَة كَبِيرَة وعادا وَأَن الْأَمِير أدينال وصل بعسكر مصر إِلَى رَأس عين وتسلم من صَاحب ماردين الَّذين قبضهم من المنطاشية وَكَبِيرهمْ قشتمر الأشرفي وَحضر بهم وبكتاب صَاحب ماردين وَهُوَ يعْتَذر ويعد تَحْصِيل غَرِيم السُّلْطَان. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ أول ذِي الْحجَّة: خرج السُّلْطَان من حلب يُرِيد دمشق. وَفِي سادسه: قدم الْبَرِيد بِأَن السُّلْطَان لما بلغه مَا جرى من قرا دمرداش وَمَا وَقع بَينه وَبَين الناصري من الْفِتْنَة وأنهما عادا بِغَيْر طائل غلب على ظَنّه صِحَة مَا نقل عَن الناصري من أَن قَصده مطاولة الْأَمر مَعَ منطاش وَأَنه لم يحضر إِلَى دمشق إِلَّا بمكاتبته لَهُ بذلك وأَنه قصر فِي أَخذه بِدِمَشْق وَأَن سَالم الذكرى لم يرحل بمنطاش إِلَى سنجار إِلَّا بِكِتَاب الناصري إِلَيْهِ بذلك. فَلَمَّا قدم إِلَى حلب قبض عَلَيْهِ وعَلى شهَاب الدّين أَحْمد بن المهمندار نَائِب حماة وكشلي أَمِير أخور الناصري وَشَيخ حسن رَأس نوبَته وقتلهم فِي لَيْلَة قبضهم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 313 وَمَا برح يلبغا الناصري من مبدأ أمره سيئ الرَّأْي وَالتَّدْبِير حَتَّى قيل عَنهُ أَنه مَا كَانَ مَعَ قوم فِي أَمر من الْأُمُور إِلَّا وانعكس عَلَيْهِم أَمرهم بواسطته. وَولى الْأَمِير بطا الدوادار نِيَابَة دمشق والأمير جُلْبان الكمشبغاوي رَأس نوبَة نِيَابَة حلب والأمير فَخر الدّين أياس الجرجاوي فِي نِيَابَة طرابلس والأمير دمرداش المحمدي فِي نِيَابَة حماة. وأنعم على قرا دمرداش نَائِب حلب بإقطاع الْأَمِير بُطا وأنعم على الْأَمِير أبي يزِيد بن مُرَاد الخازن بالدوادارية عوضا عَن بطا بإمرة طبلخاناة وأنعم على الْأَمِير تاني بك اليحياوي بإقطاع جُلبان. ثمَّ سَار من حلب فِي أول ذِي الْحجَّة فَنُوديَ بتبييض حوانيت قَصَبَة الْقَاهِرَة فشرع النَّاس فِي ذَلِك. وَفِي سادس عشره: قدم الْبَرِيد بِأَن السُّلْطَان عَاد إِلَى دمشق فِي ثَالِث عشره وَأَنه قتل من الْأُمَرَاء آلابغا العثماني وسودن بَاقٍ السيفي وَسمر ثَلَاثَة عشر أَمِيرا مِنْهُم: أَحْمد ابْن بيدمر وَمُحَمّد بن أَمِير عَليّ المارديني ويلبغا العلاي وبغا بن السيفي نَائِب ملطية وكُمُشْبغا السيفي نَائِب بعلبك وغريب الخاصكي وقرابغا الْعمريّ. وَفِي ثَالِث عشرينه: توجه السُّلْطَان من دمشق يُرِيد الْقَاهِرَة. وَفِي رَابِع عشرينه: أُعِيد نور الدّين عَليّ بن عبد الْوَارِث الْبكْرِيّ إِلَى حسبَة مصر. وَفِي تَاسِع عشرينه: قدم مبشرو الْحَاج وأخبروا بالسلامة والأمن وَانْقَضَت السّنة وديار مصر قد ساسها الْأَمِير كمشبغا أحسن سياسة وَلم يَجْسُر أحد أَن يتظاهر فِي مُدَّة تحكمه بمنكر وَلَا بِحمْل سلَاح. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان مِمَّن لَهُ ذكر سوى من قتل من الْأُمَرَاء الْمَذْكُورين. مَاتَ قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن الشَّيْخ زين الدّين أَبُو حَفْص عمر بن مُسلم بن سعيد بن بدر بن مُسلم الْقرشِي الْوَاعِظ الْفَقِيه الشَّافِعِي قَاضِي دمشق بخزانة وَمَات الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن الْأَمِير الْكَبِير سيف الدّين الْحَاج آل ملك الجوكندار. ولد بِالْقَاهِرَةِ ثمَّ أعطَاهُ الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاون إمرة طبلخاناه فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 314 حَيَاة أَبِيه وَمَا زَالَت بِيَدِهِ إِلَى الْأَيَّام الناصرية حسن فَأعْطَاهُ إمرة مائَة وَبَقِي عَلَيْهَا إِلَى عَاشر ربيع الآخر سنة خمس وَسبعين وَسَبْعمائة. ولي نِيَابَة غَزَّة عوضا عَن طشبغا المظفري فَسَار إِلَيْهَا وباشرها قَلِيلا. وأعيد إِلَى الْقَاهِرَة على إمرة أَرْبَعِينَ وَعمل من جملَة الْحجاب فاستمر إِلَى اثْنَي ربيع الأول سنة تسع وَتِسْعين فاستعفي من الإمرة وَتركهَا وَلبس عباءة وَركب حمارا وَمَشى بالأسواق وتقنع بِمَا يتَحَصَّل من أوقاف أَبِيه وَأَقْبل على عبَادَة الله حَتَّى مَاتَ يَوْم الْأَحَد ثَانِي عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة. وَمَات القَاضِي ولي الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين عبد الرَّحْمَن ابْن مُحَمَّد بن خير السكندري الْمَالِكِي فِي ثَانِي عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة. وَقد برع فِي الْفِقْه وَالْأُصُول والنحو وَأفْتى ودرس. وَمَات الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن الْأنْصَارِيّ الشَّافِعِي شيخ الخانقاة الصلاحية سعيد السُّعَدَاء فِي عَاشر ذِي الْقعدَة. وَكَانَ مقتصداً فِي ملبسه يجلس بحانوت الشُّهُود ويتكسب من تحمل الشَّهَادَات فأثرى وَكثر مَاله لقلَّة مؤنه فَإِنَّهُ لم يتَزَوَّج. وأوقف ربعا على محرس شَافِعِيّ عِنْده عشر طلبة بالجامع الْأَزْهَر. ثمَّ سعى بالأمير سودن النَّائِب حَتَّى ولي مشيخة سعيد السُّعَدَاء فَلم يتَنَاوَل سوى نصيب وَاحِد وَأَنْشَأَ بهَا مناراً يُؤذن عَلَيْهِ وَعمر أوقافها وَبَالغ فِي الضَّبْط مَعَ سَاعَة مَلَكَةٍ حَتَّى مقته الْجَمِيع. وَمَات الْأَمِير حسام الدّين حُسَيْن بن عَليّ الكوراني وَالِي الْقَاهِرَة مخنوقاً فِي عَاشر شعْبَان. وَمَات الشَّيْخ جلال الدّين رَسُولا بن أَحْمد بن يُوسُف العجمي التباني الْحَنَفِيّ قدم إِلَى الْقَاهِرَة وَأخذ عَن القوام الْأَتْقَانِيّ الْفِقْه وَسمع الحَدِيث على عَلَاء الدّين عَليّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 315 التركماني. وَأخذ الْعَرَبيَّة عَن الْجمال بن هِشَام وَعَن ابْن عقيل والبدر ابْن أم قَاسم. وبرع فِي الْفِقْه وَالْأُصُول والنحو وتصدى للتدريس والإفتاء عدَّة سِنِين ودرس بمدرسة الْأَمِير ألجاي والمدرسة الصَرْغَتَمشية وَغَيرهَا. وَكَانَ منجمعاً عَن النَّاس عرض عَلَيْهِ قَضَاء الْقُضَاة فَامْتنعَ. وَشرح كتاب الْمنَار فِي أصُول الْفِقْه. وَاخْتصرَ شرح البُخَارِيّ لمغلطاي وَشرح مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب فِي الْأُصُول ونظم كتابا فِي الْفِقْه وَشَرحه وَكتب التَّعْلِيق على الْبَزْدَوِيّ وَكتب مُخْتَصرا فِي تَرْجِيح مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله وَكتب على مَشَارِق الْأَنْوَار فِي الحَدِيث وعَلى تَلْخِيص المفتَاح وَله رِسَالَة فِي زِيَادَة الْإِيمَان ونقصانه ورسالة فِي أَن الْجُمُعَة لَا يجوز إِقَامَتهَا فِي مصر وَاحِد. ورسالة فِي الْفرق بَين الْفَرْض العلمي وَالْوَاجِب. وَتُوفِّي خَارج الْقَاهِرَة يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث عشر رَجَب. والتباني نِسْبَة إِلَى مَوضِع خَارج الْقَاهِرَة يُقَال لَهُ التبانة كَانَ يقف فِيهِ سوق للتبن. وَمَات الْحَاج عبيد بن البازدار مقدم الدولة فِي يَوْم السبت رَابِع عشر صفر. وَمَات شرف الدّين عبد الْقَادِر بن مُحَمَّد بن عبد الْقَادِر الْحَنْبَلِيّ النابلسي قَاضِي الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق فِي يَوْم الْأَضْحَى وَقدم الْقَاهِرَة غير مرّة. وَمَات الشَّيْخ المعتقد على الروبي فِي رَابِع عشْرين ذِي الْحجَّة. وَمَات صدر الدّين عمر بن عبد المحسن بن رزين الشَّافِعِي فِي لَيْلَة الْأَحَد سادس عشر الْمحرم وَكَانَ من أجل خلفاء الشَّافِعِيَّة بديار مصر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 316 وَمَات الشَّيْخ زين الدّين عمر بن مُسلم بن سعيد بن عمر بن بدر بن مُسلم الْقرشِي الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي الْوَاعِظ لم يجلس للوعظ حَتَّى حفظ أَرْبَعِينَ مَجْلِسا. وبرع فِي الحَدِيث وَالْفِقْه وَالتَّفْسِير. وَقدم الْقَاهِرَة وَوعظ بهَا وَحصل لَهُ الْقبُول التَّام. ومولده فِي شعْبَان سنة أَربع وَعشْرين وَسَبْعمائة. وَمَات بِدِمَشْق فِي الاعتقال بِسَبَب وَلَده القَاضِي شهَاب الدّين أَحْمد. وَمَات فتح الدّين أَبُو بكر مُحَمَّد بن عماد الدّين أَبى إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن جلال الدّين أَبى الْكَرم مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن الشَّهِيد الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي كَاتب السِّرّ بِدِمَشْق. كَانَ وافر الْفَضِيلَة عَالما بالفنون عَارِفًا فِي الْأَدَب مشاركاً فِي عدَّة عُلُوم مليح الْكِتَابَة صَحِيح الْفَهم رَئِيسا عالي الرتَبة رفيع الْمنزلَة لَهُ محاضرة لَا تمل نَشأ بِدِمَشْق وَأخذ عَن مَشَايِخ عصره وَكتب فِي الْإِنْشَاء ثمَّ ولى كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق ومشيخة الشُّيُوخ وتدريس الظَّاهِرِيَّة ونظم كتاب السِّيرَة النَّبَوِيَّة لِابْنِ هِشَام وَله نظم ونثر وتواليف مفيدة. مَاتَ بِدِمَشْق فِي لَيْلَة التَّاسِع وَالْعِشْرين من شعْبَان. وَمَات أَخُوهُ نجم الدّين مُحَمَّد فِي يَوْم الْجُمُعَة سادس ذِي الْقعدَة وَدفن على أَخَوَيْهِ فتح الدّين مُحَمَّد وشمس الدّين مُحَمَّد. وباشر توقيع الدست وَكِتَابَة سر طرابلس وسيس وحماة. وَأقَام بسيس نَحْو عشْرين سنة ثمَّ قدم إِلَى الْقَاهِرَة حَتَّى مَاتَ بهَا عَن نَحْو تسعين سنة. وَمَات نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن عَليّ الطوسي موقع الدست فِي ثَانِي عشْرين شَوَّال بحلب. وَمَات الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن يُوسُف بن مُحَمَّد الزَّيْلَعِيّ الْحَنَفِيّ الرجل الصَّالح فِي ثَانِي عشْرين الْمحرم. وَمَات أَمِين الدّين مُحَمَّد بن الْحسن الأنفي الْمَالِكِي الْمُحدث الْفَاضِل. ومولده فِي شَوَّال سنة ثَلَاث عشرَة وَسَبْعمائة وَسمع من البنديجي وَغَيره. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 317 وَمَات قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد بن يُوسُف الركراكي الْمَالِكِي بحمص فِي رَابِع عشر شَوَّال. وَمَات الشَّيْخ تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن حَاتِم شيخ الحَدِيث فِي أول ذِي الْقعدَة. وَمَات الشَّيْخ الْمُقْرِئ شمس الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحمد الْعَسْقَلَانِي إِمَام جَامع أَحْمد بن طولون فِي حادي عشر الْمحرم أَخذ عَن التقى الصايغ. وَمَات المهتار نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن على الشيخي فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء أول ربيع الأول. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 318 (سنة أَربع وَتِسْعين وَسَبْعمائة) أهل الْمحرم يَوْم الْأَرْبَعَاء: فِيهِ قدم الْبَرِيد بِأَن السُّلْطَان يدْخل إِلَى غَزَّة فِي ثالثه. وَفِي حادي عشره: قدم الْبَرِيد بنزول السُّلْطَان قطيا. وَفِيه قدم الْحَرِيم السلطاني مَعَ الطواشي بهادُر الْمُقدم فدقت البشائر وَنُودِيَ بالزينة فشرع النَّاس فِيهَا وَفِي تبييض ظَاهر الْبيُوت بشارع الْقَاهِرَة وَفِي نصب القلاع. وَفِي ثَالِث عشره: قدم الْبَرِيد بِالْخرُوجِ إِلَى لِقَاء السُّلْطَان على بلبيس فَخرج الْأَمِير كمشبغا رفي يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس عشره: نزل السُّلْطَان بالعكرشا وَأقَام بهَا إِلَى لَيْلَة الْجُمُعَة ثمَّ رَحل فَخرج سَائِر الطوائف فِي يَوْم الْجُمُعَة إِلَى لِقَائِه وَأَقْبل فِي موكب جليل حَتَّى صعد قلعة الْجَبَل فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً خلع فِيهِ على جَمِيع الْأُمَرَاء وأرباب الْوَظَائِف بأسرهم. وَفِي عشرينه: اسْتَقر أوناط فِي كشف الْوَجْه البحري على عَادَته وعزل شاهين الكلبكي. وَفِي ثَانِي عشرينه: اسْتَقر دمرداش السيفي نَائِب الْوَجْه البحري على عَادَته وعزل أَبُو زلطة وَاسْتقر طُرَقْجي فِي ولَايَة منوف على عَادَته وعزل على بن مُحَمَّد بن طاجار الشَّامي. وَفِي خَامِس عشرينه: قدم الْبَرِيد بِمَوْت الْأَمِير بطا الطولوتمري نَائِب دمشق. وَفِي سَابِع عشرينه: اسْتَقر الْأَمِير سودن الطرنطاي فِي نِيَابَة دمشق وَاسْتقر شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد الله النحريري - قَاضِي طرابلس - فِي قَضَاء الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة بِالْقَاهِرَةِ ومصر عوضا عَن الركراكي. وَفِيه مَاتَ الْأَمِير وَزِير الوزراء نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الحسام لاجين الصقري بعد مرض طَوِيل. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 319 وَفِيه طلب السُّلْطَان الْوُلَاة المعزولين وهم: الْأَمِير أيدمَرُ الَّذِي يُقَال لَهُ أَبُو زلطة وشاهين الكلفتي وناصر الدّين مُحَمَّد بن حسن بن ليلى وعَلى بن مُحَمَّد بن طاز وأسَنبغا وَضرب أيدمُر بالمقارع وسلمهم كلهم إِلَى وَالِي الْقَاهِرَة ليدفعهم على حمل المَال. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي عشر صفر: قبض على الْأَمِير قرا دمرداش نَائِب حلب وعَلى الْأَمِير ألطبغا الْمعلم نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة وسجنا بالبرج. وَخرج الْبَرِيد بِطَلَب تَاج الدّين عبد الرَّحِيم بن الصاحب فَخر الدّين عبد الله بن الصاحب تَاج الدّين مُوسَى بن أبي شَاكر من الْوَجْه القبلي وَقد توجه ليحضره حَتَّى يُولى الوزارة فَلم يتم ذَلِك. وَاسْتقر الْأَمِير ركن الدّين عمر بن الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن قايماز أستادار الْأَمِير بيبرس - ابْن أُخْت السُّلْطَان - فِي الوزارة وخلع عَلَيْهِ فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشره. وَاسْتقر تَاج الدّين بن كحل فِي نظر الدولة رفيقاًُ لشمس الدّين المقسي. وَفِي خَامِس عشره: قبض على الْأَمِير قردم الحسني. وَفِيه خلع على الشريف صدر الدّين مرتضى بن غياث الدّين إِبْرَاهِيم بن صدر الدّين حَمْزَة الْحُسَيْنِي بِنَظَر الْقُدس والخليل. وَفِي تَاسِع عشره: أخرج الْأَمِير قردم إِلَى غَزَّة بإمرة عشرَة بهَا. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير العثماني أَمِير جاندار بعد موت قطلوبغا الطَقتمُشي وَأَفْرج عَن الْأَمِير قطلوبغا الطشتمري الْحَاجِب. وَفِي ثَمَانِي عشرينه: اسْتَقر نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْأَمِير جمال الدّين مَحْمُود الأستادار فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن ألطنبغا الْمعلم. وَقدم الْبَرِيد بِأَن خَمْسَة عشر من المماليك أَتَوا إِلَى بَاب قلعة دمشق مشَاة وشهروا سيوفهم وهجموا على القلعة وَأَغْلقُوا بَابهَا وأخرجوا المنطاشية والناصرية من الْحَبْس وهم مائَة رجل وَقتلُوا نَائِب القلعة وَجَمَاعَة مَعَه وَأَن الْحَاجِب ركب بالعسكر وَقَاتلهمْ ثَلَاثَة أَيَّام حَتَّى اقتحم عَلَيْهِم القلعة وَأَخذهم كلهم إِلَّا خَمْسَة أنفس مِنْهُم فَإِنَّهُم فروا ووسط الْجَمِيع. وَفِي يَوْمه: اسْتَقر صديق الكركي فِي ولَايَة الفيوم وعزل أسَنْبُغا السيفي. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث ربيع الأول: برز الْأَمِير سودن الطرنطاي نَائِب دمشق إِلَى الريحانية بَعْدَمَا لبس قبَاء السّفر. وَلبس أَيْضا الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن مَحْمُود الأستادار قبَاء السّفر وَتوجه إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 320 وَفِيه سَار الْأَمِير حسن الكَجكَني إِلَى بِلَاد الرّوم بهمة لخوند كار أَبى يزِيد بن عُثْمَان. وَفِي سادسه: اسْتَقر القَاضِي جمال الدّين مَحْمُود العجمي فِي مشيخة الخانكاة الشيخونية ونظرها بعد وَفَاة الشَّيْخ عز الدّين يُوسُف الرَّازِيّ. وَفِي سادسه: قبض على الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن عبد الله بن بَكنمُر الْحَاجِب - صهر الْأَمِير وَفِيه رَحل الْأَمِير سودن نَائِب دمشق وَمَعَهُ الْأَمِير بكتمر شاد الشَّرَاب خاناه ليَقْتُلهُ بِدِمَشْق. وَفِي رَابِع عشره: تزوج السُّلْطَان بنت الْمعلم شهَاب الدّين أَحْمد الطولوني المهندس. وَفِي خَامِس عشره: عزل قَاضِي الْقُضَاة عماد الدّين أَحْمد الكركي نوابه وَاقْتصر مِنْهُم على خَمْسَة فَقَط. وَكَانَ قد استكثر من النواب حَتَّى زادوا على الْعشْرين فَأنْكر عَلَيْهِ السُّلْطَان ذَلِك فصرفهم. وَفِيه نقل عَلَاء الدّين على البيري مواقع الْأَمِير يلبغا الناصري ومحب الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الشّحْنَة قَاضِي الْحَنَفِيَّة بحلب من بَيت الْأَمِير جمال الدّين مَحْمُود الأستادار إِلَى دَار الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن الطبلاوي وَالِي الْقَاهِرَة وَكَانَ قد قبض عَلَيْهِمَا بِالشَّام وحضرا مَعَ السُّلْطَان فِي الترسيم وأنزلا بدار الْأَمِير مَحْمُود فأكرمهما وَقَامَ لَهما. مِمَّا يَلِيق بهما. وَفِي سادس عشره: عزل قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أَحْمد النحريري الْمَالِكِي نوابه وَترك مِنْهُم خَمْسَة على حَالهم. وَفِي سَابِع عشره: اسْتَقر زين الدّين أَمِير فرج الْحلَبِي فِي شدّ الدَّوَاوِين وَكَانَ وَالِي الْقَاهِرَة يتحدث فِي شدّ الدَّوَاوِين مُنْذُ قبض على نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أقبغا آص. وَفِي يَوْم السبت ثَانِي عشرينه: سَافر إِلَى بِلَاده أَبُو الْحجَّاج يُوسُف بن عَليّ بن غَانِم أَمِير الْعَرَب بِبِلَاد الْمغرب بعد مَا حج وَأقَام بِالْقَاهِرَةِ أشهراً. وَاجْتمعَ بالسلطان وَألبسهُ كاملية حَرِير بطرز ذهب. وَفِي رَابِع عشرينه: اسْتَقر الْفَخر عبد الرَّحْمَن بن مكانس وزيراً بِدِمَشْق. وَفِيه قتل عَلَاء الدّين على البيري وَدفن خَارج بَاب النَّصْر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 321 وَفِي خَامِس عشرينه: أفرج عَن الْمُحب بن الشّحْنَة. وَفِي سادس عشرينه: أفرج عَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن بكتمر الْحَاجِب على أَن يحمل مِائَتي دِرْهَم فضَّة. وَفِي يَوْم السبت سَابِع ربيع الآخر: اسْتَقر تَاج الدّين عبد الرَّحِيم بن الصاحب فَخر الدّين عبد الله بن أبي شَاكر فِي نظر الدِّيوَان الْمُفْرد. وَاسْتقر منجك السيفي وَالِي أشموم الرُّمَّان وعزل نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الطَّوِيل. وَاسْتقر يلبغا مَمْلُوك مبارك شاه وافي الأشمونين عوضا عَن مُحَمَّد بن الأعسر. وَاسْتقر شرف الدّين أَبُو البركات مُوسَى بن مُحَمَّد بن جُمُعَة الْأنْصَارِيّ فِي قَضَاء الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بحلب عوضا عَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْخطب شمس الدّين مُحَمَّد بن خطيب نقيرين. وأنعم على الْأَمِير قديد بتقدمة ألف عوضا عَن قُطْلوبُغا الصفوي بعد مَوته. وأنعم على بلاط المنجكي بإمرة عشرَة وَاسْتقر يَلبغا الظَّاهِرِيّ نَائِب الْوَجْه القبلي على عَادَته. وَفِي سادس عشره: أُعِيد نظر الْجَامِع الطولوني إِلَى قَاضِي الْقُضَاة عماد الدّين أَحْمد الكركي وَكَانَ قد اسْتَقر فِيهِ الْأَمِير قطلوبغا الصفوي مُدَّة. وَفِي ثَانِي عشرينه: اسْتَقر الْأَمِير قطلوبغا الأسنقجاوي أَبُو درقة فِي ولَايَة أسوان عوضا عَن الصارم إِبْرَاهِيم الباشقردي. وَفِي ثَالِث عشرينه: قتل الْأَمِير أيدكار الْعمريّ وقراكسك وأرسلان اللفاف وصنجق وأرغون شاه. وَفِي خَامِس عشرينه: أُعِيد النَّجْم مُحَمَّد الطنبدي إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة وَصرف بهاء الدّين مُحَمَّد بن الْبُرْجِي. وَفِيه رسم السُّلْطَان للأمير أَبى يزِيد الدوادار وَالْقَاضِي بدر الدّين مُحَمَّد بن فضل الله كَاتب السِّرّ بالتحدث فِي أوقاف الحرمِين وَأَن يسترفع حِسَابهَا شمس الدّين نصر الله ابْن شظية - مُسْتَوْفِي ديوَان المرتجع - فوُكِّل بمباشري أوقاف الْحَرَمَيْنِ وألزموا بِرَفْع حِسَاب عشر سِنِين وألزم مباشرو موادع الحكم بِعَمَل حِسَاب الْأَيْتَام وَذكر التّرْك الْمُهْملَة ورسم على أُمَنَاء الحكم وجباة الْأَوْقَاف. وَفِيه أضيف إِلَى الْأَمِير مبارك شاه كشف الفيوم والبهنسا والأطفيحية مَعَ كشف الجيزة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 322 وَفِي أول جُمَادَى الأولى: أحضرت عدَّة رُؤُوس من المسجونين بالإسكندرية من الْأُمَرَاء. وَاسْتقر أَبُو بكر بن بدر فِي ولَايَة البهنسا عوضا عَن شرف الدّين بن طي الدهروطي. وَفِي تَاسِع عشره: اسْتَقر الْأَمِير كُمُشبغا الْحَمَوِيّ أتابك العساكر بعد موت الْأَمِير الْكَبِير أينال اليوسفي وتحدث فِي نظر المارستان المنصوري على الْعَادة. وَاسْتقر الْأَمِير أيتمش البجاسي رَئِيس نوبَة النوب. وَفِي ثَالِث رَجَب: قدم الْبَرِيد بقتل منطاش وَلم يَصح. وَفِي حادي عشره: تجمع عدَّة من المماليك السُّلْطَانِيَّة على الْأَمِير جمال الدّين مَحْمُود الأستادار عِنْد نُزُوله من القلعة وسبّوه ورجمه بَعضهم من أَعلَى القلعة بِالْحِجَارَةِ وشهروا دبابيسهم ليقتلوه وَكَانَ قَرِيبا من بَيت الْأَمِير أيتمش. فَلَمَّا بلغه ذَلِك ركب بِنَفسِهِ ليخلصه ففر أَكثر المماليك مِنْهُ وَثَبت بَعضهم. فَمَا زَالَ بهم يدافعهم عَنهُ بالرفق حَتَّى انصرفوا عَنهُ. وَسَار بِهِ إِلَى بيتَه حَتَّى سكنت الْفِتْنَة وشيعه فِي مماليكه إِلَى دَاره. وَفِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشره: اسْتَقر تَاج الدّين عبد الرَّحِيم بن أبي شَاكر فِي الوزارة عوضا عَن الرُّكْن عمر بن قايماز. وَاسْتقر ابْن قايماز أستاداراً عوضا عَن الْأَمِير مَحْمُود بَعْدَمَا أنْفق من مَاله سِتّمائَة ألف دِرْهَم فِي تكفية ديوَان الوزارة ذهبت عَلَيْهِ وَلم يتعوض عَنْهَا وَاسْتقر الْأَمِير وَفِي ثامن عشره: أُعِيد الشهَاب الفرجوطي إِلَى ولَايَة قوص وعُزل مُحَمَّد بن العادلي. وَفِي ثَالِث عشرينه: اسْتَقر كريم الدّين عبد الْكَرِيم ابْن الْمعلم أفسح فِي نظر الإسطبلات بعد أَن تعطلت مُدَّة من نَاظر. وَفِي خَامِس عشرينه: اسْتقْبل الصارم إِبْرَاهِيم الباشقردي فِي ولَايَة منوف. وَفِي تَاسِع عشرينه: بُشّر بِزِيَادَة النّيل وَأَن القاع سَبْعَة أَذْرع وَعِشْرُونَ إصبعاً. وَفِيه حضر الشريفان عنان بن مغامس وَعلي بن جلان - أَمِيرا مَكَّة - باستدعاء ودخلا على السُّلْطَان فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث شعْبَان. فأجلس السُّلْطَان ابْن عجلَان - مَعَ صغر سنه - فَوق عنان مَعَ شيخوخته. وَفِي ثَانِي عشره: قبض على الصاحب كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن مكانس من دَاره بِدلَالَة بعض النَّصَارَى عَلَيْهِ وَسلم لوالي الْقَاهِرَة فَوكل بِهِ من يحفظه فِي دَاره. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 323 وَفِي ثَالِث عشره: استَقر الْغَرْس خَلِيل الشرفي وَالِي أشموم الرُّمَّان وَصرف منجك. وَفِي ثامن عشرينه: ابتَدأ بالسلطان مرض لزم مِنْهُ الْفراش. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ أول شهر رَمَضَان: اسْتَقر الْأَمِير كُمُشبغا الخاصكي الأشرفي نَائِبا بِدِمَشْق بعد موت سودن الطرنطاي. وَفِي سادسه - وَهُوَ ثَالِث مسري: - أوفي النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا فَنزل السُّلْطَان إِلَى المقياس وَفتح الخليج على الْعَادة. وَفِي عاشره ورد الْبَرِيد بمحاربة عَسْكَر حلب لمنطاش وفراره وَأَنه عدى الْفُرَات وَقبض على عدَّة من أَصْحَابه. وَفِي حادي عشره: خلع على الشريف عَليّ بن عجلَان وَاسْتقر أَمِيرا بِمَكَّة وَحده من غير شريك لَهُ وخلع على الشريف عنان والشريف عَليّ بن مبارك خلعتي إنعام. وَلبس كمشبغا نَائِب دمشق قبَاء السّفر وَسَار وطُلبه بتجمل عَظِيم قاد فِيهِ سبعين جنيباً من الْخَيل. وَفِي ثَالِث عشره: قُلعت الزِّينَة. وَفِي خَامِس عشره: نزل السُّلْطَان من القلعة إِلَى الْقَاهِرَة وَصعد إِلَى مدرسته بِخَط بَين القصرين وزار أَبَاهُ وَعَاد. وَفِيه أنعم على الْأَمِير تغري بردى من كشمبغا بتقدمة ألف وأنعم بطبلخاناته على الْأَمِير قلمطاي العثماني. وأنعم على حادي خجا بإمرة عشْرين. وَفِيه أُعِيد الْأَمِير مَحْمُود إِلَى الأستادارية عوضا عَن الرُّكْن عمر بن قايماز. وَاسْتقر ابْن قايماز هن جملَة أُمَرَاء الطبلخاناه. وَفِي سادس عشره: اسْتَقر بدر الدّين مُحَمَّد بن الطوخي فِي الوزارة بِدِمَشْق عوضا عَن الْفَخر عبد الرَّحْمَن بن مكانس. وَخرج الْبَرِيد بإحضاره من دمشق فِي الترسيم هُوَ وَابْنه مجد الدّين فضل الله وَأَخُوهُ نصر الله. وَفِي ثَانِي عشرينه: قدم الْبَرِيد بِوُقُوع الْحَرِيق فِي دمشق يَوْم السبت حادي عشْرين شعْبَان بجوار جَامع بنى أُميَّة تلف فِيهِ شَيْء كثير جدا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 324 وَفي هَذَا الشَّهْر: وَقع وباء فِي الْبَقر حَتَّى أبيعت الْبَقَرَة بِعشْرين بعد مَا كَانَت تبَاع بِخَمْسِمِائَة دِرْهَم. ثمَّ فحش الْمَوْت فِيهِنَّ فأبيعت الْبَقَرَة بِخَمْسَة دَرَاهِم وَترك النَّاس أكل لحم الْبَقر استقذاراً لَهُ. وَعم الوباء فِي الْبَقر أَرض مصر كلهَا ففنى مِنْهَا مَا لَا يَقع عَلَيْهِ حصر. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سادس شَوَّال: اسْتَقر نَاصِر الدّين مُحَمَّد الضاني فِي ولَايَة منفلوط وعزل على بن غَلْبَك. وَفِي سابعه: اسْتَقر أَحْمد الأرغوني فِي ولَايَة دمياط وعزل أَبُو بكر بن بدر. وَفِي ثامن شَوَّال: اسْتَقر القَاضِي بدر الدّين الأقفهسي فِي نظر الدولة وعزل ابْن شيخ. وَاسْتقر نَاصِر الدّين مُؤمن فِي ولَايَة قليوب وعزل قطلوبغا الصفوي. وَاسْتقر عَلَاء الدّين على الطشملاقي وَالِي قطيا. وعزل حسام الدّين حسن المؤمني أَمِير آخور. وَفِيه أنعم على الشريف عَليّ بن عجلَان أَمِير مَكَّة بِأَرْبَعِينَ فرسا وَعشرَة مماليك من الأتراك وَثَلَاثَة آلَاف أردب قمحاً وَألف أردب شَعِيرًا وَألف أردب فولاً وَحمل على فرش بقماش ذهب ورسم لَهُ أَن يستخدم مائَة فَارس من التّرْك يسير بهم إِلَى مَكَّة. وَفِيه قبض على تَاج الدّين بن كحل وَسلم لشاد الدواويِن على مَال يحملهُ. وَفِي خَامِس عاشره: عزل شيخ الشُّيُوخ الْمَعْرُوف بشيخ الْإِسْلَام أصلم بن نظام الدّين الْأَصْفَهَانِي وَسلم لشاد الدَّوَاوِين على حمل مِائَتي ألف دِرْهَم. وَذَلِكَ أَن السُّلْطَان لما اخْتَلَّ أمره بحركة الْأَمِير يلبغا الناصري ومسيره إِلَى الْقَاهِرَة همَّ الْملك الظَّاهِر بالهرب وَأعْطى شيخ الشُّيُوخ هَذَا خَمْسَة آلَاف دِينَار وواعده أَن ينزل إِلَيْهِ ويختفي عِنْده فَلم يِف لَهُ بذلك وغيب عَنهُ فاختفي السُّلْطَان عِنْد أبي يزِيد كَمَا ذكر. فَلَمَّا عَاد إِلَى الْملك طلب مِنْهُ الْخَمْسَة آلَاف دِينَار على لِسَان الدوادار فَقَالَ تَصَدَّقت بهَا على الْفُقَرَاء. فَلَمَّا ألح الدوادار فِي مُطَالبَته قَالَ: أعلم السُّلْطَان أَنِّي أجمع الْفُقَرَاء من الزوايا والربط وألزمهم بِإِعَادَة مَا تَصَدَّقت بِهِ عَلَيْهِم وَأَقُول لَهُم إِن لسلطان قد عَاد فِي صدقته فَإِنَّهُ لم يدْفع هَذَا المالل إِلَيّ إِلَّا لأتصدق بِهِ لَا أَنه وَدِيعَة عِنْدِي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 325 فَلَمَّا أعَاد الدوادار على السُّلْطَان هَذَا القَوْل أسرها فِي نَفسه وَصبر كعادته حَتَّى وقف إِلَيْهِ من ادّعى أَن تَاجِرًا ترك عِنْد شيخ الشُّيُوخ عدَّة أحمال فِيهَا ثِيَاب ليسافر بهَا من غير مكر فَأمر بِطَلَبِهِ من خانكاه سرياقوس. فَلَمَّا وقف مَعَ غَرِيمه اعتذر فَقَالَ بعض من حضر أَنه مَكْتُوب فِي يَده سحر يسحر بِهِ السُّلْطَان فَعَزله من المشيخة وتسلمه شاد الدَّوَاوِين. وَفِي سادس عشره: اسْتَقر نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن ليلى فِي نقابة الْجَيْش وعزل أسندمر. وَفِي تَاسِع عشره: اسْتَقر الشريف فَخر الدّين نَاظر المارستان فِي مشيخة الشيويخ بخانكاة سرياقوس. وَفِي عشرينه: اسْتَقر جمال الدّين مَحْمُود العجمي فِي نظر الجيمش عوضا عَن كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن عبد الْعَزِيز مَعَ مَا بِيَدِهِ من قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة ومشيخة الشيخونية وَلم يَقع مثل ذَلِك بدولة الأتراك فِي مصر. وَاسْتقر قطلوبغا القشتمري الْحَاجِب فِي كشف الْوَجْه البحري وعزل قطلوبغا وعزل أوناط. وَفِي خَامِس عشرينه: سَار الشريف عَليّ بن عجلَان بعسكره إِلَى مَكَّة وَمنع الشريف عنان من السّفر ورتب لَهُ فِي كل يَوْم مَا يقوم بِهِ. وَفِي سادس عشرينه: نُودي بِزِيَادَة النّيل ثَلَاثَة أَصَابِع من عشْرين ذِرَاعا. وَفِي سَابِع عشرينه: اسْتَقر الْأَمِير تاني بك اليحياوي أَمِير أخور عوضا عَن الْأَمِير بكلمش وَفِي سلخه: نُودي بِخُرُوج القطعان الَّذين قطعت أَيْديهم فِي السرقات والبرصان والجذماء من الْقَاهِرَة وظواهرها وهمد من أَقَامَ مِنْهُم بالتوسيط. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة أول ذِي الْقعدَة - وَهُوَ ثَالِث عشْرين توت -: انْتَهَت زِيَادَة النّيل إِلَى اثْنَي عشر إصبعاً من عشْرين ذِرَاعا وَثَبت إِلَى سَابِع بَابه ثمَّ انحط بعد مَا بلغ عشْرين إصبعاً من عشْرين ذِرَاعا. وَفِي رابعه: أُعِيد مبارك شاه إِلَى نِيَابَة الْوَجْه القبلي وعزل يلبغا الأسعدي. وَاسْتقر حسام الدّين المؤمني أَمِير أخور فِي ولَايَة الجيزة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 326 وَفِي سابعه: أُعِيد بهاء الدّين مُحَمَّد الْبُرْجِي إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة وعزل النَّجْم مُحَمَّد الطنبدي وَأذن لَهُ فِي الحكم عَن قَاضِي الْقُضَاة الشَّافِعِي. وَفِي تاسعه: سَار السُّلْطَان إِلَى سرحة سرياقوس وَنزل بالقصور على الْعَادة. وَفِي عاشره: عُفيَ عَن القطعان من النَّفْي. وَفِي ثَالِث عشره: قدم نَاصِر الدّين أَحْمد التنسي من الْإسْكَنْدَريَّة باستدعاء وَاسْتقر فِي قَضَاء الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة. وعزل الشهَاب أَحْمد النحريري وَدخل إِلَى الْقَاهِرَة من سرياقوس بالتشريف. وَفِي سادس عشره: قبض بسرياقوس على سِتَّة مماليك وحملوا فِي الْحَدِيد إِلَى وَالِي الْقَاهِرَة من وَفِي ثامن عشره: عزل الْمُقدم مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن وألزم بِحمْل مِائَتي ألف دِرْهَم وَاسْتقر عوضه فِي تقدمة الدولة تنيتين. وَاسْتقر مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن فِي تقدمة الْخَاص وَشرع فِي حمل مَا قرر عَلَيْهِ للوزير. وَفِيه قتل الْأَمِير قرا دمرداش والأمير طغاي تمر - نَائِب سيس - فِي عدَّة من الْأُمَرَاء. وَفِيه اسْتَقر تَقِيّ الدّين أَبُو مُحَمَّد بن قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين أَبى المحاسن يُوسُف ابْن قَاضِي الْقُضَاة شرف الدّين أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن الْحُسَيْن بن سُلَيْمَان بن فَزَارَة الكفري فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن نجم الدّين مَحْمُود بن الِكشْك. وَاسْتقر الْبُرْهَان إِبْرَاهِيم التادلي فِي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق وَاسْتقر عمر بن إلْيَاس أخي قرط فِي ولَايَة منفلوط. وَفِي خَامِس عشْرين ذِي الْحجَّة: قدم مبشرو الْحَاج وأخبروا بالسلامة والأمن وتسلم على بن عجلَان مَكَّة وَأَنه غرق بجدة نَحْو الثَّلَاثِينَ مركبا من ريح عاصف. وَاسْتقر شرف الدّين مَسْعُود فِي قَضَاء الشَّافِعِيَّة بطرابلس عوضا عَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن كَمَال الدّين المعري. وَفِي سَابِع عشرينه: أَمر قَاضِي الْقُضَاة عماد الدّين أَحْمد الكركي الشَّافِعِي بِلُزُوم بَيته وَألا يحكم. وَفِي هده السّنة: ضرب الْأَمِير مَحْمُود الأستادار بالإسكندرية فُلُوسًا نَاقِصَة الْعيار عَن الْفُلُوس الَّتِي يتعامل بهَا النَّاس فِي ديار مصر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 327 وفيهَا اسْتَقر الأميران شمس الدّين مُحَمَّد بن الْأَمِير زين الدّين قارا بن مهنا وزين الدّين رقيبة بن الْأَمِير ركن الدّين عمر بن مُوسَى بن مهنا الشهير بعمر المصمع. وَفِي هَذِه السّنة: خرج جمَاعَة من بِلَاد الْمغرب يُرِيدُونَ أَرض مصر لأَدَاء فَرِيضَة الْحَج وَسَارُوا فِي بَحر الْملح فألقتهم الرّيح إِلَى جَزِيرَة صقلية فَأَخذهُم النَّصَارَى وَمَا مَعَهم وَأتوا بهم إِلَى ملك صقلية فأوقفهم بَين يَدَيْهِ وسألهم عَن حَالهم فأخبروه أَنهم خَرجُوا يُرِيدُونَ الْحَج فألقاهم الرّيح إِلَى هُنَا فَقَالَ: أَنْتُم غنيمَة قد ساقكم الله إِلَيّ وَأمر بهم أَن يقيدوا حَتَّى يباعوا ويستخدموا فِي مهنهم وَكَانَ من جُمْلَتهمْ رجل شرِيف فَقَالَ لَهُ على لِسَان ترجمانه: أَيهَا الْملك إِذا قدم عَلَيْك ابْن ملك مَاذَا تَصنع بِهِ قَالَ: أكْرمه قَالَ: وَإِن كَانَ على غير دينك. قَالَ: وَمَا كرامته إِلَّا إِذا كَانَ على غير ديني وَإِلَّا فَأهل ديني وَاجِب كرامتهم قَالَ: فَإِنِّي ابْن أكبر مُلُوك الأَرْض. قَالَ: وَمن أَبوك قَالَ: عَليّ بن أَبى طَالب رضى الله عَنهُ. قَالَ: وَلم لَا. قلت: أَبى مُحَمَّد - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: خشيت أَن تشتموه. قَالَ: لَا نشتمه أبدا. قَالَ: بيَّنْ لي صدق مَا ادعيت بِهِ فَأخْرج لَهُ نسبته - وَكَانَت مَعَه فِي رق - فَأمر بِتَخْلِيَتِهِ وتخلية من مَعَه لسبيلهم وجهزهم. ثمَّ بلغه أَن بعض النَّصَارَى من أجناده بَال على هَذَا الشريف فَأمر بِهِ فَأحرق وَشهر فِي بَلَده. وَنُودِيَ عَلَيْهِ: هَذَا جَزَاء من يشْتم الْمُلُوك فَإِنَّهُ كَانَ شتم أَبَا الشريف وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر من الْأَعْيَان سوى من قتل من الْأُمَرَاء: شهَاب الدّين أَحْمد الدَّفري أحد نواب الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة بِالْقَاهِرَةِ فِي ثَانِي عشر ذِي الْقعدَة. وَمَات شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَليّ الدّنيسري الْمَعْرُوف بِابْن الْعَطَّار الشَّاعِر فِي سادس عشْرين ربيع الآخر. وَمَات الْأَمِير الْكَبِير أينال اليوسفي أحد المماليك اليلبغاوية فِي رَابِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة. كَانَ أينال شرس الْأَخْلَاق شجاعاً. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 328 وَمَات الْأَمِير سيف الدّين بُطا الطولوتمري أحد المماليك الظَّاهِرِيَّة برقوق ونائب الشَّام فِي حادي عشْرين الْمحرم بِدِمَشْق. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين تلكتمر. تنقل فِي الخدم حَتَّى أنعم عَلَيْهِ الْملك الْأَشْرَف شعْبَان بن حُسَيْن وَبعد وَاقعَة الْأَمِير أسندمر بإمرة مائَة. وَاسْتقر رَأس نوبَة كَبِيرا فِي تَاسِع عشر صفر سنة تسع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة. ثمَّ صَار أَمِير مجْلِس فِي خَامِس عشر رَمَضَان مِنْهَا ثمَّ نقل من ذَلِك وَصَارَ أستاداراً فِي حادي عشر الْمحرم سنة إِحْدَى وَسبعين عوضا عَن علم دَار المحمدي. ثمَّ أخرج إِلَى صفد فِي ثَالِث ربيع الآخر مِنْهَا وَاسْتقر نائبها. ثمَّ أحضر إِلَى الْقَاهِرَة بعد قَلِيل وأنعم عَلَيْهِ بإمرة مائَة. فَلَمَّا كَانَ فِي صفر سنة خمس وَسبعين اسْتَقر حَاجِب الْحجاب مُدَّة ثمَّ تعطل وَلزِمَ دَاره حَتَّى مَاتَ فِي حادي عشْرين ربيع الآخر. وَمَات الْأَمِير سودُن الطرنطاي نَائِب دمشق بهَا فِي شعْبَان. وَمَات الشَّيْخ المعتقد طَلْحَة المغربي المجذوب فِي رَابِع عشر شَوَّال بِمَدِينَة مصر. وَكَانَت جنَازَته مَشْهُورَة وَدفن خَارج بَاب النَّصْر وَهُوَ أحد من أوصى الْملك الظَّاهِر عِنْد مَوته بدفنه تَحت أَرجُلهم. وَمَات صدر الدّين عبد الْخَالِق بن عَليّ بن الْحسن بن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن الْفُرَات الْمَالِكِي موقع الحكم أَخذ الْفِقْه عَن الشَّيْخ خَلِيل وَكتب على غَازِي وبرع فِي الْفِقْه وَالْكِتَابَة. وَمَات فِي ثَالِث عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة. وَمَات الشَّيْخ عز الدّين يُوسُف بن مَحْمُود بن مُحَمَّد الرَّازِيّ العجمي الْحَنَفِيّ الْأَصَم شيخ الخانكاة الركنية بيبرس ثمَّ شيخ الخانكاة الشيخونية وَمَات فِي ثَالِث عشْرين الْمحرم وَقد أناف على السّبْعين. وَمَات القَاضِي جمال الدّين عبد الله بن الفيشي الْمَالِكِي أحد نواب الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة بِالْقَاهِرَةِ. وَكَانَ نَقِيبًا للقضاة ثمَّ تولى الحكم ورتب درساً بالجامع الْأَزْهَر وأجرى عَلَيْهِ وَقفا. وَمَات فِي الْعشْرين من ربيع الأول بعد أَن ابتلى بالجذام عدَّة سِنِين وَهُوَ يُبَاشر الحكم. وَمَات الشريف عبد الرَّحْمَن بن عبد الْكَافِي بن عَليّ بن عبد الله بن عبد الْكَافِي بن قُرَيْش بن عبد الله بن عياد بن طَاهِر بن مُوسَى بن مُحَمَّد بن قَاسم بن مُوسَى الجليس بن إِبْرَاهِيم بن طَبَاطَبَا بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن الْحسن بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أَبى طَالب الطباطبي الْمُؤَذّن فِي ثامن شَوَّال وَكَانَ قد حظي عِنْد السُّلْطَان وَتمكن مِنْهُ. حَدثنِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 329 شمس الدّين مُحَمَّد بن عبد الله الْعمريّ - موقع الدست - قَالَ: كنت فِي خدمَة جمال الدّين مَحْمُود العجمي قَاضِي الْقُضَاة وناظر الْجَيْش فَركب يَوْمًا وأتى مَعَه إِلَى دَار الشريف عبد الرَّحْمَن هَذَا فَتَلقاهُ وَأدْخلهُ إِلَى دَاره واستعظم مَجِيئه إِلَيْهِ فَبَالغ مَحْمُود فِي التأدب مَعَه وَقَالَ لَهُ: يَا سيد أَنا أسْتَغْفر الله مِمَّا وَقع مني. فَقَالَ: وَمَا الْخَبَر يَا سَيِّدي قَالَ: مَا دخلت البارحة إِلَى السُّلْطَان وَجئْت أَنْت وَجَلَست فَوقِي أنفت من هَذَا فِي سري وَقلت: كَيفَ يجلس هَذَا فَوقِي ومحلي من الدولةَ مَا قد عرف وشق عليَّ ذَلِك وَقمت وَلم يشْعر أحد من خلق الله بِشَيْء من ذَلِك بل كَانَ مِمَّا حدثت نَفسِي. فَلَمَّا نمت رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النّوم وَهُوَ يَقُول لي: يَا مَحْمُود تستقل ابْني أَن تجْلِس تَحْتَهُ فاستغفرت مِمَّا وَقع مني وَقد جئْتُك ثَانِيًا بِمَا خطر لي وَمَات الأديب الْوَزير فَخر الدّين عبد الرَّحْمَن بن شمس الدّين عبد الرَّزَّاق بن علم الدّين إِبْرَاهِيم بن مكانس القبطي نَاظر الدولة بديار مصر ووزير دمشق. مَاتَ فِي خَامِس عشر ذِي الْحجَّة. وَمَات عَلَاء الدّين عَليّ بن عِيسَى بن مُوسَى بن عِيسَى بن سليم بن حميد الْأَزْرَقِيّ المقيري الكركي كَاتب السِّرّ فِي أول ربيع الأول وَدفن خَارج بَاب النَّصْر من الْقَاهِرَة. وَمَات عَلَاء الدّين عَليّ بن عبد الله بن يُوسُف البيري الْحلَبِي الأديب الشَّاعِر المنشئ الْكَاتِب فِي رَابِع عشْرين ربيع الأول مخنوقاً. وَمَات الْأَمِير عنقاء بن شطي أَمِير آل مرا قَتله الفداوية فِي رَابِع الْمحرم. وَمَات الشريف عَليّ بن الشريف شُجَاع الدّين عجلَان أَمِير مَكَّة. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين قطلوبغا الصفوي حَاجِب الْحَاجِب فِي أول ربيع الآخر. وَمَات الْأَمِير قطلوبغا الطقتمشي أحد أُمَرَاء العشراوات فِي عَاشر صفر. وَمَات الشَّيْخ بدر الدّين مُحَمَّد بن بهاء الدّين عبد الله المنهاجي الزَّرْكَشِيّ الْفَقِيه الشَّافِعِي ذُو الْفُنُون والتصانيف المفيدة فِي ثَالِث رَجَب. سمع الحَدِيث وَأفْتى ودرس. وَمَات الشَّيْخ المعتقد أَبُو عبد الله مُحَمَّد الركراكي المغربي فِي ثَانِي عشر جُمَادَى الأولى وَقد قَارب الْمِائَة سنة. وَهُوَ ممتع حَتَّى بِالنسَاء. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 330 وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل أَمِين الْملك الْحلَبِي الْحَنَفِيّ الْأَعْوَر أحد نواب الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بِالْقَاهِرَةِ فِي رَابِع شَوَّال. وَمَات الشَّيْخ الْمُحدث بدر الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مجير الْمَعْرُوف بِابْن الصايغ وابنالمشارف فِي ثَالِث ربيع الآخر. وَمَات الْأَمِير الْوَزير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْأَمِير حسام الدّين لاجين الصقري المنجكي فِي ثَانِي عشر صفر بِمَرَض طَوِيل من غير أَن ينكب. وَمَات جمال الدّين مَحْمُود بن حَافظ الدّين مُحَمَّد بن تَاج الدّين إِبْرَاهِيم بن شنبكي بن أَيُّوب بن قراجا بن يُوسُف القيصري الْمَعْرُوف بِابْن الْحَافِظ الْحَنَفِيّ قَاضِي الْحَنَفِيَّة بحلب وَكَانَ فَاضلا جليل الْقدر عُفيَ عَنهُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 331 فارغه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 332 (سنة خمس وَتِسْعين وَسَبْعمائة) أهل الْمحرم يَوْم الْأَحَد: فَفِي ثَانِيه أُعِيد صدر الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْمَنَاوِيّ إِلَى قَضَاء الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بديار مصر عوضا عَن الْعِمَاد أَحْمد الكركي وَنزل بالتشريف من قلعة الْجَبَل إِلَى الْمدرسَة الصالحية على الْعَادة وَبَين يَدَيْهِ عَالم عَظِيم مِنْهُم الْأَمِير أَبُو يزِيد الدوادار وَبدر الدّين مُحَمَّد بن فضل الله كَاتب السِّرّ وَرَأس نوبَة وحاجب الْحجاب. وَفِيه اسْتَقر عَلَاء الدّين على بن غلبك بن المكللة فِي كشف الفيوم والبهنسا والأطفيحية عوضا عَن طيبغا الزيني. وَفِي تاسعه: قبض على الْوَزير الصاحب تَاج الدّين عبد الرَّحِيم بن أَبى شَاكر وتسلمه أَمِير فرج شاد الدَّوَاوِين ليعاقبه على المَال. وأعيد موفق الدّين أَبُو الْفرج إِلَى الوزارة. وَفِي حادي عشره: قرئَ تَقْلِيد قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين مُحَمَّد الْمَنَاوِيّ بمدرسة السُّلْطَان. وَفِي ثَالِث عشره: قدم الْبَرِيد بِمَوْت الْأَمِير كمشبغا الخاصكي نَائِب دمشق فاستقر عوضه تاني بك الْأَمِير الْمَعْرُوف بتنم الحسني أتابك دمشق وأنعم بإمرته على فَخر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 333 الدّين إِيَاس الجرجاوي نَائِب طرابلس. وَنقل دمرداش المحمدي نَائِب حماة إِلَى نِيَابَة طرابلس. وَاسْتقر أقبغا الصَّغِير فِي وَفِيه اسْتَقر حسن المؤمني وَالِي الجيزة فِي ولَايَة قطا وعزل على الطشلاقي وَاسْتقر على بن قراجا فِي ولَايَة الجيزة. وَفِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع صفر: اسْتَقر أسَنْبُغا السيفي فِي ولَايَة قوص. وَقدم الْخَبَر من الْحجاز بِأَن جنتمر التركماني أَمِير ركب الشَّام هجم على أَشْرَاف الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة ليَأْخُذ مِنْهُم صقراً يصطاد بِهِ وفهداً فدافعوه وَقتل مِنْهُم شريفين. وكادت الْحَرْب تقع لَوْلَا ركب الْأَمِير ثَابت بن نعير أَمِير المدينةَ وكف عَن الْقِتَال. وَأَن الشريف عَليّ بن عجلَان قبض على سبعين من بني حسن بِمَكَّة. وَفِيه اسْتَقر مُحَمَّد فِي ولَايَة قطيا وعزل حسن المؤمني. وَفِي تَاسِع عشْرين جُمَادَى الأول: قدم مُحَمَّد بن قارا ومملوك نَائِب دمشق على الْبَرِيد بِأَن منطاش ونعر أَمِير الْعَرَب. وَابْن بزدغان التركماني وَابْن أينال التركماني حَضَرُوا فِي عَسَاكِر كَثِيرَة جحا إِلَى سلمية فَلَقِيَهُمْ مُحَمَّد بن قارا على شيزر بالتراكمين فَقَاتلهُمْ فَقتل ابْن بزدغان وَابْن أينال وجرح منطاش وَسقط عَن فرسه فَلم يعرف لِأَنَّهُ حلق شَاربه وَرمى شعره ثمَّ أَنه أدْركهُ ابْن نعير وأردفه خَلفه وَانْهَزَمَ بعد أَن قتل من الْفَرِيقَيْنِ عَالم كَبِير. وحُملت رَأس بن بزدغان وَابْن أينال إِلَى دمشق وعلفتا على قلعتها. وَفِيه اسْتَقر يلبغا الزيني فِي ولَايَة الأشمونين، وعزل مُحَمَّد بن الأعسر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 334 وَفِي سلخه: اسْتَقر الْحَاج سُلْطَان مهتار الركاب خاناه وعزل المهتار خَلِيل بن أَحْمد بن الشيخي. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَالِث جُمَادَى الْآخِرَة: قبض على الشريف عنان بن مغامس وسجن بالبرج فِي القلعة. وَقدم الْخَبَر بِمَوْت الطواشي زين الدّين مقبل الرُّومِي الشهابي شيخ الخدام بِالْمَسْجِدِ النَّبَوِيّ فَكتب باستقرار الطواشي زين الدّين مسرور الحبشي البشتكي الناصري عوضه. وَفِي ثامنه: قدم الْبَرِيد بِأَن نعير بن حيار ومنطاش كبسا حماه فِي عَسْكَر كَبِير فَقَاتلهُمْ نائبي حماه وطرابلس فانكسرا ونهبت حماه وَأَن جلبان نَائِب حلب سَار بعسكر إِلَى أَبْيَات نعير عِنْدَمَا بلغه ذَلِك وَأخذ مَا قدر عَلَيْهِ من المَال وَالْخَيْل وَالْجمال وَالنِّسَاء والأطفال وأضرم النَّار فِيمَا بَقِي وأكمن كميناً فَمَا هُوَ إِلَّا أَن سمع نعير بِمَا نزل ببيوته رَجَعَ إِلَيْهَا بجمائعه فَخرج الكمين وَقتل من العربان وَأسر كثيرا وَقتل من عَسْكَر حلب نَحْو الْمِائَة فَارس وعدة من الْأُمَرَاء. وَفِي عاشره: أفرج عَن الْأَمِير ألطنبغا الْمعلم وَنفي إِلَى دمياط وَأَفْرج عَن الْأَمِير قطلوبغا السيفي الْحَاجِب فِي أَيَّام منطاش. وَفِي رَابِع عشره: قدم الْبَرِيد بِمَوْت الْأَمِير يلبغا الأشقتمري نَائِب غَزَّة. وَفِي تَاسِع عشرينه: اسْتَقر الحسام حسن صهر أبي عرقة فِي ولَايَة أسوان وعزل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 335 إِبْرَاهِيم الشهابي. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث رَجَب: اسْتَقر الْأَمِير قَلَمْطاي دواداراً بعد وَفَاة أَبى يزِيد. وَفِي رَابِع عشره: توجه ألطنبغا العثماني إِلَى نيابته بغزة وأنعم على تمراز الناصري رَأس نوبَة بطبلخاناه العثماني وأنعم على شرف الدّين مُوسَى بن قماري أَمِير شكار بِعشْرَة تمراز زِيَادَة على عشرته. وَفِي عشرينه: ابْتَدَأَ بالسلطان وعك اشْتَدَّ بِهِ وأفرط عَلَيْهِ الإسهال الدموي وَكثر الإرجاف إِلَى سادس عشرينه. وأبل من مَرضه فَنُوديَ بالزينة فزينت الْقَاهِرَة ومصر وَجلسَ للْحكم بَين النَّاس فِي يَوْم الْأَحَد سَابِع عشرينه على عَادَته. وَركب من الْغَد وشق الْقَاهِرَة من بَاب النَّصْر وَخرج من بَاب زويلة إِلَى بَيت الْأَمِير الْكَبِير أيتمش وَدخل إِلَيْهِ يعودهُ من مرض بِهِ وركض إِلَى القلعة. وَفِيه قبض على الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أقبغا آص كاشف الجيزة وَضرب بالمقارع لشكوى الفلاحين مِنْهُ وَسلم لِابْنِ الطبلاوي وَالِي الْقَاهِرَة. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير يلبغا الأحمدي الظَّاهِرِيّ - الْمَعْرُوف بالمجنون - فِي كشف الْوَجْه البحري وعزل وَفِي رَابِع شعْبَان: نقل ابْن أقبغا آص من بَيت ابْن الطبلاوي إِلَى الْأَمِير جمال الدّين مَحْمُود الأستادار ليَأْخُذ مِنْهُ مائَة ألف دِرْهَم فَوقف عدَّة من الفلاحين إِلَى السُّلْطَان فِي يَوْم الْأَحَد سابعه وَشَكوا مِنْهُ أموراً قبيحة من أَخذ نِسَائِهِم وَأَوْلَادهمْ وفجوره بهم وحاققوه فِي وَجهه على ذَلِك وعَلى أَمْوَال أَخذهَا مِنْهُم فَضرب بالمقارع وَسلم إِلَى وَالِي الْقَاهِرَة ليخلص مِنْهُ أَمْوَال الفلاحين فَضَربهُ أَيْضا بِحَضْرَة أخصامه. وَفِي ثامنه: أَخذ قاع النّيل فَكَانَ سِتَّة أَذْرع واثني عشر إصبعاً. وَفِيه اسْتَقر أوناط اليوسفي نَائِب الْوَجْه البحري وَكَاشف الْبحيرَة وواليها. وعزل دمرداش السيفي وأعيد مُحَمَّد بن حسن بن ليلى إِلَى ولَايَة قطا بعد موت مُحَمَّد بن أشقتمر. وَاسْتقر أسندمر الْعمريّ نقيب الْجَيْش بعد أَن كَانَ فِي ولَايَة بلبيس وعزل على بن الطشلاقي. وَفِي ثَانِي عشرينه: اسْتَقر برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن نصر الله فِي قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَابِلَة بِالْقَاهِرَةِ ومصر بعد وَفَاة أَبِيه قَاضِي الْقُضَاة نَاصِر الدّين. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 336 وَفِي سَابِع عشرينه: قدم عَامر بن ظَالِم بن حيار بن مهنا - ولد أخي الْأَمِير نعير - مغاضباً لِعَمِّهِ فَأقبل السُّلْطَان عَلَيْهِ وَأَجْلسهُ وخلع عَلَيْهِ. وَقدم الْبَرِيد من دمشق بوصول أَبى بكر وَعمر وَلَدي نعير مفارقين لأبيهما ومعهما عدَّة من وَفِي تَاسِع عشرينه: قدمت رسل القان طَقْتمش خَان ملك الدشت. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث رَمَضَان: قدم الْبَرِيد من حلب بِقَبض منطاش وَذَلِكَ أَن الْأَمِير جلبان نَائِب حلب لم يزل يبْذل جهده فِي أَمر منطاش حَتَّى وَافقه الْأَمِير نعير على ذَلِك. وَكَانَ فِي طول هَذِه الْمدَّة مُقيما عِنْده ويغزو مَعَه فَبعث جلبان شاد شراب خاناته كمشبغا إِلَى نعير فِي خَمْسَة عشر فَارِسًا بَعْدَمَا الْتزم لَهُ بِإِعَادَة إمرة الْعَرَب إِلَيْهِ. فَلَمَّا قرب من أَبْيَات نعير نزل وَبعث يَأْمُرهُ بِقَبْضِهِ فندب نعير أحد عبيده إِلَى منطاش يستدعيه إِلَيْهِ فأحس بِالشَّرِّ وهم بالفرار فَقبض العَبْد عنان فرسه وأدركه عبد آخر وأنزلاه عَن فرسه وأخذا سَيْفه فبدر إِلَى سكين مَعَه ضرب نَفسه بهَا أَربع ضربات وأغشى عَلَيْهِ وَحمل إِلَى كمشبغا وَمَعَهُ فرسه وَأَرْبع جمال فَسَار بِهِ إِلَى حلب فِي أَرْبَعمِائَة فَارس من عرب نعير. فَكَانَ لدُخُوله يَوْمًا مشهوداً وسجن بقلعتها. فسر السُّلْطَان بذلك سُرُورًا عَظِيما وأنعم على كمشبغا الْوَاصِل بالبشرى بِخَمْسَة آلَاف دِرْهَم وقباء مطرز بِنصب وَتقدم إِلَى سَائِر الْأُمَرَاء بخلعهم عَلَيْهِ ودقت البشائر وَنُودِيَ بالزينة فزينت الْقَاهِرَة ومصر وَنُودِيَ من الْغَد بِأَن منطاش قد قبض عَلَيْهِ. وَفِي خامسه: قرئَ تَقْلِيد قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم الْحَنْبَلِيّ على الْعَادة. وَفِيه توجه الْأَمِير سيف الدّين طولو من عَليّ باشا - أحد العشراوات - على الْبَرِيد لإحضار منطاش فَسَار إِلَى حلب وعصره لِيُقِر فَلم يعْتَرف بِشَيْء ثمَّ ذبح وحملت رَأسه على رمح وطيف بهَا حلب وَسَائِر مدن الشَّام حَتَّى قدمت قلعة الْجَبَل صُحْبَة طُولُو فِي يَوْم الْجُمُعَة حادي عشرينه علقت على بَاب القلعة ثمَّ طيف بهَا - على رمح - الْقَاهِرَة ومصر وعلقت على بَاب زويلة ثَلَاثَة أَيَّام. ثمَّ حطت وسلمت إِلَى زَوجته أم وَلَده. فدفنت فِي سادس عشرينه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 337 وَفِيه قلعت الزِّينَة وَخرج يَلبغَا السالمي على الْبَرِيد إِلَى الْأَمِير نعير. وَفِي هَذَا الشَّهْر: هجم الفرنج على نَاحيَة نَسْتَراوه فِي أَرْبَعَة غربان وَسبوا ونهبوا وَأَقَامُوا ثَلَاثَة أَيَّام. وَفِي تَاسِع عشرينه: أوفى النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا وَافقه سادس عشر مسري فَركب السُّلْطَان إِلَى المقياس وَفتح الخليج على الْعَادة. وَقدم رسل متملك دهلك بفيل وزرافة وعدة من الْجَوَارِي والخدم وَغير ذَلِك. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سادس عشر شَوَّال: خرج الْمحمل إِلَى الْحجاز مَعَ الْأَمِير سيف الدّين فَارس من قطلو شاه أحد أُمَرَاء الطبلخاناه. وَفِيه ابْتَدَأَ النَّاس فِي الْعِمَارَة على الْكَبْش فبنوا الدّور والأصطبل. وَفِي تَاسِع عشره: قدم رَسُول الْملك الظَّاهِر مَجْد الدّين عِيسَى - صَاحب ماردين - بِأَن تَيْمور لنك أَخذ تبريز وَبعث إِلَيْهِ يستدعيه إِلَى عِنْده بهَا فَاعْتَذر بمشاورة السُّلْطَان مصر فَلم يقبل مِنْهُ وَقَالَ: لَيْسَ لصَاحب مصر عَلَيْك حكم ولأسلافك دهر بِهَذَا لأقليم وَأرْسل إِلَيْهِ خلعة وصكة ينقش بهَا الذَّهَب وَالدَّنَانِير. وَفِيه قدم رَسُول صَاحب بسطَام بِأَن تيمور قتل شاه مَنْصُور متملك شيراز بعث بِرَأْسِهِ إِلَى بَغْدَاد وَبعث بالخلعة والصكة إِلَى السُّلْطَان أَحْمد بن أويس متملك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 338 بَغْدَاد فَلبس الخلعة وَضرب الصكة. ثمَّ أَن تيمور مَلَكَ بَغْدَاد فِي يَوْم السبت حادي عشرينه وَذَلِكَ أَن ابْن أويس كَانَ قد أسرف فِي قتل أُمَرَاء دولته وَبَالغ فِي ظلم رَعيته وانهمك فِي الْفُجُور فكاتب أهل بَغْدَاد تيمور بعد استيلائه على تبريز يحثونه على الْمسير إِلَيْهِم فَتوجه إِلَيْهَا بعساكره حَتَّى بلغ الدربند وَهُوَ عَن بَغْدَاد مسيرَة يَوْمَيْنِ. فَبعث إِلَيْهِ ابْن أويس بالشيخ نور الدّين الْخُرَاسَانِي فَأكْرمه تيمور وَقَالَ: أَنا أترك بَغْدَاد لِأَجلِك. ورحل يُرِيد السُّلْطَانِيَّة فَبعث الشَّيْخ نور الدّين كتبه بالبشارة إِلَى بَغْدَاد وَقدم فِي إثْرهَا. وَكَانَ تيمور قد سَار يُرِيد بَغْدَاد من طَرِيق أخر فَلم يشْعر ابْن أويس - وَقد اطْمَأَن - إِلَّا تيمور قد نزل غربي بَغْدَاد قبل أَن يصل إِلَيْهَا الشَّيْخ نور الدّين فدهش عِنْد ذَلِك ابْن أويس وَأمر بِقطع الجسر ورحل بأمواله وَأَوْلَاده وَقت السحر من لَيْلَة السبت الْمَذْكُور. وَترك الْبِلَاد فَدخل إِلَيْهَا تيمور وَأرْسل ابْنه فِي إِثْر ابْن أويس فأدركه بالحلة وَنهب مَاله وسبى حريمه وَقتل وَأسر كثيرا مِمَّن مَعَه. وَنَجَا ابْن أويس فِي طَائِفَة وهم عُرَاة. فقصد حلب وتلاحق بِهِ من تبقى من أَصْحَابه. وَفِي عَشِيَّة يَوْم الْجُمُعَة. عشرينه - وَهُوَ أول توت -: أمْطرت السَّمَاء بِالْقَاهِرَةِ مَطَرا غزيراً حَتَّى خَاضَ النَّاس فِي الْمِيَاه وَهَذَا من غَرِيب مَا يحْكى. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 339 وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث ذِي الْقعدَة: قدم الْبَرِيد بِأخذ تيمور بَغْدَاد. وَفِي رابعه: قدم الْبَرِيد بنزول ابْن أويس الرحبة فِي نَحْو ثَلَاثمِائَة فَارس. وَقدم كِتَابه وَكتاب الْأَمِير نعير فَأُجِيب اً حسن جَوَاب وَكتب بإكرامه وَالْقِيَام. مِمَّا يَلِيق بِهِ وَتوجه إِلَيْهِ الْأَمِير نعير فعندما عاين ابْن أويس نزل وَقبل الأَرْض وَسَار بِهِ إِلَى بيوته وأضافه ثمَّ سيره إِلَى حلب فَقَدمهَا وَمَعَهُ أَحْمد شكر وَنَحْو الألفي فَارس فأنزله الْأَمِير جلبان نَائِب حلب بالميدان وَقَامَ لَهُ. مِمَّا يَلِيق بِهِ. وَكتب مَعَ الْبَرِيد إِلَى السُّلْطَان بذلك وَتشفع فِي الْأَمِير نعير وَفِي شكر أَحْمد. وَكتب أَيْضا ابْن أويس يسْتَأْذن فِي الْقدوم فَجمع السُّلْطَان الْأُمَرَاء للمشورة فِي أَمر ابْن أويس فاتفقوا على إِحْضَاره وَأَن يخرج إِلَى مَجِيئه الْأَمِير عز الدّين اً زْدَشير وَمَعَهُ ثَلَاثمِائَة ألف دِرْهَم فضَّة وَألف دِينَار برسم النَّفَقَة على ابْن أويس. وَفِي سادس عشرينه: توجه الْأَمِير أزدمر على الْبَرِيد لإحضار ابْن أويس. وَفِيه سلم الصاحب تَاج الدّين عبد الرَّحِيم بن أبي شَاكر إِلَى وَالِي الْقَاهِرَة فَضَربهُ بالمقارع وَبَالغ فِي إهانته وَأخرجه نَهَارا على حمَار وَفِي عُنُقه الْحَدِيد وثيابه مضمخة بالدماء فترامى على النَّاس وَطرح نَفسه على الْأَبْوَاب يسْأَل شَيْئا يَسْتَعِين بِهِ فِي مصادرته. وَفِيه قدمت رسل أبي يزِيد بيك بن مُرَاد بيك بن عُثْمَان متملك الرّوم مَعَ الْأَمِير حسام الدّين حسن الكجكني بهدية سنية مِنْهَا باز أَبيض وَسَأَلَ الرُّسُل تجهيز طَبِيب من أطباء الْقَاهِرَة إِلَى ابْن عُثْمَان ليداويه من مرض بِهِ فَتعين الطَّبِيب شمس الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد الصَّغِير وجُهز وَأعْطى من الْأَدْوِيَة والعقاقير مَا يحْتَاج إِلَيْهِ ابْن عُثْمَان. وَأما تَيمور فَإِنَّهُ لما مَلَك بَغْدَاد صادر أَهلهَا ثَلَاث مَرَّات فِي كل مرّة مِنْهُم ألف تومان وَخَمْسمِائة تومان وكل تومان مبلغ ثَلَاثِينَ ألف دِينَار عراقية وَالدِّينَار الْعِرَاقِيّ بِقدر دِرْهَم مصر الْفضة حَتَّى أفقرهم كلهم. وَكَانَ جملَة مَا أَخذ مِنْهُم نَحْو مائَة ألف ألف وَخَمْسَة وَثَلَاثِينَ ألف ألف دِرْهَم بعد أَن تنوع فِي عقوبتهم وسقاهم الْملح وَالْمَاء وشواهم على النَّار وَلم يبْق لَهُم مَا يستر عَوْرَاتهمْ. وصاروا يخرجُون فيلتقطون الْخرق من الطرقات حَتَّى تستر عَوْرَاتهمْ وتغطى رؤوسهم. ثمَّ إِنَّه بعث ابْنه إِلَى الحلّة فَوضع فِي أَهلهَا السَّيْف يَوْمًا وَلَيْلَة وأضرم فِيهَا النَّار حَتَّى احترقت وفنى مُعظم أَهلهَا وَيُقَال الجزء: 5 ¦ الصفحة: 340 إِنَّه قتل فِي الْعقُوبَة من أهل بَغْدَاد ثَلَاثَة آلَاف نفس. وَبعث تيمور من بَغْدَاد العساكر إِلَى الْبَصْرَة فَلَقِيَهُمْ صَاحبهَا الْأَمِير صَالح بن جولان وحاربهم وَأسر ابْن تيمور وَقتل مِنْهُم خلقا كثيرا فَبعث إِلَيْهِ عسكراً آخر فِي دجلة فظفر بهم صَالح أَيْضا. وَفِيه قدم الْخَبَر من الْحجاز بِأَن جماز بن هبة حصر الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة فقاتله ابْن عَمه الشريف ثَابت بن نعير وَقتل بَينهمَا جمَاعَة. وَفِي أول ذِي الْحجَّة: أفرج عَن صَاحب تَاج الدّين عبد الرَّحِيم بن أبي شَاكر وَقد بَقِي عَلَيْهِ مِمَّا ألزم بِهِ شَيْء وَكَانَ الَّذِي صودر عَلَيْهِ مبلغ خمسين ألف دِرْهَم. وَفِي خَامِس عشره: اسْتَقر فِي نظر الإصطبلات. وَفِي سادس عشره: توجه السُّلْطَان إِلَى منزلَة سرياقوس على الْعَادة. وَفِيه قدم الْبَرِيد بِأَن الْأَمِير يُونُس نَائِب الكرك ركب ليَأْخُذ غنما للعشير فَلَمَّا أحَاط بهَا وَقبض على عشرَة من العشير ثَارُوا بِهِ وقتلوه. وَكَانَ قد خرج إِلَيْهِم بِغَيْر عَسْكَر لَيْسَ مَعَه إِلَّا عشرَة مماليك. وَفِي ثامن عشره: أخرج شكر باي العثماني أَمِيرا بحلب. وَفِي خَامِس عشرينه: قدم مبشرو الْحَاج وأخبروا بالأمن والرخاء وَأَنه لم يحضر أحد من حَاج وَفِي تَاسِع عشرينه: أَمر فِي الْقَاهِرَة ومصر بتجهيز النَّاس للسَّفر لقِتَال تيمور لنك فَإِنَّهُ قصد أَخذ الْبِلَاد وَقتل الْعباد وهتك الْحَرِيم وَقتل الْأَطْفَال وأحرق الديار فَاشْتَدَّ بكاء النَّاس وَعظم خوفهم وَكَانَ من الْأَيَّام الشنعة. وَفِيه قدم الْخَبَر بِأَن أَرْبَعَة من رُهْبَان النَّصَارَى خَرجُوا بِمَدِينَة الْقُدس ودعوا الْفُقَهَاء لمناظرتهم فَلَمَّا اجْتمع النَّاس لَهُم جهروا بالسوء من القَوْل وصرحوا بذم الْملَّة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 341 الإسلامية والأزراء على الْقَائِم بهَا وَأَنه كَذَّاب وساحر وَمَا الْحق إِلَّا فِي دين عِيسَى فَقبض عَلَيْهِم وَقتلُوا وحرقوا بالنَّار فَكَانَ من الْأَيَّام الْمَشْهُورَة بالقدس. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان الصارم إِبْرَاهِيم بن طشتمر الدوادار فِي خَامِس رَمَضَان بالإسكندرية. وَمَات القَاضِي شهَاب الدّين أَحْمد بن الضياء مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْمَنَاوِيّ الشَّافِعِي شيخ الجاولية وَأحد نواب الْقُضَاة بِالْقَاهِرَةِ فِي ثامن عشْرين ربيع الآخر. وَمَات شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن مخلوف الْحَنَفِيّ نقيب الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة فِي عشْرين رَجَب. وَمَات الْأَمِير زين الدّين أَبُو يزِيد بن مُرَاد الخازن دوادار السُّلْطَان فِي سلخ جُمَادَى الْآخِرَة وَحضر السُّلْطَان جنَازَته. وَمَات الْحَاج صبيح الغواصي مهتار الطشتخاناه بَعْدَمَا أسنَّ وطالت عطلته فِي ثامن عشْرين ربيع الآخر. وَمَات الْوَزير الصاحب شمس الدّين أَبُو الْفرج عبد الله المقسي القبطي فِي رَابِع شعْبَان وَدفن بِجَامِع المقس الَّذِي جدده على الخليج. وَمَات علم الدّين عبد الله بن الصاحب كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن شَاكر بن الغنام نَاظر الْبيُوت فِي ثامن ربيع الأول وَكَانَ حشماً. وَمَات الْأَمِير زين الدّين أَبُو يزِيد الأرزنكاني الدوادار وَكَانَ عفيفاً عَاقِلا عَارِفًا يكْتب الْخط الْمليح ويشارك فِي عدَّة عُلُوم. وَمَات شهَاب الدّين أَحْمد بن صَالح الزُّهْرِيّ الْفَقِيه الشَّافِعِي بِدِمَشْق. وَمَات الشَّيْخ عَلَاء الدّين على بن مُحَمَّد الأقفهسي الْفَقِيه الشَّافِعِي فِي ثَانِي عشْرين شَوَّال قَرَأَ على الْكَمَال النشائي وبرع فِي الْفِقْه وَأفْتى ودرس بالجامع الخطيري وَغَيره وناب فِي الحكم بِالْقَاهِرَةِ. وَمَات الشَّيْخ عَلَاء الدّين على بن مُحَمَّد بن سبع الْفَقِيه الشَّافِعِي بَعْدَمَا خرف وقارب الْمِائَة سنة فِي سادس عشْرين رَمَضَان عَن غير وَارِث. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 342 وَمَات الْأَمِير سيف الدّين قُطلوبغا الأسنقجاوي وَيُقَال لَهُ أَبُو عرقة كاشف الْوَجْه المجري. وَمَات الشَّيْخ صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن الْأَعْمَى الْحَنْبَلِيّ فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء سادس ربيع الآخر وَقد درس بِالْمَدْرَسَةِ الظَّاهِرِيَّة المستجدة وَغَيرهَا وَأفْتى وَتعين لقَضَاء الْحَنَابِلَة بِالْقَاهِرَةِ. وَمَات الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْأَمِير سيف الدّين أقبغا آص شاد الدَّوَاوِين فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن عشْرين شَوَّال وَهُوَ من بَيت الْإِمَارَة وأُنعم عَلَيْهِ فِي حَيَاة أَبِيه - أَيَّام الْملك الْأَشْرَف شعْبَان بن حُسَيْن - بإمرة طبلخاناه. ثمَّ لما سخط الْملك الْأَشْرَف على أَبِيه وَأخذت مِنْهُ الإمرة وتعطل وعق أَبَاهُ وحكيت عَنهُ فِي عقوقه أُمُور شنعة ثمَّ سَافر إِلَى الْيمن وَعَاد إِلَى الْقَاهِرَة وَولي شدّ الدَّوَاوِين بإمرة عشرَة وصودر وعوقب عُقُوبَة شَدِيدَة وَكَانَ من شرار الْخلق والمتجاهرين بالمنكر. وَمَات الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن اً شقتمر الْخَوَارِزْمِيّ - وَالِي قطيا - هُوَ وَأَبوهُ مَاتَ فِي ... . وَمَات الطواشي زين الدّين مقبل الرُّومِي الشهابي شيخ الخدام بِالْحرم النَّبَوِيّ. أَصله من خدام الْملك الصَّالح عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن قلاوون وجانداره. وتنقل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 343 فِي الخدم واختص بالأمير شيخو الْعمريّ وخدم السُّلْطَان حسن بن مُحَمَّد. ثمَّ حج وجاور بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة وخدم الْحُجْرَة الشَّرِيفَة فِي جملَة الخدام وَصَارَ يَنُوب عَن الطواشي افتخار الدّين ياقوت الرسولي الخازندار الناصري شيخ الخدام حَتَّى مَاتَ فولي بعده المشيخة إِلَى أَن مَاتَ بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة فِي ... . وَمَات قَاضِي الْقُضَاة نَاصِر الدّين أَبُو الْفَتْح نصر الله أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَبى الْفَتْح بن هَاشم بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الْكِنَانِي الْعَسْقَلَانِي الْحَنْبَلِيّ ولد قَرِيبا من سنة عشْرين وَسَبْعمائة وبرع فِي الْفِقْه والْحَدِيث والعربية وَالْأُصُول والميقات وناب فِي الحكم بِالْقَاهِرَةِ عَن الْمُوفق عبد الله الْحَنْبَلِيّ نَحْو الْعشْرين سنة. ثمَّ ولي قَضَاء الْقُضَاة بعده فِي محرم سنة تسع وَسِتِّينَ حَتَّى مَاتَ لَيْلَة الْأَرْبَعَاء حادي عشْرين شعْبَان وَكَانَ من خِيَار الْمُسلمين. وَمَات نجم الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة خطيب الْقُدس فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع ذِي الْقعدَة بِالْقَاهِرَةِ وَدفن خَارج بَاب النَّصْر. وَمَات سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن عبد الْوَهَّاب بن النجيب أبي الفضايل الْمَيْمُونِيّ القبلي كَاتب الْعَرَب ومباشر ديوَان الجيوش. وتَوفي الشَّيْخ المسلك عبد الرَّحْمَن بن ... . . الشريشي أحد مريدي الشيِخ يوسفي العجمي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 344 (سنة سِتّ وَتِسْعين وَسَبْعمائة) أهل الْمحرم يَوْم الِاثْنَيْنِ: وَالسُّلْطَان بقصور سرياقوس وعساكره مَعَه فَفِي رابعه عَاد إِلَى القلعة. وَفِي سادسه: قبض على فرج شاد الدَّوَاوِين وألزم بِمَال. وَفِي سابعه: اسْتَقر فِي نِيَابَة الكرك الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن الشَّيْخ على أحد أُمَرَاء دمشق. وَفِي ثامنه: أفرج عَن أَمِير فرج وَبَقِي فِي وَظِيفَة شدّ الدَّوَاوِين بعد الْتِزَامه بِمِائَتي ألف دِرْهَم فضَّة. وَفِي تاسعه: عدى السُّلْطَان إِلَى بر الجيزة وتصيد وَعَاد من يَوْمه. وَفِي عاشره: قدم الْحَاج مُحَمَّد وَزِير ماردين على الْبَرِيد بِأَن الأكراد قد دخلُوا فِي طَاعَة تيمور لنك. وَفِي حادي عشره: نفي الْأَمِير قُنُقْباي إِلَى الْقُدس. وَفِي ثَانِي عشره: نزل السُّلْطَان وعدى إِلَى بر الجيزة وتصيد وَعَاد فِي يَوْمه. وَفِي سادس عشره: ركب إِلَى المطرية وتصيد بطان وَعَاد. وَفِي ثامن عشره: عدى إِلَى بر الجيزة وَعَاد فِي الْغَد. ولْى ثَالِث عشرينه: قدم الْمحمل بالحاج. وَفِي خَامِس عشرينه: ركب السُّلْطَان وتصيد وَعَاد من يَوْمه وَركب من الْغَد وتصيد بالجيزة وَعَاد فِي ثامن عشرينه وَكَانَ الْبَرِيد قد ورد بِحُضُور رسل تيمور لنك بهدية إِلَى أول حُدُود المملكة فَكتب بِقَتْلِهِم فَلَمَّا كَانَ سلخه قدمت رسل النواب بهدية تيمور لنك وَهِي: تِسْعَة مماليك وتسع جواري وَغير ذَلِك فَوجدَ من جلة المماليك ابْن وَزِير بَغْدَاد وَابْن قاضيها وَابْن محتسبها وَلَيْسَ فيهم سوى مَمْلُوك وَاحِد فتركهم لحالهم وتزي ابْن القَاضِي بزِي الْفُقَهَاء. وَفِي يَوْم السبت أول صفر: ابْتَدَأَ الْأَمِير سودن النَّائِب بِعرْض أجناد الْحلقَة ثمَّ أبْطلهُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 345 وَفِي ثالثه: ركب السُّلْطَان للصَّيْد ببركة الْحَاج وَعَاد. وَفِي خامسه: تولى الْأَمِير قلمطاي الدوادار عرض أجناد الْحلقَة بمار الْأَمِير سودن النَّائِب وألزم أَرْبَاب الْأَخْبَار الثَّقِيلَة الْعبْرَة الْكَثِيرَة المتحصل بِالسَّفرِ إِلَى قتال تيمور وَاسْتمرّ الْعرض أَرْبَعَة أَيَّام فِي الْأُسْبُوع وَهِي: السبت والأحد وَالثُّلَاثَاء وَالْأَرْبِعَاء. وَفِي سادسه: ركب السُّلْطَان وتصيد ببركة الْحَاج وَدخل إِلَى الْقَاهِرَة من بَاب القنطرة وَخرج من بَاب زويلة إِلَى القلعة وَركب إِلَى الجيزة فِي ثامنه وَعَاد فِي عاشره. وَفِيه اسْتَقر حسن بن قراجا فِي ولَايَة قطيا بعد وَفَاة الصارم إِبْرَاهِيم الباشقردي. وَفِي ثَالِث عشره: ركب السُّلْطَان وتصيد بِالْبركَةِ وَعَاد وَركب فِي سَابِع عشره إِلَى الجيزة. وَعَاد فِي تَاسِع عشره وَركب فِي ثَانِي عشرينه إِلَى الصَّيْد بِالْبركَةِ وَعَاد. وَفِي رَابِع عشرينه: خرج المطبخ إِلَى لِقَاء ابْن أويس. وَفِي خَامِس عشرينه: اسْتَقر شمس الدّين مُحَمَّد بن الدَّمِيرِيّ فِي نظر الأحباس بعد وَفَاة تَاج الدّين مُحَمَّد المليجي وَاسْتقر زين الدّين طَاهِر بن حبيب الْحلَبِي - موقع الدست - فِي نظر الخزانة عوضا عَن المليِجي. وَفِي سَابِع عشرينه: ركب السُّلْطَان للصَّيْد بِالْبركَةِ وَعَاد وَركب فِي تَاسِع عشرينه إِلَى الصَّيْد بالجيزة وَعَاد فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث ربيع الأول. وَفِي خامسه: عمل السُّلْطَان المولد النَّبَوِيّ على الْعَادة. وَفِي سابعه: ركب السُّلْطَان وتصيد بِالْبركَةِ وَعَاد. وَفِي حادي عشره: انْتهى عرض أجناد الْحلقَة. وَفِي ثَانِي عشره: نُودي بِالْقَاهِرَةِ ومصر أَن من عرض على النَّائِب والدوادر من أجناد الْحلقَة وتَعين للسَّفر فليحضر للعرض على السُّلْطَان فِي يومي الْخَمِيس والاثنين. وَفِيه طرحت البضائع على التُّجَّار وَأخرج الْقَمْح من الْأُمَرَاء لعمل البشماط برسم السّفر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 346 وَفِي ثَالِث عشره: نُودي على أجناد الْحلقَة أَيْضا بِالْعرضِ على السُّلْطَان وَفِيه قدم الْبَرِيد بِأخذ تيمور لنك قلعة تكريت وتخريبها وَقتل من بهَا. وَفِيه خرج عدَّة من الْأُمَرَاء لملاقاة القان غياث الدّين أَحْمد بن أويس. وَفِي رَابِع عشره: اسْتَقر مُوسَى بن على - شاد دواليب الْخَاص - فِي ولَايَة البهنسا وعزل قرطاي. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع عشره: نزل السُّلْطَان إِلَى لِقَاء ابْن أويس فِي جَمِيع العساكر وَقعد بمسطبة مطعم الطُّيُور من الريدانية خَارج الْقَاهِرَة إِلَى أَن قرب مِنْهُ ابْن أويس وَنزل عَن فرسه عدَّة خطوَات فَمضى إِلَيْهِ الْأَمِير بدخاص حَاجِب الْحَاجِب وَمن بعده الْأُمَرَاء للسلام عَلَيْهِ والأمير بدخاص يعرفهُ اسْم كل أَمِير ووظيفته وهم يقبلُونَ يَده حَتَّى أقبل الْأَمِير أَحْمد بن يلبغا فَقَالَ للأمير بدخاص: هَذَا ابْن أستاذ السُّلْطَان. فعانقه ابْن أويس وَلم يَدعه يقبل يَده. ثمَّ جَاءَ بعده الْأَمِير بكلمش أَمِير سلَاح فعانقه أَيْضا ثمَّ بعده الْأَمِير الْكَبِير أيتمش رَأس نوبَة فعانقه ثمَّ الْأَمِير سودن النَّائِب فعانقه ثمَّ الْأَمِير كمشبغا الْحَمَوِيّ أتابك العساكر فعانقه. وانقضى سَلام الْأُمَرَاء فَقَامَ عِنْد ذَلِك السُّلْطَان وَنزل عَن المسطبة وَمَشى نَحْو الْعشْرين خطْوَة وهرول ابْن أويس حَتَّى التقيا فَأَوْمأ ابْن أويس لتقبيل يَد السُّلْطَان فَلم يُمكنهُ وعانقه وبكيا سَاعَة. ثمَّ مضيا وَالسُّلْطَان يطيب خاطره وَبعده يعودهُ إِلَى ملكه وَيَده فِي يَده حَتَّى صعدا إِلَى المسطبة وجلسا مَعًا على الْبسَاط من غير كرْسِي وتحادثا طَويلا. ثمَّ قدم قبَاء من حَرِير بنفسجي بِفَرْوٍ فاقم وطرز ذهب عريضة فألبسه ابْن أويس. وَقدم لَهُ فرسا من الْخَيل الْخَاص بسرج وكنفوش وسلسلة من ذهب فَرَكبهُ من حَيْثُ يركب السُّلْطَان وَركب السُّلْطَان بعده. وسارا يتحادثان والأمراء والعساكر سائرة ميمنة وميسرة وَتارَة يتَقَدَّم السُّلْطَان حَتَّى يحجب ابْن أويس إِلَى أَن قربا من القلعة وَقد خرج مُعظم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 347 النَّاس لمشاهدة ابْن أويس فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وعندما ترجل الْعَسْكَر على الْعَادة صَار ابْن أويس مواكباً للسُّلْطَان حَتَّى بلغا حد مَوضِع الطبلخاناه أَوْمَأ إِلَيْهِ السُّلْطَان بالتوجه إِلَى الْمنزل الَّذِي أعده لَهُ على بركَة الْفِيل وجدد عِمَارَته وزخرفته وملأه بالفرش والآلات فَسَار إِلَيْهِ وَجَمِيع الْأُمَرَاء فِي خدمته وَصعد السُّلْطَان إِلَى القلعة. فَلَمَّا دخل ابْن أويس إِلَى منزله وَمَعَهُ الْأُمَرَاء مد الْأَمِير جمال الدّين مَحْمُود الأستادار بَين يَدَيْهِ سماطاً جَلِيلًا فَأكل وَأكل مَعَه الْأُمَرَاء وَانْصَرفُوا. فَبعث إِلَيْهِ السُّلْطَان مِائَتي ألف دِرْهَم فضَّة ومائتي قِطْعَة قماش سكندري وَثَلَاثَة أَفْرَاس بقماش ذهب وَعشْرين مَمْلُوكا حسانا وَعشْرين جَارِيَة. فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل قدم حَرِيم ابْن أويس وَثقله. وَفِي ثامن عشره: اسْتَقر مُحَمَّد الضاني والياً بأشموم الرُّمَّان عوضا عَن مُحَمَّد بن غرلوا. وَفِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشره: عمل السُّلْطَان الْخدمَة بالإيوان الْمَعْرُوف بدار الْعدْل على الْعَادة. وَصعد القان أَحْمد بن أويس إِلَى القلعة ليحضر الْخدمَة بالإيوان. وَعبر من بَاب الجسر الَّذِي يُقَال لَهُ بَاب السِّرّ وَجلسَ تجاه الإيوان حَتَّى خرج إِلَيْهِ رَأس نوبَة وَمضى بِهِ إِلَى الْقصر فَأَخذه السُّلْطَان. وَخرج بِهِ إِلَى الإيوان وَأَقْعَدَهُ رَأس الميمنة فَوق الْأَمِير الْكَبِير كمشبغا الأتابك. فَلَمَّا قَامَ الْقُضَاة وَمد السماط قَامَ الْأُمَرَاء على عَادَتهم فهمّ ابْن أويس بِالْقيامِ مَعَهم ووقف فَأَشَارَ لَهُ السُّلْطَان فَجَلَسَ حَتَّى فرغ الموكب. وَلما انْقَضتْ خدمَة الإيوان دخل مَعَ السُّلْطَان إِلَى الْقصر وَحضر خدمَة الْقصر أَيْضا ثمَّ خرج والأمراء بَين يَدَيْهِ حَتَّى ركب وقدامه جاويشيته ونقيب جَيْشه فَسَار الْأُمَرَاء بخدمته إِلَى منزله. وَفِيه علق الجاليش بالطبلخاناه إِشَارَة للسَّفر فشرع النَّاس فِي التَجهيز. وَفِي حادي عشرينه: ركب السُّلْطَان وَمَعَهُ ابْن أويس إِلَى مَدِينَة مصر وعديا النّيل إِلَى بر الجيزة وَنزلا بالخيام ليتصيدا. وَفِيه قبض على الصاحب سعد الدّين نصر الله بن البقري نَاظر الدولة وعَلى وَلَده تَاج الدّين عبد الله وَجَمَاعَة من المباشرين وسلموا لشاد الدَّوَاوِين. وَفِي رَابِع عشرينه: قدم الْبَرِيد من حلب بِرَجُل تتري يُقَال لَهُ دولات خجا مُقَيّد بالحديد منأصحاب تيمور لنك، قبض عَلَيْهِ سَالم الذّكر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 348 وَفِيه قدم السُّلْطَان من الصَّيْد إِلَى القلعة. وَفِي خَامِس عشرينه: عرض التتري على السُّلْطَان فَسَأَلَهُ عَن أَشْيَاء فَلم يعْتَرف فَسلم لوالي الْقَاهِرَة ليعاقبه فَأقر أَن بِالْقَاهِرَةِ عدَّة جواسيس قبض على سَبْعَة أنفس مَا بَين تجار وَغَيرهم من الْعَجم. وَفِيه أفرج عَن ابْن البقري وَولده على حمل خمسين ألف دِرْهَم وَعَن بَقِيَّة المباشرين على مائَة ألف فِي دِرْهَم. وَفِي تَاسِع عشرينه: اسْتَقر مُحَمَّد بن صَدَقَة بن الأعسر فِي ولَايَة منوف. وَفِي سلخه: قدم الْبَرِيد من حلب بتوجه الْأَمِير ألطبغا الأشرفي والأمير دقماق بعسكر من حلب إِلَى الرها ومواقعتهم طلايع تيمور لنك وهزيمتهم بعد أَن قتل مِنْهُم خلق كثير وَأسر جمَاعَة وعودهم إِلَى حلب بِمِائَة رَأس من التمرية وعدة من المأسورين. وَفِيه اسْتَقر اسنبغا السيفي فِي ولَايَة قليوب وعُزل مُحَمَّد بن مُؤمن الشمسي. وَفِيه ألزم سَائِر مباشري ديوَان الْخَاص والدولة ومباشري الْأُمَرَاء بإحضار البغال من كل مِنْهُم أَو أَخذ ثمن البغلة على قدر حَال كل أحد فَوَقع الشُّرُوع فِي ذَلِك. وَفِيه أفرج عَن المماليك المعتقلين فِي البرج بالقلعة وَلم يتَأَخَّر سوى الشريف عنان ومملوك وَاحِد وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث ربيع الآخر: حمل الْأَمِير جال الدّين مَحْمُود الأستادار السِّلَاح على ثَمَانمِائَة حمال فِيهِ ثَلَاثمِائَة لبس كَامِل للفارس وفرسه. وَفِيه ابتدئ بِالنَّفَقَةِ فِي المماليك لكل وَاحِد من المشتراوات مبلغ ألفي دِرْهَم وَلكُل وَاحِد من المستخدمين ألف وَسَبْعمائة دِرْهَم وعدتهم خَمْسَة آلَاف فبلغت النَّفَقَة فِي المماليك خَاصَّة عشرَة آلَاف ألف دِرْهَم فضَّة سوى النَّفَقَة فِي الْأُمَرَاء وَسوى مَا حمل فِي الخزائن وَمَا جهز بِهِ فضَّة سوى النَّفَقَة فِي الْأُمَرَاء وَسوى مَا حمل فِي الخزائن وَمَا جهز بِهِ الإقامات. وَفِيه قدم كتاب تيمور لنك يتَضَمَّن الإرعاد والإبراق وينكر قتل رسله وَنَصه: 7 - (قُل اللْهُم فَاطِرَ السمَواتِ وَالأرْض عَاِلمَ الْغَيْبِ وَالشهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُم بَينَ عَبادِكَ فِيمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 349 كَانُوا فِيْهِ يَختَلِفَون) . اعلموا أَنا جند الله مخلوقون من سخطه مسلطون على من حل عَلَيْهِ غَضَبه لَا نرق لشاكي وَلَا نرحم باكي قد نزع الله الرَّحْمَة من قُلُوبنَا فالويل ثمَّ الويل لمن لم يكن من حزبنا وَمن جهتنا. فقد خربنا الْبِلَاد وأيتمنا الْأَوْلَاد وأظهرنا فِي الأَرْض الْفساد وذلت لنا أعزتها وملكنا بِالشَّوْكَةِ أزمتها فَإِن خيل ذَلِك على السَّامع وأشكل وَقَالَ إِن فِيهِ عَلَيْهِ مُشكل فَقل لَهُ: إِن الملُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزةَ أَهْلِهَا أَذِلة وَذَلِكَ لِكَثْرَة عددنا وَشدَّة بأسنا فخيولنا سوابق ورماحنا خوارق وأسنتنا بوارق وسيوفنا صواعق وقلوبنا كالجبال وجيوشنا كعمد الرمال وَنحن أبطال وأقيال وملكنا لَا يرام وجارنا لَا يضام وعزنا أبدا بالسؤدد مقَام فَمن سالمنا سلم وَمن رام حربنا نَدم وَمن تكلم فِينَا بِمَا لَا يعلم جهل وَأَنْتُم فَإِن أطعتم أمرنَا وقبلتم شرطنا فلكم مَا لنا وَعَلَيْكُم مَا علينا وَإِن أَنْتُم خالفتم وعَلى بَغْيكُمْ تماديتم فَلَا تلوموا إِلَّا أَنفسكُم فالحصون منا مَعَ تشييدها لَا تمنع والمدائن بشدتها لقتالنا لَا ترد وَلَا تَنْفَع ودعاؤكم علينا لَا يُسْتَجَاب فِينَا وَلَا يسمع وَكَيف يسمع الله دعاءكم وَقد أكلْتُم الْحَرَام وضيعتم جَمِيع الْأَنَام وأخذتم أَمْوَال الْأَيْتَام وقبلتم الرِّشْوَة من الْحُكَّام وأعددتم لكم النَّار وَبئسَ الْمصير إِن الذِيْنَ يَأْكُلُون أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلماً إِنمَا يَأْكُلُون فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسيصلون سعِيَراً. فَلَمَّا فَعلْتُمْ ذَلِك وأردتم أَنفسكُم موارد المهالك. وَقد قتلتم الْعلمَاء وعصيتم رب الأَرْض وَالسَّمَاء وأرقتم دم الْأَشْرَاف وَهَذَا وَالله هُوَ الْبَغي والإسراف فَأنْتم بذلك فِي النَّار خَالدُونَ وَفِي غَد يُنَادي عَلَيْكُم الْيوَمَ تُجزون عَذَابَ الهَون بمَا كُنْتُم تستَكْبِرُون فِي الأَرضِ بغَيْرِ الْحَق وَبمَا كُنتم تَفْسقُون فأبشروا بالمذلة والهوان يَا أهل الْبَغي وَالعدوان وَقد غلب عنْدكُمْ أننا كفرة وَثَبت عندنَا أَنكُمْ وَالله الْكَفَرَة الفجرة. وَقد سلطنا عَلَيْكُم إِلَه لَهُ أُمُور مقدرَة وَأَحْكَام مُدبرَة فعزيزكم عندنَا ذليل وكثيركم لدينا قَلِيل لأننا ملكنا الأَرْض شرقاً وغرباً وأخذنا مِنْهَا كل سفينة غصبا. وَقد أوضحنا لكم الْخطاب فَأَسْرعُوا برد الْجَواب قبل أَن ينْكَشف الغطاء وتضرم الْحَرْب نارها وتضع أَوزَارهَا وَتصير كل عين عَلَيْكُم باكية وينادي مُنَادِي الْفِرَاق: هَل ترى لَهُم من بَاقِيَة ويسمعكم صارخ الْغناء بعد أَن يهزكم هزاً هلْ تَحِس مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 350 تسمع لَهُم رِكزاً وَقد أنصفناكم إِذْ راسلناكم فَلَا تقتلُوا الْمُرْسلين كَمَا فَعلْتُمْ بالأولين فتخالفوا كعادتكم سنَن الماضين وتعصوا رب الْعَالمين فَمَا على الرَّسُول إِلَّا الْبَلَاغ الْمُبين. وَقد أوضحنا لكم الْكَلَام فَأَسْرعُوا برد جَوَابنَا وَالسَّلَام. فكنب جَوَابه بعد الْبَسْمَلَة: قُل اللْهُم مَالِكَ المُلْكِ تؤتي الْملك مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزَع الْمُلْك مِمَّن تَشَاء وتُعِز مَنْ تَشَاءُ وَتُذل مَن تَشَاء حصل الْوُقُوف على ألفاظكم الكفرية ونزعاتكم الشيطانية فكتابكم يخبرنا عَن الحضرة الجنابية وسيرة الْكَفَرَة الملاكية وأنكم مخلوقون من سخط الله ومسلطون على من حل عَلَيْهِ غضب الله وأنكم لَا ترقون لشاك وَلَا ترحمون عسيرة باك وَقد نزع الله الرَّحْمَة من قُلُوبكُمْ فَذَاك أكبر عيوبكم وَهَذِه من صِفَات الشَّيَاطِين لَا من صِفَات السلاطين ويكفيكمِ هَذِه الشَّهَادَة الكافية وَبِمَا وصفتم بِهِ أَنفسكُم ناهية قُل يَا أيهَا الْكَافِرُونَ لاَ أَعبدُ مَا تَعْبدُونَ وَلاَ أَنْتُم عَابدون مَا أَعبد وَلاَ أَنَا عَابد مَا عَبَدتُمْ لكُمْ دِيْنُكُمْ وَليَ دِيْن فَفِي كل كتاب لعَنتم وعَلى كل لِسَان كل مُرْسل نعيتم وَبِكُل قَبِيح وصفتم وَعِنْدنَا خبركم من حِين خَرجْتُمْ إِنَّكُم كفرة أَلا لعنة الله على الْكَافرين من تمسك بالأصول فَلَا يُبَالِي بالفروع نَحن الْمُؤْمِنُونَ حَقًا لَا يدْخل علينا عيب وَلَا يضرنا ريب الْقُرْآن علينا نزل وَهُوَ سُبْحَانَهُ بِنَا رَحِيم لم يزل فتحققنا نُزُوله وَعلمنَا ببركته تَأْوِيله. فَالنَّار لكم خلقت ولجلودكم أضرمت إِذا السَّمَاء انفطرت. وَمن أعجب الْعجب تهديِد الرتوت بالتوت وَالسِّبَاع بالضباع والكماة بِالْكُرَاعِ. نَحن خيولنا برقية وسهامنا عَرَبِيَّة وسيوفنا يَمَانِية وليوثنا مضرية وأكفنا شَدِيدَة الْمضَارب وصفتنا مَذْكُورَة فِي الْمَشَارِق والمغارب إِن قتلناكم فَنعم البضاعة وَإِن قتل منا أحد فبينه وَبَين الْجنَّة سَاعَة. َلاَ تَحْسبَن الذِينَ قُتِلُوا فِي سبيلِ الله أَموَاتاً بَل أَحياء عِندَ رَبهم يرْزقُونَ فَرحِينَ بمَا أتَاهُمُ الله مِنْ فَضله ويستبشرونَ بِالذِينَ لَمْ يَلحقُوا بِهم مِنْ خَلفِهِم أَلا خوْفٌ عَلَيْهم وَلاَ هُم يَحزَنُون يستبشرون بنعمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَن الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المْؤْمِنِين. وَأما قَوْلكُم قُلُوبنَا كالجبال وَعمدنا كالرمال فالقصَّاب لَا يُبَالِي بِكَثْرَة الْغنم وَكثير الْحَطب يفنيه الْقَلِيل من الضرم كم مِنَ فِئَةٍ قَلِيْلَةٍ غَلَبَت فِئَةً كَثِيْرة بِإذنِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 351 اللهِ وَالله مَعَ الصابِرِين. الْفِرَار الْفِرَار من الرزايا وحلول البلايا. وَاعْلَمُوا أَن هجوم الْمنية عندنَا غَايَة الأمنية وَإِن عِشْنَا عِشْنَا سعداء وَإِن قتلنَا قتلنَا شُهَدَاء أَلا إِن حزب الله هم الغالبون. أبعد أَمِير الْمُؤمنِينَ وَخَلِيفَة رب الْعَالمين تطلبون منا طَاعَة. لَا سمع لكم وَلَا طَاعَة وطلبتم أَن نوضح لكم أمرنَا قبل أَن ينْكَشف الغطاء فَفِي نظمه تركيك وَفِي سلكه تلبيك لَو كشف الغطاء لبان الْقَصْد بعد بَيَان أكفر بعد إِيمَان. أم اتخذتم إِلَهًا ثَان. وطلبتم من مَعْلُوم رَأْيكُمْ أَن نتبع ربكُم لَقَدْ جئتمْ شَيئاً إِدا تكادُ السمَوات يَتَفَطرْن مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْض وَتَخِرُّ الجبالُ هَدا قل لكَاتبك الَّذِي وضع رسَالَته وَوصف مقَالَته: وصل كتابك كضرب ربَاب أَو كطنين ذُبَاب. كلا سنكتب مَا يَقُول ونمد لَهُ من الْعَذَاب مدا ونرثه مَا يَقُول إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وسيَعْلَمُ الذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلبٍ يَنْقَلِبُون. لقد لبكتم فِي الَّذِي أرسلتم. وَالسَّلَام. وَفِي سادسه: عرض السُّلْطَان أجناد الْحلقَة الَّذين عينوا للسَّفر وَاخْتَارَ مِنْهُم أَرْبَعمِائَة فَارس للسَّفر مَعَه وَعرض رَأس نوبَة الأجناد البحرية وَعين مِنْهُم مِائَتي فَارس للسَّفر. وَفِي سابعه: خرجت مُدَوَّرَة السُّلْطَان ونصبت بالريدانية خَارج الْقَاهِرَة. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء تاسعه عقد السُّلْطَان على الخاتون تندي بنت حُسَيْن بن أويس ابْنة أخي القان أَحْمد بن أويس ومبلغ الصَدَاق ثَلَاثَة آلَاف دِينَار صرف الدِّينَار يَوْمئِذٍ سِتَّة وَعِشْرُونَ درهما وَنصف دِرْهَم وَبنى عَلَيْهَا فِي لَيْلَة الْخَمِيس عاشره. وَفِيه نزل السُّلْطَان من القلعة إِلَى الإصطبل وَخرج من بَاب السلسلة بالرميِلة وَقد وقف القان أَحْمد بن أويس وَجَمِيع الْأُمَرَاء وَسَائِر العساكر وَقد لبسوا للحرب وَمَعَهُمْ أطلابهم فَسَار السُّلْطَان وَعَلِيهِ قرقل بِغَيْر أكمام وكلفته على رَأسه وَتَحْته فرس بعرقية من صوف سمك إِلَى بَاب القرافة والعساكر قد مَلَأت الرميلة فرتَب بِنَفسِهِ أطلاب الْأُمَرَاء وَمر فِي صفوفهم عوداً وبدءاً حَتَّى ترتبت أحسن تَرْتِيب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 352 وَمضى إِلَى قبر الإِمَام الشَّافِعِي فزاره وَتصدق على الْفُقَرَاء. وَسَار إِلَى مشْهد السيدة نفسية فزاره وَتصدق وَعَاد إِلَى الرميلة. وَأَشَارَ إِلَى الطّلب السلطاني فَسَار إِلَى الريحانية فِي أعظم قُوَّة وأبهج زِيّ وأفخر هَيْئَة وجر فِيهِ مِائَتي جنيب من عتاق الْخَيل عَلَيْهَا من الأسلحة وَالذَّهَب مَا يقصر الْوَصْف عَن حكايته. وَسَار فِي موكب تهتز لَهُ الأَرْض وَإِلَى جَانِبه ابْن أويس على فرس بقماش ذهب وبجانب ابْن أويس الْأَمِير كمشبغا الأتابك. وَتبع العساكر من وَرَائِهَا طلب الْأَمِير كمشبغا ثمَّ طلب الْأَمِير قَلَمْطاي الدوادار ثمَّ أطلاب بَقِيَّة الْأُمَرَاء فَكَانَ يَوْمًا لم ير مثله وَقد حشر النَّاس فِي كل مَوضِع وَنزل السُّلْطَان وَابْن أويس بالمخيم من الريدانية. وَفِي رَابِع عشره: أُعِيد بدر الدّين مُحَمَّد بن أبي الْبَقَاء الشَّافِعِي إِلَى قَضَاء الْقُضَاة بديار مصر وَصرف الصَّدْر مُحَمَّد الْمَنَاوِيّ وَدخل من الريدانية إِلَى الْقَاهِرَة وَمَعَهُ من الْأُمَرَاء تغري بردي رَأس نوبَة وقَلَمطاي الدوادار وأقبغا اللكاش رَأس نوبَة فِي آخَرين وَعَلِيهِ التشريف. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن رَجَب بن كلفت التركماني فِي الوزارة وعزل الْمُوفق أَبُو الْفرج. وَاسْتقر سعد الدّين نصر الله بن البقري نَاظر الدولة عوضا عَن بدر الدّين مُحَمَّد بن الأقفهسي. وَاسْتقر الصاحب كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن غنم فِي نظر الْبيُوت على عَادَته. وَاسْتقر الصاحب علم الدّين عبد الْوَهَّاب سنّ إبرة فِي اسْتِيفَاء الدولة شَرِيكا للصاحب تَاج الدّين عبد الرَّحِيم بن أبي شَاكر وَدخل الْجَمِيع الْقَاهِرَة بِالْخلْعِ. وَفِي سَابِع عشره: قبض على الشريف مَحْمُود العُنابي وَذَلِكَ أَنه كَانَ من العنابة خَارج دمشق فتوصل إِلَى السُّلْطَان وَهُوَ بهَا وجاراه فِي أُمُور من المغيبات صَادف وُقُوعهَا. وَكَانَ السُّلْطَان لَهُ تطلع إِلَى ذَلِك فَأكْرمه وَقدم بِهِ مَعَه إِلَى الْقَاهِرَة وأجرى عَلَيْهِ ألف دِرْهَم فضَّة فِي كل شهر وَصَارَ إِذا حضر مَعَ الْقُضَاة يجلسه فَوْقهم بجانبه. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس عشره: بعث الْأَمِير شرف الدّين مُوسَى بن الْأَمِير شمس الدّين مُحَمَّد بن عِيسَى العائدي من خزانَة شمايل ورقة إِلَى الْأَمِير عَلَاء الدّين على ابْن الطبلاوي وَالِي الْقَاهِرَة وَكَانَ السُّلْطَان قد سخط على بني عِيسَى وسجنهم بخزانة شمايل فَإِذا فِي الورقة أَن الشريف العنابي بعث إِلَيْهِ أَن يَأْمر عربانه بالنزول قَرِيبا من الْقَاهِرَة ليملكها بهم فِي غيبَة السُّلْطَان فَلم يقنع ابْن الفبلاوي بِهَذَا من ابْن عِيسَى وَقَالَ لقاصده: لما إِذا قيل هَذَا للشريف يُنكره لَكِن حصل إِلَى خطة بذلك فسير إِلَيْهِ فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 353 يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشره ورقة زعم أَنَّهَا من الشريف إِلَيْهِ وفيهَا: إِنَّك ترسل إِلَى عربان الْبحيرَة وعربان الصَّعِيد بالركوب على الْوُلَاة والكشاف وقتلهم وَنهب الْبِلَاد ليشتغلوا عَنَّا بِأَنْفسِهِم وَابعث إِلَى عربك أَن يَكُونُوا بِقرب الْقَاهِرَة فَإِذا عدَّى الْغَرِيم قطيا أركب أَنا وَأَنت وَمَعِي خَمْسمِائَة مَمْلُوك وتحضر عربانك وَتَأْخُذ الْقَاهِرَة والنصر لنا إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَتَوَلَّى الْأَمِير شهَاب الدّين بن قايماز الأتابكية وأتولى أَنا الْخلَافَة ونفعل مَا يَنْبَغِي فعله. فَقَامَ ابْن الطبلاوي من وقته إِلَى الريدانية وأوصل الورقة للسُّلْطَان فكتم ذَلِك وَبعث يلبغا السالمي ليحضر العنابي فَلم يجده وَقيل هرب فألزم السُّلْطَان ابْن الطبلاوي بتحصيله فَعَاد إِلَى الْقَاهِرَة وَبحث عَنهُ حَتَّى علم أَن يخله عِنْد شهَاب الدّين أَحْمد بن قايماز فأكمن عدَّة من ثقاته حَتَّى قبضوا على عبد العنابي وَضرب بالمقارع حَتَّى دله على أستاذه فَقبض عَلَيْهِ وعَلى ابْن قايماز وحملهما إِلَى الريحانية فَأمر بعقوبتهما حَتَّى يعترفا على من مَعَهُمَا على مَا قصداه فَعَاد بهما وسوط العنابي فاعترف أَن الورقة بِخَطِّهِ ثمَّ عصره لِيُقِر على أحد فَلم يعْتَرف بِشَيْء إِلَّا أَن مَعَه طَائِفَة من مماليك بركَة فَأخذ خطه بذلك وَأَن ابْن قايماز مَعَه فَأنْكر ابْن قايماز وحاققه العنابي فتمادى فِي الْإِنْكَار. وَفِيه قبض على الْأَمِير ركن الدّين عمر بن قايماز بِسَبَب أَخِيه أَحْمد. وَفِيه نُودي بِحُضُور الأجناد البطالين إِلَى بَيت الْأَمِير قلمطاوي الدوادار ليستخدموا. وَفِي عشرينه: قبض مَا وَقع الِاتِّفَاق عَلَيْهِ من مَال الْأَيْتَام وَذَلِكَ أَن السُّلْطَان احْتَاجَ إِلَى المَال بِسَبَب السّفر فَسَأَلَ قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين مُحَمَّد الْمَنَاوِيّ أَن يقْرضهُ من مَال الْأَيْتَام فَامْتنعَ كَمَا امتَنع من قرض منطاش. فَلَمَّا سمع ذَلِك الْبَحْر مُحَمَّد بن أبي الْبَقَاء وجد سَبِيلا إِلَى ولَايَته ووعد على عوده إِلَى الْقَضَاء بِمَال يقوم بِهِ هُوَ وَأَن يقْرض السُّلْطَان خَمْسمِائَة ألف وَسِتِّينَ ألف دِرْهَم من مَال الْأَيْتَام فَأُجِيب وَاسْتقر كَمَا ذكر. وَنزل إِلَيْهِ الْأَمِير الْوَزير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن رَجَب فِي يَوْمه هَذَا وَقبض الْمبلغ الْمَذْكُور. وَفِيه قرئَ تَقْلِيد بدر الدّين مُحَمَّد بن أبي الْبَقَاء على الْعَادة. وَفِي حادي عشرينه: قدم الْأَمِير قَلَمْطاي الدوادار من الريدانية إِلَى دَاره لعرض الأجناد البطالين بَعْدَمَا تكَرر النداء عَلَيْهِم مرَارًا وتهديد من تَأَخّر مِنْهُم عَن الْعرض. فَإِذا بهم قد اجْتمع مِنْهُم نَحْو الْخَمْسمِائَةِ فَكتب أَسْمَاءَهُم ثمَّ قَالَ لَهُم: أحضروا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 354 تراكيشكم الَّتِي فِيهَا القسي والنشاب وأحضروا سُيُوفكُمْ فتوجهوا لإحضار بذلك طَمَعا مِنْهُم فِي أَنهم يَأْخُذُونَ النَّفَقَة فَمَا هُوَ إِلَّا أَن حَضَرُوا بذلك أحيط بهم. وَكَانَ قد أعد لَهُم وَالِي الْقَاهِرَة الْحَدِيد ليقيدوا بِهِ فَقبض على ثَلَاثَة وَسبعين مِنْهُم وفر من بَقِي. وَقتل ثَلَاثَة أنفس وجرح جمَاعَة. وتسلم الْوَالِي الْمَقْبُوض عَلَيْهِم فِي الأغلال وَمضى بهم إِلَى خزانَة شمايل فسجنوا بهَا وَكَانَ يَوْمًا مهولاً من كَثْرَة بكاء نِسَائِهِم وَأَوْلَادهمْ. وَفِيه قدم ولد الْأَمِير نعير وَمَعَهُ محْضر بِأَن أَبَاهُ أَخذ بَغْدَاد وخطب بهَا للسُّلْطَان فأنعم عَلَيْهِ بتشريف. وَفِيه أفرج عَن الْأَمِير ألطبغا الْمعلم وَكتب بإحضاره من دمياط. وَفِيه خلع على الْأَمِير سودن النَّائِب وَجعل مُقيما بِالْقَاهِرَةِ مُدَّة الْغَيْبَة وخلع على الْأَمِير مَحْمُود الأستَادار وَولده وعَلى الْأَمِير بجاس وأُلزم بِالْإِقَامَةِ فِي القلعة وخلع على برهَان الدّين إِبْرَاهِيم الْمحلى التَّاجِر وشهاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُسلم وَنور الدّين عَليّ بن الخروبي لِأَنَّهُ اقْترض مِنْهُم السُّلْطَان مبلغ ألف ألف دِرْهَم. وَفِيه أفرج عَن الْأَمِير قُنُقْباي الأسعدي وَكتب بإحضاره من الْقُدس إِلَى غَزَّة ورسم لمباشريه بتجهيز بَرقه وتعبئة طلبه. وَفِي ثَانِي عشرينه: عرض الْأَمِير عَلَاء الدّين على بن الطلاوي البطالين الَّذين سجنوا بالخزانة بدار الْأَمِير مَحْمُود الأستادار وَأَفْرج عَن مِائَتي رجل مِنْهُم وَنفي ثَلَاثَة وَسبعين - كَانُوا غُرَّاباً غير معروفين - إِلَى عدَّة جِهَات. وَفِيه أفرج عَن الْأَمِير ركن الدّين عمر بن قايماز على مَال الْتزم بِحمْلِهِ. وَفِي ثَالِث عشرينه: رَحل السُّلْطَان من الريدانية وَكَانَت عدَّة الْجمال الَّتِي فرقت فِي المماليك أَرْبَعَة عشر ألف جمل وعدة الْخَيل المفرقة فِي المماليك السُّلْطَانِيَّة أَلفَيْنِ وَخَمْسمِائة فرس سوى مَا عِنْدهم من الْخَيل وَهِي أَضْعَاف ذَلِك وَهَذِه الْخُيُول وَالْجمال فِي المماليك خَاصَّة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 355 وَأما السُّلْطَان والأمراء فَيكون مَعَهم مَا يزِيد على مائَة ألف مَا بَين فرس وجمل. وَمِمَّا حمل برسم خرط الشطرنج خَمْسَة قناطير من العاج والأبنوس ليلعب بِهِ السُّلْطَان. والرسم أَنه إِذا لعب بشطرنج أَخذ أَرْبَاب النّوبَة وجدد غَيره. وَفِي سَابِع عشرينه: قدم الْبَرِيد من السُّلْطَان بقتل بني عِيسَى فوسطوا على بَاب خزانَة شمايل وعدتهم أحد وَعِشْرُونَ رجلا مِنْهُم مُوسَى بن مُحَمَّد بن عِيسَى وَعَمه مهنا بن عِيسَى وسلموا لغلمانهم فأقيمت المناحة عَلَيْهِم بالصحراء عدَّة أَيَّام. وَفِيه قتل الشريف مَحْمُود العنابي أَيْضا. وَفِي ثامن عشرينه: ثارت عرب بني عِيسَى بقليوب يُرِيدُونَ قتل الْوَالِي ففر مِنْهُم إِلَى الْقَاهِرَة. وَفِيه قدم الْبَرِيد بِطَلَب بدر الدّين مَحْمُود الكلستاني إِلَى السُّلْطَان فَخرج فِي غَايَة الْخَوْف من الْقَتْل لِأَنَّهُ كَانَ من إِلْزَام ألطنبغا الجوباني فَجَاءَهُ من الْعِزّ مَا لم يخْطر لَهُ ببال كَمَا سَيَأْتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَفِيه اسْتَقر عمر بن إلْيَاس فِي نِيَابَة الْوَجْه البحري وعزل أوناط. وَفِي عشرينه قدم الْبَرِيد برحيل السُّلْطَان عَن غَزَّة فِي ثَانِي عشره وَأَنه أنعم على ألطنبغا الْمعلم بإمرة مائَة فِي طرابلس وعَلى قردم الحسني بنيابة الْقُدس وَأَن قنقباي الأسعدي استعفي من الإمرة. وَفِي ثَالِث عشرينه: قدم إِلَى مَدِينَة دمشق رسل طقتمش خَان صَاحب كرْسِي أزبك خَان بِبِلَاد القبجاق بِأَنَّهُ يكون عوناً مَعَ السُّلْطَان على تيمور لنك. وَفِي ثامن عشرينه: قدم الْبَرِيد بِدُخُول السُّلْطَان إِلَى دمشق فِي عشرينه. وَقدم الْخَيْر بِأَن تيمور لنك رَجَعَ إِلَى بِلَاده فدقت البشائر ثَلَاثَة أَيَّام. وَفِيه قدم إِلَى الْقَاهِرَة رسل ابْن عُثْمَان متملك الرّوم. وَفِي أول شهر رَجَب: أَخذ الفرنج عدَّة مراكب تحمل الغلال إِلَى الشَّام. وَفِي سَابِع عشره: برزت العساكر من دمشق تُرِيدُ حلب وفيهَا الْأَمِير الْكَبِير الجزء: 5 ¦ الصفحة: 356 كمشبغا الْحَمَوِيّ أتابك العساكر والأمير بكلمش أَمِير سلَاح وَأحمد بن يلبغا وبيبرس ابْن أَخُو السُّلْطَان ونائب صفد ونائب غَزَّة. وَفِيه سَار الْبَرِيد من دمشق بتشريف الْأَمِير نعير واستقراره فِي إمرة الْعَرَب على عَادَته. وَفِيه قدم الْأَمِير سَالم الذكرى أَمِير التركمان فَخلع عَلَيْهِ. وَفِي سلخه: قدم جلال الدّين عبد الرَّحْمَن ابْن شيخ الْإِسْلَام البُلْقِينِيّ قَاضِي الْعَسْكَر من دمشق إِلَى الْقَاهِرَة. وَقد نزل لَهُ وَالِده عَن تدريس الزاوية الخشابية بِجَامِع عَمْرو بن الْعَاصِ بِمصْر وَعَن مشيخة التَّفْسِير والميعاد بِالْمَدْرَسَةِ الظَّاهِرِيَّة المستجدة بَين القصرين وَأقَام وَالِده مَعَ السُّلْطَان. وَفِيه كبس الْأَمِير شرف الدّين مُوسَى بن طي مُتَوَلِّي البهنسا على سفط ميدون فَقتله الْعَرَب بهَا فاستقر عوضه إِبْرَاهِيم الشهابي. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ أول شعْبَان: توجه القان غياث الدّين أَحْمد بن أويس من دمشق إِلَى بَغْدَاد. وَقد قَامَ لَهُ السُّلْطَان بِجَمِيعِ مَا يحْتَاج إِلَيْهِ وَعند وداعه خلع عَلَيْهِ أطلسين بشاش متمر وَسيف بسقط ذهب. وَأعْطى تقليداً بنيابة السلطنة بِبَغْدَاد فَأَرَادَ أَن يقبل الأَرْض فَلم يُمكنهُ السُّلْطَان من ذَلِك إجلالاً لَهُ وَيُقَال إِن الَّذِي حمل إِلَيْهِ من النَّقْد خَمْسمِائَة ألف دِرْهَم سوى مَا حمل إِلَيْهِ من الْخَيل وَالْجمال وَالسِّلَاح وَغير ذَلِك. وَفِي ثَالِث عشره: سَار من ظَاهر دمشق. وَفِيه أنعم على الْأَمِير أقبغا طولو تَمُري - الَّذِي يُقَال لَهُ اللكاش - بإمرة ألف بعد وَفَاة بيليك المحمدي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 357 وَفِي عشرينه: أَخذ قاع النّيل فَكَانَ سِتَّة أَذْرع. وَتوقف النّيل عَن الزِّيَادَة تِسْعَة أَيَّام مُتَوَالِيَة من سلخ بؤونة - وَهُوَ رَابِع عشْرين شعْبَان - إِلَى ثامن أبيب فَلم يناد عَلَيْهِ سوى إِصْبَع وَاحِد فِي كل يَوْم. وَفِيه اسْتَقر قطلوبغا الطشتمري فِي كشف الفيوم والبهنساوية والأطفيحية مُضَافا لما مَعَه من كشف الجيزية. وَفِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء - الثَّلَاثِينَ من شعْبَان -: ترَاءى النَّاس هِلَال رَمَضَان فَلم ير أحد الْهلَال مَعَ كَثْرَة عمرهم فَأصْبح النَّاس على أخر شعْبَان وأكلوا إِلَى الظّهْر فَقدم الْخَبَر بِأَن الْهلَال رؤى ببلبيس فَنُوديَ بالإمساك قبيل الْعَصْر. وَفِي ثالثه: زَاد النّيل بعد توقفه. وَفِي خامسه: نقل أَمِير فرج بن أيدمر من ولَايَة الغربية إِلَى نِيَابَة الْوَجْه البحري عوضا عَن عمر بن إلْيَاس قريب قُرُط وَاسْتقر أَخُوهُ مُحَمَّد بن أيدمر فِي ولَايَة الغربية. وَفِيه قدم الْبَرِيد بِالْقَبْضِ على نصر الله بن شَنْطيَّة مُسْتَوْفِي المرتجع وإيداعه خزانَة شمايل على مَال وإحضار مُحَمَّد بن صَدَقَة الأعسر وَالِي المنوفية فَسَار إِلَيْهِ الْبَرِيد وأحضره إِلَى القاهرةَ فهرب وَاسْتقر عوضه أَحْمد الأرغوني. وَفِيه أخصب الْبِطِّيخ العبدلي حَتَّى أبيع كل مائَة رَطْل بدرهم. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع شَوَّال - الْمُوَافق تَاسِع مسري -: توقف النّيل عَن الزِّيَادَة وَأقَام بِغَيْر زِيَادَة إِلَى ثَانِي عشره فَزَاد على الْعَادة واستمرت الزِّيَادَة. وَفِي ثَانِي عشرينه: اسْتَقر بدر الدّين مَحْمُود السرائي الكلستاني فِي كِتَابَة السِّرّ عوضا عَن بدر الدّين مُحَمَّد بن فضل الله الْعمريّ بعد وَفَاته وخلع عَلَيْهِ بِدِمَشْق. وَفِي ثامن عشرينه - وَهُوَ ثامن عشر مسري -: أَو فِي النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا وَفتح الخليج على الْعَادة. وَقدم الْخَبَر على السُّلْطَان من القان أَحْمد بن أويس أَنه لما وصل إِلَى ظَاهر بَغْدَاد خرج إِلَيْهِ نَائِب تيمور بهَا وقاتله فانكسر وَدخل بَغْدَاد وَأطلق الْمِيَاه على عَسْكَر ابْن أويس ليغرقه فأعانه الله وتخلص مِنْهَا بعد يَوْمَيْنِ وَعبر بَغْدَاد وَقد هرب التمرية مِنْهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 358 فاستولى عَلَيْهَا واستخدم جمَاعَة من التركمان والعربان فَلَمَّا بلغ ذَلِك تيمور جهز أمراءه بالأموال إِلَى سمرقندي. وقدمت رسل ابْن عُثْمَان على السُّلْطَان بِأَنَّهُ جهز لنصرة السُّلْطَان مِائَتي ألف وَأَنه ينْتَظر مَا يرد عَلَيْهِ ليعتمده. وَقدم رَسُول القَاضِي برهَان الدّين أَحْمد صَاحب سيواس بِأَنَّهُ فِي الطَّاعَة يترقب وُرُود المراسيم عَلَيْهِ بِالْمَسِيرِ لجِهَة تعين لَهُ. وَاتفقَ بِالْقَاهِرَةِ ومصر وظواهرهما أَنه أشيع بِأَن امْرَأَة طَال دوَام رمد عينهَا وأيس الْأَطِبَّاء من برئها فرأت فِي منامها كَأَنَّهَا تَشْكُو مَا بهَا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنه أمرهَا أَن تمْضِي إِلَى سفح جبل المقطم وَتَأْخُذ من حَصى هُنَاكَ وتكتحل بِهِ بعد سحقه وَأَنَّهَا عملت ذَلِك فَزَالَ مَا فِي عينيها من الرمد فَلم يبْق من النَّاس إِلَّا من أَخذ من الْحَصَى الَّذِي بِالْجَبَلِ واكتحل بِهِ وَعمِلُوا مِنْهُ فِي الإثمد وَغَيره حَتَّى أفنوا من ذَلِك لما لَا يقدر قدره وَأَقَامُوا على هَذَا مُدَّة وَزَعَمُوا أَنه شفي بِهِ خلق كثير. وَفِي يَوْم الْأَحَد سادسه - وَهُوَ سادس عشر توت -: انْتَهَت زِيَادَة النّيل إِلَى أحد عشر إصبعاً من الذِّرَاع الثَّامِن عشر وانحط فارتفعت الأسعار. وَبلغ الأردب الْقَمْح أَرْبَعِينَ درهما والفول وَالشعر عشْرين درهما والبطة الْحقيق وزنتها خَمْسُونَ رطلا إِلَى اثْنَي عشر درهما. وضج النَّاس على الْبَهَاء مُحَمَّد بن الْبُرْجِي الْمُحْتَسب فرسم الْأَمِير سودن النَّائِب للأمير عَلَاء الدّين الطلاوي بالتحدث فِي السّعر فَنَادَى بِفَتْح المخازن وَالْبيع بِسعْر الله تَعَالَى وهدد من لَا يفتح مخزنه وَيبِيع بالنهب. وَفتح مباشرو الْأُمَرَاء الشون وَبَاعُوا فانحل السّعر قَلِيلا. ثمَّ شحت الْأَنْفس بِالْبيعِ وَكثر الْخَوْف من الْقَحْط لِكَثْرَة مَا شَرق من الْأَرَاضِي وَلم يزرع. وَفِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع ذِي الْحجَّة: قدم الْبَرِيد بعزل قطلوبغا من كشف الفيوم بطيبغا الزيني وَفِي حادي عشره: وصل الْأَمِير شيخ الصفوي من الشَّام وَهُوَ مَرِيض. وَفِي ثَالِث عشره: زَاد مَاء النّيل وغرق بعض مَا زرع ثمَّ انحط. وَقدم الْبَرِيد بِأَن الْأَمِير تغري بردي اسْتَقر فِي نِيَابَة حلب عوضا عَن جلبان. وأنعم على جلبان بإقطاع تغري بردي. وَأَن الْأَمِير مُحَمَّد بن قارا خرج عَن الطَّاعَة والتحق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 359 بنعير وَصَارَ بعربانه فِي جملَته وَأَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن قَاضِي الْقُضَاة كَمَال الدّين بن المعري اسْتَقر فِي قَضَاء طرابلس عوضا عَن مَسْعُود. وَأَن السُّلْطَان خرج من حلب يُرِيد دمشق فِي خَامِس عشره. وَأَنه قلد أرغون شاه الإبراهيمي نَائِب صفد نِيَابَة طرابلس عوضا عَن دمرداش المحمدي وأنعم على أقبغا الجمالي أحد أُمَرَاء حلب بنيابة صفد وَأَعْلَى إمرته لدمرداش المحمدي. وَأَن عَامر بن ظَالِم انهزم من عرب زبيد بِمن مَعَه من آل مهنا إِلَى الْفُرَات فغرق وغرق مَعَه سَبْعَة عشر من أُمَرَاء آل مهنا وَقتل مِمَّن مَعَه خلق كثير جدا. وَفِي ثَانِي عشرينه: اسْتَقر عَليّ بن غلبك بن المكللة فِي ولَايَة منوف وعزل أَحْمد الأرغوني. وَفِي تَاسِع عشرينه: قدم مبشرو الْحَاج بِحسن سيرة قديد أَمِير الْحَاج وَكَثْرَة الْأَمْن والرخاء. وَاسْتقر عَلَاء الدّين عَليّ بن قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أبي الْبَقَاء فِي قَضَاء الشَّافِعِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن الشهَاب أَحْمد الباعوني. وَاسْتقر نجم الدّين أَحْمد بن قَاضِي الْقُضَاة عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن أبي الْعِزّ فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن التقي عبد الله الكفري. وَاسْتقر علم الدّين القفصي فِي قَضَاء الْمَالِكِيَّة عوضا عَن الْبُرْهَان إِبْرَاهِيم الصنهاجي. وَاسْتقر نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أبي الطّيب فِي كِتَابَة السِّرّ بحلب عوضا عَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن صَلَاح الدّين صَالح بن أَحْمد بن السفاح. وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر سوى من قتل إِبْرَاهِيم ابْن السُّلْطَان فِي عشْرين جُمَادَى الأولى وَدفن بِالْمَدْرَسَةِ الظَّاهِرِيَّة المستجدة. وَمَات الصارم إِبْرَاهِيم الباشقردي - وَالِي قطيا - بهَا فَجْأَة فِي ثامن صفر. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين أبرك المحمودي شاد الشَّرَاب خاناه وَدفن بِدِمَشْق. وَمَات الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد الْهَادِي بن أَحْمد بن أبي الْعَبَّاس الشاطر الأديب الشَّاعِر فِي خَامِس عشرينه جُمَادَى الأولى. وَمَات الْوَزير الصاحب موفق الدّين أَبُو الْفرج الْأَسْلَمِيّ القبطي تَحت الْعقُوبَة فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ حادي عشرينه ربيع الآخر وَكَانَ أَسْوَأ الوزراء سيرة وَكَثُرت فِي أَيَّامه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 360 المصادرات وتسلط السُّفَهَاء بالسعاية إِلَيْهِ على النَّاس حَتَّى عَم الْخَوْف وفقد الْأَمْن وَبِه اقْتدى فِي الظُّلم من بعده وَعجل الله لَهُ فِي الدُّنْيَا من الْعَذَاب مَا لَا يُمكن وَصفه إِلَى أَن أهلكه الله وَأدْخلهُ سعيرا فَإِنَّهُ لم يُؤمن بِاللَّه قطّ بل أكره حَتَّى قَالَ كلمة الْإِسْلَام وَلبس الْعِمَامَة الْبَيْضَاء فتسلط على النَّاس بِذُنُوبِهِمْ وَمن الْعجب أَنه لما كَانَ يتظاهر بالنصرانية ويباشر الْحَوَائِج خاناه كَانَ مشكوراً بِكَثْرَة بره ورعايته للنَّاس فَلَمَّا تظاهر بِالْإِسْلَامِ جَاءَ عذَابا واصباً على عباد الله. وَمَات بدر الدّين حسن بن العَيْذَابي رَئِيس المؤذنين فِي سلخ جُمَادَى الأولى وَكَانَ من الْعَجَائِب فِي النهمة وَكَثْرَة الْأكل. وَمَات الشَّيْخ المعتَقد رشيد الْأسود التكروري فِي المارستان فِي يَوْم السبت ثَالِث عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة وَكَانَ يُقيم بِجَامِع راشدة خَارج مصر وَهُوَ أخر من سكنه. وَمَات الْأَمِير سَلام - بتَشْديد اللَّام - بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن فَايِد بِالْفَاءِ الْمَعْرُوف بِابْن التركية أَمِير خفاجة بالصعيد فِي سَابِع ربيع الآخر. وَمَات الْأَمِير زين الدّين عبد الرَّحْمَن بن منكلي بغا الشمسي وَابْن أُخْت الْملك الْأَشْرَف شعْبَان بن حُسَيْن فِي عَاشر شعْبَان. وَمَات الرئيس عَلَاء الدّين عَليّ بن عبد الْوَاحِد بن مُحَمَّد بن صَغِير رَئِيس الْأَطِبَّاء وَهُوَ بحلب وَمَات بدر الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن يحيى بن فضل الله الْعمريّ كَاتب السِّرّ فِي يَوْم الثُّلَاثَاء الْعشْرين من شَوَّال بِدِمَشْق. وَمَات القَاضِي الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد المليجي الْمَعْرُوف بصائم الدَّهْر نَاظر الأحباس ومحتسب الْقَاهِرَة وخطيب مدرسة حسن فِي تَاسِع عشر صفر عَن نَحْو سبعين سنة وَكَانَ خيرا دينا كثير النّسك سَاكِنا قَلِيل الْكَلَام بهيج الزي جميل الْهَيْئَة يسْرد الصَّوْم دَائِما. وَمَات نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن مقبل الجندي الظَّاهِرِيّ فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَالِث عشر جُمَادَى الْآخِرَة. كَانَ يتظاهر يحف شَاربه وَرفع يَدَيْهِ فِي كل خفض وَرفع فِي الصَّلَاة وَلَا يكتم الِاقْتِدَاء بِمذهب أهل الظَّاهِر وَكتب بِخَطِّهِ كثيرا واشتغل بِالْحَدِيثِ. وَمَات نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن شرف الدّين مُوسَى بن سيف الدّين أرقطاي فِي لَيْلَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 361 الْأَرْبَعَاء سادس عشْرين ذِي الْقعدَة. كَانَ جده وَأَبوهُ من أُمَرَاء الألوف وَهُوَ من أُمَرَاء العشراوات وَيُحب الحَدِيث ويواظب سَمَاعه على الْمَشَايِخ. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين منكلي الطرخاني الشمسي أحد الْأُمَرَاء ونائب الكرك. وَتُوفِّي لَيْلَة الْعَاشِر من الْمحرم. وَمَات جمال الدّين عبد الله بن مُحَمَّد بن الْعمريّ الْمَعْرُوف بكاتب أيتمش وبكاتب السمسرة وَمَات أَمِين الدّين يحيى بن مُحَمَّد الْحَنْبَلِيّ الْعَسْقَلَانِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء ثَانِي ربيع الأول. وَمَاتَتْ زبيدة بنت قَاضِي الْقُضَاة زين الدّين عمر بن عبد الرَّحْمَن بن أَبى بكر البسطامي الْحَنَفِيّ. وَمَاتَتْ أم قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْمَنَاوِيّ فِي لَيْلَة يَوْم السبت تَاسِع الْمحرم ودفنت بالقرافة. وَمَاتَتْ الشيخة الصَّالِحَة شيخة رِبَاط البغدادية فِي يَوْم السبت ثَانِي عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة. وَكَانَت على قدم فاضلة من الْعِبَادَة وتذكير النِّسَاء فِي وعظها إياهن وتَعليمهن الْخَيْر. وَمَات متملك تونس أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَبى بكر بن يحيى بن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 362 إِبْرَاهِيم بن يحيى بن عبد الْوَاحِد بن عمر بن يحيى بن عمر بن ونُودَين الحفصي فِي لَيْلَة الْخَمِيس رَابِع شعْبَان فَكَانَت مُدَّة ملكه أَرْبعا وَعشْرين سنة وَثَلَاثَة أشهر وَنصف. وَقَامَ من بعده ابْنه أَبُو فَارس عبد الْعَزِيز. وَمَات صَاحب فاس السُّلْطَان أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن أبي سَالم إِبْرَاهِيم بن أبي الْحسن المريني ملك الْمغرب فِي محرم. وأقيم بعده ابْنه أَبُو فاس عبد الْعَزِيز بن أبي الْعَبَّاس. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 363 فارغه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 364 (سنة سبع وَتِسْعين وَسَبْعمائة) أهل الْمحرم يَوْم الثُّلَاثَاء. فَفِي ثالثه: قدم ثقل الْأَمِير مَحْمُود الأستادار من الشَّام. وَقدم الْبَرِيد باستقرار دقماق فِي نِيَابَة ملطية وَكَانَ مقبل فِي نِيَابَة طرسوس وطَغَنْجي فِي نِيَابَة قلعة الرّوم ومَنْكلي بُغا الأسَنْبغاوي فِي نِيَابَة الرها. وَأَن السُّلْطَان قبض على عدَّة من أُمَرَاء حلب مِنْهُم ألطنبغا الأشرفي وتمرباي الأشرفي وقُطْلوشاه المارديني. وَأَن عربان آل مهنا خَرجُوا بأجمعهم عَن الطَّاعَة ودخلوا إِلَى الْبَريَّة. وَفِي رابعه: خرج أَتبَاع ابْن أويس إِلَى بَغْدَاد بحريمه. وَفِي سابعه: قدم السُّلْطَان من حلب إِلَى دمشق بعساكره. وَفِي سَابِع عشره توجه السُّلْطَان من دمشق يُرِيد مصر وَولي الْأَمِير بدخاص السودوني - حَاجِب الْحجاب - نِيَابَة الكرك عوضا عَن الشهَاب أَحْمد بن الشَّيْخ عَليّ. وَنقل الشهَاب إِلَى دمشق حَاجِب الْحجاب بهَا عوضا عَن تمربغا المنجكي. وَقدم تمربغا فِي الْخدمَة إِلَى مصر وَاسْتقر قُنُق باي السيفي اللالا بصفد من جملَة أمرائها. وَاسْتقر الجبغا الجمالي الْحَاجِب أَمِيرا بِدِمَشْق، على طبلخاناه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 365 وَفِي ثَالِث عشرينه: نُودي بزينة الْقَاهِرَة ومصر فزينتا. وَفِيه قدم الْمحمل والحاج صُحْبَة الْأَمِير قديد وهم ركب وَاحِد. وَقدم الْبَرِيد بِأَن السُّلْطَان توجه من الرملة لزيارة الْقُدس جَرِيدَة. وَفِي يَوْم الْخَمِيس أول صفر: قدم شيخ الْإِسْلَام سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ من الشَّام. وَفِي خامسه: قدم الْحَرِيم السلطاني مَعَ الطواشي بَهادُر الْمُقدم وفيهن عدَّة من حرائر دمشق وأبكارها ليختار مِنْهُنَّ من يعْقد عَلَيْهَا. وَفِي سابعه: قدم الْأَمِير مَحْمُود الأستادار وشق الْقَاهِرَة من بَاب النَّصْر إِلَى بَاب زويلة وَقد فرشت لَهُ شقَاق الْحَرِير من بَاب زويلة إِلَى دَاره فَمشى عَلَيْهَا بفرسه وَمَعَهُ من الْخَلَائق عدد لَا يَقع عَلَيْهِ حصر وَأوقدت لَهُ الْبَلَد. وَفِيه نُودي بِالْخرُوجِ إِلَى لِقَاء السُّلْطَان. وَفِي تاسعه: قدم بالبريد بِأَن السُّلْطَان قبض على جلبان الكمشبغاوي نَائِب حلب بقطيا وَبَعثه من الطينة فِي الْبَحْر إِلَى دمياط. وَفِي ثَانِي عشره: قدم السُّلْطَان وَصعد إِلَى القلعة فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً وَكَانَ الشَّيْطَان قد أجْرى على أَلْسِنَة الْعَامَّة كلمة سوء وَهِي: لَو جَاءَ السُّلْطَان لوقع الرخَاء وصاروا يتَناجون بذلك فِي كل مَوضِع فأخلف الله ظنهم وتزايدت الأسعار من يَوْم دُخُوله تَصْدِيقًا لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: من تعلق بِشَيْء وكل إِلَيْهِ. وأبيع الْقَمْح بسبعين بعد أَرْبَعِينَ والفول وَالشعِير بِأَرْبَعِينَ كل أردب وَالْحمل من التِّبْن بِعشْرَة دَرَاهِم بعد خَمْسَة وكل حَملَة دَقِيق - وَهِي سِتّ بطط - بِمِائَة وَعشرَة دَرَاهِم وَالْخبْز كل ثَلَاثَة أَرْطَال بدرهم والأرز كل قدح بِدِرْهَمَيْنِ وَالسكر كل رَطْل بِسِتَّة دَرَاهِم بعد ثَلَاثَة والجبن المقلو بِنَحْوِ دِرْهَمَيْنِ بعد ثُلثي دِرْهَم والرطل اللَّحْم البقري بدرهم بعد نصف دِرْهَم والرطل اللَّحْم من الضَّأْن بدرهم وَنصف بعد نصف وَربع دِرْهَم كل رَطْل. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 366 وَاتفقَ مَعَ تزايد الأسعار كَثْرَة ظلم الدولة وَوُقُوع الوباء ووقوف أَحْوَال النَّاس من قلَّة المكاسب. وَفِي خَامِس عشره: ركب السُّلْطَان وَعبر إِلَى الْقَاهِرَة من بَاب زويلة وزار أَبَاهُ بمدرسته بَين القصرين. وَخرج من بَاب النَّصْر إِلَى القلعة. وَفِي سادسه: عدى إِلَى بر الجيزة. وأحدث الْأَمِير تمربغا المنجكي شرابًا من زبيب يعْمل لكل عشرَة أَرْطَال من الزَّبِيب أَرْبَعُونَ رطلا من المَاء ويدفن فِي جرار بزبل الْخَيل أَيَّامًا ثمَّ يشرب فيسكر وَصَارَ يُقَال لَهُ التمربغاوي وَفِي ثامن عشره: عَاد السُّلْطَان من الجيزة إِلَى القلعة. وَفِي تَاسِع عشره: أنعم على الْأَمِير فَارس من قطلو خجا بتقدمة ألف وَاسْتقر حَاجِب الْحجاب عوضا عَن بِدخاص المتنقل لنيابة الكرك. وَفِيه استعفى الْأَمِير سودُن من نِيَابَة السلطة والإمرة لكبره وعجزه فأعفي وَلزِمَ بَيته. وَفِي رَابِع عشرينه: أنعم على عَلَاء الدّين عَليّ بن سعد الدّين عبد الله بن مُحَمَّد بن الطلاوي بإمرة طبلخاناه وَاسْتقر أَخُوهُ نَاصِر الدّين مُحَمَّد فِي ولَايَة الْقَاهِرَة كَأَنَّهُ يَنُوب عَنهُ وَشرط عَلَيْهِ أَلا يستبد بِشَيْء بل يُرَاجِعهُ فِي الْأُمُور. وأنعم على أرغون شاه البَيْدمري الأقبغاوي بتقدمة ألف وعَلى نوروز الحافظي بتقدمة ألف. وعَلى تمربغا المنجكي بإمرة طبلخاناه وعَلى شيخ المحمودي بطبلخاناه وعَلى صَلَاح الدّين مُحَمَّد ابْن تنكز بطبلخاناه وعَلى صَرْغَتْمُش المحمدي الْقزْوِينِي بطبلخاناه وعَلى سودُن الطيار الناصري بطبلخاناه. وأنعم على كل من مقيل الرُّومِي وأقباي بن حُسَيْن شاه وآق بلاط الأحمدي ومنكلي بغا الناصري بإمرة عشرَة. وَفِي تَاسِع عشرينه: اسْتَقر الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن الطبلاوي حاجباً عوضا من ألجبغا الجمالي مَعَ النّظر فِي الْولَايَة على أَخِيه. وَفِي يَوْم الْأَحَد ثَالِث ربيع الأول: عدى السُّلْطَان إِلَى بر الجيزة وَعَاد آخر يَوْم الْأَرْبَعَاء سادسه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 367 وَفِي سابعه: خلع على الْأُمَرَاء والأكابر وناظر الْجَيْش وناظر الْخَاص، أقبية بِفَرْوٍ وسمور. وَفِيه عمل السُّلْطَان المولد النَّبَوِيّ على عَادَته. وَفِي تاسعه: عقد مجْلِس حضر فِيهِ شيخ الْإِسْلَام والقضاة وَالْفُقَهَاء عِنْد السُّلْطَان. وأحضر رجل من الْعَجم يتفقه على مَذْهَب أبي حنيفَة يُقَال لَهُ مصطف القرماني وَأَنه كتب شَيْئا فِي الْفِقْه قَالَ فِيهِ: لَا يَبُول أحد إِلَى الشَّمْس وَالْقَمَر لِأَنَّهُمَا عبدا من دون الله وَنسب إِبْرَاهِيم - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى مَا نزهه الله من عبادتهما. فَأَرَادَ قَاضِي الْمَالِكِيَّة نَاصِر الدّين أَحْمد بن التنسي الحكم بقتْله فاعتنى بِهِ جمَاعَة من الْأُمَرَاء وسألوا السُّلْطَان أَن يُفَوض أمره إِلَى قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة جمال الدّين مَحْمُود العجمي فعزره بِأَن أَقَامَهُ وَبعث بِهِ إِلَى السجْن ثمَّ أفرج عَنهُ بعد ثَلَاثَة أَيَّام وضربه ثمَّ خلاه لسبيله. وَفِي رَابِع عشره: أنعم على نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن جلبان العلاي بإمرة عشْرين عوضا عَن قرابغا بعد مَوته. وَفِي ثامن عشره: قدم الْبَرِيد من حلب بِأَن تيمور توجه من قراباغ وعدى السُّلْطَانِيَّة وَتوجه ابْنه إِلَى كيلان فَإِن طقتمش أَخذ أَكثر بِلَاده. وَقد حدث بِبَغْدَاد وباء عَظِيم وَاشْتَدَّ بهَا الغلاء وانتقل ابْن أويس عَنْهَا إِلَى الْحلَّة. وَفِي ثَالِث عشرينه: قدم الْأَمِير مبارك شاه نَائِب الْوَجْه القبلي وَمَعَهُ أُمَرَاء العربان وهم: أَبُو بكر بن الأحدب أَمِير عَرك وَعمر بن عبد الْعَزِيز أَمِير هوارة وَعلي بن غَرِيب أَمِير هوارة أَيْضا وأحضروا تقادمهم على الْعَادة. وَفِيه تنكر السُّلْطَان على الْأَمِير جمال الدّين مَحْمُود الأستادار وَكَاد يبطش بِهِ. فَلَمَّا نزل إِلَى دَاره أَتَاهُ الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن الطلاري يَأْمُرهُ عَن السُّلْطَان بِحمْل خَمْسمِائَة ألف دِينَار وَإِن امْتنع يُوقع الحوطة عَلَيْهِ ويضربه بالمقارع فتلطف فِي السَّعْي بَينه وَبَين السُّلْطَان حَتَّى تقرر أَنه يحمل مائَة ألف وَخمسين ألف دِينَار فَلَمَّا صعد فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ خَامِس عشرينه إِلَى الْخدمَة بالقلعة صَاح بِهِ المماليك من الأطباق وسبوه ورجموه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 368 وَفِي سَابِع عشرينه: قبض على يلبغا الزيني وَالِي الأشمونين وَضرب بالمقارع بَين يَدي السُّلْطَان لِكَثْرَة مَا شكا مِنْهُ أهل الْبِلَاد وتسلمه ابْن الطلاوي ليخلص مِنْهُ حُقُوق النَّاس. وَفِيه أحضر مبارك شاه تقدمته وَهِي مائَة وستونفرساً وَمِائَة وَخَمْسُونَ جملا وَسبع وَعشر نعامات وعدة أبقار وأنواع من الحلاوات وأحضر أَبُو بكر بن الأحدب مائَة فرس. وأحضر كل من عمر بن عبد الْعَزِيز وَعلي بن غَرِيب خمسين فرسا. وَفِيه ادّعى نَصْرَانِيّ على شمس الدّين مُحَمَّد بن الشهَاب أَحْمد الْحَفرِي - أحد نواب الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة بِالْقَاهِرَةِ - بَين يَدي السُّلْطَان فَاقْتضى الْحَال أَنه ضرب القَاضِي وَهُوَ مبطوح على الأَرْض ورسم عَلَيْهِ حَتَّى يخلص مِنْهُ وَفِي ثامنه عشرينه: اسْتَقر منجك السيفي فِي ولَايَة أطفيح. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث ربيع الآخر: اسْتَقر قرطا التاجي فِي ولَايَة الأشمونين عوضا عَن يلبغا الزيني. وَفِيه اشْتَدَّ حنق السُّلْطَان على الْأَمِير جمال الدّين مَحْمُود الأستادار وضربه لتأخره كسْوَة المماليك عَن وَقتهَا الَّذِي تفرق فِيهِ. وَفِي رابعه: اسْتَقر عَليّ بن أبي بكر القرمانة فِي ولَايَة الجيزة وعزل عَليّ بن قراجا. وَفِي خامسه: هرب مبارك شاه نَائِب الْوَجْه القبلي لِكَثْرَة شكوى أهل النواحي من ظلمه وَطلب فَلم يقدر عَلَيْهِ. وَفِي سادسه: أنعم على أَحْمد بن الْوَزير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن رَجَب بإمرة عشْرين عوضا عَن تمان تمر الأشرفي الموسوي. وَفِيه بلغ الأردب من الْقَمْح إِلَى سِتَّة وَسِتِّينَ درهما والأردب من الفول وَالشعِير إِلَى ثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ درهما. وَفِي سابعه: ظهر أَن مبارك شاه لبس زِيّ الْفُقَرَاء وَأخذ بِيَدِهِ إبريقاً وَمضى نَحْو الْجَبَل فَلم يعرف أَيْن قصد. وَفِي حادي عشره: اسْتَقر الشريف عَلَاء الدّين عَليّ بن الْبَغْدَادِيّ الأَصْل الصعيدي الدَّار فِي ولَايَة منفلوط عوضا عَن آقبغا الزيني. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 369 وَفِي ثَالِث عشره: اسْتَقر أَمِير فرج بن أيدمر نَائِب الْوَجْه البحري فِي نِيَابَة الْوَجْه القبلي عوضا عَن مبارك شاه. وَاسْتقر عوضه فِي الْوَجْه البحري أوناط السيفي. وَفِي رَابِع عشره: عدى السُّلْطَان النّيل إِلَى بر الجيزة وَنزل بِنَاحِيَة صقيل وَأَقْبل على اللَّهْو. وَفِي حادي عشرينه: ترامى مبارك شاه على الْأَمِير تاني بك اليحياوي أَمِير أخور فشفع فِيهِ حَتَّى عَفا السُّلْطَان عَنهُ. وَفِي رَابِع عشرينه: رَجَعَ السُّلْطَان إِلَى القلعة. وَفِيه حضر مبارك شاه بَين يَدي السُّلْطَان فألبسه قبَاء مطرزاً. وَفِي خَامِس عشرينه: قدم السُّلْطَان ولد بن عَليّ شاه زَاده بن شيخ أويس بن حسن وَكَانَ ولد قد قدم مَعَ عَمه القان مغيث الدّين أَحْمد بن أويس وَأقَام حَتَّى خرج صُحْبَة حريمه فالتحق بالقدس لتخوفه من عَمه وَعَاد إِلَى الْقَاهِرَة - بعد أَن اسْتَأْذن - وَمَعَهُ عِيَاله فأنزله السُّلْطَان فِي دَار من الْأُمَرَاء وأجرى عَلَيْهِ مَا يقوم بِهِ ووعده بإمرة. وَفِيه قدم مَسْعُود بن الشَّيْخ مُحَمَّد الكجاني من تبريز فَارًّا من تيمور. وَفِي سادس عشرينه: قدم الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْأَمِير مَحْمُود الأستادار نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة بتقدمته وَهِي مائَة فرس وثلاثمائة قِطْعَة من ثِيَاب الْإسْكَنْدَريَّة وَعشرَة آلَاف دِينَار. وَفِيه أفرج عَن قطلوبك السيفي وكمشبغا اليوسفي وقدما من دمياط. وَفِيه تزوج سُلْطَان ولد بانية عَمه تندى بعد انْقِضَاء عَمَّتهَا من السُّلْطَان وأنعم عَلَيْهِ لإمرة عشرَة وَترك زِيّ البغاددة وَلبس القباء والكلفتة كَهَيئَةِ أُمَرَاء مصر. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ أول جُمَادَى الأولى: رسم لجَماعَة من الْأُمَرَاء الخاصكية بِأَن يَسِيرُوا فِي الموكب تَحت القلعة بالرملية مَعَ الْأُمَرَاء وهم صَرْغَتْمش المحمدي الْقزْوِينِي وَصَلَاح الدّين مُحَمَّد بن تنكز وهما من الطبلخاناة وقرمان المنجكي وتمر الشهابي وهما من أُمَرَاء العشرينات ودمرداش السيفي وبهادر السيفي وجرجي الصَرغَتْمُشي وأسَنبغا التاجي وقوصون المحمدي وألجبغا السلطاني وتغرة بردي القردمي وقجماس البشيري ويلبغا المحمدي وبَيدمر المحمدي وبى خُجا الحسني فَرَكبُوا فِي الموكب وصعدوا إِلَى القلعة فوقفوا مَعَ الخاصكية وَصَارَ هُنَا رسمهم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 370 وَفِيه طلب من سَائِر الْأُمَرَاء خُيُول لعمارة مراكز الْبَرِيد فألزم كل من الْأُمَرَاء المقدمين بِعشْرَة أكاديش وكل من الْوَزير والأستادار وَبَقِيَّة أَرْبَاب الْوَظَائِف وأمراء الطبلخاناة أكديشان وكل من وَفِي حادي عشرينه: فَقبض على منكلي بغا الزيني وَالِي قوص وَسلم إِلَى ابْن الطبلاوي لشكوى أهل الْبِلَاد مِنْهُ وَاسْتقر عوضه أقبغا البشتكي. وَفِي رَابِع عشرينه: خلع على الْأَمِير مَحْمُود خلعة الرِّضَا. وَفِي أول جُمَادَى الْآخِرَة: قدم الْبَرِيد بمحاربة تركمان الطَّاعَة لنعير وَقتل ألف من عربانه وَأَنه انهزم وَهلك لَهُ نَحْو ثَلَاثَة آلَاف بعير. وَقدم قَاصد متملك ماردين فَجهز على يَده تَقْلِيد لمرسله بنيابة السلطنة وتشريف وَهُوَ أطسان وَسيف عنبرية ومنديل زركش. وَقدم الْبَرِيد من حلب بِأَن سولي بن دُلغار انْكَسَرَ كسرة قبيحة وفر بمفرده. وَفِي رَابِع عشره: قدم عمر بن نعير بن حيار بن مهنا فَعَفَا السُّلْطَان عَنهُ وترافع رجلَانِ من أهل الْإسْكَنْدَريَّة يُقَال لأَحَدهمَا زكي الدّين أَبُو بكر بن الموازيني وَالْآخر أَحمد المالقي وَكِلَاهُمَا يدولب دَار الضَّرْب فَقبل قَول كل مِنْهُمَا فِي الآخر وتسلمهما ابْن الطبلاوي وخلص مِنْهُمَا ألف ألف دِرْهَم. وَفِي ثامن عشره: اسْتَقر يلبغا السالمي الخاصكي فِي نظر الخانكاه الصلاحية سعيد السُّعَدَاء فَأَرَادَ أَن يجرى أمورها على مَا شَرطه الْوَاقِف وَأخرج مِنْهَا أَرْبَاب الْأَمْوَال وَزَاد الْفُقَرَاء المجردين كل فَقير رغيفاً فِي الْيَوْم على الثَّلَاثَة الأرغفة المقررة لَهُ ورتب بهَا وظيفتي ذكر بعد صَلَاتي الْعشَاء وَالصُّبْح. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ خَامِس رَجَب: اسْتَقر الْأَمِير صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن تنكز أستادار الْأَمْلَاك السُّلْطَانِيَّة والوزير الصاحب سعد الدّين نصر الله بن البقري نَاظر ديوَان الْأَمْلَاك. وَاسْتقر كل من صرغتمش المحمدي الْقزْوِينِي وقجماش البشيري أَمِير جاندار. وَاسْتقر الْأَمِير تمر الشهابي حاجباً صَغِيرا. وَفِي ثامنه: اسْتَقر الْأَمِير نوروز الحافظي رَأس نوبَة صَغِيرا عوضا عَن تغرى بردى من يشبغا. وَفِيه عقد مجْلِس عِنْد السُّلْطَان حَضَره الْقُضَاة وَشَيخ الْإِسْلَام سراج الدّين عمر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 371 البُلْقِينِيّ بِسَبَب يلبغا السالمي وشهاب الدّين أَحْمد الْعَبَّادِيّ - أحد نواب الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بِالْقَاهِرَةِ - وَذَلِكَ أَن عدَّة الصُّوفِيَّة بخانكاه سعيد السُّعَدَاء كَانَت عِنْدَمَا تحدث الْأَمِير سودن النَّائِب فِي نظرها من ابْتِدَاء دولة السُّلْطَان دون الثلاثمائة فتزايدت حَتَّى بلغت نَحْو الْخَمْسمِائَةِ. وَلم يَفِ ريع الْوَقْف بالمصروف فَقطع مَا كَانَ لَهُم من الْحَلْوَى والصابون فِي كل شهر وَمن الْكسْوَة فِي السّنة. فَلَمَّا شَرقَتْ نَاحيَة دهمرو - الْمَوْقُوفَة على الخانقاه - فِي هَذِه السّنة من جملَة مَا شَرق من النواحي لقُصُور النّيل عزم مباشرو الخانقاه على غلق مطبخها ومخبزها من أول شهر رَجَب هَذَا وَقطع مَا للصوفية من الطَّعَام وَاللَّحم وَالْخبْز فِي كل يَوْم فَلم يصبروا على ذَلِك. وتكرر وقوفهم للسُّلْطَان وشكواهم حَتَّى ولي يلبغا السالمي نظر الخانكاه وَشرط عَلَيْهِ إِجْرَاء الْأُمُور فِيهَا على مَا فِي كتاب وَقفهَا من الشُّرُوط فَوجدَ شَرط الْوَاقِف أَن يكون من بهَا من الصُّوفِيَّة أهل السلوك فَإِن تعذر وجودهم كَانَت وَقفا على الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين وَأَفْتَاهُ شيخ الْإِسْلَام بِوُجُوب اتِّبَاع شَرط الْوَاقِف فَجمع الْقُضَاة وَشَيخ الْإِسْلَام بالخانقاه وأحضر سَائِر صوفيتها وَقَرَأَ عَلَيْهِم كتاب الْوَقْف سَأَلَهُمْ فِي الحكم بِالْعَمَلِ بِشَرْط الْوَاقِف فَانْتدبَ لَهُ من جملَة الصُّوفِيَّة زين الدّين أَبُو بكر القمني من فُقَهَاء الشَّافِعِيَّة وشهاب الدّين أَحْمد الْعَبَّادِيّ من فُقَهَاء الْحَنَفِيَّة وقضاتهم وأخذا فِي مخاصمته. وَطَالَ النزاع فَأَضْرب عَن قَوْلهمَا وَسَأَلَ الْقُضَاة عَمَّا يفعل. فَقَالُوا كلهم مَعَ شيخ الْإِسْلَام افْعَل شَرط الْوَاقِف وانفضوا. فَقطع من ليلته نَحْو الْخمسين من الصُّوفِيَّة الَّذين يركبون البغلات أَو يلون الْقَضَاء وَالْحكم بَين النَّاس أَو لَهُم شهرة بغناء وسعة مَال وَفِيهِمْ القمني والعبادي فأطلقا ألسنتهما فِيهِ. وَزَاد الْعَبَّادِيّ فِي التَّعَدِّي وَصرح بِأَن السالمي قد كفر وَصَارَ يَقُول فِي الْمجَالِس الْكَافِر يلبغا سالمي استنبطت آيَة من كتاب الله فِيهِ. وَهِي قَوْله تَعَالَى: أم حَسِبَ الَّذين اجتَرَحُوا السيئاتِ أَن يَجعَلَهم كالِذينَ آمَنُوا وَعَمَلُوا الصَّالِحَات سَوَاء وكتبت فِي ذَلِك كراريس وَهَذَا الْكَافِر يلبغا يُرِيد أَن يكون مثل الْفُقَرَاء الصَّالِحين. فَلَمَّا بلغ ذَلِك السالمي لم يحْتَملهُ وشكا الْعَبَّادِيّ للسُّلْطَان. وَنزل من القلعة إِلَى دَاره فَإِذا بالعبادي قد مر فِي شَارِع الْقَاهِرَة فلشدة حنقه مِنْهُ نزل عَن فرسه وَقبض على كم الْعَبَّادِيّ وَدعَاهُ إِلَى الشَّرْع فَزَاد الْعَبَّادِيّ فِي التحامق وَقَالَ: تمسك كمي كفرت فَبَيْنَمَا هما فِي ذَلِك إِذْ مر سعد الدّين نصر الله بن البقري فَنزل عَن فرسه وَمَا زَالَ بهما حَتَّى أخذهما وَمَشى إِلَى الْمدرسَة الحجازية برحبة بَاب الْعِيد وجلسوا بهَا فَأَتَاهُم الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن الطبلاوي. وَأخذ فِي الْإِصْلَاح بَينهمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 372 فَزَاد تجانن الْعَبَّادِيّ وَقَالَ: قد كفر السالمي بمسكه كمي وَأَنا مذهبي من قَالَ للفقيه يَا فَقِيه بِصِيغَة التصغير فقد كفر لِأَنَّهُ احتقره وَكَذَلِكَ مسك كمي فِيهِ احتقاري وَهُوَ كفر. فانفض الْمجْلس عَن غير صلح فَعَاد السالمي إِلَى السُّلْطَان. وَقد بلغ السُّلْطَان مَا جرى بَينه وَبَين الْعَبَّادِيّ فَقَالَ لَهُ: قد كفرك الْفُقَهَاء يَا يلبغا فَقَالَ: يَا مَوْلَانَا قد كفرُوا أكبر مني. يعرض لَهُ بِمَا كَانَ من إِفْتَاء الْفُقَهَاء فِيهِ لمنطاش أَيَّام كَانَ بالكرك. ثمَّ سَأَلَ فِي عقد مجْلِس لَهُ ولغريمه فرسم بذلك وَحضر الْقُضَاة وَشَيخ الْإِسْلَام عِنْد السُّلْطَان فِي يَوْم الْخَمِيس ثامن شهر رَجَب هَذَا وَجِيء بالعبادي وأقيمت عَلَيْهِ الْبَيِّنَة عِنْد قَاضِي الْقُضَاة نَاصِر الدّين مُحَمَّد التنسي الْمَالِكِي بعد الدَّعْوَى فَحكم بتعزيره فَقَالَ السُّلْطَان: التَّعْزِير لي. وَأَرَادَ ضربه بالمقارع فشفع فِيهِ الْأَمِير قَلَمطاي الدوادار حَتَّى فوض تعزيره لقَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين مَحْمُود الْحَنَفِيّ فَأَجَابَهُ وَأمر بِهِ الْجمال عِنْد ذَلِك فكشف رَأسه وَأنزل بِهِ بَين يَدي بغال الْقُضَاة من القلعة وَهُوَ ماش حَتَّى سجن بِحَبْس الديلم من الْقَاهِرَة ثمَّ أخرج مِنْهُ وَنقل إِلَى سجن الرحبة. وَطلب يَوْم السبت حادي عشره إِلَى بَيت الْجمال العجمي وَحضر ابْن الطبلاوي وضربه على قَدَمَيْهِ نَحْو الْأَرْبَعين ضَرْبَة وأعيد إِلَى السجْن. ثمَّ خرج فِي ثامن عشره إِلَى بَيت السالمي وَقد حضر شيخ الْإِسْلَام عِنْده. وَمَا زَالَ بِهِ حَتَّى أرج عَنهُ وتسامع الْقُضَاة فَأتوا إِلَى السالمي وحضروا إصْلَاح شيخ الْإِسْلَام بَينهمَا. وَفِيه اسْتَقر تَاج الدّين مُحَمَّد بن عبد الله بن الْمَيْمُونِيّ فِي مشيخة خانكاة قوصون بالقرافة بعد وَفَاة نور الدّين عَليّ الهوريني. وَاسْتقر مُحَمَّد بن حسن بن ليلى فِي ولَايَة قطيا عوضا عَن صَدَقَة الشَّامي. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ رَابِع شعْبَان: جلس السُّلْطَان بدار الْعدْل من القلعة وعملت الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة وَكَانَ قد عطل حُضُور دَار الْعَمَل من نَحْو سنة وَنصف. وَفِي تاسعه: أعَاد السُّلْطَان على الْأَيْتَام المَال الَّذِي اقترضه من الْمُودع وَهُوَ مبلغ نَحْو ألف ألف وَمِائَة ألف وَخمسين ألف دِرْهَم من ذَلِك مَا يخْتَص بمودع الْقَاهِرَة وَالشَّام خَمْسمِائَة وَخَمْسُونَ ألفا وَمن مُودع الشَّام سِتّمائَة ألف دِرْهَم. وَفِي تاسعه: اسْتَقر الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن الطبلاوي يتحدث فِي أَمر دَار الضَّرْب بِالْقَاهِرَةِ عوضا عَن مَحْمُود الأستادار. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 373 وَفِيه أُعِيد صدر الدّين مَحْمُود الْمَنَاوِيّ فِي قَضَاء الْقُضَاة بديار مصر وعزل الْبَدْر مُحَمَّد بن أبي الْبَقَاء لفراغ الْغَرَض مِنْهُ. وَنزل من القلعة بالتشريف وَمَعَهُ الْأُمَرَاء على الْعَادة. فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَفِي رَابِع عشره: قبض على عمر بن الْأَمِير نعير وحجابه الثَّلَاثَة وحملوا إِلَى سجن الْإسْكَنْدَريَّة. وَفِي سادس عشره: نزل السُّلْطَان فِي عِيَادَة الْأَمِير بكلمش وَعَاد. وَفِي سَابِع عشره: ركب الصَّدْر الْمَنَاوِيّ إِلَى مَدِينَة مصر على الْعَادة وَعَاد وَفِي ثامن عشره ركب السُّلْطَان وَدخل الْقَاهِرَة من بَاب النَّصْر وطلع إِلَى مدرسته بَين القصرين لزيارة قبر أَبِيه وَعَاد إِلَى القلعة. وَفِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء سادس عشرينه: خرج من الْأُمَرَاء المقدمين بكلمش أَمِير سلَاح ونوروز رَأس نوبَة وقلمطاي الدوادار وأرغون شاه البيدمري وَفَارِس حَاجِب الْحجاب وقديد الْحَاجِب وَأحمد بن يلبغا فِي عدَّة من أُمَرَاء الطبلخاناه والعشراوات لكبس العربان بِبِلَاد الصَّعِيد. وَفِي ثامن عشرينه: أَخذ قاع النّيل فَكَانَ أَرْبَعَة أَذْرع واثني عشر إصبعاً. وَفِي آخِره: اسْتَقر الصاحب تَاج الدّين عبد الرَّحِيم بن أبي شَاكر فِي وزارة دمشق وعزل بدر الدّين مُحَمَّد بن الطوخي. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي رَمَضَان: عَاد الْأُمَرَاء من الصَّعِيد بَعْدَمَا قبضن الْأُمَرَاء على خَمْسمِائَة رجل وأخفوا ثَمَانِينَ فرسا وأحضروا نَحْو السِّتين رجلا وأفرجوا عَن الْبَقِيَّة فسجنوا بخزانة شمايل. وَفِي سادس عشره: اسْتَقر شرف الدّين مُحَمَّد بن الدماميني الإسْكَنْدراني فِي حسبَة الْقَاهِرَة عوضا عَن بهاء الدّين مُحَمَّد بن الْبُرْجِي. وَفِيه أضيف إِلَى ابْن الطبلاوي الْكَلَام فِي دَار الضَّرْب بالإسكندرية وَفِي متجر السُّلْطَان عوضا عَن الْأَمِير مَحْمُود فَلم يمض غير أَيَّام حَتَّى تنافسا وَخرج ابْن الطبلاوي على مَحْمُود من جِهَة دَار الضَّرْب مبلغ سِتَّة آلَاف دِرْهَم فضَّة صَالح السُّلْطَان عَلَيْهَا بِمِائَة ألف وَخمسين ألف دِينَار ذَهَبا غلقها فِي تَاسِع عشرينه فَخلع عَلَيْهِ وعَلى وَلَده مُحَمَّد وعَلى ابْن الطبلاوي وعَلى نَاظر الْخَاص وعَلى سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 374 كَاتب الْأَمِير مَحْمُود وَكَانَ قد تنكر مَا بَينه وَبَين مخدومه الْأَمِير مَحْمُود وَظَاهر عَلَيْهِ ابْن الطبلاوي وَصَارَ يكاشفه بالعداوة فَجعله ابْن الطبلاوي من أكبر أعوانه على إِزَالَة مَحْمُود حَتَّى تمّ لَهُ ذَلِك فَكَانَ هَذَا ابْتِدَاء ظُهُور ابْن غراب واشتهار ذكره وَلم يبلغ الْعشْرين سنة. وَهَذِه أول غدراته فَإِن مَحْمُود أَخذه من الْإسْكَنْدَريَّة وَهُوَ طِفْل صَغِير ورباه عِنْده وَعلمه الْكِتَابَة ورتبه فِي كِتَابَة خَاص أَمْوَاله. فَلَمَّا كبر وَبلغ مبالغ الرِّجَال سمت نَفسه إِلَى الرِّئَاسَة وَرَأى أَنه يبْدَأ بمحمود ولي نعْمَته فيزيله أَولا وَكَانَ ابْن الطبلاوي قد كثر اخْتِصَاصه بالسلطان فَصَارَ إِلَيْهِ وساعده على مَحْمُود ودله على عوراته ومت إِلَيْهِ بِمَعْرِِفَة حواصل أَمْوَاله فَجمع بَينه وَبَين السُّلْطَان وأخلاه بِهِ فَعرفهُ من حَال مَحْمُود مَا أوجب لَهُ أَن صَارَت لَهُ بذلك الْيَد عِنْد السُّلْطَان وَكَانَ مَا يَأْتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَفِيه اسْتَقر مُحَمَّد بن العالي فِي ولَايَة المنوفية عوضا عَن آيدمر المظفري. وَفِي يَوْم السبت سادس شَوَّال: ابْتَدَأَ السُّلْطَان بِالْجُلُوسِ فِي الميدان تَحت القلعة للْحكم بَين النَّاس. وَكَانَت عَادَته أَن يجلس فِي يومي الْأَحَد وَالْأَرْبِعَاء فَغير بذلك بيومي الثُّلَاثَاء والسبت وَجعل الْأَحَد وَالْأَرْبِعَاء لمعاقرة الشَّرَاب مَعَ الْأُمَرَاء فاستمر ذَلِك. واستدعى مباشري الْأُمَرَاء وَقَالَ: لقد بَلغنِي أَنكُمْ تحمون الْبِلَاد فَمن سَمِعت أَنه حمى بَلَدا ضَربته بالمقارع وسمرته بل ساووا الأجناد فِي المغارم على النواحي. وَكتب إِلَى وُلَاة الْوَجْهَيْنِ القبلي والبحري بِأَن يكون الْأُمَرَاء والأجناد سَوَاء فِي المغرم. وَلَا تحمى بلد أَمِير عَن إِخْرَاج المغرم وَلَا يحمر فلاح الْبَتَّةَ. وَاتفقَ فِي زِيَادَة النّيل أَمر غَرِيب وَهُوَ أَن الزِّيَادَة استمرت مُنْذُ أَخذ القاع حَتَّى كملت ثَمَانِيَة أَذرع ثمَّ زَاد فِي سِتَّة أَيَّام ثَمَانِيَة أَذْرع وإصبعين وَهِي من يَوْم الْخَمِيس رَابِع شَوَّال إِلَى يَوْم الثُّلَاثَاء تاسعه وَهُوَ ثَالِث مسرى. وَفِيه كَانَ الْوَفَاء وَركب السُّلْطَان حَتَّى عدى النّيل إِلَى المقياس ثمَّ فتح الخليج على الْعَادة. وَفِي ثامن عشره: توجه الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد جمق بن الْأَمِير الْكَبِير أيتمش إِلَى الْحَج وَهُوَ أَمِير الركب فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء أول ذِي الْقعدَة: قدم الْخَبَر من الْحجاز بِأَن الْحَرْب ثارت بَين بني الجزء: 5 ¦ الصفحة: 375 حسن وقواد مَكَّة بِبَطن مر فَقتل فِيهَا الشريف عَليّ بن عجلَان وَامْتنع القواد بِمَكَّة وصدوا عَنْهَا بني حسن. فأفرج السُّلْطَان عَن الشريف حسن بن عجلَان وولاه إمرة مَكَّة عوضا عَن أَخِيه عَليّ وخلع عَلَيْهِ وَسَار إِلَى مَكَّة وَمَعَهُ يلبغا السالمي ليقلده إِمَارَة مَكَّة فِي سابعه. وَفِي ثَانِي عشره - وَهُوَ آخر أَيَّام النسئ -: انْتَهَت زِيَادَة مَاء النّيل ثَانِيَة عشر ذِرَاعا وَنصف وَنقص من يَوْمه. وَفِي ثَالِث عشره: ركب السُّلْطَان إِلَى دَار الْأَمِير مَحْمُود يعودهُ من مَرضه. وَفِي رَابِع عشره: اسْتَقر منكلي بغا الزيني فِي ولَايَة الأشمونين وعزل قرطاي التاجي. وَفِي خَامِس عشره - وَهُوَ ثَالِث توت -: زَاد مَاء النّيل وَنُودِيَ عَلَيْهِ من الْغَد واستمرت وَفِيه اسْتَقر عمر بن إلْيَاس - قريب قرط - فِي ولَايَة منفلوط عوضا عَن الشريف عَليّ الْبَغْدَادِيّ. وَفِي سَابِع عشرينه - وَهُوَ خَامِس عشر توت -: انْتَهَت زِيَادَة مَاء النّيل إِلَى ثَمَانِيَة أَصَابِع من عشْرين ذِرَاعا وَثَبت إِلَى رَابِع بَابه فَكَانَ طوفاناً والأسعار تتزايد حَتَّى بلغ الْقَمْح ثَمَانِينَ درهما والأردب من الفول وَالشعِير أَرْبَعَة وَخمسين والبطة الدَّقِيق بِاثْنَيْ وَعشْرين درهما وَالْخبْز كل رطلين وَنصف بدرهم وَالْحمل من التِّبْن بِعشْرَة دَرَاهِم والقدح الْأرز بِدِرْهَمَيْنِ والأردب من الحمص بِخَمْسِينَ والرطل من الْجُبْن المقلو بِدِرْهَمَيْنِ والرطل من لحم الضَّأْن بدرهم وَربع والرطل من لحم الْبَقر بدرهم وَالسكر بِخَمْسَة دَرَاهِم الرطل. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 376 وَفِي آخِره: اسْتَقر سنقر المارديني فِي ولَايَة قوص وعزل أقبغا البشتكي. وَفِي السبت ثَانِي ذِي الْحجَّة: قدم الْأَمِير طولو بن عَليّ شاه المتوجه إِلَى طَقتمش خَان وَأَنه بعد مَا اتّفق مَعَه على محاربة تيمور توجه تيمور لمحاربته فَسَار إِلَيْهِ وقاتله ثَلَاثَة أَيَّام فانكسر من تيمور وَمر إِلَى بِلَاد الروس فَخرج طولو من سراي إِلَى القرم وَمضى إِلَى الكفا فعوقه متملكها ليتقرب بِهِ إِلَى تيمور حَتَّى أَخذ مِنْهُ خمسين ألف دِرْهَم فَملك تيمور القرم والكفا وخربها. وَقدم رَسُول الْأَمِير يُوسُف بن قرا مُحَمَّد بن بيرم خجا - صَاحب الْموصل - بِأَن عَسْكَر تيمور وَفِي آخِره: قدم مبشرو الْحَاج وَأَخْبرُوهُ باستيلاء حسن بن عجلَان على مَكَّة وَوُجُود الْأَمْن والرخاء. وَفِيه ولى شمس الدّين مُحَمَّد الأخناي قَضَاء الشَّافِعِيَّة بحلب عوضا عَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن خطب نقيرين. وأعيد برهَان أبي سَالم إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عَليّ الصنهاجي إِلَى قَضَاء الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن علم الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد القفصي. وَاسْتقر شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن مَحْمُود النابلسي فِي قَضَاء الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق عوضا عَن عَلَاء الدّين عَليّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عمر بن المنجا. ثمَّ ولي القفصي قَضَاء الْمَالِكِيَّة محلب عوضا عَن الْبُرْهَان إِبْرَاهِيم الركراكي. وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد القرقشندي موقع الحكم فِي ثلث عشْرين شعْبَان. وَمَات الشَّيْخ برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن الْآمِدِيّ أحد أَصْحَاب ابْن تَيْمِية فِي رَابِع عشْرين ذِي الْقعدَة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 377 وَمَات إِسْمَاعِيل بن الْملك الْأَشْرَف شعْبَان بن حُسَيْن فِي ثَالِث عشر رَمَضَان عَن خمس وَمَات الْأَمِير ألطُنبغا الْحلَبِي الأشرفي وَهُوَ مسجون بقلعة حلب. وَمَات الشَّيْخ المعتقد أَبُو بكر البجائي المغربي المجذوب فِي يَوْم السبت خَامِس جُمَادَى الْآخِرَة وَدفن من الْغَد خَارج بَاب النَّصْر حَيْثُ التربة الظَّاهِرِيَّة الْآن. وَهُوَ أحد الَّذين أوصى الْملك الظَّاهِر أَن يدْفن عِنْدهم. وَأنْفق عَلَيْهِ فِي مُؤنَة كَفنه وَدَفنه وَقِرَاءَة ختمات عِنْد قَبره مِائَتي دِينَار على يَد يلبغا السالمي وَكَانَت جنَازَته عَظِيمَة جدا. وَمَات الْأَمِير أَبُو بكر بن الأسعدي فِي سَابِع عشر رَجَب. وَمَات صدر الدّين بديع بن نَفِيس التبريزي رَئِيس الْأَطِبَّاء فِي سادس عشر ربيع الأول. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين بلاط المنجكي أحد أُمَرَاء العشرينات. وَمَات عز الدّين حَمْزَة بن عَليّ بن يحيى بن فضل الله الْعمريّ نَائِب أَخِيه بدر الدّين مُحَمَّد كَاتب السِّرّ وَأحد كتاب الدست. مَاتَ بِدِمَشْق يَوْم تاسوعاء وَهُوَ آخر من رَأس من بني فضل الله. وَمَات الخواجا الْكَبِير رشيد الهُبّي أحد تجار الكارم فِي لَيْلَة السبت الْعشْرين من جُمَادَى الأولى. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين طوغان الإبراهيمي أحد المماليك الظَّاهِرِيَّة وأمير جاندار فِي وَمَات السَّيِّد الشريف عَليّ بن عجلَان أَمِير مَكَّة مقتولاً فِي سادس عشر شَوَّال. وَمَات نور الدّين عَليّ الهوريني شيخ القوصونية فِي ثَالِث عشر شهر رَجَب. وَمَات نور الدّين عَليّ بن الركاب أحد نواب قُضَاة الْحَنَفِيَّة بِالْقَاهِرَةِ فِي سَابِع عشر رَجَب. وَمَات نور الدّين عَليّ بن الشَّرَاب دَار أحد نبهاء الْفُقَهَاء الشَّافِعِيَّة فِي تَاسِع عشر رَجَب. وَمَات جمال الدّين عبد الله بن فراج النويري أحد الْفُقَهَاء الْمَالِكِيَّة ونواب قضاتهم بِالْقَاهِرَةِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 378 وَمَات الْأَمِير قَاسم بن السُّلْطَان فِي ثَانِي عشر ذِي الْحجَّة وعمره نَحْو خمس سِنِين. وَمَات الْأَمِير قرابغا وَالِد الْأَمِير جَرَكتمر الخاصكي الأشرفي وَأحد أُمَرَاء العشرينات فِي ثَانِي ربيع الأول. وَمَات الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن السُّلْطَان فِي يَوْم السبت ثَالِث عشْرين ذِي الْحجَّة مولده مستهل ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة وَكَانَ قد أعيا الْأَطِبَّاء داؤه الَّذِي برجليه وَبِه مَاتَ. وَكَانَ إقطاعه الدِّيوَان الْمُفْرد وَهُوَ أكبر أَوْلَاد السُّلْطَان وَدفن فِي التربة الظَّاهِرِيَّة بَين القصرين. وَمَات نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن عبد الدايم بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن بنت ميلق الشاذلي قَاضِي الْقُضَاة بديار مصر وَكَانَ أَولا يعظ النَّاس وَلَهُم فِيهِ اعْتِقَاد ثمَّ امتحن بِولَايَة الْقَضَاء فَلم تُشكر سيرته وعُزل ونكب بِأخذ مَال كَبِير مِنْهُ ظلما وغُوِّرت عينه. وَمَات فِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ تَاسِع وَمَات غياث الدّين مُحَمَّد بن جمال الدّين عبد الله بن مُحَمَّد بن عَليّ بن حَمَّاد بن ثَابت الوَاسِطِيّ الأَصْل الْبَغْدَادِيّ ابْن العاقولي فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سادس عشْرين ربيع الآخر بِبَغْدَاد. وَقدم إِلَى الْقَاهِرَة فِي الجفلة من تيمور. وَكَانَ من عُلَمَاء فُقَهَاء الشَّافِعِيَّة. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن صَلَاح الحريري أحدنواب الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بِالْقَاهِرَةِ ومشايخ الْقُرَّاء وفقهاء الْحَنَفِيَّة فِي يَوْم الْجُمُعَة رَابِع عشْرين رَجَب ومولده فِي الْعشْرين من شَوَّال سنة عشْرين وَسَبْعمائة. قَرَأَ على برهَان إِبْرَاهِيم الحركي الْقرَاءَات والْحَدِيث على عَلَاء الدّين التركماني وَالْفِقْه على القوام الْأَتْقَانِيّ. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن عمر القليجي الْحَنَفِيّ مفتى دَار الْعدْل وَأحد نواب الْقُضَاة بِالْقَاهِرَةِ وموقعي الحكم فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء الْعشْرين من رَجَب. وَقد بلغ من الرِّئَاسَة مبلغا كَبِيرا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 379 وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد الأقصراي الْحَنَفِيّ شيخ الْمدرسَة الأيتمشية فِي سَابِع عشر جُمَادَى الأولى. وَمَات الشَّيْخ مُحَمَّد بن أبي يَعْقُوب الْقُدسِي الشَّافِعِي المعتقد فِي يَوْم الْأَحَد أول شهر رَمَضَان. وَكَانَ يسكن بِجَامِع المقس على الخليج وَله حَظّ من النَّاس. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ بن عبد الْعَزِيز الْمَعْرُوف بِابْن الْمُطَرز الْمصْرِيّ ولد فِي سنة عشر وَسَبْعمائة تخميناً وحدّث بِصَحِيح مُسلم عَن عَليّ بن عمر الْوَالِي وبسنن أبي دَاوُود عَن يُوسُف بن عمر الختني وبكتاب التَّوَكُّل لِابْنِ الدُّنْيَا عَن الدبوسي. وَمَات يَوْم الْأَحَد سادس جُمَادَى الْآخِرَة. وَمَات مُوسَى بن أبي بكر بن سلار أحد أُمَرَاء العشراوات وأمير طبر. ولي أَمِير طبر بعد دمرخان بن قرمان سنة ثَمَان وَسَبْعمائة. وَمَات فِي ثَالِث ذِي الْحجَّة وَالله تَعَالَى أعلم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 380 (سنة ثَمَان وَتِسْعين وَسَبْعمائة) أهل الْمحرم يَوْم الْأَحَد. فَفِي ثَانِيه: تناقص سعر الْقَمْح وأبيع الأردب بستين درهما. وَفِيه غير السُّلْطَان كتاب وقف مدرسته وَكَانَ شَرط النّظر عَلَيْهَا من بعده للقضاة فَجعله لمن يكون سُلْطَانا. وَفِي خامسه: قرر الْأَمِير قلمطاي الدوادار فِي نظرها وَنزل إِلَيْهَا بالتشريف فِي موكب جليل. وَفِي تاسعه: توجه السُّلْطَان إِلَى سرحة سرياقوس على الْعَادة. وارتفع السّعر حَتَّى أبيع الأردب وَفِي عاشره: قدم يلبغا السالمي من الْحجاز. وَفِي ثامن عشره - وَهُوَ فِي أفناء هاتور -: كَانَ النّيل ثَابتا على ثَمَانِيَة عشر أصبعاً من تِسْعَة عشر ذِرَاعا وَهَذَا من غرائب أَحْوَال النّيل. وَفِي سادس عشره: عَاد السُّلْطَان من سرياقوس. وَفِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع صفر: نقل الْأَمِير يلبغا الأسعدي الْمَجْنُون من كشف الْوَجْه البحري إِلَى نِيَابَة الْوَجْه القبلي وعزل أوناط. ورسم ليلبغا أَن يُقيم بِالْقَاهِرَةِ وَيخرج لعمل مصَالح الإقليم. وَبَطل كشف الْوَجْه البحري وَصَارَت نِيَابَة بتقدمة ألف رهو أول من عمل هُنَا. وَفِيه عزل شرف الدّين مُحَمَّد بن الدماميني من حسبَة الْقَاهِرَة بِنور الدّين على الْفَوْر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 381 وَفِي سادسه: بعث السُّلْطَان الطواشي فَارس الدّين شاهين الحسني الجمدار فَأخذ من دَار الْأَمِير مَحْمُود وَهُوَ مَرِيض مَالا كَبِيرا يُقَال إِنَّه مبلغ مائَة ألف دِينَار وجد فِي عقد سلم غمز عَلَيْهِ وعمدة أحمال من قماش. وَقبض على زَوجته وكاتبه سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب وَصَارَ بهم إِلَى القلعة وَعَاد فَأخذ ابْنه الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد. وَفِي سابعه: تسلم سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب الْأَمِير إِلَى باي الخازندار وَنزل بِهِ إِلَى دَار مَحْمُود ليدله على دخيرة اعْترف بهَا فَكَانَت جُمْلَتهَا خمسين ألف دِينَار. وَفِي ثامنه: اسْتَقر عَليّ بن غلبك بن المكللة فِي ولَايَة الشرقية عوضا عَن عَليّ بك بِحكم انْتِقَاله إِلَى ولَايَة الْبحيرَة. وَفِي تاسعه: اسْتَقر قطلوبغا الطشتمري نَائِبا بِالْوَجْهِ القبلي عوضا عَن أَمِير فرج بن أيدمر بعد وَفَاته. وَاسْتمرّ الْأَمِير بيسق الشيخي فِي كشف الجيزة عوضا عَن قطلوبغا. وَفِي حادي عشره: اسْتَقر قطلوبك العلاي أستادار الْأَمِير أيتمش فِي وَظِيفَة الأستادارية عوضا عَن الْأَمِير مَحْمُود وأنعم عَلَيْهِ بإمرة عشْرين. وَاسْتقر مَحْمُود على إمرته وَهُوَ مَرِيض. وَاسْتقر سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب نَاظر الدِّيوَان الْمُفْرد. وَفِي خَامِس عشره: اسْتَقر الْأَمِير قديد القلمطاوي فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن الْأَمِير مبارك شاه. وَاسْتقر عَلَاء الدّين عَليّ بن الطلاوي أستادار خَاص الْخَاص وناظر كسْوَة الْكَعْبَة عوضا عَن نجم الدّين مُحَمَّد الطنبدي وَكيل بَيت المَال ومحتسب الْقَاهِرَة - كَانَ - مُضَافا لما مَعَه من الحجوبية والتحدث فِي ولَايَة الْقَاهِرَة وَدَار الضَّرْب والمتجر وشق الْقَاهِرَة فِي محفل حفل. وَاسْتقر الْأَمِير أزدمر فِي كشف الجيزة عوضا عَن بيسق وَعَاد بيسق أَمِير أخور كَمَا كَانَ وأَضيف إِلَيْهِ كشف الجسور بالقليوبية. وَفِي ثامن عشره: قدمت رسل الْأَمِير قرا يُوسُف بن قرا مُحَمَّد - صَاحب تبريز - بِرَجُل يُقَال وَفِي خَامِس عشرينه: اسْتَقر الْأَمِير زين الدّين مبارك شاه فِي الوزارة بعد موت الْوَزير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن رَجَب. وَاسْتقر سعد الدّين نصر الله بن البقري نَاظر الدولة وَاسْتقر أَمِير فرج الْحلَبِي شاد الدَّوَاوِين. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 382 وَفِي سَابِع عشرينه: أُعِيد شرف الدّين مُحَمَّد بن الدماميني إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة وعزل القور لعَجزه عَن الْقيام. مِمَّا الْتزم بِهِ من المَال وأضيف إِلَى ابْن الدماميني نظر الْكسْوَة ونزعت من النَّجْم الطنبدي بعد مَا تحدث فِيهَا ابْن الطبلاوي كَمَا ذكر. وَفِي سلخه: أنعم على الْوَزير مبارك شاه بإمرة نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن رَجَب. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع ربيع الأول: اسْتَقر أَحْمد بن مُحَمَّد بن ماما فِي ولَايَة المنوفية عوضا عَن مُحَمَّد بن العادلي. ثمَّ عزل فِي الْيَوْم الرَّابِع وأعيد ابْن العادلي. وَفِي حادي عشره: توجه السُّلْطَان إِلَى نَاحيَة صقيل من الجيزة وَعَاد فِي سادس عشره. وَفِيه تسلم ابْن الطبلاوي سعد الدّين أَبَا الْفرج بن تَاج الدّين مُوسَى نَاظر الْخَاص وَابْنه أَمِين الدّين ليخلص مِنْهُمَا أَرْبَعمِائَة ألف وَسبعين ألف دِرْهَم وجد بهَا حجَّة لِابْنِ رَجَب الْوَزير ثمَّ أفرج عَنْهُمَا بعد يَوْمَيْنِ. وَفِي تَاسِع عشره: سلم نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن مَحْمُود الأستادار لِابْنِ الطبلاوي على مائَة ألف دِينَار يخلصها مِنْهُ فأخرق بِهِ وَبَالغ فِي إهانته وَنزع عَنهُ ثِيَابه ليضربه بِحَضْرَة النَّاس فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِير: قد رَأَيْت عزناً وَمَا كُنَّا فِيهِ وَقد زَالَ فعزك أَيْضا مَا يَدُوم وَهَذَا أول يَوْم زَالَ عني: عَن أبي فِيهِ السَّعَادَة وَأَقْبل الإدبار. فَلم يضْربهُ. وَفِي عشرينه: أفرج عَن سعد الدّين نَاظر الْخَاص وَابْنه وخلع عَلَيْهِمَا خلع الرِّضَا. وَفِيه نقل ابْن مَحْمُود إِلَى الطواشي شاهين الحسني فَأَقَامَ عِنْده يَوْمَيْنِ. وَفِي لَيْلَة الْخَمِيس ثَالِث عشرينه: نزل الطواشي صندل والطواشي شاهين الحسني وَابْن الطبلاوي إِلَى خربة خلف مدرسة الْأَمِير مَحْمُود وأخرجوا من الأَرْض - بعد حفر كثير - عدَّة أزيار فِيهَا ألف ألف دِرْهَم فضَّة حملت إِلَى السُّلْطَان. وَفِي بكرَة يَوْم الْخَمِيس: وجد بالخربة أَيْضا بعد حفر كثير سِتَّة آلَاف دِينَار وَأَرْبَعَة عشر ألف وَخَمْسمِائة دِرْهَم فضَّة. وَفِي رَابِع عشرينه: أُعِيد ابْن مَحْمُود إِلَى ابْن الطبلاوي. وَفِي خَامِس عشرينه: أحضرت أمه إِلَى السُّلْطَان. وَفِي ثامن عشرينه: ظفر أَيْضا بمبلغ ثَمَانِيَة وَثَلَاثِينَ ألف وَمِائَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ دِينَارا فِي مخزن حمَار بثغر الْإسْكَنْدَريَّة حملت إِلَى السُّلْطَان. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 383 وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثامن ربيع الآخر: ابْتَدَأَ السُّلْطَان بِعَمَل الْخبز الَّذِي يفرق فِي الْفُقَرَاء وَهُوَ عشرُون إردباً من الْقَمْح تعْمل خبْزًا وَتَوَلَّى ابْن الطبلاوي ذَلِك فعمت فُقَرَاء الْقَاهِرَة ومصر وَأهل السجون وسكان القرافة فَكفى الله النَّاس بِهَذَا الْخبز هما عَظِيما بِحَيْثُ لم يعرف أَن أحدا مَاتَ فِي هَذَا الغلاء بِالْجُوعِ واغتنى جمَاعَة مِنْهُ فَإِنَّهُم صَارُوا يَأْخُذُونَ الْخبز من عدَّة مَوَاضِع ويبيعونه ثمَّ يستجدون النَّاس أَيْضا. وَفِي تاسعه: عدى السُّلْطَان إِلَى بر الجيزة وَنزل بشاطئ النّيل تجاه الْقَاهِرَة. وَفِي رَابِع عشره: عَاد إِلَى القلعة. وَفِي خَامِس عشره: اسْتَقر تَاج الدّين عبد الرَّزَّاق بن أبي الْفرج الملكي - نَاظر قطا - فِي ولايتها مَعَ وَظِيفَة النّظر وَالْتزم كل شهر بِحمْل مائَة ألف وَخمسين ألف دِرْهَم. وَكَانَ فِي ابْتِدَاء أمره صيرفياً بقطا وترقى حَتَّى بَاشر بهَا ثمَّ ولي النّظر إِلَى أَن جمع بَين النّظر وَالْولَايَة. وَفِيه ظفر أَيْضا بديخرة لمحمود عِنْد لاجين أَمِير سلاحه فَكَانَ مبلغها ثَلَاثِينَ ألف دِينَار. وَفِي سَابِع عشره: استعفي أزدمر من كشف الجيزة فأعفي. وَاسْتقر عوضه يلبغا مَمْلُوك الْوَزير مبارك شاه. وَفِيه ارتجع عَن شهَاب الدّين أَحْمد بن الْوَزير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن رَجَب إمرته وهى عشرَة وَفِي تَاسِع عشره: قدم مُحَمَّد بن العادلي وَالِي المنوفية فِي الْحَدِيد فتسلمه ابْن الطبلاوي وَاسْتقر عوضه حسام الدّين. وَفِيه قدم الْأَمِير نوروز الحافظي رَأس نوبَة وَمَعَهُ عَليّ بن غَرِيب أَمِير هوارة وَثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ رجلا من أَهله وَأَوْلَاده فِي الْحَدِيد فسجن ابْن غَرِيب بالبرج فِي القلعة وأودع أَصْحَابه بخزانة شمايل. وَفِيه تصدق السُّلْطَان بِنصب كثير فَاجْتمع بالإصطبل خَمْسمِائَة نفس حصل لكل مِنْهُم مبلغ خمسين درهما. وَفِي رَابِع عشْرين: جلس السُّلْطَان لتفرقة الصَّدَقَة أَيْضا فَاجْتمع عَالم لَا يَقع عَلَيْهِ حصر بِحَيْثُ مَاتَ مِنْهُم فِي الازدحام بِبَاب الإصطبل سَبْعَة وَأَرْبَعُونَ نفسا تولى تكفينهم ودفنهم الأميران فَارس حَاجِب الْحجاب والوزير مبارك شاه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 384 وَقدم الْخَبَر من الْحجاز بِأَن الشريف حسن بن عجلَان هزم بني حسن إِلَى يَنْبع وَهُوَ فِي طَلَبهمْ ثمَّ عَاد إِلَى خليص وَمَعَهُ أَمِير يَنْبع فكبس عَلَيْهِم وظفر بهم وَأَن الأترك الَّذين استخدمهم أَمِير يَنْبع ركبُوا عَلَيْهِ وقاتلوه وَقتلُوا جمَاعَة من أَصْحَابه فظفر بهم وَقتل مِنْهُم اثْنَي عشر وَأخرج باقيهم من بِلَاده. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع جُمَادَى الأولى: أوقعت الحوطة على دَار الْأَمِير مَحْمُود الأستادار وَأخذت مماليكه وَترك عِنْده ثَلَاثَة يخدمونه فِي مَرضه. وَفِيه فر شمس الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الدزري الدِّمَشْقِي من ترسيم ابْن الطبلاوي. وَكَانَ قد تحدث للأمير أيتمش فِيمَا يتَعَلَّق بِهِ فِي دمشق وأحضره لعمل حسابه فَوقف عَلَيْهِ مَال عجز عَنهُ فهرب وَلم يُوقف لَهُ على خبر. وَفِيه توجه السُّلْطَان إِلَى بر الجيزة وَعمل فِي كل يَوْم طَعَاما للْفُقَرَاء يفرق فيهم اللَّحْم والمرق وَالْخبْز فَبلغ عدد الْفُقَرَاء الَّذين يَأْخُذُونَ ذَلِك خَمْسَة آلَاف نفس. وَمن فَاتَهُ الْأَخْذ من الطَّعَام أَخذ مَعَ الرَّغِيف درهما فَإِن فَاتَهُ الْخبز وَأخذ من الطَّعَام أَخذ عوض الْخبز نصف دِرْهَم وَمن فَاتَهُ الطَّعَام وَالْخبْز أَخذ درهما وَنصف. وَكَانَت الأسعار قد تزايدت لقلَّة وجود الغلال وفقد الْخبز من الحوانيت بِالْقَاهِرَةِ ومصر سَبْعَة أَيَّام مُتَوَالِيَة وازدحم النَّاس على الأفران وأبيع الْقَمْح بِمِائَة وَخَمْسَة وَسبعين درهما الأردب فِي غَلَّته فَإِذا غربل تعدى الْمِائَتَيْنِ. وَبَلغت البطة الدَّقِيق إِلَى أَرْبَعَة وَأَرْبَعين درهما وَالْخبْز كل رَطْل وَربع بدرهم. وَفِي عاشره: وجدت دخيرة لمحمود فِيهَا مبلغ سبعين ألف دِينَار. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشره: حضِر شيخ الْإِسْلَام سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ بالجامع الْأَزْهَر من الْقَاهِرَة بعد الْعَصْر للدُّعَاء بِرَفْع الغلاء وَمَعَهُ خلائق فَكَانَ وقتا عَظِيما. فَلَمَّا كَانَ من الْغَد قدم إِلَى سَاحل الْقَاهِرَة ومصر عدَّة مراكب بهَا الغلال فَانْحَطَّ سعر الأردب عشرَة دَرَاهِم وَأخذ يتناقص حَتَّى أبيع الأردب بِمِائَة وَثَلَاثِينَ درهما وَالْخبْز كل رطلين بدرهم ثمَّ انحط عَن ذَلِك أَيْضا. وَفِي عشرينه: وجدت دخيرة لمحمود أَيْضا فِيهَا ثَلَاثَة وَسِتُّونَ ألف دِينَار وَوجدت أَيْضا أُخْرَى فِيهَا مبلغ أَرْبَعِينَ ألف دِينَار وَوجد لَهُ عِنْد شخص مبلغ أَرْبَعِينَ ألف دِينَار وَعند آخر عشْرين ألف دِينَار. وَوجد فِي بَيت مبلغ مائَة دِينَار وَسَبْعَة وَثَلَاثُونَ ألف دِينَار وَفِي مَوضِع آخر مائَة ألف دِينَار وَثَلَاث براني فِي إِحْدَاهَا أَحْجَار البلخش وَفِي اثْنَتَيْنِ اللُّؤْلُؤ كبار وَوجد أَيْضا عِنْد شخص حلي ذهب لَهُ قدر كَبِير. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 385 وَفِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء سادس عشرينه: شدد على مَحْمُود حَتَّى الْتزم بإرضاء السُّلْطَان. وَفِي سَابِع عشرينه: وجد لَهُ فِي مَوضِع مائَة ألف دِينَار وَثَمَانِية وَثَلَاثُونَ ألف دِينَار. وَكَثُرت صمتات السُّلْطَان فِي هَذَا الشَّهْر وَأكْثر من تَفْرِقَة دَنَانِير الذَّهَب والدارهم الْفضة وَالْخبْز وَالطَّعَام حَتَّى عَم الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين وَغَيرهم وَصَارَ لبَعْضهِم من ذَلِك غنى. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث جُمَادَى الْآخِرَة: خرج الْبَرِيد إِلَى دمشق بإحضار الْوَزير بدر الدّين مُحَمَّد بن الطوخي. وَفِيه سُلم مَحْمُود الأستادار إِلَى شاد الدَّوَاوِين ليعاقبه فعصره من ليلته. وَفِي خامسه: أخرج الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن يَلبغا الخاصكي المعمري إِلَى طرابلس. وَفِيه أنعم على تمربُغا المنجكي بتقدمة ألف وعَلى قُطلوبَك الأستادار بتقدمة ألف. وعَلى كل من طُولُو بن عَليّ شاه ويَلْبُغا الناصري وسراي تمر الناصري وشاذي خُجا العثماني وقينار العلاي بإمرة طبلخاناه. وعَلى كل من طَيبغا الْحلَبِي أَمِير خور وسودن طاز من عَليّ باي وَيَعْقُوب شاه الخازندار ويَشبك الخازندار وتَمَان تَمُر الأشَقتمُري رَأس نوبَة الجمدارية بإمرة عشرَة. وَفِي عاشره: قدم الْبَرِيد من الْوَجْه القبلي بِأَن الْعَرَب الأحامدة قتلوا قُطُلوبُغا الطَشتمري نَائِب الْوَجْه القبلي فاستقر عوضه عمر بن إلْيَاس وَالِي منفلوط مُضَافا لما بِيَدِهِ. وَفِيه اسْتَقر الشَّيْخ زين الدّين أَبُو بكر القمني فِي مشيخة الصلاحية بالقدس عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد بن الْجَزرِي وَبعث بالنيابة عَنهُ وَذَلِكَ بسفارة الْأَمِير قَلْمطاي الدوادار لاختصاصه بِهِ. وَفِي رَابِع عشره: اسْتَقر الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد وَيُقَال لَهُ شيخ زَاده الدويزاتي فِي مشيخة الشيخونية عوضا عَن الْبَدْر الكُلُستاني كَاتب السِّرّ. وَاسْتقر الجمالي مَحْمُود العجمي نَاظر الْجَيْش وقاضي الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة فِي تدريس الصرغتمشية عوضا عَن الْبَدْر الكُلُسْتاني. وَاسْتقر شهَاب الدّين أَحْمد بن النَّقِيب اليغموري الدِّمَشْقِي فِي التحدث على مستأجرات خَاص الْخَاص والمتجر نِيَابَة عَن ابْن الطبلاوي وَاسْتقر حاجباً بِدِمَشْق. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 386 وَفِي سادس عشره: اسْتَقر الْأَمِير فَارس حَاجِب الْحجاب فِي نظر الصرغتمشية والشيخونية وَاسْتقر تمُر بُغا المنجكي حاجباً ثَانِيًا عوضا عَن قديد. وَفِي ثامن عشره: قدم بدر الدّين مُحَمَّد بن الطوخي وَزِير الشَّام على الْبَرِيد. وَفِي تَاسِع عشره: اسْتَقر ألطنبغا البريدي فِي ولَايَة البهنسا عوضا عَن الصارم إِبْرَاهِيم الشهابي وأحضر الصارم وَضرب بالمقارع عِنْد ابْن الطبلاوي وَاسْتقر ألطُنْبُغا الْمرَادِي فِي ولَايَة أسوان عوضا عَن حُسَيْن صهر أبي درقة وَاسْتقر أقبغا المُزَوَّق فِي ولَايَة قوص بعد موت سُنقُر. وَفِي الْعشْر الثَّانِي من هَذَا الشَّهْر: انْحَلَّت الأسعار لِكَثْرَة مَا جُلب وأبيع الأردب الْقَمْح بِخَمْسِينَ درهما وأبيع الأردب من الشّعير والفول بِثَلَاثِينَ درهما وأبيع فِي ثَانِي عشرينه الْخبز أَرْبَعَة أَرْطَال بدرهم فسخط جلابة الغلال وانحدروا بهَا إِلَى جِهَة الْإسْكَنْدَريَّة طلبا للسعر الغالي فتكالب النَّاس على شِرَاء الْخبز والدقيق فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث عشرينه وتخاطفوه من رُؤُوس الحمالين فَكَانَ يَوْمًا مهولاً ووقف النَّاس من الْغَد إِلَى السُّلْطَان وضجوا من عدم مَا يَأْكُلُونَهُ فندب الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن الطبلاوي للتحدث فِي ذَلِك وَتَمَادَى الْأَمر فِي الشدَّة يَوْم الْأَرْبَعَاء. وَفِي يَوْم الْخَمِيس: رُسم أَن يُبَاع الرَّغِيف بِربع دِرْهَم وَالنَّاس فِي غَايَة الإنهماك على طلبه وخطفه من الأفران وقتال بَعضهم لبَعض بِسَبَبِهِ وأبيع الْقَمْح كل قدح بدرهم وَنصف سدس وَالشعِير بِربع وَسدس دِرْهَم الْقدح. واختفى شرف الدّين مُحَمَّد ابْن الدماميني الْمُحْتَسب فِي بَيته ثَلَاثَة أَيَّام خوفًا من الْعَامَّة أَن تبطش بِهِ وَطلب الْقَمْح كل أردب بِمِائَة وَعشْرين درهما وَالشعِير بستين درهما فَلم يكد يقدر عَلَيْهِ. وفقد الْخبز من الْأَسْوَاق فَلم يره أحد فصرف السُّلْطَان ابْن الدماميني واستدعى شمس الدّين مُحَمَّد المخانسي الصعيدي وولاه الْحِسْبَة - بسفارة ابْن الطبلاوى - بِغَيْر مَال فِي يَوْم الْخَمِيس سادس عشرينه فاستمر الْأَمر على مَا ذكر بَقِيَّة الشَّهْر فَكَانَت أَيَّام شنعة. وَفِي آخِره: اسْتَقر عَلَاء الدّين عَليّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن منجا فِي قَضَاء الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد النابلسي. وَفِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع رَجَب: اسْتَقر سعد الدّين نصر الله بن البقري فِي الوزارة وَبدر الدّين مُحَمَّد بن الطوخي عوضا عَنهُ فِي نظر الدولة وبقى مبارك شاه على إمرته. وَاسْتقر شرف الدّين مُحَمَّد بن الدماميني فِي نظر الْكسْوَة وخلع على الْجَمِيع. وَاسْتقر مُحَمَّد بن حسن بن ليلى فِي ولَايَة الجيزة عوضا عَن الشهَاب أَحْمد الأرغوني. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 387 وَفِي هَذَا الشَّهْر: سَارَتْ الأحامدة من عرب الصَّعِيد فِي جمع من هوارة عَليّ ابْن غَرِيب إِلَى أسوان وَاتَّفَقُوا مَعَ أَوْلَاد الْكَنْز ففر مِنْهُم حُسَيْن صهر أبي درقة ونهبوا دَاره وكل مَا فِي الْبَلَد فَخرج الْبَرِيد بتوجه عمر بن إلْيَاس نَائِب الْوَجْه القبلي لطلبهم فَسَار بهوارة عمر بن عبد الْعَزِيز فَلم يقدر عَلَيْهِم وَعَاد بِغَيْر طائل. وَفِيه اسْتَقر عَلَاء الدّين عَليّ بن السنجاري الدِّمَشْقِي وزيراً بِدِمَشْق. وَفِي أول شعْبَان: نقل الْأَمِير مَحْمُود إِلَى ابْن الطبلاوي فعاقبه بِالضَّرْبِ وَالْعصر لرجليه وعاقب ابْنه نَاصِر الدّين مُحَمَّدًا وألزمه بأربعمائة ألف دِرْهَم فَبَاعَ سَائِر موجوده فَلم يبلغ ثَلَاثمِائَة ألف. وَفِيه اسْتَقر الحسام بن أُخْت الْغَرْس فِي شدّ الدَّوَاوِين بِغَيْر إمرة. وَاسْتقر أَمِير فرج على إمرته بِغَيْر وَظِيفَة الشد. وَاسْتقر نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن كلفت التركماني فِي نقابة الْجَيْش. وعزل عَلَاء الدّين عَليّ بن سنقر العينتابي. وَفِي ثَالِث عشره: أَخذ قاع النّيل فَكَانَ سِتَّة أَذْرع سَوَاء. وَفِي يَوْم السبت تَاسِع عشْرين شَوَّال: أوفى النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا وَذَلِكَ فِي ثَانِي عشر مسرى فَنزل السُّلْطَان إِلَى المقياس وَفتح الخليج على الْعَادة. وَفِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشر ذِي الْقعدَة: قبض على سعد الدّين أبي الْفرج بن تَاج الدّين مُوسَى نَاظر الْخَاص وأحبط بداره وَاسْتقر عوضه فِي نظر الْخَاص سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب الإسْكَنْدراني كَاتب الْأَمِير مَحْمُود بن عَليّ. وَفِي أول ذِي الْحجَّة: عزل ابْن السنجاري من وزارة دمشق بشهاب الدّين أَحْمد بن الشَّهِيد وَتوجه من الْقَاهِرَة وَقد أضيف إِلَيْهِ نظر الْمُهِمَّات والأسوار بِدِمَشْق. وانتهت زِيَادَة النّيل إِلَى تِسْعَة عشر ذِرَاعا. وَفِي رَابِع عشرينه: اسْتَقر عَلَاء الدّين على بن الطبلاوي فِي نظر المارستان المنصوري عوضا عَن الْأَمِير الْكَبِير كمشبغا الْحَمَوِيّ. وَفِي سَابِع عشرينه: قدم مبشرو الْحَاج وَهُوَ الْأَمِير سودن طاز وأخبروا بالأمن والرخاء وَأَن حسن بن عجلَان وَاقع بني حسن فِي خَامِس عشْرين شَوَّال وَقتل من أعيانهم اثْنَي عشر شريفاً وَقتل من القواد ثَلَاثِينَ قائداً وَهزمَ من بَقِي مِنْهُم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 388 وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سلخه: قبض الْوَزير الصاحب سعد الدّين بن البقري على مقدم الدولة مُحَمَّد وفيهَا ولي الْأَمِير شرف الدّين مُوسَى بن عَسَّاف بن مهنا بن عِيسَى إمرة فضل. عوضا عَن الْأَمِير شمس الدّين مُحَمَّد بن قارا بن مهنا بن عِيسَى فِي الْمحرم. وَاسْتقر الْأَمِير علم الدّين أَبُو سُلَيْمَان بن عنقاء بن مهنا بن عِيسَى فِي إمرة آل فضل عوضا عَن مُوسَى بن عساف فِي شَوَّال بعد مَوته. وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن الشَّيْخ عبد الله المنوفي خطيب جَامع ابْن شرف الدّين بالحسينية الْفَقِيه الْمَالِكِي فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء تَاسِع رَجَب وَدفن بتربة أَبِيه خَارج بَاب النَّصْر. وَمَات الْمُقْرِئ الجندي شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن بيبرس الْمَعْرُوف بِابْن الرُّكْن البيسري الْحَنَفِيّ أَخذ الْقرَاءَات عَن الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن نمير بن السراج الْمُقْرِئ الْكَاتِب. وَمَات تَقِيّ الدّين عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن عَليّ الْمَعْرُوف بِابْن الوَاسِطِيّ وبابن البغدادى وَكَانَ عَارِفًا بالقراءات وَعلم الْمِيقَات وَيقْرَأ بالمصحف فِي الْجَامِع الْأَزْهَر وَيقوم فِي رَمَضَان بعد التَّرَاوِيح إِلَى طُلُوع الْفجْر. وَمَات بالفيوم فِي صفر عَن خمس وَسبعين سنة ومولده بِالْقَاهِرَةِ فِي سنة ثَلَاث وَعشْرين وَسَبْعمائة. وَمَات ولي الدّين أَحْمد بن تَقِيّ الدّين عبد الرَّحْمَن بن محب الدّين مُحَمَّد نَاظر الْجَيْش وَهُوَ يَلِي كِتَابَة الدست وَنظر خَزَائِن السِّلَاح فِي سادس عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة. واستتر بِمَوْتِهِ فَإِنَّهُ أسرف حَتَّى ذهب مَاله. وَمَات شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد الشاوي فِي ثَانِي جُمَادَى الأولى. كَانَ أَولا يعاني كَحْل الْأَعْين وَيُقِيم أوده من ذَلِك فَتعلق بفخر الدّين عبد الرَّحِيم بن أبي شَاكر وَهُوَ يَلِي نظر دَار الضَّرْب فاستنابه فِيهَا وخدم ابْن الطبلاوي ففخم أمره وَعين لنظر الْخَاص فعاجلته الْمنية دون بُلُوغ الأمنية. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 389 وَمَات شهَاب الدّين أَحْمد بن تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب بن الشامية موقع الحكم فِي سَابِع عشْرين شعْبَان. وَمَات أَمِير فرج بن عز الدّين أَحْمد السيفي نَائِب الْوَجْه القبلي. قتل فِي سادس صفر. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين بهادر الأعسر فِي يَوْم عيد الْفطر كَانَ مشرفاً بمطبخ الْأَمِير خجا أَمِير شكار ثمَّ خدم زرد كاش الْأَمِير الْكَبِير يلبغا الْعمريّ وانتقل حَتَّى صَار أحد الْأُمَرَاء وَولي مهمندارا ثمَّ شاد الدَّوَاوِين. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين تمر الشهابي الْحَاجِب أحد أُمَرَاء الطبلخاناه. وَكَانَ ينظر فِي الْفِقْه على مَذْهَب الْحَنَفِيَّة ويتدين وَخرج عَلَيْهِ الْعَرَب فَقَاتلهُمْ وجرحوه فَمَاتَ من جراحه بعد أَيَّام بِالْقَاهِرَةِ. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين تغري بردي القُرْدُمي أحد العشراوات قتل فِي محبسه. وَمَات رَضِي الدّين مَحْمُود بن الأقفهسي نقيب الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة فِي خَامِس عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة. وَكَانَ يعرف الْفِقْه على مَذْهَب أَبى حنيفَة ويتقن الْعَرَبيَّة وَله سيرة مشكورة. وَمَات صَلَاح الدّين خَلِيل بن مُحَمَّد الشطنوفي موقع الحكم فِي خَامِس عشر رَمَضَان. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين سودن الشيخوني الفخري نَائِب السُّلْطَان بديار مصر فِي يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس جُمَادَى الأولى بعد مَا شاخ وعلت سنه وَكَانَ خيرا دينا. ومنذ مَاتَ تجاهر الْملك الظَّاهِر بمنكرات لم تكن تعرف عَنهُ. وَمَات الْفَقِيه صَفَر شاه الْحَنَفِيّ رَسُول متملك الرّوم خوند كار أبي يزِيد بن مُرَاد بك بن عُثْمَان بِالْقَاهِرَةِ فِي جُمَادَى الأولى. وَمَات فتح الدّين عبد الله بن فرج المكيني أحد الأقباط الْكتاب فِي الْعشْرين من شعْبَان ويحكى عَنهُ مَكَارِم جمة. وَمَات زين الدّين عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الشريشي الموقت الْفَاضِل فِي تَاسِع عشر رَمَضَان. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 390 وَمَات نور الدّين عَليّ بن عبد الله بن عبد الْعَزِيز بن عمر بن عوض الدَّمِيرِيّ الْمَالِكِي شيخ الْقُرَّاء بخانكاة شَيْخو وأخو القَاضِي تَاج الدّين بهْرَام فِي ثَانِي عشْرين رَمَضَان. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين قرابغا الأحمدي أحد الطبلخاناه وأمير جاندار فِي ... . . وَمَات الْأَمِير سيف الدّين قطلوبغا الطشتمري أحد الْأُمَرَاء الألوف فَقتله الْعَرَب. وَمَات الْأَمِير الْوَزير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن رَجَب بن مُحَمَّد بن كلفت فِي يَوْم الْجُمُعَة سادس عشْرين صفر وَهُوَ مِمَّن مَاتَ بِغَيْر نكبة من وزراء مصر. وَمَات الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد جُمُق بن الْأَمِير الْكَبِير أيتمش البجاسي أحد أُمَرَاء الطبلخاناه فِي يَوْم الْجُمُعَة خَامِس صفر. وَمَات الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْأَمِير جركس الخليلي أحد الطبلخاناه فِي يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع صفر. وَمَات نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الشَّيْخ زين الدّين مقبل الصرغتمشي. كَانَ بارعاً فِي عُلُوم الْحساب وَكَانَ قصير الْقَامَة أحدباً. مَاتَ يَوْم السبت سادس رَجَب. وَمَات القَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُوسَى الشنشي الْمَعْرُوف بالرخ - أحد نواب الْحَنَفِيَّة - خَارج الْقَاهِرَة فِي يَوْم الْخَمِيس سادس جُمَادَى الأول. وَمَات تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد القاياتي موقع الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة فِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشر جُمَادَى الأولى. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الْعَزِيز صَاحب ديوَان الْجَيْش فِي لَيْلَة السبت ثَالِث عشر صفر. وَمَات الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد الزرزاري الْحَجَّاجِي الصُّوفِي المعتقد أَمِين مطبخ المارستان فِي رَابِع عشر ربيع الآخر. وَمَات فتح الدّين صَدَقَة - الَّذِي يُقَال لَهُ أَبُو دقن - نَاظر الْمَوَارِيث كَانَ يتوكل فِي بواب الْقُضَاة ثمَّ دولب وكَالَة قوصون بِالْقَاهِرَةِ وخدم معامل الْحَوَائِج خاناه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 391 السُّلْطَانِيَّة. ثمَّ ولي نظر الْمَوَارِيث فَشَكَرت سيرته. مَاتَ فِي أَوَائِل جُمَادَى الْآخِرَة. وَمَات الشريف صدر الدّين مرتضى بن غياث الدّين إِبْرَاهِيم بن حَمْزَة الحسني الْعِرَاقِيّ فِي لَيْلَة السبت ثَالِث ربيع الآخر وَدفن على أَبِيه خَارج الْقَاهِرَة. قدم مَعَ أَبِيه إِلَى الْقَاهِرَة واتصل أَبوهُ بأرباب الدولة فَدرت أرزاقه وَتمكن من الْأَمِير الْكَبِير يلبغا الْعمريّ حَتَّى مَاتَ فِي رَجَب سنة أَربع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة. دَفنه الْأَمِير يلبغا بتربته خَارج الْقَاهِرَة وأجرى على ابْن مرتضى مَا كَانَ يجريه عَلَيْهِ. وَكثر اتِّصَاله بأرباب الدولة حَتَّى أثرى وَولي نظر وقف الْأَشْرَاف وَنظر الْقُدس والخليل وَكَانَ شكلاً بهياً جميلاً صَاحب عبارَة وفصاحة بالألسن الثَّلَاثَة الْعَرَبيَّة والفارسية والتركية. وَمَات الشَّيْخ زين الدّين مقبل الصرغتمشي الْحَنَفِيّ أحد الأجناد فِي أول رَمَضَان وَكَانَ عَارِفًا بالفقه والنحو وَهُوَ وَالِد الأحدب. وَمَاتَتْ خوند عَائِشَة القردمية بنت الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون فِي أول جُمَادَى الأولى بعد مَا كبر سنّهَا وَتلف مَالهَا بتبذيرها وإسرافها حَتَّى افْتَقَرت. وَمَات ملك الْمغرب أَبُو فَارس عبد الْعَزِيز بن أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن أبي سَالم إِبْرَاهِيم ابْن أبي الْحسن المريني صَاحب فاس. وأيم بعده أَخُوهُ أَبُو عَامر عبد الله. رَحْمَة الله تَعَالَى عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ وَالْحَمْد الله رب الْعَالمين. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 392 (سنة تسع وَتِسْعين وَسَبْعمائة) أهل الْمحرم يَوْم الْخَمِيس. فَفِيهِ ركب. السُّلْطَان وتصيد ببركة الْحَاج وَعَاد من يَوْمه. وَفِي ثَانِيه: اسْتَقر تغري برمش السيفي فِي ولَايَة الشرقية عوضا عَن عَليّ بن غلبك ابْن المكللة وَفِي خامسه: ركب الْأَمِير سودن طاز الْبَرِيد لإحضار الْأَمِير تنم الحسني نَائِب الشَّام. وَفِي عاشره: توجه السُّلْطَان إِلَى سرحة سرياقوس وَنزل بالقصور على الْعَادة فِي كل سنة وَخرج الْأُمَرَاء وَأهل الدولة فَأَقَامَ إِلَى سادس عشرينه وَعَاد إِلَى القلعة. وَاسْتقر مُحَمَّد بن قرابغا الأنباقي فِي ولَايَة أكوم الرُّمَّان وعزل أسنبغا السيفي. وَحضر الْأَمِير عَلَاء الدّين ألطبغا نَائِب الْملك الظَّاهِر مجد الدّين عِيسَى صَاحب ماردين فأنعم عَلَيْهِ وعَلى من مَعَه ورتب لَهُم اللحوم والجرايات. وَكَانَ سَبَب قدومه أَن الظَّاهِر عِيسَى لما قبض عَلَيْهِ تيمور لنك وَأقَام فِي أسره قَامَ ألطبغا بِأَمْر ماردين وَمنع تيمور لنك مِنْهَا. وَكَانَ الظَّاهِر قد أَقَامَ فِي مملكة ماردين الْملك الصَّاع شهَاب الدّين أَحْمد بن إسكندر بن الْملك الصَّالح صَالح وَهُوَ ابْن أَخِيه وَزوج ابْنَته فقاتل أَصْحَاب تيمور قتالاً شَدِيدا وَقتل مِنْهُم جمَاعَة فشق هَذَا على تيمور ثمَّ أفرج عَن الظَّاهِر بعد أَن أَقَامَ فِي أسره سنتَيْن وَسَبْعَة أشهر وحلفه على الطَّاعَة لَهُ وَإِقَامَة - الْخطْبَة باسمه وَضرب السِّكَّة لَهُ وَالْقَبْض على ألطنبغا وَحمله. فعندما حضر إِلَى ماردين فر مِنْهُ ألطنبغا إِلَى مصر فرتب لَهُ السُّلْطَان مَا يَلِيق بِهِ. وقدمت رسل تيمور إِلَى دمشق فعوقوا بهَا وحملت كتبهمْ إِلَى السُّلْطَان فَإِذا فِيهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 393 طلب أطلمش فَأمر أَن يكْتب إِلَى أطلمش بِمَا هُوَ فِيهِ ورفيقه من إِحْسَان السُّلْطَان وَكتب جَوَابه بِأَنَّهُ وَفِي يَوْم السبت أول صفر: حمل مَحْمُود الأستادار إِلَى عِنْد السُّلْطَان وانتصب لَهُ سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب نَاظر الْخَاص وفجر عَلَيْهِ وَبِالَّذِي فِي محاققته وَالْفُحْش فِي الْكَلَام حَتَّى امْتَلَأَ السُّلْطَان على مَحْمُود غَضبا وَأمر بعقوبته حَتَّى يَمُوت فَأنْزل إِلَى بَيت الحسام شاد الدَّوَاوِين. وَفِي ثالثه: قدم الْأَمِير تنم نَائِب الشَّام فَخرج السُّلْطَان إِلَى لِقَائِه بالريدانية وَجلسَ لَهُ على مطعم الطّور وَبعث الْأُمَرَاء والقضاة إِلَيْهِ فَأتوهُ بِهِ وَسَار مَعَه إِلَى القلعة وَأنزل بالميدان الْكَبِير على موردة الجبس وَبعث إِلَيْهِ السماط والنفقات وحمس بقج قماش مُتَّصِل وأجرى لَهُ الرَّوَاتِب الَّتِي تقوم بِهِ وبمن مَعَه فَحمل تنم تقدمته وهى عشر كواهي وَعشرَة مماليك صغَار فِي غَايَة الْحسن وَعشرَة آلَاف دِينَار وثلاثمائة ألف دِرْهَم ومصحف قُرْآن وَسيف بسقط ذهب مرصع وعصابة نساوية من ذهب مرصع بجواهر نفيسة وطراز من ذهب مرصع أَيْضا وَأَرْبَعَة كنابيش زركش وَأَرْبَعَة سروج ذهب وبدلة فرس فِيهَا أَرْبَعمِائَة دِينَار ذَهَبا وَأُجْرَة صياغتها ثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم فضَّة وَمِائَة وَخَمْسُونَ بقجة فِيهَا أَنْوَاع الفرو وَمِائَة وَخَمْسُونَ فرسا وَخَمْسُونَ جملا وَخَمْسَة عشر حملا من النصافي وَنَحْوه وَثَلَاثُونَ حملا من فَاكِهَة وحلوى وَغير ذَلِك مِمَّا يُؤْكَل واثنتي عشرَة علبة من سكر النَّبَات. وَفِي سادسه: اسْتَقر أوناط السيفي فِي ولَايَة قوص وعزل أقبغا الزيني. وَفِي سابعه: على السُّلْطَان إِلَى بر الجيزة وَمَعَهُ الْأَمِير تنم وَنزل على شاطئ النّيل تجاه الْقَاهِرَة وتصيد ثمَّ عَاد فِي ثَالِث عشره. وَفِيه اسْتَقر تَاج الدّين عبد الْغَنِيّ بن صُورَة فِي توقيع الدست عوضا عَن ولي الدّين أَحْمد بن تَقِيّ الدّين نَاظر الْجَيْش. وَفِي سَابِع عشره: جلس السُّلْطَان بدار الْعدْل وَركب الْأَمِير تنم فِي الموكب تَحت القلعة بِمَنْزِلَة النِّيَابَة وطلع إِلَى دَار الْعدْل وخلع عَلَيْهِ خلعة الِاسْتِمْرَار. وَجَرت لَهُ من الإصطبل ثَمَانِيَة جنايب بكنابيش وسروج ذهب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 394 وَفِيه اسْتَقر شرف الدّين مُحَمَّد بن الدماميني فِي حسبَة الْقَاهِرَة وَصرف شمس الدّين مُحَمَّد المخانسي. وَفِي تَاسِع عشره: اسْتَقر شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن مَحْمُود النابلسي فِي قَضَاء الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق وَكَانَ قد حضر مَعَ الْأَمِير تنم. وَاسْتقر تَاج الدّين عبد الرَّزَّاق الملكي نَاظر ديوَان الْأَمِير تنم - وَقد حضر مَعَه أَيْضا إِلَى الْقَاهِرَة - فِي نظر الْجَيْش بِدِمَشْق عوضا عَن شمس الدّين بن مشكور وخلع عَلَيْهِمَا. وَفِيه خرج الْبَرِيد بِطَلَب الْأَمِير جُلْبان من دمياط. وَفِي خَامِس عشرينه: عدى السُّلْطَان إِلَى بر الجيزة وَعَاد فِي سَابِع عشرينه. وَفِيه قدم الْأَمِير جلبان الكمشبغاوي من دمياط وَمثل بِحَضْرَة السُّلْطَان وَقبل الأَرْض فصفح عَنهُ وَألبسهُ خلعة الرِّضَا وأنعم عَلَيْهِ بإقطاع الْأَمِير فَخر الدّين إِيَاس الجرجاوي وَجعله أتابك العساكر بِدِمَشْق وَبعث إِلَيْهِ بِثمَانِيَة أَفْرَاس مِنْهَا فرس بقماش ذهب. وَفِيه سلم إِيَاس الجرجاوي أتابك دمشق إِلَى ابْن الطبلاوي ليخلص مِنْهُ المَال فالتزم بِخَمْسِمِائَة ألف دِرْهَم وَبعث مَمْلُوكه لإحضار مَاله من دمشق فخلى عَنهُ وَهُوَ مَرِيض فَمَاتَ بعد يَوْمَيْنِ. وَفِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع ربيع الأول: قبض على الْوَزير الصاحب سعد الدّين نصر الله بن البقري وَولده تَاج الدّين وَسَائِر حَوَاشِيه وَاسْتقر عوضه فِي الوزارة بدر الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الطوخي وَاسْتقر عوضه فِي نظر الدولة سعد الدّين الهيصم. وَفِي ثامنه: اسْتَقر شرف الدّين مُحَمَّد بن الدماميني فِي نظر الْجَيْش بعد موت جمال الدّين مَحْمُود العجمي القيصري على أَرْبَعمِائَة ألف دِرْهَم فضَّة قَامَ بهَا بعد مَا حمل فِي ولَايَة الْحِسْبَة بِالْقَاهِرَةِ مِائَتي ألف وَخمسين ألف دِرْهَم فضَّة سرق ذَلِك كُله وأضعافه من مَال الْأَمِير مَحْمُود الأستادار فَإِنَّهُ كَانَ رَفِيقًا لسعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب فِي مُبَاشَرَته. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 395 وَفِي تاسعه: اسْتمرّ شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن أَبى بكر الطرابلسي فِي قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة عوضا عَن الْجمال مَحْمُود العجمي وَهَذِه ولائَه الثَّانِيَة. وَولي كليهمَا من غير بذل مَال وَلَا سعى بل يطْلب لذَلِك. وَاسْتقر الْبَهَاء مُحَمَّد بن الْبُرْجِي فِي حسبَة الْقَاهِرَة عوضا عَن ابْن الدماميني بِمَال قُدَّام بِهِ. وَلم يل قطّ إِلَّا بِمَال فتشاءم النَّاس بولايته من أجل أَن الْقَمْح كَانَ الأردب مِنْهُ بِنَحْوِ ثَمَانِيَة وَعشْرين درهما والبطة الدَّقِيق أحد عشر درهما وَالْخبْز سِتَّة أَرْطَال بدرهم فأبيع الْقَمْح بِسِتَّة وَثَلَاثِينَ الأردب والبطة المقيق بأَرْبعَة عشر درهما وَالْخبْز دون الْخَمْسَة أَرْطَال دِرْهَم. وَفِي سادس عشره: اسْتَقر أنواط اليوسفي فِي نِيَابَة الْوَجْه القبلي وعزل عمر بن إلْيَاس وَخرج الْبَرِيد بِطَلَبِهِ. وَاسْتقر مُحَمَّد بن العادلي فِي ولَايَة قوص عوضا عَن أنواط. وَفِي تَاسِع عشره: قدم الْأَمِير طولو بن عَليّ شاه من بِلَاد الرّوم وَقد توجه فِي الرسَالَة إِلَى خوندكار بن عثَمان وَأخْبر بِأَنَّهُ وَاقع الأكروس وظفر مِنْهُم بغنائم كَثِيرَة وَقتل خلائق لَا تحصى وَأَن شمس الدّين مُحَمَّد بن الحزري لحق بِابْن عُثْمَان فَبَالغ فِي إكرامه وَجعل لَهُ فِي الْيَوْم مائَة وَخمسين درهما نقرة. وَكَانَ خَبره أَنه لما فر من الْقَاهِرَة ركب الْبَحْر من الْإسْكَنْدَريَّة إِلَى أنطاكية فِي ثَلَاثَة أَيَّام يُرِيد اللحاق بِابْن عُثْمَان فَإِنَّهُ أَقرَأ بِدِمَشْق الْقرَاءَات رجلا من الرّوم يُقَال لَهُ حاجي مُؤمن صَار من عُظَمَاء أَصْحَاب ابْن عُثْمَان فَأكْرمه مُتَوَلِّي أنطاكية وَبعث بِهِ إِلَى برصا - دَار ملك ابْن عُثْمَان - من بِلَاد الرّوم فَتَلقاهُ أهل برصا وَدخل على ابْن عُثْمَان فَأكْرمه وأجزى عَلَيْهِ الْمُرَتّب الْمَذْكُور وقاد إِلَيْهِ تِسْعَة أروس من الْخَيل وعدة مماليك وجواري وَصَارَ يعد من العظماء. وَورد الْخَبَر أَيْضا بِأَن الْوَزير تَاج الدّين عبد الرَّحِيم بن أبي شَاكر فر من دمشق وَصَارَ من بيروت إِلَى عِنْد ابْن عُثْمَان فَأكْرمه وأجرى عَلَيْهِ فِي الْيَوْم خمسين درهما. وَفِي حادي عشرينه: قدمت هَدِيَّة الْملك الْأَشْرَف ممهد الدّين إِسْمَاعِيل بن الْأَفْضَل عَبَّاس بن الْمُجَاهِد على بن دَاوُد بن يُوسُف بن عمر بن رَسُول متملك الْيمن صُحْبَة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم الْمحلى للتاجي والطواشي افتخار الدّين فاخر وَهِي عشرَة خدام الجزء: 5 ¦ الصفحة: 396 طواشية وَأَرْبَعَة عبيد وست جواري وَسيف بحلية ذهب مرصع بعقيق وحياصة بعواميد عقيق مكلل بلؤلؤ كبار وَوجه فرس مرْآة هندية محلاة بِفِضَّة قد رصعت بعقيق وبراشيم وحشية برسم الْخُيُول عشرَة ورماح عدَّة مِائَتَيْنِ وشطرنج عقيق أَبيض وأحمر وَأَرْبع مراوح مطرطقة بِذَهَب ومسك ألف مِثْقَال وَعَنْبَر خام ألف مِثْقَال وَزَباد سَبْعُونَ أُوقِيَّة وَمِائَة مضرب غَالِيَة ومائتي وَسِتَّة عشر رطلا من الْعود وثلاثمائة واثنتين وَأَرْبَعين رطلا من اللبان الجاوي وثلاثمائة وَأَرْبَعَة وَسِتُّونَ رطلا من الصندل وَأَرْبع براني من الشند وَسَبْعمائة رَطْل من الْحَرِير الخام وَمن البهار والأنطاع وَفِي ثَانِي عشرينه: عدى السُّلْطَان إِلَى بر الجيزة وَعَاد فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِي ربيع الآخر فصاح الْعَوام وَشَكوا من ابْن الْبُرْجِي الْمُحْتَسب وسألوا عَزله. وَفِي ثالثه: وقف أوباش الْعَامَّة تَحت القلعة ورصدوا ابْن الْبُرْجِي حَتَّى نزل ورجموه بِالْحِجَارَةِ حَتَّى كَاد يهْلك لَوْلَا امْتنع بِبَيْت بعض الْأُمَرَاء. وَكَانَ ذَلِك بإغراء المخانسي وتفرقته مبلغ مِائَتي دِرْهَم فِي عدَّة من أوباش الْعَامَّة ليرجموا ابْن الْبُرْجِي ويسألوا عَزله وعود المخانسي فتم لَهُ ذَلِك وَاشْتَدَّ صُرَاخ الْعَامَّة بعد رجم الْبُرْجِي وَهُوَ يسْأَلُون عَزله وَولَايَة المخانسي فاستدعى وخلع عَلَيْهِ من يَوْمه. وَفِي خامسه: اسْتَقر مُحَمَّد بن عمر بن عبد الْعَزِيز أَمِيرا على هوارة بعد موت أَبِيه. وَفِي ثامنه: ركب شرف الدّين مُحَمَّد بن الدماميني بفوقانية من صوف أَخْضَر وعذبته مسبلة عَلَيْهَا من وَرَاء ظَهره. وَلم يعْهَد قبله أحد من الْقُضَاة الَّذين يلبسُونَ الْجُبَّة وَيلبسُونَ العذبة يلبس جُبَّة ملونة بل دَائِما لَا يلبسُونَ شتاء وَلَا صيفا إِلَّا الْجُبَّة الْبَيْضَاء فَفِي الصَّيف من الْقطن وَفِي الشتَاء من الصُّوف وَكَذَلِكَ كَانَ الوزراء وأكابر الْفُقَهَاء وأعيان الْكتاب لَا يلبسُونَ فِي الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة وأوقات الرّكُوب وَعند لِقَاء بَعضهم بَعْضًا إِلَّا الْبيَاض دَائِما فَغير النَّاس ذَلِك وصاروا يلبسُونَ الملونات من الصُّوف بِأَمْر السُّلْطَان لَهُم على لِسَان كَاتب السِّرّ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 397 وَفِي ثَالِث عشره: أحضر طيبغا الزيني وَالِي الفيوم فَسلم لِابْنِ الطبلاوي ليعاقبه وَاسْتقر ألطنبغا عوضه وَالِي البهنسا وَاسْتقر عوضه فِي البهنسا خَلِيل بن الطوخي. وَفِيه ولدت امْرَأَة أَرْبَعَة أَوْلَاد فِي بطن عَاشَ مِنْهُم أحدهم. وَفِيه تنكر السُّلْطَان على قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين مُحَمَّد الْمَنَاوِيّ لحدهَ خُلقه. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي جُمَادَى الأولى توجه الحسام حُسَيْن شاد الدواويِن إِلَى مساحة الْبِلَاد السُّلْطَانِيَّة بِالْوَجْهِ القبلي. ونُقل الْأَمِير مَحْمُود إِلَى خزانَة شمايل فِي لَيْلَة الْجُمُعَة ثالثه وَهُوَ مَرِيض فسجن بهَا. وَفِيه أنعم على أَمِير خضر بن عمر بن أَحْمد بن بَكتنُر الساقي بإمرة عشرَة. وَفِي سادسه: عدى السُّلْطَان إِلَى بر الجيزة وَفرق الْخُيُول على الْأُمَرَاء كَمَا هِيَ الْعَادة فِي كل سنة وَعَاد فِي عشرينه. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشرينه: استدعى تَقِيّ الدّين عبد الرَّحْمَن الزبيرِي أحد الْخُلَفَاء الحكم وَفرض إِلَيْهِ قَضَاء الْقُضَاة عوضا عَن الصَّدْر مُحَمَّد الْمَنَاوِيّ وَنزل مَعَه الْأَمِير قَلَمْطاي الدوادار والأمير نوروز الحافظي رَأس نوبَة والأمير فَارس حَاجِب الْحجاب فِي عدَّة من الْأُمَرَاء وَكَاتب السِّرّ والقضاة والأعيان وَعَلِيهِ التشريف. وَلم تخطر ولَايَته ببال أحد بل طلبه السُّلْطَان على وَفِي سادس عشر جُمَادَى الْآخِرَة: أنعم على بيسق الشيخي بإمرة طبلخاناه. وَقدم سري الدّين مُحَمَّد بن المسلاتي من دمشق بعد عَزله. وَفِي هَذَا الشَّهْر: اشْتَدَّ الغلاء بِدِمَشْق فَخرج النَّاس يستسقون وثاروا بِرَجُل يعرف بِابْن النشو كَانَ يحتكر الغلال وقتلوه شَرّ قتلة وأحرقوه بالنَّار. وَفِيه اسْتَقر ألطنبغا حَاجِب غَزَّة فِي نِيَابَة الكرك وعزل نَاصِر الدّين بن مبارك بن المهمندار. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 398 وَفِي سَابِع عشْرين رَجَب: اسْتَقر عماد الدّين أَحْمد بن عِيسَى المقيري الكركي فِي خطابة الْقُدس بعد وَفَاة سري الدّين مُحَمَّد بن المسلاني. وَاسْتقر عوضه فِي تدريس الْجَامِع الطولوني شيخ الحَدِيث زين الدّين عبد الرَّحِيم بن الْحُسَيْن الْعِرَاقِيّ وسراج الدّين عمر بن الملقن عوضه فِي تدريس وقف الْملك الصَّالح عماد الدّين إِسْمَاعِيل بقبة الْملك الْمَنْصُور من المارستان. وَاسْتقر عوضه فِي نظر وقف الْملك الصَّالح هَذَا شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد الله النحريري الْمَالِكِي وَاسْتقر عَلَاء الدّين عَليّ بن أبي الْبَقَاء فِي قَضَاء الشَّافِعِيَّة بِدِمَشْق مرّة ثَانِيَة عوضا عَن سري الدّين أَبُو الْخطاب مُحَمَّد بن مُحَمَّد. وَفِي لَيْلَة الْأَحَد ثامن شعْبَان - وحادي عشر بشنس -: أبرقت وأرعدت وَجَاء مطر بعد الْمغرب قَلما عهد مثله وَهَذَا من عَجِيب مَا يَقع بِأَرْض مصر ثمَّ أمْطرت غير مرّة من اللَّيْل. وَفِي سادس عشره: اسْتَقر صَرْغَتْمش الْقزْوِينِي الخاصكي فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة وعزل قديد وَنفي إِلَى الْقُدس وَنفي أَيْضا صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن تنكز إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَخرج الْبَرِيد بارتجاع إقطاع أَحْمد بن يلبغا وألجبغا الجمالي وخضر الكريمي فأقاموا بطالين بالبلاد الشامية وأنعم على شيخ المحمودي بإقطاع صرغتمش الْقزْوِينِي وعَلى طَغَثْجي نَائِب البيرة بإقطاع شيخ وعَلى يشبك العثماني بإقطاع صَلَاح الدّين مُحَمَّد ابْن تنكز وعَلى شيخ السُّلَيْمَانِي بِعشْرَة يشبك العثماني وَاسْتقر عَلَاء الدّين عَليّ بن الطلاوي عوضا عَن ابْن تنكز فِي أستادارية الْأَمْلَاك والأوقاف السُّلْطَانِيَّة مُضَافا لما بِيَدِهِ. وَاسْتقر سعد الدّين الهيصم فِي صحابة الدِّيوَان الْمُفْرد. وَاسْتقر عوضه فِي الِاسْتِيفَاء بالديران الْمُفْرد الأسعد البحلاق النَّصْرَانِي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 399 وَفِي تَاسِع عشره: خلع على الْأَمِير حسام الدّين حسن الكجكني عِنْد فَرَاغه من عمل الجسور بالبهنساوية وأتقنها إتقاناً جيدا وَلم يقبل لأحد شَيْئا من الْمَأْكُول فضلا عَن المَال. وَفِي ثَانِي عشرينه: اسْتَقر زين الدّين شعْبَان بن مُحَمَّد بن دَاوُد الآتاري فِي حسبَة مصر عوضا عَن نور الدّين عَليّ بن عبد الْوَارِث الْبكْرِيّ بِمَال الْتزم بِهِ. وَفِي ثَالِث عشرينه: قدمت رسل ابْن عُثْمَان متملك الرّوم إِلَى سَاحل بولاق فَخرج إِلَيْهِم الْحَاجِب بالخيول السُّلْطَانِيَّة حَتَّى رَكبُوهَا إِلَى حِين أنزلوا بحار أعدت لَهُم. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة رَابِع رَمَضَان: أُقِيمَت الْخطْبَة بالجامع الْأَقْمَر من الْقَاهِرَة وخطب فِيهِ شهَاب الديِن أَحْمد بن مُوسَى بن إِبْرَاهِيم الْحلَبِي الْحَنَفِيّ - أحد نواب الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة - وَلم يعْهَد فِيهِ قطّ خطْبَة لَكِن لما جدد الْأَمِير يلبغا السالمي عِمَارَته بنى على بَابه مناراً يُؤذن عَلَيْهِ وَلم يكن بِهِ مَنَارَة قبل ذَلِك وجدد بوسطه بركَة مَاء وبصدره - بِحَدّ الْمِحْرَاب - منبراً فاستمر ذَلِك. وَفِي سابعه: قدَّم رسل ابْن عُثْمَان هَدِيَّة مرسلهم. وأحضر صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن تنكز من الْإسْكَنْدَريَّة ورسم بإقامته بِدِمَشْق متحدثاً على أوقاف جده تنكز بِغَيْر إمرة. فَسَار إِلَيْهَا. وَفِي حادي عشره: اسْتَقر عوض التركماني فِي ولَايَة بلبيس وعزل تغري برمش وَاسْتقر عمر بن إلْيَاس فِي ولَايَة منفلوط وعزل عَليّ بن غَلْبَك بن المكللة وَاسْتقر شاد دواليب الْخَاص بمنفلوط. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 400 وَفِيه ترافع شهَاب الدّين أَحْمد بن عمر بن قطينه وَسعد الدّين الهيصم نَاظر الدولة فألزم الهيصم بِحمْل مائَة ألف دِرْهَم. وَفِيه أَخذ قاع النّيل فَكَانَ خَمْسَة أَذْرع وَخَمْسَة وَعشْرين إصبعاً. وَفِي سَاس عشرينه: اسْتَقر الْأَمِير يلبغا الأحمدي الْمَجْنُون أستادار السُّلْطَان عوضا عَن الْأَمِير قَطْلوبَك العلاي وَاسْتقر قطلوبك على إمرته بِعشْرين فَارِسًا فَتحدث الْمَجْنُون فِي الأستادارية والكشف. وَقبض على نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن مَحْمُود الأستادار وألزم بِثَلَاثَة آلَاف دِينَار بعد وَفِيه اسْتَقر عَلَاء الدّين على الْبَغْدَادِيّ الشريف فِي ولَايَة دمياط بعد موت أَحْمد الأرغوني. وَقدم الْوَزير تَاج الدّين عبد الرَّحِيم بن أبي شَاكر من بِلَاد الرّوم بعد مَا أسره الفرنج فَلَزِمَ دَاره. وَقدم الْبَرِيد بوصول عَسَاكِر تيمور لنك إِلَى أزرنكان من بِلَاد الرّوم. وَقتل كثير من التركمان فَتوجه الْأَمِير تمربغا المنجكي على الْبَرِيد لتجهيز عَسَاكِر الشَّام إِلَى أرزنكان وَندب شهَاب الدّين أَحْمد بن عمر بن قطينة لتجهيز الشّعير برسم الإقامات فِي منَازِل طَرِيق الشَّام. وَكَانَ فِي أثْنَاء هَذِه السّنة قد قبض الْأَمِير بَكْلَمِش العلاي أَمِير سلَاح عَليّ زين الدّين مهنا - دواداره - بمرافعة موقعه وَشَاهد ديوانه صفي الدّين أَحْمد ابْن مُحَمَّد بن عُثْمَان الدَّمِيرِيّ وَأخذ مِنْهُ أَرْبَعمِائَة ألف وَخمسين ألف دِرْهَم ثمَّ أفرج عَنهُ وَقبض على الصفي الدَّمِيرِيّ وَبَالغ فِي عُقُوبَته وَأخذ مِنْهُ مائَة ألف دِرْهَم. وَفِيه اسْتَقر شمس الدّين أينبغا التركماني الْحَنَفِيّ فِي مشيخة القوصونية وعزل تَاج اللين مُحَمَّد بن الْمَيْمُونِيّ. وَفِي أول ذِي الْقعدَة: اسْتَقر ألطنبغا السيفي وَالِي الفيوم فِي نِيَابَة الْوَجْه القبلي وعزل أوناط. وَاسْتقر قرابغا مُفرق إِلَى أطيفح فِي ولَايَة الفيوم وكشفها وَاسْتقر أسندَمر الظَّاهِرِيّ فِي ولَايَة أطفيح الجزء: 5 ¦ الصفحة: 401 وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثامنه - وَهُوَ عَاشر مسري -: أوفى النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا فَركب السُّلْطَان إِلَى المقياس وَفتح الخليج على الْعَادة. وَفِي عاشره: اسْتَقر قطلوبغا التركماني الخليلي أَمِير آخور فِي ولَايَة البهنسا عوضا عَن خَلِيل بن الطوخي وَاسْتقر طيبغا الزيني فِي ولَايَة الجيزة وعزل مُحَمَّد بن حسن بن ليلى وَضرب وصودر. وَفِي عشرينه: قتل الْأَمِير أَو بكر بن الأحدب أَمِير عَرك من سيوط فأقيم بدله فِي الإمرة أَخُوهُ عُثْمَان بن الأحدب وَاسْتقر مُحَمَّد بن مُسَافر فِي ولَايَة قوص وعزل إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن مقبل. وَفِي أول ذِي الْحجَّة: توعك بدن السُّلْطَان إِلَى تاسعه فَنُوديَ بالزينة فزينت الْقَاهِرَة ومصر ودقت البشائر لعافية السُّلْطَان. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء عاشره: نزل السُّلْطَان إِلَى الميدان تَحت القلعة وَصلى صَلَاة عيد النَّصْر على الْعَادة. وَفِي سادس عشره: جلس بدار الْعدْل. وَفِي ثَالِث عشرينه: ركب إِلَى خَارج الْقَاهِرَة وَعبر من بَاب النَّصْر وَعَاد إِلَى القلعة من بَاب زويلة فَقلعت الزِّينَة. وَفِي سادس عشرينه: انْتَهَت زِيَادَة النّيل إِلَى خَمْسَة عشر إصبعاً من عشْرين ذِرَاعا وَثَبت إِلَى ثَانِي بَابه وانحط. وَمَعَ ذَلِك فالسعر فِي سَائِر الْأَشْيَاء غال والبطة الدَّقِيق بِأَكْثَرَ من اثْنَي عشر درهما. وَفِيه توجه السُّلْطَان إِلَى السرحة بِنَاحِيَة سرياقوس وَنزل بالقصور على الْعَادة فِي كل سنة. وَفِي ثامن عشرينه: قدم مبشرو الْحَاج بالأمن والرخاء. وفيهَا ولي شرف الدّين مُوسَى بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن جُمُعَة الْأنْصَارِيّ قَضَاء الشَّافِعِيَّة بحلب عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد الأخناي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 402 وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر من الْأَعْيَان شهَاب الدّين أَحْمد الأرغوني مُتَوَلِّي دمياط فِي شَوَّال. وَمَات إِسْمَاعِيل بن الْملك النَّاصِر حسن بن مُحَمَّد بن قلاوون بقلعة الْجَبَل فِي خَامِس عشْرين شَوَّال. وَكَانَ قد تَأمر فِي أَيَّام الْأَشْرَف شعْبَان. وَمَات أسنبغا التاجي أحد أُمَرَاء العشراوات. وَمَات إِيَاس الجرجاوي نَائِب طرابلس وَأحد أُمَرَاء الألوف بِالْقَاهِرَةِ. وَمَات أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن وَاصل الْمَعْرُوف بِابْن الأحدب أَمِير عَرك فِي عشْرين ذِي الْقعدَة قَتِيلا. وَمَات بيبرس التمان تمري أَمِير آخور فِي رَابِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة. وَمَات عمر بن عبد الْعَزِيز أَمِير هوارة. وَمَات الشَّيْخ المعتقد حسن القشتمري فِي تَاسِع عشر جُمَادَى الأولى. وَمَات شعْبَان بن الْملك الظَّاهِر برقوق وَهُوَ طِفْل فِي ثامن عشْرين ربيع الأول. وَمَات الشَّيْخ الْمسند المعمر زين الدّين أَبُو الْفرج عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن مبارك بن حَمَّاد الْغَزِّي الْمَعْرُوف بِابْن الشيخة الشَّافِعِي. ولد فِي سنة خمس عشرَة وسبعماية تخميناً. وَأخذ الْفِقْه على مَذْهَب الشَّافِعِي عَن التقي السُّبْكِيّ. وَحدث بصحيحي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 403 البُخَارِيّ وَمُسلم وَسنَن أبي دَاوُد وموطأ مَالك وَغير ذَلِك مِمَّا يطول شَرحه وتصدى للأسماع عدَّة سِنِين حَتَّى مَاتَ فِي تَاسِع عشْرين ربيع الآخر خَارج الْقَاهِرَة وَكَانَ شَيخا مُبَارَكًا. وَمَات الشَّيْخ نور الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن أَحْمد بن عبد الْعَزِيز الْعقيلِيّ - بِفَتْح الْعين الْمَكِّيّ إِمَام الْمَالِكِيَّة بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام وأخو القَاضِي أَبى الْفضل الْمَعْرُوف بالفقيه على النوبري فِي ثَانِي جُمَادَى الأولى بِمَكَّة وَسمع وَحدث. وَمَات عَليّ النًوَساني شيخ نَاحيَة صندفاً من الغربية فِي ثَالِث عشر شَوَّال وَكَانَ لَهُ ثراء وَاسع. وَمَات زين الدّين قَاسم بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم المغربي الْمَالِكِي فِي حادي عشر الْمحرم درس الْفِقْه زَمَانا بَاب مَعَ الْأَزْهَر وَكتب على الْفَتْوَى وَكَانَ متديناً خيرا. وَمَات محب الدّين مُحَمَّد بن شمس الدّين مُحَمَّد الطُرَيْني أحد نواب الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة خَارج الْقَاهِرَة فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء ثَالِث عشر الْمحرم. وَمَات الشَّيْخ محب الدّين مُحَمَّد بن الشَّيْخ جمال الدّين عبد الله بن يُوسُف بن هِشَام النَّحْوِيّ فِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ رَابِع عشْرين رَجَب وَقد تصدر لإقراء النَّحْو سِنِين. وَكَانَ خيرا دينا. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن حسب الله بن حسون الشَّافِعِي فِي عَاشر شعْبَان. وَمَات نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن فَخر الدّين أياز الدواداري أحد أُمَرَاء الطبلخاناه. وَمَات سري الدّين أَبُو الْخطاب مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم بن عَليّ بن عبد الْملك الْمَعْرُوف بِابْن المسلاني قَاضِي الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بِدِمَشْق. مَاتَ بِالْقَاهِرَةِ فِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشْرين رَجَب. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي بكر الطرابلسي قَاضِي الْقُضَاة الحتفية بِالْقَاهِرَةِ ومصر فِي يَوْم السبت ثامن عشْرين ذِي الْحجَّة وَكَانَ من خِيَار من ولي الْقَضَاء عفة وصرامة وشهامة. وَمَات جمال الدّين مَحْمُود بن مُحَمَّد القيصري العجمي قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة وناظر الجيوش وَشَيخ الشيخونية فِي لَيْلَة الْأَحَد سَابِع ربيع الأول. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 404 وَمَات الْأَمِير جمال الدّين مَحْمُود بن عَليّ بن أصفر. عينه الأستادار فِي يَوْم الْأَحَد تَاسِع رَجَب بخزانة شمايل بعد مَا نكب نكبة شنعة وَدفن بمدرسته خَارج بَاب زويلة وَجُمْلَة مَا أَخذ مِنْهُ فِي مصادرته للسُّلْطَان ألف ألف دِينَار أَرْبَعمِائَة ألف دِينَار ذَهَبا وَألف ألف دِرْهَم فضَّة وبضائع وغلال وَغير ذَلِك بِأَلف ألف دِرْهَم فضَّة وَتلف لَهُ وأخفي هُوَ شَيْئا كثيرا. وَمَات الْوَزير الصاحب سعد الدّين نصر الله بن البقري القطبي الْأَسْلَمِيّ فِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ رَابِع جُمَادَى الْآخِرَة مخنوقاً بعد عُقُوبَة شَدِيدَة. وَمَات الشريف إِبْرَاهِيم بن عبد الله الأخلاطي فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشْرين جُمَادَى الأولى. وَمَات قَاضِي الْقُضَاة نجم الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن أبي الْعِزّ بن صَالح بن أبي الْعِزّ وهيب بن عطا بن جُبَير بن جَابر بن وهيب الْمَعْرُوف بِابْن أبي الْعِزّ قَتِيلا بِدِمَشْق فِي مستهل ذِي الْحجَّة. وَقد بَاشر قَضَاء مصر كَمَا تقدم فِي سنة سبع وَسبعين واستعفى وَمضى إِلَى دمشق، وَولى بهَا قاء الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة غير مرّة، وَصرف، فَلَزِمَ بَيته حَتَّى مَاتَ، رَحمَه الله. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 405 فارغه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 406 سنة ثَمَانمِائَة أهل الْمحرم يَوْم الِاثْنَيْنِ: وَيُوَافِقهُ من شهور القبط الْيَوْم السَّابِع وَالْعشْرُونَ من توت والنيل قد انْتَهَت زِيَادَته وَبَدَأَ ينحط. وَفِيه ركب السُّلْطَان وَعَاد الْأَمِير بكلمش وَسَار إِلَى شاطئ النّيل وَعَاد إِلَى القلعة. وَفِي ثَانِيه: قدم نَاصِر متملك بِلَاد النّوبَة فَارًّا من ابْن عَمه فَأكْرمه السُّلْطَان وخلع عَلَيْهِ وَأعَاد الصارم إِبْرَاهِيم الشهابي إِلَى ولَايَة أسوان وَتقدم إِلَيْهِ بمعاونة نَاصِر. وَفِي ثامنه: توجه السُّلْطَان إِلَى السرحة بِنَاحِيَة سرياقوس وَنزل بالقصور على الْعَادة فِي كل سنة. وَفِيه كُتب بِعُود الْعَسْكَر الْمُجَرّد بِسَبَب تيمور لنك وَقد قربوا من بلد سيواس. وَفِي ثَانِي عشرينه: خرج على الْبَرِيد بكتمُر جلق لإحضار الْأَمِير تغري بردي من يشبغا نَائِب حلب وَكتب بانتقال أرغون شاه الإَبراهيمي من نِيَابَة طرابلس إِلَى نِيَابَة حلب. وَسَار على الْبَرِيد الْأَمِير يشبك العثماني بتقليده. ورسم بانتقال أقبغا الجمالي من نِيَابَة صفد إِلَى نِيَابَة طرابلس وَتوجه لتقليده الْأَمِير أزْدَمُر أَخُو أينال وَمَعَهُ أَيْضا الْأَمِير تنم الحسني باستمراره فِي نِيَابَة دمشق ورسم بانتقال شهَاب الدّين أَحْمد بن الشَّيْخ على من نِيَابَة غَزَّة إِلَى نِيَابَة صفد وَتوجه لتقليد الْأَمِير يلبغا الناصري رَأس نوبَة. وَفِي ثامن عشره: قدم سوابق الْحَاج وأخبروا أَنه هلك بالسبع وعرات من شدَّة الْحر نَحْو سِتّمائَة إِنْسَان وَأَنه هلك من حَاج الشَّام زِيَادَة على ألفي إِنْسَان وَأَن ودائع الْحَاج الَّتِي بعقبة أَيْلَة نهبت. وَفِي خَامِس عشرينه: عَاد السُّلْطَان من سرياقوس. وَلم يخرج إِلَيْهَا بعد ذَلِك وَلَا أحد من السلاطين وجهلت عوائدها وَخَربَتْ الْقُصُور وَكَانَت من أجمل عوائد مُلُوك مصر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 407 وَفِي تَاسِع عشرينه: - فِي وَقت الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة بِالْقصرِ - قبض على الْأَمر الْكَبِير كمشبغا الْحَمَوِيّ أتابك العساكر وعَلى الْأَمِير بكلمش العلاي أَمِير سلَاح وقيدا. وَنزل الْأَمِير قلمطاي الدوادار والأمير نوروز الحافظي رَأس نوبَة والأمير فَارس حَاجِب الْحجاب إِلَى الْأَمِير شيخ الصفوي وَمَعَهُمْ خلعة بنيابة غَزَّة فلبسها وَخرج من وقته ليسافر وَنزل بخانكاة سرياقوس. وَفِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء سلخه: توجه الْأَمِير سودن الطيار بكُمُشبغا وبكمش فِي الْحَدِيد إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجنا بهَا. وَفِي الْغَد استعفي الْأَمِير شيخ من نِيَابَة غَزَّة وَسَأَلَ الْإِقَامَة بالقدس فرتب لَهُ النّصْف من قريتي بَيت لحم وَبَيت جالة من الْقُدس يرتفق بهما وَسَار إِلَى الْقُدس. وَفِيه عرض السُّلْطَان مماليك الْأَمِير كمشبغا وَأَوْلَاده ومماليك بكلمش فَاخْتَارَ مِنْهُم طَائِفَة وَفرق الْبَقِيَّة على الْأُمَرَاء. قبض على شاهين رَأس نوبَة كُمشبغا. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي صفر: اسْتَقر الْأَمِير أيتمش البجاسي أتابك العساكر وأنعم عَلَيْهِ وعَلى الْأَمِير قلمطاي الدوادار والأمير تاني بك أَمِير أخور بِبِلَاد من إقطاع كمشبغا وأنعم ببقيته على الْأَمِير سودن الْمَعْرُوف بِابْن أُخْت السُّلْطَان وَصَارَ من أُمَرَاء الألوف. وأنعم بإقطاع سودن الْمَذْكُور على الْأَمِير عبد الْعَزِيز ولد السُّلْطَان. وأنعم بإقطاع بكلمش على نوروز الحافظي رَأس نوبَة وبإقطاع نوروز على الْأَمِير أرغون شاه الأقبغاوي وبإقطاع أرغون شاه على الْأَمِير يلبغا الأسعدي الْمَجْنُون الأستادار. وأنعم بإقطاع شيخ الصفوي على الْأَمِير تغري بردي قبل قدمه من حلب. وَفِي رابعه: اسْتَقر الْأَمِير باي خجا طيفور الشرفي أَمِير أخور بنيابة غَزَّة. وَفِي سادسه: ركب السُّلْطَان للصَّيْد وشق الْقَاهِرَة من بَاب القنطرة وَعَاد إِلَى القلعة من بَاب زويلة. وَفِي تاسعه: اسْتَقر الْأَمِير بيبرس ابْن أُخْت السُّلْطَان أَمِير مجْلِس عوضا عَن شيخ الصفوي. وَفِي حادي عشره: توجه السُّلْطَان للصَّيْد وَعَاد فِي ثَالِث عشره. وَفِي سادس عشره: لبس طيفور نَائِب غَزَّة قبَاء السّفر وَتوجه إِلَى غَزَّة. وَفِي ثامن عشره: سَار السُّلْطَان إِلَى بر الجيزة، وَأقَام بهَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 408 وَفِي عشرينه: قدم تَمُربُغا المنجكي على الْبَرِيد بعد مَا جهز عَسَاكِر الشَّام مَعَ الْأَمِير تنِم نَائِب دمشق إِلَى أرزن كَانَ. وَفِي ثَالِث عشره: عَاد السُّلْطَان من بر الجيزة إِلَى القلعة. وَفِي سَابِع عشرينه: أنعم على يَلْبُغا السالمي الخاصكي بإمرة عشرَة عوضا عَن بهاُدر فطير وانتقل بهاُدر إِلَى إمرة طبلخاناه. وَفِيه اسْتَقر شمس الدّين مُحَمَّد الشاذلي فِي حسبَة مصر وعزل شعْبَان بن مُحَمَّد الآثاري. وَفِي يَوْم الْخَمِيس أول ربيع الأول: اسْتَقر حسن بن قراجا العلاي فِي ولَايَة الجيزة وعزل يَلْبغا الزيني. وَفِي لَيْلَة الْجُمُعَة ثَانِيه: عمل السُّلْطَان المولد النَّبَوِيّ على عَادَته فِي كل سنة وَحضر شيخ الْإِسْلَام سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ وَالشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن زقاعة وقضاة الْقُضَاة وعدة من شُيُوخ الْعلم فِي الحوش من القلعة تَحت خيمة ضربت هُنَاكَ. وَجلسَ السُّلْطَان وَعَن يَمِينه البُلْقِينِيّ وَابْن زقاعة وَعَن يسَاره الشَّيْخ أَبُو عبد الله المغربي وَتَحْته الْقُضَاة. وَحضر الْأُمَرَاء فجلسوا على بعد مِنْهُ. فَلَمَّا فرغ الْقُرَّاء من قراعة الْقُرْآن قَامَ الوعاظ وَاحِدًا بعد وَاحِد فَدفع لكل مِنْهُم صرة فِيهَا أَرْبَعمِائَة دِرْهَم فضَّة وَمن كل أَمِير شقة حَرِير وعدتهم عشرُون واعظاً. ثمَّ مدت الأسمطة الجليلة. فَلَمَّا أكلت مدت أسمطة الْحَلْوَى فانتهبت كلهَا. فَلَمَّا فرغ الوعاظ مضى الْقُضَاة وأقيم السماع من بعد ثلث اللَّيْل إِلَى قريب الْفجْر. وَفِي خَامِس عشره: قدم الْأَمِير تغري بردي من حلب فَخرج السُّلْطَان وتلقاه من الريدانية خَارج الْقَاهِرَة وَسَار بِهِ مَعَه إِلَى القلعة وأنزله فِي دَار تلِيق بِهِ وَبعث إِلَيْهِ خَمْسَة أَفْرَاس بقج فِيهَا ثِيَاب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 409 وَفِي سادس عشره: اسْتَقر أقبغا المزوق والياً بالأشمونين عوضا عَن الشهَاب أَحْمد المنقار. وَفِي سَابِع عشره: حمل الْأَمِير تغري بردي تقدمته فَكَانَت عشْرين مَمْلُوكا وثلاثينِ ألف دِينَار عينا وَمِائَة وخمساً وَعشْرين فرسا وعدة جمال وأحمالاً من الفرو وَالثيَاب. وَفِيه توجه السُّلْطَان إِلَى بر الجيزة وَعَاد. وَفِي تَاسِع عشره: اسْتَقر قُطُلوبُغا الخليلي التركماني فِي ولَايَة الشرقية وعزل عوض التركماني. وَفِيه خلع على الْأَمِير يلبغا الأستادار وَاسْتقر فِي كشف الْوَجْه البحري. وَفِي هَذَا الشَّهْر: وَقع بِالْوَجْهِ البحري وباء وفشت الْأَمْرَاض بِالْقَاهِرَةِ ومصر. وَكَانَ قد خرج جمَاعَة من الْأُمَرَاء إِلَى الصَّعِيد فَمَرض أَكْثَرهم وَعَاد الْأَمِير قَلْمطاي الدوادار فِي يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع وَمَات الْأَمِير تمان شاه الشيخوني فأنعم على ابْنه عبد الله بإمرته. وَمَات طوغان الْعمريّ الشاطر أحد العشراوات فأنعم على سودن من زَاده بإمرته وَاسْتقر عَلَاء الدّين عَليّ الْحلَبِي فِي كشف الْوَجْه البحري عوضا عَن أَمِير عَليّ السيفي. وَفِي حادي عشره: ركب السُّلْطَان وَعَاد الْأَمِير قَلْمطاي ففرش تَحت حوافر فرسه شقَاق الْحَرِير مَشى عَلَيْهَا من بَاب دَاره حَتَّى نزل بِبَاب الْقصر فَمشى على شقَاق النخ الْمَذْهَب حَتَّى جلس. وَقدم إِلَيْهِ طبقًا فِيهِ عشرَة آلَاف دِينَار وَخَمْسَة وَعشْرين بقجة قماش وَتِسْعَة وَعشْرين فرسا وَغُلَامًا تركياً بديع الْحسن. وَفِيه قدم الْخَبَر بمسير تيمور لنك من سَمَرْقَنْد إِلَى بِلَاد الْهِنْد وَأَنه ملك مَدِينَة دله. وَفِي خَامِس عشره: شكا الشهَاب أَحْمد بن أبي بكر بن مُحَمَّد الْعَبَّادِيّ الْحَنَفِيّ غَرِيمه السالمي إِلَى السُّلْطَان فأفحش فِي المخاطبة فرسم بسجنه بخزانة شمايل بعد مَا رسم بضربه بالمقارع وَلَوْلَا أَنه شفع فِيهِ لضرب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 410 وَفِي ثامن عشره: قدم على الْبَرِيد جمال الدّين يُوسُف بن صَلَاح الدّين مُوسَى بن شمس الدّين مُحَمَّد الْمَلْطِي الْفَقِيه الْحَنَفِيّ من حلب باستدعاء ليلى قَضَاء الْحَنَفِيَّة فَنزل عِنْد بدر الدّين مَحْمُود الكستاني كَاتب السِّرّ وَاسْتقر فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِالْقَاهِرَةِ ومصر عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد الطرابلسي فِي يَوْم الْخَمِيس عشرينه. وَنزل بالخلعة وَمَعَهُ عدَّة أُمَرَاء بَعْدَمَا شغر قَضَاء الْحَنَفِيَّة مائَة يَوْم وَأحد عشر يَوْمًا. وأنعم على جاني بك جياوي بإمرة عشرَة عوضا عَن آق بلاط الأسعدي. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامن جُمَادَى الأولى: أنعم على الْأَمِير أَلِي باي بتقديمة تاني بك أَمِير خور بعد مَوته. وَفِي تاسعه: اسْتَقر مقبل - أحد المماليك الظَّاهِرِيَّة - فِي ولَايَة قليوب عوضا عَن مُحَمَّد العلاي. وَفِي ثامن عشره: أنعم على الْأَمِير يَشبك العثماني بتقدمة قَلْمطاي بعد وَفَاته وعَلى الْأَمِير أسنبغا العلاي الدوادار التاني بطلخاناة بكتمر الركني وعَلى بكتمر بطبلخاناة أَلِي باي وعَلى مُحَمَّد بن الْأَمِير قَلَمْطاي بإمرة عشرَة وعَلى أقباي الطرنطاي طبلخاناه وعَلى تنكزبغا الحطلي بإمرة عشْرين. وَفِي عشرينه: اسْتَقر صدر الدّين أَحْمد بن جمال الدّين مَحْمُود القيصري فِي توقيع الدست عوضا عَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن بدر الدّين حسن الفاقوسي بعد عَزله. وَفِيه عدى السُّلْطَان إِلَى بر الجيزة وَعَاد فِي خَامِس عشرينه. وَظهر فِي هَذَا الشَهر خرطوم من جَزِيرَة أروى امْتَدَّ إِلَى تجاه جَامع الخطيري من بولاق فِيمَا بَين وَفِي تَاسِع عشرينه: اسْتَقر تغري بردي من يَشْبُغا أَمِير سلَاح وأقبغا الطُولوتَمُري - الْمَعْرُوف باللكاش - أَمِير مجْلِس والأمير نوروز الحافظي أَمِير أخور والأمير بيبرس ابْن أُخْت السُّلْطَان دوادراً والأمير أَلِي باي العلاي خازنداراً وخلع السُّلْطَان على الْجَمِيع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 411 الأطلسين. وَاسْتقر على بن غلبك فِي ولَايَة منفلوط بعد قتل عمر بن إِيَاس: وَاسْتقر شمس الدّين مُحَمَّد الأخنادي الدِّمَشْقِي فِي قَضَاء الْقُضَاة بِدِمَشْق عوضا عَن عَلَاء الدّين عَليّ بن بهاء الدّين أبي الْبَقَاء. (وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن جُمَادَى الْآخِرَة) حضر الْوَزير علم الدّين عبد الْوَهَّاب بن إبرة بِطَلَب من الْإسْكَنْدَريَّة وَهُوَ يَلِي نظرها فَضرب بَين يَدي السُّلْطَان بالمقارع. وَفِي ثَانِي عشره: عدى السُّلْطَان إِلَى الجيزة وَعَاد فِي رَابِع عشرينه. وَكتب بعزل تَاج الدّين أبي بكر بن معِين الدّين مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي بكر بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن الدماميني من قَضَاء الْإسْكَنْدَريَّة وَكَانَ قد وَليهَا بسفارة أَخِيه شرف الدّين فَلم تُشكر سيرته لعدم أَهْلِيَّته. وَاسْتقر عوضه ابْن الربعِي بسفارهَ سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب. وَفِي هَذَا الشَّهْر: منع الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن الطبلاوي من الحَدِيث فِي إسكندرية وتحدث فِيهَا سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب فولى أَخَاهُ فَخر الدّين ماجد نظر الْإسْكَنْدَريَّة. وَخرج أَمِير فرج بالكشف على ابْن الطبلاوي. وَفِي ثامنه: خلع على شمس الدّين مُحَمَّد المخانسي خلعة الِاسْتِمْرَار وَاسْتقر تمراز قماري فِي شدّ الْأَحْوَال وأمير شكار بعد موت شرف الدّين مُوسَى بن قماري. وَفِي لَيْلَة الْجُمُعَة ثامن شعْبَان: قبض على الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن سعد الدّين عبد الله بن مُحَمَّد بن الطبلاوي وَجَمَاعَة من ألزامه. وَذَلِكَ أَن سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب لما تسور على مخدومه الْأَمِير جمال الدّين مَحْمُود الأستادار - بمعاونة ابْن الطلاوي - وتمالئا عَلَيْهِ حَتَّى نكب وَهلك كَمَا ذكره صَار ابْن غراب بعده من أَعْيَان الدولة فالتَفت إِلَى ابْن الطبلاوي وَقد صَار عَظِيم أهل الدولة وَظَاهر عَلَيْهِ الْأَمِير يلبغا الْمَجْنُون الأستادار وَقد نافس ابْن الطبلاوي وَمَا زَالَ بِهِ يحملهُ عَلَيْهِ حَتَّى أغرى بِهِ السُّلْطَان حسداً مِنْهُ وبغياً إِلَى أَن قرر مَعَه الْقَبْض عَلَيْهِ فأشاع أَنه وُلد لَهُ وَلد ودعا إِلَى عمل وَلِيمَة خضر ابْن الطبلاوي وَمَعَهُ ابْن عَمه نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الطبلاوي - الْمَعْرُوف بِابْن سُتَيْت حضر النَّادِر وَفِيهِمْ الْأَمِير يَعْقُوب شاه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 412 الخازندار وَقد رسم لَهُ معاونة ابْن غراب فِي الْقَبْض على ابْن الطلاوي فعندما اسْتَقر بِالنَّاسِ الْجُلُوس بعث ابْن غراب بالأمير بهاء الدّين أرسلان نقيب الجيدة فَقبض على نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن سعد الدّين عبد الله بن مُحَمَّد بن الطبلاوي وَالِي الْقَاهِرَة وَأكْثر حَوَاشِيه وحواشي أَخِيه عَلَاء الدّين. فَلَمَّا علم ابْن غراب بِالْقَبْضِ عَلَيْهِم مد السماط ليَأْكُل النَّاس فَتقدم الْأَمِير يَعْقُوب شاه وَقبض على عَلَاء الدّين وَابْن عَمه نَاصِر الدّين وَتوجه بهما. وَوَقعت الحوطة فِي اللَّيْل على دور الْجَمِيع وتُتُبعت من الْغَد أسبابهم وأتباعهم فتجمعت الْعَامَّة وَرفعُوا الْأَعْلَام وحملوا الْمَصَاحِف ووقفوا تَحت القلعة يسْأَلُون إِعَادَة ابْن الطلاوي فَأمر بضربهم فَفرُّوا. وَأمر الْأَمِير يلبغا الْمَجْنُون الأستادار بمعاقبة ابْن الطلاوي واستخلاص الْأَمْوَال مِنْهُ وَمن حَوَاشِيه وَأَهله. وَفِي ثَانِي عشره: حمل ابْن الطبلاوي على فرس وَفِي عُنُقه طوق من حَدِيد مَعَ الْأَمِير يلبغا الْمَجْنُون وشق بِهِ الْقَاهِرَة نَهَارا حَتَّى دخل بِهِ إِلَى منزله برحبة بَاب الْعِيد فَأخْرج مِنْهُ اثْنَيْنِ وَعشْرين حمالاً مَا بَين دور وَغَيره من أَنْوَاع الفرو وَثيَاب صوف ومالاً ذُكر أَنه مبلغ مائَة وَسِتِّينَ ألف دِينَار. وَفِي ثَالِث عشره: أَخذ من دَاره أَيْضا ألف وَمِائَتَا قُفة فُلُوسًا صَرْفُها سِتّمائَة ألف دِرْهَم وَمن الدَّرَاهِم الْفضة خَمْسَة وَثَمَانُونَ ألف دِرْهَم وَجُمْلَة من الذَّهَب. وَفِي رَابِع عشره: اسْتَقر الْأَمِير الْكَبِير أيتمش الأتابك فِي نظر المارستان المنصوري عوضا عَن ابْن الطبلاوي. وَفِي سادس عشره: طلب ابْن الطبلاوي الْحُضُور إِلَى مجْلِس السُّلْطَان فَلَمَّا حضر طلب من السُّلْطَان أَن يُدنيه مِنْهُ فاستدناه حَتَّى بَقِي على قدر ثَلَاثَة أَذْرع مِنْهُ قَالَ لَهُ: تكلم. قَالَ: أُرِيد أسار السُّلْطَان فِي أُذُنه فَلم يُمكنهُ من ذَلِك فألح ابْن الطلاوي فِي طلب مسارة السُّلْطَان فِي أُذُنه حَتَّى استراب مِنْهُ وَأمر بإبعاده واستخلاص المَال مِنْهُ. فَمضى بِهِ الْأَمِير يَلْبُغا الْمَجْنُون حَتَّى خرج من مجْلِس السُّلْطَان إِلَى بَاب النّحاس حَيْثُ يجلس خَواص الخدام الطواشية فَجَلَسَ ابْن الطبلاوي هُنَاكَ ليستريح وَضرب نَفسه بسكين كَانَت مَعَه ليقْتل نَفسه فَلم يكن سوى أَنه جرح نَفسه فِي موضِعين وثار بِهِ من مَعَه ومنعوه من قتل نَفسه وَأخذُوا السكين. وَوَقعت الصرخة حَتَّى بلغ السُّلْطَان الْخَبَر فَلم يشك فِي أَنه أَرَادَ اغتياله وَقَتله بِهَذِهِ السكين فَأمر بتَشْديد عُقُوبَته فَمضى بِهِ الْأَمِير يَلْبُغَا وعاقبه فأظهر فِي سَابِع عشره خبية فِيهَا مبلغ ثَلَاثِينَ ألف دِينَار ثمَّ دلَّ على الجزء: 5 ¦ الصفحة: 413 أُخْرَى فِيهَا مبلغ تسعين ألف دِينَار ثمَّ عشْرين ألف دِينَار وتُتُبعَت أَحْوَاله وأبيع موجوده وعقاره وألزم ابْن عَمه نَاصِر الدّين مُحَمَّد بِحمْل مِائَتي ألفَ دِرْهَم وعوقب عُقُوبَة شَدِيدَة حَتَّى أوردهَا وألزم أَخُوهُ نَاصِر الدّين مُحَمَّد بِمِائَة ألف دِرْهَم وألزم أَرْبَعَة من خواصه بِمِائَتي ألف دِرْهَم. وَفِيه اسْتَقر بهاء الدّين أرسلان فِي ولَايَة الْقَاهِرَة عوضا عَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الطبلاوي. وَفِيه شُكا على تَاج الدّين أبي بكر بن الدماميني قَاضِي الْإسْكَنْدَريَّة فَضرب بَين يَدي السُّلْطَان ورسم عَلَيْهِ لُيرضي شكاته. وَقدم رَسُول الْملك الظَّاهِر مجد الدّين عِيسَى متملك ماردين بكتابه يترامى على الْتِزَام الطَّاعَة وَيعْتَذر من طَاعَته لتيمور لنك بِأَنَّهُ أَقَامَ عِنْده فِي قيد زنته خَمْسَة وَعِشْرُونَ رطلا من الْحَدِيد مُدَّة سنتَيْن حَتَّى حلف لَهُ بِالطَّلَاق وَغير ذَلِك من الْأَيْمَان أَنه يُقيم على طَاعَته فأفرج عَنهُ وَأَنه وَفِي بِمَا حلف لَهُ عَلَيْهِ وَعَاد إِلَى طَاعَة السُّلْطَان فَأُجِيب بالشكر وَالثنَاء وجهز إِلَيْهِ تشريف ومبلغ ثَلَاثِينَ ألف دِينَار وَكتب تَقْلِيده بنيابة ماردين. وَفِيه اسْتَقر تغري برمش السيفي مُتَوَلِّي الْقَاهِرَة - قبل ذَلِك أحد حجاب دمشق - متحدثاً على مستأجرت الدِّيوَان الْمُفْرد بِبِلَاد الشَّام عوضا عَن الشهَاب أَحْمد بن النَّقِيب اليغموري. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث شهر رَمَضَان: وصل الْأَمِير قُطلُوبغا الخليلي أَمِير أخور للتوجه إِلَى بِلَاد الْمغرب بِسَبَب شِرَاء الْخُيُول وَمَعَهُ مائَة وَعِشْرُونَ فرسا ورسل مُلُوك الْمغرب فقَدَّم رَسُول صَاحب فاس ثَلَاثِينَ فرسا وبغلتين مِنْهَا ثَمَانِيَة بقماش ذهب وباقيهم دون ذَلِك وَثَلَاثِينَ سَيْفا محلاة بِنصب وَثَلَاثِينَ مهمازاً من ذهب وقماشاً وَغير ذَلِك. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 414 وقَدّم رَسُول تلمسان أَرْبَعَة وَعشْرين فرسا مسرجة ملجمة وبغلتين وَأَرْبَعَة وَعشْرين سَيْفا بحلية من ذهب وَأَرْبَعَة عشر مهمازاً من ذهب وَكَثِيرًا من القماش وَغَيره. وقَدَّمَ رَسُول صَاحب تونس سِتَّة عشر فرسا مسرجة ملجمة بصب وقماشاً كثيرا. وَفِيه نزل تيمور لنك على بَغْدَاد بجموعه وَقد حصنها السُّلْطَان أَحْمد بن أويس فَسَار عَنْهَا من الْغَد نَحْو همذان. وَفِي ثَالِث عشره أنعم على أَمِير فرج الْحلَبِي بإمرة عَلَاء الدّين عَليّ بن الطبلاي وَاسْتقر فِي دَار الضَّرْب وأنعم على نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن سنقر البكجري بإمرة أَمِير فرج. وَاسْتقر شهَاب الدّين أَحْمد بن حسن بن عَليّ بن بلبان - الْمَعْرُوف بِابْن خَاص ترك أحد البريدية - شاد الدَّوَاوِين عوضا عَن الحسام بن أُخْت الْغَرْس بإمرة عشرَة. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَالِث شَوَّال: أَخذ قاع النّيل فَكَانَ خَمْسَة أَذْرع واثني عشر إصبعاً. وَفِي خامسه: ضرب عَلَاء الدّين عَليّ بن الطبلاوي ضربا مبرحاً فَلم يعْتَرف بِشَيْء من المَال. وَفِي خَامِس عشره: ختن السُّلْطَان ولديه الْأَمِير فرج والأمير عبد الْعَزِيز وختن عدَّة من أَوْلَاد الْأُمَرَاء المقتولين مِنْهُم ابْن الْأَمِير منطاش وكساهم وأنعم عَلَيْهِم وَعمل مهما عَظِيما بالقلعة للنِّسَاء. وَفِي ثامن عشره: نقل عَلَاء الدّين على بن الطبلاوي من دَار الْأَمِير الأستادار إِلَى خزانَة شمايل فسجن بهَا بعد أَن نوعت عقوباته واشتدعذابه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 415 وَفِيه اسْتَقر محيي الدّين مَحْمُود بن نجم الدّين أَحْمد بن عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن عمد ابْن أبي الْعِزّ صَالح بن أبي الْعِزّ الْمَعْرُوف بِابْن الكشْك الدِّمَشْقِي فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق عوضا كن تَقي الدّين عبد الله بن يُوسُف بن أَحْمد بن الْحُسَيْن بن سُلَيْمَان بن فَزَارَة الكُفري. وَفِي خَامِس عشرينه: استعفي سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب من نظر الدِّيوَان الْمُفْرد وَنظر الكارم فأعفي مِنْهُمَا. وَفِيه قدم الْبَرِيد بِأَن الْحَرِيق وَقع بِدِمَشْق فِي لَيْلَة السبتَ عشرينه وَأقَام إِلَى يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشرينه فَتلف فِيهِ مُعظم أسواق الْمَدِينَة وتشعث جِدَار الْجَامِع القبلي. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع ذِي الْقعدَة: اسْتَقر سعد الدّين بن غراب فِي ظهر الْجَيْش وعزل شرف الدّين الدماميني وَبَقِي بيد ابْن الدماميني نظر الْكسْوَة. وَفِي ثامنه: عزل شعْبَان بن مُحَمَّد الآثاري من حسبَة مصر بعد مَا نُودي عَلَيْهِ بهَا فَحَضَرَ عدَّة من شكاته إِلَى الدوادار وَادعوا عَلَيْهِ بقوادح فأهين إهانة بَالِغَة وَمن الْعجب أَنه لما عزل ابْن الدماميني من نظر الْجَيْش اً ظهر شماتة بعزله ونادى لعزله فِي مصر فاتفق لَهُ هَذَا من الْغَد. وَفِي تاسعه: أفرج عَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الطبلاوي. وَفِي عاشره: أُعِيد شمس الدّين مُحَمَّد الشاذلي إِلَى حسبَة مصر بعد عزل شعْبَان الآثاري وَكَانَ قد وَفِي قبل ذَلِك بِمَال ففر من مطالبهَ أَرْبَاب الدُّيُون بمالهم. وَفِي لَيْلَة السبت ثَانِي عشره: وَقع حريق بدار التفاح خَارج بَاب زويلة فرعب لأمير يَشبك الخازندار والأمير فَارس حَاجِب الْحجاب وطفياه بِمن مَعَهُمَا. وَفِي يَوْم السبت هَذَا: عمل السُّلْطَان مهما عَظِيما بالميدان تَحت القلعة سَببه أَنه لعب بالكرة على الْعَادة فغلب الْأَمِير أَيْتمش وَالْتزم أَيْتمش بِعَمَل مُهِمّ. بِمِائَتي ألف دِرْهَم كَونه غلب فَقَامَ السُّلْطَان عَنهُ بذلك وألزم بِهِ الْوَزير بدر الدّين مُحَمَّد بن الطوخي والأمير يِلبغا الأستادار. ونصبت الخيم بالميدان وَعمل المهم فَكَانَ فِيهِ من المخيم عشرُون ألف رَطْل ومائتي زوج إوز وَألف طَائِر من الدَّجَاج وَعِشْرُونَ فرسا ذبحت وَثَلَاثُونَ رطلا من السكر عملت حلوى ومشروباً وَثَلَاثُونَ قِنْطَارًا من الزَّبِيب لعمل المشروب الْمُبَاح والمسكر وَسِتُّونَ إردباً دَقِيقًا لعمل الشَّرَاب الْمُسكر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 416 وعملت المسكرات فِي دنان الفخار. ولزل السُّلْطَان سحر يَوْم السبت وَفِي عزمه أَن يُقيم نَهَاره مَعَ الْأُمَرَاء والمماليك يعاقرهم الشَّرَاب فأشير عَلَيْهِ بترك هَذَا وَخَوف الْعَاقِبَة فَمد السماط وَعَاد إِلَى قصره قبل طُلُوع الشَّمْس وأنعم على كل من الْأُمَرَاء المقدمين بفرس عَلَيْهِ قماش ذهب وأنعم على الْوَزير وناظر الْخَاص مَعَهم أَيْضا. وَأذن للعامة فِي انتهاب المآكل والمشارب فَكَانَ يَوْمًا فِي غَايَة الْقبْح والشناعة أبيحت فِيهِ المسكرات وتجاهر النَّاس من الْفُحْش والمعاصي بِمَا لم يعْهَد مثله وفطن أهل الْمعرفَة بِزَوَال الْأَمر فَكَانَ كَذَلِك وَمن وَفِي خَامِس عشره: أُعِيد الشريف شرف الدّين عَليّ بن فَخر الدّين مُحَمَّد بن شرف الدّين عَليّ الأرموي إِلَى نقابة الْأَشْرَاف بعد موت الشريف جمال الدّين عبد الله الطباطبي. وَفِي يَوْم السبت تَاسِع عشره - وعاشر مسرى -: وَفِي النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا. وَقدم الْبَرِيد بقتل سولي بن دلغادر أَمِير التركمان. وَفِيه ركب السُّلْطَان بعد صَلَاة الظّهْر يُرِيد المقياس وَفتح الخليج على الْعَادة وَمَعَهُ الْأُمَرَاء - إِلَّا الْأَمِير أَلِي باي الخازندار - فَإِنَّهُ كَانَ قد انْقَطع فِي دَاره أَيَّامًا لمَرض نزل بِهِ - فِيمَا أظهره - وَفِي بَاطِن أمره أَنه قصد الفتك بالسلطان فَإِنَّهُ علم أَنه إِذا نزل الخليج يدْخل إِلَيْهِ ويعوده على مَا جرت بِهِ عَادَته مَعَ الْأُمَرَاء فدبر على اغتَيال السُّلْطَان وأخلى إصطبله وداره من حريمه وأمواله وَأعد قوما اخْتَارَهُمْ لذَلِك. وَكَانَ سَبَب هَذَا فِيمَا يظْهر أَن بعض مماليكه المختصين بِهِ - وَكَانَ شاد شراب خاناتَه - تعرض لجارية من جواري الْأَمِير أقباي الطرنطاي يُرِيد مِنْهَا مَا يُريدهُ الرجل من الْمَرْأَة وَصَارَ بَينهمَا مشاكلة فَبلغ ذَلِك أقباي فَقبض عَلَيْهِ وضربه ضربا مبرحاً. فحنق آلي باي وشكاه للسُّلْطَان فَلم يلْتَفت إِلَى قَوْله وَأعْرض عَن ذَلِك. وَكَانَ أَلِي باي فِي زَعمه أَن السُّلْطَان يزِيل نعْمَة أقباي لأَجله فَغَضب من ذَلِك وحرك مَا عِنْده من الْبَغي الكامن. فَلَمَّا فتح السُّلْطَان الخليج وَركب إِلَى جِهَة القلعة اعْتَرَضَهُ مَمْلُوك من خشداشيته اليلبغاوية يعرف بسودن الْأَعْوَر وَأسر إِلَيْهِ أَن دَاره الَّتِي يسكنهَا تشرف على إسطبل الْأَمِير أَلِي باي وَأَنه شَاهد مماليك أَلِي باي وَقد لبسوا بدلة الْحَرْب وقفُوا عِنْد بوائك الْخَيل وستروا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 417 البوائك بالآنخاخ ليخفي أَمرهم. فكتم السُّلْطَان الْخَبَر وَأمر الْأَمِير أرسطاي رَأس نوبَة أَن يتَوَجَّه إِلَى دَار الْأَمِير أَلِي باي وَيُعلمهُم أَن السُّلْطَان يدْخل لعيادته. فَلَمَّا أعلم بذلك اطمأنوا ووقف أرسطاي على بَاب إِلَيّ باي ينْتَظر قدوم السُّلْطَان وعندما بعث السُّلْطَان أرسطاي أَمِير الجاويشية بِالسُّكُوتِ وَأخذ الْعِصَابَة السُّلْطَانِيَّة الَّتِي ترفع على رَأس السُّلْطَان فَيعلم بهَا مَكَانَهُ يُرِيد بذلك تعمية خَبره وَسَار إِلَى تَحت الْكَبْش وَهُوَ تجاه دَار أَلِي باي وَالنَّاس من فَوْقه قد اجْتَمعُوا لرؤية السُّلْطَان فصاحت بِهِ امْرَأَة: لَا تدخل فَإِنَّهُم قد لبسوا آلَة الْقِتَال. فحرك فرسه وأسرع فِي الْمَشْي وَمَعَهُ الْأُمَرَاء وَمن وَرَائه المماليك يُرِيد القلعة. وَأما أَلِي باي فَإِن بَابه كَانَ مَرْدُود الفردتين وضبته مطرفة ليمنع من يدْخل حَتَّى يَأْتِي السُّلْطَان فَلَمَّا أَرَادَ الله مر السُّلْطَان حَتَّى تعدى بَابه وَكَانَ فِي طَرِيقه فَلم يعلمُوا بمروره حَتَّى تجاوزهم بِمَا دبره من تَأْخِير العصائب وسكوت الجاويشية. وَخرج أحد أَصْحَاب أَلِي باي يُرِيد فتح الضبة فأغلقها وَالِي أَن يحضر مِفْتَاح الضبة وَيفتح فاتهم السُّلْطَان وَصَارَ بَينهم وَبَينه سد عَظِيم من الجمدارية قد ملأوا الشَّارِع بعرضه. فَخرج أَلِي باي بِمن مَعَه لابسين السِّلَاح وعمدهم نَحْو الْأَرْبَعين فَارِسًا يُرِيد السُّلْطَان وَقد سَاق وَمَعَهُ الْأُمَرَاء حَتَّى دخل بَاب السلسلة وَامْتنع بالإصطبل. فَوقف أَلِي باي تجاه الإصطبل بالرميلة تَحت القلعة وَنزل إِلَيْهِ طَائِفَة من المماليك السُّلْطَانِيَّة لقتاله فَثَبت لَهُم وجرح جمَاعَة وَقتل من السُّلْطَانِيَّة بيسق المصارع ثمَّ انهزم أَلِي باي وتفرق عَنهُ من مَعَه. هَذَا وَقد ارتجت مصر والقاهرة وجفل النَّاس من مَدِينَة مصر وَكَانُوا بهَا للفرجة على الْعَادة فِي يَوْم الْوَفَاء وطلبوا مساكنهم خوفًا من النهابة. وَركب يلبغا الْمَجْنُون وَمَعَهُ مماليكه لابسين بدلة الْقِتَال يُرِيد القلعة. وَاخْتلف النَّاس فِي السُّلْطَان وأرجفوا بقتْله وبفراره وتباينت الْأَقْوَال فِيهِ وَاشْتَدَّ الْخَوْف وَعظم الْأَمر. هَذَا وَقد ألبس السُّلْطَان الْأُمَرَاء والمماليك وَأَتَاهُ من كَانَ غَائِبا مِنْهُم. فعندما طلع الْأَمِير يلبغا الْمَجْنُون إِلَيْهِ ثار بِهِ المماليك السُّلْطَانِيَّة واتهموا بموافقة أَلِي باي لكَونه جَاءَ هُوَ ومماليكه بِآلَة الْقِتَال وخذَه اللكم من كل جِهَة ونزعوا مَا عَلَيْهِ وألقوه إِلَى الأَرْض ليَذْبَحُوهُ فلولا مَا كَانَ من منع السُّلْطَان لَهُم لقتلوه فَلَمَّا كفوا عَن ذبحه سجن بالزردخاناه وَقيد. وَقبض أَيْضا على شاد شراب خاناه أَلِي باي لِأَنَّهُ الَّذِي أثار هَذِه الْفِتْنَة وَقطع قطعا بِالسُّيُوفِ. وَبَات السُّلْطَان بالإصطبل وَقد نهبت الْعَامَّة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 418 بَيت أَلِي باي وخربوه ونهبوا دَار الْأَمِير يلبغا الْمَجْنُون وخربوها. وَأما أَلِي باي فَإِنَّهُ لما تفرق عَنهُ أَصْحَابه اختفي فِي مستوقد حمام فَقبض عَلَيْهِ وَحمل إِلَى السُّلْطَان فقيده وسجنه بقاعة الْفضة من القلعة. فَلَمَّا أصبح نَهَار الْأَحَد نزع الْعَسْكَر آلَة الْحَرْب وَتَفَرَّقُوا وعصر أَلِي باي فَلم يقر على أحد. وأحضر يلبغا الْمَجْنُون فحلِف أَنه لم يُوَافقهُ وَلَا علم بِشَيْء من خَبره وَأَنه كَانَ مَعَ الْوَزير بِمصْر. فَلَمَّا أشيع خبر ركُوب أَلِي باي لحق يلبغا الْمَجْنُون بداره وَلبس لِيُقَاتل مَعَ السُّلْطَان وبرأه أَلِي باي أَيْضا فأفرج عَنهُ وأخلع عَلَيْهِ. وَنزل إِلَى دَاره فَلم يجد بهَا شَيْئا وَقد نُهبت جَمِيع أَمْوَاله وسلبت جواريه وفرت امْرَأَته ابْنة الْملك الْأَشْرَف شعْبَان وَأخذ رُخَام دَاره وأبوابها وَأكْثر أخشابها وتشعثت تشعثاً قبيحاً. وَفِيه قدم الْبَرِيد بِأَن أَوْلَاد ابْن بزدغان من التركمان اقْتَتَلُوا مَعَ القَاضِي برهَان الدّين أَحْمد صَاحب سيواس فَقتل فِي الْحَرْب وَقَامَ من بعده ابْنه بِمَدِينَة سيواس ومنعها من التركمان. وَكَانَ من خَبره أَن الْأَمِير عُثْمَان بن قرايلك التركماني خَالف عَلَيْهِ وَمنع مَا كَانَ يحملهُ إِلَيْهِ من التقادم فَلم يكترث بِهِ القَاضِي برهَان الدّين لِأَنَّهُ من أقل أمرائه. وَصَارَ قرايلوك يتَرَدَّد إِلَى أماسية وأرزبخان فاتفق أَنه قصد مصيفاً بِالْقربِ من مَدِينَة سيواس وَمر عَلَيْهَا وَبهَا القَاضِي برهَان الدّين فشق ذَلِك عَلَيْهِ وَركب عجلاً وسَاق فِي طلبه وَتقدم عسكره حَتَّى أقبل اللَّيْل فَمَال عَلَيْهِ قرايلوك بجماعته فَأَخذه قبضا بِاللَّيْلِ ثمَّ قَتله وحاصر سيواس فَمَنعه أَهلهَا وقاتلوه أَشد الْقِتَال وَكَتَبُوا إِلَى أبي يزِيد بن عُثْمَان أَن يدركهم فَسَار إِلَيْهِم وَمضى قرايلوك إِلَى تيمور لنك وَفِي حادي عشرينه: جلس السُّلْطَان بدار الْعدْل على الْعَادة وعصر أَلِي باي فَلم يعْتَرف على أحد وَإِذا بهجة عَظِيمَة قَامَت فِي النَّاس فَلبس الْعَسْكَر ووقفوا تَحت القلعة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 419 وَقد غلقت أَبْوَابهَا. وَكَثُرت الإشاعة بِأَن يلبغا الْمَجْنُون وأقبغا اللكاش قد خامرا على السُّلْطَان وَلم يكن الْأَمر كَذَلِك فَركب اللكاش إِلَى القلعة. وَكَانَ الْمَجْنُون فِي بَيت أَمِير فرج الْحلَبِي بِالْقَاهِرَةِ فَلَمَّا بلغه هَذَا ركب مَعَه أَمِير فرج ليعلم السُّلْطَان بِأَنَّهُ كَانَ فِي دَاره بِالْقَاهِرَةِ حَتَّى يبرأ مِمَّا رمي بِهِ فصارا مَعَ الْأُمَرَاء بالقلعة عِنْد السُّلْطَان وَأمر السُّلْطَان بقلع السِّلَاح وَنزل كل أحد إِلَى دَاره فَانْفَضُّوا وَسكن الْأَمر وَنُودِيَ بالأمان فَفتح النَّاس الْأَسْوَاق واطمأنوا. وَفِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء ثَانِي عشرينه: عذب أَلِي باي بَين يَدي السُّلْطَان عذَابا شَدِيدا كسرت فِيهِ رِجْلَاهُ وَركبَتَاهُ وَخسف صَدره فَلم يقر على أحد فَأخذ إِلَى الْخَارِج وخنق فَتَنَكَّرت الْأُمَرَاء وَكثر خوفهم من السُّلْطَان خشيَة من أَن يكون أَلِي باي ذكر أَحداً مِنْهُم. وَمن حينئذٍ فسد أَمر السُّلْطَان مَعَ مماليكه فَلم ينصلح إِلَى أَن مَاتَ ولخوفه مِنْهُم لم ينزل بعد ذَلِك من القلعة. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء: نُودي بالأمان وَأمر يلبغا الْمَجْنُون أَن ينْفق فِي المماليك السُّلْطَانِيَّة فَأعْطى الْأَعْيَان مِنْهُم خَمْسمِائَة دِرْهَم لكل وَاحِد مِنْهُم فَلم يرضهم ذَلِك وَكَثُرت الإشاعات الردية وَقَوي الإرجاف فَنقل الْأُمَرَاء مَا فِي دُورهمْ إِلَى الْقَاهِرَة فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشرينه وَبَاتُوا لَيْلَة الْخَمِيس على تخوف وَلم تفتح الْأَسْوَاق يَوْم الْخَمِيس فَنُوديَ بالأمان وَالْبيع وَالشِّرَاء وَلَا يتحدث أحد فِيمَا لَا يعنيه. وَفِيه اسْتَقر مقبل الظَّاهِرِيّ وَالِي قليوب فِي ولَايَة الفيوم عوض عَن قراجا مفرق وَاسْتقر فِي ولَايَة قليوب مُحَمَّد بن قرابغا وأنعم على الْأَمِير أَرُسْطاي من خواجا على بتقديمه أَلِي باي وَاسْتقر رَأس نوبَة. وأنعم على تمان تمر الناصري بطبلخاناه أرسطاي. وَفِي سادس عشرينه: نزل الْأَمِير فَارس حَاجِب الْحجاب والأمير تمربغا المنجكي الْحَاجِب وقبضا على الْأَمِير يلبغا الْمَجْنُون الأستادار من دَاره وبعثاه فِي النّيل إِلَى دمياط. وَطلب الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن سنقر البكجري وخلع عَلَيْهِ للأستادارية عوضا عَن يلبغا الْمَجْنُون بإمرة خمسين فَارِسًا. وَفِيه قدم مُحَمَّد بن مبارك المنقار بن المهمندار بهدية. وَفِيه أنعم على الْأَمِير بكتمر رَأس نوبَة بتقدمة يلبغا الْمَجْنُون. وَفِي يَوْم السبت ثَالِث ذِي الْحجَّة: خلع على اثْنَيْنِ رُؤُوس نوب صغَار وهما الْأَمِير طولو والأمير سودن الظريف. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 420 وَفي يوَم الْأَحَد رَابع ذِي الْحجَّة: سمر أَرْبَعَة من مماليك أَلِي باي ووسطوا. وَفِيه أبيع الْخبز كل ثَمَانِيَة أَرْطَال بدرهم عَنْهَا اثْنَي عشر رغيفاً زنة الرَّغِيف ثَمَانِي أَوَاقٍ بفلسين فسر النَّاس سُرُورًا زَائِدا فَإِن لَهُم نَحْو السِّت سِنِين لم يرَوا الرَّغِيف بفلسين لَكِن لم يسْتَمر هَذَا. وَقدم الْخَبَر بِأَن الْأَمِير شيخ الصفوي كثر فَسَاده بالقدس وتعرضه لأَوْلَاد النَّاس يريدهم على الْفَاحِشَة فرسم بنقله من الْقُدس واعتقاله بقلعة المرقب من طرابلس فاعتقل بهَا. وَفِي يَوْم النَّحْر: صلى السُّلْطَان صَلَاة الْعِيد بِجَامِع القلعة وَلم ينزل إِلَى الميدان فاستمر ذَلِك. وَتركت صَلَاة الْعِيد بالميدان حَتَّى نسيت. وَفِيه توجه الْبَرِيد لإحضار الْأَمِير بكلمش من الْإسْكَنْدَريَّة ومسيره إِلَى الْقُدس على مَا كَانَ لشيخ من الْمُرَتّب بهَا. وَفِيه اسْتَقر عَليّ بن مُسَافر فِي ولَايَة منوف وعزل الشهَاب أَحْمد بن أَسد الْكرْدِي. وَفِيه سَار الْأَمِير أرغون شاه والأمير تمراز والأمير طولو فِي عدَّة من الْأُمَرَاء إِلَى الشرقية وخذوا من عرب بني وَائِل مِائَتي فَارس وعادوا فسمر مِنْهُم نَحْو الثَّلَاثِينَ وسجن الْبَقِيَّة بالخزانة. وَاسْتمرّ السُّلْطَان من حَرَكَة أَلِي باي يتزايد بِهِ الْمَرَض إِلَى لَيْلَة الِاثْنَيْنِ سادس عشرينه أقلع عَنهُ الْأَلَم وَنُودِيَ من الْغَد بالزينة فزينت الْقَاهِرَة ومصر لعافيته وَتصدق فِي هَذِه الْمدَّة على يَد وَفِي سَابِع عشرينه: سمر من بني وَائِل مائَة وَثَلَاثَة رجال. وَفِيه قدم مبشرو الْحَاج بالسلامة والأمن. وفيهَا ولى الْأَمِير شمس الدّين مُحَمَّد بن عنقاء بن مهنا إمرة آل فضل عوضا عَن أَخِيه أبي سُلَيْمَان بعد وَفَاته وَولى نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عمر بن أبي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 421 الطّيب كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق عوضا عَن أَمِين الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ الْحِمصِي بعد مَوته وَنقل علم الدّين مُحَمَّد القفصي من قَضَاء الْمَالِكِيَّة بحلب إِلَى قَضَاء الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن برهَان الدّين إِبْرَاهِيم التادلي وَولى شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد الدايم الْموصِلِي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بحلب. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان مِمَّن لَهُ ذكر الشَّيْخ برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن أَحْمد بن عبد الْوَاحِد بن عبد الْمُؤمن البعلبكي الدِّمَشْقِي الضَّرِير الْمَعْرُوف بالبرهان الشَّامي فِي ثامن جُمَادَى الأولى عَن تسعين سنة وَقد حدث مُنْذُ سِنِين. وَمَات تَاج الدّين أَحْمد بن فتح الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن الشَّهِيد وَمَات شهَاب الدّين أَحْمد بن قايماز فِي ثَانِي عشر ربيع الأول وَكَانَ من الْأَعْيَان ويخدم فِي أستادارية الْأُمَرَاء وامتحن فِي نوبَة الشريف العنابي. وَمَات شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد البكتمري أحد عُلَمَاء الْمِيقَات فِي سَابِع عشْرين جُمَادَى الأولى. وَمَات آق بلاط الأسعدي أحد أُمَرَاء العشراوات. وَمَات تاني بك اليحياوي أَمِير آخور أحد أُمَرَاء الألوف فِي لَيْلَة الْخَمِيس رَابِع عشر ربيع الآخر وَمَشى السُّلْطَان فِي جنَازَته وَبكى عَلَيْهِ وَركب حَتَّى دفن وَأقَام الْقُرَّاء على قَبره أسبوعاً وتمد لَهُم الأسمطة السُّلْطَانِيَّة. وَمَات الْأَمِير تَلكتمُر دوادار الْأَمِير قلمطاي فِي رَابِع عشر ربيع الآخر. وَمَات الْأَمِير طوغان الْعمريّ أحد أُمَرَاء العشراوات ونقيب الْفُقَرَاء السطوحية فِي أول ربيع الأول. وَمَات مجد الدّين عبد الرَّحْمَن مكي أحد نواب الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة خَارج الْقَاهِرَة فِي أول جُمَادَى الأولى. وَمَات الشريف جمال الدّين عبد الله بن عبد الْكَافِي بن عَليّ بن عبد الله الطباطبي نقيب الْأَشْرَاف فِي لَيْلَة الرَّابِع عشر من ذِي الْقعدَة. وَمَات تَاج الدّين عبد الله بن عَليّ بن عمر الْمَعْرُوف بقاضي صور - بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة - بليدَة بَين حصن كيفا وماردين - السنجاري الْحَنَفِيّ عَن نَحْو الثَّمَانِينَ سنة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 422 بِدِمَشْق وَقدم الْقَاهِرَة وَأقَام بهَا زَمَانا وَكَانَ فَاضلا أفتى ودرس وصنف كتاب الْبَحْر الْحَاوِي فِي الْفَتَاوَى ونظم الْمُخْتَار فِي الْفِقْه وناب فِي الحكم بالقاهرةْ وبدمشق. ولي وكَالَة بَيت المَال بِدِمَشْق وَكَانَ لطيفاً ظريفاً. وَمَات الْأَمِير عمر بن إلْيَاس قريب الْأَمِير قرط التركماني وَالِي منفلوط قَتله الْعَرَب بهَا. وَمَات الشَّيْخ المعتقد عمر الفرنوي. وَمَات الْأَمِير قلمطاي الدوادار فِي لَيْلَة السبت ثَالِث عشر جُمَادَى الأولى فصلى السُّلْطَان عَلَيْهِ وَشهد دَفنه وَبكى عَلَيْهِ وَعمل للقراء الأسمطة عِنْد قَبره أسبوعاً. وَمَات الْأَمِير قجماس البشيري أحد أُمَرَاء العشراوات ونقيب الْفُقَرَاء الدسوقية. وَمَات الْأَمِير قرابغا المحمدي أحد أُمَرَاء العشراوات. وَمَات أَمِين الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ الْحِمصِي كَاتب السِّرّ بِدِمَشْق وَقدم الْقَاهِرَة مَعَ الْأَمِير تنم. وَكَانَ أديباً شَاعِرًا ناثراً. وَمَات نجم الدّين مُحَمَّد بن عمر بن مُحَمَّد الطنبدي وَكيل بَيت المَال ومحتسب الْقَاهِرَة فِي رَابِع عشْرين ربيع الأول. وَمَات الشَّيْخ المعتقد أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن سَلامَة التوزري المغربي الْمَعْرُوف بالكركي لإقامته بالكرك فِي خَامِس عشْرين ربيع الأول. وَكَانَ عِنْد السُّلْطَان بِمَنْزِلَة مكينة جدا يجلسه إِلَى جَانِبه وَتَحْته قَاضِي الْقُضَاة الشَّافِعِي وَلم يُغير لبس العباءة وَلَا أَخذ شَيْئا من المَال. وَالنَّاس فِيهِ بَين مفرط فِي مدحه ومفرط فِي الغض مِنْهُ. وَتَوَلَّى الْأَمِير يلبغا السالمي تَجْهِيزه إِلَى قَبره وَبعث السُّلْطَان مِائَتي دِينَار لذَلِك ولقراءة الْقُرْآن على قَبره مُدَّة أُسْبُوع فَعمل ذَلِك على الْعَادة. وَمَات صفي الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن عُثْمَان الْحِمْيَرِي موقع الدست وَأحد نواب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 423 الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة فِي رَابِع الْمحرم بَعْدَمَا ابتلى من الْأَمِير بَكْلَمِش ببلاء عَظِيم. وَله نظم. وَمَات الْأَمِير شرف الدّين مُوسَى بن قُماري أَمِير شكار وشاد الْأَحْوَال السُّلْطَانِيَّة الْمَوْضُوعَة للطيور فِي ثَانِي عشر رَجَب. وَمَات ملك الْمغرب صَاحب فاس أَبُو عَامر عبد الله بن السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس أَحْمد ابْن أبي سَالم إِبْرَاهِيم بن أبي الْحسن المريني وأقيم بعده أَخُوهُ أَبُو سعيد عُثْمَان بن أبي الْعَبَّاس. هَذَا وَالشَّيْخ أَبو الْعَبَّاس أَحْمد بن على القبايلي هُوَ الْقَائِم بتدبير الدولة بعد موت السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس أَحْمد. وكل من أبي فَارس عبد الْعَزِيز وَأبي عَامر عبد الله وَأبي سعيد عُثْمَان تَحت حجره حَتَّى قتل كَمَا سَيَأْتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَقتل الْأَمِير سولي بن الْأَمِير زين الدّين قراجا بن دُلْغَادر التركماني فِي ذِي الْقعدَة قَتله رجل من أَقَاربه يُقَال لَهُ عَليّ بك. وَذَلِكَ أَنه غاضبه وَأخرجه فَنزل حلب ثمَّ اتّفق مَعَ غُلَامه - على القُصير - على قتل سولي واحتالا عَلَيْهِ بِأَن ضرب عَليّ بك غُلَامه ضربا مبرحاً فَمضى الْغُلَام إِلَى سولي يشكو حَاله فأواه عِنْده ووعد بِأخذ ثَأْره. فَمَا زَالَ عِنْده حَتَّى سكر سولي لَيْلَة. فَلَمَّا انْفَرد بِهِ ضربه بسكين قَتله ثمَّ صَاح. فَلَمَّا جَاءَهُ التركمان أوهمهم أَن بعض أعدائه اغتاله ثمَّ استغفلهم وهرب إِلَى مخدومه بحلب. فَلَمَّا صَحَّ السُّلْطَان الْخَبَر استدعى عَليّ بك وَغُلَامه وأنعم عَلَيْهِمَا بإمرتين لعَلي بك إمرة طبلخاناه ولعلي الْقصير بإمرة عشرَة. وَقتل أَمِير آل فضل الْأَمِير علم الدّين أَبُو سُلَيْمَان بن عنقاء بن مهنا بعد الْقَبْض عَلَيْهِ فِي كائنة جرت بَينه وَبَين عَمه الْأَمِير نعير بِالْقربِ من الرحبة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 424 وَمَات الأديب المادح أَبُو الْفَتْح مُحَمَّد بن الشَّيْخ الْعَارِف على البديوي فِي ثامن عشر جُمَادَى الْآخِرَة بالنحريرية. وَا كثر شعره مدائح نبوية وَله صَلَاح مَشْهُور. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 425 فارغه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 426 سنة إِحْدَى وَثَمَانمِائَة أهل هَذَا الْقرن التَّاسِع وَخَلِيفَة الْوَقْت أَمِير الْمُؤمنِينَ المتَوَكل على الله أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن المعتضد وَلَيْسَ لَهُ أَمر وَلَا نهي وَلَا نُفُوذ كلمة وَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَة وَاحِد من الْأَعْيَان. وسلطان الديار المصرية والبلاد الشامية والحرمين - مَكَّة وَالْمَدينَة - الْملك الظَّاهِر سيف الدّين أَبُو سعيد برقوق بن أنص أول مُلُوك الجركس ونائبه بِدِمَشْق الْأَمِير تنم الحسني ونائبه بحلب الْأَمِير أرغون شاه الخازندار ونائبه بطرابلس الْأَمِير قبغا الجمالي ونائبه بحماة الْأَمِير يُونُس بَلْطَا ونائبه بصفد الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن الشَّيْخ عَليّ ونائبه بغزة الْأَمِير طيفور ونائبه بالإسكندرية الْأَمِير صَرْغتمش ونائبه بِمَكَّة المشرفة الشريف حسن بن عجلَان الحسني ونائبه بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة - على ساكنها أفضل الصَّلَاة وَالتَّسْلِيم - الشريف ثَابت بن نعير. والأمير الْكَبِير أتابك العساكر بديار مصر الْأَمِير أيتَمش البجاسي. وقاضي الْقُضَاة الشَّافِعِي بهَا تَقِيّ الدّين عبد الرَّحْمَن الزبيرِي ورفقاؤه قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين يُوسُف الْمَلْطِي الْحَنَفِيّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 427 وقاضي الْقُضَاة نَاصِر الدّين أَحْمد التنسي الْمَالِكِي وقاضي الْقُضَاة برهَان الدّين إبَراهيم ابْن نصر الله الْحَنْبَلِيّ. وحاجب الْحجاب الْأَمِير فَارس القطلوقجاوي وناظر الْخَاص والجيش مَعًا سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب وَكَاتب السِّرّ بدر الدّين مَحْمُود الكلستاني العجمي والوزير بدر الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد الطوخي. شهر الله الْمحرم أَوله الْجُمُعَة. فِيهِ صرف المثقال الذَّهَب الْمَخْتُوم الهرجة بِأحد وَثَلَاثِينَ درهما وَيصرف فِي ثغر الْإسْكَنْدَريَّة بِاثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ درهما. وَفِي ثَانِيه: خلع على الْأَمِير زين الدّين مقبل أحد المماليك السُّلْطَانِيَّة وَاسْتقر فِي ولَايَة ثغر أسوان عوضا عَن الصارم إِبْرَاهِيم الشهابي وَقد قَتله أَوْلَاد الْكَنْز. وَفِي تاسعه: أُعِيد شمس الدّين مُحَمَّد المخانسي إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة وعزل بهاء الدّين مُحَمَّد الْبُرْجِي. وَفِيه نُودي بقلع الزِّينَة فَقلعت. وَفِي عاشره: أحضر بعض مسالمة النَّصَارَى من الْكتاب الأقباط إِلَى بَاب القلعة من قلعة الْجَبَل وَقد ارْتَدَّ عَن الْإِسْلَام وَعرف فِي إِسْلَامه ببرهان الدّين إِبْرَاهِيم بن بُرَيْنيَّة مُسْتَوْفِي المارستان المنصوري فَعرض عَلَيْهِ الْإِسْلَام مرَارًا وَرغب فِي الْعود إِلَيْهِ فَلم يقبل وأصر على ردته إِلَى النَّصْرَانِيَّة فَسَأَلَ عَن سَبَب ردته فَلم يبد شَيْئا فَلَمَّا أيس مِنْهُ ضربت رقبته بِحَضْرَة الْأَمِير الطواشي شاهين الحسني أحد خاصكية السُّلْطَان. وَفِي سَابِع عشره: سمر سَبْعَة من المماليك يُقَال لأَحَدهم أقبغا الْفِيل من جملَة مماليك السُّلْطَان وَأحد إخْوَة الْأَمِير أَلِي باي وباقيهم مماليك أَلِي باي. وَفِيه رسم بالإفراج عَن الْأَمِير بكلمس من سجنه بالإسكندرية. فَلَمَّا خرج من سجنه وَتوجه يُرِيد الْقَاهِرَة أدْركهُ مرسوم السُّلْطَان بِأَن يسير إِلَى الْقُدس وَيُقِيم بِهِ بطالاً فَمضى حَيْثُ رسم بِهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 428 وَفِيه رسم بِإِعَادَة نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن تَقِيّ الدّين عمر بن نجم الدّين مُحَمَّد بن زين الدّين عمر بن أبي الْقَاسِم بن عبد الْمُنعم بن أبي الطّيب الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي إِلَى كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق عوضا عَن أَمِين الدّين مُحَمَّد بن الْحِمصِي بعد وَفَاته. وَفِيه رسم بانتقال الْأَمِير سيف الدّين جنتمر التركماني من إمرة الطبلخاناه بِدِمَشْق فِي نِيَابَة حمص عوضا عَن تَمَان بغا الظَّاهِرِيّ بعد وَفَاته. وَفِيه تنكر السُّلْطَان على سودن الحمزاوي الخاصكي وضربه بَين يَدَيْهِ وسجنه بخزانة شمايل عدَّة أَيَّام ثمَّ أخرجه منفياً إِلَى بِلَاد الشَّام. وَفِي ثَانِي عشرينه: خلع على عَلَاء الدّين على بن الحريري شاد المارستان وَاسْتقر كشف الْوَجْه البحري عوضا عَن عَلَاء الدّين عَليّ الْحلَبِي إِلَى ولَايَة الغربية كل ذَلِك بِمَال وعد بِهِ. وَفِيه قدم ركب الْحَاج الأول. وَفِي رَابِع عشرينه: قدم الْمحمل بِبَقِيَّة الْحجَّاج وَقد تَأَخّر قدومهم يَوْمَيْنِ عَن الْعَادة. شهر صفر أَوله الْأَحَد. فَفِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء رابعه: وَقع حريق بِخَط بَاب سر الْمدرسَة الصالحية تلف فِيهِ عدَّة دور فَنزل إِلَيْهِ الْأَمِير فَارس حَاجِب الْحجاب والأمير تَمُربغا المنجكي الْحَاجِب الْأَمِير أرغون شاه وفيهَا قبض على أينال خَازِن دَار الْأَمِير تاني بك اليحياوي أَمِير أخور وَقد اتهمَ أَنه مِمَّن كَانَ من أعوان أَلِي باي. وفيهَا ابْتَدَأَ وعك بدن السُّلْطَان وَحدث لَهُ إسهال مفرط لزم مِنْهُ الْفراش وَاسْتمرّ وعكه مُدَّة تزيد على عشْرين يَوْمًا. وَفِي تاسعه: قدم الْبَرِيد بِمَوْت الْأَمِير بكلمش العلاي أَمِير أخور فِي نَفْيه بالقدس. وَفِي عاشره: رسم السُّلْطَان للْفُقَرَاء بِمَال كَبِير يفرق فيهم فَاجْتمع تَحت القلعة مِنْهُم عَالم كَبِير وازدحموا لأخذ الذَّهَب فَمَاتَ فِي الزحام مِنْهُم سَبْعَة وَخَمْسُونَ شخصا مَا بَين رجل وَامْرَأَة وصغير وكبير. وَفِي ثَانِي عشره: رسم بِجمع أهل الإصطبل السلطاني من الْأَمِير أخورية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 429 والسلاخورية وَنَحْوهم فَاجْتمعُوا وَنزل السُّلْطَان من الْقصر إِلَى مَقْعَده بالإصطبل - وَهُوَ موعوك - لعرضهم حَتَّى انْقَضى ذَلِك وصرفهم. ثمَّ قبض على جرباش من جَمَاعَتهمْ وَعرض الْخُيُول وَفرق خيل السباق على الْأُمَرَاء كَمَا هِيَ الْعَادة ثمَّ عرض الْجمال البخاتي. كل ذَلِك تشاغلاً وَالْغَرَض غير ذَلِك. ثمَّ أظهر أَنه قد تَعب واتكأ على الْأَمِير نوروز الحافظي أَمِير أخور وَمَشى فِي الإصطبل مُتكئا عَلَيْهِ حَتَّى وصل إِلَى الْبَاب الَّذِي يصعد مِنْهُ إِلَى الْقصر أدَار بِيَدِهِ على عنق نوروز فتبادر المماليك إِلَيْهِ يلكموه حَتَّى سقط فَعبر السُّلْطَان الْبَاب وَقد ربط نوروز وسحب حَتَّى سجن عِنْده. وَكَانَ الْقَصْد فِي حَرَكَة السُّلْطَان مَعَ توعكه إِنَّمَا هُوَ أَخذ نوروز فَإِنَّهُ كَانَ يتهمه بممالأة أَلِي باي وَمَعَهُ الْأَمِير أقبغا اللكاش. ثمَّ بلغه أَن نوروز قصد أَن يركب فَمَنعه أَصْحَابه وأشاروا عَلَيْهِ أَن يصبر حَتَّى ينظر فَإِن مَاتَ السُّلْطَان حصل الْقَصْد بِغَيْر تَعب وَإِن حصل لَهُ الشِّفَاء جمع لحربه وَركب وَكَانَ مِمَّن حضر هَذَا المشور مملوكان من الخاصكية قرر نوروز مَعَهُمَا أَنَّهُمَا إِذا كَانَت لَيْلَة نوبتهما فِي الْمبيت عِنْد السُّلْطَان يقتلاه ويرميا الثريا الَّتِي توقد بالمقعد المطل على الإصطبل حَتَّى يَأْخُذ هُوَ حِينَئِذٍ الإصطبل ويركب للحرب فنم هَذَانِ المملوكان عَلَيْهِ وأعلما صاحبا لَهما من المماليك يُقَال لَهُ قاني باي وواعداه أَن يكون مَعَهُمَا فأجابهما. وَحضر إِلَى السُّلْطَان وأعلمه الْخَبَر فَكَانَ مَا ذكر وعندما قبض على نوروز ارتجت الْمَدِينَة وغلقت الْأَسْوَاق وَحسب النَّاس أَنَّهَا فتْنَة فَلم يظْهر شَيْء وَسكن الْحَال وَنُودِيَ بالأمان فَفتح بَاب زويلة وَكَانَ قد أغلق بِغَيْر إِذن الْوَالِي فَضرب البواب بالمقارع وشُهّر من أجل أَنه أغلقه. فَلَمَّا أصبح النَّاس يَوْم السبت رَابِع عشره خلع على الْأَمِير أقبغا اللكاش بنيابة الكرك وَأخرج من سَاعَته وَمَعَهُ الْأَمِير أرُسْطَاي رَأس نوبَة والأمير فَارس حَاجِب الْحجاب والأمير تمربغا المنجكي أَمِير حَاجِب موكلين بِهِ إِلَى خَارج الْقَاهِرَة وأُذن لَهُ فِي الْإِقَامَة بخانكاة سرياقوس عشرَة أَيَّام وَفِي لَيْلَة الْأَحَد خَامِس عشره: أنزل الْأَمِير نوروز من القلعة إِلَى الحراقة وَأخذ النّيل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَمَعَهُ الْأَمِير أرنبغا الحافظي أحد أُمَرَاء العشرات موكلاً بِهِ حَتَّى يسجنه بالبرج. وَفِي ثامن عشره: قبض على قوزي الخاصكي وَسلم إِلَى وَالِي الْقَاهِرَة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 430 وَفِي تَاسِع عشره: أنعم على الْأَمِير سيف الدّين تمراز الناصري بإقطاع نوروز الحافظي وعَلى الْأَمِير سودن المارديني بإقطاع اللكاش وعَلى الْأَمِير سيف الدّين أرغون البيدمري الأقبغاوي وَاسْتقر أَمِير مجْلِس. وَاسْتقر الْأَمِير سودن قريب السُّلْطَان أَمِير أخور عوضا عَن نوروز. وَفِي ثَالِث عشرينه: أمْلى بعض المماليك السُّلْطَانِيَّة سكان الطباق بالقلعة على بعض فُقَهَاء الطاق أَسمَاء جمَاعَة المماليك والأمراء أَنهم قد اتَّفقُوا على إِقَامَة فتْنَة فكتبها وَدخل بهَا الْمَمْلُوك على السُّلْطَان فَلَمَّا قُرِئت عَلَيْهِ استدعى الْمَذْكُورين وَأخْبرهمْ بِمَا قيل عَنْهُم فحلوا أوساطهم ورموا سيوفهم وَقَالُوا: يوسطنا السُّلْطَان وَإِلَّا يخبرنا بِمن قَالَ هَذَا عَنَّا. فأحضر الْمَمْلُوك وَسلمهُ إِلَيْهِم - ضربوه نَحْو الْألف فَقَالَ. أَنا اختلقت هَذَا حنقاً من فلَان وسمى شخصا قد خاصمه فأحضر الْفَقِيه الَّذِي كتب الورقة وَضرب بالمقارع وَسمر ثمَّ عُفيَ عَنهُ من الْقَتْل وسجن بخزانة شمايل. وَفِي آخِره: وصل اللكاش إِلَى غَزَّة فقُبض عَلَيْهِ بهَا وأحيط بِسَائِر مَا مَعَه وَحمل إِلَى قلعة وَفِي هَذَا الشَّهْر: ورد الْبَرِيد بِأَن السِّكَّة ضربت فِي ماردين باسم السُّلْطَان وخطب لَهُ بهَا على الْمِنْبَر وحملت الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم باسم السُّلْطَان إِلَيْهِ ففرقها فِي الْأُمَرَاء. شهر وَبيع الأول أَوله الِاثْنَيْنِ. فَفِي ثَانِيه: اسْتَقر القَاضِي أَمِين الدّين عبد الْوَهَّاب بن قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي بكر الطرابلسي الْحَنَفِيّ فِي قَضَاء الْعَسْكَر عوضا عَن موفق الدّين العجمي بِحكم أَنه نقل إِلَى قَضَاء الْحَنَفِيَّة بالقدس عوضا عَن خير الدّين بن عِيسَى الْحَنَفِيّ بعد مَوته. وَفِي رابعه: قدم الْبَرِيد بوفاة الْأَمِير سيف الدّين أرغون شاه الإبراهيمي نَائِب حلب وأحضر سَيْفه على الْعَادة. وَفِيه عمل السُّلْطَان المولد النَّبَوِيّ على عَادَته. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 431 وَفِي سادسه: توجه الْأَمِير أرغون شاه أَمِير مجْلِس إِلَى السراحة بِبِلَاد الصَّعِيد على عَادَة من تقدمه. وَفِي حادي عشره: رسم أَن ينْقل الْأَمِير عَلَاء الدّين أقبغا الجمالي من نِيَابَة طرابلس إِلَى نِيَابَة حلب وَتوجه بتقليده الْأَمِير أينال باي بن قُجماس وَكَانَ قد سَأَلَ فِي ذَلِك على أَن يحمل ألف ألف دِرْهَم فضَّة وَاسْتقر أَيْضا الْأَمِير شرف الدّين يُونُس بَلْطا نَائِب حماة فِي نِيَابَة طرابلس وَتوجه بتقليده الْأَمِير يلبغا الناصري. واستر الْأَمِير دمرداش المحمدي أتابك العساكر بحلب فِي نِيَابَة حماة وَتوجه بتقليده الْأَمِير سيف الدّين شيخ من مَحْمُود شاه رَأس نوبَة. وَاسْتقر الْأَمِير سيف اِلدين سودن الظريف نَائِب الكرك وَسَار من الْقَاهِرَة وَمَعَهُ الْأَمِير تاني بك الكركي متسفراً. وَفِي خَامِس عشره. توجه الْأَمِير تغري بردي أَمِير سلَاح إِلَى السرحة بالبحيرة وَتوجه إِلَيْهَا أَيْضا الْأَمِير فَارس حَاجِب الْحجاب. وَفِي سلخه: قبض على الْأَمِير عز الدّين أزْدَمُر أخي أينال وعَلى نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أينال اليوسفي ونفيا إِلَى الشَّام. شهر ربيع الآخر. أَوله الْأَرْبَعَاء فرسم فِيهِ للأمير صُراي تَمُر شَلَق الناصري رَأس نوبَة أحد الطبلخاناه بديار مصر بإمرة دمرداش بحلب وأُخرج إِلَيْهَا. وَاسْتقر جمال الدّين يوسفي بن أَحْمد بن غَانِم قَاضِي نابلس فِي خطابة الْقُدس عوضا عَن الْعِمَاد الكركي. وَفِي تاسعه: اسْتَقر شهَاب الدّين أَحْمد بن عمر بن الزين الْحلَبِي - فِي ولَايَة الْقَاهِرَة وعزل عَنْهَا الْأَمِير بهاء الدّين أرسلان الصَّفَدِي وألزم بِعشْرين ألف أردب شعير كَانَ قد قبضهَا من الْأَمِير يلبغا الْمَجْنُون الكاشف لما كَانَ يَلِي ولَايَة الْعَرَب ليفرقها فِي العربان. وَفِي ثَالِث عشره: نُودي بِالْقَاهِرَةِ ومصر أَن يتجهز الْحجَّاج الرجبية إِلَى مَكَّة فسر النَّاس ذَلِك. وَكَانَت الرجبية قد بطلت من سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة. وَفِي رَابِع عشره: نُودي أَيْضا: من لَهُ ظلامة من لَهُ شكوى فَعَلَيهِ بِالْبَابِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 432 الشريف. وَجلسَ السُّلْطَان على الْعَادة فِي يومي الثُّلَاثَاء والسبت للنَّظَر فِي الْمَظَالِم. وَاسْتقر الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن طَلي وَالِي قليوب عوضا عَن الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن قرابغَا الألناقي. وَفِي عشرينه: أنعم على إينال بن إينال بِخبْز أَخِيه مُحَمَّد وعَلى كل من سودن من زَاده تغري بردي الجلباني ومنكلي بغا الناصري وبكتمر جَلَق الظَّاهِرِيّ وَأحمد بن عمر الحسني بإمرة طبلخاناه. وأنعم على كل من بشباي وتَمُربُغا من باشاه وشاهين من إِسْلَام وجوبان العثماني وجَكَم من عوض بإمرة عشرَة. وَفِي خَامِس عشرينه: طلع رجل عجمي إِلَى السُّلْطَان - وَهُوَ جَالس للْحكم بَين النَّاس - وَجلسَ بجانبه وَمد يَده إِلَى لحيته فَقبض عَلَيْهَا وسبه سباً قبيحاً فبادر إِلَيْهِ رُؤُوس النوب وأقاموه ومروا بِهِ وَهُوَ مُسْتَمر فِي السب فَسلم إِلَى الْوَالِي فَنزل لجه وضربه أَيَّامًا حَتَّى مَاتَ. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سلخه: خلع الْأَمِير تَاج الدّين عبد الرَّزَّاق بن أبي الْفرج بن نقُول الأرمني الْأَسْلَمِيّ وَالِي قطا وَاسْتقر فِي الوزارة عوضا عَن الْوَزير الصاحب بدر الدّين مُحَمَّد بن الطوخي وَكَانَ بَدْء أمره. وَسبب ولَايَته أَن أَبَاهُ كَانَ نَصْرَانِيّا من النَّصَارَى الأرمن الَّذين قدمُوا إِلَى الْقَاهِرَة فأظهر الْإِسْلَام وخدم صيرفياً بِنَاحِيَة منية عقبَة من الجيزة مُدَّة ثمَّ انْتقل إِلَى قطا وخدم بهَا صيرفياً. وَمَات هُنَاكَ فاستقو ابْنه عبد الرَّزَّاق هَذَا عوضه وباشر الصّرْف بقطا مُدَّة ثمَّ سمت نَفسه إِلَى أَن اسْتَقر عَاملا بهَا فباشر زَمَانا. وانتقل من عمالة قطا إِلَى وَظِيفَة الِاسْتِيفَاء فوعد بِمَال وَاسْتقر فِي نظر قطا ثمَّ جمع إِلَيْهَا الْولَايَة وَلم يسْبق إِلَى ذَلِك فباشرهما مُدَّة. وَترك زِيّ الْكتاب وَلبس القباء والكلفتاه وَشد السَّيْف فِي وَسطه وَصَارَ يَدعِي بالأمير بَعْدَمَا كَانَ يُقَال لَهُ الْعلم. ثمَّ صَار يُقَال لَهُ القَاضِي وتشدد على النَّاس فِي أَخذ المكوس وَكثر مَاله فوشى بِهِ إِلَى الصاحب بدر الدّين مُحَمَّد بن الطوخي فندب إِلَيْهِ الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن الزين الْحلَبِي فَسَار إِلَيْهِ وصادره وَضرب ابْنه عبد الْغَنِيّ - وَكَانَ صَغِيرا - بِحَضْرَتِهِ وَأخذ مِنْهُ مَالا جزيلاً يُقَارب الْألف ألف دِرْهَم فحنق من الْوَزير وَكتب إِلَى السُّلْطَان يسْأَل فِي الْحُضُور فَأذن لَهُ وَقدم فأوصله المهتار زين الدّين عبد الرَّحْمَن إِلَى السُّلْطَان فِي خُفْيَة فرافع الْوَزير بِمَا وغر عَلَيْهِ صدر السُّلْطَان وَنزل وَقد رسم لَهُ أَن ينزل عِنْد الْوَزير فَأَقَامَ بداره وتحدث فِي الوزارة مَعَ خَواص السُّلْطَان فثقل مقَامه على الْوَزير وَاسْتَأْذَنَ السُّلْطَان فِي سَفَره إِلَى قَطْعِيا فَلم يَأْذَن لَهُ، وَبعث إِلَى ابْنه عبد الْغَنِيّ بخلعة، وَجعله فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 433 الْولَايَة بقطيا وَقَررهُ فِي الوزارة فَنزل بزِي الْأُمَرَاء وَسلم إِلَيْهِ ابْن الطوخي فأنزله من القلعة وَمَعَهُ شاد الدَّوَاوِين. وَقبض على برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن عبد الْكَرِيم الدمياطي نَاظر الْمَوَارِيث بِالْقَاهِرَةِ ومصر وناظر الأهراء وعَلى الْمُتَقَدّم زين الدّين صابر وشريكه على البديوي فالتزم الدمياطي للوزير بأربعمائة ألف دِرْهَم وَالْتزم مقدما الدولة بثلاثمائة ألف دِرْهَم وتسلمهم الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن الْحَاج عمر قَطيَنة أستادار الْبيُوت ليخلص ذَلِك مِنْهُم. شهر جُمَادَى الأولى أَوله الْجُمُعَة. فِي رابعه: رسم بإحضار الْأَمِير سيف الدّين يلبغا الأحمدي الْمَجْنُون من ثُغر دمياط فَتوجه لإحضاره سيف الدّين بيغان الخاصكي. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ حادي عشره: استدعى الريس فتح الدّين فتح الله بن معتصم بن نَفِيس الدَّاودِيّ - رَئِيس الْأَطِبَّاء - وخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر فِي كِتَابَة السِّرّ عوضا عَن بدر الدّين عَمُود الكلستاني بِحكم وَفَاته. وَفتح الله هَذَا كَانَ جده نَفِيس يَهُودِيّا من أَوْلَاد نَبِي الله دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام فَقدم من الْوَزير فِي أَيَّام الْملك النَّاصِر حسن بن مُحَمَّد بن قلاوون إِلَى الْقَاهِرَة واختص بالأمير شيخو الْعمريّ وَطَلَبه وَصَارَ يركب بغلة بخف ومهماز وَهُوَ على الْيَهُودِيَّة. ثمَّ أَنه أسلم على يَد السُّلْطَان حسن. وَولد فتح الله بتوزير وَقدم على جده فَكَفَلَهُ عَمه بديع بن نَفِيس وَقد مَاتَ أَبوهُ وَهُوَ طِفْل. وَنَشَأ وعانى الطِّبّ إِلَى أَن وَفِي رئاسة الْأَطِبَّاء بعد موت شَيخنَا عَلَاء الدّين عَليّ بن صَغِير واختص بِالْملكِ الظَّاهِر فولاه كِتَابَة السِّرّ بَعْدَمَا سُئِلَ فِيهَا بقنطار من ذهب فَأَعْرض عَنهُ وَاخْتَارَ فتح الله مَعَ علمه ببعده عَن معرفَة صناعَة الْإِنْشَاء وَقَالَ أَنا أعلّمه فباشر ذَلِك وشكره النَّاس. وَفِي رَابِع عشره: خلع على جمال الدّين يُوسُف الْمَلْطِي الْحلَبِي قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة وَاسْتقر فِي تدريس الْمدرسَة الصرغتمشية الْمُجَاورَة للجامع الطولوني عوضا عَن الكلستاني. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 434 وَفِيه وجد فِي تَرِكَة الكلستاني من الذَّهَب الْمَخْتُوم مَا زنته مائَة رَطْل وَعشرَة أَرْطَال مصرية سوى الأثاث وَالثيَاب والكتب والخيول وَغير ذَلِك. وَفِي خَامِس عشره: اسْتَقر الْأَمِير صارم الدّين إِبْرَاهِيم بن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن مقبل فِي ولَايَة مصر عوضا عَن الْأَمِير علم الدّين سُلَيْمَان الشهرزوري وأضيف إِلَيْهِ ولايتي الصِّنَاعَة والأهراء والقرافتين. وَورد الْبَرِيد بِوُقُوع الْفِتْنَة بَين مُحَمَّد بن عمر بن عبد الْعَزِيز الهواري وَبَين أَصْحَاب عَليّ بن غَرِيب الهواري النازلين بالأشمونين. وَذَلِكَ أَن ابْن عمر أَرَادَ إخراجهم من الْبِلَاد فتحالف أَصْحَاب ابْن غَرِيب الهواري الَّذين بالبحيرة وَغَيرهَا مَعَ فَزَارَة وعرك وَبني مُحَمَّد. وَوَافَقَهُمْ عُثْمَان بن الأحدب وكبسوا بأجمعهم كاشف الْوَجْه القبلي وَقتلُوا عدَّة مماليكه. وَنَجَا بِنَفسِهِ فرسم بتجريد سِتَّة من الْأُمَرَاء المقدمين وهم الْأَمِير تغري بردي أَمِير سلَاح والأمير أرغون شاه أَمِير مجْلِس وتمربُغا المنجكي أَمِير حَاجِب والأمير أرسطاي رَأس نوبَة والأمير بَكتمُر الركني وسودن المارديني ورسم بتجريد عدَّة من أُمَرَاء الطبلخاناه والعشرات. ورسم لكل من المقدمين بِثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم وَبِكُل من الطبلخاناه - وهم عشرَة - بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم وَلكُل من العشرات بِخَمْسَة آلَاف دِرْهَم. فشرعوا فِي التَّجْهِيز إِلَى السّفر فَحَضَرَ إِلَى القلعة فَخر الدّين عُثْمَان بن الأحدب طَائِعا وشكا من ابْن عمر وَأَن العربان توجهوا بعد كسرة الكاشف إِلَى نَاحيَة جرجا وقاتلوا مُحَمَّد بن عمر فكسرهم وردوا مهزومين فَبَطل سفر الْأُمَرَاء. وَفِيه قدم الْبَرِيد بِمَوْت الْأَمِير سيف الدّين صرغتمش المحمدي الْقزْوِينِي نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة. شهر جُمَادَى الْآخِرَة أَوله السبت. فِي عاشره: توجه على الْبَرِيد شهَاب الدّين أَحْمد بن خَاص ترك إِلَى دمشق وَاسْتقر جمال الدّين الهذباني فِي نِيَابَة قلعة دمشق عوضا عَن يَلو. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة رَابِع عشره: أركب الْوَزير ابْن الطوخي حمارا وَسَار بِهِ الرُّسُل إِلَى القلعة فتمثل بَين يَدي السُّلْطَان وطالبه مشافهة بِالْمَالِ فَأنْكر أَن يكون لَهُ مَال وَحلف بِاللَّه على ذَلِك فَلم يقبل قَوْله. وَسلمهُ إِلَى الْوَزير تَاج الدّين بن أبي الْفرج فأنزله إِلَى دَاره وعصره فتجلد وَلم يعْتَرف بِشَيْء فَأخذ عبدا من عبيده وخوفه وهم بضربه فَدلَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 435 على شعير وجد فِيهِ أَرْبَعَة آلَاف دِينَار ونيف ثمَّ وجد فِي مَكَان آخر تَتِمَّة سَبْعَة آلَاف دِينَار وَضرب بعد ذَلِك فَلم يعْتَرف بِشَيْء فَقَامَ فِي أمره القَاضِي سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب نَاظر الجيوش وناظر الْخَاص وتسلمه على أَن يحمل سَبْعمِائة ألف دِرْهَم وَنَقله إِلَى دَاره فشرع فِي بيع أثاثه وايراد المَال. وَفِي رَابِع عشرينه: اسْتَقر الْأَمِير زين الدّين فرج الْحلَبِي أستادار الْأَمْلَاك والذخيرة فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة وَخرج إِلَيْهَا. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير قلطوبغا وَالِي الشرقية كاشف الْوَجْه البحري وَصرف عَليّ بن الحريري. وخلع على الْأَمِير عَلَاء الدّين على نَائِب الْوَجْه البحري خلعة اسْتِمْرَار وتدرك الطرانة بثمانمائة ألف دِرْهَم فِي السّنة. وَفِي خَامِس عشرينه: اسْتَقر الطَّبِيب كَمَال الدّين عبد الرَّحْمَن بن نَاصِر بن صَغِير والطبيب شمس الدّين عبد الْحق بن فَيْرُوز فِي رئاسة الْأَطِبَّاء عوضا عَن فتح الله كاتَب السِّرّ. شهر رَجَب أَوله الِاثْنَيْنِ. وَفِي ثَانِيه: اسْتَقر جقمق الصفوي فِي نِيَابَة ملطية عوضا عَن دقماق المحمدي وجهز تَقْلِيده وتشريفه على يَد مقبل أَمِير خازندار على الْبَرِيد. وَفِي رابعه: كتب لنائب قلعة حلب بِأَن يحمل مائَة قرقل وَخمسين بركستوان من خزانَة السِّلَاح بهَا إِلَى نَائِب يأذنه أَحْمد بن رَمَضَان وَحمل لَهُ أَيْضا مبلغ ألفي دِينَار. وَفِي سادسه: رسم لبدر الدّين الْمَقْدِسِي بِقَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن محيي الدّين مَحْمُود بن أَحْمد بن الكشك وتقي الدّين إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن مُفْلِح بِقَضَاء الْحَنَابِلَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 436 بِدِمَشْق عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد النابلسي. وَاسْتقر الْأَمِير يلبغا الْمَجْنُون على إقطاع الْأَمِير حسام الدّين حسن بن على الكجكي بِحكم وَفَاته. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامنه: دَار الْمحمل وبرز الْأَمِير بيسق الشيخي بالريدانية ليَكُون أَمِير الْحَاج الرجبية ورسم لَهُ بعمارة مَا تهدم من الْمَسْجِد الْحَرَام وَخرج مَعَه الْمعلم شهَاب الدّين أَحْمد بن طولوني المهندس وبرز النَّاس شَيْئا بعد شَيْء لِلْحَجِّ. وَفِي حادي عشره: اسْتَقر كَاتبه أَحْمد بن عَليّ المقريزي فِي حسبَة الْقَاهِرَة وَالْوَجْه البحري عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد المخانسي. وَفِي خَامِس عشره: اسْتَقر قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْمَنَاوِيّ الشَّافِعِي فِي قَضَاء الْقُضَاة بديار مصر وَصرف تَقِيّ الدّين عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الزبيرِي وَنزل مَعَه دوادار السُّلْطَان الْأَمِير بيبرس والأمير فَارس حَاجِب الْحجاب والأمير أرسطاي رَأس نوبَة وَفتح الدّين كَاتب السِّرّ إِلَى الْمدرسَة الصالحية بَين القصرين فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً لم نر بعده لقاض مثله. وَفِي سادس عشره: ركب الْبَرِيد الْأَمِير مُشْتَرك الخاصكي بتقليد نِيَابَة غَزَّة للأمير ألطنبغا قراقاش. وَفِي تَاسِع عشره: رَحل ركب الْحجَّاج من بركَة الْجب إِلَى مَكَّة. وَفِي ثَانِي عشرينه اسْتَقر الْأَمِير يلبغا الْمَجْنُون فِي وَظِيفَة الأستادارية وَصرف الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن سنقر البجكاوي وَنزل فِي خدمته نَحْو الْعشْرين أَمِيرا. وَاسْتقر ابْن سنقر أستادار الْأَمْلَاك والأوقاف والذخيرة السُّلْطَانِيَّة عوضا عَن أَمِير فرج نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 437 وَفِي خَامِس عشرينه: كتب إِلَى الْأَمِير تنم نَائِب الشَّام بِالْقَبْضِ على الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن الشَّيْخ على نَائِب صفد والأمير سيف الدّين جُلْبان الكمشبغاوي أتابك دمشق فورد المرسوم على النَّائِب وَهُوَ بالغور فاستدعى نَائِب صفد وَقبض عَلَيْهِمَا وَبعث بسيفهما إِلَى قلعة الْجَبَل على الْعَادة وسجنا بقلعة دمشق. ورسم أَن يسْتَقرّ الْأَمِير عَلَاء الدّين ألطبغا العثماني حَاجِب الْحَاجِب بِدِمَشْق فِي نِيَابَة صفد فَسَار إِلَيْهَا فِي خَامِس شعْبَان وَنفل الْأَمِير سيف الدّين بَيقجاه الشرفي طيفور نَائِب غَزَّة إِلَى دمشق وَاسْتقر حَاجِب الْحجاب بهَا وَنفل عَلَاء الدّين ألطبغا نَائِب الكرك لنيابة غَزَّة. شهر شعْبَان أَوله الْأَرْبَعَاء. فِي خامسه: قرئَ تَقْلِيد قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين الْمَنَاوِيّ بالظاهرية الجديدة على الْعَادة وَحضر الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء والوزير تَاج الدّين والأمير تمربغا المنجكي أَمِير حَاجِب والأمير أينال باي بن قمجاس وقرأه القَاضِي نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الصَّالِحِي أحد نواب الحكم فَخلع عَلَيْهِ القَاضِي سعد الدّين بن غراب بعد فَرَاغه من الْقِرَاءَة وَكَانَ قد جلس بالقبة وَمَعَهُ الْأَمِير أَبُو بكر أَمِير حَاجِب. وَفِي تاسعه: اسْتَقر كَمَال الدّين عمر بن العديم فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بحلب وَتوجه إِلَيْهَا من الْقَاهِرَة وَكَانَ قد قدم إِلَيْهَا بِطَلَب. وخلع على سَائِر الْأُمَرَاء المقدمين أقبية مقترح نخ وَهِي أقبية الشتَاء. وَكَانَ قد بَطل ذَلِك مُنْذُ انْقَطع الرّكُوب فِي الميادين نَحْو خمس عشرَة سنة. وخلع على الْأَمِير يلبغا السالمي أحد العشرات وَاسْتقر فِي نظر خانقاه شيخو عوضا عَن الْأَمِير حَاجِب الْحجاب فَارس لشكوى الصُّوفِيَّة من تَأَخّر معاليهم مُدَّة أشهر. وَاسْتقر الْأَمِير عَليّ بن مُسَافر نَائِب السلطنة بِالْوَجْهِ البحري وخلع عَلَيْهِ عوضا عَن أَمِير عَليّ السيفي. وَفِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ ثَالِث عشره: - بِالرُّؤْيَةِ - خسف الْقَمَر جميِعه. وَفِي رَابِع عشره: خلع على الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن الحريري لولاية قوص عوضا عَن قطليجا بن أوزان وعَلى كزل المحمودي لولاية منوف عوضا عَن عَلَاء الجزء: 5 ¦ الصفحة: 438 الدّين عَليّ بن مُسَافر وَحمل جهاز خَدِيجَة بنت الْأَمِير جهاركس الخليلي على ثَلَاثمِائَة وَسِتِّينَ جلا وَعشْرين قطارا بغالاً إِلَى دَار زَوجهَا الْأَمِير بيبرس الدوادار ابْن أُخْت السُّلْطَان وَبني عَلَيْهَا الْجُمُعَة سَابِع عشره. وَكتب لنائب حلب بِأَن يحمل إِلَى عُثْمَان بن طور عَليّ من المَال الْحَاصِل خمسين ألف دِرْهَم فضَّة مَعَ الْأمان المجهز لَهُ وَكتب لنائب صفد أَن يحمل مَوْجُود الْأَمِير أَحْمد بن الشَّيْخ على نَائِب صفد كَانَ. وَفِي ثَالِث عشرينه: خلع على القَاضِي أصيل الدّين مُحَمَّد بن عُثْمَان الأشليمي وَاسْتقر فِي قَضَاء الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد بن الأخشاي على مَال فَكتب إِلَى دمشق بِأَن يخلفه فِي الخطابة وَالْقَضَاء شهَاب الدّين أَحْمد بن حجي فناب فيهمَا عَنهُ. وَفِي رَابِع عشرينه: ترافع الْأَمِير مُحَمَّد بن عمر بن عبد الْعَزِيز الهواري أَمِير هوارة هُوَ والأمير عُثْمَان بن الأحدب والأمير ألطنبغا وَالِي الْعَرَب نَائِب السلطنة بِالْوَجْهِ القبلي بَين يَدي السُّلْطَان بالإصطبل فَظهر الْحق مَعَ مُحَمَّد بن عمر مْسُلم ألطبغا إِلَى الْوَزير ليصادره وَسلم ابْن الأحدب وَأَوْلَاده إِلَى الْوَالِي فسجنهم بخزانة شمايل وَاسْتقر أَمِير على السيفي نَائِب السلطنة بِالْوَجْهِ القبلي. وَفِي أخريات شعْبَان: رسم للقضاة بِعرْض الشُّهُود الجالسين بالحوانيت للتكسب بِالشَّهَادَةِ فَكتب نقباء الْقُضَاة أَسْمَاءَهُم وَشرع الْقُضَاة فِي عرضهمْ ليختبر حَال كل مِنْهُم وَيبقى من عرف بِحسن السِّيرَة وَيمْنَع من تحمل الشَّهَادَة من جهل حَاله أَو عرف بِسوء فَمنع جمَاعَة ثمَّ أعيدوا بالرسائل وشفاعات الأكابر فَلم يتم الْغَرَض. شهر رَمَضَان أَوله الْخَمِيس. فِي ثالثه: خلع على الْأَمِير سيف الدّين أوناط اليوسفي وَاسْتقر كاشف الْوَجْه البحري وعزل قطلوبغا الخليلي. وَفِي عاشره: خرج الْبَرِيد لإحضار الشَّيْخ ولي الدّين عبد الرَّحْمَن بن خلدون من قريته بالفيوم ليستقر فِي قَضَاء الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة وَكَانَ قد سعى فِي ذَلِك شرف الدّين مُحَمَّد بن الدماميني الإسْكَنْدراني بسبعين ألف دِرْهَم فَردهَا السُّلْطَان. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 439 وَفِي خَامِس عشره: حضر ابْن خلدون وخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر فِي قَضَاء الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة عوضا عَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن التنسي بعد مَوته فشرع فِي عرض الشُّهُود وأغلق عدَّة حوانيت استجدت بعده. وَهَذِه ولَايَته الثَّانِيَة بعد مَا أَقَامَ معزولاً نَحْو خمس عشرَة سنة. وَفِي سادس عشره: سَافر قَاضِي الْقُضَاة أصيل الدّين إِلَى دمشق على خيل الْبَرِيد بعد مَا وزن وَفِي حادي عشرينه: اسْتَقر الْأَمِير ركن الدّين عمر بن عَليّ الكوراني فِي ولَايَة مصر عوضا عَن الصارم إِبْرَاهِيم بن مقبل بعد عَزله. وَفِي رَابِع عشرينه: كتب بالإفراج عَن الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن الشَّيْخ على من اعتقاله بقلعة دمشق وَأَن يسْتَقرّ فِي الأتابكية بِدِمَشْق عوضا عَن الْأَمِير جلبان. وَفِي سَابِع عشرينه: أخرج الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن الطبلاوي من خزانَة شمايل وَسلم إِلَى الْأَمِير يلبغا الْمَجْنُون الأستادار فَاجْتمع لِخُرُوجِهِ من النَّاس عدد لَا يُحْصِيه إِلَّا الله وظنوا أَنه قد أفرج عَنهُ فاشتروا من الزَّعْفَرَان وأوقدوا من الشموع مَا يبلغ مِنْهُ أُلُوف الدَّرَاهِم. فَلَمَّا يئسوا مِنْهُ انقلبوا خائبين وَكَانَ هَذَا من جلة ذنُوبه الَّتِي نقمت عَلَيْهِ. وَفِي ثامن عشرينه: قدم أصيل الدّين مُحَمَّد بن عُثْمَان إِلَى دمشق على الْبَرِيد. وَفِي هَذَا الشَّهْر: ورد الْخَبَر بِأخذ تيمور لنك بِلَاد الْهِنْد وَأَن سباياها أبيعت بخراسان بأبخس الْأَثْمَان وَأَنه توجه من سَمَرْقَنْد إِلَى الْهِنْد فِي ذِي الْحجَّة من السّنة الْمَاضِيَة. شهر شَوَّال أَوله الْجُمُعَة: صلى السُّلْطَان صَلَاة عيد الْفطر بالميدان على الْعَادة وَصلى بِهِ قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين مُحَمَّد الْمَنَاوِيّ وخطب وخلع على الْأُمَرَاء وَسَائِر أَرْبَاب الدولة على الْعَادة فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 440 وَفِيه ورد الْبَرِيد بِمَوْت رَجَب ابْن الْأَمِير كمشبغا الْحَمَوِيّ فِي سَابِع عشْرين رَمَضَان وَمَوْت أَبِيه الْأَمِير الْكَبِير كمشبغا من الْغَد فِي ثامن عشرينه بسجن الْإسْكَنْدَريَّة. فابتهج السُّلْطَان لمَوْته وَرَأى أَنه قد تمّ لَهُ أمره فَإِنَّهُ آخر من كَانَ قد بَقِي من الْأُمَرَاء اليلبغاوية. وَأَقْبل النَّاس فِي يَوْم الْعِيد وَمَا بعده على أَنْوَاع من اللَّهْو فِي القرافة والترب خَارج الْقَاهِرَة وبخرطوم الجزيرة الَّذِي انحسر عَنْهَا مَاء النّيل ببولاق فَمر لَهُم فِيهِ مسرات وتفننوا فِي أَنْوَاع اللَّذَّات وكأنما كَانُوا يودعون الْأَمْن والراحات. وَفِي خامسه: قدم الْأَمِير دقماق نَائِب ملطية إِلَى دمشق معزولاً وَتوجه مِنْهَا إِلَى الْقَاهِرَة فِي حادي عشره على الْبَرِيد. وَفِي سادسه: أخرج ابْن الطبلاوي من الْقَاهِرَة منفياً إِلَى الكرك وَمَعَهُ نقيب وَاحِد قد وكل بِهِ فَسَار ذليلاً حَقِيرًا وحيداً فريداً فسبحان مزيل النعم. ومازال سائراً إِلَى أَن وصل بلد الْخَلِيل - عَلَيْهِ السَّلَام - فَبَلغهُ موت السُّلْطَان فَتوجه من بلد الْخَلِيل إِلَى الْقُدس فَمر بِهِ الْأَمِير شاهين كتك - يعْنى الأفرم - وَقد توجه إِلَى الكرك بِخَبَر موت السُّلْطَان وسلطنة ابْنه بعده فَسَأَلَهُ أَن يشفع لَهُ فِي الْإِقَامَة بالقدس. فَلَمَّا ورد إِلَى قلعة الْجَبَل سَأَلَ الْأَمِير الْكَبِير أيتمش فِي ذَلِك فَأَجَابَهُ وَكتب مرسوماً إِلَى ابْن الطبلاوي أَن يُقيم بالقدس فَأَقَامَ وَكَانَ من خَبره مَا يَأْتِي ذكره إِن شَاءَ وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء خامسه: ابْتَدَأَ مرض السُّلْطَان. وَذَلِكَ أَنه ركب للعب الكرة بالميدان فِي القلعة على الْعَادة. فَلَمَّا فرغ مِنْهُ قدم إِلَيْهِ عسل نحل ورد من كختا فَأكل مِنْهُ وَمن لحم بلشون وَدخل إِلَى قصوره فعكف على شرب الْخمر فاستحال ذَلِك خلطاً ردياً لزم مِنْهُ الْفراش من لَيْلَة الْأَرْبَعَاء وتنوع مَرضه حَتَّى أيس مِنْهُ لشدَّة الْحمى وَضعف القوى فأرجفت بِمَوْتِهِ فِي يَوْم السبت تاسعه. وَاسْتمرّ أمره يشْتَد إِلَى يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَالِث عشره فشنع الأرجاف وغلقت الْأَسْوَاق فَركب الْوَالِي ونادى بالإمعان. فَلَمَّا أصبح يَوْم الْخَمِيس استدعى الْخَلِيفَة المتَوَكل على الله أَبَا عبد الله مُحَمَّد وقضاة الْقُضَاة وَسَائِر الْأُمَرَاء - الأكابر والأصاغر - وَجَمِيع أَرْبَاب الدولة إِلَى حَضْرَة السُّلْطَان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 441 فَحَدثهُمْ فِي الْعَهْد لأولاده. فابتدأ الْخَلِيفَة بِالْحلف للأمير فرج ابْن السُّلْطَان أَنه هُوَ السُّلْطَان بعد وَفَاة أَبِيه ثمَّ حلف بعده الْقُضَاة والأمراء. وَتَوَلَّى تحليفهم كَاتب السِّرّ فتح الدّين فتح الله وَكَانَ مُنْذُ نزل بالسلطان مَرضه أَقَامَ عِنْده لَيْلًا وَنَهَارًا لِثِقَتِهِ بِهِ. فَلَمَّا تمّ الْحلف لفرج حلفوا أَن يكون الْقَائِم بعد فرج أَخُوهُ عبد الْعَزِيز وَبعد عبد الْعَزِيز أخوهما إِبْرَاهِيم ثمَّ كتبت وَصِيَّة السُّلْطَان فأوصى لزوجاته وسراريه وخدامه. بِمِائَتي ألف دِينَار وَعشْرين ألف دِينَار وَأَن تعمر لَهُ تربة تَحت الْجَبَل بجوار تربة الْأَمِير يُونُس الدوادار خَارج بَاب النَّصْر بِثَمَانِينَ ألف دِينَار ويشترى بِمَا يفضل عَن الْعِمَارَة عقار ليوقف عَلَيْهَا وَأَن يرفن بهَا فِي لحد تَحت أرجل الْفُقَرَاء الَّذين بحوش الخليلي وهم عَلَاء الدّين عَليّ السيرامي وَأمين الدّين الخلوتي وَعبد الله الجبرتي وَعبد الْكَرِيم الجبرتي وَطَلْحَة وَأَبُو بكر البجائي وَأحمد الزهوري. وَقرر أَن يكون الْأَمِير الْكَبِير أيتمش هُوَ الْقَائِم بعده بتدبير دولة ابْنه فرج. وَجعله وَصِيّا على تركته وَمَعَهُ الْأَمِير تغري بردي أَمِير سلَاح والأمير بيبرس الدوادار والأمير يشبك الخازندار وَفتح الدّين فتح الله كَاتب السِّرّ والأمير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن سنقر البجكاوي وَسعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب والأمير قطلوبغا الكركي والأمير يلبغا السالمي. وَجعل الْخَلِيفَة نَاظرا على الْجَمِيع. فَلَمَّا تقرر ذَلِك انفض الْجَمِيع وَنزل الْأُمَرَاء بأسرهم فِي خدمَة الْأَمِير أيتمش إِلَى منزله. فَوَعَدَهُمْ بِخَير وَأَنه يبطل الْمَظَالِم وَأخذ البراطيل على المناصب والولايات. وَأكْثر السُّلْطَان من الصَّدقَات فَبلغ مَا تصدق بِهِ فِي هَذِه المرضة أَرْبَعَة عشر ألف دِينَار وَتِسْعمِائَة دِينَار وَسِتَّة وَتِسْعين دِينَارا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 442 وَمَات بعد نصف لَيْلَة الْجُمُعَة خَامِس عشر شَوَّال وَقد تجَاوز السِّتين سنة مِنْهَا مُدَّة حكمه بديار مصر مُنْذُ صَار أتابك العساكر عوضا عَن الْأَمِير طشتمر العلاي الدوادار إِلَى أَن جلس على تخت السلطة أَربع سِنِين وَتِسْعَة أشهر وَعشرَة أَيَّام. ومنذ تسلطن إِلَى أَن مَاتَ سِتّ عشرَة سنة وَأَرْبَعَة أشهر وَسَبْعَة وَعِشْرُونَ يَوْمًا مِنْهَا سلطته إِلَى أَن خلع سِتّ سِنِين وَثَمَانِية أشهر وَعِشْرُونَ يَوْمًا وسلطته مُنْذُ أُعِيد إِلَى أَن مَاتَ تسع سِنِين وَثَمَانِية أشهر. والفترة بَينهمَا ثَمَانِيَة أشهر وَتِسْعَة أَيَّام وَمُدَّة حكمه أتابكاً وسلطاناً إِحْدَى وَعِشْرُونَ سنة وَعشرَة أشهر وَسِتَّة عشر يَوْمًا. وَترك ثَلَاثَة أَوْلَاد ذُكُور: الْأَمِير فرج وتسلطن من بعده وَعبد الْعَزِيز وتسلطن أَيْضا: وَإِبْرَاهِيم وَمَات - هُوَ وَعبد الْعَزِيز - فِي حَيَاة أخيهما فرج وسلطته الثَّانِيَة بثغر الْإسْكَنْدَريَّة واتهم فرج بِأَنَّهُ سمهما. وَخلف برقوق ثَلَاث بَنَات تَزَوَّجن من بعده. وَترك من الذَّهَب الْعين ألف ألف دِينَار وَأَرْبَعمِائَة ألف دِينَار وَمن الغلال والنقود والأعسال وَالسكر وَالثيَاب وأنواع الفرو مَا قِيمَته ألف ألف وَأَرْبَعمِائَة ألف دِينَار. وَمن الْجمال نَحْو خَمْسَة آلَاف جمل. وَمن الْخَيل نَحْو سَبْعَة آلَاف فرس. وَبَلغت جوامك مماليكه فِي كل شهر نَحْو تِسْعمائَة ألف دِرْهَم فضَّة وعليق خيولهم فِي الشَّهْر ثَلَاثَة عشر ألف أردب شَعِيرًا وعليق الْخَيل الْخَاص وجمال النَّفر وأبقار السواقي فِي كل شهر أحد عشر ألف أردب من الشّجر والفول وَبَلغت عدَّة مماليكه خَمْسَة آلَاف مَمْلُوك. وَكَانَ نَائِبه بديار مصر الْأَمِير سودن الفخري الشيخوني إِلَى أَن مَاتَ فَلم يستنب بعده أحدا. ونوابه بِدِمَشْق الْأَمِير بيدمر الْخَوَارِزْمِيّ وعَشَقتمُر المارديني وألطنبغا الجوباني وطُرْنطاي السيفي وَيْلبغا الناصري وبطا الطولوتمري وسودن الطرنطاي وكُمُشبغا الأشرفي وتاني بك الْمَعْرُوف بتنم الحسني وَمَات السُّلْطَان وَهُوَ على نِيَابَة دمشق. ونوابه بحلب يلبغا الناصري وسودن المظفري وكُمُشْبُغا الْحَمَوِيّ وقرا دمرداش الأحمدي وجلبان الكُمُشبغاوي وتغري بردي من يشبغا وأرغون شاه الإبراهيمي وأقْبُغا الجمالي وَمَات السُّلْطَان وَهُوَ على نِيَابَة حلب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 443 ونوابه بطرابلس مَأْمُور القلمطاوي وكُمُشبُغا الْحَمَوِيّ وأسندمر السيفي وقرا دمرداش الأحمدي وأينال بن خجا عَليّ وَإيَاس الجرجاوي ودمرداش المحمدي وأرغون شاه الإبراهيمي وأقبغا الجمالي وَيُونُس بُلطا. وَمَات السُّلْطَان وَهُوَ على نِيَابَة طرابلس. ونوابه بصفد أُرُكماس السيفي وبُتْخاص السودوني وأرغون شاه الإبراهيمي وأقبغا الجمالي وَأحمد بن الشَّيْخ عَليّ وألطنبغا العثماني وَمَات السُّلْطَان وَهُوَ على نِيَابَة صفد. ونوابه بحماة صَنجَق الحسني وسودن المظفري وسودن العلاي وسودن العثماني وناصر الدّين مُحَمَّد بن مبارك بن المهمندار ومأمور القلمطاوي ودمرداش المحمدي وأقبغا السلطاني الصُّغَيَّر وَيُونُس بلطا ثمَّ دمرداش المحمدي وَمَات السُّلْطَان وَهُوَ على نِيَابَة حماة. ونوابه بالكرك طغاي تمر القبلاوي ومأمور القلمطاوي وقديد القلمطاوي وَيُونُس القَشْتَمُري وَأحمد بن الشَّيْخ عَليّ وبتخاص السودوني وَمُحَمّد بن مبارك المهمندار وألطبغا الْحَاجِب وسودن الظريف الشمسي وَمَات السُّلْطَان وَهُوَ على نِيَابَة الكرك. ونوابه بغزة قُطْلُوُبغا الصفوي وأقبغا الصُغَيَّر ويلبغا القَشْتَمُري وألطنبغا العثماني وبيقجاه الشرفي طيفور وألطنبغا الْحَاجِب وَمَات السُّلْطَان وَهُوَ على نِيَابَة غَزَّة. وأستاداريته بديار مصر بَهادُر ومحمود بن علس وقرقماس الطشتمري وَعمر بن مُحَمَّد بن قايماز وقطلو بك العلاي ويَلْبغُا الأحمدي الْمَجْنُون وَمُحَمّد بن سنقر البجكاوي ثمَّ يَلْبغُا الْمَجْنُون ثَانِيًا وَمَات السُّلْطَان وَهُوَ أستادار. وقضاته الشَّافِعِيَّة بديار مصر برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة وَبدر الدّين مُحَمَّد بن أبي الْبَقَاء وناصر الدّين مُحَمَّد بن المليق وعماد الدّين أَحْمد الكركي وَصدر الدّين مُحَمَّد الْمَنَاوِيّ وتقي الدّين عبد الرَّحْمَن الزبيرِي ثمَّ الْمَنَاوِيّ ثَالِث مرّة وَمَات السُّلْطَان وَهُوَ قَاض. وقضاته صدر الدّين مُحَمَّد بن مَنْصُور الدِّمَشْقِي وشمس الدّين مُحَمَّد الطرابلسي ومجد الدّين إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم وجمال الدّين مَحْمُود القيصري وجمال الدّين يُوسُف الملص وَمَات السُّلْطَان وَهُوَ قَاض. وقضاته الْمَالِكِيَّة جمال الدّين عبد الرَّحْمَن بن خير السكندري ثمَّ ولي الدّين عبد الرَّحْمَن بن خلدون وشمس الدّين مُحَمَّد الركراكي المغربي وشهاب الدّين أَحْمد النحريري وناصر الدّين مُحَمَّد بن التنسي ثمَّ ابْن خلدون ثَانِيًا وَمَات السُّلْطَان وَهُوَ قَاض. وقضاته الْحَنَابِلَة نَاصِر الدّين الْعَسْقَلَانِي ثمَّ ابْنه برهَان الدّين إِبْرَاهِيم وَمَات السُّلْطَان وَهُوَ قَاض. وقضاته الشَّافِعِيَّة بِدِمَشْق ولي الدّين عبد الله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 444 بن أبي الْبَقَاء وبرهان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة وَشرف الدّين مَسْعُود وشمس الدّين مُحَمَّد بن الْجَزرِي وشهاب الدّين الزُّهْرِيّ وعلاء الدّين عَليّ بن أبي الْبَقَاء وشهاب الدّين أَحْمد الباعوني وشمس الدّين مُحَمَّد الأخناي وأصيل الدّين مُحَمَّد وَمَات السُّلْطَان وَهُوَ قَاض. ووزراؤه بديار مصر علم الدّين عبد الْوَهَّاب سنّ إبرة وشمس الدّين إِبْرَاهِيم كَاتب أرلان وَعلم الدّين عبد الْوَهَّاب أبن كَاتب سَيِّدي وكريم الدّين عبد الْكَرِيم بن الغنام وموفق الدّين أَبُو الْفرج وَسعد الدّين نصر الله بن البقري وناصر الدّين مُحَمَّد بن الحسام وركن الدّين عمر بن قايماز وتاج الدّين عبد الرَّحِيم بن أبي شَاكر وناصر الدّين مُحَمَّد بن رَجَب ومبارك شاه وَبدر الدّين مُحَمَّد بن الطوخي وتاج الدّين عبد الرَّزَّاق وَمَات السُّلْطَان وَهُوَ وَزِير. وَكتاب سره بدر الدّين مُحَمَّد بن فضل الله وأوحد الدّين عبد الْوَاحِد بن ياسين وعلاء الدّين عَليّ الكركي وَبدر الدّين مَحْمُود الكستاني وَفتح الدّين فتح الله وَمَات السُّلْطَان وَهُوَ كَاتب السِّرّ. ونظار الْجَيْش تَقِيّ الدّين عبد الرَّحْمَن بن محب الدّين وموفق الدّين أَبُو الفرخ وجمال الدّين مَحْمُود القيصري وكريم الدّين عبد الْكَرِيم بن عبد الْعَزِيز وَشرف الدّين مُحَمَّد بن الدماميني وَسعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب وَمَات السُّلْطَان وَهُوَ نَاظر الْجَيْش وناظر الْخَاص أَيْضا. ونظار الْخَاص سعد الدّين نصر الله بن البقري وموفق الدّين أَبُو الْفرج الْوَزير وَسعد الدّين أبي الْفرج بن تَاج الدّين مُوسَى كَاتب السَّعْدِيّ وَسعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب نَاظر الْجَيْش وماتَ السُّلْطَان وَهُوَ نَاظر الْخَاص والجيش. وَكَانَ برقوق جركسي الْجِنْس قدم إِلَى مصر مَعَ خواجا عُثْمَان فَاشْتَرَاهُ الْأَمِير يلبغا وحماه برقوق بعد أَن كَانَ اسْمه من بِلَاد القرم سودن وَأعْتقهُ. فَلَمَّا قتل يلبغا وسجن بالكرك مُدَّة ثمَّ أفرج عَنهُ فَسَار إِلَى دمشق وخدم عِنْد نائبها الْأَمِير منجك ثمَّ استدعي إِلَى مصر واستخدم عِنْد الْأَمِير عَليّ بن الْأَشْرَف إِلَى أَن قتل الْأَشْرَف. وَكَانَت أَيَّام الْأَمِير أينَبَك اسْتَقر من جملَة أُمَرَاء الطبلخاناه ثمَّ ركب فِي أخواته وَملك بَاب السلسة وَصَارَ أَمِير أخور وَأقَام بالإصطبل السلطاني. ثمَّ صَار أَمِيرا كَبِيرا وترقى حَتَّى ملك تخت مصر وتلقب بِالْملكِ الظَّاهِر ثمَّ خلع وَنفي إِلَى الكرك فسجن بهَا ثُم أخرجه عوام الكرك وَسَار إِلَى دمشق وَجمع النَّاس وَعَاد إِلَى مصر فَملك التخت ثَانِيًا. وَقد تقدم جَمِيع ذَلِك فِي تواريخه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 445 وَكَانَ ملكا حازماً شهماً صَارِمًا شجاعاً مقدما فطناً لَهُ خبْرَة بالأمور ومهابة عَظِيمَة ورأي جيد ومكر شَدِيد وطمع زَائِد. وَكَانَ يحب الاستكثار من المماليك وَيقدم الجراكسة على الأتراك وَالروم ويشره فِي جمع المَال بِحَيْثُ لم يشْبع مِنْهُ ويرغب فِي اقتناء الْخُيُول وَالْجمال وَكَانَ كثير التؤدة لَا يكَاد يَجْعَل فِي شَيْء من أُمُوره بل يتروى فِي الشَّيْء المدد الطَّوِيلَة ويتصدى للْأَحْكَام بِنَفسِهِ ويباشر أَحْوَال المملكة كلهَا ويجل أهل الْخَيْر وَمن ينْسب إِلَى الصّلاح. وَكَانَ يقوم للفقهاء والصلحاء إِذا دخل أحد مِنْهُم عَلَيْهِ وَلم يكن يعْهَد ذَلِك من مُلُوك مصر قبله. وتنكر للفقهاء فِي سلطنته الثَّانِيَة من أجل أَنهم أفتوا بقتْله فَلم يتْرك إكرامهم قطّ مَعَ شدَّة حنقه عَلَيْهِم. وَكَانَ كثير الصَّدقَات وقف نَاحيَة بهبيت من الجيزة على سَحَابَة تسير مَعَ الركب إِلَى مَكَّة فِي كل عَام وَمَعَهَا جمال تحمل المشاة من الْحَاج وَيصرف لَهُم مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ من المَاء والزاد ذَهَابًا وإياباً. ووقف أَرضًا على قُبُور أخوة يُوسُف - عَلَيْهِ السَّلَام - بالقرافة. وَكَانَ يذبح دَائِما. طول أَيَّام إمارته وسلطنته فِي كل يَوْم من أَيَّام شهر رَمَضَان خَمْسَة وَعشْرين بقرة يتَصَدَّق بهَا بعد مَا تطبخ وَمَعَهَا آلَاف من أرغفة الْخبز النقي على أهل الْجَوَامِع والمشاهد والخوانك والربط وَأهل السجون لكل إِنْسَان رَطْل لحم مطبوخ وَثَلَاثَة أرغفة من نقي الْبر سوى مَا كَانَ يفرق فِي الزوايا من لحم الضَّأْن فَيعْطى فِي كل يَوْم لكل زَاوِيَة خَمْسُونَ رطلا وعدة أرغفة خبز وَفِيهِمْ من يعْطى أَكثر من ذَلِك بِحَسب حَالهم وَيفرق كل سنة على نَحْو عشْرين زَاوِيَة لكل زَاوِيَة ألف دِرْهَم فضَّة وَيفرق كل سنة فِي أهل الْعلم وَالصَّلَاح مِائَتَيْنِ ألف دِرْهَم الْوَاحِد إِلَى مائَة دِينَار ذَهَبا. وَمِنْهُم من لَهُ أقل من ذَلِك بِحَسب حَاله وَيفرق فِي فُقَرَاء القرافتين لكل فَقير من دينارين إِلَى أَكثر وَأَقل وَيفرق فِي الخوانك وَغَيرهَا كل سنة مَالا كثيرا. وَكَانَ يفرق فِي كل سنة ثَمَانِيَة آلَاف أردب قمحاً على أهل الْخَيْر وأرباب السّتْر. وَيبْعَث فِي كل سنة إِلَى الْحجاز ثَلَاثَة آلَاف أردب قمحاً تفرق بالحرمين. وَفرق فِي مُدَّة الغلاء كل يَوْم أَرْبَعِينَ أردباً مِنْهَا ثَمَانِيَة آلَاف رغيف فَلم يمت فِيهِ أحد بِالْجُوعِ فَمَا علمنَا. وَكَانَ يبْعَث كل قَلِيل بجملة من الذَّهَب تفرق فِي الْفُقَرَاء وَالْفُقَهَاء حَتَّى أَنه تصدق مرّة بِخَمْسِينَ ألف دِينَار ذَهَبا على يَد الطواشي صندل المنجكي. وأبطل عدَّة مكوس مِنْهَا مَا كَانَ يُؤْخَذ من أهل شُورَى وبلطيم من البرلس شبه الجمالية وَهُوَ فِي كل سنة مبلغ سِتِّينَ ألف دِرْهَم وأبطل مَا كَانَ يُؤْخَذ على الْقَمْح الجزء: 5 ¦ الصفحة: 446 بثغر دمياط غماً يبتاعه الْفُقَرَاء وَغَيرهم من أردبين إِلَى مَا دون ذَلِك. وأبطل مكس معمل الفراريج بالنحريرية وَمَا مَعهَا من الغربية وأبطل مكس الْملح بِعَين تَابَ من عمل حلب ومكس الدَّقِيق بالبيرة. وأبطل من طرابلس مَا كَانَ مقرراً على قُضَاة الْبر وولاة الْأَعْمَال عِنْد قدوم النَّائِب وَهُوَ مبلغ خَمْسمِائَة دِرْهَم على كل مِنْهُم أَو بغلة بدل تِلْكَ. وأبطل مَا كَانَ يقدم لمن يسرح إِلَى العباسة خَارج الْقَاهِرَة فِي كل سنة من الْخَيل وَالْجمال وَالْغنم. وأبطل مَا كَانَ يُؤْخَذ على الدريس والحلفاء بِبَاب النَّصْر خَارج الْقَاهِرَة. وأبطل ضَمَان المغاني بِمَدِينَة الكرك والشوبك وبمدينة بني خصيب وأعمال الأشمونين وزفتا ومنية غمر من أَعمال مصر. وأبطل رمي الأبقار - بعد الْفَرَاغ من عمل الجسور بأراضي مصر - على البطالين بِالْوَجْهِ البحري. وَأَنْشَأَ بالقاهر مدرسة لم يعمر مثلهَا بِالْقَاهِرَةِ ورتب بهَا صوفية بعد الْعَصْر كل يَوْم وَجعل بهَا سَبْعَة دروس لأهل الْعلم أَرْبَعَة يلقى بهَا الْفِقْه على الْمذَاهب الْأَرْبَعَة ودرس تَفْسِير الْقُرْآن ودرس الحَدِيث النَّبَوِيّ ودرس للقراءات وأجرى على الْجَمِيع فِي كل يَوْم الْخبز النقي وَلحم الضَّأْن الْمَطْبُوخ. وَفِي كل شهر الْحَلْوَى وَالزَّيْت والصابون وَالدَّرَاهِم ووقف على ذَلِك الْأَوْقَاف الجليلة من الْأَرَاضِي والدور وَنَحْوهمَا. وَعمر جِسْرًا على نهر الْأُرْدُن بالغور فِي طَرِيق دمشق طوله مائَة وَعِشْرُونَ ذارعاً فِي عرض عشْرين ذِرَاعا. وجدد خَزَائِن السِّلَاح بثغر الْإسْكَنْدَريَّة وسرر دمنهور بالبحيرة. وَعمر الْجبَال الشرقية بالفيوم وزريبة البرزخ بدمياط وقناة العروب بالقدس وَأَنْشَأَ بِهِ أَيْضا بركَة كَبِيرَة. وَعمر بركَة أُخْرَى بِرَأْس وَادي بني سَالم فِي طَرِيق الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة يردهَا الْحَاج. ورم الْقَنَاة الَّتِي تحمل مَاء النّيل إِلَى قلعة الْجَبَل حَتَّى صلحت بعد مَا أعيت من تقدمه من الْمُلُوك. وجدد عمَارَة الميدان تَحت قلعة الْجَبَل بعد مَا خرب وسقاه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 447 وَزرع بِهِ القُرْط وغرس فِيهِ النّخل وَعمر صهريجاً ومكتباً يقْرَأ فِيهِ الْأَيْتَام الْقُرْآن الْكَرِيم بقلعة الْجَبَل وَجعل عَلَيْهِ وَقفا دَارا وَعمر بهَا أَيْضا طاحوناً. وَعمر أَيْضا سَبِيلا تجاه بَاب الضِّيَافَة تَحت قلعة الْجَبَل. وخطب على مَنَابِر توزير عِنْدَمَا أَخذهَا قرا مُحَمَّد وَضرب الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم فِيهَا باسمه وبعثها إِلَى حَضرته بقلعة الْجَبَل. وخطب لَهُ على مَنَابِر الْموصل وعَلى مَنَابِر ماردين ومنابر سنجار وَأخذت عساكره دوركى وأرزنكان من أَرض الرّوم. ورثاه عدَّة من الشُّعَرَاء رَحمَه الله تَعَالَى. السُّلْطَان زين الدّين أَبُو السعادات السُّلْطَان الْملك النَّاصِر زين الدّين أَبُو السعادات فرج بن الْملك الظَّاهِر سيف الدّين أبي سعيد برقوق بن الْأَمِير الْكَبِير سيف الدّين آنص الجركسي ثَانِي مُلُوك الجراكسة بِمصْر جلس على تخت الْملك بقلعة الْجَبَل صَبِيحَة موت أَبِيه يَوْم الْجُمُعَة النّصْف من شَوَّال سنة إِحْدَى وَثَمَانمِائَة. وَذَلِكَ أَنه اجْتمع بالقلعة الْأَمِير الْكَبِير أيتمش وَسَائِر الْأُمَرَاء وأرباب الدولة واستدعى الْخَلِيفَة وقضاة الْقُضَاة وَشَيخ الْإِسْلَام البلقينِي وَمن عَادَته الْحُضُور. فَلَمَّا تكاملوا بالإصطبل السلطاني أحضر فرج بن الْملك الظَّاهِر برقوق وخطب الْخَلِيفَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 448 وَبَايَعَهُ بالسلطة وقلده أُمُور الْمُسلمين فَقبل تَقْلِيده. وأحضرت خلعة سَوْدَاء أفيضت على فرج ونعت بِالْملكِ النَّاصِر. وَمضى حَتَّى جلس على التخت بِالْقصرِ وَقبل الْأُمَرَاء كلهم لَهُ الأَرْض على الْعَادة وألبس الْخَلِيفَة التشريف. وَأخذ بعد ذَلِك فِي جهاز الْملك الظَّاهِر فغُسل وكفُن وصَفي عَلَيْهِ بالقلعة قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين مُحَمَّد الْمَنَاوِيّ وحُمل نعشه على الْأَعْنَاق من قلعة الْجَبَل إِلَى التربة قبل صَلَاة الْجُمُعَة وَسَائِر الْأُمَرَاء والعساكر والأعيان والرعايا مشَاة يضجون ويصرخون حَتَّى وري تَحت التُّرَاب تَحت أَقْدَام الْفُقَرَاء حَيْثُ أوصى. وَلم يعْهَد قبله أحد من الْمُلُوك دفن نَهَارا بديار مصر. فَلَمَّا انْقَضى أَمر دَفنه عَاد الْأُمَرَاء وَنُودِيَ بِالْقَاهِرَةِ ومصر بالترحم على الْملك الظَّاهِر وَالدُّعَاء للْملك النَّاصِر وتطمين النَّاس وأمنهم. وخطب يَوْمئِذٍ على مَنَابِر الْقَاهِرَة ومصر للناصر وَكثر الأسف على فقد الظَّاهِر وَضربت خيمة على قَبره وَقَرَأَ الْقُرَّاء الْقُرْآن على قَبره وَكَانَ النَّاس يظنون قيام فتْنَة عَظِيمَة لمَوْته. فَلم يَتَحَرَّك سَاكن فِي هَذَا الْيَوْم. وَأنْشد الأديب الْمُقْرِئ شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد الله بن الْحسن الأوحدي فِي ذَلِك: وَقَالُوا ستأتي شدَّة بعد مَوته فأكذبهم رَبِّي وَمَا جَاءَ سوى فرج وَفِي هَذَا الْيَوْم. بشر بِزِيَادَة مَاء النّيل وَأَن القاع أَرْبَعَة أَذْرع وَنصف. وَفِيه أَرَادَ الْأَمِير الْكَبِير أيتمش أَن يتَحَوَّل من دَاره إِلَى الحراقة بالإصطبل السلطاني. فَمنع من ذَلِك الْأَمِير سودون أَمِير أخور ورد مَا حضر من قماش الْأَمِير أيتمش فاستدعى إِلَى حَضْرَة السُّلْطَان فَامْتنعَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 449 (وَفِي رَابِع عشره) كتب إِلَى مَكَّة كتاب بالعزاء والهناء وان تَقْلِيد الشريف حسن بن عجلَان يصل صُحْبَة أَمِير الْحَاج وَكتب إِلَى الْأَمِير بيسق بذلك وَإِلَى أَمِير الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة أَيْضا. وَفِي يَوْم السبت سادس عشره: اجْتمع أيتمش والأمراء بالقلعة لتقرير أَحْوَال الدولة فَكتب بالعزاء والهناء إِلَى مملكة الشَّام وَغَيرهَا. وَكتب إِلَى الْأَمِير نعير بن حيار بإمرة آل فضل على عَادَته. وعزل الْأَمِير شمس الدّين مُحَمَّد بن عنقاء بن مهنا وَعرف بِمَوْت الظَّاهِر وَقيام الْملك النَّاصِر وحُمل إِلَيْهِ التشريف على يَد الْأَمِير أسنبغا الدوادار. وجهز سودون الطيار أَمِير أخور بالكتب إِلَى دمشق وَمَعَهُ تشريف وتقليد ونسخة يَمِين وَسِتَّة أروس خيل. وجهز الْأَمِير يلبغا الناصري إِلَى حلب بِمثل ذَلِك والأمير تغري بردي قرا إِلَى طرابلس بِمثل ذَلِك والأمير أرتبغا الحافظي إِلَى حماة وَمَعَهُ خَمْسَة أروس من الْخَيل والأمير بشباي إِلَى صفد والأمير شاهين كتك الأفرم إِلَى الكرك وعَلى يَد كل مِنْهُم كتاب يتَضَمَّن العزاء بِالظَّاهِرِ والهناء بالناصر. وَأَن يحلف نَائِب السلطة والأمراء على الْعَادة فَسَارُوا على خيل الْبَرِيد. وَقرر الْأَمِير أيتمش مَعَ الْأُمَرَاء إبْقَاء الْأُمُور على مَا هِيَ عَلَيْهِ وأكد على الْوَزير تَاج الجزء: 5 ¦ الصفحة: 450 الدّين عبد الرَّزَّاق والأمير يلبغا الأستادار فِي الْكَفّ عَن ظلم الرّعية وتجهيز الْقسْط والجامكية والعليق برسم المماليك السُّلْطَانِيَّة. وَفِي ثامن عشره: خرج الْمحمل إِلَى الْحَج صُحْبَة الْأَمِير شيخ المحمودي وَجعل أَمِير الْمحمل. وَقدم أَمِير الركب الأول الْأَمِير الطواشي سيف الدّين بهادر مقدم المماليك. وَفِيه اجْتمع الْأُمَرَاء بالقلعة على عَادَتهم للْخدمَة وَتَأَخر الْأَمِير سودون أَمِير أخور عَن الْحُضُور فَبعث الْأُمَرَاء إِلَيْهِ ليحضر فَامْتنعَ فكرروا الْإِرْسَال إِلَيْهِ ثَلَاث مَرَّات إِلَى أَن حضر فكلموه فِي النُّزُول من الإصطبل فَلم يجبهم إِلَى ذَلِك فتخيلوا مِنْهُ واتهموه أَنه يُرِيد إثارة فتْنَة فقبضوا عَلَيْهِ وعَلى الْأَمِير عَليّ بن أينال وأخرجوا مَا كَانَ لَهُ بالإصطبل من خُيُول وقماش وَنَحْو ذَلِك. وَسكن الْأَمِير أيتمش مَكَانَهُ وَأنزل بسودون وَابْن إينال مقيدين إِلَى الحراقة وجهزا إِلَى وَفِي الْعشْرين مِنْهُ نُودي بِالْقَاهِرَةِ ومصر بِخُرُوج طَائِفَة الْعَجم من مصر وهدد من تَأَخّر بعد ثَلَاثَة أَيَّام بِالْقَتْلِ فَلم يخرج مِنْهُم أحد وَسكت عَن ذَلِك. مِمَّا بلغ الْأُمَرَاء عَن الخاصكية أَنهم قد اتَّفقُوا على الْقَبْض عَلَيْهِم عِنْد طلوعهم إِلَى الْخدمَة بالقلعة فَكثر خوفهم. وخُلع على الْأَمِير يشبك الشَّعْبَانِي الخازندار وَاسْتقر لالا السُّلْطَان وَمَعَهُ الْأَمِير قطلوبغا الكركي لالا أَيْضا. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْخَمِيس حادي عشرينه: جلس السُّلْطَان بدار الْعدْل على عَادَة الْمُلُوك وخلع على الْأَمِير أيتمش وعَلى الْأَمِير تغري بردي أَمِير سلَاح والأمير بيبرس الدوادار والأمير أرغون شاه أَمِير مجْلِس والأمير أرسطاي رَأس نوبَة والأمير يلبغا إستادار والوزير تَاج الدّين والأمير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن سنقر والأمير فَارس حَاجِب الْحجاب والأمير تمربغا المنجكي أَمِير حَاجِب وَمد السماط على الْعَادة. وَدخل السُّلْطَان من دَار الْعدْل إِلَى الْقصر. وَجلسَ الْقُضَاة بِجَامِع القلعة حَتَّى يخلع عَلَيْهِم وعَلى بَقِيَّة أَرْبَاب الدولة. فعندما تَكَامل الْأُمَرَاء بِالْقصرِ أغلق الخاصكية بَاب الْقصر وَكَانَ رَأْسهمْ يومئذْ سودون طاز وسودون بن زَاده وأقباي رَأس نوبَة وجهاركس المصارع. ثمَّ سلوا سيوفهم وهجموا على الْأُمَرَاء وقبضوا على أرسطاي وتمراز الناصري وتمربغا المنجكي وطغنجى وبلاط السَّعْدِيّ وطولو رَأس نوبَة وَفَارِس الجزء: 5 ¦ الصفحة: 451 الْحَاجِب. وفر مبارك شاه وطبج فأدركا وَقبض عَلَيْهِمَا. وَبلغ ذَلِك يلبغا أستادار - وَكَانَ خَارج الْقصر - فَخلع خلعته وسل سَيْفه وَنزل من القلعة إِلَى دَاره. وأحضر الخاصكية الْأُمَرَاء الْمَقْبُوض عَلَيْهِم إِلَى عِنْد الْأَمِير أيتمش - وَقد بهت وأسكت - فقيدوا أرسطاي رَأس نوبَة وتمراز وتمربغا المنجكي وطغنجي أحد أُمَرَاء الطبلخاناه وطولو وبلاط من الطبلخاناه أَيْضا. وأطلقوا من عداهم. واستدعي يلبغا أستادار فَلَمَّا حضر قبض عَلَيْهِ وَقيد. وَأنزل بالأمراء الْمَقْبُوض عَلَيْهِم إِلَى الحراقة فأحضروا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فِي لَيْلَة السبت ثَالِث عشرينه ارسطاي وتمراز وطولو. وأحضروا إِلَى دمياط تمربغا المنجكي وبلاط السَّعْدِيّ وطغنجى الأشرفي. وعصروا الْأَمِير يلبغا ليحضر المَال وأسلموه إِلَى القَاضِي سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب ليحاسبه فَنزل بِهِ إِلَى دَاره. وسألوا يلبغا السالمي بوظيفة الأستادارية فَامْتنعَ فعرضوها على ابْن سنقر وَابْن قطينة فَلم يوافقا فَخلع على الْأَمِير زين الدّين مبارك شاه واستَقر أستاداراً عوضا عَن يلبغا الْمَجْنُون فِي ثَالِث عشرينه. وَفِيه أَمر بِالنَّفَقَةِ على المماليك فَتَوَلّى الْإِنْفَاق عَلَيْهِم يلبغا السالمي وَأعْطى بِحَضْرَة السُّلْطَان كل مَمْلُوك من أَرْبَاب الخدم الجوانية سِتِّينَ دِينَارا صرف كل دِينَار ثَلَاثِينَ درهما وكل وَاحِد من أَرْبَاب الأشغال البرانية خَمْسمِائَة دِرْهَم. وَنُودِيَ أَن يكون سعر الدِّينَار ثَلَاثِينَ درهما فَإِن النَّاس كَانُوا قد توقفوا فِي الذَّهَب بعد موت السُّلْطَان وانحط من ثَلَاثِينَ إِلَى ثَلَاثَة وَعشْرين درهما الدِّينَار فشق ذَلِك على النَّاس وخافوا الخسارة لما كَانُوا يَظُنُّونَهُ من انحطاط سعر الذَّهَب فجَاء الْأَمر بِخِلَاف الجزء: 5 ¦ الصفحة: 452 مَا فِي ظنونهم. وَلم يزل يرفع حَتَّى بلغ مَا لم يكن فِي بَال أحد قطّ. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ خَامِس عشرينه: تَأَخّر سَائِر الْأُمَرَاء الألوف عَن حُضُور الْخدمَة بالقلعة خوفًا من الخاصكية فَإِن الْأُمُور صَارَت معذوقة بهم فَبعث الخاصكية إِلَى الْأُمَرَاء بالحضور فَأَبَوا من ذَلِك. فَنزل حينئذٍ الخاصكية إِلَى الإصطبل فِي خدمَة الْأَمِير أيتمش واستدعوا الْأُمَرَاء من مَنَازِلهمْ فَحَضَرُوا وَكثر الْكَلَام بَينهم إِلَى أَن اتَّفقُوا جَمِيعًا وتحالفوا على الائتلاف وَطَاعَة الْأَمِير الْكَبِير أيتمش وَالْملك النَّاصِر. وَحلف لَهُم أيتمش أَيْضا ثمَّ حلفوا سَائِر المماليك والخدام وَتَوَلَّى ذَلِك يلبغا السالمي وَقَامَ أَيْضا فِي أَمر المرتجع من إقطاعات الْأُمَرَاء حَتَّى تقرر أَن يكون المرتجع من الْأَمِير الْمُقدم خمسين ألف دِرْهَم وَمن الطبلخاناه عشْرين ألف دِرْهَم. وَمن أَمِير عشْرين عشرَة أُلَّاف وَمن أَمِير عشرَة خَمْسَة آلَاف وَمن أَمِير خَمْسَة أَلفَيْنِ وَخَمْسمِائة وَكتب بذلك مرسوم سلطاني خلد فِي الدَّوَاوِين. وَفِيه خلع على الْأَمِير قطلوبغا الحسني الكركي شاد الشرابخاناه عوضا عَن سودون المارديني مُضَافا لما بِيَدِهِ. وأنعم على الْأَمِير قراكسك بتقدمة ألف. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء سادس عشرينه: خلع على الْوَزير تَاج الدّين عبد الرَّزَّاق وَاسْتقر أستاداراً عوضا عَن مبارك شاه بِحكم استعفائه فباشر الوظيفتين. وَفِيه كتب مرسوم باستمرار الْأَمِير قرا يُوسُف فِي نِيَابَة الرها على عَادَته. وباستمرار الْأَمِير دمشقَ خجا فِي نِيَابَة جعبر على عَادَته. وَفِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء سَابِع عشرينه: هرب الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن الزين وَالِي الْقَاهِرَة فَخلع على شرف الدّين عِيسَى فلَان الشَّامي عوضه فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء. وَقبض على ابْن الزين وَسلم إِلَيْهِ. وكادت الْعَامَّة أَن تقتله لبغضهم فِيهِ فَضرب بالمقارع ضربا مبرحاً عِنْد فلَان وألزم بِحمْل أَرْبَعمِائَة ألف دِرْهَم. وَفِيه ورد الْخَبَر بِأَن بايزيد بن عُثْمَان ملك الرّوم تحرّك للمشي على بِلَاد الشَّام وَأَن تمرلنك الْقَائِم بِبِلَاد الْعَجم أَخذ ممالك الْهِنْد. وَفِي ثامن عشرينه: ورد الْخَبَر بِأَن الْأَمِير تنم نَائِب الشَّام أَخذ قلعة دمشق وَذَلِكَ إِنَّه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 453 كَانَ بالمرج من غوطة دمشق فَلم يشْعر النَّاس بِهِ فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء - الْعشْرين مِنْهُ - حَتَّى حضر إِلَى دَار السَّعَادَة ثلث اللَّيْل. فَلَمَّا أصبح استدعى الْأَمِير جمال الدّين يُوسُف الهذباني نَائِب القلعة بِحجَّة أَن الْملك الظَّاهِر طلبه فعندما نزل إِلَيْهِ قبض عَلَيْهِ وَبعث من تسلم القلعة فَكثر كَلَام النَّاس إِلَى أَن أذن الظّهْر وصل فَارس دوادار تنم من مصر وَأخْبر بِمَوْت الْملك الظَّاهِر وَإِقَامَة ابْنه النَّاصِر وتحكم الْأَمِير أيتمش وَأَن سودون الطيار قادم بالخلعة والتقليد. فَخرج الْأَمِير تنم إِلَى لِقَائِه وَلبس الخلعة خَارج الْمَدِينَة. وَاجْتمعَ الْقُضَاة والأعيان بدار السَّعَادَة. وَقُرِئَ عَلَيْهِم كتاب السُّلْطَان الْملك النَّاصِر فَأَجَابُوا بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة وَنُودِيَ فِي الْبَلَد بالأمان والزينة فزينت الْأَسْوَاق ودقت الكوسات وسر النَّاس بذلك. وَأخذ الْأَمِير تنم يُصَرح بِأَن السُّلْطَان صَغِير وكل مَا يصدر لَيْسَ هُوَ عَنهُ وَإِنَّمَا هُوَ عَن الْأُمَرَاء وَأَنا وصّى السُّلْطَان لَا يعْمل شَيْء إِلَّا بمراجعتي وَنَحْو هَذَا. فترقب النَّاس بِدِمَشْق وُقُوع الْفِتْنَة وَبلغ هَذَا نَائِب حمص فَأخذ القلعة وَأخذ أَيْضا نَائِب حماة قلعتها. شهر ذِي الْقعدَة أَوله الْأَحَد: فِي ثَانِيه: ركب طغيتمر - مقدم البريدية - الْبَرِيد وَمَعَهُ ملطفات لأمراء الورسق والأمراء الأوجقية وَمُطلق لنواب المماليك والقلاع وَمِثَال لِأَحْمَد بن رَمَضَان نَائِب أذنة ولأمراء التركمان ولنائب حلب ونائب سيس وصحبته أقبية مطرزة بِفَرْوٍ وَخمْس عشرَة قِطْعَة وفوقانيات حَرِير بأطرزة زركش أَربع وَعِشْرُونَ قِطْعَة وتشاريف عدَّة كَثِيرَة. وَفِي ثالثه: فرغ تَحْلِيف المماليك. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 454 وَفِيه أنعم على الْأَمِير سيف الدّين أينال باي بتقدمة ألف وخبز أرسطاي. وعَلى سودون من عَليّ بك - الْمَعْرُوف بطاز - بتقدمة تمراز وعَلى يلبغا الناصري بتقدمة سودون أَمِير أخور وعَلى أقباي بن حُسَيْن شاه بتقدمة تمربغا المنجكي. وأنعم على الْأَمِير شرف الدّين يَعْقُوب شاه بطبلخاناه زِيَادَة على طبلخاناته فَصَارَت تقدمة ألف بِثَمَانِينَ فَارِسًا وأنعم على كل من قرابغا الأسنبغاوي وينتمر المحمدي وأقباي الأينالي بإمرة طبلخاناه وعَلى الْأَمِير جرباش الشيخي بإقطاع يلبغا الْمَجْنُون بِخَمْسِينَ فَارِسًا وعَلى أقبغا المحمدي بطبلخاناه وعَلى كل من تمر الساقي وجركس المصارع وأينال حطب وكمشبغا الجمالي وألطنبغا الخليلي وكزل البشمقدار وقاني باي العلاي وجكا من عوض وصوماي الحسني بإمرة عشرَة. وَفِي خامسه: جلس السُّلْطَان بدار الْعدْل وَحضر الْأُمَرَاء والقضاة وَسَائِر أَرْبَاب الدولة على الْعَادة. وَفِي سابعه: خلع على سودون المارديني وَاسْتقر رَأس نوبَة كَبِيرا عوضا عَن أرسطاي وعَلى يَعْقُوب شاه وَاسْتقر حاجباً ثَانِيًا عوضا عَن تمربغا المنجكي وعَلى كل من سودون بن زَاده وتنكز بغا الحططي وخاير بك من حُسَيْن شاه وبشباي وجكم وأقيغا المحمدي الْأَشْقَر واستقروا رُؤُوس نوب. وَفِي ثامنه: نُودي على النصب بِأَن يكون صرف الدِّينَار الإفرنتي بِثمَانِيَة وَعشْرين درهما والهرجة بِثَلَاثِينَ درهما وَكَانَ قد انحط سعره فشق ذَلِك على النَّاس وتغيب الصيارفة وتوقفت أَحْوَال النَّاس. وَفِي تاسعه: خلع على قرابغا الأسنبغاوي وسمذ المحمدي ومقبل وَعمِلُوا حِجَابا فَصَارَت الْحجاب سِتَّة. وخلع على تمان تمر الأشقتمري بنيابة قلعة دمشق ثمَّ بَطل أمره. وَحضر الْأَمِير سيف الدّين دقماق نَائِب ملطية بتقادم كَثِيرَة. وخلع على برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن عَليّ التادلي وأعيد إِلَى قَضَاء الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن الْبُرْهَان القفصي. وَفِي ثَانِي عشره: - خلع على جرباش الشيخي وتمان تمر واستَقرا من رُؤُوس النوب. وخلع على كزل المحمدي البشمقدار - الْمَعْرُوف بالعجمي الأجرود - وَاسْتقر أستادار الصُّحْبَة عوضا عَن قرابغا الأسنبغاوي وعَلى سعد الدّين أبي الْفرج بن تَاج الدّين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 455 مُوسَى بن كَاتب السَّعْدِيّ وَاسْتقر نَاظر الإصطبلات السُّلْطَانِيَّة. وعَلى كل من الطواشيين شاهين السَّعْدِيّ الأْشرفي وَعبد اللَّطِيف الشرفي وصارا لالا السُّلْطَان. وعَلى الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن كلفت وَاسْتقر نقيب الْجَيْش وعَلى عَلَاء الدّين على بن قرط بِولَايَة أطفيح. وَفِي رَابِع عشره: خلع على الشَّيْخ جلال الدّين أَحْمد - وَيُقَال لَهُ إِسْلَام - بن نظام الدّين إِسْحَاق الْأَصْفَهَانِي. وأعيد إِلَى مشيخة الشُّيُوخ بخانقاه سرياقوس عوضا عَن الشريف فَخر الدّين بعد وَفَاته. وَنُودِيَ أَن يكون صوف الدِّينَار الْمَخْتُوم بِثَلَاثِينَ درهما والإفرنتي بِثمَانِيَة وَعشْرين درهما. وَكَانَ بعد موت السُّلْطَان قد انحط المثقال من اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ إِلَى خَمْسَة وَعشْرين وَالدِّينَار الإفرنتي من ثَلَاثِينَ وَنصف إِلَى عشْرين درهما. وَفِي خَامِس عشره: أخرج الْأَمِير يلبغا الْمَجْنُون إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجن بهَا. وَفِي سَابِع عشره: خُلع عَليّ وَكتب إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة. وعَلى زين الدّين عبد الرَّحْمَن بن الكويز بنظو الدولة عوضا عَن شمس الدّين عبد الله الهيصم. واستدعى شيخ الْإِسْلَام والقضاة وأعيان الْفُقَهَاء إِلَى حَضْرَة الْأَمِير الْكَبِير أيتمش بالحراقة من الإصطبل. وَقد حضر الْأُمَرَاء والخاصكية بِسَبَب الْأَمْوَال الَّتِي خلفهَا الْملك الظَّاهِر: هَل تقسم بَين ورثته أَو تكون لبيت مَال الْمُسلمين فَوَقع كَلَام محير آخِره أَن يفرق فِي ورثته مِنْهُ السُّدس وَمَا بَقِي فلبيت المَال. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير أرغون شاه البيدمري أَمِير مجْلِس فِي نظر الشيخونية عوضا عَن يلبغا السالمي وخلع عَلَيْهِ فِي تَاسِع عشره وخلع على جاني بك اليحياوي بنيابة قلعة دمشق وَتوجه إِلَيْهَا. وَفِيه قدم فَخر الدّين ماجد بن غراب نَاظر الْإسْكَنْدَريَّة. وَفِي حادي عشرينه: خلع على الْأَمِير سودون الطيار واستَقر أَمِير أخور عوضا عَن الْأَمِير سودون قريب السُّلْطَان. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 456 وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث عشرينه: خلع على الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن الْحَاج عمر الْمَعْرُوف بِابْن قطينة الحسني وَاسْتقر وزيراً عوضا عَن تَاج الدّين عبد الرَّزَّاق وَالِي قطيا وَسلم إِلَيْهِ ليعاقبه وخلع فِيهِ أَيْضا على الْأَمِير يلبغا السالمي وَاسْتقر أستاداراً عوضا عَن الْوَزير تَاج الدّين. وعَلى شهَاب الدّين أَحْمد بن أَسد الْكرْدِي الطبرادار بِولَايَة المنوفية وعزل كزل المحمدي. وعَلى علم الدّين سُلَيْمَان بن يُوسُف الشهرزوري الْكرْدِي وَاسْتقر فِي ولَايَة مصر على عَادَته عوضا عَن ركن الدّين عمر بن مَمْدُود بن الكوراني. وَفِي سادس عشرينه: وصل يلبغا الناصري من حلب وأسنبغا من عِنْد نعير وأخبرا باجتماع الْكَلِمَة على الْملك النَّاصِر. وَتوجه أسندمر الخاصكي على خيل الْبَرِيد لإحضار عَلَاء الدّين عَليّ بن الطبلاوي من الْقُدس فورد فِي عدَّة الْبَرِيد بِأَن نَائِب الشَّام استدعاه إِلَى دمشق وَأَنه سَار إِلَيْهِ. وَفِي ثامن عشرينه: اسْتَقر تَاج الدّين عبد الله بن سعد الدّين نصر الله بن البقري فِي نظر الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن فَخر الدّين ماجد بن غراب. وَفِي تَاسِع عشرينه: أُعِيد نور الدّين عَليّ بن عبد الْوَارِث الْبكْرِيّ إِلَى حسبَة مصر. وعزل شمس الدّين مُحَمَّد الشاذلي الإسْكَنْدراني. شهر ذِي الْحجَّة أَوله الِاثْنَيْنِ: فَفِي أَوله: اسْتَقر بدر الدّين مَحْمُود بن أَحْمد بن مُوسَى بن أَحْمد العينتابي الْحَنَفِيّ فِي حسبَة الْقَاهِرَة، العوضي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 457 وَفِي رابعه: صرف ابْن قطينة من الوزارة باستعفائه فَخلع عَلَيْهِ ورد إِلَيْهِ التحدث فِي أَمر الكارم كَمَا كَانَ قبل الوزارة. وخلع على فَخر الدّين بن غراب خلعة الوزارة فَصَارَ إِلَيْهِ وَالِي أَخِيه سعد الدّين إِبْرَاهِيم أَمر الدولة. وَفِيه فرق السُّلْطَان الْأَضَاحِي بالدودار من القلعة على الْعَادة فِي كل سنة. وخلع على القَاضِي سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب. وَحضر على الْبَرِيد جاني بك اليحياوي نَائِب قلعة دمشق وَمَعَهُ نُسْخَة يَمِين الْأَمِير تنم نَائِب الشَّام بإقامته على الطَّاعَة وَأَنه يُرِيد من الْأُمَرَاء الْحلف أَلا يُغيرُوا عَلَيْهِ وَلَا يؤذوه فَحلف الْأَمِير أيتمش بِحَضْرَة الْقُضَاة وَحلف لَهُ أَيْضا جَمِيع الْأُمَرَاء وَعَاد جاني بك بنسخ الْأَيْمَان على الْبَرِيد. وَفِي سابعه: وَهُوَ سادس عشر مسري سنة ألف وست عشرَة من تَارِيخ القبط أوفى النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا فَنزل الْأَمِير فَارس حَاجِب الْحجاب وَخلق المقياس وَفتح الخليج على الْعَادة. وَفِي ثَالِث عشره: ورد الْخَبَر بِأَن ابْن عُثْمَان ملك الرّوم أَخذ الأبلستين وعزم أَن يمشي على الْبِلَاد الشامية فَطلب الْأُمَرَاء والقضاة وأرباب الدولة إِلَى الْقصر السلطاني فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ خَامِس عشره وَقُرِئَ عَلَيْهِم كتب تَتَضَمَّن أَن ابْن عُثْمَان ملك الرّوم بعث أَخَاهُ عليا بالعساكر وَأَنه أَخذ ملطة والأبلستين وفر مِنْهُ صَدَقَة بن سولي فتسلمها فِي ثامن عشْرين ذِي الْقعدَة وَأَنه محاصر درندة فَوَقع الِاتِّفَاق على الْمسير إِلَى قِتَاله وَتَفَرَّقُوا فَأنْكر المماليك السُّلْطَانِيَّة صِحَة ذَلِك وَقَالُوا هَذَا حِيلَة علينا حَتَّى نخرج من الْقَاهِرَة فَقَط وعينوا سودون الطيار أَمِير أخور لكشف هَذَا الْخَبَر. وَفِيه أُعِيد شمس الدّين مُحَمَّد الأخناي إِلَى قَضَاء دمشق وعزل أصيل الدّين مُحَمَّد بن عُثْمَان الأشليمي فَكَانَت ولَايَته نَحْو مائَة يَوْم. وَفِي ثامن عشره: قدم أسندمر وَأخْبر أَن ابْن الطبلاوي ترك لبس الْأُمَرَاء وتزيا بزِي الْفُقَرَاء وجاور بِجَامِع بني أُميَّة واستجار بالمصحف العثماني وَامْتنع من الْحُضُور إِلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 458 مصر وَأَن نَائِب الشَّام قَالَ: هَذَا رجل فَقير وَقد قنع بالفقر اتركوه فِي حَاله فَتَركه. وَفِيه سَار سودون الطيار على خيل الْبَرِيد لكشف الْأَخْبَار فَدخل دمشق فِي الْعشْرين مِنْهُ. وَأخرج مرسوم السُّلْطَان بتجهيز عَسَاكِر الشَّام إِلَى بِلَاد ابْن عُثْمَان فَنُوديَ فِي الْبَلَد بذلك وَتوجه إِلَى حلب. وَفِي هَذَا الشَّهْر: أبطل السالمي تَعْرِيف منية بنى خصيب وَضَمان الْعَرَصَة وأخصاص الغسالين وَكتب بذلك مرسوماً سلطانياً بعثة إِلَى الأشمونين نُودي بِإِبْطَال ذَلِك فِي سواحل الْبِلَاد وَفِي منية بني خصيب وَنقش على بَاب جَامعهَا فبطلت هَذِه الْمَظَالِم. وأبطل أَيْضا وفر الشون السُّلْطَانِيَّة وَكَانَ فِي كل سنة آلافاً من الأرادب وأبطل الْمُقَرّر على البردار وَهُوَ فِي كل شهر سَبْعَة آلَاف دِرْهَم والمقرر على مقدم الْمُسْتَخْرج وَهُوَ ثَلَاثَة آلَاف درهما فِي كل شهر. وأبطل مَا كَانَت السماسرة فِي الغلال تَأْخُذهُ من المبتاعين وَهُوَ عَن كل أردب دِرْهَمَيْنِ. وَكتب عَلَيْهِم أَلا يَأْخُذُوا عَن كل أردب سوى نصف دِرْهَم. وَفِي سَابِع عشرينه: اسْتَقر قطلوبغا التركماني الخليلي فِي ولَايَة الشرقية على عَادَته. وعزل أرغون وَاسْتقر صارم الدّين إِبْرَاهِيم بن مَحْمُود وَالِي أشموم طناح. وعزل قطلوبغا الجنتمري. وَأما نَائِب الشَّام فَإِنَّهُ لما استولى على قلعة دمشق وصل إِلَيْهِ فِي سادس عشر ذِي الْقعدَة شخص ادّعى أَنه فداوى بَعثه الْأَمِير أيتمش ليَقْتُلهُ وأحضر سكيناً بدار السَّعَادَة فوصله بِمَال وَصَرفه فَتحدث النَّاس أَن هَذِه مكيدة ومقدمة لإِظْهَار الْخلاف وَأخذ النَّائِب يسب أيتمش فِي مَجْلِسه. وَيظْهر الْخلاف عَلَيْهِ. فَلَمَّا قدم الْأَمِير جاني بك اليحياوي دمشق على نِيَابَة القلعة لما يُمكنهُ مِنْهَا ورده وَمَعَهُ سونج بغا - أحد مماليكه - ليحلف الْأُمَرَاء فَحَلفا الْأُمَرَاء وعادا إِلَيْهِ فِي نصف ذِي الْحجَّة ومعهما تشريف فلبسه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 459 إِلَى دَار السَّعَادَة ونزعه عَنهُ وَألبسهُ الَّذِي قدم بِهِ عَلَيْهِ. ودافع جاني بك عَن القلعة وَأعَاد مَمْلُوكه سونج بغا إِلَى مصر. وَبعث إِلَى قلعة الصبيبة فأفرج عَن أقبغا اللكاش وألجى بغا الْحَاجِب وخضر الكريمي واستدعاهم إِلَى دمشق فقدموا عَلَيْهِ فِي ثَانِي عشْرين ذِي الْحجَّة وأنزلهم بدار السَّعَادَة. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان قَاضِي الْقُضَاة عماد الدّين أَحْمد بن عِيسَى بن مُوسَى بن عِيسَى بن سليم بن جميل الْأَزْرَقِيّ العامري الكركي الشَّافِعِي بالقدس فِي سادس عشْرين ربيع الأول. وَمَات أَمِير حَاج بن مغلطاي أحد الْأُمَرَاء ونائب الْإسْكَنْدَريَّة بدمياط فِي ربيع الأول. وَمَات أرغون شاه الإبراهيمي نَائِب حلب بهَا فِي صفر لَيْلَة الْخَامِس وَالْعِشْرين مِنْهُ فَكَانَت جنَازَته عَظِيمَة جدا لِأَنَّهُ كَانَ أظهر من الْعدْل بحلب أمرا كَبِيرا. اتّفق أَنهم اكتروا لديوانه جمالاً لنقل الْملح فَأخذت سَرِيَّة من الْعَرَب الْجمال فأحضر أَرْبَابهَا وَجعل بعلي من حلف قيمَة جمله الَّتِي يحلف عَلَيْهِ. وَهَذَا غَرِيب فِي زَمَاننَا وَقيل إِنَّه مَاتَ مسموماً. كَانَ أَولا خازنداراً ثمَّ ولي نِيَابَة صفد ثمَّ طرابلس ثمَّ حلب. وَمَات بكلمش العلاي أَمِير سلَاح وأمير مجْلِس بالقدس فِي صفر. وَمَات تمان بغا الحسني نَائِب حمص. وَمَات الشَّيْخ الْمُقْرِئ المعتقد خَلِيل بن عُثْمَان بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الْجَلِيل وَيعرف بِابْن المشبب فِي سادس عشْرين ربيع الأول. وَمَات شهَاب الدّين أَحْمد بن أبي بكر بن مُحَمَّد الْعَبَّادِيّ الْحَنَفِيّ فِي لَيْلَة الْأَحَد تَاسِع عشْرين ربيع الآخر. وَكَانَ من فضلاء الْحَنَفِيَّة درس فِي عدَّة فنون وناب فِي الحكم بِالْقَاهِرَةِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 460 وَمات الأديب عَلَاء الدّين عَليّ بن أيبك الدِّمَشْقِي بهَا فِي ثَانِي عشْرين ربيع الأول. وَمَات الْعَارِف شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ عرف بِابْن نجم الصُّوفِي بِمَكَّة فِي صفر وَقد جاور عدَّة سِنِين بِمَكَّة. وَمَات الْخَلِيفَة المستعصم بِاللَّه زَكَرِيَّا بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن أَحْمد الْحَاكِم وَهُوَ مخلوع فِي رَابِع عشْرين جُمَادَى الأولى. وَمَات الْأَمِير شيخ الصفوي بقلعة المرقب مسجوناً. وَمَات الطواشي صندل المنجكي فِي ثَالِث رَمَضَان. وَمَات الْأَمِير صرغتمش المحمدي نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة فِي ثَالِث عشر جُمَادَى الأولى. وَمَات الْأَمِير كمشبغا الْحَمَوِيّ بسجن الْإسْكَنْدَريَّة فِي ثامن عشْرين رَمَضَان. وَمَات الْملك الْمَنْصُور مُحَمَّد بن المظفر حاجي بن النَّاصِر مُحَمَّد بن الْمَنْصُور قلاوون. وَهُوَ وَمَات قَاضِي الْقُضَاة نَاصِر الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن التنسي الْمَالِكِي وَهُوَ قَاضِي أول شهر رَمَضَان. وَمَات بدر الدّين مَحْمُود بن عبد الله الكُلُسْتاني السراي كَاتب السِّرّ وَهُوَ متول فِي عَاشر جُمَادَى الأولى. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 461 وَمَات الْأَمِير قديد أحد الْأُمَرَاء ونائب الْإسْكَنْدَريَّة وَهُوَ منفي فِي رَابِع ربيع الآخر بالقدس. وَمَات أَحْمد بن عبد الله الزهوري فِي أول صفر وَكَانَ شَيخا عجمياً ذَاهِب الْعقل للسُّلْطَان فِيهِ اعْتِقَاد كَبِير. وَمَات الْأَمِير أزدمر دوادار السُّلْطَان وَهُوَ أَمِير. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 462 بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانمِائَة أهل الْمحرم بِيَوْم الْأَرْبَعَاء وَهُوَ خَامِس توت: والأردب الْقَمْح بِأَرْبَعِينَ درهما وَالشعِير بِخَمْسَة وَعشْرين درهما والفول بسبعة وَعشْرين وَالدِّينَار الْمصْرِيّ بِثَلَاثِينَ درهما وَالدِّينَار الإفرنتي بِخَمْسَة وَعشْرين درهما. وَفِي ثَانِيه: اسْتَقر جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر الطنبدي فِي حسبَة الْقَاهِرَة وَصرف الْبَدْر مَحْمُود الْعين تابي. وَاسْتقر الْأَمِير حَاج بن أيدمر وَإِلَى البهنسا وَصرف حيواط السيفي. وَفِي سادسه: اسْتَقر الشريف الْأَمِير عَلَاء الدّين على الْبَغْدَادِيّ وَإِلَى دمياط فِي وَظِيفَة شدّ الدَّوَاوِين عوضا عَن شهَاب الدّين أَحْمد بن حسن بن خَاص بك الْمَعْرُوف بِابْن خَاص ترك البريدي وَكَانَ الْملك الظَّاهِر بَعثه إِلَى بِلَاد الشَّام لتَحْصِيل الْأَمْوَال والأغنام. فَلَمَّا مَاتَ الْملك الظَّاهِر عوقه الْأَمِير تنم نَائِب دمشق. وَكَانَ قد جمع كثيرا من الأغنام وَالْأَمْوَال. وَفِي سابعه: قبض على أَمِير حَاج بن بيدمر وسجن. وَذَلِكَ أَنه كَانَ يَلِي الفيوم أَيَّام الْأَمِير منطاش فحبس عِنْده الْأَمِير تمرباي الحسني حَاجِب الْحجاب والأمير قرابغا الْعمريّ أَمِير مجْلِس والأمير أردبغا العثماني والأمير يُونُس الأسعردي والأمير طغاي تمر الجركتمري والأمير قازان المنجكي والأمير تنكز العثماني والأمير عِيسَى التركماني فَبعث إِلَيْهِ الْأَمِير صراي دوادار الْأَمِير منطاش بِقَتْلِهِم فِي السجْن فألقي عَلَيْهِم حَائِطا قَتلهمْ واحضر قَاضِي الفيوم وَكتب محضراً بِأَنَّهُم مَاتُوا تَحت الرَّدْم. فَلَمَّا انقضي تحكم منطاش وَعَاد الظَّاهِر برقوق هرب من الْخَوْف مُدَّة حَيَاة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 3 الظَّاهِر. فَلَمَّا مَاتَ الظَّاهِر برقوق تعلق بِخِدْمَة الْأَمِير تغري بردى أَمِير سلَاح حَتَّى اسْتَقر بِشَفَاعَتِهِ فِي ولَايَة البهنسا كَمَا تقدم. وَكَانَت ابْنة الْأَمِير تمرباي الحسني تَحت تغري بردى فعرفها مماليك أَبِيهَا بِأَنَّهُ قَاتل أَبِيهَا فَمَا زَالَت بزوجها حَتَّى قبض عَلَيْهِ وسجنه بخزانة شمايل وَاسْتقر عوضه الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد الضاني. وَفِي ثامنه: أحضر الْأَمِير يلبغا السالمي أوناط اليوسفي كاشف الْوَجْه البحري. وضربه عريا بالمقارع والعصي مَعًا من أجل أَنه أخرق بِرَسُولِهِ. وَاسْتقر عوضه عَلَاء الدّين على بن طرنطاي فِي تاسعه. وَفِي سادس عشره: اسْتَقر جمال الدّين يُوسُف بن قطلوبك - صهر ابْن المزوق - فِي ولَايَة الغربية. وَصرف عَلَاء الدّين على الْحلَبِي. وَفِي سَابِع عشره: أطلق الْأَمِير تنم نَائِب الشَّام من سجن الصبيبة الْأَمِير ألجبغا والأمير خضر. وَقدم دمشق وَأطلق الْأَمِير آقبغا اللكاش أَيْضا. وَفِي ثامن عشره: اسْتَقر عَلَاء الدّين ألطنبغا وَإِلَى الْعَرَب نَائِب الْوَجْه القبلي وَصرف عَلَاء وَورد الْخَبَر بنزول ابْن عُثْمَان على ملطية ومحاصرتها وَبهَا الْأَمِير جمق من الظَّاهِرِيَّة. وَأَن العشير بِبِلَاد الشَّام كَانَت بَينهم فتن وحروب قتل فِيهَا آلَاف. وَكَانَ من خبر أبي يزِيد بن عُثْمَان أَن القَاضِي برهَان الدّين صَاحب سيواس لما قتل كتب أهل سيواس إِلَى ابْن عُثْمَان يستدعوه فَسَار إِلَيْهِم من فوره على عَسْكَر كَبِير وملكها وَأقَام عَلَيْهَا ابْنه سلمَان ثمَّ مُضِيّ إِلَى أرزنجان ففر مِنْهُ طهر ابْن حاكمها إِلَى تيمورلنك فَأخذ ابْن عُثْمَان مَاله وأفحش فِي حريمه بتمكين سواسه مِنْهُنَّ وَعَاد إِلَى مَمْلَكَته. وَفِي تَاسِع عشره: اسْتَقر القَاضِي نور الدّين عَليّ بن الشَّيْخ سراج الدّين عمر بن الملقن فِي إِفْتَاء دَار الْعدْل مُضَافا لمن بهَا. وَفِي عشرينه: اسْتَقر الْمُقدم مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن مقدم الدولة وَصرف الْحَاج زين الدّين عمر بن صابر ورفيقه عَليّ البديوي وَقبض عَلَيْهِمَا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 4 وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء حادي عشرينه: ركب الْملك النَّاصِر من قلعة الْجَبَل وَمَعَهُ الْأَمِير الْكَبِير أيتمش وَسَائِر الْأُمَرَاء إِلَى تربة أَبِيه وشق الْقَاهِرَة من بَاب النَّصْر إِلَى بَاب زويلة وَصعد القلعة. وَهَذِه أول ركباته بعد السلطنة. وَفِيه دخل الْمحمل والحاج وَشَكوا من الْمَشَقَّة بِشدَّة الْحر وَمَوْت الْجمال وَأَن الشريف حسن بن عجلَان أَمِير مَكَّة شكا إِلَى الْأَمِير شيخ المحمودي أَمِير الْحَاج من الْأَمِير بيسق أَمِير الرجبية والمتحدث فِي عمَارَة الْحرم. وَأَن العبيد هموا غير مرّة بقتْله لثقله عَلَيْهِم فاستدعاه واصلح بَينه وَبينهمْ وَأقَام بِمَكَّة ليتم عمَارَة الْحرم وَأَن الْأَمِير شيخ لما وصل إِلَى يَنْبع وَهُوَ عَائِد نَادِي فِي الْحَاج من كَانَ فَقِيرا فليحضر إِلَى خيمة الْأَمِير يَأْخُذ عشرَة دَرَاهِم وقميصاً فَاجْتمع عِنْده عدَّة من الْفُقَرَاء فَقبض عَلَيْهِم وسلمهم إِلَى أَمِير يَنْبع وَأمره أَن ينزلهم فِي مراكب بالبحر ليسيروا إِلَى الطّور ورحل بالحاج من فوره فَتَأَخر الْفُقَرَاء بينبع. وَفِي لَيْلَة الْجُمُعَة رَابِع عشرينه: أفرج الْأَمِير تنم نَائِب الشَّام عَن الْأَمِير جلبان من سجنه بقلعة دمشق. وَفِي خَامِس عشرينه: اسْتَقر عَلَاء الدّين أقبغا الزيني المزوق فِي ولَايَة الفيوم وكشفها وكشف البهنساوية والأطفيحية وَصرف طيبغا الزيني من ولَايَة الفيوم. شهر صفر أَوله الْخَمِيس: وَفِيه خلع على الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن أَسد الهذباني الْكرْدِي الطبردار لولاية المنوفية وعزل اقبغا البشتكي. وَفِيه ركب الْأَمِير تنم نَائِب الشَّام فِي موكب جليل بِدِمَشْق وَركب مَعَه الأميران جلبان وأقبغا اللكالش. وَفِيه كتب الْأَمِير تنم إِلَى النواب يَدعُوهُم إِلَى مُوَافَقَته فَلم يجبهُ نَائِب حلب وَلَا نَائِب حماة. وَفِي ثالثه: اسْتَقر شهَاب الدّين أَحْمد الطرخاني وَالِي مصر وَصرف علم الدّين سُلَيْمَان الشهرزوري. وَفِي سادسه: اسْتَقر بهاء الدّين أرسلان وَالِي الْعَرَب الْمَعْزُول من ولَايَة الْقَاهِرَة فِي نِيَابَة الْوَجْه البحري. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 5 وعزل عَلَاء الدّين عَليّ بن مُسَافر. وقبص على الْوَزير بدر الدّين مُحَمَّد بن الطوخي وعَلى ابْنه سُلَيْمَان وسلما إِلَى الشريف شاد الدَّوَاوِين فضربهما وعصر الْوَزير على مائَة ألف دِرْهَم تَأَخَّرت للأمير الْكَبِير أيتمش فِي أَيَّام مُبَاشَرَته من ثمن اللَّحْم الْمُرَتّب لَهُ على الدولة فأوردا ثَلَاثَة وَثَمَانِينَ ألفا وضمنهما شرف الدّين مُحَمَّد بن الدماميني والمهتار عبد الرَّحْمَن فِي مبلغ سَبْعَة عشر ألفا وَأَفْرج عَنْهُمَا فهربا وغرما ذَلِك من مَالهمَا. وَفِيه اسْتَقر عَلَاء الدّين طيبغا الزيني فِي ولَايَة الفيوم على عَادَته وعزل أقبغا المزوق. وَفِيه قبض الْأَمِير تنم نَائِب الشَّام على الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن خَاص ترك شاد الدَّوَاوِين وَأخذ جَمِيع مَا جمعه من الأغنام وَالْأَمْوَال وفوض أَمر أستادارية الشَّام إِلَى الْأَمِير عَلَاء الدّين الطبلاوي. وَفِي خَامِس عشره: أُعِيد شمس الدّين مُحَمَّد الشاذلي إِلَى حسبَة مصر وَصرف نور الدّين على الْبكْرِيّ. وَفِي خَامِس عشرينه: أحضرت جثة الْأَمِير كمشبغا الْحَمَوِيّ من الْإسْكَنْدَريَّة إِلَى تربته خَارج بَاب المحروق. وَفِي هَذَا الشَّهْر: تحركت الأسعار بِالْقَاهِرَةِ. وَذَلِكَ أَن الظَّاهِر لما مَاتَ كَانَ أَعلَى سعر: الْقَمْح كل إِرْدَب بِخَمْسَة وَعشْرين مِمَّا دونهَا وَالشعِير كل أردب من خَمْسَة عشر درهما إِلَى مَا دون ذَلِك فَأصْبح فِي يَوْم السبت التَّالِي لدفن الْملك الظَّاهِر كل إِرْدَب من الْقَمْح بِأَرْبَعِينَ درهما من غير سَبَب. ودام ذَلِك حَتَّى بلغت زِيَادَة النّيل فِي نصف الْمحرم من هَذَا الْعَام - وَهُوَ سَابِع عشر توت - ثَمَانِيَة أَصَابِع من تِسْعَة عشر ذِرَاعا وَهَبَطَ عقيب ذَلِك أَصَابِع. فَلَمَّا انقضي شهر توت انحط المَاء وتزايد السّعر من أَرْبَعِينَ درهما الإردب الْقَمْح حَتَّى بلغ سِتِّينَ درهما. وَبلغ الأردب من الشّعير والفول إِلَى خَمْسَة وَثَلَاثِينَ بعد خَمْسَة وَعشْرين والحملة من الدَّقِيق - وَهِي زنة ثَلَاثمِائَة رَطْل بالمصري - مائَة دِرْهَم وَالْخبْز أَرْبَعَة أَرْطَال بدرهم. وارتفع سعر غَالب المأكولات. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 6 وَفِي آخِره أبيع الرَّغِيف بِثمن دِرْهَم زنته سبع أواقي. وَفِيه أَيْضا: تزايد الِاخْتِلَاف بَين الْأُمَرَاء والخاصكية وَكثر نفور الخاصكية من الْأَمِير أيتمش وظنوا بِهِ وبالأمراء أَنهم قد مالوا إِلَى نَائِب الشَّام. وَاتَّفَقُوا مَعَه على إفناء المماليك بِالْقَتْلِ وَالنَّفْي فتخيل الْأُمَرَاء مِنْهُم واشتدت الوحشة بَين الطَّائِفَتَيْنِ. وَتعين من الخاصكية سودون طاز وسودون بن زَاده وجركس المصارع ووافقوا الْأَمِير يشبك فصاروا فِي عصبَة قَوِيَّة وشوكة شَدِيدَة وَشرع كل من الْأُمَرَاء والخاصكية فِي التَّدْبِير وَالْعَمَل على الآخر. وَأما أَمر الْأَمِير تنم نَائِب الشَّام فَإِنَّهُ لما عَاد إِلَيْهِ مَمْلُوك سونج بغا من مصر فِي ثَالِث عشر الْمحرم وَمَعَهُ مرسوم شرِيف بتفويض أُمُور الْبِلَاد الشامية إِلَيْهِ وَأَن يُطلق من شَاءَ من الْأُمَرَاء المحبوسين. أطلق الْأَمِير جلبان من قلعة دمشق فِي لَيْلَة الْجُمُعَة رَابِع عشرينه وَأطلق الْأَمِير أزدمر أَخا أينال وَمُحَمّد بن أينال من طرابلس واحضرهما إِلَى دمشق. وَبعث إِلَى نواب الْبِلَاد يَدعُوهُم إِلَى الْقيام مَعَه فَأَجَابَهُ يُونُس الرماح نَائِب طرابلس وألطبغا العثماني نَائِب صفد وأقبغا الأطروش نَائِب حلب. وَامْتنع من إجَابَته الْأَمِير دمرداش المحمدي نَائِب حماة. وَبعث تنم إِلَى نَائِب طرابلس أَن يُجهز شينيا إِلَى ثغر دمياط ليحمل فِيهِ الْأَمِير نوروز الحافظي وَغَيره من الْأُمَرَاء المسجونين. فبادر نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن بهادر المؤمني فتسلم برج الْأَمِير الْكَبِير أيتمش بطرابلس وَركب الْبَحْر إِلَى دمياط وَقدم إِلَى قلعة الْجَبَل وَأخْبر بذلك. فَكتب على يَده عدَّة كتب ملطفات إِلَى الْأَمِير قرمش حَاجِب طرابلس وَغَيره من الْقُضَاة والأعيان بِأَن قرمش الْحَاجِب يثب على يُونُس الرماح نَائِب طرابلس ويقتله ويلي مَكَانَهُ فَسَار بذلك. وَاتفقَ أَن يُونُس الرماح قبض على قرمش الْحَاجِب وَقَتله قبل وُصُول ابْن بهادر. واستدعي نَائِب الشَّام بالأمير عَلَاء الدّين على بن الطبلاوي وأقامه متحدثاً فِي أُمُور الدولة كَمَا كَانَ بديار مصر وَسلم إِلَيْهِ شهَاب الدّين أَحْمد بن خَاص ترك شاد الدَّوَاوِين فِي ثامن صفر هَذَا فَأخذ مِنْهُ مَا جمعه من الْأَمْوَال السُّلْطَانِيَّة. ثمَّ إِنَّه حلف الْأُمَرَاء فِي ثَانِي عشره على أَن يَكُونُوا مَعَه وتأهب للمسير إِلَى حلب وَأخذ ابْن الطبلاوي فِي طلب أَرْبَاب الْأَمْوَال بِدِمَشْق وَطرح عَلَيْهِم السكر الْحَاصِل من الأغوار فضر النَّاس كلهم بِحَيْثُ أَنه طرح ذَلِك على الْفُقَهَاء ونقباء الْقُضَاة وَأهل الغوطة. فَتَنَكَّرت الْقُلُوب على النَّائِب بِهَذَا السَّبَب وَكثر الدُّعَاء عَلَيْهِ. وَأظْهر الْأَمِير جنتمر نَائِب حمص الْخلاف على تنم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 7 وَقدم الْبَرِيد من حلب إِلَى قلعه الْجَبَل فِي حادي عشرينه أَن نَائِب حلب ونائب حماة ونائب حمص باقون على الطَّاعَة وان تنم نَائِب دمشق خرج عَن الطَّاعَة وَأطلق من السجْن الْأَمِير جلبان والأمير أقبغا اللكاش والأمير أَحْمد بن يلبغا والأمير أزدمر أَخا إينال والجبغا الجمالي وخضر الكريمي فتحقق أهل الدولة حِينَئِذٍ صِحَة مَا كَانَ يشاع من عصيان تنم وَصرح الخاصكية بِأَن الْأَمِير أيتمش قد وَافقه على ذَلِك فِي الْبَاطِن وتحرزوا مِنْهُ. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن عشرينه: كسفت الشَّمْس قبل الْعَصْر. شهر ربيع الأول أَوله السبت: فِيهِ وَجه الْأَمِير تنم نَائِب الشَّام عسكرا إِلَى غَزَّة مَعَ الْأَمِير آقبغا اللكاش. وَفِي ثالثه: أخرج عسكرا إِلَى حلب مَعَ الْأَمِير جلبان. وَفِيه قبض على بتخاص وسجن بقلعة دمشق. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سادسه: استدعي الْملك النَّاصِر فرج بالأمير الْكَبِير أيتمش إِلَى الْقصر وَقَالَ لَهُ: يَا عَم أَنا قد أدْركْت وَأُرِيد أَن أترشد. وَكَانَ هَذَا قد بَيته مَعَه الْأَمِير يشبك والأمير سودون طاز فِيمَن مَعَهُمَا من الخاصكية ليستبد السُّلْطَان وَيحصل لَهُم الْغَرَض فِي أيتمش والأمراء وَيمْتَنع أيتمش من تصرف السُّلْطَان فينفتح لَهُم بَاب إِلَى الْقِتَال ومحاربة أيتمش والأمراء. فَأجَاب أيتمش السُّلْطَان بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة وَاتفقَ مَعَ الْأُمَرَاء والخاصكية على ترشيد السُّلْطَان وَأَن يمتثل سَائِر مَا يرسم بِهِ. واستدعي فِي الْحَال الْخَلِيفَة وَشَيخ الْإِسْلَام سراج الدّين البُلْقِينِيّ وقضاة الْقُضَاة وقضاة العساكر ومفتو دَار الْعدْل وَكَاتب السِّرّ وناظر الْجَيْش وَغَيره مِمَّن عَادَته حُضُور الْمجَالِس السُّلْطَانِيَّة. وادعي القَاضِي سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب نَاظر الْجَيْش وَالْخَاص على الْأَمِير أيتمش بِأَن السُّلْطَان قد بلغ راشداً. وَأشْهد عدَّة من الْأُمَرَاء الخاصكية بذلك فَحكم الْقُضَاة برشد السُّلْطَان وخلع على الْخَلِيفَة وَشَيخ الْإِسْلَام وقضاة الْقُضَاة وَمن حضر من بَقِيَّة الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء وعَلى الْأَمِير أيتمش. وَنزل أيتمش إِلَى دَاره الَّتِي كَانَ يسكنهَا فِي الْأَيَّام الظَّاهِرِيَّة وَنقل سَائِر مَا كَانَ لَهُ بالإصطبل السلطاني وللحال دقَّتْ البشائر وَنُودِيَ فِي الْقَاهِرَة ومصر بالزينة وَالدُّعَاء للسُّلْطَان فزينتا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 8 وَفِي هَذَا الْيَوْم: عمل السُّلْطَان المولد النَّبَوِيّ على عَادَة أَبِيه وَحضر مَعَه الْأُمَرَاء والقضاة وَمن عَادَته الْحُضُور. وَفِيه خرج الْأَمِير تنم نَائِب دمشق مِنْهَا إِلَى نَحْو حلب. وَعمل نَائِب الْغَيْبَة الْأَمِير أزدمر أَخا أينال. وافترق من يَوْمئِذٍ الْعَسْكَر فريقان فرقة مَعَ أيتمش وَفرْقَة مَعَ يشبك. وَانْقطع يشبك بداره وَأظْهر أَنه مَرِيض فتخيل أيتمش وَمن مَعَه من الْأُمَرَاء وظنوا أَنَّهَا من يشبك حِيلَة حَتَّى إِذا دخلُوا لعيادته قبض عَلَيْهِم فَلَزِمَ كل مِنْهُم دَاره واستعد. وأخلد أيتمش إِلَى الْعَجز وَأعْرض عَن إِعْمَال الرَّأْي وَالتَّدْبِير. وَكَانَ قد تبين مُنْذُ مَاتَ الظَّاهِر عَجزه وَعدم أَهْلِيَّته للْقِيَام بِالْأَمر. فَلَمَّا كَانَ لَيْلَة الِاثْنَيْنِ عاشره: أشيع من الْعَصْر ركُوب العساكر لِلْقِتَالِ وماج النَّاس وَكَثُرت حركاتهم فَلم يدْخل اللَّيْل حَتَّى لبس أيتمش. مِمَّن مَعَه آلَة الْحَرْب. وَملك أيتمش الصوة تجاه بَاب القلعة وأصعد عدَّة من الْمُقَاتلَة إِلَى عمَارَة الْأَشْرَف تجاه الطبلخاناه ليرموا على من فِيهَا وَمن يقف على بَاب القلعة. وَلم يخرج يشبك من بَيته. وَأخذ الْأَمِير فَارس حَاجِب الْحجاب رَأس الشَّارِع الملاصق لباب مدرسة السُّلْطَان حسن لِيُقَاتل من يخرج من بَاب السلسلة. وَأخذ الْأَمِير تغري بردي أَمِير سلَاح والأمير أرغون أَمِير مجْلِس رَأس سويقة منعم تجاه الْقصر. وَركب الْأَمِير يشبك الخازندار والأمير بيبرس الدوادار إِلَى القلعة. ودقت بهَا الكوسات الحربية. ولبست المماليك السُّلْطَانِيَّة. وَلحق بهم من الْأُمَرَاء سودون طاز وسودون المارديني ويلبغا الناصري وبكتمر الركني وأينال باي بن قجماس ودقماق المجدي نَائِب ملطية. وَوَقعت الحروب بَين الْفَرِيقَيْنِ من وَقت الْعشَاء الْآخِرَة إِلَى السحر. وَقد نزل السُّلْطَان من الْقصر إِلَى الإصطبل فَاشْتَدَّ قتال المماليك السُّلْطَانِيَّة وَثَبت لَهُم الْأَمِير فَارس وَكَاد يهزمهم لَوْلَا مَا كادوه من أَخذ مدرسة السُّلْطَان حسن ورميه من أَعْلَاهَا إِلَى أَن هزموه وَأَحَاطُوا بداره وهزموا تعري بردى وأرغون شاه بَعْدَمَا أبلى تغري بردى بلاءاً كثيرا وَأَحَاطُوا بدورهما فَصَارَ الْجَمِيع إِلَى أيتمش. وَقد امتدت الْأَيْدِي إِلَى دُورهمْ فنهبوا مَا فِيهَا فَنَادَى أيتمش بِالْقَاهِرَةِ وظواهرها: من قبض مَمْلُوكا جركسيا من الجزء: 6 ¦ الصفحة: 9 المماليك السُّلْطَانِيَّة وأحضره إِلَى الْأَمِير الْكَبِير أيتمش يَأْخُذ عرية فحنقوا من ذَلِك وفارقه من كَانَ مَعَه من الجراكسة وصاروا إِلَى جِهَة السُّلْطَان ومالوا بأجمعهم على أيتمش فإنهزم. مِمَّن بَقِي مَعَه وَقت الظّهْر من يَوْم الِاثْنَيْنِ يُرِيدُونَ جِهَة الشَّام وَانْهَزَمَ مَعَه من الْأُمَرَاء الألوف أرغون شاه أَمِير مجْلِس وتغري بردي أَمِير سلَاح وَفَارِس حَاجِب الْحجاب وَيَعْقُوب شاه الْحَاجِب. وَمن الطلخاناه ألطنبغا شادي وشادي خجا العثماني وتغري بردى الجلباني وبكتمر. جلق الناصري وتنكر بغا الحططي وأقبغا المحمودي الْأَشْقَر وعيسي فلَان وَإِلَى الْقَاهِرَة. وَمن أُمَرَاء العشرينات أسندمر الأسعردي ومنكلي بغا العثماني ويلبغا الظريف من خجا عَليّ. وَمن أُمَرَاء العشرات خضر بن عمر ابْن بكتمر الساقي وخليل بن قرطاي شاد العمائر وعَلى بن بلاط الفخري وبيرم العلاي وأسنبغا المحمودي وَمُحَمّد بن يُونُس النوروزي وألجي بغا السلطاني وتمان تمر الأشقتمري وتغري بردى البيدمري وأرغون السيفي ويلبغا البلشون المحمودي وباي خجا الحسني وَأحمد بن أرغون شاه الأشرفي ومقبل أَمِير حَاجِب وناصر الدّين مُحَمَّد ابْن عَلَاء الدّين على بن كلفت نقيب الْجَيْش وخايربك بن حسن شاه وجوبان العثماني وكزل العلاي ويدي شاه العثماني وكمشبغا الجمالي وألطنبغا الخليلي وألطنبغا الحسني فِي تَتِمَّة نَحْو الْألف. فَمروا بالخيول السُّلْطَانِيَّة فِي نَاحيَة وَتجمع من المفسدين خلائق ونهبوا مدرسة أيتمش وحفروا قبر وَلَده الَّذِي بهَا وأحرقوا الرّبع المجاور لَهَا من خَارج بَاب الْوَزير فَلم يعمر بعد ذَلِك. ونهبوا جَامع أقسنقر واستهانوا بِحرْمَة الْمَصَاحِف. ونهبوا مدرسة السُّلْطَان حسن وأتلفوا عدَّة من مسَاكِن المنهزمين وكسروا حبس الديلم وَحبس الرحبة وأخرجوا المسجونين. وَقتل فِي هَذِه الْوَاقِعَة من الْأُمَرَاء قجماس المحمدي شاد السِّلَاح خاناه من أُمَرَاء العشرات وقرابغا الأسنبغاوي وينتمر المحمدي من الْأُمَرَاء الألوف. واختفي مِمَّن كَانَ مَعَه مقبل الرُّومِي الطَّوِيل أَمِير جاندار وكمشبغا الخضري فندب السُّلْطَان فِي طلب المنهزمين بكتمر الركني ويلبغا الناصري وأقبغا الطرنطاي من أُمَرَاء الألوف وأسنبغا الدوادار من الطبلخاناه وباشا باي بن باكي وصوماي الحسني من العشرات فِي خَمْسمِائَة من المماليك السُّلْطَانِيَّة فَلم يدركوهم وعادوا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 10 وَفِي حادي عشره: اسْتَقر قرابغا مغرق فِي ولَايَة الْقَاهِرَة عوضا عَن عيسي فلَان فَنُوديَ بَين يَدَيْهِ أَن من أحضر أَمِيرا من أَصْحَاب أيتمش أَخذ ألف دِينَار. وَفِي ثَانِي عشره: اسْتَقر فِي ولَايَة الْقَاهِرَة بلبان من المماليك السُّلْطَانِيَّة عوضا عَن مغرق فَإِنَّهُ مَاتَ من جِرَاحَة كَانَت بِهِ وَنزل بالخلعة إِلَى الْقَاهِرَة فَمر من بَاب زويلة يُرِيد بَاب الْفتُوح وَعبر رَاكِبًا من بَاب الْجَامِع الحاكمي وَهُوَ يُنَادي قدامه فَإِذا بالأمير شهَاب الدّين أَحْمد بن عمر بن الزين قد جَاءَ إِلَى نَحْو بَاب النَّصْر وَهُوَ يُنَادي بَين يَدَيْهِ أَيْضا. فَلَمَّا التقيا وافي الطواشي شاهين الحسني وَمَعَهُ خلعة ألبسها لِابْنِ الزين فَبَطل أَمر بلبان وَتصرف ابْن الزين فِي أُمُور الْولَايَة وَنُودِيَ بالكف عَن النهب وهدد من ظفر بِهِ من النهابة فسكن الْحَال. وَفِي ثَالِث عشره: خلع على أسندمر الْعمريّ بنقابة الْجَيْش وعَلى نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن ليلِي بِولَايَة مصر وعزل الشهَاب أَحْمد الطرخاني. وَفِي رَابِع عشره: قبض على الْأَمِير مقبل الرُّومِي أَمِير جاندار من منزله وَنهب مَا وجد لَهُ. وَأما تنم فَإِنَّهُ وَجه الْأَمِير آقبغا اللكاش فِي عدَّة من الْأُمَرَاء والعساكر إِلَى غَزَّة فَسَارُوا من دمشق فِي أَوله وتبعتهم أطلاب أُمَرَاء دمشق. وَخَرجُوا مِنْهَا فِي ثالثه وَعَلَيْهِم الْأَمِير جلبان وَمَعَهُ الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن الشَّيْخ عَليّ وطيفور حَاجِب الْحجاب بِدِمَشْق ويلبغا الأشقتمري وصرق الظَّاهِرِيّ مساروا إِلَى حلب. وقبص الْأَمِير تنم على الْأَمِير بتخاص وموسي التركاني وحبسهما بقلعة دمشق من أجل أَنه اتَّهَمَهُمَا بالميل مَعَ أهل مصر. ثمَّ خرج تنم من دمشق فِيمَن بَقِي مَعَه فِي سادسه يُرِيد حلب وَجعل الْأَمِير أزدمر أَخا إينال نَائِب الْغَيْبَة فوصل إِلَى حمص واستولي عَلَيْهَا وَأقَام فِيهَا من يَثِق بِهِ. وَتوجه إِلَى حماة. ووافاه يُونُس الرماح نَائِب طرابلس وَمَعَهُ عَسْكَر طرابلس فَامْتنعَ دمرداش المحمدي نَائِب حماة وَقَاتل تنم قتالاً شَدِيدا وَقتل من أَصْحَابه نَحْو الْأَرْبَعَة وَلم يقدر عَلَيْهِ تنم فَأَتَاهُ الْخَبَر على حماة بِقِيَام أهل طرابلس. وَذَلِكَ أَنه لما قرب مُحَمَّد بن بهادر المؤمني من طرابلس بعث. كلا مَعَه من الملطفات لأربابها فوصلت إِلَيْهِم قبل قدومه. ثمَّ وصل. بِمن مَعَه فِي الْبَحْر فَظَنهُ نَائِب الْغَيْبَة من الجزء: 6 ¦ الصفحة: 11 الفرنج فَخرج إِلَيْهِ فِي نَحْو ثَلَاثمِائَة فَارس من أجناد طرابلس فَتبين لَهُ أَنه من الْمُسلمين فَقَاتلهُمْ على سَاحل الْبَحْر حَتَّى هَزَمَهُمْ إِلَى برج أيتمش فَأصْبح الَّذين أَتَتْهُم الملطفات نادوا فِي الْعَامَّة بجهاد نَائِب الْغَيْبَة نصْرَة لِابْنِ بهادر. وأفتاهم فُقَهَاء الْبَلَد بذلك. ونهبت دَار نَائِب الْغَيْبَة وخطب خطيب الْبَلَد بذلك فتسرعت الْعَامَّة إِلَى النهب فَانْهَزَمَ نَائِب الْغَيْبَة إِلَى حماة وَأعلم الْأَمِير تنم بذلك فَبعث بالأمير صرق على عَسْكَر إِلَى طرابلس فقاتله أَهلهَا قتالاً شَدِيدا مُدَّة تِسْعَة أَيَّام ودفعوه عَنْهَا. وَفِي أثْنَاء ذَلِك ورد على الْأَمِير تنم خبر وَاقعَة الْأَمِير أيتمش وَأَنه وصل إِلَى غَزَّة وَنزل بدار النِّيَابَة فَأذن بِدُخُولِهِ وَمن مَعَه إِلَى دمشق وَرجع من حماة بالعساكر وَقد عجز عَنْهَا فَدخل دمشق فِي خَامِس عشرينه وَأرْسل يُونُس الرماح نَائِب طرابلس فِي عسكره وَمن انْضَمَّ إِلَيْهِ من أُمَرَاء دمشق وهم: ألجي بغا الْحَاجِب وخضر الكريمي فِي طَائِفَة إِلَى طرابلس فَدَخَلُوا وَانْهَزَمَ ابْن بهادر إِلَى الْبَحْر فَرَكبهُ وَمَعَهُ القَاضِي شرف الدّين مَسْعُود الشَّافِعِي قَاضِي طرابلس يُرِيدُونَ الْقَاهِرَة. وَنهب يُونُس الرماح أَمْوَال النَّاس كَافَّة وَفعل مَا لَا تَفْعَلهُ الْكفَّار. وَقتل نَحْو الْعشْرين رجلا من المعروفين مِنْهُم الشَّيْخ الْمُفْتِي جمال الدّين بن النابلسي الشَّافِعِي والخطيب شرف الدّين مَحْمُود والمحدث القَاضِي شهَاب الدّين أَحْمد بن الْأَذْرَعِيّ الْمَالِكِي وَالْقَاضِي شهَاب الدّين الْحَنَفِيّ وموفق الدّين الْحَنْبَلِيّ. وَقتل من الْعَامَّة مَا يُقَارب الْألف وصادر النَّاس مصادرة كَبِيرَة وَأخذ أَمْوَالهم. وَكَانَت هَذِه الكائنة فِي الْخَامِس عشر مِنْهُ. وَفِي سادس عشره: عرض السُّلْطَان الْملك النَّاصِر المماليك ففقد مِنْهُم مائَة وَثَلَاثِينَ انْهَزمُوا مَعَ أيتمش. وَفِيه قبض على الْأَمِير بكتمر جلق وتنكر بغا الحططي رَأس نوبَة وقرمان المنجكي وكمشبغا الخضري وخضر بن عمر بن بكتمر الساقي وعَلى بن بلاط الفخري وأسنبغا المحمدي وَمُحَمّد بن يُونُس النوروزي وألجبغا السلطاني وأرغون السيفي وَأحمد بن أرغون شاه الأشرفي وناصر الدّين مُحَمَّد بن على بن كلفت نقيب الْجَيْش وألطنبغا الخليلي وسجنوا. ثمَّ أفرج عَن قرمان وخضر وَابْن يُونُس وَابْن كلفت وألطنبغا وَحمل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة مِنْهُم مقبل الرُّومِي وبكتمر جلق والحططي وَابْن بلاط وأسنبغا وألجبغا وأرغون وَأحمد بن أرغون شاه. وَتَأَخر وَفِيه استدعي السُّلْطَان الْأَمِير سودون أَمِير أخور والأمير تمراز من الْإسْكَنْدَريَّة والأمير نوروز من دمياط فسارت القصاد لإحضارهم. وَفِي سَابِع عشره: اسْتَقر موفق الدّين أَحْمد بن قَاضِي الْقُضَاة نَاصِر الدّين نصر الله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 12 الْحَنْبَلِيّ فِي قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَابِلَة بِالْقَاهِرَةِ ومصر بعد وَفَاة أَخِيه قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم. وَاسْتقر عَلَاء الدّين أقبغا المزوق فِي ولَايَة الفيوم وكشفها وكشف البهنساوية والأطفيحية وعزل طيبغا الزيني وَطلب فهرب. وَاسْتقر أَيْضا يلبغا الزيني وَإِلَى البهنسا وعزل الضاني. وَفِي عشرينه: وصل الْأَمِير نوروز من دمياط والأمير سودون والأمير تمراز من الْإسْكَنْدَريَّة إِلَى القلعة. وقبلوا الأَرْض للسُّلْطَان ونزلوا إِلَى دُورهمْ. وَكتب إِلَى الْأَمِير تنم نَائِب الشَّام بِدُخُولِهِ فِي الطَّاعَة. وَفِي آخِره: قدم الْأَمِير بيسق من مَكَّة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: ارْتَفَعت أسعار المأكولات والمشروبات والملبوسات. وَبلغ سعر الرطل من لحم الضَّاد دِرْهَمَيْنِ وَمن الْبَقر دِرْهَم وَثمن والأردب الْقَمْح إِلَى سبعين درهما ثمَّ نزل إِلَى خمسين. شهر ربيع الآخر أَوله الْأَحَد: فِي ثَانِيه: اسْتَقر الْأَمِير أقباي الطرنطاي بن حُسَيْن شاه حَاجِب الْحجاب. والأمير دقماق المحمدي وَفِي ثالثه: اسْتَقر كل من الْأَمِير اسنبغا العلاي الدوادار والأمير قماري الأسمبغاوي وَإِلَى بَاب الْقلَّة ومنكلي بغا الصلاحي الدوادار وسودون المأموري حاجباً. وَاسْتقر تمربغا المحمدي نَائِب القلعة. وَفِي خامسه: قدم الْأَمِير أيتمش. مِمَّن مَعَه إِلَى دمشق فَخرج الْأَمِير تنم إِلَى لِقَائِه وَبَالغ فِي إكرامه وإكرام من مَعَه وَقدم إِلَيْهِم تقادم جليلة. وَخير فِي الْإِقَامَة فَاخْتَارَ النُّزُول بالميدان وسكني الْقصر الأبلق فَأَقَامَ. وَعظم شَأْن تنم بقدوم أيتمش عَلَيْهِ وأطاعه من خَالف عَلَيْهِ. وَفِي ثامنه: قدم عَلَيْهِ كتاب الْملك النَّاصِر بمسك أيتمش وَمن مَعَه وقدومه إِلَى مصر فأحضر الْكتاب وحامله إِلَى عِنْد أيتمش وأعلمه بذلك. ثمَّ جهز أيتمش وتغري بردى قصادهما إِلَى نَائِب حماة ونائب حلب بدعواهما إِلَى مَا هم عَلَيْهِ فأجابا بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة. وَكَانَ الْأُمَرَاء بِمصْر قد اتَّفقُوا أَن يكون الْأَمِير بيبرس الدوادار أتابك العساكر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 13 فأقاموه صُورَة بِلَا معنى. وأنعم على نوروز بإقطاع تغري بردى وعَلى تمراز بإقطاع أرغون شاه وعَلى سودون أَمِير أخور بإقطاع فَارس. وعَلى دقماق بإقطاع يَعْقُوب شاه وعَلى الْأَمِير الْكَبِير بيبرس بإقطاع أيتمش إِلَّا النحريرية ومنية بدران وطوخ الْجَبَل فَامْتنعَ من قبُوله وَغَضب وأنعم بإقطاع بيبرس على بكتمر الركني وبإقطاع بكتمر على دقماق وبإقطاع دقماق - الَّذِي كَانَ باسم يَعْقُوب وأنعم على كل من كزل بغا الناصري وقماري الأسنبغاوي وشاهين من شيخ إِسْلَام وَشَيخ السُّلَيْمَانِي وباشا باي من باكي وتمربغا وحبك من عوض وصوماي الحسني وتمر وأينال حطب وقاني باي العلاي بإمرة طبلخاناه. وعَلى كل من بردي بك العلاي وسودن المأموري وألطبغا الخليلي واجترك القاسمي وكزل المحمدي وبيغان الأينالى بإمرة عشْرين وعَلى كل من أزبك الرمضاني والطبرس العلاي وأسندمر الْعمريّ وقرقماس السيفي ومنكلي بغا الصلاحي وأقبغا الْجَوْهَرِي وطيبغا الطولوتمري وقاني باي بن باشا ودمرداش الأحمدي وأقباي السلطاني وأرغون شاه الصَّالِحِي وَيُونُس العلاي وجمق ونكباي الأزدمري وأقبغا المحمدي وقاني بك الحسامي وبايزيد من بَابا وسودون البجاسي وسودون الشمسي وتمراز من باكي وشكدان وقطلوبغا الحسني وأسنبغا المسافري وسودون النوروزي وقطلو أقتمر المحمدي وقانق وسودون الْحِمصِي وأرزمك وأسن باي وسودون القاسمي بإمرة عشرَة. وَفِي ثامنه: تحالف الْأُمَرَاء على السّفر بالسلطان إِلَى الشَّام فَامْتنعَ المماليك وهددوا الْأُمَرَاء. فَخَالف الْأَمِير سودون طاز وَتَأَخر عَن الْخدمَة وَاجْتمعَ المماليك بالأمير يشبك وَهُوَ ضَعِيف وحدثوه فِي أَمر السّفر فَاعْتَذر. مِمَّا هُوَ فِيهِ من الشّغل بِالْمرضِ. وَفِيه اخْتلف الأميران سودون أَمِير أخور - كَانَ - وسودن طاز وتسابا بِسَبَب سُكْنى الحراقة من الإصطبل وكادا يقتتلان لَوْلَا فرق بَينهمَا الْأَمِير نوروز. وَوَقع أَيْضا بَين جركس المصارع وسودون طاز تنافس بِسَبَب الإقطاع وَتقَابَضَا وَلم يبْق إِلَّا أَن تثور الْفِتْنَة حَتَّى فرق بَينهمَا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 14 وَفِي عاشره: اسْتَقر أَمِير على ناسب الْوَجْه البحري وعزل بهاء الدّين أرسلان. وَاسْتقر بلبان وَالِي قليوب وعزل عمر بن الكوراني. ورتب الْأُمَرَاء أموراً مِنْهَا إِقَامَة نَائِب بِمصْر وعبوا عدَّة تشاريف لإِقَامَة أَرْبَاب وظائف من الْأُمَرَاء. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشره خلع على سودون طاز وَعمل أَمِير أخور عوضا عَن سودون الطيار لتأخره بِدِمَشْق. وَفِي رَابِع عشره: أُعِيد بدر الدّين مَحْمُود الْعين تابي إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة وَصرف الْجمال الطنبدي. وَاسْتقر مُحَمَّد بن الطَّوِيل فِي ولَايَة منوف وعزل الشهَاب أَحْمد بن أَسد الْكرْدِي. وَاسْتقر الْأَمِير مبارك شاه حاجبا ثَالِثا بتقدمة ألف وَلم يَقع مثل ذَلِك فِيمَا تقدم. وَفِيه قدم قَاضِي الْقُضَاة شرف الدّين مَسْعُود من طرابلس وَمَعَهُ الشريف بدر الدّين مُحَمَّد بن كَمَال الدّين مُحَمَّد الْبَلَدِي نقيب الْأَشْرَاف ووكيل بَيت المَال بهَا وَأخْبر بواقعة طرابلس وَقتل قرمش حاجبها وَأَن المقتولين فِي الْوَاقِعَة ألف وَسَبْعمائة وَاثْنَانِ وَثَلَاثُونَ رجلا وَأَن النَّائِب أَرَادَ إحراقها فاشتراها مِنْهُ بثلاثمائة وَخمسين ألف دِرْهَم. وَفِي ثامن عشره: قدم نَائِب حماة إِلَى دمشق فَخرج الْأَمِير تنم والأمير أيتمش بالعساكر إِلَى لِقَائِه وخلع الْملك النَّاصِر على أحد الْأُمَرَاء وَاسْتقر حاجباً ثامناً وَلم يعْهَد بِمصْر مثل ذَلِك فِيمَا سلف. وَفِي تَاسِع عشره: قبض السُّلْطَان على الْوَزير فَخر الدّين ماجد بن غراب وأخيه سعد الدّين إِبْرَاهِيم نَاظر الْجَيْش وَالْخَاص والشهاب أَحْمد بن عمر بن قطنية المتحدث فِي المكارم والشريف عَلَاء الدّين على شاد الدَّوَاوِين. وتسلمهم أزبك رَأس نوبَة وَوَقعت الحوطة على موجودهم. وَفِي الْعشْرين مِنْهُ: قبض على الْأَمِير قطلو بك الأستادار وسجن عِنْد صهره زوج ابْنَته سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب. وَفِي حادي عشرينه: استدعي الْوَزير بدر الدّين مُحَمَّد بن الطوخي وخلع عَلَيْهِ خلعة الوزارة وخلع على شرف الدّين مُحَمَّد بن الدماميني وَكيل بَيت المَال لنظر الْجَيْش وَنظر الْخَاص. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 15 وَفِي ثَالِث عشرينه: أفرج عَن قرمان المنجكي وقطلو بك العلاي وَنقل ابْنا غرابا من عِنْد أزبك إِلَى بَيت الْأَمِير قطلوبغا الكركي - شاد الشرابخاناه - فَنزلَا فِي دَاره ومعهما ابْن قطينة والشريف عَلَاء الدّين عَليّ فأتاهما النَّاس بِكُل ضِيَافَة فاخرة وَتوقف لذَلِك حَال الْوَزير ابْن الطوخي وَابْن الدماميني نَاظر الْخَاص. وَفِي رَابِع عشرينه: أفرج عَن ابْن قطينة على مائَة ألف دِرْهَم وَعَن الشريف عَلَاء الدّين عَليّ وَفِي سادس عشرينه: توجه المهتار عبد الرَّحْمَن على الْبَرِيد وَمَعَهُ مائَة ألف دِرْهَم وَخَمْسُونَ ألف دِرْهَم فضَّة وعدة خلع لأهل الكرك وعَلى يَده ملطفات لتخذيل العساكر عَن تنم نَائِب الشَّام. وَفِي يَوْم السبت ثامن عشرينه: أفرج عَن ابْني غراب وخلع عَلَيْهِمَا كَمَا كَانَا. وَسلم إِلَيْهِمَا ابْن الطوخي وَابْن الدماميني وَنقل أَبنَاء التركماني من مشيخة خانقاة قوصون إِلَى مشيخة خانقاه سرياقوس عوضا عَن شيخ الشُّيُوخ بهاء الدّين إِسْلَام ابْن شيخ الشُّيُوخ نظام الدّين إِسْحَاق الْأَصْبَهَانِيّ بعد مَوته. وَاسْتقر فِي مشيخة القوصونية الشَّيْخ شرف الدّين أَبُو يُوسُف يَعْقُوب بن الشَّيْخ جلال الدّين التباني الْحَنَفِيّ. شهر جُمَادَى الأولى أَوله الثُّلَاثَاء: فِي ثالثه: قبض سعد الدّين بن غراب على شرف الدّين مُحَمَّد بن الدماميني وَنَقله إِلَى دَاره ثمَّ أفرج عَنهُ فِي ثامنه وخلع عَلَيْهِ بِقَضَاء الْقُضَاة بالإسكندرية وخطابة الْجَامِع المغربي بهَا. وَاسْتقر أَخُوهُ تَاج الدّين أَبُو بكر فِي حسبَة الْإسْكَنْدَريَّة وَنزل ابْنا غراب مَعَه إِلَى دَاره مجملين لَهُ. وَفِي لَيْلَة الْخَمِيس عاشره: كَانَ بِمَكَّة - شرفها الله - سيل عَظِيم بعد مطر غزير امْتَلَأَ مِنْهُ الْمَسْجِد الْحَرَام حَتَّى دخل الْكَعْبَة وَعلا على بَابهَا نَحْو ذِرَاع وَهدم عمودين من عمد الْمَسْجِد، وَسَقَطت عدَّة دور، وَمَات تَحت الْهدم - وَفِي السَّيْل - نَحْو سِتِّينَ إنْسَانا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 16 وَفِيه قدم الْأَمِير ألطنبغا العثماني نَائِب صفد إِلَى دمشق فَأكْرمه الْأَمِير تنم وأنزله ثمَّ أَعَادَهُ إِلَى صفد فِي تَاسِع عشره. وَفِي يَوْم الْخَمِيس: هَذَا اسْتَقر بهاء الدّين مُحَمَّد بن الْبُرْجِي فِي وكَالَة بَيت المَال عوضا عَن شرف الدّين مُحَمَّد بن الدماميني. وَفِي رَابِع عشره: خلع على الْأَمِير الْكَبِير بيبرس ابْن أُخْت الْملك الظَّاهِر لأتابكية العساكر وعَلى الْأَمِير نوروز وَاسْتقر رَأس نوبَة كَبِير. وعَلى الْأَمِير تمراز وَاسْتقر أَمِير مجْلِس. وعَلى الْأَمِير سودون وَاسْتقر دوادار السُّلْطَان وخلع على شرف الدّين مَسْعُود وَاسْتقر قَاضِي دمشق عوضا عَن الأخناي. (وَفِي خَامِس عشره) ورد الْخَبَر بِخُرُوج تنم نَائِب الشَّام وأيتمش. مِمَّن مَعَهُمَا من دمشق إِلَى جِهَة غَزَّة فرسم بالتجهيز للسَّفر وَكثر عمل النَّاس فِي الْقَاهِرَة للدروب والخوخ خوفًا من النهب وتتبع ابْن الزين وَإِلَى الْقَاهِرَة المماليك البطالة وَقبض عَلَيْهِم وسجنهم بخزانة شمايل. وَفِي سَابِع عشره: اجْتمع الْأُمَرَاء والمماليك بِمَجْلِس السُّلْطَان فحثهم على السّفر فِي أول جُمَادَى الْآخِرَة وَأَن يخرج ثَمَانِيَة أُمَرَاء من الألوف بِأَلف وَخَمْسمِائة من المماليك المشتراوات وَخَمْسمِائة من المستخدمين فَاخْتلف الرَّأْي فَمنهمْ من أجَاب وَمِنْهُم من قَالَ لابد من سفر السُّلْطَان وانفضوا وَفِي ثامن عشره: أعدت إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة وَصرف الْعين تابي. وَوَقع الشُّرُوع فِي النَّفَقَة للسَّفر فَحمل إِلَى كل من الْأُمَرَاء الأكابر مائَة ألف دِرْهَم وَلمن يليهم دون ذَلِك وَأنْفق على ثَلَاثَة آلَاف وسِتمِائَة مَمْلُوك لكل مَمْلُوك مائَة دِينَار فبلغت النَّفَقَة نَحْو خَمْسمِائَة ألف دِينَار. وَفِي ثامن عشره: علق الجاليش وَخرج خام السُّلْطَان فنصب تجاه مَسْجِد تبر. وَفِي تَاسِع عشره: اسْتَقر مُحَمَّد بن غرلو فِي ولَايَة الغربية وكشف جسورها وَذَلِكَ بعد موت الْجمال يُوسُف بن قطلو بك صهر ابْن المزوق. وَاسْتقر عَلَاء الدّين على بن الحريري فِي ولَايَة قوص وَصرف أسنبغا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 17 وَفِي رَابِع عشرينه: اسْتَقر الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن الزين وَإِلَى الْقَاهِرَة نَائِب الْوَجْه القبلي عوضا عَن ألطبغا وَإِلَى الْعَرَب. وَاسْتقر شهَاب الدّين أَحْمد بن أَسد الْكرْدِي فِي ولَايَة الْقَاهِرَة مسئولاً بهَا. وَاسْتقر الْحَاج سعد المنجكي مهتار الطشتخاناه عوضا عَن مِفْتَاح عبد نعْمَان بعد وَفَاته. وَفِيه فر قطلوبغا الخليلي التركماني وَإِلَى الشرقية وَقد اجْتمع عِنْده نَحْو الْخمسين من مماليك الْأُمَرَاء المنهزمين إِلَى الشَّام وَلَحِقُوا بنائب الشَّام فقدموا دمشق أول جُمَادَى الْآخِرَة. وَفِي خَامِس عشرينه: اسْتَقر المهتار غرس الدّين خَلِيل بن الشيخي مهتار الركاب خاناه على عَادَته وَصرف المهتار عمر. وَاسْتقر تغري برمش السيفي صراي وَإِلَى الشرقية. فِي ثَانِيه: اسْتَقر نور الدّين على بن خَلِيل بن عَليّ بن أَحْمد بن عبد الله بن مُحَمَّد الحكري فِي قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَابِلَة بِالْقَاهِرَةِ ومصر على خمسين ألف دِرْهَم وَصرف موفق الدّين أَحْمد بن نصر الله وَاسْتقر الْأَمِير بكتمر الركني أَمِير سلَاح عوضا عَن تغري بردى من يشبغا وَفِي سابعه: عرضت الْجمال السُّلْطَانِيَّة فعين الْأَمِير سودون طاز مِنْهَا برسم سفر السُّلْطَان وأثقال مماليكه سَبْعَة آلَاف وَخَمْسمِائة وَخَمْسَة وَسِتِّينَ جملا سوي مَا فرق على المماليك السُّلْطَانِيَّة وسوي الهجن. وَفِيه ورد الْخَبَر بالفتنة فِي الكرك وَذَلِكَ أَن المهتار عبد الرَّحْمَن لما قدمهَا أظهر كتبا إِلَى الْأَمِير سودون الظريف نَائِب الكرك باستعداده لِحَرْب الْأَمِير أيتمش فَاخْتلف أهل الكرك وافترقوا فرْقَتَيْن: قيسية ويمانية فرأس قيس قَاضِي الكرك شرف الدّين مُوسَى بن قَاضِي الْقُضَاة عماد الدّين أَحْمد الكركي. وَرَأس يمن الْحَاجِب شعْبَان بن أبي الْعَبَّاس. وَوَقعت فتْنَة نهب فِيهَا رَحل المهتار عبد الرَّحْمَن والخلعة الَّتِي أحصرها إِلَى النَّائِب وامتدت إِلَى الْغَوْر فنهب ورحل أَهله وفر عبد الرَّحْمَن إِلَى جِهَة مصر. وَكَانَت بَين الطَّائِفَتَيْنِ مقتلة قتل فِيهَا سِتَّة وجرح نَحْو الْمِائَة. وانتصر ابْن أبي الْعَبَّاس. مِمَّن مَعَه من يمن لميل النَّائِب مَعَهم على قيس وَقبض على القَاضِي شرف الدّين مُوسَى وأخيه جمال الدّين عبد الله وذبحا فِي ثامنه ومعهما ثَمَانِيَة من أصحابهما وألقوا فِي بِئْر من غير غسل وَلَا كفن وَأخذت أَمْوَالهم كلهَا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 18 وَقدم عَلَاء الدّين على بن غلبك بن المكللة وَإِلَى منفلوط وَأخْبر أَن ألطنبغا نَائِب الْوَجْه القبلي خرج هُوَ وَمُحَمّد بن عمر بن عبد الْعَزِيز الهواري عَن الطَّاعَة وكبسا عُثْمَان بن الأحدب. ففر إِلَى جِهَة منفلوط وتبعاه إِلَيْهَا وخربوها. فرسم لكل من الْأَمِير بيبرس الأتابك وإينال باي بن قجماس وأقباي حَاجِب الْحجاب وسودون بن زَاده وإينال حطب رَأس نوبَة وبيسق أَمِير أخور وبهادر فطيس أَمِير أخور أَن يتجهزوا ويسيروا جَمِيعًا إِلَى بِلَاد الصَّعِيد. فَلم يوافقوا على ذَلِك وَلَا سَار أحد. وَورد الْخَبَر بقدوم نَائِب حماة بعسكرها فِي ثَالِث عشره إِلَى دمشق. وَأَن الْأَمِير أقبغا نَائِب حلب لما برز من حلب للمسير إِلَى دمشق ثار عَلَيْهِ جمَاعَة من الْأُمَرَاء وقاتلوه فكسرهم وَقبض على جمَاعَة مِنْهُم. وَسَار إِلَى دمشق فَقَدمهَا فِي يَوْم الْخَمِيس سادس عشره فَأكْرمه الْأَمِير تنم وأنزله. وَأَنه قد توجه الْأَمِير أرغون شاه وَيَعْقُوب شاه وَفَارِس وصرق وَفرج بن منجك إِلَى غَزَّة من دمشق فِي ثَانِي عشره فعلق جاليش السّفر على الطبلخاناه تَحت قلعة الْجَبَل وَخرج دهليز وَفِي ثَالِث عشرينه خلع على الْأَمِير ركن الدّين عمر بن الطَّحَّان حَاجِب غَزَّة بنيابة غَزَّة وعَلى سودون حاجبها الصَّغِير وَصَارَ حَاجِب الْحجاب بهَا. وَفِي ثَالِث عشرينه: قدم يُونُس الرماح نَائِب طرابلس بعسكرها وَمَعَهُ الْأَمِير أَحْمد ابْن يلبغا إِلَى دمشق فَخرج الْأَمِير دمرداش المحمدي نَائِب حماة من دمشق فِي خَامِس عشرينه وَتَبعهُ الْأَمِير تنم فِي بَقِيَّة العساكر يُرِيدُونَ مصر. وَفِي سَابِع عشرينه: اسْتَقر شهَاب الدّين أَحْمد بن الزين عمر فِي ولَايَة الْقَاهِرَة ومصر وَأَن يكون حاجباً. وَفِي لَيْلَة ثامن عشرينه: توجه الْأَمِير سودون المأموري الْحَاجِب إِلَى دمياط لينقل مِنْهَا الْأَمِير يلبغا الْمَجْنُون والأمير تمربغا المنجكي وطغنجي وبلاط السَّعْدِيّ وقراكسك إِلَى سجن الْإسْكَنْدَريَّة. وَكَانَ بِالْقَاهِرَةِ ومصر من أول ربيع الأول إِلَى أخر جُمَادَى الْآخِرَة أمراض فَاشِية فِي النَّاس من الحمي وَالْبرد. وَمَات فِيهِ عدَّة كَبِيرَة مَعَ توقف الْأَحْوَال وتعطل المعايش. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 19 وتزايد الأسعار فِي كل مَا يُبَاع. وَصَارَ الْخبز كل خمس أواقي بِثمن دِرْهَم. وَانْقطع الْوَاصِل من الْبِلَاد الشامية فَبَلع الفستق عشرَة دَرَاهِم الرطل واللوز أَرْبَعَة دَرَاهِم الرطل والكمثرا سَبْعَة دَرَاهِم الرطل. والسفرجلة الْوَاحِدَة بِعشْرَة دَرَاهِم. وَمَعَ ذَلِك خوف النَّاس من وُقُوع الْفِتَن لشدَّة شهر رَجَب أَوله الْجُمُعَة: فِي رابعه: نزل السُّلْطَان من القلعة إِلَى الريدانية ليتوجه إِلَى قتال أيتمش ونائب الشَّام فَأَقَامَ بمخيمه وتلاحق بِهِ الْأُمَرَاء والعساكر والخليفة وقضاة الْقُضَاة. وَفِي خامسه: خلع على الْأَمِير الْكَبِير بيبرس بِنَظَر المارستان المنصوري وَنظر الأحباس ونيابة الْغَيْبَة وعَلى الْأَمِير نوروز الحافظي بِنَظَر الخانقاة الشيخونية عوضا عَن الْأَمِير أرغون شاه الأقبغاوي المنسحب إِلَى الشَّام. وعَلى الْأَمِير مبارك شاه الْحَاجِب بنيابة الْوَجْه القبلي ورسم لَهُ أَن يحكم من جَزِيرَة القط إِلَى أسوان ويولى من يخْتَار من الْوُلَاة ويعزل من كره. وَفِي سادسه: خلع على الْأَمِير نوروز لتقدمة العساكر وَأَفْرج عَن عَليّ بن غَرِيب الهواري وأقيم عوضا عَن مُحَمَّد بن عمر الهواري. وَفِي سابعه: انفق فِي المماليك بالريدانية مبلغ خَمْسَة وَعشْرين ألف دِينَار. وَعند تَمام النَّفَقَة خلع على الْأَمِير يلبغا السالمي واركب حجرَة بسرج وكنفوش وسلسلة ذهب. وَفِيه رَحل الجاليش من الريدانية وَفِيه من الْأُمَرَاء نوروز الحافظي مقدم العساكر وبكتمر أَمِير سلَاح ويلبغا الناصري وتمراز أَمِير مجْلِس وسودون الدوادار وَشَيخ المحمودي ودقماق أَمِير حَاجِب. وَفِي ثامنه: رَحل السُّلْطَان بِبَقِيَّة الْعَسْكَر وعدة من سَار أَولا وَثَانِيا نَحْو سَبْعَة آلَاف فَارس وَأقَام بقلعة الْجَبَل من الْأُمَرَاء أينال باي بن قجماس وأينال حطب رَأس نوبَة. وَأقَام بالإصطبل سودون بن زادة وبهادر فطيس وبيسق الشيخي أَمِير أخور. وَأقَام خَارج الْقَاهِرَة الْأَمِير الْكَبِير بيبرس وَهُوَ نَائِب الْغَيْبَة وَمَعَهُ الْأَمِير أقباي حَاجِب الْحجاب. وَأما تنم نَائِب الشَّام فَإِنَّهُ وَجه نَائِب حلب بعسكره إِلَى جِهَة مصر فِي ثامنه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 20 وَخرج فِي تاسعه وَمَعَهُ الْأَمِير أيتمش وَبَقِيَّة العساكر وَمن انْضَمَّ إِلَيْهِم من التركمان. وخيم على قبَّة يلبغا خَارج دمشق حَتَّى لحقه بَقِيَّة الْعَسْكَر وَمن سَار مَعَه من الْقُضَاة وَعمل الْأَمِير جركس أَبُو تنم نَائِب الْغَيْبَة. وَفِي حادي عشره: رَحل الْأَمِير تنم من ظَاهر دمشق وَتَبعهُ ابْن الطبلاوي فِي ثَانِي عشره. وَسَار نَائِب طرابلس بعسكره ساقة. وَكَانَ تنم من حِين قدم عَلَيْهِ أيتمش يعْمل كل يَوْم موكباً أعظم من الآخر حَتَّى قيل إِنَّه أعظم من موكب الْملك الظَّاهِر وَكَانَ يركب بالدف والشبابة والجاويشية وَالشعرَاء. وَفِي خدمته من الْأُمَرَاء مقدمي الألوف مَا يزِيد على خَمْسَة وَعشْرين سوى أُمَرَاء الطبلخاناه. وَجمع من التركمان جمعا عظما. وَأخر موكب عمله بِدِمَشْق كَانَ فِيهِ عَسْكَر دمشق وطرابلس وحماة وحلب والأمير أيتمش وَمن مَعَه من المصريين وَمن انْضَمَّ إِلَيْهِم من التركمان فِي نَحْو أَرْبَعَة آلَاف. وانفق من الْأَمْوَال على العساكر مَا لَا يحصي وأنعم عَلَيْهِم من الْخَيل وَالْجمال وَالْعدَد وآلات الْحَرْب. مِمَّا لَا يعبر عَنهُ فَصَارَ فِي جَيش عَظِيم جدا. وَفِي غيبته أَخذ الْأَمِير جركس أَبُو تنم نَائِب الْغَيْبَة بِدِمَشْق فِي طرح مَا بَقِي من السكر على النَّاس فَكثر الدُّعَاء عَلَيْهِم بِسَبَب ذَلِك. وَكَانَ الْفساد قد عَم بوصول العساكر إِلَى دمشق وظلموا النَّاس خَارج الْبَلَد ونزلوا فِي الْخَانَات والحوانيت والدور والبساتين بِغَيْر أُجْرَة وعاثوا وأفسدوا كثيرا لاسيما عَسْكَر طرابلس فَلذَلِك أَخذهم الله أَخْذَة رابية - كَمَا يَأْتِي ذكره إِن شَاءَ الله. وَفِي يَوْم السبت تاسعه: قدم الْبَرِيد من الْبحيرَة على الْأَمِير بيبرس نَائِب الْغَيْبَة بديار مصر أَن الْأَمِير سودون المأموري سَار بالأمراء من دمياط إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة. فَلَمَّا وصل بهم إِلَى ديروط لقِيه الشَّيْخ المعتقد عبد الرَّحْمَن بن نَفِيس الديروطي وأضافه. فعندما قعد هُوَ والأمراء للْأَكْل ثار يلبغا الْمَجْنُون وَبَقِيَّة الْأُمَرَاء على سودون المأموري وقبضوا عَلَيْهِ وعَلى مماليكه. وبينما هم فِي ذَلِك إِذْ قدمت حراقة من الْقَاهِرَة فِيهَا الْأَمِير كمشبغا الخضري وأياس الكمشبغاوي وجقمق البجمقدار وأمير آخر وَالْأَرْبَعَة فِي الْحَدِيد ليسجنوا فِي الْإسْكَنْدَريَّة. فَدخلت الحراقة شاطئ ديروط ليقضوا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 21 حَاجَة لَهُم فأحاط بهم يلبغا الْمَجْنُون وخلص الْأَرْبَعَة المقيدين وَضرب الموكلين بهم وَكتب إِلَى نَائِب الْوَجْه البحري بالحضور إِلَيْهِ. وَأخذ خُيُول الطواحين وَسَار. بِمن مَعَه إِلَى مَدِينَة دمنهور وطرقها بَغْتَة وَقبض على متوليها. وأتته العربان فَصَارَ فِي عدَّة كَبِيرَة ونادى فِي إقليم الْبحيرَة بحط الْخراج عَن أَهلهَا وَأخذ مَال السُّلْطَان الَّذِي استخرج من تروجة وَغَيرهَا. وَبعث يَسْتَدْعِي بِالْمَالِ من النواحي. فَكتب بذلك إِلَى السُّلْطَان والأمراء فوردت كتبهمْ إِلَى نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة بالاحتراز والتيقظ وَإِلَى أكَابِر العربان بالإنكار عَلَيْهِم وإمساك يلبغا الْمَجْنُون وَمن مَعَه وَكتب إِلَى الْأَمِير بيبرس بتجريد الْأَمِير أقباي الطرنطاي حَاجِب الْحجاب والأمير أينال باي بن قجماس والأمير بيسق أَمِير أخور والأمير أينال حطب رَأس نوبَة وَأَرْبَعمِائَة من المماليك السُّلْطَانِيَّة وَمِثَال إِلَى عربان الْبحيرَة بحط الْخراج عَنْهُم لمُدَّة ثَلَاث سِنِين. ثمَّ إِن يلبغا عدى من الْبحيرَة إِلَى الغربية فِي لَيْلَة الْجُمُعَة خَامِس عشره خوفًا من عرب الْبحيرَة. وَدخل الْمحلة وَنهب دَار الْوَالِي وَدَار إِبْرَاهِيم بن بدوي كبيرها وَأخذ مِنْهُ ثَلَاثمِائَة قفة فلوس وست قفاف عَن كل قفة مبلغ خَمْسمِائَة دِرْهَم. ثمَّ عدى بعد أَيَّام من سمنود إِلَى بر أشموم طناح وَسَار إِلَى الشرقية وَنزل على مشتول الطواحين وَسَار مِنْهَا إِلَى العباسة فارتجت الْقَاهِرَة وَبعث الْأَمِير بيبرس إِلَى مرابط الْخُيُول على البرسيم فأحضرها. وَورد الْخَبَر بمخامرة كاشف الْوَجْه القبلي مَعَ هوارة فَكثر الِاضْطِرَاب وَاشْتَدَّ الْخَوْف وَتعين الْأَمِير مبارك شاه إِلَى سفر الصَّعِيد وَشرع فِي اسْتِخْدَام الأجناد. وعزم الْأَمِير بيبرس أَن يخرج إِلَى الْمَجْنُون. وَفِي رَابِع عشره: ورد كتاب السُّلْطَان بِالْقَبْضِ على شرف الدّين مُحَمَّد بن الدماميني قَاضِي الْإسْكَنْدَريَّة فَقبض عَلَيْهِ من منزله بِالْقَاهِرَةِ وسجن فِي برج بقلعة الْجَبَل. وَعظم الإرجاف بهجوم يلبغا الْقَاهِرَة فَسدتْ الخوخ فِي سَابِع عشره وغلقت أَبْوَاب الْقَاهِرَة من عشَاء الْآخِرَة وَخرج الْأَمِير أقباي والأمير يلبغا السالمي والأمير بيسق والأمير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن سنقر أستادار الذَّخِيرَة والأملاك فِي ثَلَاثمِائَة من المماليك الجزء: 6 ¦ الصفحة: 22 السُّلْطَانِيَّة إِلَى ملاقاة يلبغا الْمَجْنُون بالعباسة فِي يَوْم الْخَمِيس حادي عشرينه وَسَارُوا. وَفِيه قدم يشبك العثماني وعَلى يَده كتاب السُّلْطَان بوصوله إِلَى تل العجول - ظَاهر مَدِينَة غَزَّة - فِي ثامن عشره وَقد برز نَائِب حماة ونائب صفد وأقبغا اللكاش وتغري بردى وَفَارِس وأرغون شاه وَيَعْقُوب شاه وَفَارِس نَائِب ملطية فِي عدَّة من أُمَرَاء الشَّام وحلب وَغَيرهَا تبلغ عدتهمْ نَحْو خَمْسَة آلَاف فَارس يُرِيدُونَ الْحَرْب فلقيتهم عَسَاكِر السُّلْطَان وقاتلوهم من بكرَة النَّهَار إِلَى وَقت الظّهْر. مخرج اللكاش وَانْهَزَمَ فِي جمَاعَة وَدخل فِي الطَّاعَة الْأَمِير دمرداش المحمدي نَائِب حماة والأمير ألطبغا العثماني نَائِب صفد والأمير صراي تمر الناصري أتابك العساكر بحلب وجقمق نَائِب ملطية وَفرج بن منجك فِي عدَّة من الْأُمَرَاء والأجناد. وَملك السُّلْطَان غَزَّة من يَوْمه فدقت البشائر بذلك وَنُودِيَ بزينة الْقَاهِرَة ومصر فزينتا وخلع على يشبك العثماني وَلما أَرَادَ الله أنكر شخص يُقَال لَهُ سراج الدّين عمر الدمياطي - من صوفية خانقاة شيخو - أَن يكون هَذَا الْخَبَر صَحِيحا فَقبض عَلَيْهِ وَضرب على كَتفيهِ ضربا مبرحاً وَشهر على حمَار قد أركبه مقلوباً وَجهه إِلَى جِهَة ذَنبه وطيف بِهِ الْقَاهِرَة ثمَّ سجن بخزانة شمائل فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشرينه. وَفِي خَامِس عشرينه: كَانَ الْعَسْكَر قد وصل إِلَى نَحْو العباسة فَلم يقفوا ليلبغا على خبر وَقيل لَهُم إِنَّه سَار إِلَى قطيا فَنزل الْأُمَرَاء بالصالحية فَلم يرَوا أحدا فعادوا إِلَى الْقَاهِرَة. وَسَار ابْن سنقر وبيسق نَحْو بِلَاد السباخ فِي طلبه فَلم يجداه فعادا فِي يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشرينه إِلَى غيفا وَأَقَامَا فَلم يشعرا إِلَّا ويلبغا الْمَجْنُون قد طرقهما وَقبض عَلَيْهِمَا وَأخذ خطهما بجملة من المَال فارتجت الْقَاهِرَة لذَلِك. وَأما تنم نَائِب الشَّام فَإِن الْبَرِيد وصل إِلَى دمشق من جِهَته فِي ثَالِث عشرينه أَنه وصل إِلَى الرملة وَأَن المصريين وصلوا إِلَى غَزَّة وبعثوا إِلَيْهِ قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْمَنَاوِيّ فِي طلب الصُّلْح فدقت الكوسات لذَلِك وَأَصْبحُوا يَوْم الْأَحَد رَابِع عشرينه بِدِمَشْق فأغلقوا الْأَبْوَاب الَّتِي للمدينة وسدوها بِالْحِجَارَةِ إِلَّا بَاب النَّصْر وَبَاب الْفرج وَاحِد بَابي الْجَابِيَة وَبَاب توما فَعجب النَّاس من ذَلِك وَكثر الْكَلَام. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 23 وَفِي يَوْم السبت سلخه: حضر إِلَى الْقَاهِرَة قمج الخاصكي من الْبَحْر فانه سَار من عِنْد السُّلْطَان على الْبَرِيد إِلَى قطيا فَبَلغهُ خبر يلبغا الْمَجْنُون فَركب الْبَحْر من الطينة وعَلى يَده كتاب السُّلْطَان من الرملة بالنصر على تنم نَائِب الشَّام. وَمُلَخَّص ذَلِك أَن تنم نزل على الرملة بِمن مَعَه. وَكَانَ لما قدم عَلَيْهِ من انْكَسَرَ من عسكره على غَزَّة شقّ عَلَيْهِ ذَلِك وَأَرَادَ أَن يقبض على بتخاص والمنقار ففارقاه ولحقا بالسلطان. وَأَن السُّلْطَان بعث إِلَيْهِ من غَزَّة بقاضي الْقُضَاة صدر الدّين الْمَنَاوِيّ فِي يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع عشره وَمَعَهُ نَاصِر الدّين مُحَمَّد الرماح أَمِير أخور وطغاي تمر مقدم البريدية وَكتب لَهُ أَمَانًا وَأَنه بَاقٍ على كفَالَته بِالشَّام إِن أَرَادَ ذَلِك. وَكتب إِلَيْهِ الْأُمَرَاء يَقُولُونَ لَهُ: أَنْت أَبونَا وأخونا وَأَنت أستاذنا فَإِن أردْت الشَّام فَهِيَ لَك وَإِن أردْت مصر كُنَّا مماليكك وغلمانك فصن الدِّمَاء. وَكَانَ الْأُمَرَاء والعسكر فِي غَايَة الْخَوْف مِنْهُ لقُوته وَكَثْرَة عدده وتفرقهم وَاخْتِلَافهمْ فَسَار إِلَيْهِ القَاضِي وحدثه فِي الصُّلْح ووعظه وحذره الشقاق وَالْخُرُوج عَن طَاعَة السُّلْطَان. فَقَالَ: لَيْسَ لي مَعَ السُّلْطَان كَلَام وَلَكِن يُرْسل إِلَى الْأَمِير يشبك وسودون طاز وجركس المصارع وجماعه عينهم وَيعود الْأَمِير أيتمش كَمَا كَانَ هُوَ وَجَمِيع الْأُمَرَاء الَّذين مَعَه. فَإِن فعل ذَلِك وَإِلَّا فَمَا بيني وَبينهمْ إِلَّا السَّيْف. وَثَبت على ذَلِك فَقَامَ القَاضِي ليخرج فَخرج مَعَه بِنَفسِهِ إِلَى خَارج الْخَيْمَة وأركبه فرسا فِي غَايَة الْحسن وعضده لما ركب. فَقدم القَاضِي يَوْم الْخَمِيس حادي عشرينه وَمَعَهُ أحد خاصكية السُّلْطَان مِمَّن كَانَ عِنْد تنم وعوقه نَحْو أَرْبَعَة أشهر عَن الْحُضُور وَأعَاد الْجَواب فاتفق الْجَمِيع على محاربته. فَلَمَّا كَانَ يَوْم السبت ثَالِث عشرينه: ورد الْخَبَر أَنه ركب. مِمَّن مَعَه يُرِيد الْحَرْب فَسَار السُّلْطَان بعساكره من غَزَّة إِلَى أَن أشرف على الجينين قريب الظّهْر فعاين تنم قد صف عساكره وَيُقَال إِنَّهُم خَمْسَة آلَاف فَارس وَسِتَّة آلَاف راجل. فتقدمت عَسَاكِر السُّلْطَان إِلَيْهِم وقاتلوهم فَلم يكن غير يسير حَتَّى انْهَزَمت عَسَاكِر تنم وَوَقع فِي الْأسر تنم نَائِب الشَّام وأقبغا نَائِب حلب وَيُونُس نَائِب طرابلس وَأحمد ابْن الشَّيْخ عَليّ وَفَارِس حَاجِب الْحجاب وبيغوت وشادي خجا وبيرم رَأس نوبَة أيتمش وجلبان نَائِب حلب. وَمن أُمَرَاء الطبلخاناه والعشرات مَا ينيف على مائَة أَمِير وفر أيتمش وتغري بردى وَيَعْقُوب شاه أرغون شاه وطيفور فِي ثَلَاثَة آلَاف إِلَى دمشق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 24 ليملكوها. وعندما قبض على تنم كتب إِلَى دمشق بالنصرة ومسك تنم فوصل الْبَرِيد بذلك يَوْم الثُّلَاثَاء سادس عشرينه على نَائِب الْغَيْبَة بِدِمَشْق فَنُوديَ بذلك. ثمَّ قدم الْأَمِير أيتمش إِلَى دمشق يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع عشرينه فَقبض عَلَيْهِ وعَلى تعري بردى وطيفور وأقبعا اللكاش وحبسوا بدار السَّعَادَة. ثمَّ مسك بعد يَوْمَيْنِ أرغون شاه وَيَعْقُوب شاه. وَتقدم القَاضِي سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب إِلَى دمشق فَقَدمهَا فِي يَوْم السبت سلخه. وَأما يلبغا الْمَجْنُون فَإِنَّهُ نزل البير الْبَيْضَاء فِي يَوْم الْخَمِيس ثامن عشرينه فَبعث إِلَيْهِ الْأَمِير بيبرس أَمَانًا فَقبض على من أحضرهُ إِلَيْهِ وطوقه بالحديد. فاستعد النَّاس بِالْقَاهِرَةِ وَبَاتُوا لَيْلَة السبت على أهبة اللِّقَاء. وَركب الْأُمَرَاء كلهم بكرَة يَوْم السبت سلخه إِلَى قبَّة النَّصْر خَارج الْقَاهِرَة وَأَقْبل يلبغا الْمَجْنُون فواقعهم عِنْد بساتين المطرية وَمَعَهُ نَحْو ثَلَاثمِائَة فَارس وَقصد الْقلب وَفِيه سودون بن زادة وأينال حطب وثلاثمائة من المماليك السُّلْطَانِيَّة فأطبق عَلَيْهِ الْأَمِير بيبرس من الميمنة وَمَعَهُ الْأَمِير يلبغا السالمي وساعدهما إينال باي. مِمَّن مَعَه من الميسرة فتقنطر سودون من زادة وخرق يلبعا المحنون الْقلب فِي عشْرين فَارِسًا وَصَارَ إِلَى جِهَة الْجَبَل الْأَحْمَر وانكسر سَائِر من مَعَه من الْأُمَرَاء وَغَيرهم فَتَبِعهُمْ الْعَسْكَر وَفِي ظنهم أَن يلبغا الْمَجْنُون فيهم فأدركوا الْأَمِير تمربغا المنجكي بالزيات وأخذوه وَأخذ طلب يلبغا الْمَجْنُون من عِنْد خليج الزَّعْفَرَان بِرَأْس الريدانية فَوجدَ فِيهِ الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن سنقر الأستادار والأمير بيسق أَمِير أخور فأطلقوهما ونهبوه وَعَاد الْعَسْكَر إِلَى تَحت القلعة. وَسَار الْمَجْنُون فِي عشْرين فَارِسًا مَعَ ذيل الْجَبَل إِلَى تجاه دَار الضِّيَافَة. فَلَمَّا رأى كَثْرَة من اجْتمع من الْعَامَّة خَافَ مِنْهُم أَن يرجموه فَقَالَ لَهُم: أَنْتُم ترجوني بِالْحِجَارَةِ وَأَنا أرجمكم بِالذَّهَب فدعوا لَهُ وتركوه فَسَار من خلف القلعة وَمضى إِلَى جِهَة الصَّعِيد من غير أَن يعرف بِهِ الْأُمَرَاء. وَفِيه اسْتَقر عَلَاء الدّين عَليّ بن طرنطاي كاشف الْوَجْه البحري وتغري برمش وَالِي الشرقية. شهر شعْبَان أَوله الْأَحَد: فِي أَوله: قدم الْأَمِير سيف الدّين جكم رَأس نوبَة إِلَى دمشق وَقيد أيتمش وَمن مَعَه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 25 ونقلهم من دَار السَّعَادَة إِلَى قلعة دمشق ونادى فِي النَّاس بالأمان وَمنع المماليك السُّلْطَانِيَّة من المعرض للنَّاس وَألا ينزلُوا دَاخل الْمَدِينَة. وَفِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ قَالَ: وصل الْأَمِير سردون الدوادار قريب السُّلْطَان وَقد وَالِي نِيَابَة دمشق وَمَعَهُ الْأَمِير تنم وَعشرَة من الْأُمَرَاء فِي الْقُيُود فحبسهم بالقلعة أَيْضا. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ الْمَذْكُور: دخل السُّلْطَان الْملك النَّاس بأمرائه وعساكره إِلَى قلعة دمشق فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً وسر النَّاس بِهِ سُرُورًا كَبِيرا. وَقدم مَعَه شرف الدّين مَسْعُود وَقد اسْتَقر فِي قَضَاء دمشق عوضا عَن الأخناي. وَوَقعت الحوطة على حَوَاشِي تنم وأسبابه وعَلى ابْن الطبلاوي. وَلم يفقد فِي هَذِه الْوَاقِعَة من الْأَعْيَان سوى الْأَمِير صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن تنكز فَإِنَّهُ وَفِي خامسه: خلع على الْأَمِير سودون الدوادار بنيابة دمشق وعَلى الْأَمِير دمرداش نَائِب حماة بنيابة حلب وعَلى الْأَمِير شيخ المحمدي بنيابة طرابلس وعَلى الْأَمِير دقماق بنيابة حماة وعَلى الْأَمِير ألطنبغا العثماني بنيابة صفد على عَادَته وعَلى الْأَمِير جنتمر التركماني نَائِب حمص بنيابة بعلبك وعَلى الْأَمِير بشباي حَاجِب الْحجاب بِدِمَشْق وعَلى شمس الدّين مُحَمَّد بن الأخناي وأعيد إِلَى قَضَاء دمشق وعزل مَسْعُود فَكَانَت ولَايَته مُنْذُ كتب توقيعه نَحْو ثَمَانِينَ يَوْمًا لم يُبَاشر فِيهَا بِدِمَشْق سوي ثَلَاثَة أَيَّام وعَلى تَقِيّ الدّين عبد الله بن الكفري بِقَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن الْبَدْر مُحَمَّد الْمَقْدِسِي فاستناب صدر الدّين على بن أَمِين الدّين بن الْآدَمِيّ وعَلى شمس الدّين مُحَمَّد النابلسي بِقَضَاء الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق عوضا عَن تَقِيّ الدّين إِبْرَاهِيم بن مُفْلِح. وَفِيه قبض على الْأَمِير كمشبغا الخضري وبتخاص الخاصكي من أَصْحَاب يلبغا الْمَجْنُون وسجنا بقلعة الْجَبَل. وَورد الْخَبَر بِأَن يلبغا الْمَجْنُون فِي نَحْو الْمِائَة وَأَنه أَخذ خيل وَالِي الفيوم وبغال قاضيها واستخدم عدَّة وَتوجه إِلَى الميمون. وَفِي تاسعه: اسْتَقر مَسْعُود فِي قَضَاء طرابلس. وَفِي عاشره: اسْتَقر جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر بن عَليّ بن عرب فِي حسبَة الْقَاهِرَة عوضى ممال وعد بِهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 26 وَفِي ثَانِي عشره: قدم أسنبغا العلاي بِخَبَر دُخُول السُّلْطَان إِلَى دمشق وَوُقُوع أيتمش وَغَيره من الْأُمَرَاء فِي القبضة فدقت البشائر بقلعة الْجَبَل وَنُودِيَ بتقوية الزِّينَة. وَأما الأسعار فَإِنَّهَا تزايدت بِالْقَاهِرَةِ وَبلغ الْقَمْح خَمْسَة وَسبعين درهما الأردب والحملة الدَّقِيق ماية وَعشْرين درهما وَالْخبْز ثَلَاثَة أَرْطَال بدرهم. وَفِي لَيْلَة الرَّابِع عشر: ذبح بقلعة دمشق أَرْبَعَة عشر أَمِيرا وهم: الْأَمِير أيتمش وأقبغا اللكاش وجلبان الكمشبغاوي وأرغون شاه وَفَارِس الْحَاجِب وَيَعْقُوب شاه وبيقجا طيفور حَاجِب دمشق وَأحمد بن يلبغا الخاصكي الْعمريّ وبيغوت اليحياوي ومبارك الْمَجْنُون وبهادر العثماني نَائِب البيرة. وجهزت رَأس أيتمش وَرَأس فَارس إِلَى الْقَاهِرَة. وَفِي رَابِع عشره: توجه الْأَمِير دمرداش المحمدي نَائِب حلب من دمشق إِلَيْهَا وَتوجه من الْغَد الْأَمِير دقماق نَائِب حماة إِلَيْهَا. وَتوجه فِي سادس عشره الْأَمِير شيخ نَائِب طرابلس إِلَيْهَا. وَفِيه قدم الْخَبَر من الرحبة إِلَى السُّلْطَان بِدِمَشْق أَن السُّلْطَان أَحْمد بن أويس متملك بَغْدَاد والأمير قرا يُوسُف التركماني فرا هاربين فِي نفر يسير إِلَى الْفُرَات فمنعا من التَّعْدِيَة حَتَّى يرسم لَهما بذلك. وَفِيه خلع على الْأَمِير يشبك الخازندار وَاسْتقر دوادارا عوضا عَن الْأَمِير سودون الْمُنْتَقل لنيابة الشَّام. وَفِي تَاسِع عشره: وصل الْبَرِيد من دمشق برأسي أيتمش وَفَارِس فعلقتا على بَاب قلعة الْجَبَل ونقلا من الْغَد إِلَى بَاب زويلة وعلقا عَلَيْهِ إِلَى ثَالِث عشرينه سلما لأهلهما وَقَالَ فِي ذَلِك الْمُقْرِئ الأديب شهَاب الدّين أَحْمد الأوحدي: يَا دهركم تفني الْكِرَام عَامِدًا هَل أَنْت سبع للوري ممارس الجزء: 6 ¦ الصفحة: 27 أيتمش رب الْعلَا صرعته ورحت لليث الهمامفارس وَقَالَ: أرى الْعِزّ الْكِرَام من البرايا تحكم فيهم أهل المناحس وَلَوْلَا جور حكم الدَّهْر فيهم لما ظَفرت جراكسة بِفَارِس وَقَالَ أَيْضا: أيا فرسَان الوغا أُمَرَاء مصر ذللتم للجراكسة العوابس وَلَوْلَا طبع هَذَا الدَّهْر غدر لأعجزهم من الفرسان فَارس وَفِيه أفرج عَن سراج الدّين عمر الدمياطي وَبعث الْأَمِير يلبغا السالمي من مَال الدِّيوَان الْمُفْرد برسم نَفَقَة المماليك مبلغ خَمْسَة وَثَلَاثِينَ ألف دِينَار إِلَى دمشق. وَخرج من الْقَاهِرَة لتعبئة الإقامات السُّلْطَانِيَّة إِلَى قطيا وَقبض على الْأَمِير طولو بِالْقَاهِرَةِ فسجن وَفِي سَابِع عشرينه: ولى الْملك النَّاصِر بِدِمَشْق السَّيِّد الشريف عَلَاء الدّين عَليّ بن برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن عدنان نقيب الْأَشْرَاف بِدِمَشْق كِتَابَة السِّرّ بهَا وَصرف نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن عمر بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن هبة الله بن عبد الْمُنعم بن مُحَمَّد بن الْحسن بن عَليّ بن أبي الْكَتَائِب بن أبي الطّيب. شهر رَمَضَان أَوله الِاثْنَيْنِ: فِي لَيْلَة الْخَمِيس رابعه: قتل الْأَمِير تنم نَائِب الشَّام والأمير يُونُس الرماح نَائِب طرابلس بقلعة دمشق خنقاً بعد أَن استصفيت أموالهما وَلم يبْق لَهما شَيْء ثمَّ سلما إِلَى أهلهما فَدفن تنم بتربته بميدان الْحَصَى خَارج دمشق وَدفن يُونُس بالصالحية. فَكَانَت مُدَّة ولَايَة تنم نِيَابَة الشَّام سبع سِنِين وَسِتَّة أشهر وَنصفا وَولَايَة يُونُس طرابلس نَحْو سِتّ سِنِين. وَكَانَ سودون الظريف نَائِب الكرك قد خرج مِنْهَا وَقدم دمشق على السُّلْطَان بعد أَن اسْتخْلف على الكرك الْحَاجِب شعْبَان بن أبي الْعَبَّاس فعزل سودون فِي هَذَا الْيَوْم وَأقَام السُّلْطَان فِي نِيَابَة الكرك الْأَمِير سيف الدّين بدخاص السودوني وَخرج إِلَيْهَا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 28 وَفِيه خرج السُّلْطَان من قلعة دمشق بعساكره وَنزل الْكسْوَة يُرِيد مصر فَكَانَت إِقَامَته بِدِمَشْق أحدا وَثَلَاثِينَ يَوْمًا. وَأخرج ابْن الطلاوي وَابْن أبي الطّيب كَاتب السِّرّ - فِي الترسيم بَعْدَمَا أهينا وَأخذت أموالهما. وَسَار الْبَرِيد إِلَى الْقَاهِرَة بِخُرُوج السُّلْطَان من دمشق فَقدم فِي ثامنه فدقت البشائر ثَلَاثَة أَيَّام بقلعة الْجَبَل. وَنُودِيَ فِي الْقَاهِرَة أَن يبيض النَّاس حوانيتهم وظواهر أملاكهم وكثروا الْقَنَادِيل الَّتِي تعلق على الحوانيت كل لَيْلَة. وَفِي ثَانِي عشره: نزل السُّلْطَان غَزَّة. وَقتل ابْن الطبلاوي. وَقدم الْحَرِيم السلطاني إِلَى الْقَاهِرَة فَدخل قلعة الْجَبَل فِي عشرينه وَدخل أَيْضا ابْن أبي الطِّبّ محتفظاً بِهِ فزينت الْقَاهِرَة ومصر. وَفِيه قدم القَاضِي سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب إِلَى الْقَاهِرَة فَخرج النَّاس إِلَى لِقَاء القادمين. وَفِي سادس عشرينه: قدم السُّلْطَان وَقد فرشت لَهُ شقَاق الْحَرِير من تربة يُونُس عِنْد قبَّة النَّصْر إِلَى القلعة فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَفِي ثامن عشرينه: أنعم على كل من الْأَمِير قطلوبغا الحسني الكركي بإقطاع الْأَمِير سودون - نَائِب الشَّام - وإمرة ماية تقدمة ألف وعَلى الْأَمِير أقباي الكركي الخازندار بإقطاع الْأَمِير شيخ المحمودي نَائِب طرابلس وعَلى الْأَمِير جركس القاسمي المصارع بإقطاع مبارك شاه وعَلى الْأَمِير جكم بإقطاع دقماق المحمدي وعَلى الطواشي مقبل الزِّمَام بإقطاع الْأَمِير الطواشي بهادر الشهابي مقدم المماليك وعَلى الطواشي سعد الدّين صَوَاب السَّعْدِيّ جنكل بإقطاع مقبل وبإقطاع صَوَاب على الطواشي شاهين الْحلَبِي نَائِب الْمُقدم. وَفِي آخِره: كثر ازدحام النَّاس على شِرَاء روايا المَاء بِالْقَاهِرَةِ وظواهرها حَتَّى بلغت الراوية أَرْبَعَة دَرَاهِم بعد دِرْهَم وَنصف. وَعجز كثير من النَّاس عَن شِرَائهَا لعظم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 29 الازدحام وَكَثْرَة تلقي السقائين من الْبَحْر. وَصَارَ النَّاس يخرجُون بِأَنْفسِهِم وعبيدهم وإمائهم وغلمانهم فينقلون المَاء من الْبَحْر إِلَى دُورهمْ على البغال وَالْحمير وَفِي الجرار على الروس. وتزايد الْعَطش بِالنَّاسِ. وَاتفقَ مَعَ ذَلِك شدَّة الْحر المفرط وقدوم الْعَسْكَر فَكَانَ من ذَلِك مَا لم يعْهَد مثله. وَفِي هَذَا الشَّهْر: امْتنع شعْبَان بن أبي الْعَبَّاس بالكرك على الْأَمِير بتخاص فَكَانَت بَينهمَا حروب شَدِيدَة طَوِيلَة هلك فِيهَا كثير من النَّاس وَخَربَتْ عدَّة من الْقرى. شهر شَوَّال أَوله الْأَرْبَعَاء: وَفِيه قبض على عَلَاء الدّين ألطنبغا وَإِلَى الْعَرَب نَائِب الْوَجْه القبلي وَسلم إِلَى الْوَالِي. وَاسْتقر دمرداش السيفي نَائِب الْوَجْه القبلي وَصرف مبارك شاه وأنعم عَلَيْهِ بإمرة طبلخاناه. وَأَفْرج عَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أبي الطّيب كَاتب سر دمشق. وَقدم مَمْلُوك يلبغا الْمَجْنُون بكتابه يسْأَل نِيَابَة الْوَجْه القبلي فرسم أَن يخرج إِلَيْهِ تجريدة فِيهَا الْأَمِير تمراز ويلبغا الناصري وأقباي الْحَاجِب وأينال باي وبكتمر ونوروز الحافظي وأسنبغا وتتمة ثَمَانِيَة عشر أَمِيرا. وَأَن يكون مقدمهم الْأَمِير نورور وَخَرجُوا فِي ثَالِث عشره وَمَعَهُمْ نَحْو وَفِي رَابِع عشره: أُعِيد شمس الدّين مُحَمَّد البخانسي إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة وَصرف الطنبدي. وَورد الْخَبَر بِأَن مُحَمَّد بن عمر بن عبد الْعَزِيز الهواري حَارب يلبغا الْمَجْنُون فِي شَرق أبويط. وَقبض على أَمِير على دواداره وعَلى نَائِب الْوَجْه البحري وعَلى أياس الكمشبغاوي الخاصكي وعَلى جمَاعَة من أَصْحَابه وَأَنه فر وَنزل الْبَحْر فغرق بعرسه وغرق مَعَه جمَاعَة وَأَنه أخرج من النّيل فَوجدَ قد أكل السّمك لحم وَجهه فَتوجه الْبَرِيد لرجوع الْأُمَرَاء. وَفِيه اسْتَقر سنقر السيفي فِي ولَايَة أشموم الرُّمَّان وعَلى بن قرط فِي ولَايَة أسوان. وَفِي ثامن عشره: برز الْمحمل وأمير الْحَاج بيسق إِلَى الريدانية خَارج الْقَاهِرَة. وَفِي ثَانِي عشرينه: اسْتَقر عَليّ بن حَمْزَة - أحد مقدمي الْحلقَة - فِي ولَايَة منوف وَصرف مُحَمَّد بن الطَّوِيل وَضرب بالمقارع عِنْد الْأَمِير يشبك الشَّعْبَانِي الدوادار. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة رَابِع عشرينه: - وَالنَّاس فِي انْتِظَار الصَّلَاة بالجوامع - ارتجت الْقَاهِرَة وظواهرها وَقيل قد ركب الْأُمَرَاء والمماليك فغلقت أَبْوَاب الْجَوَامِع وَاخْتصرَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 30 الخطباء الخطة ونزلوا عَن المنابر وأوجزوا فِي الصَّلَاة وَفِي بعض الْجَوَامِع لم يخْطب وَفِي بَعْضهَا لم تصل الْجُمُعَة. وَخرج النَّاس مذعورين خوفًا من النهب وَفِيهِمْ من سقط مِنْهُ منديله أَو دَرَاهِمه وَلم يع لذَلِك وأغلقت الْأَسْوَاق واختطف النَّاس الْخبز فَلم يظْهر للإشاعة صِحَة وَإِنَّمَا كَانَ سَبَب ذَلِك أَن مملوكين تخاصما تَحت القلعة وَكَانَ حمَار قد ربط فِي تخت من خشب فنفر من ذَلِك وسحب التخت فجفلت الْخُيُول الَّتِي تنْتَظر أَرْبَابهَا بِالْقربِ من جَامع شيخو بالصليبة حَتَّى تَنْقَضِي الصَّلَاة. فَلَمَّا رأى النَّاس الْخُيُول ظنُّوا لما فِي نُفُوسهم من الِاخْتِلَاف بَين سودون طاز أَمِير أخور ويشبك الدوادار وَأَنَّهُمْ على عزم الرّكُوب للحرب أَن الْوَاقِعَة قَامَت بَينهمَا فطار هَذَا الْخَبَر إِلَى بولاق وظواهر الْقَاهِرَة إِلَى مصر. وَفِي بَقِيَّة النَّهَار قبض وَإِلَى الْقَاهِرَة على جمَاعَة من أراذل الْعَامَّة وضربهم وشهرهم وَنُودِيَ عَلَيْهِم هَذَا جَزَاء من يكثر فضوله وَيتَكَلَّم فِيمَا لَا يعنيه. ثمَّ نُودي من الْغَد بالأمان وَأَن من تحدث فِيمَا لَا يعنيه ضرب بالمقارع وَسمر فسكن النَّاس. وَفِيه حضر أَمِير على اليلبغاوي أَبُو دقن نَائِب الْبحيرَة وقطلو بغا دوادار الْمَجْنُون وَعمر دوادار ألطنبغا وَإِلَى الْعَرَب فسجنوا بخزانة شمايل. وَفِي يَوْم الْأَحَد سادس عشرينه: وسادس عشْرين شهر بشنس: - أحد شهور القبط - بشر بِزِيَادَة مَاء النّيل على الْعَادة وَأَن القاع - وَهُوَ المَاء الْقَدِيم - ثَلَاثَة أَذْرع وَنصف. وَكَانَ القاع فِي السّنة الْمَاضِيَة أَرْبَعَة أَذْرع وَنصف. وَفِي لَيْلَة الثَّامِن وَالْعِشْرين مِنْهُ: ظَهرت نَار بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام من رِبَاط ومشت بالجانب الغربي من الْمَسْجِد فعمت النَّار واحترقت جَمِيع سقف هَذَا الْجَانِب وَبَعض الرواقين المقدمين من الْجَانِب الشَّامي وَعم الْحَرِيق فِيهِ إِلَى محاذاة بَاب دَار العجلة لخلوه بالهدم وَقت السَّيْل. وَصَارَ مَوضِع الْحَرِيق أكواماً عَظِيمَة وتكسر جَمِيع مَا كَانَ فِي مَوضِع الْحَرِيق من الأساطين وَصَارَت قطعا. وَفِي ثامن عشرينه: منع جَمِيع مباشري الدولة بديار مصر من النُّزُول إِلَى بَيت الْأَمِير يشبك الدوادار. وَذَلِكَ أَن كل من الأستادار والوزير وناظر الْجَيْش وَالْخَاص وَكَاتب السِّرّ كَانُوا مُنْذُ قدم السُّلْطَان من دمشق ينزلون من القلعة أَيَّام المواكب الْأَرْبَعَة - وَهِي يومي الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس ويومي الثُّلَاثَاء والسبت - إِلَى دَار الْأَمِير يشبك ويقفون فِي خدمته ويعرضون عَلَيْهِ الْأُمُور فيأمرهم. مِمَّا يُرِيد وينهاهم عَمَّا لَا يحب فيصرفون سَائِر أَحْوَال الدولة عَن أوامره ونواهيه. فحنق من ذَلِك سودون طاز أَمِير أخور وتفاوض مَعَه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 31 بِمَجْلِس السُّلْطَان فِي كَفه عَن ذَلِك حَتَّى أذعن فمنعوا ثمَّ نزلُوا إِلَيْهِ على عَادَتهم وصاروا جَمِيعًا يَجْلِسُونَ عِنْده من غير أَن يقفوا. وَفِيه اسْتَقر عَليّ بن مُسَافر نَائِب الْوَجْه البحري وعزل أَحْمد بن أَسد. وَاسْتقر نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن صَلَاح الدّين صَالح بن أَحْمد بن السفاح الْحلَبِي فِي نظر الأحباس وعزل بدر الدّين حسن بن الْمُرضعَة وأضيف إِلَيْهِ نظر الجوالي وتوقيع الدست. وَكَانَ قد حضر مَعَ الْعَسْكَر من دمشق. وَفِي تَاسِع عشرينه: اسْتَقر الْوَزير تَاج الدّين عبد الرَّزَّاق فِي ولَايَة قطا ونظرها كَمَا كَانَ قبل الوزارة. شهر ذِي الْقعدَة أَوله الْخَمِيس: فِيهِ اسْتَقر غرس الدّين خَلِيل بن الطوخي وَالِي الجيزة وعزل الْأَمِير حسن بن قراجا العلاي. وَفِي ثَانِيه: ورد الْبَرِيد من حلب ودمشق بِأَن ألقان أَحْمد بن أويس صَاحب بَغْدَاد لما توجه إِلَى بَغْدَاد وَاسْتولى عَلَيْهَا كَانَ لقرا يُوسُف فِي مساعدته أثر كَبِير فعندما تمكن قبض على كثير من أُمَرَاء دولته وقتلهم وَأكْثر من مصادرات أهل بَغْدَاد وَأخذ أَمْوَالهم فثار عَلَيْهِ من بَقِي من الْأُمَرَاء وأخرجوه مِنْهَا وكاتبوا صَاحب شيراز أَن يحضر إِلَيْهِم فلحق ابْن أويس بقرًا يُوسُف بن قرا مُحَمَّد التركماني صَاحب الْموصل واستنجد بِهِ فَسَار مَعَه إِلَيْهَا فَخرج أهل بَغْدَاد وكسروهما بعد حروب فانهزما إِلَى شاطئ الْفُرَات وبعثا يسألان نايب حلب أَن يسْتَأْذن السُّلْطَان فِي نزولهما بِالشَّام. وَأَن الْأَمِير دمرداش استدعي الْأَمِير دقماق نايب حماة إِلَى حلب وخرجا فِي عَسْكَر جَرِيدَة يبلغ عَددهمْ الْألف وكبسا ابْن أويس وقرا يُوسُف وهما فِي نَحْو سَبْعَة آلَاف فَارس فاقتتلا قتالاً شَدِيدا فِي يَوْم الْجُمُعَة رَابِع عشْرين شَوَّال قتل فِيهِ الْأَمِير جاني بلث اليحياوي أتابك حلب وَأسر دقماق نَائِب حماة وَانْهَزَمَ دمرداش نَائِب حلب وَصَارَ إِلَى حلب ولحقه بعد ان افتك نَفسه بِمِائَة ألف دِرْهَم وعد بهَا وَأَن سودون بن واده - القادم من مصر إِلَى حلب بالبشارة بقدوم السُّلْطَان إِلَى مصر سالما - بعث الْمِائَة ألف إِلَيْهِمَا مبعثا إِلَيْهِ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 32 إِنَّا لم نأت محاربين وَإِنَّمَا جِئْنَا مستجيرين ومستنجدين بسُلْطَان مصر فحاربنا هَؤُلَاءِ فدفعنا عَن أَنْفُسنَا. فَكتب إِلَى نَائِب الشَّام بمسير عَسَاكِر الشَّام جَمِيعًا وَأخذ ابْن أويس وترا يُوسُف وإرسالهما إِلَى مصر. وَفِي ثامنه: اسْتَقر أَمِير سعيد بن أَمِير فرج بن أيدمر فِي ولَايَة الغربية وَصرف مُحَمَّد ابْن غرلو. وَفِيه توقفت زِيَادَة مَاء النّيل ثَلَاثَة أَيَّام أَولهَا الْخَمِيس فَركب عدَّة من الْأُمَرَاء وكبسوا أَمَاكِن اجْتِمَاع النَّاس للفرجة ونهوا عَن عمل الْفَوَاحِش فَزَاد يَوْم الْأَحَد واستمرت الزِّيَادَة. وَورد الْخَبَر بِأَن مُحَمَّد بن عمر الهواري قَابل الْأُمَرَاء المجردين بالصعيد وَأَنَّهُمْ خلعوا عَلَيْهِ وفر عُثْمَان بن الأحدب فتتبع حَتَّى أَخذ. وَفِيه اسْتَقر عمر بن مَمْدُود الكوراني فِي ولَايَة مصر عوضا عَن الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن الزين. وَبقيت ولَايَة الْقَاهِرَة بيد ابْن الزين. وَاسْتقر أَبُو بكر بن بدر فِي ولَايَة قليوب وعزل بلبان. وَفِيه توجه عبد الرَّحْمَن المهتار إِلَى الكرك فَقَدمهَا فِي سادس عشرينه وَطلب من منجد بن خاطر أَمِير بني عقبَة أَرْبَعمِائَة بعير وعد بهَا فِي الإمرة وَوجد بتخاص لم يتسلم الكرك لِامْتِنَاع شهر ذِي الْحجَّة أَوله السبت: فِيهِ ورد الْخَبَر من مَكَّة بحريق الْحرم الَّذِي تقدم ذكره وَأَنه تلف بِهِ ثلث الْحرم. وَلَوْلَا مَا سقط قبل ذَلِك من السَّيْل لأتت النَّار على ساير الْحرم وَأَنه تلف فِيهِ من الْعمد الرخام مائَة وَثَلَاثُونَ عموداً فهال النَّاس ذَلِك وتحدث أهل الْمعرفَة بِأَن هَذَا مُنْذر بحادث جليل يَقع فِي النَّاس فَكَانَ كَذَلِك. وَوَقعت المحن الْعَظِيمَة بقدوم تمرلنك كَمَا يَأْتِي ذكره إِن شَاءَ الله. وَفِي خامسه: رسم باستقرار عَلَاء الدّين عَليّ بن أبي الْبَقَاء فِي قَضَاء دمشق وعزل الإخناي. ثمَّ انْتقض ذَلِك وَاسْتقر عوضه أَخُوهُ قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن أبي الْبَقَاء ثمَّ أعرض عَنْهَا وَاسْتقر عَلَاء الدّين فِي خَامِس عشره. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 33 وَفِي ثامنه وَهُوَ سَابِع مسرى: أوفي مَاء النّيل سِتَّة عشره ذِرَاعا فَركب الْأَمِير يشبك وَخلق المقياس وَفتح الخليج على الْعَادة بَعْدَمَا عزم السُّلْطَان على الرّكُوب لذَلِك ثمَّ تَركه خوفًا من الْفِتْنَة. وَفِي يَوْم عَرَفَة: أفرج عَن الْأَمِير تغري بردى والأمير أقبغا الأطروش نَائِب حلب من سجنهما بقلعة دمشق وحملا إِلَى الْقُدس ليقيما بِهِ بطالين. وَظهر الْأَمِير صرق من اختفائه بِدِمَشْق فَأكْرمه نَائِب الشَّام وَكَاتب فِيهِ فأنعم عَلَيْهِ بتقدمة ألف بحلب وَسَار إِلَيْهَا. وَفِي ثَالِث عشره: قدم حَاجِب الْأَمِير نعير بن حيار أَمِير آل فضل وقاصد نَائِب حلب ونائب بهسنا بِأَن نَائِب بهسنا جمع من التركمان كثيرا وواقع أَحْمد بن أويس صَاحب بَغْدَاد وكسره وَنهب مَا مَعَه وَبعث بِسَيْفِهِ. وَيُقَال إِنَّه سيف عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ. وَفِي سَابِع عشره: نزل تيمورلنك على مَدِينَة سيواس ففر مِنْهَا الْأَمِير سُلَيْمَان بن خوندكار أبي يزِيد بن عُثْمَان إِلَى أَبِيه فاستمر تيمور يحاصرها. وَفِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء خَامِس عشرينه: اتّفق مماليك الْأَمِير نوروز على قَتله. فَلَمَّا بلغه ذَلِك احْتَرز مِنْهُم بداره وَأصْبح قبض على جمَاعَة مِنْهُم وغرف مِنْهُم فِي النّيل أَرْبَعَة. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشرينه: أُعِيد موفق الدّين أَحْمد بن نصر الله إِلَى قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَابِلَة وَصرف نور الدّين عَليّ الحكري. وَاسْتقر شهَاب الدّين أَحْمد اليغموري الدِّمَشْقِي فِي نِيَابَة الأستادار بالبلاد الشامية. وَفِيه قدم مبشرو الْحَاج واخبروا بسلامة الْحجَّاج. وَفِي هَذِه السّنة: ملك الْأَمِير تيمورلنك مَدِينَة دله من الْهِنْد وَقد مَاتَ ملكهَا فَيْرُوز شاه بن نَصره شاه. وَكَانَ من عُظَمَاء مُلُوك الْإِسْلَام فَملك بعده مَمْلُوكه ملو وَعَلِيهِ قدم تيمور ففر مِنْهُ وأوقع تيمور بِالْمَدِينَةِ وَمَا حولهَا وخربها وَسَار عَنْهَا فَعَاد إِلَيْهَا ملو وَقد خربَتْ فمضي مِنْهَا إِلَى السُّلْطَان. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 34 وَمَات فِي هَذِه السّنة الشَّيْخ برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن حسن بن موسي بن أَيُّوب الأبناسي الشَّافِعِي بطرِيق مَكَّة فِي ثامن الْمحرم. وَمَات الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ الْحلَبِي وَالِي الغربية وَكَاشف الْوَجْه البحري فِي حادي عشْرين ربيع الأول. وَمَات قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن قَاضِي الْقُضَاة نَاصِر الدّين نصر الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أبي الْفَتْح الْحَنْبَلِيّ وَهُوَ قَاض فِي ثامن ربيع الأول عَن نَحْو أَربع وَثَلَاثِينَ سنة وَكَانَ عفيفاً جميل السِّيرَة. وَمَات الْمعلم شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد الطولوني المهندس بطرِيق مَكَّة فِي صفر. وَمَات قَاضِي الْقُضَاة مجد الدّين إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن على الْحَنَفِيّ وَهُوَ مَعْزُول فِي عَاشر جُمَادَى الأولى. وَمَات شيخ الشُّيُوخ شيخ الْإِسْلَام جلال الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد ابْن شيخ الشُّيُوخ نظام الدّين إِسْحَاق بن عَاصِم الْأَصْفَهَانِي بخانقاة سرياقوس فِي خَامِس عضرين ربيع الآخر. وَمَات الْأَمِير الطواشي بهادر الشهابي مقدم المماليك فِي سَابِع عشر رَجَب. وَمَات الْفَقِير المعتقد المجذوب سُلَيْمَان السواق الْقَرَافِيّ فِي تَاسِع عشر ربيع الأول. وَمَات الْأَمِير قشتمر بن قجماس أَخُو الْأَمِير أينال باي فِي ثامن ربيع الأول قَتِيلا. وَمَات الْأَمِير قطلوبك الحسامي المنجكي بالينبع من الْحجاز. وَمَات قرابغا الأسنبغاوي أحد أُمَرَاء الطبلخاناه. وَمَات الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْأَمِير جمال الدّين عبد الله ابْن الْأَمِير بكتمر الْحَاجِب فِي خَامِس عشْرين ربيع الآخر. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 35 وَمَات الْأَمِير ينتمر المحمدي الْحَاجِب. وَمَاتَتْ خوند التنكزية بنت الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون امْرَأَة الْأَمِير تنكز بغا فِي ثامن صفر. وَمَاتَتْ شيرين أم الْملك النَّاصِر فرج فِي لَيْلَة السبت أول ذِي الْحجَّة. ودفنت بِالْمَدْرَسَةِ الظَّاهِرِيَّة بَين القصرين. وَمَات الْأَمِير جمال الدّين يُوسُف الهذباني فِي ثامن ذِي الْحجَّة بِدِمَشْق ومولده سنة أَربع وَسَبْعمائة تخمينا وتأمر فِي أَيَّام النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون وباشر ولَايَة الْوُلَاة بِدِمَشْق وَأَعْلَى تقدمة ألف بهَا وَولى نِيَابَة قلعة دمشق غير مرّة. وَكَانَ شيخ الطّور وَحصل فِيهَا مَالا كثيرا ونكب غير مرّة وَقدم الْقَاهِرَة مرَارًا. وَكَانَت فِيهِ دعابة مفرطة. وَمَات بالقدس شهَاب الدّين أَحْمد بن الْحَافِظ أبي سعيد صَلَاح الدّين خَلِيل بن كيكلدي العلاي فِي شهر ربيع الأول ومولده سنة ثَلَاث وَعشْرين وَسَبْعمائة بِدِمَشْق جمع الْكثير وَقدم الْقَاهِرَة وَأقَام بالقدس ورحل النَّاس إِلَيْهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 36 سنة ثَلَاث وَثَمَانمِائَة أهل الْمحرم بِيَوْم الْأَحَد تَاسِع عشْرين مسرى: والأردب الْقَمْح من خمسين إِلَى مَا دونهَا وَالشعِير والفول بِثَلَاثِينَ فَمَا دونهَا. وَالدِّينَار الأفرنتي بِتِسْعَة وَعشْرين درهما. وَفِي ثالثه: خلع على الْأَمِير تغري برمش السيفي مُتَوَلِّي الشرقية لولاية الْقَاهِرَة عوضا عَن شهَاب الدّين أَحْمد بن الزين. وَفِي سادسه: قدم الْبَرِيد من دمشق بِأَن تمرلنك نزل على سيواس وَانْهَزَمَ سُلَيْمَان ابْن أبي يزِيد بن عُثْمَان وقرا يُوسُف بن قرا مُحَمَّد إِلَى جِهَة برصا بلد الرّوم وَأَنه أَخذ سيواس وَقتل من أَهلهَا جمَاعَة كَبِيرَة. وَفِي تاسعه: وَردت رسل ابْن عُثْمَان فَكتبت أجوبة كتبهمْ وسفروا. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشره: اسْتَقر القَاضِي نور الدّين على بن الْجلَال يُوسُف بن مكي الدَّمِيرِيّ الْمَالِكِي فِي قَضَاء الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة عوضا عَن قَاضِي الْقُضَاة ولى الدّين عبد الرَّحْمَن بن خلدون على مَال وعد بِهِ. وَفِي رَابِع عشره: استدعي إِلَى حَضْرَة السُّلْطَان بِالْقصرِ من القلعة قاني باي العلاي رَأس نوبَة أحد الطبلخاناه وَأمر بِلبْس تشريف نِيَابَة غَزَّة فَامْتنعَ من ذَلِك فَقبض عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْأَمِير أقباي حَاجِب الْحجاب فَأَقَامَ عِنْده إِلَى آخر النَّهَار فَاجْتمع طَائِفَة من المماليك السُّلْطَانِيَّة يُرِيدُونَ أَخذه فخاف وَصعد إِلَى قلعة الْجَبَل وشاور فِي أمره فَأخْرج عَنهُ وَبقيت عَلَيْهِ إمرته. وَفِي سادس عشره: اسْتَقر الْأَمِير جركس السودوني - وَيُقَال لَهُ أَبُو تنم - فِي نِيَابَة الكرك عوضا عَن الْأَمِير بتخاص من غير أَن يتسلمها فَسَار جركس إِلَيْهَا ودخلها من غير أَن ينازعه شعْبَان بن أبي الْعَبَّاس وَأقَام بهَا وَقد عَمها الخراب وَتلف أَكثر الْقرى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 37 لشدَّة مَا كَانَ من بتخاص وَابْن أبي الْعَبَّاس من الْفِتَن والحروب. وَفِي عشرينه: اسْتَقر مُحَمَّد بن العادلي وَالِي منوف وعزل عَلَاء الدّين بن حَمْزَة. وَفِي رَابِع عشرينه اسْتَقر: بلبان وَإِلَى أسوان وعزل عَليّ بن قرط. وَفِي خَامِس عشرينه: ورد الْبَرِيد من حلب بِأخذ تمرلنك سيواس وملطية. وَفِي سادس عشرينه: قدم الْبَرِيد من حلب بوصول أَوَائِل عَسْكَر تمرلنك إِلَى عين تَابَ فأدركوا الْمُسلمين. وَفِيه انْتَهَت زِيَادَة مَاء النّيل إِلَى تِسْعَة عشر ذِرَاعا واثني عشر إصبعاً وَثَبت إِلَى سَابِع عشر توت. وَفِي ثامن عشرينه: اسْتَقر الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن الْوَزير الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن رَجَب بن كلفت فِي شدّ الدَّوَاوِين عوضا عَن الشريف عَلَاء الدّين على الْبَغْدَادِيّ. وَفِيه استدعى الْخَلِيفَة وقضاة الْقَضَاء والأمراء وأعيان الدولة وأعلموا أَن تمرلنك وصل إِلَى سيواس وَأَخذهَا ووصلت مقدمته إِلَى مرعش وَعين تَابَ وَالْقَصْد أَخذ مَال من التُّجَّار إِعَانَة على النَّفَقَة فِي العساكر. فَقَالَ الْقُضَاة: أَنْتُم أَصْحَاب الْيَد وَلَيْسَ لكم معَارض وَإِن كَانَ الْقَصْد الْفَتْوَى فَلَا يجوز أَخذ مَال أحد وَيخَاف من الدُّعَاء على العساكر إِن أَخذ مَال التُّجَّار فَقيل لَهُم نَأْخُذ نصف الْأَوْقَاف نقطعها للأجناد البطالين فَقيل وَمَا قدر ذَلِك وَمَتى اعْتمد فِي الْحَرْب على البطالين من الأجناد خيف أَن يَأْخُذُوا المَال ويميلون عِنْد اللِّقَاء مَعَ من غلب وَطَالَ الْكَلَام حَتَّى اسْتَقر الرَّأْي على إرْسَال الْأَمِير أسنبغا الْحَاجِب لكشف الْأَخْبَار وتجهيز عَسَاكِر الشَّام إِلَى جِهَة تمرلنك. وَفِي سلخه: اسْتَقر الْأَمِير مبارك شاه حاجباً ثَانِيًا عوضا عَن دقماق نَائِب حماة وأضيف إِلَى تغري برمش وَإِلَى الْقَاهِرَة الحجوبية على عَادَة ابْن الزين. وَاسْتقر نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الأعسر كاشف الفيوم وواليها كاشف البهنساوية والأطفيحية وعزل أسنبغا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 38 شهر صفر أَوله الثُّلَاثَاء: وَفِي خامسه: اسْتَقر حسام الدّين بن قراجا العلاي وَالِي الجيزة وَصرف خَلِيل بن الطوخي. وَفِيه سَار الْأَمِير أسنبغا لكشف أَخْبَار تمرلنك. وأنعم على أقبغا الجمالي نَائِب - كَانَ - بنيابة غَزَّة ثمَّ بَطل ذَلِك. وَفِي رَابِع عشره: قدم الْبَرِيد من حلب بِكِتَاب النَّائِب وَكتاب أسنبغا أَن تمرلنك نزل على قلعة بهسنا بَعْدَمَا ملك الْمَدِينَة وَأَنه يحاصرها وَقد وصلت عساكره إِلَى عينتاب فَوَقع الشُّرُوع فِي حَرَكَة السّفر. وَفِي حادي عشرينه: خلع عَليّ بدر الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مقلد الْقُدسِي الْحَنَفِيّ بِقَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن تَقِيّ الدّين عبد الله بن يُوسُف بن أَحْمد بن الْحُسَيْن بن سُلَيْمَان بن فَزَارَة الْمَعْرُوف بِابْن الكفري. وَفِي رَابِع عشرينه: خرج الْأَمِير يلبغا السالمي إِلَى شبْرًا الْخيام - من ضواحي الْقَاهِرَة - وَكسر بهَا من جرار الْخمر أَرْبَعَة وَأَرْبَعين ألف جرة وأراق مَا فِيهَا وَخرب بهَا كَنِيسَة لِلنَّصَارَى. وَعَاد فِي أَخّرهُ وَمَعَهُ عدَّة م أحمال من جرار الْخمر فَكَسرهَا عِنْد بَاب زويلة وَتَحْت القلعة. وَمن حِينَئِذٍ تلاشى حَال أهل شبْرًا ومنية الشيرج فَإِن مُعظم أَمْوَالهم كَانَ من عصير الْخمر وَبيعه. وَفِي سادس عشرينه: اسْتَقر طيبغا الزيني كاشف الْوَجْه البحري وعزل ابْن طرنطاي. وَفِي ثَانِيه: عمل السُّلْطَان المولد النَّبَوِيّ على الْعَادة. وَفِي ثالثه: علق جاليش السّفر وَأخذ الْعَسْكَر فِي أهبة السّفر. وَذَلِكَ أَنه قدم الْبَرِيد من أسنبغا أَن تمرلنك نزل على بزاعة ظَاهر حلب فبرز نَائِب طرابلس بسبعمائة فَارس إِلَى حاليش تمرلنك وهم نَحْو ثَلَاثَة آلَاف. وترامي الْجَمْعَانِ بالنشاب ثمَّ اقْتَتَلُوا وَأخذ من التتار أَرْبَعَة وَعَاد كل من الْفَرِيقَيْنِ إِلَى مَوْضِعه فوسط الْأَرْبَعَة على أَبْوَاب مَدِينَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 39 حلب. وَأما دمشق فَإِن أهل محلاتها اجْتَمعُوا فِي ثَانِيَة وَمَعَهُمْ أهل النواحي بالميدان وحملوا الصناديق الخليفتية وشهروا السيوف ولعبوا بَين يَدي النَّائِب ثمَّ انْفَضُّوا. وَخرج فِي ثالثه الْقُضَاة فِي جمع كَبِير وَنَادَوْا بِقِتَال تمرلنك وتحريض النَّاس عَلَيْهِ وَعرض النَّائِب العشران بالميدان وَفرض على الْبَسَاتِين والدور مَالا وَقدم الْأَمِير أسنبغا من الْقَاهِرَة فِي سابعه بتجهيز العساكر وَغَيرهم لِحَرْب تمرلنك. فقرئ كتاب السُّلْطَان بذلك فِي الْجَامِع وَنُودِيَ فِي تاسعه بألا يُؤْخَذ من أحد شَيْء مِمَّا فرض على الدّور وَغَيرهَا. وَفِيه قدم رَسُول تمر بكتابه للمشايخ والأمراء والقضاة بِأَنَّهُ قدم فِي عَام أول إِلَى الْعرَاق يُرِيد أَخذ الْقصاص مِمَّن قتل رسله بالرحبة ثمَّ عَاد إِلَى الْهِنْد لما بلغه مَا ارتكبوه من الْفساد فأظفره الله بهم. فَبَلغهُ موت الظَّاهِر فَعَاد وأوقع بالكرج. ثمَّ قصد لما بلغه قلَّة أدب هَذَا الصَّبِي - أبي يزِيد بن عُثْمَان - أَن يعرك أُذُنه فَفعل بسيواس وَغَيرهَا من بِلَاده مَا بَلغَكُمْ. ثمَّ قصد بِلَاد مصر ليضْرب بهَا السِّكَّة وَيذكر اسْمه فِي الخطة ثمَّ يرجع بعد أَن يُقرر سُلْطَان مصر بهَا. وَطلب أَن يُرْسل إِلَيْهِ أطلمش ليدركه إِمَّا بملطية أَو حلب أَو دمشق وَإِلَّا فَتَصِير دِمَاء أهل الشَّام وَغَيرهم فِي ذمتكم مخرج نَائِب صفد فِي رَابِع عشره وَخرجت الأطلاب فِي نصفه. وَقدم الْخَبَر من حلب بنزول تمر على بهسنا فَأخذ النَّاس فِي الرحيل من دمشق فَمَنعهُمْ النَّائِب من ذَلِك ورحل النَّائِب من برزه فِي ثَانِي عشرينه يُرِيد حلب فَلَقِيَهُ نَائِب طرابلس فِي طَرِيقه. وَكَانَ من خبر أَخذ تمرلنك مَدِينَة حلب أَنه لما نزل على عين تَابَ بعث إِلَى دمرداش نَائِب حلب يعده باستمراره فِي نِيَابَة حلب ويأمره بمسك الْأَمِير سودن نَائِب الشَّام. فَلَمَّا قدم عَلَيْهِ الرَّسُول بذلك أحضرهُ إِلَى نواب ممالك الشَّام وَقد حَضَرُوا إِلَى حلب وهم: سودن نَائِب دمشق وَشَيخ المحمودي نَائِب طرابلس ودقماق نَائِب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 40 حماة وألطنبغا العثماني نَائِب صفد وَعمر بن الطَّحَّان نَائِب غَزَّة بعساكرها فَاجْتمع مِنْهُم بحلب نَحْو ثَلَاثَة آلَاف فَارس مِنْهُم عَسْكَر دمشق ثَمَانمِائَة فَارس إِلَّا أَن الْأَهْوَاء مُخْتَلفَة والآراء مفلولة والعزائم محلولة وَالْأَمر مُدبر. فَبلغ رَسُول تمرلنك الرسَالَة دمرداش فَأنْكر مسك سودن نَائِب دمشق. فَقَالَ لَهُ الرَّسُول إِن الْأَمِير - يَعْنِي تمرلنك - لم يَأْتِ إِلَّا بمكاتبتك إِلَيْهِ وَأَنت تستدعيه أَن ينزل على حلب وأعلمته أَن الْبِلَاد لَيْسَ بهَا أحد يدْفع عَنْهَا. فحنق مِنْهُ دمرداش وَقَامَ إِلَيْهِ وضربه ثمَّ أَمر بِهِ فَضربت رقبته. وَيُقَال أَن كَلَام هَذَا الرَّسُول كَانَ من تنميق تمرلنك ومكره ليغرق بذلك بَين العساكر. وَنزل تمر على جبلان خَارج حلب يَوْم الْخَمِيس تَاسِع ربيع الأول. وزحف يَوْم الْجُمُعَة وأحاط بسور حلب وَكَانَت بَين الحلبيين وَبَينه فِي هذَيْن الْيَوْمَيْنِ حروب. فَلَمَّا أشرقت الشَّمْس يَوْم السبت حادي عشره خرجت نواب الشَّام بالعساكر وَعَامة أهل حلب إِلَى ظَاهر الْمَدِينَة وعبوا لِلْقِتَالِ. ووقف سودن نَائِب دمشق فِي الميمنة ودمرداش فِي الميسرة وَبَقِيَّة النواب فِي الْقلب وَقدمُوا أمامهم عَامَّة أهل حلب. فزحف تمرلنك بجيوش قد سدت الفضاء فَثَبت الْأَمِير شيخ نَائِب طرابلس وَقَاتل - هُوَ وسودن نَائِب دمشق - قتالاً عَظِيما وبرز الْأَمِير عز الدّين أزدمر أَخُو أينال اليوسفي وَولده يشبك ابْن أزدمر فِي عدَّة من الفرسان وأبلوا بلَاء عَظِيما. وَظهر عَن أزدمر وَولده من الْإِقْدَام مَا تعجب مِنْهُ كل أحد وقاتلا قتالاً عَظِيما فَقتل أزدمر وفقد خَبره وثخنت جراحات يشبك وَصَارَ فِي رَأسه فَقَط زِيَادَة على ثَلَاثِينَ ضَرْبَة بِالسَّيْفِ سوى مَا فِي بدنه فَسقط بَين الْقَتْلَى ثمَّ أَخذ وَحمل إِلَى تمرلنك. وَلم يمض غير سَاعَة حَتَّى ولت العساكر تُرِيدُ الْمَدِينَة وَركب أَصْحَاب تمر أقفيتهم فَهَلَك تَحت حوافر الْخَيل من النَّاس عدد لَا يدْخل تَحت حصر فَإِن أهل حلب خَرجُوا حَتَّى النِّسَاء وَالصبيان وازدحم النَّاس مَعَ ذَلِك فِي دُخُولهمْ من أَبْوَاب الْمَدِينَة وداس بَعضهم بَعْضًا حَتَّى صَارَت الرمم طول قامة وَالنَّاس تمشي من فَوْقهَا. وَتعلق نواب المماليك بقلعة حلب وَدخل مَعَهم كثير من النَّاس وَكَانُوا قبل ذَلِك قد نقلوا إِلَى القلعة سَائِر أَمْوَال النَّاس بحلب. واقتحمت عَسَاكِر تمرلنك الْمَدِينَة وأشعلوا بهَا النيرَان وجالوا بهَا ينهبون وَيَأْسِرُونَ وَيقْتلُونَ. وَاجْتمعَ بالجامع وَبَقِيَّة الْمَسَاجِد نسَاء الجزء: 6 ¦ الصفحة: 41 الْبَلَد فَمَال أَصْحَاب تمر عَلَيْهِنَّ وربطوهن بالحبال وَوَضَعُوا السَّيْف فِي الْأَطْفَال فَقَتَلُوهُمْ بأجمعهم وَأَتَتْ النَّار على عَامَّة الْمَدِينَة فأحرقتها. وَصَارَت الْأَبْكَار تفتض من غير تستر وَلَا احتشام بل يَأْخُذ الْوَاحِد الْوَاحِدَة ويعلوها فِي الْمَسْجِد وَالْجَامِع بِحَضْرَة الجم الْغَفِير من أَصْحَابه وَمن أهل حلب فيراها أَبوهَا وأخوها وَلَا يقدر أَن يدْفع عَنْهَا لشغله بِنَفسِهِ. وفحش الْقَتْل وامتلأ الْجَامِع والطرقات برمم الْقَتْلَى وَاسْتمرّ هَذَا الْخطب من صحوة نَهَار السبت إِلَى أثْنَاء يَوْم الثُّلَاثَاء والقلعة قد نقب عَلَيْهَا من عدَّة أَمَاكِن وردم خندقها وَلم يبْق إِلَّا أَن تُؤْخَذ. فَطلب النواب الْأمان وَنزل دمرداش إِلَى تمرلنك فَخلع عَلَيْهِ وَدفع إِلَيْهِ أَمَانًا وخلعاً للنواب وَبعث مَعَه عدَّة وافرة إِلَى النواب فأخرجوهم. مِمَّن مَعَهم وَجعلُوا كل اثْنَيْنِ فِي قيد وأحضروا إِلَيْهِ فقرعهم ووبخهم وَدفع كل وَاحِد مِنْهُم إِلَى من يحْتَفظ بِهِ. وسيقت إِلَيْهِ نسَاء حلب سَبَايَا. وأحضرت إِلَيْهِ الْأَمْوَال ففرقها على أمرائه. وَاسْتمرّ بحلب شهرا. والنهب فِي الْقرى لَا يبطل مَعَ قطع الْأَشْجَار وَهدم الْبيُوت وجافت حلب وظواهرها من الْقَتْلَى بِحَيْثُ صَارَت الأَرْض مِنْهُم فراشا لَا يجد أحد مَكَانا يمشي عَلَيْهِ إِلَّا وَتَحْت رجلَيْهِ رمة قَتِيل. وَعمل من الروس مَنَابِر عدَّة مُرْتَفعَة فِي السَّمَاء نَحْو عشرَة أَذْرع فِي دور عشْرين ذِرَاعا حرز مَا فِيهَا من رُءُوس بني آدم فَكَانَ زِيَادَة على عشْرين ألف رَأس. وَجعلت الْوُجُوه بارزة يَرَاهَا من يمر بهَا. ثمَّ رَحل تمر عَنْهَا وَهِي خاوية على عروشها خَالِيَة من ساكنها وأنيسها قد تعطلت من الْأَذَان وَإِقَامَة الصَّلَوَات. وأصبحت مظْلمَة بالحريق موحشة قفراء مغبرة لَا يَأْوِيهَا إِلَّا الرخم. وَأما دمشق فَأَنَّهُ لما قدم عَلَيْهِم الْخَبَر بِأخذ حلب نُودي فِي النَّاس بالتحول إِلَى الْمَدِينَة والاستعداد لِلْعَدو فاختبط النَّاس وَعظم ضجيجهم وبكاؤهم وَأخذُوا ينتقلون فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء نصفه من حوالي الْمَدِينَة إِلَى داخلها. وَاجْتمعَ الْأَعْيَان للنَّظَر فِي حفظ الْمَدِينَة. فَقدم فِي سَابِع عشره المنهزمون من حماه فَعظم الْخَوْف وهم النَّاس بالجلاء فمنعوا مِنْهُ وَنُودِيَ من سَافر نهب. فورد فِي ثامن عشره الْخَبَر بنزول طَائِفَة من الْعَدو على حماه فحصنت مَدِينَة دمشق ووقف النَّاس على الأسوار وَقد اسْتَعدوا ونصبت المناجنيق على القلعة وشحنت بالزاد. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 42 فَقدم الْخَبَر فِي ثَانِي عشرينه بِأخذ قلعة حلب وبوصول رسل تمر بِتَسْلِيم دمشق فهم نَائِب الْغَيْبَة بالفرار فَرده الْعَامَّة ردا قبيحاً وماج النَّاس وَأَجْمعُوا على الْجلاء. واستغاث الصّبيان وَالنِّسَاء فَكَانَ وقتا شنعاً وَنُودِيَ من الْغَد لَا يشهر أحد سِلَاحا وتسلم الْبِلَاد لتمر فَنَادَى نَائِب القلعة بالاستعداد للحرب فَاخْتلف النَّاس. فَقدم الْخَبَر بمجيء السُّلْطَان ففتر عزم النَّاس عَن السّفر ثمَّ تبين أَن السُّلْطَان لم يخرج من الْقَاهِرَة. وَفِي ثامن عشره: فرقت الْجمال بقلعة الْجَبَل على المماليك السُّلْطَانِيَّة. وَفِي عشرينه: نُودي بِالْقَاهِرَةِ وظواهرها على أجناد الْحلقَة أَن يَكُونُوا يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِي عشرينه فِي بَيت الْأَمِير يشبك الدوادار للعرض عَلَيْهِ فانزعج النَّاس وَوَقع عرض الأجناد من يَوْم الْأَرْبَعَاء. وَفِي خَامِس عشرينه: ورد الْخَبَر بهزيمة نواب الشَّام وَأخذ تمرلنك حلب ومحاصرته القلعة فَقبض على الْمخبر وَحبس. وَوَقع الشُّرُوع فِي النَّفَقَة للسَّفر فَأخذ كل مَمْلُوك ثَلَاثَة آلَاف وَأَرْبَعمِائَة دِرْهَم. وَخرج الْأَمِير سودن من زَاده والأمير أينال حطب على الهجن فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشرينه لكشف هَذَا الْخَبَر. وَفِي هَذَا الشَّهْر: أَيْضا أخذت مَدِينَة حماه وَكَانَ من خَبَرهَا أَن مرزه شاه ابْن تمرلنك نزل عَلَيْهَا بكرَة يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع عشره وأحاط بسورها وَنهب الْمَدِينَة وَسبي النِّسَاء والأطفال وَأسر الرِّجَال وَوَقع أَصْحَابه على النِّسَاء يطؤوهن ويفتضوا الْأَبْكَار جهاراً من غير استتار وخربوا جَمِيع مَا خرج عَن السُّور. وَقد ركب أهل الْبَلَد السُّور وامتنعوا بِالْمَدِينَةِ وَبَاتُوا على ذَلِك. فَلَمَّا أَصْبحُوا يَوْم الْأَرْبَعَاء فتحُوا بَابا وَاحِدًا من أَبْوَاب الْمَدِينَة وَدخل ابْن تمر فِي قَلِيل من أَصْحَابه ونادي بالأمان. فَقدم النَّاس إِلَيْهِ أَنْوَاع المطاعم فقبلها وعزم أَن يُقيم رجلا من أَصْحَابه على حماه فَقيل لَهُ أَن الْأَعْيَان قد خَرجُوا مِنْهَا فَخرج إِلَى مخيمه وَبَات بِهِ. وَدخل يَوْم الْخَمِيس ووعد النَّاس بِخَير وَخرج. وَمَعَ ذَلِك فَإِن القلعة ممتنعة عَلَيْهِ. فَلَمَّا كَانَ لَيْلَة الْجُمُعَة نزل أهل القلعة إِلَى الْمَدِينَة وَقتلُوا من أَصْحَاب مرزه شاه رجلَيْنِ كَانَا أقرهما بِالْمَدِينَةِ فَغَضب من ذَلِك وأشعل النَّار فِي أرجاء الْبَلَد واقتحمها أَصْحَابه يقتلُون وَيَأْسِرُونَ وينهبون حَتَّى صَارَت كمدينة حلب سَوْدَاء مغبرة خَالِيَة من الأنيس. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 43 وَفِيه تكاثر جمع النَّاس بِدِمَشْق بِمن فر إِلَيْهَا من مملكة حلب وحماه وَغَيرهَا واضطربت أَحْوَال النَّاس بهَا وعزموا على مفارقتها وَخَرجُوا مِنْهَا شَيْئا بعد شَيْء يُرِيدُونَ الْقَاهِرَة. وَفِيه ركب شيخ الْإِسْلَام سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ وقضاة الْقُضَاة والأمير أقباي حَاجِب الْحجاب والأمير مبارك شاه الْحَاجِب. وَنُودِيَ بَين أَيْديهم بِالْقَاهِرَةِ من ورقة تَتَضَمَّن أَمر النَّاس بِالْجِهَادِ فِي سَبِيل الله لعدوكم الْأَكْبَر تمرلنك فَإِنَّهُ أَخذ الْبِلَاد وَوصل إِلَى حلب وَقتل الْأَطْفَال على صُدُور الْأُمَّهَات وأخرب الدّور والمساجد والجوامع وَجعلهَا إسطبلات للدواب وَهُوَ قاصدكم يخرب بِلَادكُمْ وَيقتل رجالكم وأطفالكم وَيَسْبِي حريمكم. فَاشْتَدَّ جزع النَّاس وَكثر صراخهم وَعظم عويلهم وَكَانَ يَوْمًا شَدِيدا. شهر ربيع الآخر أَوله الْجُمُعَة: فِي ثالثه: قدم الْأَمِير أسنبغا السيفي الْحَاجِب وَأخْبر بِأخذ تمرلنك مَدِينَة حلب وقلعتها بِاتِّفَاق دمرداش مَعَه وَأَنه بعد أَن قبض عَلَيْهِ أفرج عَنهُ. وَحكي مَا نزل من الْبلَاء بِأَهْل حلب وَأَنه قَالَ لنائب الْغَيْبَة بِدِمَشْق أَن يخلي بَين النَّاس وَبَين الْخُرُوج مِنْهَا فَإِن الْأَمر صَعب وَأَن النَّائِب لم يُمكن أحدا من الْمسير. فَخرج السُّلْطَان فِي يَوْمه وَنزل بالريدانية ظَاهر الْقَاهِرَة وَتَبعهُ الْأُمَرَاء والخليفة والقضاة إِلَّا قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين يُوسُف الْمَلْطِي الْحَنَفِيّ فَإِنَّهُ أَقَامَ لمرضه. وألزم الْأَمِير يشبك قَاضِي الْقُضَاة ولى الدّين عبد الرَّحْمَن بِالسَّفرِ إِلَى دمشق فَخرج مَعَ الْعَسْكَر وَتعين الْأَمِير تمراز أَمِير مجْلِس لنيابة الْغَيْبَة. وَأقَام من الْأُمَرَاء الْأَمِير جكم من عوض فِي عدَّة من الْأُمَرَاء. وَأمر تمراز بِعرْض أجناد الْحلقَة وَتَحْصِيل ألف فرس وَألف جمل وإرسال ذَلِك مَعَ من يَقع عَلَيْهِ الِاخْتِيَار من أجناد الْحلقَة. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير أرسطاي من خجا عَليّ فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن أَمِير الجزء: 6 ¦ الصفحة: 44 فرج بعد مَوته. وَكَانَ أرسطاي مُنْذُ أفرج عَنهُ مَعَ الْأَمِير نوروز قد أَقَامَ بثغر الْإسْكَنْدَريَّة بطالاً. فوردت إِلَيْهِ الْولَايَة بالتقليد والتشريف. وَفِي خامسه: نُودي على أجناد الْحلقَة بالحضور للعرض فِي بَيت الْأَمِير تمراز وهدد من تَأَخّر عَن الْحُضُور. وَخرج الْبَرِيد إِلَى أَعمال ديار مصر بِالْوَجْهَيْنِ القبلي والبحري بِجمع أقوياء أجناد الْحلقَة من الرِّيف وبتجهيز العربان لِلْخُرُوجِ إِلَى حلب تمرلنك. وَفِي بكرَة يَوْم الْجُمُعَة ثامنه: سَار الجاليش وَفِيه من الْأُمَرَاء والأكابر نوروز رَأس نوبَة وبكتمر الركني أَمِير سلَاح ويلبغا الناصري وأقباي حَاجِب الْحجاب وأينال باي بن قجماس وبيبرس الأتابك ابْن أُخْت السُّلْطَان الظَّاهِر. وَفِي عاشره: رَحل السُّلْطَان بِبَقِيَّة العساكر. وَفِي ثَانِي عشره: قدم الْخَبَر إِلَى دمشق بوصول جمَاعَة تمرلنك قَرِيبا من حمص فأنزعج النَّاس وَأخذُوا فِي الاستعداد وَحمل النَّاس أَمْوَالهم إِلَى القلعة وجفل جمَاعَة من النَّاس بقدوم الْأَمِير دمرداش نَائِب حلب إِلَى دمشق فِي يَوْم السبت رَابِع عشرينه فَارًّا من تمرلنك. وَخرج لملاقاة السُّلْطَان فَقدم من الْغَد النَّاس - وَقد جفلوا - من بعلبك وأعمالها بنسائهم ومواشيهم لنزول تمر عَلَيْهِم فَخرج كثير من أهل دمشق فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء ثامن عشرينه. وَفِي رَابِع عشره: اسْتَقر الْبَدْر مَحْمُود العينتابي فِي حسبَة الْقَاهِرَة بسفارة الْأَمِير جكم وعزل البخانسي. وَفِي خَامِس عشره: اسْتَقر الْأَمِير أسنبغا الْحَاجِب فِي كشف الجسور بالأشمونين. وخليل الشرفي جسور المنوفية وقجماس وَالِي الْعَرَب فِي كشف جسور الغربية. وَفِي عشرينه: دخل السُّلْطَان مَدِينَة غَزَّة وَاسْتقر بالأمير تغري بردى من أسنبغا فِي نِيَابَة دمشق وبأقبغا الجمالي فِي نِيَابَة طرابلس وبتمربغا المنجكي فِي نِيَابَة صفد وبطولو من عَليّ شاه فِي نِيَابَة غَزَّة وبصدقة بن الطَّوِيل فِي نِيَابَة الْقُدس وبعثهم إِلَى ممالكهم. وَسَار الجاليش من غَزَّة فِي رَابِع عشرينه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 45 وَسَار السُّلْطَان فِي سادس عشرينه وَقد انْضَمَّ إِلَيْهِ كَثِيرَة مِمَّن فر من الْبِلَاد الشامية. وَفِي آخِره: اسْتَقر الْأَمِير تمراز نَائِب الْغَيْبَة بمنكلي بغا - مَمْلُوك مبارك شاه - فِي ولَايَة البهنسا عوضا عَن يلبغا الزيني. فَلَمَّا حضر إِلَى الْأَمِير يلبغا السالمي نزع عَنهُ الخلعة وضربه بالمقارع ومقترح ووكل بِهِ. فَلَمَّا أصبح خلع عَلَيْهِ وَأذن لَهُ فِي السّفر إِلَى ولَايَته وَذَلِكَ بعد مَا دخل عَلَيْهِ فِي أمره فراعى الْأَمِير تمراز وتلافي مَا وَقع مِنْهُ فَلم يرض هَذَا تمراز وحقد عَلَيْهِ حقداً زَائِدا. شهر جُمَادَى الأول أَوله السبت: فِي ثَانِيه: قدم الْبَرِيد من السُّلْطَان بِأَنَّهُ قد ورد خَمْسَة من أُمَرَاء طرابلس بِكِتَاب أسندمر نَائِب الْغَيْبَة يتَضَمَّن أَن أَحْمد بن رَمَضَان التركماني وَابْن صَاحب الباز وَأَوْلَاد شَهْري سَارُوا وَأخذُوا حلب وَقتلُوا من بهَا من أَصْحَاب تمرلنك وهم زِيَادَة على ثَلَاثَة آلَاف فَارس. وَأَن تمرلنك بِالْقربِ من سليمَة وَأَنه بعث عسكراً إِلَى طرابلس فثار بهم أهل الْقرى وقتلوهم عَن أخرهم بِالْحِجَارَةِ لدخولهم بَين جبلين وَأَنه قد حضر إِلَى الطَّاعَة خَمْسَة من أُمَرَاء الْمغل وأخبروا بِأَن نصف عَسْكَر تمرلنك على نِيَّة الْمصير إِلَى الطَّاعَة السُّلْطَانِيَّة. وَأَن صَاحب قبرس ووزيره إِبْرَاهِيم كرى وَصَاحب الماغوصة وَردت كتبهمْ بانتظار الْإِذْن فِي تجهيز المراكب فِي الْبَحْر لقِتَال تمرلنك. وَفِيه اسْتَقر تمراز بناصر الدّين مُحَمَّد بن خَلِيل الضاني فِي ولَايَة مصر. وعزل عمر بن الكوراني. وَفِيه قبض الْأَمِير يلبغا السالمي على متا بترك النَّصَارَى ليعاقبه وألزمه بِمَال ليَأْخُذ عَنهُ بضائع فَحلف أَنه لَيْسَ عِنْده مَال وَأَن سَائِر مَا يرد إِلَيْهِ من المَال يصرفهُ فِي فُقَرَاء الْمُسلمين وفقراء النَّصَارَى فَوكل بِهِ. وَفِي ثالثه: قدم الْأَمِير تغري بردى - نَائِب الشَّام - دمشق. وَفِيه جفل أهل قرى دمشق إِلَيْهَا لوصول طَائِفَة من أَصْحَاب تمرلنك نَحْو الصنمين. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 46 وَفِي سادسه: قدم السُّلْطَان دمشق بعساكره، وَقد وصلت أَصْحَاب تمرلنك إِلَى الْبِقَاع. وَفِي عاشره: اقتتل بعض الْعَسْكَر مَعَ التمرية. وَفِي يَوْم السبت خَامِس عشره: نُودي فِي الْقَاهِرَة ومصر أَن الْأَمِير يلبغا السالمي أَمر أَن نسَاء النَّصَارَى يلبسن أزراراً زرقاً. وَنسَاء الْيَهُود يلبسن أزراراً صفراً. وَأَن النَّصَارَى وَالْيَهُود لَا يدْخلُونَ الحمامات إِلَّا وَفِي أَعْنَاقهم أَجْرَاس وَكتب على بترك النَّصَارَى بذلك إشهاداً بعد أَن جرت بَينه وَبَينه عدَّة محاورات حَتَّى أشهد عَلَيْهِ بِالْتِزَام ذَلِك إِلْزَامه سَائِر النَّصَارَى بديار مصر وألزم سَائِر مدولبي الحمامات أَلا يَكُونُوا يَهُودِيّا وَلَا نَصْرَانِيّا من الدُّخُول بِغَيْر جرس فِي عُنُقه فَقَامَ الْأَمِير تمراز فِي معارضته. وَفِي يَوْم السبت: هَذَا نزل تمرلنك إِلَى قطا فملأت جيوشه الأَرْض وَركب طَائِفَة مِنْهُم إِلَى الْعَسْكَر وقاتلوهم فَخرج السُّلْطَان من دمشق يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشره إِلَى يلبغا فَكَانَت وقْعَة انْكَسَرت ميسرَة الْعَسْكَر وَانْهَزَمَ أَوْلَاد الغزاوي وَغَيرهم إِلَى نَاحيَة حوران وجرح جمَاعَة وَحمل تمر حَملَة مُنكرَة ليَأْخُذ بهَا دمشق فَدَفَعته عَسَاكِر السُّلْطَان. وَفِي عشرينه: نَادِي الْأَمِير تمراز بِالْقَاهِرَةِ من كَانَت لَهُ ظلامة فعلية بِبَيْت الْأَمِير وَأَن الْيَهُود وَالنَّصَارَى على حَالهم كَمَا كَانُوا فِي أَيَّام الْملك الظَّاهِر. فَبَطل مَا أَمر بِهِ السالمي. وَفِيه أَمر السالمي أَن يضْرب دَنَانِير الذَّهَب محررة الْوَزْن على أَن كل دِينَار مِثْقَال سَوَاء عزم على إبِْطَال الْمُعَامَلَة بِالدَّنَانِيرِ الأفرنتية المشخصة فَضرب الدِّينَار السالمي وتعامل النَّاس بِهِ عددا وَنقش عَلَيْهِ السِّكَّة الإسلامية. وَفِي ثَانِي عشرينه: قدم الْبَرِيد من السُّلْطَان أَنه دخل دمشق يَوْم الْخَمِيس سادسه وَأقَام بقلعتها إِلَى يَوْم السبت ثامنه ثمَّ خرج إِلَى مخيمه ظَاهر الْمَدِينَة عِنْد قبَّة يلبغا. فَحَضَرَ جاليش تمرلنك وَقت الظّهْر من جِهَة جبل الثَّلج وَهُوَ نَحْو ألف فَارس فَسَار إِلَيْهِم مائَة فَارس من عَسَاكِر السُّلْطَان وكسروهم وَقتلُوا مِنْهُم جمَاعَة وَأَنه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 47 حضر فِي تِلْكَ اللَّيْلَة عدَّة من التمرية للطاعة وأخبروا بنزول تمر على الْبِقَاع العزيزي فلتكونوا على حذر فَإِن تمر كثير الْحِيَل وَالْمَكْر فدقت البشائر بقلعة الْجَبَل ثَلَاثَة أَيَّام. وَفِي خَامِس عشرينه: قدم الْبَرِيد من السُّلْطَان فاستدعي الْأَمِير تمراز شيخ الْإِسْلَام البُلْقِينِيّ وَولده جلال الدّين عبد الرَّحْمَن قَاضِي الْعَسْكَر وَمن تَأَخّر بِالْقَاهِرَةِ من الْأَعْيَان وَقُرِئَ عَلَيْهِم كتاب السُّلْطَان بِأَنَّهُ قدم إِلَى دمشق فِي سادسه وواقع طَائِفَة من الْعَسْكَر فِي ثامنه أَصْحَاب تمرلنك وَأَن مرزه شاه بن تمر وصهره نور الدّين قتلا. وَقتل قرايلك بن طرالي التركماني وَأَن السُّلْطَان حُسَيْن بهادر - رَأس ميسرَة تمرلنك وَابْن بنته - حضر إِلَى الطَّاعَة فِي ثَالِث عشره وَمَعَهُ جمَاعَة كَبِيرَة فَخلع عَلَيْهِ وأركب فرسا بسرج وكنفوش من ذهب وَأنزل دَار الضِّيَافَة بِدِمَشْق وَأَن تمر نَازل تَحت جبل الثَّلج وَقد أرسل فِي طلب الصُّلْح مرَارًا فَلم نجبه لِأَنَّهُ بَقِي فِي قبضتنا وَنحن نطاول مَعَه الْأَمر حَتَّى يُرْسل إِلَيْنَا الْأُمَرَاء الْمَقْبُوض عَلَيْهِم وَمَا أَخذه من حلب وَغَيرهَا. وَأَن الْأَمِير نعير دخل فِي الطَّاعَة وَقدم إِلَى عذراء وَضمير. وَأَن الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن الشَّيْخ توجه إِلَى الأغوار وَجمع خلقا كثيرا مِنْهُم عِيسَى بن فضل أَمِير آل عَليّ وَبني مهْدي وعرب حَارِثَة وَابْن القان والغزاوي فصدفوا من التمرية زِيَادَة على ألفي فَارس فقاتلوهم وَقتلُوا أَكْثَرهم وَأخذُوا مِنْهُم ذَهَبا ولؤلؤاً كَبِيرا. وَأَنه قد مَاتَ من أَصْحَاب تمر بالبرد أَكثر من ثَلَاثَة آلَاف نفس. وَقُرِئَ أَيْضا كتاب آخر بِأَن الْأَمِير يلبغا السالمي لَا يحكم إِلَّا فِيمَا يتَعَلَّق بالاستادارية خَاصَّة وَلَا يحكم فِي شَيْء مِمَّا كَانَ يحكم فِيهِ بَين الأخصام مِمَّا يتَعَلَّق بالأمور الشَّرْعِيَّة وَمَا يتَعَلَّق بالأمراء والحجاب وَأَن الْحَاكِم فِي هَذِه الْأَشْيَاء الْأَمِير تمراز نَائِب الْغَيْبَة. وَسبب هَذَا أَن السالمي - لما مَاتَ قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين يُوسُف الْمَلْطِي فِي تَاسِع عشر ربيع الآخر - كتب إِلَى السُّلْطَان يسْأَل فِي الْإِذْن لَهُ بالتحدث فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة فَأُجِيب إِلَى ذَلِك وَكتب إِلَيْهِ بِهِ فَأَقَامَ لَهُ نَقِيبًا كنقباء الْقُضَاة وَحكم بَين النَّاس فِي الْأُمُور الشَّرْعِيَّة فشق هَذَا على تمراز وَكَاتب السُّلْطَان فِي إبِْطَال هَذَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 48 فَكتب إِلَيْهِ بذلك. وَلما قرئَ على من حضر نُودي بِالْقَاهِرَةِ ومصر أَن من وقف ليلبغا السالمي فِي شكوى عُوقِبَ وَمن كَانَت لَهُ ظلامة أَو شكوى أَو أَخذ مِنْهُ السالمي شَيْء فَعَلَيهِ بالأمير الْكَبِير تمراز. ودقت البشائر أَيْضا بالقلعة. وَفِي سَابِع عشرينه: استدعي الْأَمِير تمراز شمس الدّين مُحَمَّد البرقي الْحَنَفِيّ - أحد موقعي قُضَاة الْحَنَفِيَّة - وتحدث مَعَه فِي أَمر السالمي فَكتب محضراً بقوادح فِي السالمي وَكتب فِيهِ جمَاعَة. وَبلغ ذَلِك السالمي وَكَانَ قد خرج من الْقَاهِرَة فَحَضَرَ يَوْم الْأَحَد سلخه إِلَى عِنْد الْأَمِير تمراز وتفاوضا مُفَاوَضَة كَبِيرَة آلت إِلَى أَن أصلح بَينهمَا الْأَمِير مبارك شاه الْحَاجِب والأمير بيسق أَمِير أخور. وَعَاد السالمي إِلَى منزله وَطلب البرقي وضربه عريا ضربا مبرحاً وَأمر بِهِ أَن يشهر كَذَلِك فَقَامَ النَّاس وشفعوا فِيهِ حَتَّى رده من الْبَاب وَطلب جمَاعَة من الْيَهُود وَالنَّصَارَى وضربهم وشهرهم ونادي عَلَيْهِم هَذَا جَزَاء من يُخَالف الشَّرْع الشريف. وَطلب دوادار وَإِلَى الْقَاهِرَة وضربه لكَونه نَادَى بِمَا تقدم ذكره فِي حَقه فهرب الْوَالِي إِلَى بَيت تمراز واحتمي بِهِ خوفًا على نَفسه. شهر جُمَادَى الْآخِرَة أَوله الِاثْنَيْنِ: فِي أَوله خلع الْأَمِير تمراز على نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن ليلى بِولَايَة مصر. فَلَمَّا حضر إِلَى السالمي نزع عَنهُ الخلعة وضربه عُريَانا وشهره وَهُوَ يُنَادي عَلَيْهِ هَذَا جَزَاء من يَلِي من عِنْد غير الأستادار وَمن يَلِي بالبراطيل فأدركه أحد مماليك تمراز وَسَار بِهِ إِلَيْهِ. فَلَمَّا رَآهُ مَضْرُوبا اشْتَدَّ حنقه وعزم على الرّكُوب للحرب فَمَا زَالَ بِهِ من حضر حَتَّى أمسك عَن إِقَامَة الْحَرْب. واشتدت الْعَدَاوَة بَينهمَا. وَفِيه قدم من أخبر باخْتلَاف الْأُمَرَاء على السُّلْطَان وَعوده إِلَى مصر فَكثر خوض النَّاس فِي الحَدِيث وَكَانَ من خبر السُّلْطَان أَن تمرلنك بعث إِلَيْهِ وَإِلَى الْأُمَرَاء فِي طلب الصُّلْح وإرسال أطلمش من أَصْحَابه وَأَنه يبْعَث من عِنْده من الْأُمَرَاء والمماليك فَلم يجب إِلَى ذَلِك. وَكَانَت الْحَرْب بَين أَصْحَاب تمر وَطَائِفَة من عَسَاكِر السُّلْطَان فِي يَوْم السبت ثامن جُمَادَى الأولى كَمَا تقدم. ثمَّ كَانَت الْحَرْب ثَانِيًا فِي يَوْم الثُّلَاثَاء حادي عاشره. وَفِي كل ذَلِك يبْعَث تمرلنك فِي طلب الصُّلْح فَلَا يُجَاب. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِي عشره: اختفي من الْأُمَرَاء والمماليك السُّلْطَانِيَّة جمَاعَة مِنْهُم الْأَمِير سودن الطيار والأمير قاني باي العلاي وجمق أحد الْأُمَرَاء. وَمن الخاصكية يشبك العثماني وقمج الحافظي وبرسبغا الدوادار وطرباي فِي آخَرين فَوَقع الِاخْتِلَاف عِنْد ذَلِك بَين الْأُمَرَاء. وأتاهم الْخَبَر بِأَن الْجَمَاعَة قد توجهوا إِلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 49 الْقَاهِرَة ليسلطوا الشَّيْخ لاجين الجركسي فَركب الْأُمَرَاء فِي أخر لَيْلَة الْجُمُعَة حادي عشرينه وَأخذُوا السُّلْطَان وَخَرجُوا بَغْتَة من غير أَن يعي وَالِد على وَلَده. وَسَارُوا على عقبَة دمر يُرِيدُونَ مصر من جِهَة السَّاحِل ومروا بصفد فاستدعوا نائبها الْأَمِير تمربغا المنجكي وأخذوه مَعَهم إِلَى غَزَّة. وتلاحق بهم كثير من أَرْبَاب الدولة. فَأدْرك السُّلْطَان الْأُمَرَاء الَّذين اختفوا بِدِمَشْق: سودن الطار وقاني باي وَمن مَعَهُمَا بغزة. فَمَا أمكن إِلَّا مجاملتهم وَأقَام بغزة ثَلَاثَة أَيَّام وَتوجه إِلَى الْقَاهِرَة بَعْدَمَا قدم بَين يَدَيْهِ آقبغا الْفَقِيه أحد الدوادارية. فَقدم إِلَى الْقَاهِرَة يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي جُمَادَى الْآخِرَة وَأعلم بوصول السُّلْطَان إِلَى غَزَّة فارتجت الْبَلَد وكادت عقول النَّاس أَن تختل. وَشرع كل أحد يَبِيع مَا عِنْده ويستعد للهروب من مصر. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْخَمِيس خامسه قدم السُّلْطَان إِلَى قلعة الْجَبَل وَمَعَهُ الْخَلِيفَة وأمراء الدولة وَنَحْو الْألف من المماليك السُّلْطَانِيَّة ونائب دمشق الْأَمِير تغري بردى وحاجب الْحجاب بهَا الْأَمِير باشا باي وغالب أمرائها ونائب صفد ونائب غَزَّة وهم فِي أَسْوَأ حَال لَيْسَ مَعَ الْأَمِير سوى مَمْلُوك أَو مملوكين فَقَط وَفِيهِمْ من هُوَ بمفرده لَيْسَ مَعَه من يَخْدمه. وَذَهَبت أَمْوَالهم وخيولهم وجمالهم وسلاحهم وَسَائِر مَا كَانَ مَعَه مِمَّا لَو قوم لبلغت قِيمَته عشرات آلَاف ألف دِينَار. وشوهد كثير من المماليك لما قدم وَهُوَ عُرْيَان. وَكَانَ الْأَمِير يلبغا السالمي قد تلقي السُّلْطَان بالكسوة لَهُ وللخليفة وَسَائِر الْأُمَرَاء. وَأما دمشق فَإِن النَّاس بهَا أَصْبحُوا يَوْم الْجُمُعَة بعد هزيمَة السُّلْطَان ورأيهم محاربة تمرلنك فَرَكبُوا أسوار الْمَدِينَة وَنَادَوْا بِالْجِهَادِ وزحف عَلَيْهِم أَصْحَاب تمر فقاتلوهم من فَوق السُّور وردوهم عَنهُ وَأخذُوا مِنْهُم عدَّة من خيولهم. وَقتلُوا مِنْهُم نَحْو الْألف وأدخلوا رُءُوسهم إِلَى الْمَدِينَة فَقدم رجلَانِ من قبل تمر وصاحا بِمن على السُّور: أَن الْأَمِير يُرِيد الصُّلْح فَابْعَثُوا رجلا عَاقِلا حَتَّى نحدثه فِي ذَلِك. فَوَقع اخْتِيَار النَّاس على إرْسَال قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن مُفْلِح الْحَنْبَلِيّ فَأرْخى من السُّور وَاجْتمعَ بتمرلنك وَعَاد إِلَى دمشق وَقد خدعه تمرلنك وتلطف مَعَه فِي القَوْل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 50 وَقَالَ: هَذِه بَلْدَة الْأَنْبِيَاء وَقد أعتقتها لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَدَقَة عَن أَوْلَادِي. فَقَامَ ابْن مُفْلِح فِي الثَّنَاء على تمر قيَاما عَظِيما وَشرع يخذل النَّاس عَن الْقِتَال ويكفهم عَنهُ فَمَال مَعَه طَائِفَة من النَّاس وخالفته طَائِفَة وَقَالَت: لَا نرْجِع عَن الْقِتَال. وَبَاتُوا لَيْلَة السبت على ذَلِك وَأَصْبحُوا وَقد غلب رَأْي ابْن مُفْلِح فعزم على إتْمَام الصُّلْح وَأَن من خَالف ذَلِك قتل. وَفِي الْوَقْت قدم رَسُول تمر إِلَى سور الْمَدِينَة فِي طلب الطقزات وَهِي عَادَة تمر إِذا أَخذ مَدِينَة صلحا أَن يخرج إِلَيْهِ أَهلهَا من كل نوع من أَنْوَاع المآكل والمشارب وَالدَّوَاب والملابس تِسْعَة يسمون ذَلِك طقزات فَإِن التِّسْعَة بلغتهم يُقَال لَهَا طقز. فبادر ابْن مُفْلِح واستدعي من الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء والتجار حمل ذَلِك فشرعوا فِيهِ حَتَّى كمل وَسَارُوا بِهِ إِلَى بَاب النَّصْر ليخرجوه إِلَى تمرلنك فَمَنعهُمْ نَائِب القلعة من ذَلِك وهددهم بحريق الْمَدِينَة عَلَيْهِم. فَلم يلتفتوا إِلَى قَوْله وَتركُوا بَاب النَّصْر ومضوا إِلَى جِهَة أُخْرَى من جِهَات الْبَلَد. وأرخوا الطقزات من السُّور وتدلي ابْن مُفْلِح وَمَعَهُ كثير من الْأَعْيَان وَغَيرهم وَسَارُوا إِلَى مخيم تمرلنك وَبَاتُوا بِهِ لَيْلَة الْأَحَد. ثمَّ عَادوا بكرَة الْأَحَد وَقد اسْتَقر تمر مِنْهُم بِجَمَاعَة فِي عدَّة وظائف مَا بَين قُضَاة قُضَاة ووزير ومستخرج الْأَمْوَال وَنَحْو ذَلِك وَمَعَهُمْ فرمان وَهُوَ ورقة فِيهَا تِسْعَة أسطر تَتَضَمَّن أَمَان أهل دمشق على أنفسهم وأهليهم خَاصَّة. فقري على مِنْبَر جَامع بني أُميَّة وَفتح من أَبْوَاب الْمَدِينَة بَاب الصَّغِير فَقَط وَقدم أَمِير من أُمَرَاء تمرلنك فَجَلَسَ بِهِ ليحفظ الْبَلَد مِمَّن يعبر إِلَيْهَا وَأكْثر ابْن مُفْلِح وَمن كَانَ مَعَه من ذكر محَاسِن تمرلنك وَبث فضائله ودعا الْعَامَّة إِلَى طَاعَته وموالاته وحثهم بأسرهم على جمع المَال الَّذِي تقرر جمعه وَهُوَ ألف ألف دِينَار فَفرض ذَلِك على النَّاس كلهم وَقَامُوا بِهِ من غير مشقة لِكَثْرَة أَمْوَالهم. فَلَمَّا كمل المَال حمله ابْن مُفْلِح وَأَصْحَابه إِلَى تمر ووضعوه بَين يَدَيْهِ. فَلَمَّا عاينه غضب غَضبا شَدِيدا وَلم يرض بِهِ وَأمر بِابْن مُفْلِح وَمن مَعَه أَن يخرجُوا عَنهُ فاخرجوا ووكل بهم. ثمَّ ألزموا بِحمْل ألف تومان والتومان عبارَة عَن عشرَة آلَاف دِينَار من الذَّهَب إِلَّا أَن سعر الدِّينَار عِنْدهم يخْتَلف فَتكون جملَة ذَلِك عشرَة آلَاف ألف دِينَار فالتزموا بهَا وعادوا إِلَى الْبَلَد وفرضوه على النَّاس فجبوا أُجْرَة مسَاكِن دمشق كلهَا عَن ثَلَاثَة أشهر وألزموا كل إِنْسَان من ذكر وَأُنْثَى وحر وَعبد وصغير وكبير بِعشْرَة دَرَاهِم. وألزم مبَاشر كل وقف من سَائِر الْأَوْقَاف بِمَال فَأخذ من أوقاف جَامع بني أُميَّة ألف دِرْهَم وَمن بَقِيَّة أوقاف الْجَوَامِع والمساجد والمدارس والمشاهد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 51 والربط والزوايا شَيْء مَعْلُوم بِحَسب مَا اتّفق فَنزل بِالنَّاسِ فِي اسْتِخْرَاج هَذَا بلَاء عَظِيم. وعوقب كثير مِنْهُم بِالضَّرْبِ وشغل كل أحد بِمَا هُوَ فِيهِ فغلت الأسعار وَعز وجود الأقوات وَبلغ المسد من الْقَمْح - وَهُوَ أَرْبَعَة أقداح - إِلَى أَرْبَعِينَ درهما فضَّة. وتعطلت الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة من دمشق كلهَا فَلم تقم بهَا جُمُعَة إِلَّا مرَّتَيْنِ الأولى فِي يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة ودعا الْخطب فِيهَا بِجَامِع بني أُميَّة للسُّلْطَان مَحْمُود ولولي عَهده ابْن الْأَمِير تيمور كركان ثمَّ شغل النَّاس بعْدهَا عَن الدّين وَالدُّنْيَا بِمَا هم فِيهِ. وَذَلِكَ أَنه نزل شاه الْملك - أحد أُمَرَاء تمر - بِجَامِع بني أُميَّة وَمَعَهُ أَتْبَاعه وَادّعى أَنه نَائِب دمشق وَجمع كل مَا كَانَ فِي الْجَامِع من الْبسط والحصر وَستر بهَا شرفات الْجَامِع وَصلى النَّاس الْجُمُعَة فِي شمَالي الْجَامِع وهم قَلِيل. وشاهدوا أَصْحَاب شاه ملك يَلْعَبُونَ فِي الْجَامِع بالكعاب ويضربون بالطنابير. ثمَّ بعد الجمعتين منعُوا من إِقَامَة فِي الْجُمُعَة بالجامع فصلى طَائِفَة الْجُمُعَة بعد ذَلِك بالخانقاه السميساطية فتعطلت سَائِر الْجَوَامِع والمساجد من إعلان الْأَذَان وَإِقَامَة الصَّلَاة. وَبَطلَت الْأَسْوَاق كلهَا فَلم بيع شَيْء إِلَّا مَا كَانَ مِمَّا يُورد ثمنه وَزَاد بِالنَّاسِ الْبلَاء أَن أَصْحَاب تمر لَا يَأْخُذُونَ إِلَّا الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير لَا غير وردوا الْفُلُوس فانحطت وَصَارَ مَا كَانَ بِخَمْسَة دَرَاهِم لَا يحْسب النَّاس فِيهِ فِيمَا بَينهم غير دِرْهَم وَاحِد. هَذَا ونائب القلعة مُمْتَنع بهَا وَقد حاصره تمر فخرب مَا بَين القلعة وَالْجَامِع بالحريق وَغَيره. ثمَّ إِن النَّائِب سلم بعد تِسْعَة وَعشْرين يَوْمًا. فَلَمَّا تَكَامل حُصُول المَال الَّذِي هُوَ بحسابهم ألف تومان حمل إِلَى تمر فَقَالَ لِابْنِ مُفْلِح وَأَصْحَابه: هَذَا المَال بحسابنا إِنَّمَا هُوَ ثَلَاثَة آلَاف دِينَار. وَقد بَقِي عَلَيْكُم سَبْعَة آلَاف ألف دِينَار وَظهر أَنكُمْ قد عجزتم. وَكَانَ تمر لما خرجت إِلَيْهِ الطقزات وَفرض للجباية الأولى الَّتِي هِيَ ألف ألف دِينَار قرر مَعَ ابْن مُفْلِح وَأَصْحَابه أَن ذَلِك على أهل الْبَلَد وَأَن الَّذِي تَركه الْعَسْكَر الْمصْرِيّ من المَال وَالسِّلَاح وَالدَّوَاب وَغير ذَلِك لَا يعْتد بِهِ لَهُم وَإِنَّمَا هُوَ لتمر. فَخرج النَّاس إِلَيْهِ بأموال أهل مصر. وبدا مِنْهُم فِي حق بَعضهم بَعْضًا من المرافعات أَنْوَاع قبيحة حَتَّى صَارَت كلهَا إِلَيْهِ. فَلَمَّا علم أَنه قد استولى على أَمْوَال المصريين ألزمهم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 52 بِإِخْرَاج أَمْوَال الَّذين فروا من التُّجَّار وَغَيرهم إِلَى دمشق خوفًا مِنْهُ. وَكَانَ قد خرج من دمشق عَالم عَظِيم فتسارعوا إِلَى حمل ذَلِك إِلَيْهِ وجروا على عَادَتهم فِي النميمة بِمن عِنْده من ذَلِك شَيْء حَتَّى أَتَوا على الْجَمِيع. فَلَمَّا صَار إِلَيْهِ ذَلِك كُله ألزمهم أَن يخرجُوا إِلَيْهِ سَائِر مَا فِي الْمَدِينَة من الْخَيل وَالْبِغَال وَالْحمير وَالْجمال فَاخْرُج إِلَيْهِ جَمِيع مَا كَانَ فِي الْمَدِينَة من الدَّوَابّ حَتَّى لم يبْق بهَا شَيْء من ذَلِك. ثمَّ ألزمهم أَن يخرجُوا إِلَيْهِ جَمِيع آلَات السِّلَاح جليلها وحقيرها فتتبعوا ذَلِك وَدلّ بَعضهم على بعض حَتَّى لم يبْق بهَا من آلَات الْقِتَال وأنواع السِّلَاح شَيْء. ثمَّ بعد حمل الفريضتين ورميه ابْن مُفْلِح وَمن مَعَه بِالْعَجزِ عَن الاستخراج قبض على أَصْحَاب ابْن مُفْلِح وألزمهم أَن يكتبوا لَهُ جَمِيع خطط دمشق وحاراتها وسككها فَكَتَبُوا ذَلِك ودفعوه إِلَيْهِ ففرقه على أمرائه. وَقسم الْبَلَد بَينهم فَسَارُوا إِلَيْهَا وَنزل كل أَمِير فِي قسمه وَطلب من فِيهِ وطالبهم بالأموال فَكَانَ الرجل يُوقف على بَاب دَاره فِي أزرى هَيْئَة وَيلْزم بِمَا لَا يقدر عَلَيْهِ من المَال فَإِذا توقف فِي إِحْضَاره عذب بأنواع الْعَذَاب من الضَّرْب وعصر الْأَعْضَاء وَالْمَشْي على النَّار وتعليقه منكوشاً وربطه بيدَيْهِ وَرجلَيْهِ وغم أَنفه بِخرقَة فِيهَا تُرَاب ناعم حَتَّى تكَاد نَفسه تخرج فيخلى عَنهُ حَتَّى يستريح ثمَّ تُعَاد عَلَيْهِ الْعقُوبَة. وَمَعَ هَذَا كُله تُؤْخَذ نساوه وَبنَاته وَأَوْلَاده الذُّكُور وتقسم جَمِيعهم على أَصْحَاب ذَلِك الْأَمِير فيشاهد الرجل المعذب امْرَأَته وَهِي تُوطأ وَابْنَته وَهِي تقبض بَكَارَتهَا وَولده وَهُوَ يلاط بِهِ فَيصير هُوَ يصْرخ مِمَّا بِهِ من ألم الْعَذَاب وَابْنَته وَولده يصرخون من ألم إِزَالَة الْبكارَة وإتيان الصَّبِي وكل هَذَا نَهَارا وليلاً من غير احتشام وَلَا تستر. ثمَّ إِذا قضوا وطرهم من الْمَرْأَة وَالْبِنْت وَالصَّبِيّ طالبوهم بِالْمَالِ وأفاضوا عَلَيْهِم أَنْوَاع الْعُقُوبَات وأفخاذهم مضرجة بالدماء. وَفِيهِمْ من يعذب بِأَن يشد رَأس من يُعَاقِبهُ بِحَبل ويلويه حَتَّى يغوص فِي الرَّأْس وَفِيهِمْ من يضع الْحَبل على كَتِفي المعذب ويديره من تَحت إبطه ويلويه بعصا حَتَّى ينخلع الْكَتِفَيْنِ. وَفِيهِمْ من يرْبط إِبْهَام الْيَدَيْنِ من وَرَاء الظّهْر ويلقي المعذب على ظَهره ويذر فِي مَنْخرَيْهِ رَمَادا سحيقاً ثمَّ يعلقه بإبهام يَدَيْهِ فِي سقف الدَّار ويشعل النَّار تَحْتَهُ. وَرُبمَا سقط فِي النَّار فسحبوه مِنْهَا وألقوه حَتَّى يفِيق فيعذب أَو يَمُوت فَيتْرك. وَاسْتمرّ هَذَا الْبلَاء مُدَّة تِسْعَة عشر يَوْمًا آخرهَا يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشْرين رَجَب فَهَلَك فِيهَا بالعقوبة وَمن الْجُوع خلق لَا يدْخل عَددهمْ تَحت حصر. فَلَمَّا علمُوا أَنه لم يبْق فِي الْمَدِينَة شَيْء لَهُ قدر خَرجُوا إِلَى تمرلنك فأنعم بِالْبَلَدِ على أَتبَاع الْأُمَرَاء فَدَخَلُوهَا يَوْم الْأَرْبَعَاء آخر رحب وَمَعَهُمْ سيوف مَشْهُورَة وهم مشَاة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 53 فنهبوا مَا بَقِي من الأثاث وَسبوا نسَاء دمشق بأجمعهن وَسَاقُوا الْأَوْلَاد وَالرِّجَال وَتركُوا من عمره خمس سِنِين فَمَا دونهَا وَسَاقُوا الْجَمِيع مربطين فِي الحبال. ثمَّ طرحوا النَّار فِي الْمنَازل وَكَانَ يَوْمًا عاصف الرّيح فَعم الْحَرِيق الْبَلَد كلهَا وَصَارَ لَهب النَّار يكَاد أَن يرْتَفع إِلَى السَّحَاب وعملت النَّار ثَلَاثَة أَيَّام آخرهَا يَوْم الْجُمُعَة. وَأصْبح تمر يَوْم السبت ثَالِث رَجَب راحلاً بالأموال والسبايا والأسري بَعْدَمَا أَقَامَ على دمشق ثَمَانِينَ يَوْمًا وَقد احترقت كلهَا وَسَقَطت سقوف جَامع بني أُميَّة من الْحَرِيق وزالت أبوابه وتفطر رخامه وَلم يبْق غير جدره قَائِمَة. وَذَهَبت مَسَاجِد دمشق ومدارسها ومشاهدها وَسَائِر دورها وقياسرها وأسواقها وحماماتها وَصَارَت أطلالاً بالية ورسوماً خَالِيَة قد أقفرت من السَّاكِن وامتلأت أرْضهَا بجثث الْقَتْلَى وَلم يبْق بهَا دَابَّة تدب إِلَّا أَطْفَال يتَجَاوَز عَددهمْ آلَاف فيهم من مَاتَ وَفِيهِمْ من يجود بِنَفسِهِ. وَأما بَقِيَّة أُمَرَاء مصر وَغَيرهم فَإِنَّهُم لما علمُوا بتوجه السُّلْطَان من دمشق خَرجُوا مِنْهَا طوائف طوائف يُرِيدُونَ اللحاق بالسلطان فَأَخذهُم العشير وسلبوهم مَا مَعَهم وَقتلُوا خلقا كثيرا. وظفر أَصْحَاب تمرلنك بقاضي الْقُضَاة صدر الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْمَنَاوِيّ الشَّافِعِي فسلبوه مَا عَلَيْهِ من الثِّيَاب وأحضروه إِلَى تمرلنك فمرت بِهِ محن شَدِيدَة آلت إِلَى أَن غرق بنهر الزاب وَهُوَ فِي الْأسر. وَكَانَ قَاضِي الْقُضَاة ولى الدّين عبد الرَّحْمَن بن خلدون الْمَالِكِي بداخل مَدِينَة دمشق. فَلَمَّا علم بتوجه السُّلْطَان تدلى من سور الْمَدِينَة وَسَار إِلَى تمرلنك فَأكْرمه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 54 وأجله وأنزله عِنْده ثمَّ أذن لَهُ فِي الْمسير إِلَى مصر فَسَار إِلَيْهَا وتتابع دُخُول المنقطعين بِدِمَشْق إِلَى الْقَاهِرَة فِي أَسْوَأ حَال من الْمَشْي والعري والجوع فرسم لكل من المماليك السُّلْطَانِيَّة بِأَلف دِرْهَم وجامكية شَهْرَيْن. وَأما السُّلْطَان فَإِنَّهُ لما اسْتَقر بقلعة الْجَبَل أعَاد شمس الدّين مُحَمَّد البخانسي إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة وَفِيه أذن للأمير يلبغا السالمي أَن يتحدث فِي كل مَا يتَعَلَّق بالمملكة وَأَن يُجهز عسكراً إِلَى دمشق لقِتَال تمرلنك فشرع فِي تَحْصِيل الْأَمْوَال وَفرض على سَائِر أَرَاضِي مصر فَرَائض فجبي من إقطاعات الْأُمَرَاء وبلاد السُّلْطَان وأخبار الأجناد وبلاد الْأَوْقَاف عَن عِبْرَة كل ألف دِينَار خَمْسمِائَة دِرْهَم ثمن فرس وجبي من سَائِر أَمْلَاك الْقَاهِرَة ومصر وظواهرها أجرته عَن شهر حَتَّى أَنه كَانَ يقوم على الْإِنْسَان فِي دَاره الَّتِي هُوَ يسكنهَا وَيُؤْخَذ مِنْهُ أجرتهَا. وجبي من الرزق - وَهِي الْأَرَاضِي الَّتِي يَأْخُذ مغلها قوم من النَّاس على سَبِيل الْبر - عَن كل فدان من زراعة الْقَمْح أَو الفول أَو الشّعير عشرَة دَرَاهِم وَعَن الفدان من الْقصب أَو القلقاس أَو النيلة - وَنَحْو ذَلِك من القطاني - مائَة دِرْهَم. وجبي من الْبَسَاتِين عَن كل فدان مائَة دِرْهَم. واستدعي أُمَنَاء الحكم والتجار وَطلب مِنْهُم المَال على سَبِيل الْقَرْض. وَصَارَ يكبس الفنادق وحواصل الْأَمْوَال فِي اللَّيْل فَمن وجد صَاحبه حَاضرا فتح مخزنه وَأخذ نصف مَا يجد من نقود الْقَاهِرَة وَهِي الذَّهَب وَالْفِضَّة والفلوس. وَإِذا لم يجد صَاحب المَال أَخذ جَمِيع مَا يجده من النُّقُود. وَأخذ مَا وجد من حواصل الْأَوْقَاف وَمَعَ ذَلِك فَإِن الصَّيْرَفِي يَأْخُذ عَن كل مائَة دِرْهَم - تستخرج مِمَّا تقدم ذكره - ثَلَاثَة دَرَاهِم. وَيَأْخُذ الرَّسُول الَّذِي يحضر الْمَطْلُوب سِتَّة دَرَاهِم وَإِن كَانَ نَقِيبًا أَخذ عشرَة دَرَاهِم. فَاشْتَدَّ الضَّرَر بذلك وَكثر دُعَاء وَفِيه خلع على الْأَمِير نوروز الحافظي والأمير يشبك الشَّعْبَانِي واستقرا مشيري الدولة مدبري أمورها. وخلع على الْأَمِير بهاء الدّين أرسلان بن أَحْمد لنقابة الْجَيْش عوضا عَن أسندمر لانقطاعه بِالشَّام. وَفِي ثَانِي عشره: خلع على القَاضِي أَمِين الدّين عبد الْوَهَّاب بن قَاضِي الْقُضَاة شمس الجزء: 6 ¦ الصفحة: 55 الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي بكر الطرابلسي قَاضِي الْعَسْكَر وَاسْتقر فِي قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بديار مصر عوضا عَن الْجمال يُوسُف الْمَلْطِي بعد وَفَاته وعَلى القَاضِي جمال الدّين عبد الله الأقفهسي وَاسْتقر فِي قَضَاء الْقَضَاء الْمَالِكِيَّة بديار مصر عوضا عَن نور الدّين عَليّ بن الْجلَال بعد مَوته أَيْضا وعَلى نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن خَلِيل الضاني وَاسْتقر أَمِير طبر عوضا عَن الصارم إِبْرَاهِيم بِحكم انْقِطَاعه فَصَارَ وَالِي مصر والقرافتين أَمِير طبر. وَفِيه قدم من الشَّام ثَلَاثمِائَة من المماليك المنقطعين بِأَسْوَأ حَال من الْمُضِيّ والعري والجوع وَشَكوا من العشير. وَفِي تَاسِع عشره: قبض على المهتار عبد الرَّحْمَن وألزم بِمَا أَخذه من العشير وَغَيرهم ثمَّ أفرج عَنهُ بعد أَيَّام. وَفِي حادي عشرينه: قدم قَاضِي الْقُضَاة موفق الدّين أَحْمد بن نصر الله الْحَنْبَلِيّ من الشَّام فِي أَسْوَأ حَال. وَقدم أَيْضا قَاضِي قُضَاة دمشق عَلَاء الدّين عَليّ بن أبي الْبَقَاء الشَّافِعِي. وَحضر أَيْضا كتاب تمرلنك على يَد أحد مماليك السُّلْطَان يتَضَمَّن طلب أطلمش أطلندي وَأَنه إِذا قدم عَلَيْهِ أرسل من عِنْده من النواب والأمراء والأجناد والفمهاء وقاضي الْقُضَاة صدر الدّين الْمَنَاوِيّ ويرحل فَطلب أطلمش من البرج الَّذِي هُوَ مسجون فِيهِ بقلعة الْجَبَل وأنعم عَلَيْهِ بِخَمْسَة آلَاف دِرْهَم وَأنزل عِنْد الْأَمِير سودن طاز أَمِير أخور وَعين للسَّفر مَعَه قطلوبك العلاي والأمير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن سنقر الأستادار. وَفِيه توجه الْأَمِير بيسق أَمِير أخور رَسُولا إِلَى تمرلنك بِكِتَاب السُّلْطَان. وجد الْأَمِير يلبغا السالمي فِي تَحْصِيل الْأَمْوَال وَعرض أجناد الْحلقَة وألزم من كَانَ مِنْهُم قَادِرًا على السّفر بِالْخرُوجِ إِلَى الشَّام وألزم الْعَاجِز عَن السّفر بإحضار نصف متحصل إقطاعه فِي السّنة. وألزم أَرْبَاب الغلال المحضرة للْبيع فِي المراكب النيلية أَن يُؤْخَذ مِنْهُم عَن كل أردب دِرْهَم وَأَن يُؤْخَذ من كل مركب من المراكب الَّتِي تتنزه فِيهَا النَّاس مائَة دِرْهَم. شهر رَجَب أَوله الثُّلَاثَاء: فِيهِ بلغت الدَّنَانِير السالمية ثَلَاث آلَاف دِينَار وَأمر السالمي أَن يضْرب دَنَانِير أَيْضا مِنْهَا مَا زنته مائَة مِثْقَال ومثقال وَمِنْهَا مَا وَزنه تسعون مِثْقَالا ومثقال وَهَكَذَا ينقص عشرَة مَثَاقِيل إِلَى أَن يكون مِنْهَا دِينَار زنته عشرَة مَثَاقِيل، فَضرب من ذَلِك جملَة دَنَانِير. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 56 وَفِي ثالثه: خلع على علم الدّين يحيى بن أسعد الَّذِي يُقَال لَهُ أَبُو كم وَاسْتقر فِي الوزارة عوضا عَن الصاحب فَخر الدّين ماجد بن غراب لاستعفائه من الوزارة. وَفِيه ورد الْخَبَر بِأَن دمرداش نَائِب حلب تخلص من تمرلنك وَجمع وَأخذ حلب وقلعتها من التمرية وقتلهم. وَفِي خامسه: اسْتَقر الطواشي فَارس الدّين شاهين الْحلَبِي نَائِب الْمُقدم فِي تقدمة المماليك عوضا عَن الطواشي شمس الدّين صَوَاب السَّعْدِيّ جنكل. وَاسْتقر الطواشي زين الدّين فَيْرُوز من جرحي مقدم الرفرف نَائِب الْمُقدم. وَفِي سابعه: حضر من عربان الْبحيرَة إِلَى خَارج الْقَاهِرَة سِتَّة آلَاف فَارس. وَمن الشرقية ابْن بقر وَالْتزم بِأَلفَيْنِ وَخَمْسمِائة فَارس وَمن العيساوية وَبني وَائِل ألف وَخَمْسمِائة فَارس فانفق فيهم الْأَمِير يلبغا السالمي الْأَمْوَال لِيَتَجَهَّزُوا إِلَى حَرْب تمرلنك. وَفِي ثامنه: قدم قَاصد الْأَمِير نعير لِأَنَّهُ قد جمع عرباناً كَثِيرَة وَنزل على تدمر وَأَن تمرلنك رَحل من ظَاهر دمشق إِلَى القطيفة. وَفِي رَابِع عشره: قبض على الْأَمِير يلبغا السالمي وعَلى شهَاب الدّين أَحْمد بن عمر ابْن قطينة وسلما للْقَاضِي سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب ليحاسبهما على الْأَمْوَال الْمَأْخُوذَة من النَّاس فِي الجبايات. وَفِي ثامن عشره: اسْتَقر سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب أستادار السُّلْطَان عوضا عَن السالمي مُضَافا إِلَى مَا بِيَدِهِ من وظيفتي نظر الْجَيْش وَالْخَاص. وَلبس جُبَّة من حَرِير بِوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَحْمَر وَالْآخر أَخْضَر بطراز ذهب عريض فِي عرض ذِرَاع وَثمن وترفع عَن لبس التشريف وَلم يُغير زِيّ الْكتاب. وَفِي سادس عشرينه: اسْتَقر جمال الدّين عبد الله المنجكي فِي ولَايَة البهنسا وعزل منكلي بغا الزيني. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 57 وَفِي سلخه: ورد الْخَبَر بِأَن ابْن عُثْمَان وصل إِلَى قيصرية من بِلَاد الرّوم. شهر شعْبَان أَوله الْخَمِيس: فِيهِ قدم قَاضِي الْقُضَاة ولي الدّين عبد الرَّحْمَن بن خلدون من دمشق وَقد أذن لَهُ تمرلنك فِي التَّوَجُّه إِلَى مصر وَكتب لَهُ بذلك كتابا عَلَيْهِ خطه وَصورته تيمور كركان وَأطلق مَعَه جمَاعَة بِشَفَاعَتِهِ فيهم مِنْهُم القَاضِي صدر الدّين أَحْمد بن قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين مَحْمُود القيصري ناضر الْجَيْش وَكَانَ قد خرج مَعَ السُّلْطَان من جملَة موقعي الدست. وَفِي ثَانِيه: جَاءَ دمشق جَراد كثير جدا ودام أَيَّامًا. وَفِي ثالثه: توجه تمرلنك من دمشق بعساكره فعز الْقَمْح بِدِمَشْق واقتات من تَأَخّر بهَا من منابت الأَرْض. وَفِي خامسه: برز الْأُمَرَاء الَّذين كَانُوا بِالْقَاهِرَةِ فِي غيبَة السُّلْطَان بِدِمَشْق للمسير لِحَرْب تمرلنك وهم: الْأَمِير تمراز أَمِير مجْلِس والأمير أقباي حَاجِب الْحجاب والأمير جرباش الشيخي والأمير تمان تمر والأمير صوماي الحسني. وَامْتنع الْأَمِير جكم من السمر فَبَطل سمر الْأُمَرَاء أَيْضا. وَفِي سابعه: قدم الْأَمِير سيف الدّين شيخ المحمودي نَائِب طرابلس هَارِبا من تمرلنك فَتَلقاهُ الْأُمَرَاء وَقدمُوا إِلَيْهِ الْخُيُول بالسروج الذَّهَب والكنابيش الذَّهَب والقماش وَالْجمال وَغير ذَلِك وَفِي ثامن عشره: أفرج عَن ابْن قطينة وَلزِمَ دَاره. وَفِي تَاسِع عشره: قدم الْأَمِير دقماق المحمدي نَائِب حماه فَارًّا من تمرلنك فأنعم عَلَيْهِ أَيْضا. مِمَّا يَلِيق بِهِ. وَفِيه برز الْأَمِير تغري بردى من بشبغا نَائِب الشَّام للمسير إِلَى دمشق. وَخرج بعده نواب الْبِلَاد الشامية وأمراؤها وأجنادها وَسَائِر أعيانها. وخلع على الْأَمِير القَاضِي سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب جُبَّة حَرِير بِوَجْهَيْنِ مطرزة باستقراره فِيمَا بِيَدِهِ عِنْد استعفائه من الأستادارية. وعَلى جمال الدّين يُوسُف بن القطب بِقَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن محيي الدّين مَحْمُود بن الكشك. وَفِي ثامن عشرينه: اسْتَقر تمربغا المنجكل فِي نِيَابَة صفد وَخرج إِلَيْهَا وَاسْتقر تنكز بغا الحططيفي نِيَابَة بعلبك وناصر الدّين مُحَمَّد بن الطَّوِيل فِي كشف الْوَجْه البحري، وعزل طيبغا الزيني. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 58 وَفِي رَابِع عشرينه: قبض على مملوكين فأقرا أَنَّهُمَا اتفقَا مَعَ جمَاعَة من المماليك - سموهم - على إثارة فتْنَة وَقتل الْأُمَرَاء فعفي عَنْهُمَا وَلم يَتَحَرَّك فِي ذَلِك سَاكن. وَفِيه نُودي أَلا يُقيم بديار مصر عجمي وأجلو ثَلَاثَة أَيَّام وهدد من تَأَخّر بعْدهَا فَلم يتم من ذَلِك شَيْء. ولهج النَّاس بِالْكِتَابَةِ على الْحِيطَان من نصْرَة الْإِسْلَام قتل الأعجام. وَفِي سادس عشرينه: أُعِيد نور الدّين عَليّ بن عبد الْوَارِث الْبكْرِيّ إِلَى حسبَة مصر وَصرف شمس الدّين مُحَمَّد الشاذلي. وَفِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشرينه: خلع على القَاضِي نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الصَّالِحِي أحد نواب الحكم وَاسْتقر فِي قَضَاء الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بديار مصر على مَال الْتزم بِهِ وَذَلِكَ بَعْدَمَا أيس من حُضُور الصَّدْر مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْمَنَاوِيّ فَنزل فِي خدمته أكَابِر الْأُمَرَاء مثل الْأَمِير يشبك الدوادار وَغَيره حَتَّى جلس بِالْمَدْرَسَةِ بَين القصرين وَحكم على الْعَادة ثمَّ سَار إِلَى دَاره. شهر رَمَضَان أَوله الْجُمُعَة: إِلَى ثَانِي عشره: اسْتَقر جنتمر التركماني النظامي نَائِب الْوَجْه القبلي وعزل عَلَاء الدّين عَليّ بن غلبك بن المكللة. (وَفِي رَابِع عشره) اسْتَقر على ابْن بنت معتوق فِي ولَايَة منفلوط وعزل أَحْمد ابْن عَليّ بن غلبك. وَفِي ثامن عشره: خلع على الْأَمِير شيخ المحمودي بنيابة طرابلس على عَادَته عوضا عَن آقبغا الجمالي وعَلى دقماق المحمدي بنيابة صفد عوضا عَن تمربغا المنجكي وأنعم على تمربغا بإمرة مائَة بِدِمَشْق. وَفِيه قدم حَاج الْمغرب وَفِيهِمْ رسل صَاحب تونس بهدية مِنْهَا سِتَّة عشر فرشاً قدمت للسُّلْطَان وَقدم مَعَهم نَحْو ثَلَاثمِائَة فرس للْبيع. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 59 وَفِي هَذَا الشَّهْر: توقفت أَحْوَال النَّاس بِسَبَب الذَّهَب فَإِنَّهُ أشيع أَنه يطْرَح على الصيارف وَيُؤْخَذ فِي الدِّينَار الأفرنتي المشخص مبلغ تِسْعَة وَثَلَاثِينَ درهما من الْفُلُوس. وَكَانَ قد بلغ بَين النَّاس إِلَى ثَمَانِيَة وَثَلَاثِينَ درهما فتناقص حَتَّى صَار إِلَى خمسه وَثَلَاثِينَ درهما وَالدِّينَار الْمَخْتُوم الْمصْرِيّ إِلَى ثَمَانِيَة وَثَلَاثِينَ. وَقدم الْخَبَر أَن الفرنج أخذُوا سِتَّة مراكب موسقة قمحاً سَار بهَا الْمُسلمُونَ من دمياط إِلَى سواحل الشَّام ليباع بهَا من كَثْرَة مَا أَصَابَهَا من الْقَحْط والغلاء من نوبَة تمرلنك فرسم بِخُرُوج جمَاعَة من الْأُمَرَاء إِلَى ثغور مصر فَخرج الْأَمِير آقباي حَاجِب الْحجاب والأمير بكتمر والأمير جرباش فِي عدَّة من الْأُمَرَاء وَغَيرهم وَتَفَرَّقُوا فِي الثغور. وَفِي ثَالِث عشرينه: أُعِيد قَاضِي الْقُضَاة ولي الدّين عبد الرَّحْمَن بن خلدون إِلَى قَضَاء الْمَالِكِيَّة وصوف جمال الدّين عبد الله الأقفهسي. وَاسْتقر مجد الدّين سَالم الْحَنْبَلِيّ فِي قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَابِلَة عوضا عَن موفق الدّين أَحْمد بن نصر الله بعد وَفَاته بعد أَن طلب هُوَ وَالشَّيْخ عَلَاء الدّين عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عَبَّاس بن فتيَان البعلبكي الْمَعْرُوف بِابْن اللحام الْحَنْبَلِيّ الْوَارِد من دمشق إِلَى عِنْد الْأَمِير يشبك الدوادار وَعرض عَلَيْهِمَا ولَايَة الْقَضَاء فامتنعا وَصَارَ كل مِنْهُمَا يَقُول: لَا أصلح وَإِنَّمَا يصلح هَذَا لدينِهِ وَعلمه. فَكثر الْعجب من ذَلِك. وَاسْتقر الْأَمر لسالم وخلع عَلَيْهِ وَركب إِلَى الصالحية فِي موكب حمل. شهر شَوَّال أَوله الْأَحَد: فِيهِ أفرج عَن الْأَمِير يلبغا السالمي وَهُوَ متضعف بَعْدَمَا عصر وأهين إهانة بَالِغَة. وَفِي هَذَا الْيَوْم: كثر تحرز الْأُمَرَاء من بَعضهم بَعْضًا وتحدث النَّاس بإثارة فتْنَة بَينهم. وَفِي خَامِس: وصل الْأَمِير تغري بردى نَائِب الشَّام إِلَى دمشق وَمن مَعَه من الْعَسْكَر. وَفِي سابعه: اسْتَقر الْأَمِير طولو من على شاه فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن الْأَمِير الجزء: 6 ¦ الصفحة: 60 أرسطاي وَاسْتقر الْأَمِير باشا باي من باكي حاجباً ثَانِيًا بديار مصر على خبز سودن الطيار بطبلخاناه. وَاسْتقر تمر الْبَرْبَرِي مهمنداراً عوضا عَن ألطبغا العثماني. وَاسْتقر كل من سودن الطيار وألطبغا سَيِّدي حاجباً بحب. وَفِيه استدعي السُّلْطَان الْأُمَرَاء إِلَى القلعة وَقَالَ لَهُم: قد كتبنَا مناشير جمَاعَة من الخاصكية بإمريات بِالشَّام من أول رَمَضَان فَلم لَا يسافروا فَقَالَ الْأَمِير نوروز: مَا هَذَا مصلحَة إِذا أرسل السُّلْطَان هَؤُلَاءِ من يبْقى. وَوَافَقَهُ سودن المارديني على ذَلِك. فَقَالَ السُّلْطَان: من رد مرسومي فَهُوَ عدوي فَسكت الْأُمَرَاء وَأمر السُّلْطَان بالمناشير أَن تبْعَث إِلَى أَرْبَابهَا. فَلَمَّا نزلت إِلَيْهِم امْتَنعُوا من السّفر وَمِنْهُم من رد منشوره فغصب السُّلْطَان وَأصْبح الْجَمَاعَة يَوْم الْأَحَد وَقد اتَّفقُوا مَعَ الْأُمَرَاء وصاروا إِلَى الْأَمِير نوروز وتحدثوا مَعَه فِي أَلا يسافروا فَاعْتَذر إِلَيْهِم وبعثهم إِلَى سودن المارديني رَأس نوبَة فحدثوه فِي ذَلِك. وَمَا زَالُوا بِهِ حَتَّى ركب إِلَى الْأَمِير يشبك الدوادار وحدثه فِي أَلا يسافروا فَأَغْلَظ فِي الرَّد عَلَيْهِ وهددهم بالتوسيط إِن امْتَنعُوا وَبَعثه إِلَى السُّلْطَان ليحدثه فِي ذَلِك فَصَعدَ القلعة وَسَأَلَ السُّلْطَان فِي إعفائهم من السّفر وأعلمه أَنه قد اتّفق مِنْهُم نَحْو الْألف تَحت القلعة وهم مجتمعون. فَبعث السُّلْطَان إِلَيْهِم أحد الخاصكية يَقُول لَهُم: نَحن مَا خليناكم بِلَا رزق بل عملناكم أُمَرَاء. فَمَا هُوَ إِلَّا أَن بَلغهُمْ ذَلِك ثَارُوا عَلَيْهِ وضربوه حَتَّى كَاد يهْلك. وبينما هم فِي ضربه إِذا بالأمير قطلوبغا الكركي والأمير أقباي الخازندار نزلا من القلعة فَمَال عَلَيْهِم المماليك يضربونهم بالدبابيس إِلَى أَن سقط قطلوبغا فتكاثر عَلَيْهِ مماليكه وَحَمَلُوهُ إِلَى بَيته وَنَجَا أقباي إِلَى بَيت الْأَمِير يشبك. وَمَاجَتْ الْبَلَد فَنُوديَ آخر النَّهَار أَن الْأُمَرَاء والمماليك السُّلْطَانِيَّة يطلعون من غَد إِلَى القلعة وَمن لم يطلع حل دَمه وَمَاله للسُّلْطَان. فطلع الْأَمِير يشبك ونوروز وآقباي الخازندار وقطلوبغا الكركي إِلَى القلعة بعد عشَاء الْآخِرَة وَبَاتُوا بهَا إِلَّا نوروز فَإِنَّهُ أَقَامَ مَعَهم سَاعَة ثمَّ نزل. وطلع أَيْضا غَالب المماليك. وَأَصْبحُوا يَوْم الِاثْنَيْنِ تاسعه فطلع جَمِيع الْأُمَرَاء والمماليك إِلَّا الْأَمِير جكم وسودن الطيار وقاني باي العلاي وقرقماش الأينالي وتمربغا المشطوب وجمق فِي عدَّة من أَعْيَان المماليك مِنْهُم يشبك العثماني وقمج وبرسمبغا وطراباي وَبَقِيَّة خَمْسمِائَة مَمْلُوك فَإِنَّهُم لبسوا السِّلَاح ووقفوا تَحت القلعة حَتَّى تضحى النَّهَار ثمَّ مضوا إِلَى بركَة الْحَبَش ونزلوا عَلَيْهَا. فَبعث الْأَمِير يشبك الدوادار - نقيب الْجَيْش - إِلَى الشَّيْخ لاجين قبض عَلَيْهِ وَحمله إِلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 61 بَيت آقباي حَاجِب الْحجاب فَوكل بِهِ من أخرجه من الْقَاهِرَة إِلَى بلبيس وَقبض على سودن الْفَقِيه أحد دعاة الشَّيْخ لاجين وَأخرج إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجن بهَا. وَمَا زَالَ الْأَمِير جكم ببركة الْحَبَش إِلَى لَيْلَة الْأَرْبَعَاء فاستدعي الْأَمِير يشبك الدوادار سَائِر الْأُمَرَاء فَلَمَّا صَارُوا إِلَى القلعة وكل بهم من يحفظهم حَتَّى مضى جَانب من اللَّيْل استدعى سودن طاز أَمِير أخور من الإسطبل ليحضر إِلَى عِنْد الْأُمَرَاء بالقلعة. وَقد وَقع الِاتِّفَاق على أَن سودن طاز إِذا طلع قتل هُوَ والأمراء الْمُوكل بهم فَأتى بعض الخاصكية إِلَى سودن طاز وَقَالَ لَهُ: فز بِنَفْسِك. فَلم يكذب الْخَبَر وَأخذ الْخُيُول الَّتِي بالإسطبل السلطاني وَركب بمماليكه وَلحق بالأمير جكم على بركَة الْجَيْش. فارتج الْقصر السلطاني. وَلحق كل أَمِير بداره وركبوا بأجمعهم ودقت الكوسات فَلَمَّا أصبح نَهَار الْأَرْبَعَاء نزل السُّلْطَان من الْقصر إِلَى الإصطبل وطلع إِلَيْهِ الْأُمَرَاء وَبعث إِلَى الْأَمِير جكم بِأَمَان وَأَنه يتَوَجَّه إِلَى صفد نَائِبا بهَا فَقَالَ: نَحن مماليك السُّلْطَان وَهُوَ أستاذنا وَابْن أستاذنا لَو أَرَادَ قتلنَا مَا خالفناه وَإِنَّمَا لنا غُرَمَاء يخلونا وإياهم. فَلَمَّا عَاد الرَّسُول بذلك بكي الْأَمِير يشبك وأقباي الخازندار وقطلوبغا الكركي وَدَار بَينهم وَبَين السُّلْطَان كَلَام كثير فَبعث السُّلْطَان بالأمير نوروز الحافظي وقاضي الْقُضَاة نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الصَّالِحِي وناصر الدّين الرماح أَمِير أخور إِلَى الْأَمِير جكم فِي طلب الصُّلْح فَامْتنعَ من ذَلِك هُوَ وَمن مَعَه وَقَالُوا: لابد لنا من غرمائنا وأخروا عِنْدهم الْأَمِير نوروز وَعَاد قَاضِي الْقُضَاة والرماح بذلك. فَقَالَ السُّلْطَان ليشبك دُونك وغرماءك. فَنزل إِلَى بَيته وَقد اخْتَلَّ أمره. ثمَّ عَاد إِلَى القلعة فَلم يُمكن مِنْهَا وتخفي عَنهُ المماليك السُّلْطَانِيَّة وتركوه وَحده تَحت الإسطبل السلطاني فَلم يكن غير سَاعَة حَتَّى أقبل الْأَمِير جكم وسودن طاز ونوروز فِي عَددهمْ وعديدهم. وَصَاحب الموكب نوروز وجكم عَن يسَاره وطاز عَن يمنه وصاروا قَرِيبا من يشبك. فنادي يشبك: من قَاتل معي من المماليك يَأْخُذ عشرَة آلَاف دِرْهَم. فَأَتَاهُ طَائِفَة فَحمل عَلَيْهِ نوروز فِي من مَعَه فَانْهَزَمَ إِلَى دَاره وَقَاتل سَاعَة ثمَّ فر فنهبت دَاره وَدَار قطلوبغا وأقباي. وَقبض على أقباي فشفع فِيهِ السُّلْطَان فَترك بداره إِلَى يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشره ركب الْأَمِير جكم إِلَيْهِ. وَأَخذه وَصعد بِهِ إِلَى الإسطبل السلطاني وَقَيده. وَقبض على قطلوبغا من عِنْد الْأَمِير يلبغا الناصري وَقَيده. وَقبض على جركس المصارع من عِنْد سودن الجلب وَقَيده وَبعث الثَّلَاثَة إِلَى مَدِينَة الْإسْكَنْدَريَّة لَيْلَة السبت الجزء: 6 ¦ الصفحة: 62 رَابِع عشره. وَكتب بإحضار سودن. الْفَقِيه من الْإسْكَنْدَريَّة. وَطلب الْأَمِير يشبك فَلم يقدر عَلَيْهِ إِلَى لَيْلَة الِاثْنَيْنِ سادس عشره دلّ عَلَيْهِ أَنه فِي تربة بالقرافة. فَلَمَّا أحيط بِهِ ألْقى نَفسه من مَكَان مُرْتَفع فشج جَبينه وَقبض عَلَيْهِ الْأَمِير جكم وأحضره إِلَى بَيت الْأَمِير نوروز ثمَّ سير من ليلته إِلَى ثغر الْإسْكَنْدَريَّة فسجن بهَا. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ: خلع على الْأَمِير القَاضِي سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن كراب جُبَّة مطرزة باستقراره على مَا هُوَ عَلَيْهِ. وَفِي ثامن عشره: اسْتَقر نَاصِر الدّين بن غرلوا نَائِب الْوَجْه البحري وعزل ابْن مُسَافر. وألبس الْأَمِير شيخ المحمودي نَائِب طرابلس قباءنخ وألبس أَيْضا الْأَمِير دقماق نَائِب صفد قبَاء السّفر وَأذن لَهما فِي السّفر إِلَى ولايتهما. وَإِلَى تَاسِع عشره: خلع على الْأَمِير حكم وَاسْتقر دوادار السُّلْطَان مَكَان الْأَمِير يشبك الشَّعْبَانِي. وعَلى سودن من زَاده وَاسْتقر خازندازاً مَوضِع أقباي الكركي. وعَلى أرغون من بشبغا وَاسْتقر شاد الشربخاناه بدل قطلوبغا الكركي. وَفِيه خرج الْمحمل مَعَ الْأَمِير قطلوبك العلاي إِلَى الريدانية خَارج الْقَاهِرَة. وَعمل أَمِير الركب الأول الْأَمِير بيسق الشيخي ورسم لَهُ أَن يُقيم بعد انْقِضَاء الْحَج بِمَكَّة لعمارة مَا بَقِي من الْمَسْجِد الْحَرَام. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث عشرينه: أقبل على دمشق جَراد حجب من كثرته الشَّمْس عَن الْأَبْصَار فأتلف جَمِيع مَا تنتبه الأَرْض بعامة أَرض الشَّام كلهَا حَتَّى لم يدع بهَا خضرًا من شجر وَلَا غَيره من غَزَّة إِلَى الْفُرَات. وَفِي سادس عشرينه: اسْتَقر يُونُس الحافظي فِي نِيَابَة حماة وعزل ركن الدّين عمر ابْن الهذباني وَاسْتقر نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الطبلاوي فِي ولَايَة الْقَاهِرَة وَصرف الْأَمِير الْوَزير تَاج الدّين عبد الرَّزَّاق بن أبي الْفرج الْمَعْرُوف بوالي قطيا وَعمل أحد الْأُمَرَاء الْحجاب بِغَيْر إقطاع ثمَّ قبض عَلَيْهِ بعد أَيَّام وعصر وَأخذ مِنْهُ مَال ثمَّ أفرج عَنهُ. وَفِيه أنعم على الْأَمِير جكم بإقطاع يشبك وعَلى سودن الطيار بإقطاع الْأَمِير جكم وبإقطاع أقباي الكركي على الْأَمِير قاني باي العلاي وبإقطاع قطلوبغا الكركي على الْأَمِير تمربغا من باشاه الْمَعْرُوف بالمشطوب وبإقطاع جركس المصارع على سودن من زَاده بستين فَارِسًا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 63 شهر ذِي الْقعدَة، أَله الثُّلَاثَاء: فِيهِ ألزم سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب بتجهيز نَفَقَة المماليك فالتزم أَن يحمل مِنْهَا مائَة ألف دِينَار وألزم الْوَزير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن سنقر وتاج الدّين عبد الرَّزَّاق بن أبي الْفرج ويلبغا السالمي بِمِائَة ألف دِينَار فشرعوا فِي تجهيزها. وَفِيه قبض الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن رَجَب شاد الدَّوَاوِين على يلبغا السالمي من دَاره وَحمله إِلَى بَيته وضربه ضربا مبرحاً وَبَالغ فِي عصره وتعذيبه حَتَّى أشرف على الْمَوْت فأبيع موجوده فِيمَا ألزم بِهِ. وَفِيه جَاءَ رجل جَراد غير ذَلِك إِلَى دمشق فَعظم بِهِ الْخطب. وَفِي ثالثه: قدم الْأَمِير تمربغا المنحكي نَائِب صفد إِلَى دمشق على إقطاع تقدمة ألف. وقدمت ولَايَة شمس الدّين الأخناي قَضَاء دمشق. وَفِي خامسه: اسْتَقر الشهَاب أَحْمد اليغموري الْحَاجِب بِدِمَشْق نَائِب قلعتها وَالْتزم بعمارتها فأفرد لَهَا من بِلَاد دمشق داريا الْكُبْرَى وَأَرِيحَا من الْغَوْر والمواريث الحشرية بِدِمَشْق وأعمالها والرملة والقدس وغزة ونابلس والمسابك وَدَار الضَّرْب وَنصف متحصل كَنِيسَة قمامة من الْقُدس وَربع الْعشْر وَربع الزَّكَاة وَربع مَا يتَحَصَّل من دَار الْوكَالَة. وأعيد بدر الدّين حسن إِلَى نظر الأحباس بديار وعزل نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن صَلَاح الدّين صَالح بن أَحْمد بن السفاح. وَفِي سادس: وَهُوَ سَابِع عشْرين بؤونة أحد شهور القبط أَخذ قاع النّيل فجَاء أَربع أَذْرع وَفِي ثَانِي عشره: خلع على يُونُس نَائِب حماة وعَلى عَليّ بن مُسَافر نَائِب الْوَجْه البحري للسَّفر. وَفِي خَامِس عشره: أفرج عَن يلبغا السالمي فَسَار من بَيت شاد الدَّوَاوِين إِلَى دَاره على حمَار. وَفِيه ورد الْخَبَر بِأَن دقماق المحمدي نَائِب صفد لما قدمهَا وجد متيريك بن قَاسم بن متيريك - أَمِير حَارِثَة - قد نزل على بِلَاد صفد وَقسمهَا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 64 وَكَانَ قد أَخذ من أَمْوَال الفارين من دمشق إِلَى مصر فِي نوبَة تمرلنك مَا يجل وَصفه. فَركب عَلَيْهِ وحاربه فانكسر مِنْهُ دقماق وَقتل من مماليكه اثْنَا عشر فَارِسًا وأسرت أمه بَعْدَمَا قتل عدَّة من عرب حَارِثَة. وَأَنه استنجد بالأمير شيخ نَائِب طرابلس وَكَانَ نازلاً على مرج الْعُيُون فَرجع إِلَيْهِ وركبا مَعًا بِمن مَعَهُمَا على متيريك فكسراه وقتلا جمَاعَة من عربه وأسرا لَهُ وَلدين وسطاهما وأخذا لَهُ سِتَّة آلَاف بعير فَكتب إِلَى متيريك بتطييب خاطره. وَكتب إِلَى شيخ ودقماق برد أباعره عَلَيْهِ فَلم يقبلا ذَلِك. وَقدم الْخَبَر أَن نَائِب حلب أَحْوَاله تَقْتَضِي أَنه قد خرج عَن الطَّاعَة. وَفِي سادس عشرينه: صعد سعد الدّين بن غراب إِلَى القلعة برسم النَّفَقَة فأنفق فِي نَحْو ألف من المماليك فثاروا بِهِ وقبضوا عَلَيْهِ وضربوه وعوقوه فِي مَكَان ثمَّ خلى عَنهُ فَنزل إِلَى دَاره. وَفِي هَذَا الشَّهْر: خربَتْ بَغْدَاد. وَفِيه طمع العربان فِي بِلَاد الشَّام ونهبوا مَا فِيهَا. شهر ذِي الْحجَّة أَوله الْأَرْبَعَاء: فِي لَيْلَة السبت رابعه: اختفى سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب وَأَخُوهُ فَخر الدّين ماجد وصهره - أَخُو زَوجته - يُوسُف بن قطلوبك العلاي وعدة من ممالكه فَلم يُوقف لَهُم على خبر. وَفِي يَوْم السبت الْمَذْكُور: فرقت الْأَضَاحِي بالحوش من القلعة على الْأُمَرَاء وَسَائِر أَرْبَاب الدولة من الْقُضَاة والأعيان والمماليك السُّلْطَانِيَّة وَفِي جِهَات الْبر من الْجَوَامِع والمدارس والخوانك والمشاهد والزوايا وَفِي أَرْبَاب الْبيُوت من أهل السّتْر على الْعَادة فِي كل سنة. وَفِيه قدم إِلَى دمشق نَائِب حماة وحريم تغري بردى نَائِب الشَّام. وَفِي سادسه: خلع على الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن سنقر البحكاوي وَاسْتقر فِي أستادارية السُّلْطَان عوضا عَن سعد الدّين بن غراب مُضَافا لما مَعَه من الذخرة والأملاك. وأنعم عَلَيْهِ بإقطاع ابْن غراب وإقطاع ابْن قطينة. فأرصد الدواليب وإقطاع يلبغا السالمي للديوان الْمُفْرد. وأرصد إقطاع ابْن قطينة لخزانة السُّلْطَان يتَصَرَّف فِيهِ الخازندارية بِأَمْر السُّلْطَان. وَفِيه استعفي الْأَمِير سودن من زَاده من وَظِيفَة الخازندارية. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 65 وَفِي سابعه: أضيف إِلَى الْوَزير علم الدّين - الَّذِي يُقَال لَهُ أَبُو كم - نظر الْخَاص مَعَ الوزارة عوضا عَن سعد الدّين بن غراب وخلع عَلَيْهِ بذلك. وخلع أَيْضا على سعد الدّين أبي الْفرج بن بنت الملكي صَاحب ديوَان الْجَيْش وَاسْتقر فِي نظر الْجَيْش عوضا عَن سعد الدّين بن غراب. وَفِيه ورد الْخَبَر أَن نَائِب الْوَجْه البحري حضر إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَطلب نائبها ليخرج إِلَيْهِ بِسَبَب حفر الخليج فَامْتنعَ من الْخُرُوج إِلَيْهِ فَانْصَرف عَنهُ. فَكتب إِلَيْهِ أَنه إِن حضر أحد يطْلب الْأُمَرَاء المسجونين فليبادر بقتل الْأَمِير يشبك وإلقاء رَأسه إِلَيْهِم. وَفِي تاسعه: ورد رَسُول مَشَايِخ تروجة بقدوم سعد الدّين بن غراب إِلَيْهِم وَمَعَهُ مِثَال سلطاني باستخراج الْأَمْوَال ومسيرهم مَعَه إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَإِخْرَاج يشبك والأمراء من السجْن ليحضروا إِلَى الْقَاهِرَة بهم فَخلع على الرَّسُول وَكتب مَعَه بِأخذ ابْن غراب وَمن مَعَه وإرسالهم إِلَى الْقَاهِرَة. وَقدم كتاب أرسطاي نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة بِأَن سعد الدّين بن غراب طلب زعران الْإسْكَنْدَريَّة فَخرج إِلَيْهِ أَبُو بكر الْمَعْرُوف بِغُلَام الخدام بالزعر إِلَى تروجه فَأعْطِي كل وَاحِد مِنْهُم مبلغ خَمْسمِائَة دِرْهَم وَقرر مَعَهم قتل النَّائِب. فَلَمَّا بلغ النَّائِب ذَلِك وَقدمُوا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة قبض على جمَاعَة مِنْهُم وَقتل بَعضهم وَقطع أَيدي بَعضهم وَضرب غُلَام الخدام بالمقارع وَأَنه ظفر بِكِتَاب ابْن غراب إِلَى بعض تجار الْإسْكَنْدَريَّة وجهزه وَفِيه أَنه يجْتَمع بالنائب ويؤكد عَلَيْهِ أَن لَا يقبل مَا يرد عَلَيْهِ من أُمَرَاء مصر فِي أَمر يشبك وَمن مَعَه وَأَنه يَجْعَل باله لَا يجْرِي لَهُ مَا جرى على ابْن عرام فِي قَتله الْأَمِير بركَة. وَورد كتاب مَشَايِخ تروجة بسؤال الْأمان لِابْنِ غراب فَكتب لَهُ السُّلْطَان أَمَانًا وَكتب لَهُ الْأُمَرَاء أَيْضا - مَا خلا الْأَمِير جكم - فَإِنَّهُ كتب إِلَيْهِ كتابا وَلم يكْتب أَمَانًا. وخلع على عَليّ بن غَرِيب الهواري وَعُثْمَان بن الأحدب وَعَملا فِي الإمرة على هوارة بِبِلَاد الصَّعِيد عوضا عَن مُحَمَّد بن عمر بن عبد الْعَزِيز الهواري وسارا. وَاسْتقر بهاء الدّين أرسلان نقيب الْجَيْش حاجباً. وَفِي سادس عشره: خلع على الصاحب الْوَزير علم الدّين وَاسْتقر وَكيل الْخَاص. وخلع على الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الطبلاوي وَإِلَى الْقَاهِرَة وأضيف إِلَيْهِ ولَايَة القرافة. وَفِيه رَحل تمرلنك عَن بَغْدَاد بَعْدَمَا هدمها. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 66 وَفِيه قدم رسل أبي يزِيد بن عُثْمَان - ملك الرّوم - بهدية فِيهَا عشرَة مماليك وَعشرَة أرؤس من الْخَيل وَعشر قطع من الجوخ وشاربان من الْفضة وَعشر قطع فضَّة مَا بَين أطباق وَغَيرهَا وعدة هَدَايَا إِلَى الْأُمَرَاء فقرئ كِتَابه فِي الْعشْرين مِنْهُ. وَفِي حادي عشرينه. قدم سعد الدّين بن غراب إِلَى الْقَاهِرَة لَيْلًا وَنزل عِنْد صديقه جمال الدّين يُوسُف أستادار بجاس وَهُوَ يَوْمئِذٍ أستادار سودن طاز أَمِير أخور. فَتحدث لَهُ مَعَ سودن طاز وأوصله إِلَيْهِ فَأكْرمه وأنزله عِنْده يومي الثُّلَاثَاء وَالْأَرْبِعَاء واسترضي لَهُ الْأُمَرَاء وأحضره فِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشرينه إِلَى مجْلِس السُّلْطَان فَقبل الأَرْض وخلع عَلَيْهِ جُبَّة حَرِير مطرزة على عَادَته وَاسْتقر فِي الأستادارية وَنظر الْجَيْش وَنظر الْخَاص على إقطاعه وأضيف إِلَيْهِ الذَّخِيرَة ودواليب خَاص الْخَاص. وعزل نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن سنقر وَنزل إِلَى بَيت الْأَمِير جكم الدوادار فَمَنعه من الدُّخُول إِلَيْهِ ورده فَصَارَ إِلَى دَاره. وَمَا زَالَ حَتَّى دخل مَعَ الْأَمِير سودن من زادة إِلَى عِنْد الْأَمِير جكم فَقبل يَده فَلم يكلمهُ كلمة وَأعْرض عَنهُ فرضاه بعد ذَلِك. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سلخه: أنْفق الْأَمِير القَاضِي سعد الدّين بن غراب تَتِمَّة النَّفَقَة على المماليك السُّلْطَانِيَّة فَأعْطى كل وَاحِد ألف دِرْهَم وعندما نزل من القلعة أدْركهُ عدَّة من المماليك السُّلْطَانِيَّة ورحموه بِالْحِجَارَةِ يُرِيدُونَ قَتله فبادر إِلَى بَيت الْأَمِير نوروز واستجار بِهِ فأجاره حَتَّى انْصَرف المماليك عَن بَابه وَتوجه إِلَى دَاره. وَفِيه نُودي على النّيل بِزِيَادَة ثَمَانِيَة وَأَرْبَعين إصبعاً وَتَأَخر عَلَيْهِ من الْوَفَاء سِتّ عشرَة إصبعاً وفاها فِي اللَّيْل وَبلغ الدِّينَار الْمصْرِيّ إِلَى أَرْبَعِينَ درهما ثمَّ انحط وَبلغ الأفرنتي إِلَى سَبْعَة وَثَلَاثِينَ وَفِي هَذَا الشَّهْر كَانَت وقْعَة بَين الْأَمِير نعير وَبَين نَائِب حلب. وَمَات فِي هَذِه السّنة قَاضِي الْقُضَاة موفق الدّين أَحْمد بن قَاضِي الْقُضَاة نَاصِر الدّين نصر الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أبي الْفَتْح بن هَاشم بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الْعَسْقَلَانِي الْحَنْبَلِيّ فِي ثَانِي عشر رَمَضَان وَكَانَ مشكوراً. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 67 وَمَات قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد الله النحريري الْمَالِكِي وَهُوَ مَعْزُول فِي ثَانِي عشر رَجَب. وَمَات نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن تَقِيّ الدّين عمر بن نجم الدّين مُحَمَّد بن نجم الدّين أبي الْقسم هبة الله بن عبد الْمُنعم بن مُحَمَّد بن الْحسن بن عَليّ بن أبي الْكَتَائِب بن مُحَمَّد بن أبي الطّيب الْعجلِيّ الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي كَاتب سر دمشق يَوْم الْأَحَد سادس عشْرين رَجَب فِي الْعقُوبَة بيد التمرية. ولى كِتَابَة سر حلب وطرابلس ودمشق مَرَّات وَأقَام بِالْقَاهِرَةِ مُدَّة. وَمَات الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن الْحَاج عمر بن الزين وَالِي الْقَاهِرَة فِي ثَانِي عشر ربيع الأول. وَمَات شهَاب الدّين أَحْمد بن أَسد بن طرخان الملكاوي الشَّافِعِي بِدِمَشْق فِي نصف رَمَضَان. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين أسنبغا العلاي دوادار الْملك الظَّاهِر فِي سادس عشر جُمَادَى وَمَات أَمِير فَوْج الْحلَبِي نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة بهَا فِي آخر ربيع الأول. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين الْمَعْرُوف بسيدي أبي بكر بن الْأَمِير شمس الدّين سنقر أبن أخي بهادر الجمالي فِي ثَالِث عشر جُمَادَى الْآخِرَة. وَمَات أَبُو بكر بن الْملك الْأَشْرَف شعْبَان بن حُسَيْن بن مُحَمَّد بن قلاوون فِي ثَالِث عشر ربيع الْآخِرَة. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين بجاس النوروزي فِي ثَانِي عشر رَجَب. وَمَات الْأَمِير سودن نَائِب الشَّام فِي آخر رَجَب وَدفن خَارج دمشق بقيده وَهُوَ فِي أسر تمرلنك. وَمَات تَقِيّ الدّين عبد الله بن يُوسُف بن أَحْمد بن الْحُسَيْن بن سُلَيْمَان بن فَزَارَة الدِّمَشْقِي الْحَنَفِيّ عرف بِابْن الكفري قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق فِي الْعشْرين من ذِي الْقعدَة فِي محنة تمرلنك. وَمَات الْوَزير كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن عبد الرَّزَّاق بن إِبْرَاهِيم بن مكانس فِي خَامِس عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة وَهُوَ مَصْرُوف عَن الوزارة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 68 وَمَات الْعَلامَة عَلَاء الدّين على بن مُحَمَّد بن عَبَّاس بن فتيَان البعلبكي الدِّمَشْقِي عرف بِابْن وَمَات نور الدّين عَليّ بن عبد الْعَزِيز بن أَحْمد بن الخروبي التَّاجِر الكارمي فِي ثَانِي عشر رَجَب. وَمَات قَاضِي الْقُضَاة نور الدّين على بن يُوسُف بن مكي الْمَعْرُوف بِابْن الْجلَال الدَّمِيرِيّ الْمَالِكِي باللجون من طَرِيق دمشق فِي جُمَادَى الأولى. وَمَات الْفَقِيه الجندي قطلوبغا الْحَنَفِيّ أحد أَعْيَان الْحَنَفِيَّة فِي نصف جُمَادَى الأولى. وَمَات قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن أبي الْبَقَاء مُحَمَّد بن عبد الْبر الخزرجي السُّبْكِيّ الشَّافِعِي وَهُوَ مَصْرُوف عَن الْقَضَاء فِي سَابِع عشر ربيع الآخر. وَمَات شرف الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد الدماميني قَاضِي الْإسْكَنْدَريَّة بهَا فِي آخر الْمحرم. وَمَات شيخ الْمَالِكِيَّة شرف الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن المكين مدرس الظَّاهِرِيَّة المستجدة بَين القصرين فِي ثَانِي عشْرين ربيع الآخر. وَمَات بدر الدّين مُحَمَّد الأقفهسي نَاظر الدولة فِي ثَالِث عشر ربيع الآخر. وَمَات قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين يُوسُف بن مُوسَى بن مُحَمَّد الْمَلْطِي الْحَنَفِيّ وَهُوَ قَاض فِي تَاسِع عشْرين ربيع الآخر ومولده سِتَّة سِتّ وَعشْرين وَسَبْعمائة. وَهلك بحلب وحماة ودمشق وأعمال الشَّام فِي محنة تمرلنك بِالْجُوعِ وَالْقَتْل والحريق وَفِي الْأسر وَمَات قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن اسحق بن إِبْرَاهِيم ابْن عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ الْمَنَاوِيّ الشَّافِعِي وَهُوَ فِي الْأسر مَعَ تمرلنك غريقاً بنهر الزاب بعد مَا مرت بِهِ محن شَدِيدَة. وَمَات بدر الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مقلد الْقُدسِي الْحَنَفِيّ قَاضِي الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق. مَاتَ بغزة فِي ربيع الأول. ومولده سنة أَربع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وَكَانَ قد أَقَامَ بِالْقَاهِرَةِ مُدَّة وفيهَا ولي قَضَاء دمشق فَلم تشكر مُبَاشَرَته. وَكَانَ أَولا يَنُوب فِي الحكم بِدِمَشْق وَأفْتى ودرس وبرع فِي الْفِقْه وشارك فِي العقليات. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 69 وَمَات الْملك الْأَشْرَف إِسْمَاعِيل بن الْأَفْضَل عَبَّاس بن الْمُجَاهِد عَليّ بن الْمُؤَيد دَاوُد ابْن المظفر يُوسُف بن مَنْصُور عمر بن على بن رَسُول فِي لَيْلَة السبت ثامن عشر ربيع الأول بِمَدِينَة تعز من بِلَاد الْيمن عَن سبع وَثَلَاثِينَ سنة. ولى سلطنة الْيمن بعد أَبِيه فِي سنة ثَمَان وَسبعين وَسَبْعمائة. حَتَّى مَاتَ. وَكَانَ حَلِيمًا كثير السخاء مُقبلا على الْعلم محباً للغرباء وصنف تَارِيخا لليمن. قدم علينا إِلَى الْقَاهِرَة ووقفت عَلَيْهِ وَقَامَ بمملكة الْيمن بعده ابْنه الْملك النَّاصِر أَحْمد. وَمَات نور الدّين على بن يحيى بن جَمِيع الطَّائِي الصعدي كَبِير تجار الْيمن بِعَدَد أَمِين فِي لَيْلَة عيد الْفطر وَقد جاور السِّتين وَكَانَ مكيناً عِنْد الْأَشْرَف. وَمَات برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن على التادلي قَاضِي الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشر جُمَادَى الأولى فِي الْحَرْب مَعَ أَصْحَاب تمرلنك. ومولده سلخ سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة ولي قَضَاء دمشق بعد المازوني سنة ثَمَان وَسبعين ثمَّ صرف وأعيد فَكَانَت ولَايَته الَّتِي مَاتَ فِيهَا هِيَ الْعَاشِرَة. وَكَانَ قوي الْيَقِين فَاضلا. وَمَات تَاج الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله وَيعرف بِابْن الْخَرَّاط الإسكندري الْمَالِكِي بالثغر فِي عَاشر صفر حدث بِكِتَاب التَّيْسِير فِي الْقرَاءَات عَن العرادياشي وبموطأ مَالك عَنهُ أَيْضا. وَمَات ملك دله من بِلَاد الْهِنْد وَهُوَ فَيْرُوز شاه بن نصْرَة شاه وَقَامَ من بعده ابْنه مُحَمَّد شاه هـ وَمَات قَاضِي الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق تَقِيّ الدّين إِبْرَاهِيم بن الْعَلامَة شمس الدّين مُحَمَّد بن مُفْلِح فِي شعْبَان عَن اثْنَتَيْنِ وَخمسين سنة. وَكَانَ فَقِيها واعظاً إِلَّا أَنه قَامَ فِي مصالحة الطاغية تيمور فَلم ينجح وَلم يحمد. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 70 سنة أَربع وَثَمَانمِائَة أهل الْمحرم بِيَوْم الْخَمِيس: فِيهِ كَانَ وَفَاء النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا فَفتح الخليج على الْعَادة. وَأما الذَّهَب فَإِن الدِّينَار الْمَخْتُوم بِسِتَّة وَثَلَاثِينَ درهما والأفرنتي بأَرْبعَة وَثَلَاثِينَ. والأردب الْقَمْح من خمس إِلَى مَا دونهَا وَالشعِير بِخَمْسَة وَعشْرين والأرز بمائه وَتِسْعين الأردب والكتان كل رَطْل بِدِرْهَمَيْنِ وَنصف بعد دِرْهَم والحملة الْحَطب - وَهِي مائَة وَعشرَة أَرْطَال - بِعشْرَة دَرَاهِم بعد دِرْهَمَيْنِ. وَفِي ثَانِيه: توجه الْأَمِير زين الدّين عبد الرَّحْمَن المهتار إِلَى بِلَاد الشَّام فِي مُهِمّ سلطاني. وَفِي تاسعه: اسْتَقر الْأَمِير أركماس الظَّاهِرِيّ نَائِب عين تَابَ فِي نِيَابَة ملطية كَانَ الْأَمِير دمرداش نَائِب حلب قد عَزله من نِيَابَة عين تَابَ فَقدم إِلَى الْقَاهِرَة وَاسْتقر عَلَاء الدّين صهر يلبك فِي كشف الْبحيرَة وخلع على سعد الدّين بن غراب عِنْد تَكْمِلَة النَّفَقَة على المماليك السُّلْطَانِيَّة. وَفِي سادس عشره: اسْتَقر شمس الدّين مُحَمَّد بن الْبَنَّا فِي نظر الأحباس وَصرف بدر الدّين حسن بن الداية. وَاسْتقر الصارم فِي ولَايَة مصر وعزل الضاني. وَفِي حادي عشرينه: أَو لم الْأَمِير الْكَبِير نوروز لعرسه على سارة ابْنة الْملك الظَّاهِر فذبح ثَلَاثمِائَة رَأس من الْغنم وَسِتَّة عشر فرسا. وَفِي ثَالِث عشرينه: اسْتَقر الْأَمِير أَبُو يزِيد - أحد الْحجاب - بإمرة عشرَة. وَفِي سَابِع عشرينه: اسْتَقر شهَاب الدّين أَحْمد بن الجواشني فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد بن القطب. وَذَلِكَ أَن السُّلْطَان كَانَ قد كتب إِلَى أُمَرَاء دمشق بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ فَلَمَّا أحس بذلك الجزء: 6 ¦ الصفحة: 71 فر من دمشق فِي لَيْلَة الْجُمُعَة ثَانِي عشْرين الْمحرم فِي نفر يسير فَتعين لنيابة دمشق عوضا عَنهُ الْأَمِير أقبغا الجمالي أتابك دمشق والأمير تمربغا المنجكي لنيابة صفد عوضا عَن دقماق. وَنقل دقماق لنيابة حلب وعزل دمرداش عَنْهَا. فورد الْخَبَر بالتحاق تغري بردى بدمرداش فِي حلب. وَفِي خامسه: كتب توقيع باستمرار نجم الدّين عمر بن حجي فِي قَضَاء الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بحماة وتوقيع بِنَقْل عَلَاء الدّين عَليّ بن مغلي قَاضِي الْحَنَابِلَة بحماة إِلَى قَضَاء الْحَنَابِلَة بحلب. وَفِي عشرينه: جهز تشريف الْأَمِير آقبغا بنيابة دمشق على يَد غنجق. وَفِي رَابِع عشرينه: خلع على الصاحب علم الدّين يحيى - الْمَعْرُوف بأبو كم - خلعة اسْتِمْرَار. وَذَلِكَ أَنه كَانَ لِكَثْرَة طلب كلف الدولة مِنْهُ وعجزه اختفي فَلَمَّا ظهر خلع عَلَيْهِ. وَورد الْخَبَر أَن دمرداش نَائِب حلب قبض على الْأَمِير خَلِيل بن قراحا بن دلغادر - زعيم التركمان - وسجنه. فَلَمَّا قدم عَلَيْهِ تغري بردى - نَائِب دمشق - شفع فِيهِ فافرج عَنهُ وَعَن من مَعَه وهم نَحْو الْخمسين رجلا. وَفِيه رسم للأمير سودن الحمزاوي بنيابة صفد وَسبب ذَلِك أَنه اخْتلف مَعَ الْأُمَرَاء الْكِبَار وهم: نوروز وَحكم وسودن طاز وتمربغا المشطوب وقاني باي العلاي فانقطعوا عَن الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة من أول صفر وعزموا على إثارة الْحَرْب. فَلبس الحمزاوي للحرب فِي دَاره وَاجْتمعَ إِلَيْهِ من يلوذ بِهِ. وَكَانَ الْأُمَرَاء قد عينوا لِلْخُرُوجِ من ديار مصر ثَمَانِيَة أنفس وهم: الحمزاوي وسردن بقجة وهما من أُمَرَاء الطبلخاناة ورءوس نوب وأزبك الدوادار وسودن بشتا وهما من أُمَرَاء العشراوات وقاني باي الخازندار وبردى باك وهما من الخاصكية وَآخَرين من المماليك الخاصكية ثمَّ مَشى الْحَال بَينهم وَبَين الْأُمَرَاء واصطلحوا على خُرُوج الحمزاوي لنيابة صفد وَإِقَامَة البَاقِينَ من غير حضورهم الْخدمَة وَحلف الْأُمَرَاء والممالك السُّلْطَانِيَّة على الطَّاعَة والاتفاق. وَفِيه سَار القاصد بتشريف دقماق لنيابة حلب. وَفِي خَامِس عشرينه: اسْتَقر حسن بن قراجا فِي ولَايَة الجيزة وعزل عمر بن الكوراني. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 72 وَفِي سَابِع عشرينه: خلع على سودن الحمزواي لنيابة صفد عوضا عَن دقماق الْمُنْتَقل لنيابة حلب. وَفِيه قدم الْأَمِير ألطنبغا العثماني نَائِب صفد والأمير بهاء الدّين عمر بن الطَّحَّان نَائِب غَزَّة من أسر تمرلنك وَذكروا أَنَّهُمَا فارقاه من أَطْرَاف بَغْدَاد. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كَانَت كائنة طرابلس وَذَلِكَ أَنه قدم إِلَيْهَا فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ عاشره مركب فِيهِ عدَّة من الفرنج فَخرج النَّاس لحربهم وَكَانَ بالميناء مراكب لتجار الفرنج فَاجْتمعُوا على مراكب الْمُسلمين الَّتِي قد شحنت بالبضائع لتسير إِلَى أَرض وَأخذُوا مِنْهَا مركبين فيهمَا مَال كَبِير وأسروا خَمْسَة وَثَمَانِينَ مُسلما بَعْدَمَا قَاتلُوا قتالاً شَدِيدا وغرق جمَاعَة وفر جمَاعَة وَأَصْبحُوا من الْغَد على الْحَرْب فَوَقع الِاتِّفَاق على فكاك من أسروه بِمَال يحمل إِلَيْهِم فَلَمَّا حمل إِلَيْهِم بعض المَال أَسرُّوا الرجل ومضوا فِي لَيْلَة الْخَمِيس خَامِس عشره ونزلوا على قَرْيَة هُنَاكَ فَقَاتلهُمْ أميرها وقبضهم وَجَاء بهم إِلَى طرابلس فسجنوا وَأخذ الْمُسلمُونَ مركبهم. شهر وَبيع الأول أَوله الِاثْنَيْنِ: فِي خامسه: لبس آقبغا خلعة بنيابة الشَّام وَقد وصلت إِلَيْهِ من الْقَاهِرَة إِلَى دمشق وَقَوي تَقْلِيده. وَفِي عاشره: قدم الْأَمِير دقماق من صفد إِلَى دمشق يُرِيد حلب وَقد اسْتَقر فِي نيابتها فَخرج الْأَمِير أقبغا إِلَى لِقَائِه وأنزله بالميدان وصحبة متسفره كتاب السُّلْطَان يطْلب الْأَمِير دمرداش نَائِب حلب إِلَى مصر وبتوجه الْأَمِير تغري بردى نَائِب الشَّام إِلَى الْقُدس بعد مَا أحيط بموجوده فِي دمشق. وَفِي ثَانِي عشره: سَار دقماق من دمشق يُرِيد حلب. وَفِي نصفه: طلع الْأَمِير نوروز إِلَى الْخدمَة بَعْدَمَا انْقَطع عَنْهَا زِيَادَة على شهر فَخلع عَلَيْهِ وعَلى الْأَمِير سودن طاز وخلع على الْأَمِير ألطبغا العجمي وَإِلَى دمياط وَاسْتقر كاشف الْوَجْه القبلي عوضا عَن الْأَمِير جنتمر الطرنطاي بِحكم وَفَاته. وَفِي ثَانِي عشره: طلع الْأَمِير جكم، بَعْدَمَا انْقَطع عَنْهَا مُدَّة شَهْرَيْن، وخلع عَلَيْهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 73 وَفِيه اسْتَقر شمس الدّين مُحَمَّد الشاذلي الإسْكَنْدراني فِي حسبَة الْقَاهِرَة وعزل البخانسي. وَفِيه نُودي فِي دمشق بِخُرُوج الْعَسْكَر لقِتَال دمرداش بحلب. وَفِي يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشرينه: اسْتَقر فَخر الدّين ماجد بن غراب فِي نظر الْخَاص برغبة أَخِيه سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب لَهُ عَن ذَلِك. وَفِي سَابِع عشرينه: اسْتَقر تَاج الدّين بن الحزين مُسْتَوْفِي الدولة فِي الوزارة بِدِمَشْق. شهر ربيع الآخر أَوله الثُّلَاثَاء: فِي ثالثه: اسْتَقر تَاج الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ - عرف بِابْن المكللة - ربيب ابْن جمَاعَة فِي حسبَة مصر وعزل نور الدّين الْبكْرِيّ. وَفِي خامسه: اسْتَقر الْأَمِير جمق رَأس نوبَة دواداراً ثَانِيًا عوضا عَن الْأَمِير جركس المصارع وَاسْتقر تنباك الخاصكي دواداراً. وَفِي سابعه: اسْتَقر فِي نظر الأحباس بدر الدّين مَحْمُود العينتابي عوضا عَن شمس الدّين بن الْبَنَّا بِحكم وَفَاته. وخلع على الْأَمِير سلمَان لنيابة الكرك عوضا عَن الْأَمِير جركس وَالِد تنم. وَفِي خَامِس عشره: كتب توقيع شمس الدّين مُحَمَّد بن عَبَّاس الصلتي نَائِب قَاضِي غَزَّة باستقراره فِي قَضَاء الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد بن الأخناي. وَفِي سَابِع عشره: اسْتَقر الْأَمِير مبارك شاه - الْحَاجِب وَكَاشف الجيزة - وزيراً وَصرف علم الدّين يحمي أبوكم وَقبض عَلَيْهِ وَسلم إِلَى شاد الدَّوَاوِين ليعاقبه. وَفِي حادي عشرينه: اسْتَقر أقتمر - أحد المماليك السُّلْطَانِيَّة - فِي ولَايَة الْقَاهِرَة وعزل الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الطلاوي. وَفِي هَذَا الشَّهْر: فر من كَانَ مَعَ الْأَمِير دقماق من التراكمين وَقد قرب دقماق من حلب فَعَاد بِمن بَقِي مَعَه إِلَى حماة واستنجد الْأَمِير آقبغا نَائِب دمشق فأمده بطَائفَة. فَسَار دمرداش من حلب وَلَقي دقماق على حماة فِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي جُمَادَى الأولى فانكسر بعد قتال طول النَّهَار وَكَثُرت فِيهِ الْجِرَاحَات. فَلم يُمكن دمرداش الْعود إِلَى حلب من أجل أَن الْأُمَرَاء بهَا أخذوها للسُّلْطَان وَمر على وَجهه فَعَاد عَسْكَر دمشق إِلَيْهَا وَسَار دقماق إِلَى حلب فتسلمها. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 74 وَفِي ثَانِي عشره: قبض بِدِمَشْق على شمس الدّين مُحَمَّد الأخناي قَاضِي دمشق وَنُودِيَ بالكشف عَلَيْهِ فَكثر شاكوه باستيلائه على أَمْلَاك النَّاس وأوقافهم. وَقدم فِي سادس عشرينه: إِلَى دمشق شمس الدّين مُحَمَّد بن عَبَّاس الصلتي - نَائِب قَاضِي غَزَّة مُتَوَلِّيًا الْقَضَاء عَن الأخناي وَأَفْرج عَن الأخناي فِي أول جُمَادَى الْآخِرَة. وَفِي لَيْلَة الْجُمُعَة تاسعه: ركب الْأَمِير صروق نَائِب غَزَّة. واقتتل هُوَ والأمير سلامش الْحَاجِب والأمير جركس نَائِب الكرك فَقتل بَينهم عشرَة أنفس وجرح جمَاعَة وفر سلامش وَأخذ جوكس أَسِيرًا فَجمع سلامش لِحَرْب صروق واستنجد بعمر بن فضل أَمِير حزم فَقَامَ مَعَه وقدما فِي جمع كَبِير إِلَى غَزَّة فِي رَابِع عشره واقتتلوا مَعَ صروق فَانْهَزَمَ مِنْهُم فِي يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشره فتبعوه وقبضوا عَلَيْهِ وقيدوه ونهبت غَزَّة. وَقتل بَينهم نَحْو الْخمسين رجلا وجرح نَحْو ثَلَاثمِائَة. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة سادس عاشرين شعْبَان: أُقِيمَت الْجُمُعَة بالجامع الْأمَوِي بِدِمَشْق وَهُوَ خراب مُنْذُ أحرقه التفرية بعد مَا نُودي فِيهِ النَّاس بذلك فشهدها جمَاعَة. هَذَا وَجَمِيع مَدِينَة دمشق خراب لَا سَاكن بهَا. وَقد بني النَّاس خَارِجهَا وَسَكنُوا هُنَاكَ وصاروا ينقلون مَا عساه يُوجد بِالْمَدِينَةِ من الْأَحْجَار وَنَحْوهَا وببني بذلك فِي ظَاهر الْمَدِينَة حَتَّى أزالوا مَا بَقِي من أثار الْحَرِيق وَصَارَت مَدِينَة دمشق كيماناً. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كتب باستقرار الْأَمِير صروق فِي كشف بِلَاد الشَّام لدفع العربان عَنْهَا فأوقع بهم وَأكْثر من الْقَتْل فيهم. وَفِي ثامن عشر رَمَضَان: خرج الْأَمِير دقماق نَائِب حلب لقِتَال الْأَمِير دمرداش وَقدم دمرداش فِي وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ خَامِس جُمَادَى الْآخِرَة: صرف قَاضِي الْقُضَاة نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الصَّالِحِي عَن قَضَاء الْقُضَاة بديار مصر. وَاسْتقر القَاضِي جلال الدّين عبد الرَّحْمَن بن شيخ الْإِسْلَام سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ قَاضِي الْعَسْكَر فِي قَضَاء الْقُضَاة بديار مصر. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 75 وَفِي ثامنه: اسْتَقر الْأَمِير ألطنبغا العثماني فِي نِيَابَة غَزَّة عوضا عَن الْأَمِير صروق. وَفِي طول هَذِه الْأَيَّام: كثر تنافر الْأُمَرَاء وَاخْتِلَافهمْ وَانْقطع نورور وجكم وقنباي عَن الْخدمَة. وَدخل شهر رَمَضَان: وانقضي فَلم يحضروا للهناء بالعيد وَلَا صلوا صَلَاة الْعِيد مَعَ السُّلْطَان. فَلَمَّا كمان يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي شَوَّال: ركبُوا للحرب فَنزل السُّلْطَان من الْقصر إِلَى الإسطبل عِنْد سودن طاز ووكب نوروز وجكم وقنباي وقرقماس الرماح. وَوَقعت الْحَرْب من بكرَة النَّهَار إِلَى الْعَصْر. وَرَأس الْأُمَرَاء نوروز وجكم وخصمهم سودن طاز. فَلَمَّا كَانَ آخر النَّهَار: بعث السُّلْطَان بالخليفة المتَوَكل على الله وقضاة الْقُضَاة الْأَرْبَع إِلَى الْأَمِير الْكَبِير نوروز فِي طلب الصُّلْح فَلم يجد بدا من ذَلِك وَترك الْقِتَال وخلع عَنهُ آلَة الْحَرْب فَكف الْأَمِير جكم الدوادار أَيْضا عَن الْحَرْب. وعد ذَلِك مكيدة من سودن طاز فَإِنَّهُ خَافَ أَن يغلب ويسلمه السُّلْطَان إِلَى الْأُمَرَاء فَأَشَارَ عَلَيْهِ بدلك حَتَّى فعله فتمت مكيدته بَعْدَمَا كَاد أَن يُؤْخَذ لقُوَّة نوروز وجكم عَلَيْهِ وَبَات النَّاس فِي هدوء. فَلَمَّا كَانَ يَوْم السبت الْغَد: ركب الْخَلِيفَة وَشَيخ الْإِسْلَام البُلْقِينِيّ وحلفوا الْأُمَرَاء بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة للسُّلْطَان وإخماد الْفِتْنَة فطلع الْأَمِير نوروز إِلَى الْخدمَة فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ خامسه وخلع عَلَيْهِ وأركب فرسا خَاصّا بسرج وكنفوش ذهب. وطلع الْأَمِير جكم فِي ثامنه وَهُوَ خَائِف. وَلم يطلع قنباي وَلَا قرقماس وطلبا فَلم يوجدا مجهز إِلَيْهِمَا خلعتان على أَن يكون قنباي نَائِبا بحماة وقرقماس حاجباً بِدِمَشْق. وَنزل جكم بِغَيْر خلعة حنقاً وغضباً فَمَا هُوَ إِلَّا أَن اسْتَقر فِي دَاره وَنزل إِلَيْهِ سرماش رَأس نوبَة وبشباي الْحَاجِب بِطَلَب قنباي ظنا أَنه اختفي ليلبس الخلعة بنيابة حماة فَأنْكر أَن يكون عِنْده وصرفهما وَركب من ليلته بِمن مَعَه من الْأُمَرَاء والمماليك وأعيانهم: قمش الخاصكي الخازندار ويشبك الساقي ويشبك العثماني وألطبغا جاموس وجانباي الطَّيِّبِيّ وبرسبغا الدوادار وطرباي الدوادار وصاروا كلهم على بركَة الْحَبَش خَارج مصر. وَلحق بِهِ الْأَمِير قنباي وقرقماس الرماح وأرغز وغنجق ومحو الْخَمْسمِائَةِ من مماليك السُّلْطَان. وَأَقَامُوا إِلَى لَيْلَة السبت عاشره فَأَتَاهُم الْأَمِير نوروز والأمير سودن من زَاده رَأس نوبَة والأمير تمربغا المشطوب فِي نَحْو الْأَلفَيْنِ فسر بهم وَأَقَامُوا جَمِيعًا إِلَى لَيْلَة الْأَرْبَعَاء وَأمرهمْ يزِيد ويقوى بِمن يَأْتِيهم من الْأُمَرَاء والمماليك. فَنزل السُّلْطَان من الْقصر فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء رَابِع عشره إِلَى الإسطبل عِنْد سودن طاز. وَركب بكرَة يَوْم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 76 الْأَرْبَعَاء فِيمَن مَعَه وَسَار من بَاب القرافة بعد مَا نَادَى بِالْعرضِ وَاجْتمعَ إِلَيْهِ الْعَسْكَر كُله. وواقع جكم ونوروز وكسرهما وَأسر تمربغا المشطوب وسودن من زَاده وعَلى بن أينال وأرغر. وفر نوروز وجكم فِي عدَّة كَبِيرَة يُرِيدُونَ بِلَاد الصَّعِيد. وَعَاد السُّلْطَان وَمَعَهُ الْأَمِير سودن طاز إِلَى القلعة مظفراً منصوراً. وَبعث بالأمراء المأسورين إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فِي لَيْلَة السبت سَابِع عشره. وانتهي نوروز وجكم إِلَى منية الْقَائِد وعادوا إِلَى طموه ونزلوا على نَاحيَة منبابه من بر الجيزة تجاه الْقَاهِرَة. فَمنع السُّلْطَان المراكب أَن تعدى بِأحد مِنْهُم فِي النّيل وَطلب الْأَمِير يشبك الشَّعْبَانِي من الْإسْكَنْدَريَّة. فَقدم يَوْم الِاثْنَيْنِ تَاسِع عشره إِلَى قلعة الْجَبَل وَمَعَهُ عَالم كَبِير مِمَّن خرج إِلَى لِقَائِه فباس الأَرْض وَنزل إِلَى دَاره. وَفِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء عشرينه: ركب الْأَمِير نوروز نصف اللَّيْل وعدي النّيل وَحضر إِلَى بَيت الْأَمِير الْكَبِير بيبرس الأتابك. وَكَانَ قد تحدث هُوَ والأمير إينال باي بن قجماس لَهُ مَعَ السُّلْطَان حَتَّى أَمنه ووعده بنيابة دمشق. وَكَانَ ذَلِك من مكر سودن طاز فَمشى ذَلِك عَلَيْهِ حَتَّى حضر فاختل عِنْد دلك أَمر جكم وتفرق عَنهُ من مَعَه وفر عَنهُ قنباي وَصَارَ فريداً. فَكتب إِلَى الْأَمِير بيبرس الأتابك يَسْتَأْذِنهُ فِي الْحُضُور فَبعث إِلَيْهِ الْأَمِير أزبك الْأَشْقَر رَأس نوبَة والأمير بشباي الْحَاجِب وقدما بِهِ لَيْلَة الْأَرْبَعَاء حادي عشرينه إِلَى بَاب السلسلة من الإصطبل السلطاني فتسلمه عدوه الْأَمِير سودن طاز وَأصْبح وَقد حضر يشبك وَسَائِر الْأُمَرَاء للسلام عَلَيْهِ. فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة الْخَمِيس ثَانِي عشرينه قيد وَحمل فِي الحراقة إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجن بهَا حَيْثُ كَانَ الْأَمِير يشبك مسجوناً. وَفِي يَوْم الْخَمِيس: هَذَا خرج الْمحمل وأمير الْحَاج نكباي الأزدمري أحد أُمَرَاء الطبلخاناه. وَكَانَ قد ألبس الْأَمِير نوروز تشريف نِيَابَة دمشق فِي بَيت الْأَمِير بيبرس يَوْم الْأَرْبَعَاء فَقبض عَلَيْهِ من الْغَد يَوْم الْخَمِيس وَحمل إِلَى بَاب السلسلة وَقيد وَأخرج فِي لَيْلَة الْجُمُعَة ثَالِث عشرينه إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجن بهَا أَيْضا. وَغَضب الأميران بيبرس وإينال باي وتركا الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة أَيَّامًا ثمَّ أرضيا. واختفى الأميران قانباي وقرقماس فَلم يعرف خبرهما. وَفِي سَابِع عشرينه: كتب تَقْلِيد الْأَمِير شيخ المحمودي باستقراره فِي كَفَالَة السلطنة بِالشَّام عوضا عَن الْأَمِير أقبغا الأطروش. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 77 شهر ذِي الْقعدَة أَوله السبت: فِي ثالثه: أنعم بإقطاع على الْأَمِير إينال العلاي حطب رَأس نوبَة وَأخذ مِنْهُ النحريرية. وبإقطاع قنباي على عَلان الأقطع. وبإقطاع تمربغا المشطوب على الْأَمِير بشباي الْحَاجِب فَلم يرض بِهِ فاستقر باسم قطلوبغا الكركي على عَادَته أَولا. وَبَقِي بشباي على طبلخانته. وأنعم بإقطاع جكم على الْأَمِير يشبك العثماني على عَادَته أَولا وأنعم على بيغوت بإمرة طبلخاناه بَعْدَمَا كَانَ أَمِير عشرَة. وعَلى أسنبغا المصارع بطبلخاناه. وعَلى سودن بشتا بطبلخاناه نقلوا كلهم من العشراوات. وَفِي سادسه: قدم الْأُمَرَاء من سجن الْإسْكَنْدَريَّة وهم: أقباي وقطلوبغا - الكركيان - وجركس المصارع وصعدوا إِلَى القلعة فباسوا الأَرْض على الْعَادة ونزلوا إِلَى مَنَازِلهمْ. وَفِيه اسْتَقر بدر الدّين حسن بن آمدي - أحد الأجناد - فِي مشيخة خانقاه سرياقوس وعزل الْفَقِيه أَنْبيَاء التركماني. وَفِي ثامنه: خلع على الْأُمَرَاء القادمين من الْإسْكَنْدَريَّة. وَفِي تاسعه: قدم كتاب السُّلْطَان بعزل الْأَمِير آقبغا فانعزل. وَكَانَت مُدَّة نيابته تِسْعَة أشهر تنقص خَمْسَة أَيَّام. وَتوجه إِلَى الْقُدس بطالا فِي سَابِع عشره فَقدم متسلم الْأَمِير شيخ لدمشق وَأمر النَّاس بملاقاة شيخ بِالسِّلَاحِ وهيئة الْقِتَال. وَفِي ثامن عشره: لعب الْأُمَرَاء بالأكرة فِي بَيت الْأَمِير الْكَبِير بيبرس فَاجْتمع من المماليك السُّلْطَانِيَّة فَوق الْألف تَحت القلعة يُرِيدُونَ الفتك بسودن طاز. فَعِنْدَ مَا خرج من بَيت بيبرس هموا بِهِ فساق وَلحق بِبَاب السلسلة وَامْتنع بالإصطل. وَفِيه نفي الْأَمِير يلبغا السالمي إِلَى وَفِي رَابِع عشرينه: خلع على الْأَمِير الْكَبِير بيبرس الأتابك خلعة الِاسْتِمْرَار على الأتابكية وخلع على الْأَمِير يشبك وَاسْتقر دوادار السُّلْطَان عوضا عَن جكم. وخلع على نَاصِر الدّين مُحَمَّد الطناحي إِمَام السُّلْطَان ومؤدبه وَاسْتقر فِي نظر الأحباس عوضا عَن الْبَدْر مَحْمُود العينتابي. وَفِيه تَوَجَّهت الْأُمَرَاء إِلَى عرب تروجة وَتَأَخر الْأَمِير بيبرس والأمير بشباي وَقدمُوا لَيْلَة عيد النَّحْر من غير شَيْء. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 78 وَفِي أول ذِي الْحجَّة: كتب إِلَى الْأَمِير قرايوسف يُخَيّر فِي مَكَان يأوي إِلَيْهِ هُوَ وجماعته ليكتب لَهُ بِهِ. وجهز إِلَيْهِ فوقاني حَرِير بِوَجْهَيْنِ وطراز زركش عرض ذِرَاع وَألف دِينَار وتعبئة قماش عدَّة خمسين قِطْعَة ولإخوته فرعلي وترعلي ولولده مُحَمَّد شاه ولألزامه أقبية حَرِير بطرز زركش. وَفِي يَوْم السبت رَابِع عشر ذِي الْحجَّة: اسْتَقر الْأَمِير أقباي الكركي خازنداراً على عَادَته. وَفِيه قدم الْأَمِير شيخ المحمودي نَائِب الشَّام إِلَى دمشق من غير مدافع فَنزل بهَا وَولي جمَاعَة من أَصْحَابه عدَّة وظائف. وَفِي سادس عشره: خلع على الْأَمِير يشبك الدوادار بِنَظَر الأحباس على عَادَته. وَفِي ثَالِث عشرينه: اسْتَقر الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن كلفت التركماني فِي ولَايَة الْقَاهِرَة والحجوبية وَصرف أقتمر. وَاسْتقر نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن ليلى فِي ولَايَة مصر عوضا عَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد الضاني. وَفِي سادس عشرينه: اسْتَقر ولي الدّين عبد الرَّحْمَن بن خلدون المغربي فِي قَضَاء الْمَالِكِيَّة وَصرف جال الدّين يُوسُف بن خَالِد بن نعيم مقدم بن مُحَمَّد بن حسن بن غَانِم ابْن مُحَمَّد بن على الْبِسَاطِيّ. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سلخه: اسْتَقر الْأَمِير جمق الدوادار فِي نِيَابَة الكرك عوضا عَن سلمَان. وَاسْتقر الْأَمِير عَلان الأقطع أحد المقدمين فِي نِيَابَة حماة وعزل عَنْهَا يُونُس الحافظي فشق ذَلِك على سودن طاز من أجل أَنَّهُمَا كَانَا عضديه وَكتب باستقرار الْأَمِير دمرداش المحمدي فِي نِيَابَة طرابلس والأمير على باك بن دلغادر فِي نِيَابَة عين تَابَ والأمير عمر بن الطَّحَّان فِي نِيَابَة ملطية. وَكَانَت الْأَخْبَار وَردت بتجمع التركمان مَعَ دمرداش ونزولهم على حلب وَأَن دقماق نَائِب حلب اجْتمع هُوَ ونائب حماة والأمير نعير وَأَن تمرلنك نزل على مَدِينَة سيواس. وَلم يحجّ فِي هَذِه السّنة أحد من الشَّام وَلَا الْعرَاق. وَمَات فِي هَذِه السّنة الشَّيْخ فَخر الدّين عُثْمَان بن عبد الرَّحْمَن بن عُثْمَان البلبيسي الضَّرِير إِمَام الْجَامِع الْأَزْهَر وَشَيخ الْقرَاءَات بديار مصر فِي ثَانِي ذِي الْقعدَة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 79 وَمَات شرف الدّين عبد الْوَهَّاب بن تَاج الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الْمُنعم البارنباري موقع الدرج فِي حادي عشر ذِي الْحجَّة وَكَانَ أَبوهُ تَاج الدّين كَاتب السِّرّ بطرابلس. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن الْبَنَّا نَاظر الأحباس فِي خَامِس ربيع الآخر. وَمَات الْأَمِير جنتمر التركماني الطرنطاي كاشف الْوَجْه القبلي فِي منتصف صفر قَتله هوارة الصَّعِيد طَائِفَة الْأَمِير مُحَمَّد بن عمر بن عبد الْعَزِيز الهواري فِي نَحْو الْمِائَتَيْنِ من عسكره ونهبوا سَائِر مَا كَانَ مَعَه. وَكَانَ أَولا من أُمَرَاء الشَّام وَولي نِيَابَة حمص وبعلبك وَأسر مَعَ تمرلنك ثمَّ قدم بعد أسره إِلَى الْقَاهِرَة وَولي كشف الصَّعِيد. وَكَانَ سَمحا طائشاً عسوفاً جباراً ظَالِما مُفْسِدا. وَمَات الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ الشهير بِابْن الملكة وَالِي منفلوط فِي أخر ربيع الأول قَتله عرب بني كلب. وَمَاتَتْ السِّت خوند شقراء بنت حُسَيْن بن مُحَمَّد بن قلاوون أُخْت الْملك الْأَشْرَف شعْبَان بن حُسَيْن لَيْلَة الِاثْنَيْنِ ثامن عشر الْمحرم. ودفنت من الْغَد بمدرسة أم السُّلْطَان الْأَشْرَف بالتبانة وَمَات الشَّيْخ لاجين الجركسي فِي رَابِع ربيع الآخر عَن ثَمَانِينَ سنة. وَكَانَ عَظِيما عِنْد الجراكسة يَزْعمُونَ أَنه يملك مصر ويشيعونه فَلَا يتكتم هُوَ ذَلِك. ويعد أَنه إِذا ولي أبطل الْأَوْقَاف الَّتِي أوقفت على الْمَسَاجِد والمدارس وَأخرج الإقطاعات عَن الأجناد والأمراء وَيحرق كتب الْفِقْه ويعاقب الْفُقَهَاء. وَعين جمَاعَة لعدة وظائف وحذر وأنذر فَأَخذه الله دون ذَلِك. وَمَات الشَّيْخ المعتقد شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الناصح بالنوب فِي سَابِع عشْرين رَمَضَان. حدث بِمُسلم عَن ابْن عبد الْهَادِي وبأبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ عَن الْمَيْدُومِيُّ. وَكَانَ وجيهاً عِنْد الْمُلُوك وَلِلنَّاسِ فِيهِ اعْتِقَاد كثير. وَمَات الْمسند شهَاب الدّين أَحْمد بن الْمُحدث بدر الدّين حسن بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن زَكَرِيَّا بن مُحَمَّد بن يحيى الْقُدسِي. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 80 سنة خمس وَثَمَانمِائَة أهل الْمحرم يَوْم الْأَرْبَعَاء والأردب الْقَمْح بستين درهما والأردب الشّعير بِأَرْبَعِينَ درهما والمثقال الذَّهَب بِخَمْسِينَ درهما وَالدِّينَار الأفرنتي بسبعة وَأَرْبَعين درهما. وَفِيه كَانَت وقْعَة الطاغية تيمور كركان ملك الشرق مَعَ خوند كار أبي يزِيد بن مُرَاد عُثْمَان ملك الرّوم. وَمُلَخَّص ذَلِك أَنه سَار من الْعرَاق إِلَى جِهَة بِلَاد الرّوم فَجمع ابْن عُثْمَان عساكره وعوضهم على مَدِينَة آقشهر - يَعْنِي الْمَدِينَة الْبَيْضَاء - فَبَلع عدد الفرسان نَحْو السبعمائة ألف فَارس وثلاثمائة ألف راجل. وَمَات يَوْم الْعرض تَحت الْأَقْدَام من الدوس فِي الازدحام خَمْسَة وَعِشْرُونَ رجلا. وَسَار يُرِيد لقاءه نَحْو الْخَمْسَة عشر يَوْمًا. فَبعث إِلَيْهِ تمرلنك يخدعه وَيَقُول: أَنْت رجل مُجَاهِد غَازِي فِي سَبِيل الله وَلَيْسَ غرضي قتالك وَلَكِنِّي أُرِيد مِنْك أَن تقنع بالبلاد الَّتِي كَانَت مَعَ أَبِيك وَجدك وآخذ أَنا بِلَاد الْأَمِير أرطنا أَمِير الرّوم أَيَّام السُّلْطَان أبي سعيد. فانخدع لذَلِك وَمَال إِلَى الصُّلْح فَلم يشْعر إِلَّا بالْخبر قد ورد عَلَيْهِ أَن تمرلنك نزل على كماخ وَقتل أَهلهَا وسباهم وخربها فَعلم أَنه مَا أَرَادَ إِلَّا مخادعته وَسَار إِلَيْهِ حَتَّى قرب مِنْهُ فكاده تمرلنك وَرجع فَظن أَبُو يزِيد أَنه قد خافه. وَإِذا بِهِ سلك طَرِيقا من وَرَاء أبي يزِيد وسَاق فِي بِلَاد الرّوم مسيرَة ثَمَانِيَة أَيَّام وَنزل على عمورية - وَيُقَال لَهَا الْيَوْم أنكورية - وحاصرها وَأُلْقِي فِيهَا النيرَان فَبلغ ذَلِك ابْن عُثْمَان فساق فِي عساكره إِلَيْهِ مُدَّة ثَمَانِيَة أَيَّام إِلَى أَن أشرف عَلَيْهِ وَقد جهده التَّعَب وتقطعت عساكره وَتَلفت خيولهم. فعندما وصل ركب تمرلنك إِلَى حربه فِي أول يَوْم من الْمحرم هَذَا وَقد علم أَنه وعساكره فِي غَايَة التَّعَب فَلم يجد بدا من محاربته فاقتتل كل مِنْهُمَا مَعَ الآخر فِي يَوْم الْأَحَد خامسه من أول النَّهَار إِلَى الْعَصْر وتمرلنك مشرف على مَكَان مُرْتَفع يرتب عساكره. وَثَبت كل من الْفَرِيقَيْنِ حَتَّى قتل بَينهمَا على مَا قيل نَحْو الثَّمَانِينَ ألفا وَتعين الغلب للروم على عَسَاكِر تمرلنك حَتَّى هموا بالهزيمة. فَلَمَّا كَانَ فِي آخر النَّهَار خرج كمن لتمرلنك فِيهِ نَحْو الْمِائَة ألف وصدم الْأَمِير سلمَان بن أبي يزِيد بن عُثْمَان فانكسر وَلحق بِأَبِيهِ فِي ثلث الْعَسْكَر فَانْكَشَفَتْ الميمنة وانقلبت على الْقلب ففر الْأَمِير سلمَان فِي نَحْو مائَة ألف يُرِيد مَدِينَة برصا تخت الْملك. وأحاطت عَسَاكِر تمرلنك الجزء: 6 ¦ الصفحة: 81 عِنْد ذَلِك بِابْن عُثْمَان وَمن ثَبت مَعَه وأخذوه أسراً وَجَاءُوا بِهِ إِلَى تمرلنك وَقد تَفَرَّقت جمائعه وتمزقوا كل ممزق فَلَو لم يحل بَينهم اللَّيْل لما أُبْقِي التمرية مِنْهُم أحدا وَلما جِيءَ بِابْن عُثْمَان إِلَى تمرلنك أوقفهُ وأبنه ثمَّ وكل بِهِ. وَبعث من الْغَد فِي تتبع المنهزمين فأحضر إِلَيْهِ من الْجَرْحى نَحْو الثَّلَاثَة آلَاف. وَتَفَرَّقَتْ التمرية فِي بِلَاد الرّوم تعبث وتفسد وتنهب وتنوع الْعَذَاب على النَّاس وأحرقوا مَدِينَة برصا. ومكثوا سِتَّة أشهر يقتلُون وَيَأْسِرُونَ وينهبون ويفسدون. وعدى الْأَمِير سلمَان بن أبي يزِيد بن عُثْمَان إِلَى بر الْقُسْطَنْطِينِيَّة. وَفِي ثَالِث الْمحرم: أنعم لإقطاع عَلان نَائِب حماة على الْأَمِير جركس المصارع وبإقطاع جمق نَائِب الكرك على الْأَمِير آقباي الخازندار الكركي وَزيد عَلَيْهِ سمسطا. وَفِي سابعه: الْأَمِير سودن طاز أَمِير أخور من الإصطبل السلطاني بأَهْله وحاشيه إِلَى دَاره وعزل نَفسه عَن الْأَمِير أخوريه وَصَارَ من جملَة الْأُمَرَاء. وَفِي ثامنه: توجه الْأَمِير عبد الرَّحْمَن المهتار إِلَى جِهَة الكرك فِي مهمات. وَفِي عاشره: اسْتَقر عَلَاء الدّين على بن أبي الْبَقَاء فِي قَضَاء الْقُضَاة بِدِمَشْق عوضا عَن ابْن عَبَّاس وَاسْتقر صدر الدّين على بن الْآدَمِيّ فِي كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق عوضا عَن الشريف عَلَاء الدّين عَليّ بن عدنان. وَفِي خَامِس عشره: أوفي النّيل وَذَلِكَ فِي ثَانِي عشْرين مسرى. وَفِي سادس عشره: قدم الْأَمِير تغري بردى - نَائِب الشَّام كَانَ - إِلَى دمشق وَقد فَارق دمرداش وَرغب فِي الطَّاعَة فأنزله الْأَمِير شيخ وأكرمه. وَفِي سَابِع عشره: خرج عَلان وجمق من الْقَاهِرَة وخيما بالريدانية وسارا إِلَى نيابتهما فِي لَيْلَة السبت تَاسِع عشره. وعندما نزل الْحَاج إِلَى منزلَة نخل قبض على الْأَمِير نكباي أَمِير الْحَاج فِي عدَّة من المماليك السُّلْطَانِيَّة وسفروا إِلَى الكرك فسجنوا بهَا. وَفِي خَامِس عشرينه: قدمت ولَايَة عَلَاء الدّين عَليّ بن أبي الْبَقَاء إِلَى دمشق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 82 باستقراره فِي قَضَائهَا عوضا عَن ابْن عَبَّاس. وَفِي ثامن عشرينه: ظهر الْأَمِير قرقماس الرماح وَصعد إِلَى قلعة الْجَبَل فَعَفَا السُّلْطَان عَنهُ وَنزل إِلَى دَاره. وَفِيه قبض بِدِمَشْق على الْأَمِير أسن بيه أتابكها وعَلى الْأَمِير حقمق حَاجِب الْحجاب وَغَيره فسجنوا بالصبيبة. شهر صفر أَوله الْأَرْبَعَاء: فِي أَوله: سَار الْأَمِير تغري بردى من دمشق إِلَى الْقَاهِرَة فَقدم فِي أَخّرهُ. وَفِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ ثَالِث عشره: خرج الْأَمِير سودن طاز بمماليكه وحواشيه إِلَى المرج والزيات خَارج الْقَاهِرَة وَنزل هُنَاكَ ليقيم الْفِتْنَة. وَذَلِكَ أَنه لما ثقل عَلَيْهِ الأميران نوروز وجكم ودبر فِي إخراجهما من مصر - كَمَا ذكر - ظن أَنه ينْفَرد بِأُمُور الدولة فَنزل عَلَيْهِ الْأَمِير يشبك وجماعته وانحصر لمجيئهم من الْإسْكَنْدَريَّة وتحكمهم فِي الدولة وتلاشي أمره. وَكَانَ الْأَمِير أقباي الكركي مَعَ ذَلِك يعاديه قَدِيما. فَمَا زَالَ يدبر عَلَيْهِ حَتَّى نزل من الإصطبل خوفًا على نَفسه من كَثْرَة جموع يشبك وجرأة أقباي وميل السُّلْطَان مَعَهم عَلَيْهِ. فعندما نزل شقّ عَلَيْهِ فطامه عَن التحكم وكفه عَن الْأَمر وَالنَّهْي فَخرج ليَأْتِي إِلَيْهِ المماليك السُّلْطَانِيَّة وَغَيرهم ويحارب بهم يشبك وطائفته ويخرجهم من مصر أَو يقبض عَلَيْهِم ويستبد بعدهمْ بِالْأَمر فجَاء حِسَاب الدَّهْر غير حسابه وَلم يخرج إِلَيْهِ أحد وَولي السُّلْطَان عوضه فِي الإصطبل الْأَمِير إينال باي بن قجماس وخلع عَلَيْهِ فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ عشرينه وَاسْتقر أَمِير أخور وَسكن فِي الحراقة بِبَاب السلسلة على الْعَادة فِي ذَلِك. وَبعث السُّلْطَان إِلَى سودن طاز بالأمير قطلوبغا الكركي يَأْمُرهُ بِالْعودِ على أمريته من غير إِقَامَة فتْنَة وَإِن أَرَادَ الْبِلَاد الشامية فَلهُ مَا يخْتَار من نيابات السلطة بهَا فَامْتنعَ وَقَالَ: لابد من إِخْرَاج أقباي الكركي أَولا إِلَى بِلَاد الشَّام ثمَّ إِذا خرج كَانَ فِي طَاعَة السُّلْطَان فَإِن شَاءَ أقره على إمرته وَإِن شَاءَ أخرجه وَإِن شَاءَ حَبسه. فَلم يُوَافق السُّلْطَان على إِخْرَاج أقباي وَبعث إِلَيْهِ ثَانِيًا الْأَمِير بشباي الْحَاجِب فَلم يُوَافق فَبعث إِلَيْهِ مرّة ثَالِثَة وَهُوَ مُقيم على مَا قَالَ. فَلَمَّا أيس مِنْهُ السُّلْطَان أَن يُوَافق ركب بالعساكر من قلعة الْجَبَل وَقد لبسوا للحرب وَنزل فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سادس ربيع الأول فَلم يثبت سودن طاز ورحل بِمن مَعَه وهم نَحْو الْخَمْسمِائَةِ من المماليك السُّلْطَانِيَّة ومماليكه. وَقد ظهر الْأَمِير أقباي وَلحق بِهِ من نَحْو عشرَة أَيَّام وَصَارَ من حزبه وفريقه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 83 فَتَبِعَهُ. السُّلْطَان وَهُوَ يظنّ أَنه توجه نَحْو بلبيس وعندما حَاذَى سرياقوس مضى إِلَيْهَا وسلك على الخليج إِلَى جِهَة الْقَاهِرَة وَعبر من بَاب الْبَحْر بالمقدس إِلَى الميدان. وهجم قنباي فِي عدَّة كَبِيرَة على الرميلة تَحت القلعة ليَأْخُذ بَاب السلسلة فَلم يقدر على ذَلِك. وَمر السُّلْطَان وَهُوَ سائق على طَرِيق بلبيس فتفرقت عَنهُ العساكر وتاهوا فِي عدَّة طرق فَبلغ السُّلْطَان وَهُوَ سائق أَن سودن طاز قد نزل يحاصر القلعة فَرجع مسرعاً وَسَار يُرِيد القلعة حَتَّى وصل إِلَيْهَا بعد الْعَصْر وَقد بلغ مِنْهُ التَّعَب بلغاً عَظِيما وَنزل بالمقعد المطل على الرميلة وسوق الْخَيل. وَندب الْأُمَرَاء والمماليك لقِتَال سودن طاز فقاتلوه فِي الْأَزِقَّة طَعنا بِالرِّمَاحِ سَاعَة فَلم يثبت وَانْهَزَمَ وَقد جرح من الْفَرِيقَيْنِ كثير فحال اللَّيْل بَين عَسَاكِر السُّلْطَان وَبَينه. وتفرق من كَانَ مَعَه فِي الدّور وَبَات السُّلْطَان وَمن مَعَه على تخوف. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْخَمِيس سابعه: لم يظْهر لسودن طاز وقنباي خبر إِلَى اللَّيْل فَلم يشْعر الْأَمِير يشبك بعد عشَاء الْآخِرَة إِلَّا بسودن طاز قد دخل عَلَيْهِ دَاره فِي ثَلَاثَة أنفس وترامى عَلَيْهِ فَقبله وَبَالغ فِي إكرامه وأنزله عِنْده. وَأصْبح يَوْم الْجُمُعَة: فَكتب وَصيته وَأقَام فِي لَيْلَة الْأَحَد عاشره فأنزله فِي الحراقة وَحمل إِلَى دمياط بِغَيْر قيد ورتب لَهُ بهَا مَا يَكْفِيهِ وأنعم عَلَيْهِ الْأَمِير يشبك بِأَلف دِينَار ذَهَبا مُكَافَأَة لَهُ على مَا كَانَ من سَعْيه فِي إِخْرَاجه من سجن الْإسْكَنْدَريَّة وَعوده إِلَى رتبته بعد نوروز وجكم. وَأما قنباي فَإِنَّهُ اختفى فَلم يُوقف لَهُ على خبر. وَفِي رَابِع عشره: خلع على الْأَمِير يلبغا السودني أحد أُمَرَاء حلب وَاسْتقر أتابك دمشق عوضا عَن الْأَمِير أسن باي التركماني بعد الْقَبْض عَلَيْهِ. وخلع أَيْضا على الْأَمِير سودن الظريف نَائِب الكرك وَاسْتقر حَاجِب الْحجاب بِدِمَشْق عوضا عَن الْأَمِير جقمق الصفوي بعد الْقَبْض عَلَيْهِ أَيْضا. وَقدم الْخَبَر بِأَن الْأَمِير دمرداش نَائِب حلب نزل إِلَى طرابلس وَاسْتقر بهَا عوضا عَن الْأَمِير شيخ المحمودي. وَكَانَ قد خرج قصاد السُّلْطَان بِطَلَب كل من دمرداش نَائِب حلب وتغري بردى نَائِب دمشق من عِنْد التركمان وَقد نزلا فِي جواريهم بعد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 84 عزلهما فَتوجه الْأَمِير سودن بقجة رَأس نوبَة إِلَى دمرداش وَأظْهر لَهُ ولَايَة طرابلس وَسَار بِهِ إِلَيْهَا. وَأما تغري بردى فَإِنَّهُ قدم إِلَى قلعة الْجَبَل فِي أخر صفر. وَفِي خَامِس عشر ربيع الأول: توجه الشريف جماز بن هبة بن جَازَ الْحُسَيْنِي من الْقَاهِرَة إِلَى الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة أَمِيرا بهَا عوضا عَن ابْن عَمه ثَابت بن نعير. وَكَانَ جماز قد عزل فِي سنة تسع وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة وَحمل قلعة الْجَبَل إِلَى وسجن بهَا وَولي عوضه ثَابت. فَلم يزل فِي السجْن إِلَى أَن أفرج عَنهُ وَعَن الشريف عنان بن مغامس الحسني أَمِير مَكَّة. وخلع على جماز بإمرة الْمَدِينَة. وَمرض عنان فَمَاتَ فِي مَرضه. (وَفِي خَامِس عشرينه) قدم الْأَمِير سودن الحمزاوي من صفد إِلَى قلعه الْجَبَل باستدعاء مَعَ الطواشي عبد اللَّطِيف اللالا وسعى الْأَمِير أقباي الكركي لَهُ لصداقة بَينهمَا حَتَّى يقوى بِهِ عضده. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث عشر وَبيع الآخر: أُعِيد أَنْبيَاء التركماني إِلَى مشيخة خانقاه سرياقوس عوضا عَن بدر الدّين حسن بن عَليّ بن آمدي. وَفِي سادس عشره: خلع على الْأَمِير شيخ السُّلَيْمَانِي شاد الشَّرَاب خاناه وَاسْتقر فِي نِيَابَة صفد عوضا عَن سودن الحمزاوي. وأنعم على سودن الحمزاوي بإمرة مائَة وتقدمة ألف بديار مصر فَصَارَ من جملَة الْأُمَرَاء الأكابر. وأنعم أَيْضا على الْأَمِير تعري بردى نَائِب الشَّام بتقدمة ألف بديار مصر. وَفِي سَابِع عشره: أخرج الْأَمِير قرقماس الرماح إِلَى دمشق على إمرة الْأَمِير صروق. وَفِي عشرينه: خلع على سودن الحمزاوي وَاسْتقر شاد الشَّرَاب خاناه عوضا عَن الشيح السُّلَيْمَانِي. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث جُمَادَى الْآخِرَة: اسْتَقر كريم الدّين مُحَمَّد بن نعْمَان الْهوى فِي حسبَة الْقَاهِرَة وَصرف شمس الدّين مُحَمَّد الشاذلي. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 85 وَفِي هَذَا الشَّهْر: ارْتَفَعت الأسعار فَبلغ الدِّينَار الهرجة خَمْسَة وَسِتِّينَ درهما وَالدِّينَار المشخص سِتِّينَ درهما وَسبب ذَلِك تنقيص الْفُلُوس فَإِن القفة من الْفُلُوس كَانَ وَزنهَا مائَة رَطْل وَخَمْسَة عشر رطلا عَنْهَا خَمْسمِائَة دِرْهَم كل دِرْهَم أَرْبَعَة وَعشْرين فلسًا رنة الْفلس مِثْقَال فَصَارَت القفة زنتها خمسين رطلا. وغلت الْأَصْنَاف فَبيع الْبدن من الفرو السنجاب - وَهُوَ أَربع شقَاق - بِمَا ينيف على ألف دِرْهَم بعد مِائَتَيْنِ وَخمسين درهما. وَكَانَ قدم فِي أَوله خواجا نظام الدّين مَسْعُود الكحجاني بِكِتَاب تمرلنك يتَضَمَّن أَشْيَاء مِنْهَا أَنه إِن وصل إِلَيْهِ أطلمش سَار إِلَى سَمَرْقَنْد فأفرج عَن أطلمش فِي آخِره. وأنعم عَلَيْهِ بِمَال وقماش وجهز مَعَ الرَّسُول الْمَذْكُور وَخرج من الْقَاهِرَة يَوْم الثُّلَاثَاء أول جُمَادَى الْآخِرَة إِلَى الريدانية ورحل مِنْهَا يَوْم الْخَمِيس وَسَار إِلَى تمرلنك بعد أَن أَقَامَ مسجوناً نَحْو عشر سِنِين. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع جُمَادَى الْآخِرَة: خلع على سودن الحمزاوي شاد الشَّرَاب خاناه وَاسْتقر خازنداراً عوضا عَن أقباي الكركي بعد وَفَاته. وَفِي عاشره: اسْتَقر الْأَمِير قطلوبك - الْمَعْرُوف بأستادار أيتمش - فِي كشف الجيزية وعزل الْأَمِير (سقط صفحة 68 و 78 مبارك شاه. ثمَّ عزل قطلوبك عَن ذَلِك فِي سَابِع عشره بالأمير بشباي ... . . وَفِيه خلع على الْقُضَاة الْأَرْبَع خلع الِاسْتِمْرَار) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 86 وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي عشره: دَار الْمحمل بِالْقَاهِرَةِ ومصر على الْعَادة فِي ذَلِك. وَفِيه قدم الْأَمِير جقمق إِلَى دمشق وَقد أفرج عَنهُ من سجنه بالصبيبة بِكِتَاب سُلْطَان. وَفِي نصفه: سكن الْأَمِير شيخ نَائِب الشَّام بدار السَّعَادَة من دمشق بَعْدَمَا عمرها كَانَت قد احترقت فِي نوبَة تمرلنك. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة سادس عشره: عقد للأمير سودن الحمزاوي على خوند زَيْنَب ابْنة الْملك الظَّاهِر برقوق وَأُخْت الْملك النَّاصِر وعمرها نَحْو الثماني سِنِين. وَفِي هَذَا الشَّهْر: ارْتَفَعت الأسعار ارتفاعاً لم يعْهَد مثله بِمصْر فَبلغ الْقَمْح إِلَى سبعين درهما الأردب وَزَاد سعر الشّعير على الْقَمْح وَبلغ الفول تسعين درهما وَالْحمل التِّبْن إِلَى سبعين درهما بعد خَمْسَة دَرَاهِم والفدان البرسيم الْأَخْضَر سِتّمائَة دِرْهَم بعد تسعين درهما وَالْقِنْطَار السّمن سِتّمائَة دِرْهَم بعد مائَة وَعشْرين درهما وَالسكر إِلَى ألفي دِرْهَم القنطار المكرر بعد ثَلَاثمِائَة دِرْهَم وَالْقِنْطَار الفستق بأَرْبعَة آلَاف دِرْهَم بعد مِائَتَيْنِ وَخمسين وَالْقِنْطَار الزَّيْت خَمْسمِائَة بعد مائَة دِرْهَم ودونها والدبس أَرْبَعمِائَة دِرْهَم بعد أَرْبَعِينَ درهما وزيت الزَّيْتُون أَرْبَعمِائَة دِرْهَم بعد خمسين درهما. والصابون خَمْسمِائَة دِرْهَم القنطار بعد مَا كَانَ بِمِائَة دِرْهَم. وَلحم الضان ثَلَاثَة دَرَاهِم الرطل بعد نصف وَربع دِرْهَم وَلحم الْبَقر دِرْهَمَيْنِ وارتفع أَيْضا سعر الثِّيَاب فَبلغ الثَّوْب الْقطن البعلبكي أَرْبَعمِائَة دِرْهَم بَعْدَمَا كَانَ بستين درهما وَالثَّوْب الْقطن البطانة بِمِائَة دِرْهَم بعد ثَلَاثِينَ درهما ودونها وَالثَّوْب الصُّوف المربع ألف وَخَمْسمِائة دِرْهَم بعد ثَلَاثمِائَة دِرْهَم وسرى الغلاء فِي كل مَا يُبَاع. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سادس عشرينه: اسْتَقر كَمَال الدّين عمر بن جمال الدّين إِبْرَاهِيم ابْن العديم قَاضِي حلب الْحَنَفِيّ فِي قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بديار مصر على مَال. وَصرف قَاضِي الْقُضَاة أَمِين الدّين عبد الْوَهَّاب بن الطرابلسي وَكَانَ مشكور السِّيرَة. وَفِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء سَابِع عشرينه: سَار إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة أقبردي وتنباك من أُمَرَاء العشراوات فِي ثَلَاثِينَ من المماليك السُّلْطَانِيَّة فقدموا إِلَيْهَا فِي تَاسِع شعْبَان وأخرجوا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 87 الْأَمِير نوروز الحافظي والأمير جكم والأمير قنباي والأمير سودن طاز وأنزلوهم فِي الْبَحْر الْملح وَسَارُوا بهم إِلَى الْبِلَاد الشامية فحبس نوروز وقنباي فِي قلعة الصبيبة من عمل دمشق وَحبس جكم فِي حصن الأكراد من عمل طرابلس. وَحبس سودن طاز فِي قلعة المرقب من عمل طرابلس أَيْضا. وَلم يبْق بسجن الْإسْكَنْدَريَّة من الْأُمَرَاء غير تمربغا المشطوب وسودن من زَاده ثمَّ حول جكم إِلَى قلعة المرقب فاستمر بهَا هُوَ وسودن طاز فِي الاعتقال. وَأهل شعْبَان بِيَوْم الْأَحَد: وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي عشر شعْبَان: اسْتَقر شمس الدّين مُحَمَّد بن شعْبَان الجابي فِي حسبَة الْقَاهِرَة وعزل الْهوى. وَفِي حادي عشرينه: تفاوض الْأَمِير سودن الحمزاوي مَعَ القَاضِي الْأَمِير سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب فِي مجْلِس السُّلْطَان وَأَغْلظ كل مِنْهُمَا على صَاحبه وقاما. فعندما نزل ابْن غراب من القلعة تجمع عَلَيْهِ عدَّة من المماليك السُّلْطَانِيَّة ضربوه بالدبابيس حَتَّى سَقَطت عمَامَته عَن رَأسه وَسقط على الأَرْض فَحَمله مماليكه إِلَى بَاب السلسلة واحتمي مِنْهُم بالأمير إينال باي أَمِير أخور حَتَّى تفَرقُوا ثمَّ صَار إِلَى دَاره فَانْقَطع عَن الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة أَيَّامًا لما بِهِ. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع رَمَضَان: خلع على الْأَمِير الشريف عَلَاء الدّين عَليّ البعدادي وَاسْتقر فِي الوزارة عوضا عَن الْوَزير فَخر الدّين ماجد بن غراب. وَبَقِي فَخر الدّين بن غراب على نظر الْخَاص فَقَط. وخلع أَيْضا عَن الْأَمِير قجماس كاشف الشرقية وَاسْتقر فِي كشف الْبحيرَة. وَفِي عاشره: خلع على الْأَمِير بهاء الدّين رسْلَان وَاسْتقر أحد الْحجاب بعد عَزله من الحجوبية مُدَّة بشهاب الدّين أَحْمد بن الْمعلم نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن سَلام الإسْكَنْدراني الْقَزاز. وَفِي حادي عشره: ضرب الْأَمِير يشبك الدوادار مُحَمَّد بن شعْبَان محتسب الْقَاهِرَة زِيَادَة على أَرْبَعِينَ عَصا لسوء سيرته فَتَوَلّى ضربه وَالِي الْقَاهِرَة بِحَضْرَة النَّاس فِي دَار الْأَمِير. وَفِي ثَانِي عشره: قبض على سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب وأخيه فَخر الدّين ماجد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 88 واعتقلا بالزردخاناه فِي القلعة. وَقبض على زين الدّين صَدَقَة وَمُحَمّد بن الْوَارِث المغربي وَمُحَمّد بن الشيخة صباح وجمال الدّين يُوسُف أستادار بجاس وَغير هَؤُلَاءِ من ألزام بِي غراب. وَفِي رَابِع عشرينه: خلع على تَاج الدّين أبي بكر بن مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن الدماميني الإسْكَنْدراني وَاسْتقر فِي وَظِيفَة نظر الْجَيْش عوضا عَن سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب على مَال كَبِير. وخلع على تَاج الدّين عبد الله ابْن الْوَزير سعد الدّين نصر الله بن البقري وَاسْتقر فِي نظر الْخَاص عوضا عَن فَخر الدّين ماجد ابْن غراب. وَفِيه رسم بِقطع جوامك المماليك السُّلْطَانِيَّة المستجدة بالديوان الْمُفْرد بعد موت الظَّاهِر برقوق وَقطع عليق خيولهم أَيْضا فَقطع نَحْو الْألف ومائتي مَمْلُوك ثمَّ أعيدوا بشفاعات الْأُمَرَاء مَا عدا مِائَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ لم يُوجد من يعتني بهم فاستمر مَنعهم. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع عشرينه: خلع على الْأَمِير الْوَزير ركن الدّين عمر بن قايماز وَاسْتقر أستادار السُّلْطَان عوضا عَن سعد الدّين بن غراب. وَفِيه أفرج عَن جمال الدّين يُوسُف الْمَعْرُوف بأستادار بجاس وَاسْتقر أستادار الْأَمِير الْكَبِير بييرس عوضا عَن ركن الدّين عمر بن قايماز فَصَارَ يُبَاشر أستادارية سودن الحمزاوي وَهُوَ يَوْمئِذٍ شرارة الدولة وأستادارية الْأَمِير بيبرس - وَهُوَ أكبر الْأُمَرَاء - فاشتهر ذكره وَبعد وَصيته وَصَارَ يعد من أَعْيَان الْبَلَد. وَفِي تَاسِع عشرينه: خلع على الْأَمِير أزبك الْأَشْقَر الرمضاني رَأس نوبَة وَاسْتقر أَمِير الْحَاج عوضا عَن الْأَمِير بيسق الشيخي لتقلق الْحَاج مِنْهُ. وَفِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع شَوَّال: خلع على الْأَمِير مبارك شاه الْحَاجِب وَكَاشف الجيزة وَاسْتقر فِي الوزارة عوضا عَن الشريف عَلَاء الدّين عَليّ الْبَغْدَادِيّ بعد الْقَبْض عَلَيْهِ. وَفِي ثامنه: أخرج الْأَمِير ألجيبغا أحد الْحجاب فِي الْأَيَّام الظَّاهِرِيَّة إِلَى دمشق ليَكُون نَائِب ملطية وَأخرج سرماش أحد الْأُمَرَاء أخورية لنيابة سيس وَكَانَت ملطية وسيس قد تغلب عَلَيْهِمَا التركمان من وَاقعَة تمرلنك. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 89 وَفِي لَيْلَة النّصْف مِنْهُ: اختفي الْوَزير مبارك شاه لعَجزه عَن كلف الوزارة. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: نزل الدِّينَار الهرجة من سبعين درهما إِلَى سِتِّينَ وَالدِّينَار المشخص من سِتِّينَ إِلَى خَمْسَة وَأَرْبَعين درهما. وَفِي ثامن عشره: اسْتَقر سودن الحمزاوي رَأس النّوبَة كَبِيرا عوضا عَن سودن المارديني وَاسْتقر المارديني أَمِير مجْلِس عوضا عَن تمراز. وَاسْتقر تمراز أَمِير سلَاح عوضا عَن بكتمر الركني. وَاسْتقر بكنمر رَأس نوبَة الْأُمَرَاء وَهُوَ ثَانِي أتابك العساكر فِي الْمنزلَة والرتبة. وخلع على الْجَمِيع وعَلى الْأَمِير يلبغا السالمي وَاسْتقر مشير الدولة وَكَانَ قد استدعى من دمياط فَقدم. وَفِيه خرج الْمحمل وأمير الْحَاج أزبك الرمضاني إِلَى الريدانية للمسير إِلَى الْحجاز على الْعَادة. وَفِي ثَانِي عشرينه: خلع على الْأَمِير الْوَزير تَاج الدّين رزق الله الْمَعْرُوف بوالي قطيا وَاسْتقر فِي الوزارة عوضا عَن مبارك شاه وَهَذِه وزارته الثَّانِيَة. وَفِيه نُودي أَن يكون الذَّهَب الْمَخْتُوم بستين المثقال والأفرنتي بِخَمْسَة وَأَرْبَعين درهما الدِّينَار وَنُودِيَ من قبل السالمي بِإِبْطَال مكس الْبحيرَة وَهُوَ مَا يذبح من الْغنم وَالْبَقر. وَفِي ثالثه عشرينه: أُعِيد نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الصَّالِحِي إِلَى قَضَاء الْقُضَاة بديار مصر. وَصرف قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين عبد الرَّحْمَن بن شيخ الْإِسْلَام الشَّافِعِيَّة البُلْقِينِيّ. وَفِي خَامِس عشرينه: خلع على الْأَمِير طوخ وَاسْتقر خازنداراً كَبِيرا عوضا عَن الحمزاوي. وَفِي تَاسِع عشرينه: خلع عَليّ الحمزاوي لنظر خانقاه شيخو عوضا عَن سودن المارديني. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء سلخه: خلع على تَاج الدّين عبد الله بن سعد الدّين نصر الله بن البقري بوظيفة نظر الْجَيْش عوضا عَن تَاج الدّين أبي بكر بن مُحَمَّد الدماميني لعَجزه عَن الْمُبَاشرَة فباشر وظيفتي نظر الْخَاص والجيش. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 90 وَأهل ذُو الْقعدَة يَوْم الْأَرْبَعَاء: وَفِي ثَانِيه: كتب توقيع نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن خطب نقيرين بِقَضَاء الْقُضَاة بِدِمَشْق عوضا عَن ابْن عَبَّاس. وَفِي تاسعه: نقل الْأَمِير تَاج الدّين عبد الرَّزَّاق بن أبي الْفرج جمال الدّين عبد الله من الوزارة إِلَى كشف الْوَجْه البحري عوضا عَن الْأَمِير قجماس. وَاسْتقر فِيهِ ألطبغا العجمي فِي كشف الشرقية. وَفِي رَابِع عشره: ورد الْخَبَر بحركة الفرنج على السواحل فَخرج من الْأُمَرَاء الألوف بكنمر رَأس نوبَة ويلبغا الناصري وجركس المصارع وأقباي حَاجِب الْحجاب وسودن المارديني أَمِير مجْلِس وتمراز أَمِير سلَاح وتغري بردى. وَمن الطبلخاناة سودن بقجة وبشباي الْحَاجِب. وَسَارُوا إِلَى دمياط وإسكندرية. وَفِي خَامِس عشرينه: أفرج عَن سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب وأخيه فَخر الدّين وَنزلا إِلَى دورهما بعد أَن تسلمهما الْأَمِير ركن الدّين عمر بن قايماز وَضرب فَخر الدّين فالتزم سعد الدّين بِأَلف ألف دِرْهَم وفخر الدّين بثلاثمائة ألف دِرْهَم. فنقلا إِلَى الْأَمِير يلبغا السالمي ليقتلهما فاتقى الله فِي أَمرهمَا وَلم يتبع هوى نَفسه وَلَا انتقم مِنْهُمَا وَخَافَ سوء الْعَاقِبَة فعاملهما من الْإِكْرَام بِمَا لم يكن ببال أحد. وَمَا زَالَ يسْعَى لَهما حَتَّى نقلا من عِنْده إِلَى بَيت شاد الدَّوَاوِين نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن جلبان الْحَاجِب فرفق بهما حَتَّى خلصا من غير أَن يمسهما سوء بِخِلَاف مَا فعلا مَعَ السالمي. وَفِي سَابِع عشرينه: ارتجع السُّلْطَان الزِّيَادَات من سَائِر الْأُمَرَاء مَا خلا ابْن عمته الْأَمِير الْكَبِير بيبرس فَإِنَّهُ أُبْقِي الزِّيَادَة بِيَدِهِ. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير يلبغا السالمي استادار السُّلْطَان وعزل ابْن قايماز وَهَذِه ولَايَة السالمي الاستادارية الثَّانِيَة وتحدث أَيْضا فِي الوزارة. وَفِيه عزل الْأَمِير ألطبغا العثماني عَن نِيَابَة غَزَّة وَاسْتقر خاير بك أحد أُمَرَاء دمشق بهَا. وَفِي يَوْم الْأَحَد ثَالِث ذِي الْحجَّة: قدم الْأُمَرَاء المجردون وَلم يلْقوا أحدا. وَفِي هَذَا الشَّهْر: بلغ القنطار الصابون سَبْعمِائة دِرْهَم والأردب الْقَمْح خَمْسَة وَتِسْعين درهما وَالشعِير زِيَادَة على سِتِّينَ والفول ثَمَانِينَ درهما والأرز إِلَى مِائَتَيْنِ وَخمسين الأردب. وَورد الْخَبَر برخاء الْبِلَاد الشامية. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 91 وَفِي سَابِع عشره: أخرج إِلَى دمشق الْأَمِير أسنبغا المصارع والأمير نكباي الأزدمري وهما من الطبلخاناة وأينال جيا من أُمَرَاء الْعشْرين وإينال المظفري من أُمَرَاء العشراوات. وَعمل لَهُم هُنَاكَ اقطاعات فَسَارُوا من الْقَاهِرَة. وَفِي تاسمع عشرينه: اغلق المماليك السُّلْطَانِيَّة بَاب الْقصر السلطاني من القلعة على من حضر من الْأُمَرَاء وعوقوهم بِسَبَب تَأَخّر نفقاتهم وجوامكهم فأقاموا سَاعَة ثمَّ نزلُوا من بَاب السِّرّ إِلَى الإصطبل وَلَحِقُوا بدورهم وَقد اشْتَدَّ خوفهم. وَطلب السالمي فاختفى ثمَّ طمر بِهِ وعوق بِبَاب السلسلة من الإصطبل عِنْد الْأَمِير أينال باي ووكل بِهِ حَتَّى يكمل نَفَقَة المماليك. وَلم يحجّ أحد فِي هَذِه السّنة من الشَّام وَلَا الْعرَاق وَلَا الْيمن. وَفِي هَذِه السّنة: ثار على السُّلْطَان أَحْمد بن أويس وَلَده طَاهِر وحاربه ففر من الْحلَّة إِلَى بَغْدَاد فَأخذ وَدِيعَة لَهُ كَانَت بهَا فهجم عَلَيْهِ طَاهِر وَأخذ مِنْهُ المَال الجزء: 6 ¦ الصفحة: 92 ففر أَحْمد من ابْنه وَأَتَاهُ قرايوسف بِطَلَبِهِ لَهُ وأعانه على ابْنه وحاربه مَعَه ففر طَاهِر اقتحم بفرسه دجلة فغرق بهَا وَلحق بربه. وَمَات فِي هَذِه السّنة شيخ الْإِسْلَام سراج الدّين عمر بن رسْلَان بن نصير بن صَالح بن شهَاب الدّين ابْن عبد الْخَالِق الْعَسْقَلَانِي الْمَعْرُوف بالبلقيني يَوْم الْجُمُعَة عَاشر ذِي الْقعدَة عَن إِحْدَى وَثَمَانِينَ سنة وَثَلَاثَة أشهر إِلَّا ثَلَاثَة عشر يَوْمًا. وَقد انْتَهَت إِلَيْهِ رياسة الْعلم فِي أقطار الأَرْض وَدفن بمدرسة من حارة وَمَات قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين بهْرَام بن عبد الله بن عبد الْعَزِيز بن عمر بن عوض الدَّمِيرِيّ الْمَالِكِي فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع جُمَادَى الْآخِرَة عَن سبعين سنة وَكَانَ عين الْمَالِكِيَّة بديار مصر. وَمَات قَاضِي الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق علم الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد القفصي فِي حادي عشْرين الْمحرم وَقد قَارب السّبْعين وَكَانَ مشكور السِّيرَة. وَمَات قَاضِي قُضَاة الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَمُود النابلسي الْحَنْبَلِيّ بِدِمَشْق فِي ثَانِي عشر الْمحرم وَكَانَ فَقِيها نحوياً. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 93 وَمَات شيخ الشُّيُوخ بدر الدّين حسن بن عَليّ بن آمدي خَارج الْقَاهِرَة فِي أول شعْبَان. وَكَانَ يعْتَقد فِيهِ الْخَيْر. وَمَات الْأَمِير الشريف عنان بن مغامس بن رميثة الحسني بِالْقَاهِرَةِ فِي أول ربيع الأول. وَمَات الْأَمِير أقباي الكركي فِي لَيْلَة السبت رَابِع عشر جُمَادَى الأولى بعد مرض طَوِيل وَدفن بالحوش الظَّاهِرِيّ خَارج بَاب النَّصْر. وَمَات الْأَمِير يلبغا السودني. حَاجِب الْحجاب بِدِمَشْق فِي جُمَادَى الْآخِرَة فاستقر عوضه جركس وَالِد تنم نقل إِلَيْهَا من حجوبية طرابلس. وَاسْتقر عوضه فِي حجوبية طرابلس مُرَاد. وَمَات الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن الْوَزير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن رَجَب أحد أُمَرَاء العشراوات وَمَات الْأَمِير قرقماس الرماح الأينالي قتل بِدِمَشْق فِي أخر رَمَضَان بِأَمْر السُّلْطَان وَكَانَ لما أخرج من الْقَاهِرَة على إقطاع الْأَمِير صروق بِدِمَشْق ولي كشف رَملَة لد ثمَّ تحدث بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ ففر إِلَى جِهَة حلب فَأخذ عِنْد بعلبك وَحمل إِلَى دمشق وَقتل بسجنها فِي عدَّة من المماليك. وَمَات نور الدّين مَحْمُود بن هِلَال الدولة الدِّمَشْقِي بِالْقَاهِرَةِ فِي آخر رَجَب ومولده سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة. وَكَانَ من أدباء دمشق وموقعيها. وَمَات عبد الْجَبَّار رَئِيس الْفُقَهَاء عِنْد تمرلنك فِي ذِي الْقعدَة. وَمَات خوندكار أَبُو يزِيد بن الْأَمِير مُرَاد بن الْأَمِير أوره خَان ابْن الْأَمِير عُثْمَان ملك بِلَاد الرّوم وَهُوَ فِي الْأسر عِنْد تمرلنك فِي ذِي الْقعدَة. وَمَات جال الدّين عبد الله بن الْخطب شهَاب الدّين أَحْمد الْقُسْطَلَانِيّ خطيب جَامع عَمْرو بِمصْر فِي الْعشْر الآخر من رَمَضَان بَعْدَمَا اخْتَلَط وَقد أناف على السّبْعين وخطب هُوَ وَأَبوهُ بالجامع نَحْو خمسين سنة وَعنهُ أخذت الخطابة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 94 وَمَات الْفَقِير المعتقد شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عمر الْمَعْرُوف بِابْن الزيات الْأنْصَارِيّ الشَّافِعِي فِي الْمحرم وَدفن فِي القرافة. وعَلى يَده سلك صاحبنا الشَّاب النَّائِب. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 95 فارغه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 96 سنة سِتّ وَثَمَانمِائَة أهل شهر الله الْمحرم يَوْم السبت: وَالذَّهَب الهرجة كل مِثْقَال بستين درهما من لفلوس الجدد وَالدِّينَار الإفرنتي - وَهُوَ المشخص ضرب الفرنج النَّصَارَى - كل شخص بِخَمْسَة وَأَرْبَعين درهما من الْفُلُوس. والنقد الرابح الْفُلُوس وكل أَرْبَعَة وَعشْرين فلسًا تحسب بدرهم. وَالْفِضَّة الكاملية - الَّتِي كَانَت نقد مصر وَيصرف مِنْهَا كل دِرْهَم بأَرْبعَة وَعشْرين فلسًا - قد صَارَت عزيزة الْوُجُود وَيصرف كل دِرْهَم مِنْهَا بدرهم وَنصف وَربع من الْفُلُوس. والسلع كلهَا وَأجر الْأَعْمَال إِنَّمَا تنْسب إِلَى الْفُلُوس. والأردب الْقَمْح بِمِائَة دِرْهَم وَالشعِير كل أردب من سِتِّينَ درهما إِلَى سبعين درهما والفول سبعين درهما الأردب والأرز بِمِائَتي دِرْهَم الأردب والكتان بِثَلَاثَة دَرَاهِم الرطل وبأربعة أَيْضا. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثالثه: قدم رسل الطاغية تيمورلنك وَكَبِيرهمْ مَسْعُود الكحجاني فَتَلقاهُمْ الْحجاب وَنَحْوهم من الْأُمَرَاء وشقوا الْقَاهِرَة وَمَعَهُمْ هَدِيَّة فِيهَا فيل عَلَيْهِ رجل قَائِم بِيَدِهِ علمَان أخضران. قد نشرهما وَقبض عَلَيْهِمَا بيدَيْهِ وفيهَا فَهد وصقران وَثيَاب فأنزلوا فِي دَار وأحضروا بَين يَدي السُّلْطَان بقلعة الْجَبَل فِي يَوْم الْخَمِيس سادسه ثمَّ أَمر بهم إِلَى دَار وأجرى عَلَيْهِم فِي كل يَوْم ثَلَاثمِائَة رَطْل من لحم الضَّأْن وعدة من الأوز والدجاج وَغير ذَلِك وَألف دِرْهَم وَمنعُوا من الِاجْتِمَاع بِالنَّاسِ مُدَّة أَيَّام ثمَّ أذن لَهُم فِي الرّكُوب وَالْحَرَكَة. وَفِيه نُودي بِإِشَارَة الْأَمِير يلبغا السالمي أَن يتعامل النَّاس بالفلوس وزنا لَا عددا وَأَن يكون كل رَطْل مِنْهَا بِسِتَّة دَرَاهِم حسابا عَن كل قِنْطَار سِتّمائَة دِرْهَم فاستمر ذَلِك وَلم ينْتَقض. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء رابعه: خلع على الْأَمِير ركن الدّين عمر بن قايماز وَاسْتقر فِي الأستادارية عوضا عَن الْأَمِير يلبغا السالمي. وَقبض على السالمي وَسلم إِلَيْهِ فسكن بدار السالمي وسجنه بمَكَان مِنْهَا ثمَّ نقل من عِنْده وَسلم إِلَى أَمِير أخور بالإصطبل السلطاني فِي عصر يَوْم الْجُمُعَة سابعه. وَفِي يَوْم السبت ثامنه: خلع على علم الدّين يحيى - الْمَعْرُوف بِأبي كم - وَاسْتقر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 97 فِي الوزارة وَنظر الْخَاص عوضا عَن الصاحب تَاج الدّين بن البقري. وَاسْتقر ابْن البقري على مَا بِيَدِهِ من نظر الْجَيْش وَنظر الدِّيوَان الْمُفْرد وَسبب ذَلِك أَن جمال الدّين يُوسُف أستادار الْأَمِير بجاس استدعي بجمدار إِلَى حَضْرَة السُّلْطَان وَأمر يفاض عَلَيْهِ تشريف الوزارة فعندما ألْقى عَلَيْهِ ليلبسه حلف أَلا يلْبسهُ. وطالت محاورته وَهُوَ يمْتَنع حَتَّى أعيى أمره وَقَالَ: عِنْدِي من يلبس الوزارة بِشَرْط أَن يُضَاف إِلَيْهَا نظر الْخَاص وَهُوَ أَبُو كم فأحضر وخلع عَلَيْهِ وَنزل وَفِي خدمته النَّاس على وَفِي عاشره: اسْتَقر شمس الدّين مُحَمَّد بن شعْبَان فِي حسبَة الْقَاهِرَة وَصرف شمس الدّين عمد الشاذلي. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء حادي عشره: استدعى السالمي إِلَى حَضْرَة السُّلْطَان ليعاقب فالتزم بِحمْل مَال كَبِير فَسلم إِلَى شاد الدَّوَاوِين. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشره: اسْتَقر قَاضِي الْقُضَاة بِدِمَشْق - مُحَمَّد الأخناي - فِي قَضَاء الْقُضَاة بديار مصر عوضا عَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الصَّالِحِي بعد مَوته. وَفِي لَيْلَة الْجُمُعَة رَابِع عشره: خسف جَمِيع جرم الْقَمَر نَحْو خمس سَاعَات. وَفِي يَوْم السبت نصفه: فقد الْوَزير أَبُو كم من دَاره فَلم يعرف مَوْضِعه لعَجزه عَن سد كلف الوزارة فأعيد التَّاج بن البقري إِلَيْهَا يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشره. وَفِيه أضيف شدّ الدَّوَاوِين إِلَى الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن كلفت وَالِي الْقَاهِرَة وَأحد الْحجاب وَسلم إِلَيْهِ الْأَمِير السالمي ليعاقبه فتشدد عَلَيْهِ حَتَّى بَاعَ كتبه العلمية. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشرينه: كثر اضْطِرَاب المماليك السُّلْطَانِيَّة بِالْقصرِ من قلعة الْجَبَل وهموا بِأخذ الْأُمَرَاء ورجوهم وَذَلِكَ لتأخر نفقاتهم وعليق خيولهم وكسوتهم فوعدوا بِخَير وَأمر بإحضار التُّجَّار وألزموا بِمَال فِي نَظِير غلال بِيعَتْ عَلَيْهِم توزع الْأُمَرَاء مَالا يقومُونَ بِهِ فناب وَفِي هَذَا الشَّهْر: توقف النّيل عَن الزِّيَادَة فِي وسط مسرى فارتفع سعر الغلال حَتَّى أبيع الْقَمْح بِمِائَة وَعشْرين درهما الأردب فَأمر النَّاس بالاستسقاء فِي يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشرينه بالجوامع عقيب صَلَاة الْجُمُعَة فاستسقوا. وَفِيه عزل الْأَمِير جمق عَن نِيَابَة الكرك وسفر إِلَى دمشق وَاسْتقر عوضه الْأَمِير الهذباني. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 98 وَفِي هَذَا الشَّهْر: كَانَت وَاقعَة الفرنج بطرابلس وَذَلِكَ أَنهم نزلُوا على طرابلس فِي ثَلَاثِينَ شينياً وقراقر. وَكَانَ الْأَمِير دمرداش غَائِبا عَن الْبَلَد فَقَاتلهُمْ النَّاس قتالاً شَدِيدا فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي عشره إِلَى الْغَد. فَبلغ دمرداش وَهُوَ بنواحي بعلبك الْخَبَر فاستنجد الْأَمِير شيخ نَائِب الشَّام وَتوجه إِلَى طرابلس فَقَدمهَا يَوْم الْخَمِيس عشرينه. وَنُودِيَ فِي دمشق بالنفير فَخرج النَّاس على الصعب والذلول فَمضى الفرنج إِلَى بيروت بَعْدَمَا قَاتلهم دمرداش قتالاً كَبِيرا قتل فِيهِ من الْمُسلمين اثْنَان وجرح جمَاعَة فوصل الْأَمِير شيخ إِلَى طرابلس وَقد قضى الْأَمر فَسَار إِلَى بيروت فَقَدمهَا وَقت الظّهْر من يَوْم الْجُمُعَة حادي عشرينه والقتال بَين الْمُسلمين وَبَين الفرنج من أمسه وقتلى الفرنج مطروحين على الأَرْض فَحرق تِلْكَ الرمم وَتبع الفرنج وَقد سَارُوا إِلَى صيدا بَعْدَمَا حرقوا مَوَاضِع وَأخذُوا مركبا قدم من دمياط بِبَضَائِع لَهَا قيمَة كَبِيرَة. وقاتلوا أهل صيدا فطرقهم الْأَمِير شيخ وَقت الْعَصْر وَقَاتلهمْ وهم فِي الْبر فَهَزَمَهُمْ إِلَى مراكبهم. وَسَارُوا إِلَى بيروت فلحقهم وَقَاتلهمْ فَمَضَوْا إِلَى جِهَة طرابلس ومروا عَنْهَا إِلَى جِهَة الماغوصة. فَرَكزَ الْأَمِير شيخ طَائِفَة ببيروت وَطَائِفَة بصيدا وَعَاد إِلَى دمشق فِي ثَانِي صفر. شهر صفر أَوله الِاثْنَيْنِ: وَيُوَافِقهُ سَابِع عشْرين مسرى: - أحد شهور القبط - تمادت زِيَادَة النّيل إِلَى يَوْم الْأَحَد سابعه وثالث أَيَّام النسيء فَانْتهى مَاء النّيل فِيهِ إِلَى اثْنَيْنِ وَعشْرين إصبعاً من الذِّرَاع السَّادِس عشر وبقى من الْوَفَاء إصبعان. فتوقف يومي الِاثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاء عَن الزِّيَادَة وَنقص أَربع أَصَابِع فَاشْتَدَّ جزع النَّاس وتوقعوا حُلُول الْبلَاء فَسَار شيخ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 99 الْإِسْلَام قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين عبد الرَّحْمَن بن البُلْقِينِيّ من دَاره مَاشِيا قبيل الظّهْر إِلَى الْجَامِع الْأَزْهَر فِي جمع موفور وَلم يزل يَدْعُو ويتضرع وَقد غص الْجَامِع بِالنَّاسِ إِلَى بعد الْعَصْر. ثمَّ خرج الْقُضَاة وشيوخ الخوانك إِلَى الْجَامِع فَفَعَلُوا ذَلِك إِلَى آخر النَّهَار فتراجع النّيل من الْغَد إِصْبَعَيْنِ وَاسْتمرّ إِلَى يَوْم الْخَمِيس حادي عاشره - وَيَوْم النوروز أول توت - فَركب الْأَمِير يشبك بعد الْعَصْر حَتَّى فتح الخليج وَقد بَقِي من الْوَفَاء أَربع أَصَابِع. وانتهي سعر الأردب الْقَمْح إِلَى مائَة وَثَلَاثِينَ درهما. وَفِي يَوْم السبت ثَالِث عشره: توجه شيخ الْإِسْلَام جلال الدّين إِلَى رِبَاط الْآثَار النَّبَوِيَّة وَحمل الْآثَار النَّبَوِيَّة على رَأسه واستسقى وَأكْثر من التضرع وَالدُّعَاء مَلِيًّا وَانْصَرف فتراجع مَاء النّيل وَنُودِيَ فِي يَوْم الثُّلَاثَاء بوفاء سِتَّة عشر ذِرَاعا وإصبعين من سَبْعَة عشر وارتفع أَيْضا سعر الذَّهَب فَبلغ المثقال الهرجة إِلَى أَرْبَعَة وَسِتِّينَ درهما وَالدِّينَار الأفرنتي إِلَى خمسين وَزِيَادَة. وَفِيه قدم الْخَبَر بنزول الفرنج إِلَى صيدا وبيروت وَأَن الْأَمِير شيخ المحمودي نَائِب الشَّام سَار إِلَيْهِم وَقَاتلهمْ وَقتل مِنْهُم عدَّة وَهزمَ باقيهم وَبعث إِلَى الْقَاهِرَة سبع رُءُوس مِنْهُم. وَفِي سادس عشرينه: قدم الْخَبَر بتكاثر مراكب الفرنج على الْإسْكَنْدَريَّة فندب برهَان الدّين إِبْرَاهِيم الْمحلي كَبِير التُّجَّار بِمصْر للمسير إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَتَبعهُ عدَّة من الْأُمَرَاء فأقاموا أَيَّامًا ثمَّ عَادوا وَلم يلْقوا كيداً. شهر ربيع الأول أَوله الْأَرْبَعَاء. فِيهِ نقص مَاء النّيل فشرق الصَّعِيد بِكَمَالِهِ وَرويت الشرقية وَكثير من بِلَاد الغربية وارتفع السّعر فوصل الْقَمْح إِلَى مائَة وَثَمَانِينَ درهما الأردب وَالشعِير إِلَى مائَة دِرْهَم الأردب والمثقال الذَّهَب إِلَى سبعين وَالدِّينَار الأفرتني إِلَى سِتِّينَ. وَفِي يَوْم السبت رابعه: أُعِيد قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين البُلْقِينِيّ إِلَى قَضَاء الْقُضَاة وَصرف الأخناي. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 100 وَفِي سادسه: أُعِيد البخانسي إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة وعزل ابْن شعْبَان وأعيد جمال الدّين يُوسُف الْبِسَاطِيّ إِلَى قَضَاء الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة بديار مصر وَصرف قَاضِي الْقُضَاة ولي الدّين أَبُو زيد عبد الرَّحْمَن بن خلدون. وَقدم الْخَبَر بقدوم السُّلْطَان أَحْمد بن أويس متملك بَغْدَاد إِلَى حلب فَارًّا من الطاغية تيمورلنك وَأَنه يعْتَذر عَمَّا كَانَ مِنْهُ وَمَتى لم يقبل عذره مضى إِلَى بِلَاد الرّوم. وَفِي عشرينه: بلغ الأردب الْقَمْح إِلَى مِائَتَيْنِ وَخمسين درهما والفول وَالشعِير إِلَى مِائَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَعز وجود الشّعير بِحَيْثُ فرق عليق خُيُول المماليك السُّلْطَانِيَّة فولاً وَبلغ الْحمل التِّبْن إِلَى خمسين درهما. وَفِي سَابِع عشرينه: خلع على رسل تيمورلنك خلعة السّفر وخلع على الْأَمِير قاني باي التمربغاوي - أحد أُمَرَاء الطبلخاناه - وَتوجه لإحضار الْأَمِير دقماق نَائِب حلب. وَفِي تَاسِع عشره: اختفى الْوَزير تَاج الدّين بن البقري عَجزا عَن تكفية اللَّحْم والنفقات السُّلْطَانِيَّة. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء عشرينه: خلع على القَاضِي سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب نَاظر الْخَاص وَاسْتقر فِي وظيفتي الأستادارية وَنظر الْجَيْش. وَصرف الْأَمِير ركن الدّين عمر ابْن قايماز عَن الأستادارية وخلع على الْأَمِير تَاج الدّين رزق الله كاشف الْبحيرَة وأعيد إِلَى الوزارة وَهِي ثَالِث وزارته. وَاسْتقر محيى الدّين مَحْمُود بن نجم الدّين أَحْمد بن عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن الشَّيْخ شرف الدّين مُحَمَّد بن الشَّيْخ عز الدّين أبي الْعِزّ الْمَعْرُوف بِابْن الكشك فِي قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن زين الدّين عبد الرَّحْمَن بن الكفري وسافر من الْقَاهِرَة فَلم يبلغ دمشق حَتَّى اسْتَقر عوضه جمال الدّين يُوسُف ابْن القطب. وَاسْتقر شمس الدّين مُحَمَّد البيري - أَخُو جمال الدّين يُوسُف الأستادار - فِي قَضَاء الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بحلب. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 101 وَفِي هَذَا الشَّهْر: ألزم قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين أَن يكتبوا أجاير الدّور والأراضي وصدقات النِّسَاء وَغير ذَلِك بالفلوس وَلَا يكتبوا من الدَّرَاهِم النقرة فاستمر ذَلِك. شهر ربيع الآخر أَوله الْخَمِيس: فِي خامسه: كتب باستقرار الْأَمِير أقبغا الهذباني فِي نِيَابَة حلب وجهز إِلَيْهِ تشريف عوضا عَن الْأَمِير دقماق وَطلب دقماق إِلَى مصر فَلَمَّا وصل إِلَيْهِ القاصد بِطَلَبِهِ هرب من حلب. وَفِي يَوْم السبت آخِره: قدم قرا يُوسُف بن قرا مُحَمَّد إِلَى دمشق فأنزله الْأَمِير شيخ بدار السَّعَادَة وَكَانَ من خَبره أَنه حَارب أَحْمد بن أويس وَأخذ مِنْهُ بَغْدَاد فَبعث إِلَيْهِ تمرلنك عسكراً فكسرهم فسير إِلَيْهِ جَيْشًا كَبِيرا فكسروه وفر بأَهْله وخاصته إِلَى الرحبة فَلم يُمكن مِنْهَا ونهبه الْعَرَب فَمر على وَجهه إِلَى دمشق. وَفِيه أَيْضا هرب الْأَمِير قانباي من سجن الصبيبة وَكَانَ مسجوناً هُوَ والأمير نوروز الحافظي فَتَأَخر نوروز بالسجن وفر قانباي فَلم يعرف لَهُ خبر. شهر جُمَادَى الأولى أَوله السبت: فِيهِ اسْتَقر كريم الدّين مُحَمَّد بن نعْمَان الْهوى فِي حسبَة الْقَاهِرَة وَصرف البخانسي فَمَاتَ يَوْم الثُّلَاثَاء رابعه. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء خامسه: خلع عَليّ بدر الدّين حسن بن نصر الله بن حسن الفوى وَاسْتقر فِي نظر الْخَاص عوضا عَن ابْن البقري. وَفِي أَوله: قدم إِلَى دمشق الْأَمِير عَلَاء الدّين أقبغا الأطروش من الْقُدس وَقد ولي نِيَابَة حلب فَأَقَامَ بهَا إِلَى رابعه وَتوجه إِلَى حلب. وَفِي سادسه: قدم السُّلْطَان أَحْمد بن أويس متملك بَغْدَاد إِلَى دمشق فَارًّا من تمرلنك فَتَلقاهُ الْأَمِير شيخ وأنزله. وَفِي تَاسِع عشره: نُودي فِي دمشق بِإِبْطَال مكس الْفَاكِهَة والخضراوات بِأَمْر الْأَمِير شيخ. وَكتب فِي ذَلِك إِلَى السُّلْطَان فرسم بِهِ وَاسْتمرّ وَللَّه الْحَمد. شهر جُمَادَى الْآخِرَة أَوله السبت: فِي سابعه: صرف الْهوى عَن الْحِسْبَة بالشااذلي. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 102 وَفِي عاشره: اختفي الْوَزير تَاج الدّين عَجزا عَن تكفية اللَّحْم وَغَيره من مصارف الدولة. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث عشرينه: أُعِيد ابْن البقري إِلَى الوزارة وَنظر الْخَاص وَصرف ابْن نصر الله عَن نظر الْخَاص. وَفِي هَذَا الشَّهْر: حدث فِي النَّاس بِالْقَاهِرَةِ ومصر وضواحيهما سعال بِحَيْثُ لم ينج أحد مِنْهُ. وَتبع السعال حمى فَكَانَ الْإِنْسَان يوعك نَحْو أُسْبُوع ثمَّ يبرأ وَلم يمت مِنْهُ أحد. وَكَانَ هَذَا بعقب هبوب ريح غَرِيبَة تكَاد من كَثْرَة رطوبتها تبل الثِّيَاب والأجسام. وَفِيه اشْتَدَّ الْبرد وعظمت نكايته إِلَى الْغَايَة فشنع الْمَوْت فِي الْمَسَاكِين من شدَّة الْبرد وَغَلَاء الأقوات وَتعذر وجودهَا فَإِن الْقَمْح بلغ إِلَى مِائَتَيْنِ وَسِتِّينَ درهما الأردب والقدح من الْأرز خَمْسَة دَرَاهِم والرطل السّمن إِلَى سِتَّة دَرَاهِم فَكَانَ يَمُوت فِي كل يَوْم بِالْجُوعِ وَالْبرد عدد كثير. وَقَامَ بمواراتهم الْأَمِير سودن المارديني وَالْقَاضِي الْأَمِير سعد الدّين بن غراب الأستادار وَغَيره سوى من يُجهز من وقف الطرحاء فَكَانَ المارديني يواري مِنْهُم فِي كل يَوْم مَا يزِيد على مائَة وَابْن غراب يواري فِي كل يَوْم مِائَتَيْنِ وَمَا فَوْقهَا والأمير سودن الحمزاوي والأمير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن سنقر الأستادار ووقف الطرحاء يوارون عدَّة كَبِيرَة فِي كل يَوْم مُدَّة أَيَّام عديدة. ثمَّ تجرد ابْن غراب لذَلِك تجرداً مشكوراً فبلغت عدَّة من واراه مِنْهُم إِلَى آخر شَوَّال اثْنَي عشر وَفِي سَابِع عشره: أُعِيد عَلَاء الدّين عَليّ بن أبي الْبَقَاء إِلَى قَضَاء دمشق عوضا عَن ابْن خطيب نقيرين. وَفِيه قبض على السُّلْطَان أَحْمد بن أويس والأمير قرايوسف وسجنا بِدِمَشْق فِي سَابِع عشره مقيدين. شهر رَجَب أَوله الِاثْنَيْنِ: فِي ثامن عشره: قدم الْأَمِير أقبغا الجمالي الأطروش نَائِب حلب وَقد مَاتَ. وَفِي ثَالِث عشرينه: خلع على رسل تيمورلنك خلعة ثَانِيَة وَعين للسَّفر مَعَهم الْأَمِير منكلي بغا أحد الْحجاب. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 103 وَفِي هَذَا الشَّهْر: بلغ الأردب الْقَمْح إِلَى ثَلَاثمِائَة وَعشْرين وَفِيه علت كثير وَبيع كل قدح مِنْهُ بِثَلَاثَة دَرَاهِم وَثلث وأبيع الْخبز كل ثَمَانِي أَوَاقٍ بدرهم وكل قدح من الشّعير بِدِرْهَمَيْنِ وكل أردب من الفول بِمِائَة وَثَمَانِينَ فَاشْتَدَّ الْحَال بديار مصر وَبَلغت غرارة الْقَمْح بِدِمَشْق - وَهِي ثَلَاثَة أرادب مصرية - إِلَى سَبْعمِائة دِرْهَم وَخمسين درهما فضَّة عَنْهَا من نقد مصر الْآن ألف وَخَمْسمِائة دِرْهَم. وَفِيه عمل الْأَمِير شيخ نَائِب الشَّام محمل الْحَاج وأداره بِدِمَشْق فِي ثَانِي عشرينه حول الْمَدِينَة وَكَانَ قد انْقَطع ذَلِك من سنة ثَلَاث وَثَمَانمِائَة مبلغ مَصْرُوف ثوب الْمحمل - وَهُوَ حَرِير أصفر مَذْهَب - نَحْو خَمْسَة وَثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم فضَّة. وَنُودِيَ بِخُرُوج الْحَاج على طَرِيق الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة وَعين لإمرة الْحَاج فَارس دوادار الْأَمِير تنم. شهر شعْبَان أَوله الْأَرْبَعَاء: فِي ثالثه: ورد الْخَبَر بِأَن الْأَمِير دقماق نزل على حلب بِجَمَاعَة التركمان فيهم الْأَمِير على باي بن دلغادر ففر مِنْهُ أمراؤها إِلَى حماة فَملك حلب فَتوجه الْأَمِير سودن المحمدي بتقليد الْأَمِير دمرداش المحمدي نَائِب طرابلس بنيابة حلب عوضا عَن أقبغا الجمالي الأطروش وَتوجه الْأَمِير أقبردي بتقليد الْأَمِير شيخ السُّلَيْمَانِي نَائِب صفد بنيابة طرابلس عوضا عَن دمرداش وَاسْتقر فِي نِيَابَة صفد بكتمر جلق - أحد أُمَرَاء دمشق - وَتوجه أينال المأموري بقتل الْأُمَرَاء المحبوسين. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سادس عشره: صرف قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين البُلْقِينِيّ عَن وَظِيفَة الْقَضَاء بالأخناي. وَفِي ثَالِث عشرينه: صرف الشاذلي عَن الْحِسْبَة بِابْن شعْبَان. وَفِيه بلغ الْحمل التِّبْن إِلَى ثَمَانِينَ درهما والأردب الشّعير والفول إِلَى مِائَتَيْنِ وَخمسين درهما والأردب الْقَمْح إِلَى أَرْبَعمِائَة دِرْهَم والرطل من لحم الضان إِلَى دِرْهَمَيْنِ وَنصف. وَفِيه ورد الْخَبَر بِأَن طرابلس الشَّام زلزلت بلادها زَلْزَلَة عَظِيمَة هدمت مباني عديدة مِنْهَا جَانب من قلعة المرقب. وعمت اللاذقية وجبلة وقلعة بلاطنس وثغر بكاس وعدة بِلَاد بِالْجَبَلِ والساحل، فَهَلَك تَحت الرّوم جمَاعَة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 104 شهر رَمَضَان أَوله الْخَمِيس: وَفِيه بلغ المثقال الذَّهَب إِلَى تسعين درهما وَالدِّينَار الأفرنتي إِلَى سبعين وَالدِّرْهَم الكاملي ثَلَاثَة دَرَاهِم من الْفُلُوس وكل دِرْهَم من الْفضة الْحجر بأَرْبعَة دَرَاهِم. وَفِيه فتح جَامع الْأَمِير سودن من زَاده بِخَط سويقة الْعُزَّى خَارج بَاب زويلة. وخطب من الْعد فِيهِ قَاضِي الْقُضَاة أَمِين الدّين عبد الْوَهَّاب ابْن قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد الطرابلسي الْحَنَفِيّ. ودرس فِيهِ بدر الدّين حسن الْقُدسِي الْحَنَفِيّ. وَفِيه أفرج الْأَمِير دمرداش عَن الْأَمِير سودن طاز والأمير جكم وَكَانَا قد سجنا بِبَعْض حصون طرابلس وَسَار بهما إِلَى حلب. وَفِي تاسعه: قدم رَسُول تمرلنك وَمَعَهُ الطواشي مقبل الأشقتمري مِمَّن أسره تمر من الخدام السُّلْطَانِيَّة إِلَى دمشق وَقدمُوا إِلَى قلعة الْجَبَل فِي تَاسِع عشرينه. وَفِي هَذَا الشَّهْر: تحارب الْأَمِير نعير بن حيار والتركمان فَقتل ابْن سَالم الدكرى وَانْهَزَمَ التركمان. شهر شَوَّال أَوله السبت: فِي رابعه: صرف ابْن شعْبَان عَن الْحِسْبَة بالهوى وَبلغ المثقال الذَّهَب نَحْو الْمِائَة دِرْهَم والأفرنتي خَمْسَة وَسبعين وَالْقِنْطَار السكر سِتَّة آلَاف دِرْهَم والمروج الْوَاحِد إِلَى سبعين درهما والرطل من الْبِطِّيخ الصيفي إِلَى ثَلَاثَة دَرَاهِم وَالْحمل التبر بِمِائَة وَأكْثر مِنْهَا. وَورد الْخَبَر بِأَن الْأَمِير نعير بن حيار بن مهنا حَارب التركمان الدكرية قَرِيبا من حلب وَهَزَمَهُمْ أقبح هزيمَة. وَفِي رَابِع عشره: اسْتَقر تَاج الدّين مُحَمَّد بن شقير - خطيب جَامع الجيزة - فِي حسبَة مصر عوضا عَن نور الدّين الْبكْرِيّ. وَفِي سَابِع عشره: قبض على الْوَزير تَاج الدّين بن البقري وَسلم للأمير سعد الدّين ابْن غراب. وخلع فِي يَوْم الْخَمِيس خلعة الوزارة على بدر الدّين حسن بن نصر الله مُضَافَة إِلَى نظر الْخَاص. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 105 شهر ذِي الْقعدَة أَوله الِاثْنَيْنِ. فِيهِ أُعِيد ابْن شعْبَان إِلَى الْحِسْبَة وعزل الْهوى ثمَّ أُعِيد الْهوى وَصرف ابْن شعْبَان فِي يَوْم الْخَمِيس رابعه. وَاسْتقر شمس الدّين مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي بكر القليوبي - أحد طلبة الشَّافِعِيَّة - فِي مشيخة خانكاة سرياقوس عوضا عَن الْفَقِيه أَنْبيَاء التركماني. وَفِيه ارْتَفَعت أسعار عَامَّة المبيعات. فَبلغ الرطل الْجُبْن المقلي إِلَى اثْنَي عشر درهما والرطل اللَّحْم البقري إِلَى ثَلَاثَة دَرَاهِم والرطل اللَّحْم الضاني إِلَى خَمْسَة دَرَاهِم. وَقلت الأغنام وَنَحْوهَا فأبيع عشر دجاجات سمان بِأَلف وَخمسين درهما. وبيعت عشر دجاجات فِي سوق الدَّجَاج بحراج حراج بِخَمْسِمِائَة دِرْهَم. وَأَنا أستدعيت بفروجين لأشتريهما وَقد مَرضت فَأخْبرت أَن شراءهما أَرْبَعَة وَسَبْعُونَ درهما وَيُرِيد ربحا على ذَلِك. وتوالى فِي شَوَّال وَذي الْقعدَة هبوب الرِّيَاح المريسية فَكَانَت عَاصِفَة ذَات سموم وحر شَدِيد مَعَ غيم مطبق ورعود ومطر قَلِيل غرق مِنْهَا عدَّة سفن ببحر الْملح وَفِي نيل مصر هلك فِيهَا خلائق. واشتدت الْأَمْرَاض بديار مصر وفشت فِي النَّاس حَتَّى عَمت وتتابع الموتان. ثمَّ عقب هَذَا الرّيح الحارة هَوَاء شمَالي رطب تَارَة مَعَ غيم وَمرَّة بصحو حَتَّى صَار الرّبيع خَرِيفًا بَارِدًا فَكَانَت الْأَمْرَاض فِي الْأَيَّام الْبَارِدَة تقف ويقل عدد الْمَوْتَى فَإِذا هبت السمائم الحارة كثر عدد الْمَوْتَى. وَكَانَت الْأَمْرَاض حادة فطلبت الْأَدْوِيَة حَتَّى تجَاوز ثمنهَا الْمِقْدَار فَبيع الْقدح من لب القرع بِمِائَة دِرْهَم والويبة من بذر الرجلة بسبعين درهما بعد دِرْهَمَيْنِ. والرطل من الشير خشك بِمِائَة وَثَلَاثِينَ. وَالْأُوقِية من السكر النَّبَات بِثمَانِيَة دَرَاهِم وَمن السكر الْبيَاض بأَرْبعَة دَرَاهِم ثمَّ بلغ الرطل إِلَى ثَمَانِينَ درهما. والرطل الْبِطِّيخ بِثمَانِيَة دَرَاهِم والرطل الكمثري الشَّامي بِخَمْسَة وَخمسين درهما والعقيد بستين درهما الرطل وعضد الخروف الضَّأْن المسموط بأَرْبعَة دَرَاهِم والزهرة الْوَاحِدَة من اللينوفر بدرهم والخيارة الْوَاحِدَة بدرهم وَنصف. وزكت الغلال بِخِلَاف الْمَعْهُود فَأخْرج الفدان الْوَاحِد من أَرض انحسر عَنْهَا مَاء بركَة الفيوم - الْمَعْرُوفَة ببحر يُوسُف الصّديق - أحدا وَسبعين أردباً شَعِيرًا بكيل الفيوم وَهُوَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 106 أردب وَنصف فَبلغ بالمصري مائَة وَسِتَّة أرادب كل فدان. وَهَذَا من أعجب مَا وَقع فِي زمننا. وَأخرج الفدان مِمَّا رُوِيَ - سوى هَذِه الأَرْض - ثَلَاثِينَ أردباً شَعِيرًا وَدون ذَلِك من الْقَمْح. وَأَقل مَا أبيع الْقَمْح الْجَدِيد بِمِائَتي دِرْهَم وَخمسين درهما الأردب. وَهلك أهل الصَّعِيد لعدم زراعة أراضيهم. وَكَثُرت أَمْوَال من رويت أرضه من أهل الشرقية والغربية. وَعز البصل حَتَّى أبيع الرطل بدرهم وَنصف وَبلغ الفدان مِنْهُ إِلَى عشْرين ألفا. وأحصي من مَاتَ بِمَدِينَة قوص فبلغوا سَبْعَة عشر ألف إِنْسَان وَمن مَاتَ بِمَدِينَة سيوط فبلغوا أحد عشر ألفا وَمن مَاتَ بِمَدِينَة هُوَ فبلغوا خَمْسَة عشر ألفا وَذَلِكَ سوى الطرحاء وَمن لَا يعرف. شهر ذِي الْحجَّة أَوله الِاثْنَيْنِ: فِي سابعه: أُعِيد قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين البُلْقِينِيّ إِلَى منصب الْقَضَاء وَصرف الأخناي. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشره: قبض على الْأَمِير ببيرس الدوادار الصَّغِير وعَلى الْأَمِير جانم والأمير سودن المحمدي وحملوا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجنوا بهَا. وَاسْتقر الْأَمِير قرقماس - أحد وَسَار أَمِير الْحَج فِي هَذِه السّنة طول. وَحج من الْأُمَرَاء شرباش رَأس نوبَة وتمان تمر الناصري رَأس نوبَة وبيسق الشيخوني أَمِير أخور ثَانِي. وَنُودِيَ على النّيل فِي يَوْم السبت ثَانِي عشره - وسابع عشْرين بؤونة - ثَلَاث أَصَابِع وَجَاء القاع ذِرَاع وَاحِد وَعشر أَصَابِع. وَكَانَ النّيل قد احْتَرَقَ احتراقاً غير مَا نعهد حَتَّى صَار النَّاس يَخُوضُونَ من بر الْقَاهِرَة إِلَى بر الجيزة وَقلت جوية المَاء. وَهَذِه السّنة: هِيَ أول سني الْحَوَادِث والمحن الَّتِي خرجت فِيهَا ديار مصر وفني مُعظم أَهلهَا واتضعت بهَا الْأَحْوَال واختلت الْأُمُور خللاً أذن بدمار إقليم مصر. وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر عَليّ بن خَلِيل بن عَليّ بن أَحْمد بن عبد الله بن مُحَمَّد الحكري الْحَنْبَلِيّ. مَاتَ فِي يَوْم السبت ثامن الْمحرم. وَكَانَ قد ولي قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَابِلَة بديار مصر نَحْو سِتَّة ثمَّ عزل وَكَانَ من فضلاء الْحَنَابِلَة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 107 وَمَات مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن نَاصِر الدّين الصَّالِحِي الشَّافِعِي توفّي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِي عشر الْمحرم وَهُوَ مُتَوَلِّي قَضَاء الْقُضَاة بديار مصر وَكَانَ غير مشكور السِّيرَة قَلِيل الْعلم يشدو وَمَات مُحَمَّد بن مبارك بن شمس الدّين شيخ رِبَاط الْآثَار النَّبَوِيَّة توفّي يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع عشر الْمحرم عَن ثَمَانِينَ سنة. وَمَات مُحَمَّد بن شمس الدّين البخانسي الصعيدي. توفّي يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع جُمَادَى الأولى وَقد ولي حسبَة الْقَاهِرَة عدَّة مرار وَكَانَ عسوفاً. وَمَات عبد الرَّحِيم بن الْحُسَيْن بن أبي بكر زين الدّين الْعِرَاقِيّ الشَّافِعِي شيخ الحَدِيث توفّي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن شعْبَان ومولده فِي سنة خمس وَعشْرين وَسَبْعمائة وَولي قَضَاء الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة وانتهت إِلَيْهِ رياسة علم الحَدِيث. وَمَات عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الْوَارِث نور الدّين الْبكْرِيّ الشَّافِعِي. توفّي فِي ذِي الْقعدَة وَولي حسبَة الْقَاهِرَة والفسطاط غير مرّة. وَكَانَ يعد من فضلاء الْفُقَهَاء. وَمَات الْأَمِير أزبك الرمضاني أحد أُمَرَاء الطبلخاناة توفّي لَيْلَة الثُّلَاثَاء رَابِع عشر ربيع الأول. وَمَات الْأَمِير قطلوبك أستادار أيتمش. توفّي يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع ربيع الآخر وَولي أستادارية السُّلْطَان وَكَانَ من الْأَغْنِيَاء. وَمَات أقبغا الْفَقِيه توفّي لَيْلَة الثُّلَاثَاء ثَانِي عشر جُمَادَى الأولى. وَكَانَ أحد دوادارية السُّلْطَان وَله بِهِ اخْتِصَاص زَائِد وَسيرَته ذميمة. وَمَات إِبْرَاهِيم بن عمر بن عَليّ برهَان الدّين الْمحلي توفّي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِي عشْرين ربيع الأول. وَبلغ من الْحَظ فِي المتجر وسعة المَال الْغَايَة وجدد عمَارَة جَامع عَمْرو بن الْعَاصِ بِمصْر وانتهب مَاله نهباً. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 108 وَمَات الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن الشَّيْخ عَليّ نَائِب صفد. توفّي بِدِمَشْق - وَهُوَ أحد أمرائها الألوف - فِي ذِي الْقعدَة وَقدم مصر غير مرّة. وَمَات الْأَمِير سودن طاز. مَاتَ مقتولاً فِي شهر ذِي الْحجَّة. وَمَات الشَّيْخ مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله الْمَعْرُوف بالحرفي المغربي فِي يَوْم الْخَمِيس سادس شَوَّال. وَكَانَ من خَواص الْملك الظَّاهِر يمت إِلَيْهِ بِمَعْرِِفَة علم الْحَرْف. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 109 فارغه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 110 سنة سبع وَثَمَانمِائَة أهلت بِيَوْم الْخَمِيس ثمَّ بعد أَيَّام أثبت الْقُضَاة أَن أول الْمحرم الْأَرْبَعَاء. وَكَانَ فِيهِ النّيل على سِتَّة وَعشْرين إصبعاً من الذِّرَاع السَّادِس وَوَافَقَهُ خَامِس عشر أبيب. وَكَانَ سعر الْقَمْح بِالْقَاهِرَةِ قد انحط فأبيع بمائتين وَخمسين درهما الأردب وَهُوَ يُبَاع فِي الرِّيف بثلاثمائة دِرْهَم. وَقطع الرَّغِيف زنة رَطْل بدرهم. وأبيع الفول بمائتين وَخمسين درهما لقلته من أجل انهماك النَّاس فِي أكله أَخْضَر. وبلع سعر المثقال الذَّهَب تسعين درهما والأفرنتي سبعين. وَفِي رابعه: بَاشر أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن سُلْطَان الْحِمصِي قَضَاء دمشق عوضا عَن عَلَاء الدّين بن أبي الْبَقَاء. وَفِي رَابِع عشره: اسْتَقر شمس الدّين مُحَمَّد بن سعد بن عبد الله - الْمَعْرُوف بسويدان الْأسود - أحد قراء الأجواق فِي حسبَة الْقَاهِرَة وعزل الْهوى. وَفِي ثامن عشرينه: أوفي النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا. وَركب السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل وعدى النّيل حَتَّى خلق المقياس بَين يَدَيْهِ وَفتح الخليج على الْعَادة. شهر صفر أَوله الْخَمِيس: فِي ثَانِيه: توجه الْأَمِير طولو إِلَى الشَّام فِي مُهِمّ سلطاني فَقدم دمشق فِي سادس عشره وَمَعَهُ الْأَمِير خير بك نَائِب غَزَّة فتلقاهما الْأَمِير شيخ وَلبس التشريف السلطاني الَّذِي حمله طولو. وَأقَام عِنْده طولو إِلَى سادس عشر ربيع الأول ثمَّ سَار إِلَى الْقَاهِرَة. وَفِي ثالثه: عزل الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله عَن نظر الْخَاص وَاسْتقر عوضه الصاحب فَخر الدّين ماجد بن غراب. وارتفع سعر الذَّهَب فَبلغ المثقال بالإسكندرية إِلَى مِائَتي دِرْهَم بالفلوس وبالقاهرة إِلَى مائَة وَعشرَة. وَسبب ذَلِك فَسَاد الْفُلُوس وَذَلِكَ أَن سنة الله فِي خلقه أَن النُّقُود الَّتِي تكون أثماناً للمبيعات وقيماً للأعمال إِنَّمَا هِيَ الذَّهَب وَالْفِضَّة فَقَط وَأما الْفُلُوس فَإِنَّهَا لمحقرات المبيعات الَّتِي يقل أَن تبَاع بدرهم أَو بِجُزْء مِنْهُ. وَكَانَت الْفُلُوس أَولا تعد بِمصْر: فِي دِرْهَم الكاملي مِنْهَا ثَمَانِيَة وَأَرْبَعُونَ فلسًا وَيقسم الْفلس مِنْهَا بِأَرْبَع قطع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 111 تُقَام كل قِطْعَة مقَام فلس فيشترى بهَا مَا يشترى بالفلس إِلَى أَن كَانَت سنة تسع وَخمسين وَسَبْعمائة ضربت الْفُلُوس الجدد وَجعلت أَرْبَعَة وَعشْرين فلسًا بدرهم كاملي زنة الْفلس مِنْهَا مِثْقَال. فَلَمَّا استبد الْأَمِير مَحْمُود بن عَليّ بن أصفر عينه - الْمَعْرُوف بِجَمَال الدّين الأستادار - وتحكم فِي أُمُور الدولة مُنْذُ أَعْوَام بضع وَتِسْعين أَكثر من ضرب الْفُلُوس شرفاً فِي الْفَائِدَة. فَلم يمت الظَّاهِر برقوق حَتَّى صَارَت الْفُلُوس هِيَ النَّقْد الرائج الَّذِي ينْسب إِلَيْهِ قيم الْأَعْمَال كلهَا وأثمان المبيعات بجملتها. وَقلت الدَّرَاهِم الكاملية بترك السُّلْطَان والرعية ضربهَا ولسبكهم إِيَّاهَا واتخاذها حليا وأواني وردف ذَلِك كَثْرَة النَّفَقَات فِي العساكر من الذَّهَب المخلف عَن الظَّاهِر فَكثر بِالْأَيْدِي وَصَارَ أَيْضا نَقْدا رائجاً إِلَّا أَنه ينْسب إِلَى الْفُلُوس وَلَا تنْسب الْفُلُوس إِلَيْهِ فَيُقَال: كل دِينَار بِكَذَا كَذَا دِرْهَم من الْفُلُوس. وَصَارَت الْفضة مَعَ هَذَا كَأَنَّهَا من جملَة الْعرُوض تبَاع بحراج فِي النداء كل دِرْهَم من الكاملية بِكَذَا وَكَذَا من الْفُلُوس. وكل دِرْهَم من الْفضة الْحجر - وَهِي الْخَالِصَة الَّتِي لم تضرب وَلم تغش - بِكَذَا وَكَذَا دِرْهَم من الْفُلُوس. ثمَّ دخل الْفساد فِي الْفُلُوس فَضرب بالإسكندرية مِنْهَا شَيْء أقل من وزن فلوس الْقَاهِرَة وَتَمَادَى أمرهَا فِي النُّقْصَان حَتَّى صَار وزن الْفلس أقل من ربع دِرْهَم وَكَانَت القفة زنة مائَة وَعشْرين رطلا - عَنْهَا خَمْسمِائَة دِرْهَم - فَصَارَت زنة مائَة وَثَمَانِية عشر رطلا ثمَّ صَارَت مائَة وَسَبْعَة عشر رطلا مَا ثمَّ صَارَت مائَة وَخَمْسَة عشر رطلا ثمَّ صَارَت مائَة واثني عشر رطلا واستمرت كَذَلِك عدَّة أَعْوَام. فَلَمَّا كَانَ فِي هَذِه المحن والحوادث كثرت فلوس الْإسْكَنْدَريَّة حَتَّى بقيت زنة القفة ثَمَانِيَة وَعشْرين رطلا فشنعت القالة وَكثر تعنت النَّاس فِي الْفُلُوس وزهدوا فِيهَا وَكَثُرت رغبتهم فِي الذَّهَب فبدلوا فِيهِ الْكثير من الْفُلُوس حَتَّى بلغ هَذَا الْمِقْدَار فامتعض الْأَمِير يشبك الدوادار لذَلِك وَتقدم بِإِبْطَال ضرب الْفُلُوس وَبلغ سعر لحم الضَّأْن كل رَطْل بِخَمْسَة دَرَاهِم وَنصف وَالدِّرْهَم الكاملي كل عشرَة دَرَاهِم بِثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ درهما من الْفُلُوس والطائر الأوز بسبعين درهما. وَقلت اللحوم فَلم تُوجد إِلَّا بعناء وَهِي هزيلة وأبيع الرطل من لحم الْبَقر بِثَلَاثَة دَرَاهِم وَنصف وَاللَّبن كل رَطْل بِدِرْهَمَيْنِ والرطل السّمن بِثمَانِيَة عشر درهما. وبيعت خمس بقرات بِخمْس وَعشْرين ألف دِرْهَم وخروفان بِأَلفَيْنِ وَأَرْبَعمِائَة دِرْهَم وَزوج أوز بثلاثمائة دِرْهَم. وانحل سعر الغلات فَبيع الأردب الْقَمْح بمائتين وَعشْرين بعد أَرْبَعمِائَة ونيف والأردب الشّعير بِمِائَة وَأَرْبَعين بعد مِائَتَيْنِ ونيف وَالْحمل التِّبْن بِثَلَاثِينَ إِلَى أَرْبَعِينَ بعد مائَة ونيف. وأبيع فِي شهر ربيع الأول الأردب الحمص بِخَمْسِمِائَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 112 والأردب من حب البرسيم بثمانمائة. وَالْفِضَّة الكاملية كل مائَة دِرْهَم بأربعمائة دِرْهَم من الْفُلُوس. وَبلغ الرطل اللَّحْم من الضَّأْن إِلَى اثْنَي عشر درهما والرطل من اللَّحْم المسموط عشرَة دَرَاهِم ورطل اللَّحْم البقري إِلَى أَرْبَعَة دَرَاهِم وَربع. والبيضة الْوَاحِدَة بِنصْف دِرْهَم والرطل الزَّيْت بِسِتَّة دَرَاهِم والسيرج بِتِسْعَة دَرَاهِم وَعسل النَّحْل كل رَطْل بِثمَانِيَة عشر درهما والجبن من الحالوم بسبعة دَرَاهِم الرطل والقدح الحمص المصلوق بِثَلَاثَة دَرَاهِم والقدح الفول المصلوق بِدِرْهَمَيْنِ وَنصف وكل رغيف زنة سبع أواقي بدرهم والبطة الدَّقِيق زنة خمسين رطلا بِمِائَة دِرْهَم وَعشرَة دَرَاهِم. وارتفع سعر الْقَمْح بعد انحطاطه فَبلغ الأردب إِلَى أَرْبَعمِائَة دِرْهَم سوى كلفة وَهِي: عشرَة عشرَة دَرَاهِم وحمولة سَبْعَة دَرَاهِم وغربلته بِدِرْهَمَيْنِ وَأُجْرَة طحنه ثَلَاثُونَ درهما. وَأكْثر مَا يخرج عَنهُ خمس ويبات وَنصف فينقص الأردب نصف سدسه وَبلغ الأردب الفول إِلَى ثَلَاثمِائَة وَعشْرين درهما غير حمولته وعسرته وَالشعِير كَذَلِك. وبيعت الفجلة الْوَاحِدَة بِربع دِرْهَم والدجاجة بِنَحْوِ عشْرين درهما والجيدة بِأَرْبَعِينَ درهما والمعلوفة بِمِائَة دِرْهَم ونيف وأبيع الْكَتَّان كل رَطْل بِعشْرَة دَرَاهِم وَاشْترى جمل من الْحجاز بِخَمْسَة وَأَرْبَعين درهما كاملية فَبيع بسوق الْجمال تَحت قلعة الْجَبَل بِنَحْوِ تِسْعمائَة دِرْهَم. واشتري جمل آخر من الْحجاز بِمِائَة وَأَرْبَعين درهما كاملية فأبيع بريف مصر بِأَلف ومائتي دِرْهَم واسترخص وَقيل قد غبن بَائِعه وارتفع سعر الثِّيَاب فَبلغ الذِّرَاع من الْكَتَّان المنسوج عشرَة دَرَاهِم بعد ثَلَاثَة. وَبيع الثَّوْب الصُّوف بِأَلفَيْنِ وَخَمْسمِائة بعد ثَلَاثمِائَة وَالْبدن الفرو السنجاب بِأَلفَيْنِ ونيف بعد ثَلَاثمِائَة وَبلغ ثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم الْبدن وَبلغ الْبدن الفرو السمور بِخَمْسَة عشر ألف دِرْهَم. وَبيع زوج أوز بثلثمائة وَخمسين درهما. وَفِي نصف جُمَادَى الأولى نُودي بتسعير الذَّهَب بِمِائَة دِرْهَم المثقال وَثَمَانِينَ درهما الأفرنتي فكسد كساداً عَظِيما وَكثر فِي الْأَيْدِي ورده النَّاس وامتنعوا من أَخذه فِي ثمن المبيعات خوفًا من انحطاط سعره. وتغيب الصيارفة فتوقفت أَحْوَال النَّاس حَتَّى نُودي بعد أَيَّام بالسعر الَّذِي ذكر فسكنوا قَلِيلا وغلت البزور فَبلغ الْقدح من بزر القرع وبزر الجزر وبزر البصل إِلَى مائَة دِرْهَم ونيف. وتعطل كثير من الْأَرَاضِي لاتساع النّيل بِكَثْرَة زِيَادَته وَعجز الفلاحين عَن الْبذر سِيمَا أَرَاضِي الصَّعِيد فَإِن أَهلهَا بادوا موتا بِالْجُوعِ وَالْبرد وَبَاعُوا أَوْلَادهم بأبخس الْأَثْمَان فاسترق مِنْهُم بِالْقَاهِرَةِ خلائق وَنقل النَّاس مِنْهُم إِلَى الْبِلَاد الشامية مَا لَا يعد فبيعوا فِي أقطار الأَرْض كَمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 113 يُبَاع السَّبي ووطئ الْجَوَارِي بِملك الْيَمين. وَلَقَد كنت أسمع قَدِيما أَنه يتَوَقَّع لأهل مصر غلاء وجلاء وفناء. فَأَدْرَكنَا ذَلِك كُله فِي سني سِتّ وَسبع وثمان مائَة. وَهلك فِيهَا مَا ينيف على ثُلثي أهل مصر وَدَمرَ أَكثر قراها. وَفِي آخر جُمَادَى الأولى: عز وجود الشّعير فَبلغ إِلَى ثَلَاثمِائَة وَسِتِّينَ درهما الأردب. وَبلغ الأردب الفول إِلَى أَرْبَعمِائَة دِرْهَم لِكَثْرَة أكل النَّاس لَهُ وَبيع الرطل البصل بِدِرْهَمَيْنِ والرطل الثوم بِخَمْسَة دَرَاهِم هَذَا مَعَ اخْتِلَاف أهل الدولة وَكَثْرَة تحاسدهم. وَفِي ثامن عشره: قدم الْأَمِير دقماق دمشق وَذَلِكَ أَنه لما فر من حلب اجْتمع هُوَ والأمير جكم بحماة وَكَانَ دمرادش قد أفرج عَن سودن طاز وجكم وَسَار بهما من طرابلس إِلَى حلب وَخرج بهما لقِتَال التركمان فانكسر وفر جكم إِلَى حماة فَاجْتمع بدقماق بَعْدَمَا قتل سودن طاز وصارا فِي جمَاعَة فَبعث السُّلْطَان يخبر دقماق فِي بلد ينزل بهَا فَأحب الْإِقَامَة بِدِمَشْق وَخرج شهر جُمَادَى الأولى أَوله الْجُمُعَة: أهل والفتنة قَائِمَة بَين أُمَرَاء الدولة وَذَلِكَ أَن الْأَمِير يشبك هُوَ زعيم الدولة بِيَدِهِ جَمِيع أمورها من الْولَايَة والعزل والنقض والإبرام. فَإِذا ركب من دَاره إِلَى الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة بالقلعة ركب مَعَه كثير من الْأُمَرَاء والمماليك فيبرم بِالْقصرِ بَين يَدي السُّلْطَان سَائِر مَا يُرِيد إبرامه وينقض مَا يخْتَار نقضه. ثمَّ يقوم وَأهل الدولة عَن آخِرهم فِي خدمته إِلَى دَاره فَيَجْلِسُونَ بَين يَدَيْهِ وَيصرف أُمُور مصر وَالشَّام والحجاز كَمَا يحب ويختار. وَصَارَ لَهُ عصبَة كَبِيرَة فأحبوا عزل الْأَمِير إينال باي ابْن الْأَمِير قجماس ابْن عَم الْملك الظَّاهِر برقوق من وَظِيفَة أَمِير أخور. وَذَلِكَ أَنه اخْتصَّ بالسلطان لأمور مِنْهَا قرَابَته ثمَّ مصاهرته إِيَّاه فَإِنَّهُ تزوج بخوند بيرم ابْنة الْملك الظَّاهِر وَسكن بالإصطبل فَصَارَ السُّلْطَان ينزل إِلَيْهِ وَيُقِيم بدار أُخْته فشق ذَلِك على عصبَة يشبك وأحبوا أَن يكون جركس المصارع أَمِير أخور وانقطعوا عَن حُضُور الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة عدَّة أَيَّام من جُمَادَى الأولى فاستوحش السُّلْطَان مِنْهُم وَتَمَادَى الْحَال إِلَى يَوْم الْجُمُعَة هَذَا. فَتقدم السُّلْطَان إِلَى الْأَمِير أينال باي أَن ينزل إِلَى الْأُمَرَاء ويصالحهم فَمنع جمَاعَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 114 من المماليك السُّلْطَانِيَّة إينال باي أَن ينزل وتشاجروا مَعَ طَائِفَة من مماليك الْأُمَرَاء وَاشْتَدَّ مَا بَينهم من الشَّرّ حَتَّى أزعج النَّاس بِالْقَاهِرَةِ وَبَاتُوا مترقبين وُقُوع الْحَرْب. وَكَانَ قد تقدم السُّلْطَان إِلَى الْأَمِير يشبك أَن يتَحَوَّل من دَاره فَإِنَّهَا مجاورة لمدرسة السُّلْطَان الْملك النَّاصِر حسن فَإِنَّهُ وشى بِهِ أَنه يسرر إِلَيْهَا وَيَرْمِي مِنْهَا على القلعة فَامْتنعَ من ذَلِك فسَاء الظَّن بِهِ. واستدعى السُّلْطَان الْقُضَاة فِي يَوْم السبت ثَانِيه إِلَى بَيت الْأَمِير الْكَبِير الأتابك بيبرس ابْن أُخْت الظَّاهِر لِيُصْلِحُوا بَين الْأَمِير إينال باي والأمراء فَامْتنعَ أَن ينزل من الإصطبل وتسور بعض أَصْحَاب الْأَمِير يشبك على مدرسة حسن فتحقق السُّلْطَان مَا كَانَ يَظُنّهُ بيشبك وَأخذ كل أحد فِي أهبة الْحَرْب وَأَصْبحُوا جَمِيعًا يَوْم الْأَحَد لابسين السِّلَاح وَقد أعد يشبك بأعلا مدرسة حسن مدافع النفط والمكاحل ليرمى على الإصطبل السلطاني وَمن يقف تَحت القلعة بالرميلة. وَنزل السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل إِلَى الإصطبل وَاجْتمعَ عَلَيْهِ من أَقَامَ على طَاعَته من الْأُمَرَاء والمماليك. وَأقَام مَعَ يشبك من الْأُمَرَاء المقدمين سَبْعَة هم: تمراز الناصري أَمِير سلَاح ويلبغا الناصري وإينال حطب العلاي وقطلوبغا الكركي وسودن الحمزاوي رَأس نوبَة وطولو وجركس القاسمي المصارع وانضم مَعَهم سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب الأستادرار وناصر الدّين مُحَمَّد بن سنقر البكجري وناصر الدّين مُحَمَّد بن عَليّ ابْن كلفت فِي جمَاعَة من الْأُمَرَاء والمماليك السُّلْطَانِيَّة ومماليك الْأُمَرَاء وَثَبت مَعَ السُّلْطَان الْأَمِير الْكَبِير بيبرس ابْن عمته والأمير إينال باي قجماس عَم أَبِيه والأمير سودن المارديني والأمير بكتمر والأمير أقباي حَاجِب الْحجاب وَأكْثر المماليك الظَّاهِرِيَّة فأقاموا على الْحصار والمراماة من بكرَة الْأَحَد إِلَى لَيْلَة الْخَمِيس سابعه. وَقد أَخذ أَصْحَاب السُّلْطَان على اليشبكية المنافذ وحصروهم والقتال بَينهم مُسْتَمر وَأمر يشبك فِي إدبار فَلَمَّا كَانَ لَيْلَة الْخَمِيس نصف اللَّيْل خرج يشبك بِمن مَعَه على حمية من الرميلة ومروا إِلَى جِهَة الشَّام فَلم يتبعهُم أحد من السُّلْطَانِيَّة. وَنُودِيَ من آخر اللَّيْل فِي النَّاس بِالْقَاهِرَةِ الْأمان والاطمئنان وَمنع أهل الْفساد من النهب. وَمر يشبك بِمن مَعَه إِلَى قطيا فَتَلقاهُ مَشَايِخ عربان العايد ومشايخ ثَعْلَبَة وهلبا سُوَيْد وَبَنُو بياضة وقفُوا فِي خدمته فَدَخلَهَا بكرَة يَوْم السبت تاسعه. وَبَات بهَا لَيْلَة الْأَحَد وَأصْبح فنهب أَصْحَابه بيوتها وأسواقها ثمَّ رحلوا بعد الظّهْر وَتركُوا جركس المصارع وَمُحَمّد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 115 ابْن كلفت بقطيا حَتَّى يتلاحق بهما من انْقَطع مِنْهُم فَأَتَاهُم جمَاعَة ثمَّ مضوا حَتَّى لَحِقُوا بيشبك فَسَار إِلَى الْعَريش وَقد بلغ خَبره إِلَى غَزَّة فَتَلقاهُ أمراؤها. ثمَّ خرج إِلَيْهِ الْأَمِير خير بك نَائِب غَزَّة فَدَخلَهَا يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَالِث عشره وَنزل بهَا. وَبعث طولو إِلَى الْأَمِير شيخ المحمودي نَائِب الشَّام يُعلمهُ بالْخبر فَقدم دمشق يَوْم الْأَحَد ثامن عشره وَخرج الْأَمِير شيخ فَتَلقاهُ. وَلما أعلمهُ بِمَا وَقع شقّ ذَلِك عَلَيْهِ فَإِنَّهُ كَانَ من أَصْحَاب يشبك وَبعث إِلَيْهِ الْأَمِير ألطنبغا حَاجِب دمشق والأمير شهَاب الدّين أَحْمد بن اليغموري بأَرْبعَة أحمال قماش وَمَال وَكتب إِلَيْهِ يرغبه فِي الْقدوم عَلَيْهِ ويعده بِالْقيامِ مَعَه ونصرته فَسَار من غَزَّة بَعْدَمَا أَقَامَ بهَا ثَلَاثَة عشر يَوْمًا فِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ خَامِس عشرينه. وَأخذ مَا كَانَ بهَا من حواصل الْأُمَرَاء وعدة خُيُول وَبَعْدَمَا قدم عَلَيْهِ مَشَايِخ العربان بالتقادم وَبعث إِلَيْهِ أهل الكرك والشوبك بأنواع من التقادم وَبَعْدَمَا عرض من مَعَه فَكَانُوا ألفا وثلاثمائة وَخَمْسَة وَعشْرين فَارِسًا. فَتَلقاهُ بعد مسيره من غَزَّة مَشَايِخ بِلَاد السَّاحِل والجبل وَحمل إِلَيْهِ الْأَمِير بكنمر شلق نَائِب صفد عدَّة تقادم من أَغْنَام وشعير وقماش وَغير ذَلِك. وَقدم إِلَيْهِ ابْن بِشَارَة فِي عدَّة من مَشَايِخ العشير. وجهز إِلَيْهِ الْأَمِير شيخ النَّاس لملاقاته طَائِفَة بعد أُخْرَى ثمَّ سَار إِلَيْهِ. فَلَمَّا تقاربا ترحل الْأَمِير شيخ عَن فرسه وَسلم عَلَيْهِ وَسَار بِهِ وَقد ألبسهُ وَجَمِيع من مَعَه من الْأُمَرَاء الأقبية بالأطرزة العريضة وعدتهم أحد وَثَلَاثُونَ أَمِيرا من أُمَرَاء الطبلخاناه والعشرات وَسوى من تقدم ذكره من أُمَرَاء الألوف وَمَعَهُمْ من الخاصكية والممالك والأجناد نَحْو الألفي فَارس بعددهم وآلات حربهم. وَقد انْضَمَّ إِلَيْهِم خلق كثير فَدَخَلُوا دمشق بكرَة الثُّلَاثَاء رَابِع شهر رَجَب فَسَأَلَهُمْ الْأَمِير شيخ عَن خبرهم فأعلموه بِمَا كَانَ وَذكروا لَهُ أَنهم مماليك السُّلْطَان وَفِي طَاعَته لَا يخرجُون عَنْهَا أبدا غير أَن الْأَمِير إينال باي ثقل عَنْهُم مَا لم يَقع مِنْهُم فَتغير خاطر السُّلْطَان حَتَّى وَقع مَا وَقع وَأَنَّهُمْ مَا لم ينصفوا مِنْهُ ويعودوا لما كَانُوا عَلَيْهِ وَإِلَّا فأرض الله وَاسِعَة فَوَعَدَهُمْ بِخَير وَقَامَ لَهُم بِمَا يَلِيق بهم حَتَّى قيل أَنه بلغت نَفَقَته عَلَيْهِم نَحْو مِائَتي ألف وَفِيه أحضر الْأَمِير شيخ الْأَمِير أسن بيه من سجنه بقلعة صفد وأكرمه. وَأما السُّلْطَان فَإِنَّهُ لما أصبح وَقد انهزم يشبك وَمن مَعَه كتب بالإفراج عَن سودن من زادة وتمربغا المشطوب وَكتب إِلَى الْأَمِير نوروز بالحضور ليستقر على عَادَته وَكتب إِلَى الْأَمِير جكم أَمَانًا وَتوجه بِهِ طغيتمر مقدم البريدية. وَفِي رَابِع عشره: أعمد عَلَاء الدّين عَليّ بن أبي الْبَقَاء إِلَى قَضَاء دمشق عوضا عَن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 116 أبي الْعَبَّاس الْحِمصِي وَهُوَ شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن سُلْطَان. وَفِي يَوْم السبت تاسعه: ولي نَاصِر الدّين مُحَمَّد - وَيعرف بمحنى ذقنه - ولَايَة الْقَاهِرَة وعزل أقتمر. وَفِي ثَانِي عشره: خلع السُّلْطَان على عدَّة من الْأُمَرَاء فَخلع على الْأَمِير سودن المارديني وَعَمله دواداراً عوضا عَن الْأَمِير يشبك وعَلى الْأَمِير سودن الطيار أَمِير أخور ثَانِيًا وَعَمله أَمِير مجْلِس عوضا عَن سودن المارديني وعَلى أقباي حَاجِب الْحجاب وَعَمله أَمِير سلَاح عوضا عَن تمراز وخلع عَليّ أبي كم وَعَمله نَاظر الْجَيْش عوضا عَن سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب وَكَانَ قد اسْتَقر فِي الوزارة تَاج الدّين بن البقري فِي خامسه وهم فِي الْحَرْب. وَفِي خَامِس عشره: اسْتَقر ركن الدّين عمر بن قايماز أستاداراً وعزل سعد الدّين ابْن غراب. (وَفِي سَابِع عشره) قدم من الْإسْكَنْدَريَّة سودن من زَاده وتمربغا المشطوب وصروق إِلَى قلعة الْجَبَل فقبلوا الأَرْض بَين يَدي السُّلْطَان ونزلوا إِلَى دُورهمْ. وَفِي حادي عشرينه: اسْتَقر الْأَمِير يشبك بن أزدمر رَأس نوبَة عوضا عَن سودن الحمزاوي. وَفِي ثَانِي عشرينه: أُعِيد الأخناي إِلَى وَظِيفَة قَضَاء الْقُضَاة بديار مصر وَصرف شيخ الْإِسْلَام جلال الدّين البُلْقِينِيّ. وَاسْتقر الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله فِي نظر الْجَيْش وعزل أبوكم. وَفِي هَذَا الشَّهْر: ألزم مباشرو الْأُمَرَاء المتوجهين إِلَى الشَّام بِمَال بَعْدَمَا أوقفوا بَين يَدي السُّلْطَان فِي ثامن عشره وَقرر على مَوْجُود الْأَمِير يشبك الدوادار مائَة ألف دِينَار وعَلى مَوْجُود تمراز مائَة ألف دِينَار وعَلى مَوْجُود الحمزاوي ثَلَاثُونَ ألف دِينَار وعَلى مَوْجُود قطلوبغا الكركي عشرُون ألف دِينَار وَأَن يكون الدِّينَار بِمِائَة دِرْهَم ثمَّ مضى الْوَزير تَاج الدّين بن البقري إِلَى حواصل الْأُمَرَاء فختم عَلَيْهَا وافتقد من توجه من المماليك السُّلْطَانِيَّة فَكَانُوا مِائَتي مَمْلُوك. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة: وصل الْأَمِير نوروز الحافظي من قلعة الصبيبة إِلَى دمشق فَتَلقاهُ الْأَمِير شيخ وأكرمه وَضرب البشائر لقدومه. وتاسع عشرينه: خرج الْأَمِير شيخ من دمشق إِلَى لِقَاء الْأَمِير يشبك وَمن قدم مَعَه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 117 وَفِي هَذَا الشَّهْر: كثر فَسَاد فَارس بن صَاحب الباز من أُمَرَاء التركمان وَاسْتولى على كثير من مُعَاملَة حلب فَبعث إِلَيْهِ الْأَمِير دمرداش نَائِب حلب بناصر الدّين مُحَمَّد ابْن شَهْري الْحَاجِب وتغري بردى ابْن أخي دمرداش إِلَى عَلَاء الدّين عَليّ بك بن دلغادر بعث ابْن أَخِيه الآخر قرقماس إِلَى الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن رَمَضَان ليحضرا بجمائعهما من التراكمين البياضية والأينالية. وَخرج من حلب فِي جمع موفور فَنزل العمق وَجمع بَين ابْن رَمَضَان وَابْن دلغادر وَأصْلح بَينهمَا بعد الْعَدَاوَة الشَّدِيدَة. واصلح أَيْضا بَين طائفتيهما وهما الأجقية والبزقية وحلفهما للسُّلْطَان وَبَالغ فِي إكرامهم. وألبس الأميرين وخواصهما خلعاً سنية. ثمَّ مضى بهم على ابْن صَاحب الباز وَقد انْضَمَّ مَعَ الْأَمِير جكم وسودن الجلب وجمق وَغَيره من المخامرين على السُّلْطَان وَقَاتلهمْ فَانْهَزَمَ ابْن صَاحب الباز وتحصن هُوَ وجكم بإنطاكية فَنزل عَلَيْهَا دمرداش وحصرها. فَبَيْنَمَا هُوَ فِي ذَلِك قدم طغيتمر - مقدم البريدية - وشاهين الأقجي وأقبغا - من إخْوَة جكم - وَشرف الدّين مُوسَى الهذباني حَاجِب دمشق ومملوك الْأَمِير شيخ نَائِب الشَّام والأمير عَلان الحافظي نَائِب حماه وعَلى يدهم أَمَان السُّلْطَان وَكتابه إِلَى الْأَمِير جكم بتخييره بَين الْحُضُور إِلَى ديار مصر أَو إِقَامَته بالقدس أَو طرابلس فَتفرق الْجَمِيع عَن دمرداش ورحل ابْن رَمَضَان وَابْن دلغادر عائدين إِلَى بلادهما. فَأدْرك الْأَمِير دمرداش بن دلغادر وَلم يزل وَقدم طغيتمر على الْأَمِير بإنطاكية فَلم يعبأ بِهِ وَلَا أكثرت بِمَا على يَده من الْأمان وَالْكتاب بل قبض عَلَيْهِ واعتقله وخلى سَبِيل الْبَقِيَّة مَا عدا أقبغا فَإِنَّهُ أَخّرهُ عِنْده. شهر رَجَب أَوله السبت: فِي رابعه استدعى جمال الدّين يُوسُف أستادار الْأَمِير بجاس وَلم يزل بِهِ السُّلْطَان حَتَّى رَضِي أَن يلبس خلعة الأستادارية فلبسها عوضا عَن ابْن قايماز بَعْدَمَا رسم عَلَيْهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 118 فِي بَيت شاد الدَّوَاوِين مُحَمَّد بن الطبلاوي يَوْمًا وَلَيْلَة. وَاسْتمرّ يتحدث فِي أستادارية الْأَمِير بيبرس ابْن أُخْت السُّلْطَان كَمَا كَانَ يتحدث فِيهَا قبل استقراره فِي أستادارية السُّلْطَان. وَفِي عشرينه: توجه عبد الرَّحْمَن المهتار إِلَى الْبِلَاد الشامية فِي مهمات سلطانية. وَقدم الْخَبَر على السُّلْطَان بإفراج الْأَمِير شيخ نَائِب الشَّام عَن الْأَمِير نوروز من سجن قلعة الصبيبة وَأَنه جهز لَهُ فرسا بسرج ذهب وكنفوش مطرز بِذَهَب وأحضر الْأَمِير قانباي وَبعث إِلَى الْأَمِير عمر بن فضل الحرمي خلعة بطراز عريض. وقدمت كتب نواب الشَّام إِلَى الْأَمِير يشبك تعده بالأمداد وتقويته بِمَا يُرِيد وَقدم عَلَيْهِم الْأَمِير نوروز والأمير دقماق فَبعث الأميران شيخ ويشبك بيشبك العثماني إِلَى الْأَمِير جكم يستدعيه من أنطاكية إِلَى دمشق. وَأَفْرج الْأَمِير شيخ أَيْضا عَن قرا يُوسُف ابْن قرا مُحَمَّد التركماني فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع عشره وخلع عَلَيْهِ وحلفه وَفِيه سَار الْأَمِير جكم من أنطاكية يُرِيد طرابلس فَلَمَّا نزل عَلَيْهَا واطأه الْأَمِير تنكزبغا الْحَاجِب وأقجبا أَمِير أخور وكز السيفي أسندمر ومكنوه من الْبَلَد وَقد أقامهم النَّائِب على بعض جهاتها فَدخل إِلَيْهَا فَلم يثبت عَسْكَر طرابلس وفر الْأُمَرَاء والأجناد. وَبَقِي الْأَمِير شيخ السُّلَيْمَانِي نَائِب طرابلس فِي طَائِفَة من ألزامه فقاتل جكم من بكرَة يَوْم الْأَحَد عاشره إِلَى وَقت الظّهْر فأحيط بِهِ وَقبض عَلَيْهِ وعَلى مماليكه ونهبت دَاره وحواصله ثمَّ حمل إِلَى قلعة صهيون فسجن بهَا عِنْد نائبها الْأَمِير بيازير - من إخْوَة الْأَمِير نوروز - ثمَّ كتب الْأَمِير جكم بقتْله فَامْتنعَ بيازير من ذَلِك وَاتفقَ مَعَه على مُخَالفَة جكم. وعندما تمكن جكم من طرابلس قطع اسْم السُّلْطَان من الْخطْبَة وَكتب إِلَى نَائِب غَزَّة وَإِلَى عمر بن فضل أَمِير جرم يأمرهما بتجهيز الإقامات ويعلمهما بِأَنَّهُ قد عزم على التَّوَجُّه إِلَى مصر وَأَخذهَا صُحْبَة الْأَمِير نَائِب شيخ نَائِب الشَّام وَكَانَ الْأَمِير نَائِب الشَّام لما بلغه اسْتِيلَاء جكم على طرابلس بعث إِلَيْهِ الْأَمِير قانباي يَدعُوهُ إِلَى الِاجْتِمَاع مَعَهم والحضور إِلَيْهِم بِدِمَشْق فعوق عِنْده قانباي واستماله إِلَيْهِ فَصَارَ من جماعته. وَفِي هَذَا الشَّهْر: أبيع عجل مخصي بِالْقَاهِرَةِ بسبعة آلَاف دِرْهَم كَانَت قِيمَته الجزء: 6 ¦ الصفحة: 119 خَمْسمِائَة. وَبيع زوج أوز بِأَلف ومائتي دِرْهَم. وَاشْتَدَّ الغلاء بِالْوَجْهِ البحري فَبلغ الْقدح الْقَمْح إِلَى أَرْبَعِينَ درهما والقدح الشّعير إِلَى ثَلَاثِينَ درهما وَالْخبْز إِلَى عشرَة دَرَاهِم الرطل. وأبيع بالإسكندرية كل قدح من الْقَمْح بِثَلَاثِينَ درهما وكل قدح من الشّعير بِخَمْسَة وَعشْرين درهما وكل رَطْل لحم من الضَّأْن بالجروي بستين درهما وكل طَائِر من الدَّجَاج الْمُتَوَسّط من خمسين إِلَى خَمْسَة وَخمسين درهما وبيعت الْبَيْضَة من بيض الدَّجَاج بِدِرْهَمَيْنِ وَالْأُوقِية من الزَّيْت بأَرْبعَة دَرَاهِم. وَبلغ الدِّينَار إِلَى ثَلَاثمِائَة وَعشرَة دَرَاهِم فَخرج مِنْهَا خلق كثير من الغلاء ركب عدَّة مِنْهُم فِي خمس مراكب فَغَرقُوا بأجمعهم. وبيعت عجلة بالريف بِسِتَّة آلَاف دِرْهَم. وتزايد الموتان فِي الْفُقَرَاء بِالْجُوعِ فَقبض على رجل من أهل الجرائم بِمَدِينَة بلبيس ووسط ثمَّ علق خَارج الْمَدِينَة فَوجدَ رجل قد أَخذ قلبه وكبده ليأكلهما من الْجُوع فمسك واحضر إِلَى مُتَوَلِّي الْحَرْب - وهما مَعَه - فَقَالَ: الْجُوع حَملَنِي على هَذَا فوصله بِمَال وخلاه لسبيله. وَفِيه غلت الملابس من الْحَرِير وَغَيره حَتَّى تعدت الْحَد وتجاوزت الْمِقْدَار فَبَلع الذِّرَاع الْكَتَّان الخام إِلَى عشْرين درهما وَأكْثر بعد أَرْبَعَة دَرَاهِم. وَفِيه قبض الْأَمِير شيخ على جمَاعَة بِدِمَشْق والزمهم بِحمْل مَال كَبِير. وَفرض على الْبَسَاتِين بالغوطة مبلغا كَبِيرا من الذَّهَب جبي من النَّاس وَأكْثر من المصادرات. شهر شعْبَان أَوله لأحد: فِيهِ سَار الْأَمِير جكم من طرابلس على أَنه مُتَوَجّه إِلَى الْأُمَرَاء بِدِمَشْق. فَلَمَّا نزل حماة أَخذ الْأَمِير عَلان نائبها وَمضى إِلَى حلب. وَقد كتب إِلَيْهِ عدَّة من أمرائها يستدعونه إِلَيْهَا فَقَدمهَا فِي سابعه وَمَعَهُ عَسْكَر طرابلس وحماة وطغرول بن سقل سيز - أحد أُمَرَاء التركمان - فِي جمع موفور فقاتله الْأَمِير دمرداش. فَلم يشْعر إِلَّا بجكم قد فتح لَهُ الْأُمَرَاء أحد أَبْوَاب الْمَدِينَة ودخلها ففر دمرداش وَمَعَهُ نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن شَهْري الْحَاجِب وَابْن عَمه نصر الدّين مُحَمَّد بن شَهْري نَائِب القلعة وأزدمر الْحَاجِب وشرباش نَائِب سيس وَمضى إِلَى البياضية والأينالية من التركمان فَنزل فيهم قربياً من حلب مُدَّة أَيَّام. ثمَّ توجه إِلَى مَدِينَة إِيَاس بجماعته وَوَلَدي أَخِيه قرقماس وتغري بردى فَدَخلَهَا فِي ثَالِث عشره فَقَامَ لَهُ نائبها بِمَا يَلِيق بِهِ وأركبه الْبَحْر يُرِيد مصر. وَأما الْأَمِير جكم فَإِنَّهُ استولى على حلب وأنعم على الْأَمِير عَلان نَائِب حماة بموجود دمرداش الجزء: 6 ¦ الصفحة: 120 وَبَعض جواريه وَأَعَادَهُ إِلَى حماة بعد دُخُوله حلب بِثَلَاثَة أَيَّام. وَأحسن جكم السِّيرَة فِي حلب وَولي فِي القلاع نواباً من جِهَته فاجتمعت لَهُ حلب وحماة وطرابلس. وَأما الْأَمِير شيخ نَائِب الشَّام فَإِنَّهُ سير فِي أَوله الْأَمِير شودن الحمزاوي والأمير سودن الظريف إِلَى الْأَمِير جكم على أَنه بطرابلس. وَكَانَ فِي أمسه قد ضرب خامه خَارج دمشق ليلقي الْأَمِير جكم. وسير الْأَمِير شرف الدّين مُوسَى الهذباني الْحَاجِب إِلَى الْأَمِير دمرداش على أَنه بحلب يستدعيه إِلَى مُوَافَقَته وَمن عِنْده من أُمَرَاء مصر. وَكَانَ قد ورد كِتَابه بِأَنَّهُ مَعَهم وَمَتى دَعوه حضر إِلَيْهِم. وَعين الْأَمِير شيخ الْأَمِير جركس المصارع ليتوجه إِلَى غَزَّة بعسكر. وخلع فِي ثالثه على الْأَمِير أسن بيه وبعثة إِلَى الرملة. وَفِي رابعه: خرج الْأَمِير تمراز والأمير جركس المصارع والأمير سودن الظريف - وَقد عَاد من طرابلس - والأمير ألطنبغا العثماني والأمير تنكز بغا الحططي على عَسْكَر وَمَعَهُمْ خَلِيل التوريزي الجشاري فِي مِائَتي فَارس من التركمان والجشارية لأخذ صفد بحيلة أَنهم يمضوا إِلَى جشار الْأَمِير بكتمر شلق نَائِب صفد ليأخذوه. فَإِذا أقبل إِلَيْهِم ليدفعهم عَن الجشار قاطعوا عَلَيْهِ وَأخذُوا الْمَدِينَة فتيقظ بكتمر شلق وَترك لَهُم الجشار فساقوه من غير أَن يَتَحَرَّك عَن الْمَدِينَة وعادوا إِلَى دمشق. فاستعد الْأَمِير شيخ وَعمل ثَلَاثِينَ مدفعاً وعدة مكاحل للنفط ومنجنيقين وَجمع الحجارين والنقابين وآلات الْحَرْب. وَخرج من دمشق يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع عشره وَمَعَهُ جَمِيع من عِنْده من عَسْكَر مصر وَالشَّام وقرا يُوسُف بجماعته وَجَمَاعَة السُّلْطَان أَحْمد بن أويس متملك بَغْدَاد والتركمان الجشارية وَأحمد بن بِشَارَة بعشرانه وَعِيسَى بن الكابولي بعشيره بَعْدَمَا نَادَى بِدِمَشْق من أَرَادَ النهب وَالْكَسْب فَعَلَيهِ بصفد فَاجْتمع لَهُ خلائق وَسَار وَمَعَهُ مائَة جمل تحمل المدافع والمكاحل والمناجنيق والزحافات والبارود وَنَحْو ذَلِك من آلَات الْحصار. وَولي الْأَمِير ألطنبغا العثماني نِيَابَة صفد فَكتب يَسْتَدْعِي عشران صفد وعربانها وتركمانها فَقدم الْأَمِير شيخ بِمن مَعَه إِلَى صفد فِي عشرينه. وَبعث أَمَامه تَقِيّ الدّين يحيى بن الْكرْمَانِي وَقد ولاه مضاء الْعَسْكَر وَمَعَهُ قطلوبغا رَأس نوبَة بكتابه إِلَى الْأَمِير بكتمر شلق يَدعُوهُ إِلَى مُوَافَقَته ويحذره من مُخَالفَته ويعلمه أَن الْأَمِير جكم قد أَخذ حلب من الْأَمِير دمرداش بالقهر وَأَنه قادم إِلَيْهِ وَمَعَهُ الْأَمِير عَلان نَائِب حماة. فَلم يذعن لَهُ بكتمر وأبى إِلَّا قِتَاله. فأحاط الْأَمِير شيخ بقلعة صفد وحصرها من جَمِيع جهاتها وَقد حصنها الْأَمِير بكتمر وشحنها بالرحال والآلات. فاستمرت الْحَرْب بَينهم أَيَّامًا جرح فِيهَا من الشيخية نَحْو ثَلَاثمِائَة رجل وَقتل مَا ينيف على خمسين فَارِسًا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 121 وَفِيه سَار الْأَمِير سودن الجلب من حلب إِلَى حريمه بالبيرة فَحَضَرَ يغمور من الدكرية وكبس البيرة وَسبي الْحَرِيم وَعَاد إِلَى نَاحيَة سروج. فَلَمَّا بلغ ذَلِك الْأَمِير جكم سَار من حلب فِي ثَانِي عشرينه إِلَى البيرة وَسَار بسودن الجلب إِلَى يغمور وقاتله وكسره وَأخذ لَهُ سِتَّة آلَاف جمل وَعشرَة آلَاف رَأس من الْغنم. وَبعث سودن الجلب فِي أَثَره فَضرب حَلقَة وَأسر سودن الجلب وَمن مَعَه. وَعَاد الْأَمِير جكم إِلَى حلب وَمَعَهُ حَرِيم يغمور رهينة على سودن الجلب. فأفرج وَفِيه ورد الْخَبَر من مَكَّة بِأَن جَمِيع مَا احْتَرَقَ من الْمَسْجِد الْحَرَام - وَهُوَ مَا بَين الثُّلُث وَالنّصف - قد عمر علوا وسفلاً وعملت الْعمد من حِجَارَة صوان منحوتة وَأَن الأرضة قد أكلت فِي سقف مقَام إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام. وَفِيه بَاعَ سنقر نَائِب طرسوس الْمَدِينَة للأمير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن قرمان وَسلمهَا لَهُ وَقد نزل ظَاهرهَا. وَفِيه سَار الْأَمِير المهتار زين الدّين عبد الرَّحْمَن إِلَى الكرك وَنزل عَلَيْهَا فِي سادس عشره. وَقد أتهم الْأَمِير عمر بن الهذباني النَّائِب بِالْخرُوجِ عَن طَاعَة السُّلْطَان فَجمع عبد الرَّحْمَن العشير فِي تَاسِع عشره وزحف على الْمَدِينَة وَقَاتل النَّائِب وهزمه وَقتل مِنْهُ عددا كَبِيرا وَحصر الْمَدِينَة وَمنع الْميرَة عَنْهَا وَجمع جمعا آخر وَقَاتل النَّائِب مرّة ثَانِيَة. وَكَانَ الغلاء قد اشْتَدَّ بِتِلْكَ الْبِلَاد وَكثر نهب الدّور بِالْمَدِينَةِ وَأخذ أَمْوَال أَهلهَا وتخربت دِيَارهمْ وتنوعت عقوبتهم. وَأما السُّلْطَان فَإِنَّهُ قبض فِي ثَانِيه على الصاحب تَاج الدّين بن البقري وَأخذ جَمِيع مَا وجد لَهُ وأسلمه إِلَى شاد الدَّوَاوِين. وَفِي تاسعه: خلع على الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله وَاسْتقر فِي الوزارة وَنظر الْخَاص مُضَافا لما مَعَه من نظر الْجَيْش عوضا عَن ابْن البقري. وَفِي حادي عشره: أُعِيد ابْن خلدون إِلَى قَضَاء الْمَالِكِيَّة وَصرف الْبِسَاطِيّ. وَفِي رَابِع عشره: اسْتَقر الْأَمِير بشباي حَاجِب الْحجاب عوضا عَن الْأَمِير أقباي الطرنطاي المستقر أَمِير سلَاح. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 122 شهر رَمَضَان أَوله الثُّلَاثَاء: فِي عاشره: قدم الْأَمِير يلبغا السالمي من ثغر الْإسْكَنْدَريَّة وَقد أفرج عَنهُ واستدعي فَأكْرم وَنزل إِلَى دَاره ثمَّ طلب إِلَى قلعة الْجَبَل وخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر مشير الدولة. وخلع مَعَه على الْأَمِير جمال الدّين الأستادار خلعة اسْتِمْرَار. وخلع عَليّ نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الطلاوي خلعة الوزارة نقل إِلَيْهَا من شدّ الدَّوَاوِين. وَاسْتقر أقتمر شاد الدَّوَاوِين عوضه. وخلع على الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله وَاسْتقر فِي نظر الْجَيْش وَنظر الْخَاص على عَادَته. وَفِيه قدم سلامش حَاجِب غَزَّة يخبر بوصول الْأَمِير نوروز إِلَى غَزَّة طَائِعا. وَذَلِكَ أَنه خرج من دمشق للدورة بِأَرْض حوران والرملة فَلَمَّا قَارب غَزَّة كتب إِلَى السُّلْطَان بِأَنَّهُ قد أناب وَدخل فِي طَاعَته فَكتب إِلَيْهِ بِمَا يرضيه ورسم للأمير خاير بك نَائِب غَزَّة أَن يتلقاه ويكرمه فَقدم بِهِ إِلَى غَزَّة وَتوجه مِنْهَا يُرِيد الْقَاهِرَة فَقَدمهَا فِي رَابِع عشر رَمَضَان فَخلع عَلَيْهِ وَأَعْلَى خبز الْأَمِير يلبغا السالمي وَزيد عَلَيْهِ. وَأما أَمر الشَّام فَإِن الْأَمِير جكم خرج من حلب فِي حادي عشره يُرِيد دمشق وَقد حضر إِلَيْهِ شاهين دوادار الْأَمِير شيخ يستدعيه. وَكَانَ جكم قد سلم القلعة إِلَى شرف الدّين مُوسَى بن يلدق وَعمل حِجَابا وأرباب وظائف وعزم على أَن يتسلطن ويتلقب بِالْملكِ الْعَادِل. ثمَّ أخر ذَلِك وَقدم دمشق فِي ثَالِث عشرينه وَمَعَهُ الْأَمِير قانباي والأمير تغري بردى القجقاري وَجَمَاعَة. وَقد خرج الْأَمِير شيخ والأمراء إِلَى لِقَائِه وأنزله فِي الميدان فَترفع على الْأُمَرَاء ترفعاً زَائِدا أوجب تنكرهم عَلَيْهِ فِي الْبَاطِن إِلَّا أَن الضَّرُورَة قادتهم إِلَى الإغضاء فأكرموه وأنزلوه وحلفوه على الْقيام مَعَهم على السُّلْطَان وموافقتهم. وَأخذ فِي إِظْهَار شعار السلطة فشق عَلَيْهِم ذَلِك ومازالوا بِهِ حَتَّى تَركه. وَأقَام مَعَهم بِدِمَشْق إِلَى لَيْلَة الْأَحَد سَابِع عشرينه فَتوجه مِنْهَا مخفا إِلَى طرابلس وَترك أثقاله بِدِمَشْق ليجمع عَسَاكِر طرابلس وَغَيرهَا مِمَّن انْضَمَّ إِلَيْهِ. وَأما الْأَمِير دمرداش نَائِب حلب فَإِنَّهُ قدم على ظهر الْبَحْر إِلَى دمياط فِي سَابِع عشره وَبعث يسْتَأْذن فِي الْحُضُور فَإِذن لَهُ وَقدم إِلَى قلعة الْجَبَل. وَفِيه قبض بِدِمَشْق على الْأَمِير جركس الْحَاجِب فِي رَابِع عشرينه وأنعم بموجوده على الْأَمِير قرا يُوسُف بن قرا مُحَمَّد. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 123 وَأما الْأَمِير الشَّيْخ فَإِنَّهُ فِي لَيْلَة الْجُمُعَة ثامن عشره وَقع الصُّلْح بَينه وَبَين الْأَمِير بكتمر نَائِب صفد وَنزل إِلَيْهِ أُمَرَاء صفد فِي يَوْم السبت تَاسِع عشره ثمَّ نزل إِلَيْهِ الْأَمِير بكتمر فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ حادي عشرينه وتحالفوا جَمِيعًا على الِاتِّفَاق. فَكَانَت مُدَّة الْحَرْب اثْنَيْنِ وَعشْرين يَوْمًا أَولهَا ثَانِي عشْرين شعْبَان وَآخِرهَا نصف شهر رَمَضَان مستمرة لَيْلًا وَنَهَارًا نقب فِيهَا على القلعة سِتَّة نقوب وَخرب كثير من الْمَدِينَة وَنهب أَمْوَال أَهلهَا وَقطعت أشجارها. وفشت الْجِرَاحَات فِي أَكثر الْمُقَاتلَة وجرح الْأَمِير شيخ والأمير يشبك والأمير جركس المصارع وَقتل فِي الْحَرْب عدد كثير. وَعَاد الْأَمِير شيخ إِلَى دمشق فَقدم عَلَيْهِ الْأَمِير جكم كَمَا تقدم وَمنعُوا فِي يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشرينه من الدُّعَاء للسُّلْطَان على الْمُنِير. وَفِي حادي عشرينه: نزل ابْن الْأَمِير طور عَليّ - الْمَعْرُوف بقرًا يلك - عَليّ البيرة ونهبها وسبى وأحرق. وَفِي هَذَا الشَّهْر: حلت الشَّمْس برج الْحمل الَّذِي هُوَ أول فصل الرّبيع فعزت الْأَدْوِيَة لِكَثْرَة الْأَمْرَاض الحادة بِالْقَاهِرَةِ ومصر وبلع بزر الرجلة إِلَى سِتِّينَ ثمَّ إِلَى ثَمَانِينَ درهما كل قدح وَبيع وزن الدِّرْهَم بدرهم من الْفُلُوس وَبلغ القنطار الشيرخشك إِلَى ثَلَاثِينَ ألفا بعد ألف وَأَرْبَعمِائَة وَالْقِنْطَار الترنجبين إِلَى خَمْسَة عشر ألفا بعد أَرْبَعمِائَة. وَوصف طَبِيب دَوَاء لمريض فِيهِ سنامكي وشيرخشك وترنجبين وَمَاء ورد وسكر نَبَات فابتاعه بِمِائَة وَعشرَة دَرَاهِم. وَبلغ بزر القرع إِلَى مائَة وَعشْرين درهما. وَفِي هَذَا الشَّهْر: ظهر فِي بر الجيزة على شاطئ النّيل وَفِي النّيل وَفِي مزارع بِلَاد القليوبية شبه نيران كَأَنَّهَا مشاعل وفتايل سرج تقد ونار تشتعل فَكَانَ يرى من ذَلِك عدد كَبِير جدا مُدَّة لَيَال مُتَوَالِيَة ثمَّ اختفى. وَفِيه كثرت المصادرات بِدِمَشْق وغلت أسعار المبيعات بهَا لتحول أَحْوَال النُّقُود وَكَثْرَة تغييرها فَإِن الْفُلُوس كثرت وَصغر حجمها من أجل أَنَّهَا كل قَلِيل تضرب جدداً وتصغر وينادى على الَّتِي قبلهَا بالرخص فتشترى لدار الضَّرْب وتضرب ثمَّ بعد أَيَّام تُعَاد الْعتْق قبلهَا إِلَى الْمِيزَان. فتضرر النَّاس وَبلغ صرف الْعشْرَة مِنْهَا بِخَمْسَة وَعشْرين وتزايدت حَتَّى بلغت الْعشْرَة ثَلَاثِينَ وَبلغ الدِّينَار المشخص سبعين وانْتهى إِلَى ثَمَانِينَ درهما فَنُوديَ على الْفُلُوس بِتِسْعَة دَرَاهِم الرطل. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 124 وَفِيه حسن نَائِب الْقُدس على النَّاس مَالا فَأَبَوا عَلَيْهِ فتركهم حَتَّى اجْتَمعُوا بِالْمَسْجِدِ وغلق الْأَبْوَاب وألزمهم بِالْمَالِ فاستغاثوا عَلَيْهِ فَلبس السِّلَاح وَقَاتلهمْ فَقتل بَينهم بضعَة عشر رجلا وجرح كثير وفر النَّائِب مهزوماً. فَلَمَّا بلغ الْخَبَر الْأَمِير شيخ نَائِب الشَّام بعث عوضه إِلَى الْقُدس وخلع على الْأَمِير أسن بيه وولاه حَاجِب الْحجاب فِي ثامن عشرينه. شهر شَوَّال أَوله الْخَمِيس: فِيهِ عين الْأَمِير شيخ نَائِب الشَّام مِمَّن عِنْده الْأَمِير تمراز الْكَبِير والأمير سودن الحمزاوي والأمير يلبغا الناصري والأمير إينال حطب والأمير جركس المصارع والأمير سودن بقجة للمسير إِلَى غَزَّة وَحمل إِلَى كل مِنْهُم مائَة ألف دِرْهَم فضَّة. وَفِي سادسه: برز الحمزاوي خامه خَارج دمشق وَتَبعهُ بَقِيَّة الْأُمَرَاء. وَلم يتَأَخَّر بِدِمَشْق سوى الأميرين شيخ نَائِب الشَّام ويشبك الدوادار فِي انْتِظَار الْأَمِير جكم حَتَّى يحضر من طرابلس وبعثا يستحثانه وَحمل الْأَمِير جركس الْحَاجِب إِلَى قلعة بعلبك وَبعث الْأَمِير شيخ بعياله وأمواله إِلَى الصبيبة. وَفِيه تنكر جكم على تنكز بغا الْحَاجِب بطرابلس وَقَبضه وَأخذ موجوده ثمَّ قَتله. وَفِيه قدم سودن الجلب على الْأَمِير جكم وَقد أفلت من أَيدي التركمان فَلم تطل إِقَامَته حَتَّى استوحش مِنْهُ وَمضى إِلَى قلعة المرقب وَأَخذهَا. وَفِي سَابِع عشره: أطلق بيازير نَائِب قلعة صهيون الْأَمِير شيخ السُّلَيْمَانِي واتفقا على طَاعَة السُّلْطَان وكتبا إِلَى جمَاعَة من النَّاس يَدعُوهُم إِلَى ذَلِك وأعلنا بِالدُّعَاءِ للسُّلْطَان. ودقت البشائر وعلق السنجق السلطاني. وَكتب إِلَى الْأَمِير عَلان نَائِب حماة وَإِلَى الْأَمِير طغرول بن سقل سيز فأجابا ووعدا بالحضور إِلَى صهيون مَتى دعيا. وَكتب الْأَمِير شيخ نَائِب الشَّام إِلَى سودن الجلب يَدعُوهُ إِلَيْهِ فَأَجَابَهُ بِالطَّاعَةِ وَأَنه قد استمال جمَاعَة من مماليك جكم. وَفِيه حضر عشير الصَّلْت مَعَ صديق أبي شوشة التركماني الكاشف بقلعة الصبيبة وَقتلُوا عدَّة. وَفِي رَابِع عشرينه: قدم الْأَمِير دقماق فِي طَائِفَة إِلَى صفد دَاخِلا فِي طَاعَة السُّلْطَان مفارقاً للأمير شيخ وَمن مَعَه. وَفِيه فرض على كل وَاحِد من جند دمشق فرس ومبلغ خَمْسمِائَة دِرْهَم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 125 وَفِيه أنعم الْأَمِير شيخ على السُّلْطَان أَحْمد بن أويس بمبلغ مائَة ألف دِرْهَم فضَّة وثلاثمائة فرس بَعْدَمَا أفرج عَنهُ. وأنعم على قرا يُوسُف بِمِائَة ألف وثلاثمائة فرس وَولي ألطنبغا بشلق نِيَابَة قلعة الصبيبة وَبعث حريمه صحبته. وَأما السُّلْطَان فَإِنَّهُ أفرج عَن الْأَمِير سودن المحمدي وبيبرس الصَّغِير وجانم من سجن الْإسْكَنْدَريَّة فِي سَابِع عشره وجهزوا إِلَى قلعة الْجَبَل. وَفِي ثَانِي عشرينه: قدم الْأَمِير خير بك - نَائِب غَزَّة - إِلَى قلعة الْجَبَل فدقت البشائر لقدومه وخلع عَلَيْهِ. وَفِيه أُعِيد كَاتبه المُصَنّف إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة مكْرها بعد مُرَاجعَة السُّلْطَان ثَلَاث مرار وَصرف سويدان. وَكَانَ الْأَمِير يلبغا السالمي قد سعر المثقال الذَّهَب بِمِائَة دِرْهَم بَعْدَمَا وصل إِلَى مائَة وَثَلَاثِينَ وسعر الدِّينَار الأفرنتي بِثَمَانِينَ وَجعل الرطل من الْفُلُوس بستمائة دِرْهَم بَعْدَمَا كَانَت القفة بِخَمْسِمِائَة فَكثر اختباط النَّاس ولعنتهم وَاخْتِلَافهمْ ثمَّ اعتادوا ذَلِك فاستمر سعر الْفُلُوس على هَذَا ثمَّ أَرَادَ السالمي أَن يرد سعر المبيعات إِلَى سعر الذَّهَب فَيجْعَل مَا يُبَاع بِدِينَار قبل تسعير الذَّهَب يُبَاع بِدِينَار بعد تسعيره فسعر الْقَمْح بِمِائَتي دِرْهَم الأردب وسعر الْخبز كل عشرَة أَوَاقٍ بدرهم فعز وجود الْخبز. ثمَّ قدم الْقَمْح الْجَدِيد فانحل السّعر وَبيع الأردب بِمِائَة وَخمسين ثمَّ بيع بِمِائَة دِرْهَم الأردب فسعر الْخبز كل رَطْل وَنصف وَربع رَطْل بدرهم. وَاتفقَ مَعَ هَذَا حَرَكَة السُّلْطَان للسَّفر وَعمل البشماط ففقد الْخبز وَلم يُوجد الْبَتَّةَ وَتعذر وجود الدَّقِيق أَيْضا مُدَّة خَمْسَة عشر يَوْمًا قاسى النَّاس فِيهَا شَدَائِد لَا تكَاد تُوصَف وَفِي هَذِه السّنة حدثت ولَايَة قَاض مالكي بِمَكَّة فاستقر الْمُحدث تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ الفاسي الشريف الحسني. وَحدثت أَيْضا ولَايَة قَاض حَنَفِيّ فاستقر شهَاب الدّين أَحْمد ابْن الضياء مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سعيد الْهِنْدِيّ وَلم يعْهَد قطّ مثل هَذَا. شهر ذِي الْقعدَة أَوله الْجُمُعَة: فِي ثَانِيه: علق الجاليش على قلعة الْجَبَل للسَّفر. وَفِي رابعه: أنْفق السُّلْطَان للماليك خَمْسَة آلَاف لكل وَاحِد وَصرف الذَّهَب سعر مائَة دِرْهَم كل مِثْقَال فصر لكل مِنْهُم تِسْعَة وَأَرْبَعين مِثْقَالا وَاحْتَاجَ السُّلْطَان فاقترض من مَال أَيْتَام الْأَمِير قلمطاي الدوادار عشرَة آلَاف مِثْقَال وَرهن بهَا جَوْهَرَة وَجعل كسبها ألف دِينَار ومائتي دِينَار. وَأخذ مِنْهُم أَيْضا نَحْو سِتَّة عشر آلف مِثْقَال وباعهم بهَا بَلَدا من الجيزة. وَأخذ من تَرِكَة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم الْمحلي التَّاجِر وَغَيره الجزء: 6 ¦ الصفحة: 126 مَالا كثيرا. ووزع لَهُ قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين الأخناي خَمْسمِائَة ألف على تركات خَارِجَة عَن الْمُودع مِنْهَا تَرِكَة بدر الدّين مُحَمَّد بن فضل الله كَاتب السِّرّ. وَكَانَت النَّفَقَة على نَحْو خَمْسَة آلَاف مَمْلُوك بلغت النَّفَقَة عَلَيْهِم - سوى مَا أنْفق فِي الْأُمَرَاء - إِلَى مِائَتي ألف دِينَار وَخمسين ألف دِينَار. وَفِي ثَانِي عشرينه: أُعِيد شيخ الْإِسْلَام جلال الدّين البُلْقِينِيّ إِلَى قَضَاء الْقُضَاة وَصرف الأخناي غير مشكور. وَفِي سادس عشرينه: اسْتَقر جمال الدّين فِي قَضَاء الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة بديار مصر وَصرف ابْن خلدون. وَأما أَمر الشَّام فَإِن الْأَمِير سيف الدّين عَلان - نَائِب حماة - فِي تاسعه أظهر مُخَالفَة الْأُمَرَاء وأعلن بانتمائه إِلَى طَاعَة السُّلْطَان وَخرج من حماة يُرِيد صهيون. فَبعث إِلَيْهِ الْأَمِير جكم عسكراً من طرابلس صُحْبَة حُسَيْن بن أَمِير أَسد الْحَاجِب فسبقه إِلَى صهيون وَنزل عَلَيْهَا وحصرها عشرَة أَيَّام. وَكتب إِلَى عشير الْجَبَل يَدعُوهُم فجرت بَينه وَبَين الْأَمِير شيخ السُّلَيْمَانِي حروب قتل فِيهَا جمَاعَة. ثمَّ سَار جكم من طرابلس فِي عشرينه وخيم ظَاهرهَا. فَبعث شيخ السَّلمَانِي يَسْتَدْعِي عَلان فَبعث إِلَيْهِ نَائِب شيزر على عَسْكَر ففر ابْن أَمِير أَسد بِمن مَعَه وَترك أثقاله فَأَخذهَا السُّلَيْمَانِي ورتب أَمر قلعة صهيون وَجعل بيازير بهَا. وَتوجه إِلَى عَلان - وَقد نزل على بارين - فَتَلقاهُ وَبَالغ فِي كرامته وأنزله بمخيمه. فَأخذ شيخ عِنْد ذَلِك فِي مُكَاتبَة أُمَرَاء طرابلس وتراكمينها يَدعُوهُم إِلَى طَاعَته فَأَجَابُوهُ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة ووعدوه بِالْقيامِ مَعَه. فاضطرب أَمر جكم وانسل عَنهُ من مَعَه طَائِفَة بعد أُخْرَى فَمضى إِلَى الناعم وَقد كثر جمع السُّلَيْمَانِي فَمشى وَمَعَهُ عَلان يُريدَان حكم فتركهم وَمضى إِلَى دمشق فأدركه فِي طَرِيقه إِلَيْهَا الْأَمِير سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب ويشبك العثماني وأقبغا دوادار الْأَمِير يشبك الدوادار يحثوه على الْقدوم. وَقد سَار من دمشق فِي مستهله فَسَار مَعَهم وأركب السُّلَيْمَانِي تراكمين طرابلس فِي أثر جكم فَأخذُوا بعض أَطْرَافه. وَقدم السُّلَيْمَانِي طرابلس فِي ثَانِي عشرينه وَأعَاد الْخطْبَة للسُّلْطَان ومهد أمورها وَكتب يعلم السُّلْطَان بذلك. ثمَّ خرج مِنْهَا بعد يَوْمَيْنِ يستنفر النَّاس فَاجْتمع عَلَيْهِ خلائق من التراكمين والعربان والعشران وعسكر طرابلس وَكثير من عَسْكَر حلب وَطَائِفَة من المماليك السُّلْطَانِيَّة. وَكَانَ الْعجل بن نعير قد استولى على مُعَاملَة الْحصن والمناصف وَاسْتولى فَارس بن صَاحب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 127 الباز - وَأَخُوهُ حُسَيْن - على سواحل اللاذقية وجبلة وصهيون وبلاطنس. وَاسْتولى علم الدّين على حصن الأكراد وَعصى بهَا. وَاسْتولى رَجَب بن أَمِير أَسد على قلعة المرقب فطرد السُّلَيْمَانِي الْعجل من الْمُعَامَلَة. وَنزل على حصن الأكراد وحصرها حَتَّى أَخذهَا وَأعَاد بهَا الدُّعَاء للسُّلْطَان. وَأخذ فِي استرجاع السَّاحِل فَقدم عَلَيْهِ الْخَبَر بِولَايَة الْأَمِير قانباي طرابلس ووصول متسلمه سيف الدّين بوري - وَمَعَهُ شهَاب الدّين أَحْمد الْمَلْطِي - على ظهر الْبَحْر من ديار مصر. ففت ذَلِك فِي عضده وَصَارَ إِلَى عَلان نَائِب حماة فَأَشَارَ عَلَيْهِ أَن لَا يسلم طرابلس حَتَّى يُرَاجع السُّلْطَان بِمَا يَتَرَتَّب على عَزله من الْفساد بتبدد كل العساكر فَكتب بذلك وَدخل بوري والملطي إِلَى طرابلس وتسلماها وحلفا الْأُمَرَاء وَغَيرهم للسُّلْطَان. وَفِي ثامنه: خرج الْأَمِير شيخ نَائِب الشَّام وَمَعَهُ الْأَمِير يشبك وَبَقِيَّة الْأُمَرَاء إِلَى لِقَاء الْأَمِير جكم فعندما رَأَوْهُ ترجل لَهُ يشبك وَنزل الأَرْض وَسلم عَلَيْهِ فَلم يعبأ بِهِ وَلَا الْتفت إِلَيْهِ وَجرى على عَادَته فِي الترفع والتكبر فشق ذَلِك على الْأَمِير شيخ وَلَام يشبك على ترجله وعيب جكم على مَا كَانَ مِنْهُ. ودخلوا مَعَه إِلَى دمشق يَوْم السبت تاسعه والطول تضرب وَهُوَ فِي مركب مهول. فَنزل الميدان وَجرى على عَادَته فِي التكبر والترفع فَتَنَكَّرت الْقُلُوب وَاخْتلفت الآراء فَكَانَ جكم أمة وحدة يرى أَنه السُّلْطَان وَيُرِيد إِظْهَار ذَلِك والأمراء تسوسه بِرِفْق حَتَّى لَا يتظاهر بالسلطنة. ورأيه التَّوَجُّه إِلَى بِلَاد الشمَال ورأي بَقِيَّة الْأُمَرَاء الْمسير إِلَى مصر فَكَانُوا ينادون يَوْمًا بِالْمَسِيرِ إِلَى مصر وينادون يَوْمًا بِالْمَسِيرِ إِلَى حماة وحلب وينادون يَوْمًا من أَرَادَ النهب وَالْكَسْب فَعَلَيهِ بالتوجه إِلَى صفد. ثمَّ قوي عزمهم جَمِيعًا على قصد مصر وبعثوا لرمي الإقامات بالرملة وغزة وبرزوا بالخيام إِلَى قبَّة يلبغا فِي رَابِع عشره. وَخرج الْأَمِير شيخ والأمير يشبك وقرا يُوسُف من دمشق فِي عشرينه وَقد عمل الْأَمِير شيخ فِي نِيَابَة الْغَيْبَة سودن الظريف ووقف جَمِيع أملاكه على ذُريَّته وعَلى جِهَات بر مِنْهَا مِائَتَا قَمِيص تحمل فِي كل سنة إِلَى مَكَّة وَالْمَدينَة مربوط على كل قَمِيص عشرَة دَرَاهِم فضَّة تفرق فِي الْفُقَرَاء وَمِنْهَا مبلغ لمن يطوف عَنهُ كل يَوْم أسبوعاً. وَمِنْهَا عشرَة أَيْتَام فِي كل من الْحَرَمَيْنِ ومؤدب يُقْرِئهُمْ الْقُرْآن وَمِنْهَا قراء بِجَامِع دمشق. وندبوا الْأَمِير يشبك وقرا يُوسُف إِلَى صفد فسارا من الخربة فِي عَسْكَر. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 128 وَمضى الْأَمِير شيخ إِلَى قلعة الصبيبة فاستعد الْأَمِير بكتمر شلق نَائِب صفد وَأخرج كشافته بَين يَدَيْهِ. وَنزل بجسر يَعْقُوب فالتقي أَصْحَابه بكشافة يشبك وقرا يُوسُف واقتتلوا فكثرت الْجِرَاحَات بَينهمَا وغنم الصفديون مِنْهُم عشرَة أَفْرَاس فَرجع يشبك وقرا يُوسُف إِلَى طبرية وَنزلا على الْبحيرَة لَيْلَة الْخَامِس وَالْعِشْرين حَتَّى عَاد الْأَمِير شيخ من الصبيبة وَقد حصن قلعتها. ثمَّ سَارُوا جَمِيعًا إِلَى غَزَّة وَقد تقدمهم الْأَمِير جكم وَنزل بالرملة فِي خَامِس عشرينه. وَفِيه سَار ألطنبغا بشلاق وصديق أَبُو شوشه - كاشف أَذْرُعَات - بِخَمْسِمِائَة رَأس من الْغنم وعدة جمال عَلَيْهَا غلَّة يريدا قلعة الصبيبة فاعترضهم الْأَمِير بكتمر شلق وَأخذ مَا مَعَهم وفر بشلاق وصديق. وَفِيه قدم الْخَبَر على السُّلْطَان بنزول الْأُمَرَاء إِلَى غَزَّة وَأَخذهم الإقامات الْمعدة لسفر السُّلْطَان من الشّعْر وَغَيره. وَكَانَت غَزَّة قد غلت الأسعار بهَا لقلَّة الأمطار. وَبَلغت الوبية الْقَمْح مائَة وَعشْرين درهما فجد السُّلْطَان فِي الْحَرَكَة للسَّفر والاستعداد للحرب. وَفِيه نزل الْعجل بن نعر شَرْقي دمشق وَأخذ مَا وجد من الغلال. وَفِيه فرض مَال على قرى دمشق كلهَا الْمَوْقُوف مِنْهَا وَغير الْمَوْقُوف مَا عدا الْقرى الَّتِي هِيَ إقطاعات الْأُمَرَاء. ثمَّ تقرر على الْقُضَاة مبلغ ألفي دِينَار مصالحة عَن الْأَوْقَاف من الْقرى. وَهَذَا الَّذِي فرض فِي هَذَا الشَّهْر سوى مَا تقدم أَخذه من الْأَوْقَاف وَغَيرهَا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 129 شهر ذِي الْحجَّة أَوله السبت. فِي ثَانِيه: سَار شاليش الْأُمَرَاء من غَزَّة إِلَى جِهَة الْقَاهِرَة. وَفِي ثالثه: سَار مِنْهَا الْأَمِير شيخ بِمن بَقِي مَعَه واستناب فِي غَزَّة الْأَمِير ألطنبغا العثماني. وَفِي سادسه: سقط الطَّائِر من بلبيس بنزول الْأُمَرَاء قطيا. فكثرت حركات العساكر بِالْقَاهِرَةِ وَركب السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل فِي يَوْم السبت ثامنه وَنزل بالريدانية وَبَات بهَا. وَقد عمل بِبَاب السلسلة من القلعة الْأَمِير بكتمر أَمِير سلَاح. فورد الْخَبَر بنزول الْأُمَرَاء الصالحية يَوْم التَّرويَة وبأخذهم مَا بهَا من الشّعير وَغَيره فَرَحل السُّلْطَان فِي يَوْم الْأَحَد تاسعه وَنزل العكرشة ثمَّ سَار مِنْهَا لَيْلًا وَأصْبح ببلبيس فضحى بهَا وَأقَام يومي الِاثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاء وَأعَاد فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ابْن شعْبَان إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة عوضا عَن ابْن الجباس ثمَّ صرف فِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشره وأعيد ابْن الجباس. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِي عشره: قبض بِالْقَاهِرَةِ على الْأَمِير يلبغا السالمي وعوق بِبَاب السلسلة وَأخذ جَمِيع موجوده بسعاية الْأَمِير جمال الدّين الأستادار. وَذَلِكَ أَنه غض بمكانه فأغرى بِهِ السُّلْطَان حَتَّى رسم لَهُ أَن يقبض عَلَيْهِ وَكَانَ قد خرج لتعبئة الإقامات وَنزل بالحوف فَسَار إِلَيْهِ فَأعْلم بِهِ ففاته وَقدم على السُّلْطَان فاصلح بَينهمَا. ثمَّ لما كَانَ يَوْم عيد الْأَضْحَى نَادِي السالمي فِي النَّاس أَن الْفُلُوس بأَرْبعَة دَرَاهِم الرطل بعد سِتَّة وَأَن المثقال الذَّهَب بِثَمَانِينَ بعد مائَة وَثَلَاثِينَ وَأَن الإفرنتي بستين فقلق النَّاس من ذَلِك قلقاً عَظِيما وَأنكر نَائِب الْغَيْبَة هَذَا ونادى بِخِلَافِهِ. وَكتب فِيهِ إِلَى السُّلْطَان فَوجدَ جمال الدّين السَّبِيل إِلَى القَوْل فِيهِ واغتنم غيبته بِالْقَاهِرَةِ عَن السُّلْطَان وَمَا زَالَ حَتَّى كتب إِلَى نَائِب الْغَيْبَة بِقَبْضِهِ وتقييده. وَفِيه الْتَقت مُقَدّمَة السُّلْطَان ومقدمة الْأُمَرَاء واقتتلوا فَرَحل السُّلْطَان من بلبيس الجزء: 6 ¦ الصفحة: 130 بكرَة نَهَار الْأَرْبَعَاء وَنزل السعيدية فَأَتَاهُ كتاب الْأُمَرَاء الثَّلَاثَة شيخ وجكم ويشبك بِأَن سَبَب حركتهم مَا جرى بَين الْأَمِير يشبك والأمير إينال بيه بن قجماس من حَظّ الْأَنْفس حَتَّى توجه يشبك بِمن مَعَه إِلَى الشَّام فَكَانَ بهَا من خراب الْبِلَاد وهلاك الرّعية مَا كَانَ. وطلبوا مِنْهُ أَن يخرج أينال بيه ودمرداش نَائِب حلب من مصر إِلَى الشَّام وَأَن يعْطى لكل من يشبك وَشَيخ وجكم وَمن مَعَهم بِمصْر وَالشَّام مَا يَلِيق بِهِ لتخمد هَذِه الْفِتْنَة باستمرارهم على الطَّاعَة وتحقن الدِّمَاء ويعمر ملك السُّلْطَان. وَإِن لم يكن ذَلِك تلفت أَرْوَاح كَثِيرَة وَخَربَتْ بيُوت عديدة وَقد كَانَ عزمهم الْمُكَاتبَة بِهَذَا من الشَّام لَكِن خَشوا أَن يظنّ بهم الْعَجز فَإِنَّهُ مَا مِنْهُم إِلَّا من جعل الْمَوْت نصب عَيْنَيْهِ. فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة الْخَمِيس ثَالِث عشره: بَيت الْأُمَرَاء السُّلْطَان وهم فِي نَحْو الثَّلَاثَة آلَاف فَارس وَأَرْبَعمِائَة تركماني من أَصْحَاب قرا يُوسُف فاقتتل الْفَرِيقَانِ قتالاً شَدِيدا من بعد عشَاء الْآخِرَة إِلَى بعد نصف اللَّيْل جرح فِيهِ جمَاعَة وَقتل الْأَمِير صرق صبرا بَين يَدي الْأَمِير شيخ لِأَنَّهُ ولي نِيَابَة الشَّام من السُّلْطَان. وَركب السُّلْطَان وَمَعَهُ الْأَمِير سودن الطيار وسودن الْأَشْقَر هجنا وَسَاقُوا على الْبر تَحت غلس الصُّبْح يُرِيدُونَ القلعة. وَتَفَرَّقَتْ العساكر وَتركُوا أثقالهم وَسَائِر أَمْوَالهم فغنمها الشاميون وَوَقع فِي قبضتهم الْخَلِيفَة وقضاة مصر وَنَحْو من ثَلَاثمِائَة مَمْلُوك والأمير شاهين الأفرم والأمير خير بك نَائِب عزة. وَقدم المنهزمون إِلَى الْقَاهِرَة فِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشره. وَلم يحضر السُّلْطَان وَلَا الْأُمَرَاء الْكِبَار فَكثر الإرجاف وأقيم العزاء فِي بعض الدّور وماج النَّاس وَكثر النهب حَتَّى وصل السُّلْطَان قريب الْعَصْر وَمَعَهُ الْأُمَرَاء إِلَى الْأَمِير أقباي وَقد قاسى من الْعَطش والتعب مَا لَا يُوصف فاستعد وَجمع إِلَيْهِ عساكره. وَفِي يَوْم السبت: سلم الْأَمِير يلبغا السالمي إِلَى الْأَمِير جمال الدّين الأستادار فرسم أَن يكون سعر الذَّهَب والفلوس على مَا كَانَ عَلَيْهِ قبل مناداة السالمي. وَأصْبح فِي يَوْم الْأَحَد: فعاقب السالمي بِالضَّرْبِ المبرح وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع عشره: حمله مُقَيّدا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجن بهَا. وَفِيه زحفت عَسَاكِر الشاميين من الريدانية وَقد نزلُوا بهَا من أمسه وَكثر اضْطِرَاب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 131 النَّاس بِالْقَاهِرَةِ وغلقت أَبْوَابهَا ودروبها وتعطلت الْأَسْوَاق وَعز وجود المَاء. ووصلت العساكر قَرِيبا من دَار الضِّيَافَة تَحت القلعة فَقَاتلهُمْ السُّلْطَانِيَّة من بكرَة النَّهَار إِلَى بعد الظّهْر فَأقبل عدَّة من الْأُمَرَاء إِلَى جِهَة السُّلْطَان طائعين لَهُ مِنْهُم أسن بيه أَمِير ميسرَة الشَّام والأمير يلبغا الناصري والأمير سودن اليوسفي وإينال حطب وجمق ففت ذَلِك فِي أعضاد من بَقِي وَعَاد طَائِفَة مِنْهُم وحملوا خفهم وأفرجوا عَن الْخَلِيفَة والقضاة وَغَيرهم. وتسلل الْأَمِير قطلوبغا الكركي والأمير يشبك الدوادار والأمير تمراز الناصري وجركس المصارع فِي جمَاعَة واختفوا بِالْقَاهِرَةِ وظواهرها فولي حِينَئِذٍ الْأَمِير شيخ المحمودي نَائِب الشَّام والأمير جكم وقرا يُوسُف وطولو فِي طَائِفَة يسيرَة وقصدوا الشَّام فَلم يتبعهُم أحد من عَسْكَر السُّلْطَان. ونادي السُّلْطَان بالأمان وَأصْبح فقيد من استأمن إِلَيْهِ من الْأُمَرَاء وبعثهم إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فاعتقلوا بهَا. وانجلت هَذِه الْفِتْنَة عَن تلف مَال العسكريين فَذهب فِيهَا من الْخَيل وَالْبِغَال وَالْجمال وَالسِّلَاح وَالثيَاب والآلات مَا لَا يدْخل تَحت حصر. وَفِي تَاسِع عشره: قبض على الصاحب تَاج الدّين بن البقري وعاقبه الْأَمِير جمال الدّين وَاسْتقر عوضه فِي الوزارة فَخر الدّين ماجد بن غراب وَكَانَ أَخُوهُ سعد الدّين قد ترامى عِنْد فراره من عَسْكَر الشاميين على الْأَمِير أينال بيه فَجمع بَينه وَبَين السُّلْطَان لَيْلًا ووعده بستين ألف دِينَار. فَأصْبح يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشره وَصعد القلعة فَخلع عَلَيْهِ السُّلْطَان وَجعله مُشِيرا وَجعل أَخَاهُ وزيراً. وَفِي ثَالِث عشرينه: خلع على الْأَمِير نوروز وَاسْتقر فِي نِيَابَة الشَّام وعَلى الْأَمِير بكتمر وَاسْتقر فِي نِيَابَة صفد وعَلى الْأَمِير سلامش - حَاجِب غَزَّة - وَاسْتقر فِي نيابتها وَنُودِيَ بِعرْض أجناد الشَّام. وَفِي ثَانِي عشرينه: مرض السُّلْطَان بحمى حادة قيل إِنَّهَا دوسنطاريا وَكثر رميه للدم وَاسْتمرّ بِهِ بَقِيَّة الشَّهْر. وَأما الْأَمِير شيخ فَإِنَّهُ قدم إِلَى غَزَّة وَمَعَهُ جكم وقرا يُوسُف فِي نَحْو الْخَمْسمِائَةِ فَارس معظمهم أَصْحَاب قرا يُوسُف وَقد غنموا شَيْئا كثيرا وفروا بِهِ وتمزقت عَسَاكِر الْأَمِير شيخ وَتَلفت أَمْوَاله وخيوله. وَمضى إِلَى دمشق فَقَدمهَا يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشرينه بعد مَا نهب اللجون وَخرج إِلَيْهِ بكتمر نَائِب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 132 صفد وَشَيخ السُّلَيْمَانِي نَائِب طرابلس - وَقد قدم صفد فِي نَحْو الْمِائَتَيْنِ - فتبعاه إِلَى عقبَة فيق فَلم يدركاه وتخطفا من أعقابه بعض خيل. فَوجدَ السُّلْطَان أَحْمد بن أويس صَاحب بَغْدَاد قد فر من دمشق فِي لَيْلَة الْأَحَد سادس عشره. وَكَانَ قد تَأَخّر بِدِمَشْق وَلم يتَوَجَّه مَعَ الْأُمَرَاء إِلَى مصر فأوقع الْأَمِير شيخ الحوطة ببيوت الْأُمَرَاء الَّذين خامروا عَلَيْهِ. وَأما حلب فَإِن الْأَمِير جكم لما سَار عَنْهَا ثار بهَا عدَّة من أمرائها وَرفعُوا سنجق السُّلْطَان بِبَاب القلعة فَاجْتمع إِلَيْهِم الْعَسْكَر وحلفوا للسُّلْطَان فَقدم ابْنا شَهْري الْحَاجِب ونائب القلعة من عِنْد التركمان البياضية إِلَى حلب. وَقَامَ بتدبير الْأُمُور يُونُس الحافظي. وامتدت أَيدي عرب الْعجل بن نعير وتراكمين ابْن صَاحب الباز إِلَى مُعَاملَة حلب فقسموها وَلم يدعوا لأحد من الْأُمَرَاء والأجناد شَيْئا من الْمغل. وَفِي سادس عشرينه: أشيع بِمَكَّة أَن ركب الْعرَاق قدم صُحْبَة ابْن تمرلنك بعسكر فاستعد الشريف حسن بن عجلَان أَمِير مَكَّة إِلَى لِقَائِه. وكشف عَن الْخَبَر فَتبين أَن محمل الْعرَاق قدم وَمَعَهُ حَاج ضعفاء بِغَيْر عَسْكَر. فَلَمَّا قضوا مَنَاسِك الْحَج تَأَخَّرُوا بعد مُضِيّ الركب الْمصْرِيّ يَوْمًا ثمَّ قاسوا طول الْكَعْبَة وعرضها وعدوا عمد الْمَسْجِد الْحَرَام وأبوابه فَأسر إِلَى ابْن عجلَان رجل مِمَّن حضر مَعَهم من بني حسن بِأَن تمرلنك كَانَ قد عزل على بعث جَيش عدتهمْ عشرَة آلَاف فَارس صُحْبَة الْمحمل فخوف من عَطش الدَّرْب فأخرهم وَبعث لكشف الطَّرِيق حَتَّى يبْعَث من قَابل عسكراً بكسوة الْكَعْبَة فَكتب بذلك ابْن عجلَان إِلَى السُّلْطَان. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 133 وَفِي هَذَا الشَّهْر: أَخذ نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن دلغادر قلعة درنده صلحا. واستهم لمحاربة مُحَمَّد بن كبك وَأخذ ملطية مِنْهُ. وَفِيه أَخذ قرا يلك قلعة الرها بعد حصارها مُدَّة وَأنزل بهَا وَلَده وَمضى إِلَى ماردين فَأخذ الْمَدِينَة وأحرقها وخربها وَحصر قلعتها وَأخذ التركمان كركر وكختا وبهسنا وعدة قلاع. وَلم تنسلخ هَذِه السّنة حَتَّى كل الخراب إقليم مصر وتلاشى الصَّعِيد ودثرت عدَّة مدن وَكثير من الْقرى وتعطلت مُعظم أراضيه من الزِّرَاعَة وتمزق أَهله أَيدي سبا وَبيع من الْأَطْفَال مَا لَا يدْخل تَحت حصر فاسترقوا بعد الْحُرِّيَّة وذلوا بعد الْعِزّ. وَفِيه كتب تَقْلِيد الْأَمِير عَلان اليحياوي فِي نِيَابَة حلب منتقلاً عَن نِيَابَة حماة وَتوجه على يَد متسفره أينال الخازندار. وَاسْتقر الْأَمِير بكتمر شلق نَائِب صفد فِي نِيَابَة طرابلس وَتوجه لتقليده الْأَمِير صرماش الْعمريّ وَاسْتقر عوضه فِي نِيَابَة صفد الْأَمِير بكتمر الركني ومتسفره أينال الخازندار. وَاسْتقر الْأَمِير دقماق المحمدي فِي نِيَابَة حماة عوضا عَن عَلان. وَاسْتقر الْأَمِير علم الدّين سلمَان فِي نِيَابَة الكرك والشوبك. وَاسْتقر الْأَمِير سلامش نَائِب غَزَّة عوضا عَن خاير بك. وَفِيه سَار الْأَمِير شيخ السُّلَيْمَانِي نَائِب طرابلس - بعد عَزله عَنْهَا - إِلَى جِهَة صفد. وَمَات فِي هَذِه السّنة الْوَزير بدر الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الطوخي. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 134 وَمَات نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن صَلَاح الدّين صَالح بن أَحْمد الْمَعْرُوف بِابْن السفاح الْحلَبِي توفّي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي محرم وَكَانَ قد قدم من حلب وباشر توقيع الْأَمِير يشبك الدوادار وَتعين لكتابة السِّرّ. وَمَات الْأَمِير قانباي رَأس نوبَة أحد أُمَرَاء العشرينات فِي يَوْم الْخَمِيس أول جُمَادَى الْآخِرَة. وَمَات عَليّ بن عمر بن الملقن نور الدّين بن سراج الدّين فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سلخ شعْبَان فَجْأَة بِمَدِينَة بلبيس وَحمل مَيتا فَدفن عِنْد أَبِيه بحوش الصُّوفِيَّة خَارج بَاب النَّصْر ومولده فِي شَوَّال سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَكَانَ قد برع فِي الْفِقْه ودرس بعد أَبِيه فِي عدَّة مَوَاضِع وناب فِي الحكم مُدَّة أَعْوَام حَتَّى فخم ذكره تعين لقَضَاء الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة وَكثر مَاله. وَمَات عبيد الله بن الأردبيلي فِي شهر رَمَضَان وَكَانَ يعد من فضلاء الْفُقَهَاء الْحَنَفِيَّة. وناب فِي الحكم مُدَّة ودرس وَولي قَضَاء الْعَسْكَر فِي أَيَّام تغلب الْأَمِير منطاش فَتَأَخر فِي الْأَيَّام الظَّاهِرِيَّة. وَمَات عبد الْمُنعم بن مُحَمَّد بن دَاوُد شرف الدّين الْبَغْدَادِيّ الْحَنْبَلِيّ فِي يَوْم السبت ثامن عشر شَوَّال وَقد انْتَهَت إِلَيْهِ رئاسة الْحَنَابِلَة وَكتب على الْفَتْوَى ودرس عدَّة سِنِين. وَكَانَ قد قدم من بَغْدَاد وَأخذ الْفِقْه عَن الْمُوَافق الْحَنْبَلِيّ قَاضِي الْقُضَاة. وَتعين لقَضَاء الْحَنَابِلَة ثمَّ ولى غَيره. وَانْقطع بالجامع الْأَزْهَر عدَّة سِنِين يدرس ويفتى وَلَا يخرج مِنْهُ إِلَّا فِي النَّادِر. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن عَبَّاس بن حُسَيْن بن مَحْمُود بن عَبَّاس الصلتي فِي مستهل جُمَادَى الأولى ولد فِي سَابِع عشْرين شعْبَان سنة خمس وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وَولي الْقَضَاء فِي عدَّة بِلَاد من مُعَاملَة دمشق ثمَّ ولي قَضَاء بعلبك وحمص وغزة وحماة. وَجمع فِي أَيَّام الْفِتْنَة بَين قَضَاء الْقُدس وغزة ونابلس. ثمَّ عمل مَالِكًا وَاسْتقر فِي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق ثمَّ ترك ذَلِك وَولي قَضَاء الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بِدِمَشْق وباشر مُبَاشرَة غير مشكورة. الْجُزْء الرَّابِع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 135 فارغه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 136 (سنة ثَمَان وَثَمَانمِائَة) الْمحرم أَوله الِاثْنَيْنِ وَيُوَافِقهُ خَامِس أبيب: أهل وَالسُّلْطَان قد اشْتَدَّ بِهِ الْمَرَض. وأرجف بِمَوْتِهِ لَيْلَة الِاثْنَيْنِ هَذَا فَبَاعَ فِي يَوْمه فرسا بِمِائَتي ألف دِرْهَم وَتصدق بهَا. وَفِي ثَانِيه: اسْتَقر صدر الدّين أَحْمد بن جمال الدّين مَحْمُود القيسري فِي حسبَة الْقَاهِرَة وعزل ابْن الجباس. وَفِي ثالثه: قدم مبشرو الْحَاج. وَفِي يَوْم السبت سادسه: بعث الْأَمِير شيخ نَائِب الشَّام برسالته: شهَاب الدّين أَحْمد ابْن حجي - أحد خلفاء الحكم بِدِمَشْق - وَالسَّيِّد نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الشريف عَلَاء الدّين عَليّ - نقيب الْأَشْرَاف - وَالْفَقِير المعتقد مُحَمَّد بن قدادار ويلبغا المنجكي وَمَعَهُمْ كِتَابه يتَضَمَّن الترقق والاعتذار عَمَّا وَقع مِنْهُ وَيسْأل استقراره فِي نِيَابَة الشَّام فقدموا الْقَاهِرَة يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث عشرينه وَدخل مِنْهُم على السُّلْطَان ابْن حجي وَابْن قديدار ويلبغا خَاصَّة لأَنهم الرُّسُل وَمن عداهم رفقاؤهم فَلم يلْتَفت السُّلْطَان إِلَى قَوْله ورسم أَن ينزل السَّيِّد نَاصِر الدّين عِنْد كَاتب السِّرّ وَينزل ابْن حجي وَابْن قدادار عِنْد القَاضِي الشَّافِعِي والمنجكي عِنْد الْأَمِير أينال بيه. وَأَن لَا يجتمعوا بِأحد. وَفِي تاسعه: اسْتَقر الْأَمِير قاني بيه فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة. وَفِي ثَالِث عشره: نُودي بالزينة لعافية السُّلْطَان فزينت الْقَاهِرَة ومصر إِلَى خَامِس عشره وَتوجه الْأَمِير يشبك الموساوي الأفقم إِلَى الشَّام يبشر بعافية السُّلْطَان. وَفِي ثَانِي عشرينه: قدم الْمحمل بِبَقِيَّة الْحَاج وَقد تَأَخّر عَن عَادَته يَوْمًا. وَفِي رَابِع عشرينه: سَار الْأَمِير نوروز الحافظي إِلَى دمشق بَعْدَمَا خلع عَلَيْهِ وَخرج لوداعه الْأُمَرَاء فَأَنَاخَ بالريدانية ثمَّ رَحل مِنْهَا ومضي لشأنه وَمَعَهُ متسفره برد بك الخازندار فِي ثامن عشرينه. وَفِي هَذَا الشَّهْر: بلغ المثقال الذَّهَب إِلَى مائَة وَأَرْبَعين وَالدِّينَار الأفرنتي إِلَى مائَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 137 وَعشْرين. والفلوس كل رَطْل عَنهُ سِتَّة دَرَاهِم وَاسْتمرّ الْأَمر عَلَيْهِ وأبيع الْقَمْح بِمِائَة وَسبعين درهما فُلُوسًا الأردب وَالشعِير والفول بِمِائَة وَخمسين الأردب وَاللَّحم الضَّأْن السليخ بسبعة دَرَاهِم الرطل والسميط كل رَطْل بِسِتَّة دَرَاهِم وَلحم الْبَقر بأَرْبعَة دَرَاهِم وَهُوَ قَلِيل جدا. وكل بَيْضَة بِنصْف دِرْهَم وكل راوية مَاء من عشرَة دَرَاهِم إِلَى اثْنَي عشر درهما. وَسَائِر مَا يُبَاع غال حَتَّى بلغ الْقدح الْأرز إِلَى ثَلَاثَة عشر درهما. وبيعت ملوطتان قطن قد لبستا وغسلتا بِأَلفَيْنِ ومائتي دِرْهَم وَأَرْبَعين درهما. وَبلغ رَطْل الْحبّ رمان إِلَى عشرَة دَرَاهِم. وَأما الْأَمِير شيخ نَائِب الشَّام فَإِنَّهُ قبض فِي سابعه على الْأَمِير سودن الظريف وَحمله إِلَى الصبيبة فسجن بهَا. وَقبض على الْقُضَاة وَكَاتب السِّرّ والوزير. وَولي ابْن باشى قَاضِي دمشق. ومشي قُضَاة دمشق فِي خدمته وَهُوَ رَاكب من بَاب النَّصْر إِلَى العادلية وسلمهم إِلَيْهِ ليصادرهم فَفرُّوا مِنْهُ لَيْلًا وبذلوا للأمير شيخ مَالا وعادوا إِلَى الْقَضَاء. واستناب ابْن أبي الْبَقَاء ابْن باشى. شهر صفر أَوله الْأَرْبَعَاء: وَفِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ سادسه: قبض على الْأَمِير يشبك بن أزدمر رَأس نوبَة والأمير تمراز والأمير سودن من إخْوَة سودن طاز فاختفى الْأَمِير أينال بيه أَمِير أخور وَمَعَهُ الْأَمِير سودن الجلب وحزمان فِي جمَاعَة فأحاط السُّلْطَان بدورهم وَأخذ مَا قدر عَلَيْهِ. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء سابعه: سفر ابْن أزدمر وتمر سودن إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجنوا بهَا. وَأما أينال بيه فَإِنَّهُ دَار على جمَاعَة من الْأُمَرَاء ليركبوا مَعَه فَلم يوافقوه فاختفى وَاجْتمعَ طَائِفَة من المماليك السُّلْطَانِيَّة تَحت القلعة. فأغلق بَاب الإصطبل وَكَثُرت مُفَاوَضَة المماليك من القلعة وَفِي تاسعه: اسْتَقر فَخر الدّين ماجد وَيَدعِي عبد الله بن سديد الدّين أبي الْفَضَائِل ابْن سناء الْملك الْمَعْرُوف بِابْن المزوق كَاتب سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب فِي نظر الْجَيْش وعزل الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله. وأعيد ابْن شعْبَان إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة وعزل صدر الدّين أَحْمد بن العجمي. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة عاشره: ظهر الْأَمِير أينال بيه بن قجماس وطلع بِهِ الْأَمِير بيبرس بن أُخْت السُّلْطَان إِلَى القلعة فَكثر الْكَلَام. ثمَّ آل الْأَمر إِلَى أَن قبض عَلَيْهِ السُّلْطَان وأرسله إِلَى دمياط فِي حادي عشره بطالاً. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 138 وَفِي رَابِع عشره: أُعِيد الأخناي إِلَى قَضَاء الْقُضَاة وَصرف شيخ الْإِسْلَام جلال الدّين. وَفِي يَوْم السبت ثامن عشره: - وخامس عشْرين مسرى - وَفِي النّيل فَركب الْأَمِير الْكَبِير بيبرس لكسر الخليج فِي عدَّة من الْأُمَرَاء. وَفِي حادي عشرينه: فرق السُّلْطَان إقطاعات الْأُمَرَاء الممسوكين فأنعم بإقطاع إينال باي بن قجماس على الْأَمِير تغري بردى وبإقطاع تغري بردى على الْأَمِير دمرداش نَائِب حلب وبإقطاع دمرداش على الْأَمِير أزبك الإبراهيمي. وأنعم على الْأَمِير بيبرس الصَّغِير الدوادار بإمرة مائَة وعَلى قراجا بإمرة عشْرين نقل إِلَيْهَا من إمرة عشرَة وعَلى الْأَمِير بشباي الْحَاجِب بإمرة مائَة نقل إِلَيْهَا من الطبلخاناة. وعَلى الْأَمِير عَلان بإمرة مائَة وأنعم بطبلخاناة سودن الجلب على الْأَمِير ألتش الشَّعْبَانِي نقل إِلَيْهَا من إمرة عشرَة. وَفِي ثَالِث عشرينه: نقل الْأَمِير شرباش من وَظِيفَة رَأس نوبَة وَاسْتقر أَمِير أخور كَبِير عوضا عَن أينال بيه. وَاسْتقر الْأَمِير أرسطاي حَاجِب الْحجاب عوضا عَن الْأَمِير بشباي. وَفِي سَابِع عشرينه: أُعِيد صدر الدّين أَحْمد بن العجمي إِلَى الْحِسْبَة وعزل ابْن شعْبَان. وَاسْتقر الْحِجَازِي وَالِي الْقَاهِرَة وعزل نَاصِر الدّين مجد المحني. وَأما الْأَمِير شيخ فَإِنَّهُ توجه من دمشق وَمَعَهُ الْأَمِير جكم والأمير قرا يُوسُف فِي نصفه لِحَرْب الْأَمِير نعير فأدركوا أعقابه ثمَّ اخْتلفُوا فَمضى جكم إِلَى نَاحيَة طرابلس ومضي بقرًا يُوسُف إِلَى جِهَة الشرق عَائِدًا إِلَى بِلَاده. وَعَاد الْأَمِير شيخ من الْبِقَاع فَنزل سطح المزة فِي ثامن عشره وَمَعَهُ خواصه فَقَط فَأَقَامَ يَسِيرا وَتوجه إِلَى جِهَة الصبيبة. فَدخل الْأَمِير نوروز دمشق يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي عشرينه من غير قتال وَلَا نزاع على عَادَة النواب. وَبلغ فِي هَذَا الشَّهْر بِالْقَاهِرَةِ الأردب الْأرز إِلَى ألف ومائتي دِرْهَم غير كلفه. وَبلغ القنطار السيرج إِلَى ألف وَثَلَاثِينَ درهما غير كلفه. وبيعت بطيخة خضراء بِعشْرين درهما. وأبيع الرطل الْعِنَب بأَرْبعَة دَرَاهِم والرطل الخوخ بِدِرْهَمَيْنِ وَنصف والتين بدرهم وَنصف الرطل وَالْقِنْطَار القرع بِثَمَانِينَ درهما. وَفِيه نَادَى الْأَمِير نوروز على الْفُلُوس كل رَطْل شَامي بِتِسْعَة دَرَاهِم وَمنع من ضرب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 139 الْفُلُوس بِدِمَشْق. ثمَّ نَادَى أَن يكون الرطل من الْفُلُوس بِسِتَّة فَصَارَ الدِّرْهَم الْفُلُوس كالدرهم الْفضة. وَالدِّينَار الإفرنتي بِخَمْسَة وَعشْرين درهما إِمَّا فضَّة وَإِمَّا فُلُوسًا. واستقام أَمر النَّاس بِدِمَشْق فِي الْمُعَامَلَة. شهر وَبيع الأول أواله الْخَمِيس: فِيهِ اسْتَقر جمال الدّين عبد الله بن قَاضِي الْقُضَاة نَاصِر الدّين التنسي فِي قَضَاء الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة وَصرف الْبِسَاطِيّ ثمَّ صرف يَوْم السبت ثالثه وأعيد الْبِسَاطِيّ فَكَانَت ولَايَته يَوْمَيْنِ. وَفِي خامسه: اسْتَقر الْأَمِير بشباي رَأس نوبَة كَبِيرا عوضا عَن يشبك بن أزدمر. وأعيد شيخ الْإِسْلَام جلال الدّين بن البُلْقِينِيّ إِلَى قَضَاء الْقُضَاة وعزل الأخناي فَكَانَت مُدَّة عَزله وَولَايَة الأخناي يَوْمًا. وَهَذِه خَامِسَة ولايات شيخ الْإِسْلَام قَاضِي الْقُضَاة. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء سادسه: تخبطت الْأَحْوَال بَين السُّلْطَان وَبَين المماليك فَوقف طَائِفَة من المماليك الجراكسة وسألوا أَن يقبض على الْأَمِير تغري بردى والأمير دمرداش والأمير أرغون من أجل أَنهم من جنس الرّوم. وَذَلِكَ أَن السُّلْطَان اخْتصَّ بهم وَتزَوج ابْنة تغري بردى وَأعْرض عَن الجراكسة وَقبض على أينال بيه فخاف الجراكسة من تقدم الرّوم عَلَيْهِم وَأَرَادُوا من السُّلْطَان إبعادهم فَأبى عَلَيْهِم فتحزبوا عَلَيْهِ واجتمعوا على الْأَمِير الْكَبِير بيبرس وتأخروا عَن الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة فتغيب فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء الأميران تغري بردى ودمرداش. وَأصْبح النَّاس يَوْم الْأَرْبَعَاء سابعه وَقد ظهر الْأَمِير يشبك الدوادار والأمير تمراز والأمير جركس المصارع والأمير قانباي العلاي وَكَانُوا مختفين من حِين الكسرة بعد وقْعَة السعيدية. وَذَلِكَ أَن الْأَمِير بيبرس ركب سحرًا إِلَى السُّلْطَان وتلاحى مَعَه طَويلا وعرفه بمواضع الْأُمَرَاء الْمَذْكُورين فاستقر الْأَمر على مصالحة السُّلْطَان للجراكسة وإحضار الْأُمَرَاء الْمَذْكُورين والإفراج عَن إينال باي وَغَيره فَانْفَضُّوا على ذَلِك. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 140 وَفِي ثامنه: اسْتَقر سودن المحمدي - الْمَعْرُوف بتلي يَعْنِي الْمَجْنُون - أَمِير أخور وَصرف جرباش. وَفِي يَوْم السبت عاشره: طلع الْأَمِير يشبك وتمراز والمصارع وَغَيره إِلَى القلعة فَخلع السُّلْطَان عَلَيْهِم خلع الرِّضَا ونزلوا إِلَى دُورهمْ. وَفِي ثَانِي عشره: أُعِيد الْهوى إِلَى الْحِسْبَة وعزل ابْن العجمي. وَفِي خَامِس عشره: قدم الْأَمِير قطلوبغا الكركي والأمير أينال حطب وسودن الحمزاوي ويلبغا الناصري وتمر وأسندمر الناصري الْحَاجِب من الْإسْكَنْدَريَّة. وَقدم الْأَمِير أينال بيه بن قجماس والأمير تمان تمر الناصري رَأس نوبَة من دمياط. وَفِي تَاسِع عشره: قدم الْأَمِير يشبك بن أزدمر من سجن الْإسْكَنْدَريَّة. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء عشرينه: قبض على فتح الدّين فتح الله كَاتب السِّرّ وتسلمه الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن كلفت شاد الدَّوَاوِين وأحيط بداره وحواصله وألزم بِحمْل ألف ألف دِرْهَم. وَاسْتقر عوضه فِي كِتَابَة السِّرّ سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب وخلع عَلَيْهِ الْأُمَرَاء بطراز ذهب وَلم يعْهَد هَذَا قبله. وَفِي ثَانِي عشرينه: ظهر الْأَمِير دمرداش المحمدي نَائِب حلب من اختفائه. وخلع عَلَيْهِ بنيابة غَزَّة وأنعم عَلَيْهِ بِمَال كَبِير وخيول فَسَار فِي يَوْم السبت رَابِع عشرينه. وخلع على يشبك بن أزدمر بنيابة ملطية فَامْتنعَ من ذَلِك فأكره حَتَّى لبس الخلعة ووكل بِهِ الْأَمِير أرسلان حَاجِب الْحجاب والأمير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن جلبان الْحَاجِب حَتَّى أَخْرجَاهُ من فوره إِلَى ظَاهر الْقَاهِرَة. وَبعث السُّلْطَان إِلَى الْأَمِير أزبك الإبراهيمي - الْمَعْرُوف بخاص خرجي وَكَانَ قد تَأَخّر عَن الْخدمَة بِأَن يسْتَقرّ فِي نِيَابَة طرسوس فَأبى أَن يقبل والتجأ إِلَى بَيت الْأَمِير أينال بيه. فَاجْتمع طَائِفَة من المماليك ومضوا إِلَى يشبك بن أزدمر وردوه فِي لَيْلَة الْجُمُعَة ثَالِث عشرينه وَقد وصل قَرِيبا من سرياقوس وضربوا الْحَاجِب وَصَارَ الْعَسْكَر حزبين وَأظْهر الجراكسة الْخلاف ووقفوا تَحت القلعة يمْنَعُونَ من يقْصد السُّلْطَان وَجلسَ الْأَمِير الْكَبِير بيبرس فِي جمَاعَة من الْأُمَرَاء بداره. وَصَارَ السُّلْطَان بالقلعة وَعِنْده عدَّة أُمَرَاء. وَتَمَادَى الْحَال يَوْم الْخَمِيس وَالْجُمُعَة والسبت وَالنَّاس فِي قلق وَبينهمْ قالة وتشانيع وإرجافات. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 141 وَفِي يَوْم السبت هَذَا: نزل السُّلْطَان إِلَى بَاب السلسلة وَاجْتمعَ مَعَه بعض الْأُمَرَاء ليصلح الْأَمر فَلم يفد شَيْئا وَكَثُرت الشناعة عَلَيْهِ. وَبَاتُوا على مَا هم عَلَيْهِ. وَأَصْبحُوا يَوْم الْأَحَد خَامِس عشرينه وَقد كَثُرُوا فطلبوا من السُّلْطَان أَن يبْعَث إِلَيْهِم بالأمير تغري بردى والأمير أرغون. فَلَمَّا بعثهما قبضوا عَلَيْهِمَا وأخرجوا تغري بردى منفياً فِي الترسيم إِلَى الْقُدس. فَلَمَّا كَانَ عِنْد الظهيرة فقد السُّلْطَان من القلعة فَلم يعرف لَهُ خبر. وَسبب اختفائه أَن النوروز كَانَ فِي يَوْم السبت رَابِع عشْرين ربيع الأول هَذَا فَجَلَسَ السُّلْطَان مَعَ عدَّة من خاصكيته لمعاقرة الْخمر ثمَّ ألقِي نَفسه فِي بحره مَاء وَقد ثمل فَتَبِعَهُ جمَاعَة وألقوا أنفسهم مَعَه فِي المَاء. وَسبح بهم فِي البحرة وَقد ألقِي السُّلْطَان عَنهُ جِلْبَاب الْوَقار وساواهم فِي الدعابة والمجون فتناوله من بَينهم شخص وغمه فِي المَاء مرَارًا كَأَنَّهُ يمازحه ويلاعبه وَإِنَّمَا يُرِيد أَن يَأْتِي على نَفسه. مِمَّا هُوَ إِلَّا أَن فطن بِهِ فبادر إِلَيْهِ بعض الْجَمَاعَة - وَكَانَ رومياً - وخلصه من المَاء وَقد أشرف على الْمَوْت فَلم يبد السُّلْطَان شَيْئا وكتم فِي نَفسه. ثمَّ باح بِمَا أسره لِأَنَّهُ كَانَ لَا يسْتَطع كتمان سر. وَأخذ يذم الجراكسة - وهم قوم أَبِيه وشوكة دولته وَحل عسكره - ويمدح الرّوم ويتعصب لَهُم وينتمي إِلَيْهِم فَإِن أمه شيرين كَانَت رُومِية. فشق ذَلِك على الْقَوْم وَأخذُوا حذرهم وصاروا إِلَى الْأَمِير الْكَبِير بيبرس ابْن أُخْت الظَّاهِر واستمالوه فخاف السُّلْطَان وهم أَن يفر فبادره الْأَمِير بيبرس وعنفه وَمَا زَالَ بِهِ حَتَّى أحضر الْأُمَرَاء من الْإسْكَنْدَريَّة ودمياط وَأظْهر الْأُمَرَاء المختفين كَمَا ذكر فَاجْتمع الأضداد واقترن العدي والأنداد. ثمَّ عَادوا إِلَى مَا هم عَلَيْهِ من الْخلاف بعد قَلِيل وَأَعَانَهُمْ السُّلْطَان على نَفسه بِإِخْرَاج يشبك بن أزدمر وأزبك فأبدوا عِنْد ذَلِك صفحات وُجُوههم وأعلنوا بِخِلَافِهِ وصاروا إِلَى أينال باي بن قجماس لَيْلَة الْجُمُعَة وَسعوا فِيمَا هم فِيهِ. ثمَّ دسوا إِلَيْهِ سعد الدّين بن غراب كَاتب السِّرّ فخيله مِنْهُم حَتَّى امْتَلَأَ قلبه خوفًا. فَلَمَّا علم ابْن غراب بِمَا هُوَ فِيهِ من الْخَوْف حسن لَهُ أَن يفر فَمَال إِلَيْهِ. وَقَامَ وَقت الظّهْر من بَين حرمه وَأَوْلَاده وَخرج من ظهر القلعة فن بَاب السِّرّ الَّذِي يَلِي القرافة وَمَعَهُ الْأَمِير بيغوت فركبا فرسين قد أعدهما ابْن غراب وسارا مَعَ بكتمر مَمْلُوك ابْن غراب ويوسف بن قطلوبك صهره أَيْضا إِلَى بركَة الْحَبَش. وَنزلا وهما مَعَهُمَا فِي مركب وَتركُوا الْخَيل نَحْو طرا وغيبوا نهارهم فِي النّيل حَتَّى دخل اللَّيْل فَسَارُوا بالمركب إِلَى بَيت ابْن غراب وَكَانَ فِيمَا بَين الخليج وبركة الْفِيل فَلم يجدوه فِي دَاره فَمروا على أَقْدَامهم حَتَّى أووا فِي بَيت بِالْقَاهِرَةِ لبَعض معارف بكتمر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 142 مَمْلُوك ابْن غراب. ثمَّ بعثوا إِلَى ابْن غراب فحول السُّلْطَان إِلَيْهِ وأنزله عِنْده بداره من غير أَن يعلم بذلك أحد. وَقد حَدثنِي بكتمر الْمَذْكُور بِهَذَا فِيمَا بعد وَقد صحبته فِي السّفر فبلوت مِنْهُ دينا وَصدق لهجة وشجاعة وَمَعْرِفَة ومحبة فِي الْعلم وَأَهله. السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور عز الدّين أَبُو الْعِزّ عبد الْعَزِيز بن السُّلْطَان الظَّاهِر أبي سعيد برقوق بن أنص ثَالِث مُلُوك الجراكسة أمه أم ولد تركية اسْمهَا قنقباي. ولد بعد التسعين وَسَبْعمائة بسنيات وَجعل أَبوهُ إِلَيْهِ السلطنة بعد أَخِيه النَّاصِر فرج. فَلَمَّا فقد الْملك النَّاصِر وَقت الظّهْر من يَوْم الْأَحَد خَامِس عشْرين ربيع الأول بَادر الْأُمَرَاء بالركوب إِلَى القلعة وهم طَائِفَتَانِ: الطَّائِفَة الَّتِي خَالَفت عَليّ النَّاصِر فِي السّنة الْمَاضِيَة وحاربته ثمَّ مَضَت إِلَى الشَّام فشنت الغارات وَأَقْبَلت بالعساكر وبيتته بالسعيدية. وانتهبت مَا كَانَ مَعَه وَمَعَ عساكره حَتَّى رَجَعَ إِلَى قلعة الْجَبَل على جمل. فَجمع وحشد. وَأعد واستعد فقاتلوه أَيَّامًا ثمَّ غلبوا فكر بَعضهم رَاجعا إِلَى الشَّام واختفى بَعضهم إِلَى أَن أَمنهم وأعادهم إِلَى رتبهم. وهم عدَّة يرجع أَمرهم إِلَى الْأَمِير يشبك الدوادار. والطائفة الْأُخْرَى هِيَ الَّتِي وفت للناصر وحاربت من ذكرنَا مَعَه وَكَبِيرهمْ الْأَمِير الْكَبِير بيبرس ابْن أُخْت الظَّاهِر. فَلَمَّا صَار الْفَرِيقَانِ إِلَى القلعة مَنعهم الْأَمِير سودون تلى المحمدي أَمِير أخور من صعُود القلعة وهم يضرعون إِلَيْهِ من بعد نصف النَّهَار إِلَى بعد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 143 غرُوب الشَّمْس. ثمَّ مكنهم من العبور من بَاب السلسلة. وَقد أحضروا الْخَلِيفَة والقضاة الْأَرْبَع واستدعوا الْأَمِير عبد الْعَزِيز بن الظَّاهِر وَقد ألبسهُ بن غراب الخلعة الخليفتية وعممه. فعهد إِلَيْهِ الْخَلِيفَة أَبُو عبد الله مُحَمَّد المتَوَكل على الله بالسلطنة ولقبوه الْملك الْمَنْصُور عز الدّين وكنوه بِأبي الْعِزّ. وَذَلِكَ عِنْد أَذَان عشَاء الْآخِرَة من لَيْلَة الِاثْنَيْنِ سادس عشْرين ربيع الأول وَقد ناهز الِاحْتِلَام. وصعدوا بِهِ من الإسطبل إِلَى الْقصر. وَلم تدق البشائر على الْعَادة وَلَا زينت الْقَاهِرَة وَأصْبح النَّاس فِي سُكُون وهدوء فَنُوديَ بالأمان وَالدُّعَاء للْملك الْمَنْصُور. فتحيرت المماليك الَّتِي من عصبَة النَّاصِر. وأشاعوا أَنه مضى بِهِ دمرداش نَائِب حلب وبيغوت إِلَى الشَّام. وهم كثير مِنْهُم باللحاق بِهِ فأشاع آخَرُونَ أَنه قتل وَأعْرض الْأُمَرَاء عَن الفحص عَنهُ وَتَوَاصَوْا بالِاتِّفَاقِ. وَقَامَ بن غراب بأعباء المملكة يدبر الْأُمَرَاء كَيفَ شَاءَ. والمنصور تَحت كَفَالَة أمه. لَيْسَ لَهُ من السلطنة سوى مُجَرّد الِاسْم فِي الخطة وعَلى أَطْرَاف المراسيم. وَفِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشرينه: عملت الْخدمَة بالإيوان الْمَعْرُوف بدار الْعدْل وَجلسَ السُّلْطَان على تخت الْملك. وَحضر الْأُمَرَاء والقضاة وَأهل الدولة على الْعَادة وخلع على أَرْبَاب الْوَظَائِف. فاستمر الْأَمِير الْكَبِير بيبرس على عَادَته أتابك العساكر والأمير أقباي أَمِير سلَاح وسودن الطيار أَمِير مجْلِس وسودن تلى المحمدي أَمِير أخور وبشباي رَأس نوبَة كَبِيرا وأرسطاي حَاجِب الْحجاب وَسعد الدّين بن غراب كَاتب السِّرّ وفخر الدّين ماجد بن غراب وزيراً وفخر الدّين بن المرزوق نَاظر الْجَيْش. وخلع على الْقُضَاة الْأَرْبَع خلع الِاسْتِمْرَار. وَفِي هَذَا الشَّهْر: بلغ المثقال الذَّهَب إِلَى مائَة وَخمسين والإفرنتي إِلَى مائَة وَثَلَاثِينَ فَنُوديَ فِي سَابِع عشرينه أَن المثقال بِمِائَة وَأَرْبَعين والأفرنتي بِمِائَة وَعشْرين من أجل أَنه توقف الذَّهَب من قلَّة الْفُلُوس وَذَلِكَ أَنَّهَا صَارَت رخيصة وكل قِنْطَار مِنْهَا بستمائة عَنْهَا أَرْبَعَة مَثَاقِيل من الذَّهَب. وَمَعَ ذَلِك يُبَاع النّحاس الْأَحْمَر الَّذِي لم يضْرب بألفي دِرْهَم عَنْهَا ثَلَاثَة عشر مِثْقَالا وَثلث. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 144 فضن التُّجَّار بِإِخْرَاج الْفُلُوس حَتَّى اتضع الذَّهَب وَكثر فِي الْأَيْدِي وزهد الباعة فِي أَخذه. فتوقفت الْأَحْوَال بِسَبَب هَذَا حَتَّى نُودي فمشت الْأَحْوَال. وَفِيه أبيع الأردب الْقَمْح بمائتين وَعشْرين وَالشعِير والفول بِمِائَة وَعشْرين وَبلغ الْأرز إِلَى سِتَّة عشر درهما الْقدح. وأبيع الباذنجان كل وَاحِدَة بِنصْف دِرْهَم. والرطل اللَّحْم الضَّأْن بِثمَانِيَة دَرَاهِم. وَلحم الْبَقر بِخَمْسَة دَرَاهِم الرطل. وَبيع رأسان من الْبَقر - بعد النداء عَلَيْهِمَا بحراج حراج فِي السُّوق - بِاثْنَيْ عشر ألف دِرْهَم. وَبلغ الأردب من زريعة الجزر إِلَى خَمْسمِائَة دِرْهَم والقدح من بزر الفجل إِلَى مائَة وَخمسين درهما. والقدح من بزر اللفت إِلَى ثَمَانِينَ درهما. والرطل من لحم الْجمل بِثَلَاثَة دَرَاهِم وَنصف بعد خَمْسَة أَرْطَال بدرهم. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كَانَت وقْعَة بَين الْمُسلمين والفرنج بالأندلس. وَذَلِكَ أَن مُدَّة الصُّلْح بَين الْمُسلمين بغرناطة وَبَين الطاغية صَاحب قشتالة لما انْقَضتْ أبي الطاغية من الصُّلْح فَبعث السُّلْطَان أَبُو سعيد عُثْمَان صَاحب مَاس عشْرين غراباً أوسقها بِالْعدَدِ والزاد وجهز ثَلَاثَة آلَاف فَارس قدم عَلَيْهِم الْقَائِد مارح. وَجعل الشَّيْخ عمر بن زيان الوساطي على ألف فَارس أُخْرَى. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 145 فنزلوا سبتة. وجهز أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي الْحجَّاج يُوسُف - صَاحب غرناطة - أسطوله إِلَى جبل الْفَتْح فَلَقِيَهُمْ أسطول الطاغية بالزقاق فِي يَوْم الْجُمُعَة سادس عشرَة وَقَاتلهمْ. وَقد اجْتمع أهل فاس وَأهل غرناطة فَكَانَت النُّصْرَة للفرنج وَلم ينج من الْمُسلمين إِلَّا الْقَلِيل. وغنم الفرنج المراكب كلهَا بِمن فِيهَا وَمَا فِيهَا. فَكَانَت مُصِيبَة عَظِيمَة تكالب فِيهَا الفرنج على الْمُسلمين وَقَوي طمعهم فيهم. فِيهِ بلغ الأردب الْقَمْح إِلَى مِائَتي دِرْهَم وَسِتِّينَ. وَلحم الضَّأْن إِلَى عشرَة دَرَاهِم الرطل. وَلحم الْبَقر إِلَى خَمْسَة وَنصف. وَفِيه انْتَهَت زِيَادَة مَاء النّيل إِلَى تسع عشرَة ذِرَاعا سَوَاء وعزت ألبقار وَطلبت لأجل حرث الْأَرَاضِي فأبيع ثَوْر بِثمَانِيَة آلَاف دِرْهَم. وَفِي آخر نَهَار الْأَرْبَعَاء ثامن عشره: أفرج عَن فتح الله كَاتب السِّرّ. على أَن يحمل خَمْسمِائَة ألف دِرْهَم فُلُوسًا. عَنْهَا ثَلَاثَة آلَاف وثلاثمائة وَثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ مِثْقَالا ذَهَبا وَثلث مِثْقَال. وَفِيه توجه الْأَمِير نوروز نَائِب الشَّام من دمشق إِلَى الصبيبة لقِتَال الْأَمِير شيخ. شهر جُمَادَى الأولى أَوله الْأَحَد. فِيهِ بلغ رَطْل اللَّحْم الضَّأْن إِلَى اثْنَي عشر درهما وَلحم الْبَقر إِلَى سِتَّة دَرَاهِم والأردب الْقَمْح إِلَى مائَة وَثَمَانِينَ وَبَلغت الْفضة الكاملية إِلَى أَرْبَعمِائَة وَسبعين درهما فُلُوسًا كل مائَة دِرْهَم مِنْهَا. وَبلغ القنطار الزَّيْت إِلَى سِتّمائَة وَعشْرين. وَبيع فِي السُّوق بحراج ثَمَانِيَة أطيار من الدَّجَاج بستمائة دِرْهَم وَبيع زوج أوز بستمائة دِرْهَم. فَوقف فِيهِ اللَّحْم - بعد عطه - كل رَطْل بِخَمْسَة وَعشْرين درهما. وَفِيه فَشَتْ الْأَمْرَاض الحادة فِي النَّاس بِالْقَاهِرَةِ ومصر وشنع موت الأبقار. فَبلغ لحم الضَّأْن إِلَى خَمْسَة عشر درهما الرطل وبيعت ثَلَاث رمانات بستين درهما والرطل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 146 الكثمري بِعشْرين درهما وغلت الأسعار بغزة أَيْضا فَبيع الْقدح الْقَمْح بسبعة دَرَاهِم والقدح الشّعير بِخَمْسَة والقدح العدس بِعشْرَة وَبيع فِي الْقَاهِرَة بطيخة بِثمَانِيَة وَسِتِّينَ درهما بعد دِرْهَم والرطل من لعاب السفرجل بِمِائَة وَثَلَاثِينَ من كَثْرَة طلبه للمرضى. وَفِي حادي عشره: توجه الطواشي الْأَمِير شاهين الحسني - لالا السُّلْطَان - فِي عشرَة سروج لإحضار الْأَمِير شيخ المحمودي نَائِب الشَّام والأمير جكم وَقد ورد كتاب للأمير شيخ قبل ذَلِك بِعشْرين يَوْمًا وَكتاب الْأَمِير جكم بعد كتاب الْأَمِير شيخ بِعشْرَة أَيَّام يخبرا بِأَنَّهُمَا حاربا الْأَمِير نوروز وهزماه وَأَنه لحق بطرابلس ودخلا إِلَى دمشق فولي الْأَمِير شيخ قَضَاء دمشق شهَاب الدّين أَحْمد بن الْحسب فِي الشَّافِعِي فِي ثَانِيه. وَفِي سَابِع عشرَة: خرج الْأَمِير جكم من دمشق فِي جماعته يُرِيد محاربة الْأَمِير نوروز وَقد ورد الْخَبَر بنزوله على بحرة حمص ثمَّ تلاه الْأَمِير شيخ بجماعته فَبلغ ذَلِك نوروز فَسَار فِي عَشِيَّة الْأَرْبَعَاء ثامن عشره إِلَى حماة وَنزل شيخ وجكم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 147 حمص إِلَى يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع عشرينه. ثمَّ سارا إِلَى طرابلس وَقد نزل نائبها بأعناز ففر عَنهُ من مَعَه وَمضى يُرِيد حماة. فَدخل شيخ وَحكم طرابلس يَوْم الْخَمِيس سادس عشرينه فَنزل حكم بدار النِّيَابَة. فَلَمَّا بلغ عَلان نَائِب حلب نزُول نوروز وبكتمر نَائِب طرابلس على حماة سَار إِلَى نوروز شهر جُمَادَى الْآخِرَة أَوله الثُّلَاثَاء. فِيهِ مرض السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة رابعه: عَادَتْ الْخُيُول من الرّبيع. وَظهر بَين أهل الدولة حَرَكَة فكثرت القالة وَبَات المماليك تسْعَى بَعْضهَا إِلَى بعض فَظهر الْملك النَّاصِر فِي بَيت الْأَمِير سودن الحمزاوي وتلاحق بِهِ كثير من الْأُمَرَاء والمماليك وَلم يطلع الْفجْر حَتَّى ركب السُّلْطَان بِآلَة الْحَرْب. وَإِلَى جَانِبه ابْن غراب. وَعَلِيهِ آلَة الْحَرْب. وَسَار بِمن اجْتمع إِلَيْهِ يُرِيد القلعة فقاتله سودن المحمدي أَمِير أخور وأينال بيه بن قجماس وبيبرس الكبيري ويشبك بن أزدمر وسودن المارديني قتالاً لَيْسَ بِذَاكَ. ثمَّ انْهَزمُوا وَصعد السُّلْطَان إِلَى القلعة فَكَانَت مُدَّة عبد الْعَزِيز سبعين يَوْمًا. عود السُّلْطَان زين الدّين فرج إِلَى الْملك عود السُّلْطَان الْملك النَّاصِر زين الدّين فرج ابْن الْملك الظَّاهِر برقوق إِلَى الْملك ثَانِيًا وَذَلِكَ أَنه لما فقد من القلعة وَصَارَ إِلَى بَيت سعد الدّين بن غراب وَمَعَهُ بيغوت الجزء: 6 ¦ الصفحة: 148 قَامَ لَهُ بِمَا يَلِيق بِهِ. وَأعلم الْأَمِير يشبك بِهِ فخفي على أهل الدولة مَكَانَهُ وَلم يعبأوا بِهِ. وَأخذ ابْن غراب يدبر فِي الْقَبْض على الْأَمِير أينال بيه فَلم يتم لَهُ ذَلِك فَلَمَّا تمادت الْأَيَّام قرر مَعَ الطَّائِفَة الَّتِي كَانَت فِي الشَّام من الْأُمَرَاء وهم: يشبك وقطلو بغا الكركي وسودن الحمزاوي فِي آخَرين أَنه يخرج إِلَيْهِم السُّلْطَان ويعيدوه إِلَى الْملك لينفردوا بتدبير الْأُمُور. وَذَلِكَ أَن الْأَمِير بيبرس الأتابك قويت شوكته على يشبك وَصَارَ يتَرَدَّد إِلَيْهِ وَيَأْكُل على سماطه فعز عَلَيْهِ وعَلى أَصْحَابه ذَلِك فَمَا هُوَ إِلَّا أَن أعلمهم ابْن غراب بالْخبر وافقوه على ذَلِك وواعد بَعضهم بَعْضًا. فَلَمَّا استحكم أَمرهم برز النَّاصِر نصف لَيْلَة السبت خَامِس جُمَادَى الْآخِرَة من بَيت ابْن غراب. وَنزل بدار الْأَمِير سودن الحمزاوي واستدعى النَّاس فَأتوهُ من كل جِهَة. وَركب وَعَلِيهِ سلاحه. وَابْن غراب إِلَى جَانِبه وَقصد القلعة فناوشه من تَأَخّر عَنهُ من الْأُمَرَاء قَلِيلا ثمَّ فروا فَملك السُّلْطَان القلعة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 149 بأيسر شَيْء. وَذَلِكَ أَن صوماي رَأس نوبَة كَانَ قد وكل بِبَاب القلعة فعندما رأى السُّلْطَان فتح لَهُ فطلع مِنْهُ وَملك الْقصر فَلم يثبت بيبرس وَمن مَعَه ومروا منهزمين. فَبعث السُّلْطَان بالأمير سودن الطيار فِي طلب الْأَمِير بيبرس فأدركه خَارج الْقَاهِرَة فقاتله وَأَخذه وأحضره إِلَى السُّلْطَان فقيده وَبَعثه إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجن بهَا. واختفي الْأَمِير أينال بيه بن قجماس والأمير سودن المارديني. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سابعه: خلع على الْأَمِير يشبك الشَّعْبَانِي وَاسْتقر أتابك العساكر عوضا عَن الْأَمِير بيبرس. وعَلى الْأَمِير سودن الحمزاوي وَاسْتقر دواداراً عوضا عَن سودن المارديني وعَلى جركس المصارع وَاسْتقر أَمِير أخور عوضا عَن سودن تلى المحمدي. وَفِيه قبض على الْأَمِير جرقطلو رَأس نوبَة والأمير قنباي أَمِير أخور والأمير أقبغا رَأس نوبَة وَكلهمْ أُمَرَاء عشرات. وَقبض على الْأَمِير بردبك رَأس نوبَة أحد أُمَرَاء الطبلخاناه. وَفِيه اسْتَقر سعد الدّين بن غراب رَأس مشورة. وأنعم عَلَيْهِ بإمرة مائَة تقدمة ألف. وَلبس الكلفته. وتقلد السَّيْف كَهَيئَةِ الْأُمَرَاء وَترك زِيّ الْكتاب. وَنزل إِلَى دَاره. فَلم يركب بعْدهَا إِلَى القلعة وَمرض. وَفِيه كتب تَقْلِيد الْأَمِير شيخ المحمودي بكفالة الشَّام على عَادَته وجهز إِلَيْهِ على يَد أينال المنقار شاد الشَّرَاب خاناة وَكتب تَقْلِيد الْأَمِير جكم بنيابة حلب وجهز على يَد سودن الساقي. وَكتب للأمير نوروز الحافظي أَن يحضر من دمشق إِلَى الْقُدس بطالاً وحذر من التَّأَخُّر. وَكتب للأمير دمرداش المحمدي نَائِب حلب - كَانَ - بالحضور إِلَى مصر. وَفِي عاشره: قبض على سودن تلى أَمِير أخور واخرج إِلَى دمشق على تقدمة سودن اليوسفي. وَفِي رَابِع عشره: توجه سودن الساقي بخلعة الْأَمِير جكم وتقليده بنيابة حلب. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 150 وَفِي خَامِس عشره: اسْتَقر الْأَمِير سودن من زَاده فِي نِيَابَة غَزَّة عوضا عَن الْأَمِير سلامش. وَاسْتقر فَخر الدّين ماجد بن المزوق - نَاظر الْجَيْش - فِي كِتَابَة السِّرّ عوضا عَن سعد الدّين بن غراب بِحكم انْتِقَاله إِلَى الإمرة. وَاسْتقر الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله فِي نظر الْجَيْش. وَاسْتقر شرف الدّين يَعْقُوب بن التباني فِي وكَالَة بَيت المَال وَنظر الْكسْوَة عوضا عَن ولي الدّين مُحَمَّد ابْن أَحْمد بن مُحَمَّد الدمياطي مؤدب الْأَمِير بيبرس وموقعه. وَفِي حادي عشرينه: اسْتَقر الْأَمِير يشبك فِي نظر المارسنان المنصوري بَين القصرين وَنزل إِلَيْهِ وَعَلِيهِ التشريف السلطاني على الْعَادة. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير تمراز الناصري نَائِب السلطة وَقد شغرت من أثْنَاء الْأَيَّام الظَّاهِرِيَّة. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير أقباي رَأس نوبَة الْأُمَرَاء والأمير سودن الطيار أَمِير مجْلِس فِي وَظِيفَة أَمِير سلَاح عوضا عَن الْأَمِير أقباي. وَاسْتقر يلبغا الناصري أَمِير مجْلِس عوضا عَن الطيار. وَفِي سادس عشرينه: اسْتَقر شرف الدّين مُحَمَّد بن عَليّ الجيزي - أحد باعة السكر - فِي حسبَة مصر عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن المنهاجي بِمَال قَامَ بِهِ فَكَانَ هَذَا من أشنع القبائح وأقبح الشناعات. وَفِي ثامن عشرينه: اسْتَقر شمس الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن المعلمة الإسْكَنْدراني فِي حسبَة الْقَاهِرَة وعزل كريم الدّين الْهوى. وَاسْتقر بهاء الدّين مُحَمَّد بن الْبُرْجِي فِي الْوكَالَة وَنظر الْكسْوَة عوضا عَن ابْن التباني. وَفِي هَذَا الشَّهْر: بلغ القنطار السيرج إِلَى ألف ومائتي دِرْهَم. وَبَلغت الْفضة الكاملية كل مائَة دِرْهَم خَمْسمِائَة دِرْهَم من الْفُلُوس. وَفِيه انحل سعر الغلال وَلُحُوم الْبَقر لِكَثْرَة مَوتهَا. الش فَإِن الْأَمِير سارا من طرابلس يُريدَان نَائِب طرابلس وَهِي على قصّ ففر مِنْهَا وَنزلا بوطاقه وَقدم فِي ثالثه الطرابلسي شاهين الحسني إِلَى دمشق وَمَعَهُ رَسُول الْأَمِير شيخ إِلَى السُّلْطَان يسْأَله النِّيَابَة فِي دمشق فَأنْكر على ابْن الحسباني وَغَيره مِمَّن ولي من قبل شيخ بِغَيْر مَوْسُوم السُّلْطَان وأخبرا أَنه قدم لأخذ شيخ وجكم إِلَى مصر. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 151 وَفِي ثَالِث عشره: قدم الْخَبَر إِلَى دمشق بِعُود السُّلْطَان الْملك النَّاصِر إِلَى السلطة واستقراره بشيخ فِي نِيَابَة الشَّام وجكم فِي نِيَابَة حلب فَضربت البشائر وَنُودِيَ بذلك فِي دمشق. ودعي للسُّلْطَان الْملك النَّاصِر فِي يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشره. وَفِي ثَالِث عشرينه: قدم الْأَمِير أينال المنقار إِلَى دمشق بخلعة الْأَمِير شيخ لنيابة الشَّام. وَوصل مَعَه الْأَمِير سودن المحمدي. فَتوجه المنقار إِلَى الْأَمِير شيخ فَكتب بِقَبض سودن المحمدي فَأخذ وَفِيه دخل الْأَمِير شيخ حماة وَذَلِكَ أَنه سَار من حمص يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي عشرينه وَقدم حماة يَوْم السبت وحصرها وَقَاتل من بهَا. وَكَانَ نوروز وعلان قد مضيا إِلَى حلب فَإِن الْأَمِير دمرادش كَانَ فارقهما وَمضى إِلَيْهَا ليأتهم بالتركمان فَلَمَّا وَصلهَا ملكهَا. فَلَمَّا وصل نوروز حلب مر مِنْهَا دمرداش وَاسْتقر بهَا دقماق فَامْتنعَ وَقَاتل حَتَّى أَخذ وَقتل بَين يَدي الْأَمِير جكم ونهبت حلب. شهر رَجَب أَوله الْخَمِيس: فِي رابعه: أُعِيد ابْن التباني إِلَى الْوكَالَة وَالْكِسْوَة وَصرف ابْن الْبُرْجِي. وَفِي ثامن عشره: قبض على الْأَمِير أزبك الرمضاني وسفر إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجن بهَا. وَفِي سَابِع عشرينه: مَاتَ الْخَلِيفَة أَبُو عبد الله مُحَمَّد المتَوَكل على الله. وَأما الشَّام فَإِن الْأَمِير شيخ والأمير جكم سارا بعسكريهما من حماة يُريدَان حلب وَبهَا الْأَمِير نوروز. فَلَمَّا وصلا إِلَى المعرة كتب إِلَيْهِمَا نوروز يعْتَذر بِأَنَّهُ لم يعلم بِولَايَة الْأَمِير جكم حلب. وَخرج بِمن مَعَه مِنْهَا إِلَى البيرة فَدخل الْجَمَاعَة إِلَى حلب بِغَيْر قتال وَاسْتقر جكم بهَا وَعَاد الْأَمِير شيخ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 152 وَكتب باستقرار الْأَمِير جكم فِي نِيَابَة طرابلس مُضَافا إِلَى نِيَابَة حلب بمثال سلطاني على يَد مغل بيه من غير كِتَابَة تَقْلِيد. وَكتب إِلَى الْأَمِير نوروز الحافظي بالحضور إِلَى الْقُدس بطالا وَإِلَى الْأَمِير بكتمر شلق بِأَن يكون أَمِيرا كَبِيرا مقدم ألف بِدِمَشْق. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الِاثْنَيْنِ عشرينه: دخل الْأَمِير شيخ إِلَى دمشق بالخلعة السُّلْطَانِيَّة وَنزل بدار السَّعَادَة وَقُرِئَ تَقْلِيده. فَكتب بالإفراج عَن الْأَمِير سودن الظريف ودمرادش حَاجِب دمشق وتنكز بغا نَائِب بعلبك فقدموا من الصبيبة فِي رَابِع عشرينه. وَكَانَ سماط الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام قد بَطل فَحمل إِلَيْهِ من دمشق مائَة غرارة مَا بَين قَمح وَشعر لتعمل جشيشة وتخبز خبْزًا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 153 وَأما الْأَمِير جكم فَإِنَّهُ لما اسْتَقر بحلب مَا زَالَ يُكَاتب الْأَمِير نوروز وعلان حَتَّى قدما بِمن مَعَهُمَا حلب وانضما إِلَيْهِ. ثمَّ كتب إِلَى الْأَمِير شيخ بذلك فَقبض حِينَئِذٍ على الطواشي شاهين وسجنه بقلعة دمشق. شهر شعْبَان أَوله الْجُمُعَة. فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ رابعه: استدعى أَبُو الْفضل الْعَبَّاس بن مُحَمَّد المتَوَكل على الله وَقرر فِي الْخلَافَة عوضا عَن أَبِيه. وَلبس التشريف بِحَضْرَة السُّلْطَان ولقب بالمستعين بِاللَّه وَنزل إِلَى دَاره. وَكتب باستقرار الْأَمِير طولو من عَليّ باشاه فِي نِيَابَة صفد عوضا عَن الْأَمِير الجزء: 6 ¦ الصفحة: 154 بكتمر الركني. وجهز تَقْلِيده وتشريفه على يَد الْأَمِير آق بردى رَأس نوبَة. وَكتب باستقرار الْأَمِير دمرداش المحمدي فِي نِيَابَة حماة. وَكَانَ مُنْذُ فَارق نوروز على حماة وَسَار إِلَى حلب وَأَخذهَا. فَلَمَّا أدْركهُ نوروز هرب دمرداش وَنزل عِنْد التركمان. وَفِي ثامن عشره: خلع بِدِمَشْق على الشهَاب الحسباني بِقَضَاء دمشق وَقد كتب فِيهِ الْأَمِير شيخ إِلَى السُّلْطَان فَبعث إِلَيْهِ بالخلعة والتوقيع وَكَانَ قبل ذَلِك يُبَاشر الْقَضَاء بِغَيْر ولَايَة. وَفِي تَاسِع عشره: قدم دمشق الْأَمِير عَلان نَائِب حلب - كَانَ - يُرِيد الْقَاهِرَة فَأكْرمه الْأَمِير شيخ وأنزله. وَفِي سَابِع عشرينه: قدم إِلَى دمشق الْأَمِير ألطنبغا العثماني وَقد ولاه السُّلْطَان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 155 حَاجِب الْحجاب بِدِمَشْق فَلبس تشريفة وباشر من الْغَد. شهر رَمَضَان أَوله الْأَحَد: فِي رَابِع عشره: أُعِيد ابْن شعْبَان إِلَى الْحِسْبَة وعزل ابْن المعلمة. وَفِي سادس عشره: أُعِيد ابْن خلدون إِلَى قَضَاء الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة وعزل الْبِسَاطِيّ وَاسْتقر فِي الْحِسْبَة ابْن المعلمة وعزل ابْن شعْبَان بعد يَوْمَيْنِ. وَفِي تَاسِع عشره: مَاتَ سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب. وَفِي ثَالِث عشرينه: مسك أينال الْأَشْقَر وسفر إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة. وَفِي خَامِس عشرينه: أُعِيد ابْن التنسي إِلَى قَضَاء المالكلية بعد موت ابْن خلدون. وَفِيه قبض إِلَى الْأَمِير سودن المارديني من بَيته مُقَيّد وَحمل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة. وَفِي سادس عشرينه: كتب أَمَان لكل من الْأَمِير جمق والأمير أسن باي والأمير برسبان والأمير أرغز والأمير سودن اليوسفي وجهز إِلَيْهِم بِالشَّام. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 156 وَكَانَ من خبر الْبِلَاد الشامية فِي هَذَا الشَّهْر أَن التركمان اجْتَمعُوا على ابْن صَاحب الباز وقصدوا حماة فدافعهم أَهلهَا أَشد المدافعة عَن دُخُولهَا فأفسدوا فِي الضواحي فَسَادًا كَبِيرا. وَقدم فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِيه: تشريف سلطاني للأمير شيخ نَائِب الشَّام فلبسه وَأعَاد صدر الدّين عَليّ ابْن الْآدَمِيّ إِلَى كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق. عوضا عَن السَّيِّد الشريف عَلَاء الدّين بتوقيع وصل إِلَيْهِ من السُّلْطَان. وَنُودِيَ بِدِمَشْق فِي الْعَسْكَر بالتأهب للسَّفر فَقدم فِي ثامنه الْأَمِير بكتمر شلق إِلَى دمشق وَقد عزل عَن نِيَابَة صفد بالأمير طولو وَاسْتقر على إقطاع الْأَمِير أسن بيه بِحكم أَنه أَقَامَ بطرابلس نِيَابَة عَن الْأَمِير جكم بهَا فَلبس بكتمر تشريفة. وَاسْتقر أتابك دمشق وَسَار طولو من دمشق إِلَى صفد فتسلمها. وَفِي ثَالِث عشره: قبض الْأَمِير شيخ على سودن الظريف وأعيد إِلَى السجْن لكَلَام نقل عَنهُ. وَكَانَت الأسعار قد غلت بِدِمَشْق فَفرق الْأَمِير شيخ الْفُقَرَاء على الْأَغْنِيَاء وَجعل لنَفسِهِ مِنْهُم نَصِيبا وافراً فَاجْتمعُوا فِي بعض اللَّيَالِي لأخذ الطَّعَام فَمَاتَ مِنْهُم أَرْبَعَة عشر إنْسَانا. وَقدم الْأَمِير دمرداش إِلَى دمشق فِي يَوْم السبت ثَانِي عشرينه وَقد وصل إِلَيْهِ تَقْلِيده بنيابة حماة وَهُوَ مشتت عِنْد التركمان. فتوصل حَتَّى دخل حماة. فَيوم دَخلهَا وصل إِلَيْهَا ابْن صَاحب الباز بجمائع التركمان فَلم تكن فِيهِ قُوَّة يلقاهم بهَا فَإِن عَسْكَر حماة سَار إِلَى الْأَمِير حكم بحلب فَخرج من حماة فَارًّا إِلَى حمص وَكتب إِلَى الْأَمِير شيخ يَسْتَأْذِنهُ فِي الْقدوم عَلَيْهِ فَأذن لَهُ. وَلما قدم أكْرمه وأنزله. وَفِي هَذَا الشَّهْر: فرض الْأَمِير شيخ على أهل دمشق أُجْرَة مساكنهم لشهر يحملونها إِلَيْهِ إِعَانَة لَهُ على قتال التركمان فَإِنَّهُم أَكْثرُوا الْفساد فِي بِلَاد حماة وطرابلس. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 157 وَفِيه كتب السُّلْطَان بِطَلَب الْأَمِير نوروز من حلب وقدومه إِلَى الْقَاهِرَة. شهر شَوَّال أَوله الِاثْنَيْنِ. فِي يَوْم الثُّلَاثَاء سادس عشره: اسْتَقر الْبِسَاطِيّ فِي قَضَاء الْمَالِكِيَّة وعزل ابْن التنسي. وَاسْتقر قَاضِي الْقُضَاة كَمَال الدّين عمر بن العديم الْحَنَفِيّ فِي مشخة خانكاه شيخو وعزل الشَّيْخ زادة الخرزياني. وَأما الْبِلَاد الشامية فَإِن الْأَمِير جكم نَائِب حلب خرج وَمَعَهُ الْأَمِير نوروز وَغَيره فقاتل التركمان وكسرهم كسرة فظيعة فَقدم عَلَيْهِ كتاب السُّلْطَان بِطَلَب نوروز وَغَيره من الْأُمَرَاء فَأَغْلَظ على الرَّسُول وَامْتنع من ذَلِك وَكَانَ قد بعث إِلَى الْأَمِير شيخ يَطْلُبهُ ليحارب التركمان فتباطأ عَنهُ وبلغه مَعَ ذَلِك أَنه قد أكْرم الْأَمِير دمرداش. فشق ذَلِك عَلَيْهِ وتنكر على الْأَمِير شيخ وَكتب يَأْمُرهُ بإمساك دمرداش وفطن دمرداش بذلك وَمر من دمشق فِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ ثَالِث عشرينه فَبعث الْأَمِير شيخ فِي طلبه جمَاعَة ففاتهم وَلم يدركوه. شهر ذِي الْقعدَة أَوله الثُّلَاثَاء. فِي ثالثه: قدم الْخَبَر بِأَن الْأَمِير جكم لما أَخذ حلب سَار إِلَى الْأَمِير فَارس بن صَاحب الباز التركماني المتغلب على إنطاكية وقاتله وكسره أقبح كسرة وَقَتله وَأخذ لَهُ أَمْوَالًا جزيلة فقوى جكم بذلك فَجَاءَهُ الْخَبَر بمسير الْأَمِير نعير بن حيار أَمِير الملا إِلَيْهِ فَلَقِيَهُ عِنْد قنسرين فِي نصف شَوَّال وقاتله فَوَقع نعير فِي قَبضته وسجنه بقلعة حلب. وَولي ابْنه الْعجل بن نعير إمرة آل فضل عوضا عَنهُ فَسَار الْعجل إِلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 158 سلمية وَعَاد جكم إِلَى حلب ثمَّ بدا لَهُ فِي الْعجل رَأْي فاستدعاه فَأخذ يعْتَذر بأعذار فقبلها وَسَار إِلَى إنطاكية فَأرْسل إِلَيْهِ التركمان بِالطَّاعَةِ وَأَن يُمكنهُم من الْخُرُوج إِلَى الْجبَال لينزلوا من أماكنهم الْقَدِيمَة وهم آمنون ويسلمو إِلَيْهِ مَا بيدهم من القلاع فأجابهم إِلَى ذَلِك وَعَاد إِلَى حلب. ثمَّ سَار مِنْهَا يُرِيد دمشق منزل شيزر وواقع أَوْلَاد صَاحب الباز وكسرهم كسرة فَاحِشَة وَأسر مِنْهُم جمَاعَة قَتلهمْ صبرا وَقتل الْأَمِير نعير أَيْضا وَبعث بِرَأْسِهِ إِلَى السُّلْطَان وَذَلِكَ كُله فِي شَوَّال ثمَّ وَاقع جكم التركمان فِي ذِي الْقعدَة وبدد شملهم. وَفِي خامسه: أُعِيد الْهوى إِلَى الْحِسْبَة وعزل ابْن شعْبَان وَفِيه قدم طولو نَائِب صفد إِلَى دمشق. وَفِي سابعه: قبض على الْوَزير فَخر الدّين ماجد بن غراب مشير الدولة وأحيط بموجوده. وَفِي تاسعه: قبض على كثير من التُّجَّار ووكل بهم فِي بَيت الْأَمِير جمال الدّين الأستادار ليؤخذ مِنْهُم مَال على قَمح وفول بِنَاحِيَة منفلوط من صَعِيد مصر حسابا عَن كل أردب مائَة دِرْهَم. وَفِيه قدم الْأَمِير دمرداش إِلَى دمشق بَعْدَمَا وصل إِلَى الرملة فَأَتَتْهُ ولَايَته بنيابة طرابلس فَبعث الْأَمِير شيخ يستدعيه لينظرا مَا بَينه وَبَين الْأَمِير جكم فَأكْرمه الْأَمِير شيخ وأنزله. وَفِيه قدم الْخَبَر بتغلب الْأَمِير جكم على الْبِلَاد الحلبية وَأَنه حَارب الْأَمِير نعير بن مهنا أَمِير آل فضل وكسره وقبص عَلَيْهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 159 شهر ذِي الْحجَّة أَوله الْأَرْبَعَاء: فِي رابعه: كتب إِلَى الْأَمِير نوروز بِأَنَّهُ تقدّمت الْكِتَابَة لَهُ بِأَن يتَوَجَّه إِلَى الْقُدس وَأَنه لم يجب عَن ذَلِك فيتقدم بالحضور إِلَى مصر. وَفِي سابعه: أُعِيد فتح الدّين فتح الله بن معتصم بن نَفِيس الدَّاودِيّ إِلَى كِتَابَة السِّرّ بسفارة الْأَمِير جمال الدّين الأستادار وعزل فَخر الدّين ماجد بن المزوق. وَفِي ثَانِي عشره: رَضِي السُّلْطَان على فَخر الدّين بن غراب وَاسْتمرّ مُشِيرا وزيراً نَاظر الْخَاص على عَادَته. وخلع عَلَيْهِ بَعْدَمَا قَامَ بِعشْرين ألف دِينَار. وَفِي هَذَا الشَّهْر: انحل سعر الْقَمْح وأبيع بِمِائَة وَثَلَاثِينَ درهما الأردب وَبيع الرَّغِيف زنة نصف رَطْل بِثلث دِرْهَم وأبيع ثَوْر بِمِائَة مِثْقَال ذَهَبا عَنْهَا من الْفُلُوس ثَلَاثَة عشر ألف دِرْهَم وَلم نسْمع بِمثل ذَلِك. وَفِيه أبيع الرطل اللوز الْعَاقِد بأَرْبعَة عشر درهما يحصل من قلبه أوقيتان وَذَلِكَ من حِسَاب أَرْبَعَة وَثَمَانِينَ درهما الرطل وَهَذَا أعجب مَا يَحْكِي. وَفِيه فشى الطَّاعُون بصعيد مصر حَتَّى خلت عدَّة بِلَاد وأحصي من مَاتَ من سيوط مِمَّن لَهُ ذكر فَكَانُوا عشرَة آلَاف سوى من لم يفْطن لَهُ. وهم كثير. وأحصي من مَاتَ فِي بوتيج فبلغوا ثَلَاثَة آلَاف وَخَمْسمِائة وَكَانَ الزَّمَان ربيعاً فَلَمَّا انْقَضى فصل الرّبيع ارْتَفع الوباء. وَأما الشَّام فَإِن فِي ثالثه كتب باستقرار الْأَمِير زين الدّين عجل بن نعير فِي إمرة آل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 160 فضل عوضا عَن وَالِده وَكتب بعزل الْأَمِير جكم عَن نِيَابَة حلب وطرابلس وَولَايَة الْأَمِير دمرداش المحمدي فِي نِيَابَة حلب والأمير عمر بن الهيدباني فِي نِيَابَة حماة والأمير عَلان اليحياوي: فِي نِيَابَة طرابلس وَتوجه بتقاليدهم ألطنبغا شقل الأينالي مَمْلُوك الْأَمِير شيخ نَائِب الشَّام فِي رابعه. وَفِي خامسه: اقتتل الْأَمِير جكم والأمير شيخ المحمودي نَائِب الشَّام بِأَرْض الرستن - فِيمَا بَين حماة وحمص - قتل فِيهَا الْأَمِير طولو نَائِب صفد والأمير علاق نَائِب حماة وَجَمَاعَة كَثِيرَة من الْفَرِيقَيْنِ وَانْهَزَمَ الْأَمِير شيخ وَمَعَهُ الْأَمِير دمرداش المحمدي إِلَى دمشق. وَمضى مِنْهَا إِلَى الرملة يُرِيد الْقَاهِرَة. وَقدم الْأَمِير نوروز إِلَى دمشق من قبل الْأَمِير جكم فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع عشْرين ذِي الْحجَّة. وَكَانَ من خبر الْأَمِير شيخ والأميرين جكم ونوروز أَن الْأَمِير شيخ توجه من دمشق بعد عيد الْأَضْحَى وَمَعَهُ الْأَمِير دمرداش فَنزل مرج عذراء فِي عسكره يُرِيد حمص وَقد نزل بهَا عَسْكَر جكم عَلَيْهِم الْأَمِير وَنزل جكم على سلمية فَلبس الْأَمِير دمرداش خلعة نِيَابَة حلب الْوَاصِلَة إِلَيْهِ مَعَ تَقْلِيده وَهُوَ بالمرج. وَقدم إِلَيْهِم الْأَمِير عجل ابْن نعير بعربه طَالبا أَخذ ثَأْره من جكم. وَوصل أَيْضا ابْن صَاحب الباز يُرِيد أَيْضا أَخذ ثأر أَخِيه من حكم وَمَعَهُ جع من التركمان فَسَار بهم الْأَمِير شيخ من المرج فِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ ثَالِث عشره إِلَى أَن نزل قارا لَيْلَة الثُّلَاثَاء فوصل وَقدم الْأَمِير عَلان نَائِب حماة وحلب - كَانَ - من مصر وَقد اسْتَقر أتابك دمشق. وَنزل الْأَمِير شيخ حمص يَوْم الْخَمِيس سادس عشره فكاتب الْفَرِيقَانِ فِي الصُّلْح فَلم يتم واقتتلا فِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشرينه بالرستن فَوقف الْأَمِير شيخ والأمراء فِي الميمنة ووقف الْعَرَب فِي الميسرة فَحمل جكم بِمن مَعَه على جِهَة الْأَمِير شيخ فَكَسرهُ وتحول إِلَى جِهَة الْعَرَب - وَقد صَار شيخ إِلَيْهَا وقاتلوا قتالاً كَبِيرا ثبتوا فِيهِ فَلم يطيقوا جموع جكم وانهزموا وَسَار شيخ بِمن مَعَه - من دمرداش وَغَيره - إِلَى دمشق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 161 فَدَخَلُوهَا يَوْم السبت خَامِس عشرينه وجمعوا الْخُيُول وَالْبِغَال وأصحابهم متلاحقيين بهَا. ثمَّ مضوا من دمشق بكرَة الْأَحَد. فَقدم فِي أثْنَاء النَّهَار من أَصْحَاب الْأَمِير جكم الْأَمِير نكبيه وأزبك دوادار الْأَمِير نوروز. وَنزل أزبك بدار السَّعَادَة وَقدم الْأَمِير جرباش فَخرج النَّاس إِلَى لِقَاء نوروز فَدخل دمشق يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع عشرينه وَنزل الإسطبل. وَدخل الْأَمِير جكم يَوْم الْخَمِيس سلخه ونادى أَلا يشوش أحد على أحد. وَكَانَ قد شنق رجلا فِي حلب رعى فرسه فِي زرع وشنق آخر بسلمية ثمَّ شنق جندياً بِدِمَشْق على ذَلِك فخافه النَّاس وانكفوا عَن التظاهر بِالْخمرِ. وَقتل فِي وقْعَة الرستن الْأَمِير عَلان نَائِب حماة وحلب والأمير طولو نَائِب صفد قدما بَين يَدي الْأَمِير جكم فَضرب أعناقهما وعنق طواشي كَانَ فِي خدمَة الْأَمِير شيخ كَانَ يُؤْذِي جمَاعَة نوروز وَفِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء خَامِس عشره: خسف الْقَمَر من آخر اللَّيْل. وَفِي هَذَا الشَّهْر: انحل سعر الْقَمْح إِلَى مائَة وَعشْرين درهما الأردب ثمَّ ارْتَفع فِي آخِره لقلَّة مَا يصل مِنْهُ وَعز وجود الْخبز فِي الْأَسْوَاق. ووقف الْحَاج بِعَرَفَة يَوْم الْجُمُعَة وَلم يسر الْمحمل من دمشق على الْعَادة لِكَثْرَة الْفِتَن بِالشَّام وَقدم من الشَّام حَاج قَلِيل نَحْو خَمْسمِائَة وَقدم من الْعرَاق نَحْو ذَلِك. وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر مُحَمَّد بن مُوسَى بن عِيسَى الدَّمِيرِيّ كَمَال الدّين أَبُو الْبَقَاء الشَّافِعِي توفّي لَيْلَة الثُّلَاثَاء ثَالِث جُمَادَى الأولى عَن نَحْو سِتّ وَسِتِّينَ سنة وَكَانَ عَالما صَالحا. وَمَات مُحَمَّد بن حسن شمس الدّين السُّيُوطِيّ الشَّافِعِي فِي يَوْم الْأَحَد عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة عَن سنّ عالية وَكَانَ صَاحب فنون عديدة من نَحْو وَفقه. وأصول وغيرذلك. وَكَانَ يَأْخُذ الْأجر على التَّعْلِيم وَلِلنَّاسِ عَنهُ إِعْرَاض وَفِيه وقيعة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 162 وَمَات أَبُو حَاتِم مُحَمَّد بن أبي حَامِد أَحْمد بن عَليّ بن عبد الْكَافِي القَاضِي تَقِيّ الدّين حفيد الشَّيْخ بهاء الدّين السُّبْكِيّ فِي يَوْم الْخَمِيس سادس عشْرين جُمَادَى الأولى ومولده فِي شعْبَان وَمَات أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن عبد الرَّحِيم بن يُوسُف بن سمير بن حَازِم شهَاب الدّين أَبُو هَاشم بن الْبُرْهَان العَبْد الصَّالح الدَّاعِي إِلَى الله فِي يَوْم الْخَمِيس لأَرْبَع بَقينَ من جُمَادَى الأولى وَهُوَ الَّذِي قَامَ على الْملك الظَّاهِر برقوق وَكَانَ أحد نَوَادِر الدُّنْيَا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 163 وَمَات عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد النصير بن عَليّ عَلَاء الدّين عُصْفُور السنجاري الأَصْل الدِّمَشْقِي المولد وَالدَّار الْمَالِكِي شيخ الْكتاب فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ رَابِع عشْرين شهر رَجَب كتب على زين الدّين مُحَمَّد بن الْحَرَّانِي نَاظر أوقاف دمشق. وَمَات مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أسعد بن عبد الْكَرِيم بن يُوسُف بن عَليّ بن طحا القَاضِي فَخر الدّين أَبُو الْيمن الثَّقَفِيّ القاياتي أحد نواب الحكم الشَّافِعِيَّة فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء حادي عشْرين شهر رَجَب وَقد تجَاوز الثَّمَانِينَ بِمَدِينَة مصر. وَكَانَ عريا عَن الْعلم. وَكتب بِخَطِّهِ كثيرا. وَمَات عبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن خلف زين الدّين أَبُو الْمَعَالِي الفارسكوري أحد فضلاء الشَّافِعِيَّة وخيريهم فِي لَيْلَة الْأَحَد سادس عشْرين شهر رَجَب. وَمَات الْخَلِيفَة أَمِير الْمُؤمنِينَ المتَوَكل على الله أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن المعتضد أبي بكر ابْن المستكفي بِاللَّه أبي الرّبيع سُلَيْمَان بن الحكم بِأَمْر الله أبي الْعَبَّاس أَحْمد. بُويِعَ بالخلافة بِعَهْد من أَبِيه فِي سَابِع جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة. وَجعله الْأَمِير أينبك البدري بن زَكَرِيَّا بن إِبْرَاهِيم فِي ثَالِث عشْرين صفر سنة تسع وَسبعين ثمَّ أُعِيد فِي عشْرين ربيع الأول مِنْهَا. وَقبض عَلَيْهِ الظَّاهِر برقوق فِي أول رَجَب سنة خمس وَثَمَانِينَ وَقَيده وسجنه إِلَى أول جُمَادَى الأولى سنة إِحْدَى وَتِسْعين ثمَّ أفرج عَنهُ. وَاسْتمرّ فِي الْخلَافَة حَتَّى مَاتَ لَيْلَة الثُّلَاثَاء ثامن عشْرين شهر رَجَب. وَعرض عَلَيْهِ الِاسْتِقْلَال بِالْأَمر مرَّتَيْنِ فَأبى وأثرى كثيرا. وَمَات عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن خلدون أَبُو زيد ولي الدّين الْحَضْرَمِيّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 164 الأشبيلي الْمَالِكِي فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس عشْرين شهر رَمَضَان فَجْأَة ولي الْمَالِكِيَّة عدَّة مرار. وَمَات إِبْرَاهِيم بن عبد الرازق بن غراب الْأَمِير القَاضِي سعد الدّين بن علم الدّين الجزء: 6 ¦ الصفحة: 165 فارغه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 166 ابْن شمس الدّين فِي لَيْلَة الْخَمِيس تَاسِع عشر شهر رَمَضَان وَلم يبلغ الثَّلَاثِينَ سنة. وَمَات طَاهِر بن الْحسن بن عمر بن الْحسن بن عمر بن حبيب زين الدّين الْحلَبِي رَئِيس كتاب الْإِنْشَاء فِي يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشْرين ذِي الْحجَّة. وَقد أناف على السِّتين وَعين لكتابة السِّرّ. وَمَات عبد الله بن سعد الله بن البقري الْوَزير الصاحب تَاج الدّين بن الْوَزير الصاحب سعد الدّين مَاتَ تَحت الْعقُوبَة لَيْلَة الِاثْنَيْنِ ثامن عشْرين ذِي الْقعدَة. وَمَات الْأَمِير قانباي العلاي أحد أُمَرَاء الألوف فِي لَيْلَة الْأَحَد حادي عشْرين شَوَّال بعد مرض طَوِيل وَكَانَ كثير الْفِتَن وَيعرف بالغطاس لِكَثْرَة اختفائه. وَمَات الْأَمِير بلاط السَّعْدِيّ أحد أُمَرَاء الطبلخاناه مَاتَت بطالا فِي رَابِع عشْرين جُمَادَى الأولى. وَمَات أَحْمد بن عماد بن يُوسُف شهَاب الدّين الْمَعْرُوف بِابْن الْعِمَاد الأقفهسي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 167 أحد فضلاء الشَّافِعِيَّة وَله من المصنفات أَحْكَام الْمَسَاجِد وَأَحْكَام النِّكَاح سَمَّاهُ كتاب تَوْقِيف الْحُكَّام فِي غوامض الْأَحْكَام وَكتاب أَحْوَال الْهِجْرَة نظمه ثمَّ شَرحه. وَمَات مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الْخَالِق بن سِنَان شمس الدّين البرشنسي أحد فضلاء الشَّافِعِيَّة توفّي عَن نَحْو سبعين سنة. وَمَات شاهين السَّعْدِيّ أحد الخدام السُّلْطَانِيَّة الأشرفية عظم فِي الْأَيَّام الناصرية حَتَّى صَار لالا السُّلْطَان وَولي نظر خانكاة سرياقوس. وَمَات محيي الدّين مَحْمُود بن نجم الدّين أَحْمد بن الْعِمَاد إِسْمَاعِيل بن الْعِزّ - عرف بِابْن الكشك - الْحَنَفِيّ بِدِمَشْق فِي ذِي الْقعدَة. ولي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق وَقدم الْقَاهِرَة. وَمَات عبد الرازق بن أبي الْفرج الْأَمِير الْوَزير تَاج الدّين الْمَعْرُوف بِابْن أبي الْفرج الأرمني مَاتَ فِي رَابِع شهر ربيع الْآخِرَة كَانَ أَولا كَاتبا ثمَّ ولي نظر قطيا ثمَّ صَار وَالِي قطيا. وَولي الوزارة ثمَّ الأستادارية مَعًا ثمَّ ولي بعد ذَلِك كشف الْوَجْه البحري ثمَّ ولَايَة الْقَاهِرَة وَكَانَ أَولا يُسمى بالمعلم ثمَّ سمي بِالْقَاضِي ثمَّ نعت بالصاحب ثمَّ بالأمير ثمَّ بِملك الْأُمَرَاء كل ذَلِك فِي مُدَّة يسيرَة وَمَات تيمورلنك كوركان بن أنس قتلغ وَقيل بل هُوَ تيمور بن سرتخنته بن زنكي بن سبنا بن طارم بن طغرل بن قليج بن سنقرر بن كنجك بن طوسبوقا بن ألتان خَان ومعني لنك الْأَعْرَج ومعني كوركان صهر الْملك. توفّي تيمور بآهنكران من شَرْقي سَمَرْقَنْد فِي ثَالِث عشر شعْبَان وَملك عَامَّة بِلَاد الْعرَاق وخراسان. وسمرقند الجزء: 6 ¦ الصفحة: 168 والهند وديار بكر وبلاد الرّوم وحلب ودمشق وَخرب مدن الْعَالم وحرقها وَهدم بَغْدَاد وأزال نعم النَّاس وَكَانَ قَاطع طَرِيق. أول ظُهُوره سنة ثَلَاث وَسبعين وَسَبْعمائة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 169 فارغه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 170 (سنة تسع وَثَمَانمِائَة) استهلت والخليفة المستعين بِاللَّه أَبُو الْفضل الْعَبَّاس بن مُحَمَّد المتَوَكل على الله وَالسُّلْطَان الْملك النَّاصِر فرج بن الظَّاهِر برقوق ودمشق بيد الْأَمِير نوروز من قبل الْأَمِير جكم وحلب وحماة وطرابلس بيد الْأَمِير جكم وَهُوَ خَارج عَن طَاعَة السُّلْطَان. ونائبه بديار مصر الْأَمِير تمراز وبدمشق الْأَمِير شيخ وَقد توجه بعد الكسرة على حمص إِلَى جِهَة الرملة. شهر الله الْمحرم أَوله الْجُمُعَة وَيُوَافِقهُ رَابِع عشْرين بؤونة: والمثقال الذَّهَب بِمِائَة دِرْهَم وَخَمْسَة وَثَلَاثِينَ درهما بالفلوس وكل دِينَار أفرنتي بِمِائَة وَخَمْسَة عشر درهما والقمح بِمِائَة وَثَلَاثِينَ درهما الأردب وَالشعِير والفول بِنَحْوِ مائَة دِرْهَم والفلوس كل رَطْل بِسِتَّة دَرَاهِم وَالْفِضَّة لَا تظهر بَين النَّاس وَإِذا ظَهرت تبَاع كل دِرْهَم كاملي بِخَمْسَة دَرَاهِم من الْفُلُوس - زنة عشر أواقي - وَبِهَذَا فَسدتْ أَحْوَال أَرْبَاب الجوامك من الْفُقَهَاء وأمثالهم الَّذين رزقهم على الْأَوْقَاف والمرتبات السُّلْطَانِيَّة فصاروا يَأْخُذُونَ معاليمهم عَن كل دِرْهَم فضَّة أوقيتين فُلُوسًا وتسمي درهما وَارْتَفَعت أسعار جَمِيع المبيعات حَتَّى بلغت أَضْعَاف قيمتهَا الْمُعْتَادَة بِالْفِضَّةِ فَصَارَ من معلومه مثلا مائَة دِرْهَم فِي الشَّهْر - وَكَانَ قبل هَذِه الْحَوَادِث والمحن يَأْخُذهَا فضَّة عَنْهَا خَمْسَة مَثَاقِيل ذَهَبا - فَإِنَّهُ الْآن يَأْخُذ عَن الْمِائَة سَبْعَة عشر رطلا وثلثي رَطْل من الْفُلُوس يُقَال لَهَا مائَة دِرْهَم وَلَا تبلغ دِينَارا وَاحِدًا فيشتري بِهَذِهِ الْمِائَة مَا كَانَ قبل هَذَا يَشْتَرِيهِ بِأَقَلّ من عشْرين بِكَثِير فَإِن كل سلْعَة كَانَت تبَاع بِدِينَار لَا تبَاع الْآن إِلَّا بِدِينَار وبأكثر من دِينَار. وَأما الأجراء وَأَصْحَاب الصَّنَائِع فَإِن أجرهم تزايدت فَكل من كَانَت أجرته درهما لَا يَأْخُذ الْآن إِلَّا خَمْسَة فَمَا فَوْقهَا. وَكَذَلِكَ التُّجَّار ضاعفوا ربحهم فِي بضائعهم وَأما أَرْبَاب الإقطاعات فَإِنَّهُم جعلُوا كل فدان بِسِتَّة أَمْثَال مَا كَانَ فَلم يخْتل من حَالهم شَيْء إِلَّا أَنه صَار بِهَذَا الِاعْتِبَار لَا يُرْجَى الرخَاء بِمصْر فَإِن الْغلَّة تقوم على صَاحبهَا بِقِيمَة زَائِدَة من أجل غلاء أُجْرَة الطين وَثمن الْبذر وَأُجْرَة الحصادين وَنَحْوهم وكل ذَلِك من سوء نظر وُلَاة الْأُمُور. وَقد كتبت فِي هَذَا مصنفاً اسْمه إغاثة الْأمة بكشف الْغُمَّة وَقد اعتذر لي بَعضهم عَن إِفْسَاد أهل الدولة الدِّرْهَم فَإِنَّهُ حملهمْ على ذَلِك كَثْرَة مَا عَلَيْهِم من جوامك المماليك وَذَلِكَ أَن نَفَقَة المماليك السُّلْطَانِيَّة تبلغ فِي كل شهر إِلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 171 ألف ألف ومائتي ألف دِرْهَم سوى مَا لَهُم من لحم وعليق خيولهم وكسوتهم. وحامكية الْمَمْلُوك مِنْهُم من أَرْبَعمِائَة إِلَى خَمْسمِائَة وَكَانَت أَولا الْمِائَة دِرْهَم عَنْهَا خَمْسَة مَثَاقِيل ذَهَبا فَجعل المباشرون المثقال بِهَذَا السّعر لعلمهم أَن الْأَمْتِعَة لَا تنزل عَن سعرها من الذَّهَب وَالْفِضَّة وَأَنَّهُمْ لَا يُنْفقُونَ للمماليك إِلَّا الْفُلُوس وَقَطعُوا ضرب الْفضة وَأَكْثرُوا من ضرب الْفُلُوس فرخصت الْفُلُوس وبذل الْكثير مِنْهَا فِي الذَّهَب لقلَّة الْفضة وَكَثْرَة احْتِيَاج الْمُسَافِرين إِلَى حمل النُّقُود حَتَّى بلغ الدِّينَار إِلَى هَذَا الْقدر فَصَارَ الدِّرْهَم بعد أَن كَانَ قيراطاً وَبَعض قِيرَاط من الدِّينَار لَا يُسَاوِي كل خَمْسَة مِنْهُ أَو سِتَّة قيراطا. واستمرت نَفَقَة المماليك على ذَلِك وهم لَا يَشْعُرُونَ بِحَقِيقَة الْحَال فَعم الْفساد وَخص الْفُقَهَاء وَنَحْوهم من ذَلِك أعظم الْبلوى. ومؤسس هَذَا الْفساد بديار مصر رجلَانِ هما: سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب وجمال الدّين يُوسُف الأستادار وَذَلِكَ أَن ابْن غراب مُنْذُ ولي نظر الْخَاص فِي آخر الْأَيَّام الظَّاهِرِيَّة لم يزل لِكَثْرَة مَا ظفر بِهِ من الذَّهَب يزِيد فِي سعره حَتَّى بلغ هَذَا الْقدر وَهُوَ آخذ فِي الزِّيَادَة أَيْضا على هَذَا الْقدر. وَأما جمال الدّين فَإِنَّهُ مُنْذُ كَانَ يَلِي أستادارية الْأَمِير بجاس فِي أُجْرَة الراضي: ثمَّ لما مَاتَ الظَّاهِر ولي فِي الْأَيَّام الناصرية أستادارية جمَاعَة كَثِيرَة من الْأُمَرَاء الأكابر فَجرى على عَادَته وَزَاد فِي أجر الْأَرَاضِي حَتَّى عمل ذَلِك كل أحد وَصَارَ بِاعْتِبَار غلاء سعر الذَّهَب كل شَيْء يُبَاع فَإِنَّهُ بأضعاف ثمنه وَبِاعْتِبَار غلاء الأطيان لَا يُرْجَى الرخَاء وَهَذَانِ الفسادان سَبَب عَظِيم فِي خراب إقليم مصر وَزَوَال نعم أَهله سَرِيعا إِلَّا أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئا. وَفِي أَوله: كتب باستقرار الْأَمِير خير بك فِي نِيَابَة غَزَّة. وَفِي يَوْم الْأَحَد ثالثه: اسْتَقر شمس الدّين مُحَمَّد بن عبد الْخَالِق الْمَنَاوِيّ - الْمَعْرُوف بالطويل وبالبدنة - فِي حسبَة الْقَاهِرَة وَصرف الْهوى. وَفِي رابعه: نُودي على النّيل. وَفِي حادي عشرينه: قدم الركب الأول من الْحَاج إِلَى الْقَاهِرَة وَقدم الْمحمل بِبَقِيَّة الْحَاج من الْغَد. وَفِي خَامِس عشرينه: نُودي فِي المماليك السُّلْطَانِيَّة بِالْعرضِ لأخذ نَفَقَة السّفر. وَفِي ثامن عشرينه ابْتَدَأَ السُّلْطَان فِي نَفَقَة المماليك يفرقها عَلَيْهِم فأنفق لكل وَاحِد أَرْبَعِينَ مِثْقَالا فبلغت النَّفَقَة على ثَلَاثَة آلَاف. وَنُودِيَ فِي يَوْمه بِأَن سعر كل مِثْقَال بِمِائَة وَخمسين بعد مائَة وَثَلَاثِينَ فَكثر الضَّرَر بذلك. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 172 وَأما الشَّام فَإِن فِي خامسه قدم الْخَبَر بانهزام الْأَمِير شيخ نَائِب الشَّام من حكم إِلَى غَزَّة فاهتم السُّلْطَان للسَّفر. وَفِي حادي عشره: توجه الْأَمِير سودن من زادة إِلَى الْأَمِير شيخ باستمراره فِي نِيَابَة الشَّام على عَادَته وصحبته سلَاح كثير أنعم بِهِ عَلَيْهِ وتشرف ليلبسه مَعَ عدَّة ثِيَاب. وَفِيه خرج المطبخ إِلَى ملاقاة الْأَمِير شيخ. وَفِيه أنكر على الْأَمِير كزل العجمي أَمِير الْحَاج مَا فعله فَإِنَّهُ أَخذ من الْحجَّاج عَن كل حمل دِينَارا وباعهم المَاء الَّذِي يريدوه فصودر وَأخذ مِنْهُ قريب المائتي ألف دِرْهَم ففر فِي سلخه فَأخذ لَهُ حَاصِل فِيهِ قماش وَغَيره وَأخرج إقطاعه. وَأما الشَّام فَإِن الأميرين جكم ونوروز وَجها فيرابعه الرُّسُل إِلَى السُّلْطَان بِصُورَة مَا جرى وَخرج الْأَمِير جكم من دمشق هُوَ والأمير نوروز فِي حادي عشره مُتَوَجّه جكم إِلَى جِهَة حلب وَتوجه نوروز فِي طلب شيخ فَلم يُدْرِكهُ وفر سودن المحمدي من عِنْد الْأَمِير شيخ - وَكَانَ مُقَيّدا - وَلحق بالأمير نوروز. وَفِي آخِره: أثبت قُضَاة حماة أَن طائرات سمع وَهُوَ يَقُول: اللَّهُمَّ انصر حكم. شهر صفر أَوله السبت: أهل والأسعار غَالِيَة وَبلغ لحم الْبَقر إِلَى سَبْعَة دَرَاهِم الرطل وَلحم الضَّأْن إِلَى تِسْعَة والأسواق متعطلة وَالنَّاس فِي خوف ووجل من كَثْرَة الظُّلم. وَفِيه خرج الْأَمِير يشبك وَغَيره من الْأُمَرَاء إِلَى ملاقاة الْأَمِير شيخ. وَفِي ثالثه: قدم الْأَمِير شيخ وَمَعَهُ الْأَمِير دمرداش نَائِب حلب والأمير خير بك نَائِب غَزَّة والأمير ألطنبغا العثماني حَاجِب الْحجاب بِدِمَشْق والأمير يُونُس الحافظي نَائِب حماة - كَانَ - والأمير سودن الظريف والأمير تنكز بغا الحططي وَغَيرهم فَصَعِدُوا القلعة وأكرموا غَايَة الْإِكْرَام وَذَلِكَ وَفِي سادسه: خلع على الْأَمِير شيخ وَاسْتقر فِي نِيَابَة الشَّام على عَادَته وعَلى الْأَمِير دمرادش بنيابة حلب على عَادَته. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 173 وَفِي سابعه: اسْتَقر تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب بن نصر الله فِي نظر الأحباس عوضا عَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد الطناحي. وَفِي حادي عشرينه: حمل السُّلْطَان أَخَاهُ الْملك الْمَنْصُور عبد الْعَزِيز وأخاه إِبْرَاهِيم إِلَى إسكندرية مَعَ الْأَمِير قطلوبغا الكركي والأمير أينال حطب العلاي ليقيموا بهَا وَخرج مَعَ أَخَوَيْهِ أمهاتهما وخدمهما وأجرى لَهما فِي كل يَوْم خَمْسَة آلَاف دِرْهَم وَلكُل من الْأَمِير ألف دِرْهَم فِي الْيَوْم. شهر ربيع الأول أَوله الِاثْنَيْنِ: فِيهِ برز الْأَمِير شيخ نَائِب الشَّام والأمير دمرداش نَائِب حلب ومعهما جمَاعَة من عَسْكَر دمشق وحلب وَنزلا خَارج الْقَاهِرَة بالريدانية وَلحق بهما الْأَمِير سودن الحمزاوي الدوادار والأمير سودن الطيار أَمِير سلَاح. وَفِيه أُعِيد الْهوى إِلَى الْحِسْبَة وعزل شمس الدّين الطَّوِيل ورحل الْأَمِير شيخ والأمير دمرداش بالشاميين. وَفِي ثامنه: سَار السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل وَنزل مخيمه بالريدانية. وَفِي حادي عشره: أُعِيد الطَّوِيل إِلَى الْحِسْبَة وعزل الْهوى. وَفِي ثَانِي عشره: رَحل السُّلْطَان من الريدانية يُرِيد الشَّام وَجعل الْأَمِير تمراز الناصري نَائِب الْغَيْبَة فَلم يحمد رحيله فِي يَوْم الْجُمُعَة فقد نقل عَن الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل - رَحمَه الله - أَنه قَالَ: مَا سَافر أحد يَوْم الْجُمُعَة إِلَّا رأى مَا يكره. وَفِي رَابِع عشرينه: نزل السُّلْطَان غَزَّة ورحل مِنْهَا فِي سَابِع عشرينه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 174 وَأما الشَّام فَإِن الْأَمِير نوروز جهز فِي أَوله عسكراً من دمشق عَلَيْهِم الْأَمِير سودن المحمدي وأزبك الدوادار فَسَارُوا إِلَى جِهَة الرملة. وَفِي حادي عشره: خرج الْأَمِير بكتمر شلق من دمشق لجمع العشران فَقدم فِي ثَالِث عشره الْأَمِير أينال بيه بن قجماس والأمير يشبك بن أزدمر وَكَانَا مختفيين بِالْقَاهِرَةِ من حِين عَاد الْملك النَّاصِر إِلَى الْملك بعد أَخِيه الْمَنْصُور عبد الْعَزِيز وَوصل مَعَهُمَا الْأَمِير سودن المحمدي لضعف حصل لَهُ فأكرمهما الْأَمِير نوروز وأنعم عَلَيْهِمَا. وعقيب ذَلِك عَاد الْعَسْكَر المتوجه مَعَ سودن المحمدي إِلَى الرملة لوصول الْأَمِير خير بك نَائِب غَزَّة إِلَيْهَا - هُوَ والأمير ألطنبغا العثماني - وأخبروا باستقرار الْأَمِير شيخ فِي نِيَابَة الشَّام وَأَن السُّلْطَان قد خرج من الْقَاهِرَة فاضطرب نوروز وَخرج من دمشق فِي يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع عشره فَبَلغهُ وُصُول الْأَمِير ألطنبغا العثماني إِلَى صفد وَقد ولي نيابتها وَمَعَهُ شاهين دوادار الْأَمِير شيخ. ففر مِنْهُ بكتمر شلق وَقدم على نوروز فَعَاد حِينَئِذٍ من جسر يَعْقُوب وَقد عزم على الْفِرَار خوفًا من السُّلْطَان وَلحق بِهِ من كَانَ بِدِمَشْق من أَصْحَابه. وَسَار من دير زيتون فِي سادس عشرينه على بعلبك إِلَى حمص فَدخل شاهين - دوادار شيخ - من الْغَد يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشرينه إِلَى دمشق ثمَّ قدم الْأَمِير شيخ فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ آخِره وَمَعَهُ دمرداش نَائِب حلب وألطنبغا العثماني نَائِب صفد والأمير زين الدّين عمر بن الهذباني أتابك دمشق فَلم يجد من يمانعه. شهر ربيع الآخر أَوله الثُّلَاثَاء: فِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ سابعه: مَاتَ الْملك الْمَنْصُور عبد الْعَزِيز بن الظَّاهِر برقوق بالإسكندرية. بعد مَرضه مُدَّة إِحْدَى وَعشْرين لَيْلَة. وَمَات بعقب مَوته من ليلته أَخُوهُ إِبْرَاهِيم ودفنا من الْغَد فَكَانَت جنازتهما جمعهَا كَبِير ولهج النَّاس بِأَنَّهُمَا مَاتَا مسمومين. وَفِي هَذَا الْيَوْم: دخل السُّلْطَان إِلَى دمشق فِي تجمل عَظِيم وَنزل بدار السَّعَادَة إِلَى أَن توجه يُرِيد حلب فِي سَابِع عشره فَدَخلَهَا فِي سادس عشرينه وَقد رَحل الْأَمِير جكم عَنْهَا وعدى الْفُرَات وَمَعَهُ الْأَمِير نوروز والأمير تمربغا المشطوب وَجَمَاعَة منزل السُّلْطَان بالقلعة وَبعث الْأُمَرَاء فِي وَفِي ثامن عشرينه: قدمت رمة الْملك الْمَنْصُور عبد الْعَزِيز وأخيه إِبْرَاهِيم من الْإسْكَنْدَريَّة على ظهر النّيل إِلَى سَاحل الْقَاهِرَة وحملا إِلَى تَحت القلعة وأمهاتهما وجواريهن مسلبات فصلى عَلَيْهِمَا ودفنا عِنْد أَبِيهِمَا تَحت الْجَبَل بتربته الَّتِي أوصى بعمارتها. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 175 شهر جُمَادَى الْآخِرَة أَوله السبت: فِيهِ خرج السُّلْطَان من حلب عَائِدًا إِلَى دمشق وَولي بحلب الْأَمِير جركس المصارع. وَولي الْأَمِير سودن بقجة نِيَابَة طرابلس. وَأقر الْأَمِير شيخ على نِيَابَة الشَّام وجد فِي مسيره حَتَّى قدم دمشق فِي خَمْسَة أَيَّام وَترك الخام وَرَاءه. فثارت طَائِفَة من المماليك وَمَعَهُمْ عَامَّة حلب على جركس المصارع وَقدم الْأَمِير نوروز بعسكره ففر جركس يُرِيد دمشق ونوروز فِي أَثَره فعثر بخام السُّلْطَان فَقَطعه وَوَقع النهب فِيهِ. وخلص الْأَمِير جركس إِلَى السُّلْطَان وَدخل مَعَه دمشق فِي ثامنه فَنزل السُّلْطَان دَار السَّعَادَة ونادى بِالْإِقَامَةِ فِي دمشق شَهْرَيْن. وَكَانَ الْأَمِير يشبك قد دخل بالْأَمْس وَهُوَ مَرِيض وَمَعَهُ الْأَمِير دمرداش والأمير باش باي رَأس نوبَة. وَهِي خَامِس عشره: أُعِيد شمس الدّين الأخناي إِلَى قَضَاء دمشق وعزل ابْن حجي. وَقدم الْخَبَر بنزول الْأَمِير نوروز حماة ثمَّ حمص ووصول جكم إِلَى حلب فَسَار السُّلْطَان من دمشق يَوْم الْأَحَد سادس عشره بَعْدَمَا تقدم إِلَى الْعَسْكَر بِأَن من كَانَ فرسه عَاجِزا فليذهب إِلَى الْقَاهِرَة وَألا يتبعهُ إِلَّا من كَانَ قَوِيا فَتسَارع أَكثر العساكر إِلَى الْعود إِلَى الْقَاهِرَة. وَلم يتبع السُّلْطَان مِنْهُم كثير أحد فَانْتهى فِي مسيره إِلَى قريب منزلَة قارة ثمَّ عَاد مجداً فَدخل دمشق يَوْم الْخَمِيس عشرينه. وَقد فرق شَمله وَتَأَخر جمَاعَة من الْأُمَرَاء مَعَ شيخ نَائِب الشَّام فَخرج الْأَمِير يشبك فِي ثَانِي عشرينه وَخرج شبح ودمرداش وألطنبغا العثماني فِي عدَّة أُمَرَاء يَوْم الْأَحَد ثَالِث عشرينه إِلَى صفد. وَسَار السُّلْطَان ويشبك يُرِيد مصر فَدخل إِلَى الْقُدس وَقد تخلف الْأَمِير سودن الحمزاوي بِدِمَشْق وَمَعَهُ عدَّة من الْأُمَرَاء مغاضبين للسُّلْطَان. ثمَّ توجه الحمزاوي من دمشق يُرِيد صفد وَأخذ كثيرا من الأثقال السُّلْطَانِيَّة وَاسْتولى على صفد. وَفِي يَوْم الْأَحَد رَابِع جُمَادَى الأولى: أعَاد نَائِب الْغَيْبَة ابْن شعْبَان إِلَى الْحِسْبَة وعزل الطَّوِيل. وَأما الشَّام فَإِن الْأَمِير سودن الحمزاوي الدوادار دخل بالجاليش السلطاني إِلَى دمشق فِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث شهر ربيع الآخر وَدخل الْأَمِير بيغوت فِي رابعه وَقدم السُّلْطَان فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سابعه والأمير شيخ نَائِب الشَّام قد حمل الجتر على رَأسه وَبَين يَدَيْهِ الْخَلِيفَة والقضاة والأمير يشبك وَبَقِيَّة العساكر فَنزل السُّلْطَان بدار السَّعَادَة. وَفِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء ثامنه: بعث الْوَزير فِي طلب عَلَاء الدّين عَليّ بن أبي الْبَقَاء قَاضِي دمشق ففر من الأعوان بَعْدَمَا قبضوا عَلَيْهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 176 وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء: هَذَا خلع على الْأَمِير سودن بقجة بنيابة طرابلس وَسَار إِلَيْهَا. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة حادي عشره: صلى السُّلْطَان الْجُمُعَة بِجَامِع بني أُميَّة وحطب بِهِ وَصلى الشهَاب أَحْمد بن الحساباني. وَفِي هَذِه الْأَيَّام ركب المماليك السُّلْطَانِيَّة تَحت قلعة دمشق وطلبوا النَّفَقَة وَتَكَلَّمُوا كثيرا بِمَا لَا يَلِيق وَفِي ثامن عشره: توجه الْأَمِير شيخ نَائِب الشَّام والأمير دمرداش نَائِب حلب من دمشق يُريدَان حلب وَضرب خام السُّلْطَان ببرزة وَخرج السُّلْطَان من الْغَد فَنزل ببرزة. وَفِي خَامِس عشره: أُعِيد الشريف عَلَاء الدّين عَليّ بن عدنان إِلَى كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق وَكَانَت بيد ابْن الْآدَمِيّ فَلَمَّا قدم الْأَمِير نوروز اختفى مِنْهُ مباشرها تَقِيّ الدّين الْقرشِي موقع نوروز حَتَّى حوج من الْبَلَد. وَفِي تَاسِع عشره: ولي نجم الدّين عمر بن حجي قَضَاء دمشق. وعزل الشهَاب الحساني. وَفِي حادي عشرينه: قدم قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد الأخناي من الْقَاهِرَة إِلَى دمشق وَكَاد قد ولي بعد صرفه من قَضَاء ديار مصر خطابة الْقُدس. وَفِي خَامِس عشرينه: وصل إِلَى دمشق الْأَمِير جمال الدّين الأستادار وَكَانَ قد تَأَخّر بعد السُّلْطَان بِالْقَاهِرَةِ. وَفِي آخِره: قبض على قُضَاة حماة وَوَضَعُوا فِي الْحَدِيد وألزموا بِمَال كَونهم أثبتوا محْضر الطَّائِر بِالدُّعَاءِ لجكم. وَأهل جُمَادَى الأول: وَالنَّاس فِي دمشق وأعمالها فِي ضَرَر كَبِير لما نزل من جباية الشّعير للسُّلْطَان. وَفِي تَاسِع عشره: طلب السُّلْطَان قُضَاة طرابلس فقدموا عَلَيْهِ بحلب وَأخذ مِنْهُم مَالا. وأعادهم إِلَى حَالهم. وَأخذ من قُضَاة حلب مَالا وأقرهم. وَفِي خَامِس عشرينه: ولي صدر الدّين عَليّ بن الأدمِيّ قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق بِمَال كَبِير. وَقدم الْأَمِير يشبك من حلب إِلَى دمشق فِي سَابِع جُمَادَى الْآخِرَة ثمَّ قدم السُّلْطَان فِي ثامنه وخلع فِي عاشره على شيخ خلعة الِاسْتِمْرَار فِي نِيَابَة الشَّام وعَلى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 177 سودن الحمزاوي خلعة الِاسْتِمْرَار. وَنُودِيَ بِالْإِقَامَةِ فِي دمشق فَقدم الْخَبَر فِي سادس عشره بوصول نوروز إِلَى حمص فَنُوديَ بالرحيل فَتقدم الْأَمِير شيخ. ثمَّ سَار السُّلْطَان فِي آخِره. وَتوجه كثير من الْعَسْكَر إِلَى جِهَة الْقَاهِرَة فوصل السُّلْطَان إِلَى قارا وَعَاد إِلَى دمشق يَوْم الْخَمِيس عشرينه مخرج الْأَمِير يشبك فِي يَوْم السبت وَهُوَ مَرِيض يُرِيد الْقَاهِرَة. وَخرج شيخ ودمرداش وألطنبغا العثماني فِي يَوْم الْأَحَد ثَالِث عشرينه إِلَى جِهَة صفد وَمَعَهُمْ جمَاعَة من الْأُمَرَاء ندبهم السُّلْطَان إِلَيْهَا. وَخرج السُّلْطَان ليتبعهم فَنزل الْكسْوَة يُرِيد مصر ورحل فثار بِدِمَشْق فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ رَابِع عشرينه جمَاعَة نوروز الَّذين كَانُوا مختفين وَنَادَوْا بالأمان ودقوا البشائر. ثمَّ قدم فِي سَابِع عشرينه عدَّة أُمَرَاء مِنْهُم سودون الْحَلب وجمق وأزبك دوادار نوروز إِلَى دمشق. وَقدم من الْغَد أينال بيه بن قجماس ويشبك بن أزدمر ويشبك الساقي فِي عدَّة من النوروزية. شهر وَجب أَوله الْأَحَد: فِيهِ قدم الْأَمِير نوروز دمشق فِي موكب جليل. وَفِي ثَانِيه: وصلت طَائِفَة من عَسْكَر السُّلْطَان إِلَى الْقَاهِرَة وتتابع دُخُولهمْ. وَفِي تاسعه: قدم الْأَمِير جمال الدّين الأستادار. وَفِي سادسه: أُعِيد الطَّوِيل إِلَى الْحِسْبَة وعزل ابْن شعْبَان. وفيهقدم حَرِيم السُّلْطَان من الشَّام وَقدم عدَّة من المماليك السُّلْطَانِيَّة وَغَيرهم. وَفِي حادي عشره: قدم السُّلْطَان إِلَى قلعة الْجَبَل وَلم ينل غَرضا وَقد تلف لَهُ مَال كثير جدا ونقصت عساكره فزينت الْقَاهِرَة لقدومه. وَفِي ثامن عشره: قدم الْأَمِير دمرداش نَائِب حلب والأمير سودن من زَاده نَائِب غَزَّة وَقد ثار وَفِي ثَانِي عشرينه: اسْتَقر زين الدّين حاجي التركماني فِي حسبَة الْقَاهِرَة وعزل الطَّوِيل ثمَّ أُعِيد فِي سَابِع عشرينه. وَكَانَ الْأَمِير سودن الحمزاوي قد أَخذ صفد وقلعتها وَاسْتمرّ هُوَ والأمير شيخ ودمرداش. ففر عَنْهُم دمرداش وَأخذ الحمزاوي يسْعَى فِي صلح شيخ مَعَ نوروز حَتَّى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 178 أجَاب نوروز إِلَيْهِ. وَكتب فِي ذَلِك إِلَى جكم فَخرج الحمزاوي يَوْمًا من صفد ليسير فِي برهَا فَسَار شيخ وَأخذ فِي عيبته القلعة فنجا الحمزاوي بِنَفسِهِ وَبَعض أَصْحَابه وَقدم دمشق فِي ثَانِي عشره فَأخذ شيخ جَمِيع مَا كَانَ لَهُ بصفد وَقبض على جماعته. وَنزل دمرداش بغزة فَأخذ نوروز فِي عمَارَة قلعة دمشق ووقف عَلَيْهَا بِنَفسِهِ وَمَعَهُ الْأُمَرَاء والقضاة وَفرض الْأَمْوَال على الْأَرَاضِي فجبي مَالا كَبِيرا وَأخرج الْأَوْقَاف إقطاعات لإصحابه وأقطع الْأَمْلَاك أَيْضا. شهر شعْبَان أَوله الثُّلَاثَاء: فِي رابعه: قبض على الْوَزير المشير فَخر الدّين بن غراب وَسلم إِلَى الْأَمِير جمال الدّين الأستادار ليعاقبه. وَفِي سابعه: اسْتَقر الْأَمِير جمال الدّين فِي وظيفتي الوزارة وَنظر الْخَاص مُضَافا لما بِيَدِهِ. وَكَانَ بن غراب قد قطع فِي شهر رَجَب اللَّحْم الْمُرَتّب على الدولة للمماليك السُّلْطَانِيَّة والأمراء وَأهل الدولة وَصرف لأربابه عَن كل رَطْل لحم درهما وسعره يَوْمئِذٍ ثَمَانِيَة دَرَاهِم الرطل فَخفت كلفة الدولة وَصَارَ الوزراء فِي رَاحَة. وَذَلِكَ أَن اللَّحْم كَانَ ثمنه فِي كل يَوْم زِيَادَة على خمسين ألف دِرْهَم فَنزل بِالنَّاسِ من أجلهَا أَنْوَاع من الْبلَاء ويمر بالوزير من القباض - إِذا تَأَخَّرت - إهانة لَا تُوصَف وَيحْتَاج فِي هَذَا إِلَى مصادرات النَّاس وَأخذ الْأَمْوَال بأنواع الظُّلم وَلذَلِك كَانَ الوزراء يعجزون عَن سد الوزارة فَمنهمْ من يختفي وَمِنْهُم من يستعفي وَمِنْهُم من ينكب. وَكَانَ ثمن هَذَا اللَّحْم يُقَال لَهُ النقدة وَالَّذين يقضونه من الْوَزير يُقَال لَهُم المعاملون وَلَهُم سلاطة فَإِذا أحيلوا على أحد استخصوا مِنْهُ بِأَيْدِيهِم فَإِن تعاسر عَلَيْهِم نهبوا دَاره أَو حانوته. وَإِذا لم يجد الْوَزير سَبِيلا إِلَى إعطائهم تِلْكَ اللَّيْلَة ثمن اللَّحْم وَلَا أحالهم على أحد أسمعوه مَا يكره ومدوا أَيْديهم إِلَى مَا يجدوه تَحْتَهُ من فرَاش أَو عِنْده من شَيْء وأخذوه فَزَالَ عَن النَّاس عَامَّة وَعَن الوزراء خَاصَّة بترك صرف لحم الرَّاتِب وتعويض أربابه عَنهُ مَالا بلَاء عَظِيم. وَصَارَ الْوَزير بَعْدَمَا كَانَ يحْتَاج إِلَى النقدة فِي كل لَيْلَة وَلَا يقدر أَن ينَام حَتَّى يَدْفَعهَا إِلَى المعاملين أَو يوزعها على من يحيلهم عَلَيْهِم قد أَمن فَإِنَّهُ لَا يصرف مِمَّن ذَلِك لأربابه إِلَّا من الشَّهْر إِلَى الشَّهْر. وَمَعَ هَذَا فَيعْطى فِي الدِّرْهَم سدسه أَو سبعه وَاسْتمرّ الْأَمر على هَذَا. وَفِي خَامِس عشره: نُودي على المثقال الذَّهَب بِمِائَة وَعشْرين درهما وعَلى الدِّينَار الإفرنتي بِمِائَة دِرْهَم، بعد مائَة وَخَمْسَة وَثَلَاثِينَ، فتوقفت الْأَحْوَال. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 179 وَفِيه انحل سعر الْقَمْح فَنزل إِلَى سِتِّينَ درهما الأردب وَنزل الشّعير إِلَى خَمْسَة وَثَلَاثِينَ والفول إِلَى خَمْسَة وَعشْرين الأردب. وَنُودِيَ أَن يكون الْخبز ثَلَاثَة أرغفة بدرهم زنة الرَّغِيف عشر أواقي فَقل وجوده فِي الْأَسْوَاق ثمَّ نُودي أَن كل أَرْبَعَة أرغفة بدرهم زنة تسع أواقي كل رغيف فَبيع كَذَلِك وَتعذر وجوده غَالِبا. وَفِي ثامن عشره: قبض بغزة على الْأَمِير خير بك. وَحمل مُقَيّدا إِلَى الْقَاهِرَة وَقدم فِي ثَانِي عشرينه. وَأما الشَّام فَإِن المصادرات كثرت بِدِمَشْق وَصَارَ أَهلهَا فِي شدَّة من كَثْرَة مَا جبي مِنْهُم لعمارة القلعة وأخرجت أوقافهم وأملاكهم إقطاعات للنوروزية. وَأخذت أَمْوَال كثير من التُّجَّار. وَفِي رَابِع عشرينه: ولي الْأَمِير نوروز نِيَابَة غَزَّة للأمير أينال بيه بن قجماس وَولي أسن بيه كاشف الرملة وأخرجهما ومعهما يشبك بن أزدمر وسودن الحمزاوي فَسَارُوا إِلَى جِهَة غَزَّة. وَبعث سودن الْحَلب إِلَى الكرك نَائِبا بهَا فَأطلق من كَانَ سجنه السُّلْطَان فِيهَا وبعثهم إِلَى دمشق. شهر رَمَضَان أَوله الْخَمِيس: وَفِي عاشره: خرج من الْقَاهِرَة عَسْكَر إِلَى الشَّام فِيهِ الْأَمِير تمراز الناصري والأمير أقباي فورد الْخَبَر بِأَن عسكراً من الشَّام قد أَخذ غَزَّة وَأَن يشبك بن أزدمر نزل قطيا وخربها وَعَاد إِلَى وَفِي هَذَا الشَّهْر: أخرج أهل الْقُدس عبد الرَّحْمَن المهتار ويشبك الساقي. وَابْن قجماس وَمن مَعَهم إِلَى وَادي بني زيد فَكثر هُنَاكَ جمعهم وَسَارُوا إِلَى الرملة وقاتلوا الْعَسْكَر فَقتل مِنْهُم نَحْو الْخمسين رجلا وَأسر خَمْسَة عشر وجرح أسنباي وَانْهَزَمَ من بقى. وَفِيه سَار عَسْكَر من دمشق يُرِيد الرملة فَخرج ألطنبغا العثماني من صفد إِلَى قاقون وَكتب إِلَى السُّلْطَان أَن ينجده بعسكر. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 180 وَفِي هَذَا الشَّهْر: تسلطن الْأَمِير جكم بحلب يَوْم حادي عشره وتلقب بالسلطان الْملك الْعَادِل أبي الْفتُوح عبد الله جكم وخطب باسمه من حلب إِلَى الْفُرَات إِلَى غَزَّة مَا عدا صفد فَإِن الْأَمِير شيخ المحمودي نَائِب الشَّام كَانَ قد أَخذهَا من الحمزاوي وَأقَام بقلعتها. ففر مِنْهُ الحمزاوي وَقَامَ الْأَمِير شيخ على طَاعَة السُّلْطَان. وَلم يجب جكم إِلَى التَّوَجُّه إِلَيْهِ. شهر شَوَّال أَوله الْجُمُعَة: فِي رابعه: خلع الْأَمِير نوروز على الْأَمِير بكتمر شلق بنيابة صفد عَن أَمر الْملك الْعَادِل عبد الله جكم. وَفِي سابعه: عَاد الْأَمِير تمراز والأمير أقباي بِمن مَعَهُمَا إِلَى الْقَاهِرَة من غير أَن يتجاوزوا السعيدية وقدمت عدَّة كتب من الشاميين إِلَى المماليك السُّلْطَانِيَّة بترغيبهم فِي اللحاق بهم وتخويفهم من التَّأَخُّر بديار مصر وقدمت عدَّة كتب من الْأَمِير جكم وَغَيره إِلَى عربان مصر وفلاحيها يمنعهُم من دفع الْخراج إِلَى السُّلْطَان وأمرائه وتخويفهم وتحذيرهم. وَفِي ثامن عشره: قدم إِلَى دمشق قَاصد الْملك الْعَادِل جكم وَمَعَهُ مرسومه بتقرير الْأَمِير سودن الحمزاوي دوداراً وَتَقْرِير الْأَمِير إينال بيه بن قجماس أَمِير أخور والأمير يشبك بن أزدمر رَأس نوبَة والأمير سودن الحمزاوي. أَمِير مجْلِس والأمير نوروز قسيم الْملك وَمَا يخْتَار يفعل وَأمرهمْ بِلبْس الكلفتاة وَكَانُوا قد تركوها مُدَّة إِشَارَة مِنْهُم أَنهم غير طالعين السُّلْطَان. وَفِي خَامِس عشرينه: لبس الْأَمِير نوروز خلعة الْملك الْعَادِل حكم ودقت البشائر بِدِمَشْق وزينت. وَفِي هَذَا الشَّهْر: ابْتَدَأَ الطَّاعُون بِالْقَاهِرَةِ ومصر. وتزايد حَتَّى فَشَا فِي النَّاس وَكثر الْمَوْت الْوَحْي وَبلغ عدد من يرد اسْمه الدِّيوَان إِلَى مِائَتَيْنِ وَخمسين فِي كل يَوْم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 181 وترجف الْعَامَّة بِأَن عَددهمْ أَضْعَاف ذَلِك وشبهتهم أَن الحوانيت الْمعدة لإِطْلَاق الْأَمْوَات أحد عشر حانوتاً فِي كل حَانُوت نَحْو الْخمسين تَابُوت مَا مِنْهَا تَابُوت إِلَّا ويتردد إِلَى الترب كل يَوْم ثَلَاث مَرَّات وَأكْثر مَعَ كَثْرَة ازدحام النَّاس عَلَيْهَا وَعز وجودهَا فَيكون على هَذَا عدَّة من يَمُوت لَا يقصر عَن ألف وَخَمْسمِائة فِي الْيَوْم سوى من لَا يرد اسْمه الدِّيوَان من مرضى المارستان وَمن يطْرَح على الطرقات وغالب من يَمُوت الشَّبَاب وَالنِّسَاء. وَمَات بِمَدِينَة منوف الْعليا أَرْبَعَة آلَاف وَأَرْبَعمِائَة إِنْسَان كَانَ يَمُوت بهَا فِي كل يَوْم مائَة وَأَرْبَعُونَ نَفرا. وَاتفقَ فِي هَذَا الشَّهْر أَنه كَانَ لبَعض الْأُمَرَاء صَاحب من فُقَرَاء الْعَجم وَكَانَ لَهُ أَيْضا ولد صَغِير كيس فَكَانَ الْفَقِير يحب ذَلِك الصَّغِير وَيكثر أَن يَقُول: لَو مَاتَ هَذَا الصَّغِير لمت من الأسف عَلَيْهِ فَقدر الله موت الصَّغِير فَمَا فرغوا من غسله حَتَّى مَاتَ الْفَقِير فَسَارُوا بالجنازتين مَعًا ودفنا متجاورين. شهر ذِي الْقعدَة أَوله الْأَحَد: فِي سادس عشره: اسْتَقر فِي حسبَة الْقَاهِرَة تَاج الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ عرف بِابْن المكللة ربيب ابْن جمَاعَة وعزل الطَّوِيل. وَفِي رَابِع عشرينه: أُعِيد ابْن شعْبَان إِلَى الْحِسْبَة وعزل ربيب بن جمَاعَة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كثر الموتان فِي النَّاس وَعز وجود الْبِطِّيخ الصيفي من كَثْرَة طلبه للمرضى. فبيعت بطيخة بِمِائَتي دِرْهَم وَسبعين درهما. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 182 وَفِي آخِره: توجه عدَّة من الْأُمَرَاء إِلَى جِهَات مصر فَمضى الْأَمِير يشبك فِي طَائِفَة إِلَى الْبحيرَة وَمضى الْأَمِير يلبغا الناصري فِي طَائِفَة إِلَى أطفيح لأخذ جمال النَّاس من أجل التجريدة لقِتَال جكم. وَفِيه ظَهرت بثرة بِرَجُل فوصف لَهُ شخص أَن يُؤْخَذ فروج وَيُوضَع دبره على تِلْكَ البثرة فَإِن مَاتَ الْفروج وضع دبر فروج آخر. وَفعل كَمَا قَالَ فَمَاتَ عشرُون فروجاً عِنْدَمَا يلصق دبر الْفروج بالبثرة يَمُوت لوقته. وَفِيه ملك الْعَادِل جكم البيرة. وَفِي رَابِع عشرَة: بعث الْأَمِير شيخ - وَهُوَ بصفد - عسكره إِلَى نابلس فَقبض على عبد الرَّحْمَن المهتار وَحمل إِلَيْهِ فعاقبه ثمَّ قَتله. وَفِي ثامن عشره: حلف الْأَمِير نوروز وَمن مَعَه بِدِمَشْق للْملك الْعَادِل حكم ولبسوا الكلفتاه. وَوَقع الْجد فِي عمَارَة قلعة دمشق وسخر نوروز فِيهَا النَّاس. شهر ذِي الْحجَّة أَوله الِاثْنَيْنِ: فِيهِ كبس الناصري بأطفيح على العربان وسَاق عدَّة من إبلهم فَاجْتمعُوا عَلَيْهِ وأوقعوا بساقته وَأخذُوا عدَّة من بغاله وَقتلُوا مِنْهُ جمَاعَة وجرحوا طَائِفَة. وَقدم الْخَبَر بِأَن عربان الْبحيرَة أحاطوا بِمن توجه إِلَيْهِم من الْأُمَرَاء وحصروهم فِي مَدِينَة دمنهور فَخرجت النجدة إِلَيْهِم بِحَيْثُ لم يتَأَخَّر أحد من الْأُمَرَاء فمرت العربان فِي الْبَريَّة إِلَى جِهَة الحمامات. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 183 وَفِيه وَقع الاهتمام بِالسَّفرِ إِلَى الشَّام. وَفِيه طلب ابْن التركية من الْأَمِير يشبك الْأمان فَأَمنهُ وَحلف لَهُ فندما نزل قَرِيبا مِنْهُ بَينه وَقبض عَلَيْهِ وَقتل عدَّة من أَصْحَابه وَبعث إِلَى أَمْوَاله فنهبها وسَاق لَهُ مِنْهَا ثَلَاثِينَ ألف رَأس غنم وبعثها مَعَ الْأَمِير تعري بردى والأمير أقباي والأمير بشباي فوصلوا إِلَى الجيزة فِي سادس عشره بعد مَا لقوا فِي رمل الحاجر شدَّة وَتَلفت لَهُم عدَّة خُيُول. وَقدم يشبك بِمن مَعَه فِي يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع عشره وَبَين يَدَيْهِ بن التركية وَجَمَاعَة من أهل الْبحيرَة فوسط السُّلْطَان ابْن التركية وعلق رَأسه على بَاب زويلة. وَفِي خَامِس عشرينه: علق الجاليش لتجهز الْعَسْكَر للسمر. وَفِي تَاسِع عشرينه: رسم بِالنَّفَقَةِ وصر لكل فَارس مبلغ ثَلَاثِينَ مِثْقَالا وَألف دِرْهَم فُلُوسًا فتجمع المماليك تَحت القلعة وامتنعوا من أَخذهَا. وَفِيه دقَّتْ البشائر بِمَوْت جكم. وَكَانَ من خَبره أَنه لما تسلطن استعد لأخذ بِلَاد الشمَال وَأعْرض عَن مصر. ثمَّ حرج من حلب يُرِيد الْأَمِير عُثْمَان بن طور عَليّ بن قوايلك وَقد نزل بتركمانه فِي أَرَاضِي آمد. فَحَضَرَ جكم البيرة حَتَّى أَخذهَا وَقتل نائبها كزل ثمَّ عدا الْفُرَات من البيرة فَأَتَتْهُ رسل قرايلك ترغب إِلَيْهِ فِي رُجُوعه إِلَى حلب وَأَنه يحمل إِلَيْهِ من الْجمال والأغنام عددا كثيرا فَلم يقبل. وَسَار حَتَّى قرب من ماردين فَنزل وَأقَام أَيَّامًا حَتَّى نزل إِلَيْهِ الْملك الظَّاهِر مجد الدّين عِيسَى وحاجبه فياض من ماردين فَسَار بِهِ إِلَى قرايلك وحطم عَلَيْهِ فقاتله قتالاً كَبِيرا أبلي فِيهِ جكم بِنَفسِهِ بلَاء عَظِيما وَقتل بِيَدِهِ إِبْرَاهِيم بن قرايلك فَانْهَزَمَ لقَتله التركمان إِلَى مَدِينَة آمد وامتنعوا بهَا فاتحكم جكم فِي طَائِفَة عَلَيْهِم حَتَّى توَسط بَين بساتين آمد فَإِذا هم قد أرْسلُوا الْمِيَاه فوحلت الْأَرَاضِي بِحَيْثُ يرتطم فِيهَا الْفَارِس بفرسه فَلَا يقدر على الْخَلَاص فَأخذ جكم وَمن مَعَه الرَّجْم من كل جِهَة وَقد انحصروا فِي مضيق لَا يُمكن فِيهِ كرّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 184 وَلَا فر وَصوب بعض التراكمين على جكم ورماه بِحجر فِي مقلاع أصَاب جَبهته فتجلد قَلِيلا وَمسح الدَّم عَن وَجهه ولحيته ثمَّ اخْتَلَط وَسقط عَن فرسه فتكاثر التركمان على من مَعَه وقتلوهم فَانْهَزَمَ بَقِيَّة الْعَسْكَر والتركمان فِي أَعْقَابهم تقتل وتأسر فَلم ينج مِنْهُم إِلَّا الْقَلِيل وَطلب جكم بَين الْقَتْلَى حَتَّى عرفه بعض التراكمين فَقطع رَأسه وبعثها إِلَى مصر وَقتل فِي هَذِه الْوَقْعَة الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن شَهْري حَاجِب حلب والأمير أقمول نَائِب عينتاب وَالْملك الظَّاهِر عِيسَى صَاحب ماردين وحاجبه فياض وفر الْأَمِير كمشبغا العيساوي والأمير تمربعا المشطوب حَتَّى لَحقا بحلب. وَكَانَت هَذِه الْوَقْعَة فِي سَابِع عشْرين ذِي الْقعدَة فدقت البشائر بقلعة الْجَبَل ثَلَاثَة أَيَّام. وَفِي هَذَا الشَّهْر: أَيْضا ركب الْأَمِير شيخ نَائِب الشَّام من صفد يُرِيد الْأُمَرَاء بغزة وهم سودن الحمزاوي والأمير أينال بيه بن قجماس والأمير يشبك بن أزدمر فطرقهم على حِين غَفلَة فقاتلوه على الجديدة فِي يَوْم الْخَمِيس رابعه فَقتل أينال بيه وَيُونُس الحافظي نَائِب حماة وسودن تلِي المحمدي وسودن قرناس. وَقبض على سودن الحمزاوي بَعْدَمَا قلعت عينه وفر يشبك بن أزدمر إِلَى دمشق وَوَقع فِي قَبْضَة الْأَمِير شيخ عدَّة من المماليك فوسط تِسْعَة من المماليك السُّلْطَانِيَّة وغرق أحد عشر وَأَفْرج عَن مماليك الْأُمَرَاء وَقَالَ لَهُم: قد وفيتم لأستاذيكم وَبعث بطَائفَة من المماليك السُّلْطَانِيَّة إِلَى السُّلْطَان وَعَاد إِلَى صفد. وَفِي هَذَا الشَّهْر: خسف جَمِيع جرم الْقَمَر فِي لَيْلَة الْأَحَد رَابِع عشره. وَفِيه عَاد الْأَمِير نوروز إِلَى طَاعَة السُّلْطَان الْملك النَّاصِر بعد قتل جكم وافتتح كتبه بالملكي الناصري وأعيدت الْخطْبَة للناصر بِدِمَشْق يَوْم الْجُمُعَة سادس عشرينه. وَسمع بعض أهل طَرِيق الله صَوتا فِي الْهَوَاء بِدِمَشْق حفظ مِنْهُ: يمر السَّحَاب بِأَرْض الشَّام كمر الْحمام بِأَرْض الْحرم تروم النُّزُول فَلَا تسطيع لفعل الْخَطَايَا وذنب الْأُمَم وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر أَحْمد بن عمر بن مُحَمَّد الطنبدي الشَّافِعِي وَقد أناف على السِّتين فِي حادي عشْرين ربيع الأول وَكَانَ من أَعْيَان الْفُقَهَاء العارفين بالأصول وَالتَّفْسِير والغريب. وَأفْتى ودرس الجزء: 6 ¦ الصفحة: 185 وَوعظ عدَّة سِنِين وَكَانَ من الأذكياء والأدباء الفصحاء وَلم يكن مرضى الدّيانَة. وَمَات تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن حيدرة بن عبد الله الدجوي الشَّافِعِي فِي لَيْلَة الْأَحَد ثامن عشر جُمَادَى الأولى عَن سِتَّة وَسبعين سنة وَكَانَ إِمَامًا فِي الحَدِيث والنحو واللغة والتاريخ وَغير ذَلِك حَافِظًا ضابطاً ثِقَة حدث فِي آخر عمره. بعد طول خموله. وَمَات شرف الدّين أَبُو بكر بن تَاج الدّين مُحَمَّد بن اسحق السّلمِيّ الْمَنَاوِيّ أحد خلفاء الحكم الشَّافِعِيَّة وخطب الْجَامِع الحاكمي فِي نصف جُمَادَى الْآخِرَة عَن بضع وَخمسين. وَمَات الشَّيْخ مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن فهيز المغيربي فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ رَابِع عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة. وَكَانَ فِي شبابه لَهُ تنسك. وخدم عبد الله اليافعي بِمَكَّة. ثمَّ صحب طشتمر الدوادار فِي الْأَيَّام الأشرفية فَنَوَّهَ بِهِ حَتَّى صَار يعد من الْأَعْيَان والأغنياء المترفين. وَمَات الشريف بدر الدّين حسن بن مُحَمَّد بن حسن النسابة الْحسنى شيخ خانكاه بيبرس فِي لَيْلَة السبت سادس عشر شَوَّال عَن سبع وَثَمَانِينَ سنة. حدث عَن الوادياشي والميدومي والحافظ قطب الدّين عبد الْكَرِيم وَغَيرهم. وَمَات الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن زَاده الخرزباني شيخ خانكاه شيخو فِي يَوْم الْأَحَد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 186 آخر ذِي الْقعدَة وَدفن بالخانكاه. وَكَانَ من أَعْيَان الْحَنَفِيَّة وَله يَد فِي الْعُلُوم الفلسفية واستدعاه السُّلْطَان من بَغْدَاد إِلَى الْقَاهِرَة. وَمَات سراج الدّين عمر بن مَنْصُور بن سُلَيْمَان القرمي فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ خَامِس جُمَادَى الأولى. وَولي حسبَة مصر ثمَّ حَسبه الْقَاهِرَة. وَمَات الْأَمِير ركن الدّين عمر بن قايماز أستادار السُّلْطَان فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ أول شهر وَجب. وَمَات الْأَمِير نعير بن حيار بن مهنا ملك الْعَرَب قَتله جكم فِي قلعة حلب. وَمَات الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن سنقر البكجري أستادار السُّلْطَان بحلب. وَمَات عَلَاء الدّين عَليّ بن بهاء الدّين أبي الْبَقَاء مُحَمَّد بن عبد الْبر السُّبْكِيّ الشَّافِعِي قَاضِي قُضَاة دمشق لَيْلَة الْأَحَد ثَانِي عشر ربيع الآخر بِدِمَشْق ومولده بهَا فِي سنة سبع وَخمسين وَسَبْعمائة. وَقدم الْقَاهِرَة صَغِيرا وَنَشَأ بهَا ثمَّ عَاد إِلَى دمشق ودرس بهَا ثمَّ ولي قَضَاء الْقُضَاة بهَا غير مرّة وَطَلَبه السُّلْطَان فاختفي حَتَّى مَاتَ. وَمَات زين الدّين عبد الرَّحْمَن بن يُوسُف الكفري قَاضِي الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق لَيْلَة السبت سادس عشر ربيع الآخر. ومولده سنة إِحْدَى وَخمسين وَسَبْعمائة بِدِمَشْق. وَقدم الْقَاهِرَة وَولي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق غير مرّة، فَسَاءَتْ سيرته. وَمَات شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن الجواشني الْحَنَفِيّ بِدِمَشْق فِي لَيْلَة الْأَحَد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 187 سادس عشر جُمَادَى الْآخِرَة وَقدم الْقَاهِرَة وناب فِي الحكم بهَا وَولي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق ودرس فِي عدَّة مدارس وَكَانَ مشكوراً. وَمَات شرف الدّين مَسْعُود بن شعْبَان الْحلَبِي فِي يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع شهر رَمَضَان بطرابلس. قدم الْقَاهِرَة غير مرّة وَولي قَضَاء الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بِدِمَشْق وطرابلس مرَارًا. وَمَات عبد الرَّحْمَن المهتار مقتولاً بصفد فِي ذِي الْقعدَة وَكَانَ قد تَأمر وغزا الكرك وأفسد فِيمَا هُنَالك بِكَثْرَة الْفِتَن. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 188 (سنة عشر وَثَمَانمِائَة) أهلت ودمشق بيد نوروز الحافظي وَقد تغلب تمربغا المشطوب على حلب بَعْدَمَا حاربه أَهلهَا وَأَعَانَهُمْ الْأَمِير عَليّ بك بن دلغادر وَقد قصد حلب بِجمع كَبِير من التراكمين بعد قتل جكم ليأخذها فَكَانَت بَينهم حروب آلت إِلَى اسْتِيلَاء المشطوب على القلعة بموافقة من بهَا فَانْهَزَمَ ابْن دلغادر وَتمكن المشطوب وَأخذ أَمْوَال حكم واستخدم مماليكه فعز جَانِبه. وَأهل الْمحرم بِيَوْم الْأَرْبَعَاء: وسعر الدِّينَار المشخص بِالْقَاهِرَةِ مائَة وَأَرْبَعين درهما فُلُوسًا. وكل دِرْهَم كاملي بِخَمْسَة دَرَاهِم من الْفُلُوس. وكل رَطْل من الحم الضَّأْن بِتِسْعَة دَرَاهِم. وكل رَطْل من لحم الْبَقر بسبعة وَهُوَ قَلِيل الْوُجُود. وكل أردب من الْقَمْح بِمِائَة وَثَمَانِينَ فَمَا دونهَا. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِيه: جلس السُّلْطَان للنَّفَقَة فَلم يتهيأ. وَفِي ثالثه: قدم مبشوا الْحَاج وَلم تجر عَادَتهم بالتأخر إِلَى مثل هَذَا الْوَقْت. وَذَلِكَ أَن صَاحب خليص عوقهم عِنْده وجرح بَعضهم بعد محاربتهم من أجل تَأَخّر مرتبه الَّذِي جرت عَادَته أَن يحمل إِلَيْهِ من قديم الزَّمَان. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سادسه: فرقت الْجمال على الممالك والأمراء بِسَبَب السّفر إِلَى الشَّام. وَفِيه قدم وَفِي ثامنه: وصل عدَّة مماليك قد قبض عَلَيْهِم الْأَمِير شيخ فِي وقْعَة غَزَّة. وَفِي ثَانِي عشره: ضربت عنق وَالِي الفيوم بَين يَدي الْأَمِير جمال الدّين الأستادار فِي دَاره بِأَمْر شهد بِهِ عَلَيْهِ اقْتضى قَتله. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشره: تدم حَاجِب الْأَمِير نعير وَمَعَهُ رَأس الْأَمِير جكم وَرَأس ابْن شَهْري فَخلع عَلَيْهِ ودقت البشائر لذَلِك. وطيف بالرأسين على قناتين الجزء: 6 ¦ الصفحة: 189 وَنُودِيَ عَلَيْهِمَا فِي الْقَاهِرَة ثمَّ علقا على بَاب زويلة وَنُودِيَ بالزينة فزينت الْقَاهِرَة ومصر وَقدم كتاب الْأَمِير شيخ يحث على سرعَة حَرَكَة السُّلْطَان إِلَى الشَّام. وَفِي يَوْم السبت تَاسِع عشره: ضربت خيمة السُّلْطَان تجاه مَسْجِد التبر خَارج الْقَاهِرَة فتأهب الْعَسْكَر للسَّفر. وَفِي يَوْم الْأَحَد عشرينه: درس نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن قَاضِي الْقُضَاة كَمَال الدّين عمر بن العديم الْحلَبِي الْحَنَفِيّ بِالْمَدْرَسَةِ المنصورية بَين القصرين وَهُوَ شَاب إِمَّا بلغ الْحلم أَو لم يبلغ. فَحَضَرَ مَعَه الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء والأمير يشبك والأمير تمراز والأمير تغري بردى وَقد زوجه بابنته وَبني عَلَيْهَا فِي لَيْلَة الْجُمُعَة ففخم أمره بمصاهرة الْأَمِير تغري بردى. وَوجد بذلك أَبوهُ سَبِيلا إِلَى تَقْدِيمه للتدريس مَعَ صغر سنه وخلو وَجهه من الشّعْر جملَة. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَالِث عشرينه: قدم الْمحمل بالحاج مَعَ الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد ابْن الْأَمِير جمال الدّين الأستادار وَقد توجه بِهِ وَعمل أَمِير الْحَاج مَعَ صغر سنه. وَلَعَلَّه لم يبلغ عشرَة سنة فَسَار بجاه أَبِيه. وتمشت لَهُ الْأَحْوَال مَعَ هوجه وسخفه. وَحدث فِي الْحَاج مَا لم يعْهَد وَهُوَ أَنهم عِنْد رحيلهم من بركَة الْحجَّاج فِي شَوَّال وقف الْأَمِير جمال الدّين وَقد خرج لوداع وَلَده حَتَّى رتبهم ليسيروا ذَهَابًا وإياباً قطارين متحاذيين لَا غير وَجعل الْحَاج نَاسا بعد نَاس فاستمر هَذَا وَلم يتَغَيَّر. وَكَانَ الْحَاج يَسِيرُونَ كَيفَ شَاءُوا فَإِذا وصلوا إِلَى مضيق وقف أَمِير الْحَاج بِنَفسِهِ وعقبهم فَسَارُوا قطاراً أَو قطارين بِحَسب الْحَال حَتَّى يخلصوا من الْمضيق بِغَيْر قتال فيسيروا كَيفَ شَاءُوا ثمَّ لما تَغَيَّرت الْأَحْوَال وَولي الْأُمُور غير أَهلهَا قلت عناية أُمَرَاء الْحَاج بِمَا ذكرنَا فَصَارَ النَّاس فِي المضايق يقْضِي بهم الْحَال إِلَى الْقِتَال وإسالة الدِّمَاء وَكسر الْأَعْضَاء وَغَلَبَة الأقوياء على الضُّعَفَاء. ثمَّ لما ولي الْأَمِير كزل العجمي الْحَاجِب إِمَارَة الْحَاج فِيمَا تقدم جبى من الْحَاج مَالا كثيرا حَتَّى عقبهم فِي المضايق فقصد الْأَمِير جمال الدّين بِمَا فعله خيرا فَكَانَ فِيهِ خير من وَجه وَشر من وَجه أما خَيره فراحة النَّاس من الازدحام فِي المضايق. وَأما شَره فَإِن الأقوياء والأعيان يَسِيرُونَ أَولا فأولاً. وضعفاء النَّاس لَا يزالون فِي الأعقاب. فَإِذا نزلُوا لَا تقدم السَّاقَة حَتَّى يرحل من تقدم فيسيرون طول سيرهم فِي عناء. وَأحسن من ذَلِك مَا أدركنا النَّاس عَلَيْهِ فِي تعقيبهم عِنْد المضايق من غير غَلَبَة وَلَا قتال. وَاسْتمرّ مَا رتبه الْأَمِير جمال الدّين فِي كل عَام. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 190 وَاتفقَ أَن المغاربة انْضَمَّ إِلَيْهِم فِي عودهم من مَكَّة حَاج الْإسْكَنْدَريَّة وغزة والقدس فنهبوا جَمِيعًا وَنزل بالمغاربة بلَاء كَبِير. وَفِي حادي عشرينه: برز الْأَمِير يشبك الأتابك والأمير تغري بردى والأمير بيغوت والأمير سودن بقجة فِي عدَّة أُمَرَاء إِلَى الريدانية فأقاموا إِلَى لَيْلَة الْجُمُعَة خَامِس عشرينه ورحلوا. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامن عشرينه: سَار السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل فِي آخر الثَّانِيَة بطالع الْأسد وَنزل بمخيمه من خَارج الْقَاهِرَة تجاه مَسْجِد تبر وَقد بلغت النَّفَقَة على المماليك إِلَى مائَة ألف دِينَار وَثَمَانِينَ ألف دِينَار وَبَلغت عدَّة الأغنام الَّتِي سيقت مَعَه عشرَة آلَاف رَأس من الضَّأْن وتقرر عليق خيوله وجماله - لخاصه ومماليكه - فِي كل يَوْم ألفا وَخَمْسمِائة أردب خَارِجا عَن عليق الْأُمَرَاء وَغَيرهم من أهل الدولة. وَبلغ راتب لَحْمه الْمَطْبُوخ بمطابخه فِي كل يَوْم إِلَى أَلفَيْنِ ومائه رَطْل. وَأما الشَّام فَإِن دمشق بيد الْأَمِير نوروز وَقد خرج مِنْهَا لقِتَال الْأَمِير شيخ فخيم على عقبَة يلبغا من نصف ذِي الْحجَّة ثمَّ نزل شقحب وَأخذ فِي الْإِرْسَال إِلَى السُّلْطَان ليسأله الْأمان. وَدخل بِمن مَعَه إِلَى دمشق فِي ثَالِث الْمحرم بَعْدَمَا غَابَ سِتَّة عشر يَوْمًا بشقحب ثمَّ بعث الْأَمِير بكتمر شلق فِي ثامنه إِلَى الْجِهَة الغربية فِي طلب أَصْحَاب شيخ فَلم يظفر بهم وَعَاد من الْغَد. ثمَّ خرج جمَاعَة من الْأُمَرَاء فِي حادي عشره مِنْهُم جمق وسلامش وقرمشي وسودن اليوسفي ثمَّ عَادوا فِي نصفه بِغَيْر طائل. فَخرج الْأَمِير نوروز إِلَى المزة وَعَاد بالأمراء الْمَذْكُورين وَبعث طَائِفَة إِلَى الْبِقَاع كل ذَلِك فِي طلب أَصْحَاب شيخ فَلم ينل سهم الْقَصْد وَعَاد إِلَى طلب الصُّلْح وَترك الْحَرْب حَتَّى يكتبا مَعًا إِلَى السُّلْطَان فَمَا يرسم بِهِ يمتثل وَرغب نوروز إِلَى شيخ فِي الْمُوَافقَة وَترك الْخلاف وَأَنه يتَوَجَّه من دمشق إِلَى حلب وَيتْرك دمشق لشيخ على أَنه يسْتَقرّ فِي نِيَابَة حلب وأكد على شيخ أَن يكْتب إِلَى السُّلْطَان فِي ذَلِك وَبعث فِي الرسَالَة جمَاعَة من قُضَاة دمشق وأعيانها فِي أول صفر وَقد نزل شيخ على بحيرة قدس وَقدم الْخَبَر من الْغَد بِأَنَّهُ عازم على التَّوَجُّه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 191 إِلَى دمشق فنادي نوروز بِالْخرُوجِ لحربه وَسَار فِي خامسه وخيم بالمزة ففر مِنْهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَة جمَاعَة مِنْهُم جمق وقمش إِلَى شيخ ففت ذَلِك فِي عضده وتحول فِي سابعه إِلَى قبَّة يلبغا فَقدم عَلَيْهِ جَوَاب شيخ بِأَن تشريف نِيَابَة الشَّام قد وصل إِلَيْهِ وَأَن طلبه لَهُ نِيَابَة حلب فَاتَ فَإِن السُّلْطَان قد وصلت عساكره غَزَّة فتحول نوروز إِلَى بَرزَة. وَدخلت عَسَاكِر شيخ دمشق فِي سابعه ورحل نوروز من بَرزَة إِلَى جِهَة حلب. وَدخل الْأَمِير شيخ إِلَى دمشق بكرَة وَفِي حادي عشره: سَار ألطنبغا العثماني من دمشق لنيابة طرابلس. شهر صفر أَوله الْخَمِيس: فِي لَيْلَة الْجُمُعَة ثَانِيه: رَحل السُّلْطَان من الريدانية خَارج الْقَاهِرَة بِمن مَعَه من الْعَسْكَر وَجعل الْأَمِير تمراز نَائِب الْغَيْبَة وأنزله بِبَاب السلسلة وَأنزل الْأَمِير أقباي بالقلعة وَأنزل الْأَمِير سودن الطيار فِي بَيت الْأَمِير بيبرس بالرميلة تجاه بَاب السلسلة فَلَمَّا نزل السُّلْطَان الصالحية أبيع بهَا الشّعير كل أردب بِدِرْهَمَيْنِ فضَّة لكثرته. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي عشره: دخل السُّلْطَان إِلَى غَزَّة فَقدم الْخَبَر بفرار الْأَمِير نوروز من دمشق. وَفِي سَابِع عشره: أعَاد الْأَمِير تمراز نَائِب الْغَيْبَة شمس الدّين الطَّوِيل إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة وعزل ابْن شعْبَان. وَهِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشرينه: دخل السُّلْطَان إِلَى دمشق بَعْدَمَا خرج الْأَمِير شيخ فِي سَابِع عشره إِلَى لِقَائِه فَأكْرمه وَسَار مَعَه وَحمل الجتر على رَأسه لما عبر الْبَلَد فَنزل السُّلْطَان بدار السَّعَادَة وَصلى الْجُمُعَة بِجَامِع بني أُميَّة. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة هَذَا: قبض على قُضَاة دمشق ووزيرها وَكَاتب السِّرّ عَلَاء الدّين وأهينوا وألزموا بِمَال. وَإِلَى يَوْم الْأَحَد خَامِس عشرينه: قبض السُّلْطَان على الْأَمِير شيخ وعَلى الْأَمِير الْكَبِير يشبك بدار السَّعَادَة واعتقلهما بقلعه دمشق وَكَانَ الْأَمِير جركس المصارع أَمِير الجزء: 6 ¦ الصفحة: 192 أخور قد تَأَخّر بداره فَلَمَّا بلغه الْخَبَر فر من سَاعَته فَلم يدْرك وفر جمَاعَة من الشيخية واليشبكية. وَفِي سادس عشرينه: خلع على الْأَمِير بيغوت بنيابة الشَّام وعَلى الْأَمِير فَارس دوادار تنم حَاجِب الْحجاب وعَلى عمر الهيدباني بنيابة حماة وعَلى صدر الدّين عَليّ بن الْآدَمِيّ بِقَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق. شهر ربيع الأول أَوله السبت: فِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ ثالثه: فر الأميران يشبك وَشَيخ وَذَلِكَ أَن السُّلْطَان لما قبض عَلَيْهِمَا وكل بهما الْأَمِير مَنْطُوق لِثِقَتِهِ بِهِ وَعَمله نَائِب القلعة فاستمالاه حَتَّى وافقهما ثمَّ تحيل على من عِنْده من المماليك بِأَن أوهمهم بِأَن السُّلْطَان أمره بقتل الأميرين فصدقوه فأخرجهما على أَن يقتلهما وفر بهما. فَلم يبلغ السُّلْطَان الْخَبَر حَتَّى مضوا لسبيلهم وَأصْبح السُّلْطَان يَوْم الِاثْنَيْنِ فندب الْأَمِير بيغوت نَائِب الشَّام لطلبهم فَسَار فِي عَسْكَر وَقد اختفى الْأَمِير شيخ فِي اللَّيْل وَمضى يشبك فَلم يدْرك بيغوت غير مَنْطُوق فَقبض عَلَيْهِ بعد حَرْب وَقَتله وَقطع رَأسه فَطُفْ بهَا ثمَّ علقت وَقدم الْخَبَر باجتماع يشبك وَشَيخ وجركس على حمص فِي دون الْألف فَارس وَأَنَّهُمْ اشتدوا على النَّاس فِي طلب المَال. فَكتب السُّلْطَان إِلَى الْأَمِير نوروز - وَقد وصل حلب وتلقاه الْأَمِير تمربغا المشطوب وأنزله وَقَامَ لَهُ بِمَا يَلِيق بِهِ - يستدعيه لمحاربة يشبك وَشَيخ وولاه نِيَابَة الشَّام ويأمره أَن يحمل إِلَيْهِ جمَاعَة من الْأُمَرَاء. وَبعث إِلَيْهِ التشريف والتقليد مَعَ الْأَمِير سلامش وَقد ولاه السُّلْطَان نِيَابَة غَزَّة فَلبس التشريف وخدم على الْعَادة وَكتب إِلَيْهِ يعْتَذر عَن حُضُوره بِمَا عِنْده من الْحيَاء وَالْخَوْف وَأَنه إِذا سَار السُّلْطَان من دمشق قدم وَكَفاهُ أَمر أعدائه. وَفِي ثامن عشره: قدم الْخَبَر بِأَن الْأُمَرَاء الَّذين فروا من دمشق قبض مِنْهُم الْأَمِير نوروز بحلب على الْأَمِير عَلان والأمير جانم والأمير أينال الجلالي المنقار والأمير حقمق أَخُو جركس وَبعث إِلَيْهِ بالأمير أينال المنقار والأمير عَلان والأمير جمق نَائِب الكرك والأمير أسن باي التركماني أحد أُمَرَاء الألوف بِدِمَشْق والأمير أسن باي أَمِير أخور. وَفِي تاسعه: قدم كتاب السُّلْطَان إِلَى الْأُمَرَاء بِمصْر يتَضَمَّن دُخُوله دمشق وَقَبضه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 193 على يشبك وَشَيخ وفرار جركس وَيَأْمُرهُمْ بِالْقَبْضِ على الْأَمِير تمراز نَائِب الْغَيْبَة فأذعن لذَلِك وَقيد وسجن بالبرج فِي القلعة وَنزل سودن الطيار مَوْضِعه من بَاب السلسلة وَانْفَرَدَ الْأَمِير أقباي بالحكم بَين النَّاس. وَفِيه نُودي بالزينة فزينت الْقَاهِرَة ومصر. وَفِيه قبض على مباشري الْأَمِير وَفِي عاشره: أُعِيد الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد البلالي شيخ خانكاه سعيد السُّعَدَاء وَكَانَ الْأَمِير تمراز قد عَزله فِي يَوْم الْخَمِيس وَولي عوضه خادمه خضر السراي فَقبض على تمراز كَمَا ذكر فِي يَوْم السبت فطار أَتبَاع البلالي كل مطار وعدوا ذَلِك من جملَة كراماته فأعيد. وَفِيه أُعِيد ابْن شعْبَان إِلَى الْحِسْبَة وعزل الطَّوِيل. شهر ربيع الآخر أَوله الْأَحَد: فِي رابعه: ركب السُّلْطَان وتنزه بالربوة وَعَاد. وَفِي خامسه: لعب بالكرة فِي الميدان. وَفِيه قدم الْأَمِير بكتمر شلق من حلب بالأمراء الَّذين قبض عَلَيْهِم الْأَمِير نوروز. وَفِيه توجه حَرِيم السُّلْطَان إِلَى جِهَة مصر. وَفِي سادسه: قبض على الْأَمِير أسن باي وَخرج غَالب الْعَسْكَر. وَفِي يَوْم السبت سابعه: خرج السُّلْطَان من دمشق وَمَعَهُ الْأُمَرَاء الَّذين أرسلهم إِلَيْهِ الْأَمِير سودن الحمزاوي وَقد أحضرهُ من سجن صفد والأمير أقبر دي رَأس نوبَة أحد أُمَرَاء الطبلخاناه والأمير سودن الشمسي أَمِير عشرَة والأمير سودن البجاسي أَمِير عشرَة وَسَار السُّلْطَان إِلَى مصر وَجعل نَائِب الْغَيْبَة بِدِمَشْق الْأَمِير بكتمر شلق. فَقدم فِيهِ أزبك دوادار الْأَمِير نوروز إِلَى دمشق وَنزل بدار السَّعَادَة وَنزل بكتمر شلق نَائِب طرابلس بالإصطبل. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 194 فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة الْأَحَد ثامنه: طرق الْأَمِير شيخ - وَمَعَهُ يشبك وجركس المصارع - دمشق ففر من كَانَ بهَا من الْأُمَرَاء وَملك شيخ دمشق وَقبض على جمَاعَة وَولي وعزل ونادى بالأمان. وَأخذ خُيُول النَّاس وصادر جمَاعَة. فورد الْخَبَر فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء حادي عشره بِأَن بكتمر شلق نزل بعلبك فِي نفر قَلِيل فَسَار يشبك وجركس فِي عَسْكَر فَمضى بكتمر إِلَى جِهَة حمص فوافاهم الْأَمِير نوروز بِجمع كَبِير على كروم بعلبك فَكَانَت بَينهمَا وقْعَة قتل فِيهَا يشبك وجركس المصارع فِي طَائِفَة وَقبض نوروز على عدَّة مِمَّن مَعَهُمَا. فَلَمَّا بلغ ذَلِك الْأَمِير شيخ سَار من دمشق على طَرِيق جرود فِي لَيْلَة الْجُمُعَة ثَالِث عشره وَهِي اللَّيْلَة الَّتِي تلِي يَوْم الْوَقْعَة مدْخل نوروز دمشق يَوْم السبت رَابِع عشره بِغَيْر ممانع وَبعث بالْخبر إِلَى السُّلْطَان فوافاه ذَلِك بالعريش فِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشره فسره سُرُورًا كثيرا. وجد السُّلْطَان فِي سيره حَتَّى صعد قلعة الْجَبَل ضحى نَهَار الثُّلَاثَاء رَابِع عشرينه وَبَين يَدَيْهِ ثَمَانِيَة عشر أَمِيرا فِي الْحَدِيد ورمة الْأَمِير أينال بيه بن قجماس وَقد حملهَا من غَزَّة فسجن الْأُمَرَاء وَدفن الرمة فزينت الْقَاهِرَة ومصر. وَفِي عشرينه: توجه الْأَمِير بكتمر جلق من دمشق إِلَى طرابلس وَتوجه يشبك بن أزدمر إِلَى نِيَابَة حماة. وَفِي سادس عشرينه: استدعى السُّلْطَان الْقُضَاة إِلَى بَين يَدَيْهِ وَأثبت عِنْدهم إِرَاقَة دم سودن الحمزاوي لقَتله إنْسَانا ظلما فحكموا بقتْله فَقتل. وَقتل بربغا دواداره والأمير أقبردي والأمير جمق. ولأمير أسن باي التركماني والأمير أسن باي أَمِير أخور. وَتَأَخر أينال المنقار وعلان وسودن الشَّمْس وسودن البجاسي فِي البرج. وَفِي سَابِع عشرينه: أنعم على الْأَمِير تغري بردى بإقطاع الْأَمِير يشبك وعَلى الْأَمِير قردم الحسني بإقطاع تغري بردى وعَلى الْأَمِير قراجا بإقطاع الْأَمِير تمراز وَاسْتقر شاد الشَّرَاب خاناه وعَلى الْأَمِير أرغون بِخبْز قراجا وعَلى الْأَمِير شاهين قصقا بِخبْز أرغون وعَلى الْأَمِير طوغان الحسني بِخبْز قصقا. وَفِي ثامن عشرينه: قتل الْأَمِير أسن باي أَمِير أخور. شهر جُمَادَى الأولى أَوله الثُّلَاثَاء: فِي يَوْم الْخَمِيس ثالثه: خلع على الْأَمِير تغري بردى وَاسْتقر أتابك العساكر عوضا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 195 عَن الْأَمِير يشبك الشَّعْبَانِي ونحى الْأَمِير كمشبغا المرزوق وَاسْتقر أَمِير أخور كَبِيرا عوضا عَن جركس المصارع. وَفِيه قدم قَاصد الْأَمِير نوروز بِرَأْس الْأَمِير يشبك وَرَأس الْأَمِير جركس المصارع وَرَأس الْأَمِير فَارس التنمي حَاجِب دمشق. وَفِي خامسه: شقّ أساس مدرسة الْأَمِير جمال الدّين يُوسُف الأستادار برحبة بَاب الْعِيد. وَفِي عاشره: حمل فِي النّيل الْأَمِير يلبغا الناصري والأمير أينال الجلالي المنقار والأمير عَلان إِلَى سجن الْإسْكَنْدَريَّة. وَفِي سادس عشره: ركب السُّلْطَان متخففاً بِثِيَاب جُلُوسه وَنزل إِلَى بَيت الْأَمِير قراجا يعودهُ ثمَّ سَار إِلَى بَيت الْأَمِير جمال الدّين الأستادار فَأكل ضيافته وَركب إِلَى الْمدرسَة الظَّاهِرِيَّة بَين القصرين فزار قبر أمه وجده واخوته وأنعم بِنَاحِيَة منبابة من الجيزة على الْمدرسَة الظَّاهِرِيَّة زِيَادَة على وقف أَبِيه فتسلمها مباشرو الْمدرسَة. ثمَّ ركب مِنْهَا إِلَى دَار الْأَمِير بشباي رَأس نوبَة وَأقَام عِنْده ثمَّ ركب إِلَى بَيت الْأَمِير كزل العجمي حَاجِب الْحجاب وَسَار من عِنْده إِلَى القلعة وَلم يعْهَد قطّ أَن ملكا من مُلُوك مصر ركب وشق الْقَاهِرَة بِثِيَاب جُلُوسه وَمَا من أحد مِمَّن ذكرنَا إِلَّا وَقدم للسُّلْطَان من الْخَيل وَالْمَال وَغَيره مَا يَلِيق بِهِ. وَفِي تَاسِع عشره: خلع على الْأَمِير قردم وَاسْتقر خازنداراً عوضا عَن الْأَمِير طوخ وعَلى طوخ وَاسْتقر أَمِير مجْلِس عوضا عَن يلبغا الناصري. وَفِي ثَانِي عشرينه: توجه سودن الْحَلب من دمشق إِلَى نِيَابَة الكرك فَامْتنعَ بهَا يشبك الموساوي وَلم يسلم قلعتها فَنزل سودن البلقاء وَاشْتَدَّ ظلمه للنَّاس. وَفِي سادس عشرينه: خرج الْأَمِير نوروز من دمشق يُرِيد حلب ليصالح الْأَمِير شيخ وَقد جرت شهر جُمَادَى الْآخِرَة أَوله الْخَمِيس: فِي سادس عشره: قبض على الْأَمِير سودن من زَاده وَحمل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجن بهَا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 196 وَفِي سَابِع عشرينه: كتب تَقْلِيد حسام الدّين حسن نَائِب غَزَّة - كَانَ - باستقراره فِي نِيَابَة الكرك عوضا عَن يشبك الموساوي الأفقم ورسم بإحضار يشبك. شهر رَجَب أَوله الْجُمُعَة: فِي ثامن عشره: اسْتَقر الْحِجَازِي فِي نقابة الْجَيْش عوضا عَن حسام الدّين حُسَيْن الْوَالِي. وَفِي حادي عشرينه: اسْتَقر شهَاب الدّين أَحْمد بن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الطلاوي فِي ولَايَة الْقَاهِرَة وَقبض على حسام الدّين الْمَذْكُور وصودر. شهر شعْبَان أَوله الْأَحَد: فِي حادي عشره: أفرج عَن الْأَمِير تمراز الناصري نَائِب السلطنة وَنزل من البرج بالقلعة إِلَى دَاره. وَفِي رَابِع عشره: خرج أزبك دوادار الْأَمِير نوروز من دمشق على عَسْكَر لأخذ الْأَمِير يشبك الموساوي نَائِب الكرك وَقد منع سودن الجلب فِي قلعتها وَجمع عرب جرم مَعَ أَمِيرهمْ عمر بن فضل وَسَار إِلَى غَزَّة فاستعد نائبها سلامش وقاتله فَوَقع فِي قَبضته وَكَانَ سودن المحمدي قد بَعثه الْأَمِير نوروز لنيابة غَزَّة وَنزل بالرملة فَبعث سلامش إِلَى الْأَمِير نوروز بِأَخْذِهِ يشبك الموساوي فندب لإحضاره أزبك فَسَار إِلَيْهِ وَقدم بيشبك إِلَى دمشق فِي أول شهر رَمَضَان فسجن بالقلعة. وَفِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء عَاشر رَمَضَان: فر الْأَمِير بكتمر شلق من سجنه بقلعة دمشق إِلَى جِهَة صفد وَنزل غَزَّة. وَفِي خَامِس عشرينه: توجه الْأَمِير نوروز من دمشق وتلاحق بِهِ الْعَسْكَر. وَقدم الْأَمِير يشبك بن أزدمر نَائِب حماة إِلَى دمشق فِي يَوْم السبت تَاسِع شَوَّال بِطَلَب نوروز لَهُ وَقدم الْخَبَر بِأَن تمربغا المشطوب - نَائِب حلب - توجه لقِتَال التركمان فبيتوه وكسروه فَعَاد إِلَى حلب. وَفِي خَامِس عشرينه: خلع عَليّ نجم الدّين عمر بن حجي وَصدر الدّين عَليّ بن الْآدَمِيّ واستقرا فِي قَضَاء دمشق وَقد قدما إِلَى الْقَاهِرَة وأنعم السُّلْطَان بِالرِّضَا عَن شيخ وَعين الْمَذْكُورين فِي الرسَالَة إِلَيْهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 197 شهر ذِي الْقعدَة أَوله الْجُمُعَة: فِيهِ كتب تَقْلِيد الْأَمِير شيخ المحمودي باستمراره فِي كَفَالَة الشَّام على عَادَته وَتوجه بِهِ ألطنبغا بشلاق وألطنبغا شقل وقاضي الْقُضَاة نجم الدّين عمر بن حجي الشَّافِعِي وقاضي الْقُضَاة صدر الدّين عَليّ بن الْآدَمِيّ الْحَنَفِيّ وَمَعَهُمْ تشريفة ولسخة الْيَمين وَكتب تَقْلِيد باستقرار الْأَمِير بكتمر شلق فِي نِيَابَة طرابلس على عَادَته وجهز إِلَيْهِ مَعَ تشريفة وَكتب باستقرار الْأَمِير يشبك بن أزدمر فِي نِيَابَة حماة وجهز إِلَيْهِ تشريفة. وَفِي رابعه: قدم الْأَمِير نوروز إِلَى دمشق بعد غيبته خمْسا وَثَلَاثِينَ يَوْمًا انْتهى فِيهَا إِلَى الرملة. وَفِي ثامنه: وصلت رسل السُّلْطَان إِلَى الْأَمِير شيخ على ظهر الْبَحْر إِلَى عكا. وَفِي سَابِع عشره: قدم تمربغا المشطوب نَائِب حلب إِلَى دمشق ثمَّ توجه إِلَى حلب فِي رَابِع عشرينه. شهر ذِي الْحجَّة أَوله السبت: فِي رَابِع عشرينه: اسْتَقر الجيزي محتسب مصر فِي حسبَة الْقَاهِرَة عوضا عَن ابْن شعْبَان فَصَارَ محتسب الْقَاهِرَة ومصر. وَسَار أَمِير الْحَاج - الْأَمِير بيسق الشيخي - بالمحمل على الْعَادة. وَفِي رابعه: قدمت رسل السُّلْطَان إِلَى شيخ فنزلوا صفد ثمَّ سَارُوا إِلَى طرابلس. وَقد نَازل الْأَمِير شيخ المرقب فَلَقوهُ عَلَيْهَا وأوصلوه التَّقْلِيد والتشريف فَلم يقبل ذَلِك. وجهز التشريف إِلَى الْأَمِير نوروز وأعلمه أَنه بَاقٍ على طَاعَته. فزينت دمشق ودقت البشائر. وَفِي هَذِه السّنة: أَقبلت سحابتان من جِهَة بَريَّة أَيْلَة وَالطور حَتَّى حاذتا بلد الْعَريش ومرتا فِي الْبَحْر فَإِذا فِي وسطهما تنينان مثل عامودين عظيمين لَا يرى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 198 أعلاهما وأسفلهما مِمَّا يَلِي المَاء وَفِي كل عَمُود مِنْهُمَا خطّ أَبيض بِطُولِهِ من أَعْلَاهُ إِلَى أَسْفَله فيرتفعان عَن المَاء قدر سَاعَة ثمَّ ينحطان فَيضْرب كل مِنْهُمَا بِذَنبِهِ فِي الْبَحْر فيضطرب اضطراباً شَدِيدا ثمَّ يرتفعان وذنب كل مِنْهُمَا بِقدر جامور المنارة الَّتِي يُؤذن عَلَيْهَا فَلم يَزَالَا على ذَلِك حَتَّى غابا عَن الْعين. وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر الشَّيْخ سيف الدّين يُوسُف بن مُحَمَّد بن عِيسَى السيرامي الْحَنَفِيّ شيخ الْمدرسَة الظَّاهِرِيَّة برقوق فِي لَيْلَة السبت حادي عشْرين ربيع الأول وَاسْتقر عرضه ابْنه نظام الدّين يحيى. وَكَانَ منشأه بتبريز حَتَّى طرقها تيمورلنك فَسَار فِي الجفل إِلَى حلب وَأقَام بهَا فاستدعاه الْملك الظَّاهِر برقوق وَقَررهُ فِي مشيخة مدرسته عوضا عَن عَلَاء الدّين السيرامي بعد مَوته فِي سنة تسعين وَسَبْعمائة. ثمَّ أضَاف إِلَيْهِ مشيخة خانكاه شيخو بعد موت عز الدّين الرَّازِيّ. وناب عَنهُ ابْنه مَحْمُود فِي الظَّاهِرِيَّة. ثمَّ ترك الشيخونية وَبَقِي على مشيخة الظَّاهِرِيَّة حَتَّى مَاتَ. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن الشاذلي الإسْكَنْدراني محتسب الْقَاهِرَة ومصر فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي صفر وَكَانَ عَارِيا من الْعلم كَانَ خردفوشيا ثمَّ بلانا بالإسكندرية فترقى لما تقدم ذكره ببذل المَال الجزء: 6 ¦ الصفحة: 199 وَمَات الْأَمِير سودن الناصري الطيار أَمِير سلَاح فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء ثامن عشْرين شَوَّال وَشهد السُّلْطَان جنَازَته وَكَانَ مشكور السِّيرَة شجاعاً محباً لأهل الْعلم وَالصَّلَاح. وَمَات الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْأَمِير جمال الدّين مَحْمُود بن عَليّ الأستادار فِي لَيْلَة الْأَحَد ثَالِث ذِي الْقعدَة قتلا فِي بَيت الْأَمِير جمال الدّين الأستادار وَكَانَ قد اختفى بعد محنة أَبِيه فِي آخر أَيَّام الْملك الظَّاهِر بعد وَاقعَة إِلَى باي وفر إِلَى الشَّام وَأقَام بهَا مُدَّة ثمَّ قدم الْقَاهِرَة متنكراً فَدلَّ عَلَيْهِ حَتَّى أَخذ وَقتل وَكَانَ غير مشكور السِّيرَة. وَمَات الْأَمِير شاهين قصقا فِي لَيْلَة الْجُمُعَة ثامن ذِي الْقعدَة وَكَانَ من الأشرار المفسدين. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 200 وَمَات الْأَمِير مقبل الطواشي زِمَام الدَّار السُّلْطَانِيَّة فِي يَوْم السبت أول ذِي الْحجَّة وَترك مَالا كثيرا وَله بِخَط البندقانيين من الْقَاهِرَة مدرسة تُقَام بهَا الْجُمُعَة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 201 فارغه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 202 سنة إِحْدَى عشرَة وَثَمَانمِائَة أهلت والأمير نوروز مستول على الْبِلَاد الشامية والقمح فِي ديار مصر بِنَحْوِ مائَة دِرْهَم الأردب وَالشعِير بِنَحْوِ سبعين الأردب والفول بستين. شهر الله الْمحرم الْحَرَام أَوله الْأَحَد: فِي ثَانِيه: برز الْأَمِير نوروز من دمشق إِلَى قبَّة يلبغا يُرِيد صفد. ثمَّ رَحل إِلَى سعسع فَأَتَاهُ الْخَبَر بِأَن الْأَمِير بكتمر شلق جمع لحربه وَنزل الجاعونة فَتقدم إِلَيْهِ وَمَعَهُ حُسَيْن وَمُحَمّد وَحسن بَنو بِشَارَة واقتتلا فَقتل بَينهمَا جمَاعَة وَحرق الزَّرْع وَخَربَتْ الْقرى ونهبت. وَسَار نوروز إِلَى الرملة. وَفِي نصفه: سَار الْأَمِير ألطنبغا العثماني إِلَى عزة وَقد ولي نيابتها وَمَعَهُ الْأَمِير باشا باي رَأس نوبَة النوب والأمير طوغان رَأس نوبَة والأمير سودن بقجة ليأخذوا عزة من سودن المحمدي ويمضوا إِلَى صفد نجدة لمن بهَا. وَفِي ثَانِي عشرينه: قدم الْأَمِير بيسق أَمِير الْحَاج بالمحمل وَلم يزر الْحجَّاج فِي هَذِه السّنة قبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذَلِكَ أَن الْأَمِير بيسق قبض بِمَكَّة على قرقماس أَمِير الركب الشَّامي فتخوف أَن يبلغ خَبره إِلَى الْأُمَرَاء بِدِمَشْق فيبعثون إِلَيْهِ من يَقْصِدهُ بِسوء فِيمَا بَين عقبَة أَيْلَة ومصر فَعدل السّير وَلم يعرج على الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة. وَهلك جمَاعَة كَثِيرَة من الضُّعَفَاء لعنفه فِي السّير. شهر صفر أَوله الِاثْنَيْنِ: فِي ثامن عشره: كَانَ وَفَاء النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا فَركب السُّلْطَان على عَادَته حَتَّى خلق المقياس بَين يَدَيْهِ ثمَّ فتح الخليج وَعَاد إِلَى القلعة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: عَاد الْأَمِير بشباي بِمن خرج مَعَه من الْأُمَرَاء وَغَيرهم إِلَى الْقَاهِرَة. وَكَانَ من خبرهم أَن الْأَمِير بكتمر جلق والأمير جانم خرجا من صفد إِلَى غَزَّة وملكاها ففر مِنْهَا سودن المحمدي الْمَعْرُوف بتلي - يَعْنِي الْمَجْنُون - فِي نفر وَلحق بالأمير نوروز. فَلَمَّا انْتهى عَسْكَر مصر إِلَى الْعَريش بَلغهُمْ إِقَامَة الْأَمِير نوروز بالرملة وَأَنه جهز إِلَيْهِم سودن المحمدي وَسَار فِي أَثَره فَردُّوا على أَعْقَابهم إِلَى الْقَاهِرَة. وَقدم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 203 لمحمدي فَلم يدركهم فَعَاد إِلَى نوروز فَمضى عِنْد ذَلِك نوروز إِلَى دمشق فَقَدمهَا فِي حادي عشره بعد غيبته عَنْهَا ثَمَانِيَة وَثَلَاثِينَ يَوْمًا بَعْدَمَا قصد صفد فَقدم عَلَيْهِ الْخَبَر بحركة الْأَمِير شيخ فَضَاقَ بذلك ذرعه واستعد لَهُ. ثمَّ سَار من دمشق فِي عشرينه وَنزل بَرزَة فَقدم عَلَيْهِ من الْغَد سودن المحمدي فَارًّا من بكنمر حلق وَقد قدم عَلَيْهِ غَزَّة وَأَخذهَا فَأَعَادَهُ إِلَى دمشق حَتَّى أصلح شَأْنه وَلحق بِهِ فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء رَابِع عشرينه فَسَار إِلَى حمص وَكَانَ الْأَمِير شيخ قد جمع من العربان والتراكمين طوائف. وَسَار بهم من حلب يُرِيد دمشق فِي ثَانِي عشره. شهر ربيع الأول أَوله الْأَرْبَعَاء: فِي أَوله: قدم الْأَمِير عَلان والأمير أينال المنقار من الْإسْكَنْدَريَّة صُحْبَة الطواشي فَيْرُوز وَقد أفرج عَنْهُمَا فمثلا بَين يَدي السُّلْطَان ثمَّ نزلا إِلَى بيوتهما. وَفِي رابعه: نزل الْأَمِير شيخ القريتين وَقد عَاد الْأَمِير نوروز محادياً لَهُ وتراسلا فِي الْكَفّ عَن الْقِتَال فَامْتنعَ الْأَمِير شيخ وَأبي إِلَّا أَن يَأْخُذ دمشق وَاحْتج عَلَيْهِ بِأَن السُّلْطَان قد ولاه نيابتها فاعتدا على الْقِتَال من الْغَد فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل تحمل الْأَمِير شيخ وَسَار بِمن مَعَه يُرِيد دمشق وَأكْثر من إشعال النيرَان فِي مَنْزِلَته يُوهم أَنه يُقيم فَلم يفْطن نوروز برحيله حَتَّى مضى أَكثر اللَّيْل فَرَحل فِي إثره ففاته. وَدخل الْأَمِير نوروز دمشق يَوْم الْأَحَد خامسه وَمَعَهُ الْأَمِير يشبك بن أزدمر نَائِب حماة. وَأما الْأَمِير شيخ فَإِنَّهُ لما رَحل علق بالكسوة ظَاهر دمشق ورحل فَنزل سعسع ثمَّ سَار. وَفِي ثامنه: قدم الْأَمِير تمربغا المشطوب نَائِب حلب إِلَى دمشق فَأكْرمه الْأَمِير نوروز وأنزله. ثمَّ بدا لَهُ فَأخذ فِي بيع مَا كَانَ قد أعده من الغلال بقلعة دمشق فكثرت القالة. وَفِي حادي عشره: ولي الْأَمِير نوروز كلا من سونج صهر الْأَمِير تنم وَعمر بن الطَّحَّان حاجبا بِدِمَشْق. وَفِي ثَانِي عشره: أعَاد شمس الدّين مُحَمَّد الأخناي إِلَى قَضَاء الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بِدِمَشْق وَولي جمال الدّين يُوسُف بن القطب قَضَاء الْحَنَفِيَّة بهَا. وَفِي رَابِع عشره: خرج نوروز من دمشق بالعسكر وَنزل قبَّة يلبغا إِلَى لَيْلَة الْخَمِيس سادس عشره سَار إِلَى سعسع فَلَقِيَهُ الْأَمِير شيخ وَقد تفرق عَنهُ أَصْحَابه وَبَقِي فِي جمع قَلِيل فَلم يثبت نوروز مَعَ كَثْرَة من مَعَه وَانْهَزَمَ بِمن مَعَه وَقصد حلب فَركب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 204 الْأَمِير شيخ أقفيتهم وَذَلِكَ فِي يَوْم السبت ثامن عشره فَدخل نوروز بِمن مَعَه دمشق فِي لَيْلَة الْأَحَد فَمر فِي عدَّة من الْأُمَرَاء على وَجهه وَبَات بهَا لَيْلَة وَاحِدَة ثمَّ خرج مِنْهَا على وَجهه إِلَى حلب وَبعد خُرُوج نوروز دخل الْأَمِير بكتمر حلق نَائِب طرابلس والأمير قرقماس ابْن أخي دمرداش إِلَى دمشق وَنُودِيَ بالأمان فَلم يبْق للنوروزية عين وَلَا أثر. وَقدم الْأَمِير شيخ فِي السَّاعَة الرَّابِعَة من يَوْم الْأَحَد وَنزل بدار السَّعَادَة وَنُودِيَ من الْغَد: من عرف لَهُ شَيْئا أَخذ مِنْهُ فليأخذه فَأخذ جمَاعَة مَا عرفوه. وَفِي حادي عشرينه: خلع السُّلْطَان بقلعة الْجَبَل على الْأَمِير شرباش كباشة أَمِير عشره وَرَأس نوبَة وولاه نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن الْأَمِير أرسطاي بعد مَوته فاستعفى مِنْهَا فأعفي وخلع فِي ثَالِث عشرينه على الْأَمِير سنقر الرُّومِي رَأس نوبَة وأمير طبلخاناه بنيابة الْإسْكَنْدَريَّة. وَفِي هَذَا الْيَوْم: ركب الْأَمِير شيخ نَائِب الشَّام من دَار السَّعَادَة بِدِمَشْق وَسَار إِلَى قبَّة يلبغا وَلبس التشريف السلطاني المجهز إِلَيْهِ من مصر بنيابة الشَّام. وَعَاد وَمَعَهُ الْقُضَاة والأمراء والأعيان والعسكر إِلَى دَار السَّعَادَة فخدم على الْعَادة وَكَانَ يَوْمًا شُهُودًا. وَفِيه لبس أَيْضا نجم الدّين عمر بن حجي تشريفه المجهز إِلَيْهِ بِقَضَاء الْقَضَاء بِدِمَشْق عوضا عَن الأخناي. وَفِيه قبض على الْأَمِير أرغز بِدِمَشْق وعَلى الْأَمِير نكباي الْحَاجِب أَيْضا وَقبض على جمَاعَة من النوروزية. وَفِي رَابِع عشرينه: قدم الْأَمِير دمرداش المحمدي إِلَى دمشق فَأكْرمه الْأَمِير شيخ وأنزله. وَفِيه أفرج الْأَمِير شيخ عَن مُحَمَّد بن أينال بيه وَيَعْقُوب شاه من السجْن وَبَقِي سودن بن الظريف وسلامش وأرغز فِي السجْن بِدِمَشْق. وَفِي سَابِع عشرينه: خرج الأميران دمرداش وبكتمر جلق من دمشق بعسكر كَبِير فنزلوا بَرزَة قَاصِدين حَرْب نوروز واستقلا بِالْمَسِيرِ فِي يَوْم الْجُمُعَة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: استناب نجم الدّين بن حجي قَاضِي دمشق عشرَة نواب وَلم يبلغ عدد نواب قُضَاة دمشق هَذَا قبله. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 205 وَفِيه قدم أَوْلَاد بِشَارَة فِي عشيرهم إِلَى وَادي التيم فِي رَابِع عشره وعاثوا فِي مُعَاملَة صفد وَقتلُوا جمَاعَة ولهبوا شَيْئا كثيرا فَخرج إِلَيْهِم عدَّة من عَسْكَر وقاتلوهم فَقتلُوا بأجمعهم واشتدت وَطْأَة بني بِشَارَة على النَّاس وَكتب نَاصِر الدّين مُحَمَّد وَبدر الدّين حسن ابْنا بِشَارَة إِلَى السُّلْطَان يسألان فِي تقدمة العشير على عَادَتهمَا والتزما بِحمْل ثَمَانِيَة آلَاف دِينَار. شهر ربيع الآخر أَوله الْخَمِيس: فِيهِ طلب الْأَمِير شيخ نَائِب الشَّام من أهل دمشق مَالا كثيرا وَفرض على الْقرى شَعِيرًا يقوم بِهِ أَهلهَا فَأخذ من تجار دمشق خَمْسَة آلَاف دِينَار على يَد كَبِيرهمْ شمس الدّين مُحَمَّد بن المزلق وألزم الْقُضَاة بِأَلف وَخَمْسمِائة دِينَار وَأمرهمْ أَن يفرضوها على الْأَوْقَاف ووكل بهم بعض الْحجاب حَتَّى قَامُوا بهَا. وَفِي سادسه: قبض الْأَمِير شيخ على تَاج الدّين زق الله نَاظر الْجَيْش بِدِمَشْق وألزمه بِحمْل خَمْسَة آلَاف دِينَار وَولي عوضه علم الدّين دَاوُد بن الكويز فِي نظر الْجَيْش وَاسْتقر بأَخيه صَلَاح الدّين خَلِيل بن الكويز نَاظر ديوَان النِّيَابَة. وَاسْتقر بشهاب الدّين أَحْمد الصَّفَدِي الْموقع فِي كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق وخلع عَلَيْهِم وَقبض على غرس الدّين خَلِيل الأشتقتمري أستاداره وضربه بالمقارع. وَكَانَ حِين قدم دمشق جعله أستاداراً ثمَّ عَزله وَجعل عوضه فِي الأستادارية بدر الدّين حسن بن محب الدّين كَاتب سر طرابلس وَجعل الْغَرْس أستادار المستأجرات ثمَّ قبض عَلَيْهِ ونكبه فِي تاسعه. وَفِيه اسْتَقر أَيْضا شهَاب الدّين أَحْمد الباعوني فِي خطابة الْجَامِع الْأمَوِي. وَفِي عاشره: خرج الْأَمِير شيخ من دمشق بالعسكر يُرِيد نوروز وَعمل تمراز الْأَعْوَر نَائِب الْغَيْبَة فَنزل ببرزة أَيَّامًا وَأخذ من بدر الدّين بن الْموصِلِي محتسب دمشق ألف دِينَار ثمَّ ألفا أُخْرَى وَسَار. وَفِي ثَالِث عشرينه: قدم إِلَى دمشق الْأَمِير يشبك الموساوي الأفقم. وَكَانَ الْأَمِير نوروز قد قبض عَلَيْهِ وسجنه بِدِمَشْق ثمَّ حمله مَعَه لما انهزم وسجنه بقلعة حلب وَأمر بقتْله. فَلَمَّا اخْتلف نوروز وتمربغا المشطوب نَائِب حلب وَصعد القلعة أفرج تمربغا عَن الموساوي وَكتب مَعَه إِلَى السُّلْطَان يسْأَل الْأمان. وَكَانَ سَبَب الِاخْتِلَاف بَين نوروز والمشطوب أَن نوروز لما خرج مُنْهَزِمًا من دمشق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 206 سَار إِلَى حلب فَتَلقاهُ المشطوب وَقَامَ لَهُ بِمَا يَلِيق بِهِ ثمَّ أَشَارَ عَلَيْهِ أَن يطْلب من السُّلْطَان الْأمان وَيدخل فِي طَاعَته فَلم يُوَافقهُ. وَمَال المشطوب إِلَى طَاعَة السُّلْطَان وَترك نوروز. وَامْتنع عَلَيْهِ بقلعة حلب ففر نوروز من حلب وَقصد ملطية وَاسْتمرّ المشطوب فِي القلعة. وَفِي ثامن عشره: سَار يشبك الموساوي من دمشق يُرِيد الْقَاهِرَة وَقد ظلم النَّاس ظلما كثيرا. وَفِي سَابِع عشرينه: قدم إِلَى دمشق صدر الدّين عَليّ بن الْآدَمِيّ من الْقَاهِرَة وَقد ولاه السُّلْطَان كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق وَقَضَاء الْحَنَفِيَّة وَكَانَ الْأَمِير شيخ قد سيره رَسُولا إِلَى السُّلْطَان لما أَخذ دمشق وَلبس تشريف النِّيَابَة وَبعث مَعَه ألطنبغا شتل وقاصد الْأَمِير عجل بن نعير وَكتب مَعَه إِلَى الْأَمِير جمال الدّين الأستادار فأنزله جمال الدّين وأنعم عَلَيْهِ وتحدث لَهُ مَعَ السُّلْطَان حَتَّى ولاه ذَلِك وَأَعَادَهُ مكرماً. فَلم يمض الْأَمِير شيخ لَهُ كِتَابَة السِّرّ وَأقرهُ على وَظِيفَة قَضَاء الْحَنَفِيَّة فَقَط. وَفِي تَاسِع عشرينه: قدم قَاصد السُّلْطَان إِلَى دمشق بتشريف الْأَمِير تمراز الْأَعْوَر واستقراره أتابك الْعَسْكَر بِدِمَشْق وَكَانَ الْأَمِير شيخ قد كتب يسْأَل لَهُ فِي ذَلِك. شهر جُمَادَى الأولى أَوله السبت. فِي سَابِع عشره: قبض السُّلْطَان بقلعة الْجَبَل على الْأَمِير بيغوت - أخص الْأُمَرَاء عِنْده - وعَلى الْأَمِير سودن بقجة وعَلى الْأَمِير أرنبغا أحد أُمَرَاء الطبلخاناة من إخْوَة بيغوت وعَلى الْأَمِير أينال الأجرود أحد أُمَرَاء الطبلخاناه وعَلى الْأَمِير قرا يشبك أَمِير عشرَة وسجنهم بِالْقصرِ وأحاط بِأَمْوَالِهِمْ. ثمَّ بعث بيغوت وسودن بقجة وقرا يشبك إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجنوا بهَا. وَذبح أرنبغا وأينال الأجرود وأنعم على أينال المنقار وعلان ويشبك المرساوي وَعمل كل مِنْهُمَا أَمِير مائَة وَفِي خَامِس عشرينه: اسْتَقر نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن قَاضِي الْقُضَاة كَمَال الدّين عمر ابْن العديم الْحَنَفِيّ فِي مشيخة خانكاه شيخو وتدريس الْحَنَفِيَّة بهَا برغبة أَبِيه لَهُ عَنْهَا كَمَا وغب لَهُ عَن تدريس الْمدرسَة المنصورية فباشر ذَلِك مَعَ صغر سنه وَكَثْرَة جنه فيا نفس جدي إِن دهرك هازل. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 207 وَفِي سَابِع عشرينه: خلع على الْأَمِير أرغون وَاسْتقر أَمِير أخور كَبِير عوضا عَن كمشبغا المزوق. وَفِيه منع الْأَمِير جمال الدّين من فصل المحاكمات بَين النَّاس. وَأما الشَّام فَإِن الْأَمِير نوروز لما قدم ملطية وَاسْتقر بهَا أَواه ابْن صدر الباز التركماني وَسلم تمربغا المشطوب حلب لأَصْحَاب الْأَمِير شيخ وَنزل من قلعتها فتسلم حلب الْأَمِير قرقماس ابْن أخي دمرادش. فَلَمَّا نزل الْأَمِير شيخ العمق فر جمَاعَة من النوروزية إِلَيْهِ مِنْهُم سودن تلِي المحمدي وسودن اليوسفي وأخبروا بِأَن نوروز عزم على الْفِرَار من أنطاكية. وَقدم أَيْضا على الْأَمِير شيخ الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن رَمَضَان زعيم التركمان فِي عدد كَبِير من قومه فَرَحل الْأَمِير شيخ بجمائعه من الجزء: 6 ¦ الصفحة: 208 العمق يُرِيد نوروز فَأدْرك أعقابه وَقبض على عدَّة من أَصْحَابه وَعَاد إِلَى العمق وَبعث الْعَسْكَر فِي طلبه فَقدم عَلَيْهِ الْخَبَر أَنه أمسك هُوَ ويشبك بن أزدمر وَجَمَاعَة من أَصْحَابه. وَفِي هَذَا الشَّهْر: قدم كتاب الشريف حسن بن عجلَان إِلَى الشريف جماز بن هبة أَمِير المدنية فِي عاشره وَكَانَت تَوْلِيَة إِمَارَة الْمَدِينَة للشريف ثَابت بن نعير فَمَاتَ فولي حسن بن عجلَان مَكَانَهُ نِيَابَة عَنهُ أَخَاهُ فثار بِالْمَدِينَةِ جَازَ بن نعير فَكتب إِلَيْهِ ابْن عجلَان يَقُول: اخْرُج بِسَلام وَإِلَّا فَأَنا قاصدك: فأظهر جماز الطَّاعَة. وَكَانَ السُّلْطَان قد فوض سلطنة الْحجاز لحسن بن عجلَان. ثمَّ أَن جَازَ أرسل إِلَى الخدام بِالْمَسْجِدِ النَّبَوِيّ يستدعيهم فامتنعوا فَأتى إِلَى الْمَسْجِد وَأخذ ستارتي بَاب الْحُجْرَة النَّبَوِيَّة وَطلب من الطواشية - خدام الْمَسْجِد - الْمُصَالحَة عَن حَاصِل الْقبَّة بِتِسْعَة آلَاف دِرْهَم فَأَبَوا ذَلِك فَطلب مَفَاتِيح الْحَاصِل من زين الدّين أبي بكر بن حُسَيْن قَاضِي الْمَدِينَة فمانعه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 209 فأهانه وَأَخذهَا مِنْهُ وأتى إِلَى الْقبَّة وَضرب شيخ الخدام بِيَدِهِ أَلْقَاهُ على الأَرْض وَكسر الأقفال ودخلها وَمَعَهُ جمَاعَة فَأخذ مَا هُنَاكَ فَمن ذَلِك أحد عشر حوائج خاناه وصندوقين كبيرين وصندوقاً صَغِيرا فِيهَا ذهب من ودائع مُلُوك الْعرَاق وَغَيرهم. وَأخرج خَمْسَة آلَاف شقة بطاين معدة لأكفان الْمَوْتَى فَنقل ذَلِك كُله وهم أحد بني عَمه بِأخذ قناديل الْحُجْرَة الشَّرِيفَة فَمَنعه. وَأخذ آخر بسط الرَّوْضَة فَأمره جماز بردهَا. وصادر بعض الخدام. ثمَّ خرج من الْغَد حادي عشره راحلاً فقصد الْعَرَب المجتمعة الرُّجُوع فَرَمَاهُمْ النَّاس بِالْحِجَارَةِ. فَلَمَّا كَانَ لَيْلَة تَاسِع عشره: وصل الشريف عجلَان بن نعير من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة أَمِيرا عَلَيْهَا من قبل حسن بن عجلَان وَمَعَهُ آل مَنْصُور فَنُوديَ بالأمان. وَمن الْغَد قدم الْعَسْكَر من مَكَّة مَعَ الشريف أَحْمد بن حسن بن عجلَان وهم سِتُّونَ مَا بَين فَارس وراجل وَاثْنَانِ وَعِشْرُونَ مَمْلُوكا وصحبتهم رَضِي الدّين أَبُو حَامِد مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد المطري مُتَوَلِّيًا قَضَاء الْمَدِينَة من قبل السُّلْطَان قدم من الْقَاهِرَة بولايته فَقَرَأَ توقيعه بعد توقيع الشريف حسن بن عجلَان وتضمن استقراره فِي سلطنة الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة وينبع وخليص والصفراء وأعمالهم. وَقُرِئَ بعده مرسوم آخر باستقرار الشريف ثَابت وتسلميه الْمَدِينَة وإيقاع الحوطة على الشريف جَازَ وَمَا تَحت يَده من نَاطِق وصامت. وَقَرَأَ توقيع من جِهَة الشريف باستنابته عجلَان بن نعير على الْمَدِينَة. ثمَّ توجه الْعَسْكَر بعد أَيَّام من الْمَدِينَة عَائِدًا إِلَى مَكَّة. شهر جُمَادَى الْآخِرَة أَوله الْأَحَد: فِي تاسعه: أَخذ عَسْكَر الْأَمِير شيخ - نَائِب الشَّام - أنطاكية من التركمان البازانية بعد حَرْب فَسَار أَحْمد بن رَمَضَان بالأمير نوروز وَمن مَعَه وَلم يُمكن الْعَسْكَر مِنْهُ. وَفِي رَابِع عشره: اسْتَقر نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن كَمَال الدّين عمر بن العديم فِي قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بديار مصر بعد موت أَبِيه وَهُوَ أَمْرَد لَيْسَ بِوَجْهِهِ شعر. وَكَانَت ولَايَته إِحْدَى الدَّوَاهِي والمصائب الْعِظَام. وَفِي ثَالِث عشرينه: قدم شاهين دوادار الْأَمِير شيخ إِلَى دمشق وَمَعَهُ سودن المحمدي وطوخ وسودن اليوسفي وَقد قبض عَلَيْهِم الْأَمِير شيخ فاعتقلوا بقلعة دمشق. وقدمت رَأس حُسَيْن بن صدر الباز زعيم التركمان إِلَى دمشق وَذَلِكَ أَنه لما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 210 سَار مَعَ الْأَمِير نوروز من إنطاكية حصلت بَينه وَبَين الْأَمِير شيخ حَرْب قتل فِيهَا فَانْكَسَرت شَوْكَة التركمان بقتْله. وَفِي خَامِس عشرينه: أنعم بإقطاع الْأَمِير بشباي رَأس نوبَة على الْأَمِير أينال الساقي وبإقطاع أينال على الْأَمِير أرغون أَمِير أخور وبإقطاع أرغون على الْأَمِير مقبل الرُّومِي نقل إِلَيْهِ من الطبلخاناه. وأنعم بطبلخاناه مقبل على الْأَمِير بردبك. وَفِي سادس عشرينه: كتب مرسوم باستقرار نَاصِر الدّين مُحَمَّد وَبدر الدّين حسن ابْني بِشَارَة فِي تقدمة العشير بمعاملة صفد على أَن يحملا ثَمَانِيَة آلَاف دِينَار للسُّلْطَان ففرضا على أهل النواحي مَالا كَبِيرا جبوه لأنفسهما وَلم يصل مِنْهُ شَيْء إِلَى السُّلْطَان. وَفِي سَابِع عشرينه: خلع على الْأَمِير أينال الساقي وَاسْتقر رَأس نوبَة النوب عوضا عَن الْأَمِير بشباي بِحكم مَوته. شهر رَجَب أَوله الثُّلَاثَاء: فِيهِ قدم الْأَمِير شيخ نَائِب الشَّام من سَفَره إِلَى دمشق وَقد دخل حلب فَكَانَت غيبته ثَمَانِينَ يَوْمًا. وَبعث من ليلته بسودن الظريف. وسودن اليوسفي وطوخ وأرغز وسلمان وطغاي تمر وَفِي ثالثه: فتحت مدرسة الْأَمِير جمال الدّين الأستادار الَّتِي أَنْشَأَهَا برحبة بَاب الْعِيد من الْقَاهِرَة وَحضر بهَا مدرسو الْفِقْه على الْمذَاهب الْأَرْبَعَة ومدرس الحَدِيث فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَقرر فِي تدريس الْحَنَفِيَّة بدر الدّين مَحْمُود بن مُحَمَّد - وَيعرف بِابْن الشَّيْخ زَاده الخرزباني وَفِي تدريس الْمَالِكِيَّة شمس الدّين مُحَمَّد الْبِسَاطِيّ وَفِي تدريس الْحَنَابِلَة فتح الدّين مُحَمَّد بن نجم الدّين مُحَمَّد الباهي وَفِي تدريس الحَدِيث النَّبَوِيّ الشريف شهَاب الدّين أَحْمد بن حجر وَفِي تدريس التَّفْسِير شيخ الْإِسْلَام قَاضِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 211 الْقُضَاة حَلَال الدّين عبد الرَّحْمَن بن البُلْقِينِيّ. وَقرر عِنْد كل مدرس طَائِفَة عمل لَهُم الْخبز فِي كل يَوْم والمعلوم فِي كل شَيْء وَصَارَ يجلس كل مدرس فِي يَوْم حَتَّى كَانَ آخِرهم جُلُوسًا مدرس التَّفْسِير. وَفِي خامسه: أفرج الْأَمِير شيخ عَن رزق الله نَاظر الْجَيْش بِدِمَشْق. وَفِي عاشره: اسْتَقر شيخ بالأمير برسباي حَاجِب الْحجاب بِدِمَشْق. وَولي شمس الدّين مُحَمَّد بن الْجلَال التباني نظر الْجَامِع الْأمَوِي. وَفِي حادي عشرينه: قدم الْخَبَر بِأَن التركمان أطْلقُوا الْأَمِير نوروز. وَفِي ثَانِي عشرينه: فر الْأَمِير تمربغا المشطوب نَائِب حلب من الْأَمِير شيخ بِدِمَشْق. وَفِي رَابِع عشرينه: أعَاد السُّلْطَان أَمِين الدّين عبد الْوَهَّاب بن مُحَمَّد بن الطرابلسي إِلَى قَضَاء وَفِي لَيْلَة الْأَحَد سَابِع عشرينه: فر من دمشق جمَاعَة من المماليك وَلَحِقُوا بالأمير نوروز وَقد سَار بعد خلاصه من يَد التراكمين إِلَى قلعة الرّوم وَاسْتولى عَلَيْهَا فَركب الْأَمِير شيخ فِي طَلَبهمْ فَلم يدركهم وَعَاد لَيْلَة الثُّلَاثَاء وَقبض على يشبك العثماني. وَفِيه ولي شمس الدّين مُحَمَّد البيري - أَخُو الْأَمِير جمال الدّين الأستادار - تدريس الجزء: 6 ¦ الصفحة: 212 الشَّافِعِي بالقرافة ومشيخة خانكاه بيبرس الْقَاهِرَة مَعَ مَا بِيَدِهِ من خطابة بَيت الْمُقَدّس تجاه أَخِيه. وَفِي هَذَا الشَّهْر: توجه الْأَمِير يشبك الموساوي الأفقم إِلَى الْأَمِير شيخ لإحضاره من عِنْده من الْأُمَرَاء النوروزية وَقتل أرغز وجان بك القرمي. وجهز إِلَى الْأَمِير أَحْمد بن رَمَضَان خُيُول ثَلَاثَة أروس. وتشريف. وسرج ذهب وَسيف وَسلَاح وقماش سكندري وأقبية مفرية لَهُ ولإلزامه. شهر شعْبَان أَوله الْأَرْبَعَاء: فِي رابعه: قدم دمشق قَاصد السُّلْطَان وَمَعَهُ تشريف للأمير شيخ فَركب إِلَى داريا ولبسه وَعَاد إِلَى دَار السَّعَادَة فِي أبهة جليلة وَبَين يَدَيْهِ الْأَمِير برسباي الْحَاجِب وَعَلِيهِ تشريف سلطاني قدم من مصر والأمير تمراز الْأَعْوَر وَعَلِيهِ أَيْضا تشريف سلطاني وقاضي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد الأخناي وَعَلِيهِ تشريف سلطاني قد بَعثه إِلَيْهِ السُّلْطَان وَأَعَادَهُ إِلَى قَضَاء دمشق عوضا وَفِي خامسه: فرض الْأَمِير شيخ خطابة الْجَامِع الْأمَوِي لناصر الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ كَاتب سر حماة وَصرف الباعوني وخطب يَوْم الْجُمُعَة عاشره وَكَانَ قد ترك كِتَابَة سر حماة وَقدم دمشق. وَفِي تاسعه: قدم الْأَمِير يشبك المرساوي الأفقم من الْقَاهِرَة إِلَى دمشق فَخرج الْأَمِير شيخ إِلَى لِقَائِه وأكرمه وأنزله وَقَامَ لَهُ بِمَا يَلِيق بِهِ ثمَّ توجه إِلَى بِلَاد حلب وَغَيرهَا فِي مهمات سلطانية. وَفِي عاشره: جَاءَت زَلْزَلَة عَظِيمَة فِي نواحي بِلَاد حلب وطرابلس. فخرب من اللاذقية وجبلة وبلاطنس أَمَاكِن عديدة وَسَقَطت قلعة بلاطنس. فَمَاتَ تَحت الجزء: 6 ¦ الصفحة: 213 الرَّدْم بهَا خَمْسَة عشر نفسا وَمَات بجبلة خَمْسَة عشر نفسا وَخَربَتْ شغر بكاس كلهَا والقلعتين بهَا وَمَات جَمِيع أَهلهَا إِلَّا نَحْو خمسين نفسا وانشقت الأَرْض وانقلبت قدر بريد من بلد الْقصير إِلَى سلفوهم وَأَن بلد السلفوهم كَانَت فَوق رَأس جبل فَنزلت عَنهُ وانقلبت قدر ميل بِأَهْلِهَا وأشجارها وأعينها ومواشيها وَذَلِكَ لَيْلًا لم يشعروا إِلَّا وَقد صَارُوا إِلَى الْموضع الَّذِي انْتَقَلت إِلَيْهِ الْبَلَد وَلم يتأذ أحد مِنْهُم. وَكَانَت الزلزلة أَيْضا بقبرص فخربت مِنْهَا أَمَاكِن كَثِيرَة وَكَانَت بالسَّاحل وَالْجِبَال وشوهد ثلج على رَأس الْجَبَل الْأَقْرَع وَقد نزل إِلَى الْبَحْر وطلع وَبَينه وَبَين الْبَحْر عشر فراسخ. وَأخْبر البحرية أَن المراكب بالبحر الْملح جَلَست على الأَرْض بِمَا فِيهَا من انحسار الْبَحْر. ثمَّ أَن المَاء وَفِي حادي عشره: ولي الْأَمِير شيخ نِيَابَة بعلبك للأمير سيف الدّين أبي بكر بن شهَاب الدّين أَحْمد بن النَّقِيب اليغموري. وَفِيه وصل إِلَى دمشق عدَّة رُءُوس من المماليك الَّذين فروا وَقد قبض عَلَيْهِم بحلب وَقتلُوا مِنْهُم رَأس طوخ الأجرود. وَفِي سادس عشرَة: قرئَ بِدِمَشْق كتاب السُّلْطَان بإلزام النَّاس بعمارة مَا خرب من المساكن والمدارس وَغَيرهَا دَاخل مَدِينَة دمشق. وَفِيه خلع على تَاج الدّين رزق الله نَاظر الْجَيْش بِدِمَشْق وَاسْتقر نَائِب السلطة بالقدس وناظر أوقاف الْقُدس والخليل. وَلم نعهد مثل ذَلِك أَن كَاتبا يَلِي نِيَابَة السلطة بِبَلَد. وَفِي آخِره: نُودي بِالْقَاهِرَةِ أَلا يركب أحد من الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء وَالْكتاب والتجار وأجناد الْحلقَة فرسا وَلَا بغلاً إِلَّا أَن يكون فِي خدمَة السُّلْطَان أَو الْأُمَرَاء الْكِبَار الجزء: 6 ¦ الصفحة: 214 فَامْتنعَ الْجَمِيع. ثمَّ أذن لطوائف فِي الرّكُوب بمراسيم سلطانية وكتبت من ديوَان الْإِنْشَاء. فَكَانَ الرجل يحمل مرسومه مَعَه خشيَة من تعرض المماليك لَهُ. وَاشْتَدَّ الْأَمر فِي ذَلِك أَيَّامًا ثمَّ انحل. شهر رَمَضَان أَوله الْجُمُعَة: فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سادسه: نُودي بِالْقَاهِرَةِ أَلا يتعامل أحد بِالذَّهَب وهدد من بَاعَ بِالذَّهَب وَاشْترى وَكَانَ قد وصل المثقال إِلَى مائَة وَسبعين فُلُوسًا كل دِرْهَم وَزنه أوقيتان واستدعى الْأَمِير جمال الدّين جَمِيع أهل الْأَسْوَاق وَكتب عَلَيْهِم قسايم بذلك فَنزل بِالنَّاسِ من ذَلِك ضَرَر عَظِيم من أجل أَن النَّقْد الرابح الذَّهَب وَبِه مُعَاملَة الكافة أعلاهم وأدناهم وَمنع أَيْضا من صنع الذَّهَب الْمُطَرز والمصوغ فاستمر الْحَال على ذَلِك أَيَّامًا. ثمَّ نُودي فِي حادي عشرينه بِأَن يتعامل النَّاس بِالذَّهَب على أَن يكون كل مِثْقَال بِمِائَة وَعشْرين وكل دِينَار مشخص بِمِائَة دِرْهَم فشح النَّاس بِإِخْرَاج الذَّهَب وَارْتَفَعت الأسعار ارتفاعاً كثيرا. وَفِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ حادي عشره: فر من دمشق الْأَمِير برسباي حَاجِب الْحجاب فَلم يعلم خَبره وَأقَام الْأَمِير شيخ عوضه الْأَمِير ألطنبغا القرمشي. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 215 وَفِيه شرع الْأَمِير شيخ فِي عمَارَة مَوَاضِع من دَاخل مَدِينَة دمشق مِمَّا خرب فِي فتْنَة تيمورلنك وألزم النَّاس بالعمارة فِي أماكنهم وَمن عجز فليؤجر ذَلِك فَأخذ النَّاس فِي ذَلِك. وَفِي لَيْلَة حادي عشرينه: خرج الْأَمِير شيخ من منزله بدار السَّعَادَة مَاشِيا إِلَى جَامع بني أُميَّة بِثِيَاب بدلته وَهُوَ حاف متواضع لرَبه تَعَالَى حَتَّى دخل الْجَامِع وَتصدق بأقراص محشوة بالسكر وَغير محشوة فَعم الْقُرَّاء والفقراء. وَطلب أَرْبَاب السجون المعسرين فَأدى غرماؤهم مَا عَلَيْهِم من الدُّيُون. وَفِي بكرَة نَهَاره: قدم يشبك الأفقم من حلب إِلَى دمشق وَقد مَشى على المملكة كلهَا فأكرمهالأمير شيخ، وأنعم عَلَيْهِ، وَأَعَادَهُ إِلَى الْقَاهِرَة فِي ثَالِث عشرينه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 216 وَفِي هَذَا الشُّهْرَة ضرب الْأَمِير شيخ بِدِمَشْق فُلُوسًا كل سِتَّة مِنْهَا بِثمن دِرْهَم. وَكَانُوا مُنْذُ سِنِين يتعاملون بهَا وزنا كل رَطْل دمشقي بِثمَانِيَة دَرَاهِم فَصَارَت على حِسَابهَا عددا كل رَطْل بِاثْنَيْ عشر درهما وَوزن الْفلس مِنْهَا دِرْهَم فشملت الْمضرَّة فِي هَذَا الشَّهْر أهل مصر وَالشَّام من جِهَة الْمُعَامَلَة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كُوتِبَ الْأَمِير قرا يُوسُف جَوَابا عَن مُكَاتبَته عِنْد أَخذه تبريز. شهر شَوَّال أَوله الْأَحَد: فِي خامسه: قبض الْأَمِير شيخ على الأخناي قَاضِي دمشق وسجنه من أجل أَنه وشى بِهِ أَنه يُكَاتب الْأَمِير نوروز ثمَّ أفرج عَنهُ آخر النَّهَار على أَن يقوم بثلاثمائة ثوب أَبيض نصفهَا وُجُوه وَنِصْفهَا بطائن فَأخذ فِي جمعهَا. وَفِي سادسه: قدمت ولَايَة نجم الدّين بن حجي الْقَضَاء عوضا عَن الأخناي وتاريخ توقيعه ثَالِث عشر شهر رَمَضَان. وَفِي تَاسِع عشره: وصل إِلَى دمشق تشريف السُّلْطَان للأمير شيخ فَركب إِلَى تلقيه ولبسه خَارج دمشق وَعَاد إِلَى دَار السَّعَادَة. ثمَّ لبس بن حجي تشريفة بولايته قَضَاء دمشق وَمضى إِلَى الْجَامِع فقرئ تَقْلِيده بِحَضْرَة الْحَاجِب والوزير والقضاة والأعيان. وَأخذ مَعَ الْقَضَاء جَمِيع مَا بيد ابْن الأخناي من الْوَظَائِف سوى نظر وقف القلانسي فَإِنَّهُ خرج باسم كَاتبه أَحْمد بن عَليّ المقريزي. وَفِي هَذَا الشَّهْر: نُودي بِالْقَاهِرَةِ أَن يكون المثقال الذَّهَب بِمِائَة دِرْهَم فَامْتنعَ النَّاس من إِظْهَاره وارتفع سعر المبيعات ارتفاعاً زَائِدا. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع عشرينه: سَار الْمحمل بالحاج مَعَ الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن الْأَمِير جمال الدّين الأستادار وَبَلغت نَفَقَة الْأَمِير جمال الدّين على الْحَاج فِي هَذِه السّنة إِلَى أَرْبَعِينَ ألف دِينَار مِنْهَا لشيخ الْجبَال مبلغ خمسين ألف دِرْهَم. شهر ذِي الْقعدَة أَوله الثُّلَاثَاء: فِي رابعه: نُودي بِالْقَاهِرَةِ أَن يكون المثقال الذَّهَب بِمِائَة والأفرنتي ثَمَانِينَ وَألا يُمكن أحد من السّفر بِشَيْء من الذَّهَب فَاشْتَدَّ الْأَمر على النَّاس. وَفِي عاشره: قدم الْخَبَر على الْأَمِير شيخ بِأَن يشبك الموساوي وشى بِهِ إِلَى السُّلْطَان أَنه قد خرج عَن طَاعَته وَأَن السُّلْطَان غضب وعزم على السّفر إِلَى الشَّام الجزء: 6 ¦ الصفحة: 217 فاستدعى الْقُضَاة والأعيان وَكتب محضرا أَخذ خطوطهم فِيهِ بِبُطْلَان مَا قيل عَنهُ وَأَنه بَاقٍ على الطَّاعَة السُّلْطَانِيَّة. وَبعث بِهِ مَعَ نجم الدّين بن حجي قَاضِي دمشق فَسَار فِي ثَالِث عشره. وَفِي رَابِع عشره: خرج الْأَمِير شيخ من دمشق إِلَى جِهَة الْقبلية وَأَفْرج - وَهُوَ نَازل على قبَّة يلبغا - عَن يشبك العثماني. وَفِيه قدم الْأَمِير قرقماس بن أخي دمرداش نَائِب صفد مِنْهَا مارا بِدِمَشْق إِلَى حلب يُرِيد عَمه الْأَمِير دمرداش المحمدي نَائِب حلب وَقد استدعاه. فاستماله الْأَمِير شيخ واشتمل عَلَيْهِ وَمضى بِهِ إِلَى الخربة للصَّيْد والنزهة. وَفِي خَامِس عشره: نقل الْوَزير فَخر الدّين بن غراب من سجنه بدار الْأَمِير جمال الدّين الأستادار وَسلم للأمير شهَاب الدّين أَحْمد بن الطبلاوي وَالِي الْقَاهِرَة فعاقبه عده عقوبات. وَفِي حادي عشرينه: نُودي بِالْقَاهِرَةِ أَن يكون المثقال الذَّهَب الهرجة بِمِائَة وَعشْرين وَالدِّينَار المشخص وَالدِّينَار الناصري بِمِائَة دِرْهَم. وَفِي ثَالِث عشرينه: قدم القَاضِي نجم الدّين بن حجي الْقَاهِرَة بالمحضر وَكتاب الْأَمِير شيخ يستعطف خاطر السُّلْطَان وَيعْتَذر عَن تَأْخِيره إرْسَال من طلبه من الْأُمَرَاء فَلم يقبل السُّلْطَان عذره وَاشْتَدَّ غَضَبه وَأظْهر الاهتمام بِالْخرُوجِ إِلَى الشَّام ثمَّ كتب الْجَواب بتجهيز أُمَرَاء عينهم إِلَى مُدَّة سِتَّة وَعشْرين يَوْمًا وَمَتى مَضَت هَذِه الْمدَّة ول يجهزهم سَار لقتاله وحربه. وَبعث بذلك على يَد ابْن حجي. وَفِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء رَابِع عشرينه: قتل الْأَمِير عمر بن فضل الْجرْمِي. وَذَلِكَ أَن السُّلْطَان كَانَ قد بعث بنيابة الكرك رجلا يُقَال لَهُ مُحَمَّد التركماني من عرض الْجند وآحاد النَّاس عزل بِهِ سودن الجلب وَأسر إِلَيْهِ قتل عمر بن فضل وَكَانَ قد اشتدت شوكته وثقلت وطأته وَكثر عصيانه وَخُرُوجه عَن طَاعَة السُّلْطَان. فَلَمَّا نزل مُحَمَّد التركماني على الكرك - وَقد امْتنع الجلب وَأسر إِلَيْهِ قتل عمر بن فضل وَكَانَ قد اشتدت شوكته وثقلت وطأته وَكثر عصيانه وَخُرُوجه عَن طَاعَة السُّلْطَان. فَلَمَّا نزل مُحَمَّد التركماني على الكرك - وَقد امْتنع الْحَلب بهَا - أَتَاهُ ابْن فضل وَقد نازعه عَمه وَكثر الْخلف بَينهمَا فَأخذ ليصلح بَينهمَا ويسكن مَا ثار من الشَّرّ وَفِي ظن ابْن فضل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 218 وَغَيره أَنه أقل من أَن يتَعَرَّض لأحد من خدمه فضلا عَنهُ فَلم يعبأ بِهِ وَلَا أَتَاهُ فِي عدَّة من سلاحه وَلَا عدد من قومه فَوجدَ عِنْد ذَلِك التركماني السَّبِيل إِلَيْهِ فانتهز الفرصة وبادر إِلَيْهِ وَقَتله وَبعث بِرَأْسِهِ إِلَى السُّلْطَان. فَكتب فضل بن عِيسَى الْجرْمِي يسْأَل السُّلْطَان فِي الإمرة عوض عمر على أَن يقوم بِمِائَة وَخمسين ألف دِرْهَم فضَّة وَكتب: شاورت عمر بن فضل يسْأَل فِيهَا ويعد بِمِائَتي ألف دِرْهَم. وَفِي هَذَا الشَّهْر: بعث الْأَمِير شيخ إِلَى سودن الجلب بالكرك يستميله إِلَيْهِ وَبعث بالأمير جانم ليصلح بَينه وَبَين الْأَمِير نوروز وجهز لَهُ سِتَّة آلَاف دِينَار فَمَال إِلَيْهِ. وَفِيه اهتم الْأَمِير دمرداش نَائِب حلب بِحَرب الْأَمِير نوروز وَجمع طوائف العربان والتركمان وَسَار إِلَيْهِ الْأَمِير بكتمر حلق نَائِب طرابلس فِي ثَانِيه منزل بالعمق وَحضر إِلَيْهِ نَائِب إنطاكية وَقصد الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن رَمَضَان زعيم التركمان يحث بمسيره إِلَيْهِ. وَقدم كردِي باك بن كندر وعربان بني كلاب ومضوا ببيوتهم إِلَى إعزاز وَقد لزل تغري بردى بن أخي دمرداش وَهُوَ أتابك الْعَسْكَر بحلب على برج دابق وَمَعَهُ أيدغمش بن كبك وَطَوَائِف التركمان الأوشرية. وبرز الْأَمِير دمرداش نَائِب حلب مِنْهَا وَمَعَهُ التراكمين البياضية فَرَحل الْأَمِير بكتمر جلق والأمير تغري بردى من مرج دابق. وَقد نزل الْأَمِير نوروز بجمائعه على عين تَابَ فَتقدم إِلَيْهِ تعري بردى بالكبكية جاليش. فَرَحل نوروز إِلَى جِهَة مرعش وتحاربت كشافته مَعَ كشافة الْعَسْكَر محاربة قَوِيَّة أسر فِيهَا عدَّة من النوروزية فَانْهَزَمَ نوروز وَاسْتولى الْعَسْكَر السلطاني على عين تَابَ. وَكَانَت كسرة نوروز يَوْم الْأَحَد ثَانِي عشره وَعَاد الْأَمِير دمرداش إِلَى حلب وَكتب بذلك إِلَى السُّلْطَان. شهر ذِي الْحجَّة أَوله الْأَرْبَعَاء: فِيهِ قدم رَأس عمر بن فضل إِلَى السُّلْطَان فَطُفْ بِهِ الْقَاهِرَة وعلق على بَاب زويلة. وَفِيه هبت ريَاح عَاصِفَة شَدِيدَة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 219 وَفِيه أخرج الْوَزير الصاحب فَخر الدّين ماجد بن غراب من وَفِي حادي عشره: قدم ابْن حجي قَاضِي دمشق بِجَوَاب السُّلْطَان على الْأَمِير شيخ فَأَعَادَهُ إِلَى دمشق فَقَدمهَا فِي رَابِع عشره وَمضى الْأَمِير شيخ إِلَى صرخد وَعَاد فَنزل الحرجلة فِي رَابِع عشرينه. وَنُودِيَ بِدِمَشْق من الْغَد بِخُرُوج الْعَسْكَر إِلَيْهِ فَخَرجُوا فِي سَابِع عشرينه فَدخل وهم بَين يَدَيْهِ وَمَعَهُمْ الْقُضَاة إِلَى دمشق فَنزل بدار السَّعَادَة وَقد غَابَ فِي سَفَره بأراضي الخربة مُدَّة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين يَوْمًا فَأَقَامَ يَوْمه وَأصْبح وعزمه قوي على تجهيز الْأُمَرَاء المسجونين إِلَى السُّلْطَان وَأخذ فِي ذَلِك فَبَلغهُ أَن تغري برمش كاشف الرملة فر مِنْهَا لقدوم كاشف ونائب الْقُدس من قبل السُّلْطَان وَأَن السُّلْطَان عزم على الْمسير إِلَى الشَّام وَأخرج الروايا والقرب على الْجمال وَمَعَهَا الطبول وعدتها نَحْو مِائَتي جمل على كل جمل راويتان وَثَلَاث لتطيب فِي الردك بشاطئ النّيل بِسَبَب التجريدة. فَرجع عَن إرْسَال الْأُمَرَاء وعول على أَمر آخر. وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر عمر بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن العديم قَاضِي الْقُضَاة كَمَال الدّين فِي لَيْلَة السبت ثَانِي عشر جُمَادَى الْآخِرَة ومولده بحلب سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَكَانَ قَاضِي سوء. قَالَ فِيهِ عُثْمَان بن مُحَمَّد الشغري الْحَنَفِيّ. لبن العديم الَّذِي فِي عينه عور وَلَيْسَ مَحْمُود فِي النَّاس سيرته أَلَيْسَ أَن عَلَيْهِ ستر عَوْرَته لَكِن نزُول الْقَضَاء أعمي بصيرته الجزء: 6 ¦ الصفحة: 220 وَمَات الْأَمِير بشباي رَأس نوبَة النوب فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء رَابِع عشرينه وَدفن بالقرافة. وَكَانَ ظَالِما غشوماً. وَمَات الْأَمِير يلبغا السالمي خنق بعد عصر يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشره بالإسكندرية. وَكَانَ مخبطاً خلط عملا صَالحا بِعَمَل سيئ. وَمَات مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أبي الْبَقَاء جلال الدّين بن قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين بن قَاضِي الْقُضَاة بهاء الدّين فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع رَجَب. وَكَانَ يَنُوب فِي الْقَضَاء ودرس الشَّافِعِي وَغَيره وَهُوَ عَار من الْفضل والفضيلة. وَمَات الْأَمِير أرسطاي نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة بهَا فِي نصف ربيع الآخر وَكَانَ مهاباً. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 221 وَمَات الْأَمِير الْكَبِير بيبرس ابْن أُخْت الظَّاهِر برقوق بسجنه من الْإسْكَنْدَريَّة مقتولاً. وَمَات الْأَمِير سودن المارديني. وَمَات الْأَمِير بيغوت. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 222 وَمَات الشريف ثَابت بن نعير بن وَمَنْصُور بن جماز بن شيحه الْحُسَيْنِي أَمِير الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة فِي صفر فولي بعده أَخُوهُ عجلَان بن نعير. وَمَات الْوَزير فَخر الدّين ماجد وَيُسمى مُحَمَّد بن عبد الرازق بن غراب فِي غرَّة ذِي الْحجَّة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 223 فارغه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 224 (سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَثَمَانمِائَة) أهلت وَخَلِيفَة الْوَقْت المستعين بِاللَّه أَبُو الْفضل الْعَبَّاس بن مُحَمَّد المتَوَكل على الله أبي عبد الله مُحَمَّد. وَالسُّلْطَان الْملك النَّاصِر أَبُو السعادات فرج بن الظَّاهِر أبي سعيد برقوق بن أنص العثماني اليلبغاوي. وَهُوَ مُسْتَقل بتدبير الْأُمُور ومعتمد على وزيره الْأَمِير الْوَزير المشير نَاظر الْخَواص وَكَاشف الْكَشَّاف جمال الدّين يُوسُف بن أَحْمد الأستادار البجاسي البيري وَكَاتب سره فتح الدّين فتح الله بن معتصم بن نَفِيس الإسرائيلي الدَّاودِيّ التبريزي. وناظر جَيْشه الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله النستراوي ونائب الشَّام الْأَمِير شيخ المحمودي. ونائب حلب الْأَمِير دمرداش المحمدي ونائب حماة الْأَمِير جانم ونائب طرابلس الْأَمِير بكتمر جلق ونائب صفد الْأَمِير قرقماس ابْن أخي دمرداش. ونائب غَزَّة الْأَمِير ألطنبغا العثماني. ونائب الكرك الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد التركماني وَلم يُمكن مِنْهَا لتغلب سودن الْحَلب عَلَيْهَا. وقضاة مصر شيخ الْإِسْلَام قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين أبي الْفضل بن شيخ الْإِسْلَام قَاضِي الْقُضَاة سراج الدّين عمر بن رسْلَان بن نصر البُلْقِينِيّ الشَّافِعِي. وقاضي الْقُضَاة أَمِين الدّين عبد الْوَهَّاب بن قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر الطرابلسي الْحَنَفِيّ وقاضي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن معبد الْقُدسِي الْمدنِي الْمَالِكِي وقاضي الْقُضَاة مجد الدّين سَالم بن سَالم الْمَقْدِسِي الْحَنْبَلِيّ. وقضاة دمشق نجم الدّين عمر بن حجي الشَّافِعِي وَصدر الدّين عَليّ بن الْآدَمِيّ الْحَنَفِيّ. وَشرف الدّين عِيسَى المغربي الْمَالِكِي وشمس الدّين مُحَمَّد بن عبَادَة الْحَنْبَلِيّ. شهر الله الْمحرم الْحَرَام أَوله الْجُمُعَة ثمَّ ثَبت أَنه الْخَمِيس: أهل وَالدِّينَار الهرجة فِي الْقَاهِرَة بِمِائَة وَسِتِّينَ درهما فُلُوسًا والقمح بِمِائَة وَخمسين درهما الأردب. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 225 وَفِي ثَانِيه: أخرج الْأَمِير شيخ نَائِب الشَّام المنجنيق من قلعة دمشق إِلَى الإسطبل وأقطع جمَاعَة من أَصْحَابه عدَّة من الْأَوْقَاف. وَفِي ثالثه: سَار شيخ من دمشق إِلَى المرج فخيم بِهِ. وَفِي رابعه: نصبت خيمه السُّلْطَان تجاه مَسْجِد تبر من الريدانية خَارج الْقَاهِرَة. وَفِي سابعه: خرج مقدم العساكر الْأَمِير الْكَبِير تغري بردى الأتابك وَمَعَهُ من الْأُمَرَاء الألوف الْأَمِير أقباي الطرنطاي رَأس نوبَة الْأُمَرَاء والأمير طوخ أَمِير مجْلِس والأمير طوغان الحسني رَأس نوبَة والأمير عَلان والأمير أينال المنقار الجلالي والأمير كمشبغا المزوق والأمير يشبك الموساوي الأفقم وعدة من الْأُمَرَاء الطبلخاناة والعشرات والمماليك ونزلوا بالريدانية. وَفِيه أُعِيد نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن العديم الْحَنَفِيّ إِلَى قَضَاء الْحَنَفِيَّة بديار مصر وعزل قَاضِي الْقُضَاة أَمِين الدّين عبد الْوَهَّاب بن الطرابلسي وَكَانَ قد قبص نَفَقَة السّفر أُسْوَة رفقائه خَمْسَة عشر ألف دِرْهَم فُلُوسًا فأنعم بهَا عَلَيْهِ. وَولي مشيخة خانكاه شيخو عوضا عَن ابْن العديم فغبطه النَّاس على هَذِه النعم الثَّلَاثَة: الْعَافِيَة من السّفر وتعوض الشيخولية عَن الْقَضَاء وَالسعَة بِهَذَا الْقدر من المَال. وَكَانَت ولَايَة ابْن العديم بِمَال جزيل. وَفِيه أُعِيد ابْن شعْبَان إِلَى الْحِسْبَة بِمَال وعزل الْحبرِي. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ حادي عشره: ركب السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل فِي بَقِيَّة عساكره وَنزل بمخيمه تجاه مَسْجِد تبر. وَفِيه رَحل الْأَمِير الْكَبِير تغري بردى من الريدانية بِمن مَعَه من الْأُمَرَاء والأجناد قَاصِدا دمشق. وَفِيه طلب الْأَمِير شيح نَائِب الشَّام قُضَاة دمشق فَخَرجُوا إِلَيْهِ بالمرج فأرادهم أَن يسلموه الْأَوْقَاف ليقطعها أَصْحَابه فآل الْأَمر إِلَى مصالحته عَنْهَا بِثلث متحصلها وعادوا. وَفِي ثَالِث عشره: أُعِيد الْحبرِي إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة وخلع عَلَيْهِ بِحَضْرَة السُّلْطَان وَهُوَ بتربة أَبِيه خَارج بَاب النَّصْر وَقد عَاد إِلَيْهَا من مخيمه وعزل بن شعْبَان. وَفِي رَابِع عشره: خلع السُّلْطَان على الْأَمِير أرغون الرُّومِي وَاسْتقر نَائِب الْغَيْبَة مُقيما بالإسطبل على حَاله بالأمير مقبل الرُّومِي. ورسم أَن يُقيم بقلعة الْجَبَل لحفظها والأمير يلبغا الناصري وَاسْتقر نَائِب الْغَيْبَة لفصل القضايا وَالْأَحْكَام بَين النَّاس. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 226 والأمير كزل العجمي الْحَاجِب ليحكم بَين النَّاس أَيْضا والأمير شهَاب الدّين أَحْمد ابْن أُخْت الْأَمِير جمال الدّين الأستادار ليتحدث عوضا عَن خَاله مُدَّة غيبته ومرجع الْجَمِيع إِلَى الْأَمِير يلبغا الناصري. وَفِيه رَحل السُّلْطَان من تجاه مَسْجِد تبر يُرِيد الشَّام وَمَعَهُ الْخَلِيفَة والقضاة وأرباب الدولة. وَفِيه أفرج الْأَمِير شيخ نَائِب الشَّام عَن الْأَمِير سودن تلِي الحمدي والأمير طوخ والأمير سودن اليوسفي وهم الَّذين طَلَبهمْ السُّلْطَان فَامْتنعَ من إرسالهم إِلَيْهِ حَتَّى غضب وَسَار من مصر إِلَى دمشق ليَأْخُذ الْأَمِير شيخ. وَفِيه قبض الْأَمِير شيخ على الْأَمِير كمشبغا الجمالي الْوَاصِل من جِهَة السُّلْطَان لأخذ الْأُمَرَاء الْمَذْكُورين. وَفِيه أظهر شيخ مَا فِي نَفسه وَصرح بِالْخرُوجِ عَن طَاعَة السُّلْطَان وَأخذ فِي الاستعداد وَطلب الْأُمَرَاء الَّذين أفرج عَنْهُم إِلَيْهِ بالمرج فِي لَيْلَة الثَّامِن عشرينه. واستدعى قُضَاة دمشق وفقهاءها وتحدث مَعَهم بِحَضْرَة الْأُمَرَاء بِجَوَاز محاربة السُّلْطَان فأفتاه شهَاب الدّين أَحْمد بن الحسباني بِمَا وَافق غَرَضه وَقَامَ فِي ذَلِك شمس الدّين مُحَمَّد ابْن الْجلَال التباني الْحَنَفِيّ قيَاما بَالغا نقل عَنهُ إِلَى السُّلْطَان. وَفِي حادي عشرينه: سَار الْأَمِير سودن المحمدي من دمشق إِلَى غَزَّة وَمَعَهُ طَائِفَة من عَسْكَر الْأَمِير شيخ واستخدم جمَاعَة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 227 وَفِي ثَالِث عشرينه: دخل السُّلْطَان إِلَى غَزَّة وَنزل ظَاهرهَا. وَولي الْأَمِير أينال الصصلاني أَمِير أخور نِيَابَة غَزَّة وعزل عَنْهَا الْأَمِير ألطنبغا العثماني وولاه نِيَابَة صفد. وَقدم الْخَبَر بِأَن الْأَمِير تغري بردى كبس الرملة يُرِيد الْقَبْض على شاهين دوادار الْأَمِير شيخ فِي حادي عشرينه ففر مِنْهُ وَلم يظفر بِهِ وَأقَام حَتَّى تقدم السُّلْطَان إِلَى الرملة فَرَحل السُّلْطَان. وَفِي بكرَة رَابِع عشرينه: عَاد سودن المحمدي وَمَعَهُ شاهين الدوادار إِلَى وطاق الْأَمِير شيخ وأخبراه بقدوم السُّلْطَان فتحول فِي سادس عشرينه من المرج إِلَى داريا وَنزل إِلَى قبَّة يلبغا. فَقدم عَلَيْهِ قرقماس ابْن أخي دمرداش فار من صفد. وَفِيه قبض الْأَمِير شيخ على ابْن عبَادَة قَاضِي الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق وعَلى الرشاوي أحد نواب قُضَاة الشَّافِعِيَّة وعَلى الْأَمِير شرف الدّين يحيى بن لاقي وألزمهم بِمَال كثير. وَفِي ثامن عشرينه: قدم الْأَمِير جانم نَائِب حماة على الْأَمِير شيخ فِي عشرَة. وَفِي تَاسِع عشرينه: رَحل الْأَمِير شيخ بِمن مَعَه يُرِيد نَاحيَة صرخد وَجعل نَائِب الْغَيْبَة بِدِمَشْق الْأَمِير تنكر بغا الحططي. وَفِيه قبض شيخ على عدَّة من تجار دمشق وَقرر عَلَيْهِم عشرَة آلَاف دِينَار وَحَملهمْ مَعَه هم وَبدر الدّين مُحَمَّد بن الْموصِلِي محتسب دمشق وكمشبغا الجمالي وَغَيره فِي الْحَدِيد وَأَفْرج عَن ابْن عبَادَة الْحَنْبَلِيّ وفر الرشاوي. وَفِي سلخه: قدمت كتب السُّلْطَان إِلَى دمشق - بعد رحيل الْأَمِير شيخ - باسم قضاتها وأعيانها تَتَضَمَّن إِنْكَار أَفعَال الْأَمِير شيخ وَأَنه مَا لم يُجهز الْأُمَرَاء الَّذين طلبُوا مِنْهُ وَإِلَّا فَهُوَ مَعْزُول ولتقاتله الْعَامَّة. شهر صفر أَوله السبت: فِي لَيْلَة السبت الْمَذْكُور: نزل السُّلْطَان باللجون فشاع بَين الْعَسْكَر تنكر قُلُوب المماليك الظَّاهِرِيَّة على السُّلْطَان وتحدثوا بإثارة فتْنَة لتقديمه مماليكه الْحَلب عَلَيْهِم واختصاصه بهم وَكَثْرَة عطائه لَهُم فَلَمَّا أصبح السُّلْطَان رَحل وَنزل بيسان من آخِره فَمَا هُوَ إِلَّا أَن غربت الشَّمْس ملج الْعَسْكَر وهدت الخيم وَاشْتَدَّ اضْطِرَاب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 228 النَّاس. وَكثر قلق السُّلْطَان وخوفه طول اللَّيْل إِلَى أَن طلع الْفجْر رَحل إِلَى جِهَة دمشق. وَسبب ذَلِك أَن الْأَمِير أقبغا دوادار يشبك - وَهُوَ يَوْمئِذٍ من جملَة دوادارية السُّلْطَان - قَالَ لكاتب السِّرّ فتح الدّين فتح الله - وَقد خرج مَعَه من خدمَة السُّلْطَان بالمخيم - أَن الْأَمِير عَلان والأمير أينال المنقار والأمير سودن بقجة قد عزموا على الرّكُوب فِي هَذِه اللَّيْلَة على السُّلْطَان وَمَعَهُمْ عدَّة من المماليك السُّلْطَانِيَّة. فَأخذ فتح الله بيد أقبغا وَعَاد بِهِ إِلَى السُّلْطَان وَأمره أَن يُعلمهُ بِمَا حَدثهُ بِهِ فَاعْلَم السُّلْطَان الْخَبَر سرا فِيمَا بَينه وَبَينه. فاستدعي الْأَمِير جمال الدّين الأستادار وَأمر أقبغا فحدثه الحَدِيث وَذَلِكَ أَنه لم يكن حِينَئِذٍ السُّلْطَان يَثِق بِأحد وَلَا يعْتَمد عَلَيْهِ. كثقته بكاتب السِّرّ فتح الله وأستاداره جمال الدّين فاستشارهما فِيمَا يعْمل فدار الرَّأْي بَين السُّلْطَان وَبَينهمَا وَبَين أقبغا من غير أَن يعلم ذَلِك أحد حَتَّى اسْتَقر رَأْيهمْ على أَن السُّلْطَان يَسْتَدْعِي وَفِي وَقت الْمغرب بعلان وأينال المنقار إِلَى عِنْده وَيقبض عَلَيْهِمَا وَيكون جمال الدّين قد ركب فِي جماعته إِلَى ظَاهر الْعَسْكَر من جِهَة الشَّام لأخذ من عساه يفر من المماليك إِلَى جِهَة الْأَمِير شيخ وَقَامُوا من عِنْد السُّلْطَان على هَذَا فغدر جمال الدّين وَبعث إِلَى عَلان وأينال المنقار وسودن بمجة والأمير تمراز الناصري نَائِب السلطة - وَكَانَ قد خرج من مصر وَهُوَ أرمد - يسير فِي المحفه فأعلمهم بِالْخَيرِ وَبعث إِلَيْهِم بِمَال كَبِير لَهُم وللأمير شيخ نَائِب الشَّام فَمَا هُوَ إِلَّا أَن غربت الشَّمْس ركب تمراز وسودن بقجة وأينال المنقار وقرا يشبك وسودن الْحِمصِي وعدة مماليك سلطانية يتَجَاوَز عَددهمْ الْمِائَة وسروا إِلَى جِهَة الشَّام يُرِيدُونَ الْأَمِير شيخ حَتَّى لَحِقُوا بِهِ فاختبط الْعَسْكَر وَاشْتَدَّ قلق السُّلْطَان وَطلب السُّلْطَان جمال الدّين وَفتح الله لِثِقَتِهِ بهما - وَلَا علم لَهُ بِشَيْء مِمَّا فعله جمال الدّين - فَأَشَارَ عَلَيْهِ فتح الله بالثبات وَأَشَارَ جمال الدّين بركوبه لَيْلًا وَعوده إِلَى مصر يُرِيد بذلك إِفْسَاد حَال السُّلْطَان فنازعه فتح الله وخاصة السُّلْطَان وَمَا زَالُوا بالسلطان يثبتونه حَتَّى طلع النَّهَار فَسَار يُرِيد دمشق. وَفِي ثَانِيه: نُودي بِدِمَشْق فِي النَّاس بقدوم السُّلْطَان فَخَرجُوا إِلَى لِقَائِه. وَفِيه ورد الْخَبَر على السُّلْطَان برحيل الْأَمِير شيخ عَن دمشق إِلَى جِهَة بصرى. وَفِي لَيْلَة الْخَمِيس سادسه: نزل السُّلْطَان الْكسْوَة ففر الْأَمِير عَلان وَجَمَاعَة من المماليك إِلَى جِهَة الْأَمِير شيخ. فَركب السُّلْطَان بكرَة يَوْم الْخَمِيس وَدخل دمشق وَنزل بدار السَّعَادَة. وَنزل الْأُمَرَاء فِي أماكنهم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 229 وَفِي سابعه: قبض بِدِمَشْق على الشهَاب أَحْمد بن الحسباني وَسلم إِلَى ألطنبغا شقل من أجل أَنه أُفْتِي بِقِتَال السُّلْطَان. وَطلب ابْن التباني فَإِذا هُوَ قد سَار مَعَ الْأَمِير شيخ. وَفِيه كتب السُّلْطَان بالإفراج عَن سودن الظريف وأرغز وسلمان من سجنهم بقلعة الصبيبة. وَفِي ثامن: توجه الْأَمِير ألطنبغا العثماني نَائِب صفد من دمشق إِلَى مَحل كفَالَته. وَفِيه ألزم الأخناي وَابْن عبَادَة الْحَنْبَلِيّ بِحمْل شعير قرر عَلَيْهِمَا. وَفِيه قدم الْخَبَر بنزول الْأَمِير شيخ الصنمين فَنُوديَ فِي الْعَسْكَر بِدِمَشْق أَن يلبسوا السِّلَاح ويقفوا بِاللَّيْلِ عِنْد بَاب الميدان فَبَاتَ النَّاس على خوف ووجل. وَفِي تاسعه: اسْتَقر الْأَمِير زين الدّين عمر الهيذباني حَاجِب الْحجاب بِدِمَشْق والأمير ألطنبغا شقل حاجباً ثَانِيًا والأمير بردي باك نَائِب حماة عوضا عَن جانم وخلع عَلَيْهِم بدار السَّعَادَة. وَفِيه كتب تَقْلِيد الْأُمِّي رنوروز بنيابة حلب وجهز إِلَيْهِ وَمَعَهُ التشريف وَالسيف على الْعَادة. وَفِي رَابِع عشره: قدم الْأَمِير أق بلاط من الْقَاهِرَة بطَائفَة من المماليك السُّلْطَانِيَّة. وَفِيه قبض على رجلَيْنِ مَعَهُمَا كتب الْأَمِير شيخ إِلَى الْأُمَرَاء فشنقا. وَفِي خَامِس عشرَة: قدم الْأَمِير بكتمر جلق نَائِب طرابلس إِلَى دمشق وَكَانَ قد اجْتمع مَعَ الْأَمِير دمرداش نَائِب حلب عِنْد بَاب الْحَدِيد يُريدَان حَرْب الْأَمِير نوروز وَهُوَ على ملطية فوافاهما كتاب السُّلْطَان من غَزَّة بطلبهما فسارا حَتَّى قدما على السُّلْطَان. وَفِيه قدم الْخَبَر بِأَن الطَّاعُون قد فَشَا بحمص وَمَات بهَا - وبحماة - أُلُوف من النَّاس وَأَنه حدث بطرابلس طاعون. وَفِي سادس عشره: قدم من مصر عدَّة من المماليك السُّلْطَانِيَّة وَفِيه فرض على قرى المرج والغوطة - ظَاهر دمشق - وعَلى بِلَاد حوران وَغَيرهَا شعير يقوم بِهِ أهل كل نَاحيَة بِقدر مَعْلُوم فَاشْتَدَّ الْأَمر فِي جبايته على النَّاس. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 230 وَفِي عشرينه: قدم الْأَمِير دمرداش نَائِب حلب فَأكْرمه السُّلْطَان وأنعم عَلَيْهِ. وَفِيه خلع على الْأَمِير بكتمر جلق وَاسْتقر نَائِب الشَّام عوضا عَن الْأَمِير شيخ وخلع على الْأَمِير دمرداش وَاسْتقر فِي نِيَابَة طرابلس مُضَافَة إِلَى نِيَابَة حلب. وَفِيه قبض الْأَمِير جمال الدّين الأستادار على نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ الْحَمَوِيّ وضربه ضربا مبرحاً واستعاد مِنْهُ مَا تنَاوله من مَعْلُوم خطابة الْجَامِع الْأمَوِي وَسبب ذَلِك أَنه كَانَ ولي أَخَاهُ شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد البيري - قَاضِي حلب - خطابة الْقُدس عوضا عَن شهَاب الدّين أَحْمد الباعوني وَعوض الباعوني خطابة الْقُدس بخطابة الْجَامِع الْأمَوِي فولي الْأَمِير شيخ بن الْبَارِزِيّ الخطابة بالجامع الْأمَوِي وعزل الباعوني - كَمَا تقدم ذكره - فترامي الباعوني على الْأَمِير جمال الدّين وتلقاه قبل دُخُوله دمشق بعدة أَيَّام فتعصب لَهُ وَفعل بِابْن الْبَارِزِيّ هَذَا وسجنه. وَفِي لَيْلَة ثَانِي عشرينه: قتل شرف الدّين مُحَمَّد بن مُوسَى بن مُحَمَّد بن الشهَاب مَحْمُود الْحلَبِي قَتله الْأَمِير جمال الدّين الأستادار لحقد كَانَ فِي نَفسه مُنْذُ أَيَّام حموله بحلب. وَفِي رَابِع عشرينه: ولي السُّلْطَان قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق شهَاب الدّين أَحْمد بن محيي الدّين مَحْمُود بن نجم الدّين أَحْمد بن إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن أبي الْعِزّ - الْمَعْرُوف بِابْن الكشك - وعزل الصَّدْر عَليّ بن الْآدَمِيّ وَولي نجم الدّين عمر بن حجي قَضَاء طرابلس بسؤاله. ورسم أَن يعين غَيره بِقَضَاء دمشق فَوَقع الِاخْتِيَار على الباعوني فولاه قَضَاء دمشق فِي سَابِع عشرينه وَهَذِه ولَايَته الثَّانِيَة. وَفِي تَاسِع عشرينه: ركب الْخَلِيفَة المستعين بِاللَّه وقضاة مصر الْأَرْبَع وقضاة دمشق وَنُودِيَ فِي النَّاس بِدِمَشْق أَن يقاتلوا الْأَمِير شيخ الكذا فَإِنَّهُ كَذَا إِلَى غير ذَلِك فِي كَلَام طَوِيل يقْرَأ من ورقه. شهر ربيع الأول أَوله الْأَحَد: فِيهِ ركب السُّلْطَان من دَار السَّعَادَة إِلَى الربوة وَعَاد. وَفِي ثَانِيه: سَارَتْ أطلاب السُّلْطَان والأمراء من دمشق إِلَى الْكسْوَة وتبعهم السُّلْطَان بعساكره وَعَلَيْهِم آلَة الْحَرْب فَبَاتَ بالكسوة وَأصْبح راحلاً إِلَى جِهَة الْأَمِير شيخ. وَأقر تنكز بغا الحططي فِي نِيَابَة الْغَيْبَة بِدِمَشْق وَسَار بكرَة يَوْم الثُّلَاثَاء فَمر بالصنمين وَنزل من آخِره بِرَأْس المَاء على بريد من الصنمين وَبَات. فَقدم الْخَبَر بالتقاء الجزء: 6 ¦ الصفحة: 231 كشافة السُّلْطَان بكشافة الْأَمِير شيخ وأسرهم رجلا من الشيخية. وَسَار السُّلْطَان بكرَة يَوْم الْأَرْبَعَاء إِلَى قَرْيَة الحراك فَنزل نصف النَّهَار قدر مَا أكل السماط ثمَّ رَحل رحيلاً مزعجاً ظن النَّاس أَن الْعَدو قد طرقهم فحد فِي مسيره وَنزل عِنْد الْغُرُوب بكرك البثنية من حوران. وَبَات على خوف من جمال الدّين أَن يقبض عَلَيْهِ فَإِنَّهُ بلغه أَنه وَافق الْأَمِير قردم وَغَيره على ذَلِك فأعد عِنْده بداخل مخيمه هجنا وَأسر إِلَى كَاتب سره فتح الله أَنه قد عزم فِي هَذِه اللَّيْلَة على ركُوب هَذِه الهجن وَالْعود إِلَى مصر فَإِن جمال الدّين وقردم قد عولا على أَن يكبسا عَليّ فرحلت من الحراك خوفًا مِنْهُمَا. ثمَّ هَا أَنا متيقظ لحدوث أَمر فتأهب أَنْت أَيْضا لتسير إِلَى مصر. فَعَاد فتح الله من عِنْد السُّلْطَان لَيْلًا وتأهب للرحيل وأطلعني على مَا عزم عَلَيْهِ - وَكنت فِي صحبته - فترقبنا حُدُوث أَمر لنركب فَلم يحدث شَيْء حَتَّى أَصْبَحْنَا. وَفِي هَذِه اللَّيْلَة: وصلت طَائِفَة من المماليك الجلبان إِلَى دمشق فنهبوا عدَّة مَوَاضِع فَقَاتلهُمْ الْعَامَّة وقبضوا على جمَاعَة مِنْهُم فَاجْتمعُوا فِي يَوْم الْخَمِيس عِنْد قبَّة سيار فَخرج إِلَيْهِم عَامَّة دمشق وقاتلوهم. وَفِي يَوْم الْخَمِيس: سَار السُّلْطَان إِلَى أَن نزل ظَاهر مَدِينَة بصرى فتحقق هُنَاكَ خبر الْأَمِير شيخ وَأَنه فِي عصر يَوْم الْأَرْبَعَاء الْمَاضِي بلغه أَن السُّلْطَان قد سَار فِي إثره فوحل فَزعًا يُرِيد صرخد فَأَقَامَ السُّلْطَان على بصرى إِلَى بكرَة السبت. وَقدم عَلَيْهِ ببصرى من الشيخية الْأَمِير برسباي والأمير سودن اليوسفي فَكتب بذلك إِلَى دمشق. ثمَّ سَار وَنزل بقرية عُيُون - تجاه صرخد - فَكَانَت حَرْب بَين أَصْحَابه وَبَين الشيخية قتل فِيهَا فارسان من الشيخية وجرح من السُّلْطَانِيَّة وَكثر تخوف السُّلْطَان من أمرائه ومماليكه. وبلغه أَنهم عولوا على أَنه إِذا وَقع مصَاف الْحَرْب تَرَكُوهُ ومضوا إِلَى الْأَمِير شيخ فَبَاتَ ليلته مستعداً لِأَن يُؤْخَذ ودبر أمرا كَانَ فِيهِ نجاته. وَهُوَ أَنه لما أصبح عِنْد طُلُوع الْفجْر نَادَى أَلا تهد خيمة وَلَا يحمل جمل وَأَن يركب الْعَسْكَر خيولهم ويجر كل فَارس جنيبه مَعَ غُلَامه من غير أَن يَأْخُذُوا أثقالهم وَلَا جمَالهمْ. وَسَار بهم كَذَلِك وَقد أخر الْأُمَرَاء وَمن يخشاه من المماليك وَرَاءه وَتقدم أمامهم فِي ثقاته. فَلم يفجأ الْقَوْم إِلَّا وَمد طلع عَلَيْهِم من ثنية هُنَاكَ وَقد عبأ الْأَمِير شيخ أَصْحَابه فَأوقف المصريين نَاحيَة وَقدم عَلَيْهِم الْأَمِير تمراز الجزء: 6 ¦ الصفحة: 232 الناصري نَائِب السلطة ووقف فِي ثقاته - وهم نَحْو الْخَمْسمِائَةِ فَارس - وحطم عَلَيْهِم السُّلْطَان بِنَفسِهِ وَمن مَعَه فَانْهَزَمَ تمراز بِمن مَعَه من أول وهلة وَثَبت الْأَمِير شيخ فِيمَن مَعَه فَكَانَت بَينهم معارك صَدرا من النَّهَار وَأَصْحَاب الْأَمِير شيخ تنسل مِنْهُ وَهُوَ يتَأَخَّر إِلَى جِهَة القلعة. وَكَانَت الْحَرْب بَين جدران مَدِينَة صرخد فولى السُّلْطَان وطاق الشيخية وانتهب أَصْحَابه جَمِيع مَا كَانَ فِيهِ من خيل وجمال وَثيَاب وأثاث وخيام وآلات وَغَيرهَا فحازوا شَيْئا كثيرا. وَاسْتولى السُّلْطَان على جَامع صرخد وأصعده أَصْحَابه فرموا من أَعلَى المنارة بمكاحل النفط والأسهم الخطالية على الْأَمِير شيخ وَحمل السُّلْطَان عَلَيْهِ حَملَة وَاحِدَة مُنكرَة فَانْهَزَمَ أَصْحَاب شيخ والتجأ فِي نَحْو الْعشْرين إِلَى قلعة صرخد وَكَانَت خلف ظَهره وَقد أعدهَا لذَلِك فَتسَارع إِلَيْهِ عدَّة من أَصْحَابه وتمزق باقيهم فأحاط السُّلْطَان بِالْمَدِينَةِ وَنزل على القلعة فَأَتَاهُ الْأُمَرَاء فهنوه بالظفر وامتدت الْأَيْدِي إِلَى صرخد فَمَا تركُوا بهَا لأَهْلهَا جَلِيلًا وَلَا حَقِيرًا حَتَّى أَخَذُوهُ نهباً وغصباً. فامتلأت الْأَيْدِي مِمَّا لَا يدْخل تَحت حصر. وَسَار الْأَمِير تمراز وسودن بقجة وسودن الْحَلب وسودن المحمدي وتمربغا المشطوب - نَائِب حلب - وعلان فِي عدد كَبِير إِلَى دمشق فقدموها يَوْم الِاثْنَيْنِ تاسعه فَقَاتلهُمْ الْعَامَّة فِي عاشره ودفعوهم عَن الْبَلَد فَوَلوا يُرِيدُونَ جِهَة الكرك بَعْدَمَا قتل مِنْهُم وجرح جمَاعَة. وَتَأَخر كثير مِنْهُم بِدِمَشْق وَمضى طَائِفَة إِلَى جِهَة حماة وحلب فَأخذ مِنْهُم بِدِمَشْق وَغَيرهَا عدد كثير. وَفِي عاشره: قدم كتاب السُّلْطَان إِلَى دمشق بِخَبَر الْوَاقِعَة. وَفِيه قدم من صرخد إِلَى دمشق الْأَمِير برد بك نَائِب حماة وَسَار إِلَيْهَا فِي رَابِع عشره. وَفِي رَابِع عشره: قدم دمشق الْأَمِير تغري بردى ابْن أخي دمرداش من صرخد مُتَوَجها إِلَى حلب نَائِب الْغَيْبَة بهَا عَن عَمه الْأَمِير دمرداش. وَقدم أَيْضا الْأَمِير أقباي حَاجِب الْحجاب وَقد مرض بصرخد ليقيم بِدِمَشْق حَتَّى يبرأ. وَقدم الْأَمِير قردم وقضاة مصر وتاج الدّين رزق الله نَاظر جَيش دمشق فِي جمَاعَة فأقاموا بِدِمَشْق. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 233 وَقدم أَيْضا كتاب السُّلْطَان فقرئ بالجامع الْأمَوِي. وَفِيه خبر وقْعَة صرخد وَأَنه قد حصر الْأَمِير شيخ بالقلعة وعزم أَلا يبرح حَتَّى يَأْخُذهُ وَأَنه رد أُمُور دمشق إِلَى الْأَمِير قردم وَأَن من ظفر بِأحد من الْأُمَرَاء المنهزمين وأحضره فَلهُ من المَال كَذَا. وَفِيه قبض بِدِمَشْق على الكليباتي وَالِي دمشق فِي أَيَّام الْأَمِير شيخ فَضرب ضربا مبرحاً. وَفِي ثامن عشره: قدم الْخَبَر على السُّلْطَان بِأَن التراكمين كسروا الْأَمِير نوروز كسرة قبيحة فدقت البشائر بصرخد. وَفِيه قبض بِدِمَشْق على علم الدّين دَاوُد الكويز وأخيه صَلَاح الدّين خَلِيل من بَيت نَصْرَانِيّ. وَفِيه قدم من صرخد إِلَى دمشق الْأَمِير دمرداش نَائِب حلب وطرابلس فَأَقَامَ بهَا إِلَى حادي عشرينه وَسَار إِلَى مَحل كفَالَته. وَفِي حادي عشرينه: اشْتَدَّ الطّلب بِدِمَشْق على من اختفى من الشيخية. وَفِيه أخرج من دمشق بالمنجنيق إِلَى صرخد. وَفِيه قدم من صرخد إِلَى دمشق الطواشي فَيْرُوز الخازندار فتسلم ابْني الكوبز والشهاب أَحْمد الصَّفَدِي موقع الْأَمِير شيخ. وَلم يزل السُّلْطَان على قلعة صرخد يرميها بالمدافع والسهام وَيُقَاتل من بهَا ثَلَاثَة أَيَّام بلياليها حَتَّى أحرق جسر القلعة فَامْتنعَ الْأَمِير شيخ وَمن مَعَه بداخلها وركبوا أسوارها فَأنْزل السُّلْطَان الْأُمَرَاء حول القلعة وألزم كل أَمِير بِقِتَال جِهَة من جهاتها واستدعى المدافع ومكاحل النفط من الصبيبة وصفد ودمشق ونصبها حول القلعة فَكَانَ فِيهَا مَا يَرْمِي بِحجر زنته سِتُّونَ رطلا دمشقياً. وَتَمَادَى الْحصْر لَيْلًا وَنَهَارًا حَتَّى قدم المنجنيق من دمشق على مِائَتي جمل. فَلَمَّا تَكَامل نَصبه وَلم يبْق إِلَّا أَن يَرْمِي بحجره - وزنته تسعون رطلا شامياً - ترامى الْأَمِير شيخ وَمن مَعَه من الْأُمَرَاء على الْأَمِير الْكَبِير تغري بردى الأتابك وألقوا إِلَيْهِ ورقة فِي سهم من القلعة يسألونه فِيهَا الوساطة بَينهم وَبَين السُّلْطَان فَمَا زَالَ حَتَّى بَعثه السُّلْطَان إِلَيْهِم فَصَعدَ إِلَى القلعة وَمَعَهُ الْخَلِيفَة وَكَاتب السِّرّ فتح الله وَجَمَاعَة من ثِقَات السُّلْطَان فِي يَوْم السبت ثامن عشرينه فجلسوا على شَفير الخَنْدَق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 234 وَخرج الْأَمِير شيخ وَجلسَ بداخل بَاب القلعة ووقف أَصْحَابه على رَأسه وَفَوق سور القلعة وَتَوَلَّى كَاتب السِّرّ محادثة الْأَمِير شيخ فطال الْخطب بَينهمَا واتسع مجَال الْكَلَام فَتَارَة يعظه وَأُخْرَى يؤنبه ويوبخه وآونة يعدد بِاللَّه على السُّلْطَان من جميل الأيادي وعوائد النَّصْر على أعدائه ويخوفه عَاقِبَة الْبَغي وَفِي كل ذَلِك يعْتَذر الْأَمِير شيخ ثمَّ انصرفوا على أَن الْأَمِير شيح لَا يُقَابل السُّلْطَان أبدا خوفًا من سوء مَا اجترمه وقبيح مَا فعله فَأبى السُّلْطَان إِلَّا أَن ينزل إِلَيْهِ وَأعَاد الْأَمِير تغري بردى وَفتح الله فَقَط بَعْدَمَا ألح تغري بردى على السُّلْطَان فِي سُؤَاله الْعَفو فأحلف الْأَمِير شيخ وَأخذ مِنْهُ الْأَمِير كمشبغا الجمالي وأسنبغا بَعْدَمَا خلع عَلَيْهِمَا وأدلاهما بحبال من سور القلعة ثمَّ أرْخى أَيْضا ابْنه ليَبْعَث بِهِ إِلَى السُّلْطَان فصاح الصَّغِير وبكي من شدَّة خَوفه فرحمه من حضر وَمَا زَالُوا بِهِ حَتَّى نشله. وتصايح الْفَرِيقَانِ من أَعلَى القلعة وَفِي جَمِيع خيم الْعَسْكَر. فَرحا وسروراً بِوُقُوع الصُّلْح. وَذَلِكَ أَن أهل القلعة كَانُوا قد أشفوا على الْأَخْذ لقلَّة زادهم ومائهم وخوفاً من حِجَارَة المنجنيق فَإِنَّهَا كَانَت تدمرهم تدميراً لَو رمى بهَا عَلَيْهِم. وَأما الْعَسْكَر فَإِنَّهُم كَانُوا طول إقامتهم يسرحون كل يَوْم فينهبون الْقرى نهباً قبيحاً وَيَأْخُذُونَ مَا يجدونه من الغلال والأغنام وآلات النِّسَاء ويعاقبون من ظفروا بِهِ حَتَّى يطلعهم على مَا عِنْده من علف الدَّوَابّ وَغَيره وَفِيهِمْ من يتَعَرَّض للحريم فَيَأْتُونَ من القبائح بِمَا يشنع ذكره وَهَذَا وهم فِي خصَاصَة من الْعَيْش وَقل من المأكل. وكادت بركَة صرخد أَن ينْزح مَاؤُهَا. وَمَعَ ذَلِك فَإِن أَصْحَاب السُّلْطَان معظمهم غير مناصح لَهُ لَا يُرِيدُونَ أَن يظفر بالأمير شيخ خشيَة أَن يتفرغ مِنْهُ لَهُم. فَلهَذَا حسن موقع الصُّلْح من الطَّائِفَتَيْنِ وَبَات الْعَسْكَر على رحيل وَأَصْبحُوا يَوْم الْأَحَد فَركب الْأَمِير تغري بردى وَكَاتب السِّرّ فتح الله والأمير جمال الدّين ومعظم الْأُمَرَاء فَصَعِدُوا إِلَى قلعة صرخد وجلسوا على شَفير خندقها - وَكنت مَعَهم - فَخرج الْأَمِير شيخ وَجلسَ بداخل بَاب القلعة ووقف من مَعَه على رَأسه وَمن فَوق السُّور. وأحلف فتح الله من بَقِي مَعَ الْأَمِير شيخ من الْأُمَرَاء للسُّلْطَان وهم جانم نَائِب حماة وقرقماس ابْن أخي دمرداش نَائِب صفد وتمراز الْأَعْوَر وَأَفْرج الْأَمِير شيخ عَن يحيي بن لاقي وتجار دمشق وَغَيرهم مِمَّن كَانَ مسجوناً مَعَه وَبعث للسُّلْطَان تقدمة فِيهَا عدَّة مماليك وتقرر الْحَال على مسير الْأَمِير شيخ نَائِبا بطرابلس وَأَن يلبس التشريف السلطاني إِذا رَحل السُّلْطَان. فَلَمَّا عَادوا إِلَى السُّلْطَان رَحل من صرخد وَقد رَحل أَكثر المماليك من اللَّيْل فَسَار فِي قَلِيل من ثقاته وَترك عدَّة من الْأُمَرَاء على صرخد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 235 وأفق فيهم خَمْسَة وَعشْرين ألف دِينَار وَسِتِّينَ ألف دِرْهَم فضَّة خَارِجا عَن الْغنم وَالشعِير وَنزل زرع فَبَاتَ بهَا. شهر ربيع الآخر أَوله الثُّلَاثَاء: فِيهِ قدم السُّلْطَان دمشق قبيل الْغُرُوب وَقد جد فِي الْمسير فَنزل بدار السَّعَادَة وَأما الْأَمِير شيخ فَإِنَّهُ نزل من قلعة صرخد بعد رحيل السُّلْطَان وَلبس تشريف نِيَابَة طرابلس وَقبل الأَرْض على الْعَادة وَعَاد إِلَى القلعة وجهز ابْنه إِلَى الْأَمِير تغري بردى فَرَحل بِهِ من صرخد ورحل مَعَه سَائِر من تَأَخّر من الْأُمَرَاء السُّلْطَانِيَّة وَقدم الْأَمِير جمال الدّين الأستادار دمشق فِي يَوْم الْخَمِيس ثالثه. وَفِيه أفرج السُّلْطَان عَن المسجونين إِلَّا ابْني الكويز والصفدي. وَفِي سادسه: قدم الْأَمِير تغري بردى والأمير بكتمر جلق وَبَقِيَّة الْأُمَرَاء. وَفِي سابعه: قدم ابْن الْأَمِير شيخ - وعمره سبع سِنِين - فَأكْرمه السُّلْطَان وخلع عَلَيْهِ وَأَعَادَهُ إِلَى أَبِيه وَمَعَهُ خُيُول وجمال وَثيَاب وَمَال كَبِير. وَفِيه ولى السُّلْطَان بِدِمَشْق الشريف جماز بن هبة الله إمرة الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة وَشرط عَلَيْهِ عَادَة مَا أَخذ من الْحَاصِل وَولى أَيْضا جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله الكازروني قَضَاء الْمَدِينَة وَبعث لَهما توقيعهما وتشريفهما. وأفردت خطابة الْمَسْجِد النَّبَوِيّ لِابْنِ صَالح. وَفِي ثامنه: أعفي نجم الدّين عمر بن حجي من قَضَاء طرابلس وَكتب بإحضاره. وَفِي رَابِع عشره: توجه قُضَاة مصر من دمشق وَكثير من الأثقال يُرِيدُونَ الْقَاهِرَة فنزلوا بداريا. ثمَّ عَاد الْقُضَاة من يومهم لعقد ابْنة السُّلْطَان على الْأَمِير بكتمر جلق نَائِب الشَّام. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشره: حمل بكتمر الْمهْر وزفته المغاني حَتَّى دخل دَار السَّعَادَة. ثمَّ عقد العقد بِحَضْرَة السُّلْطَان والأمراء والقضاة فَتَوَلّى السُّلْطَان العقد بِنَفسِهِ وَقَبله عَن الْأَمِير بكتمر الْأَمِير الْكَبِير تغري بردى. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشره: توجه الْقُضَاة سائرين إِلَى مصر. وَفِيه أُعِيد الصَّدْر على بن الْآدَمِيّ إِلَى قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق. وعزل ابْن الكشك. وَصلى السُّلْطَان الْجُمُعَة بالجامع الْأمَوِي وَسَار بعساكره يُرِيد مصر فَنزل الْكسْوَة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 236 وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير نكباي حَاجِب الْحجاب بِدِمَشْق عوضا عَن الهيدباني. وَفِي لَيْلَة الْأَحَد: سَار السُّلْطَان من الْكسْوَة وَقد ولى غرس الدّين خَلِيل الأشقتمري حاجباً بِدِمَشْق ومتحدثاً فِي أستادارية السُّلْطَان بهَا وَاسْتولى الْأَمِير بكتمر جلق على دمشق وَنزل بدار السَّعَادَة على الْعَادة. وَفِي رَابِع عشرينه: نزل السُّلْطَان على الرملة وَسَار مِنْهَا يُرِيد الْقُدس فَقَدمهَا. وَبعث الأثقال إِلَى غَزَّة فزار وَتصدق بِخَمْسَة آلَاف دِينَار وَعشْرين ألف فضَّة. وَبَات لَيْلَة بالقدس. وَسَار من غده إِلَى الْخَلِيل فَبَاتَ بِهِ وَتوجه إِلَى غَزَّة فَدَخلَهَا فِي سَابِع عشرينه وَأقَام بهَا. شهر جُمَادَى الأولى أَوله الْأَرْبَعَاء: فِي ثَانِيه: شنق السُّلْطَان بغزة ثَلَاثَة من مفسدي بلد الْخَلِيل ورحل. وَفِي ثالثه: قرئَ بِدِمَشْق كتاب السُّلْطَان بِأَنَّهُ قد ولى الْأَمِير شيخ نِيَابَة طرابلس فَإِن قصد دمشق فدافعوه عَنْهَا وقاتلوه. وَكَانَ الْأَمِير شيخ قد قصد دمشق وَكتب إِلَى الْأَمِير بكنمر جلق بِأَنَّهُ يُرِيد دُخُول دمشق ليقضي بهَا أشغاله ويرحل إِلَى طرابلس فَكثر تخيل السُّلْطَان من دُخُوله إِلَيْهَا. وَفِيه قدم من حلب إِلَى دمشق جمال الدّين الحسفاوي ومحب الدّين مُحَمَّد بن الشحقه الْحَنَفِيّ وَأَخُوهُ وَقد طَلَبهمْ السُّلْطَان لينكل بهم من أجل أَنهم وافقوا الْأَمِير جكم على السلطة وأفتوه بذلك. وَفِي سادسه: جمعت قُضَاة دمشق وَقرر عَلَيْهِم مَا فرض على الْقرى الْمَوْقُوفَة من المغارم كَمَا فرض على بَقِيَّة الْقرى. وَفِي يَوْم الْخَمِيس تاسعه: نزل السُّلْطَان على غيفا خَارج بلبيس وَقبض على الْأَمِير جمال الدّين الأستادار وعَلى ابْنه الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد وعَلى ابْني أُخْته الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد وَحَمْزَة وَعَامة حَوَاشِيه وأسبابه وقيدوا. وَمضى بهم الْأَمِير الْكَبِير تغري بردى إِلَى الْقَاهِرَة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 237 وَسَار السُّلْطَان فَدخل قلعة الْجَبَل فِي يَوْم السبت حادي عشره وَقد ختم على حواصل جمال الدّين ودوره وأحيط بهَا. وَتقدم فتح الله كَاتب السِّرّ لحفظ موجوده. وَفِي لَيْلَة الْجُمُعَة عاشره: نزل الْأَمِير شيخ على شقحب وَكَانَ الْأَمِير بكتمر قد خرج إِلَى لِقَائِه بعسكر دمشق. وَنزل قبَّة يلبغا. وَثمّ ركب لَيْلًا يُرِيد كبس الْأَمِير شيخ فلقي كشافته عِنْد خَان ابْن ذِي النُّون فواقعه فَبلغ ذَلِك الْخَبَر شَيخا فَركب وَأَتَاهُ. فَلم يثبت بكتمر وَانْهَزَمَ وأتى الْأَمِير شيخ فَنزل بِمن مَعَه قبَّة يلبغا. وَدخل بكرَة يَوْم الْجُمُعَة إِلَى دمشق وَنزل بدار السَّعَادَة من غير ممانع وَقد تَلقاهُ النَّاس فَاعْتَذر لَهُم بِأَنَّهُ لم يقْصد سوي النُّزُول فِي الميدان خَارج دمشق ليقضي أشغاله وَأَنه كتب يسْتَأْذن الْأَمِير بكتمر فِي ذَلِك فَأبى ثمَّ خرج وقاتله فَانْهَزَمَ بكتمر وَأما بكتمر فَإِنَّهُ توجه نَحْو صفد وَمَعَهُ قريب مائَة فَارس وتخلف الْعَسْكَر عَنهُ بِدِمَشْق. وَفِي ثَالِث عشره: ولى الْأَمِير شيخ شهَاب الدّين أَحْمد بن الشَّهِيد نظر الْجَيْش بِدِمَشْق. وَولى شمس الدّين مُحَمَّد التباني نظر الْجَامِع الْأمَوِي وتغري برمش - استادار - نِيَابَة بعلبك وأياس الكركي نِيَابَة الْقُدس ومنكلي بغا كاشف الْقبلية والشريف مُحَمَّد ابْن دغا محتسب دمشق. وَإِلَى يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع عشره: خلع عَليّ تَاج الدّين عبد الرازق بن الهيصم نَاظر الإسطبل وَكَاتب المماليك. وَاسْتقر استادار السُّلْطَان عوضا عَن الْأَمِير جمال الدّين وَلبس زِيّ الْأُمَرَاء - وَهُوَ القباء - وَشد بوسطه السَّيْف وَعمل على رَأسه كلفتاه وخلع على أَخِيه مجد الدّين عبد الْغَنِيّ بن الهيصم مُسْتَوْفِي الدِّيوَان الْمُفْرد وَاسْتقر فِي نظر الْخَاص وخلع على سعد الدّين إِبْرَاهِيم البشيري نَاظر الدولة وَاسْتقر فِي الوزارة. وخلع عَليّ تَقِيّ الدّين عبد الْوَهَّاب بن أبي شَاكر وَاسْتقر نَاظر الدِّيوَان الْمُفْرد على عَادَته وأضيف إِلَيْهِ أستادارية الْأَمْلَاك والأوقاف السُّلْطَانِيَّة عوضا عَن الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد ابْن أُخْت جمال الدّين وخلع على تَاج الدّين فضل الله بن الرَّمْلِيّ وَاسْتقر فِي نظر الدولة بمفرده وخلع على حسام الدّين حُسَيْن الْأَحول وَاسْتقر أَمِير جاندار. وَفِيه ركب الْأَمِير شيخ وَمَعَهُ عَسْكَر دمشق بأجمعهم يُرِيدُونَ صفد. وَلم يتَأَخَّر بِدِمَشْق سوى الْأَمِير تمراز نَائِب السلطنة والأمير عَلان. وَفِيه كتب الْأَمِير شيخ محضراً بِأَنَّهُ كَانَ مُتَوَجها إِلَى طرابلس فَلَمَّا وصل شقحب قَصده بكتمر وَأَرَادَ أَن يركب عَلَيْهِ ويبدد شَمله فَدفع عَن نَفسه. وَشهد لَهُ فِيهِ جمَاعَة وَقصد تَجْهِيزه إِلَى السُّلْطَان فَلم يَجْسُر أحد على الْمُضِيّ بِهِ فَسَار - وَهُوَ مَعَه - حَتَّى بلغ إِلَى الْمنية قَرِيبا من صفد وجد إِمَام الصَّخْرَة بالقدس فَبَعثه بِهِ إِلَى الْقَاهِرَة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 238 وَفِي ثامن عشره: سَار سودن المحمدي من دمشق ليلحق الْأَمِير شيخ. وَكَانَ الْأَمِير شيخ لما قَارب صفد جهز الْأَمِير جانم والأمير قرقماش ابْن أخي دمرداش وسودن الجلب وشاهين الدوادار إِلَى صفد فطر قوها على غَفلَة فثار إِلَيْهِم أهل القلعة ودفعوهم فَوَلوا رَاجِعين. وَفِي سَابِع عشرينه: قدم الْأَمِير بكنمر جلق نَائِب الشَّام وَمَعَهُ الْأَمِير برد بك نَائِب حماة والأمير نكباي حَاجِب دمشق والأمير ألطنبغا العثماني نَائِب صفد والأمير يشبك الموساوي الأفقم نَائِب غَزَّة فَخرج السُّلْطَان إِلَى لقائهم وَدخل من بَاب النَّصْر فشق الْقَاهِرَة وَخرج من بَاب زويلة وَنزل بدار الْأَمِير طوخ أَمِير مجْلِس يعودهُ فِي مَرضه. وَصعد إِلَى القلعة. وَفِيه خلع على شهَاب الدّين أَحْمد بن أوحد وَاسْتقر فِي مشيخة خانكاه سرياقوس عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد القليوبي. وَفِيه أحضر الْأَمِير جمال الدّين الأستادار مَحْمُولا إِلَى بَين يَدي السُّلْطَان لعَجزه عَن الْمَشْي من الْعقُوبَة. وَكَانَ قد عُوقِبَ بالعصر فِي رجلَيْهِ فَأخْرج عدَّة دخائر مِنْهَا دخيرة فِي حادي عشره من حارة زويلة وجدت مدفونة فِي التُّرَاب ذَهَبا صبيباً من غير وعَاء زنته خَمْسَة وَخَمْسُونَ ألف مِثْقَال غربلت من التُّرَاب ووزنت بِحَضْرَة قُضَاة الْقُضَاة الْأَرْبَع ودخيرة أُخْرَى فِي غده وجد فِيهَا تسع قفاف مَمْلُوءَة ذَهَبا وَحقّ فِيهِ نفاش من الْجَوْهَر ودخيرة ثَالِثَة أخرجهَا ابْنه أَحْمد بِحَضْرَة الْقُضَاة وَكَاتب السِّرّ من منزله بلغت مِائَتي ألف دِينَار واثنتين ألف دِينَار عَنْهَا اثْنَان وَعِشْرُونَ قِنْطَارًا وَخمْس قِنْطَار حَضَرُوا بهَا الْقُضَاة وَكَاتب السِّرّ ثمَّ خبية أُخْرَى من دَاره بلغت سِتِّينَ ألفي دِينَار. وَمن السِّلَاح والقماء وَسَائِر الْأَصْنَاف شَيْئا كثيرا فَكَانَ يحمل مِنْهُ فِي كل يَوْم عدد كثير من الْأَحْمَال ثمَّ عصر فِي ثَانِي عشرينه عصراً شَدِيدا وعصر ابْنه بِحَضْرَتِهِ فاعترف الابْن بدخيرة وجد فِيهَا أحد عشر ألف دِينَار وثلاثمائة دِينَار وَلم يعْتَرف جمال الدّين بِشَيْء فَأنْزل بِابْني أُخْته شهَاب الدّين أَحْمد الْحَاجِب وأخيه حَمْزَة إِلَى بَيت الْأَمِير تَاج الدّين بن الهيصم الأستادار فسلما إِلَيْهِ فعاقب جمَاعَة من أقَارِب جمال الدّين وألزامه. فَلَمَّا مثل جمال الدّين بِحَضْرَة السُّلْطَان عنفه على مَا كَانَ مِنْهُ فاعترف بالْخَطَأ وَسَأَلَ الْعَفو وَقبل الأَرْض ثمَّ أَعَادَهُ إِلَى مَوضِع حَبسه من القلعة وَأمر بمعالجته حَتَّى يبرأ. وَفِي سَابِع عشريه: أَيْضا قدم الْأَمِير نوروز من عِنْد التركمان إِلَى حلب وَمَعَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 239 الْأَمِير يشبك بن أزدمر وَجَمَاعَة. فَخرج الْأَمِير دمرداش إِلَى لِقَائِه وَبَالغ فِي إكرامه وأنزله. وَقَامَ لَهُ وَلمن مَعَه بِمَا يَلِيق بهم وحلفهم للسُّلْطَان وَكتب يعلم السُّلْطَان بذلك ويسأله أَن يُعِيد الْأَمِير نوروز إِلَى نِيَابَة الشَّام وَأَن يولي يشبك بن أزدمر طرابلس ويولي ابْن أَخِيه تغري بردى حماة. شهر جُمَادَى الْآخِرَة أَوله الْجُمُعَة. فِيهِ توجه الْأَمِير مقبل الرُّومِي أحد أُمَرَاء الألوف إِلَى دمياط ليركب الْبَحْر إِلَى الْأَمِير نوروز وَمَعَهُ تشريف وتقليده نِيَابَة الشَّام ومبلغ خَمْسَة عشر ألف دِينَار. وَإِنَّمَا ركب الْبَحْر لتعذر السلوك فِي الْبر إِلَى الشَّام. وَفِيه وجد لجمال الدّين بمدرسته بَيت فِيهِ سَبْعمِائة قفة فلوس فَكَانَ مبلغ مَا وجد لَهُ تِسْعمائَة ألف دِينَار وَأَرْبَعَة وَسِتِّينَ ألف دِينَار. وَفِي ثَانِيه: قدم إِمَام الصَّخْرَة وَمَعَهُ جندي بِكِتَاب الْأَمِير شيخ والمحضر فَغَضب السُّلْطَان ووسط الجندي وَضرب الإِمَام ضربا مبرحاً وسجنه بخزانة شمايل. وَفِي رابعه: أنزل بِجَمَال الدّين وَابْنه أَحْمد من قلعة الْجَبَل على قفصي حمال إِلَى بَيت ابْن الهيصم. وَفِيه قدم الْأَمِير شيخ من سَفَره إِلَى دمشق وَقد وصل إِلَى غَزَّة فِي طلب الْأَمِير بكتمر فَلم يُدْرِكهُ فولى فِي غَزَّة سودن المحمدي وَفِي الرملة جَانِبك فَقدم الْخَبَر إِلَى دمشق بِأَن يشبك ابْن أزدمر وتغري بردى بن أخي دمرداش بعثهما نوروز إِلَى حماة ففر مِنْهَا جانم وَكَانَ قد بَعثه وَفِي سابعه: قبض السُّلْطَان على الْأَمِير بلاط أحد أُمَرَاء الألوف وعَلى الْأَمِير كزل الْحَاجِب وبعثا مقيدين إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة. وَفِي ثامنه: بعث الْأَمِير شيخ الْأَمِير قرقماس ابْن أخي دمرداش من دمشق على عَسْكَر إِلَى طرابلس. وَفِي تاسعه: أُعِيد شمس الدّين مُحَمَّد الطزويل إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة وعزل ابْن شعْبَان وَاسْتقر زين الدّين حاجي فِي قَضَاء الْعَسْكَر وعزل شمس الدّين مُحَمَّد البرقي الْحَنَفِيّ. وَفِي حادي عشره: نقل جمال الدّين الأستادار لَيْلًا من بَيت ابْن الهيصم فِي قفص حمال إِلَى بَيت الْأَمِير حسام الدّين حُسَيْن الْأَحول فعاقبه أَشد الْعقُوبَة لإحن كَانَت فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 240 نَفسه مِنْهُ ثمَّ خنقه من الْغَد وَقطع رَأسه وَحمله إِلَى السُّلْطَان حَتَّى رَآهُ ثمَّ أعَاد الرَّأْس فَدفن مَعَ جثته. وَفِيه اسْتَقر عَلَاء الدّين عَليّ الْحلَبِي قَاضِي غَزَّة فِي مشيخة خانكاه بيبرس بِالْقَاهِرَةِ عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد البيري قَاضِي حلب وَأخي جمال الدّين وَاسْتقر نور الدّين على التلواني فِي تدريس الشَّافِعِي عوضا عَن أخي جمال الدّين. وَفِيه أحضر السُّلْطَان رجلا يعرف بالشهاب أَحْمد بن الزعيفريني وَقطع يَسِيرا من لِسَانه وَبَعض عقد أَصَابِع يَده من أجل أَنه كتب ملحمة قيل أَنَّهَا من نظمه زعم أَن الْملك يصل إِلَى جمال وَفِي رَابِع عشره: خلع على الْأَمِير يلبغا الناصري وَاسْتقر حَاجِب الْحجاب عوضا عَن كزل العجمي. وَفِي سَابِع عشره: قبض سِنَان نَائِب قلعة صفد على الْأَمِير ألطنبغا العثماني لممالأته الْأَمِير شيخ. وَقَامَ الْأَمِير عَلان بنيابة صفد من قبل الْأَمِير شيخ. وَفِيه ولى الْأَمِير شيخ صدر الدّين عَليّ بن الْآدَمِيّ نظر الْجَيْش بِدِمَشْق وَولي محب الدّين مُحَمَّد بن الشّحْنَة الْحلَبِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق. وَفِي حادي عشرينه: ولي الْأَمِير شيخ الشهَاب أَحْمد بن الحسباني خطابة الْجَامِع الْأمَوِي وعزل الباعوني ثمَّ أَعَادَهُ من الْغَد وخطب ثمَّ قسم الخطابة بعد صَلَاة الْجُمُعَة بَينه وَبَين الحسباني. ثمَّ فِي عصر يَوْمه ولي الحسباني قَضَاء الشَّافِعِيَّة بِدِمَشْق وعزل الباعوني. وَفِي رَابِع عشرينه: خرج الْأَمِير شيخ من دمشق يُرِيد حماة. وَفِي ثامن عشرينه: وصل الْأَمِير يشبك الموساوي من مصر إِلَى رفح فَلَقِيت كشافته كشافه سودن المحمدي فكسروهم ففر المحمدي من غَزَّة ودخلها الموساوي من يَوْمه نَائِبا بهَا بَعْدَمَا نهب المحمدي شَيْئا كثيرا من غَزَّة فَتَبِعَهُ يشبك وَمن قدم مَعَه من مصر وهم الْأَمِير قانبك رَأس نوبَة والأمير فَخر الدّين عبد الْغَنِيّ بن أبي الْفرج الجزء: 6 ¦ الصفحة: 241 كاشف الشرقية والأمير حُسَيْن بن قطايا وعدة من المماليك السُّلْطَانِيَّة فلحق بِجِهَة الكرك وَقدم خبر ذَلِك إِلَى دمشق فانزعج الشيخية انزعاجاً شَدِيدا. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كَانَت فتْنَة بَين الْأَمِير عَلان وَأهل صفد هزموه فِيهَا لما بَلغهُمْ من قدوم عَسْكَر السُّلْطَان مَعَ الموساوي إِلَى غَزَّة فَقدم دمشق فِي سابعه. وَفِيه تقرر الصُّلْح بَين الْأَمِير نوروز والأمير شيخ فدقت البشائر بِدِمَشْق عدَّة أَيَّام. وَفِيه قدم شرف الدّين يَعْقُوب بن الْجلَال التباني الْحَنَفِيّ إِلَى دمشق فَارًّا من السُّلْطَان فِي أَوَائِله. وَفِيه سَار أَبُو شوشة صديق التركمان من صفد بطَائفَة وكبس حولة بانياس ففر من كَانَ بهَا من جِهَة الْأَمِير شيخ وَلَحِقُوا بِدِمَشْق. شهر رَجَب أَوله السبت: فِي سابعه: أُعِيد ابْن شعْبَان إِلَى الْحِسْبَة وعزل الطَّوِيل ثمَّ عزل ابْن شعْبَان بشمس الدّين مُحَمَّد بن يَعْقُوب الدِّمَشْقِي فِي ثامن عشره. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 242 وَمن النَّوَادِر أَن النّيل وفى سِتّ عشرَة ذِرَاعا وَفتح الخليج فِي أول يَوْم من مسرى وَبلغ فِي الزِّيَادَة مَا يُقَارب اثْنَتَيْنِ وَعشْرين ذِرَاعا وَثَبت إِلَى نصف هاتور. شهر شعْبَان أَوله الِاثْنَيْنِ: فِيهِ بلغ الْقَمْح إِلَى قريب ثَلَاثمِائَة دِرْهَم الأردب وَالشعِير والفول إِلَى مِائَتي الأردب وَالْحمل التِّبْن وَفِي ثالثه: أُعِيد كريم الدّين الْهوى إِلَى الْحِسْبَة وعزل ابْن يَعْقُوب. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كَانَت وقْعَة بغزة بَين يشبك الموساوي وسودن المحمدي وعلان نَائِب صفد قتل فِيهَا جمَاعَة وفر الموساوي وَدخل الْقَاهِرَة فِي أَوَائِله وجرح عَلان فِي وَجهه فَحمل إِلَى الرملة وَمَات بهَا فَبعث المحمدي يسْأَل الْأَمِير شيخ فِي نِيَابَة صفد فولاه فِي خَامِس عشره. وَفِي سَابِع عشرينه: قبض على الأخناي قَاضِي دمشق وسجن بدار السَّعَادَة وَطلب مِنْهُ عشرَة آلَاف دِينَار وَسبب ذَلِك أَنه اتهمَ بمكاتبة نوروز. وَفِي لَيْلَة الْأَحَد حادي عشرينه: قدم الْأَمِير دمرداش إِلَى حماة نجدة للأمير نوروز وَمَعَهُ عَسْكَر حلب وَطَوَائِف التراكمين الأوشرية والبياضية وكردي بن كندر وعرب الْفُرَات وبلاد حلب. وَكَانَ قد وصل الْأَمِير مقبل الرُّومِي من مصر على ظهر الْبَحْر وَسَار الْأَمِير نوروز فوصل إِلَى حماة فِي رابعه وَمَعَهُ تَقْلِيده بنيابة الشَّام والتشريف السلطاني. وَكتاب السُّلْطَان فَلبس التشريف وَقبل الأَرْض على الْعَادة وجدد الْيَمين بِالطَّاعَةِ للسُّلْطَان فَقدم عَلَيْهِ فِي غَد قدوم مقبل جمَاعَة مِمَّن فِي صُحْبَة الْأَمِير شيخ مِنْهُم تمربغا المشطوب وتمراز نَائِب حماة وسودن الْحَلب وجانبك القرمي وبردبك حَاجِب حلب فَلَمَّا بلغ الْأَمِير شيخ قدوم دمرداش نَائِب حلب ركب وَترك وطاقه وأثقاله وَتوجه إِلَى نَاحيَة الربان مركب دمرداش بكرَة يَوْم الْأَحَد الْمَذْكُور وَأخذ الرطاق فَعَاد الْأَمِير شيخ وقاتله قتالاً شَدِيدا قتل فِيهِ جمَاعَة مِنْهُم بيازير من إخْوَة نوروز وَأسر عدَّة كَثِيرَة مِنْهُم الْأَمِير مُحَمَّد بن قطكي أَمِير الأوشرية وَفَارِس أَمِير أخور دمرداش وَأحد طبلجاناه دمرداش وَكسر أعلامهم. وَنزل الْأَمِير شيخ على نقيرين ورحل لَيْلَة الِاثْنَيْنِ يُرِيد حمص فَقدم الْخَبَر إِلَى دمشق فِي لَيْلَة الْخَمِيس بكسرة الْأَمِير شيخ فعزم من بهَا من أَصْحَابه على الْهَرَب وَاشْتَغلُوا بِأَنْفسِهِم ففر الأخناي من سجنه بدار السَّعَادَة واختفى حَتَّى سَار إِلَى صفد فَقَدمهَا فِي ثَالِث شَوَّال وَكتب يعرف السُّلْطَان خَبره ويغريه بالأمير شيخ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 243 وَفِي سادس عشرينه: قدم إِلَى دمشق من وطاق الْأَمِير شيخ شمس الدّين مُحَمَّد بن التباني وَقد ولاه خطابة الْجَامِع الْأمَوِي فأكبر النَّاس ذَلِك لأَنهم لم يعهدوا خطبه قطّ إِلَّا شافعياً. وَكَتَبُوا فِي هَذَا إِلَى الْأَمِير شيخ فَأَعَادَ الباعوني إِلَى الخطابة. شهر رَمَضَان أَوله الثُّلَاثَاء: فِيهِ أرجف فِي دمشق بهجوم سودن المحمدي فَجعلت الستائر على قلعة دمشق وَسبب ذَلِك أَن نوروز كَاتبه يستميله إِلَيْهِ فاستحال على الْأَمِير شيخ وَتوجه إِلَى دمشق يُرِيد أَخذهَا وعاث فِي بِلَاد صفد وصادر أهل الْقرى. وَنزل سعسع فَكتب بدلك إِلَى الْأَمِير شيخ فَبعث دواداره جقمق فَقدم فِي سادسه باستخراج الْأَمْوَال من النَّاس فَفرض على الْبَسَاتِين والقرى مَالا جبى مِنْهُم. فَبَيْنَمَا هُوَ فِي ذَلِك إِذْ قدم المحمدي من غده يَوْم الِاثْنَيْنِ سابعه إِلَى داريا وزحف حَتَّى وصل إِلَى الْمصلى وَضرب خامه ونادى بالأمان. وَقَالَ: أَنا من جِهَة السُّلْطَان والأمير نوروز نَائِب الشَّام وحطم يُرِيد القلعة وَقد وقف الْأَمِير ألطنبغا القرمشي نَائِب الْغَيْبَة بِمن مَعَه على بَاب النَّصْر فَدخل طَائِفَة من أَصْحَاب المحمدي الْمَدِينَة من بَاب الصَّغِير فَدخل القرمشي وجماعته من بَاب النَّصْر وَأَغْلقُوا عَلَيْهِم. وَرمي من بالقلعة على رجالة المحمدي فَانْهَزَمُوا. وبينما النَّاس فِي الْقِتَال إِذْ قدم من وطاق الْأَمِير شيخ الْأَمِير سودن بقجة والأمير أينال المنقار على عَسْكَر فَقَاتلُوا المحمدي قتالاً كثيرا تقنطر فِيهِ عَن فرسه إِلَى الأَرْض فأدركه من مَعَه وأركبوه وَقد تفرق جمعه. فَمر على وَجهه وَلحق بالأمير نوروز وَحلف لَهُ وللسلطان وغنم أهل دمشق مَا كَانَ مَعَه وقبضوا على خمسين من أَصْحَابه. فَلَمَّا انجلت الْوَقْعَة قدم فِي اللَّيْل شاهين الدوادار من وطاق الْأَمِير شيخ وجد فِي اسْتِخْرَاج مَا فرض على النَّاس من الْأَمْوَال فَنزل بِأَهْل دمشق شَدَائِد. وَفِي سادس عشرينه: نُودي فِي دمشق بالتأهيب لِلْخُرُوجِ مَعَ الْأَمِير سودن بقجة ليشر إِلَى صفد فَإِنَّهُ اسْتَقر فِي نيابتها من جِهَة الْأَمِير شيخ وَكَانَ قد وصل الْأَمِير شاهين الزردكاش إِلَى صفد من قبل السُّلْطَان نَائِبا بهَا وَولي أَيْضا جَانِبك دوادار الجزء: 6 ¦ الصفحة: 244 الحمزاوي نِيَابَة غَزَّة وشاهين الْحلَبِي كاشف الرملة، وَوَعدهمْ أَن يَسِيرُوا جَمِيعًا إِلَى مَحل ولاياتهم فِي عيد الْفطر. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كتب الْأَمِير شيخ كتابا إِلَى السُّلْطَان يخادعه فِيهِ من مضمونه أَنه لما عُفيَ السُّلْطَان عَنهُ بصرخد امْتنع من الْحلف الْأَمِير بكتمر جلق وَالصُّلْح مَعَه. ثمَّ توجه بعد رحيل السُّلْطَان وصحبته الْأَمِير سودن الأسندمري متسفره حَتَّى بلغ عجلون أَعَادَهُ السُّلْطَان ليعود إِلَيْهِ بِمَا يرسم بِهِ فَلَمَّا تَأَخّر حُضُوره توجه إِلَى مَحل كفَالَته فَبَلغهُ أَن الْأَمِير بكتمر جمع عَلَيْهِ ثمَّ أَنه كبسه على شقحب فَكَانَ من أمره مَا كَانَ. ثمَّ توجه إِلَى عزة وجهز قصاده بمطالعته تَتَضَمَّن صُورَة مَا اتّفق فَلم يصل إِلَيْهِ الْجَواب وَأَن ذَلِك بوساطة من قَصده إبعاده عَن خاطر السُّلْطَان ثمَّ بلغه أَن الْأَمِير نوروز حضر إِلَى حماه وتطرق إِلَى حمص وأعمالها وَشن الغارات بهَا وَأظْهر الْفساد وَنهب فَمَا وَسعه سوى الْمُبَادرَة إِلَيْهِ ليردعه وتعب الْبِلَاد والعباد مِمَّا حل بهم فَلَمَّا قربه تحصن بِمَدِينَة حماة فنازله وضايقه وحاصره مُدَّة إِلَى أَن حضر إِلَيْهِ الْأَمِير دمرداش نَائِب حلب بعسكرها وَطَوَائِف التركمان وَالْعرب وَخرج إِلَيْهِ فقاتله وكسره وَقتل مِنْهُ جمَاعَة. فَلَمَّا أَن أدْركهُ شهر رَمَضَان رفع الْقِتَال تَعْظِيمًا لِحُرْمَتِهِ وَنزل بحمص ليصوم بهَا فَبَلغهُ أَن سودان المحمدي كَاتب نوروز ووعده أَن يَأْخُذ لَهُ دمشق فبادر وجهز فرقة ليسير بهَا إِلَيْهِ خوفًا على الْمُسلمين فوافوه وَقد قدم بالعشير والتركمان فكسروه وَأخذُوا غَالب جماعته وَجَمِيع مَا كَانَ مَعَه ثمَّ أَخذ بعد هَذِه الْأَخْبَار يذكر أَنه تَابَ وأناب وَرجع إِلَى طَاعَة السُّلْطَان. ثمَّ أَخذ يغري نوروز وَأَنه يُرِيد الْملك لنَفسِهِ وَلَا يُطِيع أبدا وَأَنه هُوَ لَا يُرِيد إِلَّا الانتماء إِلَى السُّلْطَان فَقَط ورغبته فِي عمل مصَالح الْعباد والبلاد وَسَأَلَ الْعَفو والصفح عَنهُ فَلم يمش هَذَا على السُّلْطَان. شهر شَوَّال أَوله الْخَمِيس: فِي ثالثه: قدم قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد الأخنادي إِلَى صفد فَارًّا من الشيخية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 245 بِدِمَشْق فَأكْرمه الْأَمِير شاهين الزردكاش وأنزله ثمَّ بعث الأخناي كتبا يخبر فِيهِ السُّلْطَان بِمَا جرى لَهُ ويغريه بالأمير شيخ وَأَنه خَارج عَن طَاعَته ويحثه فِيهِ على سرعَة الْحَرَكَة إِلَى الشَّام. فِي ثامنه: خرج من دمشق عَسْكَر عَلَيْهِ شاهين الدوادار وَخرج من غده عَسْكَر آخر عَلَيْهِ الْأَمِير سودن بقجة والأمير ألطنبغا القرمشي الْحَاجِب فَسَارُوا إِلَى سعسع وَأَقَامُوا بهَا وَقد جمع الْأَمِير شاهين نَائِب صفد العشير واستعد لَهُم وَكَانَ تغري برمش نَائِب بعلبك قد جمع مِنْهَا أَمْوَالًا جزيلة بأنواع الظُّلم على عَادَته ثمَّ فر بهَا وَقدم صفد مفارقاً للأمير شيخ ثمَّ سَار إِلَى السُّلْطَان. وَفِي يَوْم السبت عاشره: وَكتب السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل وعدى النّيل إِلَى بر الجيزة وَنزل بِنَاحِيَة أوسيم عِنْد مرابط خيوله على البرسيم الْخضر ليتصيد ويتنزه. وَفِي ثَالِث عشره: أعَاد السُّلْطَان ابْن شعْبَان إِلَى الْحِسْبَة وعزل الْهوى بِمَ ثمَّ عدي النّيل فِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشرينه وَركب يُرِيد القلعة حَتَّى وصل قَرِيبا من قناطر السبَاع عِنْد الميدان أَمر بِالْقَبْضِ على الْأَمِير قردم الخازندار والأمير أينال المحمدي الساقي فَقبض فِي الطَّرِيق على قردم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 246 وَأما أينال فَإِنَّهُ شهر سَيْفه وسَاق فرسه وَمضى فَلم يلْحقهُ غير الْأَمِير قجق أدْركهُ وضربه على يَده ضَرْبَة جرحه جرحا بَالغا وَفَاته فَلم يقدر عَلَيْهِ وَصعد السُّلْطَان إِلَى القلعة سالما. وَسبب ذَلِك أَنه بلغه عَنْهُمَا أَنَّهُمَا يُريدَان إثارة فتْنَة. وَقَامَ بعض المماليك فحاققهما أَنَّهُمَا يكاتبان الْأَمِير شيخ فَنُوديَ على الْأَمِير أينال بِالْقَاهِرَةِ عدَّة أَيَّام فَلم يعرف خَبره. وَحمل قردم إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجن بهَا ورتب لَهُ فِي كل يَوْم مبلغ خَمْسمِائَة دِرْهَم من الْفُلُوس. وَلم يُؤْخَذ لَهُ خيل وَلَا قماش وَلَا غير ذَلِك. وَفِي ثَالِث عشره: نزل على صفد عَسْكَر دمشق وَفِيه شاهين الدوادار وقرقماش ابْن أخي دمرداش وسودن بقجة وألطنبغا القرمشي وخليل الجشاري وَحسن بن قَاسم بن متيرك مقدم عرب حَارِثَة وَأَبُو بكر بن مشاق شيخ جبل نابلس فِي جمع كثير من العشير والتركمان فَخرج إِلَيْهِم الْأَمِير شاهين وَقَاتلهمْ يَوْمه وَبَاتُوا متحاربين وعدوا على حربهم فَاقْتَتلُوا يومهم بِطُولِهِ قتالاً شَدِيدا جرح فيهم شاهين بِوَجْهِهِ وَيَده وَكَاد يُؤْخَذ لَوْلَا أَنه فر فَتَبِعَهُ قرقماش وَبَقِيَّة الْعَسْكَر وَقد جرح أَكْثَرهم وَنهب لَهُم شَيْء كثير وَقتل بَين الْفَرِيقَيْنِ جمَاعَة وَأسر من أهل صفد أسندمر كاشف الرملة فَنزل الشيخية قَرِيبا من صفد وَمنعُوا الْميرَة أَن تصل إِلَيْهَا وبعثوا بأسندمر إِلَى الْأَمِير شيخ وسألوه فِي نجدة فعين لَهُم أقبردي المنقار بِمِائَة وَخمسين فَارِسًا وأردفه بيشبك الأيتمشي وبنائب بعلبك. وَفِي خَامِس عشره: قدم إِلَى صفد الْأَمِير يشبك الموساوي نَائِب عزة من قبل السُّلْطَان. وَقدم أَيْضا سودن اليوسفي وبردبك من أَصْحَاب نوروز. ثمَّ سَار قرقماش ابْن أخي دمرداش عَن صفد وَقدم على الْأَمِير شيخ بحمص مسيره إِلَى دمشق فَقَدمهَا فِي ثَانِي عشرينه وَمَعَهُ مائَة فَارس لتجهيز الْآلَات لقِتَال صفد وَقد حصنت قلعة دمشق وَنصب عَلَيْهَا المنجنيق خوفًا من قدوم الْأَمِير نوروز إِلَيْهَا. وَفِيه قدم أَيْضا إِلَى دمشق نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن خطب نقيرين وَقد ولاه الْأَمِير شيخ قضاءها. وعزل الشهَاب الحسباني. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 247 وَقدم شرف الدّين يَعْقُوب بن التباني وَقد ولاه أَيْضا مشيخة السميساطية وعزل الباعوني عَنْهَا. وَفِي خَامِس عشرينه: ركب الشيخية بأجمعهم على صفد وَقد أَتَاهُم من العشران وَغَيرهم طوائف فافترقوا عَن الْمَدِينَة ثَلَاث فرق وزحفوا عدَّة زحوف فَكَانَ قتالاً شَدِيدا من بكرَة النَّهَار إِلَى الظّهْر فانكسر قرقماس وجرح وَقتل عدَّة من أَصْحَابه فَانْهَزَمَ الْبَقِيَّة وتبعهم الصفديون ونهبوا وطاقهم وعدة دَوَاب لَهُم وَخرج من الْغَد الْأَمِير بردبك السيفي نوروز من صفد بعسكر إِلَى حولة بانياس وَمَعَهُ الْأَمِير مهنا ابْن الغزاوي بقَوْمه وَقد أبلى فِي أمه على صفد بلَاء كثيرا وَقتل وَلَده الْأَكْبَر وعورت عين ابْنه الآخر وَأُصِيبَتْ رجل ابْنه الثَّالِث. وَتوجه مَعَه أَيْضا فضل بن غَنَّام بن زامل من آل مهنا. وَكَانَت لَهُ أَيْضا فِي الْوَقْعَة أثار مَشْهُورَة. وَتوجه أَيْضا مُحَمَّد بن هيازع فعاثوا فِي تِلْكَ النواحي. وَفِيه سَار يشبك الموساوي من صفد عَائِدًا إِلَى غَزَّة وَعَاد أَوْلَاد ابْن بِشَارَة أَيْضا بعشيرهم إِلَى بلدانهم فَكَانَت وقْعَة صفد هَذِه من الحروب الْمَذْكُورَة قل من سلم فِيهَا من عَسْكَر صفد فَكَانُوا بَين قَتِيل وجريح وَتَلفت خُيُول كَثِيرَة وَأقَام الشيخية بأراضي الْحول هوهم بِأَسْوَأ حَال فَاشْتَدَّ الْأَمر بِدِمَشْق وَطلب سودن بقجة نَائِب شيخ من تجارها وأعيانها الْأَمْوَال والخيول وجبى من الجناد وَمن الطواحين عدَّة خُيُول واستجد بهَا عسكراً. هَذَا والأمير شيخ بحمص حاصر الْأَمِير نوروز بحماة. وَفِيه قدم على الْأَمِير شيخ كتاب قرا يُوسُف بِأَنَّهُ قد ملك عراق الْعَجم وديار بكر وماردين وَأَنه سلطن ابْنه مُحَمَّد شاه وَنزل فِي الْموصل وقصده الْحُضُور إِلَى الشَّام نجدة لَهُ لاستمراره على مَا بَينه وَبَينه من العهود والمودة. فَجمع الْأَمِير شيخ الْأُمَرَاء واستشارهم فَمَا مِنْهُم إِلَّا من أَشَارَ بِحُضُور قرا يُوسُف إِلَّا الْأَمِير تمراز الناصري نَائِب السلطة فَإِنَّهُ أنكر ذَلِك وخوفهم عَاقِبَة قدومه وَأَشَارَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 248 بِتَأْخِير جَوَابه حَتَّى يعلم السُّلْطَان بذلك وَيُرَاجع فِي أَمر الْأَمِير شيخ وَمن مَعَه ثمَّ يعْمل بِمُقْتَضى جَوَابه عَن ذَلِك فوافقوه على هَذَا وَكَتَبُوا إِلَى السُّلْطَان يخوفوه من قدوم قرا يُوسُف إِلَى بِلَاد الشَّام أَن يتَطَرَّق مِنْهَا إِلَى مصر وسألوه حسن النّظر لِلْأُمَرَاءِ بِمَا فِيهِ مصلحَة الْعباد والبلاد. وَفِي سَابِع عشرينه: اسْتَقر شمس الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن معبد الْمدنِي فِي قَضَاء الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة بديار مصر وعزل جمال الدّين يُوسُف الْبِسَاطِيّ. وَفِيه أنعم على سودن الْأَشْقَر رَأس نوبَة بتقدمة ألف بديار مصر. شهر ذِي الْقعدَة أَوله السبت: فِيهِ سَارَتْ نجدة من دمشق إِلَى من فِي الحولة من الشيخية فَمَضَوْا إِلَى بيسان وكبسوا مُحَمَّد بن هيازع أَمِير عرب بني مهْدي فِي خامه وَأخذُوا مَا كَانَ مَعَه وتوجهوا إِلَى صفد فَكَانَت بَينهم وَبَين الْأَمِير شاهين وقْعَة جرح فِيهَا جمَاعَة. وَفِي عاشره: قبض على الْأَمِير أينال المحمدي الساقي أَمِير سلَاح فِي بعض حارات الْقَاهِرَة فَأخْرج إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فِي يَوْمه. وَفِيه اسْتَقر أقتم أحد المماليك الظَّاهِرِيَّة فِي ولَايَة الْقَاهِرَة وعزل ابْن الطلاوي. وَاسْتمرّ حسام الدّين حُسَيْن الْأَحول أَمِير جاندار فِي شدّ الدَّوَاوِين وعزل آدم البريدي وَكَانَ ظَالِما فَاجِرًا وَقبض عَلَيْهِ وعوقب. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 249 وَفِي آخِره: أضيفت ولَايَة الْقَاهِرَة إِلَى الحسام حُسَيْن الْأَحول. شهر ذِي الْحجَّة أَوله الْأَحَد: فِي ثَانِيه: قدم كتاب الْأَمِير شيخ من الوطاق إِلَى دمشق بِأَن الشَّيْخ أَبَا بكر بن تبع وصل إِلَيْهِ رَسُولا من رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن مَنَام رَآهُ شخص فِيهِ أَن النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول لَهُ: قل لشيخ أَن لم يرجع عَمَّا هُوَ فِيهِ وَإِلَّا هلك وَمن مَعَه. فَقَالَ: يَا رَسُول الله أَخَاف أَلا يصدقني. فَقَالَ: قل لِابْنِ تبع يذهب إِلَيْهِ. فَقَالَ: مَا يصدقهُ. فَذكر لَهُ عَلامَة من تحويط نَفسه عِنْد النّوم بِذكر ذكره. مُتَوَجّه هُوَ وَابْن تبع إِلَيْهِ فَقص عَلَيْهِ الْمَنَام مُصدق الْعَلامَة وَكتب إِلَى دمشق بِرَفْع الْمَظَالِم وَأَنه قد رَجَعَ وأناب إِلَى الله تَعَالَى وَسَأَلَ الدُّعَاء لَهُ بالتوفيق والسداد. فقرئ الْكتاب فِي الْجَامِع الْأمَوِي بِحَضْرَة الْقُضَاة والأعيان والعامة. ونادى الْأَمِير سودن بقجة نَائِب الْغَيْبَة بِرَفْع الْمَظَالِم فَلم يرفع شَيْء مِنْهَا بل قدم تَاج الدّين مُحَمَّد بن الشهَاب أَحْمد الحسباني من الوطاق بحمص إِلَى دمشق وَقد ولاه الْأَمِير شيح حسبَة دمشق ووكالة بَيت المَال وَقَضَاء الْعَسْكَر وإفتاء دَار الْعدْل على أَن يقوم لَهُ بِأَلف دِينَار كتب بهَا خطه حَتَّى بيها من وُجُوه الْمَظَالِم. وَقدم أَيْضا الطواشي مرجان الْهِنْدِيّ الخازندار بالكشف عَن أَوْقَات الصَّدقَات ومحاسبة المباشرين عَلَيْهَا. وَفِي سادسه: سَار من دمشق شاهين الدوادار على عَسْكَر وَسَار جقمق الدوادار من الْغَد إِلَى الْبِقَاع. وَفِي ليله الِاثْنَيْنِ تاسعه: قتل سِنَان نَائِب قلعة صفد بحيلة دبرت عَلَيْهِ. وَأما الأميران شيخ ونوروز فَإِنَّهُ لما كَانَ فِي أول هَذَا الشَّهْر اجْتمع على الْأَمِير شيخ جمع كَبِير من عسكره وَمن طَائِفَة التركمان البازية والأشرية والكبكية والذكرية والأسقية والبزقية. وَقدم عَلَيْهِ الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن رَمَضَان وَنزل العمق فَسَار الْأَمِير شيخ من حمص إِلَى وَادي الخزاندار وَاجْتمعَ بأمير الملا الْعجل بن نعير وَأَخذه مَعَه وَقد قدم ببيوته وبوشه وَنزل بِظَاهِر حماة فِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشره وخيم بظاهرها. هَذَا وَقد اجْتمع عِنْد الْأَمِير نوروز ودمرداش بحماة طَائِفَة التركمان الأوشرية والبياضية وَقدم على ابْن دلغادر وَنزل قَرِيبا من العمق ببيوته فاقتتل أَصْحَاب شيخ ونوروز قتالاً يَسِيرا وَأصْبح الْأَمِير شيخ فِي يَوْم الْجُمُعَة على أَلا يُقَاتل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 250 فَمَا أحس وَقت صَلَاة الْجُمُعَة إِلَّا ونوروز قد خرج من مَدِينَة حماة - هُوَ ودمرداش بعساكرهما مركب حِينَئِذٍ واقتلوا إِلَى قريب الْعَصْر فخامر على نوروز طَائِفَة التركمان الأوشرية فَانْهَزَمَ وَعبر الْمَدِينَة - هُوَ ودمرداش - وَقد أَخذ الْأَمِير شيخ سودن الجلب وجان بك القرمي وشاهين الأياسي وسودن أَمِير أخور ونوروز وبيازير وَجَمَاعَة. وغرق بوزجا أَمِير التركمان البياضية فِي نهر العَاصِي وغرق أسطاي أَخُو يُونُس وَجَمَاعَة كَثِيرَة وتسحب مِنْهُم جمَاعَة وغنم الْأَمِير شيخ نَحْو ألف فرس. وتفرق أَكثر التركمان والعربان عَن نوروز وَلحق بالأمير شيخ مِنْهُم جماعات. وَنزل بالميدان خَارج حماة وَمَعَهُ الْعجل وَأَقَامَا يومي السبت والأحد بِغَيْر قتال فَلَمَّا كَانَ لَيْلَة الِاثْنَيْنِ صلع تمربغا المشطوب وسودن المحمدي وتمراز نَائِب حماة وكبسوا الْعجل لَيْلًا فَاقْتَتلُوا إِلَى قريب الْفجْر وَأخذُوا مواشي كَثِيرَة فَركب الْأَمِير شيخ نجدة للعجل فَخرج نوروز وَنهب وطاقه وَعَاد إِلَى حماة فَنزل الْأَمِير شيخ بكرَة يَوْم الِاثْنَيْنِ قَرِيبا من شيزر وَنزل الْعجل بِطرف الْبر وَقد كملت مُدَّة الْحَرْب سَبْعَة أشهر. وَكتب الْأَمِير شيخ إِلَى دمشق بكسرة نوروز فدقت البشائر بهَا وزينت وَكتب دمرداش إِلَى السُّلْطَان يطْلب مِنْهُ نجدة ويحثه على سرعَة الْمسير إِلَى الشَّام ويخوفه عَاقِبَة تَأَخره لخُرُوج الْبِلَاد من يَده. وَفِي تَاسِع عشره: وصلت كشافة برد بك السيفي إِلَى عقبَة شحورا ظَاهر دمشق وَنزل هُوَ وَفِي عشرينه: وصل إِلَى دمشق الْأُمَرَاء المأخوذون من أَصْحَاب نوروز وهم سودن الجلب وكشكنا وجان بك القرمي وَنَحْو خمسين مَمْلُوكا مَا بَين ماش وراكب حمَار فسجنوا بقلعة دمشق. وَفِيه خرج عَسْكَر من دمشق مَعَ سودن بقجة وألطنبغا القرمشي فَاقْتَتلُوا مَعَ برد بك فانكسر جاليش بقجة فَركب وَمَال على تركمان برد بك وكسرهم وَحمل بِمن مَعَه على برد بك هَزَمه على خَان ابْن ذِي النُّون فَمر إِلَى صفد وَنهب مَا كَانَ مَعَه وَمضى سودن بقجة وألطنبغا القرمشي والأجرود نَائِب بعلبك وأينال المنقار بِجمع كَبِير من العشير والتركمان وَالْعرب يُرِيدُونَ غَزَّة فَاشْتَدَّ الْأَمر على نوروز من طول الْحصار وَمنع الْميرَة وفرار أَكثر التركمان عَنهُ بِحَيْثُ لم يبْق عِنْده غير كردِي باك وَابْن دلغادر وانضم ابْن رَمَضَان وَابْن صَاحب الباز إِلَى الْأَمِير شيخ. وَأخذت لَهُ إنطاكية فَكثر جمعه وجهز شاهين الدوادار وأيدغمش من كبك إِلَى حلب وَلم يبْق بيد السُّلْطَان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 251 من الْبِلَاد الشامية غير غَزَّة وصفد وَمَعَهُ بردبك السيفي ونوروز بحماة وَهُوَ مَحْصُور فَلَمَّا تزايد الضّيق على نوروز ودمرداش استدعيا أَعْيَان مَدِينَة حماة. وَمَا زَالا بهم حَتَّى كتبُوا إِلَى الْعجل بن نعير بِأَن نوروز فر من حماة وَلم يبْق بهَا إِلَّا دمرداش وسألوه أَن يَأْخُذ لَهُم الْأمان من الْأَمِير شيخ فَمشى ذَلِك على الْعجل وَركب إِلَى الْأَمِير شيخ وأعلمه بذلك فَبعث فرقة من مماليكه وَمن عرب الْعجل بسلالم تسوروا مِنْهَا على السُّور وَتركُوا خيولهم بِبَاب الجسر ونزلوا الْمَدِينَة فَأخْرج النوروزية خيولهم وركبوا عَلَيْهِم وقتلوهم جَمِيعًا إِلَّا رجلَيْنِ من أُمَرَاء الْعجل وعلقوا الرُّءُوس على السُّور وألزم أَمِير الْعجل حَتَّى كتب إِلَيْهِ بِأَن الصُّلْح قد انْعَقَد بَين نوروز وَشَيخ على أَن يمسك نوروز دمرداش يُسلمهُ لشيخ ويمسك شيخ يُسلمهُ لنوروز فَلم يكذب الْعجل ذَلِك وَركب لوقته وَسَار يُرِيد الْبر فَركب الْأَمِير شيخ فِي إثره ليَرُدهُ فَخرج نوروز ودمرداش بِمن مَعَهُمَا ونهبوا وطاقه وخيله فَبَلغهُ ذَلِك فَعَاد إِلَى حمص ثمَّ سَار عَنْهَا إِلَى القريتين وَكتب إِلَى سودن بقجة أَن يبْعَث الْأُمَرَاء النوروزية والمماليك إِلَى قلعة المرقب وَكتب يطْلب الصُّلْح من نوروز فَأبى عَلَيْهِ وَخرجت السّنة وهم على ذَلِك وَالسُّلْطَان متحرك للسَّفر إِلَيْهِمَا. وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر جمَاعَة مِنْهُم نصر الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عمر التسترِي الْبَغْدَادِيّ مدرس الْمدرسَة الظَّاهِرِيَّة برقوق للحنابلة فِي حادي عشْرين صفر. ومولده بِبَغْدَاد فِي حُدُود الثَّلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَله مصنفات ونظم ونثر. وَمَات الْأَمِير جمال الدّين يُوسُف بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن جَعْفَر بن قَاسم البيري الْحلَبِي. قتل فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء حادي عشر جُمَادَى الْآخِرَة بَعْدَمَا حكم إقليمي مصر وَالشَّام وَلم يفته من السلطة إِلَّا الِاسْم وَقد بسطت تَرْجَمته فِي التَّارِيخ الْكَبِير المقفي وَفِي كتاب دُرَر الْعُقُود الفريدة فِي تراجم الْأَعْيَان المفيدة هُوَ وكل من لَهُ وَفَاة فِي هَذَا الْجُزْء وَيسْتَحق بهَا أَن يذكر إِمَّا بشهرته أَو بفضيلته. وَمَات الْأَمِير أقباي الْكَبِير الطرنطاي رَأس نوبَة الْأُمَرَاء فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء سَابِع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 252 عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة وَنزل السُّلْطَان إِلَى دَاره ثمَّ تقدم رَاكِبًا إِلَى الْمصلى فصلى عَلَيْهِ وَشهد دَفنه. وَترك من الْعين أَرْبَعِينَ ألف دِينَار مصرية واثني عشر ألف دِينَار مشخصة وَمن الغلال والخيول وَالْجمال وَغير ذَلِك شَيْئا كثيرا فَأخذ السُّلْطَان الْجَمِيع وَلم يتْرك لأولاده شَيْئا وَكَانَ عسوفاً شَرها فِي جمع المَال بَخِيلًا. وَمَات الْأَمِير طوخ الخازندار فِي آخر جُمَادَى الْآخِرَة. وَمَات الْأَمِير بلاط أحد المقدمين مقتولاً بَين الْإسْكَنْدَريَّة ودمياط. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن عبد الله أبي بكر القليوبي شيخ خانكاه سرياقوس الجزء: 6 ¦ الصفحة: 253 بهَا فِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشْرين جُمَادَى الأولى وَكَانَ من فضلاء الشَّافِعِيَّة متواضعاً دينا. وَقتل الْأَمِير الشريف جماز بن هبة الله بن جَازَ بن مَنْصُور الْحُسَيْنِي أَمِير الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة فِي جُمَادَى الْآخِرَة بالفلاة وَهُوَ فِي عشر السِّتين. وَولي إِمَارَة الْمَدِينَة ثَلَاث مَرَّات آخرهَا فِي سنة خمس وَثَمَانمِائَة وَاسْتمرّ إِلَى صفر سنة إِحْدَى عشرَة وَمَا خرج حَتَّى نهب مَا فِي الْقبَّة من حَاصِل الْحرم النَّبَوِيّ. وَمَات الشريف أَحْمد بن ثقبة بن رميثة بن أبي نمى الحسني بِمَكَّة فِي الْمحرم وَقد أناف على السِّتين وَكَانَ الشريف عنان بن مغامس فِي ولَايَته الأولى على مَكَّة أشركه مَعَه فِي ولايتها وَهُوَ مَكْحُول وَكَانَ ابْن أُخْته الشريف مُحَمَّد بن أَحْمد بن عجلَان وكبيش بن عجلَان قد خافا مِنْهُ فكحلاه وَقتل ابْن أُخْته بعد ثَلَاثَة أشهر وكبيش بعد سِتَّة أشهر من كحله. وَمَات مُحَمَّد بن أميرزه الشَّيْخ عمر بن الطاغية تيمورلنك فِي الْمحرم مقتولاً على الجزء: 6 ¦ الصفحة: 254 يَد بعض خواصه وَكَانَ مشكور السِّيرَة وَقَامَ من بعده بمملكة جغطاي أَخُوهُ اسكندر شاه بن أَمِير زه شيخ عمر بن تيمورلنك. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 255 فارغه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 256 (سنة ثَلَاث عشرَة وَثَمَانمِائَة) أهلت والخليفة المستعين بِاللَّه أَبُو الْفضل العباسي بن مُحَمَّد وَالسُّلْطَان الْملك النَّاصِر فرج بن برقوق ونائب الشَّام الْأَمِير نوروز وَلم يتَمَكَّن من الْمُبَاشرَة بل هُوَ مَحْصُور بحماة والأمير شيخ وجماعته يحيطون بِهِ ونائب حلب الْأَمِير دمرداش وَهُوَ بحماة مَعَ نوروز وَعِنْده أَيْضا نائبي حماة وطرابلس ونائب صفد الْأَمِير شاهين الزردكاش ونائب غَزَّة الْأَمِير يشبك الموساوي الأفقم. وَالذَّهَب فِي الْقَاهِرَة بِمِائَة وَثَمَانِينَ المثقال وبمائة وَسِتِّينَ الدِّينَار المشخص والأردب الْقَمْح بِمِائَتي دِرْهَم وَقد هافت الزروع إِلَّا قَلِيلا بِسَبَب ريح هبت سِيمَا الشّعير فَإِنَّهُ كَاد يهيف كُله والفلوس كل رَطْل مِنْهَا بِسِتَّة دَرَاهِم تَسْمِيَة لَا معنى لَهَا وَالْفِضَّة إِن وجدت فَكل دِرْهَم نقرة خَالص بِاثْنَيْ عشر درهما مِمَّن الْفُلُوس الَّتِي زنتها رطلان. وكل دِرْهَم كاملي بِسِتَّة وَسَبْعَة دَرَاهِم من الْفُلُوس. شهر الْمحرم أَوله الثُّلَاثَاء: فِي ثالثه: قدم الْأَمِير شاهين دوادار الْأَمِير شيخ إِلَى حلب على عَسْكَر فقاتله أَهلهَا من أَعلَى السُّور فَلم يزل حَتَّى أصعد جمَاعَة من عسكره فَوق السُّور بسلالم قد أحضرها مَعَه فَأخذُوا وَفِي عاشره: خلع السُّلْطَان على الْأَمِير قراجا شاد الشَّرَاب خاناه وَجعله دواداراً كَبِيرا عوضا عَن الْأَمِير قجاجق بعد مَوته وخلع على سودن الْأَشْقَر وَاسْتقر شاد الشَّرَاب خاناه. وَفِيه كَانَت وَلِيمَة الْأَمِير بكتمر جلق وزفت عَلَيْهِ ابْنة السُّلْطَان لَيْلًا فَبنِي عَلَيْهَا لَيْلَة الْجُمُعَة حادي عشره. وَفِي لَيْلَة السبت ثَانِي عشره: أخرج من قلعة دمشق سودن الجلب وَمن مَعَه من المسجونين وَتوجه بهم الْأَمِير ألطنبغا القرمشي إِلَى قلعة المرقب فسجنهم بهَا وَعَاد إِلَى دمشق. وَفِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ حادي عشرينه: اجْتمع رجلَانِ بصالحية دمشق أَحدهمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 257 تراس وَالْآخر قيم حمام وشربا الْخمر فأصبحا محرقين وَلم يكن عِنْدهمَا نَار وَلَا وجد أثر الْحَرِيق فِي غير يديهما وَبَعض ثيابهما. وَقد مَاتَ أَحدهمَا وَفِي الآخر رَمق فَأقبل النَّاس أَفْوَاجًا أَفْوَاجًا لرؤيتهما وَالِاعْتِبَار بحالهما. وَفِي هَذَا الشَّهْر: فَشَا الطَّاعُون بِبِلَاد الشَّام فَعم طرابلس وحوران وبالس ودمشق وَوَقع جَراد بالرملة والساحل. وَفِيه توجه السُّلْطَان أَحْمد بن أويس من بَغْدَاد إِلَى توريز ليأخذها من قرا يُوسُف وَقد سَار عَنْهَا إِلَى أرزنكان. شهر صفر أَوله الْأَرْبَعَاء. فِي ثَانِيه: قدم الْأَمِير ألطنبعا القرمشي من قلعة المرقب إِلَى دمشق بَعْدَمَا مر على الْأَمِير شيخ وَعَمله نَائِب الْغَيْبَة بِدِمَشْق وَأذن لسودن بقجة أَن يخرج ويسير من دمشق للدورة لأخذ مَال يرتفق بِهِ. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشرينه: خرج الْأَمِير بكتمر الناصري جلق الأتابك وخيم بالريدانية ظَاهر الْقَاهِرَة ليشير جاليش الْعَسْكَر إِلَى الشَّام وَمَعَهُ الْأَمِير طوغان الحسني رَأس نوبَة النوب والأمير سنقر الرُّومِي والأمير يلبغا الناصري حَاجِب الْحجاب والأمير خاير بك والأمير ألطنبغا العثماني والأمير شاهين الفرم رَأس نوبَة وعدة من أُمَرَاء الطبلخاناه وَغَيرهم. وَفِيه نُودي بِالْقَاهِرَةِ أَن تكون الْفُلُوس بِاثْنَيْ عشر درهما الرطل وَكَانَت بِسِتَّة دَرَاهِم الرطل وَقد بلغ المثقال الذَّهَب إِلَى مِائَتَيْنِ وَالدِّينَار المشخص إِلَى مائَة وَثَمَانِينَ فغلقت الجزء: 6 ¦ الصفحة: 258 الْأَسْوَاق وتعطلت أَسبَاب النَّاس فَنُوديَ بذلك فِي يَوْم الْجُمُعَة وهدد من خَالف فَاشْتَدَّ الْأَمر وفقد الْخبز وَغَيره من المأكل فَلم يقدر على شَيْء مِنْهَا فَغَضب السُّلْطَان وهم أَن يركب بِنَفسِهِ بعد صَلَاة الْجُمُعَة وَيَضَع السَّيْف فِي الْعَامَّة فَمَا زَالَ الْأُمَرَاء بِهِ حَتَّى كف عَن الرّكُوب. وَبَات النَّاس فِي كربَة. وَأَصْبحُوا يَوْم السبت خَامِس عشرينه فَسَأَلَ الْأُمَرَاء السُّلْطَان فِي أَمر سعر الْفُلُوس وَمَا زَالُوا بِهِ حَتَّى رسم - بعد جهد - أَن يكون الرطل بِتِسْعَة فَنُوديَ بذلك فِي الْقَاهِرَة فسكن الْحَال قَلِيلا وَظَهَرت المآكل ثمَّ نُودي فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع عشرينه أَن تكون الْفُلُوس بِسِتَّة دَرَاهِم الرطل كَمَا كَانَت ففتحت الْأَسْوَاق وَعَاد الْأَمر كَمَا كَانَ أَولا. وَكَانَ لهَذَا الْحَادِث سَبَب وَهُوَ أَن السُّلْطَان اشْترِي نعالاً للخيل وسك حديداً لأجل السّفر فَحسب ثمنهَا كل رَطْل بِاثْنَيْ عشر فَقَالَ: هَذَا غبن أَن يكون الْحَدِيد الْأسود بِاثْنَيْ عشر درهما الرطل والنحاس الْمُصَفّى المسكوك - وَهُوَ الْفُلُوس - كل رَطْل بِسِتَّة دَرَاهِم وَوجد عِنْده عشرَة آلَاف قفة من الْفُلُوس زنة كل قفة مائَة رَطْل عَنْهَا سِتّمائَة دِرْهَم قد حملت إِلَى القلعة لتنفق فِي المماليك عِنْد السّفر إِلَى الشَّام فَأَرَادَ أَن يَجْعَل الرطل الْفُلُوس بِخَمْسَة عشر ليعطي القفة الْفُلُوس الَّتِي حسبت عَلَيْهِ بستمائة فِي النَّفَقَة بِأَلف وَخَمْسمِائة وتخيل فِي ذَلِك ربحا عَظِيما إِلَى الْغَايَة وخشي أَلا يتمشى لَهُ هَذَا فرسم أَن تكون الرطل بِاثْنَيْ عشر درهما ثمَّ وجع عَنهُ إِلَى تِسْعَة ثمَّ إِلَى سِتَّة. وَسبب رُجُوعه تنمر المماليك عَلَيْهِ ليفطنهم بِمَا أَرَادَهُ من الْفَائِدَة عَلَيْهِم وحدثوه غير مرّة فَلم يجد بدا من عود الْأَمر إِلَى حَاله خشيَة نفورهم عَنهُ وَقت حَاجته إِلَيْهِم. وَفِي سَابِع عشرينه: رَحل الْأَمر بكتمر من الريدانية بِمن مَعَه يُرِيد الشَّام. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سلخه: عمل السُّلْطَان المولد النَّبَوِيّ لَيْلًا بعمارته الَّتِي أَنْشَأَهَا فِي الحوش من قلعة الْجَبَل على عَادَته وَحضر الْقُضَاة فجلسوا صفا عَن يسَاره وَجلسَ عَن يَمِينه الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن زقاعة، وَالشَّيْخ نصر الله الجلالي، ومشايخ الْعلم، ومدت الأسمطة، وَفرقت الْخلْع. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 259 شهر وَبيع الأول أَوله الْجُمُعَة: وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ رابعه: ركب السُّلْطَان من قلعة الجلبل إِلَى الريدانية بعساكره فَنزل بمخيمه وَبَات بِهِ ثمَّ عَاد من الْغَد إِلَى التربة الَّتِي أَنْشَأَهَا على قبر أَبِيه خَارج بَاب النَّصْر فِي سفح الْجَبَل وَقرر فِي مشيختها صدر الدّين أَحْمد بن جمال الدّين مَحْمُود العجمي ورتب عِنْده أَرْبَعِينَ صوفياً وأجرى عَلَيْهِم الْخبز وَاللَّحم الضَّأْن الْمَطْبُوخ أنواعاً فِي كل يَوْم مَعَ المعاليم فِي كل شهر. وَفِي سادسه: أَخذ مَا فِي الطواحين والمعاصر من الْخَيل وَالْبِغَال وسيرت إِلَى الْعَسْكَر فتضرر النَّاس بِالْقَاهِرَةِ من ذَلِك. وَفِيه تقرر الصُّلْح بَين الْأَمِير شيخ والأمير نوروز بَعْدَمَا اشْتَدَّ الْأَمر بحماة وَقلت العلوفات مِنْهَا حَتَّى أخذت حصر الْجَامِع وقدمت للخيل فَأَكَلتهَا من الْجُوع. وَحلف كل مِنْهُمَا لصَاحبه بموافقته وَمَا ذَاك عَن حب وَلَا رَغْبَة سوى الْخَوْف من السُّلْطَان أَن يظفر بِأَحَدِهِمَا فيتطرق إِلَى أَخذ الآخر. فَلَمَّا تمّ صلحهما عزما على أَخذ دمرداش نَائِب حلب وَابْن أَخِيه قرقماش. فَلَمَّا أحسا بذلك فر دمرداش من حماة وَلحق بالعجل بن نعير ثمَّ سَار إِلَى السُّلْطَان فَقدم عَلَيْهِ. وَسَار ابْن أَخِيه إِلَى إنطاكية. وَتوجه نوروز إِلَى حلب فَدَخلَهَا فِي عاشره وتسلم قلعتها من بيتحار مَمْلُوك دمرداش وفر الْأَمِير مقبل الرُّومِي وَلحق بالسلطان وَهُوَ على غَزَّة وَعَاد الْأَمِير شيخ إِلَى دمشق فَقَدمهَا فِي ثامن عشره وَمَعَهُ الْأَمِير يشبك بن أزدمر وسودن الجلب وَقد أفرج عَنهُ وَعَن أَصْحَابه من سجنهم بقلعة المرقب وَترك خامه على قبَّة يلبغا - خَارج دمشق - وأشاع أَنه يسير إِلَى غَزَّة وَنزل بدار السَّعَادَة. وَأظْهر بِدِمَشْق ونوروز بحلب الْخُرُوج عَن طَاعَة السُّلْطَان وأعلنا بذلك. وصارا يكتبان فِي كتبهما ومراسيمهما بدل الملكي الناصري مَا مِثَاله الْملك لله فَظهر مَا كَانَ خافياً وانكشف مَا كَانَ خافياً وانكشف مَا كَانَ من سِنِين مَسْتُورا. وَفِي يَوْم السبت تاسعه: اسْتَقل السُّلْطَان بِالْمَسِيرِ من الريدانية يُرِيد الشَّام وَمَعَهُ من الْأُمَرَاء الألوف تغري بردى الأتابك وقنباي وقجق العيساوي وسودن الأسندمري وسودن من عبد الرَّحْمَن وسودن الْأَشْقَر وكمشبغا المزوق وَبرد بك لخازندار وعدة من أُمَرَاء الطبلخاناه والعشرات والمماليك والخليفة والقضاة وأرباب الْوَظَائِف. وَجعل نَائِب الْغَيْبَة الْأَمِير أرغون وأنزله بِبَاب السلسلة وَجعل بقلعة الْجَبَل الْأَمِير كمشبغا الجمالي نَائِب القلعة وَجعل بِظَاهِر الْقَاهِرَة الْأَمِير أينال الصصلاني الْحَاجِب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 260 الثَّانِي وَأنْفق فِي هَذِه الْحَرَكَة مَالا عَظِيما فَأعْطى كل مَمْلُوك عشْرين ألف دِرْهَم من الْفُلُوس وَأعْطى الْأَمِير تغري بردى والأمير بكتمر حلق ثَلَاثَة آلَاف دِينَار لكل مِنْهُمَا وَلكُل من المقدمين أَلفَيْنِ أَلفَيْنِ وَلكُل من أُمَرَاء الطبلخاناه خَمْسمِائَة دِينَار وَلمن دونهم ثَلَاثمِائَة دِينَار وَلمن دونهم مِائَتي دِينَار. وَأعْطى لقَاضِي الْقُضَاة مجد الدّين سَالم الْحَنْبَلِيّ مائَة دِينَار. وَلم يُعْط غَيره من الْقُضَاة. وَفِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ خَامِس عشرينه: توجه الْأَمِير شيخ من دمشق وأوقع بالعربان وَأخذ لَهُم جمالاً وأغناماً كَثِيرَة فرقها فِي أَصْحَابه وَعَاد فَكثر عِنْده الإرجاف بمسير السُّلْطَان فَلم يثبت للقائه وَخرج من دمشق يَوْم الثُّلَاثَاء سادس عشرينه وَمَعَهُ الْعَسْكَر وَتَبعهُ جانم نَائِب حماة فَلم يشْعر النَّاس بِدِمَشْق فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع عشرينه إِلَّا والأمير بكتمر جلق قد قدم بعد الظّهْر على حِين غَفلَة فَأدْرك أعقاب الْأَمِير شيخ وَأخذ مِنْهُ جمَاعَة. وَقدم السُّلْطَان بعد الْعشَاء من لَيْلَة الْخَمِيس ثامن عشرينه وَقد ركب من بحيرة طبرية عصر يَوْم الْأَرْبَعَاء على جرائد الْخَيل ليكبس الْأَمِير شيخ ففاته لِأَن النذير عِنْدَمَا أَتَاهُ يَوْم الْأَرْبَعَاء ركب من وقته وَنَجَا بِنَفسِهِ فَمَا بلغ سطح المزة إِلَّا وبكتمر جلق بِدِمَشْق فَمر على وَجهه وَتَبعهُ أَصْحَابه وَفِي يَوْم الْخَمِيس قدمت أثقال السُّلْطَان. وَفِيه نُودي بِدِمَشْق الْأمان والاطمئنان وَلَا ينزل أحد من الْعَسْكَر فِي منزل أحد وَلَا يشوش أحد مِنْهُم على أحد فِي بيع وَلَا شِرَاء. وَنُودِيَ أَن الْأَمِير نوروز هُوَ نَائِب الشَّام. وَقدم الأخناي مَعَ الْعَسْكَر وَقد لَقِي السُّلْطَان بِالطَّرِيقِ فَأَعَادَهُ إِلَى قَضَاء دمشق. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة: صلى السُّلْطَان الْجُمُعَة بالجامع الْأمَوِي وخطب بِهِ وَصلى شهَاب الدّين أَحْمد الباعوني. ثمَّ عوض الباعوني عَن خطابة الْجَامِع الْأمَوِي بخطابة الْقُدس وأضيفت خطابة الْجَامِع الْأمَوِي للأخناي. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كَانَ قرا يُوسُف بِالْقربِ من أرزنكان فَبَلغهُ مسير أَحْمد بن أويس إِلَى توريز وَأَنه اتّفق مَعَ شاه رخ بن تمرلنك وأخويه إسكندر وخليل فاعرض قرا يُوسُف عَن محاربة قرا يلك واستعد لِحَرْب بن أويس وعزم على لِقَائِه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 261 وَفِيه بلغ الأردب الْقَمْح بِالْقَاهِرَةِ مِائَتَيْنِ وَخمسين درهما وَالشعِير إِلَى مائَة وَخمسين والفول إِلَى مائَة وَسِتِّينَ. فَلَمَّا سَافر السُّلْطَان نزل الْقَمْح إِلَى مائَة وَعشْرين وَالشعِير إِلَى سِتِّينَ درهما والفول إِلَى تسعين درهما. شهر ربيع الآخر أَوله السبت: فِي ثَانِيه: قدم الْأَمِير شاهين الزردكاش نَائِب صفد إِلَى دمشق. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير نكباي حَاجِب الْحجاب بِدِمَشْق وَاسْتقر تغري برمش - الَّذِي كَانَ أستادار الْأَمِير شيخ وفر من بعلبك وَسَار إِلَى الْقَاهِرَة - فولى شاد الدَّوَاوِين. ثمَّ توجه إِلَى عزة ليجهز الإقامات للسُّلْطَان وَقدم دمشق فشرع فِي أمسه يُقرر الشّعير على ضيَاع الغوطة والمرج فَزَاد على ظلم من قبله وَبَالغ. فَلَمَّا أصبح عَزله السُّلْطَان وولاه نِيَابَة غَزَّة ثمَّ فِي آخر النَّهَار طلب وَأخذت مِنْهُ الخلعة الَّتِي لبسهَا بكرَة النَّهَار وَقبض عَلَيْهِ وصودا. وَفِي ثالثه: اسْتَقر الْأَمِير يشبك الموساوي فِي نِيَابَة طرابلس على مَال مبلغه مائَة ألف دِينَار وَمضى إِلَيْهَا. وَاسْتقر زين الدّين أَو بكر بن اليغموري فِي نِيَابَة بعلبك وَأَخُوهُ شعْبَان فِي نِيَابَة الْقُدس. وَفِي خامسه: قدم إِلَى الْقَاهِرَة عَاقل الخازندار من قبل السُّلْطَان وعَلى يَده كتبه بقدومه دمشق. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة سادسه: سَارَتْ أطلاب السُّلْطَان والأمراء وَغَيرهم من دمشق إِلَى بَرزَة. وَصلى السُّلْطَان الْجُمُعَة بِجَامِع بني أُميَّة وَتوجه بعساكره فَنزل فِي مخيمه على بَرزَة وَعمل شاهين الزردكاش نَائِب صفد على دمشق نَائِب الْغَيْبَة فتحول إِلَى دَار السَّعَادَة وَنزل بهَا وَتَأَخر بِدِمَشْق الْأَمِير قنباي المحمدي لضعف بِهِ وتخلف بهَا أَيْضا الْقُضَاة الْأَرْبَع والوزير سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن البشيري لجمع مَال السُّلْطَان وَعمل أَشْيَاء اقترح عَملهَا وَتَأَخر مجد الدّين بن الهيصم نَاظر الْخَاص أَيْضا. وَسَار السُّلْطَان فِي طلب الْأَمِير شيخ والأمير نوروز وَمن مَعَهُمَا وَقد قصدُوا حلب. وَفِيه قبض بِدِمَشْق على مُوسَى الملكاوي وَضرب ليحضر صدر الدّين عَليّ بن الْآدَمِيّ كَاتب سر دمشق وقاضي الْحَنَفِيَّة بهَا فَدلَّ عَلَيْهِ فَلَمَّا أَتَاهُ الطّلب فر. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 262 وَفِي خَامِس عشره: سَار السُّلْطَان من حلب بَعْدَمَا قدم عَلَيْهِ الْأَمِير دمرداش نَائِب حلب يُرِيد أعداءه وَقد سَارُوا إِلَى عينتاب فَلَمَّا أحسوا بمسيره مضوا إِلَى مرعش ثمَّ إِلَى ككسوا حَتَّى أَتَوا إِلَى قيسارية الرّوم. فَنزل السُّلْطَان بأبلستين وَأقَام عَلَيْهَا وَكتب إِلَى الأميرين شيخ ونوروز وَمن مَعَهُمَا يخيرهم بَين الْخُرُوج من مَمْلَكَته وَبَين الْوُقُوف لمحاربته أَو الرُّجُوع إِلَى طَاعَته وَأَنه قد عزم على الْإِقَامَة بأبلستين السنتين وَالثَّلَاث حَتَّى ينَال غَرَضه مِنْهُم. فَأَجَابَهُ الْأَمِير شيخ يعْتَذر عَن حُضُوره بِمَا خامر قلبه من شدَّة الْخَوْف عِنْد الْقَبْض عَلَيْهِ فِي سنة عشر وَثَمَانمِائَة وَأَنه لَا يحارب السُّلْطَان مَا عالق بَعْدَمَا حلف لَهُ فِي نوبَة صرخد. وَكرر الِاعْتِذَار عَن محاربته الْأَمِير بكتمر جلق وَذكر أَن الَّذين مَعَه إِنَّمَا هم مماليكه اشتراهم بِمَالِه من نَحْو عشر سِنِين وَلَا يُمكنهُم مُفَارقَته وَأَنه مَا أَخذ من أوقاف دمشق إِلَّا مَا خرب وَصَارَ لَا ينْتَفع بِهِ وَلَا يُقَام فِيهِ شَعَائِر الْإِسْلَام فَكَانَ يأكلها من لَا ستحقها. وَأَنه لم يفعل ذَلِك إِلَّا من فقره وَعدم قدرته وَأَنه إِن لم يسمح السُّلْطَان لَهُ بنيابة الشَّام كَمَا كَانَ فلينعم عَلَيْهِ بنيابة أبلستين وعَلى الْأَمِير نوروز بملطية وعَلى يشبك ابْن أزدمر بعينتاب وعَلى غَيرهم من الْأُمَرَاء بِبَقِيَّة القلاع فَإِنَّهُم أَحَق من التركمان والأكراد المفسدين. فَلم يرض السُّلْطَان مِنْهُم بذلك وصمم على الْإِقَامَة وَكتب يَسْتَدْعِي التراكمين وَغَيرهم. وَفِي هَذَا الشَّهْر: مَاتَ نيق الْقَائِم بِمَدِينَة الكرك فَقَامَ بعده أَخُوهُ يشبك وَاسْتولى على قلعتها. وَفِيه وَقعت فتْنَة بجبل نابلس بَين ابْن عبد السَّاتِر وَابْن عبد القاد شَيْخي العشير ففر ابْن عبد الْقَادِر وَكَثُرت الْفِتَن بِتِلْكَ الْبِلَاد حَتَّى انْقَطَعت الدروب فَلم تسلك. وَفِيه بعث تنبك نَائِب قلعة الرّوم إِلَى الْأَمِير نوروز عشْرين فرسا تقدمة فعين لأخذ قلعة الرّوم وقلعة البيرة سودن تلِي المحمدي على أَرْبَعمِائَة فَارس فَنزل تنبك إِلَى البيرة فقاتله مبارك شاه نائبها وظفر بِهِ واعتقله بالقلعة فَكتب السُّلْطَان بمسير مبارك شاه مَعَ نكباي وَقد ولاه قلعة الرّوم حَتَّى يتسلمها فَمضى بِهِ وَأَخذهَا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 263 وَفِيه وصل قوا يُوسُف إِلَى توريز وَقد جمع أَحْمد بن أويس قدر سِتِّينَ ألف فَارس فيهم ابْن الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن الدربندي وأمراء الْبِلَاد فاقتتلا قتالاً عَظِيما فِي يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشرينه فَانْكَسَرت عَسَاكِر ابْن أويس وَقتل هُوَ وَولده سُلْطَان عَليّ فِي لَيْلَة الْأَحَد آخِره وَقتل أَيْضا كثير من الْأُمَرَاء وَأسر ابْن الشَّيْخ إِبْرَاهِيم وعدة من الْأُمَرَاء ونهبت أَمْوَالهم وَملك قرا يُوسُف بِلَاد توريز وَغَيرهَا وَقدم كِتَابه بِهَذَا إِلَى السُّلْطَان وَيُقَال أَن ابْن أويس لما وَقعت الكسرة اختفى فِي عين مَاء وَدخل عَلَيْهِ بعض فرسَان قرا يُوسُف ليَقْتُلهُ فَعرفهُ بِنَفسِهِ فَأَخذه وَأعلم قرا يُوسُف بِهِ فَأحْضرهُ إِلَيْهِ وَبَالغ فِي إكرامه ووكل بِهِ أحد أمرائه فَلم يرض كثير مِمَّن مَعَ قرا يُوسُف بذلك وَمَا زَالُوا بِهِ حَتَّى قَتله خنقاً. شهر جُمَادَى الأولى أَوله الِاثْنَيْنِ: فِي سابعه: قض على صدر الدّين عَليّ بن الْآدَمِيّ وسجن بقلعة دمشق. وَفِي خَامِس عشرينه: قدم كتاب السُّلْطَان من أبلستين إِلَى دمشق فَلم يُؤْخَذ من الْبَسَاتِين نصف مَا كَانَ يَأْخُذهُ شيخ ونوروز. هَذَا وَأهل الْقرى بأجمعهم يجبى مِنْهُم الشّعير الَّذِي وظف عَلَيْهِم. ثمَّ قرر عَلَيْهِم شعير آخر ليزرع القصيل برسم رعي الْخُيُول السُّلْطَانِيَّة. وَفِي سلخه: قدم مُحَمَّد التركماني من أبلستين إِلَى دمشق وَقد ولي نِيَابَة الكرك. وَولي عَلَاء الدّين عَليّ الْحلَبِي قَاضِي غَزَّة خطابة الْقُدس مَعَ قَضَاء غَزَّة فَنزل غَزَّة قبل رحيل النَّاصِر من الْقَاهِرَة وَاسْتقر عوضه شهَاب الدّين بن حجر فَكَانَ فِي مُدَّة تِسْعَة أشهر قد ولي خطابة الْقُدس خَمْسَة أحدهم وَليهَا مرَّتَيْنِ. وَفِي هَذَا الشَّهْر: سَار الْأَمِير عُثْمَان بن أَمِير طرعلي - الْمَعْرُوف بقرايلك - إِلَى طأة أرزنجان وَفِيه اقتتل أَمِير سُلَيْمَان بن خوندكار أبي يزِيد بن مواد بن أورخان بن عُثْمَان مَعَ أَخِيه مُوسَى جلبي وهزمه ففر مُوسَى إِلَى أفلاق فحصره سُلَيْمَان وَكَانَ أخوهما كرشجي مُقيما ببرصا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 264 وَفِيه خامر على الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد باك بن قرمان صهره ابْن كريمان وَلحق بكرشجي فِي عسكره. وَفِيه قدم على السُّلْطَان بأبلستين كثير من طوائف التركمان والعربان ونواب القلاع وأتته رسل ماردين ورسل قرا يُوسُف وقرا يلك بتقادمهم. فَلَمَّا ملت عساكره من طول الْإِقَامَة خشِي تفرقهم عَنهُ ورحل من أبلستين وَقد الْتزم لَهُ ابْنا دلغادر - مُحَمَّد وَعلي - بِأخذ أعدائه أَو طردهم من الْبِلَاد. وَمضى على الْفُرَات إِلَى قلعة الرّوم وَقبض على نائبها تنبك وَقرر عوضه طوغان الطَّوِيل وَسَار على البيرة إِلَى سودن الجلب فَقَدمهَا. شهر جُمَادَى الْآخِرَة أَوله الْأَرْبَعَاء: فِي رابعه: قدم الْخَبَر من دمشق بِأَن سودن الجلب مارق الأميرين شَيخا ونوروز وَمر على القريتين فِي نَحْو عشرَة فرسَان يُرِيد الكرك فانزعج الْعَسْكَر وَخرج الْأَمِير نكباي فِي طلبه فَلم يُدْرِكهُ وَدخل الجلب إِلَى الكرك وملكها وَقدم الْخَبَر بِأَن قرقماس ابْن أخي دمرداش وجانم فارقا الْجَمَاعَة أَيْضا وقصدا حلب فَلَمَّا وصلا ملطية مضى جانم فِي طائفته من طَرِيق وَمضى قرقماس من أُخْرَى فَقدم قرقماس على السُّلْطَان بحلب فَأكْرمه وأنعم عَلَيْهِ. وَفِي هَذَا الشَّهْر: سَار حيدر - نَائِب قلعة المرقب - من طرابلس على عَسْكَر وَنزل عَلَيْهَا وَبهَا بدر الدّين حسن بن محب الدّين أستادار الْأَمِير شيخ وَأَوْلَاد الكويز. وَفِيه سَار تنكز نَائِب حصن الأكراد وَمَعَهُ ابْن أَيْمَان بتركمانه لأخذها. وَقد نزل عَليّ بن صوجي ببيوته وحواشيه وتركمانه على برج السُّلْطَان - قَرِيبا من صهيون - لحصارها وَكَانَ السُّلْطَان قد ولي نيابتها بلبان ليأخذها من كزل أحد أَصْحَاب الْأَمِير شيخ. وَفِيه وصل إِلَى ميناء يافا أَربع قطع فِيهَا نَحْو سَبْعمِائة من الفرنج فأسروا جمَاعَة من الْمُسلمين وَأخذُوا مركبا فِيهِ خام للسُّلْطَان قدم من مصر وَفِيه قدم أَيْضا إِلَى يافا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 265 مركب فِيهِ فرنج مَعَهم أخشاب وَعجل وصناع برسم عمَارَة بَيت لحم بالقدس حَيْثُ مولد عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام وبيدهم مرسوم السُّلْطَان بتمكينهم من الْعَمَل فدعوا النَّاس للْعَمَل بِالْأُجْرَةِ فَأَتَاهُم عدَّة من القلعة والصناع وشرعوا فِي إزاحة مَا بطريقهم من الأوعار. وَكَانَ سَبَب هَذَا أَن مُوسَى - صبي بطرك النَّصَارَى الملكانية - سَأَلَ السُّلْطَان لما قدم إِلَى الْقُدس بعد نوبَة صرخد فِي سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَثَمَانمِائَة أَن يُمكن النَّصَارَى من إِعَادَة عمَارَة مولد عِيسَى - بَيت لحم - على مَا كَانَ عَلَيْهِ فَكتب لَهُ بذلك مرسوماً فطار بِهِ كل مطار وَبَعثه إِلَى بِلَاد الفرنج فاغتنموا الفرصة وبعثوا هَؤُلَاءِ فبدءوا بتوسعة الدَّرْب الْآخِذ من ميناء روبيل إِلَى الْقُدس وقصدوا أَن يصير سعته بِحَيْثُ يمر فِيهِ عشرَة فرسَان متواكبين فَأَنَّهُ لم يكن يسع غير فَارس وَاحِد بِمَشَقَّة وأحضروا مَعَهم دهناً إِذا وضعوه على تِلْكَ الصَّخْرَة سهل قطعهَا. وَفِيه خلع السُّلْطَان على الْأَمِير قرقماس ابْن أخي دمرداش - وَيُقَال لَهُ سَيِّدي الصَّغِير - وولاه نِيَابَة صفد وَاسْتقر بالأمير جانم فِي نِيَابَة طرابلس وَاسْتقر بجركس الَّذِي يُقَال لَهُ أَبُو تنم حَاجِب الْحجاب بِدِمَشْق وعزل نكبية عَنْهَا وأنعم عَلَيْهِ بإمرة فِي ديار مصر وَولي الْأَمِير بكتمر جلق نِيَابَة الشَّام وأنعم بتقدمته على الْأَمِير دمرداش نَائِب حلب. شهر رَجَب أَوله الْخَمِيس: فِي خامسه: برز الْأَمِير ألطنبغا العثماني والأمير قنباي المحمدي من دمشق يُريدَان حلب وَقد أتاهما الطّلب من السُّلْطَان. وَفِيه نُودي بِدِمَشْق أَلا يتَأَخَّر بهَا أحد مِمَّن قدم من ممالك السُّلْطَان من حلب. وَفِي سادسه: وصل إِلَى دمشق متسلم الْأَمِير بكتمر جلق. وَقدم أَيْضا فَيْرُوز الخازندار لإِخْرَاج من بِدِمَشْق من المماليك ولأخذ مَال وَسلَاح فَأَقَامَ يَوْمه وَبَات ثمَّ أصبح فَركب الْعَسْكَر ووقفوا تَحت القلعة وَعَلَيْهِم آلَة الْحَرْب فدقت كوسات القلعة حَرْبِيّا وَرفع علم السُّلْطَان على بَاب النَّاصِر وَنُودِيَ: من أطَاع السُّلْطَان فليقف تَحت الصنجق السلطاني فسارع الْعَسْكَر إِلَيْهِ إِلَّا قَلِيلا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 266 مِنْهُم تحيزوا إِلَى الميدان ودقوا طبلاً وقبضوا على الْأَمِير قنباي المحمدي وعَلى نكباي الْحَاجِب وَسَارُوا والطلب فِي أَثَرهم فَلم يقدر عَلَيْهِم وَسَارُوا إِلَى الكرك وَكَبِيرهمْ بردبك الخازندار وَكَانَ قد بَعثه السُّلْطَان من حلب فانحل عَنهُ كثير مِمَّن خرج مَعَه وَبَقِي فِي نفر قَلِيل فَأدْخلهُ سودن الجلب إِلَى الكرك وَسكن الشَّرّ بِدِمَشْق فِي يَوْمه. وَفِي تَاسِع عشره: قدم دمشق الْأَمِير تغري بردى بن أخي دمرداش وَيُقَال لَهُ سَيِّدي الْكَبِير يُرِيد صفد وَقد ولاه السُّلْطَان نيابتها عوضا عَن شاهين الزردكاش نَائِب الْغَيْبَة بِدِمَشْق فَلَمَّا قدم أَخُوهُ قرقماس إِلَى حلب طالعاً وولاه صفد عوضه عَنْهَا بحلب وَأقر هَذَا على صفد. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: فرض على قرى دمشق وعَلى بساتينها ذَهَبا يجبى من أَهلهَا سوى مَا عَلَيْهِم من الشّعير وَفرض أَيْضا على طواحين دمشق وحماماتها وحوانيتها مَال جبى مِنْهُم. وَفِي رَابِع عشرينه: وصلت خلعة سودن الجلب إِلَى دمشق باستقراره فِي نِيَابَة الكرك وسارت إِلَيْهِ. وَفِي ثامن عشرينه: توجه الْأَمِير تغري بردى نَائِب صفد من دمشق إِلَى صفد. وَفِيه أدير محمل الْحَاج بِدِمَشْق فَبَيْنَمَا النَّاس فِي التفرج عَلَيْهِ إِذْ أَتَاهُم خبر وُصُول السُّلْطَان من حلب فماج النَّاس وَقدم السُّلْطَان بعد الْعَصْر فِي طَائِفَة من خواصه وَنزل بدار السَّعَادَة. وَسبب ذَلِك أَن الْخَبَر ورد عَلَيْهِ بِأَن شيخ ونوروز وصلا عينتاب وسارا على الْبَرِيد فَبعث عسكراً فِي طلبهما وَركب من حلب على حِين غَفلَة فِي ثَالِث عشرينه وَسَار إِلَى دمشق فِي أَرْبَعَة أَيَّام ثمَّ قدم الْأَمِير الْكَبِير تغري بردى ثمَّ قدم الْأَمِير بكتمر نَائِب الشَّام فِي تَاسِع عشرينه وَمَعَهُ الْأَمِير دمرداش والأمير جانم نَائِب طرابلس فنزلوا مَنَازِلهمْ بِدِمَشْق. وَفِي هَذَا الشَّهْر: قدم مُحَمَّد شاه بن قرا يُوسُف بَغْدَاد وَقد امْتنع من بهَا من تَسْلِيمه فحاصرها مُدَّة عشرَة أشهر فَكَانَت فِيهَا أُمُور عَجِيبَة حاصلها أَن قرا يُوسُف لما هزم ابْن أويس وَقَتله بلغ ذَلِك أهل بَغْدَاد وَكَانَ عَلَيْهَا من قبل أَحْمد بن أويس مَمْلُوكه بخشايش فَلم يصدق ذَلِك وَاسْتمرّ على الخطة لَهُ. فَبعث قرا يُوسُف ابْنه فَلَمَّا قَارب بَغْدَاد بعث إِلَى الْأَعْيَان يعدهم ويرغب إِلَيْهِم فِي تمكينهم من الْبَلَد فَأَبَوا عَلَيْهِ وَقَالُوا لرَسُوله إِن ابْن أويس لم يقتل وَإِنَّمَا هُوَ حَيّ وَأَقَامُوا صَبيا لم يبلغ الْحلم يُقَال لَهُ أويس من أخي أَحْمد أويس وسلطنوه. فَنزل بن قرا يُوسُف على بَغْدَاد فقاتلوه من الجزء: 6 ¦ الصفحة: 267 فَوق الأسوار مُدَّة أَرْبَعَة أشهر ثمَّ قَامَت بِبَغْدَاد ضجة عَظِيمَة فِي اللَّيْل قتل فِيهَا بخشايش وَأصْبح ملقى فِي بعض الشوارع. وَأشيع أَن الَّذِي أَمر بقتْله أَحْمد بن أويس وَأَنه فِي بعض الدّور بِبَغْدَاد فَصَارَ يخرج من الدَّار - الَّتِي قيل أَنه بهَا - أوَامِر على لِسَان رجلَيْنِ أَحدهمَا يُقَال لَهُ الْمُحب وَالْآخر يُقَال لَهُ نَاصِر الدّين وَقَامَ بعد بخشايش عبد الرَّحِيم بن الملاح وأعيدت الْخطْبَة باسم أَحْمد بن أويس وَضربت السِّكَّة باسمه وَانْقطع ذكر أويس الصَّبِي فَسَار مُحَمَّد شاه بن قرا يُوسُف عَن بَغْدَاد وَكتب إِلَى أَبِيه يُخبرهُ بِمَا وَقع بِبَغْدَاد فَخرج من بَغْدَاد عَسْكَر نَحْو خَمْسمِائَة وكبسوا بعض أُمَرَاء ابْن قرا يُوسُف فَقتل وَأسر عده من أَصْحَابه وَكَانَ فِي جِهَة غير جِهَة ابْن قرا يُوسُف وَزَعَمُوا أَن هَذَا بِأَمْر أَحْمد بن أويس ثمَّ قتل الْمُحب وناصر الدّين وَعبد الرَّحِيم الملاح بِبَغْدَاد ونسبوا قَتلهمْ أَيْضا إِلَى أَحْمد بن أويس فَلَمَّا كَانَ بعد إِشَاعَة حَيَاته بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا أشيعت وَفَاته وَكَانَ الَّذِي أشاع وَفَاته أم الصَّبِي أويس وَذَلِكَ أَنَّهَا استدعت الْأَعْيَان وأعلمتهم أَنَّهَا هِيَ الَّتِي أمرت بِمَا وَقع من الْقَتْل وإشاعة حَيَاة أَحْمد بن أويس وَأَنه لَيْسَ بحي وَمَا زَالَت بهم حَتَّى أعادوا ابْنهَا أويس إِلَى السلطنة وَعمِلُوا عزاء أَحْمد بن أويس بِبَغْدَاد. فَلَمَّا بلغ ذَلِك ابْن قرا يُوسُف عَاد إِلَى بَغْدَاد وحاصرها فأشيع أَيْضا أَن أَحْمد بن أويس حَيّ لم يمت فَعُوقِبَ جمَاعَة مِمَّن ذكر هَذَا ثمَّ بعد أَرْبَعَة أشهر من إِظْهَار موت أَحْمد بن أويس وَقعت ضجة عَظِيمَة بِبَغْدَاد على حِين غَفلَة وَقيل ظهر أَحْمد بن أويس فَاجْتمع النَّاس إِلَى دَار فَخرج إِلَيْهِم مِنْهَا رجل فِي زِيّ أَحْمد بن أويس على فرس فقبلوا لَهُ الأَرْض وتناقل النَّاس حَيَاته. ثمَّ سَأَلُوا ذَلِك الشَّخْص أَن يروه رُؤْيَة بتبين لَهُم فِيهَا أَكثر من الْمرة الأولى فوعدوا بذلك فِي دَار عينت لَهُم فَلَمَّا صَارُوا إِلَيْهَا خرج إِلَيْهِم عِنْد غرُوب الشَّمْس شخص رَاكب على فرس فِي زِيّ أَحْمد بن أويس فصاح غوغاء الْعَامَّة هَذَا السُّلْطَان أَحْمد وتناقلوا ذَلِك ثمَّ أشاعوا أَنه غير مَوْجُود فَكَانَت مُدَّة إِشَاعَة وجوده ثَانِيًا خَمْسَة عشر يَوْمًا وَفِي أَثْنَائِهَا خرج من بَغْدَاد نَحْو خَمْسمِائَة فَارس إِلَى جِهَة الْبَصْرَة بِأَمْر أَحْمد بن أويس على زعمهم ثمَّ خرجت أم الصَّبِي أويس بِهِ وَمَعَهَا خواصها وسارت من بَغْدَاد إِلَى ششتر. فَبعث أهل بَغْدَاد إِلَى ابْن قرا يُوسُف يستدعونه وَقد رَحل عِنْدَمَا أشيع ظُهُور أَحْمد ابْن أويس مرّة ثَانِيَة فَقدم ودخلها فِي أثْنَاء سنة أَربع عشرَة وثمان مائَة فَكَانَ خبر بَغْدَاد هَذَا من أغرب مَا يَحْكِي. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 268 شهر شعْبَان أَوله الْجُمُعَة: فِيهِ قدم الْأَمِير قرقماس نَائِب حلب إِلَى دمشق فَأكْرمه السُّلْطَان وأنعم عَلَيْهِ. وَفِي ثالثه: قدم الْأَمِير تمراز الناصري نَائِب السلطة فِي خمسين فَارِسًا وَقد فَارق الْأَمِير شيخ فَركب السُّلْطَان وتلقاه وَبَالغ فِي إكرامه وأنعم عَلَيْهِ بِمَا يَلِيق بِهِ. وَفِي ثامنه: توجه قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين عبد الرَّحْمَن بن البُلْقِينِيّ من دمشق إِلَى الْقَاهِرَة لتجهيز صرر المَال المحمولة مَعَ الْحَاج إِلَى مَكَّة وَالْمَدينَة على الْعَادة وَتوجه مجد الدّين بن الهيصم وَفِي خامسه: قدم الْخَبَر على السُّلْطَان بِدُخُول الْأَمِير شيخ قلعة صرخد. وَفِيه أفرج عَن الصَّدْر عَليّ بن الْآدَمِيّ ثمَّ قبض عَلَيْهِ من الْغَد وأعيد إِلَى السجْن. وَفِي سابعه: سمر بِدِمَشْق سِتَّة من أَصْحَاب الْأَمِير شيخ ووسطوا. وَفِي ثَانِي عشرَة: اسْتَقر نَائِب الْغَيْبَة بديار مصر فِي حسبَة الْقَاهِرَة بزين الدّين مُحَمَّد بن شمس الدّين مُحَمَّد الدَّمِيرِيّ عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد الْمَنَاوِيّ الملقب ببدنة وَالْمَعْرُوف بالطويل بعد وَفَاته. وَفِي خَامِس عشره: ورد الْخَبَر على السُّلْطَان بوصول الأميرين شيخ ونوروز فِي نَحْو مِائَتَيْنِ وَخمسين فَارِسًا إِلَى أَرض البلقاء وَأَنَّهُمْ فِي قل وَجهد وَلَيْسَ مَعَهم غلْمَان تخدمهم وَكَانَ من خبرهم أَن السُّلْطَان لما سَار عَن أبلستين قدم الْجَمَاعَة من قيسارية إِلَى أبلستين فَمَنعهُمْ ابْن دلغادر وَقَاتلهمْ فانكسروا مِنْهُ وفروا إِلَى عينتاب وعندما قاربوا تل بَاشر تمزقوا وَأخذت كل طَائِفَة تسلك جِهَة من الْجِهَات فلحق بحلب ودمشق مِنْهُم عدَّة وافرة واختفى مِنْهُم جمَاعَة وَمر شيخ ونوروز فِي خواصهما على الْبر إِلَى تدمر فامتاروا مِنْهَا ومضوا مُسْرِعين إِلَى صرخد فَلم يقر لَهُم قَرَار بهَا فَمَضَوْا إِلَى البلقاء ودخلوا بَيت الْمُقَدّس وتوجهوا إِلَى غَزَّة فأقاموا بهَا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 269 فَأخْرج السُّلْطَان إِلَيْهِم الْأَمِير بكتمر نَائِب الشَّام على عَسْكَر فَسَار إِلَى زرع وَكتب يطْلب نجدة وَفِي سادس عشره: وصل مجد الدّين بن الهيصم نَاظر الْخَاص إِلَى الْقَاهِرَة وَاشْتَدَّ فِي طلب الْأَمْوَال من المصادرات فَلم يُمْهل وَمَات فِي لَيْلَة الْعشْرين مِنْهُ فسر النَّاس بِمَوْتِهِ سُرُورًا عَظِيما. وَفِي خَامِس عشرينه: كتب السُّلْطَان إِلَى أرغون كاشف الرملة بِمَنْع الفرنج من عمَارَة بَيت لحم وَالْقَبْض عَلَيْهِم وعَلى من مَعَهم من الصناع وَأخذ مَا عِنْدهم من السِّلَاح والآلات وَالْمَال وَالْجمال الَّتِي استأجروها لنقل آلَات وَحمل مَا مَعَهم من الْعجل والدهن الَّذِي إِذا وضع على الْحِجَارَة هان قطعهَا فختم أرغون على مخازن ثَلَاثَة من الفرنج وَقبض عَلَيْهِم وَحَملهمْ وَمَعَهُمْ مَا رسم بِهِ. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سادس عشرينه: دخل الأميران شيخ ونوروز بِمن مَعَهُمَا إِلَى غَزَّة وَقد مَاتَ من أصحابهما الْأَمِير تمربغا المشطوب نَائِب حلب والأمير أينال المنقار بطاعون فِي مَدِينَة حسبان. وَقدم عَلَيْهِمَا بغزة الْأَمِير سودن الجلب من الكرك فتتبعوا مَا بغزة من الْخُيُول وأخذوها. شهر رَمَضَان أَوله الْأَحَد: فِي ثَانِيه: وصل الْأَمِير طوغان الدوادار والأمير قنبك رَأس نوبَة والأمير ألطنبغا العثماني والأمير أسنبغا الزردكاش والأمير يشبك الموساوي الأفقم والأمير سودن الظريف والأمير تمراز الناصري نَائِب السلطنة - كَانَ - فِي عدَّة من المماليك السُّلْطَانِيَّة إِلَى قاقون وَهُنَاكَ الْأَمِير بكتمر شلق نَائِب الشَّام وَكثير من المماليك فَسَارُوا جَمِيعًا مجدين فِي السّير إِلَى غَزَّة فقدموها عصر يَوْم الثُّلَاثَاء ثالثه وَقد رَحل الأميران شيخ ونوروز وَمن مَعَهُمَا بكرَة النَّهَار عِنْدَمَا قدم الْأَمِير سودن بقجة وشاهين الدوادار من الرملة وأخبرا بقدوم عَسْكَر السُّلْطَان فنهبوا غَزَّة وَأخذُوا مِنْهَا خيولاً كَثِيرَة وغلالاً فَتَبِعهُمْ الْأَمِير خير بك نَائِب غَزَّة إِلَى الزعقة وكشافته فِي أَثَرهم إِلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 270 الْعَريش وعندما قدم الْعَسْكَر إِلَى غَزَّة بعث الْأَمِير بكتمر بالأميرين شُجَاع الدّين شاهين الزردكاش وَسيف الدّين أسنبغا الزردكاش إِلَى قلعة الْجَبَل من على الْبَريَّة ليخبر من بهَا بقدوم الْعَسْكَر فسارا وَقدم الْخَبَر من الْقَاهِرَة وقلعة الْجَبَل على الْأَمِير بكتمر فِي كتاب الْأَمِير سيف الدّين أرغون نَائِب الْغَيْبَة بِأَنَّهُ قد حصن قلعة الْجَبَل والإصطبل السلطاني والحوش ومدرسة السُّلْطَان حسن ومدرسة الْأَشْرَف وَأَنه وَمن مَعَه قد اسْتَعدوا للقاء شيخ ونوروز. فَسَار شاهين الزردكاش بِمن مَعَه من غَزَّة عصر يَوْم الْخَمِيس خامسه يُرِيد الْقَاهِرَة. وَفِيه ورد الْخَبَر بِمَوْت جمَاعَة من أَصْحَاب الأميرين شيخ ونوروز مِنْهُم تمربغا المشطوب نَائِب حلب وأينال المنقار وألطنبغا بَابا وشاهين دوادار الْأَمِير شيخ وَأَن شاهين هَذَا مَاتَ بالعريش. وَفِيه سقط الطَّائِر من قطيا إِلَى قلعة الْجَبَل وَقد سرحه الْأَمِير فَخر الدّين عبد الْغَنِيّ ابْن أبي الْفرج - مُتَوَلِّي قطيا وَكَاشف الْوَجْه البحري - بِخَبَر وُصُول الأميرين شيخ ونوروز إِلَى قطيا وَأَن من مَعَهُمَا نهبها وَأَنه تنحى إِلَى جِهَة الطينة وَأَنَّهُمْ سَارُوا من قطيا يُرِيدُونَ الْقَاهِرَة. فَأخذ الْأَمِير أرغون وَمن مَعَه أهبتهم وعزم الْأَمِير كافور - زِمَام الآدر السُّلْطَانِيَّة - أَن يسير بالأميرين فرج وَمُحَمّد وَلَدي السُّلْطَان مَعَ الْحَرِيم السلطاني إِلَى ثغر الْإسْكَنْدَريَّة حسب مَا رسمه بِهِ فَلم يتَمَكَّن من ذَلِك لضيق الْوَقْت وَقلة الْأَمْن وَكَثْرَة الْفِتَن فِي الْبر وَالْبَحْر فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْأَحَد ثامنه وصل الْأَمِير شيخ والأمير نوروز والأمير يشبك بن أزدمر والأمير بردبك والأمير منباي والأمير سودن بقجه والأمير سودن المحمدي ويشبك العثماني وقمش وقوزي وأتباعهم وَمَعَهُمْ جمع كثير من الزهور وَبني وَائِل من عرب الشرقية وأمير سعيد كاشف الشرقية وَهُوَ مَعْزُول عَنْهَا فَبَلغهُمْ تحصين القلعة والمدرستين وَأَن الْأَمِير أرغون وَمن مَعَه من الْأُمَرَاء قبضوا على أَرْبَعِينَ مَمْلُوكا من النوروزية الَّذين يَمْشُونَ فِي الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة وسجنوهم بالبرج من قلعة الْجَبَل خوفًا من غدرهم فَسَار الْأَمِير شيخ بِمن مَعَه من نَاحيَة المطرية إِلَى جِهَة بولاق ومضوا على الميدان الْكَبِير إِلَى الصليبة وَخَرجُوا إِلَى الرميلة تَحت القلعة من سويقة منعم فَرَمَاهُمْ الممالك السُّلْطَانِيَّة بالمدافع والنشاب. وبرز لَهُم الْأَمِير أينال الصصلاني الْحَاجِب بِمن مَعَه وَقد وقف عِنْد بَاب السلسلة فتقنطر من الجزء: 6 ¦ الصفحة: 271 الْقَوْم فارسان وانهزموا ثمَّ عَادوا ونزلوا فِي بَيت الْأَمِير نوروز حَيْثُ كَانَ سكنه بالرميلة وَفِي بَيت الْأَمِير أينال حطب بجواره وَقد اجْتمع مَعَهم من الغوغاء خلائق وَأقَام الْأَمِير شيخ رجلا فِي ولَايَة الْقَاهِرَة فنادي بالأمان والاطمئنان ووعدوا النَّاس بترخيص سعر الذَّهَب وسعر الْقَمْح ورغبوهم بِإِزَالَة الْمَظَالِم فَمَال إِلَيْهِم جمع من الْعَامَّة فأقاموا على ذَلِك يَوْم الْحَد وملكوا مدرسة الْأَشْرَف تجاه الطبلخاناه. ثمَّ أخذُوا مدرسة السُّلْطَان حسن تجاه الإسطبل وهزموا من كَانَ فيهمَا من الْمُقَاتلَة وَأَقَامُوا بهما رُمَاة من أَصْحَابهم ورموا على الإسطبل يومهم وليلتهم ففر الْأَمِير أرغون من بشبغا نَائِب الْغَيْبَة والتجأ إِلَى بَاب السِّرّ وَسَأَلَ أَن يكون مَعَ الْأَمِير جرباش والأمير كمشبغا الجمالي بداخل القلعة فأدخلاه بمفرده من غير أَن يدْخل مَعَه أحد من مماليكه. فَلَمَّا كَانَ لَيْلَة الِاثْنَيْنِ: كسوت خوخة أيدغمش - بجوار بَاب زويلة - وَعبر طَائِفَة من الشاميين إِلَى الْقَاهِرَة وَمَعَهُمْ طوائف من الْعَامَّة ففتحوا بَاب زويلة. وَكَانَ الْأَمِير حسام الدّين حُسَيْن الْأَحول وَالِي الْقَاهِرَة قد أغلقه وَجَمِيع أَبْوَاب الْقَاهِرَة على مَا جرت بِهِ الْعَادة من ذَلِك فِي أَوْقَات الْفِتْنَة. ثمَّ أَنهم كسروا خزانَة شمايل الَّتِي هِيَ سجن أَصْحَاب الجرائم وأخرجوا من بهَا من المسجونين وكسروا سجن حارة الديلم وسجن رحبة بَاب الْعِيد وأفرجوا عَمَّن بهما وانتشروا فِي حارات الْقَاهِرَة وظواهرها. ونهبوا بَيت الْأَمِير كمشبغا الجمالي وتتبعوا الْخُيُول البغال فَأخذُوا مِنْهَا شَيْئا كثيرا. وفتحوا حَاصِل الدِّيوَان الْمُفْرد بَين القصرين وَأخذُوا مِنْهُ مَالا فداخل النَّاس خوف عَظِيم. هَذَا وَقد ملك الْأَمِير شيخ بَاب السلسلة وَاسْتولى على الإسطبل وَجلسَ فِي الحراقة وَمَشى الْأَمِير نوروز وَمَعَهُ يشبك بن أزدمر وبردبك وقنباي المحمدي الخازندار ويشبك العثماني وقمش فِي بكرَة يَوْم الثُّلَاثَاء إِلَى بَاب القلعة - وَهُوَ مغلوق - وطلبوا فَتحه فاعتل الْأُمَرَاء عَلَيْهِم بِأَن مفاتيحه عِنْد الزِّمَام فاستدعوه فَأَتَاهُم وكلمهم من وَرَاء الْبَاب فَسَلمُوا عَلَيْهِ من عِنْد الْأَمِير شيخ وَمن عِنْد أنفسهم وسألوه الْفَتْح لَهُم فَقَالَ: مَا يُمكن فَإِن حَرِيم السُّلْطَان فِي القلعة فَقَالُوا مَا لنا غَرَض فِي النهب وَإِنَّمَا نُرِيد أَن نَأْخُذ ابْن أستاذنا يعنون فرج بن السُّلْطَان النَّاصِر فرج فَقَالَ وإيش أصَاب السُّلْطَان قَالُوا: لَو كَانَ السُّلْطَان حَيا مَا كُنَّا هُنَا فَلم يفتح لَهُم. فهددوه بإحراق الْبَاب فَقَالَ: إِن كُنْتُم إِنَّمَا تُرِيدُونَ ابْن أستاذكم فليحضر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 272 إِلَى بَاب السِّرّ مِنْكُم اثْنَان أَو ثَلَاثَة وتحضر الْقُضَاة واحلفوا أَنكُمْ لَا تغدرون بِهِ وَلَا تمسوه بِسوء وَكَانَ بَلغهُمْ - بالقلعة - قرب الْعَسْكَر فسرحوا الطَّائِر باستعجالهم وَأَنَّهُمْ فِي الْحصار وَمَتى مَا لم يدركوا أخذُوا فَأخذ الزِّمَام فِي مدافعة الْجَمَاعَة والتمويه عَلَيْهِم وتسويفهم رَجَاء أَن يحضر الْعَسْكَر فَبَيْنَمَا هُوَ فِي ذَلِك إِذْ لاحت بيارق الْعَسْكَر لمن وقف يرقبهم من المماليك بِأَعْلَى موادن القلعة وَقد ارْتَفع العجاج وَأَقْبلُوا سائقين خيولهم سوقاً عَظِيما جهد طاقتهم فضجوا بِالتَّكْبِيرِ والتهليل وَأَن السُّلْطَان وصل فخارت قوى الْجَمَاعَة وَلم يثبتوا للقائه وركبوا من ساعتهم ووقفوا قَرِيبا من بَاب السلسلة وَفِيهِمْ الْأَمِير شيخ فدهمهم الْعَسْكَر فَوَلوا هاربين نَحْو بَاب القرافة والعسكر فِي أَثَرهم فكبى بالأمير شيخ جَوَاده فِي بَاب القرافة فبادر إِلَيْهِ أَصْحَابه وأركبوه غَيره ومروا بِهِ على وُجُوههم وَقد نزل الْأَمِير طوغان الدوادار بِبَاب السلسلة من القلعة فَقبض الْعَسْكَر من الشاميين جمَاعَة مِنْهُم قرا يشبك قريب الْأَمِير نوروز وبردبك رَأس نوبَة نوروز وبرسباي الطقطائي أَمِير جاندار - كَانَ - وَثَمَانِية وَعِشْرُونَ فَارِسًا. وَحضر سودن الْحِمصِي فاعتقل الْجَمِيع بالبرج وجرح يشبك بن أزدمر. وتبعهم الْعَسْكَر إِلَى طموه. فَقدم الْخَبَر لَيْلَة الْأَرْبَعَاء حادي عشره بنزول الْأَمِير شيخ فِي طَائِفَة بأطفيح وَأَن شعْبَان بن مُحَمَّد بن عِيسَى العائدي توجه بهم إِلَى نَحْو الطّور فَنُوديَ فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء بِالْقَاهِرَةِ ومصر بتحصيل من تسحب أَو اختفى من الشاميين ثمَّ قدم الْخَبَر بوصولهم إِلَى السويس فَإِنَّهُم أخذُوا مَا هُنَالك للتجار علفاً وَزَادا وجمالاً وَسَار بهم شعْبَان بن عِيسَى فِي درب الْحَاج إِلَى نخل فَأخذُوا عدَّة من جمال العربان وَأَن شعْبَان أمدهم بِالشَّعِيرِ والزاد وَأَنَّهُمْ افْتَرَقُوا فرْقَتَيْن فرقة رَأسهَا الْأَمِير نوروز وَمَعَهُ يشبك ابْن أزدمر وسودن بقجة وَفرْقَة رَأسهَا الْأَمِير شيخ وَمَعَهُ سودن تلِي المحمدي وسودن صقل وَجَمَاعَة. وَأَنَّهُمْ لما وصلوا إِلَى الشوبك دفعهم أَهله وصدوهم فَسَارُوا إِلَى الكرك فَنزل إِلَيْهِم الْأَمِير سودن الجلب وتلقاهم وأدخلهم الْمَدِينَة وأنزلهم فاستقروا بهَا وتتبع الْأَمِير حسام الدّين وَالِي الْقَاهِرَة من كَانَ انْتَمَى إِلَى الشاميين وَأخذ مِنْهُم مَالا حَتَّى مَنعه الْأَمِير طوغان من ذَلِك. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشره: خلع الْأَمِير أرغون نَائِب الْغَيْبَة على القَاضِي تَاج الجزء: 6 ¦ الصفحة: 273 الدّين عبد الْوَهَّاب بن نصر الله وَاسْتقر فِي نظر الْكسْوَة ووكالة بَيت المَال بعد موت شمس الدّين الطَّوِيل مُضَافا لما بِيَدِهِ من نظر الأحباس وتوقيع الدست وتوقيع نَائِب الْغَيْبَة ونيابة الْقَضَاء عَن قَاضِي الْقُضَاة نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن العديم الْحَنَفِيّ. وَفِي خَامِس عشره: اشتدت مضرَّة الْأَمِير بكتمر جلق بِالنَّاسِ وألزم زين الدّين مُحَمَّد بن الدَّمِيرِيّ محتسب الْقَاهِرَة بألفي دِينَار ثمن قَمح يَبِيعهُ لَهُ على النَّاس وَطلب من جمَاعَة من تجار الشَّام مَالا وَأخذ من الْأَمِير منكلي الأستادار ألف دِينَار. وَفِي سادس عشره: سَار الْأَمِير بكتمر من الْقَاهِرَة بالعسكر يُرِيد دمشق وَتَأَخر الْأَمِير طوغان الدوادار ويشبك الموساوي وأسنبغا الزردكاش وشاهين الزردكاش. وَفِي ثَانِي عشرينه: وصل الْأَمِير بكتمر إِلَى غَزَّة بِمن مَعَه فَبَثَّ قصاده فِي كشف أَخْبَار الأميرين شيخ ونوروز. وَأما دمشق فَإِن شهر رَمَضَان افْتتح بمصادرة النَّاس فَأخذ من الْخَانَات والحمامات والطواحين والحوانيت والبساتين أجرتهَا من ثَلَاثَة أشهر سوى مَا أَخذ قبل ذَلِك وَطلب جمَاعَة من النَّاس اتهموا بِأَن عِنْدهم ودائع للشيخية وعوقبوا وكبست عدَّة دور. وَقدم فِي عاشره ولد الْجلَال التباني شمس الدّين مُحَمَّد وَشرف الدّين يَعْقُوب ومحب الدّين مُحَمَّد بن الشّحْنَة الْحلَبِي وشهاب الدّين بن سَفَرِي إِمَام نوروز فِي الْحَدِيد إِلَى دمشق وَقد قبض عَلَيْهِم من حلب فسجنوا بقلعة دمشق وأرجف بِقَتْلِهِم. وَفِي حادي عشره: أُعِيد شهَاب الدّين أَحْمد بن الكشك إِلَى قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق وَكَانَ منصب قَضَاء الْحَنَفِيَّة شاغراً من حِين قدم السُّلْطَان. وَفِيه قدم الْأَمِير تغري بردى نَائِب صفد إِلَى دمشق فَأكْرمه السُّلْطَان وأنعم عَلَيْهِ. وَفِي ثَانِي عشرينه: قدم الْأَمِير جانم نَائِب طرابلس إِلَى دمشق فَأكْرمه السُّلْطَان وأنعم عَلَيْهِ وَكَانَ قد بعث يستدعيهما. وَفِيه ألزم مباشرو مدارس دمشق بِأَلف دِينَار وكلف الْقُضَاة يجمعها. وَفِيه اسْتَقر نجم الدّين عمر بن حجي قَاضِي دمشق فِي قَضَاء طرابلس وَقدم نَائِب حماة أَيْضا. وَقد كَانَ فِي يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع عشره: خرجت أطلاب الْأُمَرَاء تُرِيدُ أَخذ الأميرين شيخ ونوروز وهم الْأَمِير الْكَبِير تغري بردى والأمير دمرداش نَائِب حلب وتغري الجزء: 6 ¦ الصفحة: 274 بردى نَائِب صفد وجانم نَائِب طرابلس والأمير يلبغا الناصري فِي طَائِفَة من المماليك السُّلْطَانِيَّة فَقدم الْخَبَر بِدُخُول الْجَمَاعَة إِلَى الْقَاهِرَة وخروجهم مِنْهَا مُتَوَجّه فِي تَاسِع عشره أقبغا دوادار الْأَمِير يشبك - وَهُوَ من جملَة أُمَرَاء العشرات - إِلَى الْقَاهِرَة وَمَعَهُ التشاريف إِلَى أُمَرَاء مصر وأمراء الْعَسْكَر لشكرهم وَالثنَاء عَلَيْهِم. هَذَا وَقد وشي إِلَى السُّلْطَان بِأَن الْأَمِير طوغان الدوادار والأمير بكتمر جلق قصراً فِي أَمر أَعدَاء السُّلْطَان وَأَنه لم يكن بَينهم وَبَين الْأَعْدَاء فِي مُدَّة السّفر إِلَّا نَحْو بريد وَاحِد وَلَو أَرَادَا لأخذا الْأَعْدَاء فَأسر السُّلْطَان ذَلِك فِي نَفسه وحقده عَلَيْهِمَا وَلم يَسعهُ إِلَّا مجاملتهما والإغضاء عَن هَذَا. وَفِي تَاسِع عشرينه: قدم الْأَمِير قرقماس نَائِب حلب إِلَى دمشق باستدعاء فَأكْرمه السُّلْطَان وأنعم عَلَيْهِ. وَأما حلب فَإِن قرقماس هَذَا كَانَ قد سَار مِنْهَا لمحاربة أَوْلَاد ابْن بيشان فِي حادي عشره وَكتب إِلَى أَوْلَاد ابْن كبك وَإِلَى كردِي بن كندر بملاقاته فَمضى عَن حلب يَوْمًا وَلَيْلَة وأوقع ببيوت أَوْلَاد ابْن بيشان فِيمَا بَين مرعش وكينوك فقاتلوه قتالاً شَدِيدا قتل فِيهِ مِنْهُم نَحْو مِائَتي رجل وانكسر من بَقِي فَأَتَاهُ أَوْلَاد بن كبك فِي أَخُو الْقِتَال بِنَحْوِ مِائَتي فَارس فَرمى أيدغمش بن كبك بِسَهْم فِي صَدره خرج من قَفاهُ فَمَاتَ وجرح أَخُوهُ حُسَيْن بن كبك فِي وَجهه. ثمَّ سَار نَائِب حلب إِلَى عينتاب وَقبض على حُسَيْن ابْن كبك وأعيان أَصْحَابه وقيدهم وبعثهم إِلَى حلب ومشي على بُيُوتهم وسَاق أعيانهم وَرجع فَلَمَّا وصل حُسَيْن بن كبك قَرِيبا من أعزاز أدْركهُ تركمانه واستنقذوه - وَمن أسر مَعَه - ومضوا بهم فَلم يقدر عَلَيْهِم وَقدم قرقماس إِلَى حلب وجهز مِمَّا أَخذه من الأغنام أَرْبَعَة آلَاف رَأس إِلَى مطابخ السُّلْطَان وَسَار من حلب فِي تَاسِع عشره يُرِيد دمشق فَقَدمهَا وَمَعَهُ صَغِير لَهُ من الْعُمر نَحْو خمس سِنِين اسْمه حسن ابْن السُّلْطَان أَحْمد بن أويس فرت بِهِ مرضعته من بَغْدَاد. وَقدم أَيْضا اسفنديار قَاصد قرايلك. وَورد الْخَبَر بِأَن الْأَمِير سلمَان بن عُثْمَان حصر أَخَاهُ جلبي بِبِلَاد أفلاق وَأَن أَخَاهُ مُحَمَّد كرشجي ولى ابْنه مُرَاد الْبِلَاد الرومية وَأَن ابْن قرمان حاصر بِلَاد ابْن كريمان وأحرقها وَأَن دلغادر منع من الزَّرْع بأبلستين. شهر شَوَّال أَوله الِاثْنَيْنِ: فِيهِ دقَّتْ البشائر بقلعة دمشق لأخذ قلعة صرخد. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 275 وَفِي حادي عشره: قبض على الْأَمِير جَانِبك القرمي فَضَربهُ السُّلْطَان ضربا مبرحاً وسجنه بقلعة دمشق. وَفِي خَامِس عشره: خرج محمل الْحَاج من دمشق صُحْبَة الْأَمِير تنكز بلغا الحططي. وَفِي سَابِع عشره: توجه الْأَمِير قرقماس ابْن أخي دمرداش من دمشق عَائِدًا إِلَى نِيَابَة حلب على عَادَته وَتوجه قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد الأخناي وتاج الدّين رزق الله نَاظر الْجَيْش وغرس الدّين خَلِيل الأشقتمري الأستادار من دمشق لتجهيز الإقامات من بِلَاد عجلون برسم سفر السُّلْطَان إِلَى الكرك وَفِي عشرينه أخرج بالمماليك الْمَقْبُوض عَلَيْهِم من سجنهم بقلعة دمشق وسيقوا فِي الْحَدِيد إِلَى مصر وهم بِأَسْوَأ حَال. وَفِي رَابِع عشرينه: قدم شمس الدّين مُحَمَّد بن شعْبَان من دمشق إِلَى الْقَاهِرَة وعَلى يَده توقيع باستقراره فِي حسبَة الْقَاهِرَة على عَادَته عوضا عَن زين الدّين مُحَمَّد بن الدَّمِيرِيّ وَكَانَ قد توجه إِلَى دمشق وسعى حَتَّى خلع عَلَيْهِ بهَا وَكتب توقيعه وَمَال إِلَى الْأَمِير أرغون نَائِب الْغَيْبَة بتمكينه من مُبَاشرَة الْحِسْبَة فَأمْضى الْأَمِير أرغون ذَلِك وخلع عَلَيْهِ فِي غده وعزل أبن الدَّمِيرِيّ وكل ذَلِك بِمَال وعد بِهِ. شهر ذِي الْقعدَة أَوله الْأَرْبَعَاء: فِي ثَانِيه: قدم الْأَمِير الْكَبِير دمرداش بِمن مَعَه من الْعَسْكَر إِلَى بلد الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَأَقَامَ بِهِ وَبث القصا ذَلِك من أَخْبَار أهل الكرك. وَفِي سابعه: وصل إِلَى الْقَاهِرَة من دمشق الْأَمِير تَاج الدّين عبد الرَّزَّاق بن الهيصم الأستادار والوزير الصاحب سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن البشيري لتَحْصِيل الْأَمْوَال فأسعر ابْن الهيصم الْبَلَد نَارا وَطلب جمَاعَة قد ورثوا من مَاتَ لَهُم فِي مُدَّة غيبَة السُّلْطَان مَا بَين أَوْلَاد ذُكُور وإناث وزوجات وإخوة وأخوات وَنَحْو ذَلِك وألزمهم برد مَا أخذُوا من الْإِرْث الشَّرْعِيّ فَمنهمْ من أَخذ مَا وَرثهُ وَمِنْهُم من صَالحه بِبَعْض شَيْء من إِرْثه فشنعت القالة بِأَنَّهُم قد أبطلوا أَحْكَام الله - سُبْحَانَهُ - فِي الْمَوَارِيث. وَفِي عاشره: دخل الْأَمِير جانم إِلَى طرابلس. وَفِي رَابِع عشره: نُودي بِدِمَشْق بالعسكر أَن يلبسوا سِلَاحهمْ ويقفوا بأجمعهم عِنْد بَاب النَّصْر فِي يَوْم الْجُمُعَة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 276 وَفِيه تتبعت الْحمير بِدِمَشْق وَأخذت من الْبَسَاتِين وَسَائِر الْمَوَاضِع لتحمل عَلَيْهَا الْأَمْتِعَة للسَّفر فَنزل بِالنَّاسِ من هَذَا ضَرَر كَبِير. وَفِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء خَامِس عشره: خسف جرم الْقَمَر كُله. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء هَذَا: ركب السُّلْطَان من دَار السَّعَادَة إِلَى الغوطة فكبس عقرباء ونهبها على أَن الْأَمِير شيخ قد اختفى بهَا فَلم يُوجد وَتبين كذب مَا قيل وَحل بِأَهْل النَّاحِيَة بلَاء عَظِيم. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشره: خرج السُّلْطَان من دمشق وَنزل بقبة يلبغا وَتَبعهُ من بَقِي مَعَه من الْعَسْكَر فَبَاتَ بمخيمه واستقل بِالْمَسِيرِ من الْغَد يُرِيد الكرك وَعَاد الْأَمِير بكتمر جلق نَائِب وَفِي سادس عشرينه: ورد الْخَبَر بِأَن الْأَمِير شيخ نزل من قلعة الكرك وَعبر الْحمام بِالْمَدِينَةِ وَمَعَهُ الْأَمِير قنباي المحمدي والأمير سودن بقجة وَطَائِفَة يسيرَة فبادر شهَاب الدّين أَحْمد بن أبي الْعَبَّاس حَاجِب الكرك إِلَيْهِ وَمَعَهُ جمع كَبِير من أهل الْبَلَد واقتحموا الْحمام ليقتلوه فسبقهم بعض المماليك وَأعله بهم فَنَهَضَ وَلبس ثِيَابه ووقف فِي مسلخ الْحمام عِنْد الْبَاب وَمَعَهُ أَصْحَابه فَدفع عَن نَفسه وَقَاتل الْقَوْم حَتَّى أدْركهُ الْأَمِير نوروز وَمَعَهُ بَقِيَّة عسكره وهزموهم فَأصَاب الْأَمِير شيخ بهم غَار فِي بدنه وَخرج مِنْهُ دم كثير كَاد يَأْتِي على نَفسه وَحمل إِلَى قلعة الكرك فَأَقَامَ ثَلَاثَة أَيَّام لَا يعقل وَهُوَ فِي غيبَة عَن حسه. وَقتل فِي وقْعَة الْحمام الْأَمِير سودن بقجة وَحمل الْأَمِير نوروز على حَاجِب الكرك. وَقتل مِمَّن مَعَه جمَاعَة. وَفِي سلخه: ألزم بكتمر نَائِب الشَّام قُضَاة دمشق بِحمْل عشرَة قراقل وألزم تجارها بِعشْرَة أُخْرَى. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كثرت الْفِتَن بَين التركمان وخربوا قرى كَثِيرَة بِبِلَاد حلب. وَفِيه قدم رسل ابْن عُثْمَان متملك الرّوم إِلَى حلب. وَفِيه خَالف أقبغا شَيْطَان - أحد أَصْحَاب الْأَمِير شيخ - عَلَيْهِ وَسَار من قلعة المرقب فِي عشْرين رجلا وَقدم حلب منتمياً إِلَى طَاعَة السُّلْطَان وَفِيه تنكر سودن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 277 الجلب عَن الْأُمَرَاء النازلين عِنْده بالكرك وَسَار عَنْهُم حَتَّى عدى الْفُرَات فَبعث مَعَه يغمور من يوصله إِلَى ماردين فَلَمَّا نزل بهَا أَقَامَ ثَلَاثًا وعزم على الْمُضِيّ إِلَى قرا يُوسُف فَأَتَاهُ الْخَبَر بِأَن أيدكي بك ملك التّرْك وَالشَّيْخ إِبْرَاهِيم الدربندي وشاه رخ ابْن تيمورلنك ملك جقطاي قد اجْتَمعُوا على محاربة قرا يُوسُف فتحير فِي أمره. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة رَابِع عشرينه: نزل السُّلْطَان على مَدِينَة الكرك وحصرها. شهر ذِي الْحجَّة أَوله الْخَمِيس: وَفِي خامسه: ورد مرسوم السُّلْطَان إِلَى دمشق بِطَلَب نواب الشَّام. وَفِي سابعه: وصل حَرِيم السُّلْطَان من دمشق إِلَى قلعة الْجَبَل صُحْبَة الْأَمِير كزل العجمي وَوصل مَعَه قُضَاة الْقُضَاة الثَّلَاث بديار مصر وَجَمَاعَة كَثِيرَة مِمَّن كَانَ بِدِمَشْق مَعَ الْعَسْكَر وَقدم مرسوم السُّلْطَان بِإِعَادَة زين الدّين مُحَمَّد بن الدَّمِيرِيّ إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة فَخلع عَلَيْهِ فِي حادي عشره وعزل ابْن شعْبَان. وَفِي ثَالِث عشره: قدم رَسُول مُحَمَّد شاه بن قرا يُوسُف صَاحب بَغْدَاد. وَفِي تَاسِع عشره: خرج الْأَمِير بكتمر جلق نَائِب الشَّام من دمشق وَنزل قبَّة يلبغا فَقدم عَلَيْهِ الْخَبَر بِأَن الأميرين تغري بردى وتمراز الناصري دخلا بَين السُّلْطَان وَبَين الأميرين شيخ ونوروز فِي الصُّلْح وصعدا إِلَيْهِمَا بقلعة الكرك وَنزلا ومعهما الْأَمِير سودن تلِي المحمدي ويشبك العثماني وقرروا مَعَ السُّلْطَان نزُول الْأَمِير شيخ والأمير نوروز إِلَى خدمته غَدا وأنهما نزلا إِلَيْهِ من الكرك فَخلع عَلَيْهِمَا وعَلى جمَاعَة مِمَّن مَعَهُمَا بضع عشرَة خلعة فَسَار الْأَمِير بكتمر من قبَّة يلبغا لَيْلَة الْخَمِيس ثَانِي عشرينه يُرِيد الكرك فَقدم الْخَبَر بانتقاض الصُّلْح بَين السُّلْطَان وَبَين الأميرن شيخ ونوروز ثمَّ ترددت الرُّسُل بَينهمَا وَبَين السُّلْطَان حَتَّى انْعَقَد الصُّلْح على أَن يسْتَقرّ الْأَمِير الْكَبِير تغري بردى فِي نِيَابَة الشَّام عوضا عَن الْأَمِير بكتمر ويستقر الْأَمِير شيخ فِي نِيَابَة حلب عوضا عَن الْأَمِير قرقماس ابْن أخي دمرداش وتستمر قلعة المرقب بِيَدِهِ ويستقر الْأَمِير نوروز فِي نِيَابَة طرابلس عوضا عَن الْأَمِير جانم ويستقر جانم أَمِير مائَة مقدم ألف بديار مصر وَيكون أَمِير مجْلِس ويستقر الْأَمِير تغري بردى ابْن أخي دمرداش فِي نِيَابَة حماة على عَادَته وينقل سودن من عبد الرَّحْمَن من صفد إِلَى إمرة مائَة تقدمة ألف بديار مصر وَأَن يكون الْأَمِير يشبك بن أزدمر أتابك على الْعَسْكَر بِدِمَشْق وَيكون الْأَمِير قنباي المحمدي أَمِيرا بحلب وَشرط السُّلْطَان على الأميرين شيخ ونوروز أَلا يخرجَا إمرة وَلَا إقطاعاً وَلَا غير ذَلِك إِلَّا بمرسوم سلطاني وَألا ينْفَرد أحد مِنْهُمَا بِأَمْر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 278 يتَعَلَّق بالسلطة وَأَن يسلما قلعة الكرك ومدينتها للسُّلْطَان وَيسلم الْأَمِير شيخ قلعة صرخد وقلعة صهيون للسُّلْطَان وَحلف الْجَمِيع للسُّلْطَان على الْوَفَاء لَهُ بِمَا ذكر وَالْإِقَامَة على طَاعَته. ثمَّ رَحل السُّلْطَان عَن الكرك يُرِيد الْقُدس بِمن مَعَه وَتوجه الْأَمِير تغري بردى نَائِب الشَّام إِلَى جِهَة دمشق فَأَقَامَ السُّلْطَان بالقدس خَمْسَة أَيَّام وَسَار يُرِيد الْقَاهِرَة فَقدم دوادار الْأَمِير تغري بردى إِلَى دمشق متسلماً لَهَا فِي ثامن عشرينه وَنزل بدار السَّعَادَة فَكَانَت مُدَّة الْأَمِير بكتمر جلق بِدِمَشْق بعد رحيل السُّلْطَان مِنْهَا إِلَى الكرك سَبْعَة وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَكَانَت مدَّته فِي النِّيَابَة الأولى عشْرين يَوْمًا. وَفِي هَذَا الشَّهْر ذِي الْحجَّة: فَشَا الطَّاعُون بِدِمَشْق وضواحيها. وَكَانَ فِي أول هَذَا الْعَام وباء بِبِلَاد فلسطين وحوران وعجلون ونابلس وطرابلس فَمَاتَ خلق كثير جدا وانحلت الأسعار بديار مصر فِي آخر هَذِه السّنة فأبيع الأردب الْقَمْح بِمِائَة وَثَلَاثِينَ فَمَا دونهَا والأردب الشّعير بِثَمَانِينَ درهما فَمَا دونهَا والأردب الفول بِمِائَة فَمَا دونهَا. هَذَا وَالدِّينَار الأفرنتي بِمِائَتي دِرْهَم من الْفُلُوس والمثقال الهرجة بِمِائَتي دِرْهَم وَعشْرين درهما وَالدِّينَار الناصري - وَهُوَ على وزن الأفرنتي - بِمِائَتي دِرْهَم الدِّينَار وَبَطل الدِّينَار السالمي الَّذِي ضربه الْأَمِير يلبغا السالمي فِي أَيَّام ولَايَته وَكَانَ يتعامل بِهِ عددا بِهِ فَمِنْهُ مَا زنته مِثْقَال وَمِنْه مَا زنته نصف مِثْقَال وَربع مِثْقَال وَعَلِيهِ سكَّة أهل الْإِسْلَام فَاسْتَحْسَنَهُ النَّاس وراج بَينهم فَأَرَادَ السُّلْطَان أَن يكون لَهُ اسْم فِي ذَلِك فجدد ضرب الدِّينَار الناصري على وزن الأفرنتي وَأكْثر من ضربه فراج كرواج الأفرنتي وَقل السالمي فِي أَيدي النَّاس لَكِن دخل الْغِشّ فِي الناصري والأفرنتي فَصَارَ مَا ذكرنَا بأيدي النَّاس من الذَّهَب شَيْء يُقَال لَهُ خَارج الدَّار وَهُوَ يعْمل بِغَيْر دَار الضَّرْب افتئاتا على السُّلْطَان وَينْقص سعره قَلِيلا وَشَيْء يُقَال لَهُ التركي وَهُوَ دِينَار من بِلَاد الفرنج وسعره أقل من سعر الأفرنتي ودينار آخر يُقَال لَهُ المغربي يجلب من بِلَاد الْمغرب عَلَيْهِ سكَّة أهل الْإِسْلَام ودينار من ضرب الْإسْكَنْدَريَّة وَأما الْفُلُوس فَإِنَّهَا النَّقْد الرائج بديار مصر كلهَا حاضرتها وريفها إِلَيْهَا حسب أَثمَان المبيعات كلهَا وقيم الْأَعْمَال بأجمعها ويتعامل بهَا كَمَا قَرَّرَهُ السالمي وزنا على أَن كل رَطْل مصري مِنْهَا بِسِتَّة دَرَاهِم وَبَلغت الْفضة النقرة الَّتِي لم تغش بِثَلَاثَة عشر درهما من الْفُلُوس زنة كل دِرْهَم مِنْهَا وَقلت الْفضة الكاملية فَلم تكد تُوجد. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 279 وَحج بِالنَّاسِ من مصر فِي هَذِه السّنة الْأَمِير الطواشي فَارس الدّين شاهين الحسني. وَأخذت فِي هَذِه السّنة مَدِينَة أشقيرة من بِلَاد الأندلس وَذَلِكَ أَن الطاغية صَاحب قشتالة لما أوقع بِالْمُسْلِمين فِي الزقاق كثرت غاراته فِي بِلَاد الْمُسلمين بالأندلس وَكَثُرت غاراتهم أَيْضا على بِلَاد قشتالة وَكَانَ ألفنت قد قَامَ بِأَمْر أَخِيه دون وَكَانَ عَارِفًا بالحروب والمكايد شجاعاً درياً شَدِيد الْبَأْس فَجمع لِحَرْب الْمُسلمين وَنزل على أنتقيرة - تجاه مالقة - أول ذِي الْحجَّة فَلم يستنجد أَبُو الْحجَّاج يُوسُف بن يُوسُف بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن نصر بن الْأَحْمَر - صَاحب غرناطة - عَسَاكِر فاس كَمَا هِيَ الْعَادة بل رأى أَن فِي عسكره كِفَايَة وجهز أَخَوَيْهِ مُحَمَّد وعلياً على عَسْكَر الأندلس وَقد جمع أهل الْقرى بأسرها وَخَرجُوا من غرناطة فِي ثامن عشر ذِي الْحجَّة سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَثَمَانمِائَة ونزلوا على حصن أرشذونة - وَهُوَ على سِتَّة أَمْيَال من أنتقيرة - حَتَّى تكاملت الجموع فِي ثامن عشرينه ثمَّ سَارُوا فِي لَيْلَة التَّاسِع وَالْعِشْرين وعسكروا تجاه الْعَدو بسفح جبل المدرج فَمَا اسْتَقَرَّتْ وَقد أعجبتهم أنفسهم بهم الدَّار حَتَّى زحف الْعَدو لحربهم فثاروا لقتاله وَقد أعجبتهم أنفسهم واغتروا بكثرتهم وتباهوا بزينتهم وَلم يراقبوا الله فِي أَمرهم فَمَا أحد إِلَّا وَمَعَهُ نوع من الْمعاصِي كَالْخمرِ والأحداث حَتَّى لقد أَخْبرنِي من شهد الوقيعة انه سمع عَالم الأندلس - أَبَا يحيى بن عَاصِم - يَقُول: مَا أَظن إِلَّا أَنا مخذولون. فَلَمَّا اشْتَدَّ الْقِتَال فِي اللَّيْل انهزم الْعَدو بعد مَا قتل من الْمُسلمين عشرَة فرسَان وَلما كَانَ أول يَوْم من محرم سنة ثَلَاث عشرَة نَادَى أَخُو السُّلْطَان فِي الْعَسْكَر بالنقة وَكَانَت نَفَقَة السّفر قد أخرت عَن وَقتهَا لِئَلَّا يَأْخُذهَا الْعَسْكَر وَلَا يشْهدُوا الْحَرْب وَجعلت عِنْد حُضُور الْجِهَاد فهم فِي أَخذ النَّفَقَة وَإِذا بالعدو وَقد أقبل عِنْد طُلُوع الشَّمْس فَخرجت المطوعة وقاتلتهم وَأقَام الْعَسْكَر بأجمعهم لأخذ النَّفَقَة وَعلم الْعَدو بذلك فَرَجَعُوا كَأَنَّهُمْ منهزمين والمطوعة تتبعهم. وتنادي فِي الْعَسْكَر: يَا أكالين الْحَرَام الْعَامَّة فَلَمَّا وصل الْعَدو إِلَى معسكرهم وقفُوا للحرب وَقد اجْتمع جَمِيع رجالة الْمُسلمين الجزء: 6 ¦ الصفحة: 280 طَمَعا فِي الْغَنِيمَة فَإِذا الْعَدو وَقد خَنْدَق على مُعَسْكَره ورتب عَلَيْهِ الرُّمَاة فَسقط فِي أَيْديهم ووقفوا إِلَى الظّهْر فِي حيرة فَخرج أُمَرَاء الطاغية عِنْد ذَلِك من جَوَانِب الخَنْدَق وحملوا على الْمُسلمين فَقتلُوا من قَاتلهم وأسروا من ألْقى مِنْهُم سلاحه حَتَّى وصلوا مخيم الْمُسلمين فَركب طَائِفَة من بني مرين وَبني عبد الواد وقاتلوا على أَطْرَاف خيمهم قَلِيلا وانهزموا هم وَجَمِيع أهل الأندلس بِحَيْثُ خرج أخوا السُّلْطَان بِمن مَعَهُمَا مشَاة إِلَى الْجَبَل على أَقْدَامهم فأحاط الْعَدو بِجَمِيعِ مَا كَانَ مَعَهم وَأَكْثرُوا من الْقَتْل فيهم. وَكَانَت عدَّة من قتل من المعروفين من أهل غرناطة خَاصَّة مائَة ألف إِنْسَان سوى من لم يعرف وَسوى أهل أقطار الأندلس بحرها وبرها سهلها وجبلها فَإِنَّهُم عَالم لَا يُحْصِيه إِلَّا الله تَعَالَى. وَاسْتشْهدَ أَبُو يحيى بن عَاصِم فِي عدَّة من الْفُقَهَاء. وَأقَام النَّصَارَى ثَلَاثَة أَيَّام يتتبعون الْمُسلمين فيقتلون وَيَأْسِرُونَ. وَبعث الطاغية إِلَى أَعماله يُخْبِرهُمْ بنصرته. فَلَمَّا بلغ ذَلِك أهل أبده وسبته وَأهل حَيَّان خَرجُوا إِلَى وَادي أش - وَهُوَ بيد الْمُسلمين - ولزلوا قَرِيبا من حصن أرتنة فاستغاث أهل الْحصن بِأَهْل غرناطة فأمدوهم بعسكر فَصَارَ النَّصَارَى إِلَى حصن مشافر وقاتلوا أَهله حَتَّى أخذُوا الربض وشرعوا فِي تَعْلِيق الْحصن. وَإِذا بعسكر غرناطة قد جَاءَهُم فِي سَابِع الْمحرم فأوقعوا بهم وقيعة شنعاء أفنوهم فِيهَا وأسروا مِنْهُم زِيَادَة على ألف وَخَمْسمِائة وعادوا إِلَى غرناطة بهم فَدَخَلُوا فِي تاسعه وَبلغ ذَلِك الطاغية - وَهُوَ على حِصَار أنتقيرة - فَكف أَصْحَابه عَن الدُّخُول بعْدهَا إِلَى بِلَاد الْمُسلمين وَأقَام على الْحصار سِتَّة أشهر حَتَّى ضعفت أَحْوَال الْمُسلمين بأنتقيرة وَرفعُوا كرائم أَمْوَالهم إِلَى حصنها وتعلقوا بِهِ فَملك الطاغية الْمَدِينَة بِمَا فِيهَا من الأزواد والأمتعة. وَوَقع مَعَ هَذَا فِي الْمُسلمين الوخم فَمَاتَ مِنْهُم جمَاعَة كَثِيرَة فاضطرهم الْحَال إِلَى طلب الْأمان ليلحقوا بِبِلَاد الْمُسلمين بِأَمْوَالِهِمْ فَأَمنَهُمْ ألفنت على أَن يخرجُوا بِمَا يُطِيقُونَ حمله فَخَرجُوا بأجمعهم إِلَى مُعَسْكَره فوفي لَهُم حَتَّى أَن بعض البطارقة من أكَابِر أمرائه أَخذ بِنْتا جميلَة وخلا بهَا يَوْمه كُله ثمَّ خلى سَبِيلهَا. فوقفت بهَا أمهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 281 وَشَكتْ مَا نزل بهَا فَقَالَ لَهَا: أتعرفيه قَالَت: إِذا رَأَيْته عَرفته فَنَادَى بِحُضُور جَمِيع من مَعَه فَأتوا بأسرهم ووقفوا صُفُوفا فَقَالَ للْمَرْأَة: سيري فيهم حَتَّى تعرفي غريمك. فَمَا زَالَت تتصفح وُجُوههم إِلَى أَن رَأَتْ خصمها فقادته إِلَيْهِ فشنقه لوقته. وجهز جَمِيع الْمُسلمين وَبعث من أوصلهم إِلَى غرناطة فَلم يفقد أحد مِنْهُم وَلَا شِرَاك نعل وَأقَام بأنتقيرة من يَثِق بِهِ وَعَاد عَنْهَا قَافِلًا إِلَى بِلَاده فِي أَوَائِل جُمَادَى الْآخِرَة فَكَانَت هَذِه الْحَادِثَة من أشنع مَا أصَاب الْمُسلمين بالأندلس وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه. قجاجق دوادار السُّلْطَان فِي سادس الْمحرم وَكَانَ أشبه بِالنسَاء مِنْهُ بِالرِّجَالِ فَشهد السُّلْطَان دَفنه بَعْدَمَا صلى عَلَيْهِ. وَتُوفِّي كريم الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن نعْمَان بن هبة الله الْهوى محتسب الْقَاهِرَة فِي حادي عشر شعْبَان وَكَانَ من فضائح الزَّمَان. وَتُوفِّي مجد الدّين عبد الْغَنِيّ بن الهيصم نَاظر الْخَاص فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء عشْرين شعْبَان. وَكَانَ من ظلمَة الأقباط. وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين عبد الرَّحْمَن بن تَاج الرياسة مُحَمَّد بن عبد النَّاصِر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 282 الْمحلي الزبيرِي الشَّافِعِي فِي يَوْم الْأَحَد أول شهر رَمَضَان. ومولده سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَولي قَضَاء الْقُضَاة - كَمَا تقدم - نَحْو ثَلَاثِينَ شهرا حسنت فِيهَا سيرته ثمَّ عزل فَلَزِمَ بَيته نَحْو ثَلَاث عشرَة سنة حج فِيهَا مرَّتَيْنِ وجاور بِمَكَّة سنة. وَأول من حكم عَنهُ قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين عبد الْعَزِيز بن جمَاعَة. وَتُوفِّي شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الْملك الدَّمِيرِيّ الْمَالِكِي يَوْم الِاثْنَيْنِ تَاسِع شهر رَمَضَان وَولي حسبَة الْقَاهِرَة فِي الْأَيَّام الأشرفية شعْبَان وَبعده غير مرّة. وَولي نظر الأحباس وَنظر المارستان وَقَضَاء الْعَسْكَر على مَذْهَب مَالك. وَكَانَ عَارِيا من الْعلم. وَتُوفِّي الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن عَليّ الْقطَّان الشَّافِعِي فِي أول شهر شَوَّال وَكَانَ من أَعْيَان الْفُقَهَاء النُّحَاة الْقُرَّاء. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 283 وَتُوفِّي شمس الدّين مُحَمَّد بن عبد الْخَالِق الْمَنَاوِيّ الْمَعْرُوف بِبدنِهِ وَيعرف بالطويل أَيْضا فِي رَجَب وَولي حسبَة الْقَاهِرَة ووكالة بَيت المَال وَنظر الْكسْوَة وَنظر الْأَوْقَاف. وَكَانَ غَايَة فِي الْجَهْل. وَتُوفِّي الْأَمِير قراجا دوادار السُّلْطَان فِي منزلَة الصالحية وَهُوَ صُحْبَة السُّلْطَان يُرِيد الشَّام يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَالِث عشر ربيع الآخر وَدفن بهَا. وَتُوفِّي الْأَمِير قرا تنبك الْحَاجِب أحد أُمَرَاء الطبلخاناه بِالْقَاهِرَةِ فِي أول شَوَّال. وَتُوفِّي القان أَحْمد بن شيخ حسن بن شيخ حُسَيْن بن أقبغا بن أيلكان صَاحب بَغْدَاد مقتولاً فِي لَيْلَة الْأَحَد آخر شهر ربيع الآخر وَكَانَ جُلُوسه سُلْطَانا فِي صفر سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة وَقتل الْأَمِير سلمَان بن بايزيد بن عُثْمَان وَملك أَخُوهُ مُوسَى الجزيرة الرومية وأعمالها. وَملك مُحَمَّد بن عُثْمَان الْقرْيَة الخضراء وأعمالها وَهِي يُقَال لَهَا برصا بالرومية. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 284 (سنة أَربع عشرَة وَثَمَانمِائَة) أهلت وسلطان الديار المصرية والبلاد الشامية وَأَرْض الْحجاز الْملك النَّاصِر أَبُو السعادات فرج بن السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر أبي سعيد برقوق بن أنص وَخَلِيفَة الْوَقْت الإِمَام المستعين بِاللَّه أَبُو الْفضل الْعَبَّاس بن المتَوَكل على الله أبي عبد الله مُحَمَّد. وأتابك العساكر الْأَمِير تمرتاش المحمدي. والدوادار الْكَبِير الْأَمِير طوغان الحسني وَرَأس نوبَة قنباي وحاجب الْحجاب يلبغا الناصري. وقاضي الْقُضَاة بديار مصر شيخ الْإِسْلَام جلال الدّين أَبُو الْفضل عبد الرَّحْمَن بن شيخ الْإِسْلَام سراج الدّين أبي حَفْص عمر بن رسْلَان البُلْقِينِيّ الشَّافِعِي وقاضي الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن قَاضِي القفساة كَمَال الدّين عمر بن العديم وقاضي الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة شمس الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن معبد الْمدنِي وقاضي الْقُضَاة الْحَنَابِلَة مجد الدّين سَالم بن سَالم الْمَقْدِسِي. وَكَاتب السِّرّ فتح الدّين فتح الله بن معتصم بن نَفِيس وناظر الْجَيْش الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله والوزير الصاحب سعد الدّين إِبْرَاهِيم البشيري. والأستادار الْأَمِير تَاج الدّين عبد الْغَنِيّ بن الهيصم ونائب الشَّام الْأَمِير تغري بردى ونائب حلب الْأَمِير شيخ المحمودي ونائب طرابلس الْأَمِير نوروز الحافظي ونائب حماة الْأَمِير تغري بردى ابْن أخي دمرداش وَيعرف بسيدي الصَّغِير ونائب صفد الْأَمِير قرقماس بن أخي دمرادش الْمَعْرُوف بسيدي الْكَبِير ونائب غَزَّة الْأَمِير أينال الرجبي وَقد عزل وَاسْتقر عوضه الْأَمِير سودن من عبد الرَّحْمَن ومتملك بَغْدَاد وتبريز قرا يُوسُف ابْن قرا مُحَمَّد التركماني وينوب عَنهُ بِبَغْدَاد وَلَده مُحَمَّد شاه. وأمير مَكَّة المشرفة الشريف حسن بن عجلَان وَصَاحب الْيمن الْملك النَّاصِر أَحْمد بن الْملك الْأَشْرَف إِسْمَاعِيل وَصَاحب بِلَاد قرمان الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد باك بن الْأَمِير عَلَاء الدّين بن قرمان وَصَاحب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 285 أجات الْأَمِير مُوسَى جلبي بن الْأَمِير أبي يزِيد بن مُرَاد خَان بن أزمان بن عُثْمَان جق. وَصَاحب قرم وصراي وبلاد الدشت الْأَمِير أيدكي وَصَاحب سَمَرْقَنْد وبخاري وبلاد فَارس فرخشاه بن تيمورلنك. والأسعار بديار مصر: أما الذَّهَب الهرجة فَكل مِثْقَال بِمِائَتي دِرْهَم وَخَمْسَة عشر درهما بالفلوس المتعامل بهَا كل رَطْل بِسِتَّة دَرَاهِم. وَالدِّينَار الأفرنتي وَالدِّينَار الناصري كل شخص مِنْهَا بِمِائَة وَتِسْعين درهما إِذا عوض الذَّهَب فِي ثمن مَبِيع حسب بِزِيَادَة خَمْسَة دَرَاهِم. وَأما الْقَمْح فَإِن الأردب بِمِائَة وَأَرْبَعين درهما إِلَى مَا دونهَا فَيكون على حِسَاب الذَّهَب فِي غَايَة الرُّخص فَإِنَّهُ بِثُلثي مِثْقَال. والأردب من الشّعير والفول بِمِائَة دِرْهَم فَمَا دونهَا. شهر الله الْمحرم الْحَرَام أَوله السبت: فِيهِ تسلم الْأَمِير أسنبغا الزردكاش قلعة الكرك من الأميرين شيخ ونوروز فَوجدَ مَدِينَة الكرك خراباً لَيْسَ فِيهَا من أَهلهَا سوى خمسين إنْسَانا وَقد تشَتت أَهلهَا فِي الْبِلَاد من كَثْرَة الظُّلم وَشدَّة الْجور. وَفِي سادسه: قدم الْأَمِير تغري بردى نَائِب الشَّام إِلَى دمشق وَنزل بدار السَّعَادَة على الْعَادة فَنُوديَ بالزينة فزين النَّاس حوانيتهم. وَفِي ثامنه: وصل الأميران شيخ نَائِب حلب ونوروز نَائِب طرابلس إِلَى دمشق وَنزلا بسطح المزة فَخرج الْأَمِير تغري بردى نَائِب الشَّام إِلَيْهِمَا وَسلم عَلَيْهِمَا وترحب بهما وَعَاد. وَكَانَ لما بلغه قدومهما خرج ليلقاها على قبَّة يلبغا فَبَلغهُ أَنَّهُمَا مضيا إِلَى المزة فَعَاد إِلَى دَار السَّعَادَة وتخفف من ثِيَابه وَركب إِلَيْهِمَا بِثِيَاب بذلته فَوجدَ الْأَمِير شيخ فِي أثْنَاء الطَّرِيق وَقد ركب إِلَيْهِ ليسلم عَلَيْهِ فَرجع مَعَه وَتوجه إِلَى الْأَمِير نوروز الجزء: 6 ¦ الصفحة: 286 فقضي حَقه من السَّلَام. ثمَّ جَاءَ إِلَى دَار السَّعَادَة فَركب الْأَمِير شيخ وأتى إِلَى الْبَلَد وَنزل بدار القرماني وَنزل الْأَمِير نوروز بدار فرج بن منجك بَعْدَمَا ركب إِلَى النَّائِب وَسلم عَلَيْهِ. وَفِي تاسعه: نزل السُّلْطَان بقطيا وسرح الطَّائِر إِلَى قلعة الْجَبَل بِأَنَّهُ يقدم يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِي عشره فتأهب النَّاس إِلَى لِقَائِه وَخَرجُوا إِلَيْهِ فَنزل بكرَة يَوْم الْأَرْبَعَاء بتربة وَالِده السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر خَارج بَاب النَّصْر وخلع على الْخَلِيفَة والقضاة والأمراء وَسَائِر أَرْبَاب الْوَظَائِف وخلع على شمس الدّين مُحَمَّد بن يَعْقُوب وولاه حسبَة الْقَاهِرَة وعزل ابْن الدَّمِيرِيّ وخلع على مُحَمَّد بن النجار. وعزل ابْن الْهوى من حسبَة مصر وَقبض عَلَيْهِ ليحضر مَا خَلفه أَبوهُ من المَال. وَصعد إِلَى قلعة الْجَبَل فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَفِي سَابِع عشره: سَار الْأَمِير شيخ من دمشق إِلَى حلب بَعْدَمَا قضى أشغاله فَخرج الْأَمِير تغري بردى مَعَه ليوادعه حَتَّى نزل بسطح المزة ثمَّ خرج الْأَمِير نوروز فَنزل بالمزة أَيْضا واستقلا بِالْمَسِيرِ فِي غده وَكَانَ الْأَمِير شيخ قد بعث متسلمه إِلَى حلب وَهُوَ مَمْلُوكه قنباي فَقَدمهَا فِي ثَالِث عشره فَخرج الْأَمِير قرقماش ابْن أخي دمرداش من حلب وخيم بظاهرها ثمَّ سَار من غده يُرِيد صفد. وَفِي حادي عشرينه: خلع السُّلْطَان على زين الدّين حاجي التركماني الْحَنَفِيّ قَاضِي الْعَسْكَر وَأحد أَئِمَّة السُّلْطَان وولاه مشيخة التربة الظَّاهِرِيَّة برقوق خَارج بَاب النَّصْر وعزل عَنْهَا صدر الدّين أَحْمد بن جمال الدّين مَحْمُود القيصري - الْمَعْرُوف بِابْن العجمي - من أجل أَنه ودع عِنْده قبل سَفَره عشرَة آلَاف دِينَار فأنفقها كلهَا فِي مأكل وملابس وَحج مِنْهَا فَقبض عَلَيْهِ السُّلْطَان وَطلب مِنْهُ المَال فَبَاعَ مَا اشْتَرَاهُ مِنْهُ وَأورد بعضه وَعجز عَن الْبَعْض فَتَركه لَهُ. وَفِي رَابِع عشرينه: وصل الْأَمِير بكتمر جلق من الشَّام فَركب السُّلْطَان وتلقاه وَألبسهُ تَشْرِيفًا سنياً وخلع على الْأَمِير الْكَبِير تمرتاش تَشْرِيفًا بِنَظَر المارستان المنصوري على الْعَادة وَعبر السُّلْطَان إِلَى الْقَاهِرَة من بَاب النَّصْر وهما بتشريفهما بَين يَدَيْهِ حَتَّى مر بِالْمَدْرَسَةِ الَّتِي أَنْشَأَهَا الْأَمِير جمال الدّين يُوسُف الأستادار برحبة بَاب الْعِيد نزل إِلَيْهَا وَصلى بهَا ثمَّ ركب مِنْهَا. وَذَلِكَ أَن جمال الدّين لما قتل فِي سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَقبض السُّلْطَان على أَمْوَاله حسن أعداؤه للسُّلْطَان أَن يهدم هَذِه الْمدرسَة وَيَأْخُذ رخامها فَإِنَّهُ فِي غَايَة الْحسن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 287 ويسترجع الْأَمْلَاك والأراضي الْمَوْقُوفَة عَلَيْهَا فَإِنَّهَا تغل جملَة كَبِيرَة فعزم على ذَلِك وَلم يبْق إِلَّا أَن تهدم فَقَامَ فتح الله كَاتب السِّرّ فِي صرف السُّلْطَان عَن ذَلِك ومازال بِهِ حَتَّى رَجَعَ إِلَيْهِ على أَنه ينْقض مَا وَقفه جمال الدّين ويجدد السُّلْطَان وَقفهَا فَتَصِير مدرسته وَذَلِكَ أَن مَكَان هَذِه الْمدرسَة كَانَ وَقفا على تربة فاستبدله جمال الدّين بِقِطْعَة أَرض من أَرَاضِي مصر الخراجية فَأخذ السُّلْطَان المستبدل بهَا وَقَالَ: إِنِّي لم أذن لَهُ فِي أَخذ هَذِه الأَرْض وَهِي من جملَة أَرَاضِي الْخراج وَإِنَّمَا أَخذهَا افتئاتا. فَصَارَت أَرض هَذِه الْمدرسَة وَقفا على مَا كَانَت عَلَيْهِ قبل بنائها. فَحكم قَاضِي الْقُضَاة الْمَالِكِي أَن الْبناء الْمَوْقُوف على هَذِه الأَرْض ملك لم يَصح وَقفه فَاشْترى السُّلْطَان عِنْد ذَلِك بِنَاء الْمدرسَة بَعْدَمَا قوم بمبلغ عشرَة آلَاف دِينَار من وَرَثَة جمال الدّين ثمَّ أشهد عَلَيْهِ أَنه وَقفه بَعْدَمَا عوض مستحقي أرْضهَا بدلهَا. وَحكم الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بِصِحَّة الِاسْتِبْدَال. وَكتب لَهَا كتاب وقف على مَا كَانَ جمال الدّين قَرَّرَهُ فِيهَا من الْفُقَهَاء والقراء وَغَيرهم. وأبطل مَا كَانَ لأَوْلَاد جمال الدّين من الفائض بعد المصروف. ومزق كتاب وقف جمال الدّين وأفرد لهَذِهِ الْمدرسَة بعض مَا كَانَ جمال الدّين جعله وَقفا عَلَيْهَا وزادها قِطْعَة أَرض بأراضي الجيزية. وَفرق بَاقِي وقف جمال الدّين على التربة الَّتِي أَنْشَأَهَا على قبر أَبِيه خَارج بَاب النَّصْر وعَلى أَوْلَاده وَحكم الْقُضَاة الْأَرْبَعَة بِصِحَّة ذَلِك كُله وَإِبْطَال مَا عمله جمال الدّين. فَلَمَّا تمّ ذَلِك أَمر أَن يمحي اسْم جمال الدّين ورنكه من الْمدرسَة فمحي وَكتب بدله اسْم السُّلْطَان فَصَارَت تدعى بِالْمَدْرَسَةِ الناصرية بَعْدَمَا كَانَ يُقَال لَهَا الجمالية. وَلما سَار السُّلْطَان من هَذِه الْمدرسَة مر بمدرسة أَبِيه فِي بَين القصرين فَنزل إِلَيْهَا أَيْضا وزار جده. ثمَّ ركب وَخرج من بَاب زويلة إِلَى القلعة وَعبر الْأَمِير تمرتاش إِلَى المارستان وَمَعَهُ فتح الله كَاتب السِّرّ وَقد ولاه السُّلْطَان أَيْضا نظر المارستان وَهُوَ بِدِمَشْق عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد الدَّمِيرِيّ بعد وَفَاته فَنَظَرا فِي أمره وانصرفا وَقد استناب الْأَمِير تمرتاش عَنهُ فِي المارستان الْأَمِير صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله. شهر صفر أَوله الِاثْنَيْنِ: فِي سادسه: وصل الْأَمِير قرقماس نَائِب صفد إِلَى دمشق فأراح بهَا وَسَار إِلَى صفد بَعْدَمَا قدم لَهُ الْأَمِير تغري بردى نَائِب الشَّام مَا يَلِيق بِهِ وأكرمه غَايَة الْإِكْرَام. وَفِي ثَانِي عشره: عين السُّلْطَان اثْنَيْنِ وَعشْرين أَمِيرا من الْأُمَرَاء البطالين ليتوجهوا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 288 إِلَى الشَّام على إقطاعات عينهَا لَهُم مِنْهُم الْأَمِير حزمان الحسني والأمير تمان تمر الناصري والأمير سونجبغا والأمير شادي خجا والأمير أرطوبغا والأمير قنباي الْأَشْقَر وَمَعَهُمْ مِائَتَا مَمْلُوك ليكر النَّائِب وَفِي ثَالِث عشره: قتل بسجن الْإسْكَنْدَريَّة الْأَمِير جَانِبك القرمي والأمير أسندمر الْحَاجِب والأمير سودن البجاسي والأمير قنباي أَخُو بلاط. وَفِي حادي عشرينه: خلع على تَقِيّ الدّين عبد الْوَهَّاب بن الْوَزير الصاحب فَخر الدّين ماجد بن أبي شَاكر وَاسْتقر فِي نظر الْخَاص وَلم يول السُّلْطَان فِيهَا بعد مجد الدّين بن الهيصم أحدا. وَفِي رَابِع عشرينه: قبض السُّلْطَان على ثَلَاثَة أُمَرَاء من المقدمين وهم الْأَمِير قنباي رَأس نوبَة والأمير يشبك الموساوي الأفقم والأمير كمشبغا المزوق وَقبض على الْأَمِير منجك أَمِير عشْرين والأمير قنباي الصَّغِير ابْن بنت أُخْت الْملك الظَّاهِر برقوق أَمِير عشرَة وشاهين وَخير بك ومأمور وخشكلدي وحملوا فِي الْحَدِيد إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجنوا بهَا ورسم للأمير تمراز الناصري أَن يكون طرخانا لَا يحضر الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة وَيُقِيم بداره وَيتَوَجَّهُ إِلَى دمياط وَعين وَفِي سَابِع عشرينه: ورد كتاب الْملك مانويل صَاحب إصطبول وَهِي الْقُسْطَنْطِينِيَّة وهدية خمس كواهي فتضمن كِتَابه مَا عِنْده من الْمحبَّة وَيسْأل الْوَصِيَّة بالنصارى ومراعاة كنائسهم وَنَحْو ذَلِك. وَفِي ثامن عشرينه: خلع على الْأَمِير سنقر الرُّومِي وَاسْتقر رَأس نوبَة كَبِير عوضا عَن قنباي. وَفِي سلخه: انْقَطع الْأَمِير طوغان الدوادار عَن الطُّلُوع إِلَى الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة بقلعة الْجَبَل على الْعَادة خوفًا على نَفسه فَإِنَّهُ وشى بِهِ مملوكان من مماليكه ومملوك من مماليك السُّلْطَان أَنه يُرِيد الرّكُوب على السُّلْطَان ومحاربته فَأرْسل السُّلْطَان إِلَيْهِ الْأَمِير الْكَبِير تمرتاش والأمير يلبغا الناصري حَاجِب الْحجاب ليحضراه فَمَا زَالا بِهِ حَتَّى صعد مَعَهُمَا إِلَى القلعة فآل الْأَمر بعد كَلَام كثير إِلَى أَن خلع عَلَيْهِ وَسلم لَهُ غرماؤه فِي الْحَدِيد. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 289 وَفِي هَذَا الشَّهْر: انْتهى الطَّاعُون الَّذِي ابْتَدَأَ فِي الْبِلَاد الشامية من شَوَّال فأحصي من مَاتَ من أهل دمشق وسكان غوطتها فَكَانُوا نَحْو خمسين ألفا سوى من لم يعرف فخلت عدَّة من الْقرى وَبقيت الزروع قَائِمَة لَا تَجِد من يحصدها. شهر ربيع الأول أَوله الثُّلَاثَاء: فِيهِ قدم الْأَمِير أينال الساقي من سجن الْإسْكَنْدَريَّة. وَفِي رابعه: أخرج الْأَمِير تمراز الناصري والأمير شرباش كباشة إِلَى دمياط منفيين. وَفِيه قبض على جمَاعَة من المماليك الخاصكية مِنْهُم جَان بك العثماني وَفِيه قدم الْخَبَر بِأَن الأميرين شيخ ونوروز لم يمضيا حكم المناشير السُّلْطَانِيَّة وأنهما أخرجَا إقطاعات حلب وطرابلس لجماعتهما وَأَن الْأَمِير شيخ سير يشبك العثماني لمحاصرة قلعة البيرة وقلعة الرّوم وَأَنه خرج من حلب وَخرج نوروز من طرابلس وَأَن عزمهما الْعود على مَا كَانَا عَلَيْهِ من الْخُرُوج عَن الطَّاعَة. وَقدم الْخَبَر بِأَن جلبي بن أبي يزِيد بن عُثْمَان - صَاحب برصا - قتل أَخَاهُ سلمَان وَأخذ جَمِيع بِلَاده وَهُوَ عازم على الْمسير إِلَى أَخِيه كرشجي. وَفِي خامسه: قبض السُّلْطَان على جمَاعه من كبار مماليك أَبِيه الخاصكية وسجنهم بالبرج ثمَّ قَتلهمْ بعد شهر. وَفِي سابعه: قبض على الْأَمِير خير بك نَائِب غَزَّة وَهُوَ يَوْمئِذٍ أحد أُمَرَاء الألوف بديار مصر وَقبض على عدَّة من المماليك وَحَملهمْ إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَفِيه قدم الْخَبَر بقتل الْأَمِير قرا يشبك والأمير أقبغا جركس والأمير أسندمر الناصري والأمير سودن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 290 الْحِمصِي بسجن الْإسْكَنْدَريَّة. وَفِي عشرينه: قدم سودن الجلب من بِلَاد الشرق إِلَى حلب فسيره الْأَمِير شيخ إِلَى الْأَمِير نوروز. وَفِيه ورد الْخَبَر بِأَن الْأَمِير نوروز بعث عسكراً لحصار قلعة الأكراد. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 291 فِي ثَانِيه: خلع على الْأَمِير أسنبغا الزركاش أحد أُمَرَاء الأولوف وَزوج أُخْت السُّلْطَان وَاسْتقر شاد الشَّرَاب خاناه عوضا عَن الْأَمِير سودن الْأَشْقَر. وَفِي ثَالِث عشره: خلع على الْأَمِير فَخر الدّين عبد الْغَنِيّ ابْن الْأَمِير الْوَزير تَاج الدّين عبد الرَّزَّاق ابْن أبي الْفرج كاشف الْوَجْه البحري وَاسْتقر أستادار السُّلْطَان عوضا عَن الْأَمِير تَاج الدّين بن الهيصم بعد عَزله وَالْقَبْض عَلَيْهِ وتسليمه وحواشيه وأسبابه لَهُ مَعَ إِيقَاع الحوطة على بيوته وحواصله. وَفِي ثامن عشره: أوفى النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا فَركب السُّلْطَان وعدى النّيل إِلَى المقياس حَتَّى خلق بَين يَدَيْهِ ثمَّ فتح الخليج على عَادَته. وَفِي هَذَا الشَّهْر: قدم الْخَبَر بِأَن قرا يُوسُف سَار وَنزل على بِلَاد قرايلك وَحصر آمد ففر قرايلك إِلَى جِهَة الأطاغ وَأَن عَسَاكِر قرا يُوسُف تَفَرَّقت على قلاع قرايلك وَسَار ابْنه على عَسْكَر كَبِير إِلَى ماردين وَأَن الْحَرْب امتدت بَين قرا يُوسُف وقرايلك مُدَّة اثْنَيْنِ يَوْمًا قتل بَينهمَا خلائق كَثِيرَة فَبَيْنَمَا هم فِي ذَلِك إِذْ قدم الْخَبَر على قرا يُوسُف بِأَن ابْن تيمورلنك نزل على توريز فَرَحل من وقته وَترك أثقاله فَركب قرايلك فِي أَثَره وَأخذ مِنْهُ جمَاعَة وَمضى إِلَى أرزنكان ليخرب بلادها كَمَا خرب قرا يُوسُف بِلَاده وَأَن نَائِب عينتاب كبس أكراد قلعة الرّوم وَقَاتلهمْ فَقبض عَلَيْهِ طوغان نَائِب قلعة الرّوم واعتقله بهَا وَأَن كردِي بن كندر ركب على نَائِب إنطاكية وَأَخذه وَمضى بِهِ وَأَن الْأَمِير نوروز نَائِب طرابلس نزل على قلعة صهيون وحاصرها أَيَّامًا حَتَّى صَالحه أَهلهَا على مَال ثمَّ رَحل وَعَاد إِلَى طرابلس وَأَن الْأَمِير شيخ نَائِب حلب قبض على المماليك الَّذين فروا من الكرك وَأَنه مَشى هُوَ والأمير نوروز على الْأَمِير الْعجل بن نعير فتركهم وَتوجه إِلَى الرحبة من غير لِقَاء الجزء: 6 ¦ الصفحة: 292 فَعَاد الْأَمِير شيخ وَنزل على سرمين وَعَاد الْأَمِير نوروز وَنزل على جبلة وَأَن الْأَمِير شيخ مَا زَالَ حَتَّى أفرج عَن نَائِب عنتاب وَأَن نَائِب صهيون قبض على نَائِب اللاذقية وَقَتله. وَأَن ابْن أوزر التركماني حصر إنطاكية وَأخذ الْأَمِير جَانِبك نائبها واعتقله. وَأَن الْأَمِير الْعجل بن نعير استولى على بلد عانة فَبعث إِلَيْهِ قرا يُوسُف عسكراً فَكَسرهُ وَمضى إِلَى الأنبار فَرَحل من بَغْدَاد من التركمان خوفًا مِنْهُ فَبعث إِلَيْهِم وَطيب قُلُوبهم وَكَانُوا فِي اخْتِلَاف شَدِيد. وَفِي هَذَا الشَّهْر: ضربت الحوطة على قرايب الْأَمِير جمال الدّين يُوسُف الأستادار فَأمْسك ابْنه الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد وأخواه القَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد وناصر الدّين وابنا أُخْته الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد الْحَاجِب وَحَمْزَة وَزوج ابْنة أَخِيه شرف الدّين أَبُو بكر بن العجمي وعوقبوا عقوبات شَدِيدَة وألزموا بأموال كَثِيرَة. فَمَاتَ نَاصِر الدّين أَخُو جمال الدّين فِي الْعقُوبَة بعد مَا وَفِيه وَردت من طَائِفَة الفرنج الكيتلانية والجنوية جمَاعَة إِلَى ميناء الْإسْكَنْدَريَّة واقتتلوا فخاف أهل الْإسْكَنْدَريَّة وظنوا أَنَّهَا مكيدة فَلَمَّا تَمَادى الشَّرّ بَينهم وَبَلغت عدَّة قتلاهم نَحْو الْأَلفَيْنِ اطمأنوا قَلِيلا وَكَانَ من الجنويين رجل من العتاة المفسدين - يعرف بالبسقاوني - قد أسرته الكيتلانية فأسلموه للسُّلْطَان وَحمل فِي الْحَدِيد إِلَى قلعة الْجَبَل فَالْزَمْ بِمِائَة وَخمسين ألف دِينَار فَذكر أَن مَاله بيد الجنويين فَطلب مِنْهُم ذَلِك فَأَبَوا أَن يعطوه شَيْئا فَقبض على تجارهم بالإسكندرية فغضبوا وَسَارُوا بمراكبهم إِلَى الطينة فَسبوا نسَاء أَهلهَا وبنيهم بعد وقْعَة كَانَت لَهُم مَعَ الْمُسلمين فَخرجت طَائِفَة من دمياط لنجدتهم فاستشهد مِنْهُم فَقير مُعْتَقد يعرف بمحيي الدّين فِي نفرين من فقرائه وَأخذ الفرنج مَا كَانَ بالطينة من مَال أَهلهَا وأموال التُّجَّار وَسَارُوا. وَصَالح السُّلْطَان البساقي بستين ألف دِينَار. شهر جُمَادَى الأولى أَوله السبت: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 293 فِيهِ أَمر السُّلْطَان بهدم مدرسة السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف شعْبَان بن حُسَيْن بن مُحَمَّد ابْن قلاوون الَّتِي تجاه الطبلخاناه فَوَقع الْهدم فِيهَا وَكَانَت من أعظم بِنَاء رَأَيْنَاهُ وَعمر بأحجارها فِي مَوَاضِع بالقلعة وَأمر أَيْضا بهدم الدّور الَّتِي كَانَت ملاصقة لسور القلعة مَا بَين الصوة وَتَحْت الطبلخاناه إِلَى قريب بَاب القرافة فهدمت وَصَارَت خرابا موحشة وتشتت سكانها وتمزقوا وألسنتهم وَفِي ثَانِيه: ختم على جَمِيع حواصل الْقَاهِرَة الَّتِي يتَوَهَّم أَن فِيهَا فُلُوسًا لتؤخذ فَلَمَّا كَانَ فِي رَابِع عشرينه رسم لقَاضِي الْقُضَاة مجد الدّين سَالم الْحَنْبَلِيّ أَن يتَوَجَّه مَعَ الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن الطبلاوي مُتَوَلِّي الْقَاهِرَة وَبَعض ممالك السُّلْطَان وَعبد الرَّحْمَن بن فَيْرُوز الصَّيْرَفِي إِلَى الحواصل الْمَخْتُوم عَلَيْهَا وَأخذ مَا فِيهَا من الْفُلُوس وتعويض أَرْبَابهَا عَن ذَلِك ذَهَبا ناصرياً من حِسَاب كل دِينَار بِمِائَتي دِرْهَم وَكَانَ صرفه يَوْمئِذٍ بِمِائَة وَتِسْعين. فَمَضَوْا لذَلِك وفتحوا الحواصل فِي غيبَة أَرْبَابهَا وَأخذُوا نَحْو خَمْسمِائَة قفة فُلُوسًا كل قفة سِتّمائَة دِرْهَم بِثَلَاثَة دَنَانِير ناصرية. وَفِي هَذَا الشَّهْر: اشتدت الْعقُوبَة على أقَارِب الْأَمِير جمال الدّين الأستادار ثمَّ خنق أَحْمد ابْن أُخْته وَأحمد ابْنه وَحَمْزَة بن أُخْته فِي لَيْلَة الْأَحَد سادس عشره. وَفِي هَذَا الشَّهْر: أخذت عَسَاكِر قرا يُوسُف بن قرا مُحَمَّد بَغْدَاد بعد حصارها نَحْو عشرَة أشهر وهم بِبَغْدَاد يشيعون أَن السُّلْطَان أَحْمد بن أويس قد وصل إِلَيْهِم مختفياً وتبرز المراسيم عَن أمره ويخرجونه أَحْيَانًا فيكبسون عَسْكَر قرا يُوسُف وَيَأْخُذُونَ مَا قدرُوا عَلَيْهِ ثمَّ أشاعوا خُرُوجه غَدا وزينوا الْمَدِينَة. فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل اجْتمع عَسْكَرهمْ وَسَارُوا نَحْو تستر بأجمعهم فَدَخلَهَا أَصْحَاب قرا يُوسُف مَعَ وَلَده شاه مُحَمَّد ونهبوها وَقتلُوا بهَا جمَاعَة. واستمرت بَغْدَاد وَفِيه كتب السُّلْطَان إِلَى الْأَمِير شيخ يعتبه على مَا وَقع مِنْهُ ويحذره ويخوفه ويأمره أَن يُجهز إِلَيْهِ يشبك العثماني وَبرد بك وقنباي الخازندار محتفظاً بهم وَيُرْسل سودن الجلب إِلَى دمشق أَو صفد ليَكُون من جملَة الْأُمَرَاء بهَا. شهر جُمَادَى الْآخِرَة أَوله الْأَحَد: فِي أَوله: قدم كتاب السُّلْطَان إِلَى دمشق بعمارة القلعة وَالْمَدينَة فَنُوديَ بذلك. وَفِي رابعه: وصل إِلَى دمشق حَرِيم الْأَمِير تغري بردى وَأَوْلَاده من الْقَاهِرَة وَفِي هَذَا الشَّهْر فَارق الْأَمِير برد بك - نَائِب حماة - الْأَمِير نوروز وَسَار عَنهُ من طرابلس فَقدم دمشق فَأكْرمه الْأَمِير تغري بردى وَكتب يعلم السُّلْطَان بِهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 294 وَفِيه تَوَاتَرَتْ الْأَخْبَار بِأَن الأميرين شيخ ونوروز قد الفقا على الْخُرُوج عَن طَاعَة السُّلْطَان وعزما على أَخذ حماة فَوَقع الشُّرُوع فِي عمَارَة قلعة دمشق وَكتب تَقْدِير المصروف على ذَلِك مبلغ ثَلَاثِينَ ألف فِي ينار. وَفِيه وَقع الاهتمام فِي بِلَاد الشَّام بتجهيز الإقامات للسُّلْطَان فَإِنَّهُ عزم على السّفر. وَفِيه شنعت المصادرات بِالْقَاهِرَةِ وفحش أَخذ الْأَمْوَال من النَّاس حَتَّى خَافَ البريء وتوقع كل أحد أَن يحل بِهِ الْبلَاء من الْأَمِير فَخر الدّين الأستادار. وَفِيه أفرج عَن الْأَمِير تَاج الدّين بن الهيصم وخلع عَلَيْهِ خلعة الرِّضَا فاستماله الْأَمِير فَخر الدّين إِلَيْهِ وعزما على أَن يتحدثا مَعَ السُّلْطَان فِي تسليمهما الْوَزير سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن البشيري والرئيس تَقِيّ الدّين عبد الْوَهَّاب بن أبي شَاكر نَاظر الْخَاص بِمَال يقومان بِهِ فِي نَظِير مَا عساه يُؤْخَذ مِنْهُمَا بأنواع الْعُقُوبَات. فَلَمَّا بلغهما ذَلِك بادرا واتفقا مَعَ السُّلْطَان وأرضياه بِمَال جزيل فَقبض على الْأَمِير فَخر الدّين وعَلى الْأَمِير تَاج الدّين فِي عصر يَوْم الِاثْنَيْنِ سلخه على حِين غَفلَة وسلمهما للوزير سعد الدّين ففوجئ النَّاس من السرُور مَا لَا يعبر عَنهُ وأظهروا من الْفَرح شَيْئا زَائِدا. وَنزل الْوَزير بِابْن أبي الْفرج مَعَه إِلَى دَاره وَأذن لَهُ فِي عُقُوبَته فَلم يدع نوعا من أَنْوَاع الْعَذَاب حَتَّى عاقبه بِهِ فَلم يعْتَرف بِشَيْء وَوجد لَهُ نَحْو سِتَّة آلَاف دِينَار وجرار كَثِيرَة قد ملئت خمرًا فطرحت كل جرة بِمِائَة دِرْهَم على باعة الْخمر فَكَانَ هَذَا من أقبح مَا سمع بِهِ. شهر رَجَب أَوله الِاثْنَيْنِ: فِيهِ شرع الْأَمِير غرس الدّين خَلِيل الأشقتمري الأستادار بِدِمَشْق فِي تَقْرِير الشّعير على بساتين دمشق وضياعها كَمَا فعل فِيمَا مضى. وَفِيه رجم رجل تركماني تَحت قلعة دمشق أقرّ بِالزِّنَا وَكَانَ رجمه بَعْدَمَا كتف وأقعد فِي حُفْرَة. وَمَا زَالَ يرْجم حَتَّى مَاتَ. ثمَّ غسل وَصلى عَلَيْهِ وَدفن. وَفِي هَذَا الشَّهْر خرج السُّلْطَان للصَّيْد فَبَاتَ لَيْلَة وعزم على مبيت لَيْلَة أُخْرَى بِنَاحِيَة سرياقوس فَبَلغهُ أَن طَائِفَة من الْأُمَرَاء والمماليك اتَّفقُوا عَلَيْهِ فَعَاد إِلَى قلعة الْجَبَل سَرِيعا وتتبع مَا قيل لَهُ حَتَّى ظفر بمملوكين عِنْدهمَا الْخَبَر فعوقبا فِي ثامن عشره فاظهرا ورقة فِيهَا خطوط جمَاعَة وَكَبِيرهمْ الْأَمِير جانم. وَكَانَ جانم قد سَافر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 295 إِلَى منية ابْن سلسيل من الغربية وَهِي من جملَة إقطاعه فكثرت القالة بِالْقَاهِرَةِ وَخرج الْأَمِير طوغان الدوادار والأمير بكتمر جلق لإحضار الْأَمِير جانم فِي يَوْم السبت عشرينه. على أَن الْأَمِير طوغان يلقاه والأمير بكنمر يمسك عَلَيْهِ الطَّرِيق وَقبض السُّلْطَان على جمَاعَة من الْأُمَرَاء والمماليك مِنْهُم الْأَمِير عَاقل والأمير سودن الأبايزيدي وَقدم طوغان على جانم فاقتتلا فِي الْبر ثمَّ فِي المراكب على ظهر النّيل قتالاً شَدِيدا تعين فِيهِ طوغان فألقي جانم نَفسه فِي المَاء لينجو فَرَمَاهُ أَصْحَاب طوغان بِالسِّهَامِ حَتَّى هلك فَقطع رَأسه فِي ثَانِي عشرينه وَقدم بِهِ فِي رَابِع عشرينه. وَكَانَ السُّلْطَان قد قبض فِي ثَانِي عشرينه على الْأَمِير أينال الصصلاني الْحَاجِب والأمير أرغز والأمير سودن الظريف وعَلى جمَاعَة من المماليك. وَقبض فِي ثَالِث عشرينه على الْأَمِير سودن الأسندمري أحد أُمَرَاء الألوف وأمير أخور ثَانِي وعَلى الْأَمِير شرباش الْعمريّ رَأس نوبَة وَأحد أُمَرَاء الألوف. وَفِي خَامِس عشرينه: قبض على جمَاعَة من أكَابِر مماليك أَبِيه ووسط خَمْسَة. وَفِيه خلع على الْأَمِير منكلي أستادار الْأَمِير جركس الخليلي وَاسْتقر أستادار السُّلْطَان عوضا عَن فَخر الدّين عبد الْغَنِيّ بن أبي الْفرج. وَفِي هَذَا الشَّهْر: قدم الْخَبَر بِأَن الْأَمِير نوروز نَائِب طرابلس توجه مِنْهَا إِلَى حصن الأكراد وحاصرها. وَأَن الْأَمِير شيخ كتب إِلَيْهِ أَنه اتّفق مَعَ جمَاعَة من قلعة حلب على أَن يسلموها لَهُ وَأَشَارَ عَلَيْهِ أَن يرجع إِلَى طرابلس يحصل قلعة حلب بِيَدِهِ وَأَن الِاتِّفَاق وَقع بَينهمَا على أَن يجهزا سودن الجلب على ثَلَاثمِائَة فَارس ليَأْخُذ حماة وَأَن الْأَمِير شيخ أرسل إِلَى نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن دلغادر يعرض عَلَيْهِ نِيَابَة عينتاب فَلم يقبل ذَلِك وَأَنه خرج من حلب يُرِيد العمق فنزله سلخ جُمَادَى الْآخِرَة وَجمع عَلَيْهِ طَائِفَة التركمان البياضية وَابْن سقل سيز ابْن صَاحب الباز وَغَيرهم من التركمان وَالْعرب وَأَنه أوقع بعمر بن كندر فِي ثَالِث رَجَب ثمَّ قَاتل التركمان فِي سابعه فكسرهم وَأسر مِنْهُم جمَاعَة. وَأَنه بعث أَحْمد الجنكي أحد ندمائه بهدية إِلَى قرا يُوسُف وَأَن نوروز بعث إِلَيْهِ بهدية أُخْرَى صُحْبَة بهلوان من أَصْحَابه. وَفِيه كتب إِلَى الْأَمِير تغري بردى نَائِب الشَّام بِالْقَبْضِ على الْأَمِير يشبك بن أزدمر والأمير أينال الخازندار والأمير برد بك الخازندار والأمير برد بك أخي طولو والأمير سودن من إخْوَة يشبك والأمير تنبك من إخْوَة يشبك والفحص عَن الْأَمِير نكباي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 296 الْحَاجِب فَإِن وَحده من جملَة الْمُخَالفين فليقبض عَلَيْهِ، ويعتقلهم، وينعم على الْأَمِير تمراز بالإمرة الْكُبْرَى بِدِمَشْق. شهر شعْبَان أَوله الْأَرْبَعَاء: فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء مستهله: ذبح السُّلْطَان عشْرين رجلا مِمَّن قبض عَلَيْهِم من المماليك. ووسط فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَلَاثَة عشر رجلا تَحت القلعة مِنْهُم الْأَمِير حزمان نَائِب الْقُدس وَأحد أُمَرَاء العشرات والأمير عَاقل والأمير أرغز أحد أُمَرَاء الألوف بِدِمَشْق والأمير سودن الظريف والأمير مغلباي وَمُحَمّد بن الْأَمِير قجماس ابْن عَم الْملك الظَّاهِر. وَفِي لَيْلَة الْخَمِيس ثَانِيه: قتل السُّلْطَان بالقلعة زِيَادَة على مائَة من أكَابِر الجراكسة وعتاتهم وَركب السُّلْطَان سحر يَوْم الْخَمِيس للصَّيْد بِنَاحِيَة بهتيت من الضواحي. وَتقدم إِلَى وَالِي الْقَاهِرَة أَن يقتل عشرَة من المماليك لتخلفهم عَن الرّكُوب مَعَه فَقتلُوا. وَعَاد السُّلْطَان من الصَّيْد فَمر بشارع الْقَاهِرَة فِي دون الْمِائَة فَارس وَعَلِيهِ ثِيَاب جُلُوسه وَهُوَ ثمل لَا يكَاد يثبت على فرسه حَتَّى صعد القلعة نصف النَّهَار وَلم يعرف قطّ بِمصْر ملك شقّ الْقَاهِرَة بِثِيَاب جُلُوسه قبل هَذَا. وَفِي خَامِس عشره: أُعِيد ابْن شعْبَان إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة وعزل ابْن يَعْقُوب الدِّمَشْقِي. وَفِي يَوْم السبت ثامن عشره: عزم السُّلْطَان على شرب دَوَاء مسهل وَبعث رَئِيس الْأَطِبَّاء علم الدّين سُلَيْمَان بن جنيبة إِلَى الْأُمَرَاء يعلمهُمْ بذلك فتهيئوا بأجمعهم لتجهيز التقادم فِي غده وَأَصْبحُوا يَوْم الْأَحَد فِي حملهَا على مقاديرهم فَحمل الْوَزير مبلغ ألفي دِينَار وَأَرْبَعمِائَة طَائِر من الدَّجَاج وَمِائَة طَائِر إوز وقنطارين سكرا مكرواً وفواكه وحلوى وَغير ذَلِك. وَحمل نَاظر الْخَاص وَغَيره حَتَّى محتسب الْقَاهِرَة وَاسْتمرّ هَذَا عَادَة فِي كل سنة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: اشْتَدَّ مرض الْأَمِير تغري بردى نَائِب الشَّام فَكتب إِلَى الْأَمِير قرقماس نَائِب صفد بالحضور فَتوجه إِلَى دمشق وَكَانَ خبر قتل جانم قد اشْتهر بِدِمَشْق فتخيل الْأَمِير يشبك بن أزدمر وَخَافَ على نَفسه وعزم أَن يثور بِجَمَاعَة ثمَّ ركب وَخرج من الْبَلَد فِي سابعه فَقدم نَائِب صفد إِلَى دمشق فِي تاسعه فَقبض فِيهِ على جمَاعَة مِنْهُم تمراز الْأَعْوَر وأينال الخازندار وخشكلدي وسودن وأزدمر فماج النَّاس. ثمَّ حمل تمراز الأعوار وَبرد بك الخازندار وجركس التنمي وأزدمر إِلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 297 قلعة الصبيبة فسجنوا بهَا فِي عاشره وَقبض على تغري برمش دوادار بن أزدمر وسجن. وَأما ابْن أزدمر فَإِنَّهُ لحق بنوروز وَقد اجْتمع مَعَ الْأَمِير شيخ فِي نَاحيَة التركمان فَعَاد كل مِنْهُمَا إِلَى بَلَده وأخذا فِي إِظْهَار الْخلاف. وَفِي عشرينه: قبض بِدِمَشْق على الْأَمِير نكباي الْحَاجِب وَحمل إِلَى الصبيبة فسجن بقلعتها. وَكثر الإرجاف بِدِمَشْق أَن الْأَمِير شيخ قد عزم على أَخذهَا فاستعد الْعَسْكَر وحصنت القلعة وَكتب بذلك إِلَى السُّلْطَان وَأَن يعجل بتجهيز ألف فَارس نجدة لِئَلَّا يطْرق الْأَمِير شيخ دمشق وَيُشِير عَلَيْهِ الْأَمِير تغري بردى نَائِب الشَّام بِأَن يحضر بِنَفسِهِ إِلَى دمشق: فَأُجِيب بتجهيز الإقامات وَأَنه عزم على السّفر فَاشْتَدَّ الطّلب بِدِمَشْق على النَّاس وألزموا بِالشَّعِيرِ وَغَيره. وَفِيه كَانَت فتْنَة بَين كرشجي بن أبي يزِيد بن مُرَاد بن أورخان بن عُثْمَان جق وَبَين أَخِيه مُوسَى جلبي فانكسر فِيهَا مُحَمَّد كرشجي من أَخِيه مُوسَى جلبي على قسطنطينية. وَفِيه نزل قرا يُوسُف بن قرا مُحَمَّد متملك تويز وبغداد على قرا بَاغ ليشتي بهَا فَوَقع فِي عسكره فنَاء عَظِيم. وَفِيه نهب الْأَمِير عُثْمَان قرا يلك بن طور على بِلَاد قرا يُوسُف وَنهب بلد سنجار وَأخذ قفل الْموصل وأوقع بالأكراد وَأسر عدَّة من أَمْوَالهم حَتَّى افْتَدَوْا مِنْهُ بِمِائَة ألف دِرْهَم وَألف رَأس من الْغنم وَعشرَة أَفْرَاس فَبعث قرا يُوسُف إِلَيْهِ فِي الصُّلْح فَامْتنعَ من ذَلِك. وَفِيه أجتمع أَصْحَاب تيمورلنك على حَرْب قرا يُوسُف وقصدوا مَدِينَة توريز. شهر رَمَضَان أَوله الْخَمِيس: فِيهِ نُودي بِالْقَاهِرَةِ لجَمِيع المماليك بالأمان وَأَنَّهُمْ عُتَقَاء شهر رَمَضَان فَظهر مِنْهُم جمَاعَة فَأمنُوا. وتتابع بَقِيَّتهمْ حَتَّى ظهر قريب من ثَلَاثِينَ مَمْلُوكا فِي عدَّة أَيَّام فوعدوا بِخَير وَأَن يُعْطوا الْخَيل. ورسم لَهُم بِيَوْم يَجْتَمعُونَ فِيهِ لأخذ خيولهم فاغتروا وحضروا فَقبض عَلَيْهِم كلهم وحبسوا وتتبع الممالك السُّلْطَانِيَّة وَجلسَ السُّلْطَان لتفريق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 298 القرقلات برسم الرَّسْم عَلَيْهِم فَقبض على جمَاعَة كَثِيرَة مِنْهُم وسجنهم فَمَا انْقَضى شهر رَمَضَان حَتَّى زَادَت عدَّة المسجونين من المماليك السُّلْطَانِيَّة على أَرْبَعمِائَة رجل. وَفِي رابعه: أبل الْأَمِير تغري بردى نَائِب الشَّام من مَرضه. وَفِي هَذَا الشَّهْر: تَأَكد عِنْد السُّلْطَان خُرُوج الأميرين شيخ ونوروز عَن طَاعَته وأنهما عزما على أَخذ دمشق وَأَن سودن الجلب ويشبك بن أزدمر سعيا فِي ذَلِك وَأَن الْأَمِير نوروز قتل أقسنقر الْحَاجِب وَأَن الْأَمِير شيخ بعث فِي رابعه إِلَى نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن دلغادر خلعة وبدلة قماش كَامِلَة - حَتَّى السَّرَاوِيل - برسم لِبَاسه وبدلة نسائية كَامِلَة برسم امْرَأَته وَذَلِكَ بَعْدَمَا بعث الْأَمِير شيخ يشبك الساقي وجقمق الدوادار إِلَيْهِ وَإِلَى أَخِيه على باك بن دلغادر يستدعيهما ليحضرا إِلَى عينتاب فامتنعا من ذَلِك وأعادا قاصديه ثمَّ أَنَّهُمَا اخْتلفَا فَمضى على باك إِلَى جِهَة بِلَاد الرّوم فَلَمَّا بلغ ذَلِك الْأَمِير شيخ أعَاد يشبك الساقي وَمَعَهُ تتر إِلَى مُحَمَّد بن دلغادر لقيَاهُ بأبلستين وَمَا زَالا بِهِ حَتَّى سَار مَعَهُمَا إِلَى عينتاب فقدموها فِي حادي عشره وَنزل بهَا مُحَمَّد ابْن دلغادر حَتَّى أَتَتْهُ الخلعة والبدلتان. وَفِي هَذَا الشَّهْر: توجه الْأَمِير شيخ بِمن مَعَه إِلَى قلعة نجمة وعدى الْفُرَات ليوقع بالعربان فغرق جمَاعَة من أَصْحَابه فَعَاد وَجمع النجارين وَأَنْشَأَ بِنَاحِيَة الْبَاب - قَرِيبا من حلب - مركبا وَحمله إِلَى قلعة نجمة فَكَانَ طوله اثْنَتَيْنِ وَعشْرين خطْوَة وَهُوَ محمل خمسين رجلا. فَجهز إِلَيْهِ الْأَمِير مبارك شاه نَائِب قلعة الرّوم ثَلَاثِينَ فَارِسًا لإحراقه. شهر شَوَّال أَوله السبت: فِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ ثالثه: ذبح السُّلْطَان من مماليك أَبِيه الَّذين فِي الاعتقال مائَة رجل وسحبوا ثمَّ ألقوا من سور القلعة إِلَى الأَرْض ورموا فِي جب مِمَّا يَلِي القرافة. وَاسْتمرّ الذّبْح فيهم. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ عاشره: عدى السُّلْطَان النّيل إِلَى نَاحيَة وسيم وَبَات بهَا ورحل سحرًا يُرِيد الْإسْكَنْدَريَّة بَعْدَمَا نُودي بِالْقَاهِرَةِ أَلا يتَأَخَّر أحد من المماليك السُّلْطَانِيَّة فِي الْقَاهِرَة وَأَن يعدوا إِلَى بر الجيزة فعدوا بأجمعهم فَمنهمْ من أمره بِالسَّفرِ فِي خدمته وَمِنْهُم من أمره بِالسَّفرِ فِي خدمته وَمِنْهُم من أبره بِالْإِقَامَةِ. وَبعث الْأَمِير طوغان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 299 الدودار والأمير جَانِبك الصُّوفِي والأمير سودن الْأَشْقَر والأمير يلبغا الناصري فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 300 عدَّة من المماليك إِلَى عدَّة جِهَات من أَرض مصر لأخذ الأغنام والخيول وَالْجمال حَيْثُ وجدت فَشُنُّوا الغارات على النواحي وَمَا عفوا وَلَا كفوا. وَسَار السُّلْطَان إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فَدَخلَهَا يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشره وَقد قدم عَلَيْهِ مَشَايِخ الْبحيرَة بِنَاحِيَة تروجة وَمَعَهُمْ تقادمهم فَخلع عَلَيْهِم ثمَّ أمسكهم وساقهم فِي الْحَدِيد واحتط على أَمْوَالهم ففر باقيهم إِلَى جِهَة برقة وَقدم الْأُمَرَاء وَقد ساقوا عشرات آلَاف من الْغنم الَّتِي انتهبوها من النواحي وَقد تلف كثير مِنْهَا فسيقت الجزء: 6 ¦ الصفحة: 301 إِلَى الْقَاهِرَة مَعَ الْأَمْوَال وَالْجمال والجاموس وَالْخَيْل. ورسم السُّلْطَان أَن يُؤْخَذ من تجار المغاربة الْعشْر وَكَانَ يُؤْخَذ مِنْهُم الثُّلُث فَشكر لَهُ هَذَا. ثمَّ خرج السُّلْطَان من الْإسْكَنْدَريَّة عَائِدًا إِلَى الْقَاهِرَة فَترك نَاحيَة وسيم فِي يَوْم السبت تَاسِع عشرينه وَأقَام على مرابط خيوله. وَكَانَ الْوَقْت شتاء وَهِي مرتبطة على البرسيم الْأَخْضَر. وَفِيه أضيف إِلَى الْأَمِير قتلوبغا الخليلي نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة كشف الْوَجْه البحري وَلبس التشريف الَّذِي جهز إِلَيْهِ من السُّلْطَان. وَفِيه مَاتَ الْأَمِير خير بك - نَائِب غَزَّة - بسجن الْإسْكَنْدَريَّة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: غلا الزَّيْت الْحَار حَتَّى بيع بِتِسْعَة دَرَاهِم الرطل بِسعْر الزَّيْت الزَّيْتُون وَلم يعْهَد ذَلِك قطّ. وَفِيه بلغ المثقال الذَّهَب إِلَى مِائَتي دِرْهَم وَثَلَاثِينَ درهما وَالدِّينَار الأفرنتي إِلَى مِائَتي دِرْهَم وَعشرَة دَرَاهِم وَالدِّينَار الناصري إِلَى مِائَتي دِرْهَم. وَفِيه قبض بِدِمَشْق على شهَاب الدّين أَحْمد بن الحسباني الشَّافِعِي وعَلى نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ الْحَمَوِيّ وسجن بقلعة دمشق فِي سَابِع عشره بمرسوم السُّلْطَان. وَفِيه قدم كتاب الْأَمِير نوروز على يَد فَقِيه يُقَال لَهُ سعد الدّين ومملوك اسْمه قنغر ومحضر شهد فِيهِ من أهل طرابلس ثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ رجلا مَا بَين قَاضِي وفقيه وتاجر بِأَنَّهُ لم يظْهر مِنْهُ مُنْذُ قدم طرابلس إِلَّا الْإِحْسَان للرعية والتمسك بِطَاعَة السُّلْطَان وامتثال مراسيه وَأَن أهل طرابلس كَانُوا قد نزحو مِنْهَا فِي أَيَّام جانم لما نزل بهم من الضَّرَر فعادوا إِلَيْهَا. وَأَنه كلما ورد عَلَيْهِ مِثَال سلطاني يتَكَرَّر مِنْهُ تَقْبِيل الأَرْض أَمَامه وَأَنه حلف بِحَضْرَة من يضع خطه فِيهِ بالأيمان الْمُغَلَّظَة الجامعة لمعاني الْحلف أَنه مُقيم على الطَّاعَة متمسك بالعهد واليمن الَّتِي حَلفهَا للسُّلْطَان بالكرك لم يحل ذَلِك وَلَا يخرج عَنهُ وَنَحْو ذَلِك. فَلم يغتر السُّلْطَان بِهِ. وَفِي هَذَا الشَّهْر: نزل على دمياط فِي ثَانِي عشرينه أَرْبَعَة أغربة وبيونيين تحمل عدَّة من الفرنج فَقَاتلهُمْ الْمُسلمُونَ على بر الطينة قتالاً كَبِيرا جرح فِيهِ جمَاعَة من الْمُسلمين وَقتلت خيولهم. فَمضى الفرنج فِي آخر النَّهَار إِلَى بر الطينة الْقَدِيمَة ونهبوا مَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 302 كَانَ هُنَاكَ وَأتوا من الْغَد إِلَى حَيْثُ كَانُوا فَقَاتلُوا الْمُسلمين مرّة ثَانِيَة قتالاً كثيرا وعادوا إِلَى مراكبهم. فَقدم فِي الْحَال غراب من أغربة الْمُسلمين فأحاط بِهِ الفرنج فَلم يثبت من كَانَ فِي الْغُرَاب وألقوا أنفسهم فِي المَاء وخلصوا إِلَى الْبر - وَكَانُوا قَرِيبا مِنْهُ - ثمَّ مضوا إِلَى دمياط. فتكاثر الْمُسلمُونَ على الفرنج وَأخذُوا مِنْهُم غراب الْمُسلمين بعد قتال شَدِيد وَقتلُوا مِنْهُم إفرنجيين وَأخذُوا سِلَاحا فَانْهَزَمَ بَقِيَّتهمْ وَحمل الرأسان وَالسِّلَاح إِلَى السُّلْطَان. وَفِيه وصلت سَرِيَّة مبارك شاه نَائِب قلعة الرّوم إِلَى قلعة نجمة تُرِيدُ إحراق الْمركب الَّذِي أنشأه الْأَمِير شيخ فدفعهم أَصْحَابه عَنهُ وعادوا خائبين. فَبعث عسكرا عدته مائَة فَارس فِي سادس عشره فَقَاتلُوا أَصْحَاب الْأَمِير شيخ قتالاً شَدِيدا حَتَّى أثخنوا جراحهم وأحرقوا الْمركب حَتَّى لم يبْق مِنْهُ شَيْء وغرقوا مركبا صَغِيرا يحمل فارسين. وَفِيه عَاد إِلَى الْأَمِير شيخ رَسُوله المجهز إِلَى قرا يُوسُف وصحبته فاختبط النَّاس وغلقت حوانيت الباعة كِتَابه على يَد قاصده. شهر ذِي الْقعدَة أَوله الْأَحَد: فِي ثَانِيه: عدى السُّلْطَان النّيل وَصعد قلعة الْجَبَل. وَفِي سادس عشره: نُودي بِالْقَاهِرَةِ أَن تكون الْفُلُوس بِاثْنَيْ عشر درهما الرطل فَلم يقدر على الْخبز وَلَا غَيره فَغَضب السُّلْطَان غَضبا شَدِيدا وهم أَن يركب مماليكه الجلبان فتضع السَّيْف فِي النَّاس وَتحرق جَمِيع الْأَسْوَاق مِمَّا زَالَ بِهِ الْأُمَرَاء حَتَّى كف عَن ذَلِك وَأمر فَقبض على جمَاعَة وضربوا بالمقارع. وَفِي سَابِع عشره: شنق رجل وَأشيع أَنه قتل بِسَبَب الْفُلُوس. وَفِيه قتل بسجن الْإسْكَنْدَريَّة الْأَمِير شرباش الْعمريّ والأمير خشكلدي ودفنا بالثغر. وَفِيه قبض على الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الطبلاوي كاشف الشرقية وعَلى الْأَمِير تَاج الدّين بن الهيصم وعَلى الْحِجَازِي نقيب الْجَيْش وسلموا للوزير سعد بن البشيري. وَفِي تَاسِع عشره: اسْتَقر زين الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْهوى فِي حسبَة الْقَاهِرَة وعزل بن شعْبَان. وَفِي رَابِع عشرينه: أنْفق السُّلْطَان على المماليك نَفَقَة للسَّفر لكل نفر سبعين دِينَارا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 303 ناصرياً ومبلغ سِتَّة آلَاف دِرْهَم حسابا عَن كل قِنْطَار بِأَلف ومائتي دِرْهَم وَبعث إِلَى الْأَمِير الْكَبِير تمرتاش المحمدي ثَلَاثَة آلَاف دِينَار وَلكُل من أُمَرَاء الألوف ألفي دِينَار ولأمراء الطبلخاناه مَا بَين سَبْعمِائة دِينَار وسِتمِائَة دِينَار وَخَمْسمِائة دِينَار بِحَسب رتبهم. وَفِي لَيْلَة الْخَمِيس سَابِع عشرينه: ضرب السُّلْطَان عنق الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد ابْن مُحَمَّد بن الطبلاوي بِيَدِهِ. وَقتل السُّلْطَان امْرَأَته - ابْنة الْأَمِير صروق - فَإِنَّهُ وشى بهَا أَنَّهَا تَأتي ابْن الطبلاوي هَذَا فِي منزله وَأمر بهما فلفا فِي لِحَاف ودفنا مَعًا فِي قبر وَاحِد. وَفِي يَوْم الْخَمِيس: هَذَا خرج الْأَمِير بكنمر حلق رَأس نوبَة النوب والأمير طوغان الحسني الدوادار والأمير شاهين الأفرم أَمِير سلَاح والأمير شاهين الزردكاش الجزء: 6 ¦ الصفحة: 304 بمضافيهم وَعَلَيْهِم آلَة الْحَرْب بأجمعهم وهم فِي تجمل كَبِير فعرضوا على السُّلْطَان وهم مارون من تَحت القلعة ثمَّ مضوا فنزلوا بالريدانية خَارج الْقَاهِرَة فِي مخيماتهم. شهر ذِي الْحجَّة أَوله الثُّلَاثَاء: فِي خامسه: نُودي بِالْقَاهِرَةِ على الْفُلُوس أَن تكون على عَادَتهَا كل رَطْل بِسِتَّة دَرَاهِم فسر النَّاس بذلك. وَفِيه رَحل الْأُمَرَاء من الريدانية وَسَارُوا يُرِيدُونَ دمشق. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامنه: ركب السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل فِيمَن بَقِي عِنْده من الْعَسْكَر وَقد لبسوا كلهم السِّلَاح وتباهوا بزِي لم نر مثله حسنا وإتقاناً وجر السُّلْطَان ثَلَاثمِائَة جنيب من عتاق الْخَيل بالسروج الذَّهَب الثَّقِيلَة الَّتِي بَعْضهَا مرصع بالجوهر ومياثرها من حَرِير مطرز بِالذَّهَب الْمُوشى بأبدع إتقان وعَلى أكفالها عبي الْحَرِير البديعة الصَّنْعَة وفيهَا مَا هُوَ مطرز بِالذَّهَب الثقيل وَبَعضهَا على أكفالها الكنافيش الذَّهَب وَكلهَا باللجم المسقطة بِالذَّهَب الثقيل وَمن وَرَاء الجنائب الْمَذْكُورَة ثَلَاثَة آلَاف فرس سَاقهَا جشار ثمَّ عدد كثير من الْعجل الَّتِي تجرها الأبقار وَعَلَيْهَا آلَات الْحصار من مكاحل النقط الْكِبَار ومدافع النفط المهولة وَنَحْو ذَلِك. وَخرجت خزانَة السِّلَاح على مَا ينيف على ألف جمل تحمل القرقلات والخوذ وَنَحْوهَا فِي الْحَوَائِج خاناه الْخشب الَّتِي غشيت باللباد الْأَحْمَر وبجلود الْبَقر وَتحمل الرماح وَتحمل الصناديق المملوءة بالنشاب وَغير ذَلِك من السيوف وَنَحْوهَا. وَخرجت خزانَة المَال فِي الصناديق المغشاة بالحرير الملون وفيهَا مَا ينيف على أَرْبَعمِائَة ألف دِينَار وَخرج المطبخ وَقد سَاق الرعيان برسمه ثَمَانِيَة وَعشْرين ألف رَأس من الْغنم وَكَثِيرًا من الجزء: 6 ¦ الصفحة: 305 الأبقار والجواميس تحلب أَلْبَانهَا. وَتقدم الْحَرِيم فِي سبع محفات قد غشيث بالحرير وَبَعضهَا مطرز بِالذَّهَب وَمن وَرَائِهَا نَحْو الثَّلَاثِينَ حملا من المحاير المغشاة بالحرير والجوخ فبلغت عدَّة الْجمال إِلَى ثَلَاثَة وَعشْرين ألف جمل فَكَانَ شَيْئا مستكثراً إِلَى الْغَايَة. وَنزل السُّلْطَان فِي مخيمه تجاه مَسْجِد تبر خَارج الْقَاهِرَة وَخرج الْخَلِيفَة المستعين بِاللَّه وقضاة الْقُضَاة الْأَرْبَع وأرباب الدولة وَكلهمْ قد بَالغ فِي تَحْسِين جماله وخيوله وخيمه وآلات سَفَره وَزَاد فِيهَا على عَادَته فنزلوا مَنَازِلهمْ. وَتردد السُّلْطَان من الريدانية إِلَى تربته الَّتِي أَنْشَأَهَا على قبر أَبِيه خَارج بَاب النَّصْر وَبَات بهَا لَيَال وَنحر بهَا ضحاياه على عَادَته وَجعل الْأَمِير يلبغا الناصري نَائِب الْغَيْبَة. وَأنزل بِبَاب السلسلة الْأَمِير ألطنبغا العثماني. وَأنزل بقلعة الْجَبَل الْأَمِير أسنبغا الزردكاش شاد الشَّرَاب خاناه وَزوج أُخْته خوند بيرم. وَولي نَائِب القلعة شاهين الرُّومِي عوضا عَن الْأَمِير كمشبغا الجمالي. وَبعث الجمالي صُحْبَة الْحَرِيم وَقَدَّمَهُمْ بَين يَدَيْهِ بمرحلة. وَفِي حادي عشره: خلع عَليّ زين مُحَمَّد بن الدَّمِيرِيّ وأعيد إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة وعزل بن الْهوى. ورحل السُّلْطَان من التربة قبل غرُوب الشَّمْس من يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشرَة بطالع اخْتَارَهُ لَهُ الشَّيْخ برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن زقاعة. وَبَات بمخيمه من الريدانية تجاه مَسْجِد تبر واستقل بِالْمَسِيرِ سحر يَوْم السبت. وَفِي ثَانِي عشره: فر من دمشق الْأَمِير سودن اليوسفي. وَفِيه انتكس الْأَمِير تغري بردى نَائِب الشَّام وَلم يزل بِمَا بِهِ حَتَّى مَاتَ. وَفِيه قدم الْأَمِير شيخ من حلب إِلَى حمص. ثمَّ جَاءَهُ الْأَمِير نوروز فَكثر الإرجاف بِدِمَشْق وفر إِلَيْهِ جمَاعَة مِنْهَا. وَأما السُّلْطَان فَإِنَّهُ حذر من مَعَه من الرحيل قبل النفير فَبَلغهُ وَهُوَ بالريدانية - إِن طَائِفَة رحلت فَركب بِنَفسِهِ وَقبض على وَاحِد ووسطه. ونصبت مشنقة يرهب بهَا فَمَا وصل إِلَى غَزَّة حَتَّى قتل عدَّة من الغلمان من أجل الرحيل قبل النفير. فتشاءم النَّاس بِهَذِهِ السفرة. ثمَّ لما نزل بغزة وسط تِسْعَة عشرَة من المماليك الظَّاهِرِيَّة وَهُوَ لَا يعقل من شدَّة السكر فَقدم عَلَيْهِ - عقب ذَلِك - الْخَبَر بِأَن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 306 الْأُمَرَاء الَّذين تقدموه قد خَرجُوا عَن الطَّاعَة فَلم يثبت وَسَار من غَزَّة مجداً فِي طَلَبهمْ وَقد نفرت مِنْهُ الْقُلُوب وتمالت على بغضه لقبح سيرته وَسُوء سَرِيرَته. وَفِي ثَانِي عشرينه: أفرج بِدِمَشْق عَن شهَاب الدّين أَحْمد بن الحسباني بعد سجنه ثَلَاثَة وَسِتِّينَ يَوْمًا. وَفِي سادس عشرينه: نزل الْأُمَرَاء الَّذين تقدمُوا بقبة يلبغا خَارج دمشق وركبوا إِلَى الْأَمِير تغري بردى نَائِب الشَّام فعادوه وَقد اشْتَدَّ بِهِ مَرضه وأعلنوا بِمَا هم عَلَيْهِ من الْخلاف للسُّلْطَان وَالْخُرُوج عَن طَاعَته. ثمَّ رحلوا عَن قبَّة يلبغا فِي تَاسِع عشرينه ونزلوا على بَرزَة يُرِيدُونَ اللحاق بالأميرين شيخ ونوروز على حمص فَلم يوافقهم على ذَلِك الْأَمِير شاهين الزردكاش فقبضوا عَلَيْهِ ومضوا. وَنزل السُّلْطَان الْكسْوَة فِي بكرَة يَوْم الثُّلَاثَاء سلخه وَقد فت فِي عضده مُخَالفَة الْأُمَرَاء عَلَيْهِ ولاحت إمارات الخذلان عَلَيْهِ وَظَهَرت كآبة الزَّوَال والإدبار. فألبس من مَعَه من الْعَسْكَر السِّلَاح ورتبهم بِنَفسِهِ. ثمَّ سَاق بهم وَقصد دمشق فَدَخلَهَا وَقت الزَّوَال من يَوْمه. وَفِي هَذِه السّنة: قوي الْأَمِير مُحَمَّد بن قرمان وَفتح مملكة كرميان جَمِيعهَا. وفيهَا حاصر الْأَمِير مُوسَى بن عُثْمَان الْقُسْطَنْطِينِيَّة وَفتح مِنْهَا عده بِلَاد وغنم غَنَائِم كَثِيرَة ومزق كل النَّصَارَى. وفيهَا انخسف قبر بمقبرة بَاب الصَّغِير خَارج دمشق فَخرج من الْخَسْف ذُبَاب أَزْرَق كبار حَتَّى صَارَت كالظلة. وَوجد ذَلِك قد خرج من قبر طوله اثْنَان وَعِشْرُونَ ذِرَاعا وبطوله ميت قد صَار على هَيْئَة الرماد من الْبلَاء. وَمَات فِي هَذِه السّنة من لَهُ ذكر السُّلْطَان الْملك الصَّالح الْمَنْصُور حاجي بن الْملك الْأَشْرَف شعْبَان بن الْأَمِير حُسَيْن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 307 ابْن الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن الْملك الْمَنْصُور قلاوون الألفي الصَّالِحِي فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشر شَوَّال. وَولي سلطنة مصر وَالشَّام والحرمين مرَّتَيْنِ كَمَا تقدم ذكره. ثمَّ أَقَامَ بدوره من قلعة الْجَبَل وتعطلت حَرَكَة رجلَيْهِ وَيَديه مُدَّة سِنِين قبل مَوته. وَتُوفِّي عَن بضع وَأَرْبَعين سنة. وَقتل من المماليك الظَّاهِرِيَّة سِتّمائَة وَثَلَاثُونَ رجلا وطأ الْملك النَّاصِر بِقَتْلِهِم لمن بعده سُلْطَانه. وَقتل عدَّة من الْأُمَرَاء مِنْهُم: الْأَمِير تمراز الناصري فِي آخر أَيَّام التَّشْرِيق بالإسكندرية وَقد نقل إِلَيْهَا من الجزء: 6 ¦ الصفحة: 308 فارغه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 309 دمياط وَقد بلغ نَحْو سِتِّينَ سنة. وَكَانَ تركياً غَيره شَرّ مِنْهُ. والأمير خير بك فِي تَاسِع عشْرين شَوَّال لم يعرف عَنهُ خبر. والأمير جانم قتل فِي ثَانِي عشْرين شهر رَجَب وَكَانَ من شرار الْخلق المفسدين فِي الأَرْض. والأمير يشبك الموساوي الأفقم وَكَانَ كثير الشَّرّ وَالظُّلم محباً للفتن مُفْسِدا لَا خير فِيهِ. والأمير قردم الحسني قتل بالإسكندرية وَكَانَ من أُمَرَاء الألوف خازنداراً كَبِيرا وَله تربة بِبَاب الفافة. والأمير قنباك رَأس نوبَة كَبِير قتل أَيْضا وَكَانَ من سيئات الزَّمَان جهلا وظلماً وفسقاً. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 310 وَمَات الْأَمِير آقبغا القديدي دوادار يشبك أحد أُمَرَاء العشرات وَمن جملَة دوادارية السُّلْطَان توفّي لَيْلَة الثَّالِث عشر من شَوَّال. وَقتل الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الطبلاوي وَالِي الْقَاهِرَة وَكَاشف الشرقية. قتل لَيْلَة السَّابِع وَالْعِشْرين من ذِي الْقعدَة فأراح بِهِ النَّاس من ظلمه وفسقه وعتوه. وَمَات الْأَمِير الشريف عَلَاء الدّين عَليّ الْبَغْدَادِيّ ثمَّ الأخميمي وَالِي دمياط ثمَّ وَزِير الديار المصرية. وَمَات الطواشي فَيْرُوز. توفّي فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء تَاسِع شهر رَجَب وَكَانَ قد شرع فِي بِنَاء مدرسة خطّ الغرابليين دَاخل بَاب زويلة من الْقَاهِرَة ووقف عَلَيْهَا عدَّة أوقاف فَمَاتَ قبل فراغها فَدفن بحوش السُّلْطَان خلف قبر الْملك الظَّاهِر برقوق. فَأقر السُّلْطَان مَا قَرَّرَهُ فِي كتاب وَقفه من المصارف على الْفُقَهَاء والأيتام وَغَيرهم وأضاف الْوَقْف إِلَى تربته الَّتِي أَنْشَأَهَا على قبر أَبِيه فاستمر ذَلِك وَأخذ السُّلْطَان آلَات عمَارَة فَيْرُوز وأنعم بمكانها على الْأَمِير الْكَبِير تمرتاش المحمدي فشرع فِي بنائها قيسارية وكمل بظاهرها عدَّة حوانيت. فَمَا شعر حَتَّى خرج فِي خدمَة السُّلْطَان إِلَى الشَّام وَتركهَا وَكَانَ من أمرهَا مَا يَأْتِي ذكره - إِن شَاءَ الله - فِي سنة ثَلَاث وَعشْرين وَثَمَانمِائَة. وَتُوفِّي الأديب أَبُو الْفضل عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن أبي الْوَفَاء الشاذلي غريقاً الجزء: 6 ¦ الصفحة: 311 ببحر النّيل فِي يَوْم تاسوعاء. وغرق مَعَه أَيْضا جمال الدّين عبد الله بن نَاصِر الدّين أَحْمد التنسي قَاضِي الْقُضَاة وَتُوفِّي الشَّيْخ تَاج الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الشَّيْخ الْملك يُوسُف بن عبد الله بن عمر بن خضر العجمي الكوراني فِي يَوْم الْحَادِي وَالْعِشْرين من شعْبَان وَدفن بزاوية الشَّيْخ يُوسُف العجمي بالقرافة وَكَانَ حشماً يركب الْخُيُول ويتردد إِلَى الْأُمَرَاء وَله غنى وسعة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 312 (سنة خمس عشرَة وَثَمَانمِائَة) أهلت وَخَلِيفَة الْوَقْت أَمِير الْمُؤمنِينَ المستعين بِاللَّه أَبُو الْفضل الْعَبَّاس ابْن المتَوَكل على الله أبي عبد الله مُحَمَّد وَالسُّلْطَان الْملك النَّاصِر أَبُو السعادات زين الدّين فرج ابْن السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر أبي سعيد سيف الدّين برقوق ابْن الْأَمِير أنص وهما بِدِمَشْق. وأتابك العساكر الْأَمِير دمرداش المحمدي وأمير أخور الْأَمِير أرغون البشبغاوي الرُّومِي والدوادار الْكَبِير الْأَمِير طوغان الحسني وَقد خرج عَن طَاعَة السُّلْطَان وَمضى إِلَى الْأَمِير شيخ بحمص هُوَ والأمير بكتمر جلق الناصري رَأس نوبَة والأمير شاهين الأفرم أَمِير سلَاح وَرَأس نوبَة الْأَمِير الْكَبِير سنقر الرُّومِي. وبديار مصر الْأَمِير يلبغا الناصري نَائِب الْغَيْبَة والأمير أسنبغا الزردكاش شاد الشربخاناه والأستادار الْأَمِير منكلي الخليلي والقضاة الْأَرْبَع وَكَاتب السِّرّ والوزير وناظر الْخَاص وناظر الْجَيْش الَّذين تقدم ذكرهم فِي السّنة الْمَاضِيَة وهم بِدِمَشْق صُحْبَة السُّلْطَان. ونائب حلب الْأَمِير شيخ المحمودي وَقد أعلن هُوَ والأمير نوروز الحافظي نَائِب طرابلس بمخالفة السُّلْطَان وَنزلا على حمص ونائب دمشق الْأَمِير تغري بردى وَهُوَ شَدِيد الْمَرَض ونائب غَزَّة الْأَمِير الجزء: 6 ¦ الصفحة: 313 سودن من عبد الرَّحْمَن ونائب صفد الْأَمِير قرقماس ابْن أخي دمرداش وَهُوَ بِدِمَشْق وَقد ولاه السُّلْطَان نِيَابَة حلب عوضا عَن الْأَمِير شيخ فَلم يتَمَكَّن من الْمسير إِلَيْهَا. ونائب حماة الْأَمِير تمراز. ومتملك بِلَاد قرمان الْأَمِير مُحَمَّد باك ابْن الْأَمِير عَلَاء الدّين بن قرمان. ومتملك بَقِيَّة الرّوم الْأَمِير مُوسَى جلبي بن أبي يزِيد خوندكار بن مُرَاد خَان بن أرخان بن عُثْمَان جق. متملك بَغْدَاد وتوريز الْأَمِير قرا يُوسُف بن قرا مُحَمَّد التركماني وَهُوَ مُقيم بتوريز وعَلى بَغْدَاد لِابْنِهِ مُحَمَّد شاه. ومتملك الْيمن الْملك النَّاصِر أَحْمد بن الْأَشْرَف إِسْمَاعِيل بن رَسُول. وأمير مَكَّة الشريف حسن بن عجلَان الحسني وأمير الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة الْأَمِير ثَابت بن نعير الْحُسَيْنِي. وسعر المثقال الذَّهَب الهرجة بديار مصر مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعين درهما من الْفُلُوس إِذا اشْترى بِهِ شَيْء من أَنْوَاع المبيعات وَإِذا أَخذ عَنهُ الْفُلُوس فينقص خَمْسَة دَرَاهِم وَالدِّينَار الأفرنتي بمائتين وَعشْرين فِي الْمُعَامَلَة وَينْقص إِذا صرف بالفلوس خَمْسَة دَرَاهِم وَالدِّينَار الناصري بمائتين وَعشر دَرَاهِم وَيدْفَع فِيهِ من الْفُلُوس بناقص خَمْسَة دَرَاهِم. والأردب الْقَمْح بِمِائَة وَخمسين درهما. والنقد الرابح الْفُلُوس وَإِلَيْهِ ينْسب مِمَّن كل مَا يُبَاع وَقِيمَة جَمِيع الْأَعْمَال. وَحصل فِي الزروع عِنْد حصادها ودراسها نَمَاء بِحَيْثُ يحصل من الفدان قدر اثْنَي عشر أردباً من الْقَمْح. شهر الله الْمحرم أَوله يَوْم الْأَرْبَعَاء: فِيهِ خلع السُّلْطَان على شهَاب الدّين أَحْمد بن الكشك وَأَعَادَهُ إِلَى قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق وَكَانَ قد قدم ابْن القضامي الْحَمَوِيّ مَعَ الْعَسْكَر مُتَوَلِّيًا قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق. ولي وَهُوَ بغزة وَكَانَ أَولا على قَضَاء الْحَنَفِيَّة بحماة فجرت لَهُ كائنة قبيحة مَعَ نائبها يشبك بن أزدمر افتضح بهَا. وَقدم دمشق فولاه الْأَمِير نوروز قَضَاء الْحَنَفِيَّة بهَا فِي أَيَّام عصيانه بِمَال الْتزم بِهِ. ثمَّ خرج من دمشق وَصَارَ إِلَى مصر فاتصل بالأمير طوغان الدوادار وسعى بِهِ حَتَّى ولاه فِي غَزَّة قَضَاء دمشق فصرت قبل أَن يُبَاشر. وَكَانَ قد قدم قبل ذَلِك بإسبوع الشريف ابْن بنت عَطاء وَبِيَدِهِ توقيع شرِيف باستقراره فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق مؤرخاً أَيَّام من شهر رَجَب فوصل قبل وُصُوله توقيع ابْن الكشك بِإِعَادَة وظائفه إِلَيْهِ. ثمَّ كتب توقيعه بِالْقضَاءِ بَعْدَمَا لبس ابْن بنت عَطاء تشريفه بيومين فَلبس ابْن الكشك تشريفه وَاسْتمرّ فَكَانَ فِي مُدَّة عشرَة أَيَّام ثَلَاث قُضَاة ولوا وعزلوا مِنْهُم ابْن الكشك ولي ثَلَاث ولايات وعزل مرَّتَيْنِ. وَفِيه أفرج عَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ الْحَمَوِيّ من سجنه بقلعة دمشق وَأَفْرج أَيْضا عَن الْأَمِير نكباي الْحَاجِب. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 314 وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سادسه: سَار السُّلْطَان من دمشق وَنزل بَرزَة ثمَّ رَحل بعسكره يُرِيد محاربة الأميرين شيخ ونوروز وَمن انْضَمَّ إِلَيْهِمَا من الْأُمَرَاء المصريين وَمن مَعَهم. فَنزل حسيا بِالْقربِ من حمص فَبَلغهُ رحيل الْقَوْم من قارا إِلَى جِهَة بعلبك فَترك أثقاله بحسيا. وَسَار فِي أَثَرهم إِلَى بعلبك وَقد توجهوا إِلَى الْبِقَاع فقصدهم فَمَضَوْا نَحْو الصبيبة وَهُوَ يتبعهُم حَتَّى نزلُوا باللجون فَأَشَارَ عَلَيْهِ كَاتب سره فتح الله أَن يعود إِلَى دمشق وَلَا يتَوَجَّه إِلَى اللجون فَإِذا اسْتَقر بِدِمَشْق تخير لنَفسِهِ إِمَّا أَن يبْعَث إِلَيْهِم عسكراً أَو يصفح عَنْهُم ويوليهم أَمَاكِن أَو يرِيح عساكره وَيخرج إِلَيْهِم فَمَال إِلَى قَوْله وَكَاد أَن يعود فَخَلا بِهِ شياطينه - أقبغا النظامي أحد الدوادارية وألطنبغا شقل وأضرابهما من الْفجار المفسدين - وقبحوا هَذَا الرَّأْي وشجعوه على الْمسير إِلَى أعدائه وَأَنه عِنْدَمَا يلقاهم يَأْخُذهُمْ عَن آخِرهم أخذا بِالْيَدِ فَإِنَّهُم كلهم فِي قَبضته ورموا عِنْده فتح الله بِأَنَّهُ مَا قَالَ هَذَا وَلَا أَشَارَ بِهِ إِلَّا وهواه مَعَ الْقَوْم. وَكَانَ النَّاصِر يمِيل مَعَ من يستميله ويؤثر فِيهِ قَول كل قَائِل فانفعل لهَذَا واستدعى فتح الله وأوسعه سباً وملأ آذانه توبيخاً وتهديداً بِحَضْرَة الْمَلأ ورماه بِأَنَّهُ مَعَ أعدائه عَلَيْهِ فَخرج وَقد اشْتَدَّ غيظه وغضبه وملئ حنقاً وحقداً. وَركب السُّلْطَان من سَاعَته وَسَاقه وَهُوَ ثمل فَمَا وصل إِلَى اللجون حَتَّى تقطعت عساكره من شدَّة السُّوق وَلم يبْق مَعَه غير من ثَبت وهم أقل مِمَّن تَأَخّر وَكَانَ قد دخل وَقت الْعَصْر من يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث عشره وَالْقَوْم قد نزلُوا قبله وأراحوا وَفِي ظنهم أَنه يتمهل ليلته ويلقاهم من الْغَد فَإِذا جنهم اللَّيْل سَارُوا بأجمعهم من وَادي عارة إِلَى جِهَة الرملة وسلكوا الْبر عائدين إِلَى حلب وَلَيْسَ فِي عزمهم أَن يقاتلوه أبدا خوفًا مِنْهُ وعجزاً عَنهُ. فَلَمَّا أَرَادَ الله سُبْحَانَهُ لم يتمهل وَحمل بِنَفسِهِ من فوره - حَال وُصُوله - واقتحم عَلَيْهِم فارتطمت طَائِفَة مِمَّن مَعَه فِي وَحل كَانَ هُنَاكَ من سيل عَظِيم حصل عَن قريب. وخامر مَعَ ذَلِك عَلَيْهِ طَائِفَة أُخْرَى ومضوا إِلَى الْقَوْم فقووا. وَثَبت السُّلْطَان فِي حماته وثقاته فَقتل الْأَمِير مقبل الرُّومِي أحد أُمَرَاء الألوف وَزوج ابْنة الْملك الظَّاهِر الَّتِي كَانَت تَحت الْأَمِير نوروز وَتركهَا عِنْد خُرُوجه من مصر فَأَنْكحهَا السُّلْطَان قبل هَذَا بِعقد ملفق لَا يعبأ الله بِهِ وَقتل أَيْضا أحد رُءُوس الْفِتْنَة ألطنبغا شقل. وَانْهَزَمَ السُّلْطَان وَقد جرح فِي عدَّة مَوَاضِع وَنَجَا بِنَفسِهِ وَهُوَ يُرِيد دمشق ليَكُون بهَا مصرعه. وَفَاته الرَّأْي أخيراً كَمَا فَاتَهُ أَولا فَلم يتَوَجَّه إِلَى مصر وَعدل عَنْهَا ليقضي الله أمرا كَانَ مَفْعُولا. وأحاط الْقَوْم بالخليفة المستعين بِاللَّه وَكَاتب السِّرّ فتح الله وناظر الْخَاص تَقِيّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 315 الدّين عبد الْوَهَّاب بن أبي شَاكر وناظر الْجَيْش بدر الدّين حسن بن نصر الله. وَكَانَ النَّاصِر أَمرهم أَن يقفوا على حِدة. فَذكر لَهُم كَاتب السِّرّ أَن الرَّأْي أَن يتَوَجَّه إِلَى صفد فَإِذا انتصر السُّلْطَان أتيناه فَأبى وَكَانَ هَذَا من سوء تَدْبيره أَيْضا فَإِن الْقَوْم إزدادوا بالخليفة وَمن ذكرنَا قُوَّة إِلَى قوتهم وبهم تمّ لَهُم الْأَمر وَأَحَاطُوا أَيْضا بِجَمِيعِ مَا كَانَ مَعَ النَّاصِر من مَال وخيول وجمال وَغير ذَلِك مَا عدا الأثقال الَّتِي تَركهَا بحسيا فَإِنَّهَا عَادَتْ إِلَى دمشق فِي ثَانِي عشره قبل الْوَقْعَة بِيَوْم فَمَا غربت الشَّمْس حَتَّى صَار الْقَوْم من الْخَوْف إِلَى الْأَمْن وَمن الذل إِلَى الْعِزّ فَتقدم شهَاب الدّين أَحْمد بن حسن بن الْأَذْرَعِيّ - إِمَام الْأَمِير شيخ - وَصلى بهم الْمغرب فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَة الأولى بعد الْفَاتِحَة بِصَوْتِهِ الشجي واذْكُرُوا إِذْ أَنْتُم قَلِيل مستضعفون فِي الأَرْض تخافون أَن يتخطفكم النَّاس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطَّيِّبَات لَعَلَّكُمْ تشكرون فَوَقَعت قِرَاءَة هَذِه الْآيَة أحسن موقع بمناسبة الْحَال. وَبَاتُوا بمخيماتهم لَيْلَة الثُّلَاثَاء وَأَصْبحُوا لَيْسَ فيهم وَاحِد ينقاد لآخر فينادي الْأَمِير شيخ بِأَنَّهُ الْأَمِير الْكَبِير ويرسم بِمَا شَاءَ وينادي الْأَمِير نور بِأَنَّهُ الْأَمِير الْكَبِير ويرسم بِمَا شَاءَ وينادي بكتمر جلق بِأَنَّهُ الْأَمِير الْكَبِير ويرسم بِمَا شَاءَ وَأخذ الْأَمِير سودن تلِي المحمدي بِيَدِهِ الإصطبل السلطاني وحواه لنَفسِهِ فَبعث الأميران شيخ ونوروز إِلَى كَاتب السِّرّ فأحضراه إِلَيْهِمَا فِي خلْوَة وبالغا فِي إكرامه وأراداه أَن يكْتب بِمَا جرى إِلَى الديار المصرية وَيعلم الْأُمَرَاء بِهِ فَقَالَ لَهما من السُّلْطَان الَّذِي يكْتب عَنهُ فَأَطْرَقَ كل مِنْهُمَا رَأسه سَاعَة ثمَّ قَالَ ابْن أستاذنا مَا هُوَ هُنَا حَتَّى نسلطنه يُريدَان الْأَمِير فرج بن السُّلْطَان الْملك النَّاصِر فرج. فَلَمَّا رأى انقطاعهما قَالَ: الرَّأْي أَن يتَقَدَّم كل مِنْكُمَا إِلَى موقعه بِأَن يكْتب عَنهُ إِلَى أُمَرَاء مصر كتابا بِصُورَة الْحَال وَيَأْمُر بِحِفْظ القلعة وَالْمَدينَة حَتَّى يقدم عَلَيْهِم ويعدهم بِالْخَيرِ ثمَّ يكْتب الْخَلِيفَة أَمِير الْمُؤمنِينَ عَنهُ كتابا إِلَى الْأُمَرَاء بِصُورَة الْحَال وَيَأْمُرهُمْ بامتثال مَا تضمنه كتابيكما. فَوَقع هَذَا الرَّأْي مِنْهُمَا الْموقع الْجيد وَكتب كل مِنْهُمَا كتابا وَكتب الْخَلِيفَة كَذَلِك. وَندب قجقار القردمي بِحمْل الْكتب وجهز إِلَى الْقَاهِرَة فَمضى إِلَيْهَا من يَوْمه. وَنُودِيَ بالرحيل فَرَحل الْعَسْكَر يُرِيدُونَ دمشق فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس عشره وَلَيْسَ عِنْدهم من السُّلْطَان علم وَكَانَ السُّلْطَان قد قدم دمشق آخر لَيْلَة الْأَرْبَعَاء فِي ثَلَاثَة نفر وَنزل بالقلعة وَأصْبح النَّاس فِي اضْطِرَاب. فاستدعى الْقُضَاة والأعيان وَوَعدهمْ بِكُل خَيْبَر وحثهم على نصرته وَالْقِيَام مَعَه ورغبهم فِيمَا لَدَيْهِ فانقادوا لَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 316 وقووا قلبه وشجعوه فَأخذ فِي تَدْبِير أُمُوره وتلاحقت بِهِ عساكره شَيْئا بعد شَيْء. وَقدم عَلَيْهِ الْأَمِير دمرداش لمحمدي عصر يَوْم الْخَمِيس فولاه سادس عشره نِيَابَة الشَّام عوضا عَن الْأَمِير تغري بردى وَقد مَاتَ فِي هَذَا الْيَوْم. ثمَّ قدم الْأَمِير أرغون أَمِير أخور والأمير سنقر وَبَقِيَّة من تَأَخّر من عَسْكَر السُّلْطَان. وَأخذ السُّلْطَان فِي الاستعداد فَأخْرج الْأَمْوَال وصبها بَين يَدَيْهِ ظَاهِرَة. ودعا النَّاس إِلَى الْقيام بنصرته فَأَتَاهُ جمع كَبِير من التركمان وَغَيرهم فَكتب أَسْمَاءَهُم وَأنْفق فيهم وقواهم بِالسِّلَاحِ وَأنزل كل طَائِفَة فِي مَوضِع لحفظه. فَكَانَت عدَّة من استنجده من المشاة زِيَادَة على ألف رجل قد أجلسوا فَوق سقائف الحوانيت وَأَعْلَى الْحِيطَان. وَجمع العساكر المصرية والشامية وقواها وَأنْفق فِيهَا. وحصن القلعة بالمجانيق ومدافع النفط الْكِبَار وبالمكاحل وَجعل بَين كل شرفتين من شرفات سور الْمَدِينَة جنوية وَمن وَرَائِهَا الرُّمَاة بِالسِّهَامِ والجروخ والمدافع والأسهم الخطائية. وَنصب على كل برج من أبراج السُّور شيطانياً يرْمى بِهِ الْحِجَارَة. وَرفع الجسور عَن الْخَنَادِق وأتقن تحصين القلعة بِحَيْثُ لم يبْق سَبِيل إِلَى التَّوَصُّل لَهَا بِالْقُوَّةِ. وَفِيه ولي السُّلْطَان الْأَمِير نكباي الْحَاجِب نِيَابَة حماة. وَفِيه وَكتب قَاضِي الْقُضَاة شيخ الْإِسْلَام جلال الدّين أَبُو الْفضل عبد الرَّحْمَن بن البُلْقِينِيّ وَمَعَهُ بَقِيَّة قُضَاة مصر ودمشق وَجَمَاعَة من أَرْبَاب الدولة وَنُودِيَ بَين أَيْديهم بأسواق دمشق عَن لِسَان السُّلْطَان أَنه قد أبطل المكوس وأزال الْمَظَالِم فَادعوا لَهُ. فقوي ميل الشاميين إِلَيْهِ وتعصبوا لَهُ وَصَارَ أَكْثَرهم من حزبه وفريقه. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشره: ورد الْخَبَر بنزول الْأُمَرَاء سعسع فقوي الاستعداد. وَفِي بكرَة يَوْم السبت ثامن عشره: نزل الْأُمَرَاء على قبَّة يلبغا خَارج دمشق فندب السُّلْطَان إِلَيْهِم عسكراً توجهوا إِلَى القبيبات فبرز لَهُم الْأَمِير سودن تلِي المحمدي والأمير سودن الجلب فَاقْتَتلُوا حَتَّى تقهقر السُّلْطَانِيَّة مِنْهُم مرَّتَيْنِ ثمَّ انْصَرف الْفَرِيقَانِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 317 وَفِي يَوْم الْأَحَد تَاسِع عشره: ارتحل الْأُمَرَاء عَن قبَّة يلبغا ونزلوا غربي الْبَلَد من جِهَة الميدان ووقفوا من جِهَة القلعة إِلَى خَارج الْبَلَد فتراموا عَامَّة نهارهم بالنشاب والنفط فَاحْتَرَقَ مَا عِنْد فَلَمَّا كَانَ الْغَد يَوْم الِاثْنَيْنِ عشرينه: اجْتَمعُوا للحصار فوقفوا شَرْقي الْبَلَد وقبليه ثمَّ كروا رَاجِعين فنزلوا نَاحيَة القنوات إِلَى يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِي عشرينه. فَوَقع الْقِتَال فِي نَاحيَة شَرْقي الْبَلَد وَنزل الْأَمِير نوروز بدار الطّعْم وامتدت أَصْحَابه إِلَى العقيبة وَأخذ طَائِفَة الصالحية والمزة وَنزل الْأَمِير شيخ بدار الْأَمِير غرس الدّين خَلِيل الأستادار - تجاه جَامع كريم الدّين بِطرف القبيبات - وَمَعَهُ الْخَلِيفَة وَكَاتب السِّرّ وجماعته ورفقته. وَنزل الْأَمِير بكتمر شلق والأمير قرقماس ابْن أخي دمرداش فِي جمَاعَة من جِهَة بُسْتَان معِين الدّين وَمنعُوا الْميرَة عَن النَّاصِر وَقَطعُوا نهري دمشق ففقد المَاء من الْبَلَد وتعطلت الحمامات وغلقت الْأَسْوَاق. وَاشْتَدَّ الْأَمر على أهل دمشق وترامي الْأُمَرَاء بالنشاب واقتتلوا قتالاً شَدِيدا احْتَرَقَ فِيهِ عدَّة حوانيت وَغَيرهَا. وَكَثُرت الْجِرَاحَات فِي أَصْحَابه الْأُمَرَاء وَذَلِكَ أَن رميهم يَقع فِي أَحْجَار السُّور وَرمي السُّلْطَان دَائِما يَقع فيهم فينكيهم. وَفِي آخر هَذَا الْيَوْم: بعث الْأَمِير شيخ إِلَى شهَاب الدّين أَحْمد بن الحسباني وشهاب الدّين أَحْمد الباعون وقاضي الْقُضَاة نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن العديم - وَكَانَ قد انْقَطع بالشبلية لمَرض بِهِ - فَلم يدْخل إِلَى جَامع بني أُميَّة مَعَ رفاقه قُضَاة مصر فأحضر الثَّلَاثَة وأنزلهم عِنْده. وَفِيه أَيْضا لحق بالأمير شيخ نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ الْحَمَوِيّ وَصدر الدّين عَليّ بن الْآدَمِيّ فتأنس بهما وأخذا فِي تَعْرِيفه بِأَمْر الْبَلَد ومواضع العورات مِنْهَا وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يتَقرَّب بِهِ إِلَيْهِ. فَلَمَّا بلغ السُّلْطَان ذَلِك استدعى محب الدّين مُحَمَّد بن الشّحْنَة الْحلَبِي وخلع عَلَيْهِ وولاه قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بديار مصر عوضا عَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن العديم فِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشرينه. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة رَابِع عشرينه: أحضر الْأَمِير شيخ إِلَى بَين يَدَيْهِ الْأَمِير بلاط آقشق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 318 شاد الشربخاناة وَكَانَ مِمَّن قبض عَلَيْهِ فِي وقْعَة اللجون ووسطه من أحل أَنه كَانَ يتَوَلَّى ذبح المماليك الظَّاهِرِيَّة ليل قَتلهمْ السُّلْطَان بقلعة الْجَبَل. ووسط أَيْضا الْأَمِير بلاط أَمِير علم وَكَانَ مِمَّن قبض عَلَيْهِ أَيْضا. وَفِي يَوْم السبت خَامِس عشرينه: خلع الْخَلِيفَة المستعين بِاللَّه الْملك النَّاصِر من الْملك فَكَانَت مدَّته فِي السلطنة مُنْذُ مَاتَ أَبوهُ الْملك الظَّاهِر وَجلسَ بعده على سَرِير الْملك إِلَى أَن خلع بأَخيه السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور عبد الْعَزِيز سِتّ سِنِين وَخَمْسَة أشهر وَأحد عشر يَوْمًا. وَمُدَّة سلطنته الثَّانِيَة من حِين وثب على أَخِيه عبد الْعَزِيز إِلَى أَن خلعه الْخَلِيفَة أَمِير الْمُؤمنِينَ سِتّ سِنِين وَعشرَة أشهر سَوَاء. فَجَمِيع مُدَّة سلطته ثَلَاث عشرَة سنة وَثَلَاثَة أشهر وَأحد عشر يَوْمًا. الْخَلِيفَة المستعين بِاللَّه أَبُو الْفضل الْعَبَّاس بن مُحَمَّد المتَوَكل على الله أبي عبد الله العباسي اجْتمع عَلَيْهِ الْأُمَرَاء وَبَايَعُوهُ خَارج دمشق فِي آخر السَّاعَة الْخَامِسَة من نَهَار السبت الْخَامِس وَالْعِشْرين من شهر الله الْمحرم الْحَرَام سنة خمس عشرَة وَثَمَانمِائَة والطالع برج الْأسد. وَسبب ذَلِك أَنه خرج صُحْبَة الْملك النَّاصِر فرج من الْقَاهِرَة إِلَى الشَّام عِنْد سَفَره إِلَيْهَا كَمَا جرت الْعَادة بِهِ. فَلَمَّا وافى اللجون لِيُقَاتل الْأُمَرَاء أوقف الْخَلِيفَة نَاحيَة وأوقف مَعَه كَاتب السِّرّ ورفقاءه من المباشرين. فَمَا هُوَ إِلَّا أَن نزلُوا وصلوا صَلَاة الْعَصْر إِذْ انهزم النَّاصِر فَأَشَارَ كَاتب السِّرّ حِينَئِذٍ على الْخَلِيفَة أَن ينشر علمه الْأسود يُرِيد بذلك أَن يصيروا فِي حمايته خشيَة من معرة العساكر. فعندما نشر الْعلم وعاينه الْأُمَرَاء تباشروا بِالْفَتْح. وَفِي ذَلِك الْوَقْت جَاءَ صَلَاح الدّين خَلِيل بن الكوير صَاحب ديوَان الْأَمِير شيخ وشهاب الدّين أَحْمد الصَّفَدِي فِي طَائِفَة من الْعَسْكَر فَأخذُوا الْخَلِيفَة وَمن مَعَه وَأتوا بهم إِلَى الْأُمَرَاء فأجلوا مقدم الْخَلِيفَة وأنزلوه وَمن مَعَه عِنْد الْأَمِير طوغان الدوادار. فَلم يزل عِنْده حَتَّى نزلُوا ظَاهر دمشق فاستدعى الأميران شيخ وَنور وَكَاتب السِّرّ فتح الله - وَقد بَلغهُمْ أَن النَّاصِر قد صَار فِي قلعة دمشق وحصنها وَأعد لَهُم - واستشاراه فِيمَا يعملاه فَقَالَ لَهما: مَا هَكَذَا يُقَاتل السُّلْطَان. وَذكر لَهما مَا هم فِيهِ من الِافْتِرَاق وَعدم الانقياد إِلَى وَاحِد مِنْهُم وَأَن كلا من الْأُمَرَاء يرى أَنه الْأَمِير الْكَبِير وَهَذَا أَمر لابد فِيهِ من إِقَامَة وَاحِد ترجع الْأُمُور كلهَا إِلَيْهِ وتصدر عَنهُ. فَأَطْرَقَ كل مِنْهُمَا سَاعَة ثمَّ رفع رَأسه وَقَالَ: ابْن أستاذنا مَا هُوَ حَاضر هُنَا حَتَّى نسلطه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 319 فَلَمَّا رأى عجزهم وانقطاعهم قَالَ: أقِيمُوا الْخَلِيفَة يتحدث وَقومُوا مَعَه فَإِن أحدا لَا يتجاسر عَلَيْهِ. فَقَالَا لَهُ: أَو يرضى بذلك. قَالَ: أَنا أرضيه. وَقَامَ عَنْهُمَا إِلَى الْخَلِيفَة فَذكر لَهُ شَيْئا من هَذَا فَأبى أَن يقبل وَفرق من النَّاصِر فرقا شَدِيدا وَخَافَ أَلا يتم لَهُ هَذَا الْأَمر فَيهْلك وصمم على الِامْتِنَاع وَفتح الله يلح عَلَيْهِ لما دَاخل قلبه من خوف النَّاصِر والحقد عَلَيْهِ فَلَمَّا رأى أَن الْخَلِيفَة لَا يُوَافقهُ على الْقيام بِالْأَمر دبر عَلَيْهِ حِيلَة يَقُودهُ بهَا لما يُرِيد مِنْهُ وَهُوَ أَنه حسن للأمير شيخ حَتَّى أَمر نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن مبارك شاه الطازي أَخا الْخَلِيفَة لأمه فَركب وَمَعَهُ ورقة تَتَضَمَّن أسطراً عديدة فِيهَا مثالب النَّاصِر ومعايبه وَأَن الْخَلِيفَة قد خلعه من الْملك وعزله من السلطة وَلَا يحل لأحد معاونته وَلَا مساعدته فَإِنَّهُ الكذا الكذا. فَلَمَّا بلغ الْخَلِيفَة هَذَا سقط فِي يَده وأيس من انصلاح النَّاصِر لَهُ وَأَرَادَ أَن يبْقى لَهُ حِيلَة مَعَ الْأُمَرَاء يعِيش بهَا حينا من الدَّهْر فِي رحيله مَعَهم وَفِي ظَنّه وَظن غَيره عجز الْأُمَرَاء عَن النَّاصِر فأذعن حِينَئِذٍ لَهُم أَن يقوم بِالْأَمر فَبَايعُوهُ بأجمعهم وأطبقوا كلهم على يَده يعطوه صَفْقَة أَيْمَانهم وحلفوا لَهُ على الْوَفَاء بتبعيته ونصبوا لَهُ كرسياً خَارج بَاب الدَّار تجاه جَامع كريم الدّين. وَجلسَ فَوْقه وَعَلِيهِ سوَاده الَّذِي أَخَذُوهُ من الْجَامِع وَهُوَ بِثِيَاب الْخطب عِنْد خطبَته للْجُمُعَة. ووقفوا بَين يَدَيْهِ على قدر مَنَازِلهمْ مَا عدا الْأَمِير نوروز فَإِنَّهُ لم يحضر لاشتغاله بِحِفْظ الْجِهَة الَّتِي هُوَ بهَا. ثمَّ قبلوا الأَرْض بَين يَدَيْهِ على الْعَادة وَتقدم الْأَمِير بكتمر جلق فَخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر بِهِ فِي نِيَابَة الشَّام وخلع على الْأَمِير قرقماس ابْن أخي دمرداش وَاسْتقر بِهِ فِي نِيَابَة حلب. وخلع على الْأَمِير سودن الجلب وَاسْتقر بِهِ فِي نِيَابَة طرابلس. ثمَّ ركب أَمِير الْمُؤمنِينَ والأمراء ونادي مُنَاد أَلا إِن النَّاصِر فرج بن برقوق قد خلع من السلطنة فَلَا يحل لأحد مساعدته وَمن حضر إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ من جماعته فَهُوَ آمن وأمدكم إِلَى يَوْم الْخَمِيس فِي كَلَام كَبِير من هَذَا المعني قد رتب. وَسَار أَمِير الْمُؤمنِينَ بعساكره من تجاه جَامع كريم الدّين إِلَى قرب الْمصلى ثمَّ عَاد وَأمر فَنُوديَ بذلك أَيْضا فِي النَّاحِيَة الشرقية من دمشق. فتفخذ النَّاس عَن النَّاصِر وصاروا حزبين حزب يرى أَن مُخَالفَة أَمِير الْمُؤمنِينَ كفر وَأَن النَّاصِر قد انْعَزل من الْملك فَمن قَاتل مَعَه فقد عصى الله وَرَسُوله وَمِنْهُم من يرى أَن الْقِتَال مَعَه وَاجِب وَمن قَاتله فَإِنَّمَا هُوَ بَاغ عَلَيْهِ. وَكثر النَّاس فِي ذَلِك. وَكتب أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى أُمَرَاء مصر باجتماع الْكَلِمَة على إِقَامَته وَأَنه خلع النَّاصِر وَقد أبطل المكوس والمظالم. وَبعث بذلك على يَد الْأَمِير كزل العجمي. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 320 وَفِي يَوْم الْأَحَد سادس عشرينه: قدم حَاج دمشق مَعَ الْأَمِير مُؤمن فأوقفهم الْأَمِير شيخ عِنْد جَامع كريم الدّين وَبعث كل طَائِفَة إِلَى جِهَة قَصدهَا من الْبَلَد ومنعهم أَن يمروا تَحت القلعة وَأنزل الْمحمل بِجَامِع كريم الدّين حَيْثُ كَانَ الشهابان أَحْمد الباعوني وَأحمد بن الحسباني نازلين بِمن مَعَهُمَا من فُقَهَاء دمشق وأتباعهما. وَفِيه مَاتَ الْأَمِير سكب الدوادار وَكَانَ مِمَّن خامر على النَّاصِر وَصَارَ فِي جملَة أَصْحَاب الْأَمِير شيخ من حِين وقْعَة اللجون فَأَتَاهُ سهم فِي ركبته أَتَى عَلَيْهِ. وَفِي سَابِع عشرينه: خلع أَمِير الْمُؤمنِينَ على شهَاب الدّين أَحْمد الباعوني وَاسْتقر بِهِ فِي الْقَضَاء بديار مصر عوضا عَن قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين بن البُلْقِينِيّ. وخلع أَيْضا على شهَاب الدّين أَحْمد بن الحسباني وَاسْتقر بِهِ فِي قَضَاء الْقُضَاة بِدِمَشْق عوضا عَن الأخناي. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سلخه: اشْتَدَّ الْقِتَال من جِهَة الْأَمِير شيخ قَرِيبا من بَاب الْجَابِيَة - وَمن جِهَة الْأَمِير نوروز قَرِيبا من بَاب الفراديس فكثرت الْجِرَاحَات وَمَات جمَاعَة. وَأما الْقَاهِرَة فَإِن مبشري الْحَاج تَأَخّر وصولهم إِلَى ثامنه. وَقدم فِي تَاسِع عشره الْخَبَر بمخامرة الْأُمَرَاء وقدوم السُّلْطَان دمشق ثمَّ مسيره مِنْهَا يُرِيد أعداءه وَتَأَخر قدوم الْحَاج عَن الْعَادة فَلم يصل إِلَى سادس عشرينه وَخرج هَذَا الشَّهْر والإرجاف بِالْقَاهِرَةِ كثير وَقد استعد الْأَمِير أسنبغا الزردكاش فحصن قلعة الْجَبَل وشحنها بالغلال والزاد ووسط الْأَمِير قنباي قريب شهر صفر أَوله الْجُمُعَة: فِيهِ مَاتَ يشبك العثماني خَارج دمشق من سهم أَصَابَهُ فِي أمسه فصلى عَلَيْهِ الْأَمِير شيخ. وَفِيه خلع السُّلْطَان الْملك النَّاصِر بِدِمَشْق على فَخر الدّين ماجد - الْمَعْرُوف بِابْن المزوق - نَاظر الإسطبل وَاسْتقر بِهِ فِي كِتَابَة السِّرّ عوضا عَن فتح الدّين فتح الله. وَقبض على مَا كَانَ لفتح الله بِدِمَشْق من خيل وجمال فَكَانَ هَذَا أَيْضا مِمَّا أعَان بِهِ على نَفسه فَإِنَّهُ تَأَكد بذلك بعد مَا بَينه وَبَين فتح الله وكشف لَهُ عَن قناعه وحسر عَن ساعد الْجد ودبر عَلَيْهِ بمكايده وحيله حَتَّى هدم مَا رسخ من ملكه وَنقض مَا ثَبت من أكيد سُلْطَانه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 321 وَفِيه خلع أَيْضا على الْوَزير الصاحب سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن البشري وولاه نظر الْخَاص عوضا عَن تَقِيّ الدّين عبد الْوَهَّاب بن أبي شَاكر وخلع على ابْن وَزِير بَيته صَاحب ديوَان الْجَيْش وَاسْتقر بِهِ فِي نظر الْجَيْش عوضا عَن بدر الدّين حسن بن نصر الله. وَفِيه قدم إِلَى الْقَاهِرَة قجقار القردمي فِي عشْرين فَارِسًا فَأَرَادَ الْأَمِير أسنبغا أَن يقبض عَلَيْهِ فبادر الْأَمِير يلبغا الناصري وَأرْسل طَائِفَة من أجناده إِلَى لِقَائِه وشقوا بِهِ الْقَاهِرَة وأنزله بِبَيْت الْأَمِير تمراز ورتب لَهُ مَا يَلِيق بِهِ وَقَرَأَ مَا على يَده من الْكتب فاشتهر الْخَبَر فِي الْبَلَد وَكَثُرت القالة بَين النَّاس. وَفِي ثالثه: وصل عشير الْبِقَاع مَعَ ابْن حنيش إِلَى دمشق فَقَاتلُوا المشاة قتالاً كَبِيرا وَرَجَعُوا من الْغَد إِلَى الصالحية فأفسدوا ونهبوا مَا قدرُوا عَلَيْهِ. وَفِي خامسه: وصل بدر الدّين حسن بن محب الدّين عبد الله الطرابلسي - أستادار الْأَمِير شيخ - من قلعة المرقب بالزردخاناة فتقوي بهَا الْأَمِير شيخ وَكَانَ قد عمل مدافع وَكَثِيرًا من النشاب وَنَحْوه من آلَة الْحَرْب. وَفِي سادسه: دقَّتْ البشائر بقلعة دمشق وَنُودِيَ أَنه قد وصلت أُمَرَاء التركمان - قرا يلك وَغَيره - ونواب القلاع لنجدة السُّلْطَان فَنُوديَ بمعسكر الْأَمِير شيخ - عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ - باستعداد الْعَوام لقِتَال الْمَذْكُورين فَإِنَّهُم مُقَدّمَة تمرلنك وجاليشه. ثمَّ اجْتمع الْأُمَرَاء والمماليك السُّلْطَانِيَّة كلهم وحلفوا بأجمعه يَمِينا ثَانِيَة لأمير الْمُؤمنِينَ بِأَنَّهُم يلتزمون طَاعَته ويأتمرون بأَمْره وَأَنَّهُمْ راضون بِأَنَّهُ الْحَاكِم عَلَيْهِم وَأَنه يستبد بِجَمِيعِ الْأُمُور من غير أَن يُعَارضهُ أحد فِي شَيْء وَأَنَّهُمْ لَا يسلطوا أحدا غَيره وقبلوا كلهم لَهُ الأَرْض وَمضى كَاتب السِّرّ فتح الله إِلَى الْأَمِير نوروز بدار الطّعْم - حَيْثُ هُوَ نَازل - فحلفه على ذَلِك وَقبل الأَرْض لأمير الْمُؤمنِينَ وَقد اسْتقْبل جِهَته وَأظْهر من الْفَرح وَالسُّرُور باستبداد أَمِير الْمُؤمنِينَ بِالْأَمر مَا لَا يُوصف كَثْرَة وَحمد الله تَعَالَى على ذَلِك وَقَالَ: حِينَئِذٍ استقام لنا الْأَمر. وَسَأَلَ كَاتب السِّرّ أَن يَنُوب عَنهُ فِي تَقْبِيل الأَرْض بَين يَدَيْهِ وَفِي لَيْلَة الْجُمُعَة ثامنه: اشْتَدَّ الْقِتَال إِلَى الْغَايَة وَاسْتمرّ من بعد الْعَصْر إِلَى ثلث اللَّيْل. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة هَذَا: وصل الْأَمِير كزل العجمي الْحَاجِب من دمشق إِلَى الْقَاهِرَة يبشر بِقِيَام أَمِير الْمُؤمنِينَ فشق الْقَاهِرَة وَخرج من بَاب زويلة وَنزل عِنْد الْأَمِير يلبغا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 322 الناصري وَحضر إِلَيْهِ الْأَعْيَان. فَقَرَأَ عَلَيْهِم كتاب أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَيْهِ بِأَن العساكر المصرية والشامية قد اتّفقت على إِقَامَته وَبَايَعُوهُ وحلفوا لَهُ. وَأَنه قد خلع النَّاصِر فرج من الْملك لما ظهر مِنْهُ وَثَبت عَلَيْهِ بِمُقْتَضى محْضر شهد فِيهِ خَمْسمِائَة نفس بقوادح فِي الدّين توجب إِرَاقَة الدَّم. وَيَأْمُر فِي كِتَابه أَن يُنَادي فِي الْقَاهِرَة ومصر: لَا سُلْطَان إِلَّا الْخَلِيفَة وَأَنه قد أبطل المكوس والمظالم وَأخذ البراطيل وَرمى البضائع على التُّجَّار وَأَن يَأْمر الخطباء بِقطع اسْم النَّاصِر من الْخطب وَإِقَامَة اسْم أَمِير الْمُؤمنِينَ بمفرده. فَلم يتَمَكَّن الْأَمِير يلبغا الناصري من ذَلِك خوفًا من أسنبغا الزردكاش فَإِنَّهُ كَانَ قد امتعض النَّاصِر وعزم على أَخذ كزل هَذَا فسبقه الْأَمِير يلبغا وأنزله. هَذَا والكتب من النَّاصِر تَأتي مَعَ السعاة إِلَى أسنبغا بِأَنَّهُ مَحْصُور بقلعة دمشق فيهم بِأُمُور من الشَّرّ فيوسوسه الْأَمِير يلبغا الناصري ويتلطف بِهِ حَتَّى يكف عَن ذَلِك. وَفِي هَذَا الْيَوْم: بلغ الْأَمِير شيخ أَن النَّاصِر قد عزم على إحراق نَاحيَة قصر حجاج حَتَّى تصير فضاء ثمَّ يركب بِنَفسِهِ ويواقع الْقَوْم هُنَاكَ. فبادر وَركب بعد صَلَاة الْجُمُعَة بأمير الْمُؤمنِينَ وَجَمِيع من مَعَه وَسَار من طرف القبيبات حَيْثُ كَانَ منزله. وَنزل بِأَرْض الثابتية وَقَاتل من بالقلعة فَاشْتَدَّ الْقِتَال إِلَى أَن مضى من اللَّيْل جَانب وَكثر الرَّمْي بالنفط وَغَيره فَاحْتَرَقَ سوق خَان السُّلْطَان وَمَا حوله. وَحمل السُّلْطَانِيَّة على الشيخية حَملَة مُنكرَة هزموهم فَتَفَرَّقُوا شذر مدر. وَثَبت الْأَمِير شيخ فِي حماته بَعْدَمَا وصل إِلَى قريب الشويكة ثمَّ حمل بِنَفسِهِ - هُوَ وَمن مَعَه - حَملَة وَاحِدَة ملك فِيهَا القنوات ففر من كَانَ هُنَاكَ من التراكمين الرُّمَاة. وَكَانَ الْأَمِير دمرداش منزله عِنْد بَاب الميدان تجاه القلعة فَلَمَّا بلغه ذَلِك أَتَى إِلَى السُّلْطَان وَهُوَ جَالس تَحت قبَّة فَوق بَاب النَّصْر فَسَأَلَهُ أَن ينْدب مَعَه طَائِفَة كَبِيرَة من المماليك ليتوجه بهم إِلَى الْأَمِير شيخ فَإِنَّهُ قد وصل إِلَى طرف القنوات وَسَهل أَخذه فَنَادَى السُّلْطَان من هُنَاكَ من العساكر وَأمرهمْ بذلك فَلم يجبهُ مِنْهُم أحد فَلَمَّا كرر الْأَمر بِهِ. أَجَابَهُ بَعضهم جَوَابا فِيهِ جفَاء. وبينما هم فِي ذَلِك إِذْ اختبط الْعَسْكَر وَوَقع الصَّوْت فيهم: قد كبسكم الْأَمِير نوروز. فتسارعوا بأجمعهم وعبروا من بَاب النَّصْر إِلَى الْمَدِينَة وَتَفَرَّقُوا فِي خرائبها بِحَيْثُ لم يبْق مِنْهُم أحد بَين يَدي السُّلْطَان فولى الْأَمِير دمرداش عَائِدًا إِلَى مَوْضِعه. وَقد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 323 ملك الْأَمِير شيخ الميدان والإسطبل فَبعث دمرداش إِلَى السُّلْطَان بِأَن الْأَمر قد فَاتَ والرأي أَن تلْحق بحلب. فَقَامَ عِنْد ذَلِك من مَجْلِسه وَترك الشمعة تتقد حَتَّى لَا يَقع الطمع بِأَنَّهُ قد ولي ويوهم النَّاس أَنه ثَابت. ثمَّ دخل إِلَى حرمه وجهز مَاله فَلم يخرج حَتَّى مضى أَكثر اللَّيْل. وَتوجه دمرداش نَحْو حلب وخامر الْأَمِير سنقر. وَجَاء إِلَى الْأَمِير شيخ فَإِذا الطبول قد بَطل دقها وَالرُّمَاة قد فروا. وَكَانَ قد تقرر من النَّهَار بِأَن يدس بعض من استماله فتح الله من أَصْحَاب النَّاصِر نَاسا يقومُونَ فِي اللَّيْل يَقُولُونَ من فَوق الأسوار: نصر الله أَمِير الْمُؤمنِينَ. فَمَا هُوَ إِلَّا أَن قَالُوا ذَلِك تفرق الرُّمَاة من فَوق الأسوار وعندما خرج النَّاصِر من دَاره أَمر بخيوله فَحملت المَال ليسير إِلَى حلب عَارضه الْأَمِير أرغون أَمِير أخور وَغَيره ورغبه فِي الْإِقَامَة: وَأَن الْجَمَاعَة مماليك أَبِيك لَا يوصلون إِلَيْك سوءا وَنَحْو ذَلِك حَتَّى طلع الْفجْر فَركب فرسه وَدَار على السُّور فَلم يجد أحدا مِمَّن أعده للرمي فَعَاد والتجأ إِلَى القلعة. وَأَقْبل الْأَمِير شيخ نَحْو بَاب النَّصْر وَركب نوروز إِلَى جِهَة بَاب أتوما ونصبت السلالم حَتَّى فتح بَاب النَّصْر وأحرق بَاب الجبية فَعبر الْأَمِير شيخ من بَاب النَّصْر وَأخذ الْمَدِينَة وَنزل بدار السَّعَادَة وامتدت أَيدي النهابة من الغوغاء فَمَا عفوا وَلَا كفوا. وَأخذُوا من المَال مَا يجل عَن الْوَصْف. فَلم يكد أحد يسلم من معرة النهب. وَنزل أَمِير الْمُؤمنِينَ بدار فِي طرف من ظواهر دمشق وتحول الْأَمِير شيخ إِلَى الإصطبل. وَأنزل الْأَمِير بكتمر جلق بدار السَّعَادَة. وَأخذ النَّاصِر يَرْمِي من أَعلَى القلعة يَوْمه وَبَات لَيْلَة الْأَحَد على ذَلِك فَلَمَّا كَانَ يرم الْأَحَد عاشره بعث بالأمير أسندمر أَمِير أخور ليحلف لَهُ الْأُمَرَاء فَكتب نُسْخَة الْيَمين فَحَلَفُوا لَهُ وَوَضَعُوا خطوطهم. وَكتب أَمِير الْمُؤمنِينَ خطه أَيْضا. وَصعد بِهِ إِلَيْهِ نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن مبارك أَخُو الْخَلِيفَة فطال الْكَلَام بَينهمَا وَكثر الترداد بِغَيْر طائل. وَعَاد النَّاصِر إِلَى الرَّمْي من القلعة بمدافع النفط والنشاب. فَركب الْقَوْم وَأَحَاطُوا بِهِ يُرِيدُونَ قِتَاله. فَأرْسل يسْأَل فِي الْكَفّ عَنهُ فضايقوا القلعة خشيَة أَن يفر مِنْهَا فأضطره الْحَال إِلَى أَن نزل لَيْلَة الِاثْنَيْنِ حادي عشره وَمَعَهُ أَوْلَاده يحملهم ويحملون مَعَه وَهُوَ ماش من بَاب القلعة إِلَى الإصطبل حَيْثُ منزل الْأَمِير شيخ فَقَامَ إِلَى لِقَائِه وَقبل لَهُ الأَرْض وَأَجْلسهُ بصدر الْمجْلس وَسكن روعه وَتَركه وَانْصَرف عَنهُ فَأَقَامَ بمكانه إِلَى يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي عشره فَجمع فُقَهَاء مصر وَالشَّام بدار السَّعَادَة بَين يَدي أَمِير الْمُؤمنِينَ وَقد تحول إِلَيْهَا وسكنها فأفتوا بإراقة دم النَّاصِر شرعا. فَأخذ فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء من الجزء: 6 ¦ الصفحة: 324 الإصطبل وَأنزل بِموضع من قلعة دمشق وَحده وَقد ضيق عَلَيْهِ وأفرد من خدمه إِلَى لَيْلَة السبت سادس عشره دخل عَلَيْهِ ثَلَاثَة أحدهم ابْن مبارك أَخُو الْخَلِيفَة وَآخر من ثِقَات الْأَمِير شيخ وَآخر من ثِقَات الْأَمِير نوروز وَمَعَهُمْ رجلَانِ من المشاعلية فعندما رَآهُمْ ثار إِلَيْهِم ودافع عَن نَفسه فساوره الرّجلَانِ حَتَّى صرعاه بَعْدَمَا أثخنا جراحه. وَتقدم إِلَيْهِ بعض صبيان الفداوية بخنجر فخنقه وَقد أَصَابَته الْجراحَة فِي خَمْسَة مَوَاضِع. فَلَمَّا ظن أَنه قد أَتَى على نَفسه وَقَامَ عَنهُ تحرّك فَعَاد وخنقه مرّة ثَانِيَة حَتَّى قوى عِنْده أَنه هلك تَركه فَإِذا بِهِ يَتَحَرَّك فعاوده مرّة ثَالِثَة وفرى أوداجه بخنجر وسحب بَعْدَمَا سلب جَمِيع مَا عَلَيْهِ من الثِّيَاب. وَألقى على مزبلة مُرْتَفعَة عَن الأَرْض تَحت السَّمَاء وَهُوَ عاري الْبدن يستر عَوْرَته وَبَعض فَخذيهِ سراويله وَعَيناهُ مفتوحتان وَالنَّاس تمر بِهِ مَا بَين أَمِير ومملوك قد صرف الله قُلُوبهم عَنهُ. وغوغاء الْعَامَّة وأراذل الغلمان تعبث بلحيته وَيَديه وَرجلَيْهِ طول نَهَار السبت نكالاً من الله لَهُ فَإِنَّهُ كَانَ مستخفاً بعظمة الله سُبْحَانَهُ فَأرَاهُ الله قدرته فِيهِ: لَا تيأسن على شَيْء فَكل فَتى إِلَى منيته يستن فِي عنق بأيما بَلْدَة تقدر منيته أَلا يُسَارع إِلَيْهَا طالعاً يسق وَقد أخرج الإِمَام أَحْمد من حَدِيث ابْن لَهِيعَة: حَدثنَا يزِيد بن أبي حبيب أَن قيس بن سعد بن عبَادَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: إِن رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: من شدد سُلْطَانه بِمَعْصِيَة الله عز وَجل أوهن الله كَيده إِلَى يَوْم الْقِيَامَة. فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة الْأَحَد: حمل وكفن بَعْدَمَا غسل وَصلى عَلَيْهِ وَدفن بمقبرة بَاب الفراديس بِموضع يعرف بمرج الدحداح وَلم يكن لَهُ جَنَازَة مَشْهُودَة وَلَا عرف من تولى غسله وكفنه وَيُقَال أَنه تصدق عَلَيْهِ بالكفن فسبحان الْمعز المذل. وَقد كَانَ الْأَمِير شيخ لَا يُرِيد قَتله وعزم على أَن يحملهُ مَعَ الْأَمِير طوغان الدوادار إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة ويسجنه بهَا فَقَامَ الْأَمِير نوروز والأمير بكتمر حلق فِي قَتله قيَاما بذلاً فِيهِ جهدها فَإِن الْأَمِير يشبك بن أزدمر مِمَّن امْتنع من الْمُوَافقَة على قَتله وشنع فِي ذَلِك وَاحْتج بالأيمان الَّتِي حَلَفت لَهُ فتقوى نوروز وبكتمر بالخليفة فَإِنَّهُ اجْتهد هُوَ وَكَاتب السِّرّ فتح الله فِي ذَلِك وحمي الْفُقَهَاء والقضاة على الْكِتَابَة بإراقة دَمه. وتجرد قَاضِي الْقُضَاة نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن العديم الْحَنَفِيّ لذَلِك وكافح من خَالف فِي قَتله وَأشْهد على نَفسه أَنه حكم بقتْله شرعا فَأمْضى قَتله وَقتل كَمَا تقدم ذكره. وَكَانَ النَّاصِر هَذَا أشأم مُلُوك الْإِسْلَام فَإِنَّهُ خرب بِسوء تَدْبيره جَمِيع أَرَاضِي مصر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 325 وبلاد الشَّام من حَيْثُ يصب النّيل إِلَى مجْرى الْفُرَات فطرق الطاغية تيمورلنك بِلَاد الشَّام فِي سنة ثَلَاث وَثَمَانمِائَة وَخرب حلب وحماة وبعلبك ودمشق وحرقها حَتَّى صَارَت دمشق كوماً لَيْسَ بهَا دَار وَقتل من أهل الشَّام مَا لَا يُحْصى عدده إِلَّا الله تَعَالَى وَقطع أشجارها حَتَّى لم يبْق بِدِمَشْق حَيَوَان وَنقل إِلَيْهَا من مصر حَتَّى الْكلاب وَخَربَتْ أَرَاضِي فلسطين بِحَيْثُ أَقَامَت الْقُدس مُدَّة إِذا أُقِيمَت صَلَاة الظّهْر بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى لَا يصلى خلف الإِمَام سوى رجلَيْنِ. وطرق ديار مصر الغلاء من سنة سِتّ وَثَمَانمِائَة فبذل أُمَرَاء دولته ومدبروها جهدهمْ فِي ارْتِفَاع الأسعار بخزنهم الغلال وَبَيْعهَا بالسعر الْكَبِير ثمَّ زِيَادَة أُجْرَة أطيان أَرَاضِي مصر حَتَّى عظمت كلفة مَا تخرجه الْأَرَاضِي وأفسدوا مَعَ ذَلِك النُّقُود بِإِبْطَال السِّكَّة الإسلامية من الذَّهَب والمعاملة بِالدَّنَانِيرِ المشخصة الَّتِي هِيَ ضرب النَّصَارَى. وَرفعُوا سعر الذَّهَب حَتَّى بلغ إِلَى مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعين كل مِثْقَال بَعْدَمَا كَانَ بِعشْرين درهما. وعكسوا الْحَقَائِق فصيروا الْفُلُوس - الَّتِي لم تكن قطّ فِي قديم الدَّهْر وَلَا حَدِيثه نَقْدا رابحاً - هِيَ الَّتِي ينْسب إِلَيْهَا مِمَّن المبيعات وقيم الْأَعْمَال. وَأخذت على نواحي مصر مغارم تجبى من الفلاحين فِي كل سنة وأهمل عمل جسور أَرَاضِي مصر وألزم النَّاس أَن يقومُوا عَنْهَا بأموال تجبى مِنْهُم وَتحمل إِلَيْهِ. وَأكْثر وزرائه من رمي البضائع على التُّجَّار وَنَحْوهم من الباعة بأغلى الْأَثْمَان واضطروهم إِلَى حمل ثمنهَا فعظمت مغارمهم للرسل الَّتِي تستحثهم ولمستخرجي المَال مِنْهُم مَعَ الخسارة فِي أَثمَان مَا طرح عَلَيْهِم من البضائع لَا جرم أَن خرب إقليم مصر وزالت نعم أَهله وَقلت أَمْوَالهم وَصَارَ الغلاء بَينهم كَأَنَّهُ طبيعي لَا يُرْجَى زَوَاله. هَذَا مَعَ تَوَاتر الْفِتَن واستمرارها بِالشَّام ومصر وتكرار سمره إِلَى الْبِلَاد الشامية مِمَّا من سفرة إِلَيْهَا إِلَّا وَينْفق فِيهَا خَارِجا عَمَّا عِنْده من الْخُيُول وَالسِّلَاح وَغير ذَلِك زِيَادَة على ألف ألف دِينَار يجبيها من دِمَاء أهل مصر ومهجهم. ثمَّ يقدم إِلَى الشَّام فيخرب الديار ويستأصل فخربت الْإسْكَنْدَريَّة وبلاد الْبحيرَة وَأكْثر الشرقية ومعظم الغربية والجيزية وتدمرت بِلَاد الفيوم وَعم الخراب بِلَاد الصَّعِيد بِحَيْثُ بَطل مِنْهَا زِيَادَة على أَرْبَعِينَ خطة كَانَت تُقَام فِي يَوْم الْجُمُعَة ودثر ثغر أسوان وَكَانَ من أعظم ثغور الْمُسلمين فَلم يبْق بِهِ أَمِير وَلَا كَبِير لَا سوق وَلَا بَيت وتلاشت مَدَائِن الصَّعِيد كلهَا وَخرب من الجزء: 6 ¦ الصفحة: 326 الْقَاهِرَة وظواهرها زِيَادَة على نصف أملاكها. وَمَات من أهل إقليم مصر بِالْجُوعِ والوباء نَحْو ثُلثي النَّاس. وَقتل فِي الْفِتَن بِمصْر مُدَّة أَيَّامه خلائق لَا تدخل تَحت حصر مَعَ تجاهره بالفسوق من شرب الْخمر وإتيان الْفَوَاحِش والتجرؤ الْعَظِيم على الله - جلت قدرته - والتلفظ من الاستخفاف بِاللَّه تَعَالَى وَرُسُله مَا لَا تكَاد الْأَلْسِنَة تنطق بحكايته لقبيح شناعته. وَمن العجيب أَنه لما ولد كَانَ قد أقبل الْأَمِير يلبغا الناصري بعساكر الشَّام لينزع أَبَاهُ الْملك الظَّاهِر من الْملك وَهُوَ فِي غَايَة الِاضْطِرَاب من ذَلِك فعندما بشر بِهِ قيل لَهُ: مَا نُسَمِّيه فَقَالَ: بلغاق يَعْنِي فتْنَة وَهِي كلمة تركية فَقبض على أَبِيه وسجن بالكرك - كَمَا تقدم ذكره - وَهُوَ لم يسم. فَلَمَّا عَاد برقوق إِلَى الْملك عرض عَلَيْهِ فَسَماهُ فرج فَمَا كَانَ فِي الْحَقِيقَة إِلَّا فتْنَة. أَقَامَهُ الله سُبْحَانَهُ نقمة على النَّاس لذيقهم بعض الَّذِي عمِلُوا. وَمن عَجِيب الِاتِّفَاق أَن حرف اسْمه فرج وعددها ثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ ومائتان وَهِي عدد جركس فَكَانَ فنَاء طَائِفَة الجركس على يَدَيْهِ فَإِن حروفها يَعْنِي إِذا أسقطت بحروف اسْمه. وَكَانَت وَفَاته عَن أَربع وَعشْرين سنة وَثَمَانِية أشهر وَأَيَّام. وَفِي يَوْم الْأَحَد عَاشر صفر هَذَا: قبض على الأخناي قَاضِي دمشق وعَلى رزق الله نَاظر جيشها وعَلى الْأَمِير غرس الدّين خَلِيل الأستادار وعَلى فَخر الدّين بن المزوق كَاتب سر النَّاصِر وعَلى يحيى بن لاقي وسلموا للأمير نوروز. ثمَّ شفع فيهم فأطلقوا بعد أَيَّام مَا عدا غرس الدّين فَإِنَّهُ اسْتمرّ فِي قَبْضَة الْأَمِير نوروز وصادره. وَفِي ثامن عشره: خلع على صدر الدّين عَليّ بن الْآدَمِيّ وَاسْتقر فِي كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق عوضا عَن محيي الدّين يحيي بن زَكَرِيَّا البهنسي وخلع على شهَاب الدّين أَحْمد ابْن مُحَمَّد بن الْأمَوِي وَاسْتقر فِي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق. وَفِي خَامِس عشرينه: اسْتَقر الْأَمِير نوروز فِي نِيَابَة الشَّام وخلع عَلَيْهِ بِحَضْرَة أَمِير الْمُؤمنِينَ بدار السَّعَادَة وَقد جلس بهَا. وَجلسَ الْأَمِير شيخ عَن يَمِينه فِي وَقت الْخدمَة وَكَانَ مُنْذُ قتل النَّاصِر قد اتّفق الْحَال على الأميرين شيخ ونوروز يقومان بِالْأَمر مَعَ أَمِير الْمُؤمنِينَ ويسيران إِلَى مصر فَينزل الْأَمِير شيخ بِبَاب السلسلة من قلعة الْجَبَل وَينزل الْأَمِير نوروز فِي بَيت الْأَمِير قوصون بالرميلة تجاه بَاب السلسلة وَكتب إِلَى الْقَاهِرَة بتجديد عِمَارَته وَأَن يضْرب عَلَيْهِ رنك الْأَمِير نوروز. وَصَارَ الْأَمِير نوروز يركب من دَاره إِلَى تَحت قلعة دمشق فَيخرج الْأَمِير شيخ من الإصطبل - حَيْثُ هُوَ نَازل - الجزء: 6 ¦ الصفحة: 327 ويسيران تَحت القلعة بموكبهما سَاعَة ثمَّ يدخلَانِ إِلَى دَار السَّعَادَة فيجلس الْأَمِير طوغان الدوادار على عَادَته والأمراء على مَرَاتِبهمْ وَيقْرَأ كَاتب السِّرّ فتح الله الْقَصَص على أَمِير الْمُؤمنِينَ فيمضي مَا يخْتَار إمضاءه ثمَّ يقدم إِلَيْهِ المراسيم والأمثلة فَيعلم عَلَيْهَا. ويمد السماط بَين يَدَيْهِ فيأكل الْأُمَرَاء كَمَا جرت بِهِ عَادَتهم فَإِذا انْقَضتْ الْخدمَة قَامُوا وصاروا إِلَى دُورهمْ. فَكَانَ النَّاس يتوقعون عود الْفِتْنَة بَين الأميرين شيخ ونوروز إِلَى أَن اخْتَار نوروز من تِلْقَاء نَفسه أَن يكون بِالشَّام وخلع عَلَيْهِ. وعندئذ انْفَرد الْأَمِير شيخ بتدبير المملكة وَأخذ جَانب الْخَلِيفَة فِي الأتساع وفوض إِلَى الْأَمِير نوروز كَفَالَة الشَّام كُله - دمشق وحلب وحماة - وَجعل لَهُ تعْيين الإمريات والإقطاعات لمن يُريدهُ ويختاره وَأَن يولي النواب بالقلاع وَغَيرهَا ويولي الْكَشَّاف والولاة بِالْأَعْمَالِ ويولي المباشرين أَيْضا ويطالع الْخَلِيفَة بِمن يسْتَقرّ بِهِ فِي شَيْء من ذَلِك ليجهز إِلَيْهِ التشريف فَكَانَت مُدَّة نِيَابَة الْأَمِير بكتمر نَحْو الشَّهْرَيْنِ. وَفِي سادس عشرينه: استدعى أَمِير الْمُؤمنِينَ شيخ الْإِسْلَام قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين أَبَا الْفضل عبد الرَّحْمَن بن البُلْقِينِيّ وخلع عَلَيْهِ وَأَعَادَهُ إِلَى قَضَاء الْقُضَاة بالديار المصرية فَكَانَت ولَايَة الباعوني نَحْو شهر ثمَّ خلع على بَقِيَّة قُضَاة مصر وخلع على نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد البصروي موقع الْأَمِير نوروز وَاسْتقر بِهِ فِي كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق عوضا عَن ابْن الْآدَمِيّ وأضاف إِلَيْهِ قَضَاء طرابلس وَأذن لَهُ أَن يَسْتَنِيب فِيهِ. وَفِي ثامن عشرينه: قدم كتاب الْخَلِيفَة وكتابي الأميرين شيخ ونوروز إِلَى الْأُمَرَاء بديار مصر تَتَضَمَّن أَخذ النَّاصِر فرج فقرئت الْكتب عِنْد الْأَمِير يلبغا الناصري وَعند الْأَمِير ألطنبغا العثماني. ثمَّ نُودي بِالْقَاهِرَةِ: الْأمان فَإِن فرج بن برقوق قد مسك وَدخل فِي قَبْضَة الْأَمِير شيخ ونوروز وَأرْسلت الْكتب إِلَى الْجَوَامِع فقرئت بالجامع الْأَزْهَر وبجامع الْحَاكِم من الْقَاهِرَة وبجامع أَحْمد بن طولون وجامع عَمْرو من مَدِينَة مصر على المنابر فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَامْتنع الْأَمِير أسنبغا الزردكاش بقلعة الْجَبَل وَكذب ذَلِك وَأَرَادَ أَن يركب للحرب. فساس الْأَمِير يلبغا الناصري الْحَال حَتَّى كف أسنبغا عَن الْفِتْنَة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: بَث أَمِير الْمُؤمنِينَ كتبه فِي الْبِلَاد الشامية وَغَيرهَا إِلَى التركمان والعربان والعشير وَجعل افتتاحها بعد الْبَسْمَلَة: من عبد الله ووليه الإِمَام المستعين بِاللَّه أَمِير الْمُؤمنِينَ وَخَلِيفَة رب العاملين وَابْن عَم سيد الْمُرْسلين المفترض طَاعَته على الْخلق أَجْمَعِينَ. أعز الله بِبَقَائِهِ الدّين إِلَى فلَان ... الجزء: 6 ¦ الصفحة: 328 شهر ربيع الأول أَوله السبت: فِي رابعه: ورد كتاب أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى الْأُمَرَاء بديار مصر يتَضَمَّن قتل فرج بن برقوق وَأَن الْأَمِير أسنبغا الزردكاش يسلم قلعة الْجَبَل إِلَى الْأَمِير يلبغا الناصري. فَنزل أسنبغا إِلَى الْأَمِير يلبغا بمفاتيح القلعة وَتوجه إِلَى دَاره وشيعه الْأَمِير يلبغا وشكر لَهُ فعله. وَقدم أَيْضا من الْإسْكَنْدَريَّة الْأُمَرَاء المسجونون بهَا وهم سودن الأسندمري أَمِير أخور ثَانِي وأينال الصصلاني الْحَاجِب الثَّانِي والأمير كمشبغا المزوق والأمير جانباك الصرفي وتاج الدّين بن الهيصم الأستادار. وَقد كتب من دمشق بالإفراج عَنْهُم لتوجهوا إِلَى مَنَازِلهمْ. وَفِي ثامنه: توجه أَمِير الْمُؤمنِينَ والأمير شيخ وعساكر مصر من دمشق ونزلوا بقبة يلبغا. وَفِي تاسعه: أُعِيد شمس الدّين مُحَمَّد الأخناي إِلَى قَضَاء الْقُضَاة بِدِمَشْق فَكَانَت مُدَّة ولَايَة ابْن الحسباني أحد وَأَرْبَعين يَوْمًا مِنْهَا مُبَاشَرَته أقل من شهر. واستقل الْخَلِيفَة والأمير شيخ بِالْمَسِيرِ إِلَى ديار مصر. وَفِي سادس عشرَة: توجه الْأَمِير نوروز نَائِب الشَّام من دمشق يُرِيد حلب فَنزل على بَرزَة. وَفِيه تقدم الْأَمِير نوروز بِأَن يضْرب دَرَاهِم نصفهَا فضَّة وَنِصْفهَا نُحَاس فَضربت واستمرت أَيْضا الدَّرَاهِم الَّتِي يتعامل بهَا فِي دمشق وَلَيْسَ فِيهَا من الْفضة إِلَّا الْعشْر والتسعة أعشار من نُحَاس وَكَانُوا فِي سنه ثَلَاث عشرَة قد جعلُوا بِدِمَشْق الرّبع فضَّة وَالثَّلَاثَة أَربَاع نُحَاسا وضربوا الدَّرَاهِم على هَذَا ثمَّ مَا زَالُوا يقلوا من الْفضة حَتَّى لم يبْق فِيهَا من الْفضة سوى الْعشْر فغلا عِنْدهم أَيْضا سعر الذَّهَب وارتفع من خَمْسَة وَعشْرين درهما الدِّينَار حَتَّى بلغ إِلَى خَمْسَة وَخمسين درهما. ثمَّ أَمر الْأَمِير نوروز بِأَن تضرب الدَّرَاهِم من فضَّة خَالِصَة لَيْسَ فِيهَا غش فَضربت دَرَاهِم زنة كل دِرْهَم مِنْهَا نصف دِرْهَم فضَّة. وَجعل كل دِينَار من الذَّهَب بِثَلَاثِينَ دِرْهَم مِنْهَا فاستمر الصّرْف عِنْدهم على هَذَا. وَفِي سَابِع عشره: قدم الْأَمِير ألطنبغا القرمشي إِلَى صفد على نيابتها. وَفِي ثَالِث عشرينه: خلع الْأَمِير يلبغا الناصري نَائِب الْغَيْبَة بديار مصر على محب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 329 الدّين مُحَمَّد بن شرف الدّين عُثْمَان بن سُلَيْمَان بن رَسُول بن أَمِير يُوسُف بن خَلِيل بن نوح الكرادي الْمَعْرُوف بِابْن الْأَشْقَر. وَاسْتقر بِهِ فِي مشيخة خانقاة سرياقوس عوضا عَن شيخها شهَاب الدّين أَحْمد بن أوحد برغبته عَنْهَا. شهر ربيع الآخر أَوله الِاثْنَيْنِ: فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِيه: قدم أَمِير الْمُؤمنِينَ والأمير شيخ والعسكر إِلَى الْقَاهِرَة فشقوا القصبة من بَاب النَّصْر إِلَى بَاب زويلة ومضوا إِلَى القلعة وَقد زينت الشوارع فَنزل الْخَلِيفَة بِالْقصرِ من قلعة الْجَبَل وَنزل الْأَمِير شيخ بَاب السلسلة. وَظهر اتضاع جَانب الْخَلِيفَة. وَظن الْأَمِير شيخ أَنه لما دخل إِلَى الْقَاهِرَة أَن الْخَلِيفَة كَانَ يمْضِي إِلَى دَاره وَلَا يصعد إِلَى القلعة. وَلم يخلع على أحد مِمَّن جرت الْعَادة بِأَنَّهُ يخلع عَلَيْهِ عِنْد الْقدوم من السّفر. وَأَقْبل النَّاس إِلَى بَاب الْأَمِير شيخ للسعي فِي الْوَظَائِف وَترك الْخَلِيفَة وَحده لَيْسَ لَهُ سوى من يَخْدمه من حَاشِيَته قبل مصير مَا صَار إِلَيْهِ. وَفِي رابعه: قبض الْأَمِير شيخ على الْأَمِير أسنبغا الزردكاش واستفتى فِي قَتله لقَتله الْأَمِير قنباي فأفتوا بقتْله وحكموا بِهِ وَقبض فِيهِ أَيْضا على الْأَمِير حطط البكلمشي - من أُمَرَاء العشرات - وعَلى آخر وَكَانَا من خَواص النَّاصِر. وَفِي سادسه: قبض الْأَمِير شيخ على الْأَمِير أرغون الرُّومِي أَمِير أخور وَرَأس نوبَة فِي الْأَيَّام الناصرية وعَلى الْأَمِير سودن الأسندمري والأمير كمشبغا المزوق الَّذِي قدم من سجن الْإسْكَنْدَريَّة وسفروا إِلَى دمياط. وَفِيه خلع على خَلِيل الجشاري - من أَصْحَاب الْأَمِير شيخ - وَاسْتقر بِهِ فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن الْأَمِير قطلوبغا الخليلي بعد مَوته. وَفِي ثامنه: حضر الْأَمِير شيخ بِالْقصرِ بَين يَدي أَمِير الْمُؤمنِينَ وَمَعَهُ الْأُمَرَاء وَأهل الدولة وخلع على الْأَمِير شيخ تشريف جليل بطراز لم يعْهَد مثله فِي عظم الْقدر وَاسْتقر بِهِ أَمِيرا كَبِيرا وفوض إِلَيْهِ الحكم بالديار المصرية فِي جَمِيع الْأُمُور وَأَن يولي ويعزل من غير مُرَاجعَة وَلَا مشورة وَأشْهد عَلَيْهِ بذلك فتلقب بنظام الْملك وَكتب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 330 بذلك فِي مكاتباته وكوتب بِهِ. وخلع أَيْضا على الْأَمِير طوغان الحسني وَاسْتقر دواداراً على عَادَته. وخلع على الْأَمِير شاهين الأفرم وَاسْتقر على عَادَته أَمِير سلَاح وخلع على الْأَمِير يلبغا الناصري وَاسْتقر أَمِير مجْلِس وخلع على الْأَمِير إينال الصصلاني وَاسْتقر حاجباً عوضا عَن يلبغا النَّاصِر. وخلع على الْأَمِير سودن الْأَشْقَر وَاسْتقر رَأس نوبَة النوب عوضا عَن الْأَمِير سنقر الرُّومِي. وخلع على الْأَمِير ألطنبغا العثماني وَاسْتقر فِي نِيَابَة غَزَّة عوضا عَن سودن من عبد الرَّحْمَن. ونزلوا فِي خدمَة الْأَمِير شيخ ثمَّ حَضَرُوا إِلَى دُورهمْ فَكَانَ يَوْمًا عَظِيما. وَفِي تاسعه: عرض الْأَمِير شيخ المماليك السُّلْطَانِيَّة وَفرق عَلَيْهِم الإقطاعات بِحَسب مَا اقْتَضَاهُ رَأْيه. وأنعم على جمَاعَة من مماليكه بعدة إمريات مَا بَين طبلخاناة وَعشرَة. وَفِيه خلع الْأَمِير شيخ على دواداره الْأَمِير جقمق وَاسْتقر بِهِ دوادار الْخَلِيفَة وَأَسْكَنَهُ بقلعة الْجَبَل حَتَّى لَا يتَمَكَّن الْخَلِيفَة من الْعَلامَة على شَيْء مَا لم يكن على يَد جقمق وَلَا يقدر أحد على الِاجْتِمَاع بِهِ إِلَّا وَهُوَ مَعَه. فاستوحش الْخَلِيفَة من ذَلِك لانفراده بعياله فِي تِلْكَ الْقُصُور الواسعة وضاق صَدره وَكثر فكره. وَفِي حادي عشره: خلع على الْأَمِير سودن بن الْأَشْقَر وَاسْتقر فِي نظر خانكاة شيخو ومدرسة صرغتمش بالصليبة خَارج الْقَاهِرَة وخلع على الْأَمِير قنباي المحمدي وعَلى الْأَمِير سودن من عبد الرَّحْمَن لإطابة قلبيهما من غير ولَايَة وَظِيفَة. وخلع على صدر الدّين أَحْمد بن محب الدّين مَحْمُود العجمي وَاسْتقر فِي حسبَة الْقَاهِرَة وعزل زين الدّين مُحَمَّد بن الدَّمِيرِيّ. وَكَانَ ابْن العجمي هَذَا قد أوصله شرف الدّين يَعْقُوب بن الْجلَال التباني بالأمير شيخ وَصَارَ من ندمائه هُوَ وقاسم البشتكي زوج ابْنة الْأَشْرَف شعْبَان بن حُسَيْن. وخلع فِيهِ أَيْضا على الْوَزير الصاحب سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن البشيري وَاسْتقر فِي الوزارة على عَادَته. وَكَانَ عِنْدَمَا قتل النَّاصِر بِدِمَشْق ترامى على أَمِير الْمُؤمنِينَ فَأَمنهُ وَنزل عِنْده. ثمَّ توصل إِلَى الْأَمِير شيخ بِعلم الدّين دَاوُد وأخيه صَلَاح الدّين خَلِيل - ابْني الكويز - فَجمع بَينه وَبَين بدر الدّين حسن بن محب الدّين أستادار الْأَمِير شيخ حَتَّى قَامَ مَعَه وَأصْلح أمره عِنْد الْأَمِير شيخ فَأقر على وزارته إِلَى أَن قدمُوا مصر فبادر على عَادَته. وخلع أَيْضا على الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله وَاسْتقر على عَادَته فِي نظر الْجَيْش وَقد تقدم أَنه صَار مَعَ كَاتب السِّرّ فتح الله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 331 وتقي الدّين عبد الْوَهَّاب بن أبي شَاكر عِنْد وقْعَة اللجون إِلَى عِنْد الْأَمِير شيخ ونوروز فتسلمهم الْأَمِير طوغان. وَمَا زَالُوا عِنْد الْأَمِير شيخ حَتَّى ظفر بالسلطان الْملك النَّاصِر فأقره الْخَلِيفَة على نظر الْجَيْش وتوصل بالتاج الشويكي - أحد أَصْحَاب الْأَمِير شيخ - إِلَى الْأَمِير شيخ وخدمه حَتَّى وخلع فِيهِ أَيْضا عَليّ تَقِيّ الدّين عبد الْوَهَّاب بن أبي شَاكر وَاسْتقر بِهِ فِي نظر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 332 الْخَاص وَكَانَ قد تعرف فِي دمشق بزين الدّين عبد الباسط بن خَلِيل - أحد خَواص الْأَمِير شيخ - فأوصله بالأمير شيخ مَعَ مَا رباه بِهِ عِنْده كَاتب السِّرّ فتح الله فَصَارَ من المقربين عِنْده الْمُعْتَمد على قَوْله الموثوق بِهِ. وخلع أَيْضا فِي هَذَا الْيَوْم على فتح الدّين فتح الله وَاسْتقر فِي كِتَابَة السِّرّ على عَادَته. وَقد تقدم أَنه صَار مَعَ الْخَلِيفَة بعد وَاقعَة يَوْم اللجون إِلَى الأميرين شيخ ونوروز فَكَانَا يجلانه بِحَيْثُ إِن أَصْحَاب الْأَمِير شيخ أَنْكَرُوا عَلَيْهِ قِيَامه لَهُ إِذا دخل عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُم: أيا وَيْلكُمْ لما كنت أرى ثِيَاب هَذَا على مقْعد أستاذي الْملك الظَّاهِر وَهُوَ يحادثه سرا. أَيْن كنت أَنا أَقف إِنَّمَا كنت أَقف فِي أخريات المماليك. ثمَّ إِنَّه اخْتصَّ بِهِ وَقَامَ فِي مكايدة النَّاصِر حَتَّى أَقَامَ الْخَلِيفَة وخلع النَّاصِر. ثمَّ مازال بِهِ حَتَّى قَتله فتمكنت رياسته عِنْد أهل الدولة وَصَارَ مِنْهُ منزلَة شيخهم ومشيرهم فَصَارَ يجلس فَوق الْوَزير سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن البشيري أَو لم تكن عَادَة كَاتب السِّرّ ذَلِك بل صَار الْوَزير وناظر الْخَاص وناظر الْجَيْش مُدَّة إِقَامَته بعد قتل النَّاصِر فِي دمشق لَا يتمشى أَحْوَالهم إِلَّا بِهِ لتقدمه فِي الدولة وامتنانه بِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَقَامَ الْخَلِيفَة ووطأ للْقَوْم سلطانهم. وَفِي ثَالِث عشره: قبض على الْأَمِير بهاء الدّين أرسلان وَالِي الْقَاهِرَة وخلع عَليّ تَاج الدّين تَاج بن سَيْفا القازاني - الْمَعْرُوف بالتاج الشويكي - أحد خَواص الْأَمِير شيخ وندمائه وَاسْتقر فِي ولَايَة الْقَاهِرَة. وَفِي ثامن عشره: أخرج الْأَمِير شيخ عدَّة بِلَاد من أوقاف النَّاصِر مِنْهَا نَاحيَة منبابة على الخانكاة الظَّاهِرِيَّة برقوق وناحية دنديل عَلَيْهَا أَيْضا. وَأخرج أَيْضا عدَّة أَرَاضِي من الرزق الَّتِي وَقفهَا النَّاصِر على الْمدَارِس وَنَحْوهَا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 333 وَفِي تَاسِع عشره: خلع على قُضَاة الْقُضَاة الْأَرْبَع خلع الِاسْتِمْرَار. وخلع أَيْضا عَليّ بدر الدّين حسن بن محب الدّين عبد الله الطرابلسي. أستادار الْأَمِير شيخ وَاسْتقر استادار السُّلْطَان فَنزل إِلَى دَار الْأَمِير جمال الدّين وَجَمِيع أهل الدولة فِي خدمته وَأصْبح عَزِيز مصر. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 334 وَفِي ثَانِي عشرينه: خلع عَليّ شهَاب الدّين أَحْمد الصَّفَدِي موقع الْأَمِير شيخ وَاسْتقر فِي نظر المارستان المنصوري - برغبة كَاتب السِّرّ فتح الله لَهُ عَنهُ - وَفِي نظر الأحباس عوضا عَن تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب بن نصر الله. وخلع على نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ الْحَمَوِيّ وَاسْتقر فِي توقيع الْأَمِير شيخ عوضا عَن الشهَاب الصَّفَدِي. وَكَانَ قد قدم إِلَى الْأَمِير شيخ كَمَا تقدم ذكره وَهُوَ فِي محاصرة النَّاصِر واختص بِهِ فَأَخذه مَعَه إِلَى مصر وَجعله من ندمائه الأخصاء. وَفِي خَامِس عشرينه: خلع على الشَّيْخ شرف الدّين يَعْقُوب بن الْجلَال التباني وَاسْتقر فِي وكَالَة بَيت المَال وَنظر الْكسْوَة وعزل عَنْهَا تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب بن نصر الله. وَفِي هَذَا الشَّهْر: نزل الْأَمِير نوروز نَائِب الشَّام على حمص وَقد امْتنع عَلَيْهِ الْأَمِير أينال الرجبي فَلم يزل بِهِ حَتَّى نزل إِلَيْهِ بِأَمَان فعصر كعبيه وَأخذ أُخْته مِنْهُ وَقتل مِمَّن كَانَ مَعَه خَمْسَة عشر رجلا وَبَعثه مُقَيّدا إِلَى قلعة دمشق فسجن بهَا. وَسَار نوروز إِلَى حماة وَكَانَ الْأَمِير دمرداش قد عَاد إِلَى حلب فَخرج مِنْهَا إِلَى جِهَة قلعة الرّوم فَدخل نوروز حلب وَعَلِيهِ تشريفة وَأمر فقرئ تَقْلِيده الخليفتي بِحَضْرَة أهل الدولة. ثمَّ مضى يُرِيد عينتاب وَجعل نَائِب الْغَيْبَة بحلب الْأَمِير سودن الجلب نَائِب طرابلس ففر الْأَمِير دمرداش وَقطع الْفُرَات. فَعَاد نوروز إِلَى حلب وقدمها فِي ثَانِي عشره وَقد مَاتَ سودن الجلب فعين بنيابة طرابلس الْأَمِير طوخ ولنيابة حلب الْأَمِير يشبك بن أزدمر. شهر جُمَادَى الأولى أَوله الْأَرْبَعَاء يُوَافقهُ سَابِع عشر مسرى: فِيهِ أوفي مَاء النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا فَركب الْأَمِير يلبغا الناصري أَمِير مجْلِس والأمير شاهين الأفرم أَمِير سلَاح والأمير طوغان الحسني الدوادار حَتَّى خلق المقياس بحضرتهم وَفتح الخليج على الْعَادة. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سادس عشره: قرئَ تَقْلِيد أَمِير الْمُؤمنِينَ للأمير الْكَبِير نظام الْملك شيخ بِأَنَّهُ فوض إِلَيْهِ مَا وَرَاء سَرِير خِلَافَته. وَفِي ثَالِث عشرينه: جلس الْأَمِير الْكَبِير نظام الْملك شيخ بالحراقة من الإصطبل وَبَين يَدَيْهِ قُضَاة الْقُضَاة والأمراء والوزير وَكَاتب السِّرّ وناظر الْجَيْش وناظر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 335 الْخَاص وَسَائِر أَرْبَاب الدولة وَقَرَأَ كَاتب السِّرّ عَلَيْهِ الْقَصَص كَمَا جرت عَادَته بِالْقِرَاءَةِ بَين يَدي السُّلْطَان فَكَانَ موكباً سلطانياً لم يعره إِلَّا أَنه عمل فِي الإصطبل وَلم يعْمل فِي دَار الْعدْل وَأَن الْأَمِير جَالس وَلَيْسَ تَحْتَهُ تخت الْملك. وَفِي رَابِع عشرينه: خلع الْأَمِير نظام الْملك شيخ على صدر الدّين عَليّ بن الْآدَمِيّ الْحَنَفِيّ وَاسْتقر بِهِ فِي قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بديار مصر وعزل نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن العديم. وَفِيه بعث الْأَمِير نظام الْملك بالأمير جقمق الدوادار إِلَى الْبِلَاد الشامية وَمَعَهُ تقاليد النواب الخليفتية باستقرارهم على عَادَتهم وخلع عَلَيْهِ عِنْدَمَا سَار. شهر جُمَادَى الْآخِرَة أَوله الْخَمِيس: فِي ثامنه: مَاتَ الْأَمِير بكتمر جلق من مرض تَمَادى بِهِ نَحْو شَهْرَيْن. أَصله أَن عقربا لسعته وَهُوَ عَائِد مَعَ الْعَسْكَر من دمشق فَاشْتَدَّ ألمه مِنْهَا وَأَخذه الْحمى. فَنزل الْأَمِير الْكَبِير نظام الْملك رَاكِبًا وَجَمِيع الْأُمَرَاء وَغَيرهم مشَاة حَتَّى صلى عَلَيْهِ تَحت القلعة وَعَاد من غير أَن يشْهد دَفنه. وخلا لَهُ الجو بِمَوْت بكتمر هَذَا وَصرح بِمَا كَانَ يَكْتُمهُ من الاستبداد بِالْأَمر وعزم على ذَلِك ثمَّ أَخّرهُ. وَفِي ثَانِي عشره: خرج الْأَمِير نوروز من دمشق لملاقاة أَهله خوند سارة ابْنة الْملك الظَّاهِر وَقد سَارَتْ إِلَيْهِ من الْقَاهِرَة فلقيها بالرملة وَهِي مَرِيضَة فَتوجه بهَا إِلَى الْقُدس فَمَاتَتْ هُنَاكَ فدفنها. وَولي فِي إِقَامَته بالقدس الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن عَطاء الله بن مُحَمَّد بن مَحْمُود بن أَحْمد الْهَرَوِيّ - ثمَّ الرَّازِيّ - تدريس الصلاحية وَكَانَت بيد الشَّيْخ زين الدّين أبي بكر بن عمر بن عَرَفَات القمني وَهُوَ مُقيم بِالْقَاهِرَةِ وينوب عَنهُ بهَا الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن الهايم وَقد مَاتَ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 336 وَفِيه اسْتَقر نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ الْحَمَوِيّ موقع الْأَمِير الْكَبِير نظام الْملك يقْرَأ الْقَصَص على الْأَمِير الْكَبِير بالإصطبل السلطاني وَقد انتصب فِيهِ للْحكم بَين النَّاس وَجلسَ فِي المقعد الَّذِي كَانَ يقْعد فِيهِ الْملك الظَّاهِر برقوق وَابْنه الْملك النَّاصِر فرج وَكَانَ كَاتب السِّرّ فتح الله قد قَرَأَ بَين يَدَيْهِ كَمَا كَانَ يقْرَأ بَين يَدي من تقدم ذكره فَاخْتَارَ أَن يقْرَأ عَلَيْهِ موقعة فَانْحَطَّ بذلك جَانب فتح الله وَقل ترداد النَّاس إِلَيْهِ وَكثر النَّاس على بَاب ابْن الْبَارِزِيّ لطلبهم الْحَوَائِج. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث عشرينه: دعِي لأمير الْمُؤمنِينَ المستعين بِاللَّه على مِنْبَر الْمَسْجِد الْحَرَام بَعْدَمَا دعِي لَهُ فِي لَيْلَة الْخَمِيس على ظهر بِئْر زَمْزَم وَاسْتمرّ ذَلِك فِي كل لَيْلَة على زَمْزَم وَفِي كل جُمُعَة على منبري مَكَّة وَالْمَدينَة وَلم يدع بهَا لأحد من الْخُلَفَاء الَّذين قَامُوا بديار مصر من بني الْعَبَّاس سوى المستعين هَذَا. وَآخر من دعى لَهُ على مَنَابِر الْحجاز من بني الْعَبَّاس الْخَلِيفَة المستعصم بِاللَّه. فَلَمَّا قَتله هولاكو فِي سنة سِتّ وَخمسين وسِتمِائَة انْقَطع الدُّعَاء من الْحَرَمَيْنِ لبني الْعَبَّاس وَاسْتقر الْحَال بِمَكَّة على أَن يدعى على منبرها وَفَوق زَمْزَم لصَاحب مصر وَصَاحب الْيمن ولأمير مَكَّة من بني حسن خَاصَّة. شهر رَجَب أَوله السبت: فِي ثَالِث عشره: قدم الْأَمِير نوروز من سَفَره إِلَى دمشق. وَفِي تَاسِع عشرينه: خلع الْأَمِير الْكَبِير نظام الْملك على قَاضِي الْقُضَاة نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن العديم وَاسْتقر بِهِ فِي مشيخة خانكاة شيخو وعزل عَنْهَا قَاضِي الْقُضَاة أَمِين الدّين عبد الْوَهَّاب بن الطرابلسي. وَفِيه خلع أَيْضا على شيخ شمس الدّين مُحَمَّد البيري أخي الْأَمِير جمال الدّين يُوسُف الأستادار فاستقر بِهِ فِي مشيخة خانكاة بيبرس وعزل عَنْهَا الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد ابْن حجر وَكَانَ قد استنزل عَنْهَا عَلَاء الدّين على الْحلَبِي قَاضِي غَزَّة وباشرها مُدَّة. فَمَا زَالَ يتَوَصَّل بقاضي الْقُضَاة صدر الدّين عَليّ بن الْآدَمِيّ وَالْقَاضِي نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ إِلَى أَن اشْترك هُوَ وأخو جمال الدّين فِي المشيخة. وَفِي هَذَا الْيَوْم: عقد مجْلِس عِنْد الْأَمِير الْكَبِير نظام الْملك بِسَبَب أوقاف جمال الدّين وَقد تقَوِّي جَانب أَخِيه شمس الدّين وَزوج ابْنة شرف الدّين أَبُو بكر بن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 337 العجمي الْحلَبِي الْموقع وَمن بَقِي من ذُرِّيَّة جمال الدّين يُوسُف الأستادار لانتمائهم إِلَى حَاشِيَة الْأَمِير الْكَبِير نظام الْملك شيخ محكيهم بِمَا نزل بهم فِي أَيَّام النَّاصِر فرج فَقَامَ مَعَهم قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين بن الْآدَمِيّ وناصر الدّين بن الْبَارِزِيّ حَتَّى أعادوا إِلَى أخي جمال الدّين مشيخة البيبرسية. وقررا مَعَ الْأَمِير الْكَبِير أَن النَّاصِر غصب هَؤُلَاءِ حَقهم وَأخذ أوقافهم وَقتل رِجَالهمْ وغرضهم فِي الْبَاطِن تَأْخِير كَاتب السِّرّ فتح الله وإضاع قدره. فصادف مَعَ ذَلِك عناية الْأَمِير الْكَبِير بِجَمَال الدّين فَإِنَّهُ كَانَ عِنْدَمَا انْتقل إِلَيْهِ - بعد موت الْملك الظَّاهِر - إقطاع الْأَمِير بجاس وإمرته اسْتَقر عِنْده جمال الدّين أستادار وخدمه. وَلم يتْرك خدمته فِي مُدَّة غيبته طرابلس وَلَا بِدِمَشْق وَهُوَ يتَوَلَّى نيابتها حَتَّى أَنه فِي الْحَقِيقَة لم يقبض عَلَيْهِ إِلَّا لممالأته الْأَمِير شيخ كَمَا تقدم ذكره فأحضر فِي هَذَا الْيَوْم قُضَاة الْقُضَاة وأخو جمال الدّين وَابْنَته وطلبوا كَاتب السِّرّ فتح الله ليوقعوا عَلَيْهِ الدَّعْوَى فَإِنَّهُ كَانَ يتَوَلَّى نظر الْمدرسَة فَوكل فِي سَماع الدَّعْوَى ورد الْأَجْوِبَة بدر الدّين حسن البرديني - أحد خلفاء الحكم الشَّافِعِيَّة - فَلم يرض الْأَمِير الْكَبِير بذلك وَأقَام الْبَدْر البرديني وَأمر فتح الله بمحاكمتهم فأدعوا عَلَيْهِ وَحكم صدر الْآدَمِيّ برد أوقاف جمال الدّين إِلَى ورثته حكما كُله تهور ومجازفة فعصوا على ذَلِك فانكسر فتح الله وَتبين فِيهِ اتضاع الْقدر واستطال عَلَيْهِ حَاشِيَة جمال الدّين وَغَيرهم. شهر شعْبَان المكرم فِيهِ تولى: السُّلْطَان أَبُو النَّصْر السُّلْطَان الْملك الْمُؤَيد أَبُو النَّصْر شيخ المحمودي الظَّاهِرِيّ سرق من بِلَاده وَهُوَ صَغِير فَصَارَ إِلَى تَاجر يُقَال لَهُ مَحْمُود شاه اليزيدي اشْتَرَاهُ بِثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم فضَّة وَقدم بِهِ إِلَى الْقَاهِرَة على ظهر بَحر الْملح فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَسبع مائَة وعمره قَرِيبا من اثْنَتَيْ عشرَة سنة فَأَخذه السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر بعد موت مَحْمُود هَذَا من تركته وَدفع إِلَى ورثته ثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم ورقاه فِي خدمته فَعرف بشيخ المحمودي ثمَّ أنعم عَلَيْهِ بإمرة عشرَة ثمَّ بإمرة طبلخاناه وَجعله رَأس نوبَة ثمَّ سَار من جملَة أُمَرَاء الألوف. وَولي نِيَابَة طرابلس ثمَّ نِيَابَة الشَّام وحاربه السُّلْطَان الْملك النَّاصِر فرج بن برقوق إِلَى أَن انهزم وَقتل كَمَا تقدم ذكره وَقدم بعد قَتله إِلَى الديار المصرية من دمشق بالخليفة المستعين بِاللَّه. وفوض الْخَلِيفَة إِلَيْهِ جَمِيع الْأُمُور ولقبه نظام الدولة فتصرف فِي الولايات والعزل وَالْأَخْذ وَالعطَاء وَغير ذَلِك بِحَيْثُ لم يكن للخليفة مَعَه أَمر وَلَا نهي وَلَا نُفُوذ كلمة وَإِنَّمَا هُوَ مُقيم فِي دَار وَحْشَة بقصور قلعة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 338 الْجَبَل وتحضر إِلَيْهِ المراسيم فَيكْتب عَلَيْهَا بِحَسب مَا يختاره الْأَمِير شيخ إِلَى أَن كَانَ يَوْم الِاثْنَيْنِ مستهل شعْبَان هَذَا وَاجْتمعَ قُضَاة الْقُضَاة الْأَرْبَع وَجَمِيع الْأُمَرَاء وكافة أَرْبَاب الدولة بِمَجْلِس الْخدمَة مَعَ الحراقة وَعمل الموكب على الْعَادة قَامَ فتح الدّين فتح الله كَاتب السِّرّ على قَدَمَيْهِ وَقَالَ لمن حضر أَن الْأَحْوَال ضائعة وَلم يعْهَد أهل نواحي مصر عِنْدهم اسْم الْخَلِيفَة وَلَا تستقيم الْأُمُور إِلَّا بِأَن يقوم سُلْطَان على الْعَادة. ودعاهم إِلَى الْأَمِير شيخ فَقَالَ الْأَمِير شيخ: هَذَا أَمر لَا يتم إِلَّا برضى أهل الْحل وَالْعقد فَقَالَ من حضر من الْأُمَرَاء بِلِسَان وَاحِد: نَحن راضون بالأمير الْكَبِير. فَمد قَاضِي الْقُضَاة شيخ الْإِسْلَام جلال الدّين أَبُو الْفضل عبد الرَّحْمَن بن البُلْقِينِيّ يَده وَبَايَعَهُ فَلم يخْتَلف عَلَيْهِ أحد وَقَامَ من فوره إِلَى مخدع بجانبه وَلبس الْخلْع السود الخليفتية وتقلد بِالسَّيْفِ على الْعَادة وَخرج شيخ مركب فرس النّوبَة والأمراء وَغَيرهم مشَاة إِلَى أَن عبر الْقصر الْكَبِير من قلعة الْجَبَل فَجَلَسَ على تخت الْملك وسرير السلطنة وَقبل الْأُمَرَاء الأَرْض بَين يَدَيْهِ فَلَمَّا اسْتَقر لَهُ الْأَمر بعث وَهُوَ بِالْقصرِ الْقُضَاة إِلَى الْخَلِيفَة ليسلموا عَلَيْهِ ويشهدوا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ فوض إِلَيْهِ السلطنة كَمَا جرت بِهِ عَادَة مُلُوك التّرْك بِمصْر فَدَخَلُوا إِلَيْهِ وراودوه على ذَلِك فتوقف فِي الْإِشْهَاد عَلَيْهِ بتفويض السلطنة توقفاً كَبِيرا. ثمَّ اشْترط أَن يُؤذن لَهُ فِي النُّزُول من القلعة إِلَى دَاره وَأَن يخلص لَهُ السُّلْطَان بِأَنَّهُ يناصحه سرا وجهراً وَيكون سلما لمن سالمه حَربًا لمن حاربه فَعَاد الْقُضَاة إِلَى السُّلْطَان وردوا الْخَبَر عَلَيْهِ وحسنوا عبارَة الرَّد فَأجَاب. ليمهل علينا أَيَّامًا فَإِن الْآن لَا يُمكن نُزُوله إِلَى بَيته. فنزلوا إِلَى دُورهمْ وَكَانَت مُدَّة إِقَامَة الْخَلِيفَة حَاكما - مُنْذُ جلسته خَارج دمشق إِلَى هَذَا الْيَوْم - سَبْعَة أشهر وَخَمْسَة أَيَّام. وَإِلَى يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِيه: قدم الْأَمِير جقمق الدوادار إِلَى دمشق فَتَلقاهُ النَّاس وأنزله الْأَمِير نوروز بدار السَّعَادَة وخلع عَلَيْهِ خلعة سنية وَفِي ظَنّه أَن الْأَمر بيد الْخَلِيفَة. ثمَّ سَار بعد أَيَّام إِلَى طرابلس. وَفِي رابعه: نَادِي الْأَمِير نوروز بِدِمَشْق أَلا يتعامل أحد بِالدَّرَاهِمِ المغشوشة وَأَن تكون الْمُعَامَلَة بِالدَّرَاهِمِ الْخَالِصَة الَّتِي استجد ضربهَا وَكَانُوا بِدِمَشْق يتعاملون بهَا جَمِيعًا إِلَى أَن ضربت فلوس جدد زنة الْفلس مِنْهَا مِثْقَال وَكَانَت الدَّرَاهِم المغشوشة قد فَسدتْ بِحَيْثُ لم يكد يُوجد فِيهَا - إِذا سبكت - شَيْء من الْفضة وتعاملوا بَينهم على صرف خَمْسَة مِنْهَا بدرهم خَالص مِمَّا وَزنه نصف دِرْهَم فضَّة، ثمَّ نُودي بتسعير المأكل، فسعرت. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 339 وَفِي سادسه: خلع السُّلْطَان الْملك الْمُؤَيد على الْأَمِير درباي أحد الطبلخاناة وسيره إِلَى الْأَمِير نوروز بخلعة استقراره فِي نِيَابَة الشَّام ويعلمه بِأَنَّهُ تسلطن. وَفِي ثامنه: جلس السُّلْطَان بدار الْعدْل من قلعة الْجَبَل وعملت خدمَة الإيوان على عَادَة من تقدم من السلاطين وخلع بدار الْعدْل على الْأَمِير يلبغا الناصري وَاسْتقر بِهِ أتابك العساكر وعَلى الْأَمِير طوغان وَاسْتقر كعادته دوادار السُّلْطَان وعَلى الْأَمِير شاهين الأفرم وَاسْتقر على عَادَته أَمِير سلَاح وعَلى الْأَمِير قنباي المحمدي وَاسْتقر أَمِير أخور وعَلى الْأَمِير سودن الْأَشْقَر وَاسْتقر على عَادَته رَأس نوبَة النوب وخلع على كَاتب السِّرّ وناظر الْجَيْش وناظر الْخَاص وعَلى الْوَزير والقضاة خلع الِاسْتِمْرَار وَفِي هَذَا الْيَوْم أعَاد الْأَمِير نوروز شرف الدّين عِيسَى المغربي إِلَى قَضَاء الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق وعزل شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد الْأمَوِي فَتوجه إِلَى الْقَاهِرَة. وَفِي حادي عشره: خلع على شمس الدّين مُحَمَّد بن الْجلَال التباني - أحد خَواص السُّلْطَان - وَاسْتقر فِي قَضَاء الْعَسْكَر. وَفِي سَابِع عشره: ورد الْخَبَر إِلَى دمشق بسلطنة الْملك الْمُؤَيد بقدوم الْأَمِير درباي فتجهم نوروز لذَلِك. وَفِي ثامن عشره: قدم الْأَمِير جقمق من طرابلس إِلَى دمشق فَقبض عَلَيْهِ نوروز وسجنه وَأعَاد الْأَمِير درباي بِجَوَاب خشن لم يُخَاطب فِيهِ السُّلْطَان إِلَّا كَمَا كَانَ يخاطبه من غير أَن يعْتَرف لَهُ بالسلطة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: نزلت لبيد على تروجة وأفسدت فَسَار إِلَيْهِم الْأَمِير طوغان وَقَاتلهمْ وَقتل مِنْهُم جمَاعَة وَعَاد. فنزلوا بعد عوده على الْإسْكَنْدَريَّة وحصروها فَسَار إِلَيْهِم الْأَمِير قرقماس ابْن أخي دمرداش. شهر رَمَضَان أَوله الثُّلَاثَاء: فِيهِ قدم الْأَمِير درباي وَأخْبر بامتناع الْأَمِير نوروز من لبس التشريف وَأَنه قبض على الْأَمِير جقمق واعتقله. وَفِيه جمع الْيَهُود وَالنَّصَارَى بِزِيَادَة جَامع الْحَاكِم من الْقَاهِرَة. وَحضر الشَّيْخ زين الدّين أَبُو هُرَيْرَة بن النقاش - خطيب الْجَامِع الطولوني - وشمس الدّين مُحَمَّد بن التباني الجزء: 6 ¦ الصفحة: 340 قَاضِي الْعَسْكَر وَصدر الدّين أَحْمد بن العجمي محتسب الْقَاهِرَة وكتبت أَسمَاؤُهُم ليؤخذ مِنْهُم الْجِزْيَة بِحَسب قدرتهم وعَلى قدر أحوالها فَإِنَّهُم لَا يزنون الْجِزْيَة إِلَّا مصالحة عَن الْجَمِيع بمبلغ بضعَة وَثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم فِي السّنة فَقَامَ الْجَمَاعَة المذكورون مَعَ السُّلْطَان فِي أَن يُؤْخَذ من كل وَاحِد من أهل الذِّمَّة بمفرده إِن كَانَ غَنِيا أَخذ مِنْهُ أَرْبَعَة دَنَانِير وَأَن كَانَ متوسط الْحَال وَفِي لَيْلَة السبت ثَمَانِي عشره: هرب الْأَمِير أينال الرجبي من قلعة دمشق وَمَعَهُ جمَاعَة مِمَّن كَانَ مسجوناً بهَا وَسَار إِلَى صفد يُرِيد الْقَاهِرَة. وَفِي سَابِع عشره: أرسل السُّلْطَان الشَّيْخ شرف الدّين يَعْقُوب بن التباني رَسُولا إِلَى الْأَمِير نوروز. وَفِي تَاسِع عشرينه: خرج الْأَمِير نوروز لملاقاة الْأَمِير تغري بردى ابْن أخي دمرداش وَقد قدم وَمَعَهُ عَليّ بن دلغادر بعث بِهِ الْأَمِير دمرداش وَقد كتب إِلَيْهِ الْأَمِير نوروز يستدعيه إِلَيْهِ فَأكْرمه الْأَمِير نوروز وخلع عَلَيْهِ وأنزله ورتب وَلمن مَعَه مَا يَلِيق بهم. شهر شَوَّال أَوله الْأَرْبَعَاء: فِي ثالثه: توجه أقبغا الأسندمري إِلَى الْأَمِير دمرداش المحمدي بتقليد نِيَابَة حلب. وَفِي سابعه: قدم ابْن التباني دمشق على الْأَمِير نوروز فَمَنعه من الْإِجْمَاع بِالنَّاسِ وَكتب يَسْتَدْعِي نواب الْبِلَاد الشامية إِلَيْهَا. وَفِي يَوْم الْخَمِيس تاسعه: قبض على الْأَمِير سردن المحمدي وَحمل من وقته إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَقبض أَيْضا على فتح الدّين فتح الله كَاتب السِّرّ وعوق بقلعة الْجَبَل وأحيط بداره. وَقبض على حَوَاشِيه وأسبابه فَكَانَت مُدَّة ولَايَته أَربع عشرَة سنة وَثَمَانِية وَعشْرين يَوْمًا تعطل فِيهَا. وعصر فِي لَيْلَة الْجُمُعَة وألزم بِمِائَتي ألف دِينَار فتقرر مَعَه الْوَزْن على خمسين ألف دِينَار بَعْدَمَا ضرب ضربا مبرحاً ثمَّ حمل فِي لَيْلَة الْأَحَد ثَانِي عشره إِلَى بَيت الْأَمِير بدر الدّين حسن بن محب الدّين الأستادار وأخرجت حواصله فبيعت. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث عشره: خلع عَليّ نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن عُثْمَان بن مُحَمَّد الْبَارِزِيّ وَاسْتقر فِي كِتَابَة السِّرّ عوضا عَن فتح الله. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 341 وَفِي هَذَا الْيَوْم: قبض الْأَمِير نوروز على نجم الدّين عمر بن حجي وسجنه بقلعة دمشق خشيَة أَن يتَوَجَّه إِلَى الْقَاهِرَة فَأَقَامَ خَمْسَة عشر يَوْمًا وَأَفْرج عَنهُ. وَفِيه خرج محمل الْحَاج بِدِمَشْق. وَفِي عشرينه: دَار الْمحمل بِالْقَاهِرَةِ وَلم يعْهَد تَأَخره إِلَى مثل هَذَا الْوَقْت فِيمَا مضى من السنين وَخرج أَمِير الْحَاج بيبغا المظفري. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 342 وَفِي ثَانِي عشرينه: قدم الْأَمِير طوخ من طرابلس إِلَى دمشق وَقدم أَيْضا الْأَمِير قمش من حماة فَخرج الْأَمِير نوروز لملاقاتهما وَبَالغ فِي إكرامهما والإنعام عَلَيْهِمَا. وَفِي لَيْلَة السبت خَامِس عشرينه: حمل فتح الله إِلَى قلعة الْجَبَل وسجن بهَا. وَفِي سادس عشرينه: قدم الْأَمِير يشبك بن أزدمر من حلب فَخرج الْأَمِير نوروز إِلَى لِقَائِه وأكرمه إِكْرَاما كَبِيرا. وَفِي سلخه: قدم كاشف الرملة إِلَى دمشق فَارًّا وَذَلِكَ أَن الْأَمِير أينال الرجبي لما هرب من قلعة دمشق إِلَى صفد سَار مِنْهَا إِلَى الْقَاهِرَة فَأقبل عَلَيْهِ السُّلْطَان وجهزه إِلَى غَزَّة فَخرج وَمَعَهُ الْأَمِير جاني بك الصُّوفِي على عَسْكَر فنزلوا على غَزَّة وأخذوها للسُّلْطَان فَلَمَّا قدم كاشف الرملة إِلَى دمشق وَأخْبر بقدوم عَسْكَر مصر كَانَ الِاتِّفَاق قد وَقع على عود النواب من دمشق إِلَى بِلَادهمْ ليستعدوا ويعودوا فيتوجهوا إِلَى غَزَّة فَتغير رَأْيهمْ وعينوا جمَاعَة لتسير إِلَى غَزَّة. وَولي الْأَمِير نوروز الْأَمِير كستا نِيَابَة غَزَّة. شهر ذِي الْقعدَة أَوله الْجُمُعَة: فِي رابعه: جمع الْأَمِير نوروز قُضَاة دمشق وفقهائها بدار السَّعَادَة ليسألهم مَا حكم الله فِي سلطنة الْملك الْمُؤَيد شيخ وسجنه للخليفة وَكَانَ السُّلْطَان قد نقل الْخَلِيفَة من الْقصر وأنزله فِي بعض دور القلعة وَمَعَهُ أَهله وَأَوْلَاده ووكل بِهِ من يحفظه وَيمْنَع من يجْتَمع بِهِ فَأَقَامَ الْفُقَهَاء سَاعَة ثمَّ مضوا من غير شَيْء سئلوا عَنهُ. وَفِيه سَار النواب من دمشق إِلَى بِلَادهمْ وَخرج الْأَمِير نوروز مودعاً الْأَمِير يشبك ابْن أزدمر. وَفِي سابعه: سَار على باك بن دلغادر من دمشق بَعْدَمَا خلع عَلَيْهِ الْأَمِير نوروز الجزء: 6 ¦ الصفحة: 343 وأنعم عَلَيْهِ إنعاماً بَالغا. وَكثر إنعام الْأَمِير نوروز فِي هَذِه الْمدَّة على الْأُمَرَاء والمماليك بِحَيْثُ انه أنعم على يشبك بن أزدمر بِخَمْسَة آلَاف دِينَار وعَلى تعري بردى ابْن أخي دمرداش مرّة بِثَلَاثَة آلَاف دِينَار وَمرَّة بِخَمْسَة آلَاف دِينَار وَبَلغت نَفَقَته فِي يَوْم وَاحِد إِلَى أَرْبَعِينَ ألف دِينَار وَعمر قلعة دمشق أحسن عمَارَة وَأخذ من الْأَمِير غرس الدّين خَلِيل الأستادار فِي مصادرته مَا يزِيد على مِائَتي ألف دِينَار. وَفِي هَذَا الشَّهْر: سَار الْأَمِير أينال الرجبي من غَزَّة إِلَى جِهَة الْقُدس فهجم عَلَيْهِ كاشف الرملة وقاتله فَكَسرهُ. ثمَّ قبض عَلَيْهِ وَبَعثه إِلَى دمشق فَقدم صُحْبَة أينال الدوادار وَقد توجه إِلَيْهِ ليحضره فِي سادس عشره وَهُوَ مُقَيّد فَلَمَّا مثل بَين يَدي الْأَمِير نوروز بَصق فِي وَجهه وَأَفْرج عَنهُ وخلع عَلَيْهِ من غير أَن يؤاخذه فَإِنَّهُ زوج أُخْته وَكَانَ بَين فراره من قلعة دمشق وَعوده أَرْبَعَة وَسِتِّينَ يَوْمًا. وَفِيه أَخذ عَسْكَر الْأَمِير نورز غَزَّة وَلحق الْأَمِير جَانِبك الصُّوفِي وَمن مَعَه بصفده وَفِي تَاسِع عشره: سَار الْأَمِير سودن بن كستا من دمشق على عَسْكَر يُرِيد غَزَّة فَنزل على قبَّة يلبغا واستقل بِالْمَسِيرِ فِي حادي عشرينه. وَفِيه مَاتَ الْأَمِير طوغان نَائِب قلعة الرّوم فَأَخذهَا الْأَمِير دمرداش. وَفِيه قطع الدُّعَاء للخليفة بالحرمين ودعي للسُّلْطَان الْملك الْمُؤَيد وَاسْتمرّ يدعى لَهُ بالصلاح قبل أَن يدعى للسُّلْطَان نَحْو سنة ثمَّ قطع من أجل أَن الدُّعَاء للخليفة بِمَكَّة لم يكن يعْهَد من بعد قتل المستعصم فَكَانَ مُدَّة الدُّعَاء للخليفة بِتِلْكَ الْأَمَاكِن نَحْو خَمْسَة أشهر. وَفِيه قدم ابْن التباني من دمشق. شهر ذِي الْحجَّة الْحَرَام أَوله الْجُمُعَة: فِي ثالثه: خلع على الْأَمِير قرقماس ابْن أخي دمرداش بقلعة الْجَبَل وَاسْتقر بِهِ السُّلْطَان فِي نِيَابَة الشَّام عوضا عَن الْأَمِير نوروز وخلع أَيْضا على الشَّيْخ شرف الدّين يَعْقُوب بن التباني وَاسْتقر بِهِ فِي مشيخة خانكاة شيخو وعزل نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن العديم وَكَانَ قد توجه لِلْحَجِّ. وَفِي خامسه: تنكر أهل حلب على الْأَمِير يشبك بن أزدمر فَركب عَلَيْهِم وَقَاتلهمْ فغلبوه وهزموه ففر مِنْهُم وَكَانَ الْأَمِير طوخ قد توجه من طرابلس إِلَى حماة وَأقَام بهَا فَسَار أهل طرابلس على مباشريه وَقتلُوا أستاداره وَولده وأخرجوا الْحَاجِب بَعْدَمَا جرح جراحات بَالِغَة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 344 وَفِي سادسه: عُوقِبَ كَاتب السِّرّ فتح الله بِالضَّرْبِ على ظَهره عُقُوبَة شَدِيدَة بَالِغَة وعصر حَتَّى أشفى على الْمَوْت وأهين مَعَ هَذَا إهانة من يطْلب مِنْهُ ثأر. وَفِي ثامنه: حمل من القلعة إِلَى بَيت تَقِيّ الدّين عبد الْوَهَّاب بن أبي شَاكر نَاظر الْخَاص فسجنه فِي دَاره ووكل بِهِ وَأخذ فِي حمل المَال الْمُقَرّر عَلَيْهِ. وَفِي تاسعه: قدم أقبغا الأسندمري إِلَى حلب من جِهَة السُّلْطَان وعَلى يَده تَقْلِيد الْأَمِير دمرداش المحمدي نِيَابَة حلب وتشريفه وَكَانَ دمرداش قد وصل إِلَيْهَا فِي يَوْم الْجُمُعَة سابعه فَخرج من مَدِينَة حلب وَلبس تشريف السُّلْطَان وَسَار بِهِ فِي مركب خَلِيل إِلَى بَاب القلعة فَنزل وَصلى هُنَاكَ رَكْعَتَيْنِ وقبك الأَرْض خدمَة للسُّلْطَان على الْعَادة ودعي باسم السُّلْطَان بحلب ومعاملتها وَضربت السِّكَّة باسمه وَحلف الْأُمَرَاء وأرباب الدولة على الطَّاعَة للسُّلْطَان. وَفِي ثامن عشرينه: عزل صدر الدّين أَحْمد بن العجمي عَن الْحِسْبَة بِابْن شعْبَان وَقد وعد ابْن شعْبَان بِخَمْسِمِائَة دِينَار يقوم بهَا وَالْتزم أَن يحمل فِي كل شهر مائَة دِينَار. وعوق ابْن العجمي فِي بَيت الْأَمِير جَانِبك الدوادار وألزم بِمَال يحملهُ. وَفِي هَذَا الشَّهْر: اشْتَدَّ الغلاء بِمَكَّة أَيَّام الْمَوْسِم فأبيع الشّعير كل ويبة بدينارين وكل ويبة فصا - وَهُوَ نوي التَّمْر - بِدِينَار وَنصف وكل رَطْل بشماط بِعشْرَة دَرَاهِم فضَّة. وَلم يحجّ أحد من الْعرَاق وَلَا من الْيمن. وَعز الفلفل بِمَكَّة لطلب التُّجَّار لَهُ فَإِنَّهُ قل بديار مصر حَتَّى بلغ الْحمل إِلَى مِائَتَيْنِ وَعشْرين مِثْقَالا من الذَّهَب بَعْدَمَا كَانَ بستين مِثْقَالا فاشتري مِنْهُ بِمَكَّة للسُّلْطَان من حِسَاب خَمْسَة وَعشْرين مِثْقَالا الْحمل بمبلغ خَمْسَة آلَاف دِينَار. وحملإلى الْقَاهِرَة فَبلغ الْحمل بِمَكَّة خَمْسَة وَثَلَاثِينَ دِينَارا هرجة بَعْدَمَا كَانَ بِعشْرَة مَثَاقِيل. وَفِي هَذِه السّنة: توغل الْأَمِير مُوسَى بن عُثْمَان فِي بِلَاد النَّصَارَى يأسر وينهب وَيحرق ثمَّ عَاد فَوجدَ صَاحب الطبول قد عدى بأَخيه مُحَمَّد بن عُثْمَان إِلَيْهِ وَقد خامر الْأُمَرَاء مَعَه فجرت بَينهم حروب عَظِيمَة. وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر سوى من تقدم ذكره جمال الدّين عبد الله بن مُحَمَّد بن طميان الْمَعْرُوف بالطيماني الشَّافِعِي قتل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 345 بِدِمَشْق فِي الْفِتْنَة لَيْلَة الْجُمُعَة ثَانِي صفر وَكَانَ من الْفُضَلَاء وانتقل من الْقَاهِرَة إِلَى دمشق وسكنها. وَمَات قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن خَليفَة ابْن عبد العال الدِّمَشْقِي الْمَعْرُوف بِابْن الحسباني فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء عَاشر شهر ربيع الآخر بِدِمَشْق عَن خمس وَسِتِّينَ سنة وَسَبْعَة أشهر وَأَيَّام. أفتى ودرس وبرع فِي الْعَرَبيَّة وَالْفِقْه والْحَدِيث وَولي قَضَاء دمشق وخطابتها غير مرّة وَقدم إِلَى الْقَاهِرَة مرَارًا. وَمَات قَاضِي الْقُضَاة محب الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الشحتة الْحلَبِي الْحَنَفِيّ فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشر شهر ربيع الآخر بحلب عَن سِتّ وَسِتِّينَ سنة. أفتى ودرس بحلب ودمشق والقاهرة وَمَات الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن عماد بن عَليّ بن الهايم الْمصْرِيّ الشَّافِعِي بالقدس فِي جُمَادَى الْآخِرَة عَن سبع وَخمسين سنة درس بالقدس وَكَانَ قد تحول إِلَيْهِ من الْقَاهِرَة وبرع فِي الْحساب والفرائض. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 346 (سنة سِتّ عشرَة وَثَمَانمِائَة) أهلت هَذِه السّنة وسلطان مصر والحرمين الْملك الْمُؤَيد أَبُو النَّصْر شيخ المحمودي والخليفة المستعين بِاللَّه مَمْنُوع من التَّصَرُّف مُوكل بِهِ وأتابك الْعَسْكَر الْأَمِير يلبغا الناصري. والدوادار الْكَبِير الْأَمِير طوغان الحسني. وأمير أخور الْأَمِير قنباي المحمدي. وَكَاتب السِّرّ نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ الْحَمَوِيّ وقضاة الْقُضَاة على مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي السّنة الَّتِي قبلهَا مَا عدا الْحَنَفِيّ فَإِنَّهُ قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين عَليّ بن الْآدَمِيّ الدِّمَشْقِي. والمباشرون على مَا كَانُوا عَلَيْهِ مَا عدا الأستادار فَإِنَّهُ الْأَمِير بدر الدّين حسن بن محب الدّين الطرابلسي وحاجب الْحجاب الْأَمِير أينال الصصلاني ووالي الْقَاهِرَة الْأَمِير تَاج الدّين تَاج بن سَيْفا الشويكي ونائب الْإسْكَنْدَريَّة الْأَمِير غرس الدّين خَلِيل الجشاري ونائب غَزَّة الْأَمِير ألطنبغا العثماني وَالشَّام كُله بيد الْأَمِير نوروز الحافظي وَهُوَ يَدْعُو على المنابر بهَا لأمير الْمُؤمنِينَ المستعين بِاللَّه وَيضْرب السِّكَّة باسمه ويفتتح كتبه الَّتِي يبعثها إِلَى الْبِلَاد ومراسيمه الَّتِي تصدر عَنهُ بالإمامي المستعيني. مَا خلا حلب فَإِنَّهَا بيد السُّلْطَان ونائبه بهَا الْأَمِير دمرداش المحمدي. شهر الله الْمحرم أَوله الْأَحَد: يُوَافقهُ الْيَوْم الثَّالِث من نيسان وَالْيَوْم الْخَامِس من برمودة: وسعر الذَّهَب بِالْقَاهِرَةِ مَا كَانَ من الهرجة فبمائتين وَخمسين درهما كل مِثْقَال وَمَا كَانَ من الإفرتني فَكل دِينَار بمائتين وَثَلَاثِينَ درهما وَمَا كَانَ من الناصري فبمائتين وَعشرَة دَرَاهِم الدِّينَار والقمح من مائَة وَثَمَانِينَ الأردب إِلَى مَا دونهَا وَبلغ الْكَتَّان كل رَطْل إِلَى ثَلَاثِينَ درهما. وَهَذَا شَيْء لم نعهده قطّ بِمصْر فغلا لغلائه جَمِيع أَصْنَاف الثِّيَاب حَتَّى أبيع الثَّوْب الْقطن البعلبكي بِعشْرين مِثْقَالا. وَفِي رَابِع عشره: نقل فتح الله مَحْمُولا من بَيت ابْن أبي شَاكر ولعجزه عَن الْحَرَكَة وَسلم إِلَى الْأَمِير تَاج الدّين وَالِي الْقَاهِرَة فأنزله بدار أَقَامَ بهَا وحيداً فريداً يقاسي ألم الْعقُوبَة ويترقب الْمَوْت وَخرج من الْقَاهِرَة جمَاعَة لضبط مَا يصل من أَصْنَاف المتجر صُحْبَة الْحَاج فَسَارُوا إِلَى عقبَة أَيْلَة ففر كثير من التُّجَّار وتوجهوا نَحْو الشَّام ففات أهل الدولة مِنْهُم مَال كَبِير. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 347 وَفِي عشرينه: سَافر الْأَمِير قرقماس ابْن أخي دمرداش من الْقَاهِرَة يُرِيد أَخذ دمشق. وَفِي رَابِع عشرينه: قدم الْأَمِير بيبغا المظفري بالمحمل وَبَقِيَّة الْحَاج. وَقدم الْخَبَر بمفارقة الْأَمِير تغري بردى ابْن أخي دمرداش لدمشق وقدومه إِلَى صفد منتمياً إِلَى السُّلْطَان فسر بذلك ودقت البشائر بقلعة الْجَبَل وَاشْتَدَّ الْأَمر على صدر الدّين أَحْمد بن العجمي فِي حمل مَا ألزم بِهِ وَهُوَ خَمْسمِائَة دِينَار وَقد تَأَخَّرت عَلَيْهِ من ألف دِينَار فَبَاعَ وَفِي هَذَا الشَّهْر: تزايد الطَّاعُون فِي النَّاس بِالْقَاهِرَةِ ومصر وَكَانَ ابتداؤه من أخريات ذِي الْحجَّة الْحرم وهب يَوْم النَّحْر ريح فِي غَايَة الشدَّة من نَاحيَة الْجنُوب واستمرت أَيَّامًا فَفَشَا الطَّاعُون والحميات الحادة المحرقة فِي النَّاس لاسيما الْأَطْفَال والشباب. وأهلت السّنة وَيَمُوت فِي كل يَوْم مِمَّن يرد الدِّيوَان مَا بَين الْعشْرين إِلَى الثَّلَاثِينَ وَالْوَقْت ربيع. وَقد صَار حاراً يَابسا ورياحه كلهَا جنوبية وحره خَارج عَن الْمُعْتَاد فَكثر الوباء وناف عدَّة من يرد الدِّيوَان على الْمِائَة. وَفِي سلخه: أفرج عَن صدر الدّين بن العجمي وخلع عَلَيْهِ وَقرر فِي نظر الْمَوَارِيث وأفردت عَن الْوَزير وألزم أَن يحمل مَا يتَحَصَّل من ذَلِك إِلَى خزانَة السُّلْطَان. وَفِي هَذَا الشَّهْر: ثار بالسلطان وجع المفاصل. شهر صفر أَوله الِاثْنَيْنِ: أهل والوباء يتزايد ثمَّ تناقص من نصفه. وَذَلِكَ أَن الشَّمْس لما نقلت إِلَى برج الثور رطب الْحر المحرق وَاسْتمرّ الْوَقْت رطبا مُدَّة عشْرين يَوْمًا ثمَّ انْقَلب الزَّمَان فِي آخر برج الثور إِلَى حر مفرط وعوم محرقة فتزايدت الْأَمْرَاض حَتَّى تجَاوز عدد من يرد الدِّيوَان من الْأَمْوَات مائَة وَعشْرين فعز وجود الْبِطِّيخ الصيفي من كَثْرَة مَا يطْلب للمرضى حَتَّى بِيعَتْ نصف بطيخة بِخَمْسِمِائَة دِرْهَم عَنْهَا مثقالان من الذَّهَب وَعز أَيْضا وجود المَاء وَأَقْبل النَّاس فِي أَخذ جمال السقائين فبلغت الراوية خَمْسَة عشر درهما وأبيعت خمس بطيخات بألفي دِرْهَم عَنْهَا ثَمَانِيَة مَثَاقِيل ذَهَبا. وَفِي تاسعه: سَار الْأَمِير قرقماس ابْن أخي دمرداش من غَزَّة وَقد وصل إِلَيْهَا يُرِيد صفد وَمَعَهُ أَخُوهُ تغري بردى نَائِب حماة وَقد بعث إِلَيْهِ السُّلْطَان بولايتها وَخرج الْأَمِير ألطنبغا العثماني فِي أثرهما من الْغَد لمساعدتهما فَبَلغهُمْ عود الْأَمِير نوروز من حلب إِلَى دمشق فأقاموا على الرملة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 348 وَفِي ثامن عشرينه: قدم أقبغا الأسندمري بِجَوَاب الْأَمِير دمرداش ونواب القلاع بطاعتهم وصحبته قَاصد عُثْمَان بن طر عَليّ وَغَيره من أُمَرَاء التركمان ودمرداش وَالْفِضَّة المضروبة بالصكة المؤيدية. شهر ربيع الأول أَوله الثُّلَاثَاء ثمَّ اسْتَقر الْأَرْبَعَاء: وَفِي ثَانِيه: منع خدم فتح الله من الدُّخُول إِلَيْهِ فَأَقَامَ إِلَى لَيْلَة الْأَحَد سادسه فخنق وَأخرج بِهِ من الْغَد فَدفن بتربته خَارج بَاب المحروق. وَلم يشيع جنَازَته أحد من النَّاس. وَفِيه وَقع حريق فِي الدّور بقلعة الْجَبَل عظم أمره وَاسْتمرّ إِلَى يَوْم الْأَرْبَعَاء تاسعه وهم فِي إطفائه فَاحْتَرَقَ فِيهِ وَفِي سابعه: سمر الْأَمِير فَارس المحمودي ثمَّ وسط تَحت القلعة وَهُوَ أحد أُمَرَاء الطبلخاناه من الْأَيَّام الناصرية وَسبب ذَلِك أَنه وشي للأمير طوغان الدوادار وللأمير شاهين الأفرم بِأَن السُّلْطَان الْملك الْمُؤَيد عزم على قبضهما فاجتمعا بالسلطان وأعلماه بذلك فَقبض عَلَيْهِ وَقَتله. شهر ربيع الآخر أَوله الْجُمُعَة: فِي أَوله حمل الْأَمِير قصروه إِلَى ثغر الْإسْكَنْدَريَّة فسجن بهَا. وَفِي ثامن عشره: خلع على شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد المغربي الْمَالِكِي الْأمَوِي قَاضِي دمشق وَاسْتقر فِي قَضَاء الْقُضَاة بديار مصر وعزل شمس الدّين مُحَمَّد ابْن الْمدنِي. وَأما أَخْبَار الشَّام فَإِن الْأَمِير نوروز كتب فِي خَامِس عشْرين الْمحرم كتابا إِلَى السُّلْطَان الْملك الْمُؤَيد أَبُو النَّصْر شيخ جرى فِيهِ على عَادَته من مخاطبته بمولانا وافتتحه بالإمامي المستعيني. وَلم يخاطبه فِيهِ كَمَا يُخَاطب السُّلْطَان فَكَانَ يتَضَمَّن العتب على ولَايَته الْأَمِير دمرداش حلب وَابْن أَخِيه الْأَمِير تغري بردى حماة وبن أَخِيه الآخر الْأَمِير قرقماش طرابلسي وتقديمهم عَلَيْهِ وَقد تقدّمت بَينهمَا عهود فَإِن كَانَ الْقَصْد أَن يسْتَمر على الْأُخوة وَيُقِيم على الْعَهْد فَلَا يتَعَرَّض إِلَى مَا هُوَ بِيَدِهِ وينقل دمرداش من نِيَابَة حلب إِلَى نِيَابَة طرابلس ويستقر قرقماش أَمِيرا بِمصْر. ثمَّ خرج من دمشق يُرِيد محاربة دمرداش حَتَّى نزل حماة فِي تَاسِع صفر. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 349 فَلَمَّا بلغ ذَلِك الْأَمِير دمرداش خرج من حلب فِي حادي عشره وَمَعَهُ الْأَمِير بردبك أتابك حلب والأمير شاهين الأيدكاري الْحَاجِب والأمير أردبغا الرَّشِيدِيّ والأمير جربغا وَبَقِيَّة الْعَسْكَر. وَنزل العمق فَحَضَرَ إِلَيْهِ الْأَمِير كردِي بن كندر وَأَخُوهُ الْأَمِير عمر وَأَوْلَاد أوزر وَدخل الْأَمِير نوروز إِلَى حلب فِي ثَالِث عشره بَعْدَمَا تَلقاهُ الْأَمِير أقبغا جركس نَائِب القلعة بالمفتاح فولى الْأَمِير طوخ نِيَابَة حلب والأمير يشبك السَّامِي نِيَابَة قلعتها وَعمر بن الهيذباني حَاجِب الْحجاب والأمير قمش نِيَابَة طرابلس. ثمَّ خرج مِنْهَا فِي تَاسِع عشره وَمَعَهُ الْأَمِير يشبك بن أزدمر يُرِيد دمشق فَقَدمهَا فِي سادس عشرينه. وَسَار الْأَمِير دمرداش بِمن مَعَه إِلَى حلب فَنزل على بانقوسا فِي هَذَا الْيَوْم فقاتله النوروزية قتالاً شَدِيدا إِلَى لَيْلَة ثامن عشرينه قدم عَلَيْهِ الْخَبَر بِأَن الْعجل بن نعير قد أقبل لمحاربته نصْرَة للأمير نوروز فَلم يثبت لعَجزه عَنهُ ورحل من ليلته إِلَى العمق ثمَّ سَار إِلَى أعزاز فَأَقَامَ بهَا. فَلَمَّا كَانَ عَاشر ربيع الأول: بعث طوخ نَائِب حلب عسكراً إِلَى سرمين وَبهَا آق بلاط - دوادار الْأَمِير دمرداش - فكبسوه فثار عَلَيْهِم هُوَ وشاهين الأيدكاري وَمن مَعَهُمَا من التراكمين وقاتلوهم وأسروا مِنْهُم كثيرا بعثوا بهم إِلَى دمرداش فسجن أعيانهم فِي قلعة بغراص وجدع أنافي أَكْثَرهم وأطلقهم عُرَاة وَقتل بَعضهم. فعندما بلغ طوخ الْخَبَر ركب من حلب وَمَعَهُ قمش إِلَى تل السُّلْطَان وَقد نزل عَلَيْهِ الْعجل بن نعير وسألاه أَن يسير مَعَهُمَا لِحَرْب دمرداش فأنعم بذلك وَتَأَخر قَلِيلا. فبلغهما أَنه قد اتّفق مَعَ دمرداش على مسكهما فاستعدا لَهُ وترقباه حَتَّى ركب إِلَيْهِمَا فِي نفر قَلِيل وَنزل عِنْدهمَا ودعاهما إِلَى ضيافته وألح عَلَيْهِمَا فِي ذَلِك. فثار بِهِ ومعهما جمَاعَة من أصحابهما فَقَتَلُوهُ بسيوفهم فِي رَابِع عشْرين ربيع الأول ورحلا من الجزء: 6 ¦ الصفحة: 350 فورهما عائدين إِلَى حلب وكتبا بالْخبر إِلَى نوروز وطلبا مِنْهُ النجدة فَإِن حُسَيْن ابْن نعير جمع الْعَرَب وَنزل على دمرداش وَسَار بِهِ إِلَى حلب وحصرها فَصَعدَ طوخ وقمش إِلَى القلعة وَاشْتَدَّ الْقِتَال بَينهم فَانْهَزَمَ دمرداش. وَاتفقَ فِي ربيع الأول أَيْضا أَن شخصا يُسمى عُثْمَان بن أَحْمد بن عُثْمَان بن مَحْمُود ابْن مُحَمَّد بن عَليّ بن فضل بن ربيعَة يعرف بِابْن ثقالة من فُقَهَاء دمشق قدم إِلَى أَرض عجلون وَادّعى فِي أَوله أَنه السفياني وَظهر بقرية الجيدور وَحلف أهل الْبِلَاد وأقطع الإقطاعات وَأمر عدَّة من النَّاس وَقَالَ: أَنا السُّلْطَان الْملك الْأَعْظَم السفياني فَاجْتمع عَلَيْهِ خلق كثير من عرب وَترك وعشير بألوية خضر إِلَى وَادي البايس من جبل عَوْف بمعاملة عجلون وَبث قصاده بكتبه وَوَقع عَلَيْهَا تَحت الْبَسْمَلَة السمياني وَنَصهَا: إِلَى حَضْرَة فلَان أَن يجمع فرسَان هَذِه الدولة السُّلْطَانِيَّة الملكية الإمامية الأعظمية الربانية المحمدية السفيانية أَعْلَاهَا الله تَعَالَى وشرفها وأنفذها فِي الْآفَاق وصرفها ويحضروا بخيلهم ورجالهم وعددهم مُهَاجِرين إِلَى الله وَرَسُوله ومجاهدين فِي سَبِيل الله تَعَالَى ومقاتلين لتَكون كلمة الله هِيَ الْعليا والاعتماد على الْعَلامَة الشَّرِيفَة أَعْلَاهُ أَعْلَاهَا الله تَعَالَى. ثمَّ دخل عجلون فِي تاسعه بعسكر كَبِير فِيهِ سلَاح دارية وطبر دارية فاقطع الاقطاعات وَكتب على الْقَصَص يكْتب كَمَا يكْتب السُّلْطَان فَقبل النَّاس الأَرْض بَين يَدَيْهِ فِي سَاعَة وَاحِدَة وهم زِيَادَة على خَمْسمِائَة رجل فِي وَقت وَاحِد مَعًا وحطب لَهُ على مِنْبَر عجلون فَقيل السُّلْطَان الْملك الْأَعْظَم السفياني ونادي بِبِلَاد عجلون أَن مغل هَذِه السّنة يسامح بِهِ النَّاس فَلَا يُؤْخَذ مِنْهُم مِنْهُ وَفِيمَا بعْدهَا يُؤْخَذ مِنْهُم الْعشْر فَقَط وَيتْرك أَخذ الْخراج وَأخذ المكس فَإِن حكم التّرْك قد بَطل وَلم يبْق إِلَّا حكم أَوْلَاد النَّاس. فثار عِنْد ذَلِك غَانِم الغزاوي بِهِ وجهز إِلَيْهِ طَائِفَة طرقوه وَهُوَ بالجامع وقاتلوه وقبضوا عَلَيْهِ وعَلى ثَلَاثَة من أَصْحَابه بَعْدَمَا ركب وَقَاتلهمْ فاعتقل الْأَرْبَعَة بقلعة عجلون. وَكتب بالْخبر إِلَى السُّلْطَان فنقله إِلَى قلعه صفد واعتقله بهَا. ثمَّ إِن الْأَمِير نوروز سَار من دمشق يُرِيد غَزَّة ففر مِنْهَا قرقماس ابْن أخي دمرداش بِمن مَعَه وَنزل على الصالحية بِطرف الرمل وَعَاد نوروز من غَزَّة إِلَى دمشق فَقَدمهَا فِي ثامن عشر شهر ربيع الآخر هَذَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 351 شهر جُمَادَى الأولى أَوله الْأَحَد: فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء رابعه: أوفى النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا فَركب السُّلْطَان وعدى النّيل حَتَّى خلق المقياس بَين يَدَيْهِ وَفتح الخليج على عَادَة من تقدمه من الْمُلُوك فَكَانَ ذَلِك تَاسِع مسرى فَقَالَ الأديب تَقِيّ الدّين أَبُو بكر بن حجَّة الْحَمَوِيّ - أحد ندماء السُّلْطَان - يخاطبه: أيا ملكا بِاللَّه أضحى مؤيداً ومنتصباً فِي ملكه نصب تَمْيِيز كسرت بمسرى نيل مصر وتنقضي وحقك بعد الْكسر أَيَّام نوروز وَفِي يَوْم الْخَمِيس خامسه: قبض السُّلْطَان على تَقِيّ الدّين عبد الْوَهَّاب بن أبي شَاكر نَاظر الْخَاص واعتقله بقلعة الْجَبَل وأحاط بعامة أَسبَابه وحاشيته وَقبض أَيْضا على الْوَزير الصاحب سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن بركَة البشيري وخلع عَليّ تَاج الدّين عبد الرَّزَّاق بن الهيصم وَاسْتقر بِهِ فِي الوزارة فَعَاد إِلَى زِيّ الْكتاب كَمَا كَانَ قبل أَن يَلِي الأستادارية. وتسلم ابْن البشيري وَنزل بِهِ إِلَى دَاره. وَفِي يَوْم السبت ثامنه: خلع على الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله نَاظر الْجَيْش وَاسْتقر فِي نظر الْخَاص عوضا عَن ابْن أبي شَاكر وخلع على علم الدّين دَاوُد ابْن الكويز وَاسْتقر فِي نظر الْجَيْش عوضا عَن ابْن نصر الله. وَفِي حادي عشره: ضرب شمس الدّين مُحَمَّد ابْن الْحَاج عمر بن شعْبَان محتسب الْقَاهِرَة بَين يَدي السُّلْطَان بالإسطبل أَكثر من ثَلَاثمِائَة ضَرْبَة بِالْعِصِيِّ وَكتب عَلَيْهِ إِشْهَاد وَحلف أَنه لَا يسْعَى فِي وَظِيفَة الْحِسْبَة. وَفِي يَوْم الْخَمِيس الْمُبَارك ثَانِي عشره: خلع على قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين عَليّ بن الْآدَمِيّ الْحَنَفِيّ وأضيف إِلَيْهِ حسبَة الْقَاهِرَة عوضا عَن ابْن شعْبَان وَلم نعهد قبله الْحِسْبَة أضيفت إِلَى قَاضِي الْقُضَاة. وَفِيه خلع الْأَمِير جانباك الصُّوفِي وَاسْتقر رَأس نوبَة النوب عوضا عَن الْأَمِير سودن الْأَشْقَر وَكَانَ جانباك قد قدم من غَزَّة هُوَ وألطنبغا العثماني وتغري بردى قرقماس ابْنا أخي دمرداش فَأَقَامَ الخوان على قطيا وَدخل جانباك والعثماني إِلَى الْقَاهِرَة قبل يَوْمه. وَفِيه خلع على الْأَمِير سودن الْأَشْقَر وَاسْتقر أَمِير مجْلِس. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 352 وَفِي سادس عشره: أشيع بِالْقَاهِرَةِ أَن الْأَمِير طوغان الدوادار استعد للرُّكُوب على السُّلْطَان وَقد اتّفق مَعَه جمَاعَة من الْأُمَرَاء والمماليك فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل انْتظر أَن يَأْتِيهِ أحد من أَصْحَابه فَلم يَأْته حَتَّى قرب الْفجْر فَرَأى مملوكين وَأصْبح النَّاس يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع عشره يتوقعون الْحَرْب والأسواق مغلقة فَنَادَى السُّلْطَان بالأمان وَأَن من أحضر طوغان فَلهُ مَا عَلَيْهِ مَعَ خبز فِي الْحلقَة. وَلم يُحَرك سَاكن إِلَى لَيْلَة الْجُمُعَة عشرينه وَوجد طوغان قد اختفي بِمَدِينَة مصر فَأخذ وَحمل إِلَى القلعة وَأرْسل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة مَعَ الْأَمِير طوغان المؤيدي أَمِير أخور فسجن بهَا. وَفِي يَوْم السبت حادي عشرينه: قبض على الْأَمِير سودن الْأَشْقَر أَمِير مجْلِس والأمير كمشبغا العيساوي أَمِير شكار وَتوجه بهما الْأَمِير برسباي فسجنهما بالإسكندرية. وَفِي ثَانِي عشرينه: وسط أَرْبَعَة أحدهم مغلباي نَائِب الْقُدس من جِهَة نوروز وَكَانَ الْأَمِير قرقماس ابْن أخي دمرداش قد قبض عَلَيْهِ وَبَعثه إِلَى السُّلْطَان وَاثْنَانِ من مماليك السُّلْطَان وَآخر من أَصْحَاب طوغان الدوادار. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث عشرينه: أنعم بإقطاع طوغان الدوادار على الْأَمِير أينال الصصلاني وبإقطاع الْأَمِير سودن الْأَشْقَر على الْأَمِير تنباك البجاسي نَائِب الكرك وخلع على الصصلاني وَاسْتقر أَمِير مجْلِس عوضا عَن سودن الْأَشْقَر وخلع على الْأَمِير قجق وَاسْتقر حَاجِب عوضا على الصصلاني وخلع على الْأَمِير شاهين الأفرم خلعة الرضى لِأَنَّهُ اتهمَ بممالأة طوغان. وَفِي ثامن عشرينه: خلع على الْأَمِير جانباك أحد المماليك المؤيدية والدوادار الثَّانِي من أُمَرَاء الطبلخاناة وَاسْتقر دواداراً كَبِيرا عوضا عَن طوغان. وخلع على الْأَمِير شرباش كباشة وَاسْتقر أَمِير جاندار. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سلخه: خلع على الْأَمِير فَخر الدّين عبد الْغَنِيّ بن أبي الْفرج كاشف الشرقية والغربية وَاسْتقر أستاداراً وعزل الْأَمِير بدر الدّين حسن بن محب الدّين وخلع على الْأَمِير بدر الدّين وَاسْتقر مشير الدولة. وَلم يكن فِي جُمَادَى الْآخِرَة كثير شَيْء تجدّد. شهر رَجَب أَوله الْجُمُعَة: فِي سادسه: قدم من دمشق الْأَمِير جَار قطلو أتابكها فَارًّا من نوروز فَخلع عَلَيْهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 353 وَفِي ثامنه: أعرس الْأَمِير صارم الدّين إِبْرَاهِيم ابْن السُّلْطَان بابنة الْملك النَّاصِر خوند الَّتِي كَانَت تَحت الْأَمِير بكتمر جلق وَعمل مُهِمّ حسن. وَفِي ثَانِي عشره: قدم الْأَمِير ألطنبغا القرمشي نَائِب صفد باستدعاء وَقد اسْتَقر عوضه فِي نِيَابَة صفد الْأَمِير قرقماس ابْن أخي دمرداش وعزل عَن نِيَابَة الشَّام من أجل أَنه لم يتَمَكَّن مِنْهَا. وَصَارَ يتَرَدَّد من حِين خرج من الْقَاهِرَة فِيمَا بَين غَزَّة والرملة وَاسْتقر أَخُوهُ تغري بردى فِي نِيَابَة غَزَّة عوضا عَن الْأَمِير ألطنبغا العثماني. وَفِي خَامِس عشره: خرج الْأَمِير نوروز من دمشق يُرِيد صفد فَنزل من الْغَد على القنيطرة قَرِيبا من طبرية وَكَانَ قرقماس ابْن أخي دمرداش قد قدم إِلَى صفد فَلَمَّا بلغه ذَلِك قصد أَن يسكن قلعتها بمماليكه وَينزل فِيهَا مَعَه أَخَاهُ تغري بردى فَلم يتَمَكَّن من ذَلِك فَجرد وَركب من يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشره وَعَاد إِلَى الرملة. وَبعث الْأَمِير نورز أينال دواداره إِلَى بيسان لجمع العشير. وَفِي تَاسِع عشره: قدم الْأَمِير بيسق الشيخي من بِلَاد الرّوم وَكَانَ الْملك النَّاصِر أخرجه إِلَيْهَا. وَفِيه أَيْضا خلع عَليّ تَقِيّ الدّين عبد الْوَهَّاب بن أبي شَاكر وَاسْتقر أستادار الذَّخِيرَة والأملاك كَمَا كَانَ بعد جمال الدّين الأستادار قبل أَن يَلِي نظر الْخَاص. وَذَلِكَ بَعْدَمَا عصر وَضرب وَأخذ مِنْهُ نَحْو خمسين ألف دِينَار. وَفِي عشرينه: خلع على الْأَمِير منكلي بغا العجمي أحد دوادارية الْملك الظَّاهِر برقوق الصغار وَاسْتقر حاجباً ومحتسب الْقَاهِرَة عوضا عَن قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين عَليّ بن الْآدَمِيّ. وَلم يعْهَد قبل ذَلِك تركياً تولى الْحِسْبَة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: انْتَهَت زِيَادَة النّيل إِلَى خَمْسَة عشره إصبعا وَعشْرين ذِرَاعا. وَفِيه فَشَتْ الْأَمْرَاض فِي النَّاس من حميات ونزلات وسعال. فعز السكر النَّبَات وَالرُّمَّان حَتَّى بلغا أَرْبَعَة أَمْثَال سعرهما وَكَانَت أمراض سليمَة لم يكن مَعهَا موتان وَقدم الْخَبَر أَنه كَانَ بِبِلَاد الرّوم فنَاء عَظِيم وَأَنه امْتَدَّ إِلَى حلب وحماة وفشت الْأَمْرَاض بِدِمَشْق كَمَا فَشَتْ بِأَرْض مصر. فِي سَابِع عشره: عزل صدر الدّين أَحْمد بن العجمي من نظر الْمَوَارِيث وتحدث فِيهَا الطواشي زين الدّين مرجان الْهِنْدِيّ خازندار السُّلْطَان. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 354 وَفِي ثامن عشرينه: قدم الْأَمِير قرقماس ابْن أخي دمرداش فَأكْرمه السُّلْطَان وخلع عَلَيْهِ وأنزله. وَذَلِكَ أَن الْأَمِير نوروز لما توجه من دمشق يُرِيد صفد وَبعث يجمع الرِّجَال لم يثبت الأخوان تغري بردى وقرقماس فسارا إِلَى مصر وَقدم قرقماس إِلَى مصر وَأقَام أَخُوهُ تغري بردى على قطيا وَهَذِه كَانَت عَادَتهمَا فِي الْأَيَّام الناصرية أَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ عِنْده قطّ حذرا من الْقَبْض عَلَيْهِمَا وَإِنَّمَا إِذا اضْطر أَحدهمَا وَحصر إِلَيْهِ كَانَ الآخر نَائِبا عَنهُ. شهر رَمَضَان أَوله السبت: فِيهِ قدم الْأَمِير دمرداش المحمدي فأجل السُّلْطَان مقدمه وخلع عَلَيْهِ خلعة جليلة إِلَى الْغَايَة وَنزل إِلَى دَاره وَكَانَ من خَبره أَنه لما انهزم على حلب - كَمَا تقدم ذكره - اجْتمع إِلَى أَصْحَابه وَقد تحير فِي أمره بَين أَن ينتمي إِلَى الْأَمِير نوروز وَيصير مَعَه على رَأْيه - وَكَانَ نوروز قد بعث إِلَيْهِ بِأَلف دِينَار وَدعَاهُ إِلَيْهِ - وَبَين أَن يقدم على السُّلْطَان فَأَشَارَ عَلَيْهِ جلّ أَصْحَابه بالانتماء إِلَى نوروز فَلم يوافقهم وَركب الْبَحْر حَتَّى نزل دمياط وَاسْتَأْذَنَ فِي الْقدوم فَأذن لَهُ السُّلْطَان. وَفِي سادسه: خلع على صدر الدّين أَحْمد بن العجمي وَاسْتقر فِي مشيخة التربة الَّتِي أَنْشَأَهَا الْملك النَّاصِر فرج على قبر أَبِيه الْملك الظَّاهِر برقوق خَارج بَاب النَّصْر وعزل عَنْهَا زين الدّين حاجي. وَفِيه كتب بِنَقْل الأميرين سودن الْأَشْقَر وكمشبغا العيساوي من سجن الْإسْكَنْدَريَّة إِلَى دمياط. وَفِي سابعه: بعث السُّلْطَان الْأَمِير سودن القَاضِي والأمير قجقار القردمي والأمير أقبردي رَأس نوبَة والأمير يشبك شاد الشرابخاناه إِلَى الشرقية وَأظْهر أَنهم خَرجُوا لكبس المفسدين من العربان. وَأسر إِلَيْهِم أَن يقبضوا على الْأَمِير تغري بردى ابْن أخي دمرداش - الْمَعْرُوف بسيدي صَغِير - وَكَانَ نازلاً على الصالحية فَسَارُوا. وَفِي لَيْلَة السبت ثامنه: استدعى السُّلْطَان الْأُمَرَاء للفطر عِنْده وَمد لَهُم سماطاً يَلِيق بهم فَأَكَلُوا مَعَه وتباسطوا فَلَمَّا رفع السماط قبض على الْأَمِير دمرداش المحمدي وعَلى ابْن أَخِيه الْأَمِير قرقماس وقيدهما وبعثهما من ليلته إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فاعتقلا بهَا. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ عاشره: قدم الْأُمَرَاء وَمَعَهُمْ الْأَمِير تغري بردى ابْن أخي دمرداش الجزء: 6 ¦ الصفحة: 355 مُقَيّدا فسجن بقلعة الْجَبَل ثمَّ قتل فِي آخر شَوَّال وأراح الله بِالْقَبْضِ على هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة فتنا كَثِيرَة وأراح مِنْهُم الْعباد والبلاد فَإِنَّهُم كَانُوا قد أَكْثرُوا فِي الأَرْض الْفساد من لإِقَامَة الْفِتَن وإثارة الشرور. وَفِي هَذَا الْيَوْم أَيْضا: خلع على قَاضِي الْقُضَاة نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن قَاضِي الْقُضَاة كَمَال الدّين عمر بن العديم الْحَنَفِيّ وأعيد إِلَى قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بديار مصر عوضا عَن صدر الدّين عَليّ بن الْآدَمِيّ بعد مَوته. وَفِي ثَالِث عشره: خلع على الْأَمِير قنباي المحمدي أَمِير أخور كَبِير وَاسْتقر فِي نِيَابَة الشَّام وَنزل من بَاب السلسلة فِي يَوْمه فسكن بداره وخلع أَيْضا على الْأَمِير أينال الصصلاني أَمِير مجْلِس وَاسْتقر فِي نِيَابَة حلب وخلع أَيْضا على الْأَمِير سودن قراصقل وَاسْتقر فِي نِيَابَة غَزَّة. وخلع على الْأَمِير ألطنبغا القرمشي وَاسْتقر أَمِير أخور كَبِيرا عوضا عَن الْأَمِير قنباي. شهر شَوَّال أَوله الِاثْنَيْنِ: فِي ثامنه: خلع على الْأَمِير بدر الدّين حسن بن محب الدّين المشير وَاسْتقر فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة وعزل خَلِيل الجشاوي. وَفِي حادي عشرينه: خلع على صدر الدّين أَحْمد بن العجمي وأعيد إِلَى نظر الْمَوَارِيث. وتسلم ذَلِك من الطواشي مرجان. شهر ذِي الْقعدَة أَوله الثُّلَاثَاء: فِي يَوْم الْخَمِيس ثالثه: عدى السُّلْطَان النّيل وَنزل على أوسيم فألزم الْأَمِير التَّاج وَالِي الْقَاهِرَة النَّصَارَى وَالْيَهُود بِحمْل ثَلَاثمِائَة مروقة حمر فوزعت على الْأُسَارَى المعروفين بِبيع الْخمر وعَلى بَقِيَّة النَّصَارَى وعَلى طوائف الْيَهُود الثَّلَاث وجبيت مِنْهُم بعنف وعسف وَضرب وَأخذ الْخمر من النَّصَارَى بالمقارع وَاحْتَاجَ الْجَمِيع إِلَى كلف كَثِيرَة لأعوان الْوَالِي وَلمن حمل الجرار إِلَى بر الجيزة حَيْثُ أمروا وَطلب أَيْضا باعة الْفَوَاكِه وَأَصْحَاب الْبَسَاتِين أَن يحملوا النرجس وَنَحْوه من المشموم فجبي ذَلِك مِنْهُم حَتَّى عز وجود البنفسج بعد ذَلِك وأبيع بِخَمْسَة وَعشْرين درهما الباقة بعد دِرْهَم. وَأقَام السُّلْطَان إِلَى يَوْم الِاثْنَيْنِ حادي عشرينه وعدى النّيل وَصعد إِلَى قلعة الْجَبَل فنصب جاليش السّفر من يَوْمه وَأخذ فِي التأهب هُوَ والأمراء. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 356 وَفِي خَامِس عشرينه: جلس السُّلْطَان لعرض الأجناد المماليك. وَفِيه توجه الْأَمِير أينال الصصلاني نَائِب حلب والأمير سودن قرا صقل نَائِب غَزَّة إِلَى جِهَة الشَّام وَنزلا بالريدانية خَارج الْقَاهِرَة. شهر ذِي الْحجَّة أَوله الْخَمِيس ثمَّ اسْتَقر الْأَرْبَعَاء: فِي سادس عشره: توجه الْأَمِير قنباي المحمدي نَائِب الشَّام إِلَيْهَا وَنزل بالريدانية. وَفِيه استدعى السُّلْطَان دَاوُد بن المتَوَكل على الله من دَاره فَحَضَرَ بَين يَدَيْهِ بقلعة الْجَبَل وَقد حضر قُضَاة الْقُضَاة الْأَرْبَع فعندما رَآهُ قَامَ لَهُ وَقد ألبسهُ خلعة سَوْدَاء وَأَجْلسهُ بجانبه بَينه وَبَين قَاضِي الْقُضَاة شيخ الْإِسْلَام جلال الدّين بن البُلْقِينِيّ فَدَعَا الْقُضَاة وَانْصَرفُوا على أَن دَاوُد بن المتَوَكل على الله اسْتَقر فِي الْخلَافَة وَلم يَقع خلع الْخَلِيفَة المستعين بِاللَّه تَعَالَى وَلَا أُقِيمَت بَينه بِمَا يُوجب شغور الْخلَافَة عَنهُ وَلَا بُويِعَ دَاوُد هَذَا بل خلع عَلَيْهِ فَقَط ولقب بِأبي الْفَتْح المعتضد بِاللَّه أَمِير الْمُؤمنِينَ. وَكَانَت الْعَادة بديار مصر أَن يدعى على منابرها أَيَّام الْجمع وَفِي الأعياد للخليفة وَيذكر كنيته ولقبه من حِين المستعين بِاللَّه فِي أَيَّام المعتضد غير أَن من الخطباء من يَقُول: اللَّهُمَّ أصلح الْخَلِيفَة من غير أَن يُعينهُ وَمِنْهُم من يَقُول: اللَّهُمَّ أيد الْخلَافَة العباسية بِبَقَاء مَوْلَانَا السُّلْطَان وَمِنْهُم من يقْتَصر على الدُّعَاء للسُّلْطَان. وَفِيه أنْفق السُّلْطَان على المماليك مائَة دِينَار ناصري لكل وَاحِد برسم السّفر. وَفِي عشرينه: خرج الْأَمِير سودن من عبد الرَّحْمَن وَنزل بالريدانية وَخرج الْأَمِير سودن القَاضِي أَيْضا. وَفِيه رَحل الْأَمِير قنباي نَائِب الشَّام من الريدانية. وَفِيه خلع على شمس الدّين مُحَمَّد بن التباني قَاضِي الْعَسْكَر وَاسْتقر فِي قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق. وَفِي سَابِع عشرينه: نصب خام السُّلْطَان تجاه مَسْجِد تبر من أجل سَفَره إِلَى الشَّام. وَفِيه قدم مبشرو الْحَاج وأخبروا بِأَن الوقفة كَانَت يَوْم الْجُمُعَة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 357 وَفِي ثامن عشرينه: تنكر السُّلْطَان على الْوَزير تَاج الدّين بن الهيصم وضربه وَبَالغ فِي إهانته ثمَّ ذِي الْحجَّة: وَفِي هَذَا الشَّهْر قدم الْأَمِير فَخر الدّين بن أبي الْفرج من بِلَاد الصَّعِيد فِي ثَالِث عشرينه بخيل وجمال وأبقار وأغنام كَثِيرَة جدا وَقد جمع المَال من الذَّهَب وحلي النِّسَاء مَعَ السِّلَاح والغلال وَغير ذَلِك من العبيد وَالْإِمَاء والحرائر اللَّاتِي استرقهن. ثمَّ وهب مِنْهُنَّ وَبَاعَ باقيهن. وَذَلِكَ أَنه عمل فِي بِلَاد الصَّعِيد كَمَا تعْمل رُءُوس المناسر إِذا هم هجموا لَيْلًا على الْقرْيَة وتمكنوا بهَا فَإِنَّهُ كَانَ ينزل على الْبَلَد فينهب جَمِيع مَا فِيهَا من غلال وحيوان وسلب النِّسَاء حليهن وكسوتهن بِحَيْثُ لَا يسير عَنْهَا إِلَى غَيرهَا حَتَّى يَتْرُكهَا أوحش من بطن حمَار فخرب بِهَذَا الْفِعْل بِلَاد الصَّعِيد تخريباً يخْشَى من سوء عاقبته فَلَمَّا قدم إِلَى الْقَاهِرَة شرع فِي رمي الْأَصْنَاف الْمَذْكُورَة على النَّاس من أهل الْمَدِينَة وسكان الرِّيف بأغلى الْأَثْمَان وَيحْتَاج من ابْتُلِيَ بِشَيْء من ذَلِك أَن يتَكَلَّف لأعوانه من الرُّسُل وَنَحْوهم شَيْئا كثيرا سوى مَا عَلَيْهِ من ثمن مَا رمى عَلَيْهِ. وفيهَا ملك برصا الْأَمِير مُحَمَّد بن عُثْمَان بعد قتل أَخِيه مُوسَى. وفيهَا نزل الْأَمِير مُحَمَّد بن قرمان على مَدِينَة برصا وحرقها وَحصر قلعتها حَتَّى كَاد أَن يملكهَا فَلَمَّا بلغه قتل الْأَمِير مُوسَى رَحل إِلَى بِلَاده. وَمَات فِي هَذِه السّنة الْأَمِير عمر بن السُّلْطَان الْملك الْمُؤَيد شيخ فِي خَامِس عشْرين صفر وَقد تجَاوز عشر سِنِين فَدفن بالقبة الَّتِي أَنْشَأَهَا الْملك النَّاصِر فرج بن برقوق تجاه قبَّة أَبِيه الظَّاهِر برقوق الَّتِي على قَبره. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن خَلِيل الغراقي - بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء الْمُهْملَة وَكسر الْقَاف - الشَّافِعِي رَحمَه الله الْأَرْبَعَاء خَامِس شهر شعْبَان بَعْدَمَا تصدى بالجامع الْأَزْهَر من الْقَاهِرَة عدَّة سِنِين للتدريس فِي الْفِقْه والفرائض والحساب طول نَهَاره وَكَانَ بارعاً فِي ذَلِك وَكَانَ على طَريقَة مشكورة. وَمَات فَخر الدّين عُثْمَان بن إِبْرَاهِيم بن أَحْمد الْبرمَاوِيّ الشَّافِعِي شيخ الإقراء الجزء: 6 ¦ الصفحة: 358 بِالْمَدْرَسَةِ الظَّاهِرِيَّة برقوق فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ تَاسِع عشر شعْبَان فَجْأَة وَقد خرج من الْحمام. وَكَانَ إِمَامًا بارعاً فِي معرفَة الْقرَاءَات وتوجيهها عَارِفًا بالفقه والْحَدِيث والعربية جميل الشَّام. وَمَات قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين عَليّ بن أَمِين الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْآدَمِيّ الدِّمَشْقِي الْحَنَفِيّ فِي يَوْم السبت ثامن شهر رَمَضَان وَقد تجَاوز الْأَرْبَعين. وَكَانَ أديباً بارع النّظم وَنظر فِي الْفِقْه ذكياً. ولي قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق والقاهرة وَولي كِتَابَة السِّرّ وَنظر الْجَيْش بِدِمَشْق وَلم يكن مرضِي الدّيانَة. وَمَات الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن عَلَاء الدّين حجي بن مُوسَى السَّعْدِيّ الحسباني الأَصْل الدِّمَشْقِي المولد والوفاة فِي ليله الْجُمُعَة سادس الْمحرم عَن خمس وَسِتِّينَ سنة ولي خطابة جَامع بني أُميَّة ودرس وَأفْتى وَقدم الْقَاهِرَة فِي الرسَالَة عَن الْأَمِير شيخ قبل أَن يَلِي السلطنة وَكَانَ عَارِفًا بالفقه والْحَدِيث والعربية. وَمَات قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أَحْمد بن نَاصِر بن خَليفَة الباعوني الشَّافِعِي فِي رَابِع الْمحرم ومولده بقرية باعونة من قرى عجلون فِي سنة إِحْدَى وَخمسين وَسَبْعمائة تخميناً. ولي قَضَاء الْقُضَاة بِدِمَشْق وخطابة بَيت الْمُقَدّس. ودرس وَقَالَ الشّعْر وَقدم الْقَاهِرَة. وَمَات قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عُثْمَان الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 359 الْمَعْرُوف بِابْن الأخناي فِي نصف شهر رحب عَن نَحْو سِتِّينَ سنة. ولي قَضَاء الْقَاهِرَة بغزة ودمشق وحلب وديار مصر عدَّة سِنِين وَكَانَ قَلِيل الْعلم. وَمَات الْأَمِير مبارك شاه الظَّاهِرِيّ فِي شهر رَمَضَان ولي كشف الْوَجْه القبلي ووزارة الديار المصرية والأستادارية والحجوبية. وَكَانَ تبعا يخْدم الْملك الظَّاهِر برقوق وَهُوَ جندي فرقاه لما تَأمر ثمَّ لما تسلطن. وَمَات قَاضِي الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة زين الدّين أَبُو بكر بن حُسَيْن بن عمر بن عبد الرَّحْمَن بن أبي الْفَخر بن نجم العثماني المراغي الْمَعْرُوف بِابْن حسن الشَّافِعِي فِي سادس عشر ذِي الْحجَّة وَقد قَارب التسعين. كَانَ من الْفُقَهَاء الْفُضَلَاء شرح منهاج النَّوَوِيّ وَكتب تَارِيخا للمدينة النَّبَوِيَّة. وَولي قضاءها وخطابتها وإمامتها. وَهُوَ من مصر وَسكن الْمَدِينَة حَتَّى مَاتَ. وَمَات الشَّيْخ برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن بهادر بن أَحْمد الْقرشِي النَّوْفَلِي الْغَزِّي الشَّافِعِي الْمَعْرُوف بِابْن زقاعة - بِضَم الزَّاي الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْقَاف وَفتح الْعين الْمُهْملَة - فِي ثَانِي عشْرين ذِي الْحجَّة عَن اثْنَتَيْنِ وَسبعين سنة أَخْبرنِي مرَارًا أَن مولده سنة خمس وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة كَانَ عَارِفًا بعدة فنون من الأعشاب وَغَيرهَا وَله نظم كثير وَتقدم فِي الْأَيَّام الظَّاهِرِيَّة برقوق واشتمل على عقيدته. وَمَات شهَاب الدّين أَحْمد الْمَعْرُوف بِابْن الشنبل - بِضَم الشين الْمُعْجَمَة ثمَّ نون سَاكِنة بعْدهَا بَاء مُوَحدَة مَضْمُومَة - الْحِمصِي الشَّافِعِي قدم الْقَاهِرَة وَولي مِنْهَا قَضَاء الْقُضَاة بِدِمَشْق فِي آخر سنة سِتّ وَثَمَانمِائَة ثمَّ عزل بعلاء الدّين عَليّ بن أبي الْبَقَاء بعد أشهر وَكَانَ عَارِفًا بالفقه خَفِيفا طائشاً. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 360 (سنة سبع عشرَة وَثَمَانمِائَة) أهلت هَذِه السّنة وَخَلِيفَة الْوَقْت المعتضد بِاللَّه أَبُو الْفَتْح دَاوُد بن المتَوَكل على الله أبي عبد الله مُحَمَّد وَالسُّلْطَان الْملك الْمُؤَيد أَبُو النَّصْر شيخ المحمودي الظَّاهِرِيّ وأتابك العساكر الْأَمِير الْكَبِير يلبغا الناصري وقاضي الْقُضَاة شيخ الْإِسْلَام جلال الدّين أَبُو الْفضل عبد الرَّحْمَن ابْن قَاضِي الْقُضَاة شيخ الْإِسْلَام سراج الدّين أبي حَفْص عمر بن رسْلَان بن نصير بن صَالح البُلْقِينِيّ الشَّافِعِي وقاضي الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن كَمَال الدّين عمر بن العديم الْحلَبِي وقاضي الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْأمَوِي المغربي وقاضي الْقُضَاة الْحَنَابِلَة مجد الدّين سَالم بن سَالم بن أَحْمد ابْن سَالم بن عبد الْملك الْمَقْدِسِي وَكَاتب السِّرّ نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن عُثْمَان بن الْبَارِزِيّ الْحَمَوِيّ والوزير الصاحب تَاج الدّين عبد الرَّزَّاق بن الهيصم وناظر الْخَاص الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله بن حسون الفوي وناظر الْجَيْش علم الدّين دَاوُد بن زين الدّين عبد الرَّحْمَن بن الكويز الكركي. والأستادار الْأَمِير فَخر الدّين عبد الْغَنِيّ ابْن الْأَمِير الْوَزير تَاج الدّين عبد الرَّزَّاق بن أبي الْفرج ونائب الْإسْكَنْدَريَّة الْأَمِير المشير بدر الدّين حسن بن محب الدّين عبد الله الطرابلسي ونائب عزة الْأَمِير سودن قرا صقل. وَالشَّام كُله بيد الْأَمِير نوروز الحافظي وَيُقِيم الخطة وَيضْرب السِّكَّة باسم أَمِير الْمُؤمنِينَ المستعين بِاللَّه وَهُوَ مُقيم فِي دَاره بقلعة الْجَبَل وَقد منع من التَّصَرُّف. شهر الله الْمحرم أَوله يَوْم الْجُمُعَة: أهل وسعر الدِّينَار الهرجة بِمِائَتي دِرْهَم وَخمسين درهما وَالدِّينَار الأفرنتي بِمِائَتي دِرْهَم وَثَلَاثِينَ درهما وَالدِّينَار الناصري بِمِائَتي دِرْهَم وَعشرَة دَرَاهِم وَهُوَ أَكْثَرهَا وجودا والفلوس هِيَ النَّقْد الرائج الَّذِي ينْسب إِلَيْهِ قيم المبيعات وَأجر الْأَعْمَال وَصرف الذَّهَب وسعر الأردب من الْقَمْح من مائَة وَأَرْبَعين إِلَى مَا دونهَا وَيُبَاع فِي الرِّيف كل ثَلَاثَة أرادب مصرية بناصري وَثيَاب الْقطن وَالْكتاب فِي غَايَة من الغلو. وَفِي ثالثه: هبت ريح شَدِيدَة تَلَاهَا رعد مرعب ومطر غزير وَسقط مَعَ ذَلِك بِمَدِينَة مصر خَاصَّة برد بِقدر البندقة كثير جدا بِحَيْثُ ألْقى على أسطحة الدّور مِنْهُ قناطير وأخرب عدَّة دور فخزن النَّاس مِنْهُ شَيْئا كثيرا وَبيع فِي الْأَسْوَاق بعد ذَلِك كل رَطْل بِسِتَّة دَرَاهِم وَلم يسْقط مِنْهُ بِالْقَاهِرَةِ شَيْء الْبَتَّةَ. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ رابعه: ركب السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل بعد طُلُوع الْفجْر وَسَار إِلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 361 مخيمه بالريدانية تجاه مَسْجِد تبر من غير تطليب فِي قَلِيل من الْعَسْكَر ثمَّ خرجت الأطلاب فِي أثْنَاء النَّهَار وَعمل نَائِب الْغَيْبَة الْأَمِير ألطنبغا العثماني وأنزله بِبَاب السلسلة وَعمل بالقلعة الْأَمِير بردى قصقا. وَكَانَ قد قدم إِلَى الْقَاهِرَة مَعَ الْأَمِير دمرداش المحمدي من حلب فِي الْبَحْر فأنعم عَلَيْهِ السُّلْطَان بإمرة مائَة ووكل بِبَاب الستارة الْأَمِير صماي الحسني وَجعل للْحكم بَين الْعَامَّة الْأَمِير قجق حَاجِب الْحجاب. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثامنه: رَحل الْأَمِير يلبغا الناصري من الريدانية خَارج الْقَاهِرَة جاليش بِمن مَعَه من الْأُمَرَاء. وَفِيه خلع عَليّ زين الدّين حاجي وأعيد إِلَى مشيخة التربة الظَّاهِرِيَّة برقوق خَارج بَاب النَّصْر عوضا عَن صدر الدّين أَحْمد بن العجمي وخلع عَليّ صدر الدّين وَاسْتقر فِي نظر الْجَيْش بِدِمَشْق وأعيدت الْمَوَارِيث إِلَى ديوَان الوزارة كَمَا كَانَت. وَفِي يَوْم السبت تاسعه: اسْتَقل السُّلْطَان بِالْمَسِيرِ من طرف الريدانية يُرِيد محاربة الْأَمِير نوروز وَمَعَهُ الْخَلِيفَة المعتضد بِاللَّه دَاوُد وقضاة الْقُضَاة الْأَرْبَع وأرباب الدولة مَا عدا الْأَمِير فَخر الدّين الأستادار فَإِنَّهُ تَأَخّر بِالْقَاهِرَةِ إِلَى يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشره وَخرج يُرِيد الْمَشْي فِي بِلَاد الْوَجْه البحري ليجبي أموالها فَنزل مَدِينَة قليوب ثمَّ رَحل مِنْهَا وَقد ذعر مِنْهُ أهل النواحي خوفًا بِمَا نزل مِنْهُ بِأَهْل الْوَجْه القبلي فَبعث رسله واستدعى أكَابِر الْبِلَاد وَقرر عَلَيْهِم أَمْوَالًا جبيت مِنْهُم ثمَّ عَاد بعد أَيَّام بأحمال موفرة ذَهَبا وَتوجه إِلَى السُّلْطَان. شهر صفر أَوله الْأَحَد: فِي ثامنه: نزل السُّلْطَان على قبَّة يلبغا - خَارج دمشق - وَقد استعاد نوروز وحصن القلعة وَالْمَدينَة فَأَقَامَ السُّلْطَان أَيَّامًا ثمَّ رَحل وَنزل بِطرف القبيبات. وَكَانَ السُّلْطَان - من الخربة - قد بعث قَاضِي الْقُضَاة مجد الدّين سَالم الْحَنْبَلِيّ إِلَى الْأَمِير نوروز وَمَعَهُ قرا أول المؤيدي فِي طلب الصُّلْح فَامْتنعَ من ذَلِك وَوَقعت الْحَرْب فَانْهَزَمَ نوروز وَامْتنع بالقلعة فِي سادس عشرينه وَنزل السُّلْطَان بالميدان وحاصر القلعة وَرمى عَلَيْهَا بالمكاحل والمدافع والمنجنيق حَتَّى بعث نوروز بالأمير قمش الْأمان فَأُجِيب وَنزل من القلعة وَمَعَهُ الْأُمَرَاء طوخ ويشبك بن أزدمر وسدن كستا وقمش وبرسبغا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 362 وأينال فَقبض عَلَيْهِم جَمِيعًا فِي حادي عشْرين شهر ربيع الآخر وَقتل من ليلته وحملت رَأسه على يَد الْأَمِير جرباش إِلَى الْقَاهِرَة وعَلى يَده كتب الْبشَارَة. وَذَلِكَ أَن الْأَمِير كزل نَائِب طرابلس قدم فِي الْعشْر الْأَخير من صفر وَقَاتل عَسْكَر نوروز فَركب السُّلْطَان بِمن مَعَه فَانْهَزَمَ النوروزية إِلَى القلعة وَملك السُّلْطَان الْمَدِينَة وَنزل بالإسطبل وَدَار السَّعَادَة وَحصر القلعة. وَفِي يَوْم الْخَمِيس مستهل جُمَادَى الأولى: قدم رَأس نوروز فعلق على بَاب القلعة وارتجت الْبَلَد وَنُودِيَ بتقوية الزِّينَة. وَفِيه خرج السُّلْطَان من دمشق وَنزل بَرزَة ورحل مِنْهَا فِي ثَانِيه يُرِيد حلب فَلَمَّا قدمهَا أَقَامَ بهَا إِلَى آخِره ثمَّ سَار مِنْهَا أول جُمَادَى الْآخِرَة وَمضى إِلَى أبلستين وَأقَام بهَا أَيَّامًا وَدخل إِلَى ملطية واستناب بهَا الْأَمِير كزل الْمَذْكُور ثمَّ عَاد إِلَى حلب وَأقر بهَا الْأَمِير أينال الصصلاني. وَولى بحماة الْأَمِير تنباك البجاسي وبطرابلس الْأَمِير سودن من عبد الرَّحْمَن وبقلعة الرّوم جانباك الحمزاوي بعد مَا قتل نائبها طوغان ثمَّ قدم دمشق فِي ثَالِث شهر رَجَب فقرر بنيابتها الْأَمِير قنباي المحمدي وَسَار مِنْهَا. أول شعْبَان: قد وصل السُّلْطَان إِلَى الْقُدس وَمضى إِلَى غَزَّة فولى نيابتها الْأَمِير طرباي فِي ثَانِي عشرينه وَسَار فَنزل على سرياقوس يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشْرين شعْبَان فَأَقَامَ هُنَاكَ بَقِيَّة الشَّهْر وَعمل أوقاتاً بالخانكاه أنعم فِيهَا على أَهلهَا وَغَيرهم بِمَال جزيل. وَركب يَوْم الْأَرْبَعَاء سلخه وَنزل تجاه مَسْجِد تبر وَبَات هُنَاكَ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 363 وَفِي هَذَا الشَّهْر: خرج فِي سادس عشرينه الْأَمِير أينال الصصلاني من حلب وَمَعَهُ الْعَسْكَر وَجَمَاعَة من التركمان وَالْعرب يُرِيد قتال حُسَيْن بن نعير. شهر رَمَضَان أَوله يَوْم الْخَمِيس: فِيهِ سَار السُّلْطَان من الريدانية وَصعد قلعة الْجَبَل فانتفض عَلَيْهِ ألم رجله من ضربات المفاصل وَانْقطع بداخل الدّور. وَفِيه قدم الْأَمِير يشبك نَائِب الكرك إِلَيْهَا فَوَجَدَهَا خراباً وَقد وَفِي ثامنه: أخرج الْأَمِير جرباش كباشة منفياً إِلَى الْقُدس ورسم بِإِخْرَاج الْأَمِير أرغون الرُّومِي - أَمِير أخور فِي الْأَيَّام الناصرية - بطالاً إِلَى الْقُدس أَيْضا فَسَأَلَ أَن يتَأَخَّر إِلَى بعد الْعِيد فَأُجِيب ثمَّ سَار بعد عيد الْفطر. وَفِيه خلع على الْأَمِير ألطنبغا العثماني وَاسْتقر أتابك العساكر عوضا عَن الْأَمِير يلبغا الناصري بعد مَوته. وَفِي يَوْم السبت عاشره: ركب السُّلْطَان من القلعة إِلَى خَارج بَاب النَّصْر وشق الْقَاهِرَة وَصعد القلعة فهدمت الزِّينَة. وَفِي ثَانِي عشره: قبض على الْأَمِير قجق حَاجِب الْحجاب والأمير بيبغا المظفري والأمير تمان تمر أرق وحملوا فِي الْحَدِيد إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة صُحْبَة الْأَمِير صماي. وَفِيه خلع على الْأَمِير ألطنبغا العثماني وَاسْتقر فِي نظر المارستان المنصوري وخلع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 364 على قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين عبد الله بن مقداد بن إِسْمَاعِيل الأقفهسي الْمَالِكِي وأعيد إِلَى الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة بديار مصر وعزل شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْأمَوِي المغربي. وَفِي ثَالِث عشره: كتب للأمير صوماي الحسني المسفر بالأمراء أَن يسْتَقرّ فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة وَأَن يحضر الْأَمِير بدر الدّين حسن بن محب الدّين إِلَى الْقَاهِرَة. وَفِي خَامِس عشره: خلع على الْأَمِير سودن القَاضِي وَاسْتقر حَاجِب الْحجاب عوضا عَن الْأَمِير قجق وعَلى الْأَمِير قجقار القردمي وَاسْتقر أَمِير مجْلِس وعَلى الْأَمِير جَانِبك الصُّوفِي رَأس نوبَة وَاسْتقر أَمِير سلَاح عوضا عَن الْأَمِير شاهين الأفرم وَقد مَاتَ. وخلع على الْأَمِير كزل العجمي الأجرود - حَاجِب الْحجاب فِي الْأَيَّام الناصرية - وَاسْتقر أَمِير جاندار عوضا عَن الْأَمِير جرباش كباشة. وَفِيه قبض على ثَلَاثَة من أُمَرَاء العشرات وهم طقز ونفاه إِلَى الشَّام ومنطاش نَفَاهُ إِلَى صفد وتنبك القَاضِي نَفَاهُ إِلَى طرابلس وَأخرج خاصكيا يعرف بسودن الأعراج إِلَى قوص منفياً. وَفِي سَابِع عشره: قدم الْأَمِير بدر الدّين حسن بن محب الدّين من الْإسْكَنْدَريَّة. وَفِي تَاسِع عشره: خلع على الْأَمِير تنبك ميق وَاسْتقر رَأس نوبَة النوب عوضا عَن الْأَمِير جانباك الصُّوفِي وخلع على الْأَمِير أقباي الخازندار وَاسْتقر دواداراً كَبِيرا عوضا عَن الْأَمِير جانباك بعد مَوته. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 365 وَفِيه أفرج عَن الْأَمِير كمشبغا العيساوي من سجنه بدمياط وَقدم الْقَاهِرَة وَنقل الْأَمِير سودن الأسندمري والأمير قصروه وشاهين الزردكاش وكمشبغا الفيسي أَمِير أخور إِلَى دمياط. وَفِي خَامِس عشرينه: قدم الْأَمِير بدر الدّين حسن بن محب الدّين للسُّلْطَان مائَة فرس وثياباً وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سادس عشرينه: خلع على الْأَمِير بدر الدّين حسن بن محب الدّين وأعيد إِلَى الأستادارية وَكَانَ ابْن أبي الْفرج - لما سَار من الْقَاهِرَة إِلَى الشَّام كَمَا تقدم - دَاخله خوف من السُّلْطَان ففر فِي أَوَائِل شهر رَجَب - وَهُوَ بِمَدِينَة حماة - إِلَى جِهَة بَغْدَاد وسد تَقِيّ الدّين عبد الْوَهَّاب بن أبي شَاكر - وَهُوَ يَلِي نظر الدِّيوَان الْمُفْرد - أُمُور الأستادارية فِي هَذِه الْمدَّة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: انحل سعر الغلال حَتَّى بيع كل ثَلَاثَة أرادب من الْقَمْح بِدِينَار وكل أَرْبَعَة أرادب شعير بِدِينَار. وَفِيه كثرت الدَّرَاهِم الْفضة بأيدي النَّاس وَكَانَ قد بعد عهد أهل مصر بهَا. وفقدوها وَتركُوا الْمُعَامَلَة بهَا من نَحْو ثَلَاثِينَ سنة وأزيد. وَكَانَت هَذِه الدَّرَاهِم مِمَّا جلبه الْعَسْكَر وأتباعهم من الْبِلَاد الشامية وَهِي صنفان: أَحدهمَا يُقَال لَهُ الدَّرَاهِم النوروزية وَهِي الَّتِي ضربهَا الْأَمِير نوروز كَمَا تقدم ذكره وَنقش عَلَيْهَا اسْم أَمِير الْمُؤمنِينَ المستعين بِاللَّه الْعَبَّاس بن مُحَمَّد وزنة الدِّرْهَم مِنْهَا نصف دِرْهَم فضَّة خَالِصَة من النّحاس والصنف الآخر الدَّرَاهِم البندقية وَهِي الَّتِي تضرب بِبِلَاد الفرنج وَعَلَيْهَا سكتهم وَهِي فضَّة خَالِصَة. شهر شَوَّال: فِي أَوله: حمل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة الْأَمِير سودن الأسندمري وقصروه وكمشبغا الفيسي أَمِير آخور وشاهين الزردكاش فسجنوا بهَا وَكتب بإحضار الْأَمِير كمشبغا العيساوي من دمياط. وَفِيه أَمر السُّلْطَان بِضَرْب الدَّرَاهِم المؤيدية فَضربت. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 366 وَفِيه ولي السُّلْطَان عدَّة وُلَاة فِي نواحي أَرض مصر وَضرب جمَاعَة وَقتل عدَّة من مَشَايِخ النواحي. وَفِيه جلس السُّلْطَان شيخ بالإصطبل من القلعة للْحكم بَين النَّاس كَمَا جلس الْملك الظَّاهِر برقوق ثمَّ ابْنه الْملك النَّاصِر فرج وَجعل ذَلِك فِي كل يَوْم ثلاثاء وجمعة وسبت ورد كثيرا من المحاكمات إِلَى الْقُضَاة. وَفِيه خسف جَمِيع جرم الْقَمَر فِي لَيْلَة الْخَمِيس رَابِع عشره وَمكث منخسفاً نَحْو أَربع سَاعَات. وَفِيه كثرت الدَّرَاهِم النوروزية والبندقية بأيدي النَّاس فِي ديار مصر وَحسن موقعها من كل أحد. وَفِيه تراخي سعر الْغلَّة بِحَيْثُ أبيع فِي بِلَاد الْبحيرَة كل خَمْسَة أرادب مصرية بمثقال ذهب وَهَذَا شَيْء لم نعهد مثله. وَفِيه اشتدت وَطْأَة الْأَمِير بدر الدّين حسن الأستادار على الرُّسُل والبرددارية المرصدين بِبَاب الأستادار لقَضَاء الأشغال وَالتَّصَرُّف فِي الْأُمُور وَكَانُوا مُنْذُ أَيَّام الْأَمِير جمال الدّين يُوسُف الأستادار قد كثر عَددهمْ وتزايدت أَمْوَالهم حَتَّى تبلغ نَفَقَة الْوَاحِد من آحادهم الْألف دِرْهَم فِي الْيَوْم فَمَال عَلَيْهِم وصادر جمَاعَة مِنْهُم. وَفِيه اشْتَدَّ السُّلْطَان فِي أَيَّام جُلُوسه للْحكم بَين النَّاس على المباشرين من الْكتاب الأقباط وَضرب جمَاعَة مِنْهُم بالمقارع وَوضع مِنْهُم ولهج بذمهم فذعروا ذعراً زَائِدا. وَفِيه ألزم الْيَهُود بمبلغ ألفي مِثْقَال من الذَّهَب وألزم النَّصَارَى بِثمَانِيَة عشر ألف مِثْقَال لتتمة عشْرين ألف مِثْقَال وَذَلِكَ فِي نَظِير تفَاوت مَا كَانُوا يقومُونَ بِهِ فِيمَا مضى من الْجِزْيَة وَتَوَلَّى اسْتِخْرَاج ذَلِك مِنْهُم زين الدّين قَاسم البشتكي الْمَعْرُوف بسيدي قَاسم. وَفِي يَوْم السبت آخِره: خلع على الْأَمِير تَاج الدّين التَّاج الشويكي وَالِي الْقَاهِرَة وَاسْتقر فِي حسبَة الْقَاهِرَة مُضَافا لما بِيَدِهِ من الحجوبية وَالْولَايَة وَقبض على الْأَمِير منكلي بغا العجمي وَسلم إِلَيْهِ ليحمل مَالا قرر عَلَيْهِ فَأَقَامَ عِنْده أَيَّامًا ثمَّ أفرج عَنهُ. شهر ذِي الْقعدَة أَوله الْأَحَد: فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِيه: ركب السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل وعدى النّيل إِلَى بر الجيزة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 367 وَنزل على نَاحيَة أوسيم وَتَبعهُ الْأُمَرَاء والمماليك وَخرجت الزردخاناة فَأَقَامَ أَيَّامًا ثمَّ توجه إِلَى نَاحيَة الْبحيرَة لقبض مشايخها فَأَقَامَ على تروجة وَولي الْأَمِير كمشبغا العيساوي كشف الْوَجْه البحري وَاسْتمرّ هُنَاكَ إِلَى آخر السّنة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: وَقع وباء بكورة البهنسي وَاسْتمرّ بَقِيَّة السّنة. وَفِي هَذِه الْمدَّة: كثر حمل شجر النارنج حَتَّى أبيع كل مائَة وَعشر حبات نارنج بدرهم بندقي زنته نصف دِرْهَم فضَّة عَنهُ من الْفُلُوس رطلان فَيكون بِاثْنَيْ عشر درهما وَلم نعهد مثل هَذَا وَقَالَ لي شَيخنَا - الْأُسْتَاذ قَاضِي الْقُضَاة ولي الدّين أَبُو زيد عبد الرَّحْمَن بن خلدون - مَا كثر النارنج بِمَدِينَة إِلَّا أسْرع إِلَيْهَا الخراب. وَوَقع فِي الْخَامِس من ذِي الْحجَّة بِمَكَّة أَن الْأَمِير جقمق أَمِير الْحَاج الْمصْرِيّ ضرب أحد عبيد مَكَّة وَقَيده لكَونه يحمل السِّلَاح فِي الْحرم وَكَانَ قد منع من ذَلِك ثارت فتْنَة انتهكت فِيهَا حُرْمَة الْمَسْجِد الْحَرَام وَدخلت الْخَيل إِلَيْهِ عَلَيْهَا الْمُقَاتلَة من قواد مَكَّة الْعمرَة لِحَرْب الْأَمِير جقمق وَأدْخل هُوَ أَيْضا خيله الْمَسْجِد فباتت بِهِ تروث وَأوقدت فِيهِ مشاعله وَأمر بتسمير أَبْوَاب الْمَسْجِد فسمرت كلهَا إِلَّا ثَلَاثَة أَبْوَاب ليمتنع من يَأْتِيهِ. ثمَّ أَنه أطلق الَّذِي ضربه فسكنت الْفِتْنَة من الْغَد بَعْدَمَا قتل جمَاعَة. وَلم يحجّ أَكثر أهل مَكَّة من كَثْرَة الْخَوْف. وَنهب بمأزمي عَرَفَة جمَاعَة وجرحوا وَقدم الْخَبَر بِأَن الْأَمِير يغمور بن بهادر الذكرى - من أُمَرَاء التركمان - مَاتَ هُوَ وَولده فِي يَوْم وَاحِد بطاعون فِي أول ذِي الْقعدَة وَأَن قرا يُوسُف انْعَقَد بَينه وَبَين شاه رخ بن تيمورلنك صلح وتصاهرا. وفيهَا نزل ملك البرتقال من الفرنج على مَدِينَة سبتة فِي ثَلَاثمِائَة مركب وَأقَام بِجَزِيرَة فِيمَا بَينهَا وَبَين جبل الْفَتْح - يُقَال لَهَا طرف الْقنْدِيل - مُدَّة حَتَّى مل الْمُسلمُونَ الَّذين الجزء: 6 ¦ الصفحة: 368 حشروا بسبتة من الْجبَال ونفدت أَزْوَادهم وعادوا إِلَى حبالهم فطرقها عِنْد ذَلِك الفرنج وقاتلوا الْمُسلمين وهزموهم وركبوا أقفيتهم وعبروا بَاب الميناء فَتحمل الْمُسلمُونَ بِمَا قدرُوا عَلَيْهِ ومروا على وُجُوههم فتملك البرتقال سبتة فِي سَابِع شعْبَان مِنْهَا. وَكَانَ لذَلِك أَسبَاب مِنْهَا أَن بني مرين - مُلُوك فاس - لما ملكوها ساءت سيرتهم فِي أَخذ أَمْوَال أَهلهَا ثمَّ أَن مُوسَى بن أبي عنان لما ملك أعْطى سبتة لأبي عبد الله مُحَمَّد بن الْأَحْمَر فَنقل مِنْهَا الْعدَد الحربية بأجمعها إِلَى غرناطة فَلَمَّا اسْتردَّ بَنو مرين سبتة ساءت سيرة عمالهم بهَا وَكثر ظلمهم فَوَقع الوباء الْعَظِيم بهَا حَتَّى باد أعيانها وَكَانَ من فَسَاد ملك بني مرين وخراب فاس وأعمالها مَا كَانَ فاغتنم الرند ذَلِك ونزلوا على سبتة فَلم يَجدوا فِيهَا من يدفعهم وَللَّه عَاقِبَة الْأُمُور. وفيهَا كَانَت وقْعَة بَين الْأَمِير مُحَمَّد بن عُثْمَان وَبَين الْأَمِير مُحَمَّد بن قرمان انهزم فِيهَا ابْن قرمان وَنَجَا بِنَفسِهِ. وفيهَا أحرق قبر الشَّيْخ عدي بجبل هطار من بِلَاد الأكراد وَهَذَا الشَّيْخ عدي هُوَ عدي بن مُسَافر الهكاري - بتَشْديد الْكَاف - صحب عدَّة من مَشَايِخ الصُّوفِيَّة وَسكن جبل الطَّائِفَة الهكارية من مَشَايِخ الصُّوفِيَّة وَسكن جبل الطَّائِفَة الهكارية من الأكراد وَهُوَ من أَعمال الْموصل وَبني لَهُ بِهِ زَاوِيَة فَمَال إِلَيْهِ بِتِلْكَ النواحي من بهَا واعتقدوا صَلَاحه وَخَرجُوا فِي اعْتِقَاده عَن الْحَد فِي الْمُبَالغَة حَتَّى مَاتَ عَن تسعين سنة فِي سنة سبع - وَقيل خمس - وَخمسين وَخَمْسمِائة فَدفن بزاويته وعكفت طائفته الْمَعْرُوفَة بالعدوية على قَبره وهم عدد كثير وجعلوه قبلتهم الَّتِي يصلونَ إِلَيْهَا وذخيرتهم فِي الْآخِرَة الَّتِي يعولون عَلَيْهَا وَصَارَ قَبره أحد المزارات المعدودة والمشاهد الْمَقْصُودَة لِكَثْرَة أَتْبَاعه وشهرته هُوَ فِي الأقطار وَصَارَ أَتْبَاعه يُقِيمُونَ بزاويته عِنْد قَبره شعاره ويقتفون آثاره وَالنَّاس مَعَهم على مَا كَانُوا عَلَيْهِ زمن الشَّيْخ من جميل الِاعْتِقَاد وتعظيم الْحُرْمَة فَلَمَّا تطاولت الْمدَّة تزايد غلو أَتْبَاعه فِيهِ حَتَّى زَعَمُوا أَن الشَّيْخ عدي بن مُسَافر هَذَا هُوَ الَّذِي يرزقهم وصرحوا بِأَن كل رزق لَا يَأْتِي من الشَّيْخ عدي لَا نرضاه وَأَن الشَّيْخ عدي جلس مَعَ الله تَعَالَى - عَن قَوْلهم - وَأكل مَعَه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 369 خبْزًا وبصلاً وَتركُوا الصَّلَوَات الْمَفْرُوضَة فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة وَقَالُوا الشَّيْخ عدي صلى عَنَّا واستباحوا الْفروج الْمُحرمَة وَكَانَ للشَّيْخ عدي خَادِم يُقَال لَهُ حسن البواب فزعموا أَن الشَّيْخ لما حَضرته الْوَفَاة أَمر حسن هَذَا أَن يلصق ظَهره فَلَمَّا فعل ذَلِك قَالَ لَهُ الشَّيْخ: انْتقل نسلي إِلَى صلبك فَلَمَّا مَاتَ الشَّيْخ عدي وَلم يعقب ولدا صَارَت ذُرِّيَّة الشَّيْخ حسن البواب تعتقد العدوية فِيهَا أَنَّهَا ذُرِّيَّة الشَّيْخ عدي وتبالغ فِي إكرامهم حَتَّى أَنهم ليقدمون بناتهم إِلَى من قدم عَلَيْهِم من ذُرِّيَّة الشَّيْخ حسن فيخلو بِهن وَيَقْضِي مِنْهُنَّ الوطر ويري أَبوهَا وَأمّهَا أَن ذَلِك قربَة من الْقرب الَّتِي يتَقرَّب بهَا إِلَى الله تَعَالَى فَلَمَّا شنع ذَلِك من فعلهم انتدب لَهُم رجل من فُقَهَاء الْعَجم يتمذهب بِمذهب الشَّافِعِي - رَحمَه الله - وَيعرف بِجلَال الدّين مُحَمَّد بن عز الدّين يُوسُف الْحلْوانِي ودعا لحربهم فَاسْتَجَاب لَهُ الْأَمِير عز الدّين البختي صَاحب جَزِيرَة ابْن عمر والأمير توكل الْكرْدِي - صَاحب شرانس - وجمعوا عَلَيْهِم كثيرا من الأكراد السندية - وأمدهم صَاحب حصن كيفا بعسكر وأتاهم الْأَمِير شمس الدّين مُحَمَّد الجردقيلي وَسَارُوا فِي جمع كَبِير جدا إِلَى جبل هكار فَقتلُوا جماعات كَثِيرَة من أَتبَاع الشَّيْخ عدي - وصاروا فِي هَذَا الْوَقْت يعْرفُونَ بَين الأكراد بالصحبتية وأسروا مِنْهُم خلائق حَتَّى أَتَوا الشرالق - وَهِي الْقرْيَة الَّتِي فِيهَا ضريح الشَّيْخ عدي - فهدموا الْقبَّة المبنية عَلَيْهِ ونبشوا ضريحه وأخرجوا عِظَامه فأحرقوها بِحَضْرَة من أسروه من الصحبتية وَقَالُوا لَهُم: انْظُرُوا كَيفَ أحرقنا عِظَام من ادعيتم فِيهِ مَا ادعيتم وَلم يقدر أَن يدفعنا عَنهُ. ثمَّ عَادوا بِنَهْب كثير فاجتمعت الصحبتية بعد ذَلِك وأعادوا بِنَاء الْقبَّة وَأَقَامُوا بهَا على عَادَتهم وصاروا عدوا لكل من قيل لَهُ فَقِيه يقتلونه حَيْثُ قد قدرُوا عَلَيْهِ وَلَو شَاءَ رَبك مَا فَعَلُوهُ. مِمَّن مَاتَ فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر الْأَمِير نوروز الحافظي. وَمَات الْأَمِير طوخ نَائِب حلب. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 370 وَمَات الْأَمِير يشبك بن أزدمر. وَمَات الْأَمِير قمش. وَمَات الْأَمِير برصبغا. قتلوا جَمِيعًا بِدِمَشْق فِي شهر ربيع الآخر. وَمَات الْأَمِير شاهين الأفرم برملة لد وَهُوَ عَائِد من دمشق وَكَانَ ظَالِما فَاسِقًا من شرار خلق الله. وَمَات الْأَمِير يلبغا الناصري فِي لَيْلَة الْجُمُعَة ثَانِي عشر رَمَضَان بمنزله بعد عوده من الشَّام وَكَانَ خير أُمَرَاء الْوَقْت بعفته عَن الْأَمْوَال الَّتِي أَحْدَثُوا أَخذهَا من الحمايات والمستأجرات وَنَحْوهَا وصيانته عَن القاذورات الْمُحرمَة من شرب الْخمر وَشبهه. وَمَعَ ذَلِك فاستجد مباشروه شونة خَارج الْقَاهِرَة لبيع الْملح وألزموا الباعة أَلا يشتروا الْملح إِلَّا مِنْهَا وباعوه بأغلى الْأَثْمَان. وتتبعوا بائعيه مِمَّن ظفروا بِهِ وَقد اشْترِي الْملح من غَيرهم ضربوه وغرموه مَالا فَلهَذَا بلغ الْملح أَضْعَاف ثمنه. وَمَات الْأَمِير جانباك الدوادار أحد المماليك المؤيدية بِمَدِينَة حمص وَهُوَ مُتَوَجّه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 371 مَعَ الْعَسْكَر إِلَى حلب من جرح أَصَابَهُ فِي محاربة نوروز على دمشق لزم مِنْهُ الْفراش إِلَى أَن مَاتَ. وَمَات بِمَكَّة قاضيها ومفتيها جمال الدّين أَبُو حَامِد مُحَمَّد بن الْقدْوَة عفيف الدّين عدل الله بن ظهيرة بن أَحْمد الْقرشِي الشَّافِعِي فِي لَيْلَة سَابِع عشر شهر رَمَضَان عَن نَحْو سبع وَسِتِّينَ سنة ولي قَضَاء مَكَّة وخطابتها وحسبتها مَرَّات وتصدى بهَا للتدريس والإفتاء نَحْو أَرْبَعِينَ سنة وصنف فبرع فِي الْفِقْه والْحَدِيث واشتغل بِالْقَاهِرَةِ مَعنا قَدِيما. وَلم يخلف بالحجاز بعده مثله. وَمَات بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة زين الدّين عبد الرَّحْمَن بن نور الدّين عَليّ ابْن يُوسُف بن الْحسن بن مَحْمُود الزرندي الْحَنَفِيّ فِي ربيع الأول ومولده سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وَقد أناف على السّبْعين. وَولي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِالْمَدِينَةِ نَحْو ثَلَاث وَثَلَاثِينَ سنة مَعَ حسبتها وَكَانَ غزير الْمُرُوءَة. وَتُوفِّي بزبيد من بِلَاد الْيمن قَاضِي الْقُضَاة بهَا شَيخنَا مجد الدّين مُحَمَّد أَبُو الطَّاهِر بن يَعْقُوب بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عمر الفيروزابادي الشِّيرَازِيّ الشَّافِعِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 372 اللّغَوِيّ فِي لَيْلَة الْعشْرين من شَوَّال عَن ثَمَانِي وَثَمَانِينَ سنة وَأشهر. وَهُوَ ممتع بحواسه. وَله مصنفات كَثِيرَة مِنْهَا كتاب الْقَامُوس فِي اللُّغَة لَا نَظِير لَهُ. وَقد اشْتهر فِي أقطار الأَرْض كِتَابه الَّذِي صنفه للناصر وَسَماهُ تسهيل الْأُصُول إِلَى الْأَحَادِيث الزَّائِدَة على جَامع الْأُصُول وَله نظم حسن. ولي قَضَاء الْأَقْضِيَة بِبِلَاد الْيمن نَحْو عشْرين سنة حَتَّى مَاتَ بَعْدَمَا طَاف الْبِلَاد مشارقاً ومغارباً وَأقَام بِالْقَاهِرَةِ زَمَانا. وَمَات بِالْقَاهِرَةِ الشريف سُلَيْمَان بن هبة بن جَازَ بن مَنْصُور الْحُسَيْنِي أَمِير الْمَدِينَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 373 النَّبَوِيَّة مسجوناً وَهُوَ فِي عشر الْأَرْبَعين. ولي إمرة الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة فِي أخريات ذِي الْحجَّة سنة اثْنَتَيْ عشرَة ثمَّ قبض عَلَيْهِ فِي أخريات ذِي الْحجَّة سنة خمس عشرَة وعَلى أَخِيه مُحَمَّد وحملا إِلَى الْقَاهِرَة فاعتقل بهَا حَتَّى مَاتَ وَولي بعده الْمَدِينَة عَزِيز بن هيازع بن هبة. وَمَات بالنحريرية الأديب الشَّاعِر أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ البديوي فِي رَابِع عشر ربيع الآخر. وَأكْثر شعره فِي المدائح النَّبَوِيَّة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 374 (سنة ثَمَان عشرَة وَثَمَانمِائَة) أهلت وَخَلِيفَة الْوَقْت المعتضد بِاللَّه أَبُو الْفَتْح دَاوُد وَالسُّلْطَان بديار مصر وَالشَّام والحرمين الْملك الْمُؤَيد أَبُو النَّصْر شيخ المحمودي الظَّاهِرِيّ وأتابك العساكر الْأَمِير ألطنبغا العثماني وأمير أخور الْأَمِير ألطنبغا القرمشي والدوادار الْأَمِير أقباي المؤيدي وَرَأس نوبَة النوب تنباك ميق وأمير مجْلِس جانباك الصُّوفِي وأستادار الْأَمِير بدر الدّين حسن بن محب الدّين عبد الله الطرابلسي وقاضي الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة شيخ الْإِسْلَام جلال الدّين عبد الرَّحْمَن بن البُلْقِينِيّ وقاضي الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن عمر ابْن العديم وقاضي الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة جمال الدّين عبد الله بن مقداد بن إِسْمَاعِيل الأقفهسي. وقاضي الْقُضَاة الْحَنَابِلَة مجد الدّين سَالم بن سَالم بن عبد الْملك الْمَقْدِسِي وَكَاتب السِّرّ قَاضِي الْقُضَاة نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عُثْمَان بن الْبَارِزِيّ الْحَمَوِيّ الشَّافِعِي والوزير تَاج الدّين عبد الرَّزَّاق بن الهيصم وناظر الْخَاص الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله وناظر الْجَيْش علم الدّين دَاوُد بن عبد الرَّحْمَن بن الكويز ونائب الْإسْكَنْدَريَّة الْأَمِير صوماي الحسني ونائب غَزَّة الْأَمِير طرباي ونائب الشَّام الْأَمِير قنباي المحمدي ونائب طرابلس الْأَمِير سودن من عبد الرَّحْمَن ونائب حماة تنباك البجاسي ونائبحلب الْأَمِير أينال الصصلاني وأمير مَكَّة الشريف حسن بن عجلَان الحسني وأمير الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة الشريف عَزِيز بن هيازع بن هبة الْحُسَيْنِي ومتملك الْيمن الْملك النَّاصِر أَحْمد بن الشّرف إِسْمَاعِيل بن رَسُول ومتملك الرّوم مُحَمَّد كرشجي بن خوندكار أبي يزِيد بن مُرَاد خَان بن أورخان بن عُثْمَان جق وَكَانَ قد عدى من بر قسطنطينية يُرِيد الْأَمِير مُحَمَّد باك بن قرمان ففر إِلَيْهِ أَعْيَان دولة بن قرمان فَملك أَكثر بِلَاده وفر مِنْهُ إِلَى بِلَاد الورسق وَامْتنع بهَا وأهلت هَذِه السّنة وهم على هَذَا. شهر الله الْمحرم الْحَرَام أَوله الْأَرْبَعَاء: إِلَى يَوْم الْخَمِيس ثَانِيه: قدم السُّلْطَان من الْبحيرَة بَعْدَمَا قرر على من قابله من أَهلهَا أَرْبَعِينَ ألف دِينَار فَكَانَت مُدَّة عيبته سِتِّينَ يَوْمًا. وَفِي عاشره: أفرج عَن الْأَمِير بيبغا المظفري والأمير تمان تمر اليوسفي من سجن الْإسْكَنْدَريَّة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 375 وَقدم الْخَبَر بِأَن شاه رخ بن تيمورلنك عمل عيد النَّحْر بِمَدِينَة قزوين وتسلم مَدِينَة السُّلْطَانِيَّة وَأرْسل إِلَى قرا يُوسُف يطْلب مِنْهُ فرسين عينهما وَيطْلب مِنْهُ امْرَأَة أَخِيه وَابْنَة أَخِيه وكانتا عِنْده فِي الْأسر وَيلْزمهُ بدماء اخوتهم وَالْقِيَام بِأَمْوَالِهِمْ الَّتِي وصلت إِلَيْهِ وَأَن يضْرب السِّكَّة وَيُقِيم الْخطْبَة باسمه فاستعد قرا يُوسُف لمحاربته وَبعث يَسْتَدْعِي ابْنه شاه مُحَمَّد من بَغْدَاد وَقدم كتاب الْأَمِير فَخر الدّين عبد الْغَنِيّ بن أبي الْفرج من بَغْدَاد يتَضَمَّن أَنه مُقيم بهَا فِي الْمدرسَة المستنصرية وَسَأَلَ الْعَفو عَنهُ فَأُجِيب بِمَا طيب خاطره. وَقدم كتاب أقبغا النظامي - أحد خَواص النَّاصِر فرج - من جَزِيرَة قبرص وَقد توجه إِلَيْهَا لفك الأسرى بِأَنَّهُ وجد بالجزيرة من أُسَارَى الْمُسلمين خَمْسمِائَة وَخَمْسَة وَثَلَاثِينَ أَسِيرًا فكاكهم بِثَلَاثَة عشر ألف دِينَار وثلاثمائة دِينَار وَأَنه قد أوصل إِلَى متملك قبرص الْعشْرَة آلَاف دِينَار المجهزة مَعَه فانفك بهَا أَرْبَعمِائَة أَسِير كل أَسِير بِخَمْسِمِائَة دِرْهَم عَنْهَا خَمْسَة وَعِشْرُونَ دِينَارا وَقد افتك متملك قبرص من مَائه مائَة وَخَمْسَة وَثَلَاثِينَ أَسِيرًا بِثَلَاثَة آلَاف وثلاثمائة وَخَمْسَة وَسبعين دِينَارا وَقد حمل مِنْهُم إِلَى جِهَة مصر فِي الْبَحْر مِائَتي أَسِير وَفرق فِي جِهَات السواحل الشامية باقيهم. وَقدم الْخَبَر بِأَن الْأَمِير أينال الصصلاني نَائِب حلب سَار مِنْهَا فِي نصف ذِي الْقعدَة من السّنة الخالية وَمَعَهُ العساكر إِلَى العمق لمحاربة كردِي بن كندر ففر مِنْهُ وَأَنه أَخذ لَهُ عدَّة كَثِيرَة من الأغنام فَصَارَ كردِي إِلَى عَليّ بن دلغادر وَسَأَلَهُ فِي الصُّلْح فَدخل بَينهمَا ابْن دلغادر حَتَّى اصطلحا وَعَاد إِلَى حلب. وَفِي هَذَا الشَّهْر: قتل بسجن الْإسْكَنْدَريَّة الْأَمِير طوغان الحسني الدوادار والأمير دمرداش المحمدي والأمير سودن تلِي المحمدي والأمير أسنبغا الزردكاش فِي يَوْم السبت ثامن عشره وأقيم عزاؤهم بِالْقَاهِرَةِ فِي خَامِس عشرينه. وَفِي هَذَا الشَّهْر: ابْتَدَأَ الطَّاعُون فِي النَّاس بِالْقَاهِرَةِ فَمَاتَ مِنْهُ جمَاعَة. شهر صفر أَوله الْخَمِيس: فِيهِ أَمر قَاضِي الْقُضَاة مجد الدّين سَالم بن سَالم بن أَحْمد بن عبد الْملك الْمَقْدِسِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 376 الْعَسْقَلَانِي الْحَنْبَلِيّ أَن يلْزم دَاره وَمنع من الحكم بَين النَّاس. وَفِي ثامنه: ركب السُّلْطَان من القلعة وَسَار إِلَى نَحْو منية مطر الَّتِي تعرف الْيَوْم بالمطرية وَعَاد فَدخل الْقَاهِرَة من بَاب النَّصْر وَنزل بمدرسة جمال الدّين الأستادار من رحبة بَاب الْعِيد ثمَّ عبر إِلَى بَيت الْأَمِير بدر الدّين حسن بن محب الدّين الأستادار فَأكل عِنْده وَمضى إِلَى القلعة. وَفِي ثَانِي عشره: خلع على قَاضِي الْقُضَاة عَلَاء الدّين عَليّ بن مَحْمُود بن أبي بكر ابْن مغلي الْحَنْبَلِيّ الْحَمَوِيّ وَاسْتقر فِي قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَابِلَة بديار مصر عوضا عَن مجد الدّين سَالم وَكَانَ قد قدم من حماة إِلَى الْقَاهِرَة من نَحْو شَهْرَيْن وخلع أَيْضا عَليّ تَقِيّ الدّين أبي بكر بن عُثْمَان بن مُحَمَّد الْحُسَيْنِي الْحَمَوِيّ الْحَنَفِيّ وَاسْتقر فِي قَضَاء الْعَسْكَر. وَفِي هَذَا الشَّهْر: وَقع الشُّرُوع فِي حفر الرمال الَّتِي حدثت مَا بَين الْجَامِع الْجَدِيد الناصري خَارج مَدِينَة مصر وَبَين جَامع الخطيري فِي بولاق وَسبب ذَلِك أَن النّيل - فِي وقتنا هَذَا - سَار مجْرَاه فِيمَا يَلِي بر مصر والقاهرة على غير مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي الدَّهْر الأول وهيئته الْآن أَنه إِذا صَار فِي الْجِهَة الْقبلية من مصر - قَرِيبا من طرا - فَإِنَّهُ يمر من الْجِهَة الغربية من أجل أَنه حدث فِيمَا بَين طرا وطرف الرَّوْضَة تجاه المقياس جَزِيرَة رمل فِي غَايَة الْكبر ينحسر عَنْهَا المَاء فِي أَيَّام نَقصه فَيصير مَا تجاه بركَة الْحَبَش إِلَى رِبَاط الْآثَار النَّبَوِيَّة وحسر الأفرم إِلَى الْمدرسَة المعزية الَّتِي تجاه المقياس رملاً لَا يعلوه المَاء إِلَّا فِي أَيَّام الزِّيَادَة وَصَارَ عظم النّيل من وَرَاء جَزِيرَة الصَّابُونِي فيمر بَينهَا وَبَين الجيزة إِلَى أَن يصل قَرِيبا من المقياس فَيصير فرْقَتَيْن: وَاحِدَة تمر فِيهَا بَين الرَّوْضَة والجيزة وَهِي مُعظم النّيل وَأُخْرَى تمر فِيهَا بَين الرَّوْضَة ومصر إِلَى أَن تصل قَرِيبا من موردة الحلفاء تقف فِي أَيَّام نقص المَاء هُنَاكَ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 377 وَيصير مَا بَين موردة الحلفاء وجامع الخطيري ببولاق رمالاً لَا يعلوها المَاء إِلَّا فِي أَيَّام زِيَادَته فَقَط وَلذَلِك خربَتْ منشاة المهراني ومنشأة الكتبة وَخط موردة البلاط وَخط زريبة قوصون وَخط فَم الخور وحكر ابْن الْأَثِير لانْقِطَاع مَاء النّيل عَن هَذِه الْمَوَاضِع وجميعها فِي الْبر الشَّرْقِي وتجاهها من غربيها حسر الخليلي والجزيرة الْوُسْطَى ومجرى النّيل من غربي الجزيرة الْوُسْطَى إِلَى أَن يصل قَرِيبا من جَامع الخطيري فَيصير بَين المَاء وَبَين الْجَامِع جَزِيرَة ظَهرت من حُدُود سنة ثَمَانِينَ وَسَبْعمائة من بحري الجزيرة واتسعت شَيْئا فَشَيْئًا فِي الطول وَالْعرض حَتَّى لم يبْق بِنَاحِيَة بولاق إِلَى أَوَائِل جَزِيرَة الْفِيل شَيْء من مَاء النّيل الْبَتَّةَ وَإِنَّمَا هِيَ أَرض فَإِذا كَانَ أَوَان الزِّيَادَة علاها المَاء ثمَّ ينحسر عَنْهَا إِذا هَبَط فخرب - كَمَا ذكرنَا - بِسَبَب انطراد المَاء عَن الْبر الشَّرْقِي مِمَّا بَين منشأة المهراني وجزيرة الْفِيل أَكثر مَا كَانَ هُنَاكَ من المباني فقصد السُّلْطَان حفر مَا بَين موردة الحلفاء وبولاق ليعود المَاء هُنَاكَ صيفاً وشتاء على الْأَبَد وَأمر فِي يَوْم السبت عَاشر صفر هَذَا أَن يشرع فِي حفره وَندب لَهُ الْأَمِير كزل العجمي الأجرود - أَمِير جاندار - فَنزل وعلق مائَة وَخمسين رَأْسا من الْبَقر لتجرف الرمال. وعملت أَيَّامًا ثمَّ ندب الْأَمِير سودن القَاضِي حَاجِب الْحجاب لهَذَا الْعَمَل فاستمر الْعَمَل بَقِيَّة. صفر وَشهر ربيع الأول: وَفِي هَذَا الشَّهْر: أَيْضا تعامل النَّاس فِي الْقَاهِرَة بِالدَّرَاهِمِ المؤيدية وَسبب ذَلِك أَن نقود مصر الْآن - كَمَا تقدم - هِيَ الذَّهَب والفلوس وَالذَّهَب صَار ثَلَاثَة أَصْنَاف وَهِي: الذَّهَب الهرجة: وَقد قل فِي أَيدي النَّاس وَبلغ كل مِثْقَال مِنْهُ إِلَى مِائَتي دِرْهَم وَخمسين درهما من الْفُلُوس. وَهَذَا الصِّنْف هُوَ الذَّهَب الإسلامي الْخَالِص من الْغِشّ وَهُوَ مستدير الشكل على أحد وجهيه شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وعَلى الْوَجْه الآخر اسْم السُّلْطَان وتاريخ ضربه وَاسم الْمَدِينَة الَّتِي ضرب بهَا وَهِي إِمَّا الْقَاهِرَة أَو دمشق أَو الْإسْكَنْدَريَّة وكل سَبْعَة مَثَاقِيل زنتها عشرَة دَرَاهِم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 378 والصنف الثَّانِي: ذهب يُقَال لَهُ الأفرنتي والأفلوري والبندقي والدوكات وَهُوَ يجلب من بِلَاد الإفرنج وعَلى أحد وجهيه صُورَة إِنْسَان فِي دَائِرَة مَكْتُوبَة بقلمهم وَفِي الْوَجْه الآخر صُورَتَانِ فِي دَائِرَة مَكْتُوبَة وَلم يكن يعرف هَذَا الصِّنْف قَدِيما مِمَّا يتعامل بِهِ النَّاس وَإِنَّمَا حدث فِي الْقَاهِرَة من حُدُود سنة تسعين وَسَبْعمائة وَكثر حَتَّى صَار نَقْدا رائجاً وَبلغ إِلَى مِائَتي دِرْهَم وَثَلَاثِينَ درهما من الْفُلُوس كل دِينَار مِنْهُ. وَوزن كل مائَة دِينَار من هَذَا الذَّهَب أحد وَثَمَانُونَ مِثْقَالا وَربع مِثْقَال. غير أَن النَّاس قصوه حَتَّى خف وَزنه وَاسْتقر ثَمَانِيَة وَسبعين وَثلثا وَضرب كثير من النَّاس على شكله وتسامح النَّاس فِي أَخذه فراج بَينهم كرواج الإفرنجي وَيَقَع فِيهِ اخْتِلَاف كَبِير فَيُقَال هَذَا تركي وَهَذَا خَارج الدَّار وَهَذَا نَاقص الْوَزْن وَهَذَا لَيْسَ بجيد الْعيار وَيجْعَل بازاء كل عيب حِصَّة من المَال تنقص من صرفه. وَالنَّوْع الثَّالِث: الذَّهَب الناصري وَهُوَ الَّذِي ضربه الْملك النَّاصِر فرج كَمَا تقدم ذكره وزنة كل دِينَار مِنْهُ تِسْعَة عشر قيراطاً من أَرْبَعَة وَعشْرين قيراطاً وذهبه دون الحايف وَبلغ كل دِينَار مِنْهُ إِلَى مِائَتي دِرْهَم وَعشرَة دَرَاهِم. وَفِيه الْخَارِج الدَّار أَيْضا. وَأما الْفُلُوس فَإِنَّهَا كَانَت مَعْدُودَة غير موزونة. ويعد فِي الدِّرْهَم الكاملي مِنْهَا أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ فلسًا زنة كل فلس مِثْقَال ثمَّ تناقص وَزنهَا وَكثر ضربهَا حَتَّى صَارَت فِي آخر الْأَيَّام الظَّاهِرِيَّة برقوق هِيَ النَّقْد الرائج كَمَا تقدم ذكره. ثمَّ نقص أهل الدولة وَزنهَا وَكثر تعنيت النَّاس فِيهَا فرسم الْأَمِير يلبغا السالمي الأستادار فِي سنة سبع وَثَمَانمِائَة أَن يتعامل النَّاس بهَا وزنا وَجعل كل رَطْل مِنْهَا بِسِتَّة دَرَاهِم كَمَا تقدم ذكره فاستمر الْحَال على ذَلِك وتزايد سعر الذَّهَب لِكَثْرَة الْفُلُوس وشناعة حملهَا فِي الْأَسْفَار وَقلة الدَّرَاهِم الكاملية حَتَّى بلغ مَا بلغ وَصَارَت الْفُلُوس هِيَ الَّتِي ينْسب إِلَيْهَا ثمن جَمِيع المبيعات جليلها وحقيرها وقيم الْأَعْمَال بأسرها وَيُعْطِي الذَّهَب وَالْفِضَّة عوضا عَنْهَا. فَلَمَّا قدم السُّلْطَان من دمشق وَكَثُرت الدَّرَاهِم النوروزية والبندقية بأيدي النَّاس فِي الْقَاهِرَة - كَمَا تقدم ذكره - تقدم السُّلْطَان بِضَرْب دَرَاهِم مؤيدية. فَأهل صفر هَذَا: والإشاعة قَوِيَّة بِأَن السُّلْطَان سبك دَنَانِير كَثِيرَة من الناصرية وَعمل دَنَانِير مؤيدية فتوقف النَّاس فِي أَخذ الدِّينَار الناصري إِلَى يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث عشرينه استدعى السُّلْطَان قُضَاة الْقُضَاة وكبار الصيارفة إِلَى بَين يَدَيْهِ بالإسطبل من القلعة وتحدث فِي إبِْطَال الدَّنَانِير الناصرية فَذكر لَهُ قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين بن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 379 البُلْقِينِيّ أَن فِي هَذَا إِتْلَاف كثير من الْأَمْوَال، فَلم يعجب السُّلْطَان ذَلِك، ورد النّظر فِي النفود إِلَيْهِ. فَلَمَّا كَانَ الْغَد يَوْم السبت رَابِع عشرينه: حضر الصيارفة وَكثير من التُّجَّار إِلَى مجْلِس قَاضِي الْقُضَاة من الْمدرسَة الصالحية بَين القصرين فآل الْأَمر إِلَى أَن تقرر سعر المثقال الذَّهَب الْمَخْتُوم الهرجة المؤيدي وَنَحْوه من الذَّهَب الْمصْرِيّ الهرجة بمائتين وَخمسين درهما فُلُوسًا وسعر الدِّينَار الأفرنتي الْجيد بمائتين وَثَلَاثِينَ درهما فُلُوسًا وسعر الدِّينَار الناصري الْجيد من نِسْبَة المثقال وَأَن يتعامل بالناصرية وزنا وَمَا كَانَ مِنْهَا نَاقص الْوَزْن أَو رَدِيء الذَّهَب يقطع وَيُؤْخَذ فِيهِ بِحَسب قِيمَته وَأَن يكون الدِّرْهَم المؤيدي - وزنته نصف وَربع وَثمن دِرْهَم فضَّة خَالِصَة - بِثمَانِيَة عشر درهما من الْفُلُوس وعملت أَنْصَاف وأرباع واستكثروا من ضرب الأنصاف فَتكون بِتِسْعَة دَرَاهِم النّصْف وتقرر أَن يكون الْفضة - المصوغة وَالْحجر - لَا تبَاع كلهَا إِلَّا للسُّلْطَان ليضربها دَرَاهِم مؤيدية وسعر كل دِرْهَم مِنْهَا بِخَمْسَة عشر درهما فُلُوسًا وتقررت الدَّرَاهِم البندقية والنوروزية بِالْوَزْنِ لَا بِالْعدَدِ فَمَا كَانَ مِنْهَا جيدا حسب فِيهِ خَمْسَة عشر درهما كل دِرْهَم وَمَا كَانَ مِنْهَا رديا قطع وَبيع بسعره. فَم لما كَانَ يَوْم الِاثْنَيْنِ سادس عشرينه: حملت الدَّرَاهِم المؤيدية وَالذَّهَب المؤيدي من دَار الضَّرْب بِالْقَاهِرَةِ إِلَى القلعة وزفت بالمغاني ثمَّ نُودي أَن تكون الْمُعَامَلَة على مَا تقرر كَمَا تقدم ذكره فشملت الخسارة خلقا كثيرا وَاعْتبر الباعة الدَّنَانِير الناصرية وقصوا مِنْهَا كثيرا من الْجيد فِيهَا وَحَمَلُوهُ إِلَى دَار الضَّرْب فسبك وَدفع لصَاحبه فِيهِ مائَة وَثَمَانِينَ درهما وقصوا أَيْضا كثيرا من الناصرية النَّاقِصَة والردية وَحملُوهَا إِلَى دَار الضَّرْب وَحَسبُوا فِيهَا من نِسْبَة مائَة وَثَمَانِينَ فِي الْجيد وَأخذت الدَّرَاهِم النوروزية والبندقية أَيْضا وحملت إِلَى دَار الضَّرْب وَأعْطى فِي وزن كل دِرْهَم مِنْهَا خَمْسَة عشر درهما وَحجر على صنف الْفضة وابتيع كُله للسُّلْطَان. فَلَمَّا كَانَ بِعَدَد ثَلَاثَة أَيَّام - فِي سلخ الشَّهْر -: نُودي أَلا يقص من الناصرية مَا كَانَ جيدا وازناً وَأَن يسْتَمر بِمِائَة وَثَمَانِينَ كل دِينَار مِنْهُ فَكف النَّاس عَن قصه وتعاملوا بِهِ مَا رسم لَهُم. وَفِي هَذَا الشَّهْر: قبض بحلب على الْأَمِير شاهين الأيدكاري وسجن بالقلعة. وَفِيه مَاتَ الْأَمِير سنقر الرُّومِي بسجن الْإسْكَنْدَريَّة فِي سَابِع عشره. فِيهِ اسْتَقر الْأَمِير طوغان أَمِير أخور فِي نِيَابَة صفد وَاسْتقر حسن بن بِشَارَة فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 380 تقدمة العشير على ثَلَاثِينَ ألف دِينَار يقوم بهَا للسُّلْطَان وجهز إِلَى كل مِنْهُمَا تشريفة من قلعة الْجَبَل على يَد يشبك الخاصكي فلبسه وَقبل الأَرْض على الْعَادة ووكل يشبك بِابْن بِشَارَة حَتَّى حمل ثَلَاثَة عشر ألف دِينَار وأحيل عَلَيْهِ الْأَمِير أرغون شاه الأستادار بِالشَّام بِعشْرَة آلَاف دِينَار فَغَضب مُحَمَّد بن بِشَارَة وَجمع على حسن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 381 واقتتلا فانكسر مُحَمَّد وفر إِلَى الْبِقَاع وَنزل بالزبداني خَارج دمشق وَمر على وَجهه يُرِيد الْعرَاق. وَفِيه قدم كتاب نَائِب حلب بِأَن الشهابي أَحْمد بن رَمَضَان أَخذ مَدِينَة طرسوس عنْوَة فِي ثَالِث عشر الْمحرم بعد أَن حاصرها سَبْعَة أشهر وَأَنه سلمهَا إِلَى ابْنه إِبْرَاهِيم بَعْدَمَا نهبها وسبى أَهلهَا وَقد كَانَت طرسوس من نَحْو اثْنَتَيْ عشرَة سنة يخْطب بهَا تَارَة لتمرلنك وَتارَة لمُحَمد باك بن قرمان فَيُقَال السُّلْطَان الْأَعْظَم سُلْطَان السلاطين فَأَعَادَ ابْن رَمَضَان الْخطْبَة فِيهَا باسم السُّلْطَان الْملك الْمُؤَيد. وَقدم الْخَبَر بِأَن حُسَيْن بن نعير نزل على الرقة بَعْدَمَا رعى زروع بِلَاد الرحبة. وَأَنه قد تحالف مَعَ فسليس مقدم الكلبيين وَتزَوج ابْنَته. وَفِيه بعث حُسَيْن بن نعير إِلَى الْأَمِير عُثْمَان بن طر على قرا يلك يسْأَله أَن يشفع إِلَى السُّلْطَان فِيهِ فَكتب قرا يلوك يسْأَل تأمينه وَبعث حُسَيْن مَعَ ذَلِك قوده وَكتابه يسْأَل الْعَفو عَنهُ فَأُجِيب بِمَا يطيب خاطره. وَقدم الْخَبَر بِأَن مُحَمَّد باك كرشجي بن عُثْمَان حَارب الْأَمِير مُحَمَّد بن قرمان صَاحب قونية وكسره وَأخذ لَهُ بلاداً كَثِيرَة بِحَيْثُ لم يبْق بِيَدِهِ سوى قونية. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 382 وَفِيه كثر الموتان فِي النَّاس بِالْقَاهِرَةِ ومصر وزادت عدَّة من يرد اسْمه الدِّيوَان على ثَمَانِينَ فِي كل يَوْم. وَفِيه حدث رعد وبرق قل مَا عهد مثله بِمصْر وعقبه مطر كثير جدا سَالَتْ مِنْهُ الأودية وَتغَير مَاء النّيل لِكَثْرَة مَا انحدر إِلَيْهِ من السَّيْل وَكَانَ ذَلِك فِي تَاسِع بشنس. وَفِي سَابِع عشرينه: أنكر السُّلْطَان على الْقُضَاة الْأَرْبَع كَثْرَة نوابهم فِي الحكم بِالْقَاهِرَةِ ومصر وَكَانُوا قد تجاوزوا مِائَتي قَاض فعزلوا نوابهم ثمَّ أذن قَاضِي الْقُضَاة نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن العديم فِي الحكم لسِتَّة من نوابه. شهر ربيع الأول أَوله الْجُمُعَة. فِيهِ أذن قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين أَبُو الْفضل عبد الرَّحْمَن بن البُلْقِينِيّ لأربعة عشر من نوابه فِي الحكم وَشرط عَلَيْهِم شُرُوطًا مِنْهَا أَن من أَخذ مَالا رشوة فَهُوَ مَعْزُول. وَفِي ثالثه: نُودي بِأَن الدَّرَاهِم البندقية يصرف مَا كَانَ وَزنه نصف وَثمن بِاثْنَيْ عشر درهما وَمَا كَانَ أقل من ذَلِك فَإِنَّهُ من حِسَاب خَمْسَة عشر كل وزن دِرْهَم. وَفِي رابعه: رسم بنقلة السكان من قيسارية سنقر الْأَشْقَر الْمُقَابلَة لقيسارية فَاضل فَإِن السُّلْطَان عزم على هدمها لتبنى جَامعا. وَفِي خامسه: نزل الْأَمِير التَّاج وَالِي الْقَاهِرَة وَجَمَاعَة من أَرْبَاب الدولة وابتدأ بالهدم فِي القيسارية الْمَذْكُورَة وَمَا بجوارها فَكثر بكاء النِّسَاء والأطفال من السكان ونقلوا أمتعتهم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 383 وَفِي ثَانِي عشره: عمل مُهِمّ عرس الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْأَمِير ألطنبغا القرمشي على ابْنة الْملك النَّاصِر فرج بن برقوق واعتنى بِهِ عناية كَبِيرَة إِلَى أَن بني عَلَيْهَا لَيْلَة الْجُمُعَة رَابِع عشره وَفِي سادس عشره: نُودي فِي الْقَاهِرَة بِمَنْع الْمُعَامَلَة بِالدَّنَانِيرِ الناصرية وَأَن تقص كلهَا وَيدْفَع فِيهَا من حِسَاب مائَة وَثَمَانِينَ فَقَصَّهَا الصيارفة. وَفِي حادي عشرينه: قدم إِلَى الْقَاهِرَة الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن عَطاء الله بن مُحَمَّد بن مَحْمُود الرَّازِيّ الْهَرَوِيّ مدرس الصلاحية بالقدس بَعْدَمَا خرج الْأَمِير ألطنبغا العثماني فَتَلقاهُ وَصعد إِلَى السُّلْطَان بقلعة الْجَبَل فَأقبل عَلَيْهِ السُّلْطَان وأكرمه وَأَجْلسهُ عَن يَمِينه وَحضر مجتمعا كَانَ عِنْد السُّلْطَان هُوَ وقاضي الْقُضَاة جلال الدّين البُلْقِينِيّ. ثمَّ انْصَرف إِلَى دَار قد أعدت لَهُ ورتب لَهُ فِي كل يَوْم مبلغ مِائَتي دِرْهَم فُلُوسًا وَمن اللَّحْم قدر ثَلَاثِينَ رطلا وأنعم عَلَيْهِ بفرس قد أَسْرج برج ذهب وبكثير من الثِّيَاب الفاخرة وَأهْدى إِلَيْهِ كثير من أهل الدولة الْهَدَايَا الجليلة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: ارْتَفع الوباء من الْقَاهِرَة. وَفِيه قبض بحلب على الْأَمِير آق بلاط نَائِب عينتاب وسجن وَقبض على الْأَمِير شاهين الزردكاش وسجن بقلعة حلب فِي ثامنه. وَفِيه اسْتَقر محيي الدّين أَحْمد بن حُسَيْن بن إِبْرَاهِيم الْمدنِي الدمشق فِي كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق. شهر ربيع الآخر أَوله الْأَحَد: فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِيه: ركب السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل بأمرائه ومماليكه ووجوه دولته وَسَار إِلَى حَيْثُ الْعَمَل فِي حفر الْبَحْر تجاه منشأة المهراني وَنزل فِي خيم قد نصبت لَهُ هُنَاكَ وَنُودِيَ بِخُرُوج النَّاس للْعَمَل فِي الحفير وكتبت حوانيت الْأَسْوَاق كلهَا فَخرج النَّاس طوائف وَمَعَ كل طَائِفَة الطبول والزمور وهم فِي لَهو وَلعب وغلقت الْأَسْوَاق. وَأَقْبلُوا إِلَى الْعَمَل ونقلوا التُّرَاب والرمل من غير أَن يُكَلف أحد مِنْهُم فَوقِي طاقته. وَعمل جَمِيع الْعَسْكَر أَيْضا من الْأُمَرَاء والمماليك وَجَمِيع أَرْبَاب الدولة وأتباعهم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 384 ثمَّ ركب السُّلْطَان بعد الْعَصْر وَقد مدت أسمطة جليلة فَكَانَ يَوْمًا بِالْهَزْلِ وَاللَّهْو أشبه مِنْهُ بالجد ووقف السُّلْطَان حَتَّى فرض على كل من الْأُمَرَاء حفر قِطْعَة عينهَا لَهُ وَعَاد إِلَى القلعة وَاسْتمرّ الْعَمَل والنداء فِي كل يَوْم بِالْقَاهِرَةِ أَن يخرج أهل الْأَسْوَاق وَغَيرهم للْعَمَل فِي الْحفر. وَفِي تاسعه: ركب الْأَمِير ألطنبغا القرمشي أَمِير أخور وَمَعَهُ جَمِيع مماليكه وَأَتْبَاعه وَعَامة غلْمَان الإصطبل السلطاني والركابة من عرب آل يسَار والأوحاقية والبياطرة وصوفية الْمدرسَة الظَّاهِرِيَّة برقوق بِخَط بَين القصرين وأرباب وظائفها من أجل أَنهم تَحت نظره فَمَضَوْا بأجمعهم إِلَى بَاب السلسلة وتوجهوا مَعَه للْعَمَل وَخرج مَعَهم الْفِيل والزرافة بعدة طبول وزمور فَحَفَرُوا فِيهِ ونقلوا وَقد اجْتمع هُنَاكَ مُعظم النَّاس من الرِّجَال وَالنِّسَاء للفرحة فكثرت سخريتهم وتضاحك بَعضهم على بعض فأعفى القرمشي فُقَهَاء الظَّاهِرِيَّة من الْعَمَل وردهم وَتَوَلَّى الْقيام وَفِي عاشره: جمع الْأَمِير الْكَبِير ألطنبغا العثماني أتابك العساكر جَمِيع من يلوذ بِهِ وألزم كل من هُوَ سَاكن فِي شَيْء من الْبيُوت والحوانيت الْجَارِيَة فِي وقف المارستان المنصوري أَن يخرج مَعَه من أجل أَنه يَلِي نظر المارستان وَأخرج أَيْضا جَمِيع أَرْبَاب وظائفه من الْأَطِبَّاء والجرائحية والكحالين والفراشين والقراء والمباشرين والمؤذنين وَأخرج سكان جَزِيرَة الْفِيل لِأَنَّهَا من وقف المارستان. وتتابع الْأُمَرَاء فِي الْعَمَل وَخرج علم الدّين دَاوُد بن الكويز نَاظر الْجَيْش والصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله نَاظر الْخَاص والأمير بدر الدّين حسن بن محب الدّين الأستادار فِي حادي عشره وَمَعَ كل مِنْهُم طَائِفَة من أهل الْقَاهِرَة وَجمع غلمانه وَأَتْبَاعه وَمن يلوذ بِهِ وينسب إِلَيْهِ وَأخرج وَالِي الْقَاهِرَة جَمِيع الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَكثر النداء فِي كل يَوْم بِالْقَاهِرَةِ على أَصْنَاف النَّاس بخروجهم للْعَمَل وَخرج كل أَمِير وَأخذ مَعَه جِيرَانه وَمن يقرب سكنه من دَاره فَلم يبْق عنبري وَلَا فراء وَلَا تَاجر وَلَا بزاز وَلَا قزاز وَلَا طباخ وَلَا جبان وَلَا سقاء وَلَا مُنَاد إِلَّا وَخرج للْعَمَل وَأخرج كَاتب السِّرّ القَاضِي نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن البازري مَعَه جَمِيع البريدية والموقعين بأتباعهم فعملوا. وَفِي رَابِع عشره: خلت أسواق الْقَاهِرَة وظواهرها من الباعة وغلقت القياسر وَخرج النَّاس للْعَمَل وجدوا فِي الْحفر نهارهم مَعَ ليلهم بِحَيْثُ لم يعف أحد من الْعَمَل وَكَثُرت حركات النَّاس وخروجهم إِلَى الْعَمَل طوائف طوائف وتكرر النداء فِي النَّاس بِالْخرُوجِ للحفير وتهديد من تَأَخّر عَنهُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 385 وَفِي خَامِس عشره: نُودي أَن لَا يفتح فِي غَد حَانُوت وَمن فتح دكاناً شنق وَأَن يخرجُوا كلهم بِالسِّلَاحِ فَأَصْبَحت الْأَسْوَاق كلهَا مغلقة وَاسْتمرّ الْعَمَل طول هَذَا الشَّهْر فِي الحفير فتوقفت أَحْوَال النَّاس بغلق الْأَسْوَاق. وَفِي هَذَا الشَّهْر: اشْتَدَّ الطّلب على الْيَهُود وَالنَّصَارَى وأهينوا فِي اسْتِخْرَاج الْعشْرين ألف دِينَار إهانة بَالِغَة ونالهم للأعوان كلف كَبِيرَة. وَفِيه ألزم السُّلْطَان الْأَمِير بدر الدّين حسن الأستادار بِحمْل عشْرين ألف دِينَار من مباشري الدِّيوَان الْمُفْرد وألزم الْوَزير الصاحب تَاج الدّين عبد الرازق بن الهيصم بِحمْل عشْرين ألف دِينَار من مباشري الدولة وألزم الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله نَاظر الْخَاص بِحمْل عشرَة آلَاف دِينَار من مباشري الْخَاص فَوَقع الشُّرُوع فِي توزيع ذَلِك وجبايته من يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشره. وَفِيه كثر عَبث العربان بِالْوَجْهِ القبلي وَالْوَجْه البحري وَاشْتَدَّ بأسهم وَعجز أَرْبَاب الدولة عَنْهُم. وَفِيه ثارت الأحامدة من عرب الصَّعِيد بوالي قوص وَقتلُوا كثيرا مِمَّن مَعَه. وَفِيه قتل الْأَمِير يشبك من عبد الْعَزِيز بِدِمَشْق وصلب على بَاب القلعة فِي تاسعه. وَفِيه أفرج عَن أقبردي الْحَاجِب بِدِمَشْق وَقدم مِنْهَا إِلَى الْقَاهِرَة. وَفِيه سَار الْأَمِير بيبغا المظفري من الْقَاهِرَة إِلَى دمشق فَقَدمهَا فِي ثامن عشره وَاسْتقر بهَا أَمِيرا كَبِيرا. وَفِيه سَار الْأَمِير أينال الصصلاني نَائِب حلب فِي خامسه وَمَعَهُ الْأَمِير سودن من عبد الرَّحْمَن نَائِب طرابلس وَمضى على جرائد الْخَلِيل فِي طلب كردِي بن كندر فَأخذ أعقابه وَقد فر من العمق وَتعلق بالجبال فاستولى على كثير من أغنامه وأبقاره ثمَّ نزل على قلعة دربساك وحاصرها ثَلَاثَة أَيَّام حَتَّى أَخذهَا فِي سادس عشره بِأَمَان ففر عَن كردِي أَكثر جمائعه وعزموا على قَبضه فتسحب إِلَى مرعش وانضم أَصْحَابه على فَارس بن دمرخان بن كندر. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير جرباش حاجباً بحلب عوضا عَن شاهين الأيدكاري. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 386 وَفِيه خرج شاه مُحَمَّد بن قرا يُوسُف من بَغْدَاد لمحاصرة ششتر. وَفِيه ركب الْأَمِير كزل - نَائِب ملطية - فِي رَابِع عشرينه وَقَاتل سولو بن كبك وأخاه حُسَيْنًا على كركر وَقد أحرقا بلد جوباص من أَعمال ملطية فَقتل من جماعتها كثيرا وَهزمَ بَقِيَّتهمْ وَعَاد إِلَى ملطية فجمعا عَلَيْهِ الأكراد والتركمان ونائب كركر وزحفوا عَلَيْهِ فَاقْتَتلُوا قتالاً كثيرا. وَفِيه نقل الْأَمِير طوغان أَمِير أخور نَائِب صفد مِنْهَا إِلَى دمشق وَاسْتقر بهَا حَاجِب الْحجاب عوضا عَن خَلِيل الجشاري وَاسْتقر خَلِيل فِي نِيَابَة صفد وَكَانَ المتوجه لنقلهما الْأَمِير أينال شهر جُمَادَى الأولى أَوله الِاثْنَيْنِ: أهل وَالنَّاس يعْملُونَ فِي الحفير وَالْأَخْبَار متواترة بِكَثْرَة فَسَاد أهل الْوَجْه القبلي وَالْوَجْه البحري. وَفِي خامسه: سَار الْأَمِير بدر الدّين حسن الأستادار فِي عدَّة من الْأُمَرَاء مَعَه إِلَى الْوَجْه البحري. وَفِي سابعه: ركب الْأَمِير صارم الدّين إِبْرَاهِيم ولد السُّلْطَان وَجمع لَهُ من النَّاس خلائق مَا بَين مُسلمين وَأهل الذِّمَّة وَمضى بهم إِلَى الْعَمَل فِي الحفير يعملوا يَوْمَيْنِ وَتَمَادَى الْعَمَل عدَّة أَيَّام من هَذَا الشَّهْر حَتَّى أَدْرَكته زِيَادَة مَاء النّيل فَلم يظْهر لما كَانَ من الْعَمَل أثر. وَفِي سابعه: خلع على الْأَمِير ألطنبغا العثماني أتابك العساكر وَاسْتقر فِي نِيَابَة الشَّام. وعزل الْأَمِير قنباي المحمدي وخلع على الْأَمِير أقبردي المنقار وَاسْتقر فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن صوماي الحسني. وَفِيه نُودي بِالْمَنْعِ من الْمُعَامَلَة بِالدَّنَانِيرِ الناصرية وهدد من تعامل بهَا أَو وجدت الجزء: 6 ¦ الصفحة: 387 عِنْده وَكَانَ النَّاس قد تظاهروا بهَا وصرفوها بِمِائَة وَثَمَانِينَ درهما الدِّينَار فَلم ينْتَهوا عَن ذَلِك فَنُوديَ فِي خَامِس عشرينه بتهديد من اشْترى بهَا شَيْئا بِأَن تسبك فِي يَده. وَفِي هَذَا الشَّهْر: تحسن سعر الْغلَّة وَسَببه أَن فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء عاشره وثالث عشْرين أبيب بلغ مَاء النّيل إِلَى أَرْبَعَة عشر إصبعاً من أحد عشر ذِرَاعا وَنقص أَرْبَعَة أَصَابِع ثمَّ لم يناد عَلَيْهِ فِي يومي الْخَمِيس وَالْجُمُعَة فَاشْتَدَّ قلق النَّاس وَأمْسك خزان الْقَمْح أَيْديهم عَن بَيْعه ليبلغوا فِيهِ أملهم من الغلو فلطف الله بعباده وَنُودِيَ عَلَيْهِ فِي يَوْم السبت وَاسْتمرّ النداء. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء: الْمَذْكُور انْتقض على السُّلْطَان الْأَلَم الَّذِي يعتاده بِرجلِهِ وَلزِمَ الْفراش إِلَى يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشرينه. وَفِي يَوْم الْأَحَد سَابِع عشرينه: - وَهُوَ حادي عشر مسرى - أوفي مَاء النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا فَركب السُّلْطَان حَتَّى خلق المقياس بَين يَدَيْهِ ثمَّ فتح الخليج. شهر جُمَادَى الْآخِرَة أَوله الْأَرْبَعَاء: أهل وَالنَّاس من كَثْرَة فَسَاد العربان بنواحي أَرض مصر فِي جهد. وَفِي رابعه: حفر أساس الْجَامِع المؤيدي بجوار بَاب زويلة. وَفِي سادسه: برز الْأَمِير ألطنبغا العثماني نَائِب الشَّام وَنزل بالريدانية خَارج الْقَاهِرَة. وَفِي لَيْلَة الْحَادِي عشر مِنْهُ: طرق الْأَمِير سودن القَاضِي حَاجِب الْحجاب الْجَامِع الْأَزْهَر بعد الْفَرَاغ من صَلَاة عشَاء الْآخِرَة وَمَعَهُ كثير من مماليكه وأعوانه فنهبوا شَيْئا كثيرا من ثِيَاب وفرشهم وَمنع النَّاس من الْمبيت بِهِ وَكَانَ قد وشي إِلَيْهِ بِأَن كثيرا مِمَّن ينَام بِهِ تصدر مِنْهُ مُنكرَات قبيحة فَكَانَ فِي إِزَالَته مَا ظَنّه مُنْكرا أَضْعَاف مَا ظَنّه من الْمُنكر. وَفِي هَذَا الشَّهْر الْمُبَارك: ارْتَفع سعر الغلال فَبلغ الأردب الْقَمْح إِلَى مائَة وَسِتِّينَ درهما والأردب الشّعير إِلَى مائَة وَثَلَاثِينَ درهما مَعَ توالي زِيَادَة مَاء النّيل وَكَثْرَة الغلال. وَفِيه قدم الْخَبَر بِخُرُوج الْأَمِير قنباي المحمدي عَن الطَّاعَة وَأَنه ثارت الْفِتْنَة بِدِمَشْق ثمَّ قدم الْخَبَر بِخُرُوج الْأَمِير طرباي نَائِب غَزَّة أَيْضا عَن الطَّاعَة وَأَنه سَار إِلَى الْأَمِير الجزء: 6 ¦ الصفحة: 388 قنباي فاستعد السُّلْطَان وناب الْأَمِير يشبك شاد الشرابخاناه وَمَعَهُ مائَة مَمْلُوك وَبَعثه نجدة إِلَى الْأَمِير ألطنبغا العثماني وَذَلِكَ أَنه لما حضر الْأَمِير جلبان أَمِير أخور إِلَى دمشق بِطَلَب الْأَمِير قانباي المحمدي إِلَى الْقَاهِرَة أظهر امْتِثَال ذَلِك وَأخذ ينْقل حريمه إِلَى بَيت غرس الدّين وطلع بِنَفسِهِ فِي ثَانِي جُمَادَى الْآخِرَة إِلَى الْبَيْت الْمَذْكُور بِطرف القبيبات على أَنه مُتَوَجّه إِلَى مصر. فَلَمَّا كَانَ فِي سادسه وبيبغا المظفري وَابْن منجك وجلبان وأرغون شاه ويشبك الأيتمشي فِي جمَاعَة يَسِيرُونَ بسوق الْخَيل بَلغهُمْ أَن يلبغا كماج كاشف الْقبلية حضر فِي عَسْكَر إِلَى قريب داريا وَأَن خَلفه من جماعته طَائِفَة وَأَن قنباي طلع إِلَيْهِ وتحالفا ثمَّ عَاد إِلَى بَيت غرس الدّين وَقد تأهب للحركة فاستعد المذكورون ولبسوا آلَة الْحَرْب وزحفوا إِلَيْهِ وقاتلوه من بكرَة النَّهَار إِلَى الْعَصْر فَهَزَمَهُمْ ومروا على وُجُوههم إِلَى صفد وَدخل قانباي إِلَى دمشق وَنزل دَار الْعدْل من بَاب الْجَابِيَة وَرمى على أهل القلعة بالمدفع وأحرق جملون دَار السَّعَادَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 389 فَرَمَاهُ من بالقلعة بالمجانيق. فانتقل إِلَى خَان السُّلْطَان وَبَات فِي خيمة وَهُوَ يحاصر القلعة. وَنزل على بَاب الفرنج تنبك البجاسي نَائِب حماة وعَلى الْبَاب الَّذِي من جِهَة بَاب الْبَرِيد الْأَمِير طرباي نَائِب غَزَّة وعَلى بَاب الْحَدِيد الْأَمِير تنبك دوادار قانباي إِلَى أَن بَلغهُمْ وُصُول العساكر سَارُوا من دمشق. وَكَانَ الْأَمِير ألطنبغا العثماني قد توجه على بِلَاد المرج إِلَى جرود فجد الْعَسْكَر السّير وَرَاء قانباي إِلَى أَن نزلُوا بَرزَة وَتقدم مِنْهُم طَائِفَة فَأخذُوا من ساقته أغناماً وَغَيرهَا وجرح أَحْمد بن تنم فِي يَده بنشاب وجرح مَعَه جمَاعَة فَلَمَّا بلغ الْخَبَر الْأَمِير أينال الصصلاني نَائِب حلب رَحل فِي ثَالِث عشره من حلب فَنزل قانباي سلمية فِي سلخه ثمَّ رَحل من حماة لَيْلَة ثَانِي عشر شهر شعْبَان يُرِيد حلب فَاجْتمع بأينال نَائِب حلب فِي نَهَار الْأَرْبَعَاء حادي عشره وَاتَّفَقُوا جَمِيعًا على التَّوَجُّه إِلَى جِهَة العمق وسيروا أثقالهم فِي لَيْلَة الْخَمِيس وَأَصْبحُوا وَقد أَجْهَر نَائِب قلعة حلب النداء بالنفير الْعَام فَأَتَاهُ جلّ أهل حلب وَنزل بِمن عِنْده من الْعَسْكَر فَلم يثبتوا وفر قانباي وأينال الصصلاني على خَان طومان وتخطف الْعَامَّة بعض أثقالهم. وَكَانَ السُّلْطَان قد بلغه - وَهُوَ بِرَأْس وَادي عارا يُرِيد دمشق - فرار قانباي فَعدى السّير حَتَّى دخل دمشق. وَفِيه صَار الْجَامِع الْأَزْهَر تَحت نظر الْأَمِير سودن القَاضِي حَاجِب الْحجاب فاستناب عَنهُ فِي النّظر رجلا مِمَّن قدم إِلَى الْقَاهِرَة مَعَ الْملك الْمُؤَيد شيخ من دمشق واشتهر بمجالسته وَعرف بِكَثْرَة الترداد إِلَيْهِ يُقَال لَهُ شمس الدّين طغد الخواجا الشَّمْس الماجوزي - يعاني المتجر - فجرت فِي مُبَاشرَة هَذَا الْمَذْكُور حوادث بالجامع الْأَزْهَر لم يعْهَد لَهَا نَظِير فِي شناعتها مِنْهَا أَنه لم يزل هَذَا الْجَامِع مُنْذُ بني يجاور بِهِ طوائف من النَّاس مَا بَين عجم ومغاربة وزيالع وَمن يرد من أَرض الرِّيف إِلَى الْقَاهِرَة من طلبة الْعلم وَلكُل طَائِفَة رواق يخْتَص بهم فَلَا يبرح عَامِرًا بِتِلَاوَة الْقُرْآن ودراسته وتعليمه والاشتغال بأنواع الْعُلُوم من الْفِقْه والنحو وَسَمَاع الحَدِيث وَعقد مجَالِس الْوَعْظ فيجد الْإِنْسَان إِذا دخل إِلَيْهِ من الْأنس بِاللَّه والارتياح وترويح النَّفس مَا لَا يجده قبل أَن يصير فِيهِ وَصَارَ أَرْبَاب الْأَمْوَال يقصدون هَذَا الْجَامِع بأنواع الْبر من الذَّهَب وَالْفِضَّة والفلوس مساعدة للمقيمين بِهِ على التفرغ لِلْعِبَادَةِ وَفِي كل قَلِيل تحمل إِلَيْهِم أَنْوَاع الْأَطْعِمَة وَالْخبْز والحلاوات لاسيما فِي المواسم وَبلغ عدد مجاوريه إِلَى سَبْعمِائة وَخمسين رجلا فَأمر الماجوزي - فِي جُمَادَى الأولى من هَذِه السّنة - بِإِخْرَاج المجاورين من الْجَامِع ومنعهم من الْإِقَامَة بِهِ وَأخرج مَا كَانَ لَهُم فِيهِ من صناديق وَنَحْوهَا ظنا مِنْهُ أَن هَذَا الْفِعْل مِمَّا يُثَاب عَلَيْهِ من الله وَمَا كَانَ إِلَّا من أعظم الذُّنُوب وأشدها نكراً الجزء: 6 ¦ الصفحة: 390 وأكثرها ضَرَرا لما نزل بِأَهْل الْجَامِع من الْبِلَاد الْكَبِير وتشتت كل الْفُقَرَاء وَعز عَلَيْهِم وجود مَا كَانَ يأويهم فَسَارُوا فِي الْقرى وتبدلوا بعد الصيانة وفقد من الْجَامِع مَا كَانَ يُوجد فِيهِ من كَثْرَة تِلَاوَة الْقُرْآن ودراسة الْعلم وَذكر الله تَعَالَى ثمَّ لم يقنع بِمَا صنع حَتَّى زَاد فِي التَّعَدِّي وأغرى الْأَمِير سودن القَاضِي بِأَن أُنَاسًا يبيتُونَ بالجامع ويفعلون مَا لَا يَنْبَغِي ذكره وَكَانَت الْعَادة أَيْضا قد جرت بمبيت كثير من النَّاس فِي هَذَا الْجَامِع مَا بَين تَاجر وفقيه وجندي وَغَيرهم مِنْهُم من يقْصد بمبيته الْبركَة وَمن النَّاس من لَا يجد مَكَانا يأويه وَفِيه من يستروح بالمبيت فِيهِ خُصُوصا فِي زمن الصَّيف وَأَيَّام المواسم فَإِنَّهُ يمتلئ صحنه وَأكْثر رواقاته. فَلَمَّا كَانَ فِي لَيْلَة الْأَحَد حادي عشر جُمَادَى الْآخِرَة: طرق الْأَمِير سودن الْجَامِع بعد عشَاء الْآخِرَة وَالْوَقْت صيف وَقبض جمَاعَة وضربهم وَكَانَ قد حضر مَعَه من الأعوان والغلمان وَمن يقْصد النهب أمة كَبِيرَة فَحل بِمن كَانَ بالجامع أَنْوَاع من الْبلَاء وَوَقع النهب فيهم فَأخذت عمائمهم وفرشهم وفتشوا فَأخذ من عدَّة من النَّاس مَال كَانَ على أوساطهم مَا بَين ذهب وَفِضة وَفِيهِمْ من سلب ثِيَابه فَكَانَ أمرا من الشناعة لم يسمع بأقبح مِنْهُ سِيمَا وَالنَّاس يَوْمئِذٍ يتظاهرون بأنواع الْمُحرمَات القبيحة تظاهر من يتبجح بِمَا يعْمل ويفتخر بِمَا يُبْدِي وَرَأى الماحوزي أَنه قد أَزَال الْمُنكر من الْجَامِع وَلم يبْق من الْمَعْرُوف إِلَّا عمل ثوب أسود غشي بِهِ الْمِنْبَر وجدد لَهُ علمين بلغت النَّفَقَة على ذَلِك نَحْو خَمْسَة عشر ألف دِرْهَم فسبحان من يضل من وَفِي هَذَا الشَّهْر: قدم الْأُمَرَاء من سفرهم بالبحيرة وَذَلِكَ أَن أهل الْبحيرَة فروا مِنْهُم إِلَى جِهَة الفيوم فَسَار الْأَمِير تنبك ميق وسودن القَاضِي حَاجِب الْحجاب إِلَى حربهم بالفيوم فَلم يظفرا بهم. وَفِي ثَانِي عشرينه: اسْتَقر الْأَمِير مُشْتَرك فِي نِيَابَة غَزَّة عوضا عَن طرباي. وَفِي سَابِع عشرينه: خلع على الْأَمِير ألطنبغا القرمشي أَمِير أخور وَاسْتقر أَمِيرا كَبِيرا عوضا عَن الْأَمِير ألطنبغا العثماني. وَفِيه قدم رَسُول دوج البنادقة من الفرنج بكتابه وهدية فِيهَا هناب بلور محلى بِفِضَّة مجراة بالمينا وَأَرْبَعَة طشوت بأَرْبعَة أَبَارِيق وَخَمْسَة أطباق وهناب وشربتان كل ذَلِك فضَّة مجراة بالمينا وملعقة فضَّة بساعد مرجان وجوخ وحرير مخمل وحلوى سكرية وزجاج فعرب كِتَابه وَقبلت هديته. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 391 وَفِي سلخه: خلع على الْأَمِير الْكَبِير ألطنبغا القرمشي وَاسْتقر فِي نظر المارستان المنصوري على الْعَادة وخلع على الْأَمِير تنبك ميق رَأس نوبَة وَاسْتمرّ أَمِير أخور عوضا عَن القرمشي. شهر رَجَب أَوله الْجُمُعَة: فِي ثالثه: قدم الْأَمِير بدر الدّين حسن بن محب الدّين الأستادار من الْبحيرَة بِغَيْر طائل وَقد بلغ إِلَى قبيصَة قَرِيبا من الْعقبَة الصُّغْرَى وَقد التقى أهل الْبحيرَة مَعَ عرب لبيد أهل برقة واقتتلوا فانكسر أهل الْبحيرَة وَأخذ مِنْهُم لبيد نَحْو ثَلَاثَة آلَاف بعير وعشرات آلَاف من الأغنام وَمضى أهل الْبحيرَة نَحْو الفيوم فاستولى الْعَسْكَر على أَغْنَام كَثِيرَة جدا وَهلك لَهُم أَكثر مِمَّا أَخذ مِنْهُم فَكَانَ عدَّة مَا ذهب لأهل البحرة فِي هَذِه الْحَرَكَة من الأغنام زِيَادَة على مائَة ألف رَأس يخَاف بِسَبَبِهَا أَن تعز الأغنام بِأَرْض مصر. وَفِي رابعه: خلع على الْأَمِير سودن القَاضِي حَاجِب الْحجاب وَاسْتقر رَأس نوبَة عوضا عَن تنبك ميق وخلع الْأَمِير سودن القَاضِي قرا صقل وَاسْتقر حَاجِب الْحجاب. وَفِي حادي عشره: سَار الْأَمِير أقباي الدوادار على مِائَتي مَمْلُوك نجدة لنائب الشَّام. وَفِيه دَار محمل الْحَاج على الْعَادة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 392 وَفِي ثَالِث عشره: قدم الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن منحك من دمشق فَارًّا من الْأَمِير قنباي فارتجت الْقَاهِرَة لسفر السُّلْطَان وَكثر الاهتمام بذلك. وَفِي رَابِع عشره: قبض على الْأَمِير جَانِبك الصُّوفِي أَمِير سلَاح وسجن فِي برج بقلعة الْجَبَل. وَفِيه رسم لِلْأُمَرَاءِ بالتأهب للسَّفر إِلَى الشَّام وَأخذ السُّلْطَان فِي عرض المماليك وَتَعْيِين من يختاره للسَّفر. وَفِي ثامن عشره: أنْفق السُّلْطَان نفقات السّفر فَأعْطى كل مَمْلُوك ثَلَاثِينَ دِينَارا أفرنتية وَتِسْعين وَفِي تَاسِع عشره: قبض على الْوَزير تَاج الدّين عبد الرَّزَّاق بن الهيصم وَضرب بالمقارع وأحيط بحاشيته وَأَتْبَاعه وألزم بِمَال كَبِير. وَفِي حادي عشرينه: خلع عَليّ علم الدّين - الْمَعْرُوف بأبو كم - وَاسْتقر فِي نظر الدولة ليسد مهمات الدولة مُدَّة غيبَة السُّلْطَان. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشريه: ركب السُّلْطَان بعد صَلَاة الْجُمُعَة من قلعة الْجَبَل وَنزل بمخيمه خَارج الْقَاهِرَة. وخلع على الْأَمِير ططر وَعَمله نَائِب الْغَيْبَة بديار مصر وأنزله بِبَاب السلسلة. وخلع على الْأَمِير سودن قراصقل حَاجِب الْحجاب وَجعله مُقيما للْحكم بَين النَّاس وخلع على الْأَمِير قطلوبغا التنمي وأنزله بقلعة الْجَبَل. وَبَات السُّلْطَان تِلْكَ اللَّيْلَة واستقل من الْغَد بِالْمَسِيرِ إِلَى الشَّام وَمَعَهُ الْخَلِيفَة وقاضي الْقُضَاة نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن العديم الْحَنَفِيّ - وَحده من دون الْقُضَاة حسب سُؤَاله لما لَهُ من التعلقات بِبِلَاد الشَّام - فَدخل السُّلْطَان إِلَى غَزَّة فِي تَاسِع عشرينه وَسَار مِنْهَا فِي نَهَاره وَكَانَ قد خرج الْأَمِير قنباي من دمشق فِي سَابِع عشرينه وَمَعَهُ طرباي نَائِب غَزَّة وسودن من عبد الرَّحْمَن نَائِب طرابلس يُرِيد حلب. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 393 وَفِي تَاسِع عشرينه: نزل حُسَيْن بن نعير على سلمية لأخذ الْأَمِير حَدِيثَة بن سيف فَركب إِلَيْهِ شهر شعْبَان أَوله الْأَحَد: فِي ثَانِيه: دخل الْأَمِير ألطنبغا العثماني نَائِب الشَّام إِلَى دمشق وَقُرِئَ تَقْلِيده فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة سادسه: قدم السُّلْطَان دمشق وَسَار مِنْهَا بعد يَوْمَيْنِ فِي أثر قنباي ورفيقه. وَقدم الْأَمِير أقباي الدوادار على عَسْكَر فَانْتهى إِلَى قريب من تل السُّلْطَان وَنزل السُّلْطَان على سرمين فَخرج أينال الصصلاني نَائِب حلب وقنباي بِمن مَعَهُمَا ولقوا أقباي وقاتلوه فكسوره وقبضوا عَلَيْهِ وعَلى جمَاعَة كَبِيرَة فَأتى الصَّارِخ بذلك للسُّلْطَان فَركب من سرمين وأدركهم فَلم يثبتوا وفروا فَقبض على أينال نَائِب حلب وشرباش كباشة حَاجِب حلب وتمان أرق وَجَمَاعَة فِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشره وَمضى إِلَى حلب فَأخذ قنباي أَسِيرًا وأحضر إِلَيْهِ فِي ثَالِث يَوْم الْوَقْعَة فَقتل مَعَه جمَاعَة وسيرت أَرْبَعَة رُءُوس من رُءُوسهم إِلَى الْقَاهِرَة فَقدم بهَا الْأَمِير شاد الشربخاناه فِي يَوْم الْأَحَد خَامِس عشر رَمَضَان وَهِي رَأس الْأَمِير قنباي المحمدي نَائِب الشَّام وَرَأس الْأَمِير أينال الصصلاني نَائِب حلب وَرَأس شرباش كباشة - وَكَانَ قد نقل من الْقُدس وَاسْتقر فِي حجوبية الْحجاب بحلب - وَرَأس الْأَمِير تمان تمر أرق الْأَمِير الْكَبِير بحلب فَرفعت على رماح وَنُودِيَ عَلَيْهَا بِالْقَاهِرَةِ هَذَا جَزَاء من خامر على السُّلْطَان وأطاع الشَّيْطَان وَعصى الرَّحْمَن ثمَّ علقت على بَاب زويلة أَيَّامًا وحملت إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فطيف بهَا هُنَاكَ ثمَّ وخلع السُّلْطَان بحلب على الْأَمِير أقباي الدوادار وَاسْتقر بِهِ. فِي نِيَابَة حلب وعَلى الْأَمِير جرقطلو وَاسْتقر بِهِ فِي نِيَابَة حماة عوضا عَن الْأَمِير تنبك البجاسي وخلع على الْأَمِير يشبك شاد الشربخاناه وَاسْتقر بِهِ فِي نِيَابَة طرابلس فَقدم أَبُو يزِيد بن قرا يلوك على السُّلْطَان بحلب يهنئه بالنصر وَمَعَهُ هَدِيَّة سنية فَخلع عَلَيْهِ وأكرمه ثمَّ بَعثه إِلَى أَبِيه فِي رَابِع عشْرين رَمَضَان وَمَعَهُ هَدِيَّة جليلة. وَفِيه توجه الْأَمِير يشبك نَائِب طرابلس من حلب إِلَى مَحل كفَالَته ثمَّ قدمت رسل قرا يُوسُف وَغَيره. وَورد الْخَبَر بِخُرُوج كزل نَائِب ملطية عَن الطَّاعَة ومسيره مِنْهَا إِلَى جِهَة التركمان. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 394 وَتوجه السُّلْطَان من حلب عَائِدًا إِلَى دمشق فَنزل حماة وعزم على الْإِقَامَة بهَا مُدَّة الشتَاء ليحسم مواد الْفِتَن وَيَأْخُذ من فر فِي وقْعَة قنباي وهم تنباك البجاسي نَائِب حماة وسودن من عبد الرَّحْمَن نَائِب طرابلس وطرباي نَائِب غَزَّة وكزل نَائِب ملطية وَغَيرهم فَأَقَامَ أَيَّامًا وبلغه عَن الْقَاهِرَة مَا اقْتضى حركته إِلَيْهَا وَقدم الْأَمِير طوغان أَمِير أخور نَائِب صفد وَقد أنعم عَلَيْهِ بإمرة مائَة بديار مصر فِي آخر شهر رَمَضَان وَتوجه إِلَى الشرقية لأخذ تقادم الْوُلَاة والعربان عوناً لَهُ على تَجْدِيد مَا نهب لَهُ فِي الْوَقْعَة. وَفِي هَذِه السّنة: حدث غلاء عَظِيم بديار مصر وَذَلِكَ أَن هَذِه السّنة لما أهلت كَانَت الأسعار رخيصة فَلَا يتَجَاوَز الأردب الْقَمْح نصف دِينَار إِلَّا أَن الْغَيْث كَانَ فِي أَوَانه قَلِيلا بِأَرْض مصر فَلم ينجب الزَّرْع بنواحي الْوَجْه البحري كُله من الشرقية والغربية والبحيرة وَلَا حصل مِنْهَا وَقت الْحَصاد طائل. وَحدث مَعَ هَذَا فِي كثير من نواحي أَرض مصر فأر أتلف كثيرا من الغلال وَاتفقَ مَعَ ذَلِك وُقُوع الْفِتْنَة بأراضي الْبحيرَة وَخُرُوج الْعَسْكَر إِلَيْهَا فَتلف من غلالها شَيْء كثير فَإِنَّهَا تمزقت تمزيقاً فَاحِشا ثمَّ أَن الْعَسْكَر توجه إِلَى بِلَاد الصَّعِيد فِي وَقت قبض الْمغل فعاثوا وأفسدوا وَلم ينالوا من المفسدين الْغَرَض وعادوا عوداً ردياً فَعظم النهب وَشن الغارات بِبِلَاد الصَّعِيد وشملت مضرَّة العربان عَامَّة النَّاس. وَوَقع الغلاء بِأَرْض الْحجاز وبوادي الْعَرَب وبلاد الشَّام فدف إِلَى أَرض مصر من هَذِه الْبِلَاد خلائق كَثِيرَة لشراء الْقَمْح فحملوا مِنْهُ مَا لَا يقدر قدره وَكَانَ مَعَ ذَلِك كُله توجه السُّلْطَان من الْقَاهِرَة إِلَى الشَّام بِسَبَب الْفِتْنَة الَّتِي أثارها قنباي المحمدي فَخَلا الجو لمن يحكم بِالْقَاهِرَةِ وَتصرف أقبح تصرف وَذَلِكَ أَنه أَخذ عِنْد ابْتِدَاء زِيَادَة النّيل يستكثر من شِرَاء الْقَمْح فأشيع عَنهُ أَنه يخزنه لينال فِيهِ ربحا كثيرا فَإِن النّيل يكون فِي هَذِه السّنة قَلِيلا وَكَثُرت الإشاعة بِهَذَا فَتنبه خزان الْقَمْح وأمسكوا أَيْديهم عَن بَيْعه فَحدث مَعَ هَذَا توقف النّيل عَن الزِّيَادَة فِي جُمَادَى الْآخِرَة كَمَا تقدم ذكره فجزع النَّاس وَأخذ الْأَغْنِيَاء فِي شِرَاء الْقَمْح وخزنه فارتفع سعره وَعز وجوده بعد كساده. فَلَمَّا من الله بِزِيَادَة مَاء النّيل حَتَّى بلغ الْقدر الْمُحْتَاج إِلَيْهِ بِزِيَادَة اطمأنت قُلُوب الْعَامَّة فَأَرْجَفَ خزان الْقَمْح بِأَن الْفِتَن بِبِلَاد الصَّعِيد عَظِيمَة وَأَن الغلاء وَاقع من عدم الْوَاصِل فلطف الله عز وَجل وَثَبت مَاء النّيل حَتَّى قرب برد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 395 الخريف ثمَّ نزل نزولاً حسنا وَزرع النَّاس الْأَرَاضِي وَقد أمنُوا حُدُوث الدودة حَتَّى كمل الزَّرْع وَدخل شهر رَمَضَان وَمَعَ ذَلِك الْقَمْح أَخذ فِي الزِّيَادَة فِي الثّمن إِلَى أَن بلغ الأردب إِلَى مائَة وَسِتِّينَ درهما وَعز وجوده وَتعذر وجود التِّبْن أَيْضا بِحَيْثُ علفت الدَّوَابّ بالنخال وَمن النَّاس من عَلفهَا عوضا عَن التِّبْن قشور الْقصب وَبلغ كل حمل من التِّبْن إِلَى ثَلَاثمِائَة دِرْهَم بعد مَا كَانَ بِدُونِ الْأَرْبَعين درهما فَلم يهل شَوَّال حَتَّى زَاد الأردب الْقَمْح على مِائَتي دِرْهَم وَقل الْوَاصِل مِنْهُ من أجل أَن الْمُتَوَلِي حجر على من يجلب الْقَمْح وجدد على كل أردب مبلغا يُؤْخَذ من بَائِعه فعز وجود الْخبز بالأسواق وتزاحم النَّاس فِي الأفران على شِرَائِهِ مِنْهَا وشنعت القالة فِي مُتَوَلِّي الْقَاهِرَة. وفحش الإرجاف بِهِ فخاف على نَفسه واستعفى نَائِب الْغَيْبَة فأعفاه من التحدث فِي الْحِسْبَة واستدعى رجلا من الشاميين يعرف بشمس الدّين مُحَمَّد الحلاوي وولاه الْحِسْبَة فِي الْعشْرين مِنْهُ بسفارة الْأَمِير بدر الدّين حسن بن محب الدّين الأستادار فباشر بعفة عَن تنَاول مَا لَا يسْتَحقّهُ إِلَّا أَنه منع من الزِّيَادَة فِي السّعر وتشدد فِيهِ فَقل الْوَاصِل حَتَّى فقد الْقَمْح وَبلغ النَّاس الْجهد. وَكَانَ خبر الْقَاهِرَة المحروسة قد انْتَشَر فِي عَامَّة أَرض مصر قبليها وبحريها فارتفعت عِنْدهم الأسعار أَيْضا وَأَقْبل أهل الْوَجْه البحري إِلَى ساحله بِالْقَاهِرَةِ فِي شِرَاء الْقَمْح لقلته عِنْدهم وَأمْسك أهل الصَّعِيد أَيْديهم عَن بيع الْقَمْح لما بَلغهُمْ من منع الحلاوي الزِّيَادَة فِي سعره فَاشْتَدَّ الْأَمر وَكثر صُرَاخ النَّاس من الرِّجَال وَالنِّسَاء وشنع ضجيجهم لفقدهم الْخبز بِالْقَاهِرَةِ ومصر وَجَمِيع أَرض مصر من دمياط والإسكندرية إِلَى قوص وضجت عَامَّة المدن والقرى والأرياف. فَلَمَّا أهل ذُو الْقعدَة: تزايدت الأسعار بِالْقَاهِرَةِ ومصر لقلَّة الْوَاصِل وَاشْتَدَّ الزحام بالأفران فِي أَخذ الْخبز فخشي الحلاوي على نَفسه وَاعْتَزل. وأعيد التَّاج فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي عشره وَقد امتدت الْأَيْدِي لخطف الْخبز وَاجْتمعَ عشرات آلَاف من النَّاس بساحل بولاق لطلب الْقَمْح فاستشعر النَّاس بِنَهْب الْبَلَد كُله وخشوا من تعطل الْأَسْوَاق وَترك البيع وَالشِّرَاء لِكَثْرَة الِاشْتِغَال بِطَلَب الْخبز والقمح فَإِن الْعَامَّة صَارَت تخرج لطلبه من نصف اللَّيْل وتزدحم بالأفران وتمضي طوائف من الرِّجَال وَالنِّسَاء فِي طلب الْقَمْح إِلَى السَّاحِل ويبيتون هُنَاكَ فغلت أَصْنَاف المأكل كلهَا وشرهت النَّفس وَطلب كل أحد شِرَاء أَكثر مَا يحْتَاج إِلَيْهِ بِحَسب قدرته وبمقتضى حَاله من السعَة والضيق فتفاقمت الشناعة وَعظم الْخطب بِحَيْثُ عجز كل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 396 أحد عَن شِرَاء الْقَمْح مَا لم يُعْط أحدا من أعوان الْوَالِي مَالا ويبيت مَعَه بالسَّاحل وَكَانَ الْوَقْت شتاء فَإِذا اشْترى أردباً فَمَا دونه يحْتَاج إِلَى عون آخر يَحْرُسهُ ويحميه من النهابة. وَاسْتقر على كل أردب مبلغ خمسين درهما لمن يحميه وَلَا يَأْخُذ السمسار إِلَّا عشرَة دَرَاهِم بَعْدَمَا كَانَت عسرته خَمْسَة دَرَاهِم وَيَأْخُذ التراس أُجْرَة حمل الأردب خَمْسَة عشر درهما بَعْدَمَا كَانَت أجرته خَمْسَة دَرَاهِم وَإِذا وَردت مركب تحمل الْقَمْح إِلَى قريب السَّاحِل لَا يَجْسُر أَرْبَابهَا على عبور السَّاحِل خوفًا من النهب وَإِنَّمَا يُوقف بهَا فِي وسط النّيل فَيحْتَاج المُشْتَرِي أَن يركب إِلَيْهَا فِي مركب يسير بِهِ ثمَّ يعود بِهِ وَبِمَا اشْتَرَاهُ بِأُجْرَة يتَكَلَّف لَهَا وغرقت مركب فِيهَا جمَاعَة كَثِيرَة مِمَّن عدى من السَّاحِل ليَشْتَرِي من قَمح وصل فِي مركب قد وقفت فِي وسط النّيل فغرق مِنْهُم نَحْو الْعشْرين مَا بَين رجل وَامْرَأَة فَلم يقدر عَلَيْهِم. وَمَات عدَّة من النسوان فِي الزحمة بالأفران وَتجَاوز الْقَمْح الثلاثمائة دِرْهَم كل أردب سوى كلفه وتقرب من مائَة دِرْهَم وَيحْتَاج فِي غربلته وطحنه إِلَى مائَة أُخْرَى فَيقوم بِنَحْوِ خَمْسمِائَة دِرْهَم. فَلَمَّا اشْتَدَّ الْأَمر خرج قَاضِي الْقُضَاة شيخ الْإِسْلَام جلال الدّين أَبُو الْفضل عبد الرَّحْمَن بن البُلْقِينِيّ لَيْسَ تسقى بِالنَّاسِ فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامن عشره وَمَعَهُ عَالم لَا يحصيهم إِلَّا خالقهم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَسَار من منزله مَاشِيا وَمَعَهُ الْأَمِير التَّاج حَتَّى خرج من بَاب النَّصْر إِلَى الترب فَانْطَلَقت الْأَلْسِنَة بِكُل سوء فِي حق التَّاج وَلم يبْق إِلَّا أَن يرْجم فاختفى وَمضى شيخ الْإِسْلَام بِالنَّاسِ إِلَى سفح الْجَبَل قَرِيبا من قبَّة النَّصْر فضجوا ودعوا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وهم قيام نَحْو سَاعَة ثمَّ انصرفوا فَكَانَ من الْمشَاهد الْعَظِيمَة وتيسر وجود الْخبز إِلَى يَوْم السبت رَابِع عشرينه ثمَّ فقد. وَسبب فَقده أَن التَّاج منع كل من قدم بقمح أَن يَبِيعهُ إِلَّا للطحانين وسعر الأردب بثلاثمائة وَخمسين درهما فَكَانَ إِذا طحن وَبيع دَقِيقًا وقف من حِسَاب سِتّمائَة دِرْهَم وأزيد فَإِذا عجن خبْزًا كَانَ من حِسَاب ثَمَانمِائَة دِرْهَم وأزيد فَامْتنعَ من سوى الطاحنين من سَائِر النَّاس من شِرَاء الْقَمْح وَكثر طَلَبهمْ للدقيق وَالْخبْز وازدحموا على الأفران من عدم الْخبز بالأسواق. وَانْقطع الْوَاصِل من الْقَمْح فَركب التَّاج إِلَى الْبِلَاد الْقَرِيبَة وتتبع مخازن الْقَمْح بهَا وباعها على الطحانين فشنع الْأَمر فِي الأفران واقتتل النَّاس على أَخذ الْخبز مِنْهَا وانتهبوا عدَّة أفران وَأخذُوا مَا بهَا من الْعَجِين فعطلها أَرْبَابهَا وتغيبوا وأبيعت البطة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 397 من الدَّقِيق بِمِائَة دِرْهَم والقدح من الْأرز بِثَلَاثَة عشر درهما والأردب الْقَمْح فِي الْبَحْر للطحان بثلاثمائة وَخمسين سوى كلفه وَلمن عدا الطَّحَّان من النَّاس بِحَسب تشدد بَائِعه فاشتري بثمانمائة وَألف دِرْهَم الأردب وشح كل أحد بِهِ وَامْتنع من عِنْده مِنْهُ شَيْء أَن يَبِيعهُ وَإِن بَاعَ فَلَا يسمح مِنْهُ إِلَّا بِقَلِيل وبلع الأردب الشّعير - إِن وجد - إِلَى مِائَتَيْنِ وَخمسين والأردب الفول إِلَى ثَلَاثمِائَة دِرْهَم وَبلغ الْحمل من التِّبْن إِلَى مِائَتَيْنِ وبيعت أَرْبَعَة أحمال بِأَلف دِرْهَم حسبها أَن تكون قدر حملين فِيمَا كُنَّا نعهده. وتزايد سعر الذَّهَب فَبلغ المثقال إِلَى مِائَتَيْنِ وَسبعين درهما وَالدِّينَار الأفرنتي إِلَى مِائَتَيْنِ وَخمسين درهما وَالدِّينَار الناصري إِلَى مِائَتَيْنِ ثمَّ اشْتَدَّ الْأَمر فندب نَائِب الْغَيْبَة إِلَى كل فرن جمَاعَة من الأجناد يقفون بِهِ لمنع الْعَامَّة من الخطف والنهب وَقعد حَاجِب الْحجاب بِنَفسِهِ على فرن بِخَط التبانة وَمَعَهُ عدَّة من مماليكه حَتَّى وجد الْخبز على الحوانيت بالأسواق بَعْدَمَا عجز الْكثير من النَّاس عَن الْخبز واعتاضوا عَن أكله بالفول الْأَخْضَر والقلقاس وَلَوْلَا لطف الله تَعَالَى بعباده وَكَون الْبَهَائِم مرتبطة على البرسيم الْأَخْضَر لهلكوا من عِنْد آخِرهم جوعا فَإِن الْقدح الفول بلغ أَرْبَعَة دَرَاهِم وَتعذر وجود الشّعير وَخرج النَّاس أَفْوَاجًا إِلَى الأرياف فاشتروا الْقَمْح بِخَمْسِمِائَة دِرْهَم الأردب غير كلفه وَأَنا استقام على أردب قَمح فِي آخر ذِي الْقعدَة اشْترى لي من الرِّيف مَعَ - الْعِنَايَة - بستمائة دِرْهَم. وَأهل ذُو الْحجَّة: وَالنَّاس فِي جهد جهيد من تعذر وجود الْخبز والدقيق والقمح إِلَّا بعناء ومشقات كَثِيرَة مَعَ تواصل مَجِيء مراكب الغلال ونزول الْغَيْث الْمُحْتَاج إِلَيْهِ فِي وَقت الْحَاجة وخصب الزروع وَكَثْرَتهَا وَقرب أَوَان مَجِيء الْغلَّة الجديدة وَلَكِن الله يفعل مَا يُرِيد. وَفِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشْرين شَوَّال: قدم الْأَمِير فَخر الدّين عبد الْغَنِيّ بن أبي الْفرج إِلَى الْقَاهِرَة وَقد عَاد من بَغْدَاد إِلَى السُّلْطَان وَهُوَ بحلب فولاه كشف الشرقية والغربية والبحيرة ورد إِلَيْهِ أَمر قطيا. وَفِي يَوْم السبت رَابِع عشْرين ذِي الْقعدَة: قدم كتاب السُّلْطَان بِأَنَّهُ قدم دمشق وعزم على عوده إِلَى الْقَاهِرَة وَأَنه قبض على الْأَمِير سودن القَاضِي وخلع عَليّ بردى باك قصقا وَاسْتقر بِهِ عوضه رَأس نوبَة كَبِيرا وسجن سودن القَاضِي. ورسم السُّلْطَان بتجهيز وَلَده الْأَمِير صارم الدّين إِبْرَاهِيم لملاقاته فَسَار إِلَيْهِ فِي يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع عشرينه وَفِي خدمته الْأَمِير سودن حَاجِب الْحجاب والأمير كزل العجمي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 398 فِي عدَّة من المماليك فلقي السُّلْطَان وَعَاد مَعَه فَنزل السُّلْطَان على السماسم شمَالي خانكاه سرياقوس فِي يَوْم الْخَمِيس نصف ذِي الْحجَّة. وَركب السُّلْطَان فِي لَيْلَة الْجُمُعَة إِلَى الخانكاه وَعمل مجتمعاً حَضَره عشر جوق من قراء الْقُرْآن وعدة من المنشدين ومدت لَهُم أسمطة جليلة ثمَّ أقيم السماع بعد فرَاغ الْقُرَّاء والمنشدين طول اللَّيْل فَكَانَت لَيْلَة غراء مدت فِيهَا أَنْوَاع الْأَطْعِمَة وأنواع الحلاوات وطيف على الْحَاضِرين بالمشروب من السكر الْمُذَاب وأنعم السُّلْطَان على الْقُرَّاء والمنشدين وصوفية الخانكاه بِمِائَة ألف دِرْهَم. وَركب السُّلْطَان بكرَة يَوْم السبت سادس عشره من الخانكاه وَنزل بِطرف الريدانية فتغدى هُنَاكَ وَعبر من يَوْمه إِلَى الْقَاهِرَة وَصعد قلعة الْجَبَل فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَنُودِيَ من الْغَد بالأمان وَأَن الأسعار بيد الله سُبْحَانَهُ تَعَالَى فَلَا يتزاحم أحد على الأفران وتصدى السُّلْطَان للنَّظَر فِي الأسعار بِنَفسِهِ وَعمل معدل الْقَمْح وَقد تزايدت الأسعار وَبلغ الأردب الْقَمْح - إِن وجد - إِلَى مَا يزِيد على سِتّمائَة دِرْهَم والأردب الشّعير إِلَى أَرْبَعمِائَة دِرْهَم. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ خَامِس عشرينه: خلع على الْأَمِير جقمق الدوادار الثَّانِي وَاسْتقر دوادار كَبِيرا عوضا عَن الْأَمِير أقباي الْمُتَوَلِي نِيَابَة حلب وخلع على الْأَمِير يشبك وَاسْتقر دواداراً ثَانِيًا عوضا عَن الْأَمِير جقمق. وَفِيه نُودي بِمَنْع النَّاس من الْمُعَامَلَة بِالدَّنَانِيرِ الناصرية وتهدد من تعامل بهَا أَن تسبك فِي يَده هَذَا وَقد بلغ سعر المثقال الذَّهَب إِلَى مِائَتَيْنِ وَثَمَانِينَ درهما وَالدِّينَار الأفرنتي إِلَى مِائَتَيْنِ وَسِتِّينَ درهما وَالدِّينَار الناصري إِلَى مِائَتَيْنِ وَعشرَة دَرَاهِم فرسم أَن يكون سعر المثقال بمائتين وَخمسين والأفرنتي بمائتين وَثَلَاثِينَ وَأَن يقص الناصري وَيدْفَع فِيهِ من حِسَاب مائَة وَثَمَانِينَ وَلَا يتعامل بِهِ. وَفِي يَوْم السبت سلخه: خلع على الْأَمِير سيف الدّين إِبْرَاهِيم الْمَعْرُوف بأبخروص - وَيُقَال خرز - نقيب الْجَيْش وَاسْتقر فِي ولَايَة الْقَاهِرَة عوضا عَن تَاج الدّين تَاج بن سَيْفا القازاني الْمَعْرُوف بالتاج الشويكي الدِّمَشْقِي وخلع على الْأَمِير التَّاج وَاسْتقر أستادار الصُّحْبَة. وَفِيه انتصب السُّلْطَان فِي مَجْلِسه بالإصطبل للْحكم بَين النَّاس على عَادَته وَضرب جمَاعَة من الْكتاب والفلاحين وَغَيرهم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 399 وَفِيه قدم مبشرو الْحَاج وأخبروا بسلامة الْحَاج وَأَن الْقَمْح أبيع بِمَكَّة كل ويبة وَنصف بِدِينَار. وَفِيه قل وجود الْخبز فِي الأفران لعدم الْقَمْح بالسَّاحل وبشون الْأُمَرَاء ومخازن التُّجَّار. وَحج بِالنَّاسِ من مصر الْأَمِير يشبك الدوادار الصَّغِير. وفيهَا عدى مصطفى بن عُثْمَان من اسطنبول إِلَى أفلاق فاضطرب الْأَمِير مُحَمَّد كرشجي. وفيهَا اشْتَدَّ الوباء بِمَدِينَة فاس من بِلَاد الْمغرب وأعمالها حَتَّى فني أَكثر النَّاس سوى من مَاتَ وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر سوى من تقدم الْوَزير سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن بركَة البشيري يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشر صفر. ومولده لَيْلَة السبت سادس ذِي الْقعدَة سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وبالقاهرة. وَمَات قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق شمس الدّين مُحَمَّد بن الشَّيْخ جلال الدّين رَسُولا بن أَحْمد بن يُوسُف التركماني الْمَعْرُوف لِابْنِ التباني يَوْم الْأَحَد ثامن عشْرين رَمَضَان. وَمَات سعد الدّين بن بنت الملكي فِي ثَالِث رَمَضَان. ولي نظر الْجَيْش. وَمَات زين الدّين حاجي الرُّومِي شيخ التربة الَّتِي أَنْشَأَهَا الْملك النَّاصِر فرج على قبر أَبِيه الْملك الظَّاهِر برقوف خَارج بَاب النَّصْر من الْقَاهِرَة لَيْلَة الْخَمِيس رَابِع عشْرين شَوَّال وَاسْتقر عوضه فِي مشيختها الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد الْبِسَاطِيّ الْمَالِكِي بعناية الْأَمِير ططر نَائِب الْغَيْبَة. وَمَات الْملك سكندر بن ميرز شيخ عمر بن تيمورلنك وَكَانَ قد ملك بِلَاد فَارس بعد قتل أَخِيه يبر مُحَمَّد عدَّة سِنِين ثمَّ خَالف على عَمه شاه رخ فَسَار إِلَيْهِ وقاتله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 400 وأسره وسمل عَيْنَيْهِ وَأقَام عوضه أَخَاهُ رستم وخلاه لسبيله وَعَاد فَجمع سكندر جمعا قَلِيلا وَقدم عَلَيْهِم وَمَات الْفَقِير المعتقد الشَّيْخ مُحَمَّد الديلمي فِي رَابِع ذِي الْقعدَة وَدفن بالقرافة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 401 (سنة تسع عشرَة وَثَمَانمِائَة) أهلت وسلطان الديار المصرية والبلاد الشامية والحجاز الْملك الْمُؤَيد أَبُو النَّصْر شيخ المحمودي الظَّاهِرِيّ وَخَلِيفَة الْوَقْت المعتضد بِاللَّه أَبُو الْفَتْح دَاوُد وأتابك العساكر الْأَمِير ألطنبغا القرمشي وأمير أخور كَبِير تنبك ميق وَرَأس نوبَة النوب الْأَمِير بردباك. والدوادار الْكَبِير الْأَمِير جقمق وحاجب الْحجاب الْأَمِير سودن قرا صقل وقضاة الْقُضَاة على مَا تقدم فِي السّنة الْمَاضِيَة مَا عدا الْحَنْبَلِيّ فَإِنَّهُ قَاضِي الْقُضَاة عَلَاء الدّين عَليّ بن مَحْمُود بن أبي بكر بن مغلي الحمري ومباشري الدولة على مَا مر فِي السّنة الْمَاضِيَة مَا خلا الوزارة فَإِنَّهَا شاغرة ونائب الْإسْكَنْدَريَّة الْأَمِير أقبردي المنقار ونائب غَزَّة الْأَمِير مُشْتَرك ونائب صفد الْأَمِير خَلِيل الجشاري ونائب الشَّام الْأَمِير ألطنبغا العثماني ونائب طرابلس الْأَمِير ونائب حماة الْأَمِير جرقطلو ونائب حلب الْأَمِير أقباي. وَأما مَكَّة فَإِن الشريف حسن بن عجلَان عزل عَن نِيَابَة السلطنة بِبِلَاد الْحجاز وعزل ابناه الشريف بَرَكَات والشريف أَحْمد عَن إمرة مَكَّة فِي صفر من السّنة الْمَاضِيَة وَاسْتقر الشريف رميثة بن مُحَمَّد بن عجلَان فِي إمرة مَكَّة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 403 وَدخل إِلَيْهَا بعد مَا فَارقهَا المذكورون فِي مستهل ذِي الْحجَّة مِنْهَا بهَا. فأهلت هَذِه السّنة وَالْأَمر على هَذَا. شهر الله الْمحرم الْحَرَام أَوله الْأَحَد: فِي ثَانِيه: ركب السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل وَعبر النّيل فِي الحراقة إِلَى الْبر الغربي للصَّيْد وَأقَام هُنَاكَ فتلاحقت بِهِ أهل الدولة. وَقدم كتاب الْأَمِير فَخر الدّين عبد الْغَنِيّ بن أبي الْفرج من الْوَجْه البحري أَن الْقَمْح بلغ عِنْده إِلَى تِسْعمائَة دِرْهَم الأردب. وَفِيه نزل الطواشي زين الدّين فَارس بمبلغ كَبِير من الْفضة المؤيدية وَطَاف فِي الْجَوَامِع والمدارس والخانكاهات وَفرق فِي أَرْبَاب وظائفها الْفُقَهَاء والقراء وَالْأَئِمَّة والمؤذنين والخطباء والقومة والمترددين مبلغا كَبِيرا فَحصل فِي الْأَكْثَر لكل وَاحِد أَرْبَعَة عشر مؤيدياً وَفِيهِمْ من تكَرر اسْمه فِي خَمْسَة مَوَاضِع وَأكْثر فَأخذ فِي كل مَكَان نَصِيبا فتوسع النَّاس بذلك وَحسن موقعه وَفرق أَيْضا مبلغا فِي السُّؤَال فَأَقل مَا كَانَ نصيب الْوَاحِد من الْمَسَاكِين خَمْسَة مؤيدية عَنْهَا مبلغ خَمْسَة وَأَرْبَعين فلوس فَعم النَّفْع وكل الْبر عدَّة طوائف وَكَانَ جملَة مَا فرق أَرْبَعَة آلَاف دِينَار. وَفِيه بِيعَتْ ويبة قَمح بِمِائَة وَثَلَاثِينَ درهما من الْفُلُوس من حِسَاب كل أردب بِثَلَاثَة مَثَاقِيل ذَهَبا وبيعت ويبة شعير بِثَمَانِينَ درهما فُلُوسًا من حِسَاب الأردب بدينارين. وَفِي خامسه: خلع السُّلْطَان - وَهُوَ بِنَاحِيَة أوسيم من الجيزية - على بدر الدّين مَحْمُود بن أَحْمد بن مُوسَى بن أَحْمد بن حُسَيْن بن يُوسُف بن مَحْمُود العينتابي الْحَنَفِيّ وَاسْتقر بِهِ فِي حسبَة الْقَاهِرَة وَكَانَت شاغرة مُنْذُ قدم السُّلْطَان وَإِنَّمَا كَانَ قد تقدم للطواشي مرجان الْهِنْدِيّ الخازندار أَن يتحدث فِيهَا من غير أَن يخلع عَلَيْهِ وَلَا كتب لَهُ توقيع متحدث أَيَّامًا ثمَّ بَعثه السُّلْطَان إِلَى الْوَجْه القبلي بِمَال ليَشْتَرِي الْقَمْح ويسيره إِلَى الْقَاهِرَة توسعة على النَّاس وَتقدم بعد سفر مرجان إِلَى الْأَمِير أينال الأزعري أَن يتحدث فِيهَا فنظم العينتابي فِي الْحِسْبَة وَالْخبْز لَا يكَاد يُوجد. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 404 وَفِي يَوْم الْجُمُعَة سادسه: وَردت عدَّة مراكب من الْوَجْه القبلي تحمل نَحْو الألفي أردب قمحاً فتباشر النَّاس بهَا. وَفِي يَوْم السبت سابعه: ركب الْمُحْتَسب والأمير أينال الأزعري إِلَى سَاحل بولاق لتفرقة الْقَمْح وتوزيعه على الطحانين فَاجْتمع عَالم لَا يحصيهم إِلَّا الله لشراء الْقَمْح فَركب الْأَمِير أينال الأزعري فِي أجناده طرد النَّاس عَن الْقَمْح خوفًا من النهب فَلم ينتهبوا وتكاثروا عَلَيْهِ فَغَضب مِنْهُم وَحمل عَلَيْهِم بِمن مَعَه يَضْرِبهُمْ فشنع الْحَال وغرقت امْرَأَة فَلم يُوقف لَهَا على خبر وصلب الْأَمِير أينال الأزعري أَرْبَعَة رجال طول نهارهم وَضرب رجلَيْنِ على ظهورهما عرياً ضربا وجال فِي الْقَوْم جَوْلَة هُوَ ومماليكه ذهب فِيهَا من العمائم وَنَحْوهَا مَا شَاءَ الله وعطب عدَّة أنَاس وَضرب بدبوسه رجلا كسر لوح كتفه وسالت دِمَاء جمَاعَة مُتعَدِّدَة فَكَانَ من الْأَيَّام الشنيعة بَات النَّاس بِالْقَاهِرَةِ ومصر لَيْلَة الْأَحَد وَالْخبْز عِنْدهم أعز مَا يذكر وأشهى شَيْء بِهِ ينظر وأفخر مَا يتحف بِهِ من الطّرف وَأجل مَا يتهادى بِهِ من التحف فَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه. وَفِي لَيْلَة الْخَمِيس: نقلت الشَّمْس إِلَى برج الْحمل وَدخل فصل الرّبيع وَقد فَشَا فِي النَّاس الْمَوْت بالطاعون. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء سادس عشره: عبر السُّلْطَان النّيل بِمن مَعَه وَصعد قلعة الْجَبَل بِخَير. وَفِي ثامن عشره: وَردت عدَّة مراكب فِيهَا غلال بعث بهَا الْأَمِير فَخر الدّين بن أبي الْفرج مِمَّا اشْتَرَاهُ الأردب بمبلغ ثَمَانمِائَة دِرْهَم بكيل الرِّيف وَهُوَ أردب وَنصف بكيل الْقَاهِرَة فرسم السُّلْطَان أَن يُبَاع كل أردب مِنْهُ على الطحانين بستمائة دِرْهَم فاشتروه مِنْهُ على هَذَا السّعر وَقبض مِنْهُم فِي ثمنه الذَّهَب خَاصَّة دون غَيره من النُّقُود وَلم يعد لَهُم فِي الدِّينَار الأفرنتي إِلَّا بمائتين وَثَلَاثِينَ درهما وَلَا فِي الناصري إِلَّا بِمِائَة وَسِتِّينَ فتضرروا بذلك من أجل أَن الذَّهَب يخرج بِالْأَكْثَرِ فالأفرنتي بمائتين وَخمسين والناصري بمائتين وَقد كَانُوا فِي سادسه اشْتَروا الْقَمْح الَّذِي ورد بأربعمائة وَعشْرين الأردب فشملتهم الخسارة من الْوَجْهَيْنِ وَاقْتضى هَذَا أَن عز وجود الْخبز وأبيع الرَّغِيف الَّذِي زنته نصف رَطْل بِدِرْهَمَيْنِ بعد مَا كَانَ بدرهم. وَفِي تَاسِع عشره: جلس السُّلْطَان بدار الْعدْل من القلعة وأحضر زين الدّين مُفْلِح رَسُول الْملك النَّاصِر أَحْمد بن الشّرف إِسْمَاعِيل متملك الْيمن وَمَعَهُ هَدِيَّة جليلة من شاشات وأزر وتفاصيل من حَرِير وصيني وعود ولبان وصندل وَغير ذَلِك على الجزء: 6 ¦ الصفحة: 405 مِائَتي جمال وفيهَا عدَّة سروج من عقيق بأطراف ذهب وقطاط يخرج مِنْهَا الزباد فَقبلت هديته وَقُرِئَ كِتَابه وَأنزل رَسُوله وأجرى عَلَيْهِ مَا يَلِيق بِهِ. وَفِيه رسم أَن يُزَاد فِي قطيعة الفدان بأراضي مصر مبلغ مِائَتي دِرْهَم فَيصير بستمائة دِرْهَم الفدان بَعْدَمَا كَانَ بأربعمائة دِرْهَم وَهَذَا يَقْتَضِي اسْتِمْرَار غلاء الأسعار لِأَن الغلال لَا تتحصل إِلَّا وَقد استقامت على أَرْبَابهَا بِسعْر عَال والخسارة لَا يَأْتِيهَا أحد طَوْعًا خُصُوصا ومعظم غلال أَرض مصر للسُّلْطَان والأمراء. وَفِيه استدعي تَقِيّ الدّين عبد الْوَهَّاب بن أبي شَاكر وخلع عَلَيْهِ خلع الوزارة كرها وَكَانَت شاغرة مُنْذُ عزل بن الهيصم. وَفِي هَذَا الشَّهْر: خصب البرسيم الْأَخْضَر وَكثر وانحط سعره بِحَيْثُ أَنه كَانَ يُبَاع الفدان مِنْهُ بِأَلف ومائتي دِرْهَم فَنزل إِلَى مِائَتي دِرْهَم وَلِهَذَا عنت الْبَهَائِم فِي هَذَا الغلاء لِكَثْرَة اعتلافها من البرسيم الْأَخْضَر. وَفِيه تزايدت أسعار الغلال فبلغت البطة الدَّقِيق إِلَى مِائَتَيْنِ وَخمسين درهما وَلم يعْهَد فِيمَا تقدم من الغلوات مثل ذَلِك. وَفِي ثَالِث عشرينه: قدم الْمحمل بِبَقِيَّة الْحَاج. وَفِي سادس عشرينه: ركب السُّلْطَان وَنزل إِلَى دَار الضِّيَافَة بجوار القلعة وَقد جمع بهَا الصناع من الحجارين والبنائين والفعلة وَأقَام بهَا صَدرا من النَّهَار وَقد شرعوا فِي مرمتها وَكَانَت تشعثت لخلولها فِي الْأَيَّام الظَّاهِرِيَّة والناصرية فذبح فِيهِ للصناع بقرة طبخت وَاسْتمرّ الْعَمَل فِي دَار الضِّيَافَة مُدَّة أَيَّام. وَفِي ثامن عشرينه: نُودي بتأهب أجناد الْحلقَة للعرض على السُّلْطَان فِي أول ربيع الأول وَندب جمَاعَة من البريدية توجهوا إِلَى جَمِيع أَعمال مصر لإحضار من فِي النواحي من الأجناد. وَفِي هَذَا الشَّهْر: قدم الْأَمِير كزل نَائِب ملطية فِي جمَاعَة وهجموا على حلب فَكَانَت بَينهم وقْعَة انْهَزمُوا فِيهَا بَعْدَمَا قتل مِنْهُم وَأسر طَائِفَة. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير ركن الدّين عمر بن الطَّحَّان نَائِب قلعة صفد. وَفِيه ارْتَفع السّعر بالرملة حَتَّى بلغت العليقة الشّعير إِلَى اثْنَي عشر درهما فضَّة ثمَّ انحط. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 406 وَفِيه كثرت الْفِتَن بَين عرب جرم وعرب العايد بِأَرْض الْقُدس وغزة والرملة. وَفِيه رغب الْأَمِير أَحْمد بن أبي بكر بن نعير فِي الطَّاعَة ثمَّ نفر لما قبض على أَخِيه. وَفِيه قبض على أينال الجركسي - أحد أُمَرَاء دمشق - وسجن بقلعتها. فِيهِ عزل السُّلْطَان جَمِيع نواب الْقُضَاة الْأَرْبَع وَكَانَت عدتهمْ مائَة وَسِتَّة وَثَمَانِينَ قَاضِي بِالْقَاهِرَةِ ومصر سوى من بِالْوَجْهِ القبلي وَالْوَجْه البحري وشنعت القالة عَنْهُم. وَفِيه تيَسّر وجود الْخبز بحوانيت الباعة من أسواق الْقَاهِرَة فتباشر النَّاس بذلك وابتهجوا بِرُؤْيَتِهِ لبعد عَهدهم برويته فِي الحوانيت وَأَخذه من غير ازدحام مُدَّة ثَلَاثَة أشهر أَولهَا مستهل ذِي الْقعدَة من السّنة الْمَاضِيَة. واستقرت زنة الأخباز الَّتِي يفرقها السُّلْطَان فِي كل يَوْم على الْفُقَرَاء سِتَّة آلَاف رَطْل عَنْهَا نَحْو اثْنَي عشر ألف رغيف. وَفِيه خرج عَسْكَر نجدة للأمير فَخر الدّين بن أبي الْفرج بالبحيرة وتزايد موت النَّاس بالطاعون. وَفِي خامسه: وَقع الاهتمام فِي عمَارَة الْجَامِع المؤيدي بجوار بَاب زويلة وأقيم بهَا مائَة فَاعل وبضع وَثَلَاثُونَ بِنَاء ووفيت لَهُم أجرهم من غير أَن يكلفوا فِيهِ أَكثر من طائفتهم وَلَا سخر أحد من النَّاس بالقهر. وَفِي عاشره: أحصي من ورد اسْمه الدِّيوَان مِمَّن مَاتَ بِالْقَاهِرَةِ فِي مُدَّة شهر أَوله عَاشر الْمحرم فَكَانَ ثَلَاثَة آلَاف إِنْسَان. وَفِي ثَانِي عشره: استدعى السُّلْطَان قُضَاة الْقُضَاة الثَّلَاث سوى الْحَنْبَلِيّ فَإِنَّهُ سَافر إِلَى بَلْدَة حماة فَحَضَرَ الثَّلَاثَة بنوابهم وَاسْتقر الْحَال بَين يَدَيْهِ على أَن يكون نواب القَاضِي الشَّافِعِي عشرَة ونواب الْحَنَفِيّ خَمْسَة ونواب الْمَالِكِي أَرْبَعَة وانفضوا على هَذَا فتصدى النواب المذكورون للْحكم بَين يَدي بَعْدَمَا امْتنع نواب الحكم من أول الشَّهْر. وَفِي رَابِع عشره: زيد فِي عدَّة نواب الْقُضَاة ثمَّ رد من منع شَيْئا بعد شَيْء حَتَّى زَادَت عدتهمْ عَمَّا كَانَت عَلَيْهِ قبل الْمَنْع. وَفِي خَامِس عشره: نُودي أَن لَا يُزَوّج أحد من الشُّهُود مَمْلُوكا من مماليك السُّلْطَان وهدد من عقد نِكَاح أحد مِنْهُم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 407 وَفِيه بطلت تَفْرِقَة الأخباز السُّلْطَانِيَّة على الْفُقَرَاء لسعة الْوَقْت وَذَهَاب الغلاء. وَفِي سادس عشره: تجَاوز عدد من يرد اسْمه الدِّيوَان من الْأَمْوَات مائَة نفس فِي الْيَوْم. وَهَذَا سوى من يَمُوت بالمارستان وَفِي عدَّة مَوَاضِع خَارج الْمَدِينَة وَيكون ذَلِك نَحْو الْخمسين نفسا. وَفِي ثَانِي عشرينه: كَانَت عدَّة من صلي عَلَيْهِ من الْأَمْوَات - بمصلى بَاب النَّصْر خَاصَّة - من أول النَّهَار إِلَى آذان الظّهْر اثْنَيْنِ وَتِسْعين مَيتا وشنع مَا يحْكى من تَوَاتر نزُول الْمَوْت فِي الْأَمَاكِن بِحَيْثُ مَاتَ فِي أُسْبُوع وَاحِد من درب وَاحِد ثَلَاثُونَ إنْسَانا وَكثير من الدّور يَمُوت مِنْهَا الْعشْرَة فَصَاعِدا وَقدم الْخَبَر بِكَثْرَة الوباء أَيْضا بِبِلَاد الصَّعِيد وَفِي طرابلس الشَّام وأحصي من مَاتَ بهَا فِي مُدَّة أَيَّام فَكَانَت عدتهمْ عشرَة آلَاف إِنْسَان وَكثر الوباء أَيْضا بِالْوَجْهِ البحري من أَرَاضِي وَفِي سادس عشرينه: تجاوزت عدَّة أموات الْقَاهِرَة الْمِائَتَيْنِ. وَفِيه قدم الطواشي مرجان الْهِنْدِيّ الخازندار من الصَّعِيد بغلال كَثِيرَة وَقد انحل السّعر فَبيع الأردب الْقَمْح بمائتين وَسبعين درهما وعنها يَوْمئِذٍ مِثْقَال ذهب فَإِن النَّاس لم يمتثلوا مَا رسم بِهِ فِي سعر الذَّهَب وَبلغ المثقال إِلَى مِائَتَيْنِ وَسبعين والأفرنتي إِلَى مِائَتَيْنِ فَقَط. وَقدم الْخَبَر بِأَن مُعظم أهل مَدِينَة هُوَ - من صَعِيد مصر - قد مَاتُوا بالطاعون. وَفِي ثامن عشرينه: أنْفق من الدِّيوَان الْمُفْرد على أَرْبَاب الجوامك من الْأُمَرَاء والمماليك وَغَيرهم ذهب وَفِضة مؤيدية فَحسب عَلَيْهِم المثقال الذَّهَب بمائتين وَسبعين والأفرنتي بمائتين وَخمسين. وَلم يصرف لأحد مِنْهُم فلوس ورسم بِأَنَّهَا تخزن وَأَن لَا يقبض من أحد أبيع عَلَيْهِ شَيْء من الغلال المحضرة من الصَّعِيد إِلَّا الْفُلُوس لَا غير وَذَلِكَ ليغير ضربهَا وتعمل فلوس مؤيدية. وَفِيه خلع على الْأَمِير قطلوبغا وَاسْتقر فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة وعزل أقبردي المنقار وَكَانَ قطلوبغا هَذَا مِمَّن أنعم عَلَيْهِ الْأَمِير منطاش بإمرة مائَة فطال حموله فِي الْأَيَّام الظَّاهِرِيَّة والناصرية حَتَّى تنبه فِي هَذَا الْوَقْت وَولي بِغَيْر سُؤال وَلَا قدرَة على مَا يتجهز بِهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 408 وَفِيه قتل بِدِمَشْق يَعْقُوب شاه وشاهين الأجرود وطوغان الْمَجْنُون. وَفِيه خرجت عدَّة من الْأُمَرَاء لقِتَال أهل الْبحيرَة فتبعوهم واحتووا لَهُم على كثير من الْجمال وَالْغنم وَالْبَقر وَالْخَيْل حملت إِلَى السُّلْطَان وَقتلُوا عدَّة من النَّاس. وَفِيه اشْتَدَّ الغلاء بنابلس وَكثر فَسَاد مُحَمَّد بن بِشَارَة بِأَرْض صفد. وَفِيه قدم الْأَمِير فَخر الدّين بن أبي الْفرج كاشف الْكَشَّاف بطَائفَة من أهل الْبحيرَة وَاسْتَاقَ لَهُم من الأغنام الشعاري أَرْبَعَة آلَاف وسِتمِائَة رَأس وأغنام ضَأْن ثَلَاثمِائَة رَأس وأبقار مِائَتي رَأس وحمير مِائَتي رَأس بعثها إِلَى السُّلْطَان سوى مَا حصل بِيَدِهِ وَيَد أعوانه ثمَّ جهز أَيْضا غنما شعاري ثَلَاثَة آلَاف رَأس وغنم ضَأْن ألف رَأس وخيلاً عشْرين فرسا ومائتي رَأس من الْبَقر وَمِائَة حمَار. وَفِيه كتب إِلَى عرب لبيد - أهل برقة - بنزولهم على الْبحيرَة واستيطانها وقتال أَهلهَا وَأَخذهم. شهر ربيع الأول أَوله يَوْم الْأَرْبَعَاء: فِيهِ كثر الموتان بِالْقَاهِرَةِ ومصر وتجاوزت عدَّة من ورد اسْمه الدِّيوَان من الْمولي الثلاثمائة وتوهم كل أحد أَن الْمَوْت أتيه عَن قريب لسرعة موت من يطعن وَكَثْرَة من يَمُوت فِي الدَّار الْوَاحِد وتواتر انتشار الوباء فِي جَمِيع أَرَاضِي مصر وبلاد الشَّام والمشرق بِحَيْثُ ذكر أَنه بأصبهان غَالب أَهلهَا حَتَّى صَار من يمشي بشوارعها لَا يرى أحدا يمر إِلَّا فِي النَّادِر وَأَن مَدِينَة فاس بالمغرب أحصى من مَاتَ بهَا فِي مُدَّة ثَلَاثِينَ يَوْمًا مِمَّن ورد الدِّيوَان - سوى الغرباء من الْمَسَاكِين - فَكَانُوا سِتَّة وَثَلَاثِينَ ألف وَأَن المساكن عِنْدهم صَارَت خَالِيَة ينزل بهَا من قدم إِلَيْهَا من الغرباء وَأَن هَذَا عِنْدهم فِي سنتي سبع عشرَة وثمان عشرَة وَثَمَانمِائَة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: تصدى الْأَمِير بدر الدّين الأستادار لمواراة من يَمُوت من الْمَسَاكِين بعد تغسيلهم وتكفينهم فَحسن الثَّنَاء عَلَيْهِ. وَفِيه وعك السُّلْطَان من عاشره وشنع حَال الْبَلَد من كَثْرَة مَا بهَا من الأحزان فَلَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 409 تَجِد إِلَّا باكياً على ميت أَو مَشْغُولًا بمريض وَبَلغت عدَّة من يرد اسْمه الدِّيوَان من الْأَمْوَات فِي ثَالِث عشرينه مَا ينيف على خَمْسمِائَة بِمَا فيهم من موتى المارستان والطرحاء وَمَعَ ذَلِك وَالْأَخْبَار متواترة بِأَنَّهُ صلى فِي هَذَا الْيَوْم بمصليات الْجَنَائِز على مَا ينيف على ألف ميت وَأَن الْكتاب يخفون كثيرا مِمَّن يرد اسْمه إِلَيْهِم. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع عشره: خلع على شمس الدّين مُحَمَّد بن الْحَاج عمر بن شعْبَان الجابي وَاسْتقر فِي وَظِيفَة الْحِسْبَة وعزل بدر الدّين مَحْمُود العينتابي. وَفِي سَابِع عشره: أشهد عَلَيْهِ السُّلْطَان بوقف الْجَامِع الَّذِي أنشأه بجوار بَاب زويلة ووقف عَلَيْهِ عدَّة أَمَاكِن بِالشَّام ومصر. وَفِيه تزايد بالسلطان ألم رجله وَتَمَادَى بِهِ أَيَّامًا. وَفِي عشرينه: خرج عدَّة من الْأُمَرَاء إِلَى الصَّعِيد لقِتَال المفسدين وَالْوَقْت حِينَئِذٍ أَيَّام قبض الغلال فيخشى مِنْهُ تمزقها. وَفِيه نقص عدد الْمَوْتَى من خَامِس عشره. وَفِي سَابِع عشرينه: خلع عَليّ بدر الدّين مَحْمُود العينتابي وَاسْتقر نَاظر الأحباس بعد موت شهَاب الدّين أَحْمد الصَّفَدِي. وَفِيه قدم الْأَمِير فَخر الدّين بن أبي الفرنج من الْوَجْه البحري إِلَى الْقَاهِرَة وَأقَام بهَا. وَفِي تَاسِع عشرينه: قدم الْخَبَر بنزول الفرنج على ثغر نستراوه ونهبهم وتحريقهم الثغر. فِيهِ اسْتَقر الشَّيْخ ولي الدّين أَبُو زرْعَة أَحْمد بن الشَّيْخ زين الدّين عبد الرَّحِيم بن الْحُسَيْن الْعِرَاقِيّ الشَّافِعِي فِي مشيخة الْمدرسَة الجمالية برحبة بَاب الْعِيد بعد موت الشَّيْخ همام الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد الْخَوَارِزْمِيّ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 410 وانقضي هَذَا الشَّهْر وَقل دَار بِالْقَاهِرَةِ ومصر وظواهرهما لم يكن بهَا حزن على ميت وَأَقل مَا قيل أَنه مَاتَ من عَاشر الْمحرم إِلَى آخر هَذَا الشَّهْر عشرُون ألفا وَالْمُكثر يُبَالغ فِي الْعدَد. وَفِيه كَانَت وقْعَة فِي عاشره بَين نَائِب حلب وَبَين كزل قَرِيبا من دربساك انهزم فِيهَا كزل وَقتل وجرح مِنْهُ جمَاعَة وَأخذ كردِي باك وَقتل وَحمل رَأسه إِلَى مصر. وَفِيه أَخذ حُسَيْن بن كبك ملطية وأساء السِّيرَة فِي أَهلهَا. وَفِيه حَارب نَائِب حلب حميد بن نعير وهزمه وغنم لَهُ كثيرا من الْجمال. شهر ربيع الآخر أَوله الْجُمُعَة: بلغت عدَّة من ورد اسْمه الدِّيوَان من الْأَمْوَات - سوى المارستان والطرحاء - إِلَى مائَة وَعشْرين. وَفِي خامسه: سفر الْأَمِير جَانِبك الصُّوفِي من سجنه بقلعة الْجَبَل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجن بهَا. وَفِيه كَانَت عدَّة من ورد اسْمه الدِّيوَان من الْأَمْوَات نيفا وَسِتِّينَ وَفِي تاسعه كَانَت عدتهمْ ثَلَاثَة وَعشْرين. وَفِي ثَانِي عشره: قبض على الْأَمِير بدر الدّين حسن بن محب الدّين الأستادار بعد مَا أوسعه السُّلْطَان سباً وهم بقتْله ثمَّ عوق نَهَاره بالقلعة فشفع فِيهِ الْأَمِير جقمق الدوادار فَأسلم لَهُ على أَن يحمل ثَلَاثمِائَة ألف دِينَار وَنزل مَعَه آخر النَّهَار وَسبب قَبضه تَأَخّر جوامك المماليك وعليق خيولهم من عَجزه مَعَ كَثْرَة دالته على السُّلْطَان وَبسط لِسَانه المانه عَلَيْهِ. هَذَا والأمير فَخر الدّين بن أبي الْفرج يواصل حمل المَال من الْوَجْه البحري حَتَّى أناف مَا حمله على مائَة ألف دِينَار سوى الْخُيُول وَغَيرهَا. وَفِيه قبض على كثير من التُّجَّار والصيارفة وجمعوا فِي بَيت الْأَمِير جقمق الدوادار وَاشْتَدَّ الْإِنْكَار عَلَيْهِم بِسَبَب غلاء سعر الذَّهَب ومخالفتهم مَا رسم لَهُم بِهِ فِيهِ غير مرّة حَتَّى بلغ المثقال إِلَى مِائَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَالدِّينَار الأفرنتي إِلَى مِائَتَيْنِ وَسِتِّينَ والناصري إِلَى مِائَتَيْنِ وَعشرَة دَرَاهِم، وَبَاتُوا فِي دَاره، محتفظا بهم، وموكلا عَلَيْهِم، حَتَّى تراجع السلكان فِي أَمرهم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 411 فَكثر خوض النَّاس فِي حَدِيث الذَّهَب وتوقفوا فِي أَخذه ثمَّ أفرج عَنْهُم من الْغَد وَلم يَتَقَرَّر شَيْء يعْتَمد عَلَيْهِ فِي أَمر الذَّهَب. وَفِيه كَانَت عدَّة من ورد اسْمه الدِّيوَان من الْأَمْوَات تِسْعَة وَعشْرين وَقدم الْخَبَر من دمشق بتزايد الموتان عِنْدهم وَأَنه يَمُوت فِي الْيَوْم سِتُّونَ إنْسَانا وَأَنه ابْتَدَأَ الوباء عِنْدهم من أثْنَاء ربيع الأول عِنْدَمَا تناقص من ديار مصر. وَفِي ثامن عشره: كتب السُّلْطَان بِطَلَب الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن عبد الله بن أسعد الْعَبْسِي الْقُدسِي الديري الْحَنَفِيّ من الْقُدس ليستقر بِهِ فِي قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بديار مصر عوضا عَن ابْن العديم بعد مَوته. وَفِي عشرينه: بعث السُّلْطَان تَشْرِيفًا إِلَى الْأَمِير فَخر الدّين عبد الْغَنِيّ بن أبي الْفرج كاشف الْوَجْه البحري ليستقر أستاداراً عوضا عَن الْأَمِير بدر الدّين حسن بن محب الدّين وَكتب إِلَيْهِ بِحُضُورِهِ. وَفِيه تقرر على الْأَمِير بدر الدّين بِحمْل مائَة ألف دِينَار وَخمسين ألف دِينَار بعد مَا عصر فِي بَيت الْأَمِير جقمق عصراً شَدِيدا وَضربت الحوطة على موجوده وتتبعت حَوَاشِيه وأسبابه وألزامه فَقبض عَلَيْهِم. وَفِيه قدم الْخَبَر بِأَن عدد الْمَوْتَى بِدِمَشْق بلغ إِلَى مائَة إِنْسَان فِي الْيَوْم مِمَّن يرد اسْمه للديوان. وَفِي حادي عشرينه: قبض على كثير من الصيارفة والتجار ورسم عَلَيْهِم وَأخذُوا من الْغَد وأحضروا بالقلعة فَلم يتهيأ لَهُم حُضُور بَين يَدي السُّلْطَان وتقرر مَعَهم أَلا يخالفوا مَا يرسم بِهِ فِي الذَّهَب وَأَفْرج عَنْهُم بَعْدَمَا أرجف بِأَنَّهُم يشنقوا وَنُودِيَ أَن يكون المثقال الذَّهَب بمائتين وَخمسين وَالدِّينَار الأفرنتي بمائتين وَثَلَاثِينَ وَأَن لَا يتعامل بالناصري بل يقص وَيصرف بِحِسَاب الذَّهَب الهرجة الْمصْرِيّ فشق ذَلِك على النَّاس وَتلف لَهُم مَال كثير. وَفِي ثَالِث عشرينه: قدم الْأَمِير فَخر الدّين عبد الْغَنِيّ بن أبي الْفرج إِلَى الْقَاهِرَة. وَفِي رَابِع عشرينه: نُودي على النّيل أَنه زَاد ثَلَاثَة أَصَابِع وَأَن القاع بلغ سَبْعَة أَذْرع وَنصف ذِرَاع. وَفِي خَامِس عشرينه: خلع على الْأَمِير فَخر الدّين بن أبي الْفرج وَاسْتقر أستاداراً مَعَ مَا بِيَدِهِ من كشف الْوَجْه البحري. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 412 وَفِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء سَابِع عشرينه: نقل الْأَمِير بدر الدّين حسن بن محب الدّين من بَيت الْأَمِير جقمق الدوادار إِلَى بَيت الْأَمِير فَخر الدّين الأستادار وَقد أهينت حَاشِيَته وَأَتْبَاعه وعوقبوا عقوبات كَثِيرَة مُتعَدِّدَة وَقبض على امْرَأَته وعوقبت حَتَّى أظهرت مَالا كثيرا فاصبحوا مرحومين بَعْدَمَا كَانُوا محسودين نكالاً من الله بِمَا قدمت أَيْديهم فَإِنَّهُم كَانُوا قوم سوء فاسقين لم يعفوا عَن وَفِي هَذَا الشَّهْر: قدم الفرنج فِي أَرْبَعَة أغربة إِلَى مَدَنِيَّة يافا وأسروا نَحْو الْخمسين امْرَأَة وطفلاً وحاربهم الْمُسلمُونَ وَقتلُوا مِنْهُم وَاحِدًا ثمَّ افتكوا الأسرى بِخَمْسَة عشر دِينَارا كل أَسِير. وَنزل فِي ثَانِي عشرينه على الْإسْكَنْدَريَّة فرنج فِي مركب بضَاعَة فثار بَينهم وَبَين بعض العتالين شَرّ إِلَى أَن آل الْقِتَال وَأخذ الفرنج مركبا فِيهَا عدَّة من الْمُسلمين وَلم يكفوا عَن الْحَرْب حَتَّى بعث إِلَيْهِم النَّائِب غرماءهم من العتالين وهم ثَلَاثَة فَردُّوا مَا أَخَذُوهُ عِنْد ذَلِك ثمَّ قدمت مركب للمغاربة فَأَخذهَا الفرنج بِمَا فِيهَا وَلم ينج مِنْهُم سوى خَمْسَة عشر نَفرا سبحوا فِي المَاء إِلَى الْبر وَأسر بَقِيَّتهمْ. شهر جُمَادَى الأولى أَوله السبت: فِيهِ سَار الْأَمِير جقمق الدوادار فِي عدَّة من الْأُمَرَاء إِلَى الْوَجْه القبلي وَكتب بإحضار من هُنَاكَ من الْأُمَرَاء. وَفِي سادسه: ندب السُّلْطَان طَائِفَة من الْقُرَّاء إِلَى الِاجْتِمَاع على تِلَاوَة كتاب الله الْعَزِيز بالمقياس وأجرى عَلَيْهِم من الْأَطْعِمَة مَا يَلِيق بهم وَفرق فيهم مَالا فأقاموا على ذَلِك بالمقياس وَسَببه توقف النّيل عَن الزِّيَادَة مُدَّة أَيَّام ونقصه أَرْبَعَة عشر إصبعاً. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة سابعه: ركب الْأَمِير سودن قرا صقل حَاجِب الْحجاب إِلَى شاطئ النّيل وأحرق مَا كَانَ هُنَاكَ من الأخصاص وطرد النَّاس ومنعهم من الِاجْتِمَاع فَإِنَّهُم كَانُوا قد أظهرُوا الْمُنْكَرَات من الْخُمُور وَنَحْوهَا من المسكرات واختلاط النِّسَاء بِالرِّجَالِ من غير استتار فعندما طرقهم الْحَاجِب اضْطَرَبُوا وَنهب بَعضهم بَعْضًا فَذَهَبت أَمْوَال عديدة. وَفِي ثَالِث عشره: قدم الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد الديري من الْقُدس وَنزل بقاعة الْحَنَفِيَّة من الْمدرسَة الصالحية بَين القصرين. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع عشره: استدعي إِلَى قلعة الْجَبَل وخلع عَلَيْهِ بِحَضْرَة السُّلْطَان وَاسْتقر فِي قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بديار مصر وَنزل وَمَعَهُ أَعْيَان الدولة إِلَى الْمدرسَة الصالحية فَحكم على الْعَادة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 413 وَفِي ثَالِث عشرينه: قبض على الْأَمِير كزل العجمي الأجرود أَمِير جاندار وَنفي إِلَى صفد. وَفِيه كثر الطَّاعُون بِدِمَشْق حَتَّى بلغ عدد من يَمُوت نَحْو الْمِائَتَيْنِ فِي كل يَوْم. وَفِيه قبض على مُحَمَّد بن سيف بن عمر بن مُحَمَّد بن بِشَارَة الَّذِي كَانَ يقطع الطَّرِيق وعَلى عَبده وَحمل من وَادي التيم إِلَى دمشق. وَفِي خَامِس عشرينه: نزل عرب لبيد فِي خَمْسمِائَة خيال - سوى المشاة - على ريف الْبحيرَة. شهر جُمَادَى الْآخِرَة أَوله الِاثْنَيْنِ: فِيهِ اشْتَدَّ الطّلب على الْأَمِير بدر الدّين بن محب الدّين وعوقب أَشد عُقُوبَة ونوعت عقوبات إِلْزَامه أَيْضا. وَفِيه قدم الْأُمَرَاء من الْوَجْه القبلي. وَفِيه أَشَارَ السُّلْطَان لمن حضر مَجْلِسه من الْفُقَهَاء بِأَن من الْأَدَب أَنه إِذا دَعَا الخطاء فِي يَوْم الْجُمُعَة للسُّلْطَان أَن ينزلُوا عَن موقفهم الَّذِي كَانُوا فِيهِ دَرَجَة ثمَّ يدعوا للسُّلْطَان حَتَّى لَا يكون ذكر السُّلْطَان فِي الْموضع الَّذِي فِيهِ يذكر الله تَعَالَى وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأمر الخطباء بذلك وَكَانَ مِمَّن حضر يَوْمئِذٍ بَين يَدَيْهِ الشَّيْخ زين الدّين أَبُو هُرَيْرَة بن النقاش خطب الْجَامِع الطولوني وَالشَّيْخ شهَاب الدّين أَبُو الْفضل أَحْمد ابْن حجر خطب الْجَامِع الْأَزْهَر فامتثلا ذَلِك. وَفِي يَوْم الْخَمِيس رابعه: خلع على الْأَمِير فَخر الدّين عبد الْغَنِيّ بن أبي الْفرج وَاسْتقر مشير الدولة مُضَافا لما بِيَدِهِ من الأستادارية وكشف الْوَجْه البحري. وَفِيه قدم الْأَمِير جقمق من الْوَجْه القبلي. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة خامسه: اعْتمد خطباء مصر والقاهرة مَا أَشَارَ بِهِ السُّلْطَان فنزلوا عِنْدَمَا أَرَادوا الدُّعَاء لَهُ دَرَجَة ثمَّ دعوا وَامْتنع من ذَلِك قَاضِي الْقُضَاة البُلْقِينِيّ فِي جَامع القلعة لكَونه لم يُؤمر بذلك ابْتِدَاء فَسئلَ عَن ذَلِك فَقَالَ: لَيْسَ هُوَ السّنة فَغير عزم السُّلْطَان عَن ذَلِك فَترك النَّاس ذَلِك بعده وَلَقَد كَانَ عزم السُّلْطَان فِي هَذَا جيلاً وَللَّه الْأَمر. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 414 وَفِي سادسه: فرق السُّلْطَان على يَد الطواشي فَيْرُوز جملَة فضَّة مؤيدية على الْفُقَهَاء والفقراء والأيتام فتوسع النَّاس بذلك. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامنه - وعاشر مسرى -: أوفى النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا فَنزل السُّلْطَان وعدى النّيل إِلَى المقياس حَتَّى خلق بَين يَدَيْهِ ثمَّ سَار وَفتح سد الخليج على الْعَادة وَعَاد إِلَى القلعة. وَفِي سادس عشره: نُودي أَن يكون صرف الدِّينَار الْمَخْتُوم الهرجة بِثَلَاثِينَ مؤيدياً فضَّة وَصرف الدِّينَار الأفرنتي بِثمَانِيَة وَعشْرين مؤيدياً فَيكون الدِّينَار الهرجة بمائتين وَسبعين درهما من الْفُلُوس وَالدِّينَار الأفرنتي بمائتين واثنين وَخمسين درهما وَمنع النَّاس أَن يتعاملوا بالناصري وَأَن يقص جَمِيع مَا ظهر مِنْهُ ويحسب فِي المثقال مِنْهُ مبلغ مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعين درهما فُلُوسًا فَلم يسْتَقرّ الْحَال على ذَلِك وَخرج الدِّينَار الأفرنتي بمائتين وَسِتِّينَ درهما والناصري بمائتين وَعشرَة. وَفِي سادس عشره: قدم الْأَمِير صَلَاح الدّين مُحَمَّد الْحَاجِب بن الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله نَاظر الْخَاص إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فِي تَحْصِيل المَال فَجَلَسَ بالخمس وَبَين يَدَيْهِ أَعْيَان أَهلهَا فَجَاءَهُ الْخَبَر بِأَن الفرنج الَّذين وصلوا بِبَضَائِع المتجر - وهم فِي ثَمَان عشاريات من مراكب بَحر الْملح - قد عزموا على أَن يهجموا عَلَيْهِ وَأَن يأخذوه هُوَ وَمن مَعَه فَقَامَ عجلاً من غير تأن يُرِيد الْفِرَار وتسارع النَّاس أَيْضا يفرون فهجم الفرنج من بَاب الْبَحْر فدافعهم من هُنَاكَ من العتالين حَتَّى أغلقوا بَاب الْبَحْر وَقتلُوا رجلا من الفرنج فَقتل الفرنج نَحْو عشْرين من الْمُسلمين وانتشروا على السَّاحِل وأسروا نَحْو سبعين مُسلما وَأخذُوا مَا ظفروا بِهِ وَلَحِقُوا بمراكبهم وَأتوا فِي اللَّيْل يُرِيدُونَ السُّور فتراموا ليلتهم كلهَا مَعَ الْمُسلمين إِلَى الْفجْر فَأخذ كثير من الْمُسلمين فِي الرحيل من الْإسْكَنْدَريَّة وأخرجوا عِيَالهمْ وَقَامَ الصياح على فقد من قتل وَأسر وَبَاتُوا لَيْلَة الْجُمُعَة مَعَ الفرنج فِي الترامي من أَعلَى السُّور فَقدمت طَائِفَة من المغاربة فِي مركب وَمَعَهُمْ زَيْت وَغَيره من تجاراتهم فَمَال الفرنج عَلَيْهِم وقاتلوهم قتالاً شَدِيدا حَتَّى أخذوهم عنْوَة وأخرجوهم إِلَى الْبر وقطعوهم قطعا وَأهل الْإسْكَنْدَريَّة يرونهم فَلَا يغيثونهم. فَقدم الْخَبَر بذلك فِي لَيْلَة السبت عشرينه فاضطرب النَّاس بِالْقَاهِرَةِ وَخرج نَاظر الْخَاص نجدة لوَلَده وَمضى مَعَه عدَّة من الْأُمَرَاء وَخرج الشَّيْخ أَبُو هُرَيْرَة بن النقاش فِي عدَّة من المطوعة يَوْم الْأَحَد حادي عشرينه وَقدمُوا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 415 الْإسْكَنْدَريَّة فوحدوا الفرنج قد أقلعوا وَسَارُوا بالأسرى وَمَا أَخَذُوهُ من الْبر وَمن مركب المغاربة فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي عشرينه فعادوا فِي آخر الشَّهْر إِلَى الْقَاهِرَة. وَفِيه كثر الطَّاعُون بِدِمَشْق. وَفِيه قتل حميد بن نعير غدراً. وَفِيه نزل على مَدِينَة الرحبة حُسَيْن بن نعير وحصرها عشْرين يَوْمًا كَانَت فِيهَا حروب عَظِيمَة حَتَّى أَخذهَا ونهبها ثمَّ أحرقها حَتَّى جعلهَا فَحْمَة سَوْدَاء. وَفِي سَابِع عشرينه: اعتقل الْأَمِير كزل العجمي الَّذِي كَانَ حَاجِب الْحجاب بديار مصر وَنفي إِلَى قلعة صفد. شهر رَجَب أَوله الثُّلَاثَاء: فِي سَابِع عشره: دَار الْمحمل على الْعَادة بَعْدَمَا جبي الْأَمِير سيف الدّين خرز وَالِي الْقَاهِرَة مَا حدث من أَخذ الْخمر للمماليك الرماحة من أهل الذِّمَّة فجبي من الْيَهُود خَمْسَة وَسِتِّينَ مروقة خمر ثمنهَا عِنْدهم مائَة وَعِشْرُونَ درهما كل مروقة وغرموا مَعَ ذَلِك جملَة لأعوانه بلغت خَمْسَة آلَاف دِرْهَم. وَطلب من النَّصَارَى مثل ذَلِك فتعززوا عَلَيْهِ لقُوَّة جاههم فحقد عَلَيْهِم ذَلِك وكبس سريقة صَفِيَّة خَارج الْقَاهِرَة وكبس الكوم خَارج مصر وأراق لِلنَّصَارَى - باعة الْخمر - عدَّة آلَاف من جرارها وَكتب على أكابرهم إشهادات بِكَثِير من جرار الْخمر يقومُونَ لَهُ بهَا فَمنهمْ من ألزمهُ بثلاثمائة جرة وَتلف لَهُم مَعَ هَذَا مَال كَبِير مِمَّا غرموه للأعوان وَمِمَّا نهب فَكَانَ هَذَا من شنيع الْمُنْكَرَات. وَفِي ثامن عشره: نُودي أَن يكون النّصْف المؤيدي بِثمَانِيَة دَرَاهِم فُلُوسًا وكل رَطْل من الْفُلُوس بِخَمْسَة دَرَاهِم وَنصف وكل دِينَار أفرنتي بمائتين وَثَلَاثِينَ فُلُوسًا وكل دِينَار هرجة بمائتين وَخمسين وَفِي ثَانِي عشرينه: خلع على الْأَمِير منكلي بغا العجمي وأعيد إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة. وعزل ابْن شعْبَان مزموماً لقبح سيرته وَنُودِيَ بتهديد من خَالف مَا رسم بِهِ فِي الْفُلُوس وَالْفِضَّة المؤيدية أَو تكلم فِيمَا لَا يُعينهُ. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء سلخه: خلع على الْأَمِير بدر الدّين حسن بن محب الدّين وَاسْتقر كاشف الْوَجْه القبلي بَعْدَمَا ضرب بِحَضْرَة السُّلْطَان. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 416 وَفِي هَذَا الشَّهْر: رسم بِدِمَشْق على قَاضِي نجم الدّين عمر بن حجي الشَّافِعِي وَنُودِيَ بعزله والكشف عَلَيْهِ وَأَن من لَهُ عَلَيْهِ حق يحضر إِلَى بَيت الْحَاجِب الدَّعْوَى عَلَيْهِ وَاسْتمرّ النداء مُدَّة أَيَّام فَلم يظْهر عَلَيْهِ شَيْء ثمَّ نفل إِلَى الْمدرسَة اليونسية بالشرف الْأَعْلَى ورسم عَلَيْهِ وَنصب للْحكم بَين النَّاس نائبان من نوابه وكتبت أوراق بوظائفه وَأشْهد عَلَيْهِ أَنه إِن كَانَ لَهُ غير ذَلِك يكون عِنْده عشرَة آلَاف دِينَار لعمارة الأسوار وحملت الأوراق إِلَى السُّلْطَان. وَفِيه نزل قرا يلوك على أرزنجان وأفسد بلادها فَكتب نائبها بير عمر إِلَى قرا يُوسُف فأمده بِابْنِهِ اسكندر ففر مِنْهُ قرا يلوك وَأخذ مَا كَانَ مَعَه. وَفِيه مَاتَ الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد إلْيَاس حَاجِب غَزَّة وَقد كَانَ قدم إِلَى الْقَاهِرَة غير مرّة وَكَانَ من الظلمَة الْكِبَار. شهر شعْبَان المكرم أَوله الْأَرْبَعَاء: وَفِيه تردد السُّلْطَان إِلَى الْعِمَارَة بجوار بَاب زويلة غير مرّة. وَفِيه كثر طلب مباشري الدولة للرخام - من الْعمد والألواح - برسم الْجَامِع المؤيدي فَأخذ ذَلِك من عدَّة بيُوت فِي الْقَاهِرَة ومصر. وَفِيه كثر غبن النَّاس لانحطاط النُّقُود بديار مصر مَعَ ثبات أسعار المبيعات وَأجر الْأَعْمَال. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِي عشرينه: وسط بِمَدِينَة الْمحلة شمس الدّين مُحَمَّد بن مريجينة - قَاضِي نَاحيَة جوجر من الغربية ومتدركها - وأحيط بموجوده وَهُوَ نَحْو خَمْسَة وَأَرْبَعين ألف دِينَار فَدخل ديوَان السُّلْطَان وَلم يتْرك مِنْهُ لأولاده شَيْء. وَفِي سلخه: خلع على الْأَمِير بدر الدّين حسن بن محب الدّين خلعة السّفر فَتوجه إِلَى الْوَجْه القبلي من غده. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 417 وَفِيه خلع على زين الدّين قَاسم قَاضِي العلايا من بِلَاد الرّوم وَاسْتقر فِي قَضَاء الْعَسْكَر وإفتاء الْعدْل على مَذْهَب الْحَنَفِيَّة وكانتا قد شغرتا من مُدَّة وقاسم هَذَا قدم إِلَى الْقَاهِرَة من نَحْو سنة وَحضر فِي مجْلِس السُّلْطَان مَعَ من يحضر من الْفُقَهَاء فِي كل أُسْبُوع. وَقدم الْخَبَر بِكَثْرَة الوباء بالقدس وصفد وَأَنه ابْتَدَأَ عِنْدهم من مُدَّة أشهر. وَفِيه وعك السُّلْطَان. وَفِيه مَاتَ أيدغمش بن أوزر من أُمَرَاء التركمان فِي الاعتقال بِدِمَشْق. وَفِيه قدمت هَدِيَّة سلمَان بن أبي يزِيد بن عُثْمَان متملك برصا فَأنْزل قاصده بدار الضِّيَافَة وَقبلت هديته ورسم أَن تجهز لَهُ هَدِيَّة. شهر رَمَضَان الْمُعظم أَوله الْجُمُعَة: لم يشْهد فِيهِ السُّلْطَان الْجُمُعَة لملازمته الْفراش. وَفِيه فرق الطواشي فَيْرُوز فِي النَّاس مبلغا من المؤيدية على الْعَادة. وَفِيه رتب السُّلْطَان عدَّة أبقار تذبح فِي مَوَاضِع مُتعَدِّدَة وَيفرق لَحمهَا كَمَا كَانَت عَادَة الْملك الظَّاهِر برقوق فِي شهر رَمَضَان. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سابعه: خلع على الْأَمِير أقبغا شَيْطَان شاد الدَّوَاوِين وَاسْتقر فِي ولَايَة الْقَاهِرَة وعزل الْأَمِير خرز فَصَارَ بِيَدِهِ ولَايَة الْقَاهِرَة وَشد الدَّوَاوِين والحجربية وخلع على خرز وَاسْتقر فِي نقابة الْجَيْش. وَفِي تاسعه: نُودي بِأَن يكون سعر المؤيدي ثَمَانِيَة دَرَاهِم وَأَن تكون الْفُلُوس بِخَمْسَة دَرَاهِم وَنصف كل رَطْل وَيكون الدِّينَار الأفرنتي بمائتين وَثَلَاثِينَ وهدد من زَاد فِي ذَلِك أَو غَيره. وَكَانَ الأفرنتي قد بلغ إِلَى أحد وَثَلَاثِينَ مؤيدياً. وَفِيه قدم الشريف بَرَكَات بن الْأَمِير حسن بن الْأَمِير عجلَان من مَكَّة المشرفة بخيل وَغَيرهَا تقدمة للسُّلْطَان فَقبلت مِنْهُ وَأنزل وأجرى عَلَيْهِ راتب. وَفِي حادي عشره: خلع على الْأَمِير خرز وَاسْتقر شاد الداوين عوضا عَن أقبغا شَيْطَان وَجعل من جملَة الْحجاب فَصَارَ شاد الدَّوَاوِين نقيب الْجَيْش حاجباً. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 418 وَفِي خَامِس عشره: كتب تَقْلِيد الشريف حسن بن عجلَان بإعادته إِلَى إمرة مَكَّة وعزل الشريف رميثة. وَفِي عشرينه: أحضر إِلَى السُّلْطَان بِرَجُل عجمي ادّعى أَنه صعد إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة وَرَأى الله سُبْحَانَهُ وَأَنه تَعَالَى صرفه فِي الْملك فسجن بالمارستان عِنْد الممرودين. وَفِيه أُعِيد رَسُول ملك الْيمن وَرَسُول الفرنج البندقية وَرَسُول قرا يُوسُف وَمَعَ كل مِنْهُم هَدِيَّة. وَفِي آخِره: قدم قَاضِي الْقُضَاة نجم الدّين عمر بن حجي من دمشق وَقد عزل عَن قَضَاء دمشق بِجَمَال الدّين عبد الله بن نور الدّين مُحَمَّد بن صدر الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد ابْن زيد قَاضِي بعلبك. وَفِي هَذَا الشَّهْر: قرئَ كتاب صَحِيح البُخَارِيّ بِالْقصرِ من قلعة الْجَبَل على مَا جرت بِهِ الْعَادة وَحضر قِرَاءَته الْقُضَاة الْأَرْبَع وَلم تجر الْعَادة بذلك وَإِنَّمَا كَانَ يحضر قَاضِي الْقُضَاة الشَّافِعِي وَشَيخ الْإِسْلَام فِي طَائِفَة يسيرَة من الْفُقَهَاء فَزَاد عدد الْفُقَهَاء الْحَاضِرين فِي هَذِه السّنة على سِتِّينَ فَقِيها صرف لكل مِنْهُم ألف دِرْهَم فُلُوسًا. وَفِيه كَانَ السُّلْطَان مُنْقَطِعًا لألم رجله. وَفِيه كَانَت فتْنَة بالبحيرة. وَفِيه كثر الْغبن من انحطاط النُّقُود وتغيرها مَعَ ثبات السّعر فِي المبيعات. شهر شَوَّال أَوله السبت: فِي ثالثه: قتل الْأَمِير دمرداش الفخري كاشف الْوَجْه البحري مُوسَى بن رحاب وَخلاف بن عَتيق من شُيُوخ الْبحيرَة وَقتل أهل الْبحيرَة حُسَيْن بن شرف وعدة من شيوخهم. وَفِي سادسه: قدمت رسل قرا يُوسُف. وَفِي رَابِع عشره: توجه الْأَمِير فَخر الدّين بن أبي الْفرج بالعسكر لقِتَال أهل الْبحيرَة. وَفِيه قدم ركب التكرور لِلْحَجِّ وَمَعَهُمْ ألف وَسَبْعمائة رَأس من العبيد وَالْإِمَاء وَشَيْء كثير من التبر. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 419 وَفِي عشرينه: خرج محمل الْحَاج إِلَى بركَة الْحجَّاج وَحج من الْأَعْيَان قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين عبد الله بن مقداد الأقفهسي الْمَالِكِي والأمير صَلَاح الدّين مُحَمَّد الْحَاجِب بن الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله نَاظر الْخَاص وخوند خَدِيجَة زَوْجَة السُّلْطَان. وَفِي سَابِع عشرينه: قلع بَاب مدرسة السُّلْطَان حسن وَنقل إِلَى الْجَامِع المؤيدي بجوار بَاب زويلة وَنقل مَعَه التَّنور الَّذِي كَانَ مُعَلّقا هُنَاكَ وَقد اشتراهما السُّلْطَان بِخَمْسِمِائَة دِينَار. وَفِي هَذَا الشَّهْر: توجه مُحَمَّد كرشجي بن أبي يزِيد بن عُثْمَان صَاحب برصا لقِتَال اسفنديار بن أبي متملك قسطمونية وحصره فِي جَزِيرَة سينوب إِلَى أَن وَقع بَينهمَا الِاتِّفَاق على أَن يخْطب لَهُ وَيضْرب السِّكَّة باسمه فأفرج عَنهُ وَعَاد اسفنديار إِلَى قسطمونية وخطب باسم مُحَمَّد كرشجي فَلم يُوَافقهُ وزيره خواند سلار على إِقَامَة الخطة بالجامع الَّذِي أنشأه لمُحَمد وَصَارَ يخْطب فِيهِ باسم ملكة اسفنديار وخطب اسفنديار فِي بَقِيَّة جَوَامِع قسطمونية باسم مُحَمَّد كرشجي وَهَذَا من غَرِيب مَا وَقع أَن يخْطب فِي مَدِينَة وَاحِد باسم ملكَيْنِ فِي وَقت وَاحِد. وَفِيه عز وجود لحم الضَّأْن وَلحم الْبَقر بِالْقَاهِرَةِ. وَفِيه كَانَت فتْنَة بِمَكَّة وَذَلِكَ أَن الشريف حسن بن عجلَان لما عزل بالشريف رميثة فِي صفر من السّنة الخالية وَدخل رميثة إِلَى مَكَّة فِي أول ذِي الْحجَّة مِنْهَا - كَمَا تقدم - لم يتَعَرَّض إِلَيْهِ الشريف حسن حَتَّى بعث ابْنه بَرَكَات وقائده شكر إِلَى السُّلْطَان فَقدما - كَمَا تقدم - فَكتب السُّلْطَان بِإِعَادَة الشريف حسن إِلَى الإمرة فِي ثامن عشر شهر رَمَضَان وجهز إِلَيْهِ تشريفه وتقليده فَقدما عَلَيْهِ وَهُوَ بجدة فِي ثَانِي شَوَّال فَبعث إِلَى القواد العمرية - وَكَانُوا باينوه من شعْبَان وَلَحِقُوا برميثة فِي مَكَّة - يرغبهم فِي طَاعَته فَأَبَوا عَلَيْهِ وجمعوا لحربه فَسَار إِلَى مَكَّة وعسكر بالزاهر - ظَاهر مَكَّة - فِي يَوْم السبت ثَانِي عشْرين شَوَّال هَذَا وَمَعَهُ الْأَشْرَاف آل أبي نمي وَآل عبد الْكَرِيم والأدارسة وَمَعَهُ الْأَمِير الشريف مقبل بن مُخْتَار الحسني أَمِير يَنْبع بعسكره وَمَعَهُ مائَة وَعِشْرُونَ من الأتراك فَبعث إِلَى العمرية يَدعُوهُم إِلَى طَاعَته فندبوا إِلَيْهِ ثَلَاثَة مِنْهُم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 420 فَلَمَّا أَتَوْهُ خوفهم عَاقِبَة الْحَرْب وحذرهم ومضوا إِلَى مَكَّة فَلم يعودوا إِلَيْهِ لتماديهم وقومهم على مُخَالفَته فَركب يَوْم الِاثْنَيْنِ رَابِع عشرينه من الزَّاهِر وخيم بِقرب الْعسيلَة أعلا الأبطح وَأصْبح يَوْم الثُّلَاثَاء زاحفاً فِي ثَلَاثمِائَة فَارس وَألف راجل فَخرج إِلَيْهِ رميثة فِي قدر الثُّلُث من هَؤُلَاءِ فَلَمَّا بلغ الشريف حسن إِلَى المعابد بعث يَدعُوهُم فَلم يُجِيبُوهُ فَسَار إِلَى المعلا ووقف على الْبَاب وَرمى من فَوْقه فانكشفوا عَنهُ وألقيت فِيهِ النَّار فَاحْتَرَقَ وانبت أَصْحَاب حسن ينقبون السُّور ويرمون من الْجَبَل بالنشاب والأحجار أَصْحَاب رميثة ثمَّ اقتحموا السُّور عَلَيْهِم وقاتلوهم حَتَّى كثرت الْجِرَاحَات فِي الْفَرِيقَيْنِ فَتقدم بعض بني حسن وأجار من الْقِتَال فانكف عِنْد ذَلِك حسن وَمنع أَصْحَابه من الْحَرْب فَخرج الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء والفقراء بالمصاحف والربعات إِلَى حسن وسألوه أَن يكف عَن الْقِتَال فأجابهم بِشَرْط أَن يخرج رميثة وَمن مَعَه من مَكَّة فَمَضَوْا إِلَى رميثة وَمَا زَالُوا بِهِ حَتَّى تَأَخّر عَن مَوْضِعه إِلَى جَوف مَكَّة وَدخل الشريف حسن بِجَمِيعِ عسكره وخيم حول بركتي المعلا وَبَات بهَا وَسَار يَوْم الْأَرْبَعَاء سادس عشرينه وَعَلِيهِ التشريف السلطاني وَمَعَهُ عسكره إِلَى الْمَسْجِد فَنزل وَطَاف بِالْبَيْتِ سبعا والمؤذن قَائِم على بر زَمْزَم يَدْعُو لَهُ حَتَّى فرغ من رَكْعَتي الطّواف ثمَّ مضى إِلَى بَاب الصَّفَا فَجَلَسَ عِنْده وَقُرِئَ تَقْلِيده إمرة مَكَّة هُنَاكَ ثمَّ قرئَ كتاب السُّلْطَان إِلَيْهِ بتسلم مَكَّة من رميثة وَقد حَضَره عَامَّة النَّاس ثمَّ ركب وَطَاف الْبَلَد وَنُودِيَ بالأمان وَأجل رميثة وَمن مَعَه خَمْسَة أَيَّام فَلَمَّا مَضَت سَار بهم إِلَى جِهَة الْيمن وَاسْتقر أَمر الشريف حسن بِمَكَّة على عَادَته وَثَبت من غير مُنَازع. وَفِيه قدمت الخاتون زَوْجَة الْأَمِير أيدكي صَاحب الدست إِلَى دمشق تُرِيدُ الْحَج وَفِي خدمتها ثَلَاثمِائَة فَارس. شهر ذِي الْقعدَة أَوله الِاثْنَيْنِ: فِيهِ سَار الشريف بَرَكَات بن حسن بن عجلَان إِلَى مَكَّة. وَفِي رابعه: ركب السُّلْطَان وعدى النّيل الْبر الغربي وأمام هُنَاكَ يتصيد. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 421 وَفِي ثامنه: قدم الْأَمِير فَخر الدّين بن أبي الْفرج من الْبحيرَة وَمَعَهُ شَيْء كثير من الأغنام وَغَيرهَا وعدة رُءُوس مِمَّن قَتله من النَّاس بَعْدَمَا وصل فِي طلب أهل الْبَصْرَة إِلَى الْعقبَة فَلم يظفر بهم فَمضى من الْعقبَة نَحْو برقة أَيَّامًا ثمَّ رَجَعَ بِغَيْر طائل سوى تخريب الْبِلَاد ونهبها. وَفِيه قدم أَيْضا الْأَمِير سودن الْأَشْقَر من سجن الْإسْكَنْدَريَّة فَنزل خَارج الْقَاهِرَة وَمضى مِنْهَا إِلَى الْقُدس ليقيم بِهِ بطالاً. وَفِي ثامن عشره: عَاد السُّلْطَان إِلَى القلعة وَقد انْتهى إِلَى الطرانة. وَفِي يَوْم السبت عشرينه: خلع على الْأَمِير فَخر الدّين بن أبي الْفرج وَاسْتقر فِي الوزارة بعد موت تَقِيّ الدّين عبد الْوَهَّاب بن أبي شَاكر مُضَافا لما بِيَدِهِ من الأستادارية والكشف. وخلع على سَيِّدي سُلَيْمَان بن الكويز وَاسْتقر أستادار الْأَمِير صارم الدّين ابْن السُّلْطَان عوضا عَن تَقِيّ الدّين بن أبي شَاكر وَلبس هَيْئَة الأجناد وَحَملَة السِّلَاح من القباء والكلفتاه وَترك زِيّ أَبِيه وأخويه وخلع على الْأَمِير يحيى بن لاقي وَاسْتقر شاد الْخَاص مُضَافا لما بِيَدِهِ من المهمندارية. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كَانَ اللَّحْم بِالْقَاهِرَةِ عَزِيز الْوُجُود. وَفِيه بِيعَتْ الْبَاقِيَة البنفسج - وَهُوَ حِين أَوَانه - بِمِائَة وَخمسين درهما فُلُوسًا عَنْهَا نَحْو عشْرين مؤيدياً فضَّة وَذَلِكَ لقلَّة وجوده فَإِنَّهُ لم يزرع سوى فِي مَوضِع وَاحِد وَلَقَد عهدنا الباقة مِنْهُ تبَاع بِنصْف دِرْهَم فضَّة فسبحان محيل الْأَحْوَال. وَفِيه هدمت قلعة الخوابي إِحْدَى قلاع الإسماعيلية من عمل طرابلس حَتَّى سوي بهَا الأَرْض بعد حِصَار طَوِيل فَصَارَت أثرا بعد عين. وَفِي سَابِع عشرينه: خلع على مَانع بن سنيد بإمرة بني مهْدي عوضا عَن مُحَمَّد ابْن هيازع بِحكم وَفَاته. شهر ذِي الْحجَّة أَوله الثُّلَاثَاء: فِي رابعه: استدعي نجم الدّين عمر بن حجي وخلع عَلَيْهِ بإعادته إِلَى قَضَاء الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 422 وَفِي رَابِع عشره: وصل إِلَى الْقَاهِرَة دوغان بن حَدِيثَة أَمِير آل فضل بِكِتَاب أَبِيه يتَضَمَّن تسحب أَوْلَاد نعير من الرحبة. وَفِي سلخه: قدم رَسُول الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن قرمان وَمَعَهُ دَرَاهِم قد ضربت بالسكة المؤيدية. وَفِي هَذَا الشَّهْر: ابْتَدَأَ الْأَمِير جقمق الدوادار بِعرْض أجناد الْحلقَة. وَفِي يَوْم النَّحْر عاشره: أنزل بالخليفة المستعين بِاللَّه الْعَبَّاس بن مُحَمَّد من محبسه بقلعة الْجَبَل نَهَارا إِلَى سَاحل مصر وَهُوَ على فرس وَجِيء أَيْضا بالأمير فرج بن الْملك النَّاصِر فرج وباخويه مُحَمَّد وخليل فِي محفة فَسَارُوا فِي النّيل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة ووكل بهم الْأَمِير كزل الأرغون شاوي أحد أُمَرَاء حماة فسجنوا بهَا وَكَانَ الْخَلِيفَة لما جلس الْملك الْمُؤَيد على التخت حوله من الْقصر وَأَسْكَنَهُ بدار من دور الْحرم السُّلْطَانِيَّة وَمَعَهُ أَهله وَولده ثمَّ نَقله إِلَى برج قريب من بَاب القلعة فَأَقَامَ بِهِ وَعِنْده أَهله مُدَّة حَتَّى حمل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فَأنْزل ببرج من أبراجها بأَهْله وَولده من غير أَن يجْرِي عَلَيْهِ شَيْء. وَفِي ثَانِي عشره: ركب السُّلْطَان وعدى إِلَى نَاحيَة أوسيم. فَأَقَامَ هُنَاكَ إِلَى سادس عشرينه ثمَّ سَار إِلَى شاطئ النّيل وَنزل على منبابة إِلَى ثامن عشرينه وعدى إِلَى القلعة. وَفِيه قدمت خَدِيجَة خاتون - زَوْجَة الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن دلغادر - من أبلستين فِي طلب وَلَدهَا. وَكَانَ قد عوقه السُّلْطَان عِنْده من مُدَّة طَوِيلَة فأكرمها السُّلْطَان وأنزلها وَجمع بَينهَا وَبَين ابْنهَا وَكَانَ قد قبض عَلَيْهِ بعد فتْنَة الْأَمِير قانباي وَحمله إِلَى قلعة الْجَبَل وأجرى عَلَيْهَا مَا يَلِيق بهَا. وَفِي تَاسِع عشرينه: قدم مبشرو الْحَاج وأخبروا بسلامة الْحجَّاج وأخبروا أَنهم وقفُوا بِعَرَفَة يَوْم الْخَمِيس وَكَانَت الوقفة بِمصْر يَوْم الْأَرْبَعَاء. وَكَانَت النَّفَقَة على الْجَامِع المؤيدي إِلَى سلخ هَذِه السّنة مبلغ أَرْبَعِينَ ألف دِينَار. وفيهَا كَانَت بَين ابْن عُثْمَان وَبَين النَّصَارَى حروب عَظِيمَة أَخذ لَهُ فِيهَا النَّصَارَى اثْنَي عشر مركبا وَقتلُوا من الْمُسلمين أَرْبَعَة آلَاف. وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر الْأَمِير الْوَزير شهَاب الدّين أَحْمد بن الْحَاج عمر الْمَعْرُوف بِابْن قطنة - تَصْغِير قطنة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 423 بالنُّون - يَوْم الْأَحَد ثَانِي عشْرين الْمحرم بَاشر الوزارة فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانمِائَة دون الْأُسْبُوع وعزل وَتصرف فِي عدَّة أَعمال. وَكَانَ ذَا يسَار وترف. وَمَات الْأَمِير تنبك شاد الشَّرَاب خاناة فِي سادس عشْرين صفر فَشهد السُّلْطَان جنَازَته وشكر لما سَافر بالحاج فِي سنة ثَمَان عشرَة. وَمَات قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن معبد الْقُدسِي الْمَعْرُوف بالمدني الْمَالِكِي يَوْم الْجُمُعَة عَاشر شهر ربيع الأول وَقد بلغ سبعين سنة وَكَانَ مشكور السِّيرَة فِي ولَايَته بالعفة مَعَ قلَّة الْعلم. وَمَات شهَاب الدّين أَحْمد الصَّفَدِي نَاظر المارستان وناظر الأحباس ثَانِي عشر ربيع الأول وَلم يكن مشكور السِّيرَة. وَمَاتَتْ خوند ستيتة بنت الْملك النَّاصِر فرج بن الْملك الظَّاهِر برقوق لَيْلَة السبت تَاسِع عشر ربيع الأول فَاشْتَدَّ حزن زَوجهَا الْأَمِير صارم الدّين إِبْرَاهِيم ابْن السُّلْطَان عَلَيْهَا. وَمَات الشَّيْخ فتح الدّين أَبُو الْفَتْح ابْن الشَّيْخ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الدايم الباهي الْحَنْبَلِيّ فِي لَيْلَة الْجُمُعَة خَامِس عشرينه وَكَانَ من نبهاء الْفُضَلَاء فِي عدَّة فنون. وَمَات الشَّيْخ همام الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد الْخَوَارِزْمِيّ الشَّافِعِي شيخ الْمدرسَة الجمالية برحبة بَاب الْعِيد من الْقَاهِرَة وَكَانَ يدرس فِي عدَّة عُلُوم من فقه وَنَحْو وَغَيره. وَمَات قَاضِي الْقُضَاة أَمِين الدّين عبد الْوَهَّاب بن قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر الطرابلسي الْحَنَفِيّ لَيْلَة السبت سادس عشرينه وَقد تجَاوز أَرْبَعِينَ سنة وَكَانَ مشكور الطَّرِيقَة. وَمَات تَقِيّ الدّين أَبُو بكر بن عُثْمَان بن مُحَمَّد الجيتي الْحَمَوِيّ الْحَنَفِيّ قَاضِي الْعَسْكَر فِي تَاسِع عشرينه وَكَانَ من فضلاء الْحَنَفِيَّة ونحاتهم. وَمَات الطواشي زين الدّين مقبل الأشقتمري رَأس نوبَة الجمدارية لَيْلَة الِاثْنَيْنِ رَابِع ربيع الآخر وَدفن بمدرسته بِخَط التبانة خَارج بَاب زويلة. وَكَانَ رومياً يحفظ الْقُرْآن الْكَرِيم وَكتاب الْحَاوِي فِي الْفِقْه على مَذْهَب الشَّافِعِي ويجله مَعَ ديانَة. وَمَات قَاضِي الْقُضَاة نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن قَاضِي الْقُضَاة كَمَال الدّين عمر بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن العديم الْحلَبِي الْحَنَفِيّ فِي لَيْلَة السبت تاسعه بعد مرض طَوِيل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 424 عَن سبع وَعشْرين سنة وَكَانَ سيئ السِّيرَة رَدِيء الطَّرِيقَة كثير الهوج أحمقاً مائقاً جر هُوَ وَأَبوهُ على أهل الْإِسْلَام عاراً كَبِيرا. وَمَات الشَّيْخ عز الدّين مُحَمَّد بن شرف الدّين أبي بكر ابْن قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين عبد الْعَزِيز ابْن قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة يَوْم الْأَرْبَعَاء عشْرين ربيع الآخر ومولده بِمَدِينَة يَنْبع فِي سنة تسع وَخمسين وَسَبْعمائة وَكَانَ قد برع فِي عدَّة عُلُوم مَعَ الِانْقِطَاع عَن النَّاس وإطراح التَّكَلُّف والقنع باليسير. وَمَات الْوَزير الصاحب تَقِيّ الدّين عبد الْوَهَّاب بن الصاحب فَخر الدّين عبد الله بن الْوَزير تَاج الدّين مُوسَى بن علم الدّين بن أبي شَاكر بن تَاج الدّين أَحْمد بن الصاحب شرف الدّين إِبْرَاهِيم بن الشَّيْخ سعد الدولة فِي يَوْم الْخَمِيس حادي عشر ذِي الْقعدَة. وَمَاتَتْ خوند عَائِشَة ابْنة الْأَمِير أنص أُخْت الْملك الظَّاهِر برقوق وَأم الْأَمِير الْكَبِير بيبرس لَيْلَة الْأَحَد رَابِع عشْرين ذِي الْقعدَة وَقد بلغت الْكبر. وَمَات الشَّيْخ زين الدّين أَبُو هُرَيْرَة عبد الرَّحْمَن ابْن الشَّيْخ شمس الدّين أبي أُمَامَة مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الْوَاحِد بن يُوسُف بن عبد الرَّحِيم الدكالي الْمَعْرُوف بِابْن النقاش الشَّافِعِي خطب جَامع أَحْمد بن طولون فِي يَوْم عيد النَّحْر وَكَانَ آمراً بِالْمَعْرُوفِ ناهياً عَن الْمُنكر قَوِيا فِي ذَات الله تَعَالَى. وَمَات الْأَمِير قماري شاد السِّلَاح خاناه وأمير الركب الأول من الْحَاج فِي تَاسِع عشْرين شَوَّال بوادي القباب وَهُوَ مُتَوَجّه إِلَى الْحَج. وَقتل مُحَمَّد بن سيف بن عمر بن محمدبن بِشَارَة أحد شُيُوخ صفد بسجنه من الْقَاهِرَة فِي سادس ذِي الْحجَّة وَجعل بواً محشوا وَحمل إِلَى صفد وَكَانَ قد قبض عَلَيْهِ وَحمل إِلَى الْقَاهِرَة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 425 وَمَات الْأَمِير أرغون أَمِير أخور فِي أَيَّام النَّاصِر فرج وَهُوَ بالقدس فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث ذِي الْقعدَة بَعْدَمَا ابْتُلِيَ بالجذام وَكَانَ دينا خيرا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 426 (سنة عشْرين وَثَمَانمِائَة) أهلت ومتملك مصر وَالشَّام والحجاز السُّلْطَان الْملك الْمُؤَيد أَبُو النَّصْر سيف الدّين شيخ المحمودي الظَّاهِرِيّ والأمير الْكَبِير سيف الدّين ألطنبغا القرمشي وأمير سلَاح سيف الدّين قجقار القردمي وأمير مجْلِس الْأَمِير بيبغا المظفري وأمير أخور تنبك ميق والدوادار الْكَبِير الْأَمِير جقمق وَرَأس نوبه الْأَمِير برد بك. وأمير جندار نكباي. ونائب الشَّام الْأَمِير ألطنبغا العثماني ونائب حلب الْأَمِير أقباي ونائب طرابلس الْأَمِير يشبك اليوسفي ونائب حماة الْأَمِير حَار قطلي ونائب غَزَّة الْأَمِير اجترك ونائب الكرك الْأَمِير شاهين وقضاة الْقُضَاة بِمصْر وَكَاتب السِّرّ وَبَقِيَّة المباشرين على حَالهم كَمَا تقدم. شهر الله الْمحرم أَوله الْخَمِيس: فِيهِ ورد الْخَبَر بِأَن حَدِيثَة بن سيف أَمِير آل فضل لما توجه إِلَى مَدِينَة الرحبة صَحبه نائبها الْأَمِير زين الدّين عمر بن شَهْري وَطَائِفَة من عَسْكَر الشَّام افترق عذرا ومُوسَى ولدا على بن نعير وتسحبا فَعَادَت العساكر وَأقَام الْأَمِير حَدِيثَة على الرحبة ثمَّ نزل قَرِيبا من تدمر فَأَتَاهُ عذرا فِي نَحْو ثَلَاثَة آلَاف فَارس فحاربهم وكسرهم. وَفِي ثَانِيه: جلس السُّلْطَان لعرض الأجناد البطالين فَعَن مِنْهُم طَائِفَة ليسافروا صحبته إِلَى الشَّام. وَفِي خامسه: علق الشاليش على الطبلخاناه بقلعة الْجَبَل ليتأهب الْعَسْكَر للسَّفر. وَفِيه نُودي أَن يكون سعر الْفضة المؤيدية على مَا هُوَ عَلَيْهِ كل مؤيدي بِثمَانِيَة دَرَاهِم فُلُوسًا وَأَن كل دِينَار أفرنتي بمائتين وَثَلَاثِينَ درهما فُلُوسًا وكل مِثْقَال ذهب مصري بمائتين وَخمسين وكل رَطْل فلوس بِسِتَّة دَرَاهِم وَكَانَ بِخَمْسَة وَنصف فازداد نصف دِرْهَم فُلُوسًا وَعَاد كَمَا كَانَ فسر النَّاس بذلك وتمشت أَحْوَالهم إِلَّا أَنه حصل لكثير من النَّاس غبن ولآخرين فَوَائِد لتَفَاوت السعرين. وَفِي سادسه: وضعت جاموسة بِنَاحِيَة بلقس من ضواحي الْقَاهِرَة مولوداً أُنْثَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 427 برأسين وعنقين وَأَرْبع أَيدي وَرجلَيْنِ اثْنَيْنِ وسلسلتي ظهر وذنب مفروق من آخِره اثْنَيْنِ ودبر وَاحِد وَفرج وَاحِد. وَفِي سابعه: خلع على الْأَمِير طغرل بن صقل سيز ورسم بِسَفَرِهِ لجمع تراكمينه. وَفِيه جلس السُّلْطَان لتفرقة النَّفَقَات فَبعث إِلَى كل من أُمَرَاء الألوف ألفي دِينَار وَأعْطى كل مَمْلُوك ثَمَانِيَة وَأَرْبَعين دِينَار صرفهَا عشرَة آلَاف دِرْهَم فُلُوسًا فرقت فيهم فضَّة مؤيدية وفلوساً وذهباً مِنْهُ مَا زنة الدِّينَار الْوَاحِد مِنْهُ عشرَة مَثَاقِيل. وَفِي عشرينه: عرضت كسْوَة الْكَعْبَة على السُّلْطَان وَكَانَ قد صرف عَن نظر الْكسْوَة شرف الدّين يَعْقُوب بن الْجلَال التباني وَكيل بَيت المَال فِي سنة سبع عشرَة وفوض ذَلِك إِلَى علم الدّين دَاوُد نَاظر الْجَيْش الْمَعْرُوف بِابْن الكويز ثمَّ فوض ذَلِك إِلَى زين الدّين عبد الباسط بن خَلِيل نَاظر الخزانة السُّلْطَانِيَّة فِي سنة ثَمَان عشرَة فاستمر فِيهِ وَزَاد فِي تَحْسِين الْكسْوَة وبهجتها. وَقدم الْخَبَر بِمَوْت الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن رَمَضَان صَاحب درند وسيس وَاخْتِلَاف أَوْلَاده. وَفِي ثَالِث عشرينه: قدم الْخَبَر بنزول الْأَمِير أقباي نَائِب حلب إِلَى قطيا فِي ثَمَان هجن فكثرت الْأَقْوَال وَسَاءَتْ الظنون بِهِ ورسم بتلقيه فَسَار الْأُمَرَاء والخاصكية إِلَى سرياقوس وجهز لَهُ فرس بسرج ذهب وكنبوش ذهب وكاملية بِفَرْوٍ سمور فَقدم من الْغَد يَوْم السبت رَابِع عشرينه فلامه السُّلْطَان وعنفه على حُضُوره على هَذَا الْوَجْه فَاعْتَذر واستغفر الله ثمَّ أَمر السُّلْطَان باستقراره فِي نِيَابَة الشَّام وَاسْتقر عوضه فِي نِيَابَة حلب الْأَمِير قجقار القردمي أَمِير سلَاح وأنعم بإقطاع قجقار القردمي على الْأَمِير بيبغا المظفري أَمِير مجْلِس وجهز أقبغا المؤيدي أَمِير أخور إِلَى دمشق للقبض على الْأَمِير ألطنبغا العثماني نَائِب الشَّام وإيداعه القلعة والحوطة على موجوده. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 428 وَفِيه نُودي للبطالين أَن كلا مِنْهُم يخْدم عِنْد الْأُمَرَاء أَو عِنْد السُّلْطَان وَمن امْتنع لَا يَلُومن إِلَّا نَفسه. وَفِيه قدم الركب الأول من الْحَاج مَعَ أَمِيرهمْ صَلَاح الدّين مُحَمَّد الْحَاجِب بن الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله نَاظر الْخَاص. وَفِيه نصبت المدورة السُّلْطَانِيَّة برسم السّفر خَارج الْقَاهِرَة. وَفِيه قبض على جمَاعَة من البطالين الَّذين تركُوا الْخدمَة وتسببوا فِي البيع وَالشِّرَاء فِي الْأَسْوَاق واعتقلوا. وَفِي خَامِس عشرينه: قدم الْحَاج ببقيتهم مَعَ الْأَمِير أزدمر شايا وَقد قاسوا شدَّة من موت الْجمال وَغَلَاء الأسعار مَعَهم. وَفِي سادس عشرينه: توجه السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل وَنزل بمخيمه ظَاهر الْقَاهِرَة تجاه مَسْجِد تبر. وَفِيه خلع على شمس الدّين مُحَمَّد بن يَعْقُوب الشَّامي بحسبة الْقَاهِرَة وعزل عَنْهَا الْأَمِير منكلي بغا الْحَاجِب وَقدم من دمشق بخيمات مبيتين ومدورتين ومطبخين وبيوتات بلغت النَّفَقَة عَلَيْهِم عشرَة آلَاف دِينَار. وَفِي سَابِع عشرينه: خلع على الْأَمِير أقباي نَائِب الشَّام خلعة السّفر وَسَار جَرِيدَة على الْخَيل وخلع على الْأَمِير طوغان أَمِير أخور وَاسْتقر نَائِب الْغَيْبَة وعَلى الْأَمِير أزدمر شايا بنيابة القلعة وعَلى الْأَمِير قجقار القردمي نَائِب حلب خلعة السّفر وَسَار وَتقدم الشاليش صُحْبَة الْأَمِير شهر صفر أَوله السبت: فِي رابعه: اسْتَقر بِالْمَسِيرِ من ظَاهر الْقَاهِرَة بِبَقِيَّة العساكر يُرِيد الشَّام وَمَعَهُ الْخَلِيفَة وقضاة الْقُضَاة وَمَعَهُ من القصاد الواردين فِي السّنة الخالية قَاصد قرا يُوسُف وقاصد سُلَيْمَان بن عُثْمَان وقاصد بير عمر صَاحب أرزنكان وقاصد ابْن رَمَضَان وَتَأَخر بِالْقَاهِرَةِ الْأَمِير فَخر الدّين بن أبي الْفرج الأستادار والصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله نَاظر الْخَاص وخلع عَلَيْهِمَا بِمَنْزِلَة العكرشة فِيهِ فعين الْأَمِير طوغان نَائِب العيبة من أجناد الْحلقَة - بعد عرضهمْ - مِائَتَيْنِ يكونُونَ مَعَ الْأَمِير فَخر الدّين. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 429 وَفِي سَابِع عشره: سَار الْأَمِير فَخر الدّين باتباعه وأجناد الْحلقَة الْمَذْكُورين إِلَى الْوَجْه البحري لتَحْصِيل المَال وَقد كثر بِالْقَاهِرَةِ طرح البضائع على التُّجَّار والباعة فغرم النَّاس فِيهَا أَمْوَالًا جمة وداخل الْخَوْف كثيرا من النَّاس أَن يُوقع بهم الْأَمِير فَخر الدّين فَإِنَّهُ ألزم طَائِفَة من الْكتاب بالدواوين بِمَال وَمضى فِي مسيره هَذَا إِلَى الْمحلة ودمياط وجبى جَمِيع تِلْكَ الْأَعْمَال البحرية بفريضة ذهب يقرره على كل قَرْيَة من قرى ديوَان السُّلْطَان وَقَوي الْأُمَرَاء والأجناد لم يتْرك بَلَدا من بلدان الْوَجْه البحري حَتَّى أَخذ مِنْهُ مَا قَرَّرَهُ على أَهله فَكَانَ لَا يَأْخُذ إِلَّا الذَّهَب فَقَط فتحسن سعر الذَّهَب لِكَثْرَة طلبه وَبلغ الدِّينَار الْمصْرِيّ مِائَتَيْنِ وَسِتِّينَ بعد مِائَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وتتبع مَعَ ذَلِك كل من يشار إِلَيْهِ بغنى أَو مَال فَأخذ مَالا كثيرا من مصادرات النَّاس سوى مَا سَاق من الْخَيل وَالْجمال وَغَيرهَا فَأنْزل بالإقليم من الْخلَل مَا يخَاف عواقبه. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كثر فَسَاد العربان بِبِلَاد الجيزة وكورة البهنسي. وَفِيه هدم الْأَمِير فَخر الدّين عبد الْغَنِيّ بن أبي الْفرج الدّور الَّتِي بالأحكار فِيمَا بَين طهر المقس إِلَى قنطرة الموسكي ليعْمَل مَكَانهَا بستاناً فَأتى الْهدم على مَا لَا يدْخل تَحت حصر من الدّور والرباع والمساجد والأسواق وَغير ذَلِك مِمَّا يكون قدر مَدِينَة من مدن الشَّام. شهر ربيع الأول أَوله الِاثْنَيْنِ: فِي هَذَا الشَّهْر: كثر ضَرَر المفسدين بِالْوَجْهِ القبلي وَالْوَجْه البحري وثقلت وَطْأَة الْأَمِير فَخر الدّين بن أبي الْفرج على أهل النواحي البحرية وَعظم الْبلَاء بِالْوَجْهِ القبلي من جور الْأَمِير بدر الدّين حسن بن محب الدّين. وَفِيه هدمت الدّور الَّتِي فَوق البرج المجاور لباب الْفتُوح من الْقَاهِرَة رسم أَن يعْمل سجناً لأرباب الجرائم عوضا عَن خزانَة شمايل. وَفِيه كثرت حَرَكَة الإرجاف بحركة الفرنج فحفر خَنْدَق الْإسْكَنْدَريَّة واستعد أَهلهَا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 430 وَفِي حادي عشره: قدم الْأَمِير فَخر الدّين عبد الْغَنِيّ من الْوَجْه البحري وَنزل بداره الَّتِي شرع فِي عمارتها وتعرف بِبَيْت بهادر الأعسر وَكَانَت تعرف قَدِيما بدار الذَّهَب. وَفِي خَامِس عشره: قدم الْخَبَر بِدُخُول السُّلْطَان إِلَى دمشق فِي أول الشَّهْر وَأَن الْأَمِير أق بردى المنقار مَاتَ وأنعم بإقطاعه على الْأَمِير سودن القَاضِي بعد مَا عُفيَ عَنهُ وَأخرج من سجنه بِدِمَشْق. وَفِي سادس عشره: سَار الْأَمِير الْوَزير المشير فَخر الدّين بن أبي الْفرج الأستادار بِجمع موفور إِلَى جِهَة الصَّعِيد وَمَعَهُ الْقرب والروايا ليتبع العربان فِي الْبَريَّة حَيْثُ سَارُوا فَإِنَّهُ كثر عبثهم وفسادهم. وَفِي عشرينه: دخل السُّلْطَان مَدِينَة حلب. وَفِي سادس عشرينه: مَاتَ الْأَمِير فرج بن السُّلْطَان الْملك النَّاصِر فرج بن السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر برقوق بثغر الْإسْكَنْدَريَّة وَقد ناهز الِاحْتِلَام فَكَانَ فِي هَذَا عِبْرَة لمن يعْتَبر فَإِن أَبَاهُ النَّاصِر فرج أخرج أَخَوَيْهِ - عبد الْعَزِيز وَإِبْرَاهِيم - إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة لما توجه إِلَى الشَّام فماتا بهَا واتهم أَنه سمهما فَفعل الله كَذَلِك بأولاده وأخرجهم الْمُؤَيد شيخ عِنْد مسيره إِلَى الشَّام وسجنهم بالإسكندرية فَمَاتَ فرج - أكبرهم - فِي هَذَا الْيَوْم وبموته يثورون ويقيمونه فِي السلطة وَلَا يزالون يتربصون الدَّوَائِر لأجل ذَلِك فَبَطل مَا كَانُوا يعْملُونَ. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كثر الْمَوْت بدمياط والإسكندرية وَمَا حولهما وَكَانَ مِنْهُ بِالْقَاهِرَةِ شَيْء بلغ فِي الْيَوْم عدَّة من يَمُوت نَحْو الْأَرْبَعين وكل ذَلِك بالطاعون. وَفِيه وَاقع الْأَمِير فَخر الدّين الْعَرَب بِنَاحِيَة القلندون من الأشمونين وَهَزَمَهُمْ. شهر ربيع الآخر أَوله الْأَحَد: فِيهِ قدم قَاصد السُّلْطَان يبشر بقدومه حلب. وَأهل هَذَا الشَّهْر وَفِي جَمِيع أَرض مصر - أَعْلَاهَا الَّذِي يُقَال لَهُ بِلَاد الصَّعِيد وأسفلها الَّذِي يعرف بِالْوَجْهِ البحري وحاضرتها وَفِي الْقَاهِرَة ومصر - من أَنْوَاع الظُّلم مَا لَا يُمكن وَصفه بقلم وَلَا حكايته بقول من كثرته وشناعته فجملته أَن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 431 الْحُكَّام بِالْقَاهِرَةِ وأعمالها مَا بَين محتسب ووال وحجاب وقضاة ونائب الْغَيْبَة والأمير فَخر الدّين الأستادار فالمحتسب بِالْقَاهِرَةِ والمحتسب بِمصْر كل مَا يكسبه الباعة مِمَّا تغش بِهِ البضائع وَمَا تغبن فِيهِ النَّاس فِي البيع يجبى مِنْهُم بضرائب مقررة لمحتسبي الْقَاهِرَة ومصر وأعوانهما فيصرفون مَا يصير إِلَيْهِم من هَذَا السُّحت فِي ملاذهم المنهى عَنْهَا ويؤديان مِنْهُ من استداناه من المَال الَّذِي دفع رشوة عِنْد ولاياتهما ويؤخران مِنْهُ بقيه لمهاداة أَتبَاع السُّلْطَان ليكونوا عوناً لَهما فِي بقائهما. وَأما الْقُضَاة فَإِن نوابهم يبلغ عَددهمْ نَحْو الْمِائَتَيْنِ مَا مِنْهُم إِلَّا من لَا يحتشم من أَخذ الرِّشْوَة على الحكم مَعَ مَا يأْتونَ - هم وكتابهم وأعوانهم - من الْمُنْكَرَات بِمَا لم يسمع بِمثلِهِ فِيمَا سلف وينفقون مَا يجمعونه من ذَلِك فِيمَا تهوى أنفسهم وَلَا يغرم أحد مِنْهُم شَيْئا للسلطنة بل يتوفر عَلَيْهِم فَلَا يتخولون فِي مَال الله تَعَالَى بِغَيْر حق وَيَحْسبُونَ أَنهم على شَيْء بل يصرحون بِأَنَّهُم أهل الله وخاصته افتراء على الله سُبْحَانَهُ. وَأما وَالِي الْقَاهِرَة ووالي مصر وَغَيرهمَا من سَائِر وُلَاة النواحي فَإِن جَمِيع مَا يسرق من النَّاس يأخذونه من السراق إِذا ظفروا بِهِ فَلَا يأْتونَ بسارق مَعَه سَرقَة إِلَّا أخذوها مِنْهُ فَإِن لم تكن السّرقَة مَعَه ألزموه مَالا ويتركوه لسبيله وَقد تَيَقّن أَنه مَتى عثر عَلَيْهِ صانع عَن نَفسه وتخلص. وَصَارَ كل من يقطع من السراق يَده إِنَّمَا يقطع لأحد أَمريْن إِمَّا لقُوَّة جاه الْمَسْرُوق مِنْهُ أَو عجز السَّارِق عَن الْقيام للولاة بِالْمَالِ وَيزِيد وُلَاة الْبر على وَالِي مصر والقاهرة بِأخذ من وجدوا مَعَه غنما أَو إبِلا أَو رَقِيقا من الفلاحين أَو العربان وَغَيرهم فَإِذا صَار أحد من ذكرنَا فِي أَيْديهم قَتَلُوهُ واستهلكوا مَاله وَمَعَ هَذَا فلأعوان الْوُلَاة فِي أَخذ الْأَمْوَال من النَّاس أَخْبَار لم يسمع قطّ بِمثل قبحها وشناعها حَتَّى أَنه إِذا أَخذ شَارِب خمر غرم المَال الْكثير وَكَذَلِكَ من سَاقه سوء الْقَضَاء إِلَيْهِم من المتخاصمين فَيغرم الشاكي والمشكو المَال الْكثير بِقدر جرمه بِحَيْثُ تبلغ الغرامة آلافا كَثِيرَة. وَجَمِيع مَا تجمعه الْوُلَاة كلهم من هَذِه الْوُجُوه لَا يصرف إِلَّا فِي أحد وَجْهَيْن إِمَّا للسلطة مصانعة عَن إقامتهم فِي ولاياتهم أَو فِيمَا تهواه أنفسهم من الْكَبَائِر الموبقات وينعم أعوانهم بِمَا يجمعونه من ذَلِك ويتلفونه إسرافاً وبدار فِي سَبِيل الْفساد ويتعرض الْوُلَاة لمقدميهم وَيَأْخُذُونَ مِنْهُم المَال حينا بعد حِين. وَأما الْحجاب فَإِنَّهُم وأعوانهم قد انتصبوا لأخذ الْأَمْوَال بِغَيْر حق من كل شَاك الجزء: 6 ¦ الصفحة: 432 إِلَيْهِم ومشكو عَلَيْهِ فَمَا من أحد من الْحجاب إِلَّا وَفِي بَابه رجل يُقَال لَهُ رَأس نوبَة يضمن لَهُ فِي كل يَوْم قدرا مَعْلُوما من المَال يقوم لَهُ بِهِ وَمن هَذَا المَال الْمَضْمُون يُقيم أوده فيقسط رَأس نوبَة على النُّقَبَاء الَّذين تَحت يَده مَا ضمنه للحاجب وَمَا لَا بُد لَهُ من صرفه على عِيَاله وَمؤنَة فرسه وَأُجْرَة سايسها وَمَا اعتاده من الْمُحرمَات الَّتِي لَا يتركونها مَا وجدوا إِلَيْهَا سَبِيلا وَمَا يرصده ويدخره عِنْده عدَّة لَهُ فِي وَقت مَكْرُوه ينزل بِهِ من عَزله أَو مصادرة الْحَاجِب لَهُ أَو غير ذَلِك من الْعَوَارِض فَيتَنَاوَل من كل وَاحِد من النُّقَبَاء شَيْئا مقرراً عَلَيْهِ عِنْد مضيه فِي طلب غَرِيم يُقَال لَهُ الْإِطْلَاق فَإِذا حضر الْغَرِيم فتح عَلَيْهِ رَأس نوبَة أبواباً من أَنْوَاع مَكْرهمْ الَّذِي تفقهوا فِيهِ فَيحْتَاج إِلَى بذل المَال لَهُ ولدوادار الْحَاجِب وللحاجب بِحَسب مَا يَقْتَضِيهِ رَأْيهمْ. فَرُبمَا بلغ الْغرم فِي الشكوى الآلاف من الدَّرَاهِم فَإِنَّهُم يسلسلون قضايا ظلمهم حَتَّى يسْتَمر المشكو فِي الترسيم الْأَيَّام وَالْأَشْهر وَجَمِيع مَا يتَحَصَّل الْحجاب من هَذِه الْوَجْه فَإِنَّهُم يصرفونه فِيمَا لَا تجيزه أمة من الْأُمَم من أَنْوَاع قبائح الْمُحرمَات وَلَا يكلفون حمل شَيْء مِنْهُ إِلَى السُّلْطَان. وَأما نائحاً الْغَيْبَة وَأما الأستادار فَإِنَّهُ أمدهم باعاً وَأَقْوَاهُمْ فِي الظُّلم ذِرَاعا وأنفذهم فِي ضَرَر النَّاس أمرا وأشنعهم فِي الْفساد ذكرا وَذَلِكَ أَنه خرج إِلَى الْوَجْه البحري فَفرض على جَمِيع الْقرى فَرَائض ذهب قررها بِحَيْثُ أَن الجباية شملت أهل النواحي عَن آخِرهم وَلم يعف عَن أحد مِنْهُم الْبَتَّةَ فَمَا وصلت إِلَيْهِ مائَة دِينَار إِلَّا وَأخذ أعوانه مائَة دِينَار أُخْرَى ثمَّ تتبع أَرْبَاب الْأَمْوَال مصادرهم وَأخذ لنَفسِهِ ولأعوانه مَالا كثيرا ثمَّ طرح على جَمِيع النواحي بعد ذَلِك الجواميس الَّتِي نهبها فَقَامَتْ كل وَاحِدَة من الجواميس على النَّاس بِاثْنَيْ عشر ألف دِرْهَم وَأكْثر مَا تبلغ الجيدة مِنْهُنَّ إِلَى ألفي دِرْهَم فجبى من الْوَجْه البحري على اسْم الجاموس مَالا جماً ثمَّ أَنه ألزم الصيارفة أَلا تَأْخُذ الدِّرْهَم المؤيدي إِلَّا من حِسَاب سَبْعَة دَرَاهِم وَنصف وَهُوَ مَحْسُوب على النَّاس بِثمَانِيَة دَرَاهِم وألزمهم أَيْضا أَلا يَأْخُذُوا الْفُلُوس إِلَّا من حِسَاب خَمْسمِائَة وَخمسين درهما القنطار وَهُوَ إِلَى النَّاس بستمائة دِرْهَم. فَإِذا أَمر بِصَرْف الْفُلُوس على أحد حسب عَلَيْهِ بستمائة دِرْهَم القنطار وَرُبمَا كَانَ هَذَا الَّذِي حسبت عَلَيْهِ بستمائة قد أخذت مِنْهُ أمس بِخَمْسِمِائَة وَخمسين وألزمهم أَيْضا أَن لَا يقبضوا الذَّهَب الأفرنتي إِلَّا من حِسَاب مِائَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ الدِّينَار وَهُوَ مَعْدُود على النَّاس بمائتين وَسِتِّينَ وَإِذا صرف لأحد ذَهَبا يحسبه عَلَيْهِ بمائتين وَسِتِّينَ فَلَا يُورد أحد لديوان السُّلْطَان ألف دِرْهَم إِلَّا وَيحْتَاج إِلَى غَرَامَة مثلهَا أَو قريب مِنْهَا ثمَّ إِنَّه كل قَلِيل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 433 يلْزم صيارفته ومقدميه وشادي أَعماله ومباشريها وولاتها بِمَال يقرره عَلَيْهِم فِي نَظِير مَا يعلم أَنهم أَخَذُوهُ من النَّاس ثمَّ تقرر فِي أَعْمَالهم حَتَّى يعلم أَنهم قد جمعُوا شَيْئا آخر أعَاد عَلَيْهِم المصادرة فَمَا من مرّة إِلَّا وهم يبالغون فِي ظلم النَّاس حَتَّى يفضل لَهُم بعد المصادرة شَيْء هَذَا وهم يبالغون فِي الترف ويتلفون المَال الْكثير فِي أَنْوَاع السَّرف فِي الْمُحرمَات ثمَّ أَنه لما عَاد من الْوَجْه البحري وَسَار إِلَى بِلَاد الصَّعِيد أوقع بلهانه على الأشمونين وكسرهم وسَاق من الأغنام والأبقار وَالْجمال وَالْخَيْل شَيْئا كثيرا فرقه على أهل الْوَجْه البحري بأغلى الْأَثْمَان وَهُوَ الْآن يفْرض على جَمِيع بِلَاد الصَّعِيد الذَّهَب كَمَا فَرْضه على نواحي الْوَجْه البحري وَمَعَ ذَلِك فقد شَمل باعة مصر والقاهرة رماية البضائع عَلَيْهِم من السكر وَالْعَسَل والصابون والقمح وَغير ذَلِك فَإِنَّهُ اشْترى من الْإسْكَنْدَريَّة وَغَيرهَا بضائع كَثِيرَة ثمَّ طرحها على الباعة بأغلى الْأَثْمَان فَلَا يصير إِلَيْهِ دِرْهَم حَتَّى يغرم لأعوانه نَظِيره وَله نوع آخر من الظُّلم وَهُوَ أَنه أَخذ دَار بهادر الأعسر بِخَط بَين السورين - فِيمَا بَين بَاب الخوخة وَبَاب سَعَادَة - وَشرع فِي عمارتها وَعمارَة مَا حولهَا وَمَا تجاهها من بر الخليج الغربي فَأخذ من النَّاس آلَات الْعِمَارَة بِغَيْر ثمن أَو بِأَقَلّ شَيْء وتفنن أعوانه فِي ظلم من يستدعيه بهم إِلَى هَذِه الْعِمَارَة حمل صنف من الْأَصْنَاف أَو عمل شَيْء من أَنْوَاع الْعِمَارَة حَتَّى يغرموه لأَنْفُسِهِمْ مَالا آخر هَذَا وَجَمِيع مَا يتَحَصَّل من وُجُوه الْأَمْوَال الَّتِي تقدم ذكرهَا فَإِنَّهُ يحمل إِلَى السُّلْطَان وأعوانه وَينْفق فِي سَبِيل الشَّهَوَات الْمُحرمَة. وَقد اخْتَلَّ إقليم مصر فِي هَذِه السّني خللاً شنيعاً يظْهر أَثَره فِي الْقَابِلَة. وَمَعَ ذَلِك فَفِي أَرض مصر من عَبث العربان ونهبهم وتخريبهم وقطعهم الطرقات على الْمُسَافِرين من التُّجَّار وَغَيرهم شَيْء عَظِيم قبحه شنيع وَصفه. وَالسُّلْطَان بعسكره فِي الْبِلَاد الشامية يجول وَقد قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: إِن الْمُلُوك إِذا دخلُوا قَرْيَة أفسدوها وَجعلُوا أعزة أَهلهَا أَذِلَّة وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ. ويضاف إِلَى مَا تقدم ذكره أَن الطَّاعُون فَاش بدمياط والغربية والإسكندرية والإرجاف بالإفرنج متزايد وَأهل الْإسْكَنْدَريَّة على تخوف من هجومهم وَقد اسْتَعدوا لذَلِك وَللَّه عَاقِبَة الْأُمُور. وَفِي سَابِع عشره: سقط من الْعمَّال بالعمارة السُّلْطَانِيَّة بجوار بَاب زويلة عشرَة مَاتَ مِنْهُم أَرْبَعَة وتكسر سِتَّة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 434 وَفِي عشرينه: قدم الْخَبَر برحيل السُّلْطَان فِي ثَانِي عشْرين شهر ربيع الأول من حلب ونزوله على العمق. وَفِي خَامِس عشرينه: سَار مُفْلِح - رَسُول النَّاصِر أَحْمد متملك الْيمن - عَائِدًا إِلَى بِلَاده وصحبته الْأَمِير بكتمر السَّعْدِيّ بِكِتَاب السُّلْطَان وهديته. وَقد كثر بر مُفْلِح هَذَا وَصلَاته وصدقاته وَحسن الثَّنَاء عَلَيْهِ وَاحْتَاجَ من كَثْرَة مصروفه إِلَى قرض مَال. شهر جُمَادَى الأولى أَوله الْخَمِيس: فِي ثَانِيه: أُقِيمَت الْجُمُعَة بالجامع المؤيدي وَلم يكمل مِنْهُ سوى الإيوان القبلي وخطب بِهِ عز الدّين عبد السَّلَام الْقُدسِي - أحد نواب الحكم الشَّافِعِيَّة بِالْقَاهِرَةِ - نِيَابَة عَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ الْحَمَوِيّ كَاتب السِّرّ. وَفِي خامسه: نُودي على النّيل ثَلَاثَة أَصَابِع وَكَانَت الْقَاعِدَة سِتَّة أَذْرع. وَفِي عاشره: سَافر الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله - نَاظر الْخَاص - إِلَى جِهَة الشَّام بالخزانة السُّلْطَانِيَّة. وَفِي رَابِع عشره: قدم الْأَمِير فَخر الدّين بن أبي الْفرج من الْوَجْه القبلي وَمَعَهُ سِتَّة آلَاف رَأس من الْبَقر وَثَمَانِية آلَاف رَأس من الْغنم وألفا جمل وألفا قِنْطَار من القند وَعدد كثير من الْإِمَاء وَالْعَبِيد ومبلغ وافر من الذَّهَب وَذَلِكَ أَنه فرض على أهل الْبِلَاد مَالا قَامُوا بِهِ فَمن النواحي من فرض عَلَيْهَا الألفي دِينَار. وَفرض على هوارة خَمْسَة وَعشْرين ألف دِينَار عوضوه عَن أَكْثَرهَا أصنافاً فَمَا هُوَ إِلَّا أَن قدم أَخذ يطْرَح الأبقار وَغَيرهَا على نواحي بِلَاد الجيزة وَسَائِر الْوَجْه البحري وعَلى دواليب النَّاس بِالْقَاهِرَةِ من الْبَسَاتِين والمعاصر بأغلى الْأَثْمَان وَبث أعوانه فِي طرح ذَلِك وجباية ثمنه فأذاقوا النَّاس أَنْوَاع المكاره وَنظر فِي الرَّقِيق الَّذِي أحضرهُ - وَفِيه من بَنَات أهل الصَّعِيد عدَّة قد استرقهن بعد الْحُرِّيَّة - فَفرق من خيارهن طَائِفَة على الْأَعْيَان وطئوهن - على زعمهم - بِملك الْيَمين وَاخْتَارَ لنَفسِهِ طَائِفَة وَبَاعَ باقيهن مَعَ مَا جلبه من العبيد فشملت مضرته عَامَّة أهل مصر من أَعلَى الصَّعِيد إِلَى أَسْفَل مصر وصادر مَعَ هَذَا عدَّة من أَعْيَان الصَّعِيد فاختل الإقليم بِهَذَا من فعله خللاً فاضحاً. وَفِي تاسعه: نُودي أَن يكون سعر الدِّينَار الأفرنتي بمائتين وَثَلَاثِينَ فنقص ثَلَاثِينَ وَأَن يكون الدِّينَار الهرجة بمائتين وَخمسين فنقص ثَلَاثِينَ أَيْضا وَأَن لَا يتعامل بالدينار الناصري وَإِنَّمَا يقص وَكَانَ قد بلغ إِلَى مِائَتَيْنِ وَعشْرين فوقفت أَحْوَال النَّاس الجزء: 6 ¦ الصفحة: 435 وكسدت الْأَسْوَاق وَذَلِكَ أَن الْقَصْد جباية مِمَّن مَا طرح من البضائع بِنَوْع آخر من التجسر. هَذَا والنيل يُنَادي عَلَيْهِ كل يَوْم إِصْبَع من سادس عشره إِلَى ثَالِث عشرينه فارتفع سعر الْقَمْح من مائَة وَثَمَانِينَ الأردب إِلَى مِائَتي دِرْهَم فَلَمَّا كَانَ يَوْم السبت رَابِع عشرينه لم يناد عَلَيْهِ فقلق النَّاس وطلبوا الْقَمْح وَسَاءَتْ ظنونهم وَأصْبح النَّاس يَوْم الْأَحَد وَقد نقص سِتَّة أَصَابِع ثمَّ زَاد سَبْعَة أَصَابِع فَرد النَّقْص وَزَاد إصبعاً نُودي بِهِ فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سادس عشرينه واستمرت الزِّيَادَة فِي كل يَوْم فانحل سعر الْقَمْح. شهر جُمَادَى الْآخِرَة أَوله الْجُمُعَة: فِي ثامن عشره: وَقع الشُّرُوع فِي بِنَاء برجين بجانبي بَاب السلسلة أحد أَبْوَاب قلعة الْجَبَل. وَفِي حادي عشرينه: عزل ابْن يَعْقُوب عَن حسبَة الْقَاهِرَة وَاسْتقر فِيهَا عماد الدّين ابْن بدر الدّين بن الرشيد وَكَانَ يَنُوب فِي الْحِسْبَة عَن التَّاج وَغَيره وناب أَبوهُ فِي حسبَة مصر أَكثر من أَرْبَعِينَ سنة مُتَوَالِيَة وخلع الْأَمِير طوغان نَائِب الْغَيْبَة. وَفِي رَابِع عشرينه: - الموافي لَهُ سادس عشْرين مسرى - وَفِي النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا وَفتح الخليج على الْعَادة واستمرت زِيَادَة النّيل فِي كل يَوْم بَقِيَّة الشَّهْر. وَأما السُّلْطَان فَإِنَّهُ رَحل من العكرشة فِي رَابِع صفر فَلَمَّا نزل سبخَة بردويل - فِي ثَانِي عشره - قدم نَاصِر الدّين بن خطاب الْحَاجِب بِدِمَشْق وعَلى يَده سيف الْأَمِير ألطنبغا العثماني نَائِب الشَّام وَقد قبض عَلَيْهِ وسجن بقلعة دمشق وَكَانَ من خَبره أَن كتب قبل ذَلِك إِلَى الْأَمِير شاهين الْحَاجِب الْكَبِير بِدِمَشْق بِالْقَبْضِ على الْمَذْكُور وسجنه فوافاه الْكتاب والنائب قد توجه من دمشق وَهُوَ بنابلس فَلَمَّا بلغه الْخَبَر بَادر بالتوجه إِلَى دمشق فَلَقِيَهُ شاهين بعسكر دمشق قَرِيبا من الخربة وَقَرَأَ عَلَيْهِ كتاب السُّلْطَان فأذعن وَحل سَيْفه بِيَدِهِ وَتوجه صُحْبَة الْعَسْكَر إِلَى دمشق حَتَّى تسلمه نَائِب القلعة فَسَار السُّلْطَان وَنزل غَزَّة فِي يَوْم السبت خَامِس عشره على مصطبة استجدها بِظَاهِر الْمَدِينَة ضرب مخيمه عَلَيْهَا وَنُودِيَ بالأمان والاطمئنان فَقدم الْأَمِير غرس الدّين خَلِيل الجشاري نَائِب صفد والأمير بدر الدّين حسن بن بِشَارَة مقدم الْبِلَاد الصفدية بغزة ثمَّ مَا زَالَ يسير وأمراء العربان ومشايخ الْبِلَاد والمقدمين يردون عَلَيْهِ إِلَى أَن وصل إِلَى برج الكثيبة فِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشرينه فَقدم عَلَيْهِ قصاد الْأَمِير عَليّ باك بن دلغادر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 436 وكردي باك بن كندر والأمير طغريل بن صقلسيز بمكاتباتهم يسْأَلُون الصفح وَالْعَفو عَنْهُم ويعدون بحضورهم إِلَى الطَّاعَة فأجيبوا بِأَنَّهُم أَن صدقُوا وداسوا الْبسَاط وَإِلَّا فليتخذ كل مِنْهُم نفقاً فِي الأَرْض أَو سلما فِي السَّمَاء ثمَّ قدم من الْغَد الْأَمِير أقباي نَائِب الشَّام بعسكر دمشق لملاقاة السُّلْطَان وَقدم سيف الْأَمِير آق بردى أحد الْأُمَرَاء المقدمين الألوف بالديار المصرية وَقد مَاتَ فِي لَيْلَة الْخَمِيس الْمَذْكُور بِدِمَشْق. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ مستهل شهر ربيع الأول: حل السُّلْطَان بِمَنْزِلَة بَرزَة بالموكب السلطاني وَولده الْأَمِير صارم الدّين إِبْرَاهِيم حَامِل الْقبَّة على رَأسه من قرب ميدان الْحَصَى خَارج دمشق من جِهَة مصر إِلَى المصطبة المستجدة بِمَنْزِلَة بَرزَة خَارج دمشق من جِهَة حلب فَكَانَ يَوْم مشهوداً وَفِي ثالثه: أفرج عَن الْأَمِير سودن القَاضِي من سجنه بقلعة دمشق وأركب فرسا بسرج ذهب وكنبوش ذهب. وَفِي لَيْلَة الْجُمُعَة رابعه: عمل السُّلْطَان المولد النَّبَوِيّ بالمصطبة ظَاهر بَرزَة وحضره الْقُضَاة والأمراء والخاصكية والقراء فَكَانَت من اللَّيَالِي المشهودة الْمَذْكُورَة وأنعم على السَّادة الْقُرَّاء بِالْخلْعِ وَالْمَال. وَفِي ثامنه: توجه الخواجا زين الدّين ولى تَاجر الْخَاص إِلَى الْأَمِير مُحَمَّد بن قرمان رَسُولا بِكِتَاب السُّلْطَان. وَفِي تاسعه: قدم الْأَمِير يشبك نَائِب طرابلس وَقد نزل السُّلْطَان قَرِيبا من حسيا. وَفِي عاشره: نزل السُّلْطَان حمص فَقدم نَائِب طرابلس الْمَذْكُور تقدمته وَفِيه قدم الْأَمِير جَار قطلو نَائِب حماة فأعيد من سَاعَته إِلَيْهَا لعمل المهم وَسَار السُّلْطَان إِلَى حماة فَقدم عَلَيْهِ بهَا الْأَمِير حَدِيثَة بن سيف أَمِير آل فضل وَقدم غَنَّام بن زامل كَبِير عرب آل مُوسَى فَكَانَت بَينهمَا مشاجرة بِسَبَب قتل سَالم بن طويب من آل أَحْمد فسكن السُّلْطَان مَا بَينهمَا وَعرضت عَلَيْهِ تقادم نَائِب طرابلس وأمير آل مُوسَى ونائب حمص وَقدم قصاد الْأَمِير إِبْرَاهِيم بن رَمَضَان وقصاد أَوْلَاد بن أوزر وهم يسْأَلُون الْعَفو فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً ثمَّ سَار السُّلْطَان وخيم فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء سَابِع عشرَة بِمَنْزِلَة تل السُّلْطَان، وَبهَا من تقدم من العساكر فِي الجاليش. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 437 وَقد رسم لَهُم أَن لَا يبرحوا مِنْهَا حَتَّى يقدم السُّلْطَان فَبَاتَ السُّلْطَان وَأصْبح يَوْم الثُّلَاثَاء وَقد ضرب لَهُ صيوان على التل الْمَذْكُور وَجلسَ فِي أبهة ملكه. وَنُودِيَ فِي العساكر أَن تتقدم للعرض بعددها وأسلحتها فعرضت بَين يَدَيْهِ. وَفِيه ورد الْخَبَر بوصول جَمِيع التراكمين من الأوجقية وَغَيرهم. وَفِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشره: رَحل السُّلْطَان إِلَى منزلَة قنسرين فَقدم بهَا الْأَمِير قجقار القردمي نَائِب حلب بعسكرها وَقدم أَيْضا الْأَمِير طغريل بن صقلسيز فِي ألف وَخَمْسمِائة فَارس. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة: انْتقل السُّلْطَان إِلَى منزلَة الوضيحي. وَفِي يَوْم السبت حادي عشرينه: ركب السُّلْطَان عِنْد انْشِقَاق الْفجْر وَشرع فِي صف الأطلاب وتعبئة العساكر بِنَفسِهِ فانتشرت يَمِينا وَشمَالًا إِلَى أَن طبقت الأَرْض ثمَّ سَار إِلَى حلب وَمر من ظَاهرهَا وَدخل مِنْهَا نَائِب الشَّام ونائب طرابلس ونائب حماة ونائب صفد وعدة من العربان والتركمان وَخَرجُوا من الْبَاب الآخر وَنزل السُّلْطَان بالمصطبة الظَّاهِرِيَّة فِي مخيماته وترقب عود الرُّسُل المتوجهة إِلَى الْأَطْرَاف فَقدم فِي ثَانِي عشرينه خَلِيل بن بِلَال نَائِب مَدِينَة أياس وَكَانَ قد ولي نيابتها فِي عَاشر شَوَّال سنة سِتّ عشرَة وَثَمَانمِائَة وَمَعَهُ مَفَاتِيح قلعتها فَخلع عَلَيْهِ. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث عشرينه: جلس السُّلْطَان بالميدان وَحضر نواب الشَّام وأمراء مصر وَمن قدم من التركمان والعربان والأكراد وَعين السُّلْطَان الْأَمِير أقباي نَائِب الشَّام والأمير جَار قطلو نَائِب حماة وعسكر دمشق وحماة وَمَعَهُمْ خَمْسمِائَة ماش من التركمان الأوشرية والأينالية وَفرْقَة من البوصجاوية وَفرْقَة من عرب آل مُوسَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 438 المتوجة إِلَى ملطية وَإِخْرَاج حُسَيْن بن كبك مِنْهَا وَإِلَى كختا وكركر. وخلع عَليّ دَاوُد بن أوزر وجمائعه وسوغهم مَالا جزيلاً وأسلحة وأعادهم إِلَى بُيُوتهم بالعمق وَولي الْأَمِير سيف الدّين صاروجا مهمندار حلب نِيَابَة أياس عوضا عَن خَلِيل بن بِلَال وَقدم الجاليش بَين يَدَيْهِ وَفِيه الْأَمِير الْكَبِير ألطنبغا القرمشي أتابك العساكر والأمير يشبك اليوسفي نَائِب طرابلس والأمير غرس الدّين خَلِيل الجشاري التوريزي نَائِب صفد فِي عدَّة من أُمَرَاء مصر فَسَارُوا إِلَى العمق وَركب السُّلْطَان إِلَى قلعة حلب وَأقَام بهَا ثمَّ رَحل السُّلْطَان بكرَة يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي شهر ربيع الآخر إِلَى جِهَة العمق على درب الأثارب فَقدم بالمنزلة الْمَذْكُورَة قصاد الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن قرمان وَفِيهِمْ القَاضِي مصلح الدّين مرتيل - قَاضِي عسكره - بهدية وَكتاب يتَضَمَّن أَنه ضرب السِّكَّة المؤيدية ودعا للسُّلْطَان فِي الخطة وَبعث من جملَة الْهَدِيَّة طبقًا فِيهِ دَرَاهِم بالصكة المؤيدية فعنف السُّلْطَان رَسُوله ووبخه وَعدد لَهُ خطأ مرسله فِي تَقْصِيره فِي الْخدمَة لما وصل السُّلْطَان والعسكر إِلَى قيسارية وَمِنْهَا إهماله الْقَبْض على كزل وَمن مَعَه من المستحبين وَمِنْهَا عدم تَجْهِيزه مَفَاتِيح طرسوس لما استولى عَلَيْهَا فَاعْتَذر مصلح الدّين وَسَأَلَ الصفح فَقَالَ السُّلْطَان لَهُ: إِنَّمَا سرت وتكلفت هَذِه الكلفة الْعَظِيمَة لأجل طرسوس لَا غير ثمَّ فرق الدَّرَاهِم وَغَيرهَا على الْحَاضِرين وَأمر مصلح الدّين فَجَلَسَ وأنسه وَقدم كتاب الْأَمِير سلمَان بن أبي يزِيد ابْن عُثْمَان صَاحب برصا ثمَّ قدم الْأَمِير صارم الدّين إِبْرَاهِيم بن رَمَضَان وَابْن عَمه حَمْزَة بن أَحْمد بن رَمَضَان وَسَائِر أُمَرَاء التركمان الأوحقية فِي جمع كَبِير وَمَعَهُمْ أم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 439 إِبْرَاهِيم الْمَذْكُور وَأَوْلَاده الصغار فِي خَمْسمِائَة من أمرائه وأقاربه وألزامه فَقَامَ السُّلْطَان لَهَا وخلع على إِبْرَاهِيم وعَلى أَخِيه وأركبهما بالسروج الذَّهَب والكنابيش الذَّهَب. وَفِي يَوْم السبت سابعه: عمل السُّلْطَان الموكب بالعمق وَحلف التركمان على الطَّاعَة وأنفي فيهم وخلع عَلَيْهِم نَحوا من مِائَتي خلعة وألبس إِبْرَاهِيم بن رَمَضَان الكلوتة وأنعم عَلَيْهِ وعَلى جماعته فقبلوا الأَرْض بأجمعهم وضجوا بِالدُّعَاءِ فَكَانَ وقتا عَظِيما ثمَّ تقرر الْحَال على أَن الْأَمِير قجقار نَائِب حلب يتَوَجَّه بِمن مَعَه إِلَى مَدِينَة طرسوس ويسير السُّلْطَان على جِهَة مرعش إِلَى الأبلستين وَيتَوَجَّهُ مصلح الدّين إِلَى ابْن قرمان بجوابه وَيعود فِي مستهل جُمَادَى الأولى بِتَسْلِيم طرسوس فَإِن لم يحضر مَشى السُّلْطَان إِلَى بِلَاد ابْن قرمان فَسَار مصلح الدّين صُحْبَة نَائِب حلب إِلَى طرسوس وَسَار السُّلْطَان يُرِيد الأبلستين فَنزل النَّهر الْأَبْيَض فِي حادي عشره وَقدم كتاب نَائِب حلب أَنه لما نزل بغراص قدم إِلَيْهِ خَليفَة الأرمن بسيس - الْمُسَمّى كريكون - وأكابر الأرمن وعَلى يدهم مَفَاتِيح قلعتي سيس وناورزا وَأَنه جهزهم فَحَضَرُوا بالمفاتيح فولى السُّلْطَان نِيَابَة القلعة الشَّيْخ أَحْمد أحد أُمَرَاء العشرات بحلب وخلع عَلَيْهِ وعَلى الأرمن وأعادهم إِلَى القلعة الْمَذْكُورَة. وَفِي ثَانِي عشره: نزل السُّلْطَان بِمَنْزِلَة كونيك فَقدم كتاب نَائِب الشَّام بِأَن حُسَيْن ابْن كبك أحرق ملطية فِي خَامِس شهر ربيع الآخر فشاهد أسواقها وَدَار السَّعَادَة بهَا قد عمهم الْحَرِيق وَأَنه لم يتَأَخَّر بهَا إِلَّا الضَّعِيف وَالْعَاجِز وَأَن فلاحي بلادها نزحوا بأجمعهم وَأَن ابْن كبك قد نزل عِنْد كوركي فَإِنَّهُ سَار من ملطية فِي إثره فندب عِنْد ذَلِك السُّلْطَان - وَهُوَ بكونيك - وَلَده الْأَمِير صارم الدّين إِبْرَاهِيم للمسير وَوَجهه فِي يَوْم الْأَحَد ثَالِث عشره وَمَعَهُ الْأَمِير جقمق الدوادار وَجَمَاعَة من الْأُمَرَاء لكبس الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن دلغادر فَسَارُوا مجدين وَأَصْبحُوا بالأبلستين وَقد فر ابْن دلغادر مِنْهَا وأخلى الْبِلَاد من سكانها فجدوا فِي السّير لَيْلًا وَنَهَارًا إِلَى أَن نزلُوا بمَكَان يُقَال لَهُ كل دلى فِي يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس عشره فأوقعوا بِمن هُنَاكَ من التركمان وَأخذُوا بيولهم وأحرقوها. ومضوا إِلَى خَان السُّلْطَان فأوقعوا بِمن هُنَاكَ أَيْضا وأحرقوا بُيُوتهم وَأخذُوا من الدَّوَابّ شَيْئا كثيرا وصاروا إِلَى مَوضِع يُقَال لَهُ صاروش فحرفوا بيُوت من فِيهِ من التركمان وَأخذُوا مَا عِنْدهم وَبَاتُوا هُنَاكَ وتوجهوا بكرَة يَوْم الْأَرْبَعَاء سادس عشره فأدركوا مُحَمَّد بن دلغادر وَهُوَ سَائِر بأثقاله وحريمه فتبعوه وَأخذُوا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 440 أثقاله وأثاثه وَجَمِيع مَا كَانَ مَعَه وخلص على جرائد الْخَيل وَوَقع فِي قبضتهم عدَّة من أَصْحَابه ثمَّ عَادوا إِلَى السُّلْطَان بالغنائم وَمن جُمْلَتهَا مائَة بسرك - يَعْنِي بخْتِي - كالأفيلة وَخَمْسمِائة حمل من اللوكات - جمال الأثقال - ومائتي فرس وَأما مَا أَخذ من الأقمشة الْحَرِير والفرو والأواني مَا بَين فضيات وَغَيرهَا فشيء لَا يكَاد ينْحَصر. ومازال السُّلْطَان يتنقل فِي مرَاعِي الأبلستين فَقدم الْأَمِير أقباي نَائِب الشَّام بعد أَن سَار فِي إِثْر حُسَيْن بن كبك إِلَى أَن بلغه أَنه دخل بِلَاد الرّوم وَبعد أَن قرر أَمر ملطية بِعُود أَهلهَا إِلَيْهَا وَبعد أَن جهز الْأَمِير جَار قطلو نَائِب حماة وَمَعَهُ عدَّة من الْأُمَرَاء ونائب البيرة ونائب قلعة الرّوم ونائب عين تَابَ ونائب كختا وكركر إِلَى جِهَة كختا وكركر فنازلوا القلعتين وَقد أحرق نَائِب كختا أسواقها وتحصن بقلعتها فَبعث السُّلْطَان إِلَيْهِم نجدة فِيهَا ألف ومائتي ماش وعدة من آلَات الْحصار وَقدم كتاب مُحَمَّد بن دلغادر وَهُوَ يسْأَل الْعَفو وَأَنه يسلم قلعة درندة فَأُجِيب إِلَى ذَلِك وَكَانَ الْأَمِير قجقار نَائِب حلب لما توجه إِلَى طرسوس قدم بَين يَدَيْهِ إِلَيْهَا الْأَمِير شاهين الأيدكاري مُتَوَلِّي نِيَابَة السلطة بهَا وَقد بعث ابْن قرمان نجدة إِلَى نَائِبه بطرسوس الْأَمِير مقبل فَلَمَّا بلغ مقبل مسير عَسَاكِر السُّلْطَان إِلَيْهِ رَحل من طرسوس وَبعث إِلَى شاهين الأيدكاري يُخبرهُ برحيله فَدخل شاهين طرسوس وَقد امْتنع مقبل بقلعتها فَنزل الْأَمِير قجقار والأمير شاهين عَلَيْهَا وَكتب إِلَى السُّلْطَان بذلك فورد كِتَابه فِي سادس عشرينه إِلَى الأبلستين فدقت البشائر لذَلِك وَبعث السُّلْطَان الْأَمِير سيف الدّين أينال الأزعري - أحد مقدمي الألوف بديار مصر - إِلَى درندة ليحمل من معاملتها الْميرَة فأحضر شَيْئا كثيرا من العلوفات وَنَحْوهَا بِحَيْثُ أبيعت العليقة الشّعير بِنصْف دِرْهَم بمعاملة درندة. وَاسْتمرّ الْأَمِير قجقار والأمير شاهين على حِصَار قلعة طرسوس إِلَى أَن أخذت بالأمان فِي يَوْم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 441 الْجُمُعَة ثامن عشره وَأخذ مقبل وَمن مَعَه وسجنوا وَكتب بذلك إِلَى السُّلْطَان فَقدم الْكتاب فِي عَشِيَّة يَوْم الْأَحَد سَابِع عشرينه فانتقل السُّلْطَان إِلَى منزلَة سُلْطَان قرشي فَقدم قَاصد الْأَمِير على باك بن دلغادر بهديته وَكتابه وَقدم كتاب الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن دلغادر مَعَ وَلَده وصحبته كواهي ومفاتيح قلعة درندة فأضاف السُّلْطَان نِيَابَة الأبلستين إِلَى على باك بن دلغادر مَعَ مَا بِيَدِهِ من نِيَابَة مرعش وجهز لَهُ التشريف. ثمَّ ركب السُّلْطَان فِي ثامن عشرينه ليرى درندة وَسَار جرائد الْخَيل ونازلها وَبَات عَلَيْهَا وَأصْبح فرتب الْأَمِير أقباي نَائِب الشَّام فِي إِقَامَته عَلَيْهَا واستدعى من المخيمات بالزردخاناه والعتالين والنقابين والصناع وألزمهم بأخذها وعادوا إِلَى المخيم فوصل فِي تِلْكَ اللَّيْلَة مَفَاتِيح قلعة خندروس من مضافات درندة وَقدم الْخَبَر باستقرار على باك بن دلغادر فِي الأبلستين على يَد وَلَده حَمْزَة وَمَعَهُ هَدِيَّة وَقدم الْخَبَر بِأَن الْأَمِير أسنبك بن أينال وَاقع عَسْكَر الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن دلغادر وَأخذ مِنْهُم جَمِيع مَا مَعَهم وَأَنه قطعت يَد وَلَده الْكَبِير فِي الْوَقْعَة فسر السُّلْطَان بذلك وَركب إِلَى درندة وَبَات على سطح الْعقبَة المطلة عَلَيْهَا فَلَمَّا أصبح ركب بعساكره وَعَلَيْهِم السِّلَاح وَنزل بمخيماته على القلعة وَهِي فِي شدَّة من قُوَّة الْحصار فَلَمَّا رأى من فِيهَا السُّلْطَان قد نزل عَلَيْهِم طلبُوا الْأمان فَأَمنَهُمْ ونزلوا بكرَة الْجُمُعَة سلخه وَفِيهِمْ دَاوُد بن الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن قرمان فألبسه السُّلْطَان تَشْرِيفًا وأركبه فرسا بقماش ذهب وخلع على جماعته وَاسْتولى السُّلْطَان على القلعة وَكتب بالبشارة إِلَى الْبِلَاد وخلع على الْأَمِير ألطنبغا الْحكمِي أحد رُءُوس النوب وَاسْتقر فِي نِيَابَة درندة وأنعم عَلَيْهِ بأَرْبعَة أُلَّاف دِينَار سوى السِّلَاح وخلع على الْأَمِير منكلي بغا الأرغون شاوي - أحد الْأُمَرَاء الطبلخاناه بالديار المصرية - وَاسْتقر بِهِ فِي نِيَابَة ملطية ودوركي وأنعم عَلَيْهِ بِخَمْسَة آلَاف دِينَار وَصعد السُّلْطَان من الْغَد إِلَى قلعة درندة وأحاط بهَا علما ثمَّ رَحل فورد كتاب نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن شَهْري يتَضَمَّن أَنه جهز فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع جُمَادَى الأولى عشرَة أنفس ليسرقوا قلعة كرت برت من أَصْحَاب مُحَمَّد بن دلغادر وأردفهم بعسكر فَقَاتلُوا من بالقلعة فِي يَوْم الْخَمِيس غده حَتَّى غلبوهم وَأخذُوا القلعة وجهز من أَهلهَا أحد عشر رجلا فصلبوا على قلعة درندة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 442 وَلما قضى السُّلْطَان الْغَرَض من أَمر درندة وطرسوس وأياس وَجعل أَمر الأبلستين إِلَى عَليّ باك بن دلغادر وَأمر مرعش إِلَى وَلَده حَمْزَة ارتحل بالعسكر وَنزل على النَّهر من غربي الأبلستين بِنَحْوِ مرحلة ليتوطد لَهُ أَمر ملطية ونائب درندة وتكمل رُجُوع أهل البلدين إِلَيْهِمَا فَأَقَامَ أَرْبَعَة أَيَّام ثمَّ عَاد وَنزل الأبلستين يُرِيد بهسنى وكختا وكركر وَأعَاد من هُنَاكَ حَمْزَة بن عَليّ باك دلغادر إِلَى أَبِيه وجهز دنكز رَسُول قرا يُوسُف وصحبته رَسُول على يَده جَوَابه وهدية وَكَانَ قد سَار الْأَمِير أقباي نَائِب الشَّام إِلَى بهسنى فَرَحل السُّلْطَان فِي أَثَره فَقدم الْخَبَر من الْأَمِير أقباي نَائِب الشَّام بِأَنَّهُ كتب إِلَى الْأَمِير طغرق بن دَاوُد بن إِبْرَاهِيم بن دلغادر الْمُقِيم بقلعة بهسنى يرغبه فِي الطَّاعَة ويدعوه إِلَى الْحُضُور فَاعْتَذر عَن حُضُوره بخوفه على نَفسه مِمَّا زَالَ بِهِ حَتَّى سلم القلعة وَحضر إِلَيْهِ. فَلَمَّا كَانَ فِي سادس عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة: قدم الْأَمِير أقباي وَمَعَهُ الْأَمِير طغرق - وَقد قَارب السُّلْطَان فِي مسيره حصن مَنْصُور - فَخلع على طغرق وَمن مَعَه وأنعم عَلَيْهِم بِمَال والكساوى وَأنزل بخام ضرب لَهُ وَنزل السُّلْطَان بحصن مَنْصُور فَقدم الْخَبَر بنزول الْأَمِير قجقار نَائِب حلب على كركر وكختا وَقدم أَيْضا قَاصد قرا يلك بهدية فَخلع عَلَيْهِ وَقدم رَسُول الْملك الْعَادِل سُلَيْمَان صَاحب حصن كيفا بهدية فَلَمَّا كَانَ الْغَد رَحل السُّلْطَان وَنزل شمَالي حصن مَنْصُور قَرِيبا من كركر وكختا وَأَرْدَفَ نَائِب حلب بالأمير حَار قطلو نَائِب حماة وَجَمَاعَة من أُمَرَاء مصر وَالشَّام وَبعث يشبك اليوسفي نَائِب طرابلس لمنازلة كختا. وَفِيه خلع على الْأَمِير منكلي خجا السيفي أرغون شاه بنيابة قلعة الرّوم عوضا عَن الْأَمِير أبي بكر بن بهادر البابيري الجعيري وخلع على الْأَمِير كمشبغا الركني رَأس نوبَة جمال الدّين الأستادار - كَانَ - بنيابة بهسنى عوضا عَن الْأَمِير طغرق بن دلغادر. وَقدم جَوَاب قرايوسف صُحْبَة القَاضِي حميد الدّين قَاضِي عسكره وَكتاب مُحَمَّد شاه بن قرايوسف وَكتاب بير عمر حَاكم أرزنكان وهدية جليلة من قرايوسف فَانْزِل حميد الدّين وأجرى عَلَيْهِ مَا يَلِيق بِهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 443 ثمَّ رَحل السُّلْطَان ونازل كختا وَحصر قلعتها وَقد نزح أهل كختا ومعامليها عَنْهَا فنصب للرمي على القلعة مدفعا زنة حجره سِتّمائَة رَطْل بالمصري وعدة مدافع دون ذَلِك فَبَيْنَمَا هُوَ فِي حصارها إِذْ ورد الْخَبَر بِقرب قرايوسف وَأَنه يقْصد قرايلك. فبادر قرايلك وجهز ابْنه الْأَمِير حَمْزَة العشاري صُحْبَة نَائِبه الْأَمِير شمس الدّين أَمِير حَمْزَة بهدية من خيل وشعير وَيسْأل الاعتناء بِهِ فَأكْرم السُّلْطَان وَلَده ونائبه وأنزلهما. وَقدم أَيْضا قَاصد طور على نَائِب الرها وقاصد الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن شَهْري نَائِب دوركي وقاصد بيرعمر حَاكم أرزنكان بكتابه أَنه مَشى يُرِيد قرا يلك مَعَه عشرُون ألف فَارس لأَخذه. وَقدم أَيْضا قَاصد الْأَمِير مُحَمَّد بن دولات شاه الْحَاكِم بِأَكْل من ديار بكر وَمَعَهُ مَفَاتِيح قلعتها فأعيدت إِلَيْهِ المفاتيح وَمَعَهَا تشريف أطلسين. فَلَمَّا اشْتَدَّ الْحصار على قلعة كختا وَفرع النقابون من النقب وَلم يبْق إِلَّا إِلْقَاء النَّار فِيهَا طلب قرقماس شمس الدّين أَمِير زاه فَبَعثه السُّلْطَان إِلَيْهِ فجرت أُمُور آلت إِلَى أَنه بعث وَلَده رهنا وَأَنه بعد رحيل السُّلْطَان عَنهُ ينزل فَرَحل السُّلْطَان إِلَى جِهَة كركر وَأقَام الْأَمِير جقمق على كختا وسارت الأثقال إِلَى عين تَابَ فنازل السُّلْطَان قلعة كركر وَنصب عَلَيْهَا منجنيقا يَرْمِي بِحجر زنته مَا بَين السِّتين وَالسبْعين رطلا بالدمشقي وَذَلِكَ فِي يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع عشرينه. شهر رَجَب أَوله السبت: فِيهِ قدم الْخَبَر من الْأَمِير جقمق بنزول الْأَمِير قرقماس من قلعة كختا وَمَعَهُ حريمه فتسلمها نواب السُّلْطَان وَأَنه توجه وَمَعَهُ قرقماس إِلَى حلب وَقدم الْخَبَر من الْأَمِير منكلي بغا نَائِب ملطية بِأَن طَائِفَة من عَسْكَر قرايوسف نزلُوا تَحت قلعة منشار ونهبوا بيُوت الأكراد وعدى الْفُرَات مِنْهَا نَحْو ثَلَاثمِائَة فَارس وَأَنه ركب عَلَيْهِم وكسرهم وَقتل مِنْهُم نَحْو الْعشْرين وغرق بالفرات نَحْو ذَلِك وَأسر اثْنَي عشر نَفرا وَأَنَّهُمْ سَارُوا إِلَى خرت برت. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 444 وَفِيه خلع السُّلْطَان على الْأَمِير شاهين الْحَاجِب بصفد وَاسْتقر بِهِ فِي نِيَابَة كركر وعَلى الْأَمِير كزل بغا - أحد أُمَرَاء حماة - بنيابة كختا فَمضى كزل بغا وتسلم كختا وقلعتها ورحل السُّلْطَان بكرَة يَوْم الثُّلَاثَاء رابعه وَقد عاوده ألم رجله الَّذِي يَعْتَرِيه فِي كل سنة فَركب المحفة عَجزا عَن ركُوب الْفرس وَقصد حلب ثمَّ ركب الْفُرَات فِي الزوارق من تجاه بَلْدَة يُقَال لَهَا كيلك وصحبته خاصته وَنزل قلعة الرّوم عَشِيَّة الْخَمِيس سادسه وَبَات بهَا وَنزل من الْغَد بالميدان بَعْدَمَا رتب أَحْوَال القلعة وأنعم على نائبها بِخَمْسِمِائَة دِينَار وعَلى بحريتها بِنَفَقَة فَقدم الْخَبَر فِي يَوْم الْجُمُعَة سابعه من الْأَمِير قجقار نَائِب حلب بهزيمة قرا يلك من قرايوسف وَأَن من مَعَه من الْعَسْكَر الْمُقِيم على كركر خَافُوا وعزموا على الرحيل وبينما كِتَابه يقْرَأ إِذْ قدم كتاب الْأَمِير أقباي نَائِب الشَّام بِأَن الْأَمِير قجقار رَحل عَن كركر بِمن مَعَه من غير أَن يُعلمهُ وَأَنه عزم على محاصرتها فَكتب إِلَيْهِ بِأَن يسْتَمر على حصارها. وَفِي بكرَة يَوْم السبت ثامنه: انحدر السُّلْطَان على الْفُرَات إِلَى البيرة فَدَخلَهَا من آخِره وَصعد قلعتها وَقرر أمورها فَقدم الْخَبَر من الْغَد بِقرب قرايوسف وَأَن الْأَمِير أقباي نَائِب الشَّام صَالح خَلِيل نَائِب كركر ورحل بِمن مَعَه فحنق السُّلْطَان من ذَلِك وَاشْتَدَّ غَضَبه على الْأَمِير قجقار نَائِب حلب ثمَّ رَحل السُّلْطَان من البيرة يُرِيد حلب فَدَخلَهَا بكرَة يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشره بأبهة الْملك وَقد تَلقاهُ أهل حلب وفرحوا بمقدمه لِكَثْرَة الإرجاف بقدوم قرايوسف فاطمأنوا وَصعد القلعة ونادي بالأمان وَفرق فِي الْفُقَهَاء والفقراء مَالا جزيلاً وَأمر بِبِنَاء الْقصر الَّذِي كَانَ الْأَمِير جكم شرع فِي عِمَارَته. وَفِي سَابِع عشره: قدم أقباي نَائِب الشَّام وقجقار نَائِب حلب وجار قطلو نَائِب حماة فَأَغْلَظ السُّلْطَان على الْأَمِير قجقا ووبخه فَأَجَابَهُ بدله وَلم يراع الْأَدَب فَقبض عَلَيْهِ وحبسه بالقلعة ثمَّ أفرج عَنهُ من يَوْمه بشفاعة الْأُمَرَاء وَبَعثه إِلَى دمشق بطالاً. وَاسْتقر بالأمير يشبك اليوسفي - نَائِب طرابلس - فِي نِيَابَة حلب وخلع عَلَيْهِ. وَاسْتقر بالأمير بردبك رَأس نوبَة فِي نِيَابَة طرابلس. وَفِي يَوْم الْخَمِيس عشرينه: ركب السُّلْطَان إِلَى خَارج حلب وَعَاد إِلَى دَار الْعدْل فِي موكب عَظِيم وَحضر الْأَمِير حَدِيثَة أَمِير الْعَرَب وَحميد الدّين رَسُول قَاصد قرايوسف الجزء: 6 ¦ الصفحة: 445 وخلع عَلَيْهِ وأنعم لَهُ بِمَال وَأَعَادَهُ. وخلع على الْأَمِير ططر وَاسْتقر بِهِ وأس نوبَة كَبِيرا عوضا عَن برد بك نَائِب طرابلس وَاسْتقر بالأمير نكباي فِي نِيَابَة حماة عوضا عَن جَار قطلو وَاسْتقر بجار قطلو فِي نِيَابَة صفد عوضا عَن الْأَمِير غرس الدّين خَلِيل التوريزي الجشاري وَاسْتقر خَلِيل فِي الحجوبية الْكُبْرَى بطرابلس وخلع على الْجَمِيع فاستعفى خَلِيل من حجوبية طرابلس فأعفي وخلع على الْأَمِير سودن قرا صقل حَاجِب الْحجاب بديار مصر وَاسْتقر فِي الحجوبية بطرابلس وَاسْتقر بالأمير شاهين الأرغون شاوي فِي نِيَابَة قلعة حلب عوضا عَن الْأَمِير ألطنبغا المرقبي بِحكم انْتِقَاله فِي جملَة مقدمي الألوف على إقطاع الْأَمِير أقبردي المنقار. وَفِي رَابِع عشرينه: رسم للنواب بالتوجه إِلَى مَحل كفالاتهم وخلع عَلَيْهِم خلع السّفر. وَفِي خَامِس عشرينه: قبض على الْأَمِير طغرول بن صقل سيز وَابْن عَمه طر عَليّ وسجنا بقلعة حلب وَاسْتقر الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن التركماني فِي نِيَابَة شيزر عوضا عَن طغرول الْمَذْكُور وَاسْتقر الْأَمِير مبارك شاه فِي نِيَابَة الرحبة عوضا عَن عمر بن شَهْري. وَفِي سادس عشرينه: كملت عمَارَة الْقصر بقلعة حلب وَجلسَ فِيهِ السُّلْطَان واستدعى مقبل القرماني ورفاقه وضربه ضربا مبرحاً ثمَّ صلب هُوَ وَمن مَعَه. وَفِيه قدم الْخَبَر من الْقَاهِرَة بوفاء النّيل وَقدم رَسُول سُلَيْمَان صَاحب حصن كيفا وَكتابه يسْأَل انتسابه إِلَى السُّلْطَان وَأَن ينعم عَلَيْهِ بتقليد باستقراره واستمراره وَاحِدًا من نواب السلطة وَطلب تَشْرِيفًا على عَادَة النواب فَأُجِيب إِلَى ذَلِك وخلع على قاصديه وَعين لَهُ حجرَة بقماش ذهب وتعبية ثِيَاب. شهر شعْبَان أَوله الِاثْنَيْنِ: فِيهِ عمل السُّلْطَان الْخدمَة بِالْقصرِ الْجَدِيد من قلعة حلب وَأصْلح بَين الْأَمِير حَدِيثَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 446 أَمِير آل فضل وَبَين غَنَّام بن زامل وحلفهما على الطَّاعَة وَأَن لَا يتضارا وَاسْتقر بالأمير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن دلغادر فِي نِيَابَة الأبلستين على عَادَته وجهز لَهُ نَفَقَة وسيفاً وسلاحاً وجمالاً وخيولاً. وَفِيه قدم قَاصد كردِي باك وَمَعَهُ الْأَمِير سودن اليوسفي أحد المنسحبين من وقْعَة قانباي وَقد قبض عَلَيْهِ فسمر تَحت قلعة حلب من الْغَد ثمَّ وسط. وانتهت زِيَادَة النّيل فِي يَوْمه - وَهُوَ سادس عشر توت - إِلَى عشر أَصَابِع من عشْرين ذِرَاعا. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة خامسه: خطب القَاضِي نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ الْحَمَوِيّ - كَاتب السِّرّ - خطة الْجُمُعَة وَصلى بالسلطان فِي الْقصر المستجد بقلعة حلب. وَفِي يَوْم السبت سادسه: أمسك بِالْقَاهِرَةِ نَصْرَانِيّ وَقد خلا بِامْرَأَة مسلمة فاعترفا بِالزِّنَا فَرُجِمَا خَارج بَاب الشعرية ظَاهر الْقَاهِرَة عِنْد قنطرة الْحَاجِب وأحرق الْعَامَّة النَّصْرَانِي ودفنت الْمَرْأَة فَكَانَ يَوْمًا عَظِيما. وَفِي ثامنه: قدم على السُّلْطَان بحلب كتاب الْأَمِير سُلَيْمَان بن عُثْمَان بِأَنَّهُ قبض على مُحَمَّد بن قرمان وعَلى وَلَده مصطفى بعد محاصرته بقونيا وَأَنه استولى عَلَيْهَا وعَلى غَالب بِلَاد ابْن قرمان قيسارية وَغَيرهَا. وَفِيه خلع على تمراز بحجوبية حلب عوضا عَن أقبلاط الدمرداشي. وَفِيه اجْتمع عدَّة من فُقَهَاء الْقَاهِرَة عِنْد الْأَمِير فَخر الدّين عبد الْغَنِيّ بن أبي الْفرج الأستادار فِي أَمر نَصْرَانِيّ ادّعى عَلَيْهِ بِمَا يُوجب إِرَاقَة دَمه فتشطرت الْبَيِّنَة عَلَيْهِ وَلم يكمل النّصاب فَحكم قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين عبد الله بن مقداد الأقفهسي الْمَالِكِي بتعزيره فعندما جرد ليضْرب أسلم فأنعم عَلَيْهِ وَترك لحاله وتجاورا مَا فِيهِ النَّصَارَى من كبر عمائمهم ولبسهم الفرجيات والجبب بالأكمام الطَّوِيلَة الواسعة كَهَيئَةِ قُضَاة الْإِسْلَام فَنُوديَ بمنعهم من ذَلِك وَمن ركوبهم الْحمر الفرة وَمن استخدامهم الْمُسلمين وَأَن يلتزموا الصغار وَلَا يلبسوا إِلَّا عِمَامَة من خَمْسَة أَذْرع فَمَا دونهَا. وَفِي يَوْم الْخَمِيس حادي عشره: قدم الْأَمِير يشبك - أحد دوادارية السُّلْطَان - إِلَى الْقَاهِرَة وَقد اسْتَقر أَمِير ركب الْحَاج. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 447 وَفِيه عزل السُّلْطَان تمراز عَن حجوبية حلب وَاسْتقر عوضه بالأمير عمر سبط بن شَهْري وخلع عَلَيْهِ وعَلى عمر شاه بن بهادر البابيري بنيابة جعبر عوضا عَن خَلِيل ابْن شَهْري. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ خَامِس عشره: جمع النَّاس بالجامع الْأَزْهَر من الْقَاهِرَة وبالجامع المؤيدي بجوار بَاب زويلة وَقَرَأَ عَلَيْهِم القَاضِي الْحَافِظ شهَاب الدّين أَحْمد بن حجر بالجامع الْأَزْهَر كتاب السُّلْطَان بِأَنَّهُ وصل إِلَى الأبلستين وَملك كختا وسيس والمصيصة وأذنة وَغير ذَلِك وَأَن قرايوسف حَاكم توريز وبغداد بعث إِلَيْهِ بهدية وَقد قرب مَا بَينهمَا وَأَن السُّلْطَان عَاد إِلَى حلب وسطرها فِي تَاسِع عشر رَجَب وَقُرِئَ ذَلِك بالجامع المؤيدي فَكثر كَلَام النَّاس وَاخْتلف على قدر أغراضهم. وَفِي سَابِع عشره: قدم الْخَبَر على السُّلْطَان بحلب من الْأَمِير فَخر الدّين عُثْمَان بن طور على قرايلك وَمن الْأَمِير ألطنبغا نَائِب البيرة وَمن نَائِب قلعة الرّوم وَمن نَائِب كختا ونائب ملطية بِأَن الصُّلْح وَقع بَين قرايوسف على أَن قرايوسف تسلم قلعة صور وَعوض قرا يلك عَنْهَا ألف ألف دِرْهَم بمعاملتهم وَمِائَة فرس وَمِائَة جمل بسارك ثمَّ رَحل فِي رَابِع شهر شعْبَان عَنهُ إِلَى جِهَة توريز فَلَمَّا تحقق أهل حلب رحيل قرايوسف وَعوده إِلَى بِلَاده اطمأنوا بَعْدَمَا كَانُوا قد تهيئوا للرحيل عَن حلب. وَأصْبح السُّلْطَان بكرَة يَوْم الْخَمِيس ثامن عشره رَاجِلا عَن حلب إِلَى جِهَة مصر فَنزل عين مباركة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 448 وَفِيه أسلم الأسعد النَّصْرَانِي خَازِنًا وَكَانَ كَاتب الْأَمِير فَخر الدّين عبد الْغَنِيّ بن أبي الْفرج الأستادار وَذَلِكَ بَعْدَمَا حفظ جُزْءا من الْقُرْآن الْكَرِيم وشدا طرفا من النَّحْو فتسمى بعد إِسْلَامه بمحب الدّين مُحَمَّد. وَفِي عشرينه: اسْتَقل السُّلْطَان بِالْمَسِيرِ من عين مباركة وَنزل قنسرين وَأعَاد مِنْهَا الْأَمِير يشبك نَائِب حلب إِلَيْهَا بَعْدَمَا خلع عَلَيْهِ ثمَّ سَار وَنزل حماة بكرَة الْأَرْبَعَاء رَابِع عشرينه. ورحل عَنْهَا من الْغَد وَنزل حمص ورحل عَنْهَا عَشِيَّة الْجُمُعَة سادس عشرينه. شهر رَمَضَان الْمُعظم أَوله الثُّلَاثَاء: فِي بكرَة يَوْم الْخَمِيس ثالثه: دخل السُّلْطَان دمشق وَنزل بقلعتها وَكَانَ يَوْمًا مشهوداً وَنُودِيَ فِي النَّاس بالأمان والاطمئنان. وَفِي سابعه: قبض على الْأَمِير أقباي نَائِب الشَّام وَقيد وسجن بقلعة دمشق وَسبب ذَلِك أَن السُّلْطَان اشْتَرَاهُ صَغِيرا بألفي دِرْهَم ورباه ثمَّ عمله خازنداراً ثمَّ نَقله فِي أَيَّام سلطنته إِلَى أَن صَار من الْأُمَرَاء وَولي داوداراً كَبِيرا ثمَّ ولاه نِيَابَة حلب وَهُوَ مجبول على طبيعة الْكبر يحدث نَفسه - كلما انْتهى إِلَى غَايَة - بِأَعْلَى مِنْهَا فآوي جمَاعَة من مماليك قانباي بعد قَتله وعدة من العصاة فأشيع عَنهُ الْخُرُوج عَن الطَّاعَة فَلَمَّا بلغه ذَلِك بَادر إِلَى التَّوَجُّه إِلَى الْقَاهِرَة وَقدم على السُّلْطَان بَغْتَة كَمَا سبق فِيمَا سبق فتنكر السُّلْطَان لَهُ وأسرها فِي نَفسه وولاه نِيَابَة الشَّام وَكَانَ الجاليش قد نصب وَفرقت نفقات السّفر فَظن أَن يصل قبل ذَلِك فيثني عزم السُّلْطَان عَن السّفر بعده كَمَا شرح فوشى بِهِ دواداره الْأَمِير شاهين الأرغون شاوي إِلَى السُّلْطَان فِي جمَاعَة من أُمَرَاء دمشق وَقد ذكرُوا للسُّلْطَان إِنَّه يسير إِذا مرض السُّلْطَان أَو عاوده ألم رجله وَأَنه استخدم جمَاعَة من أَعدَاء الدولة وَأَن حركاته كلهَا تدل على أَنه يطْلب فَوق مَا هُوَ فِيهِ وَأَنه يعاني غير مَا تعانيه النواب وَأَنه يكثر سماطه وجنايبه وهجنه إِذا ركب فِي الموكب وَنَحْو ذَلِك إِلَى أَن كَانَ يَوْم تَارِيخه الْتفت السُّلْطَان إِلَيْهِ بِحَضْرَة الْأُمَرَاء وَسَأَلَهُ عَن المماليك المستخدمين عِنْده وَعدد لَهُ من استجده من العصاة الَّذين كَانُوا مَعَ قانباي وَغَيره وَأنكر عَلَيْهِ تَركه إمْسَاك جمَاعَة رسم لَهُ بمسكهم وَكَونه قدم إِلَى مصر بَغْتَة وَأَشْيَاء من هَذَا الْجِنْس وَقبض عَلَيْهِ ثمَّ أَشَارَ إِلَى الْأَمِير تنبك ميق أَمِير أخور كَبِير باستقراره فِي نِيَابَة الشَّام فَامْتنعَ من ذَلِك سَاعَة طَوِيلَة ثمَّ أذعن وَلبس التشريف وَقبل الأَرْض على الْعَادة. وَفِيه استدعى السُّلْطَان الْأَمِير قجقار القردمي نَائِب حلب - كَانَ - وأنعم عَلَيْهِ بإمرة الْأَمِير تنبك ميق. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 449 وَفِيه أفرج عَن الْأَمِير ألطنبغا العثماني نَائِب الشَّام - كَانَ - ورسم بتوجهه إِلَى الْقُدس بطالاً. وَفِيه قبض على جمَاعَة من المماليك. وَفِيه خلع على عز الدّين عبد الْعَزِيز الْمَقْدِسِي وَاسْتقر فِي قَضَاء الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد بن عبَادَة بِحكم وَفَاته. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ رَابِع عشره: سَار السُّلْطَان من دمشق يُرِيد مصر وَنزل على قبَّة يلبغا ثمَّ اسْتَقل بِالْمَسِيرِ وَأعَاد الْأَمِير تنبك ميق إِلَى دمشق بَعْدَمَا خلع عَلَيْهِ. وَفِي ثامن عشره: سَار الشريف بَرَكَات بن حسن بن عجلَان من الْقَاهِرَة عَائِدًا إِلَى مَكَّة فِي تجمل وَفِيه بلغ الْأَمِير فَخر الدّين أَن السجْن الَّذِي استجد عِنْد بَاب الْفتُوح بِالْقَاهِرَةِ - عوضا عَن خزانَة شمايل - تقاسى فِيهِ أَرْبَاب الجرائم شدَّة من ضيقه ويقاسون غماً وكرباً شَدِيدا فعين قصر الحجازية بِخَط رحبة بَاب الْعِيد ليَكُون سجناً وأنعم على من هُوَ بِيَدِهِ بعشره آلَاف دِرْهَم فُلُوسًا عَن أُجْرَة سنتَيْن وَشرع فِي عمله سجناً ثمَّ أهمل. وَفِي لَيْلَة الْخَمِيس رَابِع عشرينه: توجه الْأَمِير فَخر الدّين بن أبي الْفرج لملاقاة السُّلْطَان. وَفِي بكرَة يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشرينه: قدم السُّلْطَان بَيت الْمُقَدّس فزار وَفرق فِي أَهله مَالا جزيلاً وَصلى الْجُمُعَة وَجلسَ بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بعد الصَّلَاة وَقُرِئَ صَحِيح البُخَارِيّ من ربعه فرقت على من بَين يَدَيْهِ من الْفُقَهَاء القادمين إِلَى لِقَائِه من الْقَاهِرَة وَمن الْقُدس ثمَّ قَامَ المداح بعد فراغهم فَكَانَ وقتا مشهوداً. ثمَّ سَار السُّلْطَان من الْغَد إِلَى الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام فزار وَتصدق وَسَار فَلَقِيَهُ الْأَمِير فَخر الدّين بَين قَرْيَة السكرية والخليل فَأقبل عَلَيْهِ وسر السُّلْطَان بالقائمة الَّتِي أوقفهُ الْأَمِير فَخر الدّين عَلَيْهَا مِمَّا أعده لَهُ من الْأَمْوَال وَنزل غَزَّة يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامن عشرينه فأراح بهَا. شهر شَوَّال أَوله الْخَمِيس: فِيهِ صلى السُّلْطَان صَلَاة الْعِيد على المسطبة المستجدة ظَاهر غَزَّة وَصلى بِهِ وخطب شيخ الْإِسْلَام قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين البُلْقِينِيّ ورحل من آخِره فَقدم قَاضِي الْقُضَاة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 450 جلال الدّين إِلَى الْقَاهِرَة فِي ثامنه وَنزل السُّلْطَان على خانكاه سرياقوس فِي يَوْم الْجُمُعَة تاسعه فَأَقَامَ إِلَى يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشره ثمَّ رَحل وَنزل خَارج الْقَاهِرَة فَبَاتَ وَركب يَوْم الْخَمِيس من الريدانية فِي أمرائه وعساكره وَعبر من بَاب النَّصْر وَولده الْأَمِير صارم الدّين إِبْرَاهِيم يحمل الْقبَّة على رَأسه فترجل المماليك وَمَشوا من دَاخل بَاب النَّصْر وَبَقِي الْأُمَرَاء ركاباً ببعد من السُّلْطَان وَعَلَيْهِم - وعَلى قُضَاة الْقُضَاة وَسَائِر أَرْبَاب الدولة - التشاريف وَفِي جُمْلَتهمْ الْخَلِيفَة المعتضد بِاللَّه فَمر كَذَلِك إِلَى الْجَامِع المؤيدي وَنزل بِهِ وَقد زينت الْقَاهِرَة وأشعلت بحوانيتها الْقَنَادِيل والشموع فَأكل السُّلْطَان سماطاً عبأه لَهُ الْأَمِير فَخر الدّين ثمَّ ركب إِلَى قلعة الْجَبَل ودخلها من بَاب السِّرّ رَاكِبًا بشعار الْملك حَتَّى دخل من بَاب الستارة وَهُوَ على فرسه إِلَى قاعة العواميد فَنزل عَن فرسه على فرَاشه بحافة الإيوان وَقد تَلقاهُ حرمه فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ تَاسِع عشره: خلع على الْأَمِير طوغان وَاسْتقر أَمِير أخور كَبِير. مَكَان الْأَمِير تنبك العلاي - وَيُقَال لَهُ ميق - المتنقل إِلَى نِيَابَة الشَّام وخلع على الْأَمِير عَلَاء الدّين ألطنبغا المرقبي نَائِب قلعة حلب وَاسْتقر حَاجِب الْحجاب وعَلى الْأَمِير فجقار القردمي وَاسْتقر أَمِير سلَاح على عَادَته قبل نِيَابَة حلب وعَلى الْأَمِير فَخر الدّين بن أبي الْفرج خلعة الِاسْتِمْرَار وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء عشرينه: خرج محمل الْحَاج إِلَى الريدانية خَارج الْقَاهِرَة مَعَ الْأَمِير بشبك الدوادار الثَّانِي أحد الطبلخاناه وَحصل فِي الْجمال شَيْء يستغرب وَهُوَ أَن الْعَادة غلو سعر الْجمال عِنْد سفر الْحَاج لطلبها فمنذ قدم السُّلْطَان من الشَّام انحط سعرها لِكَثْرَة مَا جَاءَ بِهِ الْعَسْكَر مِنْهَا حَتَّى أبيع الْجمل الَّذِي كَانَ ثمنه أَرْبَعِينَ دِينَارا بِخَمْسَة عشر دِينَارا. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشرينه: سرح السُّلْطَان إِلَى بر الجيزة لصيد الكركي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 451 وَعَاد فِي آخِره من بَاب القنطرة وَمر بَين السورين وَنزل فِي بَيت الْأَمِير فَخر الدّين فَقدم لَهُ فَخر الدّين الْمَذْكُور عشرَة آلَاف دِينَار وَركب حَتَّى شَاهد الميضأة الَّتِي بنيت للجامع الْمُؤَيد وَصعد قلعة الْجَبَل ثمَّ ركب من الْغَد وسرح أَيْضا ثمَّ عَاد فِي يَوْم الْأَحَد خَامِس عشريه إِلَى القلعة. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سادس عشريه: خلع على الْأَمِير أرغون شاه الْأَعْوَر - أستادار نوروز - وَاسْتقر فِي الوزارة عوضا عَن الْأَمِير فَخر الدّين وخلع على الْأَمِير فَخر الدّين خلعة باستمراره فِي الأستادارية وَأَن يكون مشير الدولة وَبَلغت تقدمه فَخر الدّين الَّتِي قدمهَا للسُّلْطَان عِنْد قدومه من الشَّام أَرْبَعمِائَة ألف دِينَار عينا وَثَمَانِية عشر ألف أردب غلَّة من ذَلِك مَا وفره من ديوَان الوزارة مبلغ أَرْبَعِينَ ألف دِينَار وَثَمَانِية عشر ألف أردب غلَّة وَمَا وفره من الدِّيوَان الْمُفْرد ثَمَانِينَ ألف دِينَار وَمَا جباه من النواحي مِائَتي ألف دِينَار وَخمسين ألف دِينَار وَمن إقطاعه ثَلَاثِينَ شهر ذِي الْقعدَة الْحَرَام أَوله الْجُمُعَة: فِي سادسه: قدم الْخَبَر من الْأَمِير تنبك ميق نَائِب الشَّام بِأَن فِي لَيْلَة السبت رَابِع عشْرين شَوَّال خرج الْأَمِير أقباي وَمن بالقلعة من المسجونين ففر نَائِب القلعة وَخرج فِي أَثَره أقباي إِلَى بَاب الْحَدِيد بِمن مَعَه وَقد أدْركهُ الْأَمِير تنبك ميق بالعسكر فأغلق الْبَاب وَامْتنع بالقلعة وَأَنه على حصاره فتشوش السُّلْطَان من ذَلِك وَكتب بالجد فِي أَخذه فَقدم من الْغَد كتاب الْأَمِير تنبك ميق بِأَن أقباي اسْتمرّ بالقلعة إِلَى لَيْلَة الِاثْنَيْنِ سادس عشْرين شَوَّال ثمَّ نزل فِيهَا من قرب بَاب الْحَدِيد وَمَشى فِي نهر بردا إِلَى طاحون بَاب الْفرج فَقبض عَلَيْهِ هُنَاكَ وعَلى طَائِفَة فَأُجِيب بمعاقبته حَتَّى يقر على الْأَمْوَال ثمَّ يقتل وَحمل جمَاعَة من أهل القلعة إِلَى مصر وأنعم عَلَيْهِ بفرس قماش ذهب وكاملية حَرِير مخمل بِفَرْوٍ سمور وطراز عريض ورسم أَن يسْتَقرّ الْأَمِير شاهين - مقدم التركمان - الْحَاجِب الثَّانِي بِدِمَشْق نَائِب القلعة ويستقر عوضه حاجباً كمشبغا السيفي طولو. وَفِي تقدمة التركمان الْأَمِير شعْبَان بن اليغموري أستادار الْمُفْرد بِدِمَشْق. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثامنه: سَار الْأَمِير صارم الدّين إِبْرَاهِيم ابْن السُّلْطَان فِي عدَّة من الْأُمَرَاء إِلَى الْوَجْه القبلي لأخذ تقادم العربان وولاة الْأَعْمَال. وَفِي تاسعه: قدم رَسُول قرا يلك. وَفِيه خلع على الْأَمِير ططر رَأس نوبَة وَاسْتقر فِي نظر الشيخونية على عَادَة رُءُوس النوب وخلع على الْأَمِير طوغان أَمِير أخور وَاسْتقر فِي نظر الْمدرسَة الظَّاهِرِيَّة برقوق. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 452 وسرح السُّلْطَان إِلَى الطرانة فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ حادي عشر ذِي الْقعدَة. وَفِيه قدم مُحَمَّد وخليل - ولدا الْملك النَّاصِر فرج بن برقوق - من الْإسْكَنْدَريَّة إِلَى قلعة الْجَبَل. وَفِي تَاسِع عشره: وصلت رمة الْأَمِير فرج بن النَّاصِر مرج من الْإسْكَنْدَريَّة فصلى عَلَيْهَا بمصلى المؤمني تَحت قلعة الْجَبَل وَدفن بتربه جده الْملك الظَّاهِر برقوق خَارج بَاب النَّصْر. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ حادي عشرينه: عَاد السُّلْطَان من السرحة وَهُوَ وصل إِلَى العظامي وَيعرف بِرَأْس الْقصر فَنزل بقصر أنشأه القَاضِي نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ كَاتب السِّرّ على شاطئ النّيل من الْبر الغربي تجاه دَاره المطلة على النّيل وَكَانَ قد شرع فِي أساسه قبل سرحة السُّلْطَان ففرغ مِنْهُ بعد أَرْبَعَة أَيَّام وَاسْتمرّ بِهِ السُّلْطَان ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ ركب النّيل وتصيد بِنَاحِيَة سرياقوس وَصعد القلعة. وَاتفقَ هَذَا الشَّهْر بِبِلَاد الصَّعِيد أَن غنما عدتهَا نَحْو الْأَرْبَعَة وَعشْرين ألف رَأس من الضَّأْن رعت بِبَعْض المراعي فَمَاتَتْ عَن آخرهَا. وَفِيه جهزت الْأَضَاحِي السُّلْطَانِيَّة فَقَامَ الْأَمِير فَخر الدّين مِنْهَا بِعشْرَة آلَاف رَأس من الضَّأْن وَقَامَ الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله - نَاظر الْخَاص - بألفي رَأس. وَفِي سلخه: نُودي بِأَن يكون سعر المؤيدي الْفضة تِسْعَة دَرَاهِم من الْفُلُوس وزنتها رَطْل وَنصف. وَأَن يكون الذَّهَب بسعره الَّذِي يتعامل بِهِ وَكَانَ قد بلغ المثقال الذَّهَب الهرجة الْمَخْتُوم إِلَى مِائَتَيْنِ وَثَمَانِينَ درهما وَالدِّينَار الإفرنتي إِلَى مِائَتَيْنِ وَسِتِّينَ درهما فُلُوسًا فآل الْأَمر على هَذَا. وَفِي هَذَا الشَّهْر: انحل سعر عَامَّة المبيعات من أغلال وَسَائِر الأقوات وَغَيرهَا من الملابس وَالدَّوَاب والأثاث. وَكَانَ فِي الظَّن أَن تغلو بقدوم الْعَسْكَر من الشَّام فجَاء الْأَمر بِخِلَاف ذَلِك. شهر ذِي الْحجَّة أَوله الْأَحَد: فِيهِ حمل إِلَى الْأَمِير فَخر الدّين مائَة ألف دِينَار وَإِلَى الْأَمِير الْوَزير أرغون شاه خَمْسُونَ ألف دِينَار وَإِلَى الصاحب بدر الدّين نَاظر الْخَاص خَمْسُونَ ألف دِينَار وَأمر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 453 الثَّلَاثَة أَن يَأْخُذُوا من الْقَاهِرَة بِهَذِهِ المائتي ألف دِينَار فُلُوسًا لتضرب بصكة مؤيدية. فَفرق الذَّهَب فِي النَّاس وألزموا بالفلوس على أَن كل دِينَار بمائتين وَسِتِّينَ. وَفِي ثَانِيه: قدم رَأس الْأَمِير أقباي من دمشق فعلق على بَاب النَّصْر بَعْدَمَا علقت جثته - بعد قَتله - على قلعة دمشق وصلب عَلَيْهَا جمَاعَة. وَفِي ثالثه: نُودي بِالْقَاهِرَةِ من كَانَ عِنْده فلوس فليحملها إِلَى الدِّيوَان السلطاني. وهدد بالنكال من امْتنع من حملهَا أَو سَافر بهَا من الْقَاهِرَة. وَفِيه فرقت الْأَضَاحِي السُّلْطَانِيَّة. وَفِيه سَاق الْأَمِير فَخر الدّين إِلَى السُّلْطَان ألف رَأس من الكباش المعلوفة وَمِائَة وَخمسين بقرة فِي غَايَة السّمن. وَفِي سادس عشره: ركب السُّلْطَان بثبات جُلُوسه فِي قَلِيل من خاصكيته وَنزل بالجامع المؤيدي ثمَّ توجه مِنْهُ إِلَى بَيت نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ الحمري كَاتب السِّرّ بسويقة المَسْعُودِيّ فَقدم لَهُ تقدمة ثمَّ ركب إِلَى القلعة. وَفِي رَابِع عشرينه: اسْتَقر الْأَمِير عَلَاء الدّين أقبغا شَيْطَان. شاد الدَّوَاوِين ووالي الْقَاهِرَة فِي الْحِسْبَة عوضا عَن عماد الدّين بعد عَزله لسوء سيرته. وَاسْتقر الْأَمِير سودن القَاضِي - الْحَاجِب كَانَ - فِي نِيَابَة الْوَجْه القبلي وعزل الْأَمِير بدر الدّين حسن بن محب الدّين ورسم بإحضاره. وَفِي يَوْم السبت تَاسِع عشرينه: قدم الْأَمِير صارم الدّين إِبْرَاهِيم ابْن السُّلْطَان من سَفَره بعد أَن وصل إِلَى جرجا وَأخذ التقادم وَمن جُمْلَتهَا تقدمة الْأَمِير بدر الدّين حسن بن محب الدّين وتبلغ نَحْو اثْنَي عشر ألف دِينَار سوى الكلف من العلوفات والمآكل فِي مُدَّة النُّزُول عَلَيْهِ. وَفِي هَذَا الشَّهْر: وَقعت فتْنَة بدمياط قتل فِيهَا الْوَالِي وَهِي أَن أَعمال مصر مُنْذُ ابْتِدَاء الْأَيَّام الظَّاهِرِيَّة برقوق لَا يولي بهَا وَال إِلَّا بِمَال يقوم بِهِ أَو يلْتَزم بِهِ وَكَانَ من اتِّبَاع المماليك رجل سَوَّلت لَهُ نَفسه ولَايَة فِي دمياط يعرف بناصر الدّين مُحَمَّد السلاخوري إلتزم بِمَال ووليها واستدان مَالا حَتَّى عمل لَهُ مَا يتجمل بِهِ وباشرها غير مرّة فِي هَذِه الْأَيَّام المؤيدية فَلَمَّا وَليهَا فِي هَذِه السّنة جرى على عَادَته فِي ظلم النَّاس وَأخذ أَمْوَالهم وَنِسَائِهِمْ وشباب أَوْلَادهم. وَمن جملَة أهل دمياط طَائِفَة يُقَال لَهُم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 454 السمناوية يتعيشون بصيد السّمك من بحيرة تنيس ويسكن كثير مِنْهُم بجزائر يسمونها العزب - واحدتها عزبة - فأنفوا من قبائح أَفعَال السلاخوري فِي يَوْم الْأَحَد ثَانِي عشْرين ذِي الْحجَّة: وأوقعوا بنائب الْوَالِي وضربوه وأهانوه بِحَيْثُ كَاد يهْلك وجروه إِلَى ظَاهر الْبَلَد وتجمعوا على بَاب الْوَالِي وَقد امْتنع بهَا وَرَمَاهُمْ بالنشاب من أَعْلَاهَا فَأصَاب وَاحِدًا مِنْهُم قَتله وجرح ثَلَاثَة حردهم وألحوا فِي أَخذه وَهُوَ يرميهم حَتَّى نفدت سهامه فَألْقى نَفسه فِي الْبَحْر وَركب فِي سفينته إِلَى الجزيرة فتبعوه فِي السفن وأخذوه وتناوبوا ضربه وَأتوا بِهِ إِلَى الْبَلَد وسجنوه موثقًا فِي رجلَيْهِ بالخشب وَبَاتُوا يحرسونه إِلَى بكرَة غدهم ثمَّ أَخْرجُوهُ وحلقوا نصف لحية نَائِبه وشهروه على جمل والمغاني تزفه حَتَّى طافوا بِهِ الْبَلَد ثمَّ قَتَلُوهُ شَرّ قتلة وأخرجوا الْوَالِي من الْحَبْس وَأتوا بِبَعْض قضاتهم وشهودهم ليثبتوا عَلَيْهِ محضراً وأوقفوه على رجلَيْهِ مَكْشُوف الرَّأْس عاري الْبدن فبدره أحد السمناوية وصرعه. وتواثب عَلَيْهِ باقيهم حَتَّى هلك وسحبوه وأحرقوه بالنَّار ونهبوا دَاره وسلبوا حريمه وَأَوْلَاده مَا عَلَيْهِم وَقتلُوا وَفِي لَيْلَة الْأَحَد تَاسِع عشرينه: طرق الْقَاهِرَة منسر عَددهمْ ثَلَاثَة وَعِشْرُونَ رجلا مِنْهُم فارسان ومروا على الْجَامِع الْأَزْهَر أول اللَّيْل وَقتلُوا رجلَيْنِ برحبة الأيدمري ونهبوا عدَّة حوانيت وعادوا على حارة الباطلية فَكَانَ هَذَا مِمَّا لم يدْرك مثله فِي الشناعة ببلدنا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 455 وَفِي هَذَا الشَّهْر: قلت الغلال وَبلغ سعر الأردب الْقَمْح مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعين بعد مائَة وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وَخمسين وَبلغ الأردب من الشّعير والفول قَرِيبا من الْمِائَتَيْنِ بَعْدَمَا كَانَ الشّعير قَرِيبا من تسعين فَمَا دونهَا وَسبب ذَلِك قلَّة الْمَطَر فِي فَصلي الخريف والشتاء وَعَدَمه فَخفت زروع الْوَجْه البحري وَأمْسك النَّاس مَا عِنْدهم من الغلال فَلَمَّا طلبت تعذر وجودهَا فارتفع سعرها فتدارك الله بِلُطْفِهِ وَأنزل الْغَيْث - بَعْدَمَا قَنطُوا - فِي يَوْم الثُّلَاثَاء وَيَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشره وَسقي الزروع عِنْد حَاجَتهَا فَإِن الزَّمن شهر أمشير حَتَّى جَادَتْ وزكت ونمت إِن الله بِالنَّاسِ لرءوف رَحِيم. وفيهَا نزل ابْن عُثْمَان صَاحب برصا على قونيا وحاصر مُحَمَّد بن قرمان فدهمه سيل عَظِيم كَاد أَن يهلكه وعساكره فَرَحل عَنْهَا. وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر الْأَمِير أقبردي المنقار أحد الْأُمَرَاء المقدمين بِمصْر فِي لَيْلَة الْخَمِيس سَابِع عشْرين صفر بِدِمَشْق وَقد توجه إِلَيْهَا صُحْبَة العساكر. وَهُوَ أحد المماليك المؤيدية وَلم يكن بالمشكور. وَمَات الْأَمِير فرج ابْن السُّلْطَان الْملك النَّاصِر فرج ابْن السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر برقوق فِي لَيْلَة الْجُمُعَة سادس عشْرين ربيع الأول بثغر الْإسْكَنْدَريَّة وَقد نفي إِلَيْهَا ثمَّ حملت رمته ودفنت بتربة جده خَارج بَاب النَّصْر وَلم يبلغ الْحلم وتحدث غير مرّة بإقامته فِي الْملك فَلم يقدر ذَلِك وَمَات القَاضِي الرئيس تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب بن نصر الله بن حسن الفوي أَخُو الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله فِي لَيْلَة السبت ثَالِث عشر جُمَادَى الْآخِرَة بِالْقَاهِرَةِ ومولده سنة سِتِّينَ وَسَبْعمائة ولي نظر الأحباس ووكالة بَيت المَال وَنظر الْكسْوَة وتوقيع الدست وناب عَن قُضَاة الْحَنَفِيَّة وَوَقع عِنْد عدَّة أُمَرَاء وَورثه أَبوهُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 456 وَمَات الشَّيْخ مُوسَى بن مُحَمَّد بن عَليّ الْمَنَاوِيّ بِمَكَّة فِي ثَانِي شهر رَمَضَان وَلم تدْرك مثله فِيمَا رَأينَا وعاشرنا فَإِنَّهُ نَشأ بِالْقَاهِرَةِ يعاني طلب الْعلم وتفقه على مَذْهَب مَالك وَحفظ الْمُوَطَّأ حفظا جيدا وبرع فِي الْفِقْه والعربية ثمَّ زهد فِي الدُّنْيَا الفانية وَترك مَا كَانَ بِيَدِهِ من الوظائفي من غير عوض تعوضه وَانْفَرَدَ بالصحراء مُدَّة. ثمَّ خرج إِلَى مَكَّة فِي سنة تسع وَتِسْعين وَسَبْعمائة وَأَقْبل على الْعِبَادَة متخلياً عَن كل شَيْء من أُمُور الدُّنْيَا معرضًا عَن جَمِيع النَّاس يسكن القفر وَالْجِبَال ويقتات مَا تنبته الأَرْض وَلَا يدْخل مَكَّة إِلَّا يَوْم الْجُمُعَة فَقَط ليشهد بهَا الْجُمُعَة ثمَّ مضى لشأنه فِي الْجبَال وَأقَام بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة على هَذَا الْقدَم زَمَانا وَهُوَ يتَرَدَّد إِلَى الْحَرَمَيْنِ وَلَا يأوي دَارا وَلَا يسكن إِلَى أحد ثمَّ سَافر إِلَى الْيمن وَعَاد إِلَى مَكَّة وطالما عرض عَلَيْهِ المَال الْكثير من الْمَذْهَب يحمل إِلَيْهِ من مصر وَغَيرهَا وَيَرَاهُ فَلَا يمسهُ بِيَدِهِ بل يَأْمر بتفرقته على من يُعينهُ لَهُم فَيدْفَع إِلَيْهِم وَلم يزل على ذَلِك حَتَّى خلصه الله تَعَالَى إِلَى دَار الْقُدس والسعادة. وَمَات الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن جَعْفَر البلالي شيخ خانكاه سعيد السُّعَدَاء بهَا فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشر شهر رَمَضَان وَكَانَ فَقِيها مُعْتَقدًا لَهُ شهرة طارت فِي الْآفَاق وَلِلنَّاسِ فِيهِ اعْتِقَاد وَعَلِيهِ انتقاد. وَمَات الْأَمِير أقباي نَائِب الشَّام مقتولاً بهَا فِي ذِي الْقعدَة كَمَا شرح أمره. وَقتل الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد السلاخوري وَالِي ثغر دمياط مقتولاً فِي رَابِع عشْرين ذِي الْحجَّة كَمَا ذكر. وَمَات عز الدّين مُحَمَّد بن عَلَاء الدّين بن بهاء الدّين عبد الرَّحْمَن ابْن قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين مُحَمَّد ابْن قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين سُلَيْمَان بن حَمْزَة الْمَقْدِسِي الْحَنْبَلِيّ قَاضِي الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق فِي لَيْلَة السبت رَابِع عشْرين ذِي الْقعدَة وَكَانَ عَالما دينا حسن السِّيرَة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 457 فارغه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 458 سنة إِحْدَى وَعشْرين وثماني مائَة أهل شهر الله الْمحرم بِيَوْم الثُّلَاثَاء. فِيهِ قدم مبشرو الْحَاج وأخبروا بسلامتهم. وَفِي ثالثه: أعرس الْأَمِير فَخر الدّين بِبَعْض جواري السُّلْطَان وَعمل مهما جَلِيلًا ذبح فِيهِ ثَمَانِيَة وَعشْرين فرسا وأغناماً بلغ زنة لَحمهَا عشرَة آلَاف رَطْل وَمن الدَّجَاج أَلفَيْنِ وَمِائَة طَائِر وَمن الأوز ثَلَاثَة آلَاف طَائِر وَمن الدَّقِيق سِتَّة وَخمسين قِنْطَارًا وَمن الزَّبِيب خمسين قِنْطَارًا عملت مشروباً. وَفِي رابعه: ركب السُّلْطَان إِلَى جَامع أَحْمد بن طولون وَصلى فِيهِ الْجُمُعَة ثمَّ عدى النّيل وسرح إِلَى نَاحيَة أوسيم. وَفِي حادي عشره: كتب من المخيم على يَد الْأَمِير حكم الخاصكي بِخُرُوج عَسْكَر من دمشق وَمن حمص وحماة والأمير حَدِيثَة بن سيف أَمِير آل فضل إِلَى قتال التركمان. وَكَذَلِكَ أَن الْأَمِير ألطنبغا الجكمي - نَائِب درندة - ركب على حُسَيْن كبك فتقنطر بِهِ فرسه فَقبض عَلَيْهِ وَقتل وَنزل حُسَيْن على ملطية وحصرها. وَفِي سادس عشره: قدم الْخَبَر بِأَن الْأَمِير يشبك الدوادار أَمِير الْحَاج لما قدم الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة بعد انْقِضَاء الْحَج أظهر أَنه يسير إِلَى الركب الْعِرَاقِيّ يبْتَاع مِنْهُ جمالاً وَمضى فِي نفر يسير وتسحب صُحْبَة الركب الْعِرَاقِيّ خوفًا أَن يُصِيبهُ من السُّلْطَان مَا أصَاب الْأَمِير أقباي نَائِب الشَّام. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 459 وَفِي ثَالِث عشرينه: نُودي بِالْقَاهِرَةِ أَن جَمِيع الباعة من الجبانين والطباخين والخبازين واللحامين وَنَحْوهم يحمل كل وَاحِد مِنْهُم عشرَة مسارج إِلَى بولاق لتعرض على الْأَمِير التَّاج فشرعوا فِي تَحْصِيل المسارج وَحملُوهَا إِلَى الْأَمِير تَاج الدّين الشويكي. وَفِيه قدم محمل الْحَاج الْأَرْبَعَاء. وَفِي لَيْلَة الْخَمِيس رَابِع عشرينه: كَانَ الوقيد ببر منبابة بَين يَدي السُّلْطَان وَذَلِكَ أَنه سَار من وسيم وَنزل بِالْقصرِ الَّذِي أنشأه ابْن الْبَارِزِيّ بحري منبابة على النّيل وألزم الْأُمَرَاء بِحمْل الزَّيْت والنفط فَجمع من ذَلِك شَيْء كثير وَأخذ من الْبيض وقشر النارنج وَمن المسارج الفخار الَّتِي أحضرها الباعة عدد كثير جدا وَعمل فِيهَا فتايل الْقطن المغموسة بالزيت وأشعلت بالنَّار ثمَّ أرْسلت فِي النّيل بعد غرُوب الشَّمْس بِنَحْوِ سَاعَة وأطلقت النقوط وَقد امْتَلَأَ البران بطوائف النَّاس وَمر لَهُم جَمِيعًا من السخف مَا لم نعهد مثله لملك قطّ. وَفِي خَامِس عشرينه: قدم محمل الْحَاج ببقيتهم. وَفِيه عدى السُّلْطَان النّيل وَصعد قلعة الْجَبَل. وَفِي يَوْم السبت سادس عشرينه: قبض على الْأَمِير سيف الدّين بيبغا المظفري: أحد مقدمي الألوف وأمير سلَاح وَحمل مُقَيّدا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة ليعتقل بهَا. وَفِيه وجد السجْن المستجد بجوار بَاب الْفتُوح قد نقب وفر مِنْهُ جمَاعَة من المعتقلين. وَفِي ثامن عشرينه: نُودي بِالْقَاهِرَةِ أَن كل غَرِيب ينْزح إِلَى وَطنه فَإِنَّهُ كَانَ قد كثرت بِالْقَاهِرَةِ أَصْنَاف الطوائف من القلندرية وَغَيرهم من الْعَجم فاضطربت الْأَعَاجِم ثمَّ تركُوا على حَالهم. شهر صفر أَوله الْأَرْبَعَاء: أهل وَالنَّاس بِالْقَاهِرَةِ ومصر فِي ضيق من قلَّة الْفُلُوس فَإِن السُّلْطَان - كَمَا تقدم - الجزء: 6 ¦ الصفحة: 460 طرح على التُّجَّار والباعة الذَّهَب يُرِيد بدله فُلُوسًا فَقلت فِي الْأَيْدِي من الشُّح بإخراجها حَتَّى عزت بعد هوانها. وَفِي رابعه: وسط قرقماس مُتَوَلِّي كختا وَخَمْسَة عشر رجلا مَعَه خَارج بَاب النَّصْر. وَكَانُوا فِيمَن أحضرهُ السُّلْطَان مَعَه فِي الْحَدِيد وسجنوا بالقلعة. وَفِي سادسه: ركب السُّلْطَان بِثِيَاب جُلُوسه وَمَعَهُ ابْنه الْأَمِير إِبْرَاهِيم فِي نفر يسير إِلَى جَامعه بجوار بَاب زويلة ثمَّ توجه مِنْهُ إِلَى دَار الْأَمِير فَخر الدّين فَأكل عِنْده وَقدم لَهُ فَخر الدّين خَمْسَة آلَاف دِينَار ثمَّ توجه إِلَى بَيت الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله وَنزل عِنْده فَقدم لَهُ ثَلَاثَة آلَاف دِينَار وَعرض عَلَيْهِ خزانَة الْخَاص فأنعم مِنْهَا على وَلَده وعَلى من مَعَه من الْأُمَرَاء وَفِي عاشره: نُودي أَن يكون سعر الدِّينَار الْمَخْتُوم بمائتين وَخمسين وَكَانَ بمائتين وَثَمَانِينَ وَأَن يكون الدِّينَار الأفرنتي بمائتين وَثَلَاثِينَ وَكَانَ بمائتين وَسِتِّينَ وَأَن تكون الْفُلُوس على حَالهَا كل رَطْل بِسِتَّة دَرَاهِم والمؤيدي بِحَالهِ كل نصف بِتِسْعَة دَرَاهِم. وَفِي سادس عشره: نُودي أَن يكون سعر الدِّينَار الْمَخْتُوم بمائتين وَثَلَاثِينَ وَالدِّينَار الأفرنتي بمائتين وَعشرَة وَأَن يكون المؤيدي بسبعة دَرَاهِم حَتَّى يصرف بالدينار الأفرنتي من المؤيدية بمبلغ ثَلَاثِينَ فماج النَّاس وَكثر قلقهم وَكَلَامهم لما نزل بهم من الخسارة فَلم يعْتد بهم وَاسْتمرّ الْحَال على ذَلِك. وَفِي سَابِع عشره: طلب الْأَمِير عَلَاء الدّين أقبغا شَيْطَان - وَالِي الْقَاهِرَة ومحتسبها وشاد الدَّوَاوِين - جَمِيع أَرْبَاب المعايش وَقرر أسعار المبيعات على حططتها بِقدر مَا انحط من سعر الذَّهَب وَالْفِضَّة وتشدد عَلَيْهِم فَلم يَجدوا بدا من امْتِثَال مَا أَمر بِهِ على مضض وَكره فغرم كثير من النَّاس غرامات مُتعَدِّدَة. وَفِي ثَانِي عشرينه: ركب السُّلْطَان لعيادة الْأَمِير الْكَبِير ألطنبغا القرمشي من وعك بِهِ ثمَّ مضى إِلَى بَيت الْأَمِير جقمق الدوادار وَأقَام عِنْده يَوْمه كُله وَعَاد من آخِره إِلَى القلعة على حَالَة غير مرضية فِي الدّيانَة من شدَّة السكر. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 461 شهر ربيع الأول، أَوله الحمعة: فِي ثالثه: قدم عَلَاء الدّين مُحَمَّد الكيلاني الشَّافِعِي أحد فضلاء الْعَجم من بِلَاد الشرق فَبَدَأَ أَولا بزيارة قبر الإِمَام الشَّافِعِي ثمَّ نزل بِالْقَاهِرَةِ فَأكْرمه النَّاس وَأَتَاهُ قُضَاة الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء للسلام عَلَيْهِ ثمَّ اجْتمع بالسلطان وَتردد إِلَى مَجْلِسه مَعَ الْفُقَهَاء. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ حادي عشره: جمع الْأَمِير أقبغا شَيْطَان أهل الْأَسْوَاق من تجار الْبَز وَغَيرهم وَأنكر عَلَيْهِم مُخَالفَة مَا رسم بِهِ فِي سعر الذَّهَب وَالْفِضَّة وَبَالغ فِي تهديدهم ووعيدهم من أجل أَنهم لم يَحُطُّوا من سعر البضائع بِقدر مَا انحط من سعر الدِّينَار وَالدِّرْهَم وَضمن بعض أكَابِر الْأَسْوَاق لبَعض وواعدهم الْحُضُور بَين يَدي السُّلْطَان فِي يَوْم الْجُمُعَة وصرفهم فَكثر الإرجاف بهم وَتوقف أَحْوَال النَّاس وَقل جلب البَائِع وَكَثُرت خسارات النَّاس. وَفِي رَابِع عشره: انْقَطع السُّلْطَان عَن حُضُور الموكب بِالْقصرِ على الْعَادة لانتقاض ألم رجله عَلَيْهِ. وَفِيه قدم الْخَبَر بِأَن الْأَمِير برديك الخليلي - نَائِب طرابلس - خرج للدورة فَلَمَّا عَاد بلغه اتِّفَاق قُضَاة طرابلس وأمرائها ورعيتها على مَنعه من الدُّخُول إِلَى الْبَلَد كَرَاهَة فِيهِ لِكَثْرَة ظلمه وطمعه فَأَقَامَ بعد مراسلتهم فِي جِهَة من الْجِهَات حَتَّى يرد مرسوم السُّلْطَان ثمَّ سَار إِلَى جِهَة مصر فَكتب أهل طرابلس إِلَى السُّلْطَان بقبيح سيرته وَأَخذه الْأَمْوَال بِغَيْر حق ومخالفته المراسم وَقدم الْخَبَر بِقِيَام أهل الْمحلة - من النواحي الغربية - على الْوَالِي بهَا ورجمه بِسَبَب طلب الْفُلُوس وَذَلِكَ أَنه حمل إِلَى الغربية مبلغ كَبِير من الذَّهَب لتؤخذ بِهِ الْفُلُوس بِسعْر مِائَتَيْنِ وَعشرَة الأفرنتي فَنزل بِالنَّاسِ بلَاء عَظِيم وَعمِلُوا فِي الْحَدِيد ونزح كثير مِنْهُم إِلَى الْقَاهِرَة فِي طلب الْفُلُوس فَانْحَطَّ سعر الدِّينَار إِلَى مائَة وَسبعين لعزة الْفُلُوس وهوان الذَّهَب. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشره: جمع الْأَمِير أقبغا شَيْطَان التُّجَّار وكبار المتعيشين وَمضى بهم إِلَى قلعة الْجَبَل وَقد اشْتَدَّ خوفهم من السُّلْطَان وشنعت القالة بالإرجاف فَإِذا بالسلطان فِي شغل عَنْهُم بألم رجله فَلم يروه بل أوقفهم الْأَمِير جقمق الدوادار وَقرر مَعَهم أَن يكون المؤيدي هُوَ النَّقْد المتعامل بِهِ دون غَيره من الذَّهَب والفلوس فَلَا يُبَاع وَيَشْتَرِي إِلَّا بِالدَّرَاهِمِ المؤيدية وَيدْفَع الذَّهَب أَو الْفُلُوس عوضا عَنْهَا ليَكُون النَّقْد الرابح الْمَنْسُوب إِلَيْهِ ثمن المبيعات وقيم الْأَعْمَال هِيَ المؤيدية وَأَن لَا يَأْخُذ التَّاجِر فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 462 كل مائَة دِرْهَم اشْترى بهَا الْفَائِدَة سوى دِرْهَمَيْنِ وحذرهم من مُخَالفَة ذَلِك ثمَّ أفرج عَنْهُم فانصرفوا وكأنما ردَّتْ إِلَيْهِم الْحَيَاة بعد الْمَوْت. وَنُودِيَ من الْغَد على الْخَيل فِي سوقها تَحت القلعة بِالدَّرَاهِمِ المؤيدية وَعمل كَذَلِك فِي بَقِيَّة أسواق الْقَاهِرَة فَبَطل النداء على البضائع بالفلوس من يَوْمئِذٍ. وَفِيه نُودي أَن يكون الدِّينَار على حَاله بمائتين وَعشرَة والمؤيدي بسبعة دَرَاهِم فُلُوسًا إِلَّا فِي الدُّيُون الْقَدِيمَة وَأجر الْأَمْلَاك وجوامك وَفِي هَذَا الشَّهْر: تنكر السُّلْطَان على قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين بن البُلْقِينِيّ لاستكثاره من النواب فكثرت القالة وتجرأ عَلَيْهِ رفاقه فعزل طَائِفَة من نوابه وَاقْتصر مِنْهُم على أَرْبَعَة عشر. وَفِي ثامن عشره: خلع على الشريف حسن بن الشريف عَليّ بن مُحَمَّد بن على الأرموي بنقابة الْأَشْرَاف عوضا عَن وَالِده بعد وَفَاته وَاسْتقر الْأَمِير فَخر الدّين فِي نظر وقف الْأَشْرَاف لصِغَر سنّ الشريف. وَفِي ثامن عشرينه: قدم الْأَمِير بردبك الخليلي نَائِب طرابلس وَقدم الْخَبَر بِكَثْرَة الأمطار بالغربية وَأَنه سقط برد مِنْهُ مَا زنة الْحبَّة الْوَاحِدَة مائَة دِرْهَم تلف مِنْهُ زروع كَثِيرَة قد اسْتحق حصادها حَتَّى أَن مارساً فِيهِ ثَمَانمِائَة فدان تلف عَن آخِره وَهَلَكت عدَّة أَغْنَام بِوُقُوعِهِ عَلَيْهَا. وَفِي سلخه: قدم الْأَمِير سودن الأسندمري من الْإسْكَنْدَريَّة وَقد أفرج عَنهُ وَكَانَ مسجوناً بهَا مُنْذُ زَالَت الدولة الناصرية فرج. وَفِيه قدم الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن عَطاء الله الْهَرَوِيّ نَاظر الْقُدس والخليل ومدرس الصلاحية بالقدس فَأكْرمه السُّلْطَان وأنزله وَبعث إِلَيْهِ الْأُمَرَاء عدَّة تقادم. وأجرى لَهُ راتب. شهر ربيع الآخر أَوله الْأَحَد: أهل هَذَا الشَّهْر وألم السُّلْطَان متزايد من رجله وَهُوَ مُنْقَطع ملازم للْفراش وَالنَّاس فِي ضيق من تعذر وجود الْفُلُوس، وَقلة وجود المآكل بالأسواق، مُنْذُ نُودي على المؤيدية بسبة دَرَاهِم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 463 وَفِي ثَانِيه: قبض على الْأَمِير أرغون شاه الْوَزير وعَلى الْأَمِير أقبغا شَيْطَان وسلما إِلَى الْأَمِير فَخر الدّين متتبع حواشيهما وأسبابهما ودورهما. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير بردبك نَائِب طرابلس فِي نِيَابَة صفد وَكتب بِنَفْي عمر بن الهذباني إِلَى طرسوس ثمَّ كتب باستقراره فِي نِيَابَة بهسنى عوضا عَن كمشبغا رَأس نوبَة جمال الدّين وَاسْتقر شاهين بن عبد الْعَزِيز - الْحَاجِب بصفد - فِي نِيَابَة قلعتها عوضا عَن عمر بن الطَّحَّان. وَفِيه قدم كتاب طغرول بن صقيل سيز على يَد أَخِيه طرعلي يسْأَل الْأمان وَكَانَ قد قدم إِلَى الْقَاهِرَة وَسَار فِي ركاب السُّلْطَان ثمَّ فر من دمشق فأمن وقدمت مكَاتبه الْأَمِير شاهين الأيدكاري - نَائِب طرسوس - بِأَنَّهُ مَحْصُور مُدَّة أَرْبَعَة أشهر من إِبْرَاهِيم بن رَمَضَان وَقد عزم مُحَمَّد بن قرمان على الْمَشْي إِلَى طرسوس. وَفِي ثالثه: نقل الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ أبن الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الطبلاوي من ولَايَة مصر إِلَى ولَايَة الْقَاهِرَة عوضا عَن أقبغا شَيْطَان. وَفِي خامسه: أُعِيد شمس الدّين مُحَمَّد بن يَعْقُوب الدِّمَشْقِي إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة عوضا عَن أقبغا شَيْطَان. وَفِي يَوْم السبت سابعه: خلع على الْأَمِير بدر الدّين حسن بن محب الدّين وَاسْتقر فِي الوزارة وَفِي عاشره: أفرج عَن أرغون شاه من غير عُقُوبَة. وَفِي ثَانِي عشره: خلع على قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْأمَوِي وأعيد إِلَى قَضَاء الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن شرف الدّين عِيسَى. وَفِي سادس عشره: ضرب عنق بعض أعوان الظلمَة المتصرفين بِأَبْوَاب الوزراء لتعرضه إِلَى مَا يريق دَمه شرعا. وَفِيه نقل سوق الرَّقِيق من مَوْضِعه بِخَط المطاح فِيمَا بَين الوزيرية وَخط الملحيين إِلَى فندق تجاه المشهد الْحُسَيْنِي ثمَّ أُعِيد إِلَى مَوْضِعه بعد قَلِيل. وَفِي سَابِع عشره: خلع على الْأَمِير أرغون شاه وأركب فرسا وَاسْتقر فِي إمرة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 464 لتركمان بِثَلَاثِينَ ألف دِينَار وَكتب أَن ينْقل الْأَمِير سنقر نَائِب المرقب إِلَى نِيَابَة قلعة دمشق عوضا عَن شاهين ويستقر ألطنبغا الجاموس فِي نِيَابَة المرقب ويستقر سودن الأسندمري - الَّذِي أفرج عَنهُ - حاجباً بطرابلس عوضا عَن بزدار وَاسْتقر فِي وزارة دمشق يَعْقُوب الإسرائيلي بَعْدَمَا أسلم وَكَانَ صيرفياً فِي يَهُودِيَّته وَاسْتقر فِي وزارة حلب علم الدّين سُلَيْمَان بن الجابي. وَفِيه أوقع الْأَمِير سودن القَاضِي - نَائِب الْوَجْه القبلي - بعرب فَزَارَة وَنهب أَمْوَالهم وسَاق إِلَى السُّلْطَان مِنْهَا ألف جمل وَخمسين فرسا وفر من نجا مِنْهُم إِلَى الْبحيرَة فأوقع بهم الْأَمِير دمرداش نَائِب الْوَجْه البحري وَقتل كثيرا مِنْهُم وَنهب مَا مَعَهم وَحمل إِلَى السُّلْطَان مِنْهُ أَرْبَعمِائَة جمل وَعشْرين فرسا ورءوس رجال كَثِيرَة قد قطعهَا فانحسم أَمرهم وَقدم الْخَبَر بقتل منكلي بغا الأجرود وسودن الركني من جمَاعَة الْأَمِير أقباي وَقتل عَليّ بن نعير وناصر الدّين وَزِير حلب وصلبهم على شرفات قلعة دمشق. وَقدم الْخَبَر من حلب بوقعة عَظِيمَة بَين عَليّ باك بن دلغادر وأخيه مُحَمَّد باك انتصر فِيهَا مُحَمَّد وَكسر أَخَاهُ وغنم جَمِيع موجوده فأدركه الْأَمِير يشبك نَائِب حلب بعد الْوَاقِعَة وَقد انتصر فَتَلقاهُ وأضافه وَقدم لَهُ وَحلف على الطَّاعَة. وَفِيه جهز الْأَمِير جَار قطلو نَائِب حماة وصفد إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجن بهَا عِنْد حُضُوره من صفد إِلَى قطيا فَحمل مِنْهَا. وَفِي تَاسِع عشره: سَار الْأَمِير فَخر الدّين بن أبي الْفرج إِلَى الْوَجْه القبلي وخيم بالجيزة واستقل بِالْمَسِيرِ من غده فِي طوائف كَثِيرَة من العربان وعدة من المماليك. وَقد استعد للحرب وَأخذ مَعَه الروايا والقرب والزاد ليتتبع الْعَرَب حَيْثُ سَارُوا. وَفِيه ظهر بالمأذنة المؤيدية اعوجاج. وَفِي ثَالِث عشرينه: اسْتمرّ الْأَمِير برسباي الدقماقي - أحد مقدمي الألوف - فِي نِيَابَة طرابلس عوضا عَن الْأَمِير بردبك الخليلي الْمُنْتَقل إِلَى نِيَابَة صفد وأنعم بإقطاعه على الْأَمِير فَخر الدّين على الْوَزير الْأَمِير بدر الدّين وَكَانَ برسباي يَلِي كشف التُّرَاب وَعمل الجسور بالغربية فَطلب مِنْهَا وخلع عَلَيْهِ فِيهِ وَاسْتقر أَيْضا الْأَمِير سودن الأسندمري أَمِيرا كَبِيرا بطرابلس. وَفِيه كتب محْضر بهدم المأذنة المؤيدية فهدمت من الْغَد وغلق بَاب زويلة مُدَّة ثَلَاثِينَ يَوْمًا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 465 شهر جُمَادَى الأولى أَوله الِاثْنَيْنِ: فِيهِ سَافر الْأَمِير أرغون شاه إِلَى دمشق على تقدمة التركمان بهَا. وَفِيه تحرّك عزم السُّلْطَان إِلَى الْحجاز فَكتب إِلَى أُمَرَاء الْحجاز بذلك. وَفِي رابعه: قدم من الشَّام ألف وثلاثمائة حمل جهزها الْأَمِير تنبك ميق نَائِب الشَّام. وَذَلِكَ أَنه أوقع بعرب آل عَليّ قَرِيبا من حمص وكسرهم وَأخذ لَهُم ألفا وَخَمْسمِائة حمل بَاعَ مِنْهَا رديئها وجهز بَاقِيهَا. وَفِي يَوْم الْخَمِيس حادي عشره: ولد للسُّلْطَان ولد ذكر سَمَّاهُ مُوسَى من أمة يُقَال لَهَا طولو باي فدقت البشائر وَكتب إِلَى الأقطار بذلك فَتوجه الطواشي مرجان الْهِنْدِيّ إِلَى الشَّام للبشارة بولادته وزينت الْقَاهِرَة ومصر. وَفِي سادس عشره: ابتدئ بالنداء على النّيل ثَلَاثَة أَصَابِع وَجَاءَت الْقَاعِدَة أَرْبَعَة أَذْرع وَثَمَانِية أَصَابِع. وَفِي سَابِع عشره: كَانَت عقيقة الْأَمِير مُوسَى ابْن السُّلْطَان عمل فِيهَا مُدَّة جليلة وخلع على الْأُمَرَاء وأركبوا خيولاً بقماش ذهب بلغ المصروف عَلَيْهَا خَمْسَة عشر ألف دِينَار. وَفِي ثَالِث عشرينه: قدم الْخَبَر بِأَن الْأَمِير فَخر الدّين ركب فِي طلب هوارة فَتَبِعهُمْ من سيوط مُدَّة خَمْسَة أَيَّام حَتَّى أركبهم قريب أسوان فقاتلوه عَامَّة يومهم فجرح كثير مِنْهُم وَقتل جمَاعَة نَحْو الْمِائَتَيْنِ وَعشْرين وَانْهَزَمَ باقيتهم إِلَى الواحات فأحاط بِأَمْوَالِهِمْ وَبعث خَمْسَة رُءُوس من أعيانهم. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشرينه: عرض السُّلْطَان مماليك الطباق بالقلعة وَعين مِنْهُم عدَّة للسَّفر مَعَه إِلَى الْحجاز وَأخرج الهجن وجهز الغلال فِي الْبَحْر إِلَى مَكَّة وينبع. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 466 وَفِيه كتب أَن يسْتَقرّ الْأَمِير شاهين الزردكاش - حَاجِب الْحجاب بِدِمَشْق - فِي نِيَابَة حماة عوضا عَن الْأَمِير نكباي ويستقر نكباي فِي الحجوبية. وَفِي سَابِع عشرينه: ركب السُّلْطَان - وَمَعَهُ وَلَده - الْأَمِير إِبْرَاهِيم والأمراء وَنزل إِلَى المارستان المنصوري بِخَط بَين القصرين وَهُوَ بِثِيَاب جُلُوسه فزار المرضى وَعَاد إِلَى القلعة. وَفِيه فتح بَاب زويلة وَلم يعْهَد قطّ أَنه أَقَامَ هَذِه الْمدَّة مغلوقاً. وَفِيه كتب بِإِعَادَة إقطاع عَليّ بن أبي بكر الْجرْمِي إِلَيْهِ واستقراره فِي الإمرة على عَادَته وجهز لَهُ تشريفي وَكتب إِلَى الْأَمِير شاهين نَائِب الكرك أَنه جهز إِلَيْهِ نَائِب عزة ونائب الْقُدس وَكَاشف الرملة بِمن مَعَهم من العساكر لضرب عربان بني عقبَة وَأَخذهم وجهز إِلَيْهِ فوقاني بوجهي حَرِير كمخا بطراز عريض وَكتب إِلَى الْمَذْكُورين أَن يتوجهوا إِلَى الكرك لضرب بني عقبَة وَأَخذهم صُحْبَة نَائِب الكرك وَأسر إِلَى نَائِب غَزَّة بِأَن يقبض عَلَيْهِ ويوقع الحوطة على موجوده. وَفِيه جهز إِلَى ملطية مبلغ أَرْبَعِينَ ألف دِينَار لعمارة طاحونين وخان وقيسارية تشْتَمل على أَرْبَعِينَ دكاناً وزاوية وَكتب إِلَى نَائِب طرابلس أَن يتَوَجَّه إِلَى ملطية بعسكره وَيُقِيم مَعَ نائبها لمعاضدته. وَفِي ثامن عشرينه: منع قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين بن البُلْقِينِيّ من الحكم. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع عشرينه: خلع على الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن عَطاء الله الْهَرَوِيّ وَاسْتقر قَاضِي الْقُضَاة عوضا عَن شيخ الْإِسْلَام جلال الدّين بن اللقيني وَنزل من قلعة الْجَبَل وَمَعَهُ الْأَمِير جقمق الدوادار والأمير قطلوبعا التنمي رَأس نوبَة وعدة من الْأُمَرَاء والقضاة وَغَيرهم إِلَى الْمدرسَة الصالحية بَين القصرين وَحكم على الْعَادة وَمضى إِلَى دَاره ثمَّ بعث إِلَى قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين بِأَن يحمل مَا عِنْده من مَال الْحَرَمَيْنِ والأوقاف فَأبى أَن يُسلمهُ ذَلِك إِلَّا بِإِذن السُّلْطَان وَكَانَ قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين لما أُعِيد إِلَى وَظِيفَة الْقَضَاء فِي شهر ربيع الأول سنة ثَمَان وَثَمَانمِائَة تصدى لمحاسبة مباشري أوقاف الْحَرَمَيْنِ وَغَيرهمَا بِنَفسِهِ فضبط عَلَيْهِم ضبطاً زَائِدا وخشي من تفريطهم فَجعل مَا يتَحَصَّل من المَال تَحت يَده وَصَارَ ينْفق مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من مصارف الْحَرَمَيْنِ وَغَيرهمَا فَفَاضَ تَحت يَده نَحْو سَبْعَة آلَاف دِينَار مِنْهَا لجِهَة حرمي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 467 مَكَّة وَالْمَدينَة سِتَّة آلَاف دِينَار ولجهة الْجَامِع الطولوني والمدرسة الأشرفية ألف دِينَار. وَهَذَا شَيْء لم يَقع لقاض قبله فِي الدولة التركية. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء غده: استدعى قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد الْهَرَوِيّ شُهُود الْقَاهِرَة ومصر الجالسين بالحوانيت للتكسب بتحمل الشَّهَادَة وأدائها ليعرضوا عَلَيْهِ فأوقفهم بَين يَدَيْهِ طَائِفَة بعد أُخْرَى وأقرهم على مَا هم عَلَيْهِ وَلم يستنب سوى عشرَة وَكَانَ قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين قد انْصَرف ونوابه أَرْبَعَة عشر ثمَّ زَاد الْهَرَوِيّ بعد ذَلِك فِي عدَّة النواب فِي الحكم حَتَّى بلغُوا نَحْو الْعشْرين وَأقَام أَيَّامًا يركب ويمر فِي الشوارع بهيئة الْعَجم وَهُوَ لابس فرجية مَفْتُوحَة عَن صَدره ولعمامته عذبة مرخاة على يسَاره وسلك فِي تحجبه مسلكاً غير مَسْلَك الْقُضَاة مَعَ قلَّة الدِّرَايَة بمصطلح الْبَلَد وَعَادَة النَّاس بِمصْر. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة: ترقب النَّاس ركُوبه للقلعة ليخطب وَيُصلي بالسلطان فِي جَامع القلعة فَبعث نَائِبا عَنهُ فَإِن لِسَانه فِيهِ عجمة وَعِنْده حبسة بِحَيْثُ أَنه إِذا أَرَادَ أَن يتَكَلَّم عسر عَلَيْهِ ابْتِدَاء الْكَلَام قَلِيلا وَهُوَ يعالجه علاجاً ثمَّ يتَكَلَّم بعجمة وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى مَعَه إِقَامَة الْخطْبَة وَاتفقَ لَهُ أَيْضا أَنه حضر مَعَ رفقائه قُضَاة الْقُضَاة الثَّلَاث عِنْد السُّلْطَان فَلَمَّا حَان انصرافهم لم يسْتَطع قِرَاءَة الْفَاتِحَة وَالدُّعَاء كَمَا هِيَ الْعَادة فَقَرَأَ قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد الديري الْحَنَفِيّ فَاتِحَة الْكتاب ودعا وَمن الْعَادة أَن لَا يتَقَدَّم أحد فِي الْقِرَاءَة على قَاضِي الْقُضَاة الشَّافِعِي. شهر جُمَادَى الْآخِرَة أَوله الْأَرْبَعَاء: فِي ثالثه: وقفت طَائِفَة من بلد الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام للسُّلْطَان وَشَكوا الْهَرَوِيّ على مَال أَخذه مِنْهُم فِي أَيَّام نظره على بلد الْخَلِيل وَأَنه طرح على بَعضهم بَيْضَاء وألزمه أَن يحمل بعدده دجاجاً فَبعث السُّلْطَان إِلَيْهِ يَأْمُرهُ أَن يخرج لَهُم مِمَّا يلْزمه من الْحق. وَفِيه وشي للسُّلْطَان بالأمير جقمق الدوادار أَنه مُوَافق لقرايوسف وَذَلِكَ أَنه اتَّصل بالسلطان رجل ادّعى أَنه من أَوْلَاد عَليّ الدربندي فَأحْسن إِلَيْهِ وَأمر بتجهيزه لِلْحَجِّ فحج وَعَاد فوشي بالأمير جقمق أَنه لما كَانَ السُّلْطَان بكختا حسن لرَسُول قرايوسف جذبه إِلَى الْبِلَاد الشامية وَأَنه مَشى بَينه وَبَين قرايوسف بذلك فَبعث إِلَيْهِ قِطْعَة بلخش ثمينة فَأعْلم السُّلْطَان الْأَمِير جقمق بِمَا قيل عَنهُ وَلم يسم الْقَائِل وَأظْهر لَهُ أَنه لم يصدق النَّاقِل فقلق جقمق قلقاً كَبِيرا إِلَى أنكان فِي شهر تَارِيخه أعَاد ابْن الدربندي الْكَلَام وَأَنه قدم إِلَى جقمق كتاب فِي المعني الْمَذْكُور فأسلمه السُّلْطَان فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 468 هَذَا الْيَوْم إِلَى جقمق وأعلمه بِخَبَرِهِ وَمَا نقل عَنهُ فعاقبه فَلم يثبت وأحضر وتداً مجوفاً مسدوداً بالحديد من رَأسه وطيه كتاب رق لطيف مَكْتُوب بِالْفَارِسِيَّةِ بِمَاء الذَّهَب مَعْنَاهُ أَنه للأمير جقمق من قرايوسف أَن القَاضِي حِين وصل إِلَيْهِ أوصله رسَالَته وهديته وَأَن هَذَا الْكَلَام لم يرد إِلَيْنَا مِنْك وَحدك وَلَكِن اعتمدنا عَلَيْك وعد من الَّذين فروا جمَاعَة واللقاء بَيْننَا وَبَيْنك حلب وَلَك نياتها فَطلب الْأَمِير جقمق الخراطين وأراهم الوتد الْمَذْكُور معرفَة بَعضهم وَقَالَ: أَنا صنعت هَذَا لشخص شَاب وَلم يُعْطِنِي أجره فأحضر الشَّاب وتنبع الْكتاب من الْعَجم فَوجدَ رجل أعجمي قد مرض وَنزل بالمارستان فَأوقف على الْكتاب فاعترف أَنه خطه فنفي الشَّاب إِلَى قوص وَطلب ابْن الدربندي وعنف على مَا عمل فَقَالَ: الْأَمِير ألطنبغا الصَّغِير ألجأني إِلَى الْكَذِب على الْأَمِير جقمق فَلم يعبأ بِهِ وَلَا بقوله وغرق فِي النّيل. وَمَات العجمي الْمَرِيض بالمارستان من ليلته. وَفِي رابعه: قدم الْخَبَر بِأَن الشَّيْخ إِبْرَاهِيم الدربندي مَاتَ وَأَن قرايوسف بعث ابْنه الخان على سِتَّة آلَاف فَارس إِلَى شماخي فَأَتَتْهُ عَسَاكِر بِلَاد الدشت وكسرته وَقتل مِنْهُ أنَاس كثير. فَلَمَّا بلغ ذَلِك شاه ميرزه بن تيمورلنك عزم على أَن يصيف فِي تبريز لأجل قرايوسف وَأَن بير عمر حَاكم أرزن كَانَ انْكَسَرَ من عَسَاكِر الرّوم كسرة عَظِيمَة قتل فِيهَا كثير من أَصْحَابه وَأَن قرا يلك ركب على بِلَاد قرايوسف وَحَارب من بماردين مِنْهُم وكسرهم وَقتل وَأسر مِنْهُم نَحْو السّبْعين وَأخذ لَهُ ثَمَان قلاع ومدينتين ورحل مِائَتَيْنِ وَعشْرين قَرْيَة بأموالها وعيالها ليسكنهم ببلاده وَأَنه على حِصَار ماردين. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 469 وَفِي ثامنه: قدم الْأَمِير فَخر الدّين بن أبي الْفرج من الْوَجْه القبلي وَمَعَهُ من الأغنام عشرُون ألف رَأس سوى مَا تلف مِنْهَا فَإِنَّهُ أَخذ أَرْبَعَة وَخمسين ألف رَأس لم يحضر للسُّلْطَان إِلَّا مَا ذكر وَمن الرَّقِيق العبيد وَالْإِمَاء ألف وثلاثمائة شخصا وَمن الْبَقر ثَلَاثَة آلَاف رَأس وَمن الجاموس تِسْعَة آلَاف رَأس وَمن الْجمال أَلفَانِ وَمن القند وَالْعَسَل والغلال شَيْء كثير جدا قوم عَلَيْهِ بِمِائَة ألف دِينَار يقوم بهَا. وَفِيه رسم أَن يسْتَقرّ الْأَمِير بردبك العجمي فِي نِيَابَة سيس وجهزت إِلَيْهِ الخلعة عوضا عَن أقبغا. وَفِي تاسعه: رسم بِإِخْرَاج من لَا وَظِيفَة لَهُ من الْعَجم بَين الْفُقَهَاء من الخوانك وَغَيرهَا ثمَّ أهمل أَمرهم. وَفِي تَاسِع عشره: قدم الْخَبَر بِأَن هوارة اجْتَمعُوا - مَا بَين رَاكب وماشي - نَحْو الْأَلفَيْنِ وَأَقْبلُوا يُرِيدُونَ الْأَمِير سودن القَاضِي وَكَانَ مَعَه من الْأُمَرَاء أينال الأزعري أحد مقدمي الألوف فَاقْتَتلُوا قتالاً كَبِيرا قتل فِيهِ من أَصْحَاب الأميرين جمَاعَة. ثمَّ كَانَت الكسرة على هوارة وَقتل مِنْهُم جمَاعَة حمل مِنْهُم عشرُون رَأْسا إِلَى السُّلْطَان. فَتوجه الْأَمِير الْكَبِير ألطنبغا القرمشي والأمير جقمق الدوادار والأمير ططر رَأس نوبَة النوب والأمير ألطنبغا المرقبي حَاجِب الْحجاب والأمير قطلو بغا فِي عدَّة من المماليك فِي حادي عشرينه نجدة لسودن القَاضِي. وَفِي عشرينه: أُعِيد شمس الدّين مُحَمَّد بن الْحَاج عمر بن شعْبَان الجابي إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة وعزل ابْن يَعْقُوب. وَفِي رَابِع عشرينه: قدم الْخَبَر بِأَن نَائِب غَزَّة وَكَاشف الرملة ونائب الْقُدس سَارُوا نجدة للأمير شاهين نَائِب الكرك على الْعَرَب فَتَلقاهُمْ ليسير بهم وَيُقَاتل الْعَرَب فامسكوه - كَمَا أسر إِلَيْهِم السُّلْطَان - وَحمل مَعَ نَائِب الْقُدس إِلَى دمشق وسجن بقلعتها وَقبض مَعَه على حَاجِب الكرك واعتقل بقلعتها وَسبب إمْسَاك شاهين هَذَا لم يحضر لملاقاة السُّلْطَان عِنْد عوده من بِلَاد الرّوم. وَقدم الْخَبَر بِأَن نَائِب حلب سَار بالعسكر الْحلَبِي ونواب القلاع وأمراء تركمان الطَّاعَة وَنزل على قلعة كركر فِي ثَانِي جُمَادَى الْآخِرَة هَذَا وَحصر خَلِيل نائبها وَقد جلا أهل كركر عَنْهَا واستعد خَلِيل بقلعتها وحصنها. وَفِي هَذَا الشَّهْر: شرع السُّلْطَان فِي بِنَاء مارستان للمرضى مَوضِع مدرسة الْملك الْأَشْرَف شعْبَان بن حسن تجاه الطلبخاناه من القلعة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 470 وَفِي آخِره: نقل سوق الرَّقِيق من مَكَانَهُ إِلَى مَكَان بِطرف البندقانيين. فِيهِ وفى النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا وَزَاد إِصْبَعَيْنِ فَركب السُّلْطَان النّيل إِلَى المقياس حَتَّى خلق بَين يَدَيْهِ ثمَّ فتح الخليج على الْعَادة مَكَان يَوْمًا مشهوداً وغرق فِيهِ جمَاعَة انقلبت بهم الْمركب فهلكوا. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة سادس عشره: ولد للسُّلْطَان ولد ذكر من خوند ابْنة الْأَمِير تنم الحسني نَائِب الشَّام سَمَّاهُ مُحَمَّدًا وكناه بِأبي الْمَعَالِي وَنُودِيَ بزينة الْقَاهِرَة ومصر فزينتا. وَفِي عشرينه: ورد الْخَبَر بِأَن الْأُمَرَاء أوقعوا بهوارة على نَاحيَة جرجا فَقتلُوا مِنْهُم وأسروا نَحْو الْخمسين وَمر باقيهم على طَرِيق الواحات وَتركُوا حريمهم وَأَمْوَالهمْ. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشرينه: كَانَت عقيقة الْأَمِير الْمَعَالِي مُحَمَّد ابْن السُّلْطَان وخلع على الْأُمَرَاء وأركبوا الْخَيل بالقماش الذَّهَب فَتَجَاوز المصروف عَلَيْهَا خَمْسَة عشر ألف دِينَار. وَفِي ثَالِث عشرينه: قدم سيف بردبك الخليلي نَائِب صفد بعد مَوته. شهر شعْبَان أَوله الْجُمُعَة: فِيهِ وجد السُّلْطَان ورقة بمجلسه. فِيهَا: يَا أَيهَا الْملك الْمُؤَيد دَعْوَة من مخلص فِي حبيه لَك ينصح انْظُر لحَال الشَّافِعِيَّة نظرة فالقاضيان كِلَاهُمَا لَا يصلح غطوا محاسنه بقبح صنيعهم وَمَتى دعاهم للهدى لَا يفلح وأخو هراة بسيرة اللنك اقْتدى فَلهُ سِهَام فِي الجوانح تجرح لَا درسه يقْرَأ وَلَا أَحْكَامه تَدْرِي وَلَا حِين الخطابة يفصح واكشف هموم الْمُسلمين بثالث فَعَسَى فَسَاد مِنْهُم يستصلح الجزء: 6 ¦ الصفحة: 471 فعرضها السُّلْطَان على الْفُقَهَاء الَّذين يحْضرُون مَجْلِسه فِي يَوْم الْأَحَد فَلم يعرفوا كاتبها وَاسْتحْسن السُّلْطَان الأبيات وَكَانَت ابْتِدَاء سُقُوط الْهَرَوِيّ من عينه. وَفِيه غرق ولد بعض الباعة فِي الخليج فَأخْرجهُ أَبوهُ مَيتا فَلم يُمكن من دَفنه إِلَّا بعد اسْتِئْذَان الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن الطبلاوي وَالِي الْقَاهِرَة - كَمَا هِيَ الْعَادة - فَأمر بِهِ عِنْدَمَا استأذنه إِلَى السجْن فسجن وَبعث إِلَيْهِ أَنه لَا سَبِيل إِلَى الإفراج عَنْك حَتَّى تحمل خَمْسَة دَنَانِير مِمَّا زَالُوا بِهِ حَتَّى وعدهم بذلك وَخرج وَهُوَ مُوكل بِهِ فَبَاعَ بضاعته الَّتِي يُقيم مِنْهَا أوده وأود عِيَاله فأحرزت ثَلَاثَة دَنَانِير ثمَّ أَخذ جَمِيع مَا عِنْد امْرَأَته - أم الغريق - وَبَاعه مبلغ دِينَارا وَاحِدًا واقترض دِينَارا حَتَّى كملت الْخَمْسَة دَنَانِير الَّتِي للوالي ثمَّ اقْترض شَيْئا أَخذه الموكلون عَلَيْهِ من أعوان الْوَالِي وشيئاً كفن بِهِ وَلَده ودمعه لمن دَفنه ثمَّ ترك امْرَأَته وفر. وَهَذَا من بعض مَا تَفْعَلهُ الْوُلَاة فِي هَذَا الزَّمن العجيب. وَفِي يَوْم السبت ثامن شعْبَان: نُودي على النّيل بِزِيَادَة إِصْبَعَيْنِ تَتِمَّة ثَلَاثَة أَصَابِع من تِسْعَة عشر ذِرَاعا. وَكَانَ لَهُ من يَوْم النوروز - وَهُوَ يَوْم الِاثْنَيْنِ سادس عشْرين شهر رَجَب لم يزدْ فَإِنَّهُ انْتهى فِي يَوْم النوروز إِلَى إِصْبَع من تِسْعَة عشر ذِرَاعا. ثمَّ نقص نصف ذِرَاع ثمَّ تراجع قَلِيلا قَلِيلا حَتَّى ود النَّقْص وَزَاد إِصْبَعَيْنِ وَكَانَ مُنْذُ نقص النّيل ارْتَفع سعر الغلال. وَفِيه قدم الْأُمَرَاء من الْوَجْه القبلي بألفي جمل واثني عشر ألف رَأس من الْغنم الضَّأْن سوى مَا تفوقه الْأُمَرَاء من الْجمال وعدتها نَحْو الْأَلفَيْنِ وَسوى مَا نهب من الأغنام وَهُوَ شي كثير جدا. وَفِيه نُودي أَن لَا يتعامل النَّاس بِالدَّنَانِيرِ الأفرنتية النَّاقِصَة عَن دِرْهَم وَثمن فِي الْوَزْن وَأَن من وجد مَعَه دِينَار نَاقص يقص ويحضر بِهِ إِلَى دَار الضَّرْب وَأَن يكون الدِّينَار الأفرنتي التَّام على حَاله بِثَلَاثِينَ مؤيدياً وكل مؤيدي بسبعة دَرَاهِم فُلُوسًا ليَكُون الأفرنتي بمائتين وَعشرَة دَرَاهِم فُلُوسًا وَالْأَصْل فِي هَذِه الدَّنَانِير المشخصة الَّتِي يُؤْتى بهَا من بِلَاد الفرنج وتعرف بالأفرنتية أَن تكون زنة كل مائَة دِينَار مِنْهَا أحد وَثَمَانِينَ مِثْقَالا وَربع مِثْقَال والمعاملة بهَا عددا لَا وزنا فَلم يَتْرُكهَا أهل الْفساد على حَالهَا بل يردئوا مِنْهَا حَتَّى فحش نَقصهَا نُودي عَلَيْهَا وَقع كثير من النَّاس فِي الخسارة من أجل مَا فِي الْأَيْدِي مِنْهَا وَوجدت الصيارفة والباعة السَّبِيل إِلَى أَخذ أَمْوَال النَّاس بِحجَّة أَن الدِّينَار نقص بِكَذَا وَكَذَا ويتحكم الصَّيْرَفِي بِمَا يُرِيد فَذهب كثير من أَمْوَال النَّاس فِي تَغْيِير أَحْوَال النُّقُود وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 472 وَفِي تاسعه: قبض على الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله نَاظر الْخَاص بقلعة الْجَبَل وَأنزل بِهِ مَعَ بعض الْأُمَرَاء المقدمين إِلَى بَيت الْأَمِير فَخر الدّين بن أبي الْفرج وَسلم لَهُ وَكَانَ قد تقدم من ابْن نصر الله قبل ذَلِك بأيام يسيرَة مفاحشة خرج فِيهَا عَن الْحَد فِي حق ابْن أبي الْفرج وشافهه فِي حَضْرَة السُّلْطَان بعظائم تَقْتَضِي غضب السُّلْطَان عَلَيْهِ فَمَا شكّ أحد فِي هَلَاكه فَكَانَ الْأَمر بِخِلَاف ذَلِك وأكرمه ابْن أبي الْفرج وأنزله وَقَامَ لَهُ بِمَا يَلِيق بِهِ وَأرْسل إِلَى دَاره يعد أَهله بِكُل خير وَيَأْمُر غلمانه وَأَتْبَاعه أَن يلازموا مَا هم فِيهِ من خدمته على عَادَتهم وَركب فَخر الدّين من الْغَد إِلَى السُّلْطَان وَقد نزل إِلَى بركَة الْحَبَش لعرض الهجن الَّتِي بهَا إِلَى الْحجاز فَأَقَامَ عِنْده يَوْمه كُله وَهُوَ يلج فِي السُّؤَال أَن يفرج عَن ابْن نصر الله ويقره على مَا بِيَدِهِ إِلَى أَن قبل شَفَاعَته فِيهِ فَلَمَّا عَاد أركبه إِلَى دَاره فَبَاتَ بهَا وَركب فِي بكرَة يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي عشره إِلَى القلعة فَخلع عَلَيْهِ خلعة الرِّضَا والاستمرار وَنزل إِلَى دَاره وَقد سر النَّاس بِهِ سُرُورًا كَبِيرا وعدت هَذِه الفعلة من ابْن أبي المرج نجداً لَا يشابهه شَيْء من أَخْلَاق أهل زَمَاننَا. وَقدم الْخَبَر بِأَن الْأَمِير يشبك نَائِب حلب أَقَامَ على كركر أَرْبَعِينَ يَوْمًا مجداً فِي حصارها حَتَّى نفذ العليق من الْعَسْكَر فأخلى بِلَاد كركر من أَهلهَا وسيرهم إِلَى بِلَاد حلب ورعى الكروم وحرقها وَحرق الْقرى حَتَّى تَركهَا بَلَاقِع وَعَاد إِلَى حلب بِمن مَعَه من غير أَخذ قلعة كركر. وَقدم الْخَبَر بِأَن الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بيك بن عَليّ بيك بن قرمان نزل على طرابلس فِي خَامِس عشر رَجَب وحاصرها وَسَأَلَ نائبها الْأَمِير شاهين الأيدكاري النجدة فَكتب بِخُرُوج عَسَاكِر الشَّام إِلَيْهَا. وَاسْتقر الْأَمِير عز الدّين حَمْزَة ابْن الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن رَمَضَان فِي نِيَابَة أذنة وإمرة التركمان على عَادَة أَبِيه عوضا عَن إِبْرَاهِيم بن رَمَضَان لانتمائه إِلَى ابْن قرمان. وأنعم على عَسَاكِر حلب بِعشْرَة آلَاف دِينَار نَفَقَة كَونهم توجهوا إِلَى كركر. وَاسْتقر فِي نِيَابَة كختا الْأَمِير بردبك الحمزاوي عوضا عَن الْأَمِير منكلي بغا وأعيد منكلي بغا إِلَى إمرته بحماة. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة نصفه: نقص النّيل عشر أَصَابِع بعد مَا انْتهى فِي الزِّيَادَة إِلَى عشر أَصَابِع من تِسْعَة عشر ذِرَاعا. وَفِي سادس عشره: ابتدئ بهدم دَار التفاح خارجباب زويلة وَهِي جَارِيَة فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 473 وقف الْأَمِير طقز دمر على خانكاته بالقرافة بعد مَا دفع فِيهَا ألف دِينَار أفرنتية ليعتاض أهل الْوَقْف بهَا مَكَانا غَيره. وَفِي ثامن عشره: اسْتَقر الْأَمِير مُرَاد خجا أحد أُمَرَاء الألوف - فِي نِيَابَة صفد وخلع عَلَيْهِ وأنعم بتقدمته وإقطاعه على الْأَمِير جلبان المؤيدي رَأس نوبَة السُّلْطَان وَرَأس نوبَة الْأَمِير إِبْرَاهِيم ابْن السُّلْطَان. وَفِي ثَالِث عشرينه: توجه الْأَمِير أزدمر الظَّاهِرِيّ - أحد مقدمي الألوف - فِي عدَّة الْأُمَرَاء والمماليك السُّلْطَانِيَّة إِلَى بِلَاد الصَّعِيد لإِقَامَة بهَا وَعَاد الْأَمِير جقمق الداودار بِمن بَقِي مَعَه. وَفِيه قدم الْخَبَر باستمرار ابْن قرمان على حِصَار طرسوس ونزول قرايوسف على آمد وفرار قرايلك مِنْهُ ونزوله على جَانب الْفُرَات تجاه قلعة نجمة واستئذانه نَائِب حلب فِي التَّعْدِيَة وَأَن أهل الْبِلَاد الحلبية عظم خوفهم وعزموا على الْفِرَار مِنْهَا مَخَافَة أَن يصيبهم مثل مَا أَصَابَهُم فِي نوبَة تمرلنك. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 474 وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ خَامِس عشرينه شعْبَان: ركب السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل إِلَى ظَاهر الْقَاهِرَة وَعبر من بَاب النَّصْر وَمر فِي شَارِع الْمَدِينَة إِلَى القلعة وَبَين يَدَيْهِ الهجن الَّتِي عينهَا للسَّفر مَعَه إِلَى الْحجاز وَعَلَيْهَا حلي الذَّهَب وَالْفِضَّة فَكَانَ يَوْمًا عَظِيما فَمَا هُوَ إِلَّا أَن اسْتَقر بالقلعة قدم الْأَمِير بردبك الحمزاوي - أحد أُمَرَاء الألوف بحلب - وَمَعَهُ نَائِب كختا - الْأَمِير منكلي بغا - بِكِتَاب نَائِب حلب والأمير عُثْمَان بن طرعلي الْمَعْرُوف بقرايلك بِأَن قرايلك عدى الْفُرَات من مَكَان يُقَال لَهُ زغموا وَنزل على نهر الْمَرْزُبَان وَذَلِكَ أَنه بلغه أَن قرايوسف قصد كبسه مِمَّا أحسن قرايلك إِلَّا وَقد هجمت فرقة من عَسْكَر قرايوسف عَلَيْهِ من شميصات دخل بهم خَلِيل نَائِب كركر فأدركوا قرايلك عِنْد رحيله من نهر الْمَرْزُبَان إِلَى مرج دابق فَقَاتلهُمْ فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي عشر شعْبَان هَذَا وَأخذُوا بعض أثقاله فَنزل مرج دابق ثمَّ قدم حلب فِي نَحْو ألف فَارس باستدعاء الْأَمِير يشبك لَهُ فجفل من كَانَ خَارج سور مَدِينَة حلب ورحلوا لَيْلًا عَن آخِرهم. واضطرب من بداخل السُّور وألقوا بِأَنْفسِهِم من السُّور ورحل أجناد الْحلقَة ومماليك النَّائِب المستخدمين بحرمهم وَأَوْلَادهمْ فانثنى عزم السُّلْطَان عَن السّفر إِلَى الْحجاز وَكتب إِلَى العساكر الشامية فِي الْمسير إِلَى حلب وَالْأَخْذ فِي تهيئة الإقامات. وَأصْبح يَوْم الثُّلَاثَاء سادس عشرينه وَقد جمع الْأُمَرَاء والخليفة وقضاة الْقُضَاة وَطلب شيخ الْإِسْلَام جلال الدّين البُلْقِينِيّ وقص عَلَيْهِم خبر قرايوسف وَمَا حصل لأهل حلب من الْخَوْف والفزع وجفلتهم - هم وَأهل حماة - وَأَن الْحمار بلغ ثمنه خَمْسمِائَة دِرْهَم فضَّة والأكديش إِلَى خمسين دِينَارا وَأَن قرايوسف فِي عصمته أَرْبَعُونَ امْرَأَة وَأَنه لأيدين بدين الْإِسْلَام وَكتب صُورَة فَتْوَى فِي الْمجْلس فِيهَا كثير من قبائحه وَأَنه قد هجم على ثغور الْمُسلمين وَنَحْو هَذَا من الْكَلَام. فَكتب شيخ الْإِسْلَام جلال الدّين البُلْقِينِيّ وقضاة الْقُضَاة بجوار قِتَاله. وَكتب الْخَلِيفَة خطه بهَا أَيْضا. وَانْصَرفُوا وَمَعَهُمْ الْأَمِير مقبل الداودار فَنَادوا فِي النَّاس بِالْقَاهِرَةِ بَين يَدي الْخَلِيفَة وَشَيخ الْإِسْلَام وقضاة الْقُضَاة الْأَرْبَع بِأَن قرايوسف يسْتَحل الدِّمَاء الجزء: 6 ¦ الصفحة: 475 وَيَسْبِي الْحَرِيم وَيخرب الديار فَعَلَيْكُم بجهاده كلكُمْ بأموالكم وَأَنْفُسكُمْ. فدهى النَّاس عِنْد سماعهم هَذَا وَاشْتَدَّ قلقهم. وَكتب إِلَى ممالك الشَّام أَن يُنَادي بِمثل ذَلِك فِي كل مَدِينَة وَأَن السُّلْطَان وَاصل إِلَيْهِم بِنَفسِهِ وعساكره. وَكتب إِلَى الْوَجْه القبلي بإحضار الْأُمَرَاء. وَفِيه بلغ مَاء النّيل فِي زِيَادَته عشر أَصَابِع من تِسْعَة عشر ذِرَاعا وَنقص فِي يَوْمه إِصْبَعَيْنِ بَعْدَمَا نقص خمْسا وَذَلِكَ قبل أَوَان نَقصه فارتفع سعر الغلال وتخوف النَّاس الغلاء. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع عشرينه: نُودي بَين يَدي الْأَمِير خرز نقيب الْجَيْش فِي أجناد الْحلقَة بتجهيز أَمرهم للسَّفر إِلَى الشَّام وَمن تَأَخّر حل بِهِ كَذَا وَكَذَا من الْعقُوبَة. شهر رَمَضَان أَوله الْأَحَد: فِيهِ قدم الْخَبَر بِأَن قرايلك رَحل من حلب وَأقَام بهَا الْأَمِير يشبك نازلاً بالميدان وَعِنْده نَحْو مائَة وَأَرْبَعين فَارِسًا وَقد خلت حلب من أَهلهَا إِلَّا من التجأ إِلَى قلعتها. فَأَتَاهُ النذير لَيْلًا أَن عسكرا قرايوسف قد أدْركهُ فَركب قبيل الصُّبْح فَإِذا مقدمته مُعلى وَطْأَة بابلاً فواقعهم وَهَزَمَهُمْ وَقتل وَأسر جمَاعَة فأخبروه أَنهم جَاءُوا لكشف خبر قرايلك وَأَن قرايوسف بِعَين تَابَ. فَعَاد وَتوجه إِلَى سرمين فَلَمَّا بلغ قرايوسف هزيمَة عسكره كتب إِلَى نَائِب حلب يعْتَذر عَن نُزُوله بِعَين تَابَ وَأَنه مَا قصد إِلَّا قرايلك فَإِنَّهُ أفسد فِي ماردين فَبعث إِلَيْهِ صاروخان - مهمندار حلب - فَلَقِيَهُ على جَانب الْفُرَات وَقد جَازَت مَجْمُوعَة الْفُرَات وَهُوَ على نِيَّة الْجَوَاز فَأكْرمه وَاعْتذر عَن وُصُوله إِلَى عين تَابَ وَحلف أَنه لم يقْصد دُخُول الشَّام وَأَعَادَهُ بهدية للنائب فسر السُّلْطَان بذلك. وَكَانَ سَبَب حَرَكَة قرايوسف أَن الْأَمِير فَخر الدّين عُثْمَان بن طر عَليّ بن مُحَمَّد - وَيُقَال لَهُ قرايلك - صَاحب آمد نزل فِي أَوَائِل شعْبَان على مَدِينَة ماردين من بِلَاد قرايوسف فأوقع بِأَهْلِهَا وأسرف فِي قَتلهمْ وَسبي نِسَاءَهُمْ وَبَاعَ الْأَوْلَاد وَالنِّسَاء حَتَّى أبيع صَغِير بِدِرْهَمَيْنِ وَحرق الْمَدِينَة وَرجع إِلَى آمد فَلَمَّا بلغ قرايوسف ذَلِك اشْتَدَّ حنقه وَسَار وَمَعَهُ الطَّائِفَة الْمُخَالفَة للسُّلْطَان يُرِيد أَخذ قرايلك وَنزل على آمد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 476 ثمَّ رَحل عَنْهَا فِي ثامن شعْبَان جَرِيدَة خلف قرايلك وَقطع الْفُرَات من شميصات فِي عاشره وَلحق قرايلك وضربه على نهر الْمَرْزُبَان ففر مِنْهُ إِلَى حلب وَهُوَ فِي أَثَره فَتوجه قرايلك من حلب وَكَانَ من مواقعة نَائِب حلب لعسكر قرايوسف مَا ذكر. وَفِي ثَانِيه: كتب بِبيع الغلال المجهزة فِي الْبَحْر إِلَى الْحجاز لرجوع السُّلْطَان عَن السّفر إِلَى الْحَج. وَفِي خامسه: نُودي فِي أجناد الْحلقَة بِالْعرضِ على السُّلْطَان فعرضوا عَلَيْهِ فِي يَوْم الْجُمُعَة سادسه وابتدأ بِعرْض من يركب مِنْهُم فِي خدمَة الْأُمَرَاء فَخَيرهمْ بَين الِاسْتِمْرَار فِي جملَة رجال الْحلقَة وَترك خدمَة الْأُمَرَاء وَبَين الْإِقَامَة فِي خدمَة الْأُمَرَاء وَترك أَخْبَار الْحلقَة فَاخْتَارَ بَعضهم هَذَا وَبَعْضهمْ هَذَا فَأخْرج اقطاعات من أَرَادَ خدمَة الْأُمَرَاء وَصرف من خدمَة الْأُمَرَاء من أَرَادَ الْإِقَامَة على إقطاعه وشكا إِلَيْهِ بَعضهم قلَّة متحصل إقطاعه فزاده وَكَانَ هَذَا من جيد التَّدْبِير فَإِن الْعَادة كَانَت أَن عَسْكَر مصر فِي هَذَا الدولة التركية على ثَلَاثَة أَقسَام قسم يُقَال لَهُم أجناد الْحلقَة وموضوعهم أَن يَكُونُوا فِي خدمَة السُّلْطَان وَلكُل مِنْهُم إقطاع يُقَال لَهُ خبز ونظيرهم فِي أَيَّام الْخُلَفَاء أهل الْعَطاء وَأهل الدِّيوَان وَقسم يُقَال لَهُم مماليك السُّلْطَان وَلَهُم جوامك مقروة فِي كل شهر وجرايات وَلُحُوم فِي كل يَوْم وَكِسْوَة فِي كل سنة وَقسم ثَالِث يُقَال لَهُم مماليك الْأُمَرَاء وهم الَّذين يخدمون الْأُمَرَاء ويعتد بطَائفَة من إقطاع الْأَمِير للعدة المقررة لَهُ مِنْهُم فَلذَلِك كَانَت عدَّة عَسَاكِر مصر كَثِيرَة ثمَّ تغير هَذَا فِي الْأَيَّام الظَّاهِرِيَّة برقوق وَمن بعده وَصَارَ الْأُمَرَاء يَأْخُذُونَ إقطاعات الْحلقَة بأسماء مماليكهم وطواشيتهم وتخدم أجناد الْحلقَة عِنْدهم وَتَأْخُذ المماليك السُّلْطَانِيَّة أَيْضا الإقطاعات مَعَ الجوامك فَقلت عدَّة الرِّجَال وَكثر متحصل قوم وَقل لآخرين مَا يحصل من الإقطاعات وَخَربَتْ عدَّة بِلَاد من كَثْرَة المغارم وَعجز مقطعيها. وَفِي سابعه: أفرج عَن الْأَمِير كمشبغا الفيسي أَمِير أخور وَعَن قصروه من تمراز وَكَانَا بالإسكندرية وَعَن الْأَمِير كزل العجمي حَاجِب الْحجاب وَكَانَ بصفد وَعَن الْأَمِير شاهين نَائِب الكرك وَكَانَ بقلعة دمشق. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 477 وَفِي تاسعه: قدم الْخَبَر بِأَن قرايوسف أحرق أسواق عين تَابَ ونهبها فَصَالحه أَهلهَا على مائَة ألف دِرْهَم وَأَرْبَعين فرسا فَرَحل عَنْهَا بعد أَرْبَعَة أَيَّام إِلَى جِهَة البيرة وعدى مُعظم جَيْشه إِلَى الْبر الشَّرْقِي فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع عشر شعْبَان وعدى من الْغَد وَنزل ببساتين البيرة وحصرها فقاتله أَهلهَا يَوْمَيْنِ وَقتلُوا مِنْهُ جمَاعَة فَدخل الْبَلَد وَنهب واحرق الْأَسْوَاق حَتَّى بقيت رَمَادا امْتنع النَّاس مِنْهُ وَمَعَهُمْ حريمهم بالقلعة ثمَّ رَحل فِي تَاسِع عشره إِلَى جِهَة بِلَاده بعد مَا حرق وَنهب جَمِيع مُعَاملَة البيرة فسر السُّلْطَان بِرُجُوع قرايوسف وفتر عزمه عَن السّفر إِلَى الشَّام. وَقدم الْخَبَر بِأَن ابْن قرمان حَارب أهل طرسوس فَقتل بَين الْفَرِيقَيْنِ خلق كثير إِلَى أَن رَحل عَنْهَا فِي سَابِع شعْبَان من ألم اشْتَدَّ بباطنه. وَإِلَى ثَالِث عشره: جلس السُّلْطَان لعرض أجناد الْحلقَة فَعرض عَلَيْهِ مِنْهُم زِيَادَة على أَرْبَعمِائَة مَا بَين غَنِي وفقير وكبير وصغير. فَمن كَانَ إقطاعه قَلِيل المتحصل أشرك مَعَه غَيره وَمِثَال ذَلِك أَن جندياً يتَحَصَّل من إقطاعه فِي السّنة سَبْعَة آلَاف دِرْهَم فُلُوسًا وَآخر يتَحَصَّل لَهُ ثَلَاثَة آلَاف فألزم من إقطاعه ثَلَاثَة آلَاف أَن يُعْطي الَّذِي إقطاعه سَبْعَة آلَاف مبلغ ثَلَاثَة آلَاف ليسافر صَاحب السَّبْعَة آلَاف وَيُقِيم الَّذِي أعْطى الثَّلَاثَة آلَاف وأفرد جمَاعَة وجد إقطاعاتهم قَليلَة المتحصل ثمَّ ضم أَرْبَعَة مِنْهُم وَأمرهمْ أَن يختاروا مِنْهُم وَاحِدًا يُسَافر وَيقوم الثَّلَاثَة بكلفته ورسم أَن المَال الْمُجْتَمع من أجناد الْحلقَة يكون تَحت يَد قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين الْهَرَوِيّ. وَفِي رَابِع عشره: قدم كمشبغا الفيسي وقصروه من تمراز من الْإسْكَنْدَريَّة فمثلا بَين يَدي السُّلْطَان وَنزلا إِلَى دورهما. وَفِي سَابِع عشره: ركب السُّلْطَان إِلَى خَارج الْقَاهِرَة وَعبر من بَاب الْفتُوح إِلَى القلعة. وَفِي ثامن عشره: قدم الْخَبَر من طرابلس بنزول التركمان - الأينالية والبياضية والأوشرية - على صافيتا من عمل طرابلس جافلين من قرا يُوسُف وَأَنَّهُمْ نهبوا بلاداً وأحرقوا مِنْهَا جانباً وَأَن الْأَمِير برسباي الدقماقي النَّائِب نَهَاهُم عَن ذَلِك فَلم يرجِعوا وَأَنه أَمرهم بِالْعودِ إِلَى بِلَادهمْ بعد رُجُوع قرايوسف فَأَجَابُوا بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة فَركب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 478 عَلَيْهِم برسباي ليَأْخُذ مَوَاشِيهمْ وَقَاتلهمْ فِي يَوْم الثُّلَاثَاء سادس عشْرين شعْبَان فَقتل مِنْهُم خلق كثير مِنْهُم الْأَمِير سودن الأسندمري وَثَلَاثَة عشر من عَسْكَر طرابلس وَانْهَزَمَ باقيهم عُرَاة فَغَضب السُّلْطَان ورسم بعزل برسباي عَن نِيَابَة طرابلس واعتقاله بقلعة المرقب وَكتب بإحضار سودن القَاضِي نَائِب الْوَجْه القبلي ليستقر فِي نِيَابَة طرابلس. وَفِي ثَالِث عشره: ركب السُّلْطَان إِلَى الْمطعم خَارج الْقَاهِرَة وَعَاد فَلم يكد يسْتَقرّ حَتَّى فِي السَّاعَة الرَّابِعَة وشق الْقَاهِرَة من بَاب زويلة وَخرج من بَاب القنطرة إِلَى السرحة وَعَاد فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس عشرينه. وَفِيه ختمت قِرَاءَة صَحِيح البُخَارِيّ بِالْقصرِ من قلعة الْجَبَل وَحضر السُّلْطَان خَتمه على الْعَادة وَفرق على الْجَمَاعَة الْحَاضِرين من الْفُقَهَاء - وعدتهم سَبْعُونَ - مبلغ مائَة وَأَرْبَعين مؤيدياً كل وَاحِد وخلع على قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد الْهَرَوِيّ جُبَّة صوف بِفَرْوٍ سمور على الْعَادة. وَفِي سَابِع عشرينه: عرض السُّلْطَان الأجناد على عَادَته وتشدد فِي طلب المَال مِنْهُم فَنزل بهم من ذَلِك شَدَائِد لفقر أَكْثَرهم وعجزهم عَن الْقيام بِمَا لَزِمَهُم فَلَمَّا انْقَضى مجْلِس الْعرض ركب السُّلْطَان وعدى النّيل إِلَى بر الجيزة وَبَات هُنَاكَ ثمَّ عَاد من الْغَد. وَفِي هَذَا الشَّهْر: أتلفت الدودة كثيرا من البرسيم المزروع بأراضي الجيزة. وَفِيه قدم مصطفى ابْن الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن قرمان إِلَى مَدِينَة طرسوس باستدعاء أَهلهَا من قَبِيح سيرة نائبها شاهين الأيدكاري واستحلاله أَمْوَالهم ودماءهم وَأخذ الْمَدِينَة وَحصر القلعة وَقد امْتنع بهَا شاهين الأيدكاري حَتَّى أَخذه وَبعث بِهِ ابْنه وَأَن قرايوسف لما مضى إِلَى بِلَاده مَاتَ ابْنه بير بدق على ماردين وعندما وصل إِلَى بِلَاده قبض على وَلَده إسكندر واعتقله، وَأَنه وَقع بَينه وَبَين وَلَده شاه مُحَمَّد صَاحب بَغْدَاد. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 479 شهر شَوَّال أَوله الِاثْنَيْنِ: فِي ثَانِيه: عرض السُّلْطَان الأجناد. وَفِي خامسه: جلس للْحكم بَين النَّاس وَكَانَ قد ترك ذَلِك فَعَاد إِلَيْهِ وَضرب ابْن الطبلاوي وَالِي الْقَاهِرَة بالمقارع بَين يَدَيْهِ وَلم يعزله وَاسْتقر الْمَلْطِي فِي نِيَابَة الْوَجْه القبلي عوضا عَن سودن القَاضِي. وَفِي لَيْلَة السبت سادسه: ركب السُّلْطَان وسرح إِلَى جِهَة سرياقوس. وَفِي ثامنه: قدم الْأَمِير سودن القَاضِي من الْوَجْه القبلي وتمثل بمخيم السُّلْطَان من السرحة. وَفِي عاشره: عَاد السُّلْطَان من السرحة إِلَى القلعة. وَفِي ثَانِي عشره: ركب إِلَى الصَّيْد وَعَاد فِي ثَالِث عشره وَقد وعك بدنه وعاوده ألم رجله فَلَزِمَ الْفراش. وَفِي خَامِس عشره: خلع على الْأَمِير سودن القَاضِي وَاسْتقر فِي نِيَابَة طرابلس عوضا عَن الْأَمِير برسباي الدقماقي وخلع على الْأَمِير كمشبغا الفيسي وَاسْتقر أَمِيرا كَبِيرا بطرابلس. وَفِي سادس عشره: خلع على الْأَمِير سيف الدّين أبي بكر ابْن الْأَمِير قطلوبك الْمَعْرُوف بِابْن المزوق وَاسْتمرّ أستادار السُّلْطَان بعد وَفَاة الْأَمِير فَخر الدّين عبد الْغَنِيّ ابْن أبي الْفرج وخلع على نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ كَاتب السِّرّ وَاسْتقر فِي نظر وقف الْأَشْرَاف عوضا عَن ابْن أبي الْفرج واشتملت تَرِكَة ابْن أبي الْفرج على نَحْو ثَلَاثمِائَة ألف دِينَار مِنْهَا صندوق فِيهِ مبلغ اثْنَيْنِ وَسبعين ألف دِينَار وَثَلَاثَة مساطير بمبلغ سبعين ألف دِينَار وغلال وفرو وقماش وعدة بضائع بِنَحْوِ مائَة ألف دِينَار أحَاط السُّلْطَان بهَا كلهَا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 480 وَفِي حادي عشرينه: خرج محمل الْحَاج إِلَى الْبركَة مَعَ الْأَمِير جلبان أَمِير أخور ورحل فِي رَابِع عشرينه بعد أَن تقدمه الركب فِي أمسه. وَفِي هَذَا الشَّهْر: عز وجود التِّبْن حَتَّى أبيع الْحمل بِدِينَار بعد خَمْسَة أحمال بِدِينَار. وَفِيه كثرت الْفِتَن بِالْوَجْهِ البحري. وانقضى الشَّهْر وَالسُّلْطَان مَرِيض. شهر ذِي الْقعدَة. أَوله الثُّلَاثَاء: فِي ثالثه: قبض على الْوَزير بدر الدّين حسن بن محب الدّين عبد الله الطرابلسي. وَسلم إِلَى الْأَمِير أبي بكر الأستادار بعد إخراق السُّلْطَان بِهِ ومبالغته فِي إهانته لسوء تَدْبيره وقبح سيرته وخبث سَرِيرَته. وتتبعت حَوَاشِيه أَتْبَاعه فَقبض عَلَيْهِم ثمَّ أفرج عَنْهُم وَفِيه خلع على الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله خلع الوزارة مُضَافا لنظر الْخَاص. وأنعم عَلَيْهِ مرّة مَاله وتقدمة ألف فَنزل الْأُمَرَاء وَأهل الدولة مَعَه وسر النَّاس بِهِ وَفِيه دقَّتْ الطبلخاناه على بَابه بعد غرُوب الشَّمْس على عَادَة الْأُمَرَاء الأكابر وَلم يَقع فِي الدولة التركية مثل هَذَا لوزير صَاحب قلم. وَفِيه خلع على الْأَمِير جربغا دوادار الْأَمِير يشبك نَائِب حلب وَاسْتمرّ على عَادَته وَكَانَ قد قدم فِي سادس عشْرين شَوَّال وصحبته شهَاب بن أَحْمد بن صَلَاح الدّين صَالح بن مُحَمَّد كَاتب سر حلب بِطَلَب لشكوى نَائِب حلب مِنْهَا فَسَار جربغا وَتَأَخر ابْن السفاح بِالْقَاهِرَةِ وَكتب بِقَبض على قرمش الْأَمِير الْكَبِير بحلب وسجنه بقلعتها. وَفِي خامسه: ركب السُّلْطَان المحفة - وَهُوَ مَرِيض - وسرح ثمَّ عَاد من آخِره. وَفِي سابعه: اسْتَقر شمس الدّين مُحَمَّد بن يَعْقُوب فِي وزارة دمشق. وَفِي تاسعه: خلع على الشَّيْخ الأمجد رفائيل - كَاتب الجيزة - وَاسْتقر بطرك اليعاقبة عوضا عَن مَتى بعد مَوته. وَفِي عاشره: ركب السُّلْطَان وَنزل إِلَى بَيت كَاتب سره نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ المطل على النّيل وعدى الْأُمَرَاء إِلَى بر الجيزة ثمَّ سَار السُّلْطَان من بَيت كَاتب السِّرّ فِي يَوْم الْجُمُعَة حادي عشره إِلَى السرحة ببركة الْحجَّاج وَركب من الْغَد النّيل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 481 يُرِيد سرحة الْبحيرَة وَنزل بِالْبرِّ الغربي على الطرانة وانتهي إِلَى مريوط فَأَقَامَ بهَا أَرْبَعَة أَيَّام. ورسم بعمارة بُسْتَان السُّلْطَان بهَا وَقد تهدم واستأجر مريوط من مباشري وقف الْملك المظفر بيبرس الجاشنكير على الْجَامِع الحاكمي وَتقدم بعمارة سواقيه ومعاهد الْملك الظَّاهِر بيبرس البندقداري وَعَاد. وَفِي هَذَا الشَّهْر: عز وجود لحم الضَّأْن بأسواق الْقَاهِرَة وَلم يرْتَفع سعره. وَفِيه أفرج عَن الشريف عجلَان بن نعير الْحُسَيْنِي أَمِير الْمَدِينَة وللإفراج عَنهُ خبر فِيهِ مُعْتَبر: وَهُوَ أَن عز الدّين عبد الْعَزِيز بن عَليّ الْبَغْدَادِيّ الْحَنْبَلِيّ - أحد جلساء السُّلْطَان - رأى فِي مَنَامه كَأَنَّهُ فِي مَسْجِد رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَقد انْفَتح قبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَخرج مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجلسَ وَعَلِيهِ أَكْفَانه وَأَشَارَ بِيَدِهِ المقدسة إِلَى عز الدّين فَقَامَ إِلَيْهِ حَتَّى دنا مِنْهُ فَقَالَ لَهُ: قل للمؤيد يفرج عَن عجلَان فانتبه وَصعد على عَادَته إِلَى مجْلِس السُّلْطَان وَحلف لَهُ بالأيمان الحرجة أَنه مَا رأى عجلَان قطّ وَلَا بَينه وَبَينه معرفَة وقص عَلَيْهِ رُؤْيَاهُ فَسكت حَتَّى انفض الْمجْلس وَخرج إِلَى مرمى نشاب استجدها بالقلعة فأحضر الشريف عجلَان وخلى عَنهُ وَقد حَدثنِي عز الدّين بالرؤيا وَأقسم لي بِاللَّه أَنه مَا كَانَ قبل رُؤْيَاهُ يعرف عجلَان وَلَا رَآهُ قطّ وَهُوَ غير مُتَّهم فِيمَا تحدث بِهِ شهر ذِي الْحجَّة أَوله الْخَمِيس: فِيهِ قل وجود الْخبز بالأسواق وازدحم النَّاس فِي طلبه ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ كسد وَارْتَفَعت الأسعار ووافى عيد الْأَضْحَى وَالسُّلْطَان بِنَاحِيَة وردان وَهُوَ عَائِد فصلى بِهِ صَلَاة الْعِيد وخطب نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ كَاتب السِّرّ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 482 وَكَانَ الْحَال بِالْقَاهِرَةِ فِي الْأَضَاحِي بِخِلَاف مَا نعهد لقلَّة مَا ذبح فَإِن السُّلْطَان والأمراء لم يفرقُوا الْأَضَاحِي كَمَا جرت بِهِ الْعَادة. وَفِي ثَانِي عشره: قدم السُّلْطَان من سرحة الْبحيرَة وعدى النّيل إِلَى بَيت كَاتب السِّرّ وَأقَام بِهِ إِلَى بكرَة يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشره وَركب إِلَى القلعة وألم رجله لم يبرح. وَتقدم إِلَى الْأُمَرَاء بتجهيزهم للسَّفر إِلَى الشَّام. وَفِي خَامِس عشره: عرض السُّلْطَان أجناد الْحلقَة على عَادَته وَعين مِنْهُم من يسامر وألزم من يُقيم بِالْمَالِ كَمَا تقدم. وَفِيه قدمت أم إِبْرَاهِيم بن رَمَضَان التركماني من بِلَاد الشَّرْقِي وتمثلت بَين يَدي السُّلْطَان فوسم بتعويقها فعوقت. وَفِي تَاسِع عشره: عرض السُّلْطَان أجناد الْحلقَة ثمَّ ركب فِي خاصته بِثِيَاب جُلُوسه إِلَى جَامعه بجوار بَاب زويلة وَاجْتمعَ عِنْده الْقُضَاة فتنافس كل من القاضيين شمس الدّين الْهَرَوِيّ وشمس الدّين مُحَمَّد الديري وخرجا عَن الْحَد حَتَّى تسابا سباباً قبيحاً بِحَضْرَة السُّلْطَان وَقد اجْتمع من طوائف النَّاس خلق كثير وانفضوا وعناية السُّلْطَان بالهروي. فَكَانَ هَذَا مِمَّا لَا يَلِيق بالقضاة. وَفِيه بلغ الأردب الْقَمْح مِائَتَيْنِ وَسِتِّينَ درهما والأردب الفول ثَلَاثمِائَة دِرْهَم لقلته. وَكثر كساد وَفِي ثَانِي عشرينه: ركب السُّلْطَان للصَّيْد وشق الْقَاهِرَة من بَاب النَّصْر. وَفِي رَابِع عشرينه: أفرج عَن الْأَمِير بدر الدّين حسن بن محب الدّين وَأقَام بِالْمَدْرَسَةِ الفخرية موكلاً بِهِ ومرسماً عَلَيْهِ. وَفِيه ركب السُّلْطَان للصَّيْد وَعَاد من يَوْمه. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس عشرينه: جلس السُّلْطَان بالإسطبل لعرض أجناد الْحلقَة على عَادَته وتشدد فِي طلب المَال مِمَّن عين للإقامة وَضرب عدَّة مِنْهُم. وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر الشريف النَّقِيب شرف الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن الشريف النَّقِيب فَخر الدّين أبي عَليّ أَحْمد بن الشريف النَّقِيب شرف الدّين أَبُو مُحَمَّد عَليّ بن شهَاب الدّين حسن بن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 483 مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن زيد بن الْحُسَيْن بن مظفر بن عَليّ بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مُوسَى بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن ابْن عَليّ بن أبي طَالب الأرموي نقيب الْأَشْرَاف فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ تَاسِع عشر ربيع الأول وَكَانَ يعد من رُؤَسَاء الْبَلَد كرماً وأفضالاً من غير شهرة بِعلم وَلَا نسك. وَمَات فِيهِ عبد الله بن عَلَاء الدّين عَليّ بن مُحي الدّين يحيي بن فضل الله الْعمريّ وَقد حمل وَمَات الْأَمِير أجترك القاسمي وَقد تنقل فِي عدَّة ولايات مِنْهَا نِيَابَة غَزَّة. وَقتل الْأَمِير حُسَيْن بن كبك أحد أُمَرَاء التركمان فِي ثَالِث جُمَادَى الأولى وَكَانَ من خبر قَتله أَن الْأَمِير تغري بردى الجكمي - أحد العصاة على السُّلْطَان - فر وَالسُّلْطَان على مَدِينَة كختا فِيمَن تسحب ثمَّ لحق بالأمير منكلي بغا نَائِب ملطية مَعَ رفقته فَسَأَلَ السُّلْطَان فِي الصفح عَنهُ فصفح وَأقَام عِنْد منكلي بغا إِلَى أَن قدم حُسَيْن ابْن كبك على ملطية وحصرها فقرر الْأَمِير منكلي بغا تغري بردى هَذَا أَنه يظْهر الْهَرَب ويتسحب إِلَى حُسَيْن بن كبك وَيُقِيم عِنْده إِلَى أَن يجد فرْصَة يقْتله فِيهَا فَخرج من ملطية فَارًّا إِلَيْهِ فَأكْرمه وَاسْتمرّ بِهِ عِنْده إِلَى أَن توجه إِلَى بير عمر حَاكم أرزنكان فِي أول جُمَادَى فأنزله بير عمر فِي مخيم وأجرى لَهُ مَا يَلِيق بِهِ فَلم يبت عِنْده سوى لَيْلَة وَاحِدَة وجلسوا لشرب الْخمر فِي اللَّيْلَة الَّتِي بعْدهَا حَتَّى تفرق عَن حُسَيْن أَصْحَابه وَدخل إِلَى مبيته واستدعى بتغري بردى إِلَيْهِ ليكبسه فعندما نَام - وَهُوَ سَكرَان - أَخذ تعري بردى سَيْفه وحشاه فِي بطه فَلم يتنفس وَركب فرسه لَيْلًا إِلَى جِهَة شماخي وتوصل مِنْهَا إِلَى ملطية وَقدم حلب وَجَاء إِلَى مصر فَأكْرمه السُّلْطَان وخلع عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ عشرَة آلَاف دِرْهَم فضَّة وَثَلَاثَة أرؤس من الْخَيل كَامِلَة الْعدة وثياباً نفيسة وإقطاعاً بديار مصر كثير المتحصل وَتقدم إِلَى الْأُمَرَاء أَن يخلع كل مِنْهُم عَلَيْهِ فناله مَال كَبِير واستراح الناسمن حُسَيْن بن كبك. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 484 وَمَات بِالْقَاهِرَةِ شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد الله بن أَحْمد القرقشندي الشَّافِعِي فِي لَيْلَة السبت عَاشر جُمَادَى الْآخِرَة عَن خمس وَسِتِّينَ سنة وَقد كتب فِي الْإِنْشَاء وبرع فِي الْعَرَبيَّة وشارك فِي الْفِقْه وناب فِي الحكم وَعرف الْفَرَائِض ونظم ونثر. وصنف كتاب صبح الْأَعْشَى فِي صناعَة الإنشا جمع فِيهِ جمعا كَبِيرا مُفِيدا وَكتب فِي الْفِقْه وَغَيره. وَمَات الْأَمِير بيسق الشيخي أحد المماليك الظَّاهِرِيَّة فِي جُمَادَى الْآخِرَة بالقدس وترقي حَتَّى صَار من أُمَرَاء الطلبخاناه وأمير أخور وَولي إمرة الْحَج فِي الْأَيَّام الظَّاهِرِيَّة والناصرية وَولي عمَارَة الْمَسْجِد الْحَرَام لما احْتَرَقَ فِي سنة ثَلَاث وَثَمَانمِائَة ثمَّ تنكر عَلَيْهِ النَّاصِر فرج وَأخرجه من الْقَاهِرَة إِلَى بِلَاد الرّوم منفياً فَأَقَامَ بهَا حَتَّى تسلطن الْمُؤَيد شيخ قدم عَلَيْهِ فَلم يقبل عَلَيْهِ وَأقَام فِي دَاره مُدَّة ثمَّ أخرجه إِلَى الْقُدس بطالاً فَمَاتَ بهَا وَكَانَ عَارِفًا بالأمور متعصباً الْفُقَهَاء الْحَنَفِيَّة على الشَّافِعِيَّة شرس الْخلق عسوفاً كثير المَال وَفِيه بر وصدقات. وَمَات الْأَمِير عَلَاء الدّين أقبغا شَيْطَان مقتولاً فِي لَيْلَة الْخَمِيس سادس شعْبَان وَقد جمع لَهُ بَين ولَايَة الْقَاهِرَة وحسبتها وَشد الدَّوَاوِين وَكَانَ يحسن الْمُبَاشرَة وَلم يشهر عَنهُ تعَاطِي شَيْء من القاذورات الْمُحرمَة كَالْخمرِ وَنَحْوه. وَمَات الْأَمِير بردبك الخليلي بصفد فِي لَيْلَة الْخَمِيس نصف شهر رَجَب بهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 485 وَهُوَ على نيابتها. وَمَات الْأَمِير سودن الأسندمري مقتولاً فِي وقْعَة التركمان خَارج طرابلس فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع عشْرين شعْبَان وَهُوَ أحد مماليك الظَّاهِرِيَّة وَمن جملَة أُمَرَاء مصر فَلَمَّا قتل النَّاصِر فرج قبض عَلَيْهِ وسجن ثمَّ أفرج عَنهُ وَعمل أَمِيرا بطرابلس فَقتل بهَا عَن قَلِيل. وَمَات الْأَمِير أَبُو الْفتُوح مُوسَى ابْن السُّلْطَان فِي يَوْم الْأَحَد تَاسِع عشْرين شهر رَمَضَان وَهُوَ فِي الشَّهْر الْخَامِس فدمن بالجامع المؤيدي. وَمَات الْأَمِير فَخر الدّين عبد الْغَنِيّ ابْن الْأَمِير تَاج الدّين عبد الرَّزَّاق بن أبي الفوج فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ نصف شَوَّال وَدفن بجامعه. وَمَات الْأَمِير عَلَاء الدّين ألطنبغا العثماني الظَّاهِرِيّ نَائِب الشَّام بطالاً بالقدس فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي عشْرين شَوَّال. وَمَات الْأَمِير الطواشي بدر الدّين لُؤْلُؤ الْعزي كاشف الْوَجْه القبلي فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشْرين شَوَّال. ولي كشف الْوَجْه القبلي فِي سنة ثَلَاث عشره ثمَّ فِي رَجَب سنة ثَمَان عشرَة وعزل وصودر وَأخذ مِنْهُ مَال جزيل بعد عُقُوبَة شَدِيدَة ثمَّ ولي شدّ الدواليب السُّلْطَانِيَّة بِالْوَجْهِ القبلي حَتَّى مَاتَ وَكَانَ من الحمقاء المتمعقلين والظلمة الفاتكين فِي هَيْئَة متدين ناسك واعظ. وَتُوفِّي شرف الدّين مُحَمَّد بن عز الدّين أبي الْيمن مُحَمَّد بن عبد اللطف بن أَحْمد بن مَحْمُود بن أبي الْفَتْح الشهير بِابْن الكويك الربعِي الإسكندري الشَّافِعِي فِي يَوْم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 486 السبت سادس عشْرين ذِي الْقعدَة ومولده فِي ذِي الْقعدَة سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة بِالْقَاهِرَةِ وَقد انْفَرد بأَشْيَاء لم يروها غَيره. وتصدى للأسماع عدَّة سِنِين فَسمع عَلَيْهِ كثير من أهل الْقَاهِرَة والقادمين إِلَيْهَا وأضر قبل مَوته. وَكَانَ خيرا سَاكِنا كافا عَن الشَّرّ من بَيت رياسة. وَأول سَمَاعه حضوراً سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة. وَلم يشْتَهر بِعلم. وَمَات الْأَمِير قطلوبغا الخليلي نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة فِي يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشْرين ذِي الْحجَّة وَكَانَ قد ولي حاجباً بِالْقَاهِرَةِ ثمَّ تعطل سِتا وَعشْرين سنة فَسَاءَتْ حَاله إِلَى أَن ولاه الْملك الْمُؤَيد نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة مباشرها مُبَاشرَة مشكورة وَمَات وَهُوَ على نيابتها. وَمَات الْأُسْتَاذ إِبْرَاهِيم بن باباي العواد فِي لَيْلَة الْجُمُعَة مستهل شهر ربيع الأول. وَقد انْتَهَت إِلَيْهِ الرياسة فِي الضَّرْب بِالْعودِ. وَكَانَ أبي النَّفس من ندماء السُّلْطَان مقرباً عِنْده وجدد عمَارَة بُسْتَان الْحلَبِي المطل على النّيل وَبِه مَاتَ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 487 فارغه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 488 (سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَثَمَانمِائَة) أهلت وَخَلِيفَة الْوَقْت المعتضد بِاللَّه أَبُو الْفَتْح دَاوُد بن المتَوَكل على الله أبي عبد الله مُحَمَّد وسلطان مصر وَالشَّام والحجاز الْملك الْمُؤَيد أَبُو النَّصْر شيخ المحمودي الظَّاهِرِيّ والأمير الْكَبِير ألطنبغا القرمشي وأتابك العساكر الْمقَام الصارمي إِبْرَاهِيم ابْن السُّلْطَان والدوادار الْأَمِير جقمق وَرَأس نوبَة الْأَمِير ألطنبغا الصَّغِير وأمير سلَاح الْأَمِير قجقار القردمي وأمير مجْلِس الْأَمِير ططر وَكَاتب السِّرّ نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ والوزير وناظر الْخَاص الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله أحد الْأُمَرَاء مقدمي الألوف والأستادار الْأَمِير أَبُو بكر وناظر الْجَيْش علم الدّين دَاوُد بن الكويز وقضاة الْقُضَاة على حَالهم ونائب الشَّام الْأَمِير تنبك ميق العلاي ونائب حلب الْأَمِير يشبك اليوسفي ونائب طرابلس الْأَمِير سودن القَاضِي ونائب حماة الْأَمِير شاهين الزردكاش ونائب صفد الْأَمِير قرا مُرَاد خجا ونائب الْإسْكَنْدَريَّة نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْعَطَّار. شهر الله الْمحرم الْحَرَام أَوله الْجُمُعَة: فِي ثَانِيه: جلس السُّلْطَان لعرض أجناد الْحلقَة على مَا تقدم وَأنْفق على الْأُمَرَاء نَفَقَة السّفر وَفِي خامسه: قدم مبشرو الْحَاج وأخبروا أَنه لم يرد أحد من حَاج الْعرَاق. وَفِي رَابِع عشره: قرئَ تَقْلِيد الْوَزير الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله بالجامع المؤيدي وَكَانَت الْعَادة أَن يقْرَأ تَقْلِيد الوزارة بخانكاه سعيد السُّعَدَاء. وَفِي نصفه: ضرب خام الْمقَام الصارمي إِبْرَاهِيم ابْن السُّلْطَان تجاه مَسْجِد تبر خَارج الْقَاهِرَة. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامن عشره: ركب إِبْرَاهِيم ابْن السُّلْطَان بكرَة النَّهَار فِي أُمَرَاء الدولة والعساكر وَتَبعهُ طلبه وَطلب الْأَمِير جقمق الدوادار حَتَّى نزل بمخيمه وَخرج بعده الْأُمَرَاء بأطلابهم وهم ططر أَمِير مجْلِس وقجقار القردمي أَمِير سلَاح وأينال الأزعري رَأس نوبَة وجلبان وأركماس الجلباني من مقدمي الألوف وَثَلَاثَة من أُمَرَاء الطبلخاناه وَخَمْسَة عشر من أُمَرَاء العشرات وَمِائَتَيْنِ من المماليك السُّلْطَانِيَّة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 489 وَفِي عشرينه: نزل السُّلْطَان إِلَى مخيمه على خليج الزَّعْفَرَان ثمَّ سَار إِلَى مخيم وَلَده وَبَات عِنْده ثمَّ ودعه وَركب من الْغَد إِلَى القلعة. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشرينه: رَحل الْمقَام الصارمي إِلَى جِهَة الْبِلَاد الشامية بِمن مَعَه وَفِي ثَالِث عشرينه: قدم الركب الأول من الْحَاج وَقدم الْمحمل بِبَقِيَّة الْحَاج من عده وَمَعَهُمْ الشريف عجلَان بن نعير أَمِير الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة فِي الْحَدِيد. وَقدم الْأَمِير بكتمر السَّعْدِيّ عَائِدًا من الْيمن بِكِتَاب النَّاصِر أَحْمد بن الْأَشْرَف. وَفِيه شرع السُّلْطَان فِي عمَارَة قبَّة عَظِيمَة بالحوش من قلعة الْجَبَل أنْفق عَلَيْهَا مَالا كَبِيرا. وَفِيه كتب تَقْلِيد الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن باك بن دلغادر باستقراره فِي نِيَابَة السلطنة بقيسارية الرّوم وجهز إِلَيْهِ. وَفِيه خلع على الْأَمِير مقبل الدوادار وَاسْتقر شاد الْعِمَارَة بالجامع المؤيدي عوضا عَن الْأَمِير ططر. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثامن عشرينه: نزل السُّلْطَان إِلَى جَامعه بجوار بَاب زويلة واستدعى الْقُضَاة ومشايخ الْعلم ليسألهم عَن إصْلَاح مَا تهدم من أروقة الْمَسْجِد الْحَرَام وتشقق الْكَعْبَة وَعمارَة الْحُجْرَة النَّبَوِيَّة وَمن أَيْن تكون النَّفَقَة على ذَلِك. فأجالوا القَوْل فِي هَذَا. وَسَأَلَ قَاضِي الْقُضَاة عَلَاء الدّين عَليّ بن مغلي الْحَنْبَلِيّ قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين الْهَرَوِيّ عَن أَربع مسَائِل وَهُوَ يجِيبه فَيَقُول لَهُ: أَخْطَأت. وَأخذ قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد الديري الْحَنَفِيّ فِي الْكَلَام مَعَ الْهَرَوِيّ حَتَّى خرجا إِلَى المسابة. وَعدد الديري قبائح الْهَرَوِيّ من أَنه من أَتبَاع تيمورلنك وَأَنه كَانَ ضَامِن يزدْ وَنَحْو ذَلِك. ثمَّ قَالَ: يَا مَوْلَانَا السُّلْطَان أشهدك عَليّ أَنِّي حجرت عَلَيْهِ أَن لَا يُفْتِي وحكمت بذلك. فنفذ الْحَنْبَلِيّ والمالكي حكمه. فَكَانَ مَجْلِسا فِي غَايَة الْقبْح من إهانة الْهَرَوِيّ وبهدلته ثمَّ انْفَضُّوا على ذَلِك وَقد تبين انحطاط قدره وَبعده عَن الْعلم بالفقه والْحَدِيث. فِي خامسه: اجْتمع المماليك السُّلْطَانِيَّة بالقلعة وهموا أَن يوقعوا بالوزير والأستادار لتأخر عليق خيولهم فَمَا زَالَ الْأُمَرَاء بهم حَتَّى فرقوهم على أَن يصرف لَهُم مَا اسْتحق. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 490 وَفِيه خلع على صدر الدّين أَحْمد بن جمال الدّين مَحْمُود العجمي وَاسْتقر فِي حسبَة الْقَاهِرَة عوضا عَن ابْن شعْبَان. وَفِي يَوْم السبت سابعه: عدى السُّلْطَان النّيل وَنزل بِنَاحِيَة أوسيم وَأقَام بهَا. فَقدمت لَهُ التقادم من الْخُيُول وَالْجمال على الْعَادة. وَفِي سادس عشره: توجه الْأَمِير بدر الدّين حسن بن محب الدّين عبد اللطف الطرابلسي إِلَى طرابلس ليَكُون مُقيما بهَا من جملَة أمرائها. وَفِي ثامن عشره: عَاد السُّلْطَان من أوسيم وَنزل على النّيل بِنَاحِيَة منبابة وَعمل الوقيد فِي لَيْلَة الْخَمِيس تَاسِع عشره فَمر تِلْكَ اللَّيْلَة من السخف وَإِتْلَاف النفوط مَا يُنكر مثله ثمَّ أصبح مركب الحراقة وَقطع النّيل بكرَة وَصعد القلعة فتعصب المماليك سكان الطباق بقلعة الْحَبل وبقوا يدا وَاحِدَة وامتنعوا من أَخذ الجامكية وطالبوا بِأَن يصرف لَهُم فِي هَذِه الدولة المؤيدية من ابتدائها نَظِير مَا كَانَ يصرف فِي الْأَيَّام الظَّاهِرِيَّة من الْكسْوَة وَاللَّحم وَالسكر وَغَيره فتوقع النَّاس حُدُوث شَرّ وفتنة فَردُّوا وَسكن الشَّرّ. وَفِي هَذَا الشَّهْر: اسْتَقر رقم أَمِير هوارة البحرية وَتوجه وَمَعَهُ الْأَمِير ألطنبغا المرقبي إِلَى الْوَجْه القبلي وَكتب للكشاف والولاة بالركوب مَعَه وطرد هواره فَلَمَّا نزل الْأَمِير ألطنبغا بسفط ميدوم وَقد نزلت هوارة قمن فِي نَحْو أَرْبَعَة آلَاف فَرَكبُوا يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشرينه وطرقوا الْأَمِير ألطنبغا والأمير رقم وقاتلوهم عَامَّة النَّهَار ثمَّ مضوا إِلَى الميمون وَقد قتل من الْفَرِيقَيْنِ نَحْو ثَلَاثَة آلَاف فَأخذ الْعَسْكَر السلطاني مَا تَرَكُوهُ من الأغنام والأبقار وَالْجمال وَالرَّقِيق وَغَيرهَا وَهُوَ شَيْء كثير جدا. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سادس عشره: وصل الْمقَام الصارمي إِبْرَاهِيم ابْن السُّلْطَان بِمن مَعَه إِلَى دمشق وَقد تَلَقَّتْهُ النواب والعساكر. وَفِي هَذَا الشَّهْر: فَشَا الْمَوْت بالطاعون فِي إقليمي الشرقية والغربية وَجَمِيع الْوَجْه البحري وابتدأ بِالْقَاهِرَةِ ومصر مُنْذُ حلت الشَّمْس فِي برج الْحمل فِي يَوْم الْأَحَد خَامِس عشرَة فبلغت عدَّة من يرد الدِّيوَان من الْأَمْوَات مَا بَين الْعشْرين وَالثَّلَاثِينَ فِي كل يَوْم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 491 وَفِيه رسم بمرمة قناطر شبين بالجيزية وَكتب تَقْدِير مصروفها خَمْسَة آلَاف دِينَار فرضت على بِلَاد الجيزة. وَقرر على كل فدان مبلغ عشْرين دِرْهَم يُسهم الْفَلاح مِنْهَا بِسِتَّة دَرَاهِم والمقطع بأَرْبعَة عشر. وَلَا يعفي من ذَلِك من انْقَطع رزقه. فجبي المَال من الْبِلَاد على هَذَا. وَفِي تَاسِع عشرينه: كسفت الشَّمْس قبيل الزَّوَال فَاجْتمع النَّاس وَصلى بِالنَّاسِ فِي الْجَامِع الْأَزْهَر الشَّيْخ الْحَافِظ شهَاب الدّين أَبُو الْفَتْح بن حجر الْعَسْقَلَانِي الشَّافِعِي - خطب الْجَامِع - صَلَاة الْكُسُوف. عقيب صَلَاة الظّهْر رَكْعَتَيْنِ ركع فِي كل رَكْعَة ركوعين أَطَالَ فيهمَا الْقِرَاءَة فَقَرَأت فِي قيام الرَّكْعَتَيْنِ نَحوا من سِتَّة أحزاب. وَكَانَ الرُّكُوع نَحوا من الْقيام وَالسُّجُود نَحْو الرُّكُوع فقارب فِي أَرْكَان الصَّلَاة مَا بَينهَا وأذكرني بِصَلَاتِهِ أهل السّلف ثمَّ صعد بعد صلَاته الْمِنْبَر فَخَطب خطبتين وعظ فيهمَا وأنذر وَذكر. وَعم اجْتِمَاع النَّاس جَوَامِع مصر والقاهرة وظواهرها وعد هَذَا من حميد أَفعَال محتسب الْقَاهِرَة صدر الدّين أَحْمد بن جمال الدّين مَحْمُود العجمي فَإِنَّهُ بَث أعوانه قبل أَذَان الظّهْر فَنَادوا فِي الْأَسْوَاق تهيئوا رحمكم الله لصَلَاة الْكُسُوف. فبادر النَّاس للتطهر وَأَقْبلُوا يسعون إِلَى الْجَوَامِع طوائف طوائف مَا بَين رجال وَنسَاء. وهم فِي خشوع وَذكر واستغفار فَدفع الله بذلك عَن النَّاس بلاءاً كثيرا. وَفِي هَذَا الشَّهْر: اتّفق وَقت الْعَصْر من يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع عشره حُدُوث زَلْزَلَة استمرت ثَلَاثَة أَيَّام بلياليها. لَا تهدأ فَسقط سور الْمَدِينَة وَخرجت عَامَّة دورها بِحَيْثُ لم يبْق بهَا دَار إِلَّا سَقَطت أَو هدم بهَا شَيْء وَانْقطع من جبل قِطْعَة فِي قدر نصف هرم مصر وَسَقَطت إِلَى الأَرْض وتفجرت عدَّة أعين من وَادي الْأَزْرَق وانطمت عدَّة أنهر وَكَانَت الزلزلة تَأتي من جِهَة الْمغرب إِلَى جِهَة الْمشرق وَلها دوِي كركض الْخَيل ثمَّ امتدت الزلزلة بعد ثَلَاثَة أَيَّام مُدَّة أَرْبَعِينَ يَوْمًا تعود كل يَوْم مرّة أَو مرَّتَيْنِ وَثَلَاث وَأَرْبع حَتَّى خرج النَّاس إِلَى الصَّحرَاء ثمَّ تمادت سنة. شهر ربيع الأول أَوله الثُّلَاثَاء: فِيهِ نزل الْمقَام الصارمي تل السُّلْطَان ظَاهر حلب وَقد خرج إِلَيْهِ نَائِب حلب بعسكرها وأتته العربان والتركمان وَدخل حلب فِي ثالثه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 492 وَفِيه جلس السُّلْطَان لعرض أجناد الْحلقَة على عَادَته. وَفِيه بلغت عدَّة من ورد من الْأَمْوَات بِالْقَاهِرَةِ إِلَى الدِّيوَان نَحْو الْخمسين أَكْثَرهم أَطْفَال وَذَلِكَ سوى المارستان وموتهم بأمراض حادة. وحبة الْمَوْت قل من يمرض مِنْهُم ثَلَاثَة أَيَّام بل كثير مِنْهُم يَمُوت سَاعَة يمرض أَو من يَوْمه. وَفِي رابعه: سَار الْأَمِير أَبُو بكر الأستادار إِلَى الْوَجْه القبلي لأخذ أَمْوَال هوارة. وَفِي ثامنه: استدعى قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد الْهَرَوِيّ إِلَى قلعة الْجَبَل وَقد قدم طَائِفَة من بلد الْقُدس والخليل مَعَ الْأَمِير حسن نَائِب الْقُدسِي للشكوى عَلَيْهِ بِأَنَّهُ أَخذ فِي أَيَّام نظره من مَال وقف الْخَلِيل قدرا كَبِيرا فندب السُّلْطَان للْقَضَاء بَينهم الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن حجر مفتي دَار الْعدْل وخطيب الْجَامِع الْأَزْهَر فَثَبت فِي جِهَة الْهَرَوِيّ مَال كثير بِحَضْرَة السُّلْطَان فرسم بإمضاء حكم الشَّرْع فِيهِ فَلَمَّا نزل من القلعة وحاذي الْمدرسَة الصالحية بَين القصرين أمره نقيب قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد الديري بالنزول ليعتقل بهَا. فَنزل بعد تمنع وَجلسَ قَلِيلا وَركب يُرِيد منزله فَتسَارع إِلَيْهِ الرُّسُل أعوان الْقُضَاة وجذبوا بغلته ليردوه إِلَى الْمدرسَة فتصايحت الْعَامَّة وعطعطوا بِهِ وسبوه ورجموه فَعَاد عوداً قبيحاً وَقد رَحمَه من رَآهُ وَأدْخل فِي دَار وأغلق عَلَيْهِ فَلم يمض غير قَلِيل حَتَّى نزل إِلَيْهِ الطواشي مرجان الْهِنْدِيّ الخازندار وَأخرجه من معتقله وَمضى بِهِ إِلَى دَاره. وَفِيه وَاقع الْأَمِير ألطنبغا المرقبي هوارة بِنَاحِيَة بني عدي وَكَانَ قد توجه فِي طَلَبهمْ إِلَى نَاحيَة الأشمونين وَترك أثقاله بهَا وتبعهم بالعساكر جَرِيدَة حَتَّى أدركهم لَيْلًا فَكَانَت بَينهمَا معركة قتل فِيهَا جمَاعَة وانهزمت هوارة وتشتتوا. وَفِي ثَانِي عشره: جلس الْأَمِير مقبل الدوادار وَالْقَاضِي علم الدّين دَاوُد بن الكوبز نَاظر الْجَيْش بقلعة الْجَبَل لعرض بَقِيَّة أجناد الْحلقَة من غير أَن يحضر السُّلْطَان. وَفِيه رسم السُّلْطَان للشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن حجر أَن يرسم على قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد الْهَرَوِيّ ليخرج عَمَّا ثَبت عَلَيْهِ فندب لَهُ أَرْبَعَة من أعوان الْقُضَاة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 493 لَازمه مِنْهُم اثْنَان فِي دَاره أَقَامَا مَعَه فِي مَوضِع مِنْهَا وتوكل اثْنَان ببابي دَاره وَمنع من البروز من دَاره حَتَّى يخرج مِمَّا فِي قبله. وَفِي رَابِع عشره: نزل مرسوم السُّلْطَان إِلَى الْهَرَوِيّ أَن يخرج مِمَّا ثَبت عَلَيْهِ وَيدْفَع إِلَى مستحقي وقف الْخَلِيل مصالحة عَمَّا ثَبت فِي جِهَته لَو عمل حسابه لمُدَّة مُبَاشَرَته مبلغ ثَلَاثَة آلَاف دِينَار فشرع فِي بيع موجوده إِلَى يَوْم الثُّلَاثَاء نصفه بعث السُّلْطَان من ثقاته أَمِيرا إِلَى بَيت الْهَرَوِيّ فَأخذ مِنْهُ مَا تَحت يَده من المَال الْمَأْخُوذ من أجناد الْحلقَة وَهُوَ ألف ألف وسِتمِائَة ألف دِرْهَم فُلُوسًا فَلم يُوجد سوى ألف ألف دِرْهَم وَقد تصرف فِي سِتّمائَة ألف دِرْهَم عَنْهَا نَحْو ثَلَاثَة آلَاف دِينَار فشنعت القالة عَلَيْهِ وَاشْتَدَّ غضب السُّلْطَان مِنْهُ وَبعث قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد الديري الْحَنَفِيّ إِلَى نواب الْهَرَوِيّ فَمَنعهُمْ من الحكم بَين النَّاس بمقتضي أَنه ثَبت فسقه وَحكم الْفَاسِق لَا ينفذ وولايته لَا تصح عِنْد الإِمَام الشَّافِعِي وهددهم مَتى حكمُوا بَين النَّاس فانكفوا عَن الحكم. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء غده: صعد بعض الرُّسُل المرسمين على الْهَرَوِيّ إِلَى السُّلْطَان وبلغه - على لِسَان بعض خواصه - أَنه تبين لَهُ ولرفقائه أَن الْهَرَوِيّ تهَيَّأ ليهرب فَبعث عدَّة من الأجناد وَكلهمْ بِهِ فِي دَاره. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشره: نزل السُّلْطَان إِلَى جَامعه بجوار بَاب زويلة واستدعى شيخ الْإِسْلَام قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين البُلْقِينِيّ فارتجت الْقَاهِرَة وَخرج النَّاس من الرِّجَال وَالنِّسَاء على اخْتِلَاف طبقاتهم لرُؤْيَته فَرحا بِهِ حَتَّى غصت الشوارع فعندما رَآهُ السُّلْطَان قَامَ لَهُ وأجله وَبَالغ فِي إكرامه وأفاض عَلَيْهِ التشريف وشافهه بِولَايَة الْقُضَاة وَتوجه جلال الدّين البُلْقِينِيّ من الْجَامِع إِلَى الْمدرسَة الصالحية فَمر من تَحت الرّبع وَعبر من بَاب زويلة وسلك تَحت شبابيك الْجَامِع وَقد قَامَ السُّلْطَان فِي الشباك ليراه فأبصر من كَثْرَة الْخلق وَشدَّة فَرَحهمْ وعظيم مَا بذلوه وسمحوا بِهِ من الزَّعْفَرَان للخلوق والشموع للوقود مَعَ مجامر الْعود والعنبر ورش مَاء الْورْد وضجيجهم بِالدُّعَاءِ للسُّلْطَان مَا أذهله وَقَوي رغبته فِيهِ وَسَار كَذَلِك حَتَّى أَن بغلته لَا تكَاد أَن تَجِد موضعا لحوافرها حَتَّى نزل بِالْمَدْرَسَةِ الصالحية وَمَعَهُ أهل الدولة عَن آخِرهم لم توجه إِلَى دَاره فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً واجتماعاً لم يعْهَد لقاض مثله. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 494 وَفِي سادس عشرينه: انتهي عرض أجناد الْحلقَة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: تتبع صدر الدّين محتسب الْقَاهِرَة أَمَاكِن الْفساد بِنَفسِهِ وَمَعَهُ وَالِي الْقَاهِرَة فأراق آلافاً من جرار الْخمر وَكسرهَا وَمنع النِّسَاء من النِّيَاحَة على الْأَمْوَات وَمنع من التظاهر بالحشيش وكف البغايا عَن الْوُقُوف لطلب الْفَاحِشَة فِي الْأَسْوَاق ومواضع الريب وألزم الْيَهُود وَالنَّصَارَى بتضييق الأكمام الواسعة وتصغير العمائم حَتَّى لَا تتجاوز عِمَامَة أحدهم سَبْعَة أَذْرع وَأَن يدخلُوا الحمامات بجلاجل فِي أَعْنَاقهم وَأَن تلبس نساوهم أزراً مصبوغة مَا بَين إِزَار أصفر لِلْيَهُودِيَّةِ وَإِزَار أَزْرَق للنصرانية فَاشْتَدَّ قلقهم من ذَلِك وتعصب لَهُم قوم فَعمل بعض مَا ذكر دون بَاقِيه. وَبَلغت عدَّة من ورد الدِّيوَان من الْأَمْوَات فِي هَذَا الشَّهْر بِمَدِينَة بلبيس ألف إِنْسَان وبناحية بردين من الشرقية خَمْسمِائَة نفس وبناحية ديروط من الغربية ثَلَاثَة آلَاف إِنْسَان سوى بَقِيَّة الْقرى وَهِي كَثِيرَة جدا. شهر ربيع الآخر أَوله الْخَمِيس: فِي ثَالِثَة: بلغت عدَّة من يرد الدِّيوَان من الْأَمْوَات بِالْقَاهِرَةِ إِلَى مائَة وَسِتَّة وَتِسْعين سوى المارستان ومصر وَبَقِيَّة الْمَوَاضِع الَّتِي لَا تود الدِّيوَان وَمَا تقصر عَن مائَة أُخْرَى. هَذَا مَعَ شناعة الموتان بالأرياف وخلو عدَّة قرى من أَهلهَا. وَفِي خامسه: خدع قَاضِي الْقُضَاة الْهَرَوِيّ الموكلين بِهِ من الأجناد حَتَّى مكنوه أَن يخرج من دَاره فالتجأ إِلَى بَيت الْأَمِير قطلوبغا التنمي فطار الْخَبَر فِي الْوَقْت إِلَى الْأَمِير مقبل الدوادار وَغَيره بِأَن الْهَرَوِيّ قد هرب وَبلغ السُّلْطَان ذَلِك فَبعث الْأَمِير تَاج الدّين الشويكي أستادار الصُّحْبَة إِلَيْهِ فَأَخذه من بَيت التنمي وَحمله إِلَى القلعة فسجنه بهَا فِي أحد أبراجها وَضرب الدوادار الأجناد الموكلين بِهِ ضربا مبرحاً. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثامنه: نُودي فِي النَّاس من قبل الْمُحْتَسب أَن يَصُومُوا ثَلَاثَة أَيَّام أَخّرهَا يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشره لِيخْرجُوا مَعَ السُّلْطَان فيدعوا الله بالصحراء فِي رفع الوباء ثمَّ أُعِيد النداء فِي ثَانِي عشره أَن يَصُومُوا من الْغَد فتناقص عدد الْأَمْوَات الجزء: 6 ¦ الصفحة: 495 فِيهِ وَأصْبح كثير من النَّاس صياما فصاموا يَوْم الثُّلَاثَاء وَيَوْم الْخَمِيس وَبَطل كثير من الباعة بيع الأقوات فِي أول النَّهَار كَمَا هِيَ الْعَادة فِي أول شهر رَمَضَان. وَفِي يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشره: نُودي فِي النَّاس بالمضي إِلَى الصَّحرَاء من الْغَد وَأَن يخرج الْعلمَاء وَالْفُقَهَاء ومشايخ الخوانك وصوفيتها وَعَامة النَّاس وَنزل الْوَزير الصاحب بدر الدّين بن نصر الله والأمير التَّاج الأستادار بالصحبة إِلَى تربة الْملك الظَّاهِر برقوق ونصبوا المطابخ بالحوش القبلي مِنْهَا وأحضروا الأغنام والأبقار وَبَاتُوا هُنَاكَ فِي تهيئة الْأَطْعِمَة والأخباز ثمَّ ركب السُّلْطَان بَعْدَمَا صلى صَلَاة الصُّبْح وَنزل من قلعة الْجَبَل وَهُوَ لابس الصُّوف وعَلى كَتفيهِ مئزر صوف مسدل كَهَيئَةِ الصُّوفِيَّة وَعَلِيهِ عِمَامَة صَغِيرَة جدا لَهَا عذبة مرخاة من بَين لحيته وكتفه الْأَيْسَر وَهُوَ بتخشع وانكسار وفرسه بقماش ساذج لَيْسَ فِيهِ ذهب وَلَا حَرِير وَقد أقبل النَّاس أَفْوَاجًا. وَسَار شيخ الْإِسْلَام قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين البُلْقِينِيّ من منزله مَاشِيا فِي عَالم كَبِير وَسَار مُعظم الْأَعْيَان من مَنَازِلهمْ مَا بَين ماش وراكب حَتَّى وافوا السُّلْطَان بالصحراء قَرِيبا من قبَّة النَّصْر وَمَعَهُمْ الْأَعْلَام والمصاحف وَلَهُم بِذكر الله تَعَالَى أصوات مُرْتَفعَة فَنزل السُّلْطَان عَن فرسه وَقَامَ على قَدَمَيْهِ وَعَن يَمِينه وشماله الْقُضَاة والخليفة وَأهل الْعلم وَمن بَين يَدَيْهِ وَخَلفه طوائف لَا يحصيها إِلَّا خَالِقهَا سُبْحَانَهُ فَبسط يَدَيْهِ ودعا الله وَهُوَ يبكي وينتحب والجم الْغَفِير يرَاهُ ويشهده زَمَانا طَويلا ثمَّ ركب يُرِيد الحوش من التربة الظَّاهِرِيَّة وَالنَّاس فِي قدمه وَبَين يَدَيْهِ حَتَّى نزل وَأكل مَا تهَيَّأ وَذبح بِيَدِهِ قرباناً قربَة إِلَى الله مائَة وَخمسين كَبْشًا سميناً من أَثمَان خَمْسَة دَنَانِير الْوَاحِد ثمَّ ذبح عشر بقرات سمان وجاموستين وجملين وَهُوَ يبكي ودموعه تنحدر - بِحَضْرَة الْمَلأ - على لحيته ثمَّ ترك القرابين على مضاجعها كَمَا هِيَ وَركب إِلَى القلعة فَتَوَلّى الْوَزير والتاج تفرقتها صحاحاً على الْجَوَامِع الْمَشْهُورَة والخوانك وقبة الإِمَام الشَّافِعِي وتربة اللَّيْث بن سعد ومشهد السيدة نفيسة وعدة من الزوايا حملت إِلَيْهَا صحاحاً وَقطع مِنْهَا عدَّة بالحوش فرقت لَحْمًا على الْفُقَرَاء وَفرق من الْخبز النقي يَوْمئِذٍ عدَّة ثَمَانِيَة وَعشْرين ألف رغيف تنَاولهَا الْفُقَرَاء من يَد الْوَزير وَبعث الجزء: 6 ¦ الصفحة: 496 مِنْهَا إِلَى كل سجن خَمْسمِائَة رغيف وعدة قدور كبار مَمْلُوءَة بِالطَّعَامِ الْكثير اللَّحْم هَذَا وَشَيخ الْإِسْلَام فِي طَائِفَة عَظِيمَة من النَّاس يقرءُون الْقُرْآن وَيدعونَ الله حَيْثُ وقف السُّلْطَان وَشَيخ الحَدِيث النَّبَوِيّ - شهَاب الدّين أَحْمد بن حجر - فِي صرفية خانكاة بيبرس وَغَيرهم كَذَلِك وَأهل كل جَامع ومشهد وخانكاه كَذَلِك حَتَّى اشْتَدَّ حر النَّهَار انصرفوا وَركب الْوَزير بعدهمْ قبيل نصف النَّهَار إِلَى منزله فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً لم ندرك مثله إِلَّا أَنه بِخِلَاف مَا كَانَ عَلَيْهِ السّلف الصَّالح فقد خرج الإِمَام أَحْمد - عَن شهر بن حَوْشَب - فِي حَدِيث طاعون عمواس أَن أَبَا عُبَيْدَة بن الْجراح قَامَ خَطِيبًا فَقَالَ: أَيهَا النَّاس إِن هَذَا الوجع رَحْمَة من ربكُم ودعوة نَبِيكُم وَمَوْت الصَّالِحين قبلكُمْ وَأَن أَبَا عُبَيْدَة يسْأَل الله أَن يقسم لنا حظاً مِنْهُ فطعن فَمَاتَ. واستخلف معَاذ بن جبل فَقَامَ خَطِيبًا بعده فَقَالَ: أَيهَا النَّاس إِن هَذَا الوجع رَحْمَة من ربكُم ودعوة نَبِيكُم وَمَوْت الصَّالِحين قبلكُمْ وَأَن معَاذًا يسْأَل الله أَن يقسم لآل معَاذ حَظه مِنْهُ فطعن ابْنه عبد الرَّحْمَن فَمَاتَ. ثمَّ قَامَ فَدَعَا ربه لنَفسِهِ فطعن فِي رَاحَته. وَلَقَد رَأَيْته ينظر إِلَى السَّمَاء ثمَّ يقبل كَفه وَيَقُول: مَا أحب أَن لي بِمَا فِيك شَيْئا من الدُّنْيَا وَمَات. فاستخلف عَمْرو بن الْعَاصِ فَذكر الحَدِيث. فَهَذِهِ أعزّك الله أَفعَال الصَّحَابَة. وَقد عكس أهل زَمَاننَا الْأَمر فصاروا يسْأَلُوا الله رَفعه عَنْهُم. وَمن غَرِيب مَا وَقع فِي هَذَا الطَّاعُون أَن رجلا لَهُ أَرْبَعَة أَوْلَاد أَرَادَ ختانهم وَعمل لَهُم مجتمعاً بَالغ فِي عمل الْأَطْعِمَة وَنَحْوهَا لمن دَعَاهُ يُرِيد بذلك تفريح أَوْلَاده وَأَهله قبل أَن يَأْتِيهم الْمَوْت وَقَدَّمَهُمْ وَاحِدًا وَاحِدًا ليختنوا وهم يسقون الْأَوْلَاد الشَّرَاب الْمُذَاب بِالْمَاءِ على الْعَادة فَمَاتَ الْأَرْبَعَة فِي الْحَال عقيب اختتانهم وَالنَّاس حُضُور. فأتهم أباهم الخاتن أَنه سمهم فجرح نَفسه بِالْمُوسَى الَّذِي ختنهم بِهِ ليبرئ نَفسه فَانْقَلَبَ الْفَرح مأتماً وبينما هم فِي ذَلِك إِذْ ظهر أَن الزير الَّذِي عِنْدهم فِيهِ المَاء الَّذِي أخذُوا مِنْهُ ومزجوا بِهِ الشَّرَاب الْأَطْفَال فِيهِ حَيَّة ميتَة. تنوعت الْأَسْبَاب والداء وَاحِد. وَقدم الْخَبَر بحدوث زَلْزَلَة عَظِيمَة بِبِلَاد الرّوم حدثت يَوْم كسف الشَّمْس. خسف مِنْهَا قدر نصف مَدِينَة أرزنكان هلك فِيهَا عَالم كثير وانهدم من مباني الْقُسْطَنْطِينِيَّة شَيْء كثير وَكَانَ ابْن عُثْمَان قد بني فِي برصا قيسارية وعدة حوانيت خسف بهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 497 وَبِمَا حولهَا فَهَلَك خلق كثير لم يسلم مِنْهُم أحد. وَأَن الوباء عَم أهل إقريطش والبندقية من بِلَاد الفرنج حَتَّى خلتا وَأَن الفرنج قد اجْتَمعُوا لِحَرْب ابْن عُثْمَان متملك برصا. وَفِي ثَانِي عشرينه: أنزل بالهروي مَعَ معتقله بالبرج مَعَ الْأَمِير التَّاج إِلَى الْمدرسَة الصالحية بَين القصرين وَقد اجْتمع قُضَاة الْقُضَاة الثَّلَاث عِنْد شيخ الْإِسْلَام قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين البُلْقِينِيّ بقاعته مِنْهَا فَأوقف الْهَرَوِيّ تَحت حافة الإيوان وادعي الْأَمِير التَّاج عَلَيْهِ عِنْد الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن حجر - بِحَضْرَة الْقُضَاة - بِمَا ثَبت عَلَيْهِ عِنْده فِي مجْلِس السُّلْطَان فَأجَاب بِأَن مَا ثَبت عَلَيْهِ قد أدّى بعضه وَأَنه يحمل بَاقِيه قَلِيلا قَلِيلا فَطلب التَّاج حكم الله فِيهِ فَأمر بسجنه حَتَّى يودي مَا عَلَيْهِ فَأخْرج بِهِ إِلَى قبَّة الصَّالح فسجن بهَا ووكل بِهِ جمَاعَة يَحْفَظُونَهُ. فَأَقَامَ إِلَى ثامن عشرينه وَنقل من الْقبَّة إِلَى قلعه الْجَبَل من كَثْرَة شكواه بِأَنَّهُ يمر بِهِ من سبّ النَّاس ولعنهم لَهُ مَا لَا يحْتَمل مثله وَأَنه لَا يَأْمَن أَن يفتك النَّاس بِهِ لكراهتهم فِيهِ فعندما صَار بِجَامِع القلعة نقل للتاج أَن الْهَرَوِيّ مَا أَرَادَ بتحوله من الْقبَّة إِلَى القلعة إِلَّا الْقرب من خَواص السُّلْطَان ليتَمَكَّن مِنْهُم حَتَّى يشفعوا لَهُ عِنْد السُّلْطَان فِي خلاصه فبادر وَنَقله من جَامع القلعة إِلَى مَوضِع يشرف على المطبخ السلطاني. وَقدم الْخَبَر برحيل ابْن السُّلْطَان من حلب وَدخل إِلَى مَدِينَة قيسارية الرّوم فِي يَوْم الْخَمِيس تاسعه فَحَضَرَ إِلَيْهِ أكابرها من الْقُضَاة والمشايخ والصوفية وتلقوه فألبسهم الْخلْع وطلع قلعتها فِي يَوْم الْجُمُعَة وخطب فِي جوامعها للسُّلْطَان وَضربت السِّكَّة باسمه. وَأَن شيخ جلبي نَائِب قيسارية تسحب قبل وُصُوله إِلَيْهَا وَأَنه خلع على الْأَمِير مُحَمَّد بك قرمان وَأقرهُ فِي نِيَابَة السلطنة بقيسارية الرّوم فدقت البشائر بقلعة الْجَبَل وَفَرح السُّلْطَان بِأخذ قيسارية فَإِن هَذَا شَيْء لم يتَّفق لملك من مُلُوك التّرْك بِمصْر سوى للظَّاهِر بيبرس ثمَّ انْتقصَ الصُّلْح بَينه وَبَين أَهلهَا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 498 شهر جُمَادَى الأولى أَوله السبت: فِيهِ بلغت عدَّة من يرد الدِّيوَان من الْأَمْوَات سَبْعَة وَسبعين وَكَانَ عدَّة من مَاتَ بِالْقَاهِرَةِ وَورد اسْمه إِلَى الدِّيوَان من الْعشْرين من صفر إِلَى سلخ شهر ربيع الآخر - أمسه - سَبْعَة آلَاف وسِتمِائَة واثنين وَخمسين: الرِّجَال ألف وَخَمْسَة وَسِتُّونَ رجلا وَالنِّسَاء سِتّمائَة وَتِسْعَة وَسِتُّونَ امْرَأَة وَالصغَار ثَلَاثَة آلَاف وَتِسْعمِائَة وَتِسْعَة وَسِتُّونَ صَغِيرا وَالْعَبِيد خَمْسمِائَة وَأَرْبَعَة وَأَرْبَعُونَ وَالْإِمَاء ألف وثلاثمائة وتسع وَسِتُّونَ وَالنَّصَارَى تِسْعَة وَسِتُّونَ وَالْيَهُود اثْنَان وَثَلَاثُونَ وَذَلِكَ سوى المارستان وَسوى ديوَان مصر وَسوى من لَا يرد اسْمه إِلَى الديوانين وَلَا يقصر ذَلِك عَن تَتِمَّة الْعشْرَة آلَاف. وَمَات بقري الشرقية والغربية مثل ذَلِك وأزيد. وَفِي يَوْم الْأَحَد ثَانِيه: ولد الْأَمِير أَحْمد ابْن السُّلْطَان من زَوجته سعادات. وَفِيه رسم بإخلاء حوش الْعَرَب تَحت القلعة مِمَّا يَلِي بَاب القرافة فَأخْرج مِنْهُ عرب آل يسَار بحرمهم وَأَوْلَادهمْ وَوَقع الشُّرُوع فِي عِمَارَته. وَفِي ثالثه: خلع على الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن حجر وَاسْتقر مدرس الشَّافِعِيَّة بالجامع المؤيدي وَاسْتقر الشَّيْخ يحيي بن مُحَمَّد بن أَحْمد العجيسي البجائي المغربي النَّحْوِيّ فِي تدريس الْمَالِكِيَّة وَاسْتقر الشَّيْخ عز الدّين عبد الْعَزِيز بن على بن الْعِزّ الْبَغْدَادِيّ فِي تدريس الْحَنَابِلَة وخلع عَلَيْهِم بِحَضْرَة السُّلْطَان ونزلوا ثَلَاثَتهمْ. وَفِي سادسه: استدعى السُّلْطَان الْأَطِبَّاء وأوقفهم بَين يَدَيْهِ ليختار مِنْهُم من يوليه رئاسة الْأَطِبَّاء فَتكلم سراج الدّين عمر بن مَنْصُور بن عبد الله البهادري الْحَنَفِيّ ونظام الدّين أَبُو بكر مُحَمَّد بن عمر بن أبي بكر الْهَمدَانِي الأَصْل الْبَغْدَادِيّ المولد ومولده بهَا فِي شعْبَان سنة سبع وَخمسين وَسَبْعمائة وَقد استدعاه السُّلْطَان من دمشق فَقدم إِلَى الْقَاهِرَة فِي شهر ربيع الآخر وادعي دَعْوَى عريضة فِي علم الطِّبّ والنجامة فَظهر البهادري عَلَيْهِ بِكَثْرَة حفظه واستحضاره وَكَاد يروج لَوْلَا مَا رمي بِهِ عِنْد السُّلْطَان من أَنه لَا يحسن العلاج وَأَنه مَعَ علمه يَده غير مباركة مَا عالج مَرِيضا إِلَّا مَاتَ من مَرضه فانحل السِّلَاح عَنهُ وصرفهم من غير أَن يخْتَار مِنْهُم أحدا. وَفِي سابعه: استدعى بطرك النَّصَارَى وَقد اجْتمع الْقُضَاة ومشايخ الْعلم عِنْد السُّلْطَان فَأوقف على قَدَمَيْهِ ووبخ وقرع وَأنكر عَلَيْهِ مَا بِالْمُسْلِمين من الذل فِي بِلَاد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 499 الْحَبَشَة تَحت حكم الحطي متملكها وهدد بِالْقَتْلِ فَانْتدبَ لَهُ محتسب الْقَاهِرَة صدر الدّين أَحْمد بن العجمي وأسمعه الْمَكْرُوه لَهُ من أجل تهاون النَّصَارَى فِيمَا أمروا بِهِ من الْتِزَام الذلة وَالصغَار فِي ملبسهم وهيأتهم وَطَالَ الْخطاب فِي معنى ذَلِك إِلَى أَن اسْتَقر الْحَال على أَن لَا يُبَاشر أحد من النَّصَارَى فِي ديوَان السُّلْطَان وَلَا عِنْد أحد من الْأُمَرَاء وَلَا يخرج أحد مِنْهُم عَمَّا يلزموا بِهِ من الصغار ثمَّ طلب السُّلْطَان بالإكرام فَضَائِل النَّصْرَانِي كَاتب الْوَزير وَكَانَ قد سجن مُنْذُ أَيَّام فَضَربهُ بالمقارع وشهره بِالْقَاهِرَةِ عُريَانا بَين يَدي الْمُحْتَسب وَهُوَ يُنَادي عَلَيْهِ هَذَا جَزَاء من يُبَاشر من النَّصَارَى فِي ديوَان السُّلْطَان. ثمَّ سجن بعد إشهاره فانكف النَّصَارَى عَن مُبَاشرَة الدِّيوَان ولزموا بُيُوتهم وصغروا عمائهم وضيقوا أكمامهم وألتزم الْيَهُود مثل ذَلِك وامتنعوا جَمِيعهم من ركُوب الْحمير فِي الْقَاهِرَة فَإِذا خَرجُوا من الْقَاهِرَة ركبُوا الْحمير عرضا وأنف جمَاعَة من النَّصَارَى الْكتاب أَن يَفْعَلُوا ذَلِك وبذلوا جهدهمْ فِي السَّعْي فَلَمَّا لم يجابوا إِلَى عودهم إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ تتَابع عدَّة مِنْهُم فِي إِظْهَار الْإِسْلَام وصاروا من ركُوب الْحمير إِلَى ركُوب الْخُيُول المسومة والتعاظم على أَعْيَان أهل الْإِسْلَام والانتقام مِنْهُم بإذلالهم وتعويق معاليمهم ورواتبهم حَتَّى يخضعوا لَهُم ويترددوا إِلَى دُورهمْ ويلحوا فِي السُّؤَال لَهُم وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه. وَفِيه قدم الْخَبَر بتوجه ابْن السُّلْطَان من مَدِينَة قيسارية إِلَى جِهَة قونية فِي خَامِس عشر شهر ربيع الآخر بَعْدَمَا مهد أُمُور قيسارية ورتب أحوالها وَنقش اسْم السُّلْطَان على بَابهَا وَأَن الْأَمِير تنبك ميق نَائِب الشَّام لما وصل إِلَى العمق حضر إِلَيْهِ الْأَمِير حَمْزَة ابْن رَمَضَان بجمائعه من التركمان وَتوجه مَعَه هُوَ - وَابْن أرزر - إِلَى قريب المصيصة وَأخذ أذنة وطرسوس. وَفِي ثامنه: عملت عقيقة الْأَمِير أَحْمد ابْن السُّلْطَان وخلع على الْأُمَرَاء وأركبوا الْخُيُول بالقماش الذَّهَب على الْعَادة. وَفِيه قدم الْأَمِير ألطنبغا المرقبي حَاجِب الْحجاب والأمير أَبُو بكر الأستادار من الْوَجْه القبلي وخلع عَلَيْهِمَا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 500 وَفِيه نَادِي الْمُحْتَسب فِي شوارع الْقَاهِرَة ومصر بِأَن النَّصَارَى وَالْيَهُود لَا يَمرونَ فِي الْقَاهِرَة إِلَّا مشَاة غير ركاب وَإِذا ركبُوا خَارج الْقَاهِرَة فليركبوا الْحمير عرضا وَلَا يلبسوا إِلَّا عمائم صَغِيرَة الحجم وثياباً ضيقَة الأكمام وَمن دخل مِنْهُم الْحمام فَلْيَكُن فِي عُنُقه جرس وَأَن تلبس نسَاء النَّصَارَى الأزر الزرق وَنسَاء الْيَهُود الأزر الصفر فضاقوا بذلك وَاشْتَدَّ الْأَمر عَلَيْهِم فسعوا فِي إِبْطَاله سعياً كَبِيرا فَلم ينالوا غَرضا وكبست عَلَيْهِم الحمامات وَضرب جمَاعَة مِنْهُم لمُخَالفَته فَامْتنعَ كثير مِنْهُم عَن دُخُول الْحمام وَعَن إِظْهَار النِّسَاء فِي الْأَسْوَاق. وَفِيه أحضر إِلَى السُّلْطَان مَا قدم بِهِ الْأَمِير أَبُو بكر الأستادار من أَمْوَال هوارة وَهُوَ مِائَتَا فرس وَألف جمل وسِتمِائَة رَأس جاموس وَألف وَخَمْسمِائة رَأس بقر وَخَمْسَة عشر ألف رَأس من الْغنم الضَّأْن وَذَلِكَ سوى مَا تفرق فِي الْأَيْدِي وَسوى مَا هلك واستهلك وَهُوَ كثير جدا وَقد اخْتَلَّ بِهَذِهِ النهبات إقليم مصر خللاً فَاحِشا فَإِن الصَّعِيد بِكَمَالِهِ قد أقفر من الْمَوَاشِي وَإِذا أخذت مِنْهُ رميت على أهل الْوَجْه البحري بأغلى الْأَثْمَان فتجحف بهم. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: كثر تسخير النَّاس فِي الْعَمَل بحوش الْعَرَب تَحت القلعة وتتبعهم أعوان الْوَالِي فِي الطرفات حَتَّى قل سعي النَّاس فِي الطرقات لَيْلًا. وَفِيه شرع السُّلْطَان فِي حفر صهريج بجوار خانكاه بيبرس. وَفِي ثَالِث عشره: درس الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن حجر بالجامع المؤيدي. وَفِيه تشاجر الصاحب بدر الدّين بن نصر الله والأمير أَبُو بكر الأستادار بَين يَدي السُّلْطَان وتفاحشا فَكثر الإرجاف بهما. وَفِي نصفه: رسم أَن لَا يسخر أحد من الْعَامَّة فِي الْعَمَل بحوش الْعَرَب فاعفوا وخلص كثير من الْعِمَامَة. وَفِي تَاسِع عشره: خلع على الْوَزير والأستادار بَعْدَمَا ألتزما أَن يحملا مائَة ألف دِينَار فَلَمَّا نزلا وزعا ذَلِك على من تَحت أَيْدِيهِمَا فعمت هَذِه البلية جمَاعَة كَثِيرَة بِالْقَاهِرَةِ والأرياف. وَفِي ثَالِث عشرينه: لم يشْهد السُّلْطَان الْجُمُعَة لانتقاض ألم رجله وَلزِمَ الْفراش. وَفِي رَابِع عشرينه: وصل مُحَمَّد بن بِشَارَة شيخ بِلَاد صفد فِي الْحَدِيد وَكَانَ قد خرج عَن طَاعَة السُّلْطَان فتطلبه زَمَانا وأزعجه من بِلَاد صفد إِلَى أَن ترامي بِدِمَشْق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 501 على الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن منجك أحد خَواص السُّلْطَان وَقدم عَلَيْهِ فِي سَابِع صفر وَقد بعث إِلَيْهِ بِأَمَان السُّلْطَان وخلع عَلَيْهِ وأنزله فَلَمَّا ظن أَنه أَمن تصرف فِي أشغاله وَركب فِي أرجاء دمشق. فَبَيْنَمَا هُوَ فِي ذَات يَوْم قد وقف بسوق الْخَيل - هُوَ وَابْن منجك - إِذْ دَعَاهُ إِلَى الدُّخُول على الْأَمِير نكباي نَائِب الْغَيْبَة بِدِمَشْق فَدخل مَعَه إِلَيْهِ ووقف أَصْحَابه - وهم نَحْو الْعشْرين - على خيولهم خَارج بَاب السَّعَادَة فَمَا هُوَ إِلَّا أَن اسْتَقر بِابْن بِشَارَة الْمجْلس أَشَارَ ابْن منجك إِلَى نكباي بطرفه أَن اقبضه فأحيط بِهِ فَأخذ ليدفع عَن نَفسه وسل سَيْفه فَقبض عَلَيْهِ فسل خنجره وجرح بِهِ من تقدم إِلَيْهِ فتكاثرت السيوف على رَأسه وَأخذ وَقيد وَقبض على الْعشْرين من أَصْحَابه ووسط مِنْهُم أَرْبَعَة عشر واعتقل أَرْبَعَة مَعَ ابْن بِشَارَة ثمَّ حمل محتفظاً بِهِ فاعتقل. وَفِي سَابِع عشره: أَخذ قاع النّيل فجَاء أَرْبَعَة أَذْرع تنقص إِصْبَعَيْنِ. وَنُودِيَ بِزِيَادَة ثَلَاثَة أَصَابِع. وَقدم الْخَبَر بِأَن ابْن السُّلْطَان وصل إِلَى نكدة فِي ثامن عشر شهر ربيع الآخر فَتَلقاهُ أَهلهَا وَقد عَصَتْ عَلَيْهِ قلعتها فَنزل عَلَيْهَا وحصرها وَركب عَلَيْهَا المنجنيق وَعمل النقابون فِيهَا وَأَن مُحَمَّد بن قرمان تسحب من مَدِينَة نكدة فِي مائَة وَعشْرين فَارِسًا هُوَ وَولده مصطفى. وَفِي سلخه: رسم للأمير التَّاج الشويكي أَن يتَوَجَّه إِلَى الْبِلَاد الشامية مبشراً بِوِلَادَة الْأَمِير أَحْمد ابْن السُّلْطَان فَسَار من غده. شهر جُمَادَى الْآخِرَة أَوله الْأَحَد: أهل وَالسُّلْطَان ملازم الْفراش وَقد تزايد ألمه والأسعار مُرْتَفعَة وَالْخبْز يعز وجوده بالأسواق أَحْيَانًا لِكَثْرَة اختزان الغلال طلبا للزِّيَادَة فِي أسعارها. وَفِي خامسه: أفرج عَن شمس الدّين مُحَمَّد الْهَرَوِيّ وَنزل إِلَى دَاره فِي هَيْئَة جميلَة. وَفِي ثَانِي عشره: قدم الْخَبَر بِأَن ابْن السُّلْطَان حاصر قلعة نكدة سَبْعَة وَعشْرين يَوْمًا إِلَى أَن أَخذهَا عنْوَة فِي رَابِع عشر جُمَادَى الأولى وَقبض على من فِيهَا وقيدهم وهم مائَة وَثَلَاثَة عشر رجلا ثمَّ توجه فِي سادس عشره إِلَى مَدِينَة لارندة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 502 وَفِي سادس عشره: استدعى قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد الديري الْحَنَفِيّ - محتسب الْقَاهِرَة - صدر الدّين أَحْمد بن العجمي طلبا مزعجاً لما بلغه أَنه انْتقصَ عبد الله بن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فأوقفه بَين يَدَيْهِ وَادّعى عَلَيْهِ مُدع أَنه قَالَ: وإيش هُوَ عبد الله بن عَبَّاس بِالنِّسْبَةِ إِلَى الإِمَام أبي حنيفَة رَحمَه الله فَأمر بِهِ فسجن بِالْمَدْرَسَةِ الصالحية حَتَّى تُقَام عَلَيْهِ الْبَيِّنَة بذلك وَكَانَ سَبَب هَذَا أَن السُّلْطَان لما اشْتَدَّ بِهِ الْمَرَض أفتاه بعض الْفُقَهَاء أَن يجمع بَين كل صَلَاتَيْنِ مَا دَامَ مَرِيضا فَلَمَّا فعل ذَلِك أنكرهُ صدر الدّين على مُقْتَضى مذْهبه وَهُوَ الْمَنْع من الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ فِي الْمَرَض وَالسّفر وَقَالَ للسُّلْطَان: مذهبك حَنَفِيّ وَلَا يجوز تقليدك غير مَذْهَب أبي حنيفَة فناظره بعض من هُنَاكَ على جَوَاز الْجمع وَأَنه ثَبت فِي صَحِيح مُسلم وَغَيره وَقد ذهب عبد الله بن عَبَّاس إِلَى الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ فِي الْحَضَر من غير عذر وَاخْتَارَ طَائِفَة من أهل الْعلم الْجمع فِي حَال الْمَرَض فَلم يحسن الرَّد وَقَالَ فِي مُسلم عدَّة أَحَادِيث غير صَحِيحَة وَأخذ فِي تَفْصِيل أبي حنفية بِمَا نسبوه فِيهِ إِلَى غضه من ابْن عَبَّاس وترجيح أبي حنيفَة عَلَيْهِ فشنعوا عَلَيْهِ ذَلِك وَقد حرك مِنْهُم أحقاداً فِي أنفسهم أنتجها جرأته وإقدامه حَتَّى رسم وَفِي سَابِع عشرينه: ركب السُّلْطَان من القلعة يُرِيد النُّزُول بدار ابْن الْبَارِزِيّ على النّيل فَلم يطق حَرَكَة الْفرس لما بِهِ من الْأَلَم فَركب المحفة إِلَى الْبَحْر وَحمل مِنْهَا على الْأَعْنَاق حَتَّى وضع على فرَاشه وَنقل حرمه مَعَه وَنزل الْأُمَرَاء فِي عدَّة من دور النَّاس الَّتِي حوله وَصَارَت الطبلخاناه تدق هُنَاكَ وتمد الأسمطة وتعمل الْخدمَة على مَا جرت بِهِ الْعَادة فِي القلعة وَلم نعهد بِمصْر نَظِير هَذَا. وَفِي تَاسِع عشره: طلب صدر الدّين الْمُحْتَسب من الصالحية إِلَى بَيت ابْن الديري ليعزره فَسَار مَاشِيا وَمَعَهُ من الْعَامَّة خلائق لَا يُحْصى عَددهَا إِلَّا الَّذِي خلقهَا وَقد تعصبوا لَهُ وجهروا بسب من يعاديه ويعانده حَتَّى دخل إِلَى بَيت الديري فأدبه بِمَا اقْتَضَاهُ رَأْيه من غير إِقَامَة بَينه عَلَيْهِ. ثمَّ أفرج عَنهُ فَترك الحكم وَالنَّظَر فِي أَمر الْحِسْبَة إِلَى أَن خلع عَلَيْهِ فِي ثَالِث عشرينه بِبَيْت كَاتب السِّرّ بَين يَدي السُّلْطَان فسر النَّاس بِهِ سُرُورًا كَبِيرا. شهر رَجَب أَوله الثُّلَاثَاء: أهل وَالسُّلْطَان فِي بَيت ابْن الْبَارِزِيّ كَاتب السِّرّ وينتقل مِنْهُ وَهُوَ مَحْمُول على الجزء: 6 ¦ الصفحة: 503 الْأَعْنَاق تَارَة إِلَى الْحمام الَّتِي بالحكر وَتارَة حَتَّى يوضع بالحراقة ويسير فِيهَا على النّيل إِلَى رِبَاط الْآثَار النَّبَوِيَّة ثمَّ يحمل من الحراقة إِلَى الرِّبَاط وَتارَة يسير فِيهَا إِلَى الْقصر من بَحر منبابة. وَتارَة يُقيم بالحراقة وَهِي ووافى أول مسرى والنيل على عشر أَذْرع وَسِتَّة عشر إصبعاً والقمح من مِائَتَيْنِ وَخمسين درهما الأردب إِلَى دونهَا وَالشعِير بِمِائَة وَثَمَانِينَ الأردب فَمَا دونهَا. وَالشعِير والفول بِمِائَة وَسبعين وَمَا دونهَا كل أردب. وَفِي ثَانِي عشره: قدم الْخَبَر بِأَن ابْن السُّلْطَان لما تسلم نكدة استناب بهَا على باك ابْن قرمان ثمَّ توجه بالعساكر إِلَى مَدِينَة أركلي ومدينة لارندة فِي سادس عشر جُمَادَى الأولى فوصل إِلَى أركلي فِي ثامن عشره ثمَّ سَار مِنْهَا إِلَى لارندة فَقَدمهَا فِي ثامن عشرينه. وَبعث الْأَمِير يشبك اليوسفي نَائِب حلب فأوقع بطَائفَة من التراكمين وَأخذ أغنامهم وجمالهم وخيولهم وموجودهم. وَعَاد فَبعث الْأَمِير ططر والأمير سودن القَاضِي نَائِب طرابلس والأمير شاهين الزردكاش نَائِب حماة والأمير مُرَاد خجا نَائِب صفد والأمير أينال الأزعري والأمير جلبان رَأس نوبَة وَجَمَاعَة من التركمان فكبسوا على مُحَمَّد بن قرمان بجبال لارندة فِي لَيْلَة الْجُمُعَة سادس جُمَادَى الْآخِرَة ففر مِنْهُم وَأخذ جَمِيع مَا فِي وطاقه من خيل وجمال وأغنام وأثقال وعادوا. فَتوجه يُرِيد حلب فِي تاسعه فَجهز السُّلْطَان إِلَيْهِ سِتَّة آلَاف دِينَار ليفرقها على الْأُمَرَاء وَيُقِيم بحلب لعمارة سورها. وَفِي رَابِع عشره: تحول السُّلْطَان من بَيت ابْن الْبَارِزِيّ إِلَى بَيت نور الدّين الخروبي التَّاجِر بساحل الجيزة تجاه المقياس. وَكَانَ فِي مُدَّة إِقَامَته بِبَيْت ابْن الْبَارِزِيّ قد أحضر الحراريق من سَاحل مصر إِلَى سَاحل بولاق وزينت بأفخر زِينَة وأحسنها. وَصَارَ السُّلْطَان يركب فِي الحراقة الذهبية وَبَقِيَّة الحراريق سائرة مَعَه مقلعة ومنحدرة وتلعب بَين يَدَيْهِ أَحْيَانًا. وَالنَّاس على اخْتِلَاف طبقاتهم مجتمعون للتفرج فَلَا يُنكر على أحد مِنْهُم ثمَّ تقدم إِلَى المماليك السُّلْطَانِيَّة بلعب الرمْح بكر الْأَيَّام على شاطئ النّيل وَهُوَ يشاهدها وَمَعَ ذَلِك فَإِنَّهُ لَا ينْهض أَن يقوم بل يحمل على الْأَعْنَاق فمرت للنَّاس ببولاق فِي تِلْكَ الْأَيَّام والليالي أَوْقَات لم نسْمع بِمِثْلِهَا. وَلم يكن فِيهَا - بِحَمْد الله - الجزء: 6 ¦ الصفحة: 504 شَيْء مِمَّا يُنكر كالخمور وَنَحْوهَا لإعراض السُّلْطَان عَنْهَا. فَلَمَّا نزل بالخروبية أرست الحراريق بساحل مصر - كَمَا هِيَ عَادَتهَا - إِلَى أَن كَانَ يَوْم الْوَفَاء فِي سادس عشره ركب السُّلْطَان من الخروبية فِي الحراقة على النّيل إِلَى المقياس ثمَّ إِلَى الخليج حَتَّى فتح على الْعَادة. وَتوجه على فرسه فِي الموكب إِلَى القلعة فَكَانَت غيبته عَنْهَا فِي تنزهه ثَلَاثِينَ يَوْمًا. وَبلغ مِقْدَار مَا حمله الْأَمِير أَبُو بكر الأستادار إِلَى السُّلْطَان مُنْذُ بَاشر إِلَى آخر هَذَا الشَّهْر مائَة ألف دِينَار وَسِتَّة وَعشْرين ألف دِينَار كلهَا من مظالم الْعباد مَا مِنْهَا دِينَار إِلَّا وَتلف بِأَخْذِهِ عشرَة وتخرب بجبايته من أَرض مصر مَا يعجز الْقَوْم عَن عِمَارَته. وَلَو شَاءَ رَبك مَا فَعَلُوهُ. وَقدم الْخَبَر بوصول ابْن السُّلْطَان إِلَى حلب فِي ثَالِث رَجَب وَأَن الْأَمِير تنبك ميق العلائي نَائِب الشَّام وَاقع مصطفى بن مُحَمَّد بن قرمان وَإِبْرَاهِيم بن رَمَضَان على أُذُنه فانهزما مِنْهُ وَأَن يشبك الدوادار - الفار من الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة - أَقَامَ بِبَغْدَاد عِنْد شاه مُحَمَّد بن قرا يُوسُف مُنْذُ قدم عَلَيْهِ ثمَّ فر مِنْهُ وَلحق بقرًا يُوسُف لما بَينه وَبَين ابْنه شاه مُحَمَّد من التنكر. وَقدم الْخَبَر من الْإسْكَنْدَريَّة بتجمع الْعَامَّة فِي سادس عشرينه وَأَنَّهُمْ أخذُوا السِّلَاح والأحجار وكسروا للفرنج ثلثمِائة بنية خمر ثمنهَا عِنْدهم أَرْبَعَة آلَاف دِينَار. ثمَّ مالوا على جَمِيع بُيُوتهم ومخازنهم فأراقوا مَا فِيهَا من الْخمر ونهبوها. وتعرضوا لنهب بيُوت القزازين وأراقوا مَا وجدوا فِيهَا من الْخمر فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَلم يعلم لهَذِهِ الْفِتْنَة سَبَب. شهر شعْبَان. أَوله الْأَرْبَعَاء. فِي ثامنه: كَانَ نوروز القبط. والنيل على ثَمَانِيَة عشر ذِرَاعا تنقص إصبعا فَلَمَّا فتح بَحر أبي المنجا فَقص النّيل عشر أَصَابِع. وَارْتَفَعت الأسعار فَبلغ الْقَمْح ثَلَاثمِائَة دِرْهَم الأردب وَزَاد سعر اللَّحْم وَغَيره. وَسَببه قلَّة الغلال بِالْوَجْهِ القبلي من خسة وُقُوعهَا بعد حصادها ثمَّ كَثْرَة قطاع الطَّرِيق فِي النّيل وَأَخذهم المراكب الموسقة بالغلال وَنَحْوهَا مَعَ كَثْرَة مَا حمل من الغلال إِلَى الْحجاز لشدَّة الغلاء بِهِ وشره أهل الدولة وأتباعهم فِي الْفَوَائِد واختزانهم الغلال طلبا للزِّيَادَة فِي أسعارها. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 505 فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْخَمِيس سادس عشره: نُودي على النّيل بِزِيَادَة إِصْبَعَيْنِ بعد رد النَّقْص فسكن بعض قلق النَّاس وتيسر وجود الأخباز بالأسواق. وَفِي عشرينه: قدم الْأَمِير التَّاج الشويكي من الشَّام. وَفِيه تزايد ألم السُّلْطَان وَلم يحمل إِلَى الْقصر وَاسْتمرّ بِهِ الْمَرَض وَاشْتَدَّ. وَفِي ثَالِث عشرينه: خلع على الْأَمِير التَّاج وَاسْتقر أَمِير الْحَاج. وَفِي خَامِس عشرينه: برز مرسوم السُّلْطَان أَلا يصرف لأحد من غلْمَان البيوتات السُّلْطَانِيَّة وَلَا غلْمَان الْأُمَرَاء جراية من الْخبز. ورسم لجَمِيع مباشري الْأُمَرَاء بذلك فألتزموه. وَكَانَ يصرف قَدِيما مستمراً عَادَة لكل غُلَام رغيفان فِي الْيَوْم. ورسم أَيْضا أَن تكون جامكية السايس على الفرسين ثَلَاثمِائَة دِرْهَم فِي الشَّهْر وجامكية على الفرسين والبغل ثَلَاثمِائَة وَخمسين من غير جراية خبز. وَفِيه ابْتَدَأَ نقص النّيل وَهُوَ ثامن عشر توت وَقد انْتَهَت زِيَادَته إِلَى ثَمَانِيَة عشر ذِرَاعا وَنصف. وَفِي سَابِع عشرينه: ركب السُّلْطَان سحرًا وَمَعَهُ الْأُمَرَاء والمماليك ووقف بهم تَحت قبَّة النَّصْر. وَقد بعث أَرْبَعِينَ فرسا إِلَى بركَة الْحجَّاج فأجريت مِنْهَا وأتته ضحى النَّهَار فَعَاد من موقفه بقبة النَّصْر إِلَى تربة الظَّاهِر برقوق ووقف قَرِيبا مِنْهَا دون سَاعَة. ثمَّ بعث المماليك والجنائب والشطفة إِلَى القلعة وَتوجه إِلَى خليج الزَّعْفَرَان فَنزل بخاصته ثمَّ عَاد من آخر النَّهَار إِلَى القلعة. وَفِي سلخه: ركب أَيْضا إِلَى بركَة الْحَبَش وسابق بالهجن. وَنظر فِي عليق الْجمال واستكثره فرسم أَن يصرف نصف عليقة لكل جمل. وَفِي هَذَا الشَّهْر: سرق الفرنج البنادقة من الْإسْكَنْدَريَّة رَأس مرقص الإنجيلي - أحد من كتب الْإِنْجِيل - فَغَضب اليعاقبة من النَّصَارَى وأكبروا ذَلِك وعدوه وَهنا فِي دينهم. وَذَلِكَ أَنهم لَا يولون بطركاً إِلَّا ويمضي إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وتوضع هَذِه الرَّأْس فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 506 حجره زعماً مِنْهُم أَن البطركية لَا تتمّ بِدُونِ ذَلِك وَقد اقتصصت فِي تَارِيخ مصر الْكَبِير المقفي أَخْبَار المرقص هَذَا فَانْظُرْهُ فِي حرف الْمِيم تَجدهُ. شهر رَمَضَان أَوله الْخَمِيس. أهل هَذَا الشَّهْر وَالنَّاس فِي قلق لنَقص النّيل قبل أَوَانه. وأسعار الغلال مُرْتَفعَة. وَالسُّلْطَان بِحَالهِ من الْمَرَض إِلَّا أَنه تناقص. وَقدم الْخَبَر بِأَن ابْن السُّلْطَان رَحل من حلب فِي رَابِع عشْرين شهر شعْبَان. وَأَن مُحَمَّد بن قرمان وَولده مصطفى وَإِبْرَاهِيم بن رَمَضَان وصلوا إِلَى قيسارية فِي سادس عشر شعْبَان وحصروا الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن دلغادر نائبها فَقَاتلهُمْ وكسرهم وَنهب مَا مَعَهم. وَقتل مصطفى وحملت رَأسه وَقبض على أَبِيه مُحَمَّد بن قرمان فسجن. وَقدم رَأس مصطفى بن مُحَمَّد بك بن قرمان إِلَى الْقَاهِرَة فِي يَوْم الْجُمُعَة سادس عشر شهر رَمَضَان وطيف بِهِ ثمَّ علق على بَاب النَّصْر. وَكَانَت الْعَادة أَن تعلق الرُّءُوس على بَاب زويلة. فَلَمَّا أنشأ السُّلْطَان الْملك الْمُؤَيد الْجَامِع بجوار بَاب زويلة منع من تَعْلِيق الرُّءُوس هُنَاكَ فعلقت على بَاب النَّصْر. ودقت البشائر عِنْد قدوم الرَّأْس. وَكَانَ من خَبره أَن الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بك بن عَليّ بك بن قرمان اقتتل مَعَ الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن دلغادر نَائِب مَدِينَة أبلستين فكاده ابْن دلغادر بِأَن تَأَخّر عَن بيوته فنهبها أبن قرمان. فَرد عَلَيْهِ ابْن دلغادر وَقتل ابْنه الْأَمِير مصطفى بَعْدَمَا عورت عينه ففر نَاصِر الدّين إِلَى مغارة وَمَعَهُ بعض من يَثِق بِهِ فَدلَّ عَلَيْهِ رجل نَصْرَانِيّ. فَأَخذه ابْن دلغادر وَبعث بِهِ وبرأس ابْنه مصطفى. وَمر إِبْرَاهِيم بن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن قرمان إِلَى بِلَاده. وَفِيه قدم الْخَبَر بمسير ابْن السُّلْطَان من حلب وقدومه دمشق فِي خامسه. وَفِي سَابِع عشرينه: ركب السُّلْطَان إِلَى لِقَاء وَلَده وَقد وصل قطيا. فاصطاد ببركة الْحَاج وَمضى إِلَى بلبيس. فَقدم الْخَبَر بنزول الابْن الصالحية. فَتقدم الْأُمَرَاء وَأهل الدولة فوافوه بالخطارة. فَلَمَّا عاين ابْن الْبَارِزِيّ كَاتب السِّرّ نزل لَهُ وتعانقا. وَلم ينزل لأحد من الْأُمَرَاء غَيره لما يعلم من تمكنه عِنْد أَبِيه. ثمَّ عَادوا مَعَه إِلَى العكرشة وَالسُّلْطَان على فرسه. فَنزل الْأُمَرَاء وقبلوا الأَرْض. ثمَّ نزل الْمقَام الصارمي وَقبل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 507 الأَرْض. ثمَّ قَامَ وَمَشى حَتَّى قبل الركاب فبكي السُّلْطَان من فرحه بِهِ وبكي النَّاس لبكائه فَكَانَت سَاعَة عَظِيمَة. ثمَّ سَارُوا بموكبيهما إِلَى الْمنزلَة من سرياقوس وباتا بهَا لَيْلَة الْخَمِيس تَاسِع عشرينه. وَتَقَدَّمت الآطلاب والأثقال وزين الدّين عبد الباسط بن خَلِيل بن إِبْرَاهِيم الدِّمَشْقِي نَاظر الخزانة. ودخلوا الْقَاهِرَة. وَركب السُّلْطَان آخر اللَّيْل وَرمي الطير بِالْبركَةِ. فَقدم الْخَبَر بكرَة يَوْم الْخَمِيس بوصول الْأَمِير تنبك ميق نَائِب الشَّام. وَكَانَ قد طلب فَوَافى ضحى فَركب فِي الموكب. وَدخل السُّلْطَان من بَاب النَّصْر وشق الْقَاهِرَة وَقد زينت والأمراء قد لبسوا التشاريف الجليلة. وأركبوا الْخُيُول المسومة بقماش الذَّهَب وَالْمقَام الصارمي بتشريف عَظِيم وَخَلفه الأسرى الَّذين أخذُوا من قلعة نكدة وَغَيرهَا فِي الأغلال والقيود وهم نَحْو الْمِائَتَيْنِ كلهم مشَاة إِلَّا أَرْبَعَة فَإِنَّهُم على خُيُول مِنْهُم نَائِب نكدة وَثَلَاثَة من أُمَرَاء ابْن قرمان وَكلهمْ فِي الْحَدِيد. وَمضى حَتَّى صعد القلعة فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً أذن بِانْقِضَاء الْأَمر فَإِنَّهَا غَايَة لم ينلها أحد من مُلُوك مصر وَعند التناهي يقصر المتطلول. شهر شَوَّال أَوله السبت. فِيهِ صلى السُّلْطَان الْعِيد بِالْقصرِ لعَجزه عَن الْمُضِيّ إِلَى الْجَامِع من شدَّة ألم رجله وامتناعه من النهوض على قَدَمَيْهِ. وَصلى بِهِ وخطب قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين البُلْقِينِيّ على عَادَته ثمَّ أنْشد تَقِيّ الدّين أَبُو بكر بن حجَّة الْحَمَوِيّ - على عَادَته - قصيداً أبدع فِيهَا مَا شَاءَ. وَفِي ثالثه: خلع على الْأَمِير جقمق الدوادار وَاسْتقر فِي نِيَابَة الشَّام عوضا عَن الْأَمِير تنبك ميق. وخلع الْأَمِير مقبل الدوادار الثَّانِي وَاسْتقر دواداراً كَبِيرا عوضا عَن جقمق. وأنعم بإقطاع جقمق وإمرته على الْأَمِير تنبك ميق العلاي. وَفِي رَابِع عشره: خلع على الْأَمِير قطلوبغا التنمي أحد أُمَرَاء الألوف وَاسْتقر فِي نِيَابَة صفد عوضا عَن الْأَمِير مُرَاد خجا. ورسم بِنَفْي مُرَاد خجا إِلَى الْقُدس. وأنعم بإقطاع التنمي على الْأَمِير جلبان أَمِير أخور ثَانِي. وَفِي سَابِع عشره: رَحل الْأَمِير جقمق سائراً إِلَى دمشق بَعْدَمَا خَلفه كَاتب السِّرّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 508 نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ على الْعَادة فأركبه فرسا بسرج ذهب وكنبوش ذهب كَمَا جرت بِهِ الْعَادة. وَفِي عشرينه: برز الْأَمِير التَّاج بالمحمل إِلَى الريدانية ظَاهر الْقَاهِرَة بَعْدَمَا خلع عَلَيْهِ خلعة سنية. وتتابع خُرُوج الْحَاج. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة حادي عشرينه: نزل السُّلْطَان إِلَى جَامعه وَقد هيئت المطاعم والمشارب فَمد سماط عَظِيم وملئت الْبركَة الَّتِي بصحنه سكرا قد أذيب بِالْمَاءِ وأحضرت الحلاوات لإجلاس قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد الديري الْحَنَفِيّ على سجادة مشيخة الصُّوفِيَّة وتدريس الْحَنَفِيَّة وخطابة القَاضِي نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ كَاتب السِّرّ. فَعرض السُّلْطَان الْفُقَهَاء وَقرر مِنْهُم عِنْد المدرسين السَّبْعَة من اخْتَار ثمَّ أكل على السماط وتناهبه النَّاس وَشَرِبُوا السكر الْمُذَاب وأكلوا الْحَلْوَى. ثمَّ استدعي الديري وألبس خلعة وَاسْتقر فِي المشيخة وتدريس الْحَنَفِيَّة. وَجلسَ بالمحراب وَالسُّلْطَان وَولده عَن يسَاره والقضاة عَن يَمِينه ويليهم مَشَايِخ الْعلم وأمراء الدولة فَألْقى درساً تجاذب فِيهِ أهل الْعلم أذيال المناظرة حَتَّى قرب وَقت الصَّلَاة ثمَّ انْفَضُّوا. فَلَمَّا حَان وَقت الصَّلَاة صعد ابْن الْبَارِزِيّ الْمِنْبَر وخطب خطْبَة من إنشائه بلغ فِيهَا الْغَايَة من البلاغة ثمَّ نزل فصلى. فَلَمَّا انْقَضتْ الصَّلَاة خلع عَلَيْهِ وَاسْتقر فِي الخطابة وخزانة الْكتب. ثمَّ ركب السُّلْطَان وعدى النّيل إِلَى الجيزة فَأَقَامَ إِلَى يَوْم الْأَحَد ثَالِث عشرينه وَعَاد إِلَى القلعة. وَفِيه رَحل ركب الْحَاج الأول من بركَة الْحَاج ورحل التَّاج بالمحمل من الْغَد. وَفِيه سرح السُّلْطَان إِلَى نَاحيَة شيبين الْقصر وَعَاد إِلَى القلعة من الْغَد. وَقدم الْخَبَر أَن الغلاء اشْتَدَّ بِمَكَّة فعدمت بهَا الأقوات وأكلت القطط وَالْكلاب حَتَّى نفدت فَأكل بعض النَّاس الْآدَمِيّين وَكثر الْخَوْف مِنْهُم حَتَّى امْتنع الْكثير من البروز إِلَى ظَاهر مَكَّة خشيَة أَن يؤكلوا. شهر ذِي الْقعدَة أَوله الْأَحَد: فِيهِ ركب السُّلْطَان للصَّيْد. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 509 وَفِي ثالثه: سَار الْأَمِير الْكَبِير ألطنبغا القرمشي والأمير طوغان أَمِير أخور لِلْحَجِّ على الرَّوَاحِل. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة سادسه: خلع على زين الدّين عبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن عبد الرَّحْمَن التفهني وَاسْتقر فِي وَظِيفَة قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد بن الديري المستقر فِي مشيخة الْجَامِع المؤيدي. وَكَانَ لَهُ من حادي عشْرين شَوَّال قد انجمع عَن الحكم بَين النَّاس ونوابه تقضي. وَفِيه عدى السُّلْطَان النّيل يُرِيد سرحة الْبحيرَة. وَجعل نَائِب الْغَيْبَة الْأَمِير أينال الأزعري. وَفِي هَذَا الشَّهْر: تزايد سعر الغلال فَبلغ الْقَمْح إِلَى ثَلَاثمِائَة وَخمسين درهما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 510 الأردب وَالشعِير إِلَى مِائَتَيْنِ وَخمسين والفول إِلَى مِائَتَيْنِ وَعشرَة. وَذَلِكَ أَن فصل الخريف مضى وَلم يَقع مطر بِالْوَجْهِ البحري فَلم ينجب الزَّرْع وأتلفت الدودة كثيرا من البرسيم المزروع حَتَّى أَنه تلف بهَا من نَاحيَة طهرمس وقرية بجانبها ألف وسِتمِائَة فدان. وَتلف بعض الْقَمْح أَيْضا. هَذَا وَقد شَمل الخراب قرى أَرض مصر. وَمَعَ ذَلِك فالأحوال متوقفة والأسواق كاسدة والمكاسب قَليلَة والشكاية عَامَّة لَا تكَاد تَجِد أحدا إِلَّا ويشكو سوء زَمَانه. وَقد فَشَتْ الْأَمْرَاض من الحميات وَبلغ عدد من يرد الدِّيوَان من الْأَمْوَات نَحْو الثَّلَاثِينَ فِي الْيَوْم. وَالظُّلم كثير لَا يتْركهُ إِلَّا من عجز عَنهُ. وَالْعَمَل بمعاصي الله مُسْتَمر. وَللَّه عَاقِبَة الْأُمُور. وَفِي هَذَا الشَّهْر: قدم مهنا بن عِيسَى وَولي إمرة جرم عوضا عَن عَليّ بن أبي بكر بعد قَتله. وَعَاد إِلَى أرضه. وَكَانَ لبسه من المخيم السلطاني. شهر ذِي الْحجَّة أَوله الثُّلَاثَاء: أهل وَالسُّلْطَان بعسكره نَازل على تروجة. وَفِيه منع صدر الدّين بن العجمي محتسب الْقَاهِرَة النِّسَاء من عبور الْجَامِع الحاكمي والمرور فِيهِ. وألزم النَّاس كَافَّة أَلا يمروا فِيهِ بنعالهم فامتثل ذَلِك واستمره وتطهر الْمَسْجِد - وَللَّه الْحَمد - من قبائح كَانَت بِهِ بَين النِّسَاء وَالرِّجَال وَمن لعب الصّبيان فِيهِ بِحَيْثُ كَانَ لَا يشبه الْمَسَاجِد فصانه الله بِهَذَا وَرَفعه. وَفِي خامسه: وَردت هَدِيَّة الْأَمِير عَليّ باك بن قرمان - نَائِب السلطنة بنكدة ولارندة ولؤلؤة. وَقدم الْخَبَر بِقَبض الْأَمِير جقمق نَائِب الشَّام على نكباي الْحَاجِب بِدِمَشْق واعتقاله. وانْتهى السُّلْطَان فِي مسيره إِلَى مريوط. وَعَاد فأدركه الْأَضْحَى بِمَنْزِلَة الطرانة. وَصلى بِهِ الْعِيد وخطب نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ كَاتب السِّرّ. وارتحل من الْغَد فَنزل منبابة بكرَة الْأَحَد ثَالِث عشره. وعدى النّيل من الْغَد إِلَى بَيت كَاتب السِّرّ المطل على النّيل وَبَات بِهِ. وَدخل الْحمام الَّتِي أَنْشَأَهَا كَاتب السِّرّ إِلَى جَانب دَاره وَهِي بديعة الزي. ثمَّ عَاد فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ رَابِع عشره إِلَى القلعة وخلع على الْأُمَرَاء والمباشرين خلعهم على الْعَادة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 511 وَفِي ثامن عشره: قرئَ تَقْلِيد قَاضِي الْقُضَاة زين الدّين عبد الرَّحْمَن التفهني الْحَنَفِيّ بالجامع المؤيدي على مَا اسْتَقر عَلَيْهِ الْحَال. وَحضر عِنْده الْقُضَاة والأعيان على الْعَادة. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشره: صلى السُّلْطَان الْجُمُعَة بالجامع المؤيدي وخطب بِهِ كَاتب السِّرّ نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ وَصلى. ثمَّ أكل طَعَاما أعده لَهُ شيخ الشُّيُوخ شمس الدّين مُحَمَّد الديري وَركب إِلَى الصَّيْد وَفِي سَابِع عشرينه: وصل الْأَمِير بكتمر السَّعْدِيّ وَقد قدم بالأمير شمس الدّين مُحَمَّد باك بن الْأَمِير عَلَاء الدّين على باك بن قرمان صَاحب قيسارية وقونية ونكدة ولارندة وَغَيرهَا من الْبِلَاد القرمانية وَهُوَ مُقَيّد محتفظ بِهِ فَأنْزل فِي دَار الْأَمِير مقبل الدوادار ووكل بِهِ. وَفِي هَذَا الشَّهْر: زلزلت مَدِينَة اصطنبول وعدة مَوَاضِع هُنَاكَ حَتَّى كثر اضْطِرَاب الْبَحْر وتزايد تزايداً غير الْمَعْهُود. الْأَمِير سيف الدّين كزل الأرغون شاوي نَائِب الكرك بَعْدَمَا عزل وأنعم عَلَيْهِ بإمرة طبلخاناة بِدِمَشْق. فَمَاتَ فِي خَامِس عشْرين الْمحرم قبل توجهه من مرض طَال بِهِ مُدَّة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 512 وَمَات الْأَمِير شرف الدّين يحيى بن بركَة بن مُحَمَّد بن لاقي الدِّمَشْقِي فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء حادي عشر صفر قَرِيبا من غَزَّة فَحمل وَدفن بغزة يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث عشره. وَكَانَ أَبوهُ من أُمَرَاء دمشق وَنَشَأ بهَا فِي نعْمَة وَصَارَ من أمرائها. وَقدم الْقَاهِرَة مرَارًا آخرهَا فِي خدمَة السُّلْطَان الْملك الْمُؤَيد وَصَارَ من أَعْيَان الدولة بِالْقَاهِرَةِ. وَاسْتقر مهمنداراً وأستادار النواحي الَّتِي أفردها السُّلْطَان لعمل غذائه وعشائه. فَعرف بأستادار الْحَلَال إِلَى أَن تنكر عَلَيْهِ الْأَمِير جقمق الدوادار بِسَبَب كَلَام نَقله عَنهُ للسُّلْطَان لبين الْأَمر بِخِلَافِهِ فرسم السُّلْطَان بنفيه من الْقَاهِرَة وَولي الْأَمِير خرز مهمندار عوضه وَأخرج من الْقَاهِرَة على حمَار فَمَاتَ - كَمَا ذكر - غَرِيبا طريداً. وَمَات إِبْرَاهِيم بن خَلِيل بن علوة برهَان الدّين بن غرس الدّين الإسكندري رَئِيس الْأَطِبَّاء ابْن رئيسها فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ آخر صفر وَكَانَ عَارِفًا بالطب. وَمَات الشَّيْخ مُحَمَّد بن مَحْمُود الصُّوفِي أحد طلبة الْحَنَفِيَّة وفضلائهم فِي ثامن عشْرين شهر ربيع الأول. وَكَانَ لَا يكترث بملبس وَلَا زِيّ بل يطْرَح التَّكَلُّف ومتهم بحشيشة الْفُقَرَاء. وَمَات أخي نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن عَلَاء الدّين عَليّ بن محيي الدّين عبد الْقَادِر بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم المقريزي يَوْم السبت ثَالِث شهر ربيع الآخر. ومولده يَوْم الْأَحَد ثَالِث جُمَادَى الْآخِرَة سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَسَبْعمائة. وَمَات الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد ابْن كَاتب السِّرّ نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عُثْمَان بن الْبَارِزِيّ الْحَمَوِيّ. يَوْم الِاثْنَيْنِ تَاسِع عشر ربيع الآخر وَصلى عَلَيْهِ السُّلْطَان. وَمَات مجد الدّين فضل الله بن الْوَزير فَخر الدّين عبد الرَّحْمَن بن عبد الرَّزَّاق بن إِبْرَاهِيم بن مكانس فِي يَوْم الْأَحَد خَامِس عشْرين ربيع الآخر. ومولده فِي رَابِع عشر شهر شعْبَان سنة سبع - أَو تسع - وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة على الشَّك مِنْهُ. وَكَانَ يَقُول الشّعْر ويترسل كتب فِي الْإِنْشَاء مُدَّة. وَمَات الخواجا نظام الدّين مَسْعُود بن مَحْمُود الكججاني العجمي نَاظر الْأَوْقَاف فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِي عشر جُمَادَى الأولى وَكَانَ قدم إِلَى دمشق فِي زِيّ فُقَرَاء الْعَجم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 513 المتصوفة وَأقَام بهَا وَصَارَ يَلِي الْمدرسَة الكججانية الَّتِي بالشرف الْأَعْلَى خَارج دمشق. فَلَمَّا قدمهَا الطاغية تيمورلنك اتَّصل بِهِ فَبَعثه فِي الرسَالَة إِلَى الْقَاهِرَة وَعَاد إِلَيْهِ وَقد أثرى وَحسنت حَاله فَلم يجد مِنْهُ إقبالاً وتنكر لَهُ فَعَاد إِلَى دمشق وَتوجه إِلَى بِلَاد الرّوم واتصل بالأمير مُحَمَّد باك بن قرمان وَأقَام عِنْده. ثمَّ قدم الْقَاهِرَة فِي الْأَيَّام المؤيدية. واتصل بالسلطان فولاه نظر الْأَوْقَاف فِي سنة إِحْدَى وَعشْرين وَقد تزيا بزِي الأجناد وَصَارَ يُخَاطب بالأمير فَسَاءَتْ سيرته وقبحت الأحدوثة عَنهُ بِأَخْذِهِ الْأَمْوَال حَتَّى ولي الْهَرَوِيّ الْقَضَاء أَخذ مِنْهُ مَالا وكف يَده عَن الْأَوْقَاف فشق عَلَيْهِ ذَلِك وَأطلق لِسَانه فِي الْهَرَوِيّ ورماه بعظائم. وَوضع مِنْهُ بعد مَا كَانَ مبالغ فِي إطرائه ويتجاوز الْحَد فِي تَعْظِيمه. وَمَات على ذَلِك بعد مرض طَوِيل. وَمَات عز الدّين عبد الْعَزِيز بن أبي بكر بن مظفر بن نصير البُلْقِينِيّ أحد خلفاء الحكم بِالْقَاهِرَةِ فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث عشْرين جُمَادَى الأولى. كَانَ فَقِيها شافعياً. عَارِفًا بالفقه وَالْأُصُول والعربية رضى الْخلق نَاب فِي الحكم من سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَسبع مائَة. وَمَات عَليّ بن أَمِير جرم بِبِلَاد الْمُقَدّس فِي وقْعَة بَينه وَبَين مُحَمَّد بن عبد الْقَادِر شيخ جبل نابلس فِي رَابِع عشر شَوَّال. وَكَانَ كثير الْفساد. وَقتل أَيْضا صَدَقَة بن رَمَضَان أحد أُمَرَاء التركمان قَرِيبا من سيس فِي شَوَّال. وَقتل بِالْقَاهِرَةِ مُحَمَّد بن بِشَارَة شيخ جبال صفد فِي يَوْم السبت آخر شَوَّال. وَمَات الْأَمِير سودن القَاضِي نَائِب طرابلس فِي رَابِع عشر ذِي الْقعدَة وَمَات الْأَمِير أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّد ابْن السُّلْطَان فِي عَاشر ذِي الْحجَّة. وَدفن بالجامع المؤيدي. وَمَات خصر بن مُوسَى شيخ عربان الْبحيرَة فِي يَوْم عيد الْفطر. وَسطه الْأَمِير طوغان التاجي نَائِب الْبحيرَة. وَمَات أَحْمد بن بدر شيخ عربان الْبحيرَة فِي تَاسِع شعْبَان. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 514 وَمَات بالنحريرية الشَّيْخ المعتقد أَبُو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد ابْن الشَّيْخ كَمَال الدّين عبد الْوَهَّاب فِي الْمحرم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 515 بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (سنة ثَلَاث وَعشْرين وَثَمَانمِائَة) أهلت وَخَلِيفَة الْوَقْت المعتضد بِاللَّه أَبُو الْفَتْح دَاوُد بن المتَوَكل على الله أبي عبد الله مُحَمَّد. وسلطان الديار المصرية والبلاد الشامية والحجاز وَالروم السُّلْطَان الْملك الْمُؤَيد أَبُو النَّصْر شيخ المحمودي الظَّاهِرِيّ والأمير الْكَبِير ألطنبغا القرمشي. وأتابك العساكر الْمقَام الصارمي إِبْرَاهِيم ابْن السُّلْطَان. وأمير أخور الْأَمِير طوغان. والدوادار الْأَمِير مقبل من أُمَرَاء الطبلخاناه. وأمير سلَاح الْأَمِير قجقار القردمي. وأمير مجْلِس الْأَمِير ططر. وَرَأس نوبَة الْأَمِير ألطنبغا من عبد الْوَاحِد الْمَعْرُوف بالصغير وحاجب الْحجاب الْأَمِير ألطنبغا المرقبي. ونائب الشَّام الْأَمِير جقمق. ونائب حلب الْأَمِير يشبك اليوسفي. ونائب حماة الْأَمِير شاهين الزرد كاش. ونائب صفد الْأَمِير قطلوبغا التنمي. ونائب غَزَّة الْأَمِير أينال السيفي نوروز. ونائب الأبلستين وقيسارية الرّوم ونكدة ولارندة ولؤلؤة الْأَمِير على باك بن قرمان. ونائب سيس الْأَمِير بردبك العجمي. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3 ونائب طرسوس الْأَمِير بيكي باك التركماني ونائب أياس الْأَمِير فِي درمش. ونائب دوركي نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن شَهْري. ونائب مالطية الْأَمِير منكلى بغا الأرغن شاوي. ونائب كختا الْأَمِير أكزل بغا. ونائب قلعة الرّوم الْأَمِير أق فجا. ونائب البيرة الْأَمِير ألطنبغا الصفوي. ونائب الرها الْأَمِير طور عَليّ ابْن الْأَمِير عُثْمَان بن طور عَليّ الْمَعْرُوف بقرايلك. ونائب جعبر الْأَمِير عمر الجعبري. ونائب الرحبة الْأَمِير أرغون شاه الشرفي. وأمير مَكَّة المشرفة الشريف حسن بن عجلَان. وأمير الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة الشريف عَزِيز بن هيازع. وأمير يَنْبع الشريف مقبل بن نخبار الحسني. ونائب الْإسْكَنْدَريَّة الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْعَطَّار. شهر الله الْمحرم أَوله الْأَرْبَعَاء: أهل وَالسُّلْطَان فِي الصَّيْد فَقدم إِلَى القلعة. وَجلسَ من الْغَد - يَوْم الْخَمِيس - بالإيوان الْمَعْرُوف بدار الْعدْل. وَحضر الْأُمَرَاء والقضاة وَسَائِر أَرْبَاب الدولة. وأوقفت العساكر من المماليك السُّلْطَانِيَّة. وأجناد الْحلقَة والنقباء والأوجاقية صُفُوفا من تَحت القلعة إِلَى بَاب الإيوان. وأحضر بالأمير مُحَمَّد بن قرمان - وَهُوَ مُقَيّد - وَمَعَهُ دَاوُد بن دلغادر فمرا فِي العساكر ثمَّ فِي الطبردارية وَالسِّلَاح دارية وبأيديهم السِّلَاح حَتَّى دخلا فمثلاً قَائِمين بَين يَدي السُّلْطَان وَقد جلس على تخت الْملك. فَأمر بإيقاف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 4 الْأَمِير دواوين بن دلغادر مَعَ الْأُمَرَاء وَتَأْخِير ابْن قرمان. ثمَّ نَهَضَ السُّلْطَان قَائِما إِلَى الْقصر وأحضر ابْن قرمان وأنعم على دَاوُد وأركب هُوَ ومملوك أَبِيه قانباي بالقماش الذَّهَب. ورتب لَهُ مَا يَلِيق بِهِ. ثمَّ أَمر بِابْن قرمان فَجَلَسَ ولامه السُّلْطَان على تعرضه لطرسوس وشرهه لما أوجب وُقُوعه فِي الْأسر. ووبخه على قَبِيح سيرته وتعرضه لأخذ أَمْوَال رَعيته وعَلى خيانته لكرشجي بن عُثْمَان متملك برصا وإحراقه بعض بِلَاده بعد مَا من عَلَيْهِ وَأطْلقهُ. فَسَأَلَ الْعَفو. ثمَّ قَالَ: لمن يُعْطي مَوْلَانَا السُّلْطَان الْبِلَاد فَضَحِك مِنْهُ وَقَالَ لَهُ: وَمَا أَنْت والبلاد. ثمَّ أَمر بِهِ فَأخْرج إِلَى الاعتقال فسجن بالقلعة. وَأمر السُّلْطَان بِأَن يكْتب ابْن قرمان إِلَى نوابه بالبلاد القرمانية أَن يسلمُوا مَا بقى بِأَيْدِيهِم مِنْهَا إِلَى نواب السُّلْطَان وَأعلم أَنهم مَتى لم يسلمُوا مَا قد بَقِي بِأَيْدِيهِم مِنْهَا إِلَى نواب السُّلْطَان وَإِلَّا قتل فَكَانَ هَذَا الْيَوْم من الْأَيَّام المشهودة. وَفِيه قدم مبشرو الْحَاج وأخبروا بِأَن الوقفة بِعَرَفَة كَانَت يَوْم الْأَرْبَعَاء بِخِلَاف مَا كَانَت بِمصْر. وأخبروا بِأَن حَاج الْعرَاق لم يَأْتُوا. وَأَن الغلاء شَدِيد بِمَكَّة وَأَن الغرارة الْقَمْح أبيعت بِخَمْسَة وَعشْرين دِينَارا وَهِي سبع ويبات مصرية. ثمَّ انحطت لما قدم الْحَاج إِلَى عشر دِينَارا. وَأَن السّمن وَالْعَسَل وَاللَّحم فِي غَايَة الْقلَّة لعدم الْمَطَر. وَأَن مَسْجِدي مَكَّة وَالْمَدينَة قد تشعثا وَيخَاف خرابهما. وَأَن الْجَانِب الشَّامي من الْكَعْبَة قد آل إِلَى السُّقُوط. وَفِي ثالثه: قدم الأميران ألطنبغا القرمشي وطوغان أَمِير أخور كَبِير من الْحجاز فَكَانَت مُدَّة غيبتهما تِسْعَة وَخمسين يَوْمًا. وَفِي رابعه: ركب السُّلْطَان للصَّيْد وَعَاد من يَوْمه. وَقدم على بار - أحد الْأُمَرَاء الأينالية من التركمان - فَأكْرمه السُّلْطَان وأنعم عَلَيْهِ. وجهز الْأَمِير قجقار القردمي رَسُولا إِلَى ابْن عُثْمَان متملك برصا وعَلى يَده كتاب يتَضَمَّن الْقَبْض على ابْن قرمان واعتقاله. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير شاهين الزردكاش نَائِب حماة فِي نِيَابَة طرابلس. وَاسْتقر فِي نِيَابَة حماة عوضه الْأَمِير أينال السيفي نَائِب غَزَّة. وَاسْتقر عوضه فِي نِيَابَة غَزَّة الْأَمِير أركماس الجلباني أحد الْأُمَرَاء مقدمي الألوف بديار مصر. وَأَفْرج عَن الْأَمِير نكباي من سجنه بقلعة دمشق وَاسْتقر فِي نِيَابَة طرسوس وإحضار نائبها الْأَمِير تاني بك إِلَى حلب. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 5 وَاسْتقر الْأَمِير خَلِيل الجشاري أحد أُمَرَاء الألوف بِدِمَشْق فِي الحجوبية بِدِمَشْق عوضا عَن نكباي الْمَذْكُور. وَاسْتقر الْأَمِير سنقر المؤيدي نَائِب قلعة دمشق فِي الحجوبية بطرابلس عوضا عَن الْأَمِير سودن بن عَليّ شاه بعد وَفَاته. وَاسْتقر الْأَمِير كمشبغا التنمي فِي نِيَابَة قلعة دمشق. وَاسْتقر الْأَمِير أقبغا الأسندمري - الَّذِي كَانَ نَائِب سيس وحمص - حاجباً بحماة وَكَانَ بطالاً بالقدس عوضا عَن الْأَمِير سودن السيفي عَلان بِحكم عَزله واعتقاله. وَفِي سادس عشره: نقل عز الدّين عبد الْعَزِيز الْبَغْدَادِيّ من تدريس الْحَنَابِلَة بالجامع المؤيدي إِلَى قَضَاء الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق وَاسْتقر عوضه فِي التدريس محب الدّين أَحْمد بن نصر الله الْبَغْدَادِيّ وخلع عَلَيْهِمَا. وَفِي عشرينه: قدم الركب الأول من الْحَاج. وَقدم الْأَمِير التَّاج بالمحمل من الْغَد. وَكتب بالإفراج عَن الْأَمِير برسباي الدقماقي الظَّاهِرِيّ من قلعة المرقب واستقراره فِي جملَة الْأُمَرَاء الألوف بِدِمَشْق. وَفِي هدا الشَّهْر: أغاث الله الزروع فِي الْوَجْه البحري وأسقاها فأخصبت بعد مَا كَانَت جافة فانحل السّعر قَلِيلا. وَفِيه عز وجود الْقَمْح بِالْوَجْهِ القبلي وَبلغ الأردب الْمصْرِيّ إِلَى دينارين واقتاتوا بالذرة وَأَكْثرُوا من زراعتها لسوء حَالهم وبوار أَرضهم وخراب قراهم وَقلة الْمَوَاشِي عِنْدهم حَتَّى لقد وَفِيه قدم الْخَبَر بفتنة كَانَت فِي شهر رَمَضَان بِبِلَاد الْيمن ثار فِيهَا حُسَيْن بن الْأَشْرَف على أَخِيه النَّاصِر أَحْمد وَأَنه عَم بِلَاد الْيمن جَراد عَظِيم أهلك زُرُوعهمْ فَاشْتَدَّ الغلاء عِنْدهم. وَفِيه انْتقض على السُّلْطَان ألم رجله وتزايد فَلَزِمَ فرَاشه. شهر صفر أَوله الْخَمِيس: فِيهِ عدى السُّلْطَان النّيل وَنزل بِنَاحِيَة أوسيم على الْعَادة فِي كل سنة فَقدم عَلَيْهِ بهَا فِي ثامنه رَسُول الْأَمِير على باك بن قرمان نَائِب لارندة ونكدة وقوينا وَمَعَهُ هَدِيَّة وَكتاب يتَضَمَّن أَنه أَخذ مَدِينَة قونيا وَأقَام فِيهَا الْخطْبَة باسم السُّلْطَان وَضرب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 6 الصكة المؤيدية وَأَنه محاصر قلعتها. وَفِي عشرينه: عدى السُّلْطَان النّيل عَائِدًا من سرحة أوسيم فَنزل فِي بَيت كَاتب السِّرّ على النّيل وَبَات بِهِ وَعمل الوقيد فِي لَيْلَة الْخَمِيس ثَانِي عشرينه على مَا تقدم. وَأكْثر فِيهِ من النفط وإشعال النيرَان فَكَانَت لَيْلَة مَشْهُودَة. وَركب بكرَة الْخَمِيس إِلَى القلعة. فَقدم بالْخبر بِأَن عذرا بن عَليّ بن نعير بن حيار احتال حَتَّى قبض الْأَمِير أرغون شاه نَائِب الرحبة وَحمل إِلَى عانة. وَأَن قرا يُوسُف نَادَى فِي عسكره بالتأهب إِلَى الْمسير للشام. وَفِي سادس عشرينه: نزل السُّلْطَان إِلَى بَيت الْأَمِير أَبُو بكر الأستادار يعودهُ وَقد مرض فَقدم لَهُ وَفِي ثامن عشرينه: عملت خدمَة الإيوان بدار الْعدْل وأحضر برسل الْأَمِير مُحَمَّد كرجي بن عُثْمَان صَاحب برصا وهديته. وَفِيه سخط السُّلْطَان على صدر الدّين بن العجمي الْمُحْتَسب لكَلَام نقل لَهُ عَنهُ فَأخْرجهُ من الْقَاهِرَة إِلَى صفد وَكتب لوقيعه بِكِتَابَة السِّرّ بهَا فَخرج بعد الظّهْر وَنزل بتربة خَارج بَاب النَّصْر ثمَّ سَار فِي يَوْم الْجُمُعَة آخِره وَقد أزعج إزعاجاً غير لَائِق. شهر ربيع الأول أَوله السبت: فِيهِ أَمر السُّلْطَان برد صدر الدّين بن العجمي فأعيد إِلَى الْقَاهِرَة وَأنزل عِنْد الْأَمِير مقبل الدوادار إِلَى يَوْم الِاثْنَيْنِ ثالثه أصعد إِلَى القلعة فرسم لَهُ بخلعة فلبسها وَاسْتقر فِي كِتَابَة سر صفد. وَنزل إِلَى بَيت الْأَمِير مقبل الدوادار فشفع فِيهِ ألطنبغا الصَّغِير رَأس نوبَة فَقبل السُّلْطَان شَفَاعَته. وَاسْتمرّ فِي حسبَة الْقَاهِرَة على عَادَته ففرح النَّاس بِهِ فَرحا كَبِيرا لمحبتهم إِيَّاه وبالغوا فِي إِظْهَار السرُور بِهِ وَكَانَ السُّلْطَان قد تنكر على كَاتب السِّرّ من أجل إِخْرَاج ابْن العجمي من الْقَاهِرَة بِغَيْر خلعة وَلم يمهله حَتَّى يَأْخُذ عِيَاله مَعَه. وَبَالغ فِي الْإِنْكَار عَلَيْهِ بِسَبَب ذَلِك وأسعه مَكْرُوها كَبِيرا فَنزل فِي يَوْم السبت إِلَى دَاره. وَكَانَت عَادَته دَائِما أَن يبيت لَيْلَة الْأَحَد وَلَيْلَة الْأَرْبَعَاء عِنْد السُّلْطَان فأشيع عَزله وَركب الْأَعْيَان إِلَيْهِ يتزعمون لَهُ. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الِاثْنَيْنِ الْمَذْكُور ركب إِلَى القلعة وباشر وَظِيفَة كِتَابَة السِّرّ وَنزل وَفِي ظَنّه أَن ابْن العجمي إِنَّمَا لبس خلعة بِكِتَابَة سر صفد. فعندما رأى حوانيت الباعة بِالْقَاهِرَةِ وَقد أشعلوا الحوانيت بالقناديل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 7 والشموع فيمر ابْن العجمي بخلعته عَلَيْهِم فَرحا بِأَنَّهُ قد عَاد إِلَى الْحِسْبَة غضب ابْن الْبَارِزِيّ من ذَلِك وأسمعهم مَكْرُوها. ومالت مماليكه على الْقَنَادِيل فكسروا بَعْضهَا وَسبوا ولعنوا. فَمَا كَاد ابْن الْبَارِزِيّ يصل إِلَى بَيته حَتَّى شفع الْأَمِير ألطنبغا الصَّغِير فِي ابْن العجمي وَاسْتقر فِي الْحِسْبَة وشق الْقَاهِرَة وَعَلِيهِ الخلعة فتزايد كَلَام الغوغاء فِي ابْن الْبَارِزِيّ وجهروا مِمَّا يقبح ذكره. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء رابعه: قدم شمس الدّين مُحَمَّد بن حَمْزَة بن مُحَمَّد بن الفنري الْحَنَفِيّ قَاضِي مملكة الْأَمِير مُحَمَّد كرشجي بن عُثْمَان بِبِلَاد الرّوم. وَكَانَ قد قدم دمشق فِي السّنة الْمَاضِيَة يُرِيد الْحَج. فَلَمَّا حج وَعَاد استدعاه السُّلْطَان ليستفهم مِنْهُ أَحْوَال الْبِلَاد الرومية فتمثل بَين يَدي السُّلْطَان فَأكْرمه وأنزله عِنْد القَاضِي زين الدّين عبد الباسط نَاظر الخزانة وأجريت عَلَيْهِ الإنعامات. وَأمر أهل الدولة بإكرامه فبعثوا إِلَيْهِ مَا يَلِيق بِهِ من الْهَدَايَا. وَفِي خامسه: ركب الْأَمِير أَبُو بكر الأستادار إِلَى السُّلْطَان وَهُوَ فِي شدَّة الْمَرَض بِحَيْثُ لَا يسْتَطع الْقيام وَمَعَهُ خُيُول وَسلَاح وَغير ذَلِك مِمَّا تبلغ قِيمَته نَحْو ثَلَاثِينَ ألف دِينَار فَخلع عَلَيْهِ وَنزل وَفِي سادسه: خلع على ابْن الْبَارِزِيّ كاملية صوف بِفَرْوٍ سمور خلعة الرِّضَا. وَفِي لَيْلَة الْجُمُعَة سابعه: عمل المولد النَّبَوِيّ عِنْد السُّلْطَان على عَادَته. وَحضر الْأُمَرَاء والقضاة ومشايخ الْعلم وَأهل الدولة ورسل ابْن عُثْمَان وَابْن الفنري وَكَانَ وقتا جَلِيلًا. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة: أُعِيد دَاوُد ابْن الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بك بن دلغادر بهدية إِلَى أَبِيه وقصاد على باك بن قرمان وَمَعَهُمْ فرس بقماش ذهب وعدة تعابي فِي ثِيَاب سكندري وَغَيرهَا. وَتوجه مَعَه مَحْمُود العينتابي نَاظر الأحباس لتحليف نواب قلاع الْبِلَاد القرمانية وبلادها. وَكتب إِلَى نواب الممالك وَإِلَى العربان والتراكمين بالتهيؤ إِلَى ملاقاة السُّلْطَان فَإِنَّهُ عزم على الْمسير لِحَرْب قرا يُوسُف. وَسبب ذَلِك قدوم كتاب قرا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 8 يُوسُف يتَضَمَّن أَن السُّلْطَان يُجهز إِلَيْهِ الْجَوَاهِر - الَّتِي أَخذهَا مِنْهُ وَهُوَ مسجون بِدِمَشْق - كَمَا هِيَ وَإِلَّا سَار إِلَيْهِ وَخرب الْبِلَاد وَأَخذهَا. وَفِي عاشره: توجه شمس الدّين مُحَمَّد الْهَرَوِيّ إِلَى الْقُدس على مَا كَانَ عَلَيْهِ من تدريس الصلاحية فَقَط دون نظر الْقُدس والخليل. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشره: خلع على الْأَمِير يشبك أينالي المؤيدي وَاسْتقر فِي الأستادارية عوضا عَن الْأَمِير أبي بكر بعد وَفَاته وَكَانَ قد اسْتَقر قبلهَا فِي كشف الجسور بالغربية وعزل عَنْهَا وخلع على الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله خلعة الِاسْتِمْرَار فِي الوزارة وَنظر وَفِي سَابِع عشره: أضيف إِلَى صَاحب بدر الدّين بن نصر الله أستادارية الْمقَام العالي الصارمي إِبْرَاهِيم ابْن السُّلْطَان وخلع عَلَيْهِ عوضا عَن الْأَمِير أبي بكر المتوفي. وأنعم على وَلَده الْأَمِير صَلَاح الدّين مُحَمَّد الْحَاجِب بإمرة طبلخاناه. وَفِي ثَانِي عشرينه: سَافر ابْن الفنري قَاضِي الرّوم بِلَاده بعد مَا ألْقى عدَّة دروس فِي الْفِقْه وَالْأُصُول بالجامع الباسطي من الْقَاهِرَة وجهزه السُّلْطَان وَأهل الدولة جهازاً جَلِيلًا فَسَار بتجمل كَبِير. وَفِي رَابِع عشرينه: قدم قَاصد الْأَمِير شاه رخ أَمِير زه بن تيمورلنك. وَفِي سَابِع عشرينه: نزل السُّلْطَان إِلَى جَامِعَة بجوار بَاب زويلة وَحضر دروس المشياخ كلهم فَكَانَ يجلس فِي كل حَلقَة قَلِيلا والمدرس يلقى درسه. ثمَّ يقوم إِلَى الْحلقَة الْأُخْرَى حَتَّى طَاف الْحلق السَّبع وَعَاد إِلَى القلعة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: عزم السُّلْطَان على السّفر لقِتَال قرا يُوسُف. وَأخذ فِي الأهبة لذَلِك وَأمر الْأُمَرَاء بِهِ فشرعوا فِي ذَلِك. شهر ربيع الآخر أَوله الِاثْنَيْنِ: فِيهِ وَقع الشُّرُوع فِي بِنَاء منظرة على الْخمس وُجُوه بجوار التَّاج خَارج الجزء: 7 ¦ الصفحة: 9 الْقَاهِرَة لينشئ السُّلْطَان حولهَا بستاناً جَلِيلًا وَيجْعَل ذَلِك عوضا عَن قُصُور سريا قَوس ويسرح إِلَيْهَا كَمَا كَانَت سرحة سريا قَوس. وَفِي خامسه: سَافر قَاضِي الْقُضَاة عَلَاء الدّين عَليّ بن مغلي الْحَنْبَلِيّ إِلَى مدينته لينْظر فِي أَحْوَاله واستخلف على قَضَاء الْقُضَاة بعض ثقاته. وَفِي ثَالِث عشره: ابْتَدَأَ بالسلطان ألم تجدّد لَهُ من حبس الإراقة مَعَ مَا يَعْتَرِيه من ألم رجله. وَفِي سَابِع عشره: صرف الصاحب بدر الدّين بن نصر الله من أستادارية ابْن السُّلْطَان. وأقيم بدله جمال الدّين يُوسُف بن خضر بن صاروجا الْمَعْرُوف بالحجازي وَأَصله من الأكراد وَقدم الْقَاهِرَة وترقى حَتَّى عمل أستادارية الْأُمَرَاء فِي الْأَيَّام الناصرية فرج. وَتمكن عِنْد الْأَمِير طوغان الحسني الدوادار تمَكنا زَائِدا فَعظم قدره. ثمَّ لما قبض على طوغان فر إِلَى مَكَّة وَأقَام بهَا مُدَّة. ثمَّ حضر إِلَى الْقَاهِرَة وباشر الدواليب السُّلْطَانِيَّة بِالْوَجْهِ القبلي زَمَانا فنكبه الْأَمِير فَخر الدّين عبد الْغَنِيّ بن أبي الْفرج وعاقبه وصادره ثمَّ أفرج عَنهُ فَلَزِمَ دَاره حَتَّى الْأَمِير أَبُو بكر الأستادار سعى جمال الدّين يُوسُف فِي الأستادارية فأخرق بِهِ الصاحب بدر الدّين بن نصر الله وَأَرَادَ الْقَبْض عَلَيْهِ فَلم يُمكنهُ السُّلْطَان مِنْهُ وعنى بِهِ ثمَّ ولاه بعد ذَلِك أستادارية وَلَده. وَفِي ثَانِي عشرينه: اشْتَدَّ بالسلطان الْأَلَم وتزايد بِهِ إِلَى يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشرينه نُودي فِي الْقَاهِرَة بِإِبْطَال مكس الْفَاكِهَة البلدية والمجلوبة وَهُوَ فِي كل سنة نَحْو سِتَّة آلَاف دِينَار سوى مَا يَأْخُذهُ القبط الكنبة والأعوان - وَيُقَارب ذَلِك - فَبَطل وَنقش ذَلِك على بَاب الْجَامِع المؤيدي. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كثر الوباء بالإسكندرية والبحيرة وَكثر الإرجاف بحركة قرا يُوسُف إِلَى جِهَة الْبِلَاد الشامية. شهر جُمَادَى الأولى أَوله الْأَرْبَعَاء: وَفِي ثَانِيه: ركب السُّلْطَان - وَقد أبل من مَرضه - إِلَى خَارج الْقَاهِرَة وَعبر من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 10 بَاب النَّصْر وَقد زينت الْمَدِينَة فَرحا بعافيته وأشعلت الشموع والقناديل فَمر إِلَى القلعة. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: مرض الْمقَام الصارمي إِبْرَاهِيم ابْن السُّلْطَان فَركب فِي يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع عشره من القلعة فِي محفة لعَجزه عَن ركُوب الْفرس وَنزل إِلَى بَيت زين الدّين عبد الباسط المطل على الْبَحْر وَأقَام بِهِ. ثمَّ ركب النّيل فِي غده إِلَى الخروبية بالجيزة وَأقَام بهَا: وَقد تزايد مَرضه. وَفِي ثَان عشرينه: ركب السُّلْطَان إِلَى الْخمس وُجُوه فشاهد مَا عمل هُنَاكَ ورتب مَا اقْتَضَاهُ نظره من كَيْفيَّة الْبناء وَعَاد إِلَى بَيت صَلَاح الدّين خَلِيل بن الكوب نَاظر الدِّيوَان الْمُفْرد المطل على بركَة الرطلي خَارج بَاب الشعرية فَأَقَامَ عِنْده نَهَاره وَعَاد من آخِره إِلَى القلعة وَقدم لَهُ ابْن الكويز تقدمة تلِيق بِهِ سوى مَا أعده لَهُ من المآكل والمشارب. وَفِي يَوْم السبت خَامِس عشرينه: خلع على الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن عُثْمَان الْبِسَاطِيّ شيخ الخانكاة الناصرية فرج بتربة أَبِيه الظَّاهِر برقوق خَارج بَاب النَّصْر وَاسْتقر قَاضِي الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة بِالْقَاهِرَةِ ومصر بعد وَفَاة جمال الدّين عبد الله بن مقداد الأقفهسي فاقتصر من نواب الحكم على أَرْبَعَة ثمَّ زادهم بعد ذَلِك. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء آخِره: نزل السُّلْطَان إِلَى الميدان الْكَبِير الناصري. بموردة الجبس. وَكَانَ قد خرب وأهمل أمره مُنْذُ أبطل السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر برقوق الرّكُوب إِلَيّ وَلعب الكرة فِيهِ وتشعثت قصوره وجدرانه وَصَارَ منزلا لركب المغاربة الْحجَّاج فرسم السُّلْطَان لصَاحب بدر الدّين بن نصر الله بعمارته فِي هَذَا الشَّهْر فعمره أحسن عمَارَة. فعندما شَاهده السُّلْطَان أعجب بِهِ وَمضى مِنْهُ إِلَى بَيت ابْن الْبَارِزِيّ كَاتب السِّرّ المطل على النّيل وَنزل بِهِ وَقد تحول الْمقَام الصارمي من الحروبية بالجيزة إِلَى المنظرة الحجازية وَهُوَ بِحَالهِ من الْمَرَض فزاره السُّلْطَان غير مرّة وَأنزل بِالْحَرِيمِ إِلَى بَيت كَاتب السِّرّ فأقاموا بِهِ عِنْده. شهر جُمَادَى الْآخِرَة أَوله الْجُمُعَة: فِيهِ صلى السُّلْطَان الْجُمُعَة بِجَامِع ابْن الْبَارِزِيّ الَّذِي جدد عِمَارَته تجاه بَيته. وَكَانَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 11 يعرف قبل ذَلِك بِجَامِع الأسيوطي. وخطب بِهِ وَصلى شيخ الْإِسْلَام قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين البُلْقِينِيّ وَفِيه نُودي أَن لَا يتحدث فِي الْأُمُور الشَّرْعِيَّة إِلَّا الْقُضَاة وَلَا يشكو أحد غَرِيمه على دين لأحد من الْحجاب. وَسبب ذَلِك أَن القَاضِي زين الدّين عبد الرَّحْمَن التفهني الْحَنَفِيّ رفع على رجل فِي مَجْلِسه من أجل دين لزمَه فاحتمى بِبَيْت الْأَمِير ألطنبغا المرقبي - حَاجِب الْحجاب - وَامْتنع عَن الْحُضُور إِلَى بَيت القَاضِي. وَضرب الْحَاجِب رَسُوله ضربا مبرحاً. فَلَمَّا أعلم القَاضِي بِهَذَا السُّلْطَان أنكر على المرقبي. ووبخه على مَا فعل ونادى. مِمَّا تقدم ذكره فسعى الْأُمَرَاء فِي نقض ذَلِك حَتَّى نُودي فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ رابعه - بعد يَوْمَيْنِ - بِعُود الحكم إِلَى الْحجاب وَضرب من جهر بالنداء. وَفِي سادسه: نزل السُّلْطَان إِلَى بَيت كَاتب السِّرّ على النّيل وَأقَام بِهِ. وَفِي سابعه: أَخذ قاع النّيل فَكَانَ ثَلَاثَة أَذْرع سَوَاء وَنُودِيَ عَلَيْهِ من الْغَد. وَفِي يَوْم السبت تاسعه: ركب السُّلْطَان إِلَى الميدان وَعمل بِهِ الْخدمَة وَصعد إِلَى القلعة. وَفِي حادي عشره: ضرب الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن الطبلاوي وَالِي الْقَاهِرَة بالمقارع بَين يَدي السُّلْطَان. وَنزل وَهُوَ عاري الْبدن على حمَار إِلَى بَيت شاد الدَّوَاوِين ليستخلص مِنْهُ مَالا. وخلع على نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أَمِير أخور وَاسْتقر وَالِي الْقَاهِرَة ومصر وقليوب. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَالِث عشره: حمل الْمقَام الصارمي إِبْرَاهِيم ابْن السُّلْطَان على الأكتاف من الحجازية إِلَى القلعة لعَجزه عَن ركُوب المحفة فَمَاتَ لَيْلَة الْجُمُعَة خَامِس عشره. وَدفن من الْغَد بَاب مَعَ المؤيدي. وَشهد السُّلْطَان دَفنه مَعَ عدم نهضته للْقِيَام وَإِنَّمَا يحمل على الأكتاف حَتَّى يركب ثمَّ يحمل حَتَّى ينزل وَأقَام السُّلْطَان بالجامع إِلَى أَن صلى الْجُمُعَة فصلى بِهِ ابْن الْبَارِزِيّ وخطب خطة بليغة. ثمَّ عَاد إِلَى القلعة. وَأقَام الْقُرَّاء يقرأون الْقُرْآن على قَبره سبع لَيَال. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 12 وَفِي ثامن عشره: توقف النّيل عَن الزِّيَادَة وَتَمَادَى على ذَلِك أَيَّامًا. فارتفع سعر الغلال وَأمْسك أَرْبَابهَا أَيْديهم عَن بيعهَا وَكثر قلق النَّاس ثمَّ نُودي فيهم أَن يتْركُوا الْعَمَل. بمعاصي الله وَأَن يلتزموا الْخَيْر. ثمَّ نُودي فِي ثَانِي عشرينه أَن يَصُومُوا ثَلَاثَة أَيَّام ويخرجوا إِلَى الصَّحرَاء فَأصْبح كثير من النَّاس صَائِما وَصَامَ السُّلْطَان أَيْضا. فَنُوديَ بِزِيَادَة إِصْبَع مِمَّا نَقصه ثمَّ نُودي من يَوْم الْأَحَد غده أَن يخرجُوا غَدا إِلَى الْجَبَل وهم صائمون فبكر فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ خَامِس عشرينه شيخ الْإِسْلَام قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين البُلْقِينِيّ وَسَار من منزله رَاكِبًا بِثِيَاب جُلُوسه فِي طَائِفَة حَتَّى جلس عِنْد فَم الْوَادي قَرِيبا من قبَّة النَّصْر وَقد نصب هُنَاكَ مِنْبَر فَقَرَأَ سُورَة الْأَنْعَام وَأَقْبل النَّاس أَفْوَاجًا من كل جِهَة حَتَّى كثر الْجمع وَمضى من شروق الشَّمْس نَحْو ساعتين أقبل السُّلْطَان. بمفرده على فرس وَقد تزيا بزِي أهل التصوف فاعتم. بمئزر صوف لطيف وَلبس ثوب صوف أَبيض وعَلى عُنُقه شملة صوف مرخاة وَلَيْسَ فِي سَرْجه - وَلَا شَيْء من قماش فرسه - ذهب وَلَا حَرِير فَأنْزل عَن الْفرس وَجلسَ على الأَرْض من غير بِسَاط وَلَا سجادة مِمَّا يَلِي يسَار الْمِنْبَر فصلى قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين رَكْعَتَيْنِ كَهَيئَةِ صَلَاة الْعِيد وَالنَّاس من وَرَائه يصلونَ بِصَلَاتِهِ. ثمَّ رقي الْمِنْبَر فَخَطب خطبتين حث النَّاس فيهمَا على التَّوْبَة وَالِاسْتِغْفَار وأعمال الْبر وَفعل الْخَيْر وحذرهم ونهاهم. وتحول فَوق الْمِنْبَر فَاسْتقْبل الْقبْلَة ودعا فَأطَال الدُّعَاء وَالسُّلْطَان فِي ذَلِك يبكي وينتحب وَقد بَاشر فِي سُجُوده التُّرَاب بجهته. فَلَمَّا انْقَضتْ الْخطْبَة انفض النَّاس وَركب السُّلْطَان فرسه وَسَار والعامة مُحِيطَة بِهِ من أَربع جهاته يدعونَ لَهُ حَتَّى صعد القلعة فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً وجمعًا موفورًا. وَفِي مُشَاهدَة جَبَّار الأَرْض على مَا وصفت مَا تخشع مِنْهُ الْقُلُوب ويرجى رَحْمَة جَبَّار السَّمَاء سُبْحَانَهُ. وَمن أحسن مَا نقل عَنهُ فِي هَذَا الْيَوْم. أَن بعض الْعَامَّة دَعَا لَهُ حَالَة الاسْتِسْقَاء أَن ينصره الله فَقَالَ: اسألوا فَإِنَّمَا أَنا وَاحِد مِنْكُم. فَللَّه دره لَو كَانَ قد أيد بوزر أصدق وبطانة خير لما قصر عَن الْأَفْعَال الجميلة بل إِنَّمَا اقْترن بِهِ فَاجر جريء أَو خب شقي. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 13 وَفِي غده يَوْم الثُّلَاثَاء: نُودي على النّيل بِزِيَادَتِهِ اثْنَي عشر إصبعا بَعْدَمَا رد النَّقْص وَهُوَ قريب من سبع وَعشْرين إصبعاً فتباشر النَّاس باستجابة دُعَائِهِمْ ورجوا رَحْمَة الله وَقدم الْخَبَر بنزول قرا يُوسُف على بَغْدَاد وَقد عَصَاهُ وَلَده شاه مُحَمَّد فحاصره ثَلَاثَة أَيَّام حَتَّى خرج إِلَيْهِ فأمسكه واستصفى أَمْوَاله وَولى عوضه ابْنه أَصْبَهَان أَمِير زاة ثمَّ عَاد إِلَى تبريز لحركة شاه رخ بن تمرلنك عَلَيْهِ. وَفِي تَاسِع عشرينه: خلع على الْأَمِير مقبل الدوادار وَالْقَاضِي نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ كَاتب السِّرّ بِنَظَر الْجَامِع المؤيدي فَنزلَا إِلَيْهِ وتفقدا أَحْوَاله. شهر رَجَب أَوله السبت: فِي ثَالِث عشره: أدير محمل الْحَاج على عَادَته وَفِي نصفه: استدعى السُّلْطَان بخلعة لكاتب سر صفد وبعثها إِلَى الْأَمِير مقبل الدوادار وَأمر أَن يطْلب صدر الدّين أَحْمد بن العجمي محتسب الْقَاهِرَة إِلَى دَاره ويلبسه الخلعة ويخرجه إِلَى صفد فَأحْضرهُ فِي الْحَال وَألبسهُ الخلعة وَأمره بالتوجه من الْقَاهِرَة إِلَى صفد فَتوجه إِلَى دَاره وانجمع عَن التحدث فِي الْحِسْبَة وَأخذ يسْعَى فِي الْإِقَامَة فِي الْقَاهِرَة بطالاً. فرسم السُّلْطَان أَن يخرج إِلَى الْقُدس بطالا فَسَار فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشره. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع عشره: نزل السُّلْطَان إِلَى بَيت كَاتب السِّرّ المطل على النّيل ليقيم بِهِ على عَادَته وَنزل الْأُمَرَاء بالدور من حوله. وَصَارَت الْخدمَة تعْمل هُنَاكَ. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشره: سبح السُّلْطَان فِي النّيل مَعَ خاصته من بَيت كَاتب السِّرّ إِلَى منية السيرج ثمَّ عَاد فِي الحراقة وَكثر التَّعَجُّب من قُوَّة سبحه مَعَ زمانة رجله وعجزه عَن الْقيام لكنه يحمل على الأكتاف وَيَمْشي بِهِ أَو يوضع على ظهر الْفرس ثمَّ يحمل وَينزل عَنْهَا. وَلما أَرَادَ السباحة أقعد فِي تخت من خشب وأرخي من أعلا الدَّار بحبال إِلَى المَاء فَلَمَّا عَاد رفع بِهِ فِي التخت كَذَلِك حَتَّى جلس على مرتبته. فَنُوديَ من الْغَد يَوْم الْخَمِيس بِزِيَادَة ثَلَاثِينَ إصبعاً وَلم يزدْ فِي هَذِه السّنة مثلهَا جملَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 14 فتيامن النَّاس بعوم السُّلْطَان وعدوا ذَلِك من حَملَة سعادته. وَمن صِحَة عقيدته أَنه لما بلغه قَول الْعَوام أَن النّيل زَاد هَذِه الزِّيَادَة الْبَالِغَة لكَونه سبح فِيهِ فَقَالَ: لَو علمت أَن ذَلِك يَقع لما سبحت فِيهِ لِئَلَّا يضل الْعَوام بذلك. وَفِي عشرينه: خلع على صارم الدّين إِبْرَاهِيم ابْن الْوَزير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الحسام الصقري بوظيفة حسبَة الْقَاهِرَة عوضا عَن صدر الدّين بن العجمي فباشرها وَهُوَ يتزيا بزِي الْجند وَقد الْتزم بِحمْل ألف دِينَار يجبيها من الباعة وَنَحْوهم فَلم تحمد مُبَاشَرَته. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة حادي عشرينه: ركب السُّلْطَان النّيل للنزهة بِهِ فزار الْآثَار النَّبَوِيَّة وبر من هُنَاكَ من الْفُقَرَاء بِمَال ثمَّ توجه إِلَى المقياس بالروضة فصلى الْجُمُعَة بِجَامِع المقياس ورسم بهدمه وبنائه وتوسعته وترميم بِنَاء رِبَاط الْآثَار النَّبَوِيَّة أَيْضا. ثمَّ ركب من الجزيرة الْوُسْطَى إِلَى الميدان الناصري وَبَات بِهِ. وَركب من الْغَد يَوْم السبت إِلَى القلعة. وَفِي ثَالِث عشرينه: وجد بكرَة النَّهَار خَارج الْقَاهِرَة فرسَان فقيدا إِلَى بَيت الْأَمِير يشبك الأستادار فعرفا أَنَّهُمَا من خيل ابْن العجمي الْمُحْتَسب وَذَلِكَ أَنه نزل بلبيس يَوْم السبت أمسه وفقد مِنْهَا عشَاء. فارتجت الْقَاهِرَة بِأَنَّهُ قتل وَخرج نِسَاءَهُ مسبيات يصحن صعدن القلعة إِلَى السُّلْطَان ووجهوا التُّهْمَة بقتْله إِلَى ابْن الْبَارِزِيّ كَاتب السِّرّ فَأنْكر السُّلْطَان أَن يكون قتل وَقَالَ: هَذِه حِيلَة عَملهَا وَقد اختفي بِالْمَدِينَةِ ثمَّ بعث للكشف عَن قَتله من أَرْبَاب الأدراك فَلم يُوقف بِهِ على خبر. وَنُودِيَ فِي سَابِع عشرينه بتهديد من أخفاه عِنْده وترغيب من أحضرهُ. فَظهر فِي آخر النَّهَار أَنه بعث إِلَى أَهله كتابا يتَضَمَّن أَنه من خَوفه على نَفسه مضى على وَجهه. فَطلب زوج ابْنَته وعوقب على إِحْضَاره ثمَّ سجن. وَفِيه قدم الْخَبَر بِأَن الْأَمِير علمَان بن طر عَليّ قرايلك كبس على بير عمر حَاكم أرزنكان من قبل قرا يُوسُف وأمسكه وَقَيده هُوَ وَأَرْبَعَة وَعشْرين من أهلة وَأَوْلَاده وَقتل سِتِّينَ رجلا وغنم شَيْئا كثيرا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 15 شهر شعْبَان المكرم أَوله الِاثْنَيْنِ: فِيهِ وصل رَأس بير عمر حَاكم أرزنكان وَكَانَ السُّلْطَان قد كتب محَاضِر وفتاوي بِكفْر قرا يُوسُف وَولده حَاكم بَغْدَاد فَأفْتى مَشَايِخ الْعلم بِوُجُوب قِتَاله. ورسم لِلْأُمَرَاءِ بالتهيؤ للسَّفر وحملت إِلَيْهِم النَّفَقَات فَوَقع الشُّرُوع فِي تجهيز أُمُور السّفر. وَنُودِيَ فِي رابعه وَقد ركب الْخَلِيفَة والقضاة الْأَرْبَع بنوابهم وَبَين يديهم بدر الدّين حسن البرديني أحد نواب الحكم الشَّافِعِيَّة وَهُوَ رَاكب يقْرَأ من ورقة استنفار النَّاس لقِتَال قرا يُوسُف وتعداد قبائحه ومساوئه فاضطرب النَّاس وَكثر جزعهم. وَفِيه ادّعى على الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أَمِير أخور وَالِي الْقَاهِرَة بِأَنَّهُ قتل رجلا وَسطه بِالسَّيْفِ نِصْفَيْنِ بِغَيْر مُوجب شَرْعِي. وأقيمت الْبَيِّنَة بذلك بِحَضْرَة الْقُضَاة وهم بَين يَدي السُّلْطَان فَحكم بقتْله فَأخذ ووسط فِي الْموضع الَّذِي وسط فِيهِ الْمَذْكُور. وخلع فِيهِ على الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد وَيعرف ببكلمش بن فرى نَائِب الْوَجْه البحري وَابْن وَالِي الْعَرَب وَاسْتقر وَالِي الْقَاهِرَة عوضا عَن ابْن أَمِير أخور على مَال كَبِير الْتزم بِحمْلِهِ مِمَّا يجبيه من مظالم الْعباد فباشر مُبَاشرَة سَيِّئَة وركبته الدُّيُون وَهَان أمره على الْعَامَّة لعدم حرمته حَتَّى كَانَ أحد المقدمين أحشم مِنْهُ. وَصَارَ النَّاس يلقبونه قندوري لِأَنَّهُ أَرَادَ أَن يَقُول قباي فغلط وَقَالَ قندوري فنقبت عَلَيْهِ وَهُوَ بزِي النِّسَاء أشبه مِنْهُ بِالرِّجَالِ. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامنه - وخامس عشْرين مسرى -: كَانَ وَفَاء النّيل فَركب السُّلْطَان إِلَى المقياس وَفتح الخليج على الْعَادة ثمَّ عَاد إِلَى قلعة. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشره: عقد للأمير الْكَبِير ألطنبغا القرمشي على خوند ستيتة - ابْنة السُّلْطَان - بِصَدَاق مبلغه خَمْسَة عشر ألف دِينَار هرجة بالجامع المؤيدي بِحَضْرَة الْقُضَاة والأمراء والأعيان. وَفِي يَوْم السبت ثَالِث عشره: برز الْأَمِير الْكَبِير ألطنبغا القرمشي إِلَى الربدانية خَارج الْقَاهِرَة وَمَعَهُ من الْأُمَرَاء ألطنبغا الصَّغِير رَأس نوبَة وطوغان أَمِير أَخُو وجلبان المؤيدي أحد مقدمي الألوف وألطنبغا المرقي حَاجِب الْحجاب وجرباش الكريمي رَأس نوبَة وأقبلاط السيفي دمرداش وأزدمر الناصري من مقدمي الألوف ليتوجهوا إِلَى حلب خشيَة حَرَكَة قرا يُوسُف. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 16 وَفِيه نزل السُّلْطَان إِلَى بَيت كَاتب السِّرّ على النّيل فَأَقَامَ بِهِ يَوْم الثُّلَاثَاء سادس عشره توجه إِلَى الميدان لعرض المماليك السُّلْطَانِيَّة الرماحة. وَعَاد من آخِره على ظهر النّيل. ثمَّ ركب إِلَى الميدان نَهَار السبت وَبَات بِهِ. وَتوجه نَهَار الْأَحَد فزار الْآثَار النَّبَوِيَّة وكشف عمَارَة جَامع المقياس بالروضة. وَعَاد إِلَى الميدان فَبَاتَ بِهِ. وَعرض الرماحة فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ. ثمَّ رَاجع زِيَارَة الْآثَار النَّبَوِيَّة فِي يَوْم الثُّلَاثَاء. وَعَاد إِلَى مخيمه بالجزيرة الْوُسْطَى فَأَقَامَ يَوْمه وَمَعَهُ الْأُمَرَاء ومباشروه فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا القمز. وَعَاد إِلَى الميدان فَبَاتَ بِهِ لَيْلَتَيْنِ ثمَّ رَجَعَ إِلَى بَيت كَاتب السِّرّ فِي يَوْم الْخَمِيس فَبَاتَ بِهِ وَصلى الْجُمُعَة بِجَامِع كَاتب السِّرّ. ثمَّ توجه إِلَى الميدان فَبَاتَ بِهِ وَركب إِلَى القلعة بكرَة السبت سَابِع عشرينه. وَكَانَ صَائِما فِي رَجَب وَشَعْبَان لم يفْطر فيهمَا إِلَّا نَحْو عشرَة أَيَّام. شهر رَمَضَان الْمُعظم أَوله الثُّلَاثَاء: أهل وَقد انتفض على السُّلْطَان ألم رجله. وَفِي رَابِع عشره: خلع السُّلْطَان على الصاحب تَاج الدّين عبد الرازق الهيضم وَاسْتقر فِي نظر الدِّيوَان الْمُفْرد بعد موت صَلَاح الدّين خَلِيل بن الكويز. وَقدم الْخَبَر من غَزَّة أَن فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء ثالثه ذبح جمل بسوق الجزارين وعلق لَحْمه فِي دَاخل بَيت الجزار فأضاء اللَّحْم كَمَا يضيء الشمع إِذا أشعل فِيهِ النَّار فَأخذ مِنْهُ قِطْعَة فَأَضَاءَتْ. بمفردها فقطعوه قطعا فَأَضَاءَتْ كل قِطْعَة مِنْهُ فَأَخَذُوهُ بجملته ودفنوه من غير أَن يَأْكُل أحد مِنْهُ شَيْئا إِلَّا أَن رجلا قطع مِنْهُ قِطْعَة لحم وَهِي تضيء وَتركهَا عِنْده إِلَى أَن أصبح وَأَلْقَاهَا لكَلْب. فَلم يأكلها وَتركهَا. وَكَانَ لحم هَذَا الْجمل بِحَيْثُ لَو أَخذ مِنْهُ زنة دِرْهَم لَأَضَاءَتْ كَأَنَّهَا النَّجْم. وَشَاهد هَذَا جمَاعَة لَا يُحْصى عَددهمْ. وانتهت زِيَادَة النّيل فِي ثَالِث بابة إِلَى ثَمَانِيَة عشر ذِرَاعا وَثَلَاثَة أَصَابِع وابتدأ النَّقْص من خَامِس بابة. شهر شَوَّال أَوله الْأَرْبَعَاء: فِيهِ صلى السُّلْطَان صَلَاة الْعِيد بِالْقصرِ الْكَبِير من القلعة عَجزا عَن الْمُضِيّ إِلَى الْجَامِع. وَفِي رابعه: ركب السُّلْطَان فِي المحفة إِلَى منظرة الْخمس وُجُوه الَّتِي استجدها وَقد كملت ثمَّ عَاد من يَوْمه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 17 وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس عشره: تنكر السُّلْطَان على الْوَزير الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله وضربه ببين يَدَيْهِ ضربا مبرحاً. ثمَّ أَمر بِهِ فَنزل إِلَى دَاره على وظائفه. هَذَا وَالسُّلْطَان مَرِيض. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ عشرينه: أرجف بِمَوْت السُّلْطَان فاضطرب النَّاس ونقلوا ثِيَابهمْ خوفًا من الْفِتْنَة أَن تثور ثمَّ أَفَاق فسكنوا. وَفِيه خرج محمل الْحَاج إِلَى الريدانية وَالْحجاج على تخوف من النهب. وَفِيه طلب الْقُضَاة والأمراء وَجلسَ السُّلْطَان فعهد إِلَى وَلَده الْأَمِير أَحْمد بالسلطة من بعد. ومولده فِي ثَانِي جُمَادَى الأولى من السّنة الْمَاضِيَة وَله من الْعُمر سَبْعَة عشر شهرا وَخَمْسَة أَيَّام وَجعل الْأَمِير الْكَبِير ألطنبغا القرمشي الْقَائِم بأَمْره وَأَن يقوم بتدبير الدولة حَتَّى يحضر القرمشي من حلب الْأُمَرَاء الثَّلَاثَة وهم: قجقار القردمي وتنبك ميق وططر. وَحلف الْأُمَرَاء على ذَلِك وَفِي يَوْم السبت خَامِس عشرينه: خلع على كَمَال الدّين مُحَمَّد بن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ وَاسْتقر فِي كِتَابَة السِّرّ بعد وَفَاة أَبِيه على مبلغ أَرْبَعِينَ ألف دِينَار يحملهَا وَكَانَ صدر الدّين أَحْمد بن العجمي لم يزل مختفياً حَتَّى مَاتَ نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ فَظهر وَعند جُمْهُور النَّاس أَن ابْن الْبَارِزِيّ نَاصِر الدّين مُحَمَّد كَاتب السِّرّ هُوَ الَّذِي قَتله فشفع فِيهِ بعض الْأُمَرَاء وَكَانَ السُّلْطَان فِي شغل بمرضه عَنهُ فَقبل شَفَاعَته ورسم أَن يُقيم بداره من الْقَاهِرَة فَلَزِمَ دَاره وَظَهَرت بَرَاءَة ابْن الْبَارِزِيّ. وَفِي سَابِع عشرينه: خلع على بدر الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مزهر الدِّمَشْقِي نَاظر الإصطبل وَاسْتقر فِي نِيَابَة كِتَابَة السِّرّ عوضا عَن كَمَال الدّين بن الْبَارِزِيّ الْمُنْتَقل لكتابة السِّرّ. وَفِي تَاسِع عشرينه: دخل السُّلْطَان الْحمام وَقد تناقص مَا بِهِ من الْأَمْرَاض فَنُوديَ بالزينة فزينت الْقَاهِرَة ومصر وَفرق مَال فِي النَّاس من الْفُقَهَاء والفقراء. وَفِي هَذَا الشَّهْر: أعَاد قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد الْبِسَاطِيّ الْمَالِكِي نواب الحكم الَّذين كَانُوا يلون عَمَّن قبله واستناب زِيَادَة عَلَيْهِم عدَّة من إِلْزَامه. شهر ذِي الْقعدَة أَوله الْجُمُعَة: فِيهِ ظَهرت دخيرة لناصر الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ فِيهَا نَحْو من سبعين ألف دِينَار الجزء: 7 ¦ الصفحة: 18 أَخذهَا السُّلْطَان وَفِي رابعه: ركب السُّلْطَان وشق الْقَاهِرَة من بَاب زويلة وَخرج من بَاب القنطرة فَنزل بمنظرة الْخمس الْوُجُوه إِلَى يَوْم الْأَرْبَعَاء سابعه عَاد من بَاب القنطرة وشق الْقَاهِرَة بِثِيَاب جُلُوسه حَتَّى صعد القلعة. وَفِي تاسعه: ركب السُّلْطَان إِلَى المنظرة أَيْضا وَبَات بهَا وتصيد من الْغَد ببر الجيزة وَأقَام هُنَاكَ. وَفِيه نزل زين الدّين عبد الباسط ومرجان الْهِنْدِيّ الخازندار إِلَى بَيت الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله وَقد لزم الْفراش من يَوْم ضرب وأخذا مِنْهُ خزانَة الْخَاص وسلمت للطراشي مرجان الْمَذْكُور فَتحدث فِي نظر الْخَاص عَن السُّلْطَان من غير أَن يخلع عَلَيْهِ وَلَا كتب لَهُ توقيع وَأنْفق من غده عَن كسْوَة المماليك السُّلْطَانِيَّة نَحْو ثَمَانِيَة آلَاف دِينَار. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي عشره: عَاد السُّلْطَان فِي المحفة إِلَى القلعة. وَفِي رَابِع عشره: خلع على الصاحب بدر الدّين بن نصر الله خلعة الرِّضَا واستمراره فِي الوزارة والإمرية. وَفِيه قرئَ توقيع كَمَال الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ بكتابه السِّرّ فِي الْجَامِع المؤيدي بِحَضْرَة الْأُمَرَاء والقضاة وأرباب الدولة والأعيان. وَلم يقْرَأ قبله توقيع كَاتب السِّرّ. وَفِي خَامِس عشره: ركب السُّلْطَان إِلَى منظرة الْخمس الْوُجُوه وَأقَام بهَا إِلَى سَابِع عشره ثمَّ عَاد إِلَى القلعة وَركب فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء عشرينه بِثِيَاب جُلُوسه وَعبر من بَاب زويلة وشق الْقَاهِرَة حَتَّى خرج من بَاب القنطرة إِلَى المنظرة فَأَقَامَ بهَا إِلَى يَوْم الْجُمُعَة وعدى النّيل إِلَى الجيزة يُرِيد صرحة الْبحيرَة. وَخرج النَّاس على عَادَتهم بعد مَا نزل فِي يَوْم الْجُمُعَة هَذَا بدار على شاطئ نيل مصر وَعبر الْحمام بجوار الْجَامِع الْجَدِيد. ثمَّ خرج إِلَى الْجَامِع الْمَذْكُور وَصلى بِهِ الْجُمُعَة. ثمَّ ركب النّيل وَهُوَ فِي هَذَا كُله يحمل على الأكتاف. وَفِي هَذَا الشَّهْر: فقد لحم الضَّأْن من أسواق الْقَاهِرَة عدَّة أَيَّام وَعز وجرد لحم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 19 الْبَقر ثمَّ أبيع لحم الضَّأْن بِعشْرَة دَرَاهِم الرطل بعد سَبْعَة ثمَّ أبيع بِتِسْعَة. وَفِيه قتل العربان كاشف البهنسي لِكَثْرَة ظلمه وفسقه وَشدَّة تعديه وعتوه فَلم يُؤْخَذ لَهُ بثأر. شهر ذِي الْحجَّة أَوله السبت: فِي ثامنه: عَاد السُّلْطَان من السرحة بعد مَا انْتهى إِلَى الطرانة. وَقد اشْتَدَّ بِهِ الْمَرَض وأفرط الإسهال فارجف بِمَوْتِهِ وكادت تكون فتْنَة. ثمَّ ركب النّيل مِنْهَا عَجزا عَن الرّكُوب فِي المحفة حَتَّى نزل منبابة فَأَقَامَ بهَا حَتَّى نحر قَلِيلا من ضحاياه ثمَّ ركب النّيل آخر يَوْم النَّحْر إِلَى بَيت كَاتب السِّرّ المطل على النّيل وَبَات بِهِ. ثمَّ صعد القلعة فِي المحفة يَوْم الثُّلَاثَاء حادي عشره وَهُوَ وَفِي ثامن عشره: قدم كتاب سُلَيْمَان صَاحب حصن كيفا يتَضَمَّن موت قرا يُوسُف فِي رَابِع عشر ذِي الْقعدَة مسموماً فِيمَا بَين السُّلْطَانِيَّة وتوريز وَهُوَ مُتَوَجّه إِلَى قتال شاه رخ بن تيمورلنك. وَفِي ثامن عشرينه: قدم مبشرو الْحَاج. وَفِي يَوْم السبت تَاسِع عشرينه: أرجف بِمَوْت السُّلْطَان. وَفِيه أثبت عهد الْأَمِير أَحْمد ابْن السُّلْطَان على قَاضِي الْقُضَاة زين الدّين عبد الرَّحْمَن التفهني الْحَنَفِيّ بالسلطنة. ثمَّ نفذ على بَقِيَّة الْقُضَاة فَكثر الِاضْطِرَاب فِي النَّاس وتوقعوا الْفِتْنَة وَاشْتَدَّ خوف خَواص السُّلْطَان ونقلوا مَا فِي دُورهمْ. وَمَات فِي هَذِه السنه مِمَّن لَهُ ذكر شرف الدّين مُحَمَّد بن عَليّ الْحبرِي فِي ثَانِي عشْرين ربيع الأول. وَقد ولي حسبَة الْقَاهِرَة ومصر غير مرّة بعد مَا كَانَ من شرار الْعَامَّة بتمعش بنيابة الحكم عِنْد الْمَالِكِيَّة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 20 بِمصْر. ثمَّ وَقع فِي كفر فِي سنة سِتّ وَتِسْعين فَأُرِيد قَتله ثمَّ حقن دَمه وعزر بِالضَّرْبِ وَالْحَبْس. ثمَّ صَار بتمعش بِبيع السكر فِي حَانُوت بِالْقَاهِرَةِ. ويشهر بقبائح من السخف والمجون وَسُوء السِّيرَة. وَمَات صاحبنا نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن مبارك الطازي أَخُو الْخَلِيفَة المستعين بِاللَّه لأمه. وَنعم الرجل كَانَ. وَمَات محب الدّين مُحَمَّد بن الخضري الْأَسْلَمِيّ أحد كتاب القبط فِي عَاشر ربيع الْآخِرَة. وَكَانَ نَصْرَانِيّا وَأسلم عَن قريب على يَد الْأَمِير فَخر الدّين الأستادار فَسَماهُ مُحَمَّدًا كَمَا تقدم ولقبه محب الدّين. وَمَات قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين عبد الله بن مقداد بن إِسْمَاعِيل الأقفهسي الْمَالِكِي فِي رَابِع عشر جُمَادَى الأولى عَن نَحْو ثَمَانِينَ سنة - وَقد ولى قَضَاء الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة مرَّتَيْنِ الأولى فِي الْأَيَّام الناصرية فرج بعد موت نور الدّين عَليّ بن يُوسُف بن جلال فِي ثَالِث عشر جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَلَاث وَثَمَانمِائَة فَأَقَامَ أَرْبَعَة أشهر وَعشرَة أَيَّام وَصرف فِي ثَالِث عشْرين شهر رَمَضَان بِابْن خلدون. ثمَّ ولي ثَانِيًا فَأَقَامَ خمس سِنِين وَثَمَانِية أشهر ويومين وَمَات وَهُوَ قَاض وَكَانَ فَقِيها بارعاً فِي الْفِقْه. أَخذ عَن الشَّيْخ خَلِيل. وناب فِي الحكم عَن الْعلم سُلَيْمَان الْبِسَاطِيّ من سنة ثَمَان وَسبعين وَسَبْعمائة إِلَى أَن استبد بِالْقضَاءِ. ودرس بالقمحية وَغَيرهَا. وَعرف بالستر والصيانة وَصَارَ الْمعول على فَتَاوِيهِ مُدَّة سِنِين. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حُسَيْن البرقي الْحَنَفِيّ أحد نواب الحكم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 21 الْحَنَفِيَّة فِي سَابِع جُمَادَى الْآخِرَة. وَكَانَت سيرته ذميمة. وَمَات الشَّيْخ عَليّ كهنفوش: صَاحب الزاوية تَحت الْجَبَل الْأَحْمَر. وَكَانَ مشكور السِّيرَة مَحْمُود الطَّرِيقَة لَهُ حَظّ من الأتراك. وَمَات صَلَاح الدّين خَلِيل بن زين الدّين عبد الرَّحْمَن بن الكويز نَاظر الدِّيوَان الْمُفْرد فِي عَاشر رَمَضَان. وَمَات نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن كَمَال الدّين مُحَمَّد بن عُثْمَان بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم ابْن إِبْرَاهِيم بن الْمُسلم بن هبة الله بن حسان بن مُحَمَّد بن مَنْظُور بن أَحْمد بن الْبَارِزِيّ الْجُهَنِيّ الْحَمَوِيّ الشَّافِعِي الْفَقِيه الأديب النَّحْوِيّ كَاتب السِّرّ فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن شَوَّال وَدفن على وَلَده الشهابي أَحْمد تجاه قبر الإِمَام الشَّافِعِي بالقرافة. وَمَات الصاحب كريم الدّين عبد الله بن شَاكر بن عبد الله بن غَنَّام فِي سَابِع عشْرين شَوَّال وَقد أناف على الْمِائَة وحواسه سليمَة وزر مرَّتَيْنِ وَأَنْشَأَ مدرسة بجوار الْجَامِع الْأَزْهَر من الْقَاهِرَة. وَمَات قرا يُوسُف بن قرا مُحَمَّد بن بيرم خجا صَاحب بَغْدَاد وتبريز فِي رَابِع عشر ذِي الْقعدَة. وَقتل ملك الْمغرب صَاحب فاس السُّلْطَان أَبُو سعيد عُثْمَان ابْن السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس أَحْمد ابْن السُّلْطَان أبي سَالم إِبْرَاهِيم ابْن السُّلْطَان أبي الْحسن عَليّ بن عُثْمَان بن يَعْقُوب ابْن عبد الْحق المريني فِي لَيْلَة الثَّالِث عشر من شَوَّال قَتله وزيره عبد الْعَزِيز اللباني وَأقَام عوضه ابْنه أَبَا عبد الله مُحَمَّد. وَكَانَت مدَّته ثَلَاثًا وَعشْرين سنة وَثَلَاثَة أشهر وأياماً خربَتْ فِيهَا فاس وأعمالها وذلت بَنو مرين واتضع ملكهَا وتلاشى وَفِي ذِي الْحجَّة سَار أَبُو زيان مُحَمَّد بن أبي طَرِيق مُحَمَّد ابْن السُّلْطَان أبي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 22 عنان من تازي. وَكَانَ ابْن الْأَحْمَر قد بعث بِهِ من الأندلس لأخذ فاس فَنزل عَلَيْهَا وَبَايَعَهُ الشَّيْخ يَعْقُوب الحلفاوي الثائر بِمَدِينَة فاس بِمن اجْتمع مَعَه من أهل الْبَلَد وقاتلوا اللباني أَرْبَعَة أشهر. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 23 فارغه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 24 (سنة أَربع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة) أهلت وَخَلِيفَة الْوَقْت المعتضد بِاللَّه أَبُو الْفَتْح دَاوُد بن المتَوَكل على الله أبي عبد الله مُحَمَّد. وَالسُّلْطَان بديار مصر وَالشَّام والحجاز الْملك الْمُؤَيد أَبُو النَّصْر شيخ المحمودي الظَّاهِرِيّ وَهُوَ مَرِيض ومعظم عَسْكَر مصر بِمَدِينَة حلب صُحْبَة الْأَمِير الْكَبِير ألطنبغا القرماشي أتابك العساكر وَمَعَهُ من الْأُمَرَاء طوغان أَمِير أخور وألطنبغا من عبد الْوَاحِد - الْمَعْرُوف بالصغير - رَأس نوبَة النوب وألطنبغا المرقبي حَاجِب الْحجاب وجرباش الكريمي رَأس نوبَة وَغَيرهم. وَعند السُّلْطَان من الْأُمَرَاء قجقار القردمي أَمِير سلَاح وططر أَمِير مجْلِس وتنبك ميق العلاي ومقبل الدوادار. والوزير يَوْمئِذٍ الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله. ووظيفة نظر الْخَاص لَيست بيد أحد وَإِنَّمَا يتحدث فِيهَا عَن السُّلْطَان الطواشي مرجان الْهِنْدِيّ الخازندار. وأستادار الْأَمِير يشبك أينالي. وَكَاتب السِّرّ كَمَال الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ وقاضي الْقُضَاة شيخ الْإِسْلَام جلال الدّين عبد الرَّحْمَن بن البُلْقِينِيّ الشَّافِعِي. وقاضي الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة زين الدّين عبد الرَّحْمَن التفهني. وقاضي الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة بديار مصر شمس الدّين مُحَمَّد الْبِسَاطِيّ. وقاضي الْقُضَاة الْحَنَابِلَة عَلَاء الدّين عَليّ بن مغلي. ونائب الْإسْكَنْدَريَّة نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن عمر بن الْعَطَّار. ونائب غَزَّة أركماس الجلباني. ونائب الشَّام جقمق الدوادار. ونائب حلب يشبك اليوسفي ونائب قيصرية الرّوم مُحَمَّد بك بن دلغادر التركماني. ونائب صفد قطلوبغا التنمي. ونائب طرابلس اسنبغا الزردكاش. ونائب حماة أق بلاط. وأمير مَكَّة الشريف حسن بن عجلَان. وأمير الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة الشريف عُزَيْر بن هيازع ومتملك الْيمن الْملك النَّاصِر أَحْمد بن الْأَشْرَف إِسْمَاعِيل. ومتملك بِلَاد الشرق شاه رخ بن تيمور كركان ومتملك بِلَاد الرّوم سُلْطَان مُحَمَّد كرشجي بن خوندكار بايزيد بن مُرَاد بن عُثْمَان. ومحتسب الْقَاهِرَة إِبْرَاهِيم ابْن الْوَزير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الحسام. ووالي الْقَاهِرَة بكلمش ابْن فري. وَكَاشف الْوَجْه القبلي دمرداش. وَكَاشف الْوَجْه البحري حُسَيْن الْكرْدِي ابْن الشَّيْخ عمر وَكَانَ مشكور السِّيرَة على تقوى كَمَا ذكر. شهر الله الْمحرم الْحَرَام أَوله الْأَحَد: أهل والقمح بِمِائَتي وَثَمَانِينَ درهما الأردب فَمَا دونهَا وَالشعِير كل أردب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 25 بِمِائَة وَسبعين. والفول كل أردب بِمِائَة وَسِتِّينَ وَذَلِكَ سوى كلفه وَلحم الضَّأْن بِتِسْعَة دَرَاهِم الرطل وَلحم الْبَقر بِسِتَّة دَرَاهِم وَنصف كل رَطْل. وَالدِّينَار المشخص بمائتين وَعشرَة دَرَاهِم فُلُوسًا. والمثقال الهرجة بمائتين وَثَلَاثِينَ درهما وَهُوَ قَلِيل الْوُجُود بأيدي النَّاس. وَالدَّرَاهِم المؤيدية كل مؤيدي بسبعة دَرَاهِم فُلُوسًا وَهِي كَثِيرَة بأيدي النَّاس وَقد أتلف أهل الْفساد وَزنهَا ونقصوها بهرشها حَتَّى خفت وضربوا على مثالها نُحَاسا يخالطه يسير من الْفضة فَعَن قَلِيل تنكشف وَيظْهر زيفها. والفلوس كل رَطْل بِسِتَّة دَرَاهِم وَقد فَسدتْ فَإِنَّهُ صَار يخلط مَعَ الْفُلُوس من المسامير الْحَدِيد الْمَكْسُورَة وَمن نعال الْخَيل الْحَدِيد وَنَحْوهَا من قطع النّحاس وَقطع الرصاص شَيْء كثير بِحَيْثُ لَا يكَاد يُوجد فِي القنطار من الْفُلُوس إِلَّا دون ربعه فُلُوسًا وَبَاقِيه حَدِيد ونحاس ورصاص. هَذَا وَالنَّاس فِي الْقَاهِرَة على تخوف وُقُوع الْفِتْنَة بِمَوْت السُّلْطَان. وَقد كثر عَبث المفسدين وقطاع الطَّرِيق بِبِلَاد الصَّعِيد. وفحش قتل الْأَنْفس وَأخذ الْأَمْوَال هُنَاكَ. وَمَعَ ذَلِك فالأسواق كاسدة والبضائع بأيدي التُّجَّار بايرة وَالْأَحْوَال واقفة والشكاية قد عَمت فَلَا تَجِد إِلَّا شاكياً وقُوف حَاله وَقلة مكسبه. وجور الْوُلَاة والحكام وأتباعهم متزايد فتسأل الله حسن الْعَاقِبَة. وَفِي يَوْم الْخَمِيس خامسه: صعد الْأُمَرَاء قلعة الْجَبَل وجلسوا على بَاب الدَّار فَخرج إِلَيْهِم الطواشي وَاعْتذر لَهُم عَن دُخُولهمْ فانصرفوا وَكَانُوا على هَذَا مُنْذُ أَيَّام. والإرجاف يُقَوي فَإِن السُّلْطَان أفرط بِهِ الإسهال مَعَ تنوع الأسقام وتزايد الآلام بِحَيْثُ قَالَ لي طبيبه: لم يبْق مرض من الْأَمْرَاض حَتَّى حصل لَهُ. وَقد افترق الْأُمَرَاء فرقا فَطلب الْأُمَرَاء الَّذين فِي القلعة - وَكَبِيرهمْ ططر - الْأَمِير التَّاج الشويكي وخلعوا عَلَيْهِ فِي بعض دور القلعة وجعلوه وَالِي الْقَاهِرَة وشقها فِي تجمل زَائِد أرهب بِهِ من كَانَ يخَاف مِنْهُ أَن يمد يَده إِلَى النهب من مفسدي الْعَامَّة. وَمَا برح الإرجاف بالسلطان فِي كل يَوْم حَتَّى مَاتَ قبيل الظّهْر من يَوْم الِاثْنَيْنِ تاسعه فارتج النَّاس سَاعَة ثمَّ سكنوا. فَطلب الْقُضَاة والخليفة لإِقَامَة ابْن السُّلْطَان فأقيم فِي السلطنة. وَأخذ فِي جهاز الْمُؤَيد وَصلى عَلَيْهِ خَارج بَاب الْقلَّة وَحمل إِلَى الْجَامِع المؤيدي فَدفن بالقبة قبيل الْعَصْر وَلم يشْهد دَفنه كثير أحد من الْأُمَرَاء والمماليك لتأخرهم بالقلعة فِيمَا يَأْتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَاتفقَ فِي أَمر الْمُؤَيد موعظة فِيهَا أعظم عِبْرَة وَهُوَ أَنه لما غسل لم يُوجد لَهُ منشفة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 26 ينشف بهَا فنشف بمنديل بعض من حضر غسله. وَلَا وجد لَهُ مئزر تسر بِهِ عَوْرَته حَتَّى آخذ لَهُ مئنر رصوف صعيدي من فَوق رَأس بعض جواريه فَستر بِهِ وَلَا وجد لَهُ حَتَّى أَخذ لَهُ طاسة يصب عَلَيْهِ بهَا المَاء وَهُوَ يغسل مَعَ كَثْرَة مَا خَلفه من أَنْوَاع الْأَمْوَال. وَمَات وَقد أناف على الْخمسين وَكَانَت مُدَّة ملكه ثَمَانِي سِنِين وَخَمْسَة أشهر وَثَمَانِية أَيَّام. وَكَانَ شجاعاً مقداماً يحب أهل الْعلم ويجالسهم ويجل الشَّرْع النَّبَوِيّ ويذعن لَهُ وَلَا يُنكر على من طلبه مِنْهُ إِذا تحاكم إِلَيْهِ أَن يمْضِي من بَين يَدَيْهِ إِلَى قُضَاة الشَّرْع بل يُعجبهُ ذَلِك. وينكر على أمرائه مُعَارضَة الْقُضَاة فِي أحكامهم. وَكَانَ غير مائل إِلَى شَيْء من الْبدع. وَله قيام فِي اللَّيْل إِلَى التَّهَجُّد أَحْيَانًا. إِلَّا أَنه كَانَ بَخِيلًا مسيكاً يشح حَتَّى بِالْأَكْلِ لجوجاً غضوباً نكداً حسوداً معياناً يتظاهر بأنواع الْمُنْكَرَات فحاشاً سباباً بذيا شَدِيد المهابة حَافِظًا لأَصْحَابه غير مفرط فيهم وَلَا مضيعاً لَهُم وَهُوَ أَكثر أَسبَاب خراب مصر وَالشَّام لِكَثْرَة مَا كَانَ يثيره من الشرور والفتن أَيَّام نيابته بطرابلس ودمشق. ثمَّ مَا أفْسدهُ فِي أَيَّام ملكه من كَثْرَة الْمَظَالِم وَنهب الْبِلَاد وتسليط أَتْبَاعه على النَّاس يسومونهم الذلة وَيَأْخُذُونَ مَا قدرُوا عَلَيْهِ بِغَيْر وازع من عقل وَلَا ناه من دين. السُّلْطَان أَبُو السعادات أَحْمد بن الْمُؤَيد السُّلْطَان الْملك المظفر أَبُو السعادات أَحْمد بن الْمُؤَيد شيخ أقيم فِي السلطة يَوْم مَاتَ أَبوهُ على مضى خمس درج من نصف نَهَار الِاثْنَيْنِ تَاسِع الْمحرم سنة أَربع وَعشْرين وثماني مائَة وعمره سنة وَاحِدَة وَثَمَانِية أشهر وَسَبْعَة أَيَّام. وأركب على فرس من بَاب الستارة فَبكى. وَسَارُوا بِهِ وَهُوَ يبكي إِلَى الْقصر حَيْثُ الْأُمَرَاء والقضاة والخليفة فقبلوا لَهُ الأَرْض ولقبوه بِالْملكِ المظفر أبي السعادات. وَأمر فِي الْحَال فَنُوديَ فِي القلعة والقاهرة أَن يترحم النَّاس على الْملك الْمُؤَيد ويدعوا للْملك المظفر وَلَده. وَأخذ فِي جهاز الْمُؤَيد وَدَفنه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 27 وَقبض على الْأَمِير قجقار القردمي أَمِير سلَاح قبل دفن الْمُؤَيد وأحيط بمباشريه وحواصله بِإِشَارَة الْأَمِير ططر وَبَات بالقلعة وَالنَّاس على تخوف. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء عاشره: عملت الْخدمَة بِالْقصرِ وَعرض على الْأَمِير تنبك ميق أَن يتحدث فِي أُمُور الدولة رَفِيقًا للأمير ططر فَامْتنعَ من ذَلِك أَشد امْتنَاع فَقَامَ الْأَمِير ططر بأعباء الدولة وخلع عَلَيْهِ لالا للسُّلْطَان وكافله. وخلع على الْأَمِير تنبك ميق هَذَا والمظفر قد أَجْلِس وهم حوله. فَلَمَّا انْقَضتْ الْخدمَة أُعِيد إِلَى أمه. وَاسْتقر سكني الْأَمِير ططر بالأشرفية من القلعة ووقف الْأُمَرَاء ومباشرو الدولة بَين يَدَيْهِ. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء حادي عشره: قبض على الْأَمِير جلبان والأمير شاهين الْفَارِسِي وهما من أُمَرَاء الألوف. وَطلب قُضَاة الْقُضَاة الْأَرْبَع إِلَى القلعة وَختم بحضورهم على حواصل الْمُؤَيد بعد مَا أخرج مِنْهَا أَرْبَعمِائَة ألف دِينَار برسم النَّفَقَة على الْعَسْكَر. فَلَمَّا كَانَ عشَاء اضْطربَ النَّاس وَلبس الْأُمَرَاء والمماليك للحرب فَخرج الْأَمِير مقبل الدوادار فِي عدَّة من أُمَرَاء الطبلخاناه والعشرات وَمن المماليك والأتباع وسروا إِلَى جِهَة الشَّام فَاجْتمع الْأُمَرَاء بكرَة الْخَمِيس بالقلعة. وَنُودِيَ بأبطال المغارم الَّتِي حدثت على الجراريف وَعمل الجسور بأعمال مصر. وَنُودِيَ باجتماع المماليك السُّلْطَانِيَّة للنَّفَقَة فيهم فَأخذ كل وَاحِد مِنْهُم مائَة دِينَار. وَنُودِيَ ثَالِث مرّة بِحُضُور أجناد الْحلقَة ليرد عَلَيْهِم مَا أَخذ مِنْهُم الْمُؤَيد من المَال فِي سنة اثْنَيْنِ وَعشْرين فسروا بذلك سُرُورًا زَائِدا وَفِيه أَخذ الْأَمِير الْكَبِير ططر بيد المظفر وفيهَا الْقَلَم حَتَّى علم على المناشير وَنَحْوهَا بِحَضْرَة الْأُمَرَاء وأرباب الدولة وَاسْتمرّ ذَلِك أَحْيَانًا. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث عشره: حمل قجقار القردمي وجلبان وشاهين الْفَارِسِي فِي الْقُيُود إِلَى سجن الْإسْكَنْدَريَّة. وَفِيه أنْفق فِي بَقِيَّة المماليك السُّلْطَانِيَّة أَيْضا كَمَا تقدم. وَفِي يَوْم السبت رَابِع عشره: خلع على الْوَزير الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله وأعيد إِلَيْهِ نظر الْخَاص. وخلع على صدر الدّين أَحْمد بن العجمي وأعيد إِلَى حسبَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 28 الْقَاهِرَة عوضا عَن الصارم إِبْرَاهِيم بن الحسام وأنعم عَلَيْهِ بَصَره فِيهَا ثَمَانُون دِينَارا. وأضيف إِلَيْهِ حسبَة مصر ورتب لَهُ على ديوَان الجوالي فِي كل يَوْم دِينَار. وَفِيه أنْفق فِي بَقِيَّة المماليك أَيْضا وَأَفْرج عَن جمَاعَة سجنهم الْمُؤَيد. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سادس عشره: خلع على الْأَمِير الْكَبِير ططر وَاسْتقر نظام الْملك كافل المماليك. وخلع على الْأَمِير تنبك ميق العلاي وَاسْتقر أَمِير مجْلِس عوضا عَن الْأَمِير ططر. وخلع على الْأَمِير تغري بردي من قصروه أحد رُءُوس النوب الطبلخاناه وَاسْتقر أَمِير أخور وأنعم عَلَيْهِ بتقدمة عوضا عَن طوغان أحد المجردين بحلب. وخلع على الْأَمِير أق قجا الأحمدي أحد الطبلخاناه وَاسْتقر أَمِير مائَة. وخلع على الْأَمِير قشتمر أحد العشرات وَاسْتقر فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن ابْن الْعَطَّار. وخلع على الْأَمِير جَانِبك الصُّوفِي وَاسْتقر أَمِير سلَاح عوضا عَن الْأَمِير قجقار القردمي. وأنعم عَلَيْهِ بِخبْز أق بلاط الدمرداشي. وخلع على الْأَمِير أينال أحد الطبلخاناه وَاسْتقر رَأس نوبَة النوب عوضا عَن الْأَمِير ألطنبغا الصَّغِير أحد المجردين بحلب. وخلع على الْأَمِير يشبك أستادار خلعة الِاسْتِمْرَار وخلع على التَّاج باستمراره فِي ولَايَة الْقَاهِرَة وَأَن يكون حاجباً. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع عشره: تَوَجَّهت القصاد بتشاريف نواب الشَّام وتقاليدهم المظفرية باستقرارهم على عاداتهم فِي كفالاتهم. وَكتب الْأَمِير نظام الْملك ططر الْعَلامَة على الْأَمْثِلَة وَنَحْوهَا كَمَا يكْتب السُّلْطَان. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن عشره: ابتدئ بِالنَّفَقَةِ فِي أجناد الْحلقَة ورد على كل أحد مِنْهُم مَا أَخذ مِنْهُ. وَتَوَلَّى ذَلِك الْأَمِير نظام الْملك بِنَفسِهِ. وَفِيه نُودي بكف النَّاس عَن الْمُنْكَرَات كلهَا فَكثر الدُّعَاء لناظم الْملك وتمشت أَحْوَال النَّاس وَكثر البيع وَالشِّرَاء فراجت البضائع وربحت التُّجَّار لتوسع أهل الدولة مِمَّا صَار إِلَيْهِم من وَفِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشره: خلع على قُضَاة الْقُضَاة الْأَرْبَع وَبَقِيَّة أَرْبَاب الدولة باستمرارهم على عوائدهم فِي وظائفهم. وخلع على شرف الدّين مُحَمَّد بن تَاج الدّين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 29 عبد الْوَهَّاب بن نصر الله موقع الْأَمِير نظام الْملك. وَاسْتقر فِي نظر أوقاف الْأَشْرَاف. كَانَ يَلِيهِ الْأَمِير ططر مُنْذُ مَاتَ نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ. وَفِيه استعفي علم الدّين دَاوُد بن الكويز من مُبَاشرَة نظر الْجَيْش فأعفي. وخلع عَلَيْهِ جُبَّة بِفَرْوٍ سمور وَنزل إِلَى دَاره. وَفِيه قدم الْخَبَر بوصول الْأَمِير مقبل الدوادار إِلَى قطيا ومضيه إِلَى الطينة وركوبه الْبَحْر فِي غراب قد أعده. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة عشرينه: نُودي بِأَن الْأَمِير الْكَبِير نظام الْملك ططر يجلس للْحكم بَين النَّاس فَجَلَسَ بعد الصَّلَاة بالمقعد من الاصطبل كَمَا كَانَ الْمُؤَيد يجلس إِلَّا أَنه قعد عَن يسَار الْكُرْسِيّ وَلم يرقه. وَحضر الْأُمَرَاء على الْعَادة وَقعد كَاتب السِّرّ على الدكة فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقَصَص كَمَا كَانَ يقْرَأ فِي الْأَيَّام المؤيدية. ووقف نقيب الْجَيْش وَالِي الْقَاهِرَة بَين يَدَيْهِ كَمَا كَانَا يقفان بَين يَدي الْمُؤَيد فَنظر فِي ظلامات النَّاس. وَفِي يَوْم السبت حادي عشرينه: تنكر الْأَمِير الْكَبِير على الصاحب تَاج الدّين بن الهيصم وعزله وَفِي يَوْم الْأَحَد الْمُبَارك ثَانِي عشرينه: فرق الْأَمِير الْكَبِير نظام الْملك ططر فِي بَقِيَّة أجناد الْحلقَة مَا أَخذ مِنْهُم. وَفِيه قدم ركب الْحَاج الأول. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث عشرينه: قدم محمل الْحَاج بِبَقِيَّة الْحجَّاج. وَفِيه طلب تَاج الدّين عبد الرَّزَّاق بن شمس الدّين عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن كَاتب المناخات مُسْتَوْفِي الدِّيوَان الْمُفْرد وخلع عَلَيْهِ بوظيفة نظر الدِّيوَان الْمُفْرد عوضا عَن ابْن الهيصم. وَخرج من بَين يَدي الْأَمِير الْكَبِير حَتَّى توَسط الدهليز طلب ونزعت عَنهُ الخلعة وأفيض عَلَيْهِ تشريف الوزارة وَهُوَ يمْتَنع فَلم يلْتَفت إِلَيْهِ وَمضى إِلَيْهِ فِي دَاره. وَكَانَ ذَلِك برغبة ابْن نصر الله عَن الوزارة وتعيينه لَهَا عوضه. وَطلب ابْن الهيصم وخلع الجزء: 7 ¦ الصفحة: 30 عَلَيْهِ وأعيد إِلَى نظر الدِّيوَان الْمُفْرد. وخلع على الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله باستقراره فِي نظر الْخَاص. وخلع على الْأَمِير يشبك باستقراره ملك الْأُمَرَاء كاشف الْكَشَّاف بِالْوَجْهَيْنِ القبلي والبحري مُضَافا للأستادارية. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سادس عشرينه: خلع عَليّ كَمَال الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ كَاتب السِّرّ وَاسْتقر فِي نظر الجيمق عوضا عَن علم الدّين دَاوُد بن الكويز. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشرينه: جلس الْأَمِير الْكَبِير ططر بالمقعد السلطاني من الاصطبل بعد صَلَاة الْعَصْر للْحكم بَين النَّاس. وَأخرج المسجونين وعرضهم فعزل من عَلَيْهِ دين مِنْهُم ليصالح وَفِي يَوْم السبت ثامن عشرينه: توجه الْأَمِير يشبك أستادار وَكَاشف الْكَشَّاف إِلَى الْوَجْه القبلي فِي عدَّة من الأجناد. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سلخه: خلع على القَاضِي علم الدّين دَاوُد بن الكويز وَاسْتقر فِي نظر ديوَان الْإِنْشَاء كَاتب السِّرّ عوضا عَن كَمَال الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ فتسلم الْقوس غير راميها ووسدت الْأُمُور إِلَى غير أهليها. وَفِيه خلع أَيْضا على عدَّة من موقعي الدست خلع الِاسْتِمْرَار. شهر صفر: أهل بِيَوْم الثُّلَاثَاء: والإرجاف متزايد بِأَن أهل الشَّام قد امْتَنعُوا من طَاعَة الْأَمِير ططر. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة رابعه: جلس الْأَمِير ططر للْحكم على الْعَادة. وَفِي سابعه: قدم الْخَبَر بِأَن الْأَمِير جقمق نَائِب الشَّام أَخذ قلعة دمشق وَاسْتولى على مَا فِيهَا من الْأَمْوَال وَغَيرهَا وَكَانَ بهَا نَحْو الْمِائَة ألف دِينَار فاضطرب أهل الدولة. وَفِي عاشره: جمع الْأَمِير الْكَبِير ططر عِنْده بالأشرفية من القلعة قُضَاة الْقُضَاة وأمراء الدولة ومباشريها وَكَثِيرًا من المماليك السُّلْطَانِيَّة وأعلمهم بِأَن نواب الشَّام والأمير ألطنبغا القرمشي وَمن مَعَه من الْأُمَرَاء المجردين لم يرْضوا بِمَا عمل بعد موت الْمُؤَيد وَلَا بُد للنَّاس من حَاكم يتَوَلَّى تَدْبِير أُمُورهم وَلَا بُد أَن يعينوا رجلا ترضونه ليقوم بأعباء الجزء: 7 ¦ الصفحة: 31 المملكة ويستبد بالسلطنة. فَقَالَ الْجَمِيع قد رَضِينَا بك. وَكَانَ الْخَلِيفَة حَاضرا فيهم فَأشْهد عَلَيْهِ أَنه فوض جَمِيع أُمُور الرّعية إِلَى الْأَمِير الْكَبِير ططر وَجعل إِلَيْهِ ولَايَة من يرى ولَايَته وعزل من يُرِيد عَزله من سَائِر النَّاس وَأَن يُعْطي من شَاءَ مَا شَاءَ وَيمْنَع من يخْتَار من الْعَطاء مَا عدا اللقب السلطاني وَالدُّعَاء لَهُ على المنابر وَضرب اسْمه على الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم فَإِن هَذِه الثَّلَاثَة أَشْيَاء بَاقِيَة على مَا هِيَ عَلَيْهِ للْملك المظفر. وَأثبت قَاضِي الْقُضَاة زين الدّين عبد الرَّحْمَن التفهني هَذَا الْإِشْهَاد وَحكم بِصِحَّتِهِ. وَنفذ حكمه قُضَاة الْقُضَاة الثَّلَاثَة. ثمَّ حلف الْأُمَرَاء للأمير الْكَبِير يمينهم الْمَعْهُودَة. وَكَانَ سَبَب هَذَا أَن بعض فُقَهَاء الْحَنَفِيَّة تقرب إِلَى الْأَمِير الْكَبِير بِنَقْل أخرجه إِلَيْهِ من فروع مذْهبه أَن السُّلْطَان إِذا كَانَ صَغِيرا وَأجْمع أهل الشَّوْكَة على إِقَامَة رجل ليتحدث عَنهُ حَتَّى يبلغ رشده نفذت أَحْكَامه وَأقَام أَيَّامًا يحسن لَهُ ذَلِك فاتفق وُرُود الْخَيْر باستيلاء جقمق على قلعة دمشق. ثمَّ ردفه خبر آخر بِأَنَّهُ جهز عدَّة أُمَرَاء إِلَى غَزَّة فَعمل مَا تقدم ذكره ليَكُون فِيهِ تَقْوِيَة لقلوب الْعَسْكَر وَأَنَّهُمْ على حق وَمن يخالفهم على بَاطِل. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ رَابِع عشره: خلع عَليّ عبد الْقَادِر ابْن الْأَمِير فَخر الدّين عبد الْغَنِيّ ابْن أبي الْفرج وَاسْتقر فِي كشف الشرقية وَولَايَة قطيا وَله من الْعُمر خَمْسَة عشر سنة أَو أَكثر مِنْهَا فتحكم فِي وَفِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء سادس عشره: خسف جَمِيع جرم الْقَمَر. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء هَذَا: قدم سيف نَائِب حلب الْأَمِير يشبك اليوسفي المؤيدي وَقد قتل. وَكَانَ من خَبره أَنه لما ورد خبر موت الْمُؤَيد عَليّ الْأَمِير ألطنبغا القرمشي وَهُوَ بحلب جمع الْأُمَرَاء وَفِيهِمْ الْأَمِير يشبك نَائِب حلب وحلفهم للسُّلْطَان الْملك المظفر وَأخذ فِي رحيله بِمن مَعَه فَلم يتكامل رحليهم حَتَّى ركب يشبك فِي جمع من التركمان وهجم عَلَيْهِم وهم فِي جدران الْمَدِينَة فقاتلوه وَقد مَالَتْ مَعَهم الْعَامَّة فتقنطر عَن فرسه فَأخذ وَقتل وَذَلِكَ فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشْرين الْمحرم. وَكَانَ من شرار خلق الله لما هُوَ عَلَيْهِ من الْفُجُور والجرأة على الفسوق والتهور فِي سفك الدِّمَاء وَأخذ الْأَمْوَال. وَكَانَ الْمُؤَيد قد استوحش مِنْهُ لما يبلغهُ من أَخذه فِي أَسبَاب الْخُرُوج عَلَيْهِ وَأسر للأمير ألطنبغا القرمشي إِعْمَال الْحِيلَة فِي الْقَبْض عَلَيْهِ فَأَتَاهُ الله من حَيْثُ لم يحْتَسب وَأَخذه أخذا وبيلاً وَللَّه الْحَمد. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 32 وَفِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشره: قدم الْأَمِير قجق العيسوي حَاجِب الْحجاب والأمير بيبغا المظفري وَقد أفرج عَنْهُمَا من سجن الْإسْكَنْدَريَّة. وَقدم يشبك الساقي الْأَعْرَج وَكَانَ قد نَفَاهُ الْمُؤَيد من دمشق إِلَى مَكَّة. وَقد حضر إِلَيْهِ من حلب فِي حصاره الْأَمِير نوروز بحيلة دبرهَا عَلَيْهِ حَتَّى استنزله من قلعة حلب. فَلَمَّا ظفر بنوروز أَرَادَ قَتله فِيمَن قتل من أَصْحَابه فشفع فِيهِ الْأَمِير ططر فَأخْرجهُ إِلَى مَكَّة فَأَقَامَ بهَا سِنِين. ثمَّ نَقله إِلَى الْقُدس فَلم تطل إِقَامَته بهَا حَتَّى مَاتَ الْمُؤَيد وتحكم الْأَمِير ططر فاستدعاه. وَكَانَ لَهُ مُنْذُ خرج من الْقَاهِرَة نَحْو الْعشْرين سنة فَإِنَّهُ خرج فِي نوبَة بركَة الْحَبَش من سنة أَربع وثماني مائَة. وَفِيه أَيْضا قدم سودن الْأَعْرَج من قوص وَقد نفي إِلَيْهَا من سِنِين عديدة وَفِيه أفرج عَن الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد باك بن عَليّ باك بن قرمان وخلع عَلَيْهِ ورسم بتجهيزه ليعود إِلَى مَمْلَكَته. وأنعم عَلَيْهِ بِمَال وَثيَاب وخيول وَغير ذَلِك فَسَار فِي النّيل يَوْم السبت سادس عشرينه إِلَى جِهَة رشيد ليتوجه مِنْهَا. شهر ربيع الأول أَوله الْأَرْبَعَاء: فِيهِ ورد كتاب الْأَمِير الْكَبِير ألطنبغا القرمشي من حلب يتَضَمَّن أَنه لما قتل الْأَمِير يشبك نَائِب حلب ولي عوضه نِيَابَة حلب الْأَمِير ألطنبغا الصَّغِير وَأَنه عِنْد مَا ورد عَلَيْهِ خبر موت السُّلْطَان بعد مَا عهد بالسلطنة من بعده لِابْنِهِ وَأَن يكون الْقَائِم بِأُمُور الدولة ألطنبغا القرمشي وَأَنه قد أقيم فِي السلطنة الْملك المظفر كَمَا عهد أَخذ فِي الرحيل إِلَى مصر كَمَا رسم لَهُ بِهِ. فَكَانَ من أَمر يشبك مَا كَانَ فاشتغل عَن الْمسير. ثمَّ ورد عَلَيْهِ الْخَيْر باستقرار نواب المماليك الشامية على عوائدهم فِيمَا بِأَيْدِيهِم وتحليفهم للسُّلْطَان الْملك المظفر وللأمير الْكَبِير ططر فَحمل الْأَمر فِي ذَلِك على أَنه غلط من الْكَاتِب وسال أَن يفصح لَهُ عَن ذَلِك فَأُجِيب بِأَنَّهُ بعد مَا عهد الْمُؤَيد لِابْنِهِ وأقيم من بعده فِي السلطة طلب الْأُمَرَاء والخاصكية والمماليك السُّلْطَانِيَّة أَن يكون المتحدث فِي أُمُور الدولة كلهَا الْأَمِير ططر وَرَغبُوا إِلَيْهِ فِي ذَلِك ففوض إِلَيْهِ الْخَلِيفَة جَمِيع أُمُور المملكة مَا عدا اللقب السلطاني وَالْخطْبَة وَالسِّكَّة فليحضر الْأَمِير وَمن مَعَه ليكونوا على إمرياتهم. وَأنكر عَلَيْهِ اسْتِقْرَار ألطنبغا الصَّغِير فِي نِيَابَة حلب من غير اسْتِئْذَان. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 33 وَفِيه أَيْضا قدم الْخَبَر بِأَن عَليّ بن بِشَارَة قَاتل الْأَمِير قطلوبغا التنمي نَائِب صفد فَامْتنعَ بِالْمَدِينَةِ فحصروه حَتَّى فر إِلَى دمشق. وَأَن الْأَمِير جقمق استعد بِدِمَشْق واستخدم جمَاعَة وَسكن قلعة دمشق. وَفِي تاسعه: خلع على الْأَمِير تنبك ميق العلاي وَاسْتقر أتابك العساكر عوضا عَن الْأَمِير ألطنبغا القرمشي. وأنعم عَلَيْهِ بإقطاعه. وأنعم بإقطاع تنبك ميق على الْأَمِير أينال الأزعري. وأنعم بإقطاع أينال الأزعري على الْأَمِير قجق العيسوي. وأنعم بإقطاع الْأَمِير طوغان أَمِير أخور - أحد المجردين - على الْأَمِير تغري بردي الأقبغاوي الْمَعْرُوف بأخي قصروه. وأنعم بإقطاع الْأَمِير ألطنبغا من عبد الْوَاحِد الْمَعْرُوف بالصغير رَأس كوبة المستقر فِي نِيَابَة حلب على سودن العلاي. وأنعم بإقطاع سودن العلاي على قطج من تمرار. وأنعم بإقطاع الْأَمِير أزدمر الناصري - أحد المجردين - على الْأَمِير بيبغا المظفري. وأنعم بإقطاع الْأَمِير جرباش من عبد الْكَرِيم على تمربيه من قرمش. وبإقطاع على أركماس اليوسفي. وبإقطاع أركماس عَليّ سودن الْحَمَوِيّ. وبإقطاع سودن الْحَمَوِيّ على شاهين الحسمي وتغري بردي المحمدي قسم بَينهمَا. وأنعم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 34 بإقطاع الْأَمِير جلبان المؤيدي أَمِير أخور على أَلِي بيه من علم شيخ الدوادار. وأنعم بإقطاع أَلِي بيه على الدِّيوَان الْمُفْرد زِيَادَة فِيهِ. وأنعم بإقطاع الْأَمِير مقبل الدوادار على جقمق الخازندار. وأنعم بإقطاع الْأَمِير ألطنبغا المرقبي حَاجِب الْحجاب على قصروه التمرازي. وأنعم بإقطاع جانجك من حَمْزَة على قانبيه الحمزاوي. وأنعم بإقطاع قصروه على مغلباي البوبكري. وَفِي يَوْم الْأَحَد حادي عشره: عوق القَاضِي كَمَال الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ نَاظر الجيق وحموه الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْعَطَّار نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة بالقلعة على مَال يقومان بِهِ. ثمَّ أفرج عَنْهُمَا من الْغَد يَوْم الِاثْنَيْنِ وخلع على كَمَال الدّين خلعة الِاسْتِمْرَار ليقوم بِمَال ورسم على ابْن الْعَطَّار. وَفِيه قدم الْأَمِير يشبك استادار من الْوَجْه القبلي فَخلع عَلَيْهِ فِي يَوْم الثُّلَاثَاء حادي عشرينه وَاسْتقر كاشف الْكَشَّاف وفوض إِلَيْهِ عزل الْوُلَاة بِالْأَعْمَالِ وولايتهم عوناً لَهُ على كلف الدِّيوَان الْمُفْرد. بِمَا يَأْخُذهُ مِنْهُم من البراطيل. مائَة فرس برسم السّفر إِلَى الشَّام ورسم بالتجهيز للسَّفر. وَفِيه قدم قصاد عديدة من الْأُمَرَاء المجردين بِالشَّام فِي طلب جمَالهمْ وَأَمْوَالهمْ فمنعوا مِنْهَا. وَكتب إِلَى الْأَمِير ألطنبغا القرمشي بِأَن الْجمال فرقها السُّلْطَان وَقد عزم على السّفر وَأَنَّك مُخَيّر بَين أَن تحضر على مَا كنت عَلَيْهِ وَبَين أَن تَسْتَقِر فِي نِيَابَة الشَّام عوضا عَن جقمق. وَكثر الاهتمام بِأَمْر السّفر. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع عشرينه: خلع الْأَمِير صَلَاح الدّين مُحَمَّد ابْن الْوَزير الصاحب نَاظر الْخَاص بدر الدّين حسن بن نصر الله أحد الْحجاب وَاسْتقر أستادارا عوضا عَن الْأَمِير يشبك بعد عَزله من يَوْم الْجُمُعَة. وأنعم على الْأَمِير صَلَاح الدّين بإمرة مائَة تقدمة ألف. وَفِي هَذَا الشَّهْر وَالَّذِي قبله: نُودي أَن لَا يُسَافر أحد من النَّاس كَافَّة إِلَى الْبِلَاد الشامية وهدد من وجد مُسَافِرًا إِلَيْهَا بأشد الْعقُوبَة. وَكَانَ الْقَصْد بذلك تعمية الْأَخْبَار عَن الْمُخَالفين. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 35 شهر ربيع الآخر: أهل بِيَوْم الْجُمُعَة: والعسكر فِي أهبة السّفر. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ رابعه: ركب الْأَمِير الْكَبِير نظام الْملك ططر من القلعة وَمَعَهُ الْأُمَرَاء والمماليك السُّلْطَانِيَّة. وَدخل إِلَى الْقَاهِرَة من بَاب النَّصْر وَخرج من بَاب زويلة إِلَى القلعه فَكَانَ فِي موكب سلطاني لم يفقد فِيهِ إِلَّا الجاويشية والعصابة. وَهَذَا أول موكب رَكبه فَإِنَّهُ مُنْذُ مَاتَ الْمُؤَيد شيخ لم يركب سوى يَوْمه هَذَا. وَفِي سادسه: نُودي من قبل الْأَمِير الْكَبِير نظام الْملك ططر فِي سَائِر المماليك السُّلْطَانِيَّة باجتماعهم لتنفق عَلَيْهِم النَّفَقَة. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سابعه. جلس الْأَمِير الْكَبِير نظام الْملك ططر بالقلعة وَأنْفق فِي المماليك نَفَقَة السّفر لكل وَاحِد مِنْهُم مائَة دِينَار أفرنتية. وَفِيه خلع على شمس الدّين مُحَمَّد ابْن قَاضِي الْقُضَاة زين الدّين عبد الرَّحْمَن التفهني وَاسْتقر قَاضِي الْعَسْكَر. وَكَانَ قَضَاء الْعَسْكَر قد شغر مُنْذُ أَعْوَام. وَفِي تاسعه: أنْفق فِي الْأُمَرَاء والمماليك أَيْضا فَحمل إِلَى الْأَمِير تنبك العلاي ميق خَمْسَة آلَاف دِينَار. وَفِي عاشره: أخرج بولدي الْملك النَّاصِر فرج بن الظَّاهِر برقوق من القلعة ونفيا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة. وَفِي رَابِع عشره: نصب المخيم السلطاني خَارج الْقَاهِرَة. وَفِيه وسط الْأَمِير رَاشد بن أَحْمد بن بقر خَارج بَاب النَّصْر ظلما. وَفِي ثامن عشرَة: قدم الْخَبَر بِأَن عَسَاكِر دمشق برزت مِنْهَا وَأَنَّهَا نزلت باللجون فَركب الْأَمِير ططر فِي يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع عشره من قلعة الْجَبَل ة وَمَعَهُ السُّلْطَان الْملك المظفر والأمراء يُرِيد السّفر إِلَى الشَّام. وَنزل بهم فِي المخيم ظَاهر الْقَاهِرَة وَخرج النَّاس أَفْوَاجًا فِي إثره وَأصْبح يَوْم الْأَرْبَعَاء الْأَمِير تنبك ميق راحلاً وَمَعَهُ عدَّة من الْأُمَرَاء وَغَيرهم ثمَّ اسْتَقل الْأَمِير ططر بِالْمَسِيرِ وَمَعَهُ السُّلْطَان والخليفة وَبَقِيَّة الْعَسْكَر فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشرينه. وَقد جعل نَائِب الْغَيْبَة الْأَمِير قانبيه الحمزاوي - وَهُوَ يَوْمئِذٍ غَائِب بِبِلَاد الصَّعِيد - وَأَن يَنُوب عَنهُ حَتَّى يحضر الْأَمِير جقمق أَخُو جركس المصارع وَتَأَخر عَن السّفر الْوَزير وأستادار. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 36 شهر جُمَادَى الأولى أَوله الْأَحَد: فِي ثَانِيَة: دخل الْأَمِير ططر بالسلطان إِلَى غَزَّة فَقدم إِلَيْهِ طَائِعا كثير مِمَّن خرج من عَسْكَر دمشق مِنْهُم الْأَمِير جلبان أَمِير أخور أحد المجردين إِلَى حلب فِي أَيَّام الْمُؤَيد والأمير أينال نَائِب حماة فسر بهم وأنعم عَلَيْهِم وفر مِمَّن كَانَ مَعَهم الْأَمِير مقبل الدوادار فِي طَائِفَة يُرِيد دمشق. وَقدم الْخَبَر بذلك إِلَى الْقَاهِرَة فِي تاسعه فدقت البشائر بالقلعة وخلع على القادم. وَفِي سادس عشره: قدم الْخَبَر بنزول الْأَمِير ططر وَمن مَعَه على بيسان فِي يَوْم الثُّلَاثَاء عاشره وَأَنه ورد عَلَيْهِ الْخَبَر من دمشق أَن الْأَمِير فِي مقبل لما دخل دمشق وَأخْبر بِدُخُول الأميرين جلبان أَمِير أخور وأينال نَائِب حماة فِي الطَّاعَة شقّ ذَلِك على الْأَمِير جقمق نَائِب الشَّام وعَلى الْأَمِير ألطنبغا القرمشي وَاخْتلفَا فاقتضي رَأْي القرمشي أَن يدْخل فِي الطَّاعَة وَامْتنع جقمق من ذَلِك وصاروا حزبين. فَلَمَّا كَانَ فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثالثه: بلغ القرمشي عَن جقمق بِأَنَّهُ يُرِيد أَن يقبض عَلَيْهِ فبادر إِلَى محاربته وَركب فِي جماعته بِآلَة الْحَرْب ووقف بهم تجاه القلعة وَقد رفع الصنجق السلطاني فَأَتَاهُ جمَاعَة عديدة راغبين فِي الطَّاعَة. وَكَانَت بَينه وَبَين جقمق وقْعَة طول النَّهَار. فانكسر جقمق وَمضى هُوَ والأمير طوغان أَمِير أخور والأمير مقبل الدوادار فِي نَحْو الْخمسين فَارِسًا إِلَى جِهَة صرخد. وَأَن القرمشي استولى على مَدِينَة دمشق وَتقدم إِلَى الْقُضَاة والأعيان أَن يتوجهوا إِلَى ملاقاة السُّلْطَان. فقدموا إِلَى الْعَسْكَر فدقت البشائر بقلعة الْجَبَل وخلع على الَّذِي قدم بذلك. وَفِي يَوْم السبت حادي عشرينه: قدم الْأَمِير قانبيه الحمزاوي من بِلَاد الصَّعِيد وَحكم فِي نِيَابَة الْغَيْبَة فانكفت يَد جقمق عَن الحكم وَكَانَت سيرته فِي النَّاس جَيِّدَة وَفِيه نُودي على النّيل ثَلَاثَة أَصَابِع وَجَاء القاع أَرْبَعَة أَذْرع وَأَرْبَعَة وَعشْرين إصبعاً. وَفِي تَاسِع عشرينه: قدم الْخَبَر بِأَن الْأَمِير ططر لما نزل. مِمَّن مَعَه اللجون أَتَاهُ الْأَمِير أزدمر الناصري وعَلى يَده كتاب الْأَمِير ألطنبغا القر ومضمونه أَن جقمق نَائِب الشَّام ركب عَلَيْهِ فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثالثه بعسكر دمشق ووقف عِنْد بَاب النَّصْر. وَأَنه ركب. مِمَّن مَعَه ووقف عِنْد جَامع يلبغا. وَكَانَت بَينهمَا حَرْب من قبل الظّهْر إِلَى بعد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 37 الْعَصْر فانكسر من جقمق إِلَى سويقة صاروجاً ثمَّ قوى وَعَاد وَقد نصب الصنجق السلطاني ونادى من كَانَ فِي طَاعَة السُّلْطَان فليقف تَحت الصنجق فَأَتَاهُ كثير مِمَّن مَعَ جقمق فَلم يجد بدا من الْفِرَار فَتوجه نَحْو صرخد وَمَعَهُ الأميران مقبل وطوغان فسر الْأَمِير ططر سُرُورًا زَائِدا. وَأَنه قدم أَيْضا الْأَمِير قطلوبغا التنمي نَائِب صفد فَخلع عَلَيْهِ. وَسَار الْأَمِير ططر مِمَّن مَعَه إِلَى دمشق فَدَخلَهَا بكرَة يَوْم الْأَحَد خَامِس عشره وَقد تَلقاهُ الْأَمِير ألطنبغا القرمشي والأمير ألطنبغا المرقبي والأمير جرباش قاشق فَخلع على القرمشي وَنزل الْأَمِير ططر بالقلعة مَعَ السُّلْطَان. وَأول مَا بَدَأَ بِهِ أَن قبض على القرمشي والمرقبي وجرباش وعَلى الْأَمِير أردبغا من أُمَرَاء الألوف بِدِمَشْق وعَلى الْأَمِير بدر الدَّيْر حسن بن محب الدّين أستادار الْمُؤَيد. وَأصْبح يَوْم الِاثْنَيْنِ سادس عشره: وَقد جلس للْخدمَة بالقلة. وخلع على الْأَمِير تنبك العلاي ميق وَاسْتقر بِهِ نَائِب الشَّام عوضا عَن جقمق. وخلع على الْأَمِير أينال الجكمي رَأس نوبَة النوب وأستقر بِهِ نَائِب حلب. وخلع على الْأَمِير يُونُس الأتابك بِدِمَشْق وَاسْتقر نَائِب غَزَّة عوضا عَن أركماس الجلباني. وخلع على الْأَمِير جَانِبك الصُّوفِي أَمِير سلَاح وَاسْتقر أتابك العساكر عوضا عَن الْأَمِير تنبك ميق. وَبعث فِي طلب الْأَمِير جقمق الْأَمِير بيبغا المظفري والأمير أينال الأزعري والأمير يشبك أينالي والأمير سودن اللكاشي وَمَعَهُمْ مِائَتَا مَمْلُوك. فدقت البشائر بقلعه الْجَبَل مُدَّة ثَلَاثَة أَيَّام. وزينت الْقَاهِرَة عشرَة أَيَّام. شهر جُمَادَى الْآخِرَة أَوله الثُّلَاثَاء: فِي ثامن عشره: قدم إِلَى دمشق جمَاعَة من المماليك الظَّاهِرِيَّة برقوق الَّذين فروا من الْملك الْمُؤَيد مُنْذُ سِنِين مِنْهُم الْأَمِير طرباي نَائِب غَزَّة والأمير سودن من عبد الرَّحْمَن نَائِب طرابلس والأمير يشبك الدوادار والأمير جَانِبك الحمزاوي نَائِب طرسوس فَخلع عَلَيْهِم الْأَمِير ططر. وأنعم عَلَيْهِم بِالْمَالِ وَالْخَيْل وَالسِّلَاح والقماش. وَحمل إِلَيْهِم الْأُمَرَاء عدَّة تقادم على قدر رتبهم. وَفِي تَاسِع عشرينه: توقفت زِيَادَة مَاء النّيل وَنقص خَمْسَة أَصَابِع. وَقد بلغ خَمْسَة أَذْرع واثنين وَعشْرين إصبعاً. وَفِيه قدم الْخَبَر بتوجه الْأَمِير ططر. مِمَّن مَعَه من السُّلْطَان والعساكر إِلَى جِهَة حلب فِي خَامِس عشرينه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 38 شهر رَجَب أَوله الْأَرْبَعَاء: أهل وَالنَّاس فِي قلق لتوقف مَاء النّيل عَن الزِّيَادَة وَقد نقص بضع عشرَة إصبعا ثمَّ أَن الله أغاث عباده وَنُودِيَ عَلَيْهِ فِي رابعه بِزِيَادَة إِصْبَع واستمرت زِيَادَته. وَفِي سادسه: دخل الْأَمِير ططر. مِمَّن مَعَه إِلَى حلب فَقدم عَلَيْهِ بهَا الْأَمِير مقبل الحسامي الدوادار طَائِعا وَقد فَارق جقمق بصرخد فَخلع عَلَيْهِ وعفي عَنهُ. وخلع على الْأَمِير تغري بردي من قصروه أَمِير أخور وَاسْتقر فِي نِيَابَة حلب عوضا عَن أينال الجكمي وخلع على أينال وَاسْتقر أَمِير سلَاح. شهر شعْبَان أَوله الْجُمُعَة: فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ حادي عشره - الْمُوَافق لثامن عشر مسرى -: كَانَ وَفَاء النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا وَفتح الخليح على الْعَادة. وَقدم الْخَبَر بِأَن الْأَمِير برسباي الدقماقي نَائِب طرابلس - كَانَ - بَعثه الْأَمِير ططر من حلب وَمَعَهُ القَاضِي بدر الدّين مُحَمَّد بن مزهر نَاظر الاصطبل إِلَى صرخد وَأَنه مَا زَالَ بالأمير جقمق حَتَّى أذعن وَسَار مَعَه إِلَى دمشق وَصَحبه الْأَمِير طوغار أَمِير أخور. فَلَمَّا قدمُوا دمشق قبض الْأَمِير تنبك ميق النَّائِب على جقمق وطوغان وسجنهما. وَأَن الْأَمِير ططر برز من حلب بِمن مَعَه فِي حادي عشره وَأَنه قدم بهم إِلَى دمشق فِي ثَالِث عشرينه فَقتل جقمق نَائِب الشَّام وَنفى طوغان إِلَى الْقُدس بطالا. وَأَنه قبض فِي ثامن عشرينه على كثير من الْأُمَرَاء مِنْهُم سَبْعَة من أُمَرَاء الألوف بِمصْر وهم أينال الأزعري حَاجِب الْحجاب وأينال الجكمي نَائِب حلب وأمير سلَاح وسودن اللكاشي وجلبان أَمِير أخور وألي بيه الدوادار ويشبك أينالي أستادار وأزدمر الناصري. وَقبض على الطواشي مرجان الخازندار ثمَّ أفرج عَنهُ. وعزم على خلع المظفر من السلطنة وخلعه فِي تَاسِع عشرينه فَكَانَت مدَّته سبعه أشهر وَعشْرين يَوْمًا. السُّلْطَان سيف الدّين أَبُو الْفَتْح ططر السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر سيف الدّين أَبُو الْفَتْح ططر جلس على تخت الْملك بقلعة دمشق فِي يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع عشْرين شعْبَان سنة أَربع الجزء: 7 ¦ الصفحة: 39 وَعشْرين وَثَمَانمِائَة الْمُوَافق لَهُ يَوْم نوروز القبط بِمصْر وتلقب بِالْملكِ الظَّاهِر. وخطب لَهُ من يَوْمه على مَنَابِر دمشق وَكتب إِلَى مصر وحلب وحماة وحمص وطرابلس وصفد وغزة بذلك. شهر رَمَضَان أَوله السبت: نُودي على النّيل ثَلَاثَة أَصَابِع لتتمه ثَمَانِيَة عشر ذِرَاعا وإصبعين. فَلَمَّا فتح بَحر أبي المنجا نقص النّيل اثْنَي عشر إصبعا ثمَّ إِنَّه تراجعها قَلِيلا قَلِيلا فِي عدَّة أَيَّام. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثالثه: خلع السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر ططر بقلعة دمشق على الْأَمِير طرباي الَّذِي كَانَ نَائِب غَزَّة وفر من الْملك الْمُؤَيد وَاسْتقر حَاجِب الْحجاب عوضا عَن أينال الأزعري. وخلع على الْأَمِير برسباي الدقماقي وَاسْتقر بِهِ دواداراً كَبِيرا عوضا عَن الْأَمِير أَلِي بيه. وبرسباي هَذَا بعث بِهِ الْأَمِير دقماق نَائِب ملطية إِلَى الظَّاهِر برقوق فَنزل بالطباق من القلعة إِلَى أَن أخرج لَهُ خيلاً وَصَارَ يركب وَينزل فَلَمَّا مَاتَ الظَّاهِر انْتَمَى إِلَى الْأَمِير جركس المصارع وتقلبت بِهِ الْأَحْوَال فِي تِلْكَ الْأَيَّام إِلَى أَن خرج من الْقَاهِرَة فَارًّا إِلَى الشَّام. وَصَارَ من جمَاعَة الْأَمِير نوروز الحافظي. ثمَّ انْتقل عَنهُ هُوَ وَأَخُوهُ ططر إِلَى الْأَمِير شيخ المحمودي وَمَا زَالا مَعَه حَتَّى قتل الْملك النَّاصِر فرج بن برقوق وَقدم الْأَمِير شيخ إِلَى مصر وتسلطن أنعم على برسباي بإمرة وَعَمله كاشف الجسور. ثمَّ ولاه نِيَابَة طرابلس فواقع التركمان فكسروه. فتنكر عَلَيْهِ الْملك الْمَزِيد شيخ وسجنه بالمرقب مُدَّة ثمَّ أفرج عَنهُ وأنعم عَلَيْهِ بإمرة فِي دمشق فَمَاتَ الْمُؤَيد وَهُوَ من جملَة أُمَرَاء دمشق فَقبض عَلَيْهِ الْأَمِير جقمق نَائِب الشَّام وسجنه من أجل أَنه مَعْرُوف بَينهمَا قرَابَة قريبَة. فَلم يزل مسجوناً بقلعة دمشق حَتَّى ثار الْأَمِير ألطنبغا على جقمق نَائِب الشَّام وهزمه. فأفرج عَن برسباي. وَدخل عقيب ذَلِك الْأَمِير ططر إِلَى دمشق فَتوجه مَعَه إِلَى حلب وَبَعثه مِنْهَا حَتَّى أحضر جقمق من صرخد. فَلَمَّا تسلطن ططر عمله دواداراً كَبِيرا. وسيظهر لَك فَائِدَة وخلع فِي هَذَا الْيَوْم أَيْضا على الْأَمِير يشبك الدوادار الَّذِي فر من الْحجاز إِلَى قرا يُوسُف فِي الْأَيَّام المؤيدية وَاسْتقر أَمِير أخور عوضا عَن الْأَمِير تغري بردي من قصروه. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء خامسه: خلع على قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين يُوسُف الْبِسَاطِيّ بَين يَدي الْأَمِير قانبيه الحمزاوي وَاسْتقر فِي حسبَة الْقَاهِرَة عوضا عَن صدر الدّين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 40 أَحْمد بن العجمي وَنزل فِي موكب جليل إِلَى دَاره. وَكَانَ سَبَب ولَايَته أَنه طَالَتْ عطلته سِنِين فَلَمَّا استبد الظَّاهِر ططر بالسلطنة تذكره لصحبة بَينهمَا فَكتب إِلَى الْأَمِير قانبيه بِطَلَبِهِ وَعرض الْحِسْبَة عَلَيْهِ فَإِن قبلهَا ولاه فَلم يمْتَنع من قبُولهَا لرغبته فِي الحكم. وَفِي ثامنه: قدم الْخَبَر بسلطنة الْأَمِير ططر فَنُوديَ بذلك فِي الْقَاهِرَة ودقت البشائر بقلعة الْجَبَل. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع عشره: برز السُّلْطَان من دمشق عَائِدًا إِلَى مصر بعد مَا أثر بِدِمَشْق آثاراً جميلَة مِنْهَا أَن نَائِب الشَّام كَانَ لَهُ محتسب دمشق فِي كل سنة نَحْو الْألف وَخَمْسمِائة دِينَار يحملهَا إِلَيْهِ ويتعوضها بِزِيَادَة من مظالم الْعباد فعوض السُّلْطَان نَائِب الشَّام عَن هَذَا الْمبلغ بلد أربل ويتحصل لَهُ مِنْهَا فِي السّنة نَحْو الْأَلفَيْنِ وَخَمْسمِائة دِينَار وَولى حسبَة دمشق لرجل بِغَيْر مَال ونادى إِن طلب مِنْكُم الْمُحْتَسب يَا أهل دمشق شَيْئا فارجموه. وَنقش بِإِبْطَال هَذِه الْحَادِثَة - وَمَا كَانَ مِنْهُ فِيهَا - على حجر بِجَامِع بني أُميَّة. ثمَّ مر السُّلْطَان فِي طَريقَة بِمَدِينَة الْقُدس فَرفع إِلَيْهِ أَن من عَادَة نائبها أَن يجبي كل سنة من فلاحي الضّيَاع نَحْو أَرْبَعَة آلَاف دِينَار وبسبب ذَلِك خربَتْ مُعَاملَة الْقُدس فعوض النَّائِب عَن ذَلِك. ونادى بِإِبْطَال هَذِه المغارم ونقشه على حجر بِالْمَسْجِدِ فتباشر النَّاس بأيامه ورجوا أَن يزِيل الله عَنْهُم بِهِ مَا هم فِيهِ من الْجور. شهر شَوَّال أَوله الِاثْنَيْنِ الْمُوَافق لَهُ ثَانِي بابة: وَفِيه بلغت زِيَادَة النّيل تِسْعَة عشر ذِرَاعا وإصبع وَاحِد. وَفِيه نزل السُّلْطَان بالصالحية فَخرج النَّاس إِلَى لِقَائِه وَقد تزايد السرُور بِهِ فَصَعدَ قلعة الْجَبَل فِي يَوْم الْخَمِيس رابعه وَأنزل المظفر مَعَ أمه فِي بعض دور القلعة. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة خامسه: خلع على الطواشي مرجان الْهِنْدِيّ وَاسْتقر زِمَام الدَّار عوضا عَن الطواشي كافور الشبلي. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ: ابْتَدَأَ السُّلْطَان بِعرْض مماليك الطباق وَأنزل مِنْهُم عدَّة فسكنوا فِي الصليبة وَغَيرهَا. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ خَامِس عشره: استدعى السُّلْطَان الشَّيْخ ولي الدّين أَبُو زرْعَة أَحْمد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 41 ابْن الشَّيْخ زين الدّين عبد الرَّحِيم بن الْحُسَيْن العرامي الشَّافِعِي وخلع عَلَيْهِ وفوض إِلَيْهِ قَضَاء الْقُضَاة بديار مصر بعد وَفَاة جلال الدّين عبد الرَّحْمَن بن البُلْقِينِيّ. فَنزل فِي موكب عَظِيم من الْأُمَرَاء والقضاة والأعيان بعد مَا اشْترط أَن لَا يقبل شَفَاعَة أَمِير فِي يَوْم الحكم. فسر النَّاس بولايته لكفاءته وتمنكه من عُلُوم الحَدِيث وَالْفِقْه وَغير ذَلِك مَعَ جميل طَرِيقَته وَحسن سيرته وتصديه للإفتاء والتدريس عدَّة سِنِين وتنزهه عَن الترداد لأبواب الْأُمَرَاء وَنَحْوهم وسعة ذَات يَده وَغير هَذَا من الصِّفَات المحمودة. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي عشرينه: أصبح السُّلْطَان مَرِيضا فَلَزِمَ الْفراش إِلَى آخر الشَّهْر. وَفِي هَذَا الشَّهْر أنعم على كل من الْأَمِير سودن الْأَشْقَر والأمير كزل العجمي بإمرة. وَكَانَا منفيين فأعادهما السُّلْطَان إِلَى الْقَاهِرَة. وَفِيه انحل سعر الغلال عَمَّا كَانَ. شهر ذِي الْقعدَة أَوله الثُّلَاثَاء: فِيهِ أبل السُّلْطَان من مَرضه وَدخل الْحمام وخلع على الْأَطِبَّاء وأنعم عَلَيْهِم. وَفِي ثالثه: خلع على فَارس دوادار السُّلْطَان وَهُوَ أَمِير وَاسْتقر فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن قشتمر وَقد أحضر من الثغر. وَفِيه قبض على قشتمر الْمَذْكُور وعَلى الْأَمِير قانبيه الحمزاوي نَائِب الْغَيْبَة وحملا مقيدين إِلَى وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ رابعه: خلع على زين الدّين عبد الباسط بن خَلِيل بن إِبْرَاهِيم الدِّمَشْقِي وَاسْتقر نَاظر الجيوش عوضا عَن كَمَال الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ الْحَمَوِيّ. وخلع على شرف الدّين مُحَمَّد بن تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب بن نصر الله وَاسْتقر فِي نظر وقف الْأَشْرَاف وَفِي نظر الخزانة وَنظر كسْوَة الْكَعْبَة عوضا عَن عبد الباسط. وَفِي عاشرينه: انتكس السُّلْطَان وَلزِمَ الْفراش. وَفِي خَامِس عشرينه: عزل قَاضِي الْقُضَاة ولي الدّين أَبُو زرْعَة نَفسه لمعارضة بعض الْأُمَرَاء لَهُ فِي ولَايَة الْقَضَاء بِبَعْض الْأَعْمَال. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 42 وَفِي سادس عشرينه: رسم بالإفراج عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ أبي الْفضل الْعَبَّاس بن مُحَمَّد من سجنه بالبرج فِي الإسكندريه وَأَن يسكن بقاعة فِي الْمَدِينَة وَيخرج لصَلَاة الْجُمُعَة بالجامع ويركب حَيْثُ شَاءَ. وجهز إِلَيْهِ بفرس عَلَيْهِ سرج ذهب وكنفوش زركش وبقجة قماش تلِيق بمقامه ورتب لَهُ على الثغر فِي كل يَوْم مائَة دِرْهَم من نقد الْقَاهِرَة وَفِي يَوْم الْأَحَد سَابِع عشرينه: درس علم الدّين صَالح ابْن شيخ الْإِسْلَام سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ بالزاوية الْمَعْرُوفَة بالخشابية الَّتِي بِجَامِع عَمْرو بن الْعَاصِ بِمَدِينَة مصر عوضا عَن أَخِيه قَاضِي الْقُضَاة الْقُضَاة جلال الدّين عبد الرَّحْمَن بن البُلْقِينِيّ. أهل وَالسُّلْطَان مَرضه متزايد والإرجاف بِهِ كبيره وَفِي يَوْم الْجُمُعَة - ثَانِيه -: استدعى الْخَلِيفَة والقضاة إِلَى القلعة وَقد اجْتمع الْأُمَرَاء والمباشرون والمماليك وعهد السُّلْطَان لِابْنِهِ الْأَمِير مُحَمَّد وَأَن يكون الْقَائِم بدولته الْأَمِير جَانِبك الصُّوفِي والأمير برسباي الدقماقي لالا فَحلف الْأُمَرَاء على ذَلِك كَمَا حلفوا لِابْنِ الْملك الْمُؤَيد. وَفِيه أذن لقَاضِي الْقُضَاة ولي الدّين بن الْعِرَاقِيّ أَن يحكم وأعيد إِلَى الْقَضَاء. وَكَانَ من حِين عزل نَفسه قد انكف هُوَ ونوابه عَن الحكم فصلى بِالنَّاسِ الْجُمُعَة بعد مَا خطب فِي جَامع القلعة وَنزل من غير أَن يخلع عَلَيْهِ شغلا. فَمَرض السُّلْطَان. وَفِيه أَخذ النَّاس فِي توزيع أمتعتهم من الدّور والحوانيت خوفًا من الْفِتْنَة فَلَمَّا كَانَت ضحوة نَهَار الْأَحَد رابعه توفّي السُّلْطَان فاضطرب النَّاس سَاعَة ثمَّ غسل وَأخرج من بَاب السلسة وَلَيْسَ مَعَه إِلَّا نَحْو الْعشْرين وجلا حَتَّى دفن بجوار اللَّيْث بن سعد من القرافة. فَكَانَت مُدَّة تحكمه مُنْذُ مَاتَ الْمُؤَيد أحد عشر شهرا تنقص خَمْسَة أَيَّام مِنْهَا مُدَّة سلطنته أَرْبَعَة وَتِسْعين يَوْمًا. وَكَانَ جركسي الْجِنْس رباه بعض التُّجَّار وَعلمه شَيْئا من الْقُرْآن وَفقه الْحَنَفِيَّة. وَقدم بِهِ الْقَاهِرَة فِي سنة إِحْدَى وَثَمَانمِائَة وَهُوَ صبي فَدلَّ عَلَيْهِ الْأَمِير قانبيه العلاي لِقَرَابَتِهِ بِهِ فَسَأَلَ السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر فِيهِ حَتَّى أَخذه من تاجره. وَمَات السُّلْطَان قبل أَن يصرف ثمنه. فوزن الْأَمِير الْكَبِير أيتمش ثمنه اثْنَي عشر ألف دِرْهَم. ونزله فِي جملَة مماليك الطباق فَنَشَأَ بَينهم وَكَانَ الْملك النَّاصِر فرج الجزء: 7 ¦ الصفحة: 43 اعتقه فَلم يزل فِي مماليك الطباق حَتَّى عَاد النَّاصِر إِلَى السلطة بعد أَخِيه الْمَنْصُور عبد الْعَزِيز فَأخْرج لَهُ الْخَيل وَأَعْطَاهُ إقطاعاً فِي الْحلقَة فانضم إِلَى الْأَمِير نوروز الحافظي وتقلب مَعَه فِي بحار تِلْكَ الْفِتَن وفر إِلَيْهِ بِالشَّام ثمَّ صَار مِنْهُ إِلَى جمَاعَة الْأَمِير شيخ. وَمَا زَالَ مَعَه حَتَّى قتل النَّاصِر وَقدم إِلَى مصر وتسلطن فَأمره وتنقل حَتَّى صَار سُلْطَانا فَلم يتهن. وَكَانَ أَولا كالمحجور عَلَيْهِ مَعَ أَلِي بيه الدوادار وتغري بردي من قصروه أَمِير أخور. ثمَّ تعلل مُنْذُ خرج من حلب فَلم يقم بقلعة الْجَبَل سوى ثَمَانِيَة عشر يَوْمًا. وألجأه تعلله إِلَى لُزُوم الْفراش حَتَّى مَاتَ. وَكَانَ يمِيل إِلَى تدين وَفِيه لين وإعصاء وكرم مَعَ طيش وخفة. وَكَانَ شَدِيد التعصب لمَذْهَب الْحَنَفِيَّة. يُرِيد أَن لَا يدع أحدا من الْفُقَهَاء غير الْحَنَفِيَّة. وأتلف فِي مدَّته - مَعَ قلتهَا - أَمْوَالًا عَظِيمَة وَحمل الدولة كلفا كَثِيرَة أتعب بهَا من بعده. وَلم تطل أَيَّامه حَتَّى تشكر أَفعاله أَو تدم. السُّلْطَان نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الظَّاهِر ططر السُّلْطَان الْملك الصَّالح نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الظَّاهِر ططر أقيم فِي السلطنة بِعَهْد أَبِيه إِلَيْهِ وعمره نَحْو الْعشْر سِنِين عقيب موت أَبِيه. فِي يَوْم الْأَحَد رَابِع ذِي الْحجَّة سنة أَربع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة قد اجْتمع الْأُمَرَاء بالقلعة إِلَّا الْأَمِير جَانِبك الصُّوفِي فَإِنَّهُ لم يحضر فَمَا زَالُوا بِهِ حَتَّى حضر وأجلسوا السُّلْطَان ولقبوه بِالْملكِ الصَّالح. وَنُودِيَ فِي الْقَاهِرَة أَن يترحموا على الْملك الظَّاهِر ويدعوا للْملك الصَّالح وَسكن الْأَمِير جَانِبك الصُّوفِي بالحراقة من بَاب السلسة وانضم إِلَيْهِ مُعظم الْأُمَرَاء والمماليك. وَأقَام الْأَمِير برسباي الدقماقي بالقلعة فِي عدَّة من الْأُمَرَاء والمماليك مِنْهُم الْأَمِير طرباي حَاجِب الْحجاب والأمير قصروه رَأس نوبَة والأمير جقمق وَبَاتُوا بأجمعهم مستعدين. وَأَصْبحُوا يَوْم الْإِثْنَيْنِ خامسه وَقد تجمع المماليك يطْلبُونَ النَّفَقَة عَلَيْهِم وَالْأُضْحِيَّة وأغلظوا فِي القَوْل حَتَّى كَادَت الْحَرْب أَن تكون. فترضاهم الْأُمَرَاء حَتَّى تفرق جمعهم. وَبَات الْعَسْكَر على أهبة الْقِتَال. وَأَصْبحُوا يَوْم الثُّلَاثَاء سادسه فِي تَفْرِقَة الْأَضَاحِي فَأخذ كل مَمْلُوك رأسان من الضَّأْن. وتجمعوا تَحت القلعة لطلب النَّفَقَة فطال النزاع بَينهم وَبَين الْأَمِير جَانِبك الصُّوفِي حَتَّى تراضوا أَن ينْفق فيهم بعد عشرَة أَيَّام من غير أَن يعين لَهُم مِقْدَار مَا يُنْفِقهُ فيهم فَانْفَضُّوا وَبعث الْأَمِير جَانِبك إِلَى الْأَمِير برسباي أَن ينزل من القلعة هُوَ والأمير طرباي والأمير قصروه وَأَن يسكنوا فِي دُورهمْ وَيُقِيم الْأَمِير جقمق عِنْد السُّلْطَان. فَنزل الْأَمِير طرباي مظْهرا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 44 أَنه فِي طَاعَة الْأَمِير جَانِبك وَهُوَ فِي الْبَاطِن بِخِلَاف ذَلِك فَإِنَّهُ أَخذ فِي تَدْبِير أمره وإحكام الْأَمر للأمير برسباي. واستمال كثير من المماليك وَأصْبح فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامنه الْأَمِير جَانِبك الصُّوفِي متوعكاً وَقد أشيع أَنه قصد بذلك مكيدة فتمادى الْحَال إِلَى يَوْم الْخَمِيس تاسعه. وَأصْبح يَوْم الْجُمُعَة عاشره وَهُوَ يَوْم النَّحْر وَقد أخرج الْأَمِير برسباي بالسلطان من قصره إِلَى الْجَامِع بالقلعة وَمَعَهُ الْأَمِير قصروه فصلى بهم قَاضِي الْقُضَاة ولي الدّين الْعِرَاقِيّ صَلَاة الْعِيد وخطب على الْعَادة. ثمَّ مضى الأميران بالسلطان إِلَى بَاب الستارة فذبح السُّلْطَان هُنَاكَ طَائِفَة من غنم الْأُضْحِية وَذبح الْأَمِير برسباي مَا هُنَالك من الْبَقر وَبَقِيَّة الْغنم. وبينما هم فِي ذَلِك إِذْ رمى المماليك بالنشاب من أعلا القلعة على الْأَمِير جَانِبك وَهُوَ بالحراقة من بَاب السلسلة فاضطرب النَّاس وللحال أغلق بَاب القلعة ودقت الكوسات حَرْبِيّا فَخرج الْأَمِير طرباي من دَاره فِي عَسْكَر كَبِير وَقد لبسوا جَمِيعهم لَامة الْحَرْب. وطلع وَمَعَهُ الْأَمِير قجق إِلَى الْأَمِير جَانِبك الصُّوفِي بالحراقة وَأخذ يلومه على تَأَخره عَن الطُّلُوع لصَلَاة الْعِيد ومازال يخدعه حَتَّى انخدع لَهُ وَركب مَعَه ليشتروا فِي بَيت الْأَمِير بيبغا المظفري على مَا يعْمل. وَكَانَ بيبغا قد تَأَخّر عَن الرّكُوب وَأقَام فِي دَاره. ومضوا وَقد ركب مَعَ جَانِبك الْأَمِير يشبك أَمِير أخور. فَمَا هُوَ إِلَّا أَن صَارُوا فِي دَاخل بَيت بيبغا المظفري إِذا بِبَاب الدَّار قد أغلق وأحيط بجانبك الصُّوفِي ويشبك أَمِير أخور وقيدا وأخذا أسيرين إِلَى القلعة وَنُودِيَ بِالنَّفَقَةِ فِي المماليك مائَة دِينَار لكل وَاحِد فَكَأَنَّهَا جَمْرَة طفيت. وللحال سكنت الْفِتْنَة كَأَن لم تكن فَلم تنتطح فِيهَا عنزان. وَنُودِيَ فِي الْقَاهِرَة بالأمان فقد قبض على أَعدَاء السُّلْطَان ففتحت أَبْوَاب الْقَاهِرَة بعد مَا أغلقت. وَاطْمَأَنَّ النَّاس بعد مَا كَانَ فِي ظنهم أَن الْفِتْنَة تطول. وكل ذَلِك فِي ضحى النَّهَار فسبحان من بِيَدِهِ الْأَمر كُله. وَفِي يَوْم السبت حادي عشره: استدعى الْأَمِير أرغون شاه أستادار الْأَمِير نوروز الحافظي. وَكَانَ قد قدم من دمشق فِي خدمَة الظَّاهِر ططر فَصَعدَ القلعة وخلع عَلَيْهِ الْأَمِير برسباي وَاسْتقر استادارا عوضا عَن الْأَمِير صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن نصر الله. وَفِيه حمل الْأَمِير جَانِبك الصُّوفِي والأمير يشبك مقيدين من القلعة إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجنا بهَا. وَفِي يَوْم الْأَحَد ثَانِي عشره: أُعِيد الصاحب تَاج الدّين بن الهيصم إِلَى نظر الدِّيوَان الْمُفْرد. وَكَانَ قد عزل عَنهُ بِدِمَشْق فِي شهر رَمَضَان. وَعَاد إِلَى الْقَاهِرَة بطالاً. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 45 وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث عشره: خلع على الْأَمِير آق قجا وَاسْتقر فِي كشف الْوَجْه القبلي وَكَانَ قد وليه فِي الْأَيَّام الظَّاهِرِيَّة ططر. وَسَاءَتْ سيرته حَتَّى أشيع أَنه افتض مائَة بكر غصبا إِلَى غير ذَلِك. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سادس عشره: اجْتمع الْأُمَرَاء بِالْخدمَةِ فِي الْقصر. وَقد أخرج السُّلْطَان من عِنْد أمه وأجلس ثمَّ خلع على الْأَمِير برسباي الدقماقي الدوادار وَاسْتقر نظام الْملك كَمَا كَانَ الظَّاهِر ططر قبل أَن يتسلطن. وَكَانَ الْأَمِير برسباي مُنْذُ اشْتَدَّ مرض الظَّاهِر مُقيما بالقلعة لم ينزل مِنْهَا طول هَذِه الْمدَّة. وَفِيه فوض الْخَلِيفَة إِلَى الْأَمِير الْكَبِير نظام الْملك برسباي أُمُور المملكة بأسرها ليقوم بهَا إِلَى أَن يبلغ السُّلْطَان رشده. وَحكم بِصِحَّة ذَلِك قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَفِيّ. وَفِيه خلع على الْأَمِير سودن من عبد الرَّحْمَن وَاسْتقر دوادارا كَبِيرا عوضا عَن الْأَمِير الْكَبِير نظام الْملك برسباي. وخلع على الْأَمِير طرباي حَاجِب الْحجاب. وَاسْتقر أَمِيرا كَبِيرا عَن جَانِبك الصُّوفِي. وتقرر الْحَال على أَن يكون تَدْبِير الدولة وَسَائِر أُمُور المملكة بيد الْأَمِير برسباي والأمير طرباي شركَة. وَأَن يسكن طرباي بداره تَحت القلعة تجاه بَاب السلسلة ويحضر الْخدمَة عِنْد الْأَمِير برسباي بالأشرفية. وخلع على الْأَمِير جقمق نَائِب القلعة وَاسْتقر حَاجِب الْحجاب عوضا عَن الْأَمِير طرباي. وخلع على الْأَمِير قصروه رَأس نوبَة وَاسْتقر أَمِير أخور عوضا عَن يشبك. وخلع على الْأَمِير أزبك وَاسْتمرّ رَأس نوبَة كَبِيرا عوضا عَن قصروه. وَخرج جَمِيع الْأُمَرَاء وَسَائِر أهل الدولة من الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة بِالْقصرِ مشَاة فِي خدمَة الْأَمِير نظام الْملك برسباي حَتَّى دخل الأشرفية الَّتِي هِيَ سكنه وعملت بهَا الْخدمَة بَين يَدَيْهِ. وَصرف أُمُور وَفِي السبت ثامن عشره: ورد الْخَبَر بِأَن الْأَمِير تغري بردي من قصروه نَائِب حلب استدعى جمائع التركمان إِلَى حلب وَقبض على الْأُمَرَاء الحلبيين وَخرج عَن الطَّاعَة. وَسبب ذَلِك أَن الظَّاهِر ططر كَانَ قد كتب بِولَايَة الْأَمِير تنبك البجاسي نَائِب طرابلس فِي نِيَابَة حلب وعزل تغري بردي. فَلَمَّا بلغه ذَلِك كَانَ مِنْهُ مَا ذكر. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 46 وَفِي ثَالِث عشرينه: خلع على صدر الدّين أَحْمد بن مَحْمُود العجمي وأعيد إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة عوضا عَن جمال الدّين يُوسُف الْبِسَاطِيّ. وَفِيه نُودي بِمَنْع النِّسَاء من الْخُرُوج إِلَى الترب وتشدد الْأَمِير جقمق الْحَاجِب فِي ذَلِك. وَكَانَ قد كثر فِي هَذَا الشَّهْر مرض النَّاس. وَمَات عدَّة مِنْهُم فَصَارَت النِّسَاء يترددن إِلَى الترب فِي أَيَّام الْجمع ويقمن بهَا المآتم والعزاء. وَقدم الْخَبَر بِعظم الفناء بِبِلَاد الفرنج - سِيمَا رودس - وبشدة الغلاء بِبَلَد العلايا وَنَحْوهَا من بر التركية. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشرينه: ابْتَدَأَ الْأَمِير نظام الْملك برسباي فِي نَفَقَة المماليك وَهُوَ والأمراء على تخوف مِنْهُم أَن يمتنعوا من أَخذهَا. وَذَلِكَ أَنهم وعدوا فِي نوبَة جَانِبك الصُّوفِي. بِمِائَة دِينَار لكل وَاحِد فَلم يصرف لكل وَاحِد مِنْهُم سوى خمسين دِينَارا من أجل قلَّة المَال فَإِن الظَّاهِر ططر أتلف المَال الَّذِي كَانَ خَلفه الْمُؤَيد شيخ حَتَّى لم يبْق مِنْهُ غير سِتِّينَ ألف دِينَار. وَمَعَ ذَلِك فَإِنَّهُ زَاد فِي نَفَقَة المماليك المقررة بالديوان الْمُفْرد كل شهر مَا ينيف على عشرَة آلَاف دِينَار. فَأحْسن الْأَمِير صَلَاح الدّين مُحَمَّد الأستادار بِالْعَجزِ واستعفى على أَنه قَامَ هُوَ وَأَبوهُ الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله نَاظر الْخَاص بِعشْرَة آلَاف دِينَار عَن ثمن الْأُضْحِية وبعشرين ألف دِينَار فِي نَفَقَة المماليك. وتسلم مِنْهُمَا الْأَمِير أرغون شاه عشْرين ألف أردب شَعِيرًا. وعندما اسْتَقر أرغون شاه أستادارا وهب النَّاس وَاشْتَدَّ عَلَيْهِم وخشن جَانِبه حَتَّى غلقت أسواق الْقَاهِرَة ومصر عدَّة أَيَّام خوفًا من بطشه. وَكتب يطْلب متدركي النواحي ليصادرهم. وَقرر على مباشري الدولة بأسرهم أَمْوَالًا يحملونها إِلَيْهِ فقرر على الْوَزير الصاحب تَاج الدّين بن كلاب المناخ سِتَّة آلَاف دِينَار وعَلى الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله نَاظر الْخَاص عشرَة آلَاف دِينَار وعَلى من دونهمَا بِحَسب مَا سَوَّلت لَهُ نَفسه حَتَّى اجْتمع من ذَلِك نَفَقَة المماليك فأنفق فِي ثَلَاثَة آلَاف ومائتي مَمْلُوك مبلغ مائَة وَسِتِّينَ ألف دِينَار فَأخذُوا النَّفَقَة وانفضوا بِغَيْر شَرّ وَللَّه الْحَمد. وَفِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشرينه: قدم مبشرو الْحَاج وأخبروا بسلامتهم وَأَنَّهُمْ وقفُوا بِعَرَفَة يَوْم الْجُمُعَة وَأَنه لم يرد حَاج من الْعرَاق وَلَا من الْيمن. وَفِي هَذِه السّنة: كَانَت حروب مثيرة بَين طوائف الفرنج اقتتل فِيهَا طَائِفَة الكتيلان مَعَ الفنش فهزموه وَقتل بَينهم عشرَة آلَاف فَأَقل مَا قيل أَن عدَّة قتلاهم ثَمَانُون ألفا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 47 وفيهَا كَانَت حَرْب بِمَدِينَة فاس من بِلَاد الْمغرب بَين أبي زيان مُحَمَّد بن أبي طَرِيق بن أبي عنان - وَقد قَامَ بأَمْره الشَّيْخ يَعْقُوب الحلفاوي الثائر على الْوَزير الْحَاجِب عبد الْعَزِيز اللباني لقَتله السُّلْطَان أبي سعيد عُثْمَان بن أبي الْعَبَّاس أَحْمد وَثَلَاثَة عشر أَمِيرا من إخْوَته وَأَوْلَاده وَبني أخوته - وَبَين اللباني وَكَانَ قد استنصر بالشاوية وَبعث إِلَيْهِم بِمَال كَبِير فَأتوهُ فَلم يطق الحلفاوي مقاومتهم فَأدْخلهُ مَدِينَة فاس بجموعه وألويته منشورة على رَأسه وأنزله دَار الْحرَّة آمِنَة بنت السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس أَحْمد فَرَحل الشاوية عَن الْمَدِينَة. وَقبض على اللباني. وَأسلم إِلَى الحلفاوي. فَدخل السُّلْطَان أَبُو زيان فاس الْجَدِيد فِي ربيع الآخر وَبعث بالسلطان أبي عبد الله مُحَمَّد بن أبي سعيد إِلَى الأندلس. فَمَا كَانَ سوى شهر حَتَّى ثار بَنو مرين على أبي زيان وحصروه وطلبوا الْوَزير أَبَا الْبَقَاء صَالح بن صَالح أَن يحمل أَبَا عبد الله مُحَمَّد المتَوَكل ابْن السُّلْطَان أبي سعيد فَقدم الْوَزير بِهِ واستمرت الْحَرْب أَرْبَعَة أشهر إِلَى أَن فر أَبُو زيان ووزيره فارح. وَأخذ بَنو مرين الْبَلَد الْجَدِيد وطلبوا من ابْن الْأَحْمَر أَن يبْعَث بالسلطان الْكَبِير أبي عبد الله مُحَمَّد الْمُسْتَنْصر بن أبي سَالم إِبْرَاهِيم بن أبي الْحسن فَبَعثه إِلَيْهِم فملكوه وأطاعوه. وفيهَا - كَمَا تقدم - كَانَ تغير دوَل مصر فبلغت عدَّة من قتل وسجن من أُمَرَاء مصر وَالشَّام زِيَادَة على أَرْبَعِينَ أَمِيرا. وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر السُّلْطَان الْملك الْمُؤَيد شيخ الْحَمَوِيّ - أحد مماليك الْملك الظَّاهِر برقوق فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامن الْمحرم وَقد أناف على الْخَمِيس سنة. وَمَات عبد الرَّحْمَن بن السمسار فِي ثَالِث صفر وَله شهرة فِي طائفته وَمَال جم. وَمَات الْأَمِير مرج بن سكربيه أحد الْأُمَرَاء العشرات فِي رَابِع صفر. وَكَانَ من خَواص الْمُؤَيد الْجمال صورته. وَمَات بهاء الدّين مُحَمَّد بن بدر الدّين حسن بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْبُرْجِي عَن ثَلَاث وَسبعين سنة فِي يَوْم الْخَمِيس عَاشر صفر. وَقد ولي حسبَة الْقَاهِرَة غير مرّة. وَولى وكَالَة بَيت المَال وَنظر كسْوَة الْكَعْبَة وباشر نظر عمَارَة الْجَامِع المؤيدي. وَكَانَ أَبوهُ يَلِي قَضَاء الْمحلة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 48 وَقتل الْأَمِير سيف الدّين يشبك اليوسفي نَائِب حلب أحد المماليك المؤيدية فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشْرين الْمحرم. وَكَانَ من شرار الْخلق. وَمَات علم الدّين سُلَيْمَان بن جنيبة رَئِيس الْأَطِبَّاء وَقد أناف على ثَمَانِينَ سنة فِي سادس عشر صفر. كَانَ أَبوهُ يَهُودِيّا وَنَشَأ سُلَيْمَان هَذَا مُسلما يتكسب بصناعة الطِّبّ ويعاشر الْأَعْيَان فَصَارَ من مشهوري الْأَطِبَّاء عدَّة سِنِين وَعرف بِحسن العلاج. ثمَّ ولي رياسة الْأَطِبَّاء فِي سنة ثَلَاث عشرَة. وَكَانَ فَاضلا فِي علم الطِّبّ هشاً جميل المعاشرة يكْتب الْخط الْجيد. تردد إِلَى سِنِين وَمَا علمت عَلَيْهِ إِلَّا خيرا. وَمَات تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب بن الجباس الَّذِي ولي حسبَة الْقَاهِرَة فِي سنة سبع وَثَمَانمِائَة. وَكَانَ عامياً فِي هَيْئَة فَقِيه. توفّي يَوْم السبت سادس عشر ربيع الآخر. وَقتل الْأَمِير ألطنبغا القرمشي فِي خَامِس عشْرين جُمَادَى الأولى بقلعة دمشق. وَهُوَ أحد المماليك الظَّاهِرِيَّة برقوق الَّذين فروا إِلَى الشَّام وَصَارَ من جملَة الْأَمِير شيخ. وَمَا برح يرقيه على مَا تقدم ذكره. وَمَات الْأَمِير الْوَزير المشير الأستادار بدر الدّين مُحَمَّد بن محب الدّين عبد الله الطرابلسي. كَانَ أَبوهُ من مسالمة نَصَارَى طرابلس. وَبهَا نَشأ الْبَدْر هَذَا وَولي بهَا كِتَابَة سرها وَولي شدّ الدَّوَاوِين بهَا. وَتعلق بِخِدْمَة الْأَمِير شيخ أَيَّام تِلْكَ الْفِتَن. وَعمل أستادارا عِنْده. فَلَمَّا قدم مصر بَاشر بِهِ أستادار ثمَّ عَزله وولاه الوزارة. ثمَّ عَزله كَمَا تقدم. وَكَانَ يكْتب الْخط الْمَنْسُوب ويتظاهر بقبائح الْمعاصِي وينوع الظُّلم فِي أَخذ الْأَمْوَال فعاقبه الله بيد ناصره الْمُؤَيد شيخ أَشد عُقُوبَة ثمَّ قبض عَلَيْهِ الظَّاهِر ططر وعاقبه حَتَّى هلك تَحت الضَّرْب. وَضرب مَيتا. فأراح الله مِنْهُ عباده. وَذَلِكَ فِي سَابِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة بِدِمَشْق. وَمَات بحلب الْأَمِير كردِي بن كندر. أحد أُمَرَاء التركمان مقتولاً فِي شهر رَجَب. وَمَات متملك بِلَاد الرّوم بِمَدِينَة برصا غياث الدّين أَبُو الْفَتْح مُحَمَّد كرشجي بن بايزيد بن مُرَاد بن أرخان بن عُثْمَان وَملك برصا بعده ابْنه خوند كار مُرَاد شلبي مُحَمَّد كرشجي بن بايزيد خوند كار وَذَلِكَ فِي شهر رَجَب. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 49 وَقتل الْأَمِير ألطنبغا من عبد الْوَاحِد الْمَعْرُوف بالصغير فِي وَاقعَة مَعَ التركمان بمعاملة حلب فِي تَاسِع شعْبَان. وَهُوَ أحد المماليك الظَّاهِرِيَّة برقوق الَّذين أنشأهم الْمُؤَيد شيخ وَجعله أَمِير مائَة مقدم ألف. وَقتل الْأَمِير قجقار القردمي بسجن الْإسْكَنْدَريَّة فِي سادس عشْرين شعْبَان. وَهُوَ أحد من أنشأه الْمُؤَيد شيخ حَتَّى صَار أَمِير مائَة مقدم ألف أَمِير سلَاح. وَقتل الْأَمِير جقمق نَائِب الشَّام بعد عُقُوبَة شَدِيدَة فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء سَابِع عشْرين شهر شعْبَان. وَكَانَ مِمَّن أنشأه الْمُؤَيد شيخ وَعَمله أَمِير مائَة مقدم ألف وَأَعْطَاهُ نِيَابَة الشَّام. وَكَانَ فَاجِرًا ظَالِما وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين أَبُو الْفضل عبد الرَّحْمَن ابْن شيخ الْإِسْلَام سراج الدّين أبي حَفْص عمر البُلْقِينِيّ الشَّافِعِي فِي لَيْلَة الْخَمِيس حادي عشره عَن ثَلَاث وَسِتِّينَ سنة. وَصلى عَلَيْهِ بالجامع الحاكمي. وَدفن على قبر أَبِيه وأخيه بمدرستهم من حارة بهاء الدّين فَكَانَ جمعا موفوراً ومشهداً جَلِيلًا حافلاً مَذْكُورا. وانتاب النَّاس قَبره مُدَّة. وَلم يخْتَلف بعد مثله فِي كَثْرَة علمه بالفقه وأصوله وَبِالْحَدِيثِ وَالتَّفْسِير والعربية مَعَ الْعِفَّة والنزاهة عَمَّا يَرْمِي بِهِ قُضَاة السوء وجمال الصُّورَة وفصاحة الْعبارَة وَبِالْجُمْلَةِ فَلَقَد كَانَ مِمَّن يتجمل بِهِ الْوَقْت. وَمَات السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر ططر فِي يَوْم الْأَحَد رَابِع ذِي الْحجَّة. وَقد تقدم التَّعْرِيف بِهِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 50 (سنة خمس وَعشْرين وَثَمَانمِائَة) أهلت وسلطان مصر وَالشَّام الْملك الصَّالح نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الظَّاهِر ططر. والقائم بِأُمُور الدولة الْأَمِير الْكَبِير نظام الْملك برسباي الدقماقي. والأمير الْكَبِير الأتابك طرباي. والدوادار الْأَمِير سودن من عبد الرَّحْمَن. وأمير سلَاح بيبغا المظفري. وأمير مجْلِس الْأَمِير قجق. وأمير أخور الْأَمِير قصروه. وَرَأس نوبَة الْأَمِير أزبك. والوزير تَاج الدّين عبد الرَّزَّاق ابْن كَاتب المناخ. وَكَاتب السِّرّ علم الدّين دَاوُد بن الكويز. وناظر الْخَاص بدر الدّين حسن بن نصر الله. وأستادار الْأَمِير أرغون شاه. وقاضي الْقُضَاة الشَّافِعِي ولي الدّين أَبُو زرْعَة أَحْمد بن الْعِرَاقِيّ. وباقيهم كَمَا تقدم فِي السّنة الخالية. وَكَاشف الْوَجْه القبلي الْأَمِير أقجا ونائب الْإسْكَنْدَريَّة الْأَمِير فَارس. ونائب الشَّام الْأَمِير تنبك العلاي ميق. ونائب حلب الْأَمِير تغري بردي من قصروه وَقد أظهر الْخلاف. ونائب طرابلس الْأَمِير تنبك البجاسي ونائب حماه الْأَمِير شارقطلوا. ونائب صفد الْأَمِير أينال. وبلاد الصَّعِيد قد عاث بهَا العربان وَكثر فسادهم. شهر الله الْمحرم أَوله الْجُمُعَة. فِي ثَالِث عشره: قدم الْخَبَر بفرار الْأَمِير تغري بردي نَائِب حلب مِنْهَا بعد وقْعَة كَانَت بَينه وَبَين الْأَمِير تنبك البجاسي نَائِب طرابلس. وَقد كتب لَهُ باستقراره فِي نِيَابَة حلب ومحاربة الْمَذْكُور فَسَار إِلَيْهِ وحاربه فَانْهَزَمَ مِنْهُ وتسلم تنبك حلب فدقت البشائر بقلعة الْجَبَل أَيَّامًا. وَفِي تَاسِع عشره: خلع على بلبان الجمالي وَاسْتقر كاشف الْوَجْه القبلي بعد موت أقجا. وَفِي ثَالِث عشرينه: قد الركب الأول من الْحجَّاج وَقدم الْمحمل ببفية الْحَاج فِي عده صُحْبَة الْأَمِير تمر بيه اليوسفي أحد الْأُمَرَاء الألوف. وَقد كثر ثَنَاء الْحجَّاج عَلَيْهِ لحسن سيرته فيهم فَقبض عَلَيْهِ فِي ثامن عشرينه. وَفِي هَذَا الشَّهْر: دخل شخص يعرف بالشيخ سعد لم يزل يعرف بالفقر وَيقبل من النَّاس صدقتهم ويقرئ الْأَطْفَال بِالْأُجْرَةِ إِلَى الْجَامِع الْأَزْهَر وَتصدق بمائتين وَسبعين دِينَارا إفرنتية وبستة وَعشْرين دِينَارا هرجة وبأربعة آلَاف وَخَمْسمِائة دِرْهَم مؤيدية. فعد هَذَا من نَوَادِر الزَّمَان. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 51 وَفِيه قبض على الْأَمِير قرمش أحد الْأُمَرَاء الألوف وَأخرج هُوَ وتمربيه إِلَى دمياط. وأنعم على يشبك الساقي الْأَعْرَج بإقطاع قرمش وإمرته. وَفِيه وَقع برد بِنَاحِيَة قصر عفرا من بِلَاد حوران بِالشَّام فَكَانَ فِيهِ شبه خنافس وعقارب وضفادع. شهر صفر أَوله الْأَحَد: فِي ثَانِيه: قبض على الْأَمِير أيتمش الخضري، وَنفى بطالا إِلَى الْقُدس. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 52 وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن عشره: جمعت الصيارف بالاصطبل للنَّظَر فِي الدَّرَاهِم المؤيدية فَإِنَّهُ كثر هرش الْجيد مِنْهَا. وَمعنى الهرش أَن يبرد من الدِّرْهَم حَتَّى يجِف وَزنه وَيصير نَحْو ربع دِرْهَم. فاستقرت الْمُعَامَلَة بهَا وزنا لَا عددا. ورسم أَن يكون كل دِرْهَم وزنا بِعشْرين درهما فُلُوسًا. وَأَن يكون الدِّينَار الإفرنتي بمائتين وَعشْرين فُلُوسًا وبأحد عشر درهما فضَّة وازنة عَنْهَا من المؤيدية اثْنَان وَعِشْرُونَ عددا زنة كل مؤيدي نصف دِرْهَم فَنزل بِالنَّاسِ من ذَلِك شدَّة لخسارتهم. وَذَلِكَ أَن المؤيدي الَّذِي كَانَ بسبعة دَرَاهِم فُلُوسًا صَار بِخَمْسَة دَرَاهِم وفيهَا مَا لَا يبلغ الْخَمْسَة. وَكثر مَعَ ذَلِك الِاخْتِلَاف فِي أسعار المبيعات وقيم الْأَعْمَال أجر المستأجرات فَذهب مُعظم مَال النَّاس. وَفِي هدا الشَّهْر: عز وجود لحم الضان فِي الْأَسْوَاق لقلَّة الأغنام. وَفِيه كثر فَسَاد لهانة وهوارة بِبِلَاد الصَّعِيد وقطعهم الطرقات على الْمُسَافِرين وشنهم الغارات على الْبِلَاد وإحراقهم عدَّة نواحي بِمَا فِيهَا. هَذَا مَعَ مَا بِبِلَاد الصَّعِيد من قلَّة وجود الْقَمْح عِنْدهم بِحَيْثُ صَار يحمل إِلَيْهِم من الْقَاهِرَة وَذَلِكَ لخراب بِلَاد الصَّعِيد ودثور أَكثر بلادها بِحَيْثُ الْعشْرَة أَيَّام بِبِلَاد الصَّعِيد لَا يُوجد فِيهَا أحد وَلَا تزع أراضيها فَقلت الأغنام عِنْدهم. وَصَارَ أَهلهَا إِلَى فقر وبؤس حَتَّى أَن غَالب قوت أَهلهَا إِنَّمَا هُوَ الذّرة. وَمَعَ ذَلِك كُله فجور وَفِيه تنكر الْحَال بَين الْأَمِير طرباي والأمير نظام الْملك برسباي. وَخرج طرباي إِلَى بر الجيزة فِي هَيْئَة متنزه والإرجاف يقوى حَتَّى انْسَلَخَ الشَّهْر. شهر ربيع الأول أَوله الِاثْنَيْنِ: فِي ثَانِيه: قدم الْأَمِير طرباي من بر الجيزة. وَفِي ثالثه: قبض الْأَمِير برسباي على الْأَمِير سودن الْحَمَوِيّ أحد أُمَرَاء الألوف وعَلى الْأَمِير قانصوه أحد أُمَرَاء الطبلخاناة وَكَانَا من أَصْحَاب الْأَمِير طرباي فكثرت الجزء: 7 ¦ الصفحة: 53 القالة وَبَات طرباي لَيْلَة الْخَمِيس وجماعته يحذرونه الطُّلُوع إِلَى القلعة وَهُوَ لَا يصغي لقَولهم وَفِي ظَنّه أَن الْأَمِير برسباي لَا يفاجئه بِسوء لِأَنَّهُ فِي ابْتِدَاء الْأَمر كَانَ طرباي متميزاً عَلَيْهِ مُنْذُ مَاتَ الظَّاهِر برقوق وَفِي أخر الْأَمر كَانَ هُوَ استمال المماليك للأمير برسباي وفخذهم عَن جَانِبك الصُّوفِي ثمَّ خدع جَانِبك حَتَّى نزل من الاصطبل ثمَّ قبض عَلَيْهِ فَكَانَ يرى أَنه هُوَ الَّذِي أَقَامَ الْأَمِير برسباي فِيمَا هُوَ فِيهِ وَأصْبح يَوْم الْخَمِيس مركب طرباي إِلَى الْخدمَة بالقلعة مِمَّا هُوَ إِلَّا أَن اسْتَقر جُلُوسه أَشَارَ الْأَمِير برسباي بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ فجذب سَيْفه ليدفع عَن نَفسه وَقَامَ فبدره الْجَمَاعَة وعاقوه عَن النهوض وغافصه الْأَمِير برسباي بِالسَّيْفِ وضربه ضَرْبَة جَاءَت فِي يَده كَادَت أَن تبينها. وَأخذ إِلَى السجْن وَقد تضمخ بدمه فَوَقَعت هجة بِالْقصرِ ثمَّ سكنت من ساعتها. وَلم يَتَحَرَّك أحد لنصرة طرباي. وَنُودِيَ بالأمان وَالْبيع وَالشِّرَاء وَأَن لَا يتحدث أحد فِيمَا لَا يعنيه. وَأخرج من الْغَد بطرباي مُقَيّدا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة ليسجن بهَا. فَكَانَ فِي هَذَا عِبْرَة لأولي الْأَبْصَار وَهُوَ أَن طرباي مكر بجانبك الصُّوفِي وخدعه حَتَّى أنزلهُ من الحراقة بِبَاب السلسله وَقبض عَلَيْهِ بحيلة دبرهَا وَحمله مُقَيّدا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة حَتَّى سجن بهَا وَظن أَنه قدم صفا لَهُ الْوَقْت فَأَتَاهُ الله من حَيْثُ لم يحْتَسب وخدعه الْأَمِير برسباي حَتَّى صعد إِلَيْهِ بعد مَا امْتنع ببر الجيزه أَيَّامًا والإرجاف قوي بِوُقُوع الْحَرْب إِلَى أَن مَشى لحتفه بقدميه حَتَّى قبض عَلَيْهِ وسجن بالإسكندرية لتجزي كل نفس مَا كسبت. وَفِيه أخرج الْأَمِير سودن الْحَمَوِيّ منفياً إِلَى دمياط وَتوجه الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن منجك إِلَى دمشق ليحضر بالأمير تنبك ميق من الشَّام وَقد تحدث بِأَمْر سَيظْهر بمجيء نَائِب الشَّام. ورسم بإحضار أيتمش الخضري من الْقُدس. وَفِي خَامِس عشره: قبض على الطواشي مرجان الْهِنْدِيّ زِمَام الدَّار وَسلم للأمير أرغون شاه أستادار ليستخلص مِنْهُ مَالا. وَفِي ثَانِي عشرينه: خلع على الطواشي كافور الشلبي وَاسْتقر زِمَام الدَّار على عَادَته. وَفِي ثَالِث عشرينه: قدم الْأَمِير أيتمش الخضري من الْقُدس فَلَزِمَ دَاره. شهر ربيع الآخر، أَوله الْأَرْبَعَاء: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 54 فِي ثَانِيه: أفرج عَن الطواشي مرجان الْهِنْدِيّ بعد مَا أَخذ مِنْهُ عشرُون ألف دِينَار وَضَمنَهُ جمَاعَة فِي عشرَة آلَاف دِينَار أُخْرَى. وَفِي سادسه: قدم الْأَمِير تنبك العلاي ميق نَائِب الشَّام بعد مَا تَلقاهُ عَامَّة أهل الدولة فَخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر على عَادَته فِي نِيَابَة الشَّام. وتحدث مَعَه فِي سلطنة الْأَمِير برسباي فَوَافَقَ على ذَلِك. وخلع الْملك الصَّالح فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامنه فَكَانَت مدَّته أَرْبَعَة أشهر وَثَلَاثَة أَيَّام. السُّلْطَان أَبُو النَّصْر برسباي السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف سيف الدّين أَبُو النَّصْر برسباي الدقمقاي الظَّاهِرِيّ الجركسي. تقدم التَّعْرِيف بِهِ. ومازال قَائِما بتدبير أَمر الدولة. ثمَّ أحب أَن يُطلق عَلَيْهِ اسْم السُّلْطَان لما خلا لَهُ الجو فَأخذ طرباي وسجنه تمّ بموافقة نَائِب الشَّام على ذَلِك فاستدعى الْخَلِيفَة والقضاة وَقد جمع الْأُمَرَاء وأرباب الدولة فَبَايعهُ الْخَلِيفَة فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن شهر ربيع الآخر سنة خمس وَعشْرين وَثَمَانمِائَة. ولقب بِالْملكِ الْأَشْرَف أبي الْعِزّ وَنُودِيَ بذلك فِي الْقَاهِرَة ومصر. وَكَانَ فِي هَذَا موعظة وذكرى لأولي الْأَلْبَاب فَإِن الْملك الْمُؤَيد أنشأ ططر وآواه بعد مَا كَانَ من أقل المماليك الناصرية الهاربين من الْملك النَّاصِر فرج. وَمَا زَالَ يرقية حَتَّى صَار من أكبر أُمَرَاء مصر وائتمنه على ملكه. فَقَامَ بعد موت الْمُؤَيد بكفالة وَلَده أَحْمد المظفر. وَمَا زَالَ يحكم الْأَمر لنَفسِهِ إِلَى أَن خلع ابْن الْمُؤَيد وتسلطن وأودع ابْن الْمُؤَيد وَأمه بِبَعْض دور القلعة فِي صُورَة معتقل. فَلَمَّا أشفي ططر على الْمَوْت عهد إِلَى ابْنه مُحَمَّد وَاسْتَأْمَنَ برسباي - لقرابة بَينهمَا - على وَلَده بعد مَا كَانَ برسباي مُقيما بِدِمَشْق من جملَة أمرائها وَجل مناه أَن يبْقى الْمُؤَيد عَلَيْهِ مهجته فآواه ططر وَجعله من أكبر أُمَرَاء مصر فَقَامَ بِأَمْر ابْنه الْملك الصَّالح قَلِيلا واقتدى بأَخيه ططر فِي أَخذ الْملك لنَفسِهِ. فَلَمَّا أَخذ طرباي كَمَا قبض ططر على الْأُمَرَاء بِدِمَشْق وَلم يبْق من يخشاه إِلَّا نَائِب الشَّام بعث يخيره بَين أَن يكون الْأَمِير الْكَبِير بديار مصر مَكَان طرباي وَبَين أَن يسْتَمر على نِيَابَة الشَّام فَرغب فِي السَّلامَة وأتى إِلَى بَين يَدَيْهِ فأمن برسباي عِنْد ذَلِك وتسلطن وأودع الصَّالح مُحَمَّد بن ططر وَأمه فِي دَار بالقلعة. من يعْمل سوءا يجز بِهِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 55 وَفِي يَوْم الْخَمِيس تاسعه خلع على الْأَمِير بيبعا المظفري أَمِير سلَاح وَاسْتقر الْأَمِير الْكَبِير الأتابك عوضا عَن طرباي. وخلع على الْأَمِير قجق أَمِير مجْلِس وَاسْتقر أَمِير سلَاح عوضا عَن بيبغا المظفري. وخلع على الْأَمِير أقبغا التمرازي من مقدمي الألوف وَاسْتقر أَمِير مجْلِس عوضا عَن قجق. وخلع على حسن الْكرْدِي وَاسْتقر نَائِب الْوَجْه البحري على عَادَته. وَأَفْرج عَن جمَاعه كَانُوا مسجونين بالقلعة من أُمَرَاء العشرات قبض عَلَيْهِم فِيمَا تقدم. وَكَانَ أول مَا بَدَأَ بِهِ السُّلْطَان أَن منع النَّاس كَافَّة من تَقْبِيل الأَرْض لَهُ فامتنعوا. وَجَرت الْعَادة عِنْد مُلُوك مصر مُنْذُ قدم أَمِير الْمُؤمنِينَ الإِمَام الْمعز لدين الله أَبُو تَمِيم معد الفاطمي إِلَى مصر أَن كل من تمثل بَين يَدي الْخَلِيفَة ثمَّ بَين يَدي السُّلْطَان أَن يخر وَهُوَ قَائِم حَتَّى يقبل الأَرْض. فَلم يعف من ذَلِك أَمِير وَلَو بلغ الْغَايَة وَلَا مَمْلُوك وَلَا وَزِير وَلَا صَاحب قلم وَلَا رَسُول ملك من مُلُوك الأقطار إِذا قدم برسالة وَلَا أحد من سَائِر النَّاس على اخْتلَافهمْ إِلَّا قُضَاة الشَّرْع وَجَمِيع أهل الْعلم وَأهل الصّلاح وأشراف الْحجاز من بني حسن وَبني حُسَيْن فَإِن هَؤُلَاءِ أدركناهم وَلَا يقبل أحد مِنْهُم الأَرْض إجلالاً لَهُم عَن ذَلِك. وَكَذَلِكَ إِذا ورد مرسوم السُّلْطَان على نَائِب مملكة أَو وَالِي عمل فَإِنَّهُ يقوم عِنْد وُرُوده عَلَيْهِ وَيقبل الأَرْض. فَأبْطل السُّلْطَان برسباي ذَلِك كُله وَجعل بدله إِمَّا تَقْبِيل يَده لمن عظم قدره أَو يقف فَقَط. فَكَانَ هَذَا حسنا لَو دَامَ لكنه بَطل عَن قَلِيل وَعَاد الْأَمر كَمَا تقدم ذكره. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع عشره: خلع على الْأَمِير تنبك ميق نَائِب الشَّام قبَاء السّفر وَتوجه إِلَى دمشق فَخرج عُظَمَاء الدولة لوداعه بعد مَا قدمُوا لَهُ عدَّة تقادم مَا بَين خُيُول وقماش وَغير ذَلِك. وَفِي يَوْم السبت خَامِس عشرينه: توجه الْأَمِير سودن الْحَاجِب وَمَعَهُ مَال برسم حفر خليج سكندريه مِمَّا أجدي شَيْئا. وَفِي هَذَا الشَّهْر: أجدبت أَرَاضِي بِلَاد حوران والكرك والقدس والرملة وغزة لعدم نزُول الْمَطَر فِي أَوَانه ونزح كثير من سكان هَذِه الْبِلَاد عَن أوطانهم وَقلت الْمِيَاه عِنْدهم. وَمَعَ هَذَا فَفِي بِلَاد حلب وحماة ودمشق وبلاد السَّاحِل كلهَا رخاء من كَثْرَة الأمطار الَّتِي عِنْدهم فسبحان الفعال لما يُرِيد. وَفِيه عظم الْخطب وَاشْتَدَّ الْبلَاء بِبِلَاد الصَّعِيد من كَثْرَة الْفِتَن وَنهب الْبِلَاد. وَفِيه قتل وَادي قوص تعذر أَخذ الْخراج. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 56 وَفِيه عمل المارستان المؤيدي الَّذِي بالصوة تَحت القلعة جَامعا تُقَام بِهِ الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة ورتب لَهُ إِمَام وخطيب ومؤذنون وبواب وقومة. وَجعل جِهَة مصرف ذَلِك من وقف الْجَامِع المؤيدي. وَأَن الْمُؤَيد قد جعل هَذَا الْموضع مارستان وَنزل بِهِ المرضى. فَلَمَّا مَاتَ لم يُوجد فِي كتاب الْوَقْف المؤيدي لَهُ جِهَة تصرف فأخرجت المرضى مِنْهُ وأغلق وَصَارَ منزلا للرسل الواردين من مُلُوك الشرق فَبَقيَ حانة خمار برسم شرب المسكرات وَشرب الطنابير وَعمل الْفَوَاحِش. وَمَعَ ذَلِك ترْبط بِهِ الْخُيُول. فَكَانَ هَذَا مُنْذُ مَاتَ الْمُؤَيد إِلَى هَذَا الْوَقْت فطهره الله من تِلْكَ وَفِيه وَقع الشُّرُوع فِي هدم المنظرة الَّتِي استجدها الْمُؤَيد فَوق الْخمس الْوُجُوه. ثمَّ انتفض ذَلِك فَبَقيَ بناؤها مشعثاً وسكنها بعض فُقَرَاء الْعَجم. شهر جُمَادَى الأول أَوله الْأَرْبَعَاء: فِي سابعه: سارات تجريدة إِلَى بِلَاد الصَّعِيد. وَفِي ثامنه: نُودي أَن لَا يخْدم أحد من الْيَهُود وَالنَّصَارَى فِي ديوَان من دواوين السُّلْطَان والأمراء فَلم يتم ذَلِك. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة تاسعه: جددت خطْبَة بمدرسة شمس الدّين شَاكر بن البقري بالجوانية جددها علم الدّين دَاوُد بن الكويز كَاتب السِّرّ لقربها من دَاره الَّتِي يسكنهَا. وَفِيه قدم الْخَبَر بِكَثْرَة الوباء بِبِلَاد حلب وحماة وحمص فَهَلَكت خلائق. وَفِيه أُقِيمَت الْجُمُعَة بالمارستان المؤيدي يَوْم الْجُمُعَة سلخه. وَفِيه رسم أَن لَا تبَاع الثِّيَاب الَّتِي تجلب من بَغْدَاد أَو الْموصل وبلاد الشَّام والإسكندرية إِلَّا بِالنَّقْدِ. وَكَانَت الْعَادة إِذا ورد التَّاجِر بِشَيْء من القماش تسلمته السماسرة وباعته على التُّجَّار إِلَى أجل ثمَّ جبت الثّمن فِي مُدَّة أشهر فَمن أجل بيعهَا نَسِيئَة يزْدَاد ثمنهَا عَمَّا تبَاع فِي النداء الحراج زِيَادَة كَبِيرَة فَإِذا بَاعهَا التَّاجِر أَخذ ربحا آخر فتغبن النَّاس دَائِما فِيمَا يشتروه من التُّجَّار سيماإذا باعوا ذَلِك فِي النداء فَإِنَّهُ رُبمَا ثلث الثّمن. فَامْتنعَ التُّجَّار مُدَّة من الشِّرَاء نسيمة ثمَّ عَادوا لما نهوا عَنهُ. وَقدم الْخَبَر إِلَى الْعرَاق وَشدَّة الغلاء. وَسبب ذَلِك أَن شاه مُحَمَّد بن قرا يُوسُف متملك بَغْدَاد خَافَ من قدوم شاه رخ بن تيمورلنك فَمنع النَّاس من الزَّرْع وطرد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 57 ضعفاء النَّاس فنزحوا عَن الْعرَاق وَقدم مِنْهُم كثير إِلَى بِلَاد الشَّام. وَجمع أهل الْقُوَّة عِنْده بِبَغْدَاد فَكَانَ الْقَحْط والغلاء عُقُوبَة من الله لَهُم مِمَّا هم عَلَيْهِ من الْقَبِيح. شهر جُمَادَى الْآخِرَة أَوله السبت: فِي تاسعه: توجه السَّيِّد الشريف شهَاب الدّين أَحْمد بن عَلَاء الدّين عَليّ بن الْبُرْهَان إِبْرَاهِيم بن عدنان الْحُسَيْنِي كَاتب السِّرّ بِدِمَشْق ونقيب الْأَشْرَاف إِلَى بَلَده. وَكَانَ قد طلب من دمشق مقدم الْقَاهِرَة فِي ثَالِث عشر جُمَادَى الأولى وسجن فِي بعض الْمدَارِس وألزم بِحمْل عشْرين ألف دِينَار. وَكتب باستقرار بعض مسالمة السمرَة - وَيُقَال لَهُ حُسَيْن عوضه - فِي كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق. وَكَانَ حُسَيْن هَذَا قد قدم إِلَى الْقَاهِرَة فِي الْأَيَّام الناصرية فرج وخدم من حَملَة كتاب الْأَمِير بكتمر شلق ثمَّ عَاد إِلَى دمشق. وَاتفقَ أَنه تزوج مَمْلُوك يُقَال لَهُ أزبك بابنة امْرَأَة حُسَيْن. وَكَانَ أزبك هَذَا مِمَّن أنشأه ططر وَصَارَ أَمِير مائَة مقدم ألف فَتحدث لحسين هَذَا فِي استقراره نَاظر الْجَيْش بِدِمَشْق فَأُجِيب إِلَى ذَلِك. وَاسْتقر حُسَيْن فِي نظر الْجَيْش عوضا عَن قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة شهَاب الدّين أَحْمد من الكشك. ثمَّ أضيف إِلَيْهِ كِتَابَة السِّرّ مَعَ نظر الْجَيْش وَلم يتَّفق مثل ذَلِك فِي هَذِه الدول. وَمَا زَالَ السَّيِّد مَحْبُوسًا حَتَّى تقرر عَلَيْهِ عشرَة آلَاف دِينَار فَخلع عَلَيْهِ فِي رَابِع جُمَادَى الْآخِرَة هَذَا وَتوجه إِلَى بَلَده لحمل مَا ألزم بِهِ. وَسبب ذَلِك تنكر السُّلْطَان عَلَيْهِ لأمور بَدَت مِنْهُ فِي حَقه وَهُوَ أَمِير بِدِمَشْق وَالسَّيِّد كَاتب السِّرّ. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ حادي عشره: قدم قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد الْهَرَوِيّ من الْقُدس. وَفِي رَابِع عشره: نُودي بسفر النَّاس فِي رَجَب إِلَى مَكَّة فكثرت المسرات بذلك لبعد الْعَهْد بسفر الرجبية. ثمَّ انْتقض ذَلِك. وَنُودِيَ فِي سَابِع عشرينه لَا يُسَافر أحد الرجبية. وَفِي هَذَا الشَّهْر: قدم الْخَبَر بغلاء مَدِينَة توريز وَأَن الْمَطَر تَأَخّر نُزُوله بِبِلَاد إفريقية. وَفِيه عزم تغري بردي الجكمي - الَّذِي قتل ابْن كبك - على الفتك بالأمير تنبك ميق نَائِب الشَّام فَفطن بِهِ وَقَتله. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 58 وَفِيه جلس السُّلْطَان للْحكم بَين النَّاس كَمَا كَانَ الْمُؤَيد وَمن قبله وَصَارَ يحكم يومي الثُّلَاثَاء والسبت بالمقعد من الاصطبل السلطاني. فِيهِ نُودي على النّيل ثَلَاثَة أَصَابِع. وَقد جَاءَ القاع خَمْسَة أَذْرع وَسَبْعَة أَصَابِع. وَاسْتمرّ يزِيد فِي كل يَوْم عدَّة أَصَابِع بِحَيْثُ نُودي عَلَيْهِ فِي يَوْم خَمْسَة عشر إصبعاً. وَقل مَا عهد مثل هَذَا شهر أبيب. وَفِي خَامِس عشره: توجه الْهَرَوِيّ عَائِدًا إِلَى الْقُدس بعد مَا أهْدى للسُّلْطَان هَدِيَّة بِنَحْوِ خَمْسمِائَة دِينَار سوى مَا أهداه لِلْأُمَرَاءِ. وَكَانَ أَن يَلِي الْقَضَاء على أَنه يقوم فِي كل سنة بِثَمَانِينَ ألف دِينَار. وَيثبت فِي جِهَة جلال الدّين بن البُلْقِينِيّ زِيَادَة على ثَمَانِينَ ألف دِينَار. وَيحمل معجلا خَمْسَة آلَاف دِينَار فألزم أَن يكْتب خطة بذلك كُله فَأنْكر أَن يكون قَالَ شَيْئا من ذَلِك فانحل أمره ورده الله خائباً وَللَّه الْحَمد. وَفِيه زينت الْقَاهِرَة ومصر لإدارة محمل الْحَاج على الْعَادة فَمنع صدر الدّين أَحْمد بن العجمي الْمُحْتَسب النِّسَاء من الْجُلُوس على حوانيت الباعة وتشدد فِي ذَلِك فامتنعن. وَكَانَت الْعَادة أَن تجْلِس النِّسَاء صَدرا من النَّهَار ويبتن بالحوانيت حَتَّى ينظرن الْمحمل من الْغَد فيختلطن بِالرِّجَالِ فِي مده يَوْمَيْنِ وَلَيْلَة وَتَقَع أُمُور غير مرضية فعد مَنعهنَّ من جميل مَا صنع لكنه لم يتم وعدن فِيمَا بعد كَمَا كن لإهمال أمرهن. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سادس عشره: أدير محمل الْحَاج بِالْقَاهِرَةِ ومصر على مَا جرت بِهِ الْعَادة. وَقد كثر الاعتناء بأَمْره وعملت كسْوَة الْكَعْبَة فِي غَايَة الْحسن بِحَيْثُ لم يعْمل مثلهَا فِيمَا أدركناه. وَولي عَملهَا شرف الدّين أَبُو الطّيب مُحَمَّد بن تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب بن نصر الله نَاظر الْكسْوَة لحسن مُبَاشَرَته وعفته. وَفِي هَذَا الشَّهْر: نزل الْأَمِير تنبك البجاسي نَائِب حلب بعساكرها على مَدِينَة بهسني. وَحضر الْأَمِير تغري بردي بن قصروه. وَفِيه خرج الْأَمِير أينال الظَّاهِرِيّ نَائِب صفد عَن الطَّاعَة وَذَلِكَ أَنه كَانَ من جملَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 59 مماليك الظَّاهِر ططر رباه صَغِيرا ثمَّ ولاه نِيَابَة قلعة صفد لما خرج بالمظفر إِلَى دمشق لحفظ ذخيرة حملهَا إِلَى القلعة صفد. فَلَمَّا قَامَ السُّلْطَان برسباي بِالْأَمر بعد ططر ولي أينال نِيَابَة صفد فشق عَلَيْهِ خلع ابْن أستاذه من السلطة وَأخذ فِي تَدْبِير أمره حَتَّى أظهر ذَلِك وَأخرج من كَانَ مسجوناً بقلعة صفد وهم الْأَمِير يشبك أينالي استادار الجزء: 7 ¦ الصفحة: 60 والأمير أينال الجكمي نَائِب حلب والأمير جلبان أَمِير أخور. وَقبض على من خَالفه من أُمَرَاء صفد وأعيانها. فَكتب السُّلْطَان إِلَى الْأَمِير مقبل الحسامي المؤيدي حَاجِب دمشق باستقراره فِي نِيَابَة صفد وَأَن يسْتَمر إقطاع الحجوبية بِيَدِهِ حَتَّى يتسلم صفد وَكتب إِلَى الْأَمِير تنبك ميق نَائِب الشَّام أَن يخرج بالعسكر إِلَى قتال أينال بصفد. وَفِيه كَانَت وقْعَة بَين الْأَمِير يُونُس نَائِب غَزَّة وَبَين عرب جرم هزموه فِيهَا وَقتلُوا عدَّة من عسكره. وَفِيه كثرت الحروب والفتن والغارات والنهب والتخريب بِبِلَاد الصَّعِيد من عربانها. وَفِي خَامِس عشرينه: قدم كتاب نَائِب الشَّام بمجيء أينال الجكمي ويشبك أينالي وجلبان من صفد إِلَى دمشق طائعين فدقت البشائر بقلعة الْجَبَل. وَفِي سَابِع عشرينه: قدم الْأَمِير فَارس نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة باستدعاء فَخلع عَلَيْهِ وأنعم عَلَيْهِ بإمرة مائَة وتقدمة ألفا. وخلع على الْأَمِير أسندمر النوري أحد مقدمي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 61 الألوف وَاسْتقر فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة. وَفِي سلخه: نُودي من كَانَت لَهُ ظلامة فَعَلَيهِ بالاصطبل. وَكَانَ السُّلْطَان قد شرك جُلُوسه للْحكم مُنْذُ قدم خبر صفد معاد للجلوس للنَّظَر فِي محاكمات المتخاصمين على عَادَته. شهر شعْبَان أَوله الِاثْنَيْنِ. فِيهِ تكَرر النداء بجلوس السُّلْطَان للْحكم. وَفِي ثَانِيه: جلس للْحكم واستدعى مدرسي الْمدرسَة القمحية بِمصْر وأوقفهم بَين يَدَيْهِ وألزمهم بِعَمَل حِسَاب أوقافها وعمارتها مِمَّا تناولوه من ريعها فِيمَا سلف وَأخرج وَقفهَا - وَهُوَ ضيعتان بالفيوم يُقَال لَهما الْأَعْلَام والحنبوشية - لمملوكين من مماليكه ليأكلوها إقطاعاً بَينهمَا. وَندب الْأَمِير أزبك رَأس نوبَة للكشف عَن الْمدرسَة فَوجدَ الخراب قد أحَاط بهَا من جوانبها وَصَارَ مَا هُنَالك كيمان تُرَاب وَهِي قَائِمَة بمفردها لَيْسَ بجانبها عَامر وَلَا بهَا سَاكن سوى رجل يحرسها فَطلب السُّلْطَان مدرسيها الْخَمْسَة وأوقفهم بَين يَدَيْهِ بالاصطبل وألزمهم بِعَمَل حِسَابهَا وَالْقِيَام بِمَا استأدوه من الْعُلُوم فَخَرجُوا فِي الترسيم. وَفِيه نظر السُّلْطَان فِي أَمر جَامع عَمْرو بن الْعَاصِ وَأخذ النَّاس فِي تتبع عورات الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء لميل وُلَاة الشَّوْكَة إِلَى معرفَة ذَلِك فَإِن الأحدوثة عَنْهُم قبحت والقالة فيهم شنعت: وَكُنَّا نستطب إِذا مرضنا فجَاء الدَّاء من قبل الطَّبِيب وَفِي يَوْم الْخَمِيس رابعه - الْمُوَافق لَهُ تَاسِع عشْرين أبيب -: كَانَ وَفَاء النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا. وَهَذَا من النَّوَادِر مَعَ أَن زِيَادَته فِي هَذَا الْعَام كَانَت مِمَّا يتعجب لَهُ وَذَلِكَ أَن الْعَادة الَّتِي عهِدت أَن زِيَادَة النّيل فِي شهر أبيب تكود قَليلَة حَتَّى أَنه ليقال قَدِيما الجزء: 7 ¦ الصفحة: 62 فِي أبيب يدب المَاء دَبِيب. وَأما مسرى فأيام الزِّيَادَة الْكَثِيرَة وَيُقَال لَهَا عرس النّيل وَهِي مَظَنَّة الْوَفَاء حَتَّى يُقَال إِذا لم يوف النّيل فِي مسرى فانتظره فِي السّنة الْأُخْرَى هَذِه عَادَة الله الَّتِي أجراها بَين خلقه فِي أَمر نيل مصر وَرُبمَا وَقع الْأَمر فِي النّيل بِخِلَاف ذَلِك فيعد نَادرا. وَاتفقَ فِي هَذِه السّنة أَنه مُنْذُ ابتدأت الزِّيَادَة لم تزل زِيَادَته كَبِيرَة بِحَيْثُ نُودي عَلَيْهِ فِي يَوْم بِزِيَادَة خمسين إصبعاً فَكثر تعجب النَّاس لذَلِك ثمَّ ازدادوا تَعَجبا لوفائه قبل مسرى وَللَّه الْحَمد. وَتَوَلَّى تخليق المقياس وَفتح الخليج الْأَمِير الْكَبِير بيبغا المظفري. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء سادس عشره: أخرج بالمظفر أَحْمد بن الْمُؤَيد شيح وأخيه من ظ قلمة الْجَبَل نَهَارا وحملا فِي النّيل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فَكَانَت هَذِه موعظة فَإِن الْمُؤَيد أخرج بأولاد ابْن أستاذه الْملك النَّاصِر فرج إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فعومل بِمثل ذَلِك وَأخرج ابنيه إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة كَمَا يدين الْفَتى يدان. وَفِي ثَانِي عشرينه: خلع على بدر الدّين مَحْمُود العينتابي نَاظر الأحباس وأعيد حسبَة الْقَاهِرَة عوضا عَن صدر الدّين أَحْمد بن العجمي. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كثر عَبث الفرنج بالسواحل وهجم فِي اللَّيْل غرابان فيهمَا طَائِفَة من الفرنج على ميناء الْإسْكَنْدَريَّة فوجدوا فِيهَا مركبا للتجار فِيهِ بضائع بِنَحْوِ مائَة ألف دِينَار فَاقْتَتلُوا مَعَهم عَامَّة اللَّيْل فَخرج النَّاس من الْمَدِينَة فَلم يقدروا على الْوُصُول إِلَيْهِم لعدم المراكب الحربية عِنْدهم وَلَا وصلت سِهَامهمْ إِلَى الفرفج بل كَانَت تسْقط فِي الْبَحْر فَلَمَّا طَال الْحَرْب بَين الفرنج والتجار الْمُسلمين واحترقت مركب التُّجَّار نَجوا فِي القوارب إِلَى الْبر فَأَتَت نَار الفرنج على سَائِر مَا فِي الْمركب من البضائع حَتَّى تلف بأجمعها وَمضى الفرنج نَحْو برقة فَأخذُوا مَا قدرُوا عَلَيْهِ ثمَّ عَادوا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة ومضوا إِلَى نَحْو الشَّام. وَفِيه قدم رَسُول اسكندر بن قرا يُوسُف وَمَعَهُ رأسان زعم أَنَّهُمَا رَأس متملك السُّلْطَانِيَّة نِيَابَة عَن شاه رخ بن تيمور لنك وَرَأس نَائِبه بشيراز. شهر رَمَضَان أَوله الْأَرْبَعَاء: فِي تاسعه: أُعِيد الآذان بمأذنتي مدرسة السُّلْطَان حسن بسوق الْخَيل. وَفِي حادي عشره: كَانَ نوروز القبط بِمصْر والنيل قد بلغ تِسْعَة عشر ذِرَاعا وَسِتَّة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 63 أَصَابِع فَعم بِهِ النَّفْع عَامَّة أَرَاضِي مصر إِلَّا أَن الجسور لم يعتن بهَا لسوء سيرة متوليها فَقطع مَاء النّيل مِنْهَا عدَّة مقاطع أفسدت أَكثر الزراعات الصيفية كالسمسم والبطيخ وَنَحْوه فَكَانَ بُلُوغ النّيل هَذَا الْقدر فِي النوروز عجب آخر. وَفِيه اتضع سعر الغلال حَتَّى أبيع الأردب الْقَمْح بِمِائَة وَخمسين درهما من الْفُلُوس وعنها يَوْمئِذٍ سَبْعَة دَرَاهِم وَربع فضَّة أشرفية وأبيع الشّعير بِخَمْسَة وَثَمَانِينَ درهما الأردب عَنْهَا أَرْبَعَة دَرَاهِم وَربع فضَّة وأبيع الفول بِثَمَانِينَ درهما الأردب عَنْهَا أَرْبَعَة دَرَاهِم فضَّة. وَفِيه فتح بَاب مدرسة السُّلْطَان حسن الَّذِي سَده الظَّاهِر برقوق وَهدم دَرَجه. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ عشرينه: جلس السُّلْطَان بدار الْعدْل وَعمل بِهِ الْخدمَة وأحضرت رسل الفرنج الفرنسيس بهدية. وَهَذَا أول جُلُوس جلسه السُّلْطَان بدار الْعدْل. وَفِي حادي عشرينه: خلع على الْأَمِير أيتمش الخضري وَاسْتقر أستادار عوضا عَن الْأَمِير أرغون شاه. وَفِي ثَالِث عشرينه: خلع على صدر الدّين أَحْمد بن العجمي وَاسْتقر فِي نظر الجوالي. وَفِي سَابِع عشرينه: نُودي أَن السُّلْطَان رسم أَن لَا ينزل أحد من الْفُقَهَاء عَن وظيفته فِي وقف من الْأَوْقَاف وهددمن نزل مِنْهُم عَن وظيفته فامتنعوا عَن النُّزُول ثمَّ عَادوا كَمَا كَانُوا ينزل هَذَا عَن وظيفته من الطّلب فِي الدُّرُوس أَو التصوف فِي الخوانك أَو الْقِرَاءَة أَو الْمُبَاشرَة بِالْمَالِ فيلي الْوَظَائِف غير أَهلهَا ويحرمها مستحقوها فَإِن الْوَظَائِف الْمَذْكُورَة صَارَت بأيدي من هِيَ بِيَدِهِ ينزلها منزلَة الْأَمْوَال الْمَمْلُوكَة فيبيعها إِذا شَاءَ وَيُسمى بيعهَا نزولا عَنْهَا ويرثها من بعده صغَار وَلَده. وسرى ذَلِك حَتَّى فِي التداريس الجليلة والأنظار الْمُعْتَبرَة وَفِي ولَايَة الْقَضَاء بِالْأَعْمَالِ يَلِيهِ الصَّغِير من بعد موت أَبِيه ويستناب عَنهُ كَمَا يستناب فِي تدريس الْفِقْه والْحَدِيث النَّبَوِيّ وَفِي نظر الْجَوَامِع ومشيخة التصوف فيا نفس جدي إِن دهرك هازل {} . وَفِيه خلع على الْأَمِير أرغون شاه أحد أُمَرَاء دمشق وَاسْتقر كاشف الْوَجْه القبلي عوضا عَن وَفِيه أغلقت كَنِيسَة قمامة بالقدس عَن أَمر السُّلْطَان. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 64 وَفِي سلخه: نُودي بِمَنْع النِّسَاء من الْخُرُوج إِلَى الترب فِي أَيَّام الْعِيد وهددن بالعقوبة إِن خرجن فَامْتنعَ كثير مِنْهُنَّ عَن الْخُرُوج إِلَيْهَا. وَفِيه ارْتَفع سعر الشيرج حَتَّى أبيع الرطل بِثمَانِيَة عشر درهما من الْفُلُوس وَلم يعْهَد مثل ذَلِك وَسَببه غرق السمسم فَقل وجوده. شهر شَوَّال أَوله الْجُمُعَة: فِيهِ صلى السُّلْطَان صَلَاة الْعِيد بِجَامِع القلعة. وَفِي رابعه: رفعت يَد قَاضِي الْقُضَاة زين الدّين عبد الرَّحْمَن التفهني الْحَنَفِيّ عَن وقف الطرحاء ثمَّ أُعِيد إِلَيْهِ بعد أَيَّام وَكَانَ لما رفعت يَده عَنهُ نُودي من مَاتَ لَهُ ميت وَعجز عَن كَفنه فَعَلَيهِ بمصلى المؤمني تَحت القلعة. وَفِيه رفعت يَد قَاضِي الْقُضَاة ولي الدّين أَبُو زرْعَة أَحْمد بن الْعِرَاقِيّ الشَّافِعِي عَن وقف قراقوش وفوض السُّلْطَان أمره إِلَى التَّاج الشويكي وَالِي الْقَاهِرَة وَاسْتمرّ كَذَلِك فَلم يعد إِلَى الْقُضَاة فَكَانَ هَذَا مِمَّا يستشنع وَكَثُرت الشناعات بمقت السُّلْطَان للقضاة وَالْفُقَهَاء وَأَنه يُرِيد الْكَشْف عَمَّا بِأَيْدِيهِم من الْأَوْقَاف. وَفِيه انْتَهَت زِيَادَة مَاء النّيل إِلَى عشْرين ذِرَاعا وَنصف ذِرَاع وابتدأ نَقصه من الْغَد وَهُوَ رَابِع عشْرين توت. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: ابتدئ بِعَمَل الخربة - الَّتِي بِخَط الرُّكْن المخلق من الْقَاهِرَة - وكَالَة وَهَذِه الخربة موضعهَا الْآن دَاخل الدَّرْب الْأَصْفَر حَيْثُ كَانَ يعرف قَدِيما بالمنحر وبابها من وسط سوق الرُّكْن المخلق عملته خوند بركَة أم السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف شعْبَان بن حُسَيْن بن مُحَمَّد بن قلاوون أَعْوَام بضع وَسبعين وَسَبْعمائة ليَكُون دَاخله قاعة بجوار القيسارية الَّتِي أنشأتها وعملت برسم بيع الْجُلُود فَمَاتَتْ قبل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 65 عمارتها وَقد فرغت واجهة الْبَاب فَقَط فتعطلت دهرا إِلَى أَن أَخذ الْأَمِير جمال الدّين يُوسُف - أستادار القيسارية الْمَذْكُورَة - من وقف أم السُّلْطَان على مدرستها بِخَط التبانة قَرِيبا من قلعة الْجَبَل وصيرها من جملَة أوقافه على مدرسته الَّتِي أَنْشَأَهَا بِخَط رحبة بَاب الْعِيد وضع يَده أَيْضا على هَذِه الخربة وَمَات قبل أَن يعْمل فِيهَا شَيْئا فَلم تزل معطلة حَتَّى وَقع اخْتِيَار السُّلْطَان فِي هَذَا الْوَقْت على عَملهَا وكَالَة فابتدئ بعملها. وَفِي يَوْم السبت تَاسِع هَذَا الشَّهْر: رسم بِإِعَادَة مكس دَار التفاح الَّذِي أبْطلهُ الْملك الْمُؤَيد شيخ فأعيد بسفارة الْوَزير تَاج الدّين عبد الرَّزَّاق ابْن كلاب المناخ وَطول سَعْيه فِيهِ عَامله الله بعدله فَإِنَّهُ جدد مظْلمَة يتْلف فِيهَا من أَمْوَال النَّاس بِنَهْب الظلمَة الْفُسَّاق مَا شَاءَ الله. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ رَابِع عشره: برز محمل الْحَاج بكسوة الْكَعْبَة صُحْبَة الطواشي افتخار الدّين ياقوت - مقدم المماليك السُّلْطَانِيَّة - وَنزل خَارج الْقَاهِرَة ثمَّ توجه إِلَى بركَة الْحَاج على الْعَادة. وَفِي سَابِع عشرينه: قدم من صفد ثَلَاثُونَ رجلا مِمَّن أسر من أَصْحَاب الْأَمِير أينال فَقطعت أَيدي الْجَمِيع إِلَّا وَاحِدًا فَإِنَّهُ وسط بِالسَّيْفِ نِصْفَيْنِ وَأخرج الَّذين قطعت أَيْديهم من يومهم إِلَى بِلَاد الشَّام فَمَاتَ عدَّة مِنْهُم بالرمل. وَكَانَ من خبر صفد أَن الْأَمِير مقبل لم يزل على حصارها إِلَى يَوْم الِاثْنَيْنِ رَابِع شَوَّال هَذَا فَنزل إِلَيْهِ أينال بِمن مَعَه فتسلم أعوان السُّلْطَان القلعة وعندما نزل أينال أَمر أَن تفاض عَلَيْهِ خلعة السُّلْطَان ليتوجه أَمِيرا بطرابلس وَكَانَ قد وعد بذلك وترددت الرُّسُل بَينه وَبينهمْ مرَارًا حَتَّى اسْتَقر الْأَمر على أَن يكون من جملَة أُمَرَاء طرابلس وَكتب لَهُ السُّلْطَان أَمَانًا ونسخة يَمِين فانخدع البائس وَنزل من القلعة فَمَا هُوَ إِلَّا أَن قَامَ ليلبس الخلعة وَإِذا هم أحاطوا بِهِ وقيدوه وعاقبوه أَشد عُقُوبَة. ثمَّ قَتَلُوهُ وَقتلُوا مَعَه مائَة رجل مِمَّن كَانَ مَعَه بالقلعة وعلقوهم بِأَعْلَاهَا. وَفِي هَذَا الشَّهْر: تسلم الْأَمِير نلغري بردي بن قصروه قلعة بهسني وَنزل بِأَمَان فقيد وسجن بقلعة حلب فأمن السُّلْطَان بعد تخوفه من جِهَة صفد وتغري بردي. شهر ذِي الْقعدَة أَوله الْأَحَد: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 66 فِي ثَانِيه: ركب السُّلْطَان من القلعة إِلَى مطعم الطير تجاه الريدانية خَارج الْقَاهِرَة وألبس الْأُمَرَاء الأقبية الصُّوف لملابس الشتَاء كَمَا كَانَ الْمُؤَيد يفعل ثمَّ عبر الْقَاهِرَة من بَاب النَّصْر وَدخل عمارتها بِخَط الرُّكْن المخلق وَخرج من بَاب زويلة إِلَى القلعة ونثر عَلَيْهِ الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم وَهَذِه أول ركبة ركبهَا فِي سلطته وَفِي خامسه: عزل الْأَمِير أيتمش الخضري وأعيد الْأَمِير أرغون شاه أستادارا وَلم تشكر سيرة أيتمش لعتوه وَشدَّة ظلمه مَعَ عَجزه عَن الْقيام بِمَا وليه. وَفِي سابعه: ركب السُّلْطَان إِلَى جِهَة بركَة الْحجَّاج وَعَاد. شهر ذِي الْحجَّة أَوله الِاثْنَيْنِ. فِي رابعه: اختفي الْوَزير تَاج الدّين عبد الرَّزَّاق ابْن كَاتب المناخ فَخلع على الْأَمِير أرغون شاه وأضيفت إِلَيْهِ الوزارة فَصَارَ وزيراً أستادار وَذَلِكَ فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامنه فَظهر ابْن كلاب المناخ فِي عاشره وَصعد إِلَى القلعة فعفي عَنهُ وَلزِمَ بَيته بطالاً على حمل مَال قَامَ بِبَعْضِه. وَفِي يَوْم السبت سادسه: خلع على علم الدّين صَالح ابْن شيخ الْإِسْلَام سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ وفوض إِلَيْهِ قَضَاء الْقُضَاة عوضا عَن ولي الدّين أَبُو زرْعَة أَحْمد بن الْعِرَاقِيّ بِمَال كثير. وَفِي سَابِع عشرينه: نزل الْحَاج بينبع وَقد استعد من فيهم من المماليك السُّلْطَانِيَّة مَعَ الْأَمِير جَانِبك الخازندار أحد أُمَرَاء العشرات لِحَرْب الشريف مقبل مُتَوَلِّي يَنْبع الجزء: 7 ¦ الصفحة: 67 وَقد قدم عقيل بن وبير الحسني من الْقَاهِرَة صحبتهم بعد مَا خلع عَلَيْهِ بهَا فِي شَوَّال وَاسْتقر أَمِير يَنْبع شَرِيكا لِعَمِّهِ مقبل بِمَال الْتزم للدولة فَلَمَّا علم مقبل بذلك نزح عَن يَنْبع إِلَى وَاد بِالْقربِ مِنْهَا. وَدخل الْحَاج إِلَى يَنْبع فِي ذِي الْقعدَة فَبعث أُمَرَاء الْحَاج الثَّلَاثَة وهم افتخار الدّين ياقوت أَمِير الْمحمل وأسندمر الأسعردي من أُمَرَاء العشرات أَمِير الركب الأول وجانبك أَمِير الركب الثَّانِي إِلَى الشريف مقبل حَتَّى يحضر إِلَيْهِم فجرت أُمُور آخرهَا أَن يسْتَقرّ عقيل شَرِيكا لَهُ كَمَا كَانَ أَبوهُ وبير وَأَن يُكَاتب السُّلْطَان بذلك. وَمهما ورد المرسوم بِهِ اعْتَمدهُ. ورحل الْحَاج من يَنْبع إِلَى مَكَّة وَقد وجهوا نجابا إِلَى السُّلْطَان بكتبهم وَتركُوا عقيلاً بينبع فاقتتل هُوَ وَعَمه فظفر بِهِ عَمه وَقَيده وَأقَام بينبع حَتَّى عَاد الْحَاج إِلَيْهَا فاستعد الْأَمِير جَانِبك - كَمَا قُلْنَا - وَركب فِي جمع من المماليك وَغَيرهم لَيْلَة الْأَحَد ثامن عشْرين ذِي الْحجَّة هَذَا وطرق مقبل على حِين غَفلَة فَكَانَت بَينه وَبَين مقبل وقْعَة قتل فِيهَا جمَاعَة من الْأَشْرَاف بني حسن وجرح كثير من العربان وَالْعَبِيد وَانْهَزَمَ مقبل فمدت المماليك أيديها وانتهبت مَا قدرت عَلَيْهِ وسلبت النِّسَاء الشريفات مَا عَلَيْهِنَّ وَسَاقُوا خَمْسمِائَة وَخمسين رجلا وَثَلَاثِينَ فرسا وأمتعة كَثِيرَة ومالا جزيلا وعادوا من يومهم إِلَى يَنْبع وَمَعَهُمْ عقيل قد خلصوه من الْأسر ورحلوا وَقد أَقَامَ عقيل بينبع أَمِيرا فَلم يكن إِلَّا لَيَال حَتَّى عَاد مقبل واحترب مَعَ عقيل فَانْهَزَمَ مقبل وَقتل بَينهمَا جمَاعَة كل ذَلِك بِسوء الطَّبْع والطمع فِي الْقَلِيل. وَفِي سَابِع عشرينه: قدم مبشرو الْحَاج وأخبروا بسلامة الْحجَّاج. وَفِي هَذَا الشَّهْر: اتّفقت نادرة فِيهَا عِبْرَة لِذَوي النَّهْي والأبصار وَهُوَ أَن رجلا من فُقَرَاء النَّاس الَّذين لَا يكادون يَجدونَ الْقُوت لَهُ امْرَأَة وَبَنَات مِنْهَا يسكنون بخرابات الحسينية ظَاهر الْقَاهِرَة فَلَمَّا كَانَ يَوْم عيد النَّحْر ذبح أَرْبَاب الْيَسَار ضحاياهم واشتووا لحومها فهاجت شهوات بَنَات هَذَا الرجل لأكل اللَّحْم وطلبن مِنْهُ فَلم يجد سَبِيلا إِلَى قَضَاء شهواتهن وَأخذ يعللهن وَهن يتصايحن وينتحبن بالبكاء وَقَلبه يتقطع عَلَيْهِنَّ حسرات طول نَهَار الْعِيد حَتَّى جنَّة اللَّيْل ورقدن. فَكَانَ يسمع فِي اللَّيْل حَرَكَة تتوالى طول ليلته وَهُوَ وَأم أَوْلَاده لشدَّة الْحزن قد ذهب نومهما حَتَّى أصبحا فَإِذا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 68 كوم كَبِير من اللَّحْم فِي دَارهم قد باتت الْعرس تنقله طول لَيْلهَا لَا يَدْرُونَ من أَيْن أَتَت بِهِ فسرا بذلك سُرُورًا كَبِيرا وَأَيْقَظَ بَنَاته فاشتووا من ذَلِك اللَّحْم فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا وطبخوا مِنْهُ وَقد درا بَاقِيه فكافهم عدَّة أَيَّام. 7 - (إِن الله يرْزق من يَشَاء بِغَيْر حِسَاب) آل عمرَان 37. وَفِي هَذِه السّنة: كثرت الأمطار بِأَرْض الْحجاز وبلاد الشَّام وَسقط بقرية تسمى حداثا من جبال صفد برد لم يعهدوا مثله بلغ وزن بردة وَاحِدَة سَبْعَة أَرْطَال وَنصف بالدمشقي عَنْهَا ثَلَاثُونَ رطلا مصرية وَوجدت بردة على بَاب دَار قدر الثور. وَكَانَ سُقُوط هَذَا الْبرد لَيْلَة السبت سادس ذِي الْحجَّة هَذَا. وفيهَا كَانَت حروب بِبِلَاد الرّوم بَين أهل حصنين بِالْقربِ من مَدِينَة برصا فِي أَحدهمَا طَائِفَة من الرّوم الْمُسلمين وَفِي الْأُخْرَى طَائِفَة من النَّصَارَى فامتدت الْحَرْب عَاما حَتَّى كَانَ بعض اللَّيَالِي إِذا هم بصيحة من حصن النَّصَارَى كَادَت تنخلع مِنْهَا قُلُوب الْمُسلمين فَلَمَّا أَصْبحُوا إِذا بِجَمِيعِ من فِي الْحصن من النَّصَارَى قد هَلَكُوا هم ودوابهم فتسلموا مَا فِي الْحصن بِلَا مَانع. وفيهَا فَشَتْ الْأَمْرَاض بِالْقَاهِرَةِ وَالْوَجْه البحري عِنْد انحطاط مَاء النّيل فِي فصل الخريف. وفيهَا انحل سعر الغلال ورخت رخاءاً زَائِدا. وفيهَا سَار مُرَاد بن مُحَمَّد كوشجي بن عُثْمَان فِي شهر رَجَب من برصا إِلَى اسطنبول وَهِي قسطنطينية - وَنزل عَلَيْهَا أول شعْبَان وَقطع عَامَّة أشجارها وَمنع عَنْهَا الْميرَة حَتَّى فرغ شهر رَمَضَان من غير حَرْب سوى مرّة وَاحِدَة فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث رَمَضَان فَإِنَّهُ زحف على الْمَدِينَة فَكَانَ بَينه وَبَين أَهلهَا حَرْب شَدِيدَة فتخلى عَنهُ عسكره وبينما هُوَ فِي ذَلِك إِذْ جَاءَهُ أَخُوهُ مصطفى وَكَانَ فِي مملكة مُحَمَّد باك بن قرمان فَتفرق عَن مُرَاد عسكره وَكَانُوا نَحْو مائَة وَخمسين ألفا حَتَّى بَقِي فِي زهاء عشْرين ألفا والتجأ مصطفى إِلَى اسطنبول وواقف مُرَاد نَحْو شهر وَقد عجز عَنهُ مُرَاد لمُخَالفَة عسكره عَلَيْهِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 69 وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر عَلَاء الدّين عَليّ ابْن قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين عبد الرَّحْمَن الزبيرِي لَيْلَة الْأَحَد ثَالِث الْمحرم وَقد أناف على السِّتين. وَكَانَ يعرف الْفَرَائِض والحساب ويشارك فِي الْفِقْه وناب فِي الحكم بِالْقَاهِرَةِ ودرس فِي عدَّة مدارس. وَمَات بدر الدّين مَحْمُود بن شمس الدّين مُحَمَّد الأقصراي الْحَنَفِيّ لَيْلَة الثُّلَاثَاء خَامِس الْمحرم وَلم يبلغ ثَلَاثِينَ سنة وَكَانَ يعرف طرفا من الفقة ويشارك فِي غَيره وتحرك لَهُ حَظّ فِي دولة الْمُؤَيد وَصَارَ يحضر مَجْلِسه فِيمَن يحضر من الْفُقَهَاء فَلَمَّا قَامَ ططر بعد الْمُؤَيد اخْتصَّ بِهِ مُعظم قدره وَتردد النَّاس لبابه وتحدثوا برقيه إِلَى الْعليا فَلم يُمْهل وعوجل وَمَات الْأَمِير أق قجا كاشف الْوَجْه القبلي فِي الْعشْرين من الْمحرم فأراح الله مِنْهُ. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن معالي الحبتي الدِّمَشْقِي الْحَنْبَلِيّ يَوْم الْخَمِيس ثامن عشْرين الْمحرم وَكَانَ من فُقَهَاء الْحَنَابِلَة وَأحد الْمُحدثين نَاب فِي الحكم عَن الْقُضَاة سنتَيْن واتصل بالمؤيد وَكَانَ يحضر عِنْده فِي جملَة الْفُقَهَاء وَيقْرَأ عِنْده صَحِيح البُخَارِيّ كل سنة وولاه مشيخة الخروبية الَّتِي استجدها بالجيزة. وَمَات الْأَمِير حسن بن سودن الْفَقِيه الجركسي خَال الصَّالح بن ططر يَوْم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 70 الْجُمُعَة ثَالِث عشر صفر وَكَانَ قد صَار أَمِير مائَة مقدم ألف فِي أَيَّام ابْن أُخْته الصَّالح مُحَمَّد بن ططر بعد مَا عمله زوج أُخْته الظَّاهِر ططر أَمِير طبلخاناه فَلم يتهن بِالنعْمَةِ وَطَالَ مَرضه حَتَّى مَاتَ. وَمَات الشريف عَزِيز بن هيازع بن هبة بن جماز بن شيحة أَمِير الْمَدِينَة النَّبَوِيّ فِي رَبِّي الأول وَهُوَ مسجون بالقلعة وَقد أَخذ من الْمَدِينَة مُقَيّدا فِي موسم السّنة الخالية وَولي عوضه عجلَان بن نعير. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن أَحْمد الْمَعْرُوف بالزراتيتي الْمُقْرِئ الْحَنَفِيّ إِمَام الْخمس بِالْمَدْرَسَةِ الظَّاهِرِيَّة برقوق فِي يَوْم الْخَمِيس سادس جُمَادَى الْآخِرَة وَقد تجَاوز السّبْعين وكف بَصَره وَصَارَ شيخ الإقراء بِالْقَاهِرَةِ. وَمَات برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن أَحْمد بن عَليّ البيجوري الْفَقِيه الشَّافِعِي يَوْم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 71 السبت رَابِع عشر رَجَب وَقد أناف على السّبْعين وتصدى للأشغال عدَّة سِنِين وَلم يخلف بعده أحفظ مِنْهُ لفروع الْفِقْه مَعَ إطراح التَّكَلُّف وَقلة الاكتراث بالملبس والإعراض عَن الرياسة الَّتِي عرضت عَلَيْهِ فأباها. وَمَات مقدم العشير بجبال صفد بدر الدّين حسن بن أَحْمد بن بِشَارَة فِي سَابِع ذِي الْحجَّة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 72 سنة سِتّ وَعشْرين وَثَمَانمِائَة أهلت وسلطان مصر وَالشَّام والحجاز الْملك الْأَشْرَف برسباي الدقماقي والأمير الْكَبِير الأتابك بيبغا المظفري والدوادار الْكَبِير الْأَمِير سودن بن عبد الرَّحْمَن وأمير سلَاح الْأَمِير قجق وأمير مجْلِس الْأَمِير أقبغا التمرازي وأمير أخور الْأَمِير قصروه نوبَة النوب الْأَمِير أزبك والوزير أستادار الْأَمِير أرغون شاه وَكَاتب السِّرّ علم الدّين دَاوُد بن عبد الرَّحْمَن بن الكويز وناظر الْخَاص الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله وقاضي الْقُضَاة الشَّافِعِي علم الدّين صَالح بن البُلْقِينِيّ ونائب الشَّام الْأَمِير تنبك العلاي ميق ونائب حلب الْأَمِير تنبك البجاسي ونائب طرابلس الْأَمِير أينال النورزي ونائب صفد الْأَمِير مقبل الدوادار ونائب حماة شار قطلوا. شهر الله الْحَرَام أَوله الْأَرْبَعَاء: فِي ثَالِث عشرينه: قدم الركب الأول من الْحجَّاج وَقدم الْمحمل بِبَقِيَّة الْحَاج من وَكَانَت سنة مشقة إِلَى الْغَايَة توالت فِيهَا الأمطار الْخَارِجَة عَن الْحَد زِيَادَة على يَوْمًا وَأَتَتْ سيول مهولة مَعَ غلاء الأسعار بِمَكَّة فأبيع الْحمل الدَّقِيق بِخَمْسَة وَثَلَاثِينَ دِينَارا وأبيعت ويبة شعير فِي الأزلم بِخَمْسِينَ مؤيديا فَيكون الأردب الشّعير الجزء: 7 ¦ الصفحة: 73 على ذَلِك بِأَلفَيْنِ وَمِائَة دِرْهَم من نقد الْقَاهِرَة وَكثر موت الْجمال ومشت النِّسَاء وَالصغَار عدَّة مراحل وَمَات كثير من النَّاس وَاشْتَدَّ الْحر ثمَّ اشْتَدَّ الْبرد وَمَعَ وَفِي ثامن عشرينه: أُعِيد زين قَاسم بن البُلْقِينِيّ إِلَى نظر الجوالي عوضا عَن صدر الدّين أَحْمد بن العجمي على مَال الْتزم بِهِ. وَفِيه أنعم على الْأَمِير جَانِبك الخازندار بإمرة طبلخاناه من جملَة إقطاع الْأَمِير فَارس نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة كَانَ. شهر صفر أَوله الْخَمِيس: فِي ثامن عشره: جمع السُّلْطَان الْأُمَرَاء والقضاة ومباشريه وأحضر جمَاعَة من التُّجَّار وَأنكر حَال الْفُلُوس وَذَلِكَ أَنَّهَا كَمَا تقدم غير مرّة أَنَّهَا هِيَ النَّقْد الرائج بِأَرْض مصر فينسب إِلَيْهَا أَثمَان المبيعات وقيم الْأَعْمَال ثمَّ لما ضرب الْملك الْمُؤَيد شيخ الدَّرَاهِم المؤيدية رسم أَن تنْسب قيم الْأَعْمَال وأثمان المبيعات إِلَيْهَا فَعمل بذلك مُدَّة من أَيَّامه حَتَّى مَاتَ فَعَادَت قيم الْأَعْمَال وأثمان المبيعات تنْسب إِلَى الْفُلُوس كَمَا كَانَت قبل المؤيدية وَحدث فِي الْفُلُوس مَعَ ذَلِك مَا لم يكن يعْهَد مُنْذُ ضربت وَهُوَ أَنه خلط فِيهَا قطع الْحَدِيد وَقطع النّحاس وَقطع الرصاص من أجل أَنَّهَا تُؤْخَذ وزنا لَا عددا وتغافل الْحُكَّام عَن إِنْكَار ذَلِك فتمادى الْحَال على هَذَا من بعد موت الْمُؤَيد حَتَّى صَارَت القفة من الْفُلُوس الَّتِي وَزنهَا مائَة رَطْل لَا يكَاد يُوجد فِيهَا قدر عشْرين رطلا من الْفُلُوس وَإِنَّهَا هِيَ - كَمَا قدم - ذكره مَا بَين نُحَاس وحديد ورصاص وَانْفَتح للصيارفة وَنَحْوهم من ذَلِك بَاب ربح وَهُوَ أَنهم صَارُوا ينقون الْفُلُوس ويبيعونها لمن يحملهَا إِلَى الْحجاز واليمن وبلاد الْمغرب كل قِنْطَار بسبعمائة دِرْهَم فَلَمَّا بلغ السُّلْطَان ذَاك أَرَادَ أَن يضْرب فُلُوسًا فَاخْتَلَفُوا عَلَيْهِ فِي مِقْدَار وَزنهَا فَأَشَارَ بَعضهم أَن يكون كل سِتِّينَ فلسًا بدرهم أشرفي وَأَشَارَ أخرون أَن تكون أوزانها مُخْتَلفَة فِيهَا مَا زنته مِثْقَال وفيهَا مَا زنته غير ذَلِك فَجمع النَّاس كَمَا تقدم ليقوي عزمه على مَا يمضيه فَمَا زَالُوا بِهِ حَتَّى رَجَعَ عَن تَغْيِير الْمُعَامَلَة بالفلوس الَّتِي بأيدي النَّاس خوفًا من وقُوف أَحْوَال الْأَسْوَاق لعنت الْعَامَّة فاستقر الرَّأْي على أَن نُودي بِأَن يكون سعر الْفُلُوس المنقاة من الْحَدِيد والرصاص والنحاس بسبعه دَرَاهِم كل رَطْل وَيكون سعر هَذِه الْقطع بِخَمْسَة دَرَاهِم الرطل فامتثل النَّاس ذَلِك وَصَارَت الْفُلُوس صنفين بسعرين مُخْتَلفين وَمَشى الْحَال على هَذَا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 74 وَفِيه أبيع الرَّغِيف بِنصْف دِرْهَم فُلُوسًا بعد مَا كَانَ بدرهم لرخاء الأسعار. وَفِي سادس عشرينه: قدم الْأَمِير أينال النوروزي نَائِب طرابلس باستدعاء فَأكْرمه السُّلْطَان وأنزله بدار ثمَّ طلب الْأَمِير قصروه أَمِير أخور وخلع عَلَيْهِ بنيابة طرابلس عوضا عَن الْأَمِير أينال الْمَذْكُور وأنعم على أينال هَذَا بإقطاع قصروه. فِي هَذَا الشَّهْر: اتضع سعر الغلال حَتَّى أبيع الْقَمْح كل خَمْسَة أرادب بِدِينَار وَلِهَذَا أَسبَاب: أَحدهَا النّيل فِي وَقت زِيَادَته حَتَّى شَمل الرّيّ عَامَّة أَرَاضِي مصر. ثَانِيهَا غزارة الأمطار فِي فصل الشتَاء وتواليها أَيَّامًا فأخصبت الزروع والمراعي. ثَالِثهَا رخاء الأسعار بِبِلَاد الشَّام وَأَرْض الْحجاز فاستغنت العربان عَن شِرَاء الغلال وَترك التُّجَّار فِي الْحجاز فتوفرت بديار مصر. رَابِعهَا أَن الْأَمِير الْوَزير شمس الدّين أرغون شاه أستادار خرج إِلَى نواحي الغربية والبحيرة وعسف المزارعين والمتدركين حَتَّى ألجأتهم الضَّرُورَة إِلَى أَن يبيعوا غلالهم ويقوموا لَهُ. مِمَّا ألزموا بِهِ من المَال فَلذَلِك كثرت الغلال فاتضعت وَللَّه الْحَمد. وَمَعَ هَذَا فقد نَاس كثير من الغلال بِالْوَجْهِ البحري فَتسَارع خزانها إِلَى بيعهَا خوفًا عَلَيْهَا من التّلف وَللَّه عَاقِبَة الْأُمُور. شهر ربيع الأول أَوله السبت: وَفِي ثَانِيه: قدم الْأَمِير الْوَزير أرغون شاه من الْوَجْه البحري بِمَا جمعه من الْأَمْوَال الَّتِي جباها. وَفِي لَيْلَة الْجُمُعَة سابعه: عمل المولد السلطاني على الْعَادة فِي كل سنة وَحضر الْأُمَرَاء وقضاة الْقُضَاة الْأَرْبَع ومشايخ الْعلم وَجمع كَبِير من الْقُرَّاء والمنشدين فاستدعى قَاضِي الْقُضَاة ولي الدّين أَحْمد بن الْعِرَاقِيّ ليحضر فَامْتنعَ من الْحُضُور فتكرر استدعاؤه حَتَّى جَاءَ فأجلس عَن يسَار السُّلْطَان حَيْثُ كَانَ قَاضِي الْقُضَاة زين الدّين التفهني جَالِسا وَقَامَ التفهني فَجَلَسَ عَن يَمِين السُّلْطَان فِيمَا يَلِي قَاضِي الْقُضَاة علم الدّين صَالح ابْن البُلْقِينِيّ. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: وجدت ورقة بِالْقصرِ فِيهَا شناعات عَليّ علم الدّين بن الكويز كَاتب السِّرّ مِنْهَا أَنه يُرِيد إِقَامَة ابْن الْملك الْمُؤَيد شيخ فِي السلطنة فَعرف من أَلْقَاهَا فَدلَّ على الَّذِي كتبهَا وَهُوَ رجل من الْفُقَرَاء يُقَال لَهُ حسن العليمي يخْدم قبر الشَّيْخ عَليّ بن عليم بالسَّاحل فاعترف أَنه كتبهَا نصيحة للسُّلْطَان فَبعث بِهِ السُّلْطَان إِلَى ابْن الكويز فَثَبت على قَوْله وفاجأه بِمَا لَا يحب فنفاه إِلَى بِلَاد الصَّعِيد. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 75 وَفِي خَامِس عشره: سَار الْأَمِير أرغون شاه إِلَى بِلَاد الصَّعِيد ليجبي أَهلهَا كَمَا جبى الْوَجْه البحري. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس عشرينه: ثارت ريح مريسية طول النَّهَار فَلَمَّا كَانَ قبل الْغُرُوب بِنَحْوِ سَاعَة ظهر فِي السَّمَاء صفرَة من قبل مغرب الشَّمْس كست الجدران وَالْأَرْض بالصفرة ثمَّ أظلم الجو حَتَّى صَار النَّهَار مثل وَقت الْعَتَمَة فَكنت أمد يَدي فَلَا أَرَاهَا لشدَّة الظلام فَمَا بَقِي أحد بِمصْر إِلَّا وَاشْتَدَّ فزعه فَلَمَّا كَانَ بعد سَاعَة وَقت الْغُرُوب أَخذ الظلام ينجلي قَلِيلا قَلِيلا وعقبه ريح عاصف كَادَت المباني تتساقط وتمادي طول لَيْلَة الْأَرْبَعَاء فَرَأى النَّاس أمرا مهولاً من شدَّة هبوب ريَاح عَاصِفَة وظلمة فِي النَّهَار وَاللَّيْل لم يعْهَد مثلهَا بِحَيْثُ كَانَ جمَاعَة فِي هَذِه اللَّيْلَة مسافرين وسائرين خَارج الْقَاهِرَة فتاهوا من شدَّة الظلام طول ليلتهم حَتَّى طلع الْفجْر وعمت هَذِه الظلمَة أَرض مصر حَتَّى وصلت دمياط والإسكندرية وَجَمِيع الْوَجْه البحري وَبَعض بِلَاد الصَّعِيد وَرَأى بعض من يظنّ بِهِ الْخَيْر فِي مَنَامه كَانَ قَائِلا يَقُول مَا مَعْنَاهُ: لَوْلَا شَفَاعَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأهل مصر لأهلكت هَذِه الرّيح النَّاس لكنه شفع فيهم فَحصل اللطف. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كثر الوباء بِدِمَشْق. وَفِيه أضيفت ولَايَة مصر وحسبتها إِلَى الْأَمِير تَاج الدّين الشويكي وَإِلَى الْقَاهِرَة. وَفِيه رسم بمصادرة نجم الدّين عمر بن حجي قَاضِي الْقُضَاة الشَّافِعِي بِدِمَشْق وشهاب الدّين أَحْمد بن مَحْمُود بن الكشك قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَفِيّ بهَا وعدة من تجارها فصودروا. وَفِيه رسم بإيقاع الحوطة على خُيُول أهل الْوَجْه البحري من الغربية والبحيرة وَنَحْوهَا فَأخذت. وَفِيه قدم إِلَى الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة جَراد عَظِيم أتلف عَامَّة زروعها وأشجارها حَتَّى أكل الأسابيط من فَوق النّخل فأمحلت ونزح كثير من أَهلهَا فَمَاتَ مُعظم الْفُقَرَاء النازحين جوعا وعطشاً وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه. شهر ربيع الآخر أَوله الْأَحَد: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 76 فِي ثَانِيه: عدى السُّلْطَان إِلَى بر الجيزة وَأقَام بِنَاحِيَة وسيم فِي أمرائه ومماليكه يتنزه ثمَّ عَاد. وَفِي سادس عشرينه: قدم الْأَمِير تنبك البجاسي نَائِب حلب فَخلع عَلَيْهِ ورتب لَهُ مَا يَلِيق بِهِ وَقدم لَهُ الْأُمَرَاء على مقدارهم. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كثر الوباء بِدِمَشْق. وَفِيه قدم الْخَبَر أَن مَدِينَة الكرك تلاشى أمرهَا وَخَربَتْ قراها وتشتت أَهلهَا وَأَنَّهَا آيلة إِلَى الدُّثُور. وَفِيه عدى مصطفى بن عُثْمَان من اسطنبول إِلَى أزنيك وملكها بعد مَا حاصرها مُدَّة فَسَار إِلَيْهِ أَخُوهُ مُرَاد بعساكره وقاتله فظفربه وَقَتله وَعَاد إِلَى برصا وَقد صفا لَهُ الجو. شهر جُمَادَى الأولى أَوله الثُّلَاثَاء: فِي ثالثه: توجه الْأَمِير تنبك البجاسي إِلَى حلب على نيابته. وَفِيه أبيع الْخبز كل ثَلَاثَة أرغفة بدرهم من الْفُلُوس وأبيع الأردب الْقَمْح بِثَمَانِينَ درهما فَيكون كل ثَلَاثَة أرادب بمثقال ذهب وكل أردب بأَرْبعَة دَرَاهِم فضَّة وكل سِتِّينَ رغيفاً بدرهم فضَّة وَلم يعْهَد مثل هَذَا الرخَاء فِي هَذِه الْأَزْمِنَة وَمَعَ ذَلِك فالرخاء عَام بِالشَّام والحجاز فَالله يحسن الْعَاقِبَة. وَفِي رَابِع عشره: خلع على الْأَمِير جقمق وَاسْتقر أَمِير أخور عوضا عَن قصروه نَائِب وَفِي يَوْم السبت تَاسِع عشر: أمْطرت السَّمَاء مَطَرا كثيرا من أول يَوْم الْجُمُعَة أمسه حَتَّى مضى السبت وَكَانَت عَامَّة فِي مُعظم أَرض مصر قبليها وبحريها فَسَأَلت الأودية وَظَهَرت فِي النّيل زِيَادَة نَحْو ذِرَاع ودثرت مَقَابِر كَثْرَة وَسقط بِبِلَاد البحرة برد كبار جدا يتعجب من كبرها وَكَانَ الزَّمَان ربيعاً. وَفِي شهر بشنس وَفِي نصف نَهَار السبت هَذَا: هبت ريَاح قَوِيَّة أَلْقَت مباني الجزء: 7 ¦ الصفحة: 77 عديدة وَعم هبوبها فِي أَكثر أَرض مصر فَسقط فِي نَاحيَة أبيار ألف وَمِائَتَا نَخْلَة وَسقط كثير من شجر السنط والسدر والجميز وَكَانَت الشَّجَرَة تقتلع من أَصْلهَا وَسقط كثير من طير السَّمَاء واحتملت الرّيح أَشْيَاء ثَقيلَة من أماكنها وألقتها ببعد وشملت مضرَّة هَذَا الْمَطَر وَهَذِه الرّيح أَشْيَاء عديدة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: انْتَشَر بِبِلَاد الصَّعِيد من الطير الَّتِي يُقَال لَهَا الزرازير أمة لَا يُحْصى عَددهَا إِلَّا الله خَالِقهَا سُبْحَانَهُ فأهلكها هَذَا الرّيح حَتَّى صَار مِنْهَا عدَّة كيمان يمر الْفَارِس فِيهَا بفرسه مُدَّة ثَلَاثَة أَيَّام وَلَوْلَا هَلَكت لرعت الزروع. وَفِيه جَاءَ من نَاحيَة الْحجاز جَراد يخرج عَن الْحَد فِي الْكَثْرَة فَلَمَّا وافى الطّور يُرِيد دُخُول أَرض مصر كَانَ هَذَا الْمَطَر فَهَلَك عَن آخِره كفايه من الله. وَفِيه تلفت زروع عدَّة بِلَاد من نواحي أَرض مصر لِكَثْرَة الْمَطَر وَالْبرد بِحَيْثُ وجد فِي الْبرد مَا وزن الْوَاحِدَة مِنْهُ عدَّة أواقي وَتَلفت أَشجَار كَثِيرَة ونخيل كثير بالقرى من الرّيح وَسقط من طير السَّمَاء فِيمَا بَين الْإسْكَنْدَريَّة وبرقة شَيْء كثير جدا من قُوَّة الرّيح. شهر جُمَادَى الْآخِرَة أَوله الْأَرْبَعَاء: فِي هَذَا الشَّهْر: عظم الوباء بِدِمَشْق وَفَشَا فِي الْبِلَاد إِلَى غَزَّة. وَفِيه تحرّك سعر الغلال بِأَرْض مصر فارتفع الأردب الْقَمْح من مائَة إِلَى مائَة وَأَرْبَعين وَالشعِير من سبعين درهما الأردب إِلَى مائَة دِرْهَم. وَفِي سَابِع عشره: قدم الْأَمِير أرغون شاه من بِلَاد الصَّعِيد وَقد وصل إِلَى مَدِينَة هُوَ فجبى الْأَمْوَال وَمَا عف وَلَا كف وأحضر مَعَه من الأغنام والأبقار والخيول وَمن القند وَالسكر وَالْعَسَل شَيْء كثير فخرب فِي حركتيه المذكورتين إقليم مصر أَعْلَاهُ وأسفله ثمَّ شرع فِي رمى مَا أحضرهُ على النَّاس بأغلى الْأَثْمَان والعسف فِي الطّلب. شهر رَجَب أَوله الْخَمِيس: فِيهِ كملت الْوكَالَة وعلوها بِخَط الركتن المخلق على يَد عَظِيم الدولة القَاضِي زين الدّين عبد الباسط نَاظر الجيوش وَلم يعسف الْعمَّال فِيهَا وَلَا بخسوا شَيْئا من أجرهم فَجَاءَت من أحسن الْمَوَاضِع وَكثر النَّفْع بهَا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 78 وَفِيه ابتدئ بهدم الحوانيت والفنادق الَّتِي فِيمَا بَين الْمدرسَة السيوفية وسوق العنبريين لعمل موضعهَا مدرسة للسُّلْطَان وَكَانَت مَوْقُوفَة على الْمدرسَة القطبية وَغَيرهَا فاستبدل بهَا أَمْلَاك أخر من غير إِجْبَار الْمُسْتَحقّين. وَجعل الاختبار لَهُم فِيمَا يسْتَبْدل بِهِ حَتَّى تراضوا وَلم يشق عَلَيْهِم. وَتَوَلَّى ذَلِك زين الدّين عبد الباسط. وَفِيه انحل سعر الغلال وَمد أبيعت الغلال الجديدة. وَفِيه قدم عدَّة من الفرنج الكيتلان لزيارة الْقُدس مستخفين فعسر على نَحْو الْمِائَة مِنْهُم وسجنوا. وَفِي ثَانِي عشره: ابتدأت المناداة بِزِيَادَة النّيل وَقد جَاءَت الْقَاعِدَة ثَمَانِيَة أَذْرع وَعشر أَصَابِع. وَهَذَا مِمَّا ينْدر مثله. وَفِيه أدير محمل الْحَاج على الْعَادة. وَفِيه كتب بعزل قَاضِي الْقُضَاة الشَّافِعِي بِدِمَشْق نجم الدّين عمر بن حجي وسجنه والكشف عَنهُ واستقرار شمس الدّين مُحَمَّد بن زيد قَاضِي بعلبك عوضه فِي قَضَاء دمشق. وَسبب ذَلِك تنكر الْأَمِير تنبك ميق نَائِب الشَّام عَلَيْهِ وَتغَير كَاتب السِّرّ علم الدّين دَاوُد بن الكويز وزين الدّين عبد الباسط نَاظر الْجَيْش وَبدر الدّين مُحَمَّد بن مزهر نَاظر الاصطبل ونائب كَاتب السِّرّ فَإِنَّهُ أطرح جانبهم وَصَارَ يبلغهم عَنهُ مَا يوغر صُدُورهمْ من استخفافه بهم لمعرفته إيَّاهُم قبل ارتفاعهم فِي الْأَيَّام المؤيدية. واغتر بِكَثْرَة من يساعده من الْأُمَرَاء لما لَهُ عَلَيْهِم من الأفضال المستمر فَأخذ الْجَمَاعَة فِي مكايدته حَتَّى أوقعوا بَينه وَبَين السُّلْطَان فَلم يفده مساعدة الْأُمَرَاء لَهُ. وَفِي يَوْم السبت سَابِع عشره: اتّفقت حَادِثَة فِيهَا موعظة وَهِي أَن الْأَمِير أرغون شاه جمع الجزارين لأخذ شَيْء من الأبقار الَّتِي أحضرها ورسم على كل مِنْهُم رَسُولا من الأعوان الظلمَة حَتَّى يمْضِي إِلَى بر منبابة حَيْثُ الأبقار وَيَأْخُذ مِنْهُم مَا ألزم بِهِ مِنْهَا فوافوا سَاحل بولاق بكره ونزلوا فِي مركب وَنزل مَعَهم أنَاس آخَرُونَ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 79 وَأخذُوا يدعونَ الله على أنفسهم أَن يغرقهم وَلَا يحييهم حَتَّى يَأْخُذُوا هَذِه الأبقار ليستريحوا مِمَّا هم فِيهِ من الغرامات والخسارات وتحكم الظلمَة فيهم بِالضَّرْبِ والسب والإهانة. وَقَرَأَ وَاحِد مِنْهُم فَاتِحَة الْكتاب ودعا بذلك وهم يُؤمنُونَ على دُعَائِهِ فَمَا هُوَ إِلَّا أَن توسطوا النّيل وتجاوزوه حَتَّى كَادُوا أَن يصلوا إِلَى بر منبابة. وَإِذا بمركبهم انقلبت فَغَرقُوا بأجمعهم إِلَّا قَلِيلا مِنْهُم فَإِنَّهُم نَجوا. وَكَانَت عدَّة الغرقى عشْرين رجلا وَأَرْبع نسْوَة فارتجت الْقَاهِرَة بعويل أهاليهن عَلَيْهِنَّ وَكَثُرت الشناعة على الْأَمِير أرغون شاه وَذهب الغرقى بِلَا قَاتل وَلَا قَود. وَفِي ثَالِث عشرينه: رسم السُّلْطَان أَن لَا يكون لقَاضِي الْقُضَاة الشَّافِعِي إِلَّا عشرَة نواب وَأَن يكون للحنفي ثَمَانِيَة نواب وللمالكي سِتَّة وللحنبلي أَرْبَعَة. فَعمل ذَلِك مديدة ثمَّ أُعِيد من عزل مِنْهُم بِزِيَادَة. وَقد ساءت قالة الْعَامَّة فيهم وَأَكْثرُوا من التشنيع بِمَا يغرمه المتداعيان فِي أَبْوَابهم حَتَّى اتضعت نواب الْقُضَاة فِي أعين الكافة وانحطت أقداراهم عِنْد أهل الدولة وجهروا بالسوء من القَوْل فيهم. وَاتفقَ فِي هَذِه السّنة مَا لم نعهده وَهُوَ انتشار الْحمرَة عِنْد طُلُوع الْفجْر إِلَى شروق الشَّمْس فِي جَمِيع الْجِهَة الشمالية الَّتِي يسميها المصريون وَجه بحري وانتشار الْحمرَة فِي الْجِهَة الشمالية أَيْضا بعد غرُوب الشَّمْس حَتَّى يمْضِي من اللَّيْل سَاعَة وَتصير الأَرْض والجدران وَغير ذَلِك فِي هذَيْن الْوَقْتَيْنِ كَأَنَّهَا صبغت بالحمرة. وَتَمَادَى هَذَا الْحَال أَرْبَعَة أشهر وانقضى شهر رَجَب هَذَا وَالْأَمر على ذَلِك. وَفِيه تناقص الوباء بِبِلَاد الشَّام بعد مَا عَم كورة دمشق وفلسطين والساحل. وَبَلغت عدَّة من مَاتَ بصالحية دمشق زِيَادَة على خَمْسَة عشر ألف إِنْسَان. وأحصي من ورد ديوَان دمشق من الْمَوْتَى فَكَانُوا نَحْو الثَّمَانِينَ ألفا وَكَانَ يَمُوت من غَزَّة فِي كل يَوْم مائَة إِنْسَان وأزيد وَكَانَ مُعظم من مَاتَ الصغار والخدم وَالنِّسَاء فخلت الدّور مِنْهُم إِلَّا قَلِيلا وَفِيه وَقع الوباء بِبِلَاد الْخَلِيل عَلَيْهِ شهر شعْبَان أَوله السبت: فِي يَوْم الْجُمُعَة سابعه: ورد الْخَبَر بِأَن الْأَمِير جَانِبك الصُّوفِي فر من السجْن بالإسكندرية فَلم يقدر عَلَيْهِ فَقبض بِسَبَبِهِ على جمَاعَة وعوقبوا عقوبات كَثِيرَة. وَقدم الْخَبَر بِوُقُوع الوباء بدمياط. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 80 وَفِي يَوْم الْخَمِيس عشرينه: خلع على الْأَمِير جرباش قاشق وَاسْتقر حَاجِب الْحجاب. وَكَانَت شاغرة مُنْذُ انْتقل جقمق عَنْهَا وَصَارَ أَمِير أخور. وَفِيه كتب باستقرار الْأَمِير تنبك البجاسي نَائِب حلب فِي نِيَابَة الشَّام بعد موت تنبك ميق. وَاسْتقر شارقطلوا نَائِب حماة فِي نِيَابَة حلب عوضا عَن تنبك البجاسي وَاسْتقر جلبان - أَمِير أخور الْملك الْمُؤَيد شيخ - فِي نِيَابَة حماة. وَقد كَانَ من جملَة أُمَرَاء دمشق. وَتوجه الْأَمِير جَانِبك الخازندار فِي ثامن عشرينه بتقاليد الْمَذْكُورين وتشاريفهم. وَفِيه رسم بِإِعَادَة نجم الدّين عمر بن حجي إِلَى قَضَاء الْقُضَاة بِدِمَشْق وَحمل تَقْلِيده وتشريفه. وَفِيه جرى المَاء فِي خليج الْإسْكَنْدَريَّة وعبرت فِيهِ السفن وَذَلِكَ أَنه غلب الرمل على أشتوم بحيرة الْإسْكَنْدَريَّة حَتَّى جف مَاؤُهَا وَصَارَت الرّيح تسفي الرمال على الخليج إِلَى أَن علت أرضه وجف مَاؤُهُ من بعد سنة سبعين وَسَبْعمائة وَصَارَ المَاء لَا يدْخل إِلَيْهِ إِلَّا أَيَّام الزِّيَادَة فَإِذا نقص مَاء النّيل جف الخليج. وَلذَلِك خرجت أَكثر بساتين الْإسْكَنْدَريَّة وضياعها الَّتِي على الخليج. وَصَارَ شرب أَهلهَا من المَاء المخزون بالصهاريج. وحاول السلاطين حفر هَذَا الخليج مرَارًا فَلم ينجح عَمَلهم لقلَّة الْمعرفَة بأَمْره ثمَّ إِن السُّلْطَان ندب الْأَمِير جرباش قاشق - أحد مقدمي الأولوف - لعمل هَذَا الخليج فَجمع من النواحي ثَمَانمِائَة وَخَمْسَة وَسبعين رجلا وابتدأ فِي حفره من حادي عشر جُمَادَى الأولى من حَنى فَم النّيل. وَصَارَ كلما حفر مِنْهُ شَيْئا أرسل المَاء عَلَيْهِ من الْفَم حَتَّى انْتهى حفره فِي حادي عشر شعْبَان هَذَا لتَمام تسعين يَوْمًا وَعبر المَاء فِي الْيَوْم الْمَذْكُور إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَقد خرج النَّاس لرُؤْيَته وسروا بِهِ سُرُورًا كَبِيرا. وَكَانَت كلفة الْحفر مِمَّا جبى من النواحي الَّتِي تسقى من الخليج وَمن بساتين الْإسْكَنْدَريَّة. شهر رَمَضَان أَوله الْأَحَد: فِي ثَانِيه - الْمُوَافق لَهُ سادس مسرى -: كَانَ وَفَاء النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا فَنزل الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن السُّلْطَان حَتَّى خلق عَمُود المقياس وَفتح الخليج على الْعَادة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 81 وَفِيه قبض على الْأَمِير سودن الْأَشْقَر أحد مقدمي الألوف وَنفي بطالاً إِلَى الْقُدس. ثمَّ أنعم عَلَيْهِ بإمرة فِي دمشق فَتوجه إِلَيْهَا. وَفِيه خرج عدَّة من الْأُمَرَاء إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة ودمياط ورشيد وَقد ورد الْخَبَر بحركة الفرنج وَفِي ثامن عشرينه: جمع السُّلْطَان التُّجَّار والصيارف بِسَبَب الْفُلُوس فَإِنَّهَا من حِين نُودي عَلَيْهَا فِي صفر أَن تكون المضروبة بسبعة دَرَاهِم الرطل وَالْقطع بِخَمْسَة الرطل قلت حَتَّى لم تكد تُوجد. وَسبب ذَلِك أَن التُّجَّار كثرت تِجَارَتهمْ فِيهَا وشدوا أحمالاً كَثِيرَة من الْفُلُوس المنقاة وَقد بلغ القنطار مِنْهَا ثَمَانمِائَة دِرْهَم وبعثوا مِنْهَا إِلَى الْحجاز واليمن والهند وبلاد الْمغرب بِشَيْء لَا يدْخل تَحت حصر لما لَهُم فِيهَا من الْفَوَائِد. وَضرب آخَرُونَ مِنْهَا الْأَوَانِي النّحاس كالقدور وَنَحْوهَا وباعوها بِثَلَاثِينَ درهما الرطل. وتصدى جمَاعَة لقطع الْحَدِيد والنحاس والرصاص والقصدير فأفرزوا كل صنف على حِدة واستعملوه فِيمَا يصلح لَهُ فَرَبِحُوا فِيهَا كثيرا. وَمَعَ ذَلِك فَمن عِنْده شَيْء مِنْهَا شح بِإِخْرَاجِهِ فِي الْمُعَامَلَة. وتصدت جمَاعَة لجمعها فعزت حَتَّى لم يقدر عَلَيْهَا. وتوقفت أَحْوَال النَّاس فِي مَعَايشهمْ لفقدها. فَلَمَّا اجْتمع النَّاس عِنْد السُّلْطَان اسْتَقر الرَّأْي على أَن تكون الْفُلُوس المنقاة بِتِسْعَة دَرَاهِم الرطل وَأَن لَا يتعامل أحد بِشَيْء من الْقطع النّحاس وَالْحَدِيد والرصاص والقصدير وَنُودِيَ بذلك وهدد من خَالف وسافر بِشَيْء مِنْهَا إِلَى الْبِلَاد. شهر شَوَّال أَوله الثُّلَاثَاء: فِي سادسه: ابْتَدَأَ الْهدم فِي الحوانيت والرباع الَّتِي علوها فِيمَا بَين الصنادقيين وَرَأس الخراطين وَفِي سابعه: قدم قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق شهَاب الدّين أَحْمد بن مَحْمُود بن الكشك باستدعاء. وَفِي يَوْم الْخَمِيس عاشره: خلع على جمال الدّين يُوسُف بن الصفي الكركي وَاسْتقر كَاتب السِّرّ بعد موت علم الدّين دَاوُد بن الكويز فأذكرتني ولَايَته بعد ابْن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 82 الكويز قَول أبي الْقَاسِم خلف بن فرج الألبيري - الْمَعْرُوف بالسميسر - وَقد هلك وَزِير يَهُودِيّ لباديس بن حبوس الْحميدِي أَمِير غرناطة من بِلَاد الأندلس فاستوزر بعد الْيَهُودِيّ وزيراً نَصْرَانِيّا: كل يَوْم إِلَى ورا بدل الْبَوْل بالخرا فزمانا تهودا وزماناً تنصرا وسيصبو إِلَى المجو - س إِذا الشَّيْخ عمرا وَقد كَانَ أَبُو الْجمال هَذَا من نَصَارَى الكرك وتظاهر بِالْإِسْلَامِ فِي وَاقعَة كَانَت لِلنَّصَارَى هُوَ وَأَبُو الْعلم دَاوُد بن الكويز وخدم كَاتبا عِنْد قَاضِي الكرك عماد الدّين أَحْمد المقيري. فَلَمَّا قدم إِلَى الْقَاهِرَة. وصل فِي خدمته وَأقَام بِبَابِهِ حَتَّى مَاتَ وَهُوَ بائس فَقير لم يزل دنس الثِّيَاب مقتم الشكل وَابْنه هَذَا مَعَه فِي مثل حَاله. ثمَّ خدم عِنْد التَّاجِر برهَان الدّين إِبْرَاهِيم الْمحلى كَاتبا لدخله وخرجه فحسنت حَاله وَركب الْحمار. ثمَّ سَار بعد الْمحلى إِلَى بِلَاد الشَّام وخدم بِالْكِتَابَةِ هُنَاكَ حَتَّى كَانَت أَيَّام الْملك الْمُؤَيد شيخ ولاه ابْن الكويز نظر الْجَيْش بطرابلس فَكثر مَاله بهَا. ثمَّ قدم فِي أخر أَيَّام ابْن الكويز إِلَى الْقَاهِرَة فَلَمَّا مَاتَ وعد بِمَال كثير حَتَّى ولى كِتَابَة السِّرّ فَكَانَت ولَايَته أقبح حَادِثَة رأيناها. وَفِي رَابِع عشره: قدم الْأَمِير أسندمر نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة باستدعاء فَقبض عَلَيْهِ وَنفي إِلَى دمياط بطالاً. وَاسْتقر الْأَمِير أقبغا التمرازي أَمِير مجْلِس عوضه فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 83 وَفِي سادس عشره - الْمُوَافق لَهُ رَابِع عشْرين توت -: انْتَهَت زِيَادَة النّيل إِلَى تِسْعَة عشر ذِرَاعا تنقص إصبعاً وَاحِدًا وابتدأ نَقصه من الْغَد. وَفِي تَاسِع عشره: خرج محمل الْحَاج صُحْبَة الطواشي افتخار الدّين مِثْقَال مقدم المماليك ورحل من بركَة الْحَاج فِي ثَالِث عشرينه وَقد تقدمه الركب الأول صُحْبَة الْأَمِير أينال الششماني أحد أُمَرَاء العشرات وَفِي رَابِع عشرينه: خلع عَليّ نقيب الْأَشْرَاف السَّيِّد الشريف بدر الدّين حسن بن الشريف النَّقِيب عَليّ وأضيف إِلَيْهِ نظر وقف الْأَشْرَاف عوضا عَن شرف الدّين مُحَمَّد ابْن عبد الْوَهَّاب بن نصر الله. وَكَانَ قد بَاشر وقف الْأَشْرَاف بعفة ونهضة وَأنْفق للأشراف فِي كل سنة أَزِيد مِمَّا كَانَت عَادَتهم. وَفِيه خلع على صدر الدّين أَحْمد بن العجمي وَاسْتقر فِي نظر الْكسْوَة عوضا عَن شرف الدّين الْمَذْكُور وَفِي نظر الجوالي عوضا عَن قَاسم بن البُلْقِينِيّ وخلع على الْأَمِير زين الدّين عبد الْقَادِر ابْن الْأَمِير فَخر الدّين بن أبي الْفرج وَاسْتقر كاشف الشرقية. وَكَانَ الْكَشْف بيد الْأَمِير أرغون شاه أستادار. وَفِي سَابِع عشرينه: قبض على أرغون شاه الْمَذْكُور لعَجزه - مَعَ ظلمه وعسفه - عَن جامكية المماليك فَإِن مَصْرُوف الدِّيوَان الْمُفْرد عظم وَصَارَت الْبِلَاد المفردة لَهُ - مَعَ مظالم الْعباد - لَا تفي بِهِ. وَفِي ثامن عشرينه: خلع على نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن شمس الدّين مُحَمَّد بن مُوسَى المرداوي الْمَعْرُوف بِابْن أبي وافي وَاسْتقر أستادارا عوضا عَن أرغون شاه. وعوقب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 84 أرغون شاه بَين يَدي السُّلْطَان. وَمن خبر ابْن أبي وَالِي هَذَا أَن أَبَاهُ من تجار الْقُدس وتزيا هُوَ بزِي الأجناد وخدم أستادار الْأَمِير جقمق الدوادار فِي أَيَّام الْمُؤَيد بديار مصر مُدَّة ثمَّ صادره وَصَرفه فخدم أستادار نَائِب الشَّام مُدَّة. وَكثر مَاله فأحضر من دمشق إِلَى الْقَاهِرَة فِي هَذَا الشَّهْر وألزم بِحمْل عشْرين ألف دِينَار فوعد أَن يحمل فِي هَذَا الْيَوْم ثَلَاثَة آلَاف دِينَار. فَلَمَّا قبض على أرغون شاه سَوَّلت لَهُ نَفسه وزين لَهُ شَيْطَانه أَن يكون أستادارا ويسد الْمبلغ الَّذِي ألزم بِهِ وَفِيه خلع أَيْضا على كريم الدّين عبد الْكَرِيم ابْن الْوَزير الصاحب تَاج الدّين عبد الرَّزَّاق ابْن كَاتب المناخ وَاسْتقر فِي الوزارة عوضا عَن أرغون شاه. وَفِي تَاسِع عشرينه: سلم أرغون شاه إِلَى الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أبي وَالِي أستادار ليستخلص مِنْهُ سِتِّينَ ألف دِينَار فَنزل من القلعة مَعَ أعوان الْوَالِي حَتَّى دخل دَاره الَّتِي كَانَ يسكنهَا أرغون شاه وَقد سكنها ابْن أبي وَالِي فعندما دَخلهَا بَكَى وَكَانَ فِي بلائه هَذَا أعظم عِبْرَة. وَذَلِكَ أَن ابْن وَالِي فِي ابْتِدَاء حَاله كَانَ من جملَة أجناد أرغون شاه الَّذين يخدمونه أَيَّام عمله وَهُوَ أستادار نوروز الحافظي فدارت الدَّوَائِر حَتَّى صَار ابْن أبي وَالِي أستادار عوضا عَن أرغون شاه وَسكن فِي دَاره بِالْقَاهِرَةِ الَّتِي كَانَ بالْأَمْس يتَرَدَّد إِلَيْهِ فِيهَا. وَيجْلس حَتَّى يسْتَأْذن لَهُ عَلَيْهِ. ثمَّ أَخذ ليعلقه فِي هَذِه الدَّار يحضرهُ من كَانَ يَخْدمه بهَا. أعاذنا الله تَعَالَى من سوء الْعَاقِبَة وَزَوَال نعمه ورزقنا الْعَافِيَة بمنه وَكَرمه. وَفِيه خلع على الْأَمِير إينال النوروزي الَّذِي كَانَ نَائِبا بطرابلس وَاسْتقر أَمِير مجْلِس عوضا عَن أقبغا التمرازي نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة. شهر ذِي الْقعدَة أَوله يَوْم الْخَمِيس: فِيهِ قدم للسُّلْطَان إخْوَان من بِلَاد الجركس فِي سِتِّينَ من الجراكسة فَخرج الْأُمَرَاء إِلَى لقائهم. وَفِيه توجه الْأَمِير قجق أَمِير سلَاح والأمير أركماس الظَّاهِرِيّ أحد مقدمي الألوف وَالْقَاضِي زين الدّين عبد الباسط نَاظر الجيوش إِلَى مَكَّة على الرَّوَاحِل حاجين. وَفِي رابعه: تقرر على أرغون شاه عشرَة آلَاف دِينَار حَالَة يقوم بهَا ويمهل فِي مبلغ عشْرين ألف دِينَار مُدَّة فأفرج عَنهُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 85 وَفِي سادسه: وصلت هَدِيَّة الْأَمِير قصروه نَائِب طرابلس وَهِي مائَة وَخَمْسُونَ فرسا وَكثير من القماش والفرو. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: هَبَط مَاء النّيل سَرِيعا مَعَ فَسَاد جسور النواحي من سوء سيرة وُلَاة عَملهَا فَانْقَطَعت مِنْهَا مقاطع كَثِيرَة شَرق بِسَبَبِهَا عدَّة أَرَاضِي بِالْوَجْهِ القبلي وبالوجه البحري وبالجيزة فنسأل الله اللطف. هَذَا والغلال رخيصة فالقمح بِمِائَة وَأَرْبَعين درهما من الْفُلُوس كل أردب وَالشعِير والفول بسبعين درهما الأردب. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس عشره - الْمُوَافق لَهُ ثَانِي عشْرين بَابه -: وَالشَّمْس فِي الدرجَة الْخَامِسَة من برج الْعَقْرَب حدث فِي السَّمَاء راعد شَدِيد وبرق ثمَّ مطر كثير جدا لم تعهد مثله فِي مثل هَذَا الزَّمَان. وَمَعَ ذَلِك فالحر مَوْجُود فسبحان الفعال لما يُريدهُ. وَفِي سادس عشره: قدم الْأَمِير جَانِبك الخازندار من الشَّام وَقد قلد النواب فَخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر دوادارا ثَانِيًا عوضا عَن الْأَمِير قرقماس المتوجه إِلَى الْحجاز بِحكم انْتِقَاله إِلَى تقدمة ألف. وجانبك هَذَا رباه السُّلْطَان صَغِيرا فحفظ حق التربية بِحَيْثُ أَن جقمق نَائِب الشَّام لما ثار بعد موت الْمُؤَيد وَقبض على السُّلْطَان وَهُوَ يَوْمئِذٍ من أُمَرَاء دمشق وسجنه بذل الرغائب لجانبك هَذَا فَلم تستمله الدُّنْيَا وَثَبت على خدمَة أستاذه حَتَّى خلصه الله فوفى السُّلْطَان لَهُ بذلك وأنعم عَلَيْهِ بإمرة عشرَة ثمَّ إمرة طبلخاناة وَبَعثه لتقليد نواب الشَّام فأثرى. وَلما قدم صَار دواداراً. وَفِي الْحَقِيقَة هُوَ صَاحب التَّدْبِير فِي الدولة نقضا وإبراماً لِكَثْرَة اخْتِصَاصه بالسلطان ومزيد قربه مِنْهُ. وَفِي سادس عشرينه: ثارت المماليك بأستادار لعَجزه عَن تَكْمِلَة النَّفَقَة وضربوه ففر حَتَّى التجأ إِلَى بَيت بعض الْأُمَرَاء. وَفِي ثامن عشرينه: ختم على مطابخ السكر وألزم من يدولب طبخ السكر أَلا يتَعَرَّض أحد مِنْهُم لعمله ومنعت باعة السكر وباعة الْحَلْوَى من شِرَاء السكر إِلَّا من سكر السُّلْطَان. وَعمل لذَلِك ديوَان وأقيم لَهُ جمَاعَة ليدولبوا السكر فَامْتنعَ كل أحد من بيع السكر إِلَّا السُّلْطَان وَمن شراه إِلَّا من سكر السُّلْطَان فَضَاقَ النَّاس ذرعاً بذلك وتضرر بِهِ جمَاعَة عديدة. شهر ذِي الْحجَّة أَوله الْجُمُعَة: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 86 فِي ثالثه: ركب الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن السُّلْطَان للسرحة فِي عدَّة من الْأُمَرَاء حَتَّى اصطاد وَدخل الْقَاهِرَة من بَاب النَّصْر وَصعد القلعة من بَاب زويلة. ومولده فِي سنة تسع عشرَة. وَركب أَيْضا فِي سادسه. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: اشْتَدَّ الفحص عَن الْأَمِير جَانِبك الصُّوفِي وعوقب بعض الممالك حَتَّى هلك بِسَبَبِهِ. وَقبض على أصهاره وعوقب بَعضهم وَأخذت لَهُ أَشْيَاء وجدت لَهُ. وفيهَا تحرّك سعر الغلال وفشت الْأَمْرَاض فِي النَّاس من الحميات. وَفِي لَيْلَة السبت سادس عشره: زلزلت الْقَاهِرَة زَلْزَلَة كلمح الْبَصَر ثمَّ زلزلت كَذَلِك فِي لَيْلَة الْأَحَد. وَفِي حادي عشرينه: ألزم النَّاس أَن لَا يتعاملوا بِالذَّهَب الإفرنتي المشخص إِلَّا من حِسَاب كل دِينَار بمائتين وَعشْرين فُلُوسًا وَكَانَ آخر مَا اسْتَقر عَلَيْهِ الْحَال أَن الدِّينَار بمائتين وَخَمْسَة وَعشْرين فَلم يتَغَيَّر صرفه عَن ذَلِك مُدَّة إِلَى أثْنَاء هَذِه السّنة زَادَت الْعَامَّة فِي صرفه حَتَّى بلغ مِائَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ فَأنْكر السُّلْطَان ذَلِك عِنْدَمَا بلغه ورسم أَن ينقص كل دِينَار عشرَة دَرَاهِم حَتَّى يبقي بمائتين وَعشْرين درهما فخسر النَّاس مَالا كثيرا. وَفِي ثامن عشرينه: قدم مبشرو الْحَاج وأخبروا برخاء الأسعار وَكَثْرَة الأمطار وَأَن الشريف حسن بن عجلَان لم يُقَابل أَمِير الْحَاج ونزح عَن مَكَّة لما بلغه من الإرجاف بمسكه فَنُوديَ من يَوْمه بِعرْض الأجناد البطالين ليجهزوا إِلَى التجريدة بعد النَّفَقَة عَلَيْهِم لغزو مَكَّة فاستشنع ذَلِك. وَفِيه كبست عدَّة أَمَاكِن بِسَبَب جَانِبك الصُّوفِي فَلم يُوجد. وَفِي هَذِه السّنة: اشْتَدَّ غضب متملك الْحَبَشَة وَهُوَ أبرم - وَيُقَال لَهُ إِسْحَاق بن دَاوُد بن سيف أركد - بِسَبَب غلق كَنِيسَة قمامة بالقدس وَقتل عَامَّة من فِي بِلَاده من الرِّجَال الْمُسلمين واسترق نِسَاءَهُمْ وَأَوْلَادهمْ وعذبهم عذَابا شَدِيدا وَهدم مَا فِي مَمْلَكَته من الْمَسَاجِد وَركب إِلَى بِلَاد جبرت فَقَاتلهُمْ وَقتل عَامَّة من فِيهَا وسبى نِسَاءَهُمْ وذراريهم وَهدم مَسَاجِدهمْ فَكَانَت فِي الْمُسلمين ملحمة عَظِيمَة جدا لَا يُحْصى عدد من قتل فِيهَا. وَفِي هَذِه السّنة: حدث أَمر النَّاس فِي غَفلَة عَنهُ معرضون وَهُوَ أَنه أَخْبرنِي من لَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 87 أتهم فِي سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَسَبْعمائة. أَن الأرضية الَّتِي من طبعها إِفْسَاد الْكتب وَالثيَاب الصُّوف أكلت لَهُ بِنَاحِيَة مرج الزيات - ظَاهر الْقَاهِرَة - ألفا وَخَمْسمِائة قَتَّة دريس وَهَذَا الدريس يحملهُ خَمْسَة عشر جملا وَأكْثر. فَكثر تعجبي من ذَلِك وَمَا زلت أفحص عَنهُ على عادتي فِي الفحص عَن أَحْوَال الْعَالم حَتَّى وقفت على أَن ضَرَر الأرضة تعدى بِنَاحِيَة مرج الزيات فأتلفت الأخشاب وَالثيَاب عِنْدهم وقوى ضررها حَتَّى شاهدت تِلْكَ الأعوام حَوَائِط الْبَسَاتِين الَّتِي بِنَاحِيَة المطرية وَقد جددت الأرضية فِيهَا أخاديد طوَالًا. ثمَّ لما كَانَ بعد سنة عشْرين وَثَمَانمِائَة كثر عَبث الأرضة بالحسينية خَارج الْقَاهِرَة حَتَّى صَارَت أخشاب سقوف الدّور ترى مجوفة من داخلها فشرع أَرْبَابهَا فِي الْهدم حَتَّى أَتَوا على مُعظم تِلْكَ الديار والأرضة ضررها يفحش إِلَى أَن وصلت الدّور الَّتِي بِبَاب النَّصْر. وَقد كثر ضررها أَيْضا بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة. وَحدثت فِي هَذِه الأعوام بِمَكَّة أَيْضا وَفِي سقف الْكَعْبَة. وَلَقَد مر بِي قَدِيما فِي كتب الْحدثَان مِمَّا أنذر بِوُقُوعِهِ فِي هَذَا الزَّمَان أَن يُسَلط على النَّاس الْحَيَوَان الرَّدِيء فَكنت أفكر فِي ذَلِك زَمَانا وَأَقُول كَيفَ يُسَلط الْحَيَوَان على النَّاس وأحسب ذَلِك من جملَة مَا رمزوه حَتَّى كَانَ من أَمر الأرضة مَا كَانَ فَعلمت أَنَّهَا هِيَ الْحَيَوَان المعني ولعمري هَذَا أَمر لَهُ مَا بعده. وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر تَاج الدّين فضل الله بن الرَّمْلِيّ نَاظر الدولة فِي حادي عشْرين صفر وباشر نظر الدولة عدَّة سِنِين وأناف على الثَّمَانِينَ وَسُئِلَ بالوزارة غير مرّة فَامْتنعَ. وَكَانَ من ظلمه الْكتاب الأقباط وفساقهم. وَقتل نَاصِر الدّين عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن صَالح قَاضِي الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة لَيْلَة السبت رَابِع عشْرين صفر. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 88 وَقتل نَاصِر الدّين مُحَمَّد باك بن عَليّ باك بن قرمان متملك بِلَاد قرمان فِي صفر بِحجر مدفع أَصَابَهُ فِي حَرْب مَعَ عَسَاكِر مُرَاد بن كرشجي متملك برصا. وَقد ذكرنَا قدومه أَسِيرًا فِي الْأَيَّام المؤيدية شيخ ثمَّ أفرج عَنهُ بعد مَوته. وَمَات الْأَمِير قطلوبغا التنمي أحد أُمَرَاء الألوف فِي الْأَيَّام المؤيدية شيخ وَهُوَ بطال بِدِمَشْق. فِي لَيْلَة السبت سَابِع عشْرين ربيع الأول. وَمَاتَتْ خوند زَيْنَب ابْنة الظَّاهِر برقوق فِي لَيْلَة السبت ثامن عشْرين ربيع الآخر وَهِي آخر من بَقِي من أَوْلَاد الظَّاهِر لصلبه. وَمَاتَتْ ابْنَتي فَاطِمَة يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَالِث عشْرين ربيع الأول وَهِي آخر من بَقِي من أَوْلَادِي عَن سبع وَعشْرين سنة وَسِتَّة أشهر. وَمَات الْأَمِير غرس الدّين خَلِيل الجشاري نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة - كَانَ - وَهُوَ من حَملَة أُمَرَاء دمشق فِي شهر رَجَب. وَمَات الْأَمِير تنبك ميق العلاي نَائِب الشَّام فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامن عشر شعْبَان. وَكَانَ مَعَ ظلمه سخيفاً مَاجِنًا متجاهراً. وَهُوَ من جملَة المماليك الَّذين أثاروا الْفِتَن. وفر من النَّاصِر فرج وَلحق بشيخ المحمودي وَهُوَ بِبِلَاد الشَّام فَلَزِمَهُ حَتَّى تسلطن فرقاه كَمَا تقدم. وَمَات قَاضِي الْقُضَاة ولي الدّين أَبُو زرْعَة أَحْمد بن الشَّيْخ زين الدّين عبد الرَّحِيم بن الْحُسَيْن الْعِرَاقِيّ الشَّافِعِي فِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشرينه عَن خمس وَسِتِّينَ سنة. وَقد نَشأ على أجمل طَريقَة وبرع فِي الحَدِيث الشريف وَالْفِقْه وشارك فِي فنون وناب فِي الحكم بِالْقَاهِرَةِ عَن الْعِمَاد أَحْمد بن عِيسَى الكركي وَمن بعده. ثمَّ ترفع عَن ذَلِك وتصدى للإفتاء والتدريس حَتَّى وَفِي الْقَضَاء ثمَّ صرف عَنهُ كَمَا تقدم. وَمَات علم الدّين دَاوُد بن زين عبد الرَّحْمَن بن الكويز الكركي كَاتب السِّرّ فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سلخه وَلم يبلغ الْخمسين سنة. وَدفن خَارج الْقَاهِرَة. وَكَانَ الْجمع فِي جنَازَته موفوراً. وَقد كَانَ أَبوهُ من كتاب الكرك النَّصَارَى يُقَال لَهُ جرجس فأظهر الْإِسْلَام وَتسَمى عبد الرَّحْمَن وباشر عدَّة جِهَات بالكرك ودمشق والقاهرة آخرهَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 89 نظر الدولة. وخدم ابْنه دَاوُد هَذَا فِي الجيزة ثمَّ لحق بِالشَّام وباشر نظر جَيش طرابلس. واتصل بالمؤيد شيخ المحمودي - هُوَ وَأَخُوهُ صَلَاح الدّين خَلِيل فولاه نظر الْجَيْش بِدِمَشْق. وَعمل أَخَاهُ صَلَاح الدّين فِي ديوانه فَقبض عَلَيْهِمَا فِي سنة اثْنَتَيْ عشرَة وحملا إِلَى الْقَاهِرَة على حِمَارَيْنِ فِي أَسْوَأ حَال. ثمَّ أفرج عَنْهُمَا ففرا إِلَى دمشق. وَمَا زَالا فِي خدمَة شيخ حَتَّى قدم بهما إِلَى مصر وتسلطن فولي دَاوُد هَذَا نظر الْجَيْش ثمَّ ولاه ططر كِتَابَة السِّرّ. وَكَانَت تُؤثر عَنهُ فَضَائِل مِنْهَا أَنه يلازم الصَّلَاة وَصِيَام أَيَّام الْبيض من كل شهر ويتنزه عَن القاذورات الْمُحرمَة كَالْخمرِ واللواط وَالزِّنَا وَيتَصَدَّق كل يَوْم على الْفُقَرَاء إِلَّا أَنه كَانَ متعاظماً صَاحب حجاب وَإِعْجَاب مَعَ بعد عَن جَمِيع الْعُلُوم. وَلكنه فِي الْأَلْفَاظ ذُو شح زَائِد وحفظت عَلَيْهِ أَلْفَاظ تكلم بهَا سخر النَّاس مِنْهَا زَمَانا وهم يتناقلونها وَكَانَ مهاباً إِلَى الْغَايَة مُتَمَكنًا فِي الدولة موثوقاً بِهِ فِيهَا بِحَيْثُ مَاتَ وَلَا أحد أعلا رُتْبَة مِنْهُ. وَمَات قَاضِي الْقُضَاة مجد الدّين سَالم بن سَالم بن أَحْمد الْمَقْدِسِي الْحَنْبَلِيّ يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشْرين ذِي الْقعدَة وَقد بلغ الثَّمَانِينَ وابتلى بالزمانة والعطلة عدَّة سِنِين وَكَانَ يعد من نبهاء الْحَنَابِلَة وخيارهم. وباشر الْقَضَاء. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 90 (سنة سبع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة) أهلت هَذِه السّنة وسلطان مصر وَالشَّام والحجاز الْملك الْأَشْرَف أَبُو الْعِزّ برسباي والأمير الْكَبِير الأتابك بيبغا المظفري. والدوادار الْكَبِير سودن بن عبد الرَّحْمَن. وأمير سلَاح قجق. وأمير مجْلِس أينال النوروزي. وأمير أخور جقمق. وَرَأس نوبَة أزبك. وحاجب الْحجاب جرباش قاشق. والوزير كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن عبد الرَّزَّاق بن مُحَمَّد ابْن كَاتب المناخ. وناظر الْخَاص بدر الدّين حسن بن نصر الله. وَكَاتب السِّرّ جمال الدّين يُوسُف بن الصفي الكركي. وأستادار نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أبي وَالِي الْقُدسِي. ونائب الشَّام تنبك البجاسي. ونائب حلب شارقطلوا. ونائب حماة جلبان ونائب طرابلس قصروه. ونائب صفد مقبل. ونائب الْإسْكَنْدَريَّة أقبغا التمرازي. وَالسُّلْطَان فِي قلق من جَانِبك الصُّوفِي وَهُوَ حثيث الطّلب لَهُ والفحص عَنهُ. وَالنَّاس فِي تخوف من ذَلِك فَمَا بَين الْوَاحِد وَبَين هَلَاكه إِلَّا أَن يَقُول عَدو لَهُ: جَانِبك الصُّوفِي عِنْد فلَان فَيُؤْخَذ ويعاقب حَتَّى يهْلك. وَمَعَ ذَلِك فَالنَّاس فِي ضيق من الْحجر على السكر والامتناع من بَيْعه إِلَّا للسُّلْطَان بأَرْبعَة آلَاف دِرْهَم القنطار وَلَا يَشْتَرِيهِ أحد إِلَّا من الحوانيت الَّتِي يُبَاع مِنْهَا سكر السُّلْطَان. فِي ثَانِيه: قدم الْأَمِير مقبل نَائِب صفد باستدعاء فَأكْرمه السُّلْطَان وخلع عَلَيْهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 91 خلعة الِاسْتِمْرَار. وَفِي رابعه: ركب السُّلْطَان فِي طَائِفَة يسيرَة وَعبر من بَاب زويلة حَتَّى شَاهد عِمَارَته. وَمضى عَائِدًا إِلَى القلعة من بَاب النَّصْر وَهُوَ بِثِيَاب جُلُوسه كآحاد الأجناد من غير شعار المملكة. وَفِي ثامنه: قدم الْأَمِير قجق والأمير أركماس وَالْقَاضِي زين الدّين عبد الباسط من الْحجاز على الرَّوَاحِل فَخلع عَلَيْهِم. وَقدم مَعَهم الشريف مقبل أَمِير يَنْبع رَاغِبًا فِي الطَّاعَة فَخلع عَلَيْهِ وَفِي رَابِع عشره: توجه الْأَمِير مقبل عَائِدًا إِلَى صفد على عَادَته. وَفِي حادي عشرينه: قدم الركب الأولى من الْحجَّاج. وَقدم من الْغَد الْمحمل بِبَقِيَّة الْحَاج. وَتَأَخر الْأَمِير قرقماس الدوادار فِي يَنْبع وَطلب عسكرًا لِيُقَاتل بِهِ الشريف حسن بن عجلَان ويستقر عوضه فِي إِمَارَة مَكَّة فَأُجِيب إِلَى! ذَلِك. وَنُودِيَ فِي الأجناد البطالين بِالْعرضِ كَمَا تقدم. وَعين مِنْهُم وَمن المماليك السُّلْطَانِيَّة جمَاعَة ليسافروا صُحْبَة حُسَيْن الْكرْدِي الكاشف. وَفِي ثَالِث عشرينه: خلع على الْأَمِير سودن بن عبد الرَّحْمَن الدوادار وَاسْتقر نَائِب الشَّام عوضا عَن تنبك البجاسي وَنزل من القلعة سائراً إِلَى دمشق من غير أَن يدْخل دَاره فِي عدَّة وَفِي سادس عشرينه: قدمت رسل مُرَاد بن عُثْمَان صَاحب برصا بهدية. وَفِيه خلع على الشريف عَليّ بن عنان بن مغامس وَاسْتقر فِي إِمَارَة مَكَّة شَرِيكا للأمير قرقماس. وَفِي ثامن عشرينه: خلع على الشَّيْخ شهَاب الدّين أبي الْفضل أَحْمد بن عَليّ بن حجر مفتي دَار الْعدْل وَاسْتقر فِي قَضَاء الْقُضَاة بديار مصر عوضا عَن قَاضِي الْقُضَاة علم الدّين صَالح بن البُلْقِينِيّ. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كثرت الأمطار بِالْقَاهِرَةِ وَالْوَجْه البحري كَثْرَة زَائِدَة. وَاشْتَدَّ الْبرد إِلَى غَايَة لم نعهد مثلهَا حَتَّى جمد المَاء فِي بعض الْأَوَانِي وتجلد الطل فِي الأسحار على الجزء: 7 ¦ الصفحة: 92 الأَرْض وعَلى الزروع. وَهَلَكت دَوَاب كَثِيرَة بالأرياف من الْبرد وَسَقَطت دور كَثِيرَة بهَا من الأمطار ورؤى الثَّلج على جبل المقطم. شهر صفر أَوله الثُّلَاثَاء: فِي عاشره: قدم شمس الدّين مُحَمَّد الْهَرَوِيّ من الْقُدس متعرضاً بعودة إِلَى الْقَضَاء وَغير ذَلِك من المناصب. وَفِي رَابِع عشره: قدم الْخَبَر بِخُرُوج تنبك البجاسي عَن الطَّاعَة ومحاربته أُمَرَاء دمشق. وَسبب ذَلِك أَنه لما ولي سودن بن عبد الرَّحْمَن نِيَابَة الشَّام تقدّمت الملطفات السُّلْطَانِيَّة إِلَى أُمَرَاء دمشق بِالْقَبْضِ على تنبك البجاسي فَأتوا دَار السَّعَادَة فِي لَيْلَة الجعة رابعه واستدعوه ليقْرَأ عَلَيْهِ كتاب السُّلْطَان فارتاب من ذَلِك وَخرج من بَاب السِّرّ وَقد لبس السِّلَاح فِي جمع من مماليكه. فثار إِلَيْهِ الْأُمَرَاء واقتتلوا مَعَه حَتَّى مضى صدر نَهَار الْجُمُعَة فَانْهَزَمُوا مِنْهُ وتحصن طَائِفَة مِنْهُم بالقلعة وَمضى آخَرُونَ إِلَى سودن بن عبد الرَّحْمَن وَقد نزل على صفد. وَفِي تَاسِع عشره: خلع على نور الدّين السفطي - أحد مباشري دواوين الْأُمَرَاء - وَاسْتقر فِي وكَالَة بَيت المَال بعد موت شرف الدّين يَعْقُوب بن الْجلَال التباني. وَفِي ثَانِي عشرينه: نُودي بِأَن يُمكن النَّاس من طبخ السكر وَبيعه وشرائه وارتفع تحريكه وتضمين بَيْعه فسر النَّاس بذلك. وَقدم الْخَبَر بِأَن الْأَمِير سودن بن عبد الرَّحْمَن لما نزل على صفد تَلقاهُ الْأَمِير مقبل نائبها وَنزل مَعَه على جسر يَعْقُوب. خرج تنبك البجاسي من دمشق بَعْدَمَا تقدم ذكره من محاربة الْأُمَرَاء حَتَّى نزل على الجسر فِي يَوْم الْجُمُعَة حادي عشره وَقد قطع سودن بن عبد الرَّحْمَن الجسر فَبَاتُوا يتحارسون وَأَصْبحُوا يَوْم السبت ثَانِي عشره يترامون نهارهم كُله حَتَّى حجز اللَّيْل بَينهم فَبَاتُوا لَيْلَة الْأَحَد على تعبيتهم. وَأصْبح تنبك يَوْم الْأَحَد ثَالِث عشره راحلاً إِلَى جِهَة الصبيبة فِي انْتِظَار ابْن بِشَارَة أَن يَأْتِيهِ تَقْوِيَة لَهُ فَكتب سودن بذلك إِلَى السُّلْطَان وَركب بِمن مَعَه على جرائد الْخَيل وَترك الأثقال فِي موَاضعهَا مَعَ نَائِب الْقُدس. وسَاق حَتَّى دخل دمشق فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سادس عشره فَتمكن من القلعة. فللحال أدركهم تنبك وَقد بلغه مَسِيرهمْ فَلَقوهُ عِنْد بَاب الْجَابِيَة وقاتلوه فَثَبت لَهُم مَعَ كثرتهم وَقَاتلهمْ أَشد قتال وَالرَّمْي ينزل عَلَيْهِ من القلعة فتقنطر عَن فرسه لضربة أَصَابَت كتفه حَتَّى خلته فتكاثروا عَلَيْهِ وجروه إِلَى الْقلع وَمَعَهُ نَحْو عشْرين من أَصْحَابه. وَكتب بذلك للسُّلْطَان فَقدم الْكتاب الأول من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 93 جسر يَعْقُوب فِي يَوْم الْأَحَد عشرينه فاضطرب النَّاس وَوَقع الشُّرُوع فِي السّفر وأحضرت خُيُول كَثِيرَة من مرابطها بِالربيعِ فَقدم الْخَبَر الثَّانِي بِأخذ تنبك البجاسي بِدِمَشْق فدقت البشائر وَكتب بقتل تنبك وَحمل رَأسه إِلَيّ مصر وتتبع من كَانَ مَعَه. وَبَطلَت حَرَكَة السّفر. وَفِيه ابتدئ بهدم المأذنة الَّتِي أَنْشَأَهَا الْملك الْمُؤَيد شيخ على بَاب الْجَامِع الْأَزْهَر من أجل أَنَّهَا مَالَتْ حَتَّى قرب سُقُوطهَا. وَفِي رَابِع عشرينه: خلع على الشَّيْخ سراج الدّين عمر بن عَليّ بن فَارس الخلاطي الْمَعْرُوف بقارئ الْهِدَايَة. وَاسْتقر فِي مشيخة خانقاه شيخو عوضا عَن شرف الدّين يَعْقُوب بن التباني. وَفِي سَابِع عشرينه: نُودي على جَانِبك الصُّوفِي ووعد من أحضرهُ بِأَلف دِينَار وَإِن كَانَ جندياً بإمرة عشرَة وهدد من أخفاه وَظهر عِنْده بإحراق الحارة الَّتِي هُوَ سَاكن بهَا وَحلف الْمُنَادِي على كل وَاحِدَة مِمَّا ذكر يَمِينا عَن السُّلْطَان. شهر ربيع الأول أَوله الْخَمِيس: فِيهِ خلع على ولي الدّين مُحَمَّد السفلي الشَّافِعِي وَاسْتقر فِي إِفْتَاء دَار الْعدْل لَا عَن أحد وَفِي ثَانِيه: نُودي بِالْخرُوجِ إِلَى حَرْب مَكَّة فاستشنع ذَلِك. وَكَانَ قد بَطل أَمر التجويده إِلَى مَكَّة شغلاً بِخَبَر تنبك البجاسي. فَلَمَّا تفرغ قلب السُّلْطَان اشْتغل بِأَمْر مَكَّة. وَفِي رابعه: أنْفق فِي المجردين مبلغ أَرْبَعِينَ دِينَارا لكل وَاحِد. وَفِي حادي عشره: قدم رَأس تنبك البجاسي وعلق على بَاب النَّصْر. وَفِي يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشره: رسم بِفَتْح كَنِيسَة قمامة بالقدس ففتحت. وَفِي سَابِع عشره: ركب السُّلْطَان حَتَّى عبر من بَاب زويلة وَشَاهد عِمَارَته وَمضى من بَاب النَّصْر إِلَى القلعة وَهُوَ بِثِيَاب جُلُوسه من غير شارة الْملك. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 94 وَفِي ثامن عشره: خرجت التجريدة إِلَى مَكَّة صُحْبَة الشريف عَليّ بن عنان. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء عشرينه: خلع على شمس الدّين مُحَمَّد بن عبد الدايم الْبرمَاوِيّ وَاسْتقر فِي تدريس الْفِقْه للشَّافِعِيَّة بالجامع المؤيدي وَكَانَ بيد قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أَحْمد بن حجر. وَفِي سَابِع عشرينه: خلع على الْأَمِير أزبك رَأس نوبَة وَاسْتقر دواداراً كَبِيرا عوضا عَن. الْأَمِير سودن من عبد الرَّحْمَن نَائِب الشَّام وَكَانَت شاغرة هَذِه الْمدَّة. وخلع على الْأَمِير تغري بردي المحمودي وَاسْتقر رَأس نوبَة عوضا عَن الْأَمِير أزبك. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 95 شهر ربيع الآخر أَوله الْجُمُعَة: فِي ثَانِيه: خلع على قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أَحْمد بن حجر وأعيد إِلَى تدريس الْجَامِع المؤيدي. وخلع على الْبرمَاوِيّ وَاسْتقر نَائِبا عَن حفيد قَاضِي الْقُضَاة ولي الدّين أبي زرْعَة بن الْعِرَاقِيّ فِيمَا باسمه من وظائف جده حَتَّى يتأهل لمباشرتها. وَفِي تاسعه: خلع على قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد الْهَرَوِيّ وَاسْتقر فِي كِتَابَة السِّرّ عوضا عَن الْجمال يُوسُف بن الصفي. وَنزل فِي موكب جليل وَمَعَهُ عدَّة من الْأُمَرَاء والأعيان. وَفِي هَذَا الشَّهْر: تحرّك سعر الغلال وأبيع الْقَمْح بِمِائَتي دِرْهَم الأردب بعد مائَة وَأَرْبَعين. وَقل وجوده. وَفِي سَابِع عشره: ختن السُّلْطَان وَلَده الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد وَعمل لختانه مهما حَضَره الْأُمَرَاء ثمَّ خلع عَلَيْهِم وأركبهم خيولاً بقماش ذهب وَمَا مِنْهُم إِلَّا من نقط عِنْد الْخِتَان بمبلغ ذهب فَجمع النقوط وَصرف للمزين مِنْهُ مائَة دِينَار وَحمل الْبَقِيَّة إِلَى الخزانة. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: عثر بعض النَّاس بِجَمَاعَة قد خزنوا من رمم بني أَدَم شَيْئا كثيرا فحملوا إِلَى الْوَالِي فَمَا زَالَ بهم حَتَّى أقرُّوا أَنهم ينبشون الْأَمْوَات من قُبُورهم ثمَّ يغلون الْمَيِّت فِي المَاء بِنَار شَدِيدَة حَتَّى ينهري لَحْمه ويجمعون مَا يَعْلُو المَاء من الدّهن ثمَّ يبيعونه للفرنج بِخَمْسَة وَعشْرين دِينَار القنطار فحبسوا وَنسي خبرهم بعد مَا شَاهد النَّاس رمم الْمَوْتَى عِنْدهم والأواني الَّتِي بهَا الدّهن وحملت إِلَى السُّلْطَان حَتَّى رَآهَا وشق بهَا الْقَاهِرَة. وَفِي خَامِس عشرينه: حضر السُّلْطَان نَفَقَة جامكية المماليك وَقطع عدَّة مِمَّن لَهُ إقطاع بالحلقة. شهر جُمَادَى الأول أَوله السبت: فِي ثالثه: خلع على زين الدّين عبد الرَّحِيم الْحَمَوِيّ الْوَاعِظ وَاسْتقر خَطِيبًا بالجامع الأشرفي. وَفِي رابعه: نُودي من نزل عَن وَظِيفَة تصوف بخانكاة أَو غير تصوف ضرب بالمقارع. وَسبب ذَلِك أَن جمَاعَة مِمَّن لَهُ تصوف بخانكاة سعيد السُّعَدَاء وخانكاة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 96 بيبرس والظاهرية المستجدة بَين القصرين وبخانكاة شيخو وبالجامع المؤيدي أخذُوا فِي النُّزُول عَمَّا باسمهم من التصوف بِمَال حَتَّى يتشفعوا بِمن لَهُ جاه ويستقروا فِي عمَارَة السُّلْطَان من جملَة صوفيتها كَمَا فعل جمَاعَة عِنْد مَا أنشأ الْملك الْمُؤَيد شيخ الْجَامِع بجوار بَاب زويلة وَجعل فِيهِ صوفية فوشى بذلك للسُّلْطَان وَفِي يَوْم الْجُمُعَة سابعه: أُقِيمَت الْخطْبَة بالجامع الأشرفي وَلم يكمل مِنْهُ سوى الإيوان القبلي. وَفِي خَامِس عشره: قدم قَاضِي الْقُضَاة نجم الدّين عمر بن حجي من دمشقي وَقد طب الْحُضُور. وَفِي ثامن عشره: خلع على الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْعَطَّار الْحَمَوِيّ الَّذِي كَانَ نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة وَاسْتقر نَاظر الْقُدس والخليل عَلَيْهِ السَّلَام عوضا عَن الْأَمِير حسام الدّين حسن نَائِب الْقُدس. وَفِي هَذَا الشَّهْر: صودر أَعْيَان دمشق وَهِي ثَالِث مصادرة. وَفِي تَاسِع عشرينه: قبض على الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أبي وَالِي أستادار وعَلى نَاظر الدِّيوَان الْمُفْرد كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن سعد الدّين بركَة الْمَعْرُوف بِابْن كَاتب حكم وعوقاً بالقلعة. شهر جُمَادَى الْآخِرَة أَوله الْأَحَد: فِي ثَانِيه: خلع على الْأَمِير صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله وأعيد أستاداراً عوضا عَن ابْن أبي وَالِي وأضيف إِلَيْهِ كشف الْوَجْه البحري فَنزل فِي موكب جليل وَمَعَهُ أَكثر الْأُمَرَاء الأكابر وَعَامة الْأَعْيَان. وَفِيه قدم الْخَبَر بوصول الشريف عَليّ بن عنان إِلَى يَنْبع بِمن مَعَه من المماليك المجردين. وَتوجه الْأَمِير قرقماس مَعَه إِلَى مَكَّة فَدَخَلُوهَا يَوْم الْخَمِيس سادس جُمَادَى الأولى بِغَيْر حَرْب. وَأَن الشريف حسن بن عجلَان سَار إِلَى حلي بنى يَعْقُوب من بِلَاد الْيمن. وَأَن الوباء. بِمَكَّة ابْتَدَأَ من نصف ذِي الْحجَّة وَاسْتمرّ إِلَى آخر شهر ربيع الآخر فَمَاتَ بهَا نَحْو ثَلَاثَة آلَاف نفس. وَأَنه كَانَ يَمُوت فِي الْيَوْم خَمْسُونَ إنْسَانا عدَّة أَيَّام وَأَن الوباء تناقص من أَوَائِل جُمَادَى الأولى. وَأَنه جَاءَ فِي ثَالِث جُمَادَى الأولى سيل عَظِيم حَتَّى صَار الْمَسْجِد الْحَرَام بحراً وَوصل المَاء إِلَى قريب من الْحجر الْأسود وَصَارَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 97 فِي الْمَسْجِد أوساخ وخرق كَثِيرَة جَاءَ بهَا السَّيْل وَأَن الْخطْبَة أُعِيدَت بِمَكَّة لصَاحب الْيمن فِي سَابِع جُمَادَى الأولى بعد مَا ترك اسْمه وَالدُّعَاء لَهُ من أَيَّام الْمَوْسِم. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء رابعه: جمع الْقُضَاة وَأهل الْعلم وَقد رسم بِأخذ زكوات أَمْوَال النَّاس للسُّلْطَان فاتفقوا على أَنه لَيْسَ لَهُ أَخذهَا فِي هَذَا الزَّمَان فَإِن النُّقُود من الذَّهَب وَالْفِضَّة وَالنَّاس مأمونون فِيهَا على إِخْرَاج زَكَاتهَا. وَأما الْعرُوض من القماش وَنَحْوه مِمَّا هُوَ بأيدي التُّجَّار فَإِن المكوس أخذت مِنْهُم فِي الأَصْل على أَنَّهَا زَكَاة ثمَّ تضاعفت المكوس الْمَأْخُوذَة مِنْهُم حَتَّى جرى فِيهَا مَا جرى. وَأما الْبَهَائِم من الْإِبِل وَالْغنم فَإِن أَرض مصر لَا ترعى فِيهَا سائماً وَإِنَّمَا هِيَ تعلف بِالْمَالِ فَلَا زَكَاة فِيهَا. وَأما الخضروات والزروع فَإِن الفلاحين فِي حَال من المغارم وَفِي ثَانِي عشره: خلع على الْوَزير الصاحب كريم الدّين عبد الْكَرِيم ابْن كَاتب المناخ وأضيف إِلَيْهِ نظر الدِّيوَان الْمُفْرد رَفِيقًا للأمير صَلَاح الدّين أستادار عوضا عَن كريم الدّين عبد الْكَرِيم ابْن كَاتب جكم وَاسْتقر ابْن كَاتب جكم على مَا بِيَدِهِ من أستادار ابْن السُّلْطَان. وَفِي تَاسِع عشره: توجه قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أَحْمد بن الكشك عَائِدًا إِلَى دمشق على قَضَاء الْحَنَفِيَّة بهَا بعد مَا أَخذ مِنْهُ نَحْو عشرَة آلَاف دِينَار. وَفِيه قدم الشريف شهَاب الدّين أَحْمد بن عَلَاء الدّين عَليّ بن برهَان الدّين إِبْرَاهِيم نقيب الْأَشْرَاف بِدِمَشْق وَقد طلب الْحُضُور. وَفِيه اتّفقت نادرة وَهِي أَن زَوْجَة السُّلْطَان لما مَاتَت عمل لَهَا ختم عِنْد قبرها فِي الْجَامِع الأشرفي وَنزل ابْنهَا الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد من القلعة لحضور الْخَتْم وَقد ركب فِي خدمته الْملك الصَّالح مُحَمَّد بن ططر فشق الْقَاهِرَة من بَاب زويلة وَهُوَ فِي خدمَة ابْن السُّلْطَان بعد مَا كَانَ فِي الأمس سُلْطَانا. وَصَارَ جَالِسا بجانبه فِي ذَلِك الْجَامِع وَقَائِمًا فِي خدمته إِذا قَامَ فَكَانَ فِي ذَلِك موعظة لمن اتعظ. وَفِي يَوْم السبت الْمُبَارك حادي عشرينه: خلع على قَاضِي الْقُضَاة نجم الدّين عمر ابْن حجي وَاسْتقر كَاتب السِّرّ عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد الْهَرَوِيّ. وَنزل على فرس بسرج ذهب وكنبوش زركش فِي موكب جليل إِلَى الْغَايَة فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَقد ظهر نقص الْهَرَوِيّ وعجزه فَإِنَّهُ بَاشر بتعاظم زَائِد مَعَ طمع شَدِيد وَجَهل. مِمَّا وسد إِلَيْهِ حَيْثُ كَانَ لَا يحسن قِرَاءَة الْقَصَص وَلَا الْكتب الْوَارِدَة فَتَوَلّى قِرَاءَة ذَلِك بدر الدّين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 98 مُحَمَّد بن مزهر نَائِب كَاتب السِّرّ وَصَارَ يحضر الْخدمَة وَيقف على قَدَمَيْهِ وَابْن مزهر هُوَ الَّذِي يتَوَلَّى الْقِرَاءَة على السُّلْطَان. وَفِي رَابِع عشرينه: ابتدئ بهدم ربع الحلزون تجاه قبو الخرنفش. وَكَانَ وَقفا على فكاك الأسرى بِبِلَاد الفرنج وعَلى الْحَرَمَيْنِ. وَقد خلق من قدم السنين فعوض بدله مسمط تجاه مصبغة الْأَزْرَق وَصَارَ من حَملَة الْأَمْلَاك السُّلْطَانِيَّة. وَفِي سلخه: خلع على الشريف شهَاب الدّين أَحْمد نقيب الْأَشْرَاف بِدِمَشْق وَاسْتقر قَاضِي الْقُضَاة بِدِمَشْق عوضا عَن القَاضِي نجم الدّين عمر بن حجي كَاتب السِّرّ على مَال كَبِير. شهر رَجَب أَوله الِاثْنَيْنِ: فِي رابعه: خلع على شخص قدم من بِلَاد الرّوم عَن قرب يُقَال لَهُ عَلَاء الدّين عَليّ وَاسْتقر فِي مشيخة التصوف وتدريس الْفِقْه على مَذْهَب الْحَنَفِيَّة بالجامع الأشرفي. وَقدم الْخَيْر بِأخذ الفرنج مركبين قَرِيبا من دمياط فِيهَا بضائع كَثِيرَة وعدة أنَاس يزِيدُونَ على مائَة رجل فَكتب بإيقاع الحوطة على أَمْوَال التُّجَّار الَّتِي بِبِلَاد الشَّام والإسكندرية ودمياط وَفِي عشرينه: توجه قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد الديري - شيخ المؤيدية لزيارة الْقُدس. وَفِي يَوْم الْأَحَد حادي عشرينه: نزل السُّلْطَان إِلَى الْجَامِع الَّذِي أنشأه وَجلسَ بِهِ قَلِيلا. ثمَّ ركب عَائِدًا إِلَى القلعة. وَفِيه قدم الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْجَزرِي الدِّمَشْقِي وَقد غَابَ عَن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 99 مصر وَالشَّام نَحوا من ثَلَاثِينَ سنة فَإِنَّهُ فر من ضائقة نزلت بِهِ إِلَى مَدِينَة برصا فَأكْرمه أَبُو يزِيد بن عُثْمَان ونوه بِهِ حَتَّى حاربه تيمورلنك وأسره فتحول ابْن الْجَزرِي من بِلَاد الرّوم إِلَى سَمَرْقَنْد فِي خدمَة تيمور وَأقَام ببلادهم حَتَّى قدم فِي هَذِه الْأَيَّام. وَفِي رَابِع عشرينه: نُودي على النّيل وَقد جَاءَت الْقَاعِدَة سِتَّة أَذْرع وَعشْرين إصبعاً. شهر شعْبَان أَوله الْأَرْبَعَاء: فِيهِ تتبعت البغايا وألزمن بالزواج وَأَن لَا يُزَاد فِي مهورهن على أَرْبَعمِائَة دِرْهَم من الْفُلُوس تعجل مِنْهَا مِائَتَان وتؤجل مِائَتَان. وَنُودِيَ بذلك فَلم يتم مِنْهُ شَيْء. وَفِيه ابتدئ بِقِرَاءَة صَحِيح البُخَارِيّ بَين يَدي السُّلْطَان وحضرة الْقُضَاة ومشايخ الْعلم والهروي وَابْن الْجَزرِي وَكَاتب السِّرّ نجم الدّين بن حجي ونائبه بدر الدّين مُحَمَّد بن مزهر وزين الدّين عبد الباسط نَاظر الْجَيْش وَالْفُقَهَاء الَّذين رتبهم الْمُؤَيد. فاستجد فِي هَذِه السّنة حُضُور كَاتب السِّرّ ونائبه وَحُضُور نَاظر الْجَيْش. وَكَانَت الْعَادة من أَيَّام الْأَشْرَف شعْبَان بن حُسَيْن أَن يبْدَأ بِقِرَاءَة البُخَارِيّ أول يَوْم من شهر رَمَضَان ويحضر قَاضِي الْقُضَاة الشَّافِعِي وَالشَّيْخ سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ وَطَائِفَة قَليلَة الْعدَد لسَمَاع الحَدِيث فَقَط. وَيخْتم فِي سَابِع عشرينه ويخلع على قَاضِي الْقُضَاة ويركب بغلة رائعة بزناري تخرج لَهُ من الاصطبل السلطاني وَلم يزل الْأَمر على هَذَا حَتَّى لسلطن الْمُؤَيد شيخ فابتدأ الْقِرَاءَة من أول شهر شعْبَان إِلَى سَابِع عشْرين شهر رَمَضَان. وَطلب قُضَاة الْقُضَاة الْأَرْبَع ومشايخ الْعلم وَقرر عدَّة من الطّلبَة يحْضرُون أَيْضا فَكَانَت تقع بَينهم بحوث يسيء بَعضهم على بعض فِيهَا إساءات مُنكرَة فَجرى السُّلْطَان الْأَشْرَف برسباي على هَذَا واستجد كَمَا ذكرنَا حُضُور المباشرين وَكثر الْجمع. وَصَارَ الْمجْلس جَمِيعه صياحاً ومخاصمات يسخر مِنْهَا الْأُمَرَاء وأتباعهم. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كثر الوباء بدمياط فَمَاتَ عدد كثير. شهر رَمَضَان أَوله الْخَمِيس: وَفِي رابعه: أخرج الْأَمِير أرغون شاه أستادار والأمير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أبي وافي من الْقَاهِرَة إِلَى دمشق بطالين. وَفِي تاسعه: سَار غائبان من سَاحل بولاق خَارج الْقَاهِرَة وَقد قدما مُنْذُ أَيَّام أَحدهمَا من الْإسْكَنْدَريَّة وَالْآخر من دمياط وأشحنا بالمقاتلة والأسلحة. وَأنزل فيهمَا ثَمَانُون مَمْلُوكا وَأمرُوا أَن يشيروا فِي بَحر الْملح من جِهَة طرابلس ويأخذوا من سواحل الشَّام عدَّة أغربة عَسى أَن يَجدوا من يتجرم فِي الْبَحْر من الفرنج. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 100 وَفِي يَوْم الْجُمُعَة سادس عشره: نُودي على النّيل بِزِيَادَة إِصْبَعَيْنِ لتتمة خَمْسَة عشر ذِرَاعا وَأَرْبَعَة عشر لإصبعاً ثن نقص من آخر النَّهَار نَحْو أَرْبَعَة أَصَابِع فَأصْبح النَّاس فِي قلق وطلبوا الْقَمْح لِيَشْتَرُوهُ فَأمْسك من عِنْده شَيْء مِنْهُ يَده عَن البيع وضن بِهِ فَاشْتَدَّ طلبه إِلَّا أَن الله فرج وَزَاد فِي آخر يَوْم الْأَحَد. وَنُودِيَ عَلَيْهِ يَوْم الِاثْنَيْنِ تَاسِع عشره برد مَا نقص وَزِيَادَة إِصْبَع. واستمرت الزِّيَادَة حَتَّى كَانَ الْوَفَاء فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء الْمُبَارك حادي عشرينه وَهُوَ ثَالِث عشر من مسرى فَفتح الخليج على الْعَادة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: سَار مقَاتل فِي بَحر القلزم إِلَى مَكَّة المشرفة. شهر شَوَّال أَوله السبت: فِي رابعه: ابتدئ بِحَفر صهريج بوسط الْجَامِع الْأَزْهَر فَوجدت فِيهِ أثار فسقية قديمَة فَلَمَّا أزيلت وجد - بعد مَا حفر - عدَّة أموات. وَفِيه قدم الْخَيْر بِأَن أَبَا فَارس عبد الْعَزِيز بن أبي الْعَبَّاس أَحْمد - صَاحب تونس وبلاد إفريقية - جهز ابْنه الْمُعْتَمد أَبَا عبد الله مُحَمَّدًا من بجاية فِي عَسْكَر إِلَى مَدِينَة تلمسان فحارب ملكهَا أَبَا عبد الله عبد الْوَاحِد بن أبي مُحَمَّد عبد الله بن أبي حمو مُوسَى حروباً كَثِيرَة حَتَّى ملكهَا فِي جُمَادَى الْآخِرَة وخطب لنَفسِهِ ولأبيه فَزَالَتْ دولة بني عبد الواد من تلمسان بعد مَا ملكت مائَة وَثَمَانِينَ سنة. وانتهت زِيَادَة النّيل إِلَى سَبْعَة عشر ذِرَاعا واثني عشر إصبعاً. ووقفت الزِّيَادَة خامسه وَنقص إِلَى يَوْم الْأَحَد تاسعه زَاد إِلَى يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِي عشره فَبلغ سَبْعَة عشر إصبعاً من ثَمَانِيَة عشر إصبعاً من ثَمَانِيَة عشر ذِرَاعا. وَنقص فِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشره وَكَانَ قد تَأَخّر فتح سد بَحر أبي المنجا عَن عَادَته هُوَ وَغَيره مِمَّا يفتح فِي يَوْم النوروز لتأخر وَفَاء النّيل. فَلَمَّا فتحت نقص المَاء وقلق النَّاس من ذَلِك وطلبوا الْقَمْح لِيَشْتَرُوهُ فَزَاد سعر الأردب عشرَة دَرَاهِم. وَفِي خَامِس عشره: ابتدئ بهدم الرّبع الْمَعْرُوف بوقف الشهباني تجاه الْجَامِع الأشرفي بِرَأْس الخراطين. وَقد استبدل بِهِ لتشعث بنائِهِ وَخَوف سُقُوطه. وَفِي عشرينه: خرج محمل الْحَاج إِلَى جِهَة بركَة الْحجَّاج صُحْبَة الْأَمِير قرا سنقر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 101 كاشف الجيزة. ورحل الركب الأول فِي ثَانِي عشرينه وَتَبعهُ الْمحمل بِبَقِيَّة الْحجَّاج فِي ثَالِث عشرينه. وَفِي يَوْم السبت تَاسِع عشرينه: حضر الْأُمَرَاء الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة على الْعَادة ونزلوا إِلَى دُورهمْ فاستدعى السُّلْطَان جمَاعَة مِنْهُم لطعام عمله مِنْهُم الْأَمِير الْكَبِير بيبغا المظفري فَلَمَّا صَار بالقلعة قبض عَلَيْهِ وَقيد وَأنزل فِي النّيل حَتَّى سجن بالإسكندرية. وَقد كَانَت الإشاعة مُنْذُ أَيَّام بتنكر مَا بَينه وَبَين السُّلْطَان وَأَنه صَار لَهُ حزب. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كَانَ أَوَان جذاذ النّخل فَلم يُثمر كَبِير شَيْء وأمحل النّخل أَيْضا بِبِلَاد الصَّعِيد حَتَّى عز وجود التَّمْر هُنَاكَ. وَتلف الموز فِي هَذِه السّنة بدمياط وَقل وجوده بأسواق الْقَاهِرَة أَو فقد. شهر ذِي الْقعدَة أَوله الِاثْنَيْنِ: فِي رابعه: خلع الْأَمِير قجق أَمِير سلَاح. وَاسْتقر أَمِيرا كَبِيرا عوضا عَن بيبغا المظفري. وخلع على الْأَمِير إينال النوروزي أَمِير مجْلِس وَاسْتقر أَمِير سلَاح عوضا عَن قجق. وأنعم بإقطاع بيبغا المظفري - ومتحصله فِي السّنة مبلغ سِتِّينَ ألف دِينَار - على تغري برمش نَائِب القلعة وعَلى أينال الجكمي وَهُوَ بطال بالقدس وَكتب بإحضاره. وتغري برمش هَذَا من جملَة تركمان بهسني اسْمه حُسَيْن خدم بحلب فِي الْأَيَّام الظَّاهِرِيَّة برقوق بِبَاب نائبها الْأَمِير تغري برمش. وتنقل فِي الخدم حَتَّى صَار فِي الْأَيَّام المؤيدية شيخ دوادار الْأَمِير جقمق الدوادار. فَلَمَّا تسلطن الْملك الْأَشْرَف برسباي اخْتصَّ بِهِ وَجعله من جملَة الْأُمَرَاء. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامنه: خلع على شمس الدّين مُحَمَّد الْهَرَوِيّ وَاسْتقر قَاضِي الْقُضَاة عوضا عَن الشَّيْخ الْحَافِظ شهَاب الدّين أَحْمد بن حجر فَغير زيه. وَهَذِه الْمرة الرَّابِعَة فِي تَغْيِير زيه فَإِنَّهُ كَانَ أَولا يتزيا بزِي الْعَجم فيلبس عِمَامَة عوجاء بعذبة عَن يسَاره. فَلَمَّا ولي قَضَاء الْقُضَاة لبس الْجُبَّة وَجعل الْعِمَامَة كَبِيرَة وأرخى العذبة من بَين كَتفيهِ. فَلَمَّا ولي كِتَابَة السِّرّ تزيا بزِي الْكتاب وَترك زِيّ الْقُضَاة فضيق كمه وَجعل عمَامَته صَغِيرَة مُدَوَّرَة ذَات أضلاع وَترك العذبة وَصَارَ على عُنُقه طوق وَلبس الذَّهَب الْحَرِير وَلم يخْش الله وَلَا استخفى من النَّاس. فَلَمَّا أُعِيد إِلَى الْقَضَاء ثَانِيًا خلع زِيّ الْكتاب وتزيا - بزِي الْقُضَاة وَكَانَ ضخماً بطيناً ألحي فَأشبه فِي حالاته هَذِه الصفاعتة من المخايلين الَّذين يَضْحَكُونَ أهل المجانة والهزو وماذا بِمصْر من المضحكات {} . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 102 وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ: قدم الْأَمِير أينال الجكمي من الْقُدس فَخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر أَمِير مجْلِس عوضا عَن أينال النوروزي. وَهَذَا الجكمي من جملَة مماليك الْأَمِير جكم وانتقل إِلَى الْأَمِير سودن بقجة. ثمَّ صَار إِلَى الْأَمِير شيخ المحمودي. فَلَمَّا تسلطن عمله من جملَة المماليك الخاصكية. ثمَّ غضب عَلَيْهِ ونفاه ثمَّ أَعَادَهُ من النَّفْي لبراءته مِمَّا رمى بِهِ فرقاه ططر حَتَّى صَار من الْأُمَرَاء المقدمين. ثمَّ قبض عَلَيْهِ وَنفي حَتَّى أَعَادَهُ السُّلْطَان فِي يَوْم تَارِيخه إِلَى الإمرة. وَفِي يَوْم السبت عشرينه: وصل الغرابان بالأسرى وَالْغنيمَة. وَذَلِكَ أَنَّهُمَا لما مرا بدمياط تبعهما قوم من المطوعة فِي سلورة حَتَّى مروا بطرابلس سَار مَعَهم غربان إِلَيّ الماغوصة فأضافهم متملكها فَلم يتَعَرَّضُوا لبلاده ومضوا عَنهُ إِلَى بِلَاد يُقَال لَهَا اللمسون من جَزِيرَة قبرس وَقد استعد أَهلهَا وأبعدوا عِيَالهمْ وَخَرجُوا فِي سبعين فَارِسًا وثلاثمائة راجل فَقَاتلهُمْ الْمُسلمُونَ وهزموهم وَقتلُوا مِنْهُم فَارِسًا وَاحِدًا وعدة رجال وحرقوا ثَلَاثَة أغربة وغرقوا ثَلَاثَة أغربة وعاثوا فِيمَا وجدوه من ظروف الْعَسَل وَالسمن وَغير ذَلِك. وأسروا ثَلَاثَة وَعشْرين رجلا وغنموا جوخاً كثيرا رفع للسُّلْطَان مِنْهُ مائَة وَثَلَاث قطع طرحت على التُّجَّار وَلم يُعْط المجاهدون مِنْهَا شَيْئا. وَفِي تَاسِع عشرينه: نُودي بِخُرُوج أهل الرِّيف من الْقَاهِرَة ومصر إِلَى بِلَادهمْ فَلم عمل بذلك. وَفِي هَذَا الشَّهْر: هَبَط مَاء النّيل وشرق أَكثر النواحي بالصعيد وَالْوَجْه البحري. وَمَعَ ذَلِك فالأسعار رخيصة الْقَمْح بِمِائَة وَثَمَانِينَ درهما الأردب وَالشعِير بِخَمْسَة وَثَمَانِينَ الأردب والفول بِثَمَانِينَ درهما الأردب. وَفِيه كثرت الْفِتَن وتعددت بِالْوَجْهِ القبلي والبحري. وَفِيه فتحت كَنِيسَة قمامة بالقدس وَكَانَ قد تَأَخّر فتحهَا بعد مَا رسم بِهِ. فِي يَوْم النَّحْر رمى بعض المماليك من أعلا الطباق بِالْحِجَارَةِ وَالسُّلْطَان يذبح الْأَضَاحِي والمماليك تنهب لحومها بِخِلَاف الْعَادة فأصيب بعض الْأُمَرَاء بِحجر. وَدخل السُّلْطَان دَاخل الدّور وَكثر الْكَلَام. وَسبب ذَلِك أَنه لم يفرق الْأَضَاحِي فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 103 المماليك وَأعْطى كل وَاحِد مِنْهُم دِينَارا فَلم يرضهم هَذَا وَلم يكن مِنْهُم سوى مَا ذكر. وَسكن أَمرهم. وَفِي ثَالِث عشره: قبض على الْأَمِير كمشبغا الفيسي أحد أُمَرَاء النَّاصِر فرج. وَفِي ثامن عشره: خلع على سعد الدّين سعد ابْن قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد الديري وَاسْتقر فِي مشيخة الْجَامِع المؤيدي بعد موت أَبِيه بالقدس. وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر شرف الدّين يَعْقُوب بن الْجلَال رَسُولا بن أَحْمد بن يُوسُف التباني الْحَنَفِيّ فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سادس عشر صفر. وَكَانَ يعرف الْفِقْه والعربية وَله همة وَمَكَارِم ووصلة كَبِيرَة بالأمراء واختص بالمؤيد شيخ اختصاصاً كَبِيرا. وَأفْتى ودرس وَولي نظر الْكسْوَة ووكالة بَيت المَال ومشيخة خانكاة شيخو. وَقتل بِدِمَشْق الْأَمِير تنبك البجاسي فِي أول ربيع الأول وَهُوَ أحد المماليك الَّذين مروا من النَّاصِر فرج وَلحق بشيخ المحمودي فرقاه فِي سلطته وَولي نِيَابَة حماة وحلب ودمشق وشكرت سيرته لتنزهه عَن قاذورات الْمعاصِي كَالْخمرِ وَالزِّنَا مَعَ إِظْهَار الْعدْل وَفعل الْخَيْر. وَمَات الْوَزير الصاحب تَاج الدّين عبد الرازق بن شمس الدّين عبد الله ابْن كَاتب المناخ فِي يَوْم الْجُمُعَة حادي عشْرين جُمَادَى الأول وَهُوَ متعطل وَابْنه كريم الدّين عبد الْكَرِيم يَلِي الوزارة. وباشر جده أَو جد أَبِيه النَّصْرَانِيَّة وترقى فِي الخدم بِالْكِتَابَةِ وأثرى مِنْهَا حَتَّى ولي الوزارة. وَكَانَ سيوسا لينًا ضابطا همه بَطْنه وفرجه. واستجد مكس الْفَاكِهَة بعد إِبْطَاله فَمَا تهني بِهِ وَصرف عَن الوزارة فَكَانَ كَمَا يُقَال حَتَّى وَصلهَا غَيْرِي وحملت عارها. وَمَات الْأَمِير سودن الْأَشْقَر - بِدِمَشْق فِي جُمَادَى الأولى وَهُوَ أحد المماليك الَّذين أنشأهم النَّاصِر فرج. وَكَانَ عَيْبا كُله. لشدَّة بخله وَكَثْرَة فسقه وظلمه. وَتُوفِّي بِمَكَّة قاضيها محب الدّين أَحْمد ابْن قاضيها جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله بن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 104 ظهيرة الشَّافِعِي فِي ثامن عشر ربيع الآخر. وَكَانَ مشكوراً فِي عمله وَسيرَته لَهُ معرفَة جَيِّدَة بالفقه والفرائض والحساب ومشاركة فِي غير ذَلِك. وَتُوفِّي خطيب مَكَّة جمال الدّين أَبُو الْفضل ابْن قَاضِي مَكَّة محب الدّين أَحْمد بن قَاضِي مَكَّة أبي الْفضل مُحَمَّد النوبري الشَّافِعِي فِي ربيع الأول. وَتُوفِّي إِمَام مقَام الْمَالِكِيَّة بِمَكَّة شهَاب الدّين أَحْمد بن عَليّ النوبري. فِي ربيع الآخر. وَمَاتَتْ خوند زَوْجَة السُّلْطَان وَأم ابْنه الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد فِي خَامِس عشر جُمَادَى الْآخِرَة. ودفنت بالقبة من الْجَامِع الأشرفي. وَكَانَ لَهَا تحكم وَتصرف فِي الْأُمُور وَمَات الْملك النَّاصِر أَحْمد بن الْأَشْرَف إِسْمَاعِيل بن الْأَفْضَل عَبَّاس بن الْمُجَاهِد عَليّ بن الْمُؤَيد دَاوُد بن المظفر يحيى بن الْمَنْصُور عمر بن عَليّ بن مُحَمَّد بن رَسُول متملك زبيد وعدن وتعز وجبلة وحرض والمهجم والمحالب والمنصورة والدملوة والجوه والشحر وقوارير من بِلَاد الْيمن فِي سادس عشر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 105 جُمَادَى الْآخِرَة بصاعقة سَقَطت على حصنة قَوَارِير خَارج مَدِينَة زبيد فارتاع وَأقَام أَيَّام لما بِهِ. وأقيم من بعده فِي مملكة الْيمن ابْنه الْمَنْصُور عبد الله وَكَانَ من شرار مُلُوك الأَرْض فسقاً وظلماً وَطَمَعًا. وَمَات ملك الْمغرب صَاحب فاس السُّلْطَان الْمُنْتَصر أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي سَالم إِبْرَاهِيم بن أبي إِسْحَق المريني فِي شهر رَجَب. وأقيم بعده ابْن أَخِيه أَبُو زيد عبد الرَّحْمَن. وَتُوفِّي الشَّيْخ الْملك أَبُو عبد الله الْمَعْرُوف بالعطار فِي ثامن عشْرين الْمحرم بِمَدِينَة النحريرية وَهُوَ آخر من بَقِي من أَصْحَاب الشَّيْخ يُوسُف العجمي. وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد بن عبد الله بن سعد الْعَبْسِي الْقُدسِي الديري الْحَنَفِيّ بالقدس. وَقد توجه إِلَيْهِ زَائِرًا فِي يَوْم عرفه. ومولده سنة أَربع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة تخميناً. وَله معرفَة بالفقه وَالْأُصُول وَالتَّفْسِير والعربية وَفِيه شهامة وَقُوَّة. نَشأ بالقدس وَولي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بديار مصر فَاشْتَدَّ فِيهِ وأجرى أُمُوره على السداد بِحَسب الْوَقْت. ثمَّ نقل من الْقَضَاء إِلَى مشيخة الْجَامِع المؤيدي رَحمَه الله. وَتُوفِّي زاهد الْوَقْت أبي بكر بن عمر بن مُحَمَّد الطريني الْفَقِيه الْمَالِكِي فِي يَوْم النَّحْر بِمَدِينَة الْمحلة. وَكَانَ قد ترك أكل اللَّحْم مُدَّة أَعْوَام تورعاً لما حدث من نهب الْبِلَاد وغارتها وقنع بِمَا يُقيم بِهِ أوده من أَرض يَزْرَعهَا فَكَانَ يقْتَصر فِي قوته وملبسه على مَا لَا يطيقه سواهُ. وَلَو قبل من النَّاس مَا يحبوه بِهِ لكنز قناطير مقنطرة من الذَّهَب وَالْفِضَّة لكنه أعرض عَن زِينَة الْحَيَاة الدُّنْيَا ولذاتها حَتَّى لَعَلَّه مَاتَ من قلَّة الْغذَاء مَعَ مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ مَعَ ذَلِك من آثَار جميلَة وأيادي مشكورة وَعلم وَعمل مرضِي رفع الله درجاته فِي عليين. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 106 وَمَات صَاحب حصن كيفا الْملك الْعَادِل فَخر الدّين أَبُو المفاخر سُلَيْمَان بن الْكَامِل شهَاب الدّين غَازِي بن الْعَادِل مجير الدّين مُحَمَّد بن الْكَامِل سيف الدّين أبي بكر بن شادي. وَقتل مُحَمَّد بن الموحد تَقِيّ الدّين عبد الله بن الْمُعظم غياث الدّين تورانشاه بن السُّلْطَان الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب بن مُحَمَّد الْكَامِل بن أبي بكر الْعَادِل بن نجم الدّين أَيُّوب بن شادي وأقيم بعده ابْنه الْأَشْرَف أَحْمد. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 107 فارغه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 108 (سنة ثَمَان وَعشْرين وَثَمَانمِائَة) أهلت وَخَلِيفَة الْوَقْت المعتضد بِاللَّه أَبُو الْفَتْح داو بن المتَوَكل على الله أبي عبد الله مُحَمَّد وَلَيْسَ لَهُ من الْخلَافَة إِلَّا مُجَرّد الِاسْم بِلَا زِيَادَة. وسلطان مصر وَالشَّام والحجاز الْملك الْأَشْرَف برسباي الدقماقي. والأمير الْكَبِير الأتابك قجق. والدوادار الْكَبِير أزبك - وَهُوَ اسْم - مَعْنَاهُ الْأَمِير جَانِبك فهر صَاحب الْأَمر وَالنَّهْي فِي الدوادارية بل فِي سَائِر أُمُور الدولة وأمير سلَاح أينال النوروزي. وأمير مجْلِس أينال الجكمي. وأمير أخور جقمق. وَرَأس نوبَة تغري بردي المحمودي. وحاجب الْحجاب جرباش قاشق. وأستادار صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله. وناظر الْخَاص الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله. والوزير الصاحب كريم الدّين عبد الْكَرِيم ابْن الْوَزير تَاج الدّين عبد الرَّزَّاق ابْن كَاتب المناخ. وَكَاتب السِّرّ نجم الدّين عمر بن حجي الدِّمَشْقِي. نَاظر الْجَيْش زين الدّين عبد الباسط بن خَلِيل. وَلَيْسَ لأحد فِي الدولة تصرف غير والأمير جَانِبك الدوادار. وقاضي الْقُضَاة الشَّافِعِي شمس الدّين مُحَمَّد الْهَرَوِيّ. وقاضي الْحَنَفِيّ زين الدّين عبد الرَّحْمَن التفهني. وقاضي الْقُضَاة الْمَالِكِي شمس الدّين مُحَمَّد الْبِسَاطِيّ وقاضي الْحَنْبَلِيّ عَلَاء الدّين عَليّ بن مغلي. ونائب الشَّام سودن من عبد الرَّحْمَن. ونائب حلب شار قطلوا. ونائب حماة جلبان أَمِير أخور. ونائب طرابلس قصروه ونائب صفد مقبل الدوادار. ونائب الْإسْكَنْدَريَّة أقبغا التمرازي. وبمكة الشريف عَليّ بن عنان والأمير قرقماس. وأسواق الْقَاهِرَة ومصر ودمشق فِي كساد. وظلم وُلَاة الْأَمر من الْكَشَّاف والولاة فَاش. ونواب الْقُضَاة قد شنعت قالة الْعَامَّة فيهم من تهافتهم. وَأَرْض مصر أَكْثَرهَا بِغَيْر زراعة لقُصُور مد النّيل فِي أَوَانه وَقلة الْعِنَايَة يعْمل الجسور فَإِن كشافها إِنَّمَا دأبهم إِذا خَرجُوا لعملها أَن يجمعوا مَال النواحي لأَنْفُسِهِمْ وأعوانهم. والطرقات. بِمصْر وَالشَّام مخوفة من كَثْرَة عَبث العربان والعشير. وَالنَّاس على اخْتِلَاف طبقاتهم قد غلب عَلَيْهِم الْفقر. وَاسْتولى عَلَيْهِم الشُّح والطمع فَلَا تكَاد تَجِد إِلَّا شاكياَ مهتماً لدنياه وَأصْبح الدّين غَرِيبا لَا نَاصِر لَهُ. وسعر الْقَمْح بِمِائَتي دِرْهَم الأردب. وَالشعِير بِمِائَة وَعشرَة. والفول بِنَحْوِ ذَلِك. وَلحم الضَّأْن السليخ كل رَطْل بسبعة دَرَاهِم وَنصف وَلحم الْبَقر كل رَطْل بِخَمْسَة دَرَاهِم. والفلوس كل رَطْل بِتِسْعَة دَرَاهِم وَهِي النَّقْد الَّذِي ينْسب إِلَيْهِ ثمن مَا يُبَاع وَقِيمَة مَا يعْمل. وَالْفِضَّة كل دِرْهَم وزنا بِعشْرين درهما من الْفُلُوس وَالذَّهَب الإفرنجي المشخص بِمِائَتي وَخَمْسَة وَعشْرين درهما. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 109 شهر الْمحرم أَوله الْخَمِيس: فِي ثَانِيه: قدم مبشروا الْحَاج وأخبروا بسلامتهم، ورخاء الأسعار بِمَكَّة، وَأَنه لم يقدم من الْعرَاق حَاج. وَفِي رَابِع عشرينه: قدم الركب الأول. ثمَّ قدم من الْغَد الْمحمل بِبَقِيَّة الْحَاج وَمَعَهُمْ الشريف رميثة بن مُحَمَّد بن عجلَان فِي الْحَدِيد وَقد قبض عَلَيْهِ الْأَمِير قرقماس. بِمَكَّة. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: رسم بتجهيز عَسْكَر يتَوَجَّه إِلَى مَكَّة وَنُودِيَ بذلك فِي الْقَاهِرَة. وَفِي تَاسِع عشرينه: نزل السُّلْطَان إِلَى جَامعه وكشف عمائره وَدخل الْجَامِع الْأَزْهَر لرؤية الصهريج وزار بِهِ الشَّيْخ خَليفَة وَالشَّيْخ سعيد وهما من المغاربة لَهما بالجامع الْأَزْهَر عدَّة سِنِين وشهرًا بِالْخَيرِ. ثمَّ خرج من الْجَامِع إِلَى دَار رجل يعرف بالشيخ مُحَمَّد بن سُلْطَان فزاره وَعَاد إِلَى القلعة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: وَقع الشُّرُوع فِي عمل مراكب حربية لغزو بِلَاد الفرنج. وَفِيه صرف صدر الدّين أَحْمد بن المحجمي عَن نظر الجوالي وأضيف نظرها إِلَى القَاضِي زين الدّين عبد الباسط نَاظر الجيوش. وَكَانَت الجوالي قد كثر الْمُرَتّب عَلَيْهَا للنَّاس من أهل الْعلم وَغَيرهم حَتَّى لم تف بمالهم. شهر صفر أَوله السبت: فِي حادي عشرينه: ركب السُّلْطَان فِي طَائِفَة يسيرَة بِثِيَاب جُلُوسه كَمَا قد صَارَت عَادَته. وكشف الطريدة الحربية الَّتِي تعْمل بساحل بولاق وَسَار وَقد تلاحق بِهِ بعض أهل الدولة حَتَّى مر على جَزِيرَة الْفِيل إِلَى التَّاج. وَنزل بالمنظرة الَّتِي أَنْشَأَهَا الْمُؤَيد شيخ فَوق الْخمس وُجُوه. ثمَّ سَار فِي أَرض الخَنْدَق إِلَى خليج الزَّعْفَرَان وَتوجه إِلَى القلعة. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ رَابِع عشرينه: خلع على الشَّيْخ محب الدّين أَحْمد بن الشَّيْخ جلال الدّين نصر الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عمر التسترِي الْبَغْدَادِيّ الْحَنْبَلِيّ. وَاسْتقر قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَابِلَة بعد موت عَلَاء الدّين عَليّ بن مغلي. ومحب الدّين هَذَا قدم من بَغْدَاد بعد سنة ثَمَانِينَ وَسَبْعمائة فَسمع الحَدِيث وَقَرَأَ بِنَفسِهِ على مَشَايِخ الْوَقْت ولازم الِاشْتِغَال حَتَّى برع فِي الْفِقْه وَغَيره. وَقدم أَبوهُ من بَغْدَاد باستدعائه فنزله الظَّاهِر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 110 برقوق فِي تدريس الْحَنَابِلَة. بمدرسته بَين القصرين. ثمَّ نزل ابْنه محب الدّين هَذَا يدرس الحَدِيث فِيهَا ثمَّ انْتقل إِلَى تدريس الْفِقْه بعد أَبِيه وَكتب على الْفَتْوَى وناب فِي الحكم عَن ابْن مغلي. وَصَارَ مِمَّن يحضر من الْفُقَهَاء مجْلِس الْمُؤَيد فِي كل أُسْبُوع. وَفِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء سادس عشرينه: غرقت امْرَأَة لَهَا ولزوجها شهرة لقالة سَيِّئَة عَنْهَا. وَفِيه صرف صدر الدّين أَحْمد بن العجمي عَن نظرة الْكسْوَة وأضيفت أَيْضا إِلَى القَاضِي زين الدّين عبد الباسط فعنى بهَا حَتَّى لم ندرك كسْوَة عملت للكعبة مثلهَا. شهر ربيع الأول أَوله الِاثْنَيْنِ: وَفِي سابعه: سَار الْأَمِير أرم بغا - أحد أُمَرَاء العشرات - تجريدة إِلَى مَكَّة وَمَعَهُ. مائَة مَمْلُوك وَتوجه سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن الْمرة - أحد الْكتاب - لأخذ مكوس المراكب الْوَاصِلَة من الْهِنْد إِلَى جدة. وَجَرت الْعَادة من الْقَدِيم أَن مراكب تجار الْهِنْد ترد إِلَى عدن وَلم يعرف قطّ أَنَّهَا تعدت بندر عدن. فَلَمَّا كَانَ سنة خمس وَعشْرين خرج من مَدِينَة كاليكوت ناخذاه اسْمه إِبْرَاهِيم. فَلَمَّا مر على بَاب المندب جور إِلَى جدة بطراده حنقًا من صَاحب الْيمن لسوء مُعَامَلَته للتجار فاستولى الشريف حسن بن عجلَان مَا مَعَه من البضائع وطرحها على التُّجَّار بِمَكَّة. فَقدم إِبْرَاهِيم الْمَذْكُور فِي سنة سِتّ وَعشْرين على المندب وَلم يعبر عدن وتعدى جدة وأرسى بِمَدِينَة سواكن ثمَّ بِجَزِيرَة دهلك فعامله صاحباها أَسْوَأ مُعَاملَة. فَعَاد فِي سنة سبع وَعشْرين وجور عَن عدن وَمر بجدة يُرِيد يَنْبع. وَكَانَ بِمَكَّة الْأَمِير قرقمامن فمازال يتلطف لإِبْرَاهِيم حَتَّى أرسى على جده. بمركبين فجامله أحسن مجاملة حَتَّى قويت رغبته وَمضى شاكراً ثَانِيًا. وَعَاد فِي سنة ثَمَان وَعشْرين وَمَعَهُ أَرْبَعَة عشر مركبا موسوقة بضائع. وَقد بلغ السُّلْطَان خَبره فَأحب أَخذ مكوسها لنَفسِهِ وَبعث ابْن الْمرة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 111 لذَلِك فَصَارَت جدة من حِينَئِذٍ بندرًا عَظِيما إِلَى الْغَايَة وَبَطل بندر عدن إِلَّا قَلِيلا. وَلم تكن جدة مرسي إِلَّا من سنة سِتّ وَعشْرين من الْهِجْرَة فَإِن عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ اعْتَمر فِيهَا فَكَلمهُ موَالِيه أَن يحول السَّاحِل إِلَى جدة وَكَانَ فِي الشعيبة فِي الْجَاهِلِيَّة فحوله إِلَى جدة وَمن كَانَ وَرَاء قديد يحملون من الْجَار والأبواء وَكَانَ مَا يحمل إِلَى هَذِه الْمَوَاضِع قوت أهل الْحَرَمَيْنِ وعيشهم. وَفِي تاسعه: عدي السُّلْطَان النّيل فِي الحراقه وَنزل بِنَاحِيَة وسيم وَعَاد إِلَى القلعة فِي سادس عشره. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كمل الصهريج الَّذِي عمله السُّلْطَان بِصَحْنِ الْجَامِع الْأَزْهَر وبنيت بأعلاه مصطبة فَوْقهَا قبَّة برسم تسبيل المَاء وغرس بِصَحْنِ الْجَامِع أَربع شجرات نارنج فَلم تفلح وَهَلَكت من الذُّبَاب. وَفِيه أَيْضا كملت الزِّيَادَة الَّتِي تولى عمارتها الْأَمِير تَاج الدّين الشويكي. بميضات الْجَامِع الْأَزْهَر فَعظم النَّفْع بهَا. شهر ربيع الآخر أَوله الثُّلَاثَاء: فِي سَابِع عشره: قدم الْأَمِير سودن من عبد الرَّحْمَن نَائِب الشمام فَخلع عَلَيْهِ وجاءته تقادم الْأُمَرَاء وَتوجه إِلَى نيابته فِي سادس عشرينه. وَفِي هَذَا الشَّهْر: الشَّهْر ابتدئ بِعَمَل طريدتين حربيتين لتتمة أَربع طرائد وأنشئت بساحل بولاق فِيمَا انحسر مَاء النّيل عَنهُ تجاه جَامع الخطيري وَأخذت لَهَا أخشاب كَثِيرَة من قُصُور سرياقوس وَفِيه أَيْضا كمل بِنَاء الحوانيت وَالرّبع فَوْقهَا والتربيعة الَّتِي زيدت فِي الوراقين. وَفتح لَهَا بَاب كَبِير من آخر سوق المهامزيين. وَقَامَ بعمارة ذَلِك الْأَمِير جَانِبك فجَاء الجزء: 7 ¦ الصفحة: 112 من أحسن العمائر. وكمل أَيْضا بِنَاء الحوانيت وعلوها تجاه بَاب الْمدرسَة الصالحية بجوار الصاغة وَهِي من العمائر السُّلْطَانِيَّة. وَفِيه وَقع الْهدم فِي قصر الْأَمِير صرغتمش المجاور لبير الوطاويط بالصليبة خَارج الْقَاهِرَة وَفِيه كملت عمَارَة برج حَرْبِيّ بِالْقربِ من الطينة على بَحر الْملح فجَاء مربع الشكل مساحة كل ربع مِنْهُ ثَلَاثُونَ ذِرَاعا وشحن بالأسلحة وأقيم فِيهِ خَمْسَة وَعِشْرُونَ مُقَاتِلًا فيهم عشرَة فرسَان. وَأنزل حوله جمَاعَة من عرب الطينة فَانْتَفع النَّاس بِهِ. وَذَلِكَ أَن الفرنج كَانَت تقبل فِي مراكبها إِلَى بر الطينة وتتخطف النَّاس من هُنَاكَ فِي مرورهم من قطيا إِلَى جِهَة الْعَريش. وَتَوَلَّى عمَارَة هَذَا البرج الْأَمِير زين الدّين عبد الْقَادِر ابْن الْأَمِير فَخر الدّين عبد الْغنى بن أبي الْفرج. وَأخذ الْآجر الَّذِي بناه بِهِ من خراب مَدِينَة الفرما وأحرق حِجَارَة الجير مِمَّا أَخذه من الفرما فسبحان محيل الْأَحْوَال. شهر جُمَادَى الأولى أَوله الْخَمِيس: فِي عاشره: خلع على الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله وَاسْتقر أستاداراً! عوضا عَن وَلَده الْأَمِير صَلَاح الدّين مُحَمَّد وخلع فِي ثَانِي عشره على كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن سعد الدّين بركَة الْمَعْرُوف بِابْن كَاتب حكم وَاسْتقر فِي نظر الْخَاص عوضا عَن الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله. وخلع على أَمِين الدّين إِبْرَاهِيم بن مجد الدّين عبد الْغَنِيّ بن الهيصم وَاسْتقر فِي نظر الدولة عوضا عَن ابْن كَاتب جكم. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: كثرت الإشاعات بحركة الفرنج فَخرج عدَّة من الْأُمَرَاء والمماليك لحراسة الثغور. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 113 وَفِيه كَانَ بدمياط حريق شنيع ابْتَدَأَ يَوْم الْجُمُعَة تاسعه ذهبت فِيهِ بيُوت عديدة وَهَلَكت جمَاعَة من النَّاس. وَفِيه قدمت طَائِفَة من الفرنج إِلَى صور من مُعَاملَة صفد فحاربهم الْمُسلمُونَ وَقتلُوا كثيرا مِنْهُم وَاسْتشْهدَ من الْمُسلمين نَحْو الْخمسين رجلا. وَفِي ثَالِث عشره: خلع على زين الدّين عبد الْقَادِر بن أبي الْفرج وَاسْتقر شاد الْخَاص وأستادار الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن السُّلْطَان. وَفِي هَذَا الشَّهْر: أُصِيبَت عَامَّة فواكه بِلَاد الشَّام بأسرها - من دمشق إِلَى حلب - فِي لَيْلَة وَاحِدَة. من شدَّة الْبرد وَكَانَت الشَّمْس حِينَئِذٍ فِي برج الْحمل فَتلفت الأعناب وَنَحْوهَا. شهر جُمَادَى الْآخِرَة أَوله الْخَمِيس: فِي عاشره: قبض على نجم الدّين عمر بن حجي كَاتب السِّرّ وَسلم إِلَى الْأَمِير جَانِبك الدوادار فسجنه فِي برج بالقلعة وأحيط بداره وَسبب ذَلِك أَنه الْتزم عَن ولَايَته كِتَابَة السِّرّ حَتَّى وَليهَا بِعشْرَة آلَاف دِينَار ثمَّ تسلم مَا كَانَ جَارِيا فِي إقطاع الجزء: 7 ¦ الصفحة: 114 ابْن السُّلْطَان من حمايات علم الدّين دَاوُد بن الكويز ومستأجراته، على أَن يقوم لديوان ابْن السُّلْطَان فِي كل سنة بألغ وَخَمْسمِائة دِينَار، فَحمل فِي مُدَّة ولَايَته كِتَابَة السِّرّ إِلَى الخزانة خَمْسَة آلَاف دِينَار، فِي دفعات. فَلَمَّا كَانَت هَذِه الْأَيَّام، طلب مِنْهُ حمل مَا تَأَخّر عَلَيْهِ، وَهُوَ سِتَّة آلَاف دِينَار وَخَمْسمِائة دِينَار، فَسَأَلَ السُّلْطَان مشافهة أَن ينعم عَلَيْهِ بِالْألف وَخمْس مائَة دِينَار المقررة على الحمايات والمستأجرات، وتشكى من قبله متحصلها مَعَه، فَلم يجب سُؤَاله. وَنزل إِلَى دَاره فَكتب ورقة إِلَى السُّلْطَان تَتَضَمَّن أَنه غرم من حِين ولي كِتَابَة السِّرّ إثني عشر ألف دِينَار، مِنْهَا الْحمل إِلَى الخزانة خَمْسَة آلَاف دِينَار وَلمن لَا يُسمى مبلغ ألفى دِينَار، وللأمراء أَرْبَعَة آلَاف دِينَار، وَذكر بَقِيَّة تفصيلها. فَلَمَّا قُرِئت على السُّلْطَان فهم أَنه أَرَادَ بِهِ بِمن لَا يُسمى الْأَمِير جَانِبك وَأخذ يسْأَل من جَانِبك - عِنْدَمَا حضر هُوَ والأمراء - عَمَّا وصل إِلَيْهِ وإليهم من ابْن حجى، فَأَجَابُوهُ بِمَا لَا يَلِيق فِي حق ابْن حجى، وحنق مِنْهُ جَانِبك، فَمَا هُوَ إِلَّا أجتمعا بالقلعة، جرت بَينهمَا مفاحشات آخرهَا أَنه قبض عَلَيْهِ وسجن. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: كملت عمَارَة المأذنة الَّتِي فَوق الْبَاب المجاور للمنبر بِجَامِع الْحَاكِم، وأنشأها بعض الباعة. وَقدم الْخَبَر بوقعة كَانَت بَين الْمُسلمين وَبَين الفرنج، فِيمَا بَين جيلة وطرابلس قتل فِيهَا جمَاعَة من الفرنج، وَانْهَزَمَ باقيهم. وَحمل غرابان مِمَّا أنشيء بساحل بولاق خَارج الْقَاهِرَة، وهما قطعا - على الْجمال إِلَى السويس، ليركبا ويطرحا فِي بَحر السويس، لأجل حمل الغلال وَنَحْوهَا إِلَى مَكَّة، مدَدا للمجردين. وَعَملا بمجاديف لتمر سريعة، وَأَن تمسك عَنْهَا الرّيح. وَفِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء ثَالِث عشرَة: أخرج نجم الدّين عمر بن حجى من البرج فِي الْحَدِيد، وَحمل إِلَى دمشق حَتَّى يكْشف عَن سيرته بهَا، وَيُؤْخَذ مَاله هُنَاكَ، وَكتب فِي حَقه إِلَى النَّائِب والقضاءة بعظائم مستشنعة. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامن عشرَة: خلع على بدر الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مزهر الدِّمَشْقِي، وَاسْتقر فِي كِتَابَة السِّرّ، عوضا عَن نجم الدّين عمر بن حجى. وَابْن مزهر هَذَا كَانَ أَبوهُ كَاتب السِّرّ بِدِمَشْق، وَلَهُم أَصَالَة قديمَة، رَأس عدَّة من آبَائِهِ، تضمن ذكرهم التَّارِيخ. وَولد هُوَ بِدِمَشْق وَنَشَأ بهَا، وَكتب بديوان الْإِنْشَاء، وَتعلق بِخِدْمَة الْأَمِير شيخ المحمودي، وَقدم مَعَه مصر، فولاه نظر الإصطبل، حَتَّى مَاتَ. فَلَمَّا ولى علم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 115 الدّين دَاوُد بن الكويز بَاشر مَعَه نِيَابَة كِتَابَة السِّرّ وَقَامَ بِأَمْر ديوَان الْإِنْشَاء لبعد ابْن الكويز عَن ذَلِك. فتمشت بِهِ الْأَحْوَال. وَلم يزل قَائِما بِأُمُور كنابة السِّرّ لعجز من وَليهَا فِي هَذِه المدد من الْجمال يُوسُف بن الصفي وَمن الْهَرَوِيّ وَغَيره حَتَّى ولي كِتَابَة السِّرّ فَكَانَ أنسب الْمَوْجُودين. وَفِيه خلع على تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب الْمَعْرُوف بالخطير وَاسْتقر فِي نظر الاصطبل. وَهَذَا الخطير - من سِنِين قريبَة - أسلم وَكَانَ يُبَاشر بديوان السُّلْطَان وَهُوَ أَمِير فرقاه فِي سلطنته إِلَى هُنَا. وَفِيه كتب بالإفراج عَن نجم الدّين عمر بن حجي وإطلاقه من الْحَدِيد وإقامته بِدِمَشْق على أَن يحمل مبلغا ذكر لَهُ. وَفِي ثامن عشرينه: قبض على السَّيِّد الشريف مقبل أَمِير يَنْبع وسجن. وَفِي هَذَا الشَّهْر: عرض السُّلْطَان المماليك الَّذين عينهم لغزو الفرنج فِي الْبَحْر. وَتقدم إِلَى كل من الْأُمَرَاء الألوف بتجهيز عشرَة مماليك من مماليكه. وَفِيه خرج الْأَمِير قرقماس من مَكَّة بِمن مَعَه فِي طلب الشريف حسن بن عجلَان حَتَّى بلغ حلي من أَطْرَاف الْيمن فَلم يُقَابله ابْن عجلَان مَعَ قوته وَكَثْرَة من مَعَه بل تَركه وَتوجه نَحْو نجد تنزهاً عَن الشَّرّ وَكَرَاهَة الْفِتْنَة فَعَاد قرقماس وَقدم مَكَّة فِي الْعشْرين مِنْهُ. شهر رَجَب أَوله السبت: فِي ثالثه: خلع على قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أَحْمد بن حجر وأعيد إِلَى قَضَاء الْقُضَاة عوضا عَن مُحَمَّد الْهَرَوِيّ لسوء سيرته وقبح سَرِيرَته وَفَسَاد طويته وَبعده عَن كل خير واشتماله على جملَة الشَّرّ. وَفِي رابعه: حمل الشريف مقبل أَمِير يَنْبع والشريف رميثة بن مُحَمَّد بن عجلَان فِي الْحَدِيد إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وسجنا بهَا. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: ارْتَفع سعر الفول من تسعين درهما الأردب إِلَى مائَة وَخمسين. وَارْتَفَعت أسعار الغلال بِدِمَشْق. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 116 وفيهَا وَقع الِاجْتِهَاد فِي عمل الأغربة. وَلم تحسن سيرة من ولي عَملهَا فَإِنَّهُ أَخذ الأخشاب ظلما وَقطع من أَشجَار الجميز والحور بِغَيْر رِضَاء أَرْبَابهَا وسخر النَّاس فِي عَملهَا فَأشبه هَذَا الْغَزْو من صلى لغير الْقبْلَة بِغَيْر وضوء عمدا. وَفِي عاشره: أدير محمل الْحَاج على الْعَادة وَعرضت كسْوَة الْكَعْبَة على السُّلْطَان. وَقد اجْتهد القَاضِي زين الدّين عبد الباسط فِي تأنقها حَتَّى جَاءَت فِي غَايَة من الْحسن بِحَيْثُ لم يعْمل فِيمَا أدركناه مثلهَا. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كَانَ قطاف عسل النَّحْل فَلم يُوجد مِنْهُ كَبِير شَيْء فارتفع سعره بلغ سعر الفول مِائَتي دِرْهَم الأردب. وَفِيه اعْتبر متحصل الدِّيوَان الْمُفْرد ومصروفه فعجز فِي كل سنة مائَة ألف وَعشْرين ألف دِينَار يجبيها أستادار من النواحي بعد مَا عَلَيْهَا من المستقر والحادث ويتنوع فِي مظالم الْعباد ويبالغ فِي العسف حَتَّى يسدها. وَيَأْخُذ المباشرون وأعوانه نَحوا مِنْهَا. فَلذَلِك خرب إقليم مصر وآلت أَحْوَال النَّاس إِلَى التلاشي. وَفِي ثَالِث عشره: أنْفق فِي الْغُزَاة وهم سِتّمائَة رجل مبلغ عشْرين دِينَارا لكل وَاحِد وجهز الْأُمَرَاء ثَلَاثمِائَة رجل. وَنُودِيَ من أَرَادَ الْجِهَاد فليحضر لأخذ النَّفَقَة. وَفِي عشرينه: سَارَتْ الْخُيُول فِي الْبر إِلَى طرابلس. وعدتها ثَلَاثمِائَة فرس لتحمل الْغُزَاة من طرابلس فِي الْبَحْر. وَفِي هَذَا الشَّهْر: خرج مركب من اللاذقية قد شحن بمجاديف حَتَّى يحضرها إِلَى مصر برسم الأغربة الَّتِي أنشئت صُحْبَة الريس فَاضل. فَلَمَّا حاذت جَزِيرَة أرواد خرج طَائِفَة من الفرنج يُرِيدُونَ أَخذهَا فَقَاتلهُمْ الْمُسلمُونَ حَتَّى قتلوا عَن آخِرهم وعدتهم خَمْسُونَ رجلا. وأفلت مِنْهُم رَحل وَاحِد. وَأخذ الفرنج المجاديف وَغَيرهَا وحرقوا الْمركب. وفاضل هَذَا من أهل مَدِينَة أياس فَقدم إِلَى السُّلْطَان فِي السّنة الخالية وَحسن لَهُ غَزْو الفرنج ووعده بغنيمة أَمْوَال عَظِيمَة حَتَّى كَانَ من غَزْوَة اللمسون مَا كَانَ فَأخذ فِي التعبئة لغزوهم ثَانِيًا أيده الله تَعَالَى بنصره عَلَيْهِم. وَفِي شنع الوباء بدمياط وفارسكور وَكَانَ ابتداؤه عِنْدهم من جُمَادَى الأولى. وَفِي حادي عشره: توجه الْهَرَوِيّ عَائِدًا إِلَى الْقُدس على وَظِيفَة التدريس بالصالحية. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 117 وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشره: ركب السُّلْطَان بعد صَلَاة الْجُمُعَة بِثِيَاب جُلُوسه كَمَا هِيَ عَادَته حَتَّى شَاهد الأغربة بساحل بولاق وَعَاد. وَفِي ثَالِث عشرينه: ركب الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن السُّلْطَان والأمير جَانِبك حَتَّى شَاهد توجه الأغربة. وَقد أَقَامَ فِي دَار القَاضِي زين الدّين عبد الباسط المطلة على النّيل فانحدر فِي النّيل أَرْبَعَة أغربة بِكُل غراب أَمِير ومقدم الْجَمِيع الْأَمِير جرباش حَاجِب الْحجاب فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً حشر فِيهِ النَّاس من كل جِهَة لمشاهدة ذَلِك. ثمَّ انحدر فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ غراب وَاحِد وَفِي هَذَا الشَّهْر: قطع السُّلْطَان جرايات المباشرين من الْقَمْح وَهِي خَمْسَة آلَاف أردب فتوفرت للسُّلْطَان. شهر شعْبَان أَوله الِاثْنَيْنِ: فِي ثالثه: أنحدر غراب ثامن. وَفِيه جَاءَ قاع النّيل خَمْسَة أَذْرع وَعشر أَصَابِع وَنُودِيَ علمه من الْغَد خَمْسَة أَصَابِع. وَهِي ابْتِدَاء النداء على النّيل. وَفِي يَوْم السبت سادسه: حدث عِنْد شروق الشَّمْس زَلْزَلَة قدر مَا يقْرَأ الْإِنْسَان سُورَة الْإِخْلَاص ثمَّ زلزلت ثَانِيًا مثل ذَلِك ثمَّ زلزلت مرّة ثَالِثَة فلولا أَن الله لطف بسكونها لسقطت الدّور فَإِن الأَرْض مادت وتحركت المباني وَغَيرهَا حَرَكَة مرعبة بِحَيْثُ شاهدت حَائِطا خرج عَن مَكَانَهُ ثمَّ عَاد. وَأَخْبرنِي من لَا أتهم أَنه كَانَ وَقت الزلزلة رَاكِبًا فرسه فخرع عَن السرج حَتَّى كَاد يسْقط. وَفِي غده: نُودي - عَن أَمر السُّلْطَان - بِصَوْم النَّاس ثَلَاثَة أَيَّام من أجل الزلزلة فَمَا أنابوا وَلَا سعوا. وَفِي ثامنه: نُودي بِأَن لَا يُبَاع السكر إِلَّا للسُّلْطَان وَلَا يشترى إِلَّا مِنْهُ فَعَاد الْأَمر كَمَا كَانَ. وَفِي لَيْلَة الْخَمِيس ثامن عشره: وَقع الْحَرِيق بِثَلَاثَة أَمَاكِن فَمَا طفئ إِلَّا بعد جهد. وَفِي هَذَا الشَّهْر: بلغ الفول دِينَارا لكل أردب بعد مَا كَانَ كل ثَلَاثَة أرادب وَنصف بِدِينَار. وَتجَاوز الْقَمْح الْمِائَتَيْنِ بعد مائَة وَخمسين. وَقل وجود الغلال وطلبها النَّاس فشحت أنفس أَرْبَابهَا وخزنتها هَذَا مَعَ توالي زِيَادَة النّيل. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 118 وَفِي هَذَا الشَّهْر: اتّفقت حادثتان غريبتان إِحْدَاهمَا أَن رجلا مر فِي سَفَره بِبِلَاد الغربية على أتان لَهُ وَتَحْته خرح فِيهِ قماش فَخرج عَلَيْهِ بعض قطاع الطَّرِيق وَألف إِلَى الأَرْض ليذبحه فَقَالَ لَهُ: بِاللَّه اسْقِنِي شربة مَاء قبل أَن تذبحني فَألْقى الله تَعَالَى فِي قلبه عَلَيْهِ رَحْمَة لما يُريدهُ بِهِ. وَفتح خرج الرجل وَتَنَاول مِنْهُ إِنَاء وَعبر فِي المَاء حَتَّى يغترف فِي الْإِنَاء مِنْهُ فاختطفه تمساح وَذهب فِي المَاء فَكَسرهُ وَأكله وَالرجل يرَاهُ وَهُوَ مكتوف وأتانه وَاقِف مَعَ فرس قَاطع الطَّرِيق قائمان قَرِيبا مِنْهُ. فَأَقَامَ كَذَلِك حَتَّى مر بِهِ أنَاس عَن بعد فصاح بهم إِلَى أَن أَتَوْهُ فأعلمهم بِمَا جرى لَهُ وَمَا كَانَ من هَلَاك عدوه فحلوا أكتافه وَأتوا بِهِ وبالفرس والأتان والخرج إِلَى الْوَالِي فَقص عَلَيْهِ قصَّته فَأخذ الْفرس وخلاه لسبيله. فَمضى بأتانه وخرجه فَكَانَ فِي هَذَا موعظة لمن اتعظ وكفي بِاللَّه نَصِيرًا. وَالثَّانيَِة: أَن مُتَوَلِّي الْحَرْب بِتِلْكَ النواحي وسط سَبْعَة رجالة من قطاع الطَّرِيق وعلقهم على ممر الْمُسَافِرين كَمَا هِيَ عَادَتهم فِي ذَلِك. وأكد على الخفراء أَرْبَاب الدَّرك فِي حراستهم طول اللَّيْل خوفًا من مَجِيء أَهَالِيهمْ وَأَخذهم إيَّاهُم وَحلف بأيمانه لَئِن فقد أحد مِنْهُم ليوسطن الْجَمِيع فَبَاتُوا يَحْرُسُونَهُمْ حَتَّى كَاد اللَّيْل يذهب أَخذهم النّوم ثمَّ أنتبهوا فِي السحر فَإِذا بعدة الموسطين قد نقصت وَاحِد. فَمن شدَّة خوفهم أَن يطلع النَّهَار ويبلغ الْوَالِي أَن الموسطين قد أَخذ مِنْهُم وَاحِد فيوسطهم بدله مروا فِي الدَّرْس المسلوك ليأخذوا من انْفَرد من الْمُسَافِرين يوسطوه ويعلقوه بدل الَّذِي نقص من الْعدة فَإِذا هم بِرَجُل على حمَار وَتَحْته قفتين فَأَخَذُوهُ ووسطوه وعلقوه مَعَ الموسطين. فَلَمَّا طلع النَّهَار جَاءَهُم مقدم الْوَالِي لكشف حَال الموسطين فَإِذا عدتهمْ قد زَادَت وَاحِدًا فَأنْكر على الخفراء وأحضرهم إِلَى الْوَالِي وأعلمه الْخَيْر فَلم يَجدوا بدا من الصدْق وَأَخْبرُوهُ أَنهم نَامُوا آخر اللَّيْل وانتبهوا سحرًا فَرَأَوْا الْعدة قد نَقَصُوا وَاحِدًا فَمَا شكوا فِي أَنه أَخذه أَهله فَأخذُوا رجلا على حمَار من الْمَارَّة ووسطوه وعلقوه مَكَان الَّذِي نقص. وحلفوا أيماناً عديدة أَنهم مَا رَأَوْهُمْ إِلَّا ناقصين وَاحِدًا. فَأمر بِفَتْح القفتين اللَّتَيْنِ كَانَتَا على حمَار الْمَقْتُول فَإِذا فِي كل قفة نصف امْرَأَة قد نقشت فَعلم الْوَالِي وَمن حَضَره أَنه كَانَ قد قتل هَذِه الْمَرْأَة وسرى بهَا سحرًا حَتَّى يواريها فَقتله الله بهَا. وَكَانَ فِي هَذِه تذكرة لمن وعي أَن الْجَزَاء وَاقع. وَفِي آخر هَذَا الشَّهْر: أفرج عَن الْأَمِير طرباي من سجن الْإسْكَنْدَريَّة وَنقل إِلَى الْقُدس ليقيم بِهِ غير مضيق عَلَيْهِ وأنعم عَلَيْهِ بِأَلف دِينَار. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 119 شهر رَمَضَان، أَوله الثُّلَاثَاء: أهل هَذَا الشَّهْر وَقد انحل سعر الغلال وَكَثُرت فِي العراص والساحل من غير سَبَب يظْهر فِي ارتفاعها أَولا ثمَّ فِي انحطاطها إِن الله على كل شَيْء قدير وبالناس لرءوف رَحِيم. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامنه: قبض على الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله أستادار وعَلى وَلَده الْأَمِير صَلَاح الدّين مُحَمَّد وعوقا بالقلعة. وَفِي يَوْم الْخَمِيس عاشره: خلع على الْأَمِير زين الدّين عبد الْقَادِر ابْن الْأَمِير فَخر الدّين عبد الْغَنِيّ بن أبي الْفرج. وَاسْتقر أستادارا عوضا عَن الصاحب بدر الدّين حسن ابْن نصر الله. وَفِي ثَانِي عشره: أفرج عَن الصاحب بدر الدّين وَنزل إِلَى دَاره وَقد ألزم بِحمْل نَفَقَة الشَّهْر وعليقه وَذَلِكَ نَحْو ثَلَاثِينَ ألف دِينَار. وَترك ابْنه الْأَمِير صَلَاح الدّين بالقلعة رهينة على المَال فَأخذ فِي بيع أملاكه وخيوله وثيابه وأثاثه. وَفِي رَابِع عشره: خلع على جمال الدّين يُوسُف بن الصفي الكركي وَاسْتقر فِي كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق عوضا عَن بدر الدّين حسن. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي عشرينه - الْمُوَافق لَهُ رَابِع عشر مسرى -: أوفي النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا. وَنزل الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن السُّلْطَان فَفتح الخليج على الْعَادة بعد تخليق المقياس وَركب فِي خدمته الصَّالح بن ططر. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء - صَبِيحَة الْوَفَاء -: نُودي على النّيل بِزِيَادَة عشر أصباع. وَنُودِيَ فِي يَوْم الْخَمِيس بِزِيَادَة عشر أَصَابِع. وَهَذَا من نَوَادِر زيادات النّيل. وَفِي هدا الشَّهْر: عز وجود اللَّحْم بالأسواق. شهر شَوَّال أَوله الْأَرْبَعَاء: فِي تاسعه: ورد الْخَبَر من طرابلس بنصرة الْمُسلمين على الفرنج فدقت البشائر بالقلعة وَجمع الْقُضَاة والأعيان بالجامع الأشرفي وَقُرِئَ عَلَيْهِم الْكتاب وَنُودِيَ بزينة الْقَاهِرَة ومصر فزينتا. ثمَّ قرئَ الْكتاب من الْغَد بِجَامِع عَمْرو بن الْعَاصِ. وكتبت البشائر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 120 إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة والبحيرة وَالْوَجْه القبلي. وبينما النَّاس مستبشرين بنصر الله على أعدائه إِذْ قدم الْخَبَر فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث عشره بوصول الْغُزَاة إِلَى الطينة فَكثر القلق. وَكَانَ من خَيرهمْ أَنهم لما توجهوا من سَاحل بولاق مروا على دمياط إِلَى طرابلس وتوجهوا مِنْهَا فِي بضع وَأَرْبَعين مركبا إِلَى جَزِيرَة الماغوصة فخيموا فِي برهَا الغربي وَقد خَافَ متملكها وَبعث بِطَاعَتِهِ للسُّلْطَان فَبَلغهُمْ تهيؤ صَاحب قبرس للقائهم واستعداداً لمحاربتهم فَبَاتُوا بمخيمهم على الماغوصة لَيْلَة الْأَحَد الْعشْرين من شهر رَمَضَان. وشنو من الْغَد - يَوْم الْأَحَد - الغارات على مَا فِي غربي قبرس من الضّيَاع وعادوا بغنائم كَثِيرَة بعد مَا قتلوا وأسروا وحرقوا. ثمَّ أقلعوا لَيْلَة الْأَرْبَعَاء يُرِيدُونَ الملاحة وَتركُوا فِي الْبر أَرْبَعمِائَة من الرِّجَال يَسِيرُونَ بحذائهم فَقتلُوا وأسروا وحرقوا. ثمَّ ركبُوا الْبَحْر وَقد وافاهم صباحا الفرنج فِي عشرَة أغربة وقرقورة فَلم يثبتوا وانهزموا من غير حَرْب. فأرسى الْمُسلمُونَ بساحل الملاحة. وللحال كرت أغربة الفرنج رَاجِعَة إِلَيْهِم فَقَاتلهُمْ الْمُسلمُونَ قتالاً شَدِيدا وهزموهم. وباءوا لَيْلَة الْجُمُعَة خَامِس عشرينه فَأقبل بكرَة يوه الْجُمُعَة خَامِس عشرينه عَسْكَر قبرس وَعَلَيْهِم أَخُو الْملك فقاتله نصف الْعَسْكَر الإسلامي أَشد قتال وهزموه بعد مَا كَادُوا أَن يؤخذوا وَقتلُوا من الفرنج مقتلة كَبِيرَة وأخرجوا الْخُيُول من الْمركب إِلَى الْبر فِي لَيْلَة السبت وَسَارُوا بكرَة يَوْم السبت يقتلُون وَيَأْسِرُونَ ويحرقون الْقرى حَتَّى ضَاقَتْ مراكبهم عَن حمل الأسرى وامتلأت أيديها بالغنائم فَكتب الْأَمِير جرباش الكريمي - حَاجِب الْحجاب ومقدم العساكر المجاهدة - إِلَى الْأَمِير قصروه نَائِب طرابلس بذلك صُحْبَة قَاصد بعثة من الْغُزَاة ليَأْتِيه بخبرهم فَكتب الْأَمِير قصروه كتابا إِلَى السُّلْطَان وَفِي طيه كتاب حرباش إِلَيْهِ فقرئ كَمَا تقدم ذكره. ثمَّ إِن الْعَسْكَر خَافَ من متملك قبرس فَإِنَّهُ قد جمع واستعد فَرَأى جرباش أَن يعود بهم فَسَار حَتَّى أرسى على الطينة قَرِيبا من قطيا وَمن دمياط. وَفِي ثَالِث عشره: أفرج عَن الْأَمِير بيبغا المظفري وَنقل من سجن الْإسْكَنْدَريَّة إِلَى دمياط وجهز إِلَيْهِ فرس ليركبه هُنَاكَ. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس عشره: كَانَ نوروز القبط بِمصْر وَمَاء النّيل على ثَمَانِيَة عشر ذِرَاعا وَثَمَانِية إصبعا. وَهَذَا مِمَّا يستعظم قدره فِي هَذَا الْوَقْت. وَفِي خَامِس عشرينه: قدم الْغُزَاة بِأَلف وَسِتِّينَ أَسِيرًا فَبَاتُوا بساحل بولاق وصعدوا بكرَة يَوْم الْأَحَد سادس عشرينه إِلَى القلعة وَبَين أَيْديهم الأسرى والغنائم وهب على مائَة وَسبعين حمالاً وَأَرْبَعين بغلاً وَعشرَة جمال مَا بَين خرج وصناديق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 121 وحديد وآلات حربية وأواني فَعرض الْجَمِيع على السُّلْطَان فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً لم يعْهَد مثله فِي الدولة التركية والجركسية فرسم بِبيع الأسرى وتقويم الْأَصْنَاف فابتدئ فِي البيع من يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع عشرينه بِحَضْرَة الْأَمِير جقمق العلاي أَمِير أخور. وَتُوفِّي البيع عَن السُّلْطَان الْأَمِير أينال الششماني فاشتراهم النَّاس على اخْتِلَاف طبقاتهم. ورسم أَن لَا يفرق بَين الْأَوْلَاد وآبائهم وَلَا بَين قريب وقريبه فَكَانُوا يشترونهم جَمِيعًا. وَأنْفق السُّلْطَان فِي طَائِفَة من الْغُزَاة ثَلَاثَة دَنَانِير وَنصف لكل وَاحِد وَفِي طَائِفَة سَبْعَة دَنَانِير لكل وَاحِد. وَفِي هَذَا الشَّهْر: تعذر وجود اللَّحْم بالأسواق أَيَّامًا وَإِن وجد فَإِنَّهُ قَلِيل جدا وغلت أسعار أَكثر الأقوات إِلَّا الْقَمْح. وَفِيه أنشأ زين الدّين عبد الباسط بِنَاحِيَة بركَة الْحَاج بستاناً وساقية مَاء وَعمر فسقية كَبِيرَة شهر ذِي الْقعدَة أَوله الْجُمُعَة: وَيُوَافِقهُ عيد الصَّلِيب. كَانَ مَاء النّيل على عشْرين ذِرَاعا تنقص إصبعاً وَاحِدًا وَقل مَا عهد مثل هَذَا. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ رابعه: اتّفق بِالْقَاهِرَةِ حَادِثَة شنعاء لم ندرك مثلهَا وَهِي أَن رجلا من العشير بيبروت من سواحل الشَّام - يُقَال لَهُ شعث بن أبي بكر بن الْحَمْرَاء - قدم ليسعى فِي بعض تعلقاته فَخرج سحر هَذَا الْيَوْم من دَاره على فرسه وَمَعَهُ غُلَامه وَقد سايره رجل من أهل بِلَاده وَأخذ يحادثه حَتَّى وصلا بَين القصرين عِنْد شروق الشَّمْس فَأخْرج الرجل خنجراً وَضرب بِهِ ابْن الْحَمْرَاء ضَرْبَة وأتبعها بِأُخْرَى فَسقط عَن فرسه. وسَاق الرجل فرسه فَلم يتبعهُ أحد. وَبَقِي ابْن الْحَمْرَاء طريحاً عدَّة سَاعَات ثمَّ دفن. وَبلغ الْخَبَر السُّلْطَان فَطلب الْقَاتِل فَلم يقدر عَلَيْهِ. وَكَانَ سَبَب هَذَا أَن ابْن الْحَمْرَاء قتل وَالِد هَذَا الرجل من سِنِين عديدة وَابْنه هَذَا صبي فتحول إِلَى الْقَاهِرَة وربي بهَا وَصَارَ من جملَة الأجناد بِخِدْمَة الْأُمَرَاء. فَلَمَّا قدم ابْن الْحَمْرَاء فِي هَذِه الْأَيَّام الْقَاهِرَة تردد إِلَيْهِ هَذَا الرجل من أجل أَنه من أهل بِلَاده فأنس بِهِ وغفل عَمَّا كَانَ مِنْهُ إِلَى أَن جَاءَهُ الرجل فِي هَذَا الْيَوْم على عَادَته وَركب مَعَه فَوجدَ الفرصة قد أمكنته من عدوه فَفعل مَا فعل وَأخذ بثأره. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 122 وَفِي هَذَا الشَّهْر: انْتَهَت زِيَادَة النّيل إِلَى عشْرين ذِرَاعا سَوَاء. وَفِيه ارْتَفع سعر الْقَمْح حَتَّى تجَاوز الأردب مِائَتي دِرْهَم من الْفُلُوس. وَفِيه هدم السُّلْطَان خرائب الططر بقلعة الْجَبَل وَكَانَت خطا كَبِيرا يشْتَمل عل مسَاكِن عديدة فسوى بهَا جَمِيعهَا الأَرْض. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سادس عشرينه: نُودي على الْفُلُوس أَن يتعامل النَّاس بهَا من حِسَاب اثْنَي عشر درهما الرطل. وَكَانَت قد قلت وَعز وجودهَا لشح النَّاس بإخراجها فربح من كَانَ عِنْده مِنْهَا شَيْء وخسر من لَهُ مطالبات فَإِنَّهُ صَار درهمه نصفا. شهر ذِي الْحجَّة أَوله السبت. فِي سابعه: اتّفقت حَادِثَة شنعاء وَهِي أَن الْخبز قل وجوده فِي الْأَسْوَاق فَعنده خرج بدر الدّين مَحْمُود العينتابي - محتسب الْقَاهِرَة - من دَاره سائراً إِلَى القلعة صاحت عَلَيْهِ الْعَامَّة واستغاثوا بالأمراء وَشَكوا إِلَيْهِم الْمُحْتَسب فعرج عَن الشَّارِع وطلع إِلَى القلعة وَهُوَ خَائِف من رجم الْعَامَّة لَهُ وشكاهم إِلَى السُّلْطَان. وَكَانَ يخْتَص بِهِ وَيقْرَأ لَهُ فِي اللَّيْل تواريخ الْمُلُوك ويترجمها لَهُ بالتركية. فحنق السُّلْطَان وَبعث طَائِفَة من الْأُمَرَاء إِلَى بَاب زويلة فَأخذُوا على الْمَارَّة أَفْوَاه السكَك ليقبضوا على النَّاس. فرجى بعض العبيد أحد الْأُمَرَاء بِحجر أَصَابَهُ فَقبض عَلَيْهِ وَضرب. وَقبض على جمَاعَة كَبِيرَة من النَّاس وأحضروا بَين يَدي السُّلْطَان فرسم بتوسيطهم ثمَّ أسلمهم إِلَى الْوَالِي فضربهم وَقطع آنافهم وآذانهم وسجنهم لَيْلَة السبت. ثمَّ عرضوا من الْغَد على السُّلْطَان فأفرج عَنْهُم - وعدتهم اثْنَان وَعِشْرُونَ رجلا من المستورين - مَا بَين شرِيف وتاجر فَتَنَكَّرت الْقُلُوب من أجل ذَلِك وَانْطَلَقت الْأَلْسِنَة بِالدُّعَاءِ وَغَيره. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: ارْتَفع سعر اللَّحْم وَعدم أَيَّامًا من الْأَسْوَاق. وارتفع سعر الْقَمْح أَيْضا وَعز وجوده مَعَ كثرته بالشون والمخازن وعلو النّيل وثباته. وَفِي حادي عشرينه: خلع على شهَاب الدّين أَحْمد بن صَلَاح الدّين بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن المحمرة وَاسْتقر فِي مشيخة الخانكاة الصلاحية سعيد السُّعَدَاء بعد وَفَاة شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد البيري الْمَعْرُوف بأخي جمال الدّين الأستادار. وَابْن المحي هَذَا كَانَ أَبوهُ سمساراً فِي الغلال بساحل بولاق وَعَمه طحاناً وَولد هُوَ بِظَاهِر الْقَاهِرَة وَقَرَأَ الْقُرْآن وَقَرَأَ عدَّة كتب مَا بَين فقه وَنَحْو وَغَيره واشتغل على شُيُوخ الْعَصْر حَتَّى برع فِي الْفِقْه على مَذْهَب الشَّافِعِي. وشارك فِي فنون وَجلسَ فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 123 حوانيت الشُّهُود زَمَانا واستنابه فِي الْحِسْبَة بِالْقَاهِرَةِ بوساطة الْأَمِير يلبغا السالمي وَكَانَ من أَصْحَابه. ثمَّ نَاب فِي الحكم بِالْقَاهِرَةِ عَن قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين عبد الرَّحْمَن بن البُلْقِينِيّ مُدَّة سِنِين. وأثرى فِي قَضَائِهِ وَكثر مَاله. ثمَّ صرف عَن الحكم ودرس الْفِقْه بخانكاة شيخو بِمَال وَزنه فِي التدريس ثمَّ ولي الخانكاة. وَفِيه قدم كتاب الْأَمِير تغري بردي المحمودي من مَكَّة وَقد توجه حاجباً يتَضَمَّن أَنه بعث لما نزل من عقبَة أَيْلَة قَاصِدا إِلَى الشريف حسن بن عجلَان يرغبه فِي الطَّاعَة ويحذره عَاقِبَة الْمُخَالفَة فَقدم ابْنه الشريف بَرَكَات بن حسن وَقد نزل بطن مر فِي ثامن عشْرين ذِي الْقعدَة فسر بقدومه وَدخل بِهِ مَعَه مَكَّة أول ذِي الْحجَّة وَحلف لَهُ بَين الْحجر الْأسود والملتزم أَن أَبَاهُ لَا يَنَالهُ مَكْرُوه من قبله وَلَا من قبل السُّلْطَان فَعَاد إِلَى أَبِيه وَقدم بِهِ مَكَّة يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث ذِي الْحجَّة وَأَنه حلف لَهُ ثَانِيًا وَألبسهُ التشريف السلطاني وَقَررهُ فِي إِمَارَة مَكَّة على عَادَته وَأَنه عزم على حُضُوره إِلَى السُّلْطَان صُحْبَة الركب واستخلاف وَلَده بَرَكَات على مَكَّة. وَفِي خَامِس عشرينه: ورد إِلَى سَاحل بولاق اثْنَا عشر غراب من أغربة الْغُزَاة. وَفِي ثامن عشرينه: قدم مبشرو الْحَاج وأخبروا بسلامة الْحجَّاج وَأَن الوقفة بِعَرَفَة كَانَت يَوْم الِاثْنَيْنِ وَكَانَت بِالْقَاهِرَةِ يَوْم الْأَحَد. وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر قَاضِي الْقُضَاة عَلَاء الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن بدر الدّين أَبُو الثَّنَاء مَحْمُود بن أبي الْجُود أبي بكر بن مغلي الْحَمَوِيّ الْحَنْبَلِيّ فِي يَوْم الْخَمِيس الْعشْرين منالمحرم وَقد قَارب السّبْعين سنة وَكَانَت آباؤه من سلمية يعانون التِّجَارَة وَولد هُوَ بحماة وَنَشَأ بهَا وعانى طلب الْعلم وَقدم الْقَاهِرَة شَابًّا سنة إِحْدَى وَتِسْعين فِي زِيّ التُّجَّار واشتهر بِكَثْرَة الْحِفْظ لجودة حافظته وَمَا زَالَ يدأب حَتَّى صَار من أَئِمَّة الْفِقْه والْحَدِيث والنحو ويشارك فِي فنون كَثِيرَة وَكَانَ يحفظ فِي كل مَذْهَب من الْمذَاهب الثَّلَاثَة كتابا ويحفظ من مذْهبه كثيرا إِلَى الْغَايَة وَولي قَضَاء الْحَنَابِلَة بحماة بعد سنة ثَمَانمِائَة ثمَّ ولاه الْمُؤَيد. شيخ قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَابِلَة بالديار المصرية فباشره حَتَّى مَاتَ. وَكَانَ لَهُ ثراء وسعة وَلم يخلف بعده مثله. وَقتل الْأَمِير تغري بردي خنقاً بقلعة حلب فِي ربيع الأول فمستراح مِنْهُ لَا دين وَلَا عقل وَلَا مُرُوءَة مَا هُوَ إِلَّا الظُّلم وَالْفِسْق. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 124 وَمَات زين الدّين شعْبَان بن مُحَمَّد بن دَاوُد الآثاري فِي سَابِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة وَقد ولي حسبَة مصر فِي أَيَّام الظَّاهِر برقوق بِمَال عجز عَنهُ ففر إِلَى الْيمن بعد عَزله وَصَارَ لَهُ بهَا حَظّ لِأَنَّهُ كَانَ يكْتب خطا جيدا وينظم الشّعْر ثمَّ قدم مَكَّة بعد سِنِين وَقدم الْقَاهِرَة وَتوجه إِلَى الشَّام ثمَّ عَاد وَهُوَ مَرِيض فَمَاتَ يَوْم قدومه وَورثه أَخُوهُ. وَتُوفِّي بدر الدّين مُحَمَّد بن عمر بن أبي بكر الدماميني الْمَالِكِي الأديب الشَّاعِر بِمَدِينَة كربركا من بِلَاد الْهِنْد فِي شعْبَان عَن نَحْو سبعين سنة وَكَانَ قد نَشأ بالإسكندرية وفَاق فِي الْأَدَب وَقَالَ الشّعْر الْجيد وبرع فِي الْعَرَبيَّة وعانى دولبة عمل الثِّيَاب الْحَرِير فاحتج وألجأته الضَّرُورَة إِلَى فراره من أَرض مصر فَصَارَ لَهُ فِي بِلَاد الْهِنْد ثراء فَلم يتهن بِهِ وَمَات. وَتُوفِّي الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن عمر بن يُوسُف بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن أبي بكر التنوخي الشهير بِابْن الْعَطَّار الْحَمَوِيّ نَاظر الْقُدس فِي ثَالِث عشر شَوَّال بِبَلَد الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام ومولده فِي سنة أَربع وَسبعين وَسَبْعمائة. وَكَانَ أَبوهُ من أَعْيَان أهل حماة يُبَاشر أستادار الْأُمَرَاء واختص بِالظَّاهِرِ برقوق أَيَّام سجنه بالكرك وَقد كَانَ بهَا وَخرج مَعَه مِنْهَا فَمَاتَ قبل عود الْملك إِلَيْهِ فاستدنى الظَّاهِر برقوق ابْنه نَاصِر الدّين هَذَا وأنعم عَلَيْهِ بإمرة فِي حماة ثمَّ ولي حجوبية حماة. ونوه بِهِ نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ لما ولي كِتَابَة السِّرّ لِقَرَابَتِهِ بِهِ وولاه نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة فَلَمَّا مَاتَ - وَهُوَ الْمُؤَيد - صرف عَنْهَا ثمَّ ولاه السُّلْطَان نظر الْقُدس الجزء: 7 ¦ الصفحة: 125 والخليل وَكَانَ من خير من صَحِبت ديانَة وملازمة لتلاوة الْقُرْآن وَمَعْرِفَة وخبرة ومشاركة فِي فنون من الْعلم. وَمَات الْفَقِيه نور الدّين عَليّ بن أَحْمد بن سَلامَة السليمي الْمَكِّيّ بهَا فِي أخريات شَوَّال وَقد أناف على الثَّمَانِينَ وَكَانَ فَقِيها شافعياً فَاضلا فِي فنون قدم الْقَاهِرَة وَسمع مَعنا الحَدِيث وَتردد إِلَى سنَن بِالْقَاهِرَةِ وَمَكَّة. وَتُوفِّي شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن أَحْمد بن جَعْفَر بن قَاسم البيري الْحلَبِي أَخُو الْأَمِير جمال الدّين يُوسُف الأستادار فِي يَوْم الْجُمُعَة الْمُبَارك رَابِع عشر ذِي الْحجَّة عَن نَحْو الثَّمَانِينَ سنة وَكَانَ يَلِي قَضَاء البيرة ثمَّ قدم الْقَاهِرَة وَولي قَضَاء الْقُضَاة بحلب مُدَّة ثمَّ عزل وَعَاد إِلَى الْقَاهِرَة ودرس بِالْمَدْرَسَةِ الناصرية الْمُجَاورَة لقبة الإِمَام الشَّافِعِي بعد الْجلَال مُحَمَّد أبي الْبَقَاء ووفي مشيخة الخانكاه الركنية بيبرس بعد الشريف بدر الدّين حسن النسابة كل ذَلِك بجاه أَخِيه. فَلَمَّا قتل أَخُوهُ نكب وَصرف ثمَّ أفرج عَنهُ وَولي فِي أَيَّام الْمُؤَيد شيخ الخانكاه الصلاحية سعيد السُّعَدَاء حَتَّى مَاتَ وَكَانَ فِيهِ سُكُون وَيذكر عَنهُ تدين. وَقتل الْأَمِير طوغان - أَمِير أخور فِي أَيَّام الْمُؤَيد شيخ - ذبحا بقلعة المرقب فِي ذِي الْحجَّة وَكَانَ من جملَة التراكمين يخْدم سايس خيل بعض أجنادها فترقى حَتَّى صَار أَمِير أخور كَبِير للْملك الْمُؤَيد وَله بِهِ اخْتِصَاص ثمَّ نكب بعده حَتَّى قتل وَهُوَ كَمَا قيل: لم أبك مِنْهُ على دنيا وَلَا فِي دين. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين أَبُو بكر حَاجِب طرابلس بهَا وَقد تكَرر ذكره فِي أَيَّام الْأَمِير جكم وَكَانَ مشكوراً. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 126 (سنة تسع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة) أهلت وَخَلِيفَة الزَّمَان المعتضد بِاللَّه أَبُو الْفَتْح دَاوُد بن المتَوَكل على الله أَبُو عبد الله مُحَمَّد وسلطان الْإِسْلَام الْملك الْأَشْرَف أَبُو الْعِزّ برسباي الدقماقي وأتابك العساكر الْأَمِير الْكَبِير قجق وأمير مجْلِس الْأَمِير أينال الجكمي وأمير سلَاح الْأَمِير أينال النوروزي وأمير أخور الْأَمِير جقمق والدوادار الْأَمِير أزبك وَرَأس نوبَة تغري بردي المحمودي وحاجب الْحجاب الْأَمِير جرباش قاشق وأستادار الْأَمِير زين الدّين عبد الْقَادِر ابْن الْأَمِير الْوَزير فَخر الدّين عبد الْغَنِيّ ابْن الْوَزير تَاج الدّين عبد الرَّزَّاق بن أبي الْفرج والوزير كريم الدّين عبد الْكَرِيم ابْن الْوَزير الصاحب تَاج الدّين عبد الرَّزَّاق بن شمس الدّين عبد الله بن كَاتب المناخ وناظر الْخَاص كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن سعد الدّين بركَة بن كَاتب جكم وَكَاتب السِّرّ بدر الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مزهر وناظر الْجَيْش زين الدّين عبد الباسط بن خَلِيل وقاضي الْقُضَاة الشَّافِعِي الْحَافِظ شهَاب الدّين أَحْمد بن حجر وقاضي الْقُضَاة الْحَنَفِيّ زين الدّين عبد الرَّحْمَن التفهني وقاضي الْقُضَاة الْمَالِكِي شمس الدّين مُحَمَّد بن عبد الْبِسَاطِيّ وقاضي الْقُضَاة الْحَنْبَلِيّ محب الدّين أَحْمد بن نصر الله الْبَغْدَادِيّ ونائب الشَّام الْأَمِير سودن من عبد الرَّحْمَن ونائب شارقطوا ونائب حماة الْأَمِير جلبان أَمِير أخور ونائب طرابلس الْأَمِير قصروه ونائب صفد الْأَمِير مقبل الداوادار ونائب الْإسْكَنْدَريَّة الْأَمِير أقبغا التمرازي وأمير مَكَّة الشريف حسن بن عجلَان وأمير الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة عجلَان بن نعير. وأسعار المبيعات بِالْقَاهِرَةِ مَعَ عَامَّة الأقوات قَليلَة سِيمَا اللَّحْم وَاللَّبن والجبن لم نعهد مثل قلتهم فِي هَذَا الْوَقْت وَقد انحل سعر الغلال وأبيع الْأرز بِأَلف دِرْهَم الأردب. وَالدِّينَار الأفرنتي. بمائتين وَخَمْسَة وَعشْرين درهما من الْفُلُوس والفلوس بِاثْنَيْ عشر درهما الرطل وأحوال النَّاس بديار مصر وبلاد الشَّام واقفة لقلَّة مكاسبهم وَقد شَمل إقليم مصر - مدينتها وأريافها - الخراب لَا سِيمَا الْوَجْه القبلي فَمن شدَّة فقر أَهله وفاقتهم وَسُوء أَحْوَالهم لَا يتبايعون إِلَّا بالغلال لعدم الذَّهَب وَالْفِضَّة بعد مَا كَانَ مَا كَانُوا فِيهِ من الْغنى وَالسعَة فِي غَايَة. شهر الله الْمحرم أَوله الِاثْنَيْنِ: فِي لَيْلَة الْخَامِس عشر: خسف جرم الْقَمَر بأجمعه وَمكث جَمِيع جرمه منخسفا نَحْو ثَمَانِي عشر دَرَجَة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 127 وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ: هَذَا خلع على الْأَمِير أينال الششماني وَاسْتقر فِي حسبَة الْقَاهِرَة عوضا عَن بدر الدّين مَحْمُود العينتابي. وَفِي تَاسِع عشره: قدم الشريف رميثة بن مُحَمَّد بن عجلَان وَقد أفرج عَنهُ من سجنه بالإسكندرية. وَفِي عشرينه: منع قُضَاة الْقُضَاة الْأَرْبَع من الْإِكْثَار من نواب الحكم بِالْقَاهِرَةِ ومصر وَأَن لَا يزِيد الشَّافِعِي على عشرَة نواب وَلَا يزِيد الْحَنَفِيّ على ثَمَانِيَة وَلَا الْمَالِك على سِتَّة وَلَا الْحَنْبَلِيّ على أَرْبَعَة فَعمل بذلك مُدَّة أَيَّام وعادوا لما نهوا من الاستكثار مِنْهُم وَلَو كَانَ ذَلِك من الْخَيْر لنَقص. وَفِي ثَالِث عشرينه: قدم الركب الأول من الْحجَّاج وتتابع قدومهم حَتَّى قدم الْأَمِير تغري بردي المحمودي رَأس نوبَة بالمحمل وَتَبعهُ ساقة الْحَاج وهم فِي ضرّ وبؤس شَدِيد من غلاء الأسعار وَقدم مَعَه أَيْضا الْأَمِير قرقماس الْمُقِيم هَذِه الْمدَّة بِمَكَّة وَقدم الشريف حسن بن عجلَان فَأكْرم ثمَّ خلع عَلَيْهِ سَابِع عشرينه وَاسْتقر فِي إِمَارَة مَكَّة على عَادَته وألزم بِثَلَاثِينَ ألف دِينَار فَبعث قاصده إِلَى مَكَّة حَتَّى يحصرها وَأقَام هُوَ بِالْقَاهِرَةِ رهينة وَلم يَقع فِي الدولة الإسلامية مثل هَذَا. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كثر موت الجاموس وَلذَلِك قلت الألبان والأجبان. وَفِيه تَجَدَّدَتْ على الْحجَّاج مظْلمَة لم تعهد من قبل وَذَلِكَ أَنه منع التُّجَّار أَيَّام الْمَوْسِم أَن يتوجهوا من مَكَّة إِلَى بِلَاد الشَّام. مِمَّا ابتاعوه من أَصْنَاف تِجَارَات الْهِنْد وألزموا أَن يَسِيرُوا مَعَ الركب إِلَى مصر حَتَّى يُؤْخَذ مِنْهُم مكوس مَا مَعَهم فَلَمَّا نزل الْحجَّاج بركَة الْحَاج وَخرج مباشرو الْحَاج وأعوانهم واشتدوا على جَمِيع القادمين من التُّجَّار وَالْحجاج واستقصوا تفتيش محايرهم وأحمالهم وأخرجوا سَائِر مَا مَعَهم من الْهَدِيَّة وَأخذُوا مكسها حَتَّى أخذُوا من الْمَرْأَة الفقيرة مكس النطع الصَّغِير عشرَة دَرَاهِم فُلُوسًا وَأما التُّجَّار فَإِنَّهُ كَانَ أخرج إِلَيْهِم فِي السّنة الخالية بعض مسالمة الأقباط من الْقَاهِرَة - كَمَا تقدم ذكره - فوصل إِلَى مَكَّة وَمضى إِلَى جدة بأعوانه فضبط مَا وصل فِي المراكب من بِلَاد الْهِنْد وهرمز من أَصْنَاف المتجر وَأخذ مِنْهَا العشور فَقدم فِي المراكب الْهِنْدِيَّة إِلَى جدة فِي هَذِه السّنة زِيَادَة على أَرْبَعِينَ مركبا تحمل أَصْنَاف البضائع وَذَلِكَ أَن التُّجَّار وجدوا رَاحَة بجدة بِخِلَاف مَا كَانُوا يَجدونَ بعدن فتركوا بندر عدن واستجدوا بندر جدة عوضه فاستمر بندر جدة عَظِيما وتلاشى أَمر عدن من أجل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 128 هَذَا وَضعف حَال متملك الْيمن وَصَارَ نظر جدة وَظِيفَة سلطانية يخلع على متوليها وَيتَوَجَّهُ فِي كل سنة إِلَى مَكَّة فِي أَوَان وُرُود مراكب الْهِنْد إِلَى جدة وَيَأْخُذ مَا على التُّجَّار ويحضر إِلَى الْقَاهِرَة بِهِ وَبلغ مَا حمل إِلَى الخزانة من ذَلِك زِيَادَة على سبعين ألف دِينَار سوى مَا لم يحمل فجَاء للنَّاس مَا لَا عهد لَهُم بِمثلِهِ فَإِن الْعَادة لم تزل من قديم الدَّهْر فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام أَن الْمُلُوك تحمل الْأَمْوَال الجزيلة إِلَى مَكَّة لتفرق فِي أَشْرَافهَا ومجاوريها فانعكست الْحَقَائِق وَصَارَ المَال يحمل من مَكَّة وَيلْزم أَشْرَافهَا بِحمْلِهِ وَمَعَ ذَلِك فَمنع التُّجَّار أَن يَسِيرُوا فِي الأَرْض يَبْتَغُونَ من فضل الله وكلفوا أَن يَأْتُوا إِلَى الْقَاهِرَة حَتَّى تُؤْخَذ مِنْهُم المكوس على أَمْوَالهم وَأَنِّي لأذكر أَن الْملك الْمُؤَيد شَيخا نظره مرّة فِي أَيَّام قدوم الْحَاج فَرَأى من أَعلَى قلعة الْجَبَل خياماً مَضْرُوبَة بالريدانية خَارج الْقَاهِرَة فَسَأَلَ عَنْهَا فَقيل عَنْهَا فَقيل لَهُ إِن الْعَادة أَن ينصب نَاظر الْخَاص عِنْد قدوم الْحَاج خياماً هُنَاكَ ليجلس فِيهَا مباشرو الْخَاص وأعوانه حَتَّى يَأْخُذُوا مكس مَا مَعَهم من البضائع فَقَالَ: وَالله إِنَّه لقبيح أَن يُعَامل الْحَاج عِنْد قدومه بِهَذَا واستدعى بعض أَعْيَان الخاصكية وَأمره أَن يركب ويسوق حَتَّى يَأْتِي تِلْكَ الْخيام ويهدمها على رُءُوس من فِيهَا ويضربهم حَتَّى يحملوها وينصرفوا فَفعل ذَلِك وَلم يتَعَرَّض أحد فِي تِلْكَ السّنة للحجاج وَكَانَ نَاظر الْخَاص إِذْ ذَاك الصاحب بدر الدّين حسن نصر الله ولعمري لقد سَمِعت عَجَائِز أهلنا وَأَنا صَغِير يقلن انه ليَأْتِي على النَّاس زمَان يترحمون فِيهِ على فِرْعَوْن فبرغمي إِن مضين وخلفت حَتَّى أدْركْت وُقُوع مَا أنذرنا بِهِ قبل وَللَّه عَاقِبَة الْأُمُور. شهر صفر أَوله الْأَرْبَعَاء: فِي نصفه: جع السُّلْطَان الْأُمَرَاء والقضاة وَكَثِيرًا من التُّجَّار وتحدث فِي إبِْطَال الْمُعَامَلَة بِالذَّهَب المشخص الَّذِي يُقَال لَهُ الأفرنتي وهومن ضروب الفرنج وَعَلِيهِ شعار كفرهم الَّذِي لَا تجيزه الشَّرِيعَة المحمدية. وَهَذَا الأفرنتي كَمَا تقدم ذكره قد غلب فِي زمننا من حُدُود سنة ثَمَانمِائَة على أَكثر مَدَائِن الدُّنْيَا من الْقَاهِرَة ومصر وَجَمِيع أرص الشَّام وَعَامة بِلَاد الرّوم والحجاز واليمن حَتَّى صدر النَّقْد الرابح فصوب من حضر رَأْي السُّلْطَان فِي إِبْطَاله وان يُعَاد سبكه بدار الضَّرْب ثمَّ يضْرب على السِّكَّة الإسلامية فَطلب من الْغَد صياغ دَار الضَّرْب وَشرع فِي سبك مَا عِنْده من الدَّنَانِير الإفريقية. وَفِي هَذَا الشَّهْر: عز وجود الْخبز فِي الْأَسْوَاق أَحْيَانًا مَعَ كَثْرَة الغلال وَقلة طالبيها. وفقد اللَّحْم أَيْضا عدَّة أَيَّام من قلَّة جلب الأغنام وَسبب ذَلِك أَن الْوَزير يحْتَاج فِي كل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 129 يَوْم إِلَى اثْنَي عشر ألف رَطْل من اللَّحْم برسم المماليك السُّلْطَانِيَّة ومطبخ السُّلْطَان وحريمه فحجر على باعة اللَّحْم أَن يزِيدُوا فِي سعره حَتَّى لَا يزْدَاد عَلَيْهِ مَا يقوم بِهِ فِي ثمن اللَّحْم واقتني أغناماً كَثِيرَة وَصَارَ يَشْتَرِيهَا بِمَا يُرِيد فَلَا تصل أثمانها إِلَى بَائِعهَا إِلَّا وَقد بخسوا فِيهَا كَمَا هِيَ عَادَتهم فِي بخس النَّاس أشياءهم فنفر تجار الْغنم وجلابتها من الْحُضُور بهَا إِلَى أسواقها خوفًا من الخسارة وَكَانَت أَرَاضِي مصر فِي السّنة الخالية محلا من قلَّة مَاء النّيل فِي أَوَانه وَسُرْعَة هُبُوطه حَتَّى شَرقَتْ الْأَرَاضِي إِلَّا قَلِيلا فَقلت المراعي ثمَّ ارْتَفع سعر الفول وَالشعِير فشحت الْأَنْفس بعلف الْبَهَائِم والأنعام خُصُوصا الفلاحون فَإِن أَحْوَالهم ساءت فهزلت من أجل هَذَا بَهِيمَة الْأَنْعَام من الْغنم وَالْبَقر والجاموس وَتعذر من نصف شهر رَمَضَان الْمَاضِي وجود لحم الضَّأْن وارتفع سعره من سَبْعَة دَرَاهِم للرطل إِلَى عشرَة دَرَاهِم وَنصف وَقلت الألبان والأجبان وَالسمن وَبَلغت أثماناً لم نعهد مثله فِي زمن الرّبيع وَاتفقَ مَعَ هَذَا كُله الْمَوْت الذريع فِي الجاموس حَتَّى فني معظمه وَوَقع الفناء أَيْضا فِي الأبقار وَمَاتَتْ أَيْضا الأغنام وحمير وخيل عير كَثِيرَة الْعدَد. وَفِي سادس عشرينه: نُودي بِإِبْطَال الْمُعَامَلَة بِالدَّنَانِيرِ الأفرنتية وَأَن يتعامل النَّاس بِالدَّنَانِيرِ الأشرفية وزنة الدِّينَار مِنْهُ زنة الدِّينَار الأفرنتي وألزم النَّاس بِحمْل مَا عِنْدهم من الأفرنتية إِلَى دَار الضَّرْب حَتَّى تسبك وتعمل دَنَانِير أشرفية وخلع على شرف الدّين أبي الطِّبّ مُحَمَّد بن تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب بن نصر الله وَاسْتقر فِي نظر دَار الضَّرْب وَقد كَانَ بَاشر نظر وقف الْأَشْرَاف وَنظر كسْوَة الْكَعْبَة أحسن مُبَاشرَة بعفة وَأَمَانَة ونهضة. وَفِي نصف هَذَا الشَّهْر: ارْتَفع سعر الْقَمْح وَتجَاوز الأردب ثَلَاثمِائَة دِرْهَم وَقل وجود الدَّقِيق فِي الطواحين وَوُجُود الْخبز بالأسواق وشنع الْأَمر فِي تَاسِع عشرينه وازدحم النَّاس بالأفران فِي طلب الْخبز وتكالبوا على ابتياع الْقَمْح فشحت نفوس الْخزَّان بِهِ وأبيع الْقدح الفول بأَرْبعَة دَرَاهِم وَلِهَذَا أَسبَاب: أَحدهَا أَن الْبَدْر مَحْمُود العنتابي كَانَ أَيَّام حسبته يلين للباعة حَتَّى كَأَنَّهُ لَا حجر عَلَيْهِم فِيمَا يفعلوه وَلَا مَا يبيعوا بضائعهم بِهِ من الْأَثْمَان فَلَمَّا ولي الششماني أرهب الباعة وردعهم بِالضَّرْبِ المبرح فكادوه وَترك عدَّة مِنْهُم مَا كَانَ يعانيه من البيع وَاتفقَ فِي هَذِه الْأَيَّام هلك كثير من الجاموس وَالْبَقر بِحَيْثُ أَن رجلا كَانَ عِنْده مائَة وَخَمْسُونَ جاموسة فَهَلَكت بأجمعها وَلم يبْق مِنْهَا سوى أَربع جاموسات وَمَا نَدْرِي مَا يتَّفق لَهَا فَقلت الألبان والأجبان وَالسمن. ثمَّ هبت فِي نصف هَذَا الشَّهْر ريَاح مريسية وتوالت أَيَّامًا تزيد على عشرَة لم تستطع المراكب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 130 السّفر فِي النّيل فانكشف السَّاحِل من الْغلَّة وَجَاء الْخَبَر بغلاء الأسعار فِي بِلَاد غَزَّة والرملة ونابلس والساحل ودمشق وحوران وحماة حَتَّى تجَاوز سعر الأردب الْمصْرِيّ عِنْدهم ألف دِرْهَم فُلُوسًا إِذا عمل حسابه. وَقدم الْخَبَر بغلاء بِلَاد الصَّعِيد وَأَنَّهَا بأسرها لَا يكَاد يُوجد بهَا قَمح وَلَا خبز بر وَمَعَ هَذِه الرزايا كلهَا شح الْأَعْيَان وطمعهم فَإِن بعض أُمَرَاء الألوف لما بلغ الْقَمْح مِائَتَيْنِ وَخمسين درهما الأردب قَالَ: لَا أبيع قمحي إِلَّا بثلاثمائة دِرْهَم الأردب. وَمنع السُّلْطَان أَن يُبَاع من حواصله قَمح لقلَّة مَا عِنْده فَظن النَّاس الظنون وجاعت أنفسهم وقوى الْحِرْص وتزايد الشُّح فَأمْسك خزان الْقَمْح مَا عِنْدهم مِنْهُ ضناً بِهِ وأملوا أَن يبيعوا الْبر بالدر. هَذَا ومتولي الْحِسْبَة بعيد عَن مَعْرفَتهَا فآل الْأَمر إِلَى مَا قيل: تجمعت الْبلوى عَليّ وتحد فَرد. وَفِيه انحط سعر اللَّحْم من عشرَة دَرَاهِم وَنصف الرطل إِلَى ثَمَانِيَة وَنصف وَهُوَ هزيل لقلَّة علف شهر ربيع الأول أَوله الْجُمُعَة: أهل هَذَا الشَّهْر والأردب الْقَمْح بثلاثمائة سوى كلفه وهى مبلغ عشْرين درهما والدقيق كل بطة زنة خمسين رطلا بِمِائَة وَعشْرين درهما وهما قَلِيل وَقد خسر النَّاس فِي تفَاوت سعر الدِّينَار الأفرنتي وَالدِّينَار الأشرفي جملَة مَال فَإِن الأفرنتي كَانَ يصرف بمائتين وَخَمْسَة وَعشْرين درهما وَفِي علم السُّلْطَان أَنه إِنَّمَا يصرف بمائتين وَعشْرين ومشي النَّاس أَيْضا فِيمَا بَينهم نَقصه زنة قمحة فَلَمَّا نُودي أَن لَا يتعامل أحد بالأفرنتي وَضرب السُّلْطَان الدَّنَانِير الأشرفية وأنفقها فِي جوامك المماليك بالديوان الْمُفْرد كثرت فِي أَيدي النَّاس فَصَارَ من عِنْده شَيْء من الأفرنتية يحْتَاج أَن يتعوض بدله من الصيارفة دَنَانِير أشرفية فيخسر فِي كل دِينَار أفرنتي سَبْعَة دَرَاهِم وَنصف إِن كَانَ نَقصه قمحة وَمَا زَاد على القمحة فبحسابه فَتلفت أَمْوَال النَّاس بِسَبَب ذَلِك وربحت الصيارفة أرباحاً كَثِيرَة بِحَيْثُ أَخْبرنِي من لَا أتهم أَنه خسر فِي دَنَانِير أفرنتية خَمْسَة آلَاف دِرْهَم. وَفِي يَوْم السبت ثَانِيه: تيَسّر وجود الْخبز فِي الْأَسْوَاق. وَفِيه ابْتَدَأَ السُّلْطَان بِعَمَل خبز يفرق فِي الْفُقَرَاء كل يَوْم. وَفِي رَابِع عشره: نُودي أَن يقطع كل أحد مَا تَحت حانوته من الأَرْض وَيَرْمِي بالكيمان وان تصلح الطرقات فِي سَائِر أَزِقَّة الْقَاهِرَة ومصر وظواهرهما وَفِي جَمِيع الحارات والخطط وهدد من لم يفعل ذَلِك فشرع كل أحد - من جليل وحقير - فِي طلب الفعلة وَقطع الْأَرَاضِي وَطلب الحمارة لنقل الأتربة ورميها فجاءتهم كلف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 131 ومغارم مَعَ مَا هم فِيهِ من غلاء الأسعار والخسارة فِي الذَّهَب فلطف الله وَبَطل ذَلِك بعد يَوْمَيْنِ وَقد خسر فِيهِ من خسر جملَة. وَفِيه قدم الْأَمِير قصروه نَائِب طرابلس. وَفِي هَذَا الشَّهْر: ظهر رجلَانِ أبديا صنائع بديعة أَحدهمَا من مسلمة الفرنج الَّذين يتزيوا بزِي الأجناد فَإِنَّهُ نصب حبلاً أَعلَى مأذنة الْمدرسَة الناصرية حسن بسوق الْخَيل تَحت قلعة الْجَبَل ومده حَتَّى ربطه بِأَعْلَى الأشرفية من قلعة الْجَبَل ومسافة ذَلِك رمية سهم أَو أَزِيد فِي ارْتِفَاع مَا ينيف على مائَة ذِرَاع فِي السَّمَاء ثمَّ إِنَّه برز من رَأس المأذنة وَمَشى على هَذَا الْحَبل حَتَّى وصل إِلَى الأشرفية وَهُوَ يُبْدِي فِي مَشْيه أنواعاً من اللّعب وَقد جلس السُّلْطَان لرُؤْيَته وَحشر النَّاس من أقطار الْمَدِينَة فعد فعله من النَّوَادِر الَّتِي لَو لم تشاهد لما صدقت ثمَّ خلع عَلَيْهِ السُّلْطَان وَبَعثه إِلَى الْأُمَرَاء فَمَا مِنْهُم إِلَّا أنعم عَلَيْهِ فَانْتدبَ بعد ذَلِك بِقَلِيل شَاب من أهل الْبَلَد لمحاكاة الْمَذْكُور فِي فعله وَنصب حبلاً عِنْده فِي دَاره وَمَشى عَلَيْهِ فَلَمَّا علم من نَفسه الْقُدْرَة على ذَلِك صعد إِلَى رَأس نَخْلَة وَمد مِنْهَا حبلاً إِلَى نَخْلَة أُخْرَى وَمَشى عَلَيْهِ فأقدم عِنْد ذَلِك وَأظْهر نَفسه وَنصب حبلاً من رَأس مأذنة الْمدرسَة الظَّاهِرِيَّة برقوق إِلَى رَأس مأذنة الْمدرسَة المنصورية بَين القصرين بِالْقَاهِرَةِ وأرخي من وسط هَذَا الْحَبل الممتد حبلاً وواعد النَّاس حَتَّى ينْظرُوا مَا يَفْعَله مِمَّا لم يقدر ذَلِك الرجل على فعله فَجَاءُوا من كل جِهَة وَخرج من رَأس المأذنة الْمدرسَة الظَّاهِرِيَّة وَمَشى قَائِما على قَدَمَيْهِ وقامته منتصبة حَتَّى وصل رَأس مأذنة الْمدرسَة المنصورية ومسافة مَا بَينهمَا نَحْو الْمِائَة ذِرَاع فِي ارْتِفَاع أَكثر من ذَلِك ثمَّ إِنَّه نَام على الْحَبل وتمدد ثمَّ قَامَ وَمَشى حَتَّى وقف على الْحَبل الَّذِي أرخاه فِي وسط الْحَبل الَّذِي هُوَ قَائِم عَلَيْهِ وَنزل فِيهِ إِلَى آخِره ثمَّ صعد فِيهِ وَهُوَ يُبْدِي فِي أثْنَاء ذَلِك فنوناً تذهل رؤيتها لَوْلَا ضَرُورَة الْحس لما صدقت وتلاشى بِمَا فعله فعل ذَلِك الرجل ثمَّ إِنَّه نصب حبلاً من مأذنة حسن إِلَى الأشرفية بالقلعة كَمَا نصب الرجل الأول وَجلسَ السُّلْطَان لمشاهدته وَأَقْبل النَّاس فِي يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع عشرينه وَقد هبت ريَاح كَادَت تقتلع الْأَشْجَار وتلقي الدّور فَخرج هَذَا الشَّاب وَتلك الرِّيَاح فِي شدَّة هبوبها فَمشى على قَدَمَيْهِ حَتَّى وصل إِلَى حَبل قد أرخاه فِي الْوسط وأدلى رَأسه وَنزل فِيهِ منكوساً رَأسه أَسْفَل وَرجلَاهُ أَعْلَاهُ إِلَى آخِره ثمَّ صعد على الْحَبل الممتد وَمَشى قَائِما عَلَيْهِ حَتَّى وصل إِلَى قبَّة الْمدرسَة فَنزل من الْحَبل وَصعد الْقبَّة وَهُوَ يجْرِي فِي صُعُوده جَريا قَوِيا فَوق شكل كرْسِي من رصاص أملس حَتَّى وقف بِأَعْلَاهَا والرياح عماله فِي طول ذَلِك بِحَيْثُ لَا يثبت لَهَا طير السَّمَاء وَلَا يقدر على الْمُرُور لشدَّة هبوبها وَهَذَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 132 الشَّاب يروح وَيَجِيء شاقاً لَهَا وماراً فِيهَا كَأَنَّمَا خلق من الرّيح فَكَانَ شَيْئا عجبا لَا سِيمَا وَلم يتَقَدَّم لَهُ إدمان فِي ذَلِك وَلَا دربه فِيهِ معلم وَإِنَّمَا تاقت إِلَيْهِ نَفسه فامتحنها فَإِذا هِيَ متأتية لَهُ فِيمَا أَرَادَ فبرز وَأبْدى مَا يعجز عَنهُ سواهُ. وَمن نصف هَذَا الشَّهْر: انحل سعر الشّعير حَتَّى أبيع الأردب بِدِينَار أشرفي وانحل سعر الفول حَتَّى أبيع الأردب بثلاثمائة دِرْهَم بعد مَا بلغ أَرْبَعمِائَة وَوجد الْقَمْح وَكثر وَللَّه الْحَمد. وَفِيه قدم الْأَمِير أرنبغا المتوجه فِي الْبَحْر إِلَى مَكَّة وَكَانَ مَعَه هَدِيَّة لصَاحب الْيمن فَمضى بهَا فِي الْبَحْر من جدة وَمَعَهُ شخص يُقَال لَهُ ألطنبغا فرنجي - ولي دمياط مرَارًا - ومعهما من المماليك السُّلْطَانِيَّة خَمْسُونَ نَفرا وَقد حسن للسُّلْطَان شخص أَخا الْيمن بِهَذِهِ الْعدة فَتَأَخر فرنجي فِي مركب على سَاحل حلي بني يَعْقُوب بالمماليك وَتوجه أرنبغا وَمَعَهُ مِنْهُم خَمْسَة نفر بالهدية وَالْكتاب وَهُوَ يتَضَمَّن طلب مَال للإعانة على جِهَاد الفرنج فَأخذ متملك الْيمن فِي تجهيز الْهَدِيَّة فَأَتَاهُ الْخَبَر بِأَن فرنجي نهب بعض الضّيَاع وَقتل أَرْبَعَة رجال فَأنْكر صَاحب الْيمن أَمرهم وتنبه لَهُم وَقَالَ لأرنبغا: مَا هَذَا خبر خير فَإِن الْعَادة أَن يقدم فِي الرسَالَة وَاحِد فقدمتم فِي خمسين رجلا ويحضر إِلَيّ مِنْكُم إِلَّا أَنْت فِي خَمْسَة نفر وَتَأَخر باقيكم وَقتلُوا من رجالي أَرْبَعَة وطرده عَنهُ من غير أَن يُجهز هَدِيَّة وَلَا وَصله بِشَيْء فنجا وَمن مَعَه بِأَنْفسِهِم وعادوا جَمِيعًا إِلَى مَكَّة وَقدم أرنبغا مخفاً. شهر ربيع الآخر أول السبت: فِيهِ توجه الْأَمِير قصروه عَائِدًا إِلَى طرابلس على نيابته بهَا. وَفِي ثامنه: خلع على الْأَمِير يشبك الساقي الْأَعْرَج وَاسْتقر أَمِير سلَاح بعد موت أينال النوروزي. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء حادي عشره: نصب تَاجر عجمي حبلاً فِيمَا بَين مأذنتي مدرسة حسن ليفعل كَمَا فعل من تقدم ذكرهمَا وَخرج من أَعلَى أحديهما وَمَشى على الْحَبل عدَّة خطوَات ثمَّ عَاد من حَيْثُ ابْتَدَأَ وَمَشى ثَانِيًا على قَدَمَيْهِ إِلَى آخِره وَأبْدى عجائب مِنْهَا أَنه جلس على الْحَبل وأرخى رجلَيْهِ وَتَنَاول وَهُوَ كَذَلِك قوساً كَانَت على كتفه وَأخرج من كِنَانَته سَهْمَيْنِ رمى بهما وَاحِد بعد آخر ثمَّ قَامَ وَدخل وَهُوَ قَائِم على الْحَبل فِي طارة كَانَت مَعَه وَخرج مِنْهَا وَكرر دُخُوله فِيهَا وَخُرُوجه مِنْهَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 133 مرَارًا فَتَارَة يدْخل رجلَيْهِ قبل إِدْخَاله يَدَيْهِ وَتارَة يدْخل يَدَيْهِ قبل رجلَيْهِ ثمَّ ينزل من الْحَبل الْمَمْدُود فِي حَبل قد أرخاه وَهُوَ حَال نُزُوله يتقلب بَطنا لظهر وظهراً لبطن حَتَّى نزل إِلَى أَسْفَله وَرَأسه منكوسة نَحْو الأَرْض وقامته ممتدة بِحَيْثُ صَارَت قدماه توازي السَّمَاء وَرمى وَهُوَ منكوس بِالْقَوْسِ ثَلَاثَة سِهَام وَاحِدًا بعد وَاحِد ثمَّ صعد من أَسْفَل الْحَبل المرخاة حَتَّى قَامَ على قَدَمَيْهِ فَوق الْحَبل الْمَمْدُود ثمَّ ألْقى نَفسه وَهُوَ قَائِم إِلَى جِهَة الأَرْض فَإِذا هُوَ قد تعلق بإبهامي قَدَمَيْهِ وَصَارَ رَأسه منكوساً ثمَّ انْقَلب وَهُوَ منكوس فَصَارَ رَأسه على الْحَبل الْمَمْدُود وَرجلَاهُ إِلَى السَّمَاء ثمَّ انْقَلب فَصَارَت قدماه على الْحَبل وَهُوَ قَائِم فَوْقه ثمَّ رفع إِحْدَى رجلَيْهِ ووقف فَوق الْحَبل على رجل وَاحِدَة وَهُوَ يرفع تِلْكَ الرجل حَتَّى ألصقها بفمه ثمَّ أرخاها ووقف عَلَيْهَا وَرفع الرجل الْأُخْرَى الَّتِي كَانَ قَائِما عَلَيْهَا حَتَّى ألصقها بفمه ثمَّ أرخاها ووقف على قَدَمَيْهِ منتصب الْقَامَة وخر سَاجِدا على الْحَبل حَتَّى صَار فَمه عَلَيْهِ يُشِير أَنه يقبل الأَرْض بن يَدي السُّلْطَان وَهُوَ مستقبله فأنست أَفعاله من تقدمه. وَفِي خَامِس عشرينه: اسْتَقر كَمَال الدّين مُحَمَّد بن همام الدّين مُحَمَّد السيواسي الْحَنَفِيّ فِي مشيخة التصوف وتدريس الْجَامِع الأشرفي عوضا عَن عَلَاء الدّين عَليّ الرُّومِي وَقد عزم على عودته إِلَى بِلَاده. وَلم يكن بالمشكور فِي علمه وَلَا عقله. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشرينه: خلع على بدر الدّين مَحْمُود العينتابي وَاسْتقر قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة عوضا عَن زين الدّين عبد الرَّحْمَن التفهني. وخلع على التفهني وَاسْتقر فِي مشيخة خانكاه شيخو بعد وَفَاة سراج الدّين عمر قَارِئ الْهِدَايَة. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة: أركب السُّلْطَان كثيرا من مماليكه ونزلوا فِي عدَّة من الْأُمَرَاء إِلَى الْقَاهِرَة متقلدي سيوفهم حَتَّى طرقوا الجودرية - إِحْدَى الحارات - وَأَحَاطُوا بهَا من جَمِيع جهاتها وفتشوا دورها وَقد وشى للسُّلْطَان بِأَن جَانِبك الصُّوفِي فِي دَار بهَا فَلم يعثروا عَلَيْهِ وَقبض على فَخر الدّين بن المرزوق وَضرب بالمقارع وَنفي لتَعلق بَينه وَبَين جَانِبك الصُّوفِي من جِهَة الْمُصَاهَرَة وَنُودِيَ من الْغَد بِأَن لَا يسكن أحد بالجودرية فأخليت عدَّة دور بهَا واستمرت زَمَانا خَالِيَة فَكَانَت حَادِثَة شنعة. وَفِي سلخه: قدم المماليك الَّذين كَانُوا مجردين بِمَكَّة. وَفِي هدا الشَّهْر: ارْتَفع سعر الغلال بعد انحطاطها وَبلغ الأردب الْقَمْح بِبِلَاد الصَّعِيد أَرْبَعَة دَنَانِير. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 134 وَفِيه تحارب الفرنج القطرانيون والبنادقة فِي ميناء الْإسْكَنْدَريَّة فغلب القطرانيون وَأخذُوا مركب البنادقة بِمَا فِيهِ بعد مَا قتل بَينهم جمَاعَة ثمَّ أَسرُّوا طَائِفَة من الْمُسلمين كَانُوا بالميناء ومضوا فِي الْبَحْر. شهر جُمَادَى الأولى أَوله الِاثْنَيْنِ: فِي سَابِع عشرينه: قدم رَسُول صَاحب اسطنبول - وَهِي القسطنطنية - بهدية وشفع فِي أهل وَفِي هَذَا الشَّهْر: ارْتَفع سعر الْقَمْح حَتَّى بلغ دينارين الأردب ثمَّ انحط فِي آخِره إِلَى دِينَار وانحطت البطة الدَّقِيق من مائَة وَخمسين درهما إِلَى ثَمَانِينَ درهما لِكَثْرَة وجود الْقَمْح. وَفِيه تبرع قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أَحْمد بن حجر. مِمَّا لَهُ من الْمَعْلُوم الْمُقَرّر على الْقَضَاء فِي أنظار الْأَوْقَاف وَنَحْوهَا لمُدَّة سنة فجبيت للسُّلْطَان وباشر بِغَيْر مَعْلُوم. شهر جُمَادَى الْآخِرَة أَوله الْأَرْبَعَاء: فِي ثَالِث عشره: قدم من عَسْكَر الشَّام عدَّة وَمن طوائف العشير جمَاعَة ليسيروا للْجِهَاد فأنزلوا بالميدان الْكَبِير. وَفِيه خلع على عز الدّين عبد الْعَزِيز بن عَليّ بن الْعِزّ الْبَغْدَادِيّ الْحَنْبَلِيّ الَّذِي ولي قَضَاء الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق فِي الْأَيَّام المؤيدية وَاسْتقر قَاضِي قُضَاة الْحَنَابِلَة عوضا عَن محب الدّين أَحْمد بن نصر الله الْبَغْدَادِيّ بعد عَزله وَقد شنعت فِيهِ القالة لسوء سيرة أَخِيه وَابْنه. وَفِي ثَالِث عشرينه: جلس السُّلْطَان لعرض الْمُجَاهدين بالحوش من القلعة وَأنْفق فيهم فَكَانَ يَوْمًا جميلاً. شهر رَجَب أَوله الْخَمِيس: فِيهِ أدير محمل بِالْقَاهِرَةِ ومصر على الْعَادة فِي كل سنة وَعجل عَن وقته لتوجه الْمُجَاهدين للغزو. وَفِيه خلع على عبد الْعَظِيم بن صَدَقَة كَاتب إِبْرَاهِيم البرددار وَاسْتقر فِي نظر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 135 الدِّيوَان الْمُفْرد وَكَانَ قد شعر عَن الْوَزير كريم الدّين ابْن كَاتب المناخ من حِين ولي الْأَمِير زين الدّين عبد الْقَادِر أستادار وَعبد الْعَظِيم من مسلمة النَّصَارَى الَّذين يفسدون فِي الأَرْض وَلَا يصلحون. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِيه: سَار أَرْبَعَة أُمَرَاء إِلَى الْجِهَاد وهم تغري بردي المحمودي رَأس نوبَة وَقد جعل مقدم عَسْكَر الْبر والأمير أينال الجكمي أَمِير مجْلِس وَجعل مقدم عَسْكَر الْبَحْر والأمير تغري برمش والأمير مُرَاد خجا وتبعهم الْمُجَاهدين وتوجهوا فِي النّيل أَرْسَالًا حَتَّى كَانَ أخرهم سفرا فِي يَوْم السبت حادي عشره. وَفِي يَوْم الْخَمِيس عشره: نُودي بِمَنْع النَّاس من الْمُعَامَلَة بِالدَّنَانِيرِ الأفرنتية وَأَن تقص ويحضر بهَا مقصوصة إِلَى دَار الضَّرْب حَتَّى تسبك وهدد من خَالف ذَلِك وَكَانَ الْعَامَّة بعد النداء الأول قد تعاملوا بهَا كَمَا هِيَ عَادَتهم فِي الْمُخَالفَة لقلَّة ثبات الْوُلَاة على مَا يرسم بِهِ. وَفِي ثامن عشرينه: قدم الْخَبَر بِأَن الْغُزَاة مروا فِي سيرهم إِلَى رشيد وأقلعوا من هُنَاكَ يَوْم السبت رَابِع عشرينه وَسَارُوا إِلَى أَن كَانَ يَوْم الِاثْنَيْنِ سادس عشرينه انْكَسَرَ مِنْهُم أَرْبَعَة مراكب غرق فِيهَا نَحْو الْعشْرَة أنفس فانزعج السُّلْطَان لذَلِك وهم بِإِبْطَال الْغُزَاة ثمَّ بعث فِي يَوْم الْجُمُعَة آخِره الْأَمِير جرباش قاشق حَاجِب الْحجاب لكشف خبرهم وَالْعَمَل فِي مَسِيرهمْ أَو عودهم بِمَا شهر شعْبَان أَوله الْجُمُعَة: فِي خامسه: قدم الْخَبَر بِأَن طَائِفَة من الْغُزَاة لما سَارُوا من رشيد إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وجدوا فِي الْبَحْر أَربع قطع بهَا الفرنج وَهِي قاصدة نَحْو الثغر فَكَتَبُوا لمن فِي رشيد من بَقِيَّتهمْ بِسُرْعَة لحاقهم وتراموا هم والفرنج يومهم وَبَاتُوا يتحارسون واقتتلوا من الْغَد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 136 فَمَا هُوَ إِلَّا أَن قدمت بَقِيَّة الْغُزَاة من رشيد ولي الفرنج الأدبار بعد مَا اسْتشْهد من الْمُسلمين عشرَة. وَفِي رَابِع عشره: جَاءَ قاع النّيل أَرْبَعَة أَذْرع وَسَبْعَة أَصَابِع وابتدئ بالنداء بِزِيَادَة النّيل فِي يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشره خَمْسَة أَصَابِع. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء عشرينه: أقلع الْغُزَاة من ميناء الْإسْكَنْدَريَّة طَالِبين قبرس أَيّدهُم الله على أعدائه بنصره. شهر رَمَضَان أَوله الْأَحَد: فِي سابعه: قدم الْخَبَر بوصول الْغُزَاة فِي أخريات شعْبَان إِلَى قلعة اللمسون وَأَن صَاحب جَزِيرَة قبرس قد استعد وَأقَام بِمَدِينَة الأفقسية وعزم على اللِّقَاء. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشره: أنعم بإقطاع الْأَمِير الْكَبِير قجق على الْأَمِير يشبك الساقي الْأَعْرَج أَمِير سلَاح وأنعم بتقديمه قرقماس وإقطاعه على الْأَمِير بردبك أَمِير أخور وأنعم بطبلخاناه بردبك وَفِي رَابِع عشره: خلع على الْأَمِير يشبك الساقي وَاسْتقر أَمِيرا كَبِيرا أتابك العساكر عوضا عَن الْأَمِير قجق بعد مَوته. وَفِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشره - الْمُوَافق لَهُ أول يَوْم من مسرى -: كَانَ النّيل على ثَلَاث عشر ذِرَاعا وَأَرْبَعَة أَصَابِع وَهَذَا الْمِقْدَار مِمَّا ينْدر وُقُوعه فِي أول مسرى لكثرته. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث عشرينه: قدم الْخَبَر فِي النّيل بِأخذ جَزِيرَة قبرس وَأسر ملكهَا. وَكَانَ من خبر ذَلِك أَن الْغُزَاة نازلوا قلعة اللمسون حَتَّى أخذوها عنْوَة فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع عشْرين شعْبَان وهدموها وَقتلُوا كثيرا من الفرنج وغنموا. ثمَّ سَارُوا بعد إقامتهم عَلَيْهَا سِتَّة أَيَّام فِي يَوْم الْأَحَد أول شهر رَمَضَان وَقد صَارُوا فرْقَتَيْن فرقة فِي الْبر وَفرْقَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 137 فِي الْبَحْر حَتَّى كَانُوا فِيمَا بَين اللمسون والملاحة إِذا هم بجينوس بن جاك متملك قبرس قد أقبل فِي جموعه فَكَانَت بَينه وَبَين الْمُسلمين حَرْب شَدِيدَة انجلت عَن وُقُوعه فِي الْأسر بِأَمْر من عِنْد الله يتعجب مِنْهُ لِكَثْرَة من مَعَه وقوتهم وَقلة من لقِيه وَوَقع فِي الْأسر عدَّة من فرسانه فَأكْثر الْمُسلمُونَ من الْقَتْل والأسر وَانْهَزَمَ بَقِيَّة الفرنج وَوجد مَعَهم طَائِفَة من التركمان قد أمدهم بهم عَليّ بك بن قرمان فَقتل كثير مِنْهُم وَاجْتمعَ عَسَاكِر الْبر وَالْبَحْر من الْمُسلمين فِي الملاحة فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِيه وَقد تسلم ملك قبرس الْأَمِير تغري بردي المحمودي وَكَثُرت الْغَنَائِم بأيدي الْغُزَاة ثمَّ سَارُوا من الملاحة يَوْم الْخَمِيس خامسه يُرِيدُونَ الأفقسية مَدِينَة الجزيرة وَدَار مملكتها فَأَتَاهُم الْخَبَر فِي مَسِيرهمْ أَن أَرْبَعَة عشر مركبا للفرنج قد أَتَت لقتالهم مِنْهَا سَبْعَة أغربة وَسَبْعَة مربعة القلاع فَأَقْبَلُوا نَحْوهَا وغنموا مِنْهَا مركبا مربعًا وَقتلُوا عدَّة كَثِيرَة من الفرنج حَتَّى لقد أَخْبرنِي من لَا أتهم من الْغُزَاة أَنه عد فِي الْموضع الَّذِي كَانَ فِيهِ ألفا وَخَمْسمِائة قَتِيل وَانْهَزَمَ بَقِيَّتهمْ وَتوجه الْغُزَاة إِلَى الأفقسية وهم يقتلُون وَيَأْسِرُونَ ويغنمون حَتَّى دخلوها فَأخذُوا قصر الْملك ونهبوا جانباً من الْمَدِينَة وعادوا إِلَى الملاحة بعد إقامتهم بالأفقسية يَوْمَيْنِ وَلَيْلَة. فأراحوا بالملاحة سَبْعَة أَيَّام وهم يُقِيمُونَ شَعَائِر الْإِسْلَام ثمَّ ركبُوا الْبَحْر عائدين بالأسرى وَالْغنيمَة فِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشره وَقد بعث أهل الماغوصة يطْلبُونَ الْأمان. وَلما قدم هَذَا الْخَبَر دقَّتْ البشائر بقلعة الْجَبَل وَنُودِيَ بزينة الْقَاهِرَة ومصر فزينتا وَقُرِئَ الْكتاب الْوَارِد على النَّاس بالجامع الأشرفي وَندب جمَاعَة من المماليك فَسَارُوا فِي النّيل لحفظ مراكب الْغُزَاة والمسير بهَا من دمياط وَقد قدمت بالغزاة وَمَا مَعَهم حَتَّى يوقفوها بميناء الْإسْكَنْدَريَّة. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع عشرينه: قدم الشريف بَرَكَات بن حسن بن عجلَان من مَكَّة وَقد استدعى بعد موت أَبِيه فَخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر فِي إمرة مَكَّة على أَن يقوم بِمَا تَأَخّر على أَبِيه وَهُوَ مبلغ خَمْسَة وَعشْرين ألف دِينَار فَإِنَّهُ كَانَ قد حمل قبل مَوته من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 138 الثَّلَاثِينَ الْألف الَّتِي الْتزم بهَا مبلغ خَمْسَة آلَاف دِينَار وألزم بَرَكَات أَيْضا بِحمْل عشرَة آلَاف دِينَار فِي كل سنة وَأَن لَا يتَعَرَّض لما يُؤْخَذ بجدة من عشور بضائع التُّجَّار الْوَاصِلَة من الْهِنْد وَغَيره. شهر شَوَّال أَوله الِاثْنَيْنِ: فِيهِ ابْتَدَأَ عبور الْغُزَاة فَقدم عدَّة مِنْهُم فِي الْبر وَفِي النّيل. وَفِي يَوْم الْخَمِيس رابعه - الْمُوَافق لَهُ الْيَوْم الْخَامِس عشر من مسرى -: كَانَ وَفَاء النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا فَفتح الخليج على الْعَادة. وَفِي يَوْم الْأَحَد سابعه: قدم الْأَمِير تغري بردي المحمودي والأمير أينال الجكمي - مقدما الْغُزَاة الْمُجَاهدين - بِمن مَعَهُمَا من الْعَسْكَر وصحبتهم جينوس بن جاك متملك قبرس وَعَاد وَمن أسروه وسبوه من الفرنج وَمَا غنموه. وجميعهم فِي مراكبهم الَّتِي غزوا قبرس فِيهَا فَمروا على سَاحل بولاق حَتَّى نزلُوا بالميدان الْكَبِير فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً لم ندرك مثله. وَأَصْبحُوا يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامنه سائرين بِملك قبرس والأسرى والغنائم وَقد اجْتمع لرؤيتهم من الرِّجَال وَالنِّسَاء خلائق لَا يُحْصى عَددهَا إِلَّا الله الَّذِي خلقهَا فَمروا من الميدان على ظهر أَرض اللوق حَتَّى خَرجُوا من الْمُقَدّس وعبروا من بَاب القنطرة إِلَى بَين القصرين وشقوا قَصَبَة الْقَاهِرَة إِلَى بَاب زويلة ومضوا إِلَى صليبة جَامع ابْن طولون وَأَقْبلُوا من سويقة منعم إِلَى الرميلة تَحت القلعة وطلعوا إِلَيْهَا من بَاب المدرج وَكَانُوا فِي مَسِيرهمْ هَذَا الَّذِي لَا يبعد أَن يُقَارب الْبَرِيد قد قدمُوا الفرسان من الْغُزَاة الْمُجَاهدين فِي سَبِيل الله أَمَام الْجَمِيع وَمن وَرَاء الفرسان طوائف الرجالة - من عشران الْبِلَاد الشامية وزعر الْقَاهِرَة ومطوعة الْبِلَاد - وَمن وَرَاء الرجالة الْغَنَائِم مَحْمُولَة على رُءُوس الرِّجَال وَظُهُور الْجمال وَالْبِغَال وَالْحمير وفيهَا تَاج الْملك وأعلامه ورايته منكسة وخيله تقاد وَمن وَرَاء الْغَنَائِم الأسرى من الرِّجَال والسبي من النِّسَاء وَالصبيان وهم زِيَادَة على ألف إِنْسَان وَمن وَرَاء الأسرى جينوس بن جاك الْملك وَقد أركب بعلاً وَقيد بِقَيْد من حَدِيد وأركب مَعَه اثْنَان من خاصته وَركب الأميران تغري بردي وأينال الجكمي عَن يَمِين جينوس بن جاك وشماله حَتَّى وصلا بِهِ بَاب القلعة أنزلاه عَن الْبَغْل فكشف رَأسه وخر على وَجهه إِلَى الأَرْض فقبلها ثمَّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 139 انتصب قَائِما وَدخل يرسف فِي قيوده حَتَّى مثل بَين يَدي السُّلْطَان قَائِما وَقد جلس السُّلْطَان بالمقعد وَفِي خدمته أهل الدولة من الْأُمَرَاء والمماليك والمباشرين وَحضر الشريف بَرَكَات بن عجلَان أَمِير مَكَّة ورسل ابْن عُثْمَان ملك الرّوم ورسل صَاحب تونس ورسل أُمَرَاء التركمان ورسل عذراء أَمِير الغرب ومماليك نواب الْبِلَاد الشامية فعرضت الْغَنَائِم ثمَّ الأسرى ثمَّ جِيءَ بجينوس فِي قيوده مَكْشُوف الرَّأْس فَخر على وَجهه يعفره فِي التُّرَاب وَيقبل الأَرْض ثمَّ قَامَ وَقد خارت قواه فَلم يَتَمَالَك نَفسه لهول مَا عاينه وَسقط مغشياً عَلَيْهِ ثمَّ أَفَاق من غشوته فَأمر بِهِ إِلَى منزل قد أعد لَهُ بالحوش من القلعة فَكَانَ يَوْمًا عَظِيما لم ندرك مثله أعز الله تَعَالَى فِيهِ دينه. وَفِيه نُودي بهدم الزِّينَة فهدمت وخلع على الْأُمَرَاء الْأَرْبَعَة القادمين من الْغُزَاة وأركبوا خيولا بقماش ذهب. وَفِي تاسعه: جمع التُّجَّار لشراء مَا حضر من الْغَنِيمَة وَهِي ثِيَاب وقماش وأثاث وأواني. وَأما جينوس فَإِنَّهُ لما اسْتَقر فِي منزله أَتَتْهُ قصاد السُّلْطَان لطلب المَال فأظهر جلدا وَقَالَ: مَا لي إِلَّا روحي وَهِي بيدكم فَغَضب السُّلْطَان من جَوَابه وَبعث إِلَيْهِ من الْغَد يهدده أَن لم يفد نَفسه مِنْهُ بِالْمَالِ مُثبت على التجلد وَقَالَ: أَلا لعنة الله على وَاحِد من النَّصَارَى. فَأمر السُّلْطَان بإحضاره فَأخْرج إِلَى الحوش وَقد جعلت الأسرى فِيهِ فَمَا هُوَ إِلَّا أَن شاهدوا جينوس ملكهم قد أخرج أَسِيرًا ذليلاً صرخوا بأجمعهم صرخة مهولة وحثوا بأكفهم التُّرَاب على رُءُوسهم وَالسُّلْطَان قد جلس بالمقعد وأوقف جينوس حَيْثُ أوقف أمس من تَحت المقعد وَقد وقف مَعَه جمَاعَة من قناصلة الفرنج فالتزموا عَنهُ بفدائه بِالْمَالِ من غير تعْيين شَيْء وأعيد إِلَى منزله وَدخل إِلَيْهِ قصاد الْملك لتقرير المَال. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْأَرْبَعَاء عاشره: رسم لَهُ ببدلتين من قماشه ورتب لَهُ عشرُون رَطْل لحم وَسِتَّة أطيار دَجَاج فِي كل يَوْم وفسح لَهُ فِي الإجتماع بِمن يختاره وَطَالَ الْكَلَام فِيمَا يفْدي بِهِ نَفسه وَطلب مِنْهُ خَمْسمِائَة ألف دِينَار فتقرر الصُّلْح على مِائَتي ألف دِينَار يقوم مِنْهَا مائَة ألف دِينَار فَإِذا عَاد إِلَى ملكه بعث بِمِائَة ألف دِينَار وَيقوم فِي كل سنة بِعشْرين ألف دِينَار وَاشْترط على السُّلْطَان أَن يكف عَنهُ الطَّائِفَة البندقية وَطَائِفَة الكيتلان. وَفِي حادي عشره: سَار الشريف بَرَكَات بن حسن بن عجلَان عَائِدًا إِلَى مَكَّة أَمِيرا بهَا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 140 وَفِي خَامِس عشره: خلع على الْأَمِير أينال الجكمي أَمِير مجْلِس وَاسْتقر أَمِير سلَاح عوضا عَن الْأَمِير يشبك وَكَانَت شاغرة فِي هَذِه الْأَيَّام وخلع على الْأَمِير جرباش قاشق حَاجِب الْحجاب وَاسْتقر أَمِير مجْلِس وخلع على الْأَمِير قرقماس - الَّذِي كَانَ بِمَكَّة - وَاسْتقر حَاجِب الْحجاب. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء سادس عشره: قدم أَمِير الْمَلأ عذراء بن عَليّ بن نعير بن حيار بن مهنا فَأنْزل بالميدان الْكَبِير على عَادَة جده نعير وأجريت لَهُ الرَّوَاتِب وعذراء هَذَا أَقَامَهُ الظَّاهِر ططر بعد موت الْملك الْمُؤَيد شيخ عوضا عَن حَدِيثَة بن مَانع من آل فضل. وحديثة اسْتَقر بعد حُسَيْن بن نعير بن حيار بن مهنا وحسين اسْتَقر بعد قتل أَخِيه الْعجل ابْن نعير. والأمير الْمَلأ عدَّة سِنِين لم يقدم إِلَى مصر. وَفِي ثامن عشره: خلع على الشريف خشرم بن دوغان بن جَعْفَر الْحُسَيْنِي وَاسْتقر فِي إمرة الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة عوضا عَن الشريف عجلَان بن نعير بن مَنْصُور بن جماز بن شيحة على أَن يقوم بِخَمْسَة آلَاف دِينَار. وَفِي عشرينه: خرج محمل الْحَاج على الْعَادة إِلَى ظَاهر الْقَاهِرَة. وَفِي خَامِس عشرينه: توجه الْأَمِير عذراء عَائِدًا إِلَى بِلَاده على إمرة الْعَرَب بعد مَا خلع عَلَيْهِ. وَفِيه كَانَ نوروز القبط بِمصْر وَمَاء النّيل قد بلغ ثَمَانِيَة عشر ذِرَاعا وإصبعاً وَاحِدًا. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: تعطلت أسواق القماش من البيع عدَّة أَيَّام لاشتغال التُّجَّار بشرَاء الْغَنَائِم. وفيهَا قل وجود اللَّحْم بالأسواق لقلَّة الأغنام. شهر ذِي الْقعدَة أَوله الْأَرْبَعَاء: فِي نصفه: قدم نجم الدّين عمر بن حجي من دمشق بسعيه فِي ذَلِك وَكَانَ مُنْذُ أخرج بعد عَزله من كِتَابَة السِّرّ مُقيما بِدِمَشْق. وَفِي ثامن عشرينه - وَهُوَ رَابِع بَابه -: انْتَهَت زِيَادَة النّيل إِلَى عشْرين ذِرَاعا وَخَمْسَة أَصَابِع وَثَبت. وَفِي هَذَا الشَّهْر: انحط سعر الغلال. وَفِيه كثر تتبع الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء فِيمَا تَحت أَيْديهم من الْأَوْقَاف وَانْطَلَقت الألسن بقالة السوء فيهم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 141 وَفِيه وَقع بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة حَادث شنيع وَهُوَ أَن خشرم بن درغان قدم الْمَدِينَة وَقد رَحل عَنْهَا عجلَان لما بلغه أَنه عزل فَلم يلبث غير لَيْلَة حَتَّى صبحه عجلَان فِي جمع من العربان وحصره ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ دخل عربه الْمَدِينَة ونهبوا دورها وشعثوها وخربوا مَوَاضِع من سورها وَأخذُوا مَا كَانَ للحجاج الشاميين من ودائع وقبضوا على خشرم ثمَّ خلوه لسبيله واستهانوا بِحرْمَة الْمَسْجِد وارتكبوا عظائم. شهر ذِي الْحجَّة أَوله الْخَمِيس: وَفِي ثَانِي عشرينه: قدم الْأَمِير شارقطلوا نَائِب حلب خلع عَلَيْهِ وأتته تقادم الْأُمَرَاء. وَفِي هَذِه الْمدَّة انحط مَاء النّيل قَلِيلا بِحَيْثُ دخل شهر هتور فِي سادس عشرينه وَالْمَاء فِي تِسْعَة عشر ذِرَاعا. وَهَذَا ثبات جيد نَفعه إِن شَاءَ الله. وَفِيه قدم قَاضِي دمشق الشريف شهَاب الدّين أَحْمد بن عَليّ بن إِبْرَاهِيم الْحُسَيْنِي وَقدم مبشروا الْحَاج وأخبروا بسلامتهم. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: رسم السُّلْطَان بِمَنْع الْأُمَرَاء والأعيان من الحمايات ومحيت رنوكهم عَن الطواحين والحوانيت والمعاصر حَتَّى يتَمَكَّن مباشرو السُّلْطَان من رمي البضائع فرميت وَهِي مَا بَين سكر وأرز وَغير ذَلِك فَشَمَلَ الضَّرَر كثيرا من النَّاس لما فِي ذَلِك من الخسارة فِي أثمانها والمغرم وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر الشَّيْخ المعتقد خَليفَة بن المغربي فِي حادي عشْرين الْمحرم من غير تقدم مرض بل عبر إِلَى الْحمام فَأَتَاهُ أَجله هُنَاكَ وَكَانَ قد انْقَطع بالجامع الْأَزْهَر نيفاً وَأَرْبَعين سنة وَصَارَ للنَّاس فِيهِ اعْتِقَاد وَترك مَالا وأثاثاً لَهُ قدر. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين أينال النوروزي أَمِير سلَاح فِي أول شهر ربيع الآخر قد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 142 أناف على الثَّلَاثِينَ سنة فَوجدَ لَهُ من الذَّهَب خَمْسُونَ ألف دِينَار وَكَانَ ظَالِما فَاسِقًا لَا يُوصف بِشَيْء من الْخَيْر. وَمَات تَاج الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ - الْمَعْرُوف بِابْن المكلله وبابن جمَاعَة - فِي ثامن شهر ربيع الآخر وَقد ولي حسبَة الْقَاهِرَة فَلم ينجب وخمل حَتَّى مَاتَ. وَتُوفِّي الشَّيْخ سراج الدّين عمر بن عَليّ بن فَارس الْمَعْرُوف بقارئ الْهِدَايَة. وَقد انْتَهَت إِلَيْهِ رئاسة الْحَنَفِيَّة لمعرفته بالأصول والعربية ومشاركته فِي فنون عديدة بعد مَا تصدى للإفتاء والتدريس عدَّة سِنِين وَصَارَ لَهُ ثراء وسعة من كَثْرَة وظائفه. وَآخر مَا ولي مشيخة خانكاه شيخو وَكَانَ مقتصداً فِي ملبسه يتعاطى شِرَاء حَوَائِجه من الْأَسْوَاق بِنَفسِهِ مَعَ جميل سيرته. وَتُوفِّي الشريف حسن بن عجلَان بن رميثة بن أبي نمي مُحَمَّد بن أبي سعد حسن بن عَليّ بن قَتَادَة بن إِدْرِيس بن مطاعن بن عبد الْكَرِيم بن عِيسَى بن حُسَيْن بن سُلَيْمَان بن عَليّ بن عبد الله بن مُحَمَّد بن مُوسَى بن عبد الله بن الْحسن الْمثنى بن مُحَمَّد الْحسن السبط ابْن أَمِير الْمُؤمنِينَ أبي الْحسن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ فِي يَوْم الْخَمِيس سادس عشر جُمَادَى الْآخِرَة بِالْقَاهِرَةِ وَدفن خَارِجهَا وَقد أناف على السِّتين. ومولده ومرباته وَولي إمارتها فِي أَوَائِل سنة ثَمَان وَتِسْعين وَسَبْعمائة فحسنت سيرته ثمَّ كلفه السلاطين حمل المَال إِلَيْهِم فجار. وَولي سلطة الْحجاز كُله فِي شهر ربيع الأول سنه إِحْدَى عشرَة وَثَمَانمِائَة واستناب عَنهُ بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة وخطب لَهُ على منبرها وعارك خطوب الدَّهْر حَتَّى مضى لسبيله. وَالله يعْفُو عَنهُ بمنه. وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين أَبُو المحاسن يُوسُف بن خَالِد بن نعيم بن مقدم بن مُحَمَّد بن حسن بن غَانِم بن مُحَمَّد بن عَليّ الطَّائِي الْبِسَاطِيّ الْمَالِكِي فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة عَن ثَمَان وَثَمَانِينَ سنة وَهُوَ مَصْرُوف وَكَانَ فَقِيها مشاركاً فِي فنون وَفِيه سياسة ودربة بِالْقضَاءِ. وَتُوفِّي شمس الدّين مُحَمَّد بن جمال الدّين عبد الله بن مُحَمَّد - الْمَعْرُوف بِابْن كَاتب السمسرة وبالعمري - عَن نَحْو سبعين سنة فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء الْعشْرين من شعْبَان. وَقد كتب فِي الْإِنْشَاء وَمَات الْأَمِير الْكَبِير الأتابك سيف الدّين قجق الشَّعْبَانِي أحد المماليك الظَّاهِرِيَّة برقوق فِي تَاسِع شهر رَمَضَان وَكَانَ لَا معنى لَهُ فِي دين وَلَا دنيا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 143 وَمَات شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن مَكْنُون الشَّافِعِي قَاضِي دمياط لَيْلَة الْأَحَد ثَانِي عشْرين شهر رَمَضَان عَن سِتِّينَ سنة. وَقد قدم إِلَى الْقَاهِرَة. وَكَانَ فَاضلا يعرف الْفِقْه ويشارك فِي غَيره. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن عَطاء الله بن مُحَمَّد بن مَحْمُود بن أَحْمد بن فضل الله بن مُحَمَّد الرَّازِيّ الْهَرَوِيّ الشَّافِعِي بالقدس فِي ثامن عشر ذِي الْحجَّة. ومولده بهراة سبع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة. وَقد ولي قَضَاء الْقُضَاة وَكِتَابَة السِّرّ فَلم ينجب. وَكَانَ يقرئ مَذْهَب الشَّافِعِي وَمذهب أبي حنيفَة وَيعرف الْعَرَبيَّة وَعلم الْمعَانِي وَالْبَيَان ويذاكر بالأدب والتاريخ ويستحضر كثيرا من الْأَحَادِيث وَالنَّاس فِيهِ بَين عَال ومقصر وَأَرْجُو أَن يكون الصَّوَاب مَا ذكرته. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 144 (سنة ثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة) أهلت وسلطان الْإِسْلَام بِبِلَاد مصر وَالشَّام والحجاز الْملك الْأَشْرَف برسباي الدقماقي والأمير الْكَبِير أتابك العساكر سيف الدّين يشبك الساقي الْأَعْرَج وَرَأس نوبَة النوب الْأَمِير تغري بردي المحمودي وأمير سلَاح الْأَمِير أينال الجكمي وأمير مجْلِس الْأَمِير جرباش الكريمي وأمير أخور الْأَمِير جقمق والدوادار الْكَبِير الْأَمِير أزبك وحاجب الْحجاب الْأَمِير قرقماس وأستادار الْأَمِير زين الدّين عبد الْقَادِر بن الْأَمِير فَخر الدّين عبد الْغَنِيّ بن الْأَمِير الْوَزير تَاج الدّين عبد الرَّزَّاق بن أبي الْفرج والوزير الصاحب كريم الدّين عبد الْكَرِيم ابْن الصاحب تَاج الدّين عبد الرَّزَّاق بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن كَاتب المناخ وناظر الْخَاص كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن سعد الدّين بركَة الْمَعْرُوف بِابْن كَاتب جكم وَكَاتب السِّرّ بدر الدّين مُحَمَّد بن بدر الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن مزهر وناظر الْجَيْش زين الدّين عبد الباسط بن خَلِيل وقاضي الْقُضَاة الشَّافِعِي الْحَافِظ شهَاب الدّين أَحْمد بن حجر وقاضي الْقُضَاة الْحَنَفِيّ بدر الدّين مَحْمُود العنتابي وقاضي الْقُضَاة الْمَالِكِي شمس الدّين مُحَمَّد الْبِسَاطِيّ وقاضي الْقُضَاة الْحَنْبَلِيّ عز الدّين عبد الْعَزِيز الْبَغْدَادِيّ ونائب الشَّام الْأَمِير سودن من عبد الرَّحْمَن ونائب حلب شارقطلوا ونائب حماة الْأَمِير جلبان أَمِير أخور ونائب طرابلس الْأَمِير قصروه ونائب صفد الْأَمِير مقبل الدوادار وأمير مَكَّة الشريف بَرَكَات بن حسن بن عجلَان وأمير الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة الشريف خشرم بن دوغان بن جَعْفَر ونائب الْإسْكَنْدَريَّة الْأَمِير أقبغا التمرازي. والأسعار مُخْتَلفَة فالقمح من مائَة وَخمسين درهما الأردب إِلَى مَا دونهَا وَالشَّجر بِمِائَة دِرْهَم الأردب وَمَا دونهَا والفول بِمِائَة وَخمسين درهما الأردب وَقد كثر وجوده بعد مَا كَانَ قَلِيلا والحمص بِخَمْسِمِائَة دِرْهَم الأردب وَاللَّحم مُتَعَذر الْوُجُود فِي الأحيان فَإِن الْوَزير يمْنَع من الزِّيَادَة فِي سعره من أجل مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من راتب السُّلْطَان ومماليكه وَإِذا حضر معاملوا اللَّحْم أسواق الْغنم أخذُوا الأغنام كَيْفَمَا شَاءُوا وأحالوا أَرْبَابهَا بِالثّمن على جِهَات فيغبنوا فِيمَا يصل إِلَيْهِم من أَثمَان أغنامهم فَقل جلب الأغنام لأجل ذَلِك والأسواق كاسدة والجور فَاش وَقد كل النَّاس الْفَاقَة وعمت الشكاية وَلَا يزْدَاد النَّاس إِلَّا إعْرَاضًا عَن الله فَلَا جرم أَن حل بهم مَا حل وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه. شهر الْمحرم أَوله السبت: فِيهِ سَار الْأَمِير شارقطلوا إِلَى مح كفَالَته بحلب. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 145 وَفِي سادسه: أخرج الْأَمِير أزدمر شاية أحد الْأُمَرَاء الألوف إِلَى حلب على إمرة وَكَانَ من أقبح وَفِي يَوْم السبت ثامنه: خلع على نجم الدّين عمر بن حجي وأعيد إِلَى قَضَاء دمشق عوضا عَن الشريف شهَاب الدّين أَحْمد بعد مَا حمل عينا وَأهْدى أصنافاً بِنَحْوِ عشرَة آلَاف دِينَار فَلم يفد وعزل. وَفِي هَذَا الشَّهْر: منع الْأُمَرَاء وَنَحْوهم من حماية أحد على مباشري السُّلْطَان ورميت البضائع على جماعات فكثرت خسائرهم فِيهَا مَعَ الغرامة. وَفِيه أبيع بالإسكندرية فلفل للديوان على تجار الفرنج ثمَّ رسم بِزِيَادَة ثمنه عَلَيْهِم وَقد سافروا بِهِ فكلف قناصلتهم الْقيام عَنْهُم بذلك. وَفِيه قدم التُّجَّار الَّذين تبضعوا بِمَكَّة ليسافروا ببضائعهم إِلَى الشَّام فمنعوا من ذَلِك ألزموا بمجيئهم إِلَى مصر حَتَّى يُؤْخَذ مِنْهُم مكسها للخاص وَحَتَّى يُبَاع بِالشَّام متجر الدِّيوَان فَأَصَابَتْهُمْ بذلك بلايا عديدة. وَفِيه اشتدت مُطَالبَة أهل الْخراج بِمَا عَلَيْهِم من الْخراج والمغارم. وَفِيه حصل الْعَنَت على الذِّمَّة فِي إلزامهم بأَشْيَاء حرجة فَلم يتم ذَلِك لاخْتِلَاف الآراء. وَفِي سَابِع عشره: سَافر قَاضِي الْقُضَاة نجم الدّين عمر بن حجي بعد مَا خلع عَلَيْهِ خلعة السّفر. وَفِيه سَار أزدمر شاية إِلَى حَيْثُ نفي. وَقدم الركب الأول من الْغَد ثمَّ قدم الْمحمل فِي رَابِع عشرينه بِبَقِيَّة الْحَاج. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشرينه: توجه الشريف شهَاب الدّين أَحْمد عَائِدًا إِلَى دمشق بِغَيْر وَظِيفَة على أَن يقوم بِخَمْسَة آلَاف دِينَار سوى مَا حمل أَولا وآخراً وَهُوَ مبلغ سَبْعَة وَعشْرين ألف دِينَار وَجُمْلَة مَا حمله غَرِيمه نجم الدّين عمر بن حجي فِي تِلْكَ المدد سِتُّونَ ألف دِينَار وَهَذَا الشَّيْء لم نعهد مثله وَإِن هَذَا لمحض الْفساد وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه. وَفِي هَذَا الشَّهْر: حدثت زَلْزَلَة بِجَزِيرَة درحت الْمُجَاورَة الرَّمْز من الْبَحْرين فَخسفَ بِبَعْض إصطبل السُّلْطَان وبدار القَاضِي وانفرج جبل بِالْقربِ مِنْهُم فَروِيَ فِيمَا انفرج مِنْهُ فيران فِي قدر الْكلاب وَورد الْخَبَر بذلك إِلَى دمشق فِي كتاب من يوثق بِهِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 146 شهر صفر أَوله الْأَحَد: فِي سادسه: خلع على شمس الدّين مُحَمَّد بن عبد الدايم بن مُوسَى الْبرمَاوِيّ الشَّافِعِي وَاسْتقر فِي تدريس الصلاحية بالقدس عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد الْهَرَوِيّ وَكَانَ شاغراً مُنْذُ وَفَاته. وَهَذَا الْبرمَاوِيّ كَانَ أَبوهُ يتعيش بتعليم الصّبيان الْقِرَاءَة وَنَشَأ ابْنه هَذَا فِي طلب الْعلم فبرع فِي الْفِقْه وَالْأُصُول والنحو وَغير ذَلِك وَتعلق بِصُحْبَة الْجلَال مُحَمَّد ابْن قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن أبي الْبَقَاء وحاول أَن يكون من نواب الْقُضَاة فِي أَيَّام الْجلَال عبد الرَّحْمَن البُلْقِينِيّ فَأذن لَهُ فِي الحكم ثمَّ عَزله وطالت مدَّته فِي الخمول صَغِيرا وشاباً وكهلا فتحول إِلَى دمشق فَنَوَّهَ بِهِ نجم الدّين عمر بن حجي واستنابه واختص بِهِ فحسنت حَاله وتحول فِي النعم إِلَى أَن قدم مَعَ ابْن حجي وَولي كِتَابَة السِّرّ رفع من مِقْدَاره ورتب لَهُ مَا يقوم بِهِ فارتفع بَين النَّاس قدره حَتَّى اسْتَقر فِي الصلاحية. وَفِي سابعه: نُودي بِمَنْع النَّاس من الْمُعَامَلَة بِالدَّرَاهِمِ البندقية وَهِي فضَّة عَلَيْهَا شخوص من ضروب الفرنج تعامل النَّاس بهَا من سنة ثَمَان عشرَة وَثَمَانمِائَة وبالعدد وبالوزن ورسم بِحمْل مَا فِي أَيدي النَّاس مِنْهَا إِلَى دَار الضَّرْب لتسبك دَرَاهِم أشرفية عَلَيْهَا صَكَّة الْإِسْلَام فَجرى النَّاس على عَادَتهم فِي الْإِصْرَار والاستهانة بمراسيم الْحُكَّام وتعاملوا بهَا إِلَّا قَلِيلا مِنْهُم. وَفِي ثامنه: قدم الْأَمِير سودن من عبد الرَّحْمَن نَائِب الشَّام فَخلع عَلَيْهِ وَقدم للسُّلْطَان مبلغ خَمْسَة عشر ألف دِينَار أفرنتية وقماشاً وفرواً بِثَلَاثَة آلَاف دِينَار وَتوجه عَائِدًا إِلَى مَحل كفَالَته على عَادَته فِي ثَالِث عشرينه. وَفِيه قدم الطواشي افتخار الدّين ياقوت - مقدم المماليك - من مَكَّة بمبلغ ثَلَاثَة عشر ألف دِينَار مِمَّا ألزم بِهِ الشريف بَرَكَات بن حسن بن عجلَان وَكَانَ قد تَأَخّر بعد الْحَج بِمَكَّة حَتَّى وَفِي هَذِه الْأَيَّام: عز وجود اللَّحْم بالأسواق وفقد أَيَّامًا وَقل وجود اللَّبن والجبن وغلا سعر الْحَطب حَتَّى أبيع بمثلي ثمنه مُنْذُ شهر. هَذَا وَالْوَقْت شتاء والبهائم مرتبطة على الرّبيع وَعَادَة مصر فِي زمن ربيعها أَن يكثر وجود اللَّبن والجبن ويرخص ثمنهَا. غير أَن سيرة وُلَاة الْأُمُور وَقلة معرفتهم بِمَا ولوه وَفَسَاد الرّعية اقْتضى ذَلِك. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سلخه: جَاءَ جَراد سد الْأُفق لكثرته وانتشر إِلَى نَاحيَة طرا وَقد أضرّ بِبَعْض الزروع فَأرْسل الله عَلَيْهِ ريحًا مريسية ألقته فِي النّيل ومزقته حَتَّى هلك عَن آخِره وَللَّه الْحَمد. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 147 شهر ربيع الأول أَوله الثُّلَاثَاء: أهل والأمراض من النزلات والسعال والجدري فَاشِية فِي النَّاس بِحَيْثُ لَا يَخْلُو بَيت من عدَّة مرضى إِلَّا أَنَّهَا سليمَة الْعَاقِبَة فِي الْغَالِب يَزُول بعد أُسْبُوع. هَذَا وَالْوَقْت شتاء. وَقدم الْخَبَر بِكَثْرَة الوباء بِبِلَاد صفد. وَفِي لَيْلَة الْجُمُعَة رابعه: كَانَ المولد النَّبَوِيّ بِالْقصرِ عِنْد السُّلْطَان وَحضر الْأُمَرَاء والقضاة ومشايخ الْعلم ومباشروا الْعلم والدولة على الْعَادة فَكَانَ الَّذِي عمل فِي السماط عشرَة كباش ذبحت ثمَّ طبخ لَحمهَا وَمد بعد سماط الطَّعَام سماط الْحَلْوَى. وَفِي يَوْم السبت سادس عشرينه: أفرج عَن جينوس بن جاك متملك قبرس من سجنه بقلعة الْجَبَل وخلع عَلَيْهِ وأركب فرسا بقماش ذهب وَنزل إِلَى الْقَاهِرَة فِي موكب فَأَقَامَ فِي دَار أعدت لَهُ وَصَارَ يمر فِي الشوارع ويزور كنائس النَّصَارَى ومعابدهم ويمض فِي أَحْوَاله بِغَيْر حجر عَلَيْهِ وَقد أجْرى لَهُ راتب يقوم بِهِ وبمن مَعَه. وَفِي هَا الشَّهْر: كثرت الرِّيَاح الْعَاصِفَة فَقدم الْخَبَر بغرق ثَلَاثَة عشر مركبا فِي بَحر الْملح قد ملئت بِبَضَائِع من نَاحيَة صيدا وبيروت وَأَقْبَلت نَحْو دمياط. وَفِيه ألْقى الْبَحْر دَابَّة بشاطئ دمياط أَخْبرنِي من لَا أتهم أَنَّهَا ذرعت بِحُضُورِهِ فَكَانَ طولهَا خَمْسَة وَخمسين ذِرَاعا وعرضها سَبْعَة أَذْرع. شهر ربيع الآخر أَوله الْخَمِيس: فِيهِ قدم الْخَبَر بتشتت أهل الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة وانتزاحهم عَنْهَا لشدَّة الْخَوْف وضياع أَحْوَال الْمَسْجِد النَّبَوِيّ وَقلة الاهتمام بِإِقَامَة شَعَائِر الله فِيهِ مُنْذُ كَانَت كائنة الْمَدِينَة فرسم الْأَمِير بكتمر السَّعْدِيّ أحد أُمَرَاء العشرات إِلَى الْمَدِينَة فَأخذ فِي تجهيز حَاله. وَقدم الْخَبَر بتجمع التركمان وإفسادهم فِي المملكة الحلبية فرسم فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ عشرينه بتجريد ثَمَانِيَة أُمَرَاء مقدمي أُلُوف وعدة من أُمَرَاء الطبلخاناه والعشرات فَأخذُوا فِي أهبة السّفر ثمَّ بَطل ذَلِك. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 148 وَقدم الْخَبَر بِأَن صَاحب أغرناطة ومالقة والمرية ورندة ووادي آش وجبل الْفَتْح من الأندلس وَهُوَ أَبُو عبد الله مُحَمَّد الملقب بالأيسر ابْن السُّلْطَان أبي الْحجَّاج يُوسُف ابْن السُّلْطَان أبي عبد الله مُحَمَّد بن يُوسُف بن مُحَمَّد بن يُوسُف ابْن لشيخ السُّلْطَان أبي عبد الله مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن نصر الْأنْصَارِيّ الخزرجي الأرجوني الشهير بِابْن الْأَحْمَر خرج من غرناطة - دَار ملكه - يُرِيد النزهة فِي فحص غرناطة - يَعْنِي مرج غرناطة - فِي نَحْو مِائَتي فَارس فِي مستهل ربيع الآخر هَذَا وَكَانَ ابْن عَمه مُحَمَّد بن السُّلْطَان أبي الْحجَّاج يُوسُف مَحْبُوسًا فِي الْحَمْرَاء وَهِي قلعة أغرناطة فَخرج الْجَوَارِي السود إِلَى الحراس الموكلين بِهِ وَقَالُوا لَهُم: تَخْلُو عَن الدَّار حَتَّى تَأتي أم مولَايَ تزوره وتتفقد أَحْوَاله. فظنوا أَن الْأَمر كَذَلِك فَخلوا عَن الدَّار فَخرج فِي الْحَال شابان من أَوْلَاد صنايع أبي الْمَحْبُوس وأطلقوه من قَيده وأظهروه من الْحَبْس وَأَغْلقُوا أَبْوَاب الْحَمْرَاء وَذَلِكَ كُله لَيْلًا وضربوا الطبول والأبواق على عَادَتهم فبادر النَّاس إِلَيْهِم لَيْلًا وسألوا عَن الْخَبَر فَقيل لَهُم من الْحَمْرَاء: قد ملكنا السُّلْطَان أَبَا عبد الله مُحَمَّد ابْن السُّلْطَان فَأقبل أهل الْمَدِينَة وَأهل الأرباض فَبَايعُوهُ محبَّة فِيهِ وَفِي أَبِيه وَكرها فِي الْأَيْسَر فَمَا طلع النَّهَار حَتَّى استوسق لَهُ الْأَمر وَبلغ الْخَبَر إِلَى الْأَيْسَر فَلم يثبت وَتوجه نَحْو رندة وَقد فر عَنهُ من كَانَ مَعَه من جنده حَتَّى لم يبْق مَعَه مِنْهُم إِلَّا نَحْو الْأَرْبَعين. وَخرجت الْخَيل من غرناطة فِي طلبه فَمَنعه أهل رندة وأبوا أَن يسلموه وَكَتَبُوا إِلَى المنتصب بغرناطة فِي ذَلِك فآل الْأَمر إِلَى أَن ركب سَفِينِهِ وَسَار فِي الْبَحْر وَلَيْسَ مَعَه سوى أَرْبَعَة نفر. وَقدم تونس مترامياً على متملكها أبي فَارس عبد الْعَزِيز الحفصي وَبلغ ألفنش متملك قشتلة مَا تقدم ذكره فَجمع جُنُوده من الفرنج وَسَار يُرِيد أغرناطة فِي جع موفور فبرز إِلَيْهِ الْقَائِم الْمَذْكُور بغرناطة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 149 وحاربه فنصره الله على الفرنج وَقتل مِنْهُم خلقا كثيرا وغنم مَا يجل وَصفه. شهر جُمَادَى الأولى أَوله الْجُمُعَة: فِي سابعه: خلع على الْأَمِير جرباش قاشق أَمِير مجْلِس وَاسْتقر نَائِب طرابلس عوضا عَن الْأَمِير قصروه وَنقل قصروه إِلَى نِيَابَة حلب عوضا عَن الْأَمِير شارقطلوا. وَكتب بِحُضُور شارقطلوا. وَقدم رَسُول صَاحب رودس يسْأَل الْأمان وَأَن يعفي من تجهيز الْعَسْكَر إِلَيْهِ وَأَنه يقوم بِمَا يطْلب مِنْهُ فأركب فرسا وَفِي صَدره صَلِيب من ذهب وطلع القلعة وَقبل الأَرْض بَين يَدي السُّلْطَان وَأدّى رِسَالَة ثمَّ نزل إِلَى الْقَاهِرَة. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامن عشره: عملت الْخدمَة بدار الْعدْل من قلعة الْجَبَل وَجِيء برسل رودس فقدموا هَدِيَّة قومت بستمائة دِينَار وَقُرِئَ كِتَابهمْ. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع عشره: قدم ميخائيل بطركا لليعاقبة عوضا عَن غبريال. وَكَانَ ميخائيل شهر جُمَادَى الْآخِرَة أَوله الْأَحَد: فِي خامسه: خلع على ملك قبرس خلعة السّفر. وَفِي تاسعه: قدم جمال الدّين يُوسُف بن الصفي الكركي كَاتب السِّرّ بِدِمَشْق معزولاً. وَفِي عاشره: قبض على الْأَمِير تغري بردي المحمودي رَأس نوبَة وَأخرج مُقَيّدا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة ليسجن بهَا فاتفق أَمر عريب وَهُوَ أَن رجلا من مباشريه لما بلغه الْقَبْض عَلَيْهِ خرج إِلَى القلعة فوافي نزُول أستاذه مُقَيّدا فَجعل يَصِيح ويبكى وَهُوَ ماش مَعَه حَتَّى وصل إِلَى سَاحل النّيل وأحضر أستاذه فِي الحراقة أَشْتَدّ صراخه حَتَّى سقط مَيتا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 150 وَفِي خَامِس عشره: خلع على الْأَمِير أركماس الظَّاهِرِيّ وَاسْتقر رَأس نوبَة عوضا عَن تغري بردي المحمودي وأنعم عَلَيْهِ بإقطاعه وأنعم بإقطاع أركماس وتقدمته على قاني باي البهلوان. وأنعم بطبلخاناه البهلوان على سودن ميق وَهَذَا المحمودي من جملَة المماليك الناصرية فرج بن برقوق رَبِّي عِنْده صَغِيرا ثمَّ خدم بعد قتل النَّاصِر عِنْد الْأَمِير نوروز الحافظي بِدِمَشْق فَلَمَّا قتل نوروز سجنه الْمُؤَيد شيخ بقلعة المرقب فَمَا زَالَ مسجوناً بهَا حَتَّى تنكر الْمُؤَيد على الْأَمِير برسباي الدقماقي نَائِب طرابلس وَسَب بالمرقب مَعَ المحمودي وأينال الششماني فَرَأى تغري بردي المحمودي فِي لَيْلَة من اللَّيَالِي مناماً يدل على أَن برسباي يتسلطن فَأعلمهُ بِهِ معاهده على أَن يقدمهُ إِذا تسلطن ويعترضه بمكروه فَلَمَّا كَانَ من سلطة الْأَشْرَف برسباي مَا كَانَ وتقدمته للمحمودي مَا ذكر فِيمَا مضى وَتَمَادَى الْحَال إِلَى أَن بَات على عَادَته بِالْقصرِ فَقَالَ لبَعض من يَثِق بِهِ من المماليك مَا تقدم من مَنَامه وَهُوَ بالمرقب وَأَنه وَقع كَمَا رأى وَأَنه أَيْضا رأى مناماً يدل على أَنه يتسلطن وَلَا بُد. فوشى ذَلِك الْمَمْلُوك بِهِ إِلَى السُّلْطَان فحرك مِنْهُ كوامن مِنْهَا أَن المحمودي غره مَنَامه وتحدث بِمَا كَانَ يجب كِتْمَانه حَتَّى أشيع عَنهُ وَصَارَ يَقُول: أَنا لما حجبت أحضرت ابْن عجلَان وَلما مضيت إِلَى قبرس أسرت ملكهَا أَيْن كَانَ الْأَشْرَف حَتَّى يُقَال هَذَا لسعده وَالله مَا كَانَ هَذَا إِلَّا بسعدي. وينقل كل ذَلِك إِلَى السُّلْطَان وَمَعَ هَذَا يَبْدُو مِنْهُ فِي حَال لعبه بالكرة مَعَ السُّلْطَان دَالَّة وقديماً قيل الْملك ملول. وَفِي سادس عشره: سَار ملك قبرس ورسل رودس فِي النّيل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة ليمضوا مِنْهَا إِلَى بِلَادهمْ فَكَانَ هَذَا من الْفرج بعد الشدَّة. شهر رَجَب أَوله الِاثْنَيْنِ. فِيهِ قدم الْخَبَر بِمَوْت الْمَنْصُور عبد الله بن أَحْمد النَّاصِر صَاحب الْيمن وتملك أَخِيه الْأَشْرَف إِسْمَاعِيل بن أَحْمد النَّاصِر. وَفِيه اسْتَقر القسيس أَبُو الْفرج بطركاً لِلنَّصَارَى اليعاقبة عوضا عَن ميخائيل بعد صرفه لطعن النَّصَارَى فِيهِ، وَكَانَ يعلم أَوْلَاد النَّصَارَى بالمقيس، فرغبوا فِي ولَايَته. وَتسَمى لما ولي يوحنا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 151 وَفِي ثامنه: قدم الْأَمِير شارقطلوا من حلب فَخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر أَمِير مجْلِس عوضا عَن جرباش قاشق الْمُنْتَقل لنيابة طرابلس وَقد كَانَت شاغرة هَذِه الْمدَّة. وَفِي حادي عشره: أدير محمل الْحَاج وحملت كسْوَة الْكَعْبَة على الْعَادة حَتَّى شَاهدهَا السُّلْطَان. وَفِي تَاسِع عشره: توجه زين الدّين عبد الباسط نَاظر الْجَيْش وزعيم الدولة على الهجن إِلَى بِلَاد الشَّام لعمارة سور حلب وَغير ذَلِك من الْمُهِمَّات السُّلْطَانِيَّة بعد مَا قدم خيوله وأثقاله بَين يَدَيْهِ قبل ذَلِك بأيام. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: انحط سعر الغلال عِنْد دُخُول الغلال الجديدة حَتَّى أبيع الأردب الْقَمْح من مائَة وَعشرَة دَرَاهِم فُلُوسًا إِلَى ثَمَانِينَ درهما وَالشعِير كل ثَلَاثَة أرادب وَنصف بِدِينَار وأبيع الرطل من لحم الضَّأْن السليخ بِسِتَّة دَرَاهِم فُلُوسًا وَلحم الْبَقر بأَرْبعَة دَرَاهِم والرغيف الْخبز بِنصْف دِرْهَم فُلُوسًا فيشتري بالدرهم الْفضة أَرْبَعُونَ رغيفاً وَلم نعهد مثل ذَلِك فَللَّه الْحَمد. وَفِي هَذَا الشَّهْر: هدمت إِحْدَى المآذن الثَّلَاثَة اللَّاتِي أَنْشَأَهُنَّ الْمُؤَيد شيخ بجامعه وَهِي الصُّغْرَى الَّتِي تشرف على صحن الْجَامِع لميلها وَخَوف سُقُوطهَا ثمَّ جددت. وَفِيه كثر عَبث الفرنج فِي الْبَحْر وَأخذُوا مراكب مشحونة بضائع للْمُسلمين يُقَال عدتهَا ثَمَانِي بِاللَّه. شهر شعْبَان أَوله الْأَرْبَعَاء: فِيهِ ابتدئ بِقِرَاءَة الحَدِيث النَّبَوِيّ بِالْقصرِ السلطاني من القلعة على الْعَادة الَّتِي استجدت ورسم أَن لَا يحضر أحد من الْقُضَاة المعزولين وَأَن لَا يكون من الْحَاضِرين بحث فِي حَال الْقُرَّاء وَقد كَانَ يَقع بَينهم فِي بحوثهم مَا لَا يَلِيق. وَفِيه رسم بعزل نواب قُضَاة الْقُضَاة وَأَن يقْتَصر الشَّافِعِي من نوابه على عشرَة والحنفي والمالكي كل مِنْهُمَا على ثَمَانِيَة والحنبلي على ثَلَاثَة فَهموا بذلك أَو كَادُوا. ثمَّ عَادوا لما نهوا عَنهُ كَمَا هِيَ عَادَتهم. وَفِي رَابِع عشره: أَخذ قاع النّيل بالمقياس فَكَانَ خَمْسَة أَذْرع وَخَمْسَة عشر إصبعاً. وَفِي يَوْم السبت خَامِس عشرينه - وسابع عشْرين بؤونة -: ابتدئ بالنداء فِي النَّاس بِزِيَادَة النّيل ثَلَاثَة أَصَابِع. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 152 وَفِيه أَيْضا اتّفق حَادث فظيع وَهُوَ أَن بعض المماليك السُّلْطَانِيَّة الجراكسة انْكَشَفَ رَأسه بَين يَدي السُّلْطَان فَإِذا هُوَ أَقرع فَسخرَ مِنْهُ من هُنَالك من الجراكسة فَسَأَلَ السُّلْطَان أَن يَجعله كَبِير القرعان ويوليه عَلَيْهِم فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِك ورسم أَن يكْتب لَهُ بِهِ مرسوم سلطاني وخلع عَلَيْهِ فَنزل وشق الْقَاهِرَة بالخلعة فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع عشرينه وَصَارَ يَأْمر كل أحد بكشف رَأسه حَتَّى ينظر إِن كَانَ أَقرع الرَّأْس أَو لَا وَجعل على ذَلِك فَرَائض من المَال فعلى الْيَهُودِيّ مبلغ عينه وعَلى النَّصْرَانِي مبلغ وعَلى الْمُسلم مبلغ بِحَسب حَاله ورتبته وَلم يتحاش من فعل ذَلِك مَعَ أحد حَتَّى لقد فرض على الْأَمِير الْأَقْرَع عشرَة دَنَانِير وَتجَاوز حَتَّى جعل الأصلع وَالْأَجْلَح فِي حكم الْأَقْرَع ليجبيه مَالا فَكَانَ هَذَا من شنائع القبائح وقبائح الشنائع فَلَمَّا فحش أمره نُودي بِالْقَاهِرَةِ يَا معشر القرعان لكم الْأمان فَكَانَت هَذِه مِمَّا ينْدر من الْحَوَادِث. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كثر رخاء الأسعار حَتَّى أبيع كل أَرْبَعَة أردب شعير بِدِينَار وَفِي الرِّيف كل خَمْسَة أرادب بِدِينَار وأبيع الفول كل ثَلَاثَة أرادب بِأَقَلّ من دِينَار وأبيع الْقَمْح كل أردبين بِأَقَلّ من دِينَار وَأَقْبَلت الْفَوَاكِه إقبالاً زَائِدا على الْمَعْهُود فِي هَذِه الْأَزْمِنَة وَكَثُرت الخضروات وَللَّه الْحَمد. ونسأل الله حسن الْعَاقِبَة. فَإنَّك مَعَ هَذِه النعم الْكَبِيرَة لَا تكَاد تَجِد إِلَّا شاكياً لقلَّة المكاسب وَتوقف الْأَحْوَال وفشو الظُّلم والإعراض عَن الْعَمَل بِطَاعَة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سِيمَا من يُقيم الْحُدُود. شهر رَمَضَان أَوله الْخَمِيس: فِيهِ فتح الْجَامِع الَّذِي أنشأه الْأَمِير جَانِبك الدوادار قَرِيبا من صليبة جَامع ابْن طولون وأقيمت وَفِي سَابِع عشره: قدم زين الدّين عبد الباسط نَاظر الْجَيْش بعد مَا انْتهى فِي سَفَره إِلَى مَدِينَة حلب ورتب عمَارَة سورها فَعمل بِهِ بَين يَدَيْهِ فِي يَوْم وَاحِد ألف وَمِائَتَا حجر وَبعد صيته وانتشر ذكره وَعظم قدره وفخم أمره فِي هَذِه السفرة بِحَيْثُ لم ندرك فِي هَذِه الدولة الْمُتَأَخِّرَة صَاحب قلم بلغ مبلغه. فَلَمَّا نزل ظَاهر الْقَاهِرَة خرج الْأَمِير جَانِبك الدوادار وَطَائِفَة من الْأُمَرَاء وَسَائِر مباشري الدولة وَعَامة الْأَعْيَان إِلَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 153 لِقَائِه فَصَعدَ القلعة وخلع عَلَيْهِ وَنزل إِلَى دَاره فِي موكب جليل وَقد زينت لَهُ الْأَسْوَاق وأشعلت لَهُ الشموع وَجلسَ النَّاس لمشاهدته فسبحان الْمُعْطِي مَا شَاءَ من شَاءَ. وَفِي حادي عشرينه: قبض على عبد الْعَظِيم نَاظر الدِّيوَان الْمُفْرد وَأسلم إِلَى الْأَمِير زين الدّين عبد الْقَادِر أستادار على مَال يحملهُ ثمَّ أفرج عَنهُ بعد أَيَّام. وَفِي ثَالِث عشرينه: طلع عَظِيم الدولة زين الدّين عبد الباسط بهدية إِلَى السُّلْطَان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 154 وفيهَا مِائَتَا فرس وحلي مَا بَين زركش ولؤلؤ برسم النِّسَاء وَثيَاب صوف وفرو سمور وَغَيره مِمَّا قِيمَته نَحْو الْعشْرين ألف دِينَار وَعم المباشرين والأمراء بأنواع الْهَدَايَا. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سادس عشرينه - وسابع عشْرين أبيب -: نُودي على النّيل بزياداً إِصْبَع وَاحِد لتتمة عشر أَذْرع وَتِسْعَة عشر إصبعاً فنقص من الْغَد أَرْبَعَة أَصَابِع إِلَّا أَن الله تدارك الْعباد شهر شَوَّال أَوله السبت: فِي أثْنَاء هَذَا الشَّهْر قدم الْخَبَر بِأَن مُرَاد بن مُحَمَّد كرشجي بن بايزيد بن عُثْمَان صَاحب برصا من بِلَاد الرّوم جمع لمحاربة الأنكرس - من طوائف الرّوم المتنصرة - وواقعهم عدَّة من عسكره وهزموا وَأَن مَدِينَة بلنسية الَّتِي تغلب عَلَيْهَا الفرنج - مِمَّا غلبوا عَلَيْهِ من بِلَاد الأندلس - خسف بهَا وَبِمَا حولهَا نَحْو ثَلَاثمِائَة ميل فَهَلَك بهَا من النَّصَارَى خلائق كَثِيرَة وَأَن مَدِينَة برشلونة زلزلت زلزالاً شَدِيدا وَنزلت بهَا صَاعِقَة فَهَلَك بهَا أُمَم كَثِيرَة وَخرج ملكهَا فِيمَن بَقِي فارين إِلَى ظَاهرهَا موقع بهم وباء كَبِير. وَفِي يَوْم الْخَمِيس عشرينه: خرج محمل الْحَاج إِلَى الريدانية ظَاهر الْقَاهِرَة وَرفع مِنْهَا لَيْلًا إِلَى بركَة الْحَاج على الْعَادة فتتابع خُرُوج الْحجَّاج. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة حادي عشرينه - الْمُوَافق لَهُ ثَانِي مسرى -: كَانَ وَفَاء النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا فَركب الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن السُّلْطَان حَتَّى خلق عَمُود بَين يَدَيْهِ ثمَّ فتح الخليج على الْعَادة وَلم تزين الحراريق فِي هَذِه السّنة وَلَا كَانَ للنَّاس من الاجتماعات بمدينه مصر وَالرَّوْضَة على شاطئ النّيل مَا جرت بِهِ عَادَتهم فِي ليَالِي الْوَفَاء وَذَلِكَ أَن النّيل توقفت زِيَادَته من أَوَائِل مسرى وَأقَام أَيَّامًا عديدة لَا يُنَادي عَلَيْهِ فِي كل يَوْم سوى إِصْبَع أَو إِصْبَعَيْنِ وأجرى الله الْعَادة فِي الْغَالِب من السنين أَن تكون زِيَادَة النّيل الْمُبَارك مُنْذُ يدْخل شهر مسرى فِي كل يَوْم عدَّة أَصَابِع فَيُقَال: فِي أبيب يدب المَاء فِي دَبِيب وَفِي مسرى تكون الدفوع الْكُبْرَى. فجَاء الْأَمر فِي نيل هَذِه السّنة بِخِلَاف ذَلِك حَتَّى ظن النَّاس الظنون وَتوقف خزان الغلال عَن بيعهَا وَأخذ غَالب النَّاس فِي شِرَاء الغلال خوفًا من أَلا يطلع النّيل فَمنع السُّلْطَان من تَزْيِين الحراريق وَمن اجْتِمَاع النَّاس بشاطئ النّيل لانتظار الْوَفَاء فانكف عَن مُنكرَات قبيحة كَانَت تكون هُنَاكَ وَللَّه الْحَمد فَإِنَّهُ تَعَالَى أغاث عباده وأجرى النّيل بعد مَا كَادُوا يقنطوا. وَفِي هَذَا الشَّهْر - وَالَّذِي قبله -: كثر عَبث المماليك الجلب الَّذين استجدهم السُّلْطَان وتعدى فسادهم إِلَى الْحرم. وَهَذَا أَمر لَهُ مَا بعده. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 155 وَفِي سادس عشرينه: نُودي على النّيل بِزِيَادَة إِصْبَع وَاحِد لتتمة سِتَّة عشر ذِرَاعا وَخَمْسَة عشر إصبعاً فَمَا أصبح يَوْم الْخَمِيس إِلَّا وَقد نقص. شهر ذِي الْقعدَة أَوله الْأَحَد: وَكَانَ النّيل قد توقف عَن الزِّيَادَة من يَوْم الْخَمِيس وَالنَّاس على ترقب مَكْرُوه وَإِن لم يتدارك الله بِلُطْفِهِ فَإِنَّهُ نقص ثَلَاثَة أَصَابِع وَجمع السُّلْطَان الْقُضَاة والمشايخ عِنْده وقرئت سُورَة الْأَنْعَام أَرْبَعِينَ مرّة فِي لَيْلَة الْأَحَد. هَذَا ودعوا الله أَن يجْرِي النّيل ثمَّ ركب السُّلْطَان من يَوْم الثُّلَاثَاء ثالثه إِلَى الجرف الَّذِي يُقَال لَهُ الرصد ووقف بفرسه سَاعَة وَهُوَ يَدْعُو ثمَّ عَاد إِلَى القلعة. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْخَمِيس خامسه نُودي بِزِيَادَة إِصْبَع بعد رد الثَّلَاثَة الْأَصَابِع اللَّاتِي نقصت فسر النَّاس ذَلِك لِأَن الغلال ارْتَفع سعرها وشره كل أحد فِي طلبَهَا وشحت أنفس خزانها بِبَيْعِهَا. وَفِي عاشره: قدم الْخَبَر بِأَن قَاضِي دمشق - نجم الدّين عمر بن حجي - وجد مدبوحاً فِي بستانه بالنيرب خَارج دمشق وَلم يعرف قَاتله. وَفِي رَابِع عشره: خلع على الْأَمِير قاني باي البهلوان - أحد مقدمي الألوف - وَاسْتقر فِي نِيَابَة ملطية عوضا عَن الْأَمِير أزدمر شاية وَعين مَعَه عدَّة من المماليك وَأَن يتوفر لَهُ إقطاعه بديار مصر عوناً لَهُ على قتال التركمان وَأَن يسْتَقرّ أزدمر شاية أَمِيرا بحلب. وقانباي هَذَا أحد المماليك الناصرية فرج وخدم بعد قتل النَّاصِر عِنْد أُمَرَاء دمشق ثمَّ اتَّصل بِخِدْمَة الْأَمِير ططر فَلَمَّا تسلطن بِدِمَشْق أنعم على قاني باي هَذَا بإمرة طبلخاناه بِمصْر وَقدم مَعَه ثمَّ نقل إِلَى إمرة مائَة حَتَّى ولي نِيَابَة ملطية. وَفِي هَذَا الْيَوْم: أَخذ النّيل فِي النُّقْصَان بعد مَا انْتَهَت زِيَادَته إِلَى سَبْعَة عشر ذِرَاعا وَسِتَّة أَصَابِع ويوافق هَذَا الْيَوْم ثامن توت وَهَذَا هبوط فِي غير أَوَانه فَمَا لم يَقع اللطف الإلهي بعباد وَفِي الْعشْر الْأَخير: من هَذَا الشَّهْر تكالب النَّاس على شِرَاء الْقَمْح وَنَحْوه من الغلال وارتفع الأردب إِلَى مِائَتي دِرْهَم وَالشعِير والفول إِلَى مائَة وَخمسين وَتعذر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 156 وجود ذَلِك لشح الْأَنْفس بِبيع الغلال مَعَ كثرتها بِالْقَاهِرَةِ والأرياف فرسم السُّلْطَان للأمير أينال الششماني الْمُحْتَسب أَن لَا يُمكن أحدا من النَّاس بيع الْقَمْح بأزيد من مائَة وَخمسين درهما الأردب وَأَن لَا يَشْتَرِي أحد أَكثر من عشرَة أرادب وَسبب ذَلِك أَن النَّاس ترقبوا الغلاء فَأخذ أَرْبَاب الْأَمْوَال فِي الاستكثار من شِرَاء الغلال ظنا مِنْهُم أَن يبيعوها إِذا طلبَهَا المحتاجون بأغلى الْأَثْمَان حَتَّى أَن بعض من لم يكن شَيْئا مَذْكُور اشْترى فِي هَذِه الْأَيَّام ألف أردب من الْقَمْح وَكم أَمْثَال هَذَا فَالله يحسن الْعَاقِبَة. وَفِي سَابِع عشرينه: كمل نقص النّيل مِمَّا زَاده سِتَّة عشر إصبعاً ثمَّ أغاث الله عباداً بعد مَا كَادُوا أَن يقنطوا. وَنُودِيَ فِي يَوْم السبت ثامن عشرينه بِزِيَادَة إِصْبَعَيْنِ من النَّقْص. واستمرت الزِّيَادَة فِي يَوْم الْأَحَد والاثنين فسكن قلق النَّاس قَلِيلا. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة: هَذَا قدم الْأَمِير صارم الدّين إِبْرَاهِيم بن رَمَضَان أحد أُمَرَاء: التركمان ونائب طرسوس وأذنة ونائب الْملك وَقد عزل وفر إِلَى ابْن قرمان ليحميه فأسلمه إِلَى قصاد السُّلْطَان خوفًا من معرة الْعَسْكَر فقيد وَحمل من بِلَاد قرمان حَتَّى قدم بِهِ كَذَلِك فسجن. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سلخه: خلع على بهاء الدّين مُحَمَّد بن نجم الدّين عمر بن حجي. وَاسْتقر فِي قَضَاء الْقُضَاة بِدِمَشْق عوضا عَن أَبِيه وَهُوَ شَاب صَغِير لم يسْتَتر عذاريه بالشعر لَكِن قَامَ بِمَال كَبِير فَلم يلْتَفت مَعَ ذَلِك لحداثة سنه وَلَا لكَونه مَا قَرَأَ وَلَا درى وقديماً قيل: تعد ذنُوبه والذنب جم وَلَكِن الْغَنِيّ رب غَفُور شهر ذِي الْحجَّة. أهل بِيَوْم الثُّلَاثَاء وَوَافَقَهُ من شهور القبط خَامِس عشْرين توت. وَفِيه انْتَهَت زِيَادَة مَاء النّيل إِلَى سَبْعَة عشر ذِرَاعا وإصبعين بعد تراجع نَقصه. وَهَبَطَ شَيْئا بعد شَيْء فَكثر شراقي الْأَرَاضِي بِالْوَجْهِ القبلي وَالْوَجْه البحري لقُصُور زِيَادَة النّيل وَسُرْعَة هُبُوطه. وَفِي سَابِع عشره: خلع أياس أحد المماليك وَاسْتقر نَائِب السلطة بالعلايا ورسم أَن يُجهز مَعَه طَائِفَة من الْعَسْكَر ليسيروا فِي الْبَحْر وَسبب ذَلِك أَن صَاحب العلايا الْأَمِير قرمان بن صوجي بن شمس الدّين ألجأته الضَّرُورَة إِلَى أَن قدم مُنْذُ شهر بأَهْله مترامياً على السُّلْطَان فِي أَخذه بِلَاد العلايا مِنْهُ وَأَن يُقيم بِخِدْمَة السُّلْطَان حَتَّى تدخل فِي الْحَوْزَة السُّلْطَانِيَّة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 157 وَفِيه جهز تشريف إِلَى الْأَمِير صارم الدّين إِبْرَاهِيم بن قرمان وَقد ورد كِتَابه يرغب فِيهِ أَن يدْخل فِي الطَّاعَة السُّلْطَانِيَّة وينتمي إِلَى أَبْوَابهَا وَالْتزم بِإِقَامَة الخطة للسُّلْطَان بِبِلَاد الرّوم وَضرب الصكة باسمه وَيسْتَمر فِي نِيَابَة السلطة بِبِلَاد قرمان فَأُجِيب إِلَى ذَلِك وَكتب لَهُ التَّقْلِيد وجهز مَعَه التشريف. وَفِيه جهز أماج - أحد الدوادارية - إِلَى الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن خَلِيل بن دلغار نَائِب أبلستين ليجهز عدد أَغْنَام التركمان على مَا جرت بِهِ العوايد الْقَدِيمَة وَإِلَّا داست العساكر بِلَاده. وَفِي هَذَا الشَّهْر: اتضع سعر الغلال وَقل طالبها وَكثر كسادها مَعَ كَثْرَة الشراقي فِي أَرَاضِي مصر لقُصُور زِيَادَة النّيل وَسُرْعَة هُبُوطه وَعدم الْعِنَايَة بِعَمَل الجسور فَكَانَ هَذَا من جميل صنع الله تَعَالَى وخفي لطفه إِن الله بِالنَّاسِ لرءوف رَحِيم. وَفِي تَاسِع عشره: رسم بِعرْض المماليك على السُّلْطَان بِآلَة الْحَرْب فَأخذُوا فِي الاستعداد لذَلِك وَطلب الأسلحة بعد كسادها مُدَّة وبوار أَرْبَابهَا وصناعها فنفقت سوقها وربحت تِجَارَتهمْ واشتغل بعملها صناعهم. وَفِيه ركب السُّلْطَان بِثِيَاب جُلُوسه وشق الْقَاهِرَة من بَاب زويلة وَخرج من بَاب النَّصْر عَائِدًا إِلَى القلعة وَنظر فِي مَمَره وقف الشهابي بِخَط بَاب الزهومة ليؤخذ لَهُ وَهُوَ من جملَة الْأَوْقَاف الَّتِي ينْصَرف فِيهَا القَاضِي الشَّافِعِي ويصرفها على مَا يرَاهُ من وُجُوه الْبر إِلَّا أَنه تشعث وَاحْتَاجَ إِلَى الْعِمَارَة فَإِنَّهُ قدم عَهده مَعَ كَثْرَة مساكنه وضاق الْحَال عَن إِصْلَاحه فوجدوا ارتفاعه فِي الشَّهْر عَن الفندق الَّذِي يعرف بخان الْحجر وعلوه وَمَا جاوره من الحوانيت وعلوها فِي الشَّهْر ثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم فُلُوسًا عَنْهَا نَحْو أَرْبَعَة عشر دِينَارا أشرفية فقومت أنقاضه كلهَا بألفي دِينَار وَصَارَت للسُّلْطَان بالطريقة الَّتِي صَار يعْمل بهَا وَلم يقبض الْمبلغ الْمَذْكُور للمتولي بل وعد أَنه إِذا عمر هَذَا الْوَقْف للسُّلْطَان جعل مِنْهُ فِي كل شهر ثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم لجِهَة الْأَوْقَاف الجكمية فَمشى الْحَال على ذَلِك. وَفِي سَابِع عشرينه: قدم مبشرو الْحَاج وأخبروا بسلامة الْحجَّاج ورخاء الأسعار بِمَكَّة وَأَنه قرئَ مرسوم السُّلْطَان بِمَكَّة بِمَنْع الباعة من بسط البضائع أَيَّام المواسم فِي الْمَسْجِد الْحَرَام وَمن ضرب النَّاس الْخيام بِالْمَسْجِدِ على مصاطبه وأمامها وَمن تَحْويل الْمِنْبَر من مَكَانَهُ إِلَى جَانب الْكَعْبَة لِأَنَّهُ عِنْد جَرّه على عجلاته يزعج الْكَعْبَة إِذا أسْند إِلَيْهَا فَأمر أَن يتْرك مَكَانَهُ مسامتا لمقام إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام ويخطب الْخَطِيب عَلَيْهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 158 هُنَاكَ وَأَن تسد أَبْوَاب الْمَسْجِد بعد انْقِضَاء الْمَوْسِم إِلَّا أَرْبَعَة أَبْوَاب من كل جِهَة بَاب وَاحِد وَأَن تسد الْأَبْوَاب الشارعة من الْبيُوت إِلَى سطح الْمَسْجِد فامتثل ذَلِك وأشبه هَذَا قَول عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنهُ وَقد سَأَلَهُ رجل عَن دم البراغيث فَقَالَ: عجبا لكم يَا أهل الْعرَاق تقتلون الْحُسَيْن بن عَليّ وتسألون عَن دم البراغيث. وَذَلِكَ أَن مَكَّة اسْتَقَرَّتْ دَار مكس حَتَّى أَنه يَوْم عَرَفَة قَامَ المشاعلي وَالنَّاس بذلك الْموقف الْعَظِيم يسْأَلُون الله مغْفرَة ذنوبهم فَنَادَى معاشر النَّاس كَافَّة من اشْترى بضَاعَة وسافر بهَا إِلَى غير الْقَاهِرَة حل دَمه وَمَاله للسُّلْطَان فَأخر التُّجَّار القادمون من الأقطار حَتَّى سَارُوا مَعَ الركب الْمصْرِيّ على مَا جرت بِهِ هَذِه الْعَادة المستجدة مُنْذُ سِنِين لتؤخذ مِنْهُم مكوس بضائعهم ثمَّ إِذا سَارُوا من الْقَاهِرَة إِلَى بِلَادهمْ من الْبَصْرَة والكوفة وَالْعراق أَخذ مِنْهُم المكس بِبِلَاد الشَّام وَغَيرهَا. وَهَذَا لينكر وَتلك الْأُمُور يعتني بإنكارها وَيسْعَى أهل الْبِلَاد فِي إِزَالَتهَا فيا نفس جدي إِن دهرك هازل. وَلَقَد كَانَ السَّبَب فِي كِتَابَة هَذَا المرسوم أَن رجلا من الْعَجم يظْهر للنَّاس النّسك ولأمراء الدولة فِيهِ اعْتِقَاد أَمرهم بذلك فأتمروا. وَقد أذكرني هَذَا مَا كتب بِهِ أَمِير الْمُؤمنِينَ عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ لما ولي الْخلَافَة: أما بعد فَإِنَّكُم بَلغْتُمْ بالإقتداء والإتباع فَلَا تلفتنكم الدُّنْيَا عَن أَمركُم فَإِن أَمر هَذِه الْأمة صائر إِلَى الابتداع بعد اجْتِمَاع ثَلَاث فِيكُم تَكَامل النعم وبلوغ أَوْلَادكُم من السبايا وَقِرَاءَة الْأَعَاجِم والأعراب الْقُرْآن. فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْكفْر فِي العجمة فَإِذا استعجم عَلَيْهِم أَمر تكلفوا وابتدعوا. وَلم يعرف قطّ أَن أَبْوَاب الْمَسْجِد الْحَرَام أغلقت إِلَّا فِي هَذِه الْحَادِثَة فَإِنَّهَا أَقَامَت مُدَّة أشهر مغلقة ضج النَّاس وفتحوا جَمِيع أَبْوَاب الْمَسْجِد على عَادَتهَا وَاسْتمرّ الْمَنْع فِي بَقِيَّة مَا رسم وَقدم من الْهِنْد إِلَى مَكَّة رسولان أَحدهمَا من صَاحب كلبرجه واسْمه مَحْمُود وَاسم رَسُوله شمس الدّين الغالي بغا وصحبته هَدِيَّة لأمير مَكَّة وهدية السُّلْطَان ومبلغ سِتَّة آلَاف دِينَار ليَشْتَرِي بِهِ دَارا عَن الصَّفَا وتعمر مدرسة وَالرَّسُول الآخر من صَاحب بنكالة بهدية للسُّلْطَان وهدية للخليفة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 159 وَوصل من الْعرَاق أَحْمد وَعلي ولدا الشريف حسن بن عجلَان. وَكَانَ لَهما مُدَّة بهَا وصحبتهما مَال جزيل فنهب جَمِيعه فِي الركب الْعقيلِيّ قريب مَكَّة ونهبت أَمْوَال كَثِيرَة مِنْهَا لتاجر وَاحِد مائَة جمل محملة بضائع مَا بَين شاشات وأرز وبهار وَغير ذَلِك. وَفِي رَابِع عشرينه: قبض بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة على أميرها الشريف خشرم بن دوغان بن جَعْفَر بن هبة الله بن جماز بن مَنْصُور بن جماز بن شيحة فَإِنَّهُ لم يقم بالمبلغ الَّذِي وعد بِهِ وَقرر عوضه الشريف مَانع بن عَليّ بن عَطِيَّة بن مَنْصُور بن جماز بن شيحة بن هَاشم بن قَاسم بن مهنا بن حُسَيْن بن مهنا بن دَاوُد بن قَاسم بن عبد الله بن طَاهِر بن يحيى بن الْحُسَيْن بن جَعْفَر بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب. وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر الْأَمِير قشتمر الَّذِي تولى نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة ثمَّ أخرج إِلَى حلب فَقتل فِي وقْعَة التركمان فِي الْمحرم ومستراح مِنْهُ. وَتُوفِّي بدر الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد القرقشندي الشَّافِعِي أَمِين الحكم فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ رَابِع عشْرين الْمحرم. ومولده أول الْمحرم سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وَكَانَ فَقِيها فَاضلا نَاب فِي الحكم بِالْقَاهِرَةِ سِنِين وبرع فِي الْحساب والفرائض وَعمي قبل مَوته. وَتُوفِّي زاهد الْوَقْت الشَّيْخ أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد اليمني الْمَعْرُوف بِابْن عرب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 160 فارغه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 161 فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء ثَانِي ربيع الأول وَحمل من الْغَد حَتَّى صلى عَلَيْهِ تَحت القلعة بمصلى المرمني. وَنزل السُّلْطَان للصَّلَاة عَلَيْهِ فَتقدم قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مَحْمُود العنتابي الْحَنَفِيّ فصلى عَلَيْهِ بِمن حضر وَكَانَ الْجمع موفوراً ثمَّ أُعِيد إِلَى خانكاه شيخو بالصليبة خَارج الْقَاهِرَة فَدفن بهَا. وَهُنَاكَ كَانَ سكنه وَوجد لَهُ مبلغ أَلفَيْنِ وَسَبْعمائة دِرْهَم فُلُوسًا. وَمن خَبره أَن أَبَاهُ كَانَ من أهل الْيمن وَسكن مَدِينَة برصا من بِلَاد الرّوم وَتزَوج بهَا فولد أَحْمد هَذَا وَنَشَأ ببرصا ثمَّ قدم الْقَاهِرَة شَابًّا وَنزل خانكاه شيخو وَقَرَأَ على إِمَام الْخمس بهَا خير الدّين سُلَيْمَان بن عبد الله فَقِيرا مملقاً يتَصَدَّق عَلَيْهِ بِمَا عساه يُقيم رمقه ويسد من خلته وينسخ بِالْأُجْرَةِ ثمَّ نزل بعد مُدَّة فِي جملَة صوفيتها بمبلغ ثَلَاثِينَ درهما الشَّهْر فَقَط فتعفف عِنْد ذَلِك عَن أَخذ مَا كَانَ يتَصَدَّق بِهِ عَلَيْهِ وَانْقطع عَن مجالسة النَّاس فِي بَيت بالخانكاه وَترك مخالطتهم وَأعْرض عَن كل أحد وَاقْتصر على ملبس خشن حقير إِلَى الْغَايَة وتقنع بِيَسِير الْقُوت وَصَارَ لَا ينزل من بَيته إِلَّا لَيْلًا ليَشْتَرِي قوته ثمَّ يطلع إِلَيْهِ فَإِذا حاباه أحد من الباعة فِيمَا يَشْتَرِيهِ من قوته تَركه وَمَا حاباه بِهِ. فَلَمَّا عرف بذلك تبرك الباعة بِهِ ووقفوا عِنْد مَا يُشِير لَهُم بِهِ ثمَّ صَار لَا ينزل من بَيته إِلَّا كل ثَلَاث لَيَال مرّة بعد عشَاء الْآخِرَة فيشتري قوته وَيعود إِلَى منزله وَلَا يقبل من أحد شَيْئا بِحَيْثُ أَن رجلا دس فِي قفته قَلِيل موز وَهُوَ لَا يشْعر فَلَمَّا رَآهُ عِنْد طلوعه إِلَى منزله لم يزل يفحص عَنهُ حَتَّى عرفه فَألْقى إِلَيْهِ موزه وَلم يزرأ مِنْهُ شَيْء وَكَانَ يغْتَسل بِالْمَاءِ الْبَارِد شتاء وصيفاً فِي كل يَوْم جُمُعَة ويمضي إِلَى صَلَاة الْجُمُعَة من أول النَّهَار ويظل يُصَلِّي حَتَّى تُقَام الصَّلَاة فَيكون قِيَامه فِي تركعه هَذَا بِنَحْوِ ربع الْقُرْآن من غير أَن تسمع لَهُ قِرَاءَة إِلَّا أَنه يطلّ قِيَامه حَتَّى يجوز أَنه يقْرَأ فِي كل رَكْعَة بحزبين. وَمَعَ محبَّة النَّاس لَهُ وَكَثْرَة تعظيمهم لَهُ صانه الله من إقبالهم إِلَيْهِ فَكَانَ يمر إِلَى الْجُمُعَة وَلَا يرى نَهَارا إِلَّا إِذا رَاح إِلَى الْجُمُعَة وَلَا يرى لَيْلًا إِلَّا كل ثَلَاث ليَالِي إِذا نزل لشراء مَا يتقوت بِهِ وَلَا يَجْسُر أحد أَن يدنو مِنْهُ فَإِن دنا مِنْهُ أحد وَكَلمه لَا يجِيبه أَقَامَ على ذَلِك نَحْو الثَّلَاثِينَ سنة وَفِي أثْنَاء ذَلِك ترك النّسخ بِالْأُجْرَةِ وَاقْتصر على الثَّلَاثِينَ درهما فُلُوسًا فِي كل شهر وَأفضل مِنْهَا مَا وجد بعد مَوته وَكَانَ يرى فِي اللَّيْل وَقد قَامَ على قَدَمَيْهِ وَقَرَأَ ربع الْقُرْآن وَكَانَ يعرف الْقرَاءَات ورؤى مرّة بسطح الخانكاه وَقد مد يَده وفيهَا فتات الْخبز والطيور تَأْكُل مِمَّا فِي يَده وَكَانَ إِذا احْتَاجَ إِلَى خياطَة خيشة ليلبسها أَو إِعَانَة أحد عِنْد عَجزه فِي آخر عمره عَن حمل الجرة المَاء الَّتِي يتَوَضَّأ مِنْهَا أعطَاهُ من الْفُلُوس شَيْئا وَيَقُول: هَذَا أجرتك. وَكَانَت تمر بِهِ الأعوام الْكَثِيرَة لَا يتَلَفَّظ بِكَلِمَة سوى قِرَاءَة الْقُرْآن وَذكر الله. وَفِي كل شهر خَادِم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 162 الخانكاه يحمل إِلَيْهِ الثَّلَاثِينَ دِرْهَم فَلَا يَأْخُذهَا إِلَّا عددا لَا وزنا فَإِن. الْمُعَامَلَة بالفلوس وزنا حدثت بعد انْقِطَاعه وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا نعلم أحدا على قدمه فِي هَذَا الزَّمَان. وَتُوفِّي شهَاب الدّين أَحْمد بن مُوسَى بن نصير المتبولي الْمَالِكِي موقع الحكم فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِي شهر ربيع الأول عَن خمس وَثَمَانِينَ سنة. وَقد حدث عَن مُحَمَّد بن أزبك وَعمر بن أميلة وزغلس وست الْعَرَب وَجَمَاعَة وناب فِي الحكم بِالْقَاهِرَةِ. وَتُوفِّي شهَاب الدّين أَحْمد بن يُوسُف بن مُحَمَّد الزعيفريني الدِّمَشْقِي الشَّاعِر فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِي شهر ربيع الأول. وَكَانَ يَقُول الشّعْر وَيكْتب خطا حسنا وَيَزْعُم علم الْحَرْف ويستخرج من الْقُرْآن الْكَرِيم مَا يُرِيد مَعْرفَته من الْأَخْبَار بالمغيبات وخدع بذلك طَائِفَة من المماليك فِي أَيَّام الْفِتَن لأوائل دولة النَّاصِر فرج فَتحَرك لَهُ حَظّ راج بِهِ مديدة ثمَّ ركدت رِيحه وامتحن فِي سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَثَمَانمِائَة فَإِنَّهُ عثر على أَبْيَات الجزء: 7 ¦ الصفحة: 163 بِخَطِّهِ قد نظمها للأمير جمال الدّين يُوسُف الأستادار يُوهِمهُ أَنَّهَا ملحمة فِيهَا أَنه سيملك مصر وَيملك بعده ابْنه فَقطع النَّاصِر لِسَانه وعقدتين من أَصَابِعه ورفق بِهِ عِنْد الْقطع فَلم يمنعهُ ذَلِك من النُّطْق وَلزِمَ دَاره وَأظْهر الخرس مُدَّة أَيَّام النَّاصِر ثمَّ تكلم بعد ذَلِك وَأخذ فِي الظُّهُور أَيَّام الْمُؤَيد شيخ فَلم يبرح بهرجه فَانْقَطع حَتَّى مَاتَ كمداً. وَهلك بطرك النَّصَارَى اليعاقبة غبريال فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِي شهر ربيع الأول. وَكَانَ أَولا من جملَة الْكتاب ثمَّ ترقى حَتَّى ولي البطركية. وَكَانَت أَيَّامه شَرّ أَيَّام مرت بالنصارى. وَلَقي هُوَ شَدَائِد وأهين مرَارًا وَصَارَ يمشي فِي الطرقات على قَدَمَيْهِ وَإِذا دخل إِلَى مجْلِس السُّلْطَان أَو الْأُمَرَاء يقف وَقلت ذَات يَده وَخرج إِلَى الْقرى مرَارًا يستجدي النَّصَارَى فَلم يظفر مِنْهُم بطائل لما نزل بهم من الْقلَّة والفاقة وَكَانَت للبطاركة عوائد على الحطي ملك الْحَبَشَة يحمل إِلَيْهِم مِنْهُ الْأَمْوَال الْعَظِيمَة فَانْقَطَعت فِي أَيَّام غبريال هَذَا لاحتقارهم لَهُ وَقلة اكتراثهم بِهِ وطعنهم فِيهِ بِأَنَّهُ كَانَ كَاتبا وذمته مَشْغُولَة بمظالم الْعباد. وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا أدركنا بطركاً أخمل مِنْهُ حَرَكَة وَلَا أقل مِنْهُ بركَة. وَمَات الْأَمِير الطواشي كافور الصرغتمشي شبْل الدولة زِمَام الدَّار وَقد قَارب الثَّمَانِينَ سنة فِي يَوْم الْأَحَد خَامِس عشْرين شهر ربيع الآخر وَكَانَ من عُتَقَاء الْأَمِير منكلي بغا الشمسي وخدم دهراً عِنْد زَوجته خوند الأشرفية أُخْت الْأَشْرَف شعْبَان ابْن حُسَيْن مُدَّة ثمَّ خدم فِي بَيت السُّلْطَان فولاه النَّاصِر فرج زِمَام الدَّار وعزل مِنْهَا بعد موت الْمُؤَيد شيخ ثمَّ أُعِيد وَكَانَ قَلِيل الشَّرّ. أنشأ بحارة الديلم جَامعا وَأَنْشَأَ بالصحراء خانكاه وَله عدَّة مَوَاضِع أَنْشَأَهَا بِالْقَاهِرَةِ مَا بَين رباع غَيرهَا. وَخلف مَالا مثيراً. وَضرب عنق نَصْرَانِيّ فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سادس عشْرين شهر ربيع الآخر على أَنه سَاحر وَقد حكم بعض نواب الحكم الْمَالِكِيَّة بقتْله واتهم أَنه قَتله لغَرَض وَللَّه الْعلم. وَتُوفِّي الشَّيْخ بدر الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد البشتكي فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة. وجد فِي حَوْض الْحمام مَيتا ومولده فِي أحد الربيعين من سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة. وَكَانَ أحد أَفْرَاد الزَّمَان فِي كَثْرَة الْكِتَابَة ينْسَخ فِي الْيَوْم خمس كراريس فَإِذا تَعب اضْطجع على جنبه وَكتب كَمَا يكْتب وَهُوَ جَالس. فَكتب مَا لَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 164 يدْخل تَحت حصر وَمن النّسخ كَانَت معيشته مَعَ نزاهة النَّفس وحدة المزاج والإقتداء بِالسنةِ والتمذهب لِابْنِ حزم الظَّاهِرِيّ وَكَانَ يَقُول الشّعْر ويذاكر بِمَا شِئْت من أَنْوَاع الْعُلُوم فَالله يرحمه. وَلَقَد أوحشنا فَقده وَلم يخلف مثله بعده. وَمَات نجم الدّين عمر بن حجي بن مُوسَى بن أَحْمد بن سعد السَّعْدِيّ الحسباني الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي قَاضِي الْقُضَاة بِدِمَشْق وَكَاتب السِّرّ بديار مصر فِي لَيْلَة الْأَحَد مستهل ذِي الْقعدَة عَن ثَلَاث وَسِتِّينَ سنة وَقد نقب عَلَيْهِ بستانه بالنيرب خَارج دمشق وَدخل عَلَيْهِ وَهُوَ نَائِم عدَّة رجال فَقَتَلُوهُ وَخَرجُوا من غير أَن يَأْخُذُوا لَهُ شَيْئا فَلم يرع زَوجته إِلَّا بِهِ وَهُوَ يضطرب. وَكَانَ أَبوهُ من فُقَهَاء دمشق وَنَشَأ بهَا وَولي قضاءها بعد الخراب فِي وَاقعَة تمرلك. وعزل وأعيد مرَارًا ثمَّ ولي كِتَابَة السِّرّ فَلم ينجح وَخرج مِنْهَا بِأَسْوَأ حَال ثمَّ أُعِيد إِلَى قَضَاء دمشق فَمَاتَ وَهُوَ قَاض. وَكَانَ يسير غير سيرة الْقُضَاة وَيَرْمِي بعظائم وَلم يُوصف بدين قطّ. وَمَات بعدن من بِلَاد الْيمن التَّاجِر شهَاب الدّين بركوت بن عبد الله المكيني مولى الْحَاج سعيد مولى المكين فِي سادس ذِي الْحجَّة. وَقد سكن الْقَاهِرَة سِنِين. وَتُوفِّي تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن الزكي عبد الْوَاحِد بن الْعِمَاد مُحَمَّد ابْن قَاضِي الْقُضَاة علم الدّين أَحْمد الأخناي الْمَالِكِي أحد نواب الحكم بِالْقَاهِرَةِ عَن الْمَالِكِيَّة وَهُوَ بِمَكَّة فِي ثَالِث ذِي الْحجَّة عَن ثَلَاث وَسِتِّينَ سنة. وَكَانَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى سواهُ مشكوراً. وَمَات متملك الْيمن الْملك الْمَنْصُور عبد الله بن النَّاصِر أَحْمد بن الْأَشْرَف إِسْمَاعِيل بن الْأَفْضَل عَبَّاس بن الْمُجَاهِد عَليّ بن الْمُؤَيد دَاوُد بن المظفر يحيى بن الْمَنْصُور عمر بن عَليّ بن رَسُول فِي جُمَادَى الأولى وأقيم من بعده أَخُوهُ الْأَشْرَف إِسْمَاعِيل ثمَّ خلع بعده وأقيم بدله الْملك الظاهرهزبر الدّين يحيى بن الْأَشْرَف إِسْمَاعِيل فِي ثَالِث شهر رَجَب. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 165 فارغه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 166 (سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة) أهلت وَخَلِيفَة الزَّمَان المعتضد بِاللَّه أَبُو الْفَتْح دَاوُد بن المتَوَكل على الله أبي عبد الله مُحَمَّد العباسي وسلطان الْإِسْلَام بِمصْر وَالشَّام والحجاز الْملك الْأَشْرَف أَبُو الْعِزّ برسباي الدقماقي الظَّاهِرِيّ الجركسي ثامن الْمُلُوك الجركسة والأمير الْكِير الأتابك يشبك الْأَعْرَج الساقي وأمير أخور الْأَمِير جقمق العلاي وأمير سلَاح أينال الجكمي. وأمير مجْلِس الْأَمِير شارقطلوا وَرَأس نوبَة الْأَمِير أركماس الظَّاهِرِيّ والدوادار الْأَمِير أزبك وحاجب الْحجاب الْأَمِير قرقماس وأستادار الْأَمِير زين الدّين عبد الْقَادِر ابْن الْأَمِير فَخر الدّين عبد الْغَنِيّ ابْن الْأَمِير الْوَزير تَاج الدّين عبد الرَّزَّاق بن أبي الْفرج والوزير الصاحب كريم الدّين عبد الْكَرِيم ابْن الْوَزير تَاج الدّين عبد الرَّزَّاق بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بكاتب المناخ وناظر الْخَاص كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن بركَة الْمَعْرُوف بِابْن كَاتب جكم وَكَاتب السِّرّ بدر الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مزهر الدِّمَشْقِي. وناظر الْجَيْش القَاضِي زين الدّين عبد الباسط وقاضي الْقُضَاة الشَّافِعِي الْحَافِظ شهَاب الدّين أَبُو الْفضل أَحْمد بن عَليّ بن حجر وقاضي الْقُضَاة الْحَنَفِيّ بدر الدّين مَحْمُود العنتابي قَاضِي الْقُضَاة الْمَالِكِي شمس الدّين مُحَمَّد الْبِسَاطِيّ وقاضي الْقُضَاة الْحَنْبَلِيّ عز الدّين عبد الْعَزِيز الْبَغْدَادِيّ ومحتسب الْقَاهِرَة ومصر الْأَمِير أينال الششماني ووالي الْقَاهِرَة التَّاج الجزء: 7 ¦ الصفحة: 167 الشويكي ونائب الشَّام سودن من عبد الرَّحْمَن ونائب حلب الْأَمِير قصروه ونائب طرابلس الْأَمِير جرباش قاشق ونائب حماة الْأَمِير جلبان ونائب صفد الْأَمِير مقبل الزيني ومتولي مَكَّة - شرفها الله تَعَالَى - الشريف بَرَكَات بن حسن بن عجلَان الحسني ومتولي الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة الشريف مَانع بن عَليّ بن عَطِيَّة بن مَنْصُور بن جماز الْحُسَيْنِي ومتولي يَنْبع الشريف عقيل بن وبير بن مُخْتَار بن مقبل بن رَاجِح بن إِدْرِيس الحسني ونائب الْإسْكَنْدَريَّة الْأَمِير أقبغا التمرازي. وأسعار الغلال رخيصة أما الْقَمْح فَمن مائَة وَسبعين درهما فُلُوسًا الأردب إِلَى مَا دونهَا وَأما الشّعير فَمن مائَة وَثَلَاثِينَ درهما الأردب إِلَى مَا دونهَا وَأما الفول فبنحو ذَلِك. وَالنَّاس بالنواحي فِي شغل بزراعة الْأَرَاضِي وَقد كثر الشراقي فِي أَعمال الْقَاهِرَة ومصر لقُصُور مد النّيل وَسُرْعَة هُبُوطه على مَا تقدم ذكره فِي السّنة الحالية. والعسكر فِي الاهتمام للعرض على السُّلْطَان وَالنَّاس قد غلب عَلَيْهِم فِي عَامَّة أَرض مصر الْقلَّة والفاقة وَعدم المبالاة بِأُمُور الدّين والشغل بِطَلَب الْمَعيشَة لقلَّة المكاسب. شهر الله الْمحرم أَوله الْأَرْبَعَاء: فِي يَوْم الْجُمُعَة ثالثه: قدم الْحمل من قبرس ومبلغه خَمْسُونَ ألف فِي ينار فرسم بضربها دَنَانِير وَفِي يَوْم السبت حادي عشره: ركب السُّلْطَان من القلعة إِلَى دَار الْأَمِير جَانِبك الدوادار. يعودهُ وَقد مرض. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَالِث عشرينه: قدم الركب الأول من الْحَج وَقدم من الْغَد يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشرينه الْمحمل بِبَقِيَّة الْحَاج وَمَعَهُمْ الشريف خشرم أَمِير الْمَدِينَة الشَّرِيفَة فِي الْحَدِيد وَقدم الْأَمِير بكتمر السَّعْدِيّ من الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة وَقدم الْحمل من عشور التُّجَّار الواردين من الْهِنْد إِلَى جدة وَهُوَ أَصْنَاف مَا بَين بهار وشاشات يكون قيمَة ذَلِك نَحْو الْخمسين ألف دِينَار. وَفِي يَوْم الْأَحَد سادس عشرينه: ابتدئ فِي هدم خَان الْحجر وقف الشهابي الششماني وَقد أَخذه السُّلْطَان وألزم سكانه بالنقلة مِنْهُ. وَكَانُوا أمة كَبِيرَة قد مرت بهم وبآبائهم فِيهِ عدَّة سِنِين فَنزل بهم مكاره كَبِير لتعذر وجود مسَاكِن يسكنون بهَا. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كَانَت فتْنَة بَين آل مهنا عرب الشَّام قتل فِيهَا الْأَمِير عذراء بن عَليّ بن نعير وَاسْتقر أَخُوهُ مُدْلِج عوضه فِي إمرة آل فضل. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 168 شهر صفر أَوله الْجُمُعَة: فِيهِ رسم أَن لَا يزرع أحد من النَّاس قصب السكر وَأَن يبْقى صنفا مُفردا للسُّلْطَان يزرعه فِي مزارعه بِجَمِيعِ الإقليم ويعصره عسلاً وقنداً وسكراً ويبيعه من غير أَن يُشَارِكهُ فِي ذَلِك أحد ثمَّ بَطل هَذَا المرسوم وَلم يعْمل بِهِ وَكثر فِي هَذَا الشَّهْر - وَالَّذِي قبله - أكل الدُّود للزراعات من البرسيم الْأَخْضَر والقمح وَنَحْو ذَلِك وَسَببه شدَّة الْحر فِي فصل الخريف وَعدم الْمَطَر وَمَعَ هَذَا فأسعار الغلال منحطة فالقمح بِمِائَة وَأَرْبَعين درهما الأردب وَالشعِير والفول بتسعين درهما الأردب. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي عشره: خلع على محب الدّين أَحْمد بن نصر الله وأعيد إِلَى قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَابِلَة عوضا عَن عز الدّين عبد الْعَزِيز الْبَغْدَادِيّ وَقد عزل لتنكر كَاتب السِّرّ عَلَيْهِ وسعايته بِهِ. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامن عشره. خلع على سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن الْمرة وَاسْتقر فِي نظر الدِّيوَان الْمُفْرد عوضا عَن عبد الْعَظِيم. وَاسْتقر عبد الْعَظِيم كاشف الجسور بالبهنساوية. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء الْمُبَارك تَاسِع عشره: ركب السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل بِثِيَاب جُلُوسه وشق من بَاب زويلة شَارِع الْقَاهِرَة حَتَّى خرج من بَاب النَّصْر إِلَى خليج الزَّعْفَرَان فَرَأى الْبُسْتَان الَّذِي أنشأه هُنَاكَ وَعَاد على تربته الَّتِي أَنْشَأَهَا بجوار تربة الظَّاهِر برقوق وَصعد إِلَى القلعة. شهر ربيع الأول أَوله يَوْم السبت: فَفِي لَيْلَة الْجُمُعَة: كَانَ المولد النَّبَوِيّ الَّذِي يعمله السُّلْطَان ويحضره بقلعة الْجَبَل على عَادَته فِي وَفِي ثَالِث عشره: أنعم بطبلخاناه الْأَمِير بكتمر السَّعْدِيّ على الْأَمِير قجقار جقطاي أحد أُمَرَاء العشرات. وَفِي تَاسِع عشره: قدم قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَفِيّ بِدِمَشْق شهَاب الدّين أَحْمد بن مَحْمُود ابْن الكشك وَقد ألزم بِحمْل عشرَة آلَاف دِينَار. وَفِي عشرينه: قدم قَاضِي الْقُضَاة الشَّافِعِي ونقيب الْأَشْرَاف بِدِمَشْق شهَاب الدّين أَحْمد بن عَليّ بن إِبْرَاهِيم بن عدنان الْحُسَيْنِي. وَقد ألزم أَيْضا بِحمْل مَال كَبِير. وَفِيه ركب السُّلْطَان وشق الْقَاهِرَة بِثِيَاب جُلُوسه على عَادَته. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 169 وَفِي أخريات هَذَا الشَّهْر: تحركت أسعار الغلال وَسَببه خسة الزَّرْع بالجيزية وَالْوَجْه البحري لعدم الْمَطَر وتوالى هبوب الرِّيَاح المريسية زِيَادَة على ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَلم تسر فِيهَا المراكب. شهر ربيع الآخر أَوله الِاثْنَيْنِ: أهل وَالنَّاس على تخوف من سوء حَال الزَّرْع وانكشاف سَاحل النّيل من الغلال وَقلة وجود الْقَمْح مَعَ هَذَا عدَّة أَيَّام وقدمت الْأَخْبَار بِكَثْرَة أمراض أهل الشَّام وَكَثْرَة موت الْخُيُول بِدِمَشْق وحماة. وَفِي ثَالِث عشرينه: خلع على القَاضِي شهَاب الدّين أَحْمد بن الكشك خلعة الِاسْتِمْرَار فِي قَضَاء وَفِي هَذِه الْأَيَّام: تتبعت أَمَاكِن الْفساد وأريقت مِنْهَا الْخُمُور الْكَثِيرَة وشدد فِي الْمَنْع من عصير الزَّبِيب وَمنع الفرنج من بيع الْخمر المجلوب من بِلَادهمْ. وَفِي سادس عشرينه: توجه الشهَاب بن الكشك إِلَى مَحل ولَايَته. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: تشكى التُّجَّار الشاميون من حملهمْ البضائع الَّتِي يشترونها من جدة إِلَى الْقَاهِرَة فَوَقع الِاتِّفَاق على أَن يُؤْخَذ مِنْهُم بِمَكَّة عَن كل حمل قل ثمنه أَو كثر ثَلَاثَة دَنَانِير وَنصف ويعفوا من حمل مَا يتبضعونه من جدة إِلَى مصر فَإِذا حملُوا ذَلِك إِلَى دمشق أَخذ مِنْهُم مكسها هُنَاكَ على مَا جرت بِهِ الْعَادة. شهر جُمَادَى الأولى أَوله الثُّلَاثَاء: فِي خامسه: غضب السُّلْطَان على الطواشي فَيْرُوز الساقي وضربه وَأخرجه إِلَى الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة. وَفِي سادسه: هدمت الحوانيت الْمَعْرُوفَة بالصيارف وبالسيوفيين فِيمَا بَين الصاغة ودرب السلسلة. وَكَانَت فِي أوقاف الْمدَارِس الصالحية فَأخذت باسم ولد الْأَمِير جَانِبك الدوادار لتعمر لَهُ مِمَّا وَرثهُ من أَبِيه. وَفِي ثَانِي عشرينه: برز من الْقَاهِرَة طَائِفَة من الْعمار ونزلوا بركَة الْحجَّاج وَسَارُوا مِنْهَا يُرِيدُونَ وَفِي سادس عشرينه: توجه السَّيِّد الشريف شهَاب الدّين أَحْمد بن عدنان إِلَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 170 دمشق بعد مَا حمل ثَلَاثَة آلَاف دِينَار وألزم بِحمْل خَمْسَة آلَاف دِينَار من دمشق سوى مَا أهدي إِلَى أَرْبَاب الدولة وَهُوَ بِمَال جم. وَفِي هَذَا الشَّهْر: انْحَلَّت أسعار الغلال وكسدت. وَفِيه كَانَت الْفِتْنَة الْكَبِيرَة. بِمَدِينَة تعز من بِلَاد الْيمن. وَذَلِكَ أَن الْملك الْأَشْرَف إِسْمَاعِيل ابْن الْملك الْأَفْضَل عَبَّاس بن الْمُجَاهِد عَليّ بن الْمُؤَيد دَاوُد بن المظفر يُوسُف بن الْمَنْصُور عمر بن عَليّ بن رَسُول لما مَاتَ قَامَ من بعده ابْنه الْملك النَّاصِر أَحْمد بن الْأَشْرَف إِسْمَاعِيل وَقَامَ بعد الْملك النَّاصِر أَحْمد ابْنه الْملك الْمَنْصُور عبد الله بن أَحْمد فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة سبع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَمَات فِي جُمَادَى الأولى سنة ثَلَاثِينَ فأقيم بعده أَخُوهُ الْملك الْأَشْرَف إِسْمَاعِيل بن أَحْمد النَّاصِر بن الْملك الْأَشْرَف إِسْمَاعِيل بن عَبَّاس فتغيرت عَلَيْهِ نيات الْجند كَافَّة من أجل وزيره شرف الدّين إِسْمَاعِيل بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن عمر الْعلوِي نِسْبَة إِلَى عَليّ بن بولان العكي فَإِنَّهُ أخر صرف جوامكهم ومرتباتهم وَاشْتَدَّ عَلَيْهِم وعنف بهم فنفرت مِنْهُ الْقُلُوب وَكَثُرت حساده لاستبداده على السُّلْطَان وانفراده بِالتَّصَرُّفِ دونه. وَكَانَ يَلِيهِ فِي الرُّتْبَة الْأَمِير شمس الدّين عَليّ بن الحسام ثمَّ القَاضِي نور الدّين عَليّ المحالبي مشد الِاسْتِيفَاء فَلَمَّا اشْتَدَّ الْأَمر على الْعَسْكَر وَكَثُرت إهانة الْوَزير لَهُم وإطراحه جانبهم ضَاقَتْ عَلَيْهِم الْأَحْوَال حَتَّى كَادُوا أَن يموتوا جوعا فاتفق تجهيز خزانَة من عدن وبرز الْأَمر بتوجه طَائِفَة من العبيد والأتراك لنقلها فسألوا أَن ينْفق فيهم أَرْبَعَة دَرَاهِم لكل مِنْهُم يرتفق بهَا فَامْتنعَ الْوَزير ابْن الْعلوِي من ذَلِك وَقَالَ: ليمضوا غصبا إِن كَانَ لَهُم غَرَض فِي الْخدمَة وَحين وُصُول الخزانة يكون خير وَإِلَّا ففسح الله لَهُم فَمَا للدهر بهم حَاجَة وَالسُّلْطَان غَنِي عَنْهُم. فهيج هَذَا القَوْل حفائظهم وتحالف العبيد وَالتّرْك على الفتك بالوزير وإثارة فتْنَة فَبلغ الْخَبَر السُّلْطَان فَأعْلم الْوَزير فَقَالَ: مَا يسوءوا شَيْئا بل نشق كل عشرَة فِي مَوضِع وهم أعجز من ذَلِك. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْخَمِيس تَاسِع جُمَادَى الْآخِرَة هَذَا: قبيل الْمغرب هجم جمَاعَة من العبيد وَالتّرْك دَار الْعدْل بتعز وافترقوا أَربع فرق فرقة دخلت الجزء: 7 ¦ الصفحة: 171 من بَاب الدَّار وَفرْقَة دخلت من بَاب السِّرّ وَفرْقَة وقفت تَحت الدَّار وَفرْقَة أخذت بِجَانِب آخر فَخرج إِلَيْهِم الْأَمِير سنقر أَمِير جندار فهبروه بِالسُّيُوفِ حَتَّى هلك وَقتلُوا مَعَه عَليّ المحالبي مشد المشدين وعدة رجال ثمَّ طلعوا إِلَى الْأَشْرَف - وَقد اختفى بَين نِسَائِهِ وتزيا بزيهن - فَأَخَذُوهُ ومضوا إِلَى الْوَزير ابْن الْعلوِي فَقَالَ لَهُم: مَا لكم فِي قَتْلَى فَائِدَة أَنا أنْفق على الْعَسْكَر نَفَقَة شَهْرَيْن فَمَضَوْا إِلَى الْأَمِير شمس الدّين عَليّ بن الحسام بن لاجين فقبضوا عَلَيْهِ وَقد اختفى وسجنوا الْأَشْرَف وَأمه وحظيته فِي طبقَة المماليك ووكلوا بِهِ وسجنوا ابْن الْعلوِي الْوَزير وَابْن الحسام قَرِيبا من الْأَشْرَف ووكلوا بهما وَقد قيدوا الْجَمِيع وَصَارَ كَبِير هَذِه الْفِتْنَة برقوق من جمَاعَة التّرْك فَصَعدَ هُوَ فِي جمَاعَة ليخرج الظَّاهِر يحيى بن الْأَشْرَف إِسْمَاعِيل بن عَبَّاس من ثعبات فَامْتنعَ أَمِير الْبَلَد من الْفَتْح لَيْلًا وَبعث الظَّاهِر إِلَى برقوق بِأَن يتمهل إِلَى الصُّبْح فَنزل برقوق ونادى فِي الْبَلَد بالأمان والاطمئنان وَالْبيع وَالشِّرَاء وَالْأَخْذ وَالعطَاء وَأَن السُّلْطَان هُوَ الْملك الظَّاهِر يحيى بن الْأَشْرَف. هَذَا وَقد نهب الْعَسْكَر عِنْد دُخُولهمْ دَار الْعدْل جَمِيع مَا فِي دَار السُّلْطَان وأفحشوا فِي نهبهم فسلبوا الْحَرِيم مَا عَلَيْهِنَّ وانتهكوا مَا حرم الله وَلم يدعوا فِي الدَّار مَا قِيمَته الدِّرْهَم الْوَاحِد وَأخذُوا حَتَّى الْحصْر وامتلأت الدَّار وَقت الهجمة بالعبيد وَالتّرْك والعامة. فَلَمَّا أصبح يَوْم الْجُمُعَة عاشره: اجْتمع بدار الْعدْل التّرْك وَالْعَبِيد وطلبوا بني زِيَاد وَبني السنبلي والخدم وَسَائِر أُمَرَاء الدولة والأعيان فَلَمَّا تَكَامل جمعهم وَوَقع بَينهم الْكَلَام فِيمَن يقيموه قَالَ بَنو زِيَاد: مَا تمّ غير يحيى فَاطَّلَعُوا لَهُ هَذِه السَّاعَة. فَقَامَ الْأَمِير زين الدّين جياش الكاملي والأمير برقوق وطلعا إِلَى ثعبات فِي جمَاعَة من الخدام والأجناد فَإِذا الْأَبْوَاب مغلقة وصاحوا بِصَاحِب الْبَلَد حَتَّى فتح لَهُم ودخلوا إِلَى الْقصر فَسَلمُوا على الظَّاهِر يحيى بالسلطنة وسألوه أَن ينزل مَعَهم إِلَى دَار الْعدْل فَقَالَ: حَتَّى يصل الْعَسْكَر أجمع. ففكوا الْقَيْد من رجلَيْهِ وطلبوا الْعَسْكَر بأسرهم فطلعوا بأجمعهم وأطلعوا مَعَهم بِعشْرَة جنائب من الاصطبل السلطاني فِي عدَّة بغال فَتقدم التّرْك وَالْعَبِيد وَقَالُوا للظَّاهِر: لَا نُبَايِعك حَتَّى تحلف لنا أَنه لَا يحدث علينا مِنْك سوء بِسَبَب هَذِه الفعلة وَلَا مَا سبق قبلهَا. فَحلف لَهُم وَلِجَمِيعِ الْعَسْكَر وهم يعددون عَلَيْهِ الْأَيْمَان ويتوثقون مِنْهُ وَذَلِكَ بِحَضْرَة قَاضِي الْقُضَاة موفق الدّين عَليّ بن النَّاشِرِيّ ثمَّ حلفوا لَهُ على مَا يحب ويختار فَلَمَّا انْقَضى الْحلف وتكامل الْعَسْكَر ركب وَنزل إِلَى دَار الْعدْل فِي أهبة السلطنة فَدَخلَهَا بعد صَلَاة الْجُمُعَة فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وعندما الجزء: 7 ¦ الصفحة: 172 اسْتَقر بِالدَّار أَمر بإرسال ابْن أَخِيه الْأَشْرَف إِسْمَاعِيل إِلَى ثعبات فطلعوا بِهِ وقيدوه بالقيد الَّذِي كَانَ الظَّاهِر يحيى مُقَيّدا بِهِ وسجنوه بِالدَّار الَّتِي كَانَ مسجوناً بهَا ثمَّ حمل بعد أَيَّام إِلَى الدملوه وَمَعَهُ أمه وجاريته وأنعم السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر يحيى على أَخِيه الْملك الْأَفْضَل عَبَّاس. بِمَا كَانَ لَهُ وخلع عَلَيْهِ وَجعله نَائِب السلطة كَمَا كَانَ فِي أول دولة النَّاصِر وخمدت الْفِتْنَة. وَكَانَ الَّذِي حرك هَذَا الْأَمر بَنو زِيَاد فَقَامَ أَحْمد بن مُحَمَّد بن زِيَاد الكاملي بأعباء هَذِه الْفِتْنَة لحنقه على الْوَزير ابْن الْعلوِي فَإِنَّهُ كَانَ قد مالأ على قتل أَخِيه جياش وخذل عَن الْأَخْذ بثأره وَصَارَ يمتهن بني زِيَاد ثمَّ ألزم الْوَزير ابْن الْعلوِي وَابْن الحسام بِحمْل المَال وعصرا على كعابهما وأصداغهما وربطا من تَحت إبطهما وعلقا منكسين وَضَربا بالشيب والعصا وهما يوردان المَال فَأخذ من ابْن الْعلوِي - مَا بَين نقد وعروض - ثَمَانُون ألف دِينَار وَمن ابْن الحسام مبلغ ثَلَاثِينَ ألف دِينَار وَاسْتقر برقوق أَمِير جندار وَاسْتقر الْأَمِير بدر الدّين مُحَمَّد الشمسي أتابك الْعَسْكَر وَاسْتقر ابْنه الْعَفِيف أَمِير أخور ثمَّ اسْتَقر الْأَمِير بدر الدّين الْمَذْكُور أستادارا وَشرع فِي النَّفَقَة على الْعَسْكَر وَظهر من السُّلْطَان نبل وكرم وشهامة ومهابة بِحَيْثُ خافه الْعَسْكَر بأجمعهم فَإِن لَهُ قُوَّة وشجاعة حَتَّى أَن قوسه يعجز من عِنْدهم من التّرْك عَن جَرّه مدحه الْفَقِيه يحيى بن رويك بقصيدة أَولهَا: بدولة ملكنا يحيى الْيَمَانِيّ بلغنَا مَا نُرِيد من الْأَمَانِي سيحيى بِابْن إِسْمَاعِيل يحيى أنَاس أدركتهم موتتان فَكتب بِخَطِّهِ على الْحَاشِيَة الموتتان هِيَ دولة الْمَنْصُور والأشرف. وَكَانَت عدَّة هَذِه القصيدة أحد وَأَرْبَعين بَيْتا فَقَالَ: ثمنوها. وَأَجَازَ عَلَيْهَا بِأَلف دِينَار أحضرت لَهُ فِي الْمجْلس وبهذه الكائنة اخْتَلَّ ملك بني رَسُول. شهر جُمَادَى الْآخِرَة أَوله الْخَمِيس: فِي خامسه: أنعم عَليّ الْأَمِير شارقطلوا وخلع عَلَيْهِ فاستقر أَمِيرا كَبِيرا أتابك العساكر عوضا عَن يشبك الساقي بِحكم وَفَاته. فِي سادسه: أحضرت هَدِيَّة ملك كلبرجة من الْهِنْد وَهِي أَرْبَعَة سيوف وَسِتَّة عشر جمالاً عَلَيْهَا شاشات وأزر وَقد أهْدى إِلَى غير وَاحِد من أَعْيَان الدولة وَسَأَلَ أَن تمكن رسله من بِنَاء رِبَاط بالقدس وَكَانَ من خبر الْهِنْد أَن بِلَاد الْهِنْد قِسْمَانِ قسم بيد أهل الْكفْر وهم الْأَكْثَر وَقسم بأيدي الْمُسلمين. وَكَانَ ملك الْهِنْد صَاحب مَدِينَة دله الجزء: 7 ¦ الصفحة: 173 وَهِي قَاعِدَة الْملك. وَكَانَ ملكهَا فَيْرُوز شاه بن نصْرَة شاه من عُظَمَاء مُلُوك الْإِسْلَام فَلَمَّا مَاتَ ملك دله بعده مَمْلُوكه ملو وَعَلِيهِ قدم الْأَمِير تيمور لنك بعد سنة ثَمَانمِائَة وأوقع بِالْهِنْدِ وقيعة شنعاء وَخرب مَدِينَة دله وَعَاد إِلَى بِلَاده فَأتى بِلَاد الشَّام بعد ذَلِك. وَكَانَ ملو قد فر مِنْهُ فَعَاد مسير تيمور لنك إِلَى دله وَمضى مِنْهَا إِلَى ملطان فَخرج عَلَيْهِ خضر خَان بن سُلَيْمَان وحاربه فَقتل فِي الْحَرْب. وَكَانَ قد ملك دله دولة يار فنازله خضر خَان وحصره مُدَّة ففر مِنْهُ وَملك خضر خَان دله حَتَّى مَاتَ فَقَامَ من بعده ابْنه مبارك شاه بن خضر خَان هَذَا وَقد انقسمت بعد أَخذ تيمور مَدِينَة دله مملكة الْهِنْد وَصَارَ بهَا عدَّة مُلُوك أَجلهم ملك بنجالة وَملك كلبرجة وَملك بزرات. فَأَما بنجالة فَقَامَ بهَا رجل من أهل سجستان يُقَال لَهُ شمس الدّين فَلَمَّا مَاتَ قَامَ من بعده ابْنه اسكندر شاه ثمَّ ابْنه غياث الدّين أعظم شاه بن اسكندر شاه بن شمس الدّين وَمَات سنة خمس عشرَة وَثَمَانمِائَة فَملك بعده ابْنه سيف الدّين حَمْزَة فثار عَلَيْهِ مَمْلُوكه شهَاب الدّين وَقَتله فَلم يتهن بعد أستاذه وَأَخذه الْكَافِر فندو وَملك بنجالة وَمَا مَعهَا فثار عَلَيْهِ وَلَده - وَقد أسلم - وَقَتله وَملك بنجالة وَتسَمى. بِمُحَمد وتكنى بِأبي المظفر وتلقب بِجلَال الدّين ثمَّ جدد مَا دثر أَيَّام أَبِيه فندو من الْمَسَاجِد وَأقَام معالم الْإِسْلَام. فَأَما كلبرجة فَإِن مُحَمَّد شاه صَاحب مَدِينَة دله بعث إِلَيْهَا حسن بهمن فَأَخذهَا لَهُ وَأقَام نائبها عَن مُحَمَّد شاه حَتَّى مَاتَ فَقَامَ ابْنه أَحْمد بن حسن بهمن ثمَّ قَامَ بعد أَحْمد ابْنه فَيْرُوز شاه بن أَحْمد بن حسن بهمن ثمَّ قَامَ بعده أَخُوهُ شهَاب الدّين أَحْمد أَبُو الْمَغَازِي بن أَحْمد بن حسن بهمن وَهُوَ الَّذِي بعث الْهَدِيَّة الْمَذْكُورَة. وَأما بزرات وكنباية فَإِن ظفر خَان كَانَ ساقيًا عِنْد الْملك فَيْرُوز شاه بن نصْرَة شاه صَاحب دله فولاه كنباية على ألف ألف تنكة حَمْرَاء عَنْهَا من الذَّهَب ثَلَاثَة آلَاف ألف مِثْقَال وَخَمْسمِائة ألف مِثْقَال. وَكَانَ ظفر هَذَا كَافِرًا وَله أَخ اسْمه لاكه. وَفِي ولَايَته خرب تيمور دله فَقَامَ عَلَيْهِ ابْنه تتر خَان وسجنه وصانع تيمور فأقره فَلَمَّا سَار تيمور عَن الْهِنْد خرج لاكه على ابْن أَخِيه تتر خَان وَقَتله وَأعَاد أَخَاهُ ظفر خَان إِلَى ملكه فَوَثَبَ أَحْمد خَان بن تتر خَان بن ظفر خَان على جده وَقَتله وأحرق عَم أَبِيه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 174 لاكه وَذَلِكَ بعد سنة عشر وَثَمَانمِائَة. وَقد أسلم وتلقب بالسلطان. وَمَا عدا هَذِه المماليك الثَّلَاثَة فَإِنَّهَا دونهَا كديوه ومهايم وتانه وَنَحْو ذَلِك مِمَّا هُوَ وَفِي ثامن جُمَادَى: الْمَذْكُور خلع على الْأَمِير الْكَبِير شارقطلوا وَاسْتقر فِي نظر المارستان المنصوري بِالْقَاهِرَةِ وَنزل إِلَيْهِ على الْعَادة. وَفِي عاشره: كتب بِحُضُور الْأَمِير صرماش قاشق نَائِب طرابلس ليستقر أَمِير مجْلِس وَكتب إِلَى الْأَمِير طرباي الْمُقِيم بالقدس بطالاً أَن يسْتَقرّ فِي نِيَابَة طرابلس وجهز إِلَيْهِ خيل ليرْكبَهَا ورسم لمن فِي خدمَة الْأُمَرَاء من مماليكه أَن يتوجهوا إِلَيْهِ. وَفِي تَاسِع عشرينه: قدمت رسل ملك الرّوم بِمَدِينَة برصا مُرَاد بك بن كرشجي مُحَمَّد بن بايزيد بِكِتَاب وهدية فاحتفل السُّلْطَان لقدومهم وأركب الْعَسْكَر إِلَى لقائهم. وَمن خبر مُلُوك الرّوم أَن خوندكار بايزيد بن مُرَاد بن عُثْمَان ترك أَرْبَعَة أَوْلَاد: سلمَان وَهُوَ أكبرهم ومحمداً وَعِيسَى ومُوسَى فَقَامَ بِالْأَمر سلمَان وَأقَام ببر قسطنطنية فِي مَدِينَة أدرنة وكالي بولِي وَقَامَ أَخُوهُ عِيسَى. بِمَدِينَة برصا وتحاربا فَقتل عِيسَى واستبد سلمَان. مملكة أَبِيه فثار عَلَيْهِ أَخُوهُ مُوسَى وحاربه فَقتل سلمَان وَملك بعده مُوسَى ببر أدرنة وَقَامَ ببرصا أَخُوهُ مُحَمَّد كرشجي وقاتله فَقتل مُوسَى واستبد بالمملكة حَتَّى مَاتَ فأقيم من بعده ابْنه مُرَاد بك بن مُحَمَّد كرشجي. وَفِي هَذَا الشَّهْر: اتضع سعر الغلال بديار مصر وكسدت فأبيع الأردب الْقَمْح بِمِائَة وَأَرْبَعين وَفِيه أَخذ السُّلْطَان خَان مسرور والرباع الَّتِي تعلوه وَذَلِكَ أَنه قومت أنقاضه بِاثْنَيْ عشر ألف دِينَارا رصد مِنْهَا تَحت يَد مباشري السُّلْطَان تِسْعَة آلَاف دِينَار لعمارة الرّبع فَصَارَ النّصْف وَالرّبع للسُّلْطَان وأقبض قَاضِي الْقُضَاة عَن ثمن أنقاض الرّبع ثَلَاثَة آلَاف دِينَار على أَنه إِذا كملت يكون ريعه جَارِيا تَحت نظر الحكم الْعَزِيز الشَّافِعِي يصرف ريعه فِيمَا كَانَ يصرف فِيهِ ريع الأَصْل. شهر رَجَب أَوله السبت: فِيهِ عملت الْخدمَة بالإيوان من دَار الْعدْل من القلعة وأحضرت رسل مُرَاد بن عُثْمَان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 175 ملك الرّوم بيرصا. وَكَانَ موكباً جَلِيلًا أركب فِيهِ الْأُمَرَاء ومماليك السُّلْطَان وأجناد الْحلقَة. وَفِيه ابتدئ بهدم خَان مسرور. وَفِي سابعه: خلع عَليّ القَاضِي كَمَال الدّين مُحَمَّد ابْن القَاضِي نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ وَاسْتقر فِي كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق عوضا عَن بدر الدّين حُسَيْن بِحكم وَفَاته. وَكَانَ القَاضِي كَمَال الدّين مُنْذُ من عزل نظر الْجَيْش بعد كِتَابَة السِّرّ ملازماً لداره على أجمل حَالَة وأمثل طَريقَة من الصيانة والديانة وَالْوَقار والسكينة وَتردد الأكابر والأعيان إِلَى بَابه وَكَثُرت مداراته وَبسط يَده بِالْإِحْسَانِ. وَفِي عاشره: خلع عَليّ عز الدّين عبد السَّلَام بن دَاوُد بن عُثْمَان العجلوني الْقُدسِي أحد خلفاء الحكم الشَّافِعِيَّة وَاسْتقر فِي تدريس الصلاحية بالقدس عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد بن عبد الدايم الْبرمَاوِيّ. وَعز الدّين هَذَا قدم الْقَاهِرَة بعد كائنة تيمور فبلونا مِنْهُ فَضِيلَة وَمَعْرِفَة بِالْحَدِيثِ وَغَيره وَصَحب كَاتب السِّرّ فتح الله وناب فِي الحكم فاشتهر ثمَّ نوه بِهِ نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ كَاتب السِّرّ وَصَارَ يزاحم الأكابر فِي المحافل ويناطح الفحول بِقُوَّة بَحثه وشهامته وغزارة علمه وَنعم الرجل هُوَ. وَفِي حادي عشره: أدير محمل الْحَاج على الْعَادة فِي كل سنة. وَفِي تَاسِع عشره: كتب باستقرار السَّيِّد الشريف شهَاب الدّين أَحْمد بن عدنان فِي نظر الْجَيْش بِدِمَشْق عوضا عَن بدر الدّين حُسَيْن وحملت إِلَيْهِ الخلعة والتوقيع على يَد نجاب. وَفِي ثَانِي عشرينه: سَار القَاضِي كَمَال الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ إِلَى مَحل ولَايَته. وَلَقَد استوحشنا لغيبته فَالله يمن علينا بجميل عودته. وَفِي ثَالِث عشرينه: قدم الْأَمِير جرباش قاشق من طرابلس وَاسْتقر أَمِير مجْلِس. وَفِي هَذَا الشَّهْر: تحرّك سعر الغلال فأبيع الشّعير كل أردب بِمِائَة وَخَمْسَة وَعشْرين بعد تسعين وأبيع الفول بِمِائَة وَسِتِّينَ وأبيع الْقَمْح بِمِائَة وَسِتِّينَ وأبيع الْقَمْح بِمِائَة وَسِتِّينَ بعد مائَة وَأَرْبَعين. هَذَا مَعَ دُخُول الغلات الجديدة إِلَّا أَن الفأر كثر عبثه فِي الغلال وَوَقعت صقعة فِي عَاشر طوبة من أشهر القبط بِبِلَاد الصَّعِيد تلف بهَا أَكثر الفول وَهُوَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 176 أَخْضَر وَكَانَت الشراقي كَثِيرَة فَلم يزرع مَا شَرق من الْأَرَاضِي وأكلت الدودة مَوَاضِع مزروعة وَلم يزل الغلاء يترقب فِي هَذِه السّنة مُنْذُ هَبَط النّيل سَرِيعا إِلَّا أَن الله تَعَالَى أرْخى الأسعار لطفاً مِنْهُ بعباده إِن الله بِالنَّاسِ لرءوف رَحِيم الْحَج الْآيَة 65 وقدمت الْأَخْبَار بِأَن أَرَاضِي حوران بِالشَّام لم تزرع لعدم الْمَطَر وَأَن الغلاء قد اشْتَدَّ بالحجاز لعدم الْغَيْث بِهِ. وَفِيه فَشَتْ أمراض حادة فِي النَّاس بِبِلَاد الصَّعِيد وَكثر الموتان لاسيما بِمَدِينَة هُوَ وبوتيج ومنشية أخميم وَمَا حولهَا. شهر شعْبَان أَوله الْأَحَد: أهل وأسعار الغلال أَخْذَة فِي الِارْتفَاع وَلم يكد يُوجد عِنْد قطاف عسل النَّحْل مِنْهُ شَيْء. وَهلك النَّحْل من قلَّة المراعي وَعز وجود الفول لقلَّة مَا تحصل مِنْهُ عِنْد الدراس وَقل الحمص أَيْضا وخس الكنان. وَفِي سادس عشره: تَوَجَّهت تجريدة عدتهَا خَمْسُونَ مَمْلُوكا إِلَى يَنْبع. شهر رَمَضَان أَوله الِاثْنَيْنِ: فِي ثَانِيه - الْمُوَافق لسابع عشْرين بؤونة -: نُودي على النّيل ثَلَاثَة أَصَابِع بعد مَا أَخذ القاع فَكَانَ ثَلَاثَة أَذْرع وَعشر أَصَابِع. وَفِيه عزل سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن الْمرة من نظر الدِّيوَان الْمُفْرد وَولي عوضه زين الدّين يحيى قريب الْأَمِير فَخر الدّين بن أبي الْفرج. وَفِي عشرينه: أخرج قانصوه - أحد أُمَرَاء الطبلخاناه - لنيابة طرسوس وأضيف إقطاعه إِلَى الدِّيوَان الْمُفْرد. وقانصوه هَذَا أحد مماليك الْأَمِير نوروز الحافظي وَصَارَ إِلَى الْمُؤَيد شيخ بعد قتل نوروز فرقاه حَتَّى صَار أَمِير طبلخاناه وَهُوَ أحد الفرسان الْمَشْهُورين وكبير الطَّائِفَة النوروزية. وَفِي هَذَا الشَّهْر: بلغ الْقَمْح إِلَى مِائَتَيْنِ وَسِتِّينَ درهما الأردب وأناف الأردب من الشّجر والفول على الْمِائَتَيْنِ وَبَلغت البطة الدَّقِيق - وَهِي خَمْسُونَ رطلا - ثَمَانِينَ درهما. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 177 وَفِيه قدم إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة مركبان من مراكب طَائِفَة الفرنج القطلان لأخذ الْمَدِينَة فَإِذا النَّاس على يقظة وأهبة لَهُم فَإِن متملك قبرس كَانَ قد بعث يحذر مِنْهُم فردهم الله خائبين. وَفِيه قدم الْحمل من قبرس. فِي حادي عشره: ركب السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل فشق الْقَاهِرَة وَنظر إِلَى عِمَارَته وَنزل إِلَى المارستان المنصوري فَعَاد المرضي وَعَاد إِلَى القلعة. وَفِي ثَانِي عشره - الْمُوَافق لأوّل مسرى -: نُودي على النّيل بِزِيَادَة أَرْبَعَة وَعشْرين إصبعاً لتتمة اثْنَي عشر ذِرَاعا وَعشر أَصَابِع وَهَذَا مِمَّا يستكثر من زِيَادَة النّيل. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: هدمت الحوانيت الَّتِي تجاه شبابيك الْمدرسَة الصالحية الَّتِي بجوار قبَّة الْملك الصَّالح. وَكَانَت فِي وقف الجو كندار وَكَانَ هدمها فِي رابعه. وَفِي سادسه: توجه سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن الْمرة إِلَى جدة لأخذ مكوس التُّجَّار الواردين من الْهِنْد وَقد أُعِيد إِلَى ولَايَته. وَفِي حادي عشره: سَارَتْ تجريدة خَمْسُونَ مَمْلُوكا عَلَيْهَا الْأَمِير أرنبغا - أحد أُمَرَاء العشرات - وسببها أَن الْخَبَر ورد من مَكَّة بِأَن بني عجلَان أخوة الشريف بَرَكَات بن عجلَان مُتَوَلِّي مَكَّة طلبُوا من شاهين المتوجه إِلَى جدة أَن يَأْخُذُوا مِمَّا يتَحَصَّل مَا كَانَت عَادَتهم أَخذه فِي أَيَّام أَبِيهِم الشريف حسن بن عجلَان فَمَنعهُمْ من ذَلِك فهددوه بِالْقَتْلِ وَأَن كثيرا من القواد قد قَامَ مَعَهم فَأخْرج التجريدة تَقْوِيَة لِابْنِ الْمرة على حفظ المَال. وَفِي عشرينه: خرج محمل الْحَاج على الْعَادة إِلَّا أَنه أَنَاخَ ببركة الْحجَّاج وَلم ينزل بالريدانية خَارج الْقَاهِرَة وَخرج مَعَه أَمِير الْحَاج الْأَمِير قرا سنقر الَّذِي كَانَ كاشف الجيزة وَقد خرج أَمِير الركب الأول الْأَمِير أينال الششماني الْمُحْتَسب - أحد رُءُوس النوب - واستناب عَنهُ فِي الْحِسْبَة دواداره. وَفِي خَامِس عشرينه - الْمُوَافق لَهُ رَابِع عشر مسرى -: كَانَ وَفَاء النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا وَركب الْمقَام الناصري مُحَمَّد بن السُّلْطَان وَمَعَهُ الأتابك شارقطلوا وَغَيره من الْأُمَرَاء حَتَّى خلق المقياس وَفتح الخليج على الْعَادة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 178 وَفِي ثامن عشرينه: أمسك الْأَمِير قطش أحد أُمَرَاء الألوف والأمير جرباش قاشق أَمِير مجْلِس وَحمل قطش فِي الْحَدِيد إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجن بهَا وَأخرج الْأَمِير جرباش قاشق الكريمي بِغَيْر قيد إِلَى دمياط. وَفِيه خلع على الْأَمِير أينال الجلالي الأجرود وَاسْتقر فِي نِيَابَة غَزَّة عوضا عَن الْأَمِير تمراز الدقماقي وأنعم بطبلخاناته على الْأَمِير تمراز الدوادار وَكتب بإحضار الْأَمِير بيبغا المظفري من الْقُدس وَقد نقل إِلَيْهَا من دمياط من نَحْو شهر. وَفِي هَذَا الشَّهْر: انحل سعر الغلال وَقل طالبها وَعز وجود اللَّحْم بالأسواق أَحْيَانًا. شهر ذِي الْقعدَة الْحَرَام أَوله الْجُمُعَة: أهل وأسعار الغلال رخيصة فَأخذت فِي الِارْتفَاع وَعز وجود التِّبْن فَبلغ الْحمل مِائَتي دِرْهَم وَعز وجود اللَّحْم أَيْضا وفقد من الْأَسْوَاق وَصَارَت المماليك تخرج إِلَى الضواحي فِي طلب التِّبْن لخيولها فتأخذ بالعسف على عَادَتهَا فَامْتنعَ النَّاس من جلبه من الأرياف وَلم يقدر عَلَيْهِ أحد بعد ذَلِك فندب السُّلْطَان طَائِفَة من غلمانه لِلْخُرُوجِ إِلَى الأرياف بالجمال السلطانيه وَشِرَاء التِّبْن من النواحي وَأَن يكون بِمِائَة دِرْهَم الْحمل وَتوقف الْجمال المحملة التِّبْن تَحت القلعة وَيُبَاع الْحمل مِنْهُ بِمِائَة وَأَرْبَعين درهما وَمنع المماليك من الْخُرُوج إِلَى الضواحي فِي طلب التِّبْن وَأَن لَا يَشْتَرِي أحد التِّبْن إِلَّا من تَحت القلعة فتمشي الْحَال فِي وجوده. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: تعدى سعر الْقَمْح ثَلَاثمِائَة دِرْهَم الأردب والفول مِائَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَالشعِير مِائَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وفقدت الغلال من الْغِرَاس مَعَ كثرتها وتوفر زِيَادَة النّيل فَإِنَّهُ بلغ إِلَى يَوْم النوروز - وَهُوَ يَوْم الْأَحَد سَابِع عشره - ثَمَانِيَة عشر ذِرَاعا وَأَرْبَعَة عشر إصبعاً. وَهَذَا مِمَّا يستكثر من زِيَادَة النّيل إِلَّا أَن الْأُمَرَاء والأعيان شرهوا فِي الْفَوَائِد وشاركوا من دونهم فِي إدخار الغلال وَغَيرهَا من البضائع رَجَاء الْفَائِدَة فعز وجود الغلال وارتفع سعرها وفقد الْخبز من الْأَسْوَاق أَحْيَانًا وَصَارَت وُلَاة الْأُمُور مَعَ ذَلِك بعيدَة عَن معرفَة طرق الْمصَالح فَإِن غَايَة مقاصدهم إِنَّمَا هِيَ أَخذ المَال على كل وَجه أمكن أَخذه فَلهَذَا اختلت الْأَحْوَال وضاعت الْمصَالح. وَفِي حادي عشرينه: قدم الْأَمِير بيبغا المظفري من الْقُدس وأنعم عَلَيْهِ بإمرة جرباش قاشق وإقطاعه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 179 شهر ذِي الْحجَّة الْحَرَام أَوله السبت: أهل والغلال عزيزة الْوُجُود مَعَ كثرتها فِي الشون والمخازن وإمساك أَرْبَابهَا أَيْديهم عَن بيعهَا لأملهم فِيهَا غَايَة الرِّبْح فَبلغ الْقَمْح أَرْبَعمِائَة دِرْهَم الأردب والبطة الدَّقِيق مائَة وَثَلَاثِينَ درهما وَالشعِير ثَلَاثمِائَة دِرْهَم الأردب والفول بِنَحْوِ ذَلِك وأبيع الفدان البرسيم بِأَلف دِرْهَم فَفرج الله عَن عباده وانحل السّعر حَتَّى أبيع الْقَمْح بثلاثمائة وَخمسين درهما الأردب وَمَا دونهَا وكسدت الغلال حَتَّى لَا يجد من يطْلبهَا. وَفِي لَيْلَة الْخَمِيس سادسه: قبض على الْأَمِير أزبك الدوادار وَأخرج من ليلته إِلَى الْقُدس بطالا وَقبض على عدَّة من الخاصكيته وَسبب ذَلِك أَنه فِي أخريات ذِي الْقعدَة الْحَرَام بلغ السُّلْطَان أَن جمَاعَة من خاصكيته ومماليكه يُرِيدُونَ الفتك بِهِ وَقَتله لَيْلًا فَقبض على عدَّة مِنْهُم فِي أَيَّام مُتَفَرِّقَة وَنفي جمَاعَة مِنْهُم إِلَى الشَّام وقوص وعاقب طَائِفَة مِنْهُم فكثرت القالة وَاشْتَدَّ الإرجاف وَأخذ السُّلْطَان فِي الاستعداد والحذر وَسقط عَلَيْهِ مرَارًا سِهَام من طباق المماليك سلمه الله تَعَالَى مِنْهَا. وبلغه أَن المماليك كَانَت تَجْتَمِع بأزبك. وَفِي ثامنه: خلع على الْأَمِير أركماس الظَّاهِرِيّ رَأس نوبَة. وَاسْتقر دواداراً كَبِيرا عوضا عَن أزبك وخلع على الْأَمِير تمراز القادم من غَزَّة وَاسْتقر رَأس نوبَة عوضا عَن أركماس وأنعم على الْأَمِير يشبك المشد وأنعم بطبلخاناه يشبك على أقبغا الخازندار وَاسْتقر الطواشي صفي الدّين جَوْهَر السيفي قنقباي اللالا خازنداراً عوضا عَن أقبغا فَبلغ الِاخْتِصَاص بالسلطان مبلغا كَبِيرا. وَفِي ثَانِي عاشره - الْمُوفق ثَالِث عشر توت -: نُودي على النّيل بِزِيَادَة إِصْبَع لتتمة زِيَادَته عشْرين ذِرَاعا سَوَاء وابتدأ نَقصه من الْغَد. وَفِي سَابِع عشره: خلع على الْأَمِير تَاج الدّين الشويكي وَالِي الْقَاهِرَة وَاسْتقر مهمنداراً عوضا عَن حرز - مُضَافا بِمَا بِيَدِهِ من الْولَايَة وَشد الدَّوَاوِين والحجوبية - وَهُوَ من مجالسي السُّلْطَان فِي مجالسه الْخَاصَّة. وَفِي سَابِع عشرينه: قدم مبشرو الْحَاج وأخبروا بسلامة الْأَمْن والرخاء وَأَنه قدم محمل من الْعرَاق مَعَه أَرْبَعمِائَة جمل تحمل الْحَاج جهزه حُسَيْن بن عَليّ ابْن السُّلْطَان أَحْمد بن أويس من الْحلَّة وَكَانَ قد استولى على ششتر وصاهر الْعَرَب فقوي بهم وناهض شاه مُحَمَّد بن قرا يُوسُف صَاحب بَغْدَاد. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 180 وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر شمس الدّين مُحَمَّد بن يَعْقُوب النّحاس الدِّمَشْقِي فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث الْمحرم وَهُوَ من عَامَّة دمشق تشفع بِي لما قدمت دمشق فِي سنة عشر وَثَمَانمِائَة أَن يَلِي حسبَة الصالحية ثمَّ قدم الْقَاهِرَة فِي سنة اثْنَي عشرَة وَولي حسبَة الْقَاهِرَة ثمَّ وزارة دمشق فَلم تحمد سيرته وَلَا شكرت طَرِيقَته. وَمَات أَمِير الْمَلأ عذراء بن عَليّ بن نعير بن حيار بن مهنا مقتولا فِي الْمحرم. وَمَات الْأَمِير بكتمر السَّعْدِيّ فِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشر شهر ربيع الأول وَكَانَ قد رباه الْأَمِير سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب صَغِيرا فِي حجور نِسَائِهِ فَنَشَأَ على أجمل طَريقَة من الدّيانَة وَطلب الْعلم وترقى بعد أستاذه حَتَّى صَار من أُمَرَاء الطبلخاناه وَلم يخلف فِي أَبنَاء جنسه مثله دينا وعلماً وشجاعة وَمَعْرِفَة. وَمَات الشَّيْخ سعيد المغربي فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشر شهر ربيع الأول. وَكَانَ مجاوراً بالجامع الْأَزْهَر عدَّة سِنِين وَلِلنَّاسِ فِيهِ اعْتِقَاد ويؤثرون عَنهُ كرامات وَترك مَالا يبلغ الألفي دِينَار ذَهَبا مَا بَين ذهب وَفِضة وفلوس وَقد علت سنه وَطَالَ مَرضه. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين جَانِبك الدوادار فِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشْرين شهر ربيع الأول وَكَانَ قد رباه السُّلْطَان صَغِيرا وتقلب مَعَه فِي تقلباته. فَلَمَّا تسلطن رقاه حَتَّى صَار أجل الْأُمَرَاء وعذقت بِهِ أُمُور الدولة كلهَا فاعتبط قبل بُلُوغ الثَّلَاثِينَ - وَكَانَ فطناً ذكياً شهماً - وَتَوَلَّى السُّلْطَان تمريضه وَنزل إِلَيْهِ وَحضر وَفَاته وَدَفنه وَله جَامع بهج الَّذِي فِي الشَّارِع خَارج بَاب زويلة بِالْقربِ من اليانسية. وَمَات الْأَمِير أزدمر شايه فِي سادس شهر ربيع الآخر بحلب وَهُوَ أحد المماليك الظَّاهِرِيَّة الَّذين خَرجُوا من الْقَاهِرَة فِي أَيَّام الْفِتَن والتحق بالأمير شيخ وتقلبت بِهِ الْأَحْوَال مَعَه فرقاه لما تسلطن حَتَّى صَار من أُمَرَاء الألوف ثمَّ خرج فِي الْأَيَّام الأشرفية من الْقَاهِرَة وَلم يشْكر فِي دينه وَلَا فِي أَمر دُنْيَاهُ بل كَانَ من الظُّلم وَالشح والإعراض عَن الله بمَكَان. وَمَات الْأَمِير كمشبغا الجمالي فِي يَوْم الْجُمُعَة رَابِع جُمَادَى الأولى. وَهُوَ أحد المماليك الظَّاهِرِيَّة وَمن جملَة أُمَرَاء الطبلخاناه وشهرته جميلَة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 181 وَمَات الْأَمِير الْكَبِير الأتابك سيف الدّين يشبك الساقي الْأَعْرَج فِي يَوْم السبت ثَالِث جُمَادَى الْآخِرَة. وَهُوَ أحد المماليك الظَّاهِرِيَّة الَّذين خَرجُوا فِي أَيَّام الْفِتَن وَمِمَّنْ لَهُ فِي تِلْكَ الْفِتَن ذكر وَكَانَ أَولا من أَتبَاع نوروز الحافظي فِي قِيَامه بِالشَّام ثمَّ صَار مَعَ الْأَمِير شيخ فَلم يقبل عَلَيْهِ ونفاه إِلَى مَكَّة ثمَّ حمله مِنْهَا إِلَى الْقُدس فَأحْضرهُ الْأَمِير ططر بعد موت الْمُؤَيد شيخ وانعم عَلَيْهِ بإمرة فرقاه السُّلْطَان إِلَى أَن صَار الأتابك وَهُوَ الَّذِي أثار الْفِتْنَة بِمَكَّة حنقا على الشريف حسن بن عجلَان حَتَّى وَقع بهَا مَا وَقع. وَكَانَ يقْرَأ الْقُرْآن ويشدو شَيْئا من الْفِقْه ويؤثر عَنهُ ديانه وعفة إِلَّا عَن المَال فَإِن لَهُ فِي الشُّح والطمع أَخْبَار سَيِّئَة. وَمَات نجم الدّين حُسَيْن بن عبد الله السامري الأَصْل كَاتب السِّرّ وناظر الْجَيْش بِدِمَشْق يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة وَكَانَ من سَمُرَة دمشق يعاني كِتَابَة الديونة وخدم عِنْد الْأَمِير بكتمر شلق وَقدم إِلَيْنَا الْقَاهِرَة مَعَه فِي الْأَيَّام الناصرية وَهُوَ بزِي الْمُسلمين فَلَمَّا كَانَت الْأَيَّام الأشرفية جمع لَهُ بَين كِتَابَة السِّرّ وَنظر الْجَيْش بِدِمَشْق وَلم يجتمعا لأحد قبله وطالت أَيَّامه وَكثر مَاله حَتَّى أَتَاهُ حمامه وَلم يشهر بِفضل وَلَا دين. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن عبد الدايم بن مُوسَى الْبرمَاوِيّ مدرس الصلاحية بالقدس فِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة وَقد أناف على السِّتين بل قَارب السّبْعين. كَانَ أَبوهُ يُؤَدب الْأَطْفَال فَنَشَأَ ابْنه هَذَا وَطلب الْعلم حَتَّى برع فِي الْفِقْه على مَذْهَب الشَّافِعِي وَفِي الْأُصُول والْحَدِيث والنحو وناب فِي الحكم بِالْقَاهِرَةِ قَلِيلا ثمَّ خرج إِلَى دمشق لضيق حَاله فَأكْرمه قَاضِي الْقُضَاة نجم الدّين عمر بن حجي وَرفع من مِقْدَاره ثمَّ نوه بِهِ لما ولي كِتَابَة السِّرّ بديار مصر. وَولي الصلاحية بالقدس حَتَّى مَاتَ بهَا وَله مصنفات مفيدة. وَمَات بدر الدّين حسن بن أَحْمد بن مُحَمَّد البرديني أحد خلفاء الحكم الشَّافِعِي فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ خَامِس عشْرين شهر رَجَب وَقد أناف على الثَّمَانِينَ. وَكَانَت فِيهِ عصبية ومحبة لقَضَاء حوائج النَّاس. وَلم يُوصف بِعلم وَلَا دين صحبناه سِنِين ومستراح مِنْهُ. وَمَات الْأَمِير قجقار جقطاي فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ هَذَا. وَهُوَ أحد أُمَرَاء الطبلخاناه الَّذين أنشأهم الْمُؤَيد شيخ وَسَار فِي إقطاعه سيرة جميلَة حَتَّى أَنه عمر الخراب ورفق بالفلاحين فزرع فِي أَيَّامه مَا كَانَ بوراً. وَمَات الْأَمِير جَانِبك ابْن الْأَمِير حُسَيْن ابْن السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون الجزء: 7 ¦ الصفحة: 182 فِي يَوْم الْخَمِيس سادس عشْرين شعْبَان عَن نَحْو ثَمَانِينَ سنة وَكَانَ من جملَة أُمَرَاء. الطبلخاناه فِي أَيَّام أَخِيه الْأَشْرَف شعْبَان بن حُسَيْن وَأقَام بقلعة الْجَبَل سِنِين بطالا حتر أنزل السُّلْطَان الأسياد بني قلاوون إِلَى الْقَاهِرَة فَنزل فِيمَن نزل وَمَات وَهُوَ قعدد بني قلاوون. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ الْعَسْقَلَانِي الشَّامي الْحَنْبَلِيّ فِي يَوْم السبت ثامن عشْرين شعْبَان. ومولده سنة أَربع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة. حدث عَن العرضي وَغَيره بِالسَّمَاعِ وناب فِي الحكم بِالْقَاهِرَةِ سِنِين. وَكَانَ مُفِيدا. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين إِبْرَاهِيم - وَيُقَال لَهُ حرز - فِي يَوْم الْخَمِيس ثامن عشْرين ذِي الْقعدَة وَقد قدم مَعَ الْأَمِير شيخ من الشَّام فولاه ولَايَة الْقَاهِرَة ثمَّ عمله مهمندار فَمَاتَ وَهُوَ يُبَاشر المهمندارية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 183 فارغه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 184 (سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة) شهر الله الْمحرم أَوله الِاثْنَيْنِ: فَفِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ خَامِس عشره: حدث مَعَ غرُوب الشَّمْس برق متوال تبعه رعد شَدِيد ثمَّ مطر غزير وَاسْتمرّ مُعظم اللَّيْل فَلم يدْرك بِمصْر مثله برقاً ورعداً وَلَا عهدنا مثل غزارة هَذَا الْمَطَر فِي أثْنَاء فصل الخريف. وَقدم الْخَبَر بِأَنَّهَا أمْطرت وَقت الْعشَاء من لَيْلَة الِاثْنَيْنِ ثامنه بِنَاحِيَة بني عدي من البهنساوية بردا فِي قدر بَيْضَة الدَّجَاجَة وَمَا دونهَا كبيضة الْحَمَامَة فَهَلَك بِهِ من الدَّجَاج وَالْغنم وَالْبَقر شَيْء كثير فَهَلَك لرجل سِتُّونَ رَأْسا من الضَّأْن وَهلك لآخر خَمْسُونَ رَأْسا من الْمعز وَلم يتَجَاوَز هَذَا الْبرد بني عدي وَكَانَ مَعَ الْبرد والمطر راعد مرعب من شدته وبرق متوال ورياح عَاصِفَة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: تتبع الْأَمِير قرقماس حَاجِب الْحجاب مَوَاضِع الْفساد فأراق من الْخُمُور وَحرق من الحشيشة الْمُغيرَة لِلْعَقْلِ شَيْئا كثيرا وَهدم مَوَاضِع وَمنع من الِاجْتِمَاع فِي مَوَاضِع الْفساد. وَفِي ثَانِي عشرينه: قدم ركب الْحَاج الأول صُحْبَة الْأَمِير أينال الششماني وَقدم من الْغَد محمل الْحَاج ببقيتهم. وَحدث فِي هَذَا الشَّهْر: ثَلَاث مظالم إِحْدَاهَا: أَنه كَانَ قد تقرر فِي الْعَام الْمَاضِي مَعَ الفاضي كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن بركَة نَاظر الْخَاص أَن تعفي تجار الشَّام ومشهد عَليّ والكوفة وَالْبَصْرَة الَّذين يتبضعون من متاجر الْهِنْد من الْقدوم من مَكَّة إِلَى الْقَاهِرَة بضاعتهم وَأَن يقومُوا عَن كل جمل بِثَلَاثَة دَنَانِير وَنصف فَانْتقضَ ذَلِك فِي الْمَوْسِم بِمَكَّة وألزم سَائِر التُّجَّار أَن يحضروا من مَكَّة ببضائعهم صُحْبَة الركب وتتبعوا بِحَيْثُ لم يقدر أحد مِنْهُم أَن يتَأَخَّر بِمَكَّة وَلَا يتَوَجَّه إِلَى الشَّام بل حَضَرُوا بأجمعهم وأقيمت عَلَيْهِم الأعوان فِي طول الطَّرِيق بتفقدهم وَبعد أجمالهم حَتَّى قدمُوا صُحْبَة الْحَاج فَحل بهم من الْبلَاء مَا لَا يُوصف. ثَانِيهَا: أَنه منع بالإسكندرية أَن ينصب قبان لوزن بضَاعَة أحد من التُّجَّار فَامْتنعَ الكافة من بيع النَّهَار على الفرنج وألزم الفرنج بشرَاء فلفل السُّلْطَان الْمحْضر من جدة بِمِائَة وَعشْرين دِينَارا الْحمل وَكَانَت قِيمَته مَعَ التُّجَّار ثَمَانِينَ دِينَارا فَأخذ الفرنج مِنْهُ مَا وصلت قدرَة مباشري السُّلْطَان أَن يبيعوه عَلَيْهِم وامتنعوا من أَخذ بَقِيَّته وَرَجَعُوا بِكَثِير مِمَّا حملوه من بضائعهم إِلَى بِلَادهمْ فَشَمَلَ التُّجَّار وَغَيرهم من ذَلِك ضَرَر كَبِير. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 185 ثَالِثهَا: أَنه بلغ السُّلْطَان أَن التُّجَّار الْوَارِدَة إِلَى الْقَاهِرَة من الْموصل وحماة ودمشق تربح فِيمَا تجلبه من الثِّيَاب المنسوجة من الْقطن مَالا كثيرا فألزم السماسره أَن لَا تبيع لأحد من هَذَا الصِّنْف شَيْئا بل يكون بأجمعه متجراً للسُّلْطَان فَأخذ تَاجر وَمَعَهُ ثَمَانُون ثوبا وَأخذ آخر وَمَعَهُ عشرَة ثِيَاب وقومت بِأَقَلّ من ثمنهَا فِي بلادها وَكتب إِلَى بِلَاد الشَّام بِأَن لَا تمكن التُّجَّار من حمل شَيْء من ذَلِك إِلَى الْقَاهِرَة فصادف قدوم قفل من الْموصل إِلَى مَدِينَة حماة بِثِيَاب موصلية فرسم عَلَيْهِم حَتَّى رحلوا من حماة. مِمَّا مَعَهم وعبروا إِلَى الْبَريَّة عائدين إِلَى بِلَادهمْ. وَاحْتج عَلَيْهِم بِأَنَّهُم ردوهم لِأَن طول الثِّيَاب نقص عَن ثَلَاثِينَ ذِرَاعا كل ثوب وَأَنه لَا يُمكن أحد مِنْهُم أَن يَبِيع ثوبا حَتَّى يكون ثَلَاثِينَ ذِرَاعا فِي عرض ذِرَاع وَنصف وَأَن لَا يكون فِيهَا ثوب يغلو ثمنه فَحل بِالنَّاسِ بلَاء لَا يُمكن حكايته وَخَربَتْ الْموصل بعد ذَلِك وَبَطل عمل الثِّيَاب بهَا كَمَا سَيَأْتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَقدم مَعَ ذَلِك الْحمل من جَزِيرَة قبرس وَفِيه ثِيَاب صوف فَحملت إِلَى دمشق وَهِي ثَمَانمِائَة ثوب مطرح الثَّوْب بِثمَانِيَة عشر دِينَارا وَيحْتَاج إِلَى دِينَار آخر كلفه فأبيع أحْسنهَا بِاثْنَيْ عشر دِينَارا فخسر كل ثوب سَبْعَة دَنَانِير وَطرح بهَا أَيْضا السكر الْمَعْمُول بالأغوار على النَّاس فَلم يكد يسلم أحد من الْأَخْذ مِنْهُ وَللَّه عَاقِبَة الْأُمُور. شهر صفر أَوله الثُّلَاثَاء: فِيهِ جبيت أَثمَان البضائع بالعسف. وَفِي حادي عشرينه: كتب على يَد نجاب بِحُضُور الطواشي فَيْرُوز الساقي من الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة. شهر ربيع الأول أَوله الْخَمِيس: فِيهِ ترك طَائِفَة كَبِيرَة من مماليك السُّلْطَان الجلب الَّذين يسكنون الطباق بقلعة الْجَبَل إِلَى بَيت الْأَمِير زين الدّين عبد الْقَادِر بن أبي الْفرج أستادار وتسوروا الجدران حَتَّى دَخَلُوهُ فنهبوا مَا فِيهِ وَكَانَ غَائِبا عَنهُ وعبثوا فِي طريقهم بِالنَّاسِ فَأخذُوا مَا قدرُوا على أَخذه ثمَّ مضوا إِلَى بَيت نَاظر الدِّيوَان الْمُفْرد ثمَّ إِلَى بَيت الْوَزير فأدركهم مقدم المماليك والزمام وتلطفا بهم حَتَّى انصرفوا عَن بَيت الْوَزير وَسبب ذَلِك تَأَخّر جوامكهم بالديوان الْمُفْرد لشهرين فَلَمَّا شكوا ذَلِك إِلَى السُّلْطَان قَالَ لَهُم امضوا إِلَى المباشرين. فنزلوا وَكَانَ يَوْمًا شنعاً. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 186 وَفِي خامسه: نُودي بِمَنْع النَّاس من الْمُعَامَلَة بِالدَّرَاهِمِ البندقية وَالدَّرَاهِم اللنكية فامتنعوا وتصدى جمَاعَة لأخذها بِأَقَلّ من قيمتهَا لعلمهم بِأَن الدولة لَا يمْضِي لَهَا أَمر وَلَا تثبت على حَال فخسر طوائف من النَّاس جملَة وَربح آخَرُونَ. وَفِي حادي عشره: قبض على الْأَمِير زين الدّين عبد الْقَادِر أستادار وَضرب ثمَّ خلع عَلَيْهِ من الْغَد وَاسْتقر على عَادَته. شهر ربيع الآخر أَوله الْجُمُعَة: أهل وَقد ارْتَفع سعر الْقَمْح من أَرْبَعمِائَة دِرْهَم الأردب إِلَى أَرْبَعمِائَة وَخمسين وَالشعِير من مائَة وَثَمَانِينَ درهما الأردب إِلَى ثَلَاثمِائَة. والفول بِنَحْوِ ذَلِك وأبيعت البطة من الدَّقِيق بِمِائَة وَأَرْبَعين درهما هَذَا والبهائم مرتبطة على البرسيم الْأَخْضَر. وَمن الْعَادة انحطاط أسعار الغلال فِي مثل هَذَا الْوَقْت غير أَن الاحتكار على الغلال متزايد والطمع فِي غلاء أثمانها كثير. وَفِي ثامنه: نُودي أَن تكون الْفُلُوس بِثمَانِيَة عشر درهما الرطل وَقد كَانَ النَّاس تضرروا من قلَّة وجود الْفُلُوس فَإِن التُّجَّار أكثرت من حملهَا إِلَى بِلَاد الْهِنْد وَغَيرهَا لرخصها بِالنِّسْبَةِ إِلَى سعر النّحاس الْأَحْمَر الَّذِي لم يضْرب. وَفِي يَوْم السبت سادس عشره: وكب السُّلْطَان بِثِيَاب جُلُوسه وَنزل من قلعة الْجَبَل إِلَى بَيت القَاضِي زين الدّين عبد الباسط نَاظر الْجَيْش فَأَقَامَ عِنْده قَلِيلا وَعَاد إِلَى القلعة فَحمل إِلَيْهِ عبد الباسط من الْغَد ألفي دِينَار وخيلاً وبغالاً. وَفِي هَذَا الشَّهْر: تكَرر ركُوب السُّلْطَان مرَارًا. وَفِيه ارْتَفع الْقَمْح إِلَى خَمْسمِائَة دِرْهَم الأردب وأبيع الْأرز بِأَلف دِرْهَم الأردب بعد خَمْسمِائَة. وَفِي سادس عشرينه: تقدم أَمر قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أبي الْفضل أَحْمد بن عَليّ ابْن حجر إِلَى الشُّهُود الجالسين بالحوانيت للتكسب بتحمل الشَّهَادَات بَين النَّاس أَن لَا يكتبوا صدَاق امْرَأَة إِلَّا بِأحد النَّقْدَيْنِ الدَّرَاهِم الْفضة أَو الدَّنَانِير الذَّهَب. وأدركناهم يَكْتُبُونَ الصداقات من الذَّهَب وَالْفِضَّة الَّتِي هِيَ الدَّرَاهِم النقرة. فَلَمَّا راجت الْفُلُوس رسم قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين عبد الرَّحْمَن البُلْقِينِيّ - رَحمَه الله تَعَالَى - فِي سنة سِتّ وَثَمَانمِائَة أَن لَا تكْتب صداقات النِّسَاء وأجاير الدّور وسجلات الْأَرَاضِي وعهد الرَّقِيق من العبيد وَالْإِمَاء ومساطير الدُّيُون إِلَّا من الْفُلُوس الجدد مُعَاملَة الْقَاهِرَة فاستمر ذَلِك إِلَى الْآن. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 187 وَفِي هَذَا الشَّهْر: أُعِيد الْحجر على السكر ورسم أَن لَا يَشْتَرِيهِ أحد وَلَا يَبِيعهُ إِلَّا السُّلْطَان ثمَّ بَطل ذَلِك. وَفِيه عثر على بعض تجار الْعَجم المنتمين إِلَى الْإِسْلَام وَقد توجه من عِنْد الحطي ملك الْحَبَشَة إِلَى الفرنج يحثهم على الْقيام مَعَه لإِزَالَة دين الْإِسْلَام وَأَهله وَإِقَامَة الْملَّة العيسوية فَإِنَّهُ قد عزم على أَن يسير من بِلَاد الْحَبَشَة فِي الْبر بعساكره فتلاقوه بجموعكم فِي الْبَحْر إِلَى سواحل بِلَاد الْمُسلمين فسلك هَذَا التَّاجِر الْفَاجِر فِي مسيره من الْحَبَشَة الْبَريَّة حَتَّى صَار من وَرَاء الواحات إِلَى وَرَاء الْمغرب وَركب مِنْهَا الْبَحْر إِلَى بِلَاد الفرنج ودعاهم للثورة مَعَ الحطي على إِزَالَة مِلَّة الْإِسْلَام وَأَهْلهَا وَاسْتعْمل بِتِلْكَ الْبِلَاد عدَّة ثِيَاب مذهبَة باسم الحطي ورقمها بالصلبان فَإِنَّهُ شعارهم وَقدم من بِلَاد الفرنج فِي الْبَحْر إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَمَعَهُ الثِّيَاب الْمَذْكُورَة وراهبان من رُهْبَان الْحَبَشَة فنم عَلَيْهِ بعض عبيده فأحيط بمركبه وَحمل هُوَ والراهبان وَجَمِيع مَا مَعَه إِلَى السُّلْطَان. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كشف عَن أَمر الدِّيوَان الْمُفْرد وَاعْتبر متحصله فِي السّنة ومصروفه فَإِذا هُوَ يعجز مبلغ سِتِّينَ ألف دِينَار عَن جَمِيع مَا يرد إِلَيْهِ من خراج النواحي والحمامات والمستأجرات ورماية البضائع وغرامات الْبِلَاد فعين لَهُ مبلغ ثَلَاثِينَ ألف دِينَار برسم المتجر السلطاني وَأول مَا بَدَأَ بِهِ من ذَلِك تحكير صنف السكر فَلَا يدولب زراعة الْقصب واعتصاره وَعمل القند سكر ثمَّ بيع السكر إِلَّا السُّلْطَان وَأَن توزع الثَّلَاثِينَ ألف الْأُخْرَى على الْكَشَّاف والولاة ثمَّ أهمل وَلم يتم وَللَّه الْحَمد. وَفِي هَذَا الشَّهْر: ألزم دلالو الْخَيل أَن لَا يبيعوا فرسا لمتعمم وَلَا لجندي من أَوْلَاد النَّاس ثمَّ بَطل ذَلِك. وَفِي سادس عشرينه: قدم الطواشي فَيْرُوز الساقي من الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة باستدعاء فأعيد على مَا كَانَ عَلَيْهِ من الْخدمَة. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: انحل سعر الغلال وانحط الْقَمْح عَن خَمْسمِائَة دِرْهَم الأردب وَفرقت الْحمال على الْأُمَرَاء برسم التجريدة إِلَى بِلَاد الشَّام وحلب. وَفِي يَوْم السبت سلخه: كثر الإرجاف بِأخذ خُيُول النَّاس من مرابطها على البرسيم بالنواحي فسارع كل أحد إِلَى أَخذ خيله وقودها من الرّبيع إِلَى الاصطبلات فَمنهمْ من نجا بهَا وَمِنْهُم من عوجل فَأخذت خيله وسلمت إِلَى أَمِير أخور وَسبب ذَلِك أَن الْخُيُول شنع هلاكها فنفق للسُّلْطَان ومماليكه نَحْو الألفي فرس ثمَّ وقف جمَاعَة للسُّلْطَان فأفرج لَهُم عَن خيولهم فَأَخَذُوهَا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 188 وَفِي هَذَا الشَّهْر: هدم علو بَيت الْأَمِير منجك بِخَط رَأس سويقة منعم قَرِيبا من مدرسة السُّلْطَان حسن وأبيعت أنقاضه لرجل بألفي دِينَار فَبَاعَهَا هُوَ فِي النَّاس وَكَانَ من جملَة أوقاف صهريج منجك وَسبب هَدمه أَن الْأُمَرَاء كَانَت تسكنه وَلَا تُعْطِي لَهُ أجره فَإِذا تهدم فِيهِ مَوضِع ألزموا مباشري الْوَقْف بعمارته وَرَأى النَّاس أَن هَذَا فأل رَدِيء فَإِنَّهُ قيل وَقع الخراب فِي بيُوت الْأُمَرَاء. شهر جُمَادَى الأولى أَوله الْأَحَد: فِي ثامنه: برز ركب يُرِيد الْمسير إِلَى مَكَّة المشرفة صُحْبَة سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن الْمرة نَاظر جدة فِيهِ جمَاعَة كَبِيرَة. وَفِي رَابِع عشرينه: استدعى قُضَاة الْقُضَاة للنَّظَر فِي أَمر نور الدّين عَليّ بن الخواجا التَّاجِر التوريزي المتوجه برسالة الحطي ملك الْحَبَشَة إِلَى الفرنج فَاجْتمعُوا بَين يَدي السُّلْطَان وَندب قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد الْبِسَاطِيّ الْمَالِكِي للكشف عَن أمره وإمضاء حكم الله فِيهِ فنقله من سجن السُّلْطَان إِلَى سجنه فَقَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَة بِمَا أوجب عِنْده إِرَاقَة دَمه فشهر فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس عشرينه على جمل بِمصْر وبولاق وَنُودِيَ عَلَيْهِ هَذَا جَزَاء من يجلب السِّلَاح إِلَى بِلَاد الْعَدو ويلعب بالدينين. ثمَّ أقعد تَحت شباك الْمدرسَة الصالحية بَين القصرين وَضربت عُنُقه. وَكَانَ يَوْمًا مشهوداً نَعُوذ بِاللَّه من سوء الْعَاقِبَة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: سَار الْأَمِير زين الدّين عبد الْقَادِر بن أبي الْفرج أستادار إِلَى النواحي فَفرض على كل بلد مَالا سَمَّاهُ الضِّيَافَة ليستعين بذلك على عجز الدِّيوَان الْمُفْرد لنفقة المماليك السُّلْطَانِيَّة فجبي مَالا كثيرا فَإِنَّهُ كَانَ يَأْخُذ من الْبَلَد مائَة دِينَار وَيَأْخُذ من أُخْرَى دون ذَلِك على حسب مَا يرَاهُ فاختل حَال الفلاحين خللاً يظْهر أَثَره فِيمَا بعد وَالله الْمُسْتَعَان. شهر جُمَادَى الْآخِرَة أَوله الِاثْنَيْنِ: فِيهِ استدعى شيخ الشُّيُوخ شهَاب الدّين أَحْمد بن الصّلاح - الْمَعْرُوف بِابْن المحمرة - شيخ الخانكاه الصلاحية سعيد السُّعَدَاء إِلَى مجْلِس السُّلْطَان وَعرض عَلَيْهِ قَضَاء الْقُضَاة بِدِمَشْق فَقبله فَخلع عَلَيْهِ عوضا عَن بهاء الدّين مُحَمَّد بن نجم الدّين عمر بن حجي. وَكَانَ السُّلْطَان قد استدعى قَاضِي الْقُضَاة علم الدّين صَالح ابْن شيخ الْإِسْلَام سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ وَسَأَلَهُ بذلك فَلم يقبل وَكَانَ مُنْذُ صرف عَن الْقَضَاء ملازماً لداره وَهُوَ مقبل على الميعاد فِي كل يَوْم جُمُعَة بمدرسة أَبِيه وعَلى التدريس والإفتاء. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 189 وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِيه: خلع على جمال الدّين يُوسُف بن الصفي الكركي وَاسْتقر فِي نظر الْجَيْش بِدِمَشْق عوضا عَن السَّيِّد الشريف شهَاب الدّين أَحْمد بن عدنان. وَكَانَ الْجمال مُنْذُ عزل عَن كِتَابَة السِّرّ مُقيما بِالْقَاهِرَةِ. وَفِيه كتب بانتقال شهَاب الدّين أَحْمد بن الكشك من قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق إِلَى قَضَاء طرابلس عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد الصَّفَدِي ثمَّ بَطل ذَلِك وَاسْتقر الصَّفَدِي عوضا عَن ابْن الكشك فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق. وَفِي ثامن عشره: توجه قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أَحْمد بن المحمرة وَالْقَاضِي جمال الدّين يُوسُف بن الصفي إِلَى مَحل ولايتهما بِدِمَشْق وَعين أحد الخاصكية مُسْفِرًا مَعَهُمَا وَأَن يحضر الصَّفَدِي من طرابلس إِلَى قَضَاء دمشق على أَن يَأْخُذ من الثَّلَاثَة ألف وثلاثمائة دِينَار ذَهَبا يخص ابْن المحمرة مِنْهَا ثَلَاثمِائَة دِينَار وَتبقى الْألف نِصْفَيْنِ على ابْن الصفي والصفدي وَلم تجر الْعَادة بِأَن يخرج مُسْفِر مَعَ متعمم. وَفِي هَذَا الشَّهْر: نزل الْقَمْح إِلَى مِائَتَيْنِ وَثَمَانِينَ درهما الأردب بعد خَمْسمِائَة. وأبيع بِمِائَة وَثَلَاثِينَ درهما الأردب بعد أَن كَانَ بثلاثمائة وأبيعت البطة من الدَّقِيق بتسعين درهما بعد مَا بلغت مائَة وَخمسين درهما. وَفِيه تتبع وَالِي الْقَاهِرَة العبيد السود وَقبض على عدَّة مِنْهُم لِكَثْرَة فسادهم ونفاهم من الْقَاهِرَة وَفِيه رسم بِأخذ الشّعير من النواحي لعجز الدِّيوَان عَن عليق خُيُول المماليك السُّلْطَانِيَّة فَأخذ من شعير النَّاس مَا قدر عَلَيْهِ. شهر رَجَب أَوله الْأَرْبَعَاء: أهل والقمح من مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعين درهما الأردب إِلَى مَا دونهَا وَالشَّجر بِمِائَة وَثَلَاثِينَ درهما الأردب إِلَى مَا دونهَا وَالذَّهَب عَزِيز الْوُجُود وَقد بلع الدِّينَار الأشرفي إِلَى مِائَتَيْنِ وَخمسين درهما وَرخّص اللَّحْم حَتَّى أبيع لحم الضَّأْن بِسِتَّة الرطل وَلحم الْبَقر بأَرْبعَة دَرَاهِم الرطل. وَفِي ثامنه: خلع على جلال الدّين أَحْمد بن بدر الدّين مُحَمَّد بن مزهر بِكِتَابَة السِّرّ عوضا عَن أَبِيه. وَله من الْعُمر نَحْو خمس عشرَة سنة وخلع على شرف الدّين أبي بكر ابْن سُلَيْمَان الْأَشْقَر الْحلَبِي وَاسْتقر نَائِب كَاتب السِّرّ وألزم ابْن مزهر بِحمْل تسعين ألف دِينَار من تَرِكَة أَبِيه فشرع فِي بيع موجوده وَهُوَ أَصْنَاف كَثِيرَة مَا بَين بضائع للمتجر وَكتب علمية وَثيَاب بدنه وخيول وجمال ورقيق وَحمل مَا ألزم بِهِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 190 وَفِي تاسعه: أدير محمل الْحَج فَكَانَ فِيهِ من نهب المماليك السُّلْطَانِيَّة لمآكل الباعة والتعرض للنِّسَاء والشباب فِي ليَالِي الزِّينَة شناعات اقْتَضَت تجمع السودَان وقتالهم المماليك عدَّة مرار فَقتل بَينهم رجلَانِ. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: قدم عدَّة تجار من الْموصل فَأخذ مِنْهُم مَا مَعَهم من الثِّيَاب الموصلية وقومت بِمَا لم يرضيهم ورسم أَن يكون صنف البعلبكي والعاتكي والموصلي للسُّلْطَان لَا يَشْتَرِيهِ مِمَّن يجلبه إِلَى الْقَاهِرَة ويبيعه فِي النَّاس إِلَّا هُوَ. وَفِيه حكر بيع الْحَطب من بِلَاد الصَّعِيد وَجعل من أَصْنَاف المتجر السلطاني وحكر بيع غلات النواحي بأسرها وَجعلت أَيْضا من جملَة المتجر السلطاني ثمَّ بَطل ذَلِك كُله وَللَّه الْحَمد. وَفِيه طرحت بضائع من المتجر السلطاني على النَّاس وَلم يعف أحد من التُّجَّار عَن أَخذهَا فارتفعت الْغلَّة من مِائَتَيْنِ وَعشْرين درهما الأردب إِلَى ثَلَاثمِائَة. وَفِي ثامنه: أَيْضا خلع على شمس الدّين مُحَمَّد بن يُوسُف بن صَالح الحلاوي الدِّمَشْقِي وَاسْتقر فِي وكَالَة بَيت المَال عوضا عَن نور الدّين عَليّ الصَّفَدِي وَكَانَ قد وَليهَا فِي الْأَيَّام الناصريه فرج مَعَ نظر الْكسْوَة. وَفِي ثَالِث عشرينه: قدم الْأَمِير سودن من عبد الرَّحْمَن نَائِب الشَّام وصحبته القَاضِي كَمَال الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ كَاتب السِّرّ بِدِمَشْق فَحمل النَّائِب تقدمته فِي ثَالِث عشرينه وفيهَا مبلغ خَمْسَة عشر ألف دِينَار وخيل وَثيَاب حَرِير وفرو سمور وَغَيره فَأخذ السُّلْطَان الذَّهَب وَأعَاد مَا عداهُ إِعَانَة لَهُ على تقادمه لِلْأُمَرَاءِ. وَقدم الْكَمَال ثِيَاب حَرِير وفرو سمور بِنَحْوِ خَمْسمِائَة دِينَار. شهر شعْبَان المكرم أَوله الْخَمِيس: فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِيه: نزل من مماليك السُّلْطَان سكان الطباق بالقلعة جمَاعَة إِلَى بَيت الْوَزير كريم الدّين ابْن كَاتب المناخ ونهبوه لتأخر لحمهم الْمُرَتّب لَهُم كل يَوْم. وَفِيه توجه نَائِب الشَّام وَمن مَعَه إِلَى دمشق على حَالهم بعد مَا ألزم النَّائِب بِحمْل خمسين ألف دِينَار حمل مِنْهَا خَمْسَة وَعشْرين ووعد أَن يُرْسل من دمشق خَمْسَة وَعشْرين. وَفِي ثالثه: خلع على نظام الدّين عمر بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن مُفْلِح وَاسْتقر فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 191 قَضَاء الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق. وَكَانَ قد قدم الْقَاهِرَة وَعمل بالجامع الْأَزْهَر عدَّة مواعيد دلّت على حفظه وتفننه. وَفِي سادسه: ثارت فتْنَة بَين طَائِفَة من مماليك السُّلْطَان الجلب وَبَين طَائِفَة من مماليك الْأَمِير الْكَبِير شارقطلوا فَبَاتُوا على تخوف وَأصْبح الجلب تَحت القلعة فِي جمع كَبِير وَقد امْتنع الْأَمِير الْكَبِير مِنْهُم بداره - وَهِي تجاه بَاب السلسلة - فماج النَّاس وخشوا من النهب فَكَانَت حَرَكَة مزعجة بِالْقَاهِرَةِ من تكالب النَّاس على شِرَاء الْخبز والدقيق وانتشار أهل الْفساد فِي الشوارع للنهب ثمَّ سكن الْحَال وَأقَام الجلب يومهم لَا يقدرُونَ على الْأَمِير الْكَبِير لعجزهم وَقلة دريتهم بِالْحَرْبِ وَعدم السِّلَاح فَطلب السُّلْطَان ثَلَاثَة من مماليك الْأَمِير الْكَبِير وضربهم وسجنهم من أجل أَنهم أصل هَذِه الْفِتْنَة فخمد الشَّرّ وَللَّه الْحَمد. وَفِي خامسه: ورد إِلَى ميناء الْإسْكَنْدَريَّة خَمْسَة أغربة للفرنج وَبَاتُوا وَقد استعد لَهُم الْمُسلمُونَ ثمَّ واقعوهم من الْغَد وَقد أدركهم الْأَمِير زين الدّين ابْن أبي الْفرج أستادار فِي سابعه. وَكَانَ بتروجة وَمَعَهُ جمع كَبِير من الْعَرَب فَلَمَّا اشْتَدَّ الْأَمر على الفرنج انْهَزمُوا وردوا من حَيْثُ أَتَوا فِي يَوْم الْأَحَد حادي عشره وَلم يقتل سوى فَارس وَاحِد من جمَاعَة ابْن أبي الْفرج. وَفِي ثَانِي عشره: أنْفق السُّلْطَان فِي ثَلَاثمِائَة وَتِسْعين من المماليك كل وَاحِد خمسين دِينَارا وَفِي أَرْبَعَة من أُمَرَاء الألوف - وهم أركماس الدوادار وقرقماس حاحب الْحجاب وتغري بردي ويشبك المشد - كل وَاحِد ألفي دِينَار وَأنْفق فِي عدَّة من أُمَرَاء الطبلخاناه والعشرات فبلغت النَّفَقَة نَحْو الثَّلَاثِينَ ألف دِينَارا ورسم بسفرهم إِلَى الشَّام فتوجهوا فِي سادس عشرينه. وَفِيه سقط مَوضِع مَبْنِيّ على كتاب أَطْفَال فَمَاتَ مِنْهُم اثْنَي عشر طفْلا وَأُصِيب تِسْعَة يخَاف عَلَيْهِم. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كثر الوباء بغزة والرملة، من أَرض فلسطين. شهر رَمَضَان أَوله الْجُمُعَة: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 192 فِيهِ ابتدئ بهدم حوانيت الصيارف وسوق الْكتب وحوانيت النقليين والأمشاطيين فِيمَا بَين الصاغة والمدرسة الصالحية وَهِي جَارِيَة فِي وقف المارستان المنصوري لتجدد عمارتها. وَفِي رَابِع عشره: خلع على الصاحب تَاج الدّين عبد الرَّزَّاق بن الهيصم وأعيد نظر الدِّيوَان الْمُفْرد وَكَانَ شاغراً. وَفِيه حملت نَفَقَة المماليك السُّلْطَانِيَّة إِلَى القلعة لتنفق فيهم على الْعَادة فامتنعوا من قبضهَا وطلبوا زِيَادَة سِتّمائَة دِرْهَم لكل وَاحِد. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامن عشره - الْمُوَافق لسادس عشْرين بؤونة -: أَخذ قاع النّيل وَكَانَ خَمْسَة عشر ذِرَاعا وَسَبْعَة أَصَابِع وَنُودِيَ عَلَيْهِ من الْغَد بِزِيَادَة خَمْسَة أَصَابِع. وَفِيه زيد فِي جوامك عدَّة من شرار المماليك فسكن شرهم وَأخذُوا جَمِيعًا النَّفَقَة. وَفِي حادي عشرينه: استعفي ابْن الهيصم من نظر الدِّيوَان الْمُفْرد فأعفي وَلزِمَ على عَادَته. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: اشْتَدَّ فَسَاد المماليك الجلب وَكثر عيثهم وعبثهم بِالنَّاسِ وَأَخذهم مَا قدرُوا عَلَيْهِ من مَال وحريم فتجمع السودَان وقاتلوهم فَقتل بَينهم عدَّة وصاروا جمعين لكل جمع عصبَة. شهر شَوَّال أَوله الْأَحَد: أهل والأسعار قد ارْتَفَعت فالقمح من مِائَتَيْنِ وَخمسين درهما الأردب إِلَى مَا دونهَا وَالشعِير من مائَة وَثَلَاثِينَ إِلَى مَا دونهَا وَسَببه هيف الزَّرْع فِي كثير من النواحي عِنْد توالي ريَاح حارة فَقل وُقُوع الْغلَّة عِنْد الدراس. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: اشْتَدَّ بلَاء من الممالك وَعظم الضَّرَر بهم حَتَّى أَن السُّلْطَان منع النَّاس من عمل الأعراس والولائم وتهدد من عمل ذَلِك خوفًا من المماليك أَن تهجم على النِّسَاء وَهن مجتمعات وَتبين قُصُور الْيَد عَن ردعهم وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه. وَفِي عاشره: نُودي بِمَنْع النَّاس من أَخذ الدَّرَاهِم البندقية والقرمانية واللكنية فَعَاد الضَّرَر فِي خسارة قوم وَربح آخَرين وَنُودِيَ أَيْضا أَن تكون الدَّنَانِير بمائتين وَثَلَاثِينَ وَكَانَت الْعَامَّة قد رفعت سعره إِلَى مِائَتَيْنِ وَسِتِّينَ بِحجَّة أَن الذَّهَب قَلِيل الْوُجُود بأيدي النَّاس وَأَن الدَّرَاهِم الأشرفية كثر فِيهَا البندقية واللكنية والقرمانية وكل ذَلِك من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 193 إِعْرَاض وُلَاة الْأُمُور عَن عمل الْمصَالح لبعدهم عَن مَعْرفَتهَا مَعَ طَلَبهمْ المَال بِكُل وَجه يذم ويستقبح. وَفِي تَاسِع عشره: برز محمل الْحَاج على الْعَادة فَرَحل الركب الأول من بركَة الْحجَّاج فِي ثَانِي عشرينه ورحل الْمحمل بِبَقِيَّة الْحَاج فِي ثَالِث عشرينه صُحْبَة الْأَمِير قرا سنقر. وانتهت زِيَادَة النّيل فِي هَذَا الْيَوْم - وَيُوَافِقهُ أول مسرى - إِلَى عشرَة أَذْرع وَخَمْسَة عشر إصبعاً. وَهَذَا مِقْدَار وَفِي هَذَا الشَّهْر: خربَتْ مَدِينَة الرها كَمَا سَيَأْتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى. شهر ذِي الْقعدَة أَوله الثُّلَاثَاء: فِي رابعه - الْمُوَافق لثاني عشر مسرى -: نُودي بِزِيَادَة سَبْعَة أَصَابِع لتتمة خَمْسَة عشر ذِرَاعا وَتِسْعَة عشر إصبعاً وَلم يناد عَلَيْهِ من الْغَد وتوقفت الزِّيَادَة إِلَى تاسعه. وَذَلِكَ أَنه نقص أَرْبَعَة أَصَابِع لتقطع عدَّة جسور من فَسَاد عَملهَا فغرق عدَّة جرون تلف فِيهَا مَا شَاءَ الله من الغلال فتكالب النَّاس على شِرَاء الْغلَّة خوفًا من الشراقي فَنزل السُّلْطَان فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامنه إِلَى رِبَاط الْآثَار النَّبَوِيَّة ودعا الله تَعَالَى فأغاث الله عباده ووفى النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا وَنُودِيَ عَلَيْهِ بِالْوَفَاءِ يَوْم الْأَرْبَعَاء تاسعه - الْمُوَافق لَهُ سَابِع عشر مسرى - فَنزل الْمقَام الناصري مُحَمَّد بن السُّلْطَان لتخليق المقياس وَفتح الخليج على الْعَادة. وَفِيه قدم الْخَبَر بِأخذ مَدِينَة الرها. وَذَلِكَ أَن الْعَسْكَر سَار من الْقَاهِرَة لأخذ قلعة خرت برت وَقد مَاتَ متوليها ونازلها عَسْكَر قرا يلك صَاحب آمد فَلَمَّا وصلوا إِلَى مَدِينَة حلب ورد إِلَيْهِم الْخَبَر بِأخذ قرا يلك قلعة خرت برت وتحصينها وتسليمها لوَلَده فَتوجه الْعَسْكَر وَقد انْضَمَّ إِلَيْهِ الْأَمِير سودن من عبد الرَّحْمَن نَائِب الشَّام وَجَمِيع نواب المماليك الشامية ومضوا بأجمعهم إِلَى الرها فَأَتَاهُم بالبيرة كتاب أهل الرها بِطَلَب الْأمان وَقد رَغِبُوا فِي الطَّاعَة فأمنوهم وَكَتَبُوا لَهُم بِهِ كتابا وَسَارُوا من البيرة وَبَين أَيْديهم مِائَتَا فَارس من عرب الطَّاعَة كشافة فوصلت الكشافة إِلَى الرها فِي تَاسِع عشر شَوَّال فَإِذا الْأَمِير هابيل قد وصل إِلَيْهَا من قبل أَبِيه الْأَمِير عُثْمَان بن طور عَليّ الْمَعْرُوف بقرًا يلك صَاحب آمد وحصنها وَجمع فِيهَا عَامَّة أهل الضّيَاع بمواشيهم وعيالهم وَأَمْوَالهمْ فناولوها وهم يرمونهم بالنشاب من فَوق الأسوار ثمَّ برز إِلَيْهِم الْأَمِير هابيل فِي عَسْكَر نَحْو ثَلَاثمِائَة فَارس وَقَاتلهمْ وَقتل مِنْهُم جمَاعَة وعلق رُءُوسهم على قلعة الرها فأدركهم الْعَسْكَر ونزلوا على ظَاهر الرها فِي يَوْم الْجُمُعَة عشرينه وَقد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 194 ركب الرِّجَال السُّور. ورموا بِالْحِجَارَةِ فتراجع الْعَسْكَر الْمصْرِيّ والشامي عَنْهُم ثمَّ ركبُوا بأجمعهم بعد نصف النَّهَار وَأَرْسلُوا إِلَى أهل قلعة الرها بتأمينهم وَإِن لم تكفوا عَن الْقِتَال وَإِلَّا أخربنا الْمَدِينَة. فَجعلُوا الْجَواب رميهم بالنشاب فزحف الْعَسْكَر وَأخذُوا الْمَدِينَة فِي لَحْظَة وَامْتنع الأكابر وَأهل الْقُوَّة بالقلعة. فانتشر الْعَسْكَر وأتباعهم فِي الْمَدِينَة ينهبون مَا وجدوا وَيَأْسِرُونَ من ظفروا بِهِ فَمَا تركُوا قبيحاً حَتَّى أَتَوْهُ وَلَا أمرا مستشنعاً إِلَّا فَعَلُوهُ. وَكَانَ فعلهم هَذَا كَفعل أَصْحَاب تيمور لما أخذُوا بِلَاد الشَّام. وَأَصْبحُوا يَوْم السبت محاصرين القلعة وبعثوا إِلَى مَا فِيهَا بالأمان فَلم يقبلُوا ورموا بالنشاب وَالْحِجَارَة حَتَّى لم يقدر أحد على أَن يدنو مِنْهَا. وَبَاتُوا لَيْلَة الْأَحَد فِي أَعمال النقوب على القلعة وقاتلوا من الْغَد يَوْم الْأَحَد حَتَّى اشْتَدَّ الضُّحَى فَلم يثبت من بالقلعة وصاحوا الْأمان. فكفوا عَن قِتَالهمْ حَتَّى أَتَت رسلهم الْأَمِير نَائِب الشَّام وَقدم مقدم العساكر فَحلف لَهُم - هُوَ والأمير قصروه نَائِب حلب - على أَنهم لَا يؤذوهم وَلَا يقتلُون أحد مِنْهُم فركنوا إِلَى أَيْمَانهم. وَنزل الْأَمِير هابيل بن قرا يلك وَمَعَهُ تِسْعَة من أَعْيَان دولته عِنْد دُخُول وَقت الظّهْر من يَوْم الْأَحَد الْمَذْكُور فتسلمه الْأَمِير أركماس الدوادار وَتقدم نواب المماليك إِلَى القلعة ليتسلموها فوجدوا المماليك السُّلْطَانِيَّة قد وقفُوا على بَاب القلعة ليدخلوا إِلَيْهَا فمنعوهم فأفحشوا فِي الرَّد على النواب وهموا بمقاتلتهم وهجموا القلعة فَلم تطق النواب مَنعهم وَرَجَعُوا إِلَى مخيماتهم فَمد المماليك أَيْديهم وَمن تَبِعَهُمْ من التركمان والعربان والغلمان ونهبوا جَمِيع مَا كَانَ بهَا وأسروا النِّسَاء وَالصبيان وألقوا فِيهَا النَّار فأحرقوها بعد مَا أخلوها من كل صَامت وناطق وَبعد مَا أَسْرفُوا فِي قتل من كَانَ بهَا وبالمدينة حَتَّى تجاوزوا الْحَد وخربوا الْمَدِينَة وألقوا النَّار فِيهَا فاحترقت. وَلَقَد أَخْبرنِي من لَا أَتَّهِمهُ أَنه شَاهد المماليك وَقد أخذُوا النِّسَاء وفجروا بِهن فَكَانَت الْوَاحِدَة مِنْهُنَّ إِذا قَامَت من تَحت وَاحِد مِنْهُم مَضَت - إِن كَانَ لَهَا ولد - هِيَ وَوَلدهَا إِلَى مَوضِع كَانَ بِهِ تبن لتختفي فِيهِ. قَالَ فَاجْتمع بذلك الْموضع نَحْو الثَّمَانِينَ امْرَأَة ومعهن أَو مَعَ غالبهن أَوْلَادهنَّ وَقد زنوا بِهن جَمِيعًا ثمَّ أضرموا النَّار عَلَيْهِنَّ فاشتعل التِّبْن فاحترقن جَمِيعًا. وَأَخْبرنِي الثِّقَة أَنه كَانَ يدوس فِي الْمَدِينَة الْقَتْلَى لكثرتهم بهَا وَأَنه كَاد المَاء الَّذِي لَهُم أَن يمتلئ بجيف الْقَتْلَى. ثمَّ رحلوا من الْغَد يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث عشرينه وأيديهم قد امْتَلَأت بالنهوب والسبي فتقطعت مِنْهُم عدَّة نسَاء من التَّعَب فمتن عطشاً وبيعت مِنْهُنَّ بحلب وَغَيرهَا عدَّة. وَكَانَت هَذِه الكائنة من مصائب الدَّهْر. وَكُنَّا نستطيب إِذا مرضنا فجَاء الدَّاء من قبل الطَّبِيب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 195 فَأَما بالعهد من قدم لقد عهدنا ملك مصر إِذا بلغه أحد من مُلُوك الأقطار أَنه قد فعل مَا لَا يجوز أَو فعل ذَلِك رَعيته بعث مُنكر عَلَيْهِ ويهدده فصرنا نَحن نأتي من الْحَرَام بأشنعه وَمن الْقَبِيح بأفظعه وَإِلَى الله المشتكى. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي عشر ذِي الْقعدَة: نُودي على النّيل بِزِيَادَة إِصْبَع لتتمة سَبْعَة عشر ذِرَاعا وَأَرْبَعَة عشر إصبعاً وَلم يناد عَلَيْهِ من الْغَد. وَفِيه كتب باستدعاء السَّيِّد الشريف قَاضِي الْقُضَاة بِدِمَشْق وَكَاتب السِّرّ بهَا وناظر الْجَيْش ونقيب الْأَشْرَاف شهَاب الدّين أَحْمد بن عَليّ بن إِبْرَاهِيم بن عدنان الْحُسَيْنِي ليستقر فِي كِتَابَة السِّرّ وَتوجه لإحضاره من دمشق أحد الخاصكية. وهى يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشره: نُودي على النّيل بِزِيَادَة إِصْبَعَيْنِ بعد رد مَا نَقصه لتتمة سِتَّة عشر إصبعاً من الذِّرَاع الثَّامِنَة عشر وَكَانَ قد انْقَطع بعض جسور النواحي لفساد عَملهَا فَقل وجود الغلال وارتفع الأردب من مِائَتَيْنِ وَسبعين إِلَى ثَلَاثمِائَة واستمرت زِيَادَة النّيل إِلَى يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع عشرينه وَقد بلغ ثَمَانِيَة عشر ذِرَاعا إِلَّا إِصْبَعَيْنِ وَنقص من يَوْمه خَمْسَة أَصَابِع لتقطع الجسور فتكالب النَّاس على شِرَاء الْغلَّة وشحت الْأَنْفس بِبَيْعِهَا حَتَّى قل وجودهَا وارتفع ثمنهَا. شهر ذِي الْحجَّة أَوله الْخَمِيس: أهل هَذَا الشَّهْر والنيل مُتَوَقف عَن الزِّيَادَة وَقد نقص فَمن الله تَعَالَى وَنُودِيَ فِي يَوْم السبت ثالثه برد النَّقْص وَزِيَادَة تَتِمَّة ثَمَانِيَة عشر ذِرَاعا. وَفِي لَيْلَة الْخَمِيس ثامنه: قدم السَّيِّد الشريف شهَاب الدّين أَحْمد من دمشق وَقد خرج الْأَعْيَان إِلَى لِقَائِه وَهُوَ موعوك فَلَزِمَ الْفراش. وَفِي ثَانِي عشره - الْمُوَافق لخامس عشر توت -: نُودي بِزِيَادَة إِصْبَعَيْنِ لتتمة ثَمَانِيَة عشر ذِرَاعا وَعشْرين إصبعاً ثمَّ نقص من الْغَد لقطع الصليبيات. وَفِي يَوْم الْخَمِيس نصفه: خلع على الشريف شهَاب الدّين أَحْمد بن عدنان وَاسْتقر فِي كِتَابَة السِّرّ عوضا عَن الْجلَال مُحَمَّد بن مزهر وعملت للطرحة الخضراء برقمات ذهب فَكَانَ موكباً جَلِيلًا إِلَى الْغَايَة ركب بَين يَدَيْهِ الْأُمَرَاء والوزراء وقضاة الْقُضَاة الْأَرْبَع والأعيان فابتهج النَّاس بِهِ وَفِي يَوْم الْجُمُعَة سادس عشره: نُودي على النّيل برد النَّقْص وَزِيَادَة إِصْبَع. وَفِيه خلع على الْجلَال مُحَمَّد بن مزهر وَاسْتقر فِي توقيع الْمقَام الناصري مُحَمَّد ابْن السُّلْطَان كَمَا كَانَ فِي أَيَّام أَبِيه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 196 وَفِي رَابِع عشرينه: قدم الْأَمِير هابيل بن الْأَمِير قرا يلك وَمن مَعَه فِي الْحَدِيد فشهروا بِالْقَاهِرَةِ إِلَى القلعة وسجنوا بهَا. وَفِيه قدم مبشرو الْحَاج. وَفِيه نُودي على النّيل بِزِيَادَة إِصْبَع لتتمة تِسْعَة عشر ذِرَاعا وَسِتَّة عشر إصبعاً وَوَافَقَ ذَلِك ثامن عشْرين توت ثمَّ لم يناد عَلَيْهِ فَكَانَت هَذِه زِيَادَة مَاء النّيل فِي هَذِه السّنة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كَانَت حَرْب بنواحي الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة بَين بني حُسَيْن قتل فِيهَا غير وَاحِد من أعيانهم. وَفِيه كَانَ خراب مَدِينَة توريز. وَسبب ذَلِك أَن متملكها اسكندر بن قرا يُوسُف قرا مُحَمَّد بَين بيرم خجا زحف على مَدِينَة السُّلْطَانِيَّة وَقتل متوليها من جِهَة ملك الْمشرق شاه رخ بن تيمور كركان فِي عدَّة من أعيانها وَنهب وأفسد فَسَار إِلَيْهِ جموع كَبِيرَة فَخرج اسكندر من توريز وَجمع لحربه ولقيه وَقد نزل خَارج توريز فَانْتدبَ لمحاربته الْأَمِير قرا يلك صَاحب آمد وَقد لحق بشاه رخ وأمده بعسكر كَبِير وقاتله خَارج توريز فِي يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشره قتالاً شَدِيدا قتل فِيهِ كثير من الفئتين وَانْهَزَمَ اسكندر وهم فِي إثره يطلبونه ثَلَاثَة أَيَّام ففاتهم هَذَا. وَقد نهبت جقطاي عَامَّة تِلْكَ الْبِلَاد وَقتلُوا وَسبوا وأسروا وفعلوا مَا يشنع ذكره. ثمَّ إِن شاه رخ ألزم أهل توريز بِمَال كَبِير احتاجهم فِيهِ أَمْوَالهم حَتَّى لم يدع بهَا مَا تمتد إِلَيْهِ الْعين ثمَّ جلاهم بأجمعهم إِلَى سَمَرْقَنْد فَمَا ترك إِلَّا ضَعِيفا عَاجِزا لَا خير فِيهِ ورحل بعد مُدَّة يُرِيد بِلَاده وَقد اشْتَدَّ الغلاء مَعَه فأعقب رحيله عَن توريز جَراد عَظِيم لم يتْرك بهَا وَلَا بِجَمِيعِ أَعماله خضرًا وانتشرت الأكراد بِتِلْكَ النواحي تعبث وتفسد ففقدت الأقوات حَتَّى أبيع اللَّحْم الرطل بعده دَنَانِير. وَصَارَ فِيمَا بَين توريز وبغداد مَسَافَة عشْرين يَوْمًا وأزيد خراباً يباباً وَأما اسكندر فَإِنَّهُ جال فِي بِلَاد الأكراد وَقد رقعت بهَا الثلوج مُدَّة ثمَّ صَار إِلَى قلعة سلماس فحصره بهَا الأكراد فنجا وتشتت فِي الْبِلَاد. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان العَبْد الصَّالح شمس الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن أَحْمد الصُّوفِي بعد مَا عمي سِنِين فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء ثَالِث عشر الْمحرم. ومولده فِي سنة تسع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة. وَهُوَ أحد من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 197 صحبته من أهل الْعِبَادَة والنسك. وَرَأس مُدَّة. واتصل بِالظَّاهِرِ برقوق وَولي نظر المارستان المنصوري. وجال فِي الأقطار فَدخل بَغْدَاد والحجاز واليمن والهند رَحمَه الله. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن سعيد الْمَعْرُوف بسويدان أحد أَئِمَّة السُّلْطَان فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع صفر. كَانَ أَبوهُ عبدا أسوداً يسكن القرافة. وَحفظ هُوَ القرآنمع الأجواق فأعجب الظَّاهِر برقوق صَوته فَجعله أحد أئمته وَاسْتمرّ فولاه النَّاصِر فرج حسبَة الْقَاهِرَة. ثمَّ عزل فَعَاد كَمَا كَانَ يقْرَأ فِي الأجواق عِنْد النَّاس وَيَأْخُذ الْأُجْرَة على ذَلِك وَصَارَ رَئِيس جوقة حَتَّى مَاتَ على ذَلِك. وَكَانَ أسود اللَّوْن. وَمَات نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب بن مُحَمَّد البارنباي الشَّافِعِي فِي لَيْلَة الْأَحَد حادي عشر شهر ربيع الأول وَقد أناف على السِّتين. وَقد برع فِي الْفِقْه وأصوله وَفِي الْعَرَبيَّة والحساب ودرس وخطب عدَّة سِنِين بدمياط والقاهرة. وَمَات الشَّيْخ مُحَمَّد بن عبد الله بن حسن بن الْمَوَّاز فِي يَوْم الْأَحَد حادي عشر ربيع الأول. وَقد قدم إِلَى زيارتي على عَادَته. وطلع إِلَى سلما كنت فِي بَيت بأعلاه فَمَا هُوَ إِلَّا أَن خلع إِحْدَى نَعْلَيْه خر على وَجهه ثمَّ رفع رَأسه وَنزل إِلَى الأَرْض وَأَنا أستدنيه إِلَى وأعتبه على انْقِطَاعه أَيَّامًا عني فزحف قدر ذراعين وَسقط إِلَى الأَرْض فَإِذا هُوَ قد مَاتَ رَحمَه الله. فَلَقَد كَانَ لي بِهِ أنس وَله فِي اعْتِقَاد كَبِير وبلوت مِنْهُ تألهاً وديانة وَعبادَة مرضية فرأيته سحر يَوْم الْجُمُعَة الْعشْرين من صفر سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَقد اضطجعت بعد الْوتر وَكَأَنَّهُ قدم عَليّ على عَادَته لزيارتي فَقُمْت فَرحا بِهِ وَأَنا أذكر أَنه ميت. وَقلت كالمباسط لَهُ: كَيفَ دَار الْبلَاء فهش. فَقلت لَهُ: أسلمت من عَذَاب الْقَبْر قَالَ: نعم. قلت وَأَنت الْآن لَا تعذب وَلَا يشوش عَلَيْك قَالَ: نعم. قلت فَلَقِيت الله. فأيقظني صَوت رجل قريب مني قبل أَن يُخْبِرنِي رَحمَه الله تَعَالَى. وَمَات الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الله الشطنوفي الشَّافِعِي فِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ سادس عشْرين شهر ربيع الأول وَقد قَارب الثَّمَانِينَ وبرع فِي الْفِقْه والفرائض والعربية وَغير ذَلِك. ودرس سِنِين عديدة فَانْتَفع بِهِ جمَاعَة. وَمَات بدر الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مزهر الدِّمَشْقِي فِي لَيْلَة الْأَحَد سَابِع عشرينه جُمَادَى الْآخِرَة عَن نَحْو خمسين سنة. ولد سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة. وَهُوَ من بَيت رياسة. ولي أَبوهُ كِتَابَة الْإِنْشَاء بِدِمَشْق. واشتهرت رياسته ومكارمه وباشر هُوَ كِتَابَة الْإِنْشَاء بِدِمَشْق واتصل بنائبها الْأَمِير شيخ المحمودي فَلَمَّا قدم بعد قتل النَّاصِر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 198 فرج إِلَى الْقَاهِرَة كَانَ مِمَّن قدم مَعَه وولاه نظر الاصطبل. ثمَّ نَاب عَن القَاضِي كَمَال الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ فِي كِتَابَة السِّرّ وَقَامَ بأعباء الدِّيوَان فِي أَيَّام الْعلم دَاوُد بن الكويز وَمن بعده واستقل بِكِتَابَة السِّرّ فاستبد بتدبير المملكة وَكثر مَاله رَحمَه الله. وَمَات نور الدّين عَليّ السفطي وَكيل بَيت المَال الْمَعْمُور فِي لَيْلَة وَمَات السَّيِّد الشريف عجلَان بن نعير بن مَنْصُور بن جماز بن مَنْصُور بن جماز بن شيحة بن هَاشم بن قَاسم بن مهنا بن حُسَيْن بن مهنا بن دَاوُد بن قَاسم بن عبيد الله بن طَاهِر بن يحيى بن الْحُسَيْن بن جَعْفَر بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أَبُو طَالب رَضِي الله عَنهُ مقتولا فِي ذِي الْحجَّة. وَقد ولي إمرة الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة مرَارًا وَقبض عَلَيْهِ فِي موسم سنة إِحْدَى وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَحمل فِي الْحَدِيد إِلَى الْقَاهِرَة فسجن ببرج فِي قلعة الْجَبَل ثمَّ أفرج عَنهُ وَكَانَ فِي الإفراج عَنهُ ذكرى من كَانَ لَهُ قلب. وهم أَن عز الدّين عبد الْعَزِيز بن عَليّ بن الْعِزّ الْبَغْدَادِيّ الْحَنْبَلِيّ قَاضِي الْقُضَاة بِبَغْدَاد ثمَّ بِدِمَشْق رأى فِي مَنَامه كَأَنَّهُ بِمَسْجِد الرَّسُول - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَإِذا بالقبر قد فتح وَخرج مِنْهُ رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَجلسَ على شفيره وَعَلِيهِ أَكْفَانه وَأَشَارَ بِيَدِهِ الْكَرِيمَة إِلَى عبد الْعَزِيز هَذَا فَقَامَ إِلَيْهِ حَتَّى دنا مِنْهُ فَقَالَ لَهُ: قل للمؤيد يفرج عَن عجلَان فانتبه وَصعد إِلَى قلعة الْجَبَل. وَكَانَ من جملَة جلساء السُّلْطَان الْملك الْمُؤَيد شيخ المحمودي وَجلسَ على عَادَته بمجلسه وَحلف لَهُ بالأيمان الحرجة أَنه مَا رأى عجلَان قطّ وَلَا بَينه معرفَة. ثمَّ قصّ عَلَيْهِ رُؤْيَاهُ فَسكت ثمَّ خرج بِنَفسِهِ بعد انْقِضَاء الْمجْلس إِلَى مرماة النشاب الَّتِي قد استجدها بِطرف الدركاه واستدعى بعجلان من سجنه بالبرج وَأَفْرج عَنهُ وَأحسن إِلَيْهِ. وَقد حَدثنِي قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين بِهَذِهِ الرُّؤْيَا غير مرّة وَعنهُ كتبتها وَعِنْدِي مثل هَذَا الْخَبَر فِي حق بني حُسَيْن عدَّة أَخْبَار صَحِيحَة فإياك والوقيعة فِي أحد مِنْهُم فَلَيْسَتْ بِدعَة المبتدع مِنْهُم أَو تَفْرِيط المفرط مِنْهُم فِي شَيْء من الْعِبَادَات أَو ارتكابه محرما من الْمُحرمَات بمخرجه من بنوة الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَالْوَلَد ولد على حَال عق أَو فجر. وَمَات الشريف خشرم بن دوغان بن جَعْفَر بن هبة بن جماز بن مَنْصُور بن جماز بن شيحة الْحُسَيْن مقتولاً فِي ذِي الْحجَّة أَيْضا فِي الْحَرْب. وَمَات الْوَاعِظ الْمُذكر بِاللَّه شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عمر بن عبد الله الْمَعْرُوف بالشاب التائب بِدِمَشْق فِي يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشر رَجَب عَن نَحْو سبعين سنة ومولده ومنشأه بِالْقَاهِرَةِ. وَكَانَ من جملَة طلبة الْعلم الشَّافِعِيَّة ثمَّ صحب فِي أثْنَاء عمره الجزء: 7 ¦ الصفحة: 199 رجلا من الْفُقَرَاء يعرف بِأبي عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عمر ابْن الزياب أحد أَصْحَاب الشَّيْخ يحيى الصنافيري فَمَال إِلَى طَريقَة التصوف ورحل إِلَى الْيمن. ثمَّ قدم وَعمل الميعاد ونظم الشّعْر على طَرِيق الْقَوْم وَبنى زواية خَارج الْقَاهِرَة فَحصل لَهُ قبُول من الْعَامَّة. وَسمعت ميعاده بالجامع الْأَزْهَر وَقد تكلم فِي تَفْسِير آيَة من كتاب تَعَالَى فَأكْثر من النَّقْل الْجيد بِعِبَارَة حَسَنَة وَطَرِيقَة مليحة. وَحج مرَارًا ثمَّ رَحل إِلَى دمشق وَبنى بهَا زَاوِيَة وَعمل الميعاد فَأقبل عَلَيْهِ النَّاس وَزَاد اعْتِقَادهم فِيهِ بِمصْر وَالشَّام حَتَّى توفّي. وَنعم الرجل كَانَ. وَمَات بالنحريرية الأديب المعتقد نور الدّين عَليّ بن عبد الله الشهير بِابْن عامرية فِي يَوْم الْخَمِيس سادس عشر شهر ربيع الآخر وَأكْثر شعره - رَحمَه الله - فِي المدائح النَّبَوِيَّة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 200 (سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة) أهلت هَذِه السّنة بِيَوْم الْجُمُعَة الْمُوَافق لَهُ ثَانِي بابة: وَالشَّمْس فِي نصف برج الْمِيزَان وَالْوَقْت فصل الخريف. شهر الْمحرم: فِي يَوْم السبت ثَانِيه: خلع على الْأَمِير زين الدّين عبد الْقَادِر أستادار خلعة الإستمرار ثمَّ خلع عَلَيْهِ ثَانِيًا فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ رابعه وخلع على الْأَمِير أقبغا الجمالي كاشف الْوَجْه القبلي خلعة الِاسْتِمْرَار وَقد أرجف باستقراره أستادارا وألزم بِحمْل عشْرين ألف دِينَار. وَفِي تاسعه: خلع على الصاحب كريم الدّين الْوَزير وَاسْتقر فِي نظر الدِّيوَان الْمُفْرد مُضَافا إِلَى الوزارة ليتقوى بِهِ الْأَمِير زين الدّين أستادار. وَفِي لَيْلَة الْجُمُعَة تاسعه أَو عاشره: أمْطرت مَدِينَة حمص مَطَرا وابلاً وَنزل مَعَه ضفادع خضر حَتَّى امْتَلَأت بهَا أَزِقَّة الْمَدِينَة وأسطحة الدّور. وَفِي الْعشْر الثَّانِي من هَذَا الشَّهْر: حملت نَفَقَة المماليك السُّلْطَانِيَّة من حَاصِل الأستادار إِلَى قلعة الْجَبَل لتنفق فِي المماليك على الْعَادة فِي كل شهر فامتنعوا من قبضهَا وطلبوا أَن يُزَاد كل وَاحِد على مَاله مبلغ ثَلَاثمِائَة دِرْهَم فِي كل شهر وَكَانُوا قد فعلوا ذَلِك فِي نَفَقَة ذِي الْحجَّة حَتَّى زيد كل مِنْهُم أَرْبَعمِائَة دِرْهَم فِي كل شهر فبلغت الزيادتان فِي الشَّهْر نَحْو الْخَمْسَة آلَاف دِينَار. وَكَانَ قبل رضائهم بذلك قد استطار شرهم وتعدوا فِي العتو طورهم حَتَّى خافهم أَعْيَان أهل الدولة ووزعوا مَا فِي دُورهمْ خوف وُقُوع الْفِتْنَة. وَفِي حادي عشرينه: قدم ركب من الْحَاج تقدم أَولا ثمَّ قدم الركب الأول من الْغَد وَقدم الْمحمل بِبَقِيَّة الْحَاج فِي ثَالِث عشرينه. وَفِي رَابِع عشرينه: قدم رَسُول ملك الْمشرق - شاه رخ بن تيمور - بكتابه يطْلب فِيهِ شرح البُخَارِيّ لِلْحَافِظِ قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أَحْمد بن حجر وتاريخي السلوك للدول الْمُلُوك ويعرض فِيهِ بِأَنَّهُ يُرِيد أَن يكسو الْكَعْبَة وَيجْرِي الْعين بِمَكَّة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 201 وَفِي ثامن عشره: بعث صَاحب تونس وإفريقية وتلمسان - أَبُو فَارس عبد الْعَزِيز - أسطولاً فِيهِ مِائَتَا فرس وَخَمْسَة عشر ألف مقَاتل من العسكرية والمطوعة لأخذ جَزِيرَة صقلية فنازلوا مَدِينَة مارز حَتَّى أخذوها عنْوَة ومضوا إِلَى مَدِينَة مالطة. وحصروها حَتَّى لم يبْق إِلَّا أَخذهَا فَانْهَزَمَ من جُمْلَتهمْ أحد الْأُمَرَاء من العلوج فَانْهَزَمَ الْمُسلمُونَ لهزيمته فَركب الفرنج أقفيتهم فاستشهد مِنْهُم فِي الْهَزِيمَة خَمْسُونَ رجلا من الْأَعْيَان ثمَّ إِنَّهُم ثبتوا وقبضوا على العلج الَّذِي شهر صفر أَوله الْأَحَد: فِي رَابِع عشره: خلع على السَّيِّد الشريف شهَاب الدّين كَاتب السِّرّ وَنزل إِلَى الْجَامِع المؤيدي وَقد اسْتَقر ناظره على الْعَادة فقرئ بِهِ تَقْلِيده بِكِتَابَة السِّرّ تولى قِرَاءَته منشأة القَاضِي شرف الدّين أَبُو بكر الْأَشْقَر نَائِب كَاتب السِّرّ. وَقد حضر قُضَاة الْقُضَاة الثَّلَاث وَلم يحضر الْحَنَفِيّ وَحضر الْأَمِير أركماس الدوادار وَكثر من الْأَعْيَان فَكَانَ من المجامع الحفلة الحشمة. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: ارْتَفع سعر الذَّهَب حَتَّى بلغ الدِّينَار الأفرنتي مِائَتَيْنِ وَسِتِّينَ درهما وارتفع أَيْضا سعر الغلال. وَقدم الْخَبَر بغلاء الأسعار بِمَدِينَة حلب ودمشق وَأَن بِدِمَشْق وحمص طاعون فَاش فِي النَّاس. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سادس عشرينه: خلع على قَاضِي الْقُضَاة علم الدّين صَالح ابْن شيخ الْإِسْلَام سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ وأعيد إِلَى قَضَاء الْقُضَاة عوضا عَن الْحَافِظ شهَاب الدّين أَحْمد بن حجر وخلع على قَاضِي الْقُضَاة زين الدّين عبد الرَّحْمَن التفهني وأعيد إِلَى قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة عوضا عَن بدر الدّين مَحْمُود الْعَيْنِيّ ورسم باستقراره صدر الدّين أَحْمد بن مَحْمُود العجمي فِي ميشخة خانكاه الْأَمِير شيخو عوضا عَن قَاضِي الْقُضَاة زين الدّين التفهني ورسم أَن لَا يزِيد الشَّافِعِي على عشرَة نواب والحنفي على ثَمَانِيَة والمالكي على سِتَّة والحنبلي على أَرْبَعَة فَكَانَ حسنا إِن تمّ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 202 شهر ربيع الأول أَوله الِاثْنَيْنِ: فِيهِ خلع على صدر الدّين أَحْمد بن العجمي وَاسْتقر فِي ميشخة الشيخونية. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء سلخه: خلع على سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن كريم الدّين عبد الْكَرِيم ابْن سعد الدّين بركَة كَاتب جكم وَاسْتقر فِي نظر الْخَاص عوضا عَن أَبِيه بعد وَفَاته وألزم بِحمْل سِتِّينَ ألف دِينَار فشرع فِي حملهَا. وَفِي هَذَا الشَّهْر: انحل سعر الغلال وَسبب ذَلِك أَن الْمُحْتَسب أينال الششماني منع كل من ورد بغلة إِلَى ساحلي مصر وبولاق من بيعهَا وتشدد فِي ذَلِك فامتنعوا وَأخذُوا فِي بيع الغلال السُّلْطَانِيَّة على أَن كل أردب من الْقَمْح بثلاثمائة وَسِتِّينَ درهما فتوفرت الغلال فِي مُدَّة بَيْعه ثمَّ أذن لَهُم فِي بيعهَا وَقد تَكْفِي الطحانون بغلال السُّلْطَان فانحل السّعر وَللَّه الْحَمد وَرُبمَا صحت الْأَجْسَام بعد الْعِلَل. شهر ربيع الآخر أَوله الْأَرْبَعَاء: فِي رابعه: خلع على قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مَحْمُود الْعَيْنِيّ الْحَنَفِيّ وَاسْتقر فِي الْحِسْبَة بِالْقَاهِرَةِ ومصر عوضا عَن الْأَمِير أينال الششماني مُضَافا لما مَعَه من نظر الأحباس. وَفِي تاسعه: خلع على الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد الدوادار وَاسْتقر فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة وَفِي ثَالِث عشره: خلع على الصاحب تَاج الدّين عبد الرَّزَّاق بن الهيصم وأعيد إِلَى نظر الدِّيوَان الْمُفْرد عوضا عَن الْوَزير الصاحب كريم الدّين عبد الْكَرِيم ابْن كَاتب المناخ وَفِي خَامِس عشرينه: خلع على الْأَمِير عَلَاء الدّين أقبغا الجمالي الكاشف وَاسْتقر أستاداراً عوضا عَن الْأَمِير زين الدّين عبد الْقَادِر بن أبي الْفرج على أَن يحمل مائَة ألف دِينَار بعد تكفية الدِّيوَان فَلم ينْهض بهَا. وَفِي هَذَا الشَّهْر: انحل سعر الغلال فأبيع الْقَمْح بمائتين وَخمسين درهما الأردب وَالشعِير بِمِائَة وَعشرَة دَرَاهِم الأردب. وَفِيه فشى الطَّاعُون فِي الْوَجْه البحري سِيمَا فِي التحريرية ودمنهور فَمَاتَ خلق كثير جدا بِحَيْثُ أحصي من مَاتَ من أهل الْمحلة زِيَادَة على خَمْسَة آلَاف إِنْسَان. وَمن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 203 نَاحيَة صا زِيَادَة على سِتّمائَة إِنْسَان وَكَانَ قد وَقع بغزة والقدس وصفد ودمشق فِي شعْبَان فِي السّنة الْمَاضِيَة طاعون وَاسْتمرّ إِلَى هَذَا الشَّهْر. وعد هَذَا من النَّوَادِر فَإِن الْوَقْت شتاء وَمَا عهد فِيمَا أدركناه وُقُوع الطَّاعُون إِلَّا فِي فصل الرّبيع. ويعلل الْأَطِبَّاء ذَلِك بسيلان الأخلاط فِي الرّبيع وجمودها فِي الشتَاء وَلَكِن الله يفعل مَا يُرِيد. وَقدم الْخَبَر بشناعة الطَّاعُون بِمَدِينَة برصا من بِلَاد الرّوم وَأَنه زَاد عدد من يَمُوت بهَا فِي كل يَوْم على ألفي وَخَمْسمِائة إِنْسَان. وَأما الْقَاهِرَة فَإِنَّهُ جرى على أَلْسِنَة غَالب النَّاس مُنْذُ أول الْعَام أَنه يَقع فِي النَّاس عَظِيم حَتَّى لقد سَمِعت الْأَطْفَال تَتَحَدَّث بِهَذَا فِي الطرقات. فَلَمَّا أهل شهر ربيع الآخر هَذَا: كَانَت عدَّة من ورد الدِّيوَان فِيهِ من الْأَمْوَات اثْنَي عشر إنْسَانا وَأخذ يتزايد فِي كل يَوْم حَتَّى بلغت عدَّة من ورد الدِّيوَان بِالْقَاهِرَةِ فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سلخه ثَمَانِيَة وَأَرْبَعين إنْسَانا. وَجُمْلَة من أَحْصَاهُ ديوَان الْقَاهِرَة فِي الشَّهْر كُله أَرْبَعمِائَة وَسَبْعَة وَسَبْعُونَ إنْسَانا. وَبلغ ديوَان الْمَوَارِيث بِمَدِينَة مصر دون ذَلِك. هَذَا سوى من مَاتَ بالمارستان وَمن جهز من ديوَان الطرحاء على الطرقات من الْفُقَرَاء وهم كثير. شهر جُمَادَى الأولى أَوله الْخَمِيس: فِيهِ برز سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن الْمرة نَاظر جدة إِلَى خَارج الْقَاهِرَة وَقد توجه مَعَه كثير من النَّاس يُرِيدُونَ الْعمرَة وَالْحج. وَفِيه بلغت عدَّة من ورد الدِّيوَان بِالْقَاهِرَةِ مائَة على أَنهم لَا يرفعون فِي أوراقهم إِلَى الْوَزير وَغَيره إِلَّا بعض من يرد لَا كلهم. وَفِيه نُودي فِي النَّاس بصيام ثَلَاثَة أَيَّام وَأَن يتوبوا إِلَى الله تَعَالَى من معاصيهم. ويخرجوا من الْمَظَالِم ثمَّ يخرجُوا فِي يَوْم الْأَحَد رابعه إِلَى الصَّحرَاء. هَذَا والحكام والولاة على مَا هم عَلَيْهِ. لَا تنه عَن خلق وَتَأْتِي مثله عَار عَلَيْك إِذا فعلت عَظِيم وَفِي يَوْم الْأَحَد رابعه: خرج قَاضِي الْقُضَاة علم الدّين صَالح فِي جمع موفور إِلَى الصَّحرَاء خَارج بَاب النَّصْر وَجلسَ بِجَانِب تربة الظَّاهِر برقوق فوعظ النَّاس على عَادَته فِي عمل الميعاد فَكثر ضجيج الرِّجَال وَالنِّسَاء وَكثر بكاؤهم فِي دُعَائِهِمْ وتضرعهم ثمَّ انْفَضُّوا قبيل الظّهْر فتزايدت عدَّة الْأَمْوَات عَمَّا كَانَت. وَفِي ثامنه: ورد كتاب اسكندر بن قرا يُوسُف بِأَن شاه رخ عَاد إِلَى بِلَاده وَأَنه هُوَ رَجَعَ إِلَى توريز وقصده أَن يمشي بعد انْقِضَاء الشتَاء لمحاربة قرا يلك صَاحب آمد. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 204 وَقدم كتاب مُرَاد بن عُثْمَان صَاحب برصا بِأَنَّهُ هادن الفرنح ثَلَاث سِنِين. وَقدم كتاب قرا يلك يسْأَل الْعَفو عَن وَلَده هابيل وإطلاقه. وَفِي حادي عشرينه: قبض على الْأَمِير زين الدّين عبد الْقَادِر بن أبي الْفرج وَكثير من إِلْزَامه وسلموا إِلَى الْأَمِير أقبغا أستادار ثمَّ أفرج عَنهُ فِي رَابِع عشرينه على مَال يحملهُ. وَفِي سادس عشرينه: حضر تجار الْإسْكَنْدَريَّة وَقد طلبُوا مِنْهَا فأوقفوا بَين يَدي السُّلْطَان وألزموا جَمِيعهم أَن لَا يبع أحد مِنْهُم شَيْئا من أَصْنَاف البضائع الَّتِي تجلب من الْهِنْد كالفلفل وَنَحْوه لأحد من التُّجَّار الفرنج وهددوا على ذَلِك. وَسبب هَذَا أَن السُّلْطَان أَقَامَ طَائِفَة تشتري لَهُ البضائع وتبيعها فَإِذا أخذت بجدة المكوس من التُّجَّار الَّتِي ترد من الْهِنْد حملت فلفلاً وَغَيره فِي بَحر القلزم من جدة إِلَى الطّور ثمَّ حملت من الطّور إِلَى مصر ثمَّ نقلت فِي النّيل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وألزم الفرنج بشرَاء الْحمل من الفلفل بِمِائَة وَثَلَاثِينَ دِينَارا. هَذَا وسعره بِالْقَاهِرَةِ خَمْسُونَ دِينَارا. فَبلغ السُّلْطَان أَن بعض التُّجَّار سَأَلَ الفرنج بالإسكندرية أَن يبتاعوا مِنْهُ الْحمل بأَرْبعَة وَسِتِّينَ دِينَارا فَأَبَوا أَن يأخذوه إِلَّا بِتِسْعَة وَخمسين فَأحب السُّلْطَان عِنْد ذَلِك الزِّيَادَة فِي الْفَوَائِد وَأَن يَأْخُذ مَا عِنْد التُّجَّار من الفلفل بِسعْر مَا دفع لَهُم فِيهِ الفرنج ليَبِيعهُ هُوَ على الفرنج. مِمَّا تقدم ذكره فَمَنعهُمْ من يبيعهم على الفرنج ليبور عِنْدهم فَيَأْخذهُ حِينَئِذٍ مِنْهُم بِمَا يُرِيد. وَفِيه أَيْضا طلب الْأَمِير أقبغا الأستادار الباعة بِالْقَاهِرَةِ ومصر لِيطْرَح عَلَيْهِم السكر فأغلقوا الحوانيت وفروا مِنْهُ فأعيا النَّاس شِرَاء الْأَدْوِيَة للمرضى وَلم يكادوا أَن يَجدوا مَا يعللوهم بِهِ. وَفِي هَذَا الشَّهْر: شنع الموتان الْوَحْي السَّرِيع بالطاعون والنزلات الَّتِي تنحدر من الدِّمَاغ إِلَى الصَّدْر فَيَمُوت الْإِنْسَان فِي أقل من سَاعَة بِغَيْر تقدم مرض. وَكَانَ أَكثر فِي الْأَطْفَال والشباب ثمَّ فِي العبيد وَالْإِمَاء وَأقله فِي النِّسَاء وَالرِّجَال. وَتجَاوز فِي مَدِينَة مصر الْفسْطَاط الْمِائَتَيْنِ فِي كل يَوْم سوى من لم يرد الدِّيوَان. وَتجَاوز فِي الْقَاهِرَة الثلاثمائة سوى من لم يرد الدِّيوَان. وَضبط من صلى عَلَيْهِ فِي مصليات الْجَنَائِز فبلغت عدتهمْ تزيد على مَا أوردوه فِي ديوَان الْمَوَارِيث زِيَادَة كَثِيرَة. وَبَلغت عدَّة من مَاتَ بالنحريرية - خَاصَّة - إِلَى هَذَا الْوَقْت تِسْعَة آلَاف سوى من لم يعرف وهم كثر جدا. وَبَلغت عدَّة الْأَمْوَات بالإسكندرية فِي كل يَوْم نَحْو الْمِائَة. وَشَمل الوباء عَامَّة الْبحيرَة الغربية والقليوبية. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 205 وَفِي الْعشْر الْأُخَر من هَذَا الشَّهْر: وجد بالنيل والبرك الَّتِي بَين الْقَاهِرَة ومصر كثير من السّمك والتماسيح قد طفت على وَجه المَاء ميتَة واصطيدت بنية كَبِيرَة فَإِذا هِيَ كإنما صبغت بِدَم من شدَّة حمرتها. وَوجد فِي الْبَريَّة مَا بَين السويس والقاهرة عدَّة كَثِيرَة من الظباء والدياب موتى. وَقدم الْخَبَر بِوُقُوع الوباء بِبِلَاد الفرنج. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سلخه: ضبطت عدَّة الْأَمْوَات الَّتِي صلي عَلَيْهَا فبلغت أَلفَيْنِ وَمِائَة وَلم يُورد فِي أوراق الدِّيوَان سوى أَرْبَعمِائَة ونيف. وَفِيه مَاتَ ببولاق سَبْعُونَ لم يُورد مِنْهُم سوى اثْنَي عشر. وشنع الموتان حَتَّى أَن ثَمَانِيَة عشر من صيادي السّمك كَانُوا فِي مَوضِع فَمَاتَ مِنْهُم فِي يَوْم وَاحِد أَرْبَعَة عشر وَمضى الْأَرْبَعَة ليجهزوهم إِلَى الْقُبُور فَمَاتَ مِنْهُم وهم مشَاة ثَلَاثَة فَقَامَ الْوَاحِد بشأن السَّبْعَة عشر حَتَّى وصل بهم إِلَى الْمقْبرَة مَاتَ أَيْضا. وَركب أَرْبَعُونَ رجلا فِي مركب وَسَارُوا من مَدِينَة مصر نَحْو بِلَاد الصَّعِيد فماتوا بأجمعهم قبل وصولهم الميمون. وَمَرَّتْ امْرَأَة من مصر تُرِيدُ الْقَاهِرَة وَهِي راكبة على حمَار مكاري فَمَاتَتْ وَهِي راكبة وَصَارَت ملقاة بِالطَّرِيقِ يَوْمهَا كُله حَتَّى بَدَأَ تغير رِيحهَا فدفنت وَلم يعرف لَهَا أهل. وَكَانَ الْإِنْسَان إِذا مَاتَ تغير رِيحه سَرِيعا مَعَ شدَّة برد الزَّمَان. وشنع الْمَوْت بخانكاه سريا قَوس حَتَّى بلغت الْعدة فِي كل يَوْم نَحْو الْمِائَتَيْنِ وَكثر أَيْضا بالمنوفية والقليوبية حَتَّى كَاد يَمُوت فِي الْكفْر الْوَاحِد فِي كل يَوْم سِتّمائَة إِنْسَان. شهر جُمَادَى الْآخِرَة أَوله الْجُمُعَة: فِيهِ تزايدت عدَّة الْأَمْوَات عَمَّا كَانَت فأحصي فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ رابعه من أخرج من أَبْوَاب الْقَاهِرَة فبلغت عدتهمْ ألفا ومائتي ميت سوى من خرج عَن الْقَاهِرَة من أهل الحكورة والحسينية وبولاق والصليبة ومدينة مصر والقرافتين والصحراء وهم أَكثر من ذَلِك. وَلم يُورد بديوان الْمَوَارِيث بِالْقَاهِرَةِ سوى ثَلَاثمِائَة وَتِسْعين وَذَلِكَ أَن أُنَاسًا عمِلُوا توابيت للسبيل فَصَارَ أَكثر النَّاس يحملون موتاهم عَلَيْهَا وَلَا يردون الدِّيوَان أَسْمَاءَهُم. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: ارْتَفَعت أسعار الثِّيَاب الَّتِي تكفن بهَا الْأَمْوَات وارتفع سعر مَا تحْتَاج إِلَيْهِ المرضى كالسكر وبذر الرجلة والكمثرى على أَن الْقَلِيل من المرضى هُوَ الَّذِي يعالج بالأدوية بل معظمهم يَمُوت موتا وَحيا سَرِيعا فِي سَاعَة وَأَقل مِنْهَا وَعظم الوباء فِي المماليك السُّلْطَانِيَّة - سكان الطباق بالقلعة - الَّذين كثر فسادهم وشرهم وَعظم عتوهم وضرهم بِحَيْثُ كَانَ يصبح مِنْهُم أَرْبَعمِائَة وَخَمْسُونَ مرضى فَيَمُوت فِي الْيَوْم زِيَادَة على الْخمسين مَمْلُوكا وشنع الْمَوْت. بِمَدِينَة فوه ومدينة بليبس وَوَقع بِبِلَاد الصَّعِيد الْأَدْنَى. وَانْقطع الوباء من الْبحيرَة والنحريرية وَكثر بِمَدِينَة الْمحلة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 206 وَفِي يَوْم الْخَمِيس سابعه: أحصي من صلى عَلَيْهِ من الْأَمْوَات فِي الْمُصَليَات الْمَشْهُورَة خَاصَّة فَكَانُوا نَحْو الْألف ومائتي ميت وَصلى بِغَيْر هَذِه الْمُصَليَات على مَا شَاءَ الله. وَلم يُورد فِي ديوَان الْقَاهِرَة سوى ثَلَاثمِائَة وَخمسين وَفِي ديوَان مصر دون الثَّلَاثِينَ. وَصلى بهَا على مائَة. وَضبط فِي يَوْم السبت تاسعه من صلى عَلَيْهِ بِالْقَاهِرَةِ فَكَانُوا ألفا وَمِائَتَيْنِ وَثَلَاثًا وَسِتِّينَ لم يرد الدِّيوَان سوى مَا دون الأربعمائة فَكَانَ عدد من صلى عَلَيْهِ بمصلى بَاب النَّصْر فِي هَذَا الْيَوْم أَرْبَعمِائَة وَخمسين وَمَات بعض الْأُمَرَاء الألوف فَلم يقدر لَهُ على تَابُوت حَتَّى أَخذ لَهُ تَابُوت من السَّبِيل. وَمَات ولد لبَعض الوزراء فَلم يقدر الأعوان - مَعَ كثرتهم وشدتهم - على تَابُوت لَهُ حَتَّى أَخذ لَهُ تَابُوت من المارستان. وَبلغ عدد من صلى عَلَيْهِ بمصلى بَاب النَّصْر فِي يَوْم الْأَحَد عاشره خَمْسمِائَة وَخَمْسَة وَهِي من جملَة أَربع عشرَة مصلى. وَبَلغت عدَّة من صلى عَلَيْهِ فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ حادي عشره فِي الْمُصَليَات الْمَشْهُورَة بِالْقَاهِرَةِ وظواهرها أَلفَيْنِ وَمِائَتَيْنِ وَسِتَّة أَرْبَعِينَ. وانطوى عَن الَّذِي ضبط الْكثير مِمَّن لم يصل عَلَيْهِ فِيهَا وَبَلغت عدَّة من صلى عَلَيْهِ فِيهَا وَبَلغت عدَّة من صلى عَلَيْهِ بمصلى بَاب النَّصْر خَاصَّة فِي يَوْم وَاحِد زِيَادَة على ثَمَانمِائَة ميت وَمثل ذَلِك فِي مصلى المؤمني تَحت القلعة وَكَانَ يُصَلِّي على أَرْبَعِينَ مَيتا مَعًا فَمَا تَنْقَضِي الصَّلَاة على الْأَرْبَعين جَمِيعًا حَتَّى يُؤْتِي بعدة أموات وَبَلغت عدَّة من خرج من أَبْوَاب الْقَاهِرَة من الْأَمْوَات اثْنَا عشر ألفا وثلاثمائة ميت. وَاتفقَ فِي هَذَا الوباء غرائب مِنْهَا أَنه كَانَ بالقرافة الْكُبْرَى والقرافة الصُّغْرَى من السودَان نَحْو ثَلَاثَة آلَاف مَا بَين رجل وَامْرَأَة صَغِير وكبير ففنوا بالطاعون حَتَّى لم يبْق مِنْهُم إِلَّا قَلِيل. فَفرُّوا إِلَى أَعلَى الْجَبَل وَبَاتُوا ليلتهم سهارى لَا يَأْخُذهُمْ نوم لشدَّة مَا نزل بهم من فقد أَهْليهمْ وظلوا يومهم من الْغَد بِالْجَبَلِ فَلَمَّا كَانَت اللَّيْلَة الثَّانِيَة مَاتَ مِنْهُم ثَلَاثُونَ إنْسَانا وَأَصْبحُوا فَإلَى أَن يَأْخُذُوا فِي دفنهم مَاتَ مِنْهُم ثَمَانِيَة عشر. وَاتفقَ أَن إقطاعاً بالحلقة انْتقل فِي أَيَّام قَليلَة إِلَى تِسْعَة نفر وكل مِنْهُم يَمُوت وَمن كَثْرَة الشّغل بالمرضى والأموات تعطلت أسواق الْبَز وَنَحْوه من البيع وَالشِّرَاء وتزايد ازدحام النَّاس فِي طلب الأكفان والنعوش فَحملت الْأَمْوَات على الألواح والأقفاص وعَلى الْأَيْدِي وَعجز النَّاس عَن دفن أمواتهم فصاروا يبيتُونَ بهَا فِي الْمَقَابِر والحفارون طول ليلتهم يحفرون وَعمِلُوا حفائر كَثِيرَة تلقى فِي الحفرة مِنْهَا الْعدة الْكَثِيرَة من الْأَمْوَات وأكلت الْكلاب كثيرا من أَطْرَاف الْأَمْوَات وَصَارَ النَّاس ليلهم كُله يسعون فِي طلب الغسال والحمالين والأكفان وَترى نعوش الْأَمْوَات فِي الشوارع كَأَنَّهَا قطارات الْجمال لكثرتها والمرور بهَا متواصلة بَعْضهَا فِي إِثْر بعض فَكَانَ هَذَا من الْأَهْوَال الَّتِي أدركناها. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 207 وَفِي يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشره: جمع السَّيِّد الشريف شهَاب الدّين أَحْمد بن عدنان كَاتب السِّرّ بِأَمْر السُّلْطَان أَرْبَعِينَ شريفاً اسْم كل شرِيف مِنْهُم مُحَمَّد وَفرق فيهم من مَاله هُوَ خَمْسَة آلَاف دِرْهَم وأجلسهم بالجامع الْأَزْهَر فقرءوا مَا تيَسّر من الْقُرْآن الْكَرِيم بعد صَلَاة الْجُمُعَة ثمَّ قَامُوا - هم وَالنَّاس - على أَرجُلهم فدعوا الله تَعَالَى وَقد غص النَّاس بالجامع الْأَزْهَر فَلم يزَالُوا يدعونَ الله حَتَّى دخل وَقت الْعَصْر فَصَعدَ الْأَرْبَعُونَ شريفاً إِلَى أَعلَى الْجَامِع وأذنوا جَمِيعًا ثمَّ نزلُوا فصلوا مَعَ النَّاس صَلَاة الْعَصْر وانفضوا وَكَانَ هَذَا مِمَّا أَشَارَ بِهِ بعض الْعَجم وَأَنه عمل هَذَا بِبِلَاد الْمشرق فِي وباء حدث عِنْدهم فارتفع عقيب ذَلِك فَلَمَّا أصبح النَّاس يَوْم السبت أَخذ الوباء يتناقص فِي كل يَوْم حَتَّى انْقَطع وَفَشَا بِبِلَاد الصَّعِيد وببوادي الْعَرَب وبمدينة حماة ومدينة حمص. وَوجد فِي بعض بساتين الْقَاهِرَة سَبْعَة دياب قد مَاتُوا بالطاعون. وَمَات عِنْد رجل أَربع دجاجات وجد فِي كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ كبة فِي نَاحيَة من بدنهَا. وَكَانَ عِنْد رجل نسناسة فأصابها الطَّاعُون برأسها وأقامت ثَلَاثَة أَيَّام إِذا وضع لَهَا المَاء وَالْأكل لَا تتَنَاوَل الْغَدَاء وتشرب مرّة وَاحِدَة فِي الْيَوْم ثمَّ هَلَكت بعد ثَلَاث. وَفِي لَيْلَة الْجُمُعَة التَّاسِع وَالْعِشْرين: مِنْهُ خرج بعد غرُوب الشَّمْس بِقَلِيل كَوْكَب فِي هَيْئَة الكرة بِقدر جرم الْقَمَر فِي لَيْلَة الْبَدْر فَمر بَين الْمشرق والقبلة إِلَى جِهَة الْمغرب وتفرق مِنْهُ شرر كثير شهر رَجَب أَوله الْأَحَد: أهل هَذَا الشَّهْر والوباء قد تناقص بِالْقَاهِرَةِ إِلَّا أَنه مُنْذُ نقلت الشَّمْس إِلَى برج الْحمل فِي ثامن عشر جُمَادَى الْآخِرَة وَدخل فصل الرّبيع فَشَا الْمَوْت فِي أَعْيَان النَّاس وكبرائهم وَمن لَهُ شهرة بعد مَا كَانَ فِي الْأَطْفَال والخدم وَقد بلغت أَثمَان الْأَدْوِيَة وَمَا تحتاح إِلَيْهِ المرضى أَضْعَاف ثمنهَا. وَذَلِكَ أَن الْأَمْرَاض طَالَتْ مدَّتهَا بعد مَا كَانَ الْمَوْت وَحيا فَلَا تَخْلُو دَار من ميت أَو مَرِيض. وشنع فِي هَذَا الوباء مَا لم يعْهَد مثله إِلَّا فِي النَّادِر وَهُوَ خلو دور كَثِيرَة جدا من جَمِيع من كَانَ بهَا حَتَّى أَن الْأَمْوَال المخلفة عَن عدَّة من الْأَمْوَات أَخذهَا من لَا يَسْتَحِقهَا. وشنع أَيْضا الْمَوْت والأمراض فِي المماليك السُّلْطَانِيَّة بِحَيْثُ ورد كتاب من طرابلس فَلم يجد الشريف عماد الدّين أَبُو بكر بن عَليّ بن إِبْرَاهِيم ابْن عدنان من يتَنَاوَلهُ حَتَّى يَفْتَحهُ السُّلْطَان. وَكَانَ السَّيِّد أَبُو بكر إِذْ ذَاك يُبَاشر بعد موت أَخِيه السَّيِّد شهَاب الدّين وَقد عين كِتَابَة السِّرّ فَأَخْبرنِي - رَحمَه الله - أَنه خرج من بَين يَدي السُّلْطَان حَتَّى وجد وَاحِدًا من المماليك خَارج الْقصر فَدخل بِهِ حَتَّى أَخذ الْكتاب من القادم بِهِ وفتحه ثمَّ قَرَأَهُ هُوَ على السُّلْطَان. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 208 وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ تاسعه: خلع على الطواشي زين الدّين خشقدم وَاسْتقر مقدم المماليك بعد موت الْأَمِير فَخر الدّين ياقوت. وخشقدم هَذَا رومي الْجِنْس رباه الْأَمِير يشبك وَأعْتقهُ واشتهر وَفِي سادس عشره: قدم الْأَمِير تغري بردي المحمودي من سجنه بدمياط فرسم أَن يتَوَجَّه من قليوب إِلَى دمشق ليَكُون أتابك العساكر بهَا فَتوجه إِلَيْهَا. وَفِي ثَالِث عشرينه: خلع على بدر الدّين حسن بن الْقُدسِي وَاسْتقر فِي مشيخة الشيخونية بعد موت صدر الدّين أَحْمد بن مَحْمُود العجمي. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: انحل سعر الغلال وَقد دخلت سعر الْغلَّة الجديدة فأبيع الشّعير بتسعين درهما الأردب والقمح بمائتين وَمَا دونهَا وَكثر الإرجاف بحركة قرا يلك على الْبِلَاد الفراتية وَأَن شاه رخ بن تيمور شتا على قرا بَاغ فَأخذ السُّلْطَان فِي تجهيز الْعَسْكَر للسَّفر. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 209 شهر شعْبَان أَوله الْأَرْبَعَاء: فِي ثالثه: منع نواب الْقُضَاة من الحكم ورسم أَن يقْتَصر الشَّافِعِي على أَرْبَعَة نواب والحنفي على ثَلَاثَة والمالكي والحنبلي كل مِنْهُمَا على نائبين فَمَا أحسن هَذَا إِن تمّ. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامنه: أدير محمل الْحَاج على الْعَادة وَلم نعهده أدير قطّ فِي شعْبَان وَإِنَّمَا يدار دَائِما فِي نَحْو نصف من شهر رَجَب غير أَن الضَّرُورَة بِمَوْت المماليك الرماحة اقْتَضَت تَأْخِير ذَلِك حَتَّى أَن معلمي اللّعب بِالرِّمَاحِ أخذُوا فِي تَعْلِيم من بَقِي من المماليك مَا عرفُوا مِنْهُ كَيفَ يمسك الرمْح فَكَانَ الْجمع فِيهِ دون الْعَادة. وَفِي ثَالِث عشرينه: خلع على جمال الدّين يُوسُف بن أَحْمد التزمنتي - الْمَعْرُوف بِابْن المجير - أحد فضلاء الشَّافِعِيَّة وَاسْتقر فِي مشيخة الخانكاه الصلاحية سعيد السُّعَدَاء. وَكَانَ قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أَحْمد بن المحمرة قد استنابه فِيهَا. وَاسْتقر أَيْضا بدر الدّين مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز - الْمَعْرُوف بِابْن الْأَمَانَة - أحد خلفاء الحكم الشَّافِعِي فِي تدريس الشَّافِعِيَّة بالشيخونية وَكَانَ ابْن المحمرة قد استنابه عَنهُ فاستقل كل مِنْهُمَا بالوظيفة عوضا عَن مستنيبه بِحكم إِقَامَته على قَضَاء دمشق. وخلع أَيْضا على أَمِين الدّين يحيى بن مُحَمَّد الأقصراي وَاسْتقر فِي مشيخة الأشرفية المستجدة وتدريس الْحَنَفِيَّة بهَا عوضا عَن كَمَال الدّين مُحَمَّد بن الْهمام لرغبته عَنْهَا تعففاً وزهادة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: انحطت الأسعار فأبيع الْقَمْح. بِمِائَة وَخمسين درهما الأردب فَمَا دونهَا وَالشعِير بتسعين فَمَا دونهَا والفول بسبعين درهما فَمَا دونهَا. وَبلغ الدِّينَار الأشرفي إِلَى مِائَتَيْنِ وَثَمَانِينَ درهما والأفرنتي إِلَى مِائَتَيْنِ وَسِتِّينَ. وَفِيه كثر الإستعداد لسفر السُّلْطَان. شهر رَمَضَان أَوله الْأَرْبَعَاء: فِي تاسعه: قرر السُّلْطَان فِي جَامعه المستجد بجوار قيسارية العنبر من الْقَاهِرَة دروساً ثَلَاثَة فَجعل مدرس الشَّافِعِيَّة شمس الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن يَعْقُوب القاياتي. وَقرر عِنْده عشْرين طَالبا وَجعل مدرس الْمَالِكِيَّة عبَادَة بن عَليّ بن صَالح الزرزاري مولده سنة ثَمَان وَسبعين وَسَبْعمائة وَعِنْده عشرَة من الطّلبَة وَجعل مدرس الْحَنَابِلَة زين الدّين عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الزَّرْكَشِيّ وَمَعَهُ عشرَة من الطّلبَة. ومولد عبد الرَّحْمَن الزَّرْكَشِيّ فِي تَاسِع عشر شهر رَجَب سنة ثَمَان وَخمسين وَسَبْعمائة. وَسمع عَليّ بن إِبْرَاهِيم الْبنانِيّ صَحِيح مُسلم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 210 وَفِي يَوْم السبت ثامن عشره: قدم كَاتب السِّرّ بحلب شهَاب الدّين أَحْمد بن صَالح ابْن السفاح باستدعاء ليستقر فِي كِتَابَة السِّرّ بديار مصر ويستقر عوضه فِي كِتَابَة السِّرّ بحلب ابْنه زين الدّين عمر على أَن يحمل عشرَة آلَاف دِينَار. وَكَانَت كِتَابَة السِّرّ قد شغرت بعد موت السَّيِّد الشريف شهَاب الدّين فباشر أَخُوهُ عماد الدّين أَبُو بكر أَيَّامًا قَلَائِل وَمَات فباشر شرف الدّين أَبُو بكر الْأَشْقَر نِيَابَة حَتَّى يَلِي أحد وسعى فِيهَا جمَاعَة فَاخْتَارَ السُّلْطَان ابْن السفاح وَبعث فِي طلبه وخلع عَلَيْهِ فِي عشرينه. وَفِي ثَالِث عشرينه: قدم رجل أدعى أَنه شرِيف - اسْمه هَاشم - بِكِتَاب شاه رخ ابْن تيمور وَمَعَهُ هَدِيَّة هِيَ عدَّة قطع فيروزج وَلم يخْتم الْكتاب وَلَا كتب فِيهِ بَسْمَلَة بل ابتدأه بقوله تَعَالَى: ألم تَرَ كَيفَ فعل رَبك بأصحاب الْفِيل إِلَى آخر السُّورَة وخاطب السُّلْطَان فِيهِ بالأمير برسباي وَفِي تَاسِع عشرينه: ابتدئ بالنداء على النّيل وَقد بلغت الْقَاعِدَة سِتَّة أَذْرع وَثَلَاثَة أَصَابِع شهر شَوَّال أَوله الْخَمِيس: أهل هَذَا الشَّهْر وَعَامة المبيعات من الغلال واللحوم والفواكه رخيصة جدا. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء عشرينه: برز محمل الْحَاج وَكِسْوَة الْكَعْبَة إِلَى الريدانية خَارج الْقَاهِرَة فَرَحل الركب الأول فِي ثَانِي عشرينه ورحل الْمحمل من بركَة الْحَاج فِي ثَالِث عشرينه وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشرينه: نُودي على النّيل بِزِيَادَة إِصْبَع وَاحِد لتتمة خَمْسَة وَعشْرين إصبعاً من الذِّرَاع التَّاسِعَة وَلم يناد عَلَيْهِ من الْغَد فتوقفت الزِّيَادَة ثمَّ نُودي عَلَيْهِ من يَوْم الْأَحَد. وَفِي يَوْم السبت رَابِع عشرينه: قدم المماليك السُّلْطَانِيَّة من التجريدة إِلَى الرها وخلع عَليّ سُلَيْمَان بن عذراء بن عَليّ بن نعير بن حيار بن مهنا وَاسْتقر أَمِير الْمَلأ عوضا عَن مُدْلِج بن نعير وعمره نَحْو خمس عشرَة سنة. شهر ذِي الْقعدَة أَوله السبت: فِي ثَانِيه: قدم رَسُول شاه رخ أَيْضا بكتابه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 211 وَفِي ثالثه: خلع على الْوَزير الصاحب كريم الدّين ابْن كَاتب المناخ وَاسْتقر أستاداراً عوضا عَن الْأَمِير عَلَاء الدّين أقبغا الجمالي مُضَافا إِلَى الوزارة. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشره - وخامس عشر مسرى -: كَانَ وَفَاء النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا فَركب السُّلْطَان حَتَّى خلق المقياس وَفتح الخليج. وَلم يركب لذَلِك مُنْذُ تسلطن إِلَّا هَذِه السّنة. وَفِي رَابِع عشرينه: خلع على أقبغا الجمالي وَأخرج لكشف الجسور. وَفِي سادس عشرينه: نُودي على النّيل بِزِيَادَة ثَلَاثَة أَصَابِع لتتمة سَبْعَة عشر ذِرَاعا وَتِسْعَة أَصَابِع. وَفِيه نقص النّيل لتقطع الجسور من فَسَاد عمالها فتوقفت الزِّيَادَة. وَفِي لَيْلَة السبت خَامِس عشره: ظهر للحجاج - وهم سائرون من جِهَة الْبَحْر الْملح - كَوْكَب يرْتَفع ويعظم ثمَّ يفرع مِنْهُ شرر كبار ثمَّ اجْتمع. فَلَمَّا أَصْبحُوا اشْتَدَّ عَلَيْهِم الْحر فَهَلَك من المشاة ثمَّ من الركْبَان عَالم كثير وَتلف من حمالهم وحميرهم عدد عَظِيم وَهلك أَيْضا فِي بعض أَوديَة يَنْبع جَمِيع مَا كَانَ فِيهِ من الْإِبِل وَالْغنم كل ذَلِك من شدَّة الْحر والعطش. شهر ذِي الْحجَّة أَوله الِاثْنَيْنِ: فِيهِ نُودي على النّيل برد النَّقْص وَزِيَادَة ثَلَاثَة أَصَابِع لتتمة سَبْعَة عشر ذِرَاعا وَنصف. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامنه: نزل السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل إِلَى بَيت ابْن الْبَارِزِيّ المطل على النّيل وَقدم بَين يَدَيْهِ فِي النّيل غرابان حربية فلعبا كَمَا لَو حاربا الفرنج ثمَّ ركب سَرِيعا وَعَاد إِلَى القلعة. وَفِي عاشره: توجه عَظِيم الدولة القَاضِي زين الدّين عبد الباسط نَاظر الجيوش ومدبر الدولة فِي جماعته لزيارة الْقُدس. وَفِي عشرينه - الْمُوَافق لثاني عشر توت -: نُودي على النّيل بِزِيَادَة إِصْبَع وَاحِد لتتمة تِسْعَة عشر ذِرَاعا وَعشر أَصَابِع وَلم يناد عَلَيْهِ من الْغَد وَنقص عشر أَصَابِع لتقطع الجسور. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 212 وَفِي سَابِع عشرينه: قدم مبشرو الْحَاج وأخبروا بِهَلَاك من هلك من الْعَطش. وَفِي تَاسِع عشرينه: قدم القَاضِي. زين الدّين عبد الباسط من الْقُدس. وَفِي سلخه: نُودي على النّيل برد النَّقْص وَزِيَادَة إِصْبَعَيْنِ. وَفِي هَذَا الشَّهْر: توجه الْأَمِير قصروه نَائِب حلب والأمراء المجردون من مصر بِمن مَعَهم لمحاربة قرقماس بن حُسَيْن بن نعير فَلَقوا جمائعه تجاه قلعة جعبر وَقد أخلى الْجَلِيل فَأخذ الْعَسْكَر فِي نهب الْبيُوت فَخر عَلَيْهِم الْعَرَب فَقتلُوا كثيرا مِنْهُم وَفِيهِمْ أتابك حلب وسلبوهم فعادوا إِلَى حلب بِأَسْوَأ حَال. فَكَانَت هَذِه السّنة ذَات مكاره عديدة من أوبئة شنعة وحروب وَفتن فَكَانَ بِأَرْض مصر - بحريها وقبليها - وبالقاهرة ومصر وظواهرهما وباء مَاتَ فِيهِ - على أقل مَا قيل - مائَة ألف إِنْسَان والمجازف يَقُول الْمِائَة ألف من الْقَاهِرَة فَقَط سوى من مَاتَ بِالْوَجْهِ القبلي وَالْوَجْه البحري وهم مثل ذَلِك وغرق ببحر القلزم فِي شهر ذِي الْقعدَة مركب فِيهِ حجاج وتجار يزِيد عَددهمْ على ثَمَانمِائَة إِنْسَان لم ينج مِنْهُم سوى ثَلَاث رجال وَهلك باقيهم وَهلك فِي ذِي الْقعدَة أَيْضا بطرِيق مَكَّة - فِيمَا بَين الأزلم وينبع - بِالْحرِّ والعطش ثَلَاثَة آلَاف وَيَقُول المكثر خَمْسَة آلَاف وغرق بالنيل فِي مُدَّة يسيرَة اثْنَتَا عشرَة سفينة تلف من البضائع والغلال مَا قِيمَته مَال عَظِيم. وَكَانَ بغزة والرملة والقدس وصفد ودمشق وحمص وحماة وحلب وأعمالها وباء هلك فِيهِ خلائق لَا يُحْصى عَددهَا إِلَّا الله تَعَالَى. وَكَانَ بِبِلَاد الْمشرق بلَاء عَظِيم وَهُوَ أَن شاه رخ بن تيمور ملك الْمشرق قدم إِلَى توريز فِي عَسْكَر يَقُول المجازف عدتهمْ سَبْعمِائة ألف. فَأَقَامَ على خوي نَحْو شَهْرَيْن وَقد فر مِنْهُ اسكندر بن قرا يُوسُف فَقدم عَلَيْهِ الْأَمِير عُثْمَان بن طر عَليّ - الْمَعْرُوف بقرًا يلك التركماني - صَاحب آمد فِي ألف فَارس فَبَعثه على عَسْكَر لمحاربة اسكندر وَسَار فِي إثره وَقد جمع اسكندر جمعا يَقُول المجازف إِنَّهُم سَبْعُونَ ألفا فاقتتل الْفَرِيقَانِ خَارج توريز فَقتل بَينهمَا آلَاف من النَّاس وَانْهَزَمَ اسكندر وهم فِي أَثَره يقتلُون وَيَأْسِرُونَ وينهبون فَأَقَامَ اسكندر بِبِلَاد الكرج ثمَّ نزل بقلعة سلماس وحصرته العساكر مُدَّة فنجا مِنْهُم وَجمع نَحْو الْأَرْبَعَة آلَاف فَبعث إِلَيْهِ شاه رخ عسكراً أوقعوا بِهِ وَقتلُوا من مَعَه فنجا بِنَفسِهِ جريجاً. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 213 وَفِي مُدَّة هَذِه الحروب ثار أَصْبَهَان بن قرا يُوسُف وَنزل على الْموصل وَنهب تِلْكَ الْأَعْمَال وَقتل وأفسد فَسَادًا كَبِيرا وَكَانَت بعراقي الْعَرَب والعجم نهوب وغارات وَمُقَاتِل بِحَيْثُ أَن شاه مُحَمَّد بن قرا يُوسُف - متملك بَغْدَاد - من عَجزه لَا يتجاسر على أَن يتَجَاوَز سور بَغْدَاد وخلا أحد جَانِبي بَغْدَاد من السكان وَزَالَ عَن بَغْدَاد اسْم التمدن ورحل عَنْهَا حَتَّى الحياك وجف أَكثر النّخل من أَعمالهَا وَمَعَ هَذَا كُله فَوضع شاه رخ على أهل توريز مَال الْأمان حَتَّى ذهبت فِي جبايته نعمهم ثمَّ جلاهم بأجمعهم إِلَى بِلَاده وَكثر الإرجاف بقدومه إِلَى الشَّام فأوقع الله فِي عسكره الغلاء والوباء حَتَّى عَاد إِلَى جِهَة بِلَاده وَعَاد قرا يلك إِلَى ماردين فنهبها وَنهب ملطية وَمَا حولهَا إِلَى عينتاب وحرقها. وَكَانَ بِبِلَاد السراي والدشت وصحاري فِي هَذِه السّنة وَالَّتِي قبلهَا قحط شَدِيد ووباء عَظِيم جدا هلك فِيهِ عَالم كَبِير بِحَيْثُ لم يبْق مِنْهُم وَلَا من أنعامهم إِلَّا أقل من الْقَلِيل. وَكَانَ بِبِلَاد الْحَبَشَة بلَاء لَا يُمكن وَصفه وَذَلِكَ أَنا أدركنا ملكهَا دَاوُد بن سيف أرعد بن قسطنطين - وَيُقَال لَهُ الحطي - ملك أمحرة وَهُوَ وهم نصاري يعقوبية. فَلَمَّا مَاتَ فِي سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَثَمَانمِائَة قَامَ من بعده ابْنه تدرس بن دَاوُد فَلم تطل مدَّته وَمَات. فَملك بعده أَخُوهُ أبرم وَيُقَال لَهُ إِسْحَاق بن دَاوُد بن سيف أرعد وفخم أمره وَذَلِكَ أَن بعض مماليك الْأَمِير بزلار نَائِب الشَّام ترقى فِي الخدم وَعرف بألطنبغا مغرق حَتَّى بَاشر ولَايَة قوص من بِلَاد الصَّعِيد ثمَّ فر إِلَى الْحَبَشَة واتصل بالحطي هَذَا وَعلم أَتْبَاعه لعب الرمْح وَرمي النشاب وَغير ذَلِك من أدوات الحروب ثمَّ لحق بالحطي أَيْضا بعض المماليك الجراكسة - وَكَانَ زرد كاشا - فعل لَهُ زرد خاناه ملوكية وَتوجه إِلَيْهِ مَعَ ذَلِك رجل من كتاب مصر الأقباط النَّصَارَى - يُقَال لَهُ فَخر الدولة - فرتب لَهُ مَمْلَكَته وجبى الْأَمْوَال وجند لَهُ الْجنُود حَتَّى كثر ترفه بِحَيْثُ أَخْبرنِي من شَاهده وَقد ركب فِي موكب جليل وَفِي يَده صَلِيب من ياقوت أَحْمَر وَقد قبض عَلَيْهِ وَوضع يَده على فَخذه فَصَارَ يبين وَيظْهر لهَذَا الصَّلِيب الْيَاقُوت طرفان كبيران من قَبضته فشرهت نَفسه إِلَى أَخذ ممالك الْإِسْلَام لِكَثْرَة مَا وصف لَهُ هَؤُلَاءِ من محاسنها فَبعث بالتوريزي التَّاجِر ليدعو الفرنج للْقِيَام مَعَه وأوقع فِي بِمن مَمْلَكَته من الْمُسلمين فَقتل مِنْهُم وَأسر وَسبي عَالما عَظِيما. وَكَانَ مِمَّن أسر منصوراً ومحمداً ولدى سعد الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد عَليّ بن ولصمع الجبرتي - ملك الْمُسلمين بِالْحَبَشَةِ فعاجله الله بنقمته وَهلك فِي شهر ذِي الْقعدَة فأقيم بعده ابْنه اندراس بن إِسْحَاق فَهَلَك لأربعة أشهر فأقيم بعده عَمه حزبناي بن دَاوُد بن سيف أرعد فَهَلَك فِي شهر رَمَضَان سنة أَربع وَثَلَاثِينَ فأقيم بعده الجزء: 7 ¦ الصفحة: 214 ابْن أَخِيه سَلمُون بن إِسْحَاق بن دَاوُد بن سيف أرعد فَكَانَت على أمحرة أَرْبَعَة مُلُوك فِي أقل من سنة. وَفِي هَذِه الْمدَّة: ثار جمال الدّين ابْن الْملك سعد الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ بن ولصمع الجبرتي. وَذَلِكَ أَن سعد الدّين مُحَمَّد لما قَامَ بِأَمْر الْمُسلمين أَكثر من محاربة النَّصَارَى واتسعت مَمْلَكَته وَحَارب الحطي غير مرّة حَتَّى اسْتشْهد بعد سنة عشر وَثَمَانمِائَة فتمزق أَصْحَابه وَذهب ملكه وَلحق أَوْلَاده بزبيد فأكرمهم ملك الْيمن ثمَّ عَادوا إِلَى الْحَبَشَة بعد سِنِين فَقَامَ بالأمير صَبر الدّين عَليّ بن سعد الدّين مُدَّة ثَمَانِي سِنِين وَمَات فَقَامَ من بعده أَخُوهُ مَنْصُور بن سعد الدّين بِأَمْر الْمُسلمين فِي بِلَاد الْحَبَشَة وَحَارب الحطي مرَارًا آخرهَا فِي سنة ثَمَان وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَقد سَار إِلَيْهِ فِي عدد جم وأوقع بالنصارى وَاقعَة شنعاء قتل فِيهَا وَأسر وَسبي عَالما كَبِيرا بِحَيْثُ كَانَ عدد من أسر عشرَة آلَاف وَرجع مظفراً منصوراً فَسَار عَلَيْهِ الحطي فِي آلَاف كَثِيرَة وواقعه فَقتل من أمحرة أَتبَاع الْحلِيّ خلق كَبِير وَلم يقتل من الْمُسلمين سوى دون الْعشْرين رجلا إِلَّا أَنه وَقع فِي قَبْضَة الحطي إِسْحَاق بن دَاوُد بن سيف أرعد مَنْصُور بن سعد الدّين وَأَخُوهُ مُحَمَّد وَانْهَزَمَ الْمُسلمُونَ فقيدهما وَرجع إِلَى مقرّ ملكه وَقد كَاد يطير الجزء: 7 ¦ الصفحة: 215 فَرحا فَلَمَّا قرب من مَدِينَة الْملك أركب الْملك الْمَنْصُور كَهَيْئَته فِي مَمْلَكَته وَسَار فِي العساكر بِهِ حَتَّى دخل الْمَدِينَة فأنزله وأخاه مُحَمَّدًا بدار وَأجْرِي لَهُم مَا يَلِيق بهما ووكل بهما الحرس فَقَامَ بِأَمْر الْمُسلمين بعد مَنْصُور أَخُوهُ جمال الدّين بن سعد الدّين فَلَمَّا مَاتَ الحطي إِسْحَاق بن دَاوُد جمع جمال الدّين الْمُسلمين وأغار على بِلَاد أمحرة فدوخ تِلْكَ الْبِلَاد وَقتل وَأسر وَسبي عَالما عَظِيما واستسلم مِنْهُم أمماً كَثِيرَة فَأقر كل من أسلم ببلاده وَولى عَلَيْهِم من قبله فاتسع نطاق مَمْلَكَته وقويت عساكره وَكَثُرت أَمْوَالهم وَبعث بِالسَّبْيِ إِلَى الْآفَاق فَكثر الرَّقِيق من العبيد وَالْإِمَاء بِبِلَاد الْيمن والهند وهرمز والحجاز ومصر وَالشَّام وَالروم وَظهر من ثبات جمال الدّين وشجاعته وصرامته ومهابته وعدله مَا يتعجب مِنْهُ بِحَيْثُ أَن بعض أَوْلَاده الصغار لعب مَعَ صبيان من الْحَبَشَة فَضرب مِنْهُم صَبيا كسر يَده فَكَتَمُوا ذَلِك عَنهُ مُدَّة ثمَّ بلغه الْخَبَر فَجمع أَعْيَان الدولة ولامهم على كتمان خبر وَلَده عَنهُ ثمَّ أَمر بولده فجيء بِهِ مَحْمُولا على الْكَتف لصغره حَتَّى يقْتَصّ بِهِ فَقَامَ إِلَيْهِ الْأَعْيَان بأجمعهم يشفعون فِيهِ ويلتزمون بإحضار أَوْلِيَاء الْغَرِيم فَلم يقبل شفاعتهم فِيهِ فأحضروا أَبَا الصَّبِي وَأَهله فأسقطوا حَقهم وَتَضَرَّعُوا إِلَيْهِ جهدهمْ فِي الْعَفو عَن وَلَده فَلم يجبهم وَأخذ ابْنه بِيَدِهِ وَمد يَده على حجر وَضرب عضده بحديده فَكَسرهُ والأعيان قيام يَبْكُونَ لبكاء الصَّغِير وَهُوَ يَقُول لَهُ: تألم كَمَا آلمت هَذَا الصَّغِير. ثمَّ سَار بِهِ الخدم وَهُوَ يَصِيح من الْأَلَم إِلَى أمه حَتَّى تمرضه فَكَانَ يَوْمًا مهولاً وَلم يَجْسُر بعد ذَلِك أحد فِي مَمْلَكَته أَن يظلم أحدا. وَله من هَذَا النمط عدَّة أَخْبَار مَعَ الْعِفَّة والنسك والإستبداد بِجَمِيعِ أُمُوره وَأُمُور مَمْلَكَته ووفور الْحُرْمَة وقمع أهل الْفساد وَإِزَالَة الْمُنْكَرَات فَالله يُؤَيّدهُ بعونه. وَأما بِلَاد الْمغرب فَإِن متملك فاس أَبَا زيد عبد الرَّحْمَن حفيد السُّلْطَان أبي سَالم إِبْرَاهِيم ثار عَلَيْهِ السعيد أَبُو عبد الله مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالجبلي ابْن أبي عَامر عبد الله بن أبي سعيد عُثْمَان بن أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن أبي سَالم إِبْرَاهِيم بن أبي الْحسن فِي أَوَائِل سنة ثَمَان وَعشْرين وَملك فاس وَقَتله وَخرج إِلَى الشاوية فَقَتَلُوهُ وأقيم وَلَده أَبُو عبد الله مُحَمَّد فَقَامَ الْوَزير صَالح وَبَايع النَّاصِر أبي عَليّ بن أبي سعيد عُثْمَان فَقدم أَبُو عَمْرو بن السعيد مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن أبي الْحسن من إفريقية وَملك فاس ثمَّ فر فأعيد النَّاصِر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 216 أَبُو عَليّ فعالجه أَخُوهُ أَبُو مُحَمَّد عبد الْحق بن أبي سعيد وَملك فاس بعد قتال فِي آخر شهر رَجَب سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان ولى الدّين مُحَمَّد بن الدمياطي فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء ثَانِي شهر ربيع الأول وَقد تجَاوز الثَّمَانِينَ ولى وكَالَة بَيت المَال وَنظر الْكسْوَة فِي الْأَيَّام الناصرية ثمَّ تعطل حَتَّى مَاتَ وَكَانَ قَلِيل الشَّرّ. وَمَات شرف الدّين أَبُو الطّيب بن تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب بن نصر الله فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء سَابِع عشر شهر ربيع الأول ومولده فِي لَيْلَة السبت خَامِس عشْرين شهر ذِي الْقعدَة سنة سبع وَتِسْعين وَسَبْعمائة. وَكتب فِي الْإِنْشَاء وَولي نظر وقف الْأَشْرَاف وَنظر الْكسْوَة وَدَار الضَّرْب فَشَكَرت وَمَات كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن سعد الدّين بركَة الْمَعْرُوف بِابْن كَاتب جكم نَاظر الْخَاص فِي لَيْلَة الْجُمُعَة الْعشْرين من شهر ربيع الأول. خدم أَبوهُ بِكِتَابَة الديونة حَتَّى بَاشر ديوَان الْأَمِير جكم وترقى ابْنه كريم الدّين فِي الخدم الديوانية وباشر اسْتِيفَاء البولة ثمَّ نظر الدولة ثمَّ نظر الْخَاص. وَكَانَ مشكوراً فِيهِ خير وبر وَله صدقَات كَثْرَة. وَمَات الْأَمِير أزبك الدوادار بالقدس فِي يَوْم الثُّلَاثَاء سادس عشر شهر ربيع الأول وَهُوَ أحد مماليك الظَّاهِر برقوق. وَكَانَ غير مَشْهُور بارتكاب الْفَوَاحِش. وَمَات الْأَمِير كمشبغا الْقَيْسِي بِدِمَشْق فِي رَابِع عشر شهر ربيع الآخر وَهُوَ أحد الْأُمَرَاء الناصرية فرج. وَكَانَ بهَا أَمِير أخور ثمَّ انحطت رتبته فِي الْأَيَّام المؤيدية وَأخرج إِلَى الشَّام وَلم يشهر بِشَيْء من غير. وَمَات الْملك المظفر أَحْمد بن الْمُؤَيد شيخ المحمودي بثغر الْإسْكَنْدَريَّة فِي لَيْلَة الْخَمِيس آخر شهر جُمَادَى الأولى هُوَ وَأَخُوهُ إِبْرَاهِيم وحملا إِلَى الْقَاهِرَة بَعْدَمَا دفنا بالثغر فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ نصف شعْبَان ودفنا بجوار أَبِيهِمَا فِي الْقبَّة من الْجَامِع المؤيدي وَلم يبْق للمؤيد بعدهمَا ولد ذكر. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 217 وَمَات الشريف عَليّ بن عنان بن مغامس بن رميثة بن أبي نمي مُحَمَّد بن حسن بن عَليّ بن قَتَادَة بن إِدْرِيس بن مطاعن بن عبد الْكَرِيم بن عِيسَى بن حسن بن سُلَيْمَان ابْن عَليّ بن عبد الله بن مُحَمَّد بن مُوسَى بن عبد الله بن مُوسَى بن عبد الله بن الْحسن بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَمِير مَكَّة وَهُوَ بِالْقَاهِرَةِ مطعوناً فِي يَوْم الْأَحَد ثَالِث جُمَادَى الْآخِرَة. وَكَانَ قد توجه بعد عَزله إِلَى بِلَاد الْمغرب فَأكْرمه أَبُو فَارس عبد الْعَزِيز صَاحب تونس ثمَّ عَاد فطالت عطلته وإقامته بِالْقَاهِرَةِ. وَكَانَ جميل المحاضرة لَهُ معرفَة بالأدب. وَمَات الْأَمِير بيبغا المظفري فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء سادس جُمَادَى الْآخِرَة. وَهُوَ أحد المماليك الظَّاهِرِيَّة وترقي فِي الخدم حَتَّى صَار من أُمَرَاء الألوف فِي الْأَيَّام الناصرية فرج ونكب وسجن مرَارًا وَعمل أتابك العساكر وَكَانَ تركي الْجِنْس قوي النَّفس لم يبك مِنْهُ على دين وَلَا دنيا. وَمَات الْأَمِير برد بك أحد الألوف فِي يَوْم الْأَحَد عَاشر جُمَادَى الْآخِرَة. وَمَات الْأَمِير صارم الدّين إِبْرَاهِيم ابْن الْأَمِير الْوَزير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الحسام الصقري فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء ثامن عشر جُمَادَى الْآخِرَة. وَكَانَ يتزيا بزِي الأجناد وَيكْتب الْخط الْمَنْسُوب وَيُحب الْأَدَب وَأهل الْفَضَائِل وباشر الْحِسْبَة فِي الْأَيَّام المؤيدية شيخ. وَمَات الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن السُّلْطَان الْملك النَّاصِر فرج بن الظَّاهِر برقوق بالإسكندرية فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ حادي عشره وَله من الْعُمر إِحْدَى وَعِشْرُونَ سنة وَأمه أم ولد اسْمهَا عاقولة. وَمَات الْأَمِير زين الدّين قَاسم ابْن الْأَمِير الْكَبِير كمشبغا الْحَمَوِيّ أحد الْحجاب فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء وَمَات الشَّيْخ يحيى سيف الدّين يُوسُف بن مُحَمَّد بن عِيسَى السيرامي الْحَنَفِيّ شيخ الظَّاهِرِيَّة المستجدة بَين القصرين. وَكَانَ من أَعْيَان الْفُقَهَاء الْحَنَفِيَّة وفضلائهم أفتى ودرس عدَّة سِنِين. وَمَات الْخَلِيفَة أَمِير الْمُؤمنِينَ المستعين بِاللَّه أَبُو الْفضل الْعَبَّاس بن المتَوَكل على الله أبي عبد الله مُحَمَّد بن المعتضد بِاللَّه أبي الْفَتْح أبي بكر بن المستكفي بِاللَّه أبي الرّبيع سُلَيْمَان ابْن الْحَاكِم أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن أبي عَليّ الْحسن بن أبي بكر العباسي بالإسكندرية فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء الْعشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة وَلم يبلغ الْأَرْبَعين وَترك ولدا ذكرا اسْمه يحيى. وَكَانَ خيرا دينا هيناً لينًا حشماً وقوراً إِلَّا أَن الْأَيَّام لم تسعده والأقدار لم تساعده. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 218 مَاتَ الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف برسباي فِي يَوْم الثُّلَاثَاء سادس عشرينه. وَقد ترشح للسلطنة بعد أَبِيه فَدفن على أمه بالأشرفية المستجدة بِالْقَاهِرَةِ. مَاتَ الْأَمِير الطواشي مرجان الْهِنْدِيّ الخازندار فِي سادس عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة بلغ فِي أَيَّام السُّلْطَان الْملك الْمُؤَيد شيخ مبلغا كَبِيرا من التَّمَكُّن فِي الدولة ثمَّ انحط بعد مَوته. وَمَات الْأَمِير زين الدّين عبد الْقَادِر أستادار ابْن الْأَمِير الْوَزير أستادار فَخر الدّين عبد الْغَنِيّ بن الْأَمِير الْوَزير أستادار عبد الرَّزَّاق بن أبي الْفرج فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع عشرينه وَدفن على أَبِيه بمدرسته وَكَانَ سَاكِنا لينًا محباً لأهل الْخَيْر. وَمَات السُّلْطَان الْملك الصَّالح مُحَمَّد بن الظَّاهِر ططر فِي لَيْلَة الْخَمِيس ثامن عشرينه وانقرض بِمَوْتِهِ عقب ططر. وَمَات السَّيِّد الشريف شهَاب الدّين أَحْمد بن عَلَاء الدّين عَليّ بن برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن عدنان بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عدنان الْحُسَيْنِي كَاتب السِّرّ فِي لَيْلَة الْخَمِيس ثامن عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة. ومولده فِي سَابِع شَوَّال سنة أَربع وَسبعين وَسَبْعمائة بِدِمَشْق. وَنَشَأ بهَا وَولي كِتَابَة السِّرّ وَقَضَاء الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة وَنظر الْجَيْش بهَا ثمَّ طلب وَولي كِتَابَة السِّرّ بديار مصر فَسَار فِيهَا أجمل سيرة رَحمَه الله. وَمَات تَقِيّ الدّين يحيى بن الْعَلامَة شمس الدّين مُحَمَّد الْكرْمَانِي الشَّافِعِي فِي يَوْم الْخَمِيس ثامن عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة وَكَانَ فَاضلا فِي عدَّة فنون قدم من بَغْدَاد قبل سنة ثَمَانمِائَة وَأشهر شرح أَبِيه على البُخَارِيّ وَصَحب الْأَمِير شيخ المحمودي وسافر مَعَه إِلَى طرابلس لما ولي نيابتها وتقلب مَعَه فِي أطوار تِلْكَ الْفِتَن وَقدم مَعَه الْقَاهِرَة فَلَمَّا تسلطن عمله نَاظر المارستان المنصوري. وَكَانَ ثقيل السّمع. وَمَات الشريف سرداح بن مقبل بن نخبار بن مقبل بن مُحَمَّد بن رَاجِح بن إِدْرِيس بن حسن بن أبي عزيزة قَتَادَة بن إِدْرِيس بن مطاعن بن عبد الْكَرِيم بن عِيسَى بن حسن بن سُلَيْمَان بن عَليّ بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مُوسَى بن عبد الله بن الْحسن بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ فِي آخر جُمَادَى الْآخِرَة وَولي أَبوهُ مقبل ابْن نخبار إمرة يَنْبع مُدَّة ثمَّ وثب عَلَيْهِ ابْن أَخِيه عقيل بن وبير بن نخيار وحاربه بِأَهْل الدولة فِي سنة خمس وَعشْرين وَثَمَانمِائَة ثمَّ قبض عَلَيْهِ وَحمل إِلَى سجن الْإسْكَنْدَريَّة فَمَاتَ بِهِ وكحل ابْنه سرداح هَذَا حَتَّى تفقأت حدقتاه وسالتا وورم دماغه نَتن. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 219 فَتوجه بعد مُدَّة من عماه إِلَى الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة ووقف عِنْد قبر الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وشكا مَا بِهِ وَبَات تِلْكَ اللَّيْلَة وَأصْبح وَعَيناهُ أحسن مَا كَانَتَا. وَذَلِكَ أَنه رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمسح عَيْنَيْهِ بِيَدِهِ المقدسة فانتبه وَهُوَ يبصر واشتهر ذَلِك عِنْد أهل الْمَدِينَة ثمَّ قدم الْقَاهِرَة فشق ذَلِك على السُّلْطَان وأغضبه واستدعى الَّذين توَلّوا كحله وسمل عَيْنَيْهِ وضربهما. فأقاما عِنْده من أخبرهُ. بمشاهدة الْميل وَقد أحمي فِي النَّار ثمَّ كحل بِهِ فَسَأَلت حدقتاه بحضورهم وَكَذَلِكَ أخبر أهل الْمَدِينَة أَنهم رَأَوْهُ ذَاهِب الحدقتين وَأَنه أصبح عِنْدهم وَهُوَ يبصر وقص عَلَيْهِم رُؤْيَاهُ فَترك حَاله حَتَّى مَاتَ بالطاعون فضم - أعزّك الله - هَذِه إِلَى قَضِيَّة عجلَان بن نعير وَأَخَوَاتهَا وتنبه بهَا لإكرام الله تَعَالَى لآل بَيت نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عساك تقوم لَهُم بِبَعْض مَا يجب من حُقُوقهم إِن وفقك الله لذَلِك. وَمَات الطَّبِيب الْفَاضِل جمال الدّين يُوسُف بن الْبُرْهَان إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن دَاوُد ابْن أبي الْفضل بن أبي الْمَنِيّ بن أبي الْبَيَان الدواداري الإسرائيلي فِي أول شهر رَجَب وَقد أناف على التسعين. وَمَات الْأَمِير الطواشي فَخر الدّين ياقوت مقدم المماليك فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي شهر رَجَب. وَكَانَ حبشِي الْجِنْس وشهرته جميلَة. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين يشبك أَخُو السُّلْطَان فِي رَابِع رَجَب وَهُوَ أحد الْأُمَرَاء الألوف وَمَاتَتْ خوند هَاجر ابْنة الْأَمِير منكلي بغا الشمسي فِي رَابِع رَجَب وَأمّهَا خوند فَاطِمَة بنت الْملك الْأَشْرَف شعْبَان بن حُسَيْن بن مُحَمَّد بن قلاوون وَتَزَوجهَا الظَّاهِر برقوق بكرا وحظيت عِنْده حَتَّى مَاتَ. وَهِي آخر نِسَائِهِ موتا وَلم تعقب. وَمَات الشَّيْخ نصر الله بن عبد الله بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل العجمي فِي لَيْلَة الْجُمُعَة سادس رَجَب. وَكَانَ قدم الْقَاهِرَة بعد الثَّمَانمِائَة على قدم التَّجْرِيد فصحب الْأُمَرَاء حَتَّى كثر مَاله وَعين لكتابة السِّرّ وَكَانَ يكْتب الْخط الْمَنْسُوب وَيتَكَلَّم فِي علم التصوف على طَريقَة ابْن الْعَرَبِيّ وَله مُشَاركَة فِي فنون وعدة مصنفات. وَمَات فَخر الدّين ماجد ويدعى عبد الله بن السديد أبي الْفَضَائِل بن سناء الْملك الْمَعْرُوف بِابْن المزوق فِي لَيْلَة الْخَمِيس ثَانِي عشر رَجَب. وَولي كِتَابَة السِّرّ وَنظر الْجَيْش فِي الْأَيَّام الناصرية ثمَّ ولي نظر الإصطبل وتعطل بعد ذَلِك مُدَّة. وَمَات الشريف عماد الدّين أَبُو بكر بن إِبْرَاهِيم بن عدنان الْحُسَيْنِي فِي لَيْلَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 220 الْجُمُعَة ثَالِث عشر رَجَب وَلم يبلغ الْأَرْبَعين. وَكَانَ قد قدم على أَخِيه السَّيِّد شهَاب الدّين أَحْمد فَوَقع الوباء وَمَات أَخُوهُ فباشر بعده وَتعين لكتابة السِّرّ فقافصته المنايا وعاجله ريب الْمنون وَمَات رَحمَه الله. وَمَات الشَّيْخ زين الدّين أَبُو بكر بن عمر بن عَرَفَات بن عوض القمني فِي لَيْلَة الْجُمُعَة ثَالِث رَجَب عَن نَحْو الثَّمَانِينَ وَقد صَار من أَعْيَان الْفُقَهَاء الشَّافِعِيَّة وفضلائهم مَعَ الدّيانَة والنسك رَحمَه الله. وَمَات أَبُو مُسلم هابيل بن الْأَمِير عُثْمَان بن طر عَليّ - الْمَعْرُوف بقرًا يلك التركماني - فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث عشر رَجَب وَهُوَ مسجون. وَمَات صدر الدّين أَحْمد بن جمال الدّين مَحْمُود بن مُحَمَّد بن عبد الله القيصري - الْمَعْرُوف بِابْن العجمي - فِي يَوْم السبت رَابِع عشر رَجَب. وَقد ولي الْحِسْبَة بِالْقَاهِرَةِ مرَارًا وَولي نظر الْجَيْش بِدِمَشْق وَكَانَ من فضلاء الْحَنَفِيَّة وَله معرفَة جَيِّدَة بالنحو. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 221 وَمَات جلال الدّين مُحَمَّد بن بدر الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مزهر فِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ سادس عشْرين رَجَب عَن نَحْو عشْرين سنة. وَولي كِتَابَة السِّرّ بعد أَبِيه فَكَانَ حَظه مِنْهَا الِاسْم. وَمَات زين الدّين مُحَمَّد بن شمس الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الْملك الدَّمِيرِيّ فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَالِث شعْبَان. وَولي حسبَة الْقَاهِرَة وَنظر البيمارستان المنصوري. وَكَانَ من الْفُقَهَاء الْمَالِكِيَّة وَله معرفَة بِالْعَرَبِيَّةِ. وَمَات الْأَمِير مُدْلِج بن عَليّ بن نعير بن حيار بن مهنا أَمِير آل فضل مقتولاً فِي ثَانِي عشر شَوَّال بِظَاهِر حلب. وَمَات شيخ الرفاعية الشَّيْخ نور الدّين عَليّ فِي الْعشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة عَن خمس وَسِتِّينَ سنة. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن المعلمة السكندري فِي سَابِع شعْبَان. وَولي حسبَة الْقَاهِرَة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 222 (سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة) أهل شهر الله الْمحرم بِيَوْم الْأَرْبَعَاء: والأسعار رخيصة الْقَمْح كل أردبين - وَشَيْء - بِدِينَار وَالشعِير والفول كل أَرْبَعَة أرادب بِدِينَار هرجة. وَفِي يَوْم الْخَمِيس عاشره - وَثَانِي بابة -: انْتَهَت زِيَادَة النّيل إِلَى تسعه عشر ذِرَاعا وَعشْرين إصبعاً وَنقص من الْغَد. وَفِي ثامن عشره: قدم الْأُمَرَاء المجردون وهم قرقماش حَاجِب الْحجاب وأركماس الدوادار وَبَقِيَّة الْأُمَرَاء. وَفِي ثَالِث عشرينه: قدم ركب الْحَاج الأول وَقدم الْمحمل بِبَقِيَّة الْحَاج فِي رَابِع عشرينه وَقد هلك كثير مِنْهُم - وَمن جمَالهمْ وحميرهم - عطشاً فِيمَا بَين أكره وينبع وهم متوجهون إِلَى مَكَّة. وَفِي سَابِع عشرينه: برز الْأُمَرَاء المجردون إِلَى ظَاهر الْقَاهِرَة وهم الْأَمِير الْكَبِير شارقطلوا والأمير أينال الجكمي والأمير تمراز الدقماقي والأمير أقبغا التمرازي والأمير مُرَاد خجا فِي عدَّة من أُمَرَاء الطبلخاناه والعشرات وَمن المماليك السُّلْطَانِيَّة خَمْسمِائَة مَمْلُوك وَسبب تجردهم أَن قرا يلك نزل فِي أول هَذَا الشَّهْر على مُعَاملَة ملطية فنهبها وحرقها وَحصر ملطية فَخرج إِلَيْهِ الْأَمِير شهر صفر أَوله الْجُمُعَة: فِيهِ رسم بِعُود الْأُمَرَاء والمماليك المجردين فَرَجَعُوا من خانكاه سريا قَوس واستعيدت مِنْهُم النَّفَقَات الَّتِي أنفقت فيهم فاحتاجوا إِلَى رد الْأَمْتِعَة والأزواد على من ابتاعوها مِنْهُم واحتاجوا إِلَى استعادة مَا أنفقوه على غلمانهم وَقد تصرف الغلمان فِيمَا أَخَذُوهُ فاشتروا مِنْهُ احتياجهم ودفعوا مِنْهُ إِلَى أَهَالِيهمْ فَنزل من أجل هَذَا بِالنَّاسِ ضَرَر كَبِير. وَفِي هَذَا الشَّهْر: نزل الفول إِلَى خمسين درهما الأردب وَالشعِير إِلَى سِتِّينَ درهما الأردب والقمح إِلَى مائَة وَثَلَاثِينَ درهما الأردب. هَذَا وَالذَّهَب. بمائتين وَثَمَانِينَ درهما الدِّينَار. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ حادي عشره ركب السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل فِي موكب جليل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 223 ملوكي احتفل لَهُ وَلبس قماش الرّكُوب كَمَا كَانَ يلبس الظَّاهِر برقوق وَهُوَ قبَاء أَخْضَر. بمقلب أَحْمَر وعَلى رَأسه كلفتاه وجر الجنائب وصاحت الجاويشية وَهُوَ سَائِر وَحَوله الطبردارية حَتَّى عبر من بَاب زويلة فشق الْقَاهِرَة وَخرج من بَاب الشعرية يُرِيد الصَّيْد فَبَاتَ لَيْلَة الثُّلَاثَاء وَعَاد يَوْم الثُّلَاثَاء آخر النَّهَار. وَلم يركب مُنْذُ تسلطن للصَّيْد سوى هَذِه الرّكْبَة. وَكَانَت الدَّرَاهِم الأشرفية الَّتِي يتعامل النَّاس بهَا فِي الْقَاهِرَة ومصر وَيصرف كل دِرْهَم مِنْهَا بِعشْرين من الْفُلُوس - زنتها رَطْل وأوقية وَثلث أُوقِيَّة - قد كثر فِيهَا أَنْوَاع من الدَّرَاهِم وَهِي البندقية ضرب الفرنج والقرمانية ضرب بني قرمان أَصْحَاب الرّوم واللنكية ضرب بِلَاد الْعَجم والقبرسية ضرب قبرس والمؤيدية الَّتِي ضربت فِي الْأَيَّام المؤيدية شيخ وَالدَّرَاهِم الزغل وَهِي عمل الزغلية فَترد عِنْد النَّقْد لِكَثْرَة مَا فِيهَا من الْغِشّ فَنُوديَ فِي يَوْم الْأَحَد رَابِع عشرينه أَن لَا يتعامل بِشَيْء من الدَّرَاهِم سوى الأشرفية. وَكَانَ قد نُودي. بِمثل ذَلِك فِيمَا تقدم وَعمل بِهِ النَّاس مُدَّة ثمَّ ترخصت الباعة فِي التَّعَامُل بهَا كلهَا لما جَمَعُوهُ مِنْهَا فِي أَيَّام النَّهْي عَنْهَا حَتَّى مشت فِي أَيدي النَّاس وتعاملوا بهَا فَلَمَّا نُودي بِالْمَنْعِ مِنْهَا عَاد الْأَمر كَمَا كَانَ فخسر أنَاس عدَّة خسارات وَأخذت الباعة وَغَيرهَا فِي جمعهَا لتتربص بهَا مُدَّة ثمَّ تخرجها شَيْئا فَشَيْئًا لعلمهم أَن الدولة لَا تثبت على حَال وَأَن أوامرها لَا تمْضِي. فِي خَامِس عشرينه: ركب السُّلْطَان للصَّيْد وَرمي الْجَوَارِح وَعَاد من الْغَد. وتكرر ركُوبه لذَلِك مرَارًا. وَفِي هَذَا الشَّهْر: توقف التُّجَّار فِي أَخذ الذَّهَب من كَثْرَة الإشاعة بِأَنَّهُ يُنَادي عَلَيْهِ فَنُوديَ فِي يَوْم السبت سلخه أَن يكون سعر الدِّينَار الأشرفي. بمائتين وَخَمْسَة وَثَلَاثِينَ والمشخص بمائتين وَثَلَاثِينَ وهدد من زَاد على ذَلِك بِأَن يسنبك فِي يَده فَعَاد الضَّرَر فِي الخسارة على كثير من النَّاس لانحطاط سعر الدِّينَار خمسين درهما. فِي رابعه: جمع الصيارفة والتجار وَأشْهد عَلَيْهِم أَن لَا يتعاملوا بِالدَّرَاهِمِ القرمانية وَلَا الدَّرَاهِم اللنكية وَلَا القبرسية وَأَن هَذِه الثَّلَاثَة أَنْوَاع تبَاع بالصاغة على حِسَاب وزن كل دِرْهَم مِنْهُ بِسِتَّة عشر درهما من الْفُلُوس حَتَّى يدْخل بهَا إِلَى دَار الضَّرْب وتعمل دَرَاهِم أشرفية خَالِصَة من الْغِشّ وَنُودِيَ بذلك وَأَن تكون الْمُعَامَلَة بِالدَّرَاهِمِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 224 الأشرفية وَالدَّرَاهِم المؤيدية وَالدَّرَاهِم البندقية فَإِن هَذِه الثَّلَاثَة فضَّة خَالِصَة لَيْسَ فِيهَا نُحَاس بِخِلَاف الدَّرَاهِم الَّتِي منع من الْمُعَامَلَة بهَا فَإِن عشرتها إِذا سبكت تَجِيء سِتَّة لما فِيهَا من النّحاس. وَاسْتقر الذَّهَب الأشرفي. بمائتين وَثَمَانِينَ والأفرنتي. بمائتين وَسبعين وَأخذت الدَّنَانِير الأفرنتية فِي الْقلَّة لِكَثْرَة مَا يسبك مِنْهَا فِي دَار الضَّرْب وتعمل دَنَانِير أشرفية فَإِنَّهَا بِوَزْن الأفرنتية وسعرها عشرَة دَرَاهِم على الأفرنتي. فِي تاسعه: ركب السُّلْطَان للصَّيْد وَعَاد من الْغَد. شهر ربيع الآخر أَوله الْأَحَد: أهل هَذَا الشَّهْر وَالسُّلْطَان والأمراء فِي الاهتمام بحركة السّفر لمحاربة قرا يلك والأسعار رخيصة جدا. وَفِي سادسه: برز الْأَمِير شاهين الطَّوِيل - أحد الْأُمَرَاء العشرات - ليسير إِلَى طَرِيق الْحجاز وَمَعَهُ كثير من البناة والحجارين والآلات والأزواد والأمتعة لإِصْلَاح الْمِيَاه الَّتِي فِيمَا بَين الْقَاهِرَة وَمَكَّة وحفر آبار فِي الْمَوَاضِع المعطشة فَسَارُوا فِي نَحْو الْمِائَة بعير. وَفِي سابعه: نُودي بِأَن الْفضة على مَا رسم بِهِ وَأَن لَا يتعامل بالقرمانية وَلَا اللنكية وَأَن الدِّينَار الأشرفي بمائتين وَثَلَاثِينَ والأفرنتي بمائتين وَخَمْسَة وَعشْرين. وحذر من خَالف ذَلِك فتزايدت الْمضرَّة لِكَثْرَة التَّنَاقُض وَعدم الثَّبَات على الْأَمر واستخفاف الْعَامَّة براعيها وَقلة الاهتمام بِمَا يرسم بِهِ. شهر جُمَادَى الأولى أَوله الثُّلَاثَاء: فِي سابعه: برز سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن الْمرة نَاظر جدة يُرِيد التَّوَجُّه إِلَى مَكَّة فَسَار مَعَه ركب فِيهِ جمَاعَة مِمَّن يُرِيد الْحَج والعمره تبلغ عدَّة جمَالهمْ نَحْو الْألف وَخَمْسمِائة جمل ثمَّ رفعوا من بركَة الْحَاج فِي ثَانِي عشره فَلَمَّا وصلوا إِلَى الْوَجْه - وَكنت فيهم بأهلي - وجدنَا فِيمَا بَين الْوَجْه وأكره عدَّة موتى مَا بَين رجال وَنسَاء مِمَّن هلك فِي عطشة الْحَاج فَدفن مِنْهُم نَحْو الْألف وَترك مَا شَاءَ الله. وَفِي رَابِع عشرينه: خلع على قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أبي الْفضل أَحْمد بن حجر وأعيد إِلَى قَضَاء الْقُضَاة بديار مصر عوضا عَن قَاضِي الْقُضَاة علم الدّين صَالح ابْن البُلْقِينِيّ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 225 فِي تَاسِع عشره: عَارض ركب المعتمرين رفْقَة ابْن الْمرة عرب زبيد فانحنا فِي غير وَقت النُّزُول وكادت الْفِتْنَة أَن تثور حَتَّى صولحوا على مائَة دِينَار قَامَ بهَا ابْن الْمرة من مَاله وَلم يُكَلف أحد وزن شَيْء فَلَمَّا نزلنَا رابغ أَهْلينَا بِالْعُمْرَةِ وَنحن على تخوف وسرنا فَبَيْنَمَا نَحن فِيمَا بَين الجرينات وقديد أغار علينا وَنحن سائرون ضحى الشريف زُهَيْر بن سُلَيْمَان بن زيان بن مَنْصُور بن جماز بن شيحة الْحُسَيْنِي فِي نَحْو مائَة فَارس وعدة كَثِيرَة من المشاة وقاتلنا فقاتله الْقَوْم صَدرا من النَّهَار وَالْجمال مناخة بأحمالها فَقتل منا رجلَانِ وَمن الْعَرَب نَحْو الْعشْرَة وجرح كثير ثمَّ وَقع الصُّلْح مَعَه على ألف وَمِائَة دِينَار أفرنتية وعَلى ثِيَاب جوخ وصوف وعبي بِنَحْوِ أَرْبَعمِائَة دِينَار فَكف النَّاس عَن الْقِتَال بعد مَا تعين الظفر لزهير وبتنا بأنكد لَيْلَة من شدَّة الْخَوْف وَالْمَال يجبى من كل أحد بِحَسب حَاله فَمنهمْ من جبي مِنْهُ مائَة دِينَار وَمِنْهُم من أَخذ مِنْهُ دِينَار وَاحِد وَحمل ذَلِك من الْغَد وسرنا فقدمنا مَكَّة وَللَّه الْحَمد فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشرينه فَكَانَت مُدَّة سيرنا من الْقَاهِرَة إِلَى مَكَّة - شرفها الله تَعَالَى - سِتَّة وَأَرْبَعين يَوْمًا. وَفِي هَذَا الشَّهْر: اسْتَقر جَانِبك الناصري الْإسْكَنْدَريَّة بعد موت الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد الدوادار وَأَصله من مماليك الْأَمِير يلبغا الناصري ثمَّ عمل فِي الْأَيَّام المؤيدية رَأس نوبَة الْمقَام الناصري إِبْرَاهِيم ابْن السُّلْطَان وَصَارَ من جملَة الْأُمَرَاء وَولي كشف الجسور بالغربية. وَفِيه أندر المنجمون بكسوف الشَّمْس فَنُوديَ بِالْقَاهِرَةِ أَن يَصُوم النَّاس ويفعلوا الْخَيْر فَلم يظْهر الْكُسُوف وَوَقع الْإِنْكَار على من أنذر بِهِ ثمَّ قدم الْخَبَر بحدوث كسوف الشَّمْس بِجَزِيرَة الأندلس حَتَّى استولى على جرم الشَّمْس كُله إِلَّا مِقْدَار الثّمن مِنْهُ وَذَلِكَ بعد نصف النَّهَار من ثامن عشرينه. شهر رَجَب أَوله السبت: فِي سَابِع عشره: أدير محمل الْحَاج على الْعَادة. شهر شعْبَان أَوله الِاثْنَيْنِ: فِي حادي عشره: كَانَت زَلْزَلَة عَظِيمَة شَدِيدَة بعد صَلَاة الظّهْر بِجَزِيرَة الأندلس وبمرج أغرناطة سَقَطت بهَا أبنية كَثِيرَة على سكانها فهلكوا وَخسف بِثَلَاث بِلَاد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 226 كَبِيرَة فِي مرج أغرناطة - وَهِي بلد هَمدَان وبلد أوطورة وبلد دارما - فابتلعت الأَرْض هَذِه الْبِلَاد بأناسها وبقرها وغنمها وَسَائِر مَا فِيهَا حَتَّى صَار من يمر من حولهَا يَقُول كَانَ هُنَا بلد كَذَا وبلد كَذَا وانخسف فِي كثير من الْبِلَاد عدَّة مَوَاضِع وَسقط نصف قلعة أغرناطة وتهدم كثير من الْجَامِع الْأَعْظَم وَسقط أَعلَى منارته ورؤى حَائِط الْجَامِع يرْتَفع ثمَّ يرجع وَمِقْدَار ارتفاعه نَحْو عشرَة أَذْرع ارْتَفع كَذَلِك مرَّتَيْنِ وَخَافَ رجل عِنْد حُدُوث الزلزلة فَأخذ ابْنه وَأَرَادَ أَن يخرج من بَاب دَاره فالتصق جانبا الْبَاب وانفرج الْحَائِط فَخرج من ذَلِك الْفرج هُوَ وَابْنه وَامْرَأَته فَعَاد الْحَائِط كَمَا كَانَ وتراجع جانبا الْبَاب إِلَى حَالهمَا قبل الزلزلة وأقامت الأَرْض بعد ذَلِك نَحْو خَمْسَة وَأَرْبَعين يَوْمًا تهتز حَتَّى خرج النَّاس إِلَى الصَّحرَاء ونزلوا فِي الخيم خوفًا من الْمَدِينَة أَن تسْقط مبانيها عَلَيْهِم وَكَانَ هَذَا كُله بعد وُصُول السُّلْطَان المخلوع أبي عبد الله مُحَمَّد الْأَيْسَر من تونس إِلَى الأندلس وحصره قلعة أغرناطة سَبْعَة أشهر وَقَتله الأجناد وَالرِّجَال حَتَّى فنيت الْعدَد وَالْأَمْوَال فَبلغ ذَلِك ملك قشتالة الفنشي فَجمع عساكره من الفرنج وَركب الْبَحْر إِلَى قرطبة يُرِيد أَخذ أغرناطة من الْمُسلمين فَاشْتَدَّ الْبلَاء عَلَيْهِم لقلَّة المَال بأغرناطة وفناء عسكرها فِي الْفِتْنَة وَمَوْت من هلك فِي الزلزلة وهم زِيَادَة على سِتَّة آلَاف إِنْسَان وَنزل الفرنج عَلَيْهِم فلقوهم فِي يَوْم الْجُمُعَة عَاشر رَمَضَان من هَذِه السّنة وقاتلوهم يومهم وَمن الْغَد قتل من الْمُسلمين نَحْو الْخَمْسَة عشر ألف وألجأهم الْعَدو إِلَى دُخُول الْمَدِينَة وعسكر بإزائها على بريد مِنْهَا وهم نَحْو خَمْسمِائَة وَثَمَانِينَ ألف وَقد اشْتَدَّ الطمع فِي أَخذهَا فَبَاتَ الْمُسلمُونَ لَيْلَة الْأَحَد فِي بكاء وتضرع إِلَى الله فَفتح عَلَيْهِم الله تَعَالَى وألهمهم رشدهم وَذَلِكَ أَن الشَّيْخ أَبَا زَكَرِيَّا يحيى بن عمر ابْن يحيى بن عمر بن عُثْمَان بن عبد الْحق - شيخ الْغُزَاة - خرج من مَدِينَة أغرناطة فِي جمع أَلفَيْنِ من الأجناد وَعشْرين ألفا من المطوعة وَسَار نصف اللَّيْل على جبل الفخار. حَتَّى أبعد عَن معسكر الفرنج إِلَى جِهَة بِلَادهمْ وَرفع إِمَارَة فِي الْجبَال يعلم بهَا السُّلْطَان بأغرناطة فَلَمَّا رأى تِلْكَ العلامات من الْغَد خرج يَوْم الْأَحَد بِجَمِيعِ من بَقِي عِنْده إِلَى الفرنج فثاروا لحربهم فولى السُّلْطَان بِمن مَعَه من الْمُسلمين كَأَنَّهُمْ قد انْهَزمُوا والفرنج تتبعهم حَتَّى قاربوا الْمَدِينَة ثمَّ رفعوا الْأَعْلَام الإسلامية فَلَمَّا رَآهَا الشَّيْخ أَبُو زَكَرِيَّا نزل بِمن مَعَه إِلَى معسكر الفرنج وَأُلْقِي فِيهِ النَّار وَوضع السَّيْف فِيمَن هُنَالك فَقتل وَأسر وسبى فَلم يدع الفرنج إِلَّا والصريخ قد جَاءَهُم وَالنَّار ترْتَفع من معسكرهم فتركوا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 227 أهل أغرناظة وَرَجَعُوا إِلَى معسكرهم فَركب السُّلْطَان بِمن مَعَه أقفيتهم يقتلُون وَيَأْسِرُونَ فبلغت عدَّة من قتل من الفرنج سِتَّة وَثَلَاثُونَ ألفا وَلحق باقيهم ببلادهم بعد مَا كَادُوا أَن يملكُوا أغرناطة. وَبَلغت عدَّة من أسر الْمُسلمُونَ من الفرنج نَحْو اثْنَي عشر ألفا وَيَقُول المكثر إِنَّه قتل وَمَات وَأسر من الفرنج فِي هَذِه الكائنة زِيَادَة على سِتِّينَ ألفا. وَكَانَ سَبَب هَذِه الْحَادِثَة أَنه وَقع بَين ملك القطلان صَاحب برجلونة وَبَين ملك قشتالة صَاحب أشبيلية وقرطبة فَجمع القشتيلي وَسَار لِحَرْب القطلاني حَتَّى تلاقى الْجَمْعَانِ فَمشى الأكابر بَين الْملكَيْنِ فِي الصُّلْح فَاعْتَذر القشتيلي بِأَنَّهُ أنْفق فِي حركته مَالا كثيرا فأشير عَلَيْهِ بِأخذ مَا أنفقهُ من الْمُسلمين بِأَن يغزوهم فَإِنَّهُم قد ضعفوا وَمَا زَالُوا حَتَّى تقرر الصُّلْح وَنزل على أغرناطة وَكَانَ مَا تقدم ذكره. وَفِي شهر رَمَضَان: هَذَا ابتدأت فِي إسماع كتاب إمتاع الأسماع بِمَا للرسول من الْأَبْنَاء وَالْأَحْوَال والحفدة وَالْمَتَاع صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أول يَوْم فِيهِ بِقِرَاءَة - الْمُحدث الْفَاضِل تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن فَهد الْهَاشِمِي بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام تجاه الْمِيزَاب وَكَانَ جمعا موفوراً. شهر شَوَّال أَوله الثُّلَاثَاء: فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء تاسعه - الْمُوَافق لسادس عشْرين بؤونة -: أَخذ قاع النّيل فجَاء سِتَّة أَذْرع وَثَلَاثَة أَصَابِع وَنُودِيَ عَلَيْهِ من الْغَد بِزِيَادَة ثَلَاثَة أَصَابِع واستمرت الزِّيَادَة. وَفِي حادي عشرينه: خرج محمل الْحَاج إِلَى الريدانية خَارج الْقَاهِرَة صُحْبَة الْأَمِير قرا سنقر وَرفع مِنْهَا إِلَى بركَة الْحجَّاج وَحج القَاضِي زين الدّين عبد الباسط نَاظر الْجَيْش عَظِيم الدولة ومدبرها وحجت خوند جلبان زَوْجَة السُّلْطَان أم وَلَده فِي تجمل كَبِير بِحَسب الْوَقْت. وَفِي هَذَا الشَّهْر: اتّفقت حَادِثَة غَرِيبَة وَهُوَ أَنه اجْتمع بأجران كوم النجار بالغربية من الفيران عدد لَا يُحْصِيه إِلَّا الله تَعَالَى واقتتلوا من الْعَصْر إِلَى قريب عشَاء الْآخِرَة فَوجدَ من الْغَد نَحْو خَمْسَة آلَاف فار ميت فَجمعُوا وأحرقوا وأفسد الفار مقاتي الْبِطِّيخ وَنَحْوه وأكلوا الغلال وَهِي فِي سنبلها وأكلوا أَكثر مَا فِي جرون نواحي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 228 الغربية بِحَيْثُ أَن بعض النواحي لم ترد بذارها وَكَانَ يجْتَمع فِي الْمَوَاضِع الْوَاحِد أَكثر من ثَلَاثمِائَة فأر. فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي عشره - الْمُوَافق لَهُ تَاسِع عشْرين أبيب -: كَانَ وَفَاء النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا. وَركب الْأَمِير قرقماس حَاجِب الْحجاب حَتَّى خلق المقياس وَفتح الخليج على الْعَادة. وَفِيه زَاد النّيل اثْنَي عشر إصبعاً من الذِّرَاع السَّابِعَة عشر وَفِي هَذَا نادرتان من نَوَادِر النّيل إِحْدَاهمَا الْوَفَاء قبل مسرى وَقد أدركنا ذَلِك وَقع مرَّتَيْنِ. وَالثَّانيَِة زِيَادَة هَذَا الْقدر فِي يَوْم الْوَفَاء وَلم يدْرك مثل ذَلِك واستمرت زِيَادَة النّيل والنداء عَلَيْهِ فِي كل يَوْم. وَفِي هَذَا الشَّهْر: استجد بعيون الْقصب من طَرِيق الْحجاز بِئْر حفرت بِإِشَارَة القَاضِي زين الدّين عبد الباسط فَعظم النَّفْع بهَا. وَذَلِكَ أنني أدْركْت عُيُون الْقصب وَتخرج من بَين الجبلين مَاء يسيح على الأَرْض فينبت فِيهِ الْقصب الْفَارِسِي وَغَيره شَيْء كثير ويرتفع فِي المَاء حَتَّى يتَجَاوَز قامة الرجل فِي عرض كَبِير فَإِذا نزل الْحَاج عُيُون الْقصب أَقَامُوا يومهم على هَذَا المَاء يغتسلون مِنْهُ ويردون ثمَّ انْقَطع هَذَا المَاء وجفت تِلْكَ الأعشاب فَصَارَ الْحَاج إِذا نزل هُنَاكَ احتفروا حفائر يخرج مِنْهَا مَاء رَدِيء إِذا بَات لَيْلَة وَاحِدَة فِي الْقرب نَتن فأغاث الله الْعباد بِهَذِهِ الْبِئْر وَخرج مَاؤُهَا عذباً. وَكَانَ قبل ذَلِك بِنَحْوِ شَهْرَيْن قد حفر الْأَمِير شاهين الطَّوِيل بئرين بِموضع يُقَال لَهُ زعم وقبقاب وَذَلِكَ أَن الْحَاج كَانَ إِذا ورد الْوَجْه تَارَة يجد فِيهِ المَاء وَتارَة لَا يجده. فَلَمَّا هلك النَّاس من الْعَطش فِي السّنة الْمَاضِيَة بعث السُّلْطَان بشاهين هَذَا كَمَا تقدم ذكره فحفر البئرين بِنَاحِيَة زعم حَتَّى لَا يحْتَاج الْحَاج إِلَى وُرُود الْوَجْه فيروي الْحَاج مِنْهُمَا وَعم الِانْتِفَاع بهما وَبَطل سلوك الْحَاج على طَرِيق الْوَجْه من هَذِه السّنة. شهر ذِي الْحجَّة أَوله السبت: فِي ثَانِي عشرينه: خلع على تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب بن الخطير وَاسْتقر فِي نظر الدِّيوَان الْمُفْرد عوضا عَن الصاحب تَاج الدّين عبد الرَّزَّاق بن الهيصم بعد مَوته. وَابْن الخطير هَذَا من نَصَارَى القبط وَله بيتوته مَشْهُورَة. كَانَ اسْمه جرجس وتلقب بالشيخ التَّاج وترقى فِي الخدم الديوانية وباشر ديوَان الْأَمِير برسباي فِي الْأَيَّام المؤيدية شيخ فألزمه بِالْإِسْلَامِ فَأسلم وَتسَمى تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب وخدم بديوان الْخَاص الجزء: 7 ¦ الصفحة: 229 وبالديوان الْمُفْرد فَلَمَّا تسلطن الْأَشْرَف برسباي رقاه وولاه نظر الاصطبل عوضا عَن بدر الدّين مُحَمَّد بن مزهر لما ولاه كِتَابَة السِّرّ وأضاف إِلَيْهِ عدَّة رتب مِنْهَا أستادار الْمقَام الناصري ابْن السُّلْطَان فَشَكَرت سيرته من عفته وأمانته ورفقه بالفلاحين ولين جَانِبه وَحسن سياسته مَعَ كَثْرَة بره وإحسانه بِحَيْثُ لَا يُوجد فِي أَبنَاء جنسه من يدانيه فَكيف يُسَاوِيه. وَإِن أَرَادَ الله عمَارَة الْبِلَاد جعل إِلَيْهِ تَدْبِير أمرهَا. وَفِي يَوْم السبت سلخه: قدم مبشرو الْحَاج وَقد مَاتَ كَبِيرهمْ الْأَمِير فَارس بينبع وَكَانَ مُجَردا. بِمَكَّة على طَائِفَة من المماليك وَهُوَ أحد أُمَرَاء العشرات. مجد الدّين إِسْمَاعِيل بن أبي الْحسن بن عَليّ بن عبد الله الْبرمَاوِيّ الشَّافِعِي فِي يَوْم الْأَحَد خَامِس عشر ربيع الآخر. ومولده فِي حُدُود الْخمسين وَسَبْعمائة. مهر فِي الْفِقْه والعربية وعدة فنون وتصدى للأشغال سِنِين كَثِيرَة وخطب بِجَامِع عَمْرو بن الْعَاصِ بِمصْر. وَمَات الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد الدوادار بن الأقطع نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة فِي يَوْم الْأَحَد تَاسِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة كَانَ أَبوهُ من الأوشاقية فِي الاصطبل السلطاني. وترقى أَحْمد هَذَا فِي الخدم حَتَّى اتَّصل بالأمير برسباي وَعمل دواداره فرقاه فِي سلطته وَعَمله من جملَة الْأُمَرَاء ثمَّ ولاه نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة. وَمَات برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن عَليّ بن إِسْمَاعِيل بن الظريف أَمِين الحكم فِي يَوْم السبت خَامِس عشر شَوَّال عَن نَحْو سِتِّينَ سنة. وَمَات سراج الدّين عمر بن مَنْصُور البهادري فِي يَوْم السبت ثَانِي عشر شَوَّال وَقد برع فِي الْفِقْه والنحو وناب فِي الحكم عَن الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة وَانْفَرَدَ بالتقدم فِي علم الطِّبّ فَلم يخلف بعده مثله. وَمَات الصاحب تَاج الدّين عبد الرَّزَّاق بن الهيصم فِي يَوْم الْخَمِيس الْعشْرين من ذِي الْحجَّة. وَقد ولي أستادار وَولي الوزارة ونكب غير مرّة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 230 (سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة) شهر الله الْمحرم أَوله الْأَحَد: فِي عاشره - الْمُوَافق لعشرين مسرى -: انْتَهَت زِيَادَة النّيل إِلَى عشْرين ذِرَاعا واثني عشر إصبعاً ثمَّ نقص خَمْسَة عشر إصبعاً وَزَاد وَنقص إِلَى حادي عشرينه وَهُوَ أول بَابه. ثمَّ لم يناد عَلَيْهِ لاستمرار النَّقْص. وَفِي ثَانِي عشرَة: قدم الْأَمِير طرباي نَائِب طرابلس فَأكْرمه السُّلْطَان وَأَعَادَهُ إِلَى مَحل كفَالَته فَسَار بعد خَمْسَة أَيَّام. وَفِي ثَالِث عشرينه: قدم القَاضِي زين الدّين عبد الباسط وصحبته خوند جلبان وَبَقِيَّة الركب الأول وَقدم بعدهمْ من الْغَد محمل الْحَاج صُحْبَة الْأَمِير قرا سنقر وقدمت مَعَهم وَقد عسف الْأَمِير النَّاس فِي الْمسير مَعَ مَا أَصَابَهُم من الْعَطش فِي توجههم. شهر صفر أَوله الثُّلَاثَاء: فِي خامسه: انْتَشَر بآفاق السَّمَاء جَراد كثير كفى الله شَره. وَفِي نصفه: خلع على الْأَمِير أقبغا الجمالي وأعيد إِلَى كشف الْوَجْه القبلي عوضا عَن مُرَاد وَقدم الْخَبَر بِأَن الخراب شَمل الْبِلَاد من توريز إِلَى بَغْدَاد مسيرَة خَمْسَة وَعشْرين يَوْمًا بالأثقال وَأَن الْجَرَاد وَقع بِتِلْكَ الْبِلَاد حَتَّى لم يدع بهَا خضرًا مَعَ شدَّة الوباء وانتهاب الأكراد مَا بَقِي وَأَن الغلاء شنع عِنْدهم حَتَّى أبيع الْمَنّ من لحم الضَّأْن - وَهُوَ رطلان بالمصري - بِدِينَار ذهب وأبيع لحم الْكَلْب كل من بِسِتَّة دَرَاهِم وَقد كثر الوباء بِبَغْدَاد والجزيرة وديار بكر وَمَعَ ذَلِك فقد عظم الْبلَاء بأصبهان بن قرا يُوسُف بِنَاحِيَة الْحلَّة والمشهد. شهر ربيع الآخر أَوله الْجُمُعَة: فِي سَابِع عشره: نزل عدَّة من المماليك السُّلْطَانِيَّة - سكان الطباق - من قلعة الْجَبَل إِلَى دَار الْوَزير كريم الدّين بن كَاتب المناخ أستادار يُرِيدُونَ الفتك بِهِ وَكَانَ علم من اللَّيْل فتغيب واستعد فَلم يظفروا بِهِ وَلَا بداره وعادوا وَقد أفسدوا فِيمَا حوله فَسَأَلَ الإعفاء من الأستادارية فأعفى واستدعى الْوَزير صَاحب بدر الدّين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 231 حسن بن نصر الله فِي يَوْم السبت ثَالِث عشرينه وخلع عَلَيْهِ وأعيد إِلَى الأستادارية. فَكَانَ فِي ذَلِك موعظة وَهِي أَن المماليك كَانَت جراياتهم ولحومهم وجوامكهم وعليقهم مصروفة وَلَا يخْطر ببال أحد عزل ابْن كَاتب المناخ لثباته وسداد أُمُور الدِّيوَان فِي مُبَاشَرَته وَانْقِطَاع ابْن نصر الله فِي بَيته مُنْذُ نكب عدَّة سِنِين فَألْقى الله فِي نفس ابْن كَاتب المناخ الْخَوْف من المماليك حَتَّى طَالب الإعفاء وألهم الله السُّلْطَان ذكر ابْن نصر الله فَبعث إِلَيْهِ بِالْقَاضِي زين الدّين عبد الباسط والوزير كريم الدّين وَسعد الدّين نَاظر الْخَاص فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء يسلمُونَ عَلَيْهِ من قبل السُّلْطَان ويعلموه بِأَنَّهُ عينه أستاداراً فَاعْتَذر بقلة مَاله وَتغَير أَحْوَاله وهم يرددون سُؤَاله فِي الْقبُول ويشيرون عَلَيْهِ بذلك ويحذرونه من الْمُخَالفَة فاستمهلهم حَتَّى يستخير الله فَتَرَكُوهُ وَانْصَرفُوا فَأَشَارَ عَلَيْهِ من يَثِق بِهِ أَن يقبل فَأجَاب وَأَرْسلُوا إِلَيْهِ فوافقهم على رَأْيهمْ. وَفِي سَابِع عشرينه: نُودي بِأَن لَا يُسَافر أحد صُحْبَة ابْن الْمرة إِلَى مَكَّة فشق ذَلِك على النَّاس لتجهز كثير مِنْهُم للسَّفر. شهر جُمَادَى الأولى أَوله السبت: فِي ثامنه: خلع على سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن الْمرة خلعة السّفر إِلَى جدة وحذر من أَخذ أحد مَعَه خوفًا عَلَيْهِم من الْعَرَب. وَفِي لَيْلَة الْجُمُعَة رَابِع عشره: خسف جرم الْقَمَر جَمِيعه مُدَّة ثَلَاث سَاعَات من أول اللَّيْل. وَفِي سادس عشره: ابتدئ بهدم قصر بيسري بَين القصرين وَكَانَ قد أَخذ رخامه وَعمل فِي داير الأشرفية المستجدة. وَفِي خَامِس عشرينه: ركب السُّلْطَان من القلعة وَعبر الْقَاهِرَة من بَاب زويلة وَنزل فِي بَيت عَظِيم الدولة القَاضِي زين الدّين عبد الباسط ثمَّ ركب مِنْهُ بعد سَاعَة إِلَى بَيت سعد الدّين إِبْرَاهِيم نَاظر الْخَاص فَجَلَسَ عِنْده قَلِيلا وَعَاد إِلَى القلعة وَأكْثر فِي هَذَا الشَّهْر - بل فِي هَذِه السّنة - من الرّكُوب وعبور الْقَاهِرَة وَإِلَى الصَّيْد والنزهة بِخِلَاف مَا كَانَ عَلَيْهِ أَولا. وَفِي سادس عشرينه: حمل القَاضِي زين الدّين عبد الباسط وَالْقَاضِي سعد الدّين نَاظر الْخَاص إِلَى السُّلْطَان تقادم جليلة. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: قدم بيرم التركماني الصُّوفِي صَاحب هيت فَارًّا من أَصْبَهَان بن قرا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 232 يُوسُف وَقد قتل السُّلْطَان حُسَيْن وَملك الْحلَّة فَخرج بيرم من هيت فِي سِتّمائَة من أَصْحَابه فيهم ثَلَاثمِائَة فَارس فَلَقِيته غزيَّة عرب تِلْكَ الْبِلَاد فَأخذُوا من كَانَ مَعَه وَكَانَ جمعا غفيراً مَا بَين تجار وَغَيرهم وَنَجَا فِي طَائِفَة مَعَه فَأكْرمه السُّلْطَان وأنزله وأجرى لَهُ راتباً يَلِيق بِهِ ثمَّ أقطعه بِنَاحِيَة الفيوم إقطاعاً مُعْتَبرا. شهر جُمَادَى الْآخِرَة أَوله الِاثْنَيْنِ: فِي ثَانِيه: عزل الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله ورسم لأقبغا الجمالي كاشف الْوَجْه القبلي أَن يتحدث فِي وَظِيفَة الأستادارية ثمَّ خلع عَلَيْهِ من الْغَد وَلزِمَ ابْن نصر الله دَاره. وَسبب ذَلِك لما بلغ أقبغا عزل ابْن كَاتب المناخ من الأستادارية سَأَلَ فِي الْحُضُور فَأُجِيب وَقدم فسعى فِي الأستادارية على أَن يحمل عشرَة آلَاف دِينَار إِن سَافر السُّلْطَان إِلَى الشَّام حمل مَعَه نَفَقَة شَهْرَيْن وَهِي مبلغ أَرْبَعِينَ ألف دِينَار فَأُجِيب وَأبقى الْكَشْف أَيْضا مَعَه وأضيف إِلَيْهِ كشف الْوَجْه البحري. وَفِي عاشره: برز سعد الدّين بن الْمرة يُرِيد السّفر إِلَى جدة ثمَّ رَحل فِي ثَانِي عشره وَلم يُمكن أحدا من السّفر مَعَه فَلم يتَمَكَّن إِلَّا إِلْزَامه وحاشيته. وَفِي سَابِع عشرينه: خلع على بدر الدّين مَحْمُود العينتابي وأعيد إِلَى قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة عوضا عَن زين الدّين عبد الرَّحْمَن التفهني وَقد طَالَتْ مُدَّة مَرضه فباشر الْقَضَاء والحسبة وَنظر الأحباس جَمِيعًا. شهر رَجَب أَوله الثُّلَاثَاء: فِيهِ خلع على الْأَمِير صَلَاح الدّين أستادار ابْن الْأَمِير الْوَزير الصاحب بدر الدّين حسن ابْن نصر الله وَاسْتقر محتسب الْقَاهِرَة عوضا عَن قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مَحْمُود العنتابي. وَكَانَ الْأَمِير صَلَاح الدّين - مُنْذُ نكب هُوَ ووالده - ملازماً لداره وَعمل مَعَ الْحِسْبَة حاجباً. وَفِي ثالثه: أدير محمل الْحَاج على الْعَادة إِلَّا أَنه عجل بِهِ فِي أول الشَّهْر لأجل حَرَكَة السُّلْطَان إِلَى سفر الشَّام فَإِنَّهُ تجهز لذَلِك هُوَ وأمراؤه. وَفِي عشرينه: قدم الْأَمِير سودن من عبد الرَّحْمَن نَائِب الشَّام باستدعاء وَقدم مَعَه قَاضِي كَمَال الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ كَاتب السِّرّ بِدِمَشْق فباتا فِي تربة الظَّاهِر برقوق خَارج الْقَاهِرَة وصعدا من الْغَد إِلَى قلعة الْجَبَل وقبلا الأَرْض فَلَمَّا انْقَضتْ الْخدمَة نزل النَّائِب إِلَى بَيته وَلم يخلع عَلَيْهِ فَعلم أَنه مَعْزُول وخلع عَلَيْهِ من الْغَد وَاسْتقر أَمِيرا كَبِيرا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 233 عوضا عَن الْأَمِير شارقطلوا وخلع على شارقطلوا وَاسْتقر عوضه فِي نِيَابَة الشَّام ورسم بِإِبْطَال الْحَرَكَة إِلَى السّفر فبطلت. شهر شعْبَان أَوله الْأَرْبَعَاء: فِيهِ خلع على الْأَمِير شارقطلوا نَائِب الشَّام خلعة السّفر وَتوجه إِلَى مخيمه خَارج الْقَاهِرَة وخلع على القَاضِي كَمَال الدّين بن الْبَارِزِيّ خلعة السّفر ثمَّ خلع عَلَيْهِ من الْغَد يَوْم الْجُمُعَة ثالثه وَاسْتقر قَاضِي الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن شهَاب الدّين أَحْمد بن المحمرة مُضَافا لما بِيَدِهِ من كِتَابَة السِّرّ وَلم يعْهَد مثل ذَلِك فِي الْجمع بَين الْقَضَاء وَكِتَابَة السِّرّ إِلَّا أَنه أَخْبرنِي - أدام الله رفعته - أَن وَالِده المرحوم نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ جمع بَين قَضَاء حماة وَكِتَابَة السِّرّ بهَا. شهر رَمَضَان أَوله الْخَمِيس: فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشره: خلع على الْأَمِير أقبغا الجمالي أستادار وَسبب ذَلِك أَنه سَافر إِلَى بِلَاد الصَّعِيد فعاث فِي الْبِلَاد عيث الذِّئْب فِي زريبة غنم فصادر أَهلهَا وعاقبهم أشنع عُقُوبَة حَتَّى أَخذ أَمْوَالهم وتعتع مَا بَقِي من الإقليم فشنعت القالة فِيهِ فوعد لما قدم أَن يحمل عشْرين ألف دِينَار فحاققه القَاضِي تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب بن الخطير نَاظر الدِّيوَان الْمُفْرد على مَا أَخذ من أَمْوَال النواحي حَتَّى تسابا بَين يَدي السُّلْطَان فرسم بمحاسبته فحقق فِي جِهَته خَمْسَة عشر ألف دِينَار فَخلع عَلَيْهِ تَقْوِيَة لَهُ وَنزل على أَنه يحمل مَا وَجب عَلَيْهِ. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: أوقعت الحوطة على فلفل التُّجَّار بِالْقَاهِرَةِ ومصر والإسكندرية ليَشْتَرِي للسُّلْطَان من حِسَاب خمسين دِينَارا الْحمل وَكَانَ قد أبيع عَلَيْهِم فلفل السُّلْطَان فِي أول هَذِه السّنة بسبعين دِينَارا الْحمل ورسم بِأَن يكون الفلفل مُخْتَصًّا بمتجر السُّلْطَان لَا يَشْتَرِيهِ من تجار الْهِنْد الواردين إِلَى جدة غَيره وَلَا يَبِيعهُ لتجار الفرنج القادمين إِلَى ثغر الْإسْكَنْدَريَّة سواهُ فَنزل بالتجار من ذَلِك بلَاء كَبِير. وَفِي سادس عشرينه: خلع على دولات خجا وَاسْتقر فِي ولَايَة الْقَاهِرَة عوضا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 234 عَن التَّاج الشويكي وأخيه عمر. ودولات هَذَا أحد المماليك الظَّاهِرِيَّة وَولي كشف الْوَجْه القبلي فتعدى الْحُدُود فِي الْعُقُوبَات وَصَارَ ينْفخ بالكير فِي دبر الرجل حَتَّى تنذر عَيْنَيْهِ وتنفلق دماغه إِلَى غير ذَلِك من سيء الْعَذَاب ثمَّ ولي كشف الْوَجْه البحري وَكَانَ التَّاج قد ترفع عَن مُبَاشرَة الْولَايَة وَأقَام فِيهَا أَخَاهُ عمر فشره فِي المَال حَتَّى كَانَ كلما أَتَاهُ أحد بسارق أَخذ مِنْهُ مَالا وخلى عَنهُ فأمن السراق فِي أَيَّامه على أنفسهم وصاروا لَهُ رعية يجبى مِنْهُم مَا أحب فَلَمَّا ولي دولات خجا بَدَأَ بالإفراج عَن أَرْبَاب الجرائم من سجنهم وَحلف لَهُم أَنه مَتى ظفر بِأحد مِنْهُم وَقد سرق ليوسطنه رهب إرهاباً زَائِدا وَركب فِي اللَّيْل وَطَاف وأمضى وعيده فِي السراق فَمَا وَقع لَهُ سَارِق إِلَّا وَسطه فذعر النَّاس مِنْهُ. وَفِيه خلع على عمر أخي التَّاج وَاسْتقر من جملَة الْحجاب ليرتفق بمطالع الْعباد على بُلُوغ أغراضه ونيل شهواته. وَأكْثر دولات خجا من الرّكُوب لَيْلًا وَنَهَارًا بفرسانه ورجالته وألزم الباعة بكنس الشوارع ثمَّ رشها بِالْمَاءِ وعاقب على ذَلِك وَمنع النِّسَاء من الْخُرُوج إِلَى الترب فِي أَيَّام الْجمع. وَفِي هَذَا الشَّهْر: أجريت الْعين حَتَّى دخلت إِلَى مَكَّة بعد مَا مَلَأت البرك دَاخل بَاب المعلاه وَمَرَّتْ على سوق اللَّيْل إِلَى الصَّفَا وانتهت إِلَى بَاب إِبْرَاهِيم وساحت من هُنَاكَ فَعم النَّفْع بهَا وَكثر الْخَيْر لشدَّة احْتِيَاج النَّاس بِمَكَّة إِلَى المَاء وقلته أَحْيَانًا وَغَلَاء سعره وَتَوَلَّى ذَلِك سراج الدّين عمر بن شمس الدّين مُحَمَّد بن المزلق الدِّمَشْقِي أحد التُّجَّار وَأنْفق فِيهِ من مَاله جملَة وافرة. شهر شَوَّال، أَوله السبت: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 235 فِي ثالثه: قدم النجاب من دمشق بِجَوَاب الْأَمِير شارقطلوا نَائِب الشَّام يعْتَذر عَن حُضُور قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أَحْمد بن الكشك. وَكَانَ قد كتب بِحُضُورِهِ ليستقر فِي كِتَابَة السِّرّ عوضا عَن شهَاب الدّين أَحْمد بن السفاح بعد مَوته وَيحمل عشرَة آلَاف دِينَار فَامْتنعَ من ذَلِك وَاحْتج بِضعْف بَصَره وآلام تعتريه فاستدعى السُّلْطَان عِنْد ذَلِك الْوَزير الصاحب كريم الدّين عبد الْكَرِيم ابْن كَاتب المناخ ورسم لَهُ بِكِتَابَة السِّرّ. فَلَمَّا أصبح يَوْم الثُّلَاثَاء رابعه: خلع عَلَيْهِ خلعة الوزارة وَاسْتقر فِي كِتَابَة السِّرّ مُضَافا إِلَى الوزارة وَلم يَقع مثل ذَلِك فِي الدولة التركية أَنَّهُمَا اجْتمعَا لوَاحِد فَنزل فِي موكب جليل إِلَى الْغَايَة وباشر مَعَ بعده عَن صناعَة الْإِنْشَاء وَقلة دربته بِقِرَاءَة الْقَصَص والمطالعات الْوَارِدَة من الْأَعْمَال غير أَن الْكَفَاءَة غير مُعْتَبرَة فِي زَمَاننَا بِحَيْثُ أَن بعض السوقة مِمَّن نعرفه ولي كِتَابَة السِّرّ بحماة على مَال قَامَ بِهِ وَهُوَ لَا يحسن الْقِرَاءَة وَلَا الْكِتَابَة فَكَانَ إِذا ورد عَلَيْهِ كتاب وَهُوَ بَين يَدي النَّائِب لَا يقرأه مَعَ شدَّة الْحَاجة إِلَى قِرَاءَته ليعلم مَا تضمنه ثمَّ يمْضِي إِلَى دَاره حَتَّى يقرأه لَهُ رجل أعده عِنْده لذَلِك ثمَّ يعود إِلَى النَّائِب فيعلموه بمضمون الْكتاب وتداعى بِالْقَاهِرَةِ خصمان عِنْد كَبِير من قضاتها فقضي على الْمُدَّعِي عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ مَا مَعْنَاهُ أَنه حكم بِغَيْر الْحق فَأمر بإخراجهما حَتَّى ينظر فِي مسألتهما ثمَّ طلع بعض كتب مذْهبه فَوجدَ الْأَمر على مَا ادَّعَاهُ الرجل من خطأ القَاضِي فردهما وَقَالَ: وجدنَا فِي الْكتاب الْفُلَانِيّ الْأَمر كَمَا قلت وَلم يبال بِمَا تبين من جَهله وَلِهَذَا نَظَائِر لَو عددنا مَا بلغنَا مِنْهَا لقام من ذَلِك سفر كَبِير مَعَ الْحجاب وَإِعْجَاب وفرط الرقاعة وَإِلَى الله المشتكى. وَفِي الْخَمِيس ثَالِث عشره: ابْتَدَأَ السُّلْطَان بِالْجُلُوسِ فِي الإيوان بدار الْعدْل من القلعة. وَكَانَ قد ترك من بعد الظَّاهِر برقوق الْجُلُوس بِهِ فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس إِلَّا فِي النَّادِر الْقَلِيل سِيمَا فِي الْأَيَّام المؤيدية شيخ فتشعث ونسبت عوائده ورسومه إِلَى أَن اقْتضى رأى السُّلْطَان أَن يجدد عَهده فأزيل شعثه وتتبعت رسومه. ثمَّ جلس فِيهِ وعزم على ملازمته فِي يومي الْخدمَة ثمَّ ترك ذَلِك. وَفِيه قدم ركب الْحجَّاج المغاربة وَقدم ركب الْحَاج التكرور أَيْضا وَفِيهِمْ بعض مُلُوكهمْ فعوملوا جَمِيعًا بِأَسْوَأ مُعَاملَة من التشدد فِي أَخذ المكوس مِمَّا جلبوه من الْخَيل وَالرَّقِيق وَالثيَاب وكلفوا مَعَ ذَلِك حمل مَال فشنعت القالة. وَفِي عشرينه: خرج محمل الْحَاج إِلَى بركَة الْحجَّاج. وَفِي حادي عشرينه: أَخذ قاع النّيل فَكَانَ سِتَّة أَذْرع وَعشْرين إصبعاً. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 236 وَفِي هَذِه الْأَيَّام: رسم بشرَاء الغلال للسُّلْطَان فَإِنَّهَا رخيصة وَرُبمَا توقفت زِيَادَة النّيل فغلت الغلال فَيكون السُّلْطَان أَحَق بفوائدها فَخرجت المراسيم إِلَى أَعمال مصر بشرَاء غلال النَّاس وألزم سماسرة الْغلَّة بساحل مصر وساحل بولاق أَن لَا يبيعوا لأحد شَيْئا من الغلال حَتَّى يتكفي السُّلْطَان فَكثر من أجل هَذَا تطلع النَّاس إِلَى شِرَاء الْغلَّة مَا كَانَ عدَّة أشهر وَهِي كاسدة وسعر الْقَمْح من مائَة وَثَلَاثِينَ درهما الأردب إِلَى مَا دونهَا والفول وَالشعِير من ثَمَانِينَ درهما الأردب إِلَى مَا دونهَا وَسَائِر أسعار المبيعات رخيصة جدا فَالله يحسن الْعَاقِبَة. وَفِي ثَانِي عشرينه: ابتدئ بالنداء على النّيل فَنُوديَ بِزِيَادَة أَرْبَعَة أَصَابِع وَقدم الْخَبَر من مَكَّة المشرفة بِأَن عدَّة زنوك قدمت من الصين إِلَى سواحل الْهِنْد وأرسى مِنْهَا اثْنَان بساحل عدن فَلم تنْفق بهَا بضائعهم من الصيني وَالْحَرِير والمسك وَغير ذَلِك لاختلال حَال الْيمن فَكتب كَبِير هذَيْن الزنكين إِلَى الشريف بَرَكَات بن حسن بن عجلَان أَمِير مَكَّة وَإِلَى سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن الْمرة نَاظر جدة يسْتَأْذن فِي قدومهم إِلَى جدة فَاسْتَأْذَنا السُّلْطَان فِي ذَلِك ورغباه فِي كَثْرَة مَا يتَحَصَّل فِي قدومهم من المَال فَكتب بقدومهم إِلَى جدة وإكرامهم. شهر ذِي الْقعدَة أَوله الِاثْنَيْنِ: فِيهِ استدعى قُضَاة الْقُضَاة الْأَرْبَع بِجَمِيعِ نوابهم فِي الحكم بِالْقَاهِرَةِ ومصر إِلَى القلعة لتعرض نوابهم على السُّلْطَان وَقد ساءت القالة فيهم فَدخل الْقُضَاة الْأَرْبَع إِلَى مجْلِس السُّلْطَان وعوق نوابهم عَن العبور مَعَهم فانفض الْمجْلس على أَن يقْتَصر الشَّافِعِي على خَمْسَة عشر نَائِبا والحنفي على عشرَة نواب والمالكي على سَبْعَة والحنبلي على خَمْسَة وَقد تقدم مثل هَذَا كثير وَلَا يتم. وَفِي سابعه: خلع على الْأَمِير تَاج الدّين الشويكي وأعيد إِلَى ولَايَة الْقَاهِرَة عوضا عَن دولات خجا. وَفِي ثامن عشرينه: ورد الْخَبَر بِمَوْت جينوس بن جاك صَاحب قبرس. وَفِيه خلع على عز الدّين عبد الْعَزِيز بن عَليّ بن الْعِزّ الْبَغْدَادِيّ وَاسْتقر فِي قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق عوضا عَن نظام الدّين عمر بن مُفْلِح وخلع عَلَيْهِ من بَيت الْوَزير كَاتب السِّرّ كريم الدّين وَلم يعْهَد قُضَاة الْقُضَاة يخلع عَلَيْهِم إِلَّا من عِنْد السُّلْطَان غير أَن الْوَزير أعَاد لكنابة السِّرّ بعض مَا كَانَ من رسومها لوفور حرمته واستبداده وَكَانَ مَعَ ذَلِك الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء قد انحط جانبهم واتضع قدرهم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 237 شهر ذِي الْحجَّة أَوله الثُّلَاثَاء: فِيهِ نُودي بوفاء النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا وَثَلَاثَة أَصَابِع وَوَافَقَ ذَلِك خَامِس مسرى. وَهَذَا مِمَّا ينْدر وُقُوعه فَركب الْأَمِير جقمق أَمِير أخور لفتح الخليج على الْعَادة. وَفِي خَامِس عشرينه: سَارَتْ سَرِيَّة عدتهَا سِتُّونَ مَمْلُوكا مَعَ بعض أُمَرَاء العشرات إِلَى قبرس وَمَعَهُمْ خلعة لجوان بن جينوس باستقراره فِي مملكة قبرس عوضا عَن أَبِيه نِيَابَة عَن السُّلْطَان ومطالبته بِمَا تَأَخّر على أَبِيه وَهُوَ أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ ألف دِينَار وَمَا الْتزم بِهِ فِي كل سنة وَهُوَ خَمْسَة آلَاف دِينَار. وَفِي سادس عشرينه: قدم مبشرو الْحَاج. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كثر تقطع الجسور بالنواحي فغرقت بِلَاد عديدة وَدخل المَاء إِلَى كثير من الْبِلَاد قبل أَوَانه فغرقت الجرون وَهِي ملآنة بالغلال وَتلف من المقاتي والسمسم والنيلة مَا يبلغ قِيمَته آلَاف دَنَانِير وشرقت عدَّة بِلَاد وكل ذَلِك من فَسَاد عمل الجسور وَأخذ الْأَمْوَال فِي النواحي عوضا عَن رجال الْعَمَل وأبقارها. وَفِيه فرقت عدَّة بِلَاد من بِلَاد الدِّيوَان الْمُفْرد على جمَاعَة ليعمروها فَإِنَّهَا خربَتْ من سوء ولَايَة الأستادارية وعسفهم وَكَثْرَة المغارم فَسلم إِلَى القَاضِي زين الدّين عبد الباسط وَإِلَى الْوَزير كريم الدّين وَإِلَى سعد الدّين نَاظر الْخَاص وَإِلَى التَّاج بن الخطير كل مِنْهُم بلد من الْبِلَاد وَسلم إِلَى آخَرين دون هَؤُلَاءِ عدَّة بِلَاد. وَفِيه رسم أَن يعلق على كل حَانُوت من حوانيت الباعة بالأسواق قنديل يضيء اللَّيْل فَعمل ذَلِك. وَفِيه كثرت زِيَادَة مَاء النّيل فانسلخ ذُو الْحجَّة بِيَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع أَيَّام النسىء وَالْمَاء على ثَمَانِيَة عشر ذِرَاعا وَعشْرين إصبعاً. وَهَذِه السّنة: تحول الْخراج فِيهَا من أجل أَنه لم يَقع فِيهَا نوروز فحولت سنة سِتّ إِلَى سنة سبع وَثَلَاثِينَ. وفيهَا نزل الطاغية النشو بن دون فرنادو بن أندريك بن جوان قَتِيل الْفرس بن فدريك بن أندريك ملك الفرنج القطلان وَصَاحب برشلونة على جَزِيرَة صقلية فِي شهر رَمَضَان وَسَار وَمَعَهُ صَاحب صقلية فِي نَحْو مِائَتي قِطْعَة بحريّة حَتَّى أرسى على جربة فِي سَابِع عشر ذِي الْحجَّة وملكها. وَكَانَ ملك الْمغرب أَبُو فَارس عبد الْعَزِيز غَائِبا عَن تونس فِي جِهَات تلمسان فَلَمَّا بلغه ترك مُعظم عسكره وَسَار على الصَّحرَاء الجزء: 7 ¦ الصفحة: 238 حَتَّى دنا من جربة وَكَانَت بَينه وَبَين الفرنج وقْعَة كَاد يُؤْخَذ فِيهَا وَقتل من الْفَرِيقَيْنِ جماعات كَثِيرَة. وَهَذَا الطاغية النشو مَاتَ جده أندريك وَملك بعده ابْنه جوبان بن أندريك بن جوبان. خرج فرناندو بن أرندريك من بلد أشبيلية يُرِيد محاربة القطلان أهل برشلونة - وَقد مَاتَ ملكهم مرَّتَيْنِ فَغَلَبَهُمْ وَملك برشلونة وأعمالها حَتَّى مَاتَ فَملك بعده ابْنه النشو هَذَا. وَفِيه قدم أحد مُلُوك التكرور لِلْحَجِّ فَسَار إِلَى الطّور ليركب الْبَحْر إِلَى مَكَّة فَمَاتَ بِالطورِ وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان السُّلْطَان حُسَيْن بن عَلَاء الدولة بن القان غياث الدّين أَحْمد بن أويس. وَكَانَ قد أقيم بعد أَحْمد بن أويس فِي السلطة بِبَغْدَاد شاه ولد بن شاه زَاده بن أويس ثمَّ قتل بعد سِتَّة أشهر بتدبير زَوجته تندو ابْنة السُّلْطَان حُسَيْن بن أويس وَقَامَت بِالتَّدْبِيرِ ثمَّ خرجت من بَغْدَاد بعد سنة فِرَارًا من شاه مُحَمَّد بن قرا يُوسُف وَنزلت ششتر فِي عدَّة من الْعَسْكَر وَملك شاه مُحَمَّد بَغْدَاد فأقيم مَعَ تندو فِي السلطنة السُّلْطَان مَحْمُود بن شاه ولد فدبرت عَلَيْهِ وقتلته بعد خمس سِنِين وانفردت بمملكة ششتر وملكت الْبَصْرَة بعد حَرْب شَدِيدَة ثمَّ مَاتَت بعد انفرادها بِثَلَاث سِنِين فأقيم ابْنهَا أويس بن شاه ولد وَقَتله أَصْبَهَان بن قرا يُوسُف فِي الْحَرْب بعد سبع سِنِين وأقيم بعده بششتر أَخُوهُ شاه مُحَمَّد بن شاه ولد فَمَاتَ بعد سِتّ سِنِين وَقَامَ من بعده حُسَيْن بن عَلَاء الدولة وَملك الْبَصْرَة وواسط وَعَامة الْعرَاق مَا عدا بَغْدَاد فَإِنَّهَا بيد شاه مُحَمَّد بن قرا يُوسُف. وَلم يزل مُحَاربًا لأصبهان بن قرا يُوسُف حَتَّى نزل عَلَيْهِ أَصْبَهَان وحصره بالحلة مُدَّة سَبْعَة أشهر حَتَّى أَخذه وَقَتله فِي ثَالِث صفر من هَذِه السّنة فانقرضت بمهلكه دولة الأتراك بني أويس من الْعرَاق وَصَارَ عراقا الْعَرَب والعجم بيد اسكندر وشاه مُحَمَّد وأصبهان وَمَات شرف الدّين عِيسَى بن مُحَمَّد بن عِيسَى الأقفهسي الشَّافِعِي أحد نواب الحكم فِي لَيْلَة الْجُمُعَة سادس عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة ومولده فِي سنة خمسين وَسَبْعمائة. وبرع فِي الْفِقْه وناب فِي الحكم عَن الْعِمَاد أَحْمد الكركي وَمن بعده من سنة اثْنَيْنِ وَتِسْعين وَكَانَ كثير الاستحضار للفروع. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 239 وَمَات شهَاب الدّين أَحْمد بن صَلَاح الدّين صَالح بن أَحْمد بن عمر الْمَعْرُوف بِابْن السفاح الْحلَبِي فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء رَابِع عشر شهر رَمَضَان عَن ثَلَاث وَسِتِّينَ سنة وباشر هُوَ وَأَخُوهُ وَأَبوهُ كِتَابَة السِّرّ بحلب وَلَهُم بهَا رياسة وَتمكن وأموال ثمَّ بَاشر كِتَابَة السِّرّ بديار مصر فَلم يسْعد وَلم ينجب وَكَانَ فِيهِ هوج وطيش. وَمَات الصاحب علم الدّين يحيى أَبُو كم الْأَسْلَمِيّ فِي لَيْلَة الْخَمِيس ثَانِي عشْرين رَمَضَان وَقد أناف على السّبْعين فباشر نظر الْأَسْوَاق وتنقل حَتَّى ولي الوزارة فِي الْأَيَّام الناصرية فرج وَكَانَ يُرِيد الانتفاء من النَّصْرَانِيَّة فحج وجاور بِمَكَّة وَأكْثر من زِيَارَة الصَّالِحين وَالله أعلم. بِمَا كَانُوا عاملين. وَمَات قَاضِي الْقُضَاة زين الدّين عبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن عبد الرَّحْمَن التفهني الْحَنَفِيّ بعد مرض طَوِيل فِي لَيْلَة الْأَحَد ثامن شَوَّال وَقد أناف على السّبْعين. ومولده سنة أَربع الجزء: 7 ¦ الصفحة: 240 وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة تخمينا. وَقد برع فِي الْفِقْه وَالْأُصُول والعربية وَولى قَضَاء الْقُضَاة فحسنت سيرته، وَلم يتْرك فِي الْحَنَفِيَّة مثله وَيُقَال إِن بعض جواريه سمعته وَقد أوصى بِخَمْسَة آلَاف دِرْهَم لمِائَة فَقير يذكرُونَ الله قُدَّام جنَازَته وَسَبْعَة آلَاف دِرْهَم لكفنه وجهازه وَدَفنه وَقِرَاءَة ختمات. وَمَات جينوس بن جاك يبروس بن أنطون بن جينوس ملك قبرس وَملك بعده ابْنه فِي حُدُود سنة ثَمَانمِائَة وَقدم إِلَى الْقَاهِرَة مأسوراً ثمَّ أُعِيد إِلَى مَمْلَكَته وَصَارَ نَائِبا عَن السُّلْطَان يحمل إِلَيْهِ المَال كل سنة. وَقتل نَصْرَانِيّ فِي سَابِع شَوَّال ضربت رقبته تَحت شباك الْمدرسَة الصالحية بِسَبَب وُقُوعه فِي حق نَبِي الله دَاوُد بعد مَا سجن مُدَّة وَعرض عَلَيْهِ الْإِسْلَام فَامْتنعَ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 241 فارغه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 242 (سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة) أهلت هَذِه السّنة والخليفة المعتضد بِاللَّه أَبُو الْفَتْح دَاوُد بن المتَوَكل وسلطان مصر وَالشَّام والحجاز وقبرس الْملك الْأَشْرَف أَبُو الْفرج برسباي والأمير الْكَبِير الأتابك سودن من عبد الرَّحْمَن وأمير سلَاح أينال الجكمي وأمير مجْلِس أقبغا التمرازي وَرَأس نوبَة الْأَمِير تمراز القرمشي وأمير أخور جقمق والدوادار الْأَمِير أركماس الظَّاهِرِيّ والوزير كَاتب السِّرّ كريم الدّين عبد الْكَرِيم ابْن كَاتب المناخ وناظر الْجَيْش عَظِيم الدولة ومدبرها القَاضِي زين الدّين عبد الباسط وناظر الْخَاص سعد الدّين إِبْرَاهِيم ابْن كَاتب الجكمي وقاضي الْقُضَاة الشَّافِعِي الْحَافِظ شهَاب الدّين أَبُو الْفضل أَحْمد بن حجر وقاضي الْقُضَاة الْحَنَفِيّ نَاظر الأحباس بدر الدّين مَحْمُود العينتابي وقاضي الْقُضَاة الْمَالِكِي شمس الدّين مُحَمَّد الْبِسَاطِيّ وقاضي الْقُضَاة الْحَنْبَلِيّ محب الدّين أَحْمد بن نصر الله الْبَغْدَادِيّ والمحتسب الْأَمِير الْحَاجِب صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن نصر الله والوالي التَّاج الشويكي ونائب الشَّام الْأَمِير شار قطلوا ونائب حلب الْأَمِير قصروه ونائب طرابلس الْأَمِير طرباي ونائب حماة الْأَمِير جلبان ونائب صفد الْأَمِير مقبل الزيني ونائب غَزَّة الْأَمِير أينال الأجرود ومتولي مَكَّة - شرفها الله تَعَالَى - الشريف بَرَكَات بن حسن بن عجلَان ومتولي مَدِينَة الرَّسُول - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - الشريف مَانع بن عَليّ بن عَطِيَّة ومتولي يَنْبع الشريف عقيل بن وبير بن نخبار وَملك الْمغرب أَبُو فَارس عبد الْعَزِيز بن أبي الْعَبَّاس الحفصي وَملك الْمشرق شاه رخ بن تيمورلنك ومتملك بَغْدَاد شاه مُحَمَّد بن قرا يُوسُف وَملك الرّوم مُرَاد بن مُحَمَّد كرشجي بن عُثْمَان وَملك الْيمن الظَّاهِر يحيى بن الْأَشْرَف إِسْمَاعِيل بن الْعَبَّاس بن رَسُول. ونيل مصر متزايد والأسعار رخيصة الْقَمْح من مائَة وَثَلَاثِينَ درهما الأردب إِلَى مَا دون ذَلِك وَالشعِير والفول من ثَمَانِينَ درهما الأردب إِلَى مَا دونهَا. وَالدِّينَار الأشرفي بمائتين وَسِتِّينَ درهما من الْفُلُوس الَّتِي كل رَطْل مِنْهَا بِثمَانِيَة عشر درهما ومصر الدِّرْهَم الأشرفي بِعشْرين درهما من الْفُلُوس وَالدِّينَار الأفرنتي بمائتين وَخمسين درهما من الْفُلُوس والأسواق كاسدة. شهر الله الْمحرم أَوله الْخَمِيس: فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِيه: كَانَ نوروز القبط بِأَرْض مصر وَهُوَ أول توت. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 243 وَقد صَار مَاء النّيل على ثَمَانِيَة عشر ذِرَاعا وَثَلَاثَة وَعشْرين إصبعاً. وَاتفقَ من الغرائب أَن يَوْم الْخَمِيس أول السّنة وَافقه أول يَوْم من تشرين وَهُوَ رَأس سنة الْيَهُود فاتفق أول سنة الْيَهُود مَعَ أول سنة الْمُسلمين وَيَوْم الْجُمُعَة وَافقه أول توت - وَهُوَ أول سنة النَّصَارَى القبط - فتوالت أَوَائِل سِنِين الْملَل الثَّلَاث فِي يَوْمَيْنِ متوالين وَاتفقَ ذَلِك أَن طَائِفَة الْيَهُود الربانيين يعْملُونَ رُءُوس سنينهم وشهورهم بِالْحِسَابِ وَطَائِفَة القرائين يعْملُونَ رُءُوس سنينهم وشهورهم بِرُؤْيَة الْأَهِلّة. كَمَا هُوَ عِنْد أهل الْإِسْلَام فَيَقَع بَين طائفتي الْيَهُود فِي رُءُوس السنين والشهور اخْتِلَاف كَبِير فاتفق فِي هَذِه السّنة مُطَابقَة حِسَاب الربانيين والقرائين للرؤيا فَعمل الطائفتان جَمِيعًا رَأس سنتهمْ يَوْم الْخَمِيس. وَهَذَا من النَّوَادِر الَّتِي لَا تقع إِلَّا فِي الأعوام المتطاولة. يَوْم الْأَحَد ثامن عشره: وَافقه سَابِع عشر توت وَهُوَ يَوْم عيد الصَّلِيب عِنْد أقباط مصر. وَنُودِيَ فِيهِ على النّيل بِزِيَادَة إِصْبَع لتتمة عشْرين ذِرَاعا تنقص إصبعاً وَاحِدًا. وَهَذَا أَيْضا مِمَّا ينْدر من كَثْرَة مَاء النّيل. وَفِي ثَالِث عشرينه: قدم الركب الأول من الْحجَّاج وَقدم الْمحمل من الْغَد بِبَقِيَّة الْحَاج. وَفِي سادس عشرينه: ضرب السُّلْطَان الْأَمِير أقبغا الجمالي أستادار وأنزله على حمَار إِلَى ييت الْأَمِير التَّاج وَالِي الْقَاهِرَة ليعاقبه على اسْتِخْرَاج المَال. وخلع من الْغَد يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع عشرينه على الْوَزير كريم الدّين ابْن كَاتب المناخ وَأَعَادَهُ إِلَى الأستادارية. وَرفعت يَده من مُبَاشرَة كِتَابَة السِّرّ فاستقل بالوزارة والأستادارية ورسم لشرف الدّين الْأَشْقَر نَائِب كَاتب السِّرّ بِمُبَاشَرَة كِتَابَة السِّرّ حَتَّى يسْتَقرّ أحد وَعين جمَاعَة لكتابة السِّرّ فَوَقع الِاخْتِيَار مِنْهُم على قَاضِي وَفِي ثامن عشرينه - الْمُوَافق لسابع عشْرين توت -: نُودي على النّيل بِزِيَادَة إِصْبَع لتتمة عشْرين ذِرَاعا وَخَمْسَة أَصَابِع. وَفِي هَذَا الشَّهْر: طرق الفرنج ميناء طرابلس الشَّام فِي يَوْم السبت عاشره وَأخذُوا مركبا فِيهِ عدد كثير من الْمُسلمين وبضائع لَهَا قيمَة جليلة. وَبينا هم فِي ذَلِك إِذْ قدمت مركب من دمياط فَأَخَذُوهَا أَيْضا بِمَا فِيهَا وَسَارُوا فَلَمَّا ورد الْخَبَر بذلك كتب بإيقاع الحوطة على أَمْوَال الفرنج الجنوية والقطلان دون البنادقة فأحيط بِأَمْوَالِهِمْ الَّتِي بِالشَّام والإسكندرية. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 244 وَفِيه أقلع الطاغية صَاحب برشلونة عَن جَزِيرَة جربة فِي عاشره وَمضى إِلَى جَزِيرَة صقلية. بِمن مَعَه من جمائع القطلان وَأهل صقلية. شهر صفر أَوله السبت: فِي ثَانِيه: توجه القاصد لاستدعاء القَاضِي كَمَال الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ ليستقر فِي كِتَابَة السِّرّ وَأَن يسْتَقرّ عوضه فِي قَضَاء الْقُضَاة بِدِمَشْق بهاء الدّين مُحَمَّد بن حجي. وَأَن يسْتَقرّ عوضه فِي كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أَحْمد بن الكشك الْحَنَفِيّ ويستقر وَلَده شمس الدّين مُحَمَّد بن الكشك فِي قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة ويستقر جمال الدّين يُوسُف بن الصفي فِي نظر الْجَيْش بِدِمَشْق عوضا عَن بهاء الدّين مُحَمَّد بن حجي كل ذَلِك بِمَال. وَفِي سابعه: قدمت الرُّسُل المتوجهة إِلَى قبرس. وَكَانَ من خبرهم أَنهم ركبُوا الْبَحْر من دمياط فِي شينين فوصلوا إِلَى الملاحة يَوْم السبت عَاشر الْمحرم وَسَار أعيانهم فِي الْبر يُرِيدُونَ مَدِينَة الأفقسية دَار مملكة قبرس فَتَلقاهُمْ وَزِير الْملك جوان بن جينوس بن جاك فِي وُجُوه أهل دولته وأنزلهم خَارج الْمَدِينَة وعبروا الْمَدِينَة من الْغَد يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي عشره ودخلوا على الْملك جوان. فِي قصره فإذاهو قَائِم على قَدَمَيْهِ فَسَلمُوا عَلَيْهِ وأوصلوه كتاب السُّلْطَان وَهُوَ قَائِم وبلغوه الرسَالَة فأذعن وَأجَاب بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة وَقَالَ: أَنا مَمْلُوك السُّلْطَان ونائب عَنهُ وَقد كنت على عزم أَن أرسل التقدمة. فطلبوا مِنْهُ أَن يحلف فأجابهم إِلَى ذَلِك واستدعى القسيس وَحلف على الْوَفَاء والاستمرار على الطَّاعَة وَالْقِيَام بِمَا يجب عَلَيْهِ من ذَلِك فأفيض عَلَيْهِ التشريف السلطاني المجهز لَهُ. وَخرجت الرُّسُل من عِنْده فَدَارُوا بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ يُنَادي بَين أَيْديهم باستمرار الْملك جوان فِي نِيَابَة السلطنة وَأَن للنَّاس الْأمان والاطمئنان وَأمرُوا بِطَاعَتِهِ وَطَاعَة السُّلْطَان ثمَّ أنزلت الرُّسُل فِي بَيت قد أعد لَهُم وأجرى لَهُم مَا يَلِيق بهم من المأكل وَحمل إِلَيْهِم سَبْعمِائة ثوب صوف قيمتهَا عشرَة آلَاف دِينَار مِمَّا تَأَخّر على أَبِيه أظهر خصم أَرْبَعَة آلَاف دِينَار ووعد بِحمْل الْعشْرَة آلَاف دِينَار بعد سنة وَبعث إِلَيْهِم أَيْضا بِأَرْبَعِينَ ثوبا صُوفًا برسم الْهَدِيَّة للسُّلْطَان الْملك الْمَالِك وَسَارُوا بعد عشرَة أَيَّام من قدومهم إِلَى اللمسون وركبوا الْبَحْر سِتَّة أَيَّام حَتَّى أرسوا على دمياط وعبروا فِي النّيل إِلَى الْقَاهِرَة فَقبل السُّلْطَان مَا حملوه إِلَيْهِ وَقُرِئَ كِتَابه فَإِذا هُوَ يتَضَمَّن السّمع وَالطَّاعَة وَأَنه نَائِب السلطنة فِيمَا تَحت يَده وَنَحْو هَذَا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 245 وَفِي ثامنه: خلع على حسن باك بن سَالم الذكري أحد أُمَرَاء التركمان وَابْن أُخْت قرا يلك وَاسْتقر فِي نِيَابَة الْبحيرَة ورسم أَن يكون ملك الْأُمَرَاء عوضا عَن أَمِير عَليّ وأنعم عَلَيْهِ بِمِائَة قرقل وَمِائَة قَوس وَمِائَة تركاش وَثَلَاثِينَ فرسا. وَفِي سادس عشرينه: ضربت رَقَبَة رجل ارْتَدَّ عَن الْإِسْلَام. وَكَانَ من خَبره أَنه كَانَ نَصْرَانِيّا فَوَجَدَهُ بعض النَّاس عِنْد زَوجته فاتقي من الْقَتْل بِأَن أظهر الْإِسْلَام وَمضى لسبيله فَلم يقم سوى أشهر وَجَاء يَوْم جُمُعَة إِلَى بعض الْقُضَاة وَذكر لَهُ أَنه كَانَ نَصْرَانِيّا وَأسلم ثمَّ أَنه رغب أَنه يعود إِلَى النَّصْرَانِيَّة. وَقصد أَن يطهر بِالسَّيْفِ وَتكلم بِمَا لَا يَلِيق من الْقدح فِي دين الْإِسْلَام وتعظيم دين النَّصْرَانِيَّة وَصرح بِمَا يعْتَقد من إلاهية الْمَسِيح وَأمه فتلطف بِهِ القَاضِي وَمن عِنْده وَهُوَ يلح ويعاند ويفحش فِي القَوْل فَأمر بِهِ فسجن وَعرض عَلَيْهِ الْإِسْلَام مرَارًا فِي عدَّة أَيَّام وَهُوَ متماد فِي غيه فَلَمَّا أعياهم أمره وملت الأسماع من فحش كَلَامه وجهره بالسوء ضربت رقبته ثمَّ أحرقت وَفِي سَابِع عشرينه: كتب باستقرار تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب بن أفتكين - أحد موقعي الدست بِدِمَشْق - فِي كِتَابَة السِّرّ بهَا لِامْتِنَاع قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أَحْمد ابْن الكشك من ولايتها. وَكتب أَيْضا باستقرار محيي الدّين يحيى بن حسن بن عبد الْوَاسِع الحياني المغربي فِي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْأمَوِي بعد مَوته. شهر ربيع الأول أَوله يَوْم الِاثْنَيْنِ: فِيهِ قدم رَسُول ملك القطلان من الفرنج بكتابه وَقد نزل على جَزِيرَة صقلية فِي ثَانِي رَمَضَان بِمَا ينيف على مِائَتي قِطْعَة بحريّة فتضمن كِتَابه الْإِنْكَار على الدولة مَا تعتمده من التِّجَارَة فِي البضائع وَأَن رعية الفرنج لَا يشْتَرونَ من السُّلْطَان وَلَا من أهل دولته بضَاعَة فَرد رَسُوله ردا غير جميل. وَفِي رابعه: فتحت القيسارية المستجدة بِخَط بَاب الزهومة من الْقَاهِرَة وسكنها الكتبيون وَكَانَ سوق الْكتب الْمُقَابل للصاغة قد هدم وَمَا حوله فِي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَبني قيسارية يعلوها ربع وبدائرها حوانيت حَيْثُ كَانَت الصيارف تجاه الصاغة وَحَيْثُ كَانَت النقليون وسوق الْكتب والأمشاطيين تجاه شبابيك الْمدرسَة الصالحية وَسكن الكتبيون بقيسارية خَارج بَاب زويلة، وَسكن عدَّة مِنْهُم فِي حوانيت مُتَفَرِّقَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 246 بِالْقَاهِرَةِ والصليبة وَسكن فِي القيسارية الَّتِي عملت بجوار الكتبيين أَرْبَاب الأقفاص الَّذين كَانُوا بالقفيصات تَحت شبابيك الْقبَّة المنصورية وشبابيك الْمدرسَة المنصورية وَصَارَت هَذِه القيسارية سوقاً يضاهي الصاغة وأسكن فِي مقاعد القفيصات ودككها قوم من الخريزاتية - بياعي الخرز - وَطَائِفَة من أَرْبَاب المعايش. فَلَمَّا كملت القيسارية المستجدة بِبَاب الزهومة تجاه درب السلسلة تحول إِلَيْهَا الكتبيون وَجَاءَت من أحسن مَا بني بِالْقَاهِرَةِ. وَفِي ثامن عشره: سرح السُّلْطَان إِلَى جِهَة أطفيح برسم الصَّيْد وَقدم من الْغَد آخر النَّهَار وسرح قبل هَذَا إِلَى جِهَة شيبين وَإِلَى بركَة الْحجَّاج أَربع سرحات. وَفِي تَاسِع عشره: قدم القَاضِي كَمَال الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ من دمشق وَمثل يَدي السُّلْطَان وَقد خرج النَّاس إِلَى لِقَائِه ثمَّ نزل فِي دَاره وخلع عَلَيْهِ من الْغَد يَوْم السبت عشرينه وَاسْتقر فِي كِتَابه السِّرّ وَنزل فِي موكب جليل فسر النَّاس بِهِ سُرُورًا كثيرا لحسن سيرته وكفايته وَجَمِيل طويته وَكَرمه وَكَثْرَة حيائه يُؤَيّدهُ. شهر جُمَادَى الأولى أَوله الْخَمِيس: فِيهِ قدم الْأَمِير مقبل الزيني نَائِب صفد وَكَانَ السُّلْطَان قد ركب إِلَى خَارج الْقَاهِرَة فَركب فِي الْخدمَة إِلَى القلعة ثمَّ نزل فِي دَار أعدت لَهُ. وَفِي خامسه: خلع على ابْن ... وَاسْتقر فِي كشف الْوَجْه القبلي عوضا عَن طوغان العثماني وَفِي ثامنه: خلع على الْأَمِير أسنبغا الطياري أحد أُمَرَاء العشرات وَاسْتقر فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 247 نظر جدة عوضا عَن سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن الْمرة وَأذن لِابْنِ الْمرة أَن يتَوَجَّه مَعَه. وَفِي حادي عشره: نُودي للنَّاس بِالْإِذْنِ فِي السّفر صُحْبَة الطياري إِلَى مَكَّة فسروا بذلك سُرُورًا زَائِدا وتجهزوا للسَّفر. وَفِيه توجه الْأَمِير مقبل نَائِب صفد إِلَى مَحل كفَالَته على عَادَته بعد مَا قدم مَالا وَغَيره بِنَحْوِ اثْنَي عشر ألف دِينَار. وَفِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء ثَالِث عشره: بِالرُّؤْيَةِ ورابع عشره بِالْحِسَابِ خسف جَمِيع جرم الْقَمَر فِي السَّاعَة الْحَادِيَة عشر وَأقَام فِي الخسوف ثَلَاث سَاعَات وَنصف سَاعَة. وَفِي سَابِع عشرينه: توجه الْوَزير الْأَمِير أستادار كريم الدّين ابْن كَاتب المناخ إِلَى الْوَجْه البحري لتَحْصِيل مَا يقدر عَلَيْهِ من الْجمال وَالْخَيْل وَالْغنم وَالْمَال لأجل سفر السُّلْطَان إِلَى الشَّام. وَفِي تَاسِع عشرينه: ورد كتاب شاه رخ بن تيمور ملك الْمشرق على يَد بعض التُّجَّار يتَضَمَّن أَنه يُرِيد كسْوَة الْكَعْبَة. وَلم يُخَاطب السُّلْطَان إِلَّا بالأمير برسباي وَقد تَكَرَّرت مُكَاتبَته بِسَبَب كسْوَة الْكَعْبَة مرَارًا عديدة وَلم يظْهر لذَلِك أثر. شهر جُمَادَى الْآخِرَة أَوله يَوْم الْجُمُعَة: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 248 فِي خامسه: أنْفق السُّلْطَان فِي المماليك المجردين إِلَى مَكَّة صُحْبَة الْأَمِير أسنبغا الطياري وهم خَمْسُونَ مَمْلُوكا كل وَاحِد مبلغ ثَلَاثِينَ دِينَارا. وَفِي ثامن عشره: برز الطياري بِمن مَعَه. وَفِيه خلع على سعد الدّين بن الْمرة ليَكُون رَفِيقًا للطياري. وَفِيه ابتدئ بصر نَفَقَة السّفر إِلَى الشَّام. وَفِي حادي عشره: أنْفق فِي الْأُمَرَاء نَفَقَة السّفر فَحمل إِلَى الْأَمِير الْكَبِير الأتابل سودن من عبد الرَّحْمَن فضَّة عَن ثَلَاثَة آلَاف دِينَار وَإِلَى كل من الْأُمَرَاء الألوف - وهم عشرَة - ألفا دِينَار وَإِلَى كل من أُمَرَاء الطبلخاناه خَمْسمِائَة دِينَار كل ذَلِك فضَّة. وَفِي ثَالِث عشرينه: اسْتَقل الطياري بِالْمَسِيرِ من بركَة الْحجَّاج فِي ركب يزِيد على ألف وَمِائَة جمل. وَفِي سلخه: ابتدئ بِنَفَقَة المماليك السُّلْطَانِيَّة وهم ألفا وَسَبْعمائة لكل مِنْهُم صرة فِيهَا ألف دِرْهَم أشرفي وَخَمْسُونَ درهما أشرفية عَنْهَا من الْفُلُوس اثْنَان وَعِشْرُونَ ألف دِرْهَم وَهِي مصارفة مائَة دِينَار من حِسَاب كل دِينَار بمائتين وَعشْرين درهما فلوس وَالدِّينَار يَوْمئِذٍ يصرف بمائتين وَثَمَانِينَ. وَكَذَلِكَ نفقات الْأُمَرَاء الَّتِي تقدم ذكرهَا إِنَّمَا حملت إِلَيْهِم دَرَاهِم على هَذَا وَفِي هَذَا الشَّهْر: نزل بِأَهْل الْوَجْه البحري من نزُول الأستادار على بلَاء عَظِيم. شهر رَجَب أَوله الْأَحَد: فِي ثالثه: قدم الْوَزير أستادار من الْوَجْه البحري وَقد احْتَاجَ أَهله بِأخذ خيولهم وأغنامهم وَأَمْوَالهمْ هُوَ وَأَتْبَاعه فَمَا عفوا وَلَا كفوا. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشره: أدير محمل الْحَاج وَلم يعْمل مَا جرت الْعَادة بِهِ من التجمل بل أوقف تَحت القلعة وأعيد وَلم يتَوَجَّه إِلَى مصر وَهَذَا شَيْء لم يعْهَد مثله. وَفِي رَابِع عشره: نصبت خيام السّفر خَارج الْقَاهِرَة بطرق الريدانية تجاه مَسْجِد تير. وَفِي سادس عشره: خرج أُمَرَاء الجاليش - وهم الْأَمِير الْكَبِير سودن من عبد الرَّحْمَن وأمير سلَاح أينال الجكمي وحاجب الْحجاب قرقماس وقانباي الحمزاوي وسودن ميق - ونزلوا بالمخيمات ورسم بِإِخْرَاج البطالين من الْأُمَرَاء والمماليك فَتوجه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 249 الْأَمِير ألطنبغا المرقبي - صَاحب الْحجاب فِي الْأَيَّام المؤيدية - والأمير أيتمش الخضري أستادار إِلَى الْقُدس. وَكَانَ كل مِنْهُمَا عدَّة سِنِين ملازماً لداره وَمنع من بَقِي من الأسياد أَوْلَاد الْمُلُوك من ذُرِّيَّة النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون من سكن القلعة وطوعها وأخرجوا من دُورهمْ بهَا وَكَانُوا لما منعُوا من سِنِين سكن أَكْثَرهم بِالْقَاهِرَةِ وظواهرها فذلوا بعد عزهم وتبذلوا بعد تحجبهم وَبَقِي من أعيانهم طَائِفَة مُقِيمَة بالقلعة وتنزل بِالْقَاهِرَةِ لحاجاتها ثمَّ تعود إِلَى دورها فأخرجوا بأجمعهم فِي هَذِه الْأَيَّام وَمنعُوا من القلعة فَتَفَرَّقُوا شذر مذر كَمَا فعل أبوهم النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون بأولاد الْمُلُوك بني أَيُّوب وَكَذَلِكَ فعل الله ببني أَيُّوب كَمَا فعل أبوهم الْكَامِل مُحَمَّد بن الْعَادِل أَبُو بكر بن أَيُّوب بأولاد الْخُلَفَاء الفاطميين وَلَا يظلم رَبك أحدا الْكَهْف 49. وَفِي سَابِع عشره: أُعِيد دولات خجا إِلَى ولَايَة الْقَاهِرَة عوضا عَن التَّاج لسفره فِي الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة مهمندار وأستادار الصحبه وجليساً. وخلع على شهَاب الدّين أَحْمد ابْن مُحَمَّد بن عَليّ - وَيعرف بِابْن النُّسْخَة شَاهد الْقيمَة - وَاسْتقر فِي حسبَة مصر عوضا عَن شمس الدّين أَحْمد بن الْعَطَّار. وَقدم كتاب متملك تونس - وَعَامة بِلَاد الْمغرب - أبي فَارس عبد الْعَزِيز يتَضَمَّن واقعته مَعَ ملك الفرنج القطلان على جَزِيرَة جربة. وَفِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشره - الْمُوَافق لَهُ أول فصل الرّبيع -: وانتقال الشَّمْس إِلَى برج الْحمل - ركب السُّلْطَان وعبى أطلابه وَتوجه فِي أثْنَاء السَّاعَة الثَّالِثَة من النَّهَار فَسَار فِي ركب جليل إِلَى الْغَايَة وَقد تجمع النَّاس لرُؤْيَته حَتَّى نزل بمخيمه وصحبته الْأَمِير جقمق العلاي أَمِير أخور والأمير أركماس الظَّاهِرِيّ الدوادار والأمير تمراز القرمشي رَأس نوبَة والأمير جانم ابْن أخي السُّلْطَان والأمير يشبك المشد والأمير جَانِبك الحمزاوي هَؤُلَاءِ أُمَرَاء الألوف وَمن الطبلخاناه الْأَمِير تمرباي الدوادار الثَّانِي والأمير قراخجا الشَّعْبَانِي والأمير قرا سنقر من عبد الرَّحْمَن وَاسْتقر فِي نِيَابَة الْغَيْبَة بِبَاب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 250 السلسلة من القلعة الْأَمِير تغري برمش التركماني أحد الألوف وَاسْتقر بالقلعة الْمقَام الجمالي ولد السُّلْطَان أحد الألوف والأمير خشقدم الزِّمَام أحد الطبلخاناه والأمير تاني بك وَالِي القلعة فِي عدَّة من المماليك. وَاسْتقر خَارج القلعة الْأَمِير أقبغا التمرازي أَمِير مجْلِس وَقد رسم بِحُضُورِهِ من عمل الجسور بعد فراغها. ورسم للأمير أينال الششماني أحد الطبلخاناه أَن يكون أَمِير الْحَاج فِي الْمَوْسِم ورسم بِإِقَامَة الْأَمِير الْإِسْمَاعِيلِيّ أحد الطبلخاناه وحاجب الميسرة وَإِقَامَة الْأَمِير الْوَزير كريم الدّين أستادار. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة عشرينه: سَار السُّلْطَان من الريدانية وَمَعَهُ من ذكرنَا من الْأُمَرَاء والمماليك وَمَعَهُ الْخَلِيفَة وقضاة الْقُضَاة الْأَرْبَع وسافر فِي الصُّحْبَة نَاظر الدولة أَمِين الدّين إِبْرَاهِيم بن مجد الدّين عبد الْغَنِيّ بن الهيصم ونديم السُّلْطَان ولي الدّين مُحَمَّد بن قَاسم الشيشيني. شهر شعْبَان أَوله الِاثْنَيْنِ: فِيهِ وصل السُّلْطَان إِلَى غَزَّة ورحل مِنْهَا فِي رابعه وَقدم النجاب بذلك فِي ثامنة فَنُوديَ بِالْقَاهِرَةِ فِي النَّاس بالأمان وَرفع الظُّلم وَمنع الرمايات على الباعة. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ خَامِس عشره: وصل السُّلْطَان إِلَى دمشق وَسَار عَنْهَا يُرِيد حلب فِي يَوْم السبت عشرينه وَقدم النجاب بذلك فِي سادس عشرينه فدقت البشائر بقلعة الْجَبَل وَنُودِيَ فِي الْقَاهِرَة وظواهرها بذلك. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 251 شهر رَمَضَان أَوله الثُّلَاثَاء: وَفِي خامسه: وصل السُّلْطَان إِلَى حلب فَنزل بظاهرها فِي المخيمات ورحل يُرِيد مَدِينَة آمد فِي حادي عشرينه. وَفِيه قدم الْخَبَر بذلك إِلَى قلعة الْجَبَل فدقت البشائر وَنُودِيَ بإعلام النَّاس فَنزل السُّلْطَان إِلَى البيرة فِي سادس عشرينه وَكتب مِنْهَا إِلَى الْقَاهِرَة على يَد نجاب. شهر شَوَّال أَوله الْخَمِيس: فِي تاسعه: قدم النجاب برحيل السُّلْطَان من البيرة بعد تَعديَة الْفُرَات فِي سادس عشْرين رَمَضَان. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ تَاسِع عشره: خرج محمل الْحَاج صُحْبَة الْأَمِير أينال الششماني إِلَى الريدانية خَارج الْقَاهِرَة وَرفع مِنْهَا إِلَى بركَة الْحجَّاج ثمَّ اسْتَقل بِالْمَسِيرِ من الْبركَة فِي ثَالِث عشرينه والحاج ركب وَاحِد لقلتهم وَلم نعهد الْحَاج فِيمَا سلف بِهَذِهِ الْقلَّة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: تعدد وُقُوع الْحَرِيق فِي أَمَاكِن فظهرت نَار فِي الجرون بِنَاحِيَة شيبين الْقصر وأحرقت غلات كَثِيرَة وَكَانَ وَقت الدراس واجترت فارة فَتِيلَة سراج فِي خن مركب قد أوسق بِثِيَاب وسيرج وَغير ذَلِك ووقف بساحل مَدِينَة مصر ليسير إِلَى الصَّعِيد فأحرقت النَّار جَمِيع مَا كَانَ فِي الركب وسرت إِلَيْهَا فاحترقت بأجمعها وَهِي فِي المَاء حَتَّى صَارَت فحماً وَوَقعت النَّار فِي دور مُتعَدِّدَة بِالْقَاهِرَةِ ومصر. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن عشرينه. كسف من جرم الشَّمْس نَحْو الثُّلثَيْنِ فِي برج السرطان بعد الْعَصْر بِزِيَادَة على سَاعَة فَمَا غربت حَتَّى بَدَأَ الْكُسُوف ينجلي وَفِي مُدَّة الْكُسُوف اعتمت الْآفَاق وَظهر بعض الْكَوَاكِب. شهر ذِي الْقعدَة أَوله السبت: فِيهِ أَخذ قاع النّيل فجَاء سِتَّة أَذْرع وَثَلَاثَة أَصَابِع وَنُودِيَ من الْغَد بِزِيَادَة خَمْسَة أَصَابِع وَاسْتمرّ النداء بِزِيَادَة مَاء النّيل. وَفِي لَيْلَة الْجُمُعَة رَابِع عشره: خسف أَكثر جرم الْقَمَر فطلع من الْأُفق الشَّرْقِي منخسفاً وانجلى الخسوف وَقت الْعشَاء. وَهَذَا من النَّوَادِر وُقُوع الخسوف الْقمرِي بعد كسوف الشَّمْس بِخَمْسَة عشر يَوْمًا. وَفِي خَامِس عشره: قدم ساع على قَدَمَيْهِ من حلب بِكِتَاب السُّلْطَان من آمد بِأَنَّهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 252 نزل عَلَيْهَا وَقد خرج عَنْهَا عُثْمَان بن ططر عَليّ الْمَعْرُوف بقرًا يلك وأشحنها بالمقاتلة فحصرها الْعَسْكَر. وَفِي حادي عشرينه: قدم نجاب بِكِتَاب السُّلْطَان من آمد مؤرخ بِعشْرين شَوَّال بِأَن قرا يلك عزم تَعديَة الْفُرَات يُرِيد حلب فَأَدْرَكته العساكر السُّلْطَانِيَّة وَقد نزل بعض أَصْحَابه الْفُرَات فقاتلوهم وَقتلُوا مِنْهُم وغرق مِنْهُم جمَاعَة وَأسر جمَاعَة ضربت أَعْنَاقهم. وَفِي رَابِع عشرينه: دقَّتْ البشائر بقلعة الْجَبَل وَنُودِيَ بِأَن اسكندر بن قرا يُوسُف قدم بعساكره نجدة للسُّلْطَان ثمَّ تبين كذب هَذَا الْخَبَر. وَفِي هَذَا الشَّهْر: تحركت أسعار الغلال فأبيع الْقَمْح بِمِائَة وَثَلَاثِينَ درهما الأردب بعد مائَة وأبيع الأردب الشّعير والفول من ثَمَانِينَ إِلَى بضع وَتِسْعين بعد مَا كَانَ بستين. وَسبب ذَلِك أَن طَائِفَة من النَّاس قد اعتادت مُنْذُ سِنِين أَن ترجف فِي أَيَّام زِيَادَة النّيل بِأَنَّهُ لَا يبلغ الْوَفَاء يُرِيدُونَ بذلك غلاء الأسعار فتكف أَرْبَاب الغلال أيديها عَن البيع وَيَأْخُذ آخَرُونَ فِي شِرَاء الغلال وخزنها ليتربص بهَا دوائر الغلاء فيتحرق السّعر من أجل ذَلِك فَإِذا بلغ النّيل الْقدر الْمُحْتَاج إِلَيْهِ فِي ري الْأَرَاضِي وَزرع النَّاس أيس طلاب الغلاء فباعوا مَا قد اختزلوه مِنْهَا فينحل السّعر ويتضع. وَفِي ثامن عشرينه: عزل نَائِب الْغَيْبَة دولات خجا عَن ولَايَة الْقَاهِرَة وَأقَام عوضه دواداره - أَعنِي دولات حجا - وَهُوَ مَجْهُول لَا يعرف ونكرة لَا يتعرف وَمَعَ ذَلِك فأحوال النَّاس بِالْقَاهِرَةِ جميلَة لحسن سيرة نَائِب الْغَيْبَة وتثبته وَإِظْهَار الْعدْل مَعَ كَثْرَة الْأَمْن ورخاء أسعار عَامَّة المبيعات كلهَا. شهر ذِي الْحجَّة أَوله الْأَحَد: فِي سادسه: قدم الْأَمِير كمشبغا الأحمدي أحد الطبلخاناه بِكِتَاب السُّلْطَان من الرها مؤرخ بثامن عشر ذِي الْقعدَة يتَضَمَّن أَنه رجل عَن آمد بعد مَا أَقَامَ على حصارها خَمْسَة وَثَلَاثِينَ يَوْمًا حَتَّى طلب قرا يلك الصُّلْح فصولح ورحل الْعَسْكَر فِي ثَالِث عشر ذِي الْقعدَة فدقت البشائر وَنُودِيَ بذلك فِي النَّاس وَقدم الْخَبَر بقدوم السُّلْطَان إِلَى حلب فِي خَامِس عشْرين ذِي الْقعدَة ورحيله مِنْهَا فِي خَامِس ذِي الْحجَّة وقدومه دمشق فِي تَاسِع عشره. وَفِي ثامن عشرينه: نُودي على النّيل بِزِيَادَة إِصْبَع وَاحِد لتتمة خَمْسَة عشر ذِرَاعا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 253 ً وَثَمَانِية عشر إصبعاً. وَأصْبح النَّاس يَوْم الْأَحَد عشرينه - وَهُوَ ثَالِث عشْرين مسرى - وَقد نقص سِتَّة أَصَابِع فازدحم النَّاس على شِرَاء الْقَمْح وَقد بلغ إِلَى مائَة وَأَرْبَعين درهما الأردب فتعدى مائَة وَخمسين. وَفِيه خرج الْأَمِير الْوَزير كريم الدّين أستادار إِلَى لِقَاء السُّلْطَان. وَفِي ثامن عشرينه: برز السُّلْطَان من دمشق يُرِيد الْقَاهِرَة. وَكَانَ من خَبره أَنه سَار من حلب فِي حادي عشْرين رَمَضَان وَنزل البيرة فِي خَامِس عشرينه وَقد ترك الأثقال والقضاة وَنَحْوهم بحلب فَعدى الْفُرَات بالمقاتلة فِي يَوْمَيْنِ وَدخل الرها فِي سلخه وَسَار من الْغَد فَنزل على آمد فِي ثامن شَوَّال وَمَعَهُ من المماليك السُّلْطَانِيَّة والأمراء ومماليكهم ونواب الْبِلَاد الشامية بأتباعهم وَمن انْضَمَّ إِلَيْهِم من التركمان وَمن عرب كلاب مَا يُقَارب عَددهمْ عشرَة آلَاف والمجازف يَقُول مَا لَا يعلم فَأَنَاخَ عَلَيْهَا وَقد خرج قرا يلك مِنْهَا إِلَى أرقنين وَترك بآمد وَلَده فترامى الْفَرِيقَانِ بالنشاب ثمَّ زحف السُّلْطَان بِمن مَعَه فِي يَوْم السبت عاشره من بكرَة النَّهَار إِلَى ضحاه وَعَاد فَلم يَقع زحف بعد ذَلِك وَقتل فِي هَذَا الزَّحْف مُرَاد بك بن قرا يلك بِسَهْم وفتل حَمْزَة الخازندار نَائِب آمد وَجَمَاعَة وجرح من أهل آمد وَمن الْعَسْكَر كثير وَقبض على جمَاعَة من أهل آمد فَقتل بَعضهم وَترك بَعضهم فِي الْحَدِيد وَنزل مَحْمُود بن قرا يلك فِي عَسْكَر على جبل مشرف على الْعَسْكَر وَصَارَ يقتل من خرج من الغلمان وَنَحْوهم لأخذ الْقَمْح وَنَحْوه وَمنع الْميرَة عَن الْعَسْكَر. فَقدم فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي عشره صَاحب أكل - واسْمه دولات شاه - فَخلع عَلَيْهِ وَأنزل فِي الْعَسْكَر ثمَّ قدم الْملك الْأَشْرَف أَحْمد بن سُلَيْمَان ابْن غَازِي بن مُحَمَّد بن أبي بكر بن عبد الله صَاحب حصن كيفا باستدعاء حَتَّى قَارب الْعَسْكَر فَخرج عَلَيْهِ عدَّة من الْعَسْكَر قرا يلك فَقَتَلُوهُ وَقتلُوا مَعَه قَاصد السُّلْطَان المتوجه إِلَيْهِ فَاشْتَدَّ ذَلِك على السُّلْطَان وَبعث فِي إِحْضَار قاتليه جمَاعه من العربان والتركمان فأحضروا من جمَاعَة قرا يلك عشْرين رجلا ثمَّ توجهوا ثَانِيَة فأحضروا ثَلَاثِينَ رجلا وسطوا تجاه قلعة بآمد ثمَّ توجهوا ثَالِثا فأحضروا وَاحِدًا وَعشْرين رجلا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 254 مِنْهُم قرا مُحَمَّد أحد أُمَرَاء قرا يلك وَمِنْهُم صَاحب ماردين فوسط قرا مُحَمَّد وَمَعَهُ عشرُون رجلا. فاتفق أَن وَاحِدًا مِنْهُم انفلت من وثَاقه فَمر يعدو والعسكر تنظره فَمَا أحد رَمَاه بِسَهْم وَلَا قَامَ فِي طلبه حَتَّى نجا وطلع القلعة. وَفِي أثْنَاء ذَلِك سَار الْأَمِير شار قطلوا نَائِب الشَّام وَمَعَهُ عدَّة من التركمان وَالْعرب وَغَيرهم لقِتَال قرا يلك فَكَانَت بَينهم وقْعَة قتل وجرح فِيهَا من التركمان وَالْعرب وَأَصْحَاب قرا يلك جمَاعَة وَتَأَخر شار قطلوا عَن لِقَائِه فَبعث قرا يلك بقرًا أَحْمد بن عَمه وبكاتب سره بكتبه يترامى على نواب الشَّام فِي الصُّلْح فَمَا زَالُوا بالسلطان حَتَّى أجَاب إِلَى ذَلِك وَبعث إِلَيْهِ شرف الدّين أَبَا بكر الْأَشْقَر نَائِب كَاتب السِّرّ حَتَّى عقد الصُّلْح مَعَه وحلفه على الطَّاعَة وجهز إِلَيْهِ كاملية حَرِير مخمل بِفَرْوٍ سمور وقباء حَرِير بِوَجْهَيْنِ وَعَلِيهِ طراز عرض ذِرَاع وَنصف وَربع وَثَلَاثُونَ قِطْعَة قماش سكندري وَسيف بسقط ذهب وَفرس بقماش ذهب وخلع على قصاده. فَقدم قَاصِدا اسكندر بن قرا يُوسُف صَاحب توريز وعراق الْعَجم بِأَنَّهُ قادم إِلَى الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة فَأُجِيب بالشكر وَأَنه قد وَقع وَكَانَ الَّذِي وَقع الصُّلْح عَلَيْهِ أَن قرا يلك لَا يتَعَرَّض إِلَى شَيْء من أَطْرَاف المملكة من الرحبة وَإِلَى دوركي وَأَن يسهل طرق الْحجَّاج والتجار وَنَحْوهم من الْمُسَافِرين وَلَا يتَعَرَّض لحصن كيفا وَلَا لرعيتها وحكامها وَلَا لدولات شاه حَاكم أكل وقلاعه وَأَن يضْرب السِّكَّة وَيُقِيم الْخطْبَة للسُّلْطَان بديار بكر وَأَن يمتثل مَا يرد عَلَيْهِ من مراسيم السُّلْطَان. ثمَّ قدم الْملك شرف الدّين يحيى بن الْأَشْرَف صَاحب كيفا - وَقد اسْتَقر فِي سلطنة الْحصن أَخُوهُ الْملك الصَّالح صَلَاح الدّين خَلِيل بن الْملك الْأَشْرَف - بتقدمة أَخِيه فَخلع عَلَيْهِ وجهز للصالح خلعة وَسيف. ثمَّ رَحل السُّلْطَان وَمن مَعَه عَن آمد بعد الْإِقَامَة عَلَيْهَا خَمْسَة وَثَلَاثِينَ يَوْمًا فِي ثَالِث عشر ذِي الْقعدَة وَقد غلت عِنْدهم الأسعار فَبلغ الأردب الشّعير نَحْو دينارين وَنصف وَأَنه كَانَ يُعْطي فِيهِ اثْنَان وَسَبْعُونَ درهما مؤيدية عَن كل مؤيدي سَبْعَة دَرَاهِم وَنصف من الْفُلُوس نقد الْقَاهِرَة وَيصرف دِينَار بِثَلَاثِينَ مؤيدياً فضَّة وَبلغ الْقَمْح كل أَرْبَعَة أقداح بِدِرْهَمَيْنِ فضَّة وَبلغ الْقدح الْوَاحِد من الْملح خَمْسَة عشر درهما فضَّة وَبلغ الرطل من الزَّيْت وَمن السرج بِثَلَاثِينَ درهما فضَّة وَنهب من ضواحي آمد غلال لَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 255 تحصى مِنْهَا زِيَادَة على مِائَتي ألف أردب بِمُقْتَضى المحاسبة سوى مَا انتهبه الْعَسْكَر وَخرب مَا هُنَالك من الضّيَاع وَأخذت أخشابها وَقطعت أشجارها وَنهب مَا فِيهَا وَفعل بِأَهْلِهَا مَا لَا يُمكن وَصفه فَلَمَّا وصل السُّلْطَان من آمد إِلَى الرها أقرّ الْأَمِير أينال الأجرود نَائِب غَزَّة بالرها وَقواهُ بِنَحْوِ خَمْسَة آلَاف دِينَار وشعير وبشماط وأرز وزيت وصابون وَسلَاح كثير وَولي عوضه نِيَابَة غَزَّة الْأَمِير جَانِبك الحمزاوي وَقدمه إِلَيْهَا ثمَّ رَحل فَقدم حلب فِي خَامِس عشرينه وَسَار مِنْهَا فِي خَامِس ذِي الْحجَّة وَدخل دمشق فِي تَاسِع عشره. وَكَانَت سفرة مشقة زَائِدَة الضَّرَر عديمة النَّفْع أنْفق السُّلْطَان فِيهَا من المَال الناض خَمْسمِائَة ألف دِينَار وَتلف لَهُ من سلَاح وَالْخَيْل وَالْجمال وَغير ذَلِك. وَأنْفق الْأُمَرَاء والعساكر بِمصْر وَالشَّام وَتلف لَهُم من الْآلَات وَالدَّوَاب والقماش مَا تبلغ قِيمَته مئات قناطير من ذهب وَتلف لأهل آمد وَذهب مَال عَظِيم جدا وَقتل خلق كثير ونفق من دَوَاب الْعَسْكَر زياده على عشرَة آلَاف مَا بَين جمل وَفرس وَلم يبلغ أحد غَرضا من الْأَغْرَاض وَلَا سكنت فتنه. وَإِنِّي لأخشى أَن يكون الْأَمر فِي هَذِه الكائنة كَمَا قيل: لَا تحقرن سبيبا كم جر شرا سبيب وَللَّه عَاقِبَة الْأُمُور. وفيهَا تحيل أَصْبَهَان بن قرا يُوسُف على أَخذ بَغْدَاد من أَخِيه مُحَمَّد شاه بِأَن بعث أَرْبَعِينَ رجلا قد حَلقُوا لحاهم كَأَنَّهُمْ قلندرية ثمَّ دخلُوا بَغْدَاد شَيْئا بعد شَيْء وَقد واعدهم على وَقت فَلَمَّا وافاهم لَيْلًا إِذا هم قد ركبُوا السُّور وَرفعُوا من أَصْحَاب أَصْبَهَان جمَاعَة ثمَّ قتلوا الموكلين بِالْبَابِ وَدخل بِمن مَعَه ففر شاه مُحَمَّد بحاشيته فِي المَاء وَاسْتولى أَصْبَهَان على بَغْدَاد وسلب من بهَا جَمِيع مَا بِأَيْدِيهِم بِحَيْثُ لم يبْق بهَا من الْأَسْوَاق سوى حانوتين فَقَط وَلحق شاه مُحَمَّد بالموصل. وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر نور الدّين عَليّ جلال الدّين مُحَمَّد الطنبدي التَّاجِر فِي لَيْلَة الْجُمُعَة رَابِع عشر صفر عَن سبعين سنة وَترك مَالا جما. وَمَات الشهَاب أَحْمد بن غُلَام الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد الكومريشي فِي سادس الجزء: 7 ¦ الصفحة: 256 عشْرين صفر وَقد أناف على الْخمسين. وَكَانَ يجيد حل التَّقْوِيم من الزيج ويشدو شَيْئا من أَحْكَام النُّجُوم وَلم يخلف بعده مثله. وَمَات قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْأمَوِي الْمَالِكِي بِدِمَشْق فِي يَوْم الثُّلَاثَاء حادي عشر صفر. وَقد ولي قَضَاء الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة بديار مصر فِي الْأَيَّام المؤيدية شيخ وَلم يشهر بِعلم وَلَا دين. وَمَات الْأَمِير عَلَاء الدّين منكلي بغا الصلاحي أحد الْحجاب فِي لَيْلَة الْخَمِيس عشر ربيع الأول بعد مرض امْتَدَّ سِنِين. وَهُوَ من جملَة المماليك الظَّاهِرِيَّة برقوق وَأحد دواداريته. وَولي حسبَة الْقَاهِرَة فِي الْأَيَّام المؤيدية وعزل عَنْهَا وَصَارَ من جملَة الْحجاب. وَكَانَ يدْرِي طرفا من الْفِقْه وَيكْتب الْخط الْجيد وَأرْسل إِلَى تيمور لنك رَسُولا فِي الْأَيَّام الناصرية فرج. وَمَاتَتْ قنقباي خوند أم الْمَنْصُور عبد الْعَزِيز بن برقوق فِي سلخ جُمَادَى الْآخِرَة عَن مَال كثير وَكَانَت تركية الْجِنْس. وَهِي آخر من بَقِي من أُمَّهَات أَوْلَاد الظَّاهِر برقوق. وَكَانَت شهرتها جميلَة. وَمَات الْأَمِير تغري بردي المحمودي أتابك العساكر بِدِمَشْق مقتولاً على آمد فِي شَوَّال. وَمَات الْأَمِير سودن ميق أحد الألوف مقتولاً على أمد أَيْضا. وَمَات الْأَمِير جَانِبك الحمزاوي. وَقد ولي نِيَابَة غَزَّة وَتوجه إِلَيْهَا فَأَتَتْهُ الْمنية فِي طَرِيقه. ومستراح مِنْهُ وَمن أَمْثَاله. وَمَات الْأَمِير تنبك المصارع أحد أُمَرَاء العشرات مقتولاً على آمد. وَمَات تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب بن أفتكين كَاتب سر دمشق فِي ذِي الْقعدَة وَولي عوضه نجم الدّين يحيى بن الْمدنِي نَاظر الْجَيْش بحلب. وَمَات الْملك الْأَشْرَف أَحْمد بن الْعَادِل سُلَيْمَان بن الْمُجَاهِد غَازِي بن الْكَامِل مُحَمَّد بن الْعَادِل أبي بكر بن الأوحد عبد الله بن الْمُعظم توران شاه بن السُّلْطَان الْملك الصَّالح نجم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 257 الدّين أَيُّوب بن الْكَامِل مُحَمَّد بن الْعَادِل أبي بكر بن نجم الدّين أَيُّوب بن شادي صَاحب حصن كيفا. وَقد سَار من بَلَده يُرِيد لِقَاء السُّلْطَان على آمد فاغتيل فِي ذِي الْقعدَة. وَكَانَ قد أقيم فِي سلطنة الْحصن بعد أَبِيه فِي سنة سبع وَعشْرين. وَكَانَ فَاضلا بارعاً أديباً لَهُ ديوَان شعر. وَكَانَ جواداً محباً فِي الْعلمَاء. وَولي بعده ابْنه الْكَامِل أَبُو المكارم خَلِيل. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 258 (سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة) أهلت هَذِه السّنة وَخَلِيفَة الْوَقْت المعتضد بِاللَّه دَاوُد. وسلطان الْإِسْلَام بِمصْر وَالشَّام والحجاز وقبرس الْملك الْأَشْرَف برسباي. والأمير الْكَبِير سودن من عبد الرَّحْمَن. وأمير سلَاح أينال الجكمي. وأمير مجْلِس أقبغا التمرازي. وَرَأس نوبَة الْأَمِير تمراز القرمشي وأمير أخور جقمق. والدوادار أركماس الظَّاهِرِيّ. وحاجب الْحجاب قرقماس. والوزير وأستادار كريم الدّين عبد الْكَرِيم ابْن كَاتب المناخ. وَكَاتب السِّرّ كَمَال الدّين مُحَمَّد بن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ. وناظر الْجَيْش القَاضِي زين الدّين عبد الباسط وَهُوَ عَظِيم الدولة وَصَاحب تدبيرها. وناظر الْخَاص سعد الدّين إِبْرَاهِيم ابْن كَاتب حكم. وقضاة الْقُضَاة على حَالهم. ونواب السلطنة وملوك الْأَطْرَاف كَمَا تقدم فِي السّنة الخالية. والنيل قد تَأَخّر وفاءه وَالنَّاس لذَلِك فِي قلق وتخوف وَقد كثر تكالبهم على شِرَاء الْغلَّة وَبلغ الْقَمْح إِلَى مائَة وَأَرْبَعين درهما الأردب. على أَن الذَّهَب بمائتين وَخَمْسَة وَثَمَانِينَ درهما الدِّينَار. شهر الله الْمحرم أَوله الثُّلَاثَاء: فِيهِ نُودي على النّيل برد مَا نقص وَزِيَادَة ثَلَاثَة أَصَابِع فَعظم سرُور النَّاس بذلك وَبَاتُوا على ترجي الْوَفَاء فَنُوديَ من الْغَد - يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِيه وسادس عشْرين مسرى - بوفاء النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا وَزِيَادَة إِصْبَعَيْنِ من سَبْعَة عشر ذِرَاعا فكاد مُعظم النَّاس يطير فَرحا. وغيظ من عِنْده غلال يتربص بهَا الغلاء فَفتح الخليج على الْعَادة. وَفِي ثالثه: قدم مبشرو الْحَاج. وَفِي ثَانِي عشره: ورد الْخَبَر بمسير السُّلْطَان من دمشق بِمن مَعَه فِي أَوله فَنُوديَ بالزينة فزين النَّاس الحوانيت. وَوَافَقَ هَذَا الْيَوْم أول توت وَهُوَ نوروز أهل القبط بِمصْر. وَمَاء النّيل على سَبْعَة عشر ذِرَاعا وَثَمَانِية أَصَابِع. وَفِيه قدمت أثقال كثير من الْعَسْكَر. وَفِي رَابِع عشره: قدم الْأَمِير أيتمش الخضري من الْقُدس وتتابع مَجِيء الأثقال من أَمْتعَة الْعَسْكَر وجمالهم واستعد النَّاس للملاقاة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 259 وَفِيه خرج الْمقَام الجمالى يُوسُف ابْن السُّلْطَان لملاقاة أَبِيه. وَفِيه أمْطرت السَّمَاء وَلم نعهد قبله مَطَرا فِي فصل الصَّيف فأشفق أهل الْمعرفَة على النّيل أَن ينقص فَإِن الْعَادة جرت بِأَن الْمَطَر إِذا نزل فِي أَيَّام الزِّيَادَة هَبَط مَاء النّيل فَكَانَ كَذَلِك وَنقص فِي يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشره وَقد بلغت زِيَادَته سَبْعَة عشر ذِرَاعا وَثَمَانِية عشر إصبعاً. وَكَانَ نَقصه فِي هَذَا الْيَوْم سِتَّة وَعشْرين إصبعاً فشرق من أجل هَذَا كثير من أَرَاضِي مصر لفساد الجسور وإهمال حفر الترع. وَفِي يَوْم الْأَحَد عشرينه: قدم السُّلْطَان بِمن مَعَه من سَفَره وَمر من بَاب النَّصْر فِي الْقَاهِرَة وَقد زينت لقدومه فَنزل بمدرسته وَصلى بهَا رَكْعَتَيْنِ ثمَّ ركب وَخرج من بَاب زويلة إِلَى القلعة. وخلع على أَرْبَاب الدولة فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَفِيه خلع على الْأَمِير تَاج الدّين الشويكي وأعيد إِلَى ولَايَة الْقَاهِرَة على عَادَته مَعَ مَا بِيَدِهِ من شدّ الدَّوَاوِين وَغَيره. وَفِي ثَانِي عشرينه: قدم سوابق الْحَاج. وَنزل الْمحمل ببركة الْحَاج فِي غده وَقد مَاتَ من الْحَاج بطرِيق الْمَدِينَة من شدَّة الْحر عدَّة كَثِيرَة. شهر صفر: أهل بِيَوْم الْخَمِيس وقلق النَّاس متزايد فَإِن النّيل تراجع نَقصه حَتَّى صَار على سَبْعَة عشر ذِرَاعا. ثمَّ نقص تِسْعَة أَصَابِع فشره النَّاس فِي ابتياع الغلال وشح أَرْبَابهَا بهَا. فَبلغ الأردب الْقَمْح مائَة وَثَمَانِينَ درهما وَالشعِير مائَة وَأَرْبَعين. وفقد الْخبز من الْأَسْوَاق عدَّة ليَالِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 260 وَفِيه ألزم السُّلْطَان الْوَزير الصاحب كريم الدّين أستادار بِحمْل مَا توفر من العليق بالديوان الْمُفْرد فِي مُدَّة السّفر وَهُوَ خَمْسُونَ ألف أردب وَمَا توفر من العليق بديوان الوزارة وَهُوَ عشرُون ألف أردب وَبعث إِلَى النواحي من يتسلمها مِنْهُ. وَفِي ثَانِي عشرينه: عزل دَاوُد التركماني من كشف الْوَجْه القبلي وَسلم إِلَى الْأَمِير أقبغا الجمالي أستادار - كَانَ - وَقد أنعم عَلَيْهِ بإمرة طبلخاناه عوضا عَن تنبك المصارع. وَفِي هَذَا الشَّهْر: ظهر فِي جِهَة الْمغرب بالعشايا كَوْكَب الذؤابة وَطوله ف الرمحين وَرَأسه فِي قدر نجم مضيء ثمَّ برق حَتَّى تبقى ذَنبه كشعب برقة الشّعْر وذنبه مِمَّا يَلِي الْمشرق. وَفِيه أَيْضا توالت بروق ورعود وأمطار غزيرة مُتَوَالِيَة بِالْوَجْهِ البحري وَفِي بِلَاد غَزَّة والقدس. وَفِيه أَيْضا أَخذ الفرنج قَرِيبا من طرابلس الغرب تسع مراكب تحمل رجَالًا وبضائع بآلاف دَنَانِير وتصرفوا فِي ذَلِك بِمَا أَحبُّوا. شهر ربيع الأول أَوله الْجُمُعَة: فِي لَيْلَة الْجُمُعَة ثامنه: عمل السُّلْطَان المولد النَّبَوِيّ على الْعَادة. وَفِي هَذِه الْأَيَّام انحل سعر الغلال لقلَّة طالبها. وَكَانَ ظن النَّاس خلاف ذَلِك. وفيهَا طلب السُّلْطَان بعض الْكتاب فهرب مِنْهُ فرسم بهدم دَاره فهدمت حَتَّى سوى بهَا الأَرْض. وَفِي ثَانِي عشره: ركب السُّلْطَان فِي موكب ملوكي وَسَار من قلعة الْجَبَل فَعبر من بَاب زويلة وَخرج من بَاب القنطرة يُرِيد الرماية بالجوارح لصيد الكراكي ثمَّ عَاد فِي آخر رَابِع عشره. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 261 وَفِي خَامِس عشره: نصب المدفع الَّذِي أعد لحصار آمد وَهُوَ مكحلة من نُحَاس زنتها مائَة وَعِشْرُونَ قِنْطَارًا مصرياً. وَكَانَ نصبها فِيمَا بَين بَاب القرافة وَبَاب الدرفيل فرمت إِلَى جِهَة الْجَبَل بعدة أَحْجَار مِنْهَا مَا زنته خَمْسمِائَة وَسَبْعُونَ رطلا. وَقد جلس السُّلْطَان بأعلا سور القلعة لمشاهدة ذَلِك وَاجْتمعَ النَّاس. وَاسْتمرّ الرَّمْي بهَا عدَّة أَيَّام. وَفِي تَاسِع عشره: رسم أَن يخرج الْأَمِير الْكَبِير سودن بن عبد الرَّحْمَن إِلَى الْقُدس بطالاً فاستعفى من سَفَره وَسَأَلَ أَن يُقيم بداره بطالا فَأُجِيب إِلَى ذَلِك وَلزِمَ دَاره وأنعم بإقطاعه زِيَادَة فِي الدِّيوَان الْمُفْرد. وَلم يُقرر أحد عوضه فِي الإمرة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: ثارت ريَاح عَاصِفَة بِمَدِينَة دمياط فتقصفت نخيل كَثِيرَة وَتلف كثير من قصب السكر المزروع وهدمت عدَّة دور وَخرج النَّاس إِلَى ظَاهر الْبَلَد لهول مَا هم فِيهِ. وَسَقَطت صَاعِقَة فأحرقت شَيْئا كثيرا وَنزل مطر مغرق. وَلم يكن بِالْقَاهِرَةِ شَيْء من هَذَا. وَفِي سادس عشرينه: خلع على شمس الدّين مُحَمَّد بن شهَاب الدّين أَحْمد بن مَحْمُود ابْن الكشك وَاسْتقر فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن أَبِيه بعد وَفَاته بِمَال وعد بِهِ. وَفِيه خلع على عبد الْعَظِيم بن صَدَقَة الْأَسْلَمِيّ وأعيد إِلَى نظر ديوَان الْمُفْرد عوضا عَن تَاج الدّين الخطير. وَكَانَ قد ترك ذَلِك تنزهاً عَنهُ من قبل سفر السُّلْطَان إِلَى الشَّام وَلم يُبَاشر أحد عوضه. شهر ربيع الآخر أَوله السبت: فِيهِ خلع على دولات شاه الْمَعْزُول من ولَايَة الْقَاهِرَة وَاسْتقر فِي ولَايَة المنوفية والقليوبية وَفِي ثالثه سرح السُّلْطَان للصَّيْد وَعَاد فِي خامسه. وَفِي عاشره: خلع السُّلْطَان على الْأَمِير أينال الششماني وَاسْتقر فِي نِيَابَة مَدِينَة صفد عوضا عَن الْأَمِير مقبل بعد وَفَاته. وَاسْتقر خَلِيل بن شاهين فِي نظر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 262 الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن فَخر الدّين بن الصغر. وخليل هَذَا أَبوهُ من مماليك الْأَمِير شيخ الصفوي وَسكن الْقُدس وَبِه ولد لَهُ خَلِيل هَذَا وَنَشَأ. ثمَّ قدم الْقَاهِرَة من قريب وَاسْتقر حَاجِب الْإسْكَنْدَريَّة. ثمَّ عزل فسعى فِي النّظر بِمَال حَتَّى وليه مَعَ الحجوبية. وَفِي حادي عشره: خلع على الْأَمِير أقبغا الجمالي وَاسْتقر كاشف الْوَجْه البحري عوضا عَن حسن باك بن سقل سيز التركماني وأضيف لَهُ كشف الجسور أَيْضا. وَفِي ثَالِث عشره: ركب السُّلْطَان بعد الْخدمَة وَمَعَهُ نَاظر الْجَيْش وَكَاتب السِّرّ والتاج الشويكي. وَنزل إِلَى المارستان المنصوري للنَّظَر فِي أَحْوَاله ليلى التحدث فِيهِ بِنَفسِهِ فَإِنَّهُ لم يول نظره أحدا بعد الْأَمِير سودن بن عبد الرَّحْمَن. وَأقَام الطواشي صفي الدّين جَوْهَر الخازندار لما عساه يحدث من الْأُمُور فاستمر على ذَلِك. شهر جُمَادَى الأولى: أَوله الِاثْنَيْنِ. فِي سادسه: خلع على نظام الدّين بن مُفْلِح وأعيد إِلَى قَضَاء الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق. عوضا عَن عز الدّين عبد الْعَزِيز الْبَغْدَادِيّ. وَفِي ثامن عشرينه: اسْتَقر حُسَيْن الْكرْدِي فِي كشف الْوَجْه البحري عوضا عَن أقبغا الجمالي بعد قَتله فِي خَامِس عشرينه فِي حَرْب كَانَت بَينه وَبَين عرب الْبحيرَة. وَقتل مَعَه جمَاعَة من مماليكه وَمن العربان وخلع على الْوَزير أستادار كريم الدّين جبه بِفَرْوٍ سمور ليتوجه إِلَى الْبحيرَة - وَمَعَهُ حُسَيْن الْكرْدِي - لعمل مصالحها واسترجاع مَا نهبه أَهلهَا من مَتَاع أقبغا الجمالي. وَكتب إِلَيْهِم بِالْعَفو عَنْهُم وَأَن أقبغا تعدى عَلَيْهِم فِي تحريق بُيُوتهم وَأخذ أَوْلَادهم وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يطمئنهم عَسى أَن يؤخذوا بِغَيْر فتْنَة وَلَا حَرْب. وَفِي لَيْلَة الْجُمُعَة سادس عشرينه: وَقع بِمَكَّة المشرفة مطر غزير سَالَتْ مِنْهُ الأودية وَحصل مِنْهُ أَمر مهول على مَكَّة بِحَيْثُ صَار المَاء فِي الْمَسْجِد الْحَرَام مرتفعاً أَرْبَعَة أَذْرع. فَلَمَّا أصبح النَّاس يَوْم الْجُمُعَة وَرَأَوا الْمَسْجِد الْحَرَام بَحر مَاء أزالوا عتبَة بَاب إِبْرَاهِيم حَتَّى خرج المَاء من المسفلة وَبَقِي بِالْمَسْجِدِ طين فِي سَائِر أرضه قدر نصف ذِرَاع فِي ارتفاعه فَانْتدبَ عدَّة من التُّجَّار لإزالته. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 263 وتهدم فِي اللَّيْلَة الْمَذْكُورَة دور كَثِيرَة يَقُول المكثر زِيَادَة على ألف دَار. وَمَات تَحت الرَّدْم اثْنَا عشر إنْسَانا وغرق ثَمَانِيَة أنفس. ودلف سقف الْكَعْبَة فابتلت الْكسْوَة الَّتِي بداخلها وامتلأت الْقَنَادِيل الَّتِي بهَا مَاء. وَحدث عقيب ذَلِك السَّيْل بِمَكَّة وأوديتها وبأطرق من الْيمن. شهر جُمَادَى الْآخِرَة: أَوله الثُّلَاثَاء. فِيهِ أحصي مَا بالإسكندرية من القزازين وهم الحياك فبلغت ثَمَانمِائَة نول بعد مَا بلغت عدتهَا فِي أَيَّام مَحْمُود أستادار - أَعْوَام بضع وَتِسْعين وَسَبْعمائة - أَرْبَعَة عشر ألف نول ونيف شتت أَهلهَا ظلم وُلَاة الْأُمُور وَسُوء سيرتهم. وَفِي ثالثه: سَار الْوَزير إِلَى الْبحيرَة. وَفِي ثَانِي عشره: رسم بِإِعَادَة أبي السعادات جلال الدّين مُحَمَّد بن أبي البركات ابْن أبي السُّعُود بن زهيرة إِلَى قَضَاء الشَّافِعِيَّة بِمَكَّة عوضا عَن جمال الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن الشيبي بعد مَوته. وَفِي سَابِع عشره: رجم مماليك الطباق بالقلعة المباشرين عِنْد خُرُوجهمْ من الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة لتأخر جوامكهم بالديوان الْمُفْرد عَن وَقت إنفاقها. وَفِي يَوْم السبت سادس عشرينه: أصبح السُّلْطَان ملازماً للْفراش من آلام حدثت فِي بَاطِنه من لَيْلَة الْخَمِيس وَهُوَ يتجلد لَهَا إِلَى عصر يَوْم الْجُمُعَة فَاشْتَدَّ بِهِ الْأَلَم وَطلب رَئِيس الْأَطِبَّاء فحقنه فِي اللَّيْل مرَارًا. وَأصْبح لما بِهِ فَلم يدْخل إِلَيْهِ أحد من المباشرين. وَبعث بِمَال فرقه فِي الْفُقَرَاء. وَمَا زَالَ محجوباً عَن كل أحد وَعِنْده نديماه ولي الدّين مُحَمَّد بن قَاسم والتاج الشويكي فَقَط. ثمَّ دخل فِي يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع عشرينه الْأُمَرَاء لعيادته وَقد تزايد ألمه. ثمَّ خَرجُوا سَرِيعا فأبل تِلْكَ اللَّيْلَة من مَرضه. شهر رَجَب الْفَرد أَوله الْخَمِيس: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 264 فِيهِ عملت الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة بالبيسرية وَقد زَالَ عَن السُّلْطَان مَا كَانَ بِهِ من الْأَلَم. وَشهد الْجُمُعَة من الْغَد بالجامع على الْعَادة. وخلع على الْأَطِبَّاء فِي يَوْم السبت ثالثه. ثمَّ ركب فِي يَوْم الْخَمِيس ثامنه وشق الْقَاهِرَة من بَاب زويلة وَمضى إِلَى خليج الزَّعْفَرَان بالريدانية وَعَاد إِلَى القلعة. وَفِي خَامِس عشره: نُودي فِي الْقَاهِرَة بسفر النَّاس إِلَى مَكَّة صُحْبَة الْأَمِير أرنبغا وَقد عين أَن يُسَافر بطَائفَة من المماليك فَأخذ طَائِفَة من النَّاس فِي التأهب للسَّفر. وَفِي سَابِع عشرينه: قدم الْأَمِير بربغا التنمي الْحَاجِب بِسيف الْأَمِير شار قطلوا نَائِب الشَّام وَقد مَاتَ بعد مَا مرض خَمْسَة وَأَرْبَعين يَوْمًا فِي تَاسِع عشره. وَفِيه قدم الْوَزير من الْبحيرَة وَقد مهد أمورها على مَا يجب. وَفِي تَاسِع عشرينه: كتب بانتقال الْأَمِير قصروه من نِيَابَة حلب إِلَى نِيَابَة دمشق عوضا عَن شارقطلوا وَأَن يتَوَجَّه لَهُ بالتشريف وتقليد النِّيَابَة الْأَمِير خجا سودن نوبَة من أُمَرَاء الطبلخاناه. وخلع على الْأَمِير قرقماس الشَّعْبَانِي حَاجِب الْحجاب وَاسْتقر فِي نِيَابَة حلب عوضا عَن الْأَمِير قصروه وَأَن يتَوَجَّه متسفره الْأَمِير شادي بك رَأس نوبَة من الطبلخاناه. وخلع على الْأَمِير يشبك المشد الظَّاهِرِيّ ططر وَاسْتقر حَاجِب الْحجاب عوضا عَن قرقماس. وأنعم بإقطاع قرقماس على الْأَمِير أقبغا التمرازي أَمِير مجْلِس وبإقطاع أقبغا على الْأَمِير يشبك الْمَذْكُور. وخلع على الْأَمِير أينال الجمكي أَمِير سلَاح وَاسْتقر أَمِيرا كَبِيرا أتابك العساكر وَكَانَت شاغرة مُنْذُ لزم سودن بن عبد الرَّحْمَن دَاره. وخلع على الْأَمِير جقمق أَمِير أخور وَاسْتقر أَمِير سلَاح عوضا عَن الْأَمِير أينال الجمكي. وخلع على الْأَمِير تغري برمش وَاسْتقر أَمِير أخور عوضا عَن جقمق. وَأخرج سودن بن عبد الرَّحْمَن إِلَى دمياط. وَسَار الْأَمِير بربغا التنمي ليبشر الْأَمِير قصروه بنيابة الشَّام. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 265 شهر شعْبَان أَوله الْجُمُعَة: فْيه نُودي أَلا يتعامل النَّاس بِالدَّرَاهِمِ القرمانيِة وَنَحْوهَا بِمَا يجلب من الْبِلَاد وَأَن تكون الْمُعَامَلَة بِالدَّرَاهِمِ الأشرفية فَقَط وَأَن يكون الذَّهَب والفلوس على مَا هما عَلَيْهِ. وَذَلِكَ أَنه كَانَ قد عزم السُّلْطَان على تَجْدِيد ذهب ودراهم وفلوس وَإِبْطَال الْمُعَامَلَة. مِمَّا بأيدي النَّاس من ذَلِك فَكثر اخْتِلَاف أهل الدولة عَلَيْهِ بِحَسب أغراضهم. وَلم يعزم على أَمر فَأقر النُّقُود على حَالهَا وَجمع الصيارفة وَضرب عدَّة مِنْهُم وشهرهم من أجل الدَّرَاهِم القرمانية وإخراجها فِي الْمُعَامَلَة وَقد نهوا عَن ذَلِك مرَارًا فَلم ينْتَهوا. وَفِي سابعه: خلع على الْأَمِير الْكَبِير أينال الجكمي وَاسْتقر فِي نظر المارستان المنصوري على عَادَة من تقدمه. وفى تاسعه: رزت المماليك المتوجهة إِلَى مَكَّة صُحْبَة الْأَمِير أرنبغا ورافقهم عدَّة كَبِيرَة من الرِّجَال وَالنِّسَاء يُرِيدُونَ الْحَج وَالْعمْرَة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: - وَالَّذِي قبله - فرض السُّلْطَان على جَمِيع بِلَاد الشرقية والغربية والمنوفية وَكَانَ يُؤْخَذ من كل قَرْيَة خَمْسَة آلَاف دِرْهَم فُلُوسًا عَن ثمن فرس وَيُؤْخَذ من بعض النواح عشرَة آلَاف عَن ثمن فرسين. وَيحْتَاج أهل النَّاحِيَة مَعَ ذَلِك إِلَى مغرم لمن يتَوَلَّى أَخذ ذَلِك مِنْهُم. وأحصي كُتاب ديوَان الْجَيْش قرى أَرض مصر كلهَا - قبليها وبحريها - فَكَانَت أَلفَيْنِ وَمِائَة وَسبعين قَرْيَة. وَقد ذكر المسَّبحي أَنَّهَا عشرَة آلَاف قَرْيَة فَانْظُر تفَاوت مَا بَين الزمنين. وَفِي رَابِع عشره: برز الْأَمِير قرقماس نَائِب حلب فِي تجمل حسن بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْوَقْت ليسير إِلَى مَحل كفَالَته. وخلع عَلَيْهِ خلعة السّفر ططري بِفَرْوٍ سمور وَمن فَوْقه قبَاء نخ بِفَرْوٍ قاقم. وَفِي تَاسِع عشره: ختن السُّلْطَان وَلَده الْمقَام الجمالي يُوسُف وَأمه أم ولد اسْمهَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 266 جلبان جركسية وختن مَعَه نَحْو الْأَرْبَعين صَبيا بعد مَا كساهم. وَقدم لَهُ المباشرون ذَهَبا وحلاوات فَعمل مهما للرِّجَال وللنساء أكلُوا فِيهِ وَشَرِبُوا. وكتبتُ عِنْد ذَلِك كتابا سميته الْأَخْبَار عَن الْأَعْذَار وَمَا جَاءَ فِيهِ من الْأَخْبَار والْآثَار وَمَا لأئمة الْإِسْلَام فِيهِ من الْأَحْكَام وَمَا فعله الْخُلَفَاء والملوك. وَفِيه من المآثر الجسام والأمور الْعِظَام لم أُسبق بِمثلِهِ فِيمَا علمت. وَفِي يَوْم السبت ثَالِث عشرينه: فُقد الْوَزير كريم الدّين ابْن كَاتب المناخ فَخلع على أَمِين الدّين إِبْرَاهِيم بن مجد الدّين عبد الْغَنِيّ بن الهيصم نَاظر الدولة وَاسْتقر فِي الوزارة. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع عشرينه: ظهر الْوَزير كريم الدّين وَصعد إِلَى القلعة فَخلع عَلَيْهِ قبَاء من أقبية السُّلْطَان. وَنزل على أَنه أستادار. ثمَّ خلع عَلَيْهِ من الْغَد فَكَانَ موكبه جَلِيلًا إِلَى الْغَايَة. وَقد ألزم السُّلْطَان فِي غيبَة الْوَزير عَظِيم الدولة القَاضِي زين الدّين عبد الباسط نَاظر الْجَيْش بِإِقَامَة دواداره جَانِبك أستادار فَلم يرض بذلك خوف الْعَاقِبَة وَأخذ يسْعَى فِي دفع ذَلِك عَنهُ حَتَّى أعفي فعين سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن كَاتب حكم نَاظر الْخَاص أستادار فَمَا زَالَ يسْعَى فِي الإعفاء حَتَّى ظهر الْوَزير كريم الدّين فتنفس خناق الْجَمِيع. وَفِيه قدم الْحمل من قبرس على الْعَادة فِي الْبَحْر فِي كل سنة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: اشْتَدَّ الوباء بِمَكَّة وأوديتها حَتَّى بلغ بمكْة فِي الْيَوْم عدَّة من يَمُوت خمسين مَا بَين رجل وَامْرَأَة. شهر رَمَضَان أَوله السبت: فِي ثامنه: ورد الْخَبَر من دمياط بِأخذ الكيتلان من الفرنج خمس مراكب من سَاحل بيروت فِيهَا بضائع كَثِيرَة وَرِجَال عديدة. وَبعث ملكهم إِلَى وَالِي دمياط كتابا ليوصله إِلَى السُّلْطَان يتَضَمَّن جفَاء ومخاشنة فِي المخاطبة بِسَبَب إِلْزَام الفرنج أَن يشتروا الفلفل الْمعد للمتجر السلطاني فَغَضب السُّلْطَان لما قرئَ عَلَيْهِ ومزقه. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: قطع عدَّة مرتبات للنَّاس على الدِّيوَان الْمُفْرد وعَلى الاصطبل السلطاني وعَلى ديوَان الوزارة. وَذَلِكَ مَا بَين نقد ف كل شهر وَلحم فِي كل يَوْم وقمح فِي كل سنة. واغتنم لذَلِك كثير من النَّاس وَكَانَت الْعَادة أَن تكْثر الصَّدقَات والهبات فِي شهر رَمَضَان فَاقْتضى الْحَال قطع الأرزاق لضيق حَال الدولة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 267 وفيهَا عينت تجريدة فِي النّيل لتركب بَحر الْملح من دمياط وتجول فِيمَا هُنَالك عَسى تنكف عَادِية الفرنج ويقل عبثهم وفسادهم. وَفِي ثَانِي عشرينه: دخل الْأَمِير قرقماس إِلَى حلب. فَمَا كَاد أَن يسْتَقرّ بهَا حَتَّى ورد الْخَيْر بوقعة كَانَت بَين الْأَمِير أينال الأجرود نَائِب الرها وَبَين أَصْحَاب قرا يلك انهزم فِيهَا. فَأخذ فِي أهبة السّفر إِلَى الرها. وَفِي هَذَا الشَّهْر: تناقص الوباء بِمَكَّة. شهر شَوَّال أَوله الِاثْنَيْنِ: وأتفق فِي الْهلَال مَا لم يذكر مثله وَهُوَ أَن أَرْبَاب تَقْوِيم الْكَوَاكِب اقْتضى حسابهم أَن هِلَال شهر رَمَضَان فِي لَيْلَة السبت يكون مَعَ جرم الشَّمْس فَلَا يُمكن رُؤْيَته. فَلَمَّا غربت الشَّمْس ترَاءى السُّلْطَان بمماليكه من فَوق القلعة الْهلَال وتراءاه النَّاس من أَعلَى الموادن والأسطحة بِالْقَاهِرَةِ ومصر وَمَا بَينهمَا وَمَا خرج عَنْهُمَا وهم ميون أُلُوف فَلم ير أحد مِنْهُم الْهلَال فَانْفَضُّوا وَقد أظلم اللَّيْل. وَإِذا بِرَجُل مِمَّن يتكسب فِي حوانيت الشُّهُود بتحمل الشَّهَادَة جَاءَ إِلَى قَاضِي الْقُضَاة الشَّافِعِي وَشهد بِأَنَّهُ رأى الْهلَال فَأمر أَن يرفع للسُّلْطَان. فَلَمَّا مثل بَين يَدَيْهِ ثَبت وصمم على رُؤْيَته الْهلَال. وَكَانَ حنبلياً وَهُوَ من أقَارِب نديم السُّلْطَان ولي الدّين بن قَاسم فَبَالغ فِي الثَّنَاء عَلَيْهِ عِنْد السُّلْطَان فَأمر بِإِثْبَات الْهلَال فَأثْبت بعض نواب قَاضِي الْقُضَاة الْحَنْبَلِيّ بشاهدة هَذَا الشَّاهِد أول رَمَضَان وَنُودِيَ فِي اللَّيْل بِصَوْم النَّاس من الْغَد بِأَنَّهُ من رَمَضَان. فاصبح النَّاس صَائِمين وألسنتهم تلهج بالوقيعة فِي الْقُضَاة وَالشُّهُود وتمادوا على ذَلِك فتوالت الْكتب من جَمِيع أَرض مصر قبليها وبحريها وَمن الْبِلَاد الشامية وَغَيرهَا. بِأَنَّهُم تراءوا الْهلَال لَيْلَة السبت فَلم يروه وَأَنَّهُمْ صَامُوا يَوْم الْأَحَد. فَلَمَّا كَانَ لَيْلَة الِاثْنَيْنِ الَّتِي يزْعم النَّاس أَنَّهَا أول لَيْلَة من شَوَّال ترَاءى النَّاس الْهلَال من القلعة وبالقاهرة ومصر وَمَا بَينهمَا وحولهما فَلم يزوره فجَاء بعض نواب الْقُضَاة وَزعم أَنه رَآهُ وَأَنه شهد عِنْده بِرُؤْيَتِهِ من أَثبت بِشَهَادَتِهِ أَن هِلَال شَوَّال غَدا يَوْم الِاثْنَيْنِ فَكَانَت حَادِثَة لم ندرك قبلهَا مثلهَا وَهِي أَن الْهلَال بعد الْكَمَال عدَّة ثَلَاثِينَ يَوْمًا لَا يرَاهُ الجم الْغَفِير الَّذِي لَا يُحْصى عَددهمْ إِلَّا خالقهم مَعَ توفر دواعيهم على أَن يروه وَقد خلت السَّمَاء من الْغَيْم. وَجَرت الْعَادة باً ن يتساوى النَّاس فِي رُؤْيَته وَأوجب ذَلِك تزايد الوقيعة فِي الْقَضَاء بل وَفِي سَائِر الْفُقَهَاء حَتَّى لقد أَنْشدني بَعضهم لمحمود الْوراق: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 268 كُنَّا نَفِر من الْوُلَاة الجائرين إِلَى الْقُضَاة فَالْآن نَحن نفر من جور الْقُضَاة إِلَى الْوُلَاة وَفِي ثامنه: سَارَتْ التجريدة فِي النّيل وَهِي مِائَتَا مَمْلُوك من المماليك السُّلْطَانِيَّة وَمِائَة من مماليك الْأُمَرَاء. وَعَلَيْهِم ثَلَاثَة أُمَرَاء من أُمَرَاء العشرات بعد مَا أنْفق فِي كل مَمْلُوك ألف وَخَمْسمِائة دِرْهَم فُلُوسًا عَنْهَا خَمْسَة دَنَانِير وَكسر. وَفِيه برز الْأَمِير قرقماس نَائِب حلب إِلَى الرها. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثالثه: وسط الْأَمِير علم الدّين حُذَيْفَة بن الْأَمِير نور الدّين عَليّ بن نصير الدّين شيخ لواته خَارج الْقَاهِرَة. وَفِي ثامن عشره: قدم الْخَبَر بوقعة أينال الأجرود الْمَذْكُورَة وَهِي أَن بعض من مَعَه من أُمَرَاء حلب صَادف بَين بساتين الرها طَائِفَة من التركمان وَهُوَ يسير خيله فَقَاتلهُمْ وَهَزَمَهُمْ. فَلَمَّا بلغ ذَلِك أينال خرج من مَدِينَة الرها نجدة لَهُ فَخرجت عَلَيْهِ ثَلَاث كمائن فَكَانَت بَينه وَبينهمْ وقْعَة قتل فِيهَا من الْفَرِيقَيْنِ عدَّة. وَلحق أينال بِالْمَدِينَةِ فَوَقع الْعَزْم على سفر السُّلْطَان. وَكتب إِلَى بِلَاد الشَّام بتعبئة الإقامات من الشّعير وَنَحْوه. وَفِي عشرينه: خرج محمل الْحَاج صُحْبَة الْأَمِير قرا سنقر إِلَى بركَة الْحَاج وصحبته كسْوَة الْكَعْبَة علىْ الْعَادة. وَقد قدم من بِلَاد الْمغرب وَمن التكرور وَمن الْإسْكَنْدَريَّة وأعمال مصر حَاج كثير فتلاحقوا بالمحمل شَيْئا بعد شَيْء. ثمَّ اسْتَقل الركب الأول بِالْمَسِيرِ من الْبركَة فِي ثَانِي عشرينه. ورحل الْأَمِير قرا سنقر بالمحمل وَبَقِيَّة الْحَاج فِي ثَالِث عشرينه. وَكتب إِلَى الْبِلَاد الشامية بِخُرُوج نواب المماليك للحاق بالأمير قرقماس نَائِب حلب. ثمَّ أبطل ذَلِك: وَكتب بمنعهم من الْمسير حَتَّى يَصح لَهُم نزُول قرا يلك على الرها بجمائعه وبيوته. فَإِذا صَحَّ لَهُم ذَلِك سَارُوا لقتاله. وَفِيه أَيْضا كتب باستقرار خَلِيل بن شاهين نَاظر الْإسْكَنْدَريَّة وحاجبها فِي نِيَابَة الثغر مَعَ النّظر والحجوبية. وَكَانَ قد بعث بِثَلَاثَة آلَاف دِينَار ووعد بِحمْل مثلهَا وَسَأَلَ فِي ذَلِك فَأُجِيب إِلَيْهِ. وَلم ندرك مثل ذَلِك وَهُوَ أَن يكون النَّائِب حاجباً فَإِن مَوضِع الْحَاجِب الْوُقُوف بَين يَدي النَّائِب وَالتَّصَرُّف بأَمْره هِيَ الْأَيَّام كلهَا قد صرن عجائب حَتَّى لَيْسَ فِيهَا عجائب وَقدم قلصد من بَغْدَاد كَانَ قد توجه لكشف الْأَخْبَار فَأخْبر أَن أَصْبَهَان بن قرا يُوسُف لما أَخذ بَغْدَاد من أَخِيه شاه مُحَمَّد بن قرا يُوسُف أَسَاءَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 269 السِّيرَة بِحَيْثُ أَنه أخرج جَمِيع من بِبَغْدَاد من النَّاس بعيالاتهم وَأخذ كل مَالهم من جليل وحقير فتشتتوا بنسائهم وَأَوْلَادهمْ فِي نواحي الدُّنْيَا وَصَارَت بَغْدَاد وَلَيْسَ بهَا سوى ألف رجل من جند أَصْبَهَان لَا غير. وَلَيْسَ بهَا إِلَّا ثَلَاثَة أفران تخبز الْخبز فَقَط وَلم يبْق بهَا سكان وَلَا أسواق. وَأَنه أخرب الْموصل حَتَّى صَارَت يبابا فَإِنَّهُ سلب نعم أَهلهَا وَأمر بهم فأخرجوا وتمزقوا فِي الْبِلَاد. واستولت عَلَيْهَا العربان فَصَارَت الْموصل منَازِل الْعَرَب بعد التمدن الَّذِي بلغ الْغَايَة فِي الترف. وَأَنه أَخذ أَمْوَال أهل المشهد وأزال نعمهم فتشتتوا بعيالهم. وَصَارَ من أهل هَذِه الْبِلَاد إِلَى الشَّام ومصر خلائق لَا تعد وَلَا تحصى. وَفِيه قدم جُنَيْد - أحد أُمَرَاء أخورية - وَقد توجه إِلَى أبي فَارس عبد الْعَزِيز ملك الْمغرب وعَلى يَده كتاب السُّلْطَان بِمَنْع التُّجَّار من حمل الثِّيَاب المغربية المحشاة بالحرير من ملابس النِّسَاء وَأَن يلْزمهُم بقود الْخُيُول بدل ذَلِك. فَوَجَدَهُ مُتَوَجها من بجاية إِلَى فاس فَأكْرمه ونادى بذلك فِي عمله وَأجَاب عَن الْكتاب. وَبعث بهدية هِيَ ثَلَاثُونَ فرسا مِنْهَا خَمْسَة مسرجة ملجمة وَنَحْو مِائَتَيْنِ وَخمسين بَعِيرًا وَقدم صُحْبَة جُنَيْد ركب فِي نَحْو ألف بعير يُرِيدُونَ الْحَج. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ تَاسِع عشرينه: كسفت الشَّمْس فِي آخر السَّاعَة الرَّابِعَة فَتغير لَوْنهَا تغيراً يَسِيرا وَلم يشْعر بهَا أَكثر النَّاس وَلَا اجْتَمعُوا للصَّلَاة بالجوامع على الْعَادة لقلَّة الشُّعُور بذلك. ثمَّ انجلى الْكُسُوف سَرِيعا. وَكَانَ بعض من يزْعم علم النُّجُوم لقلَّة درايته وَكَثْرَة جرأته قد أرجف قبل ذَلِك بأيام وشنع بِأَمْر الْكُسُوف وَمَا يدل عَلَيْهِ حَتَّى اشْتهر إرجافه وتشنيعه وداخل بعض النَّاس الْوَهم. فَلَمَّا لم يكن من أَمر الْكُسُوف كَبِير شَيْء طلب السُّلْطَان طَائِفَة مِمَّن يتحل هَذَا الْفَنّ من أهل التَّقْوِيم وَأنكر عَلَيْهِم وهددهم. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: قطعت أَيْضا عدَّة مرتبات للنَّاس من ديوَان السُّلْطَان مَا بَين عليق لخيولهم ومبلغ دَرَاهِم فِي كل شهر. وفيهَا ارْتَفع سعر الغلال قَلِيلا فَكَانَ الْقَمْح من مائَة وَخمسين درهما الأردب إِلَى مَا دونهَا فَبلغ مائَة وَسبعين مَعَ كثرته لزكاة الغلال وَقت الدراس ورخاء بِلَاد الشَّام والحجاز. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 270 وفيهَا ظفر المجردون فِي الْبَحْر على بيروت بغراب للبنادقة فِيهِ صناديق مرجان وَنقد وَغير ذَلِك. وظفروا بمركب آخر للجنويين على طرابلس فِيهِ بضائع فَأَحْرقُوهُ بِمَا فِيهِ وأسروا سوى من غرق بضعاً وَعشْرين رجلا. وَقتل من المماليك المجردين سَبْعَة فَلم يحمد هَذَا من فعلهم وَذَلِكَ أَن البنادقة والجنوية مسالمون الْمُسلمين. شهر ذِي الْقعدَة أَوله الْأَرْبَعَاء: فِيهِ توجه الْأَمِير جقمق أَمِير سلَاح إِلَى مَكَّة حَاجا وَسَار مَعَه كثير مِمَّن قدم من المغاربة وَفِي ثَالِث عشره: ابتدئ بالنداء على النّيل بِزِيَادَتِهِ وَقد أخذت الْقَاعِدَة فَكَانَت خَمْسَة أَذْرع واثنين وَعشْرين إصبعاً والنداء بِزِيَادَة ثَلَاثَة أَصَابِع. شهر ذِي الْحجَّة: أهل بِيَوْم الْخَمِيس وسعر الْقَمْح قد ارْتَفع إِلَى مِائَتي دِرْهَم والفول إِلَى مِائَتي دِرْهَم أَيْضا. وَالشعِير إِلَى مائَة وَسبعين لتكالب النَّاس على شِرَائِهِ مَعَ اسْتِمْرَار زِيَادَة النّيل من غير توقف. لَكِنَّهَا عوائد سوء قد ألفوها مُنْذُ هَذِه الْحَوَادِث والمحن أَن يكثر إرجاف المرجفين بتوقف النّيل رَغْبَة فِي بيع الغلال بأغلى الْأَثْمَان فَيَأْخُذ كل أحد فِي شِرَائهَا ويمسك أَرْبَابهَا مَا بِأَيْدِيهِم مِنْهَا لَا سِيمَا أهل الدولة يرْتَفع لذَلِك سعرها. وَفِي يَوْم الْأَحَد ثامن عشره: نُودي بِزِيَادَة مَاء النّيل اثْنَي عشر إصبعاً لتتمة ثَلَاثَة عشر ذِرَاعا واثنتين وَعشْرين إصبعاً. وَوَافَقَ هَذَا الْيَوْم أول مسرى. وَهَذَا الْقدر مِمَّا يستكثر من الزِّيَادَة فِي هَذَا الْوَقْت وَيُؤذن بعلو النّيل وَكَثْرَة زِيَادَته إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَفِي يَوْم السبت رَابِع عشرينه - وسابع مسرى -: نُودي بِزِيَادَة عشر أَصَابِع لتتمة سِتَّة عشرَة ذِرَاعا وَهِي الَّتِي يُقَال لَهَا أَذْرع الْوَفَاء وَزِيَادَة أَرْبَعَة أَصَابِع من سَبْعَة عشر ذِرَاعا ويعد هَذَا من الأنيال الْكِبَار وَفِيه نادرتان إِحْدَاهمَا زِيَادَة عشر أَصَابِع فِي يَوْم الْوَفَاء وَقل مَا يَقع ذَلِك الْيَوْم من ذِي الْحجَّة: وَلَا أذكر أَنِّي أدْركْت مثل ذَلِك. ونادرة ثَالِثَة أدركنا مثلهَا مرَارًا وَهِي الْوَفَاء فِي سَابِع مسرى بل أدركنا وفاه قبل ذَلِك من أَيَّام مسرى إِلَّا أَن ذَلِك قل مَا وجد فِي الأنيال الْقَدِيمَة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 271 وَفِيه ركب الْمقَام الجمالي يُوسُف ابْن السُّلْطَان حَتَّى خلق عَمُود المقياس بَين يَدَيْهِ ثمَّ فتح الخليج على الْعَادة فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَفِي غده نُودي على النّيل بِزِيَادَة ثَمَانِيَة أَصَابِع لتتمة سِتَّة عشر ذِرَاعا وَنصف ذِرَاع. ثمَّ نُودي من الْغَد بِزِيَادَة خَمْسَة عشر إصبعاً لتتمة سَبْعَة عشر ذِرَاعا وَثَلَاثَة أَصَابِع وَهَذِه الزِّيَادَة بعد الْوَفَاء من النَّوَادِر أَيْضا. فَالله يحسن الْعَاقِبَة. وَفِي سادس عشرينه: قدم مبشرو الْحَاج وأخروا بسلامتهم. وَهَذَا أَيْضا مِمَّا ينْدر وُقُوعه. وَفِي هَذِه السّنة: أَخذ أفرنج ثَمَانِي عشرَة مركبا من سواحل الشَّام فِيهَا من البضائع مَا يجل وَصفه وَقتلُوا عدَّة مِمَّن كَانَ بهَا من الْمُسلمين وأسروا باقيهم. وفيهَا طلق رجل من بني مهْدي بِأَرْض البلقاء امْرَأَته وَهِي حَامِل فنكحها رجل غَيره ثمَّ فَارقهَا فنكحها رجل ثَالِث فَولدت عِنْده ضفدعاً فِي قدر الطِّفْل فَأَخَذُوهُ ودفنوه خوف الْعَار. أَحْمد بن مَحْمُود بن أَحْمد بن إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن أبي الْعِزّ قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أَحْمد بن قَاضِي الْقُضَاة محيي الدّين الْمَعْرُوف بِابْن الكشك الْحَنَفِيّ بِدِمَشْق فِي لَيْلَة الْخَمِيس سَابِع شهر ربيع الأول وَقد ولي قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق مرَارًا. وَجمع بَينهَا وَبَين نظر الْجَيْش. وَكثر مَاله وَصَارَ عين دمشق وَعين لكتابة السِّرّ بديار مصر فَامْتنعَ. وَمَات الْأَمِير مقبل نَائِب صفد بهَا فِي يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع عشْرين ربيع الأول وَكَانَ مَشْهُورا بالشجاعة. وَهُوَ أحد المماليك المؤيدية شيخ. وَمَات قَاضِي مَكَّة جمال الدّين مُحَمَّد بن عَليّ أبي بكر الشيبي الشَّافِعِي بهَا فِي لَيْلَة الْجُمُعَة ثامن عشْرين ربيع الأول عَن نَحْو سبعين سنة. وَكَانَ خيرا سَاكِنا سَمحا مشكور السِّيرَة متواضعاً لينًا رَحمَه الله. وَمَات الْأَمِير أقبغا الجمالي الأستادار مقتولاً بالبحيرة فِي حادي عشْرين شهر ربيع الآخر ومستراح مِنْهُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 272 وَمَات الشَّيْخ أَبُو الْحسن عَليّ بن حُسَيْن بن عُرْوَة بن زكنون الْحَنْبَلِيّ الزَّاهِد الْوَرع فِي ثَانِي عشر جُمَادَى الْآخِرَة خَارج دمشق وَقد أناف على السِّتين. وَشرح مُسْند الإِمَام أَحْمد وَكَانَ فِي غَايَة الزّهْد والورع مُنْقَطع القرين. وَمَات الْأَمِير شار قطلوا نَائِب الشَّام بهَا فِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ تَاسِع عشر شهر رَجَب. وَهُوَ أحد المماليك الظَّاهِرِيَّة. ومستراح مِنْهُ. وَمَات الشريف رميثة بن مُحَمَّد بن عجلَان مقتولاً خَارج مَكَّة فِي خَامِس شهر رَجَب. وَقد ولي إِمَارَة مَكَّة قبل ذَلِك ثمَّ عزل. وَلم يكن مشكوراً. وَمَات تَقِيّ أَبُو بكر بن عَليّ بن حجَّة - بِكَسْر الْحَاء - الْحَمَوِيّ الأديب الشَّاعِر فِي خَامِس عشْرين شعْبَان بحماة. ومولده سنة سبع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة. وَقدم إِلَى الْقَاهِرَة فِي الْأَيَّام المؤيدية وَصَارَ من أعيانها. ثمَّ عَاد بعد ذَلِك إِلَى حماة. وَكَانَ فِيهِ زهو وَإِعْجَاب وَعلمه الْأَدَب فنظم كثيرا وصنف شرحاً على بديعية نظمها بديع فِي بَابه. وَمَات ملك الْمغرب أَبُو فَارس عبد الْعَزِيز بن أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن أبي بكر ابْن يحيى بن إِبْرَاهِيم بن يحيى بن عبد الْوَاحِد بن عمر بن ونودين الهنتاتي الحفصي عَن سِتّ وَسبعين سنة مِنْهَا مُدَّة ملكه إِحْدَى وَأَرْبَعين سنة وَأَرْبَعَة أشهر وَأَيَّام. فِي رَابِع عشر ذِي الْحجَّة بعد مَا خطب لَهُ بتلمسان وفاس وَكَانَ خير مُلُوك زَمَانه صِيَانة وديانة وجودا وأفضالا وعزماً وحزماً وَحسن سياسة وَجَمِيل طَريقَة. وَقَامَ من بعده حفيده الْمُنْتَصر أَبُو عبد الله مُحَمَّد ابْن وَمَات ملك بَغْدَاد شاه مُحَمَّد بن قرا يُوسُف بن قرا مُحَمَّد فِي ذِي الْحجَّة مقتولاً الجزء: 7 ¦ الصفحة: 273 على حصن من بِلَاد شاه رخ بن تيمور وَيُقَال شنكان فأقيم بدله أَمِير زاه عَليّ ابْن أخي قرا يُوسُف وَكَانَ شَرّ مُلُوك زَمَانه لفسقه وجوره وعتوه إِبْطَاله شرائع الْإِسْلَام فَإِنَّهُ رَبِّي بِمَدِينَة إربد وَصَحب نصاراها فلقن مِنْهُم عقائد سوء. فَلَمَّا أَقَامَهُ أَبوهُ فِي بَغْدَاد بعد قتل أَحْمد بن أويس أظهر فِيهَا سيرة جميلَة وعفة عَن القاذورات الْمُحرمَة مُدَّة سِنِين. وَكَانَ الْغَالِب على دولته نَصْرَانِيّ يعرف بِعَبْد الْمَسِيح فأظهر بعد ذَلِك تَعْظِيم الْمَسِيح وفضله على من عداهُ وَصرح باعتقاده النَّصْرَانِيَّة: وَأخرج عساكره من بَغْدَاد. وَبَقِي فِي طَائِفَة فَكثر فِي الْأَعْمَال قطاع الطَّرِيق حَتَّى فَسدتْ السابلة وجلت النَّاس عَن بَغْدَاد وَانْقطع ركب الْحَاج مِنْهَا إِلَى أَن غَلبه أَخُوهُ أَصْبَهَان وَأخرجه من بَغْدَاد فَقتل وأراح الله النَّاس مِنْهُ. وَالله يلْحق بِهِ من بَقِي من أخوته فَإِنَّهُم شَرّ عِصَابَة سلطت على النَّاس بِذُنُوبِهِمْ. وَمَات سُلْطَان بنجالة من بِلَاد الْهِنْد جلال الدّين أَبُو المظفر مُحَمَّد بن فندو وَيعرف بكاس. كَانَ كاس كَافِرًا فثار على شهَاب الدّين مَمْلُوك سيف الدّين حَمْزَة ابْن غياث الدّين أعظم شاه بن اسكندر شاه بن شمس الدّين وَملك مِنْهُ بنجالة وأعمالها وأسره. فثار عَلَيْهِ ابْنه وَقد أسلم وَتسَمى مُحَمَّدًا وتكنى بِأبي المظفر وتلقب جلال الدّين وجدد مأثر جليلة مِنْهَا عمَارَة مَا أخربه أَبوهُ من الْمَسَاجِد وَإِقَامَة شَعَائِر الْإِسْلَام. وَبعث بِمَال إِلَى مَكَّة وهدية للسُّلْطَان بِمصْر فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ على يَد شُمَيْل ومرغوب وعَلى يدهما كِتَابه بِأَن يُفَوض إِلَيْهِ الْخَلِيفَة سلطة الْهِنْد فَجهز لَهُ التَّقْلِيد عَن الْخَلِيفَة مَعَ تشريف فَبعث عِنْد وُصُول ذَلِك إِلَيْهِ هَدِيَّة ثَانِيَة فِي سنة أَربع وَثَلَاثِينَ فجهزت إِلَيْهِ هَدِيَّة أُخْرَى فوصلت إِلَيْهِ. وَمَات فِي شهر ربيع الآخر من هَذِه السّنة وأقيم بعده ابْنه المظفر أَحْمد شاه وعمره أَربع عشرَة سنة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 274 (سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة) شهر الله الْحَرَام أَوله السبت: فِي ثالثه: قدمت التجريدة المجهزة فِي الْبَحْر بِغَيْر طائل. وَفِي رابعه: قدم قَاصد الْأَمِير عُثْمَان قرا يُلك بكتابه وَتِسْعَة أكاديش تقدمة للسُّلْطَان وَبعث بِدَرَاهِم عَلَيْهَا سكَّة السُّلْطَان. وَفِي حادي عشره: قبض على الْأَمِير بردبك الْإِسْمَاعِيلِيّ أحد أُمَرَاء الطبلخاناه وحاجب ثَانِي وَأخرج إِلَى دمياط. وأنعم بإقطاعه على الْأَمِير تغري بردي البكلمشي الْمَعْرُوف بالمؤذي أحد رُءُوس النوب. وَاسْتقر الْأَمِير جَانِبك الَّذِي عزل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 275 من نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة حاجبا عوض الْإِسْمَاعِيلِيّ. وَفِي خَامِس عشره: قدم الْأَمِير جقمق من الْحَج بِمن مَعَه على الرَّوَاحِل. وَفِيه شرع سودن المحمدي - المجهز لعمارة الْحَرَمَيْنِ - فِي هدم سقف الْكَعْبَة. وَفِي ثَانِي عشرينه: - الْمُوَافق لآخر أَيَّام النسئ نُودي على النّيل بِزِيَادَة إِصْبَعَيْنِ لتتمة تِسْعَة عشر ذِرَاعا وَنصف ذِرَاع. وَفِيه خلع على الْأَمِير دولات خجا وأعيد إِلَى ولَايَة الْقَاهِرَة عوضا عَن التَّاج الشويكي وَكَانَ أَخُوهُ عمر يتحدث عَنهُ فِي الْولَايَة وَقد ترفع عَنْهَا بمنادمته السُّلْطَان. وَفِي ثَالِث عشرينه: قدم الركب الأول من الْحَاج. وَوَافَقَ هَذَا الْيَوْم نوروز القبط. وَنُودِيَ فِيهِ بِزِيَادَة إِصْبَعَيْنِ لتتمة تِسْعَة عشر ذِرَاعا وَأَرْبَعَة عشر إصبعاً. وَهَذِه زِيَادَة كَبِيرَة ينْدر أَن يكون يَوْم النوروز والنيل على ذَلِك. وَفِي رَابِع عشرينه: قدم الْمحمل بِبَقِيَّة الْحَاج وَقد هلك جمَاعَة من المشماة وَتَلفت جمال كَثِيرَة. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشرينه: عملت الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة وأقيم الموكب بالإيوان الْمُسَمّى دَار الْعدْل من قلعة الْجَبَل بعد مَا هُجر مُدَّة. وأحضر رَسُول شاه رخ بن تيمور ملك الْمشرق وَهُوَ من أَشْرَاف شراز - يُقَال لَهُ السَّيِّد تَاج الدّين عَليّ فَدفع مَا على يَده من الْكتاب وَقدم الْهَدِيَّة تَتَضَمَّن كِتَابه وُصُول هَدِيَّة السُّلْطَان المجهزة إِلَيْهِ. وَأَنه نذر أَن يكسو الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام وَطلب أَن يبْعَث إِلَيْهِ من يتسلمها ويعلقها من دَاخل الْبَيْت. واشتملت الْهَدِيَّة على ثَمَانِينَ ثوب حَرِير أطلس وَألف قِطْعَة فَيْرُوز لَيست بِذَاكَ تبلغ فيمة الْجَمِيع ثَلَاثَة آلَاف دِينَار. وَلم يُكَلف الرَّسُول أَن يقبل الأَرْض رِعَايَة لشرفه. وَوجد تَارِيخ الْكتاب فِي ذِي الْحجَّة سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ. وَكَانَ قدومه من هراة إِلَى هُرْمُز وَمن هُرْمُز إِلَى مَكَّة. ثمَّ قدم صُحْبَة ركب الْحَاج فَأنْزل وَأجْرِي لَهُ مَا يَلِيق بِهِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 276 وَفِي ثامن عشرينه: وصل من الْقُدس مائَة وَعشرَة رجال من الفرنج الجرجان وَقد قدمُوا لزيارة قمامة على عَادَتهم فاتهموا أَن فيهم عدَّة من أَوْلَاد مُلُوك الكيتلان الَّذين كثر عيثهم وفسادهم فِي الْبَحْر فأحضروا ليكشف عَن حَالهم وهم بِأَسْوَأ حَال فسجنوا مهانين. ثمَّ أفرج عَنْهُم بعد أَيَّام وَقد مَاتَ مِنْهُم عدَّة. شهر صفر أَوله الِاثْنَيْنِ: فِي سادسه: رُسم باستقرار سراج الدّين عمر بن مُوسَى بن حسن الْحِمصِي - قَاضِي طرابلس - فِي قَضَاء الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن بهاء الدّين مُحَمَّد بن نجم الدّين بن عمر بن حجي. وَقد وَعد بأَرْبعَة آلَاف دِينَار يقوم بهَا. وَاسْتقر عوضه فِي قَضَاء طرابلس صدر الدّين مُحَمَّد بن شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد النويري بمبلغ ألف وثلاثمائة دِينَار. وأُعيد القَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد الصَّفَدِي إِلَى قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق على أَن يقوم بألفي دِينَار. وعزل شمس الدّين مُحَمَّد بن شهَاب الدّين أَحْمد بن نجم الدّين مَحْمُود بن الكشك. وَفِي سادسه: عُقد بَين يَدي السُّلْطَان مجْلِس جمع فِيهِ قُضَاة الْقُضَاة الْأَرْبَع بِسَبَب نذر شاه رخ أَن يكسو الْكَعْبَة فَأجَاب قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين الْعَيْنِيّ بِأَن نَذره لَا ينْعَقد فَانْفَضُّوا على ذَلِك. وَفِيه خلع على نكار الخاصكي وَاسْتقر شاه جدة. وخُلع مَعَه على علم الدّين عبا الرَّزَّاق الملكي وَاسْتقر عوضا عَن سعد الدّين بن الْمرة. وَسَارُوا بعد أَيَّام إِلَى مَكَّة - شرفها الله تَعَالَى - فِي الْبَحْر. وفى تاسعه - الْمُوَافق لسابع عشر توت: وَهُوَ يَوْم عيد الصَّلِيب عِنْد قبط مصر - نُودي بِزِيَادَة إِصْبَع لتتمة عشْرين ذِرَاعا وَعشر أَصَابِع. وَفِي ثَالِث عشره: كتب إِلَى مَكَّة - شرفها الله تَعَالَى - بِأَن يتحدث الْأَمِير سودن المحمدي الْمُجَرّد هُنَاكَ فِي نظر الْحرم. وَكتب أَيْضا بألا يُؤْخَذ من التُّجَّار الواردين إِلَى جدة من الهنود سوى العُشر فَقَط وَأَن يُؤْخَذ من التُّجَّار الشاميين والمصريين إِذا وردوا جدة بِبَضَائِع الْيمن عشران. وأنَّ من قدم إِلَى جدة من التُّجَّار اليمنيين ببضاعة تُؤْخَذ بضاعته بأًجمعها للسُّلْطَان من غير ثمن يدْفع لَهُ عَنْهَا. وَسبب ذَلِك أَن تجار الْهِنْد فِي هَذِه السنين صَارُوا عِنْد مَا يعيرون من بَاب المندب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 277 يجوزون عَن بندر عدن حَتَّى يرسوا بساحل جدة كَمَا تقدم فأقفرت عدن من التُّجَّار واتضع حَال مَلِك الْيمن لقلَّة متحصله. وَصَارَت جدة هِيَ بندر التُّجَّار وَيحصل لسلطان مصر من عشور التُّجَّار مَال كَبِير. وَصَارَ نظر جدة وَظِيفَة سلطانية فَإِنَّهُ يُؤْخَذ من التُّجَّار الواردين من الْهِنْد عشور بضائعهم. وَيُؤْخَذ مَعَ العشور رسوم تقررت للنَّاظِر والشاد وشهود القبان والصيرفي وَنَحْو ذَلِك من الأعوان وَغَيرهم. وَصَارَ يحمل من قبل سُلْطَان مصر مرجان ونحاس ويخر ذَلِك مِمَّا يحمل من الْأَصْنَاف إِلَى بِلَاد الْهِنْد فيطرح على التُّجَّار. وتشبه بِهِ فِي ذَلِك غير وَاحِد من أهل الدولة. فَضَاقَ التُّجَّار بذلك ذرعاً وَنزل جمَاعَة مِنْهُم فِي السّنة الْمَاضِيَة إِلَى عدن فتنكر السُّلْطَان بِمصْر عَلَيْهِم لما فَاتَهُ من أَخذ عشورهم وَجعل عقوبتهم أَن من اشْترى بضَاعَة من عدن وَجَاء بهَا إِلَى جدة إِن كَانَ من الشاميين أَو المصريين أَن يُضَاعف عَلَيْهِ الْعشْر بعُشرَيْن وَإِن كَانَ من أهل الْيمن أَن تُؤْخَذ بضاعته بأسرها. فَمن لطف الله تَعَالَى بعباده أَنه لم يعْمل بِشَيْء من هَذَا الْحَادِث لَكِن قُرِئت هَذِه المراسيم تجاه الْحجر الْأسود فراجع الشريف بَرَكَات ابْن عجلَان أَمِير مَكَّة فِي أمرهَا للسُّلْطَان حَتَّى عَفا عَن التُّجَّار وأبطل مَا رسم بِهِ. وَكَانَت الْعَادة الَّتِي أدركناها أَن الْحرم يَلِي نظره فاضي مَكَّة الشَّافِعِي فبذل بعض التُّجَّار الْعَجم المجاورين بِمَكَّة - وَهُوَ دَاوُد الكيلاني - مَالا للسُّلْطَان حَتَّى ولاه نظر الْحرم وعزل عَنهُ أَبَا السعادات جلال الدّين مُحَمَّد بن ظهيرة قَاضِي مَكَّة فِي السّنة الْمَاضِيَة. فَلَمَّا قدم مَكَّة وقُرئ توقيعه تجاه الْحجر الْأسود على الْعَادة أنكرهُ الشريف بَرَكَات وراجع السُّلْطَان فِي كِتَابه إِلَيْهِ بِأَن الففراء وَغَيرهم من أهل الْحرم لم يرْضوا بِولَايَة دَاوُد وَأَنه مَنعه من التحدث وَأقَام سودن المحمدي المجهز لعمارة الْحرم يتحدث فِي النّظر حَتَّى يرد مَا يعْتَمد عَلَيْهِ فَكتب لسودن المحمدي فِي التحدث فِي نظر الْحرم فباشر ذَلِك. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشره: ثارت مماليك السُّلْطَان سكان الطباق بقلعة الْجَبَل وطلبوا الْقَبْض على المباشرين بِسَبَب تَأَخّر جوامكهم فِي الدِّيوَان الْمُفْرد ففر المباشرون مِنْهُم ونزلوا من القلعة إِلَى بُيُوتهم بِالْقَاهِرَةِ فَنزل جمع كَبِير من المماليك إِلَى الْقَاهِرَة ومضوا إِلَى بَيت القَاضِي زين الدّين عبد الباسط نَاظر الْجَيْش وَهُوَ يَوْمئِذٍ عَظِيم الدولة وَصَاحب حلِّها وعقدها فنهبوا مَا قدرُوا عَلَيْهِ. وقصدوا بعده بَيت الْوَزير أَمِين الدّين إِبْرَاهِيم بن الهيصم وَبَيت الْأَمِير كريم الدّين عبد الْكَرِيم ابْن كَاتب المناخ أستادار فنهبوهما. وَلم يقدروا على أحد من الثَّلَاثَة لفرارهم مِنْهُم فَكَانَ يَوْمًا شنيعاً. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 278 وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء غده: غُلقت أسواق الْقَاهِرَة وماج النَّاس فِي الشوارع والأزقة وفر الْأَعْيَان من دُورهمْ لإشاعة كَاذِبَة بِأَن المماليك قد نزلُوا من القلعة للنهب. وَكَانَ ذَلِك من أشنع مَا جرى إِلَّا أَن الْحَال سكن بعد سَاعَة لظُهُور كذب الإشاعة وَأَن المماليك لم تتحرك. وَفِي سَابِع عشره: ركب القَاضِي زين الدّين عبد الباسط إِلَى القلعة بعد مَا نزل لَهُ الْأُمَرَاء فِي أمسه بِأَن يتَوَجَّه إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فَمَا زَالَ حَتَّى انصلح حَاله. وَركب بَقِيَّة المباشرين إِلَى القلعة للْخدمَة السُّلْطَانِيَّة على الْعَادة فتقرر الْأَمر على أَن يقوم عبد الباسط للوزير من مَاله بِخَمْسِمِائَة ألف دِرْهَم مصرية عَنْهَا نَحْو ألفي دِينَار أشرفية تَقْوِيَة لَهُ وَأَن السُّلْطَان يساعد أستادار بعليق المماليك لشهر ونزلوا وَقد أمنُوا واطمأنوا. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء: هَذَا نُودي على النّيل بِزِيَادَة إِصْبَع لتتمة عشْرين ذِرَاعا وَأحد عشر إصبعاً. وَكَانَ قد نقص بعد عيد الصَّلِيب عِنْد مَا فتحت جسور عديدة لري النواحي فَرد النَّقْص فِي هَذِه الْمدَّة وَزَاد إصبعاً وَقد طبق المَاء جَمِيع أَرَاضِي مصر قبليها وبحريها وَشَمل الرّيّ حَتَّى الروابي وَللَّه الْحَمد. وَفِي يَوْم الْخَمِيس - ثامن عشره: - نُودي بِزِيَادَة إِصْبَع لتتمة عشْرين ذِرَاعا وَنصف. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة - تَاسِع عشره: - عين شمس الدّين بن سعد الدّين بن قطارة لنظر الدولة وألزم بتكفية يَوْمه. ورُسم بِطَلَب الْأَمِير أرغون شاه الْوَزير - كَانَ - من دمشق وَهُوَ أستادار بهَا ليستقر فِي الوزارة عوضا عَن أَمِين الدّين إِبْرَاهِيم بن الهيصم بعد مَا تنكر السُّلْطَان على أستادار كريم الدّين عبد الْكَرِيم ابْن كَاتب المناخ من أجل أَنه عرض عَلَيْهِ الوزارة فَلم يقبلهَا فرسم بعقوبته وَضَمنَهُ نَاظر الْخَاص سعد الدّين إِبْرَاهِيم ابْن كَاتب حكم. وَفِيه بَدَأَ النَّقْص فِي مَاء النّيل وَهُوَ سَابِع عشْرين توت. وَفِي يَوْم السبت عشرينه: خلع على أستادار كريم الدّين على عَادَته. وخلع على الْوَزير أَمين الدّين وَاسْتقر بعد الوزارة فِي نظر الدولة كَمَا كَانَ قبل الوزارة. وألزم بتكفية الدولة إِلَى حِين قدوم الْأَمِير أرغون شاه فاختفى فِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 279 وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي عشرينه: قبض على الْأَمِير كريم الدّين أستادار وألزم سعد الدّين نَاظر الْخَاص بِولَايَة الوزارة فَلم يُوَافق على ذَلِك. وَفِيه سَار الشريف تَاج الدّين عَليّ - رَسُول شاه رخ - وصحبته الْأَمِير أقطوة المؤيدي المهمندار. وأُجيب شاه رخ عَن طلبه كسْوَة الْكَعْبَة باً ن الْعَادة قد جرت أَلا يَكْسُوهَا إِلَّا مُلُوك مصر وَالْعَادَة قد اعْتبرت فِي الشَّرْع فِي مَوَاضِع وجُهزت إِلَيْهِ هَدِيَّة. وَفِي خَامِس عشرينه: تغير السُّلْطَان عَليّ سعد الدّين نَاظر الْخَاص لامتناعه من ولَايَة الوزارة وَأمر بِهِ فَضرب - وَقد بطح على الأَرْض - ضربا مبرحاً. ثمَّ نزل إِلَى دَاره. وَفِي هَذَا الشَّهْر: ارْتَفع سعر اللَّحْم وقلَّ وجوده فِي الْأَسْوَاق. وارتفع سعر الأجبان وعدة أَصْنَاف من المأكولات مَعَ رخاء سعر الغلال. وَفِيه طرح من شون السُّلْطَان عشرَة آلَاف أردب من الفول على أَصْحَاب الْبَسَاتِين والمعاصر وَغَيرهَا من الدواليب بِسعْر مائَة وَخَمْسَة وَسبعين درهما من الْفُلُوس كل أردب. ورسم أَلا يحمي أحد مِمَّن لَهُ جاه فَلم يعْمل بذلك. وَنَجَا من الطرح من لَهُ جاه وابتلي بِهِ من عداهم. فَنزل بِالنَّاسِ مِنْهُ خسارات مُتعَدِّدَة لَا من زِيَادَة السّعر بل من كَثْرَة الكُلف. وَفِي يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشرينه: ضُرب الْوَزير الصاحب أستادار كريم الدّين ابْن كَاتب المناخ بالمقارع وَقد عري من ثِيَابه زِيَادَة على مائَة شيب. ثمَّ ضُرب على أكتافه بِالْعِصِيِّ ضربا مبرحاً وعصرت رِجْلَاهُ بالمعاصر. وَكَانَ لَهُ - مُنْذُ قُبض عَلَيْهِ وَهُوَ مسجون ومقيد - عدةُ مرسمون عَلَيْهِ فِي مَوضِع بالقلعة ثمَّ أنزل فِي يَوْم الْجُمُعَة غَد من القلعة وأركب بغلاً وَمضى بِهِ إِلَى الأعوان الموكلون بِهِ إِلَى بَيت الْأَمِير التَّاج وَإِلَى الْقَاهِرَة ليورد مَا ألزم بِهِ وَقد حُوسِبَ فَوقف عَلَيْهِ خَمْسَة وَخَمْسُونَ ألف دِينَار ذَهَبا صولح عَنْهَا بِعشْرين ألف دِينَار فشرع فِي بيع موجوده وإيراد المَال. شهر ربيع الأول أَوله الثُّلَاثَاء: فِيهِ خُلع على سعد الدّين إِبْرَاهِيم نَاظر الْخَاص جُبَّة. وَاسْتقر على عَادَته. وخلع على أَخِيه جمال الدّين يُوسُف وَاسْتقر فِي الوزارة. وَكَانَت مُنْذُ تغيب أَمِين الدّين إِبْرَاهِيم بن الهيصم وَسعد الدّين نَاظر الْخَاص يُبَاشِرهَا ويسدد أمورها من غير الجزء: 7 ¦ الصفحة: 280 لبس تشريف فغرم فِيهَا جملَة مَال لعجز جهاتها عَن مصارفها: وخلع أَيْضا على ابْن قطارة وَاسْتقر فِي نظر الدولة. وَفِي لَيْلَة الْجُمُعَة رابعه: عمل المولد النَّبَوِيّ بَين يَدي السُّلْطَان بقلعة الْجَبَل على الْعَادة. وَضبط الْوَزير أُمُور الدولة وَنفذ أحوالها بِقُوَّة. وَقطع عدَّة مرتبات من لحم ودراهم. وَلم يفرج لأحد من أَرْبَاب الْجِهَات عَن شَيْء لَهُ عَلَيْهِ مُقَرر فهابه النَّاس وَطلبت الغلال للبذر فارتفع السّعر قَلِيلا. وطرحت من الغلال على النَّاس مَا بلغت جملَته بِمَا تقدم ذكره ثَمَانِيَة عشر ألف أردب فولاً وَثَمَانِية آلَاف أردب قمحاً فَنزل بِالنَّاسِ فِي هَذَا الشَّهْر شَدَائِد. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشرينه: أفرج عَن الصاحب كريم الدّين من ترسيم التَّاج فَسَار إِلَى دَاره بعد مَا حمل نَحْو عشْرين ألف دِينَار وَضَمنَهُ فِيمَا بَقِي جمَاعَة من الْأَعْيَان وَفِي هَذَا الشَّهْر: انْتَهَت عمَارَة سقف الْكَعْبَة - شرفها الله تَعَالَى - على يَد سودن المحمدي وَشرع فِي هدم المنارة الَّتِي على بَاب اليمني من الْمَسْجِد الْحَرَام فهدمت وبنيت بِنَاء عَالِيا. شهر ربيع الآخر أَوله الْخَمِيس: فِي ثالثه - قبيل الظّهْر بِقَلِيل -: حدثت زَلْزَلَة بِالْقَاهِرَةِ اهتزت لَهَا الدّور هزة فَلَو قد طَالَتْ قَلِيلا لأخربت مَا زلزلت. وَفِي رابعه: قدم الْأَمِير أرغون شاه الْمَطْلُوب للوزارة من دمشق فَأخذت تقدمته وَفِي خامسه: ركب السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل باكراً وشق الْقَاهِرَة فَمضى للصَّيْد وَرجع من آخر وَفِي هَذَا الشَّهْر: كثرت الأمطار بِبِلَاد غَزَّة وَعَامة بِلَاد الشَّام فانتفعوا بهَا. وَفِيه ارْتَفع بِالْقَاهِرَةِ سعر اللَّحْم وَالْخبْز والجبن وَاللَّبن وَالْعَسَل وعدة من الأقوات حَتَّى بلغ بَعْضهَا مثلي ثمنه مَعَ رخاء سعر الْقَمْح وَالشَّجر وَغَلَاء الْأرز أَيْضا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 281 وَفِيه احترقت مركب بساحل الطّور تلف فِيهَا بضائع كَثِيرَة. وَفِيه منع التُّجَّار بالإسكندرية من بيع البهار على الفرنج فأضرهم ذَلِك. شهر جُمَادَى الأولى أَوله الْجُمُعَة: فِي ثَانِيه: ركب السُّلْطَان إِلَى الصَّيْد وشق الْقَاهِرَة وَعَاد آخر يَوْم الثُّلَاثَاء خامسه وَهَذِه رَابِع ركبة لَهُ للصَّيْد. وَفِي سابعه: سَافر الْأَمِير غرس الدّين خَلِيل بن شاهين نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة وناظرها بعد مَا حمل خَمْسَة آلَاف دِينَار ذَهَبا سوى قماش وَغَيره بِأَلف دِينَار. وَكَانَ قد قدم من الثغر فِي الشَّهْر الْمَاضِي. وَفِي هَذِه الْأَيَّام وَقع الشُّرُوع فِي حَرَكَة سفر السُّلْطَان إِلَى الشَّام. وَفِي خَامِس عشره: خلع على دولات خجا وَالِي الْقَاهِرَة وَاسْتقر فِي ولَايَة منفلوط وَكَاشف الْقَبْض. وشغرت ولَايَة الْقَاهِرَة إِلَى يَوْم الْأَحَد سَابِع عشره فَخلع على عَلَاء الدّين عَليّ بن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الطلاوي وأعيد إِلَى ولَايَة الْقَاهِرَة على أَن يحمل ألفا ومائتي دِينَار وَكَانَ لَهُ مُنْذُ عزل من الْولَايَة بضع عشرَة سنة يتسخط فِي أذيال الخمول. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: حمل إِلَى مَكَّة - شرفها الله تَعَالَى - من الرخام مَا ذرعه سِتُّونَ ذِرَاعا لحُرْمَة الْحجر وشاذروان الْبَيْت. وَحمل من الجبس خَمْسُونَ حملا لبياض أروقة الْمَسْجِد الْحَرَام وَمن الْحَدِيد عشرَة قناطير لعمل مسامير وَأَرْبَعُونَ قِطْعَة خشب لشد أروقة الْمَسْجِد الْحَرَام. وَفِي سلخه: برز الْأَمِير تمراز رَأس نوبَة النوب وصحبته عدَّة مِائَتي مَمْلُوك وخجا سودن رَأس نوبَة من أُمَرَاء الطبلخاناه وأمير أخر من أُمَرَاء العشرات ليتوجهوا إِلَى الْوَجْه القبلي وَذَلِكَ أَن الْأَمِير تغري برمش - أَمِير أخور - خرج إِلَى سرحة الْوَجْه القبلي لأخذ تقادم العربان وَغَيرهم فَلَقِيَهُ عَليّ بن غَرِيب على نَاحيَة دهروط وَهُوَ يَوْمئِذٍ يَلِي أَمر هوارة البحرية ليحضر تقدمته على الْعَادة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 282 وَحضر ملك الْأُمَرَاء بِالْوَجْهِ القبلي - وَهُوَ مُحَمَّد الصَّغِير - وَجَاءَت طَائِفَة من محَارب وَطَائِفَة من فَزَارَة ليقدموا تقادمهم فَاقْتضى الْحَال إرْسَال ملك الْأُمَرَاء وَعلي ابْن غَرِيب مَعَهم لأخذ التقادم مِنْهُم فغدروا بهم وثاروا عَلَيْهِم فَقَاتلهُمْ ملك الْأُمَرَاء وَعَاد مهزوماً وَقد جرح وَقتل عدَّة من جماعته. ثمَّ إِن السُّلْطَان عين لكشف الْوَجْه القبلي الصاحب كريم الدّين ابْن كَاتب وَفِي هَذَا الشَّهْر: قبض الْأَمِير قرقماس نَائِب حلب على الْأَمِير فياض ابْن الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن دلغادر بمرعش. وَأقَام بدله عَلَيْهَا حَمْزَة باك بن عَليّ باك بن دلغادر. هَذَا وَأَبوهُ نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن دلغادر عَليّ أبلستين وقيصرية الرّوم وهما بِيَدِهِ. وَسبب ذَلِك أَنه كَانَ فِي نِيَابَة مرعش الْأَمِير حَمْزَة بك بن الْأَمِير عَليّ بك بن دلغادر فَوَثَبَ عَلَيْهِ فياض الْمَذْكُور وَولي مرعش بِغَيْر مرسوم. شهر جُمَادَى الْآخِرَة أَوله السبت: فِيهِ خلع على الْأَمِير الْوَزير الصاحب كريم الدّين عبد الْكَرِيم ابْن كَاتب المناخ وَاسْتقر كاشف الْوَجْه القبلي. ورسم أَن يسْتَقرّ مُحَمَّد الصَّغِير الْمَعْزُول عَن الْكَشْف دواداره وأمير على الَّذِي كَانَ كاشفاً بِالْوَجْهِ القبلي وَالْوَجْه البحري رَأس نوبَته. وَنزل من القلعة إِلَى دَاره فِي موكب جليل. وَفِي سادسه: خلع على الصاحب أَمِين الدّين إِبْرَاهِيم بن الهيصم وَاسْتقر شَرِيكا لعبد الْعَظِيم بن صَدَقَة فِي نظر الدِّيوَان الْمُفْرد. وَقدم الْخَبَر بِأَن الْأَمِير عُثْمَان قرا يلك صَاحب آمد وماردين نزل على ظَاهر الرها وَأخذ فِي جمع جمائعه وَأَن ابْنه نهب مُعَاملَة دوركي ومعاملة ملطية. وَفِي يَوْم الْأَحَد سادس عشره: قبض السُّلْطَان على سعد الدّين نَاظر الْخَاص وأخيه الْوَزير جمال الدّين يُوسُف وأوقع الحوطة على دارهما ثمَّ أفرج عَنْهُمَا من الْغَد. وخلع على نَاظر الْخَاص باستمراره على عَادَته. وعزل أَخُوهُ عَن الوزارة وألزما بِحمْل ثَلَاثِينَ ألف دِينَار فَنزلَا وَشرعا فِي بيع موجودهما وإيراد المَال الْمَذْكُور وَفِيه ألزم تَاج الدّين عبد الرهاب بن الشَّمْس نصر الله الخطير بن الْوَجِيه توما نَاظر الاصطبل بِولَايَة الوزارة وخلع عَلَيْهِ من الْغَد يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشره. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 283 وَفِيه قدم سيف الْأَمِير أركماس الجلباني أحد مقدمي الألوف بِدِمَشْق وَقد مَاتَ. وَفِيه خلع على الْأَمِير التَّاج الشويكي وَاسْتقر مهمنداراً عوضا عَن الْأَمِير أقطوة المتوجه رَسُولا إِلَى شاه رخ. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشره: رسم بإقطاع أركماس الجلباني لتِمْراز المؤيدي. وأنعم بطبلخاناه تمراز على الْأَمِير سنقر الْعزي نَائِب حمص وَاسْتقر عوضه طغرق أحد أُمَرَاء دمشق. وَفِي الْعشْرين مِنْهُ: خلع على شمس الدّين أبي الْحسن ابْن الْوَزير تَاج الدّين الخطير وَاسْتقر فِي نظر الاصطبل عوضا عَن أَبِيه. وَفِي يَوْم الْأَحَد ثَالِث عشرينه: توجه الْأَمِير الْكَبِير أينال الجكمي والأمير جقمق أَمِير سلَاح والأمير يشبك حَاجِب الْحجاب والأمير قانباي الحمزاوب فِي عدَّة من الْأُمَرَاء إِلَى الْعَرَب بِالْوَجْهِ البحري وَذَلِكَ أَن لبيد عرب برقة قدم مِنْهُم طَائِفَة بهدية وسألوا أَن ينزلُوا الْبحيرَة فَلم يجابوا إِلَى ذَلِك وخلع عَلَيْهِم فعارضهم أهل الْبحيرَة فِي طريقهم وَأخذُوا مِنْهُم خلعهم. وَكَانَ السُّلْطَان يلهج كثيرا بِإِخْرَاج تجريدة إِلَى الْبحيرَة فَبَلغهُمْ ذَلِك فَأخذُوا حذرهم. وَاتفقَ مَعَ ذَلِك أَن شتاء هَذِه السّنة لم يَقع فِيهِ مطر أَلْبَتَّة لَا بِأَرْض مصر وَلَا بِأَرْض الشَّام فدفة دافة من لبيد إِلَى الْبحيرَة لمحل بِلَادهمْ وصالحوا أهل الْبحيرَة وَسَارُوا إِلَى محَارب وَغَيرهَا من الْعَرَب بِالْوَجْهِ القبلي لرعي الْكثير من الْأَرَاضِي البور. وَكَانَ قد كتب إِلَى الكاشف بألا يُمكنهُم من المراعي حَتَّى يَأْخُذ مِنْهُم مَالا فأنفوا من ذَلِك لِأَنَّهُ حَادث لم يعْهَد قبل ذَلِك وأظهروا الْخلاف فَخرجت إِلَيْهِم هَذِه التجريدة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: رسم أَن يكْشف عَن شُرُوط واقفي الْمدَارِس والخوانك وَيعْمل بهَا. وَندب لذَلِك قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أَحْمد بن حجر الشَّافِعِي فَبَدَأَ أَولا بمدرسة الْأَمِير صرغتمش بِخَط الصليبة وَقَرَأَ كتاب وَقفهَا. وَقد حضر مَعَه رفقاؤه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 284 الثَّلَاث قُضَاة الْقُضَاة فأجل فِي الْأَمر فَلم يعجب السُّلْطَان ذَلِك وَأَرَادَ عزل جمَاعَة من أَرْبَاب وظائفها فروجع فِي ذَلِك حَتَّى أقرهم على مَا هم عَلَيْهِ. وأبطل الْكَشْف عَمَّا رسم بِهِ فسر النَّاس بِهَذَا لأَنهم كَانُوا يتوقعون تغييرات كَثِيرَة. وَفِيه اشْتَدَّ قلق النَّاس لقلَّة الْبرد فِي فصل الشتَاء وَعدم الْمَطَر وهبوب ريَاح حارة فِي أَوْقَات شهر رَجَب أَوله الِاثْنَيْنِ: فِي ثامنه: أدير محمل الْحَاج بِمصْر والقاهرة وَكَانَت الْعَادة أَلا يدار إِلَّا بعد النّصْف من رَجَب فأدير فِي هَذِه الدولة قبله غير مرّة. وَفِي ثامن عشره: خلع على الْأَمِير تمرباي الدوادار الثَّانِي وَاسْتقر أمَير الْحَاج وخلع على الْأَمِير صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله محتسب الْقَاهِرَة ليَكُون أَمِير الركب الأول. وَفِي حادي عشرينه: ورد الْخَبَر بِأَن الْعَرَب - من محَارب - لما علمُوا نزُول الْأَمِير أينال الجكمي على الفيوم سَارُوا إِلَى جِهَة الواحات. ثمَّ بدا لَهُم فنزلوا بالأشمونين فَركب الْأَمِير كريم الدّين الكاشف والأمير تغري برمش أَمِير أخور والأمير تمراز رَأس نوبَة النوب وقاتلوهم وهزموهم وظفروا مِنْهُم بستمائة جمل غير مَا نهب لَهُم وَإِن ذَلِك كَانَ فِي يَوْم الثُّلَاثَاء سادس عشره. وَفِي حادي عشرينه: قدم الْأَمِير فياض ابْن الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن دلغادر تَحت الحوطة فسجن بقلعة الْجَبَل. وَفِي هَذَا الشَّهْر: بعث الْملك شهَاب الدّين أَحْمد بدلاي بن سعد الدّين سُلْطَان الْمُسلمين بِالْحَبَشَةِ أَخاه خير الدّين لقِتَال أمحرة الْكَفَرَة فَفتح عدَّة بِلَاد من بِلَاد الحطي ملك الْحَبَشَة وَقتل أميرين من أمرائه وَحرق الْبِلَاد وغنم مَالا عَظِيما وَأكْثر من القيل فِي أمحرة النَّصَارَى وَخرب لَهُم سِتّ كنائس. هَذَا وَقد شنع بعامة بِلَاد الْحَبَشَة الوباء الْعَظِيم فَمَاتَ فِيهِ من الْمُسلمين وَمن النَّصَارَى عَالم لَا يُحْصى حَتَّى لقد بَالغ الْقَائِل بِأَنَّهُ لم يبْق بِبِلَاد الْحَبَشَة أحد. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 285 وَهلك فِي هَذَا الوباء الحطي ملك الْحَبَشَة الْكَافِر وأقيم بدله صبي صَغِير. شهر شعْبَان أَوله الْأَرْبَعَاء: وَفِي سادسه: قدم بَقِيَّة المماليك والأمراء المجردين إِلَى الْعَرَب بِالْوَجْهِ القبلي. وفى سادس عشره: خلع على الْأَمِير قانباي الحمزاوي أحد الْأُمَرَاء الألوف. وَاسْتقر فِي نِيَابَة حماه عوضا عَن الْأَمِير جلبان. وَنقل جلبان إِلَى نِيَابَة طرابلس عوضا عَن الْأَمِير طراباي بعد مَوته. وأنعم بإقطاع قانباي وإمرته على الْأَمِير خجا سودن أحد أُمَرَاء الطبلخاناه. ووفرت امْرَأَة خجا سودن وأُضيف إقطاعه إِلَى الدولة للوزير تَقْوِيَة للوزير تَاج الدّين. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشره: نُودي بِمَنْع النَّاس من الْمُعَامَلَة بالفلوس وَألا يتعامل النَّاس إِلَّا بالفلوس الَّتِي ضربهَا السُّلْطَان. وَكَانَ من خبر ذَلِك أَن الْفُلُوس الجدد لما ضُربْ فِي سنة تسع وَخمسين وَسَبْعمائة عمل زنة كل فلس مِنْهَا مِثْقَال على أَن الدِّرْهَم الْفضة الْمُعَامَلَة يعد فِيهِ مِنْهَا أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ فلسًا فَكَانَت زنة القفة الْفُلُوس مائَة وَثَمَانِية عشر رطلا عَنْهَا خَمْسمِائَة دِرْهَم من الْفضة الظَّاهِرِيَّة مُعَاملَة مصر وَالشَّام. والمثقال الذَّهَب الهرجة الْمَضْرُوب بسكة الْإِسْلَام يصرف بِعشْرين درهما من هَذِه الدَّرَاهِم وَيزِيد تَارَة ثمن دِرْهَم على الْعشْرين درهما وَتارَة ربع دِرْهَم عَلَيْهَا. ثمَّ تزايد صرف الدِّينَار فِي آخر الْأَيَّام الظَّاهِرِيَّة برقوق حَتَّى بلغ نَحْو خَمْسَة وَعشْرين درهما. وَكَانَ النَّقْد الرائج بديار مصر وَأَرْض الشَّام الْفضة الْمَذْكُورَة وَيعْمل ثلثهَا نُحَاس وثلثاها فضَّة. ثمَّ يَلِي الْفضة الْمَذْكُورَة فِي الْمُعَامَلَة الذَّهَب الْمَخْتُوم الإسلامي وَلَا يعرف دِينَار غَيره. وَكَانَت الْفُلُوس أَولا إِنَّمَا هِيَ برسم شِرَاء المحقرات الَّتِي لَا تبلغ قيمتهَا دِرْهَم. فَلَمَّا كَانَت الْأَيَّام الظَّاهِرِيَّة برقوق وَقَامَ بتدبير الْأَمْوَال الْأَمِير جمال الدّين مَحْمُود بن عَليّ بن أصفر عينه أستادار أَكثر من ضرب الْفُلُوس الجدد الْمَذْكُورَة حَتَّى صَارَت هِيَ النَّقْد الرائج بديار مصر وَقلت الدَّرَاهِم. فَلَمَّا كَانَت الْأَيَّام الناصرية فرج بن برقوق تفاحش فِي دولته أَمر نقود مصر وكادت الدَّرَاهِم الْفضة الْمُعَامَلَة الَّتِي تقدم ذكرهَا أَن تعدم وَصَارَت تبَاع كَمَا تبَاع البضائع فبلغت كل مائَة دِرْهَم مِنْهَا إِلَى ثَلَاثمِائَة وَسِتِّينَ درهما من الْفُلُوس الَّتِي يعد عَن كل دِرْهَم مِنْهَا أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ فلسًا. وَزَاد سعر الذَّهَب وراج مِنْهُ الدِّينَار الأفرنتي وَهُوَ ضرب الفرنج حَتَّى عدمت الدَّنَانِير الذَّهَب الهرجه المختومة بسكة الْإِسْلَام وَبلغ الدِّينَار الأفرنتي الْمَذْكُور مِائَتَيْنِ وَسِتِّينَ درهما من الْفُلُوس الْمَذْكُورَة وفسدت مَعَ ذَلِك هَذِه الْفُلُوس فَعمِلت كل قِنْطَار مصري - وَهُوَ مائَة رَطْل مصرية - بستمائة دِرْهَم وَصَارَت مُعَاملَة النَّاس بهَا فِي ديار مصر كلهَا بِالْوَزْنِ لَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 286 بِالْعدَدِ فيحسب فِي كل رَطْل مِنْهَا سِتَّة دَرَاهِم وَصَارَت قيم الْأَعْمَال وَثمن المبيعات كلهَا - جليلها وحقيرها - وَأُجْرَة الْبيُوت والبساتين وسجلات الْأَرَاضِي كلهَا ومهور النِّسَاء وَسَائِر إنعامات السُّلْطَان إِنَّمَا هِيَ بالفلوس وَصَارَ النقدان - اللَّذَان هما الذَّهَب وَالْفِضَّة - ينسبان إِلَى هَذِه الْفُلُوس فَيُقَال كل دِينَار بِكَذَا أَو كَذَا من الْفُلُوس وكل دِرْهَم من الْفضة إِن وجد - وَلَا يكَاد يُوجد - بِكَذَا من الْفُلُوس فَلم يبْق للنَّاس بديار مصر نقد سوى الْفُلُوس. ثمَّ بعد الْفُلُوس الذَّهَب الأفرنتي أَو الذَّهَب السالمي أَو الذَّهَب الناصري وَهُوَ بأنواعه إِنَّمَا ينْسب إِلَى الْفُلُوس. وَصَارَ الذَّهَب مَعَ ذَلِك أصنافاً الهرجة وَهُوَ قَلِيل جدا والأفرنتي وَهُوَ من الذَّهَب النَّقْد الرائج والسالمي وَهِي دَنَانِير ضربهَا الْأَمِير يلبغا السالمي أستادار زنتها مِثْقَال كل دِينَار والناصري وَهِي دَنَانِير ضربهَا الْملك النَّاصِر فرج بن برقوق. فَلَمَّا كَانَت الْأَيَّام المؤيدية شيخ ضرب دَرَاهِم عرفت بالمؤيدية تعامل النَّاس بهَا عددا مُدَّة أَيَّامه وَحسن موقعها من النَّاس فَصَارَت النُّقُود بِمصْر الْفُلُوس وَالذَّهَب بأنواعه وَالْفِضَّة المؤيدية. والنقد الرائج مِنْهَا إِنَّمَا هُوَ الْفُلُوس وإليها تنْسب قيم الْأَعْمَال وَثمن المبيعات كَمَا تقدم. فَلَمَّا كَانَت الْأَيَّام الأشرفية برسباي رد الدَّرَاهِم إِلَى الْوَزْن وأبطل الْمُعَامَلَة بهَا بِالْعدَدِ فَإِنَّهُ كثر قصّ المفسدين مِنْهَا فتعنت النَّاس فِي أَخذهَا. واستمرت الْمُعَامَلَة بِالدَّرَاهِمِ وزْناً. وَضرب أَيضاً دَرَاهِم أشرفية يصرف كل دِرْهَم وزنا بِعشْرين درهما من الْفُلُوس. ثمَّ تزايد سعر الْفُلُوس حَتَّى بلغ كل قِنْطَار مِنْهَا ألفا وَثَمَانمِائَة فتعمل النَّاس بهَا من حِسَاب كل رَطْل بِثمَانِيَة عشر درهما فُلُوسًا. وَمَا زَالَت تقل لِكَثْرَة مَا يحمل التُّجَّار مِنْهَا إِلَى بِلَاد الْهِنْد وَغَيرهَا وَمَا يضْرب مِنْهَا بِالْقَاهِرَةِ أواني كالقدور الَّتِي يطْبخ فِيهَا وَنَحْوهَا من آلَات النّحاس. وَصَارَ على من يتَوَلَّى ضرب الْفُلُوس أواني ضْماناً مقرراً لديوان الْخَاص فِي كل شهر خَمْسَة عشر ألف دِرْهَم. ثمَّ زَاد مبلغ الضَّمَان عَن ذَلِك فَاقْتضى رَأْي السُّلْطَان بعد اخْتِلَاف واضطراب كثير فِي مُدَّة أَيَّام أَن يضْرب فُلُوسًا يعد فِي كل دِرْهَم من دَرَاهِم الدِّينَار ثَمَانِيَة فلوس على أَن الدِّينَار الأشرفي بمائتين وَخَمْسَة وَثَمَانِينَ درهما وَالدِّينَار الأفرنتي بمائتين وَثَمَانِينَ. فَتكون هَذِه الْفُلُوس الأشرفية كل رَطْل مِنْهَا بسبعة وَعشْرين درهما. وَيُؤْخَذ فِي كل دِينَار أشرفي أَلفَانِ وَمِائَتَا فلس وَثَمَانُونَ فلسًا. فَلَمَّا ضربت الْفُلُوس على هَذَا الحكم نُودي أَن يتعامل النَّاس بهَا وَألا يتعاملوا. بِمَا فِي أَيْديهم من الْفُلُوس الْقَدِيمَة بل يحملوها إِلَى دَار الضَّرْب على حِسَاب كل رَطْل بِثمَانِيَة عشر. وَمَا أحسن هَذَا لَو استَمر. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 287 شهر رَمَضَان أَوله الْخَمِيس: فِي خامسه: خلع على مُحَمَّد الصَّغِير وأعيد إِلَى كشف الْوَجْه القبلي عوضا عَن الصاحب كريم الدّين. وَفِيه توجه الْأَمِير قانباي إِلَى مَحل كفَالَته من نِيَابَة حماة بعد مَا اقْترض نَحْو خَمْسَة آلَاف دِينَار بفوائد حَتَّى تجهز بهَا لقلَّة ذَات يَده. وَهَذَا من نَوَادِر مَا يحْكى عَن أُمَرَاء مصر. وَفِي خَامِس عشره: قدم الصاحب كريم الدّين من الْوَجْه القبلي فَنزل دَاره. وَفِي هَذِه الْأَيَّام - وموافقتها من شهور القبط برمودة: - وَقع بِالْقَاهِرَةِ ومصر مطر كثير غزير دلفت مِنْهُ سقوف الْبيُوت وسال جبل المقطم سيلاً عَظِيما أَقَامَ مِنْهُ المَاء بالصحراء عدَّة أَيَّام. وَهَذَا أَيْضا فِي هَذَا الْوَقْت مِمَّا ينْدر وُقُوعه بِأَرْض مصر. وَفِي هَذَا الشَّهْر: الْأَمِير قرقماس نَائِب حلب مِنْهَا بالعسكر وَنزل العمق وَجمع تركمان الطَّاعَة وَسبب ذَلِك أَن الْأَمِير صارم الدّين إِبْرَاهِيم بن قرمان قصد أَخذ مَدِينَة قيصرية من الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن دلغادر نَائِب أبلستين فِي الْأَيَّام المؤيدية شيخْ. وَكَانَ ابْن دلغادر قد تغلب عَلَيْهَا وانتزعها من بني قرمان وَولي عَلَيْهَا ابْنه سُلَيْمَان فترامى ابْن قرمان على السُّلْطَان فِي هَذِه الْأَيَّام أَن يِملكه - بإعانته بعسكر حلب - بِمَدِينَة قيصرية ووعد بِمَال وَهُوَ عشرَة آلَاف دِينَار فِي كل سنة وَثَلَاثُونَ بختيا وَثَلَاثُونَ فرسا سوى خدمَة أَرْكَان الدولة. فَكتب السُّلْطَان إِلَى نَائِب حلب أَن يخرج إِلَى العمق وَيجمع العساكر لأخذ قيصرية. وَبعث بذلك الْأَمِير خش كلدي مقدم البريدية فَخرج فِي ثَانِي عشر رَمَضَان هَذَا وَنزل العمق وَجمع تركمان الطَّاعَة وَكتب إِلَى ابْن قرمان بِأَن يسير بعسكره إِلَى قيصرية. وَفِي هَذَا الشَّهْر: أَيْضا ورد الْخَبَر بِأَن أَصْبَهَان بن قرا يُوسُف حَاكم بَغْدَاد توجه لأخذ الْموصل فَبعث زينال الْحَاكِم بهَا إِلَى الْأَمِير عُثْمَان قرا يلوك صَاحب آمد بمفاتيح الْموصل وحثه على الْمسير إِلَيْهَا فَبعث نَائِبه مَحْمُود بن قرا يلوك وَمَعَهُ بشلمش أحد أمرائه فِي مِائَتي فَارس فَلَمَّا قدمُوا على زينال جعلهم فِي الْموصل كالمسجونين مدةَ فَجهز مَحْمُود إِلَى أَبِيه قرا يلوك يُعلمهُ بِحَالهِ فأمده بأَخيه مُحَمَّد بيك بن قرا يلوك على ألف فَارس فَنزل على الْموصل مُدَّة وَلم يتَمَكَّن من رُؤْيَة أَخِيه مَحْمُود فَسَار قرا يلوك بِنَفسِهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 288 من مشتاه بِرَأْس عين وَنزل على نَصِيبين فَبَلغهُ توجه اسكندر بن قرا يُوسُف إِلَيْهِ وَقد فر من شاه رخ ملك الْمشرق وَكَانَ الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن دلغادر لما بلغه خُرُوج العساكر من حلب لأخذ قيصرية مِنْهُ بعث بامرأته الْحَاجة خَدِيجَة خاتون بتقدمة للسُّلْطَان وَمَعَهَا مَفَاتِيح قيصرية وَأَن يكون زَوجهَا الْمَذْكُور نَائِب السلطنة بهَا وَأَن يفرج عَن وَلَدهَا فياض المسجون بقلعة الْجَبَل. وَكتب على يَدهَا بذلك كتابا ووعد بِمَال فَقدمت حلب فِي سَابِع عشرينه. فِي رابعه: قدم كتاب الخان شاه رخ ملك الْمشرق يتَضَمَّن أَنه عازم على زِيَاد الْقُدس الشريف وأرعد فِيهِ وأبرق وَأنكر أَخذ المكوس من التُّجَّار بجدة. فِي رَابِع عشره: خلع على عَلَاء الدّين عَليّ بن التلواني أحد أجناد الْحلقَة وَاسْتقر فِي نِيَابَة دمياط عوضا عَن سودن المغربي أحد المماليك الظَّاهِرِيَّة برقوق. وَفِي خَامِس عشره: خلع على الْأَمِير تَاج الدّين الشويكي أحد ندماء السُّلْطَان وجلسائه وأعيد إِلَى ولَايَة الْقَاهِرَة عوضا عَن ابْن الطبلاوي بِحكم عَزله. فَأَقَامَ أَخَاهُ الْأَمِير عمر يتحدث فِي الْولَايَة عَنهُ. وَفِي ثامن عشره: خرج محمل الْحَاج صُحْبَة الْأَمِير تمرباي الدوادار فَنزل بركه الْحَاج. ورحل فِي ثَانِي عشرينه الركب الأول صُحْبَة الْأَمِير صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله وَفِيهِمْ خوند فَاطِمَة بنت الْملك الظَّاهِر ططر زَوْجَة السُّلْطَان. وَقد أذن لوالده الصاحب بدر الدّين أَن يتحدث فِي الْحِسْبَة حَتَّى يقدم من الْحَج. ورحل الْأَمِير تمرباي بالمحمل وَبَقِيَّة الْحَاج فِي يَوْم الْأَحَد ثَالِث عشرينه. وَفِي هَذَا الشَّهْر: زَاد مَاء النّيل نَحْو أَرْبَعَة أَذْرع قبيل أَوَان الزِّيَادَة فأغرق كثيرا من مقاتي الْبِطِّيخ. واستمرت الزِّيَادَة إِلَى ثَالِث بؤونة وَهَذَا مِمَّا يستغرب وُقُوعه فَتلف للنَّاس مَال عَظِيم وَفِي هَذَا الشَّهْر: قدمت خَدِيجَة خاتون امْرَأَة الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن دلغادر إِلَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 289 الْقَاهِرَة فأنزلت وأقيم لَهَا بِمَا يَلِيق بهَا. وَقبلت هديتها لما صعدت قلعة الْجَبَل. وَأَفْرج لَهَا عَن وَلَدهَا فياض وخلع عَلَيْهِ وَولي نِيَابَة مرعش وَكَانَ الْأَمِير إِبْرَاهِيم بن قرمان قد بلغه توجه خَدِيجَة خاتون إِلَى الْقَاهِرَة فَبعث يسْأَل أَن تكون قيصرية لَهُ. فَقدم قاصده إِلَى حلب فِي ثامن عشْرين شهر شَوَّال هَذَا ووعد بِالْمَالِ الْمَذْكُور وَقد رَحل الْأَمِير قرقماس نَائِب حلب فِي رَابِع عشرينه من مرج دابق يُرِيد عينتاب بعد مَا أَقَامَ بالعمق خمْسا وَثَلَاثِينَ لَيْلَة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: ظهر الْأَمِير جَانِبك الصُّوفِي بعد مَا أَقَامَ مُنْذُ خرج من سجن الْإسْكَنْدَريَّة فِي شهر شعْبَان سنة سِتّ وَعشْرين لَا يُوقف لَهُ على خبر حَتَّى قدم فِي يَوْم الثُّلَاثَاء حادي عشر شَوَّال هَذَا إِلَى مَدِينَة حلب تركماني يُقَال لَهُ مُحَمَّد قد قبض عَلَيْهِ الْأَمِير قرقماس نَائِب حلب بالعمق وَمَعَهُ كتاب جَانِبك الصُّوفِي فِي سابعه فسجن بقلعة حلب وجهز الْكتاب إِلَى السُّلْطَان. شهر ذِي الْقعدَة أَوله يَوْم الِاثْنَيْنِ: فِيهِ نزل الْأَمِير قرقماس نَائِب حلب بِمن مَعَه عينتاب وَقد جمع التركمان على كينوك فَأَتَاهُ الْخَبَر بِأَن حَمْزَة بن دلغادر خرج عَن الطَّاعَة وَتوجه إِلَى ابْن عَمه سُلَيْمَان ابْن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن دلغادر بعد مَا بعث إِلَيْهِ وحلفه لَهُ. وَأَن دوادار الْأَمِير جَانِبك الصُّوفِي وَمُحَمّد بن كندغدي بن رَمَضَان التركماني وصلا إِلَى الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن دلغادر بأبلستين وحلفاه أَنه إِذا قدم عَلَيْهِ جَانِبك الصُّوفِي لَا يُسلمهُ وَلَا يَخْذُلهُ وَأَن جَانِبك كَانَ عِنْد أسفنديار فَسَار من عِنْده يُرِيد سُلَيْمَان بن دلغادر فَخرج إِلَيْهِ وتلقاه هُوَ وأمراؤه التركمان وَكَانَ السُّلْطَان قد جهز خَدِيجَة خاتون - كَمَا تقدم ذكره - فسارت بابنها فياض فِي أَوَائِل هَذَا الشَّهْر. وَقد جمع الْأَمِير صارم الدّين إِبْرَاهِيم بن قرمان وَنزل على قيصرية فوافقه أَهلهَا وسلموها لَهُ. ففر سُلَيْمَان بن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن دلغادر فَبَلغهُ ظُهُور جَانِبك الصُّوفِي وَأَنه اجْتمع عَلَيْهِ الْأَمِير أسلماس بن كبك وَمُحَمّد بن قطبكي وهما من أُمَرَاء التركمان ونزلوا على ملطية. فَقدم على أَبِيه بأبلستين وَلم يبلغهما خبر الإفراج عَن وَلَده فياض وَخُرُوجه مَعَ أمه خَدِيجَة من الْقَاهِرَة فَأَرَادَ أَن يتَّخذ يدا عِنْد السُّلْطَان ليفرج عَن ابْنه فياض وينعم لَهُ بقيصرية فَجهز فِي ذَلِك ابْنه سُلَيْمَان بعد عوده مُنْهَزِمًا من قيصرية بكتابه. وَقدم الْخَبَر بِأَن اسكندر بن قرا يُوسُف مَشى على قرا يلوك وغزا على مَدِينَة أرزن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 290 الرّوم وَأَخذهَا. فَعَاد قرا يلوك إِلَى آمد وَخرج مِنْهَا بعد لَيْلَة إِلَى أرقنين خوفًا من اسكندر. وَأَن كتاب الْأَمِير جَانِبك الصُّوفِي ورد على الْأَمِير بلبان نَائِب درنده فَقبض على قاصده وسجنه وَحمل كِتَابه إِلَى السُّلْطَان. وفى سَابِع عشرينه: عَاد الْأَمِير قرقماس نَائِب حلب إِلَيْهَا بعد غيبته عَنْهَا بالعمق ومرج دابق وعينتاب خَمْسَة وَسبعين يَوْمًا وَقد فَاتَ أَخذ قيصرية لاستيلاء إِبْرَاهِيم بن قرمان عَلَيْهَا. وَكَانَ الْقَصْد أَخذهَا واستنابة أحد أُمَرَاء السُّلْطَان بهَا ولظهور جَانِبك لصوفي وانتمائه إِلَى ابْن دلغادر ووصلت خَدِيجَة خاتون وَابْنهَا فياض إِلَى زَوجهَا نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن دلغادر فَبلغ مُرَاده وَترك مداة السُّلْطَان وأشغل فكر الدولة لِأَنَّهُ قد جَاءَ من خُرُوج جَانِبك مَا هُوَ أدهى وَأمر. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشرينه - وَهُوَ سَابِع عشْرين بؤونة: - ابْتَدَأَ بالنداء على النّيل فَزَاد إِصْبَعَيْنِ وَجَاءَت الْقَاعِدَة أحد عشر ذِرَاعا وَعشر أَصَابِع وَهَذَا مِمَّا ينْدر وُقُوعه وَلم ندرك مثله. وَفِي سادس عشرينه: لم يناد على النّيل إِلَى سلخه وَنقص سِتَّة عشر إصبعا. شهر ذِي الْحجَّة أَوله الْأَرْبَعَاء: فِي سادسه: نُودي بِزِيَادَة إِصْبَع من النَّقْص واستمرت الزِّيَادَة فِي كل يَوْم. وَفِي تاسعه: أضيف إِلَى زين الدّين عمر بن شهَاب الدّين أَحْمد بن صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن السفاح كَاتب السِّرّ بحلب نظر الْجَيْش بهَا عوضا عَن جمال الدّين يُوسُف بن أبي أصيبعة بِمَال وعد وَفِي سَابِع عشره: خرج على مبشري الْحَاج طَائِفَة من عنزة فَأخذت جَمِيع مَا مَعَهم وَقتلُوا مِنْهُم مَمْلُوكا وتركوهم حُفَاة عُرَاة بادية عَوْرَاتهمْ فَمَشَوْا إِلَى أَن لقوا أَرْبَاب الأدراك من جُهَيْنَة بِأَرْض السماوة فآووهم وذبحوا لَهُم الأغنام وأضافوهم وكسوهم من ملابسهم وحملوهم إِلَى الْقَاهِرَة وَقد قلق النَّاس بِهَذَا لتأخرهم عَن عَادَة قدومهم عدَّة أَيَّام. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 291 وَحج فِي هَذِه السّنة الْملك النَّاصِر حسن بن أبي بكر بن حسن بن بدر الدّين متملك ديوة - الَّتِي تسميها الْعَامَّة دينة وَهِي جزائر فِي الْبَحْر تجاور سيلان. وفيهَا وَقع وباء عَظِيم بِبِلَاد كرمان. وأبتدأَ فِي مَدِينَة هراة من بِلَاد خُرَاسَان فِي شهر ربيع الأول وشنع فَمَاتَ فِيهِ عَالم عَظِيم يَقُول المكثر ثَمَانمِائَة ألف. وَخرج شاه رخ مِنْهَا فِي ثَانِي عشر شهر ربيع الأول هَذَا وَقد جمع عسكراً عَظِيما يُرِيد قتال اسكندر بن قرا يُوسُف. وتأهب وَمن مَعَه لمُدَّة أَربع سِنِين وَسبب ذَلِك أَن اسكندر نزل على شماخي من مملكة شرْوَان وَقَاتل ملكهَا خَلِيل بن إِبْرَاهِيم شيخ الدربندية مُدَّة. فَلَمَّا كَانَ فِي بعض الْأَيَّام توجه اسكندر من مُعَسْكَره للصَّيْد فهجم خَلِيل فِي غيبته على المعسكر وَقتل وَأسر ابْن اسكندر وابنَه وزوجتَه وَبعث بالابن إِلَى شاه رخ فَأكْرمه وَتَركه يركب مَعَه أَيَّامًا. ثمَّ حمله إِلَى سَمَرْقَنْد وأوقف خَلِيل بنت اسكندر وزرجته فِي الخرابات للزِّنَا بهما. فَلَمَّا رَجَعَ اسكندر من متصيده ألح فِي الْقِتَال حَتَّى أَخذ شماخي وخربها حَتَّى جعلهَا دكاً وَنهب أَمْوَال أَهلهَا وأفحش فِي قَتلهمْ وَسَبْيهمْ وَفد فر خَلِيل وَبعث يستنجد بشاه رخ ويترامى على الخاتون امْرَأَته فَمَا زَالَت بِهِ حَتَّى خرج لقتاله. وَكَانَ اسكندر فِي سماحي بابنة خَلِيل وَامْرَأَته فأوقفهما تزنا بهما وألزمهما أَن يَزْنِي بِكُل وَاحِدَة خَمْسُونَ رجلا فِي كل يَوْم نكاية فِي خَلِيل. وفيهَا كَانَت بينِ إفرنج حروب سَببهَا أَن ألفن الَّذِي يُقَال لَهُ ألفنه صَاحب مملكة أرغون وَهُوَ الَّذِي غزا مَدِينَة أغرناطة من الأندلس وَأخذ من الْمُسلمين الخميرة وَغَيرهَا وَكَانَ وَصِيّا على ولد أَخِيه بقشتالة فَلَمَّا هلك قَامَ من بعده ابْنه بترو بن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 292 ألفنت صَاحب برشلونة وبلنسية وَغير ذَلِك من مملكة أرغون حَتَّى هَلَكت ملكة نابل فاستضاف الجنويون مملكة نابل إِلَى مملكتهم فشق ذَلِك على بترو بن ألفنت وَسَار إِلَيْهِم فِي أَرْبَعِينَ قِطْعَة فِي الْبَحْر وَنزل على قلعة كايات وحصرها إِلَى أَن أَخذهَا عنْوَة وخرجها بعد أَن صلب ثَلَاثَة من رؤسائها على السُّور وَأسر جَمِيع من فِيهَا وَتوجه إِلَى جَزِيرَة غيطلة وَهِي من أجل مملكة نابل وَأقَام عَلَيْهَا مُدَّة فَبعث الجنويون إِلَى الْمُنْتَصر أبي عبد اللهّ مُحَمَّد صَاحب تونس ومملكة إفريقية رجلا من أَخْوَاله أمه جنوية يستنجدونه على بترو فَأَمَدَّهُمْ بِمَال وجهز لَهُم اثْنَي عشر مركبة حربية. فَلَمَّا قدمت عَلَيْهِم مَعَ رسولهم نجدة صَاحب تونس سَارُوا فِي خَمْسَة وَأَرْبَعين مركبا - مِنْهَا ثَمَانِيَة عشر كبارًا وَخَمْسَة عشر غرابا - وَقد اشْتَدَّ الْأَمر على أهل غيطلة وَكَثُرت محاربتهم لبترو فَلَقوهُ وحاربوه فانتخب ألفا من عسكره وَنزل فِي مركب عَظِيم ليخالفهم إِلَى بِلَادهمْ. ففطنوا بِهِ فأدركوه وحاربوه حَتَّى غلبوه وأسروه وأخويه وَمن مَعَه فِي آخر يَوْم من ذِي الحجةَ. وعادوا بهم إِلَى بِلَادهمْ وسجنوه وأخويه وردوا إِلَى المنتّصر مراكبه الْخَمْسَة عشر. وفيهَا قوي عرب إفريقية وحصروا مَدِينَة تونس. وَذَلِكَ أَن الْمُنْتَصر أَبَا عبد الله مُحَمَّد ابْن الْأَمِير أبي عبد الله مُحَمَّد ابْن السُّلْطَان أبي فَارس عبد العزبز لما قَامَ فِي سلطنة أفريقية بعد موت جده عبد الْعَزِيز بن أبي الْعَبَّاس أَحْمد فِي سَفَره بنواحي تلمسان قدم إِلَى مَدِينَة تونس دَار ملكه فِي يَوْم عَاشُورَاء وَأقَام بهَا أَيَّامًا ثمَّ خرج إِلَى عمْرَة وَنزل بِالدَّار الَّتِي بناها جده أَبُو فَارس وضيق على الْعَرَب ومنعهم من الدُّخُول إِلَى بِلَاد إفريقية. وَكَانَ مَرِيضا فَاشْتَدَّ بِهِ الْمَرَض وفر من عِنْده الْأَمِير زَكَرِيَّا ابْن مُحَمَّد ابْن السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس وَأمه ابْنة السُّلْطَان أبي فَارس عبد الْعَزِيز بن أَبي الْعَبَّاس وَنزل عِنْد الْعَرَب الْمُخَالفين على الْمُنْتَصر. فَسَار عِنْد ذَلِك الْمُنْتَصر من عمْرَة عَائِدًا إِلَى تونس وَقد تزايد مَرضه فَتَبِعَهُ زَكَرِيَّا وَمَعَهُ الْعَرَب حَتَّى نزلُوا على مَدِينَة تونس وحصروها عدَّة أَيَّام فَخرج عُثْمَان أَخُو الْمُنْتَصر من قسنطينة وَقدم تونس فسر بِهِ الْمُنْتَصر هَذَا والفقيه أَبُو الْقَاسِم الْبُرْزُليّ مفتي الْبَلَد وخطيبها يجول فِي النَّاس بِالْمَدِينَةِ ويحرضهم على قتال الْعَرَب ويخرجهم فيقاتلون الْعَرَب ويرجعون مُدَّة أَيَّام إِلَى أَن حمل الْعَرَب عَلَيْهِم حَملَة مُنكرَة هزموهم وقتَل من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 293 الْفَرِيقَيْنِ عدد كَبِير. كل ذَلِك والمنتصر ملقى على فرَاشه لَا يقدر أَن ينْهض للحرب من شدَّة الْمَرَض. وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر الحطي ملك الْحَبَشَة وَمَات ملك كربرجة - من بِلَاد الْهِنْد - وَهُوَ السُّلْطَان شهَاب الدّين أَبُو الْمَغَازِي أَحْمد شاه بن أَحْمد بن حسن شاه بن بهمن فِي شهر رَجَب بعد مَا أَقَامَ فِي المملكة أَربع عشرَة سنة. وَقَامَ من بعده ابْنه ظفر شاه واسْمه أَحْمد. وَكَانَ من خير مُلُوك زَمَانه. وَقد ذكرت تَرْجَمته فِي كتاب دُرَر الْعُقُود الفريدة فِي تراجم الْأَعْيَان المفيدة. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين طراباي نَائِب طرابلس بكرَة نَهَار السبت رَابِع شهر رَجَب من غير وعك وَلَا تقدم مرض بل صلى الْجُمُعَة وَصلى الصُّبْح فَمَاتَ فِي مُصَلَّاهُ فَجْأَة. وَهُوَ أحد المماليك الظَّاهِرِيَّة برقوق وَمِمَّنْ نبغ بعد مَوته واشتهر ذكره. ثمَّ خرج عَن طَاعَة النَّاصِر فرج فِيمَن خرج وتنقل فِي أطوار من المحن اٍ لي أَن صَار من أعظم الْأُمَرَاء بديار مصر. ثمَّ سجن عدَّة سِنِين بالإسكندرية فِي الْأَيَّام الأشرفية ثمَّ أفرج عَنهُ وَعمل فِي نِيَابَة طرابلس وَكَانَ عفيفاً عَن القاذورات متديناً. وَقتل الشريف زُهَيْر بن سُلَيْمَان بن زيان بن مَنْصُور بن جماز بن شيحة الْحُسَيْنِي فِي محاربة أَمِير الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة مَانع بن عَليّ بن عَطِيَّة بن مَنْصُور بن جماز بن شيحة فِي شهر رَجَب. وَقتل مَعَه عدَّة من بني حُسَيْن مِنْهُم ولد عَزِيز بن هيازع بن هبة بن جماز بن مَنْصُور بن جماز بن شيحة وَكَانَ زُهَيْر هَذَا فاتكاً يسير فِي بِلَاد نجد وبلاد الْعرَاق وأرضالحجاز فِي جمع كَبِير فِيهِ نَحْو ثَلَاثمِائَة فرس وعدة رُمَاة بِالسِّهَامِ فَيَأْخُذ القفول وَخرج فِي سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة على ركب عُمَّار توجهوا إِلَى مَكَّة من الْقَاهِرَة وَكنت فيهم وَنحن محرمون بعد رحيلنا من رابغ فحاربنا وَقتل منا عدَّة رجال ثمَّ صالحناه بِمَال تجابيناه لَهُ حَتَّى رَحل عَنَّا. وَمَات أَمِير زاه إِبْرَاهِيم بن القان معِين الدّين شاه رخ سُلْطَان ابْن الْأَمِير تيمور الجزء: 7 ¦ الصفحة: 294 كوركان مُتَوَلِّي شيراز فِي شهر رَمَضَان. وَكَانَ قد جهز جَيْشًا إِلَى الْبَصْرَة فِي شعْبَان فملكوها لَهُ. ثمَّ وَقع بَينهم وَبَين أهل الْبَصْرَة خلاف واقتتلوا لَيْلَة عيد الْفطر فَهزمَ أهل الْبَصْرَة أَصْحَاب إِبْرَاهِيم وَقتلُوا مِنْهُم عدَّة. فورد عَلَيْهِم خبر مَوته فسروا بِهِ. وَكَانَ من أجلّ الْمُلُوك وَله فَضِيلَة وَيكْتب الْخط الَّذِي لَا أحسن مِنْهُ فِي خطوط أهل زَمَاننَا. وَمَات صَاحب مملكة كرمان بِأَيّ سنقر بن شاه رخ بن تيمور لنك فِي الْعشْر الأول من ذِي الْحجَّة وَكَانَ ولي عهد وَعِنْده جرْأَة وشجاعة وإقدام فَعظم مصابه على أَبِيه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 295 فارغه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 296 (سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة) شهر الله الْمحرم أَوله يَوْم الْخَمِيس: فِي خْامسه - الْمُوَافق ثامن مَسَرَّة: - كَانَ وَفَاء النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا وَأَرْبَعَة أَصَابِع فَركب الْمقَام الجمالي يُوسُف ابْن السُّلْطَان حَتَّى خلق المقياس وَفتح الخليج على الْعَادة. وَقدم الْخَبَر بِأَن شاه رخ لما خرج من مَدِينَة هراة - كرْسِي مُلكه - فِي ثَانِي عشر شهر ربيع الأول من السّنة الْمَاضِيَة نزل على مَدِينَة قزوين فِي شهر رَجَب مِنْهَا. ورسم لأمير الْأُمَرَاء فَيْرُوز شاه أَن يتَوَجَّه إِلَى بَغْدَاد. ونادى فِي مُعَاملَة قزوين إِلَى السُّلْطَانِيَّة تبريز وَسَائِر ممالك الْعِرَاقِيّين بعمارة مَا خُرب وزراعة مَا تعطل من الْأَرَاضِي وغراسة الْبَسَاتِين. وَأَن من زرع أَرضًا لَا يؤخذْ مِنْهُ خراجها مُدَّة خمس سِنِين وَمن عجز عَن الْعِمَارَة دفع إِلَيْهِ مَا يُقَوي بِهِ على ذَلِك. وَأَن أَصْبَهَان بن قرا يُوسُف حَاكم بَغْدَاد كتب بِدُخُولِهِ فِي طَاعَة شاه رخ فكفَّ عَن تجهيز الْعَسْكَر إِلَيْهِ وَسَار حَتَّى نزل على تبريز فِي عَسَاكِر كَثِيرَة جدا لقِتَال اسكندر بن قرا يُوسُف وَأَن جَانِبك الصُّوفِي بكماخ عِنْد ابْن قرا يلوك وَقد أمده قرا يلوك بخيل وَمَال. وجهز شاه رخ ابْنه أَحْمد جوكي إِلَى نَحْو ديار بكر على عَسْكَر فِي ذِي الْحجَّة من السّنة الحالية وَنزل هُوَ على قرا بَاغ وَبعث إِلَى بِلَاده بِحمْل الْميرَة إِلَيْهِ فَأَتَتْهُ من كل جِهَة. وَأخذ فِي عمَارَة مَدِينَة تبريز فِي محرم هَذَا. ونادى فِي مملكة أذربيجان بِالْعَدْلِ. وَتقدم إِلَى جَمِيع عساكره بألا يُؤْخَذ لأحد قَمح فَمَا فَوْقهَا إِلَّا بِثمنِهِ وَمن خَالف ذَلِك قتل. شهر صفر أَوله السبت: فِيهِ كَانَت وقْعَة بَين اسكندر بن قرا يُوسُف وَعُثْمَان قرا يلوك لقِتَال اسكندر وَقد فر مِنْهُ. فَجمع عُثْمَان فلقي اسكندر فاقتتلا فَخرج كمين لاسكندر على عُثْمَان فَانْهَزَمَ وَقصد أرزن الرّوم وَالْخَيْل فِي طلبه. فَلَمَّا خَافَ أَن يُؤْخَذ بِالْيَدِ رمى نَفسه فِي خَنْدَق الْمَدِينَة فغرق ثمَّ أخرجه أَوْلَاده وَدفن فِي مَسْجِد هُنَاكَ. فَقدم اسكندر وَهُوَ يسْأَل عَن عُثْمَان فدلّه بَعضهم على قَبره فَأخْرجهُ بعد ثَلَاثَة أَيَّام من دَفنه وَقطع رَأسه وَحمله إِلَى السُّلْطَان بِمصْر وَمَعَهُ خَمْسَة رُءُوس مِنْهَا رُءُوس بعض أَوْلَاده. وَكَانَ شاه رخ قد بعث الجزء: 7 ¦ الصفحة: 297 بولده أَحْمد جوكي والأمير بَابا حاجي على عَسْكَر فِي أثر إسكندر نجدة لقرا يلوك فَقدما بعد هزيمته وَقَتله فلقي اسكندر مُقَدّمَة هَذَا الْعَسْكَر على ميافارقين وَقَاتلهمْ وَقتل مِنْهُم. ثمَّ انهزم إِلَى جِهَة بِلَاد الرّوم وَكتب بِخَبَرِهِ إِلَى السُّلْطَان. فَملك أَحْمد جوكي بن شاه رخ أرزن ونزلها وَفرض على أَهلهَا مَالا عَظِيما وَتزَوج بابنة عُثْمَان قرا يلوك وَأخذ مِنْهَا نَحْو ألف حمل دَقِيق وَشَجر وَنَحْو ذَلِك وَعَاد إِلَى أَبِيه شاه وَأما اسكندر بن قرا يُوسُف فَإِنَّهُ نزل على آقشهر فَقَامَ متوليها بخدمته وَبعث فِي السِّرّ يُعرّف أَحْمد جوكي بِهِ فَلم يشْعر إِلَّا وَقد طرقه الْعَسْكَر بَغْتَة ففر فِي جمَاعَة وغنم جوكي مَا كَانَ مَعَه وَعَاد فَمضى اسكندر يُرِيد الْقدوم على ملك الرّوم مُرَاد بن مُحَمَّد كرشجي بن عُثْمَان حَتَّى نزل توقات فَكتب حاكمها أركُج إِلَى مُرَاد يُعلمهُ بقدوم اسكندر. فَجهز لَهُ عشرَة آلَاف دِينَار وعدة من الْخَيل والمماليك والجواري وَالثيَاب. هَذَا وَقد عاث اسكندر - هُوَ وَمن مَعَه - فِي مُعَاملَة توقات ونهبوا وخربوا فجرت بَينه وَبَين أركج بِسَبَب ذَلِك مقاولات آلت إِلَى أَن كتب إِلَى مُرَاد يعرفهُ بِمَا حلَّ ببلاده من النهب والتخريب فشق عَلَيْهِ ذَلِك وجهز من رد الْهَدِيَّة وَبعث بعسكر وَكتب إِلَى ابْن قرمان وَغَيره بِإِخْرَاج اسكندر وقتاله ففر مِنْهُم إِلَى جِهَة الْبِلَاد الفراتية. وَفِي هَذَا الشَّهْر: بعث القان شاه رخ إِلَى مُرَاد بن عُثْمَان ملك الرّوم وَإِلَى صارم الدّين إِبْرَاهِيم بن قرمان وَإِلَى قرا يلوك وَأَوْلَاده وَإِلَى الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن دلغادر بخلع. شهر ربيع الأول أَوله يَوْم الْأَحَد: الْمُوَافق لسابع عشر توت ابْتَدَأَ نقص مَاء النّيل وَذَلِكَ قبل انْقِضَاء أَيَّام الزِّيَادَة ثمَّ رد فِي ثالثه واستمرت الزِّيَادَة إِلَى يَوْم الْخَمِيس خامسه وَهُوَ أول بَابه وَقد بلغت الزِّيَادَة إِلَى عشْرين ذِرَاعا وَعشْرين إصبعاً فَثَبت أَيَّامًا ثمَّ انحط بِخَير. وَللَّه الْحَمد. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِيه: خلع على شرف الدّين أبي بكر الْأَشْقَر نَائِب كَاتب السِّرّ وَاسْتقر كَاتب السِّرّ بحلب عوضا عَن عمر بن أَحْمد بن السفاح بعد مَا امْتنع من ذَلِك أَشد الِامْتِنَاع وهُدد بِالْقَتْلِ. وَسبب ذَلِك أَن ابْن السفاح كتب مرَارًا بالحط على الْأَمِير الجزء: 7 ¦ الصفحة: 298 قرقماس نَائِب حلب وَأَنه يُرِيد الْخُرُوج عَن الطَّاعَة ويخامر على السُّلْطَان وَآخر مَا ورد كِتَابه فِي ذَلِك فِي نصف صفر وَتوجه النجاب بذلك وَقد حصل القلق خوفًا من عدم حُضُوره لامتناعه فَلم يكن بأسرع من مَجِيء نجاب نَائِب حلب فِي خَامِس عشرينه يسْتَأْذن فِي الْقدوم وَقد بلغه شَيْء مِمَّا رمى بِهِ من المخامرة. فَغَضب السُّلْطَان على ابْن السفاح ورسم بعزله واستقرار شرف الدّين الْمَذْكُور عوضه لِأَنَّهُ علم أَنه لَو كَانَ قرقماس مخامراً لما اسْتَأْذن فِي الْحُضُور وسر بذلك وَكتب بِحُضُورِهِ. وَكَانَ هُوَ عِنْدَمَا ورد عَلَيْهِ الْمِثَال الأول خرج على الْفَوْر من حلب فَقدم خَارج الْقَاهِرَة فِي سادس ربيع الأول هَذَا. وَفِيه ورد الْخَبَر بقتل قرا يلوك كَمَا تقدم. وَفِي ثامنه: خلع على الْأَمِير جقمق أَمِير سلَاح وَاسْتقر أَمِيرا كَبِيرا أتابك العساكر. عوضا عَن الْأَمِير أينال الجكمي. وَاسْتقر الْأَمِير أينال الْمَذْكُور فِي نِيَابَة حلب عوضا عَن الْأَمِير قرقماس. وَاسْتقر قرقماس أَمِير سلَاح عوضا عَن جقمق هَذَا. وَفِيه قدم الْأَمِير طوغان حَاجِب غَزَّة وَقد عين أَن يسْتَقرّ فِي نظر الْقُدس الْخَلِيل فَقَامَ الْأَمِير تغري برمش أَمِير أخور فِي الاعتناء بمتوليها فأعيد طوغان إِلَى غَزَّة على حجوبيته. وَفِي عاشره: خُلع على معِين الدّين عبد اللطف ابْن القَاضِي شرف الدّين أبي بكر ابْن العجمي الْمَعْرُوف بالأشقر كَاتب السِّرّ بحلب وَاسْتقر فِي وظائف أَبِيه. وَفِي ثَالِث عشره - الْمُوَافق لثامن بابة: - ابْتَدَأَ نقص مَاء النّيل وَقد انْتَهَت زِيَادَته كَمَا تقدم إِلَى عشْرين ذِرَاعا وَعشْرين إصبعاً. وَقد بلغ الله بِهِ الْمَنَافِع على عوائد لطفه بخلقه. وَفِيه برز الْأَمِير أينال الجمكي نَائِب حلب ليتوجه إِلَى مَحل كفَالَته وصحبته القَاضِي شرف الدّين كَاتب السِّرّ بحلب. وَفِي سَابِع عشره: خلع على الْأَمِير الْكَبِير جقمق بِنَظَر المارستان المنصوري على الْعَادة فِي ذَلِك. وَفِي رَابِع عشرينه: خلع على الْأَمِير عمر وَاسْتقر فِي ولَايَة الْقَاهِرَة بعد موت أَخِيه التَّاج. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 299 وَفِي هَذَا الشَّهْر: كثر الوباء بِمَدِينَة بروسا - الَّتِي يُقَال لَهَا برصا - من مملكة الرّوم وَاسْتمرّ بهَا وبأعمالها نَحْو أَرْبَعَة أشهر. وَفِي هَذَا الشَّهْر: قُبض على جَانِبك الصُّوفِي وَكَانَ من خَبره أَنه ظهر بِمَدِينَة توقات فِي أَوَائِل شَوَّال من السّنة الْمَاضِيَة فَقَامَ متوليها أركج باشا بمعاونته حَتَّى كتب إِلَى الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن دلغادر نَائِب أبلستين وَإِلَى أَسْلَماس بن كُبَك وَمُحَمّد ابْن قُطبكي وَعُثْمَان قرا يلوك وَنَحْوهم من أُمَرَاء التركمان فانضم إِلَيْهِ جمَاعَة. وَخرج من توقات فَأَتَاهُ الْأَمِير قَرْمش الْأَعْوَر وَابْن أَسْلَماس وَابْن قُطبكي ومضوا إِلَى الْأَمِير مُحَمَّد بن عُثْمَان قرا يلك صَاحب قلعة جمُركَسَك فقواهم. وشنوا مِنْهَا الغارات على قلعة دوركي وضايقوا أَهلهَا ونهبوا ضواحيها. فاتفق وُرُود كتاب القان شاه رخ ملك المشرف على قرا يلك يَأْمُرهُ بِالْمَسِيرِ بأولاده وَعَسْكَره لقِتَال إسكندر بن قرا يُوسُف سَرِيعا عَاجلا فَكتب إِلَى وَلَده مُحَمَّد بالقدوم عَلَيْهِ لذَلِك فَترك مُحَمَّد جَانِبك وَمن مَعَه على دوركي وَعَاد إِلَى أَبِيه. فَسَار جَانِبك بِابْن أَسْلَماس وَابْن قُطبكي حَتَّى نزلُوا على ملطية وحصروها فكادهم سُلَيْمَان بن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن دلغادر وَكتب إِلَى جَانِبك بِأَنَّهُ مَعَه فَكتب إِلَيْهِ أَن يقدم عَلَيْهِ وَبعث بكتابه فرمش الْأَعْوَر فَأكْرمه وَسَار مَعَه فِي مائَة وَخمسين فَارِسًا. فَتَلقاهُ جَانِبك وعانقه ثمَّ عادا وحصرا ملطية فأظهر سُلَيْمَان من المناصحة مَا أوجب ركون جَانِبك إِلَيْهِ فَأخذ فِي الْحِيلَة على جَانِبك وَخرج هُوَ وإياه فِي عدَّة من أَصْحَابه ليسيرا إِلَى مَكَان يتنزهوا بِهِ. ورتبا قَرْمِش وَبَقِيَّة الْعَسْكَر على الْحصار فَلَمَّا نزل سُلَيْمَان وجانبك للنزهة وثب بِهِ أَصْحَاب سُلَيْمَان وقيدوه وسرى بِهِ سُلَيْمَان على أكديش ليلته وَمن الْغَد حَتَّى وافى بِهِ بيوته على أبلستين وَكتب يعلم السُّلْطَان بذلك. وَكَانَ الْقَبْض على جَانِبك فِي سَابِع عشر شهر ربيع الأول هَذَا. شهر ربيع الآخر أَوله يَوْم الِاثْنَيْنِ: فِيهِ قدم جمال الدّين يُوسُف بن الصفي الكركي نَاظر الْجَيْش بِدِمَشْق مَطْلُوبا وَهُوَ مَرِيض بضربان المفاصل وَمَعَهُ تقدمة حَلِيلَة فَقبلت تقدمته وَأمر بِالْإِقَامَةِ فِي منزله حَتَّى يبرأ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 300 وَفِيه ورد إِلَى السُّلْطَان كتاب شاه رخ إِلَى جَانِبك الصُّوفِي وَقد قبض على حامله وَحبس بحلب فتضمن الْكتاب تحريضه على أَخذ الْبِلَاد الشامية وَأَنه سيقدم عَلَيْهِ أَحْمد جوكي وبابا حاجي نجدة لَهُ. فَكتب إِلَى نواب الشَّام بالتأهب والاستعداد لنجدة نَائِب حلب إِذا أستدعاهم. وَفِي ثالثه: ورد الْخَبَر بِالْقَبْضِ على جَانِبك الصُّوفِي كَمَا تقدم. وَفِي يَوْم السبت سادسه: خلع على ولي الدّين أبي الْيمن مُحَمَّد بن تَقِيّ الدّين قَاسم ابْن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الْقَادِر الشيشيني ثمَّ الْمحلي مضحك السُّلْطَان ونديمه وجليسه وَاسْتقر فِي نظر الْحرم الشريف بِمَكَّة عوضا عَن سودن المحمدي وَفِي مشيخة الخدام الطواشية بِالْمَسْجِدِ النَّبَوِيّ عوضا عَن الطواشي بشير التنمي. وَلم نعهد مشيخة الْمَسْجِد النَّبَوِيّ يَليهَا دَائِما - مُنْذُ عهد السُّلْطَان صَلَاح الدّين فِي يُوسُف بن أَيُّوب - إِلَّا الخدام الطواشية. فَكَانَت ولَايَة ابْن قَاسم هَذَا حَدثا من الْأَحْدَاث وبلية تساق إِلَى أهل الْحَرَمَيْنِ. وَفِي حادى عشره: قدم سيف الْأَمِير قصروه نَائِب الشَّام بعد مَوته على يَد أَمِير عَليّ بن أينال باي أحد الْحجاب بِدِمَشْق. وَفِي ثَانِي عشره: قدم الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن قَصْروه وقَراجا دواداره فقرر عَلَيْهِمَا مَالا يحملاه من تَرِكَة قَصْروه وَهُوَ من النَّقْد مائَة ألف دِينَار وغلال وبضائع وخيل وَغير ذَلِك مَا قِيمَته نَحْو مائَة ألف دِينَار وَعَاد إِلَى دمشق. وَفِي ثَالِث عشره: نُودي بِعرْض أجناد الْحلقَة ليستعدوا للسَّفر إِلَى الشَّام وَلَا يُعفي أحد مِنْهُم. وَفِيه جمع قُضَاة الْقُضَاة بَين يَدي السُّلْطَان وسئلوا فِي أَخذ أَمْوَال النَّاس للنَّفَقَة على العساكر المتوجهة لقِتَال شاه رخ فَكثر الْكَلَام وانفضوا. هَذَا وَقد تزايد اضْطِرَاب النَّاس وقلقهم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 301 وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ خَامِس عشره: ابتدئ بِعرْض أجناد الْحلقَة فَجمع الْمَشَايِخ والأطفال وعدة عُمْيَان فِي الحوش من قلعة الْجَبَل وعرضوا على السُّلْطَان فَقَالَ لَهُم: أَنا مَا أعمل كَمَا عمل الْملك الْمُؤَيد من أَخذ المَال مِنْكُم وَلَكِن اخْرُجُوا جميعكم فَمن قدر مِنْكُم على فرس ركب فرسا وَمن قدر على حمَار ركب حمارا. فنزلوا على ذَلِك إِلَى بَيت الْأَمِير أركماس الدوادار فَكَانَ يَوْمًا وَفِي هَذَا الْيَوْم ورد كتاب أَصْبَهَان بن قرا يُوسُف حَاكم بَغْدَاد على يَد قاصده حسن بيك يشْتَمل على التودد وَأَنه هُوَ وَأَخُوهُ اسكندر يُقَاتلُون شاه رخ وتاريخه قبل قدوم أَحْمد جوكي وبابا حاجي بعساكر شاه رخ وَقبل موت. وَفِي سادس عشره: أُصِيب القَاضِي زين الدّين عبد الباسط نَاظر الْجَيْش بضربة فرس على ركبته الْيُمْنَى وَهُوَ سَائِر مَعَ السُّلْطَان إِلَى الرماية عِنْد جَامع المارديني خَارج بَاب زويلة فتجلد حَتَّى وصل نَاحيَة كوم أشفين من الْبِلَاد الفليوبية. ثمَّ عجز فَألْقى نَفسه عَن الْفرس فأركب فِي محفة إِلَى دَاره وَلزِمَ الْفراش ثَلَاثَة عشر يَوْمًا. وَفِي سَابِع عشره: قدم قصاد اسكندر بن قرا يُوسُف صُحْبَة الْأَمِير شاهين الأيد كاري بِرَأْس الْأَمِير عُثْمَان قرا يلوك ورأسي ولديه وَثَلَاثَة رُءُوس أَخّرهُ وَكَانَ السُّلْطَان قد توجه للرماية بالجوارح على الكراكي فَقدم من الْغَد يَوْم الْخَمِيس ثامن عشره فطيف بالرءوس السِّتَّة على رماح وَقد زينت الْقَاهِرَة لذَلِك فَرحا بقتل قرا يلوك. ثمَّ علقت على بَاب زويلة ثَلَاثَة أَيَّام ودفنت. وَلَقَد أَخْبرنِي من لَهُ معرفَة بأحوال قرا يلوك أَنه كَانَ فِي ظَنّه أَنه يملك - مصر. وَذَلِكَ أَن شخصا منجماً قَالَ لَهُ إِنَّك تدخل الْقَاهِرَة فَدخل وَلَكِن بِرَأْسِهِ وَهِي على رمح يُطَاف بهَا وينادي عَلَيْهَا 7 - (نكالا من الله وَالله عَزِيز حَكِيم) الْمَائِدَة 38. وَفِي يَوْم السبت عشرينه: خلع على الْأَمِير تغري برمش أَمِير أخور وَاسْتقر فِي نِيَابَة حلب عوضا عَن الْأَمِير أينال الجكمي. وَكتب بانتقال الجكمي إِلَى نِيَابَة الشَّام عوضا عَن قصروه بِحكم وَفَاته وجهز لَهُ التشريف والتقليد. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 302 وَفِيه حضر فصاد اسكندر بن قرا يُوسُف بَين يَدي السُّلْطَان بكتابه فقرئ وَأجِيب بالشكر وَالثنَاء. وَحمل إِلَيْهِ مَال وَغَيره بِنَحْوِ عشرَة آلَاف دِينَار. ووعد بمسير السُّلْطَان إِلَى تِلْكَ الْبِلَاد. وَفِيه عرض السُّلْطَان الاصطبل بِنَفسِهِ. وَفِي حادي عشرينه: سَار الْأَمِير تغري برمش إِلَى مَحل كفَالَته بحلب. هَذَا وَقد ارْتَفَعت الأسعار بِالْقَاهِرَةِ فَبلغ الأردب الْقَمْح ثَلَاثمِائَة وَسِتِّينَ والبطة الدَّقِيق مائَة وَعشرَة وَالْخبْز نصف رَطْل بدرهم والأردب من الشّعير أَو الفول مِائَتي دِرْهَم وَعشرَة دَرَاهِم وَلحم الضَّأْن ثَمَانِيَة دَرَاهِم وَلحم الْبَقر خَمْسَة دَرَاهِم وَنصف وكل ذَلِك من الْفُلُوس وَبلغ الزَّيْت الطّيب - وَهُوَ زَيْت الزَّيْتُون - أَرْبَعَة عشر درهما الرطل. وَبلغ الشيرج اثْنَي عشر درهما الرطل. وَقد حكر الفلفل فَلَا يُبَاع إِلَّا للسُّلْطَان فَقَط وَلَا يشترى إِلَّا مِنْهُ خَاصَّة. وَفِي رَابِع عشرينه: ركب السُّلْطَان للرماية فَضَجَّ الْعَامَّة واستغاثوا من قلَّة وجود الْخبز فِي الْأَسْوَاق مَعَ كَثْرَة وجود الْقَمْح بالشون فَلم يلْتَفت إِلَيْهِم. وَفِي تَاسِع عشرينه: توجه شادي بك أحد رُءُوس النوب بِمَال وخيل وَغير ذَلِك إِلَى الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن دلغادر نَائِب أبلستين وَإِلَى وَالِده الْأَمِير سُلَيْمَان وَكتب لَهما بِأَن يسلما شادي بك جَانِبك الصُّوفِي ليحمله إِلَى قلعة حلب. وَفِي هَذَا الشَّهْر: قدمت طَائِفَة من أَعْيَان التُّجَّار بِدِمَشْق إِلَى الْقَاهِرَة وَقد طُلبوا فَإِنَّهُ بلغ السُّلْطَان أَنهم حملُوا مِمَّا اشتروه من جدة من البهار عدَّة أجمال إِلَى دمشق. وَقد تقدم مرسوم السُّلْطَان من سِنِين بِأَن من اشْترى بهاراً من جدة لَا بُد أَن يحملهُ إِلَى الْقَاهِرَة سَوَاء كَانَ المُشْتَرِي شاميُاً أَو عراقياً أَو عجمياً أَو رومياً. وَأنكر على الجزء: 7 ¦ الصفحة: 303 الْمَذْكُورين حملهمْ بضائعهم من الححاز إِلَى دمشق. وَختم على حواصلهم بِالْقَاهِرَةِ وَغَيرهَا. ثمَّ أفرج لَهُم عَنْهَا بعد مَا صَالحُوا نَاظر الْخَاص بِمَال قَامُوا بِهِ. شهر جُمَادَى الأولى أَوله يَوْم الثُّلَاثَاء: فِيهِ قدم الْحمل من جَزِيرَة قبرس على الْعَادة. وَفِي ثالثه: خلع على الصاحب كريم الدّين عبد الْكَرِيم ابْن كَاتب المناخ وَاسْتقر فِي نظر جدة. وخلع على الْأَمِير يَلْخُجا أحد رُءُوس النوب من أُمَرَاء الطبلخاناه وَاسْتقر شاد جَدّة. وَنُودِيَ بسفر النَّاس إِلَى مَكَّة صحبتهما فسروا بذلك وتأهبوا لَهُ. وَفِي خامسه: خلع على الْجمال يُوسُف بن الصفي وَاسْتقر فِي كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق عوضا عَن يحيى بن الْمدنِي ورسم لقَاضِي الْقُضَاة بهاء الدّين مُحَمَّد بن حجي بِنَظَر الْجَيْش بِدِمَشْق عوضا عَن الْجمال الْمَذْكُور وجهز لَهُ التشريف والتوقيع فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سابعه. وَفِيه رسم باستقرار السَّيِّد الشريف بدر الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن أَحْمد الْجَعْفَرِي فِي قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن الشريف ركن الدّين عبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالدخان وَكَانَ قد شغر قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق من حِين توفّي الدُّخان فِي سَابِع عشر الْمحرم مُدَّة ثَلَاثَة أشهر وَخَمْسَة وَعشْرين يَوْمًا وَكَانَت ولَايَته بِغَيْر مَال. وَفِي خَامِس عشره: خلع على الطواشي جَوْهَر اللالا وَاسْتقر زِمَام الدَّار عوضا عَن الْأَمِير زين الدّين خُشْقَدم بعد مَوته وَكَانَت شاغرة مُنْذُ مَاتَ. وَفِي تَاسِع عشرينه: استعفى الْوَزير الصاحب تَاج الدّين الخطير على عَادَته وَقَوي بِمَال إِعَانَة لَهُ. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: رسم بِإِخْرَاج الفرنج المقيمين بالإسكندرية ودمياط وسواحل الشَّام فأخرجوا بأجمعهم. شهر جُمَادَى الْآخِرَة أَوله يَوْم الْأَرْبَعَاء: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 304 فِي ثالثه: عرض أَرْبَاب السجون ليفرج عَنْهُم، من كَثْرَة شكواهم بِالْجُوعِ. ثمَّ أعيدوا إِلَى سجونهم لما يَتَرَتَّب على إِطْلَاقهم من الْمَفَاسِد ورسم لأرباب الدُّيُون أَن يقومُوا. بمؤونة مسجونهم حَتَّى تَنْقَضِي أَيَّام الغلاء هَذَا إِن كَانَ الدّين مبلغا كَبِيرا فَإِن كَانَ الدّين يَسِيرا أُلزم رب الدّين بتقسيطه عَن الْمَدِين أَو الإفراج عَن الدُّيُون فاتفق أَن رجلا ادّعى عِنْد بعض نواب القَاضِي الْحَنَفِيّ على رجل بدين واقتضْى الْحَال أَن يُسجن فَكتب القَاضِي الْمُدَّعِي عِنْده على ورقة اعتقال الْمَدِين يعتقل بِشَرْط أَن يفْرض لَهُ رب الدّين مَا يَكْفِيهِ من المؤًونة. ثمَّ فِي ثَالِث عشره: عرض السُّلْطَان جَمِيع من فِي السجون وَأَفْرج عَنْهُم بأسرهم حَتَّى أَرْبَاب الجرائم من السراق وقطاع الطَّرِيق ورسم أَلا يسجن الْقُضَاة والولاة أحدا وَأَن من قبض عَلَيْهِ من السراق يقتل وَلَا تقطع يَده فغلقت السجون وَلم يبْق بهَا مسجون. ثمَّ نقض ذَلِك بعد قَلِيل وسجن من اسْتحق السجْن. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: اشْتَدَّ الْبرد بِالْقَاهِرَةِ وضواحيها حَتَّى جمدت برك المَاء ومقطعات النّيل وَنَحْوهَا وأُبيع الجليد فِي الْأَسْوَاق مُدَّة أَيَّام وَلم نعهد هَذَا وَلَا سمعنَا بِهِ. وَفِي ثامنه. كَانَ آخر عرض أجناد الْحلقَة. وَفِي حادي عشره: قدم الْأَمِير غرس الدّين خَلِيل بن شاهين نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة بهدية فَخلع عَلَيْهِ من الْغَد يَوْم الإثنينْ ثَانِي عشره. وَنزل من القلعة فأدركه من خلع عَنهُ الخلعة وأعادها إِلَى نَاظر الْخَاص وَذَلِكَ أَنه بلغ السُّلْطَان عَنهُ أَنه أفرج للتجار عدَّة أحمال فلفل حَتَّى باعوها للفرنج بِمَال أَخذه مِنْهُم وَكَانَ قد تقدم مرسوم السُّلْطَان بِمَنْع التُّجَّار من بيع الفلفل وَأَن الفرنج لَا تشتريه إِلَّا من الدِّيوَان السلطاني. وَفِي تَاسِع عشره: خلع على رجل أَسود من المغاربة - يُقَال لَهُ سرُور - لم يزل يدْخل فِيمَا لَا يعنيه ويناله سَبَب ذَلِك الْمَكْرُوه فاستقر فِي قَضَاء الْإسْكَنْدَريَّة ونظرها على أَن يَكْفِي أجناد الثغر معاليمهم وَيقوم للمرتبين بمرتباتهم وَيقوم بالكسوة السُّلْطَانِيَّة وَيقوم بعد ذَلِك كُله بِمِائَة وَثَلَاثِينَ دِينَارا فِي كل يَوْم. وَكتب عَلَيْهِ بذلك تَقْرِير قَرَّرَهُ على نَفسه. وَنزل بالقلعة فَلم يقم سوى أَيَّامًا وطلع فِي يَوْم الثُّلَاثَاء حادي عشرينه واستعفى من وَظِيفَة النّظر فَضرب. ورسم بنفيه فَأخْرج فِي الترسيم من الْقَاهِرَة فِي ثَالِث عشرينه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 305 وَفِي يَوْم السبت ثامن عشره: برز الصاحب كريم الدّين والأمير يلخجا بِمن مَعَهم من المعتمرين إِلَى ظَاهر الْقَاهِرَة ثمَّ سَارُوا فِي تَاسِع عشره إِلَى مَكَّة. وَفِيه فتحت السجون وسجن بهَا. وَفِي عشرينه: خلع على أقباي البشْتكَي أحد الدوادارية وَاسْتقر فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن خَلِيل وجهزت خلعة إِلَى جمال الدّين عبد الله بن الدمامينى باستقراره على عَادَته فِي قَضَاء الْإسْكَنْدَريَّة. وخلع على شرف الدّين بن مفضَّل وَاسْتقر فِي نظر الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن خَلِيل الْمَذْكُور. وَفِي ثامن عشرينه: وصل الْأَمِير أَقْطَوة المتوجه فِي الرسَالَة إِلَى شاه رخ. وَقدم من الْغَد شيخ صفا رَسُول شاه رخ بكتابه فَأنْزل وأجرى لَهُ مَا يَلِيق بِهِ. وَفِيه ورد الْخَبَر بِأَن جَانِبك الصُّوفِي قد أفرج عَنهُ نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن دُلغادر نَائِب أبلستين وَصَارَ فِي جمع بعد مَا أَخذ من شاد بك مَا على يَده من المَال وَغَيره فَكثر القلق بِسَبَب ذَلِك. وَفِي هَذَا الشَّهْر: قدمت رسل أَصْبَهَان بن قرا يُوسُف حَاكم بَغْدَاد إِلَى القان معِين الدّين شاه رخ وَهُوَ على قرا بَاغ بِدُخُولِهِ فِي الطَّاعَة وَأَنه من جلة الخدم. فأقامت رسله ثَلَاثِينَ يَوْمًا لَا تصل إِلَى القان. ثمَّ أَجَابَهُ يُنكر عَلَيْهِ خراب بِلَاده ويأمره بعمارتها وَأَنه إِن لم يعمرها وَإِلَّا وَأَهْمَلَهُ سنة. وَكَانَ أَصْبَهَان قد بعث بهدية فَلم يعوضه عَنْهَا شَيْئا وَإِنَّمَا جهز لَهُ خلعة وتقليداً وخلع على رسله. شهر رَجَب أَوله الْجُمُعَة: فِي ثَانِيه: أحضر صفا رَسُول شاه رخ وَمن مَعَه وَقُرِئَ كِتَابه فَإِذا هُوَ يتَضَمَّن أَن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 306 يخْطب وتضرب السِّكَّة باسمه وَأخرج صفا خلعة بنيابة مصر وَمَعَهَا تَاج ليلبس السُّلْطَان ذَلِك. وخاطب السُّلْطَان بِكَلَام لم يسمع مَعَه صَبر فَضرب صفا ضربا مبرحاً وَأُلْقِي فِي بركَة مَاء. وَكَانَ يَوْمًا شَدِيد الْبرد ثمَّ أنزلوا ورسم بنفيهم فَسَارُوا فِي الْبَحْر إِلَى مَكَّة فوصلوها وَأَقَامُوا بهَا بَقِيَّة السّنة وحجوا. وَفِي رابعه: كتب إِلَى مُرَاد بن عُثْمَان - متملك بِلَاد الرّوم - بِأَن يكون مَعَ السُّلْطَان على حَرْب شاه رخ. وَكتب إِلَى بِلَاد الشَّام بتجهيزهم الإقامات للسَّفر. وَفِي سابعه: خُلع على شيخ الشُّيُوخ محب الدّين ابْن قَاضِي الْعَسْكَر شرف الدّين عُثْمَان الْأَشْقَر بن سُلَيْمَان بن رَسُول بن الْأَمِير يُوسُف بن خَلِيل بن نوح الكراني التركماني الْحَنَفِيّ وَاسْتقر فِي كِتَابَة السِّرّ عوضا عَن القَاضِي كَمَال الدّين مُحَمَّد بن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ. وخلع على وَلَده شهَاب الدّين أَحْمد وَاسْتقر شيخ الشُّيُوخ وخلع على الْأَمِير غرس الدّين خَلِيل بن شاهين الَّذِي ولي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة وَاسْتقر فِي نظر دَار الضَّرْب وَكَانَ بيد ابْن قَاسم المتوجه إِلَى الْحجاز وَقد أَقَامَ فِيهِ أَخَاهُ وَاسْتقر أَيْضا أَمِير الْحَاج. وَفِي حادي عشره: قدم الْأَمِير شاد بك المتوجه لأخذ جَانِبك الصُّوفِي من عِنْد الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن دلغادر وَقد أَخذ مَا على يَده من المَال وَغَيره وَلم يُمكن من جَانِبك الصُّوفِي فشق على السُّلْطَان ذَلِك وعزم على السّفر وَجمع الْأُمَرَاء وحلفهم على طَاعَته. وَعين سَبْعَة وَفِي ثَانِي عشره: رسم بِأَن الْقُضَاة لَا تحبس من عَلَيْهِ من دين إِلَّا بالمقشرة حَيْثُ تحبس أَرْبَاب الجرائم. وَألا يحبس إِلَّا من عَلَيْهِ من الَّذين مبلغ ثَلَاثمِائَة دِرْهَم فَصَاعِدا لَا أقل من ذَلِك. ثمَّ انْتقض هَذَا بعد قَلِيل كَمَا هِيَ عَادَة الدولة فِي تنَاقض مَا ترسم بِهِ. وَفِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء ثَالِث عشره: بعث الشريف زين الدّين أَبُو زهر بَرَكَات بن حسن بن عجلَان أَمِير مَكَّة بعثاً لمحاربة بشر من بطُون حَرْب إِحْدَى قبائل مدحج: ومنازلهم حول عسفان نزلوها من نَحْو سِتَّة عشر وَثَمَانمِائَة وَقد أخرجهم بَنو لَام من أَعمال الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة فَكثر عبثهم وَأَخذهم السابلة من الْمَارَّة إِلَى مَكَّة بالميرة. وَجعل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 307 على هَذَا الْبَعْث أَخَاهُ الشريف عَليّ بن حسن بن عجلَان وَمَعَهُ من بني حسن الشريف ميلب بن عَليّ بن مبارك بن رميثة وَغَيره. والوزير شكر فِي عدَّة من النَّاس. وَسَار مَعَهم الْأَمِير أرنبغا أَمِير الْخمسين المركزين بِمَكَّة من المماليك السُّلْطَانِيَّة وصحبته مِنْهُم عشرُون مَمْلُوكا فنزلوا عسفان يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشره وَقَطعُوا الثَّنية الَّتِي تعرف الْيَوْم بمدرج عَليّ حَتَّى أَتَوا الْقَوْم وَقد أنذروا بهم فتنحوا عَن الأَرْض وَتركُوا بهَا إبِلا مَعَ خَمْسَة رجال. فَأول مَا بدأوا بِهِ أَن قتلوا الرِّجَال الْخَمْسَة وَامْرَأَة حَامِلا كَانَت مَعَهم وَمَا فى بَطنهَا أَيْضا وَاسْتَاقُوا الْإِبِل حَتَّى كَانُوا فِي نَحْو النّصْف من الثَّنية الْمَذْكُورَة وَركب الْقَوْم عَلَيْهِم الجبلان يرمونهم بالحراب وَالْحِجَارَة فَانْهَزَمَ الْأَمِير أرنبغا فِي عدَّة من المماليك وَقد قتل مِنْهُم ثَمَانِيَة وَمن أهل مَكَّة وَغَيرهم زِيَادَة على أَرْبَعِينَ رجلا وجرح كثير مِمَّن بَقِي. وغنم الْقَوْم مِنْهُم اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ فرسا وَعشْرين درعاً وَمن السيوف والرماح والتجافيف وَنَحْو ذَلِك من الأسلحة. وَمن الأسلاب والأمتعة مَا قيل أَنه بلغ قِيمَته خَمْسَة آلَاف دِينَار وَأكْثر. فَلَمَّا طلعت شمس يَوْم الْجُمُعَة النّصْف مِنْهُ دخل أرنبغا - بِمن بَقِي مَعَه من المماليك - مَكَّة وهم يَقُولُونَ قتل جَمِيع من خرج من الْعَسْكَر. فَقَامَتْ عِنْد ذَلِك صرخة بِمَكَّة من جَمِيع نَوَاحِيهَا لم نر مثلهَا شناعة. وَأَقْبل المنهزمون إِلَى مَكَّة شَيْئا بعد شَيْء فِي عدَّة أَيَّام. وَحمل الشريف ميلب فِي يَوْم السبت ميّتاً. وَمَات بعده بأيام شرِيف آخر من جِرَاحَة شوهت وَجهه بِحَيْثُ ألقته كُله من أعلا جَبهته إِلَى أَسْفَل ذقنه. وَفِي هَذَا الشَّهْر: طرح على التُّجَّار بِالْقَاهِرَةِ ودمشق ألف حمل فلفل بماشة ألف دِينَار حسابا عَن كل حمل مائَة دِينَار نزل بهم مِنْهَا بلَاء لَا يُوصف. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ خَامِس عشرينه: أدير محمل الْحَاج. ورسم أَنه إِذا وصل إِلَى الْجَامِع الْجَدِيد خَارج مَدِينَة مصر يرجع بِهِ والقضاة أَمَامه إِلَى الخانكاه الشيخونية بالصليبة خَارج الْقَاهِرَة فَقَط ويمضي الْفُقَرَاء مَعَه إِلَى تَحت قلعة الْجَبَل ثمَّ مِنْهَا إِلَى الْجَامِع الحاكمي وأبطلت الرماحة من الرّكُوب مَعَ الْمحمل فِي هَذِه السّنة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كملت عمَارَة القان شاه رخ لمدينة تبريز. وَقد تقدم لأهل الْبِلَاد بزراعة أراضيها فتراجع النَّاس إِلَيْهَا. وَولي شاه رخ على تبريز شاه جهان بن قرا يُوسُف عوضا عَن اسكندر. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 308 شهر شعْبَان أَوله يَوْم الْأَحَد: فِي أَوله: قدم ركب الْعمار إِلَى مَكَّة - شرفها الله تَعَالَى - وَفِيهِمْ ولي الدّين مُحَمَّد ابْن قَاسم مضحك السُّلْطَان والصاحب كريم الدّين عبد الْكَرِيم ابْن كَاتب المناخ والأمير يَلْخجا وَمَعَهُ عدَّة مماليك بدل من بِمَكَّة من المماليك الَّذين صُحْبَة أَرَنبغا وَبلغ ركبهمْ نَحْو سِتّمائَة جمل. وَفِي ثالثه: أنْفق السُّلْطَان فِي الْأُمَرَاء المجردين من الْقَاهِرَة إِلَى الشَّام وَمن مَعَهم سَبْعَة عشر ألف دِينَار. وَفِي يَوْم الْخَمِيس خامسه: قدم الشريف بَرَكَات إِلَى مَكَّة فقرئ بِحُضُورِهِ فِي الْحجر الْأسود توقيع ابْن قَاسم باستقراره فِي نظر الْحرم الشريف وعمارته وتوقيع باستقرار الصاحب كريم الدّين فِي نظر جدة وَأَن إِلَيْهِ أَمر قَضَائهَا وحسبتها. وتوقيع باستقرار الْأَمِير يَلْخُجا فِي شدّ جدة. وَفِي سابعه: رسم بِفَتْح سجن الرحبة بِالْقَاهِرَةِ فَصَارَ يسجن فِيهِ وَفِي المقشرة فَقَط. وَفِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء حادي عشره: توجه الصاحب كريم الدّين من مَكَّة إِلَى جدة وَمَعَهُ الْأَمِير يلخجا. وَمضى الشريف بَرَكَات لمحاربة حَرْب. ثمَّ خرج الْأَمِير أرنبغا بِمن بَقِي من المماليك المركزين مَعَه من مَكَّة يُرِيد الْقَاهِرَة وَقد تَأَخّر مِنْهُم - سوى من قتل أَرْبَعَة لعجزهم من شدَّة جراحاتهم عَن الْحَرَكَة. فَنزل جدة ثمَّ مُضِيّ مِنْهَا على السَّاحِل خوفًا من الْعَرَب. وَفِي سَابِع عشرينه: سَار الْأُمَرَاء المجردون إِلَى الشَّام بِمن مَعَهم. وَقد كَانُوا برزوا خَارج الْقَاهِرَة فِي خَامِس عشرينه. وهم الْأَمِير جقمق الأتابك والأمير أركماس الدوادار الْكَبِير والأمير يَشْبك حَاجِب الْحجاب والأمير تنبك نَائِب القلعة والأمير قراجا والأمير تغري بردي المؤذي والأمير خُجا سودن. وَكَانَ قد وَقع بعدن - من بِلَاد الْيمن وباء اسْتمرّ أَرْبَعَة أشهر آخرهَا شعْبَان. هَذَا بعد مَا طبق بِلَاد الْحَبَشَة بأسرها وامتد إِلَى بربرة. وَقد شنع بِبِلَاد الزنج. ثمَّ كَانَ بعدن فَمَاتَ بهَا - أَعنِي عدن - عَالم عَظِيم قدم علينا مِنْهَا بِمَكَّة كتاب موثوق بِهِ يخبر أَنه مَاتَ بعدن فِي هَذِه الْأَرْبَعَة أشهر - خَاصَّة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 309 مِمَّن عرف اسْمه - سَبْعَة آلَاف وَثَمَانمِائَة. وَفِي كتاب آخر أَنه مَاتَ بهَا ثَلَاثَة أَربَاع النَّاس وَلم يبْق إِلَّا نَحْو من النَّاس. وَفِي كتاب آخر أَنه خلا بعدن نَحْو ثَلَاثمِائَة دَار مَاتَ من كَانَ بهَا وَأَن الوباء ارْتَفع مِنْهَا آخر شهر شعْبَان وَأَنه انْتقل من عدن إِلَى نَحْو صعدة. شهر رَمَضَان أَوله يَوْم الثُّلَاثَاء: فِيهِ تسلم الشريف أميّان بن مَانع بن عَليّ بن عَطِيَّة بن مَنْصُور بن جماز بن شيِحة الحسينيٍ امْرَأَة الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة عوضا عَن أَبِيه بعد قَتله. وَقد قدم تشريف ولَايَته وتوقيع استقراره. وَفِي رابعه: خلع على رَسُول اسكندر بن قرا يُوسُف وأعيد إِلَيْهِ بجوابه. وَفِي سابعه: خلع على الْأَمِير غرس الدّين خَلِيل بن شاهين وَاسْتقر فِي الوزارة عوضا عَن تَاج الدّين بن الخطير وَسبب ذَلِك أَن ممالك الطباق بالقلعة رجموا فِي رابعه الْوَزير تَاج الدّين حَتَّى كَاد أَن يهْلك فَسَأَلَ أَن يعفي من الْمُبَاشرَة فرسم بِطَلَب كريم الدّين ابْن كَاتب المناخ من جدة لَيْلَة الوزارة فتهيأت لغرس الدّين هَذَا. وَفِيه جهز لطوغان حَاجِب غَزَّة خلعة بنيابة الْقُدس وَنظر الْخَلِيل وكشف الرملة ونابلس عوضْاً عَن حسن التركماني وَعمل حسن حاجباً بحلب عوضْاً عَن الْأَمِير قنصوه. وأنعم على قنصوه بتقدمة ألف بِدِمَشْق عوضا عَن جَانِبك المؤيدي بِحكم وَفَاته. وَفِي رَابِع عشرينه: قدم الْأَمِير أسلماس بن كبك التركماني مفارقاً جَانِبك الصُّوفِي فَأكْرم وأنعم عَلَيْهِ. وَفِي هَذَا الشَّهْر: وَقع الوباء بِمَدِينَة تعز من بِلَاد الْيمن وَعم أَعمالهَا. شهر شَوَّال، اوله يَوْم الْخَمِيس: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 310 فِيهِ خلع على الْأَمِير أَسلَماس فِيمَن خلع عَلَيْهِ ورسم بتجهيزه. وَفِي ثامنه: عزل الْوَزير غرس الدّين خَلِيل عَن الوزارة وألزم الصاحب أَمِين الصاحب إِبْرَاهِيم بن الهيصم نَاظر الدولة لسد أُمُور الدولة ومراجعة القَاضِي زين الدّين عبد الباسط فِي جَمِيع أَحْوَال الدولة فتمشت الْأَحْوَال وَتوجه النجاب فِي تاسعه بِطَلَب الصاحب كريم الدّين ابْن كَاتب المناخ لَيْلَة الوزارة بعد فَرَاغه من أَمر جدة. وَفِي سَابِع عشرينه: رسم بِطَلَب الْأَمِير أينال الأجرود نَائِب الرها. وَاسْتقر الْأَمِير شاد بك الَّذِي توجه لأخذ الْأَمِير جَانِبك الصُّوفِي من ابْن دلغادر عوضه. وعزل الْأَمِير أينال الششماني من نِيَابَة صفد وإقامته بطالاً بالقدس. وَأَن يسْتَقرّ عوضه فِي نِيَابَة صفد الْأَمِير تمراز المؤيدي. وَفِي هَذَا الشَّهْر: شنع الوباء بِمَدِينَة تعز من بِلَاد الْيمن فورد علينا مِنْهَا كتاب مَكَّة بِأَنَّهُ صلى فِي يَوْم وَاحِد بِجَامِع تعز على مائَة وَخمسين جَنَازَة. وَفِي كتاب آخر أَنه مَاتَ بهَا فِي ثَلَاثَة أَيَّام أَلفَانِ وخلت عدَّة قرى من سكانها. فَشَمَلَ الوباء جَمِيع بِلَاد الْحَبَشَة كافرها ومسلمها وَسَائِر بِلَاد الزنج ومقدشوه إِلَى بربرا وعدن وتعز وصعدة وَالْجِبَال. وَفِي هَذَا الشَّهْر: رَحل القان شاه رخ عَن مملكة أذربيجان بَعْدَمَا زوج نسَاء إسكندر بن قرا فِي ثَانِي عشره: رسم باستقرار شمس الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن عمر الصَّفَدِي فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن بدر الدّين الْجَعْفَرِي بِمَال وعد بِهِ. وَفِي رَابِع عشره: منع النَّاس بِالْقَاهِرَةِ من ضرب أواني الْفضة وآلاتها وَأَن يحمل ذَلِك إِلَى دَار الضَّرْب ليضْرب دَرَاهِم. وَفِي تَاسِع عشرينه: قبض بِمَكَّة على رسل ملك بنجاله من بِلَاد الْهِنْد وَسبب ذَلِك أَن السُّلْطَان جهز فِي سنة خمس وَثَلَاثِينَ هَدِيَّة من الْقَاهِرَة إِلَى السُّلْطَان جلال الدّين أبي المظفر مُحَمَّد بن فندوا صُحْبَة بعض الطواشية فوصل بهَا إِلَى بنجالة وقدمها إِلَى السُّلْطَان جلال الدّين فقبلها وَعوض عَنْهَا بهدية قيمتهَا عِنْدهم اثْنَا عشر ألف تنكة حَمْرَاء وَمَات فِي أثْنَاء ذَلِك وَقَامَ من بعده ابْنه المظفر أَحْمد فَأمْضى هَدِيَّة أَبِيه وزادها من عِنْده هَدِيَّة أُخْرَى فِيهَا ألفا شاش وعدة ثِيَاب بيرم وخدام طواشيه وطرف. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 311 وجهز الْجَمِيع وَبعث مَعَهم عدَّة من خُدَّامه الطواشية وعَلى أَيْديهم خَمْسَة آلَاف شاش ليبيعوها ويشتروا لَهُ بهَا أَمْتعَة. فَرَكبُوا فِي الْبَحْر فحيرهم الرّيح وألقاهم إِلَى بعض جزائر ذيبة بهَا الطواشي المجهز من مصر. وَبلغ صَاحب ذيبة أَنه عَتيق غير السُّلْطَان فَأخذ مَا تَركه وَلم يتَعَرَّض لشَيْء من الْهَدِيَّة فاتفق مَعَ ذَلِك قتل ملك بنجالة أَحْمد الَّذِي جهز الْهَدِيَّة الثَّانِيَة وَقَامَ آخر بعده. فَلَمَّا اعتدل الرّيح سَارُوا عَن ذيبة إِلَى أَن قاربوا جدة غرق مركبهم بِمَا فِيهِ عَن آخِره. فَنَهَضَ الصاحب كريم الدّين من مَكَّة وَقد بلغه الْخَبَر حَتَّى نزل جدة وَندب النَّاس فَأخْرج من تَحت المَاء الشاشات وَالثيَاب البيرم بعد مكثها فِي المَاء سِتَّة أَيَّام. وَتَلفت المراطبينات الَّتِي بهَا الزنجبيل المربا والكابلي المربا وَنَحْو ذَلِك. فَسلم الشاشات والبيارم إِلَى القصَّارين حَتَّى أعادوا جدَّتهَا. وَكتب إِلَى السُّلْطَان بذلك. فَكتب بِالْقَبْضِ على طواشية ملك بنجالة وَأخذ الْخَمْسَة آلَاف شاش مِنْهُم ومنعهم من الْمَجِيء إِلَى الْقَاهِرَة. وَأَن من ورد ببضاعة إِلَى جدة من ذيبة أخذت للديوان بأسرها فندب أَبُو السعادات ابْن ظهيرة قَاضِي مَكَّة الشَّافِعِي مَعَه أَبُو الْبَقَاء بن الضياء قَاضِي الْحَنَفِيَّة لإيقاع الحوطة على الشاشات. ورسم على الطواشية حَتَّى أخذت مِنْهُم بأسرها بَعْضهَا صنفا وَثمن مَا باعوه مِنْهَا وضمت إِلَى مَال الدِّيوَان. وَفِي هَذَا الشَّهْر: نزل القان شاه رخ على سلطانية وعزم على أَنه لَا يرحل عَنْهَا إِلَى هراة دَار ملكه حَتَّى يبلغ غَرَضه من اسكندر بن قرا يُوسُف. شهر ذِي الْحجَّة أَوله يَوْم السبت: فِي يَوْم الْخَمِيس سادسه وسابع عشْرين بؤونة: نُودي على النّيل بِزِيَادَة خَمْسَة أَصَابِع. وَقد جَاءَت الْقَاعِدَة سِتَّة أَذْرع وَثَمَانِية عشر إصبعاً واستمرت الزِّيَادَة. وَللَّه الْحَمد. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 312 وَفِي سَابِع عشرينه: وصل الْأَمِير حمزه بك بن عَليّ بك بن دلغادر فَأنْزل. ثمَّ وقف بَين يَدي السُّلْطَان فِي تَاسِع عشرينه فَقبض عَلَيْهِ وسجن فِي البرج بالقلعة. وَفِي هَذِه السّنة: غزت العساكر السُّلْطَانِيَّة الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن دلغادر غير مرّة فَسَار الْأَمِير تغري برمش نَائِب حلب وَمَعَهُ الْأَمِير قانباي الحمزاوى نَائِب حماة بعساكر حلب وحماة فِي أول شهر رَمَضَان إِلَى عينتاب وَقد نزل جَانِبك الصُّوفِي على مرعش فتوجهوا إِلَيْهِ من الدربند ونزلوا بَزرْجُق وَأَقَامُوا يَوْمَيْنِ وَقد عدوا نهر جيحان وَقَطعُوا الجسر من ورائهم وقصدوا الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن خَلِيل بن قراجا بن دلغادر من جِهَة دربند كينوك فَلم يقدروا أَن يسلكوه من كَثْرَة الثلوج الَّتِي ردمته فْمضوا إِلَى دربند أَترنيت من عمل بهنسي وَقد ردمته الثلوج أَيْضا فَقدم نَائِب حلب بَين يَدَيْهِ عدَّة رجال مِمَّن مَعَه وَمن أهل الْبِلَاد الْمُجَاورَة للدربند لفتح الطَّرِيق ودروس الثَّلج بأرجلهم حَتَّى يحمل مسير الْعَسْكَر ثمَّ ركب فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامن شهر رَمَضَان وَعبر الدربند الْمَذْكُور بِمن مَعَه وَسَار يَوْمه. ثمَّ نزل تَحت جبل بزقاق وقدَّم أَرْبَعِينَ فَارس كشافة فظفروا فِي خَان زليِّ بدمرداش مَمْلُوك نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن دلغادر وَقد بَعثه فِي ثَلَاثَة لكشف خبر العساكر ففر الثَّلَاثَة وَقبض على دمرداش وَأتوا بِهِ فَأخْبر أَن القوه على أبلستين. فَركب نَائِب حلب بِمن مَعَه فِي الْحَال وجد فِي سيره حَتَّى طرق أبلستين يَوْم الثُّلَاثَاء تاسعه وَقد رَحل ابْن دلغادر بِمن مَعَه عِنْد عودة رفْقَة دمرداش إِلَيْهِ بِخَبَر قبض كشافة العساكر عَلَيْهِ فَسَار فِي أَثَره يَوْمه وَقد عبر بِمن مَعَه نهر جيحان فَلم يدركهم ثمَّ عَاد نَائِب حلب وجماعته وَنزل ظَاهر أبلستين وَأمر بِأَهْلِهَا فرحلوا إِلَى جِهَة درنده وأضرم النَّار فِي الْبَلَد حَتَّى احترقت بأجمعها بعد مَا أَبَاحَهَا للعسكر فنهبوها وَسَائِر معاملاتها فحازوا من الْخُيُول وَالْبِغَال والأبقار والجواميس والأغنام وَالْحمير والأقمشة والأمتعة مَا لَا نِهَايَة لَهُ بِحَيْثُ أَنه لم يبْق أحد من الْعَسْكَر إِلَّا وَأخذ من ذَلِك مَا قدر عَلَيْهِ. وَعَاد نَائِب حلب بِمن مَعَه والغنائم تساق بَين يَدَيْهِ على طَرِيق بهسني ثمَّ عَم عينتاب فَلم يبْق بأبلستين وَلَا معاملتها قدح وَاحِد من الغلال. وَحرقت ونهبت - هِيَ وبلادها - فَبَقيت قاعاً صفصفاً. وَعبر بالعسكر إِلَى حلب بعد غيبتهم عَنْهَا خمسين يَوْمًا ثمَّ إِن ابْن دلغادر جمع جمائعه ورحل ببيوته إِلَى أولخان بِالْقربِ من كينوك وَكَانَت الْأُمَرَاء الْمُجَرَّدَة من مصر نازلة بحلب فَجهز الْأَمِير تغري برمش نَائِب حلب الْأَمِير حسام الدّين حسن خجا حاحب الْحجاب بحلب وَمَعَهُ مائَة وَخَمْسُونَ فَارِسًا إِلَى عينتاب تَقْوِيَة للأمير خجا سودن وَقد نزل بهَا. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الِاثْنَيْنِ رَابِع عشْرين ذِي الْحجَّة: وصل الصُّوفِي وَمَعَهُ الْأَمِير الجزء: 7 ¦ الصفحة: 313 قرمش الْأَعْوَر وكمشبغا أَمِير عشرَة - من أُمَرَاء حلب - وَقد خامر مِنْهَا وَصَارَ من جلة جَانِبك الصُّوفِي وَأَوْلَاد نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن دلغادر - سوى سُلَيْمَان - يُرِيدُونَ لِقَاء الْأَمِير خجا سودن فنزلوا على مرج دلوك ثمَّ سَارُوا مِنْهُ إِلَى عينتاب فقابلهم الْأَمِير خجا سودن فِي آخر النَّهَار وَبَاتُوا ليلتهم وَأَصْبحُوا يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس عشرينه. فَقدم الْأَمِير حسن خجا حَاجِب حلب فِي جمع كَبِير من تركمان الطَّاعَة فَتقدم إِلَيْهِم جَانِبك الصُّوفِي بِمن مَعَه وهم نَحْو الألفي فَارس فَقَاتلهُمْ عَسْكَر السُّلْطَان الْمَذْكُور وَقد انقسموا فرقة عَلَيْهَا الْأَمِير خُجا سودن حَاجِب حلب وَفرْقَة عَلَيْهَا الْأَمِير تمرباي الدوادار بحلب وتركمان الطَّاعَة كل فرقة فِي جِهَة فَكَانَت بَينهم وقْعَة انجلت عَن أَخذ الْأَمِير قُرمش الْأَعْوَر وكمشبغا أَمِير عشرَة وَثَمَانِية عشر فَارِسًا فَانْهَزَمَ جَانِبك الصُّوفِي وَمن مَعَه وتبعهم الْعَسْكَر إِلَى انجاصوا. ثمَّ عَادوا وَحمل المأخوذون إِلَى حلب فسجنوا بقلعتها فِي الْحَدِيد وَكتب بذلك إِلَى السُّلْطَان. وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر عبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن مُحَمَّد الشريف ركن الدّين عرف بالدخان قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق لَيْلَة الْأَحَد سَابِع عشر الْمحرم وَقد أناف على سِتِّينَ سنة وَكَانَ فَقِيها حنفياً ماهراً فِي معرفَة فروع مذْهبه وَله مُشَاركَة فِي غير ذَلِك ولد بِدِمَشْق وَنَشَأ بهَا ثمَّ مَاتَ فِي الحكم عَن قضاتها ودرس. وَهُوَ مِمَّن ولي الْقَضَاء بِغَيْر رشوة فَشَكَرت فِيهِ سيرته. وَمَات قَاضِيا. وَهُوَ من بني أبي الْحسن الحسينيين. وَمَات ملك تونس وبلاد إفريقية من الغرب السُّلْطَان الْمُنْتَصر أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي عبد الله مُحَمَّد بن أبي فَارس فِي يَوْم الْخَمِيس حادي عشْرين صفر بتونس. وَلم يتهن فِي ملكه لطول مَرضه وَكَثْرَة الْفِتَن وسفكت فِي أَيَّامه - مَعَ قصرهَا - دِمَاء خلق كثير. وَقَامَ بمملكة تونس من بعده أَخُوهُ شقيقه عُثْمَان فَقتل عدَّة من أَقَاربه وَغَيرهم. وَكَانَ من خبر الْمُنْتَصر أَنه ثقل فِي مَرضه حَتَّى أقعد وَصَارَ إِذا سَار يركب فِي عمَّاريّه على بغل. وَتردد كثيرا إِلَى قصر بِخَارِج تونس للتنزه بِهِ إِلَى أَن خرج يَوْمًا وَمَعَهُ أَخُوهُ أَبُو عَمْرو عُثْمَان صَاحب قسنطينه. وَقد قدم عَلَيْهِ وولاه الحكم بَين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 314 النَّاس. وَمَعَهُ أَيْضا الْقَائِد مُحَمَّد الْهِلَالِي وَقد رفع مِنْهُ حَتَّى صَار هُوَ وَأَبُو عَمْرو عُثْمَان الْمَذْكُور - مرجع أُمُور الدولة إِلَيْهِمَا وحجباه عَن كل أحد. فَلَمَّا صَارا مَعَه إِلَى الْقصر الْمَذْكُور تركاه بِهِ وَقد أغلقا عَلَيْهِ يوهما أَنه نَائِم. ودخلا الْمَدِينَة وعبرا إِلَى القصبة وَاسْتولى أَبُو عَمْرو على تخت الْملك ودعا النَّاس إِلَى بيعَته والهلالي قَائِم بَين يَدَيْهِ. فَلَمَّا ثبتَتْ دولته قبض على الْهِلَالِي وسجنه وغيبه عَن كل أحد. ثمَّ الْتفت إِلَى أَقَاربه فَقتل عَم أَبِيه الْأَمِير الْفَقِيه الْحُسَيْن بن السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس. وَقتل مَعَه ابنيه وَقد فر بهما إِلَى الْعَرَب فَنزل عِنْدهم فَاشْتَرَاهُ وَقتل ابْني الْأَمِير أبي الْعَبَّاس أَحْمد صَاحب بجاية فنفرت عَنهُ قُلُوب النَّاس. وَخرج عَلَيْهِ الْأَمِير أَبُو الْحسن بن السُّلْطَان بن أبي فَارس عبد الْعَزِيز مُتَوَلِّي بجاية. وَمَات الْأَمِير تَاج الدّين التَّاج بن سَيْفا القازاني ثمَّ الشويكي الدِّمَشْقِي فِي لَيْلَة الْجُمُعَة حادي عشْرين شهر ربيع الأول بِالْقَاهِرَةِ. وَكَانَ أَبوهُ قد قدم دمشق من بِلَاد حلب وَصَارَ من جملَة أجنادها وَمِمَّنْ قَامَ مَعَ الْأَمِير منطاش فَأخْرج عَنهُ الْملك الظَّاهِر برقوق إقطاعه وَولد لَهُ التَّاج بِنَاحِيَة الشريكة الَّتِي تسميها الْعَامَّة الشويكة خَارج دمشق وَنَشَأ بِدِمَشْق فِي حَال خمول وَطَرِيقَة غير مرضية إِلَى أَن اتَّصل بالأمير شيخ وَهُوَ يَلِي نِيَابَة الشَّام فعاشره على مَا كَانَ مَشْهُورا بِهِ من أَتبَاع الشَّهَوَات وتقلب مَعَه فِي أطوار تِلْكَ الْفِتَن. وولاه وزارة حلب لما ولي نيابتها فَلَمَّا قدم الْقَاهِرَة بعد قتل النَّاصِر فرج بن برقوق قدم مَعَه من جملَة أخصائه وندمائه فولاه فِي سلطنته ولَايَة الْقَاهِرَة مُدَّة أَيَّامه فَسَار فِيهَا سيرة مَا عف فِيهَا عَن حرَام وَلَا كف عَن إِثْم وأحدث من أَخذ الْأَمْوَال مَا لم يعْهَد قبله ثمَّ تمكن فِي الْأَيَّام الأشرفية وَارْتَفَعت دَرَجَته وَصَارَ جَلِيسا نديماً للسُّلْطَان وأضيفت لَهُ عدَّة وظائف حَتَّى مَاتَ من غير نكبة. وَلَقَد كَانَ عاراً على جَمِيع بني أَدَم لما اشْتَمَل عَلَيْهِ من المخازي الَّتِي جمعت سَائِر القبائح وأرست بشاعتها على جَمِيع الفضائح. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 315 وَمَات الْأَمِير قَصرَوه نَائِب الشَّام بِدِمَشْق لَيْلَة الْأَرْبَعَاء ثَالِث شهر ربيع الآخر وَهُوَ على نيابتها وَترك من النَّقْد والخيول وَالسِّلَاح وَالثيَاب والوبر وأنواع البضائع والمغلات مَا يبلغ نَحْو سِتّمائَة ألف دِينَار وَكَانَ من أقبح النَّاس سيرة وأجمعهم لمَال من حرَام. وَمَات الْأَمِير عُثْمَان قَرَا يلوك بن الْحَاج قُطْلوبَك بن طُرْ على التركماني صَاحب مَدِينَة آمد ومدينة ماردين فِي خَامِس صفر وَقد انهزم من اسكندر ابْن قرا يُوسُف وَألقى نَفسه فِي خَنْدَق أرزن الرّوم فغرق وَقد بلغ نَحْو الْمِائَة سنة وَكَانَ من المفسدين فِي الأرضْ. وَهُوَ وَأَبوهُ من جملَة أُمَرَاء التركمان أَتبَاع الدولة الأرْتَقية أَصْحَاب ماردين. وَله أَخْبَار كَثِيرَة وسير قبيحة. وَقد ذكرته فِي كتاب دُرَر الْعُقُود الفريده فِي تراجم الْأَعْيَان المفيدة. وَمَات الْأَمِير الطواشي خُشْقَدم زِمَام الدَّار فِي يَوْم الْخَمِيس عَاشر جُمَادَى الأولى بِالْقَاهِرَةِ وَترك مَالا جماً مِنْهُ نَقْدا سِتُّونَ ألف دِينَار ذَهَبا إِلَى غير ذَلِك من الْفضة والقماش والغلال وَالْعَقار مَا يتَجَاوَز المائتي ألف دِينَار. وَكَانَ شحيحاً بذيء اللِّسَان فَاحِشا. وَمَات الشريف مَانع بن عَليّ بن عَطِيَّة بن مَنْصُور بن جماز بن شيحة الْحُسَيْنِي أَمِير الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة. وَقد خرج يتصيد خَارج الْمَدِينَة فَوَثَبَ عَلَيْهِ حيدر بن دوغان بن جَعْفَر ابْن هبة بن جماز بن مَنْصُور بن شيحة قَتله بِدَم أَخِيه خَشْرم بن دوغان أَمِير الْمَدِينَة فِي عَاشر جُمَادَى وَمَات بدر الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الْعَزِيز عرف بِابْن الْأَمَانَة أحد نواب الْقُضَاة بِالْقَاهِرَةِ فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء ثَالِث عشر شعْبَان ومولده فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة تخميناً. وَكَانَ فَقِيها شافعياً بارعاً فِي الْفِقْه وَالْأُصُول والعربية وَغير ذَلِك ذكياً متقناً لما يعرف عَارِفًا بِالْقضَاءِ كثير الاستحضار. نَاب فِي الحكم وأفنى عدَّة سِنِين. رَحمَه الله. وَمَات الشريف كَبْش بن جماز من بني حُسَيْن. وَكَانَ قد مالأ حيدر بن دوغان على قتل أَمِير الْمَدِينَة مَانع بن عَليّ وَمضى يُرِيد الْقَاهِرَة لَيْلَة إمرة بِالْمَدِينَةِ حَتَّى لم يبْق بَينه وَبَين الْقَاهِرَة إِلَّا نَحْو يَوْم وَاحِد صدفه جمَاعَة من بني حُسَيْن لَهُم عَلَيْهِ دم فَقَتَلُوهُ فِي أخريات جُمَادَى الْآخِرَة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 316 وَمَاتَتْ خوند جلبَان الجركسية زَوْجَة السُّلْطَان وَأم وَلَده الْمقَام الجمالي يُوسُف فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي شَوَّال. ودفنت بتربة السُّلْطَان الَّتِي أَنْشَأَهَا بالصحراء خَارج بَاب المحروق. وَكَانَت قد تصدت لقَضَاء الْحَوَائِج فقصدها أَرْبَاب الدولة لذَلِك وَكثر مَالهَا فأبيعت تركتهَا بِمَال كَبِير. وَمَات السُّلْطَان أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن أبي حمو مُوسَى بن يُوسُف بن عبد الرَّحْمَن بن يحيى بن يغمر أسن بن زيان بن ثَابت بن مُحَمَّد بن زكداز بن بيدوكس بن طاع الله بن عَليّ بن الْقَاسِم. وَهُوَ عبد الواد متملك مَدِينَة تلمسان وَالْمغْرب الْأَوْسَط فِي يَوْم شَوَّال. وَكَانَ السُّلْطَان أَبُو فَارس عبد الْعَزِيز بن أبي الْعَبَّاس أَحْمد الحفضي صَاحب تونس وبلاد إفريقية - رَحمَه الله - وَقد سَار إِلَى تلمسان مرّة ثَالِثَة وَبهَا مُحَمَّد بن أبي تاشفين عبد الرَّحْمَن بن أبي حمو الْمَعْرُوف بِابْن الزكاغية ففر مِنْهُ فَمَا زَالَ حَتَّى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 317 ظفر بِهِ وَقَتله وَأقَام على تلمسان عوضه أَحْمد هَذَا فِي أول شهر رَجَب سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة وَهُوَ أَصْغَر أَوْلَاد أبي حمو فَلم يزل على تلمسان حَتَّى مَاتَ بهَا وَولي بعده أَخُوهُ أَبُو يحيى بن أبي حمو. وَمَات أَحْمد جُوكي بن القان معِين الدّين شاه رخ سُلْطَان بن الْأَمِير تيمور كوركان بعد قتل قرا يلوك وَعوده من أرزن الرّوم فِي شعْبَان بِمَرَض عدَّة أَيَّام فَاشْتَدَّ حزن أَبِيه عَلَيْهِ وَعظم مصابه فَإِنَّهُ فقد ثَلَاثَة أَوْلَاد فِي أقل من سنة. وَمَات ملك بنجالة من بِلَاد الْهِنْد السُّلْطَان الْملك المظفر شهَاب الدّين أَحْمد شاه بن السُّلْطَان جلال الدّين أبي المظفر أَحْمد شاه بن فندو كاس فِي شهر ربيع الآخر ثار عَلَيْهِ مَمْلُوك أَبِيه كالوا الملقب مِصْبَاح خَان ثمَّ وَزِير خَان. وَقَتله وَاسْتولى على بنجاله. وَمَات الشَّيْخ الْملك زين الدّين أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن عَليّ الخافي ثمَّ الْهَرَوِيّ فِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث شهر رَمَضَان بهراة فِي الوباء الْحَادِث بهَا. نادرة قلَّ مَا وَقع مثلهَا وَهِي أَن ثَمَانِي عشر دولة من دوَل الْعَالم بأقطار الأَرْض زَالَت فِي مُدَّة بضعَة عشر شهرا وَأكْثر أَرْبَاب هَذِه الدول الزائلة مَاتَ وهم الحطي ملك أمحرة وسلطان وَمَات ملك كلبرجه من بِلَاد الْهِنْد السُّلْطَان شهَاب الدّين أَبُو الْمَغَازِي أَحمد شاه بن أَحْمد بن حُسَيْن شاه بن بَهْمن. كِلَاهُمَا مَاتَ فِي شهر رَجَب سنة ثَمَان وثلانين وَثَمَانمِائَة. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين طرباي نَائِب طرابلس فِي رَجَب هَذَا. وَمَات الشريف زُهَيْر بن سُلَيْمَان بن زيان بن مَنْصُور بن جماز بن شيحة الْحُسَيْنِي فِي رَجَب أَيْضا. وَمَات أَمِير زَاده إِبْرَاهِيم سُلْطَان بن القان الْأَعْظَم معِين الدّين شاه رخ ابْن الْأَمِير الْكَبِير تيمور لنك. صَاحب شيراز فِي شهر رَمَضَان. وَمَات ملك دله مَدِينَة الْهِنْد وَهُوَ الْملك بن مبارك خَان بن خضر خَان. وَمَات صَاحب مملكة كرمان باي سنقر سُلْطَان بن القان شاه رخ. وَمَات ملك تونس وبلاد إفريقية الْمُنْتَصر أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْأَمِير أبي عبد الله مُحَمَّد بن السُّلْطَان أبي فَارس عبد الْعَزِيز فِي حادي عشْرين صفر سنة تسع وَثَلَاثِينَ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 318 وَمَات الْأَمِير قصروه نَائِب الشَّام فِي لَيْلَة الثَّالِث من شهر ربيع الآخر وَهُوَ أعظم مملكة من كثير من مُلُوك الْأَطْرَاف. وَمَات الْأَمِير عُثْمَان قرايلوك بن الْحَاج قطلوبك بن طر على صَاحب مَدِينَة آمد ومدينة ماردين وَقتل أَمِير الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة الشريف مَانع بن على بن عطة بن مَنْصُور بن جماز بن شيحة الحسينى فِي جُمَادَى الْآخِرَة وَلم تطل مدَّته بعد قتل ابْن عَمه زُهَيْر بن سُلَيْمَان وَكَانَ ينازعه فِي الإمرة. وَمَات متملك مَدِينَة تلمسان وَصَاحب الْمغرب الْأَوْسَط أَحْمد بن أَبى حمو العَبْد وادى فِي شَوَّال وَمَات أَحْمد جوكى سُلْطَان بن القان شاه رخ. وَمَات قطب الدّين فَيْرُوز شاه بن مُحَمَّد شاه بن تَهَمْ تَمْ بن جردُن شاه بن طُغْلق بن طِبْق شاه ملك هُرْمُز والبحرين والحسا والقطف. وفر إسكندر بن قرايوسف عَن مَمْلَكَته بتبريز وتشتت فِي الْآفَاق. وَأسر بترو بن ألفنت صَاحب برشلونة وبلنسية وَغير ذَلِك من مملكة أرغون وزالت دولته. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 319 فارغه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 320 (سنة أَرْبَعِينَ وَثَمَانمِائَة) أهلت وَخَلِيفَة الْوَقْت وَالزَّمَان أَمِير الْمُؤمنِينَ المعتضد بِاللَّه أَبُو الْفَتْح دَاوُد بن المتَوَكل على الله أَبى عبد الله مُحَمَّد وسلطان الْإِسْلَام بديار مصر وبلاد الشَّام وأراضى الْحجاز مَكَّة وَالْمَدينَة وينبع وجزيرة قبرس السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف سيف الدّين أَبُو النَّصْر برسباى الدقماقى. والأمير الْكَبِير أتابك العساكر جقمق السيفى رَأس الميمنة. وَالْمقَام الجمالى يُوسُف ولد السُّلْطَان رَأس الميسرة. وأمير سلَاح الْأَمِير قرقْماس الشعبانى. وأمير مجْلِس أقبغا التمرازى. والدوادار الْأَمِير أَرْكُماس الظاهرى. وَرَأس نوبَة النوب الْأَمِير تمراز القَرْمِشى. وحاجب الْحجاب الْأَمِير يشبَك. وأمير آخور جاثم أَخُو السُّلْطَان. وَبَقِيَّة المقدمين الْأَمِير تغرى بردى البكلمشى المؤذْى وخُجا سودن وقراقُجا الْحسنى وأينال الأجرود نَائِب الرها والأمير تنبك فهم ثَلَاثَة عشر بَعْدَمَا كَانُوا أَرْبَعَة وَعشْرين مقدما. ونواب السلطنة بالممالك الْأَمِير أينال الجمكى نَائِب الشَّام. والأمير تغرى برمش الجقمقى نَائِب حلب والأمير قانباى الحمزاوى نَائِب حماة. والأمير جلبَان المؤيدى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 321 نَائِب طرابلس والأمير تمراز المؤيدى نَائِب صفد والأمير يونسْ نَائِب غَزَّة والأمير عمر شاه نَائِب الكرك والأمير أقباى البْشبَكى نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة. والأمير أَسَنْدمر الأسعردى نَائِب الْوَجْه القبلى والأمير حسن بيك الدكرى التركمانى نَائِب الْوَجْه البحرى وَلم يعد فِي الدول الْمَاضِيَة أَن يسْتَقرّ أحد من النواب تركمانيا إِلَّا فِيمَا بعد عَن بِلَاد حلب فاستجد فِي هَذِه الدولة الأشرفية ولَايَة عدَّة من التركمان ولايات ونيابات وإمريات. بِمصْر وَالشَّام. وأمير مَكَّة المشرفة الشريف زين الدّين أَبُو زُهَيْر بَرَكَات بن حسن بن عجلَان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 322 الْحسنى. وبالمدينة النَّبَوِيَّة الشَّرِيفَة على ساكنها أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام الشريف وميان ابْن مَانع بن على بن عطة بن مَنْصُور بن جَازَ بن شيحة الحسينى وبالينبع الشريف عقيل بن وبير بن نخبار بن مقبل بن مُحَمَّد بن رَاجِح بن إِدْرِيس بن حسن بن أَبى عَزِيز قتاده الْحسنى. وَهَؤُلَاء الْأَشْرَاف الثَّلَاثَة نواب عَن السُّلْطَان. وَفِي بَقِيَّة ممالك الدُّنْيَا القان معِين الدّين شاه رخ سُلْطَان ابْن الْأَمِير تيمور كوركان صَاحب ممالك مَا وَرَاء النَّهر وخراسان وخوارزم وجرجان وعراق الْعَجم ومازندران وقندهار ودله من بِلَاد الْهِنْد وكرمان وَجَمِيع بِلَاد الْعَجم إِلَى حُدُود أذربيجان الَّتِي مِنْهَا مَدِينَة تبريز ومتملك تبريز إسكندر بن قرايوسف بن قرا مُحَمَّد وَهُوَ مشرد عَنْهَا خوفًا من القان شاه رخ. وحاكم بَغْدَاد أَخُو أَصْبَهَان بن قرايوسف وَقد خرجت بَغْدَاد وَلم يبْق بهَا جُمُعَة وَلَا جمَاعَة وَلَا أَذَان وَلَا أسواق. وجف مُعظم نخلها وإنقطع أَكثر أنهارها بِحَيْثُ لَا يُطلق عَلَيْهَا اسْم مَدِينَة بَعْدَمَا كَانَت سوق الْعلم. وعَلى حصن كيفا الْملك الْكَامِل خَلِيل بن الْأَشْرَف أَحْمد بن الْعَادِل سُلَيْمَان بن الْمُجَاهِد غازى بن الْكَامِل مُحَمَّد بن الْعَادِل أَبى بكر بن الموحد عبد الله ابْن السُّلْطَان الْملك الْمُعظم توران شاه ابْن السُّلْطَان الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب بن الْكَامِل مُحَمَّد بن الْعَادِل أَبى بكر بن أَيُّوب بن شادى وعَلى بِلَاد قرمان من بِلَاد الرّوم إِبْرَاهِيم بن قرمان. وَملك الْإِسْلَام بِبِلَاد الرّوم خوندكار مُرَاد بن مُحَمَّد بن كُرْشجى بن بايزيد يلدَريم بن مُرَاد بن أُرخان بن أرِدن على الجزء: 7 ¦ الصفحة: 323 ابْن عُثْمَان بن سُلَيْمَان بن عُثْمَان صَاحب برصا وكالى بولى. وبجانب من بِلَاد الرّوم أسفنديار بن أَبى يزِيد وعَلى ممالك إفريقية من بِلَاد الْمغرب أَبُو عَمْرو عثمانين أَبى عبد الله مُحَمَّد بن أَبى فَارس عبد الْعَزِيز الحفصى صَاحب تونس وبجاية وَسَائِر إفريقية. وعَلى مدينْة تلمسادْ وَالْمغْرب الْأَوْسَط أَبُو يحيى بن أَبى حمو وبمملكة فاس ثَلَاثَة مُلُوك أَجلهم صَاحب مَدِينَة فاس وَهُوَ أَبُو مُحَمَّد عبد الْحق بن عُثْمَان بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم ابْن السُّلْطَان أَبى الْحسن المرينى وَلَيْسَ لَهُ أَمر وَلَا نهى وَلَا تصرف فِي دِرْهَم فَمَا فَوْقه. والقائم بِالْأَمر دونه أَبُو زَكَرِيَّا يحيى بن أَبى جميل زيان الوِطَاسى وَبعد صَاحب فاس صَاحب مكناسة الزَّيْتُون على نَحْو نصف يَوْم من فاس. وَالْآخر بأصِيلا على نَحْو خَمْسَة أَيَّام من فاس وهما أَيْضا تَحت الْحجر مِمَّن تغلب عَلَيْهِمَا. وَقد ضْعفت مملكة بنى مرين هَذِه وَيَزْعُم أهل الْحدثَان أَن الشاوية تَملكهَا وَقد ظَهرت إمارات صدق ذَلِك. وبالأندلس أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْأَيْسَر ابْن الْأَمِير نصر ابْن السُّلْطَان أَبى عبد الله بن نصر الْمَعْرُوف بِابْن الْأَحْمَر صَاحب أغرناطة. وببلاد الْيمن الْملك الظَّاهِر يحيى بن الْأَشْرَف إِسْمَاعِيل صَاحب تعز وزبيد وعدن. وعَلى صنعاء وصعدة الإِمَام على بن صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن على الزينى. وبممالك الْهِنْد الإسلامية عدَّة مُلُوك. ومماليك الفرنج بهَا أَيْضا نَحْو سَبْعَة عشر ملكا يطول علينا إيرادهم. وببلاد الْحَبَشَة الحطى الْكَافِر ويحاربه ملك الْمُسلمين شهَاب الدّين أَحْمد بدلاى ابْن سعد الدّين أَبى البركات مُحَمَّد بن أَحْمد بن على بن صَبر الدّين مُحَمَّد بن ولخوى بن مَنْصُور بن عمر بن ولَسْمَع الجبرتى. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 324 وأرباب المناصب بِالْقَاهِرَةِ الْأَمِير جَانِبك أستادار. وَالْقَاضِي محب الدّين مُحَمَّد بن الْأَشْقَر كَاتب السِّرّ. وناظر الْجَيْش عَظِيم الدولة زين الدّين عبد الباسط وَلَا يبرم أَمر وَلَا يحل وَلَا يُولى أحد وَلَا يعْزل إِلَّا بمشورته. وناظر الْخَاص سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن كَاتب حكم. وقاضى الْقُضَاة الشَّافِعِي الْحَافِظ شهَاب الدّين أَبُو الْفضل أَحْمد بن على ابْن حجر وَإِلَيْهِ الْمرجع فِي عَامَّة الْأُمُور الشَّرْعِيَّة لسعة علمه وَكَثْرَة إطلاعه لاسيما علم الحَدِيث وَمَعْرِفَة السّنَن والْآثَار فَإِنَّهُ أعرف النَّاس بهَا فِيمَا نعلم. وقاضى الْقُضَاة الْحَنَفِيّ بدر الدّين مَحْمُود الْعَيْنِيّ. وقاضى الْقُضَاة الْمَالِكِي شمس الدّين مُحَمَّد الْبِسَاطِيّ. وقاضي الْقُضَاة الْحَنْبَلِيّ محب الدّين أَحْمد بن نصر الله البغدادى. والمحتسب الْأَمِير صَلَاح الدّين مُحَمَّد ابْن الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر اللة. ووالى الْقَاهِرَة عمر الشويكى. شهر الله الْمحرم وأوله يَوْم الِاثْنَيْنِ: فِي عاشره: وصل الْعَسْكَر الْمُجَرّد إِلَى مَدِينَة حلب ونزلها. وَفِي رَابِع عشرينه: قدم الْمحمل الْحَاج مَعَ الْأَمِير طوخ مازى أحد أُمَرَاء الطبلخاناه وَأحد رُؤُوس النوب وكنتُ صُحْبَة الْحَاج فَسَاءَتْ سيرته فِي الْحَاج وَفِي ذَات نَفسه. وَفِي ثامن عشرينه: جمعت أجناد الْحلقَة الماً خوذ مِنْهُم المَال كَمَا تقدم ذكره فى بَيت الْأَمِير تَمِرْباى الدوادار وأعيد لَهُم مَا كَانَ أُخذ مِنْهُم من المَال من أجل أَن التجريدة بطلت. وَللَّه الْحَمد. وَفِيه قبض على الصاحب تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب بن الخطير أستادار الْمقَام الجمالى يُوسُف ولد السُّلْطَان ثمَّ أُفرج عَنهُ. وخُلع من الْغَد على الصاحب جمال الدّين يُوسُف ابْن كريم الدّين بن عبد الْكَرِيم بن سعد الدّين بركَة الْمَعْرُوف وَالِده بِابْن كَاتب جكم. وَاسْتقر عوضه فِي الأستادارية. وفى يَوْم الْأَحَد تَاسِع عشرينه الْمُوَافق لتاسع عشر مسرى: نودى على النّيل بِزِيَادَة عشر أَصَابِع فوفى سِتَّة عشر ذِرَاعا وَأَرْبَعَة أَصَابِع وَركب الْمقَام الجمالى يُوسُف ولد السُّلْطَان حَتَّى خُلق المقياس وَفتح الخليج بينيديه على الْعَادة. وَقدم الْخَبَر. بمسير الْعَسْكَر الْمُجَرّد من حلب فى عشرينه إِلَى جِهَة الأبلستين. وَأَنه فِي حادى عشرينه: طرق ميناء بوقير خَارج مَدِينَة الْإسْكَنْدَريَّة ثلَاثه أغربة من الفرنج الكيتلان وَأخذُوا مركبين للْمُسلمين فَخرج إِلَيْهِم أقباى اليشبكى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 325 الدوادار نَائِب الثغر وَرَمَاهُمْ حَتَّى أَخذ مِنْهُم أحد المركبنِ وأحرق الفرنج الْمركب الآخر وَسَارُوا. وَأَن فِي ثَانِي عشرينه: غَد هَذِه الْوَقْعَة طرق ميناء الْإسْكَنْدَريَّة مركب آخر للكيتلان وَكَانَ بهَا مركب للجنوية فتَحاربا وأعان الْمُسلمُونَ الجنوية حَتَّى إنهزم الكيتلان. وَفِي هَذَا الشَّهْر: خرج من مَدِينَة بجاية بإفريقية أَبُو الْحسن على ابْن السُّلْطَان أَبى فَارس عبد الْعَزِيز حَتَّى نزل على قسنطينة وحصرها. شهرصفر أَوله يَوْم الثُّلَاثَاء: فِي رابعه: قدم قَاصد نَائِب حلب بِرَأْس الْأَمِير قَرْمش الْأَعْوَر. وَكَانَ من خَبره أَنه من جملَة المماليك الظَّاهِرِيَّة برقوق وترقى فى الخدم حَتَّى صَار من الْأُمَرَاء وأُخرج إِلَى الشَّام. فَلَمَّا خامر الْأَمِير تَنْبَك البجاسى على السُّلْطَان كَانَ مَعَه ثمَّ هرب بعد قَتله فَلم يعرف خَبره إِلَى أَن ظهر الْأَمِير جَانِبك الصوفى إنضم عَلَيْهِ. فَلَمَّا قدم الْعَسْكَر الْمُجَرّد إِلَى حلب وَمن جملَته الْأَمِير خجا سودن نزل. مِمَّن مَعَه على عنتاب فطرقه قَرْمش الْمَذْكُور وَهُوَ فِي مُقَدّمَة جَانِبك الصوفى فَكَانَت بَينهمَا وقعهْ أُخذ فِيهَا قَرْمش وكمُشبغا من أُمَرَاء حلب المخامر إِلَى جَانِبك الصوفى فى جمَاعَة فَقطعت رَأس قرمش وكمشبغا وجهزتا إِلَى السُّلْطَان ووسط الْجَمَاعَة فشهرت الرأسان بِالْقَاهِرَةِ ثمَّ أُلقيتا فى سراب مَمْلُوء بالأقذار والغدرة. وَفِي خامسه: اسْتَقر خُشكَلْدى أحد الخاصكية فى نِيَابَة صهيون عوضا عَن الْأَمِير غرس الدّين خَلِيل الهذْبانى بِحكم وَفَاته. ثمَّ عزل بعد يَوْمَيْنِ بأخى المنوفى. وَفِي ثامن عشرينه: قدم الصاحب كريم الدّين بن كَاتب المناخ من جدة وصحبته الْأَمِير يلخجا والمماليك المركزة بِمَكَّة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: سَار أَبُو عَمْرو عُثْمَان بن أَبى عبد الله مُحَمَّد ابْن السُّلْطَان أَبى فَارس عبد الْعَزِيز من مَدِينَة تونس يُرِيد قسنطينه لقِتَال عَمه أَبى الْحسن على. شهر ربيع الأول أَوله يَوْم الْخَمِيس: فِيهِ عَاد الْعَسْكَر الْمُجَرّد إِلَى أبلستين بَعْدَمَا وصلوا إِلَى مَدِينَة سيواس فى طلب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 326 جَانِبك الصوفى وَابْن دلغادر حَتَّى بَلغهُمْ لحاقهما. بِمن مَعَهُمَا بِبِلَاد الرّوم والإنتماء إِلَى ابْن عُثْمَان صَاحب برصا فنهبوا مَا قدرُوا عَلَيْهِ وعادوا. وَفِيه رسم بعزل الْأَمِير تمراز المؤيدى عَن نِيَابَة صفد واستقراره فى نِيَابَة غَزَّة عوضا عَن الْأَمِير يُونُس الْأَعْوَر واستقرار يُونُس فى نِيَابَة صفد وَتوجه بذلك دولت بيه أحد رُؤُوس النوب. وَفِيه قدم الصاحب كريم الدّين ابْن كَاتب المناخ تقدمة قدومه من حِدة فَخلع عَلَيْهِ فى يَوْم السبت ثالثه وَنزل إِلَى دَاره فَسَأَلَ فى يَوْم الْأَحَد رابعه القاضى زين الدّين عبد الباسط نَاظر الْجَيْش وَالسُّلْطَان فى إستقرار الصاحب كريم الدّين الْمَذْكُور فى الوزارة على عَادَته. وَكَانَ السُّؤَال على لِسَان الْأَمِير صفى الدّين جَوْهَر الخازندار فَأُجِيب باً ن هَذَا الْأَمر مُتَعَلق بك فَإِن شِئْت إستمريت على مباشرتك للوزارة وَإِن شِئْت تعين من تُرِيدُ. فَتكلم من الْغَد يَوْم الْإِثْنَيْنِ مَعَ السُّلْطَان مشافهة فِي ذَلِك فتوقف السُّلْطَان خشيهْ أَلا يسد لقُصُور يَده. فمازال بالسلطان حَتَّى أجَاب إِلَى ولَايَته وَنزل إِلَى دَاره فاستدعى الصاحب كريم الدّين وَقرر مَعَه مَا يعْمل. وأسعفه باً ن عين لَهُ جِهَات يسد مِنْهَا كلفة شَهْرَيْن. وأنعم لَهُ بألفى رَأس من الْغنم وَأذن لَهُ أَن يوزع على مباشرى الدولة كلفة شَهْرَيْن آخَرين. فَلَمَّا كَانَ الْغَد يَوْم الثُّلَاثَاء سادسه: خلع على الصاحب كريم الدّين وَاسْتقر فِي الوزارهْ على عَادَته وَنزل إِلَى دَاره فى موكب جليل. وسر النَّاس بِهِ فصَّرف الْأُمُور وَنفذ الْأَحْوَال. وخلع مَعَه على الصاحب أَمِين الدّين إِبْرَاهِيم بن الهيصم نَاظر الدولة خلعة اسْتِمْرَار فَنزل فِي خدمته وَجلسَ بَين يَدَيْهِ كَمَا كَانَ أَولا وَكَانَت الوزارة مُنْذُ عزل الْأَمِير غرس الدّين خَلِيل عَنْهَا فِي شَوَّال سنة تسع وَثَلَاثِينَ لم يسْتَقرّ فِيهَا أحد وَإِنَّمَا كَانَ القاضى زين الدّين عبد الباسط ينفذ أُمُور الوزارة وقررها على تَرْتِيب عمله وَهُوَ أَنه أحَال مَصْرُوف كل جِهَة من جِهَات المصروف على متحصل جِهَة من جِهَات المتحصل فَإِن لم تف تِلْكَ الْجِهَة. مِمَّا أُحِيل بِهِ عَلَيْهَا قَامَ بالعوز من مَاله. وَندب للمباشرة عَنهُ الصاحب أَمِين الدّين بن الهيصم وَهُوَ يلى نظر الدولة فتمشت أَحْوَال الدولة فى هَذِه الْمدَّة على هَذَا. وَفِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ خامسه: فقد سُلَيْمَان بن أَرْخُن بك بن مُحَمَّد كُرشجى بن عُثْمَان وَأُخْته شاه زَاده وجاعته وَكَانُوا يسكنون بقلعة الْجَبَل وتمشى سُلَيْمَان هَذَا فى خدمَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 327 الْمقَام الجمالى ولد السُّلْطَان. وَمن خَبره أَن مُرَاد بن كُرشحى صَاحب برصا ويخرها من بِلَاد الرّوم قبض على أَخِيه أَرْخُن بك وكحله وسجنه مُدَّة فَكَانَ يقوم بخدمته وَهُوَ فى السجْن مَمْلُوك من مماليكه يُقَال لَهُ طوغان. فَأدْخل إِلَيْهِ جَارِيَة إِلَى السجْن وهى مُتَنَكِّرَة فاشتملت من أَرْخن على هَذَا الْوَلَد وَغَيره. ومملوكه هَذَا يخفى أَمرهم حَتَّى مَاتَ أرخُن فى سجنه. ففر الْمَمْلُوك بِهَذَيْنِ الْوَلَدَيْنِ وهما سُلَيْمَان وَأُخْته شاه زَاده وأمهما إِلَى مَدِينَة حلب وَأَقَامُوا بهَا حَتَّى قدم السُّلْطَان حلب فى سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وقف بهما إِلَيْهِ فاً كرمهم وأنزلهم بقلعة حلب ثمَّ سيرهم إِلَى الْقَاهِرَة وأسكنهم فى الدَّار الَّتِى كَانَت قلعة الصاحب من قلعة الْجَبَل وكساهم ورتب لَهُم فى كل شهر إثنين وَعشْرين ألف دِرْهَم من مُعَاملَة الْقَاهِرَة وَلم يحْجر عَلَيْهِم فى النُّزُول إِلَى الْقَاهِرَة. وأضاف هَذَا الصبى سُلَيْمَان بن أرخُن إِلَى خدمَة وَلَده الْمقَام الجمالى فَكَانَ يركب مَعَه إِذا ركب ويظل بَين يَدَيْهِ ويبيت إِذا شَاءَ عِنْده إِلَى أَن فقدوا. وَفِي لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ: الْمَذْكُور قُتل جاسوس مَعَه كتب من جَانِبك الصوفى. وَفِي اليلة الْجُمُعَة عاشره: عُمل المولد النبوى بَين يدى السُّلْطَان على الْعَادة فى كل سنة. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة: الْمَذْكُور عدا رجل من الهنود على رجلَيْنِ فَقَتَلَهُمَا بعد صَلَاة الْجُمُعَة تجاه شبابيك الْمدرسَة الصالحية بَين القصرين. بمشهد من ذَلِك الْجمع الْكثير. فَأخذ وَقطعت يَده ثمَّ قُتل فَكَانَت حَادِثَة شنعة. وَفِي يَوْم السبت حادى عشرَة: توجه الْأَمِير قُرْقماس أَمِير سلَاح والأمير جانم أَمِير أخور فِي جمَاعَة إِلَى الْوَجْه البحرى من أجل أَن أَوْلَاد بكار بن رحاب وعمهم عِيسَى من أهل الْبحيرَة وَفِي ثَالِث عشرَة: وصل الأروام الهاربون وعدتهم خَمْسَة وَسِتُّونَ شخصا مِنْهُم ثمانيهْ من مماليك السُّلْطَان فوسطوا الثَّمَانِية تَحت المقعد السلطانى بالإصطبل من القلعة بَين يدى السُّلْطَان. ووسط طوغان لالا سُلَيْمَان بن أرخن وَرجل آحْر لتتمة عشرَة. وَقطعت أيدى سَبْعَة وَأَرْبَعين رجلا وَضرب رجل بالمقارع. فَكَانَت حَادِثَة شنعة. وَكَانَ من خبرهم أَن طوغان الْمَذْكُور قصد أَن يفر. بمُوسَى إِلَى بِلَاد الرّوم. وَنزل فى غراب قدم فى الْبَحْر وَمَعَهُ جمَاعَة مِنْهُم المماليك الثَّمَانِية وعدة من الأروام. ورافقهم فى الْمركب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 328 جمَاعَة من النَّاس لَيْسُوا مِمَّا هم فِيهِ فِي شىء إِنَّمَا هم مَا بَين تَاجر وَصَاحب معيشة ومسافر لغَرَض من الْأَغْرَاض. وانحدروا فى النّيل لَيْلًا يُرِيدُونَ عبور الْبَحْر فأدركهم الطّلب من السُّلْطَان وَقد قاربوا رشيد. وَكَانَت بَينهم محاربة فِي المراكب على ظهر النّيل قتل فِيهَا عدَّة. وتخلصوا حَتَّى عبروا بغرابهم من النّيل إِلَى بَحر الْملح فَخرجت عَلَيْهِم ريح ردتهم حَتَّى نزلُوا على وحلة فَلم يقدروا أَن يحركوا غرابهم من شدَّة الوحل فأدركهم الطّلب وهم كَذَلِك فَقَاتلُوا ليدافعوا عَن أنفسهم وَقد جَاءَهُم نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة فِي جمع موفور. فمازالوا يُقَاتلُون حَتَّى غلبوا وَأخذُوا فسيقوا فِي الْحَدِيد إِلَى أَن نزل من الْبلَاء مَا نزل. وسجن سُلَيْمَان بن أرخن مُدَّة ثمَّ أفرج عَنهُ ونودى فِي الشوارع بِخُرُوج الهنود من الْقَاهِرَة فَلم يخرج أحد. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة سادس عشرَة: رَحل الْعَسْكَر من أبلستين بعد أَن أَقَامُوا بهَا عشرَة أَيَّام وهم ينهبون أَعمالهَا ويخربون ويحرقرن فمازالوا سائرين حَتَّى نزلُوا تجاه مَدِينَة سيواس وَقد رَحل الْعَدو الْمَطْلُوب إِلَى جبل آق طاغ وَمَعْنَاهُ الْجَبَل الْأَبْيَض ثمَّ مضوا مِنْهُ إِلَى أنكورية. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ تَاسِع عشرَة: نودى أَلا يلبس أحد زمط أَحْمَر ثمَّ نودى من الْغَد لَا يحمل أحد سِلَاحا. وَفِي رَابِع عشرينه: خلع على سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن الْمرة وإستقر فى نظر جدة على عَادَته من قبل. وَفِي سَابِع عشرينه: خلع على الْأَمِير جَانِبك الناصرى رَأس نوبَة الْأَمِير إِبْرَاهِيم ابْن الْمُؤَيد وحاجب ميسرَة. وإستقر أَمِير المجردين إِلَى مَكَّة ويتحدث مَعَ إِبْنِ الْمرة فِي أَمر جدة وَتعين مَعَه مائَة وَعشرَة مماليك السبتوى ثَلَاثِينَ مَمْلُوكا فِي خدمته. وأنعم عَلَيْهِ بِأَلف دِينَار أشرفية وقطارى جمال وَخمْس عشرَة ألف فردة نشاب وَأَرْبَعَة أَفْرَاس. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشرينه: أُعِيد يُونُس خازندار نَائِب حلب الْوَارِد بِعُود الجزء: 7 ¦ الصفحة: 329 الْعَسْكَر الْمُجَرّد إِلَى أبلستين. وجهز على يَده لنائب حلب فرس بقماش ذهب وقباء فوقانى وَخَمْسَة آلَاف دِينَار أشرفية. وأنعم على الْأَمِير الْكَبِير جقمق الأتابك بِأَلف دِينَار. وعَلى كل من أُمَرَاء الألوف المجردين وعدتهم سِتَّة أُمَرَاء خَمْسمِائَة دِينَار. وعَلى أُمَرَاء حلب المقدمين الَّذين خَرجُوا فِي التجريدة بِأَلف وَخَمْسمِائة دِينَار وعدتهم ثَلَاثَة أُمَرَاء وعَلى أَمِير من طبلخاناه حلب. بمائتى دِينَار. وعَلى سَبْعَة من أُمَرَاء الْعشْرين بحلب لكل أَمِير مِنْهُم. بِمِائَة وَخَمْسَة وَعشْرين دِينَارا جُمْلَتهَا ثَمَانمِائَة وَخَمْسَة وَسبعين دِينَارا وأنعم على سِتَّة عشر من أُمَرَاء العربان بحلب بِأَلف وسِتمِائَة دِينَار. وأنعم على خَمْسَة عشر من أُمَرَاء الْجِهَات لكل أَمِير خمسين دِينَارا. وأنعم على أُمَرَاء التركمان ونواب القلاع مِمَّن كَانَ فى التجريدة بِخَمْسَة أُلَّاف دِينَار. وَبَلغت جملَة هَذِه الإنعامات تِسْعَة عشر ألف دِينَار وَمِائَة دِينَار وَخَمْسَة وَسبعين دِينَارا سوى ثَلَاثِينَ قرطية وَثَلَاثِينَ ثوب صوف وَعشرَة أقبية سنجاب كل قبَاء خمس شقات. وفْيه نودى فِي النَّاس بِالْإِذْنِ فِي السّفر إِلَى مَكَّة صُحْبَة المجردين. شهر ربيع الآخر أَوله الْجُمُعَة: فِي سادس عشرَة: ركب السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل وشق الْقَاهِرَة وَخرج من بَاب القنطرة للصَّيْد. وَهَذِه أول ركبة ركبهَا فى هَذِه السّنة للصَّيْد. وَفِيه جمع الْأَمِير جَوْهَر الخازندار الجزارين وَأشْهد عَلَيْهِم أَلا يشتروا اللَّحْم إِلَّا من أَغْنَام السُّلْطَان الَّتِي تذبح. وَصَارَ يذبح لَهُم من الأغنام مَا يبيعوا لَحْمه للنَّاس وَلم يسمع بِمثل ذَلِك. شهر جُمَادَى الأولى أَوله السبت: فِيهِ قدمت رسل مُرَاد بن مُحَمَّد كرشجى بن بايزيد بن عُثْمَان ملك الرّوم بهدية. وَفِي سادسه: برز الْأَمِير جَانِبك وإبن الْمرة إِلَى ظَاهر الْقَاهِرَة وتلاحق بهما جمَاعَة إِلَى أَن إستقلوا بِالْمَسِيرِ إِلَى مَكَّة فِي عاشرة. وفى ثَالِث عشرَة: خلع على دمرداش وأعيد إِلَى نِيَابَة الْوَجْه البحرى عوضا عَن حسن بيك التركمانى. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 330 وَفِي سَابِع عشرَة: قدم الْأُمَرَاء المجردون لقِتَال جَانِبك الصوفى وناصر الدّين مُحَمَّد إِبْنِ دلغادر. وهم الْأَمِير الْكَبِير جقمق العلاى والأمير أركماس الظاهرى الدوادار وأمير يشبك الظاهرى ططر حَاجِب الْحجاب والأمير قراخجا الْحسنى والأمير تنبك السيفى والأمير تغرى بردى البكلمشى الْمَعْرُوف بالمؤذى ومثلوا بَين يدى السُّلْطَان وقبلوا الأَرْض فَخلع على الْأَمِير الْكَبِير متمر وَمن فَوْقه قبَاء فوقانى. وخلع على كل من بَقِيَّة الْأُمَرَاء الْمَذْكُورين فوقانى بطرز ذهب. وأركبوا جَمِيعهم خيولا سلطانية بقماش ذهب. وَتَأَخر من الْأُمَرَاء الْأَمِير خجا سودن لبطئه فِي الْمسير. وَفِيه أَيْضا قدم الْأَمِير قرقماس الشعبانى أَمِير سلَاح والأمير جانم أَمِير أخور والأمير قراجا شاد الشرابخاناه والأمير تمرباى الدوادار الثانى من تجريدة الْبحيرَة وصحبتهم الْأَمِير حسن بك بن سَالم الدكرى التركمانى وَقد عزل وَمُحَمّد بن بكار إِبْنِ رحاب وَقد دخل فى الطَّاعَة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كثر ركُوب السُّلْطَان للصَّيْد. وَفِيه رفعت يَد قاضى الْقُضَاة بدر الدّين مَحْمُود العينى الحنفى عَن وَقت الطرحاء من الْأَمْوَات وفوض إِلَى الْأَمِير صفى الدّين جَوْهَر الخازندار ورسم لَهُ أَن يسترفع حِسَاب الْوَقْف فْيما مضى ثمَّ نقصْ ذَلِك وإستمر بيد قاضى الْقُضَاة على الْعَادة. وَفِي سَابِع عشرينه: نودى بِأَن من كَانَت لَهُ ظلامة فَعَلَيهِ بِالْوُقُوفِ إِلَى السُّلْطَان. ورسم أَن تَجْتَمِع قُضَاة الْقُضَاة الْأَرْبَع. بِمَجْلِس السُّلْطَان للْحكم فِي يومي الثُّلَاثَاء والسبت. ثمَّ إنتقض ذَلِك وَلم يعْمل بِهِ. وَجلسَ السُّلْطَان للْحكم فِي يَوْم السبت تَاسِع عشرينه. وحضروا عِنْده. ثمَّ بَطل وإستمر على عَادَته من غير حُضُور الْقُضَاة. شهر جُمَادَى الْآخِرَة أَوله يَوْم الْإِثْنَيْنِ: فِي ثالثه: ركب الْأَمِير تمرباى الدوادار النّيل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة حَتَّى يَبِيع الفلفل الْمَحْمُول من جدة على الفرنج الواردين الثغر ببضائعهم بَعْدَمَا عين لذَلِك القاضى زين الدّين عبد الباسط ثمَّ أعفى مِنْهُ. وَفِي ثَانِي عشرَة: ورد كتاب الْأَمِير إِبْرَاهِيم بن قرمان يتَضَمَّن أَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن دلغادر وجانبك الصوفى نزلا بعد توجه الْعَسْكَر قَرِيبا من أنكوريه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 331 وجهز الْأَمِير سُلَيْمَان بن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن دلغادر إِلَى مُرَاد بن عُثْمَان فَلَقِيَهُ على مَدِينَة كالى بولى وترامى عَلَيْهِ. وَكَانَ ابْن قرمان الْمَذْكُور قد قَاتل حَاكم مَدِينَة أماية فَقتله فَغَضب ابْن عُثْمَان وتحركت كوا من الْعَدَاوَة الَّتِى بَين القرمانية والعثمانية وعزم على الْمسير إِلَى أَخذ ابْن قرمان. وبرز من كالى بولى يُرِيد مَدِينَة برصا فَلَمَّا قدم عَلَيْهِ سُلَيْمَان بن دلغادر جهز مَعَه عسكراً وأنعم عَلَيْهِ بِالْمَالِ وَالسِّلَاح وَندب مَعَه حَاكم مَدِينَة توقاته لمحاصرة مَدِينَة قيصرية وَأَخذهَا من ابْن قرمان. وجهز أَيْضا الْأَمِير عِيسَى أَخا إِبْرَاهِيم بن قرقمان على عَسْكَر آخر وَبَعثه إِلَى بِلَاد قرمان ليسير هُوَ من وَرَاء العسكرين فأهم السُّلْطَان هَذَا الْخَبَر وجهز إِلَى كل من عنتاب وملطية وكختا وكركر المَال وَالسِّلَاح وَكتب إِلَى تركمان الطَّاعَة. بمعاونة إِبْرَاهِيم بن قرقمان على عدوه. وَفِي هَذَا الشَّهْر: رسم أَن يشترى من الغلال ثَلَاثُونَ ألف أردب ليخزن فَأخذ النَّاس فِي شِرَاء الْغلَّة من الْقَمْح وَالشعِير والفول خوفًا من غلاء السّعر. وَفِي ثامن عشرَة: قدم الْأَمِير تمرباى الدوادار من الْإسْكَنْدَريَّة بَعْدَمَا بَاعَ بهَا ألف حمل من وَفِي تَاسِع عشرَة: قدم القاضى شرف الدّين أَبُو بكر الْأَشْقَر الْمَعْرُوف بِابْن العجمى كَاتب سر حلب وَقدم من الْغَد السُّلْطَان تقدمة جليلة مَا بَين ثِيَاب حَرِير ووبر وخيل وبغال. وَفِي عشرينيه: رسم للأًمير يشبك حَاجِب الْحجاب والأمير أينال الأجرود الْوَارِد من الرها بالتوجه لحفر خليج الْإسْكَنْدَريَّة. وَتوجه القاضى زين الدّين عبد الباسط ليرتب الْأَحْوَال فِي ذَلِك ثمَّ يعود. فَتوجه فِي رَابِع عشرينه وَسَار الْوَزير الصاحب كريم الدّين ابْن كَاتب المناخ أَيْضا للنَّظَر فِي أَمر الحفير. وَفِي هَذَا الشَّهْر: اتّفقت نادرة لم نر وَلَا سمعنَا بِمِثْلِهَا وهى إستقرار الْأَمِير صفى الدّين جَوْهَر الخازندار فى قَضَاء دمياط وَكَانَت الْعَادة أَن يُفَوض قاضى الْقُضَاة الشافعى قَضَاء دمياط لمن يَقع اخْتِيَاره عَلَيْهِ من الْفُقَهَاء فَلَمَّا إتصل ولى الدّين مُحَمَّد بن قَاسم المحلاوى بالسلطان شَره فِي المَال وَأخذ قَضَاء عدَّة بِلَاد مِنْهَا دمياط. وَقرر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 332 على من أَقَامَهُ فى قَضَاء الْبِلَاد الَّتِى وَليهَا مَالا يحملهُ على سَبِيل الْفَرِيضَة فِي كل شهر أَو كل سنة كَمَا هى ضَرَائِب المكوس سوى مَا يتبع ذَلِك من هَدَايَا الرِّيف. وَكَانَ الجاه عريضا فَمَا عفت نوابه وَلَا كفت فَلَمَّا ذهب إِلَى الْحجاز نزل عَن قَضَاء دمياط للقاضى جلال الدّين عمر والقاضى كَمَال الدّين مُحَمَّد بن البارزى كَاتب السِّرّ. بمبلغ خمسين ألف دِرْهَم مصرية. فَجرى على عَادَة ابْن قَاسم فِي ذَلِك إِلَى أَن عين السُّلْطَان القاضى كَمَال الدّين لقَضَاء دمشق سَأَلَهُ الْأَمِير صفى الدّين جَوْهَر الخازندار أَن ينزل لَهُ عَن قَضَاء دمياط فَلم يجد بدا من إجَابَته وَنزل لَهُ عَن ذَلِك. فَأمْضى قاضى الْقُضَاة النُّزُول رغمًا وَصَارَ أحد نواب الحكم الْعَزِيز بدمياط فإستناب عَنهُ على الْعَادة فِي هَذَا وإستمر. وَصَارَ يكْتب فِي مُكَاتبَته إِلَى نَائِبه بدمياط الداعى جَوْهَر الحنفى كَمَا كَانَ قاضى الْقُضَاة يكْتب. وَحمد أهل الْبَلَد سيرته بِالنِّسْبَةِ لمن كَانَ قد ابْتَدَأَ ذَلِك. وَلم يعْهَد فى مثل ذَلِك نزُول وَلَا مَا يُشبههُ فَللَّه الْأَمر. شهر رَجَب أهل بِيَوْم الثُّلَاثَاء: وَفِيه خلع على القاضى كَمَال الدّين مُحَمَّد ابْن القاضى نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن البارزى. وأعيد إِلَى قَضَاء الْقُضَاة بِدِمَشْق عوضا عَن سراج الدّين عمر الحمصى بِغَيْر مَال يحملهُ وَلَا سعى مِنْهُ. وَإِنَّمَا كثرت القالة السَّيئَة فِي الحمصى فعين السُّلْطَان عوضه القاضى كَمَال الدّين ثمَّ ولاه. وَفِي ثالثه: أدير محمل الْحَاج بِالْقَاهِرَةِ ومصر وَلم نعهد فِيمَا تقدم أَنه أدير قبل النّصْف من شهر رحب إِلَّا فى هَذِه الدولة الأشرفية فَإِنَّهُ أدير غير مرّة قبل النّصْف مِنْهُ. ونْزل بِالنَّاسِ فِي لَيْلَة إدارته من المماليك السُّلْطَانِيَّة بلَاء كثير من صفع أقفية الْمَارَّة فِي الشَّارِع وَمن حرق لحاهم بالنَّار وخطف عمائمهم إِلَى غير ذَلِك مِمَّا لَا نستجيز ذكره. وَفِي يَوْم السبت خامسه: توجه القَاضِي زين الدّين عبد الباسط لكشف قناطر اللاهون من عمل الفيوم وَقد خربَتْ. وَفِي سادسه: قدم الْأَمِير يشبك الْحَاجِب والصاحب كريم الدّين والأمير أينال الأجرود وَقد قاسوا خليج الْإسْكَنْدَريَّة فَإِذا عرضه عاشرة قصبات فى طول ثَلَاث وَعشْرين ألف قَصَبَة مِنْهَا سِتَّة آلَاف وَأَرْبَعمِائَة قَصَبَة تحْتَاج إِلَى أَن تحفر وبقيتها تحْتَاج إِلَى الْإِصْلَاح. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 333 وَفِي سابعه: توجه جكم خازندار الْمقَام الجمالى وخاله إِلَى طرابلس بإنتقال الْأَمِير الْكَبِير بهَا. وَهُوَ تمربغا المحمودى إِلَى الحجوبية الْكُبْرَى بهَا. وإنتقال الْأَمِير آق قجا العلاى من الحجوبية إِلَى الإمرة الْكُبْرَى. وَأَن يقوم تمربغا بأَرْبعَة آلَاف دِينَار وللمسفر الْمَذْكُور بِأَلف دِينَار. ورسم لجكم الْمَذْكُور أَن يكون مُسْفِر قاضى الْقُضَاة كَمَال الدّين ابْن البارزى فَبعد جهد حَتَّى أَخذ مِنْهُ فِي يَوْمه ثَلَاثمِائَة دِينَار. وَلم تجر الْعَادة بِمثل ذَلِك. وَفِي عاشرة: خلع على الْأَمِير أينال العلاى الأجرود وإستقر فِي نْيابة صفد عوضا عَن الْأَمِير يُونُس ورسم ليونس أَن يُقيم بالقدس بطالا وخلع على الْأَمِير طوخ بن بازق الجكمى رَأس نوبَة ليخرج مُسْفِر الْأَمِير أينال إِلَى صفد. وَفِي رَابِع عشرَة: أنعم بإقطاع الْأَمِير أينال الأجرود وإمرته على الْأَمِير قراجا شاد الشرابخاناه. وإستقر أينال الخازندار أحد الْأُمَرَاء الطبلخاناه شادا عوضا عَن قراجا وإستقر على باى الأشرفى الساقى الخاصكى خازندارا عوضا عَن أينال. وخلع على الْأَمِير أقبغت التمرازى ليلى حفر خليج الْإسْكَنْدَريَّة. وَفِي تَاسِع عشرَة: خلع على حسن بيك بن سَالم الدكرى التركمانى وأعيد إِلَى كشف الْبحيرَة عوضا عَن دمرداش. وَفِي سَابِع عشرينه: ركب الْأَمِير جَانِبك أستادار إِلَى نَاحيَة شبْرًا الْخيام من ضواحى الْقَاهِرَة وَهدم كَنِيسَة النَّصَارَى بهَا ونهبت حواصلها وأحرقت عِظَام رمم كَانَت بهَا يَزْعمُونَ أَنَّهَا رمم شُهَدَاء مِنْهُم. وَفِي هَذَا الشَّهْر: جبى مَا فرض على نواحى الغربية والمنوفية والبحيرة برسم حفر خليج الْإسْكَنْدَريَّة وَهُوَ عَن عِبْرَة كل ألف دِينَار نصف راجل يُؤْخَذ عَنهُ مبلغ أَلفَيْنِ وَخَمْسمِائة دِرْهَم من مُعَاملَة الْقَاهِرَة. وَندب للحفر ثَلَاثمِائَة رجل تصرف أُجُورهم من هَذَا المتحصل وَعمل بالميدان تَحت القلعة بَين يدى السُّلْطَان من الجراريف والمقلقلات مِائَتي قِطْعَة وَعشر قطع. وَعين من الْبَقر ستمائهْ وَعشْرين رَأْسا. وجهز ذَلِك لحفر الخليج الْمَذْكُور. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 334 شهر شعْبَان أهل بِيَوْم الْخَمِيس: فِي ثَانِيه: توجه قَاضِي الْقُضَاة كَمَال الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ إِلَى مَحل ولَايَته بِدِمَشْق. وَفِي ثالثه: خلع على القاضى معِين الدّين عبد اللطف أحد موقعى الدست وَشَيخ خانكاة قوصون. وإستقر فِي كِتَابَة السِّرّ بحلب عوضا عَن وَالِده القاضى شرف الدّين أَبى بكر الْأَشْقَر الْمَعْرُوف بإبن العجمى الحلبى وخلع على القاضى شرف الدّين الْمَذْكُور ليَكُون نَائِب كَاتب السِّرّ على مَا كَانَ عَلَيْهِ قبل إنتقاله إِلَى كِتَابَة السِّرّ بحلب. وأنعم على الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن منجك بتقدمة أرغون شاه وإقطاعه بِدِمَشْق. وأضيف إِلَى الْأَمِير طوغان العثمانى نَائِب الْقُدس أستادارية الشَّام والتحدث فِي الأغوار عوضا عَن أرغون شاه. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشرَة: نودى بإحتماع الْجَمَاعَة الَّتِى قطعت أَيْديهم عِنْدَمَا أخذُوا من الْغُرَاب ليفرق فيهم السُّلْطَان مَالا. فَلَمَّا إجتمعوا جىء بهم ليأخذوا صدقَات السُّلْطَان حَتَّى صَارُوا بقلعة الْجَبَل قبض عَلَيْهِم وساقهم أعوان الظلمَة بِأَسْوَأ حَال. وأنزلوا فِي مركب ليسيروا إِلَى بِلَاد الرّوم وَقد جعل كل إثنين مِنْهُم فِي قرمة خشب فَكَانَ هَذَا من شنيع الْحَوَادِث وَلَو شَاءَ رَبك مَا فَعَلُوهُ. شهر رَمَضَان أهل بِيَوْم الْجُمُعَة: فِي عاشرة: عقد السُّلْطَان المشور. وَقد ورد الْخَبَر بِأَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن دلغادر ونزيله جَانِبك الصوفى زْحفا. بِمن مَعَهُمَا على بِلَاد قرمان فقوى الْعَزْم على السّفر إِلَى بِلَاد الشَّام وَأخذ الْأُمَرَاء فِي أهبة السّفر ثمَّ إنتقض ذَلِك فى ثامن عشرَة. وَكتب بمسير نواب الشَّام إِلَى نَحْو بِلَاد قرمان نجدة لإِبْرَاهِيم بن قرمان فَإِن الْقَوْم أخذُوا مَدِينَة أقشهر ونازلوا قلاعًا أخر. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كثر عبثالمماليك السُّلْطَانِيَّة بِالنَّاسِ فِي اللَّيْل. شهر شَوَّال أَوله الْأَحَد: فِي خامسه: خلع على قاضى الْقُضَاة علم الدّين صَالح ابْن شيخ الْإِسْلَام سراج الدّين عمر البلقينى وأعيد إِلَى قُضَاة الْقُضَاة عوضا عَن الْحَافِظ شهَاب أَحْمد بن حجر. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 335 وَفِي سادسه: خلع على القاضى نور الدّين عمر بن مُفْلِح نَاظر المارستان وإستقر وَكيل بَيت المَال عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد بن يُوسُف بن صَالح الحلاوى بعد مَوته. وَفِي تَاسِع عشرَة: خرج محمل الْحَاج صُحْبَة الْأَمِير غرس الدّين خَلِيل. ورحل من بركَة الْحَاج فِي ثَالِث عشرينه بَعْدَمَا رَحل الركب الأول فِي أمسه صُحْبَة الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد ولد الْأَمِير أركماس. وَفِي هَذَا الشَّهْر: نزلت صاعمّة بجدة بندر مَكَّة فأتلفت شَيْئا كثيرا وَهلك نَحْو الْمِائَة نفس. وَفِيه كَانَت بجدة أَيْضا وقْعَة بَين القواد والأمير جَانِبك قتل فِيهَا وجرح عدَّة. ثمَّ قدم الشريف بَرَكَات بن حسن بن عجلَان فساس الْأَمر حَتَّى سكنت الْفِتْنَة. فِيهِ قدم سيف الْأَمِير تمرباى الدوادار بحلب وَسيف الْأَمِير أقباى نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة وَقد مَاتَا. فتقررت ولَايَة زين الدّين عبد الرَّحْمَن ابْن كَاتب السِّرّ علم الدّين دَاوُد بن الكويز أحد دوادارية السُّلْطَان نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة وخلع عَلَيْهِ فِي ثَانِيه. وَفِي عشرينه: قدم نَائِب حلب إِلَيْهَا وَكَانَ قد سَار عِنْدَمَا ورد الْخَبَر. بمشى مُرَاد بن عُثْمَان ملك الرّوم على بِلَاد ابْن قرمان فَلَمَّا تقرر الصُّلْح بَينه وَبَين إِبْرَاهِيم بن قرمان عَاد نَائِب حلب من مرعش. وَقدم الْخَبَر بِأَن أَصْبَهَان بن قرايوسف متملك بَغْدَاد جمع لِحَرْب حَمْزَة بن قرايلك حَاكم ماردين فَجمع لَهُ حَمْزَة وحاربه فَهزمَ أصفهان بَعْدَمَا قتل عدَّة من أمرائه وجنده وَأَن من بقى مَعَه أَرَادوا قَتله فإمتنع مِنْهُم بقلعة فولاد. شهر ذى الْحجَّة أَوله الْخَمِيس: فِي حادى عشرَة الْمُوَافق لَهُ سَابِع عشْرين بوؤنة: نودى على النّيل بِزِيَادَة ثَلَاثَة أَصَابِع وإستقر المَاء الْقَدِيم على خَمْسَة أَذْرع وإثنين وَعشْرين أصبعا وتسميها النَّاس الْيَوْم الْقَاعِدَة. وإستمرت زِيَادَة النّيل وَللَّه الْحَمد. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشرينه: خلع على الْأَمِير صَلَاح الدّين مُحَمَّد ابْن الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله وإستقر كَاتب السِّرّ عوضا عَن شيخ الشُّيُوخ محب الدّين مُحَمَّد بن شرف الدّين الْأَشْقَر مُضَافا لما بِيَدِهِ من حسبَة الْقَاهِرَة وَنظر دَار الضَّرْب وَنظر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 336 الْأَوْقَاف ومنادمة السُّلْطَان فَنزل فِي موكب حليل وَقد لبس الْعِمَامَة المدورة والفرجية هَيْئَة أَرْبَاب الأقلام فسر النَّاس بِهِ وَكَانَ من خَبره أَنه نشاً من صغره بزى الأجناد وبرع فِي الْحساب وَكتب الْخط الْمَنْسُوب وَصَارَ أحد الْحجاب فِي الْأَيَّام الناصرية فرج بن برقوق. وتقلب مَعَ وَالِده فِي مُبَاشرَة نظر الْجَيْش وَنظر الْخَاص والوزارة. وشكرت مُبَاشَرَته لذَلِك. مِمَّا طبع عَلَيْهِ من لين الْجَانِب وَطيب الْكَلَام وبشاشة الْوَجْه وَحسن السياسة فَصَارَ فِي الْأَيَّام المؤيدية شيخ من جلة الْأُمَرَاء وَولى أستادارية السُّلْطَان فى الْأَيَّام الظَّاهِرِيَّة ططر وَملك الْأُمَرَاء. ثمَّ عزل عَن ذَلِك وأعيد إِلَيْهِ فِي الْأَيَّام الأشرفية برسباى وَكَانَ مَا كَانَ من مصادرته ومصادرة وَالِده الصاحب بدر الدّين على مَال كَبِير أَخذ مِنْهُمَا حَتَّى ذهب مَالهمَا إِلَّا أَنه لم يمسهما بِحَمْد الله سوء وَلَا أهينا فلزما دارهما عدَّة سِنِين. ثمَّ شَبه لَهما الإقبال فولى الْحِسْبَة ومازال يترقى حَتَّى عينه السُّلْطَان لمنادمته بعد ابْن قَاسم بن المحلاوى وَصَارَ يبيت عِنْده وشكرت خصاله وَلم يسْلك من الطمع وَأخذ الْأَمْوَال من النَّاس مَا سلكه غَيره بل عف وكف وَأفضل وَزَاد فِي الأفضال إِلَى أَن سعى بعض النَّاس فِي كِتَابَة السِّرّ بِمَال كَبِير جدا وأرجف بولايته فَاقْتضى رأى السُّلْطَان ولَايَة الْأَمِير صَلَاح الدّين وَعرض عَلَيْهِ ذَلِك لَيْلًا وَهُوَ مُقيم عِنْده على عَادَته فاستعفى من ذَلِك فَلم يعفه وصمم عَلَيْهِ ورسم بتجهيز التشريف لَهُ ثمَّ أصبح فَخلع عَلَيْهِ وَأقرهُ على مَا بِيَدِهِ. وإستمر بِهِ فِي منادمته وَالْمَبِيت عِنْده فضبط أمره وَصَارَ يكْتب الْمُهِمَّات السُّلْطَانِيَّة بِخَطِّهِ بَين يدى السُّلْطَان لما هُوَ عَلَيْهِ من قُوَّة الْكِتَابَة وجودتها وَمَعْرِفَة المصطلح والدربة بمعاشرة الْمُلُوك وتدبير الدول ومقالبة الْأَحْوَال. فتميز بذلك عَمَّن تقدمه من كتاب السِّرّ بعد ابْن فضل الله فَإِنَّهُم مُنْذُ عهد فتح الله صَارَت الْمُهِمَّات السُّلْطَانِيَّة إِنَّمَا يتَوَلَّى كتَابَتهَا الموقعونْ بإملاء كَاتب السِّرّ حَتَّى بَاشر هُوَ فاستبد بِالْكِتَابَةِ وحجب كل أحد عَن الِاطِّلَاع على أَحْوَال المملكة بِحسن سياسته وَتَمام مَعْرفَته. . وَفِي ثامن عشرينه: قدم مبشرو الْحَاج. وَفِي هَذِه السّنة: شنع الْموَات بصعدة وَصَنْعَاء من بِلَاد الْيمن بِحَيْثُ ورد إِلَى مَكَّة كتاب موثوق بِهِ أَنه مَاتَ بصعدة وَصَنْعَاء وأعمالهما زِيَادَة على ثَمَانِينَ ألف إِنْسَان. وفيهَا أَيْضا وَقع الوباء بنواحى ديار بكر وآمد وَملك الديار فَمَاتَ مِنْهَا بشر كثير. وفيهَا كَانَت حروب بِبِلَاد الرّوم وديار بكر وَمَا يَليهَا وَللَّه عَاقِبَة الْأُمُور. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 337 وَمَات فِيهَا مِمَّن لَهُ ذكر زين الدّين عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْخَرَّاط المروزى الأَصْل ثمَّ الحموى الأديب الشَّاعِر أحد موقعى السُّلْطَان فِي لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ أول الْمحرم عَن نَحْو سِتِّينَ سنة بِالْقَاهِرَةِ وَدفن من الْغَد. وَمَات الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن أَبى بكر بن إِسْمَاعِيل بن سليم بن قايماز بن عُثْمَان بن عمر الكنانى. شهَاب الدّين البوصيرى الشافعى أحد مَشَايِخ الحَدِيث فِي لَيْلَة الْأَحَد ثامن عشْرين الْمحرم. وَمَات الْأَمِير قرمش الْأَعْوَر أحد المماليك الظَّاهِرِيَّة برقوق ترقى فِي الخدم حَتَّى صَار أحد الْأُمَرَاء وَأخرج بعد قتل النَّاصِر فرج بن برقوق إِلَى الشَّام. فَلَمَّا خرج الْأَمِير تنبك البجاسى على السُّلْطَان ثار مَعَه حَتَّى قتل تنبك ففر وتشتت مُدَّة حَتَّى ظهر الْأَمِير جَانِبك الصوفى إنضم إِلَيْهِ فقوى بِهِ وَسَار فِي جمَاعَة يُرِيد عنتاب وَبهَا من أُمَرَاء السُّلْطَان الْأَمِير خجا سودن فقاتله بِمن مَعَه وَأَخذه وَأخذ مَعَه من أُمَرَاء حلب المخامرين كمشبغا فِي طَائِفَة مِمَّن مَعَهم. وَحمل هُوَ وكمشبغا إِلَى حلب فقتلا بهَا. وحملت رؤوسهما إِلَى قلعة الْجَبَل فألقتا فِي قناة بعد إشهارهما. وَكَانَ قَتلهمَا فِي الْمحرم. وَمَات بِدِمَشْق قاضى الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد ابْن قاضى الْقُضَاة شهَاب الدّين أَحْمد ابْن مَحْمُود الْمَعْرُوف بِابْن الكشك الحنفى بِدِمَشْق فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشر شهر ربيع الأول عَن وَمَات قاضى الْقُضَاة شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن صَلَاح الْمَعْرُوف بِابْن المحمرة الشافعى بالقدس فِي لَيْلَة السبت سادس عشر شهر ربيع الآخر. ومولده فِي صفر سنة تسع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة خَارج الْقَاهِرَة. وَقد نَاب فِي الحكم بِالْقَاهِرَةِ وَولى مشيخة خانكاة سعيد السُّعَدَاء وَقَضَاء الْقُضَاة بِدِمَشْق ثمَّ مشيخة الصلاحية بالقدس حَتَّى مَاتَ بهَا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 338 وَمَات الْأَمِير بردى بك الإسماعيلى أحد العشرات فِي سَابِع عشر جُمَادَى الأولى بقلعة الْجَبَل وَهُوَ مسجون. وَمَات مقتولًا الْأَمِير حَمْزَة بك بن على بك بن دلغادر فِي لَيْلَة الْخَمِيس سَابِع عشْرين جُمَادَى الأولى بقلعة الْجَبَل وَهُوَ مسجون. وَمَات الْأَمِير أرغون شاه بِدِمَشْق فِي حادى عشْرين رَجَب. وَكَانَ قد ولى الوزارة والأستادارية بديار مصر ثمَّ أخرج إِلَى الشَّام على إمرة وباشر بهَا للسُّلْطَان. وَكَانَ ظلوما غشوما. وَهُوَ من مماليك الْأَمِير نوروز الحافظي. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن يُوسُف بن صَالح الحلاوى الدمشقى وَكيل بَيت المَال فِي لَيْلَة الْجُمُعَة سادس شَوَّال. ومولده فِي سنة خمس وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة بِدِمَشْق. وَمَات أَمِير الْمَلأ قرقماس بن عذرا بن نعير بن حيار بن مهنا. وَمَاتَتْ الْمَرْأَة الفاضلة أم عبد الله عَائِشَة بنت قاضى الْقُضَاة بِدِمَشْق عَلَاء الدّين أَبى الْحسن على بن مُحَمَّد بن على بن عبد الله بن أَبى الْفَتْح العسقلانى الحنبلى فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سادس عشْرين ذى الْقعدَة. ومولدها سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة حدثت عَن غير وَاحِد فَسمع عَلَيْهَا جمَاعَة. وهى من بَيت علم ورياسة. وَذكرت مِنْهُم فِي هَذَا الْكتاب وَغَيره أَبَاهَا وأخاه جمال الدّين عبد الله وزْوجها قاضى الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن نصر اللة الحنبلى وَوَلدهَا عز الدّين أَحْمد ابْن قاضى الْقُضَاة برهَان الدّين. وَمَات صَاحب صنعاء الْيمن الإِمَام الْمَنْصُور نجاح الدّين أَبُو الْحسن على ابْن الإِمَام صَلَاح الدّين أَبى عبد الله مُحَمَّد بن على بن مُحَمَّد بن على بن مَنْصُور بن حجاج بن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 339 يُوسُف من ولد يحيى بن النَّاصِر أَحْمد بن الهادى يحيى بن الْقَاسِم الرسى بن إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن الْحسن بن الْحسن بن على بن أَبى طَالب رضى الله عَنْهُم فِي سَابِع صفر بَعْدَمَا أَقَامَ فِي الْإِمَامَة بعد أَبِيه سِتا وَأَرْبَعين سنة وَثَلَاثَة أشهر وأضاف إِلَى صنعاء وصعدة عدَّة من حصون الإسماعيلية أَخذهَا مِنْهُم بعد حروب وحصار فَقَامَ من بعده إبنه الإِمَام النَّاصِر صَلَاح الدّين مُحَمَّد بعهده إِلَيْهِ وبيعة الْجَمَاعَة لَهُ. فَمَاتَ بعد ثَمَانِيَة وَعشْرين يَوْمًا فِي خَامِس عشْرين شهر ربيع الأول فأجمع الزيدية بعده على رجل مِنْهُم يُقَال لَهُ صَلَاح بن على بن مُحَمَّد بن أَبى الْقَاسِم وَبَايَعُوهُ ولقبوه بالمهدى. وَهُوَ من بنى عَم الإِمَام الْمَنْصُور. وَقَامَ بأَمْره أبن سنقر على أَن يكون الحكم لَهُ فعارضه الإِمَام وَصَارَ يحكم بِمَا يُؤدى إِلَيْهِ إجتهاده وَلَا يلْتَفت إِلَى ابْن سنقر فثار عَلَيْهِ بعد سِتَّة أشهر رجل يُقَال لَهُ مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الساودى. وأعانه قَاسم ابْن سنقر وقبضا عَلَيْهِ وسجناه فِي قصر صنعاء. ووكل بِهِ مُحَمَّد بن أَسد الأسدى. وَقَامَ قَاسم بِالْأَمر. فدبرت زَوْجَة الإِمَام المهدى فِي خلاصه وَدفعت إِلَى الأسدى الْمُوكل بِهِ ثَلَاثَة آلَاف أُوقِيَّة فأفرج عَنهُ وَخرج بِهِ من الْقصر. وَسَار إِلَى معقل يُسمى ظفار وَفِيه زَوْجَة المهدى. وَمضى الأسدى إِلَى معقل يُسمى دمر وَهُوَ من أعظم معاقل الإسماعيلية الَّتِى إنتزعها الإِمَام الْمَنْصُور على بن صَلَاح. وَأقَام المهدى مَعَ زَوجته بظفار. ثمَّ جمع النَّاس ويسار إِلَى صنعاء فَوَقع بَينه وَبَين ابْن سنقر وقْعَة إنكسر فِيهَا الإِمَام وتحصن بقلعة يُقَال لَهَا تلى فَلَمَّا بلغ ذَلِك زَوجته ملكت صعدة وأطاعها من بهَا من النَّاس فاضطرب أَمر قَاسم. وَكَانَ النَّاس مخالفين عَلَيْهِ فَأَقَامَ ولدا صَغِيرا وَهُوَ ابْن بنت الإِمَام الْمَنْصُور على وَأَبوهُ من الْأَشْرَاف الرسية فازداد النَّاس نفورا عَنهُ وَإِنْكَارا عَلَيْهِ. وإستدعوا الإِمَام المهدى إِلَى صعدة فَقَدمهَا وَبَايَعَهُ الْأَشْرَاف بيعَة ثَانِيَة حَتَّى تمّ أمره. وَبعث إِلَى أهل الْحُصُون يَدعُوهُم إِلَى طَاعَته فَأَجَابُوهُ وإنفرد قَاسم بِصَنْعَاء وَحدهَا على كره من أَهلهَا وبغض لَهُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 340 سنة إِحْدَى وَأَرْبع وَثَمَانمِائَة شهر الْمحرم أَوله يَوْم السبت: فِي لَيْلَة الْأَحَد تاسعه: بلغ القاضى زين عبد الباسط والوزير كريم الدّين وَسعد الدّين نَاظر الْخَاص أَن المماليك السُّلْطَانِيَّة على عزم نهب دُورهمْ فوزعوا مَا عِنْدهم واختفوا. ثمَّ صعدوا إِلَى الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة على تخوف وعادوا إِلَى دُورهمْ والإرجاف مُسْتَمر إِلَى يَوْم الْأَحَد سادس عشرَة فَنزل عدَّة من المماليك فاقتحموا دَار عبد الباسط وَدَار الْأَمِير جَانِبك أستادار وَدَار الْوَزير ونهبوا مَا وجدوا فِيهَا. وَفِي ثانى عشرينه: قدم الركب الأول من الْحجَّاج. وَقدم من الْغَد الْمحمل بِبَقِيَّة الْحَاج. وَقدم الْخَبَر بِأَن نَائِب دوركى توجه فِي خَامِس عشرَة فِي عدَّة من نواب تِلْكَ الْجِهَات وَغَيرهم وعدتهم نَحْو الألفى فَارس حَتَّى طرقوا بيُوت الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن دلغادره وَقد نزل هُوَ والأمير جَانِبك الصوفى على نَحْو يَوْمَيْنِ من مرعش فنهبوا مَا هُنَالك وحرقوا. ففر ابْن دلغادر وجانبك الصوفى فِي نفر قَلِيل. وَذَلِكَ أَن جموعهما كَانَت مَعَ الْأَمِير سُلَيْمَان بن نَاصِر الدّين بن دلغادر على حِصَار قيصرية الرّوم. فِيهِ توجه الْأَمِير أينال الجكمى نَائِب الشَّام من دمشق يُرِيد حلب. وَقد سَارَتْ نواب الشَّام حَتَّى يوافوا قيصرية مدَدا لإبن قرمان على سُلَيْمَان بن دلغادر. وَفِي رَابِعَة الْمُوَافق لَهُ رَابِع عشرى مسرى: كَانَ وَفَاء النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا فَركب الْمقَام الجمالى يُوسُف ابْن السُّلْطَان حَتَّى خلق عَمُود المقياس بَين يَدَيْهِ ثمَّ فتح خليج الْقَاهِرَة على الْعَادة وَعَاد إِلَى القلعة. وَفِي سابعه: قدمت تقدمة الْأَمِير أينال الجكمى نَائِب الشَّام وهى ذهب عشرَة آلَاف دِينَار وخيول مِائَتَا فرس مِنْهَا ثَلَاثَة أرؤس بسروج ذهب وكنابيش ذهب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 341 وسمور عشرَة أبدان ووشق عشرَة أبدان وقاقم عشرَة أبدان وسنجاب مائَة بدن وَثيَاب بعلبكى خَمْسمِائَة ثوب وأقواس حَلقَة مائَة قَوس وجمال بخاتى ثَلَاث قطر وجمال عراب ثَلَاثمِائَة جمل وصوف مربع مائَة ثوب ذَات ألوان. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس عشرَة: خلع على جلال الدّين أَبى السعادات مُحَمَّد بن ظهيرة قاضى مَكَّة خلعة الإستمرار. وَكَانَ قد قدم من مَكَّة صُحْبَة الْحَاج بِطَلَب. وأرجف بعزله فَقَامَ بأَمْره القاضى صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن نصر الله كَاتب السِّرّ حَتَّى رضى عَنهُ السُّلْطَان وَأقرهُ على قَضَاء مَكَّة على مَال قَامَ بِهِ للسُّلْطَان وَهُوَ نَحْو خَمْسمِائَة دِينَار فَكَانَ ذَلِك من الْمُنْكَرَات الَّتِى وَفِي يَوْم الْخَمِيس سادس عشرينه: كَانَ نوروز القبط. بِمصْر وَهُوَ أول توت رَأس سنتهمْ مْنودى على النّيل بِزِيَادَة أصبعين لتتمة تِسْعَة عشر ذِرَاعا وأصبع من عشْرين ذِرَاعا. وَهَذَا فِي زِيَادَة النّيل مِمَّا ينْدر وُقُوعه وَللَّه الْحَمد. وَفِي هَذَا الشَّهْر: والذى قبله كثر الوباء بحلب وأعمالها حَتَّى تجاوزت عدَّة الْأَمْوَات. بِمَدِينَة حلب فِي الْيَوْم مائَة. شهر ربيع الأول أَوله يَوْم الثُّلَاثَاء: فِيهِ إستقر القاضى بدر الدّين مُحَمَّد ابْن قاضى الْقُضَاة شيخ الْإِسْلَام شهَاب الدّين أبي الْفضل أَحْمد بن حجر فِي نظر الْجَامِع الطولونى وَنظر الْمدرسَة بَين القصرين نِيَابَة عَن قاضى الْقُضَاة علم الدّين صَالح بن البلقينى بسؤال القاضى زين الدّين عبد الباسط لَهُ فِي ذَلِك فَأذن لَهُ حَتَّى إستنابه عَنهُ. وَفِي خامسه: خلع الْأَمِير غرس الدّين خَلِيل الذى ولى الوزارة بعد نْيابة الْإسْكَنْدَريَّة وإستقر فِي نِيَابَة الكرك وَسَار بِطَلَبِهِ وأثقاله من سَاعَته. وَفِيه توجه قاضى مَكَّة الْجلَال أَبُو السعادات يُرِيد مَكَّة. وَفِي يَوْم السبت ثَانِي عشرَة: وَهُوَ يَوْم عيد الصَّلِيب عِنْد قبط مصر نودى على النّيل بِزِيَادَة أصبعين لتتمة عشْرين ذِرَاعا وَثَمَانِية أَصَابِع. هَذَا وَقد فتحت السدود الصليبية فِي يَوْم الْجُمُعَة أمسه. وَكَانَ هَذَا أَيْضا من نَوَادِر زيادات النّيل. ومازال يزِيد حَتَّى إنتهت زِيَادَته فِي سادس عشرَة الْمُوَافق لَهُ حادى عشْرين بَابه إِلَى عشْرين ذِرَاعا وَثَلَاثَة عشر أصبعًا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 342 وَفِي يَوْم السبت تَاسِع عشرَة: خلع على الصاحب جمال الدّين يُوسُف بن كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن بركَة الْمَعْرُوف بإبن كَاتب حكم وإستقر فِي نظر الْخَاص بعد موت أَخِيه سعد الدّين إِبْرَاهِيم. وَفِي سادس عشرينه وَهُوَ أول بابة: بلغ مَاء النّيل عشْرين ذِرَاعا وَخَمْسَة عشر أصبعًا شهر ربيع الآخر أَوله يَوْم الْأَرْبَعَاء: فِي هَذَا الشَّهْر: ثَبت مَاء النّيل إِلَى نَحْو النّصْف من شهر بابة فكمل رى الأراضى وَالْحَمْد لله. ثمَّ إنحط فضرع النَّاس فِي الزَّرْع. وَفِيه كملت عمَارَة الْجَامِع الذى أنشأه السُّلْطَان بِنَاحِيَة خانكاة سرياقوس على الدَّرْب المسلوك وذرعه خَمْسُونَ ذِرَاعا فِي خمسين ذِرَاعا. ورتب فِيهِ إِمَامًا للصلوات الْخمس وخطيبًا وقراء يتناوبون الْقِرَاءَة فِي مصاحف. وَفِي هَذَا الشَّهْر: والذى قبله فْشا الْمَوْت فِي النَّاس. بِمَدِينَة حماة وأعمالها حَتَّى تجَاوز عدَّة من يَمُوت فِي كل يَوْم مائَة وَخمسين إنْسَانا. وَقدم الْخَبَر بِأَن عدن من بِلَاد الْيمن إحترقت بأًجمعها وأحرقت دَار الْملك بزبيد مَعَ جَانب من الْمَدِينَة وَأَن الْملك الظَّاهِر يحيى ملك الْيمن كَانَت بَينه وَبَين المعازبة من عرب الْيمن وقْعَة وَقتل فِيهَا عدَّة من عسكره وَنَجَا بِنَفسِهِ إِلَى تعز. وَأَن الْعَرَب اليمانية إنتقضت عَلَيْهِ من بَاب عدن إِلَى الشحر وَأَنه قبض على كَبِير دولته الْأَمِير سيف الدّين برقوق وسلبه مَاله وسجنه ثمَّ أفرج عَنهُ. وَفِيه أَيْضا كَانَت بَين الْمُسلمين وَبَين ملك البرتغال وقْعَة على مَدِينَة طنجة من أَعمال الْمغرب. شهر جُمَادَى الأولى أَوله يَوْم الْخَمِيس: فِي ثالثه: ركب السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل وشق الْقَاهِرَة من بَاب زويلة وَخرج من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 343 بَاب القنطرة فَمضى إِلَى القليوبية لصيد الكراكى وَهَذِه أول ركبة ركبهَا فِي هَذِه السّنة للصَّيْد. وَفِيه قدم الْأَمِير تمراز المؤيدى نَائِب غَزَّة. وَفِي خامسه: قدم السُّلْطَان من الصَّيْد وَعبر من بَاب القنطرة وشق الْقَاهِرَة حَتَّى خرج من بَاب زويلة إِلَى القلعة وَلم يَقع لَهُ صيد أَلْبَتَّة. وَفِي سادسه: قبض على الْأَمِير تمراز نَائِب غَزَّة وَحمل مُقَيّدا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجن بهَا. وإستدعى الْأَمِير جرباش قاشق من دمياط وَهُوَ مسجون بهَا ليلى نِيَابَة غَزَّة فَلم يتم لَهُ ذَلِك. وَرجع إِلَى دمياط. وَفِي ثامنه: ركب السُّلْطَان ليصطاد من بركَة الْحجَّاج وَمضى إِلَى جَامعه بخانكاة سرياقوس وَعَاد من يَوْمه. ثمَّ ركب فِي لَيْلَة السبت عاشرة يُرِيد أطفيح. فاصطاد وَعَاد فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثانى عشرَة. وَفِي سَابِع عشرَة: خلع على الْأَمِير آقبردى القجماسى وإستقر فِي نِيَابَة غَزَّة. وَفِيه قدم مَمْلُوك نَائِب حلب بِرَأْس الْأَمِير جَانِبك الصوفى وَيَده فطيف بِالرَّأْسِ على رمح شَارِع الْقَاهِرَة ثمَّ ألقيت فِي قناة وَكَانَ من خَبره أَنه لما كبسه نَائِب دوركى فِي شهر الله الْمحرم كَمَا تقدم ذكره فر هُوَ وَابْن دلغادر فَمضى ابْن دلغادر على وَجهه يُرِيد بِلَاد الرّوم وَقصد الْأَمِير جَانِبك الصوفى أَوْلَاد قرايلك وَنزل على مُحَمَّد ومحمود ابنى قرايلك وَأقَام عِنْدهم فَأخذ الْأَمِير تغرى برمش نَائِب حلب فِي إستمالة مُحَمَّد ومحمود حَتَّى مَالا إِلَيْهِ وواعداه أَن يقبضا على جَانِبك على أَن يحمل إِلَيْهِمَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 344 خَمْسَة آلَاف دِينَار فَنقل ذَلِك لجانبك فبادر وَخرج وَمَعَهُ بضعَة وَعِشْرُونَ فَارِسًا لينجو بِنَفسِهِ فأدركوه وقاتلوه فَأَصَابَهُ سهم سقط مِنْهُ عَن فرسه فَأَخَذُوهُ وسجنوه عِنْدهم. وَذَلِكَ فِي يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشْرين شهر ربيع الآخر. فَمَاتَ من الْغَد فَقطع رَأسه وَحمل إِلَى السُّلْطَان فكاد يطير فَرحا وَظن أَنه قد أَمن فَأجرى الله على الْأَلْسِنَة أَنه قد إنقضت أَيَّامه وزالت دولته. فَكَانَ كَذَلِك كَمَا سيأتى هَذَا. وَقد قَابل نعْمَة الله تَعَالَى عَلَيْهِ فِي كِفَايَة عدوه بِأَن تزايد عتوه وَكثر ظلمه وَسَاءَتْ سيرته فَأَخذه الله أخذا وبيلا وعاجله بنقمته وَلم يهنيه. وَفِي تَاسِع عشرَة: ركب السُّلْطَان إِلَى الصَّيْد بالقليوبية وَعَاد من الْغَد. وَفِيه ورد كتاب الحطى ملك الْحَبَشَة وَهُوَ النَّاصِر يَعْقُوب بن دَاوُد ابْن سيف أرعد وَمَعَهُ هَدِيَّة مَا بَين ذهب وَزَباد وَغير ذَلِك فتضمن كِتَابه السَّلَام والتودد وَالْوَصِيَّة بالنصارى وكنائسهم. وَفِي هَذَا الشَّهْر: شنع الوباء بحماة حَتَّى تجاوزت عدَّة الْأَمْوَات عِنْدهم فِي كل يَوْم ثَلَاثمِائَة إِنْسَان وَلم يعهدوا مثل ذَلِك فِي هَذِه الْأَزْمِنَة. شهر جُمَادَى الْآخِرَة أَوله الْجُمُعَة: فِيهِ رسم بِنَقْل جمال الدّين يُوسُف بن الصفى الكركى كَاتب السِّرّ بِدِمَشْق إِلَى نظر الْجَيْش بهَا عوضا عَن بهاء الدّين مُحَمَّد بن نجم الدّين عمر بن حجى على أَن يحمل أَرْبَعَة آلَاف دِينَار. وَأَن يسْتَقرّ بن حجى فِي كِتَابَة السِّرّ عوضا عَن ابْن الصفى على أَن يحمل ألف دِينَار. وَفِي ثَانِيه: توجه السُّلْطَان إِلَى الصَّيْد فِي بركَة الْحجَّاج. وَقدم الْخَبَر بِوُقُوع الوباء فِي مَدِينَة طرابلس الشَّام. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كثر ركُوب السُّلْطَان إِلَى الصَّيْد. وَفِيه وَقع الوباء بِدِمَشْق وفْشا الْمَوْت بالطاعون الوحى. وَقدم الْخَبَر بِأَن إسكندر بن قرايوسف نزل قَرِيبا من مَدِينَة تبريز فبرز إِلَيْهِ أَخُوهُ جهان شاه الْمُقِيم بهَا من قبل القان معِين الدّين شاه رخ بن تيمور لنك ملك الْمشرق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 345 فَكَانَت بَينهمَا وقْعَة إنهزم فِيهَا إسكندر إِلَى قلعة يلنجا من عمل تبريز فنازله جهان شاه وحصره بهَا. وَأَن الْأَمِير حَمْزَة بن قرايلك متملك ماردين وأرزنكان أخرج أَخَاهُ نَاصِر الدّين على باك من مَدِينَة آمد وملكها مِنْهُ. فقلق السُّلْطَان من ذَلِك. وعزم على أَن يُسَافر بِنَفسِهِ إِلَى بِلَاد الشَّام وَكتب بتجهيز الإقامات بِالشَّام ثمَّ أبطل ذَلِك. شهر رَجَب أَوله الْأَحَد: فِي خامسه: أدير محمل الْحَاج. وَقد تقدم أَنه إِنَّمَا كادْ يدار بعد النّصْف من شهر رَجَب وَأَنه أدير فِي هَذِه الدولة قبل النّصْف فجرت فِي لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ وَيَوْم الْإِثْنَيْنِ خامسه شنائع. وَذَلِكَ أَن مماليك السُّلْطَان سكان الطباق بالقلعة نشأوا على مقت السُّلْطَان لرعيته مَعَ مَا عِنْدهم من بغض النَّاس فَنزل كثير مِنْهُم فِي أول اللَّيْل وَأخذُوا فِي نهب النَّاس وخطف النِّسَاء وَالصبيان للْفَسَاد. وإجتمع عدد كثير من العبيد السود وقاتلوا المماليك فَقتل من العبيد خَمْسَة نفر وجرح عدَّة من المماليك وخطف من العمائم وَأخذ من الْأَمْتِعَة شىء كثير فَكَانَ ذَلِك من أقبح مَا سمعنَا بِهِ. وفْيه قْدم ولد مَحْمُود بن قرايلك بسيفْ الْأَمِير جَانِبك الصوفْي الذى قتل. وَفِي يَوْم السبت سابعه: رسم بِخُرُوج تجريدة إِلَى بِلَاد الشَّام وَعين من الْأُمَرَاء المقدمين ثَمَانِيَة وهم الْأَمِير قرقماس الشعبانى أَمِير سلَاح والأمير أقبغا التمرازى أَمِير مجْلِس والأمير أركماس الظاهرى الدوادار والأمير تمراز الدقماقى رَأس نْوبة النوب والأمير يشبك حَاجِب الْحجاب والأمير جانم أَمِير أخور والأمير خجا سودنْ والأمير قراجا الأشرفي. وَفِي تاسعه: نودى بألا يحمل أحد من العبيد السِّلَاح وَلَا سَيْفا وَلَا عصى وَلَا يمشي بعد الْمغرب. وَأَن المماليك لَا تتعرض لأحد من العبيد. وَذَلِكَ أَنه لما وَقع بَين المماليك وَالْعَبِيد فِي لَيْلَة الْمحمل مَا وَقع أَخذ المماليك فِي تتبع العبيد فَقتلُوا مِنْهُم جمَاعَة ففر كثير مِنْهُم من الْقَاهِرَة وإختفى كثير مِنْهُم. فَلَمَّا نودى بذلك سكن ذَلِك الشَّرّ وَأمن النَّاس على عبيدهم بعد خوف شَدِيد. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 346 وَفِيه رسم. بِمَنْع المماليك من النُّزُول من طباقهم بالقلعة إِلَى الْقَاهِرَة وَذَلِكَ أَنهم صَارُوا ينزلون طوائف طوائف إِلَى الْمَوَاضِع الَّتِى يجْتَمع بهَا الْعَامَّة للنزهة ويتفننوا فِي الْعَبَث وَالْفساد من أَخذ عمائهم الرِّجَال وإغتصاب النِّسَاء وَالصبيان وَتَنَاول معايش الباعة وَغير ذَلِك فَلم يتم مَنعهم ونزلوا على عَادَتهم السَّيئَة. وَفِي عاشرة: حمل إِلَى الْأُمَرَاء الثَّمَانِية نَفَقَة السّفر وهى لكل أَمِير ألفا دِينَار أشرفية. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن عشرَة: ركب السُّلْطَان إِلَى خليج الزَّعْفَرَان من الريدانية خَارج الْقَاهِرَة وَفِي هَذَا الشَّهْر: وَقع الوباء بِبِلَاد الصَّعِيد من أَرض مصر وَكثر بِدِمَشْق وشنع بحلب وأعمالها فأظهر أَهلهَا التَّوْبَة وَأَغْلقُوا حانات الخمارين وَمنعُوا البغايا الواقفات للبغاء والشباب المرصدين لعمل الْفَاحِشَة بضرائب تحمل لنائب حلب وَغَيره من أَرْبَاب الدولة فتناقص الْمَوْت وخف الوباء حَتَّى كَاد يرْتَفع. ففرح أهل حلب بذلك وَجعلُوا شكر هَذِه النِّعْمَة أَن فتحُوا الخمارات وأوقفوا البغايا والأحداث للْفَسَاد بالضرائب المقررة عَلَيْهِم فَأَصْبحُوا وَقد مَاتَ من النَّاس ثَمَانمِائَة إِنْسَان. وإستمر الوباء الشنيع وَالْمَوْت الذريع فيهم رَجَب وَشَعْبَان وَمَا بعده. شهر شعْبَان أَوله يَوْم الْإِثْنَيْنِ: أهل هَذَا الشَّهْر وَالسُّلْطَان مَرِيض وَقد أخرج مَالا فرق فِي جمَاعَة من النَّاس على سَبِيل الْبر وَالصَّدَََقَة فمازال إِلَى يَوْم الثُّلَاثَاء تاسعه فَخلع فِيهِ على الْأَطِبَّاء لعافية السُّلْطَان. وَركب من الْغَد فزار القرافة وَفرق مَالا فِي الْفُقَرَاء وَعَاد وَالْمَرَض بَين فِي وَجهه. وَفِي هَذَا الْيَوْم: أعنى يَوْم الْأَرْبَعَاء عاشره حدثت ريح شَدِيدَة فِي مُعَاملَة طرابلس واللاذقية وحماة وحلب وحمص وأعمالها وإستمرت عدَّة أَيَّام فَأَلْقَت من الْأَشْجَار مَا لَا يدْخل تَحت حصر. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 347 وَفِي يَوْم السبت ثَالِث عشرَة: برز سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن الْمرة إِلَى ظَاهر الْقَاهِرَة ليسير إِلَى الطّور ويركب الْبَحْر إِلَى حِدة وَكَانَ قدم من مَكَّة وصادره السُّلْطَان على مَال حمله ثمَّ خلع عَلَيْهِ وإستقر فِي نظرالخاص بجدة على عَادَته. وخلع مَعَه على التَّاجِر بدر الدّين حُسَيْن بن شمس الدّين مُحَمَّد بن المزلق الدمشقى ليَكُون عوضا عَن الْأَمِير الْمُجَرّد إِلَى جدة. وَفِيه ركب السُّلْطَان إِلَى خَارج الْقَاهِرَة وَعبر من بَاب النَّصْر ثمَّ نزل بالجامع الحاكمى وَقد ذكر لَهُ أَن بِهَذَا الْجَامِع دعامة قد ملئت ذَهَبا فشره لذَلِك وطمع فِي أَخذه. فَقيل لَهُ. إِنَّك تحْتَاج إِلَى هدم جَمِيع هَذِه الدعائم حَتَّى تظفر بهَا ثمَّ لابد لَك من إِعَادَة عمارتها. فَعلم عَجزه عَن ذَلِك وَخرج فَركب عَائِدًا إِلَى القلعة. وَفِيه قدم الْخَبَر بِأَن الرباء شنع بِدِمَشْق وَأَنه مَاتَ من الغرباء الَّذين قدمُوا من بَغْدَاد وتبريز والحلة والمشهد وَتلك الديار فِرَارًا من الْجور وَالظُّلم الذى هُنَالك وَسَكنُوا حلب وحماة ودمشق عَالم عَظِيم لَا يحصرهم الْعَاد لكثرتهم. وَفِي سَابِع عشرَة: خلع على الْأَمِير أركماس الجاموس أَمِير شكار وأعيد إِلَى كشف الْوَجْه القبلى وإستقر ملك الْأُمَرَاء ليحكم من الجيزة إِلَى أسوان. وَفِيه أَيْضا حدثت بِالْقَاهِرَةِ زَلْزَلَة عِنْد أَذَان الْعَصْر إهتز بى الْبَيْت مرَّتَيْنِ إِلَّا أَنَّهَا كَانَت خَفِيفَة جدا وَللَّه الْحَمد. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع عشرَة: هبت بِدِمَشْق ريح شَدِيدَة فِي غَايَة من الْقُوَّة. وإستمرت يَوْم الْجُمُعَة وَيَوْم السبت فاقتلعت من شجر الْجَوْز الْكِبَار مَا لَا يُمكن حصره لكثرته. وَأَلْقَتْ أعالى دور عديدة وَأَلْقَتْ بعض المنارة الشرقية بالجامع الأموى فَكَانَ أمرا مهولا وعمت هَذِه الرّيح بِلَاد صفد والغور وأتلفت شَيْئا كثيرا. وَفِي عشرينه: إستقل ابْن المزلق وَابْن الْمرة بِالْمَسِيرِ إِلَى الطّور ليركبوا الْبَحْر من هُنَاكَ إِلَى جدة. وَبعث السُّلْطَان على يَد ابْن المزلق خَمْسَة آلَاف دِينَار بِسَبَب عمَارَة عين عَرَفَة. وَفِي يَوْم الْخَمِيس: خرج الْأَمِير قرقماس أَمِير سلَاح مقدم الْعَسْكَر الْمُجَرّد إِلَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 348 الشَّام وصحبته الْأُمَرَاء من غير أَن يرافقهم فِي سفرهم أحد من الممالك السُّلْطَانِيَّة لسوء سيرتهم. فنزلوا بالريدانية خَارج الْقَاهِرَة إِلَى أَن إستقلوا بِالْمَسِيرِ فِي يَوْم السبت سَابِع عشرينه. وَكتب لنائب الشَّام الْأَمِير أينال الجكمى أَن يتَوَجَّه. مِمَّن مَعَه صُحْبَة الْأُمَرَاء إِلَى حلب ويستدعوا حَمْزَة باك ابْن قرايلك صَاحب ماردين وأرزن كَانَ فَإِن قدم إِلَيْهِم خلع عَلَيْهِ بنيابة السلطة فِيمَا يَلِيهِ وَإِلَّا مَشوا بأجمعهم عَلَيْهِ وقاتلوه وأخذوه. وَقدم الْخَبَر بأنْ مُحَمَّد بن قرايلك توجه إِلَى أَخِيه حَمْزَة بالك باستدعائه وَقد حقد عَلَيْهِ قَتله جَانِبك الصُّوفِي فَإِنَّهُ لما بلغه نزُول جَانِبك على أَخَوَيْهِ مُحَمَّد ومحمود كتب إِلَى أَخِيه مُحَمَّد بِأَن يبْعَث بِهِ إِلَيْهِ ليرهب بِهِ السُّلْطَان فَمَال مُحَمَّد إِلَى مَا وعده بِهِ نَائِب حلب من المَال وَقتل جَانِبك فمازال حَمْزَة يعد أَخَاهُ ويمنيه حَتَّى سَار إِلَيْهِ وَفِي ظَنّه أَنه يوليه بعض بِلَاده فَمَا هُوَ إِلَّا أَن صَار فِي قَبضته قَتله وَظهر عَاجل عُقُوبَة الله لَهُ على بغْيه. وَفِي هَذَا الشَّهْر: وَقع فِي كثير من الأبقار دَاء طرحت مِنْهُ الْحَوَامِل عجولاً وفيهَا الطَّاعُون وَهلك كثير من العجاجيل بالطاعون أَيْضا. شهر رَمَضَان أَوله يَوْم الثُّلَاثَاء: وَفِيه كَانَت عدَّة الْأَمْوَات الَّتِى رفعت بهَا أوراق مباشرى ديوَان الْمَوَارِيث بِالْقَاهِرَةِ ثَمَانِيَة عشر إنْسَانا وتزايدت عدتهمْ فِي كل يَوْم حَتَّى فَشَا فِي النَّاس الْمَوْت بالطاعون فِي الْقَاهِرَة ومصر لاسيما فِي الْأَطْفَال وَالْإِمَاء وَالْعَبِيد فَإِنَّهُم أَكثر من يَمُوت موتا وَحيا سَرِيعا. هَذَا وَقد عَم الوباء بالطاعون بِلَاد حلب وحماة وطرابلس وحمص ودمشق وصفد والغور والرملة وغزة وَمَا بَين ذَلِك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 349 حَتَّى شنعت الْأَخْبَار بِكَثْرَة من يَمُوت وَسُرْعَة مَوْتهمْ. وشناعة الموتان أَيْضا بِبِلَاد الواحات من أَرض مصر ووقوعه قَلِيلا بصعيد مصر. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَالِث عشرينه: ختمت قِرَاءَة صَحِيح البخارى بَين يدى السُّلْطَان بقلعة الْجَبَل وَقد حضر قُضَاة الْقُضَاة الْأَرْبَع وعدة من مَشَايِخ الْعلم وَجَمَاعَة من الطّلبَة كَمَا جرت الْعَادة من الْأَيَّام المؤيدية شيخ. وَهُوَ مُنكر فِي صُورَة مَعْرُوف ومعصية فِي زى طَاعَة. وَذَلِكَ أَنه يتَصَدَّى للْقِرَاءَة من لَا عهد لَهُ بمارسة الْعلم لكنه يصحح مَا يقرأه فيكثر مَعَ ذَلِك لحنه وَتَصْحِيفه وخطاه وتحريفه. هَذَا وَمن حضر لَا ينصتون لماعه بل دَائِما دأبهم أَن يَأْخُذُوا فِي الْبَحْث عَن مسأله يطول صِيَاحهمْ فِيهَا حَتَّى يمْضى بهم الْحَال إِلَى الإساءات الَّتِى تؤول أَشد العداوات. وَرُبمَا كفر بَعضهم بَعْضًا وصاروا ضحكة لمن عساه يحضرهم من الْأُمَرَاء والمماليك. وإتفق فِي يَوْم هَذَا الْخَتْم أَن السُّلْطَان لما كثر الوباء قلق من مداخلة الْوَهم لَهُ فَسَأَلَ من حضر من الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء عَن الذُّنُوب الَّتِى إِذا إرتكبها النَّاس عاقبهم الله بالطاعون فَقَالَ لَهُ بعض الْجَمَاعَة: إِن الزِّنَا إِذا فَشَا فِي النَّاس ظهر فيهم الطَّاعُون وَأَن النِّسَاء يتزين ويمشين فِي الطرقات لَيْلًا وَنَهَارًا فِي الْأَسْوَاق. فَأَشَارَ آخر أَن الْمصلحَة منع النِّسَاء من المشى فِي الْأَسْوَاق. ونازعه آخر فَقَالَ لَا يمْنَع إِلَّا المتبرجات وَأما الْعَجَائِز وَمن لَيْسَ لَهَا من يقوم بأمرها لَا تمنع من تعاطى حَاجَتهَا. وجروا فِي ذَلِك على عَادَتهم فِي مُعَارضَة بَعضهم بَعْضًا فَمَال السُّلْطَان إِلَى مَنعهنَّ من الْخُرُوج إِلَى الطرقات مُطلقًا ظنا مِنْهُ أَن بمنعهن يرْتَفع الوباء. وَأمر بإجتماعهم عِنْده من الْغَد فَاجْتمعُوا فِي يَوْم الْخَمِيس وإتفقوا على مَا مَال إِلَيْهِ السُّلْطَان. فْنودى بِالْقَاهِرَةِ ومصر وظْواهرهما. بِمَنْع جَمِيع النِّسَاء بأسرهن من الْخُرُوج من بُيُوتهنَّ وَألا تمر إمرأة فِي شَارِع وَلَا سوق أَلْبَتَّة وتهدد من خرجت من بَيتهَا بِالْقَتْلِ فَامْتنعَ عَامَّة النِّسَاء فتياتهن وعجائزهن وإمائهن من الْخُرُوج إِلَى الطرقات. وَأخذ والى الْقَاهِرَة وَبَعض الْحجاب فِي تتبع الطرقات وَضرب من وجدوا من النِّسَاء وأكدوا من الْغَد يَوْم الْجُمُعَة فِي مَنعهنَّ وتشددوا فِي الردع والتهديد فَلم تَرَ إمرأة فِي شىء من الطرقات. فَنزل بعدة من الأرامل وربات الصَّنَائِع وَمن لَا قيم لَهَا يقوم بشأنها وَمن تَطوف على الْأَبْوَاب تسْأَل النَّاس ضيق وضرر شَدِيد. وَمَعَ ذَلِك فتعطل بيع كثير من البضائع وَالثيَاب والعطر فإزداد النَّاس وقُوف حَال وكساد معايش وتعطل أسواق وَقلة مكاسب. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 350 وَفِي يَوْم السبت سادس عشرينه: أَمر السُّلْطَان بِإِخْرَاج أهل السجون من أَرْبَاب الجرائم وَمن عَلَيْهِ دين فاً خَرجُوا بأجمعهم وأطلقوا بأسرهم. ورسم بغلق السجون كلهَا وَألا يسجن أحد فأغلقت السجون بِالْقَاهِرَةِ ومصر. وأنتشرت السراق والمفسدون فِي الْبَلَد. وإمتنع من لَهُ مَال على أخر أَن يُطَالِبهُ بِهِ. وَفِي سَابِع عشرينه: عزم السُّلْطَان على ولَايَة الْحِسْبَة لرجل ناهض فَذكر لَهُ جمَاعَة فَلم يرضهم. ثمَّ قَالَ: عندى وَاحِد لَيْسَ بِمُسلم وَلَا يخَاف الله وَأمر فأحضر إِلَيْهِ الْأَمِير دولت خجا فَخلع عَلَيْهِ وإستقر بِهِ محتسب الْقَاهِرَة عوضا عَن الْمقر الصلاحى مُحَمَّد ابْن الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله رَغْبَة من السُّلْطَان فِي جبروته وقسوته وَشدَّة عُقُوبَته وَقلة رَحمته وَفِيه نودى بِخُرُوج الْإِمَاء لشراء حوائج مواليهن من الْأَسْوَاق وَألا تنتقب وَاحِدَة مِنْهُنَّ بل يكن سافرات عَن وجوههن وَأَن تخرج الْعَجَائِز لقَضَاء أشغالهن وَأَن تخرج النِّسَاء إِلَى الحمامات وَلَا يقمن بهَا إِلَى اللَّيْل فَكَانَ فِي ذَلِك نوع من أَنْوَاع الْفرج. وَفِيه قدم الْأُمَرَاء المجردون إِلَى الْبحيرَة بِغَيْر طائل وَقد أتلفوا كثيرا من زروع النواحي. وَفِيه إبتدأ إنتشار الْجَرَاد الْكثير بِالْقَاهِرَةِ وضواحيها وإستمر عدَّة أَيَّام. وَفِيه أقيم بعض سفلَة الْعَامَّة الأشرار فِي التحدث على مَوَارِيث الْيَهُود وَالنَّصَارَى وخلع عَلَيْهِ وَكَانَت الْعَادة أَن بطرك النَّصَارَى وَرَئِيس الْيَهُود يتَوَلَّى كل مِنْهُمَا أَمر مَوَارِيث طائفته فتوصل هَذَا السفلة إِلَى السُّلْطَان وَالْتزم لَهُ أَن يحصل من هَذِه الطَّائِفَتَيْنِ مَالا كَبِيرا فَجرى السُّلْطَان على عَادَته فِي الشره فِي جمع المَال وولاه. وَفِيه كشف عَن بيُوت الْيَهُود وَالنَّصَارَى وأحضروا مَا فِيهَا من جرار الْخمر لتراق. وَفِي هَذَا الشَّهْر: هدم لِلنَّصَارَى دير المغطس عِنْد الملاحات قريب من بحيرة البرلس وَكَانَت نَصَارَى الإقليم قبليا وبحريا تحج إِلَى هَذَا الدَّيْر كَمَا يحجون إِلَى كَنِيسَة الْقِيَامَة بالقدس وَذَلِكَ فِي عيده من شهر بشنس ويسمونه عيد الظُّهُور وَقد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 351 بسطت الْكَلَام على هَذَا عِنْد ذكر الْكَنَائِس والديارات من كتاب المواعظ والإعتبار بِذكر الخطط والْآثَار. وَفِي هَذَا الشَّهْر: شنع الْمَوْت بالطاعون فِي بلد عانة من بِلَاد الْعرَاق بِحَيْثُ لم يبْق بهَا أحد. وإستولى أَمِير الملا عاذر بن نعير على موجودهم جَمِيعه. وشنع الْمَوْت أَيْضا فِي أهل الرحبة حَتَّى عجزوا عَن مواراة الْأَمْوَات وألقوا مِنْهُم عددا كثيرا فِي الْفُرَات. وشنع الْمَوْت أَيْضا فِي أزواق التركمان وبيوت العربان بنواحي بِلَاد الْفُرَات حَتَّى صَار الْفَرِيق من الْعَرَب أَو الزوق من التركمان لَيْسَ بِهِ إِنْسَان. ودوابهم مُهْملَة لَا رَاعى لَهَا. وأحصى من مَاتَ بِمَدِينَة غَزَّة فِي هَذَا الشَّهْر فبلغوا إثني عشر ألفا ونيف ووردت الْأَخْبَار بخلو عدَّة مدن بِبِلَاد الْمشرق لمَوْت أَهلهَا وبكثرة الوباء بِبِلَاد الفرنج. شهر شَوَّال أهل بِيَوْم الْخَمِيس: وَقد كل النَّاس بِالْقَاهِرَةِ ومصر من الْقَبْض والأنكاد مَا لَا يُوصف وَذَلِكَ من تزايد عدَّة الْأَمْوَات فِي كل يَوْم فَكَانَت عدَّة من رفع ذكره من ديوَان الْمَوَارِيث فِي هَذَا الْيَوْم وَهُوَ يَوْم الْعِيد من الْقَاهِرَة مائَة إِنْسَان وَمن مصر إثنان وَعِشْرُونَ. هَذَا وَقد تعطل بيع كثير من البضائع وأمتعة النِّسَاء لإمتناعهن من الْمَشْي فِي الطرقات وإستوحش نسَاء الْأُمَرَاء المجردين وَأَوْلَادهمْ لغيبتهم عَنْهُم وقلق النَّاس من عسف متولى الْحِسْبَة وَشدَّة بطشه وَمن كَثْرَة مَا دَاخل النَّاس من الْوَهم خوفًا على أَوْلَادهم وخدمهم من الْمَوْت الوحى السَّرِيع بالطاعون وَمن نزُول أَنْوَاع المكاره بِالذِّمةِ من الْيَهُود وَالنَّصَارَى بِحَيْثُ أَنى لم أدْرك فِي طول عمرى عيدًا كَانَ أنكد على النَّاس من هَذَا وَفِي لَيْلَة هَذَا الْعِيد: إشتد برد الشتَاء فِي بِلَاد الشَّام فَأصْبح النَّاس من صفد إِلَى دمشق وحماة وحلب وديار بكر إِلَى أرزن كَانَ وَقد صقعت أَشْجَارهم بِحَيْثُ لم يبْق عَلَيْهَا ورقة خضراء إِلَّا إسودت مَا عدا شجر الصفصاف والجوز فَتلفت الباقلاء المزروعة وَالشعِير والبيقياء والهليون وَعَامة الخضروات فَزَادَهُم ذَلِك بلَاء على بلائهم بِكَثْرَة الموتان الفاشى فِي النَّاس وهبت مَعَ ذَلِك بصفد ريح بَارِدَة هلك بعْدهَا من النَّاس وَالدَّوَاب مَا شَاءَ الله. وَتَلفت بهَا الزروع وَالْأَشْجَار. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 352 وإتفق أَيْضا فِي لَيْلَة عيد الْفطر أَن هجم على مَدِينَة فاس من بِلَاد الْمغرب الْأَقْصَى سيل عَظِيم جدا فَأخذ خلائق وَهدم عدَّة مسَاكِن فَكَانَ أمرا مهولاً وحادثًا شنيعًا. وَفِي رابعه: قدم الْأُمَرَاء المجردون إِلَى حلب. وَفِيه خلع السُّلْطَان على الْأُمُور أسنبغا الطيارى وإستقر حَاجِب ميسرَة عوضا عَن جَانِبك الناصرى الْمُتَوفَّى بِمَكَّة فأراق الْخُمُور من دور النَّصَارَى وَغَيرهم. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء سادسه: خلع على الإِمَام الْحَافِظ شهَاب الدّين أَبى الْفضل أَسد ابْن على بن حجر وأعيد إِلَى قَضَاء الشَّافِعِيَّة بديار مصر عوضا عَن قاضى الْقُضَاة علم الدّين صَاع البلقينى. وألزم أَن يقوم لعلم الدّين صَالح بِمَا حمله إِلَى الخزانة. هَذَا وَقد أظهر السُّلْطَان أَنه لَا يُولى أحدا من الْقُضَاة بِمَال فَإِنَّهُ دَاخله وهم عَظِيم من كَثْرَة تزايد الْمَوْت الوحى السَّرِيع فِي النَّاس وَمَوْت كثر من المماليك السُّلْطَانِيَّة سكان الطباق من القلعة وَمَوْت الْكثير من خدام السُّلْطَان الطواشية وَمن جواريه وحظاياه وَأَوْلَاده فَحمل إِلَى البلقينى من مَال شهَاب الدّين بن حجر لَا من مَال السُّلْطَان. وَفِيه ركب السُّلْطَان من القلعة وَأقَام يَوْمه بخليج الزَّعْفَرَان خَارج الْقَاهِرَة. وَعَاد من آخِره بعد أَن فرق مَالا فِي الْفُقَرَاء فتكاثروا على متولى تَفْرِقَة ذَلِك حَتَّى سقط عَن فرسه فَغَضب السُّلْطَان من ذَلِك وَطلب سُلْطَان الحرافيش وَشَيخ الطوائف وألزمهما بِمَنْع الجعيدية أَجْمَعِينَ من السُّؤَال فِي الطرقات وإلزامهم بالتكسب وَأَن من شحذ مِنْهُم يقبض الوالى عَلَيْهِ وَأخرج ليعْمَل فِي الحفير. فإمتنعوا من الشحاذة وخلت الطرقات مِنْهُم وَلم يبْق من السُّؤَال إِلَّا العميان والزمناء وأرباب العاهات وَلم نسْمع بِمثل ذَلِك. فَعم الضّيق كل أحد وإنطلقت الْأَلْسِنَة بِالدُّعَاءِ على السُّلْطَان وَتمنى زَوَاله فَأصْبح فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سابعه مَرِيضا قد إنتكس وَلزِمَ الْفراش. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: إشتد الْبلَاء بِأَهْل الذِّمَّة من الْيَهُود وَالنَّصَارَى وألزمهم الذى ولى أَمر مواريثهم أَن يعملوا لَهُ حِسَاب من مَاتَ مِنْهُم من أول هَذِه الدولة الأشرفية وَإِلَى يَوْم ولَايَته. وأخرق بهم وأهانهم. وألزمهم أَيْضا أَن يوقفوه على مستنداتهم فِي الْأَمْلَاك الَّتِى بِأَيْدِيهِم فكثرت الشناعة عَلَيْهِ وَسَاءَتْ القالة فِي الدولة. وإتفق مَعَ ذَلِك كُله حوادث مؤلمة مِنْهَا أَن امْرَأَة مَاتَ وَلَدهَا بالطاعون وَلم يكن لَهَا سواهُ فَلَمَّا غسل وكفن وَأخرج بِهِ ليوضع فِي التابوت ليدفن فِي الصَّحرَاء أَرَادَت أمه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 353 أَن تخرج وَرَاء جنَازَته فمنعت من ذَلِك لِأَن السُّلْطَان رسم أَلا تخرج امْرَأَة من منزلهَا. فشق عَلَيْهَا منعهَا من تشنيع جَنَازَة وَلَدهَا وَأَلْقَتْ نَفسهَا من أَعلَى الدَّار إِلَى الأَرْض فَمَاتَتْ. وَخرجت امْرَأَة أُخْرَى من دارها لأمر مُهِمّ طَرَأَ لَهَا فصدفها دولت خجا متولى الْحِسْبَة فصاح بأعوانه بِأَن يأتوه بهَا ليضربها فَمَا هُوَ إِلَّا أَن قبضوا عَلَيْهَا إِذْ ذهب عقلهَا وَسَقَطت مغشيًا عَلَيْهَا من شدَّة الْخَوْف فشفع فِيهَا بعض من حضر أَلا يُعَاقِبهَا فَتَركهَا وَانْصَرف عَنْهَا. فَحملت إِلَى دارها وَقد إختلت وَفَسَد عقلهَا فمرضت مَعَ ذَلِك مدهْ. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة تاسعه: إتفقت حادثه لم ندرك مثلهَا وَهُوَ أَن الْخَطِيب بالجامع الْأَزْهَر رقي الْمِنْبَر فَخَطب وأسمع النَّاس الْخطْبَة وَأَنا فيهم حَتَّى أتمهَا على الْعَادة. وَجلسَ للإستراحة بَين الْخطْبَتَيْنِ فَلم يقم حَتَّى طَال جُلُوسه. ثمَّ قَامَ وَجلسَ سَرِيعا وإستند إِلَى جَانب الْمِنْبَر سَاعَة قدر مَا يقْرَأ القارىء ربع حزب من الْقُرْآن وَالنَّاس فِي إنتظار قِيَامه وَإِذا بِرَجُل من الْحَاضِرين يَقُول: مَاتَ الْخَطِيب. فإرتج الْجَامِع وضج النَّاس وضربوا أَيْديهم بَعْضهَا على بعض أسفا وحزلًا وأخذنى الْبكاء وَقد إختلت الصُّفُوف وَقَامَ كثير من النَّاس يُرِيدُونَ الْمِنْبَر فَقَامَ الْخطب على قَدَمَيْهِ وَنزل عَن الْمِنْبَر فَدخل الْمِحْرَاب وَصلى من غير أَن يجْهر بِالْقِرَاءَةِ وأوجز فِي صلَاته حَتَّى أتم الرَّكْعَتَيْنِ وقدمت عدَّة جنائز فَلم أدر من صلى بِنَا عَلَيْهَا. وَإِذا بِالنَّاسِ فِي حَرَكَة وإضطراب وعدة مِنْهُم يجهرون بِأَن الْجُمُعَة مَا صحت. وَتقدم رجل فَأَقَامَ وَصلى الظّهْر أَرْبعا وَجَمَاعَة يأتمون بِهِ. فَمَا هُوَ إِلَّا أَن قضي هَؤُلَاءِ صلَاتهم إِذا بِجَمَاعَة أخر قد وَثبُوا وَأمرُوا فَأذن المؤذنين على سدة المؤذنين بَين يدى الْمِنْبَر ورقي رجل الْمِنْبَر فَخَطب خطبتين وَنزل ليصلى فمنعوه من التَّقَدُّم إِلَى الْمِحْرَاب وَأتوا بِإِمَام الْخمس فقدموه حَتَّى صلى بِالنَّاسِ جُمُعَة ثَانِيَة. فَلَمَّا إنقضت صلَاته بِالنَّاسِ ثار آخَرُونَ وصاحوا بِأَن هَذِه الْجُمُعَة الثَّانِيَة لم تصح وَأَقَامُوا الصَّلَاة وَصلى بهم رجل صَلَاة الظّهْر أَربع رَكْعَات وَكَانَ فِي هَذَا الْيَوْم بالجامع الْأَزْهَر إِقَامَة خطبتين وَصَلَاة الْجُمُعَة مرَّتَيْنِ وَصَلَاة الظّهْر مرَّتَيْنِ وإنصرف النَّاس وكل طَائِفَة تخطىء الْأُخْرَى وَتَطير كثير مِنْهُم على السُّلْطَان بزواله من أجل إِقَامَة خطتين فِي مَوضِع وَاحِد هَذَا وَقد كَانَ النَّاس عِنْدَمَا قيل: مَاتَ الْخَطِيب قد ملكهم الْوَهم فأرعد بَعضهم وَبكى جمَاعَة مِنْهُم ودهش آخَرُونَ. وهبت عِنْد ذَلِك ريح بَارِدَة فظنوا أَنهم جَمِيعًا ميتون حَتَّى أَنه لَو قدر الله موت الْخَطِيب على الْمِنْبَر لهلك جمَاعَة من الْوَهم. وَللَّه عَاقِبَة الْأُمُور. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: تزايد بالسلطان مَرضه. ومنذ إبتدأ بِهِ الْمَرَض وَهُوَ أَخذ فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 354 التزايد إِلَّا أَنه يتجلد وَيظْهر أَنه عوفي. ويخلع على الْأَطِبَّاء ويركب وسحنته متغيرة ولونه مصفراً إِلَى أَن عجز عَن الْقيام من لَيْلَة الْأَرْبَعَاء سابعه. هَذَا وَقد شنع الْمَوْت بالدور السُّلْطَانِيَّة فِي أَوْلَاد السُّلْطَان الذُّكُور وَالْإِنَاث وَفِي حظاياه وجواريه وجوارى نِسَائِهِ وَفِي الخدام الطواشية وَفِي المماليك السُّلْطَانِيَّة سكان الطباق بالقلعة. وشنع الْمَوْت أَيْضا فِي النَّاس بِالْقَاهِرَةِ ومصر وَمَا بَينهمَا وَفِي سكان قلعة الْجَبَل سوى من ذكرنَا وَفِي بِلَاد الواحات والفيوم وَبَعض بِلَاد الصَّعِيد وَبَعض الحوف بالشرقية. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ تَاسِع عشرَة: خرج محمل الْحَاج مَعَ الْأَمِير أقبغا الناصرى أحد الطبلخاناه وَنزل بركَة الْحجَّاج على الْعَادة فَمَاتَ عدَّة مِمَّن خرج بالطاعون مِنْهُم ابْن أَمِير الْحَاج وَأَبِيهِ فِي هَذَا الْيَوْم وَمن الْغَد بعده. وَفِي هَذَا الشَّهْر: ثار عشير بِلَاد الشَّام قيسها ونميها وتحاربوا فِي سادسه فَقتل من الْفَرِيقَيْنِ جماعات يَقُول المكثر زِيَادَة على ألف وَيَقُول الْمقل دون ذَلِك فَنزل بِأَهْل الشَّام الْخَوْف الشَّديد مَعَ مَا بهم من الْبلَاء الْعَظِيم بِكَثْرَة الموتان عِنْدهم حَتَّى لَا يكَاد يُوجد بهَا إِلَّا حَزِين على ميت. وَمَعَ مَا أَصَابَهُم من تلاف فواكههم عَن آخرهَا. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء حادى عشرينه: رفعت أوراق ديوَان الْمَوَارِيث بعدة من مَاتَ فِي هَذَا الْيَوْم بِالْقَاهِرَةِ فَكَانُوا ثَلَاثمِائَة وأربعًا وَأَرْبَعين مَيتا. وضبطت عدَّة من صلى من الْأَمْوَات فِي الْمُصَليَات فبلغوا مَا ينيف على ألف ميت. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشرينه:. خلع على الْأَطِبَّاء لعافية السُّلْطَان. وَفِي ثَالِث عشرينه: إستقل الْحَاج من الْبركَة بِالْمَسِيرِ. وَفِي يَوْم السبت رَابِع عشرينه: وسط السُّلْطَان طبيبيه اللَّذين خلع عَلَيْهِمَا بالْأَمْس وهما الْعَفِيف وزين خضر وَذَلِكَ أَنه حرص على الْحَيَاة وَصَارَ يستعجل فِي طلب الْعَافِيَة فَلَمَّا لم تحصل لَهُ الْعَافِيَة ساءت أخلاقه وتوهم أَن الْأَطِبَّاء مقصرون فِي مداواته وَأَنَّهُمْ أخطأوا التَّدْبِير فِي علاجه فَطلب عمر بن سَيْفا والى الْقَاهِرَة فَلَمَّا مثل بَين يَدَيْهِ وَهُوَ جَالس وَبَين يَدَيْهِ جمَاعَة من خواصه مِنْهُم صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن نصر الله كَاتب السِّرّ والأمير صفى الدّين جَوْهَر الخازندار فِي خرف وَفِيهِمْ الْعَفِيف وخضر أمره أَن يَأْخُذ الْعَفِيف ويوسطه بالقلعة. فأقامه ليمضي فِيهِ مَا أَمر بِهِ وَإِذا الْخضر فَأمره أَن يوسط خضر أَيْضا فَأخذ الآخر وَهُوَ يَصِيح. فَقَامَ أهل الْمجْلس الجزء: 7 ¦ الصفحة: 355 يقبلُونَ الأَرْض وَمِنْهُم من يقبل رجل السُّلْطَان ويضرعون إِلَيْهِ فِي الْعَفو فَلم يقبل وَبعث وَاحِدًا بعد أخر يستعجل الوالى فِي توسيطهما وَهُوَ يتباطاً رَجَاء أَن يَقع الْعَفو عَنْهُمَا. فَلَمَّا طَال الْأَمر بعث السُّلْطَان من أَشد أعوانه من يحضر توسيطهما فَخرج وَأَغْلظ للوالى فِي القَوْل. فَقدم لعفيف فاستسلم وَثَبت حَتَّى وسط قطعتين بِالسَّيْفِ. وَقدم خضر فجزع جزعا شَدِيدا ودافع عَن نَفسه وَصَاح فتكاثروا عَلَيْهِ فوسطوه توسيطًا شنيعا لتلويه وإضطرابه. ثمَّ حملا إِلَى أهليهما بِالْقَاهِرَةِ. فسَاء النَّاس ذَلِك ونفرت قُلُوبهم من السُّلْطَان وَكَثُرت قالتهم فَكَانَت حَادِثَة لم ندرك مثلهَا. وَمن حِينَئِذٍ تزايد الْبلَاء بالسلطان إِلَى يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشرينه فاستدعى السُّلْطَان الْأَمِير الْكَبِير جقمق العلاى الأتابك وَمن تَأَخّر من الْأُمَرَاء المقدميِن وَقَالَ لَهُم: انْظُرُوا فِي أَمركُم وخوفهم مِمَّا جرى بعد الْمُؤَيد شيخ من الإختلاف وإ تلاف أمرائه فطال الْكَلَام وإنفضوا عَنهُ على غير شىء عقدوه وَلَا أمرا أبرموه. شهر ذى الْقعدَة أهل بِيَوْم السبت: وَالنَّاس فِي أَنْوَاع من الْبلَاء الذى لم نعهد مثله مجتمعًا وَهُوَ أَن السُّلْطَان تزايدت أمراضه وأرجف بِمَوْتِهِ غير مرّة وشنع الْمَوْت فِي مماليكه سكان الطباق حَتَّى لقد مَاتَ مِنْهُم فِي هَذَا الوباء نَحْو آلَاف. وَمَات من الخدام الخصيان مائَة وَسِتُّونَ طواشي وَمَات من الجوارى بدار السُّلْطَان زياده على مائَة وَسِتِّينَ جَارِيَة سوى سبع عشرَة حظية وَسَبْعَة عشر ولدا ذُكُورا وإناثًا. وَشَمل عَامَّة دور الْقَاهِرَة ومصر وَمَا بَينهمَا الْمَوْت أَو الْمَرَض وَكَذَلِكَ جَمِيع بِلَاد الشَّام من الْفُرَات إِلَى غَزَّة حَتَّى أَن قفلًا توجه من الْقَاهِرَة يُرِيد دمشق فَمَا نزل بالعريش حَتَّى مَاتَ مِمَّن كَانَ سائرًا فِيهِ زِيَادَة على سبعين إنْسَانا مِنْهُم عدَّة من معارفنا. وَمَعَ هَذَا كساد المبيعات وتعطل الْأَسْوَاق إِلَّا من بيع الأكفان وَمَا لابد للموتى مِنْهُ كالقطن وَنَحْوه إِلَّا أَنه مُنْذُ أهل هَذَا الشَّهْر أخذت عدَّة الْأَمْوَات تتناقص فِي كل يَوْم. وَفِي أَوله: وصل الْعَسْكَر الْمُجَرّد إِلَى مَدِينَة أبلستين. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء رابعه: عهد السُّلْطَان إِلَى وَلَده الْمقَام الجمالى يُوسُف وَذَلِكَ أَنه لما تزايد بِهِ الْمَرَض حدث عَظِيم الدولة القاضى زين الدّين عبد الباسط الْأَمِير صفى الدّين جَوْهَر الخازندار فِي أَمر الْمقَام الجمالى وَأَشَارَ لَهُ أَن يفاوض السُّلْطَان فِي وَقت خلوته بِهِ أَن يعْهَد إِلَيْهِ بالسلطة من بعد وَفَاته وَيحسن لَهُ ذَلِك فإتفق أَن السُّلْطَان أَمر الْأَمِير الجزء: 7 ¦ الصفحة: 356 جَوْهَر أَن يحرر لَهُ جملَة مَا يتَحَصَّل من أوقافه على أَوْلَاده فَلَمَّا أوقفهُ على ذَلِك وجد السَّبِيل إِلَى الْكَلَام فَأعلمهُ. بِمَا أَشَارَ بِهِ القاضى زين الدّين عبد الباسط من الْعَهْد إِلَى الْمقَام الجمالى فأعجبه ذَلِك وَأمر بإستدعائه هـ فَلَمَّا مثل بَين يَدَيْهِ سَأَلَهُ عَمَّا ذكر لَهُ جَوْهَر عَنهُ فَأخذ يحسن ذَلِك وَيَقُول: فِي هَذَا إجتماع الْكَلِمَة وسد بَاب الْفِتَن وَعمارَة بَيت السُّلْطَان ومصلحة الْعباد وَعمارَة الْبِلَاد وَنَحْو ذَلِك من القَوْل. فَأجَاب السُّلْطَان إِلَى ذَلِك ورسم لَهُ باستدعاء الْخَلِيفَة والقضاة والأمراء والمماليك وَأهل الدولهْ وحضورهم فِي غَد فَمضى عَنهُ القاضى زين الدّين وَنزل إِلَى دَاره بِالْقَاهِرَةِ وَبعث إِلَى الْمَذْكُورين أَن يحضروا غَدا بَين يدى السُّلْطَان بكرَة النَّهَار وَتقدم إِلَى القاضى شرف الدّين أَبى بكر الْأَشْقَر نَائِب كَاتب السِّرّ بِكِتَابَة عهد الْمقَام الجمالى وَذَلِكَ أَن القاضى صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن نصر الله كَاتب السِّرّ من حِين وسط الْعَفِيف وخضر تغير مزاجه وإشتد جزعه إِلَى أَن حم فِي لَيْلَة الْجُمُعَة وَنزل من القلعة وَلزِمَ الْفراش ومرضه يتزايد وَقد ظهر بِهِ الطَّاعُون فِي مَوَاضِع من بدنه فبادر القاضى شرف الدّين وَكتب الْعَهْد لَيْلًا. وَأصْبح الْجَمَاعَة فِي يَوْم الثُّلَاثَاء رابعه وهم بالقلعة فَأخْرج السُّلْطَان إِلَى مَوضِع يشرف على الحوش وَقد وقف بِهِ الْأَمِير خشقدم الطواشى مقدم المماليك وَمَعَهُ جَمِيع من بقى من المماليك السُّلْطَانِيَّة سكان الطباق بالقلعة وَجَمِيع من هُوَ أَسْفَل القلعة من المشتروات والمستخدمين. وَجلسَ الْخَلِيفَة أَمِير الْمُؤمنِينَ المعتضد بِاللَّه أَبُو الْفَتْح دَاوُد وقضاة الْقُضَاة الْأَرْبَع على مَرَاتِبهمْ والأمير الْكَبِير جقمق العلاى أتابك العساكر وَمن تَأَخّر من أُمَرَاء الألوف والمباشرون ماعدا كَاتب السِّرّ فَإِنَّهُ شَدِيد الْمَرَض. ثمَّ قَامَ القاضى زين الدّين عبد الباسط وَفتح بَاب الْكَلَام فِي عهد السُّلْطَان من بعد وَفَاته لإبنه الْمقَام الجمالى بالسلطنة وَقد حضر أَيْضا مَعَ أَبِيه فَاسْتحْسن الْخَلِيفَة ذَلِك وَأَشَارَ بِهِ. فَتقدم القاضى شرف الدّين الْأَشْقَر بالعهد إِلَى بَين يدى السُّلْطَان فَأشْهد السُّلْطَان على نَفسه بِأَنَّهُ عهد إِلَى وَلَده الْملك الْعَزِيز جمال الدّين أَبى المحاسن يُوسُف من بعد وَفَاته بالسلطة فَأمْضى الْخَلِيفَة الْعَهْد وَشهد بذلك الْقُضَاة. ثمَّ إِن السُّلْطَان الْتفت إِلَى مقدم المماليك وَكَلمه بالتركية والمماليك تسمعه كلَاما طَويلا ليبلغه عَنهُ إِلَى المماليك حَاصله أَنه إشتراهم ورباهم وَأَنَّهُمْ أفسدوا فَسَادًا كَبِيرا عدد فِيهِ ذنويهم وَأَنه تغير من ذَلِك عَلَيْهِم ومازال يَدْعُو الله عَلَيْهِم حَتَّى هلك مِنْهُم من هلك فِي طاعون سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ ثمَّ إِنَّه إشترى بعدهمْ طوائف ورباهم فشرعوا أَيْضا فِي الْفساد كَمَا فعل أُولَئِكَ الهالكون بدعائه: وَأَنه قد وَقع فِيكُم الطَّاعُون فَمَاتَ مِنْكُم من مَاتَ وَقد عَفَوْت عَنْكُم وَأَنا ذَاهِب إِلَى الله وتارك ولدى هَذَا وَهُوَ وديعتي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 357 عنْدكُمْ وَقد إستخلفته عَلَيْكُم فإدعوا لَهُ وأطيعوه وَلَا تختلفوا فَيدْخل بَيْنكُم غَيْركُمْ فَتَهْلكُوا. وأوصاهم أَلا يُغيرُوا على أحد من الْأُمَرَاء وَأَن يبقوا الْأُمَرَاء المجردين على أمرياتهم وَلَا يُغيرُوا نواب الممالك. فإشتد عِنْد ذَلِك بكاؤهم وَبكى الْحَاضِرُونَ أَيْضا ثمَّ أقسم السُّلْطَان وأعيد إِلَى فرَاشه وَقد كتب الْخَلِيفَة بإمضاء عهد السُّلْطَان وَشهد عَلَيْهِ فِيهِ الْقُضَاة بذلك ثمَّ كتب القاضى شرف الدّين الْأَشْقَر إشهادًا على السُّلْطَان بِأَنَّهُ جعل الْأَمِير الْكَبِير جقمق العلاى قَائِما بتدبير أُمُور الْملك الْعَزِيز وَأخذ فِيهِ خطّ الْخَلِيفَة بالإمضاء وَشَهَادَة الْقُضَاة عَلَيْهِ بذلك فألصقه بالعهد وإنفضوا جَمِيعهم. وَفِي هَذَا الْيَوْم: أنْفق فِي المماليك السُّلْطَانِيَّة كل وَاحِد مبلغ ثَلَاثِينَ دِينَارا فَكَانَت جُمْلَتهَا مائَة وَعِشْرُونَ ألف دِينَار. وَفِيه خلع على تغرى بردى أحد أَتبَاع التَّاج الشويكى وإستقر فِي ولَايَة الْقَاهِرَة عوضا عَن عمر بن سَيْفا أخى التَّاج فَإِنَّهُ مرض بالطاعون من آخر نَهَار الْجُمُعَة. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة سادسه: إستدعى الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله إِلَى القلعة. فَلَمَّا مثل بَين يدى مَوْلَانَا السُّلْطَان أَمر بِهِ فَخلع عَلَيْهِ وإستقر بِهِ فِي كِتَابَة السِّرّ عوضا عَن وَلَده صَلَاح الدّين مُحَمَّد وَقد توفّي. فَنزل فِي موكب جليل على فرس رائع بقماش ذهب أخرج لَهُ من الاصطبل السلطانى. وخلع مَعَه أَيْضا على نور الدّين على بن السويفي وإستقر فِي حسبَة الْقَاهِرَة عوضا عَن دولت خجا وَقد مَاتَ فِي أول الشَّهْر وَفِي هَذَا الشَّهْر: أتلف الْجَرَاد بضواحى الْقَاهِرَة كثيرا من المقاتى كالخيار والبطيخ والقثاء والقرع. وَوَقع الطَّاعُون فِي الْغنم وَالدَّوَاب. وَوجد فِي النّيل سمك كثير طَاف قد مَاتَ من الطَّاعُون. وَأما الطَّاعُون فَإِنَّهُ كَمَا تقدم إبتدأ بِالْقَاهِرَةِ من أول شهر رَمَضَان وَكثر فِي شَوَّال حَتَّى تجَاوز عدَّة من يصلى عَلَيْهِ فِي مصلى بَاب النَّصْر كل يَوْم أَرْبَعمِائَة ميت سوى بَقِيَّة الْمُصَليَات وعدتها بضع عشرَة مصلى. وَمَعَ ذَلِك فَلم تبلغ عدَّة من يرفع فِي أوراق ديوَان الْمَوَارِيث قطّ أَرْبَعمِائَة. وَسَببه أَن النَّاس أعدُّوا توابيت للسبيل ومعظم من يَمُوت إِنَّمَا هم الْأَطْفَال وَالْإِمَاء فَلَا يحْتَاج أهلهم إِلَى إطلافهم من الدِّيوَان. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 358 وَمن أعجب مَا وَقع فِي هَذِه الْأَيَّام أَن رجلا نَادَى على قبَاء فِي عدَّة أسواق فَلم يجد من يَشْتَرِيهِ لكساد الْأَسْوَاق. وَكَانَ سوق الرَّقِيق قد أغلق وتعطل بيع الرَّقِيق فِيهِ لِكَثْرَة من يَمُوت مِنْهُم فإحتاج رجل إِلَى بيع عبد لَهُ فَأَخذه بِيَدِهِ وَصَارَ يُنَادى عَلَيْهِ فِي شَارِع الْقَاهِرَة: من يشترى هَذَا العَبْد فَلم يجبهُ أحد مَعَ كَثْرَة النَّاس بالشارع وَإِنَّمَا تركُوا شِرَاءَهُ خوفًا من سرعَة مَوته بالطاعون. وَفِي حادى عشرَة: رَحل الْأُمَرَاء المجردون من أبلستين وَمَعَهُمْ نواب الشَّام وعساكرها من غَزَّة إِلَى الْفُرَات وَجَمِيع تركمان الطَّاعَة وتوجهوا فِي جمع كَبِير يُرِيدُونَ مَدِينَة آقشهر حَتَّى نزلُوا عَلَيْهَا وحصروها. وَمن يَوْم السبت خَامِس عشرَة: إشتد مرض السُّلْطَان ثمَّ حجب عَن النَّاس فَلم يدْخل إِلَيْهِ أحد من الْأُمَرَاء والمباشرين عدَّة أَيَّام سوى الْأَمِير أينال شاد الشربخاناه والأمير على بيه والأمير صفى الدّين جَوْهَر الخازندار والأمير جَوْهَر الزِّمَام. فَإِذا صعد القاضى زين الدّين عبد الباسط والمباشرون إِلَى القلعة أعلمهم هَؤُلَاءِ بِحَال السُّلْطَان. هَذَا والإرجاف يقوى والأمراء والمماليك السُّلْطَانِيَّة فِي حَرَكَة وَقد صَارُوا فرقا مُخْتَلفَة الآراء. وَالنَّاس على تخوف من وُقُوع الْحَرْب وَقد وزعوا فِي دُورهمْ وأخفى أهل الدولة أَوْلَادهم ونساءهم خوفًا من النهب وَأهل النواحى بالصعيد وَالْوَجْه البحرى قد نجم النِّفَاق فيهم وخيفت السبل شامًا ومصراً. وَقد تناقصت عدَّة الْأَمْوَات بِالْقَاهِرَةِ ومصر مُنْذُ أهل هَذَا الشَّهْر كَمَا تقدم. وَفِي أخريات هَذَا الشَّهْر: هجم على الْمَسْجِد على الْحَرَام بِمَكَّة سيل عَظِيم مَلأ الْحرم من غير تقدم مطر بِمَكَّة. شهر ذى الْحجَّة أهل بِيَوْم الْإِثْنَيْنِ:. وَالنَّاس بديار مصر من قلَّة الخدم فِي عناء وَجهد فَإِنَّهُ مَاتَ بِالْقَاهِرَةِ ومصر وَمَا بَينهمَا فِي مُدَّة شهر رَمَضَان وشوال وذى الْقعدَة زِيَادَة على مائَة ألف إِنْسَان معظمهم الْأَطْفَال وَأكْثر الْأَطْفَال الْبَنَات ويلي الْأَطْفَال فِي كَثْرَة من مَاتَ الرَّقِيق وَأكْثر من مَاتَ من الرَّقِيق الْإِمَاء بِحَيْثُ كَادَت الدّور أَن تَخْلُو من الْأَطْفَال وَالْإِمَاء وَالْعَبِيد. وَكَذَلِكَ جَمِيع بِلَاد الشَّام بأسرها. وَأما السُّلْطَان فَحدث لَهُ مَعَ سُقُوط شَهْوَة الغدْاء مُدَّة أشهر وَمَعَ إنحطاط قواه مَا ليخوليا فَكثر هذيانه وتخليطه وَلَوْلَا أَن الله تَعَالَى أَضْعَف قوته لما كَانَ يُؤمن مَعَ ذَلِك من إِفْسَاد شىء كثير بِيَدِهِ إِلَّا أَنه فِي أَكثر الْأَوْقَات غَائِب فَإِذا أَفَاق هذى وخلط. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 359 وصِار الْعَسْكَر فِي الْجُمْلَة قسمَيْنِ: قسم يُقَال عَنْهُم أَنهم قرانصة وهم الظَّاهِرِيَّة والناصرية والمؤيدية وكلمتهم متفقة على طَاعَة الْملك الْعَزِيز وَأَن يكون الْأَمِير الْكَبِير جقمق العلاى نظام الْملك كَمَا قَرَّرَهُ السُّلْطَان وَأَنَّهُمْ لَا يصعدون إِلَى القلعة خوفًا على أنفسهم من المماليك الأشرفية. وَالْقسم الآخر المماليك الأشرفية سكان الطباق بالقلعة ورأيهم أَن يكون الْملك الْعَزِيز مستبدًا بِالْأَمر وَحده وأعيانهم الْأَمِير أينال شاد الشرابخاناه والأمير يخضى باى أَمِير أخور ثَانِي والأمير على بيه الخازندار والأمير مغلباى الجقمقى أستادار الصُّحْبَة والأمير قرقماس قريب السُّلْطَان. وَهَذِه الطَّائِفَة الأشرفية مُخْتَلفَة بَعْضهَا على بعض. فَلَمَّا إشتهر أَمر هذَيْن الطَّائِفَتَيْنِ وشنعت القالة عَنْهُمَا قَامَ عَظِيم الدولة القَاضِي زين الدّين عبد الباسط فِي لم هَذَا الشعث وإخماد نَار الْفِتْنَة ليصلح بَين الْفَرِيقَيْنِ. وَوَافَقَهُ على ذَلِك الْأَمِير أينال الشاد فإستدعى سكان الطباق من الممالك إِلَى جَامع القلعة وَأرْسل إِلَى الْقُضَاة. فَلَمَّا تَكَامل الْجمع مازال بهم حَتَّى أذعنوا إِلَى الْحلف فتوفى تحليفهم القَاضِي شرف الدّين الْأَشْقَر نَائِب كَاتب السِّرّ على الْإِقَامَة على طَاعَة الْملك الْعَزِيز والإتفاق مَعَ الْأَمِير الْكَبِير جقمق وَألا يتَعَرَّض أحد مِنْهُم لشر وَلَا فتْنَة وَلَا يتَعَرَّضُوا لأحد من الْأُمَرَاء المقيمين بديار مصر وَلَا إِلَى الْأُمَرَاء المجردين وَلَا إِلَى كفلاء ممالك الشَّام فِي نفس وَلَا مَال وَلَا رزق. فَلَمَّا حلف الْأَمِير أينال والأمير على بيه والأمير تمرباى الدوادار وَعَامة المماليك حلف القَاضِي زين الدّين عبد الباسط أَن يكون مَعَ الْفَرِيقَيْنِ وَلَا يباطن طَائِفَة على الْأُخْرَى ثمَّ قَامَ الْجَمِيع وَقصد القَاضِي زين الدّين دَار الْأَمِير الْكِير جقمق وَمَعَهُ عدَّة من أَعْيَان الأشرفية حَتَّى حلفه وَحلف بعده من بقى بديار مصر من الْأُمَرَاء. ثمَّ نزل بعد ذَلِك الْأَمِير أينال ثمَّ الْأَمِير على بيه إِلَى الْأَمِير الْكَبِير جقمق وَقبل كل مِنْهُمَا يَده فإبتهج بهما وَبَالغ فِي إكرامهما. وسكنت تِلْكَ الثائرة. وَللَّه الْحَمد. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء عاشره: وَهُوَ يَوْم عيد النَّحْر خرج الْملك الْعَزِيز فصلى صَلَاة الْعِيد بِجَامِع القلعة وَقد صعد إِلَى خدمته بالجامع الْأَمِير الْكَبِير جقمق وَمن عداهُ من الْأُمَرَاء. ثمَّ مَشوا فِي الْخدمَة بعد الصَّلَاة حَتَّى جلس على بَاب الستارة. وخلع على الْأَمِير الْكَبِير وعَلى من جرت عَادَته بِالْخلْعِ فِي يَوْم عيد النَّحْر. ونزلوا إِلَى دُورهمْ. فَقَامَ الْملك الْعَزِيز وَدخل وَذبح وَنحر الضَّحَايَا بالحوش هَذَا وَقد توالت على السُّلْطَان نوب الصرع مرَارًا وتخلت قواه حَتَّى صَار كَمَا قيل. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 360 وَلم يبْق إِلَّا نفس خَافت ومقلة إنسانها باهت يرثى لَهُ الشامت مِمَّا بِهِ ياويح من يرثى لَهُ الشامت. حَتَّى مَاتَ عصر يَوْم السبت ثَالِث عشره. تغمده الله برحمته وَأَسْكَنَهُ فسيح جنته. السُّلْطَان الْملك الْعَزِيز جمال الدّين أقيم فِي الْملك بعد أَبِيه وَذَلِكَ أَن السُّلْطَان برسباى لما مَاتَ بَادر القَاضِي زين الدّين عبد الباسط والأمير أينال الشاد والأمير على بيه والأمير تمرباى الدوادار وَقد اجْتَمعُوا بالقلعة وبعثوا فِي الْحَال القَاضِي شرف الدّين الْأَشْقَر فِي إستدعاء الْخَلِيفَة وَبعث القَاضِي زين الدّين بعض غلمانه فِي طلب الْقُضَاة فَأتوا جَمِيعًا. وَدخل الْأَمِير جَوْهَر الزِّمَام فَأخْرج بِالْملكِ الْعَزِيز إِلَى بَاب الستارة وأجلس هُنَاكَ وَطلب الْأَمِير الْكَبِير جقمق وَبَقِيَّة الْأُمَرَاء وَنزل الممالك من الطباق. فَلَمَّا تَكَامل جمعهم وَحضر الْوَزير وَكَاتب السِّرّ وناظر الْخَاص فوض الْخَلِيفَة السلطة للْملك الْعَزِيز وأفاض عَلَيْهِ التشريف الخليفتى وقلده السَّيْف وَقد بَقِي لغروب الشَّمْس نَحْو سَاعَة. وَعمر السُّلْطَان يَوْمئِذٍ أَربع عشرَة سنة وَسَبْعَة أشهر فَقَامَ من بَاب الستارة وَركب فرسه وَرفعت الْقبَّة وَالطير على رَأسه وَقد حملهَا الْأَمِير الْكَبِير وَسَار وَالْكل مشَاة فِي ركابه حَتَّى عبر إِلَى الْقصر فَجَلَسَ على تخت الْملك وسرير السلطنة وَقبل الْأُمَرَاء وَغَيرهم الأَرْض لَهُ. وَقَرَأَ الْعَهْد بالسلطنة الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله كَاتب السِّرّ فَخلع على الْخَلِيفَة وعَلى الْأَمِير الْكَبِير وعَلى كَاتب السِّرّ. وَخَرجُوا من الْقصر وَقد غسل السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف برسباى وكفن وَأخرج بالجنازة من الدّور إِلَى بَاب الْقلَّة فَوضعت هُنَالك. وَتقدم قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أَبُو الْفضل أَحْمد بن حجر الشافعى فصلى بِالنَّاسِ عَلَيْهَا قبيل الْغُرُوب وشيع الْأُمَرَاء والمماليك وَغَيرهم الْجِنَازَة حَتَّى دفنت بالتربة الَّتِى أَنْشَأَهَا رَحمَه الله خَارج بَاب المحروق بالصحراء تَحت الْقبَّة. وَقد إجتمع من النَّاس مَا لَا يحصيهم إِلَّا خالقهم سُبْحَانَهُ. وَالنَّاس بِالْقَاهِرَةِ فِي بيعهم وشرائهم بالأسواق فِي أَمن ودعة وَسُكُون. ونودى فِي الْقَاهِرَة بالأمان والإطمئنان وَالْبيع وَالشِّرَاء وَأَن يترحموا على الْملك الْأَشْرَف وَالدُّعَاء للسُّلْطَان الْملك الْعَزِيز جمال الدّين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 361 أَبى المحاسن. وَأَن النَّفَقَة فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ مائَة دِينَار لكل وَاحِد من المماليك فإزداد النَّاس طمأنينة. وَلم يكن شىء مِمَّا كَانَ يتَوَقَّع من الشَّرّ وَالْحَمْد للة. وَفِي يَوْم الْأَحَد رَابِع عشره: إجتمع أهل الدولة للصبحة عِنْد قبر السُّلْطَان. وَقد بَات الْقُرَّاء يتناوبون الْقِرَاءَة عِنْد قَبره ليلتهم فختموا الْقُرْآن الْكَرِيم ودعوا ثمَّ إنفض الْجمع. وَأقَام الْقُرَّاء للْقِرَاءَة عِنْد الْقَبْر سَبْعَة أَيَّام. وَفِيه عملت الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة بِالْقصرِ وَحضر الْأَمِير الْكَبِير وَسَائِر أهل الدولة على الْعَادة فَزَاد السُّلْطَان الْخَلِيفَة جَزِيرَة الصابونى زِيَادَة على مَا بِيَدِهِ. وَفِيه كتبت البشائر إِلَى الْبِلَاد الشامية وأعمال مصر بسلطة الْملك الْعَزِيز. وفى يَوْم الْإِثْنَيْنِ خَامِس عشره: جلس السُّلْطَان بالحوش من القلعة وَعِنْده الْأُمَرَاء والمباشرون وابتدئ فِي النَّفَقَة على المماليك فأنفق فيهم مائَة دِينَار لكل وَاحِد. وَفِيه توجه الْأَمِير أينال الأحمدى الْمَعْرُوف بالفقيه بالبشارة إِلَى الْبِلَاد الشامية وعَلى يَده مَعَ الْكتب للنواب الْكتب وَفِي سادس عشره: أنْفق فِيمَن بقى من المماليك. وَفِيه قدم مُرَاد بك رَسُول الْأَمِير حمزه بن قرايلك صَاحب ماردين وأرزن كَانَ وصحبته شمس الدّين القطماوى ومعهما هَدِيَّة وَكتاب يتَضَمَّن دُخُوله فِي طَاعَة السُّلْطَان وَأَنه أَقَامَ الخطة وَضرب السِّكَّة بإسم السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف وجهز الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم بالسكة السُّلْطَانِيَّة. وعَلى يَد شمس الدّين القطماوى كتب الْأُمَرَاء المجردين. وَكَانَ سَبَب ذَلِك أَن الْأُمَرَاء لما قدمت حلب كاتبوا حَمْزَة الْمَذْكُور يَدعُوهُ إِلَى طَاعَة السُّلْطَان وقدومه إِلَيْهِم فَأجَاب بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة وَأقَام الخطة وَضرب السِّكَّة بإسم السُّلْطَان وجهز هديته وَمَا ضربه من المَال فَلم يتَّفق قدوم ذَلِك إِلَّا بعد موت السُّلْطَان فَأكْرم الرسولان وأنزلا ثمَّ أعيدا بِالْجَوَابِ ومعهما هَدِيَّة وتشريف للأمير حَمْزَة. وَفِيه خلع على الْأَمِير طوخ مازى وإستقر فِي نِيَابَة غَزَّة وَكَانَت شاغرة مُنْذُ مَاتَ نائبها. وَفِي يَوْم السبت عشرينه: وَقع بَين حكم الخاصكى خَال السُّلْطَان وَبَين الْأَمِير الجزء: 7 ¦ الصفحة: 362 أينال مُفَاوَضَة آلت إِلَى شَرّ وَسبب ذَلِك أَن الْكَلَام والتحدث فى أُمُور المملكة صَار بَين ثَلَاثَة الْأَمِير الْكَبِير نظام الْملك جقمق وَالْقَاضِي زين الدّين عبد الباسط والأمير أينال. وَلزِمَ السُّلْطَان السُّكُوت فَلَا يتَكَلَّم فَأنْكر جكم على أينال أمره وَنَهْيه فِيمَا يتَعَلَّق بِأَمْر الدولة وَكَونه أَقَامَ بالقلعة وَصَارَ يبيت بهَا فَغَضب مِنْهُ أينال وَنزل من القلعة إِلَى دَاره فَكَانَ هَذَا ابْتِدَاء وقرع الْخلف الذى آل إِلَى مَا وَفِيه تجمع كثير من المماليك تَحت القلعة وَأَرَادُوا أَن يفتكوا بِالْقَاضِي زين الدّين عبد الباسط فَلَمَّا نزل من القلعة أحاطوا بِهِ وَجَرت بَينهم وَبَينه مقاولات أغلظوا فِيهَا عَلَيْهِ وَلم يقدروا على غير ذَلِك وخلص مِنْهُم إِلَى بَيته. وَفِي هَذَا الشَّهْر: والذى قبله فَشَا الْمَوْت بالطاعون فِي الْإسْكَنْدَريَّة ودمياط وفوه ودمنهور وَمَا حول تِلْكَ الْأَعْمَال فَمَاتَ بهَا عَالم كَبِير. وتجاوزت عدَّة من يَمُوت بالإسكندرية فِي كل يَوْم مائَة إِنْسَان. وَفِي يَوْم السبت سَابِع عشرينه: إبتدىء بالنداء على النّيل فَزَاد خَمْسَة أَصَابِع. وَجَاءَت الْقَاعِدَة خَمْسَة أَذْرع وَثَلَاثَة وَعشْرين أصبعًا وإستمرت الزِّيَادَة فِي كل يَوْم. وللة الحمده. وَفِيه أنعم بإقطاع السُّلْطَان على الْأَمِير نظام الْملك جقمق بَعْدَمَا سُئِلَ السُّلْطَان فِي ذَلِك فَأبى ثمَّ غلب عَلَيْهِ حَتَّى أخرجه لَهُ. وأنعم بإقطاع الْأَمِير جقمق على الْأَمِير تمراز القرمشى ي أس نوبه أحد المجردين. وأنعم بإقطاع الْأَمِير تمرار على الْأَمِير تمرباى الدوادار وأنعم بإقطاع الْأَمِير تمرباى على الْأَمِير على بيه. وأنعم بإقطاع الْأَمِير طوخ مازى نَائِب غَزَّة على الْأَمِير يخْشَى بيه أَمِير أخور ثَانِي وأنعم بإقطاع يخْشَى بيه على يل خجا الساقي رَأس نوبَة وأنعم بإقطاع يل خجا وإمرته وهى إمرة عشرَة على قانبيه الجركسى وخلع على الْأَمِير أينال وإستقر دوادارًا عوضا وَفِي يَوْم الْأَحَد ثامن عشرينه: خلع على على بيه وإستقر شاد الشرابخاناه عوضا عَن الْأَمِير أينال الدوادار. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ تَاسِع عشرينه: خلع على سيف الدّين دمرداش أحد المماليك الأشرفية وإستقر فِي ولَايَة الْقَاهِرَة عوضا عَن تغرى بردى التاجى. وَفِيه تجمع كثير من المماليك تَحت القلعة وَأَحَاطُوا بالأمير الْكَبِير نظام الْملك عِنْد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 363 نُزُوله من الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة بالقلعة إِلَى جِهَة بَيته ليوقعوا بِهِ فتخلص مِنْهُم من غير سوء هَذَا والقاضى زين الدّين عبد الباسط من المماليك فِي عناء شَدِيد. وَقدم الْخَبَر بِأَن الْعَسْكَر الْمُجَرّد لما قصد مَدِينَة آقشهر تلقاهم سُلْطَان أَحْمد بن قليج أرسلان صَاحب تلى صَار وَقد رغب فِي الطَّاعَة السُّلْطَانِيَّة وَسَار مَعَهم حَتَّى نازلوا مَدِينَة أقشهر فِي أول ذى الْحجَّة فهرب متملكها حسن الأيتاقى فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء ثَانِيه إِلَى قلعة برداش فَملك الْعَسْكَر الْمَدِينَة وقلعتها وقبضوا على عدَّة من أعيانها وبعثوا بسُلْطَان أَحْمد بن قليج أرسلان على عَسْكَر فَملك قلعتي فَارس وتمشلى فأقروه على نِيَابَة السلطة بهما. وَسَارُوا لمحاصرة حسن بقلعة برداش ففر مِنْهَا إِلَى قلعة بزطلش فَنزل من الْعَسْكَر عَلَيْهَا حَتَّى أَخذهَا فِي ثامن عشره الْأَمِير قرقماس أَمِير سلَاح بعد أَن قَاتل أَهلهَا بضعَة عشر يَوْمًا. ثمَّ هدمها حَتَّى سوى بهَا الأَرْض وَقد فر مِنْهَا حسن أيتافى. ثمَّ سَار الْأَمِير قرقماس. مِمَّن مَعَه مَعَ بَقِيَّة العساكر يُرِيدُونَ أرزنكان فَقدم عَلَيْهِم الْأَمِير مرزا إِبْنِ الْأَمِير يَعْقُوب ابْن الْأَمِير قرايلك رَسُولا من أَبِيه يَعْقُوب صَاحب أرزنكان وكماخ وَقد خرج عَن أرزنكان وَنزل كماخ وَقدم مَعَ مرزا زَوْجَة أَبِيه وعدة من الْقُضَاة والأعيان بأرزنكان يسْأَلُون الْعَفو عَن الْأَمِير يَعْقُوب وإعفائه من قدومه إِلَيْهِم وَأَن يُجهز لنيابة السلطنة بأرزنكان الْأَمِير جهان كير ابْن الْأَمِير نَاصِر الدّين على باك بن قرايلوك فأجيبوا إِلَى ذَلِك كُله وخلع على الْأَمِير مرزا وَدفع إِلَيْهِ خلعة لِأَبِيهِ الْأَمِير يَعْقُوب وَفرس بقماش ذهب. وأعيد وصحبته الْأَمِير جهان كير وَقد خلع عَلَيْهِ بنيابة أرزنكان. وَسَارُوا وَقد جهز إِلَى أرزنكان بالأمير سودون النوروزى دوادار نَائِب حلب وَمَعَهُ نَائِب دوركى ونائب بهنسنى فتسلموا أرزنكان بِلَا مَانع وَأَقَامُوا بهَا. ثمَّ توجه القَاضِي معِين الدّين عبد اللطف ابْن القَاضِي شمسْ الدّين الْأَشْقَر كَاتب السِّرّ بحلب حَتَّى حلف أهل أرزنكان بِالْإِقَامَةِ على طَاعَة السُّلْطَان ثمَّ سَارَتْ العساكر من أقشنهر فِي ثَانِي عشرينه حَتَّى نزلت على أرزنكان وعسكروا هُنَاكَ فَخرج إِلَيْهِم أَهلهَا وَبَاعُوا عَلَيْهِم مَا أَرَادوا مِنْهُم وَفتحت أَبْوَاب الْمَدِينَة والعساكر يدْخل مِنْهَا الْمَدِينَة من أَرَادَ ذَلِك من غير ضَرَر وَلَا نهب وإستمروا على ذَلِك إِلَى آخر الشَّهْر. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 364 وَقدم الْخَبَر بِأَن ملك البرتغال صَاحب مَدِينَة شلب من الأندلس سَار يُرِيد مَدِينَة طنجة فَنزل على سبتة فِي الْمحرم وَمضى مِنْهُمَا وهى بِيَدِهِ فِي الْبر وَالْبَحْر وَمَعَهُ فِيمَا يُقَال ثَمَانِيَة عشر ألف رام وَسِتَّة آلَاف فَارس حَتَّى نزل على طنجة فحصرها مُدَّة شهر إِلَى أَن أَتَتْهُ جموع الْمُسلمين من فاس ومكناسة وَأَصِيلا فِي شهر ربيع الآخر فَكَانَت بَينهم وَبَين البرتغال من النَّصَارَى حروب عَظِيمَة نصر الله فِيهَا الْمُسلمين وَقتل نَحْو الثُّلثَيْنِ من النَّصَارَى. والتجأ باقيهم إِلَى محلتهم فضايقهم الْمُسلمُونَ حَتَّى طلبُوا الْأمان على أَن يسلمُوا الْمُسلمين مَدِينَة سبتة ويفرجوا عَن سَبْعمِائة أَسِير من الْمُسلمين ويدفعوا مَا بِأَيْدِيهِم من آلَات الْحَرْب للْمُسلمين فأمنوهم وبعثوا برهائنهم على ذَلِك فَصَارَ الْمُسلمُونَ يَأْخُذُونَ النَّصَارَى ويوصلونهم إِلَى أسطولهم بالبحر. فحسد أَحْمد اللحيانى الْقَائِم بتدبير مكناسة الْأَزْرَق وَهُوَ أَبُو زَكَرِيَّا حى بن زيان بن عمر الوطاسى الْقَائِم بتدبير مَدِينَة فاس وَقتل عدَّة من النَّصَارَى ورحل فحنق النَّصَارَى من ذَلِك وحطموا على الْمُسلمين حطمة قتل فِيهَا جمَاعَة وخلصوا إِلَى أصطولهم وبقى ابْن ملكهم فِي يَد الْمُسلمين فَلَمَّا وصلوا إِلَى بِلَادهمْ لم يرض أكابرهم بِتَسْلِيم سبتة للْمُسلمين وبعثوا فِي فدَاء ابْن الْملك بِمَال فَلم يَقع بَينهم وَبَين الرَّسُول إتفاف وسجنوه مَعَ ابْن الْملك الْمُرْتَهن عِنْد صَالح بن صَالح بن حمو بطنجة فَيَقُول المكثر أَن الذى قتل من النَّصَارَى فِي هَذِه الْوَاقِعَة خَمْسَة وَعِشْرُونَ ألفا وغنم الْمُسلمُونَ مِنْهُم أَمْوَالًا كَثِيرَة. وَللَّه الحمده بالطاعون وَفِي الْحَرْب عَالم عَظِيم جدا من أهل الأَرْض فَمِمَّنْ لَهُ ذكر وشهرة: سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن سعد الدّين بركَة الْمَعْرُوف بإبن كَاتب جكم نَاظر الْخَاص ابْن نَاظر الْخَاص فِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشر شهر ربيع الأول عَن نَحْو ثَلَاثِينَ سنة. وَكَانَ من المترفين المنهمكين فِي اللَّذَّات المنغمسين فِي الشَّهَوَات وَنزل السُّلْطَان فصلى عَلَيْهِ تَحت القلعة وَدفن عِنْد أَبِيه بالقرافة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 365 وَمَات الْأَمِير تمراز المؤيدى خنقا بالإسكندرية فِي ثَالِث عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة وَهُوَ أحد المماليك المريدية شيخ رباه صَغِيرا إِلَى أَن تغير عَلَيْهِ وضربه ونفاه إِلَى طرابلس فتنقل بعد موت المريد إِلَى أَن ركب مَعَ الْأَمِير قانباى فَقبض عَلَيْهِ وسجن بقلعة الرّوم مُدَّة. ثمَّ أفرج عَنهُ وأنعم عَلَيْهِ بإمرة عشرَة بحلب ثمَّ نقل بعد مُدَّة على إمرة بِدِمَشْق ثمَّ ولى نِيَابَة صفد وَنقل مِنْهَا لنيابة غَزَّة ثمَّ قبض عَلَيْهِ لما قدم على السُّلْطَان وسجن بالإسكندرية وَبهَا قتل وَلم يكن مشكورا. وَمَات الْأَمِير جَانِبك الصُّوفِي فِي يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشر شهر ربيع الآخر وَهُوَ أحد المماليك الظَّاهِرِيَّة برقوق. ترقى فِي الخدم وَصَارَ من أُمَرَاء الألوف وتنقلت بِهِ الْأَحْوَال حَتَّى قبض عَلَيْهِ الْأَشْرَف برسباى وسجنه ففر من سجنه بالإسكندرية وأعيا السُّلْطَان تطلبه وإمتحن جمَاعَة بِسَبَبِهِ إِلَى أَن ظهر عِنْد ابْن دلغادر وحاول مَا لم يقدر عَلَيْهِ فَهَلَك دون بُلُوغ مُرَاده. وَحمل رَأسه إِلَى السُّلْطَان كَمَا مر ذكره مشروحًا. وَكَانَ ظَالِما عاتيًا جبارًا لم يعرف بدين وَلَا كرم. وَمَات شمس الدبن مُحَمَّد بن الْخضر بن دَاوُد بن يَعْقُوب المصرى شهرة الحلبى الشافعى فِي يَوْم الْأَحَد النّصْف من شهر رَجَب وَكَانَ خيرا دينا كثير التِّلَاوَة لِلْقُرْآنِ فَاضلا حسن المحاضرة وَتصرف فِي الْكِتَابَة بديوان الْإِنْشَاء مُدَّة. ثمَّ توجه إِلَى الْقُدس بَعْدَمَا أَقَامَ بِالْقَاهِرَةِ سِنِين فَمَاتَ هُنَاكَ. رَحمَه اللة. وَمَات بِمَكَّة شرفها الله الْأَمِير جَانِبك الْحَاجِب الْمُجَرّد على المماليك إِلَى مَكَّة فِي حادى عشر شعْبَان. ومستراح مِنْهُ. وَمَات بِدِمَشْق الشَّيْخ عَلَاء الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد البخارى الحنفى فِي خَامِس شهر رَمَضَان. وَكَانَ ورعًا بارعًا فِي عُلُوم من عَرَبِيَّة وَمَعَان وَبَيَان وَغير ذَلِك وَله فِي الدولة مكانة. سكن بِلَاد الْهِنْد وَعظم عِنْد ملكهَا ثمَّ قدم الْقَاهِرَة وتصدر لإِفَادَة الْعلم فَقَرَأَ عَلَيْهِ جمَاعَة وَعظم قدره. ثمَّ سكن دمشق حَتَّى مَاتَ بهَا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 366 وَمَات بِالْقَاهِرَةِ الشَّيْخ عَلَاء الدّين على بن مُوسَى بن إبراهين الرومى الحنفى فِي يَوْم الْأَحَد عشْرين شهر رَمَضَان وَكَانَ قدم من بِلَاد الرّوم وَولى تدريس الْمدرسَة الأشرفية برسباى ومشيخة التصوف بهَا مُدَّة ثمَّ عزل عَنْهَا وَكَانَ فَاضلا فِي عدَّة عُلُوم مَعَ طيش وخفة وجرأة بِلِسَانِهِ على مَا لَا يَلِيق وفحش فِي مخاطبته عِنْد الْبَحْث مَعَه. عَفا الله عَنهُ. وَمَات الْأَمِير آق بردى نَائِب غَزَّة فأراح الله بِمَوْتِهِ من جوره وطمعه. وَمَات نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن بدر الدّين حسن بن سعد الدّين مُحَمَّد الفاقوسى موقع الدست فِي لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ تَاسِع عشر شَوَّال عَن بضع وَسبعين سنة. وَكَانَ حشمًا رَئِيسا لَهُ مُرُوءَة وَفِيه أفضال وبر وصدقات. رَحمَه الله. وَمَات الْأَمِير دولات خجا أحد المماليك الظَّاهِرِيَّة. ولى ولَايَة الْقَاهِرَة ثمَّ حسبتها. وَكَانَ عسوفًا جبارًا كثير الشَّرّ يصفه من يعرفهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسلم وَأَنه لَا يخَاف الله وَكَانَ مَوته يَوْم السبت أول ذى الْقعدَة وَقد شاخ. وَمَات الْأَمِير القَاضِي صَلَاح الدّين مُحَمَّد ابْن الصاحب الْأَمِير الْوَزير بدر الدّين حسن بن نصر الله فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء خَامِس ذى الْقعدَة وَقد أناف على الْخمسين وَكَانَ جميل الصُّورَة عَاقِلا رزينًا يكْتب الْخط الْمَنْسُوب وَيعرف الْحساب معرفَة جَيِّدَة. ولى الحجوبية من صغره مُدَّة ثمَّ بَاشر أستادارية السُّلْطَان مرَّتَيْنِ وَولى حسبَة الْقَاهِرَة ثمَّ صَار جليس السُّلْطَان وسميره. وولاه مَعَ مُجَالَسَته كِتَابَة السِّرّ مسئولًا بهَا فباشرها مَعَ الْحِسْبَة وَنظر دَار الضَّرْب وَنظر الْأَوْقَاف وَغير ذَلِك حَتَّى مَاتَ. رَحمَه اللة. فَلَقَد أحزننا فَقده. ومولده فِي رَمَضَان سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَسَبْعمائة. وَمَات شهَاب الدّين أَحْمد ابْن الْأَمِير عَلَاء الدّين على ابْن الْأَمِير سيف الدّين قرطاى الْمَعْرُوف بِابْن بنت الْأَمِير بكتمر الساقى سبى جده قرطاى من بِلَاد الرّوم وجىء بِهِ إِلَى الديار المصرية فترقى فِي الخدم حَتَّى صَار من جملَة الْأُمَرَاء. وَولى ابْنه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 367 على بن قرطاى نقابة الْجَيْش وَتزَوج بإبنة الْأَمِير نَاصِر الدّين عمد ابْن الْأَمِير بكتمر الساقى فولد لَهُ مِنْهَا أَحْمد فِي يَوْم الْأَحَد ثَالِث عشْرين شعْبَان سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة. وَنَشَأ فِي عز وترف وحشمة ورياسة وسعة دنيا. فَمَال إِلَى الْفَضَائِل وَكتب على شَيخنَا عَلَاء الدّين عُصْفُور فبرع فِي الْكِتَابَة وفنونها حَتَّى فاق فِي كِتَابَة الْمَنْسُوب أَبنَاء عصره. ونظم الشّعْر الْمليح وأتقن صنائع عديدة. وَنظر فِي عدَّة عُلُوم حَتَّى مَاتَ فِي لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ عَاشر ذى الْقعدَة. وَكَانَ مجموعًا حسنا ذَا فَضَائِل جمة وَوجه جميل وشكل مليح وَخلق رَضِي وَنَفس سَمْحَة وذكاء وَحسن تصور وثراء وَاسع وحشمة وافرة. رَحمَه الله فَلَقَد كَانَ لى بِهِ أنس وَمِنْه نفع. كتب إِلَى وَقد قدمت من الْحجاز من شعره: أيا مولاى دم أبدا بِخَير وعزمًا جرت شمس النَّهَار لرؤيتك السّنيَّة مت شوقًا وَقد دنت الديار من الديار وَمَات الْأَمِير سليمن بن أورخان بك بن مُحَمَّد كرشجى بن عُثْمَان. ملك جدة مُحَمَّد كرشجى بِلَاد الرّوم وَقبض عَمه مُرَاد بن مُحَمَّد كرشجى ملك الرّوم على أَبِيه أورخن بك وسجنه حَتَّى مَاتَ وَقد ولد سُلَيْمَان ففر بِهِ مَمْلُوك أَبِيه حَتَّى قدم على السُّلْطَان الْأَشْرَف برسباى فَأكْرمه ورباه. ثمَّ فر بِهِ مَمْلُوك أَبِيه يُرِيد بِلَاد الرّوم فَقبض عَلَيْهِ برسباى وسجنه ثمَّ أفرج عَنهُ وَتزَوج السُّلْطَان بأخته شاه زَاده. وَمَات إسكندر بن قرايوسف ملك تبريز بَعْدَمَا تشَتت مُدَّة ثمَّ إنهزمٍ الى قلعة يلنجا فذبحه إبنه شاه قوماط فِي شهر ذى الْقعدَة. وَكَانَ شجاعًا مقدامًا جريئًا أهوج لَا يرجع إِلَى دين وَلَا عقل بل خرب الْبِلَاد وَأكْثر فِي الأَرْض الْفساد. وَمَات نور الدّين على بن مُفْلِح وَكيل بَيت المَال وناظر المارستان فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشر ذى الحجه. كَانَ أَبوهُ عبدا أسود للطواشى كافور الهندى فَأعْتقهُ وَقَرَأَ إبنه على الْقُرْآن وخدم عدَّة من أهل الدولة حَتَّى تقرر يقرىء الممليك فِي الطباق السُّلْطَانِيَّة بالقلعة. وَأكْثر من مداخلتهم إِلَى أَن تردد إِلَى القَاضِي زين الدّين عبد الباسط فإرتفع بِهِ قدره وَولى الْوكَالَة وَنظر المارستان. وعد من رُؤَسَاء النَّاس وَكَانَت لَهُ مروة وَفِيه عصبية وتقعير فِي كَلَامه من غير إِعْرَاب وَلَا علم إِنَّمَا هُوَ الْحَظ لَا غَيره. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 368 وَمَات السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف برسباى الدقماقى الظاهرى فِي يَوْم السبت ثَالِث عَاشر ذى الْحجَّة وَقد أناف على السِّتين. كَانَ أَبوهُ من أوضع أهل بِلَاده قدرا وأشدهم فقرا فَأسلم إبنه هَذَا لحداد فَكَانَ ينْفخ عِنْده بالكير ثمَّ مَاتَ فَتزوّجت إمرأته بِرَجُل فَبَاعَ برسباى هَذَا وَهُوَ صَغِير من رَحل يهودى إسمه صَادِق. فخدمه مُدَّة وتلقن أخلاقه وتطبع بطباعه حَتَّى جلبه إِلَى ديار مصر فإبتاعه الْأَمِير دقماق. ثمَّ بعث بِهِ فِي جملَة تقدمه لما إستقر فِي نِيَابَة ملطية. فأنزله السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر برقوق فِي جملَة مماليك الطباق. ثمَّ أخرج لَهُ قبل مَوته خيلًا وأنزله من الطباق وَقد أعْتقهُ. فَلَمَّا كَانَت الْأَيَّام الناصرية فرج خرج فِيمَن خرج إِلَى الشَّام وإنتمى إِلَى الْأَمِير نوروز ثمَّ إِلَى الْأَمِير شيخ فَلَمَّا قدم الْأَمِير شيخ بعد قتل النَّاصِر إِلَى مصر كَانَ فِيمَن قدم مَعَه فرقاه وَصَارَ من جملَة أُمَرَاء الألوف وَعمل كشف التُّرَاب. ثمَّ ولاه نِيَابَة طرابلس وعزله وسجنه بقلعة المرقب. ثمَّ أنعم عَلَيْهِ بإمرة فِي دمشق. فَلَمَّا مَاتَ الْمُؤَيد شيخ قبض عَلَيْهِ الْأَمِير جقمق نَائِب الشَّام وسجنه. ثمَّ أفرج عَنهُ الْأَمِير ططر لما توجه بإبن الْمُؤَيد إِلَى الشَّام. ثمَّ أنعم عَلَيْهِ بإمرة ألف وَعَمله دوادار السُّلْطَان لما تسلطن وَقدم بِهِ إِلَى الْقَاهِرَة فَلَمَّا مَاتَ الظَّاهِر ططر قَامَ بِأَمْر وَلَده ثمَّ خلعه وتسلطن فدانت لَهُ الْبِلَاد وَأَهْلهَا وخدمته السُّعُود حَتَّى مَاتَ. وَكَانَت أَيَّامه هدوء وَسُكُون إِلَّا أَنه كَانَ لَهُ فِي الشُّح وَالْبخل والطمع مَعَ الْجُبْن والجور وَسُوء الظَّن ومقت الرّعية وَكَثْرَة التلون وَسُرْعَة التقلب فِي الْأُمُور وَقلة الثَّبَات أَخْبَار لم نسْمع بِمِثْلِهَا وَشَمل بِلَاد مصر وَالشَّام فِي أَيَّامه الخراب وَقلة الْأَمْوَال بهَا. وإفتقر النَّاس وَسَاءَتْ سير الْحُكَّام والولاة مَعَ بُلُوغه آماله ونيله أغراضه وقه أعدائه وقتلهم بيد غَيره لِتَعْلَمُوا أَن الله على كل شىء قدير. وَمَات الْأَمِير سودون بن عبد الرَّحْمَن وَهُوَ مسجون بثغر دمياط فِي يَوْم السبت الْعشْرين من ذى الْحجَّة. وَهُوَ من جملَة المماليك الظَّاهِرِيَّة برقوق. ترقي فِي الخدم حَتَّى صَار نَائِب الشَّام ثمَّ عزل وسجن حَتَّى مَاتَ وَكَانَ مصرا على مَا لَا تبيحه الشَّرِيعَة من شهواته الخسيسة وأحدث فِي دمشق أَيَّام نيابته بهَا عدَّة أَمَاكِن لبيع الْخمر ووقوف البغايا والأحداث وضمنها. بِمَال فِي كل شهر فإستمرت من بعده. وإقتدى بِهِ فِي ذَلِك غير وَاحِد فعملوا فِي دمشق خمارات مضمنة بأموال من غير أَن يُنكر عَلَيْهِ أحد ذَلِك ليقضى الله أمرا كَانَ مَفْعُولا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 369 فارغه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 370 (سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة) أهلت هَذِه السّنة ومعظم عَسَاكِر مصر وَالشَّام فِي التجريدة وبقيتهم بِالْقَاهِرَةِ وظواهرها فِي إختلاف. شهر الله الْمحرم أَوله الثُّلَاثَاء فِيهِ رجل الْعَسْكَر الْمُجَرّد عَن مَدِينَة أرزنكان عَائِدًا إِلَى حلب. وَفِي رابعه: توجه الْأَمِير تغرى بردى المؤذى على عدَّة من المماليك السُّلْطَانِيَّة إِلَى الْبحيرَة بِسَبَب قرب لبيد عرب برقة من الْبِلَاد. وَفِيه خلع على جكم الخاصكى خَال السُّلْطَان وإستقر خازندارً عوضا عَن على بيه. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سابعه: قدم مبشرو الْحَاج. وَفِي ثامنه: خلع على شهَاب الدّين أَحْمد بن شمس الدّين مُحَمَّد الْمَعْرُوف بإبن النُّسْخَة شَاهد الْقيمَة. وإستقر فِي وكَالَة بَيت المَال وَكَانَت شاغرة مُنْذُ وَفَاة نور الدّين على بن مُفْلِح. وخلع على نظام الدّين بن مُفْلِح الدمشقى الْوَاعِظ وأعيد إِلَى قَضَاء الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق عوضا عَن عز الدّين عبد الْعَزِيز البغدادى. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَالِث عشره: إستدعى الشَّيْخ سعد الدّين سعد ابْن قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد الديرى المقدسى شيخ الْجَامِع المؤيدى. وخلع عَلَيْهِ. وَقد فوض إِلَيْهِ قَضَاء الْحَنَفِيَّة بديار مصر عوضا عَن بدر الدّين مَحْمُود العينى بَعْدَمَا سُئِلَ بذلك مرَارًا وَهُوَ يمْتَنع ثمَّ أجَاب وَشرط على الْأُمَرَاء أَنه لَا يقبل رِسَالَة أحد مِنْهُم وَأَن لَا يتجوه عَلَيْهِ فِي شىء. وَفِيه أنعم على سَبْعَة من المماليك بأمريات عشرَة وهم قانبك الساقى وقانم التتاجر وجانم الدوادار وجانبك الساقى وجكم الْمَجْنُون وجكم خَال السُّلْطَان وجرباش رَأس نوبَة الجمدارية. وَفِي خَامِس عشره: أُعِيد مُرَاد بك قَاصد الْأَمِير حَمْزَة بن قرايلك صَاحب ماردين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 371 وآمد وَالْقَاضِي شمس الدّين القطماوى موقع الدست بحلب. وجهز صحبتهما مبارك شاه البريدى وعَلى يَده جَوَاب كتاب الْأَمِير حمزه بشكره وَالثنَاء عَلَيْهِ وتشريف لَهُ بنيابة السلطنة وَفرس بقماش ذهب وهدية مَا بَين ثِيَاب سكندرى وَغَيره وَسلَاح ونسخة يَمِين ليحلف بهَا على طَاعَة السُّلْطَان ومناصحته. وَأجِيب الْأُمَرَاء المجردون أَيْضا عَن كتبهمْ وَأَن يسارعوا بالحضور. وَفِي يَوْم السبت تَاسِع عشره: خلع على أزبك خجا المؤيدى رَأس نوبَة وَعين لتقليد الْأَمِير الجكمى نَائِب الشَّام وإستقراره على عَادَته. وخلع على قانصوه الخاصكى وَعين لتقليد الْأَمِير تغرى برمش نَائِب حلب وإستقراره على عَادَته. وَعين لتقليد الْأَمِير جلبان نَائِب طرابلس الْأَمِير أينال الخاصكى وَعين دولات باى الخاصكى لتقليد الْأَمِير قانياى الحمزاوى نَائِب حماة ولتقليد على بن طغرق بن دلغادر التركمانى نَائِب حمص. وَعين يشبك الخاصكى لتقليد الْأَمِير أيناْل الأجرود نَائِب صفد. وخلع عَلَيْهِم. هَذَا والنواب الْمَذْكُورين فِي التجريدة. وَكتب إِلَيْهِم جَمِيعًا بِسُرْعَة قدومهم. وَفِيه حل بالقاضى زين الدّين عبد الباسط حَالَة غير مرضية من بعض المماليك فِي وَقت الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة بَعْدَمَا نزل بِهِ من المماليك فِي هَذِه الْأَيَّام أَنْوَاع من المكاره مَا بَين تهديد وإساءة إحتاج من أجل ذَلِك إِلَى بذل الْأَمْوَال لَهُم ليكفوا من شرهم عَنهُ. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ عشرينه: قدم المماليك المجردون فِي السّنة الْمَاضِيَة إِلَى مَكَّة وَقد مَاتَ أَمِيرهمْ بهَا. وَكثر شرهم بِمَكَّة وإفسادهم وإستخفافهم بِحرْمَة الْكَعْبَة. وَفِي ثَانِي عشرينه: قدم الركب الأول من الْحجَّاج وَقدم الْمحمل فِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشرينه بِبَقِيَّة الْحجَّاج بَعْدَمَا نزل بالحاج بلَاء عَظِيم وَهُوَ أَن ركب الغزاويين وَمن إنضم إِلَيْهِم من أهل الرملة وَمن أهل الْقُدس وبلاد السَّاحِل وَأهل يَنْبع لما نزلُوا فِي عودهم من مَكَّة بوادى عنتر قريب من أزلم خرج عَلَيْهِم من عرب بلَى نَحْو أَرْبَعِينَ فَارِسًا وَمِائَة وَعشْرين رَاجِلا يطْلبُونَ مِنْهُم مَالا فَأَما الينابعة فَإِنَّهُم جبوا لَهُم مبلغا من الذَّهَب دفعوه إِلَيْهِم فكفوا عَنْهُم وتركوهم فَلَحقُوا الركب وَأما الغزاويون فإستعد مقدمهم وَرمى الْعَرَب بالنشاب وَقتل مِنْهُم ثَلَاثَة فحملوا عَلَيْهِ حَملَة مُنكرَة أَخَذُوهُ فِيهَا ومالوا على الركب يقتلُون وَيَأْسِرُونَ وينهبون فَمَا عفوا وَلَا كفوا فَيَقُول المكثر إِنَّهُم أخذُوا ثَلَاثَة آلَاف جمل بأحمالها وَعَلَيْهَا من المَال مَا بَين ذهب وَفِضة وبضائع وأزودة الْحَاج مَا لَا يقدر قدره كَثْرَة. وخلص من تفلت من الركب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 372 وهم عُرَاة حُفَاة يُرِيدُونَ اللحاق بالمحمل فَمَاتَ مِنْهُم عدَّة وَلحق بالمحمل عدَّة وَتَأَخر بالبرية مِنْهُم عدَّة. قدم مِنْهُم إِلَى الْقَاهِرَة من تَأَخَّرت منيته فِيمَا بعد من الْبر وَالْبَحْر بِأَسْوَأ حَال وفقد النَّاس من الرِّجَال وَالنِّسَاء وَالصبيان وَالْبَنَات عددا كَبِيرا فَكَانَت هَذِه الْحَادِثَة من شنائع مَا أدركناه. وَلم يمتعض لَهَا أحد لإهمال أهل الدولة الْأُمُور وإعراضهم عَن عمل الْمصَالح. وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه. ولى يَوْم السبت خَامِس عشرينه: خلع على الطواشى شاهين الساقي وإستقر فِي مشيخة الخدام بِالْمَسْجِدِ النَّبَوِيّ عوضا عَن ولى الدّين مُحَمَّد بن قَاسم الْمحلى مضحك السُّلْطَان. وفى يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشرنيه: قدم مماليك نواب الشَّام وعَلى أَيْديهم المطالعات تَتَضَمَّن أَنهم ملكوا مَدِينَة أرزكنان على مَا تقدم ذكره وَمن الْعجب أَن مَدِينَة أقشهر وقلاعها ومدينة أرزنكان أخذت للسُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف برسباى وَبَاعه وَهُوَ ميت وسطوته ومهابته فِي قُلُوب أهل تِلْكَ الْبِلَاد مَعَ بعْدهَا عَنهُ وأوامره نَافِذَة فِي تِلْكَ الرعايا وَلَو علمُوا أَنه قد مَاتَ لما أمكن الْعَسْكَر السُّلْطَانِيَّة فعل شىء من ذَلِك وَلَكِن الله يفعل مَا يُرِيد وَإِذا أَرَادَ الله بِقوم سوءا فَلَا مرد لَهُ. وَفِي هَذَا الشَّهْر: بعد رحيل العساكر السُّلْطَانِيَّة عَن أرزنكان سَار الْأَمِير حَمْزَة ابْن قرايلك من ماردين لأخذ أرزنكان. وَقد تنكر على أَخِيه يَعْقُوب من أجل أَنه سَالم العساكر السُّلْطَانِيَّة حَتَّى دخلُوا الْمَدِينَة فَخرج إِلَيْهِ جهان كير إِبْنِ أَخِيه وَأقَام الجزء: 7 ¦ الصفحة: 373 جَعْفَر إِبْنِ أَخِيه يَعْقُوب بِمَدِينَة أرزنكان فعندما التقى الْجَمْعَانِ خامر أَكثر من مَعَ حَمْزَة وصاروا إِلَى جهان كرّ فإنهزم بعد وقْعَة كَانَت بَينهمَا وَقد جرح. شهر صفر أَوله الْخَمِيس: فِيهِ تجمع عدَّة من الممالك على القَاضِي زين الدّين عبد الباسط عِنْد نُزُوله من القلعة. وهموا بِهِ فولى يُرِيد القلعة وهم فِي طلبه حَتَّى إمتَنع مِنْهُم بِدُخُولِهِ القلعة وَقد حماه جمَاعَة فَأَقَامَ يَوْمه وَبَات بهَا وَهُوَ يطْلب الإعفاء من نظر الْجَيْش والأستادارية. فَلَمَّا أصبح يَوْم الْجُمُعَة طلع الْأَمِير الْكَبِير نظام الْملك جقمق وَجَمِيع أهل الدولة وَخرج السُّلْطَان إِلَى الحوش فإستدعى بِالْقَاضِي عبد الباسط. وَجَرت بَينه وَبَين الْأَمِير الْكَبِير مخاطبات فِي إستمراره على محادته وَهُوَ يطْلب الإعفاء من الْمُبَاشرَة إِلَى أَن خلع عَلَيْهِ وعَلى مَمْلُوكه الْأَمِير جَانِبك أستادار. وَنزلا من القلعة على فرسين أخرجَا لَهما من الاصطبل بقماش ذهب وَقد ركب مَعَه إِلَى دَاره عُظَمَاء الدولة. وَفِي يَوْم الْأَحَد رابعه: وَردت مطالعة الْأَمِير أينال الجمكى نَائِب الشَّام بقدومه حلب هُوَ والعساكر الْمُجَرَّدَة فِي الْعشْرين من الْمحرم إِلَّا الْأَمِير تغرى برمش نَائِب حلب فَإِنَّهُ لما بلغه وَفَاة السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف عزم أَن يكبس الْأُمَرَاء المصريين فَبَلغهُمْ ذَلِك فإستعدوا لَهُ حَتَّى دخلُوا حلب فَبَلغهُمْ أَنه كتب إِلَى نَائِب الْغَيْبَة أَلا يُمكنهُم من الْمَدِينَة هَذَا وَقد جمع عَلَيْهِ عدَّة من طوائف التركمان وَأَن الْأَمِير أينال نَائِب الشَّام أَخذ فِي تخذيلهم عَنهُ وَأرْسل إِلَيْهِ يعتبه على إنفراده عَنْهُم فَاعْتَذر بتخوفه من الْأُمَرَاء المصريين. وَفِي يَوْم السبت عاشره: رسم أَن يقْتَصر فِي حُضُور الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة على أَرْبَعَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 374 أَيَّام فِي الْأُسْبُوع وَأَن تكون الْخدمَة بِالْقصرِ فَقَط. ويتوفر حُضُور أهل الدولة إِلَى القلعة فِي يَوْم الْأَحَد وَيَوْم الْأَرْبَعَاء وَيَوْم الْجُمُعَة وهى الْأَيَّام الَّتِي عمل فِيهَا الْخدمَة بالحوش. ثمَّ إنتقض ذَلِك بعد قَلِيل. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشره: قدم مَمْلُوك الْأَمِير تغرى برمش نَائِب حلب بكتابه يتَضَمَّن رحيل الْأُمَرَاء ونائب الشَّام جَمِيعًا عَن حلب إِلَى جِهَة دمشق فِي سادس عشْرين الْمحرم وَأَنه قدم بعدهمْ إِلَى حلب فِي ثامن عشرينه. وَفِي ثَانِي عشره: تجمع المماليك الأشرفية بالقلعة يُرِيدُونَ قتل خشداشيهم الْأَمِير أينال الدوادار ففر مِنْهُم بحماية بَعضهم لَهُ وَنزل إِلَى دَاره فوقفوا خَارج الْقصر وسألوا الْأَمِير الْكَبِير جقمق أَن يكون هُوَ المستبد بالحكم وَأَن تكف يَد أينال وَغَيره عَن الحكم وَالتَّصَرُّف فَوَعَدَهُمْ ذَلِك فإنفضوا ووقف من الْغَد يَوْم الثُّلَاثَاء جمَاعَة مِنْهُم تَحت القلعة بِغَيْر سلَاح فَكَانَت بَينهم وَبَين جمَاعَة الْأَمِير أينال وقْعَة بالدبابيس. ثمَّ عَادوا بكرَة يَوْم الْأَرْبَعَاء إِلَى مواقفهم تَحت القلعة وَقد صَار الْعَسْكَر قسمَيْنِ: إِحْدَاهمَا مَعَ الْأَمِير الْكَبِير نظام الْملك جقمق وَيُقَال لَهُم القرانصة وهم الْأُمَرَاء والمماليك الظَّاهِرِيَّة برقوق والناصرية فرج بن برقوق والمؤيدية والنوروزية والجكمية وَمَعَهُمْ طَائِفَة من الأشرفية قد فارقوا إِخْوَتهم وصاروا مَعَ هَؤُلَاءِ. وكل من الْأَمِير الْكَبِير وَمِمَّنْ مَعَه يظْهر أَنه فِي طَاعَة السُّلْطَان وَإِنَّمَا يُرِيد أَن تنزل طَائِفَة من الأشرفية سموهم إِلَى عِنْد الْأَمِير الْكَبِير جقمق فَإِنَّهُم هم الَّذين يثيرون الْفِتْنَة. وَالْقسم الآخر المماليك الأشرفية وهم بالقلعة مَعَ السُّلْطَان وَعِنْدهم الْخَلِيفَة وبأيديهم فِي القلعة خَزَائِن الْأَمْوَال وحواصل السِّلَاح الْكثير إِلَّا أَنهم أغمار جهال لم يجربوا الْأُمُور وَلَا أدربتهم الْأَيَّام فَلَا ينقاد صَغِيرهمْ لكبيرهم. والقرانصة وَإِن كَانُوا أقل مَالا ورحالاً إِلَّا أَنهم أقعد من الأشرفية بأعمال الْحَرْب وَأعرف بتصاريف الْأُمُور وَقد إجتمعوا على الْأَمِير الْكَبِير جقمق وإنقادوا لَهُ وَأَجْمعُوا على الْحَرْب مَعَه. فَلَمَّا أَصْبحُوا يَوْم الْخَمِيس لم يصعد الْأَمِير الْكَبِير جقمق إِلَى القلعة وتحول من دَاره المطلة على بركَة الْفِيل وَنزل فِي بَيت قوصون تجاه بَاب السلسلة وَجمع عَلَيْهِ من وَافقه من القرانصة وَمن الزعر وأوغاد الْعَامَّة. وَقد وعدهم بِالنَّفَقَةِ فيهم. فإستعد الأشرفية فِي القلعة وَبَاتُوا على ذَلِك. وظلوا نَهَار الْجُمُعَة سادس عشره على تعبئتهم إِلَى بعد صَلَاة الْعَصْر. ثمَّ زحف أَتبَاع الْأَمِير جقمق على القلعة وَقد لبسوا أسلحتهم وهم فِيمَا يظْهر دون أهل القلعة فِي العَدد والعِدد فَرَمَاهُمْ الأشرفية بالنشاب حَتَّى أبعدوهم فمالوا نَحْو بَاب القرافة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 375 وهدموا جانبًا من سور الميدان وعبروه. فَنزل طَائِفَة من الأشرفية وقاتلوهم حَتَّى أخرجوهم مِنْهُ. فحال بَينهم اللَّيْل وَبَاتُوا على حذر وَقد طرق الأشرفية الزردخاناه بالقلعة وَأخذُوا من السِّلَاح شَيْئا كثيرَا ونصبوا مكاحل النفط على سور القلعة وغدوا على حربهم يَوْم السبت فَهَلَك ببنهم من الْعَامَّة بالنشاب والأسهم الخطائية جمَاعَة. هَذَا والقضاة وَغَيرهم تردد بَينهم فِي إخماد الْفِتْنَة بإرسال أَرْبَعَة نفر إِلَى الْأَمِير الْكَبِير مِنْهُم جكم خَال السُّلْطَان إِلَى أَن أذعنوا لذَلِك بعد إمتناع كثير فَنزل حكم وَمَعَهُ الثَّلَاثَة المطلوبون بعد عصر يَوْم السبت ظنا من الأشرفية أَنه لَا يُصِيب جكم وَأَصْحَابه سوء سوى أَنهم يمْنَعُونَ من سُكْنى القلعة فَقَط. فَمَا هُوَ إِلَّا أَن عبروا إِلَى الْأَمِير جقمق أحيط بهم وسجنوا ثمَّ رَحل بهم وبمن مَعَه من بَيت قوصون عَائِدًا إِلَى دَار سكنه على بركَة الْفِيل فَكَانَ هَذَا أول وَهن وَقع فِي الأشرفية. وَأَصْبحُوا يَوْم الْأَحَد ثامن عشره: وَالرسل تَتَرَدَّد من الْأَمِير جقمق إِلَى الأشرفية بالقلعة فِي طلب جمَاعَة أُخْرَى حَتَّى نزل إِلَيْهِ مِنْهُم الْأَمِير على بيه الخازندار والأمير يخشباى أَمِير أخور وهما من عُظَمَاء الأشرفية وأعيانهم. فللحال طلب الْأَمِير جقمق الْأَمِير خشقدم مقدم المماليك وألزمه بإنزال جَمِيع الأشرفية من الطباق بالقلعة فاستسلموا بأجمعهم ونزلوا طبقَة أبعد طبقهَ وَقد حضر الْقُضَاة وَأهل الدولة فَحَلَفُوا للأمير الْكَبِير جقمق وَحكم قاضى الْقُضَاة سعد الدّين سعد الديرى الْحَنَفِيّ بسفك دم من خَالف مِنْهُم هَذَا الْيَمين. وَزعم أَن فِي مذْهبه نقلا بذلك. فَكَانَ هَذَا الحكم أَيْضا مِمَّا لم نعهد مثله. ثمَّ أَمر جَمِيع المماليك الأشرفية بإخلاء طباقهم من القلعة إِلَّا المماليك الْكِتَابِيَّة فَقَط فَمَا مِنْهُم إِلَّا من بَادر وحول مَا كَانَ لَهُ بطقته من القلعة من أثاث وَغَيره حَتَّى خلت مِنْهُم فَكَانَ هَذَا من أعجب مَا سمعنَا بِهِ فِي الخذلان فَإِن عَددهمْ يبلغ ألف وَخَمْسمِائة وَعِنْدهم خَزَائِن الْأَمْوَال الجمة الْعدَد وحواصل الأسلحة الْعَظِيمَة الْقدر فِي الْكَثْرَة وَالْقيمَة وهم بالقلعة دَار الْملك وسرير السلطنة وَمَعَهُمْ السُّلْطَان وَلَهُم من الأمتاع وَالْأَمْوَال وَالنعَم مَا لَا يقدر قدره إِلَّا أَنهم أغمار جهال متفرقون فِي إجتماعهم 7 - (تحَسْبَهُمْ جمَيْعًا وَقلُوبُهمَشتى ذلِكَ بِأنهُمْ قومُ لَا يَعْقلون) . وَمن حِينَئِذٍ تبين إدبار أَمر الأشرفية وَزَوَال عزهم وإقبال جد الْأَمِير جقمق وتجديد سعادته. وَسبب هَذِه الكائنة أَن جكم خَال السُّلْطَان إتفق هُوَ وعدة من الأشرفية على أَن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 376 يقبضوا على الْأَمِير جقمق وَمن مَعَه من الْأُمَرَاء وعَلى أَخدْ عبد الباسط وناظر الْخَاص فَلم يوافقهم الْأَمِير أينال ومنعهم من ذَلِك مرَارًا. فَلَمَّا علم جكم بمخالفة أينال لَهُ أَخذ يدبر مَعَ أَصْحَابه فِي قتل أينال فعندما أَرَادوا الْإِيقَاع بِهِ أعلمهُ بعض أَصْحَابه بذلك ففر مِنْهُم وَقد حماه مِنْهُم بَعضهم كَمَا تقدم ذكره وإلتجأ إِلَى الْأَمِير جقمق وقص عَلَيْهِ الْخَبَر. ومازال يُوضحهُ للأمير حَتَّى تبين لَهُ صِحَة مقَالَته فأختص بِهِ وبإين من حِينَئِذٍ أينال الأشرفية وَصَارَ فِي جملَة الْأَمِير جقمق هُوَ وجماعته فَكَانَ هَذَا أول زَوَال دولة الْعَزِيز وَصَارَ أينال يبكى فِي خلواته وَيَقُول: مَا كَانَ جَزَاء الْملك الْأَشْرَف منى أَنه إشترانى ورباني وَعَلمنِي الْقُرْآن وخولني فِي نعمه أَن أخرب بَيته بيَدي وَلَقَد بَلغنِي من جِهَة صَحِيحَة أَن الْأَشْرَف برسباى نظر إِلَى أينال هَذَا فِي مرض مَوته ثمَّ قَالَ لمن حَضَره عِنْده وأينال قَائِم على قَدَمَيْهِ هَذَا مخرب بَيْتِي. وَقد قيل قديمَاً: إتق شَرّ من أَحْسَنت وَفِي يَوْم الْأَحَد هَذَا: قدم الْأَمِير تغرى بردى المؤذى وَمن مَعَه من التجريدة إِلَى البجرة بَعْدَمَا عاثوا وأفسدوا كَمَا هِيَ عَادَتهم. وَفِيه قدم الْخَبَر بِأَن الْعَسْكَر الْمُجَرّد قدم إِلَى دمشق فِي خامسه. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء عشرينه: أفرج عَن جكم خَال السُّلْطَان وَمن سجن مَعَه وخلع عَلَيْهِ بشفاعة السُّلْطَان فيهم. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشرينه: صعد الْأَمِير الْكَبِير جقمق وَسَائِر الْأُمَرَاء والمباشرون إِلَى الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة. وَمنع المماليك الأشرفية من العبور إِلَى الْقصر فِي وَقت الْخدمَة وَذَلِكَ أَن الْأَمِير الْكَبِير لما ظهر عَلَيْهِم وأنزلهم من الطاق الَّتِي بالقلعة كَانَ مِمَّا حلفهم عَلَيْهِ أَلا يدْخل إِلَى الْقصر فِي الْخدمَة مِنْهُم أحد إِلَّا من لَهُ نوبَة فِي يَوْم نوبتة لَا غير. وَفِيه خلع على الْأَمِير الْكَبِير جقمق تشريف جليل وَنزل من الْقصر بعد إنقضاء الْخدمَة إِلَى الحراقة بِبَاب السلسلة وسكنها على أَنه على أُمُور الدولة وتدبير المملكة وَتخرج الإقطاعات على مَا يُرِيد ويختار ويولى ويعزل وَمعنى هَذَا أَن السُّلْطَان لَا يبْقى لَهُ أَمر وَلَا نهى ويقتصر من السلطنة على مُجَرّد الإسم فَقَط. فشق ذَلِك على الأشرفية وَركب عدَّة مِنْهُم ووقفوا تَحت القلعة بالرميلة وَأَكْثرُوا من الْكَلَام فِي الْإِنْكَار لما كَانَ من سُكْنى الْأَمِير الْكَبِير بِبَاب السلسلة. ثمَّ إنفضوا فَأخذ الْأَمِير الْكَبِير يحصن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 377 الإصطبل ويستعد بِالسِّلَاحِ والرحال وَنزل الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة بالقلعة. فَمَال النَّاس بأجعهم من الْأُمَرَاء والقضاة والمباشرين إِلَى جِهَته وترددوا إِلَى مَجْلِسه وتلاشى أَمر السُّلْطَان وَأخذ فِي الإنحلال. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع عشرينه وسادس عشرى مسرى: كَانَ وَفَاء النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا وَفتح فِيهِ الخليج على الْعَادة وَقد نزل لذَلِك الْأَمِير أسنبغا الطيارى الْحَاجِب. وَكَانَ النَّاس لما أَبْطَأَ عَلَيْهِم الْوَفَاء أخذُوا فِي شِرَاء الغلال فإرتفع سعرها قَلِيلا. شهر ربيع الأول أَوله السبت: فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء خامسه: قدم الْأُمَرَاء المجردون مَا عدا الْأَمِير سودون خجا فَصَعدَ مِنْهُم سِتَّة أُمَرَاء إِلَى الحراقة بِبَاب السلسلة وَتَأَخر مِنْهُم الْأَمِير يشبك حَاجِب الْحجاب فَإِنَّهُ قدم لَيْلًا فِي محفة وَنزل دَاره وَهُوَ موعوك الْبدن. وَكَانَ قد كتب إِلَيْهِم الْأَمِير الْكَبِير نظام الْملك جقمق. مِمَّا قَصده الأشرفية من الْقَبْض على الْأُمَرَاء وحذرهم مِنْهُم فَدَخَلُوا مستعدين بأطلابهم وَلم تجر بذلك عَادَة وَكَانَ الْأَمِير نظام الْملك قد ألزم السُّلْطَان أَن يقْعد لِلْأُمَرَاءِ القادمين فِي شباك الْقصر المطل على الإصطبل فَلم يجد بدا من جُلُوسه لِأَنَّهُ سلب جَمِيع تعلقات السلطة حَتَّى لم يبْق لَهُ سوى مُجَرّد الِاسْم وَبَطل عمل الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة بِالْقصرِ وَصَارَت عِنْد الْأَمِير نظام الْملك. فَلَمَّا قدم الْأُمَرَاء من التجويدة بأطلابهم وطبولهم تدق حَرْبِيّا صعدوا من بَاب السلسلة حَتَّى نزلُوا عَن خيولهم على درج الحراقة وأطلابهم واقفة. فَقَامَ الْأَمِير نظام الْملك يسْعَى مهرولاً إِلَيْهِم وَهُوَ فِي جمع كَبِير جدا من الْأُمَرَاء والمماليك حَتَّى سلم عَلَيْهِم وهم وقُوف على أَرجُلهم وَسَار بهم يُرِيد الإصطبل السلطاني. وَقد جلس السُّلْطَان فِي شباك الْقصر فوقفوا على بعد من مَوْضِعه وأومأوا برءوسهم كَأَنَّهُمْ يقبلُونَ الأَرْض فَفِي الْحَال أحضرت التشاريف فألبسوها وأمأوا ثَانِيًا برؤوسهم عوضا عَن تَقْبِيل الأَرْض. وقدمت إِلَيْهِم الْخُيُول الَّتِي أخرجت من الإصطبل بالقماش الذَّهَب فأومأوا برؤوسهم مرّة ثَالِثَة وولوا رَاجِعين بِلَا زِيَادَة على ذَلِك. وَقد رَجَعَ مَعَهم الْأَمِير نظام الْملك حَتَّى صعدوا مَعَه إِلَى الحراقة فَسَلمُوا عَلَيْهِ خدمَة لَهُ ثمَّ ركبُوا الْخُيُول السُّلْطَانِيَّة بتشاريفهم ومضوا نَحْو دُورهمْ. فإزداد الْأَمِير نظام الْملك بِهَذَا المحفل عزا إِلَى عزه وَكَثُرت مهابته وتضاعفت فِي الْقُلُوب مكانته وحرمته. وتلاشى أَمر السُّلْطَان وَظهر إنحلال أمره. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 378 وَفِي يَوْم الْخَمِيس سادسه: إجتمع الْأُمَرَاء والمباشرون وأرباب الْوَظَائِف بالحراقة فِي خدمَة الْأَمِير الْكَبِير نظام الْملك. وَقد تعين من الْجَمَاعَة الْأَمِير قرقماس أَمِير سلَاح بجرأته وإقتحامه على الرياسة بالتهور. وشارك الْأَمِير نظام الْملك فِي مَجْلِسه وَجلسَ من عداهُ على مَرَاتِبهمْ يَمِينا وَشمَالًا. وَنزل الطّلب بمجىء جمَاعَة من الأشرفية فأحضروا سَرِيعا فَأَشَارَ قرقماس إِلَى جمَاعَة قد أعدهم أَن إقبضوا على هَؤُلَاءِ فَقبض على الْأَمِير جانم أَمِير أخور أحد من قدم أمس من التجريدة وعَلى الْأَمِير الطواشى خشقدم مقدم المماليك وعَلى الطواشى فَيْرُوز الزينى نَائِب الْمُقدم وعَلى الْأَمِير على بيه شاد الشرابخاناه وعَلى الْأَمِير جكم الخازندار خَال السُّلْطَان وعَلى أَخِيه أَبى يزِيد وعَلى الْأَمِير يخْشَى بك أَمِير أخور وعَلى الْأَمِير دمرداش والى الْقَاهِرَة وعَلى تانى بك الجقمقى نَائِب القلعة وعَلى جرباش أَمِير عشرَة وعَلى خش كلدى رَأس نوبَة وعَلى أزبك البواب وبيبرس الساقي وَتمّ الساقي ويشبك الْفَقِيه وبيرم خجا أَمِير مشوى وجانبك قلقسيرز وأرغون شاه الساقي وتنبك الفيسى وأوثقوهم جَمِيعهم بالحديد وَأمر الْأَمِير تمرباى الدوادار أَن يتَوَجَّه لنيابة الْإسْكَنْدَريَّة فَلم يجد بدا من الْمُوَافقَة فَخلع عَلَيْهِ عوضا عَن الْأَمِير زين الدّين عبد الرَّحْمَن إِبْنِ القَاضِي علم الدّين دَاوُد بن الكويز. وَطلب بعض أَتْبَاعه وَهُوَ قراجا الْعُمْرَى الخاصكى الناصري وخلع عَلَيْهِ بِولَايَة الْقَاهِرَة عوضا عَن دمرداش. وَندب من الْأُمَرَاء الْأَمِير تنبك السيفى أحد أُمَرَاء الألوف وَمَعَهُ الْأَمِير أقطوه من العشرات فِي عدَّة من المماليك فَصَعِدُوا إِلَى القلعة لحفظها فَكَانَ يَوْمًا مهولاً أظهر فِيهِ الْأَمِير قرقماس من الخفة والتسرع إِلَى الشَّرّ وَكَثْرَة الحماقة والرعونة مَا أبان بِهِ كمائن مَا كَانَ فِي نَفسه من محبَّة الْوُثُوب وَفِي يَوْم الْجُمُعَة سابعه: توجه الْأَمِير تمرباى سائراً إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة. وَفِي يَوْم السبت ثامنه: أخرج بِمن ذكرنَا من الممسوكين فِي الْحَدِيد إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَقد إجتمع لرؤيتهم من النَّاس عَالم كَبِير فَمن باك رَحْمَة لَهُم وَمن شامت بهم وَمن مُعْتَبر بتقلب الدَّهْر وتصاريف الْأُمُور وَمن ساه لاه. وَفِيه أنْفق على الْأُمَرَاء القادمين من التجريدة مَال كَبِير. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 379 وَفِي يَوْم الْأَحَد تاسعه: أحضر الطواشى عبد اللَّطِيف العثماني وَهُوَ مِمَّن كَانَ مسخوطًا عَلَيْهِ فِي الْأَيَّام الأشرفية برسباى وَأمر أَن يصعد بِهِ إِلَى بَين يَدي السُّلْطَان ليخلع عَلَيْهِ ويستقر مقدم المماليك عوضا عَن خشقدم فَخلع عَلَيْهِ. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ عاشره: ركب السُّلْطَان من الحوش بالقلعة وَركب مَعَه القَاضِي زين الدّين عَظِيم الدولة عبد الباسط نَاظر الجيمق وَنزلا إِلَى الميدان وَجَمِيع المباشرين والأمير أينال الدوادار مشَاة وراءهما فَركب الْأَمِير نظام الْملك جقمق وَفِي خدمته الْأُمَرَاء من الحراقة بِبَاب السلسلة خلا الْأَمِير قرقماس أَمِير سلَاح والأمير أركماس الدوادار ودخلوا إِلَى السُّلْطَان بالميدان فعندما رَآهُمْ القَاضِي عبد الباسط ترجل عَن فرسه إِلَى الأَرْض وَنزل الْأُمَرَاء أَيْضا عَن خيولهم. وَقد وقف السُّلْطَان على فرسه فقبلوا الأَرْض ووقفوا فَتقدم الْأَمِير نظام الْملك فَقبل رجل السُّلْطَان فِي الركاب وحادثه. ثمَّ خلع بَين يَدي السُّلْطَان على الْأَمِير يشبك حَاجِب الْحجاب فَإِنَّهُ كَانَ يَوْم قدوم الْأُمَرَاء ملازمًا الْفراش فِي دَاره لوعك بِهِ. وإنصرف الْجَمِيع عائدين فِي خدمَة الْأَمِير نظام الْملك. وَكَانَ سَبَب تَأَخّر الْأَمِير قرقماس عَن هَذِه الْخدمَة أَنه بلغه مَا غير خاطره. وَذَلِكَ أَنه كَانَ فِي نَفسه أَن يتسلطن فَلَمَّا فهم هَذَا عَنهُ تقرب إِلَيْهِ عدَّة من الَّذين يوهمون جهلة النَّاس أَنهم أَوْلِيَاء الله وَلَهُم إطلاع على علم الْغَيْب وصاروا يعدوه بِأَنَّهُ لابد لَهُ من السلطة وَتُخْبِرهُ جمَاعَة أُخْرَى بمنامات تدل لَهُ على ذَلِك وَيَزْعُم لَهُ آخَرُونَ بِأَنَّهُم إطلعوا على ذَلِك من علم الرمل وَمن علم النُّجُوم فتقرر ذَلِك فِي ذهنه وَلم يقدر على إِظْهَار ذَلِك حَتَّى بلغه وَهُوَ مُسَافر فِي التجريدة موت الْأَشْرَف برسباى فَرَأى أَن دولته قد طلعت فَأخذ يترفع على من مَعَه من الْأُمَرَاء ترفعًا زَائِدا. هَذَا مَعَ مَا يعرفونه من تكبره وإفراط جبروته وَشدَّة بطشه فَزَادَهُم ذَلِك نفورًا مِنْهُ وداروه حَتَّى قدمُوا ظَاهر الْقَاهِرَة وَهُوَ وهم على تخوف من الأشرفية لما بَلغهُمْ عَنْهُم من أَنهم على عزم الْإِيقَاع بهم. فأذْ قرقماس يُطلق القَوْل ويبدى شَيْئا مِمَّا فِي نَفسه وَفعل مَا لم يسْبقهُ أَمِير لفعله من قلَّة الْأَدَب فِي دُخُوله مطلبًا وَعدم مثوله بَين يَدي السُّلْطَان بالقلعة. بل وقف فِي الإصطبل على بعد كَمَا تقدم كل ذَلِك لرعونته وفرط رقاعته ثمَّ كَانَ من فحشه وجرأته فِي الْقَبْض على الْأُمَرَاء مَا كَانَ وَأخذ مَعَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 380 ذَلِك يجلس فِي دَاره ويأتيه من المماليك مَا شَاءَ الله حَتَّى تملأ دَاره بهم. وَالْأَخْبَار تنقل إِلَى الْأَمِير نظام الْملك وَيُقَال ذَلِك لقرقماس. فَتَأَخر عَن الرّكُوب فِي هَذَا الْيَوْم. فَلَمَّا خرج الْأَمِير نظام الْملك من بَين يَدي السُّلْطَان أرسل الْأَمِير تمراز رَأس نوبَة النوب والأمير قراجا وَالْقَاضِي زين الدّين عبد الباسط إِلَى الْأَمِير قرقماس فأبدى لَهُم مَا عِنْده من تغير خاطره لما نقل عَنهُ فمازالوا بِهِ حَتَّى ركب مَعَهم وطلع للأمير نظام الْملك بالحراقة فدخلا فِي جمَاعَة من ثقاتهما خلْوَة وتعاتبًا وتحالفًا ثمَّ خرجا فأركبه الْأَمِير نظام الْملك فرسا بقماش ذهب. وَنزل إِلَى دَاره وَفِي خدمته الْأَمِير تمراز وقراجا. فأركب كل مِنْهُمَا من دَاره فرسا بقماش ذهب وَأخذ من حِينَئِذٍ يسْلك طَرِيقا تضَاد مَا كَانَ عَلَيْهِ من طلب الْأَمر لنَفسِهِ وألح على الْأَمِير نظام الْملك فِي جُلُوسه على تخت الْملك ليحقق قَول الْحَكِيم الْجَاهِل لَا يَقع إِلَّا طرفا. بَيْنَمَا قرقماس لزهوه وإعجابه بِنَفسِهِ يُرِيد أَن يتسلطن إِذْ خدعه من خدعه فمشت عَلَيْهِ خدعه حَتَّى أفرط بِهِ الإنخداع وَصَارَ يُرِيد أَن من خدعه يتسلطن وَيصير هُوَ من أَتْبَاعه تمضى فِيهِ أوامره بعد أَن كَانَا كحليف يتصاولان فيخشى قرنه صولته ليقضي الله أمرا كَانَ مَفْعُولا. وَفِي هَذَا الْيَوْم: كتب عَن السُّلْطَان وَعَن الْأَمِير نظام الْملك وَعَن الْأَمِير قرقماس بإستدعاء الْمقر الكمالى مُحَمَّد بن البارزى قَاضِي الْقُضَاة بِدِمَشْق ليستقر فِي كِتَابَة السِّرّ وجهز القاصد لإحضاره. وَفِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشره: عملت الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة بِالْقصرِ بَين يَدي السُّلْطَان وحضرها الْأَمِير نظام الْملك جقمق والأمير قرقماس وَعَامة الْأُمَرَاء والمباشرين وَكَانَت الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة قد تركت من مُدَّة وأطرح جَانب السُّلْطَان فَتنبه لَهُ ذَلِك فِي هَذَا الْيَوْم الْمُبَارك. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشره: صلى الْأَمِير قرقماس فِي الْمَقْصُورَة مَعَ السُّلْطَان صَلَاة الْجُمُعَة وَمضى وَلم يكلم وَاحِد مِنْهُمَا الآخر وَتَأَخر نظام الْملك عَن حُضُور الْجُمُعَة مَعَ السُّلْطَان. وَفِي يَوْم السبت سادس عشره: عملت الْخدمَة بِالْقصرِ على الْعَادة. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ: عملت الْخدمَة أَيْضا وَلم يحضرها الْأَمِير نظام الْملك. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 381 هَذَا والأمير قرقماس وَسَائِر الْأُمَرَاء وأرباب الْوَظَائِف تحضر عِنْد الْأَمِير نظام الْملك الْخدمَة بالحراقة وتأكل على سماطه إِلَى أَن خلع الْعَزِيز فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشره فَكَانَت مدَّته أَرْبَعَة وَتِسْعين يَوْمًا وَمن الإتفاق الْغَرِيب أَن عدَّة حُرُوف عَزِيز بالجمل أَرْبَعَة وَتِسْعين. السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر أَبُو سعيد جقمق العلائى الجركسى الظَّاهِرِيّ: هَذَا الْملك سبى صَغِيرا من بِلَاد الجركس وجلب إِلَى الْقَاهِرَة وربي فِي بَيت الْأَمِير أينال اليوسفي وإنتقل إِلَى الْملك الظَّاهِر برقوق من على ولد الْأَمِير أينال فتنقل فِي الخدم إِلَى أَن صَار بعد الْأَشْرَف برسباى نظام الْملك كَمَا تقدم ذكره. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشر ربيع الأول: هَذَا إستدعى الْخَلِيفَة والأمراء والقضاة وَجَمِيع أَرْبَاب الدولة إِلَى الحراقة بالاصطبل وَأثبت عدم أَهْلِيَّة الْملك الْعَزِيز يُوسُف لِأَنَّهُ لَا يحسن التَّصَرُّف فخلعه الْخَلِيفَة وفوض السلطة للأمير نظام الْملك جقمق فِي أخر السَّاعَة الثَّانِيَة وتلقب بِالْملكِ الظَّاهِر أَبى سعيد وأفيضت عَلَيْهِ الْخلْع الخليفتية وقلد بِالسَّيْفِ. وَركب من الحراقة والجميع مشَاة فِي خدمته وَقد دقَّتْ البشائر حَتَّى صعد إِلَى الْقصر. وَجلسَ على تخت الْملك فَقبل الْأُمَرَاء الأَرْض وإنصرفوا. ونودى فِي الْقَاهِرَة وظواهرها بِالدُّعَاءِ للْملك الظَّاهِر وَأَن النَّفَقَة مائَة دِينَار لكل مَمْلُوك. وسجن الْعَزِيز فِي بعض دور القلعة وَنزل عِنْده دادته سر النديم الحبشية وعدة من جواريه مَا بَين سرارى وخدم وطواشيه صندل الْهِنْدِيّ. ومكنت مرضعته من الترداد إِلَيْهِ وَالْمَبِيت عِنْده. وأجرى لَهُ من اللَّحْم والدجاج والأوز فِي كل يَوْم مَا يَلِيق بِهِ سوى عشرَة آلَاف دِرْهَم فِي كل شهر من وقف أَبِيه. ورسم على بَابه جمَاعَة من المماليك. ثمَّ بعد أَيَّام رفع الترسيم عَن بَابه. وَكَانَ الْقَائِم فِي هَذَا الْأَمر قرقماس فَإِنَّهُ لما قدم ترفع ترفعًا زَائِدا إعجابًا بِنَفسِهِ وتكبرًا على غَيره وَشرع يتَصَرَّف فِي أُمُور الدولة بعجلة. وَجلسَ للْحكم بَين النَّاس الجزء: 7 ¦ الصفحة: 382 فِي دَاره. وَقَامَ فِي الْقَبْض على أَعْيَان الأشرفية قيَاما تبين فِيهِ حمقه وطيشه. ثمَّ إنقطع فِي دَاره وَأظْهر أَنه بلغه عَن نظام الْملك أَنه يُرِيد مسكه إِلَى أَن خدعوه وَسَارُوا بِهِ إِلَى نظام الْملك فخادعه أَشد المخادعة حَتَّى انفعل لما عِنْده من الخفة والحدة وإستحال عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ من التعاظم وَالْكبر إِلَى التَّوَاضُع المفرط إِمَّا مكرًا أَو سرعَة إستحالة. وَأخذ يحث نظام الْملك على أَن يتسلطن وَهُوَ يَأْبَى عَلَيْهِ فِي عدَّة مرار إِلَى أَن حنق قرقماس وَقَامَ من مجْلِس نظام الْملك مغضبًا فتلافاه حَتَّى جلس وَهُوَ يلح فِي التَّأْكِيد عَلَيْهِ فِي السلطة إِلَى أَن أذعن فبادر قرقماس وَركب إِلَيْهِ سحر يَوْم الْأَرْبَعَاء وألزمه بِطَلَب الْخَلِيفَة وَالْقَضَاء والأمراء وَلم عِنْدهم علم من ذَلِك. فَلَمَّا إجتمعوا قَامَ قرقماس بأعباء هَذَا الْأَمر وَحده حَتَّى خلع الْعَزِيز وتسلطن نظام الْملك فَكَأَنَّمَا سعى فِي هَلَاك نَفسه. وَفِي هَذَا الْيَوْم:. قبض على الطواشى جرهر الزِّمَام اللالا وَهُوَ مَرِيض وسجن بالبرج من القلعة. وإستقر زِمَام الدَّار عوضه الطواشى فَيْرُوز الساقي وَكَانَ الْأَشْرَف قد سخط عَلَيْهِ وَأمره بِلُزُوم دَاره فَأَقَامَ يترقب الْمَوْت إِلَى أَن مَاتَ الْأَشْرَف فاستدعى الْآن وخلع عَلَيْهِ وَتَوَلَّى سجن الْعَزِيز وخلع أَيْضا على سودون الجكمى أخي الْأَمِير أينال نَائِب الشَّام ليتوجه بالبشارة إِلَى نواب الشَّام وخلع على دمرداش العلاى ليتوجه بِالْقَبْضِ على الْأَمِير خجا سودون المؤيدى أحد المجردين وَحمله وَفِي يَوْم الْخَمِيس عشرينه: خلع على الْأَمِير قرقماس وإستقر أَمِيرا كَبِيرا أتابك العساكر وأنعم عَلَيْهِ بإقطاع السُّلْطَان وَهُوَ نظام الْملك وَزيد عَلَيْهِ بإمرة طبلخاناه بِدِمَشْق. وخلع على الْأَمِير أقبغا التمرازى وإستقر أَمِير سلَاح عوضا عَن الأتابك قرقماس. وخلع على الْأَمِير تمراز وإستقر أَمِير أخور عوضا عَن الْأَمِير جانم. وخلع على الْأَمِير يشبك الْحَاجِب وإستقر أَمِير مجْلِس عوضا عَن أقبغا التمرازى. وخلع على الْأَمِير تغرى بردى المؤذى وإستقر حَاجِب الْحجاب عوضا عَن الْأَمِير يشبك وخلع على الْأَمِير أركماس وإستقر على عَادَته دوادارا وخلع على الْأَمِير تنبك نَائِب القلعة فوقانى وخلع على الْأَمِير قراجا أَيْضا فوقانى وخلع على الْأَمِير قراقجا الْحسنى وإستمْر رَأس نوبَة النوب عوضا عَن الْأَمِير تمراز أَمِير أخور. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 383 وَفِي يَوْم السبت ثَانِي عشرينه: خلع على الْأَمِير تنم المؤيدى الخازندار وإستقر فِي حسبَة الْقَاهِرَة عوضا عَن نور الدّين على السويفى الإِمَام. وخلع على الْأَمِير قانباى الجركسى رَأس نوبَة وإستقر شاد الشرابخاناه عوضا عَن على بيه. وخلع على قانبك الساقي وإستقر خازندارًا عوضا عَن جكم خَال الْعَزِيز. وَفِي هَذَا الْيَوْم: نُودي على النّيل بِزِيَادَة إِصْبَع وَاحِد لتتمة ثَمَانِيَة عشر ذِرَاعا وَعشْرين أصبعًا وَهُوَ سادس عشر توت فَأصْبح يَوْم الْأَحَد ثَالِث عشرينه وسابع عشر توت وَيُقَال لَهُ عِنْد أهل مصر عيد الصَّلِيب وَقد نقص مَاء النّيل وإستقر فِي النَّقْص فَلم يتم ري النواحي وشرق كثير من الْأَرَاضِي. وَكَانَ قد إتفق فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشره عِنْدَمَا تسلطن الْملك الظَّاهِر جقمق هبوب ريح شَدِيدَة عَاصِفَة حارة أثارت غباراً مَلأ آفَاق السَّمَاء حَتَّى كَادَت الشَّمْس تخفى عَن الْأَبْصَار أَو إختفت وتمادت هَذِه الرّيح يَوْم الْخَمِيس وسكنت يَوْم الْجُمُعَة وإشتد الْحر طول النَّهَار وَأَقْبل اللَّيْل وَقد طبق السَّحَاب الْآفَاق وأمطرت يَسِيرا غير مرّة حَتَّى أصبح يَوْم السبت. فتطير النَّاس من ذَلِك وَزعم من عِنْده أثارة من علم أَن هبوب هَذِه الرِّيَاح يُؤذن بحدوث فتن وَأَن الْمَطَر فِي هَذَا الْوَقْت يخَاف مِنْهُ نقص النّيل فَكَانَ كَذَلِك وَنقص النّيل فِي يَوْمه وَيخَاف عَاقِبَة هَذَا النَّقْص. إِلَّا أَن يَشَاء الله. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ رَابِع عشرينه: إبتدئ بِالنَّفَقَةِ السُّلْطَانِيَّة لكل وَاحِد من المماليك مائهْ دِينَار وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس عشرينه: قدم الْأَمِير جرباش قاشق من دمياط وَقد أفرج السُّلْطَان عَنهُ وأنعم عَلَيْهِ بإمرة مائَة تقدمة ألف بَعْدَمَا أَقَامَ عدَّة سِنِين مسجونًا. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشرينه: عمل السُّلْطَان المولد النَّبَوِيّ بالقلعة على عَادَة من تقدمه من الْمُلُوك الجركسية فَكَانَ وقتا حسنا وأعطة جليلة بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْوَقْت. وانفض الْجمع بعد صَلَاة وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشرينه: كسف من الشَّمْس قريب من ثُلثي جرمها بعد نصف النَّهَار فاصفرت الأَرْض وَمَا عَلَيْهَا حَتَّى انجلت وَلم تَجْتَمِع النَّاس وَلَا صلوا صَلَاة الْكُسُوف. وَزعم أهل علم الْحدثَان أَن ذَلِك يدل على خُرُوج أهل الشَّام وَأهل صَعِيد مصر عَن طَاعَة السُّلْطَان. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 384 وَفِي يَوْم السبت تَاسِع عشرينه: تجمع تَحت القلعة نَحْو الآلف فَارس من مماليك الْأُمَرَاء يُرِيدُونَ إثارة الْفِتْنَة من أجل أَنه أنقق فِي المماليك السُّلْطَانِيَّة وَلم ينْفق فيهم وَلم تجر الْعَادة بِالنَّفَقَةِ فِي مماليك الْأُمَرَاء فأنفق فيهم لكل نفر شهر ربيع الآخر أَوله الْأَحَد. فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثالثه: خلع على شيخ الشُّيُوخ القَاضِي محب الدّين محب بن الْأَشْقَر وإستقر فِي نظر المارستان عوضا عَن نور الدّين على بن مُفْلِح وَكَانَت شاغرة مُنْذُ مَاتَ. وَفِيه قبض على الصاحب تَاج الدّين الخطير نَاظر الاصطبل وعَلى وَلَده وَأخذت خيولهما وألزما بِحمْل عشْرين ألف دِينَار لتغير خاطر السُّلْطَان عَلَيْهِ من حِين كَانَ أَمِير أخور. وَفِيه ثارت عدَّة من المماليك القرانصة الَّذين قَامُوا مَعَ السُّلْطَان قبل ذَلِك على الأشرفيه كَمَا تقدم وطلبوا الْآن من السُّلْطَان الزِّيَادَة فِي جوامكهم ومرتب لحمهم ووقفوا تَحت القلعة وَأَصْبحُوا يَوْم الْأَرْبَعَاء وَقد كثر جمعهم حَتَّى نزل الْأُمَرَاء من خلسه السُّلْطَان فصاروا يَجْتَمعُونَ على وَاحِد وَاحِد مِنْهُم ويذكرون لَهُ مَا يُرِيدُونَ إِلَى أَن نزل الْأَمِير الْكَبِير الأتابك قرقماس فأحاطوا بِهِ وحدثوه فَوَعَدَهُمْ أَن يتحدث لَهُم مَعَ السُّلْطَان فَأَبَوا أَن يمكنوه من الْعود إِلَى القلعة وأرادوه أَن يوافقهم على محاربة السُّلْطَان وَسَارُوا مَعَه بأجمعهم إِلَى دَاره وتلاحق بهم جمَاعَة فَلم يزَالُوا بِهِ حَتَّى وافقهم بعد جهد مِنْهُم وإمتناع مِنْهُ ولبسوا سِلَاحهمْ وَلبس هُوَ الآخر أَيْضا وَأَتَاهُ كثير من الأشرفية وَسَارُوا بِهِ حَتَّى وقف بالرميلة تجاه بَاب السلسلة وهم فِي إجتماعهم مُخْتَلفَة آراؤهم فَمنهمْ من يَقُول: الله ينصر الْملك الْعَزِيز. فَإِذا سمع ذَلِك قرقماس مِنْهُم قَالَ: الله ينصر الْحق وَآخَرُونَ سواهُم يَقُولُونَ الله ينصر السُّلْطَان. وَفِي عزم الأشرفية إِذا أخذُوا السُّلْطَان بقرقماس قتلوا قرقماس فِي الْحَال وَأَقَامُوا الْعَزِيز. وَفِي ظن قرقماس أَن تكون السلطة لَهُ. وإتفق أَنه لما خرج من دَاره وسمعهم ينوهون بِالدُّعَاءِ للعزيز كشف رَأسه وَقَالَ: الله ينصر الْحق. فتطير من لَهُ خبْرَة وتجارب بِزَوَال أمره لكشفه رَأسه فِي الشَّارِع خَارج بَاب زويلة بمرأى من الْعَامَّة ثمَّ لما وقف بالرميلة سَقَطت ذرفته عَن كتفه إِلَى الأَرْض وأظلمت الدُّنْيَا فِي عَيْنَيْهِ فتأكدت الطَّيرَة عَلَيْهِ بِسُقُوط عزه وعماه عَن الرشد فَكَانَ كَذَلِك. وعندما وقف تجاه بَاب السلسلة من القلعة سَار بعض أَتْبَاعه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 385 ونادى فِي الْقَاهِرَة على لِسَانه بمجيء الممالك إِلَى الْأَمِير قرقماس وَأَنه ينْفق فيهم مِائَتي دِينَار لكل وَاحِد وبمجيء الزعر إِلَيْهِ وَأَنه يعْطى كل وَاحِد مِنْهُم عشْرين دِينَارا. فَعظم جمعه بِحَيْثُ توهم كثير من النَّاس أَن الْأَمر لَهُ. وَكَانَ السُّلْطَان عِنْد ذَلِك فِي نفر قَلِيل فبادر بنزوله من الْقصر إِلَى المقعد الَّذِي بِجَانِب بَاب السلسلة وَمَعَهُ المَال وَبعث بِجَمَاعَة لِلْقِتَالِ فَوَقَعت الْحَرْب بَين الْفَرِيقَيْنِ مرَارًا والجراح فَاشِية فيهم وَقد قتل جمَاعَة وَتعين الغلب لقرقماس وَمن مَعَه إِلَّا أَن عدَّة من الْأُمَرَاء فروا عَنهُ وصعدوا من بَاب السلسلة إِلَى السُّلْطَان فسر بهم ثمَّ أقبل أَيْضا من جِهَة الصليبة عدَّة أُمَرَاء ووقفوا تجاه قرقماس فِي هَيْئَة أَنهم جَاءُوا لِيُقَاتِلُوا مَعَه ثمَّ ساقوا خيولهم بِمن مَعَهم. ودخلوا بَاب السلسلة وصاروا مَعَ السُّلْطَان فإزداد بهم قُوَّة هَذَا وَقد دقَّتْ الكوسات السُّلْطَانِيَّة حَرْبِيّا بالطبلخاناه من القلعة وَقَامَت ثَلَاثَة مشاعلية على سور القلعة تنادى من كَانَ فِي طَاعَة السُّلْطَان فليحضر وَله من النَّفَقَة كَذَا وَكَذَا. ونثر مَعَ ذَلِك السُّلْطَان من المقعد على الْعَامَّة ذَهَبا كثيرا. وَصَارَ يقف على قَدَمَيْهِ ويحرض أَصْحَابه على الْقِتَال فَأَقْبَلت الفرسان نَحوه شَيْئا بعد شىء دَاخِلَة فِي طَاعَته وَتركت قرقماس. وَالْحَرب مَعَ هَذَا كُله قَائِمَة بَين الْفَرِيقَيْنِ ضربا بِالسُّيُوفِ وطعنًا بِالرِّمَاحِ إِلَّا أَن الرَّمْي من القلعة على قرقماس وَمن مَعَه بالنشاب كثير جدا مَعَ رمى الْعَامَّة لَهُم بِالْحِجَارَةِ فِي المقاليع لبغضها فِي قرقماس وَفِي الأشرفية فتناقص جمعهم وتزايد جمع السُّلْطَان إِلَى قبيل الْعَصْر فَتوجه بعض الأشرفية وَأخذُوا فِي إحراق بَاب مدرسة السُّلْطَان حسن ليتمكنوا من الرَّمْي على القلعة من أَعْلَاهَا. فَلم يثبت قرقماس وفر وَقد جرح فثبتت الأشرفيهَ وقاتلت سَاعَة حَتَّى غلبت بِالْكَثْرَةِ عَلَيْهَا فإنهزمت بَعْدَمَا قتل من الفرسان والرجالة جمَاعَة وجرح الْكثير. فَمن جرح من السُّلْطَانِيَّة الْأَمِير تغرى بردى المؤذى حَاجِب الْحجاب من طعنة بِرُمْح فِي شدقه والأمير أسنبغا الطيارى الْحَاجِب فِي آخَرين فَكَانَت هَذِه الْوَقْعَة من الحروب القوية بِحَسب الْوَقْت إِلَّا أَن قرقماس جرى فِيهَا على عَادَته فِي العجلة والتهور ففاته الحزم وأخطأه التَّدْبِير من وُجُوه عديدة ليقضى الله أمرا كَانَ مَفْعُولا وَإذَا أرَادَ الله بقْوم سُوءًا فَلاَ مَرد لَهُ. وعندما إنهزم الْقَوْم ندب السُّلْطَان لأمير أقبغا التمرازى أَمِير سلَاح فِي جمَاعَة لطلب المنهزمين فَتوجه نَحْو سرياقوس خشيَة أَن يمضوا إِلَى الشَّام فَكَانُوا أعجز من ذَلِك وَلم يجد أحدا فَعَاد. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 386 وَفِي يَوْم الْخَمِيس خامسه: جلس السُّلْطَان على تخت الْملك بِالْقصرِ وعملت الْخدمَة على الْعَادة فهنأه النَّاس بالظفر والنصر على أعدائه. وَقد وقف على بَاب الْقلَّة من القلعة عدَّة لمنع من بَقِي من الأشرفيهَ من الدُّخُول إِلَى الْخدمَة فَكَانَ الْمَمْلُوك مِنْهُم إِذا جَاءَ منع من الدُّخُول فَإِن لم يمْتَنع ضرب على رَأسه حَتَّى يرجع من حَيْثُ أَتَى. ورسم بِقطع مرتبهم من اللَّحْم فِي كل يَوْم ثمَّ أُعِيد بعد ذَلِك. وَفِيه إجتمع الْقُضَاة بِجَامِع القلعة وَحكم قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد البساطى الْمَالِكِي بهدم سلالم مأذنتى مدرسة السُّلْطَان حسن وَهدم سلالم سطحها وألزم النَّاظر فِي مجْلِس الحكم بهدم ذَلِك فَمضى وهدمه فَكَانَ هَذَا الحكم أَيْضا من الْأَحْكَام الَّتِي لم نعهد من الْقُضَاة مثله. وَفِيه خلع على عَلَاء الدّين على بن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الطبلاوى وأعيد إِلَى ولَايَة الْقَاهِرَة وَكَانَ قد بلغ الْغَايَة من الْفقر والفاقة والضعة. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة سادسه: قبض على الْأَمِير قرقماس وَذَلِكَ أَنه لما فر أَوَى إِلَى مَوضِع بَقِيَّة نَهَاره وَلَيْلَة الْخَمِيس. ثمَّ أصبح فَبعث عشَاء إِلَى القَاضِي زين الدّين عبد الباسط يُعلمهُ بمكانه وَأَنه يَأْخُذ لَهُ الْأمان فَفعل ذَلِك وَتوجه وَمَعَهُ الْمقَام الناصري مُحَمَّد ولد السُّلْطَان فَلَمَّا رأهما قرقماس قَامَ وإنحط يقبل قدمي ابْن السُّلْطَان وَيَد عبد الباسط فوضعا فِي عُنُقه منديل الْأمان الَّذِي قدما بِهِ من السُّلْطَان وأركبوه فرسا ومروا بِهِ وَقد اجْتمع الْخَلَائق لرُؤْيَته فَمنهمْ من يسبه وَمِنْهُم من يَدْعُو عَلَيْهِ حَتَّى صعد القلعهْ فعندما عاين السُّلْطَان خر على وَجهه يقبل الأَرْض ثمَّ قَامَ وَمَشى قَلِيلا وخر يقبل الأَرْض وَقَامَ فَمشى ثمَّ خر ثَالِث مرّة يقبل الأَرْض وَقد قرب من السُّلْطَان. فوعده بِخَير وَأمر بِهِ فَأدْخل إِلَى مَكَان وَقيد بالحديد وَهُوَ يشكو من الْجُوع فَأتى بِطَعَام. هَذَا وَقد لهجت الْعَامَّة فِي الْأَسْوَاق تَقول الْفقر والإفلاس وَلَا ذلتك يَا قرقماس. وَفِيه قبض على جمَاعَة من المماليك الأشرفية وَأخذت خيولهم وبغالهم وسجنوا بالبرج من وَفِي يَوْم السبت سابعه: أخرج بقرقماس فِي الْحَدِيد ومضوا بِهِ إِلَى سَاحل النّيل وأركب فِي الحراقة حَتَّى سجن بالإسكندرية. وَسمع فِي مروره من القلعة إِلَى النّيل من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 387 الْعَامَّة مَكْرُوها كثيرا وَحل بِهِ فِي هَذِه المحنة نكال شَدِيد وخزى زَائِد فَإِنَّهُ كَانَ من الْكبر والزهو والإعجاب وفرط الرقاعة على جَانب كَبِير مَعَ العسف والجبروت وَشدَّة الْبَطْش بِحَيْثُ كَانَ إِذا عاقب يضْرب الْألف ضَرْبَة وأزيد فَعُوقِبَ من جنس فعله. وَصَارَ مَعَ ذَلِك مثلا فَلَقَد أَقَامَت الْعَامَّة مُدَّة تجْهر فِي الْأَسْوَاق بقولِهَا لمن تَدْعُو عَلَيْهِ لَك ذله قرقماس. وَفِيه خلع على الْأَمِير أقبغا التمرازى وإستقر كَبِيرا أتابك العساكر عوضا عَن قرقماس. وأنعم عَلَيْهِ بإقطاع إِحْدَى التقدمتين اللَّتَيْنِ كَانَتَا مَعَ قرقماس. وخلع على الْأَمِير يشبك وإستقر أَمِير سلَاح عوضا عَن الأتابك أقبغا التمرازى. وخلع على الْأَمِير جرباش قاشق وإستقر أَمِير مجْلِس عوضا عَن الْأَمِير يشبك. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ تاسعه: إجتمع الْأُمَرَاء والقضاة والمباشرون وَسَائِر أهل الدولة للخدمهْ فِي الْقصر على الْعَادة وَقد جلس السُّلْطَان على التخت والخليفة والقضاة والأمراء على مَرَاتِبهمْ وَتقدم الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله كَاتب السِّرّ فَقَرَأَ عهد أَمِير الْمُؤمنِينَ المعتضد بِاللَّه للسُّلْطَان وَهُوَ من إنْشَاء القَاضِي شرف الدّين أَبى بكر الْأَشْقَر نَائِب كَاتب السِّرّ. ثمَّ خلع على الْخَلِيفَة وقضاة الْقُضَاة الْأَرْبَع وَكَاتب السِّرّ ونائبه بَعْدَمَا جرى بَين قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أَحْمد ابْن شيخ الْإِسْلَام بن حجر الشَّافِعِي وَبَين قَاضِي الْقُضَاة سعد الدّين سعد الديري الْحَنَفِيّ كَلَام اقْتضى عزل ابْن حجر نَفسه من الْقُضَاة فَأَعَادَهُ السُّلْطَان إِلَى وَظِيفَة الْقُضَاة وجدد لَهُ ولَايَة ثَانِيَة عَنهُ. وأضاف إِلَيْهِ مَا خرج عَنهُ فِي الْأَيَّام الأشرفية من نظر الْأَوْقَاف وَنظر وقف قراقوش وَنظر وقف بيبغا التركماني وَنظر وقف الْمدرسَة الطيبرسية بجوار الْجَامِع الْأَزْهَر وأكد عَلَيْهِ فِي أَنه لَا يقبل رِسَالَة مُتَوَجّه وَلَا يُؤجر وَقفا لَدَى جاه فَمَا أحسن ذَلِك لَو تمّ ودام. وَفِيه جهز توقيع برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن لباعوني بِقَضَاء دمشق عوضا عَن الْمقر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 388 الكمالى مُحَمَّد بن البارزى كَاتب السِّرّ وَحمل لَهُ التشريف أَيْضا بسفارة القَاضِي عبد الباسط. وَفِي يَوْم السبت رَابِع عشره: أنعم على الْأَمِير أينال بإقطاع إِحْدَى تقدمتى قرقماس. وأنعم بإقطاع أينال على الْأَمِير أسنبغا الطيارى وأنعم على الْأَمِير ألطنبغا المرقبى بإقطاع قراجا وإستقر من أُمَرَاء الألوف وَكَانَ قد حمل بعد موت الْمُؤَيد شيخ عدَّة سِنِين. وأنعم على الْأَمِير قراجا بإقطاع الأتابك أقبغا التمرازى. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع عشره: خلع على الْمقر الكمالى مُحَمَّد بن البارزى وإستقر فِي كِتَابَة السِّرّ وعزل الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله خلع عَلَيْهِ جُبَّة بِفَرْوٍ سمور فَنزل الْمقر الكمالى على فرس سلطاني بقماش ذهب فِي موكب جليل إِلَى الْغَايَة وَركب مَعَه الْأَمِير أركماس الدوادار والصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله وَعَامة أهل الدولة. وَفِيه خلع على الْأَمِير أسنبغا الطيارى وإستقر دوادارًا ثَانِيًا عوضا عَن الْأَمِير أينال. وخلع على الْأَمِير يلبغا البهائي أَمِير منزل أحد أُمَرَاء العشرات وإستقر حاجبًا ثَانِيًا عوضا عَن أسنبغا الطيارى وأنعم عَلَيْهِ بإمرته. وَفِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشره: خلع على الْأَمِير أينال وإستقر أَمِير الْحَاج. وأنعم عَلَيْهِ بِعشْرَة آلَاف دِينَار. وَفِيه جهز الْمقر الكمالى كَاتب السِّرّ تقدمة سنية للسُّلْطَان مَا بَين خيل وَثيَاب حَرِير وَثيَاب صوف وفرو وَغير ذَلِك مِمَّا قِيمَته زِيَادَة على ألف وَخَمْسمِائة دِينَار. وَفِي هَذَا الشَّهْر: شنع إِفْسَاد الدُّود للزروع فَإِن المَاء نزل سَرِيعا عَن الْأَرَاضِي قبل أَوَان نُزُوله وإشتد الْحر مَعَ ذَلِك فِي هَذِه الْأَيَّام. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس عشرينه: نفى عدَّة من المماليك الأشرفية إِلَى الواحات فَخرجت عيالاتهم وأصحابهم يصرخون فَكَانَ شَيْئا نكرًا. وَفِيه نفى أَيْضا عز الدّين عبد الْعَزِيز الْبَغْدَادِيّ قَاضِي الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق وَقد قدم مِنْهَا بعد عَزله بإبن مُفْلِح وإجتمع بالسلطان فَمَا وفْق فِي الْخطاب فَغَضب مِنْهُ ونفاه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 389 وَفِي هَذَا الشَّهْر: هدم جَانب من الْمُعَلقَة إِحْدَى معابد النَّصَارَى بِمَدِينَة مصر وَقد حضر الْقُضَاة مَعَ أَمِين من قبل السُّلْطَان. وَفِيه إدعى على بطرك اليعاقبة عِنْد قُضَاة الْقُضَاة بَين يَدي السُّلْطَان. مِمَّا وضع عَلَيْهِ يَده من أَمْوَال من مَاتَ من النَّصَارَى وَلَا وَارِث لَهُ فَأجَاب بِأَن عِنْده مُسْتَندا بِأخذ ذَلِك مْخرج فِي الترسيم على الْبَيَان ثمَّ إنحل أمره فِي ذَلِك. وَفِيه فَشَتْ الْأَمْرَاض فِي النَّاس بالحميات إِلَّا أَنَّهَا فِي الْأَكْثَر سليمَة تقلع فِي السَّابِع. وَفِي آخر هَذَا الشَّهْر: أفرج عَن الخطير على مَال يحملهُ بعد أَن عُوقِبَ وَأخذت خيوله وجواريه. شهر جُمَادَى الأولى أَوله الثُّلَاثَاء: فِي خامسه. رسم بِنَقْل الْأَمِير خشقدم الطواشي ونائبه من سجن الْإسْكَنْدَريَّة إِلَى دمياط على حمل خَمْسَة عشر ألف دِينَار. وَقدم كتاب الْأَمِير تغرى برمش نَائِب حلب بِأَنَّهُ مُقيم على الطَّاعَة وَأَنه لبس التشريف المجهز إِلَيْهِ وَقبل الأَرْض على الْعَادة فَلم يوثق بذلك مِنْهُ وَأخذ فِي الْعَمَل فِي إِمْسَاكه وَالْقَبْض عَلَيْهِ بملطفات كتب إِلَى أُمَرَاء حلب فِي الْبَاطِل خُفْيَة لِكَثْرَة الإشاعات بسلوكه طَرِيق من هُوَ خَارج عَن الطَّاعَة فَإِنَّهُ أَكثر من إستخدام المماليك وإستمال عدَّة طوائف من التركمان إِلَى غير ذَلِك. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سابعه: خلع على ولى الدّين مُحَمَّد السفطى مفتى دَار الْعدْل وَأحد خَواص السُّلْطَان وإستقر فِي وكَالَة بَيت المَال عوضا عَن ابْن النُّسْخَة شَاهد الْقيمَة. وَفِي ثامنه: خلع على الشريف صَخْرَة بن مقبل بن نحبار وإستقر فِي إمرة يَنْبع عوضا عَن الشريف عقيل بن وبير بن نخبار. وَفِي هَذَا الشَّهْر: وَالَّذِي قبله زَالَت نعم جمَاعَة كَثِيرَة من الأشرفية مَا بَين أَمِير ومملوك وَكَاتب وَغير ذَلِك فَمنهمْ من قتل وَمِنْهُم من سجن وَمِنْهُم من نهب وَمِنْهُم من صودر وَآخَرُونَ يترقبون مَا يحل بهم. وَفِي يَوْم الْخَمِيس عاشره: خلع على زين الدّين يحيى قريب ابْن أَبى الْفرج وإستقر فِي نظر الاصطبل على مَال وعد بِهِ وخلع على مُحَمَّد الصَّغِير معلم النشاب أحد معارف السُّلْطَان وإستقر فِي ولَايَة دمياط عوضا عَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن الْأَمِير فَخر الدّين بن أَبى الْفرج وَكَانَ من قريب قد وَليهَا فعزل بعد أَيَّام. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 390 وَفِي يَوْم السبت ثَانِي عشره: قبض على عمر آخى التَّاج والى الْقَاهِرَة ورسم بنفيه إِلَى قوص. ثمَّ أَمر أَن يلْزم بَيته على مَال قرر عَلَيْهِ يقوم بِهِ. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس عشره: ضرب الشَّيْخ حسن العجمي بالمقارع ضربا مبرحًا وَشهر بِالْقَاهِرَةِ ثمَّ سجن وَهَذَا الرجل قدم الْقَاهِرَة وَدَار فِي الْأَسْوَاق يستجدى ويكدى فَيتَصَدَّق النَّاس عَلَيْهِ. ثمَّ تعرف بالأشرف برسباى وإختص بِهِ إختصاصًا زَائِدا بِحَيْثُ يدْخل خلواته مَتى شَاءَ بِغَيْر إِذن وَيقف فَوق الْأُمَرَاء فَتمكن من السُّلْطَان وَعظم قدره. وبذل لَهُ الأكابر الْأَمْوَال خشيَة مِنْهُ. ثمَّ بنى لَهُ السُّلْطَان قبَّة كَبِيرَة بالصحراء ووقف عَلَيْهَا وَقفا لَهُ متحصل كثير فثقل على أهل الدولة لِكَثْرَة أَخذه المَال مِنْهُم ولسوء أَثَره فيهم عِنْد السُّلْطَان إِلَى أَن زَالَت الدولة الأشرفية وبدا لَهُم سيئات مَا كسبوا. قبض على حسن هَذَا وضربه السُّلْطَان وسجنه ثمَّ ادّعى عَلَيْهِ عِنْد قَاضِي الْقُضَاة الْمَالِكِي بِمَا يُوجب إِرَاقَة دَمه فَلم يثبت مَا ادّعى بِهِ عَلَيْهِ فَضرب هَذَا الضَّرْب الثَّانِي ثمَّ نفى بعد سجنه إِلَى قوص وَأخذ مَا وجد لَهُ وَفِي هَذِه الْأَيَّام رسم بإستقرار تَقِيّ الدّين أَبى بكر بن أَحْمد بن مُحَمَّد عرف بإبن قَاضِي شُهْبَة فِي قَضَاء دمشق وَذَلِكَ أَن الْبُرْهَان إِبْرَاهِيم ابْن الباعونى لما توجه إِلَيْهِ التوقيع والتشريف بإستقراره فِي قَضَاء الْقُضَاة بِدِمَشْق عوضا عَن الْمقر الْكَمَال مُحَمَّد بن البارزى كَاتب السِّرّ إمتنع من الْقبُول فَأَتَاهُ الْأَمِير أينال الجكمى نَائِب الشَّام إِلَى بَيته وَسَأَلَهُ أَن يقبل فَلم يجبهُ وصمم على الإمتناع فَبعث النَّائِب بذلك. فرسم لإبن قَاضِي شُهْبَة بِالْقضَاءِ وجهز لَهُ التشريف والتوقيع ورسم بإستقرار أَبى الْيمن أَمِين الدّين مُحَمَّد بن جمال الدّين أَبى الْخَيْر مُحَمَّد ابْن الْفَقِيه على النويرى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 391 خطيب الْحرم فِي قَضَاء مَكَّة وخطابتها عوضا عَن أَبى السعادات مُحَمَّد بن أَبى البركات مُحَمَّد بن أَبى السُّعُود ابْن ظهيرة وجهز لَهُ التشريف والتوقيع. وَفِي يَوْم الْأَحَد سَابِع عشرينه: أنْفق فِي خمسائة من المماليك الأشرفية كل وَاحِد عشرَة دَنَانِير لِيخْرجُوا تجريدة لقِتَال هوارة بِبِلَاد الصَّعِيد. شهر جُمَادَى الْآخِرَة أَوله الْخَمِيس: فِيهِ برز الْأَمِير سودون المحمدي وَمن مَعَه: وَذَلِكَ أَن السُّلْطَان عزم على غَزْو بلَى لما تقدم مِنْهُم من نهب الْحجاب فندب سودون المحمدي لذَلِك وَعين مَعَه مائَة من المماليك الأشرفية أنْفق فيهم ثَمَانِيَة آلَاف دِينَار سوى الْخَيل وَالْجمال حسابا لكل مَمْلُوك ثَمَانُون دِينَارا وأنعم على سودون المحمدي بِثَلَاثَة آلَاف دِينَار وولاه نظر الْحرم بِمَكَّة عوضا عَن ولى الدّين مُحَمَّد بن قَاسم ورسم بمسير عرب الكرك وعرب يَنْبع مَعَه. وخلع على تَاج الدّين مُحَمَّد بن حَتَّى السمسار وإستقر فِي نظر جدة عوضا عَن سعد الدّين إبراهيبم بن الْمرة. وَفِي يَوْم الجمعه ثَانِيَة: أخرجت خطابة الْجَامِع الطولونى ومشيخة الميعاد عَن أَبى الْيُسْر مُحَمَّد بن زين الدّين أَبى هُرَيْرَة عبد الرَّحْمَن بن النقاش وخطب عوضه برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن ميلق وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ. خامسه: إستقل سودون المحمدي بالمسرر نَحْو الْحجاز بِمن مَعَه وَسَار بعده أَمِير أَحْمد بن على بن أينال فِي عدَّة من المماليك وَغَيرهم لإِصْلَاح مناهل طَرِيق الْحجَّاج وتوجهت المماليك الأشرفية إِلَى الصَّعِيد لقِتَال هوارة وخلع على الْأَمِير أقبغا التركمانى وإستقر فِي نِيَابَة الكرك عوضا عَن الْوَزير الْأَمِير غرس الدّين خَلِيل وَنقل خَلِيل إِلَى صفد وإستقر بهَا أَمِيرا كَبِيرا. وَفِي سَابِع عشره: ورد الْخَبَر بِأَن جيهان شاه بن قرا يُوسُف ملك قلعة النجا من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 392 عمل توريز وَكَانَت ليد ابْن أَخِيه إسكندر فَعوضهُ عَنْهَا قلعة أوفيك وَأَنه طلب أَيْضا أرزن الرّوم من صَاحبهَا وَأَن حوكي ابْن القان معِين الدّين شاه رخ بن تيمورلنك شتي على قراباغ وَأَن القان شاه رخ أرسل ثَلَاث خلع وشطفه إِلَى مُرَاد بك بن عُثْمَان ملك الرّوم فَخرج الوزراء إِلَى لِقَاء القادم بهَا وأخروا إِظْهَار الشطفة ودخلوا بالرسل فِي مجْلِس خَاص فَلبس مُرَاد الْخلْع وَدَار بَين الرُّسُل وَبَينه حَدِيث فِي مصاهرة القان بِأَن تكون بَنَات كل مِنْهُمَا لأَوْلَاد الآخر. شهر رَجَب أَوله الْخَمِيس: فِيهِ أنْفق المماليك نَفَقَة الْكسْوَة وَكَانَت عَادَتهم فِي أَيَّام الْأَشْرَف برسباى أَن يدْفع لكل وَاحِد مِنْهُم خمسائة دِرْهَم من الْفُلُوس الَّتِي هِيَ نقد مصر الْآن فوقفوا فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ الْمَاضِي وطلبوا أَن ينْفق فيهم عَن ثمن الْكسْوَة عشرَة دَنَانِير لكل وَاحِد فمازالوا بهم حَتَّى أنْفق فيهم ألف دِرْهَم لكل مَمْلُوك وَألف وخمسائة لكل خاصكى. وَفِيه رسم أَن يكون نواب قَاضِي الْقُضَاة الشَّافِعِي خَمْسَة عشر ونواب الْحَنَفِيّ عشرَة ونواب كل من الْمَالِكِي والحنبلي أَرْبَعَة ثمَّ ازدادت عدتهمْ بعد ذَلِك. وَفِي يَوْم الْأَحَد رابعه: إبتدىء بِقِرَاءَة صَحِيح البُخَارِيّ بَين يَدي السُّلْطَان بِالْقصرِ من القلعة وزادت عدَّة من حضر وَمنعُوا من الْبَحْث فَإِنَّهُ كَانَ يقْضِي إِلَى خصام ومعاداة فإنكفوا عَنهُ وَللَّه الْحَمد. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثامنه: جمع الْقُضَاة والأمراء والمباشرون بِالْقصرِ وَقت الْخدمَة وأقيم بعض نواب القَاضِي الشَّافِعِي وَكيلا فَادّعى على نقيب الحكم وَقد أقيم وَكيلا عَن الْأَمِير قرقماس الشعبانى دَعْوَى حسبَة بَين يَدي قَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد البساطى الْمَالِكِي بِأَن الْأَمِير قرقماس خرج عَن طَاعَة السُّلْطَان وَحَارب الله وَرَسُوله فَقتل بِسَبَبِهِ عدَّة أنَاس وَأَن فِي بَقَائِهِ فِي السجْن مفْسدَة وإثارة فتن وَأَن فِي قَتله مصلحَة فَشهد بذلك جمَاعَة من الْأُمَرَاء وَحكم البساطى بِمُوجب ذَلِك فَقيل لَهُ مَا مُوجبه فَقَالَ: الْقَتْل فندب بعض الممالك لقَتله وجهز إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فَقتله فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشره قتلة شنعاء وَهُوَ أَنه أخرج فِي قَيده من السجْن إِلَى مجْلِس الْأَمِير تمرباى نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة وَقد جمع النَّاس فَأوقف على حكم البساطى بقتْله وَقيل لَهُ لَك دَافع أَو مطْعن فِيمَا شهد بِهِ عَلَيْك فَأجَاب بِعَدَمِ الدَّافِع والمطعن فأقيم قيَاما الجزء: 7 ¦ الصفحة: 393 عنيفًا وَأخرج إِلَى ظَاهر الْمَدِينَة وأقعد عُريَانا وَتقدم المشاعلى فَضَربهُ بِالسَّيْفِ فَأَخْطَأَ عُنُقه وَوَقعت الضَّرْبَة على الْكَتف ثمَّ ضربه ثَانِيًا فقدَّت تَحت كتفه حَتَّى ظهر دَاخل صَدره ثمَّ ضربه مرّة ثَالِثَة فأصابت الْعُنُق وَلم تقطعه فحزه غير مرّة حَتَّى إنفصل الرَّأْس عَن الْبدن وَنزل فِي مَوْضِعه حَتَّى واراه بعض أَتْبَاعه فَكَانَ فِي ذَلِك عِبْرَة وَلم نعهد مثل ذَلِك لَا من حَيْثُ هَذِه الدَّعْوَى وَهَذَا الحكم الَّذِي زَعَمُوا أَنه من الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة وَلَا من حَيْثُ أَن أَمِيرا من عُظَمَاء الدولة ترشح للسلطة يقتل هَذِه القتلة الشنيعة ثمَّ لَا يحسن قَتله وَإذا أرَادَ الله بِقَومٍ سُوءًا فَلا مَرد لَهُ. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ تَاسِع عشره: خلع على يلبغا البهائي أحد الْحجاب وإستقر فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن الْأَمِير تمرباى. وَفِيه ورد الْخَبَر بِأَن الْأَمِير سودون المحمى توجه هُوَ والشريف صَخْرَة أَمِير يَنْبع وأمير بنى عقبَة فِي طلب بلَى حَتَّى لقوهم بِالْقربِ من أكره فِيمَا يَلِي الشرق عَن يسَار درب الْحَاج عِنْد جبل الْورْد فِي يَوْم السبت ثَالِث شهر رَجَب وحاربهم. بِمن مَعَه وَقتل مِنْهُم جمَاعَة وجرح كثيرا فإنهزموا وَقتل مِمَّن مَعَه جمَاعَة وَأَنه مضى بِجَمَاعَة وَفِي يَوْم السبت رَابِع عشرينه: قدم الْأَمِير على باك بن قرايلك وَكَانَ بِبِلَاد الرّوم فوصل مِنْهَا إِلَى أرزنكان وَبهَا وَلَده جهان شاه وَأَخُوهُ يَعْقُوب بن قرايلك فثار بِهِ أَخُوهُ يَعْقُوب وَأخرجه هُوَ وإبنه جهان كير فَقدما حلب. وَأقَام إبنه جهان شاه فِي حصن مَنْصُور قَرِيبا من بهسنى وَمَعَهُ جمَاعَة ألاق من قبائل التركمان ثمَّ تحول حَتَّى نزل بِمن مَعَه الساجور قَرِيبا من حلب وَقدم هُوَ رَاغِبًا فِي طَاعَة السُّلْطَان فَخلع عَلَيْهِ وَأنزل وأجرى عَلَيْهِ مَا يَلِيق بِهِ. وَفِي سلخه: أقيم الْملك الْأَشْرَف إِسْمَاعِيل بن الظَّاهِر عبد الله بن الْأَشْرَف إِسْمَاعِيل ملكا بزبيد وتعز وعدن من بِلَاد الْيمن بعد موت أَبِيه وَله من الْعُمر نَحْو الْعشْرين سنة. شهر شعْبَان أَوله السبت: فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء خامسه: هدمت دَار الشَّيْخ زين الدّين أَبى هُرَيْرَة عبد الرَّحْمَن ابْن الشَّيْخ شمس الدّين أَبى إِمَامَة مُحَمَّد بن النقاش من زِيَادَة الْجَامِع الطولونى وَكَانَ من خبر ذَلِك أَن أَبَا هُرَيْرَة بن النقاش أَخذ خطابة الْجَامِع الطولونى ومشيخة الميعاد من ابْن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 394 السبكى مغالبة فَأحب أَن يكون سكنه بحذاء الْجَامِع فاستأجر قِطْعَة أَرض من زِيَادَة الْجَامِع وَبنى بهَا دَارا بعد سنة ثَمَانِينَ وَسَبْعمائة ثمَّ فتح مِنْهَا بَاب فِي جِدَار الْجَامِع وَصَارَ يعبر مِنْهُ إِلَى الْجَامِع فِي أَوْقَات الصَّلَوَات وَغَيرهَا ثمَّ خرق فِي جِدَار الْجَامِع طاقات تشرف على الْجَامِع فِي مجْلِس عمله وحفر فِي هَذِه الدَّار صهريجا وَعمل بهَا إصطبلا لدوابه فثار عَلَيْهِ جمَاعَة فَإِنَّهُ كَانَ كثير الْأَعْدَاء وأنكروا عَلَيْهِ ذَلِك فَأخذ خطوط أهل الْعلم بِجَوَاز مَا عمله وَكَانَت لَهُ ولأخصامه بِسَبَب هَذِه الدَّار وقائع كَثِيرَة ومنازعات طَوِيلَة عقد لَهُ وَلَهُم فِيهَا مجَالِس عديدة فِي كل دولة وَهُوَ يستظهر عَلَيْهِم فِيهَا وَكَانَ رَحمَه الله جلدا صبورًا لَا يصد وَلَا يرد فمرت بِهِ من أجلهَا خطوب وكروب حَتَّى مَاتَ. وَقد جعل هَذِه الدَّار وَقفا على أَوْلَاده فَجرى لَهُم بعده بِسَبَبِهَا شرور كَثْرَة ومخاصمات طَوِيلَة والحكام لَا تقدم على هدمها لما بأيدي أَوْلَاد ابْن النقاش من فَتَاوَى شُيُوخ الْعلم وَأَحْكَام الْقُضَاة الَّذين كَانُوا لَا يدرهنون فِي الْفَتْوَى وَلَا فِي الحكم إِلَى أَن أظهر السُّلْطَان الوقيعة فِي أَبى هُرَيْرَة بن النقاش وولديه وَأخرج عَن أَبى الْيُسْر الخطابة ومشيخة الميعاد كَمَا تقدم ذكره. وعزم على هدم هَذِه الدَّار فندب الْقُضَاة غير مرّة للنَّظَر فِي أمرهَا فَلم يتَّجه لَهُم هدمها إِلَى أَن أقدم البساطى على الحكم بذلك فَجمع هُوَ وَبَقِيَّة الْقُضَاة بَين يَدي السُّلْطَان وَقَامَ ولى الدّين مُحَمَّد السفطى وَكيل بَيت المَال وأدعى على أَوْلَاد أَبى هُرَيْرَة عِنْد قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد البساطى بِأَن مُدَّة إِجَارَة الأَرْض الحاملة لبِنَاء هَذِه الدَّار قد إنقضت وسإل رفع الْبناء عَنْهَا فَحكم البساطى على أَوْلَاد أَبى هُرَيْرَة بِرَفْع الْبناء الْمَوْقُوف وَنزل حَتَّى حضر هدمهم لَهَا فِي يَوْم الْخَمِيس غده. فَكَانَ هَذَا مَعَ مَا تقدم مِمَّا لم نسْمع بِمثلِهِ غير أَن فِي ذَلِك عِبْرَة لأولى النهى وَذَلِكَ أَن شمس الدّين أَبَا أُمَامَة مُحَمَّد بن النقاش قَامَ على قطب الدّين مُحَمَّد بن الهرماس حَتَّى هدم السُّلْطَان الْملك النَّاصِر حسن دَاره من أجل أَنه بناها فِي زِيَادَة جَامع الْحَاكِم فَعُوقِبَ بعد نَحْو ثَمَانِينَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 395 سنة بِأَن هدمت دَار وَلَده أَبى هُرَيْرَة من أجل أَنَّهَا بنيت فِي زِيَادَة جَامع ابْن طولون وَلَقَد سَمِعت أُمِّي أَسمَاء إبنة مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن ابْن الصايغ الحنفيوكان ابْن الصايغ من الْأَفْرَاد فِي أُمُور الدّين وَالدُّنْيَا يَقُول عَن الله تَعَالَى أَنه قَالَ: يَا دَاوُد أَنا الرب الْوَدُود أعاقب الْأَبْنَاء بِمَا تَفْعَلهُ الجدود فَلَقَد عُوقِبَ فِي هَذِه الْحَادِثَة أَبُو أُمَامَة أَبُو الْيُسْر أَبنَاء أَبى هُرَيْرَة بِمَا فعله جدهما أَبُو أُمَامَة شمس الدّين وَلا يَظْلِم ربكَ أَحَدَا. وَفِي يَوْم السبت ثامنه: جمع الْحَافِظ قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين شيخ الْإِسْلَام أَبُو الْفضل أَحْمد بن حجر أَعْيَان الدولة وَفِيهِمْ الْمقَام الناصري مُحَمَّد ولد السُّلْطَان وَغَيره من الْأُمَرَاء وَكَاتب السِّرّ وناظر الْجَيْش والوزير وناظر الْجَيْش والقضاة وشيوخ الْعلم فِي عَامَّة طلبة الْعلم وَغَيرهم فَاجْتمعُوا بأعلا الْخمس الْوُجُوه من أَرض التَّاج خَارج الْقَاهِرَة. وَكَانَ الْوَقْت شتاء وَالْأَرْض مخضرة بأنواع الزراعات والخيول على مرابط ربيعها وَقدم لَهُم من أَنْوَاع الحلاوات وألوان الْأَطْعِمَة الفاخرة مَا يجل وَصفه وَيكثر مِقْدَاره وَقد أكمل تصنيف كتاب فتح الْبَارِي بشرح صَحِيح البخار فِي عشْرين مجلدة ثمَّ قرىء من آخِره مجْلِس خَفِيف وَقَامَ بعده خَتمه الشُّعَرَاء فَقَرَأَ عدَّة مِنْهُم قصائد فِي مدحه هَذَا وَقد اجْتمع بِهَذِهِ المنظرة وحولها من أَسْفَلهَا عَالم كَبِير من الرّحال وَغَيرهم ونصبت هُنَاكَ سوق وَضربت خيام عديدة فَكَانَ من الْأَيَّام الْمَذْكُورَة الَّتِي لم نعهد فِي مَعْنَاهُ مثله أنْفق فِيهِ مَال جزيل على مَا تقدم من المَال وَمَا أُجِيز بِهِ الشُّعَرَاء فِي هَذَا الْيَوْم. وَفِي يَوْم آخر بعده: إجتمعوا فِيهِ بخانكاة بيبرس من الْقَاهِرَة قَامَ فِيهِ شعراء أخر بمدائحهم فأجيزوا بجوائز سنية عديدة وَفرق أَيْضا مَال جم فِي جمَاعَة كَثِيرَة كتبُوا هَذَا الشَّرْح والحافظ الْمشَار إِلَيْهِ يمليه عَلَيْهِم بِهَذِهِ الخانكاة حَتَّى أكملوا نسخه فِي أَعْوَام فَكَانَ هَذَا من المآثر السّنيَّة والفضائل الجليلة الَّتِي زَادَت فِي رفعته. وَفِي تَاسِع عشره: ورد الْخَبَر بِأَن الْعَسْكَر الْمُجَرّد بِبِلَاد الصَّعِيد حَارب هوارة عدَّة مرار وَأَنَّهُمْ محتاجون إِلَى نجدة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 396 وَفِي هَذَا الشَّهْر: وَقع الوباء بِالْوَجْهِ البحري من أَرض مصر وَقدم الْخَبَر أَن الوباء وَقع فِي فصل الصَّيف بِبِلَاد إفريقية كلهَا. شهر رَمَضَان أَوله الْأَحَد: وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء عاشره: خلع على من قدم من مَشَايِخ بلَى الَّذين أخذُوا الْحجَّاج وَقد سَأَلُوا الْعَفو والتزموا بِحِفْظ الْحَاج. وَفِيه قدم الطواشي خشقدم ونائبه فَيْرُوز الركني الرُّومِي من دمياط فَأمر بالتوجه إِلَى الْمَدِينَة صُحْبَة ركب الْحَاج وَالْإِقَامَة بهَا. وَفِي حادي عشره: قدم كتاب الْأَمِير قانبيه الحمزاوى نَائِب حماة يتَضَمَّن وُرُود الْأَمِير بردبك العجمى حَاجِب حلب وصحبته من أُمَرَاء حلب أميران إِلَى حماة وَذَلِكَ أَن الْأَمِير تغرى برمش نَائِب حلب أَرَادَ من الْأَمِير حطط نَائِب القلعة أَن يُمكنهُ مِنْهَا فَلم يُوَافقهُ وَرمى عَلَيْهِ من القلعة فَركب وَركب عَلَيْهِ الْأُمَرَاء واقتتلوا فإنهزم الْأَمِير بردبك بِمن مَعَه فِي لَيْلَة الْجُمُعَة ثامن عشْرين شعْبَان. ودخلوا حماة فِي أخر يَوْم السبت سلخه فَكتب بإستقرار بردبك الْمَذْكُور فِي نِيَابَة حماة عوضا عَن الْأَمِير قانباى الحمزاوى وَأَن ينْتَقل قانباى إِلَى نِيَابَة طرابلس عوضا عَن الْأَمِير جلبان المؤيدى وَأَن ينْتَقل جلبان إِلَى نِيَابَة حلب عوضا عَن تغرى برمش لِخُرُوجِهِ عَن الطَّاعَة وَتوجه الْأَمِير على باى رَأس نوبَة لنقل الْأَمِير جلبان من طرابلس إِلَى حلب وَمَعَهُ تَقْلِيده وتشريفه وَتوجه لتقليد قانباى نِيَابَة طرابلس الْأَمِير جَانِبك المحمودى رَأس نوبَة وَكِلَاهُمَا من أُمَرَاء العشرات. (وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس عشره) ورد الْخَبَر من الْأَمِير طوخ مازى نَائِب غَزَّة بِأَن الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن منجك لما وصل من عِنْد السُّلْطَان بِمَا على يَده إِلَى جسر يَعْقُوب بعث ملك الْأُمَرَاء الْأَمِير أينال الجكمى نَائِب الشَّام ساعيًا بإستعجاله وأردفه بِأخر حَتَّى قدم يَوْم السبت سَابِع شهر رَمَضَان فَخرج إِلَى لِقَائِه وَلبس التشريف المجهز على يَده وَركب الْفرس الْمحْضر مَعَه وَقبل الأَرْض على الْعَادة وَدخل فِي الموكب جليل حَتَّى نزل دَار السَّعَادَة فإطمأن النَّاس بَعْدَمَا كَانَت الإشاعة قَوِيَّة بمخامرته. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 397 فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْإِثْنَيْنِ تاسعه: ركب ملك الْأُمَرَاء فِي الموكب على الْعَادة وَدخل دَار السَّعَادَة وَجَمِيع الْأُمَرَاء وَسَائِر المباشرين بَين يَدَيْهِ فَمَا هُوَ إِلَّا أَن إستقر فِي مَجْلِسه وَإِذا بِهِ قد قبض على الْأَمِير برسباى حَاجِب الْحجاب وأغلق الْبَاب وَقبض على الْأُمَرَاء والمباشرين بأجمعهم وَأَن جلبان وجانبك المتوجهين لتقليد نَائِب حلب ونائب طرابلس وصلا إِلَى غَزَّة وَأَقَامَا بهَا فاضطرب السُّلْطَان لهَذَا الْخَبَر وَكثر قلقه وَجمع الْأُمَرَاء فأشاروا بِسَفَرِهِ. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن عشره: ورد الْخَبَر بِأَن الْأَمِير قطج أتابك حلب قدم إِلَى حماة فَارًّا من تغرى برمش وَأَن تغرى برمش أَخذ عنتاب وقلعتها وَأَن عدَّة من قبض عَلَيْهِ أينال الجكمى بِدِمَشْق تِسْعَة عشر أَمِيرا وَقبض أَيْضا على جمال الدّين يُوسُف بن الصفى الكركى نَاظر الْجَيْش وعَلى بهاء الدّين مُحَمَّد بن حجى كَاتب السِّرّ وَأَن جَانِبك وجلبان توجها من غَزَّة إِلَى وَفِي يَوْم الْخَمِيس عشرينه: ورد كتاب الْأَمِير تغرى برمش مورخ بثاني شهر رَمَضَان يتَضَمَّن أَنه فِي يَوْم الثَّالِث وَالْعِشْرين من شهر شعْبَان لبس الْأَمِير حطط نَائِب قلعة حلب وَمن مَعَه بالقلعة السِّلَاح وَقَامُوا على سور القلعة ونصبوا المكاحل وَغَيرهَا وَأمرُوا من تَحت القلعة من أَرْبَاب المعايش وسكان الحوانيت بالنقلة من هُنَاكَ وَأَنه لما رأى ذَلِك بعث يسْأَل حطط عَن سَبَب هَذَا فَلم يجبهُ. إِلَى أَن كَانَ لَيْلَة التَّاسِع وَالْعِشْرين مِنْهُ ركب الْأَمِير قطج الأتابك والأمير بردبك الْحَاجِب فِي عدَّة من الْأُمَرَاء لابسين السِّلَاح ووقفوا تَحت القلعة فَبعث إِلَيْهِم جمَاعَة من عسكره فَكَانَت بَين الْفَرِيقَيْنِ وقْعَة إنهزم فِيهَا قطج وَأَنه بَاقٍ على طَاعَة السُّلْطَان. وَأَنه بعث يسْأَل نَائِب القلعة عَن سَبَب هَذِه الْحَرَكَة فَأجَاب بِأَن الْأَمِير بردبك الْحَاجِب ورد عَلَيْهِ مرسوم السُّلْطَان بالركوب عَلَيْك وأخذك وجهز أَيْضا محضرًا ثَابتا على قُضَاة حلب بِمَعْنى مَا ذكر وَأَنه بَاقٍ على طَاعَة السُّلْطَان وَلم يتَعَرَّض إِلَى القلعة فَلم يعول على ذَلِك لما تقرر من خُرُوجه عَن الطَّاعَة وَورد أَيْضا الْخَبَر من الْأَمِير فَارس نَائِب قلعة دمشق بِأَن الْأَمِير أينال الجكمى أَجْهَر النداء بِدِمَشْق وأعمالها بالأمان والإطمئنان وَالدُّعَاء للسُّلْطَان الْملك الْعَزِيز يُوسُف بن برسباى وَأَن تَقِيّ الدّين أَبَا بكر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 398 ابْن قَاضِي شُهْبَة قَاضِي الْقُضَاة دَعَا للعزيز على مِنْبَر جَامع بنى أُميَّة فِي يَوْم الْجُمُعَة وَأَن الخطة بقلعة دمشق للسُّلْطَان الْملك الظَّاهِر جقمق. وَفِي يَوْم السبت حادي عشرينه: خلع على القَاضِي بدر الدّين مُحَمَّد ابْن شَيخنَا قَاضِي الْقُضَاة نَاصِر الدّين أَحْمد التنسى أحد خلفاء الحكم وإستقر فِي قَضَاء الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد البساطى وَقد مَاتَ. وَفِي يَوْم الْأَحَد ثَانِي عشرينه: نُودي بِعرْض المماليك على السُّلْطَان. وَفِيه عرضت الخاصكية على السُّلْطَان فعين مِنْهُم للسَّفر إِلَى الشَّام ثَلَاثمِائَة وَعشْرين خاصكيًا. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَالِث عشرينه: خلع على الْأَمِير الْكَبِير الأتابك أقبغا التمرازى وإستقر فِي نِيَابَة الشَّام عوضا عَن أينال الجكمى لِخُرُوجِهِ عَن الطَّاعَة. وَفِيه قدم الْخَبَر من الْإسْكَنْدَريَّة بِأَن طَائِفَة القطلان عمروا إثني عشر غرابًا لتسير فِي الْبَحْر نَحْو سواحل الشَّام وسواحل الرّوم وَأَن مُرَاد بن عُثْمَان ملك الرّوم عمر مائَة غراب وَأَن متملك انكرس من الفرنج مَاتَ. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع عشرينه: عرض السُّلْطَان المماليك وَعين مِنْهُم للسَّفر إِلَى الشَّام ثَلَاثمِائَة وَثَلَاثِينَ مَمْلُوكا لتتمة سِتّمائَة وَخَمْسَة وَخمسين. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس عشرينه. عين للسَّفر من الْأُمَرَاء الألوف قراقجا الْحسنى رَأس نوبَة النوب وتمر باى الظَّاهِرِيّ ططر وَمن الطبلخاناه طوخ التمرازى رَأس نوبَة ثَانِي وَمن أُمَرَاء العشرات عشرَة وهم أقطوه الموسوى وتنم بن عبد الرازق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 399 الْمُحْتَسب بِالْقَاهِرَةِ وَرَأس نوبَة ثمَّ أعفى بعد ذَلِك من السّفر ويشبك بن أزوباى رَأس نوبَة وبايزير بن صفر خجا رَأس نوبَة وأقبردى الأشرفى أَمِير أخور ثَالِث وطوغان السيفى ألان وسودون قرقاش الأينالى رَأس نوبَة وسودون النوروزى السِّلَاح دَار رَأس نوبَة وجانبك السيفى نوروز رَأس نوبَة وخشكلدى الناصرى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 400 وَفِيه كتب بإستقرار الْأَمِير مُوسَى بن مُحَمَّد بن حَدِيثَة فِي إمرة الملا عوضا عَن الغادر ابْن عذراء بن نعير وجهز لَهُ تشريف. وَقدم الْخَبَر من الْأَمِير طوغان نَائِب الْقُدس بِأَن أينال الجكمى أطلق الْأُمَرَاء الَّذين قبض عَلَيْهِم وحلفهم للعزيز فَعلم أهل الْمعرفَة أَن أَمر أينال هَذَا لَا يتم لتضييعه الحزم فِي ركونه وطمأنينته إِلَى الْأُمَرَاء بعد أَن أوحش مَا بَينه وَبينهمْ بِالْقَبْضِ عَلَيْهِم. وَقد قيل: إِذا وترت أمرا فإحذر عداوته من يزرع الشوك لَا يحصد بِهِ عنبًا إِن الْعَدو وَإِن أبدى مسالمة إِذا رأى مِنْك يَوْمًا فرْصَة وثبًا وَكَانَ كَذَلِك. وَفِيه ورد الْخَبَر بِخُرُوج الْأَمِير أينال الأجرود نَاب صفد مِنْهَا وَأَنه نزل بالرملة فِي سَابِع عشره بَعْدَمَا دَعَاهُ أينال الجكمى إِلَى مُوَافَقَته وأعلمه أَنه مَا قَامَ فِي هَذَا الْأَمر حَتَّى وَافقه نواب الممالك وأركان الدولة بِمصْر فَلم يدْخل فِي طَاعَته وخشي أَن يكبس بصفد فَأنْزل حريمه بقلعة صفد وَنزل بالرملة مَعَ من بهَا من نَائِب الْقُدس وَغَيره. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشرينه: أنْفق فِي الْعَسْكَر الْمُجَرّد إِلَى الشَّام وعدتهم مَا بَين خاصكى ومملوك سِتّمائَة وإثنان وَخَمْسُونَ فَارِسًا. كل وَاحِد ثَمَانُون دِينَارا. وَقدم الْخَبَر من مَكَّة بِأَن الوباء شنع بِمَدِينَة صنعاء وصعدة من بِلَاد الْيمن حَتَّى خلت من كَبِير وحاكم لإنقطاع الْأَئِمَّة الزيدية مِنْهَا بالفناء فَبعث الْملك الظَّاهِر يحيى بن الْأَشْرَف إِسْمَاعِيل صَاحب زبيد وتعز وعدن بعض أمرائه فَأخذ لَهُ صعدة بِغَيْر ممانع وإستولى على مَا فيهمَا من أَمْوَال من مَاتَ. وَقدم الْخَبَر بِأَن الْأَمِير جلبان المستقر فِي نِيَابَة حلب وصل إِلَى الرملة فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 401 ثَالِث عشرينه وَسبب ذَلِك أَن تغرى برمش إستدعى جمَاعَة كَثِيرَة من التركمان إِلَى حلب فَأتوهُ وَعمل مكحلة عَظِيمَة من نُحَاس ليرمى بهَا على القلعة وإستمال من أهل القلعة جمَاعَة. بِمَال كيبر بذله لَهُم ليمكنوه مِنْهَا وَشرع فِي حِصَار القلعة وَأخذ ينقب مَوَاضِع من أَسْفَلهَا والقتال بَينه وَبَين من فِيهَا مُسْتَمر إِلَى أَن فطن الْأَمِير حطط الدقماقى نَائِب القلعة بِمن وَافق تغرى برمش من القلية فَقبض عَلَيْهِم وَرمى ببعضهم عَلَيْهِ فِي المنجنيق وَقتل جمَاعَة مِنْهُم وعلق رؤوسهم على القلعة ففات تغرى برمش قَصده وجد فِي النقب والحصار حَتَّى كَاد يشرف على أَخذ القلعة أَو أشرف فاتفق أَنه نَادَى فِي الْمَدِينَة بالأمان فَكَأَنَّمَا ألقِي فِي آذان النَّاس بالنهب فثارت الْعَامَّة عِنْد ذَلِك بأسلحتها وأحاطت بدار السَّعَادَة حَيْثُ سكن تغرى برمش فَلم يثبت وَخرج فَارًّا يُرِيد أَن يخرج من الْمَدِينَة حَتَّى وقف خَارج السُّور فِي نَحْو الْأَرْبَعين فَارِسًا وَقد نهبت الْعَامَّة جَمِيع مَا كَانَ بدار السَّعَادَة من المَال وَالسِّلَاح وَغير ذَلِك وإمتدت أَيْديهم إِلَى أَتبَاع تغرى برمش يَقْتُلُونَهُمْ أفحش قتل وينهبون مَا تصل أَيْديهم إِلَيْهِ وَذَلِكَ فِي يَوْم الثُّلَاثَاء عَاشر رَمَضَان بَعْدَمَا حوصرت القلعة ثَلَاثَة عشر يَوْمًا وتلاحق عدَّة من أَصْحَاب تغرى برمش بِهِ فَسَار يُرِيد طرابلس وإنضم إِلَيْهِ الْأَمِير طرعلى بن صقل سيز التركمانى فَلَمَّا قَارب مَدِينَة طرابلس لم يثبت الْأَمِير جلبان وَخرج مِنْهَا نَحْو الرملة وَقد جد فِي سيره حَتَّى دَخلهَا فِي سادس يَوْم فَدخل تغرى برمش طرابلس فِي عشرينه وَأخذ من أَهلهَا مَالا كَبِيرا وَأما جلبان فَإِنَّهُ إنضم إِلَى من بالرملة من الْأَمِير أينال الأجرود نَائِب صفد والأمير طوغان نَائِب الْقُدس والأمير طوخ مازى نَائِب غَزَّة وَكَتَبُوا يستدعون السُّلْطَان للمسير بِنَفسِهِ بعد تجهيز العساكر بَين يَدَيْهِ سَرِيعا. وَكَانَ الَّذِي قدم بِهَذَا الْخَبَر صرغتمش دوادار الْأَمِير جلبان فَخلع عَلَيْهِ فِي يَوْم الْأَحَد تَاسِع عشرينه وإستقر دوادارًا بحلب عوضا عَن الْأَمِير سودون النوروزى. وَفِيه قدم الْأَمِير جَانِبك المحمودى رَأس نوبَة المتوجه لتقليد قانباى الحمزاوى نِيَابَة طرابلس بعد أَن وصل إِلَى الرملة وَلم يتَمَكَّن من الْوُصُول إِلَى حماة فأثارعند قدومه شرورًا لَهَا مَا بعْدهَا فَإِنَّهُ زعم أَنه ظفر بكتب جمَاعَة من الْأُمَرَاء وَغَيرهم إِلَى الثائرين بِبِلَاد الشَّام أوقف عَلَيْهَا السُّلْطَان. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سلخه: عملت الخدمهَ بِالْقصرِ على الْعَادة وَنزل النَّاس إِلَى دُورهمْ فَبلغ السُّلْطَان أَن الْملك الْعَزِيز فقد من دَاره بالقلعة فَاشْتَدَّ قلقه وتزايد إضطرابه وإستدعى الْأُمَرَاء والمباشرين وأعلمهم بذلك فماج النَّاس وَكَثُرت أقاويلهم وترقبوا وُقُوع فتْنَة كَبِيرَة وَكَانَ سَبَب ذَلِك أَن الْعَزِيز لما خلع أنزل فِي بعض دور القلعة من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 402 دَاخل بَاب الستارة حَيْثُ سُكْنى الْحَرِيم السلطانى وأقرت عِنْده دادته الَّتِي ربته من صغره وَمَعَهَا عدَّة جوارى للعزيز مَا بَين سرارى لَهُ وخدم ومكنت مرضعته من التَّرَدُّد إِلَيْهِ وَالْإِقَامَة عِنْده مَا أَحبت وَكَانَ الْقَائِم بأَمْره فِي قبض مَا رتب لَهُ على السُّلْطَان من لحم ودجاج وأوز وحلوى فِي كل يَوْم وَمَا فرض لَهُ من أوقاف أَبِيه فِي كل شهر طواشي من عُتَقَاء أمه خوند جلبان هندي لم يبلغ الْعشْرين سنة اسْمه صندل فِيهِ يقظة وكيس فإحتوى على جَمِيع أَحْوَاله لإنفراده بخدمته وَكَانَ يشاع غير مرّة الإرجاف بكحل الْعَزِيز وبنقله إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَهُوَ يخبر الْعَزِيز بذلك فيرتاع لَهُ إِلَى أَن إشتهر أَن بعض الْقُضَاة أفتى بِأَن فِي قتل الْعَزِيز حقن الدِّمَاء وصيانة الْأَمْوَال فَلم يطق صندل صبرا على كتمان ذَلِك وَأكْثر من إلقائه إِلَى الْعَزِيز وترويعه وتحسين الْفِرَار إِلَى أَن إنفعل لَهُ وَكَانَ للعزيز طباخ أَيَّام أَبِيه فداخله صندل فِي إِخْرَاج الْعَزِيز فوافقه على أَنه ينْهض بِإِخْرَاجِهِ وشرعت جوارى الْعَزِيز فِي نقب مَوضِع من الدَّار بمساعدة الطباخ من خَارج حَتَّى تهَيَّأ هَذَا وصندل يحدث جمَاعَة من الأشرفية فِي الْقيام مَعَه إِذا خرج وَذَلِكَ أقْصَى مُرَادهم وَغَايَة أملهم فاتعدوا لذَلِك حَتَّى كَانَ وَقت الْإِفْطَار فِي لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ وَالنَّاس فِي شغل بأكلهم وقف الطباخ من خَارج النقب فَخرج الْعَزِيز عُريَانا مَكْشُوف الرَّأْس فألبسه الطباخ من خلقانه ثوبا مملوءًا بالدهن وَسَوَاد الْقُدُور وَجعل على رَأسه قدرا وَحمله على يَده وعَاء فِيهِ طَعَام بعد أَن غير محَاسِن وَجهه وَبَيَاض يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ بسواد الْقُدُور وَخرج وَهُوَ مَعَه كَأَنَّهُ من جملَة صبيان المطبخ فَلم يفْطن أحد لَهُ حَتَّى خرج من بَاب القلعة وَقد خرج الْأُمَرَاء من الْفطر من عِنْد السُّلْطَان فَضرب الطباخ الْعَزِيز ضَرْبَة مُنكرَة وصادى بِهِ ليرد بذلك الْوَهم فَمشى بَين الْأُمَرَاء على تِلْكَ الْهَيْئَة إِلَى أَن نزل من بَاب القلعة فَإِذا صندل وطوغان الزردكاش وأزدمر فِي آخَرين من المماليك غير كثير فقبلوا يَده ومضوا بِهِ إِلَى دَار بَعضهم. وَكَانَ فِي ظن الْعَزِيز ودادته وجواريه أَنه إِذا نزل من القلعة يجد مماليكه ومماليك أَبِيه مستعدين لَهُ فإمَّا يحارب بهم وَإِمَّا يتَوَجَّه إِلَى الشَّام فَلَمَّا لم ير مِنْهُم مَا كَانَ يؤمل أَرَادَ أَن يعود إِلَى مَوْضِعه وليته عَاد فَلم يمكنوه وَقَامَ طوغان فِي مَنعه من التَّوَجُّه إِلَى الشَّام وإلتزم أَنه يمْضِي إِلَى بِلَاد الصَّعِيد ويأتى بِمن هُنَاكَ من المماليك الأشرفية فِي التجريدة لقِتَال هوارة وهم سَبْعمِائة فَارس ومضي من ليلته فَكَانَ من أمره مَا سيأتى ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وإختفى الْعَزِيز هُوَ وطواشيه صندل الْهِنْدِيّ ومملوكه أزدمر وطباخه وَصَارَ ينْتَقل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 403 من مَوضِع إِلَى مَوضِع وَالْقَوْم فِي طلبه فمرت بِهِ فِي مُدَّة إختفائه أهوال وشدائد حَتَّى قبض عَلَيْهِ كَمَا سنراه إِن شَاءَ الله تَعَالَى. شهر شَوَّال أَوله الثُّلَاثَاء: فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء: كَانَت بالقلعة حركات مزعجة خرج فِيهَا السُّلْطَان من الدّور إِلَى الْقصر وإجتمع مَعَه من ثقاته غير وَاحِد ومرج أَيْضا أَمر من كَانَ تَحت القلعة فصلى السُّلْطَان صَلَاة الْعِيد بِالْقصرِ وَهُوَ على تخوف وَقد وقف جمَاعَة بِالسِّلَاحِ مصليتا على رَأسه حَتَّى قضى صلَاته ثمَّ صعد قَاضِي الْقُضَاة شيخ الْإِسْلَام شهَاب الدّين أَحْمد بن حجر بَعْدَمَا صلى إِمَامًا على كرسى فَخَطب وأوجز فِي خطبَته كَمَا أسْرع فِي صلَاته فَمَا هُوَ إِلَّا أَن فوغ من الْخطْبَة إِذْ جَاءَ الْخَبَر بِأَن الْأَمِير أينال قد تسحب لَيْلًا فَعظم الْخطب وَجل الْأَمر وَكَانَ سَبَب ذَلِك أَن الطَّائِفَة المؤيدية لم يكن لَهَا فِي أَيَّام الْأَشْرَف برسباى كَبِير حَظّ مِنْهُ فَلَمَّا مَاتَ خَافت المؤيدية من الأشرفية وإنضموا إِذْ ذَاك على الْأَمِير نظام الْملك جقمق وَقَامُوا بأَمْره حَتَّى كَانَ من أمره مَا تقدم ذكره وَأخرج الأشرفية إِلَى السجْن بالإسكندرية وَإِلَى الْحجاز وَإِلَى الصَّعِيد فأهينوا بعد عزمهم وإتضع جانبهم بعد رفعتهم وَصَارَ المؤيدية هِيَ الْمشَار إيها وإليهم الْحل وَالْعقد فجدوا فِي الإغراء بالعزيز كي يستريحوا من الأشرفية فَإِنَّهُم غير آمِنين من ثورتهم وَإِقَامَة الْعَزِيز. فَلَمَّا قَامَ الْأَمِير أينال الجكمى بِدِمَشْق ودعا للعزيز وَحلف أُمَرَاء دمشق على طَاعَته وَكَانَ الْأَمِير تغرى برمش أيضاًَ مِمَّن يمِيل إِلَى الْعَزِيز شقّ ذَلِك على المؤيدية وَعَلمُوا أَنهم مقتولون شَرّ قتلة إِن كَانَت للعزيز دولة فَأخذُوا فِي التحريض على قَتله حَتَّى إشتهر أَنه إِذا فرغ شهر رَمَضَان أمضى فِيهِ مَا أرادوه ففر الْعَزِيز لما خامر قلبه من الْخَوْف الشَّديد وَخَافَ الْأَمِير أينال أَن يتهم بِهِ وإجتمع عِنْده فِي لَيْلَة الْعِيد عدَّة من الأشرفية فَلم ينْهض بِشَيْء لخوره وَضَعفه وتركهم وَخرج من جَانب دَاره على بغل فِي ظلام اللَّيْل ثمَّ نزل عَن الْبَغْل وَمضى على قَدَمَيْهِ فَلم يعلم خَبره فَلَمَّا بلغ السُّلْطَان تسحبه أَمر فَنُوديَ بِالْقَاهِرَةِ أَلا يتَخَلَّف أحد من المماليك عَن الْخدمَة وهدد من تخلف بِالْقَتْلِ وَقبض على جمَاعَة من المماليك الأشرفية ثمَّ نُودي أَيْضا بإصلاح النَّاس الدروب وغلقهم أَبْوَاب دُورهمْ وَألا يخرج أحد إِلَى الشوارع بعد عشَاء الْآخِرَة وغلقت أَبْوَاب الْقَاهِرَة قبل عَادَة إغلاقها من اللَّيْل فَكَانَت لَيْلَة هَذَا الْعِيد ويومه من الْأَوْقَات النكدة حَتَّى كَأَنَّهُ لَيْسَ بعيد. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 404 وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثالثه: خلع على الْأَمِير تنبك بن تنبك وإستقر أَمِير الْحَاج عوضا عَن أينال وخلع على قراجا البواب وإستقر فِي ولَايَة الْقَاهِرَة عوضا عَن عَلَاء الدّين على بن مُحَمَّد بن الطبلاوى فباشر الْولَايَة بعسف وخلع على الْأَمِير ممجق وإستقر فِي نِيَابَة القلعة. وَفِيه قبض على عدَّة من الأشرفية. وَفِيه دقَّتْ البشائر عِنْد وُرُود كتاب الْأَمِير حطط نَائِب قلعة حلب بكسرة تغرى برمش وَخُرُوجه من حلب كَمَا تقدم ذكره. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة: رابعه سَار عَسْكَر من الْقَاهِرَة تزيد عدته على سبعين فارلسًا يُرِيدُونَ الْمحلة الغربية لمسك الْأَمِير قراجا الأشرفي. وَفِي يَوْم السبت خامسه: أخذت خُيُول الْأَمِير أركماس الظَّاهِرِيّ الدوادار وعزل من الدوادارية الْكُبْرَى وَأخذ إقطاعه وَأخرج من دَاره وَأخذت خُيُول الْأَمِير قراجا وإقطاعه وشون غلاله. وَفِيه قبض الْعَسْكَر المتوجه على الْأَمِير قراجا وَحمل فِي الْحَدِيد إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجن بهَا. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سابعه: نُودي بِأَن من وجد أحدا من غُرَمَاء السُّلْطَان وطلع بِهِ فَلهُ خَمْسمِائَة دِينَار وإقطاع وَمن غمز عَلَيْهِ أَنه أخْفى أحدا مِنْهُم حل مَاله وَدَمه هَذَا والمؤيدية قد تجردت للفحص عَن الْعَزِيز وَعَن أينال وَعَن المماليك الأشرفية فِي جَمِيع الْأَمَاكِن وَقبض على الغلمان حَتَّى دلوهم على أَمَاكِن بَعضهم. وصاروا يكبسون الدّور والترب وديارات النَّصَارَى والبساتين وضواحي الْقَاهِرَة ومصر ويرون بِاللَّيْلِ فِي الْأَزِقَّة متنكرين إِلَى غير ذَلِك من أَنْوَاع الفحص والتفتيش فَإِنَّهُم صَارُوا هم الدولة فِي هَذِه الْأَيَّام الظَّاهِرِيَّة وَللَّه در الْقَائِل: وَإِذا سخر الْإِلَه أُنَاسًا لسَعِيد فَإِنَّهُم سعداء وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامنه: أنعم بإقطاع الْأَمِير قراجا على الْمقَام الناصري مُحَمَّد ابْن السُّلْطَان وبإقطاع الْأَمِير أركماس الدوادار على الْأَمِير أسنبغا الطيارى وبإقطاع الجزء: 7 ¦ الصفحة: 405 الْأَمِير أينال على الْأَمِير جرباش قاشق من عبد الْكَرِيم أَمِير مجْلِس وأنعم بإقطاع جرباش هَذَا على الْأَمِير شادي بك الظَّاهِرِيّ ططر وبإقطاع شادي بك على الْأَمِير جرباش كرت المحمدي وبإقطاع أسنبغا الطيارى على الْأَمِير دولات باى الساقي الْمُؤَدِّي وَهُوَ جَمْرَة من جمراتهم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 406 وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء تاسعه: دقَّتْ البشائر لوُرُود الْخَبَر من نَائِب غَزَّة بقدوم الْأَمِير برسباى الْحَاجِب بِدِمَشْق والأمير أينال الششمانى إِلَى الرملة مفارقين لأينال الجكمى. ثمَّ ظهر كذب هَذَا الْخَبَر. هَذَا والأشرفية يقبض عَلَيْهِم وتساق خيولهم وبغالهم إِلَى الإصطبل السلطاني وَيكْتب إِلَى وَفِي يَوْم الْخَمِيس عاشره: برز الْأَمِير أقبغا التمرازى نَائِب الشَّام بِمن مَعَه إِلَى الريدانية خَارج الْقَاهِرَة. وَفِيه خلع على الْأَمِير تمراز أَمِير أخور وإستقر أَمِير سلَاح عوضا عَن الْأَمِير يشبك الْمُجَرّد إِلَى بِلَاد الصَّعِيد وَأنزل من الاصطبل وَسكن بالحراقة مَكَانَهُ الْمقَام الناصري مُحَمَّد ابْن السُّلْطَان وَكتب للأمير يشبك بإستقراره أَمِيرا كَبِيرا أتابك العساكر عوضا عَن الْأَمِير أقبغا التمرازى نَائِب الشَّام وخلع على الْأَمِير قراقجا الْحسنى رَأس نوبَة النوب وإستقر أَمِير أخور عوضا عَن الْأَمِير تمراز وخلع على الْأَمِير تمرباى نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة كَانَ وإستقر رَأس نوبَة النوب عوضا عَن قراقجا الْحسنى وخلع على الْأَمِير تغرى بردى المؤذى حَاجِب الْحجاب وإستقر دوادارًا كَبِيرا عوضا عَن أركماس الظَّاهِرِيّ فباشر الدوادارية بتجبر وترفع زَائِد وخلع على الْأَمِير دولات باى المؤيدي الساقي أحد أُمَرَاء الطبلخاناه وأمير أخور ثَانِي وإستقر دوادارًا ثَانِيًا عوضا عَن أسنبغا الطياري وخلع على الْأَمِير جرباش كرت رَأس نوبَة وإستقر أَمِير أخور ثَانِي عوضا عَن دولات باى. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 407 وَفِيه قدم الْأَمِير يُونُس المؤيدي من دمشق فَارًّا من أينال الجكمى فَأكْرم وأنعم عَلَيْهِ. وَفِي يَوْم السبت ثَانِي عشره: إستقل الْأَمِير أقبغا التمرازى نَائِب الشَّام بِالْمَسِيرِ من الريدانية. وَفِيه نفى نور الدّين على بن أَحْمد السويفى إِمَام الْأَشْرَف برسباى إِلَى دمياط. وَفِيه دقَّتْ وَفِي يَوْم الْأَحَد ثَالِث عشره: كَانَ مسير العساكر المخيمة بالرملة إِلَى جِهَة دمشق. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ رَابِع عشره: إستقل الْأَمِير قراقجا الْحسنى أَمِير أخور ومقدم الْعَسْكَر بِالْمَسِيرِ من الريدانية بِمن مَعَه من الْأُمَرَاء والمماليك وعدتهم سِتّمائَة وَخَمْسُونَ فَارِسًا. وَفِيه ورد الْخَبَر بِأَن أينال الجكمى برز مخيمه إِلَى ظَاهر مَدِينَة دمشق فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْخَمِيس ثَالِث شَوَّال هَذَا عزم على الْخُرُوج من الْمَدِينَة إِلَى المخيم ليسير نَحْو الْقَاهِرَة فَركب عَلَيْهِ من أُمَرَاء دمشق الْأَمِير برسباى الْحَاجِب والأمير قانباى البهلوان الأتابك فِي عدَّة أُمَرَاء وقاتلوه خَارج الْمَدِينَة فَقَاتلهُمْ وَهَزَمَهُمْ فوقفوا لحربه ثَانِيًا فَهَزَمَهُمْ بعد وقْعَة أُخْرَى فإمتنعوا بالقلعة وَقد جرح مِنْهُم جمَاعَة فَأخذ خيولهم وَأَمْوَالهمْ وَنزل بالميدان وأبطل الْحَرَكَة للسَّفر وَسبب هَذِه الْحَرَكَة أَنه كتبت ملطفات سلطانية إِلَى أُمَرَاء دمشق وجهزت إِلَى الْأَمِير خشكلدى نَائِب قلعة صفد فَبعث بهَا على يَد نَصْرَانِيّ إِلَى بهاء الدّين مُحَمَّد بن نجم الدّين عمر بن حجى كَاتب السِّرّ ففرقها فِي الْأُمَرَاء وإستمالهم حَتَّى وافقوا على الرّكُوب على أينال الجكمى وَأَخذه ثمَّ إختفي من ليلته فَرَكبُوا هم من الْغَد وَكَانَ من أَمرهم مَا ذكر. وَلما ورد هَذَا الْخَبَر تفرس من لَهُ بصر بالأمور وإطلاع على أَحْوَال الْوُجُود بِأَن أَمر أينال الجكمى لَا يتم فَإِنَّهُ أَخطَأ الرَّأْي أَولا فِي الْقَبْض على الْأُمَرَاء لظَنّه بهم السوء ثمَّ إِطْلَاقهم وَالرُّكُوب إِلَيْهِم حَتَّى إِذا أمكنتهم الفرصة وَثبُوا عَلَيْهِ ليقتلوه فَكَانَت لَهُ عَلَيْهِم وأنى يفلح ملك لَا توافقه أعوانه. هَيْهَات ثمَّ هَيْهَات لَا يكون ذَلِك أبدا. وَفِيه ورد الْخَبَر بِأَن الْأَمِير يشبك المستقر أتابك العساكر إنتهى بِمن مَعَه من الْأُمَرَاء والمماليك فِي طلب هوارة إِلَى مَدِينَة إسنا فَلم يَقع بهم وَأَنه رَجَعَ بالعسكر إِلَى مَدِينَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 408 هُوَ فَقدم عَلَيْهِ عدَّة من الْمَشَايِخ الصلحاء وَمَعَهُمْ طَائِفَة من مَشَايِخ هوارة راغبين فِي الطَّاعَة وحلفوا على ذَلِك وَأَنه قدم على الْعَسْكَر فِي يَوْم الْأَحَد سادسه طوغان الزردكاش أحد الدوادارية ودعا الْعَسْكَر إِلَى طَاعَة الْملك الْعَزِيز وَالْقِيَام بنصرته فَإِنَّهُ أخرجه من حَيْثُ كَانَ مَحْبُوسًا وَنزل من القلعة وإجتمع عَلَيْهِ جمَاعَة من مماليكه فَلم يوافقوا على ذَلِك وحلفوا أَنهم مقيمون على طَاعَة السُّلْطَان. فدقت البشائر لذَلِك وخلع على الْوَاصِل بِهَذَا الْخَبَر وَأجِيب بِحمْل طوغان فِي الْحَدِيد وَكَانَ قد وصل الْخَبَر قبل ذَلِك بتوجه طوغان هَذَا إِلَى بِلَاد الصَّعِيد وَكتب بِحمْلِهِ. وَفِيه كتب توقيع بإسثقرار أَبى السعادات بن ظهيرة فِي خطابة الْحرم عوضا عَن أَبى الْيمن ابْن النويري قَاضِي مَكَّة وجهز إِلَيْهِ ثمَّ بَطل ذَلِك وَكتب بإستقرار أَبى الْيمن فِي الخطابة مَعَ وَظِيفَة الْقَضَاء. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء سادس عشره: ورد الْخَبَر من الْأَمِير يشبك بِأَنَّهُ نَازل على مَدِينَة أسيوط وَأَن يُونُس الخاصكى ورد عَلَيْهِ بمرسوم شرِيف يتَضَمَّن الْقَبْض على طوغان قَاصد الْعَزِيز وَأَن المماليك لم يمكنوه من ذَلِك فَكثر القلق لوُرُود هَذَا الْخَبَر وخشي النَّاس وُقُوع الْفِتْنَة ظنا بالأشرفية أَنهم رجال وَإِذا هم أشبه بربات الحجال. وَفِيه قدم قَود الشريف بركان بن حسن بن عجلَان أَمِير مَكَّة شرفها الله وَهُوَ خَمْسَة أَفْرَاس وطواشيان وجاريتان وَمِائَتَا شاش وقطعتا ياقوت أَحْمَر زنتهما خَمْسَة عشر قيراطَا وَقطعَة مَاس زنتها تِسْعَة عشر قيراطًا وَنصف. وَفِيه قدم الشريف عقيل بن وبير بن نخبار أَمِير يَنْبع الْمَعْزُول بصحرة يسْعَى فِي الإمرة فوعد بِخَير. وَفِيه قبض على الْأَمِير أركماس الظَّاهِرِيّ الْمَعْزُول عَن الدوادارية الْكُبْرَى وَأخرج منفيًا إِلَى دمياط. وَفِي هَذَا الشَّهْر: وَقع فِي النَّاس بِالْقَاهِرَةِ الْمَوْت بالطاعون وَبَلغت عدَّة من رفع اسْمه من ديوَان الْمَوَارِيث بِالْقَاهِرَةِ فِي هَذَا الْيَوْم أحد وَعِشْرُونَ إنْسَانا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 409 وَفِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشره: خلع على الْأَمِير تنبك بن تنبك أحد الْأُمَرَاء الألوف وإستقر حَاجِب الْحجاب عوضا عَن الْأَمِير تغرى بردى المؤذى الْمُنْتَقل إِلَى الدوادارية الْكُبْرَى. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: كبست عدَّة أَمَاكِن فِي طلب الْعَزِيز وَقبض على جمَاعَة من الأشرفية لِكَثْرَة الإرجاف بِخُرُوج من فِي بِلَاد الصَّعِيد من المماليك عَن الطَّاعَة وَأَنَّهُمْ عَادوا يُرِيدُونَ الْقَاهِرَة فمنعت المراكب من التَّعْدِيَة فِي النّيل بِكَثِير من النَّاس وَكثر الفحص والتفتيش حَتَّى كبست الْبَسَاتِين والترب وغلقت بعض أَبْوَاب الْقَاهِرَة نَهَارا وَأخذ أهل الدولة من الْأُمَرَاء وَمن بالقلعة فِي الاستعداد للحرب هَذَا مَعَ مَا فِي الْوَجْه البحري من الوباء الشنيع فِي سرعَة الموتان الْوَحْي السَّرِيع وَكَثْرَة عدَّة الْأَمْوَات لَا سِيمَا فِي الْأَطْفَال وَالْعَبِيد وَالْإِمَاء بِحَيْثُ مَاتَ من قَرْيَة وَاحِدَة مِائَتَا صَغِير من أَوْلَاد أَهلهَا وَحل بالتجار فِي الْإسْكَنْدَريَّة ضيق شَدِيد وبلاء عَظِيم بِسَبَب رمى الفلفل السلطاني عَلَيْهِم. وَنزل بِأَهْل الْقَاهِرَة ومصر خوف شَدِيد بِسَبَب إختفاء الأشرفية وتطلبهم فَإِذا طرقت جِهَة من الْجِهَات حل بِأَهْلِهَا من أَنْوَاع الْبلَاء مَا لَا يُوصف من النهب وَالْهدم والعقوبة والغرامة سَوَاء وجد الْمَطْلُوب أَو لم يُوجد فَمَا بقى أحد إِلَّا وخامر قلبه الْخَوْف خشيَة أَن يرميه عَدو لَهُ أَو حَاسِد لنعمته أَنه أخْفى أَحدًا من الأشرفية فَلَا تتروى المؤيدية فِي أمره وَلَا تتمهل بل تطرقه بَغْتَة وتنزل بِهِ فَجْأَة وَقد تبعها من غوغاء الْعَامَّة عدد كالجراد الْمُنْتَشِر وتهجم دَاره ودور من حوله فَيكون شَيْئا مهولاً وَكَثِيرًا مَا فعلوا ذَلِك فَلم يَجدوا أحدا وَكَانَ من الْبلَاء مَا كَانَ حَتَّى أَنه هجم بعض الْمدَارِس ونهبت وَكسر أَبْوَاب بيوتها ونبش قبر كَانَ بهَا فَلم يُوجد بهَا أحد وَمَعَ ذَلِك كُله فالغلال ترمى على النَّاس من الدِّيوَان فَلَا يقدر على ذِي الجاه وَيهْلك الضَّعِيف من كَثْرَة الغرامة. وَفِي يَوْم السبت تَاسِع عشره: برز الْمحمل إِلَى الريدانية خَارج الْقَاهِرَة صُحْبَة الْأَمِير تنبك المستقر حَاجِب الْحجاب فِي عدَّة من المماليك السُّلْطَانِيَّة ثمَّ تبعه الْحجَّاج شَيْئا بعد شَيْء. وَفِيه ورد الْخَبَر بِالْقَبْضِ على طوغان الزردكاش وَحمله فِي الْحَدِيد فَقدم فِي آخر النَّهَار وَكَانَ من خَبره أَن الأشرفية من حِين كَانَت وقْعَة قرقماس لم يزَالُوا فِي إدبار وَتَقَدَّمت المؤيدية عَلَيْهِم كَمَا تقدم ذكره فَأخذُوا فِي التَّدْبِير لأَنْفُسِهِمْ بِغَيْر معرفَة وَلَا حَظّ يسعدهم فأخرجوا الْعَزِيز من مَوْضِعه وأضاعوه ثمَّ قَامُوا مَعَ الْأَمِير أينال ليثوروا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 410 لَيْلًا فَلَمَّا فطن بهم لعدم تحفظهم وَقلة دربتهم تسللوا من دَار أينال وَقد كَاد يدركهم الطّلب من السُّلْطَان فَلَمَّا وصل طوغان من عِنْد الْعَزِيز لم يحسن التَّصَرُّف فِيمَا إنتدب لَهُ فَإِنَّهُ إشتهر فِي مسيره ثمَّ لما وصل إِلَى من قصدهم أعلم المماليك بِأَن الْعَزِيز خرج من سجنه وَنزل من القلعة فإجتمع عَلَيْهِ الْقَوْم وَأَنه محاصر للقلعة فأدركوه فهيج هَذَا القَوْل مِنْهُ حفائظهم وحرك كوامنهم هَذَا وَقد ضيع نَفسه بشهرته فِي مُدَّة توجهه من عِنْد الْعَزِيز إِلَيّ أَن وصل إِلَى المماليك. وَقد بلغ السُّلْطَان خَبره ومروره بالبلاد الَّتِي نزل بهَا فِي سَفَره فَكتب بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ فَلم يُدْرِكهُ الطّلب حَتَّى وصل وروج على أَصْحَابه بِمَا لَا حَقِيقَة لَهُ فبادر الْأَمِير يشبك بمطالعة السُّلْطَان بِخَبَر طوغان ثمَّ ترادفت كتب السُّلْطَان وأخبار الْمُسَافِرين بِمَا تبين بِهِ كذب طوغان وَأَن الْعَزِيز مخفي والمواضع تكبس عَلَيْهِ فإنحل مَا عقده طوغان فِي أنفس المماليك وَأثبت مَا كَانَ قد أوثقه بِأَيْدِيهِم هَذَا وَقد توجهوا من أسيوط يُرِيدُونَ الْقَاهِرَة ليدركوا الْعَزِيز بزعمهم فمازال الْأَمِير يشبك يستميلهم ويخوفهم حَتَّى أسلموه طوغان بعد إباء وإمتناع أفْضى بِهِ وبهم أَن جمع عَلَيْهِ الكاشف بِالْوَجْهِ القلبي وَعدد كَثِيرَة من عربان الطَّاعَة وهم بمحاربتهم فَلم تكن لَهُم طَاقَة. بمحاربته وَتبين لَهُم فَسَاد مَا بنوا عَلَيْهِ أَمرهم فأذعنوا عِنْد ذَلِك وقادوه برمتِهِ حَتَّى حمل فِي الْحَدِيد وَرَجَعُوا مَعَ الْأَمِير يشبك إِلَى نَاحيَة جرجا فَبَطل مَا كَانُوا يعلمُونَ وَالله لَا يصلح عمل المفسدين. وعندما وصل طوغان تولى عُقُوبَته المؤيدية فَمَا عفوا وَلَا كفوا بل أنزلوا بِهِ أَنْوَاع الْعَذَاب الْمُتْلف مَا بَين ضرب وعصر وَغير ذَلِك حَتَّى أشفى على الْمَوْت وعوقب مَعَه ثَلَاثَة نفر فأجتمع من إقرارهم أَن إِبْرَاهِيم الطباخ لما أخرج الْعَزِيز بعد الْمغرب نزل من مَوضِع بالمصنع تَحت القلعة وَقد إجتمع عَلَيْهِ عدَّة من المماليك ليسرروا بِهِ إِلَى الشَّام ثمَّ إنصرفوا عَن هَذَا الرَّأْي وَتوجه طوغان ليَأْتِي بالمماليك من الصَّعِيد. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي عشرينه: أخرج بطوغان مَحْمُولا لعَجزه عَن الْحَرَكَة من شدَّة الْعقُوبَة حَتَّى وسط عِنْد بَاب السلسلة. وَمن الْعجب أَن طوغان هَذَا مَاتَ الْأَشْرَف وَهُوَ من جملَة الزردكاشية فإستحال على خشداشيته وَصَارَ من جملَة الْأَمِير أينال وانتمى مَعَه إِلَيّ السُّلْطَان وَهُوَ إِذا ذَاك أَمِير وإختص بِهِ فعمله من جملَة الدوادارية ثمَّ إستحال على السُّلْطَان وَأخرج الْعَزِيز فَكَانَت منيته على يَده. هَذَا وَالْبَلَاء يشْتَد على النَّاس بِسَبَب الْعَزِيز فَقبض على جمَاعَة وسجن جمَاعَة وعوقب كثير من النَّاس. وَفِي هَذَا الْيَوْم: إستقل الركب الأول بِالْمَسِيرِ من بركَة الْحجَّاج بَعْدَمَا فتش ا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 411 لحجاج. ثمَّ إستقل الْمحمل بِالْمَسِيرِ مَعَ أَمِير الْحجَّاج بِبَقِيَّة الْحجَّاج فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَالِث عشرينه. وَفِيه قبض على سر النديم الحبشية دادة الْعَزِيز بَعْدَمَا كبس عَلَيْهَا عدَّة بيُوت وعوقب جمَاعَة ثمَّ قبض على الطواشي صندل الْهِنْدِيّ فتحقق مِنْهُمَا أَن الْعَزِيز وأينال لم يخرجَا من الْبَلَد وَأَن الَّذِي أشيع بَين النَّاس من توجههما إِلَى الشَّام كذب وَأَن الْعَزِيز لم يجْتَمع مَعَ أينال وَأَنه كَانَ هُوَ وصندل هَذَا وطباخه إِبْرَاهِيم ومملوكه أزدمر بِغَيْر زِيَادَة على هَؤُلَاءِ ينْتَقل وهم مَعَه من مَوضِع إِلَى مَوضِع وَأَن صندل فَارقه من أَرْبَعَة أَيَّام وَقد طرده أزدمر الْمَذْكُور فَدفع إِلَيْهِ الْعَزِيز خمسين دِينَارا فَانْصَرف عَنْهُم وَصَارَ يتَرَدَّد إِلَى بيُوت معارفه فِي زِيّ امْرَأَة فَلم يؤوه أحد حَتَّى دخل على بعض معارفه فِي اللَّيْل فأوته حَتَّى أصبح فَدلَّ زَوجهَا عَلَيْهِ حَتَّى أمسك وعوقب ثمَّ سجن. وَطلبت خوند مغل إبتة الْبَارِزِيّ دادة الْعَزِيز فَسلمت لَهَا من غير عُقُوبَة فأقامت عِنْدهَا وَقبض على مُرْضِعَة الْعَزِيز وعَلى زَوجهَا وَبَعض أقَارِب زَوجهَا وعَلى جماعات من الرِّجَال وَالنِّسَاء مِمَّن كَانَ من جواري الْأَشْرَف أَو من معارفهن وَمِمَّنْ آتهم بِأَنَّهُ معرفَة لإِبْرَاهِيم الطباخ وتعدى الْحَال إِلَى امْرَأَة مسكينة تزْعم أَن لَهَا تَابعا من الْجِنّ يخبرها مِمَّا يكون فتتكسب بذلك من النسوان وَمن فِي معناهن من ضعفة الرِّجَال مَا تقيم بِهِ بعض أودها: وَذَلِكَ أَنه وشي بهَا إِلَى أحد المؤيدية أَن بعض الطواشية كَانَ يتَرَدَّد إِلَيْهَا فتخبره أَن الْعَزِيز يعود إِلَى ملكه فَقبض على هَذِه المسكينة وعَلى عدَّة من يلوذ بهَا وعوقبت وَكَانَ الطواشي الَّذِي قيل عَنهُ أَنه يَأْتِي إِلَيْهَا فتخبره بِعُود ملك الْعَزِيز إِلَيْهِ قد توجه لِلْحَجِّ مَعَ الركب فَكتب بضربه وَحمله إِلَى الْقَاهِرَة فَضرب ثمَّ شهر فِي الركب وَكَانَ قد كتب لإعفائه من الضَّرْب وَالْعود إِلَى الْقَاهِرَة فَلم يُدْرِكهُ القاصد الثَّانِي حَتَّى ضرب وَشهر فَتوجه بعد ذَلِك إِلَى الْحَج. وَفِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشرينه: وسط مَمْلُوك أخر من الأشرفية عِنْد بَاب السلسلة. وَفِيه عزل الْأَمِير فَيْرُوز الجركسي زِمَام الدَّار من أجل أَنه فرط فِي الْحِرْص على الْعَزِيز حَتَّى كَانَ من أمره مَا كَانَ. وَعين عوضه الْأَمِير صفي الدّين جَوْهَر الخازندار. وَفِي لَيْلَة الْجُمُعَة وَيَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشرينه: كبست المؤيدية على مَوَاضِع مُتعَدِّدَة بِالْقَاهِرَةِ ومصر وظواهرهما وكبست دور الصاحب أَمِين الدّين بن الهيصم ودور جِيرَانه فِي طلب الْعَزِيز فَلم يُوجد وهرب الصاحب ثمَّ ظهر وخلع عَلَيْهِ بعد ذَلِك وَقد شَمل الْخَوْف كثيرا من النَّاس وكادت الْأَسْوَاق أَن تتعطل لِكَثْرَة الإرجاف بِأَن بيُوت النَّاس كَافَّة تكبس ويعاقبوا حَتَّى يظْهر الْعَزِيز. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 412 وَفِيه قدم من الصَّعِيد بضعَة عشر رَأْسا علقت على بَاب النَّصْر وَذَلِكَ أَن الْأَمِير يشبك لما قبض على طوغان وَبعث بِهِ كَمَا تقدم ذكره رَجَعَ بِمن مَعَه من المماليك والأمراء لمحاربة هوارة فَلَقِيَهُمْ على نَاحيَة بوتيج فِي حادي عشرينه وَقَاتلهمْ وَهَزَمَهُمْ بَعْدَمَا قتل مِنْهُم مَائه وَسِتِّينَ رجلا وَأخذ لَهُم مائَة فرس فَجهز من رُؤُوس أعيانهم سِتَّة عشر رَأْسا هَذَا وَقد خربَتْ بِلَاد الصَّعِيد ورعيت زروعها مَعَ مَا فِي أراضيها من الشراقي وَأكل الفأر الْكثير جدا مُعظم الزَّرْع وَهدم الْعَرَب الدواليب. وَفِي يَوْم السبت سادس عشرينه: خلع على الْأَمِير صفي الدّين جَوْهَر الخازندار وإستقر زِمَام الآدر السُّلْطَانِيَّة عوضا عَن الطواشي فَيْرُوز مُضَافا للخازندارية. وَفِي لَيْلَة الْأَحَد سَابِع عشرينه: قبض على الْملك الْعَزِيز وَذَلِكَ أَنه ضَاقَتْ عَلَيْهِ الْأَمَاكِن لِكَثْرَة مَا يكبس عَلَيْهِ وَهُوَ يتنقل من مَوضِع إِلَى مَوضِع آخر وَمَعَهُ أزدمر شاد شواب خاناته وصندل طواشيه وَإِبْرَاهِيم طباخه فطرد أزدمر صندل الطواشي ومازال بِهِ حَتَّى فارقهم من أَربع لَيَال ثمَّ طرد الطباخ وإنفرد هُوَ والعزيز فَيُقَال إِن الْعَزِيز بعث إِلَى خَاله أخي أمه وإسمه بيبرس ليختفي عِنْده فواعده على أَنه يَأْتِيهِ. وَخَافَ عَاقِبَة أمره فَأعْلم جَار لَهُ من المؤيدية يُقَال لَهُ يلبيه رَأس نوبَة بِأَمْر مَجِيء الْعَزِيز وَأَنه يقبح بِهِ أَن يكون مسكه على يَدَيْهِ وَلَكِن إفعل أَنْت ذَلِك. فترصده يلبيه حَتَّى مر بِهِ وَمَعَهُ أزدمر بعد عشَاء الْآخِرَه فِي خطّ زقاق حلب وهما فِي هَيْئَة مغربيين. فَوَثَبَ يلبيه بأزدمر ليقْبض عَلَيْهِ فإمتنع مِنْهُ فَضَربهُ أدْمى وَجهه وأعانه عَلَيْهِ أعوانه حَتَّى أوثقوه وَأخذُوا الْعَزِيز وَعَلِيهِ جُبَّة صوف وقادوه وأزدمر إِلَى بَاب السلسلة وصعدوا بهما إِلَى السُّلْطَان والعزيز حاف وَقد أَخذ رجل بأطواقه يسحبه وَجَمَاعَة مُحِيطَة بِهِ. فَأوقف بَين يَدي السُّلْطَان سَاعَة وَهُوَ يؤنبه ثمَّ سجن فِي مَوضِع حَتَّى أصبح وطلع الْأُمَرَاء وَغَيرهم إِلَى الْخدمَة فأعلموا بِخَبَر الْعَزِيز ثمَّ أدخلهُ السُّلْطَان إِلَى قاعة العواميد وأسلمه لزوجته خوند مغل بنت الْبَارِزِيّ وأمرها أَن تَجْعَلهُ فِي المخدع الْمعد لمبيت السُّلْطَان وَلَا تَبْرَح على بَابه وَأَن تتولى أَمر أكله وشربه وحاجاته بِنَفسِهَا فَأَقَامَ على ذَلِك حَتَّى نقل من المخدع كَمَا سَيَأْتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَأما أزدمر فَإِنَّهُ سجن بالبرج من القلعة حَيْثُ كَانَ صندل وَغَيره من الأشرفية وَلم يُوقف للطباخ على خبر وَيُقَال إِن الْعَزِيز دفع إِلَيْهِ مبلغ سِتّمائَة دِينَار وَدفع لصندل خمسين دِينَارا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 413 وَوجد مَعَ الْعَزِيز ثَمَانمِائَة دِينَار دفع السُّلْطَان مِنْهَا إِلَى يلبيه خَمْسمِائَة دِينَار ولمملوكه الَّذِي عاونه فِي الْقَبْض على أزدمر مائَة دِينَار وَفرق بَاقِي ذَلِك وَنزع عَن الْعَزِيز مَا كَانَ عَلَيْهِ من الثِّيَاب المغربية وألبس من ثِيَاب السلطنة مَا يَلِيق بِهِ ووعد يلبيه بإمرة طلبخاناه. وعندما صعد الْعَزِيز إِلَى القلعة دقَّتْ البشائر لَيْلًا وَمن الْغَد وَركب الْأَعْيَان لتهيئة السُّلْطَان فَإِنَّهُ وَأَتْبَاعه من أهل الدولة كَانُوا فِي قلق زَائِد وَخَوف شَدِيد لما داخلهم من عود دولة الْعَزِيز بِخُرُوج نائبي دمشق وحلب عَن طَاعَة السُّلْطَان وَقيام الأشرفية بِبِلَاد الصَّعِيد وَكلهمْ جَمِيعًا فِي طَاعَة الْعَزِيز وَالله يُؤَيّد بنصره من يَشَاء. وَفِي يَوْم الْأَحَد: هَذَا توجه جانم المؤيدي إِلَى الْبِلَاد الشامية وعَلى يَده عدَّة مثالات سلطانية بالبشارة بِالْقَبْضِ على الْعَزِيز. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع عشرينه: أحضر بالأمير أينال البوبكري الأشرفي وَذَلِكَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 414 أَنه مازال مختفيًا حَتَّى ظهر الْعَزِيز فغرته الخدع الَّتِي خودع بهَا من الثَّنَاء عَلَيْهِ وَبسط عذره فِي إختفائه وَدخل عشَاء على الْأَمِير جرباش قاشق أَمِير مجْلِس وإستجار بِهِ فأجاره وَقد ظن أَن السُّلْطَان يقبل شَفَاعَته ثمَّ صعد بِهِ من الْغَد وَقد بعث يعلم السُّلْطَان بِهِ فعندما وَقع فِي قَبْضَة السُّلْطَان أَمر بِهِ فقيد وسجن حَتَّى يحمل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة والأمير جرباش يُكَرر تَقْبِيل يَد السُّلْطَان ورحله فِي أَن يشفعه فِيهِ فَلم يفعل وَأخرج فِي يَوْمه إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجن بهَا. وَفِي هَذَا الشَّهْر: قدم ركب التكرور برقيق كثير وتبر فَسَار أَكْثَرهم إِلَى الْحَج بَعْدَمَا باعوا الرَّقِيق فَهَلَك أَكْثَره عِنْد من إشتراهم. وَفِيه ظهر فِي السَّمَاء كَوْكَب لَهُ ذَنْب نَحْو الذراعين وَكَانَ يرى عشَاء بحذاء كواكب برج السرطان فَأَقَامَ أَيَّامًا. شهر ذِي الْقعدَة أَوله الْأَرْبَعَاء: فِي ثَانِيه: خلع على بهاء الدّين مُحَمَّد بن نجم الدّين عمر بن حجى كَاتب السِّرّ بِدِمَشْق وإستقر فِي قَضَاء الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن تَقِيّ الدّين أَبى بكر بن قَاضِي شُهْبَة مَعَ مَا بِيَدِهِ من كِتَابَة السِّرّ وَذَلِكَ أَن الْأَمِير أينال الجكمى لما ثار بِدِمَشْق على ابْن حجى وَأخذ مِنْهُ مَالا فَكتب إِلَى ابْن حجى حَتَّى فرق الملطفات السُّلْطَانِيَّة فِي الْأُمَرَاء فَكَانَ من ركوبهم على النَّائِب مَا كَانَ وفر ابْن حجى وَقدم الْقَاهِرَة فجوزي على مَا كَانَ مِنْهُ بِإِضَافَة الْقَضَاء إِلَيْهِ بسفارة حميه الْمقر الكمالي مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ كَاتب السِّرّ وعناية عَظِيم الدولة زين الدّين عبد الباسط بِهِ. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامنه: دقَّتْ البشائر عِنْد وُرُود كتاب الْأَمِير ألابغا حَاجِب غَزَّة يتَضَمَّن قتال وَفِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء: الْمَذْكُور نقل الْعَزِيز من حَبسه بالمخدع من قاعة العواميد إِلَى سجن ضيق فِي الحوش تَحت الدهيشة بعد أَن سدت طاقاته ووكل بِهِ من يحفظه وَمنع من جَمِيع خدمه. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء: هَذَا أَخذ مَا كَانَ للعزيز بِالْقَاهِرَةِ من الحواصل الَّتِي تشْتَمل على الجزء: 7 ¦ الصفحة: 415 سروج وَثيَاب وحلي وفرش وأواني وَغير ذَلِك مِمَّا حمل على نَيف وَسبعين حمالاً وَلها قيمَة تزيد على خمسين ألف دِينَار سوى خَمْسَة آلَاف دِينَار وجدت لَهُ لتتمة سِتِّينَ ألف دِينَار وَسوى جَوَاهِر لَهَا قيمَة عَظِيمَة وَسوى حلي للنِّسَاء يجل وَصفه وَقِيمَته مِمَّا كَانَ للأمه. وَفِي يَوْم الْخَمِيس تاسعه: دقَّتْ البشائر لوُرُود الْخَبَر بمسك الْأَمِير أينال الجكمى وإنبثت قصاد السُّلْطَان فِي أهل الدولة يبشرونهم بذلك وَيَأْخُذُونَ مِمَّن يأتوه مَالا على هَذِه الْبُشْرَى فَمنهمْ من يُعْطي البشير أَرْبَعِينَ دِينَارا أَو أقل من ذَلِك أَو أَكثر وفعلوا مثل ذَلِك فِي اللَّيْلَة الَّتِي قبض على الْعَزِيز فِيهَا فكسبوا مَالا جزيلاً. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة عاشره: وَردت مطالعة الْأَمِير أقبغا التمرازي نَائِب الشَّام ومطالعات الْأُمَرَاء بِذكر وَاقعَة أينال الجكمى. وملخصها أَن العساكر المتوجهة من الْقَاهِرَة والمتجمعة بالرملة نزلُوا فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء مستهله بِمَنْزِلَة الخربة وَقد قدمُوا بَين أَيْديهم جمَاعَة لكشف الْأَخْبَار فَجَاءَت الكشافة وأخبرت بِقرب أينال الجكمى مِنْهُم فَرَكبُوا وَقد عبوا جموعهم سِتَّة أطلاب وهم الْأَمِير أقبغا التمرازي نَائِب الشَّام والأمير جلبان نَائِب حلب والأمير أينال الأجرود نَائِب صفد والأمير طوخ مازي نَائِب غَزَّة والأمير طوغان نَائِب الْقُدس والأمير غرس الدّين خَلِيل المستقر فِي نِيَابَة ملطية وَسَارُوا بِمن مَعَهم من العربان والعشران جاليشاً حَتَّى وصلوا إِلَى مضيق قرن الْحرَّة وَإِذا بجاليش أينال الجكمى وَهُوَ الْأَمِير قانصوه النوروزي وَمَعَهُ نَائِب بعلبك وَكَاشف حوران وَمُحَمّد الْأسود بن القان وَشَيخ العشير وفرعلي الدكري أَمِير التركمان وخليل بن طور على بن سقل سيز التركماني وَكثير من العربان وَالْجمع نَحْو ألف فَارس فَكَانَت بَين الْفَرِيقَيْنِ وقْعَة كَبِيرَة إنهزمت فِيهَا الأطلاب السِّتَّة وَإِذا بالأمير أينال الجكمى قد أقبل فَركب أقفية الْقَوْم حَتَّى أوصلهم إِلَى السنجق السلطاني وَتَحْته الْأَمِير قراقجا الْحسنى أَمِير أخور والأمير تمرباى رَأس نوبَة النوب وَبَقِيَّة الْأُمَرَاء المصريين والمماليك السُّلْطَانِيَّة فثبتوا لَهُ وقاتلوه وَهُوَ يقاتلهم مِقْدَار سَاعَة فهزموه بعد أَن قتل جمَاعَة من الْفَرِيقَيْنِ يَقُول المكثر زِيَادَة على خَمْسمِائَة رجل مِنْهُم الْأَمِير صرغتمش الجزء: 7 ¦ الصفحة: 416 المستقر دوادار حلب وجرح خلق كثير وَقبض على مُحَمَّد بن الْأَمِير قانصوه وعَلى الْأَمِير تنم العلاى والأمير خاير بك القوامي والأمير يبرم صوفي فِي جمَاعَة وَقد حَال بَينهم اللَّيْل فَلَمَّا أَصْبحُوا يَوْم الْخَمِيس ورد الْخَبَر عَلَيْهِم من دمشق بِالْقَبْضِ على أينالً الجكمى من قَرْيَة حرستا وَقد إختفى بهَا فِي مزرعة وَمَعَهُ نفر يسير وَذَلِكَ أَن رجلا فطن بِهِ فَدلَّ عَلَيْهِ نَائِب القلعة فَبعث فِي طلبه جمَاعَة طرقوه فدافع عَن نَفسه حَتَّى طعن فِي جنبه وَدمِي فِي وَجهه فَأخذ وَجِيء بِهِ على فرسه وَقد وقف من العي فَلم يصل إِلَى القلعة إِلَّا بعد الْعَصْر وَالنَّاس فِي جموع كَثِيرَة لرُؤْيَته فسجن مُقَيّدا فِي القلعه وَدخل الْأَمِير أقبغا التمرازي نَائِب الشَّام إِلَى دمشق أَوَائِل نَهَار الْجُمُعَة ثالثه فِي العساكر وهم بسلاحهم فَنزل دَار السَّعَادَة بِغَيْر ممانع. وفى هَذَا الْيَوْم: قتل بِدِمَشْق مُحَمَّد الْمَعْرُوف ببلبان شيخ كرك نوح وَولده مُحَمَّد الخرباني وَكَانَ من خَبره أَنه قدم بجموعه نصْرَة لعساكر السُّلْطَان فَلم يصل حَتَّى إنقضت الْوَقْعَة فَدخل فِي خدمَة النَّائِب حَتَّى عبر دَار السَّعَادَة وتفرق الْأُمَرَاء وَغَيرهم فِي مَنَازِلهمْ فَتوجه بلبان فِيمَن توجه حَتَّى كَانَ عِنْد الْمصلى والعامة قد مَلَأت الطرقات فصاح بِهِ وبمن مَعَه من العشير جمَاعَة من أراذل عَامَّة دمشق قائلين أَبَا بكر أَبَا بكر يكررون ذَلِك مرَارًا يُرِيدُونَ نكاية بلبان وجماعته فَإِنَّهُم يرْمونَ بِأَنَّهُم رفضة. فَلَمَّا كثر ذَلِك من الْعَامَّة أَخذ بعض العشير يضْرب وَاحِدًا مِنْهُم فَوَثَبُوا بِهِ وألقوه عَن فرسه ليقتلوه فإجتمع أَصْحَابه ليخلصوه من الْعَامَّة وقاتلوهم فبادروا وذبحوا ذَلِك البائس وتناولوا الْحِجَارَة يرْمونَ بهَا بلبان وَقَومه وَوَضَعُوا أَيْديهم فَقتلُوا بلبان وإبنه وجماعته وهم خَمْسمِائَة أَو يزِيدُونَ بِغَيْر سَبَب وَلَا أَمر سُلْطَان وَلَا حَاكم فَلم ينتطح فِي قَتلهمْ عنزان وَلَا تحرّك لَهُم إثنان وَفِي هَذِه الْأَيَّام: رسم بعقوبة الْأَمِير جكم خَال الْعَزِيز فِي سجنه بالإسكندرية حَتَّى يعْتَرف. بمتحصل الْعَزِيز فِي أَيَّام أَبِيه من إقطاعه وَمن حماياته ومستأجراته وَمن الْهَدَايَا والتقادم الَّتِي كَانَت تَأتيه فأجابهم عَن ذَلِك ورسم بعقوبة الْأَمِير يخشي بك بالسجن أَيْضا وَذَلِكَ أَنه لما كَانَ فِي التجريدة بِبِلَاد الصَّعِيد أَيَّام الْأَشْرَف ضبط عَلَيْهِ أَنه سبّ بعض من يَدعِي أَنه شريفًا فَلَمَّا مَاتَ الْأَشْرَف وَأنزل بالأشرفية من القلعة كَمَا تقدم أَرَادوا أَن يدعوا على يخشي بك عِنْد القَاضِي الْمَالِكِي بِأَنَّهُ سبّ أَبَا الشريف ليريق دَمه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 417 فبادر حَتَّى حكم قَاضِي شَافِعِيّ بحقن دَمه فإطمأن لذَلِك فَلم يَتْرُكُوهُ بعد سجنه وَأَرَادُوا قَتله فأوصلوا الْقَضِيَّة بالمالكي وَسمع الْبَيِّنَة عَلَيْهِ فَلم يمض قَتله ثَنَاء على أَن هَذِه الدَّعْوَى هِيَ الَّتِي حكم فِيهَا بحقن دَمه ونازعه فِي ذَلِك قوم وَزَعَمُوا أَن الدَّعْوَى الَّتِي حكم فِيهَا بحقن دَمه يخر هَذِه وَكثر الإختلاف فِي ذَلِك وَعقد فِيهِ مجَالِس وَالْغَرَض قَتله وَالْحكم الشَّرْعِيّ بذلك فَلم يتَّجه وَتَمَادَى الْحَال فِي ذَلِك عدَّة أشهر ثمَّ تحركوا لقَتله وإستمالوا بعض من تمشيخ وتمصلح من الْمَالِكِيَّة حَتَّى أُفْتِي بقتْله وَأُرِيد من القَاضِي الْعَمَل بفتياه فَلم يتجاسر على الحكم بِالْقَتْلِ وَجَرت أُمُور آخرهَا أَن قيل يُفَوض الحكم لهَذَا الْمُفْتِي حَتَّى يحكم كَمَا أُفْتِي بقتْله فبكي لما قيل لَهُ ذَلِك وَلم يقدم عَلَيْهِ فَلَمَّا وَقع الْيَأْس من قَتله بيد قُضَاة الشَّرْع رسم بعقوبته حَتَّى يعْتَرف بِمَالِه من الْأَمْوَال فَعُوقِبَ أَشد عُقُوبَة بِحَيْثُ لم وَفِي يَوْم الْأَحَد ثَانِي عشره: كتب بقتل أينال الجكمى بسجنه من قلعة دمشق بعد تَقْرِيره على أَمْوَاله وذخائره وبقتل جمَاعه مِمَّن قبض عَلَيْهِ فِي الْوَقْعَة. وَفِي ثَالِث عشره: خلع على الْأَمِير سودون المغربي وأعيد إِلَى ولَايَة دمياط عوضا عَن مُحَمَّد الصَّغِير. وَفِيه ورد الْخَبَر بِأَن الفأر مكثر بأراضي الزراعات وَأَن فِي نَاحيَة البهنسى كَانَت للفيران حَرْب شَهِدَهَا النَّاس وَقد إجتمع من الفيران عدد عَظِيم إقتتلوا قتالاً كَبِيرا ثمَّ تفَرقُوا فوجدوا فِي معتركهم من الفيران شَيْء كثير مَا بَين مقتول ومجروح ومقطوع بعض الْأَعْضَاء وَأَنه بَلغهُمْ أَن ذَلِك كَانَ بَين الفيران فِي مَوضِع آخر. وَعِنْدِي أَن هَذَا مُنْذر بحادث ينْتَظر. وَفِي يَوْم الْأَحَد تَاسِع عشره: وصل مُحَمَّد بن الْأَمِير قنصوه فعفي عَنهُ بشفاعات وَقعت فِيهِ. وَقدم الْخَبَر بِأَن العساكر تَوَجَّهت من دمشق فِي حادي عشره إِلَى حلب بعد أَن عَاد الْأَمِير طوغان نَائِب الْقُدس إِلَيْهَا وَتَأَخر الْأَمِير أقبغا التَمرازي نَائِب الشَّام بِدِمَشْق وَأَن المتوجه إِلَى حلب الْأَمِير جلبان نَائِب حلب والأمير أينال نَائِب صفد والأمير طوخ نَائِب غَزَّة والأمير قراقجا الْحسنى والأمير تمرباي والمماليك السُّلْطَانِيَّة وَأَنه قبض بِدِمَشْق على الْأَمِير طرعلي الدكري وشنق بهَا وَأَن تغري برمش نزل على حلب وصحبته الْأَمِير طرعلي بن سقل سيز والأمير على بار بن أينال بجمائعهما من التركمان والأمير غادر بن نعير بعربه من آل مهنا والأمير فرج وأخيه إِبْرَاهِيم وَلَدي صوجي والأمير مَحْمُود بن الدكري بجمائعهم من التركمان وعدة الْجَمِيع نَحْو ثَلَاثَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 418 آلَاف فَارس فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ حادي عشْرين شَوَّال وَأَن تغرى برمش خيم بالجوهري وَبعث عدَّة كَبِيرَة إِلَى خَارج بَاب الْمقَام فَخرج إِلَيْهِم الْأَمِير برد بك نَائِب حماة وَمَعَهُ جمَاعَة من أُمَرَاء حلب وَمن تركمان الطَّاعَة وَمن الْعَامَّة فَكَانَت بَينهم وقْعَة قتل فِيهَا وجرح جمَاعَة من الْفَرِيقَيْنِ وَعَاد كل مِنْهُمَا إِلَى مَوْضِعه ثمَّ إلتقي الْجَمْعَانِ فِي يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشرينه على بَاب النيرب وإقتتلوا يَوْمًا وَلَيْلَة قتالاً شَدِيدا قتل فِيهِ عدَّة من النَّاس وجرح نَائِب حماة وَطَائِفَة من أُمَرَاء حلب وَجمع كَبِير من الْعَامَّة وَرجع كل فريق إِلَى مَوْضِعه فَرَحل تغرى برمش فِي يَوْم الْأَحَد سَابِع عشرينه من مَوْضِعه وَنزل بالميدان وَالْحَرب مستمرة والعامة تبذل جهدها فِي قِتَاله إِلَى أَن كَانَ يَوْم الْخَمِيس ثَانِي ذِي الْقعدَة أحضر تغرى برمش آلَات الْحَرْب فِي مكاحل النفط والجنويات والسلالم إِلَى خَارج بَاب الْفرج وَنصب صيوانه تجاه السُّور وزحف زحفًا قَوِيا. وَأهل حلب يدا وَاحِدَة على محاربته طول ذَلِك النَّهَار مَعَ لَيْلَة الْجُمُعَة بِطُولِهَا وَالنَّاس يَتَضَرَّعُونَ وَيدعونَ الله تَعَالَى فَرَحل تغرى برمش فِي يَوْم الْجُمُعَة وَعَاد إِلَى الميدان بَعْدَمَا كَانَت الْقُضَاة وشيوخ الْعلم وَالصَّلَاح وقوفًا بالمصاحف والربعات على رؤوسهم وهم ينادون من فَوق الأسوار الْغُزَاة معاشر النَّاس فِي الْعَدو فَإِنَّهُ من قتل مِنْكُم كَانَ فِي الْجنَّة وَمن قتل من الْعَدو صَار إِلَى النَّار فِي كَلَام كثير يحرضون بِهِ الْعَامَّة على الْقِتَال ويقوون عزائمهم على الثَّبَات إِلَى أَن رَحل تغرى برمش بِمن مَعَه من الميدان إِلَى الْجِهَة الشمالية فِي يَوْم الْأَحَد خامسه بَعْدَمَا رعت مَوَاشِيهمْ زروع النَّاس وبساتينهم وكرومهم وَقَطعُوا ونهبوا الْقرى الَّتِي حول الْمَدِينَة وخربوا غَالب العمارات الَّتِي هِيَ خَارج السُّور وَقَطعُوا الْقَنَاة الَّتِي تعبر الْمَدِينَة من ثَلَاثَة أَمَاكِن وَكَانَ أَشد النَّاس قتالاً أهل بانقوسا والحوارنة فَحرق الْعَدو أسواق بانقوسا وبيوتها وفتحوا جباب الغلال وَغَيرهَا ونهبوها فداخل النَّاس من الْخَوْف والرعب مَا لَا يُوصف وَطلب الْأَعْيَان بحرمهم وَأَمْوَالهمْ إِلَى القلعة وَقطع تغرى برمش أَيدي جمَاعَة كَثِيرَة من عَامَّة حلب وَبَالغ فِي الْإِضْرَار بِالنَّاسِ فَكَانَت هَذِه النّوبَة من شنائع الْحَوَادِث وَللَّه عَاقِبَة الْأُمُور. وَفِي يَوْم الْخمس ثَالِث عشرينه: خلع على عَلَاء الدّين عَليّ بن يُوسُف الْمَعْرُوف بالناسخ قَاضِي الْمَالِكِيَّة بحلب وإستقر فِي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن محيى الدّين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 419 يحيى بن حسن بن مُحَمَّد الحيحاني المغربي بعد مَوته وإستقر شرف الدّين يَعْقُوب بن يُوسُف على المكناسي المغربي أحد نواب الحكم بِالْقَاهِرَةِ فِي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بحلب عوضا عَن عَلَاء الدّين النَّاسِخ. وَفِي يَوْم الْخَمِيس الْمُبَارك خَامِس عشرينه: دقَّتْ البشائر لوُرُود الْخَبَر بِأَن العساكر لما سَارَتْ من دمشق فِي حادي عشره كَمَا تقدم ذكره لَقِيَهُمْ تغرى برمش قَرِيبا من حماة فِي جموعه الَّتِي كَانَت مَعَه على حلب فَلَقوهُ فِي يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشره وقاتلوه وَكَانَت بَينهم وقْعَة كَبِيرَة قتل فِيهَا وجرح خلق كثير فإنهزم بِمن مَعَه وحازت العساكر مِنْهُم غَنَائِم لَا تحصى مِنْهَا مِائَتي ألف رَأس من الْغنم سوى مَا تمزق وَهُوَ قريب من ذَلِك. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سَابِع عشرينه: قدم النجاب بِرَأْس الْأَمِير أينال الجكمى فشهرت على رمح ثمَّ علقت على بَاب زويلة وَكَانَ قَتله فِي لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشرينه بَعْدَمَا قرر على أَمْوَاله وَنُودِيَ عَلَيْهِ هَذَا جَزَاء من حَارب الله وَرَسُوله وَقتل مَعَه بقلعة دمشق الْأَمِير تنم العلاي. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: بعث السُّلْطَان إِلَى قَاضِي الْقُضَاة علم الدّين صَالح ابْن شيخ الْإِسْلَام سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ بِأَلف دِينَار ذَهَبا فَإِنَّهُ كَانَ قدم لَهُ كتبا وَغَيرهَا قبل ذَلِك. وفيهَا حكم بقتل الْأَمِير يخشي بك وَقد تَقدم أَنه أَدعِي عَلَيْهِ أَنه سبّ شريفاً وَلعن وَالِديهِ فالتجأ إِلَى قَاضِي الْقُضَاة الشَّافِعِي فَحكم بعض نوابه بحقن دَمه وَسكن الْحَال مُدَّة أشهر ثمَّ تحركوا عَلَيْهِ بعد سجنه وراودوا القَاضِي الْمَالِكِي على قَتله فإحتج بِحكم الشَّافِعِي بحقن دَمه فعورض بِأَن الْمَطْلُوب الْآن من الدَّعْوَى عَلَيْهِ غير الْمَحْكُوم فِيهِ بحقن الدَّم فصمم على أَنَّهُمَا قَضِيَّة وَاحِدَة وَوَافَقَهُ غير وَاحِد من الْمَالِكِيَّة على ذَلِك فسكنت الثائرة مُدَّة ثمَّ تحركوا لإراقة دَمه وأفتي بقتْله بعض الْمَالِكِيَّة مِمَّن يظْهر للنَّاس نسكا على وَظِيفَة وعد بولايتها وَأَرَادُوا قَاضِي الْقُضَاة الْمَالِكِي أَن يحكم بِمُقْتَضى الْفَتْوَى فإمتنع فعرضت على غير وَاحِد من نواب الْمَالِكِي فَلم يقدم أحد على الحكم وَكَانَ مِنْهُم وَاحِد لم يوله القَاضِي نِيَابَة الحكم وَأقَام مُدَّة بطالاً فَأذن لَهُ السُّلْطَان فِي الحكم فأقدم على مَا أحجم عَنهُ غَيره وَحكم بقتل يخشي بك. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سلخه: خلع على نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن الْأَمِير الْوَزير تَاج الدّين عبد الرَّزَّاق بن أَبى الْفرج وإستقر نقيب الْجَيْش عوضا عَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن أَمِير طبر. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 420 شهر ذِي الْحجَّة الْحَرَام أَوله الْجُمُعَة: فِيهِ دقَّتْ البشائر بقلعة الْجَبَل لوُرُود خبر من غَزَّة بِأَن التركمان الصوجية قبضوا على تغرى برمش وعَلى طرعلي بن سقل سيز. وَفِي يَوْم الْأَحَد ثالثه: وَردت مطالعة الْأَمِير جلبان نَائِب حلب وقرينها مطالعات بَقِيَّة النواب وأمراء العساكر تَتَضَمَّن أَن تغرى برمش لما إنهزم على حماة مُضِيّ نَحْو الْجَبَل الْأَقْرَع وَقد فَارقه الغادر بن نعير فَقبض عَلَيْهِ أَحْمد وقاسم وَلَدي صوجي وقبضا مَعَه على دواداره كمشبغا وعَلى خازنداره يُونُس وعَلى الْأَمِير طرعلي بن سقل سيز والأمير صارم الدّين إِبْرَاهِيم بن الهذباني نَائِب قلعة صهيون وَكَتَبُوا بذلك إِلَى نَائِب حلب فورد الْخَبَر على الْعَسْكَر وهم على خَان طومان فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ من ذِي الْقعدَة فَجهز الْأَمِير جلبان عِنْد ذَلِك الْأَمِير برد بك العجمي نَائِب حماة والأمير أينال الأجرود نَائِب صفد والأمير طوخ مازي نَائِب غَزَّة والأمير قطج أتابك حلب والأمير سودون النوروزي حَاجِب الْحجاب بحلب بإخطار الْمَذْكُورين ورحل بِمن بَقِي مَعَه يُرِيد حلب فَدَخلَهَا فِي يَوْم الثُّلَاثَاء حادي عشرينه وتسلم نَائِب حماة وَمن مَعَه من النواب تغرى برمش وَمن قبض عَلَيْهِ مَعَه وَأتوا بهم فسمر طرعلي بن سقل سيز تسمير سَلامَة وَسمر الهذباني ورفيقه تسمير العطب وَسَارُوا بهم وتغرى برمش رَاكب فِي الْحَدِيد حَتَّى دخلُوا مَدِينَة حلب وَهُوَ يُنَادي عَلَيْهِم فِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشرينه وَقد إجتمع من النَّاس عدد لَا ينْحَصر حَتَّى أوقفهم تَحت القلعة ثمَّ وسط الهذباني ورفيقه وتسلم نَائِب القلعة تغرى برمش وطرعلي بن سقل سيز وتسلم كمشبغا وَيُونُس الْأَمِير قراقجا الحسني فدقت البشائر بقلعة الْجَبَل لوُرُود هَذَا الْخَبَر وَكتب بقتل تغرى برمش وطرعلي. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء: جهز رجلَانِ من موقعي الحكم بِالْقَاهِرَةِ وعَلى يدَهما الحكم بقتل يخشي بك. وَدفع لَهما ثَلَاثُونَ دِينَارا فمضيا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وأوصلا الحكم بقاضيها فاستدعي يخشي بك من السجْن وَضربت عُنُقه بعد صَلَاة الْجُمُعَة ثامنه فِي جمع عَظِيم وافر لرُؤْيَته وحسابه وحسابهم على الله الَّذِي يُوفي كل عَامل عمله. وَفِي يَوْم الْأَحَد سَابِع عشره: إبتدأ قَاضِي الْقُضَاة علم الدّين صَالح فِي عمل الميعاد بَين يَدي السُّلْطَان. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 421 وَفِيه قتل تغرى برمش بقلعة حلب بَعْدَمَا عُوقِبَ على أَمْوَاله فظفر مِنْهَا بِخَمْسِينَ ألف دِينَار عينا وَقتل مَعَه طرعلي بن سقل سيز. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء عشرينه: قبض على سودون المغربي مُتَوَلِّي دمياط وَحمل مُقَيّدا حَتَّى سجن بالإسكندرية. ورسم أَن يُعْطي المسفر بِهِ مائَة ألف دِرْهَم. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ رَابِع عشرينه: خلع على نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن شهَاب الدّين أَحْمد ابْن سَلام وإستقر فِي ولَايَة دمياط عوضا عَن سودون المغربي. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثامن عشرينه: قبض على عَظِيم الدولة زين الدّين عبد الباسط نَاظر الْجَيْش وعَلى وَلَده أَبى بكر وعَلى زَوجته شكربيه وعَلى دواداره أرغرن وعَلى مباشره شرف الدّين مُوسَى بن الْبُرْهَان فِي عدَّة من ألزامه. وَقبض مَعَه على الْأَمِير جَانِبك أستادار وأحيط بدورهما. وَأخذت خيولهما فَكَانَت زِيَادَة على سبعين فرسا وَأخذت بغالهما وجمالهما وَكتب بإيقاع الحوطة على مَاله بِالشَّام والإسكندرية والحجاز من مَال والبضائع فَكَانَ بِسَبَب ذَلِك إنزعاج فِي النَّاس بِالْقَاهِرَةِ. وَفِي يَوْم السبت سلخه: خلع على شيخ الشُّيُوخ محب الدّين مُحَمَّد بن الْأَشْقَر وإستقر فِي نظر الْجَيْش عوضا عَن عبد الباسط وخلع على الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أَبى الْفرج نقيب الْجَيْش وإستقر أستادازا عوضا عَن جَانِبك الزيني عبد الباسط. وَفِيه قدم رَأس تغرى برمش فطيف بِهِ على رمح ثمَّ علق بِبَاب زويلة فتوالى على السُّلْطَان فِي مُدَّة أَيَّام يسيرَة الظفر بِالْملكِ الْعَزِيز وبالمماليك الأشرفية الَّذين قَامُوا مَعَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 422 الْعَزِيز بالصعيد وبأينال الجكمى نَائِب الشَّام وبتغرى برمش نَائِب حلب وَهَذَا من النَّوَادِر الغريبة وَللَّه عَاقِبَة الْأُمُور. فَكَانَت هَذِه السّنة ذَات حوادث عَظِيمَة زَالَت فِيهَا نعم خلائق بِمصْر وَالشَّام فذلوا بعد عزهم وأهينوا بعد تعاظمهم جَزَاء بِمَا كسبت أَيْديهم ومَا رَبك بظَلامَ لِلْعَبِيد. وَوَقع فِي هَذِه السّنة بعدن وَغَيرهَا من بِلَاد الْيمن وباء هلك فِيهِ خلق كثير. وفيهَا جمع الإِمَام صَلَاح بن مُحَمَّد النَّاس بصعدة ليحارب قَاسم بن سنقر الْمُتَوَلِي على صنعاء فخافه ابْن سنقر وَكتب إِلَى الظَّاهِر عبد الله صَاحب زبيد وتعز يستنجده ليملكه صنعاء فَبعث إِلَيْهِ عسكرا وصل إِلَى ذمار على مرحلَتَيْنِ من صنعاء فَبَلغهُمْ أَن الظَّاهِر أشرف على الْمَوْت فعادوا فَإِذا هُوَ قد مَاتَ وَصَلَاح هَذَا يعرف بالهدوي نِسْبَة إِلَى الْهَادِي من أئمتهم. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان مُحدث الشَّام شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أَبى بكر بن عبد الله بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُجَاهِد بن يُوسُف بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ الْمَعْرُوف بإبن نَاصِر الدّين الْقَيْسِي الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي فِي ثامن عشْرين شهر ربيع الآخر بِدِمَشْق ومولده فِي الْمحرم سنة سبع وَسبعين وَسَبْعمائة سمع على شَيخنَا أَبُو بكر بن الْمُحب وَغَيره وَطلب الحَدِيث فَصَارَ حَافظ بِلَاد الشَّام غير مُنَازع وصنف عدَّة مصنفات وَلم يخلف فِي الشَّام بعده مثله. وَمَات الطواشي صفي الدّين جَوْهَر الحبشي الزِّمَام. وَأَصله من خدام الْأَمِير بهادر المشرف قدم بِهِ من مَكَّة صَغِيرا وَأَعْطَاهُ لأخته زَوْجَة الْأَمِير جلبان الْحَاجِب فربى عِنْدهَا وأعتقته ثمَّ خدم الْأَمِير برسباي الدقماقي فِي أَيَّام الْمُؤَيد شيخ وَخرج مَعَه لما ولي نِيَابَة طرابلس وخدمه لما سجن بقلعة المرقب. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 423 وَصَارَ يُكَاتب الطواشي جَوْهَر وَهُوَ إِذْ ذَاك فِي خدمَة علم الدّين داودَ بن الكويز نَاظر الْجَيْش فَيَقْضِي لَهُ حَوَائِجه إِلَى أَن خلص برسباى وَعَاد إِلَى الْقَاهِرَة صُحْبَة الظَّاهِر ططر ثمَّ تسلطن وتلقب بِالْملكِ الْأَشْرَف فَجعل جَوْهَر هَذَا لالا وَلَده فَعرف بجوهر اللالا مُدَّة وإشتهر ذكره لتمكنه من السُّلْطَان ورعي حق أَخِيه جَوْهَر فَتحدث لَهُ مَعَ السُّلْطَان حَتَّى عمله خازندارًا وتعاضدًا وتعاونًا ثمَّ ولاه السُّلْطَان زِمَام الدَّار فَصَارَ من جملَة الْأُمَرَاء الألوف حَتَّى مَاتَ فَعظم فِي أَيَّام وَلَده الْملك الْعَزِيز وَصَارَ هُوَ الْمشَار إِلَيْهِ إِلَيّ أَن خلع وَقَامَ فِي السلطنة الْأَمِير الْكَبِير جقمق وتلقب بِالْملكِ الظَّاهِر قبض عَلَيْهِ وسجنه ثمَّ صادره على مَال كَبِير وَهُوَ مَرِيض حَتَّى مَاتَ فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَالِث عشْرين جمادي الأولي عَن سِتِّينَ سنة أَو نَحْوهَا وَكَانَ متدينا يحب أهل الْخَيْر وَيحسن إِلَيْهِم ويعتقدهم. وَمَات الْأَمِير قرقماس الشَّعْبَانِي وَأَصله من مماليك الظَّاهِر برقوق إشتراه صغرًا وَأَعْطَاهُ لوَلَده الْأَمِير فرج فَلَمَّا تسلطن بعد أَبِيه وتلفب بِالْملكِ النَّاصِر رقاه فِي خدمته ثمَّ خدم بعده الْمُؤَيد شيخ وَصَارَ دوادارا ثمَّ أَمِير مائَة فِي أَيَّام الْأَشْرَف وَعظم فِي إيامه وولاه حَاجِب الْحَاجِب ثمَّ ولاه نِيَابَة حلب مُدَّة وأقدمه مِنْهَا إِلَى ديار مصر وَعَمله أَمِير سلَاح وَأخرجه إِلَى التجريدة وَعَمله مقدم الْعَسْكَر فَسَار وَأخذ أرزنكان وَغَيرهَا فَمَاتَ الْأَشْرَف وَهُوَ فِي التجريدة فَقدم بعد مَوته وَبَالغ فِي خلع الْملك الْعَزِيز يُوسُف بن الْأَشْرَف برسباي فَلَمَّا خلع وتسلطن الْملك الظَّاهِر جقمق ركب عَلَيْهِ وقاتله فَلم يثبت وفر فَقبض عَلَيْهِ وسجن بالإسكندرية ثمَّ ضربت عُنُقه بهَا فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي شهر جمادي الْآخِرَة وَقد بلغ الْخمسين أَو تجاوزها وَكَانَ يُوصف بعفة عَن القاذورات الْمُحرمَة وبمعرفة وخبرة وفروسية وشجاعة إِلَّا أَنه أفسد أمره بزهوه وتعاظمه وفرط رقاعته وَشدَّة إعجابه بِنَفسِهِ وإحتقار النَّاس وَالْمُبَالغَة فِي الْعقُوبَة وَقلة وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن عُثْمَان الْبِسَاطِيّ الْمَالِكِي. قدم من الرِّيف وَطلب الْعلم وَعرف بعلوم الْعَجم فِي الْمنطق وَنَحْوه. وعاش دهراً فِي بؤس وَقلة بِحَيْثُ أَخْبرنِي أَنه ينَام على قَشّ الْقصب ثمَّ تحرّك لَهُ الْحَظ فولاه الْأَمِير جمال الدّين يُوسُف أستادار الجزء: 7 ¦ الصفحة: 424 تدريس الْمَالِكِيَّة بمدرسته ثمَّ ولى مشيخة التربة الناصرية فرج بالصحراء وإستنابه ابْن عَمه الْجمال يُوسُف الْبِسَاطِيّ فِي الحكم مُدَّة ثمَّ عَزله فَلَمَّا مَاتَ الْجمال عبد الله الأقفهسي قَاضِي الْمَالِكِيَّة ولي الْمُؤَيد شيخ الْبِسَاطِيّ صَاحب التَّرْجَمَة قَضَاء الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة بديار مصر رَغْبَة فِي أَنه فَقير متعفف فباشر ذك نَحْو عشْرين سنة حَتَّى مَاتَ لَيْلَة الْجُمُعَة ثَالِث عشر شهر رَمَضَان. ومولده فِي محرم سنة سِتِّينَ وَسَبْعمائة وَلم يخلف بعده فِي الْمَالِكِيَّة مثله فِيمَا نعلم. وَمَات علم الدّين أَحْمد بن تَاج الدّين مُحَمَّد بن علم الدّين عمد بن كَمَال الدّين مُحَمَّد ابْن قَاضِي الْقُضَاة علم الدّين مُحَمَّد بن أَبى بكر بن عِيسَى بن بدران الأخناي الْمَالِكِي أحد نواب الحكم بِالْقَاهِرَةِ فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس عشْرين شهر رَمَضَان. وَكَانَ فَقِيها حشمًا من بَيت علم ورياسة وَمَات الشريف أَحْمد بن حسن بن عجلَان وَقد فَارق أَخَاهُ أَمِير مَكَّة شرفها الله بَرَكَات بن حسن وَسَار إِلَى الْيمن فَمَاتَ بزبيد. وَمَات محيى الدّين يحيى بن حسن بن مُحَمَّد الحيحاني المغربي الْمَالِكِي قَاضِي الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء حادي عشر ذِي الْقعدَة وَكَانَ عفيفًا فِي أَحْكَامه مهابًا. وَمَات أَبُو عبد الله ابْن الْفَقِيه على بن أَحْمد بن عبد الْعَزِيز بن الْقسم الْعقيلِيّ النويري الْمَكِّيّ الْمَالِكِي قَاضِي الْمَالِكِيَّة بِمَكَّة شرفها الله تَعَالَى فِي سَابِع عشر ذِي الْقعدَة بِمَكَّة ومولده سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة بِمَكَّة وَهُوَ من بَيت علم ورياسة وَكَانَ عفيفًا فِي قَضَائِهِ حشماً جميل الْهَيْئَة لَهُ مُرُوءَة وباشر حسبَة مَكَّة مُدَّة. وَمَات مُحَمَّد وَيعرف ببلبان شيخ كرك نوح قَتله عَامَّة دمشق وَولده فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث ذِي الْقعدَة وَقتلُوا مَعَه من قومه جمَاعَة كَبِيرَة بغيًا وعدوانًا وَكَانَ يتهم بِأَنَّهُ رَافِضِي وَلذَلِك قَتَلُوهُ وَكَانَ صَاحب همة عالية ومروءة غزيرة وأفضال وكرم من حَال وَاسِعَة وَمَال جم. وَمَات الْأَمِير أينال الجكمى وَأَصله من مماليك الْأَمِير جكم وإنتقل بعده إِلَى الْأَمِير شيخ المحمدي وَهُوَ صَغِير فربي عِنْده ورقاه فِي خدمته لما تسلطن وَعَمله شاد الشرابخاناه ثمَّ صَار بعد الْمُؤَيد شيخ من أُمَرَاء الألوف وولاه الْأَشْرَف برسباي نِيَابَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 425 الشَّام فَمَاتَ وَهُوَ على نيابتها فَلَمَّا خلع الْعَزِيز من برسباي خرج عَن طَاعَة السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر جقمق ودعا بِدِمَشْق للْملك الْعَزِيز فَبعث إِلَيْهِ السُّلْطَان العساكر فحاربته وهزمته ثمَّ قبض عَلَيْهِ وَقتل بقلعة دمشق فِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ ثَانِي ذِي الْقعدَة وَكَانَ مَشْهُورا بالشجاعة مشكور السِّيرَة إِلَّا أَنه لم يسعده جده. وَمَات الْأَمِير يخشي بك أَصله من المماليك المؤيدية وَصَارَ من الأشرفية فرقاه الْأَشْرَف برسباى حَتَّى صَار من أُمَرَاء الطبلخاناه وَعَمله أَمِير أخور ثَانِيًا فَلَمَّا مَاتَ الْأَشْرَف قبض عَلَيْهِ وسجن بالإسكندرية ثمَّ ضرب عُنُقه فِي يَوْم الْجُمُعَة ثامن ذِي الْحجَّة بِحكم بعض نواب قَاضِي الْمَالِكِيَّة بقتْله من أجل أَنه سبّ وَالِدي بعض الْأَشْرَاف وَكَانَ جَبَّار ظَالِما شريرًا. وَمَات الْأَمِير تغرى برمش وَهُوَ من أهل مَدِينَة بهسني واسْمه حُسَيْن لم يمسهُ رق قطّ وَإِنَّمَا قدم الْقَاهِرَة وَهُوَ صبي فحافظ بِالْأُجْرَةِ فِي الْخط الْمَعْرُوف بالمصنع تَحت قلعة الْجَبَل عِنْد بعض الخياطين فِي حَانُوت وَتسَمى تغرى برمش ثمَّ خدم تبعا عِنْد قراسنقر من المماليك الظَّاهِرِيَّة برقوق مُدَّة طَوِيلَة وخدم بعده بعض الْأُمَرَاء وَصَارَ مَعَه إِلَى حلب ثمَّ خدم جقمق فَلَمَّا صَار دوادار الْمَزِيد شيخ عمله دواداره إِلَى أَن خرج لنيابة الشَّام خرج مَعَه فَلَمَّا مَاتَ الْمُؤَيد وَقبض جقمق على الْأَمِير برسباي الدقماقي وسجنه يُرِيد قَتله قَامَ تغرى برمش هَذَا فِي مدافعة جقمق عَنهُ وَمنعه من قَتله حَتَّى كَانَ من سلطنة الْأَمِير ططر مَا كَانَ وَقدم من دمشق وَقد عمل الْأَمِير برسباي دوادار السُّلْطَان رعى لتغرى برمش حق مدافعة جقمق عَن قَتله وقربه فَلَمَّا تسلطن رقاه وَجعله من جملَة أُمَرَاء مصر ثمَّ ولاه أَمِير أخور كَبِيرا ومكنه من التَّصَرُّف وإعتمد عَلَيْهِ ثمَّ ولاه نِيَابَة حلب فَمَاتَ الْأَشْرَف برسباي وتغرى برمش عَلَيْهَا وَخرج مَعَ العساكر فِي التجريدة إِلَى أرزنكان فإختلف مَعَ الْأُمَرَاء وَقدم حلب فَلَمَّا خلع الْعَزِيز بن برسباي خرج عَن طَاعَة السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر جقمق فَلم ينجح وقاتله أهل حلب وأخرجوه ثمَّ قَاتلته عَسَاكِر السُّلْطَان وهزمته ثمَّ قبض عَلَيْهِ وَقتل بحلب فِي يَوْم الْأَحَد سَابِع عشر ذِي الْحجَّة بعد عقوبات شَدِيدَة وَقد أخرب فِي حروبه هَذِه حلب وَمَا حولهَا وَأكْثر من الْفساد وَقتل الْعباد وَقتل مَعَه الْأَمِير طرعلي بن سقل سيز من أُمَرَاء التركمان. وَمَات بِالْقَاهِرَةِ الْأَمِير حسام الدّين حسن فِي يَوْم الْأَحَد ثَالِث عشْرين ذِي الْحجَّة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 426 وَقد قدم من الْقُدس وَولى فِي الْأَيَّام الناصرية فرج وَمَا بعْدهَا عدَّة نيابات بغزة والقدس وَغَيرهمَا. وَمَات ملك الْيمن الْملك الظَّاهِر هزبر الدّين عبد الله بن الْأَشْرَف إِسْمَاعِيل بن على ابْن دَاوُد بن يُوسُف بن عمر بن على بن رَسُول يَوْم الْخَمِيس سلخ شهر رَجَب وَله فِي الْملك نَحْو إثنتي عشر سنة وضعفت مملكة الْيمن فِي أَيَّامه لقلَّة مجابي أموالها وإستيلاء العربان على أَعمالهَا وأقيم بعده ابْنه الْأَشْرَف إِسْمَاعِيل وَله من الْعُمر نَحْو الْعشْرين سنة فَأكْثر من سفك الدِّمَاء وَأخذ الْأَمْوَال وَغير ذَلِك من أَنْوَاع الْفساد فَقتل برقوق الْقَائِم بدولتهم فِي عدَّة من الأتراك. وَمَات بِالْيمن الرئيس شرف الدّين مُوسَى بن نور الدّين على بن جَمِيع الصَّنْعَانِيّ الأَصْل الْعَدنِي المولد والمنشأ وَقد جَاوز الْخمسين وَكَانَ قد إستقر فِي منصب أَخِيه وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن وَختم بِهِ بَيت ابْن جَمِيع. وَكَانَ حاذقًا عَارِفًا بالأمور كثير الإستحضار للنوادر حسن المعاشرة بعيد الْغَوْر. وَمَات بعدن أَيْضا قاضيها الْفَقِيه الْفَاضِل الشَّافِعِي جمال الدّين مُحَمَّد بن سعيد بن كبن الطَّبَرِيّ الأَصْل الْعَدنِي فِي سَابِع شهر رَمَضَان وَقد جَاوز السِّتين. وَكَانَ فَاضلا فِي الْفِقْه وغره حسن التأني لين الْجَانِب. وَمَات بزبيد الْفَقِيه الشَّافِعِي الْمُفْتِي موفق الدّين على بن مُحَمَّد بن فَخر فِي شَوَّال ومولده سنة ثَمَان وَخمسين وَسَبْعمائة وَقد إنتهت إِلَيْهِ رياسة الْعلم وَالْفَتْوَى بزبيد. وَمَات بزبيد الْفَقِيه الْحَنَفِيّ الْفَاضِل جمال الدّين مُحَمَّد بن على الْمَعْرُوف بالمطيب فِي عشر رَمَضَان. وَهُوَ فِي عشر السّبْعين. وَقد إنتهت إِلَيْهِ رياسة الحنيفية بزبيد. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 427 فارغه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 428 (سنة ثَلَاثِينَ وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة) شهر الله الْمحرم الْحَرَام أَوله يَوْم الْأَحَد: فِيهِ أفرج عَن زَوْجَة القَاضِي زين الدّين عبد الباسط وَعَن أرغون دواداره. وَفِيه حمل عبد الباسط الخزانة السُّلْطَانِيَّة ثَلَاثِينَ ألف دِينَار ذَهَبا وأحيط لَهُ بِخَمْسِينَ ألف أردب من الْغلَّة وبمائة هجين فِيهَا مَا تبلغ قيمَة الْوَاحِد مِنْهَا آلَاف وبهار قِيمَته خَمْسُونَ ألف دِينَار وبعدة كَثِيرَة من الْجمال. وَفِي ثَانِيه: خلع على ولى الدّين مُحَمَّد السفلي مفتي دَار الْعدْل وَأحد خَواص السُّلْطَان وإستقر فِي نظر الْكسْوَة المحمولة إِلَى الْكَعْبَة المشرفة عوضا عَن زين الدّين عبد الباسط مُضَافا لما بِيَدِهِ من وكَالَة بَيت المَال فَإِن شَرط الْوَاقِف أَن يكون وَكيل بَيت المَال نَاظر الْكسْوَة. وخلع على فتح الدّين مُحَمَّد بن أَبى بكر بن أَيُّوب المحرقي وإستقر فِي نظر الجوالي عوضا عَن عبد الباسط. وَكَانَت بِيَدِهِ قَدِيما فأعيدت إِلَيْهِ. وَفِي ثالثه: قدم مبشرو الْحَاج وأخبروا بسلامة الْحجَّاج ورخاء الأسعار. وَفِي خامسه: أفرج عَن أَبى بكر بن عبد الباسط وَعَن شرف الدّين مُوسَى بن الْبُرْهَان إِبْرَاهِيم الكازروني مبَاشر ديوَان عبد الباسط على مَال يقوم بِهِ. هَذَا وَعبد الباسط يُورد المَال شَيْئا بعد شَيْء وَالسُّلْطَان مصمم على أَنه لَا يقنع مِنْهُ بِأَقَلّ من ألف ألف دِينَار ويتهدد بعقوبته ويعدد لَهُ ذنوبًا يحقدها عَلَيْهِ. وَفِي يَوْم الْأَحَد ثامنه: أبتدأ بالنداء على النّيل وَقد بلغت الْقَاعِدَة وَهِي المَاء الْقَدِيم فِي الْقيَاس أَرْبَعَة أَذْرع وَعشرَة أَصَابِع وَأَنه زَاد ثَلَاثَة أَصَابِع. وَفِي تاسعه: نقل الْأَمِير جَانِبك الزيني أستادار من سجنه بقلعة الْجَبَل إِلَى بَيت الْأَمِير تغرى بردى المؤذى الدوادار ليحاسبه عَمَّا فِي جِهَته للديوان الْمُفْرد وألزم بِحمْل عشرَة آلَاف دِينَار فَلم يتَأَخَّر فِي القلعة سوى زين الدّين عبد الباسط بمفرده فِي مقْعد بالحوش من القلعة وَقد رسم عَلَيْهِ عدَّة من المماليك السُّلْطَانِيَّة وَأَتْبَاع تبيع أَصْنَاف أَمْوَاله وعقاره وتورد أثمانها ذَهَبا إِلَى الخزانة السُّلْطَانِيَّة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 429 وَفِي جمادي عشره: أفرج عَن الْأَمِير جَانِبك الزيني وَنزل من بَيت الْأَمِير تغري بردى الدوادار إِلَى بَيته وَقد شطب عَلَيْهِ بمبلغ ألف ألف دِرْهَم وثلاثمائة ألف دِرْهَم وَجَبت عَلَيْهِ لديوان أَكْثَرهَا تحامل عَلَيْهِ فَإِنَّهَا بواق فِي جِهَات متسحبين وَغير ذَلِك مِمَّا لَو أنصف لم تلْزمهُ وَذَلِكَ سوى الْعشْرَة آلَاف دِينَار الَّتِي ألم بهَا. وَفِي رَابِع عشره: قدم القَاضِي معِين الدّين عبد اللَّطِيف ابْن القَاضِي شرف الدّين أَبى بكر كَاتب السِّرّ بحلب وَحمل التقديمة فِي خَامِس عشره مَا بَين ثِيَاب حَرِير وفرو سمور وَثيَاب صوف وَثيَاب بعلبكي وخيل وبغال قومت بِأَلف وَخَمْسمِائة دِينَار. وَفِيه رسم بِنَقْل سودن المغربي من سجن الْإسْكَنْدَريَّة إِلَى الْقُدس ليقيم بِهِ بطالاً ورسم بسجن الخواجا شمس الدّين مُحَمَّد بن المزلق كَبِير تجار الشَّام فِي قلعة دمشق حَتَّى يحمل ثَلَاثِينَ ألف دِينَار للخزانة السُّلْطَانِيَّة وَعشرَة آلَاف دِينَار للديوان الْخَاص فَقدم وَلَده وَصَالح عَن ذَلِك بِخَمْسَة آلَاف دِينَار للخزانة وَألف دِينَار للخاص وخلع عَلَيْهِ. وَفِي ثَانِي عشرينة: قدم الركب الأول من الْحَاج ثمَّ قدم محمل الْحَاج بِبَقِيَّة الْحجَّاج فِي غده وأخبروا برخاء الأسعار فِي بِلَاد الْحجاز وأمنها من الْفِتَن. وَأَن وميان أَمِير الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة عزل بِسُلَيْمَان بن عُزَيْر وَأَن جمَاعَة من الْحجَّاج لما قدمُوا الْمَدِينَة الشَّرِيفَة مضوا لزيارة البقيع فَخرج عَلَيْهِم عدَّة من العربان وقاتلوهم فَقتل ثَلَاثَة نفر من المماليك المجردين. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: كثرت القالة بإختلاف أُمَرَاء الدولة والمماليك السُّلْطَانِيَّة فَنُوديَ فِي يَوْم الْخَمِيس سادس عشرينه بألا يخرج أحد فِي اللَّيْل وَأَن يصلح النَّاس دروب الحارات وَنَحْوهَا. وَفِي سلخه: قدم الْأَمِير يشبك من بِلَاد الصَّعِيد بِمن مَعَه من الْأُمَرَاء والمماليك المجردين فَخلع وَفِي هَذَا الشَّهْر: وَقع الصُّلْح بَين الفنش ملك أشبيلية وقرطبة وَغَيرهمَا من ممالك الفرنج وَبَين مُحَمَّد بن الْأَحْمَر ملك الْمُسلمين بغرناطة من بِلَاد الأندلس بَعْدَمَا إمتدت الْفِتْنَة بَين الْفَرِيقَيْنِ عدَّة سِنِين وَللَّه الْحَمد. شهر صفر أَوله يَوْم الْإِثْنَيْنِ: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 430 فِيهِ قدم الْأَمِير قانبيه البهلوان أتابك العساكر بِدِمَشْق فَأكْرم وخلع عَلَيْهِ لنيابة صفد عوضا عَن الْأَمِير أينال الأجرود المستقر فِي جملَة أُمَرَاء الألوف بديار مصر ورسم بإستقرار الْأَمِير أينال الششمانى أحد أُمَرَاء الألوف بِدِمَشْق فِي الأتابكية بهَا عوضا عَن الْأَمِير قانبيه البهلوان. وَفِي يَوْم الْخَمِيس رابعه: طبق السَّحَاب أَفَاق السَّمَاء بِالْقَاهِرَةِ وَمَا حولهَا ثمَّ أمْطرت مَطَرا غزيرًا كثيرا فَكَانَ هَذَا مِمَّا يستغرب فَإِن الزَّمَان صيف وَالشَّمْس فِي برج الْأسد والنيل يُنَادي عَلَيْهِ وَقد بلغ نَحْو عشرَة أَذْرع وَنحن فِي شهر أبيب أحد شهور القبط وَلكِن الله يفعل مَا يُرِيد. وَفِي سادسه: قدم الْأُمَرَاء المجردين إِلَى الشَّام بِمن مَعَهم من المماليك السُّلْطَانِيَّة فَخلع على الْأَمِير قراقجا الْحسنى أَمِير أخربر وَنزل بِبَاب السلسلة من القلعة وعَلى الْأَمِير تمرباي رَأس نوبَة النوب. وَفِي حادي عشره: نقل زين الدّين عبد الباسط من المقعد بالحوش من القلعة إِلَى برج بهَا وَكَانَت حَاله فِي مُدَّة سجنه بالمقعد على أجمل مَا عهد مِمَّن نكب فَإِنَّهُ أنزل بِهَذَا المقعد وَهُوَ أحد الْمَوَاضِع الْمعدة لجُلُوس السُّلْطَان ورتب لَهُ فِي كل يَوْم سماط من أول النَّهَار وسماط فِي أَخّرهُ يحمل إِلَيْهِ من المطبخ السلطاني مَعَ الْحَلْوَى والفاكهة وَلم يمْنَع أحد من التَّرَدُّد إِلَيْهِ فَكَانَ أُمَرَاء الدولة ومباشروها وأعيان النَّاس وَجَمِيع أَتْبَاعه وألزامه لَا يزالون يتناوبون مَجْلِسه وَيَكُونُونَ بَين يَدَيْهِ كَمَا هِيَ عَادَتهم فِي أَيَّام دولته بِحَيْثُ لم يفقد مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ سوى الْحَرَكَة وَالرُّكُوب وَهُوَ مَطْلُوب بِأَلف ألف دِينَار وَالسُّلْطَان مصمم على ذَلِك. وَقد توَسط بَينه وَبَين السُّلْطَان الْمقر الكمالى مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ كَاتب السِّرّ وراجع السُّلْطَان فِي أمره مرَارًا وَعبد الباسط يُورد من أَثمَان مَا يُبَاع لَهُ من ثِيَابه وأثاثه وحلي نِسَائِهِ وأمتعتهم وَمن عقاراته حَتَّى وقف طلب السُّلْطَان بعد اللتيا وَالَّتِي على أَرْبَعمِائَة ألف دِينَار وأبى أَن يضع عَنهُ مِنْهَا شَيْئا إِلَى أَن كَانَ يَوْم الْخَمِيس هَذَا تحدث كَاتب السِّرّ مَعَ السُّلْطَان فِي الحططة من الأربعمائة ألف دِينَار وأعانه عدَّة من أَعْيَان الدولة فِي التلطف بالسلطان وسؤاله فِي ذَلِك فَغَضب وَأمر أَن يخرج إِلَى البرج على الجزء: 7 ¦ الصفحة: 431 حَالَة ردية وَأَشَارَ لبَعض خواصه بالمضي لما رسم بِهِ فَأخْرج فِي الْحَال من المقعد لَكِن على حَالَة غير ردية ومضوا بِهِ مَاشِيا حَتَّى سجنوه بالبرج ورسم لَهُ أَن يدْفع إِلَى المرسمين عَلَيْهِ بالمقعد وهم ثَمَانِيَة من خاصكية السُّلْطَان مبلغ ألفي دِينَار ومائتي دِينَار فَدَفعهَا إِلَيْهِم وَإِذا بوالي الْقَاهِرَة قد دخل عَلَيْهِ بالبرج وَأمره أَن يخلع جَمِيع مَا عَلَيْهِ من الثِّيَاب فَإِنَّهُ نقل للسُّلْطَان أَن مَعَه الِاسْم الْأَعْظَم وَلذَلِك كلما هم بعقوبته صرفه الله عَن ذَلِك. فَخلع جَمِيع مَا كَانَ عَلَيْهِ من الثِّيَاب والعمامة وَمضى بهَا الْوَالِي وَبِمَا فِي أَصَابِع يَدَيْهِ من الخواتيم فواجد فِي عمَامَته قِطْعَة أَدِيم ذكر لما سُئِلَ أَنَّهَا من نعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَوجدت فِيهَا أوراق بهَا أدعية وَنَحْوهَا. وَفِي يَوْم السبت ثَالِث عشره: وَهُوَ أَول مسرى نُودي على النّيل بِزِيَادَة خمسين إصبعًا لتتمة أَرْبَعَة عشره ذِرَاعا وإصبعين وَهَذَا الْمِقْدَار مِمَّا يستكثر مثله فِي أول مسرى وَللَّه الحمده وَفِي هَذَا الشَّهْر: إرتفع سعر الغلال فإرتفع سعر الْقَمْح من مائَة وَأَرْبَعين درهما الأردب إِلَى مائَة وَتِسْعين وَالشعِير من ثَمَانِينَ درهما الأردب إِلَى مائَة وَخمسين وَبلغ القَوْل نَحْو مِائَتي دِرْهَم الأردب وشره النَّاس فِي خزن الغلال ظنا مِنْهُم أَن أسعارها تعلو من أجل أَن أَكثر أَرَاضِي الزَّرْع كَانَت شراقي وَمَعَ ذَلِك فتولد من الفأر شَيْء عَظِيم أفسد فِي الزروع فَسَادًا كَبِيرا وَوَقعت بِبِلَاد الصَّعِيد فتن كَبِيرَة رعى فِيهَا من الزروع مَا شَاءَ الله فَلذَلِك نقص متحصل غلال النواحي حَتَّى أرجف المشنعون بِوُقُوع الغلاء ولهجوا بِذكرِهِ فأغاث الله الْعباد والبلاد وأجرى النّيل سَرِيعا غزيرًا فضعفت قُلُوب خزان الغلال وإطمأنت قُلُوب الْكِفَايَة فإنكفوا عَن كَثْرَة وَفِي هَذَا الْيَوْم: قدم الْأَمِير أينال الأجرود من صفد والأمير طوغان نَائِب الْقُدس والأمير طوخ أتابك الْعَسْكَر بغزة وَقد صَار من جملَة مقدمي الألوف بِدِمَشْق على تقدمة مغلبية الجقمقي فَخلع عَلَيْهِم وأركبوا خيولاً بقماش ذهب ونزلوا إِلَى دُورهمْ. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: ندب السُّلْطَان من جرف جَمِيع الأتربة الَّتِي كَانَت بالرميلة تَحت القلعة ونقلها إِلَى الكيمان وجرف الأتربة الَّتِي كَانَت بالصوة تَحت القلعة إِلَى قريب مدرسة الْأَمِير أيتمش بِطرف التبانة. وَفِي رَابِع عشره: رسم بإحضار من فِي سجن الْإسْكَنْدَريَّة وهم جانم أَمِير أخور الجزء: 7 ¦ الصفحة: 432 وأينال البوبكرى وعَلى باى الدوادار وَحكم وبيبرس خَالِي الْعَزِيز وتنم ويشبك الدواداران وتنبك الْقَيْسِي ويشبك الخاصكيان وبيرم خجا أَمِير مشوي وأزبك خجا رَأس نوبَة وَأَن يتْرك الْأَمِير قراجًا بالسجن فَسَار الْأَمِير أسنبغا الطيارى لذَلِك. وَفِيه توجه الْأَمِير قانبيه البهلوان إِلَى مَحل كفَالَته بصفد بعد مَا أنعم عَلَيْهِ بِمَال جزيل. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثامن عشره: الْمُوَافق لَهُ سادس مسرى: نُودي على النّيل بِزِيَادَة عشر أَصَابِع فوفاه الله تَعَالَى سِتَّة عشر ذِرَاعا وإصبعين من سَبْعَة عشره ذِرَاعا وَهَذَا أَيْضا من النَّوَادِر فِي وَقت الْوَفَاء فَركب الْأَمِير الْكَبِير يشبك الأتابك حَتَّى خلق المقياس بَين يَدَيْهِ ثمَّ فتح الخليج على الْعَادة. وَفِي ثَانِي عشرينه: قدم الْأَمِير أسنبغا الطيارى بِمن مَعَه من المسجونين بالإسكندرية إِلَى بلبيس وَكلهمْ فِي الْحَدِيد وعدتهم أَرْبَعَة عشر فأفرج مِنْهُم عَن بيرم خجا أَمِير مشوى وَنفي إِلَى طرابلس وَأخرج من البرج بقلعة الْجَبَل رجلَانِ أضيفا مَعَ الثَّلَاثَة عشر فصاروا خَمْسَة عشر فرسم أَن يتَوَجَّه مِنْهُم سَبْعَة نفر إِلَى قلعة صفد ليسجنوا بهَا وهم: أينال وعَلى بيه وتنبك الْقَيْسِي وأزبك حجا وجرباش وحزمان وقانبيه اليوسفي ومتسفرهم الْأَمِير سمام وَأَن يتَوَجَّه ثَلَاثَة مِنْهُم إِلَى قلعة الصبيبة ليسجنوا بهَا وهم جانم أَمِير أخور وبيبرس خَال الْعَزِيز ويشبك بشقشي ومتسفرهم هم وَمن يمْضِي إِلَى المرقب وهم خَمْسَة نفر: أزبك البواب وجكم خَال الْعَزِيز وتنم الساقي ويشبك الْفَقِيه وجانبك قلقسيز والأمير أينال أَخُو قشتمر فَسَارُوا فِي حَالَة سَيِّئَة وَلَا يظلم رَبك أحدا. وَفِي سَابِع عشرينه: قدم الْأَمِير طوخ مازى نَائِب غَزَّة فَخلع عَلَيْهِ وَأنزل فِي بَيته. وَفِي تَاسِع عشرينه: نقل زين الدّين عبد الباسط من البرج إِلَى مَوضِع يشرف على بَاب القلعة ووعد بِخَير بعد مَا كَانَ يوعد بالعقوبة. وَفِي سلخه وَهُوَ ثامن عشر مسرى: نُودي بِزِيَادَة ثَلَاثَة أَصَابِع لتتمة عشرَة ذِرَاعا وإصبعين من عشْرين وَهَذَا مِقْدَار ينْدر وُقُوع مثله فِي ثامن عشر مسرى وَللَّه الْحَمد. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 433 شهر ربيع الأول، أَوله يَوْم الْأَرْبَعَاء: فِي سادسه: خلع على الْأَمِير طوخ مازى وَتوجه عَائِدًا إِلَى مَحل كفَالَته بغزة. وَقد أنعم عَلَيْهِ وَأكْرم. وَفِي عاشره: نُودي بتجهيز النَّاس للسَّفر إِلَى مَكَّة شرفها الله فِي شهر رَجَب فسر النَّار بذلك وَأخذُوا فِي أَسبَاب السّفر. وَفِيه توجه الكاشف عمد الصَّغِير وَمَعَهُ جمَاعَة لأخذ سواكن بعد مَا أنْفق فيهم. وَفِي لَيْلَة السبت حادي عشره: أخرج بالعزيز يُوسُف من محبسه بالقلعة وأركب فرسا وَقد وكل بِهِ جمَاعَة حَتَّى أنزل فِي الحراقة ومضوا بِهِ إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَمَعَهُ جَانِبك القرماني أحد أُمَرَاء العشرات ليودعه بالبرج محتفظًا بِهِ ورسم أَن يصرف لَهُ من مَال أوقاف الْأَشْرَف ألف دِينَار وَحمل مَعَ الْعَزِيز ثَلَاث جوارى لخدمته وجهز من أوقافه بِمَا لابد مِنْهُ بِحَسب الْحَال ورتب لَهُ فِي كل يَوْم ألف دِرْهَم من أوقافه وَخرج عدَّة من جوارى أَبِيه يبْكين وعدن بعد إنحداره فِي النّيل فجمعن من رفاقهن وصواحباتهن كثيرا وعملن عزاء فِي تربة الْأَشْرَف برسباي وتربة جلبان أم الْعَزِيز. وَفِي جُمَادَى عشره: خلع على شمس الدّين أَبى الْمَنْصُور نصر الله كَاتب اللالا وإستقر فِي نظر الإصطبل عوضا عَن زين الدّين يحيى قريب بن أَبى الْفرج. وَفِي يَوْم الْأَحَد ثَانِي عشره: عمل المولد النَّبَوِيّ بَين يَدي السُّلْطَان بالحوش من القلعة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 434 وَفِي سَابِع عشره وَهُوَ خَامِس أَيَّام النسيء: نُودي بِزِيَادَة إِصْبَع وَاحِد تَكْمِلَة عشْرين ذِرَاعا وَهَذَا الْمِقْدَار من زِيَادَة النّيل قبل النوروز مِمَّا ينْدر وُقُوعه وربنا الْمَحْمُود على جزيل نعمائه. وَفِي هَذِه الْأَيَّام أخرج بِجَمَاعَة من الأشرفية منفيين. وَفِي ثامن عشره: أخرج عز الدّين مُحَمَّد بن قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين يُوسُف الْبِسَاطِيّ الْمَالِكِي أحد نواب الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة وناصر الدّين مُحَمَّد الشنشي أحد نواب الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة فِي الترسيم إِلَى بِلَاد الصَّعِيد منفيين. ثمَّ أُعِيد الْبِسَاطِيّ بشفاعة وَقعت فِيهِ ومضي الشنشي وإبنه إِلَى قوص وَنفى أَيْضا أَرْبَعَة من المماليك الأشرفية. وَفِي تَاسِع عشره: سَارَتْ تجريدة فِي النّيل تُرِيدُ ثغر رشيد وَقد ورد الْخَبَر بِأَن أَربع شواني للفرنج قاربت رشيد وَأخذت أبقاراً أَو غَيرهَا فَأخْرج لذَلِك الْأَمِير شادي بك الظَّاهِرِيّ ططر والأمير أسنبغا الطيارى وهما من أُمَرَاء الألوف وَحمل لكل مِنْهُمَا خَمْسمِائَة دِينَار فَمَا هُوَ إِلَّا أَن إنحدرت سفنهم إحترق مركب الطيارى من مدفع نفط رموا بِهِ فَعَاد عَلَيْهِم وأحرق كثيرا مِمَّا مَعَهم وَأصَاب بَعضهم فألقي الطيارى بِنَفسِهِ فِي النّيل حَتَّى نجا ثمَّ ركب فِي السَّفِينَة وَسَارُوا. وَفِي عشرينه: صعد الْخَلِيفَة المعتضد أَبُو الْفَتْح دَاوُد إِلَى السُّلْطَان وَمَعَهُ الْأَمِير بيبرس ابْن بقر وَقد إستجار بِهِ فَقبل السُّلْطَان شَفَاعَته وأمنه وَنزل مَعَ الْخَلِيفَة وَلم يتَعَرَّض لَهُ بعد ذَلِك وَفِي الْعشْر الثَّالِث من هَذَا الشَّهْر: إتفق حَادث شنيع وَهُوَ أَن طباخًا خَارج بَاب الْفتُوح من الْقَاهِرَة يطْبخ كروش الْبَقر ويبيعها مُدَّة سِنِين فِي كل يَوْم فَبَاعَ على عَادَته فِي بعض أَيَّام هَذَا الْعشْر فَمَا دخل اللَّيْل إِلَّا وعدة كَثِيرَة مِمَّن إشترى مِنْهُ وَأكل قد مرضوا وتتابع الْمَوْت فيهم بِحَيْثُ أَنه مَاتَ فِي يَوْمَيْنِ سَبْعَة نفر وَبَقِي نَحْو الْأَرْبَعين مرضى لم يَنْضَبِط لي مَا جرى لَهُم ثمَّ بَلغنِي أَنه مَاتَ مِنْهُم جمَاعَة. وَفِي سادس عشرينه: رسم بتوجه القَاضِي زين الدّين عبد الباسط إِلَى الْحجاز بأَهْله وَأَوْلَاده فَأخذ يتجهز للسَّفر. وَفِيه وَردت مطالعة الْأَمِير أقبغا التمرازي نَائِب الشَّام يشكو فِيهَا من بهاء الدّين مُحَمَّد بن حجي قَاضِي الْقُضَاة وَكَاتب السِّرّ بِدِمَشْق فرسم بعزله وإخراجه من دمشق إِلَى الْقُدس ثمَّ رسم لَهُ بتدريس الصلاحية بالقدس ونظرها عوضا عَن عز الدّين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 435 الْقُدسِي وَتوجه الْأَمِير يلبغا الجركسى رَأس نوبَة وَأحد خَواص السُّلْطَان لذَلِك وَأَن يكْشف عَن شكوى نَائِب الشَّام من أَرْبَاب الْوَظَائِف بِدِمَشْق. وَفِيه ورد الْخَبَر بِأَن الْأَمِير أقبغا التركماني الناصري نَائِب الكرك لما قدم عَلَيْهِ من الْأَبْوَاب السُّلْطَانِيَّة جائرًا من بني عقبَة ابْن منجد أَمِير بني عقبَة وَعَلِيهِ وَفِي سَابِع عشرينه: رسم بسفر خمسين من المماليك السُّلْطَانِيَّة صُحْبَة زين الدّين عبد الباسط وأقيم عَلَيْهِم مِنْهُم رَأس باش. وَفِي تَاسِع عشرينه: جهز إِلَى الْأَمِير أركماس الظَّاهِرِيّ الدوادار كَانَ فرس الجزء: 7 ¦ الصفحة: 436 وبغل بقماش من الإصطبل السلطاني وَأذن لَهُ أَن يركب من دمياط ويسير حَيْثُ شَاءَ من أقطار الْبَلَد فَقَط. شهر ريبع الآخر أَوله يَوْم الْجُمُعَة: فِيهِ خلع على شهَاب الدّين أَحْمد العجلوني موقع الْأَمِير أركماس الدوادار كَانَ وإستقر فِي كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق عوضا عَن بهاء الدّين مُحَمَّد بن حجى ورسم بإستمرار عز الدّين عبد السَّلَام الْقُدسِي على عَادَته فِي تدريس الصلاحية بالقدس ونظرها وَأَن يحضر إِبْنِ حجى إِلَى الْقَاهِرَة ورسم بِنَقْل صَلَاح الدّين خَلِيل بن مُحَمَّد ابْن مُحَمَّد بن مَحْمُود بن سَابق من كِتَابَة السِّرّ بحماة إِلَى نظر الْجَيْش بحلب عوضا عَن سراج الدّين عمر بن شهَاب الدّين أَحْمد بن السفاح. وَفِي ثَانِيه: خلع على ابْن السفاح الْمَذْكُور وإستقر فِي نظر الْجَيْش بِدِمَشْق عوضا عَن جمال الدّين يُوسُف بن الصفي الكركي وَكَانَ قد قدم الْقَاهِرَة. وَفِيه وَهُوَ رَابِع عشر مسرى:. بلغ النّيل عشْرين ذِرَاعا وَعشرَة أَصَابِع. وَفِيه ادعِي رجل على بعض نواب القَاضِي الشَّافِعِي أَنه سجن غريمًا لَهُ على دين ثَبت لَهُ عَلَيْهِ فَأثْبت الْغَرِيم إِعْسَاره على آخر من نواب القَاضِي فَأخْرجهُ من السجْن كأنكر السُّلْطَان إِخْرَاج الْغَرِيم من السجْن بِغَيْر إعذار رب الدّين وَأمر بِالْقَاضِي الَّذِي أخرجه من السجْن أَن يسجن حَتَّى يدْفع لرب الدّين دينه وَهُوَ ثَمَانِيَة آلَاف دِرْهَم فسجن بالبرج من قلعة الْجَبَل حَتَّى دفع ذَلِك إِلَيْهِ من مَاله وَهَذَا من نَوَادِر الْأَحْكَام. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 437 وَفِيه رسم بعزل نواب الْقُضَاة الْأَرْبَع بأجمعهم. وَألا يَسْتَنِيب الشَّافِعِي سوى أَرْبَعَة فَقَط وكل من الثَّلَاثَة لَا يَسْتَنِيب إِلَّا إثنين لَا غير. وَفِي سابعه: أنْفق فِي المماليك المجردين إِلَى مَكَّة صُحْبَة زين الدّين عبد الباسط وهم خَمْسُونَ فَارِسًا مبلغ خمسين دِينَارا لكل وَاحِد سوى الْخَيل وَالْجمال. وَفِيه خلع على شمس الدّين مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد الونائي وإستقر فِي قَضَاء الشَّافِعِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن ابْن حجى وأنعم عَلَيْهِ السُّلْطَان بخيل وجمال ورسم بتجهيزه. والونائي هَذَا مولده فِي شعْبَان سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة بقرية ونا من عمل الفيوم وَقدم الْقَاهِرَة وإشتغل بهَا من سنة سبع وَثَمَانمِائَة فبرع فِي الْفِقْه والعربية وتكسب بتحمل الشَّهَادَة مُدَّة ثمَّ إشتهر وتصدى للأشغال فَقَرَأَ عَلَيْهِ جمَاعَة وَصَحب عدَّة من أَعْيَان الدولة الأشرفية برسباى مِنْهُم الْأَمِير جقمق فَلَمَّا تسلطن جقمق لزم الترداد إِلَى مَجْلِسه حَتَّى ولاه مسئولاً بِالْولَايَةِ وَنعم وَفِي عاشره: استدعى السُّلْطَان بأولاد القَاضِي زين الدّين عبد الباسط الثَّلَاثَة وخلع عَلَيْهِم كوامل حَرِير بِفَرْوٍ سمور وقاقم ونزلوا إِلَى دُورهمْ مكرمين. وَفِي حادي عشره: ورد الْخَبَر من دمياط بِأَن الْعَامَّة قتلوا رجلا نَصْرَانِيّا إسمه جرجس إِبْنِ ضو الطرابلسي بعد مَا أظهر الْإِسْلَام ثمَّ نهبوا كنائس النَّصَارَى. وَفِي ثَانِي عشره: استدعى السُّلْطَان بزين الدّين عبد الباسط من محبسه فَدخل فِي جمَاعَة من أَعْيَان الدولة إِلَى السُّلْطَان فَبَالغ فِي إكرامه وخلع عَلَيْهِ وعَلى عتيقه الْأَمِير جَانِبك وَنزل من القلعة وَفِي خدمته أَعْيَان الدولة وَقد إجتمع خلائق لرُؤْيَته فَرحا بِهِ حَتَّى نزل بمخيمه قَرِيبا من قبَّة النَّصْر ليتوجه إِلَى الْحجاز بأولاده ونسائه وَأَتْبَاعه بعد مَا حمل إِلَى الخزانة السُّلْطَانِيَّة مِائَتي ألف دِينَار وَخمسين ألف دِينَار ذَهَبا سوى مَا أَخذ لَهُ من الْخُيُول وَالْجمال وَغير ذَلِك وَسوى تحفًا جليلة قدمهَا فحماه الله فِي محنته فَلم يسمع فِيهَا مَا يكره بل كَانَ فِي هَذِه الْمدَّة يتَرَدَّد إِلَيْهِ أُمَرَاء الدولة ومباشروها وَهُوَ من الْعِزّ والكرامة على حَاله فِي أَيَّام دولته وَلَا أعلم أحدا رأى من الإجلال والإحترام فِي أَيَّام نكبته مَا رَآهُ وَرَأى ذَلِك بِمَا كَانَ يجريه الله على يَدَيْهِ من الصَّدقَات سرا وجهرًا. وَفِي ثَالِث عشره: عزل أَبُو الْمَنْصُور من نظر الإصطبل بعد مَا حمل مِمَّا الْتزم بِهِ نَحْو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 438 سبعمائه دِينَار وإستقر عوضه تَاج الدّين مُحَمَّد بن نور الدّين على بن القلاقسي الفوي على مَال إلتزم بِهِ. وَفِي سحر يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشره: رَحل زين الدّين عبد الباسط من مَنْزِلَته بقبة النَّصْر حَتَّى أَنَاخَ ببركة الْحجَّاج ورافقه فِي سَفَره جماعات من الرِّجَال وَالنِّسَاء فَصَارَ فِي ركب من الْحجَّاج وَكَانَ يتَرَدَّد إِلَيْهِ فِي مَنْزِلَته هَذِه عَامَّة الْأُمَرَاء وَالْمقَام الناصري مُحَمَّد ولد السُّلْطَان وَجَمِيع مباشري الدولة من الْوَزير وَكَاتب السِّرّ وناظر الْجَيْش وناظر الْخَاص ومعظم أَعْيَان الْقَاهِرَة من الْقُضَاة ومشايخ الْعلم والتجار وَغَيرهم من سَائِر طَبَقَات النَّاس فَأَقَامَ ببركة الْحجَّاج وهم يَتَرَدَّدُونَ إِلَيْهِ ويحملون لَهُ المبالغ الْكَثِيرَة من الذَّهَب وَالثيَاب والخيول والأغنام وَغير ذَلِك حَتَّى إستقل بِالْمَسِيرِ فِي لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ ثامن عشره فَمَا زادته هَذِه المحنة إِلَّا رفْعَة وَعزا وَذَلِكَ فضل الله يؤتيه من يَشَاء وَالله ذُو الْفضل الْعَظِيم. وَفِي خَامِس عشرينه: عزل نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن سَلام عَن ولَايَة دمياط ولعزله خبر يذكر وَهُوَ أَن جمَاعَة من المطوعة بدمياط ركبُوا الْبَحْر يُرِيدُونَ جِهَاد الفرنج فَمَضَوْا من دمياط حَتَّى أرسوا بميناء بيروت وهم فِي ثَلَاثَة مراكب فإجتمع عَلَيْهِم عدَّة من الْغُزَاة وَسَارُوا غير بعيد وَإِذا بطَائفَة كَبِيرَة من الفرنج فِي أَرْبَعَة مراكب قد أَقبلُوا فإحتربوا مَعَهم حَربًا شَدِيدَة حَتَّى إستشهدوا بأجمعهم إِلَّا طَائِفَة من البحارة فَإِنَّهُم ألقوا أنفسهم فِي الْبَحْر وَأخذ الفرنج مراكب الْمُسلمين بِمَا فِيهَا وأقلعوا فَمَا هُوَ إِلَّا أَن وصل الْخَبَر بذلك إِلَى دمياط وَإِذا بالعزاء والمأتم قد أُقِيمَت على من فقد من الغزاه حَيْثُ عَم ذَلِك أهل الْبَلَد بأسرهم إِلَّا رجلا من نَصَارَى دمياط يُقَال لَهُ جرجس بن ضو فَإِنَّهُ فِي وَقت عزاء النَّاس عمل فَرحا وَجمع على طَعَامه عدَّة أنَاس وَأظْهر الشماتة والمسرة بِمَا أصَاب الْمُسلمين وَكَانَ قبل يتهمه النَّاس بدمياط أَنه يُكَاتب الفرنج ويدلهم على عورات الْمُسلمين ويحضهم على محاربتهم فَلَمَّا عمل هَذَا الْمُجْتَمع لم تصبر الْعَامَّة على ذَلِك وثاروا بِهِ وأخرجوه وَادعوا عَلَيْهِ عِنْد القَاضِي بقوادح قَامَت عَلَيْهِ بهَا بَيِّنَات أوجبت قَتله فَلَمَّا أَيقَن بِالْهَلَاكِ أظهر الْإِسْلَام وتلفظ بِالشَّهَادَتَيْنِ فَقَامَ ابْن سَلام على الْعَامَّة وتخلصه من بَين أَيْديهم على مَال فِيمَا زَعَمُوا أَنه وعده بِهِ فتعصبت الْعَامَّة وَقتلت النَّصْرَانِي الْأَسْلَمِيّ وأحرقوه بالنَّار ونهبوا كنائس النَّصَارَى فحنق ابْن سَلام وَكتب إِلَى السُّلْطَان وَإِلَى نَاظر الْخَاص وَهُوَ يشنع الْأَمر وَيذكر أَن حُرْمَة السُّلْطَان قد إنكسرت وَضاع مَال السُّلْطَان وتعطل إستخراجه فَاشْتَدَّ غضب نَاظر الْخَاص وأغرى السُّلْطَان بِأَهْل دمياط حَتَّى غضب عَلَيْهِم وَبعث ثَلَاثِينَ مَمْلُوكا صُحْبَة بعض الجزء: 7 ¦ الصفحة: 439 الْأُمَرَاء ليقبضوا على التُّجَّار بدمياط وعَلى أعيانها فَدَخَلُوا دمياط وَقد طَار الْخَبَر إِلَيْهَا فَرَحل جُمْهُور أَهلهَا وَتركُوا دُورهمْ وضعفة أَهَالِيهمْ. هَذَا وَكتب ابْن سَلام تتواتر مرّة بعد أُخْرَى لإغراء السُّلْطَان بِأَهْل دمياط وَقد طَار الْخَبَر إِلَيْهَا وَالسُّلْطَان يشْتَد غَضَبه على الْعَامَّة ويهم أَن يفتك بهم فَأخذ جمَاعَة من أَعْيَان الدولة فِي تسكين غَضَبه وبالغوا فِي تَقْبِيل يَدَيْهِ وسألوه. الْعَفو عَنْهُم حَتَّى تمهل عَن قَتلهمْ ورسم بعزل ابْن سَلام وَقد إتضح أمره. وَفِي خَامِس عشرينه: قدم أحد حجاب دمشق بِسيف الْأَمِير أقبعْا التمرازي نَائِب الشَّام وَقد مَاتَ فَجْأَة فِي سادس عشره فرسم لنائب حلب الْأَمِير جلبان بإستقراره فِي نِيَابَة الشَّام وَأَن ينْتَقل نَائِب طرابلس الْأَمِير قانباى الحمزاوي إِلَى نِيَابَة حلب وينتقل الْأَمِير برسباى الناصري حَاجِب الْحجاب إِلَيّ بِدِمَشْق إِلَى نِيَابَة طرابلس ويستقر عوضه فِي الحجوبية الْكُبْرَى بِدِمَشْق الْأَمِير سودون النوروزي حَاجِب حلب وينتقل حَاجِب حماة الْأَمِير سودون المؤيدي إِلَى الحجوبية الْكُبْرَى بحلب وَأَن يسْتَقرّ الْأَمِير جمال الدّين يُوسُف بن قلندور نَائِب خرت برت فِي نِيَابَة ملطية عوضا عَن الْوَزير الْأَمِير غرس الدّين خَلِيل ويستقر خَلِيل الْمَذْكُور أحد أُمَرَاء الألوف بِدِمَشْق عوضا عَن الْأَمِير الجزء: 7 ¦ الصفحة: 440 ألطبغا الشريفي ويستقر الشريفي الْمَذْكُور أَمِيرا كَبِيرا بحلب عوضا عَن الْأَمِير قطج وَأَن يحضر الْأَمِير قطج إِلَى الْقَاهِرَة وجهزت تقاليدهم ومناشيرهم فِي سَابِع عشرينه ورسم للأمير دولات باى المريدي الدوادار أَن يكون متسفر الْأَمِير جلبان نَائِب الشَّام وَأَن يكون الْأَمِير أرنبغا اليونسي رَأس نوبَة متسفر الْأَمِير قانباى الحمزاوي نَائِب حلب وَأَن يكون الْأَمِير سودون المحمدي الْمَعْرُوف بأتمكجي رَأس نوبَة متسفر الْأَمِير برسباى نَائِب طرابلس وخلع عَلَيْهِم فِي تَاسِع عشرينه خلع السّفر فسافروا. وَثبتت زِيَادَة النّيل إِلَى يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع عشرينه الْمُوَافق لَهُ ثامن بابة على أَصَابِع من عشْرين ذِرَاعا وَقد إنقضت أَيَّام الزِّيَادَة وَشَمل الرّيّ أَرَاضِي الزراعات بالنواحي وَلم نعهد مُنْذُ سِنِين أَن زِيَادَة النّيل ثبتَتْ إِلَى هَذَا التَّارِيخ من شهور القبط على هَذَا الْمِقْدَار إِلَّا أَن أسعار الغلال إرتفعت عَمَّا كَانَت عَلَيْهِ لَا سِيمَا الفول فَإِنَّهُ تجَاوز المائتي دِرْهَم الأردب بعد ثَمَانِينَ وَقل وجود اللَّحْم الضَّأْن من قلَّة مرَاعِي بِلَاد الصَّعِيد وَلما وَقع بهَا من الْفِتَن. وَفِي يَوْم الْخَمِيس وَيَوْم الْجُمُعَة سلخه: طبق الْأُفق بِالْقَاهِرَةِ جَراد منتشر فَأَضْرب بِبَعْض الزروع وَهلك سَرِيعا. وَفِيه أُعِيد مُحَمَّد الصَّغِير إِلَى ولَايَة دمياط عوضا عَن ابْن سَلام. شهر جمادي الأولى أَوله يَوْم السبت: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 441 فِيهِ نُودي من أَرَادَ السّفر فِي رَجَب إِلَى الْحجاز فليتجهز على الْمسير فِي نصفه فسر النَّاس وجدوا فِي أَمر سفرهم. وَفِي عاشره: برز الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن الْأَمِير أينال أحد خَواص السُّلْطَان ليتوجه وَفِي خَامِس عشره: إستقر الْأَمِير مازي أحد الْأُمَرَاء الألوف بِدِمَشْق فِي نِيَابَة الكرك عوضا عَن أقبغا التركماني وَقد قبض عَلَيْهِ وسجن بقلعة الكرك. وَفِيه إستقر مُحَمَّد الصغر والى قوص فِي كشف الْوَجْه القبلي عوضا عَن أركماس الجاموس وجهز لَهُ التشريف. وَفِي عشرينه: خلع على الْأَمِير أسنبغا الطياري وإستقر فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن يلبغا البهائي بعد وَفَاته وَأقر إقطاعه بِيَدِهِ. ومضي فِي هَذَا الشَّهْر عدَّة أَيَّام من هتور أحد شهور القبط: والنيل ثَابت على تِسْعَة عشر ذِرَاعا وَهَذَا من النَّوَادِر. وَفِي خَامِس عشرينه: رسم بالإفراج عَن الْأَمِير قراجا الأشرفي برسباى وحضروه ليستقر أَمِيرا كَبِيرا بحلب. شهر جمادي الْآخِرَة أَوله يَوْم الْأَحَد: فِي خامسه: إتفقت بِالْقَاهِرَةِ حَادِثَة شنيعة وَهِي أَن بعض التُّجَّار تردد إِلَيْهِ قباني لوزن بضائعه مرَارًا وسافر مَعَه إِلَى الْحجاز فَعرف بِكَثْرَة ملازمته لَهُ كثيرا من مَاله وداخله الطمع بِحَيْثُ عزم على أَنه يقْتله وَيَأْخُذ مَاله. ثمَّ جَاءَ إِلَيْهِ فِي اللَّيْل وَمَعَهُ سكين مَاضِيَة قد أعدهَا لقَتله وأخفاها بَين ثِيَابه وَقَالَ. قد وَقع بيني وَبَين زَوْجَتي مخاصمة وَجئْت لأبيت عنْدكُمْ. فَأَقَامَ يحادث عبيده طَائِفَة من اللَّيْل وَكَانَ قد ورد إِلَى التَّاجِر رجل مغربي من أَصْحَابه وَبَات عِنْده فَلَمَّا نَامُوا وَهُوَ يراقبهم حَتَّى جن اللَّيْل دخل على التَّاجِر وذبحه فإنتبه من نَومه وَقد مَضَت السكين على حلقه وَلم تفري وديجيه ودافعه عَن نَفسه وَمر لينجو وَهُوَ يَصِيح فَخرج البائس وَذبح المغربي وَهُوَ نَائِم فَقتله وَمَال على عبد صَغِير فذبحه أَيْضا فثار بِهِ وَهَذَا البائس يضْربهُ بالسكين مرَارًا حَتَّى مَاتَ هَذَا وَقد قَامَ التَّاجِر ودماؤه تشخب حَتَّى صعد سطح الدَّار وَصَاح بالجيران يغيثوه فَخرج إِلَيْهِ مِنْهُم طَائِفَة وَإِذا هم بِهَذَا البائس قد خرج من بَيت التَّاجِر لينجو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 442 بِنَفسِهِ فقبضوا عَلَيْهِ وَأخذُوا مِنْهُ السكين فَقَالَ إِن عبد التَّاجِر قَامَ وَذبح أستاذه وَأَرَادَ ذبحي فدافعته عني وقتلته فرابهم أمره لِكَثْرَة مَا رَأَوْهُ عَلَيْهِ من دِمَاء ودخلوا بِهِ إِلَى بَيت التَّاجِر فَرَأَوْا المغربي وَالْعَبْد مذبوحين والتاجر قد قطع خَدّه وَبَعض رقبته وَكَانُوا قد بعثوا فِي طلب والى الْقَاهِرَة فأدركهم سَرِيعا وَرَأى مَا هُنَالك وأعلمه التَّاجِر بِمَا جرى عَلَيْهِ من القباني فتسلمه وأوثقه بالحديد وطلع بِهِ بكرَة إِلَى السُّلْطَان فَبعث على أَنه إِنَّمَا قتل العَبْد دفعا عَن نَفسه وَأَن العَبْد هُوَ الَّذِي قتل المغربي وَفعل بالتاجر مَا فعل وَأَنِّي صرخت فِي العَبْد لما إنحط عَليّ فأخطأت يَده حلقي وَقَامَ عني فثرت بِهِ عِنْد ذَلِك فَأمر السُّلْطَان أَن ينظر الْقُضَاة فِي أمره فَحكم بَعضهم نواب الْحَنَفِيَّة بقتْله لِأَنَّهُ إعترف أَنه قتل عبد التَّاجِر ومذهبهم أَن الْحر يقتل فسمره عِنْد ذَلِك الْوَالِي وشهره على جمل ثمَّ وَسطه وَقد إجتمع لرُؤْيَته عَالم لَا يحصيهم إِلَّا الَّذِي خلقهمْ فأكدت هَذِه الْحَادِثَة قَول الأول أَو إِذا كَانَ الْغدر فِي النَّاس طباعًا فالثقة بِكُل أحد عجز وَكَانَ هَذَا القباني شَابًّا عمره نَحْو الْعشْرين سنة وَهُوَ نحيف الْجِسْم وَهُوَ وَأَبوهُ وَأمه وَزَوجته معروفون فتكشف عَن جرْأَة عَظِيمَة وتهور زَائِد نَعُوذ بِاللَّه من سوء عَاقِبَة الْقَضَاء. وَفِي هَذَا الْيَوْم: قدم رَسُول القان معِين شاه رخ ملك الْمشرق. وَفِي ثَانِيه: قدم الْأَمِير قراجا فَخلع عَلَيْهِ وإستقر أَمِيرا كَبِيرا بحلب وَسَار إِلَيْهَا فِي ثَانِي عشره وَفِيه أحضر رَسُول القان وَقت الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة بِالْقصرِ فَقدم كِتَابه فَإِذا فِيهِ أَنه بلغه موت الْأَشْرَف وجلوس السُّلْطَان على تخت الْملك فَأَرَادَ أَن يتَحَقَّق علم ذَلِك فَأكْرم وَأنزل ورسم بِكِتَابَة جَوَابه. وَفِي هَذَا الشَّهْر وَالَّذِي قبله: إرتفعت أسعار كثير من المأكولات وَقل وجود الأجبان والألبان وَالسمن وَاللَّحم وَعَاشَتْ الدودة فِي الزروع فَأَكَلتهَا وأعيد الْبذر مرّة وَفِي بعض النواحي أكلت الدودة مَا زرع ثَانِيًا فزرع ثَالِث مرّة وغلا أَيْضا سعر التِّبْن والفول وَالشعِير ثمَّ إنحل فِي هَذَا الشَّهْر سعر الغلال. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كَانَ بَين أَصْبَهَان بن قرا يُوسُف التركماني متملك بَغْدَاد وَبَين عليان أَمِير عرب الْعرَاق قتال إنهزم فِيهِ أَصْبَهَان أقبح هزيمَة وَلحق بِبَغْدَاد وَقد خرجت بأجمها وَلم يبْق بهَا من أَهلهَا إِلَّا من لَا يؤبه لَهُ وهم قَلِيل جدا. وتعطلت مِنْهَا الْأَسْوَاق جلة وحف مُعظم نخلها وإنقطعت مياه أنهارها وَصَارَت دون أقل الْقرى بعد أَن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 443 أربت فِي الْعِمَارَة على جَمِيع مَدَائِن الدُّنْيَا حَقًا على الله مَا رفع شَيْئا من هَذِه الدُّنْيَا إِلَّا وَضعه. شهر رَجَب وأوله يَوْم الثُّلَاثَاء: فِيهِ خرج ثقل الْأَمِير قانبك المحمدي أَمِير الرجبية ومقدم المجردين إِلَى مَكَّة وأناخ ببركة الْحجَّاج وتلاحق بِهِ الْمُسَافِرين طَائِفَة بعد طَائِفَة ثمَّ إستقلوا بِالْمَسِيرِ من الْبركَة فِي خامسه وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ رَابِع عشره: أدير محمل الْحَاج بِالْقَاهِرَةِ ومصر على الْعَادة فِي كل سنة وَزَاد السُّلْطَان فِي عدَّة الصّبيان الَّذين يَلْعَبُونَ بِالرُّمْحِ عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْأَيَّام الأشرفية وَأنْفق فِي الفرسان الَّذين ركبُوا فِي هَذَا الْيَوْم قُدَّام الْمحمل مَالا وَلم تجر بذلك عَادَة وَكَانَ الْحَال فِي هَذَا الْيَوْم وَفِي ليلته الْمَاضِيَة جميلاً وَلم يَقع فِيهِ شَيْء من الشناعات الَّتِي كَانَت تقع فِي الْأَيَّام الأشرفية من فَسَاد المماليك وَللَّه الْحَمد. وَفِيه إستقر فِي نِيَابَة غَزَّة الْأَمِير طوخ المؤيدي أحد أُمَرَاء الألوف بِدِمَشْق. وَفِي عشرينه: قدم الْأَمِير دولات باى الدوادار من دمشق وَقد كثرت أَمْوَاله مِمَّا حصل لَهُ فِي وَفِي حادي عشرينه: قدم ابْن أينال من التجريدة إِلَى عرب بلَى بالحجاز وَمَعَهُ أحد عشر رجلا سمورًا على الْجمال ثمَّ طيف بهم الْقَاهِرَة ووسطوا وَكَانَ من خبر ابْن أينال مَعَهم أَنه لما سَار من الْقَاهِرَة لقِيه الشريف عقيل الْمَعْزُول عَن إمرة يَنْبع وَقد كتب لَهُ بمساعدة المجردين على قتال بلَى فَبعث أَخَاهُ ليَأْتِي بأكابرهم إِلَيْهِ وَكتب يرغبهم فِي طَاعَة السُّلْطَان فَلم يطمئنوا إِلَيْهِ فَسَار هُوَ وَابْن أينال بِمن مَعَهم من المماليك وَالْعرب حَتَّى طرقوا بلَى وقبضوا مِنْهُم على الْجَمَاعَة الْمَذْكُورين وفر باقيهم فنهبوا من بيُوت بلَى مَا قدرُوا عَلَيْهِ وَخَرجُوا من أَوْدِيَتهمْ ومضي من المماليك ثَلَاثُونَ فَارِسًا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 444 إِلَى الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة بَدَلا من المماليك الْمُجَرَّدَة إِلَيْهَا صُحْبَة الْأَمِير خشقدم الْمُقدم وَقدم من المماليك المتوجهة صُحْبَة الْأَمِير سودون المحمدي إِلَى مَكَّة خَمْسُونَ فَارِسًا وعادوا إِلَى الْقَاهِرَة. وَفِي هَذَا الشَّهْر وَالَّذِي قبله: قل وجود اللَّحْم بأسواق الْقَاهِرَة وإرتفع سعر أَكثر المأكولات وتوالى هبوب الرِّيَاح المريسية أَيَّامًا كَثِيرَة خيف على الزَّرْع مِنْهَا أَن يجِف ليبسها وَعدم وُقُوع الْمَطَر هَذَا مَعَ إِتْلَاف الدودة كثيرا مِمَّا زرع. وَفِيه أَيْضا غرق فِي الْبَحْر مَا بَين طرابلس الشَّام من دمياط بضعَة عشر مركبا موسرقة دبسًا وزبيبًا وَغير ذَلِك فإرتفع سعر الدبس من سَبْعَة دَرَاهِم الرطل إِلَى عشرَة وغرق أَيْضا فِيمَا بَين جدة والسويس عدَّة مراكب هلك فِيهَا خلق شهر شعْبَان أَوله يَوْم الْأَرْبَعَاء: فِي يَوْم الْجُمُعَة عاشره: تعذر وجود الْخبز بأسواق الْقَاهِرَة ومصر وَتَمَادَى على ذَلِك من الْغَد وَبعده. وَفِي حادي عشره: خلع على بهاء الدّين مُحَمَّد بن نجم الدّين عمر بن حجى وَكَانَ قدم إِلَى الْقَاهِرَة وإستقر فِي نظر الْجَيْش بِدِمَشْق عوضا عَن سراج الدّين عمر بن أَحْمد ابْن السفاح الْحلَبِي ورسم لإبن السفاح بِنَظَر الْجَيْش بحلب على مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي الْأَيَّام الأشرفية عوضا عَن صَلَاح الدّين بن سَابق. وَفِيه خلع أَيْضا على جمال الدّين يُوسُف بن أَحْمد الباعوني وإستقر فِي قَضَاء الجزء: 7 ¦ الصفحة: 445 طرابلس وَكَانَ ولي مُنْذُ أَيَّام رجل من أهل دمشق يعرف بِابْن الزُّهْرِيّ وَتوجه من الْقَاهِرَة فعزل بِابْن الباعوني قبل وُصُوله إِلَى طرابلس وَكِلَاهُمَا تكلّف مَالا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه. وَقدم الْخَبَر بَان دوكات ميلان يَعْنِي صَاحب ميلان وَهِي طَائِفَة من الفرنج تجَاوز مملكة البندقية وَلم يزَالُوا يحاربونهم ولدوكات هَذَا مملكة متسعة وَله سطوة ويوصف بعقل وَمَعْرِفَة وَكَانَ قد ملك جنوه مُدَّة ثمَّ إنتزعت مِنْهُ فِي سنة أَرْبَعِينَ وَثَمَانمِائَة فَلَمَّا كَانَ فِي هَذِه الْأَيَّام كتب إِلَى البابا برومية يسائه ويرغب إِلَيْهِ فِي أَن يجْتَمع بِهِ فِي محفل يجْتَمع فِيهِ القسيسون والرهبان وأعيان الرّوم والفرنج ليتفقوا جَمِيعًا على أَمر ديني يعقدوه فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِك فَسَارُوا جَمِيعًا حَتَّى توافوا على فرارة وهى فِي طرف مملكة دوكات ميلان يجوار مملكة فرنتين وَكَانَ ذَلِك جمعا عَظِيما بِحَيْثُ ضَاقَ بهم الفضاء فَسَارُوا بأجمعهم ونزلوا أَرض مَدِينَة فرنتين وَذَلِكَ فِي فصل الصَّيف وَفصل الخريف ثمَّ إفترقوا وَعَاد كل مِنْهُم إِلَى وَطنه فَبَيْنَمَا الدوك سَائِر إِذْ طرقه البنادقة على حِين غَفلَة فَكَانَت بَينهمَا وقْعَة عَظِيمَة قتل فِيهَا مَا شَاءَ الله وإنهزم دوكات أقبح هزيمَة وَقد فني مُعظم عسكره ونهبت أَمْوَاله وَللَّه الْحَمد فَإِنَّهُ يُقَال إِن إجتماعه بالبابا كَانَ بِسَبَب محاربته للْمُسلمين وَأَن يُفَوض إِلَيْهِ التَّصَرُّف وَالْحكم فكفي الله أمره. وَفِي ثَالِث عشره: خلع على القَاضِي عَلَاء الدّين على بن مُحَمَّد بن سعد الْمَعْرُوف بِابْن خطب الناصرية وأعيد إِلَى قَضَاء حلب وَكَانَ قدم الْقَاهِرَة وعزل ابْن الْجَزرِي. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة: إستقر وجود الْخبز بحوانيت الْأَسْوَاق بعد مَا كَانَ تعذر وجوده خَمْسَة عشر يَوْمًا بعامة أسواق الْقَاهِرَة ومصر والجيزة وتكالب النَّاس على طلبَ الدَّقِيق من الطواحين وَكثر إزدحامهم على أَبْوَابهَا وَقل وجود الغلال وإرتفع سعرها حَتَّى بلغ سعر الْقَمْح ثَلَاثمِائَة دِرْهَم الأردب. وتجاوزت البطة من الدَّقِيق مائَة دِرْهَم وَقل مَعَ ذَلِك وجود الشّعير والفول والتبن فقلق أَرْبَاب الدَّوَابّ وعزت المأكولات لاسيما الألبان فَإنَّا لم نعهد فِيمَا أدركناه من الغلوات أَن اللَّبن قل كَمَا قل فِي هَذِه السّنة وَللَّه عَاقِبَة الْأُمُور. والقمح بثلاثمائة وَثَلَاثِينَ درهما الأردب والبطة من الدَّقِيق بِمِائَة عشرَة دَرَاهِم والخيول مرتبطة على البراسيم وَقد بلغ الفدان البرسيم زِيَادَة على ألفي دِرْهَم وَقل وجود اللَّحْم من الضَّأْن بالأسواق عدَّة أَيَّام فِي هَذَا الشَّهْر وَلم يكد يُوجد السّمن وَلَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 446 عسل النَّحْل هَذَا مَعَ علو النّيل وَطول مكثه وَمَعَ ذَلِك فَلم تنجب عدَّة أَنْوَاع من الزروع كاللفت والفجل والكزبرة وَنَحْو ذَلِك. وَفِي حادي عشره: رسم بعزل معِين الدّين عبد اللطف بن شرف الدّين أَبى بكر الْأَشْقَر من كِتَابَة السِّرّ بحلب وأضيفت لإبن السفاح مَعَ نظر الْجَيْش على مبلغ سِتَّة آلَاف دِينَار يقوم بحملها. وَفِي ثامن عشره: رسم لوالى الْقَاهِرَة أَن يستخدم مائَة ماش يسعون فِي ركابه وَبَين يَدَيْهِ إِذا ركب وَنُودِيَ بألا يخرج أحد من المماليك السُّلْطَانِيَّة بِاللَّيْلِ وَكَانَت الإشاعة بَين النَّاس قد قويت بإختلاف أهل الدولة. وَقدم الْخَبَر بِأَن الْأَمِير جلبان نَائِب الشَّام ركب فِي الموكب يَوْم السبت تاسعه على العاده فوقفت الْعَامَّة لَهُ تستغيث من غلاء اللَّحْم فَإِنَّهُ بلغ الرطل سَبْعَة دَرَاهِم بعد ثَلَاثَة دَرَاهِم فَلم يلْتَفت لَهُم بل أَمر مماليكه بضربهم وَكَانَ جمع الْعَامَّة كثيرا فَمَا هُوَ إِلَّا أَن ضرب بَعضهم إِذا هم قد رجموا النَّائِب وَمن مَعَه رجمًا مُتَتَابِعًا فإنهزم مِنْهُم من بَاب الْجَابِيَة وَقد ركبُوا قَفاهُ وأقفية أَصْحَابه حَتَّى عبروا من بَاب النَّصْر إِلَى دَار السَّعَادَة وأغلق أَبْوَابهَا فتسوروا الْحِيطَان وعبثوا بطلخاناته يدقوها وجمعوا الأحطاب وألقوها الجزء: 7 ¦ الصفحة: 447 ليضرموا النَّار فِيهَا فأدركه الْأُمَرَاء والقضاة وَكَتَبُوا محضراً بِصُورَة الْحَال وبعثوا بِهِ إِلَى السُّلْطَان وتلطفوا بالعامة حَتَّى تفَرقُوا فورد الْمحْضر فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشرينه فإشتد غضب السُّلْطَان على عَامَّة دمشق وَجمع فِي يَوْم الْأَحَد رَابِع عشرينه أُمَرَاء الدولة واستدعي بالقضاة الْأَرْبَع فَحَضَرَ قَاضِي الْقُضَاة سعد الدّين سعد الديري الْحَنَفِيّ وقاضي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد التنسي الْمَالِكِي وَتَأَخر حُضُور قَاضِي الْقُضَاة شيخ الْإِسْلَام شهَاب الدّين أَبى الْفضل أَحْمد بن حجر الشَّافِعِي وقاضي الْقُضَاة محب الدّين أَحْمد الْحَنْبَلِيّ حَتَّى حنق السُّلْطَان وَأمر فقرىء الْمحْضر الْوَارِد من دمشق وَأخذ يعدد لعامة دمشق ذنوبًا مِنْهَا قيامهم مَعَ أينال الجكمى مُدَّة عصيانه ونهبهم بيُوت الْأُمَرَاء وقتلهم جلبان شيخ كرك نوح وصمم على وضع السَّيْف فيهم وإستلحامهم عَن آخِرهم فكثرت مُرَاجعَة الْأُمَرَاء فِي طلب الْعَفو عَنْهُم والتأني بهم إِلَى أَن تقررت الْحَال على أَن يُجهز للنائب تشريف وَفرس بقماش ذهب وتقوى يَده وَأَن يكْتب بالإنكار على الْعَامَّة وتهديدهم وبينما هم فِي ذَلِك إِذْ إستوذن على القاضيين أَحْمد بن حجر ومحب الدّين الْبَغْدَادِيّ فَلم يُؤذن لَهما وَأظْهر السُّلْطَان الْغَضَب لبطئهما وإنفض الْجمع. وَفِيه رسم بعزل الونائى وإستقرار ابْن قَاضِي شُهْبَة فِي قَضَاء دمشق عوضه ورسم بِحُضُور الْأَمِير أينال الششماني والأمير ألطنبغا الشريفي وجهزت المراسيم بذلك وَأَن يقْرَأ كتاب الْعَامَّة فِي يَوْم الْجُمُعَة بِجَامِع بنى أُميَّة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: ختمت قِرَاءَة صَحِيح البُخَارِيّ بِالْقصرِ من قلعة الْجَبَل بِحَضْرَة السُّلْطَان وخلع على قُضَاة الْقُضَاة الْأَرْبَع ومشايخ الْعلم الْحَاضِرين وَفرقت صرر الدَّرَاهِم فِي جَمِيع من حضر وزادت عدتهمْ فِي هَذِه السّنة عَن عدَّة الْحَاضِرين عَن السنين الْمَاضِيَة زِيَادَة كبيره وَفِي ثامن عشرينه: خلع على الْأَمِير عَلَاء الدّين على بن مُحَمَّد بن الطبلاوي وَالِي الْقَاهِرَة كَانَ وإستقر نقيب الْجَيْش بعد موت نَاصِر الدّين مُحَمَّد أَمِير طبر. وَفِيه ورد كتاب الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن منجك من دمشق يخبر بورود كتاب القَاضِي زين الدّين عبد الباسط إِلَيْهِ من مَكَّة يشكو من ثقل الْإِقَامَة عَلَيْهِ بِمَكَّة وَأَنَّهَا لم توافقه وَلَا أَهله وَأَنه يرغب فِي النقلَة من مَكَّة إِلَى الْقُدس فمازال القَاضِي كَمَال الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ يتلطف بالسلطان حَتَّى سمح بذلك فَكتب لِابْنِ منجك بِأَنَّهُ إِذا توجه لِلْحَجِّ فِي الْمَوْسِم يَنْقُلهُ بأَهْله وَولده ومملوكه الْأَمِير جَانِبك إِلَى الْقُدس على أَنه يكون الجزء: 7 ¦ الصفحة: 448 فِي ضَمَانه وَكتب إِلَى الشريف بَرَكَات أَمِير مَكَّة بذلك وجهزت الْكتب إِلَى ابْن منجك. وَفِي هَذَا الشَّهْر وَالَّذِي قبله: وَقع بِالطَّائِف وَوَج ولية وَعَامة بِلَاد الْحجاز وباء عَظِيم هلك من ثَقِيف وَغَيرهم من الْعَرَب عَالم لَا يحصيهم إِلَّا خالقهم بِحَيْثُ صَارَت أنعامهم هملًا وَأَخذهَا من ظفر بهَا. وإمتد الوباء إِلَى نَخْلَة على يَوْم من مَكَّة. شهر شَوَّال أَوله السبت: فِي هَذَا الشَّهْر: انحل سعر الْغلَّة وَكثر وجودهَا وأبيع الْقَمْح من مِائَتي دِرْهَم إِلَى مِائَتَيْنِ وَخمسين درهما الأردب. فِي هَذَا الشَّهْر: إنحلت أسعار الغلال وَدخلت الْغلَّة الجديدة ثمَّ بعد أَيَّام تحرّك سعر الغلال وإرتفع ثمَّ اتضع. وَفِي يَوْم الْخَمِيس رأبعه: عقد السُّلْطَان على الخاتون بنت الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بيك بن دلغادر بعد أَن حمل لَهَا الْمهْر ألف دِينَار وشقق حَرِير وَغير ذَلِك وَكَانَت تَحت الْأَمِير جانجك الصُّوفِي وَأَتَتْ مِنْهُ بإبنة لَهَا من الْعُمر نَحْو الثَّلَاث سِنِين. وَفِيه خلع على الشَّيْخ على بن العجمي أحد خَواص السُّلْطَان كاملية بِفَرْوٍ سمور وإستقر فِي حسبَة مصر فَسَار فِيهَا سيرة حَسَنَة بعفة ونهضة. وَفِيه نُودي بِعرْض أجناد الْحلقَة فإبتدىء بعرضهم على السُّلْطَان فِي يَوْم السبت سادسه فإمتحنهم فِي رمي النشاب وأكد عَلَيْهِم فِي تَعْلِيمه وَلم يبد لَهُم مِنْهُ إِلَّا الْجَمِيل ثمَّ وإتفق فِي هَذَا الشَّهْر حَادث شنيع وَهُوَ أَن السُّلْطَان يُرِيد أَن تكون تَصَرُّفَاته على مُقْتَضى أهل الْعلم وَهُوَ يعلم أَن القان معِين الدّين شاه رخ ملك الْمشرق كَانَ يبْعَث بالإنكار على الْأَشْرَف برسباى لأَخذه بجدة سَاحل مَكَّة من التُّجَّار الواردين إِلَيْهَا من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 449 الْهِنْد والصين وَهُوَ من عشور أَمْوَالهم. وَأَن ذَلِك من المكس الْمحرم أَخذه فنمق بعض الْفُقَهَاء سؤالا يتَضَمَّن أَن التُّجَّار الْمَذْكُورين كَانُوا يردون إِلَى عدن من بِلَاد الْيمن فيظلمون بِأخذ أَكثر أَمْوَالهم وَأَنَّهُمْ رَغِبُوا فِي الْقدوم إِلَى جدة ليحتموا بالسلطان وسألوا أَن يدفعوا عشر أَمْوَالهم فَهَل يجوز ذَلِك مِنْهُم فَإِن السُّلْطَان يحْتَاج إِلَى صرف مَال كَبِير فِي عَسْكَر يَبْعَثهُ إِلَى مَكَّة فَكتب قُضَاة الْقُضَاة الْأَرْبَع بِجَوَاز أَخذه وَصَرفه فِي الْمصَالح وتمحلوا لذَلِك مَا قووا بِهِ فتواهم. فإنطلقت الْأَلْسِنَة بالرقيعة فِي الْقُضَاة وَأَنَّهُمْ إعتادوا إتباع أهواء الْمُلُوك خوفًا على مناصبهم أَن يعزلوا مِنْهَا وَأَن هَذِه الْفَتْوَى بِهَذِهِ الْحَادِثَة من جنس مَا تقدم من الفتاوي فِي قرقماس يخشي بك وإيمان المماليك وَأي فرق بَين مَا يُؤْخَذ بقطيًا من التُّجَّار الواردين من بِلَاد الشَّام وَالْعراق وَمَا يُؤْخَذ بالإسكندرية من التُّجَّار وَمَا يُؤْخَذ بِالْقَاهِرَةِ ومصر ودمشق وَسَائِر بِلَاد الشَّام من النَّاس عِنْد بيعهم العبيد وَالْإِمَاء وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحمير وَالْجمال وَغير ذَلِك وَبَين مَا يُؤْخَذ من أَمْوَال التُّجَّار الواردين إِلَى جدة فَإِن كل أحد يعلم أَن ذَلِك كُله مكس لَا يحل تنَاوله وَلَا الْأكل مِنْهُ وَأَن الْآكِل مِنْهُ فَاسق لَا تقبل شَهَادَته لسُقُوط عَدَالَته وَلَكِن الْهوى يعمي ويصم وَمَا كفتهم وَمَا أغنتهم هَذِه الْحَالة حَتَّى بعثوا بالفتاوي فقرئت بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام على رُؤُوس الأشهاد ليقضى الله أمرا كَانَ مَفْعُولا. وَفِي يَوْم الْخَمِيس عاشره: كتب بإستقرار برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن الباعوني فِي خطابة الْجَامِع الْأمَوِي بِدِمَشْق عوضا عَن ابْن قَاضِي شُهْبَة. وَفِي سادس عشره: قدمت رسل ملك الرّوم خوند كار مُرَاد بن مُحَمَّد كرشجي بن بايزيد بن عُثْمَان. وَفِي ثامن عشره: قدم الْأَمِير أينال الششماني والأمير ألطنبغا الشريفي من دمشق. وَفِيه خلع على نَاصِر الدّين مُحَمَّد بيك بن دلغادر خلعة السّفر وسافر يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشرينه بعد أَن بلغت النَّفَقَة عَلَيْهِ ثَلَاثِينَ ألف دِينَار. وَفِيه حضرت رسل مُرَاد بن عُثْمَان وَقت الْخدمَة بِالْقصرِ وَقدمُوا هديته وهى عشرَة مماليك وَثيَاب حَرِير وفرو سمور وَغير ذَلِك مِمَّا تبلغ قِيمَته نَحْو خَمْسَة آلَاف دِينَار وتضمن كتبه السَّلَام وتهنئة السُّلْطَان بجلوسه على تخت الْملك وَإِن تَأَخّر إرْسَاله بالتهنئة لإشتغاله بمحاربة بني الْأَصْفَر حَتَّى ظفره الله بهم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 450 وَفِيه رسم بفك قيد الْأَمِير أينال ونفله من سجنه بصفد إِلَى مَوضِع أوسع مِنْهُ وَأَن يتَوَجَّه إِلَيْهِ من جواريه من تخدمه. فِيهِ خلع على نور الدّين على بن أقبرس أحد نواب الشَّافِعِيَّة وإستقر فِي نظر الْأَوْقَاف عوضا عَن تَقِيّ الدّين بن تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب بن نصر الله وَهَذَا الرجل نَشأ بِالْقَاهِرَةِ فِي سوق العنبرانيين وَطلب الْعلم وناب فِي الحكم عَن الْحَافِظ قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أَبى الْفضل أَحْمد بن حجر وَصَحب السُّلْطَان مُنْذُ سِنِين وَصَارَ مِمَّن يتَرَدَّد إِلَى مَجْلِسه أَيَّام سلطته فداخل النَّاس مِنْهُ وهم كَبِير وَلم يبد مِنْهُ إِلَّا خيرا. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سادس عشره: نُودي بِمَنْع الْمُعَامَلَة بِالدَّرَاهِمِ الأشرفية وَأَن تكون الْمُعَامَلَة بِالدَّرَاهِمِ الظَّاهِرِيَّة الجدد وهدف من خَالف ذَلِك فإضطرب النَّاس لتوقف أَحْوَال فِي المبيعات فَنُوديَ آخر النَّهَار بِأَن الفضه الأشرفية تدفع إِلَى الصيارف بسعرها وَهُوَ كل دِرْهَم بِعشْرين درهما من الْفُلُوس وَأَن تكون الْمُعَامَلَة بالظاهرية الجدد وَهِي دَرَاهِم ضربت بإسم السُّلْطَان على أَن يكون وزن كل دِرْهَم فضَّة بأَرْبعَة وَعشْرين درهما من الْفُلُوس وَجعلت عددا لَا وزنا فَمِنْهَا مَا هُوَ نصفي دِرْهَم عَن إثنا عشر درهما وَمِنْهَا مَا هُوَ ربع دِرْهَم فَيصْرف بِسِتَّة دَرَاهِم على أَن كل دِينَار من الدَّنَانِير الأشرفية الَّتِي هِيَ الْآن النَّقْد الرائج بمائتين وَخَمْسَة وَثَمَانِينَ درهما من الْفُلُوس وَكَانَت الصيارف قد جمعت وَدفع إِلَيْهَا من الدَّرَاهِم الظَّاهِرِيَّة الْمَذْكُورَة جملَة ليفرقوها فِي النَّاس فجلسوا لذَلِك وصاروا يَأْخُذُونَ الأشرفية على محادتها بِعشْرين درهما كل دِرْهَم وزنا ويعوضون عَنْهَا من الظَّاهِرِيَّة الجدد كل دِرْهَم بأَرْبعَة وَعشْرين لَكِنَّهَا بِالْعدَدِ لَا بِالْوَزْنِ. ثمَّ يدْخلُونَ بالأشرفية إِلَى دَار الضَّرْب ويعيدونها ظاهرية هَذَا وَالنَّاس مَعَ ذَلِك يتعاملون فِي بيعهم وشرائهم وقيم أَعْمَالهم بالأشرفية على عَادَتهم وزنا فَصَارَ للنَّاس بِالْقَاهِرَةِ سِتَّة نقود ثَلَاثَة من الذَّهَب وإثنان من الْفضة وَوَاحِد من الْفُلُوس فَأَما الذَّهَب فَإِنَّهُ هرجة وَهُوَ قَلِيل جدا وأفرنتي من ضرب الفرنج وَقد قل عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ مُنْذُ أَخذ الْأَشْرَف برسباى فِي ضرب الأشرفية وسبك الأفرنتية وإعادتها أشرفية والنقد الثَّالِث من الذَّهَب الدَّنَانِير الأشرفية وَهِي النَّقْد الرائج وَقد كثرت بأيدي النَّاس لاسيما مُنْذُ أنْفق السُّلْطَان ذخائر الْأَشْرَف فِي المماليك وَغَيرهم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 451 وَأما الْفضة فَإِن الدَّرَاهِم الأشرفية دَائِرَة فِي أَيدي النَّاس على مَا هِيَ عَلَيْهِ وزنا لعشرين درهما كل دِرْهَم وَالدَّرَاهِم الظَّاهِرِيَّة الجدد يتعامل بهَا عددا بِحِسَاب كل دِرْهَم بأَرْبعَة وَعشْرين درهما وَأما الْفُلُوس الأشرفية والظاهرية فَإِنَّهَا عددا لَا وزنا يعد فِي كل دِرْهَم ثَمَانِيَة فلوس فَيصْرف الدِّرْهَم الأشرفي بِمِائَة وَسِتِّينَ فلسًا وَيصرف الدِّرْهَم الظَّاهِرِيّ الْجَدِيد بِمِائَة وإثنين وَتِسْعين فلسًا وَإِذا إعتبرت بِالْوَزْنِ كَانَ كل رَطْل مِنْهَا بِسِتَّة وَثَلَاثِينَ درهما من الْفُلُوس وَلَا أعلم أَنه وَقع فِي تعدد النُّقُود المتعامل بهَا مثل ذَلِك وَإِنَّمَا كَانَ النَّاس قَدِيما وحديثًا نقدهم الرائج الَّذِي تنْسب إِلَيْهِ أَثمَان المبيعات وقيم الْأَعْمَال الذَّهَب الهرجة الْمَضْرُوب بالسكة الإسلامية وَمَعَ هَذَا الذَّهَب الدَّرَاهِم والفلوس ثمَّ كثرت الدَّرَاهِم الكاملية أَو الظَّاهِرِيَّة بِمصْر وَالشَّام والحجاز فِي الدولة التركية حَتَّى صَارَت هِيَ النَّقْد الرائج وإليها ينْسب سعر الدِّينَار الرجة وأثمان المبيعات كلهَا وقيم الْأَعْمَال بأسرها والفلوس مَعَ ذَلِك إِنَّمَا هِيَ لشراء المحقرات من المبيعات. فَلَمَّا أَكثر الْأَمِير مَحْمُود الأستادار فِي الْأَيَّام الظَّاهِرِيَّة برقوق من ضرب الْفُلُوس صَارَت الْفُلُوس هِيَ النَّقْد الرائج دون الذَّهَب وَالْفِضَّة وَنسب إِلَيْهَا سعر الدِّينَار الذَّهَب وَالدِّرْهَم الْفضة وَجَمِيع أَثمَان المبيعات بأسرها وَعَامة قيم الْأَعْمَال إِلَى أَن ضرب الْمُؤَيد شيخ الدَّرَاهِم صَار للنَّاس ثَلَاثَة نقود: وَهِي الذَّهَب وَالْفِضَّة والفلوس. وَكَانَ الذَّهَب أَرْبَعَة أَقسَام. هرجة وَهُوَ قَلِيل جدا وسالمي وَهُوَ قَلِيل لَا يُوجد مِنْهُ إِلَّا فِي النَّادِر وأفرنتي وَهُوَ كثير جدا قد طبق الأَرْض وَكثر بعامة بِلَاد الله وَالدِّينَار الناصري وَهُوَ أقل من الأفرنتي والنقد الثَّانِي الدَّرَاهِم المؤيدية وتعامل النَّاس بهَا عددا لَا وزنا والنقد الثَّالِث الْفُلُوس ويتعامل بهَا وزنا كل رَطْل بِسِتَّة دَرَاهِم وَرُبمَا زَاد الرطل عَن السِّتَّة دَرَاهِم وَهَذِه الْفُلُوس هِيَ النَّقْد الرائج الْمَنْسُوب إِلَيْهِ أَثمَان المبيعات وقيم الْأَعْمَال وَأَرَادَ الْمُؤَيد شيخ أَن يَجْعَل قيم الْأَعْمَال وأثمان المبيعات منسوبة إِلَى الدَّرَاهِم المؤيدية فَعمل ذَلِك مُدَّة يسيره ثمَّ عَادَتْ الْفُلُوس هِيَ الْمَنْسُوب إِلَيْهَا قيم الْأَعْمَال وَثمن المبيعات فَلَمَّا كَانَت الْأَيَّام الأشرفية برسباى وَضرب الدَّرَاهِم الأشرفية عَملهَا وزنا كل دِرْهَم بِعشْرين درهما من الْفُلُوس فبطلت الدَّرَاهِم المؤيدية. وَضرب أَيْضا الدَّنَانِير الأشرفية وجد فِي إبِْطَال الدَّنَانِير الأفرنتية حَتَّى قلت وجدد أَيْضا ضرب الْفُلُوس الأشرفية عددا وَمَات والنقود على هَذَا فمازالت كَذَلِك حَتَّى جدد السُّلْطَان الْآن هَذِه الدَّرَاهِم الظَّاهِرِيَّة الجدد وَقد تقدم فِي هَذَا الْكتاب تَفْصِيل هَذِه الْجُمْلَة فِي أَوْقَاتهَا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 452 وَفِي ثَانِي عشرينه: خلع على غرس الدّين خَلِيل بن أَحْمد بن على السخاوي أحد خَواص السُّلْطَان وإستقر فِي نظر الْقُدس والخليل عوضا عَن الْأَمِير طوغان نَائِب الْقُدس وَهَذَا الرجل قدمت بِهِ وبأخيه أمهما إِلَى الْقُدس صبيان فَنَشَأَ بهَا ثمَّ قدم الْقَاهِرَة وإستوطنها مُدَّة وعانى المتجر وتعرف بالأمير جقمق وَصَحبه سِنِين وتحدث فِي إقطاعه وَمَا يَلِيهِ من نظر الْأَوْقَاف فَعرض بالنهضة وَشهر بِالْخَيرِ والديانة فَلَمَّا تسلطن الْأَمِير جقمق لَازم حُضُور مَجْلِسه حَتَّى ولاه نظر الْقُدس والخليل. وَفِي هَذَا الْيَوْم: توجه الْأَمِير عَلَاء الدّين على بن أينال أحد خَواص السُّلْطَان إِلَى ملك الرّوم مُرَاد بن عُثْمَان بهدية جليلة. وَفِيه قدم مبشرو الْحَاج وأخبروا بسلامة الْحجَّاج وَأَن كِرَاء الْجمال بلغ الْغَايَة لِكَثْرَة من بِمَكَّة من المجاورين بِحَيْثُ بلغ كِرَاء الْجمل أَرْبَعِينَ دِينَارا. وَأَن الشريف بَرَكَات بن حسن بن عجلَان أعفى من تَقْبِيل خف جمل الْمحمل فَشكر هَذَا من فعل السُّلْطَان وَأَن الفتاوي الَّذِي تقدم ذكرهَا بِسَبَب أَخذ العشور من التُّجَّار بجدة قُرِئت بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام على رُؤُوس الأشهاد وقرىء المرسوم السلطاني أَيْضا بألا يُؤْخَذ من التُّجَّار الواردين فِي الْبَحْر إِلَى جدة سوى الْعشْر فَقَط وَيُؤْخَذ صنفا لَا مَالا من كل عشرَة وَاحِد وَأَن يبطل مَا كَانَ يُؤْخَذ سوى الْعشْر من رسوم المباشرين وَنَحْوهم فَكَانَ هَذَا من جميل مَا فعل ورسم أَيْضا بِأَن تمنع الباعة من المصريين الَّذين سكنوا مَكَّة وجلسوا بالحوانيت فِي الْمَسْعَى وحكروا المعايش وتلقوا الجلب من ذَلِك وَأَن يخرجُوا من مَكَّة فَشكر ذَلِك أَيْضا فَإِن هَؤُلَاءِ الباغين كثر ضررهم وإستقووا بحماية المماليك لَهُم فغلوا الأسعار وأحدثوا بِمَكَّة مَا لم يعْهَد بهَا وَعجز الْحُكَّام عَن مَنعهم لتقوية المماليك المجردين لَهُم بِمَا يأخذونه مِنْهُم من المَال. وَفِي تَاسِع عشرينه: أفرج عَن ابْن أبي الْفرج أستادار وخلع عَلَيْهِ. وَفِي هَذَا الْعَام: جرت حروب بأفريقية من بِلَاد الْمغرب وَذَلِكَ أَنه لما مَاتَ أَبُو فَارس عبد الْعَزِيز وَقَامَ من بعده حفيده الْمُنْتَصر أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أَبى عبد الله ولى عَمه أَبَا الْحسن على بن أبي فَارس بجاية وأعمالها فَلَمَّا مَاتَ الْمُنْتَصر وَقَامَ من بعده أَخُوهُ أَبُو عَمْرو عُثْمَان بن أبي عبد الله إمتنع عَمه أَبُو الْحسن من مبايعته وَرَأى أَنه أَحَق مِنْهُ وَوَافَقَهُ فَقِيه بجاية مَنْصُور بن على بن عُثْمَان وَله عصبَة وَقُوَّة فإستبد بِأَمْر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 453 بجاية وأعمالها فَسَار أَبُو عَمْرو من تونس فِي جمع كَبِير لقتاله فَالْتَقَيَا قَرِيبا من تبسة وتحاربا فإنهزم أَبُو الْحسن إِلَى بجاية وَرجع أَبُو عَمْرو إِلَى تونس ثمَّ خرج أَبُو الْحسن من بجاية وَضم إِلَيْهِ عبد الله بن صَخْر من شُيُوخ إفريقية وَنزل بقسطنطينة وحصرها وَقَاتل أَهلهَا مُدَّة فَسَار إِلَيْهِ أَبُو عَمْرو من تونس فِي جمع كَبِير فَلَمَّا قرب مِنْهُ سَار أَبُو الْحسن عَائِدًا إِلَى جِهَة بجاية فَتَبِعَهُ أَبُو عَمْرو حَتَّى لقِيه وقاتله فإنهزم مِنْهُ بعد مَا قتل أَبُو الْحسن عدَّة من أَصْحَابه وَعَاد كل مِنْهُمَا إِلَى بَلَده فَلَمَّا كَانَ فِي هَذِه السّنة أعمل أَبُو عَمْرو الْحِيلَة فِي قتل عبد الله بن صَخْر حَتَّى قَتله وحملت رَأسه إِلَيْهِ بتونس ففت ذَلِك فِي عضد أبي الْحسن ثمَّ جهز أَبُو عَمْرو العساكر من تونس فِي إِثْر ذَلِك فنازلت بجاية عدَّة أَيَّام حَتَّى خرج الْفَقِيه مَنْصُور بن على إِلَى قَائِد الْعَسْكَر وَعقد مَعَه الصُّلْح وَدخل بِهِ إِلَى بجاية وَعبر الْجَامِع وَقد أجتمع بِهِ الْأَعْيَان. وَجَاء أَبُو الْحسن وَوَافَقَ على الصُّلْح وَأَن تكون الْخطْبَة لأبي عَمْرو وَيكون هُوَ ببجاية فِي طَاعَته وَترجع العساكر عَن بجاية إِلَى تونس فَلَمَّا تمّ عقد الصُّلْح أُقِيمَت الخطة باسم أبي عَمْرو وعادت العساكر تُرِيدُ تونس فَبَلغهُمْ أَن أَبَا عَمْرو خرج من تونس نحوهم لقِتَال أبي الْحسن فأقاموا حَتَّى وافاهم ووقف على مَا كَانَ من أَمر الصُّلْح فَرضِي بِهِ وَأخذ فِي الْعود إِلَى جِهَة تونس فورد عَلَيْهِ الْخَبَر بِأَن أَبَا الْحسن خَافَ على نَفسه من أهل بجاية فَخرج لَيْلًا حَتَّى نزل جبل عجيسة فَأقر عساكره حَيْثُ ورد عَلَيْهِ الْخَبَر وَسَار جَرِيدَة فِي ثقاته وَدخل مَدِينَة بجاية فسر أَهلهَا بقدومه وزينوا الْبَلَد فرتب أحوالها وإستخلف بهَا أَصْحَابه وَعَاد إِلَى مُعَسْكَره واستدعي شُيُوخ عجيسة فَأَتَاهُ طَائِفَة مِنْهُم فأرادهم على تَسْلِيم أَبى الْحسن إِلَيْهِ وبذل لَهُم المَال فَأَبَوا أَن يسلموه فتركهم وَعَاد إِلَى توذس فَكثر جمع إِلَى الْحسن بِالْجَبَلِ وَأقَام بِهِ مُدَّة ثمَّ خَافَ من عجيسة أَن تغدر بِهِ وَلم يأمنهم على نَفسه فَسَار وَنزل جبل عِيَاض قَرِيبا من الصَّحرَاء وَللَّه عَاقِبَة الْأُمُور. وَفِي هَذَا الشَّهْر: قدم عَسْكَر من مَدِينَة طرابلس فنازلوا قلعة الْكَهْف ومدينتها وَبهَا إِسْمَاعِيل بن العجمي أَمِير الإسماعيلية مُدَّة أَيَّام حَتَّى أخذوها وهدموا القلعة حَتَّى سووا بهَا الأَرْض وأنعم على إِسْمَاعِيل الْمَذْكُور بإمرة فِي طرابلس فَزَالَتْ قلعة الْكَهْف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 454 وَكَانَت أحد الْحُصُون الإسماعلية المنيعة وَذَلِكَ بسعاية نَاصِر الدّين مُحَمَّد وحجي وَفرج أَوْلَاد عز الدّين الدَّاعِي. وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر الْأَمِير أقبغا التمرازى نَائِب الشَّام وَهُوَ من مماليك الْأَمِير تمراز أحد مماليك الظَّاهِر برقوق تّرقى بعد موت أستاذه حَتَّى صَار من الْأُمَرَاء وَولى نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة مُدَّة ثمَّ عَاد إِلَى الْقَاهِرَة حَتَّى ولي نِيَابَة الشَّام فَلم تطل مدَّته بهَا حَتَّى مَاتَ فِي يَوْم السبت سادس عشر شهر ربيع الآخر من غير تقدم مرض بل ركب وَلعب بالكرة فِي الميدان ثمَّ لعب بِالرُّمْحِ وَإِذا بِهِ مَال عَن سرحه فتلقوه ووضعوه فِي بَيت ثمَّ حملوه وَهُوَ غَائِب إِلَى دَار السَّعَادَة فَمَاتَ فِي أخر النَّهَار وَكَانَ مَشْهُورا بالفروسية مَعْرُوفا بالديانة وَقيام اللَّيْل وَالْعقل والتؤدة. وَمَات الْأَمِير يلبغا البهائي نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة فِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشر جمادي الأولي. وَمَات الْأَمِير طوخ مازي نَائِب غَزَّة وَأحد المماليك الناصرية فرج فِي لَيْلَة السبت خَامِس شهر رَجَب ومستراح مِنْهُ فقد كَانَ من شرار خلق الله فسقًا وظلمًا وَطَمَعًا وَمَات الْأَمِير قطج الناصري فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامن عشر شهر رَمَضَان وَهُوَ أحد المماليك الناصرية فرج ترقي فِي الخدم حَتَّى صَار من الْأُمَرَاء مقدمي الألوف ثمَّ أخرج إِلَى الشَّام فتنقل فِي إمريات بحلب ودمشق ثمَّ قدم الْقَاهِرَة ووعد بإمرة فَلم تطل إِقَامَته حَتَّى مَاتَ وَترك مَالا جزيلاً وَكَانَ من الشُّح المفرط والطمع الزَّائِد فِي غَايَة يستحي من ذكرهَا. وَمَات الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد أَمِير طبر ونقيب الْجَيْش لَيْلَة الْخَمِيس ثامن عشْرين رَمَضَان وَكَانَ مشكوراً. وَمَات قَاضِي حلب عَلَاء الدّين على بن مُحَمَّد بن سعد بن مُحَمَّد بن على بن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 455 عُثْمَان الْمَعْرُوف بإبن خطيب الناصرية الْحلَبِي الشَّافِعِي فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء تَاسِع ذِي الْقعدَة بحلب ومولده سنة أَربع وَسبعين وَسَبْعمائة وَكَانَ بارعًا فِي الْفِقْه وَالْأُصُول والعربية مشاركًا فِي الحَدِيث والتاريخ وَغير ذَلِك مَعَ الرياسة وشهرة الذّكر وَكَثْرَة المَال. قدم الْقَاهِرَة غير مرّة وبلونا مِنْهُ علما جمًا وإستحضارًا كثيرا مَعَ الإتقان وَحسن المحاضرة وَلم يخلف بعده بحلب مثله وَكتب تَارِيخا لحلب ذيل بِهِ على تَارِيخ ابْن العديم. وَمَات جمال الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن عمد بن مَحْمُود بن إِبْرَاهِيم بن أَحْمد بن روزبة الكازروني الأَصْل الْمدنِي المولد والمنشأ والوفاة الشَّافِعِي فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء عَاشر ذِي الْقعدَة بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة وَدفن بِالبَقِيعِ مولده فِي لَيْلَة الْجُمُعَة سَابِع عشر ذِي الْقعدَة سنة سبع وَخمسين وَسَبْعمائة بِالْمَدِينَةِ. برع فِي الْفَقِيه وَغَيره وَولي قَضَاء الْمَدِينَة مُدَّة يسيرَة ثمَّ عزل وَلم يعد إِلَى ولايتها وَقدم الْقَاهِرَة مرَارًا وصحبني سِنِين رَحمَه الله. وَمَات مجد الدّين ماجد بن النحال كَاتب المماليك فِي لَيْلَة السبت سادس ذِي الْحجَّة وَكَانَ من نَصَارَى مصر وَتخرج فِي الْحساب على الأسعد البحلاق وخدم بديوان الْأَمِير نوروز الحافظي بِدِمَشْق ثمَّ بديوان الْأَمِير جقمق الدوادار فِي أَيَّام الْمُؤَيد شيخ وَأظْهر الْإِسْلَام ثمَّ ولي كِتَابَة المماليك وَلَا دين وَلَا دنيا. وَمَات نَائِب الكرك الْأَمِير أقبغا التركماني وَهُوَ فِي السجْن بالكرك. وَمَات سودون المغربي مُتَوَلِّي دمياط بِالْقَاهِرَةِ بطالاً وَقد أُعِيد من النَّفْي فِي ذِي الْحجَّة وَكَانَ عفيفًا عَن الْفَوَاحِش. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 456 (سنة أَربع فِي أَرْبَعِينَ وَثَمَانمِائَة) أهلت هَذِه السّنة والخليفة المعتضد بِاللَّه أَبُو الْفَتْح دَاوُد بن المتَوَكل وسلطان الْإِسْلَام الْملك الظَّاهِر سيف الدّين أَبُو سعيد جقمق والأمير الْكَبِير يشبك الظَّاهِرِيّ ططر وأمير سلَاح الْأَمِير تمراز القرمشي وأمير مجْلِس الْأَمِير حرباش الكريمي قاشق وَالْمقَام الناصري مُحَمَّد ابْن السُّلْطَان أحد مقدمي الألوف والدوادار الْكَبِير الْأَمِير تغرى بردى البكلمشي وَيعرف بالمؤذى وأمير أخور كَبِير الْأَمِير قراجًا الحسني الناصري وحاجب الْحجاب الْأَمِير تنبك بن تنبك وَرَأس نوبَة الْأَمِير تمرباى الظَّاهِرِيّ ططر وَبَقِيَّة الْأُمَرَاء المقدمين الْأَمِير أينال العلاي الأجرود والأمير شادي بك الظَّاهِرِيّ ططر والأمير ألطنبغا المرقبي والأمير أسنبغا الطياري وَهُوَ نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة ونائب الشَّام الْأَمِير جلبان المؤيدي ونائب حلب الْأَمِير قانباى الحمزاوي ونائب طرابلس الْأَمِير برسباي والناصري ونائب حماة الْأَمِير برد بك العجمي ونائب صفد الْأَمِير قانبيه البهلولان ونائب غَزَّة الْأَمِير طوخ الْمُؤَيد ونائب الْقُدس الْأَمِير طوغان السيفي ألطبغا العثماني ونائب الكرك الْأَمِير مازي ونائب الْوَجْه القبلي من ديار مصر الْأَمِير مُحَمَّد الصَّغِير ونائب الْبحيرَة الْأَمِير قشتمر المؤيدي وَكَاتب السِّرّ القَاضِي كَمَال الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ وناظر الْجَيْش شيخ الشُّيُوخ محب الدّين مُحَمَّد بن الْأَشْقَر والوزير الصاحب كريم الدّين ابْن كَاتب المناخ وناظر الْخَاص الصاحب جمال الدّين يُوسُف ابْن كَاتب حكم وأستادار الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أبي الْفرج وقضاة الْقُضَاة على حَالهم والمحتسب الْأَمِير تنم المؤيدي والوالي الْأَمِير قراجا البواب والأسعار رخية بِحَمْد الله. شهر الله الْمحرم الْحَرَام أهل بِيَوْم الْخَمِيس: فَفِي يَوْم الْخَمِيس ثامنه: خلع على طوغان السيفي عَلان وَيُقَال لَهُ رقز أحد أُمَرَاء العشرات وَمن جملَة أُمَرَاء أخورية وإستقر أستادار السُّلْطَان عوضا عَن ابْن أبي الْفرج وَقبض على ابْن أبي الْفرج وعوق بالقلعة إِلَى يَوْم الْأَحَد حادي عشره تسلمه الصاحب الْوَزير كريم الدّين ابْن كَاتب المناخ وَنزل بِهِ إِلَى بَيته. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشره: خلع على سراج الدّين عمر الْحِمصِي وأعيد إِلَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 457 قَضَاء الْقُضَاة بِدِمَشْق عوضا عَن ابْن قَاضِي شُهْبَة. وَكَانَ قد قدم إِلَى الْقَاهِرَة وعني بِهِ بعض أهل الدولة حَتَّى أُعِيد إِلَى وَظِيفَة الْقَضَاء وَسَار من الْقَاهِرَة إِلَى مَحل ولَايَته بِدِمَشْق فِي عشرينه. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء عشرينه: نُودي على النّيل بِزِيَادَة ثَلَاثَة أَصَابِع وَجَاءَت الْقَاعِدَة وَهِي المَاء الْقَدِيم سِتّ أَذْرع وَأَرْبع أَصَابِع. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء حادي عشرينه: قدم الْأَمِير جرباش الكريمي قاشق من الْحَج وَمَعَهُ إبنته زَوْجَة السُّلْطَان فِي ركب من الْحجَّاج وحكيت عَنهُ أمورًا مِنْهَا أَنه رسم على قَاضِي الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة ليحضر لخوند إبنته خمسين صَاعا من تمر فَبعد لأي أَخذ مِنْهُ ثَلَاثِينَ صَاع تمر وَأَشْيَاء من هَذَا مَعَ المَال الجم والشيخوخة. ثمَّ قدم من الْغَد ركب ثَان وَقدم مَحل الْحَاج بركب ثَالِث فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث عشرينه تَتِمَّة أَربع ركُوب وَقد مَاتَ جمَاعَة كَثِيرَة فِي الطَّرِيق من حر بسموم محرق وَهلك مُعظم الْجمال بِحَيْثُ مشي من لم يعْتد بِالْمَشْيِ وَرمي النَّاس أمتعهم لعجزهم عَن حملهَا مَعَ عسف أرماء الركب فَكَانَت رجعتهم مشقة لما نزل بهم من أَنْوَاع الْبلَاء. وَفِي يَوْم السبت رَابِع عشرينه: خلع على زين الدّين يحيى الْأَشْقَر قريب بن أَبى الْفرج وإستقر فِي نظر الدِّيوَان الْمُفْرد رَفِيقًا للأمير طوغان قَز عوضا عَن عبد الْعَظِيم بن صَدَقَة وَقد قبض عَلَيْهِ وَنقل ابْن أبي الْفرج من تَسْلِيم الْوَزير وَسلم هُوَ وَعبد الْعَظِيم للأمير طوغان قَز الأستادار فعاقب ابْن أبي الْفرج وأفحش فِي عُقُوبَته من غير تجمل وَلَا إحتشام. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس عشرينه: قبض على بهاء الدّين أبي البركات الهيتمي أحد نواب قَاضِي الْقُضَاة الشَّافِعِي وسجن فِي البرج بالقلعة بِغَيْر مُوجب يَقْتَضِي ذَلِك ثمَّ أفرج عَنهُ. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة سلخه: أَمر شيخ الْإِسْلَام قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أَبُو الْفضل أَحْمد بن عَليّ بن حجو الشَّافِعِي أَن يلْزم بَيته واستدعي برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن شهَاب الدّين أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن ميلق أحد نواب القَاضِي الشَّافِعِي حَتَّى خطب بِجَامِع القلعة وَصلى السُّلْطَان صَلَاة الْجُمُعَة. وَنقل ابْن أبي الْفرج من بَيت الْأَمِير طوغان قَز أستادار إِلَى تَسْلِيم الصاحب برهَان الدّين إِبْرَاهِيم ابْن كَاتب جكم نَاظر الْخَاص بَعْدَمَا حمل عشرَة آلَاف دِينَار وَتَأَخر عَلَيْهِ أَرْبَعَة آلَاف دِينَار مِمَّا ألزم بِهِ وَأسلم عبد الْعَظِيم إِلَى الْوَزير الصاحب كريم الدّين ابْن كَاتب المناخ ليحمل ألفي دِينَار. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 458 وَفِي هَذِه الْأَيَّام: وَقع الإهتمام بتجهيز تجريدة فِي الْبَحْر لغزو الفرنج. وفيهَا قدم القَاضِي زين الدّين عبد الباسط بأَهْله وعتيقه الْأَمِير جَانِبك أستادار من مَكَّة إِلَى بَيت الْمُقَدّس ليقيم بِهِ حسب مَا رسم لَهُ بِهِ فَنزل بمدرسته الَّتِي أَنْشَأَهَا على مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس فسكن جأشه لِأَنَّهُ كَانَ كثير القلق وَهُوَ بِمَكَّة. شهر صفر أَوله يَوْم السبت: فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثالثه: خلع على الْحَافِظ قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أبي الْفضل أَحْمد ابْن على بن حجر الشَّافِعِي وإستمر على عَادَته بعد أَن عين شمس الدّين مُحَمَّد الونائي لولاية قَضَاء الْقُضَاة فَقَامَ الْمقَام الناصري مُحَمَّد ابْن السُّلْطَان فِي إستقرار الْحَافِظ شهَاب الدّين حَتَّى إستقر وَللَّه الْحَمد فو الله مَا يبلغ أحدهم فِي الْعلم مده وَلَا نصيفه وَكَانَ سَبَب هَذِه الْحَادِثَة أَن رجلا أسْند وَصيته بعد مَوته لإمرأتيه وَأقَام عَلَيْهِمَا نَاظرا سَمَّاهُ فِي وَصيته. وَمَات الْمُوصي فَأَقَامَ القَاضِي رجلا يتحدث مَعَ النَّاظر فإختلفا وترافعا إِلَى السُّلْطَان فَأنْكر السُّلْطَان إِقَامَة الرجل المتحدث مَعَ النَّاظر وسجن أَبَا البركات الهيتمي من أجل أَنه أثبت أَهْلِيَّة الْمَذْكُور وَأذن لَهُ فِي التحدث مَعَ النَّاظر فِي تَرِكَة الْمُوصي. وَأمر بِالرجلِ المتحدث مَعَ النَّاظر فَعمل فِي الْحَدِيد وسجن أَيْضا فكثرت الشناعة على ابْن حجر بِلَا مُوجب إِلَى أَن فوض السُّلْطَان أَمر تَرِكَة الْمُوصي إِلَى من يَثِق بِهِ من أمرائه فَجمع النَّاظر على التَّرِكَة وَالرجل الَّذِي أَقَامَهُ القَاضِي يتحدث مَعَه وحسابهما فَلم يجد فِي جِهَة المتحدث مَعَ النَّاظر شَيْئا من التَّرِكَة وَظهر أَن تِلْكَ الشناعات كلهَا كذب. فَلَمَّا تبين للسُّلْطَان حَقِيقَة الْأَمر سكنت حِدة غَضَبه وَأَفْرج عَن الهيتمي وَعَن الرجل المتحدث مَعَ النَّاظر وَأقر قَاضِي الْقُضَاة على عَادَته. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِي عشره: قدمت تقدمة القَاضِي زين الدّين عبد الباسط من الْقُدس على يَد دوادره أرغون أحد مماليكه وَهِي فرسَان وَعِشْرُونَ جملا وشاشات وأزر وصيني وَثيَاب حَرِير وتخت يماني وَغير ذَلِك مِمَّا تبلغ قيمَة الْجَمِيع نَحْو الألفي دِينَار فَقبل السُّلْطَان ذَلِك، وَقُرِئَ عَلَيْهِ كِتَابه، فشكره، وخلع على أرغون. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 459 وَفِيه أفرج عَن أبي الْفرج، فَلَزِمَ دَاره. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ خَامِس عشرينه وَهُوَ أول مسرى: نُودي على النّيل بِزِيَادَة ثَلَاثِينَ إصبعًا لتتمة أَربع عشرَة ذِرَاعا وإصبعين وَهَذَا الْقدر من الزِّيَادَة ومبلغ الأذرع مِمَّا يستكثر فِي أول مسرى وَللَّه الْحَمد. وَفِيه خلع على الْأَمِير عِيسَى بن يُوسُف بن عمر الهواري أَمِير هوارة بالصعيد وَقد رَضِي السُّلْطَان عَن بني عمر بن عبد الْعَزِيز أُمَرَاء هوارة ورسم بإحضار أَخِيه الْأَمِير إِسْمَاعِيل من سجنه بِمَدِينَة الكرك ليستقر على عَادَته فِي إمرة هوارة على أَن يحمل سبعين ألف دِينَار يعجل مِنْهَا أَرْبَعِينَ ألف دِينَار. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سادس عشرينه: رَضِي السُّلْطَان على الْأَمِير أيتمش الخضري وخلع عَلَيْهِ بشفاعة بعض الْأُمَرَاء. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشرينه ورابع مسرى: نُودي بوفاء النّيل سِتّ عشرَة ذِرَاعا وإصبعين من سبع عشره فَركب الْمقَام الناصري مُحَمَّد إِلَى المقياس حَتَّى خلق العامود بَين يَدَيْهِ على الْعَادة ثمَّ فتح الخليج وَكَانَ وَفَاء النّيل فِي رَابِع مسرى من النَّوَادِر الَّتِي يجب الْحَمد لله عَلَيْهَا. شهر ربيع الأول أَوله يَوْم الْأَحَد: وَفِي هَذَا الشَّهْر وَالَّذِي قبله: كثرت الْفَوَاكِه والبطيخ بِزِيَادَة فِي الطّيب وَالْخصب وَرخّص السّعر وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ تاسعه: إنحدر من سَاحل بولاق ظَاهر الْقَاهِرَة خَمْسَة عشر غرابًا لغزو الفرنج بِأَحْسَن هَيْئَة وأكمل عدَّة وَأتم زَاد وفيهَا من الأجناد والمطوعة جمَاعَة. فعلى الأجناد وعدتهم مِائَتَان تغرى برمش الزردكاش من أُمَرَاء العشرات وَيُونُس المحمدي أَمِير أخور من العشرات أَيْضا وَسبب هَذِه التجريدة كَثْرَة عَبث المتجرمة من الفرنج وَأَخذهَا مراكب التُّجَّار بِمَا فِيهَا فَأَنْشَأَ السُّلْطَان هَذِه الأغربة وشحنها بِمَا تحْتَاج إِلَيْهِ من الْعدَد والأسلحة والمقاتلة وسيرها عَسى الله أَن يظفرهم فانضم إِلَيْهِم طوائف من أوغاد الْعَامَّة وأراذل المفسدين وَمن الزعر الْمُجْرمين حَتَّى بلغُوا ألفا أَو يزِيدُونَ. وَلم ينْفق فِي المماليك مَال. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء حادي عشرينه: ضربت رَقَبَة رجل من سقاط الْعَجم وسفلتهم وَقد ثَبت عَلَيْهِ بِشَهَادَة جمَاعَة فوادح وعظائم أوجبت إِرَاقَة دَمه شرعا وَكَانَ من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 460 جملَة أشياع الْأَمِير قرقماس الْمَقْتُول وَتكلم فِي السُّلْطَان وَفِي الْأَنْبِيَاء وَغَيرهم تعجل بِهِ الْعقُوبَة وَمن وَرَائه عَذَاب غليظ. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَمَانِي عشره: خلع على الْأَمِير إِسْمَاعِيل بن يُوسُف بن عمر بن عبد الْعَزِيز الهواري وإستقر فِي إمرة هوارة على عَادَته وَكَانَ قد عزل بِيُوسُف بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن مَازِن وسجن وَأشيع أَنه يقتل وَخرجت العساكر إِلَى بِلَاد الصَّعِيد لقِتَال هوارة ثمَّ نفي إِلَى الكرك وسجن بهَا فَلم تُطِع هوارة ابْن مَازِن وَجَرت مفاسد بِبِلَاد الصَّعِيد آلت إِلَى فرار ابْن مَازِن وَعوده خائبًا إِلَى السُّلْطَان فَقَامَ عدَّة من الْأُمَرَاء فِي عود بني عمر حَتَّى أجابهم السُّلْطَان بعد مَا إختلت أَحْوَال الْبِلَاد خللاً فَاحِشا وَللَّه عَاقِبَة الْأُمُور. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: رسم بتتبع من فِي الْقَاهِرَة وظواهرها من الْعَجم الَّذين يطوفون بالأسواق وَفِي الطرقات يستجدون النَّاس تَارَة ويظهرون الصّلاح تَارَة فَقبض على عدَّة مِنْهُم فَضرب قوم نفي جمَاعَة وضرر هَذِه الطَّائِفَة كثير جدا فَإِن كثيرا مِنْهُم ينتحلون مَذْهَب الْإِلْحَاد ويصرحون بتعطل الصَّانِع تَعَالَى وَيُنْكِرُونَ شرائع الْأَنْبِيَاء ويجهرون بِإِبَاحَة الْمُحرمَات فَالله يبيدهم ويعجل بعقوبة من ينصرهم. وَفِي يَوْم الْأَحَد سادس عشره: عمل المولد النَّبَوِيّ بقلعة الْجَبَل بَين يَدي السُّلْطَان على الْعَادة فِي مثل ذَلِك. وَفِي خَامِس عشرينه: جهزت كاملية حَرِير بِفَرْوٍ سمور للْقَاضِي زين الدّين عبد الباسط على يَد مَمْلُوكه أرغون وَكتب بشكره على تقدمته. وَفِيه تَأَخّر الْمقر الكمالي مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ عَن الرّكُوب إِلَى الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة تبرمًا بثقل مقالبة الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة وطلبًا للإعفاء من الْمُبَاشرَة فَأَتَاهُ عُظَمَاء الدولة يتلافوا خاطره وَهُوَ مصمم على ترك الْمُبَاشرَة فَمَا زَالُوا بِهِ حَتَّى ركب من الْغَد يَوْم الْأَرْبَعَاء سادس عشرينه إِلَى الْخدمَة فَخلع عَلَيْهِ وَنزل فِي موكب جليل إِلَى دَاره وأعيان الدولة وأماثلها بَين يَدَيْهِ فباشر الْأُمُور وَنفذ أَحْوَال النَّاس على عَادَته. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 461 وَفِي يَوْم الْأَحَد سلخه وَهُوَ آخر أَيَّام النسيء: نُودي على النّيل بِزِيَادَة إِصْبَع لتتمة عشْرين ذِرَاعا إِلَّا إصبعًا وَاحِدًا وَهَذَا الْقدر من الزِّيَادَة فِي مثل هَذَا الْوَقْت من الشُّهُور القبطة كثير جدا وَهُوَ مِمَّا ينْدر وُقُوعه وَللَّه الْحَمد. وَفِيه كتب بإستقرار صَلَاح الدّين خَلِيل بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سَابق الْحَمَوِيّ فِي كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق عوضا عَن شهَاب الدّين أَحْمد بن زين الدّين عبد الرَّحْمَن العجلوني. شهر ربيع الآخر أَوله يَوْم الثُّلَاثَاء: فِيهِ وَقع الشُّرُوع فِي الاهتمام بملاقاة رسل القان معِين الدّين شاه رخ بن تيمور كركان ملك الْمشرق. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سابعه: خلع على قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مَحْمُود الْعَيْنِيّ الْحَنَفِيّ وأعيد إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة وَكَانَ مُنْذُ عزل عَن قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة متوافرًا على مُبَاشرَة نظر الأحباس. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامنه: وَردت تقدمة ثَانِيَة من زين الدّين عبد الباسط من الْقُدس وَهِي ثَمَانِيَة أَفْرَاس وَمِائَة دِرْهَم مينًا فضَّة. وَفِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشرينه وخامس عشْرين توت: إنتهت زِيَادَة النّيل إِلَى أحد وَعشْرين إصبعًا من أحد وَعشْرين ذِرَاعا فَشَمَلَ الرّيّ الْأَرَاضِي وَعم بِهِ النَّفْع وَللَّه الْحَمد. وَفِي يَوْم السبت سادس عشرينه: قدم رسل شاه رخ إِلَى الْقَاهِرَة وَقد زينت الشوارع لقدومهم وَخرج الْمقَام الناصري ولد السُّلْطَان وعدة أُمَرَاء إِلَى لقائهم. وأجتمع النَّاس لرؤيتهم فَكَانَ يَوْمًا مشهودًا لم نعهد مثله لقدوم الرُّسُل فِي الدول الْمُتَقَدّمَة ثمَّ أنزلوا فِي دَار أعدت لَهُم ثمَّ توجهوا من دَارهم بِخَط بَين القصرين إِلَى القلعة فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامن عشرينه وَالْمَدينَة مزينة بِأَحْسَن زِينَة والشموع وَغَيرهَا تشعل وَقد اجْتمع عَالم عَظِيم لرؤيتهم وأوقفت العساكر من تَحت القلعة إِلَى بَاب الْقصر فِي وَقت الْخدمَة فَلَمَّا مثل الرُّسُل بَين يَدي السُّلْطَان بِالْقصرِ قرئَ كتاب القان فَإِذا هُوَ يتَضَمَّن السَّلَام والتهنئة بجلوس السُّلْطَان على تخت الْملك وسرير السلطنة ثمَّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 462 قدمت الْهَدِيَّة وهى مائَة فص فيروزج وَإِحْدَى وَثَمَانُونَ قِطْعَة من الْحَرِير وعدة ثِيَاب وفرو ومسك وَثَلَاثُونَ بختيًا من الْجمال وَغير ذَلِك مِمَّا تبلغ قِيمَته خَمْسَة آلَاف دِينَار ثمَّ قدمت هَدِيَّة جوكى بن القان وَكتابه وأعيد الرُّسُل إِلَى منزلهم وَأجْرِي لَهُم من المأكل والحلوى والفاكهة وَالْمَال مَا عمهم ثمَّ قلعت الزِّينَة فِي يَوْم الثُّلَاثَاء سلخه وَكَانَ النَّاس قد تفننوا فِي أُمُور بديعة شهر جُمَادَى الأولى أهل بِيَوْم الْأَرْبَعَاء: وَمَاء النّيل أَخذ فِي النَّقْص وَالنَّاس قد شرعوا فِي زراعة الْأَرَاضِي. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادسه: نُودي بِمَنْع النِّسَاء من الْخُرُوج إِلَى الشوارع والأسواق إِلَّا الْعَجَائِز والجواري فإمتنعن ثمَّ نُودي لَهُنَّ بِالْخرُوجِ إِلَى الْأَسْوَاق والشوارع من غير تبرج بزينة. وَفِي يَوْم الْخَمِيس تاسعه: خلع عَليّ شمس الدّين أبي الْمَنْصُور كَاتب اللالا وأعيد إِلَى نظر الاصطبل عوضا عَن ابْن القلانسي. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة عاشره: ورد الْخَبَر بنصرة الْغُزَاة المجردين على الفرنج. وَفِي يَوْم الْأَحَد ثَانِي عشره: جمع السُّلْطَان الرُّسُل الواردين من القان بَين يَدَيْهِ على وَلِيمَة عَملهَا لَهُم ثمَّ خلع عَلَيْهِم ونزلوا فِي تجمل زَائِد. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ عشرينه: خلع على القَاضِي بدر الدّين أَبى المحاسن مُحَمَّد بن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الشَّيْخ شرف الدّين عبد الْمُنعم الْبَغْدَادِيّ أحد نواب الْحَنَابِلَة وإستقر قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَابِلَة عوضا عَن محب الدّين أَحْمد بن نصر الله بعد مَوته. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء حادي عشرينه: قدم الْغُزَاة فِي الْبَحْر وَكَانَ من خبرهم أَنهم إنحدروا فِي النّيل من سَاحل بولاق إِلَى دمياط ثمَّ ركبُوا بَحر الْملح من دمياط وَسَارُوا فِي جَزِيرَة قبرس فَقَامَ لَهُم متملكها بزوادتهم ومروا إِلَيّ العلايا فَأَمَدَّهُمْ صَاحبهَا بطَائفَة فِي غرابين. ومضوا إِلَيّ رودس وَقد إستعد أَهلهَا لقتالهم فَكَانَت بَينهم محاربة طول يومهم لم يكن فِيهَا نصفه. وَقتل من الْمُسلمين إثنا عشر من المماليك وجرح كثير وَقتل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 463 وجرح من الفرنج كثير فَلَمَّا خلص الْمُسلمُونَ بعد جهد مروا بقرية من قرى رودس فَقتلُوا وأسروا ونهبوا مَا فِيهَا وَقدمُوا دمياط ثمَّ ركبُوا النّيل الى الْقَاهِرَة وأسفر وَجه الْأُمَرَاء أَنهم لم يكن لَهُم طَاقَة بِأَهْل رودس. وَفِي لَيْلَة الْخَمِيس ثَالِث عشرينه: سَقَطت قنطرة بَاب الْبَحْر خَارج الْقَاهِرَة وَهلك طَائِفَة مِمَّن كَانَ عَلَيْهَا. وَفِي يَوْم السبت خَامِس عشرينه: ورد جَوَاب السَّيِّد الشريف بَرَكَات بن حسن بن عجلَان أَمِير مَكَّة المشرفة الَّذِي جهز إِلَيْهِ بِحُضُورِهِ يتَضَمَّن أَنه تجهز للقدوم وَدخل الْمَسْجِد الْحَرَام ليطوف طواف الْوَدَاع فَتعلق بِهِ التُّجَّار وَجَمَاعَة المجاورين وَأهل مَكَّة يسألونه ويرغبون إِلَيْهِ فِي أَن يُقيم وَلَا يُسَافر فَإِنَّهُ حَتَّى سَافر لَا يأمنون على أنفسهم وَأَنه بِعرْض ذَلِك على الآراء الشَّرِيفَة فَإِن إقتضت أَن يحضر حضر وَإِن إقتضت أَن يُقيم أَقَامَ وَورد قرين مطالعته مطالعة الْأَمِير سودون المحمدي الْمُقِيم بِمَكَّة يُشِير بِأَن الْمصلحَة فِي إِقَامَة الشريف وَعدم سَفَره فَبعد اللتيا واللتي أذن لَهُ فِي الْإِقَامَة وأعفي من الْحُضُور على أَن يحمل عشرَة آلَاف دِينَار وجهز لَهُ تشريف. وقِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشرينه: خلع على خواجا كلال رَسُول القان شاه رخ خلعة السّفر وَقد إعتني بهَا عناية لم تتقدم مثلهَا لرَسُول وَهِي حَرِير مخمل بِوَجْهَيْنِ وطراز زركش فِيهِ خمس مائَة مِثْقَال من الذَّهَب وأركب فرسا بسرج ذهب وكنفوش ذهب فِيهَا ألف دِينَار ذَهَبا وجهزت صحبته هَدِيَّة مَا بَين ثِيَاب حَرِير سكندري وسرج وكنفوش ذهب وسيوف مغلفة بِذَهَب وَغير ذَلِك مِمَّا تبلغ قميته سَبْعَة آلَاف دِينَار سوى الْهَدِيَّة الْمَذْكُورَة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: ادعِي على يَهُودِيّ متزوج أَنه زنى ليهودية فعني بِهِ بعض خَواص السُّلْطَان حَتَّى حكم لَهُ بعض نواب الْقَضَاء الْحَنَفِيَّة بِرَفْع الرَّجْم عَنهُ. وَنفذ حكمه من عداهُ من الْقُضَاة الَّذين مَذْهَبهم رجمه فَكَانَ هَذَا من شنيع مَا حكم بِهِ زَمنا. وَهُوَ وَإِن كَانَ مَذْهَب الْحَنَفِيَّة أَن الْكِتَابِيّ المتزوج لَا يرْجم فَإِنَّهُ لم يحكم بِهِ قَاض فِيمَا أدركناه لَكِن حكم بعض نواب الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة فِي الْأَيَّام الأشرفية برسباى بشنعاء وَقد ضرب الْعَفِيف النَّصْرَانِي بِحَضْرَة السُّلْطَان حَتَّى أظهر الْإِسْلَام. وَكَانَ لَهُ أَوْلَاد بالغون فكره إسْلَامهمْ وَخَافَ أَن يكرهوا عَلَيْهِ فَرغب إِلَى من حكم لَهُ ببقائهم على النَّصْرَانِيَّة وَأَن لَا يدخلُوا فِي دين الْإِسْلَام فجَاء من حكمه بطامة لم يعْص الله بأقبح مِنْهَا وعدت مَعَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 464 ذَلِك أَنَّهَا حكم شَرْعِي فيا لله مَا أخوفني من سوء عَاقِبَة هَذِه الْأَحْكَام وَللَّه در الْقَائِل: فويل ثمَّ ويل ثمَّ ويل لقَاضِي الأَرْض من قَاضِي السَّمَاء شهر جمادي الْآخِرَة أهل بِيَوْم الْجُمُعَة: وَأهل النواحي مشغولون بزراعة الْأَرَاضِي. وَفِي يَوْم السبت ثَانِيه: ضرب شهَاب الدّين أَحْمد بن إِسْمَاعِيل بن عُثْمَان الكوراني الشَّافِعِي ورسم بنفيه. وَكَانَ من خَبره أَنه قدم إِلَى الْقَاهِرَة قبيل سنة أَرْبَعِينَ وَثَمَانمِائَة وَهُوَ فِي فاقة فاستدناه الْمقر الكمالي مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ كَاتب السِّرّ ووالي إحسانه عَلَيْهِ فتعرف بِالنَّاسِ وَتردد إِلَى الْأُمَرَاء وإختص بِالْقَاضِي زين الدّين عبد الباسط وَصَارَت لَهُ وظائف ومرتبات وَتردد إِلَى السُّلْطَان وَعرف بالفضيلة فَصَارَ لَهُ أَعدَاء وإتفق أَن كَانَت بَينه وَبَين شخص من الْحَنَفِيَّة تعصب بِسَبَبِهَا على الكوراني جمَاعَة وَكَأَنَّهُ طاش فِي رياسته ونقم السُّلْطَان وَغَيره عَلَيْهِ أَشْيَاء ساعدهم فِيهَا سوء الْمَقْدُور عَلَيْهِ حَتَّى أهين فِي مجْلِس السُّلْطَان بِحَضْرَة الْقُضَاة وأخرجت وظائف لغيره وَنفي إِلَى دمشق ثمَّ أخرج مِنْهَا وَقد عزم على الْحَج إِلَى جِهَة حلب فَلم يشعروا بِهِ إِلَّا وَقد وصل إِلَى الطّور فرسم عَلَيْهِ وَأخرج من الطّور إِلَى الشَّام ورسم أَن يعدى بِهِ من الْفُرَات وَكثر ذامه لسوء حَظه وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه. وَفِي ثالثه: إستقلت رسل شاه رخ بِالْمَسِيرِ إِلَى بِلَادهمْ بِجَوَاب كِتَابه والهدية الْمَذْكُورَة. وَفِيه نُودي من كَانَت لَهُ مظْلمَة فَعَلَيهِ بِالْوُقُوفِ للسُّلْطَان فِي يومي الثُّلَاثَاء والسبت. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ رابعه: خلع الْأَمِير تمرباي رَأس نوبَة النوب، وَاسْتقر أَمِير الْحَاج. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 465 وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء خامسه: إبتدأ السُّلْطَان بِالْجُلُوسِ للْحكم بَين النَّاس. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سابعه: خلع على الشريف بدر الدّين حُسَيْن بن أبي بكر الْفراء الْحُسَيْنِي وإستقر نقيب الْأَشْرَاف عوضا عَن الشريف حسن بن عَليّ بن أَحْمد بن عَليّ بن حُسَيْن الحسني الْمَعْرُوف بإبن قَاضِي الْعَسْكَر الأرموي. وَفِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشره: قدم الْأَمِير سيف الدّين جلبان المؤيدي نَائِب الشَّام فَركب السُّلْطَان من القلعة إِلَى لِقَائِه ومنذ تسلطن لم ينزل من القلعة إِلَّا هَذَا الْيَوْم فَلَقِيَهُ بمطعم الطّور طرف الريدانية خَارج الْقَاهِرَة وَعَاد والنائب فِي خدمته حَتَّى أنزل فِي بَيت أعد لَهُ. وَفِي يَوْم السبت سادس عشره: أحضر نَائِب الشَّام تقدمته وَهِي ثَمَانُون فرسا بِغَيْر سروج وَثَلَاثُونَ بختيًا وعدة بغال وقماش مَا بَين ثِيَاب حَرِير وَثيَاب بعلبكي وَثيَاب صوف مربع وفرو مَا بَين وشق وسمور وقاقم وسنجاب وَغير ذَلِك مِمَّا قيمَة الْجَمِيع نَحْو عشرَة آلَاف دِينَار وجلبان هَذَا من جملَة مماليك الْأَمِير تنبك أَمِير أخور الظَّاهِرِيّ برقوق رباه صَغِيرا ثمَّ صَار من بعد مَوته فِي خدمَة الْأَمِير جركس المصارع وإنتقل من بعده إِلَى خدمَة الْأَمِير شيخ المحمودي وتقلب مَعَه فِي أطوار تِلْكَ الْفِتَن حَتَّى تسلطن شيخ وتلقب بِالْملكِ الْمُؤَيد فأنعم عَلَيْهِ بإمرة ثمَّ عمله أَمِير آخور وَولى نِيَابَة حماة فِي الْأَيَّام الأشرفية برسباى عدَّة سِنِين كثر فِيهَا شكاته ثمَّ نقل بعد موت وَفِي لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ ثامن عشره: قدم قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق شمس الدّين مُحَمَّد ابْن عَليّ بن عمر الصَّفَدِي فِي الترسيم فَسلم إِلَى الْمقر الكمالي مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ كَاتب السِّرّ وَقد رسم للَّذي أحضرهُ من دمشق أَن يَأْخُذ تسفيره ألف دِينَار توزعها وناظر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 466 الْجَيْش وَكَاتب السِّرّ بِدِمَشْق وَسبب ذَلِك أَن رجلا بغداديًا من فُقَهَاء الْحَنَفِيَّة يذكر أَنه من ولد الإِمَام أبي حنيفَة رَحمَه الله قدم من دمشق وَتردد إِلَى مجْلِس السُّلْطَان فَكَانَت محنة أَحْمد الكوراني بِسَبَبِهِ كَمَا هُوَ مَذْكُور فِي تَرْجَمته من كتاب دُرَر الْعُقُود الفريدة فِي تراجم الْأَعْيَان المفيدة ثمَّ أفرغ سمه ثَانِيًا فِي شمس الدّين الصَّفَدِي ووشي بِهِ إِلَى السُّلْطَان أَنه سُئِلَ عَن الْحِكْمَة فِي كَثْرَة جماع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نِسَاءَهُ فَقَالَ: ليحصنهن من الزِّنَا وَأَن هَذَا كفر يُوجب إراقه دَمه وشنع وَأبْدى وَأعَاد وأعانه عَلَيْهِ قوم آخَرُونَ فرسم بإحضاره وَفِي الذِّهْن أَنه يقتل. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: مرت سَحَابَة فَأصْبح كثير من المزروعات وَقد صقع وأسود كالخيار والفول والجزر فَلم ينْتَفع بِهِ وأفسدت الدودة كثيرا من البرسيم المزورع بِالْوَجْهِ البحري فأعيد بذره. وَفِيه أَيْضا غلا سعر اللَّبن والجبن وَاللَّحم وَقل وجود ذَلِك بالأسواق. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ خَامِس عشرينه: خلع عَليّ تَقِيّ الدّين عبد الرَّحْمَن بن تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب بن نصر الله أحد موقعي الدست وناظر دَار الضَّرْب وإستقر فِي نظر جده عوضا عَن تَاج الدّين بن حَتَّى السمسار وخلع على شاهين أحد المماليك وإستقر شاد جده وخلع على الْأَمِير جلبان نَائِب الشَّام خلعة السّفر وَتوجه من الْغَد يَوْم الثُّلَاثَاء سادس عشرينه إِلَى مَحل كفَالَته. وَفِيه أنعم بإقطاع الْأَمِير ممجق بعد مَوته على تغرى برمش بن جركس. ثمَّ خلع فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثالثه وإستقر نَائِب القلعة عوضا عَن ممجق وتغرى برمش من محَاسِن هَذِه الدولة لمعرفته الحَدِيث وَرِجَاله الْمعرفَة الجيدة إِلَى غير ذَلِك من الْفَضَائِل. شهر رَجَب أَوله يَوْم السبت: فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثالثه: ركب السُّلْطَان بِثِيَاب جُلُوسه ومضي من القلعة فَمر من صليبة جَامع ابْن طولون إِلَى الميدان الْكَبِير بِخَط موردة الْحَبْس وَقد خرب فكشف مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من الْعِمَارَة ورسم بمرمته وَعَاد سَرِيعا وَهَذِه ثَانِي ركبة ركبهَا فِي سلطته. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 467 وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ عاشره: أنعم بإقطاع الْأَمِير ألطنبغا المرقبي بعد مَوته على الْأَمِير طوخ الجمكي رَأس نوبَة ثَانِيًا وأنعم بإقطاع الْأَمِير طوخ على الْأَمِير قانبيه الجركسي شاد الشَّرَاب خاناه وأنعم بإقطاع قانبيه على ثلَاثه نفر: الْأَمِير تغري برمش وإستقر نَائِب الْقلَّة عوضا عَن الْأَمِير ممجق وعَلى الْأَمِير يُوسُف بن مُحَمَّد بن الْأَمِير إِسْمَاعِيل بن مَازِن وإستقر شيخ لهانة بالبهنساوية وعَلى تغرى بردي دوادار قراسنقر وَهُوَ كاشف الجيزة. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: أَيْضا برزت التجريدة المتوجهة إِلَى الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة حَتَّى أناخت بالريدانية خَارج الْقَاهِرَة وعدتها خَمْسُونَ مَمْلُوكا عَلَيْهِم الْأَمِير جَانِبك الْمَعْرُوف بنائب بعلبك أحد أُمَرَاء العشرات وإستقلت بِالْمَسِيرِ فِي يَوْم الْجُمُعَة رَابِع عشره وَتوجه صحبتهم نَاظر جدة وشادها وعدة مِمَّن يُرِيد الْحَج وَالْعمْرَة وَتوجه أَيْضا أحد خاصكيه السُّلْطَان لإحضار ولي الدّين مُحَمَّد بن قَاسم مضحك السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف برسباى وَكَانَ قد رسم بإحضاره غير مرّة آخرهَا أَن كتب للأمير سودون المحمدي بتجهيزه من مَكَّة فِي الْبَحْر إِلَى الْقَاهِرَة فَأخْرجهُ من مَكَّة وأركبه الْبَحْر من جدة فَنزل يَنْبع ومضي إِلَى الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة. ثمَّ عَاد إِلَى يَنْبع وإعتذر عَن الْحُضُور فَلم يقبل عذره وجهز لَهُ الخاصكي ورسم بِهِ أَن يَأْخُذهُ تسفيره من ابْن قَاسم ألف دِينَار. وَفِي يَوْم الْأَحَد سادس عشره: عقد مجْلِس بن يَدي السُّلْطَان حَضْرَة قُضَاة الْقُضَاة الْأَرْبَع وَجِيء بشمس الدّين مُحَمَّد الصَّفَدِي قَاضِي الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق من منزله بجوار كَاتب السِّرّ فَأوقف وأدعي عَلَيْهِ غَرِيمه حميد الدّين بن أبي حنيفَة عِنْد قَاضِي الْقُضَاة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 468 شهَاب الدّين أَحْمد بن حجر بِأَنَّهُ قَالَ: أَنا أتخير فِي الحكم فَتَارَة أحكم بقول أبي حنيفَة وَتارَة بِمذهب الشَّافِعِي أَو مَالك فَأجَاب: بِأَنِّي إِنَّمَا قلت أتخير من قَول أبي حنيفَة وَأَصْحَابه أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَزفر وَأحكم. بِمَا أختاره من ذَلِك فَأجَاب الْقُضَاة الْأَرْبَع بِأَنَّهُ لَا شَيْء عَلَيْهِ فِي ذَلِك ودفعوا خَصمه بِحجاج وجدال طَوِيل وَهُوَ يَأْبَى إِلَّا أَن يُعَزّر حَتَّى قَالَ الشَّافِعِي للسُّلْطَان: وَأي تَعْزِير حمله من دمشق إِلَى مصر وغرمه للمسفر مَا غرم ثمَّ هَا هُوَ قَائِم على رجلَيْهِ يَدعِي عَلَيْهِ فإنفضوا على ذَلِك وَجلسَ بَين يَدي السُّلْطَان وَقبل يَده وإنصرف منصورًا بعناية القَاضِي الشَّافِعِي وَكَاتب السِّرّ بِهِ وَإِلَّا فَمَا كَانَ ظن المتعصبين مَعَ حميد الدّين إِلَّا أَنه ينكل بالصفدي وَيحكم بِفِسْقِهِ وَتخرج وظائفه إِلَى غير ذَلِك وَكَانَ قد كتب إِلَى دمشق بالكشف عَمَّا نسب إِلَيْهِ من قَوْله فِي أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ رَضِي الله عَنْهُن أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحصنهن من الزِّنَا فَكتب جمَاعَة من قضاتها وأعيان فقهائها بِأَنَّهُم فحصوا عَن ذَلِك فَلم يَجدوا لَهُ أصلا وأبدوا مخاصمة وَقعت بَينهمَا فَلَمَّا سكن غضب السُّلْطَان عِنْد قِرَاءَة ذَلِك عَلَيْهِ علم حميد الدّين وعصبته أَنه قد نجا غريمهم من الْقَتْل برغمهم فعدلوا إِلَى مَا يُوجب بزعمهم النكال بِهِ فَكَانَ مَا كَانَ ورد الله حاسده بغيظه لم ينل بسعيه عرضا. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سَابِع عشره: عزل سراج الدّين عمر الْحِمصِي عَن قَضَاء الْقُضَاة بِدِمَشْق وَقد وشي بِهِ شخص إِلَى السُّلْطَان من خواصه أَنه أَخذ على حكمه فِي قَضِيَّة ذكرهَا مبلغا من المَال وَكَانَ السُّلْطَان لما ولي الْحِمصِي لم يكلفه لمَال وَشرط عَلَيْهِ أَن لَا يرتشي فِي أَحْكَامه. وَعين السُّلْطَان شمس الدّين مُحَمَّد بن الونائى لقَضَاء دمشق. وَفِيه خلع على الْأَمِير يُوسُف بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن مَازِن وإستقر أَمِير هوارة البحرية عوضا عَن عَليّ بن غَرِيب وَذَلِكَ أَنه كَانَت فِي هَذِه الْأَيَّام فتن بَين فَزَارَة ومحارب وَبَين هوارة البحرية بِنَاحِيَة البهنساوية فَقبض الكاشف على ابْن غَرِيب فولي السُّلْطَان عوضه ابْن مَازِن وَعين مَعَه تجريدة. وَفِي يَوْم الْخَمِيس عشرينه: خلع عَليّ شمس الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن عمر الصَّفَدِي وإستقر على عَادَته فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ رَابِع عشرينه: ورد كتاب الْغَالِب بِاللَّه عبد الله بن مُحَمَّد بن الْأَمِير أبي الجيوش نصر بن أَمِير الْمُسلمين أَبى عبد الله بن أَمِير الْمُسلمين أبي الْحجَّاج بن أبي الْوَلِيد إِسْمَاعِيل بن نصر متملك أغرناطة من الأندلس يتَضَمَّن مَا فِيهِ الْمُسلمُونَ بغرناطة من الشدَّة مَعَ النَّصَارَى أهل قرطبة وأشبيلية وَيسْأل النجدة. شهر شعْبَان وأوله يَوْم الْإِثْنَيْنِ: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 469 فِيهِ ركب السُّلْطَان إِلَى الرصد المطل على بركَة الْجَيْش خَارج مَدِينَة مصر الْفسْطَاط وَمَعَهُ الْأُمَرَاء ومباشرو الدولة وَعمل لَهُم مُدَّة فَأَكَلُوا وعادوا فِي أثْنَاء نهارهم. وَفِيه توجه الْأَمِير سيف الدّين طوغا قَز السيفي أستادار إِلَى ناحيتي الشرقية والغربية لأخذ ضيافات أَهلهَا الَّتِي أحدثوها على أهل النواحي فَيحل بِالنَّاسِ من ذَلِك بلَاء لَا يُوصف. وَفِيه أضيف نظر دَار الضَّرْب إِلَى نظر الْخَاص كَمَا هِيَ الْعَادة الْقَدِيمَة عوضا عَن جَوْهَر الخازندار والزمام بعد مَوته. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثالثه: سَارَتْ التجريدة مَعَ ابْن مَازِن إِلَى بِلَاد البهنساوية وعدتها ثَلَاثمِائَة مَمْلُوك وَعَلَيْهِم بايزيد أحد أُمَرَاء العشرات. وَفِي يَوْم السبت سادسه: خلع على الطواشي زين الدّين هِلَال شاد الحوش ونائب الزِّمَام وَهُوَ أحد خَواص خدام السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر برقوق رَبِّي فِي دَاره بَين حرمه وإستقر زِمَام الدَّار عوضا عَن جَوْهَر السيفي قناق باى بعد مَوته. وَفِي يَوْم الْأَحَد سابعه: خلع على الْأَمِير زين الدّين عبد الرَّحْمَن ابْن القَاضِي علم الدّين دَاوُد بن زين الدّين عبد الرَّحْمَن بن الكويز وإستقر أستادار الذَّخِيرَة عوضا عَن الْجَوْهَر الْمَذْكُور وخلع على الطواشي جَوْهَر التمرازي الحبشي وإستقر خازندارا عوضا عَن جَوْهَر السيفي المتوفي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 470 وَفِي تاسعه: هبت ريح شرقية بطرابلس الشَّام وأعمالها وإشتدت فهدمت الدّور والموادن وصعقت أقصاب السكر بإجمعها. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: إشتد الْبرد بِالْقَاهِرَةِ حَتَّى جمدت الْمِيَاه بعدة مَوَاضِع وأبيع الجليد بالأسواق فِي يَوْم الْخَمِيس حادي عشره وجمدت بركَة من مستنقع مَاء النّيل فِي بعض الضواحي بِحَيْثُ صَارَت قِطْعَة واحده ومشي فَوْقهَا الأوز وأصبحت زروع كَثِيرَة من الفول وَقد إسودت وحفت فَحملت وَأوقدت فِي الأفران وإسود ورق كثير من شجر الجميز وَغَيره. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع عشره: ولي شمس الدّين مُحَمَّد الونائي قَضَاء الْقُضَاة بِدِمَشْق عوضا عَن الْحِمصِي وَلم يخلع عَلَيْهِ وحملت لَهُ الخلعة ليلبسها إِذا قدم دمشق بسؤاله ذَلِك وأمهل بِالسَّفرِ إِلَى أثْنَاء شَوَّال وأضيف إِلَيْهِ عدَّة وظائف مِنْهُمَا خطابة الْجَامِع الْأمَوِي عوضا عَن الْبُرْهَان إِبْرَاهِيم بن الباعوني وَنظر الأسوار وَنظر الأسرى وَأخرج لَهُ من الاصطبل السلطاني بغلة بقماش كَامِل وزناري وَهَذَا شَيْء قد بَطل مُنْذُ سِنِين فجدده عناية من السُّلْطَان يه. وَفِي يَوْم السبت عشرينه: ركب السُّلْطَان من القلعة وَنزل بخليج الزَّعْفَرَان كعادة الْمُؤَيد شيخ والأشرف برسباى ومدت لِلْأُمَرَاءِ أسمطة جليله بِحَسب الْوَقْت وَحمل جمَاعَة من المباشرين أنواعًا من الْحَلْوَى والفواكه وَغَيرهَا ثمَّ ركب بعد صَلَاة الظّهْر وَدخل من بَاب الْقصر فشق شَارِع الْقَاهِرَة وَخرج من بَاب زويلة إِلَى القلعة وَهَذِه أول مرّة شقّ فِيهَا الْقَاهِرَة بعد سلطنته وَكَانَ هَذَا وَهُوَ بِثِيَاب جُلُوسه وَلم يكن هَذَا فِي الْقَدِيم وَأول من ترخص فِيهِ النَّاصِر فرج فَإِنَّهُ ركب بِثِيَاب جُلُوسه ثمَّ إقتدي بِهِ فِي ذَلِك الْملك الْمُؤَيد شيخ وَمن بعده وعد هَذَا مِمَّا ضيع من قوانين المملكة وَبَطل من رسومها. وَفِي هَذَا الشَّهْر: هم السُّلْطَان بِإِخْرَاج الرزق الأحباسية عَمَّن هِيَ بِيَدِهِ. ثمَّ إستقر الْحَال على أَن جبي من الرزق الأحباسية الَّتِي بأراضي الجيزة الَّتِي بِبِلَاد الْملك من ضواحي الْقَاهِرَة عَن كل فدان مائَة دِرْهَم من الْفُلُوس فجبيت وأنعم بِمَا يجبي من الجيزة على الْوَزير إِعَانَة لَهُ وَمَا يجبي من الضواحي يصرف فِي عمل الجسور. وَفِيه أَيْضا رسم بفك قيد الْأَمِير جانم أَمير أخور الأشرفي بفك وَبَقِي فِي سجنه بالمرقب بِغَيْر قيد. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 471 وَفِي ثامن عشره: قبض بِمَكَّة على أَمِين الدّين مُحَمَّد بن قَاسم فألزمه المتسفر لإحضاره ألف دِينَار فأورد لَهُ مِنْهَا وَنزلا فِي الْبَحْر يُريدَان الْقَاهِرَة. شهر رَمَضَان أَوله يَوْم الثُّلَاثَاء: فِيهِ ورد الْخَبَر بِأَنَّهُ قبض على الْأَمِير قانصوه بِدِمَشْق فرسم بسجنه فِي القلعة. وَفِي يَوْم الْخَمِيس عاشره: خلع عَليّ شمس الدّين مُحَمَّد بن عَامر أحد نواب الحكم الْمَالِكِيَّة وإستقر فِي قَضَاء الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن جمال الدّين عبد الله الدماميني. وَفِي يَوْم السبت ثَانِي عشره: خلع على القَاضِي معِين الدّين عبد اللطف بن شرف الدّين أبي بكر الْأَشْقَر وإستقر فِي نِيَابَة كِتَابَة السِّرّ وَغَيرهَا من وظائف أَبِيه بعد مَوته. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: ألزم القَاضِي زين الدّين عبد الباسط بِحمْل خَمْسَة آلَاف دِينَار. وَذَلِكَ أَنه وجد فِي تَرِكَة جَوْهَر الخازندار الزِّمَام أَنه حمل إِلَى عبد الباسط فِي أَيَّام مصادرته خَمْسَة آلَاف دِينَار فَتوجه القاصد إِلَيْهِ بحملها فعوض عَنْهَا قماشًا وَأذن أَن يُبَاع من عقاره بِالْقَاهِرَةِ مَا يكمل تَتِمَّة ذَلِك فسامحه السُّلْطَان بِأَلف دِينَار فأورد إِلَى الخزانه أَرْبَعَة آلَاف دِينَار. وفيهَا أَيْضا فوض السُّلْطَان نظر الْجَامِع الحاكمي بِالْقَاهِرَةِ إِلَى الْأَمِير دولت بيه الدوادار. وأنعم برسم عِمَارَته بِأَلف دِينَار وحملت إِلَيْهِ من الخزانة السُّلْطَانِيَّة فَركب وكشف أَحْوَاله فَوجدَ سقوفه قد سقط مِنْهَا مَوَاضِع وفيهَا مَوَاضِع سَاقِطَة وبلاطه قد تلف مِنْهُ كثير ومقاصيره الْخشب قد تلف كثير مِنْهَا وميضات الْجَامِع متهدمة وأحوال الْجَامِع بمرور النِّسَاء وَالصبيان وَغَيرهم ملعبة فَمنع دُخُول النِّسَاء الْجَامِع وألزم بوابيه أَن لَا يمكنوا إمرأة وَلَا صَغِيرا من الْجُلُوس فِيهِ وَلَا الْمُرُور مِنْهُ وَكَانَ هَذَا الْجَامِع قد فَسدتْ أَحْوَاله فأصلحه الله على يَد هَذَا الْأَمِير وغلقت أبوابه عدَّة أَيَّام سوى بَابَيْنِ ثمَّ فتحت أبوابه كلهَا وَامْتنع النَّاس كَافَّة من الْمُرُور فِي صحن الْجَامِع بنعالهم وَشرع فِي عمَارَة السقوف والمقاصير والبلاط وَهدم الميضأة بأسرها وأنشأها إنْشَاء جَدِيدا وتشدد فِي جباية ريعه وَاسْتولى على جَمِيع مَا هُوَ مَوْقُوف عَلَيْهِ وَهُوَ ثَلَاث جِهَات: إحدها الْوَقْف الْقَدِيم وَهُوَ مَا بَين مسَاكِن وأحكار وَكَانَ من الْقَدِيم إِلَى آخر وَقت بيد قُضَاة الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة وَمِنْه تصرف معاليم المؤذنين وَالْإِمَام والخطب والقومة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 472 وَنَحْو ذَلِك وَهُوَ وقف ضَعِيف متهدم والجهة الثَّانِيَة: وقف المظفر بيبرس الجاشنكير على أَرْبَاب وظائف سَمَّاهَا فِي كتاب وَقْفَة مَا بَين دروس فقه وَحَدِيث وقراء وملء صهريج بالجامع وَنَظره أَيْضا للْقَاضِي الشَّافِعِي والجهة الثَّالِثَة: رزقة وَقفهَا النَّاصِر حسن على الرماس وَذريته وَأَن يشترى مِنْهَا حصر وزيت للجامع ونظرها لَهُم فَاسْتَوَى دولت بيه على جمع ذَلِك. وَفِي هَذَا الشَّهْر: أَيْضا رسم بنفل الطواشي خشقدم الْمُقدم من الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة إِلَى الْقُدس وإقامته هُنَاكَ بطالاً. وَفِي سلخه: قدم الْأَمِير طوغان قَز أستادار من الْوَجْه البحري وَقد جبي من أَمْوَال أَهله الضيافات الَّتِي أحدثوها وَحمل تقدمته مَا بَين خيل وجمال وَغير ذَلِك مِمَّا تبلغ قِيمَته زِيَادَة على عشرَة آلَاف دِينَار. شهر شَوَّال أَوله يَوْم الْخَمِيس: فِيهِ صلى السُّلْطَان صَلَاة الْعِيد بِجَامِع القلعة على الْعَادة وعندما سلم الإِمَام فِي آخر الصَّلَاة وثب كثير من المماليك يدا وَاحِدَة يُرِيدُونَ الْمُبَادرَة لدُخُول الْقصر حَتَّى تلبس أَرْبَاب الْخلْع خلعهم وَقَامَ بقيامهم جمَاعَة فَاشْتَدَّ زحام النَّاس بِحَيْثُ مَاتَ وَالِي بَاب الْقلَّة وَسقط جمَاعَة أشفوا على الْمَوْت مغمي عَلَيْهِم فأفاق أَكْثَرهم وَمَات بَعضهم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 473 وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِيه: كتب بعزل ابْن عَامر عَن فضاء الْإسْكَنْدَريَّة، وَطلب ابْن الدماميني. وَفِي ثالثه: قدم الْأَمِير بايزيد وَمن مَعَه من المجردين بالبهنساوية وَقد قرروا على هوارة مَا لَا يقومُونَ بِهِ. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشره: قدم قَود الشريف بَرَكَات أَمِير مَكَّة وَأخْبر قاصده بوصول مَا رسم بِهِ وَهُوَ فلفل بِعشْرَة آلَاف دِينَار إِلَى الطّور فَبَطل الأرجاف بعزله وَولَايَة أَخِيه وَقدم أَيْضا القَاضِي جمال الدّين عبد الله بن الدماميني من الْإسْكَنْدَريَّة فَخلع عَلَيْهِ فِي يَوْم الْخَمِيس نصفه وإستقر فِي قَضَاء الْإسْكَنْدَريَّة على عَادَته وَعَاد بن عَامر إِلَى منزله فَلَزِمَهُ بطالاً لَا حَاجَتك قضيت وَلَا صديقك أبقيت. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ تَاسِع عشره: خرج محمل الْحَاج مَعَ الْأَمِير تمرباى رَأس نوبَة النوب. وَخرج فِي هَذِه السّنة لِلْحَجِّ ثَلَاثَة من أُمَرَاء الألوف: تمرباى هَذَا وطوخ وتمراز أَمِير سلَاح وَسَبْعَة أُمَرَاء مَا بَين عشرات وطبلخاناه مِنْهُم وَالِي الْقَاهِرَة وَمِنْهُم سودون قرقاش النوروزي أحد رُؤُوس النوب وأمير عشرَة وَهُوَ أَمِير الركب الأول فَرَحل من بركَة الْحجَّاج الْأَمِير تمراز فِي حادي عشرينه وَتَبعهُ كثير من الْحجَّاج ورحل سودون قرقاش فِي ركب كَبِير من الْغَد ورحل الْأَمِير تمرباى بمحمل الْحَاج فِي ثَالِث عشرينه وَكتب إِلَى الشريف بَرَكَات وَإِلَى أَمِير الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة وَإِلَى أَمِير يَنْبع بإعفائهم مِمَّا كَانُوا يقومُونَ بِهِ من المَال لأمير الركب فِي كل سنة وأكد السُّلْطَان على الْأُمَرَاء عِنْدَمَا وَفِي حادي عشرينه: قدم بن قَاسم من مَكَّة فَسلم إِلَى الْأَمِير دولت بيه الدوادار. وَفِي هَذَا للشهر: خربَتْ مَدِينَة الفيوم وجلا أَهلهَا عَنْهَا لغَلَبَة مَاء بَحر يُوسُف. شهر ذِي الْقعدَة أَوله يَوْم الْجُمُعَة: فِي ثالثه: ركب مَوْلَانَا السُّلْطَان لهدم ميضأتين ودور فِي زِيَادَة الْجَامِع الطولوني كَمَا هدم دَار ابْن النقاش فصرف الله قلبه عَن ذَلِك ومضي من الْجَامِع بَعْدَمَا كشف أَحْوَاله إِلَى الميدان الْكَبِير فَنظر مَا عمر فِي سُورَة وَعَاد سَرِيعا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 474 وَفِي يَوْم السبت تاسعه: قدم الْأَمِير قانباى الحمزاوي نَائِب حلب بإستدعاء فَركب السُّلْطَان إِلَى مطعم الطُّيُور وَنزل بِهِ وَتقدم الْأَمِير الْكَبِير الأتابك فِي عدَّة من الْأُمَرَاء حَتَّى قدمُوا بِهِ فَخلع عَلَيْهِ وَعَاد السُّلْطَان وَهُوَ فِي الْخدمَة فَصَعدَ السُّلْطَان إِلَى القلعة ومضي النَّائِب إِلَى دَار أعدت لَهُ فنزلها وَقدم من الْغَد تقدمته وَهِي مماليك وخيول وجمال وقماش وفرو وَغير ذَلِك مِمَّا قِيمَته نَحْو عشرَة آلَاف دِينَار. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ حادي عشره: توجه الْأَمِير أينال الأجرود مُجَردا فِي جمَاعه من المماليك نَحْو بِلَاد الصَّيْد لقِتَال محَارب. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: أفرج عَن ولي الدّين مُحَمَّد بن قَاسم من عاقته بِبَيْت الْأَمِير دولت بيه على أَن يحمل خَمْسَة عشر ألف دِينَار ضمنه فِيهَا جمَاعَة. وفيهَا زَاد النّيل نَحْو ذراعين وَنصف حَتَّى صَار فِي إثني عشر ذِرَاعا وَنصف وَالْوَقْت زمن الرّبيع وَالشَّمْس فِي برج الْحمل ويوافق من شهور القبط برمودة وَجَرت الْعَادة أَن فِي مثل هَذَا الزَّمَان يَأْخُذ النّيل فِي النُّقْصَان وَيُسمى الإحتراق وَهَذَا من النَّوَادِر إِلَّا أَنه وَقع مثل ذَلِك فِي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة. وَكثر فِي هَذَا الزَّمَان تخاصم النَّاس وتعدي بَعضهم على بعض وتزايد وُقُوع الشَّرّ فِيمَا بَينهم وشنع جهرهم بالسوء وتناجيهم بالإثم والعدوان فَالله تَعَالَى يَكْفِي شَرّ ذَلِك. وَقدم الْخَبَر بِأَن صَاحب قشتيلة من بِلَاد الفرنج عمر أَرْبَعِينَ بيوني وَعشرَة أغربة يُرِيد رودس ليَأْخُذ بثأرهم من الْمُسلمين. وفيهَا منع الْأَمِير أيتمش الخضري من الإجتماع بالسلطان وَأمر بِلُزُوم بَيته وَهَذَا ثَانِي مرّة منع فِيهَا. وَفِي حادي عشرينه: إستقل نَائِب حلب بِالْمَسِيرِ عَائِدًا إِلَى مَحل كفَالَته على عَادَته بعد أَن خلع عَلَيْهِ. وَفِي رَابِع عشرينه: قدم الْخَبَر أَيْضا من طرابلس بِأَن أهل رودس قد إستعدوا للحرب وهم فِي إنتظار عمَارَة الفنش صَاحب قشتيلة وَأَن كثيرا من الْمُسلمين سكان السَّاحِل قد أخلوا ضياعهم وصعدوا إِلَى الْجبَال. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع عشرينه: ورد الْخَبَر بِأَن عشرَة أغربة من عمَارَة الفنش الجزء: 7 ¦ الصفحة: 475 وصلت إِلَى سَاحل بيروت فَأخذت مركبا مشحونًا بالبضائع وَأَنَّهُمْ باعوا مِمَّن أَسرُّوا مِنْهُ من الْمُسلمين أَرْبَعِينَ رجلا وأقلعوا من غير أَن يقاتلهم أحد فَأمر بِعرْض أجناد لِيخْرجُوا إِلَى السواحل فَبَدَأَ الْأَمِير تغري بردي الدوادار. فِي يَوْم السبت سلخه: بعرضهم على أيخرج مِنْهُم مائَة جندي إِلَى رشيد والطينة. شهر ذِي الْحجَّة أَوله يَوْم الْأَحَد: فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء رابعه: عرض الْأَمِير تغري بردي الدوادار أجناد الْحلقَة المجردين وَلم يعين إِلَّا من كَانَ سجل إقطاعه بِثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم فَمَا فَوْقهَا ثمَّ عفوا من التجريدة لما جرت بِهِ عَادَتهم من تداول كلمة أَلْقَاهَا الشَّيْطَان بَينهم أَن من تعرض لأجناد الْحلقَة زَالَت دولته. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس عشرينه: قدم مبشرو الْحَاج وأخبرت كتبهمْ بِكَثْرَة المراعى ورخاء الأسعار وَأمن الْحجَّاج وسلامتهم وَأَن الشريف بَرَكَات أَمِير مَكَّة قَابل الْأُمَرَاء وَلبس التشريف السلطاني على العادي إِلَّا أَنه كَانَت وقْعَة قريب خليص بَين أَمِير ركب الكركيين وَبَين حجاج يَنْبع قتل فِيهَا من الينابعة زِيَادَة على عشْرين رجلا ونهبت أَمْوَالهم وَبَلغت نفقات السُّلْطَان فِي نفقات المماليك وصلات الْأُمَرَاء والتراكمين وَغَيرهم وَفِي أَثمَان مماليك إشتراهم ونفقات تجاريد جردها وَغير ذَلِك فِي مُدَّة أَولهَا موت الْأَشْرَف برسباى وأخرها سلخ هَذِه السّنة وَذَلِكَ مُدَّة ثَلَاث سِنِين مبلغ ثَلَاثَة آلَاف ألف دِينَار ذَهَبا وَهِي مَا خَلفه الْأَشْرَف برسباى من الذَّهَب وَالدَّرَاهِم والبهار وَالْجمال وَالْخَيْل وَثيَاب الْحَرِير والبعلبكي وأنواع الفرو وَمن الغلال والقنود والأعسال وَالسِّلَاح وَغير ذَلِك مَعَ مَا دخل إِلَى الخزانة فِي أَيَّام سلطنته وَهُوَ نَحْو خَمْسمِائَة ألف دِينَار نفذ ذَلِك كُله وعَلى الله الْعِوَض. وَفِي هَذَا الشَّهْر: زَاد النّيل بعد نَقصه حَتَّى تجَاوز إثني عشر ذراعان وَذَلِكَ فِي بشنس. وَفِيه وَردت تقدمة أَرْبَعَة من القَاضِي زين الدّين عبد الباسط بعد مَا وصلت لَهُ كاملية بِفَرْوٍ سمور وحجرة بقماش كَامِل فَكَانَت تقدمته هَذِه خيلاً وفرواً وَثيَاب وحرير. وَفِي هَذِه السّنة: تَجَدَّدَتْ عمَارَة مَوَاضِع عديدة مِنْهَا مشْهد السيدة رقية قَرِيبا من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 476 المشهد النفيسي كَانَ قد إتخذه بعض النَّاس سكنًا وتعطلت زيارته مُدَّة سِنِين فجدد عِمَارَته السَّيِّد بدر الدّين حُسَيْن بن الْفراء نقيب الْأَشْرَاف فِي أول شعْبَان. وَفِي هَذَا الشَّهْر: أَيْضا جددت عمَارَة جَامع الصَّالح طلائع بن رزيك خَارج بَاب زويلة وَقَامَ بذلك رجل من الباعة وجدد أَيْضا جَامع الفاكهيين بِالْقَاهِرَةِ وجامع الْفَخر بِخَط سويقة الْمُوفق قريب من بولاق وجدد أَيْضا عمَارَة جَامع الصارم قريب من بولاق. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة رَابِع شهر رَمَضَان: أُقِيمَت الْجُمُعَة بالجامع الَّذِي أنشأه فِي هَذِه السّنة الطواشي جَوْهَر نَائِب مقدم المماليك بالرميلة تَحت القلعة. وَفِي أول شَوَّال: أُقِيمَت الْجُمُعَة بالجامع الَّذِي أنشأه الْأَمِير تغري بردي البكلمشي الدوادار الْمَعْرُوف بالمؤذي بِخَط الصليبة. وَأما الْيمن فقد خرج عَن متملكها ضيَاع تعز وحسبه أَنه يحفظها فَإِن الْبِلَاد خرجت عَنهُ من زبيد إِلَى بَيت حُسَيْن وَصَارَت الْعَرَب المعازبة تركب فِي نَحْو ألف فَارس. وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّا لَهُ ذكر موفق الدّين عَليّ بن أبي بكر النَّاشِرِيّ قَاضِي الْقُضَاة بِبِلَاد الْيمن فِي خَامِس عشْرين صفر بِمَدِينَة تعز عَن تسعين سنة. وَمَات الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْأَمِير صارم الدّين إِبْرَاهِيم بن الْأَمِير منجك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 477 اليوسفي فِي يَوْم الْأَحَد خَامِس عشر شهر ربيع الأول عَن نَحْو سبعين سنة بِدِمَشْق وَكَانَ يُوصف بدين وعفة وحظي فِي الدولة المؤيدية شيخ والدولة الأشرفية برسباي وَكَانَ يقدم فِي كل سنة إِلَى السُّلْطَان بهدية ويشاور فِي الْأُمُور وَكَانَ لَهُ غنى وثراء وأفضال على قوم يعتقدهم بِدِمَشْق. وَمَات سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن الْمرة فِي يَوْم الْخَمِيس عَاشر شهر ربيع الآخر بِالْقَاهِرَةِ وَقد أناف على السِّتين سنة بعد مَا تعطل من الْمُبَاشرَة وَلَزِمَه دين كَبِير حبس من أَجله مُدَّة إحتاج فِيهَا إِلَى سُؤال النَّاس وَكَانَ لَهُ بر وأفضال وَكَانَ حشمًا يحب الْفَخر وَيكثر من إِتْلَاف المَال فَالله يعْفُو عَنهُ. وَمَات مبارك شاه رَسُول القان شاه رخ مَاتَ بغزة فِي يَوْم الْأَحَد ثَالِث عشر ربيع الآخر وَكَانَ يُوصف بِمَعْرِِفَة وفضيلة وعقل. وَمَات الخواجا كلان بن مبارك شاه الْمَذْكُور قَامَ بعد موت أَبِيه وَقدم بالهدية وَالْكتاب إِلَى السُّلْطَان وَهُوَ متمرض فَمثل بَين يَدي السُّلْطَان حَتَّى ثقل مَرضه وَمَات فِي يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع جمادي الأولى فَدفن خَارج بَاب النَّصْر من الْقَاهِرَة ثمَّ نقل هُوَ وأَبوه إِلَى الْقُدس فدفنا هُنَاكَ وَمَات القَاضِي شهَاب الدّين أَحْمد بن أبي بكر بن رسْلَان البُلْقِينِيّ الْمَعْرُوف بالعجمي الشَّافِعِي قَاضِي الْمحلة فِي يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع عشر جمادي الأولى وَكَانَ من فضلاء الشَّافِعِيَّة. وَمَات قَاضِي الْقُضَاة محب الدّين أَبُو الْفضل أَحْمد ابْن شَيخنَا جلال الدّين نصر الله ابْن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عمر الششتري الأَصْل الْبَغْدَادِيّ المولد والمنشأ الْحَنْبَلِيّ فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس عشر جمادي الأولى ومولده بِبَغْدَاد فِي شهر رَجَب سنة خمس وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَقدم الْقَاهِرَة فِي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَلزِمَ شَيخنَا صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن الْأَعْمَى الْحَنْبَلِيّ وتفقه بِهِ وواظب شَيخنَا شيخ الْإِسْلَام سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 478 وَشَيخنَا سراج الدّين عمر بن الملقن وبرع فِي الْفِقْه وَالْأُصُول والْحَدِيث والعربية وَقَرَأَ بِنَفسِهِ وَسمع على شُيُوخنَا عدَّة كتب وناب فِي الحكم عَن ابْن المغلي ثمَّ ولي الْقَضَاء مُسْتقِلّا عدَّة سِنِين حَتَّى مَاتَ ودرس فِي عدَّة مَوَاضِع وَلم يخلف فِي الْحَنَابِلَة بعده مثله وَلَا أعلم فِيهِ مَا يعاب بِهِ لِكَثْرَة نُسكه ومتابعته للسّنة إِلَّا أَنه ولي الْقَضَاء فَالله تَعَالَى يرضى عَنهُ أخصامه. وَمَات الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن بوالي بِدِمَشْق فِي سَابِع عشره وَقد ولي أستاداراً فِي الْأَيَّام المؤيدية شيخ ثمَّ إستمر أستادارًا بِدِمَشْق وَهُوَ مَعْدُود من الظلمَة. وَمَات القَاضِي شهَاب الدّين أَحْمد بن عِيسَى الْحَنْبَلِيّ أحد نواب الحكم بِالْقَاهِرَةِ فِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشر جمادي الأولى وَقد رَأس وشكرت سيرته وإشتهر بالعفة. وَمَات أَمِين الدّين عبد الله بن سعد الدّين أبي الْفرج بن تَاج الدّين مُوسَى فِي يَوْم الْأَحَد ثَالِث جمادي الْآخِرَة وَكَانَت لَهُ رياسة ضخمة فِي أَيَّام أَبِيه سعد الدّين نَاظر الْخَاص وَتَوَلَّى بعده نظر الإصطبل ثمَّ إنحط قدره وتكسح وَعرف بِصُحْبَة جمَاعَة من أهل الدول فَإِذا دخل إِلَيْهِم خدمه حَتَّى يجلس ثمَّ يحملوه إِذا ركب وَحج غير مرّة وشاهدته وَهُوَ مَحْمُول يطوف بِالْبَيْتِ وَمَات الْأَمِير سيف الدّين الطنبغا المرقبي فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ عَاشر شهر رَجَب وَهُوَ من جملَة المؤيدية عمله الْمُؤَيد شيخ فِي أَيَّام تِلْكَ الْفِتَن بقلعة المرقب من عمل طرابلس فَأَقَامَ بهَا مُدَّة فَعرف بَينهم بالمرقبي فَلَمَّا تسلطن رقاه حَتَّى صَار أَمِير مائَة مقدم ألف حَاجِب الْحجاب ثمَّ حمل بعد موت الْمُؤَيد طول الْأَيَّام الأشرفية وتلاشت أَحْوَاله. فَلَمَّا كَانَت أَيَّام السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر جقمق إنتعش وَصَارَ من جملَة الْأُمَرَاء الألوف حَتَّى مَاتَ بهَا. وَمَات زين الدّين قَاسم بن البشتكي فِي يَوْم السبت ثامن رَجَب بِنَاحِيَة يبنا من عمل فلسطين وَلم يدْفن إِلَّا فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ عاشره وَكَانَ حشمًا سريًا فخوراً لَهُ ثراء الجزء: 7 ¦ الصفحة: 479 وَاسع وَمَال جم وَرثهُ وأفضال كثير وفضيلة ثمَّ تردد إِلَى مجْلِس السُّلْطَان الْملك الْمُؤَيد واختص بِهِ مُدَّة إِلَى أَن تنكر لَهُ وضربه وشهره فاتضع جَانِبه وَصَارَ يكثر من الترداد إِلَى يبنا حَتَّى مَاتَ بهَا فَالله يرحمه فَلَقَد شاهدنا مِنْهُ كرمًا جمًا وإفضالاً زَائِدا ومروءة غزيرة ونعمة ضخمة. وَمَات الْأَمِير ممجق نَائِب قلعة الْجَبَل فِي أول يَوْم من رَجَب وَهُوَ مِمَّن إنتشأ فِي الْأَيَّام الظَّاهِرِيَّة جقمق. وَمَات الْأَمِير الطواشي صفي الدّين جَوْهَر السيفي قنقباي اللالا زِمَام الدّور خازندار السُّلْطَان فِي لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ أول شعْبَان عَن نَحْو سبعين سنة وَصلى عَلَيْهِ السُّلْطَان وَدفن بمدرسته بجوار الْجَامِع الْأَزْهَر. وَكَانَ من جملَة هَدِيَّة الحطي دَاوُد بن سيف أرعد ملك بِلَاد الْحَبَشَة إِلَى السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر برقوق فأنعم بِهِ على الْأَمِير قنقباى اللالا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 480 لالا الْمقَام الناصري مُحَمَّد ولد السُّلْطَان فرباه وَهُوَ صَغِير وأقرأه الْقُرْآن الْعَظِيم ثمَّ خدم من بعد قنقباي جمَاعَة من الْأُمَرَاء زمامًا لدورهم وعارك خطوب الدَّهْر ألوانًا حَتَّى إستدعاه الْأَشْرَف برسباى وَعَمله خازندارَا فَتمكن مِنْهُ مُمكنا زَائِدا وإنبسطت يَده فِي تَحْصِيل الْأَمْوَال للذخيرة بِقُوَّة وشهامة وَضبط فَلَمَّا مَاتَ الْأَشْرَف أضيفت إِلَيْهِ أزمة الدّور فباشر ذَلِك حَتَّى مَاتَ وَلم يخلف فِي أَبنَاء جنسه بعده مثله وَكَانَ عفيفًا لَهُ بر وأفضال مَعَ رصانة عقل وجد من غير هزل وَكَانَ مهابًا يَتْلُو الْقُرْآن بالسبع إِلَّا أَنه فتن بِصُحْبَة السُّلْطَان فحرص على رِضَاهُ وإقتحم المهالك بِحَيْثُ أَنه لم يكن فِي الدولة الأشرفية أحد أخص مِنْهُ بالسلطان وَلَا أقوى تمَكنا فَالله يعْفُو عَنهُ. بمنه. وَمَات القَاضِي شرف الدّين الْأَشْقَر وإسمه أَبُو بكر بن سُلَيْمَان الْمَعْرُوف بِابْن العجمي الْحلَبِي نَائِب كَاتب السِّرّ فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع رَمَضَان وَقد أناف على السِّتين قدم من حلب فِي أَيَّام الْأَمِير جمال الدّين يُوسُف أستادار وَعِنْده يَوْمئِذٍ بنت أخي جمال الدّين فَنَوَّهَ بِهِ وَأقرهُ فِي توقيع الدوادار الْكَبِير فيعد من رُؤَسَاء الْقَاهِرَة حَتَّى زَالَت دولة جمال الدّين فنكب فِي جملَة من نكب من ألزامه نكبة نجاه الله مِنْهَا بَعْدَمَا أشفى على الْهَلَاك فَلَمَّا كَانَت الْأَيَّام المؤيدية شيخ عَاد إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ من مُبَاشرَة الترقيع عِنْد الأستادارية مُدَّة سِنِين ثمَّ رغب عَن ذَلِك وباشر فِي ديوَان الْإِنْشَاء مَعَ ابْن مزهر كَاتب السِّرّ وَمن بعده وَصَارَ نَائِب كَاتب السِّرّ بِهِ حل الدُّيُون وعقده ثمَّ ولي كتاب السِّرّ بحلب مُدَّة وَتركهَا لوَلَده معِين الدّين وَعَاد إِلَى نِيَابَة كِتَابَة السِّرّ حَتَّى مَاتَ وَكَانَ ماهرًا بصناعة الْإِنْشَاء جميل المحاضرة بشوشًا متوددًا حشمًا فخورًا لَهُ فَضِيلَة وَسيرَته مشكورة. وَمَات العَبْد الصَّالح شهَاب الدّين أَحْمد بن حُسَيْن بن حسن بن رسْلَان الْفَقِيه الشَّافِعِي الْمُحدث الْمُفَسّر بِمَدِينَة الْقُدس فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ عشْرين شهر رَمَضَان عَن إِحْدَى وَسبعين سنة وَلم يخلف بِتِلْكَ الديار بعده مثله علما ونسكًا. وَمَات القَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد بن شعْبَان فِي حادي عشْرين شَوَّال عَن نَيف وَسِتِّينَ سنة وَولي حسبَة الْقَاهِرَة مرَارًا عديدة وَلَا فضل وَلَا فَضِيلَة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 481 وَمَات الشَّيْخ نور الدّين على بن عمر بن حسن بن حُسَيْن التلواني فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَالِث عشْرين ذِي الْقعدَة وَقد أناف على الثَّمَانِينَ وأصل آبَائِهِ من بِلَاد الْمغرب وَسكن أَبوهُ نَاحيَة جروان وأقرأ الْأَطْفَال الْقُرْآن. ثمَّ تحول إِلَى تلوانه وَولد لَهُ بهَا عَليّ وَغَيره ثمَّ قدم على الْقَاهِرَة وتفقه على مَذْهَب الإِمَام الشَّافِعِي رَحمَه الله حَتَّى درس وَأفْتى وَولي مشيخة الخانقاه الركنية بيبرس ثمَّ عزل عَنْهَا وَولي تدريس الْمدرسَة الناصرية بجوار قبَّة الإِمَام الشَّافِعِي من القرافة مُدَّة سِنِين. وَكَانَ دينا خيرا لَهُ مُرُوءَة وَفِيه قُوَّة وَله أفضال رَحمَه الله. وَمَات الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن عمار مُحَمَّد الْمَالِكِي فِي يَوْم السبت رَابِع عشر شهر ذِي الْحجَّة عَن نَيف وَثَمَانِينَ سنة وَقد كتب على الْفَتْوَى ودرس وَصَارَ مِمَّن يعْتَقد فِيهِ الْخَبَر. وَمَات الرئيس إِبْرَاهِيم بن فرج الله بن عبد الْكَافِي الإسرائيلي الْيَهُودِيّ الدَّاودِيّ العافاني فِي يَوْم الْجُمُعَة عشْرين ذِي الْحجَّة وَقد أناف على السّبْعين وَلم يخلف بعده من يهود مصر مثله فِي كَثْرَة حفظ نُصُوص التوارة وَكتب الْأَنْبِيَاء وَفِي تنسكه فِي دينه مَعَ حسن علاجه لمعرفته بالطب وتكسبه بِهِ. وَكَانَ يقر بنبوة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويجهر بِأَنَّهُ رَسُول إِلَى الْعَرَب وَيَقُول فِي الْمَسِيح عِيسَى بن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّه صدق وَهَذَا خلاف مَا يَقُوله الْيَهُود لعنهم الله وخزاهم فَمَا أَكثر طعنهم فِي أَنْبيَاء الله وَرُسُله على مَا وقفت عَلَيْهِ من أَقْوَالهم من كتبهمْ. وَمَات شهَاب الدّين أَبى الْعَبَّاس أَحْمد بن صَالح بن تَاج الدّين الْمحلي الشَّافِعِي فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن عشر ذِي الْحجَّة وَكَانَ فَاضلا فِي الْفِقْه والفرائض والنحو وَله سلوك ونسك وَلِلنَّاسِ فِيهِ إعتقاد ودرس وخطب مُدَّة رَحمَه الله تَعَالَى. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 482