الكتاب: نبذة العصر في انقضاء دولة بني نصر وهو كتاب آخر أيام غرناطة المؤلف: مؤلف مجهول، وهو رجل حربي عاصر الأحداث التي يرويها المحقق: د. محمد رضوان الداية الناشر: دار حسان - دمشق الطبعة: الأولى، 1404 عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- نبذة العصر في أخبار ملوك بني نصر - الكتاب: نبذة العصر في انقضاء دولة بني نصر وهو كتاب آخر أيام غرناطة المؤلف: مؤلف مجهول، وهو رجل حربي عاصر الأحداث التي يرويها المحقق: د. محمد رضوان الداية الناشر: دار حسان - دمشق الطبعة: الأولى، 1404 عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله المبدئ المعيد المنشئ المبيد الفعال لما يُرِيد الَّذِي جرت أَحْكَامه بمشيئته السَّابِقَة فِي جَمِيع العبيد من إعزاز وإذلال وإدبار وإقبال وإكثار وإقلال وهداية واضلال كل ميسر لما خلق لَهُ وجار على مَا كتب لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {لَا يسْأَل عَمَّا يفعل وهم يسْأَلُون} نحمده سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على كل حَال ونشكره على جَمِيع نعمه الَّتِي لَا تحصى شكرا كثيرا دَائِما لَا يَنْقَطِع بِانْقِطَاع الْأَيَّام والليال ونشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ الْمُنْفَرد بِالْعِزَّةِ والجلال ونشهد أَن سيدنَا وَنَبِينَا ومولانا مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله خَاتم النَّبِيين والأرسال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 صلى الله عَلَيْهِ وعَلى مَا لَهُ من الصحب والآل صَلَاة دائمة لَا نفاد لَهَا وَلَا زَوَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 أما بعد فَهَذَا كتاب أذكر فِيهِ نبذة من بعض تواريخ مَا وَقع فِي مُدَّة الْأَمِير أبي الْحسن عَليّ بن نصر بن سعد بن السُّلْطَان أبي عبد الله مُحَمَّد بن السُّلْطَان أبي الْحسن بن الْمُلُوك النصريين وَمُدَّة ملك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 ابْنه مُحَمَّد وأخيه مُحَمَّد أَيْضا رحمهمَا الله وَكَيف استولى الْعَدو على جَمِيع بِلَاد الأندلس فِي تِلْكَ الْمدَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 وعولت فِي ذَلِك على الإختصار والإقتصار وَتركت التَّطْوِيل والإكثار لِأَن باعي فِي التَّأْلِيف قصير وبضاعتي فِي الفصاحة مزجاة وسميته نبذة الْعَصْر فِي أَخْبَار مُلُوك بني نصر وَالله الْمُوفق للصَّوَاب وَهُوَ حَسبنَا وَنعم الْوَكِيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 ذكر مَا وَقع للأمير أبي الْحسن عَليّ بن سعد مَعَ قواده عَام 882 قَالَ الْمُؤلف عَفا الله عَنهُ لما استقام ملك الأندلس للأمير أبي الْحسن عَليّ بن سعد ودانت لَهُ جَمِيع بِلَاد الأندلس وَلم يبْق لَهُ فِيهَا معاند وَذَلِكَ بعد خطوب وأحداث وكوائن جرت لَهُ مَعَ أَبِيه وَمَعَ قواده بعد موت أَبِيه فِي أَخْبَار وحوادث يطول ذكرهَا وَذَلِكَ أَنه كَانَ مَحْجُورا للقواد وَلم يكن لَهُ من الْملك إِلَّا اسْمه فَأَرَادَ أَن يقوم بِنَفسِهِ ويزيل عَنْهَا الْحجر فَانْفَرد بِنَفسِهِ عَن قواده كَمَا انْفَرد مَعَه بَعضهم وَوَقعت بَينهم حروب وأحداث وَذَلِكَ أَنه لما اعتزل عَن قواده أخذُوا أَخَاهُ مُحَمَّد بن سعد وَكَانَ أَصْغَر مِنْهُ سنا فَبَايعُوهُ واشتعلت نَار الْفِتْنَة بَينهم فأظهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 الْأَمِير أَبُو الْحسن التَّوْبَة للنَّاس وَوَعدهمْ إِن قَامُوا بدعوته أَن يصلح شَأْنهمْ وَأَن يظْهر الْأَحْكَام وَينظر فِي مصَالح الوطن وَيُقِيم الشَّرِيعَة فمالت إِلَيْهِ الرّعية وأعانوه على مَا نَوَاه من مُرَاده وغرهم إِلَى أَن أظفره الله بهم بعد حروب كَثِيرَة وَقعت بَينهم وَذَلِكَ أَن أَخَاهُ مُحَمَّدًا أفلت من أَيدي القواد الَّذين بَايعُوهُ وَسَار إِلَى أَخِيه أبي الْحسن وَقدم الطَّاعَة فَلَمَّا علم القواد بذلك اجْتَمعُوا فِي مَدِينَة مالقة فَحَاصَرَهُمْ الْأَمِير فِيهَا حَتَّى أطاعوه فَأَخذهُم وقتلهم كلهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 وانقرضت أَعْلَام الْفِتْنَة وخمدت نارها ودانت لَهُ جَمِيع بِلَاد الأندلس وَلم يبْق لَهُ فِيهَا معاند وَهُوَ مَعَ ذَلِك يَغْزُو بِلَاد الرّوم الْمرة بعد الْمرة حَتَّى غزا غزوات كَثِيرَة وَأظْهر الْأَحْكَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 وَنظر فِي مصَالح الْحُصُون ونمى الْجَيْش فهابته النَّصَارَى وصالحته برا وبحرا وَكثر الْخَيْر وانبسطت الأرزاق ورخصت الأسعار وانتشر الْأَمْن فِي جَمِيع بِلَاد الأندلس وشملتهم الْعَافِيَة فِي تِلْكَ الْمدَّة وَضربت سكَّة جَدِيدَة طيبَة عرض الْجَيْش والفرسان فِي حَمْرَاء غرناطة من 19 ذِي الْحجَّة 882 إِلَى 22 محرم 883 ثمَّ إِن الْأَمِير أَرَادَ أَن يُمَيّز الْجَيْش وَأَن يظْهر للنَّاس مَا مَعَه من الفرسان ليزيدهم فِي المغارم فَهَيَّأَ مَوضِع الميز بِمَدِينَة الْحَمْرَاء من غرناطة بالموضع الْمَعْرُوف بالطبلة عِنْد بَاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 الْغدر فَبنى مَكَانا لجلوسه وَأصْلح الطَّرِيق والرحبة لمجال الْخَيل وَندب الفرسان ثمَّ ابْتَدَأَ الميز يَوْم الثُّلَاثَاء التَّاسِع عشر لذِي الْحجَّة عَام اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ وثمان مئة فَكَانَ أهل غرناطة يخرجُون كل يَوْم الرِّجَال وَالنِّسَاء وَالصبيان للسبيكة وَمَا حول الْحَمْرَاء يتنزهون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 فَأَقْبَلت فرسَان الأندلس بأجمعها من شرقيتها وغربيتها فَكَانَ الْأَمِير يُمَيّز كل يَوْم طَائِفَة مِنْهُم إِلَى يَوْم الثَّانِي وَالْعِشْرين لمحرم فاتح عَام ثَلَاثَة وَثَمَانِينَ وثمان مئة بموافقة السَّادِس وَالْعِشْرين لشهر إبريل العجمي فَكَانَ من قَضَاء الله عز وَجل وَمَا قدره فِي ذَلِك الْيَوْم وَهُوَ آخر الميز وَكَانَ عِنْدهم المهرجان الْكَبِير والنزهة الْعُظْمَى فاحتفلت النَّاس وَخرج جلّ أهل غرناطة من رجال وَنسَاء وصبيان وشيوخ وكهول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 وَجَاء كثير من أهل الْقرى من حوز غرناطة للنزهة فَاجْتمعُوا فِي السبيكة من الْحَمْرَاء وَمَا حولهَا وامتلأت تِلْكَ الْمَوَاضِع بالخلق الْكثير وَأَقْبَلت الفرسان وصاروا يتألفون فِي السبيكة وَذَلِكَ وَقت الضُّحَى حَادِثَة سيل غرناطة الْعَظِيم عَام 883 فَبَيْنَمَا النَّاس كَذَلِك فِي المهرجان إِذا بسحابة عَظِيمَة قد أَنْشَأَهَا الله تَعَالَى فِي السَّمَاء فأرعدت وأبرقت وانتشرت من ساعتها بقدرة مكون الْأَشْيَاء على السبيكة وَمَا قرب مِنْهَا وعَلى غرناطة وَمَا حولهَا وعَلى وَادي هداره وَجَاءَت بمطر عَظِيم وَلم يزل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 الْمَطَر يزْدَاد ويعظم وَيكثر حَتَّى صَار كالأنهار الْعَظِيمَة وَجَاءَت السُّيُول من كل نَاحيَة وَعظم أمرهَا وعاين النَّاس الْهَلَاك من عظم مَا رَأَوْا من شدَّة الْمَطَر وَكَثْرَة السُّيُول من كل نَاحيَة وَاحْتمل السَّيْل الطّرق وَمَا حولهَا وَانْقطع النَّاس وَحَال السَّيْل بَينهم وَبَينه فَكَانَ لَا يسمع إِلَّا بكاء الصّبيان وضجيج النسوان وأصوات الرِّجَال بِالدُّعَاءِ إِلَى الله تَعَالَى والإبتهال إِلَى أَن ارْتَفع الْمَطَر وَجَاء وَادي هداره الَّذِي يشق غرناطة بسيل عَظِيم احْتمل مَا على ضفتيه من الْأَشْجَار الْعِظَام من الميس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 الدردار والجوز واللوز وَغير ذَلِك من الْأَشْجَار الْعِظَام الثَّابِتَة فِي الأَرْض وَدخل الْبَلَد وَاحْتمل مَا على ضفتيه من الدّور والحوانيت والمساجد والفنادق وَدخل الْأَسْوَاق وَهدم الْبناء المشيد وَلم يبْق من القناطير إِلَّا الأقواس وَذهب بِكُل مَا كَانَ عَلَيْهَا من الْبُنيان ثمَّ جَاءَ السَّيْل بِتِلْكَ الْأَشْجَار الْعِظَام الَّتِي اقتلعت فتراكمت فِي الْبَلَد فِي آخر قنطرة مِنْهُ فَسدتْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 مجاري الْوَادي فتراكم السَّيْل وَالشَّجر فِي قلب الْبَلَد وعاين الأهالي الْهَلَاك وَدخل السَّيْل تياره والقيسارية حَتَّى دخل بعض حوانيتها وَوصل إِلَى رحبة الْجَامِع الْأَعْظَم وَإِلَى القراقين والصاغة والحدادين وَغير ذَلِك من الْأَسْوَاق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 والدور فلطف الله تَعَالَى بعباده فنفض السَّيْل بِقُوَّة تراكمه بالقنطرة والسور وَخرج ذَلِك كُله خَارج الْبَلَد وَكَانَ هَذَا الْيَوْم من أعظم الْأَيَّام شَاهد فِيهِ كل من رَآهُ قدرَة الْقَادِر القهار الْملك العلام سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلم يسمع المعمرون بِمثل ذَلِك الْيَوْم قَالَ المؤرخ عَفا الله عَنهُ وَمن وَقت هَذَا السَّيْل الْعَظِيم بَدَأَ ملك الْأَمِير أبي الْحسن فِي التقهقر والإنتكاس والإنتقاض وَذَلِكَ أَنه اشْتغل باللذات والإنهماك فِي الشَّهَوَات وَاللَّهْو بِالنسَاء المطربات وركن إِلَى الرَّاحَة والغفلات وضيع الْجند وَأسْقط كثيرا من نجدة الفرسان وَثقل المغارم وَكثر الضرائب فِي الْبلدَانِ ومكس الْأَسْوَاق وَنهب الْأَمْوَال وشح بالعطاء إِلَى غير ذَلِك من الْأُمُور الَّتِي لَا يثبت مَعهَا الْملك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 وَكَانَ للأمير أبي الْحسن وَزِير يُوَافقهُ على ذَلِك وَيظْهر للنَّاس الصّلاح والعفاف وَهُوَ بعكس ذَلِك وَكَانَ الْأَمِير الْمَذْكُور متزوجا بابنة عَمه الْأَمِير مُحَمَّد الْأَيْسَر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 وَله مِنْهَا ولدان مُحَمَّد ويوسف فَمن جملَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 انهماكه أَنه اصْطفى على زَوجته رُومِية اسْمهَا ثريا وهجر ابْنة عَمه وَأَوْلَادهَا مِنْهُ فَأدْرك ابْنة عَمه من الْغيرَة مَا يدْرك النِّسَاء على أَزوَاجهنَّ وَوَقع بَينهمَا نزاع كثير وَقَامَ الْأَوْلَاد مُحَمَّد ويوسف مَعَ أمهما وغلظت الْعَدَاوَة بَينهم وَكَانَ الْأَمِير أَبُو الْحسن شَدِيد الْغَضَب والسطوة فَكَانَت الْأُم تخَاف على ولديها مِنْهُ فَبَقيت الْحَال كَذَلِك مُدَّة والأمير مشتغل باللذات منهمك فِي الشَّهَوَات ووزيره يضْبط المغارم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 ويثقلها وَيجمع الْأَمْوَال ويأتيه بهَا ويعطيها لمن لَا يَسْتَحِقهَا ويمنعها عَمَّن يَسْتَحِقهَا ويهمل كل من فِيهِ نجدة وشجاعة من الفرسان وَيقطع عَنْهُم الْمَعْرُوف وَالْإِحْسَان حَتَّى بَاعَ الْجند ثِيَابهمْ وخيلهم وآلات حربهم وأكلوا أثمانها وَقتل كثيرا من أهل الرَّأْي وَالتَّدْبِير والرؤساء والشجعان من أهل مدن الأندلس وحصونها انْقِضَاء معاهدة الصُّلْح واستئناف الْحَرْب بَين النَّصَارَى وَالْمُسْلِمين محرم عَام 887 وَلم يزل الْأَمِير مستمرا على حَاله والجيش فِي نقص وَالْملك فِي ضعف إِلَى أَن انْقَضى الصُّلْح الَّذِي كَانَ بَينه وَبَين النَّصَارَى فَلم يشْعر بهم أحد حَتَّى دخلُوا مَدِينَة الْحمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 وَذَلِكَ أَنهم طرقوها لَيْلًا على حِين غَفلَة من أَهلهَا فَدَخَلُوا قصبتها وَكَانَت خَالِيَة فَلم يكن بهَا إِلَّا عِيَال قائدها فملكوا القصبة وَالنَّاس نيام مطمئنون فَلم يشْعر أحد إِلَّا وَالنَّصَارَى قد هَبَطُوا من القصبة على الْبَلَد بِالسَّيْفِ وَالْقَتْل والسبي الشَّديد حَتَّى قتل من نفد أَجله وفر من قدر على الْفِرَار وَاسْتولى النَّصَارَى على الْبَلَد وَجَمِيع مَا كَانَ فِيهِ من الرِّجَال وَالنِّسَاء وَالصبيان وَالْأَمْوَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 وَكَانَ ذَلِك فِي التَّاسِع عشر من شهر محرم الْحَرَام فاتح سَبْعَة وَثَمَانِينَ وثمان مئة فَلَمَّا بلغ أهل غرناطة مَا فعلت النَّصَارَى بإخوانهم الْمُسلمين هَاجَتْ الرّعية وَقَالُوا لَا صَبر لنا على هَذِه الْمُصِيبَة الْعُظْمَى وَلَا خير لنا فِي عَيْش بعد هَذِه النكبة الْكُبْرَى إِمَّا أَن نفك إِخْوَاننَا أَو نموت دونهم فَاجْتمعُوا مَعَ الْأَمِير أبي الْحسن ووزيره فَجعل الْأَمِير والوزير يعجزانهم عَن الْمسير ويتربصان بهم ويقولان لَهُم اصْبِرُوا حَتَّى نَأْخُذ أهبتنا ونعمل على حَال الْحَرْب فَلم تزل بهم الْعَامَّة حَتَّى أخرجوهما فَتقدم صدر الْجَيْش فوجدوا النَّصَارَى قد أخرجُوا من الْبَلَد مَا سبوا من الرِّجَال وَالنِّسَاء وَالصبيان وَالْأَمْوَال وَقد أوقروا الدَّوَابّ بذلك وهم عازمون على الْمسير إِلَى بِلَادهمْ فَلَمَّا رَأَوْا خيل الْمُسلمين قد أَقبلت عَلَيْهِم حطوا الْأَحْمَال ودخلوا الْبَلَد وتحصنوا بالأسوار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 ثمَّ أقبل الْمُسلمُونَ بمحلتهم واقتربوا مِنْهُم فقاتلوهم قتالا شَدِيدا بجد وعزم وَقُلُوب محترقة وحزم حَتَّى دخلُوا بعض أَبْوَاب الْمَدِينَة وكسروه وحرقوه وتعلقوا بأسوار الْبَلَد وطمعوا فِي الدُّخُول إِلَيْهِ فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذْ وصل لَهُم أَمر من الْأَمِير أبي الْحسن والوزير يأمرانهم فِيهِ بِالرُّجُوعِ عَن الْقِتَال فَأبى النَّاس عَن الرُّجُوع فَقَالَا لَهُم إِذا كَانَ غَدا ندخل عَلَيْهِم أول النَّهَار لِأَن اللَّيْل قد أقبل وَدخل علينا فَترك النَّاس الْقِتَال وَرَجَعُوا إِلَى محلاتهم أما النَّصَارَى فَبَاتُوا يصلحون شَأْنهمْ وَيمْنَعُونَ أسوارهم ويغلقون نقابهم فَلَمَّا أصبح الصَّباح وَنظر الْمُسلمُونَ إِلَى الْبَلَد فَإِذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 هُوَ على صفة أُخْرَى من المنعة والتحصين والإستعداد فصعب عِنْد ذَلِك على الْمُسلمين الدُّخُول إِلَيْهِ بل والدنو مِنْهُ حِصَار مَدِينَة الْحمة عزم الْمُسلمُونَ على حِصَار الْبَلَد وَالْإِقَامَة عَلَيْهِ فَأَقْبَلت وُفُود الْمُسلمين من كل أَرض من بِلَاد الأندلس وَاجْتمعَ فِي ذَلِك الْمحل محلّة عَظِيمَة وفتحوا الْأَسْوَاق للْبيع وَالشِّرَاء وجلبوا لأسواقهم كل مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ من الْأَطْعِمَة والعلف والزاد وَغير ذَلِك وحاصروا الْعَدو حصارا شَدِيدا وَمنعُوا عَلَيْهِ المَاء والحطب والداخل وَالْخَارِج والعامة فِي ذَلِك بحزم وعزم وجد واجتهاد وَنِيَّة صَادِقَة وَقُلُوب محترقة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 والوزير يعد النَّاس بِالدُّخُولِ والقتال وَعدا بعد وعد وَيَقُول عَن قريب نأخذهم عطشا وَهَا نَحن نعمل الْحِيلَة فِي الدُّخُول عَلَيْهِم وَالتَّقْصِير والتفريط والغش يَبْدُو مِنْهُ شَيْئا بعد شَيْء حَتَّى تبين لعامة النَّاس وخاصتهم ولاح لَهُم كَالشَّمْسِ وظنوا بِالْملكِ والوزير ظنون السوء وَكثر الْكَلَام الْقَبِيح بَينهم فَعِنْدَ ذَلِك هاج شَيْطَان الْفِتْنَة بَينهم وتحدث النَّاس بَعضهم مَعَ بعض فِي مسَائِل غشهما للْمُسلمين فَبَيْنَمَا النَّاس كَذَلِك فِي إساءة ظنهم بأميرهم وبوزيرهم إِذا بهما قد استعملا حِيلَة وكتبا كتبا مزورة كَأَنَّهَا أتتهما من بعض من نصحهمْ من نَاحيَة الْمُسلمين الْمُجَاهدين المجاورين لبلاد الْكَفَرَة دمرهم الله يعلمونهم بهَا أَن الطاغية ملك النَّصَارَى جمع جمعا عَظِيما وحشد حشودا كَثِيرَة وعزم على نصْرَة النَّصَارَى المحصورين فِي بلد الْحمة وَهُوَ قادم عَن قريب وَلَا طَاقَة لكم بملاقاته فحين أعلمهم الْوَزير بِمَا ذكر وخوفهم بذلك سقط فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 أَيدي النَّاس فَأَمرهمْ حِينَئِذٍ بالرحيل والإقلاع عَن دَار الْحَرْب فَرَحل النَّاس كرها بَاكِينَ متأسفين بحسرة وفجعة يَا لَهَا من حسرة وَانْصَرف النَّاس كل وَاحِد إِلَى وَطنه حِصَار الْحمة ثَانِيَة وَالرُّجُوع عَنْهَا ثمَّ إِنَّه بعد ذَلِك بشهور قَلَائِل أَمر الْأَمِير أَبُو الْحسن بِالْمَسِيرِ إِلَى بلد الْحمة مرّة أُخْرَى فَذَهَبُوا ثَانِيَة وحاصروها فَلم يقدروا مِنْهَا على شَيْء وَانْصَرفُوا عَنْهَا وتركوها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 فَلَمَّا رأى الْعَدو دمره الله أَن الْمُسلمين قد عجزوا عَن أَخذ الْحمة ونصرة من فِيهَا من الْأُسَارَى وَقع لَهُ الطمع فِي بِلَاد الأندلس فَأخذ فِي الإستعداد وَالْخُرُوج إِلَيْهَا موقعة لوشة الْعَظِيمَة وانتصار الْمُسلمين 27 جُمَادَى الأولى عَام 887 فَلَمَّا كَانَ شهر جُمَادَى الأولى من عَام التَّارِيخ قبل هَذَا خرج صَاحب قشتالة بمحلة عَظِيمَة وَقصد مَدِينَة لوشة فَنزل عَلَيْهَا بمحلته وَكَانَ قد اجْتمع فِيهَا جملَة من نجدة رجال غرناطة حِين سمعُوا بِخُرُوجِهِ إِلَيْهَا فَلَمَّا قرب من الْبَلَد خرج إِلَيْهِ الرِّجَال والفرسان فقاتلوه قتالا شَدِيدا وردوه على أعقابه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 وَقتلُوا كثيرا من النَّصَارَى وَأخذُوا لَهُم من تِلْكَ الْعدة الَّتِي قربوا بهَا من الأنفاط وَغير ذَلِك من عدَّة الْحَرْب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 ثمَّ إِن الْأَمِير أَبَا الْحسن أمدهم بقائد من غرناطة يَقُود جَيْشًا من الفرسان فِي تِلْكَ اللَّيْلَة فاشتدت عِنْد ذَلِك عصبَة الْمُسلمين وقويت قُلُوبهم فَلَمَّا أصبح الصَّباح وَرَأى النَّصَارَى الزِّيَادَة فِي جَيش الْمُسلمين مَعَ مَا نالهم من أول اللَّيْل من الْهَزِيمَة وَالْقَتْل وَأخذ الْعدة داخلهم الرعب وَاشْتَدَّ خوفهم فَأخذُوا فِي الإرتحال عَنْهُم فَخرج إِلَيْهِم الْمُسلمُونَ فقاتلوهم قتالا شَدِيدا فَانْهَزَمَ النصاري وَتركُوا كثيرا من أخبيتهم وأمتعتهم وأطعمتهم وَآلَة حربهم وَتركُوا من الدَّقِيق شَيْئا كثيرا فاحتوى الْمُسلمُونَ على جَمِيع ذَلِك كُله وَانْصَرف الْعَدو مهزوما مفلولا إِلَى بَلَده ففرح الْمُسلمُونَ بذلك فَرحا عَظِيما وَكَانَ ذَلِك فِي السَّابِع وَالْعِشْرين من جُمَادَى الأولى من عَام سَبْعَة وَثَمَانِينَ وثمان مئة فرار ابْني الْأَمِير أبي الْحسن مُحَمَّد ويوسف ومبايعة أهل وَادي آش وغرناطة لَهما عَام 887 وَفِي هَذَا الْيَوْم بلغ الْخَبَر لمن كَانَ فِي لوشة أَن ابْني الْأَمِير أبي الْحسن مُحَمَّد ويوسف هربا من القصبة خوفًا من أَبِيهِمَا وَذَلِكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 أَن شياطين الْإِنْس صَارُوا يوسوسون لِأُمِّهِمَا ويخوفونها عَلَيْهِمَا من سطوة أَبِيهِمَا ويغوونها مَعَ مَا كَانَ بَينهَا وَبَين مَمْلُوكَة أَبِيهِمَا الرومية ثرية من الشحناء فَلم يزَالُوا يغوونها حَتَّى سمحت لَهُم بهما فاحتالت عَلَيْهِمَا بِاللَّيْلِ وأخرجتهما إِلَيْهِم وَسَارُوا بهما إِلَى وَادي آش فَقَامَ أهل وَادي آش بدعوتهما ثمَّ قَامَت غرناطة أَيْضا بدعوتهما واشتعلت نَار الْفِتْنَة بِبِلَاد الأندلس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 وَوَقعت بَينهم حروب وكوائن أعرضنا عَن ذكرهَا لقبحها لِأَن الْآمِر آل بَينهم إِلَى أَن قتل الْوَالِد وَلَده وَلم تزل نَار الْفِتْنَة مشتعلة وعلاماتها قَائِمَة فِي بِلَاد الأندلس والعدو دمره الله مَعَ ذَلِك كُله مشتغل بحيلته فِي أَخذ الأندلس إِلَى أَن ساعده الزَّمَان ووافقته الأقدار موقعة بلش وشرقية مالقة وانتصار الْمُسلمين صفر عَام 888 فَلَمَّا كَانَ شهر صفر عَام ثَمَانِيَة وَثَمَانِينَ وثمان مئة اجْتمع من زعماء النَّصَارَى وأقنادهم جمع عَظِيم وَلم يكن مَعَهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 ملكهم وقصدوا قرى بلش وشرقية مالقة يُرِيدُونَ أَخذ أَهلهَا وفسادها فَلَمَّا وصلوا تصايح أهل تِلْكَ الْجِهَات واجتمعوا رجَالًا دون فرسَان وصاروا يعرضون لِلنَّصَارَى فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 المضايق والأوعار والمخانق ويقاتلونهم وَيقْتلُونَ مِنْهُم خلقا كثيرا فَلَمَّا رأى النَّصَارَى ذَلِك جعل الله فِي قُلُوبهم الرعب وَوَقع بَينهم الخذلان فَانْهَزَمُوا فِي تِلْكَ الْقرى والمخانق والأوعار وصاروا يتهافتون فِيهَا تهافت الذُّبَاب والفراش فِي النَّار والمسلمون فِي أَثَرهم يَقْتُلُونَهُمْ وَيَأْسِرُونَهُمْ وَلم تغن عَنْهُم كثرتهم وَلَا عدتهمْ شَيْئا بِإِذن الله وَكَانَ فِي وَقت هَذِه الكائنة الْأَمِير مُحَمَّد بن سعد بِمَدِينَة مالقة فلقي النَّصَارَى من ناحيته فَقتل وَأسر مِنْهُم أَيْضا خلقا كثيرا وولوا الأدبار وَأسر مِنْهُم مَا ينيف على ألفي أَسِير فيهم جمَاعَة من قوادهم وأقنادهم وهرب باقيهم وَتركُوا خيلهم ودوابهم ورحالهم وأمتعتهم فاحتوى على ذَلِك كُله الْمُسلمُونَ وَحَمَلُوهُ إِلَى مَدِينَة مالقة فجمعوه بهَا على أَن يقسموه على كل من حضر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 الوقيعة الْمَذْكُورَة فَحصل كُله بأيدي الظلمَة وَلم يظهروا فِيهِ حَقًا لأحد مِمَّن حضر الوقيعة الْمَذْكُورَة فَلم ينْتج مِنْهُ شَيْء وَكَانَ ذَلِك عَلَيْهِم وبالا وَالْعِيَاذ بِاللَّه وَكَانَت هَذِه الكائنة فِي الْحَادِي عشر لصفر من عَام التَّارِيخ قبل هَذَا موقعة اللسانة وَأسر الْأَمِير مُحَمَّد بن عَليّ ربيع الثَّانِي عَام 888 وَفِي شهر ربيع النَّبَوِيّ من عَام التَّارِيخ خرج الْأَمِير أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ بِأَهْل غرناطة وَمن حولهَا من الْحُصُون والقرى إِلَى بِلَاد الرّوم فَبَيْنَمَا هم فِي أَرض اللسانة رَاجِعُون بِالْغَنِيمَةِ إِذْ خرج عَلَيْهِم جمع من النَّصَارَى لَيْسَ بالكثير فَانْهَزَمَ الْمُسلمُونَ أمامهم وتبعهم النَّصَارَى يَقْتُلُونَهُمْ وَيَأْسِرُونَهُمْ حَتَّى لَحِقُوا الْأَمِير مُحَمَّد بن عَليّ فَدخل فِي غمار النَّاس واختفى بَينهم وَجعل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 أحد من النَّصَارَى وَكَانَت هزيمَة شنيعة قتل فِيهَا خلق كثير يُقَاتل مَعَ المقاتلين حَتَّى أسر مَعَ من أسر من الْمُسلمين وَلم يعرفهُ وَأسر آخَرُونَ وَاسْتولى النَّصَارَى فِيهَا على كثير من الْخَيل وَالسِّلَاح وَالدَّوَاب وَالْمَتَاع وأشنع مَا كَانَ فِيهَا أسر الْأَمِير أبي عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ لِأَنَّهُ كَانَ سَببا فِي هَلَاك الوطن فَجمع النَّصَارَى كل مَا أَخَذُوهُ من الْمُسلمين من أُسَارَى وأمتعة وَحَمَلُوهُ إِلَى حصن اللسانة وَلم يعرفوا الْأَمِير حَتَّى عرفُوا بِهِ فأخرجوه من بَين الْأُسَارَى وعظموه وأكرموه وَحَمَلُوهُ إِلَى صَاحب قشتالة فَعَظمهُ وأكرمه وَعلم أَن بِهِ يصل إِلَى مَا يؤمله من أَخذ بِلَاد الأندلس ثمَّ عَاد ملك غرناطة إِلَى الْأَمِير أبي الْحسن عَليّ بن سعد إِلَّا أَن الْفِتْنَة لم تَنْقَطِع وَلم تخمد نارها وَكَانَ الْأَمِير أَبُو الْحسن قد أَصَابَهُ مرض شبه الصرع وَأُصِيب فِي بَصَره وأصابه خدر فِي جسده وعاقبه الله تَعَالَى بأنواع من الْبلَاء وعزل عَن الْملك وَحمل إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 مَدِينَة الْمنْكب فَأَقَامَ بهَا حَتَّى مَاتَ وَاسْتولى على الْملك بعده أَخُوهُ مُحَمَّد بن سعد وَمَعَ ذَلِك فقد استطال الْعَدو على بِلَاد الأندلس وَقَوي طمعه فِيهَا اسْتِيلَاء النَّصَارَى على حصن قرطمة وحصن ذكوين عَام 890 فَلَمَّا كَانَ شهر ربيع الآخر عَام تسعين وثمان مئة خرج الْعَدو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 بمحلته إِلَى غربية الأندلس فقصد حصن قرطمة وحصن دكوين فقاتلهما حَتَّى استولى عَلَيْهِمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 وَفِي السّنة الَّتِي قبل هَذِه كَانَ استولى على حصن الْمرة وحصن الشيطنين الِاسْتِيلَاء على رندة وضواحيها عَام 890 وَفِي الْعشْر الأول من جُمَادَى الأولى من عَام التَّارِيخ الْمَذْكُور قبل هَذَا خرج الْعَدو أَيْضا بمحلته فقصد مَدِينَة رندة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 فقاتلها قتالا شَدِيدا وَقرب إِلَيْهَا أنفاطه حَتَّى هدم بعض أسوارها فَلَمَّا رأى أَهلهَا مَالا طَاقَة لَهُم بِهِ طلبُوا الْأمان وَخَرجُوا مُؤمنين بِمَا مَعَهم فَلَمَّا استولى الْعَدو على مَدِينَة رندة دخلت تِلْكَ الْجِهَات كلهَا فِي ذمَّته من غير قتال موقعة مكلين وانتصار الْمُسلمين وامتلاك الْحصن شعْبَان عَام 890 وَفِي التَّاسِع عشر من شهر شعْبَان عَام التَّارِيخ الْمَذْكُور خرج الْأَمِير مُحَمَّد بن سعد بِأَهْل غرناطة إِلَى حصن المكلين لبِنَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 بعض أسواره لِأَنَّهُ بلغه أَن الْعَدو دمره الله خَارج إِلَيْهِ فَخرج بجيشه وَعَامة أهل غرناطة لِيُصْلِحُوا من شَأْنه مَا تهدم فَبَيْنَمَا هم فِي الْحصن إِذْ بَلغهُمْ أَن الْعَدو خَارج يُرِيد الْحصن وَهُوَ مُتَوَجّه نَحوه وَظهر آخر النَّهَار للْمُسلمين غُبَار محلّة النَّصَارَى فِي أَرض القلعة فَلم يلْتَفت الْأَمِير وَلَا وزيره لذَلِك وَلم يعملوا بِحِسَاب الْحَرْب وَلم يجْعَلُوا بياتهم على الْبعد فَبَاتُوا تِلْكَ اللَّيْلَة مُطْمَئِنين وَهِي اللَّيْلَة الثَّانِيَة وَالْعشْرُونَ من شعْبَان الْمَذْكُور فَلم يشْعر أحد من الْمُسلمين إِلَّا وَالنَّصَارَى قد اختلطوا مَعَهم عِنْد الْفجْر وَكَذَلِكَ النَّصَارَى لم يشعروا بِالْمُسْلِمين حَتَّى اختلطوا مَعَهم أَيْضا وَإِنَّمَا أدلجوا ليصبحوا على الْحصن فَلَمَّا التقى الْجَمْعَانِ أعلنت الْأَصْوَات بالصياح والضجيج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 وَضربت النَّصَارَى أطبالهم وزعقوا بالبوقات ونصبوا الأنفاط وَوَقع الْقِتَال بَين الْفَرِيقَيْنِ وَاشْتَدَّ حَتَّى وصل النَّصَارَى إِلَى مضرب الْأَمِير وَأَرَادُوا أَخذه فَثَبت الله الْمُسلمين وصبروا صبرا جميلا ووقعوا على مضرب الْأَمِير صابرين محتسبين لله تَعَالَى فَلم تكن إِلَّا هنيهات حَتَّى هزم الله النَّصَارَى وولوا الأدبار وتبعهم الْمُسلمُونَ يَقْتُلُونَهُمْ كَيفَ شاؤوا حَتَّى قتلوا مِنْهُم خلقا كثيرا ثمَّ قصروا فِي طَلَبهمْ مَخَافَة أَن يدركهم جَيش الْعَدو لأَنهم كَانُوا مُقْبِلين على المكلين يُرِيدُونَ قتال أَهله وَأَخذه وَكَانَ ذَلِك صدر الْمحلة قل أقبل بالعدة والأنفاط والبارود والفؤوس وَغير ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 فاحتوى الْمُسلمُونَ على جَمِيع ذَلِك كُله وَارْتَحَلُوا بَقِيَّة يومهم رَاجِعين إِلَى غرناطة فرحين بنصر الله تَعَالَى حامدين لَهُ شاكرين فَدَخَلُوا غرناطة بَقِيَّة النَّهَار وَكَانَت هَذِه الْغَزْوَة من الْغَزَوَات الْمَشْهُورَة قَالَ الْمُؤلف عَفا الله عَنهُ فَلَقَد حَدثنِي بعض الفرسان النجباء من أهل الشجَاعَة والنجدة والإقدام فِي ذَلِك الْيَوْم وَنحن فِي الطَّرِيق رَاجِعين إِلَى غرناطة قَالَ كنت فِي أول الفرسان وَنحن نتبع النَّصَارَى فَكنت أسبق إِلَى بعض الْمَوَاضِع فأجد النَّصَارَى أَمَامِي مقتولين وَلم أر أحدا سبقني وَلَا أَدْرِي من قَتلهمْ فَلَمَّا خيب الله سعي الْعَدو وَكسر حِدته عدل عَن السّير إِلَى حصن المكلين فَأَقَامَ فِي حصن قنبيل إِلَى شهر رَمَضَان من الْعَام الْمَذْكُور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 اسْتِيلَاء النصاري على حصن قنبيل وعَلى مَا جاوره من الْحُصُون والقلاع عَام 890 ثمَّ توجه الْعَدو نَحْو حصن قنبيل فَنزل عَلَيْهِ بمحلته وَنصب أنفاطه وقاتله قتالا شَدِيدا حَتَّى هدم بعض أسواره فَلَمَّا رأى الْمُسلمين مَالا طَاقَة لَهُم بِهِ خَافُوا أَن يدْخل عَلَيْهِم عنْوَة فطلبوا مِنْهُ الْأمان فَخَرجُوا مُؤمنين بِمَا كَانَ مَعَهم وسلموا إِلَيْهِ الْحصن فَلَمَّا استولى الْعَدو على الْحصن الْمَذْكُور أخلى الْمُسلمُونَ حصن أرنية وحصن مشاقر وحصن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 اللوز وَصَارَت كلهَا لِلنَّصَارَى وَفِي هَذَا الشَّهْر أَيْضا استولى الْعَدو على حصن صَالِحَة من حصون بلش ثمَّ إِن الْعَدو دمره الله سرح الْأَمِير أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ إِلَى بعض حصون الشرقية ووعده بِالصُّلْحِ إِن أطاعه الشّعب فَقَامَتْ بدعوته تِلْكَ الْحُصُون طَمَعا بِالصُّلْحِ وبالبقاء فِي الْحُصُون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 ثورة أهل ربض البيازين ومبايعتهم الْأَمِير مُحَمَّد بن عَليّ وحروبهم مَعَ أهل غرناطة عَام 891 ثمَّ إِن شياطين الْإِنْس صَارُوا يغوون النَّاس ويزينون لَهُم ويعدونهم ويطمعونهم فِي صلح النَّصَارَى إِلَى أَن مَالَتْ إِلَى كَلَامهم طَائِفَة من أهل ربض البيازين من أرباض غرناطة وَوَافَقَهُمْ جلّ أهل الربض طَمَعا فِي الصُّلْح لأَنهم كَانُوا سيارة وبادية فَقَامُوا بدعوة الْأَمِير مُحَمَّد بن عَليّ فَعِنْدَ ذَلِك اشتعلت نَار الْفِتْنَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 بَين أهل ربض البيازين وَبَين غرناطة وأميرها مُحَمَّد بن سعد وَوَقع بَينهم الْقِتَال وَالْحَرب ونصبوا عل البيازين الأنفاط ورجموهم بِالْحِجَارَةِ من سور القصبة الْقَدِيمَة ورموا عَلَيْهِم بالمنجنيق وَأهل ربض البيازين يدافعون عَن أنفسهم ويقاتلون وينتظرون قدوم الْأَمِير مُحَمَّد بن عَليّ عَلَيْهِم وَهُوَ مَعَ ذَلِك يُرْسل إِلَيْهِم من الشرقية ويعدهم بالقدوم عَلَيْهِم وهم فِي قتال وحصار وَشدَّة مُدَّة من ثَالِث شهر ربيع الأول من عَام وَاحِد وَتِسْعين وثمان مئة إِلَى الْيَوْم الْخَامِس عشر لجمادى الأولى من عَام التَّارِيخ الْمَذْكُور فَبَيْنَمَا أهل ربض البيازين ينتظرون قدوم الْأَمِير مُحَمَّد بن عَليّ عَلَيْهِم إِذا بِهِ سَار إِلَى مَدِينَة لوشة وَوَقع الصُّلْح بَينه وَبَين عَمه الْأَمِير مُحَمَّد بن سعد أَمِير غرناطة فِي حِينه على أَن يسلم لِعَمِّهِ الْمَذْكُور فِي المملكة على أَن يكون هُوَ من تَحت يَدَيْهِ وَأرْسل إِلَى البيازين بذلك وأدخلهم فِي الصُّلْح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 اسْتِيلَاء النَّصَارَى على مَدِينَة لوشة 26 جُمَادَى الأولى عَام 891 فَبَيْنَمَا الْمُسلمُونَ كَذَلِك بَين حَرْب وَصلح إِذْ بِصَاحِب قشتالة دمره الله قد أقبل بمحلته على مَدِينَة لوشة فنزلها الْأَمِير مُحَمَّد بن عَليّ وَمَعَهُ جمَاعَة من أهل نجدة البيازين حِين سمعُوا بقدوم النَّصَارَى عَلَيْهَا تحَصَّنُوا بهَا مَعَ أَمِيرهمْ مُحَمَّد بن عَليّ الْمَذْكُور فحاصرها الْعَدو حصارا شَدِيدا وَنصب عَلَيْهَا أنفاطه وعدته واقترب إِلَيْهَا بجيشه وَآلَة حربه حَتَّى دخلُوا ربضها وهدموا بعض أسوارها بالأنفاط وَقتل كثير من نجدة الرِّجَال وَاشْتَدَّ عَلَيْهِم الْحصار فَلَمَّا رأى أهل لوشة مَالا طَاقَة لَهُم بِهِ من شدَّة الْحصار وَكَثْرَة جموع النَّصَارَى وَتَأْخِير أهل غرناطة عَن نصرتهم طلبُوا الْأمان وَاتَّفَقُوا على أَن يخرجُوا مُؤمنين بِأَمْوَالِهِمْ وَأَوْلَادهمْ وخيلهم وسلاحهم ودوابهم وَجَمِيع مَا يقدرُونَ على حمله فأجابهم الْعَدو لذَلِك ووفى لَهُم بِهِ فَأخذُوا فِي إخلاء الْبِلَاد ووصلوا إِلَى غرناطة بِمَا مَعَهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 وَكَانَ اسْتِيلَاء الْعَدو على مَدِينَة لوشة فِي السَّادِس وَالْعِشْرين من جُمَادَى الأولى من عَام إِحْدَى وَتِسْعين وثمان مئة وَلم يسرح صَاحب قشتالة الْأَمِير مُحَمَّد بن عَليّ بل حَبسه عِنْده ليستأصل بِهِ بَقِيَّة الأندلس اسْتِيلَاء النَّصَارَى على إلبيرة وحصن المكلين وقلنبيرة جُمَادَى الْآخِرَة عَام 891 فَلَمَّا كَانَ النّصْف الأول من جُمَادَى الْآخِرَة من عَام التَّارِيخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 الْمَذْكُور خرج ملك الرّوم بمحلته دمره الله فقصد حصن إلبيرة فَنزل عَلَيْهِ وَنصب أنفاطه وعدته فَلَمَّا رأى المحصورون مَا لَا طَاقَة لَهُم بِهِ من شدَّة الْقِتَال والحصار طلبُوا مِنْهُ الْأمان على أنفسهم وخيلهم ودوابهم وأسلحتهم وَجَمِيع مَا يقدرُونَ على حمله من أمتعتهم فأجابهم إِلَى مَا طلبوه مِنْهُ ووفى لَهُم بِهِ فَخَرجُوا وأخلوا لَهُ الْحصن وصاروا إِلَى غرناطة ثمَّ انْتقل الْعَدو إِلَى حصن مكلين أَيْضا فَنزل عَلَيْهِ بمحلته وَقرب مِنْهُ بعدته وأنفاطه وَقَاتلهمْ قتالا شَدِيدا وَهدم بعض الأسوار بالأنفاط وَكَانَت لَهُ أنفاط يَرْمِي بهَا صخورا من نَار فتصعد فِي الْهَوَاء وتنزل على الْموضع وَهِي تشتعل نَارا فتهلك كل من نزلت عَلَيْهِ وتحرقه فَكَانَ ذَلِك من جملَة مَا كَانَ يخذل بِهِ أهل الْمَوَاضِع الَّتِي كَانَ ينزل عَلَيْهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 فَلَمَّا رأى أهل حصن مكلين مَا نزل بهم من الْبلَاء وَأَنه لَا طَاقَة لَهُم بِهِ طلبُوا الْأمان كَمَا فعل أهل حصن إلبيرة وَخَرجُوا مُؤمنين بِأَمْوَالِهِمْ ووفي لَهُم بِمَا طلبوه مِنْهُ فَلَمَّا سمع أهل حصون قلنبيرة مَا حل بِمن جاورهم من الْحُصُون خَافُوا على أنفسهم فطلبوا من الْعَدو دمره الله الْأمان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 على أنفسهم وَأَمْوَالهمْ وسلموا إِلَيْهِ الْحصن من غير قتال ثمَّ رحلوا إِلَى غرناطة بِأَمْوَالِهِمْ وأمتعتهم وَأَوْلَادهمْ وَتوجه الْعَدو دمره الله إِلَى منتفريد فنصب عَلَيْهِ عدته وأنفاطه وقاتله قتالا شَدِيدا فَلَمَّا رأى المدافعون مَا لَا طَاقَة لَهُم بِهِ وَلم تغن مَنْعَة الْحصن شَيْئا أذعنوا وطلبوا مِنْهُ الْأمان مثل مَا طلب أهل الْحُصُون الْمُتَقَدّمَة فأجابهم إِلَى مَا طلبوه وَخَرجُوا مُؤمنين بِمَا مَعَهم من الْأَمْتِعَة قَاصِدين مَدِينَة غرناطة وَكَذَلِكَ اتّفق أَيْضا لأهل حصن الضحة وَاسْتولى الْعَدو فِي الشَّهْر على جَمِيع الْحُصُون وَصَارَت بِيَدِهِ وقهر بهَا غرناطة وَأخذ فِي بنائها وتحصينها وتمنيعها وَإِصْلَاح شَأْنهَا وشحنها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 بِجَمِيعِ مَا تحْتَاج إِلَيْهِ من طَعَام وعدة وَرِجَال وَغير ذَلِك ليضيق على غرناطة خُرُوج الْأَمِير مُحَمَّد بن عَليّ إِلَى حصون الشرقية واستئناف الْقِتَال بَين أهل ربض البيازين وغرناطة شَوَّال عَام 891 ومحرم عَام 892 ثمَّ إِن الْعَدو ارتحل إِلَى بِلَاده فَبَقيَ بهَا بعض أشهر وسرح الْأَمِير مُحَمَّد بن عَليّ وَأمره بِالْخرُوجِ إِلَى حصون الشرقية وَذَلِكَ كيدا مِنْهُ ومكرا ليعْمَل الْحِيلَة على تِلْكَ الْجِهَة فَخرج الْأَمِير مُحَمَّد إِلَى حصن بلش من حصون شرقية الأندلس فَقَامَ بدعوته ودخله ثمَّ جعل يكْتب إِلَى الْمَوَاضِع وَيُرْسل الْكتب ويعدهم بِالصُّلْحِ مَعَ النَّصَارَى إِن أطاعوه فَلم يقبل مِنْهُ أحد وَلم يقم بدعوته فَرد وَمَا زَالَت شياطين الْفِتْنَة توسوس إِلَى أَن وجدوا فِي ربض البيازين من غرناطة طَائِفَة من أهل الشَّرّ وَالْفساد فقبلوا قَوْلهم ووعدوهم أَن يقومُوا بدعوته إِن كَانَ لَهُ صلح مَعَ النَّصَارَى وأخفوا حَدِيثهمْ وَلم يظهروه لأحد ثمَّ إِن حصون الشرقية قَامَت بدعوته طَمَعا فِي الصُّلْح مَعَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 النَّصَارَى وَبَقِي الْأَمِير مُحَمَّد بن عَليّ يكْتب إِلَى الْمَوَاضِع والقرى والحصون ويخبرهم أَن مَعَه صلحا مَعَ النَّصَارَى صَحِيحا فَلم يقبل مِنْهُ أحد بذلك فَلَمَّا رأى أَن أهل الْبَلَد لم يقبلُوا مِنْهُ اتّفق رَأْيه أَن يسير بخاصته إِلَى ربض البيازين فَأخذ من خاصته من يَثِق بِهِ وَخرج عَن حصون الشرقيه قَاصِدا ربض البيازين وغرناطة فَدخل ربض البيازين على حِين غَفلَة من عَمه مُحَمَّد بن سعد أَمِير غرناطة وَلم يشْعر بِهِ أحد حَتَّى دخل وَاجْتمعت مَعَه تِلْكَ الطَّائِفَة الْمَذْكُورَة قبل وانضم إِلَيْهِ آخَرُونَ فاشتدت عصابته وغلظت شوكته وَأمر مناديه أَن يُنَادي ان لَهُ صلحا صَحِيحا مَعَ النَّصَارَى فَقَامَ أهل البيازين بدعوته وَلم يقبل أهل غرناطة مِنْهُ مَا ذكر من الصُّلْح وَقَالُوا إِنَّه لَيْسَ بِصَحِيح فاشتعلت نَار الْفِتْنَة بَين أهل ربض البيازين وَبَين أهل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 غرناطة وَاشْتَدَّ ضرامها وَبلغ الْعَدو دمره الله مَا أمله ليقضي الله أمرا كَانَ مَفْعُولا وَكَانَ دُخُول الْأَمِير مُحَمَّد بن عَليّ ربض البيازين فِي السَّادِس عشر لشوال عَام إِحْدَى وَتِسْعين وثمان مئة فتعصب أهل غرناطة مَعَ أَمِيرهمْ مُحَمَّد بن سعد على أهل البيازين وتعصب أهل البيازين مَعَ أَمِيرهمْ مُحَمَّد بن عَليّ على أهل غرناطة وَوَقع الْحَرْب والقتال بَينهم وَصَارَ يقتل بَعضهم بَعْضًا وينهب بَعضهم مَال بعض الآخر ثمَّ إِن الْعَدو دمره الله أمد أَمِير البيازين بِالرِّجَالِ والأنفاط والبارود والقمح والعلف والبهائم وَالذَّهَب وَالْفِضَّة وَغير ذَلِك ليَشُد بِهِ عضد الْفِتْنَة وَيُقَوِّي الشَّرّ وَلم تزل الْحَرْب مُتَّصِلَة بَين الْفَرِيقَيْنِ فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم السَّابِع وَالْعشْرُونَ من محرم عَام اثْنَيْنِ وَتِسْعين عزم أَمِير غرناطة أَن يدْخل ربض البيازين عنْوَة بِالسَّيْفِ فندب أهل غرناطة وَغَيرهم من أحوازها وَقَالَ لَهُم إِن هَؤُلَاءِ الْقَوْم قد حلت دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالهمْ لنصرتهم بالنصارى فَمَا لَهُم إِلَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 السَّيْف وَندب أهل بسطة وَأهل وَادي آش وَمن حولهَا وَأمرهمْ بالهبوط على طَرِيق الفرغ وَالدُّخُول على بَاب فج اللبوة فِي ذَلِك الْيَوْم وَفتح أهل غرناطة بَاب الْحَدِيد وَبَاب أنيدر وَبَاب قشتر ونقبة بَاب البنود وَبَاب البنود ونقبة ربض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 الْبَيْضَاء وَبَاب الدفاف فَخرجت عَلَيْهِ طَائِفَة وطلعت على الْوَادي فَدخلت بَاب الشميس وَدخلت كل طَائِفَة على جِهَتهَا وَذَلِكَ كُله فِي سَاعَة وَاحِدَة فلطف الله تَعَالَى بِأَهْل البيازين فَخرج لكل جِهَة من هَذِه الْجِهَات طَائِفَة مِنْهُم فدفعوهم وقاتلوهم وردوهم على أَعْقَابهم منهزمين فَدَخَلُوا بلدهم وسدوا أَبْوَابهم وبنوا نقبهم وَلم تزل الْحَرْب مُتَّصِلَة بَين الْفَرِيقَيْنِ والعدو دمره الله يدبر الْحِيلَة عَلَيْهِم نزُول ملك قشتالة فِي ضواحي مَدِينَة بلش واحتلالها بِدُونِ قتال ربيع الآخر عَام 892 فَلَمَّا كَانَ النّصْف من شهر ربيع الثَّانِي عَام اثْنَيْنِ وَتِسْعين وثمان مئة خرج الطاغية بمحلته إِلَى أَرض الْمُسلمين قَاصِدا مَدِينَة بلش مالقة وَكَانَت على ذمَّة أَمِير غرناطة فنزلها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 فَلَمَّا سمع ملك غرناطة بنزوله على مَدِينَة بلش ندب أهل غرناطة وَمن أطاعه من أهل تِلْكَ الْجِهَات وَترك طَائِفَة تقَاتل أهل البيازين وَخرج يُرِيد نصْرَة أهل بلش وَذَلِكَ يَوْم السبت الرَّابِع وَالْعِشْرين لربيع الثَّانِي من عَام التَّارِيخ الْمَذْكُور قبل فَلَمَّا سَار قَرِيبا مِنْهَا وجد الْعَدو قد سبقه بالنزول عَلَيْهَا وَدَار بهَا من كل الْجِهَات فقصد الْأَمِير حصن منتميس فنزله بمحلته وَأقَام بِهِ بعض الْأَيَّام فَطَلَبه النَّاس أَن يسير بهم نَحْو الْعَدو للقائه فَتوجه بهم إِلَيْهِ فرتبهم وَكَانَ ذَلِك عَشِيَّة النَّهَار فَدخل عَلَيْهِم اللَّيْل بِالطَّرِيقِ فَبَيْنَمَا هم سائرون إِذْ قَامَت كرة ودهشة فَانْهَزَمُوا فِي ظلام اللَّيْل من غير لِقَاء عَدو وَلَا قتال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 فَرَجَعُوا منهزمين مفلولين إِلَى محلتهم فَبَاتُوا ليلتهم تِلْكَ وَفِي الْغَد أَتَاهُم الْخَبَر أَن الْعَدو استخلص مَدِينَة بلش فَسقط فِي أَيْديهم وانهزموا من غير قتال وَرجع كل وَاحِد مِنْهُم إِلَى وَطنه قيام غرناطة بدعوة الْأَمِير مُحَمَّد بن عَليّ جُمَادَى الأولى عَام 892 فَبَيْنَمَا الْأَمِير مُحَمَّد بن سعد فِي طَرِيقه إِلَى غرناطة خبر أَن غرناطة قد قَامَت بدعوة ابْن أَخِيه مُحَمَّد بن عَليّ وَدخل الْبَلَد وَملكه وَقتل القواد الَّذين كَانُوا بِالْبَلَدِ يقاتلونه فَلَمَّا سمع الْأَمِير مُحَمَّد بن سعد ذَلِك رَجَعَ على عقبه يُرِيد الْبشرَة فَسَار من هُنَالك إِلَى وَادي آش فَدَخلَهَا بِمن مَعَه وَكَانَ قيام أهل غرناطة بدعوة البيازين وأميرهم مُحَمَّد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 عَليّ يَوْم الْأَحَد الْخَامِس من جُمَادَى الأولى عَام التَّارِيخ الْمَذْكُور قبل فَدخل الْبَلَد وَنزل فِي القصبة الْقَدِيمَة وَاسْتولى الْعَدو دمره الله على مَدِينَة بلش يَوْم الْجُمُعَة الْعَاشِر من جُمَادَى الأولى عَام اثْنَيْنِ وَتِسْعين وثمان مئة وَلما استولى الْعَدو دمره الله على مَدِينَة بلش دخلت فِي ذمتة جَمِيع الْقرى الَّتِي تلِي بلش وقرى جبل منتميش وحصن قمارش وَخرج أهل بلش من بلدهم مُؤمنين وحملوا مَا قدرُوا عَلَيْهِ وَذَلِكَ بعد قتال شَدِيد وَحرب عَظِيم فَمنهمْ من جوزه الْعَدو إِلَى أَرض العدوة وَمِنْهُم من أَقَامَ فِي بعض تِلْكَ الْقرى وَمِنْهُم من سَار إِلَى أَرض الْمُسلمين الَّتِي بقيت بالأندلس حِصَار مَدِينَة مالقة ودفاعها الْمجِيد شعْبَان عَام 892 فَلَمَّا استخلص الْعَدو مَدِينَة بلش سَار بمحلته نَحْو مَدِينَة مالقة فَنزل عَلَيْهَا وقاتلها قتالا شَدِيدا وحاصرها حصارا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 عَظِيما لم ير مثله وأحاط بهَا من كل جَانب وَمَكَان برا وبحرا فتحصن أهل مالقة ببلدهم وأظهروا مَا كَانَ عِنْدهم وَمَعَهُمْ من السِّلَاح وَالْعدة والأنفاط وَكَانَ فيهم جملَة من نجدة الفرسان فَقَاتلُوا الرّوم قتالا شَدِيدا وَقتلُوا مِنْهُم خلقا كثيرا حَتَّى إِنَّه قتل من الرّوم فِي يَوْم وَاحِد اثْنَا عشر ألفا وَسبع مئة وَمَعَ ذَلِك بَقِي الْعَدو يفتح عَلَيْهِم أبوابا من الْحَرْب والحيل والمسلمون قائمون بحراسة بلدهم ويغلبون عدوهم وَيقْتلُونَ من قرب إِلَيْهِم مِنْهُم وهم صَابِرُونَ محتسبون مُدَّة طَوِيلَة حَتَّى ضيق عَلَيْهِم الْعَدو ودور بِالْمَدِينَةِ سورا من تُرَاب وسورا من خشب وحفيرا مَانِعا وَمنع عَلَيْهِم الدَّاخِل وَالْخَارِج فِي الْبر وَمنع عَلَيْهِم فِي الْبَحْر بالمراكب من الدَّاخِل وَالْخَارِج وَشد عَلَيْهِم فِي الْحصار والقتال وهم مَعَ ذَلِك صَابِرُونَ محتسبون يُقَاتلُون أَشد الْقِتَال وَلَا يظهرون جزعا وَلَا هلعا وَلَا يطمعون الْعَدو فِي شَيْء مِمَّا يرومه مِنْهُم حَتَّى نفد مَا عِنْدهم من الْأَطْعِمَة والزاد وأكلوا مَا كَانَ عِنْدهم من الْمَوَاشِي من خيل وبغال وحمير وكلاب وجلود وورق الشّجر وَغير ذَلِك من الْأَشْيَاء الَّتِي يُمكن أكلهَا حَتَّى فني ذَلِك كُله وَأثر فيهم الْجُوع أثرا عَظِيما وَمَات كثير من نجدة رِجَالهمْ الَّذين كَانُوا يوالون الْحَرْب والقتال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 فَحِينَئِذٍ أذعنوا وطلبوا الْأمان فاحتال عَلَيْهِم الْعَدو حَتَّى دخل الْبَلَد بمكر ومكيدة وأسرهم كلهم وسبى نِسَاءَهُمْ وَأَوْلَادهمْ واحتوى على جَمِيع أَمْوَالهم وفرقهم على أهل دَخلته وقواده وَكَانَ مصابهم مصابا عَظِيما تحزن لَهُ الْقُلُوب وتذهل لَهُ النُّفُوس وتذوب وتبكي مصابهم الْعُيُون بالدماء فَإنَّا لله وَإِنَّا لَهُ رَاجِعُون وَكَانَ اسْتِيلَاء الْعَدو على مَدِينَة مالقة فِي أَوَاخِر شعْبَان عَام اثْنَيْنِ وَتِسْعين وثمان مئة فحين خلصت لِلْعَدو دمره الله مَدِينَة مالقة وبلش وَجَمِيع الغربية وَلم يبْق فِي تِلْكَ النواحي للْمُسلمين مَوضِع وَاحِد ارتحل الطاغية إِلَى بَلَده من قشتالة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 وَفِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وثمان مئة خرج الْعَدو نَحْو حصون الشرقية وَكَانَت فِي صلحه فاستولى على تِلْكَ الْحُصُون كلهَا غدرا ومكرا من غير قتال وَلَا حِصَار وَلَا تَعب وَصَارَت جَمِيع حصون الشرقية فِي قَبضته وَتَحْت إيالته ثمَّ رَجَعَ إِلَى بِلَاده من قشتالة حِصَار مَدِينَة بسطة رَجَب وَشَعْبَان ورمضان وشوال وَذُو الْقعدَة وَذُو الْحجَّة من عَام 894 وَفِي شهر رَجَب من سنة أَربع وَتِسْعين وثمان مئة خرج الْعَدو دمره الله بمحلته وعدته وَقصد نَحْو حصن موجر فحاصره وقاتله قتالا شَدِيدا أَيَّامًا قَلَائِل فاستولى عَلَيْهِ وَاسْتولى أَيْضا عل الْحُصُون الْقَرِيبَة مِنْهُ وَمن مَدِينَة بسطة وَقصد مَدِينَة بسطة أَيْضا فَنزل قَرِيبا مِنْهَا فَوجدَ بَلَدا مُقيما بِالْخَيْلِ وَالرِّجَال وَالْعدة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 وَالطَّعَام فَكلما قرب من الْبَلَد وَأَرَادَ قتال الْمُسلمين رَجَعَ خاسرا وَقتل مِنْهُ خلق كثير وَلم يقدر أَن يمْنَع داخلها وخارجها كَمَا فعل بغَيْرهَا من المدن وَكَانَ يدخلهَا كل من جاءها من نجدة الفرسان وَالرِّجَال فَبَقيَ محاذيا لَهَا شهر رَجَب وَشَعْبَان ورمضان والمسلمون قائمون ببلدهم غالبون لعدوهم فَكلما أَرَادَ الدنو من الْبَلَد قمعوه وردوه على عقبه خائبا خاسرا وَلم يقدر على نصب نفط وَلَا عدَّة من آلَة الْحَرْب فَلَمَّا كَانَ شهر شَوَّال شدّ عَلَيْهِم الْحصار وَعمل على الْبَلَد سورا من خشب وحفيرا عَظِيما وَجعل على ذَلِك الرِّجَال والحرس لِئَلَّا يدْخل دَاخل من أنجاد الرِّجَال إِلَيْهِم الَّذين يأْتونَ لنصرتهم وإعانتهم على عدوهم وَلَا من يجلب لَهُم الطَّعَام فَلم يعبأ الْمُسلمُونَ بِمَا صنع بل كَانُوا يخرجُون من النقب ويهبطون من على الأسوار ويقتلونهم فِي محلتهم وَفِي كل مَسْلَك يسلكونه حَتَّى قتلوا مِنْهُم خلقا كثيرا وَكَانُوا يحملون الْمُسلمين الواردين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 عَلَيْهِم لنصرتهم بِمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ من الطَّعَام فبقوا على هَذِه الْحَالة من شدَّة الْحصار شهر شَوَّال وَذَا الْقعدَة وَذَا الْحجَّة وَفِي آخر ذِي الْحجَّة من عَام التَّارِيخ تفقد أَعْيَان الْبَلَد مَا بَقِي فِي بلدهم من الطَّعَام وَذَلِكَ فِي خُفْيَة من الْعَامَّة فَلم يَجدوا إِلَّا مَا يُقَام بِهِ أَيَّامًا قَلَائِل فبعثوا لملك الرّوم وطلبوا مِنْهُ الْأمان على شُرُوط اشترطوها فوجدوه رَاغِبًا فِي ذَلِك فَجعلُوا بَينهم هدنة وَالْكَلَام يتَرَدَّد بَينهم فِي خُفْيَة من الْعَامَّة فأجابهم بِجَمِيعِ مَا طلبوه مِنْهُ فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة عَاشر محرم الْحَرَام فاتح عَام خَمْسَة وَتِسْعين وثمان مئة أَدخل قواد الْبِلَاد جمعا من النَّصَارَى للقصبة على حِين غَفلَة من الْعَامَّة فملكوا القصبة وقهروا من كَانَ بِالْبَلَدِ من الْعَامَّة وَغَيرهم وَسقط فِي أَيْديهم ثمَّ إِنَّهُم سرحوا من كَانَ عِنْدهم من أنجاد الرِّجَال والفرسان الَّذين كَانُوا عِنْدهم يعينونهم على نصْرَة عدوهم فَخَرجُوا مُؤمنين بخيلهم وأسلحتهم وأمتعتهم كَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 شَرط عَلَيْهِ قواد الْبَلَد فَسَارُوا إِلَى مَدِينَة وَادي آش وأخلوا الْبَلَد لِلنَّصَارَى وَخَرجُوا إِلَى الأرباض بِمَا مَعَهم من أَمْوَالهم وأمتعتهم مُؤمنين وَلم يتْركُوا شَيْئا إِلَّا سقف الْمَدِينَة خَاصَّة ثمَّ إِن ملك الرّوم دمره الله جعل فِي الْبَلَد قائدا من قواده حَاكما ورتبه وأشحنه بِمَا يحْتَاج إِلَيْهِ من أَطْعِمَة وَزَاد وَآلَة حَرْب وارتحل من مَدِينَة بسطة يُرِيد المرية فَلم يمر على حصن وَلَا على قَرْيَة إِلَّا وَدخل أَهلهَا فِي ذمَّته وَتَحْت طَاعَته من غير حِصَار وَلَا قتال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 الْأَمِير مُحَمَّد بن سعد يُبَايع ملك قشتالة ويساعده مَعَ قواده لتطويع مَا بَقِي من بِلَاد الْمُسلمين صفر عَام 895 ثمَّ خرج الْأَمِير مُحَمَّد بن سعد من مَدِينَة وَادي آش تَابعا لصَاحب قشتالة فَلَمَّا لحقه بَايعه وَدخل فِي ذمتة وَتَحْت طَاعَته على أَن يُعْطِيهِ مَدِينَة وَادي آش وكل مَدِينَة وحصن وقرية كَانَت تَحت طَاعَته وَحكمه فَأَجَابَهُ إِلَى مطلبه وَرجع مَعَه إِلَى وَادي آش وَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 فَرح مسرور فَدَخلَهَا الْعَدو وَقبض قصبتها وَاسْتولى عَلَيْهَا فِي الْعشْر الأول من شهر صفر عَام خَمْسَة وَتِسْعين وثمان مئة وَدخل فِي ذمَّته جَمِيع فرسَان الْأَمِير مُحَمَّد بن سعد وَجَمِيع قواده وصاروا لَهُ عونا على الْمُسلمين وطوعوا لَهُ جَمِيع الْبِلَاد والقرى والحصون الَّتِي كَانَت تَحت طاعتهم من مَدِينَة المرية إِلَى مَدِينَة الْمنْكب وَمن مَدِينَة الْمنْكب إِلَى قَرْيَة البذول فَقبض صَاحب قشتالة ذَلِك كُله من غير قتال ولاحصار وَلَا تَعب وَلَا نصب فَإنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون وَجعل فِي كل قَصَبَة قائدا نَصْرَانِيّا مَعَ جمَاعَة من النَّصَارَى يحكم فِي ذَلِك الْموضع وَفِي هَذَا الشَّهْر خلصت جيمع بِلَاد الأندلس لصَاحب قشتالة وَدخلت تَحت طَاعَته وتدجن جَمِيع أَهلهَا وَلم يبْق للْمُسلمين فِي الأندلس غير مَدِينَة غرناطة وَمَا حولهَا من الْقرى خَاصَّة وَزعم كثير من النَّاس أَن الْأَمِير مُحَمَّد بن سعد وقواده باعوا من صَاحب قشتالة هَذِه الْقرى والبلاد الَّتِي كَانَت تَحت طاعتهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 وقبضوا مِنْهُ ثمنهَا وَذَلِكَ على وَجه الفرصة والإنتقام من ولد أَخِيه الْأَمِير مُحَمَّد بن عَليّ وقواده لأَنهم كَانُوا فِي غرناطة وَلم يكن تَحت طاعتهم غَيرهَا وَكَانَ فِي صلح الْعَدو فَأَرَادَ بذلك قطع علائق غرناطة لتهلك كَمَا هلك غَيرهَا ملك قشتالة ينْقض معاهدة الصُّلْح ويشهر الْحَرْب على أَمِير غرناطة ويستولي على برج الملاحة وبرج هَمدَان فَلَمَّا صَارَت هَذِه الْبِلَاد كلهَا تَحت ذمَّة الْعَدو وَلم يبْق لصَاحب قشتالة سوى غرناطة الَّتِي هِيَ فِي صلحه وَرَأى أَن الاسلام قد دثر من بِلَاد الأندلس وَقع طمعه وَنقض مَا كَانَ بَينه وَبَين صَاحب غرناطة مُحَمَّد بن عَليّ من الصُّلْح فَأخذ برج ملاحة غرناطة وبرج قَرْيَة هَمدَان وَكَانَا برجين كبيرين حصينين فزادهما تحصينا وتمنيعا وأشحنهما بِالرِّجَالِ وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ من آلَة الْحَرْب ليضيق على أهل غرناطة لأَنهم كَانُوا قريبين مِنْهُمَا فضيق بذلك عَلَيْهِم أَشد الضّيق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 وَفِي هَذِه السّنة وَهِي سنة خمس وَتِسْعين وثمان مئة بعث ملك النَّصَارَى إِلَى صَاحب غرناطة مُحَمَّد بن عَليّ على أَن يُعْطِيهِ مَدِينَة الْحَمْرَاء وَمَا قطع الْوَادي لجِهَة الْحَمْرَاء من غرناطة وَيتْرك للأمير الْمَذْكُور مُحَمَّد بن عَليّ سَائِر الْبَلَد وَالدُّخُول فِي ذمتة كَمَا دخل سَائِر الأندلس وَظن أَن ذَلِك يتم لَهُ فأطمعه الْأَمِير مُحَمَّد بن عَليّ فِي ذَلِك فَخرج صَاحب قشتالة فَرحا مَسْرُورا بمحلته لقبض مَدِينَة الْحَمْرَاء وغرناطة وللنزهة فيهمَا وَخرج مَعَه الصّبيان وَالنِّسَاء بِقصد النزهة وَلم يظنّ أَن فِي مَدِينَة غرناطة مدافعا لَهُ وَلَا مُقَاتِلًا وَلَا معاندا فَلَمَّا بلغ الْخَبَر أهل غرناطة بِخُرُوج صَاحب قشتالة وَأَنه قادم عَلَيْهِم حَسْبَمَا ذكر جمع أَمِير غرناطة مُحَمَّد بن عَليّ خاصتهم وعامتهم وَأخْبرهمْ بِمُرَاد طاغية النَّصَارَى وَمَا طلب وَمَا خُرُوجه إِلَّا ليدْخل الْبَلَد على الصّفة الْمَذْكُورَة واستشارهم فِي ذَلِك فَأَجْمعُوا أَمرهم كلهم على قِتَاله ومدافعته عَنْهُم بِمَا أمكن حَتَّى يفتح الله عَلَيْهِم أَو يهْلكُوا عَن آخِرهم وتعاهدوا مَعَ أَمِيرهمْ أَن يَكُونُوا يدا وَاحِدَة على قتال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 عدوهم فَبلغ ملك النَّصَارَى مقالتهم وَمَا اتَّفقُوا عَلَيْهِ فساءه ذَلِك وغمه فَجمع جَمِيع جيوشه وَنزل بمحلته مرج غرناطة وَجعل يقطع الطّرق وَيفْسد الزَّرْع وَغَيره فَخرج إِلَيْهِ فرسَان الْمُسلمين من أهل غرناطة يتقدمهم القواد وبرز الْأَمِير مُحَمَّد بن عَليّ مَعَ الرِّجَال قَرِيبا من الْبَلَد وَقُلُوبهمْ واثقة بِاللَّه يسْأَلُون من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى النَّصْر والمعونة على عدوهم وَخرج مَعَ ملك الرّوم فِي محلته جمَاعَة من الْمُرْتَدين الداخلين فِي ذمَّته من أهل الْحُصُون والقرى والمدن يدلونه على عورات الْمُسلمين ويحرضونه على قِتَالهمْ وَكَانَ خُرُوج الرّوم فِي أول رَجَب من سنة التَّارِيخ فَكَانَ كلما أَرَادَ الدنو من الْبَلَد وَفتح للحرب بَابا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 ردهم الله على أَعْقَابهم مهزومين مفلولين بنصر الله ومعونته وفرسان الْمُسلمين صَابِرُونَ محتسبون حَتَّى قتلوا من الرّوم خلقا كثيرا فَلَمَّا تبين لملك الرّوم أَنه لَا طَاقَة لَهُ بالدنو من غرناطة وَأَن بهَا حماة من الفرسان وَالرِّجَال منعوها من كل جِهَة وَمَكَان وأيدهم الله بعزيز نَصره وَلم يَتْرُكُوهُ أَن يجد فِيهَا فرْصَة ارتحل عَنْهَا يعَض أنامله من الغيظ وَذَلِكَ كَانَ فِي النّصْف من شهر رَجَب عَام تَارِيخه وَهدم برج عويو وَزَاد إشحانا لبرج هَمدَان من الْمُرْتَدين أهل الْقرْيَة وشرذمة أُخْرَى من النَّصَارَى وشيئا كثيرا من الطَّعَام وَالْعدة وَآلَة الْحَرْب وَعمر أَيْضا برج الملاحة وشحنه بِمثل ذَلِك ورحل إِلَى بِلَاده من قشتالة انتصار الْمُسلمين واستيلاؤهم على قرى إقليم الْبشرَة واسترجاعهم قَرْيَة البذول عَام 895 وَبعد ارتحال الْعَدو بأيام قَلَائِل خرج أهل غرناطة مَعَ أَمِيرهمْ مُحَمَّد بن عَليّ إِلَى قَرْيَة البذول وقاتلوا من بهَا من النَّصَارَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 والمرتدين حَتَّى فتحهَا الله تَعَالَى ودخلوها عنْوَة وَفتح الله ذَلِك الإقليم كُله وَدخل فِي ذمَّة الْمُسلمين فَرجع أهل غرناطة إِلَى بِلَادهمْ فرحين مستبشرين بنصر الله تَعَالَى فَبعد وصولهم وَردت عَلَيْهِم أرسال من قبل قرى الْبشرَة يطْلبُونَ من الْأَمِير مُحَمَّد بن عَليّ أَن يقدم عَلَيْهِم بِجَيْش الْمُسلمين ليدخلوا فِي ذمَّته فَخرج إِلَيْهِم من غرناطة فِي بَقِيَّة رَجَب الْمَذْكُور بِجَمَاعَة من الْمُسلمين من أهل غرناطة فقصد الأنجرون من قرى الْبشرَة فَنزل هُنَاكَ وانجلى من كَانَ هُنَالك من النَّصَارَى والمرتدين إِلَى حصن أندراش الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 وَدخلت تِلْكَ الْجِهَات كلهَا فِي ذمَّة الْمُسلمين وَرجع الْأَمِير مُحَمَّد بن عَليّ بِمن مَعَه إِلَى غرناطة فرحين مستبشرين بنصر الله وَترك الْأَمِير وزيره بِجَمَاعَة من أنجاد الفرسان لِيُقَاتل بهم من بَقِي هُنَالك من النَّصَارَى والمرتدين فرار الْأَمِير مُحَمَّد بن سعد إِلَى المرية وَدخُول فرسَان غرناطة حصن أندرش واسترجاعهم بَقِيَّة الْجِهَات الَّتِي كَانَت بيد النَّصَارَى فَلَمَّا كَانَ شهر شعْبَان من سنة التَّارِيخ الْمَذْكُور بعث الْوَزير من الْبشرَة إِلَى الْأَمِير بغرناطة يُعلمهُ أَن هَذِه الْجِهَات الَّتِي بقيت مَعَ النَّصَارَى بعثوا إِلَيْهِ يطْلبُونَ أَن يقدم عَلَيْهِم الْأَمِير مُحَمَّد بن عَليّ ليدخلوا فِي ذمَّته فَخرج الْأَمِير على أحسن أهبة فِي نجدة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 فرسَان أهل غرناطة وَخرج بهم فِي الْعشْر الأول من شعْبَان عَام التَّارِيخ يُرِيد الْبشرَة فقصد حصن أندراش وَكَانَ بِهِ الْأَمِير مُحَمَّد ابْن سعد وَجَمَاعَة من الْمُرْتَدين فَلَمَّا سمع بقدوم الْأَمِير مُحَمَّد بن عَليّ بِجَيْش أهل غرناطة خرج بِمن مَعَه من الْمُرْتَدين هَارِبا مهزوما إِلَى مَدِينَة المرية وَرجع كثير مِمَّن كَانَ مَعَه من الْمُسلمين وَدخل أَمِير غرناطة بمحلته حصن أندراش واسترجعت تِلْكَ الْجِهَات كلهَا إِلَى الاسلام كَمَا كَانَت أَولا من غير حَرْب وَلَا قتال وَقد سمع من كَانَ ببرجة ودليد بذلك فَهَرَبُوا وَرجعت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 تِلْكَ الْجِهَات كلهَا إِلَى الْمُسلمين فرتب الْأَمِير مُحَمَّد بن عَليّ هُنَالك قوادا وفرسانا وارتحل نَحْو غرناطة فَدَخلَهَا فِي النّصْف من شعْبَان عَام خَمْسَة وَتِسْعين وثمان مئة بِمن مَعَه من جَيش الْمُسلمين وعامتهم فرحين مستبشرين بنصر الله تَعَالَى وتأييده اسْتِئْنَاف الْحَرْب وحصار الْمُسلمين لقرية هَمدَان وَضرب برجها وَأَخذهَا عنْوَة رَمَضَان عَام 895 فَلَمَّا كَانَ الْعشْر الأول من رَمَضَان عَام التَّارِيخ أَتَت طَائِفَة من النَّصَارَى والمرتدين تغلبُوا على حصن أندراش فملكوه وفر مِنْهُ من كَانَ بِهِ من فرسَان الْمُسلمين لأَنهم كَانُوا شرذمة قَليلَة وأتاهم مَا لَا طَاقَة لَهُم عَلَيْهِ وَفِي السَّادِس من شهر رَمَضَان عَام التَّارِيخ خرج ملك غرناطة بمحلته نَحْو قَرْيَة هَمدَان يُرِيد فتحهَا وَأمر بِإِخْرَاج الْعدة وَآلَة الْحَرْب وَكَانَ بالقرية الْمَذْكُورَة جمَاعَة من فرسَان النَّصَارَى دمرهم الله والمرتدين من أهل الْقرْيَة وَكَانَ النَّصَارَى قد بنوا حول برجها بنيانا عَظِيما منيعا بأنواع من بِنَاء الْحَرْب وخدعه وحصن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 برجها تحصينا عَظِيما وأشحنه بِكَثِير من الْأَطْعِمَة وَآلَة الْحَرْب والمنعة المنيعة ليظْهر لمن رَآهُ أَن لَا طَاقَة لأحد بِأَخْذِهِ لما يرَاهُ من تشييد بنائِهِ وتحصينه وتشعب أسوراه ظنا مِنْهُم أَن أهل غرناطة لَا طَاقَة لَهُم بِأَخْذِهِ وَلَا لَهُم قُوَّة لفتحه فحين نزل أهل غرناطة مَعَ أَمِيرهمْ مُحَمَّد بن عَليّ بقرية هَمدَان تحصن من بهَا من النَّصَارَى والمرتدين بحصنهم ودارت بهم جيوش الْمُسلمين من كل جَانب بِالْقِتَالِ الشَّديد حَتَّى قربوا من السُّور الأول فَجعلت كل طَائِفَة من الْمُسلمين نقبا حَتَّى دخلُوا مَعَهم فِي الحزام الأول ثمَّ فِي الحزام الثَّانِي ثمَّ فِي الحزام الثَّالِث حَتَّى ألجؤوهم إِلَى دَاخل البرج وَذَلِكَ بعد محاربة عديدة وقتال شَدِيد اسْتشْهد فِيهِ جمَاعَة من الْمُسلمين رَحِمهم الله تَعَالَى وَحين وصل الْمُسلمُونَ إِلَى أصل البرج أخذُوا فِي نقبه فَجعلُوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 ينقبون ويدعمون بالخشب إِلَى أَن نقبوا فِيهِ نقبا كَثِيره فَلَمَّا علم من فِي البرج أَن النقب قد كثر خَافُوا من هَدمه عَلَيْهِم فيهلكون فَسَلمُوا البرج وأذعنوا للأسر فأسروا عَن آخِرهم وَمن مَعَهم من الْمُرْتَدين واحتوى الْمُسلمُونَ على مَا كَانَ فِي البرج من الطَّعَام وَالْعدة وَالْأَمْوَال وَنَحْو مئة وَثَمَانِينَ أَسِيرًا ثمَّ أقبل الْأَمِير بمحلته رَاجعا إِلَى غرناطة فِي الْيَوْم الْحَادِي عشر لرمضان الْمُعظم عَام التَّارِيخ وَفَرح الْمُسلمُونَ بِمَا من الله وَفتح عَلَيْهِم فَرحا شَدِيدا فَأَقَامَ الْأَمِير بهَا إِلَى السَّادِس عشر من رَمَضَان الْمَذْكُور عَام التَّارِيخ حِصَار حصن شلوبانية وَالرُّجُوع عَنهُ ثمَّ نَادَى مُنَادِي أَمِير غرناطة فِي كَافَّة أهل غرناطة من خَاص وعام كَبِيرهمْ وصغيرهم يَأْمُرهُم بالإستعداد وَالْخُرُوج إِلَى مَدِينَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 الْمنْكب يُرِيد فتحهَا فَخرج بعد صَلَاة الْجُمُعَة من ذَلِك الْيَوْم بمحلته فَجَاز على قَرْيَة البذول فَأمر بهدم برجها ثمَّ سَار نَحْو السَّاحِل فاجتاز حصن شلوبانية فتحصن من بهَا من النَّصَارَى والمرتدين بحصنهم وقاتلوا الْمُسلمين فزحفت إِلَيْهِم جموع الْمُسلمين وقاتلوهم قتالا شَدِيدا حَتَّى دخلُوا عَلَيْهِم الْحصن وألجؤوهم إِلَى القصبة فَتَحَصَّنُوا بهَا وَدَار بهم الْمُسلمُونَ من كل جَانب وَمنعُوا عَلَيْهِم المَاء وضيقوا عَلَيْهِم فِي الْحصار حَتَّى أكلُوا الْخَيل وَالدَّوَاب من شدَّة مَا لحقهم من الْجُوع فَأَقَامَ عَلَيْهِم الْمُسلمُونَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 بَقِيَّة رَمَضَان وهم طامعون فِي فتح الْحصن وَإِذا بِخَبَر قد جَاءَ إِلَى الْأَمِير أَن طاغية الرّوم خَارج بمحلته نحوهم يُرِيد غرناطة فَأمر الْأَمِير عِنْد ذَلِك بالإرتحال وَالسير إِلَى غرناطة خوفًا من أَن يسْبقهُ الْعَدو إِلَيْهَا فَقدم الْمُسلمُونَ إِلَى غرناطة فِي ثَالِث شَوَّال عَام التَّارِيخ فأقاموا بهَا نَحْو ثَلَاثَة أَيَّام أَو أَرْبَعَة وَإِذا بِملك النَّصَارَى قد أقبل بمحلته وَنزل مرج غرناطة وَمَعَهُ طَائِفَة من الْمُرْتَدين والمدجنين يدلونه على عورات الْمُسلمين ويعينونه عَلَيْهِم فَجعلُوا يقطعون الذّرة والكرمات والمسلمون على قلتهم وضعفهم صَابِرُونَ على الْقِتَال محتسبون لله تَعَالَى وَيقْتلُونَ من الْكفَّار خلقا كثيرا حَتَّى منعوهم من فَسَاد كثير من الذّرة والكرمات الَّتِي بالفحص فَأَقَامَ الْعَدو نازلا عَلَيْهِم نَحْو ثَمَانِيَة أَيَّام وَأمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 بعد ذَلِك باخلاء برج الملاحة وبرج رومة وبرج مرَّتَيْنِ وقرنية وهدمهم وارتحل يُرِيد بِلَاد قشتالة فَمر فِي سيره على برج اللوزات فَأمر بهدمه ثمَّ انْطلق إِلَى مَدِينَة وَادي آش فَأخْرج من كَانَ بهَا من المدجنين وَلم يبْق بهَا وَلَا فِي أرباضها أحد مِنْهُم فَخَرجُوا من مدينتهم أَذِلَّة صاغرين فَتَفَرَّقُوا على الْقرى وَقد أَمر أَيْضا بهدم قَصَبَة أندراش وحصن المدور وتفلل أُولَئِكَ المرتدون الَّذين كَانُوا بهَا وَلم يبْق لأميرهم مُحَمَّد بن سعد عِنْد صَاحب قشتالة جاه وَلَا حظوة فَمنهمْ من جَازَ مَعَ الْأَمِير إِلَى عدوة وهران وَمِنْهُم من رَجَعَ إِلَى بِلَاد الْمُسلمين وَمِنْهُم من أَقَامَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 مَعَ النَّصَارَى ثمَّ ارتحل ملك الرّوم إِلَى دَاخل بِلَاده لأمر مُهِمّ حدث لَهُ هُنَالك وَفِي أَوَاخِر شَوَّال من الْعَام الْمَذْكُور تغلب الْمُسلمُونَ على أندراش وَمَا يَليهَا وَدخلت فِي ذمَّة الْمُسلمين حِصَار حصن مرشانة وانتصار الْمُسلمين ثمَّ صَار الْمُسلمُونَ إِلَى حصن مرشانة فحاصروا من بِهِ من النَّصَارَى وقاتلوهم حَتَّى نزلُوا للأسر واسترجعت تِلْكَ الْمَوَاضِع والجهات للْمُسلمين ثورة أهل قَرْيَة فنيانة ونزوح سكان قرى سَنَد وادى آش إِلَى غرناطة فَلَمَّا رأى أهل قَرْيَة فنيانة استرجاع من جاورهم لِلْإِسْلَامِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 أَرَادوا الْقيام على من فِي قصبتها من النَّصَارَى فخادعهم النَّصَارَى بالْكلَام وبعثوا إِلَى صَاحب وَادي آش فَقدم عَلَيْهِم بِمن مَعَه من النَّصَارَى فأحاط بقريتهم من كل جَانب وَمَكَان وقاتلوهم قتالا شَدِيدا ودخلوا عَلَيْهِم الْقرْيَة وَهَبَطَ من كَانَ فِي القصبة من النَّصَارَى وَقتلُوا كثيرا من رجال الْمُسلمين وَاسْتولى النَّصَارَى على جَمِيع مَا كَانَ بالقرية من الرِّجَال وَالصبيان وَالنِّسَاء والأمتعة وَالْأَمْوَال وصاروا إِلَى دَاخل بِلَادهمْ مسرورين فَلَمَّا رأى أهل قرى سَنَد وَادي آش مَا اتّفق لأهل قَرْيَة فنيانة خَافُوا أَن يتَّفق لَهُم كَذَلِك فبعثوا إِلَى أَمِير غرناطة يستنصرونه وَيطْلبُونَ مِنْهُ أَن يسير إِلَيْهِم بِأَهْل غرناطة ودوابهم فيرفعون مَا مَعَهم من الْأَمْتِعَة وَالْأَمْوَال وَالزَّرْع وَغير ذَلِك فَخرج إِلَيْهِم أَمِير غرناطة بِأَهْل الْبَلَد فِي الثَّالِث عشر لذِي الْقعدَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 عَام التَّارِيخ يُرِيد نصرتهم ورفعهم من قراهم فَنزل بقرية وانجر فَأَقَامَ بهَا بعض الْأَيَّام ثمَّ ارتحل مِنْهَا إِلَى قَرْيَة شريش من قرى سَنَد وَادي آش فَنزل فهنالك وَأقَام بهَا نَحْو ثَمَانِيَة أَيَّام وَبعث بِطَلَب دَوَاب غرناطة وَمَا يَليهَا من الْقرى وصاروا ينقلون الزَّرْع من قرى وَادي آش ويحملونه إِلَى غرناطة فحملوا مِنْهُ زرعا كثيرا إِلَى غرناطة ووانجر وَأمر الْأَمِير مُحَمَّد بن عَليّ بإخلاء تِلْكَ الْقرى وارتحالهم عَن آخِرهم بأهلهم وَنِسَائِهِمْ وصبيانهم وَمَا قدرُوا على حمله من أَمْوَالهم وزرعهم ومواشيهم وَكَانَ فِي تِلْكَ الْقرى من الْقَمْح وَالشعِير والذرة شَيْء كثير لَا يُطَاق حمله وَلَا يُؤْتى على وَصفه فَلَمَّا بلغ الْأَمِير مُحَمَّد بن عَليّ أَن النَّصَارَى دمرهم الله قد جمعُوا لَهُ جموعا كَثِيرَة فارتحل من قَرْيَة شريش رَاجعا إِلَى قَرْيَة وانجر ثمَّ دخل غرناطة آخر النَّهَار فِي الثَّالِث وَالْعِشْرين لذِي الْقعدَة من عَام التَّارِيخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 ثمَّ إِن النَّصَارَى دمرهم الله لما رَأَوْا أَن أهل تِلْكَ الْقرى قد فروا بِأَنْفسِهِم إِلَى أَرض الْمُسلمين وأخلوا قراهم أظهرُوا لَهُم الْأمان وَقَالُوا لَهُم من رَجَعَ إِلَى قريته فَهُوَ آمن فَرجع كثير مِنْهُم إِلَى قراهم وركنوا إِلَى قَول النَّصَارَى ودخلوا فِي ذمتهم وَلم يزَالُوا يرجعُونَ إِلَى مواضعهم حَتَّى لم يبْق مِنْهُم فِي أَرض الْمُسلمين إِلَّا الْقَلِيل رُجُوع ملك قشتالة إِلَى أَرض الْمُسلمين واستئناف الْقِتَال جُمَادَى الْآخِرَة عَام 896 وَفِي الثَّانِي عشر من جُمَادَى الْآخِرَة عَام سِتَّة وَتِسْعين وثمان مئة خرج من قشتالة بمحلته إِلَى فحص غرناطة وَكَانَ ذَلِك بموافقة الْعشْر الآخر من شهر إبريل العجمي وَالزَّرْع أَخْضَر فأفسد زَرعهَا ودوخ أرْضهَا وَهدم قراها ثمَّ سَار إِلَى قرى الاقليم فأفسد زَرعهَا وَهدم قراها وَقتل أُنَاسًا وَأسر آخَرين وَعَاد إِلَى فحص غرناطة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 حِصَار غرناطة رَجَعَ ملك قشتالة إِلَى فحص غرناطة وَنزل بمحلته بقرية عتقه ثمَّ شرع فِي الْبناء فَبنى هُنَالك سورا كَبِيرا فِي أَيَّام قَلَائِل وَسَماهُ شنتفي وَصَارَ يهدم الْقرى وَيَأْخُذ مَا فِيهَا من آلَة الْبناء ويجعله على الْعجل ويحمله إِلَى ذَلِك الْبَلَد الَّذِي بناه وَيَبْنِي بِهِ وَهُوَ مَعَ ذَلِك يُقَاتل الْمُسلمين ويقاتلونه قتالا شَدِيدا وَحَارب ملك الرّوم أَيْضا أبراج الْقرى الدائرة بغرناطة وَأَخذهَا وَلم يبْق إِلَّا قَرْيَة الفخار فَلم يزل يلح عَلَيْهَا ويجلب عَلَيْهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 بخيله وَرجله ويطمع أَن يجد فرْصَة فَلم يقدر على شَيْء حَتَّى قتل لَهُ عَلَيْهَا خلق كثير من الرّوم وَوَقعت عَلَيْهَا ملاحم كَثِيرَة بَين الْمُسلمين وَالنَّصَارَى لِأَن الْمُسلمين كَانُوا يلحون على حمايتها خوفًا من أَن يملكهَا الرّوم فَتكون سَببا فِي إخلاء قرى الْجَبَل وحصار الْبَلَد فَلم يزَالُوا يدافعون عَنْهَا ويقاتلون من قَصدهَا حَتَّى قصر عَنْهَا الْعَدو لِكَثْرَة مَا قتل لَهُ عَلَيْهَا من خيل وَرِجَال وَلم تزل الْحَرْب مُتَّصِلَة بَين الْمُسلمين وَالنَّصَارَى كل يَوْم تَارَة فِي أَرض الفخار وَتارَة فِي أَرض بليانة وَتارَة فِي أَرض رسانة وَتارَة فِي أَرض طفير وَتارَة فِي أَرض يعمور وَتارَة فِي أَرض الجدوى وَتارَة فِي أَرض رَملَة أفلوم وَتارَة فِي أَرض الربيط وَتارَة وَادي منتثيل وَغير ذَلِك من الْمَوَاضِع الَّتِي على غرناطة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 وَفِي كل ملحمة من هَذِه الْمَلَاحِم يثخن كثير من أنجاد الفرسان بالجراحات من الْمُسلمين وَيسْتَشْهد آخَرُونَ وَمن النَّصَارَى أَضْعَاف ذَلِك والمسلمون فَوق ذَلِك صَابِرُونَ محتسبون واثقون بنصر الله تَعَالَى يُقَاتلُون عدوهم بنية صَادِقَة وَقُلُوب صَافِيَة وَمَعَ ذَلِك يمشي مِنْهُم الرِّجَال فِي ظلام اللَّيْل لمحلة النَّصَارَى ويتعرضون لَهُم فِي الطرقات فيغنمون مَا وجدوا من خيل وبغال وحمير وبقر وغنم وَرِجَال وَغير ذَلِك حَتَّى صَار اللَّحْم بِالْبَلَدِ من كثرته رَطْل بدرهم وَمَعَ ذَلِك لم تزل الْحَرْب مُتَّصِلَة بَين الْمُسلمين وَالنَّصَارَى وَالْقَتْل والجراحات فاشيان فِي الْفَرِيقَيْنِ سَبْعَة أشهر إِلَى أَن فنيت خيل الْمُسلمُونَ بِالْقَتْلِ وَلم يبْق مِنْهَا إِلَّا الْقَلِيل وفني أَيْضا كثير من نجدة الرِّجَال بِالْقَتْلِ والجراحات تَسْلِيم غرناطة وَفِي هَذِه الْمدَّة الْمَذْكُورَة انجلى كثير من النَّاس إِلَى بِلَاد الْبشرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 لما نالهم من الْجُوع وَالْخَوْف وَكَانَت الطَّرِيق للبشرة على جبل شلير وَكَانَ يَأْتِي للبلد من الْبشرَة على ذَلِك على الطَّرِيق خير كثير من الْقَمْح وَالشعِير والذرة وَالزَّيْت وَالزَّبِيب وَغير ذَلِك من الْفَوَاكِه والسلع وَمَا زَالَ حَال الْبَلَد يضعف ويقل من الطَّعَام وَالرِّجَال إِلَى أَن دخل شهر الْمحرم عَام سَبْعَة وَتِسْعين وثمان مئة وَدخل فصل الشتَاء والثلج نَازل بِالْجَبَلِ وَقطع الطَّرِيق من الْبشرَة فَقل الطَّعَام عِنْد ذَلِك فِي أسواق الْمُسلمين فِي غرناطة وَاشْتَدَّ الغلاء وَأدْركَ الْجُوع كثيرا من النَّاس وَكثر السُّؤَال والعدو سَاكن بِبَلَدِهِ ومحلته وَلَقَد منع الفحص كُله وَمنع الْمُسلمين من الْحَرْث والزراعة وَقطع الْحَرْب فِي هَذِه الْمدَّة بَين الْفَرِيقَيْنِ فَلَمَّا دخل شهر صفر من عَام التَّارِيخ اشْتَدَّ الْحَال على النَّاس بِالْجُوعِ وَقلة الطَّعَام وَأدْركَ الْجُوع كثيرا من النَّاس الموسرين فَاجْتمع أَعْيَان النَّاس من الْخَاصَّة والعامة وَالْفُقَهَاء والأمناء والأشياخ والعرفاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 وَمن بَقِي من أنجاد الفرسان وَمن لَهُم النّظر بغرناطة وَسَارُوا إِلَى أَمِيرهمْ مُحَمَّد بن عَليّ فأعلموه بِحَال النَّاس وَمَا هم فِيهِ من الضعْف وَشدَّة الْجُوع وَقلة الطَّعَام وَأَن بلدهم بلد كَبِير لَا يقوم بِهِ طَعَام مجلوب فَكيف وَلم يجلب إِلَيْهِ شَيْء وَأَن الطَّرِيق الَّتِي كَانَت يَأْتِيهم عَلَيْهَا الطَّعَام والفواكه من الْبشرَة انْقَطَعت وَأَن أنجاد الفرسان هَلَكُوا وفنوا وَمن بَقِي مِنْهُم أثخن بالجراحات وَقد امْتنع عَنْهُم الطَّعَام وَالزَّرْع والحرث وَأَن رِجَالهمْ هَلَكُوا فِي تِلْكَ الْمَلَاحِم ثمَّ قَالُوا لَهُ إِن إِخْوَاننَا الْمُسلمين من أهل عدوة الْمغرب بعثنَا إِلَيْهِم فَلم يأتنا أحد مِنْهُم وَلَا عرج على نصرتنا وإغاثتنا وعدونا قد بنى علينا وَسكن مَعنا وَهُوَ يزْدَاد قُوَّة وَنحن نزداد ضعفا والمدد يَأْتِيهِ من بِلَاده وَنحن لَا مدد لنا وَهَذَا فصل الشتَاء قد دخل ومحلة عدونا قد تَفَرَّقت وضعفت وَقد قطع عَنَّا الْحَرْب وَإِن تكلمنا مَعَه الْآن قبل منا وأعطانا كل مَا نطلب مِنْهُ وَإِن بَقينَا حَتَّى يدْخل فصل الرّبيع تَجْتَمِع عَلَيْهِ جيوشه مَعَ مَا يلحقنا نَحن من الضعْف والقلة فَلَنْ يعود يقبل منا مَا نطلبه مِنْهُ وَلَا نَأْمَن نَحن على أَنْفُسنَا من الْغَلَبَة وَلَا على بلدنا مِنْهُ فَإِنَّهُ قد هرب لمحلته من بلدنا أنَاس كَثِيرُونَ يدلونه على عوراتنا ويستعين بهم علينا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 فَقَالَ لَهُم الْأَمِير مُحَمَّد بن عَليّ انْظُرُوا مَا يظْهر لكم وَمَا تتفقون عَلَيْهِ من الرَّأْي الَّذِي فِيهِ صلاحكم فاتفق رَأْي الْجَمِيع من الْخَاصَّة والعامة أَن يبعثوا لملك الرّوم من يتَكَلَّم مَعَه فِي أَمرهم وَأمر بلدهم وَقد زعم كثير من النَّاس أَن أَمِير غرناطة ووزيره وقواده كَانَ قد تقدم بَينهم وَبَين ملك النَّصَارَى النَّازِل عَلَيْهِم الْكَلَام فِي إِعْطَاء الْبَلَد إِلَّا أَنهم خَافُوا من الْعَامَّة وَكَانُوا يحتالون عَلَيْهِم ويلاطفونهم فحين أتوهم بِمَا كَانُوا اضمروا عَلَيْهِ أسعفوهم من حينهم وَلأَجل ذَلِك قد قطع عَنْهُم الْحَرْب فِي تِلْكَ الْمدَّة الْمَذْكُورَة حَتَّى وجدوا لذَلِك الْكَلَام مسلكا مَعَ الْعَامَّة فَلَمَّا بعثوا لملك الرّوم بذلك وجدوه رَاغِبًا فِيهِ فأنعم لَهُم بِجَمِيعِ مَا طلبُوا مِنْهُ وَمَا شرطُوا عَلَيْهِ وَمن جملَة الشُّرُوط الَّتِي شَرط أهل غرناطة على ملك الرّوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 أَن يؤمنهم على أنفسهم وبلادهم وَنِسَائِهِمْ وصبيانهم ومواشيهم ورباعهم وجناتهم ومحارثهم وَجَمِيع مَا بِأَيْدِيهِم ولايغرمون إِلَّا الزَّكَاة وَالْعشر لمن أَرَادَ الْإِقَامَة بِبَلَدِهِ غرناطة وَمن أَرَادَ الْخُرُوج مِنْهَا يَبِيع أَصله بِمَا يرضاه من الثّمن لمن يُريدهُ من الْمُسلمين وَالنَّصَارَى من غير غبن وَمن أَرَادَ الْجَوَاز لبلاد العدوة بالغرب يَبِيع أَصله وَيحمل أمتعته ويحمله فِي مراكبه إِلَى أَي أَرض أَرَادَ من بِلَاد الْمُسلمين من غير كِرَاء وَلَا شَيْء يلْزمه لمُدَّة من ثَلَاث سِنِين وَمن أَرَادَ الْإِقَامَة بغرناطة من الْمُسلمين فَلهُ الْأمان على نَحْو مَا ذكر وَقد كتب لَهُم ملك الرّوم بذلك كتابا وَأخذُوا عَلَيْهِ عهودا ومواثيق فِي دينه مُغَلّظَة على أَنه يُوفي لَهُم بِجَمِيعِ مَا شرطوه عَلَيْهِ فَلَمَّا تمت هَذِه الْعُقُود والمواثيق قُرِئت على أهل غرناطة فَلَمَّا سمعُوا مَا فِيهَا اطمأنوا إِلَيْهَا وانقادوا لطاعته وَكَتَبُوا بيعتهم وأرسلوها لصَاحب قشتالة وسمحوا لَهُ فِي الدُّخُول إِلَيّ مَدِينَة الْحَمْرَاء وَإِلَى غرناطة فَعِنْدَ ذَلِك أَمر أَمِير غرناطة مُحَمَّد بن عَليّ بإخلاء مَدِينَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 الْحَمْرَاء فأخليت دورها وقصورها ومنازلها وَأَقَامُوا ينتظرون دُخُول النَّصَارَى لقبضها فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الثَّانِي لربيع الأول من عَام سَبْعَة وَتِسْعين وثمان مئة أقبل ملك الرّوم بجيوشه حَتَّى قرب من الْبَلَد وَبعث جنَاحا من جَيْشه فَدَخَلُوا مَدِينَة الْحَمْرَاء وَبَقِي هُوَ بِبَقِيَّة الْجَيْش خَارج الْبَلَد لِأَنَّهُ كَانَ يخَاف من الْغدر وَكَانَ طلب من أهل الْبَلَد حِين وَقع بَينهم الإتفاق على مَا ذكر رهونا من أهل الْبَلَد لِيَطمَئِن بذلك فَأَعْطوهُ خمس مئة رجل مِنْهُم وأقعدهم بمحلته فَحِينَئِذٍ قدم كَمَا ذكرنَا فَلَمَّا اطْمَأَن من أهل الْبَلَد وَلم ير مِنْهُم غدرا سرح جُنُوده لدُخُول الْبَلَد والحمراء فَدخل مِنْهُم خلق كثير وَبَقِي هُوَ خَارج الْبَلَد وأشحن الْحَمْرَاء بِكَثِير من الدَّقِيق وَالطَّعَام وَالْعدة وَترك بهَا قائدا من قواده وَانْصَرف رَاجعا إِلَى محلته وَبَقِي حِينَئِذٍ يخْتَلف بالدقيق والعلوفات وأنواع الطَّعَام وَالْعدة وَمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ وَقدم فِي الْبَلَد قوادا وحكاما وبوابين وَمَا يحْتَاج الْبَلَد إِلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 من الْأُمُور وَصَارَ الْمُسلمُونَ يَخْتَلِفُونَ إِلَى الْمحلة للْبيع وَالشِّرَاء وَالنَّصَارَى كَذَلِك بِالْبَلَدِ فَلَمَّا سمع أهل الْبشرَة أَن أهل غرناطة دخلُوا تَحت ذمَّة النَّصَارَى أرْسلُوا بيعتهم إِلَى ملك النَّصَارَى ودخلوا فِي ذمَّته وَلم يبْق حِينَئِذٍ للْمُسلمين مَوضِع بالأندلس فَإنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون ثمَّ إِن ملك الرّوم سرح الَّذين كَانُوا عِنْده مرتهنين مُؤمنين فِي أَمْوَالهم وأنفسهم مكرمين ثمَّ أقبل فِي جيوشه حِين اطْمَأَن فِي نَفسه فَدخل مَدِينَة الْحَمْرَاء فِي بعض خواصه وَبَقِي الْجند خَارج الْمَدِينَة وَبَقِي هُوَ يتنزه فِي الْحَمْرَاء فِي الْقُصُور والمنازل المشيدة إِلَى آخر النَّهَار ثمَّ خرج بجنده وَصَارَ إِلَى محلته فَمن غَد أَخذ فِي بِنَاء الْحَمْرَاء وتشييدها وتحصينها وَإِصْلَاح شَأْنهَا وَفتح طرقها وَهُوَ مَعَ ذَلِك يتَرَدَّد إِلَيْهَا بِالنَّهَارِ وَيرجع بِاللَّيْلِ لمحلته فَلم يزل كَذَلِك حَتَّى اطمأنت نَفسه من غدر الْمُسلمين فَحِينَئِذٍ دخل الْبَلَد وَدَار فِيهِ فِي نفر من قومه وحشمه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 فَمَا اطْمَأَن فِي الْبَلَد سرح لَهُم الْجَوَاز وأتاهم بالمراكب إِلَى السَّاحِل فَصَارَ كل من أَرَادَ الْجَوَاز يَبِيع مَاله ورباعه ودوره فَكَانَ الْوَاحِد مِنْهُم يَبِيع الدَّار الْكَبِيرَة الواسعة الْمُعْتَبرَة بِالثّمن الْقَلِيل وَكَذَلِكَ يَبِيع جنانه وَأَرْض حرثه وَكَرمه وفدانه بِأَقَلّ من ثمن الْغلَّة الَّتِي كَانَت فِيهِ فَمنهمْ من اشْتَرَاهُ من الْمُسلمين الَّذين عزموا على الدجن وَمِنْهُم من اشْتَرَاهُ من النَّصَارَى وَكَذَلِكَ جَمِيع الْحَوَائِج والأمتعة وَأمرهمْ بِالْمَسِيرِ إِلَى السَّاحِل بِمَا مَعَهم فيرفعهم النَّصَارَى فِي الْبَحْر محترمين مكرمين ويجوزونهم إِلَى عدوة الْمغرب آمِنين مُطْمَئِنين وَكَانَ ملك الرّوم قد أظهر للْمُسلمين فِي هَذِه الْمدَّة الْعِنَايَة والإحترام حَتَّى كَانَ النَّصَارَى يغيرون مِنْهُم ويحسدونهم وَيَقُولُونَ لَهُم أَنْتُم الْآن عِنْد ملكنا أعز وَأكْرم منا وَوضع عَنْهُم المغارم وَأظْهر لَهُم الْعدْل حِيلَة مِنْهُ وكيدا ليغرهم بذلك وليثبطهم عَن الْجَوَاز فَوَقع الطمع لكثير من النَّاس وظنوا أَن ذَلِك يَدُوم لَهُم فاشتروا أموالارخيصة وأمتعة أنيقة وعزموا على الْجُلُوس مَعَ النَّصَارَى ثمَّ إِن ملك الرّوم أَمر الْأَمِير مُحَمَّد بن عَليّ بالإنصراف من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 غرناطة إِلَى قَرْيَة أندرش من قرى الْبشرَة فارتحل الْأَمِير مُحَمَّد بعياله وحشمه وأمواله وَأَتْبَاعه فَنزل قَرْيَة أندرش وَأقَام بهَا ينْتَظر مَا يُؤمر بِهِ ثمَّ إِن الطاغية دمره الله ظهر لَهُ أَن يصرف الْأَمِير مُحَمَّد ابْن عَليّ إِلَى العدوة فَأمره بِالْجَوَازِ وَبعث للمراكب أَن تَأتي إِلَى مرسى عذرة وَاجْتمعَ مَعَه خلق كثير مِمَّن أَرَادَ الْجَوَاز فَركب الْأَمِير مُحَمَّد وَمن مَعَه فِي تِلْكَ المراكب فِي عزة واحترام وكرامة مَعَ النَّصَارَى وَسَارُوا فِي الْبَحْر حَتَّى نزلُوا مَدِينَة مليلة من عدوة الْمغرب ثمَّ ارتحل إِلَى مَدِينَة فاس حرسها الله وَكَانَ من قَضَاء الله وَقدره أَنه لما جَازَ الْأَمِير مُحَمَّد بن عَليّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 وَسَار إِلَى مَدِينَة فاس أصَاب النَّاس شدَّة عَظِيمَة وَغَلَاء مفرط وجوع وطاعون وَاشْتَدَّ الْأَمر بفاس حَتَّى فر كثير من النَّاس من شدَّة الْأَمر وَرجع بعض النَّاس من الَّذين جازوا إِلَى الأندلس فَأخْبرُوا بِتِلْكَ الشدَّة فقصر النَّاس عَن الْجَوَاز عِنْد ذَلِك عزموا على الْإِقَامَة والدجن وَلم يجوز النَّصَارَى أحدا بعد ذَلِك إِلَّا بالكراء والمغرم الثقيل وَعشر المَال فَلَمَّا رأى ملك الرّوم أَن النَّاس قد تركُوا الْجَوَاز وعزموا على الدجن والإستيطان وَالْمقَام فِي الأوطان أَخذ فِي نقض الشُّرُوط الَّتِي شرطُوا عَلَيْهِ أول مرّة وَلم يزل ينقضها شرطا شرطا ويحلها فصلا فصلا إِلَى أَن نقض جَمِيعهَا وزالت حُرْمَة الْإِسْلَام عَن الْمُسلمين وأدركهم الهوان والذلة واستطال النَّصَارَى عَلَيْهِم وفرضت عَلَيْهِم الفروضات وثقلت عَلَيْهِم المغارم وَقطع لَهُم الْأَذَان من الصوامع وَأمرهمْ بِالْخرُوجِ من مَدِينَة غرناطة إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 الأرباض والقرى وَأَن لَا يبْقى بهَا إِلَّا أَوْلَاد السراج خَاصَّة فَخَرجُوا أَذِلَّة صاغرين ثمَّ بعد ذَلِك دعاهم إِلَى التنصر وأكرههم عَلَيْهِ وَذَلِكَ سنة أَربع وتسع مئة فَدَخَلُوا فِي دينه كرها وَصَارَت الأندلس كلهَا نَصْرَانِيَّة وَلم يبْق من يَقُول فِيهَا لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَهرا إِلَّا من يَقُولهَا فِي نَفسه وَفِي قلبه أَو خُفْيَة من النَّاس وَجعلت النواقيس فِي صوامها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 بعد الْأَذَان وَفِي مساجدها الصُّور والصلبان بعد ذكر الله تَعَالَى وتلاوة الْقُرْآن فكم فِيهَا من عين باكية وَكم فِيهَا من قلب حَزِين وَكم فِيهَا من الضُّعَفَاء والمعدومين لم يقدروا على الْهِجْرَة واللحوق بإخوانهم الْمُسلمين قُلُوبهم تشتعل نَارا ودموعهم تسيل سيلا غزيرا مدرارا وَيَنْظُرُونَ أَوْلَادهم وبناتهم يعْبدُونَ الصلبان ويسجدون للأوثان ويأكلون الْخِنْزِير وَالْمَيتَات وَيَشْرَبُونَ الْخمر الَّتِي هِيَ أم الْخَبَائِث والمنكرات فَلَا يقدرُونَ على مَنعهم وَلَا على نهيهم وَلَا على زجرهم وَمن فعل ذَلِك عُوقِبَ أَشد الْعقَاب فيالها من فجعة مَا أمرهَا ومصيبة مَا أعظمها وأضرها وطامة مَا أكبرها عَسى الله أَن يَجْعَل لَهُم من أَمرهم فرجا ومخرجا إِنَّه على كل شَيْء قدير وَقد كَانَ بعض أهل الأندلس قد امْتَنعُوا من التنصر وَأَرَادُوا أَن يدافعوا عَن أنفسهم كَأَهل قرى ونجر والبشرة أندراش وبلفيق فَجمع ملك الرّوم عَلَيْهِم جموعه وأحاط بهم من كل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 مَكَان حَتَّى أَخذهم عنْوَة بعد قتال شَدِيد فَقتل رِجَالهمْ وسبى نِسَاءَهُمْ وصبيانهم وَأَمْوَالهمْ ونصرهم واستعبدهم إِلَّا أَن أُنَاسًا فِي غربية الأندلس امْتَنعُوا من التنصر وانحازوا إِلَى جبل منيع وعر فَاجْتمعُوا فِيهِ بعيالهم وَأَمْوَالهمْ وتحصنوا فِيهِ فَجمع عَلَيْهِم ملك الرّوم جموعه وطمع فِي الْوُصُول إِلَيْهِم كَمَا فعل بغيرهم فَلَمَّا دنا مِنْهُم وَأَرَادَ قِتَالهمْ خيب الله سَعْيه ورده على عقبه ونصرهم عَلَيْهِ بعد أَكثر من ثَلَاثَة وَعشْرين معركة فَقتلُوا من جنده خلقا كثيرا من رجال وفرسان وأقناد فَلَمَّا رأى أَنه لَا يقدر عَلَيْهِم طلب مِنْهُم أَن يعطيهم الْأمان ويجوزهم لعدوة الغرب مُؤمنين فأنعموا لَهُ بذلك إِلَّا أَنه لم يسرح لَهُم شَيْئا من مَتَاعهمْ غير الثِّيَاب الَّتِي كَانَت عَلَيْهِم وجوزهم لعدوة الغرب كَمَا شرطُوا عَلَيْهِ وَلم يطْمع أحد بعد ذَلِك أَن يقوم بدعوة الْإِسْلَام وَعم الْكفْر جَمِيع الْقرى والبلدان وانطفأ من الأندلس نور الْإِسْلَام وَالْإِيمَان فعلى هَذَا فليبك الباكون ولينتحب المنتحبون فَإنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون كَانَ ذَلِك فِي الْكتاب مسطورا وَكَانَ أَمر الله قدرا مَقْدُورًا لَا مرد لأَمره وَلَا معقب لحكمه وَهُوَ القاهر فَوق عباده وَهُوَ الْحَكِيم الْخَبِير وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم وَصلى الله على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه وَسلم تَسْلِيمًا أثيرا كثيرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 نزوح مُسْلِمِي الأندلس إِلَى الْمغرب قَالَ الْمُؤلف عَفا الله عَنهُ وَقد وجدت مُقَيّدا مَا نَصه وَمن تِلْكَ الْوَاقِعَة الَّتِي وَقعت أَيَّام الْأَمِير مُحَمَّد بن عَليّ بن نصر الخزرجي المبايع فِي غرناطة فِي ذِي الْقعدَة من عَام اثْنَيْنِ وَتِسْعين وثمان مئة وَعَلِيهِ قَامَت النَّصْرَانِيَّة فِي جَمِيع مَدَائِن الأندلس ونهبت أَمْوَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 الْمُسلمين وأملاكهم وَمن بَقِي على ملكه وَجب عَلَيْهِ الْأسر أَو أَن يكون على دين النَّصْرَانِيَّة حَيْثُ ضعفت قُوَّة ذَوي الْإِسْلَام وَمَاتَتْ الْأَبْطَال وَكَانَت المجاعة الْكُبْرَى بالعدوة وَقلت رجال العدوة وَقطع الْجَوَاز مِنْهَا إِلَى الأندلس فَكتب السُّلْطَان مُحَمَّد بن عَليّ إِلَى ملك الرّوم بِالصُّلْحِ فَقَالَ ملك الرّوم بِشَرْط أَن تمكنني من مَدِينَة الْحَمْرَاء ومدينة مرون وجبال السبيكة فأنعم لَهُ بذلك فَقطع النَّصَارَى إِلَى الْمَدَائِن فأخلى لَهُم تِلْكَ النَّاحِيَة من الْمُسلمين وَدخل النَّصَارَى دون أَوْلَاد ألفنش مِنْهُم لقلَّة ذمامهم وَعَهْدهمْ وَفِي عَام خَمْسَة وَتِسْعين وثمان مئة كتب ملك الرّوم إِلَى السُّلْطَان بِأَنَّهُ يجب على الْمُسلمين أَن يعينوه بالزرع فِي كل سنة بِالَّذِي وَجب فِي دينكُمْ من الأعشار والزكوات وَلَا يَأْكُلهُ الْمُسلمُونَ أَو يَكُونُوا فِي هَيْئَة الْحَرْب ثمَّ ضربوا الدِّيوَان على أَن يُؤمنُوا أنفسهم وَأَمْوَالهمْ وَأَوْلَادهمْ وأملاكهم فرضوا بِالشُّرُوطِ إِلَّا ماحرم الله تَعَالَى ثمَّ ارتحل ملك الرّوم إِلَى نَاحيَة الْمَدِينَة الْحَمْرَاء وَنظر ضعف الْمُسلمين ثمَّ ارتحل إِلَى جبل الْفَتْح قرب غرناطة ثمَّ بعث بَنو الفنش إِلَى قشتالة بِأَن الْمُسلمين فِي غَايَة الضعْف وقبح الوجنة فوفدوا عَلَيْهِم بحشود الرّوم فَلَمَّا وصلوا أَخذ النَّصَارَى يَأْكُلُون أَمْوَال الْمُسلمين فاشتكى الْمُسلمُونَ إِلَى الْأَمِير مُحَمَّد بن عَليّ فَقَالَ لَهُم عَلَيْكُم بِالصبرِ حَتَّى ينْتَقل الْجَيْش إِلَى قشتالة فَبعث إِلَيْهِ ملك الرّوم يَقُول لَهُ قل لمن أَرَادَ الْإِقَامَة فِي الأندلس من الْمُسلمين فَعَلَيهِ بِالصبرِ وَمن أَرَادَ الْجَوَاز إِلَى العدوة يَبِيع أملاكه إِلَى النَّصَارَى بِالثّمن الوافي فَعَلَيهِ الْأمان والعهد ثمَّ انطفأ منار الْإِسْلَام وانكسرت شوكتهم وَقَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 ملك الرّوم من أَرَادَ الْجَوَاز إِلَى العدوة يحملهُ النَّصَارَى فِي المراكب من غير كِرَاء وَلَا يلْزمه بِشَيْء مُدَّة من عَاميْنِ أَو ثَلَاثَة وَمن أَرَادَ الْإِقَامَة بغرناطة فَعَلَيهِ الْأمان فَلَمَّا تمت ثَلَاثَة سِنِين ارتحل ملك الرّوم إِلَى الْمَدِينَة الْحَمْرَاء وَإِلَى غرناطة وَفِي ربيع الأول من عَام سَبْعَة وَتِسْعين وثمان مئة كتب ملك الرّوم إِلَى الْأَمِير مُحَمَّد بن عَليّ يَأْمُرهُ بالرحيل من غرناطة إِلَى قرى أندراش ثمَّ ضَاقَ الْأَمر بِالْمُسْلِمين من دُخُوله غرناطة فَقَالَ الْأَمِير مُحَمَّد بن عَليّ للْمُسلمين أردْت الْجَوَاز إِلَى العدوة فَلم يجد من أهل الدِّيوَان خبْرَة وَاخْتلف أَمر الْمُسلمين مَعَ النَّصَارَى فَقَالَ لملك الرّوم أردْت الْجَوَاز إِلَى العدوة فَقَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 لَهُ نعم فَاجْتمع مَعَه خلق كثير من النَّاس نَحْو من سبع مئة رحيل وَركب فِي الْبَحْر وَنزل مليلية من العدوة ثمَّ ارتحل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 إِلَى فاس فَوجدَ بهَا الْقَحْط والمجاعة الْكَبِيرَة فَامْتنعَ النَّاس من الْجَوَاز إِلَى العدوة عَن أَمر ملك النَّصْرَانِيَّة وَكَانَ من أَرَادَ الْجَوَاز من الْمُسلمين يجوزه النَّصَارَى بالكراء الوافي لضعف وَقُوَّة المغارم وزالت حُرْمَة الْإِسْلَام عَن الْمُسلمين وَقطع لَهُم الْأَذَان فِي الصوامع والإجتماع للصلوات فِي الْمَسَاجِد وَمن أَرَادَ الصَّلَاة فعلهَا فِي دَاره وَأمر على كبار غرناطة بِالْخرُوجِ من الْمَدِينَة إِلَى الأرباض وَقبض على أَوْلَاد السراج وَأَوْلَاد بيرة وَأَوْلَاد طفير ثمَّ بَادر الْمُسلمُونَ بِالْجَوَازِ إِلَى العدوة من المراسي فَخرج من بَقِي من أهل مالقة فِي ثَلَاثَة أَيَّام إِلَى بادس وَخرج أهل المرية فِي نصف الْيَوْم إِلَى تلمسان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 وَخرج أهل الجزيرة الخضراء فِي نصف الْيَوْم إِلَى طنجة وَخرج أهل رندة وبسطة وحصن موجر وقرية قردوش وحصن مرتيل إِلَى تطوان وأحوازها وَأهل ترقة ترقة خَرجُوا إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 المهدية وَخرج أهل منسين إِلَى بِلَاد الرِّيف وَخرج أهل دانية وَأهل جَزِيرَة صقلية فِي أَرْبَعَة أَيَّام إِلَى تونس والجزائر والقيروان وَخرج أهل لوشة وقرية الفخار وَالْبَعْض من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 غرناطة وَأهل مرشانة وَأهل الْبشرَة إِلَى قَبيلَة غمارة بزاوية سَيِّدي أَحْمد الغزال وَخرج أهل بربرة وبرجة وبولة وأندراش إِلَى مَا بَين طنجة وتطوان ثمَّ انْتقل الْبَعْض مِنْهُم إِلَى قَبيلَة بني سعيد من قبائل غمارة وَخرج أهل مرينية فِي يَوْم إِلَى مَدِينَة أزيلة وَمَا قرب مِنْهَا ثمَّ خرج أهل مَدِينَة بليش وشيطة وقرية شريش إِلَى مَدِينَة سلا وَخرج مَا بَقِي من أهل غرناطة فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 خَمْسَة عشر يَوْمًا إِلَى بجاية ووهران وبرشد وزوالة ومازونة ونفطة وَقَابِس وسفاقس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 وَسْوَسَة وَخرج أهل طريفة فِي يَوْم إِلَى أسفي وزمور وأنفة وَخرج أهل القلعة إِلَى أجدير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 فَلَمَّا نظر الرّوم إِلَى الْمُسلمين قد شرعوا فِي الْجَوَاز ورحل أَكْثَرهم وَمَا بَقِي مِنْهُم إِلَّا الْقَلِيل أظهرُوا لَهُم حسن الْمُعَامَلَة فوعد الْبَاقُونَ من الْمُسلمين أَن يدخلُوا فِي دين النَّصْرَانِيَّة عَام أَرْبَعَة وتسع مئة فَدَخَلُوا فِيهِ كرها إِلَّا من أخْفى الْإِسْلَام وَضربت النواقيس فِي صوامعها ونصبت الصلبان فِي جوامعها وأكلت الْجِيَف وشربت الْخُمُور وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم لمثل هَذَا فلتبك كل عين فياضة بدموع الدَّم نسْأَل الله تَعَالَى السَّلامَة والعافية فِي الدّين وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَة إِنَّه على كل شَيْء قدير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143