الكتاب: تاريخ اليمن خلال القرن الحادي عشر الهجري- السابع عشر الميلادي/ تاريخ طبق الحلوى وصحاف المن والسلوى المؤلف: عبد الله بن علي بن أحمد بن محمد الحسني، المعروف بالوزير (المتوفى: 1147هـ) المحقق: محمد عبد الرحيم جازم الناشر: دار المسيرة - بيروت   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- تاريخ اليمن خلال القرن الحادي عشر = تاريخ طبق الحلوى وصحاف المن والسلوى الوَزِير الصنعاني الكتاب: تاريخ اليمن خلال القرن الحادي عشر الهجري- السابع عشر الميلادي/ تاريخ طبق الحلوى وصحاف المن والسلوى المؤلف: عبد الله بن علي بن أحمد بن محمد الحسني، المعروف بالوزير (المتوفى: 1147هـ) المحقق: محمد عبد الرحيم جازم الناشر: دار المسيرة - بيروت   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله الَّذِي وعد الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات ليستخلفهم فِي بِلَاده وَجعلهَا دولا بَين خليقته وَالْأَرْض لله يُورثهَا من يَشَاء من عباده وَأشْهد أَن الله الْوَارِث لكل حَيَوَان وجماد القاهر فَلَا معاند لجبروته وَلَا عناده وأصلي على هَذَا النُّور المتنقل فِي الأصلاب الطاهرة والمخترع من أَجله الْكَوْن فإليه رئاسة الدُّنْيَا وَبِيَدِهِ زِمَام أَمر الْآخِرَة وعَلى آله جمال الْكتب وَالسير مَرْكَز دَائِرَة الْعِزّ الأطهر وَبعد فَيَقُول المفتقر إِلَى مَوْلَاهُ الْعَزِيز الْقَدِير عبد الله بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الاله بن الْوَزير جملَة الله بملبوس الْعَافِيَة وَالتَّقوى وَنزع عَن خاطره مخائل الأهوا هَذَا كشكول لطيف ومحمول على الْأَرْوَاح خَفِيف حاولت فِيهِ الْكَشْف عَن الْحَوَادِث الَّتِي مبتداها سنة سِتّ وَأَرْبَعين بعد الْألف لِأَنِّي رَأَيْت مَا سبقها من السنين قد انتظمها التسيير بِلِسَان المؤرخين وَأخذت الْعَفو فِي التَّرْتِيب والرفو فَلم أحفل بالشهر وتسيير أَيَّامه ولف الدَّهْر وتفتيش أعوامه لعلمي وكل من برع فِي التسيير إِن هَذَا يصدر لأمر عسير وَتعرض لما لَيْسَ من الصدْق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 فِي قبيل وَلَا دبير وَقد عزي إِلَى بعض مؤرخي الْيمن أَنه وضع برسم بعض البواش مؤلفا جعله على تَرْتِيب أَيَّام الشُّهُور وأعوام العصور مكيفا وَلما فتشت مسوداته وتتبعت ورقاته وجد مِنْهُ نسختان احداهما المقتصر عَلَيْهَا والمرجوع فِي التسيير إِلَيْهَا وَحين قوبل بَين محصوليهما وجد الِاضْطِرَاب بَين منقوليهما فترى فِي إِحْدَاهمَا النُّكْتَة الْفُلَانِيَّة فِي الشَّهْر الْفُلَانِيّ وتراها فِي الْأُخْرَى قد رتبت للشهر الثَّالِث أَو الثَّانِي وَمن هَذَا الإضطراب الَّذِي يقْضِي بِأَن الْقَصْد الْخدمَة بذلك الْكتاب فترى الْكتاب لَا بسا لتِلْك الأساليب وَالله يعلم مَا تَحت الجلابيب وَقد اطَّلَعت على تَارِيخ لبَعض أَبنَاء مُلُوك الْيمن اوعب فِيهِ مَا وصل إِلَى علمه الشريف وفكره اللَّطِيف فاعتمدت فِي الْقَصَص عَلَيْهِ وَأحلت جلّ مَا نقلته إِلَيْهِ وَمَا زِدْته مني فَإِن عزوته فقد خرجت عَن عهدته وان أطلقته فَهُوَ إنْشَاء الله بَرِيء عَن الْكَذِب ووصمته وَلم أتكلف لَا كَثْرَة سجعا مطبوعا وَلَا أحللته من مسَاكِن التنطع ربوعا لِأَنِّي قصدت من مَوْضُوعه الْعلَّة المنسوبة إِلَى الْغَايَة وَأَن يشْتَرك فِي الْميل إِلَى توقيعه أهل الْبِدَايَة وَالنِّهَايَة وَقد رَأَيْت كثيرا من المؤلفات مَهْجُورًا مَنْبُوذًا إِلَى حيّز الإهمال مَدْحُورًا بِسَبَب مَا تحمله من النكات والمعارف وتجمل بِهِ من قطائف اللطائف (توقى البدور النَّقْص وَهِي أَهله ... ويدركها النُّقْصَان وَهِي كوامل (فَأَقُول دخلت سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَألف كَانَ فِيهَا ملحمة الغرب الَّتِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 جرى لمصابها من كل عين غرب وَذَلِكَ أَن الْمُلُوك الحسنية بِتِلْكَ الديار تجاذبوا أهداب النزاع والشجار وكادت بحبوحة مملكتهم أَن تنهار وَجُمْهُور مملكتهم فاس فَأَما تونس وجزيرة الأندلس فَهِيَ إِلَى صَاحب الْأَبْوَاب ابْن عُثْمَان وَيُقَال أَن أنتماهم إِلَيْهِ وخلاصة مَا شجر بَينهم أَنه لما فَارق الْحَيَاة أَمِيرهمْ الشريف أَبُو عبد الله القايم بِأَمْر الله الْحُسَيْن طلع تخت مَمْلَكَته أَخُوهُ الْأَكْبَر وَملك الْقَضِيب والمنبر وَضربت برسمه السِّكَّة وَعقد عَلَيْهِ اللوآ الْأَزْهَر ثمَّ أَنه بعد ذَلِك جنح إِلَى اقتعاد مملكة الْعُلُوم واستخدام عَسَاكِر منطوقها وَالْمَفْهُوم وَلم يلبث أَن خلع خلعته هَادِم اللَّذَّات وطمع وَلَده فِي أَن تكون مَمْلَكَته من سَائِر الموروثات فرام وضع السَّيْف فِيمَن بقى من أَعْمَامه وقرطس من كنانه غدره نصال سهامه طَمَعا فِي تفرده بِتِلْكَ الْجِهَات ولهجا فِي أَن تصفو لَهُ بتفرده الكدورات وَلما علم بذلك عَمه الشريف أَحْمد أقبل على حربه بخاطر مؤلم وقلب مكمد فَرَجَفَ عَلَيْهِ جرار ورماه من رجال الرّوم بمارج من نَار فمرج عَلَيْهِ بحرين مؤجر عَلَيْهِ خمسين وانكشفت الوقيعة عَن أقحامه الْبَحْر الزخار وَهَكَذَا يكون دفع الْعَار بالعار فتقرر ملكه على قَاعِدَة الغرب واستراح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 واستلم خلعه السلطنة بشفار الصفاح وأطراف الرماح وَهَكَذَا عَاقِبَة من جنح الى الْملك العضوض غير ملاحظ قَاعِدَة مسنون وَلَا مَفْرُوض وَقد ألم بِبَعْض الْقِصَّة الشهَاب الأفندي فِي رَيْحَانَة الألبا وَهِي من محَاسِن مَا صنف فِي العصور الْمُتَأَخِّرَة وَمن البلغاء من يرجح نَفسه على نفس قلائد العقيان وَأما شعراؤها ففيهم الْمجِيد والمتوسط وَفِيهِمْ من لَا يدون لَهُ شعره إِلَّا متسامح وَهَذَا الْكتاب الْيَوْم قد انتشرت نُسْخَة فِي هَذَا الْقطر ومؤلفه عَلامَة نَفسه يقْضِي بِأَنَّهُ من أَرْبَاب الِاجْتِهَاد وَمَا صان لِسَانه فِي رسائل أطلقها على أَعْرَاض جمَاعَة من أكَابِر الرّوم وَقد كَانَ يُسمى بالولي فَإنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون وَمن مؤلفاته شرح شِفَاء القَاضِي عِيَاض وَغَيره وَمِمَّا قلته فِيهِ وفيهَا (إِذا تنبأ أَحْمد بَيْنكُم ... يَا أهل مصر غير منكور) (فقد تحداكم بريحانة ... أوراقها جآت بمنثور) وفيهَا خرج الحداء عَن مَذْهَب الشَّافِعِيَّة إِلَى مَذْهَب الزيدية ولتقارب الديار أثر فِي هَذِه الْقَضِيَّة وَيُقَال أَن أصل هَذَا الْبَطن من الحدادين بِمصْر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 الْقَدِيم وَأَن نسبتهم إِلَى يزِيد بن مُعَاوِيَة وَالله أعلم بحقائق الْأُمُور وفيهَا كتب الْمُؤَيد بِاللَّه مُحَمَّد بن الْقَاسِم إِلَى صنوه امام الإجتهاد الْحُسَيْن رِسَالَة تكْتب من الْعُيُون بِالسَّوَادِ وتفدي من المهج بسويدا الأكباد تلِيق بِكُل أَمِير ومؤمر ان لَا يفارقها فِي سفر وَلَا حضر يربطها فِي زنده ويدرسها مَعَ ورده يحث فِيهَا على التَّوَاضُع وَترك المباهي من التطاول وَمَا يَلِيهِ من الديانَات الظَّاهِرَة والباطنة وَإِعْطَاء ذَوي الْحُقُوق الْحُقُوق وَالنَّهْي عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 القطيعة والعقوق وتوظيف مَرَاتِب أهل الْحُقُوق على طبقاتهم بمراعاة الْعَالم بتوفير حَقه وتوقيره وَالْجَاهِل بمواساة فقيره الْمُطِيع وزجر عاصيه وتحذيره وافتقاد الْأُمَرَاء والأجناد وعرضهم فِي أغلب الْأَحْوَال على دفاتر الْإِمْدَاد وكف الْجند سِيمَا حَاشِيَة الْملك فِي كل وَقت عَن التخطي إِلَى طرق الْمَظَالِم وَوضع أَنْوَاع بَيت المَال خلف أَبْوَاب وأقفال فعمارة المنصب بِالْمَالِ وعَلى قدره يكون قدر الحياطة من الإضمحلال وَفِي هَذِه الرسَالَة مَا هُوَ أَكثر من هَذَا المرقوم فليطلب من مَحَله وفيهَا أوفى الَّتِى قبلهَا كَانَ وَفَاة السَّيِّد الْعَلامَة صَلَاح بن أَحْمد السراجي الْمَعْرُوف بالحاضري وَكَانَ فِي لطف المحاضرة وَحسن الْجَواب ورشاقة الأسلوب أشبه شَيْء بالسيد الإِمَام صَلَاح بن أَحْمد بن عبد الله بن الْوَزير وَقد كَانَت لَهُ الْمنزلَة الرفيعة عِنْد الباشا الْعَارِف جَعْفَر والحاجى مُحَمَّد فضل الله باشا فَإِنَّهُ تمكن من قلب الرجلَيْن مَا شَاءَ وَلما كتب إِلَيْهِ جَعْفَر يسْأَله بقوله (مَاذَا يَقُول إِمَام الْعَصْر فِي رجل ... أضحى قَتِيل الْهوى بالأعين النجل) (هَل يستباح لَهُ أَحيَاء مهجته ... برشف محبوبه وَالضَّم والقبل) (أم هَل يجوز لَهُ يَوْمًا يعانقه ... ويشفي النَّفس من قَول بِلَا عمل ( وَفِي قَوْله ويشفي النَّفس من قَول بِلَا عمل مقَال وَقد وَقع لَهُ نَظِير فِي شعر القدماء وشعراء المولدين كَأبي الطّيب وَغَيره ووجهة تَقْدِير أَن أَجَابَهُ بقوله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 (إِن صَحَّ دَعْوَاهُ فِي إِتْلَاف مهجته ... وَأَن رشف اللمى يشفي من الْعِلَل) (فليرشفن رضاب الثغر ملتمسا ... من ريق محبوبه أحلى من الْعَسَل) (فالرشف فِي شرعة الْإِسْلَام أَهْون من ... قتل امرء مُؤمن بِاللَّه وَالرسل) وَظَاهر هَذَا مُوَافق لمَذْهَب الظَّاهِرِيَّة ان التَّقْبِيل وَالنَّظَر لشَهْوَة وَسَائِر الْمُقدمَات جَائِزَة وَقد تعدى الْحَال بِسَبَب هَذَا الْمقَال فِي أَيَّام حيدر الْمَغْرُور إِلَى مَا هُوَ فِي سيرته وسيرة حَاشِيَته مَشْهُور ذكر بعض العارفين أَنه كَانَ إِذا قصد المنتزهات إنهمك فِي أَنْوَاع الْمَفَاسِد وَاللَّذَّات وَبيع الْخمر فِي سوقه واستوى زرع الْمُنكر على سوقه وَقد قطع هَذَا الْعرق الظَّالِم بدولة الفواطم بعد حصد تِلْكَ الرّقاب العواصي بالقواصم فَالْحَمْد لله وفيهَا قتل شرِيف مُعْتَقد من بني العيدروس بحدود خثعم قَاصِدا لبيت الله الْمُعظم فَضرب الله أهل تِلْكَ الْبَلدة الَّتِي قتل فِيهَا بالجذام عقيب ذَلِك الْمُنكر وَظهر عِنْد الْخَاص وَالْعَام وفيهَا كَانَ وَفَاة السَّيِّد الأديب مُحَمَّد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 مقاطع جي وَله شعر متوسط مدح بِهِ الشريف المسعود صَاحب مَكَّة وَملك الْيمن الْحسن ابْن الْقَاسِم والأمير حُسَيْن بن عبد الرب وَله مكاتبات مَعَ إِمَام الْفلك عِيسَى ابْن لطف الله ومعارضات لشعر السَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن عبد الله بن المتَوَكل على الله يحيى شرف الدّين وفيهَا وَفَاة وَاحِد عصره فِي التنجيم والخط القويم عبد الله بن صَلَاح عنقوب وَله مَجْمُوع كتاب الزيج وتكميل فِي الشُّهُور الْعَرَبيَّة واليزدجردية لكتاب الشَّيْخ باغوث الْحَضْرَمِيّ بلغ فِيهِ إِلَى سنة ألف وَمِائَة وثماني وَسِتِّينَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 وفيهَا مَاتَ الْفَقِيه الفلكي عبد القيوم الرغيلي وَكَانَ من الإتقان بِمحل أول وَهُوَ الَّذِي وضع الْمدْخل الْمُخْتَصر لزيج بن الشاطر الْمُسَمّى بالدر النظيم وَقد وقفت على هَذَا المُصَنّف فرأيته جداول ساذجة خلاف مَا عَلَيْهِ كتب هَذَا الْفَنّ من تخَلّل رِسَالَة المداخل وَنَحْوهَا وَهُوَ لطول مصر وَدخلت سنة سبع وَأَرْبَعين وَألف فِيهَا ارتحل الْملكَانِ الْحسن وَالْحُسَيْن من ضوران متوجهين إِلَى صنعاء الْيمن فِي أبهة حيدرية ومملكة رُومِية وخيول كالسعالي وجنود يدكدك لَهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 الشم العوالي وتلقاهم من بِصَنْعَاء من طَائِفَة الْعَسْكَر فَدَخَلُوهَا فِي وَقت مَسْعُود الطالع أغر وَكَانَ يَوْمًا مشهودا انبهر لَهُ عَسْكَر الأروام الَّذين رَغِبُوا إِلَى خدمَة آل الإِمَام وَرَأى النَّاس مَا هالهم من الشارة الملوكية والسناجق السلجوقية والنوبة الَّتِي رجفت لأصواتها قُلُوب المرجفين واستحكمت بهَا قُوَّة أَفْئِدَة الَّذين كَانُوا مستضعفين وَلما قر قَرَار الْملكَيْنِ انْفَصل الْحسن إِلَى رَوْضَة حَاتِم البهية بِمن مَعَه من القواد والأتابكية وَرجع أَخُوهُ إِلَى ضوران وَأَحْيَا معالمها بِعُلُومِهِ وأعلامه حِصَّة من الزَّمَان وفيهَا وصل الْعَلامَة إِسْمَاعِيل بن الْقَاسِم إِلَى صنوه الْحسن إِلَى صنعاء وَكَانَ قد ناله مشقة التَّكْلِيف بشهارة هُوَ وَمن مَعَه بِسَبَب تحري الإِمَام الزَّاهِد الإِمَام الْمُؤَيد فِي حَاله مثله فَصنعَ إِلَيْهِ أَخُوهُ الْحسن من أَصْنَاف الْمَعْرُوف مَا هُوَ بِهِ مَذْكُور لَهُ مألوف وَحضر قِرَاءَة الْفُصُول اللؤلؤية مَعَ أَخِيه الْحُسَيْن على إِمَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 الْعَصْر الْأَخير مُحَمَّد بن عز الدّين الْمُفْتِي وأتفقت الْمُرَاجَعَة الطَّوِيلَة بَينه وَبَين شَيْخه فِي مسئلة الرَّجَاء عِنْد إملاء مَا نَقله صَاحب الْفُصُول عَن الْفَقِيه قَاسم الْمحلي من قَاعِدَة بنآ الْعَام على الْخَاص وَقد وقفت على أجوابه عَن السُّؤَال ورايتها لَا تحل ذَلِك الْإِشْكَال وأشفها أَن التوعد على كل كَبِيرَة بِعَينهَا لَا يجلب إِلَيْهِ تطرق الإحتمال وَهُوَ بعد ذَلِك مطروق بمناقشة صعبة الإضمحلال وَهِي أَن التوعد كَذَلِك لَا يخرج الْمعْصِيَة الْمعينَة من عُمُوم الْأَوْقَات وَالْأَحْوَال وَرَأَيْت الْجد صارم الْإِسْلَام قد ترك الْإِشْكَال مَفْتُوحًا ولأمر مَا خلاه عَن طرق النّظر مطروحا وَهُوَ الَّذِي عض فِي الْعُلُوم بناجذ وتلمح من الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول خفيات المأخذ وَلما اسْتَقر حَال الْمُؤَيد بِاللَّه بضبطه مملكة الْيمن وقوى جَانِبه لمهابة جَانب أَخَوَيْهِ الْحُسَيْن وَالْحسن انْقَطع بإرسال البواش طمع السُّلْطَان مُرَاد وَعلم أَنه لَا يَنْتَظِم لَهُ مرام وَلَا يتم لَهُ مُرَاد مَعَ مَا كَانَ قد أتْلفه قواده فِي الْأَيَّام السَّابِقَة من الخزاين المشحونة والذخائر المصونة وَالْخَيْل المسومة والأبطال المعلمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 وانضاف إِلَى ذَلِك اشْتِغَاله باستدراك الْعرَاق من يَدي سُلْطَان الْعَجم الشاه عَبَّاس بعد مُتَابعَة المراس وَإِتْلَاف النفائس والأنفاس وَلما اقتعد أَخُوهُ السُّلْطَان إِبْرَاهِيم ملكه الْعَقِيم جنح إِلَى سد هَذَا الْبَاب وأطفأ سعير السيوف والحراب واشتغل بِبَقِيَّة عمل الْعرَاق حَتَّى طرد عَنهُ الشاه وَاسْتقر دُخُوله فِي قَاعِدَة مملكة الأروام وَقد صَحَّ عَن الباشا قانصوه مَا يفهم إضراب صَاحب اصطنبول عَن الْيمن فَإِنَّهُ لما فر الى مليك الْيمن الْحسن فِي أَيَّام منازلة المخا وزبيد وَرَأى من الْحسن الْإِحْسَان الَّذِي لَيْسَ عَلَيْهِ مزِيد صرح لَهُ بذلك حَتَّى قَالَ مَا مَعْنَاهُ أَنا الَّذِي اخْتَرْت الْخُرُوج الى الْيمن وَكَانَ الي نِيَابَة مصر قصر وَحين رَأَيْت كَثْرَة أَمْوَالِي طمعت فِي الْيمن فتحملت مونة العساكر الرومية من مَالِي وَأما السُّلْطَان فَمَا كَانَ لَهُ نهج الى التَّخْرِيج وَفِي هَذِه أَو الَّتِي تَلِيهَا كتب الْمُؤَيد بِاللَّه إِلَى أَخَوَيْهِ رِسَالَة جَامِعَة وَكَلمه وازعة وَأمر فِيهَا بِأخذ الزَّكَاة من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 الْقَلِيل وَالْكثير أخذا بِظَاهِر عُمُوم الحَدِيث الشهير وَذكر فِيهَا أَن على النَّاس تضمينات وَأَنه لَو علم التَّخَلُّص عَنْهَا لما فعل مَا فعل وَفِي هَذِه السّنة ظَهرت آيَة من الْآيَات الموقظة وَهِي نَار على بِلَاد حجَّة بمَكَان مُرْتَفع واستمرت أَيَّامًا فسبحان من عظمت قدرته وبهرت صَنعته وفيهَا رأى بعض السَّادة طفلة لَهَا ثديان ولحية مسترسلة فسبحان الْقَادِر على مَا يَشَاء وَفِي شعْبَان هَذَا الْعَام اقْترن المُشْتَرِي والمريخ ولتطلب منزلَة الإقتران من مُصَنف ابْن عنقوب فقد قررها وحررها وَفِي هَذَا الْعَام لَا أَدْرِي فِي أَي شهر مِنْهُ عَاد الْحسن ابْن الإِمَام إِلَى مُسْتَقر ملكه ضوران وَأطَال فِيهِ البنان والبنيان فَإِنَّهُ كَانَ أكْرم من الْغَيْث الهامع وَلَا أَقُول كالرسم الَّذِي لَيْسَ بِجَامِع وَلَا مَانع وَمَعَ استقراره أمنت قبائل تِلْكَ الْجِهَات وَكَانَت الحداء قد أخلتها عَن تِلْكَ الساحات واستولت على أَكثر أَمْوَالهم نهبا وغصبا واستقوى كَذَا جَانب هَذِه الْقَبِيلَة وَصَارَت لِلْحسنِ حزبا وَفِي ضوران الْجَبَل الْمُسَمّى الدامغ وَهُوَ من المعاقل الجسيمة والأعلام المنيعة الْعَظِيمَة حميري الأساس مليح الأنفاس وَقد ذكره الْملك الرائش ذُو مراثد فِي شعره وَهُوَ الَّذِي أسس بناه وشيده وانتماه وَهُوَ من الْأَعْلَام المشمخرة والمنصات الَّتِي تمسح مِنْهَا للشمس الْغرَّة يسترسل بَين أكتافه ذوائب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 الغيوم وَتحمل الْمَرْأَة مكتلها لما يتساقط إِلَيْهِ من ذَرَارِي النُّجُوم قد امتزج طينه من عنبر النسيم بِطيب وَأخذ نسيمه من الشَّفَاعَة إِلَى المزن بِنَصِيب حَتَّى أطار الْقُلُوب إِلَى بَيْتِي حبيب فِي ذكرى منزل حبيب (ربى شفعت ريح الصِّبَا بنسيمها ... إِلَى المزن حَتَّى جادها وَهُوَ هامع) (كَأَن السَّحَاب الغر غيبن تحتهَا ... حبيبا فَمَا ترقى لَهُنَّ مدامع) وَهُوَ وَاسع الْمزَارِع كثير المنابع لَهُ عُيُون تسرح إِلَى تِلْكَ الغصون وتزداد بنزول مَاء المعاصرات الجون وَلما صعد إِلَيْهِ السَّيِّد الأديب المؤرخ عِيسَى بن لطف الله صُحْبَة الْحسن بن الإِمَام وَرَأى رحابة أَعْلَاهُ وَمَا فِيهِ من الْأَرَاضِي المثمرة والعيون المتفجرة قَالَ هَذَا أَرض فِي سَمَاء وَهُوَ حَاكم على تِلْكَ الْبِقَاع متسنم على صياصيها والتلاع وازداد بهجة وحسنا بِأَن كَانَ فِيهِ ضريح الْإِمَامَيْنِ السعيدين الإِمَام الْجواد المتَوَكل على الله إِسْمَاعِيل وَالْإِمَام القطب الزَّاهِر الْمُنْقَطع النظير فِي الْأَوَائِل والأواخر الْمُؤَيد بِاللَّه قدس الله روحيهما وَفِي هَذَا الْعَام أَو الَّذِي قبله توفّي الشَّيْخ الْعَارِف الأصولي على رأى الْمُعْتَزلَة عَليّ بن الْحَاج وَهُوَ من مشائخ القَاضِي عبد الْهَادِي الثلائي وَقد كَانَ من عجائبه حَسْبَمَا حُكيَ عَنهُ أَنه لَا يَقُول بإمامة الْمَنْصُور بِاللَّه الْقَاسِم بن مُحَمَّد وَفِي هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 الْعَام اجْتمع الْحسن وَالْحُسَيْن بضوران مَعَ أَن الْحُسَيْن كَانَ يتَرَدَّد الى وَادي النائجة وَإِلَى صَافِيَة ذِي بهلان وَلم يكن خاطره يَوْمئِذٍ بِمحل من الإطمئنان لعوارض بَينه وَبَين إِمَام الْوَقْت الْمُؤَيد بِاللَّه وفيهَا وَفد على الْحسن بن الإِمَام ولد أَخِيه الْحُسَيْن بن الْمُؤَيد بِاللَّه يشكو تقلص مواده وَقلة إعداده وإمداده فَأمر المدفتر بإدخاله فِي زمرة الأكابر وأجرى عَلَيْهِ من سني الأرزاق مَا يفوت حصر الحاصر ولازم حَضْرَة بَابه وَأخذ فِي الْخدمَة بركابه وَلم يُفَارِقهُ إِلَى أَن فَارق الْحسن الْحَيَاة ثمَّ عَاد إِلَى حَضْرَة وَالِده وَعَلِيهِ أحسن الشارات وَدخلت سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف فِيهَا وصل إِلَى الْحسن بن الإِمَام السَّيِّد الطَّاهِر المغربي الْمَكِّيّ وأهدي إِلَيْهِ مُخْتَصره من كتاب الجفر فقابله الْحسن بِالْفِعْلِ الْحسن وخلع عَلَيْهِ الْخلْع الفاخرة وأجرى عَلَيْهِ الأرزاق المتكاثرة وجهز برفد كثير ونوال غزير وَفِي شوالها توفّي الْحسن بن الإِمَام بالحصين من ضوران وَحضر وَفَاته صنوه الْحُسَيْن رَحمَه الله وَكَانَ عمره أحدى وَخمسين سنة عِنْده وَكَانَ يَوْمئِذٍ وَلَده أَحْمد بن الْحسن بِأول الْبلُوغ وَكَانَ وَلَده مُحَمَّد بن الْحسن هُوَ الْكَبِير بعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 أَن قضى زِيَارَة وَالِده قد عَاد إِلَى قطعته وبلد ولَايَته مَدِينَة صعدة وَمَا إِلَيْهَا فوصل إِلَى حَضْرَة عَمه الْمُؤَيد بِاللَّه شهارة ثمَّ سَار إِلَى حبور وبلغه وَفَاة أَبِيه فَعَاد من حبور مبادرا إِلَى حَضْرَة عَمه الْحُسَيْن بضوران وَكَانَ يظنّ أَن الإِمَام الْمُؤَيد بِاللَّه سَيجْعَلُ إِلَيْهِمَا أَمر بِلَاد أَبِيهِمَا لما فِي وُجُوههمَا وانصباب أَصْحَاب والدهما إِلَيْهِمَا فَاقْتضى نظره أَن الْبِلَاد الَّتِي كَانَت مَعَ شرف الْإِسْلَام بأجمعها تصير إِلَى صنوه الْحُسَيْن وَإِلَيْهِ تَدْبِير إمداد حاشيتهما وَأمر وَلَدي أَخِيه بالتوقف على رَأْي عَمهمَا الْحُسَيْن وَكَانَ الْحسن بن الإِمَام مَعَ شجاعته وَنِهَايَة كرمه وصفاء بَاطِنه وسلامة جَمِيع أَحْوَاله متمسكا بِحِصَّة نافعة من الْعلم وَله حَظّ فِي البلاغة جيد وَله بأيدي النَّاس قصائد مَشْهُورَة وَمِنْهَا القصيدة الَّتِي يحث وَالِده فِيهَا على الصُّلْح الَّتِي طالعها (مولَايَ ان الصُّلْح أعذب موردا ... فاسلك لَهُ جددا سويا أجردا) وَكَانَ هُوَ وَأَخُوهُ الْحُسَيْن شريفي الطَّرفَيْنِ فَإِن جدهما من قبل الْأُم السَّيِّد الناسك عَليّ بن إِبْرَاهِيم العابد رَأَيْت لبَعض الْفُضَلَاء كلَاما فِيهِ يَقُول فِيهِ مَا لَفظه كَانَ قوته فِي كيسه بالميزان عونة وَاحِدَة فِي الْيَوْم فرغ نَفسه لعبادة الله فِي الْمَسَاجِد الخالية ورفض الدُّنْيَا وَبعد عَن أَهلهَا حَتَّى عَن أَهله وَأَوْلَاده فَكَانَ يوتى فِي بعض الْأَحْوَال بقوته من كوَّة الْمَسْجِد إِلَى أَن قَالَ وَقد قَامَ بالحسبة لما قَالَ لَهُ أهل الشّرف الْأَسْفَل أَن الشاوش مرجان وغوث الدّين دخلُوا على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 الشرايف فِي بِلَاد نوسان وَغَيره وَجعلُوا وَجعلُوا وفعلوا وفعلوا فَقَامَ بالحسبة هُوَ وَالسَّيِّد عَليّ إِبْرَاهِيم صَاحب الجاهلي وَقَامَ مَعَهم قبائل الشّرف الْأَسْفَل وقاتلوا مرجان شاوش وعسكر غوث الدّين فِي مَوضِع يُسمى الفايش فَوق جبل بني جلّ وَتَحْت المحابشة فَانْهَزَمَ الْقَبَائِل وَلم يصدقُوا وَقتل مِنْهُم جمَاعَة وَلَا همة لَهُم فِي نصْرَة الدّين إِنَّمَا همتهم إِزَالَة مطَالب الدولة وظلمهم لمن استضعفوا مِنْهُم أَكثر من ظلم الدولة فَلَمَّا عرف ذَلِك مِنْهُم رفضهم بِالْكُلِّيَّةِ واعتزلهم اعتزالا كليا وَلم ينله من الدولة الَّذِي حاربهم مَكْرُوه خوفًا لجانبه وَكَانَ كَمَا قيل (يدع الْعَظِيم فَلَا يُرَاجع هَيْبَة ... والحاضرون نواكس الأذقان) (أدب الْوَقار وَعز سُلْطَان التقا ... فَهُوَ المطاع وَلَيْسَ ذَا سُلْطَان) فَبَقيَ يتَرَدَّد فِي الْمَسَاجِد لِلْعِبَادَةِ حَتَّى مَاتَ رَحمَه الله وَهُوَ يَتْلُو سُورَة يس انْتهى وفيهَا مَاتَ السَّيِّد الْعَارِف البليغ الفلكي روح الله عِيسَى بن لطف الله بن المطهر بن أَمِير الْمُؤمنِينَ يحيى شرف الدّين بن شمس الدّين بن أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمهْدي لدين الله بِصَنْعَاء الْيمن عقيب دُخُوله إِلَيْهَا رَاجعا من جِهَة الْيمن وَكَانَ على مَا قيل توخى دُخُول تِلْكَ السَّاعَة اسْتِعْمَالا لحصة من البضاعة فسبحان من وسع كل شَيْء رَحْمَة وعلما وَكَانَ فِي سَفَره هَذَا مُنْفَصِلا من حَضْرَة الْملك الْعَظِيم مُحَمَّد بن الْحسن من ذمار وَله التَّارِيخ الْمَشْهُور الْمُسَمّى بِروح الرّوح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 وَهِي تَسْمِيَة فِي أعلا طَبَقَات الْمُنَاسبَة والرامن روح الْمُضَاف مَفْتُوحَة وَمن الْمُضَاف إِلَيْهِ مَضْمُومَة وَهُوَ من رَأس الْمِائَة التَّاسِعَة إِلَى زَمَانه ذكر فِيهِ دولة بني طَاهِر وجده الإِمَام شرف الدّين وَمَا تعقب دولته وَكَيْفِيَّة زَوَال تِلْكَ الدول وَفصل مَا شجر بَين جده المطهر وَبَين أُمَرَاء الأروام من تِلْكَ الْمَلَاحِم الَّتِي طحنت الرؤوس وأفنت النُّفُوس وأنست حَرْب داحس والبسوس وقضت أَن المطهر بن الإِمَام فرع من تِلْكَ الشَّجَرَة العلوية وافتخار عِنْد مقارعة الحروب ومنازلة الخطوب للحوزة اليمنية وَله كتاب النفحة اليمنية فِي دولة المحمدية جعله خدمَة لحضرة مُحَمَّد باشا لمزيد اخْتِصَاصه بِهِ وإحسانه إِلَيْهِ وَله قصائد مدونة فِي مُحَمَّد باشا وَغَيره وَله ديوَان حميني مُخْتَصر وَهُوَ الَّذِي جمع الشّعْر الحميني والموشح للسَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن عبد الله بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 الإِمَام شرف الدّين وَذكر الْأَسْبَاب وليته لم يذكرهَا وَذكر فِي ديباجة الدِّيوَان أَن أول من تكلم فِي الحميني أَحْمد فليته ثمَّ الْفَقِيه فَخر الدّين عبد الله المزاح ثمَّ الْفَقِيه إِمَام الطَّرِيقَة عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم الْعلوِي وَكَانَ هَذَا السَّيِّد مُحَمَّد بن عبد الله بن الإِمَام من محَاسِن السادات علما وَعَملا مَعَ ورع شَدِيد ويكفيه حَدِيث الْجَارِيَة فَإِنَّهُ اشْترى جَارِيَة وعلق بهَا إِلَى النِّهَايَة فَذكرت لَهُ مرّة أَنه اشْتَرَاهَا مُشْتَر وَولدت لَهُ ولدا ثمَّ غَابَ عَنْهَا فَخرجت من بَلَدهَا فانتهبت وبيعت إِلَيْهِ فتكدر باله وتشوش حَاله وَمنع نَفسه مِنْهَا مصادقة لَهَا بِمُجَرَّد قَوْلهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 وتحرجا عَن الْوُقُوع فِي الْمَحْظُور وَكَانَ الْفَقِيه الشكايذي قد أفتاه بِأَن الْيَد لَهُ وَالْملك ملكه فِي الظَّاهِر فَرجع إِلَى تَرْجِيح التعمق فِي الدّيانَة الباطنية فَأمرهَا بالإحتجاب وسد عَنْهَا الْأَسْبَاب مَعَ طرف مسفوح وقلب مقروح وزفرات تَغْدُو وَتَروح وَهِي أَيْضا قد كَانَ وَقع مِنْهَا الْموقع الْعَظِيم من الولوع فاشتركا فِي تصعيد الزفرات وإرسال الدُّمُوع ثمَّ ظهر بعد فَتْرَة أَنَّهَا فرت إِلَى بلادها وَأَنَّهَا ارْتَدَّت فانتهبت بعد الرِّدَّة وَلَكِن هَذَا لم ينجح فِي إِزَالَة الشُّبْهَة عَن خاطر سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله بل اسْتمرّ على الْفِرَاق وَبت حَبل التلاق وَهَذَا قسم من الْوَرع قد ألم بِهِ الْغَزالِيّ فِي إحيائه والديلمي فِي تصفيته وَغَيرهمَا رزقنا الله تَعَالَى حسن الاستعداد فلسنا من أهل هَذَا الْمقَام وَوَقع بَينه وَبَين الإِمَام الْأَعْظَم الْقَاسِم بن مُحَمَّد مشاعرات تتَعَلَّق بِمذهب التصوف وَغير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته فِي جمادي الأولى سنة عشر وَألف بِالذنُوبِ من حجَّة رَحمَه الله وَذكره وَذكر وَفَاته هُنَا عَارض وَإِلَّا فَهُوَ من وضائف مَا سلف وفيهَا مَاتَ القَاضِي الْعَلامَة عبد الْهَادِي بن أَحْمد الثلائي الحسوسة الْحَاكِم بِمَدِينَة صنعاء وَكَانَ مبرزا فِي أصُول دين الْمُعْتَزلَة البهشمية أَخذ عَنهُ القَاضِي الْعَلامَة صارم الدّين إِبْرَاهِيم بن يحيى السحولي رَحمَه الله وَالْقَاضِي أَحْمد بن صَالح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 الْعَنسِي وَغَيرهمَا وَخَلفه فِي الْقَضَاء بِولَايَة الْمُؤَيد بِاللَّه القَاضِي إِبْرَاهِيم بن يحيى مقدم الذّكر ووجهت إِلَيْهِ مَعَ ذَلِك المخاطبة وفيهَا أَو الَّتِي قبلهَا مَاتَ القَاضِي الْعَارِف البليغ عبد الله بن حسن البشاري العذري وَله قصائد كَثِيرَة مدح بهَا شرف الْإِسْلَام الْحسن بن الإِمَام وَغَيره وَله ديوَان مَجْمُوع وَدخلت سنة تسع وَأَرْبَعين وَألف فِيهَا كَانَ زحل بالحوت وَاسْتقر بدر الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحسن بن الْقَاسِم بذمار بِأَكْثَرَ أَعْيَان وَالِده وَلما تلمح فِي الْقَضِيَّة وَعلم أَن الإِمَام قد أدرج يَده عَن الْبِلَاد بِالْكُلِّيَّةِ وَكَانَ فِي بَاب تَدْبِير الْملك خريتا ماهرا لَا يدْرك لَهُ غور وَلَا يُوقف لَهُ على طور انبعثت همته إِلَى فتح الدَّوَاوِين وَمد الانطاع وأشخص نَفسه للإنصاف بَين المتظالمين وَقرب من قربه وَالِده من السادات والأعوان ورؤساء العبيد وَسَائِر المعاونين وَكَانَ وَالِده قد ضم من أَعْيَان الدولة جملَة يفتح بهَا الْأَمَاكِن القاصية ويقتنص بهَا الرّقاب العاصية وَلما فتح نَفسه للوافدين وَطعم النَّاس حلاوة عدله مَعَ مَا رزق من كيمياء السَّعَادَة وانجذاب خواطر الْعَالم إِلَيْهِ بِمَا يخرج عَن طَرِيق الْعَادة حصل من أداب الْبِلَاد بِمَا كَاد أَن يَفِي بأرزاق الأجناد وَتزَوج يَوْمئِذٍ ببنت الْأَمِير سنبل وَسكن بدار أَبِيهَا وَأما صنوه صفي الْإِسْلَام أَحْمد بن الْحسن فَإِنَّهُ عَاد إِلَى ذِي مرمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 وَالْغِرَاس وَعِنْده جملَة من الْأَبْطَال الْمَعْدُودين ليَوْم النزال وَعَلِيهِ لوائح الْجَلالَة تلوح وطيور الإقبال تَغْدُو عَن ميامنه وَتَروح ثمَّ أَن بدر الْإِسْلَام مُحَمَّد ابْن الْحسن بن الإِمَام جمع رَأْيه عِنْدَمَا كثرت الأجناد بِحَضْرَتِهِ وتضاعفت النَّفَقَات أَن يتَقَدَّم إِلَى عَمه الْحُسَيْن بضوران فوصل إِلَيْهِ بأبهة ملوكية وشارة حسنية وَلَا طفه فِي أَن يفرده بِبِلَاد تكون إِعَانَة فِي عمل الأجناد وَيقوم بِبَعْض السداد فبادر إِلَى أسعاده وَمد يدا إِلَى أمداده وأقطعه بِلَاد الشوافي وخبان وَبني سرحة ويريم والتعكر ثمَّ عَاد إِلَى ذمار مجبورا محبورا وَتعقب ذَلِك تقدم شرف الْإِسْلَام الْحُسَيْن إِلَى محروسة ذمار فوصلها بزِي عَظِيم وجيش جرار وَأَرَادَ لما وصل النُّزُول بدار التكية فِي حوطة حسن البابا فَلم تطب نفس ابْن أَخِيه عز الْإِسْلَام بذلك وَقَالَ لَا يصلح السّكُون إِلَّا فِي دَاري وَالْبَيْت بَيْتك وَالْولد ولدك فساعده شرف الْإِسْلَام وَسكن فِي بَيته على أحسن مقَام ثمَّ عَاد الْحُسَيْن إِلَى ضوران وَاسْتقر ولد أَخِيه مُحَمَّد بذمار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 قصَّة الْحَوَادِث وَأما صفي الْإِسْلَام أَحْمد بن الْحسن بن الإِمَام فَإِنَّهُ بعد ذَلِك تجرد من ذِي مرمر عَن أَسد يفترس ويهمهم ويزأر وَاسْتقر بِهِ السّفر الْقَرِيب إِلَى حَضْرَة أَخِيه مُحَمَّد بن الْحُسَيْن وَكَانَ شرف الْإِسْلَام قد عرض عَلَيْهِ ولَايَة أصَاب فامتثل فِي المبادىء وَإِلَى الْقبُول أجَاب ثمَّ أرجعها لحقارتها بِالنّظرِ إِلَى تَكْلِيفه وَأما الإِمَام الْمُؤَيد بِاللَّه فَلم يسمح للْجَمِيع بِقَيْد شبر وَأجَاب لما سُئِلت الْولَايَة للأخوين بِأَنَّهَا لَيست من جملَة المياريث ثمَّ أَن أَحْمد بن الْحسن تقدم من ذمار إِلَى أصَاب فِي شهر شعْبَان من هَذَا الْعَام ورحل برحلته من جنح إِلَيْهِ من فرسَان الصدام وأساد الإلتحام ثمَّ انْتقل عَنْهَا إِلَى بِلَاد عتمة فَخرج عَنْهَا واليها السَّيِّد الرئيس المطهر بن مُحَمَّد الجرموزي وَوصل إِلَى حَضْرَة الْحُسَيْن وَهُوَ بجبل ضوران فَرفع الْأَمر من حِينه إِلَى صنوه الإِمَام الْمُؤَيد بِاللَّه وَأخْبرهُ أَن أَحْمد بن الْحسن قد رفع وَالِي الْجِهَة وَأَن قصبتها صَارَت فِي بَاب الإستيلاء وَأَن الرجل متبوع وَأَن رأية لهيبته مسموع وَأَن المطالب قد انساقت من أَهلهَا إِلَيْهِ وَأَنَّهُمْ انثالوا رَغْبَة وَرَهْبَة عَلَيْهِ وَأَن عَليّ بن شمسان وَهُوَ الْوَالِي يَوْمئِذٍ بجهات الْيمن إب وبعدان قد مَال إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 جَانب أَحْمد بن الْحسن ثمَّ تقدم شرف الْإِسْلَام لإستدراك فعلة ذَلِك الهصور القمقام قبل أَن يطير فِي الْيمن شِرَارهَا ويملأ الْكَوْن غبارها (فَإِن النَّار بالزندين تورى ... وَأَن الْحَرْب أَولهَا كَلَام ( وَكَانَت طَرِيقه وَادي النايجه واستناب وَلَده بدر الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن الإِمَام فَبَاتَ بِبَلَد يُقَال لَهَا ذَاهِب أَسْفَل وَادي النايجة من أَطْرَاف بِلَاد آنس فَوق مَدِينَة العبيد على يسَار الذَّاهِب ثمَّ أحضر الْعَسْكَر الَّذين مَعَه ووجوه النَّاس إِلَى صرح مَسْجِد ذَلِك الْبَلَد وأفهمهم سَبَب التَّجْهِيز ووطنهم على الثَّبَات وعرفهم مَا هم قادمون عَلَيْهِ وَمن الَّذِي هم قادمون إِلَيْهِ وَكَانَ الْحُسَيْن أسدا من أسود الله وسيفا من سيوف الله المنتضاة تتجلى على يَدَيْهِ المعارك السود وتنجذ بروعة براثن الْأسود وَهُوَ كَأَنَّهُ فِي محاضرة صديق أَو مطالعة بحث غير عويق فَأجَاب عَلَيْهِ الْعَسْكَر بِلِسَان وَاحِدَة أَنا تَحت رَايَتك الْعقَاب الخافقة بنسيم الصَّوَاب وَلَو إِلَى مطالع الشَّمْس فأصدع بِأَمْرك وأفلج بقهرك ثمَّ انْتقل الْيَوْم الثَّانِي إِلَى بلد مياس وَهُوَ مَزَار هُنَاكَ طيب الأنفاس وَأمر عِنْد وُصُوله لحفظ مغربة عتمة وبابها قبل أَن يقدم ذَلِك الهصور عيونه إِلَى ثناياها وشعابها فَيملك صوبي الطَّرِيق وَيكثر عِنْد ذَلِك التعويق وَلما عرف أَحْمد بن الْحسن أَن أَصْحَاب عَمه قد استقروا بذلك الْمَكَان هيأ فرسَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 العراك وأسود الطعان وَتقدم عَمه الْحُسَيْن إِلَى إسعار نَار الْحَرْب وَإِقَامَة سوق الطعْن وَالضَّرْب فَلم يشْعر أَصْحَاب الْحُسَيْن إِلَّا وَقد طلع عَلَيْهِم بيرق دَار من تِلْقَاء ابْن أَخِيه وورأه الْجَيْش الجرار عَلَيْهِ الْمِقْدَام عطيه وَأحمد بن الْحسن اسْتَقر فِي بلد الْحَوَادِث وَأَرَادَ أَن يكون مهبط الوقائع ومنبع الْحَوَادِث وَلما تلاحم الْفَرِيقَانِ واصطدم الخصمان كَاد أَصْحَاب الْحُسَيْن أَن يولوا الأدبار لَكِن وَإِلَى أَيْن فالتجأوا بعد ذَلِك إِلَى الْجَبَل بعد أَن أعوزتهم الْحِيَل ثمَّ أرْسلُوا مَا فِي بطُون البنادق فأنهلت على المعسكر الْأَسْفَل بصواعق وَأخذت الْأَرْوَاح واجتذت العلايق وانصرفت إِلَى عطيه وَهُوَ مقدم الْقَوْم رصاصة دعت إِلَيْهِ حِينه وخلاصه وَعند ذَلِك حانت هزيمَة عَسْكَر صفي الْإِسْلَام وَأخذُوا النجا بِرَفْع السَّاق عَن ذَلِك الْمقَام وَشرف الْإِسْلَام خرج أول اللَّيْل من مياس وَصعد الْعقبَة فِي الديماس وَبَقِي بَقِيَّة اللَّيْل فِي بلد سوق الربوع وَلما أصبح الصُّبْح بَادر إِلَى تِلْكَ الْقرْيَة الخراب الَّتِي وَقع فِيهَا الْحَرْب والحراب وَضربت هُنَاكَ خيامه وركزت ثمَّ أَعْلَامه ثمَّ أَن جمَاعَة من أَصْحَاب السَّيِّد مطهر ثارت أحقادهم وتطلع إِلَى الشَّقَاء أحادهم انشمروا إِلَى حَضْرَة الصفي محاربين من غير أَن يشْعر بهم شرف الدّين فحاول رجوعهم بعد أَن علم فَلم يمتثلوا وَلم يَلْبَثُوا أَن سمعُوا تحضيره الْحَرْب بالحوادث فَعَلمُوا أَنه الْخطب الكارث وَكَانَ بِحَضْرَة الْحُسَيْن السَّيِّد الإِمَام الْعَلامَة أَحْمد بن عَليّ الشَّامي فَقَالَ لشرف الْإِسْلَام أما بعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 التحضيرة وعزم تِلْكَ الطَّائِفَة الْيَسِيرَة فَلَا يصلح مِنْكُم التواني فبادروا قبل أَن تتخطفهم الرماح الشواجر ويلحقوا بأمس الدابر فَتغير وَجه الْحُسَيْن لِأَنَّهُ كَانَ يُرِيد أَن تنحسم فتْنَة ابْن أَخِيه بِدُونِ هَذَا شَفَقَة عَلَيْهِ ومحبة فِي حقن الدما وتسكين الدهماء ثمَّ أَنه أَمر بعد ذَلِك بِأخذ الأهبة والتعبئة لِلْقِتَالِ وَركب واحترك الْعَسْكَر بأجمعه وَتقدم بيرق أَحْمد الحاشي صَاحب الشّرف فشارف الْوُصُول وَقد التحم الْحَرْب واتصل الطعْن وَالضَّرْب وَقتل جمَاعَة وَأسر آخَرُونَ ثمَّ تراجع الْفَرِيقَانِ بِسَبَب البنادق وحجزها مَا بَين الفيالق وَكَانَ النَّقِيب سرُور شلبي من أَصْحَاب صفي الْإِسْلَام وَمن انضاف إِلَيْهِ قد ترَتّب فِي المغربة وَطَرِيق الْحَوَادِث والنقيب حسن البحش قد أَخذ راس الأكمه وَعمر المتاريس فاتصل الْحَرْب بالبنادق من ضحوة النَّهَار إِلَى الظّهْر وبسبب إصْلَاح التعبئة من أَصْحَاب الصفي أَحْمد بن الْحسن استعلوا على أَصْحَاب عَمه وانهمكوا فيهم جرحا وقتلا فَلَمَّا استرسل ذَلِك أَمر الْحُسَيْن البيرقدار وَهُوَ صَلَاح الحملاني أَن يتَوَجَّه بِمن بَقِي من الْعَسْكَر إِلَى الْقرْيَة الَّتِي هِيَ أيسر الأكمة الْمَمْلُوكَة وَقَالَ لَهُ إِذا دَخَلتهَا واستوليت عَلَيْهَا فَاطلع على الَّذين فِي الأكمة من ورائهم ليَكُون ذَلِك نفسا على من تَحْتهم من أَصْحَابنَا فعزم الْمَذْكُور فِي الْحِين وَمَعَهُ نَحْو الْعشْرين وَدخل الْقرْيَة بِغَيْر شجار وأحرق ثلثهَا بالنَّار وَتجَاوز عَنْهَا للتفتيش على أُولَئِكَ من مضيق الْحصار فَلَمَّا رَآهُ أهل الأكمة لم يَلْبَثُوا أَن ولوا الأعقاب وَكَانَ ذَلِك النّظر الشرفي من أقوى الْأَسْبَاب وَأُصِيب النَّقِيب ياقوت شلبي فِي يَده وَإِنَّمَا كَانَ جُمْهُور الضَّرَر من قبل مدده فَتَبِعهُمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 الْعَسْكَر فِي الْأَثر وطلع بدر النَّصْر وزهر وَقتل من قتل مِنْهُم حَال الْهَزِيمَة واتصلت بمسامع صفي الْإِسْلَام هَذِه الفعلة الجسمية ثمَّ أَن شرف الْإِسْلَام لحق بآخر الْوَقْعَة وَشَاهد الْقَتْلَى مجدلين وبدمائهم مجللين وَأَكْثَرهم من أَصْحَابه وَأما الْعَسْكَر فَإِنَّهُم اشتغلوا بالإنتهاب فِي محطة صفي الْإِسْلَام وَهُوَ إنحاز بعد ذَلِك إِلَى الْقرْيَة السفلا وَقد فَازَ عَمه بالقدح المعلا ثمَّ أَن الْحُسَيْن أرسل إِلَى ابْن أَخِيه السَّيِّد عبد الله بن أَمِير الدّين وَأمره بالوصول إِلَيْهِ فوصل وخلع عَلَيْهِ وَوجه أَسبَاب الْأنس إِلَيْهِ وَأمسى الْكل بالحوادث وَكَانَ قد اتّفق فِي خلال هَذَا الكارث حَرْب آخر فِي بني بَحر من عتمة بَين جمَاعَة من الْعَسْكَر وَأهل الْبِلَاد وَأَصْحَاب أَحْمد بن الْحسن ويروى أَن بدر الْإِسْلَام كَانَ قد جهز إِلَيْهِ جمَاعَة من عَسَاكِر الصدام فصادف ذَلِك أَن الْحَرْب قد وضعت أَوزَارهَا وأطفئت بيد الْحُسَيْن شِرَارهَا وَالْحَمْد لله وَأما حَدِيث عَليّ بن شمسان فَإِنَّهُ كَانَ قد جهز مدَدا لِأَحْمَد بن الْحسن من الْيمن وَأَرَادَ الإرتحال فَبَلغهُ انجلاء المعركة عَن قبض مخدومه فتشوش خاطره وحار وَمَا زَالَ يدبر حِيلَة للفرار ثمَّ آل بِهِ الْحَال إِلَى أَنه استجار بِابْن عبد الْقَادِر صَاحب عدن وَقد حكى من عرف أنفاس الْحُسَيْن يَوْمئِذٍ أَنه لَو وصل لما ناله إِلَّا كل خير وَكَانَت وقْعَة الْحَوَادِث يَوْم الْخَمِيس فِي الْعشْر الْآخِرَة من شعْبَان هَذِه السّنة وَفِي آخر هَذَا الشَّهْر وصل شرف الْإِسْلَام إِلَى محروس إب وصحبته ولد أَخِيه أَحْمد بن الْحسن وَوصل عقب ذَلِك كتاب الْمُؤَيد بِاللَّه إِلَى صنوه الْحُسَيْن باستدعاء ولد أَخِيه وَعلي بن شمسان إِلَى حَضرته فَسَار إِلَيْهِ وَلما وصلا قابلهما بالإجلال والإعظام والتبجيل والاحتشام فَأَما أَحْمد بن الْحسن فاستقر عِنْد الإِمَام مَا شَاءَ الله وَعَاد عَن أمره إِلَى صنعاء على أوضاع جعلهَا بِيَدِهِ فِيهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 كِفَايَته وكفاية من إِلَيْهِ من أَصْحَابه وأخدانه وأحبابه وَأما عَليّ بن شمسان فَإِن الإِمَام رجح بقاه ذَلِك الأوان وَعمر لَهُ دَارا فاخرة وأجرى عَلَيْهِ الإنعامات الغامرة وَبعد ذَلِك وصل السَّيِّد الْعَلامَة إِسْمَاعِيل بن الْقَاسِم إِلَى جبل ضوران إِجَابَة لداعي أَخِيه الْحُسَيْن فَإِنَّهُ كَانَ قد استدعاه لينوب فِي تِلْكَ الْجِهَات مَا دَامَ بِالْيمن الْأَسْفَل وَلما وصل انتهض السَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن الْحُسَيْن إِلَى حَضْرَة وَالِده متوخيا التتميم لمقاصده فوصل وَبَقِي شهر رَمَضَان وَعَاد إِلَى صنعاء فِي شَوَّال وفيهَا تقدم عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحسن من ذمار إِلَى حَضْرَة عَمه الْحُسَيْن فوافاه بإب ثمَّ نزلا إِلَى تعز وَمَا زَالَ عز الْإِسْلَام يلاطف عَمه الْحُسَيْن فِي زِيَادَة قطعته وَيذكر لَهُ أَنَّهَا قَاصِرَة عَن الْوَفَاء بِمَا عَلَيْهِ وَفِي أثْنَاء هَذِه السّنة ذكر بعض السادات أَن السَّيِّد أَحْمد بن أَمِير الْمُؤمنِينَ الْقَاسِم أصَاب فِي دَار الكيخيا كنزا عَظِيما من الذَّهَب الْأَحْمَر وَلَعَلَّه كَانَ من دَفِين عبد الله شلبي لِأَنَّهُ كَانَ مستقره لما حاصره حيدر باشا ايام الباشا جَعْفَر وَدخلت سنة خمسين وَألف فِيهَا تهَيَّأ شرف الْإِسْلَام للطلوع من الْيمن الْأَسْفَل الى ضوران ثمَّ الزِّيَارَة لحضرة الإِمَام فَسَار فِي شهر ربيع من السّنة الْمَذْكُورَة فتح بَغْدَاد وفيهَا وصلت الْأَخْبَار من تِلْقَاء الرّوم أَن السُّلْطَان مُرَاد بن أَحْمد خَان بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 عُثْمَان قصد محاصرة بَغْدَاد واقتلاع تِلْكَ الأفلاذ والشاه كَانَ قد استولى عَلَيْهِ وسَاق شحنته وَسَائِر مَا يحْتَاج إِلَيْهِ وَكَانَ فِي الأَصْل من قَاعِدَة مَمْلَكَته إِنَّمَا وثب عَلَيْهِ الشاه بِقُوَّة جرأته فأحاط بِهِ من جَمِيع الجوانب ورتب عَلَيْهِ البواش والأغوات والمرازب وكل مقدم من أُولَئِكَ الْأَعْيَان ضبط تَحْتَهُ عُمْدَة من الرِّجَال والفرسان وَيُقَال إِنَّه كَانَ جملَة الخارجين مَعَ السُّلْطَان فِي ذَلِك الصوب أَرْبَعَة عشر لكا وَكَانَ جملَة أَيَّام الحطاط أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَعظم على السُّلْطَان الْخطب واستتب سعير هَذِه الْحَرْب بِسَبَب قُوَّة أَصْحَاب الشاه وَمَا كَانَ قد اخترعه من التَّرْتِيب وأنشأه فقصد الشَّيْخ الْأَعْظَم عبد الْقَادِر الكيلاني واستمد مِنْهُ الأنفاس وَأَن تكون جائلة أثْنَاء الصدام والمراس ثمَّ أَمر الْحداد أَن يصنع لَهُ مدفعا من الخوارق ليطلق على سور بَغْدَاد من جَوْفه صواعق وَفعل كَمَا أَمر وَوجه إِلَى السُّور فِي الْأَثر فَلَمَّا انْتَهَت حجره إِلَى الدائر انعكست على أَصْحَاب السُّلْطَان مُرَاد فأهلكت مِنْهُم جملَة من الْأَعْدَاد ثمَّ رمى بِهِ أُخْرَى فَفتح جانبا من السُّور وَكَانَ بِسَبَبِهِ الْفَتْح الْمَشْهُور لِأَنَّهُ انهار جانبا من ذَلِك الدائر فتبادرت إِلَى الدُّخُول مِنْهُ العساكر وَقتلُوا فِي بَغْدَاد عددا لَا يضبطه قلم وَكَانَ الشاه بِنَفسِهِ فِي جَانب من الْقصر ففر بِنَفسِهِ بعد تَدْبِير الْحِيلَة الْعَظِيمَة فِي ذَلِك فصادف هربه إشتغال النَّاس بِالْقَتْلِ وَالسَّلب والنهب وَلما أدْرك النجَاة كتب إِلَى السُّلْطَان مُرَاد يطْلب مِنْهُ الصُّلْح على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 مَا عدى هَذِه الْبِلَاد وَأَن يَأْمَن كل فِي سربه ويشتغل بطائفته وَحزبه فَأَجَابَهُ إِلَى مَا رام وَلم يكن فِي خلده غير فتح مَدِينَة السَّلَام واستقرت يَد الشاه على بِلَاده الَّتِي هُوَ فِيهَا من جبال فَارس وَمَا إِلَيْهَا وَاقْتصر بعد أَن عاين ذَلِك الهول عَلَيْهَا مَعَ أَنه لم يتْرك أثْنَاء حصاره مجهودا فِي إذهاب ريح السُّلْطَان فقد دبر الْحِيلَة الغريبة لَو كَانَت تصرف عَن الْحدثَان حكى أَنه ربى هرا وربط بِذَنبِهِ فتائل النَّار ثمَّ أرْسلهُ بعد التَّرْتِيب الى جبخانة البارود مَعَ غَفلَة بواردية السُّلْطَان مُرَاد فولج ذَلِك الهر وأحرق الجبخانة وَلم يَتَعَدَّ الْحَرِيق إِلَى غَيرهَا وَلما فتحت بَغْدَاد أَمر السُّلْطَان بعمارة قبر أبي حنيفَة رضى الله عَنهُ بِبَغْدَاد وَكَانَ الشاه قد أَمر بخرابه واعتل بِأَن أَبَا حنيفَة كَانَ يُعَارض الإِمَام جَعْفَر بن مُحَمَّد الصَّادِق رضى الله عَنهُ بالفتوى الى غير ذَلِك وَأمر السُّلْطَان أَيْضا بعمارة قبر الإِمَام عَليّ بن مُوسَى الرضي فاصلح القبرين وَعمر المشهدين وَعظم الْإِمَامَيْنِ وَهَذِه من مناقبه قيل وَكَانَ مُرَاد السُّلْطَان مُرَاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 التَّجْهِيز على الْيمن بعد فتح بَغْدَاد فَلَمَّا تمّ لَهُ ذَلِك الْمطلب وتهيأ للتوجه على الْيمن وتأهب بلغه أَن صنوه إِبْرَاهِيم بن أَحْمد خَان قد خَالفه إِلَى إِرَادَة الاستبداد وخان وتغلب على مملكة الرّوم وَتمّ لَهُ الدست فِيمَا يروم فداخله من الضّيق مَا صده عَن تِلْكَ الطَّرِيق وأسرع بِهِ إِلَى طَرِيق الْمنية وعاون عَلَيْهِ سُلْطَان الْأَغْرَاض النفسانية فَفَاضَتْ روحه وخلا عَنهُ سوحه وَلما ثَبت أَخُوهُ السُّلْطَان إِبْرَاهِيم على كرْسِي السلطنة تحركت نَفسه لفتح مالطة وَمَا وَرَاءَهَا من تِلْكَ الممالك الشاحطة وَيَأْتِي فِيمَا بعد عَام خَبره وَكَيْفِيَّة نَصره وظفره وَلم يفْتَتح السُّلْطَان مُرَاد مَدِينَة السَّلَام إِلَّا بعد إفناء الْأَمْوَال العديدة والذخائر العتيدة والأبطال الكرارة وَالْخَيْل المختارة وَأول جَيش توجه على بَغْدَاد من قبل السُّلْطَان جَيش الباشا حَافظ أَحْمد وَرجع بعد حروب طَوِيلَة بقلب مكمد وَتَبعهُ إرْسَال الْوَزير الْأَعْظَم والجناب الْمُقدم فطال حصاره للمدينة وَضرب خيامه بمشهد الْحُسَيْن وَرجع عَن فتح الْمَدِينَة بخفي حنين لكنه فتح كثيرا مِمَّا حولهَا وَتعقبه هَذَا المركز الْكَبِير الَّذِي كَانَ فِيهِ هَذَا الْفَتْح الشهير وَلما اسْتَقر الصُّلْح كَمَا سلف بَين السُّلْطَان مُرَاد والشاه قرر أَخُوهُ على مراسمه وَمَشاهُ برسوم رسمت على الشاه مِنْهَا إتاوة يحملهَا إِلَى السُّلْطَان فِي كل عَام فِيهَا الْحَرِير وَغَيره وَلم تطب حَال الشاه بعد غخراجه عَن الْعرَاق واستيلاء السلطنة على تِلْكَ الْآفَاق وَتعقب ذَلِك خُرُوجه عَن دَائِرَة الْحَيَاة وَدخُول مَمْلَكَته فِي يَد وَلَده صفي شاه ثمَّ إِن ابْن أَخِيه عَبَّاس شاه ثار عَلَيْهِ وَأخذ المملكة من يَدَيْهِ وجرعه كأس الْمنية وأعدمه تِلْكَ الأمنية ولسلاطين الْعَجم هولاء حَسْبَمَا تَوَاتر أَحْوَال حكمُوا فِيهَا الْملك الَّذِي عاقبته إِلَى زَوَال مثل فرش الْأَبْنِيَة بخالص الْحَرِير وَاسْتِعْمَال أنية الذَّهَب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 وَالْفِضَّة المرصعة بالجواهر النفيسة وَإِطْلَاق رسن البطالين فِي مدنهم مَعَ البغايا تعللا بِشُبْهَة الْمُتْعَة وتسليط بعض الْأَنْعَام على بعض بالإغراء بَينهَا للتفرج والتفكه بِمَا يتَّفق مِنْهَا وَقد يسمون مارك فِي النطاح بِمن يغمصون جَانِبه من الصَّحَابَة وَإِذا غلب صالوا على من هُوَ فِي ملكه وَذكر بعض السادات عَمَّن روى لَهُ أَو شَاهد أَنهم يرقمون أَسمَاء مشاهير الصَّحَابَة فِي نعَالهمْ ويرفعون أَصْوَاتهم بلعنهم ويجعلون ذَلِك نوعا من التَّقَرُّب إِلَى الله وَهَذِه خَاصَّة لَيْسَ بنكير من مَذْهَبهم وَمن هُوَ على طرزهم إِنَّمَا العجيب إنهماكهم عَن آخِرهم فِي تِلْكَ الْأَحْوَال الَّتِي تدل على الْخُلُو عَن الْعقل والحشمة بِكُل حَال وَعدم الْإِلْمَام بِشَيْء من شَرِيعَة الْملك المتعال فَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم وَفَاة الْحُسَيْن بن أَمِير الْمُؤمنِينَ الْقَاسِم وَفِي شهر ربيع الآخر من هَذِه السّنة طلع شرف الْإِسْلَام الْحُسَيْن من الْيمن الْأَسْفَل إِلَى ذمار وَاتفقَ فِيهِ بَين مُعَسْكَره وَبَين أهل الْمَدِينَة شجار لِأَن عَسْكَر الحيمة الَّذين كَانُوا صحبته أَرَادوا دُخُول الْبيُوت وَلم يكن قد سبق مثل ذَلِك من الْعَسْكَر فاحتركت نفوس أهل ذمار وَأَقْبلُوا عَلَيْهِم بالحجار وَكَانَ فِيهَا يَوْمئِذٍ عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحسن بن الإِمَام فَكَأَنَّهُ كَانَ مِنْهُ إِلَيْهِم رمز لطيف إِن ذبوا عَن أَنفسكُم وَلَو بِالدفع العنيف قبل أَن تثبت عَادَة ويعسر تغييرها عِنْد الْإِرَادَة فَيثبت مَا رسموه وَلم ينْحل مَا أبرموه وَأما الْحُسَيْن فَإِنَّهُ علق بِهِ الْأَلَم من ذَلِك الْحِين وَيُقَال أَنه ذَات الْجنب فَفَارَقَ الْحَيَاة فِي يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس الشَّهْر الْمَذْكُور وَإِلَى الله عَاقِبَة الْأُمُور وَكَانَ قد قَامَ بكفاية بِلَاد الْحسن بن الإِمَام فدبر الْأُمُور وساس الْجُمْهُور وَكَانَ رَحمَه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 الله بعد وَفَاة صنوه وتحمله لعهدته قد ظهر مِنْهُ الْخلق الْوَاسِع وَالعطَاء النافع وَحضر دَفنه ولد أَخِيه عز الْإِسْلَام وقبر حول حوطة الإِمَام المتَوَكل على الله المطهر بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الحمزي وَأما علمه فَهُوَ الَّذِي طبق الْآفَاق وانعقد عَلَيْهِ الإتفاق ويكفيه تَحْقِيقا وتدقيقا وترصيفا وتنميقا مُؤَلفه فِي أصُول الْفِقْه الْمُسَمّى غَايَة السول وَشَرحه الْمُسَمّى هِدَايَة الْعُقُول وَقد كتبت مِمَّا قلته فِي ديباجة غَايَة السول (لله من غَايَة أعوذها ... بِاللَّه من عين كل ذِي حسد) (كم كللت للفصول جَوْهَرَة ... وَكم لَهَا من يَد على الْعَضُد) وَقد اشْتغل آخر مدَّته بِالْحَدِيثِ وَسمع الْجُزْء الأول من صَحِيح مُسلم على الْفَقِيه الْحَافِظ عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الحيمي رَحمَه الله وَله مُصَنف فِي عدم اشْتِرَاط الإِمَام الْأَعْظَم فِي صَلَاة الْجُمُعَة وَهُوَ لقَوْل الشَّافِعِي وَللسَّيِّد الإِمَام الْحسن الْجلَال مُصَنف فِي نهجه وأصل هَذَا الْبَحْث للأمير الْحُسَيْن وَقد زَاد عَلَيْهِ مَا لَا معدل عَنهُ للنظار الإِمَام الْحجَّة مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عَليّ بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 المرتضى فِي رِسَالَة مَشْهُورَة وَله رِسَالَة فِي النَّهْي عَن منع الشَّافِعِيَّة من القادمين فِي الصَّلَاة لما مَنعهم بعض وُلَاة الْيمن الزيدية جهلا مِنْهُ وَنَهَاهُ الْحُسَيْن عَن التَّعَرُّض للنَّهْي عَن الْمسَائِل الخلافية وَلما وصلت الرسَالَة إِلَى الْيمن أثنوا عَلَيْهِ خيرا وَله مُخْتَصر أدب الْعَالم والمتعلم وَله حَوَاشِي على أساس أَبِيه الإِمَام الْأَعْظَم وَشَرحه للسَّيِّد الْعَلامَة أَحْمد بن مُحَمَّد الشرفي رَحِمهم الله وَكَانَ لَهُ من شدَّة الْبَأْس مَا يخرج عَن طور الْبشر ومواطنه مَعَ شجعان الأتراك أَيَّام الحطاط على حيدر وَغَيرهَا مَعْرُوفَة وَمِمَّا اتّفق لَهُ من الشدائد الْعَظِيمَة أَنه سبح فِي بعض الْأَيَّام فِي غَدِير الرصدين من جِهَات البطنة من بِلَاد عذر فَغمسَ فِي المَاء كَمَا يَفْعَله الماهر فِي عمل السباحة فقذفه المَاء عِنْد إرتفاعه إِلَى جَانب شَدِيد الظلمَة فانحسر عَنهُ المَاء لِأَن الغدير بَين جبلين فَبَقيَ فِي ذَلِك الْجَانِب متحيرا فِي أمره من نَهَار ذَلِك الْيَوْم الى صباح الْيَوْم الثَّانِي فَعِنْدَ ذَلِك ظهر لَهُ شُعَاع الشَّمْس عِنْده شروقها وَأدْركَ ضوءها بَين المَاء فَغمسَ فِي المَاء تخيتا وتخمينا لمصعد النجَاة فخلصه الله وبرز من ذَلِك الخضم بعد أَن حصل الْإِيَاس عَنهُ ثمَّ وَكَانَ رَحمَه الله يرى أَن الْخلاف بَين الْعلمَاء فِي أصُول الدّين لَفْظِي وَأَنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 لَا يجوز التَّكْفِير والتفسيق بالإلزام وَمِمَّا ذكره فِي شرح غَايَة السُّؤَال أَن تَرْجِيح الدَّاعِي يكون بالإرادة وَهُوَ قَول السَّمرقَنْدِي وَغَيره وَمن مآثره رَحمَه الله الْمَسْجِد الْمَشْهُور بِبَاب السبحة ووقف عَلَيْهِ مَا يَكْفِيهِ وَقد زَاده وَحسنه وَلَده الْعَلامَة عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن الإِمَام وَلم يلبث بعد صنوه الْحسن غير سنة وَكَانَ أَخُوهُ الْمُؤَيد بِاللَّه رَحمَه الله قد جعل إِلَيْهِ مَا كَانَ إِلَى الْحسن بأجمعه وَلما مَاتَ شرف الْإِسْلَام توجه مَا كَانَ إِلَيْهِ من أَعمال العساكر إِلَى عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحسن وَقَررهُ الإِمَام على الْقطعَة الَّتِي بِيَدِهِ من عَمه الْحُسَيْن وَاقْتصر عَلَيْهَا خلى انه أمده من بَقِيَّة الْبِلَاد بأرزاق من انضاف إِلَيْهِ من الأجناد هَذَا وَيَد عز الْإِسْلَام مُطلقَة فِي تَنْفِيذ الْأَوَامِر والإنصاف من الْمَظَالِم وَإِصْلَاح قوانين الْبِلَاد اليمنية وَفِي شعْبَان هَذَا الْعَام توفّي السَّيِّد الْمُجْتَهد عز الدّين مُحَمَّد بن عز الدّين الْمُفْتِي رَحمَه الله وَكَانَ وَفَاته بذهبان وَنقل إِلَى خُزَيْمَة غربي صنعاء وقبر إِلَى جنب وَالِده فِي مدفنهم الْمَعْرُوف بخزيمة وَكَانَ هَذَا السَّيِّد زِينَة الْأَيَّام بركَة فِي الْأَنَام وَجه إِلَيْهِ منصب الْفتيا من الباشا فَأفْتى فِي الْمذَاهب الْأَرْبَعَة مَعَ ورع شحيح وَدين قويم صَحِيح وَمن مشايخه السَّيِّد الْعَلامَة عبد الله بن أَحْمد المؤيدي وَالسَّيِّد الْعَلامَة صَلَاح بن عبد الله الْوَزير وَلم يتَخَرَّج فِي الْفِقْه إِلَّا فِي آخر الْأَمر فَإِنَّهُ أنْفق جُمْهُور شبابه فِي الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة والنقلية ثمَّ اقبل على الْفِقْه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 بِالْقَلْبِ والقالب فجلا فِي ميدانه وَملك مقبض عنانه وَله الْبَدْر الساري فِي أصُول الدّين وَشَرحه وَاسِطَة الدراري وَقد سلك مَسْلَك الْحجَّة مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم فِي الإيثار والعواصم وَالرَّوْض الباسم إِلَّا أَنه لم يُصَرح بمذهبه وَقد أفْصح عَن بعض مطلبه فَإِنَّهُ قوى مَا يعْتَمد إِلَيْهِ فِي الْبَاطِن وَترك مَكَان مَا لَا يُريدهُ من التفتيح والتنقيح من بَاب المساكن وَهِي صناعَة تدل على غور حصيف وذهن شرِيف وملاحظة لأحوال الزَّمَان ومداراة حَسَنَة للأخوان وَله شرح تَكْمِلَة الْأَحْكَام للْإِمَام الْمهْدي عَلَيْهِ السَّلَام وَله مَنْهَج الْإِنْصَاف فِي النَّهْي عَن سبّ الصَّحَابَة وَله غير ذَلِك من الأنظار الَّتِي عجز عَنْهَا النظار بِعِبَارَة قَصِيرَة وفوائد غزيرة وَكَانَ يُفْتِي بِمَا لَا يلائم خاطر الباشا فِي بعض الْأَحْوَال وينتظم لَهُ مَا أَرَادَ وَلَا يتَغَيَّر لَهُ حَال اتّفق فِي مُدَّة جَعْفَر باشا أَنه أفتى بِيَوْم الْفطر فَأفْطر من أفطر بفتواه فَطَلَبه الباشا وعاتبه فِي ذَلِك وَقَالَ لَهُ كَانَ عَلَيْك أَن تشعر الأفندي فَقَالَ السَّيِّد قد أشعرناه فَطلب الأفندي إِلَى حَضْرَة الباشا وَسُئِلَ فِي ذَلِك فَقَالَ كلَاما مَعْنَاهُ أفتى السَّيِّد بِشَاهِدين مَا يكمل بهما الحكم على مَذْهَب أبي حنيفَة لأَنهم لَا يعْملُونَ إِلَّا بِأَرْبَعِينَ شَاهدا حَيْثُ الْأُفق لَا عِلّة فِيهِ من سَحَاب وَلَا غَيره فَتغير خاطر الباشا وَقَالَ للسَّيِّد ليكن حَبسك بَيْتك فانفصل عَن حَضرته وَبَقِي ببيته أَيَّامًا ثمَّ أَن الباشا استدرك هَذِه الهفوة فاستطاب خاطر السَّيِّد وَنَوع لَهُ الْإِحْسَان وَقد كَانَ ينْسب إِلَى جَعْفَر باشا الْميل إِلَى جَانب الْعلمَاء بِسَبَب أَنه كَانَ لَهُ حِصَّة وافرة فِيهِ سِيمَا علم الْمَعْقُول وَدخلت سنة إِحْدَى وَخمسين وَألف فِيهَا جهز السُّلْطَان إِبْرَاهِيم بن أَحْمد خَان على مالطة من بِلَاد الفرنج بأطراف جَزِيرَة الأندلس مِمَّا يَلِي الْحَرْب فَمَا زَالَت سراياه تناوش تِلْكَ الديار بحروب تذهل عِنْدهَا الْقُلُوب واستفتح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 كثيرا مِمَّا فِي أَيدي الفرنج من الْبلدَانِ وَاسْتمرّ وَلَده بعد وَفَاته على ذَلِك الشَّأْن وقْعَة نقِيل الشيم وَفِي شهر ربيع الأول من هَذَا الْعَام وصلت إِلَى الصفي أَحْمد بن الْحسن كتب من الإِمَام يستكشفه فِيهَا عَن شَأْن خزانَة وَالِده وَيطْلب مِنْهُ أَن يُوضح لَهُ فِي التَّصَرُّف فِيهَا صَحِيح مقاصده وَيَقُول لَهُ إِن كَانَت بَيت مَال فَلَيْسَ لَك عَلَيْهَا يَد بِحَال وان كَانَت تَرِكَة لوالدك الْحسن فَأَنت فِيهَا أُسْوَة الْغُرَمَاء وكلكم فِي سنَن فَمَا بَال الاستبداد الَّذِي خَفِي علينا فِيهِ المُرَاد وَلَا بُد من إعداد الْجَواب يكون إِلَى اسْتِدَامَة الْمَوَدَّة من أقوى الْأَسْبَاب وَكَانَ صفي الْإِسْلَام يرى فِي ذَلِك الأوان مَعَ تعقب طيبَة نفس إِمَامه إِن مَا تصرف فِيهِ من الخزانة فيده فِيهِ أَمَانَة مَعَ مَا فِي وَجهه من الواردات وَله فِيمَا يفعل أوجه من التأويلات وَعند ذَلِك جَاشَتْ نفس الصفي وَقدر فِي خاطره أَن غير المباينة بكفاية هَذَا الْجَواب لَا يَفِي فَتحَرك من حصن ذِي مرمر لِلْخُرُوجِ ووكل الْجَواب إِلَى بطُون الأغماد وَظُهُور السُّرُوج فَتوجه إِلَى بِلَاد خولان فِي جمَاعَة من الرِّجَال وجريدة من الفرسان وَقد ضم إِلَيْهِ الذَّخَائِر النفيسة والنقد الْكَبِير وغمر أَصْحَابه بأنواع الْإِحْسَان ونفحهم بِكُل خطير وَلما وصل إِلَى بِلَاد خولان وصل إِلَيْهِ مشايخها والأعيان وبذلوا وُجُوه الرِّعَايَة وصنوف الْإِحْسَان ثمَّ ارتحل الى بِلَاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 عنس ثمَّ إِلَى جِهَة قايفه وَعند ذَلِك تبِعت فِي اثره الرسائل الإمامية واخذ فِيهَا بحفظه على عُمَّال الأقطار اليمنية ووصلت إِلَى عَمه إِسْمَاعِيل بن الإِمَام رِسَالَة من الْمُؤَيد بِاللَّه وَكَانَ يَوْمئِذٍ قي ضوران من ايام اسْتِخْلَاف الْحُسَيْن ابْن أَمِير الْمُؤمنِينَ لَهُ يتَضَمَّن إِيجَاب الْحَرَكَة عَلَيْهِ إِلَى ولد أَخِيه وارصاد المكاض لَهُ فِي كل وَجه والإستيثاق من أَحْوَاله حَتَّى يُؤْتى بِهِ إِلَى الحضرة المؤيدية فَحَث إِلَيْهِ الركاب وصحبته عبد الله بن أَمِير الْمُؤمنِينَ وَكَانَ أَحْمد بن الْحسن قد قصد قعطبة فتبعوه إِلَى نقِيل الشيم فَوَقع الْحَرْب فِي تِلْكَ الْعقبَة واصطدم الْفَرِيقَانِ وَاخْتَلَطَ الفيلقان وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُورا تثبت فِيهِ أَقْدَام وتزلزلت فِيهِ أَحْلَام وَبعد أَن تتَابع الْقَتْل فِي الْفَرِيقَيْنِ وَاخْتَلَطَ على البطل المدجج أهْدى الطَّرِيقَيْنِ رأى أَحْمد بن الْحسن أَن من إِلَى جَانِبه قد ادركه الضلع واستخلص نَفسه وَمن مَعَه بلطف وارتفع فانتهبت الْعَسْكَر جَمِيع خزانَة صفي الْإِسْلَام وتبعتها بالإتيان عَلَيْهَا أنفاس الإِمَام وَرجح لِأَحْمَد بن الْحسن الْعَزْم بِوُجُوه أعيانه الى حَضْرَة الْحُسَيْن بن عبد الْقَادِر صَاحب عدن فَبَقيَ عِنْده زَمَانا وَلَقي مِنْهُ إحسانا وَإِسْمَاعِيل بن الإِمَام بعد تقضي الْوَقْعَة اسْتخْلف بقعطبة السَّيِّد بدر الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن الإِمَام الْحسن وعزم إِلَى تعز لتقرير أحوالها وَلم يزل أَحْمد بن الْحسن بِمحل رفيع عِنْد صَاحب عدن إِلَى أَن وَردت عَلَيْهِ إِشَارَة الْمُؤَيد يَقُول لَهُ أرسل إِلَيْنَا الْوَلَد أَحْمد وَكَانَ عرض عَلَيْهِ وَمَا لَقِي الإِمَام إِلَيْهِ فَلم يمتثل وأحس بعد ذَلِك بعض انحراف من الْأَمِير الْحُسَيْن وَنَوع ترفع دون احْتِمَاله عِنْد الصفي ملاقاة الْحِين ففارقه عجلا وَأنْشد لِسَان حَاله متمثلا (وَلَا يُقيم على ضيم يُرَاد بِهِ ... إِلَّا الأذلان غير الْحَيّ والوتد) (هَذَا على الْخَسْف مربوط برمتِهِ ... وَذَا يشح فَلَا يرثى لَهُ أحد) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 وَقصد بِلَاد يافع فَرَأى مِنْهُم غَايَة الْإِكْرَام وَنِهَايَة الاعزاز والإعظام فاطمأن خاطره وقر ناظره وَطلب مِنْهُم الْمُصَاهَرَة فَفَعَلُوا ثمَّ طلب مِنْهُم الْغَارة على قعطبة فاسعدوه وَقصد أَهلهَا على حِين غَفلَة فَوَقع حَرْب شَدِيد يشيب مِنْهُ الْوَلِيد وَكَانَ يافع قد أشرفوا على الإستيلاء لأَنهم أحاطوا بهَا لَكِنَّهَا خفت صولتهم آخر المعركة فصَال أهل الْبَلَد عَلَيْهِم حَتَّى انْهَزمُوا إِلَى بِلَادهمْ فَلَمَّا أبلغ الإِمَام علم أَن هَذَا شُرُوع من يافع فِي الْقَصْد إِلَى أَطْرَاف بِلَاده فاستدرج قُلُوبهم بالملاطفات وإرسال الصلات والكسوات فكفوا عَن ذَلِك الرَّأْي وَمنعُوا جَانب الصفي أَحْمد بن الْحسن وَقَالُوا لَا يُمكن الخلوص إِلَيْهِ لكنه مَتى بدى لَهُ رَغْبَة فَهُوَ ولدكم وَأَنْتُم أولى بِهِ وَفِي هَذِه السّنة أذن الإِمَام الْمُؤَيد لعَلي شمسان بِالْحَجِّ فعزم وَمَات فِي أثْنَاء الطَّرِيق وَكَانَ هَذَا مِقْدَام الْحسن بن أَمِير الْمُؤمنِينَ وواحده وَله رئاسة وأقدام تصحبه عجلة فِي الإنتقام حَتَّى نسب إِلَيْهِ قتل جماعات من عَسْكَر السلطنة بعد تأمينهم واستنكر مِنْهُ ذَلِك وَفِي أثْنَاء هَذَا الْعَام خَالف بعض الْجِهَات النجدية على الشريف زيد بن المحسن فقصدها بِنَفسِهِ وأخرب بعض قراها وأجلا عَنْهَا أَهلهَا وَهِي طَريقَة السراة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 وَدخلت سنة إثنتين وَخمسين وَألف وَفِي الْمحرم مِنْهَا استولى الخسوف على الْقَمَر فِي برج الْمِيزَان خلاف آنس وفيهَا نجم خلاف الشَّيْخ عَليّ بن نَاصِر بن رَاجِح الآنسي بعد عوده من حَضْرَة الإِمَام وانضاف إِلَيْهِ جماعات من أهل جبل الشرق وَهِي الروية وَمَا والاهم من تِلْكَ الأكام مثل بعض أَطْرَاف ريمة وكسمة وتعللوا بِأَن الْأَكْوَع عَامل ضوران عاملهم بالحقارة والإمتهان وَاسْتولى على الْقطع والحقوق وَلم يبْق لنفاق رئاستهم عِنْده سوق وأضافوا إِلَى ذَلِك شَيْئا من دَعْوَى الْجور وتبادروا إِلَى طمس الرسوم الأمامية على سَبِيل الْفَوْر فسلطنوا على نَاصِر وأشرعوا الأسنة والبواتر وَمنعُوا عينة الدولة واشتدت مِنْهُم الصولة فَانْتدبَ ابْن الْأَكْوَع عَامل ضوران وَعلم أَن هَذِه الفعلة إِنَّمَا ترخص بِالسِّنَانِ لَا بالأسنان وَإِن مصابها الى رَأسه وَأَن جناها ثَمَر غراسه وَأَنه ان لم يسْرع حسمها بسعير الْحَرْب نبضت عروق فَسَادهَا فِي احنا الشرق والغرب فَجمع الْجمع الموفور من الرِّجَال المختارة وَالْخَيْل الكرارة وإليهم عَسْكَر ضوران وهم أحابيش الضَّرْب والطعان وَلما وصلوا الْبِلَاد وتلاحم الجلاد انكشفت المعركة عَن قتل جمَاعَة رقم الْقَتْل عَلَيْهَا وانتهاب بيُوت كَانَت ذخرهم قد جمعت إِلَيْهَا وَاسْتولى أَصْحَاب الإِمَام على تِلْكَ الْحُصُون والأكام وَمِنْهَا حصن بني رَاجِح الْمُسَمّى حِرْفَة وَهُوَ معقلة ومصنعته وموئله الَّذِي فِيهِ ذخيرته ومنفعته وفر بعد ذَلِك فقيدا وَذهب على غير طَرِيق شَرِيدًا حَتَّى اتَّصل بِحَضْرَة عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحسن بن الإِمَام وَطلب مِنْهُ أَن يجيره وَأَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 يَأْخُذ لَهُ الذمام فرأها لَهُ عز الْإِسْلَام جميلَة وفيأه من الْأمان فِي خميلة وَأكْرم نزله وسد خلله وَكَانَ جمَاعَة مِمَّن استعصاه وَضرب بعصاه قد أطالوا الْحصار على يفعان ودبوا إِلَيْهِ دَبِيب الأفعوان فانسلوا عقيب فتح الْبِلَاد وَتَفَرَّقُوا فِي كل وَاد وَلما انْقَضى الْفَتْح وصل إِلَى تِلْكَ الْجِهَة مَأْمُور الإِمَام الْمُؤَيد بِاللَّه السَّيِّد الْكَرِيم النجيب صارم الدّين إِبْرَاهِيم بن أَحْمد عَامر وَمَعَهُ جمَاعَة من الْجند وَاسْتقر أَيَّامًا فِي الْبِلَاد لِاسْتِيفَاء التَّأْدِيب بِالْمَالِ وتمهيدها وتصحيحها عقيب ذَلِك الإستعصاء والإعتلال ثمَّ عَاد الى ضوران وَأمر فِيهِ بِالْمَعْرُوفِ وَنهى عَن الْعِصْيَان وَظهر مِنْهُ من مخائل النجابة وَالْكَرم ومحاسن الْأَخْلَاق والشيم مَا يقْضى لَهُ بِأَنَّهُ من صميم السَّادة وَأَبْنَاء ذَوي المجادة والسيادة وَلم يعد الى حَضْرَة الإِمَام إِلَّا وَقد علقت بِهِ الدُّيُون وعلقت فِيهَا ذمَّته غلاق الرهون فَشكر الإِمَام أَفعاله وروح بتحمل دُيُونه حَاله وَهَكَذَا الْكَرِيم يُقَال عثاره وتحسن أثاره حِصَار ذِي مرمر وَلما رأى الإِمَام ولد أَخِيه صفي الْإِسْلَام جانحا الى الغربة سكنه جامحا فِي ميدان الْإِعْرَاض رسنه وَكَانَ فِي يَد أَصْحَابه مُنْذُ خرج عَن الْغِرَاس حصن ذِي مرمر وَهُوَ قفل بِلَاد خولان وكالحاكم على مَا تَحْتَهُ من الْبلدَانِ أزمع على حصاره وطمس آثاره فَأمر على محاصرته الشَّيْخ حسن بن الْحَاج أَحْمد بن عواض الْأَسدي فاستمر على حصاره سنة كَامِلَة حَتَّى خرج من فِيهِ على رسمه وهم الآغا فرحان وَمن مَعَه من المماليك وَكثير من الْأَعْيَان وَجَمِيع الحشم الَّذين كَانُوا بِهِ أَيَّام بَقَاء أَحْمد بن الْحسن بالغراس ثمَّ أَمر الإِمَام بخراب مسَاكِن الْحصن وتحويل أبوابه وأخشابه وحملت أَبْوَاب الْحصن إِلَى محروسة شهارة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 وَكَانَ هَذَا الْفِعْل مطلب بني حشيش وَمَا لاصقهم لكراهتهم تشييد الْحُصُون الدولية بَين أظهرهم وَهَذَا المعقل حصن حُصَيْن وَعلم شامخ الْعرنِين نسيم أعاليه سَجْسَج ومصباح علاليه من قناديل المجرة مسرج لَهُ لون يَدْعُو الأفراح إِلَى الْأَرْوَاح ويكسبها نشوة الراح كإنما عجنت طينه بِمَاء الصبهاء اَوْ علقت عَلَيْهِ طلاسم الْكَنْز المخبأ وَفِي أثانية غارات مخروطة رائعة وَهِي مِمَّا عملته الصناع للتبابعة وَلِلنَّاسِ فِيهَا مقَال مُضْطَرب وَأَنَّهَا مِمَّا صَنعته الْجِنّ لأسعد ذِي كرب (وَقد كَانَ أَرْبَاب الفصاحة كلما ... رَأَوْا حسنا عدوه من صَنْعَة الْجِنّ ( وَقد تداولته فِي الْإِسْلَام ايدي الْأَئِمَّة الْأَعْلَام وانتقل مرّة إِلَى نوبه الباطنية الطغام وَمَا زَالَ من ايام الإِمَام شرف الدّين الى هَذِه السنين فِي أَيدي الْأَئِمَّة الهادين وَحَال الرقوم وَهُوَ من جملَة الرسوم فقد أغلق على مَجْمُوعه الْبَاب الْأُخَر وانتحت مِنْهُ الدعاثر فسبحان الله الْوَارِث القاهر وَفِي هَذَا الْعَام أرسل الإِمَام الى بِلَاد يافع القَاضِي شرف الدّين الْحسن بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 أَحْمد الحيمي للسعاية فِي استمالة ابْن أَخِيه حَتَّى يسْعد للرُّجُوع إِلَى دياره فأسعد أَحْمد وَالْعود أَحْمد وَلما وصل حَضْرَة الإِمَام ظهر مِنْهُ الإبتهاج واستقام الاعوجاج وزوجه بِإِحْدَى بَنَاته وَحمد مَسْعُود حركاته ثمَّ اسْتَأْذن للعام الْقَابِل فِي حج بَيت الله الْحَرَام فَأذن لَهُ مَعَ جملَة من الْأَعْيَان والأهل والأرحام وَفِي هَذَا الْعَام أَو الَّذِي قبله من الأعوام اتّفق أَن بعض السادات الثِّقَات سَار إِلَى بِلَاد شمات فَنزل إِلَى بركَة للشُّرْب مِنْهَا فِي تِلْكَ الْجِهَات فَوجدَ بهَا جمجمة ملقاة على الأَرْض وَفِي فمها لجام من الْحَدِيد فخاطبها السَّيِّد بمقال يستكشف فِيهِ الْأَمر بِلِسَان الْحَال فَلم يشْعر إِلَّا بِصَوْت عَظِيم من تِلْكَ الجمجمة دَاخله من الْفَزع مَا خر مَعَه لوجهه ملقى على المَاء خَارِجا عَن طور الْعقل لَا يفرق بَين الأَرْض وَالسَّمَاء وَلما حَان مِنْهُ أَن يفِيق واستأنس بمارة الطَّرِيق دفنُوا تِلْكَ الجمجمة وَقد صَارَت لسوادها كالحممة فَمَا تمّ الدّفن وانطبقت عَلَيْهَا الحفرة انطباق الجفن حَتَّى لفظتها الأَرْض وقذفها طولهَا وَالْعرض فَتركت كَمَا هِيَ وتفطن السَّيِّد أَن هَذَا وَالْعِيَاذ بِاللَّه من نمط عَذَاب الْقَبْر الَّذِي يظهره الله أَحْيَانًا للزجر وَفِي هَذَا الْعَام تجهز جمَاعَة للتِّجَارَة من الحساء والبحرين وَالْبَصْرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 وعبروا الْبَحْر الْفَارِسِي فَلَمَّا عارضوا بندر مسكت وَكَانَ يَوْمئِذٍ بيد الفرنج انتهبوهم فخاف بعد ذَلِك الْمَارَّة وَانْقطع العبور عَن الْبَحْر الزخار إِلَى أَن استولى الْعمانِي على بندر مسكت كَمَا سَيَأْتِي تَارِيخه فسلك النَّاس فِي الْبحار وَأمن التُّجَّار من أُولَئِكَ الْفجار وَفِي هَذَا الْعَام أَو الَّذِي قبله وَقع إِفْسَاد فِي بَحر القلزم وَهُوَ بَحر الْيمن من قبل الفرنج فَجهز عَلَيْهِم أَمِير اللِّحْيَة وَهُوَ النَّقِيب سعيد المجزبي عِصَابَة من أولي الفتك والممارسة للحروب فقبضوا عَلَيْهِم وأرسلهم الْأَمِير إِلَى حَضْرَة الإِمَام وَهُوَ بوادي أقرّ فِي تِلْكَ الْأَيَّام فَعرض عَلَيْهِم الإِمَام الْإِسْلَام وهم زها سبعين نَفرا فأسعدوا إِلَى الْإِسْلَام وَالْإِيمَان وَفعل بهم شعار الْإِسْلَام وَهُوَ الْخِتَان وَفِي هَذَا الْعَام وفدت الْأَخْبَار الى الْيمن أَن بلادا من البربر فِي بِلَاد الْعَجم استولى عَلَيْهَا خسف عَظِيم شقق الأَرْض وَهدم الْعمرَان وعطل عَنْهَا السكان وَهُوَ لَا شكّ من أَمَارَات السَّاعَة بِالنِّسْبَةِ الى صَنِيع الْعَجم وَفِي التِّرْمِذِيّ وَغَيره مَا مَعْنَاهُ لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يلعن آخر هَذِه الْأمة أَولهَا فَإِذا فعلوا ذَلِك فليرتقبوا ريحًا حمرا وسخا وخسفا وَدخلت سنة ثَلَاث وَخمسين وَألف فِيهَا أذن الإِمَام لولد أَخِيه أَحْمد بن الْحسن بن الإِمَام بالإنتقال الى مَدِينَة صنعاء والإستقرار بهَا وَقرر لَهُ مَا يقوم بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 وبخاصته وَرُوِيَ أَنه اعتذر عَن خُرُوجه على الإِمَام لعدم ممارسة أَحْوَال الْأَيَّام مَعَ تربيه فِي حجر أَبِيه ونشأته تَحت ظلّ نعْمَة الْأمان والحداثة وَالسُّلْطَان وَقد قيل (سَكَرَات خمس إِذا منى الْمَرْء ... بهَا صَار نهبة للزمان) (سكرة المَال والحداثة والعشق ... وسكر المدام وَالسُّلْطَان) حَتَّى روى عَنهُ أَنه قَالَ لهَذَا قبضنا على أَوْلَادنَا وقصرناهم عَن تَطْوِيل إحساننا وإمدادنا وفيهَا أَمر ضِيَاء الْإِسْلَام إِسْمَاعِيل بن الإِمَام بِقطع شَجَرَة الشَّيْخ صفي الدّين أَحْمد بن علوان وَكَانَ المحرص على الْقطع الشريف مُحَمَّد بن أَحْمد المحنكي فاستدامت بِهِ عِلّة دائمة وَأَيْقَظَ لنَفسِهِ من الْعِلَل فتْنَة نَائِمَة نسْأَل الله السَّلامَة عَن مُوجب الندامة وفيهَا طلع إِسْمَاعِيل بن الإِمَام عَن رَأْي الْمُؤَيد بِاللَّه من الْيمن إِلَى ضوران وَاسْتقر بِهِ لولاية الْبِلَاد والإصدار فِيهَا والإيراد فَعمل بِالْعَدْلِ وَحكم بِالْفَصْلِ وَصَارَ مَسْعُود الحركات فِي الْأَفْعَال والأقوال وَالْأَحْوَال فَإِنَّهُ وصل إِلَى دور شيدها غَيره ومملكة زجر سعدها طيره مَعَ بِلَاد مطمئنة إِلَى إمارته عَلَيْهَا ضامية الأكباد إِلَى وُرُوده إِلَيْهَا فطلع فِيهَا نجما زاهرا ونبع فِيهَا غصنا نَاظرا وَأَحْيَا فِيهَا معالم الْعُلُوم ونعش فِيهَا من مآثر الْأَئِمَّة قديم الرسوم وجاد حَتَّى تميزت مَاهِيَّة الْجُود كَمَا يتَمَيَّز الْمَعْرُوف بالرسوم وَالْحُدُود (وَكَذَا الْكَرِيم إِذا أَقَامَ ببلدة ... سَالَ النظار بهَا وَقَامَ المَاء) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 وَلم ينْفَصل عَن مَدِينَة تعز إِلَّا وَقد أحرز الْمجد الْأَصْلِيّ والعز بِمَا اقتناه من ذخائر الْعُلُوم ورحل بِهِ من خَزَائِن الْمَعْلُوم سمع بِمَدِينَة تعز تيسير الديبع على الشَّيْخ الْمُحدث عبد الْعَزِيز الجيشي الْمُفْتِي الشَّافِعِي وَحصل ثمَّ سنَن الْبَيْهَقِيّ الْكُبْرَى واستجاز عَن الْمَذْكُور مَاله إِجَازَته من الحَدِيث النَّبَوِيّ وَفِي هَذَا الْعَام وَقع بِمصْر فنَاء عَام وَخرج عَنهُ الباشا وجلا {وَمَا كَانَ لنَفس أَن تَمُوت إِلَّا بِإِذن الله كتابا مُؤَجّلا} قيل إِن الَّذِي هلك يَوْمئِذٍ أَرْبَعَة لكوك وفيهَا اتَّصَلت الْأَخْبَار إِلَى الْيمن أَن السُّلْطَان إِبْرَاهِيم بن أَحْمد خَان وَجه إِلَى جدة والحجاز بعساكر فِي سِتَّة غربان وَيكون هبوطهم إِلَى مصر ثمَّ إِلَى جدة ثمَّ هَذَا الْقطر فَلَمَّا عبروا من بَحر الرّوم بِتِلْكَ النِّيَّة واتصلوا ببندر اسكندرية مَاتَ مِنْهُم الْكثير واضمحل من التَّفْسِير وَخرج الْبَاقُونَ إِلَى السويس بندر الْبعد الْيمن فَركب مِنْهُم من ركب وَتَفَرَّقَتْ جلابهم وَجَهل ذهابهم وَفِي رَمَضَان من هَذَا الْعَام على مُضِيّ ساعتين من لَيْلَة الْخَمِيس خسف الْقَمَر ببرج الدَّلْو وَالرَّأْس فِيهِ وَفِيه أَو فِي غَيره توفّي الْفَقِيه الْعَارِف مُحَمَّد بن عبد الله الهتار المحالبي فَقِيه الشَّافِعِيَّة بِمَدِينَة زبيد وَهُوَ أحد من كَانَ أَخذ عَنهُ الْعَلامَة الْحُسَيْن بن الإِمَام واستجاز مِنْهُ بمحروس الْحمى خلال فتح زبيد فِي شمائل التِّرْمِذِيّ وَغَيرهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 وَدخلت سنة أَربع وَخمسين وَألف فِي ثَانِي عشر محرم كَانَ تَحْويل سنة الْعَالم فَكَانَ زحل فِي برج الْحمل بِآخِرهِ وَالْمُشْتَرِي فِي أول الجوزاء والمريخ بِأول دَرَجَة من الْأسد والجوزاء هِيَ ببرج الْأسد وفيهَا ساخ جبل الأهجر وتدعثر من أَعْلَاهُ بعض الْحِجَارَة والطين وكبس بعض مَا يَلِيهِ من الْحَدث والبساتين وفيهَا كتب الإِمَام إِلَى الشريف المحسن بن الْحُسَيْن أَمِير مَكَّة يطْلب مِنْهُ الإنتماء إِلَيْهِ ويرغبه فِي الإقبال عَلَيْهِ وَأَن يضْرب برسمه السِّكَّة ويخطب لَهُ بمنبر مَكَّة وَضمن ذَلِك رِسَالَة مشحونة بدلائل محبَّة الْبَيْت النَّبَوِيّ والجناب المصطفوي وَحسن الإنتماء إِلَى الْأَئِمَّة وَمَا لَهُم من المزية على سلاطين الْأمة فَأجَاب الشريف بالإمتثال وَأَنه يُبَادر بِالْإِرْسَال فَركب رَسُوله الْبَحْر فِي غير موسم الْحَج حَتَّى انْتهى إِلَى جدة وَهُنَاكَ بلغه أَن مرسله بلغ من الْحَيَاة حَده وتأهب للمعاد ورحل بِمَا مَعَه من الزَّاد فَعَاد من حَيْثُ وصل واتصل بِهِ من الاكتئاب مَا اتَّصل وَالَّذِي عرف من قَرَائِن أَحْوَال الْأَشْرَاف أَن ذَلِك الْجَواب إِنَّمَا هُوَ تأدب لَا إعتراف واستخراج لدرر الْفَوَائِد من الأصداف واجتناء لثمر العوائد من أَغْصَانهَا بلطف الإقتطاف وَإِلَّا فَإِنَّهُ قد كَانَ سبق من الإِمَام إِلَى أهل مَكَّة رِسَالَة يحثهم فِيهَا على تَسْلِيم الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة إِلَى من يُرْسِلهُ إِلَيْهِم ويؤمره فِي قبضهَا عَلَيْهِم فَمَا كَانَ جوابهم عَن ذَلِك القيل بِغَيْر قَول إِبْرَاهِيم الْخَلِيل {رَبنَا إِنِّي أسكنت من ذريتي بواد غير ذِي زرع عِنْد بَيْتك الْمحرم رَبنَا ليقيموا الصَّلَاة فَاجْعَلْ أَفْئِدَة من النَّاس تهوي إِلَيْهِم وارزقهم من الثمرات لَعَلَّهُم يشكرون} ثمَّ استمدوا من الإِمَام صنوف التفضل والإنعام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 وَأَنَّهُمْ منتظرون لرفده ناظرون فِي الْمَعْرُوف جِهَة قَصده فقبلوا دست الطّلب وغصبوا منصب الْبَحْث مَعَ لطف وأدب (وَمن يَجْعَل الضرغام بازا لصيده ... تصيده الضرغام فِيمَا تصيدا) وَكَانَ الشريف المحسن قد وعد الإِمَام بذلك المرام لكنه بِسَبَب مَا وَقع بَينه وَبَين الإشراف آل الْأَمر إِلَى خُرُوجه عَن مَكَّة بعد طول نزاع وَخلاف تجلي الشريف محسن إِلَى بِلَاد الْيمن واستيلاء أَحْمد بن عبد الْمطلب عَلَيْهَا بِالسَّيْفِ حكى بعض من لَازم حَضْرَة الشريف سعد مُدَّة من السنين أَن الشريف أَحْمد بن عبد الْمطلب الْمُسَمّى بِأبي حمارة كَانَ مِمَّن لَا يؤبه لَهُ فِي الاشراف وَلَا يظنّ أَن الدَّهْر يمِيل إِلَيْهِ بانعطاف خلا أَنه كَانَ مقداما متلافا وَكَانَ الْعَامَّة وَأهل الجذب بِمَكَّة لَا يزالون يعدونه بإمارتها وَطَالَ هَذَا الْكَلَام حَتَّى خرج مخرج الهزأ الْخَارِج عَن الإحتشام فَكَانَ يَقُول لَهُ الْقَائِل أَيهَا الشريف مَتى وليت الْمقَام المنيف فَاجْعَلْ لى من الْعهْدَة كَذَا وَافْعل لي من التَّأْدِيب كَذَا وكل يطْلب على مَا يَبْدُو لَهُ فِي الْحَال وَهُوَ يعدهم بانجاح تِلْكَ الآمال ثمَّ أَنه اتّفق مِنْهُ غرَّة من الشريف محسن فِي بعض الحضرات وانفلت إِلَيْهِ على غَفلَة من الْحجاب والأغواب فَشكى إِلَيْهِ مَا صَار يعانيه من شَدَائِد الْحَاجة وَبسط ذيول القَوْل وَأطَال فِي اللجاجة فزبره الشريف وَأطَال لَهُ التعنيف وَذكره بسيرة غير مرضية وَبت لَهُ فِي الحرمان الْقَضِيَّة فَخرج من حَضرته لَا يلوي على غير الْخُرُوج من الْبَيْت الْعَتِيق واللحوق بِالْيمن أَو أَي مَكَان سحيق ملتهب الأنفاس مُخَاطبا لنَفسِهِ بقول أبي فراس شعرًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 (وَمن كَانَ غير السَّيْف كافل رزقه ... فللذل مِنْهُ لَا محَالة جَانب) ثمَّ توجه إِلَى جدة بخاطر مكلوم وقلب مَسْمُوم وَكَانَ بهَا يَوْمئِذٍ من قبل الشريف والأتراك بعض القواد العبيد فحاول الولوج عَلَيْهِ والوصول لَدَيْهِ ثمَّ رَجَعَ بصفقة حِين وخفي حنين وَاتفقَ أَن الباشا الموجه إِلَى بعض بِلَاد السُّلْطَان وصل إِلَى جدة وَلَقي مصرعه وَنزل مضجعه فاتصل الشريف أَحْمد بأعيان الباشا كالآغا والبيرق دَار والخازن والدفتر دَار وعرفهم نسبه ومجادته وحسبه وشكى من الشريف مَا أصدره إِلَيْهِ واستنجد بهم فِي النُّصْرَة عَلَيْهِ وبذل لَهُم الْعَهْد الأكيد فِي عدم الإستبداد بالفائدة وَأَن يَده وأيديهم بعد الظفر وَاحِدَة فَأَجَابُوا عَلَيْهِ بِالتَّلْبِيَةِ والإسعاد وأنشدوه قَول بعض الشُّعَرَاء الأمجاد (لَا تحسبن ذهَاب نَفسك مَوتهَا ... مَا الْمَوْت إِلَّا أَن تعيش مذللا) (فَارق ترق كالسيف سل فَبَاتَ فِي ... متنيه مَا أخْفى القراب وأخملا) ثمَّ أَنه واعدهم على وَقت فِي اللَّيْل يدْخل فِيهِ على الْقَائِد ويكونوا فِيهِ على أهبة المراصد فَدخل إِلَيْهِ لذَلِك الْوَقْت وَقد ألوت جمَاعَة من أَصْحَاب الباشا بداره آخذين أسلحتهم فَلَمَّا وصل إِلَيْهِ وَوَقعت عينه عَلَيْهِ طلب مِنْهُ خلْوَة ليذكر فِيهَا بعض حاجاته فصرف الْقَائِد بِوَجْه طلق وَلم يكن بَينه وَبَين الأول فرق ثمَّ قرب مِنْهُ ليوهمه الْخطاب ويمت إِلَيْهِ من الشكوى بِأَسْبَاب ثمَّ أَخذ سيف الْقَائِد من وتده وأطار بِهِ عُنُقه عَن جسده وَفتح إِحْدَى طاقات الْمَكَان ورما بِرَأْسِهِ إِلَى الباشا والأعوان وَأمرهمْ بِالدُّخُولِ على سَبِيل البدار والفتك بِمن وجدوه فِي صحن الدَّار فَدَخَلُوا إِلَيْهِ مبادرين وفتكوا بِمن وجدوه فِي الدَّار فِي الْحُسَيْن وألقوا مقاليد الْأَمر إِلَيْهِ ونادوه باسم الْملك وبركوا عَلَيْهِ ثمَّ بَادر إِلَى مخازين الدَّار ففك أقفالها وَأخرج أموالها وفيهَا ذخائر الْقَائِد وخزنته ونادى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 بالشمع دَان وَأمر بإحضار التفنقية والفرسان وَمد الانطاع وصير إِلَيْهِم الجوامك الغامرة وخلع عَلَيْهِم الْخلْع الفاخرة كل ذَلِك من خزانَة الْقَائِد ورزق السَّاعِي للقاعد وَأما أَصْحَاب الباشا فهم خلاصته الأقدمون وَأهل بيعَته الْأَولونَ ثمَّ أنفذ فِي أثْنَاء اللَّيْل رسلًا خفافا إِلَى أَعْيَان الْأَشْرَاف بِمَكَّة وحرك نُفُوسهم على الشريف المحسن وأودع الرُّسُل إِلَيْهِم جملَة مِمَّا خف من المَال الَّذِي يمِيل بقلوب الرِّجَال ورغبهم فِي الدُّخُول تَحت سنجقه الخافق ورهبهم أَن لم يقطعوا عَن المحسن العلائق ثمَّ أَنه بعد ذَلِك توجه فِي أقرب حَال على مَكَّة المشرفة فِي زِيّ عَجِيب وجيش مهيب فَلَمَّا شَارف دورها وقارب معمورها خرج إِلَى حربه جمَاعَة من الاشراف بنية فَاسِدَة وَقُلُوب مائدة (وخيل مَا يخر لَهَا طعين ... كَانَ قِنَا فوارسها ثمام) وانجلى الْأَمر عَن تخلي المحسن وَولده زيد إِلَى الْيمن وَاسْتقر أَحْمد بن عبد الْمطلب بِمَكَّة وقطن وَلما وصل المحسن وَولده زيد إِلَى حَضْرَة الإِمَام لم يتْرك مَا يتَوَجَّه لَهما من الإجلال والاعظام وتقلبت الْأَحْوَال من حَال إِلَى حَال وَمَات الشريف المحسن بِصَنْعَاء الْيمن وَدفن بَقِيَّة الْإِسْكَنْدَر الْمَعْرُوفَة وَأما أَحْمد بن عبد الْمطلب فَأَنَّهُ اقتعد كرْسِي المملكة الحجازية ونبذ جلال السُّلْطَان خلف ظهرة كَمَا تصنع الجلالية وَأَقْبل على تفقد أَحْوَال مَكَّة وَأعْطى كلا من السَّائِلين مقترحه على قدر أسئلتهم حَتَّى أَن بَعضهم اقترح عَلَيْهِ الْقَتْل على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 هَيْئَة مَخْصُوصَة فَقتله كَذَلِك وَبَعْضهمْ اقترح خدمَة مَخْصُوصَة فمكنه مِنْهَا تَمْكِين الْمَالِك وَمَا زَالَ نَافِذ الْكَلِمَة بِمَكَّة وَمَا إِلَيْهَا من الْبلدَانِ حِصَّة من الأعوام والأزمان وَالسُّلْطَان ترد عَلَيْهِ أخباره وَلَا تخفي عَلَيْهِ آثاره حَتَّى حَان الإفتضاح وهبطت أوَامِر الْقَضَاء المتاح بوفود سنجق الساطنة الى مَكَّة والفتك بِهِ وَحصل لأسباب تصدر أَخِيه بعد أَيَّام لمملكة مَكَّة فنحا إِلَى قريب من فعله فَنُوديَ للسُّلْطَان بالباشا قَاسم فَلَمَّا مثل بَين يَدَيْهِ ذكر لَهُ أَحْوَال الشريف وَمَا تَوَاتر عَنهُ من الْإِلْحَاد فِي الْحرم المنيف ثمَّ شدّ عَلَيْهِ بندا بِيَدِهِ وَقَالَ لَهُ عزمت عَلَيْك أَن لَا تحل هَذَا البند حَتَّى توثق أَخَاهُ أَحْمد بن عبد الْمطلب فِي الْحَدِيد وتأتيني بِهِ على سَبِيل الْمُبَادرَة بِلَا مزِيد بعد أَن تقر ولَايَة الشريف زيد بن المحسن على ولَايَة بَيت الله الْحَرَام وتوافيني بِهَذَا الطاغية فِي أَسْوَأ حَال وأهون مقَام فَانْطَلق الباشا قَاسم بِمُقْتَضى تِلْكَ المراسم مُتَوَجها على الشريف بنية كَافِيَة وهمة عالية فَلَمَّا وافى حرم الله استوثق مِنْهُ أَطْرَافه وضيق عَلَيْهِ أكنافه حَتَّى تَركه فِي دَائِرَة الْمِيم وانسلخ عَنهُ كل صديق حميم وَمَا زَالَ فِي دولاب حصاره حَتَّى قضى مِنْهُ كل أوطاره فَوَضعه فِي السلسلة واستملى من أهل مَكَّة أَحَادِيث خلاعاته المسلسلة وصادف يَوْمئِذٍ دُخُول الشريف زيد بن المحسن الى مَكَّة عقيب موت وَالِده فنصبه الباشا فِي دست أَبِيه المكلوم وخلع عَلَيْهِ الخلعة الَّتِي وصل بهَا من الرّوم ثمَّ انْفَصل بالشريف أَحْمد تِلْقَاء الْأَبْوَاب وتوهم أَن دُخُوله حَيا سويا مِمَّا سيدخل لَهُ فِي حِسَاب فَلَمَّا ضرب بِهِ قَارِعَة الطَّرِيق تبعه جمَاعَة من أَصْحَابه يُرِيدُونَ إستنقاذه من يَد الباشا فَأَشَارَ بعض الْحَاضِرين بِأَنَّهُ لَا يَنْقَطِع أياس أَصْحَاب الشريف إِلَّا بعد أَن يضْرب رَأسه ويبان وَيدخل فِي خبر كَانَ فَضرب الباشا عُنُقه فِي الْحَال وَرجع إِلَى الْأَبْوَاب وَقد قضى الأراب وَحل البند الْمَعْقُود وانقلب فِي االطالع المسعود هَكَذَا روى لي بعض من اتَّصل بالاشراف هَذِه الْقَضِيَّة وفيهَا زِيَادَة من غير طَريقَة والعهدة عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 وَفِي أثْنَاء هَذِه الْأَيَّام نقل بَعضهم عَن الإِمَام أَنه أَرَادَ رفع يَد أَخِيه إِسْمَاعِيل عَن بِلَاد ضوران وريمة وَمَا إِلَيْهَا فَتغير خاطر أَخِيه إِذْ كَانَ الْعَزْل بِلَا سَبَب يَقْتَضِيهِ وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال وَفِي شهر رَجَب مِنْهَا توفّي الإِمَام الْمُؤَيد بِاللَّه مُحَمَّد بن أَمِير الْمُؤمنِينَ الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن عَليّ بمحروس حصن شهارة وَاجْتمعَ عِنْد ذَلِك أَعْيَان النَّاس من آل الإِمَام وَغَيرهم وَاقْتضى رَأْي وَصِيّ الإِمَام القَاضِي شهَاب الدّين أَحْمد بن سعد الدّين أَن المهم أَن لَا يوارى الإِمَام حَتَّى ينظر فِيمَن يخلفه فِي الْأَنَام خشيَة مِمَّا يدعوا إِلَى النزاع وحسما لعروق الأطماع فأجمع رَأْيه مَعَ مُلَاحظَة آراء أَكثر النَّاس أَن يعقدوا لصنوه الإِمَام السَّيِّد صفي الدّين أَحْمد بن الإِمَام الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن عَليّ فَفَعَلُوا ذَلِك ثمَّ واروا الإِمَام وَكَانَ الْمُؤَيد ذَا سيرة حَسَنَة وَطَرِيقَة مستحسنة ملاحظا لتوظيف النَّاس على قدر مَرَاتِبهمْ قريب الجناب شرِيف الْخطاب لَا ينْقض لَهُ مَعْلُوم وَلَا ينْسَخ لَهُ مرسوم كَمَا كَانَ عَلَيْهِ أَخَوَاهُ الحسنان فَكَانَت الأرزاق فِي وقته هامية والبركات ببركته نامية وَكَانَ على مَذْهَب حَده الْهَادِي عَلَيْهِ السَّلَام إِلَّا أَنه كَانَ لَا يُورث ذَوي الْأَرْحَام وَيَأْخُذ الزَّكَاة من الْقَلِيل وَالْكثير ويجيز صرف زَكَاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 الْهَاشِمِي فِي الْهَاشِمِي الْفَقِير وَغير ذَلِك من الاختيارات وعمره ثَلَاث وَسِتُّونَ سنة وشهران لِأَن مولده فِي شهر رَمَضَان سنة تسعين وَتِسْعمِائَة وخلافته أَربع وَعِشْرُونَ سنة وشهران وكسور وَمن مأثره إصْلَاح سمسرة القبتين بطرِيق بَاب الْيمن بعد أَن كَانَ أخر بهَا الْحَاج أَحْمد الْأَسدي والمدرج الى شهارة من الْجِهَة الجنوبية إِلَى وَادي أقرّ وَغير ذَلِك وَلما ظَهرت دَعْوَة صفي الْإِسْلَام أَحْمد بن الإِمَام وصل إِلَيْهِ من أَعْيَان دولة المحسن بن الْقَاسِم الْفَقِيه الرئيس يحيى بن أَحْمد البرطي وأفهمه أَن عَمُود الْخلَافَة الْمُلُوك لَهُ لَا يَنْتَظِم حَال بِغَيْر المَال وَعمارَة قُلُوب الرِّجَال وَأَن الرَّأْي اقطاع أَوْلَاد أخوته نَفِيس الْبِلَاد وَإِطْلَاق أَيْديهم فِي الإصدار والإيراد وَأَن بِهَذَا تنتصب رايته وتستقر غَايَته وتستحكم يَده ويشتد عضده ثمَّ هُوَ بعد أَن يستحكم لَهُ الْأَمر ينظر فِي تَحْرِير الولايات بِالْمدِّ وَالْقَبْض فَقَالَ لَهُ أَحْمد بن الإِمَام جوابي عَلَيْك جَوَاب الإِمَام الْمَنْصُور بِاللَّه لمُحَمد باشا حِين وَقع الْخَوْض فِي إِطْلَاق الْحسن بن الإِمَام على إرجاع مَا افتتحه الإِمَام من الْبِلَاد على جَعْفَر باشا إِلَى يَد نَائِب السلطنة وَكَانَ جَوَاب الإِمَام أَنه لَا يسعني عِنْد الله ذَلِك وَلَا تجمل بِي تِلْكَ المسالك فَعَاد الْمَذْكُور من حَيْثُ جَاءَ وَعلم أَن قَائِم هَذَا الْأَمر الصعيب بِغَيْر هَذَا السَّيِّد النجيب خلَافَة الإِمَام الْأَعْظَم المتَوَكل على الله إِسْمَاعِيل بن أَمِير الْمُؤمنِينَ الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن عَليّ وَعند أَن بلغ الْخَبَر إِلَى صنوه إِسْمَاعِيل بن الإِمَام وَهُوَ بضوران فاجمع رَأْيه ورأي من لَدَيْهِ من الْعلمَاء والأعيان كَالْقَاضِي مُحَمَّد السلَامِي وَالْقَاضِي إِبْرَاهِيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 ابْن حسن العيزري على أَنه الأنهض بِهَذَا الْمقَام وَالْأولَى بسياسة الْأَنَام فبرز الى مَسْجِد الْحصين وَطلب الْبيعَة مِمَّن يعْتد بِهِ من النَّاس فَدَخَلُوا فِيهَا أَفْوَاجًا وسلكوا إِلَيْهَا فجاجا مَعَ مَا كَانُوا قد عرفُوا مِنْهُ أَيَّام السِّيَادَة من مُلَاحظَة جَانب الشَّرْع وَالْكَرم الَّذِي تميل إِلَيْهِ الخواطر بالطبع وَكَانَ قد أظهر دَعْوَة هَذِه الْأَيَّام السَّيِّد الْعَلامَة صارم الْإِسْلَام إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد المؤيدي فِي جِهَات الشم وَثبتت دَعْوَة أُخْرَى للسَّيِّد الْعَلامَة ملك الْيمن عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحسن وَكَانَ فِي جِهَة إب من الْيمن الْأَسْفَل فِي تِلْكَ الْأَيَّام ثمَّ إِن المتَوَكل على الله كتب إِلَى صنوه أَحْمد يعاتبه فِي العجلة بالدعوة وَرجح المتَوَكل من رجح لرسوخ قدمه فِي الْعُلُوم سِيمَا الْفِقْه وَرجح أَخَاهُ من رجح لتقدم دَعوته وتوسم أَنه أنهض ثمَّ إِنَّه التئم الْحَال فِيمَا بَين عز الْإِسْلَام وَعَمه الإِمَام وَكَانَ ذَلِك مستهل السَّعَادَة المتوكلية فَإِن دولة عز الْإِسْلَام يَوْمئِذٍ كَانَت موازية لدولة أَبِيه الْحسن بن الإِمَام وأقطعه الإِمَام جَمِيع الْيمن الْأَسْفَل وفوضه فِيمَا يصير إِلَى أَخِيه صفي الْإِسْلَام أَحْمد بن الْحسن بن الإِمَام والتقيا بعد ذَلِك فِي رَأس القفر وانفصلا وَقد تقررت الْأُمُور وَصلح بصلاح ذَات بَينهمَا أَمر الْجُمْهُور فَإِنَّهُ مَال إِلَى المتَوَكل بذلك أَكثر الْيمن من ضوران إِلَى عدن وَكَذَا الْمشرق وذمار وخولان والحدا وَعند ذَلِك خرج من صنعاء صفي الْإِسْلَام أَحْمد بن الْحسن قَاصِدا لِأَخِيهِ عز الْإِسْلَام وَخرج مِنْهَا بدر الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن الإِمَام قَاصِدا حَضْرَة الإِمَام وَلما اسْتَقر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 كل مِنْهُمَا حَيْثُ وصل أنعم الإِمَام عَلَيْهِمَا بالبلاد واستقرت أمورهما على نمط السداد فاتصل أَحْمد بن الْحسن بِنصْف بِلَاد الْيمن الْأَسْفَل واتصل مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بِبِلَاد الشّرف وحفاش وملحان وبلاد الْبُسْتَان ثمَّ أبدل عَن الشّرف بحراز وَكَانَ بِيَدِهِ من قبل بِلَاد الْبُسْتَان فَقَط وَكَانَ تَقْرِير هَذِه الْأُمُور بشعبان وَأكْثر رَمَضَان ثمَّ إِنَّه تقدم الْعَسْكَر الَّذِي بِصَنْعَاء إِلَى خدار بِأَمْر أَحْمد بن أَمِير الْمُؤمنِينَ الْقَاسِم وَكَانَ نَائِبه بِصَنْعَاء يَوْمئِذٍ وَلَده السَّيِّد بدر الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد مَعَ واليها من قبل الإِمَام السَّيِّد جمال الدّين عَليّ بن الإِمَام الْمُؤَيد بِاللَّه فَصَارَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 خدار هُوَ المركز للجلاد ومجري العوالي ومجرى الْجِيَاد وَكَانَ الْأَمِير على الْجَيْش السَّيِّد عز الدّين دريب وَشَعْبَان آغا القارني فَتَقَدما إِلَى خدار بِجَيْش جرار فَلَمَّا وصلوا واستقربهم الْمقَام طردوا عَنهُ عَامل الإِمَام وَلما علم الإِمَام جهز السَّيِّد الْمِقْدَام مُحَمَّد بن الْحُسَيْن وَمَعَهُ النَّقِيب سرُور شلبي فتوجها إِلَى خدار فِيمَن مَعَهُمَا من الْجند الْمُخْتَار وحملوا على الْقرْيَة حَملَة رجل وَاحِد حَتَّى بلغ أوائلهم الْمَسْجِد الَّذِي فِي الْبَلَد وَلم يخرج أَصْحَاب السَّيِّد عز الدّين وَشَعْبَان آغا من الْبيُوت بل رموا بالبنادق من قرب مِنْهُم فَقتل بِالْقربِ من الْمَسْجِد ثَلَاثَة أَنْفَار وَآل الْأَمر إِلَى انهزام عَسَاكِر الإِمَام إِلَى أَن بلغُوا رَأس نقِيل يسلح ثمَّ ثبتوا هُنَاكَ وبنوا المتاريس وَبَات الْبَعْض مِنْهُم بقرية النقيل وَأهل خدار لما شاهدوا الْفِرَار تَآمَرُوا فِيمَا بَينهم على عدم اللحوق وَقَالُوا الْكل أَخَوان ونرجوا أَن يلتئم الجانبان ويصطلح الْفَرِيقَانِ وَلما اتّفقت هَذِه المناوشة بَادر بدر الْإِسْلَام وصنوه أَحْمد بن الْحسن وهما يَوْمئِذٍ بذمار بالعزم إِلَى جِهَات صنعاء وَجَمِيع قبائل الْمشرق وخولان والحداء وَمن بطريقهما من قبائل سنحان وكتبا إِلَى عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحُسَيْن أَن يلقاهما إِلَى الطَّرِيق وَيكون الإجتماع على الْمَدِينَة فَإِنَّهَا كالرأس وَتَقْدِيم فتحهَا بِنَاء على اساس فَاجْتمعُوا كَذَلِك وَكَانَ الشَّيْخ حسن بن الْحَاج أَحْمد قد ترَتّب فِي ريمة بعسكر فَرَأى من الصَّوَاب الْخُرُوج إِلَى يَد الثَّلَاثَة الْأُمَرَاء وَعند أَن بلغ الْأَمِير الْهَادِي بن الشويع مُوَاجهَة الشَّيْخ رَجَعَ إِلَى صنعاء وَاتفقَ رَأْي من فِيهَا على تغليقها وفيهَا الأميران مُحَمَّد بن أَحْمد بن الإِمَام وَعلي بن الْمُؤَيد بِاللَّه وَاسْتقر أَحْمد بن الْحسن وَمُحَمّد بن الْحُسَيْن بِمن مَعَهُمَا من الأجناد المتوكلية ببير العزب وَأمر صفي الْإِسْلَام بخراب بَيت القَاضِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 صارم الدّين إِبْرَاهِيم بن يحيى السحولي ببقعة السَّعْدِيّ لِأَنَّهُ الْخَطِيب فِي صنعاء للداعي أَحْمد بن الإِمَام وعمره لَهُ فِيمَا بعد وَلما بلغ أهل خدار هَذَا الخطاط على الْمَدِينَة خَرجُوا عَنهُ إِلَى حُضُور وتحرك بعد ذَلِك صفي الْإِسْلَام أَحْمد بن الإِمَام من حصن شهارة يُرِيد الْوُصُول إِلَى صنعاء ثمَّ مِنْهَا يعسكر العساكر ويشن الغواير فَلَمَّا وصل الطَّرِيق بلغه الْحصار على الْمَدِينَة والتضييق فَتوجه إِلَى مَدِينَة ثلاء وَلم يدخلهَا إِلَّا بِبَعْض الْعَسْكَر وَلما اسْتَقر بثلاء وعساكره الَّذين كَانُوا بخدار فِي حُضُور طلع عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحُسَيْن إِلَى بَيت ردم فأرعد وأبرق وحذرهم عواقب النَّدَم فواجهه العساكر عَن آخِرهم وَمِنْهُم أهل خدار ثمَّ وصلت بيعَة الْأَمِير النَّاصِر بن عبد الرب وتبعتها بيعَة الْحُسَيْن بن الإِمَام الْمُؤَيد وَكَانَا قد أجابا صفي الْإِسْلَام لَكِن رَأيا حركات التَّمام فِي غير انتظام فأخذا بقائم الْأَمر كَمَا يَفْعَله أَرْبَاب الأحلام ثمَّ تقدم عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحُسَيْن إِلَى كوكبان وثلأ فالقاه الْأَمِير بعسكره إِلَى حوشان وَسَارُوا جَمِيعًا إِلَى ثلأ وَلما شارفوها شرع الْحَرْب مِمَّن بهَا وَكَانَ أَحْمد بن الْحسن قد بعث بياقوت شلبي إِلَى بني مَيْمُون ليصد من وصل من تِلْكَ الْجِهَة فَمنع الصَّادِر والوارد وتمم لَهُ الْمَقَاصِد وَلما انْفَتح الْحَرْب بثلاء جد واجتهد الصفي على الإبلأ وحرض على الثَّبَات وَفعل فعل الكماة الاثبات وَقتل من الْجَانِبَيْنِ زهاء سَبْعَة أَنْفَار وخلص الْأَمر عَن هزيمَة جَيش الصفي وَرَبك يخلق مَا يَشَاء ويختار فانحاز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 صارم الدّين إِبْرَاهِيم بن يحيى السحولي ببقعة السَّعْدِيّ لِأَنَّهُ الْخَطِيب فِي صنعاء للداعي أَحْمد بن الإِمَام وعمره لَهُ فِيمَا بعد وَلما بلغ أهل خدار هَذَا الخطاط على الْمَدِينَة خَرجُوا عَنهُ إِلَى حُضُور وتحرك بعد ذَلِك صفي الْإِسْلَام أَحْمد بن الإِمَام من حصن شهارة يُرِيد الْوُصُول إِلَى صنعاء ثمَّ مِنْهَا يعسكر العساكر ويشن الغواير فَلَمَّا وصل الطَّرِيق بلغه الْحصار على الْمَدِينَة والتضييق فَتوجه إِلَى مَدِينَة ثلاء وَلم يدخلهَا إِلَّا بِبَعْض الْعَسْكَر وَلما اسْتَقر بثلاء وعساكره الَّذين كَانُوا بخدار فِي حُضُور طلع عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحُسَيْن إِلَى بَيت ردم فأرعد وأبرق وحذرهم عواقب النَّدَم فواجهه العساكر عَن آخِرهم وَمِنْهُم أهل خدار ثمَّ وصلت بيعَة الْأَمِير النَّاصِر بن عبد الرب وتبعتها بيعَة الْحُسَيْن بن الإِمَام الْمُؤَيد وَكَانَا قد أجابا صفي الْإِسْلَام لَكِن رَأيا حركات التَّمام فِي غير انتظام فأخذا بقائم الْأَمر كَمَا يَفْعَله أَرْبَاب الأحلام ثمَّ تقدم عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحُسَيْن إِلَى كوكبان وثلأ فالتقاه الْأَمِير بعسكره إِلَى حوشان وَسَارُوا جَمِيعًا إِلَى ثلأ وَلما شارفوها شرع الْحَرْب مِمَّن بهَا وَكَانَ أَحْمد بن الْحسن قد بعث بياقوت شلبي إِلَى بني مَيْمُون ليصد من وصل من تِلْكَ الْجِهَة فَمنع الصَّادِر والوارد وتمم لَهُ الْمَقَاصِد وَلما انْفَتح الْحَرْب بثلاء جد واجتهد الصفي على الإبلأ وحرض على الثَّبَات وَفعل فعل الكماة الاثبات وَقتل من الْجَانِبَيْنِ زهاء سَبْعَة أَنْفَار وخلص الْأَمر عَن هزيمَة جَيش الصفي وَرَبك يخلق مَا يَشَاء ويختار فانحاز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 إِلَى قلعة ثلاء وَبَقِي فِيهَا لَيْلَة وَاحِدَة ثمَّ خَاطب بِالْخرُوجِ والوصول والمسير الى حَضْرَة أَخِيه والمثول ثمَّ تَوَجَّهت بِهِ العساكر والأعيان إِلَى حَضْرَة أَخِيه المتَوَكل على الله بضوران واستراح الْإِسْلَام من عواقب الوبال وَكفى الله الْمُؤمنِينَ الْقِتَال وَصَحبه قاضيه وخطيبه وعوينه وحبيبه أَحْمد بن سعد الدّين وَالسَّيِّد صارم الدّين إِبْرَاهِيم بن أَحْمد بن عَامر وَسَائِر خواصه وَلما أتضح للَّذين بِصَنْعَاء تَسْلِيم صَاحبهمْ لِلْأَمْرِ خاطبوا بِالطَّاعَةِ فَدخل صفي الْإِسْلَام أَحْمد بن الْحسن إِلَى صنعاء وَأثبت الْخطْبَة للْإِمَام على لِسَان القَاضِي صارم الدّين إِبْرَاهِيم بن يحيى السحولي وَكَانَ عوام الْبِلَاد قد تأهبوا لإنتهاب الْمَدِينَة كَمَا هُوَ شَأْن الْعَوام الطغام فَلَمَّا حصل هَذَا الإلتئام رَجَعَ كل إِلَى مَحَله وَلما انتظمت الْأُمُور فِيمَا بَين الصفي وصنوه الإِمَام وَجهه إِلَى صعدة وَمَا إِلَيْهَا وَأطلق يَده فِي واجباتها وَجعله عَاملا عَلَيْهَا وَفِي هَذَا الْعَام خَالَفت المعازبة بتهامة فَسَار إِلَيْهِم عينة الإِمَام فصلحوا وانتظم أَمرهم أحسن الإنتظام وَلما اسْتَقر أَحْمد بن الإِمَام بصعدة وَكَانَ وَلَده مُحَمَّد بن أَحْمد قد انْفَرد بالرئاسة وَظهر عَنهُ مَحْمُود السِّيَادَة والسياسة وَجه إِلَيْهِ الإِمَام جَمِيع بِلَاد البون والقبلة إِلَى خمر وَسكن مَحل وَالِده بالروضة وَأما الْحُسَيْن بن الْمُؤَيد بِاللَّه فَوجه إِلَيْهِ الإِمَام ولَايَة بِلَاد عفار وشهارة والشرف الْأَسْفَل وَفِي هَذَا الْعَام تاقت نفس السَّيِّد عبد الله صبح إِلَى الزعامة والتسمي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 بِمنْصب الْإِمَامَة فَتقدم من حوث إِلَى وَادعَة وَأظْهر الْخلاف والمنازعة فَجهز إِلَيْهِ الإِمَام ولد أَخِيه الجثام مُحَمَّد بن أَحْمد بن الإِمَام وَكَانَ يَوْمئِذٍ بِخَمْر فَسَار مِنْهَا إِلَى الحص مجمع وادعه وسوقها فاستدرك الْأَمر بعد قتال هلك فِيهِ رجل من أهل وَادعَة وَثَلَاثَة نفر من الْعَسْكَر وعقرت أَربع من الْخَيل وهرب السَّيِّد بِلَاد شاطب وَسلم من الْوُقُوع فِي لَهَوَات المعاطب وَفِيه مَاتَ الشَّيْخ المعتقد أَبُو بكر الْحُسَيْنِي ينتسب إِلَى الْحُسَيْن بن عَليّ بمساقط بِلَاد حراز وَكَانَ ذَا براهين قَاطِعَة وأنوار ساطعة وَفِيه مَاتَ الشَّيْخ المؤرخ طَاهِر بن يحيى بِبَلَدِهِ المنصورية بتهامة أَسْفَل وَادي سِهَام بمساقط بِلَاد ريمة وهم يذكرُونَ أَنهم سادة حسينية وَلَهُم هُنَاكَ جاه وَاسع وأفضال وإستقامة بَاطِن ونمو حَال وَكَانَ الْمَذْكُور قد عاون فِي فصل الشَّرِيعَة ثمَّ عذر نَفسه وَخَلفه فِي زاويته مُحَمَّد بن طَاهِر وَيذكر عَنهُ أَنه زجر الباشا قانصوه عَن الْيمن وَأَهله حَال خُرُوجه إِلَيْهِ فَلم يلْتَفت إِلَى كَلَامه فَلَمَّا وَقع فِيمَا وَقع فِيهِ مر عَلَيْهِ وَطلب الْعَفو وأعترف وأهدا لَهُ نُسْخَة من الْقَامُوس وحياة الْحَيَوَان الْكُبْرَى وَلما مر عَلَيْهِ شرف الْإِسْلَام الْحسن بن الإِمَام أَضَافَهُ إِضَافَة سنية وَقَامَ بِسَائِر خاصته وَفرق عساكره فِي الْبِلَاد وَفعل فعلات الأجواد وفيهَا ملك صَاحب عمان الْخَارِجِي الأباضي بندر مسكت الَّذِي فِي سواحل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 بِلَاده وَكَانَ فِي أَيدي الفرنج وَمَا كَانَ يظنّ إستيلاءه عَلَيْهِ وَلكنه دب بالحيلة إِلَيْهِ بِأَن أنفذ إِلَيْهِ جماعات فِي قالب الدراويش فَلَمَّا علم أَنهم قد صَارُوا أنصابا لرتبة القلعة أَمرهم بِالْفَتْكِ بِمن فِيهَا بسكاكين معدة مَعَهم ففتكوا بِمن فِي القلعة عَن آخِرهم وَلما تَوَجَّهت إِلَى نظره أَمن التُّجَّار الَّذين يخرجُون من الْبَحْرين وَالْعراق إِلَى الْيمن وَهَذَا الْخَارِجِي لَهُ مَذْهَب لَيْسَ من الشَّرْع فِي شَيْء مثل التَّكْفِير بالمعصية وَعدم قبُول الشَّهَادَة بِمَا أدعاه الْمُدَّعِي إِذا لم يصدقها المدعا عَلَيْهِ وَإِذا أنْكرت الزَّوْجَة الزَّوْجِيَّة فرق بَينهَا وَبَين زَوجهَا بِمُجَرَّد دَعْوَاهَا وَكَذَا الْمَمْلُوك إِذا أدعا عدم الملكية وَهَذَا كُله رد لِلْقُرْآنِ وجنوح إِلَى شرعة الشَّيْطَان وَقد علم أَنهم من أهل الْبدع لَا يلْتَفت إِلَى أفعالهم وَلَا يجنح إِلَى أَقْوَالهم وفيهَا مَاتَ عبد القيوم الرغيلي المنجم وفيهَا مَاتَ الشريف الرئيس هَاشم بن حَازِم بقطعته بَلَده زبيد وَلما مَاتَ وجد فِي وَصيته أَن خيله تكون بَيت مَال وَله تعلق بِالْعلمِ وَأَهله فتح بِلَاد الْأَمِير حُسَيْن صَاحب عدن وَفِي شَوَّال من هَذَا الْعَام سَار الإِمَام من ضوران إِلَى صنعاء فاستقر بهَا أَيَّامًا وجهز ابْن أَخِيه صفي الْإِسْلَام أَحْمد بن الْحسن بن الإِمَام على بِلَاد الْأَمِير الْحُسَيْن ابْن عبد الْقَادِر صَاحب عدن وَأبين وَقد ذكرنَا فِيمَا مضى إنفصال الصفي عَنهُ بخاطر مقهور وَجَنَاح مكسور وَيذكر أَنه فِي أثْنَاء ذَلِك الْمقَام أطلع من سيرة الْمَذْكُور على مَا يقبح من الْأُمُور فأسرها لهَذَا الْوَقْت وزحزحه عَن ذَلِك التخت وَلما وصل الصفي إِلَى تِلْكَ الديار شب على الْأَمِير سعير النَّار وأحاطت ببلاده أجناده وَضَاقَتْ بهَا أغواره وأنجاده فاقتدح الْأَمِير زندا وَلم يتْرك من الجلاد جهدا وأصدق أَصْحَابه السَّيْف فِي عَسْكَر الصفي حَتَّى أفرد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 لَهُم مَقْبرَة تعرف الْآن بمقبرة أَحْمد بن الْحس ثمَّ أَن الصفي شدّ لَهُ شدَّة الهصور وأحاطت بِهِ أجناده إحاطت السُّور فَكَانَت الْهَزِيمَة فِيهِ وَفِي حزبه وَخرج عَن مَمْلَكَته مصاحبا لكربه وَاسْتولى صفي الْإِسْلَام على ذخائره وخزنته وَملك تخته وَاسْتولى على بقعته وَهُوَ لَجأ بعد ذَلِك إِلَى يافع بعد أَن علم أَن لَيْسَ لَهُ عَاصِم وَلَا نَافِع ثمَّ أَن الصفي قرر وُلَاة على الْبِلَاد بعد أَن كمل لَهُ المرام وَتمّ لَهُ المُرَاد وَعَاد إِلَى صنعاء حَضْرَة الإِمَام وَقد وَقع على الرِّكَاز وظفر بالمرام وَلما شَارف الدُّخُول وَقع بَين مُعَسْكَره وَأهل كوكبان مَا لَا يزَال بَين الْعَسْكَر من المنافسة على البيارق فَوَقع بعض خصام وترام بالبنادق وَذهب من عَسْكَر كوكبان ثَلَاثَة أَنْفَار وَلما وافى حَضْرَة الإِمَام قر نظره وطاب من الصفي خَبره وَخَبره وَفِي شعْبَان هَذَا الْعَام أَو الَّذِي قبله كَانَ رخص الأسعار وتفجر الْأَنْهَار وصفاء الْأَحْوَال ونمو الْأَرْوَاح وَالْأَمْوَال وَفِيه كَانَ بِمَكَّة المشرفة السَّيْل الرَّابِع والزجر الْعَظِيم الفاجع طَاف حرم الله من أمواجه بِكُل كثيب مهيل وتخلل الْكَعْبَة المشرفة وَصعد جدارها حَتَّى حَاذَى الْقَنَادِيل وأخرب جَانِبي الْبَيْت الْمَعْمُور وأزاح تِلْكَ المحاس وزحزح تِلْكَ الستور وَفِيه قَالَ السَّيِّد الْعَلامَة إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الجحافي (أَتَى السَّيْل مجتازا بِمَكَّة موهنا ... فطهرها واجتاح مِنْهَا أباطيلا) (وَمَا قصد الضّر الشنيع وَإِنَّمَا ... أَرَادَ من الْبَيْت الْمُعظم تقبيلا) (يَقُولُونَ أرخ كَونه قلت فاحسبوا ... سَمِعت بِأَن المآء لَاقَى القناديلا ( الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 وللحافظ عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الحميمي (إِن شِئْت تَدْرِي لطيف صنع ... قضى بِهِ الله فِي بناه) (فِي حرم الْأَمْن حَيْثُ يعْطى ... لطَالب الْأَمر مَا رجاه) (إِذْ طَاف بِالْبَيْتِ طائف المَاء ... وخر إِذْ ذَاك جانباه) (بِشَهْر شعْبَان جَاءَ سيل ... فَذَاك تَارِيخ مَا ترَاهُ) وَفِي هَذَا الْعَام مَاتَ السَّيِّد الْعَلامَة الأديب صَلَاح بن عبد الْخَالِق الجحافي وَكَانَ ذَا دراية بأصول الْفِقْه والنحو شَاعِرًا محاضرا وَله شرح على تكمله الْأَحْكَام وَمن شعره القصيدة الَّتِي نقم فِيهَا على الهر لما أكل الْحمام وجرعها كأس الْحمام (يَا هر فِي غير حفظ الْوَاحِد الصَّمد ... أحثثت سيرك عَن دَاري وَعَن بلدي) (وَقد نزلت فأحسنا جوارك لم ... نبخل عَلَيْك بِمَا تحويه ذَات يَد) (رَجَوْت أَنَّك تكفيني أذية مَا ... فِي الْبَيْت من جرذ عَاد وَمن خلد) (فَلم ترعها بِشَيْء بل عَمَدت إِلَى ... حمامة ضعفت فِي الْبَطْش وَالْجَلد) (ضَعِيفَة لم تكن تَدْرِي بفتكك يَا ... أعق مَا خلق الرَّحْمَن من ولد) (أبديت رعشة منهوك فحين دنت ... فعلت مَا يفعل الضرغام ذُو اللبد) (أما نظرت إِلَى أطواقها وَلها ... تلون الدّرّ فَوق الْجيد ذِي الْجيد) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 (أعضضت نابك جيدا لَو علمت بِمَا ... حوى لما عثت فِيهِ غير متئد) (كَأَنَّهُ خَارِجا من جنب صفحته ... سفود شرب نسوه عِنْد مفتاد) (وَحين رَابَك مَا فِي النَّفس من جزع ... رحلت غَضْبَان لم تعطف وَلم تعد) (وَلم تطف بِفنَاء الدارقط وَسوى ... فِي الْأَرْبَعَاء لأجل اللَّحْم والأحد) (هَذَا جَزَاء امرىء غذاك نعْمَته ... بالمخض تكشف عِنْد رغوه الزّبد) (فَالْآن ثَبت إِلَى بيداء بلقعة ... أَو مهمة فِي أقاصي الأَرْض منجرد) (وَحقّ من قَالَ أَن الطير آمِنَة ... فِي وَكرها فِي أداني الأَرْض والبعد) (وَالْمُؤمن العائذات الطير تمسحها ... ركبان مَكَّة بَين الغيل والسند) (لَو أَنَّهَا علمت هَذَا إِذا لنجت ... فالطير تنجو من الشؤبوب ذِي الْبرد) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 (وَقد رضيت بِأَن الفار يفْسد فِي ... دَاري وَيسْعَى لضري سعي مُجْتَهد) (فخلنا غير مأسوف عَلَيْك وَلَا ... بَرحت مَا عِشْت فِي هم وَفِي نكد) (فَمَا أَقُول لنَفْسي فِيك مبتئسا ... إِحْدَى يَدي أصابتني وَلم تزد) (كلا كَمَا خلف من بعد صَاحبه ... هَذَا أخي حِين أَدْعُوهُ وَذَا ولد) (بل سَوف أنْشد تسكيتا لخاطرها ... لله يبقي على الْأَيَّام ذُو حيد) وَلما اطلع السَّيِّد الإِمَام الْحسن بن أَحْمد الْجلَال على هَذَا العتاب نَاب عَن الهر فِي لطيف الْجَواب فَقَالَ (سَمِعت عتبك والتأنيب يَا سندي ... فهاج لي حسرة أَوْهَى بهَا جلدي) (وصرت أعجب من دعواك أَنَّك لم ... تبخل على بِمَا تحويه ذَات يَد) (إِذْ تِلْكَ دَعْوَى وَلَا برهَان يصحبها ... وَمثل ذَاك لأهل الْحق لم يفد) (فَمَا أَقُول كَمَا قُلْتُمْ إِلَيّ جَفا ... يَا هر فِي غير حفظ الْوَاحِد الصَّمد) (لكنني مظهر مَا كنت أستره ... كَيْلا لخلي كَمَا قد كال لم أَزْد) (خدمتكم غير وان فِي منافعكم ... وَلَا لأعدائكم أبقيت من سبد) (وبالخصاصة أرضي فِي محبتكم ... مَالِي سوى قِطْعَة فِي الْوَعْد من كبد) (دَلِيله قَوْلكُم مَا جِئْت قطّ سوى ... فِي الْأَرْبَعَاء لأجل اللَّحْم والأحد) (على م تهضم قدري بَين أظْهركُم ... وصغح رَأْسِي من شيخ وَمن ولد) (أَقُول للنَّفس أَن الرب سطوته ... كالدهر لَا عَارِف رضيها وَلَا تحد) (حَتَّى غَدا دابكم كفران منفعتي ... لنظمك الزُّور قولا غير مُعْتَقد) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 (لَكِن وَمن لَك بِالْحرِّ الشكُور لمن ... يُولى الصنايع لَا يعدوه حفظ يَد) (فَقلت للنَّفس أَرض الله وَاسِعَة ... وكل موت وَلَا موت على الكمد) (وخدمة الْمَرْء مولى لَيْسَ يعرفهَا ... وَلَا يقر بهَا من أعظم النكد) (وَلَا يُقيم على ضيم يُرَاد بِهِ ... سوى الأذلين غير الْحَيّ والوتد) (فجد جدي وَلَا زَاد وَلَا سغب ... وَلَيْسَ إِلَّا بِهِ الْإِمْضَاء إِلَى الْأَبَد) (وَقد تصبرت حَتَّى لات مصطبر ... فَالْآن أجهد حَتَّى لات مُجْتَهد) (حَتَّى عَمَدت ولي فِي ذَاك مأربة ... إِلَى الْحَمَامَة ذَات الْمنطق الغرد) (لَا ذهب الْجُوع إِذا نفذت فأركم ... وتعلموا سطوتي فيهم بِلَا عدد) (إِذْ تِلْكَ تشبههم بل هِيَ أَحَق كَمَا ... قد قلت تنجو من الشؤبوب ذِي الْبرد) (وَلَو رعيت حقوقي مِنْك أجمعها ... وَحقّ مثلي حق هَين المدد) (مَا إِن أتيت بِشَيْء أَنْت تكرههُ ... إِذا فَلَا رفعت سَوْطِي إِلَى يَد) (هَا أَن تا عذره إِن لم تكن نَفَعت ... فَإِن صَاحبهَا قد تاه فِي الْبَلَد) (بعد السَّلَام عَلَيْكُم مَا غشى جرذ ... ثمَّ الصَّلَاة على الْهَادِي إِلَى الرشد) وَقد أورد ابْن خلكان والدميري فِي حَيَاة الْحَيَوَان قصيدة نَفسهَا هَذَا النَّفس فِي غير الْوَزْن (يَا هر فارقتنا وَلم تعد ... وَكنت عِنْدِي بمنزل الْوَلَد) وَهِي لأبي بكر بن الْحُسَيْن بن العلاف الْمقري وفيهَا توفّي السَّيِّد الْعَلامَة الْحسن بن شمس الدّين جحاف وَكَانَ ذَا دراية بالْمَنْطق وعلوم الْعَرَبيَّة خاملا زاهدا وَهُوَ خَال الإِمَام المتَوَكل على الله إِسْمَاعِيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 ابْن الْقَاسِم أَقَامَ أعواما بِمَسْجِد الْأَخْضَر من صنعاء وفيهَا مَاتَ السَّيِّد الْعَلامَة أَحْمد بن مُحَمَّد بن صَلَاح الشَّرْقِي القاسمي بِبَلَدِهِ معمرة رَأس جبل الأهنوم وقبر هُنَالك وَكَانَ مفتيا بِصَنْعَاء وَله شرح على الأزهار نقل فِيهِ أَكثر الدَّلِيل وَلَا يخلوا عَن الْفَائِدَة وَله الشرحان على الأساس وَشرح البسامة الصُّغْرَى فِي ثَلَاثَة جُلُود بلغ فِيهِ إِلَى آخر دولة الْمُؤَيد بِاللَّه مُحَمَّد بن الْقَاسِم وفيهَا خرج أَحْمد بن الْحسن بن الإِمَام بِأَمْر عَمه الإِمَام إِلَى بِلَاد ملاحا من أَطْرَاف بِلَاد خولان فأخرب فِيهَا الْبَعْض وَقطع شَيْئا من أعنابها وَكَانَ الطاغوت قد فشى فيهم وتقلبوا على الْحُقُوق الْوَاجِبَة وصرفوها فِيمَن يُرِيدُونَ وَسَائِر بِلَاد خولان كَانُوا قد أهموا بذلك فَلَمَّا أوقع بهم الصفي حذر الْكل وفيهَا مَاتَ القَاضِي الْعَلامَة مُحَمَّد بن أَحْمد السلَفِي وَكَانَ لَهُ معرفَة تَامَّة بِعلم الْعَرَبيَّة وَالْأُصُول وَكَانَ نَاقِلا لِلْقُرْآنِ الْكَرِيم يتلوه سفرا وحضرا ولي مخلاف حراز مُدَّة ثمَّ عرض لَهُ أخر مدَّته ألم استعطاش فَترك الْولَايَة وطلع صنعاء وَسكن بداره ببير العزب حَتَّى توفّي آخر هَذَا الْعَام وَجمع من الْكتب النفيسة فِي الحَدِيث وَسَائِر الْفُنُون وَله إجَازَة فِي الحَدِيث من بعض عُلَمَاء الشَّافِعِيَّة وقبر بخزيمة وَمن مآثره الْبناء بِمقدم مَسْجِد قَرْيَة الْقَابِل بوادي ظهر وفيهَا أَمر عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحسن بعمارة مشْهد على قبر الإِمَام الْأَعْظَم أَبى الْفَتْح الديلمي شَرْقي ذمار بِنَجْد الجاح طرف قاع القعودين فَأمرت زَوجته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 الشَّرِيفَة الدهماء بنت الْمُؤَيد بِاللَّه بِبِنَاء سمسرة هُنَالك للمسافرين فَكَانَ تتميما للمقصد الأول جزى الله الْمُحْسِنِينَ خيرا حَرَكَة السَّيِّد إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد المؤيدي لما قد كَانَ قدمه من الدعْوَة وَدخلت سنة سِتّ وَخمسين وَألف فِيهَا أعلن السَّيِّد صارم الدّين إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بدعوته ودعا النَّاس إِلَى بيعَته وَهُوَ من الْعلم بمَكَان وَمن المنصب بِحَيْثُ لَا يخْتَلف إثنان (من آل يحيى مساميح قساور فِي ... الهيجاء سنع الْأَسَامِي مسبلي أزر) وَله هُنَاكَ أَتبَاع وَأَعْوَان قد حل مِنْهُم مَحل الرّوح من الْأَبدَان فَهُوَ أنفس عِنْدهم من الزمرد الْأَخْضَر وأعز على خواطرهم من الكبريت الْأَحْمَر يودعون دراري فَتَاوَاهُ أصداف قُلُوبهم ويحملون أثقال جذابه على عيونهم فضلا عَن جنُوبهم كَلَامه أندى على قُلُوبهم من الْقطر ومفاكهته ألطف على خواطرهم من مغازلة النَّهر بعيون الزهر فبمجرد أَن يُشِير يأتمرون وعَلى تقلب أنفاسه يميلون وَلما استفاض هَذَا الْخَبَر وشاع وَكَاد أَن يتَعَدَّى أمره إِلَى غَيره من الْبِقَاع بَادر الإِمَام إِلَى من يقوم بكفايته من الْأَعْلَام فَوجه كِفَايَة هَذَا المهم وَدفع هَذَا الملم إِلَى السَّيِّد الْعَلامَة الْمِقْدَام مُحَمَّد بن الْحسن بن الإِمَام فَنَهَضَ إِلَيْهِ فِي جَيش كثير وزي كَبِير وجأش مربوط وعزم بِأَكْنَافِ المجرة مَنُوط وَلما تخَلّل بِلَاده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 وأوردها أجناده استوثق عَلَيْهِ من الْجِهَات وسلك فِي اسباب قنصه كل الطرقات فَهَيَّأَ الله أَسبَاب الصّلاح ونادي مُنَادِي الظفر حَيّ على الْفَلاح وانقلب بِهِ عز الْإِسْلَام إِلَى حَضْرَة عَمه الإِمَام وَهُوَ يَوْمئِذٍ بِصَنْعَاء المحروسة بِاللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلما نجز أمره وأشرق بِحَضْرَة الإِمَام بدره جمع الْأَعْيَان بديوان الْقصر الدَّاخِل وواجه لَهُ على كرْسِي الباشا ثمَّ تقدم إِلَيْهِ السَّيِّد مُؤديا لبيعته ملاطفا للحضرة بِمَا حَضَره من لطيف الْمقَال وَجَمِيل الْحَال ثمَّ طلب الرُّخْصَة من الإِمَام فِي الْعَزْم إِلَى الشَّام والعودة إِلَى مَحل حشمه والأرحام فأنعم عَلَيْهِ بذلك الْمطلب وساعده إِلَى مَا أحب وَلما وصل الصارم إِلَى عيان واتصل بِبِلَاد سُفْيَان اتّفق بِهِ الْقُضَاة من العنوس وَغَيرهم مِمَّن يلمح إِلَيْهِ ويعول فِي الْمُهِمَّات عَلَيْهِ ثمَّ أَفَاضَ إِلَيْهِم أَن فِي نَفسه غير قَلِيل فَأَنَّهُ إِنَّمَا تخلص بذلك القيل وَلم تكن بيعَته عَن إعتقاد صَحِيح وللتقية فِيهَا مسرح فسيح فَلم يحصل مِنْهُم على مَا يشفي الْفُؤَاد وَلَا ظفر مِنْهُم بِبَعْض المُرَاد فنفذ إِلَى بعض الشَّام وأفاض عَلَيْهِم ذَلِك الْكَلَام فَقَالُوا لَهُ الْأَمر إِلَيْك فانهض وَلَا بَأْس عَلَيْك فَأَعَادَ ذَلِك النداء حَتَّى عَاد الْأَمر كَمَا بدى وشرعت قضاياه وَالْأَحْكَام تُفْضِي إِلَى طَرِيق الإنتظام ووفدت الأراجيف إِلَى صنعاء وأصغى لَهَا كل من يمِيل إِلَيْهِ سمعا فَفَزعَ الإِمَام إِلَى ابْن أَخِيه الْمِقْدَام الهصور فِي مَوَاطِن الصدام أَحْمد بن الْحسن بن الإِمَام وَعقد لَهُ البنود وحشد لَهُ الْجنُود فَتوجه تلقا مَدين ذَلِك الْمَطْلُوب وانفصل فِي أبهى زِيّ وأبهج أسلوب وَحين ضربت فِي بوصان خيامه ونصبت فِي ذَلِك الْمَكَان أَعْلَامه تفرق شَمل أَصْحَاب الصارم وَعَلمُوا أَنه لَا قدرَة لَهُم على ذَلِك الضبارم وَلما تكدرت عَلَيْهِ الْحِيَاض أنحاز إِلَى أَطْرَاف بِلَاد قِرَاض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 ووطن نَفسه على الإضراب والإعراض وَقد مَالَتْ وُجُوه أماله وَأنْشد لِسَان حَاله (هُوَ الْحَظ خُذْهُ إِن أردْت مُسلما ... وَلَا تطلب التَّعْلِيل فَالْأَمْر مُبْهَم) وَكَانَ من أمارته على الْيَأْس فحرر بِهِجْرَة باقم من بِلَاد قِرَاض هَذِه الرسَالَة ولفظها بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله مُدبر الْأُمُور على مُقْتَضى إِرَادَته كل يَوْم هُوَ فِي شَأْن الْمُتَصَرف فِي مصَالح خلقه على مر الدهور بلطيف حكمته من غير موازر وَلَا ثَان المملك الْملك من عبيده من ملكه فِي الْكتاب مسطور فِي سالف أزليته فَأَنِّي لغيره سُلْطَان وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على الْهدى والنور الْمَبْعُوث لإعلاء كَلمته فِي الْأنس والجان وعَلى اله المطهرين أحسن طهُور من الشَّيْطَان والمنزهين عَن مَعْصِيَته فهم لأهل الأَرْض أَمَان وَبعد فَليعلم من على البسيطة من أداني الأَرْض وأقاصيها من أتهم بغورها وأنجد بصياصيها أَن الدَّاعِي إِلَى الله بالمغفرة وراجيها إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد ابْن عز الدّين ثبته الله على قَوَاعِد الشَّرِيعَة ومبانيها يَقُول لما ظَهرت الدعْوَة المتوكلية ظُهُور الشَّمْس عقيب ليل الْفِتَن خار فِيهَا ذَوُو الْأَلْبَاب ودان لَهَا ذَوُو الْعُقُول وخضعت لَهَا خضوع الذَّلِيل غلب الرّقاب ورفعها الْمُسلمُونَ معزين لَهَا ومكرمين وذهبوا إِلَيْهَا ثبات وعزين ووكل بهَا قوم لَيْسُوا بهَا بكافرين حَتَّى صَارَت مَاضِيَة لشأنها قَاطِعَة بعنانها قائلة بلسانها دَعونِي أجوب الأَرْض فِي طلب الْعلَا وَعقد الْمُسلمُونَ أَفْوَاجًا وَمَا ذَاك إِلَّا أَن متحملها ينبوع الْعلم الفوار وغيث الْفَضَائِل المداراة وزبرقان الْفلك الدوار وطراز الْمَعَالِي والفخار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 حذف ن أردْت مُسلما ... وَلَا تطلب التَّعْلِيل فَالْأَمْر مُبْهَم) وَكَانَ من أمارته على الْيَأْس فحرر بِهِجْرَة باقم من بِلَاد قِرَاض هَذِه الرسَالَة ولفظها بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله مُدبر الْأُمُور على مُقْتَضى إِرَادَته كل يَوْم هُوَ فِي شَأْن الْمُتَصَرف فِي مصَالح خلقه على مر الدهور بلطيف حكمته من غير موازر وَلَا ثَان المملك الْملك من عبيده من ملكه فِي الْكتاب مسطور فِي سالف أزليته فَأَنِّي لغيره سُلْطَان وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على الْهدى والنور الْمَبْعُوث لإعلاء كَلمته فِي الْأنس والجان وعَلى اله المطهرين أحسن طهُور من الشَّيْطَان والمنزهين عَن مَعْصِيَته فهم لأهل الأَرْض أَمَان وَبعد فَليعلم من على البسيطة من أداني الأَرْض وأقاصيها من أتهم بغورها وأنجد بصياصيها أَن الدَّاعِي إِلَى الله بالمغفرة وراجيها إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد ابْن عز الدّين ثبته الله على قَوَاعِد الشَّرِيعَة ومبانيها يَقُول لما ظَهرت الدعْوَة المتوكلية ظُهُور الشَّمْس عقيب ليل الْفِتَن خار فِيهَا ذَوُو الْأَلْبَاب ودان لَهَا ذَوُو الْعُقُول وخضعت لَهَا خضوع الذَّلِيل غلب الرّقاب ورفعها الْمُسلمُونَ معزين لَهَا ومكرمين وذهبوا إِلَيْهَا ثبات وعزين ووكل بهَا قوم لَيْسُوا بهَا بكافرين حَتَّى صَارَت مَاضِيَة لشأنها قَاطِعَة بعنانها قائلة بلسانها دَعونِي أجوب الأَرْض فِي طلب الْعلَا وَعقد الْمُسلمُونَ أَفْوَاجًا وَمَا ذَاك إِلَّا أَن متحملها ينبوع الْعلم الفوار وغيث الْفَضَائِل المداراة وزبرقان الْفلك الدوار وطراز الْمَعَالِي والفخار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 (عليم رست للْعلم فِي بَحر صَدره ... جبال جبال الأَرْض فِي جنبها قف) ذَلِك فاتح الارتاج وذروة التَّاج الْمولى أَمِير الْمُؤمنِينَ المتَوَكل على الله رب الْعَالمين إِسْمَاعِيل بن أَمِير الْمُؤمنِينَ فَعِنْدَ أَن اختصه الله بالخصائص الجليلة ودأبت الْمصلحَة فِي مُخَالفَة مثله قَليلَة وَكَانَ الله قد أَمر بالوفاق وَرغب فِيهِ وحث عَلَيْهِ وَقَالَ إِن أقِيمُوا الدّين وَلَا تتفرقوا فِيهِ كبر على الْمُشْركين مَا تدعوهم إِلَيْهِ سلمت مَا كنت تحملته من الأعباء الثَّقِيلَة تَسْلِيم رَاض لَا شُبْهَة فِيهِ وَلَا حِيلَة ووليه وَابْن الإِمَام الْمَذْكُور المتَوَكل على الله إِسْمَاعِيل إِلَى قَوْله فَليعلم من وقف على مكتوبي هَذَا مَا التزمته من أَحْكَام الطَّاعَة للْإِمَام وَأَن مَا تقدم مني من مقتضيات النّظر الَّذِي اعتقدت فِيهِ الْمُطَابقَة لمراد الْملك العلام فَإِن كنت فِي ذَلِك مُوَافقا لمراد الله فقد مضى بِمَا فِيهِ من الْأجر وَإِلَّا فَأَنا أسْتَغْفر الله وأسأله حسن الْعَاقِبَة وَإِلَيْهِ يرجع الْأَمر وَالْإِنْسَان مَحل الْخَطَأ وَالنِّسْيَان والكريم مَحل الْمُسَامحَة والغفران وَقد ألزمت نَفسِي طَريقَة الإقتصاد والتمسك بالوفاق وأوقفتها فِي حلبة السباق على قَصَبَة الْمُصَلِّين وجذبتها عَن شأو السباق إِلَى قَوْله فَعلمت بِمَا كنت جهلته قبل الدُّخُول فِيهِ وأيقنت الْخُرُوج مِنْهُ إِن الله وَله الْحَمد قد خفف عني الأصر وَاخْتَارَ لي مَا أخْتَار وَمن سبقت مِنْهُ أساة إِلَيّ وَظن أَنِّي بهَا قمين فَأَنا اسْتغْفر الله لَهُ وَهُوَ أرْحم الرَّاحِمِينَ وَجل من لَا عيب فِيهِ وَعلا عَن كل قوم ذميم وَقل مَا يسلم من الْحَسَد جَسَد (إِلَّا لَا أُبَالِي من رماني بريبة ... إِذا كنت عِنْد الله غير مريب) {رب أوزعني أَن أشكر نِعْمَتك الَّتِي أَنْعَمت عَليّ وعَلى وَالِدي وَأَن أعمل صَالحا ترضاه وأدخلني بِرَحْمَتك فِي عِبَادك الصَّالِحين} وَصلى الله عَلَيْهِ وَسلم حررت هَذِه الرسَالَة فِي يَوْم الْجُمُعَة من شهر جُمَادَى الأولى من سنة سِتّ وَخمسين وَألف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 وَكتب القَاضِي الْعَلامَة أَحْمد بن يحيى حَابِس على هَذِه الرسَالَة إسمه وحرر فِيهَا لمزيد التَّأْكِيد رسمه وَالسَّيِّد صارم الدّين قد كَانَ يذكر سبق دَعوته فَسَيَأْتِي فِي حوادث سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ مَا يُضَاف إِلَى هَذَا الْكَلَام وَالْحمل فِيهِ على السَّلامَة من شعار أهل الْإِسْلَام وفيهَا توفّي الْأَمِير الْمِقْدَام الْهَادِي بن المطهر بن الشويع بِصَنْعَاء الْيمن وَكَانَ إِلَيْهِ ولَايَة نهم فِي ذَلِك الزَّمن وَالسَّيِّد صارم الدّين إِبْرَاهِيم بن أَحْمد بن عَامر بشهارة وَكَانَ مَعَ مَا عرف بِهِ من محَاسِن الْأَوْصَاف خَالِيا عَن عرفان فِي الْعَرَبيَّة وَغَيرهَا وَله خطب نافعة ومواعظ وزاعة وَالسَّيِّد زين العابدين العيدروس الشَّافِعِي وَكَانَ ذَا عرفان بِمذهب الشَّافِعِي وَله رسائل ومسائل وفيهَا اتّفق بَين أهل صنعاء وَبَين أهل برط خصام أفْضى الى قتل رجلَيْنِ من برط وَخَرجُوا عَن صنعاء هاربين إِلَى فَوق مصلى الْعِيد ثمَّ أَن الإِمَام عطف عَلَيْهِم وَأحسن بالْقَوْل وَالْفِعْل إِلَيْهِم وفيهَا سَار الإِمَام الى شهارة وفيهَا أَمر أَن لَا توخذ زَكَاة السوائم إِلَّا من النّصاب التَّام فَفعل ذَلِك فِي بعض الْجِهَات دون بعض وفيهَا أَمر الإِمَام بِقطع شَجَرَة فِي بِلَاد عذر أعتقد فِيهَا الْعَوام ورشحوها بالتعظيم والتكليم وَالنُّذُور على حد ترشيح الْأَصْنَام وكادت أَن تصير كشجرة ذَات أنواط الَّتِي كَانَت فِي وَقت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 وفيهَا نزلت بِجَامِع صنعاء الْكَبِير صَاعِقَة من آيَات القاهر الْقَدِير فَأخذت جانبا من المنارة الشرقية فِي وَسطهَا وَفتحت بَابا فِي عرضهَا ونفذت إِلَى آخر الْمُؤخر فأهلكت رجلَيْنِ كَانَا فِي الصَّلَاة وفيهَا فِي شهر ذِي الْحجَّة وَقعت زَلْزَلَة بِصَنْعَاء وَغَيرهَا {وَمَا نرسل بِالْآيَاتِ إِلَّا تخويفا} وَدخلت سنة سبع وَخمسين وَألف وفيهَا وَفد على الإِمَام رَسُول ملك النَّصَارَى بِالْحَبَشَةِ وَكَانَ قد أرسل الى الإِمَام الْمُؤَيد بِاللَّه عَام اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَألف وَوجه صحبته هَدِيَّة من الرَّقِيق والزباد وَسلَاح الْحَبَشَة وَضمن كِتَابيه جَمِيعًا إستدعا رَسُول من الإِمَام لإفاضة مَا فِي نَفسه من الْكَلَام فطمع الإِمَام فِي إِسْلَامه وَأنس إِلَى ظَاهر كَلَامه وأنفذ إِلَيْهِ القَاضِي الْعَلامَة الْحسن بن أَحْمد الحميمي صُحْبَة رَسُوله فوصل إِلَيْهِ بعد مشاق هائلة ومسافة طائلة وانعكس ذَلِك الأمل وَبَطل ذَلِك الْعَمَل وَلم يستفد القَاضِي غير عجايب رَوَاهَا وفزعات اشْتَمَل عَلَيْهِ مُؤَلفه واحتواها وفيهَا أَو الَّتِي تَلِيهَا أَمر مُتَوَلِّي عدن بِالْأَخْذِ على جمَاعَة من يافع وتجريعهم من الْمَوْت مَا هُوَ أَمر من السم الناقع بِضَرْب أَعْنَاقهم وإخراجهم عَن قيد الْحَيَاة بإطلاقهم لخلل وَقع فِي الطَّرِيق وَمنع للمارة وتعويق وفيهَا مَاتَ بالظفير السَّيِّد الْعَلامَة الْحسن بن عَليّ بن صَلَاح العبالي وَكَانَ مبرزا فِي الْأَصْلَيْنِ والنحو والمنطق ترَتّب على الشَّيْخ الْعَلامَة لطف الله بن مُحَمَّد الغياث وَهُوَ صهر الإِمَام الْقَاسِم وَكَانَ مِمَّن تَأَخّر عَن بيعَة السَّيِّد صفي الدّين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 أَحْمد بن الْقَاسِم وحث على مُفَاوَضَة أَخِيه إِسْمَاعِيل بن الْقَاسِم فَلم يساعد إِلَى مَا اخْتَار وقبضت بيعَته على وَجه الْإِجْبَار وفيهَا أرسل الإِمَام ولد أَخِيه الْحُسَيْن بن الْمُؤَيد بِاللَّه إِلَى جِهَات صعدة وَكَانَت قد نجم بهَا الْخلَل وَنزع فِيهَا الخطل فَلَمَّا اسْتَقر أصلح ذَلِك الْفساد وَحمد عَاقِبَة الْمعَاد وفيهَا ارتحل عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحسن بن الإِمَام عَن الْيمن الْأَسْفَل وذمار إِلَى محروس صنعاء فوصلها فِي ملك جسيم وَقدر عَظِيم وابهة مَشْهُودَة وجيوش محشودة وَلما اسْتَقر فِي برج طالعه الْأَغَر سكن فِي دَار مَسْجِد الْأَزْهَر وانتقل فِي سَائِر الأبراج تنقل الْبَدْر وَمد يَده إِلَى الْحل وَالْعقد وَالنَّهْي وَالْأَمر وابتهجت بمقدمه السعيد بَلْدَة سَام وانتظمت اسْمه الشريف خطب الْجُمُعَة مَعَ أسم الإِمَام وفيهَا أَمر الإِمَام بِإِبَاحَة المراعي فِي الْأَمْلَاك وَأَن يزْجر عَن تحجرها الْملاك وَدخلت سنة ثَمَان وَخمسين وَألف وفيهَا حصل فِي الْبَحْر زِيَادَة وازدلاف وَظهر أَثَره بِصَنْعَاء وَمَا حوليها كالروضة والجراف وَظهر غيل الجراف بأيسر حفر وَجرى من أعلا السد بشعوب واستدام وانتفع بِهِ أهل الجراف النَّفْع التَّام واستراح النَّاس عَن المساني باستطلاع الْعُيُون الغوارات ومعاناة الدوالي والخطارات والساعي فِي اسْتِخْرَاج هَذَا النَّهر واستنباطه من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 عُيُون الْبَحْر عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحسن بن الإِمَام وَهُوَ أساس قديم ونهر غزير عَظِيم دَفَنته الدولة الطاهرية مَعَ دفن غيول صنعاء وَتعقبه فِي هَذِه الْأَيَّام إستنباط غيل آخر لعَلي بن الإِمَام استخرجه بأقرب عمل وجره إِلَى مناظر الحشيشية فقاها عَن كمل وفاض إِلَى الرَّوْضَة الْغناء وانساب فِي حدائق ذَلِك المغنى وفيهَا وَقع خلاف الشَّيْخ يحيى روكان بجهاته من بِلَاد خولان وَرفع عُمَّال الْأَمَام ورام الإستبداد بالإمارة وَالْأَحْكَام فتدارك الإِمَام ضَرَره وأطفى بالتجهيز شرره وللشيخ هَذَا صولات وَله فِي جَانب الْإِقْدَام فعلات وَسَيَأْتِي من حَدِيثه مَا هُوَ أَزِيد من هَذَا وفيهَا توفّي الْفَقِيه النَّحْوِيّ مُحَمَّد بن عبد الله الآنسي وفيهَا أَو فِي غَيرهَا توفّي الْفَقِيه الْعَلامَة مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز الْمُفْتِي التعزي بِمَدِينَة تعز وَكَانَ إِمَام التدريس هُنَاكَ بالفقه والْحَدِيث وَإِلَيْهِ رئاسة الْفتيا وفيهَا وَقعت بَين الإِمَام وعلماء الْعَصْر مطارحات واتصلت بَينه وَبينهمْ مراجعات مِنْهَا مَا هُوَ فِي التَّكْفِير بالإلزام الَّذِي يذهب إِلَيْهِ الإِمَام وَوضع فِي ذَلِك رِسَالَة مطبوعة القَاضِي الذكي الْعَلامَة عبد الْقَادِر بن عَليّ المحيرسي وفيهَا مَا يدل على قُوَّة بادرته ورسوخ قدمه فِي الْفَهم وَمِنْهَا مَا هُوَ فِي شَأْن التَّأْدِيب الَّذِي يعم أهل الْبَلَد وَسَببه خَاص وَمِنْهَا مَا هُوَ فِي شَأْن المكوس والمجابي وَمِنْهَا مَا هُوَ فِيمَا يتَعَلَّق بِالزَّكَاةِ وَعند الإِمَام فِي هَذِه أعذار وَهُوَ مَا هُوَ فِيهِ من التشرع على قدم اسْتِقْرَار وَلَكِن المطارحات مَا زَالَت بَين المخلوقين حَتَّى وَقعت بَين الْأَنْبِيَاء المعصومين كَمَا اتّفق بَين آدم ومُوسَى فِي حَدِيث الصَّحِيحَيْنِ مَا بالك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 أخرجتنا ونفسك من الْجنَّة إِلَى آخر مَا فِيهِ وَلما سَأَلَهُ بعض أَقَاربه عَن هَذِه المطالب الشهرية بِبِلَاد الْيمن الْأَسْفَل وَسبب أَخذهَا كَانَ من جملَة جَوَابه أَن مَذْهَب أهل الْعدْل أَن المجيرة والمشبهة كفار وان الْكفَّار إِذا استولوا على أَرض ملكوها وَلَو كَانَت من أَرَاضِي الْمُسلمين وَأهل الْعدْل وَأَنه يدْخل فِي حكمهم من والاهم واعتزى إِلَيْهِم وَلَو كَانَ معتقده يُخَالف معتقدهم وَأَن الْبَلَد الَّتِي تظهر فِيهَا كلمة الْكفْر بِغَيْر جوَار كفرية وَلَو سكنها من لَا يعْتَقد الْكفْر وَلَا يَقُول بهَا أَهله ثمَّ قَالَ هَذِه الْأُصُول مَعْلُومَة عندنَا بأدلتها القطعية ومدونة فِي كتب أَئِمَّتنَا وَلَا يُنكر ذَلِك عَنْهُم أحد مِمَّن لَهُ أدنى بَصِيرَة وَمَعْرِفَة بمصنفاتهم كالأزهار وَغَيره إِلَى أَن قَالَ فَإِذا استفتح الْأَمَام شَيْئا من الْبِلَاد الَّتِي تَحت أَيْديهم فَلهُ أَن يضع عَلَيْهَا مَا شَاءَ سَوَاء كَانَ أَهلهَا 54 مِمَّن هُوَ بَاقٍ على ذَلِك الْمَذْهَب أم لَا فالمقلد من النَّاس أَن أَرَادَ أَن يَكْتَفِي بالتقليد فَهَذِهِ الْأُمُور مَعْرُوفَة فِي المختصرات وَأَن أحب الْوُقُوف على الدَّلِيل فَفِي المبسوطات مَا يَكْفِي ويشفي وَفِي الْيَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشر شهر جُمَادَى الْآخِرَة كَانَ قرَان المريخ وزحل فِي برج الجوزاء وفيهَا بدى للْإِمَام رَأْي سديد وانتقش بِصَحِيفَة خاطرة خاطر جَدِيد وَهُوَ أَن يَجْعَل لليمن شنارا وَيرْفَع لَهُ عِنْد الْقُلُوب صيتًا ومنارا بِأَن يَجْعَل أَمِيرا على حَاج الْيمن يَصْحَبهُ جَرِيدَة من الخيالة ويعسكر مَعَه جمَاعَة من أهل الأسلحة الرجالة ويستصحب أَمِير الْحَاج صله لأحقا فِي مَكَّة المشرفة وفيهَا للشريف حِصَّة وافرة فَفعل وَكَانَ قبل ذَلِك وَفِي مُدَّة أَخِيه الْمُؤَيد بِاللَّه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 يعزم حَاج الْيمن بِغَيْر أَمِير وَإِنَّمَا كَانَ السَّيِّد مُحَمَّد بن صَلَاح صَاحب جازان وَأبي عَرِيش يصحب الْحَاج فِي بِلَاد الحرامية لحفظهم وَيعود من حلي وَقد اسْتمرّ هَذَا التأمير إِلَى وقتنا وفيهَا أَتَى عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحسن بن الإِمَام بِرَجُل كَانَ يقطع الطَّرِيق بَين ذمار وَصَنْعَاء وَكَانَ قد اشْترك هُوَ وَآخر فِي قتل رجل وَأخذ مَاله فَأَفلَت الآخر وَجِيء بِهَذَا فَقتله وصلبه بِبَاب شعوب وَكَانَ لقَتله وَقع فِي قُلُوب المفسدين وسكنت بفعلته سُورَة الشَّيَاطِين وَدخلت سنة تسع وَخمسين وَألف كَانَ دوران زحل ببرج السرطان فِيهَا جهز الإِمَام ابْن أَخِيه شرف الْإِسْلَام الْحُسَيْن بن الْمُؤَيد بِاللَّه إِلَى قبَّة خِيَار وَأمره بخراب بيُوت جمَاعَة من الأشرار فأوصل إِلَى أساسها الشَّمْس وَتركهَا كَأَن لم تغن بالْأَمْس وَعَاد إِلَى محروس شهارة وَعَلِيهِ من مخائل السَّعَادَة أَمارَة وَدخلت سنة سِتِّينَ وَألف وفيهَا وصلت إعتراضات على الإِمَام من السَّيِّد صارم الدّين إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد المؤيدي وتولا جوابها الإِمَام وَالسَّيِّد عماد الدّين يحيى بن أَحْمد الشرفي وَالْقَاضِي شهَاب الدّين أَحْمد بن صَالح بن أبي الرِّجَال وفيهَا أَو الَّتِي تَلِيهَا مَاتَ عَليّ باشا نَائِب السلطنة على الحسا بِالْمَدِينَةِ على مشرفها أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام وَسبب مصيره إِلَى الْمَدِينَة أَن وَلَده عِيسَى باشا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 ترشح فِي وَقت وَالِده وَلم يعلم بمضمر مقاصده فَلَمَّا قوي زنده وخفق بنده جنح إِلَى المروق وَمَال إِلَى العقوق وَكسر خاطر وَالِده بِالرَّفْع وخب فِي ميدان جَهله بِالرَّفْع والوضع فَاغْتَمَّ وَالِده لهَذِهِ الْقَضِيَّة 55 المكيفة ولجأ إِلَى الْمَدِينَة المقدسة والحجرة المشرفة وَاسْتقر بِهِ الْمقَام حَتَّى وَفد عَلَيْهِ الْحمام وَكَانَ من خَبره وَلَده أَن لاطف جناب السُّلْطَان إِبْرَاهِيم بن أَحْمد مُرَاد وتوسل برشيق الْوَسَائِل إِلَيْهِ فِيمَا أَرَادَ فوصله التشريف والخلعة إِلَى الحسا وترشف كؤوس الباشوية بعد أَبِيه واحتسا فَمَا كَانَ من الَّذين أَحْسنُوا فَلهم الْحسنى ولاحظ قَوْله عز وعَلى {وَوَصينَا الْإِنْسَان بِوَالِديهِ} {إحسانا} وفيهَا مَاتَ الْأَمِير رَجَب الرُّومِي بِصَنْعَاء الْيمن وَهُوَ الَّذِي بَعثه السُّلْطَان زِيَادَة لحيدر باشا فرجح لَهُ مُوالَاة الْمُؤَيد بِاللَّه وأقطعه المخادر فشيد بهَا العماير واخترع فِيهَا عَجِيب المآثر وَمن عَجِيب مَا صنع لَهُ فِي دَاره دولاب من المطبخ إِلَى أَعلَى المناظر فَإِذا حضر وَقت الطَّعَام رفعت فِيهِ نفائسه العجيبة وأنواعه الغريبة فيصل إِلَى أعلا الدَّار بِلَا كلفة وَلَا إنتظار وَلما عرض لَهُ غَرَض إِلَى عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحسن وصل إِلَيْهِ صنعاء فَقضى الْغَرَض الثَّانِي وَقطع عريق الْأَمَانِي وَدفن بحوطة قبَّة البكيرية وفيهَا توفّي حَاكم صنعاء وعالمها القَاضِي صارم الدّين إِبْرَاهِيم بن يحيى السحولي رَحمهَا لله وَأعَاد من بركاته كَانَ عَالما بالفقة مقررا الْقَوَاعِد الْمَذْهَب وَله فِي أصُول الدّين نمط الْأَصْحَاب وَغير ذَلِك من الْفَوَائِد قَرَأَ على وَالِده الإِمَام الْمُفْتِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 وَالْقَاضِي عبد الْهَادِي الثلائي والشكايذي وَاجْتمعَ لَهُ بِصَنْعَاء الْقَضَاء والخطابة وإمامة الْمَسْجِد الْجَامِع وَذكر عَنهُ أَنه لم يسْجد للسَّهْو مُدَّة صلواته وَكَانَ مَعَ اشْتِغَاله بِالْقضَاءِ لَا يفتر عَن التدريس وَاخْتَارَ جَوَاز صرف الزَّكَاة إِلَى فُقَرَاء بني هَاشم والمصلحة إِلَى الْأَغْنِيَاء وَكَانَ قد دفن بجرية الرَّوْض فنقله صنوه إِلَى قرب الْمَسْجِد الَّذِي عمره فِي حَيَاته بضيعة المحاريق وقبره الأن مَشْهُور مزور تلوح عَلَيْهِ أَنْوَاع الصّلاح ويتهلل لرُؤْيَته الخاطر بالإنشراح وَقد انضمت إِلَيْهِ قُبُور جمَاعَة من أهلة رَحِمهم الله وفيهَا نسب إِلَى السَّيِّد الإِمَام الْحسن ابْن أَحْمد الْجلَال الجنوح إِلَى شَيْء من مَذْهَب الظَّاهِرِيَّة وَطَرِيقَة ابْن حزم من الْعَمَل بالبرأة الْأَصْلِيَّة وَإِسْقَاط الإحتجاج بالأخبار الأحادية وَقصر التعويل على التواترية وأنكار حجية الْعُمُوم وَدَلِيل الْمَفْهُوم وتحلل الْمُتْعَة وَإِسْقَاط الْأَذْكَار فِي الصَّلَاة والاعتدال وَالْقَوْل بِأَن الْإِمَامَة لَا منصب لَهَا معِين بل هِيَ الْأَذْكَار فِي الصَّلَاة والاعتدال وَالْقَوْل بِأَن الْإِمَامَة لَا منصب لَهَا معِين بل هِيَ صَالِحَة فِي جَمِيع النَّاس مَعَ التَّقْوَى كَمَا يَقُوله 56 نشوان والخوارج وَتَحْلِيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 الزَّكَاة للأغنياء والهاشميين وَعدم وجوب الْجُمُعَة إِلَّا بِحُضُور الإِمَام الْأَعْظَم وَغير ذَلِك وَالله أعلم بِحَقِيقَة هَذِه النِّسْبَة فَقَط أطرق صَاحبهَا فِيمَا لَا يكون من كثير من النّسَب وفيهَا أَيْضا ظهر من الشَّيْخ الْعَلامَة أَحْمد بن عَليّ بن مطير الحكيمي من عُلَمَاء الشَّافِعِيَّة مَا امتاز بِهِ عَن أهل مذْهبه مَعَ تَشْدِيد الْمُتَأَخِّرين مِنْهُم على التَّقْلِيد والإلتزام من ذَلِك أَن الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي إفتراق هَذِه الْأمة إِلَى ثَلَاث وَسبعين فرقة كلهَا فِي النَّار إِلَّا فرقة أَحَادِيث بَاطِلَة وَعَن الصِّحَّة عاطلة لمخالفتها الْمَعْقُول والمقرر من الْأُصُول ومتواتر الْمَنْقُول كَقَوْلِه تَعَالَى {كُنْتُم خير أمة أخرجت للنَّاس} فَصَارَت بعد هَلَاك أَكْثَرهَا شَرّ النَّاس لِأَن افتراقها زَاد على افْتِرَاق من قبلهَا بفرقتين كَمَا فِي لفظ الحَدِيث وَعَما ذكره جَوَاب لَا يَسعهُ مُخْتَصر الْخطاب وَدخلت سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَألف وفيهَا نجم خلاف يحيى روكان وَكَانَ بمساعدة جمَاعَة من أهل خولان وَمَعَ ذَلِك وَقع من السَّيِّد صارم الدّين إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد المؤيدي إعتراض فِي سيرة الإِمَام وَهُوَ بالإنتصاب وَالْقِيَام وَذكر أَن دَعوته لَهَا التقدمة والإقدام فأنفذ إِلَيْهَا الإِمَام عسكرا وافرا وأجرى اليهما من التجييش خضما زاخرا فخمجت نَار ابْن روكان وَوصل السَّيِّد بِنَفسِهِ إِلَى الْأَمَام وأعتذر مِمَّا كَانَ وَلما وَقع الإئتلاف وارتفع الْخلاف أقطعه الإِمَام رغافة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 وَمَا إِلَيْهَا من الفجاج وأسعفه بِقَضَاء كل مَا يحْتَاج فعزم وَقد ثلجت الصُّدُور وانتظمت الْأُمُور وفيهَا خرج على الإِمَام السَّيِّد مُحَمَّد بن عَليّ الحيداني الْمَعْرُوف بالفوطي وَقَالَ أَنا إِمَام وَإِسْمَاعِيل إِمَام فَقَالَت لَهُ الأقدار صمى صمام لَا خلف وَلَا إِمَام فَخرج من بَيته إِلَى برط ثمَّ نزل مِنْهُ إِلَى الْجوف ثمَّ إِلَى بِلَاد خولان ثمَّ تجَاوز إِلَى بِلَاد المصعبين بِلَاد قايفه روى عَنهُ أَنه أظهر فِي سَفَره هَذَا أَنه الْمهْدي المنتظر وتكفير جَمِيع الْمُسلمين إِلَّا من اتّصف بِمذهب أبي الْجَارُود وَعند ذَلِك قَائِله أهل المصعبين حَتَّى عَاد إِلَى مَسْكَنه بخفى حنين بعد أَن نهبت كتبه وثيابه وانقطعت فِيمَا يروم أَسبَابه وَكَانَ صفي الْإِسْلَام أَحْمد ابْن الإِمَام قد تقدم بجنده إِلَى الْجِهَات الرداعية لتسكين قُلُوب الرّعية وتحذيرا لَهُم من الإغترار والميل إِلَى ضوء هَذِه النَّار فانحسم ضَرَره قبل أَن يصل إِلَيْهِ شرره 57 وَاسْتقر بعد ذَلِك فِي الْبُؤْس وَقتلت فِي صَحَائِف دَعوته نفوس فَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم وَكَانَ مِمَّا جرأه على ذَلِك أَنه ذكر لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 أَن فِي الجفر اسْم مُحَمَّد بن عَليّ بحروف مقطعَة وَأَنه ذُو الدعوتين وَإِمَام البيعتين وَفِي هَذِه الْمدَّة انْتقل الإِمَام إِلَى درب الْأَمِير بوادي أقرّ فسكن بِهِ بُرْهَة من الزَّمَان وَاسْتقر وَفِي هَذِه السّنة سَار أَحْمد بن الْحسن إِلَى أَطْرَاف بِلَاد الْجوف فتغلفل سيره فِي الرمل الأطول والكثيب الأهول وتوسط أَمَاكِن تَدور فِيهَا النواظر ويضل فِيهَا الخريت الماهر (مهامة لم يملك الذِّئْب نَفسه ... وَلَا حملت فِيهَا الْغُرَاب قوادمه) فَهَلَك كثير م أَتْبَاعه لشدَّة الْحر وَعدم المَاء وضل عَنْهُم صوب الطَّرِيق لَوْلَا بعض أَشْرَاف الْجوف دلهم عَلَيْهَا وَهَذِه الْأَمَاكِن مُنْقَطِعَة الأنيس ويتصل بهَا الرّبع الخلي الْمُتَّصِل بِالْبَصْرَةِ رمله كَثِيرَة الثعالبين والأحناش وفيهَا قتل الْأَمِير مصطفى نَائِب جده من قبل الباشا الَّذِي بِمصْر وَكَانَ النَّائِب بهَا قبل ولَايَته الْأَمِير قيطاس وَذكر أَن سَبَب قَتله معارضته لأمير مَكَّة الشريف زيد بن المحسن وَأَخذه بِحِصَّة من الانتباه على الْحرم وطرد أهل الرتب وتكسير آلَات الطَّرب فَكَانَ قَتله وَهُوَ متنزه فِي بَريَّة الطَّائِف وَأنكر أمره الشريف لعلمه أَنه لَا يخفى على السلطنة خَبره وَلَا ينطمس على صَاحب مصر أَثَره وَلما احْتَاجَت جده إِلَى تَجْدِيد النَّائِب أُعِيد أليها قيطاس فأظهر بهَا النجدة والبأس وَفَوق إِلَى الشريف سِهَام التعنيف ورماه بالغدر وَعدم الْوَفَاء وَنسب إِلَيْهِ قتل الْأَمِير مصطفى ثمَّ تجهز بعد ذَلِك عَلَيْهِ وَتوجه فِي عسكره إِلَيْهِ فَالْتَقَيَا خَارج الْحرم المجرم وَاشْتَدَّ بَينهمَا الجلاد وخطرت الصعاد ولمعت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 الْحداد وَذهب من الْفَرِيقَيْنِ من وَفد اجله وَانْقطع من الدُّنْيَا أمله وَلما تفطن الْأَمِير قيطاس وتفرس الخسة نتيجة هَذَا الْقيَاس وَأَن الشريف إِذْ أَطَالَ الْحَرْب وتلاحم الطعْن وَالضَّرْب لَا بُد أَن يشرق بدره ويقهر نَصره فَيلْحق قيطاس بمصطفى ويؤول مِصْبَاح رئاسته إِلَى الإنطفاء وَقد يؤول الْحَال إِلَى الحاد فِي حرم الْمُصْطَفى رَجَعَ إِلَى بندر جده وَلبس برد رئاسته المستجدة وَفِي ربيعها الأول مَاتَ القَاضِي الْعَلامَة حَاكم صعدة ومفتيها وَإِمَام جَامعهَا وخطيبه أَحْمد بن يحيى حَابِس الدواري وَكَانَ وعَاء من أوعية الْعلم وجادت يَده فِي فقه الزيدية وَله تَكْمِيل شرح الأزهار فِي جلدين والمقصد الْحسن فِي مسَائِل مهمة فِي الْفِقْه وَشرح الكافل وَشرح الثَّلَاثِينَ مسئلة وفيهَا مَاتَ القَاضِي الْعَلامَة الفقهي أَحْمد بن سعيد الهبل الْخَولَانِيّ بِمَدِينَة صنعاء كَانَت لَهُ فِي الْفِقْه على قَوَاعِد الْمَذْهَب الْيَد الطُّولى ودرس فِيهِ وشارك فِي غَيره وَكَانَ لَا يُفْتِي فِي الأوراق إِنَّمَا يُفْتِي بِلِسَانِهِ وقبر بمشهد السَّيِّد الْفَاضِل عبد الله الديلمي بالأبهر وفيهَا مَاتَ الْفَقِيه النَّحْوِيّ شَارِح الملحمة عبد الحميد بن أَحْمد بن يحيى المعافا بالسودة بلدته وفيهَا توفّي بقرية حوث السَّيِّد فَخر الدّين عبد الله بن عَامر الَّذِي ذكرنَا فِيمَا مضى دَعوته وَكَانَ يعْتَمد مَذْهَب الْهَادِي عَلَيْهِ السَّلَام وَكتبه وَله مؤلف سَمَّاهُ بالتصريح فِي الْمَذْهَب الصَّحِيح وفيهَا أَو الَّتِي تَلِيهَا مَاتَ بِمَكَّة المشرفة الشَّيْخ الْمُحدث الْعَلامَة مُحَمَّد بن عَليّ بن عَلان الْبكْرِيّ الصديقي نسبا بِمَكَّة المشرفة فاستفاد بهَا وَأفَاد ودرس فِي الْفُنُون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 وَكَانَ عين وقته فِي الحَدِيث وَمن مؤلفاته شرح قَوَاعِد الْإِعْرَاب فِي جلد وَغير ذَلِك وَله فِي الحَدِيث أَسَانِيد عالية استفادها القَاضِي الْعَلامَة صَالح بن مُحَمَّد العياني عِنْد إِقَامَته بِمَكَّة المشرفة فَكَانَ الشَّيْخ جماعا للكتب محبا لَهَا وَلما مَاتَ تَفَرَّقت وَكثير مِنْهَا وصل الْيمن وفيهَا مَاتَ الْفَقِيه الْمُحدث الْفَاضِل عبد الْوَاحِد النزيلي بمحله من المحويت وَهُوَ شيخ الإِمَام مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْمفضل فِي صَحِيح البُخَارِيّ وَالسَّيِّد الْعَالم عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن شرف الدّين الجحافي فِي صَحِيح مُسلم قَرَأَهُ عَلَيْهِ بحفاش وفيهَا هبت ريح عَظِيمَة فِي بِلَاد ذمار فأخربت جانبا من دائر الْقصر وحملت شَيْئا من الْكلاب فِي الْهَوَاء وفيهَا وصل شمس الْإِسْلَام أَحْمد بن الإِمَام من بِلَاد صعدة الى شهارة حَضْرَة أَخِيه الإِمَام وزيارة أَهله ثمَّ تقدم الى صنعاء ليَأْخُذ بهَا عهدا وبمساكنه المألوفة وَبَعض أَوْلَاده الَّذين فِيهَا فَوجدَ معارفها قد تنكرت وَأَحْوَالهَا قد تَغَيَّرت فَلم يطب لَهُ الْمقَام وبادر بِالرُّجُوعِ إِلَى الشَّام وفيهَا أَو الَّتِي تَلِيهَا توفّي القَاضِي الرئيس يحيى المخلافي كَانَ الْمَذْكُور فِي زمن مُحَمَّد باشا لَهُ قيام مَعَ الإِمَام الْقَاسِم آخر مدَّته ثمَّ لما وَقع صلح الباشا مُحَمَّد للْإِمَام سكن بجهته مواليا للْإِمَام ثمَّ نجم مِنْهُ الْخلاف على أَصْحَاب الإِمَام فِي أَيَّام الباشا حيدر بعد إنتقاض الصُّلْح وَوصل معينا للباشا بجنده حَتَّى بلغ محطة حَده وَكتب إِلَى الباشا يُؤذنهُ بوصوله وخلع طَاعَة الإِمَام وألب عَلَيْهِ مخلافه وَسَائِر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 الْخيام وَلما فتحت صنعاء بالخط الْأَغْلَب وَخرج الباشا مِنْهَا خَائفًا يترقب أظهر القَاضِي الأسف وَاعْتذر عَمَّا سلف وَدخلت سنة إثنتين وَسِتِّينَ وَألف لم يحدث فِيهَا مَا يتوجب رقمه وينظم إِلَى مَا مُضِيّ نظمه وَدخلت سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَألف فِيهَا عَاد الشَّيْخ يحيى روكان الى الْخلاف وشق عصى الإئتلاف وَمنع أَرْبَاب الدولة عَن تَسْلِيم المطالب وَأقَام نَفسه مقَام هَالك فِي الإستبداد مطَالب فسير إِلَيْهِ الإِمَام ابْن أَخِيه عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن الإِمَام وَمَا زَالَ يروغ لَهُ من ساقين إِلَى أَن وضع الْحَدِيد مِنْهُ فِي السَّاقَيْن وَأرْسل بِهِ إِلَى حَضْرَة الإِمَام وتلبث أَيَّامًا لتقرير أَعمال الشَّام فَلَمَّا وصل إِلَى الحضرة أَمر الإِمَام بِرَفْع معلوماته السنوية وخراب دوره الشامية وَبعد أَيَّام جوز الإِمَام من حَاله الإنتظام فَأذن لَهُ بِالْعودِ إِلَى أَهله وَعين لَهُ مَعُونَة فِي عمَارَة الخراب وَإِصْلَاح الْأَسْبَاب وفيهَا مَاتَ القَاضِي الْعَارِف مُحَمَّد السلَامِي بذمار وَكَانَ الْمدرس فِي تِلْكَ الديار فِي مثل التَّذْكِرَة وَالْبَيَان وَشرح الأزهار والمتصدر للفتيا للسائلين ولقصد الحكومات بَين المتخاصمين إِلَى أَن كف بَصَره وَضعف نظره وفيهَا مَاتَ حَاكم ذمار الفقهي يحيى الشبيبي وَكَانَ السَّبَب فِي عزل عبد الله بن الْقَاسِم لاستنكاره الْأَشْيَاء من أَحْوَاله وَمَا زَالَ عبد الله بن الْقَاسِم يعاود أَخَاهُ الإِمَام إِلَى أَمَاكِن سكونه وَلم يتم لَهُ إرجاع الْبِلَاد حَتَّى آل الْأَمر إِلَى سكونه بَيته بذمار إِلَى أَن توفّي رَحمَه الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 الْقَبْض على البرتغال الإفرنج والفتك بهم وفيهَا وَقع فَسَاد ببحر القلزم وَذَلِكَ أَن جمَاعَة من الإفرنج الَّذين أسرهم السُّلْطَان فِي حَرْب مالطة كَانُوا تَحت الترسيم ببندر السويس فَهَرَبُوا من البندر وأظهروا كمين الشَّرّ وركبوا بَحر الْيمن يُرِيدُونَ النّفُوذ الى الفرنج الَّذين بِالْهِنْدِ ثمَّ اللحوق بديارهم من وَرَاء جبل الْحَبَشَة فصادفوا قريب القنفذة جلبة عامرة وسفينة الى جدة عابرة فطلبوهم الأزواد ثمَّ مدوا إِلَى مَا فِي أَيْديهم من الامداد وَلما امْتَنعُوا عَنْهُم أخذُوا سفينتهم غصبا وَأتوا على أخرهم قتلا ونهبا ثمَّ توجهوا فِي الْبَحْر سائرين وعَلى هيئتهم عابرين وَحين علم نَائِب اللِّحْيَة النَّقِيب سعيد المجربي ونائب المخاء السَّيِّد الرئيس مُحَمَّد بن أَحْمد أَخذ عَلَيْهِم الْمَوَارِد والمصادر ولزما عَلَيْهِم جَوَانِب الْبَحْر الزاخر وَلما انْتَشَر لِوَاء الْقِتَال طَوَوْا شراع الارتحال وحانت لحينهم ألآجال وقابلهم شُؤْم الفال وَقبض الأميران عَلَيْهِم وَتوجه الإدبار إِلَيْهِم وأدخلوا بندر المخا وَعرض عَلَيْهِم الْإِسْلَام الراخص لما سبقه من أدران الاثام فمالوا الى الحيف واختارو أَن يعْمل فيهم السَّيْف فَقتلُوا عَن أخرهم وهم زهاء سبعين ووسم بهم من ورائهم من الملاعين وفيهَا ظهر نيزك فِي الْمشرق غير مستطيل وَللَّه غيب السَّمَوَات وَالْأَرْض من دَقِيق وجليل وَتعقبه نجم خر من جِهَة الْمغرب الى جِهَة الْمشرق بعد الْعشَاء فَكَانَ لَهُ صَوت كالرعد الشَّديد وفيهَا سَار الإِمَام من السودة إِلَى ظفار دَاوُود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 ولبث فِيهِ قدر ثَلَاثَة أشهر ثمَّ عَاد إِلَى السودة وفيهَا مَاتَ القَاضِي الْعَلامَة عبد الله بن أَحْمد الجربي كَانَ عَارِفًا بالفقه مدرسا فِيهِ مفتيا بِمَدِينَة صنعاء وفيهَا وصل من بِلَاد الحسا وَقيل من الْحجاز شرح لعقيدة الإِمَام المتَوَكل على الله الَّتِي أَنْشَأَهَا وغالبه إعتراضات وفيهَا أَو الَّتِي قبلهَا وصل حَضْرَة الإِمَام عَالم من الْبِلَاد المصرية يُقَال لَهُ حجازي بن عَليّ الْمصْرِيّ الشَّافِعِي الْأَشْعَرِيّ فَأحْسن إِلَيْهِ وَشرح عقيدته شرحين وأهداهما للْإِمَام وفيهَا وصل إِلَى الإِمَام الشَّيْخ جَعْفَر الْوَاعِظ من عُلَمَاء الْحَنَفِيَّة الخائضين فِي علومهم الظَّاهِرِيَّة والخفية والأصلية والفرعية فَأَقَامَ عِنْده أَيَّامًا واستملى عقيدته وطالت الْمُرَاجَعَة بَينه وَبَين القَاضِي شهَاب الدّين أَحْمد بن صَالح ابْن أبي الرِّجَال فِي مسئلة الرَّجَاء والشفاعة واحتد طبع كل مِنْهُمَا حَتَّى أَشَارَ الإِمَام إِلَى القَاضِي بتَخْفِيف الْمقَال والقرار فِي الْجِدَال وَلما وصل الْمَذْكُور إِلَى صنعاء اتّفق بَينه وَبَين عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بحث بِتِلْكَ المسئلة بِعَينهَا وفيهَا وَردت الْأَخْبَار إِلَى الْيمن بوفاة السُّلْطَان إِبْرَاهِيم بن أَحْمد خَان وَألقى مقاليد الْملك إِلَى ذِي الْقَهْر وَالسُّلْطَان فاتفق رَأْي الوزراء والأعيان والكبراء على أَن ينْتَصب فِي دست ملكه وَلَده السُّلْطَان مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم وَكَانَ يَوْمئِذٍ بسن الْبلُوغ لكنه ثَابت الجاش كَامِل الحزم نبيه الْقدر وَكَانَ لَهُ ثَلَاثَة أخوة يَوْمئِذٍ مُرَاد بن إِبْرَاهِيم وسليم بن إِبْرَاهِيم ضبطا تَحت قيد الترسيم وَأحمد بن إِبْرَاهِيم قَتله أَخُوهُ لأمر حدث مِنْهُ وَلما اجْتمع الْأَمر فِي يَد مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم أقبل على افتقاد ذَلِك الإقليم وجهز إِلَى طوائف الفرنج كل جَيش عَظِيم فاستفاد الممالك الفاخرة وافتتح الْبلدَانِ العامرة مِنْهَا مَدِينَة مالطة كَمَا يَأْتِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 وفيهَا مَاتَ السَّيِّد الْعَلامَة عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن أَحْمد بن أَمِير الْمُؤمنِينَ الْحسن بن عَليّ بن دَاوُود بن الإِمَام بمحروس بندر المخا وقبر بحيس وَقيل مَاتَ مسموما وَكَانَ رَئِيسا كَامِلا وضرغاما باسلا حضر حروب صنعاء واليمن وزبيد وأبلا فِيهَا الْبلَاء الشَّديد وَأَبَان عَن شجاعة هائلة ورئاسة كَامِلَة ولاه شرف الْإِسْلَام الْحسن بن الإِمَام بعد فتح الْيمن الْأَسْفَل بِلَاد العدين فاستمر على ولايتها مدَّته وَمُدَّة الْمُؤَيد بِاللَّه وَاسْتمرّ الى مُدَّة المتَوَكل على الله ثمَّ زَاده بندر المخا وبلاد حيس وَمَا إِلَيْهَا من المخاليف فَكَانَ كَذَلِك حَتَّى مَاتَ وَكَانَ عَامل المخا قبله النَّقِيب سعيد بن ريحَان وَله شرح على كَافِيَة بن الْحَاجِب وفيهَا أعَاد صفى الْإِسْلَام أَحْمد بن الْحسن بن الإِمَام الْحَج إِلَى بَيت الله الْحَرَام وزار تربة النَّبِي عَلَيْهِ وعَلى آله أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام وَيذكر أَنَّهَا فتحت لَهُ قبَّة جده بالعناية بعد أَن تشمس عَن فتحهَا أهل الْولَايَة وَالَّذِي ذكره لي الشَّيْخ مصطفى بن فتح الله الْحَمَوِيّ عِنْد وفوده إِلَى صنعاء أَن الصفي عرض على الآغا أَن يدْخلهُ الْقبَّة المنورة ليتملى بِتِلْكَ التربة المطهرة فَامْتنعَ وتعلل بأعذار فَلَمَّا أقنعه بالاياس عدل إِلَى شَفَاعَة الأكياس فَبعث إِلَيْهِ على وَجه الْخفية بجملة من الذَّهَب الْأَحْمَر فَانْقَلَبَ طبع الطواشي وَعَاد تشمسه إِلَى التلاشي وَأنْشد مِنْهُ لِسَان الْحَال ملاطفا للصفي بقول من قَالَ (ونبئت ليلى أرْسلت بشفاعة ... إِلَيّ فَهَلا نفس ليلى شفيعها) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 (أأكرم من ليلى عَليّ فأبتغي ... بِهِ المَال أم كنت أمرأ لَا أطيعها) فَفتح لَهُ الْمقَام الْأَزْهَر وَقضي مِنْهُ جَمِيع الوطر وَكَانَ بعد أحيان انْتَبَهت للآغا عُيُون السُّلْطَان فزحلفوه عَن ذَلِك الْمقَام وجرعوه كؤوس الْحمام الشَّيْء بالشَّيْء يذكر أَخْبرنِي سَيِّدي السَّيِّد المقامر غُصْن السِّيَادَة المورق وَروض الْمجد وَالْكَرم المؤنق الْحسن بن أَحْمد بن الْحُسَيْن بن الْقَاسِم حماه الله أَنه أَيَّام جواره الْقبَّة النَّبَوِيَّة وإقامته بِالْمَدِينَةِ المحمية حاول الولوج إِلَى حَضْرَة جده للتملي بِتِلْكَ الْبقْعَة الطاهرة والتشفي بآثار الْغرَّة الزاهرة فَامْتنعَ ذَلِك الآغا وتعدى بِمَنْعه عَن بَيت أَبِيه وبغا قَالَ فداخلني من الإكتئاب مَا قدم وَحدث وَاشْتَدَّ بِي الكرب وَعظم على الْخطب ثمَّ أَنِّي واجهت الحضرة النَّبَوِيَّة بِكَلَام مضمونه إِن كنت من أولادك يَا أَبَت فَلَا شَيْء يحول بيني وَبَيْنك من هولآء الَّذين يَزْعمُونَ أَنهم خدمك وداخلتني مَعَ ذَلِك عِبْرَة وانكسار فَلم أشعر إِلَّا بالآغا يلاطفني فِي الْمقَال ويستدعيني إِلَى حَضْرَة الْكَمَال فبادرت بِالدُّخُولِ وقر خاطري بالمثول وأسرجت الْقَنَادِيل من أَيمن الدَّاخِل وظفرت من الْعِزّ المنيع والجاه الرفيع بطائل وَأنْشد لِسَان حَالي وَقد أسعفني سُؤَالِي (ان يدن مني فلي فِي قربه نسب ... أويناء عني فَفِي عرنينه شمم ( ثمَّ ظهر لَهُ من بعد أَنه انْكَسَرَ أحد الْقَنَادِيل وصرخ صراخا اذن الآغا بِمَا كشف لَهُ الغطا عَمَّا صدر مِنْهُ من الْخَطَأ (كَرَامَة لم يحزها غَيره أبدا ... وَلَا تبختر فِي أثوابها القشب) وَفِي هَذِه الْمدَّة اسْتَقر عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحسن بِصَنْعَاء وَتوجه إِلَيْهِ مُعظم السياسات والأوامر والنواهي فِيهَا وَفِيمَا حواليها من الْبِلَاد وضج لذَلِك الْعمَّال وَبَطل عَلَيْهِم أَكثر الْأَعْمَال لكَوْنهم يعلمُونَ مَا لَهُ من البسطة فِي الْبِلَاد وَقُوَّة الْيَد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 فِي الإصدار والإيراد وفيهَا أَو الَّتِي بعْدهَا حولت المجزرة بِمَدِينَة صنعاء الى بَاب الْيمن وَجعل لذَلِك واستصلاحه سجل سعى فِيهِ الْفَقِيه مُحَمَّد أَفَنْدِي ورسمت فِيهِ أَعْيَان أهل صنعاء وَكَانَ محلهَا سوق الْحَطب وَدخلت سنة أَربع وَسِتِّينَ وَألف فِيهَا خطب بدر بن عمر الكثيري صَاحب حَضرمَوْت والشحر وظفار للْإِمَام فَقبض عَلَيْهِ ابْن أَخِيه بدر بن عبد الله بن عمر وكبرآء دولته وخلعوه عَن الْأَمر ووضعوه فِي الْحَدِيد وأطالوا لَهُ الزّجر والتهديد ونصبوا ابْن أَخِيه فِي دسته وأقاموه فِي تخته وَحين بلغ الإِمَام مَا صنعوه هم بالتجهيز عَلَيْهِم وَقدم الرسائل إِلَيْهِم وَفِي شهر رَجَب مِنْهَا سَار الإِمَام من السودة إِلَى مَدِينَة صنعاء فَلَمَّا وصل عمرَان تَلقاهُ الْأَمِير الخطير النَّاصِر صَاحب كوكبان واستدعاه إِلَى حصنه المنيع وسوحه الوسيع وأضافه بِمَا يتحمله مثله من الْمُلُوك الكرماء والسادة العظماء ثمَّ أَن الإِمَام سَار الى ثلاء وَطَاف قلعته الشامخة وقنته الباذخة وَهِي من شوامخ القنن ومصانع الْيمن وَلَا سِيمَا فِي نظر المطهر بن الإِمَام فَإِنَّهَا كَانَت أَعلَى من قاسيون وَأَعْلَى من شمام اتخذها وَكُنَّا من مصائد الصدام وحرزا من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 مَكَائِد الأروام وطالما طلع بدر عزيمته مِنْهَا فانبلج واختلج سهم قَصده فِي خريطها ففلج وَلما انْقَضى مرام الإِمَام جرد الْعَزْم الى مَدِينَة سَام فَلبث بهَا إِلَى آخر شعْبَان ثمَّ سَار بخيله ورحل الى ضوران وَدخلت سنة خمس وَسِتِّينَ وَألف عزت فِيهَا الأمطار وَارْتَفَعت من أجلهَا الأسعار سِيمَا فِي بِلَاد الصعدية وَمَا والاها من تِلْكَ الْبِلَاد الشامية التَّجْهِيز على الشَّيْخ حُسَيْن الرصاص وَفِي صفرها أَمر الإِمَام بحشد الْجنُود وزف البنود إِلَى بني أَرض لإِصْلَاح فاسدها وتقويم مايدها فَاجْتمع لأَوْلَاد أخوته وأمير كوكبان زهاء عشرَة الآف من مقاتلة الرِّجَال وَألف عنان من الْخَيل وأكثرها لعز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحسن بن الإِمَام فأنفذ قبل ذَلِك رسائله إِلَى الشَّيْخ حُسَيْن الرصاص لِأَنَّهُ أول قفل لتِلْك الأقفاص وَإِلَيْهِ التَّصَرُّف فِي بِلَاد بني أَرض وَأما مَا يَليهَا كبلاد دثينة فَإلَى الهيثمي وَمن خَلفه العولقي وَمن خَلفه الواحدي وَمن خَلفه الفضلي وبلاد هَؤُلَاءِ تَحت رسمهم متصله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 بحضرموت فَلَمَّا علم الرصاص بِمَا أجمع عَلَيْهِ الإِمَام شمخ بالعرنين وبرز بروز لَيْث العرين وحشد قبائل الْبِلَاد وحرض على التأهب فِي أغوارها والأنجاد وَرَأى أَن نُفُوذ العساكر إِلَى خَلفه دلَالَة على عَجزه وَآيَة على ضعفه فَرَكزَ نَفسه هدفا للحين وانتقش فِي رق تاموره قَول أَحْمد بن الْحُسَيْن (غير أَن الْفَتى يلاقي المنايا ... كالحات وَلَا يلاقي الهوانا) (وَإِذا لم يكن من الْمَوْت بُد ... فَمن الْعَجز أَن تكون جَبَانًا) فترتب هُوَ والعولقي وعسكرهما بِنَجْد السّلف وجنحا بِبَقِيَّة السلاطين من أَمَام وَخلف وَكَانَ قَلِيل من أَصْحَاب الإِمَام قد نفذوا إِلَى الزهراء وَهِي مِمَّا غلب عَلَيْهِ الرصاص وَكَانَت فِي الأَصْل للقايفي ثمَّ تقدم جمَاعَة إِلَى قَرْيَة بِالْقربِ مِنْهَا تسمى بِذِي كريش وَلما سئم الرصاص من الإنتظار بَادر إِلَى ذِي كريش بِجَيْش جرار فَعدم التبصر بِرَأْيهِ والإستضاءة وبادر إِلَى أَمر كَانَ لَهُ فِيهِ أناءه ودارت بِهِ الدَّوَائِر وَزَالَ عَنهُ قَول الشَّاعِر (قد يدْرك المتئاني بعض حَاجته ... وَقد يكون مَعَ المستعجل الزلل) فَإِن أُمَرَاء الإِمَام لما جَاءَتْهُم الْعُيُون بِمَا أزمع عَلَيْهِ الرصاص من ذَلِك الإنتهاز والإفتراص رموا بنفوسهم إِلَى نجد السّلف وَبَادرُوا إِلَيْهِ يَوْم الْخَمِيس رَابِع ربيع الآخر فَبَاتُوا تِلْكَ اللَّيْلَة وانقض جمعهم بكرَة على الشَّيْخ وَمن إِلَيْهِ فقصد صفي الْإِسْلَام أَحْمد بن الْحسن مركزه وَهُوَ الْمقَام الأول والمركز الْمعدل فاشتجرت الرماح وَاشْتَدَّ الكفاح وَاخْتلفت الرصاص ونادى لِسَان الْحَال ولات حِين مناص وحزت الرؤس وتداعت إِلَى فنائها النُّفُوس وَلما حمى الْوَطِيس وهدرت الْأَبْطَال بشقائق العيس وَقد أبان الصفي عَن تحليق الْعقَاب وشجاعة حيدر فِي الْيَوْم الَّذِي إقتلع فِيهِ الْبَاب انخزل عَن الرصاص منصر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 العولقي وَتَأَخر عَن دَائِرَة المركز للهول الَّذِي لقى وَتَبعهُ قبائل يافع بِمن بقى وَثَبت للكفاح الرصاص وَصَارَ وَقَومه دريه للرماح وهدفا للرصاص وَفِي أثْنَاء هَذَا الإلتحام عطف عَلَيْهِم من جَانب الْوَادي عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن الإِمَام فاتفق الفشل من الْجَانِبَيْنِ وركبتهم موجات الْبَحْرين وَأمر أَصْحَابه صفي الْإِسْلَام بترك الرَّمْي فاخترطوا السيوف وَأَقْبلُوا على الحتوف وَاخْتَلَطَ الْفَرِيقَانِ حَتَّى اغبر الدو وإصطدمت الهامات فِي الجو وانجلت المعركة عَن قتل حُسَيْن الرصاص ورسب فِي حبائل الإقتناص فَحمل رَأسه بعد قطعه بالحزام إِلَى أَن مثل بِهِ فِي حَضْرَة الإِمَام والذاهب من أَصْحَاب الصفي قدر سِتِّينَ نَفرا وَمن سَائِر الأجناد من الْجَانِبَيْنِ خلق كثير وَانْهَزَمَ صَالح الرصاص بحشمه وحريمه إِلَى الْبَيْضَاء وانتهبت العساكر مَا وجدته فِي الْبِلَاد من الأثاث والأسلحة والأمتعة ثمَّ واجه بعد ذَلِك صَالح الرصاص على بِلَاده وقبائله وَلما انْقَضتْ هَذِه الملحمة تَوَجَّهت الدائرة على الْبِلَاد اليافعية فَأرْسل إِلَيْهِم أَوْلَاد الإِمَام وحرضوهم على الطَّاعَة والإئتمام فأصروا على قَبِيح أفعالهم وانحازوا جَمِيعًا إِلَى شَوَاهِق جبالهم فَسَار بعض الْجند إِلَى الْخلقَة وتبعهم عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن الإِمَام فاستقر بهَا يَوْمَيْنِ يظْهر الإلتماس ويجس أَحْوَال النَّاس وَقد كَانَ يصل إِلَى قريب جبل العر فيراه قد إمتلأ من قبائل يافع وَفِي خلال هَذَا وصلت الْأَخْبَار بِأَن الشريف سَالم بن حُسَيْن الْحُسَيْنِي قادم من حَضرمَوْت بغارة إِلَى يافع فتجهز عَلَيْهِ السَّيِّد الْمِقْدَام مُحَمَّد بن أَحْمد بن الإِمَام إِلَى دثينة فَقطع عَلَيْهِ الطَّرِيق وَرمى جُنُوده بالتمزيق فَعَاد إِلَى تِلْكَ الْبِلَاد وأسنته فِي الصعاد وسيوفه فِي الأغماد وَفِي نَهَار الْإِثْنَيْنِ تَاسِع عشر جمادي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 الْآخِرَة تقدم مُحَمَّد بن الْحُسَيْن إِلَى ذيل جبل العر لإستخراج يافع فَنزل جمَاعَة مِنْهُم إِلَى سفح الْجَبَل فاشتجر الْحَرْب بَينهم وقاتلوا بالبنادق فَقتل من عَسْكَر عز الْإِسْلَام نَحْو أَرْبَعَة عشر نَفرا وَأُصِيب بجراح قدر الثَّلَاثِينَ ثمَّ حملُوا على أهل العر بسفح الْجَبَل فهزموهم إِلَى أَعْلَاهُ واتصل الضَّرْب فِي أَعْقَابهم ثمَّ طلع عَسْكَر الإِمَام وخيله إِلَى أعلا الْجَبَل وَاخْتَلَطَ الْجَمِيع وَحصل الإستيلاء على رَأس جبل يافع وقفله الْجَامِع وَدخل الْجند إِلَى بِلَاد مرفد وَبَاتُوا بهَا وَكَانَ الْمُتَوَلِي لهَذِهِ الملحمة الْأُخْرَى فيهم السُّلْطَان عبد الله بن هرهرة وَمَعَهُ رايات الشَّيْخ الحبيب وَلَهُم فِيهِ إعتقاد عَظِيم وَهُوَ شرِيف من أَوْلَاد الشَّيْخ أبي بكر بن سَالم من آل باعلوي وَلما علم يافع باستقرار عَسْكَر الإِمَام بمرفد إجتمعوا من كل أَوب يَوْم الثُّلَاثَاء الْعشْرين من جمادي الْآخِرَة وَأَحَاطُوا بمرفد وَرَأى عَسْكَر الإِمَام أَن الرَّأْي مَعَ كثرتهم أَن لَا يخرجُوا إِلَيْهِم فيتركون لَهُم سورتهم حَتَّى يفلوا شوكتهم وترجح لجَماعَة من الْعَسْكَر النُّزُول فَقتل مِنْهُم من قتل وَفِي خلال ذَلِك وصل صفي الْإِسْلَام أَحْمد بن الْحسن وَكَانَ بالبيضاء فَلَمَّا صَحَّ وُصُوله وَضربت هُنَاكَ طبوله ولوا الأدبار وَاسْتولى عَلَيْهِم الإدبار ثمَّ طلبُوا بعد ذَلِك الْأمان فبذل لَهُم وَدخلت الأجناد إِلَى الموسطة وَلما سكنت الزعازع وَصلح أَمر يافع عَاد الْأُمَرَاء الْأَعْلَام إِلَى حَضْرَة الْخَلِيفَة الإِمَام وَأمرُوا على الْبِلَاد السَّيِّد الرئيس شرف الدّين بن المطهر بن عبد الرَّحْمَن بن المطهر بن الإِمَام شرف الدّين وَكَانَ على أَوْلَاد الإِمَام أَن يتلبثوا فِي الْبِلَاد بالجنود وَأَن لَا يسرعوا بعد قَضَاء تِلْكَ المآرب إِلَى الْوُفُود وَلما بلغ سُلْطَان حَضرمَوْت هَذَا النَّصْر الجسيم وَالْفَتْح الْعَظِيم أطلق عَمه من قيد الترسيم وأشعر الإِمَام بِالطَّاعَةِ وَإِثْبَات الْخطْبَة وَالْجَمَاعَة فَأرْسل إِلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 الإِمَام الْأَمِير صَالح بن الْحُسَيْن الجوفي فَلَمَّا وصل هُنَاكَ وجد الْأَمر على حقيقتة وَعَاد الْأَمِير وَقد صلحت تِلْكَ الديار وَوجه إِلَى بدر بن عمر ولَايَة ظفار وفيهَا عَاد الشَّيْخ روكان إِلَى عناده وحن إِلَى مَا أَلفه من فَسَاده فَجهز عَلَيْهِ الإِمَام من قَصده إِلَى عقر دياره وعطله عَن وساوسه وأوطاره وفر هَارِبا إِلَى شهارة مستشفعا بالحسين بن الْمُؤَيد بِاللَّه فَأَعْرض عَنهُ فَسَار إِلَى حَضْرَة الإِمَام ضوران فأنزله بدار الهوان وأذاقه لِبَاس النكث والعدوان وفيهَا وفدت الْأَخْبَار أَن الباشا بِمصْر عزل الباشا الَّذِي بسواكن لأسباب جَارِيَة وأحوال متقاضية وَفِي شهر ذِي الْحجَّة عرف أَوْلَاد الإِمَام عَاقِبَة الرَّأْي الَّذِي رَآهُ الْخَلِيفَة وَهُوَ أَن لَا يرتفعوا عَن بِلَاد يافع حَتَّى تَسْتَقِر الْقَوَاعِد وتعرف الْمَقَاصِد فَإِن ابْن الْعَفِيف تغلب على الْبِلَاد وطرد عَامل الإِمَام بِالسُّيُوفِ الْحداد وَأخرجه من الْجِهَة اللحجية ونسى هُوَ ويافع تِلْكَ الْقَضِيَّة وَخرج السَّيِّد شرف الدّين على قَدَمَيْهِ حافيا وَقتل بعض أَصْحَابه فَلَمَّا بلغ الإِمَام هَذَا الْخلَل وَمَا صنعه ابْن الْعَفِيف ويافع من قَبِيح الْعَمَل انتدب للدخول إِلَيْهِم وَلَده السَّيِّد الناسك مُحَمَّد بن المتَوَكل وَكَانَ يَوْمئِذٍ فِي سنّ الْبلُوغ لكنه من الرسوخ فِي سنّ الشُّيُوخ وبادر إِلَى الدُّخُول خشيَة من أَن ينجم خلاف الرصاص وَقد أنتهبت عقب هَذَا الْخلاف قافلة بِنَجْد السّلف فَسَار بِمن مَعَه حَتَّى دخل الْبَيْضَاء وَاسْتقر بهَا ثمَّ أحتث الإِمَام أَوْلَاد إخْوَته الْأَعْلَام فَسَارُوا جَمِيعًا ثمَّ تَتَابَعَت الأجناد إِلَى الْبَيْضَاء ثمَّ إِلَى بِلَاد الموسطة بِلَاد بن هرهرة لِأَنَّهُ لم يظْهر مِنْهُ شقَاق وَإِن كَانَ فِي الْبَاطِن مَعَ صَاحبه بالإتفاق وفيهَا مَاتَ الشَّيْخ الْعَارِف أَحْمد القيرواني الْمَالِكِي المغربي وصل إِلَى صنعاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 فِي دولة الْمُؤَيد بِاللَّه ثمَّ سَار إِلَى مَكَّة لِلْحَجِّ ثمَّ بعد أَن اسْتَقر هُنَاكَ مُدَّة عَاد إِلَى الْيمن وَمَعَهُ كتبه لَا يفارقها فَقبض بِصَنْعَاء للتاريخ وَقبض كتبه القَاضِي الْحُسَيْن ابْن يحيى السحولي إِلَى أَن يظْهر وَارثه وفيهَا مَاتَ السَّيِّد الْعَلامَة صارم الدّين إِبْرَاهِيم بن يحيى بن الْهَادِي الجحافي الحبوري بِبَلَدِهِ حبور كَانَ متقنا وَذَا عناية بِالْحَدِيثِ وَله فِيهِ مستجازات من الشَّيْخ أَحْمد بن عَليّ بن مطير وَغَيره وَهِي مَجْمُوعَة عِنْدِي بِخَطِّهِ رَحمَه الله وَكَانَ حَاكم حبور وَإِمَام جَامعه وَله فِي الْفَرَائِض تأليف حسن خرج فِيهِ الْأَحَادِيث من أُصُولهَا وَكَانَ يرى رفع الْيَدَيْنِ عِنْد تَكْبِيرَة الإفتتاح وَوضع الْكَفّ على الْكَفّ كَمَا هُوَ قَول أَكثر الْعلمَاء وَأَعْلَى مَا وَقع لَهُ من طرق الحَدِيث مَا يرويهِ عَن الشَّيْخ الْعَلامَة عَليّ بن مُحَمَّد بن مطير عَن عَمه عبد الله بن إِبْرَاهِيم بن مطير عَن القَاضِي زَكَرِيَّا عَن الشَّيْخ بن حجر الْعَسْقَلَانِي بأسانيده الْمَعْرُوفَة وَمن شعره (وَإِذا أسبل الظلام رواقا ... وهدا معشر بِهِ واستراحوا) (فَأَنا رَافع الأكف إِلَى من ... خطرة الْقلب عِنْده إِيضَاح) (قَائِلا رب أَنْت تعلم بِالْحَال ... فَفِيمَ السُّؤَال والإلحاح) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 (ولعمري مَا يهدم الْيَأْس ظَنِّي ... والإله المؤمل المستماح) (لَو تكون السَّمَاء وَالْأَرْض رتقا ... أَو تحول السيوف والأرماح) (هَذِه سنة الْأَوَائِل من قبل ... بهَا طَال مَا استراحوا وراحوا) (كلما جَاءَهُم من الْيَأْس كأس ... فَلهم فِي رحبائهم أقداح) وفيهَا مَاتَ بِبِلَاد عذر السَّيِّد الْعَارِف حَاكم الشَّرِيعَة بهَا مُحَمَّد بن الْحُسَيْن المحرابي ويروى عَنهُ أَنه كَانَ يمِيل إِلَى مَذْهَب الشَّافِعِي وَدخلت سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَألف فِيهَا تحرّك جند الإِمَام إِلَى ابْن الْعَفِيف والناخبي فالتقاهما الشَّيْخَانِ وَمن مَعَهُمَا بِحَرب عوان وميل إِلَى الْخلاف والطغيان ورتبوا لَهُم الْأَحْزَاب فِي ظُهُور الهضاب وبطون الشعاب وَمَا زَالَ سعير الْحَرْب حامية وأحوال الْفَرِيقَيْنِ متكافئة إِلَى أَن جَادَتْ صولة أَصْحَاب الإِمَام وخفقت برِيح نَصره الْأَعْلَام فَانْهَزَمَ ابْن الْعَفِيف وَآل كَيْله إِلَى التطفيف ثمَّ هتف بالأمان والوصول فأسعف إِلَى مَا يَقُول وَوصل إِلَى الموسطة ثمَّ أرسل بِهِ من حِينه إِلَى حَضْرَة الإِمَام وَلما وافى الحضرة بضوران لم يلبث غير قَلِيل من الْأَيَّام وتجهز إِلَى ثغر الْحمام وَصلى عَلَيْهِ الإِمَام صَلَاة الْجِنَازَة وَحضر غسله وجهازه وَأما الناخبي فَإِنَّهُ قَاتل بعد صَاحبه بعض الْقِتَال وَذهب على يَدَيْهِ جمَاعَة من أَصْحَاب الإِمَام من آنس وَغَيرهم ثمَّ دخل فِيمَا دخل فِيهِ الْعَفِيف فَأخذ لَهُ الْأمان ثمَّ ذكر عَن أهل آنس أَنهم غدروا بِهِ بِسَبَب مَا صنعه بأصحابهم فَقَتَلُوهُ وَبعد هَذِه الملحمة الْأُخْرَى أذعن أهل يافع بِالطَّاعَةِ من حد العر إِلَى عدن وَهِي بِلَاد وَاسِعَة ذَات أرزاق نافعة وَوصل إِلَى الحضرة أَعْيَان الْمَشَايِخ كالشيخ عبد الله بن هرهرة وَغَيره وَلما وصل الشَّيْخ صَالح بن أَحْمد الرصاص إِلَى حَضْرَة الإِمَام خلع عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لم يجر مِنْهُ خلاف فِي هَذَا الْحَرْب وَأَعَادَهُ إِلَى بِلَاده واستبقى ابْن هرهرة لَدَيْهِ ثمَّ ترجح للْإِمَام أَن يَأْمر الْأُمَرَاء الَّذين بيافع أَن يقبضوا السِّلَاح من أهل يافع ويوصلوه إِلَى حصن الدامغ فَقبض وَوصل بِهِ أهل يافع على ظُهُورهمْ وأودع خزانَة الْحصن ثمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 أرسل الإِمَام الشَّيْخ مُحَمَّد بن الْحَاج أَحْمد الْأَسدي إِلَى بِلَاد بيحان حَضْرَة الشريف طَالب بن حُسَيْن الجوفي الحمزي فَسَار إِلَيْهَا وَعَاد بالأمير إِلَى الحضرة وَجعل الإِمَام ولَايَة الْبَيْضَاء ويافع إِلَى ابْن أَخِيه شرف الْإِسْلَام الْحُسَيْن بن الْحسن فاستمر عَلَيْهَا على الْوَجْه الْحسن وَاسْتقر بالبيضاء أَولا ثمَّ برداع وَجعله مُنْتَهى الإستقرار إِلَى أَن طَرَأَ من الشعار مَا هُوَ مَذْكُور وَفِي شهر رَمَضَان مِنْهَا خسف الْقَمَر ببرج الجدي وفيهَا تَأَلُّبُ جمَاعَة من أهل صنعاء وصوفيتها على البانيان بِسَبَب تَغْيِير قانون البيع وَالشِّرَاء واستعلائهم فِي الْخَانَات على الْمُسلمين وَغير ذَلِك وعدوه من مفاسدهم وراموا إخراهم لَو تمّ لَهُم ذَلِك فَلَمَّا بلغ الإِمَام أنكر عَلَيْهِم مَا صنعوه وعرفهم أَنهم فِي جوارهم بإداء الْجِزْيَة وَأَن لَا بُد من برهَان شَرْعِي يسْتَند إِلَيْهِ فِي خرم الذِّمَّة وَيصِح السُّكُوت عَلَيْهِ ثمَّ أودع جمَاعَة مِنْهُم بعض الْحُصُون وأطلقهم بعد أَيَّام وفيهَا هم الإِمَام أَن يُجهز على الْحَبَشَة بِسَبَب مَا اتّفق مِمَّا وَصفه القَاضِي الْحسن الحيمي وتحريضه للْإِمَام بالقصائد وَلم يتم لَهُ ذَلِك وَفِي شهر شعْبَان ورمضان مِنْهَا إشتد ألم الخانوق بِصَنْعَاء حَتَّى خرج مِنْهَا لَيْلَة عيد الْفطر قدر ثَلَاثِينَ جَنَازَة وَللَّه الْأَمر وَفِي آخر رَمَضَان أنصب مطر الخريف فانتعمت الأَرْض وَوصل السَّيْل الْعَظِيم إِلَى بَاب الخَنْدَق بِصَنْعَاء فأخرب جانبا من عُقُود الدائر وبيوتا من السائلة ثمَّ تكَرر فأخرب بَقِيَّة الْعُقُود من الطَّرفَيْنِ وَدفن غيول السد المستخرجة وَخرج بعضه من بَاب السجة وَلَوْلَا إنكسار الخَنْدَق الْأَسْفَل لركب الْمَدِينَة وأخرب فِيهَا مَا شَاءَ من الْبيُوت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 وفيهَا عبر مُحَمَّد سعيد رَسُول ملك الْهِنْد إِلَى صَاحب الرّوم يستصرخ بِهِ على سُلْطَان الْعَجم لما أَخذ عَلَيْهِ من أَطْرَاف بِلَاده وَمن الْجِهَة الجنوبية وَيطْلب مِنْهُ أَن يَشن عَلَيْهِ الغارات من الْجِهَة الشمالية العراقية فَيحصل بذلك التَّنْفِيس عَلَيْهِ فَاعْتَذر السُّلْطَان عَن ذَلِك صُحْبَة رَسُوله بِمَا بَينه وَبَين سُلْطَان الْعَجم من الصُّلْح الْمَعْقُود وَالْإِيمَان والعهود وَفِي صفرها استراح إِمَام الزَّمَان عَن حَال الشَّيْخ يحيى بن روكان وَآل خِلَافه إِلَى وفَاق وترشف أفاوريق الْمَوْت بكأس دهاق وَكَانَ مَوته بِحَبْس الإِمَام بضوران وفيهَا استدعي السَّيِّد الْعَلامَة أَحْمد بن عَليّ الشَّامي بِسَبَب أَن وَلَده قتل مَمْلُوكا لَهُ فوصل إِلَى حَضْرَة الإِمَام وأوضح لَهُ حَال العَبْد الْمَقْتُول وَإِن قَتله كَانَ مدافعة وَبرهن على أَن الْمَذْكُور رمى وَلَده بِحجر عَظِيمَة من أَعلَى سطح لَو أَصَابَته لما كَاد ينجو مِنْهَا فعذر الإِمَام وَلَده وَفِي الثَّالِث وَالْعِشْرين من صفرها توفّي السَّيِّد الْمقَام صفي الْإِسْلَام أَحْمد بن أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمَنْصُور بِمَدِينَة صعدة وَكَانَ أكبر سنا من أَخِيه المتَوَكل على الله محبا للصدقات والمآثر الْحَسَنَة وَمِنْهَا الْحَسَنَة الْجَارِيَة والمنقبة الْعَالِيَة جَامع الرَّوْضَة وَوَقع على الْكَيْفِيَّة الَّتِي يقطع من شَاهدهَا أَنَّهَا بر مَوْصُول وَعمل متلقى بِالْقبُولِ حَتَّى قَالَ بَعضهم (لَا تحسب الْجَامِع فِي رَوْضَة ... وَإِنَّمَا الرَّوْضَة فِي الْجَامِع) ووقف عَلَيْهِ مَا يقوم بِهِ من ذَلِك السمسرة بسوق الْعِنَب وَغَيرهَا وَمن مأثره سمسرة الأزرقين عمرها بِوَصِيَّة من زَوجته بنت المعافا وسمسرة ريدة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 وَغير ذَلِك وَوجه الإِمَام ولَايَة صعدة لوَلَده جمال الْإِسْلَام عَليّ بن أَحْمد وَكَانَ رَحمَه الله قد أَشَارَ على الإِمَام بترك أَمريْن أَحدهمَا ترك الصر الَّذِي يصير إِلَى مَكَّة مَعَ أَمِير الْحَج وَالثَّانِي فتح يافع تفرسا من أَنه لَا يَنْضَبِط الْأَمْرَانِ فَكَانَ الْأَمر كَمَا حدس وفيهَا وَقع بَين ذَوي مُحَمَّد وَذَوي حُسَيْن من برط أحن وقتال وَذهب فِيهِ من البطنين جمَاعَة وهم على رجل وَاحِد وفيهَا أنشأ السَّيِّد الْعَلامَة الْحسن الْجلَال رِسَالَة إستشكل فِيهَا التَّخْرِيج على يافع وأنجر كَلَامه إِلَى أَطْرَاف وَقد كتبت مِنْهَا بخطي وَيُمكن المناقشة لبَعض أطرافها وَقد كتب عَلَيْهَا بعض أهل وقته جَوَابا شغل فِيهِ القرطاس واستنتج من غير قِيَاس (وَابْن اللَّبُون إِذا مَا لز فِي قرن ... لم يسْتَطع صولة البزل القناعيس) وفيهَا وصلت إِلَى الْيمن نُسْخَة من كتاب فتح المتعال فِي مدح النِّعَال للشَّيْخ الْعَلامَة أَحْمد بن مُحَمَّد الْمقري الْمَالِكِي التلمساني الأَصْل والمولد الفاسي الدَّار نزيل الْقَاهِرَة المحروسة وَكَانَ قد صنف قبله فِي ذَلِك بن عَسَاكِر والشيبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 وَفِي هَذِه السّنة خرج إِلَى الْيمن أَيْضا كتاب رَيْحَانَة الألبا وزهرة الْحَيَاة الدُّنْيَا وَقد ذكر هُوَ أَيْضا فِي النَّعْل الشريف مبحثا وَأورد جملَة من المقطعات المسمي وَأَحَدهمَا دوبيت وَهُوَ بِالدَّال الْمُهْملَة ود وَلَفظه فارسية مَعْنَاهَا اثْنَان بالعربي وَمِنْه مَا جَاءَ فِي حَدِيث سلمَان الْفَارِسِي التمريك يَك وَالْعِنَب دودو ويك لَفْظَة فارسية لِمَعْنى وَاحِد فَالْمَعْنى من دوبيت بيتان وَضَبطه بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة تَصْحِيف وَمِمَّا وَقع لي فِيهِ (أَي محرق مهجتي بنيران جفاك ... قد عز بصبري كَمَا عز وفاك) (لَا تطفي يَا نور عَيْني حرقي ... إِلَّا أَن أرشفتني ثناياك وفاك) وَقد سبق للشَّيْخ شهَاب الدّين الخفاجي ذكر فِي أول هَذَا الْمَكْتُوب وفيهَا وصل درويش من الْهِنْد إِلَى صنعاء بِحَدِيث من أكْرم غَرِيبا فِي غربته فَكَأَنَّمَا أكْرم سبعين نَبيا مُرْسلا وَمَا زَالَ يطرحه تجاه الْمُصَلِّين يَوْم الْجُمُعَة ثمَّ زَاد فِيهِ بعد أَيَّام بعد قَوْله فِي غربته فِي بَيته وَهُوَ مِمَّا لَا أصل لَهُ وَلَا ذكره السنخاوي وَلَا سَيِّدي أَحْمد بن عبد الله بن أَحْمد فِي الْأَحَادِيث الدائرة على الْأَلْسِنَة وَلَا الديبع فِي تَمْيِيزه وَمَا عَلَيْهِ شَيْء من طلاوة الحَدِيث النَّبَوِيّ وَدخلت سنة سبع وَسِتِّينَ وَألف فِي صفرها وصل السَّيِّد صارم الدّين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد المؤيدي إِلَى الحضرة المتوكلية ونال من التَّعْظِيم مَا هُوَ أَهله وَبعد مُضِيّ شَهْرَيْن أنفصل عَن الحضرة إِلَى حَضْرَة عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحسن فَتَلقاهُ بالرحب والأنعام والتفضل الْعَام ثمَّ عَاد بِلَاده وَقد أقطعه الإِمَام جانبا من الْبِلَاد كَمَا سلف فاستقر فِي مَحَله وعمره بإحياء الشَّرِيعَة النَّبَوِيَّة وتفتيح غُضُون الْمسَائِل العلمية مَعَ حُضُور أَصْحَاب وَأَوْلَاد وأحباب أَجلهم قدرا وأسماهم سرا وَلَده السَّيِّد الْعَلامَة التقي الْكَرِيم صفي الدّين أَحْمد بن إِبْرَاهِيم وفيهَا وصل من قبائل بحدود الْبَصْرَة من بِلَاد الخميلي البديع مَا بَين الحساء والدواسر مَكْتُوب يذكرُونَ اشتياقهم الى أَن يتدوا لَهُم الإِمَام ويسلموا إِلَيْهِ واجبهم لما بَلغهُمْ من عدله وَلم يتم ذَلِك لبعد الديار والابدان وَكَون تِلْكَ الْجِهَة مِمَّا يضبطه نَائِب السُّلْطَان بن عُثْمَان وَهُوَ أقرب إِلَيْهِم وَأَشد فِي الوطئة عَلَيْهِم وفيهَا جَاءَت الْأَخْبَار أَن جند السُّلْطَان مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم استولى على الْبَعْض من بِلَاد مالطة وَأسر عَالما من النَّصَارَى وَفِي رمضانها خسف الْقَمَر ببرج الجدي ورخصت الأسعار عقيب تِلْكَ الأمطار وَفِي ربيعها أرسل الإِمَام القَاضِي شرف الدّين الْحسن بن أَحْمد الحيمي الى أَمِير حَضرمَوْت فَسَار إِلَيْهَا ودخلها وفيهَا أعَاد صفي الْإِسْلَام أَحْمد بن الْحسن بن الإِمَام حصن ذمرمر الى مَا كَانَ عَلَيْهِ من الْعِمَارَة وَحسن الْبَهْجَة والنظارة وأسكن أَهله فِيهِ وَفِي الْغِرَاس وَبَينهَا فِي الأفراح وتربية الْأَرْوَاح تقَارب وجناس وَلما استوطنهما سَيِّدي صَلَاح الْإِسْلَام صَلَاح بن أَحْمد بن عبد الله أَيَّام إِقَامَة وَالِده فِيهِ أثْنَاء الدولة المطهرية وعقب الْأَيَّام المتوكلية قَالَ فيهمَا (لله أيامي بِذِي مرمر ... وَطيب أوقاتي بسفح الْغِرَاس) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 (وَالْجِنْس منضم إِلَى جنسه ... وَأحسن النّظم نظام الجناس) (والشمل مَجْمُوع بِمن ارتضى ... والسر فِيهِ السِّرّ وَالنَّاس نَاس) (وللصبا غُصْن إِذا هزه ... نسيم أنفاس صبا الْوَصْل مَاس) (وسفح حذان الى جَانِبي ... غضران من تِلْكَ الربوع الاناس) (ملاعب تجْرِي بهَا خَيْلنَا ... فِي السّلم وَالْحَرب شَدِيد المراس) (والشامخ الْفَرد لنا موئل ... يمنعنا الله بِهِ كل باس) (لَهُ من الزهر نطاق وَمن ... جود غوادي المزن أبهى لِبَاس ( وَلَعَلَّه كَانَ مَعَه زَوجته ابْنة خَاله السَّيِّد الْعَلامَة جمال الدّين عَليّ بن أَمِير الْمُؤمنِينَ المتَوَكل على الله شرف الدّين فَهِيَ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا بقوله والشمل مَجْمُوع بِمن ارتضى وَانْظُر الى رقة هَذَا النظام وَمَا اشْتَمَل عَلَيْهِ من الإنسجام وَلَوْلَا كَرَاهَة مدح الْآبَاء لفتشت زهوره وسلسلت نهوره وَله من هَذَا النمط مَا يعلق بالأرواح ويسكن العصم سهول البطاح كَقَوْلِه (ولي حبيب كَأَن الله صوره ... من ناضر الزهر أَو من ذائب الْبرد) (أَو أَنه صافي البلور أودع فِي ... أحشائه الْورْد محمر الطباق ندي) (إِذا تذكرت أَنِّي عَنهُ منتزح ... ضممت صَدْرِي أشفاقا على كَبِدِي) (وَإِن تذكرت أَرضًا قد أَقَامَ بهَا ... قبلت من فرط أشواقي إِلَيْهِ يَدي) (أهابه عِنْد أفراح اللِّقَاء فَأرى ... فِي الظبي مَا يتقيه النَّاس فِي الْأسد) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 (فَمن يبث إِلَيْهِ بعض مَا انطبقت ... عَلَيْهِ أحشاي من وجد وَمن كمد) قَوْله أَو أَنه صافي فِي البلور أودع فِي الخ جمع بَين مَذْهَب الْفراء فِي نصب الجزئين وَمذهب ربيعَة فِي الْوَقْف على الْمَنْصُوب بِالسُّكُونِ وَفِي عصر يَوْم الْجُمُعَة ثامن شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة توفّي السَّيِّد الْعَالم الإِمَام صَاحب الْعُلُوم الَّتِى مِنْهَا بُلُوغ المرام شرح آيَات الْأَحْكَام مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن الإِمَام وَدفن بمقبرة الْبُسْتَان إِلَى جنب الْمَسْجِد فِي المشهد الَّذِي بناه على عَمه يحيى بن الإِمَام وَولد لَهُ قد كَانَ مَاتَ قبله بأيام وَكَانَت لَهُ فِي الْعُلُوم الْيَد الطُّولى وَمن مشايخه الْعَلامَة عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الحيمي وَالْقَاضِي الْعَلامَة أَحْمد بن صَالح الْعَنسِي والتفت آخر مدَّته إِلَى الْفِقْه وَكَانَ مَعَ ذَلِك يحب السّنة النَّبَوِيَّة ويعظم أَهلهَا وَمن مؤلفاته أَحَادِيث فِي صفة الْجنَّة وَكَانَ كثير المذاكرة كثير التَّوَاضُع والمؤآنسة والسماحة وألمه القولنج وَلما قَبضه الله إِلَى دَاره وَاخْتَارَ لَهُ حسن جواره عرض الإِمَام بِلَاده على صنوه السَّيِّد عماد الدّين يحيى بن الْحُسَيْن بن الْمَنْصُور فَمَال عَن ذَلِك وأعتل بِمَا الْتَزمهُ من الخمول والميل إِلَى مطالعة كتب الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول فعذره الإِمَام وَقرر وَلَده الصفي وَتَخْفِيف التَّكْلِيف من اللطف الْخَفي وَفِي هَذَا الشَّهْر وصل القَاضِي الْحسن من الْجِهَات الشرقية والبلاد الحضرمية وَمَعَهُ من السُّلْطَان بدر بن عبد الله الكثيري هَدِيَّة سنية للْإِمَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 وُفُود الْأَخْبَار بوصول جنود عثمانية إِلَى مَكَّة واليمن وَفِي شهر ذِي الْقعدَة الْحَرَام من هَذَا الْعَام وفدت الْأَخْبَار إِلَى الْحرم الشريف واتصلت بِالْيمن أَن السُّلْطَان صَاحب الْأَبْوَاب قد وَجه إِلَى الْحرم خَارِجَة بِأَسْبَاب مِنْهَا مَا نمي إِلَيْهِ من الشريف من عدم الْوَفَاء سِيمَا مَعَ إهمال الْعين الزَّرْقَاء ونهرها الأصفي وَمَا نسب إِلَيْهِ فِي تِلْكَ الْأَيَّام من قتل مصطفى وَهَذِه الْخَارِجَة بِخمْس بواش من أُمَرَاء بني عُثْمَان وكل باشا بخيل سوابق وألوية بواسق وسناجق خوافق وأغوات وبكلر لبكيه وأعيان فانبهر لَهَا الشريف زيد وَأظْهر مواد الْقُوَّة وَأَسْبَاب الأيد وَقطع أَنه أول مرمي بِتِلْكَ الصَّوَاعِق وأقدام معني بِتِلْكَ الفيالق وتوقع سَائِر الْبلدَانِ اليمنية زائلة هَذِه الْخَارِجَة العثمانية فَلَمَّا توسطت تِلْكَ الأجناد يَنْبع وَمَا والاها من الْبِلَاد أخذت أَكْثَرهم الرمضاء بجمرها اللفاح وَانْقطع عَنْهُم لذيذ المَاء القراح فتفتت أكبادهم بالأوام وتخرمتهم مصَارِع الْأَيَّام وَوصل الْبَعْض مِنْهُم إِلَى مَكَّة وَقد فل حَدهمْ وَقل جهدهمْ وَرَأَوا الشريف فِي أبهة رائعة وَقُوَّة مَانِعَة فَمَا زادوا على عتابه بِسَبَب إهمال الْعين الزَّرْقَاء وَقد اعتذر إِلَيْهِم بِأَن عَملهَا يَوْم الإهمال كَانَ موجها إِلَى سواهُ وَأَن إهمالها كَذَلِك مِمَّا لَا يهواها فحلموا عَنهُ بعد ذَلِك الْكَلَام وَلَكِن (كل حلم أَتَى بِغَيْر اقتدار ... حجَّة لاجىء إِلَيْهَا اللئام) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 وفيهَا نفر جمَاعَة من الْعَسْكَر من حَضْرَة الإِمَام إِلَى سوح بن أَخِيه عز الْإِسْلَام فَمَا زَالَ بهم حَتَّى عَادوا إِلَى حَضرته السامية وَدخلت سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَألف فِيهَا مَاتَ الْأَمِير الْحُسَيْن بن عبد الْقَادِر صَاحب عدن وَفِي ربيع الأول مِنْهَا مَاتَ الْفَقِيه الْحَافِظ الْعَلامَة عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الحيمي بِصَنْعَاء الْيمن وقبر بجربة الرَّوْض وقبره الْآن مَشْهُور مزور عَلَيْهِ صَخْرَة عَظِيمَة فِيهَا التَّعْرِيف باسمه وحاله وَكَانَ فِي الْحِفْظ لألفاظ السّنة النَّبَوِيَّة نَسِيج وَحده درس مُدَّة فِي الْفُنُون على أَنْوَاعهَا مرجعا فِي الْبَحْث فِي كتاب الْكَشَّاف والعضد وحواشيهما ودرس شطرا من الزَّمَان فِي كتب الحَدِيث كجامع الْأُصُول وَلما قَرَأَ فِي هَذَا الْكتاب القَاضِي شرف الدّين الْحسن بن يحيى حَابِس على الْعَلامَة الْمُفْتِي حضر الْقِرَاءَة القَاضِي وجيه الدّين فَقَالَ لَهُ الْمُفْتِي الْقِرَاءَة فِي التَّحْقِيق عَلَيْك وَالْوُقُوف فِي المغنى بَين يَديك وناهيك باعتراف هَذَا الإِمَام شَهَادَة لهَذَا الْبَحْر اللهام وَللسَّيِّد الْعَلامَة البليغ أَحْمد بن الْحسن بن حميد الدّين جَامع ترويح المشوق عِنْد وَفَاته (إِن وجيه الدّين حبر ... عصره عالي السَّنَد) (خير ثِقَات قَامَ بالعلوم ... دهرا وَقعد) (وحث فِيهَا عزمه ... حِين انتقاها وانتقد) (بَحر الْكَلَام البرقا ... مُوسَى الصِّحَاح الْمُعْتَمد) (عَاشَ سعيدا وَمضى ... على السداد منتقد) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 (فأرخوا ميلاده ... بقل هُوَ الله أحد) (وجآعد عمره ... الله ذِي الطول الصَّمد) (هَذَا وتاريخ الوفاه ... جَاءَ مَجْمُوع الْعدَد) (بِشَارَة إِشَارَة ... عنوان فضل ومدد) (بِاللَّه يَا من سبقه ... إِلَى الْمَعَالِي والرشد) (يَا جَامع الشادر مِمَّا ... شَذَّ عَن قوم وند) (يَا باذل المجهود فِي ... الْعليا وَمن جد وجد) (مَا فعلت تِلْكَ اللِّسَان ... والبنان وَالْجَلد) (والكلم الغرأ الَّتِي ... سبت وروت من ورد) (أقسم لَوْلَا أُسْوَة ... أضحت على فِي الْأَبَد) (وَإِن بعد الْيَوْم والأمس ... على التَّحْقِيق غَد) (لذبت من فرط الشجا ... وحره فقد وَقد) (فَاذْهَبْ حميدا وَلَك ... الْآثَار والرأي الْأسد) (وكل شَيْء صائر ... بعد الْبَقَاء الى أمد) (عَادَتْ عَلَيْك رَحْمَة ... نعدها أَسْنَى الْعدَد) (ولازمت مثواك مَا ... أبرق غيم ورعد ( أنظر إِلَى هَذَا النَّهر الَّذِي ينصب الى رَوْضَة الْأَلْبَاب وَالْبَحْر الْقصير فِي المراثي على أمة فِي قصير ليَالِي وصال الأحباب وَقَوله فقد وَقد نوع من البديع الْجَدِيد سَمَّاهُ فِي الريحانة إِيهَام التَّأْكِيد وَأورد لَهُ أَمْثِلَة وَوَقع لي مِنْهُ (لَئِن قَضَت الْأَيَّام بالبعد بَيْننَا ... فَمَا فعلهَا فِيمَا نحاول بالخفي) (وان خدعتني فِيك يَا نور مقلتي ... فكم خدعت فِي رب بر وَفِي وَفِي) نقل عَنهُ أَنه انْتقل عَن مَذْهَب الشَّافِعِي وَقد يظْهر تَرْجِيحه لمَذْهَب الشَّافِعِي فِي عبارَة شَرحه لبلوغ المرام ومشايخه فِي الحَدِيث الصَّابُونِي والجاص وَغَيرهمَا وَحصل بَينه وَبَين الإِمَام الْمُؤَيد بِاللَّه مُحَمَّد بن الْقَاسِم رَحمَه الله بعض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 وحشه أدَّت إِلَى بعض نكاية وَقد كَانَ الْعَلامَة الْحُسَيْن بن الْقَاسِم يكافح وينافح عَنهُ وَكَانَت الرصانة من لوزامه فبدر مِنْهُ فِي بعض الْأَيَّام أَنه ذكر لَهُ طول قعُود الدولة العثمانية فِي تخت السلطنة فَقَالَ أما الزّبد فَيذْهب جفَاء وَأما مَا ينفع النَّاس فيمكث فِي الأَرْض وَمن لطيف شعره (صنعاء إِذا كنت مشغوفا بمسكنها ... فاعدد لَهَا من حُرُوف الْحَاء مَا رسما) (حب وَحب وحمام مَعَ حطب ... حَظِيرَة وحمار حِرْفَة وحما ( وفيهَا جهز الشاه عَبَّاس سُلْطَان الْعَجم على اللاهجان وفيهَا سَار عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحسن بن الإِمَام من ذمار إِلَى الْيمن الْأَسْفَل فقوم المعوج وَأصْلح المهمل وبنا بِمَدِينَة إب بابنة السَّيِّد مُحَمَّد بن أَحْمد بن الإِمَام الْحسن وَاسْتقر أَيَّامًا وَفِي شهر ربيع الثَّانِي سَار الْأَمِير النَّاصِر بن عبد الرب بن عَليّ بن شمس الدّين أَمِير كوكبان إِلَى سوح الإِمَام فَلَمَّا انْتهى إِلَيْهِ وأدار شأبيب الْإِحْسَان عَلَيْهِ طلب مِنْهُ مدَدا يُعينهُ على مَا فِي جَانِبه من تكاليف الْجند الَّتِي اقْتَضَت الإستدانة لبيت المَال واستغرقت أَمْوَال الرِّجَال وَإِلَيْهِ كِفَايَة مُهِمّ الْجند وَالْقِيَام بأحوال ذَوي الْحُقُوق مَعَ كرم صَادِق ووفاء مُوَافق وَعدم الإستبداد وميل إِلَى الصدْق واستناد فَأخذ الإِمَام بضبعه وَأَعَادَهُ مجبور الخاطر إِلَى ربعه وفيهَا مَاتَ الْأَمِير حسام الدّين صَالح بن النَّاصِر الجوفي الحمزي وَكَانَ إِلَيْهِ إِمَارَة بِلَاد الزَّاهِر وَقعد مَقْعَده أَخُوهُ جمال الدّين عَليّ بن الْحُسَيْن الحمزي وفيهَا أول ظُهُور القرش الدكني بِالْيمن ولكثرة غشه امْتنع النَّاس عَن التَّعَامُل بِهِ فِي مبادى الْأَمر ثمَّ تعاملوا بِهِ بِإِسْقَاط ثمنه وفيهَا عقد عز الْإِسْلَام لوَلَده عماد الْملك يحيى بن مُحَمَّد ولَايَة تعز والحجرية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 فأصدر فِيهَا وَأورد وبسق غُصْن ملكه بهَا وتأود وَأعْطى فأخجل الْغَيْث الهامع واستوفي سيبه الداني والشاسع وارتفع لَهُ قدر وتغخيم وانتصب لَهُ كرْسِي ملك عقيم فامتدت ذيول أوامره على غير تِلْكَ الْبِلَاد ولباه إِنْسَان السَّعَادَة بِلِسَان الأسعاد والسرفي كَمَال هَذِه الْمعَانِي واقتعاد الْكُرْسِيّ السُّلَيْمَانِي هُوَ الْكَرم الَّذِي لَا يوضع من الأناس إِلَّا فِي الْعُيُون {وَمن يُوقَ شح نَفسه فَأُولَئِك هم المفلحون} وَفِي رجبها هَاجَتْ ريح بِلَا مطر فَرفعت العجاج وَكسرت الشّجر وفيهَا مَاتَ شيخ الْقرَاءَات السَّبع بِجَامِع صنعاء الْفَقِيه على الشريجي أَرَادَ الْحَج فطافت لَهُ الْمنية من كل فج وَكَانَ انْتِقَاله بمحروس حلي وَفِي رمضانها توفّي الْفَقِيه الْعَارِف عبد الْهَادِي القويعي الْحَضْرَمِيّ الأَصْل الشَّافِعِي وَدفن بمقبرة بَاب الْيمن كَانَ متجردا عَن أَحْوَال الدُّنْيَا مائلا قلبه إِلَى الْعلم وَأَهله وَله كتب نَحْو سِتّمائَة مُجَلد صَارَت إِلَى القَاضِي الْحسن بن يحيى حَابِس بعد وَفَاته سوى ثلثهَا فقد جعله لفقراء الْمُسلمين بِصَنْعَاء تبَاع وَتصرف فيهم وَكَانَ لَهُ ولوع بِأَكْل القات وهصر أغصانه بأنامل اللَّذَّات ويعد ذَلِك عونا على مطلبه وَزِيَادَة فِي مكسبه وَمَا أحسن قَول بدر الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن الخواجا لطف الله الشِّيرَازِيّ الأَصْل الصَّنْعَانِيّ المنشاء والمولد (إِنِّي إمرؤ لي فِي الرِّضَا مشرب ... أقطع فِيهِ جلّ أوقاتي) (أقنع بالوصل إِذا جَاءَنِي ... وقهوة تبسط أوقاتي) وَلَا تتيسر لَهُ التورية مَعَ تكْرَار لفظ أَوْقَات إِلَّا مَعَ إلتزام الإيطاء بِاعْتِبَار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 أحد الْمَعْنيين كَمَا يعرفهُ الْمَعْنَوِيّ بِأَدْنَى بادرة والفقيه عبد الْهَادِي هُوَ الَّذِي أخبر سَماع النداء من الهوا للْإِمَام الْمَنْصُور بِاللَّه الْقَاسِم قدس الله سره وفيهَا توفّي بِصَنْعَاء الْفَقِيه الْعَارِف شيخ شرح الأزهار وَالْبَيَان على ابْن جَابر الشَّارِح وقراءته على الْفَقِيه صارم الدّين إِبْرَاهِيم حثيث وَالْإِمَام مُحَمَّد بن عز الدّين الْمُفْتِي وَنقل عَنهُ أَنه أحَال بِحَضْرَة الْمُفْتِي مَقْدُورًا بَين قَادِرين وَخَالفهُ السَّيِّد وَبرهن لَهُ على ذَلِك بِأَن حمل طرف حجر وَأمره أَن يحمل الطّرف الآخر ثمَّ قَالَ لَهُ هَل هَذَا مَقْدُورًا بَين قَادِرين فَأقر وَانْقطع وَهَذَا عَجِيب وَلَا أَظُنهُ يصدر عَن الْمُفْتِي إِلَّا من طَرِيق المفاكهة والمجون فَإِن من مَحل النزاع من المسئلة هَل يتَعَلَّق قدرَة زيد لعين مَا تعلّقت بِهِ قدرَة عمر وَهُوَ عَن الْمِثَال بمعزل بعيد المنال وَمِمَّا أخبر بِهِ الْمَذْكُور أَنه ظهر على رَأس قبَّة الإِمَام يحيى بن حَمْزَة لهبة كالمصباح فَذكر لشيخه القَاضِي إِبْرَاهِيم فَأنْكر ذَلِك وَسَار إِلَيْهِ ليعرف حَقِيقَة الْأَمر فَوجدَ الْمِصْبَاح كَمَا هُوَ فأطفأه فانطفأ ثمَّ عَاد إِلَى الظُّهُور بعد الخفاء وَهَذَا كَمَا ظهر على قبر الشَّيْخ حسن بن نَاجِي فِي قُبَّته بذمار ذكره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 الموزعي وَغَيره من أهل تِلْكَ الديار وَهِي من الكرامات الْوَاضِحَة والبراهين اللائحة وَفِي ذِي الْقعدَة وصلت إِلَى الإِمَام هَدِيَّة السُّلْطَان صَاحب حَضرمَوْت وفيهَا مَاتَ ببلدة السَّيِّد الْعَارِف مُحَمَّد بن عَليّ الحيداني بدولة الْمُؤَيد بِاللَّه والمتوكل على الله كَمَا مضى وفيهَا مَاتَ الشَّيْخ الْعَلامَة أَحْمد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن أبي الْقَاسِم بن عمر بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عِيسَى بن مطير الْحكمِي الشَّافِعِي كَانَ الْمَذْكُور بمساقط جبل تَيْس وَجوَار جبل ملْحَان وهم بَيت علم وَكَانَ يرجح أَشْيَاء تخَالف مَذْهَب إِمَامه الشَّافِعِي وَله منظومته على الأزهار وَشرح غَايَة السول ومصنفات أُخْرَى أَخذ فِي الحَدِيث عَن وَالِده وَعنهُ أَخذ الْفَقِيه عَليّ بن مُحَمَّد العقيبي وَنقل عَنهُ أَنه أنشأ رِسَالَة وَذكر مِنْهَا أَنه لَا يَصح حَدِيث سَتَفْتَرِقُ أمتِي على ثَلَاث وَسبعين فرقة كلهَا فِي النَّار إِلَّا فرقة وَاحِدَة وَهِي مَا أَنا عَلَيْهِ وأصحابي كَمَا أخرجه أهل السّنَن وَقَالَ الحَدِيث إِنَّمَا هُوَ من طَرِيق مُعَاوِيَة بن ابي سُفْيَان لم يروه غَيره كَمَا أخرجه أَبُو دَاوُود فِي سنَنه وَهُوَ أحادي لَا يحْتَج بِهِ فِي هَذِه المسئلة هَذَا مَا نقل عَنهُ لَكِن الحَدِيث رَوَاهُ غير أبي دَاوُود بطرق كَثِيرَة عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة غير مُعَاوِيَة مثل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 أبي هُرَيْرَة وَآخَرين وَكَانَ فِي مسئلة الإِمَام على مَنْهَج الزيدية وَمن عقيدته مَا لَفظه إعتقادنا مَوَدَّة الْآل رَحْمَة الله على محسنهم ومسيئهم ونفضلهم وَنُصَلِّي عَلَيْهِم فلأجل الْقُرْبَى يكرمون ثمَّ قَالَ وَأعلم أَن إعتقادنا أَن الإِمَام بعد الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَليّ بن أبي طَالب ثمَّ أبناؤه مرتبين إِلَى آخر كَلَامه وعباراته فِي العلميات تدل على سبق فِي كثير مِنْهَا وَكَمَال عنايته وَفِي ذِي الْحجَّة ثار السُّلْطَان جَعْفَر بن عبد الله بن عمر الكثيري على عَمه بدر ابْن عمر فَخرج من حضر موت إِلَى ظفار وَجمع جموعا وَقصد بهَا عَمه فَقتل وَلَده وطرده وَاسْتولى على ظفار وَمَا إِلَيْهَا وَذكر أَن ذَلِك بعناية وسعاية من أَخِيه صَاحب حَضرمَوْت وفيهَا توفّي رضوَان باشا أَمِير الْحَاج الْمصْرِيّ فناب عَنهُ فِي الْإِمَارَة مَمْلُوكه الْأَمِير قيطاس النَّائِب على جدة بعد قَتله مصطفى كَمَا سلف وَدخلت سنة تسع وَسِتِّينَ وَألف فِي آخر صفرها مَاتَ القَاضِي الْعَلامَة أَحْمد ابْن صَالح الْعَنسِي الأَصْل ثمَّ العياني ثمَّ البرطي كَانَ عَارِفًا بالنحو والمعاني وَالْأُصُول وَغلب عَلَيْهِ الْكَلَام واللطيف فتبحر فيهمَا على قَوَاعِد الْمُعْتَزلَة وَسمع الغايات وَتَذْكِرَة ابْن متويه من القَاضِي عبد الْهَادِي الثلائي وَغلب عَلَيْهِ الشَّك فِي وضوئِهِ وَصلَاته وَهُوَ دَاء يعتري الْفُضَلَاء وأصابه آخر مدَّته دَاء النقرس فِي قَدَمَيْهِ وَدفن بخزيمة مَقْبرَة صنعاء الْيمن وفيهَا مَاتَ القَاضِي الْعَارِف حَاكم ظفار وذيبين مُحَمَّد بن صَالح بن حَنش وفيهَا وَقع قتال بَين ذيبان وعيال عبد الله من حاشد وبكيل فَذهب من الْفَرِيقَيْنِ أَرْبَعَة أَنْفَار وفيهَا سمع فِي الجو صَوت مهول وامر من وَرَاء الْعُقُول وَهُوَ شَيْء من نمط الصَّوَاعِق والآيات الباهرة الخوارق وَحسب كل من بِجِهَة شهارة وَمَا والاها فِي بلدته فأخرب فِي دَار الْقبَّة بشهارة جانبا وَأهْلك فِي سيران رجل أَو إثنان وَفِي ربيع الثَّانِي وصل إِلَى الإِمَام السُّلْطَان بدر بن عمر شاكيا بِمَا اتّفق من ابْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 أَخِيه من الْغدر والإستيلاء على ظفار وَأَن ذَلِك بِسَبَب إِثْبَات الْخطْبَة لَهُ فِي تِلْكَ الأقطار فَاغْتَمَّ الإِمَام لذَلِك الْخلاف ووعد ذَلِك الْبَدْر بالإنصاف وأنزله فِي برج الْقبُول وَأهب على مطلبه المقبول نسمَة الْقبُول الشُّرُوع فِي التَّجْهِيز على سُلْطَان حَضرمَوْت وَلما اسْتهلّ طالع جمادي الأول برز فِي المنشية يضْرب الوطاق وَوصل إِلَيْهِ فِي أول جمادي الْآخِرَة عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحسن وَكَانَ يَوْمئِذٍ بِصَنْعَاء الْيمن فأحكما عقد ذَلِك المرام وخاضا فِي بَحر التَّمام ثمَّ كرّ ذَلِك البيهس الكرار إِلَى محروسة ذمار وَقد قضيا الأوطار وأزمعا على إصطفاء الصفي لفتح الشحر وحضرموت وظفار وَفِي أخر الشَّهْر الْمَذْكُور وصل إِلَى الإِمَام من مَكَّة المشرفة الشريف الْحسن بن بَان بِجَمِيعِ حشمه وَجُمْلَة خدمَة مغاضبا للشريف زيد وَكَانَ إِلَيْهِ ولَايَة الْفَوْز فَأحْسن مِنْهُ النُّزُول وتلقاه بِالْقبُولِ وَقرر أَهله بِبَيْت الْفَقِيه برغبة من الشريف إِلَى ذَلِك لكَون الْجِهَات التهامية أنسب من الْجبَال بِحَال من خرج من مَكَّة وَجعل لبيوته وَأَتْبَاعه هُنَاكَ مَا يقوم بهم وَفِي هَذَا الشَّهْر توفّي عبد الله بن الْمَنْصُور بِاللَّه بذمار وقبر إِلَى جَانب صنوة الْعَلامَة الْحُسَيْن بقبته الْمُبَارَكَة وَفِي شعبانها جَاءَت الْأَخْبَار أَن طَائِفَة من أهل يَنْبع أثبتوا للْإِمَام الْخطْبَة فِي بِلَادهمْ وَكَانَ لَهُ هُنَاكَ عين من أهل صنعاء الْمُهَاجِرين إِلَى تِلْكَ الديار يُقَال لَهُ الْفَقِيه حُسَيْن النَّحْوِيّ وَلما علم بَقِيَّة أهل الْبِلَاد أشفقوا من إشراف الشريف على مَا فَعَلُوهُ وَسعوا فِي ترك الْخطْبَة فَتركت وَكَانَ الشريف قد توعدهم بمساعدة أَمِيرهمْ فَأَنَّهُ كتب عَلَيْهِم سجلا وَأَرَادَ رَفعه إِلَى السُّلْطَان وَكتب الشريف أَيْضا إِلَى أهل الْمَدِينَة بِمثل ذَلِك وَفِي شعْبَان أَخذ الإِمَام يرعد ويبرق وَيُؤذن بالنفوذ إِلَى الْمشرق وَعين لَهُ البيهس الهصور والحسام الْمَشْهُور أَحْمد بن الْحسن بن الْمَنْصُور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 وَفِي رمضانها كَانَ خُرُوج مُحَمَّد باشا عَن طَاعَة صَاحب الْأَبْوَاب مِمَّا أخرجه عَن دَائِرَة الصَّوَاب وجرعه من الْمنية مَا هُوَ أَمر من الصاب وَذَلِكَ أَن الْمَذْكُور كَانَ مبوشا بحرجة فَأمْسك عصى الْكبر وَضرب بهَا من بَحر الْخلاف فِي لجة فعزلة السُّلْطَان عَن تِلْكَ الْبِلَاد ورماه إِلَى دَائِرَة الأبعاد فَأَبت نَفسه إِلَّا الْعِصْيَان وإبراز صفحته للسُّلْطَان فَوجه إِلَيْهِ الْأَمِير قيطاس نَائِب الدفتردار بِمصْر على جدة وَغَيره من الْأُمَرَاء الكبرا فأحموا عَلَيْهِ جحيم الحروب وأهبوا على مغاطسه زعازع الخطوب وأمسكوه فِي قَبْضَة الأسار فبرز عَلَيْهِ أَمر السُّلْطَان بفصل الشجار وَقطع معقد الأزرار وَأُصِيب قيطاس بذلك الْحَرْب فَحمل إِلَى مصر وأدركه حمامه وفقد مقَامه وَفِي الْخَامِس عشر من شَوَّال تهَيَّأ صفي الْإِسْلَام للنزال فَسَار إِلَى السِّرّ ومخلاف خولان ثمَّ مِنْهُ إِلَى قحوان ثمَّ مِنْهُ إِلَى رغوان وَاسْتقر إِلَى تَمام ذِي الْحجَّة ثمَّ سَار إِلَى مأرب وبيحان وَبَقِي بِمحل يُقَال لَهُ الحما ثمَّ دخل أَطْرَاف بِلَاد العولقي فوصل بَلْدَة وَاسِط ثمَّ سَار مِنْهَا إِلَى وَادي حجر وَأدْركَ الْجند بِهَذِهِ الطَّرِيق مشاق وتعويق لتوعر مسالكها وَكَثْرَة مهالكها وأكلوا لُحُوم الْحمر وانقطعت القوافل عَنْهُم وَفِي هَذِه الْأَيَّام سَار عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحسن من ذمار إِلَى رداع ردا للجند العازم وَلما بلغه من المشاق الَّتِي نَالَتْ أَخَاهُ صفي الدّين وَفِي شهر ذِي الْقعدَة مَاتَ الآغا مُحَمَّد بن نَاصِر المحبشي نَائِب زبيد بألم النقرس وَكَانَ طلع إِلَى صنعاء واستناب ولد أَخِيه الشَّيْخ عبد الله بن سراج ولازم حَضْرَة عز الْإِسْلَام بذمار وَصَنْعَاء حَتَّى توفّي فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور وَلَا أَدْرِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 فِي أَي المحلين كَانَت وَفَاته وفيهَا توفّي السَّيِّد أَحْمد الشرفي الْمَعْرُوف بشريف الْجِنّ وَكَانَ لَهُ معرفَة بأحوال الجان وَيَدعِي أَنه يراهم وَيسمع أَقْوَالهم وَفد على الإِمَام من الشّرف إِلَى ضوران فَمَاتَ بهَا وَكَانَ يَقُول أَنه أَخذ الْمعرفَة عَن الإِمَام الْمَنْصُور بِاللَّه الْقَاسِم بن مُحَمَّد وَدخلت سنة سبعين وَألف إنقطع فِيهَا حَاج الْعرَاق لما حصل بَين الشريف زيد والشريف أَحْمد بن الْحَارِث من الْفِتْنَة وَطَرِيق الْعرَاق تقطع عرض بِلَاد الْيَمَامَة وَهِي بِلَاد ولَايَة الشريف أَحْمد وَأما تجار الحسا فأنهم نفذوا من بندرهم الْبَحْرين الْمَعْرُوف بالقطيف إِلَى الْبَحْر الْفَارِسِي وَخَرجُوا إِلَى عدن وَتركُوا مَكَّة وفيهَا جهز الإِمَام وَلَده مُحَمَّد بن الإِمَام وَولد أَخِيه مُحَمَّد بن أَحْمد بعساكر إِلَى الْبَيْضَاء لإِصْلَاح الطّرق وتسكين الْقَبَائِل فنزلاها واستقرا بهَا أَيَّامًا وفيهَا صالت الْجَرَاد على الْبِلَاد (وَقَامَ مِنْهَا خطيب فَوق سنبلة ... إِنَّا على سفر لَا بُد من زَاد) حَتَّى أفسدت مغارس البن بأخرف وَفِي ربيع الثَّانِي توفّي الْفَقِيه الْعَالم الأديب الْمهْدي بن عبد الله المهلا النيساي الأَصْل ثمَّ الشوفي كَانَ عَارِفًا فِي النَّحْو مشاركا فِي الْأُصُول وَالسير وَله شعر متوسط وَخط مَقْبُول حصل عدَّة من الْكتب بِالْأُجْرَةِ للْإِمَام وَولد أَخِيه عز الْإِسْلَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 قتلة أحور وَكَانَ صفي الْإِسْلَام قد رتب بأحور جمَاعَة من البوادية الشجعان لإِصْلَاح الطَّرِيق وتنفيذ الخربة والأزواد والعليق وَكَانَ رئيسهم الْفَقِيه مُحَمَّد بن قَاسم بن أبي الرِّجَال طلب من أهل أحور الْجمال لتفد عَلَيْهَا الْأَحْمَال خلال ذَلِك الضعْف الَّذِي حصل لحجر المفضي إِلَى قطع الزَّاد وَأكل البهايم فامتنعوا عَن الإمتثال وَقد سبق فِي علم المليك المتعال أَن بدن الله تعقر من دون تِلْكَ الْجمال فتماسك الْجند وَأهل أحور وَقدم عَلَيْهِم طَائِفَة من الْعَسْكَر فصالوا على الْعَسْكَر بسيوفهم وخناجرهم وفتكوا بهم عَن آخِرهم وهم نَحْو الْعشْرين وَحين بلغ هَذَا رئيسهم مُحَمَّد بن الْقَاسِم حمل حَملَة الْأسد الضبارم وَأنْشد لِسَان حَاله وَهُوَ يجول (وَمَا عِشْت من بعد الْأَحِبَّة رَغْبَة ... ولكنني للنائبات حمول ( فَرمى بِنَفسِهِ على أهل أحور وسل فيهم السَّيْف الأبتر بعد أَن عَاتَبَهُمْ على قَبِيح الفعال وشنيع الْأَحْوَال وَلَكِن عتابه وَقع وسورتهم مشتعلة وأوامر النَّصْر لَهُم منفعلة وَمَعَ ركود ريح النَّصْر فسيغه القاضب مِخْرَاق لاعب فألحقوه بأولئك النَّفر وجرعوه من كؤوس الْمنية مَا مر وانحاز بَقِيَّة أَصْحَابه إِلَى جَانب من الْقرْيَة يستقبلون فِيهِ بؤسهم ويحفظون نُفُوسهم فَمَا كَانَ بأسرع من أَن هجم عَلَيْهِم أهل الْبِلَاد وسلوا عَلَيْهِم الْحداد وأشرعوا إِلَيْهِم أسنة الصعاد وَلم يخلصوا إِلَيْهِم بِضَرَر وسلمهم الله من حر ذَلِك الشرر وَفِي هَذِه الْمدَّة إنتهب عَسْكَر الحيمة سوق الْحصين وعاثوا فِيهِ وَلما أطلع الإِمَام رأى أَن الصَّوَاب فِي أَن يتغاضى فِي ذَلِك الْمقَام فأودع كبارهم الْحَبْس وَكَانَ قَادِرًا على مَا هُوَ فَوق ذَلِك بِلَا لبس وَفِي يَوْم الْخَمِيس سادس رَجَب بعث الإِمَام إِلَى قبائل برط من دهمة بِدَرَاهِم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 وأكسية بِوَاسِطَة قاضيهم أَحْمد بن عَليّ وَأمرهمْ بالغزو إِلَى أَطْرَاف بِلَاد الرمل شَرْقي برط ومساقط الْجوف فغزوا إِلَى هُنَالك وبلغوا إِلَى بَدو وَيُقَال لَهُم المعضة والعرصان فانتهبوا أبلهم وَرَجَعُوا مقتصرين على ذَلِك الْفِعْل وَأَرَادَ الإِمَام من غزوهم هَذَا أَن يقوم مدد جند حَضرمَوْت قيل وَلم يكن لَهُ أثر فِي ذَلِك لبعدها عَن حَضرمَوْت وَلما طَال بَقَاء الصفي بِحجر تعسر عَلَيْهِ الذّهاب وتحيرت أَعماله فِي أنصاب بِسَبَب عدم الْجمال مَعَ قرب فعلة أحور ومالت قُلُوب الْجند إِلَى الوجل وأصابهم هُنَالك الضعْف وأدركهم الوهل وَأرْسل الإِمَام أهل الحيمة إِلَى الْبَيْضَاء ليرابطوا من ذَلِك الْجَيْش ويتأنس بهم الدَّاخِل وَالْخَارِج إِلَى حَضْرَة الصفي ثمَّ أَن صفي الْإِسْلَام تجرد تجرد الحسام وعب عبة الْبَحْر اللهام فانفصل عَن حجر وطلع الْعقبَة وَقد قدم بعض عيونه ليسبرأ حوال الطَّرِيق فَلَمَّا استقروا بِأَعْلَى الْعقبَة شارفوا على إِدْرَاك بعض الطّلبَة فَانْهَزَمَ من أَعْلَاهَا أول مقدمي السُّلْطَان فمهد لمن بعده هَذَا الفعال وصنعوا صَنِيعَة حَذْو النِّعَال بالنعال واستولوا على خزانته وأزواده وذخيرته وأمداده وَهَذَا الْمحل هُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ ريدة انا مسدوس وَعند ذَلِك طلعت على الصفي طلائع الإنتصار وتواترت إِلَيْهِ قبائل تِلْكَ الأقطار ثمَّ تقدم إِلَى بِلَاد الهجرين وَلم يبْق بَينه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 وَبَين السُّلْطَان غير مَسَافَة يَوْمَيْنِ وَهُوَ يَوْمئِذٍ فِي هينن فَتَلقاهُ الحضارم ركبانا وَرِجَاله وقاتلوا عَن منصب سلطانهم لَا محَالة فأطلقت عَلَيْهِم الرصاص المذابة وَوجه إِلَيْهِم الردى أَسبَابه فَخر مِنْهُم جماعات للجنوب وَانْهَزَمَ أَكْثَرهم إِلَى الأودية والشعوب وَانْهَزَمَ السُّلْطَان من هينن إِلَى شبام وَقد طوى عَنهُ بِسَاط الْأَحْكَام وَحل عَنهُ تَاج الْحل والإبرام وأدبرت عَنهُ ريح النَّصْر وَكَاد أَن يلقى يَوْم بدر فَدخل الصفي هينن بِمن مَعَه من الرِّجَال والفرسان واستلم الْبيعَة للْإِمَام واغتنم ذخائر السُّلْطَان ثمَّ عطف الصفي على شبام فَخرج عَنهُ السُّلْطَان إِلَى مَحل يُقَال لَهُ شنافر وامتثل نصفه الآخر امْتِثَال الْمَأْمُور للْآمِر فَدخل الصفي شبام وَهِي عين فِي مداين الْإِسْلَام وَاسْتولى بهَا على منَازِل ذَلِك الْبَدْر وَنسي أَصْحَابه مَا قاسوه فِي أَيَّام حجر وَلما سقط فِي يَد السُّلْطَان رَجَعَ إِلَى الطَّاعَة بعد الْعِصْيَان وصلحت الْأَحْوَال وَعَاد الصفي فِي أنعم بَال وَأطيب فال وَفِي أول رَمَضَان الْكَرِيم غزى مُحَمَّد بن الإِمَام وَمن فِي الْبَيْضَاء إِلَى بِلَاد الشَّيْخ عَليّ الهيثمي فوصلوا بِلَاده على حِين غَفلَة فانتهبوا مَا ظفروا بِهِ ثمَّ انتبه لِمَكَانِهِمْ فحصلت مناوشة حَرْب قتل فِيهَا إثنا عشر من الْفَرِيقَيْنِ وفر الهيثمي إِلَى بِلَاد الفضلي وَسبب الْغَزْو أَنه أعَان على قطع الطَّرِيق أَيَّام التَّخْرِيج على حَضرمَوْت وَفِي هَذِه السّنة أَمر الإِمَام بِضَرْب الْخمس الْكِبَار فارتفع بِسَبَبِهَا صرف القرش إِلَى مائَة بقشه ثمَّ إِلَى ثَلَاثَة أحرف وَقلت القروش ثمَّ ضرب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 أَحْمد البقشه الأحمدية الْمَعْرُوفَة وَفِي هَذِه الْأَيَّام أرسل صفي الْإِسْلَام إِلَى حَضْرَة الإِمَام بالسلطان بدر بن عبد الله فاستبقاه الإِمَام أَيَّامًا ثمَّ أَعَادَهُ إِلَى بِلَاده وَمَات لجهته كَمَا يَأْتِي فِي تَارِيخه وَفِي آخر رَمَضَان غزى السَّيِّد شرف الدّين بن المطهر الشَّيْخ عَليّ بن الهيثمي فَوَقع أَوَائِل قتال وفر الهيثمي وَفِي شَوَّال إنتشرت الْجَرَاد وأنحت على الْبِلَاد وفيهَا جهز الإِمَام وَلَده عَليّ ابْن الإِمَام إِلَى الْحَج إِلَى بَيت الله الْحَرَام فقضي المرام وَعَاد إِلَى حَضْرَة الإِمَام وَفِي هَذَا الشَّهْر وصل الهيثمي والقرعة والفضلي إِلَى حَضْرَة الإِمَام فَمَا ترك لَهُم من الْعَطاء والأكرام مَا يَلِيق بأحوالهم وأعادهم بعد صفاء الخواطر إِلَى رِجَالهمْ وَفِي هَذِه اتّفق بَين الإِمَام وسلطان الْهِنْد رموز لَطِيفَة قاضية بأفكار صَحِيحَة وأذهان شريفة تبصرة للمشاعر وَتَذْكِرَة بقول الشَّاعِر (حواجبنا تقضي الْحَوَائِج بَيْننَا ... وَنحن صموت والهوى يتَكَلَّم) وَذَاكَ أَنه وصل إِلَى الإِمَام رجل من الْهِنْد يُقَال لَهُ مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم لَهُ إتصال بالسلطان وَالسُّلْطَان فِي العقيدة على نهج أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ ويعزى إِلَيْهِ الْعرْفَان والتقيد للإنصاف وَفِي تَهْذِيب الْحَاكِم من كتب أَصْحَابنَا ردود على الأشعرية فِيهَا متانة ورصانة فطمع الإِمَام أَن يتفرس السُّلْطَان تِلْكَ الردود وَأَن تخفق من رُجُوعه إِلَى مَذْهَب الزيدية والمعتزلة بنود فرتب هَدِيَّة تلِيق بالشاجهان وَصدر من جُمْلَتهَا ذَلِك الْكتاب فِي الفرمان فَلَمَّا اتَّصَلت الْهَدِيَّة بالجناب وَوَقعت عينه على الْكتاب عرف المُرَاد عِنْدَمَا نظر مِنْهُ فِي مضان الإعتقاد وهيأ للْإِمَام هَدِيَّة سنية وأدمج أثناها أجل تفاسير الأشعرية وَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 مؤلف الرَّازِيّ الْمُسَمّى بمفاتح الْغَيْب فأيس الإِمَام عَن تِلْكَ الطلبات وَعرف أَن العقائد صَارَت موروثة مَعَ التركات ثمَّ أَنه رَجَعَ صفي الْإِسْلَام وَاسْتقر بالبيضاء بعض الْأَيَّام وَفِي آخر هَذَا الشَّهْر خر نجمان عظيمان فِي بِلَاد شرعب ضحوة النَّهَار ببلدة يُقَال لَهَا الجشب فَأحرق من فِيهَا وَيُقَال سمع صوتهما فِي بِلَاد عتمة فَأدْرك بعض السامعين صمم وَللَّه الْأَمر وَقيل أَن هَذِه الْآيَة الباهرة وَقعت عقيب إحراقهم الْجَرَاد والدبا بالنيران خُرُوج الباطني بِالْهِنْدِ وَفِي هَذِه الْأَيَّام وفدت أَخْبَار الْهِنْد وَفِي طيها أَن رجلا من الباطنية الطغام وهم أَشد على الْإِسْلَام من عَبدة الْأَصْنَام إستخف قومه فأطاعوه وَأظْهر دَعْوَة النُّبُوَّة فأشاعوه وأذاعوه فمزق السُّلْطَان درع سحره المركوس ودمغ بالتنكيل بِهِ رُؤُوس الثنوية وَالْمَجُوس بِأَن رَمَاه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 بصواعق الجيوش حَتَّى أودع جمعا من أَتْبَاعه بطُون الوحوش وعطله عَن بَلَده وَفرق بَينه وَبَين أَهله وَولده وأحرق كتبه الَّتِي تلعبت بِالدّينِ وأربت فِي الْخبث على أساطير الْأَوَّلين وَفِي هَذَا الْعَام حصل بَين أَوْلَاد السُّلْطَان إختلاف وشجار وَأُمُور غير مَبْنِيَّة على قَرَار لما أدركوه من شيخوخة والدهم مَعَ إضطراب أَحْوَالهم وإختلاف مقاصدهم وَلما كَانَت بِلَاد البسوط ونعمان متوسطة بَين بِلَاد العولقي وبلاد الوآحدي وَكَانُوا أَيَّام الْخُرُوج على حَضرمَوْت قد قطعُوا الطَّرِيق وَسعوا فِي سَبِيل التَّفْرِيق رَجَعَ بهم الجملولي فِي الْحَدِيد فقرن مِنْهُم فِي الأصفاد كل شَيْطَان مُرِيد وبلغهم صلحت الْبِلَاد وَنفذ فِيهَا الإصدار والإيراد ثمَّ ارتحل صفي الْإِسْلَام يؤم حَضْرَة الإِمَام فوصل ضوران فِي أبهة فاخرة ودولة قاهرة تعنوا لَهَا الأكاسرة وَنصر عَجِيب وَفتح قريب وفيهَا اشْتهر رجل من لاعة من بني النَّاشِرِيّ يتعاطى الكيمياء فنمى إِلَى الإِمَام وَهُوَ بِصَنْعَاء فأفرغ لَهُ منظرة فاحتال فِي ترويج صَنعته خشيَة من الفضيحة وأدرج فِي البوتقة برادة الْفضة مَعَ تُرَاب قد أعده ثمَّ نزع من البوتقة سبيكة قطع الإِمَام أَنَّهَا من أثر صَنعته ولطيف حكمته ثمَّ استجاز من الإِمَام فَرَكبهُ على بغلة وَأَعْطَاهُ مَا رَآهُ وَلما انْفَصل عَن الحضرة شكى بِهِ الْغُرَمَاء وَأَنه اسْتَدَانَ مِنْهُم مَالا وَسَار عَنْهُم وَلم يقضه فَعرف احتياله واضطراب أمره واختلاله والمعادن فِي الْيمن مَشْهُورَة لَكِن صنعتها لَا تكون إِلَّا بالأكسير وَكَانَ مَعَ مُلُوك حمير مخزونا وَهُوَ الَّذِي بجل ملكهم ونضد سلكهم وَقد عد فِي الْيمن مَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 بَين بيشة وعدن قدر خَمْسَة وَعشْرين معدنا مِنْهَا مَعْدن جبل عيشان ونهم وخولان وبينون وَفِي هَذَا الشَّهْر جَاءَ الْخَبَر أَن جمَاعَة خَرجُوا بحمائل من حضر موت وَكَانَت طريقهم شبوة يُرِيدُونَ اللحوق بالصفي انتهبوا فِي الطَّرِيق ثمَّ قتلوا وَفِي الْعشْر الْآخِرَة أظهر التعمية شرِيف من بني الْجلَال يُسمى بعلي وَلَيْسَ حَاله بعلي وانهمك فِي أَنْوَاع مِنْهَا فَكَانَ يضم رَاحَته على شَيْء مدرك ثمَّ يفتحها خَالِيَة وَفعله تعمية أَو بمصاحبة الْجِنّ فحسبه الإِمَام بكمران فَبسط حصرة على مَاء الْبَحْر ثمَّ وثب إِلَيْهَا وَخرج سائرا إِلَى الْبر عَلَيْهَا وَكَانَ خليعا يقطع الصَّلَوَات وينهمك فِي اللَّذَّات ويعدل عَن سيرة سلفه السادات وَدخل الْمشرق وَلَعَلَّه كَانَ مُنْتَهى سَفَره ومنقطع خَبره وَفِي هَذَا الشَّهْر كَانَت بمنبر صنعاء أول خطْبَة من القَاضِي صفي الدّين أَحْمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 ابْن سعد الدّين فأطاب وَأطَال وصال وَقَالَ وَبدل شَيْئا كَانَت الخطباء تعتمد ذكرهَا وابتدأ ذكر الإِمَام الْوَلِيّ زيد بن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام وَفِيه جَاءَ الْخَبَر أَن صَاحب عمان جهز على ظفار بِدلَالَة جَعْفَر بن عبد الله الكثيري واستدعائه وَفِي هَذِه السّنة خرج إِلَى الْيمن والحرمين السَّيِّد مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْهِنْدِيّ الْمَذْكُور سَابِقًا وَمَعَهُ للْإِمَام هَدِيَّة عرف مِنْهَا قدر عشْرين من البراذين الملونة ببياض وَسَوَاد وَهِي مِمَّا لَا يكَاد يُوجد فِي هَذِه الْبِلَاد وهدية إِلَى صَاحب الْحَرَمَيْنِ وعارضه فِي يريم ألم فَتوفي هُنَاكَ وَنفذ الآغا من جِهَته إِلَى حَضْرَة الإِمَام بالهديتين فَقبض مَا هُوَ إِلَيْهِ وَحفظ هَدِيَّة الشريف حَتَّى وصل لَهَا نَائِب آخر من السُّلْطَان وفيهَا جَاءَت الْأَخْبَار باضطراب أَوْلَاد الشاجهان بعد وَفَاته واستقرار الْملك وَالتَّرْتِيب فِي يَد وَلَده أورنقزيب بعد أَن عرض وَاحِدًا من أخوته على الإنطاع وأقحم الآخر بفيله الْبَحْر وَهُوَ الشا الشجاع وفيهَا اعْتِرَاض الْعَلامَة أَحْمد ابْن عَليّ الشَّامي فِي شَأْن إهدار الدِّمَاء الذاهبة فِي مُدَّة الأروام وَفِي سَماع الدَّعْوَى فِيهَا فِيمَا يحصل من الْخُصُومَات وصنوف التعدى بَين الْمُتَأَخِّرين وأنجر كَلَامه إِلَى غير ذَلِك وَقد سبق إِلَى مثله القَاضِي عبد الْقَادِر المحيرسي وَضمن السَّيِّد ذَلِك رِسَالَة مِنْهَا أعلم أرشدنا الله وَإِيَّاك أَنه قد صَار يتعاطى بعض عُلَمَاء الْعَصْر التجاري بالتكفير والتعسيق والفتاوى بإهدار الدِّمَاء وَهُوَ ظَاهر الْبطلَان لِأَن دَار الْحَرْب حَيْثُ فرضت وَقيل بهَا فِي الْبِلَاد الَّتِي ولايتها على أهل الْجَبْر والتشبية إِنَّمَا هِيَ دَار إِبَاحَة فِيمَا بَين الْكفَّار وَأما بَين الْمُسلمين فَلَا وَجه لإهدار الدِّمَاء الَّتِي حرمهَا الله وأكد تَحْرِيمهَا وَأجْمع أَئِمَّة الْآل وشيعتهم على ذَلِك إِلَى أَن قَالَ وَكَذَلِكَ القَوْل بِسُقُوط الْقصاص فِيهَا إِنَّمَا يتَّجه على قَول من يَجعله حدا وَذَلِكَ غير مَعْمُول بِهِ عِنْد من تقدم ذكره وَالرِّوَايَة الصَّحِيحَة عِنْد أبي طَالب القَوْل بِثُبُوتِهِ كَمَا فِي التَّذْكِرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 وَغَيرهَا ثمَّ قَالَ وَلَو فرض صِحَة النَّقْل عَن أبي طَالب فَهُوَ مَسْبُوق بأجماع سلفه كَيفَ والأدلة القرآنية وَالسّنة النَّبَوِيَّة قاضية بِثُبُوتِهِ نَحْو قَوْله تَعَالَى {كتب عَلَيْكُم الْقصاص} {وَلكم فِي الْقصاص حَيَاة} {فَمن اعْتدى عَلَيْكُم فاعتدوا عَلَيْهِ} {وَإِن عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا} وَقَوله {والجروح قصاص} وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قتل لَهُ قَتِيل فأهله بَين خيرتين أَو كَمَا قَالَ والمصير إِلَيْهِ فِي الدَّار الْمَفْرُوضَة لَا يعْتَمد عَلَيْهِ وَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ مَعَ مَا ذكرْتُمْ ثمَّ قَالَ وَأما لَو قَالَ أَن الْمُسلمين يكفرون بإقامتهم فِي تِلْكَ الدَّار فَهَذَا أبعد ونفيه أَحَق ارشد لقِيَام الْأَدِلَّة الْوَاضِحَة فِي ثُبُوت الْإِسْلَام فِي دَار الْكفْر قَالَ تَعَالَى {وَالَّذين آمنُوا وَلم يهاجروا مَا لكم من ولايتهم من شَيْء} فِي آخر الْأَنْفَال ولإجماع السّلف وَالْخلف من أهل الْحل وَالْعقد وَغَيرهم على صِحَة إِسْلَام من أسلم فِي مَكَّة قبل مهاجرته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من النِّسَاء وَالرِّجَال كَأبي بكر وَغَيره وَإِسْلَام أهل البيعتين وَغَيرهم مِمَّن وَفد على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ كَونهم فِي بِلَاد الشّرك وَأما تَكْفِير الْقَاعِد مَعَ الخائض فالسبب أَن ذَلِك الْقَاعِد كَافِر بِالْأَصَالَةِ لأَنهم من أهل النِّفَاق وَيدل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة النِّسَاء بعد قَوْله {وَقد نزل عَلَيْكُم} إِلَى قَوْله {إِن الله جَامع الْمُنَافِقين والكافرين فِي جَهَنَّم جَمِيعًا} ثمَّ قَالَ وَقَوله فِي آيَة الْأَنْعَام {وَمَا على الَّذين يَتَّقُونَ من حسابهم من شَيْء} ثمَّ قَالَ وَفِي الْقعُود المنهى عَنهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 مَا عرف من الْخلاف مَعَ أَن كفر من وقف مَعَ الخائض إِنَّمَا هُوَ حَيْثُ رَضِي بالْكفْر بِمَا علمه مِمَّا يُؤَدِّي إِلَيْهِ وَيَقْضِي على قَائِله بِهِ بِدَلِيل قَوْله {وَلَكِن من شرح بالْكفْر صَدرا} وَمن لم يعلم مِنْهُ الرِّضَا فالإقدام على تكفيره هجوم وإقدام على مَا لَا يَنْبَغِي لذِي لب وحذر فَكيف بِمن كَانَ من أهل الْعلم وَالنَّظَر لِأَن التَّكْفِير والتفسيق إِنَّمَا هُوَ بالأدلة القاطعة كَمَا لَا يخفى ذَلِك بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى {وَلَكِن من شرح بالْكفْر صَدرا} مَعَ مَا فِي هَذَا القَوْل من الْمَفَاسِد فَأَنَّهَا لَو إمتدت يَد إِمَام زمَان على أقطار كَثِيرَة صَارُوا مُسلمين فَإِذا كَانَت الكرة بعد ذَلِك لأهل الْعدوان لزم أَن يَكُونُوا مرتدين عُلَمَائهمْ وجهالهم وَلزِمَ عدم صِحَة أنكحتهم وموارثيهم وَفِي هَذَا مَا يَكْفِي ويصد عَن الْميل إِلَيْهِ والتعويل فِي مثل ذَلِك عَلَيْهِ مَعَ أَن مسئلة التَّكْفِير فِيهَا من الْخلاف والإختلاف مَا لَا يخفى على ذَوي الْأَبْصَار فِي التَّكْفِير بالإلزام والتكفير بِهِ لَا يَلِيق وَلَا يقوم بِهِ حجَّة لِأَن التَّكْفِير إِنَّمَا هُوَ بالأدلة القاطعة كَمَا سبق ذكره وَللْإِمَام شرف الدّين كَلَام حسن فِي مثل هَذَا الشَّأْن إنتهى كَلَام السَّيِّد وَفِيه متانة ورصانة إِلَّا قَوْله أَن التَّكْفِير والتفسيق إِنَّمَا هُوَ بالأدلة القاطعة فَلم ينتهض لَهُ دَلِيل وَلَا وضح لَهُ فِي سير الإستقامة سَبِيل والإستدلال عَلَيْهِ بِأَنَّهُ أضرار بِالْغَيْر فَلَا بُد أَن يسْتَند إِلَى قَاطع كَمَا فِي كتب الْأَصْحَاب منقوض بإضجاع الْمُسلم للذبح بِشَهَادَة ظنية وَالْقَوْل بِأَن هَذَا خُصُوص كَلَام من يستروح إِلَى دفع الْبَرَاهِين بِمُجَرَّد الدعاوي وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد إستند فِي تَكْفِير بني المصطلق إِلَى قَول الْفَاسِق بِنَصّ الْقُرْآن الْوَلِيد بن عقبَة فَجهز عَلَيْهِم ثمَّ نزل قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن جَاءَكُم فَاسق بِنَبَأٍ} الْآيَة فضيحة لذَلِك الْفَاسِق اللعين وأمرا بالتبين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 عِنْد إخْبَاره للْمُؤْمِنين والمنصور بِاللَّه عبد الله بن حَمْزَة يذهب إِلَى التَّكْفِير بالأحادي وَكَذَا الْفَقِيه حميد ذكره فِي الْعُمْدَة وَهُوَ الَّذِي انتصر لَهُ الْحجَّة مُحَمَّد ابْن إِبْرَاهِيم فِي إيثاره وعواصمه وَقد نقلت معنى هَذَا بأوضح مِنْهُ فِي رسالتي الْمُسَمَّاة بإرسال الذوابة وعندما اطلع الإِمَام على هَذِه الرسَالَة أَعنِي رِسَالَة السَّيِّد صفي الدّين حرر عَنْهَا جَوَابا وَرَأَيْت لبَعض من وقف على جَوَابه أَنه صَادف غير مَحل النزاع وَلم أَقف عَلَيْهِ وَدخلت سنة إِحْدَى وَسبعين وَألف وَفِي شهر محرم منع الإِمَام أهل الذِّمَّة من عصير الْخمر فِي بُيُوتهم وَأمر بِكَسْر أواني الْخمر وَلما وصل مشائخ الْمشرق إِلَى الحضرة صُحْبَة الجملولي مكبلين فِي الْحَدِيد أفرد الإِمَام مِنْهُم الهيثمي بالهوان وإيداعه حصن كوكبان لِكَثْرَة إساءته وَقُوَّة جرأته واستوثق من سَائِر الْمَشَايِخ وَأخذ عَلَيْهِم حفظ الطَّرِيق وأعادهم على مناصبهم إِلَى بِلَادهمْ وفيهَا ظهر فِي صنعاء ثلج على الْأَشْجَار وَفِي صفرها عقد الإِمَام لوَلَده عز الْإِسْلَام فِي ضوران وبلاد آنس فَسَار إِلَيْهَا من صنعاء وَاسْتقر بهَا وَهُوَ فِي التشرع على نمط وَاحِد مَا عرف بِغَيْرِهِ وفيهَا جَاءَ الْخَبَر أَن أَوْلَاد ملك الْعَجم ثارت بَينهم الْفِتَن فِي بِلَاد اللاهجان وَهِي من قَاعِدَة ممالكهم وَأَهْلهَا إمامية وَحكى قطب الدّين النهرواني فِي بعض كتبه أَنه كَانَ بلاهجان زيدية فِي رَأس الْمِائَة التَّاسِعَة لَكِن ذكر بَعضهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 عَن الْحَكِيم مُحَمَّد صَالح حَكِيم صنعاء أَنه لم يبْق للزيدية مَذْهَب هُنَاكَ فِي هَذَا الْعَصْر الْأَخير وَهَذَا مُحَمَّد صَالح خرج من الْعَجم إِلَى الْيمن بدولة المتَوَكل وَقد برع فِي الطِّبّ وَظَهَرت عَنهُ فِيهِ خوارق وعَلى الْجُمْلَة لم يسمع فِي العصور الْمُتَأَخِّرَة بعد الشَّيْخ دَاوُود صَاحب التَّذْكِرَة بِمثلِهِ وَكتب بِخَطِّهِ عدَّة من كتب الطِّبّ فِي الْيمن وَكَانَ قد خدم رجَالًا فِي الْعَجم فِي هَذَا الْفَنّ وترتب عَلَيْهِم وتنقل مَعَهم فِي الْأَسْفَار وخاض مَعَهم الْبحار روى شَيخنَا الْعَلامَة الْحُسَيْن بن مُحَمَّد المغربي حفظه الله عَنهُ أَنه قَالَ مَا مَعْنَاهُ خدمت حكيما نَصْرَانِيّا وَكنت متشددا فِي نَجَاسَة رطوبته وَلَا أظهر لَهُ من ذَلِك شَيْئا فركبت مَعَه الْبَحْر وشاهدت مده والجزر فاتفق أَنه قطع ذَات يَوْم حَبَّة من الْخِيَار وقلبها من الْيمن إِلَى الْيَسَار ثمَّ أرسل إِلَيّ قِطْعَة لأكلها فانتولتها وَمَا زلت بِهِ حَتَّى غفل عني لبَعض حاجاته ثمَّ أرسلتها فِي الْبَحْر وَكَانَ يتعاطى عُلُوم الْعَرَبيَّة وشيئا من عُلُوم الْفِقْه وَلَا يعرف شَيْئا من ذَلِك والكمال موزع وَأَصله من بِلَاد الجيل وَفِي النّصْف الآخر من ربيع الأول توفّي القَاضِي الْعَلامَة إِبْرَاهِيم بن الْحسن العيزري الأهنومي بِمَدِينَة صنعاء كَانَ ملازما للكتابة للْإِمَام وَعَلِيهِ فصل القضايا وَالْأَحْكَام وَله مقصد مليح ورأي صَحِيح وَدفن بخزيمة غربي صنعاء وَفِي الْعشْر الْوُسْطَى من جُمَادَى الأولى توفّي حَاكم برط القَاضِي الْعَلامَة أَحْمد بن عَليّ بن قَاسم الْعَنسِي ثمَّ العياني كَانَ عَارِفًا بالفقه وَعلم الْكَلَام كوالده وَكَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 إستقراره ووالده بِمَدِينَة عيان ثمَّ لما خربَتْ ذَلِك الْوَقْت انتقلوا إِلَى برط فاستقروا بِهِ وَصَارَ إِلَيْهِم وَاجِبَات قبائلهم باختيارهم وتخيرهم وأجراهم على ذَلِك الْمُؤَيد بِاللَّه إِلَّا مَا فضل عَن كفايتهم واستمروا على ذَلِك وَوصل إِلَى الإِمَام وَهُوَ بِصَنْعَاء وقبائله من برط لزيارة الإِمَام فصادف وُفُود الْحمام كَانَت وَفَاته ببير العزب غربي صنعاء وَدفن بخزيمة وَفِي هَذِه السّنة توفّي قَاضِي جبلة القَاضِي الْعَارِف صَلَاح الفلكي وَفِي الْعشْر الْوُسْطَى من الشَّهْر الْمَذْكُور سَار الإِمَام إِلَى بِلَاد شهارة وانتشرت فِيهِ الْجَرَاد وَأَتَتْ على ثَمَرَات الْبِلَاد فوجفت الْقُلُوب وَارْتَفَعت أَثمَان الْحُبُوب وفيهَا اتّفق إختلاف بَين قُلُوب الْأُمَرَاء الَّذين بِمصْر من قبل السُّلْطَان وافتراق الْعَسْكَر بقاهرة مصر وَفِي شهر جمادي الْآخِرَة حصل بعض إختلال فِي طَرِيق عدن من حُدُود بِلَاد الفضلي فِي الْجِهَة الجنوبية وَقتل هُنَاكَ أَرْبَعَة من الْعَسْكَر فَأرْسل صفي الْإِسْلَام من كشف أَمر الْعَسْكَر ورسم أدبا بِمُقْتَضى ذَلِك الْفِعْل الْمُنكر ثمَّ وَقع إختلال بِبِلَاد الفضلي والهيثمي إقتضى نهوض الصفي إِلَى تِلْكَ الْجِهَات بِنَفسِهِ فَأصْلح مَا فسد من الْجِهَة وهرب الفضلي عَن مَحَله وَفِي آخر رَمَضَان ذكر أَنه إتحد الْأَمر بَين السُّلْطَان بدر بن عمر الكثيري وَولد أَخِيه السُّلْطَان جَعْفَر وَطلب من عَمه أَن يتوسط لَهُ فِي أَخذ الْأمان من الإِمَام والوصول إِلَيْهِ وَفِي هَذِه السّنة خرجت بنت سُلْطَان الْهِنْد من الْبَحْر إِلَى محروس المخا بأموال وخدم وَأَتْبَاع وحشم تُرِيدُ الْحَج إِلَى بَيت الله الْمُعظم ونفحت نَائِب المخاء السَّيِّد زيد بن عَليّ جحاف بِمَال عَظِيم وهدية فاخرة وأخبرت أَن بِالْهِنْدِ شدَّة شَدِيدَة وفيهَا ساخ جبل فِي جِهَات بني عشب فأخرب قَرْيَة تَحْتَهُ إِلَّا بَيْتَيْنِ فِي طرفها وَدفن كثير من أموالها وَفِي شوالها توفّي بِصَنْعَاء الْفَقِيه الْعَارِف عَليّ بن يحيى الخيواني ثمَّ الصَّنْعَانِيّ كَانَ مكفوفا وَزَاد عمره على الثَّمَانِينَ وشارك فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 الْفُنُون مَعَ جدل وحدة وَأدْركَ فِي حفظ السّير والقصائد يدا طولى ودرس فِي أصُول الْفِقْه وَغَيره وَفِي الْعشْر الْآخِرَة من شَوَّال توفّي السَّيِّد الْعَلامَة شمس الْإِسْلَام أَحْمد بن عَليّ الشَّامي من ذُرِّيَّة الإِمَام يحيى ابْن المحسن بن مَحْفُوظ الَّذِي مشهده بساقين من بِلَاد خولان صعدة الشَّام ولأجله عرف بالشامي كَانَ مَعَ أَهله بمسور من خولان صنعاء فانتقل إِلَى الْمَدِينَة وَأَقْبل على جَمِيع الْعُلُوم فِي مُدَّة الْوَزير حسن فأدركها وبرع فِي فقه الزيدية والفرائض وَتخرج على الْعَلامَة الْمُفْتِي وَالْقَاضِي يحيى السحولي وَغَيرهمَا وَجعله الباشا إِمَامًا لمَسْجِد الشهيدين وفوضه فِي غلَّة بَين الشهدين فَبَقيت فِي يَده حَتَّى مَاتَ ثمَّ قبضهَا نظار الْوَقْف وَمَا زَالَ مَعَ إشتغاله بالعلوم والتعلق بوظيفة الْمَسْجِد يشارف على عُقُود الْأَنْكِحَة وأجوبة الأسئلة فارتفع ذَلِك إِلَى الأفندي من قبل الباشا وهما مِمَّا يصير إِلَيْهِ فِي مقابلتها رعايات كَمَا ذكرُوا فَتغير خاطر الأفندي وَبلغ إِلَى السَّيِّد عَنهُ مَا أوحش خاطره وَأوجب خُرُوجه إِلَى الحيمة وَكَانَت يَوْمئِذٍ مائلة قُلُوب أَهلهَا إِلَى الإِمَام الْمَنْصُور بِاللَّه الْقَاسِم بن مُحَمَّد فَعَظمُوا جَانب السَّيِّد وأنزلوه منزلَة أَمْثَاله من الْعلمَاء العاملين ودارت بَينه وَبَين الإِمَام مكاتبات فقرره على الْبَقَاء فِي الحيمة واستنابه على جَانب من أَعمالهَا ولازم آخر مدَّته الْعَلامَة الْحُسَيْن بن الْمَنْصُور سفرا وحضرا وَاعْتَمدهُ فِي الفتاوي والحكومات وَحكمه فِيمَا شَاءَ من وُجُوه الرعايات فَإِنَّهُ بذلك خليق فَإِنَّهُ عين فِي أهل الْيمن علما وَعَملا ورئاسة وَاسْتقر بعد موت الْحُسَيْن ببيته فِي السبحة غربي صنعاء يدرس فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 الْفُنُون ويفيد بالفتاوى وَقد كف بَصَره وَكَانَ لَهُ على أهل البطالات وَطْأَة شَدِيدَة وَله أنظار على نهج الصِّحَّة والرصانة مشحونة بهَا الْكتب المأنوسة للدرس والتدريس واختيارات مِنْهَا فسخ زَوْجَة الْغَائِب وَالْقَوْل بِمذهب الْقَاسِم والمالكيه من طَهَارَة قَلِيل المَاء مَا لم يتَغَيَّر أحد أَوْصَافه وَالْقصاص فِي اللَّطْمَة كَمَا هُوَ مَذْهَب يحيى وَاخْتَارَهُ الإِمَام شرف الدّين عَلَيْهِ السَّلَام وَانْفَرَدَ بقوله إِن الزَّوَال ميل الظل أدنى ميل فِي الشتَاء والصيف من غير فرق كَذَا روى عَنهُ وَنقل الْقُرْآن غيبا بعد أَن كف بَصَره واستكتب جَامع الْأُصُول لإبن الْأَثِير وسَمعه عَلَيْهِ بعض أَوْلَاده فَكَانَ حسن الختام وقبر جنوبي مَسْجِد بَاب السبحة خَارج صنعاء الْيمن وفيهَا أَو الَّتِي قبلهَا توفّي الْعَلامَة الْمُحدث أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن علا الدّين البابلي الْمصْرِيّ إستقر بِمَكَّة أَيَّامًا ينفتق بديمة آرائه زهور الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة والنقلية ويتعطر بنفحات إمْلَائِهِ مجَالِس السّنة النَّبَوِيَّة مَعَ حفظ رائع وتلقين نَافِع حَتَّى شهد لَهُ من يسند إِلَيْهِ الْعرْفَان فِي فنون شَتَّى وَأَنه وحيد عصره وَإِمَام دهره وَلما فَارق حبيبته إشتاق إِلَى وَطنه من بِلَاد مصر فَسَار إِلَيْهِ وَمَات فِيهِ وَمن الْمَنْسُوب لَهُ (رب إِمَام قَلِيل فهم ... يؤم النَّاس ثمَّ يجحف) (مُخَالفا فِيهِ قَول طه ... من آم بِالنَّاسِ فليخفف) وَفِي شوالها توفّي الشَّيْخ الْعَارِف عبد الرَّحِيم بن بادشاه اللاهوري بمحروس شهارة حَضْرَة الإِمَام كَانَ متمسكا بالعمليات غير خَال عَن الْفَائِدَة وَقد سمع فِي الحَدِيث من البابلي مقدم الذّكر والعلامة زين العابدين بن عبد الْقَادِر الطَّبَرِيّ وَذكر أَن أَعلَى من الْأَسَانِيد فِي وقته إِسْنَاد زين العابدين شَيْخه واستكتب بِحَضْرَة الإِمَام أَحْكَام الْهَادِي وأمالي أَحْمد بن عِيسَى ومستدرك الْحَاكِم وَأكْثر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 مجمع الزوايد فِي الحَدِيث للهيثمي وَكَانَ بِمحل من الدّيانَة وَمن لطيف مَا أتفق عَنهُ أَنه قدمه النَّاس بِمَسْجِد الْجَامِع بضوران للصَّلَاة لعدم حُضُور الرَّاتِب وجلالة قدره وَهُوَ يرى الرّفْع عِنْد التَّكْبِيرَة وَوضع الْكَفّ على الْكَفّ قَالَ فعارضت فِي نَفسِي بَين أَن أفعل بِمُقْتَضى مذهبي وينقض هَذَا الْجمع ويتغير خواطر أَكْثَرهم أَو أترك وَهُوَ سنة فِي مذهبي ثمَّ رَأَيْت التّرْك وأديتها كَمَا يحبونَ وَمَا فَاتَنِي من ثَوَاب السّنة جبره ثَوَاب التجميع وَعدم التَّفَرُّق فِي الدّين هَذَا معنى كَلَامه رَحمَه الله وفيهَا توفّي الشريف حسن بن باز الْمَكِّيّ وَالسَّيِّد عَليّ بن إِبْرَاهِيم المحنكي وَكَانَ لَهُ مُشَاركَة فِي الْعلم وَبلغ فِي الْعُمر فَوق مائَة سنة حَتَّى سَقَطت شُعُور حواجبه على عَيْنَيْهِ وأقعد آخر عمره وَأما سَمعه وبصره فَلم يتغيرا كَانَ نايب بِلَاد ذيبين وأوقاف مشْهد الإِمَام الْأَعْظَم أَحْمد بن الْحُسَيْن رَحمَه الله وَفِي آخر شهر ذِي الْقعدَة جَاءَت الْأَخْبَار أَن أَصْحَاب صفي الْإِسْلَام أَحْمد بن الْحسن غزوا إِلَى بِلَاد الْجيد لقبضه وَقبض الفضلي فَلم يظفروا بالجيد وظفروا بالفضلي ثمَّ أفلت من أَيْديهم وفر إِلَى وَالِي عدن أَمِير الدّين الْقرشِي فَأَمنهُ وأرسله الحضرة وفيهَا مَاتَ السَّيِّد الرَّمْلِيّ الفلكي سُلَيْمَان بن مُحَمَّد بن عَامر وَفِي هَذِه الْمدَّة أَمر عماد الدّين يحيى بن مُحَمَّد بن الْحسن بِإِعَادَة النّوبَة وَكَانَت قد تركت من أَيَّام دولة الْحسن بن الْمَنْصُور فهيئت أدواتها واستكملت آلاتها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 فرجفت طبولها فِي قُلُوب أهل العناد وأوبت عِنْد سماعهَا جبال الصافنات الْجِيَاد وفيهَا مَاتَ الشَّيْخ السّلمِيّ من أكَابِر مَشَايِخ الْيمن وَمِمَّنْ عظم شَأْنه فِي ذَلِك الزَّمن وبموته سقط جلالهم واضمحل حَالهم وتفرق عبيدهم فِي الْجِهَات وتشتتوا تَحت كل كَوْكَب لطلب الأقوات وفيهَا وصل السُّلْطَان جَعْفَر الكثيري وَالشَّيْخ الفضلي إِلَى حَضْرَة الإِمَام وَفِي ثَانِي عيد النَّحْر أَو فِي ثالثه توفّي القَاضِي الْعَلامَة حَاكم الْمُسلمين بِبِلَاد كوكبان الْحسن بن أَحْمد الحيمي سكن وَأَهله بِمَدِينَة شبام يعفر وَكَانَ عَارِفًا بالفقه مشاركا فِي الْفُنُون أحسن مُشَاركَة صَاحب عارضة وذكاء وَهُوَ الَّذِي دخل الْحَبَشَة رَسُولا للْإِمَام وَله الأن ذُرِّيَّة يعرف من حَالهم الْمُرُوءَة والرئاسة رَأْسهمْ وَرَئِيسهمْ وَلَده القَاضِي الْعَلامَة مُحَمَّد بن الْحسن بن أَحْمد وَله الْإِنْشَاء الرَّقِيق وَالنّظم المطبوع وَالْكَرم الخلقي ومحبة صَنِيع الْمَرْوَة وَلَو بِمَشَقَّة يدرس فِي الْفُنُون بذهن أدق من خطّ إقليدس وأمضى من السَّيْف وَله مقالات فِي الزهديات وَغَيرهَا وَفِي آخر ذِي الْحجَّة وصل صفي الدّين أَحْمد بن الْحسن إِلَى مُسْتَقر أَهله الْغِرَاس وَذي مرمر وَفِي هَذَا الْعَام عطل مرض الْحمى والنافض بُيُوتًا وَالْأَمر لله سُبْحَانَهُ وفيهَا مر بعض الهنود بهيجة من بِلَاد تهَامَة فعقر عَلَيْهِ الْأسد حِمَاره وَتَركه فريسة يوافيها اللَّيْل فيأكلها على مَا هُوَ قَاعِدَة الْأسد فِي أَنَّهَا لَا تَأْكُل مَا عقرته بِالنَّهَارِ إِلَّا اللَّيْل فألهم الْهِنْدِيّ سم الفأر فَوَضعه فِي جَوف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 الْحمار ثمَّ وافاه الْأسد فَأكل مِنْهُ فَهَلَك ثمَّ جَاءَت الْأسود فَأكلت مِنْهُ فَهَلَكت ثمَّ كَذَلِك حَتَّى تغطت الْأسود بِتِلْكَ الهيجة وَكثير من الْهياج وَدخلت سنة إثنتين وَسبعين وَألف غلت فِيهَا الأسعار وَقلت فِيهَا الثِّمَار وَشَمل الْقَحْط سَائِر الْبِلَاد وانتشر فِيهَا الْجَرَاد وفيهَا توفّي السَّيِّد حُسَيْن المؤيدي عَامل العدين فَأَرَادَ أَوْلَاد السَّيِّد مُحَمَّد بن أَحْمد بن الإِمَام أَن يَنْتَظِم لَهُم فِيهَا حَال فَلم يتم لَهُم من أجلهَا مقَال وَاسْتولى عَلَيْهَا عماد الدّين يحيى بن مُحَمَّد بن الْحسن ابْن أَمِير الْمُؤمنِينَ وَكَانَ الإِمَام قد أَرَادَ أَن يوليها فحال بَينه وَبَين ذَلِك عز الْإِسْلَام ونبهه على أَن الْبِلَاد بلادي فِيهَا عَامِلِي وفيهَا إنتهب الْمحمل الشامى قبائل عنزه وَلَام وفيهَا يَوْم الْإِثْنَيْنِ توفّي السَّيِّد الْعَلامَة عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن شرف الدّين الجحافي بِمَدِينَة صنعاء وَكَانَ عَاملا بحفاش للحسين بن أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمَنْصُور ثمَّ للْإِمَام الْمُؤَيد بِاللَّه ثمَّ للْإِمَام المتَوَكل وعذره عَن عمالتها فاستقر بِصَنْعَاء على أحسن حَال كَانَ عَارِفًا بالنحو وأصول الْفِقْه والمنطق وَله شرح على غَايَة السول وَكَانَ متواضعا إِلَى نِهَايَة وَتمسك بِالسنةِ النَّبَوِيَّة فَسمع مُخْتَصر الديبع لجامع الْأُصُول واستجاز فِيهِ وَفِي غَيره من السَّيِّد الْعَلامَة إِبْرَاهِيم بن يحيى بن الْهَدْي وَسمع صَحِيح مُسلم على الْفَقِيه الْعَلامَة عبد الْوَاحِد النزيلي كَمَا تقدم وَفِي الْعشْر الْآخِرَة من ربيع الثَّانِي توفّي السَّيِّد الْعَلامَة الْحُسَيْن بن مُحَمَّد النعمي التهامي من صَبيا سَار إِلَى مَدِينَة صعدة فَقَرَأَ بهَا الْفِقْه على القَاضِي شهَاب الدّين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 حذف أَحْمد بن يحيى حَابِس وَغَيره ثمَّ وصل صنعاء فَقَرَأَ على الْعَلامَة الْمُفْتِي فِي الْفِقْه ودرس فِيهِ وَلم يكن لَهُ فِي غَيره يَد لقحط سَائِر الْبِلَاد وانتشر فِيهَا الْجَرَاد وفيهَا توفّي السَّيِّد حُسَيْن المؤيدي عَامل العدين فَأَرَادَ أَوْلَاد السَّيِّد مُحَمَّد بن أَحْمد بن الإِمَام أَن يَنْتَظِم لَهُم فِيهَا حَال فَلم يتم لَهُم من أجلهَا مقَال وَاسْتولى عَلَيْهَا عماد الدّين يحيى بن مُحَمَّد بن الْحسن ابْن أَمِير الْمُؤمنِينَ وَكَانَ الإِمَام قد أَرَادَ أَن يوليها فحال بَينه وَبَين ذَلِك عز الْإِسْلَام ونبهه على أَن الْبِلَاد بلادي فِيهَا عَامِلِي وفيهَا إنتهب الْمحمل الشَّامي قبائل عنزة وَلَام وفيهَا يَوْم الْإِثْنَيْنِ توفّي السَّيِّد الْعَلامَة عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن شرف الدّين الجحافي بِمَدِينَة صنعاء وَكَانَ عَاملا بحفاش للحسين بن أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمَنْصُور ثمَّ للْإِمَام الْمُؤَيد بِاللَّه ثمَّ للْإِمَام المتَوَكل وعذره عَن عمالتها فاستقر بِصَنْعَاء على أحسن حَال كَانَ عَارِفًا بالنحو وأصول الْفِقْه والمنطق وَله شرح على غَايَة السول وَكَانَ متواضعا إِلَى نِهَايَة وَتمسك بِالسنةِ النَّبَوِيَّة فَسمع مُخْتَصر الديبع لجامع الْأُصُول واستجاز فِيهِ وَفِي غَيره من السَّيِّد الْعَلامَة إِبْرَاهِيم بن يحيى بن الْهَدْي وَسمع صَحِيح مُسلم على الْفَقِيه الْعَلامَة عبد الْوَاحِد النزيلي كَمَا تقدم وَفِي الْعشْر الْآخِرَة من ربيع الثَّانِي توفّي السَّيِّد الْعَلامَة الْحُسَيْن بن مُحَمَّد النعمي التهامي من صَبيا سَار إِلَى مَدِينَة صعدة فَقَرَأَ بهَا الْفِقْه على القَاضِي شهَاب الدّين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 أَحْمد بن يحيى حَابِس وَغَيره ثمَّ وصل صنعاء فَقَرَأَ على الْعَلامَة الْمُفْتِي فِي الْفِقْه ودرس فِيهِ وَلم يكن لَهُ فِي غَيره يَد وَفِي هَذَا الشَّهْر سَار عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحسن من صنعاء إِلَى الْيمن الْأَسْفَل فاستقر باءب وجبلة وَاقْتضى الْحَال أَن يكف يَد وَلَده يحيى عَن كَثْرَة التَّصَرُّفَات لما رَآهُ من كرمه وتهالكه على فعل الْمَعْرُوف واستبد فِي نُزُوله هَذَا بمحصول بِلَاد العدين وَفِي آخر هَذَا الشَّهْر سَار جمال الدّين عَليّ بن أَحْمد بن أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى فيفا وانضم إِلَيْهِ رَئِيس الإِمَام الْفَقِيه الجملولي فواجه إِلَيْهِ بَنو مَالك وَمن انضاف إِلَيْهِم وَفِيه انتهب الثمثمي من مَشَايِخ سُفْيَان دَرَاهِم للحطروم فِي العمشية فِي الْوَقْت الَّذِي عهدته فِي تَأْمِين الطَّرِيق فِيهِ فعيبه قبائله على قواعدهم واسترجعوا مِنْهُ أَكْثَرهَا وَفِي هَذِه السّنة أَو الَّتِي تَلِيهَا تهَيَّأ السَّيِّد الْعَلامَة عبد الله بن حُسَيْن بن جحاف لِلْحَجِّ فَلَمَّا وصل صَبيا حضر صَلَاة الْجُمُعَة هُنَاكَ فَسمع من الْخَطِيب تَقْدِيم الْمَشَايِخ على أَمِير الْمُؤمنِينَ وَالْجمع بَين الإِمَام وَالسُّلْطَان صَاحب الأروام فَلم يتماسك السَّيِّد عَن الْقيام والتكلم فِي جَانب الْخَطِيب بِمَا ينكي من الْكَلَام وَشرع الْحَال يُفْضِي إِلَى قتل وقتال وَفِي الأولى توفّي السَّيِّد الفقهي أَحْمد الذنوبي درس بِبِلَاد حجَّة والظفير فِي الْفِقْه وَكَانَ إِذا خرج إِلَى بَلَده الذُّنُوب يشْتَغل بِنَفسِهِ فِي أَمْوَاله ويفتي مَعَ ذَلِك وَفِي هَذَا الشَّهْر غزى الشريف مُحَمَّد بن الْحُسَيْن صَاحب صَبيا إِلَى أَطْرَاف بِلَاده مِمَّا يَلِي بِلَاد الحرامية فنشب الْحَرْب بَينه وَبينهمْ وَكَانَت الدائرة عَلَيْهِ فَقتل من أَصْحَابه نَحْو السّبْعين وانتهب سِلَاحهمْ وَلم يخل الشريف بِنَفسِهِ عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 الْجِنَايَات وَكَانَ فِيمَا مضى هُوَ الَّذِي يَغْزُو وينهب ويرضي ويغضب فَانْقَلَبَ الدست وانعكس البخت وَصَارَ يقْصد إِلَى عقر دَاره ويزعج من قراره حَتَّى قفرت الْقرى الَّتِي يضبطها حكمه وَيجْرِي عَلَيْهَا رسمه وقصارى دولته الدّفع عَن مُجَرّد صَبيا وَفِي هَذَا الشَّهْر توفّي حَاكم السودة بهَا القَاضِي الْعَلامَة مُحَمَّد بن عَليّ الجملولي وَقد ولي منصب الْقَضَاء ببندر المخاء زَمَانا ثمَّ رفع بِقَضَاء السودة وَفِيه حصل مَا بَين قبايل ذيبان وشوابة وهران حَرْب أفضا إِلَى قتل جمَاعَة ثمَّ اصْطَلحُوا وَفِي آخر جمادي الأولى توفّي السَّيِّد الْعَارِف نَاصِر صبح الَّذِي عَارض الْمَنْصُور بِاللَّه آخر دولته وَكَانَ فِي تِلْكَ الْمدَّة قد سكن ثعلان وأجابه من بهَا من السكان فقصده مُحَمَّد باشا فتعبأ أَصْحَابه لِلْقِتَالِ وتأهبوا للنزال ثمَّ بدا لَهُم الْخُرُوج إِلَى يَد نَائِب الباشا وَآل الْأَمر إِلَى فتك مُحَمَّد باشا بمشايخهم وفرار السَّيِّد إِلَى العصيمات ثمَّ وصل من بعد شهارة وَبهَا مَاتَ وَفِي هَذَا الشَّهْر توفّي السَّيِّد الْعَارِف الْمهْدي بن الْهَادِي النوعة كَانَ ذَا ولوع بالتاريخ وصنف فِيهِ مؤلفا فِي جلدين سَمَّاهُ الإقبال ولاه شرف الْإِسْلَام الْحسن بن الْمَنْصُور ذِي السفال وَاسْتمرّ كَذَلِك فِي زمن الْمُؤَيد وَرَفعه المتَوَكل فَجعل لإبن أَخِيه صفي الْإِسْلَام أَحْمد بن الْحسن ولَايَة فِيهِ فَسَار إِلَى بَلَده ساقين ثمَّ عاود حَضْرَة الصفي وَدخل مَعَه حَضرمَوْت وَكَانَ فِي مُدَّة الْمُؤَيد عزم إِلَى ساقين بِمَال جزيل فَرفع خَبره إِلَى الإِمَام فاستدعاه من الطَّرِيق وَهُوَ بِبَيْت القابعي بِمَا مَعَه من المَال فوصل وَذكر أَن المَال من غلَّة أَمْوَاله الَّتِي شراها أَيَّام ولَايَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 الْحسن لَهُ وَمِمَّا أَحْيَاهُ هُنَالك فَكف عَنهُ الإِمَام غير أَنه سمح بِجَانِب مِنْهُ فَقَبضهُ الإِمَام لما عرف طيبَة نَفسه ببذله وَفِي شهر رَجَب سَار صفي الْإِسْلَام أَحْمد بن الْحسن إِلَى رَأس غيل الخارد الْأَعْلَى سكن هُنَاكَ أَيَّامًا وَقطع شَجَرَة كَانَت الْعَوام قد أعادت بهَا شنار الْأَصْنَام وَلأَهل نهم فِيهَا إعتقاد جروا فِيهِ على مَنْهَج الْآبَاء والأجداد ثمَّ رَجَعَ الْغِرَاس وَقد قطع الْغِرَاس واجتثه من الأساس ثمَّ أَن الصفي مَا برح يعاود غيل الخارد وَيضم إِلَى التنقل جملا من الْمَقَاصِد فَصنعَ بِهِ الْحمام وطنب فِيهِ الْخيام وطاب لَدَيْهِ الْمقَام وَفِي هَذِه الْمدَّة أَشَارَ الإِمَام إِلَى ولد أَخِيه عز الْإِسْلَام أَن يسمح لَهُ بالعدين فَلم ير بدا من عدم الإسعاد وَهُوَ حقير فِي جنب وفور الأجناد وَكَثْرَة الأمداد وَالسَّعْي فِي حياطة الْبِلَاد والعباد أعَاد الله من بركَة الْجَمِيع آمين وَفِي هَذِه الْمدَّة أذن الإِمَام للشَّيْخ عبد الله بن هرهرة بالغعود إِلَى بِلَاده وَفِي نصف شعْبَان سَار الإِمَام من وَادي أقرّ الْمَعْرُوف بدرب الْأَمِير وَبَيت القابعي إِلَى سَوْدَة شطب ثمَّ سَار عَنْهَا إِلَى بِلَاد عفار وكحلان وَعَاد إِلَيْهَا خُرُوج الفرنج إِلَى سَاحل عدن وَفِي نصف رَمَضَان خرج جمَاعَة من شياطين البردقال من سواحل الْهِنْد إِلَى سَاحل عدن فِي ثَلَاثَة أغربة فجرت الرّيح بأمرهم رخاء وحالوا بَين التُّجَّار وبندر المخاء والنائب بِهِ يَوْمئِذٍ السَّيِّد ضِيَاء الدّين زيد بن عَليّ الجحافي وَكَانَ بَحر الود بَينهم وَبَينه غير صافي الحَدِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 أوصل إِلَيْهِم فِي الْعَام الْمَاضِي لَا يمحوا حنقه عَن قُلُوبهم غير السّنة المواضي فَأرْدف على صَاحب دستهم ردفين وَوجه إِلَى نَحْو أغربتهم مدفعين مَعَ عَسْكَر يبتلعون كل بتان ويصيدون بعقبان راياتهم الشواهين مَعَ الْغرْبَان فَلَمَّا علم البردقال كَذَا أَنه لَا قدرَة لَهُم على مناصاة تِلْكَ الْأَبْطَال دبروا الْحِيلَة بِكُل فكر ولود وتفطنوا من مركب الْمُسلمين لجبخانة البارود ثمَّ أرْسلُوا عَلَيْهَا بَنَادِق من البارود بِتِلْكَ الهندسة فانقضت عَلَيْهَا من بطُون الأوراق كالسهام المقرطسة والطيور الَّتِي النيرَان لَهَا أَجْنِحَة أَو العساكر الَّتِي شرر الْجَحِيم لَهَا أسلحة فأحرقت الجبخانة مركب الْمُسلمين وصدقت المحنة والإبتلاء لأهل الدّين فانكسر مركبهم العامر ودارت عَلَيْهِم الدَّوَائِر فَهَلَك بِالسَّيْفِ من الْمُسلمين من هلك وَأدْركَ الْغَرق مِنْهُم من أدْرك وانتظمت مِنْهُم سلسلة الْأسر من لم يبرز عَلَيْهِ الْأَمر فتوجهوا تِلْقَاء كوَّة بالأسارى وابتهج لقدومهم من هُنَاكَ من النَّصَارَى فَلَمَّا حصلوا بَين يَدي النَّائِب أرسلهم إِلَى حَضْرَة سلطانهم الشَّيْطَان وخاضوا الْبَحْر إِلَى أَن وصلوا مستقره الَّذِي هُوَ بمغرب الجوان وَأخْبر الْفَتى سرُور من أهل المخا وَكَانَ من جملَة الأسرى الَّذين رجعُوا إِلَى الْيمن بعد أَن أطلقهُم سُلْطَان الفرنج أَنهم سافروا بهم فِي الْبَحْر سَبْعَة أشهر وَفِي الْبر ثَلَاثَة عشر شهرا وَلم يتوجهوا إِلَى أَمِيرهمْ الْأَقْرَب إِلَّا بعد أَن قضوا كل مأرب وترسموا على المراكب الْهِنْدِيَّة بِبَاب المندب فَأخذُوا الأتاوه كَمَا شاؤا وانفردوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 بغضب الله عَلَيْهِم وباؤا وانتهبوا سفر حَضرمَوْت وأرهقوهم الْمَوْت فَإنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون وَلما طرق مسامع الصفي أَحْمد بن الْحسن هَذَا الْفِعْل الشنيع وَالْخَبَر الفظيع وَالْإِمَام يَوْمئِذٍ بعمران لم يَأْخُذ مِنْهُ حِينَئِذٍ رخصَة الإستئذان لتضيق هَذَا الْحَادِث الَّذِي يجرح لَهُ صدر الْإِسْلَام وَيحل شخص الْبَاطِل فِي أَعلَى ذرْوَة السنام فوالا المراحل وأنضى الرَّوَاحِل وَحل مَا كَانَ أحكمه من الإبرام من معاودة بَيت الله الْحَرَام لترجيح هَذَا المهم وَرفع هَذَا الملم وأبرق وأرعد وناجى نَفسه ببيتي أَحْمد (تبدل أيامي وعيشي ومنزلي ... نجايب لَا يفكرن فِي النحس والسعد) (وأوجه فتيَان حَيا تلثموا ... عَلَيْهِنَّ لَا خوفًا من الْحر وَالْبرد) فرقم لَهُ فِي عليين ثَوَاب الْغُزَاة المرابطين وَلم يظفر بطلبته من أُولَئِكَ الشَّيَاطِين فَأَنَّهَا طارت بهم الْغرْبَان إِلَى الوطن قبل أَن يصل إِلَى بندر عدن وَالْإِمَام سَار إِلَى صنعاء بَقِي بهَا أَيَّامًا ثمَّ ارتحل إِلَى ضوران وَاسْتقر بِتِلْكَ الأوطان وفيهَا توفّي بِمَكَّة المشرفة الْعَلامَة الزمزمي وفيهَا توفّي بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة الْعَلامَة أَحْمد بن مُحَمَّد القشاشي وَهُوَ الَّذِي شرح عقيدة الإِمَام المتَوَكل على الله وَلما إستقر صفي الْإِسْلَام بعد أَن جهز إِلَى ملك الْهِنْد هَدِيَّة من الْخَيل الْعتاق وخيل الْيمن هُنَاكَ أعز من بيض الأنواق وأشف من الْبراق فَعَاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 الرَّسُول بعد أَيَّام بهدية مضاعفة وتحف مرادفة وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء منسلخ ذِي الْحجَّة توفّي الْأَمِير الْكَبِير الصَّدْر الشهير النَّاصِر بن عبد الرب بن عَليّ بن شمس الدّين ملك كوكبان وحافظ حوزته فِي ذَلِك الأوان وَهُوَ فرع من تِلْكَ الدوحة المتوكلية وشعاع مُتَّصِل بِتِلْكَ الهالة الشمسية (وَابْن الأولى غير زجر الْخَيل مَا عرفُوا ... إِذْ تعرف الْعَرَب زجر الشاو والعكر) (جمال ذِي الأَرْض كَانُوا فِي الْحَيَاة وهم ... بعد الْوَفَاة جمال الْكتب وَالسير) كَانَت مخاليف الْيمن بِحُدُودِهِ تَحت رسم آبَائِهِ وجدوده تلقاها المطهر من أَبِيه الأطهر فرقم ملكه على صفحاتها بِلِسَان السَّيْف الأبتر (وَمَا تقر سيوف فِي ممالكها ... حَتَّى يقلقل دهرا قبل فِي القلل ( كرد عَنْهَا أُمَرَاء الأتراك بِكُل ملحمة بلغت بهَا سيول الدِّمَاء إِلَى كَعْب الشرَاك حَتَّى طهر مِنْهُم كل رستاق وأذاق شجعانهم السم الزعاق وَمَا خلا عَن طرف من الْعرْفَان الْمَنْسُوب إِلَى أَخَوَيْهِ فَخر الدّين عبد الله الرِّضَا وجمال الدّين عَليّ المرتضى ولكنهما تربعا فِي كرْسِي مملكة المعارف ولبسا من قمص التَّحْقِيق جميل المطارف وَمن وقف على مَا دَار بَينهمَا فِي الْجَواب عَن معنى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنا مَدِينَة الْعلم وعَلى بَابهَا تنسم نفحة كَلَام أَمِير الْمُؤمنِينَ وَأعلم أَن السلالة النَّبَوِيَّة هم المُرَاد بقول الصَّادِق الْأمين لَا تزَال طَائِفَة من أمتِي على الْحق ظَاهِرين واختص جمال الْهدى باقتناه السِّرّ العرفاني وسمت ذَاته إِلَى إرتفاع التجرد عَن حضيض هَذَا الْعَالم الفاني وَلما انْقَضى دور الدولة المطهرية المطهرة تلعب من بعده وَبعد أَخِيه الْملك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 شمس الدّين بالمملكة تلعب الصولجان بالكرة وفاتهم ضم النشر وَجمع الْأَمر فَفَاضَتْ روح مملكتهم إِلَى جَسَد الإشتراك واستحكمت الأتباع على أَمرهم حَتَّى سقط إِلَى ايدي الأتراك وأشخص مِنْهُم إِلَى الأروام من نفذت عَلَيْهِ أَحْكَام وصرفت بإمتحان أَقْلَام ثمَّ لما إستحكمت وَطْأَة الدولة المنصورية والعصابة القاسمية كَانَ أهل هذَيْن الْبَيْتَيْنِ روحين فِي جثمان وجوادين فِي مقبض عنان فانضمت أَيْديهم على ملك كوكبان فَأمروا فِيهِ بِالْمَعْرُوفِ ونهو عَن الْعِصْيَان وقسموا بِالسَّوِيَّةِ وَعدلُوا فِي الرّعية وَمَا زَالَ الْأَمِير مِنْهُم يقفوا الْأَمِير والخطير الْمِقْدَار يتبع الخطير (نُجُوم سَمَاء كلما إنقض كَوْكَب ... بدى كَوْكَب تاوى إِلَيْهِ كواكبه) وهم الْآن درة تَاج مجد باذخ وعصابة دَائِرَة بهامة ذَلِك الْعلم الشامخ فيهم البلغاء وَالْعُلَمَاء والعباد والكرماء وَلما انْقَضى حِسَاب الْأَمِير النَّاصِر طلع تَحْتَهُ وَلَده الْأَمِير عبد الْقَادِر نجيب الْأَفْعَال مُنْقَطع الأشكال وَدخلت سنة ثَلَاث وَسبعين وَألف فِي نصف محرمها توفّي حَاكم صنعاء الْيمن القَاضِي الْعَارِف شرف الدّين الْحُسَيْن بن يحيى السحولي وَدفن إِلَى جنب أَخِيه بالتربة الَّتِي تجمعهم بِبَاب الْيمن وضيعة المحاريق ملاصقة لمسجدهم وَفِي هَذِه السّنة كَانَ من صفي الْإِسْلَام أَحْمد بن الْحسن بن الإِمَام إبتدأ شعار يَوْم الغدير ثامن عشر ذِي الْحجَّة الْحَرَام بنشر الْأَعْلَام وسل المشطب الحسام وَمد الحراب وأشراعها على الرّقاب وَلما وصل الصفي إِلَى حَضْرَة الإِمَام وَهُوَ بجبور إجتمعا على هَذَا الشعار فَقَامَ بِهِ للشيعة شنار وَجَاء الْخَبَر مَعَ حَاج الْيمن أَن عنزة إنتهبوا الركب الشَّامي وهزموا أَمِيرهمْ وأسروا وَلَده وَهُوَ صَغِير السن فتفاداه مِنْهُم بِمَال جزيل وَأما أَمِير حَاج الْيمن فَأن الحرامية تلقوهُ فِي رُجُوعه وَقتلُوا من عسكره أَرْبَعَة أَنْفَار وَمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 الْحجَّاج رجلا بِسَبَب تَقْصِيره فِيمَا يعتادونه وَقت دُخُوله وَحج الْعرَاق حج على أتم الْأَحْوَال بِسُكُون فتْنَة أَحْمد بن الْحَارِث كَمَا تقدم وَلما وصل أَمِير الْحَاج الْمصْرِيّ الْمَدِينَة رَاجعا تلقى فرمان الْعَزْل فانعزل وَسلم الْأَمر وامتثل وفيهَا بِبِلَاد صنعاء ظَهرت دود خضر وسود فمنعت الإنبات وأكلت النَّبَات وَظَهَرت الدبا بالتهايم والسهول من الرمل وَفِي صفرها عزل صَاحب مصر الباشا بسواكن والباشا النَّائِب بالمسوع وجدد أَعنِي صَاحب مصر هَذَا الْعَام مقَام الشَّافِعِي وَأصْلح خللا فِيهِ وَفِي ربيع الأول كثر الْجَرَاد بتهامة فَأَتَت على أَكثر الزرايع وَفِي شهر ربيع كَانَ الْقرَان الألفي وَهُوَ قرَان المُشْتَرِي وزحل فِي برج الْقوس وَهُوَ الْقرَان الأول من الدّور الْخَامِس عشر كَمَا أجمع عَلَيْهِ الْحُكَمَاء وَله عِنْدهم أَحْكَام وَفِي هَذَا الْعَام لم يدْخل إِلَى بندر المخا غير يسير من البن بِسَبَب فتْنَة الفرنج الْمُتَقَدّمَة وفيهَا سَار مُحَمَّد بن أَحْمد بن الإِمَام إِلَى الْإِصْلَاح بَين قبائل ذيبان وعيال عبد الله وَكَانَ الشَّرّ قد نشب بعد وُصُوله بَين أهل الرجو وَبَعض أهل الْبِلَاد بِسَبَب ضَربهمْ الطبل فِي بِلَاد الرجو ثمَّ زَالَ الإنضراب وَسكت الْكل وأنسد بَاب وفيهَا وَقع حَرْب فِي عنس ومذحج وَقتل مِنْهُم قدر الْعشْرَة وَفِي جُمَادَى الْآخِرَة هرب الشَّيْخ الْجيد من حبس ضوران إِلَى بِلَاده وفيهَا وصل إِلَى حَضْرَة أَحْمد بن الْحسن شيخ يُقَال لَهُ الجميلي وبلاده يُقَال لَهَا البديع متوسطة بَين الدواسر وَبَين الأحساء وَولَايَة بِلَاده منسوبة إِلَى الشريف صَاحب مَكَّة فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 الْجُمْلَة فَأكْرمه وَعَاد بِلَاده وَمَعَهُ خطيب إستدعاه الْمَذْكُور فَلَمَّا إستقر ببلاده خطب للْإِمَام جُمُعَة أَو جمعتين ثمَّ عَاد الْخَطِيب وَلم يتم ذَلِك التَّرْتِيب وَلما قبض عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحسن بن الإِمَام جانبا من بِلَاد وَلَده يحيى أَخذ بِطرف من أَعمال الْجند وَأذن لأهل النّوبَة بالإنصراف فَسَارُوا إِلَى حَضْرَة عَمه صفي الْإِسْلَام فَأَمرهمْ بالإستمرار على عهدتها مَعَه فَضربت فِي هَذَا الْعَام واشتاقت إِلَيْهَا نفوس الْعَوام لما يسمعونه عَن أهل الْأَسْنَان الْعَالِيَة المشاهدين لدولة الأروام وَلم يكن قصد عز الْإِسْلَام غير زحلفتها من بَاب وَلَده لتلقيها وأربابها جملا وافرة من مدده مَعَ كرمه الْمَشْهُور على صفحات الدهور فَلَمَّا تمّ لَهُ مُرَاده وغفل عَنْهَا عماده أَمر فَضربت بَين يَدَيْهِ وضوعفت أَسبَابهَا وأقيم أَرْبَابهَا وَقد تَركهَا الإِمَام الْأَعْظَم صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن عَليّ تضرب بَين يَدَيْهِ وَتعرض فِي كل عرضة عَلَيْهِ بعد أَن قبضهَا على الشريف إِدْرِيس وَالْجَوَاب عَن فعلهَا وَنَحْو ذَلِك من القدوحات الَّتِي غلت بهَا أَفْئِدَة الباغضين وهمهمت بهَا أَفْوَاه المتأكلين كَفعل الدواة الْمَحَلِّيَّة والمحضرة وإسدال الْحجاب بعض الأحيان وَنَحْو ذَلِك مَبْسُوط فِي كَرِيمَة العناصر فِي الذب عَن سيرة الإِمَام النَّاصِر وَغَيرهَا من كتب مَوْلَانَا الْهَادِي بن إِبْرَاهِيم بن عَليّ المرتضى إنتزاع ظفار من يَد الْأَمِير خلف وَفِي آخر شهر رَجَب إختلف الْأَمر على خلف وإضطراب وَهُوَ الْأَمِير على ظفار من جِهَة الْعمانِي الْمُسَمّى سُلْطَان بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 سيف فَإِن آل كثير مَا زَالَ ذَلِك المعقل شجا فِي حُلُوقهمْ وَرَايَة سَوْدَاء فِي سوقهم لِأَنَّهُ نَازل من حَضرمَوْت وعمان منزلَة الْوَاسِطَة من عقد الجمان فهم يرَوْنَ أَن خلفا تطفل على ظفار ويتناشدون فِي مجَالِس السمار (قدر أحلك ذَا الْمجَاز وقدرى ... وأبى مَالك ذُو الْمجَاز بدار) فَشُنُّوا الغارات على خلف وَكَاد أَن يَذُوق مرَارَة التّلف وَقتلُوا من أَصْحَابه زهاء أَرْبَعِينَ وَكَانَ أرسلهم لإستنجاز مطَالب وَقَضَاء مأرب فَلَمَّا رأى خلف أَن الْفِرَار نِهَايَة الملاذ وَأَن قراة إمارته صحت من الشواذ هرب إِلَى حَيْثُ يجد الإعتصام وخدمت ضَمِيره جوَار فِي الْبَحْر كالأعلام فَأصْبح أثرا بعد عين وَلم يتْرك بظفار غير مدفعين فَدَخلَهَا السُّلْطَان مُحَمَّد بن جَعْفَر الكثيري وَبدل قوانينها وَالْأَحْكَام وحول الْخطْبَة بهَا للْإِمَام وَلما سك هَذَا الْخَبَر مسمع الْعمانِي وَكسر من سُورَة نَصبه التحتاني شمخ أَنفه وتشاوس طرفه وَقَالَ لم نبعث أَمِير إِلَى ذَلِك الصقع الحقير إِلَّا تَلْبِيَة الدَّاعِي آل كثير وإشالة بضبع من عدم النصير وَإِلَّا نَحن فِي غنية عَن تِلْكَ الْبِلَاد بمملكتنا الوافرة ودولتنا الْقَاهِرَة وَأما أميرنا خلف فَلهُ عَن هَذَا الْألف المركوز خلف وَهُوَ متبر عَنهُ من المبادي ولسان حَاله يُنَادي (فيا برق لَيْسَ الكرخ دَاري وَإِنَّمَا ... رماني إِلَيْهِ الدَّهْر مُنْذُ ليَالِي) إِلَى كَلَام يمِيل بِهِ الحيداء وَهُوَ بِالْحَقِيقَةِ يتنفس الصعداء وَفِي أول فصل الصَّيف من هَذِه السّنة حصل غيم ومطر طبق جَزِيرَة الْيمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 فِي شَرق وَغرب وقبلة وعدن واتصل كَذَلِك بِشَهْر رَجَب وَشَعْبَان فَمن الزرايع مَا بَطل لِكَثْرَة الْمَطَر وَمِنْهَا مَا أثمر وَهُوَ الْأَكْثَر وَهَبَطَ السّعر عِنْد جذ الثِّمَار حَتَّى بلغ سعر الْقدح إِلَى عشرَة كبار وَفِي شعْبَان حصلت غوائر مَا بَين بِلَاد خِيَار ووادعة الظَّاهِر فَقتل سَبْعَة أَنْفَار من الْجَانِبَيْنِ فأدبهم الإِمَام وارتفع ذَلِك الْخِصَام وَفِي رَمَضَان احتال الهيثمي لِلْخُرُوجِ من حبس كوكبان فتم لَهُ الْخُرُوج لَكِن شعر بِهِ أهل الأهجر فِي الطَّرِيق فاعادوه وضوعف عَلَيْهِ التَّضْيِيق وفيهَا توفّي حَاكم ذمار القَاضِي الفقهي المبرز فِي قَوَاعِد الْفِقْه والفرائض مُحَمَّد بن صَلَاح الفلكي وَكَانَ لَهُ الْيَد الطُّولى فِي علم الهندسة والمساحة مَعَ دماثة أَخْلَاق وَحسن عبارَة ولطف مساق وَللسَّيِّد صفي الدّين أَحْمد بن الْحُسَيْن رَحمَه الله فِي تَارِيخ وَفَاته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 وَفِي شَوَّال طلع عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحسن من الْيمن الْأَسْفَل إِلَى ذمار ثمَّ إِلَى ضوران فقر بِالْإِمَامِ ناظرة وأشفى بِهِ خاطره ثمَّ توجه إِلَى صنعاء والسعود ناظره إِلَيْهِ وَرَايَة الإقبال خافقة عَلَيْهِ وَلما انهمك النَّاس فِي الطّلب وَاخْتَلَطَ على الإِمَام حَال ذَوي الإستحقاق وإضطرب أَمر الْعمَّال بِعرْض التحاويل وَهُوَ نظر دَقِيق من هَذَا الإِمَام الْجَلِيل وَفِي هَذَا الْعَام أتفق أَن حَاكم بِلَاد بعدان تنَازع إِلَيْهِ خصمان فَبعد تَقْرِير الْأَمر بَين يَدَيْهِ رغمت أنف أَحدهمَا بعد الحكم عَلَيْهِ فثارت حرارته وهاجت مرارته ففتك بالحاكم وَقتل بعده بِالْقصاصِ اللَّازِم وَفِي هَذِه الْمدَّة توالت الْفِتَن بَين بني حُذَيْفَة وسحار من بِلَاد صعدة فَسَار إِلَيْهِم جمال الْإِسْلَام عَليّ بن أَحْمد بن الإِمَام فاستاق أَشْيَاء من مَوَاشِيهمْ على جِهَة التَّأْدِيب وفيهَا كتب الإِمَام إِلَى سُلْطَان الْعَجم عَبَّاس شاه على طَرِيق المعاهدة وجلب الالفة فَأجَاب الشاه بِمَا يدعوا إِلَى الصَّفَا ويكمل بِشُرُوط الوفا وَدخلت سنة أَربع وَسبعين وَألف وَفِي نصف محرم مِنْهَا خسف الْقَمَر ببرج الدَّلْو حَتَّى انطمس جرمه وفيهَا سَار الإِمَام من ضوران إِلَى صنعاء وَفِي عيد النَّحْر حصل بعمران حَرْب بَين قبائلها وعيال سريح بِسَبَب دُخُولهمْ إِلَيْهَا بالطبول على مَا جرت بِهِ قَوَاعِد الْقَبَائِل من الآنفة عَن ذَلِك وَذهب فِي الْفَرِيقَيْنِ أَربع نفوس وَكَانَ بهَا يَوْمئِذٍ السَّيِّد بدر الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن الإِمَام فَفرق بَين الْفَرِيقَيْنِ وَرفع الْفِتْنَة من الْبَين وَفِي هَذِه الْمدَّة فرض الإِمَام مجبا يُؤْخَذ من أهل البيع وَالشِّرَاء وَضرب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 نَاظر الْوَقْف على كل وَاحِد من الجزارين شَيْئا مَعْلُوما وَاسْتمرّ ذَلِك إِلَى ربيع الثَّانِي من سنة سبع وَسبعين وتضرر بِهِ النَّاس فرفعه الإِمَام وَأما النَّاظر فأبقاه لسهولته على النَّاس وَفِي الْعشْرين من جمادي الأولى سَار الإِمَام من رَوْضَة حَاتِم إِلَى الخارد لضيافة إستدعاه لَهَا صفي الْإِسْلَام أَحْمد بن الْحسن ثمَّ سَار مِنْهُ إِلَى ناعط ثمَّ خرج إِلَى السودة ثمَّ سَار إِلَى شهارة وَاسْتقر بهَا زَمَانا وفيهَا وصل رجل من الغرب الْأَقْصَى من القيروان وَمِمَّا أخبر بِهِ أَن بعض أُمَرَاء تِلْكَ الْبِلَاد لَهُ مرْآة يرى الْإِنْسَان فِيهَا بَاطِنه كَمَا يرى ظَاهره وَهَذَا لَا يكَاد يصدق بِهِ والعهدة عَلَيْهِ فِيمَا نقل وَفِي رَجَب طلع الْقَمَر فِي برج الدَّلْو خاسفا وَفِي رَجَب توفّي القَاضِي الْعَارِف أَبُو الْقسم بن الصّديق التهامي الضمدي بمحروسة زبيد جعل إِلَيْهِ الإِمَام منصب الْقَضَاء بهَا بعد إرتفاع يَد القَاضِي إِسْحَق بن جغمان وَلما مَاتَ بهَا للتاريخ الْمَذْكُور أُعِيد القَاضِي إِسْحَق إِلَى منصبه وَفِي رَمَضَان جَاءَت الْأَخْبَار أَن الأنقريز إنتهبوا بندر سورت فِي الْهِنْد وَخَرجُوا عَن طَاعَة سلطانهم فتغلبوا على بلدانهم وَفِيه حصل شجار بَين سُفْيَان وسحار بِحَضْرَة الإِمَام بشهارة وأفضى إِلَى تراجم وتراجم فحجز بَينهم عَسْكَر الإِمَام وَفِي شَوَّال مَاتَ الْأَمِير طَالب بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 الْحُسَيْن الجوفي أَمِير بيحان وَتلك الْبلدَانِ استدعى إِلَى صنعاء من أجل قتل بعض قرَابَته ببيحان فَتوفي بهَا وَفِي شَوَّال مَاتَ القَاضِي الْعَالم عَليّ بن سعيد الهبل بعد أَن طعن فِي السن وَذهب بَصَره كَانَ حَاكما بشهارة بتولية الْمُؤَيد بِاللَّه معولا عَلَيْهِ مرجوعا فِي أَكثر القضايا إِلَيْهِ فَلَمَّا مَاتَ إِمَامه إنتقل إِلَى بِلَاده خولان صنعاء وسيقت إِلَيْهِ واجباتها وَلما قضى نظر الإِمَام المتَوَكل على الله بتوليه الْبِلَاد إرتفعت يَد القَاضِي عَن الإصدار والإيراد وتخلف عَنهُ مَا كَانَ ينساق إِلَيْهِ من الأمداد فانتقل بأَهْله إِلَى رَوْضَة حَاتِم وَأدْركَ بهَا حسن الْخَوَاتِم فَهِيَ كَمَا قلته فِي قصيدة (مَا يعدل الرَّوْضَة الْغِنَا وبهجتها ... سوى الْجنان فَلَا تنقص وَلَا تزد) (فنونها نعْمَة للناظرين وَفِي ... أفنانها نعْمَة للطائر الغرد) (أقمارها عانقت أَغْصَانهَا جذلا ... وصافحتها قماراها يَد الْيَد) (والفوج يحمل فِي راحات ساحتها ... مجامر الند فِي الحارات والسدد) (وَالنّهر يمشي الهوينا فِي جداولها ... كَأَنَّهُ الْملك يمشي مشي مقتصد) (يسْقِي قَوَارِير كرم للبياض بدا ... كلؤلؤ بَين منثور ومنتضد) (ورازقيا غَدا فِي كف قاطفه ... كَأَنَّهُ ذهب فِي كف منتقد) ( وَمَات القَاضِي بهَا فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور وَفِي ذِي القعده حصل حَرْب فِي صعفان من بِلَاد حراز بِسَبَب محجر المرعا إختلفت فِيهِ أَحْكَام الْحُكَّام فَأخذ كل فريق بقول إِمَام وأفضى الشجار إِلَى قتل سَبْعَة أَنْفَار فبادر الإِمَام بِالْإِرْسَال عَلَيْهِم وأدبهم بِمُقْتَضى الْحَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 وفيهَا أَمر الإِمَام الشَّيْخ عَامر بن صَلَاح الصايدي بالنزول إِلَى تعز وافتقاد مَا شجر بَين السَّيِّد الْحُسَيْن المحرابي عَامل عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحسن وَالشَّيْخ رَاجِح الكينعي عَامل الإِمَام بعد أَن قتل فِي الْبَين وَاحِد من أَصْحَاب أحد الرجلَيْن فَنزل إِلَى هُنَاكَ والتأمت بوصوله الْأَحْوَال مَا بَين الرئيسين وفيهَا أَمر الإِمَام بِبِنَاء قصر مَدِينَة عيان وإعادته على مَا كَانَ فِي دولة آل عُثْمَان فناب على عمل عِمَارَته السَّيِّد الرئيس صَالح عقبات وَلما كمل بُنْيَانه وَارْتَفَعت أَرْكَانه على كره من أهل الْبِلَاد لميلهم إِلَى دواعي الْفساد اسْتَقر بِهِ السَّيِّد وَأمر الإِمَام أَن تجمع زكوات خيوان وَغَيره إِلَى ذَلِك الْقصر وَمَا زَالَ السَّيِّد مُسْتَقرًّا بِهِ إِلَى أَن ظهر لَهُ من سُفْيَان مَا يقْضِي بالخدع والعصيان وَلم يكن عِنْده نِصَاب يقطع بِهِ تِلْكَ الْأَسْبَاب فاستعفا الإِمَام عَن الْبَقَاء بعيان وَرفع إِلَيْهِ حَدِيث سُفْيَان فَأَجَابَهُ واستدعاه وَاسْتحْسن مَا رَآهُ وَفِي هَذِه السّنة ساخ جبل فِي جِهَات مدوم من بِلَاد الشّرف وَكَانَ على ظَهره أَمْوَال هَلَكت بهلاكه وَفِي شهر ذِي الْحجَّة ثارت فتْنَة بَين خيوان وَبَين صبارة فِي سُفْيَان وَذهب من الْجَمِيع سَبْعَة أَنْفَار فأدبهم الإِمَام وهدأت نَار حربهم عَن الإضطرام وفيهَا أَو الَّتِي بعْدهَا أحرق الإِمَام كتاب الفصوص لإبن عَرَبِيّ وَهُوَ محيي الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ بن عَرَبِيّ الطَّائِي الْحَاتِمِي الأندلسي بِنَاء على أَن مَا فِيهِ كفر بحت وَدخلت سنة خمس وَسبعين وَألف فِي نصف محرمها خسف الْقَمَر فِي برج الدَّلْو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 إستيلاء صَاحب الْبَصْرَة على الحسا والقطيف قد ذكرنَا فِيمَا مضى أَن عِيسَى باشا طرد أَبَاهُ وَمَشى فِيمَا يأباه حِين لم يخْفض لَهُ جنَاح الذل من الرَّحْمَة وَلَا اسْتَفَادَ حِين عدم بر الْوَالِدين دوَام النِّعْمَة وَإِن أَبَاهُ صَمد إِلَى الْحُجْرَة النَّبَوِيَّة بقلب ملسوع وَحَال غير مَجْمُوع فَفِي هَذِه الْأَيَّام ناقشه صَاحب الْبَصْرَة الباشا حُسَيْن وتاقت نَفسه إِلَى بِلَاده فَفتح الْعين إِلَى ضم القطرين وطحنه بالأنفاس وهم أَن يُرْسل عَلَيْهِ شواظين من نَار ونحاس فَعِنْدَ أَن أنس من مَمْلَكَته رَمَاه من حشاه ذَلِك الْقطر العريض الطَّوِيل فَكَأَنَّمَا جناله غرس العقوق حَبَّة فيل فارتفع عَن كرْسِي ملكه وَلَا كإرتفاع الْمَسِيح وَخرج من بِلَاده رَاهِبًا والراهب قد يسيح وانْتهى بِهِ الْهَرَب إِلَى حرم الحبيب وسوحه الرحيب فَوَقع على الْأمان بدعوة الْخَلِيل إِبْرَاهِيم وَكَانَ قد أدْرك عِيسَى من الْخَوْف مَا أدْرك مُوسَى الكليم واتصل بحمى الشريف زيد وخلص من حبائل الكيد وَكتب عرضا إِلَى السُّلْطَان يستعديه على صَاحب الْبَصْرَة ويستخرج من رفيع العتبات راية الأفراح لتحصل النُّصْرَة فَكَانَ بِسَبَب ذَلِك التَّجْهِيز على الباشا حُسَيْن كَمَا سَيَأْتِي فَإِن الباشا عِيسَى بعد أحيان عاوده الزَّمَان وانتصر لَهُ السُّلْطَان ولعلها عَادَتْ عَلَيْهِ عواطف تَوْبَة أبرمها أَو حَسَنَة قدمهَا وَفِي ربيع الأول سَار عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحسن بن الإِمَام إِلَى ذمار وَفِيه جَاءَ الْخَبَر عَن مَكَّة أَن أسواقها زينت لفتح حصل لجنود السُّلْطَان بِبِلَاد مالطة وَفِي ربيع آخر هبت بجهات لحج ريح عقيم فِيهَا عَذَاب أَلِيم فاحتملت فِي الجو شَيْئا من الْحَيَوَانَات وَقيل إِنَّهَا إحتملت ثَلَاث نسوه ثمَّ دفع الله ضرها وَكفى أمرهَا وَفِي نصف هَذَا الشَّهْر سَار صفي الْإِسْلَام أَحْمد بن الْحسن بن الإِمَام إِلَى أَعلَى الْجوف فوصل إِلَى مَحل يُسمى الْمُلْتَقى بسفال وَادي شوابة فَأصْلح أحوالا وَأقَام هُنَاكَ أَمْوَالًا وَهِي أوطان مغلة كَانَت مُهْملَة مُنْذُ زمَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 فزرعت الذّرة وَالْبر وَالشعِير والجلجلان وَلم تنْبت الْفَوَاكِه والبن بعد تَكْرِير الْغَرْس إِنَّمَا كَانَ ينْبت الشّجر وَلَا ينبث لَهُ ثَمَر وَفِي أول جُمَادَى الأولى ظهر نجم فِي الْمشرق لَهُ ذَنْب طَوِيل وَنور مستطيل فِي مِقْدَار سَبْعَة أَذْرع ثمَّ انْتقل إِلَى وسط السَّمَاء واعوج كالقوس ثمَّ عَاد إِلَى الإستقامة وإبتدأ ظُهُوره فِي برج الثور وَقت السحر ثمَّ انْتقل إِلَى الْمغرب ثمَّ عَاد إِلَى الْمشرق وَقبل الْفجْر ثمَّ بعد نَحْو شَهْرَيْن إضمحل وَهُوَ من النيازك وَقد جَاءَ فِي الحَدِيث النَّبَوِيّ مَا يقْضِي أَن ظُهُورهَا معلم لإرتفاع الأسعار وَقد جرت بذلك الْعَادَات فِي غَالب الْأَوْقَات وَفِيه وَقع بِبِلَاد برط وَقت الْعَصْر صعقات لنجوم خرت من السَّمَاء فَوَقَعت بِبَلَد هُنَاكَ تسمى الْعَنَان وَسمعت أصواتها فِي بِلَاد سُفْيَان وَفِي تَاسِع وَعشْرين من جمادي الْآخِرَة كسفت الشَّمْس وَقت صَلَاة الضُّحَى من يَوْم الْجُمُعَة فِي برج الجدي بعقدة الذَّنب وفيهَا وصل السُّلْطَان بدر بن عبد الله الكثيري إِلَى الإِمَام من طَرِيق الْجوف وَكَانَ قد أعد للْإِمَام هَدِيَّة فانتهبتها بَدو المعضة عَلَيْهِ أهل الْمشرق وَاسْتَأْذَنَ السُّلْطَان بدر الإِمَام فِي الْحَج وَمَعَهُ ولد أَخِيه فَسَار وَمَات بطرِيق الْحَج فرجح رَأْي الإِمَام أَن يُوَجه للشحر نَائِبا فسير إِلَيْهَا الْفَقِيه أَمِير الدّين الْقرشِي وقرريد ولد السُّلْطَان على ولَايَة حَضرمَوْت وَمَا إِلَيْهَا وَهُوَ السُّلْطَان مُحَمَّد ابْن بدر وَفِي رَجَب ظهر فِي جبل جبع من مساقط بِلَاد حفاش رجل يُنَادي ويعظ النَّاس وَلَا يعرف لَهُ مَحل مَخْصُوص دخل هيجة لاحمة وتوارى بهَا أَيَّامًا وسمى نَفسه عبد الله وَادّعى تَارَة أَنه واعظ شرِيف وَتارَة أَنه الْمهْدي وَلَيْسَ هَذَا زمَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 الْمهْدي كَمَا يظْهر لمن رَاجع الْآثَار النَّبَوِيَّة والملاحم المروية مَعَ أَن ظُهُور الْمهْدي من مَكَّة كَمَا جَاءَ فِي الْأَخْبَار وَآل أمره إِلَى أَن عمر هُنَاكَ قصرا وَجعل حوليه أَمَاكِن الْخَيل وَله أَصْحَاب قد أفسد أَحْوَالهم وزين لَهُم الشَّيْطَان أَعْمَالهم وَحَقِيقَة أمره أَنه رجل من بني سود لَهُم اصل فِي الرِّئَاسَة والتظهر بِمَا فِيهِ غرابة من الْأُمُور فيلبث نَهَاره بِالْبَيْتِ الَّذِي عمره ويوهم القصاد أَنه نَائِب عبد الله فَإِذا أرْخى اللَّيْل سدوله لبس هَيْئَة الصُّوفِيَّة من القبع والمسبحة وَنَحْو ذَلِك وَقد يلبس الملابس الفاخرة ثمَّ يخرج إِلَى الْخَلَاء وشواهق الْجبَال وَتظهر مِنْهُ أصوات تقع فِي خاطر من يسْمعهَا وَأَصْحَابه عِنْد هَذَا الشّغل يرصدون من مَكَان قريب ليحفظوه ويقوموا بخدمته فَمن رام أَن يَأْخُذ مِنْهُ وَقْفَة يُشَاهِدهُ فِيهَا فَلَا سَبِيل إِلَى ذَلِك إِنَّمَا يكون بَينه وَبَينه قيد رمح أَو أَكثر إِمَّا فِي ليل دامس أَو مَعَ التستر الشَّديد فِي ليَالِي الْقَمَر فيخاطبه بِأَلْفَاظ عامية تقضي بِأَنَّهُ من أحاد الْعَوام الَّذين يستفزون طيش ضعفة الْعُقُول وَمَا زَالَ على هَذَا الْحَال حَتَّى تأثل حَاله وَجمع النذور من كل أَوب وشحن بهَا بَيته وَأَخْبرنِي صاحبنا القَاضِي الْعَلامَة فَخر الدّين عبد الْقَادِر بن أَحْمد بن عبد الْمُؤمن النزيلي حماه الله إِنَّه نحى إِلَى وَالِده أَن عبد الله الْمشَار إِلَيْهِ هُوَ السودي بِعَيْنِه فَأرْسلهُ إِلَى هُنَاكَ ليَأْخُذ حقائق الْأَحْوَال وَهَذَا القَاضِي عبد الْقَادِر بِمحل من الذكاء لَا يجوز مَعَه التراهات وَلَا تتفق عِنْده الخرافات فعزم وَمَعَهُ من يَخْدمه إِلَى هُنَاكَ فَعِنْدَ أَن وصل طلب موقفا من السودي فأسعده إِلَى ذَلِك فأتقن كَلَامه وَكَيْفِيَّة عِبَارَته ونغمات صَوته وإنفصل عَنهُ إِلَى مَكَانَهُ الَّذِي صرفه إِلَيْهِ وَكَانَ قد ذكر لَهُ أَن يَأْخُذ لَهُ رَأيا من عبد الله فِي الإتفاق فَقَالَ لَا يتهيأ لَك الإتفاق بمولانا عبد الله إِلَّا فيب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 اللَّيْل بِمحل كَذَا وَكَذَا وسينبهك على ذَلِك من مأنره بالتنبيه فَلَمَّا أقبل اللَّيْل أرصد القَاضِي فَخر الدّين بَاب بَيت السودي وَمَعَهُ أَتْبَاعه كَذَلِك فَلم يشعروا إِلَّا بِخُرُوج السودي من الْبَاب على هَيْئَة مُنكرَة وَلم يزل يتلفت حذرا من أَن يطلع على تدليسه ثمَّ إلتقاه جمَاعَة وبعدوا عَنهُ وَلما بعد عَن بَيته ظَهرت مِنْهُ تِلْكَ الْأَصْوَات وأشعر القَاضِي بِالْمَسِيرِ إِلَيْهِ فَسَار إِلَيْهِ وَوصل بِالْقربِ مِنْهُ وَلم يصافحه بل كَانَ بَينهمَا مَسَافَة فَمَا زَالَ يؤنسه ويسأله عَن وَالِده ويبحث عَن اشياء ذكرت النَّهَار بِحَضْرَة السودي قَالَ القَاضِي فَغير صَوته بِأَن رَفعه وَإِلَّا فالصوت الصَّوْت وَالرجل الرجل والعبارة الْعبارَة فاستأذنته وَقد فرغت من تَحْقِيق حَاله وَقد أفْضى تَدْلِيس هَذَا الْمَذْكُور إِلَى الملحمة الَّتِي طحنت الجماجم وأنست بالعظائم فَإِن السَّيِّد إِبْرَاهِيم المحدوري فِي رَجَب فِي سنة إِحْدَى عشرَة وَمِائَة وَألف ثار من جبل مدوم وَادّعى أَن عبد الله هُوَ الْمهْدي المنتظر وَإنَّهُ نَائِب الْمهْدي ثمَّ استغلوا أهل الشّرف وطافت عساكره الْبِلَاد بِالسَّيْفِ إِلَى أَن وصلوا ثلاء فانعكس حَالهم وأصدق فيهم أهل ثلاء الطعْن وَالضَّرْب ووصلوا ببقيتهم إِلَى سمسرة وهب وهم نَحْو الثَّمَانِينَ وَلما وصلت إِلَى صنعاء أجناد الإِمَام متوجهة على ذَلِك الْفَاجِر الْحقيق بقول الشَّاعِر (شرِيف أَصله أصل حميد ... وَلَكِن فعله غير الحميد) (كَأَن الله لم يخلقه إِلَّا ... لتنعطف الْقُلُوب على يزِيد) فتكوا بهم صبرا عَن آخِرهم وتوجهوا لبلاده وَقد استغوا أهل الْجِهَات الغربية وَأكْثر أهل الْبِلَاد الظَّاهِرَة والظليمية حَتَّى إنبهر مِنْهُ الشريف صَاحب مَكَّة ذكر لي ذَلِك عَنهُ من لقِيه فِي حجَّة تِلْكَ السّنة واتفقت ملاحم ذهب فِيهَا من الْجَانِبَيْنِ تَحت السَّيْف نَحْو خَمْسَة آلَاف نفر وَآل أمره إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 الْفِرَار إِلَى صعدة حَضْرَة السَّيِّد الْعَلامَة عَليّ بن أَحْمد بن الإِمَام فَلَمَّا خَاضَ مَعَه فِي مُسْتَند مَا فعله أجبا بِجَوَاب يقتضى بِأَنَّهُ من أَغْنَام النَّاس فحبسه ثمَّ أطلقهُ إِلَى السَّيْف وَقد وضعت مَا هُوَ أبسط من هَذَا فِي تسيير أمره وبدو شَره وَكنت لَا أَشك فِي أَنه أحد الدجاجلة لَوْلَا أَن فِي الحَدِيث أَن بَين السَّاعَة قَرِيبا من ثَلَاثِينَ دجالًا كل وَاحِد مِنْهُم يَدعِي النبؤة وَهُوَ لم يدع النُّبُوَّة كَمَا سلف وَقلت فِي ذَلِك (فِي رَجَب دَاع دَعَا ... إِلَى فَسَاد وَتلف) (يَا بئس مَا قدمه ... من الْقَبِيح واقترف) (فِي فتكه بالعلما ... وكل من لَهُ شرف) (وَوَصفه قد جَاءَ فِي ... تَارِيخه شَرّ الشّرف) وَقلت (مِثَال الْمَعَالِي بالعوالي اللهاذم ... وَمسح الطلا بالبيض لَا بالطلاسم) (وَتَحْت ظلال المشرفية جنَّة ... أرائكها منضودة من جماجم) (محت سود أرقام الكهانة فِي الوغا ... ذوابل أرماح كنقش الأراقم) (وجرد إِذا هاج الْوَطِيس تزأرت ... عَلَيْهَا لهاميم الكماة الضراغم) (تناعس إِبْرَاهِيم فِي سنة الْكرَى ... وَمَال إِلَى أضغاثه كل نَائِم) (ورام افتتاحا للبلاد بجبة ... وقبع وطلسم غَدا نقش خَاتم) (وَفِي كل وَاد هام بِالسحرِ قلبه ... وَوَافَقَهُ فِي سخفه كل هايم) (وصير تمويه الكهانة حجَّة ... فَطَافَ بِهِ فِي حجَّة والتهايم) (وَلَو كَانَ (بدر بن الْمقنع) مقنعا ... لَكَانَ عَلَيْهِ الْيَوْم دين الْأَعَاجِم) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 (أما أَن هاروتا وماروت حذرا ... بِبَابِل من يشرى بصفقه نادم) (وللنصح قَالَا إِنَّمَا نَحن فتْنَة ... لقوم فَلَا تكفر بِرَبّ العوالم) (فَمَا بَال إِبْرَاهِيم علم قومه ... وأهمل نصحا كَانَ ضَرْبَة لَازم) (وَزَاد على هَذَا فأودع سحره ... حمائل فِي قمصانهم والعمائم) (يروم دوَام الْملك فِي قفل مدوم ... وهيهات غير الله لَيْسَ بدائم) (أيدعى إِمَامًا من تعاطى شَرِيعَة ... بِجَهْل وعادى كل قطب وعالم) (وَبث إِلَى الْآفَاق جمعا مكسرا ... با وفاقه حَتَّى انثنى غير سَالم) (فحكمت الْأَبْطَال فيهم صوارما ... وَمَا غَيرهَا فِي فيصل من تحاكم) (وَلَو حكمُوا فِي مَا أَتَوا من صنيعهم ... لدانوا بِأَن الله أعدل حَاكم) (أيا قَاسم دم قاسما كل مغنم ... فَإنَّك فِي ذَا الْعَصْر أهيب قَاسم) (سللت سيوفا مزقت درع سحرهم ... وَكَانَ لجرح الْبَغي اشغى المراهم) (وأودعت أطواق الْحَدِيد رقابهم ... وَهل ينفع المسحور غير التمائم) (وَحين تَمَادَوْا فِي قَبِيح فعالهم ... بعثت بأساد الجلاد القشاعم) (تَطوف من الْأَبْطَال شرقا ومغربا ... بطوفان نوح من قِنَا وصوارم) (لقد نصبوا فَوق الذوابل أرؤسا ... تنوح على الخرصان نوح الحمائم) (وأفنوا بطاريق الوغا فِي بروجها ... وَلَو أَنَّهَا لاذت ببرج النعائم) (لإن فر إِبْرَاهِيم عَن حومة الوغى ... فَمن فَوْقه طير الشقا أَي حائم) (وَمَا فر إِلَّا والمهند خَلفه ... يلوح وأصوات الردى فِي هماهم) (فَلَو كَانَ فرعانا ودبر حِيلَة ... إِلَى الجو لاستنزلته بالسلالم) (وَلَو كَانَ بلقيسا لأرسلت آصفا ... فجَاء بِهِ فِي لمحة أَي راغم) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 (تنْحَل عَنَّا صعدة الشَّام لائذا ... فَكَانَ لبرق الشؤم أمثل شائم) (مضى ليقص الحادثات لمن بهَا ... وَقد قصّ من علياه ريش القوادم) (وَكَانَ لشدق الهندواني طعمة ... فَللَّه سيف طاعم أَي طاعم) (كَذَا من عصى فِي مَذْهَب الْبَغي رَأسه ... فَلَيْسَ لَهُ غير العواصي العواصم) وَلما انحسم ضَرَره وبتر عمره تَوَجَّهت الأجناد إِلَى تتبع بَقِيَّة أَصْحَابه وَفِيهِمْ السودي فاتفقت عِنْد ذَلِك حروب مُتعَدِّدَة تولى شَأْنهَا الْأَمِير السَّيِّد الْأَعْظَم إِسْحَاق بن الْمهْدي وَغَيره وَكَانَ غَايَة ذَلِك الإستيلاء على جمَاعَة السودي وفر بِنَفسِهِ إِلَى حَيْثُ يخفى مَكَانَهُ ويستتر جثمانه وسكنت زعازع فتنته واستراح النَّاس من قَبِيح فعلته وَلَيْسَ هَذَا مَحل الْقِصَّة وَإِنَّمَا جر إِلَيْهِ ذكر السودي الْمُسَمّى بِعَبْد الله وَفِي اول شعْبَان سَار صفي الْإِسْلَام أَحْمد بن الْحسن إِلَى معِين من بِلَاد الْجوف وَأرْسل جمَاعَة من الْجند إِلَى صروم المعضة الَّذين انتهبوا هَدِيَّة السُّلْطَان بدر فَاسْتَاقُوا بعض مَوَاشِيهمْ ثمَّ تبعتهم المعضة بعد عزمهم ففاتتهم الْمَوَاشِي وَقتلُوا من أَصْحَاب الصفي أَرْبَعَة أَنْفَار وَاتفقَ بَين بني أَسد بسفيان هَذِه الْأَيَّام غارات ذهب فِيهَا سِتَّة أَنْفَار وَفِي هَذَا الشَّهْر سَار السَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن عَليّ الغرباني من صنعاء إِلَى برط وَلما وصل إِلَيْهِم ذكر لَهُم أَشْيَاء استنكرها من السِّيرَة المتوكلية وَأَنه قد تضيق عَلَيْهِ الْقيام وَعَلَيْهِم الْإِجَابَة والإنعام وَآل أمره إِلَى الْعود إِلَى صنعاء لانخرام ذَلِك الْحساب وَعدم من يُعينهُ على فتح هَذَا الْبَاب وَفِي رَمَضَان توفّي السَّيِّد الْعَلامَة عز الدّين بن دريب بالطويلة غربي كوكبان وبيته هُنَالك وَكَانَ صَاحب عرفان فِي الْفِقْه مشاركا فِي غَيره وَسمع البُخَارِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 على بعض بني النزيلي وَكَانَ فِي زمن الْمُؤَيد بِاللَّه نَائِبا بالطويلة فَلَمَّا صَارَت إِلَى الْأَمِير النَّاصِر بن عبد الرب بِولَايَة الإِمَام المتَوَكل عذره عَنْهَا فاستمر استقراره بهَا وَتَوَلَّى منصب الْقَضَاء وَكَانَ بَصيرًا بمواقع الْجَواب كتب إِلَيْهِ الإِمَام وَهُوَ أَمِير بخدار للداعي أَحْمد بن أَمِير الْمُؤمنِينَ صنو الإِمَام وَكَانَ من كِتَابه لَا يَنْبَغِي من مثلكُمْ وَأَنْتُم بِمحل من الْعلم أَن تَكُونُوا بغاة علينا ومحاربين لنا وصنوكم أَحْمد الْمُتَقَدّم إِلَى الدعْوَة عَلَيْكُم فَأجَاب الإِمَام ظنية اجتهاديه وَكَانَ صَاحب توقد وحدة وَفِي الْأَحَادِيث الدائرة على الْأَلْسِنَة الحدة تعتري خِيَار أمتِي اتّفق فِي بعض مجَالِس تدريسه أَن رجلا رَاجعه فِي العقائد وَكَانَ ذكر لَهُ أَن مَذْهَب آبَائِك كَذَا وَكَذَا فَقَالَ أَنا أعرف بِمذهب أهل الْبَيْت مِنْك وأقوالهم وكتبهم ورواياتهم وأحوالهم ثمَّ أَمر بِإِخْرَاجِهِ من حَضرته وَأَن لَا يعود إِلَيْهَا وَلما اسْتَقر الصفي هَذِه الْمدَّة بالجوف وجد هُنَالك مآثر أشبه بأهرام مصرمحفوفة بنهر مُرَاد ونهر شوابه وَهُوَ نهر فوار لَا يُمكن عبوره أَيَّام الأمطار وَفِي غَيرهَا لَا يعبره إِلَّا الشطار قيل وَهُوَ كنهر السحول بِالْيمن لَكِن أَهله أشرار وَلَيْسَ فِي الْغَالِب من أهل الْقَرار إِنَّمَا عمدتهم على اللحوم والألبان لاعلى الثِّمَار وَلما تخَلّل الصفي وَمن مَعَه تِلْكَ المآثر الَّتِي تبهر الْإِنْسَان وتنطق عَن ساكنيها بِغَيْر لِسَان دبت عَلَيْهِم نمل كَأَنَّهَا الرمل وأزعجتهم عَن ذَلِك الْمحل وَهَذِه الأثار المجهولة والأطلال الَّتِي كَانَت مأهولة قد حملت فِي نظيرها فِي بِلَاد دهمة طيور على من أَرَادَ أَن يفتش عَن عجائبها حَتَّى اضطرتهم إِلَى الْخُرُوج عَن جوانبها وَفِي شَوَّال اتّفق أَن بَيْتا بِالْقربِ من دَار النَّقِيب جَوْهَر سَعْدَان شرس على أَهله الجان وأصابه طائف من الشَّيْطَان فتكرر إِلَيْهِ الرَّجْم فِي اللَّيْل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 وَالنَّهَار حَتَّى كَاد أَن يسلب عقول أَهله كَمَا سلبهم الْقَرار ولصدور مثل هَذَا عَن الجان نَظَائِر وَأَشْبَاه وَأما تشكلهم فَفِيهِ الْخلاف وَأنْكرهُ الْعَلامَة صَاحب الْكَشَّاف وَتكلم عِنْد تَفْسِير قَوْله تَعَالَى {الَّذِي يتخبطه الشَّيْطَان من الْمس} بِمَا لَا تَدْعُو إِلَى تمحله الْحَاجة وَلَا يمس مُحَافظَة على قَاعِدَة إخوانه الْمُعْتَزلَة وَقد قابله كَلَام سعد الدّين بِمَا يَكْفِي ويشفي وَرَأَيْت سَيِّدي عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن الْمَنْصُور قد كتب على هَامِش حَاشِيَة السعد مَا لَفظه رَأينَا من هَذَا الشكل مَا يبهر الْعُقُول ويردع رائده عَن طرق الفضول انْتهى وَفِي ثَانِي شَوَّال توفّي الشَّيْخ الرئيس أَحْمد بن عَامر الجماعي من مَشَايِخ الْيمن الْأَسْفَل وَهُوَ الَّذِي تزوج إِحْدَى بَنَات شرف الْإِسْلَام الْحُسَيْن بن الْمَنْصُور وَفِي آخر شَوَّال سَار إِلَى مَكَّة بإمارة الْحَج السَّيِّد بدر الدّين مُحَمَّد بن صَلَاح الجحافي وَزِير الإِمَام وَعذر الْحَاج فرحان عَن ذَلِك لما حصل بَينه وَبَين الحرامية فِي الْعَام الْمَاضِي التَّجْهِيز على حُسَيْن باشا صَاحب الْبَصْرَة قد ذكرنَا فِيمَا مضى أَن الْحُسَيْن باشا صَاحب الْبَصْرَة أخرج عِيسَى باشا عَن وَكره وَضم قطره إِلَى قطره وَالْقدر يَقُول لعيسى أَنْت عَائِد إِلَى ربع ملكك الفسيح فاصبر كَمَا صَبر سميك الْمَسِيح حَيْثُ نسب إِلَيْهِ كل أَمر عَظِيم حَتَّى قيل هُوَ الْقَدِيم وَأحد الأقانيم وَأما الْحُسَيْن فقد ظلمك بسؤال نعجتك إِلَى نعاجه فسيرك التِّسْعَة وَالتسْعين بعد إزعاجه وَكَانَ عِيسَى قد عرض شكواه إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 الْأَبْوَاب وابتهل مَعَ ذَلِك فِي الْبَاب الَّذِي لَيْسَ دونه من حجاب فَجَاءَهُ من خبر ذَلِك الإبتداء أَنه قد لبي لَهُ فِي ذَلِك النداء وَفِي أثْنَاء ذَلِك أَخذ حُسَيْن باشا يقبل مِنْهُ فِي الذرْوَة وَالْغَارِب ويشعره بِأَنَّهُ مقلع عَن تِلْكَ الْأَحْدَاث تائب وَأَنه يعاود ملكه وَلَا ملامة وَيقدم إِلَيْهِ على الرحب والسلامة فَأَشَارَ عَلَيْهِ بعض خواصه بِالْإِعْرَاضِ وَذكر أَن هَذَا التذلل من هَذَا الْجَبَّار لأغراض وَأَنَّك لَا تأمن الغوائل وأهونها السم الْقَاتِل فقد سلف مِنْهُ إِلَى بعض من عَارضه هَذِه الدسيسة وتحققت من فعلاته هَذِه الفعلة الخسيسة فرجح عِنْد الباشا جَانب المشير وقضت الخيره بِهِ وَمَا نَدم المستخير وَأجَاب إِنِّي إنْشَاء الله قادم عَلَيْهِ وَأخذ بالتحرز الْكُلِّي لَدَيْهِ فَسَار إِلَيْهِ واتفقا على ذَلِك الْكَلَام وَتَنَاول لذيذ خطابه وَامْتنع عَن طَعَامه وَشَرَابه وانفصل إِلَى قطره ملحوظا بِعَين الاعظام نَافِذ السِّهَام ثمَّ لم يلبث الْحُسَيْن باشا أَن مَلَأت مسامعه الْأَلْسِنَة أَن البواش السُّلْطَانِيَّة والأمراء العثمانية قد أَقبلُوا إِلَيْهِ بالخول والخيول ورموا دَائِرَة مَمْلَكَته بأفلاذ كبد إسطنبول وَكَانَ قد ظهر فتكه وتأثل ملكه حَتَّى تسلطن على الْحَقِيقَة وَأخذ فِي يَده من صروف الأقدار وَثِيقَة فَلم عِنْد ذَلِك أَطْرَافه وَحمل مناواة صَاحب التخت أكتافه ووزع جيشوه على أَطْرَاف الْبَصْرَة وَرُبمَا ضرب تخت رمله وَنظر فِي النُّجُوم نظره وَمَعَ ذَلِك فَإِنَّهُ لاطف أُمَرَاء السُّلْطَان وعرفهم أَنه غُلَامه وبكرلبكيه وخدامه وَأَن الباشا عِيسَى قد طَابَ خاطره وقر بعوده على مَمْلَكَته ناظرة وَرُبمَا دس إِلَى الأكابر مَالا وَله مراهم فِي الْقُلُوب لَا تُوجد فِي كتاب مَالا وخوفهم بِأَنَّهُ مَقْصُود مدافع وَأَنَّهُمْ إِن لم يرجِعوا صب عَلَيْهِم الْبلَاء الْوَاقِع وَرمى بِنَفسِهِ إِلَى نحر المهالك وَكَانَ مَعَهم فِي الهلكة كصاحب مَالك حَيْثُ قَالَ (اقتلوني ومالكا ... واقتلوا مَالِكًا معي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 فعادوا عَنهُ إِمَّا لذاك وَإِمَّا لهَذَا وليتهم رجعُوا إِلَى اسطنبول يَتَسَلَّلُونَ لِوَاذًا فَإِنَّهُم عَادوا فِي هيعة وتجميع ونوبة وترجيع (فهم فِي جموع لَا يَرَاهَا إِبْنِ داية ... وهم فِي ضجيج لَا يحس بِهِ الْخلد ( قيل إِنَّهُم زهاء أَرْبَعِينَ ألفا من حَضْرَة السُّلْطَان ينضاف إِلَيْهِم جمع من بَغْدَاد وَكثير من الْبلدَانِ فَلَمَّا حصلوا فِي اسطنبول أَمر السُّلْطَان مُحَمَّد أعيانهم بالمثول وَقَالَ لَهُم أمرْتُم أَن تَأْتُوا بِحُسَيْن باشا فِي الْحَدِيد أم على هَذَا الْوَجْه الَّذِي يُنَافِي المرؤة ويسود وَجه الفتوة وَرُبمَا عرض الكبراء على السَّيْف وأذاقهم وبال الْميل والحيف وَكَانَ من خبر حُسَيْن باشا ثُبُوت الْوَطْأَة على مملكة الْبَصْرَة من هَذَا التَّارِيخ إِلَى سنة ثَمَان وَسبعين وَسَيَأْتِي هُنَاكَ تَمام الْخَبَر وَمَا رعفت بِهِ أنف الْقدر وَفِي ذِي الْقعدَة توفّي بالأبناء القَاضِي الْعَارِف الْهَادِي بن عبد الله الحشيشي وَكَانَ قد بلغ الشيخوخة وَكَانَ من أعوان الإِمَام الْقَاسِم بن مُحَمَّد وَولده الْمُؤَيد رَئِيس قومه بني حشيش وَأهل السِّرّ وَاتفقَ لَهُ تَعب كثير فِي ولَايَة سِنَان باشا فَإِنَّهُ شدد على عَالم الْفُقَهَاء الْبَوَادِي وَلما كَانَ الْمَذْكُور من جُمْلَتهمْ فر إِلَى بِلَاد خولان ورافق القَاضِي سعيد بن صَلَاح الهبل فبقى هُنَاكَ فِي حَال جميل حَتَّى دخل سِنَان باشا إِلَى خولان فهرب ورفيقه إِلَى بدبدة وَلم يشعروا إِلَّا وَقد أطل عَلَيْهِم من رُؤُوس الشواهق ولمعت من بطُون بنادقه البوارق وَكَانَ الْمَذْكُور مِمَّن الطّلب فِي أَثَره فألهم إِلَى تنكر الملبوس فَغير إِشَارَة الْفُقَهَاء وخلع عَن عَاتِقه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 الأزرار واعتم بالسباعية وتأزر بالإزار وبقى على ذَلِك نَحْو ثَمَانِي سِنِين حَتَّى أفضت الْبِلَاد إِلَى يَد جَعْفَر باشا وعاوده الْأمان فَعَاد إِلَى الأوطان وَفِي ذِي الْحجَّة مَاتَ بِالْمرضِ بِبَيْت القابعي عَالم وَاتفقَ مثله ببندر المخا وَدخلت سنة سِتّ وَسبعين وَألف فِي محرمها وصل حَاج الْيمن وَاتفقَ مَعَهم فِي الدُّخُول بعض شلش مَعَ الحرامية وَقتل مِنْهُم وَاحِد وَمن معسكر الْمحمل إثنان وَفِي هَذِه الْأَيَّام رَجَعَ صفي الْإِسْلَام أَحْمد بن الْحسن من الْجوف وَكَانَ فِي عزمه النّفُوذ إِلَى برط لتقرير الْوَاجِبَات وتمهيد الْأَحْوَال وَرُبمَا أَرَادَ ضبط الْبِلَاد بعمال فتفطن لذَلِك قُضَاة الْجِهَة وعلماؤها بني الْعَنسِي وَلَهُم الْوَاجِبَات تساق إِلَيْهِم بِغَيْر وَاسِطَة فاتفق رَأْيهمْ ورأي أَعْيَان برط أَن يسْتَدرك الصفي على وَجه خَفِي فحثوا الْبرد بالرسائل إِلَى الإِمَام وَإِلَى ابْن أَخِيه الْملك عز الْإِسْلَام بِمَا يتَضَمَّن أَن أَحْوَال الْبِلَاد فِي الصّلاح وَمَا هُنَاكَ خلل ومنادي طاعتها يُؤذن لدولتكم بحي على الْفَلاح حَيّ على خير الْعَمَل وصفي الْإِسْلَام لَا تحمله الْبِلَاد هَذِه الْأَيَّام والواجبات المفترضة فِي الْأَمْوَال قد توجه مصرفها من غير وَاسِطَة الْعمَّال فَعَاد أَحْمد بعد أَن نفذت تِلْكَ الرسائل ونجعت فِي خاطر الإِمَام وَعز الْإِسْلَام تِلْكَ الرسائل وفيهَا سَار الْأَمِير الْفَاضِل عبد الْقَادِر بن الْأَمِير النَّاصِر إِلَى حَضْرَة الإِمَام فَقضى حق الزِّيَارَة وَأَشَارَ إِلَى اتساع التَّكْلِيف بعض إِشَارَة ووقف مَعَ الإِمَام على أَمر يرجع إِلَيْهِ وَكَلَام فِي ذَلِك يحسن السُّكُوت عَلَيْهِ وفيهَا ساخت جبال بِالْيمن مِنْهَا جبل فِي جِهَة الأهجر حَتَّى كبس الطَّرِيق وَمنع الْمَارَّة عَنْهَا وَمِنْهَا بِبِلَاد كحلان وعفار وفيهَا مَاتَ الْفَقِيه الْعَلامَة بدر الدّين مُحَمَّد بن لطف الله الخواجا الشِّيرَازِيّ الأَصْل ثمَّ الصَّنْعَانِيّ بوطنه الجراف خرج وَفِي ربيع الآخر توفّي بحصن مُبين نَائِب حجه السَّيِّد مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن إِبْرَاهِيم الجحافي وَقعد مَكَانَهُ أَخُوهُ عَليّ بن الْحُسَيْن وَفِي هَذِه الْأَيَّام وصلت كتب مَكَّة معلنة بِخُرُوج الشريف بَرَكَات وَمَعَهُ جمَاعَة من عَسْكَر السلطنة وَصَاحب الْمحمل الْعِرَاقِيّ إِلَى محروس الْمَبْعُوث وَأَن الشريف يعد بن زيد سَار من الطَّائِف إِلَى بحيلة وَهِي مَا بَين الطَّائِف وبلاد بيشة وَفِي خَامِس ربيع توجه صفي الدّين أَحْمد بن الْحسن من الْغِرَاس إِلَى صنعاء فَبَاتَ بداره ثمَّ سَار إِلَى ضوران حَضْرَة الإِمَام بعد أَن أزعجه الإِمَام للوصول للخوض فِيمَا كَانَ سعد بن زيد ذكره من استدعاء عَسَاكِر لأخذ الْحَرَمَيْنِ وَقد ذكرنَا فِيمَا مضى مَا أَشَارَ بِهِ الصفي وَولده الْعزي وَفِي أثْنَاء ذَلِك وصل مَكْتُوب السنجق دَار مُحَمَّد شاويش بكرلبكي السلطنة ونائبها فِي الْخُرُوج على سعد يذكر فِيهِ أَنه بلغه رُجُوع بعض حَاج الْيمن وَأَنه سَاءَهُ ذَلِك وَرُبمَا أَن التخوف من جَانب الباشا حُسَيْن وَأَن الشريف سعد إِذا أَرَادَ الْخُرُوج إِلَيْكُم فاحذروا عَن مساعدته واسعوا فِي مباعدته فخروجه إِلَى الْيمن مَظَنَّة لتغير خاطر السُّلْطَان وَالرجل مَرْفُوع خَبره متبوع أَثَره فصادف كَلَامه شَيْئا فِي نفس الصفي وَمن أَشَارَ بشوره وَفِي جُمَادَى الأولى توفّي السَّيِّد الْعَلامَة صارم الْإِسْلَام إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد المؤيدي بِبَلَدِهِ العشة خَارج صعدة رَحمَه الله وَأعَاد من بركاته وَله الشَّرْح على هِدَايَة سَيِّدي صارم الدّين إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد وَشرح الكافل وَغير ذَلِك وَقيل أَن لَهُ مؤلفا فِي الْأَنْسَاب سَمَّاهُ الرَّوْض الباسم وَفِي نسب آل الْقَاسِم يَعْنِي الْقَاسِم بن إِبْرَاهِيم وَلم اقف عَلَيْهِ وَفِي هَذِه الْأَيَّام وصل مُحَمَّد عَامر من الْحَبَشَة إِلَى سَاحل المخا طريدا من سواكن بعد وُصُول عمر باشا إِلَيْهَا وَكَانَ قد أَسَاءَ إِلَى جَانب مصطفى باشا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 جده من شيراز وَاسْتقر وَالِده لطف الله وشكر الله بِالْيمن وَأما صنع الله وشهرمين فسافرا إِلَى مَكَّة واستقرا بهَا وَكَانَ للطف الله وَالِد صَاحب هَذِه التَّرْجَمَة فِي نعومة الْعَيْش والتنقل إِلَى أَمَاكِن النزهة وَالْأَحْوَال المبسوطة حَال لَا يُشَارِكهُ فِيهِ غَيره نَشأ وَلَده هَذَا على منهاج الطّلب ولازم حَضْرَة القَاضِي فَخر الدّين عبد (118) الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الحيمي رَحمَه الله فَأدْرك فِي الْمعَانِي والنحو وَالْأُصُول والمنطق وَدفن بخزيمة وأنيف قَبره وَوضع عَلَيْهِ صَخْرَة فِيهَا تَعْرِيف نسبه ومرثاة بليغة أَنْشَأَهَا القَاضِي الْعَلامَة مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم السحولي وَله نظم فِي نِهَايَة اللطف مِنْهُ الْمَقْطُوع الَّذِي سلف وَفِي جُمَادَى الأولى سَار الإِمَام من شهارة إِلَى حبور فصادف بهَا أَوْقَات روح وحبور وَاجْتمعَ هُنَاكَ من السَّادة آل جحاف بالعلماء الْأَعْلَام والكتبة الْكِرَام وَكَانَ كملاؤهم قد قَامُوا بمملكته وقعدوا فسعدت حَضرته بخدمتهم كَمَا سعدوا وَفِي هَذَا الشَّهْر سَار عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحسن بن الإِمَام من ذمار الكرد إِلَى الْيمن الْأَسْفَل، فسكن بيريم وَحسن التَّدْبِير لَا يبرح وَلَا يريم ثمَّ طَاف بعد ذَلِك فِي الْبِلَاد إِلَى أَن اسْتَقر بجبلة. وَفِي هَذِه السّنة خرج شرِيف من المأخذ عَن طَاعَة الإِمَام وَطعن فِي شَيْء من سيرته فِي الْأَنَام وَقَالَ أَن الْعَطاء قصر على نوع خَاص من تِلْكَ المصارف الثَّمَانِية وَرُبمَا تاقت نَفسه بعد ذَلِك إِلَى تُسنم الزعامة والتسمي بِالْإِمَامَةِ فَلَمَّا لم يتلق حَدِيثه بِالطَّاعَةِ والسمع وَرَأى لِسَان حَال النَّاس بِغَيْر الْجمع (أَصمّ لَا يسمع الشكوى وأبكم لَا ... يدْرِي الْمقَال وَعَن ال المشوق عمى) توجه إِلَى عمان وأقع عَن ذَلِك الشَّأْن وَيُقَال إِنَّه ركب الْبَحْر فَمَاتَ فِيهِ وفيهَا اسْتَقر شرف الْإِسْلَام الْحُسَيْن بن الْحسن برداع فَأصْلح سورها ونظم أمروها وفيهَا توفّي حَاكم زبيد القَاضِي إِسْحَاق بن جغمان من عُلَمَاء الشَّافِعِيَّة وَدفن بِمَدِينَة زبيد المحمية وَفِي شعْبَان وصل صفي الْإِسْلَام أَحْمد بن الْحسن من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 الخارد إِلَى حبور حَضْرَة الإِمَام بعد أَن استدعاه ليفاوضه فِيمَا يُجَاب بِهِ عَن الشاه بعد أَن وصل جَوَابه كَمَا سلف وَطلب فِيهِ الْإِعَانَة على التَّخْرِيج على ملك عمان لتوسطه بَين مملكتي الْيمن والعجم فَلَمَّا وَقع الْخَوْض فِي ذَلِك تولى الْجَواب بعض كملآء الحضرة بِأَن الرَّأْي أَن يسد هَذَا الْبَاب وَأَنْتُم الْآن أعنا بِمَا فِي قَاعِدَة مملكتكم من أَطْرَاف الإفتقاد وأنواع الإنتقاد وَالصَّوَاب طي هَذَا الْخَبَر والإشتغال بِمَا حضر وَأخذ يذكر الْوُجُوه المرجحة للتأخير فَوَقع كَلَامه من خاطر الإِمَام وَأجَاب على الشاه بِمَا مَضْمُونَة إِنَّا إِذا رَأينَا نهضة وقصدنا عمان وتقاضى الْحَال استمداد عون مِنْكُم مَال أَو رجال نبهناكم على ذَلِك وَمن الْأَسْبَاب فِي عدم تَمام التَّجْهِيز على صَاحب عمان عقابيل فتْنَة حُسَيْن باشا بِالْبَصْرَةِ وَكَون عز الْإِسْلَام (119) مائلا خاطره عَن هَذَا الرَّأْي بِالْكُلِّيَّةِ وَهَذَا أَمر عَظِيم لَا يعْقد من دونه مُفَاوَضَة ذَلِك الْملك الجسيم وفيهَا جَاءَت الْأَخْبَار بِوُقُوع خسف عَظِيم فِي تبريز من بِلَاد الْعَجم وَقد كثر فِي الزَّمَان الْمُتَأَخر وُقُوعه فِي الْعَجم وَلَعَلَّ حكمته لعن آخر الْأمة أَولهَا فَإِن وفور هَذِه السمه فِي بِلَادهمْ وَقد أخبر بعض الْحَنَفِيَّة أَن رجلا من بِلَادهمْ حرق الْمُصحف الْكَرِيم بالنَّار اسْتِخْفَافًا فَمَا جرأ عَلَيْهِ أحد وَلَا انتهره أحد وَلَا يبعد أَن يكون مجوسيا فَأن بِلَاد الْعَجم وَفَارِس كَانَت مَجُوسِيَّة قبل النُّبُوَّة وهوموز الْآن وَقع الْخَسْف بِبَعْضِه وخلا السَّاكِن عَن جَمِيعه وَهُوَ فِي سواحل جِهَات بِلَاد الْعَجم مِمَّا يَلِي بندر كنح وكنح من بنادر فَارس والعجم وَهُوَ فِي مملكة الشاه وَكَانَ الفرنج قد ملكوا هرموز فِي الْمِائَة التَّاسِعَة ثمَّ زَالَت دولتهم عَنهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 سانحة بِلَاد الأزبك متوسطة بَين الْعَجم وسمرقند وبخارى وَهِي على تل سَاحل الْبَحْر الْهِنْدِيّ وهم حِينَئِذٍ أشعرية وَلَا يزَال السَّيْف مُصْلِتًا بَينهم وَبَين الإمامية لتقارب الْبِلَاد وَلِأَن بَين المذهبين نِسْبَة التضاد وَهِي دَاخِلَة فِي مملكة صَاحب سَمَرْقَنْد الشريف عبد الْعَزِيز وَهُوَ سُلْطَان مُسْتَقل لَهُ مَا وَرَاء النَّهر من بِلَاد الْإِسْلَام إِلَى حُدُود الْهِنْد فِي الْجِهَة الْبَريَّة مثل كاشغر وبلاد سَمَرْقَنْد وبخارى وَكثير من بِلَاد التّرْك الْمُسلمين فِي جِهَة الْمشرق ويليه بالوسط بِلَاد الشاه وَهِي جبال فَارس وشيراز إِلَى حُدُود تبريز وأصفهان يُحِيط بهَا من الْمغرب بَحر فَارس وَمن الْمشرق وبلاد مَا وَرَاء النَّهر وَهِي سَمَرْقَنْد وبخارى الْمَذْكُورَة والسند لَهُ ملك مُسْتَقل كالهند وَالتّرْك وخاقان ملك التّرْك ملكه إِلَى الْبَاب والأبواب يَلِي سد يَأْجُوج وَمَأْجُوج وأطراف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 التّرْك فِي الْمشرق لَا يدْرِي الْآن هَل دخل أحد مِنْهُم فِي الْإِسْلَام أم الْكل باقون كَمَا كَانُوا عَلَيْهِ أَيَّام فتوح الدولتين الأموية والعباسية وَأما جَمِيع بِلَاد سَمَرْقَنْد وَهِي بِلَاد التّرْك الَّتِي تقرب إِلَى جِهَة بِلَاد الْإِسْلَام فهم مُسلمُونَ من أَيَّام العباسية وفتوحاتهم وَأما مَا خلفهَا فَالظَّاهِر أَنهم من التتر إِلَى حُدُود الصين وهم خلق كثير لَا يعْرفُونَ الْإِسْلَام وحد بِلَاد ابْن عُثْمَان صَاحب الرّوم الْبَصْرَة وَالْعراق والموصل وَأعظم هَؤُلَاءِ الْمُلُوك ملكا وآبهة واقتدارا هُوَ صَاحب الرّوم هَذَا مَا تَلقاهُ بعض النقلَة عَن لِسَان الشَّيْخ الْعَارِف مُحَمَّد بن الْحسن الملا الْحَنَفِيّ والعهدة عَلَيْهِمَا وَالله أعلم (120) وفيهَا مَاتَ الْفَقِيه أَبُو بكر عبد الله صفير بالصَّاد الْمُهْملَة المضمومة وَالْفَاء الْمَفْتُوحَة وَالْيَاء المثناه التَّحْتِيَّة وَالرَّاء الْمُهْملَة وَرَأَيْت لَهُ شعرًا مقفا مَوْزُونا يمدح الإِمَام الْأَعْظَم الْقَاسِم بن مُحَمَّد. وَفِي ذِي الْحجَّة من هَذِه السّنة استدعا صفي الْإِسْلَام أَحْمد بن الْحسن قَبيلَة هَمدَان. لتسويد الْعِيد فتأهبوا للوصول وَبلغ بني الْحَارِث أَنهم سيضربون الطبل عِنْد الْمُرُور من بِلَادهمْ إِلَى الْغِرَاس فتحزبوا وتحرشوا وتنصبوا وأشعروا هَمدَان إِن من دون ذَلِك اخْتِلَاف المران وانعكاس المشرفية وإطراد الأعوجية فَإِنَّهَا بادرة تكون عَلَيْهِم فِيهَا عَار ويحلقهم من أجلهَا ظنية وشنار فَجَاشَتْ خواطر هَمدَان وَقَالُوا لَا بُد من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 الْمُرُور غَايَته أَن تصطدم الرؤوس وتندق الصُّدُور فَنحْن الملا والغرانيق الْعلَا سابقتنا قديمَة ومنزلتنا عِنْد الْأَئِمَّة والملوك فخيمة وَنحن شيعَة أَئِمَّة الدّين وَالْمرَاد بقول أَمِير الْمُؤمنِينَ (فَلَو كنت بوابا على بَاب جنَّة ... لَقلت لهمدان ادخُلُوا بِسَلام) فيا صَبَاحَاه لمصافحة الصفاح وَاخْتِلَاف خرصان الأرماح. فَلَمَّا نقل هَذَا التقاول إِلَى الإِمَام استدعى إِلَى حَضرته صفي الْإِسْلَام فوصل الصفي إِلَى صنعاء فَكَانَ ذَلِك حدا للخصام حَيْثُ حوا جمعا ومنعا وَفِي ذِي الْحجَّة خسف الْقَمَر ببرج الْقوس وَفِي ثَانِيَة توفّي السَّيِّد الْعَلامَة المؤرخ المطهر بن مُحَمَّد الجرموزي المفضلي بِبِلَاد ولَايَته عتمة وَدفن بهَا وَكَانَ قد جمع سيرة الْإِمَامَيْنِ الْمَنْصُور بِاللَّه وَولده الْمُؤَيد وطرفا من سيرة المتَوَكل وَلم أَقف عَلَيْهَا عِنْد رقم هَذَا الكشكول ليتصل بصفحات خَبره من قميصها ذيول وَولى عتمة فاستمر بهَا من دولة الْمُؤَيد إِلَى وَفَاته فِي عشر الثَّمَانِينَ ممتعا بسمعه وبصره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 وَحين عرف الشَّيْخ رَاجِح الكينعي عَامل الإِمَام على دكة تعز أَنه لَا يتم لَهُ مَعَ عَامل عز الْإِسْلَام مُرَاد وَإِن الِاشْتِرَاك مَظَنَّة للْفَسَاد اعتذر هَذِه الْأَيَّام عَن نيابته وَاعْتَزل وَمن أمثالهم مكره أَخُوك لَا بَطل فَسَار إِلَى حَضْرَة ولي السَّعَادَة وَرُبمَا وَله فِي بَاطِن الْأَمر إِرَادَة. وَدخلت سنة سبع وَسبعين وَألف فِي محرمها وصل خبر الْحَج بالسداد فَلم يتَّفق فِي حرم الله شَيْء من الإحاد غير أَن حَاج الْعرَاق انْقَطع بِسَبَب مَا اتّفق من فتْنَة حُسَيْن باشا وَحج بِهَذِهِ السّنة الْمُتَقَدّمَة السَّيِّد الْعَلامَة جمال الْإِسْلَام فَرُبمَا حاول وَقْفَة من الشريف زيد فَاعْتَذر عَنْهَا وَاتفقَ بِالْيمن شدَّة (120) لتأخر معالم الْمَطَر وَظُهُور الْجَرَاد الَّذِي كثر وانتشر ثمَّ رخصت بآخر السّنة الأسعار واضمحلت أَسبَاب الأعسار وَفِيه قرر الإِمَام على بِلَاد الحمية المجبا والضمانة وَكَانَت قبل مسوقة إِلَى الإِمَام بالأمانة لسوالف صنعوها مَعَ الْمُؤَيد يسْتَحقُّونَ بهَا التَّقْرِيب والتقرير لليد فَكَانَ الْبَعْض تساهل فِي الْحق الْوَاجِب وَلم يعرف أَنه ضَرْبَة لازب وَوجه الْمصلحَة مَكْشُوف والخرص دَلِيله مَعْرُوف وَلما امْتَنعُوا وارتفع مِنْهُم جمَاعَة إِلَى حَضْرَة الإِمَام شاكين لم يشكهم الإِمَام وَاسْتقر مَا أَرَادَهُ من الْأَحْكَام وَفِيه سَار الإِمَام من محروس شهارة إِلَى سَوْدَة شظب لأحوال تقاضت وأسرار نظر فاضت. وَفِي رَابِعَة وفدت أَخْبَار مَكَّة بوفاة زيد بن المحسن وَهُوَ أميرها الْمَشْهُور وهزبهرها الهصور وَإِلَيْهِ أَيْضا من السُّلْطَان نِيَابَة الْحجاز وَالْمَدينَة وينبع والصفراء وعنزة وَبدر وخيبر ونجد الأعلا كالطائف وَمَا يتَّصل بِهِ من الْيَمَامَة إِلَى بيشة إِلَى بِلَاد البديع الَّتِي بهَا الشَّيْخ الجميلي إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 الصفده إِلَى حلي إِلَى عتود وبيش ورثاه الشَّيْخ صارم البلاغة إِبْرَاهِيم ابْن صَالح الْهِنْدِيّ بقوله (بِأبي الْمجد عز أم الْقُرَّاء ... وابك زيدا يَا عمر أَي بكاء) (واجر حَمْرَاء دمعتيك لوجه ... وسدوه بالراحة الْبَيْضَاء) (مَاتَ من قدحه الْمُعَلَّى وأضحى ... ثاويا فِي ضرائح المعلاء) (يَا لناع أَصمّ لما نعاه ... أذن المكرمات والعلياء) (قرح الْقلب فِي الْمقَال بغيه آل ... تُرَاب كم قد أثار من برحاء) (يَا خليلي سَائِلًا كل ركب ... أصحيح ممات زيد الْعَلَاء) (واسألا عَن مشاعر الْبَيْت فالطائف ... والمنحنا فشعب مناء) (لَا عَجِيب لطيبة أَن نَعته ... وبكته بِعَينهَا الزَّرْقَاء) (واسألا عَن أبي قبيس أباق ... هُوَ أم قد هوى إِلَى الْبَطْحَاء) (إِذا مَا بَكت بِعَين حنين ... بكة عَن حنين صَاد وباء) (وَقَلِيل أَن يحزن الْحجر الْأسود ... فالحزن عَادَة السَّوْدَاء) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 (كم قُلُوب سعت إِلَى جمرات ... الكرب واستسلمت إِلَى المسعاء) (ونفوس سَالَتْ على مروة الوجد ... ومالت عَن عهد ذَاك الصفاء) (ومقام إِبْرَاهِيم لم يَك بردا ... وَسلَامًا عَلَيْهِ نَار الأساء) (وَلكم قد بَكَى لَهُ الرُّكْن وَالْحجر ... بِعَين من زَمْزَم قرحاء) (وَترى الْكَعْبَة الشَّرِيفَة لاحت ... فِي حداد الرزية الداداء) (وحجيج الشَّام لما نعاه ... ذكر الْمُلْتَقى على الصَّفْرَاء) (وشجى يَوْم مَوته ركب مصر ... فبكاه بدمعة حَمْرَاء) (أَي رزء عَم البسيطة كربا ... مثل يَوْم الشَّهِيد فِي كربلاء) (ومصاب لَدَيْهِ جدلت الآمال ... صرعى وأسود وَجه الرَّجَاء) (لَا تسل عَن عفاته أَيْن صَارُوا ... لَحِقُوا بالعقاب والخنساء) (حَملته بَنَات نعش فأمسوا ... وهم فِي منَازِل العواء) (حامليه على السرير رويدا ... لَيْسَ بالمستطاع حمل حراء) (دافنيه فِي الرمس مهلا أفيقوا ... لَا تواروا بالترب شمس الضحاء) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 (حاذروا كَفه فَذَاك عباب ... موجه طافح بفيض النداء) (كَانَ جيدا كم رمت أهدي إِلَيْهِ ... قبل هَذَا الرثاء در ثَنَاء) (فعزيز على البلاغة أَن تبدل ... در الثنا بجزع الرثاء) (أَيْن أخلاقه الْكَرِيمَة كَانَت ... ذَات زهر كالروضة الْغناء) (أَيْن أقلامه وَأَيْنَ مواض ... مِنْهُ تجْرِي فِي الدَّهْر مجْرى الْقَضَاء) (أَيْن خطيه المثقف إِمَّا ... دارت الْحَرْب فَهُوَ قطب الرحاء) (أَيْن شهباء جرده حِين أضحى ... ثاويا وسط بَاطِن الشَّهْبَاء) (عظم الله يَا صفي الْمَعَالِي ... لَك أجرا فِي سيد النبلاء) (فِي أَخِيك الشريف زيد ومحض آل ... ود فِي الْبعد مُؤذن بالإخاء) (كَيفَ وَالْجَامِع السلالة مِنْكُم ... نسب يعتزى إِلَى الزهراء) (والملوك الْكِرَام فِي النَّاس أكفاء ... وَحسن العزاء للأكفاء) (أَنْتُم يَا بني الإِمَام وَزيد ... وَبَنوهُ كأنجم الجوزاء) (عز مِنْهُم مُحَمَّدًا أَو أَخَاهُ ... أَحْمد الْجَعْد وَاضح الأنباء) (ثمَّ عز الْهمام سَعْدا فسعد ... فَهُوَ فأل الْخلَافَة القعساء) (آس قلبا فِي صَدره الرحب شهما ... فزوال الأساء بالتاساء) (وبخير الورى التأسي وبالماضين ... وَالتَّابِعِينَ وَالْخُلَفَاء) (قل لَهُ أَنْت مرهف لَيْسَ تخشى ... صدءا من حوادث الْجلاء) (لم يمت يَا أَخا السِّيَادَة لَيْث ... أَنْت فِي غابه صَنِيع الحماء) (لَا وَلَا يطرى الحسود ببدر ... أَنْت سَار من أفقه فِي سَمَاء) (فاستنر كَوْكَب السرُور فقد لَاحَ ... لومض العزا بحس الهناء) (لَا تضق عَن أَبِيك ذرعا فزيد ... خَالِد وسط جنَّة الماواء) (صَار فِي زمرة النَّبِي وسبطيه ... وضيف البتول والمرتضاء) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 (غَابَ مستكرم السجية وَالْفضل ... حميد الأصباح والأمساء) (وَسَلام عَلَيْهِ تترى وجادت ... تربه كل دِيمَة وطفاء) وَدفن بِمَكَّة المشرقة على شرفها أفضل السَّلَام وَرَحْمَة الله إضطراب أَحْوَال الْأَشْرَاف وتقرر الْملك لسعد بن زيد فتطاول الشريف حمود إِلَى أَن يكون صَاحب البندر الْمَعْقُود وَهُوَ خليق أَن يصعد عَلَيْهِ التَّاج وَيكون أَمِير تِلْكَ الفجاج لتِلْك النخوة القرشية والحركات السبعية وَلَا يحوط جَانب ذَلِك الْمقَام سِيمَا مَعَ غربَة الْإِسْلَام غير من أطْعم الأساد وأروى الصعاد إِذا هَمهمْ مَالَتْ الْأسد عَن طرقه وَإِذا غضب خلع هياكل السلطنة من عُنُقه (وُصُول إِلَى المستصعبات بِرَأْيهِ ... فَلَو كَانَ قرن الشَّمْس مَاء لأوردا) وَمَا المُرَاد أَهْلِيَّته لأجل مُلَاحظَة أَحْوَال الشَّرْع فَسَيَأْتِي أثْنَاء هَذَا التَّارِيخ مَا يقْضِي أَنه من رواء ظَهره لكنه كَانَ بِمَكَّة يَوْمئِذٍ من أعتام الْجَهْل من الْعَرَب وَالتّرْك وَالْعَبِيد وَغَيرهم من لَا يقمع رؤوسهم الأسيفه وَلَا يقوم إعوجاجهم إِلَّا حيفه فالحال كَمَا قَالَ (قد استشفيت من دَاء بداء ... وَأكْثر مَا أعلك مَا شفاكا) لَكِن اتّفق أَن زيدا أَنْجَب أَوْلَادًا كَانُوا أعلق بذيل نِيَابَة السُّلْطَان وَأشهر إِلَى خاطر الأميرين ذِي الفقار وَشَعْبَان وَأكْثر الْميل إِلَى الشريف سعد وأخيه مُحَمَّد فاغتنم غَفلَة الشريف مُحَمَّد وَكَانَ يَوْمئِذٍ بِالْمَدِينَةِ وسنانه أطول وسنه أكبر وَأجل وَحين قضيت إِمَارَة سعد بلَيْل نَادَى مُحَمَّد يحيى بالثبور وَالْوَيْل وَقَالَ كَيفَ إِمَارَة الْأَحْدَاث لَا بُد أَن يجر على هَذَا المنصب أَنْوَاع الْأَحْدَاث وَيدل على إجتثاث هَذِه الرُّتْبَة من أَصْلهَا كَمَا دلّت فِي سالف الزَّمَان براقش على أَهلهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 (أوردهَا سعد وَسعد مُشْتَمل ... مَا هَكَذَا تورد يَا سعد الْإِبِل) إِلَى كَلَام يخب فِيهِ وَيَضَع وتوجع عَظِيم لَو نفع وَكَانَ انتصاب سعد مَشْرُوطًا بِرَفْع خَبره إِلَى الْأَبْوَاب وَمَا جَاءَ من هُنَاكَ فَهُوَ الْمُعْتَمد وَالصَّوَاب وَرُبمَا أَن رفع هَذِه الْقَضِيَّة إِلَى مسامع السلطنة العثمانية كَانَ عقب دس البراطيل الَّتِي انْتفع بهَا كم من عليل وانتقع بهَا كم من غليل فَوَقع الِاتِّفَاق من نَائِب جدة وَسَائِر أَعْيَان مَكَّة على أَن يرفعوا خبر الشريف زيد وَإِنَّهُم متوقفون على من تنْسب إِلَيْهِ تِلْكَ الْبقْعَة وَيذكر بِالْخطْبَةِ مَعَ صَاحب التخت وَتخرج برسمه الخلعة وَتَأَخر الْجَواب إِلَى رَجَب هَذِه السّنة ثمَّ ورد لسعد بِولَايَة مفوضة ودولة مُمكنَة فَكَانَ أَخُوهُ أَحْمد خَادِم إِشَارَته وَهَارُون وزارته فَالْتَفت سعد إِلَى ضبط المملكة بجأش ثَابت وَقدم أرسخ من الثوابت تركع بَين يَدَيْهِ الْأَشْرَاف والملوك وتزهوا باسمه ورسمه المنابر والصكوك وَحين لباه الْقدر وأسعد وَمَال عَن الشريفين حمود وَأحمد تردد فِي جَوَانِب الصَّفْرَاء وينبع وَتلك الديار مستندين فِي إِمْضَاء الْأَحْكَام إِلَى قَائِم السَّيْف البتار (وَمن تكن الْأسد الضواري جدوده ... يكن ليله صبحا ومطعمه غصبا) وَفِي آخر ربيع الثَّانِي سَار إِلَى برط السَّيِّد بدر الدّين مُحَمَّد بن عَليّ الغرباني وانفذ رِسَالَة إِلَى الإِمَام تَتَضَمَّن الْقدح فِي شَيْء من الْأَحْكَام وَهَذَا السَّيِّد لَهُ فطنة قَوِيَّة وبلاغة عُلْوِيَّهُ وَبَاعَ فِي الْعُلُوم غير قصير وَنظر إِلَى سَائِر الكمالات غير حسير غير أَن الولايات أرزاق وَلَيْسَ التقيد بهَا لكل كَامِل على الْإِطْلَاق وَفِيه رفع الإِمَام مَا كَانَ وَضعه بالأسواق وَلم يبْق من القبالات إِلَّا مَا كَانَ من قبل وَفِي جُمَادَى الأولى اتّفق بِصَنْعَاء وَقت الضُّحَى زَلْزَلَة ورجفات وَمَضَت بهَا وَمَا حولهَا جَراد لم يعْهَد مثلهَا فِي الْكَثْرَة قيل أَنَّهَا ارْتَفَعت من بطُون تهَامَة إِلَى الْجبَال ثمَّ انتشرت فِي الشَّام حَتَّى بلغت دمشق وحلب ثمَّ انْتَهَت إِلَى الرّوم وَلم تعاود الْيمن إِلَى سنة خمس وَثَمَانِينَ كَمَا سَيَأْتِي وَوجد مكتوبات فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 أذنابها برقم نميم مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم فسبحان الْقَادِر الْحَكِيم واضطربت هَذِه الْأَيَّام أَحْوَال الْأَشْرَاف وَخَافَ كل وَاحِد على نَفسه التلاف وَفِي نصف جُمَادَى الْآخِرَة خسف الْقَمَر عِنْد طلوعه ببرج الجوزاء وفيهَا أخبر تجار عمان الواصلون إِلَى الْيمن إِنَّه قد برز أَمر السُّلْطَان صَاحب القسطنطنية بالتجهيز على حُسَيْن باشا صَاحب الْبَصْرَة وعَلى ذكر الْبَصْرَة فَهِيَ الْآن فؤاد قطرها وَقَاعِدَة مصرها تنْسب تِلْكَ الْبِلَاد إِلَيْهَا على الْعُمُوم ويستقر بتختها مَنْصُوب الرّوم بهَا قُصُور وبروج يَتَخَلَّل حريمها بساتين ومروج وَلها نهر مجرور من دجلة يمْضِي فِي كل شوارعها ويتبلبل فِي حافتها فيلذ لمسامعها ولشعبه إِلَى بيوتها جداول مدمجة ينصب مِنْهَا إِلَى حِيَاض مصهرجة فينتفع بِهِ أتم الإنتقاع ثمَّ يُرْسل إِلَى تِلْكَ الْبَسَاتِين فيجاوب أطيارها بأفنان التلاحين وَيقبل أَرض رياضها المغدقة ويتلوث بأقدام أَغْصَانهَا المورقة فطوبى لمن وَصلهَا بِفضل الرّبيع واستملى من أزاهر أفنانها فن البديع ظلّ أَغْصَانهَا حَاجِب للشمس وَلَا يَأْذَن إِلَّا للنسيم لِأَن كل غُصْن ملك متوج من زهره بدر نظيم وطيرها لحنه فَارسي مُعرب التلحين فَلَو تكلم بِلِسَان عَرَبِيّ مُبين لأفصح معربا وَأنْشد مطربا (بَادر لروضك تلق فِيهِ مهيئا ... للقاك بِالْمَعْنَى الَّذِي يسْتَغْرق) (فالطير تشدو والنسيم محركا ... والغصن يرقص والغدير يصفق) وَلها فضل على بَغْدَاد بتخلل النَّهر جَمِيعهَا فَلِكُل حارة مِنْهَا حَظّ مقسوم وَشرب مَعْلُوم وَتلك لاستعلاء بَعْضهَا عجز نهرها عَن سير الِارْتفَاع وانسابت ثعابينه فِيمَا انحدر من الْبِقَاع وَأما الْكُوفَة فَهِيَ الْآن خراب لَا يسكنهَا غير الضبا والضباب شعرًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 (لبلدة سامراء قد فاض سرها ... فسبحان حامي سر مرا وماحيها) وَفِي سَابِع وَعشْرين من رَجَب توفّي القَاضِي الْعَلامَة فَخر الْإِسْلَام عبد الْقَادِر ابْن عَليّ المحيرسي بِبَلَدِهِ المحيرس من أَعمال الشاحذية ولي الحكم هُنَالك فسلك فِيهِ أَيمن المسالك بقدم وَاقِف فِي الْعُلُوم على تخوم الرسوخ وغرار فهم يقطع من مقاولة الْخُصُوم عرق اليافوخ قَرَأَ على الْعَلامَة الْمُفْتِي بعلمي الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول وَوَافَقَ رَأْيه فِي مختارات الْأُصُول وَكِلَاهُمَا متشرع فِي بَحر الْحجَّة مُحَمَّد ابْن إِبْرَاهِيم مشرع إِلَى بَحر الشّبَه خطى تصميمه الصميم وَقد دَار بَينه وَبَين الإِمَام كؤوس خلاف هِيَ الذمن المدام وَكَانَ القَوْل فِيهَا مَا تَقول حذام وَمن رأى مَا فِي كتابي الإيثار والعواصم من تيسير جعل الْخلاف لفظيا أعرض عَن تَطْوِيل تِلْكَ الأبحاث ونبذها ظهريا وَمَا أحسن قَول صَاحب الْجمل (يَكْفِيك من جِهَة العقيدة مُسلم ... وَمن الْإِضَافَة أحمدي حيدري) وَقد لَاقَى حَاصِل مَعنا قَول بن دَقِيق الْعِيد (تجاوزت حد الْأَكْثَرين إِلَى الْعلَا ... وسافرت واستبقيتهم فِي المراكز) (ولججت فِي الأفكار حَتَّى تراجع ... اخْتِيَاري إِلَى اسْتِحْسَان دين الْعَجَائِز) قلت حَدِيث عَلَيْكُم بدين الْعَجَائِز قَالَ السخاوي لَا أصل لَهُ لَكِن عِنْد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 الديلمي من حَدِيث مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْبَيْلَمَانِي عَن أَبِيه عَن ابْن عمر مَرْفُوعا إِذا كَانَ فِي آخر الزَّمَان وَاخْتلفت الْأَهْوَاء فَعَلَيْكُم بدين أهل الْبَادِيَة وَالنِّسَاء وَابْن الْبَيْلَمَانِي ضَعِيف جدا قَالَ ابْن حبَان حدث عَن أَبِيه بنسخة مَوْضُوعَة لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ انْتهى من مؤلفات صَاحب التَّرْجَمَة حَاشِيَة على شرح الأزهار قرر فِيهَا طَهَارَة رُطُوبَة الْكفَّار وَهُوَ الَّذِي نَهَضَ بِهِ الدَّلِيل كَمَا قَرَّرَهُ الْأَمِير الْحُسَيْن وَصرح بِهِ فِي بعض شُرُوح الْبَحْر وَإِن الطَّلَاق يتبع الطَّلَاق حَيْثُ كَانَ بِأَلْفَاظ وأحسب أَن لَهُ شرحا على الثَّلَاثِينَ مسئلة فقد مِنْهُ نُسْخَة منسوبة إِلَيْهِ وفيهَا من الْعبارَات الرائقة والتحقيقات الفائقة مَا يسلب الأذهان ويهلى عَن صغد شغد سَمَرْقَنْد وَشعب بوان وَله جَوَاب على الْفَقِيه الْعَلامَة أَحْمد بن مطير فِي شَأْن المعونات الَّتِي يَأْخُذهَا أَرْبَاب الْأَمر وَفِي هَذِه السّنة جَاءَت الْأَخْبَار بوفاة الشاه عَبَّاس بن الشاه صفي بن الشاه عَبَّاس ملك الْعَجم فتسنم تَحْتَهُ أحد أَوْلَاده ثمَّ قَتله سُلَيْمَان أَخُوهُ وَمَشى فِي رسمه وتقلد عضب حكمه وباء بإثمه وإثمه وَسَببه الْحَسَد الَّذِي مَا خلا عَنهُ جَسَد (دَاء دَعَا قابيل من قبله ... إِلَى الَّذِي أحدث فِي صنوه) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 قَالُوا وَغير سُلَيْمَان هَذَا كثيرا من أَحْدَاث وَالِده الَّتِي كَانَ قد تطهر بهَا مثل الْخمر والبغايا وهم بِالْمَنْعِ عَن نِكَاح الْمُتْعَة فصده عَن ذَلِك عُلَمَاء الإمامية فِي زَمَنه وَكَأَنَّهُم هموا بالتسجيل عَلَيْهِ إِنَّه صادم الشَّرْع المسكوك وَهُوَ المفتعل المأفوك ولعوام الْعَجم وَالروح جنوح إِلَى تَنْفِيذ مَا يصدر عَن عُلَمَائهمْ حَقًا كَانَ أَو بَاطِلا واشتهر بِهَذَا عَسَاكِر الأروام فَإِن صَاحب تختهم مَتى صدر عَنهُ مَالا يرضاه الْعلمَاء نهضوا إِلَى شيخ الْإِسْلَام وَجمع بِحَضْرَتِهِ أهل الْحل والإبرام وحرر بمشهدهم سجلا يتَضَمَّن أَن السُّلْطَان قد تعطل عَن الْمصلحَة أَو غلب فَسَاده صَلَاحه وَبِذَلِك يتَوَجَّه رَفعه وَيتم خلعه وَأَن الحنكار الْأَعْظَم والجناب الْمُعظم الَّذِي كملت بِهِ الْمَقَاصِد وعرى من وُجُوه الْمَفَاسِد الْوَاجِب على من تحمل كلمة التَّصْدِيق وَتمسك من الشَّرْع بِحَبل وثيق أَن ينصر ألويته ويحف أنديته ثمَّ يضع شيخ الْإِسْلَام عَلَيْهِ خَتمه فيلتزم من عداهُ من الْعلمَاء الحضار خَتمه ثمَّ يفاض الْأَمر على وَزِير التخت فيشعر من عداهُ وَيتم الدست فَإِن قبل المخلوع قوبل بالسلامة وَإِلَّا نَالَ عواقب الندامة وَقد يعْدم الْأمان فيتمناه وَقد يذهب الَّذِي فِيهِ عَيناهُ وَمَعَ عدم تَفْرِيط سُلَيْمَان فَإِنَّهُ نزل من الإفراط بمَكَان وَلم يعلم أَن تعمق التَّطْهِير للفرحين مَظَنَّة للْفَسَاد وَأَنه (رُبمَا أخرج الحزين جوى الْحزن ... إِلَى غير لَائِق بالسداد) (مِثْلَمَا فَاتَت الصَّلَاة سُلَيْمَان ... فأنحنا على رِقَاب الْجِيَاد) نقل عَنهُ فِيمَن سكر بِالشرابِ أَنه أفرغ فِي حلقه الرصاص الْمُذَاب وَفِي رَجَب وصل إِلَى حَضْرَة الإِمَام مَنْدُوب السُّلْطَان مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن أَحْمد خَان بن عُثْمَان صحبته هَدِيَّة لَيست بسنية وَفِي صحبته جمَاعَة من بواردية الإنقشارية والأسباهية فانقبضت عَنهُ الخواطر وَلم تقر بِمَا جَاءَ بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 النواظر وأقصي عَن حَضْرَة الإِمَام بعد أَن مازجت الخواطر مِنْهُ أَوْهَام فأثابه الإِمَام بِمَا يَلِيق وَدلّ على قَارِعَة الطَّرِيق فَتوجه طَرِيق صنعاء وَقد ارْتَفع إِلَى الْخَواص بعض خَبره وَإنَّهُ أظهر فِيمَا بعد أَن الْهِنْد مُنْتَهى سَفَره فَلَمَّا وصل صنعاء وَبهَا عَسَاكِر صفي الْإِسْلَام أَحْمد بن الْحسن وهم فِي أبهة لَهَا أساليب يرتجف لَهَا فؤاد شبيب وَقَائِدهمْ داهية فِي سربال وفارعة يقوم بهَا قِيَامَة الْأَبْطَال (أَسد دم الْأسد الهزبر خضابه ... موت فريص الْمَوْت مِنْهُ يرعد) فَمَلَأ بِهِ النواظر وَلَقي مِنْهُ الهزبر الكاشر لكنه أَخذ يقلل حَاله فِي أعين النَّاس ويخبر عَن كَثْرَة شجعان بِلَاده وَمَا هم عَلَيْهِ من الباس ويخبر أَنه برز أَمر السُّلْطَان قبل الْعَام الْمَاضِي بالتجهيز على الفرنج وَأَن تعْمل المذاكي وتلمع المواضي فَرَمَاهُمْ على سَبِيل الْفَوْز بسبعة لكوك فصادف سُقُوط الثَّلج الَّذِي سد عَلَيْهِم طرق السلوك فاغتنم الفرصة الإفرنج وَقتلُوا مِنْهُم خلقا عديدا {هُنَالك ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وزلزلوا زلزالا شَدِيدا} بعد أَن تراموا بالزبارط والمكاحل ثمَّ اجتلدوا بِالرِّمَاحِ والمناصل وَكَانَت الدائرة بالهزيمة على الْمُسلمين وريح النَّصْر خافقة بهَا ألوية الْكَافرين وَلم يعد غير نصفهم إِلَى اسطنبول فَوَعَدَهُمْ السُّلْطَان بنيل السول ثمَّ كمل بهم عدَّة عشرَة لكوك وربط فيالقهم وكراديسهم بالبواش والوزراء والملوك وأنفذهم كالنصال إِلَى نحور الفرتقال فأنسوهم لَيْلَة الهرير وحصدوا من رقابهم الجم الْغَفِير ثمَّ قَالَ مَا هَؤُلَاءِ الَّذين فِي حضرتكم إِلَّا فِي عدَّة أهل البلطات وهم الَّذين يحملون زبر الْحَدِيد تجاه الْجَيْش لإِصْلَاح الطرقات فَتلقى حَدِيثه بِعَدَمِ الْجِدَال وحملت حماسته على كَاهِل الِاحْتِمَال وَلما وصل إِلَى حَضْرَة عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحسن بن الإِمَام وأشرف على العرضة الَّتِي عقدت بقاع جبلة فَرَأى أساليب الأروام بِتِلْكَ النّوبَة الَّتِي يحمحم لَهَا الْجواد الصَّافِن ويحترك لَهَا الْفُؤَاد السَّاكِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 (وَشرب أحمت الشعرى شكايمها ... ووسمتها على أنافها الحكم) وَكَانَت خيوله فِي قدر ألف عنان على أَكْثَرهَا فرسَان الرّوم والمولدين والسودان ثمَّ حول نظره إِلَى عَسَاكِر الرماح والبنادق والغواشي والرايات والألوية والبيارق فَرَأى ترتيبا دَاخله مَعَه من الْإِعْجَاب مَا أجرا على لِسَانه الصَّوَاب ثمَّ قَالَ إِذا كَانَ وَلَا بُد من مليك بِالْيمن فَهُوَ هَذَا مَوْلَانَا مُحَمَّد بن حسن ثمَّ بعد أَيَّام انْفَصل عَن حَضْرَة عز الْإِسْلَام وَقد ثقل كَاهِله بنواله وقلد جيده بأفضاله فَسَار إِلَى المخاثم خَاضَ الْبَحْر وأعمى خَبره إِلَى الْآن وَذهب حَيْثُ ذهب القارضان وَفِي هَذَا الشَّهْر ارْتَفَعت الأسعار قصَّة يهود الْيمن ودعواهم تحول لملك إِلَيْهِم لعنة الله عَلَيْهِم وَفِي رَجَب ظهر عَن الْيَهُود مَا فِيهِ قبح وشناعة واستحكم عَلَيْهِم السخف وَنِهَايَة الخلاعة (وسخيف من سَاءَهُ الْمَنّ والسلوى ... وأرضاه الفوم والقثاء) فتأهبوا للاقلاع عَن الْمقَام واللحوق بأخوانهم بِبَيْت الْمُقَدّس وَالشَّام وَادعوا أَن ملكهم الْمَسِيح بن دَاوُود قد ظهر واستتب لَهُ الْملك وَتمّ فباعوا أمتعتهم ببخس الْأَثْمَان وتأهبوا للاجتماع على الْمُضِيّ فِي طَرِيق الشَّيْطَان وَمِنْهُم من أخبر أَنه سَيَأْتِي لَهُم مَا يحملهم إِلَى ذَلِك الْمحل من غير تَعب وَلَا وَجل وَفِي الْكَشَّاف عِنْد تَفْسِير قَوْله تَعَالَى {إِن فِي صُدُورهمْ إِلَّا كبر مَا هم ببالغيه} فِي سُورَة غَافِر مَا لَفظه المجادلون هم الْيَهُود وَكَانُوا يَقُولُونَ يخرج الْمَسِيح بن دَاوُد يُرِيدُونَ الدَّجَّال ويبلغ سُلْطَانه الْبر وَالْبَحْر وتسير مَعَه الْأَنْهَار وَأَنه آيَة من آيَات الله فَيرجع إِلَيْنَا الْملك فَسمى الله ذَلِك كبرا وَنفى أَن يبلغُوا متمناهم انْتهى والدجال خُرُوجه آخر الزَّمَان وَلَيْسَ ملكهم هَذَا كَمَا يدعونَ وَلَيْسَ هَذَا وَقت خُرُوجه فحرر القَاضِي شهَاب الدّين أَحْمد بن سعد الدّين سؤالا إِلَى الإِمَام وَوَقع فِي الْجَواب مَا يقْضِي بِأَن عدم وقوفهم على رسوم الذِّمَّة ينقصها وتنوقل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 هَذَا الْكَلَام حَتَّى اتَّصل بكوكبان وشبام فهتكوا حَرِيم من عِنْدهم من الْيَهُود وَأخذُوا مَا مَعَهم من الأثاث والحلى والنقود وَلما صرخَ الصَّارِخ بشبام أَن هَذَا عَن أَمر الإِمَام بَادر أهل حَاز والغرزة إِلَى نهب من عِنْدهم وَوصل جمَاعَة من هَمدَان وَحُضُور إِلَى صنعاء فأجدب عَلَيْهِم المرعا وخاب الْمَسْعَى ومنعهم أَمِير الْبَلَد السَّيِّد جمال الدّين عَليّ بن الْمُؤَيد وَحين بلغ نهبهم الإِمَام سد هَذَا الْبَاب وَذكر أَنه لم يَأْمر بالانتهاب وتوجهت على الَّذين انتهبوهم الْآدَاب وَلما شرعت نَار سخفهم أَن تطفى وَحصل التغافل عَن فعلتهم الَّتِي لَا تخفى عَمدُوا إِلَى رجل مِنْهُم فجملوه بِأَحْسَن الثِّيَاب وأداروا عَلَيْهِ كؤوس الشَّرَاب وَلما أَخذه غول الْخمْرَة وخاضت بِهِ فِي الغمرة طلع إِلَى الْقصر الْكَبِير ورام أَن يتسنم كرسيه والسرير وَيَدْعُو إِلَى طوعه بالمأمور فِيهِ والأمير فَكلم السَّيِّد جمال الْإِسْلَام بالعبرانية بِكَلَام مَعْنَاهُ أَنه قد تمّ ملكك فقوض الْخيام واخرج عَن الْقصر وَسلم الْأَمر فبادر أهل الحضرة بإنزاله وتبادر كل مِنْهُم إِلَى نعاله وَصبُّوا لَهُ مطرة بِلَا ريح جزا ذَلِك الْفِعْل الْقَبِيح الشنيع ثمَّ مضوا بِهِ إِلَى حبس الْبُسْتَان وأنزلوه بمنازل الهوان وخلعوا مَا عَلَيْهِ من ثِيَاب الْحَرِير ومسخت رئاسته إِلَى التعزيز كَمَا مسخ إخْوَته إِلَى القردة والخنازير وَرفع شَأْنه إِلَى الإِمَام فَعَاد جَوَابه بِمَا فِيهِ كِفَايَة النَّاس من شَره وإذاقته عواقب نكثه ومكره فأوصلوه إِلَى الْحلقَة وضربوا ثمَّ عُنُقه وعلق بِبَاب شعوب وَبَقِي مُدَّة على هَيْئَة المصلوب وَعند ذَلِك ضاعف الإِمَام الْآدَاب على الْيَهُود وَأسْقط عمائمهم عَن الرؤس وَرفع كبارهم إِلَى الحبوس وَفِي هَذِه السّنة اتّفق حَرْب بَين العصيمات وَخيَار وَقتل من الْجَانِبَيْنِ ثَلَاثَة أَنْفَار فأدبهم الإِمَام وتحاجزوا عَن الْخِصَام وَفِي شعْبَان انتهب برط قافلة من العمشية كَانَت فِي عُهْدَة سُفْيَان فلحقهم الْعَار بذلك على قاعدتهم فصادفوا جمَاعَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 من برط فَقتلُوا مِنْهُم أَرْبَعَة وجنوا على آخَرين واستعادوا بعض المنهوب وَفِي أثْنَاء ذَلِك انتهب العرصان والمعضة وهم البدو الَّذين بأطراف مساقط الْجوف قافلة جَاءَت من حَضرمَوْت وَاشْتَدَّ برد هَذِه السّنة وَكَانَ شُرُوعه عِنْد ابْتِدَاء رُجُوع الشَّمْس فاستمر قدر شَهْرَيْن وَفِي السَّاعَة الرَّابِعَة من لَيْلَة الْأَحَد ثامن عشر من رَمَضَان رجفت الأَرْض وَانْشَقَّ لَهَا بعض الْبيُوت وانتبه النيام وَصَاح من فِي قلبه رقة وعمت أَكثر الْبِلَاد اليمنية وَفِي بعض الْمَلَاحِم المنسوبة إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَن الرجفتين المذكورتين فِي شهر جُمَادَى الْمَاضِي وَهَذَا شهر رَمَضَان عَلامَة لشدَّة الْبرد وغلا السّعر وَقلة الْمَطَر وَقد اتّفق ذَلِك كُله قلت قَالَ السخاوي قَالَ الْمَيْمُونِيّ سَمِعت أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول ثَلَاثَة كتب لَا أصل لَهَا أصُول الْمَغَازِي والملاحم وَالتَّفْسِير قَالَ الْخَطِيب فِي جَامعه وَهَذَا مَحْمُول على كتب مَخْصُوصَة فِي الْمعَانِي الثَّلَاثَة غير مُعْتَمد عَلَيْهَا لعدم عَدَالَة ناقلها وزيادات الْقصاص فِيهَا وَأما كتب الْمَلَاحِم فجميعها بِهَذِهِ الصّفة وَلَيْسَ يَصح فِي ذكر الْمَلَاحِم المرتقبة والفتن المنتظرة غير أَحَادِيث يسيرَة وَأما كتب التَّفْسِير فَمن أشهرها كتابا الْكَلْبِيّ وَمُقَاتِل بن سُلَيْمَان وَقد قَالَ أَحْمد فِي تَفْسِير الْكَلْبِيّ من أَوله إِلَى آخِره كذب قيل لَهُ فَيحل النّظر فِيهِ قَالَ لَا وَأما الْمَغَازِي فَمن أشهرها كتاب مُحَمَّد بن إِسْحَاق وَكَانَ يَأْخُذهُ عَن أهل الْكتاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 وَقد قَالَ الشَّافِعِي كتب الْوَاقِدِيّ كذب وَلَيْسَ فِي الْمَغَازِي أصح من مغازي مُوسَى بن عقبَة انْتهى وفيهَا حدث مَوْلُود عينه بجبهته ثمَّ مَاتَ ونتجت بَهِيمَة فلوا لَهُ أظلاف كالبقر وَولد بِبَيْت عذاقة مَوْلُود لَهُ أذنان كأذني الْحمار وَعين بجبهته وَقيل إِنَّه تكلم فِي المهد وفيهَا وجد بجهات بيحان وَمَا يقرب من مَدِينَة سبأ بَين صخرتين صنم من حَدِيد طوله ذِرَاع لَهُ عنق ورقبة وَرَأس وَفِي وَجهه فصان يلمعان وَإِذا احتركت الرّيح دخلت عُنُقه فَسمع لَهُ خوار وَفِي آخر شهر شَوَّال جهز الإِمَام الْحَاج الْيَمَانِيّ صُحْبَة وَلَده يحيى وَمَعَهُ الْفَقِيه مُحَمَّد بن عَليّ جميل والحاج فرحان وَجَاءَت الْأَخْبَار فِي ذِي الْقعدَة بانتهاب الحرامية من أدركوه وَفِي نصف ذِي الْحجَّة جهز الإِمَام زيد بن خَلِيل الْهَمدَانِي والحاج عُثْمَان زيد جِهَة حَضرمَوْت فِي قدر مِائَتَيْنِ من الْعَسْكَر وَجَاء الْخَبَر أَن بيشة صَارَت مختارة من قبائل تِلْكَ الْجِهَات وأميرها يَوْمئِذٍ الشريف سعيد بن شنبر فَرجع حَاج الْيمن من الشّرف لذَلِك الْحَادِث والشريف حمود اسْتمرّ على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 ذَلِك الْحَال وَاسْتمرّ فِي إمارته إِلَى الْجلَال وَكَانَ هَذِه الْأَيَّام بالمبعوث فانتقل إِلَى وَادي فَاطِمَة موفور الْجَانِب محفوفا بِجَمَاعَة من الأتباع والأقارب وَارْتَفَعت الأسعار بطرِيق مَكَّة هَذِه السّنة وَعدم الْمَطَر فِي الْمَشَارِق فَرَحل أَهلهَا عَنْهَا وَقل فِي غَيرهَا واتصل الْقَحْط بِبِلَاد الْعَجم وَفَارِس حَتَّى أَن بَعضهم بَاعَ وَلَده فِي سد رمقه فَتَفَرَّقُوا فِي الْبِلَاد وألجأهم الْحَال إِلَى دُخُول عمان واتصل الْقَحْط بِمَا وَرَاء النَّهر وبلاد الصين وفيهَا منع الصفي أَحْمد بن الْحسن عَن رمي الْعَسْكَر إِلَى دائر مَدِينَة صنعاء فَرَأى من يَرْمِي إِلَيْهِ عقيب خُرُوجه من صَلَاة الْعِيد فَضَربهُ قَالَ الرَّاوِي فَحمل إِلَى مَكَانَهُ وَمَات وَدخلت سنة ثَمَان وَسبعين وَألف فِيهَا اسْتَقَرَّتْ إِمَارَة سعد ووفدت الْأَخْبَار بصلاح الْحَج وتوفر المحامل الْأَرْبَعَة الْيُمْنَى والشامي والمغربي وشرعت الأسعار فِي الإنخفاض تجلي حُسَيْن باشا عَن الْبَصْرَة بعد عَجزه عَن عَسَاكِر السلطنة قد ذكرنَا فِي حوادث سنة خمس وَسبعين بعد الْألف أَن عَسَاكِر السلطنة المجهزة على ثغر الْبَصْرَة على حُسَيْن باشا رجعت إِلَى الْأَبْوَاب من غير قتال إِمَّا لعدم الْقُدْرَة عَلَيْهِ أَو للرغبة فِي المَال وَأَن السُّلْطَان رماهم فِي زَوَايَا الإهمال ووبخهم على اتِّفَاق ذَلِك الْحَال فَفِي هَذَا الْعَام وصل إِلَى السُّلْطَان أَعْيَان الْبَصْرَة شاكين بِحُسَيْن باشا أَن عمل بِغَيْر الشَّرْع وَخَالف فِي قضايا الْعقل والسمع وسرى أمره وَعظم زهوه وفخره فَانْتدبَ لَهُ السُّلْطَان من أكَابِر الشجعان زهاء أَرْبَعِينَ ألفا وَسَارُوا إِلَيْهِ فحين تلاقت المصاف هَلَكت عوالم واصطدمت جماجم وَحين رأى حُسَيْن باشا انحراف قُلُوب الرعايا عَنهُ وَلَا سِيمَا أهل الْبَصْرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 فبواطنهم عَلَيْهِ خراب لأَنهم أقرب إِلَى مُلَابسَة هوانه وأمس بِمَا صدر من يَده وَلسَانه جمع حشمه وذخائره وحشد أعيانه وعساكره وخرق سوق الْبَصْرَة بِأَصْحَابِهِ ووادعه فِي أثْنَاء الْمُرُور بانتهابه وَذهب إِلَى بِلَاد الشاه عَبَّاس وخلص من لَهَوَات الهرماس وَكتب أَصْحَاب السُّلْطَان إِلَى الشاه أَن بَيْنك وَبَين السُّلْطَان صلحا على شُرُوط مِنْهَا أَن لَا تأوي لَهُ طريدا وَلَا تلبي لَهُ فقيدا فمره بِالْخرُوجِ إِلَيْنَا وَإِلَّا طردته إِلَى حَيْثُ تخفى آثاره وَلَا يقر قراره فَأمره الشاه بالذهاب إِلَى حَيْثُ شَاءَ وَقَالَ لَهُ بلادي لَا تسعك أَيهَا الباشا فالمؤمنون عِنْد شروطهم بالمنقول والمعقول وَلَا حَاجَة لي فِي حل مَا قد انبرم بيني وَبَين صَاحب اسطنبول فَسَار حُسَيْن باشا إِلَى الْهِنْد وَعمي خَبره وخفى أَثَره وَكَانَ يَوْمئِذٍ يحيى بن عليا من أقَارِب حسبن باشا فَاسْتحْسن الْأُمَرَاء أَن يقعدوه مرتبَة ذَلِك الفار ويقرنوه بِعَيْنِه رُومِية من الْخِيَار لما رَأَوْهُ من حسن سمته ومعقوله وَلم يعلمُوا أَنه من غلائله وذيوله ثمَّ رجعت الأجناد العثمانية إِلَى الحضرة السُّلْطَانِيَّة فَحَمدَ جَمِيع مَا فَعَلُوهُ إِلَّا تَوْلِيَة قريب الباشا فَإِنَّهُ لم تطب نَفسه بتوليته وَقد جهز عَلَيْهِ فِي سنة ثَمَانِينَ كَمَا سَيَأْتِي وَفِي محرم جَاءَت الْأَخْبَار أَن الفرنج طاسوا فِي الْبَحْر إِلَى حُدُود مسكت بِجِهَة عمان ثمَّ انصرفوا صرف الله قُلُوبهم وَأما حمود فَفعل غير الْمَحْمُود تربص لخُرُوج الْقَافِلَة من جدة إِلَى مَكَّة وفيهَا ثلثمِائة محمل من نَفِيس الْأَمْوَال فَلَمَّا توسطت الطَّرِيق استاقها عَن كمل وَأَهْلهَا حجاج وتجار من الْيمن والهند ومصر وَفِي خلال ذَلِك تلقى بعض أَقَاربه سِتِّينَ جملا خرجت من القنفذة وانتهبها كل ذَلِك من حمود وأقاربه تغيظا من سعد لَا حَيَّاهُ الله وَلَا بياه (وَأي قَضِيَّة فِيهَا إِذا مَا ... جنا زيد بِهِ عَمْرو يُقَاد) واستاقت الحرامية على الْحجَّاج فِي الدُّخُول قدر عشْرين جملا وفيهَا وَفد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 على الإِمَام رَسُول الشريف سعيد بن شنبر بمكتوب يطْلب فِيهِ من الإِمَام الْإِمْدَاد بعسكر وَمَال على أهل بيشة الَّذين كَانُوا فِي جماعته فخلعوا ربقة طَاعَته فرجح الإِمَام عدم الْإِسْعَاف إِلَى مَا رام وَفِي يَوْم الْأَحَد تَاسِع ربيع الآخر توفّي السَّيِّد الْعَارِف جمال الْإِسْلَام عَليّ بن الْمُؤَيد بِاللَّه بِبَلَد ولَايَته صنعاء بعلة القروح المتولدة فِي رَأسه وظهره وَكَانَ قد علق بِهِ قبل ذَلِك ألم المفاصل والنقرس والبواسير مُدَّة وَكَانَ إِلَيْهِ من وَالِده نِيَابَة صنعاء وَمَا إِلَيْهَا كالحيمة وَغَيرهَا فَاقْتضى الْحَال آخر الْمدَّة قصره على صنعاء وطرف من الْبِلَاد الْقَرِيبَة وَكَانَ مَعْرُوفا بالسياسة ورعاية مناصب النَّاس على مَرَاتِبهمْ ملاحظا لجَانب الْمَعْرُوف لَا يخلوا عَن الِاجْتِمَاع بملامح النَّاس وأشرافهم للمذاكرة فِي الْعُلُوم مَبْسُوط الْأَخْلَاق سهل الطَّرِيقَة غير متطاول فِي الملبس والمسكن حَتَّى روى عَنهُ بعض أَقَاربه أَنه لم يتَحَوَّل عَن منزل مرقده وزاويته الَّتِي يعتادها فِيهِ غير منافس فِي تنظيف عَرْشه وَلَا تَحْسِين فرشه واستمرت ولَايَته بِصَنْعَاء قدر أَرْبَعِينَ عَاما غالبها أَحْوَال جميلَة وَأوصى إِلَى أَخِيه السَّيِّد شرف الْإِسْلَام الْحُسَيْن بن الْمُؤَيد بِاللَّه وقبر فِي صرح مَسْجِد الإِمَام الوشلي وَبنى عَلَيْهِ صنوه قبَّة عَظِيمَة وفيهَا وصل إِلَى شهارة مَنْدُوب الباشا الَّذِي بِالْحَبَشَةِ فِي جمَاعَة من خدمه فأنزله الإِمَام بِحَيْثُ يَلِيق بِهِ من الْإِكْرَام وَمَات عقيب وُصُوله وفيهَا خرجت من الْهِنْد إِلَى المخا ابْنة السُّلْطَان صَاحب الْهِنْد تُرِيدُ الْحَج وَمَعَهَا مَال خطير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 فقضي عَلَيْهَا بالمخا قبل إِدْرَاك الْحَج وَفِي يَوْم الْأَحَد سَابِع ربيع الثَّانِي وصل إِلَى صنعاء بَدَلا عَن السَّيِّد عَليّ بن المؤيذ ولد عَمه السَّيِّد القطب النجيب الْعَلامَة مُحَمَّد بن المتَوَكل بِولَايَة الْأَحْكَام والتفويض الْعَام فِي صنعاء والحيمة ونهم وخولان وخراز وسنحان وثلاء وَبَعض بِلَاد هَمدَان مَعَ إِطْلَاق يَده فِي رفع الْمَظَالِم من سَائِر الْبلدَانِ وَاسْتقر بقصرها واستقل بنهيها وأمرها بعد أَن كَانَ قد نَاب عَن عَمه السَّيِّد الْعَلامَة عماد الْإِسْلَام يحيى بن الْحُسَيْن بن الْمُؤَيد بمفاوضة مَعَ صفي الْإِسْلَام أَحْمد بن الْحسن حَتَّى يصل عَن الإِمَام مَا يعتمده الْخَاص وَالْعَام وفيهَا افترق جمَاعَة من حاشد وبكيل بذيبين وَذهب بِالْقَتْلِ نَحْو سَبْعَة أَنْفَار وَحصل الْقَحْط وارتفع السّعر وانتجع أَكثر أهل الْقرى عَن بِلَادهمْ وصال على أهل برط قبائل يام وَاسْتَاقُوا شَيْئا من مَوَاشِيهمْ وفيهَا اتّفق بالجراف بِحَضْرَة القَاضِي الْعَلامَة الْحسن بن يحيى حَابِس خُصُومَة بَين بني عرهب وَبني المتيم بِسَبَب مجاري المَاء فَوَثَبَ رجل من بني المتيم على رجلَيْنِ من بني عرهب فَقَتَلَهُمَا فِي الْحَال فَانْتدبَ لَهُ غُلَام مراهق من بني عرهب فَقتله قصاصا وَفِي هَذِه الْأَيَّام نَام جمَاعَة بِمحل وَاحِد فِي بَيت القابعي فانتبه أحدهم مَرْعُوبًا وفزع إِلَى سلاحه وَأَقْبل على أَصْحَابه يطعنهم وَاحِدًا وَاحِدًا حَتَّى هَلَكُوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 وفيهَا قتل الصوباشي على سوق صنعاء رجل من شعب لإحن قديمَة بَينهمَا وَفِي لَيْلَة خَامِس عشر من جُمَادَى الْآخِرَة خسف الْقَمَر عِنْد طلوعه ببرج الثور وَفِيه جَاءَ الْخَبَر أَن أَصْحَاب حمود غزوا بندر القنفذة وَأَرَادُوا انتهابه فحرقوا أَطْرَاف البندر ودافعهم أَهلهَا فانكسروا بعد أَن ذهب بِالْقَتْلِ ثَلَاثَة أَنْفَار وَفِيه شرع مُحَمَّد بن الإِمَام فِي استنباط غيل بالجرادء من أَعمال سنحان فَوجدَ الحفارون ثمَّ آثَار مجار قديمَة وَهُوَ حَال الرقم جَار يزِيد تَارَة وَينْقص أُخْرَى وَفِيه وَقعت حروب فِي الْبَحْر مَا بَين الْعمانِي والفرنج بحدود بندر مسكت وَفِي رَجَب غزت المعضة وهم بَدو الْجوف وَمَعَهُمْ غَيرهم إِلَى بيجان فَلَقِيَهُمْ الْأَشْرَاف بذلك الْمَكَان وَوَقع بَينهم حَرْب آل الْأَمر إِلَى قتل سِتَّة من الْأَشْرَاف وجماعتهم وَنهب بعض الْمَوَاشِي وَفِيه انتهب الْقَافِلَة بالعمشية أهل جبل غربان من أَطْرَاف بِلَاد خولان فَأرْسل عَلَيْهِم الإِمَام نَحْو خَمْسمِائَة من الْعَسْكَر فانتهبوا مَوَاشِيهمْ وَجَاءُوا بهَا إِلَى الإِمَام فوصلوا بعد ذَلِك إِلَى الحضرة يَشكونَ وَعَن فعلهم يَعْتَذِرُونَ فَرد إِلَيْهِم الإِمَام بعض النهب بعد رد مَا أَخَذُوهُ وَفِيه وصل إِلَى الإِمَام مَشَايِخ الحرامية من تِلْكَ الْبِلَاد التهامية ومساقط الْبِلَاد النجدية بِمُوجب طلب الإِمَام لَهُم لما انتهبوه على الْحَاج قصَّة الشريف حمود بن عبد الله والأروام قَالُوا إِن الشريف حمود بن عبد الله لما تقررت لسعد مراسم الْولَايَة ولحظ من السلطنة العثمانية بِعَين الْعِنَايَة أنفذ وَلَده إِلَى حَضْرَة السُّلْطَان وأودع إِلَيْهِ مَا فِي خاطره من الأشجان فتعرض لَهُ صَاحب مصر بالتعويق وَمنعه عَن مُرُور الطَّرِيق فاستشاط حنقه واستطار قلقه فَأخذ يعتسف الْأُمُور ويحجر الطَّرِيق السُّلْطَانِيَّة عَن الْمُرُور فَتوجه عَلَيْهِ أحد البواش بِمصْر فِي عَسَاكِر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 مَعْدُودَة وألوية معقودة وخزائن منقودة وَكَانَ الشريف يَوْمئِذٍ بينبع فحط الباشا على أَطْرَافه وتأهب حمود فِي حَاشِيَته وأشرافه وَفِيهِمْ مُحَمَّد بن يحيى بن زيد فابتدأ الْحَرْب حمود فصدمهم بخميس هُوَ غرته وجيش لَا يَتَّقِي بالسابري معرته قلب جنبيته ذُو أحسن قد أشرعوا خرصانهم وأرخوا أرسانهم (وَفِي أكفهم النَّار الَّتِي عبدت ... قبل الْمَجُوس إِلَى ذَا الْيَوْم تضطرم) (هندية إِن تصغر معشرا صغروا ... بحدها أَو تعظم معشرا عظموا) فلفح بَينهم هجير العراك وَوَقع الِاخْتِلَاط والاشتباك حَتَّى احتست الرماح من أقداح الرؤوس المفلقة وفاضت أَرْوَاح مَا أخالها من الَّتِي هِيَ فِي أَجْوَاف طير خضر معلقَة وقهرت بآخر المعركة صولة الْعِصَابَة الحسنية فاستأصلت شأفة الطَّائِفَة العثمانية (وأزرق الصُّبْح يَبْدُو قبل أبيضه ... وَأول الْغَيْث قطر ثمَّ ينسكب) ناهيك أَن لم ينج من العطب إِلَّا من سعد بخته بالهرب وأعيت عَنهُ مواقع الطّلب ثمَّ أَمر الشريف حمود بذخيرة الباشا وشحنته وفيهَا مَا يخجل ضبط نفيسه الأقلام وتقطع لأَجله الأواصر والأرحام فنفح الْأَشْرَاف من تِلْكَ النفائس بجمهور وادخر مَا بَقِي مِنْهَا لعواقب الْأُمُور وَمُحَمّد بن يحيى فِي هَذَا الْحَرْب قلب ساقته وعقاب رايته وَفِي شعْبَان سَار من بَيت القابعي إِلَى سَوْدَة شظب فصَام بهَا رَمَضَان وَفِيه أرسل الإِمَام إِلَى حَضْرَة سعد بن زيد نَقِيبًا من الأهنوم يستطلع أَخْبَار الْبَصْرَة وَمَا آل إِلَيْهِ أَمر حمود وَفِي رَمَضَان توفّي نَائِب جيزان وَأبي عَرِيش الشريف مُحَمَّد بن صَلَاح وَكَانَ فِي نظم الْأَحْوَال وَحفظ أَطْرَاف الْبِلَاد بِمحل عَظِيم وَخَلفه وَلَده الشريف أَحْمد بن مُحَمَّد وَفِي ثَانِي وَعشْرين مِنْهُ وَهُوَ الثَّالِث وَالْعشْرُونَ من شباط ظهر وَقت الْمغرب من مسْقط الشَّمْس فِي الْمغرب عَمُود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 نور مستطيل جدا أشبه شَيْء فِي عرضه وَطوله بالمنارة مُشْتَمل على برج الْحُوت وَأول برج الْحمل ولبث قدر عشْرين يَوْمًا يغرب وَقت الْعشَاء وَهُوَ من ذَوَات الأذناب الَّتِي يحدثها الله فِي غَالب الْعَادة عِنْد أَن يحدث غلاء الأسعار وَقلة الأمطار وَتعقبه غلاء شَدِيد وفاقة فِي الْقطر اليمني وَدَار النَّاس فِي الْبِلَاد لطلب الكلا والزاد وفيهَا أَو الَّتِي بعْدهَا مَاتَ القَاضِي الْعَلامَة الْمُفْتِي عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن عمر النُّعْمَان الضمدي وَله كتاب السّلم شرح معيار الإِمَام الْمهْدي وحاشيته الموشح للخبيصي وَهِي مَعْرُوفَة متداولة فِي قدر حجم الموشح وَمَا كَانَ شرع فِيهِ من تَخْرِيج شفا الْأَمِير الْأَعْظَم الْحُسَيْن بن بدر الدّين وَلم يتم وفيهَا توفّي قَاضِي جيزان عبد الله الضمدي وَفِي شَوَّال جَاءَ صَحِيح الْخَبَر بِخُرُوج طَائِفَة مصر الشَّام على الشريف حمود ثمَّ النّفُوذ إِلَى مَكَّة وهم زهاء أَرْبَعَة آلَاف فيهم خَمْسَة أُمَرَاء وَفِي هَذِه الْأَيَّام جهز الإِمَام النَّقِيب سعيد بن ريحَان أَمِير للْحَاج اليمني وَاخْتَارَهُ لكماله واستمرار حسن أَحْوَاله وَضعف حج الْيمن هَذَا الْعَام بِسَبَب مَا اتّفق فِيهِ من الْقَحْط الْعَام وَاتفقَ أَيْضا بِمَكَّة وَسَائِر تهَامَة بِحَيْثُ رَجَعَ بعض الْحَاج من صَبيا وبهذه السّنة أُصِيب أهل قَرْيَة بالشرق بصواعق تَتَابَعَت وَكَثْرَة فأهلكت بعض من فِي الْقرْيَة فانتقل الْبَاقُونَ إِلَى قَرْيَة أُخْرَى وَمن أعجب مَا اتّفق عِنْد ذَلِك أَن بعض المنتقلين نقل من أَحْجَار تِلْكَ الْقرْيَة إِلَى الَّتِي انْتقل إِلَيْهَا فأصابته الصَّوَاعِق فَتركت تِلْكَ الْقرْيَة وأحجارها وتحامى النَّاس بعد ذَلِك آثارها وفيهَا أنشأ السَّيِّد مُحَمَّد بن عَليّ الغرباني رِسَالَة بهَا اعتراضات فِي السِّيرَة المتوكلية وفيهَا اتّفق بَين الْجند الْعمانِي والبرتقال حَرْب بالبحر وَرجع الفرنج من بَاب المندب بعد أَن لَبِثُوا فِيهِ نَحْو ثَلَاثَة أشهر وَاشْتَدَّ الْقَحْط بِمَكَّة حَتَّى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 رُوِيَ أَنه يَمُوت بِكُل يَوْم مائَة نفس فَأكْثر وَمن الدَّوَابّ والأنعام مَا لَا يحصر وَاسْتمرّ هَذَا الْحَال أَيْضا بِالْيمن من شَوَّال إِلَى آخر سنة تسع وَسبعين حَتَّى اتّفق أَن رجلا بِصَنْعَاء كفن بعد أَن كملت أَمَارَات مَوته ثمَّ أصعد على النعش وَحمل فَتحَرك وأفصح بالْكلَام وهتف بِالطَّعَامِ فَأعْطِي مَا طلب وَظهر أَنه إِنَّمَا ساخ وانقلب وَأكل بعض النَّاس الْميتَة وَكثير من النَّاس يطْلب الْقُوت بالبكاء والتمارض فَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم حَتَّى كَانَ بِسَبَب هَذِه الشدَّة فِي الْيمن أَنه جَاوز المخا إِلَى جدة مركب شاحن من النفائس الْعَالِيَة والتفاريق الغالية وَكَانَ هَذَا بِخِلَاف الْعَادة وفيهَا تعرض بعض هُذَيْل من قبائل مَكَّة لانتهاب الْقَافِلَة الدَّاخِلَة إِلَى مَكَّة من جدة فشعر بهم الشريف سعد فَوَثَبَ عَلَيْهِم وثوب الْأسد الْورْد وَضرب مِنْهُم رقابا وَقطع أَمِيرهمْ إربا (أَلا لَا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فَوق جهل الجاهلينا) وَفِي ذِي الْقعدَة طلع عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحسن بن الإِمَام من إب وجبلة إِلَى الْبِلَاد الْعليا فاستقر بيريم أَيَّامًا ثمَّ تقدم إِلَى ذمار وَعِيد فِيهِ الْأَضْحَى ثمَّ سَار إِلَى ضوران لزيارة ضريح وَالِده الْحسن ابْن أَمِير الْمُؤمنِينَ ثمَّ تقدم إِلَى صنعاء الْيمن فوصلها فِي محرم السّنة الْآتِيَة. وَكَانَ تَحْويل هَذِه السّنة بِدُخُول الشَّمْس أول دَرَجَة الْحمل آخر شَوَّال وَاتفقَ قرَان بَين المُشْتَرِي والزهرة ببرج الثور وَكَانَ المريخ فِي الْعَقْرَب وزحل فِي أول برج الدَّلْو وَفِي هَذِه السّنة ترسل الإِمَام للنَّهْي عَن بيع الشَّيْء بِأَكْثَرَ من سعر يَوْمه لأجل النِّسَاء وَصرف القروش بِالدَّرَاهِمِ والجريرة مَعَ عدم مُسَاوَاة مقابلها وَدخلت سنة تسع وَسبعين وَألف كَانَ زحل بالدلو وَفِي أول محرمها جَاءَ خبر الْحَاج أَنه دون الْعَادة سِيمَا حَاج الْيمن وَأما الْعِرَاقِيّ فَانْقَطع هَذَا الْعَام وَلما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 شَارف حَاج الْيمن الْوُصُول إِلَى مَكَّة أنفذ الشريف إِلَيْهِ رَسُولا يَقُول لَهُ إِن الْأَمر مُضْطَرب وَالْحَال مُنْقَلب والمحمل الْمصْرِيّ منطو على شراسة وَمَعَهُ عدَّة من ذَوي المناصب والإمارة والسياسة وَقد استنشقنا مِنْهُم سموم التحرش الْوَقَّاد وأنسنا من جَانب طورهم نَار الْإِلْحَاد وَهَذَا حرم الله الملحوظ بِعَين التَّعْظِيم وَمن يرد فِيهِ بإلحاد بظُلْم نذقه من عَذَاب أَلِيم فالوصول مِنْكُم فِي زِيّ الْإِمَارَة قد تحترك مَعَه النَّفس الأمارة والموافق دخولكم فِي غمار النَّاس واستنادنا إِلَى جَانب السلطنة يَقْتَضِي أَن لَا يُلَاحظ جانبكم وَلَا نشيد فِي الظَّاهِر صَاحبكُم وَالْعَمَل فِيمَا بَيْننَا وَبَيْنكُم على الْبَاطِن معمور فَإِن الْمَذْهَب وَاحِد والعمدة على الْمَقَاصِد وَقد علمْتُم بصنع حمود فَلَا يكن غَيره الْمَقْصُود فتصاب غير الْمقَاتل وَيصدق قَول الْقَائِل (وحملتني ذَنْب امرء وَتركته ... كَذَا العر يكوي غَيره وَهُوَ راتع) فولج هَذَا التَّدْبِير إِلَى مسامع الْأَمِير وأطرح الأبهة الملوكية وَاسْتقر بعد دُخُوله فِي الشبيكة على صُورَة خُفْيَة وَلما طرح الْعَسْكَر السلطاني الأثقال وأناخ بالْمقَام الشريف الرّحال انْصَرف الْأَعْيَان بِبَعْض الْجنُود إِلَى دور الشريف حمود وَقد كَانَ مَال عَن طَرِيق مرورهم وانحاز وتجلى بأجلد أعيانه إِلَى مشرق الْحجاز فتوغل فِي بِلَاد خَيْبَر فِي الأغوار والأنجاد وانتقل من بطُون الوهاد إِلَى صهوات الأطود وراوح بَين سوء الظَّن والحزم وَقد كَانَا أَخَوَيْنِ وناجى نَفسه بالبيتين الفائقين بل القصرين الشاهقين (إِذا خَلِيل نكرت جَانِبه ... لم تعييني فِي فِرَاقه الْحِيَل) (فِي سَعَة الْخَافِقين مُضْطَرب ... وَفِي بِلَاد عَن أُخْتهَا بدل) وَلما خَرجُوا عَن آخر أَعمال الْحَج عَادوا إِلَى طلب حمود فِي كل فج وَلم يعذروا سَعْدا عَن الرحيل ليَكُون أول مقَاتل وأكيس دَلِيل فَهُوَ أطعن هُنَاكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 بمشاقص الْقِتَال وأفطن ثمَّ بخيس ذَلِك الريبال فتوجهوا جَمِيعًا إِلَيْهِ ومالوا بجملة تِلْكَ الأجناد عَلَيْهِ فَكَانُوا كمطلق الْعَنَان إِلَى الْعَنَان وأنشدهم الْحَال من غير لِسَان (إِذا شَاءَ أَن يلهو بلحية أَحمَق ... أرَاهُ غباري ثمَّ قَالَ لَهُ الْحق) فانعطفوا على قبائل يَنْبع وَمَا والاها من العربان وجرعوهم كؤوس الوبال والهوان وأنضدوا بأعناقهم السلَاسِل وشردوا بهم من خَلفهم من الْقَبَائِل واحتزوا رُؤُوس الرؤوس وهم ثَلَاثَة عشر شَيخا وَلما رأى سعد بن زيد فظاعة الْأُمُور سدد وقارب فِي التَّخْفِيف عَن الْجُمْهُور وتدارك بعض الاختلال وَعمل بِمُقْتَضى الْحَال وانصرفت طَائِفَة الرّوم وأشوى سهمهم المسموم بقلوب لَهَا غليان وصفقة يتأسى بهَا أَبُو غبشان وانقلب سعد إِلَى دَار السَّعَادَة وَقد ثنيت لمملكته الوسادة وَبَقِي حمود فِي تِلْكَ النجُود يزأر زئير الْأسود ويحمحم جَوَاده ويجود غير أَنه نفذ مَا لَدَيْهِ وَقد كَانَ عِنْده ذخيرة وَلَكِن تمّ مَا لَا مزِيد عَلَيْهِ وَفِي أول محرم تغلب جمَاعَة على قلعة دثينة وَذَلِكَ أَنه كَانَ بهَا رُتْبَة على الْقَوَاعِد الْقَدِيمَة فِي حفظ القلاع بِمن لَا يفارقها وَيكون بحشمه وَجَمِيع مَا يتَعَلَّق بِهِ فقصدا إِلَى القلعة جمَاعَة مَعَهم سِلَاحهمْ وأظهروا أَن قصدهم زِيَارَة أرحامهم الَّذين بهَا فَلَمَّا استقروا طمعوا فِي الِاسْتِيلَاء عَلَيْهَا فَقتلُوا نَائِب القلعة وَولده وَأَغْلقُوا بَابهَا فَرفع خبرهم إِلَى شرف الْإِسْلَام الْحُسَيْن بن الْحسن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 فاحترك خاطره لهَذَا الْفِعْل الفظيع والمقصد الشنيع وبادر إِلَيْهِم برئيس مَعَه كِفَايَة هَذَا الْأَمر من الْعَسْكَر النفعة فحاصروهم وضيقوا عَلَيْهِم فَلَمَّا قطعُوا بإخفاق مسعاهم إنسلوا من القلعة فِي وَقت خَفِي فِيهِ أَمرهم على عَسْكَر الدولة فَدَخلَهَا الْعَسْكَر فظفروا بِرَجُل مِنْهُم أقعده أَجله ولقى عمله فَقَتَلُوهُ وعادوا إِلَى شرف الْإِسْلَام وَفِي آخر محرم حصل انتهاب فِي العمشية بِسَبَب ركة فِي سُفْيَان وتنقلهم للقحط فِي الْبلدَانِ فَجهز جمال الْإِسْلَام عَليّ بن أَحْمد مَعَ القوافل عسكره إِلَى عيان وارتفع الْقطر وَاشْتَدَّ الغلاء فِي عَامَّة الْيمن وَفِي صفر صال قبائل بني حبيب وَآل كثير الَّذين مستقرهم شَرْقي بِلَاد صَبيا مِمَّا يَلِي جبال الخسر ومساقط بِلَاد فيفا وحقارها إِلَى حُدُود خبت الْبَقر فاستولوا على بِلَاد بيش وشردوا أَهلهَا بعد أَن انتهبوها ثمَّ أَقبلُوا على عتود والشقيق وَمحل النَّائِب للإشراف فَقتلُوا بعض أَهلهَا ونهبوا الْأَطْرَاف حَتَّى انْتَهوا إِلَى مَدِينَة صَبيا فَوَقع بَينهم وَبَين أَشْرَافهَا الْقِتَال الشَّديد وَلما طَال استصرخوا بِالْإِمَامِ وطلبوا الْغَارة والإلمام وَكَانَ الإِمَام قد وصل إِلَى صنعاء بآخر محرم وَوصل بوصوله عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحسن وَفِي هَذِه الْأَيَّام هبت ريح بِالْقَذْفِ من بِلَاد حُضُور فاحتملت بعض أَهلهَا وساقطت الْبَعْض على جنُوبهم وحملت جَمِيع الْحبّ من الجرين وبلاهم الله كَمَا بِلَا أَصْحَاب الْجنَّة {إِذْ أَقْسمُوا ليصرمنها مصبحين} فَإِنَّهُ نقل عَنْهُم أَنهم مَعَ تِلْكَ الشدَّة الَّتِي قدمناها {فَانْطَلقُوا وهم يتخافتون أَن لَا يدخلنها الْيَوْم عَلَيْكُم مِسْكين وغدوا على حرد قَادِرين} وَلم يبالوا بسد رَمق من يحترم دَمه وَلَا شالوا بضبع من عثرت بِهِ الأقلال قدمه والأعراب مَظَنَّة لفسق الْقلب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 وذهوله وأجدر أَن لَا يعلمُوا حُدُود مَا أنزل الله على رَسُوله وَلما انْتهى أَمِير الْحَاج هَذَا الْعَام إِلَى بعض الطَّرِيق ادّعى بعض أهل الْبِلَاد أَن أَصْحَاب الْأَمِير قتلوا من أَصْحَابه رجلا وَأَرَادُوا أَن يَأْخُذُوا بالثأر أَو ينتهب القطار فهم الْأَمِير بِالْقِتَالِ ثمَّ أحجم عَن ذَلِك بعد أَن عرف الْعَجز عَمَّا هُنَالك وَأَنه إِن فعل لَا محَالة هَالك وَفِي ثامن عشر محرم توفّي القَاضِي الْعَلامَة الذكي الْوَرع صفي الْإِسْلَام أَحْمد ابْن سعد الدّين المسوري وَكَانَ قد صحب الإِمَام الْأَعْظَم الْمَنْصُور بِاللَّه ثمَّ الْمُؤَيد بِاللَّه فوزر لَهُ وخطب ثمَّ اسْتمرّ آخر مدَّته على تِلْكَ الْحَال مَعَ المتَوَكل على الله وَكَانَ عِنْد الْمُؤَيد عَظِيم الجاه مَبْسُوط الْكَلِمَة نَافِذ الْإِرَادَة كثير المواجهة للْإِمَام بِمَا ينقدح فِي خاطره مِمَّا يَعْتَقِدهُ أَنه يتَوَجَّه عَلَيْهِ من نصيحة الْأَئِمَّة من غير تخوف لمظنة التشنيع وَلَا مُلَاحظَة أَن النصح فِي الملإ تقريع وَكَلَامه مَعَ ذَلِك نَافِذ الْإِرَادَة جيد الإفادة مَعْقُود بكيميا السَّعَادَة وتناقص هَذَا الْحَال من الإِمَام المتَوَكل فَقرب وَبعد وَصوب وَصعد وَالَّذِي استفاض عَنهُ إفناء جلّ أوقاته فِي مَقَاصِد صَحِيحَة وسعايات مليحة وَقد رَأَيْت فِي بعض المجاميع مَا يجرح الصَّدْر ويغلب على قَائِله بعض التحامل فِي شَأْن هَذَا الرجل الْجَلِيل وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا تسبوا الْأَمْوَات فَإِنَّهُم قد أفضوا إِلَى مَا قدمُوا لَا تسبوا الْأَمْوَات فتؤذوا الْأَحْيَاء) وَله رسائل ومسائل جرى فِيهَا على أسلوب مَخْصُوص بِقدر مَا عِنْده من الْعدة وَغلب عَلَيْهِ مَحْض التَّشَيُّع حَتَّى نسب إِلَيْهِ عقيدة الجارودية وَفِي لَيْلَة الْخَمِيس ثامن ربيع الأول مَاتَ ملك الْيمن عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحسن بن الإِمَام عقب وُصُوله من ذمار بمحروس الرَّوْضَة وقبره مَشْهُور عَلَيْهِ قبَّة فاخرة وَدفن بِجَانِب من بساتينه وَكَانَ مَوته رزأ لِلْإِسْلَامِ وانحلالا فِي النظام فَإِنَّهُ كَانَ عينا فِي الْمُلُوك وَالْعُلَمَاء ورأسا فِي الحلماء والحكماء مهيب الْجَانِب شَدِيد الْوَطْأَة على المردة والبطالين نظامه لقانون الْملك ملاحظا لجَانب الْعلم وَالْعُلَمَاء أَخذ عَن القَاضِي الْعَلامَة أَحْمد بن يحيى حَابِس أَيَّام سكونه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 بصعدة وَغَيره من عُلَمَاء وقته وَسمع الْكَشَّاف وَالْبَحْر وأثاره فِي كتبه تدل على طول اتِّصَال الْعلمَاء بِحَضْرَتِهِ وَله خَزَنَة كتب غالبها فِيهِ عناية وَكَانَ يستصحب الْكتب فِي أَسْفَاره ويصحبه أَهلهَا وَاسْتمرّ ملكه مَعَ سَعَادَة قربت لَهُ الْبعيد وإطاعة فِي كل مَا يُرِيد حَتَّى نفذت أوامره ونواهيه إِلَى تَحت سَرِير الْخلَافَة وَصلى عَلَيْهِ عَمه المتَوَكل على الله وَحضر دَفنه وَله شرح مرقاة جده الْقَاسِم بن مُحَمَّد وَجَوَاب متين على الشَّيْخ الْعَلامَة أَحْمد بن عَليّ بن مطير وَغير ذَلِك وَمن مآثره الحميدة توسيع جَامع ذمار من غربيه قدر الثُّلُث وَعمارَة منارته بعد نقضهَا ورثاه الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن صَالح الْهِنْدِيّ بقوله (قضى الفخار فَلَا عين وَلَا أثر ... وَا حلولك الْأُفق لَا شمس وَلَا قمر) (أمهبط الْأَمر مَا هَذَا الَّذِي صنعت ... يَد الْقَضَاء وماذا أحدث الْقدر) (وَمَا الَّذِي مادت الدُّنْيَا لصدمته ... تفجعا وتواري النَّجْم وَالشَّجر) (وَمَا الَّذِي جزر الْبَحْر اللهام لَهُ ... واستشعر الْحَشْر مِنْهُ البدو والحضر) (وَمَا الَّذِي مَا دمنه الْكَوْن واضطربت ... لَهُ الْجبَال وريع الرأد وَالسحر) (يَا ناعي الْجُود وَالْمجد الْأَصِيل صه ... مَاذَا زعمت لفيك الترب وَالْحجر) (مهلا رويدك فِيمَا قد صدعت بِهِ ... دهياء يذهب مِنْهَا السّمع وَالْبَصَر) (أفق فَإِن جنَاح الْجَيْش منخفض ... مِمَّا ذكرت وقلب الْملك منكسر) (مَاتَ الْهمام أَبُو يحيى وحسبك من ... رزءبة يتحامى حرهَا سقر) (مَاتَ الَّذِي كَانَت الأفلاك دَائِرَة ... بِمَا يَشَاء ولديه النَّفْع وَالضَّرَر) (مَاتَ الَّذِي كَانَ للرواد منتجعا ... وللعفاه إِذا مَا أخلف الْمَطَر) (مَاتَ المليك الَّذِي كَانَت موارده ... للواردين عبابا مَا بهَا كدر) (هدت معالي المباني يَوْم مصرعه ... ومربع الْمجد والعليا مندثر) (وأقلعت يَا لعمري من أنامله ... سحب شأبيبها الأبريز والبدر) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 (وغاض بَحر عُلُوم مِنْهُ كم حفظت ... مسَائِل وَهِي فِي جيد العلى دُرَر) (وَكَانَ فِي صَدره حلم يحقر مَا ... يجنى الْمُسِيء وللزلات يغْتَفر) (من للرعيل وللخيل الْعتاق وَمن ... يزهو لديك بهَا التحجيل وَالْغرر) (وَمن لمرتبك الْأَمر الخطير وَمن ... للمشكلات وجنح اللَّيْل معتكر) (لهفي لأخلاقه الْعِزّ الْكِرَام إِذا ... تصرمت وذوى من روضها الزهر) (لهفي لهمته القعسا إِذا خمدت ... نيرانها وَهِي لَا تنفك تستعر) (لهفي لسطوته كلت مضا وَلكم ... بفتكها مَضَت الْهِنْدِيَّة البتر) (لهفي لعزمته العظماء إِذا هزمت ... رعا لَهَا وَهِي مَلأ الأَرْض تَنْتَشِر) (لهفي لأقلامه مَا كَانَ أنفذها ... حكما يكَاد لَهَا المريخ يأتمر) (نضى من الْعُمر سربالا فضافضه ... ممدودة وعَلى التَّقْوَى تنقصر) (طوته أَيدي الردا طي الرِّدَاء وَلم ... يزل ثناه بِطيب النشر يدكر) (لم أنس نعشا لَهُ أضحت تشيعها ... الأفلاك والشهب والأملاك والبشر) (وَمن دَعَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَهُ ... وَسِيلَة وَهِي الزلفا وَالظفر) (طود تحمله ظهر السرير وَهل ... تحملت جبلا من قبله السرر) (واستنهضوه إِلَى قبر فَقلت لَهُم ... يَا بعد من قَالَ أَن الْبَحْر ينقبر) (وحفرة أودعوها من شمائله ... زهرا تنوح عَلَيْهِ الأنجم الزهر) (لقد بكته خراد الْحَيّ نائحة ... حَتَّى لقد سَالَ فِي أجفانها الْحور) (يَا لَيْت أَكْفَانه من مهجتي نسجت ... وليت حفرته فِي الْقلب تنحفر) (يَا عين لَا تدخري دمعا ليَوْم غَد ... فَلَيْسَ إِلَّا لهَذَا الْيَوْم يدّخر) (لَا تكنزي ذَهَبا على كَبِدِي ... يحمى وتكوى لتعذيب بهَا الْفِكر) (قَالُوا دموعك بالدر الثمين هَمت ... فَقلت وَالْقلب فِي أَثْنَائِهِ شرر) (تِلْكَ اللألي الَّتِي قد كنت أنظمها ... فِي مدحه هِيَ من عَيْني تنتثر) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 (مَا أَن توفّي لَهُ الأحداق حق أسى ... وَلَو غَدَتْ وَهِي بَين الدمع تنحدر) وَقد كثر فِي هَذِه القصيدة مد الْمَقْصُور للضَّرُورَة وَلَا يخفى مَا فِي قَوْله أَو دَعُوهَا وَقَوله طود يحملهُ الخ فسائر الْمَعْنى قَول الأول (مَا كنت أَحسب قبل موتك أَن أرى ... رضوى على أَيدي الرِّجَال يسير) وَقَوله قَالُوا دموعك الْبَيْتَيْنِ فسائر الْبَيْتَيْنِ للزمخشري فِي مرثاة شَيْخه أبي مُضر وتتبع محَاسِن القصيدة يخرج إِلَى التَّطْوِيل واسطته عقد فَيرد وجوهرة يتحلى بهَا الْمنْكب والجيد لم يَأْتِ زمَان الرقم إِلَّا وَقد درست تِلْكَ الأثار الملوكية وأتى الجديدان على أكَابِر الدولة العزية وتعطلت عَنهُ وَأكْثر أَوْلَاده المغاني وَلم يبْق إِلَّا ذكرهم الْجَمِيل وَهُوَ الْعُمر الثَّانِي وَقد أبقى الله على عز الْملك وَالدّين فَإِنَّهُ ترك عَلَيْهِ فِي الآخرين بأصغر أَوْلَاده عمرا وأجلهم علما وَعَملا وخطرا وَهُوَ أَبُو الْعِزّ ضِيَاء الْملك زيد ابْن مُحَمَّد فَهُوَ الْيَوْم زهرَة غُصْن الإفادة وجوهرة عقد السِّيَادَة تعبق بِحَضْرَتِهِ نسائم البركات ويستمد من أنفاسه كرائم الدَّعْوَات فاضت إِلَيْهِ أسرار العارفين فأودع دراريها أصداف قُلُوب المريدين وألقيت عَلَيْهِ بردة الْعلمَاء المخلصين فألبسها من يتجمل بهَا لرئاسة الدُّنْيَا وَالدّين فموارد تلقينه ترفض بالصفاء وَإِلَى أَصَابِع رَاحَته الَّتِي أطلقت مفتاقا من وثاق وفكت مرتهنا من غلاق يعنعن النّيل الْوَفَاء مَعَ أَخْلَاق لَا يتَحَمَّل النسيم عَن الرَّوْض إِلَّا إِيَّاهَا وشمائل لَا يتدفق النَّهر السلسال إِلَّا سجاياها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 (بِأبي عَمْرو زيدا ثَوْبه ... طَاهِر بَين أهل الكسا) (مغنم التَّقْوَى زَكَاة حازها ... فطْرَة لم يحو مِنْهَا أخمسا) درس على مَشَايِخ الْوَقْت وَقد صَار الْآن شيخ الشُّيُوخ وَإِمَام أهل الرسوخ يتَقَدَّم على غَيره من العلحاء فِي تلقين الطّلبَة لحقائق شرح القَاضِي عضد الدّين والكشاف وحواشيهما جمل الله بِهِ مجَالِس الذّكر والنوال وربى فِي ربوة الْمجد غُصْن شبابه الَّذِي طَابَ وَطَالَ وَمحل ذكره مدَاخِل السنين الْآتِيَة لكني ختمت شجون الحَدِيث خشيَة من قواطع الأمل ومصارع الْأَجَل قبل أَن يتجمل هَذَا المرقوم بجلي ذكره وجلي فخره وَله كتاب الْمجَاز شرح الإيجاز وَله أَيْضا كتاب إِقَامَة القسطاس للْحكم بَين الأساس والنبراس وَغَيره من الْفَوَائِد وَقبل هَذِه الْمدَّة بأيام قَلَائِل بعث الإِمَام بهدية سنية للباشا مصطفى الَّذِي هُوَ بِالْحَبَشَةِ عوضا عَن هديته الَّتِي وصلت مِنْهُ فَأكْرم رَسُول الإِمَام وَذكر لَهُ محبته لأهل الْبَيْت عَلَيْهِم السَّلَام وَفِي هَذِه الْأَيَّام خرج إِلَى الْيمن كثير من أَعْرَاب الْبِلَاد القاصية يطْلبُونَ المعاش لشدَّة وَقعت هُنَاكَ وغالبهم سليمانية فَإِنَّهُ ظهر من آحادهم التَّعَرُّض لأكل الْأَطْفَال وَاسْتقر الْأَمر فِي بِلَاد عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحسن على أَمر مفصول فِيمَا بَين ولديه وَالْإِمَام بعد خوض فِيمَا يصلح أَن يصير إِلَيْهِمَا وَكَانَ الإِمَام قد فوض أَحْمد بن الْحسن عَمهمَا فِي سَائِر الْبِلَاد فأسعد ثمَّ اعتذر وَأما أَرْبَاب الدولة العزية فَإِنَّهُم تمزقوا وَتَفَرَّقُوا وَذهب عَنْهُم مَا كَانَ قد اعتادوه من سنى الْوَظَائِف والجوامك المنضبطة مَعَ الْأمان على اسْتِمْرَار مَا فرغ مِنْهُ وَعدم الإلتفات إِلَى مُعَارضَة حَاسِد أَو مزاحمة صَاحب عُهْدَة فَمنهمْ من أَوَى إِلَى صفي الْإِسْلَام وَمِنْهُم من أضْرب عَن لزام الدولة وَالْبَعْض من الْأَعْيَان والعسكر اتَّصل بالسيدين ريحانتي عز الْإِسْلَام وَمِنْهُم من دخل تَحت الفناء الْكَائِن بِهَذَا الْعَام فَإِنَّهُ عَم الْيمن عَن إستيلاء الْقَحْط عَلَيْهِ حَتَّى حصر موتى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 الرَّوْضَة إِلَى قدر أَلفَيْنِ وموتى ضوران إِلَى قدر ثَمَانِيَة آلَاف وَخرج مِنْهَا فِي يَوْم وَاحِد سَبْعُونَ جَنَازَة وَمن صنعاء فِي أَيَّام مُتعَدِّدَة كل يَوْم قدر ثَلَاثِينَ جَنَازَة وَهَكَذَا فِي سَائِر الْبِلَاد كالتهايم والحازات وَالْجِبَال والشرف وَفِي ربيع الثَّانِي أرسل الإِمَام وَلَده الْحسن بعساكر مُغيرَة على شرِيف صَبيا لدفع تِلْكَ الْقَبَائِل الَّتِي صالت عَلَيْهِ فَسَارُوا إِلَى هُنَالك ونزلوا ببيش خَارج صَبيا فهربت الْقَبَائِل إِلَى بِلَادهمْ ثمَّ حصل مِنْهُم حدث فِي الطَّرِيق فَجهز الْحسن بن الإِمَام الْفَقِيه الرئيس مُحَمَّد بن عَليّ جميل الحبوري فِي عَسْكَر مَعَه آخر نَهَار بُلُوغ الْخَبَر فَسَارُوا ليلتهم ونهار الْيَوْم الثَّانِي وظفروا بِكَثِير مِنْهُم وَقتلُوا خَمْسَة وَذهب وَاحِد مِنْهُم وسلبت مَوَاشِيهمْ وانحازوا إِلَى الْجبَال وَكَانَ بعض النهب مَا انتهبوه على أهل صَبيا بالمدة السَّابِقَة وَفِي هَذَا الشَّهْر مَاتَ القَاضِي الْعَارِف عبد الْجَبَّار قَاضِي لاعة رَحمَه الله وَفِيه غزت قبائل بني نوف من دهمة إِلَى سفال الْجوف فَأخذُوا شَيْئا من الْمَاشِيَة فغزاهم بعد ذَلِك نهم وَقتلُوا مِنْهُم وَفِي هَذِه الْأَيَّام وصل إِلَى حَضْرَة الإِمَام من طَرِيق الْبَحْر الشريف أَحْمد بن باز من بني حسن مُلُوك مَكَّة المشرفة متشكيا من سعد وَإنَّهُ استبد بالأمداد كَمَا استبد بِالْحلِّ وَالْعقد وَكَانَ قد هَبَط مصرا ليلحق بالروم فَمَا تمّ لَهُ مَا يروم وصده نَائِب مصر عَن ذَلِك المُرَاد وتلى لَهُ {إِن الَّذِي فرض عَلَيْك الْقُرْآن لرادك إِلَى معاد} فَأَنف من الْعود إِلَى مَكَّة وَعَاد إِلَى الْيمن فِي ضيق وركة وَحين وصل صنعاء علقت بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 الْأَمْرَاض وغلبت عَلَيْهِ الْأَعْرَاض فنضى بهَا برد الهموم وَلبس أدراج الْأَجَل المحتوم وَدفن بقبة الْإِسْكَنْدَر إِلَى جنب قبر الشريف المحسن بداخل بَاب السبحة وَفِي ربيع الآخر توفّي السَّيِّد الْعَارِف الْهَادِي بن أَحْمد القطابري الديلمي طلع مَعَ عز الْإِسْلَام إِلَى صنعاء وَمَات بهَا وَكَانَ شَاعِرًا مشاركا فِي الْفِقْه آخِذا فِي النَّحْو وقطابر بِالضَّمِّ كعلابط قَالَه فِي الْقَامُوس وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء عَاشر جُمَادَى الأولى توفّي السَّيِّد الْعَلامَة الْهَادِي بن أَحْمد الْجلَال بالجراف وَكَانَ يَوْمئِذٍ عِنْد صنوه الإِمَام الْفَاضِل الْحسن بن أَحْمد سكن أَولا بِمَدِينَة ذمار وَكَانَ يخْتَلف مِنْهَا إِلَى الْيمن لمعلومه من عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحسن ثمَّ نقل إِلَيْهِ أَوْلَاده واستوطنه وَفِي أَيَّام سكونه بِالْيمن سمع فِي الحَدِيث النَّبَوِيّ وأثاره تدل على فطنة وتظلع وَشرح الْأَسْمَاء الْحسنى شرح وَافق فِي بعض مسَائِل الأشعرية وَخَالفهُم فِي مسئلة الْكسْب وألحقهم على أحد تقديرين بالجهمية وَأثبت الروية وَجعلهَا كمذهب أَوَائِل الْحَنَابِلَة حَقِيقَة وَجوز حُصُولهَا فِي الدُّنْيَا وَقطع فِي عقيدته الَّتِي صنفها بِخُرُوج العصاة الأشقياء وَفِي هَذِه السّنة توفّي الْفَقِيه الْعَارِف عَليّ بن يحيى القملاني من بِلَاد قملان فِي أَيَّام صعدة كَانَ مشاركا فِي الْفُنُون على مَذْهَب الإِمَام زيد بن عَليّ الأول واشتدت الأزمة فِي هَذِه الْمدَّة حَتَّى انتهب الطلاب جانبا من زرايع قراضة فِي بِلَاد لاعة فَقتل مِنْهُم أهل الْبِلَاد اثْنَيْنِ وَفِي آخر سَاعَة من يَوْم الِاثْنَيْنِ تَاسِع وَعشْرين من جُمَادَى الأولى كسفت الشَّمْس فِي برج الْعَقْرَب بعقدة الذَّنب وَفِي جُمَادَى الْأُخْرَى سَار الإِمَام من صنعاء إِلَى ضوران وَاتفقَ الخسوف الْقمرِي فِي لَيْلَة خَامِس عشر هَذَا الشَّهْر بِالرَّأْسِ من آخر برج الثور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 وَفِيه مَاتَ فَقِيه الْقَاعِدَة الحصباني بجهات تعز وَكَانَ عَارِفًا بالرمل والفلك والحرف واستدعاه صفي الدّين أَحْمد بن الْحسن ليوافقه على مَا يُرِيد فَعرفهُ بِبَعْض شَيْء وَاعْتذر عَن بعض وَفِيه رفع الله أَمر الشدَّة والقحط بمطر وَقع بِالْيمن فِي لَيْلَة وَاحِدَة وَكَانَ آخر مطر الوسمي بتشرين الثَّانِي من شهور الرّوم فتوفرت الثِّمَار وَسَقَطت الأسعار ولان الشتَاء وَسقط الثَّلج بجبل عيبان غربي صنعاء وَكَانَ لَا يعْتَاد ذَلِك من قبل وَإِنَّمَا يسْقط بجبل القاهر فِي حُضُور وَفِيه انتهب ذُو مُحَمَّد من برط قافلة بالعمشية دَاخِلَة إِلَى صعدة وَقتلُوا من أَهلهَا وَاحِدًا فِي حد سُفْيَان وَآل عمار وتلقفها دهمة وانتهبوا أَكْثَرهَا ثمَّ أغارت عَلَيْهِم آل عمار وسُفْيَان فانتهبوا مَا بقى ثمَّ مَا سلمت بعد ذَلِك من انتهاب برط لجَانب مِنْهَا من أَيدي المنتهبين وَسبب ذَلِك الشدَّة الْمُتَقَدّمَة وَقد تعطل الْقَبَائِل بِانْقِطَاع معاليمهم وَفِيه سَار السَّيِّد فَخر الدّين عبد الله بن أَحْمد بن الإِمَام من جبل العر غربي صعدة إِلَى سرج وَآل حبيب وهم من الْقَبَائِل الَّذين صالوا فِي تهَامَة على بِلَاد صَبيا وَكَانُوا قد ترافعوا عَن بطن تهَامَة بعد اسْتِقْرَار الْحسن بن الإِمَام فِي بيش فقصدهم عبد الله من الْجِهَة الْعليا فظفر بهم وَاسْتَاقَ شَيْئا من مَوَاشِيهمْ وَقتل مِنْهُم نَحْو ثَمَانِيَة رجال وَكَانَ قد تجيش عَلَيْهِم بِبَعْض الْقبل المحادة لَهُم فأسعدوه لإحن بَينهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 وَفِي نصف هَذَا الشَّهْر طلع حسن بن المتَوَكل من بيش إِلَى درب ملوح فقصد فِيمَن إِلَيْهِ تِلْكَ الْقَبِيلَة الْخَارِجَة عَن الطَّاعَة وَكَانُوا قد لجأوا إِلَى جبل لَهُم جمعُوا أمتعتهم إِلَيْهِ واتكلوا فِي حفظ أَرْوَاحهم وَأَمْوَالهمْ عَلَيْهِ فتسنم الْجند عَلَيْهِم الْجبَال وألوا بهم من حَيْثُ لَا يخْطر لَهُم ببال وَلما قاربوا حصنهمْ التحم الْقِتَال ودعيت نزال وَكَانَ يَوْمًا مشهودا حزت فِيهِ هامات الْمُخَالفين والذاهب مِنْهُم بِالْقَتْلِ نَحْو السِّتين ثمَّ أَن باقيهم انهزم وَترك ذَلِك المعقل الأطم وَالذَّهَب من عَسْكَر الدولة ثَلَاثَة أَنْفَار ثمَّ عَاد النَّاس إِلَى بيش وَوصل بعض مَشَايِخ بِلَاد فيفا بخاطب أَصْحَابه بالوصول ويفصح من جهتهم بالإمتثال والمثول وَكَانَ مِمَّن سبق مِنْهُ بعض اعوجاج فبادر قبل ظُهُور دائه بالعلاج لعلمه أَن الدولة غير مغفلة لقضيته وَأَن (من حلقت لحية جَار لَهُ ... فليسكب المَاء على لحيته) وَفِي رَجَب توفّي السَّيِّد الْكَرِيم عماد الْإِسْلَام يحيى بن مُحَمَّد بن الْحسن بِصَنْعَاء وَأخرج إِلَى الرَّوْضَة بِأَمْر عَمه صفي الْإِسْلَام فَدفن إِلَى جنب قبر أَبِيه وَكَانَ مَوته رَاحَة لمثله عَن تَعب الْأَحْوَال وخلوصا عَن قيد الإعتلال فَإِنَّهُ كَانَ قد احتجب أَكثر أوقاته لتقاصر الْموَاد مَعَ مَا قد أَلفه من الأمداد وإفاضة جزيل النوال على من تعرض لَهُ بالسؤال حَتَّى ذكر عَنهُ فِي هَذَا الْبَاب مَا يحير الْأَلْبَاب وَحين مَاتَ افْتقدَ مخلفه فَلم يُوجد فِيهِ غير آلَة الْملك من أَنْوَاع السِّلَاح الْمعدة لساعات الكفاح وَشَيْء من الْحلِيّ لَا يؤبه لَهُ بِالنّظرِ إِلَى سَعَة مملكة أَبِيه وَفِي شعْبَان توفّي السَّيِّد البليغ أَحْمد بن مُحَمَّد الآنسي وَله ديوَان شعر فِيهِ الْجيد والمتوسط وتميز بالحدة الْخَارِجَة عَن الْحَد وَله تشيع باحتراق لم يكن عَن عدَّة فِي طَرِيقه فَإِن الرجل كَانَ عازفا عَن المعارف وَلكنه صحب جمَاعَة من أهل عصره دَان بدينهم وَعلة هَذِه المسئلة قديمَة وَقد ورث تِلْكَ الحدة وَلَده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 عَليّ بن أَحْمد وَله شعر أَجَاد فِيهِ بعض الإجادة وَأحمد بن أَحْمد وَغلب على شعره مُرَاعَاة التَّجْنِيس واحتد فِيهِ على كبار الدولة فاستخرج خباياهم من أقفاصهم وَلم يكن فِي الْيمن مِمَّن استحد بسني العوارف بِشعرِهِ مثله وجهز مِنْهُ شَيْئا إِلَى مَكَّة فِي دولة الشريف أَحْمد بن غَالب فأثرى بِهِ كثيرا وهاجا شعراء مَكَّة وَفِي حِسَاب النَّاس أَنه غلبهم وَأَحْسبهُ كَذَلِك فَمَا يعاب شعره بِغَيْر شَيْء من اللّحن وركة الْمَعْنى مَعَ ديباجة لَا يظْهر مَعهَا ركة الْمعَانِي إِلَّا لمن تصفح قصائده وَقد اجْتمع لَهُ بعنايته ديوَان أكبر من ديوَان أَبِيه وغالبه جيد وَعند كتب هَذَا التَّارِيخ وَقد استودعتهما الْمَقَابِر ولحقا بأمس الدابر توفّي عَليّ بن أَحْمد بِبِلَاد أنس وَأحمد بن أَحْمد بِمحل الْأَدَب حبس بندر زيلع وَكَانَ حَبسه لما ذكرنَا عَنهُ وَمن كَلَام السّلف اللِّسَان سبع إِذا أطلقته أكلك وَفِي هَذِه السّنة وصل حسن بن الإِمَام درب ملوح وَاسْتقر فِيهِ أَيَّامًا ينْتَظر وُصُول آل حبيب ثمَّ انْتقل إِلَى صَبيا لمَشَقَّة الْحَال بِسَبَب الْقَحْط فوصل إِلَيْهِ جمع من أعيانهم فربطهم بالحبال ثمَّ توجه بهم إِلَى حَضْرَة أَبِيه بحبور فَلَمَّا وصلوا إِلَيْهِ عَاتَبَهُمْ وَرَأى مِنْهُم من غلظة الطَّبْع وَالْجهل بِالشَّرْعِ مَا أَعْذرهُم مَعَه بعض الْعذر ثمَّ وعظهم وعرفهم بِصفة الشَّرِيعَة وَالْإِسْلَام وَاسْتحْسن إعادتهم إِلَى بِلَادهمْ فاحسن إِلَيْهِم وأعادهم وَقد أَخذ عَلَيْهِم المواثيق فِي الإستقامة على سَوَاء الطَّرِيق وَكَانَ الإِمَام قد لوم على الْحسن فِي الْعود من غير ظفر بِالْجَمِيعِ فأرجعه إِلَى صَبيا وَأبي عَرِيش ثمَّ رأى أَن الصَّوَاب فِيمَا فعله لعدم الجدوى وَاسْتقر هُنَالك إِلَى أَن تهَيَّأ لإمارة الْحَج وَاشْتَدَّ الْقَحْط بِهَذِهِ الْأَيَّام فَكَانَ بِسَبَبِهِ انْقِطَاع طَرِيق العمشية وهيجان دهمة فِي أَطْرَاف الْبِلَاد وتخطفهم لأطراف بِلَاد الْجوف واليمن الْأَسْفَل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 وَفِي هَذِه الْأَيَّام غزى صَاحب عمان إِلَى بندر الديو وَهِي مصالحة للفرنج وطرقه من طَرِيق الْبَحْر الزخار واستغفل من فِيهِ من التُّجَّار فانتهب مَا فِيهِ من الرغائب وشحن بِهِ بطُون المراكب وانقلب إِلَى بِلَاده وَفِيه جمَاعَة من الْمُسلمين ذهبت أَمْوَالهم وانهتكت أَحْوَالهم وفيهَا وصلت الْأَخْبَار أَن صَاحب اسطنبول وَجه إِلَى ثغر مراكش جُنُوده وَعقد لأخذها بنوده وانفصل الْأَمر عَن حيازته لملكها ورتبت البشائر فِي الْبلدَانِ والعشائر وتتبع ذَلِك فتح الجريد وَهُوَ مَحل هُنَالك وفيهَا انتهب أهل حُبَاشَة من سُفْيَان بعض قافلة مارة فَتوجه عَلَيْهِم من الحضرة السَّيِّد الرئيس صَالح بن عقبات فِي جمَاعَة من الْعَسْكَر فارتجع مَا أَخَذُوهُ وَاعْتَلُّوا بِأَن فعلهم ذَلِك لقطع مَا يعتادونه وَوصل شيخ حُبَاشَة إِلَى الحضرة فأودع الْحَبْس إِلَى أَن مَاتَ فِيهِ وَفِي لَيْلَة الْأَحَد سادس عشر رَمَضَان توفّي القَاضِي الْعَلامَة الْحسن بن يحيى حَابِس بمحروس ذمار وَدفن بهَا بحوطة الإِمَام يحيى بن حَمْزَة وَكَانَ سَار إِلَيْهَا بِأَمْر الإِمَام لافتقاد تَرِكَة عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحسن بن الإِمَام وَكَانَ مشاركا فِي الْفُنُون صَاحب ذكاء وظرافة ونفاسة وَغلب على حَاله سَعَادَة مُتَّصِلَة فَقضى بِصَنْعَاء والجراف غرر الْأَيَّام ونال من الدولة جليل الجاه وَجَمِيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 الإعظام مَعَ مَال لَا يهرق مَعَه مَاء الْمحيا وسعادة صعدت بِهِ من معقد الخاتن إِلَى منَاط الثريا وَقد رَأينَا لِلْمَالِ دخلا فِي معرفَة قدر الْعلمَاء فِي وقتنا وَلَعَلَّ الْأَمر كَذَلِك فِي سَائِر الْأَوْقَات سِيمَا مَعَ دهماء النَّاس فَإِنَّهُم يعدلُونَ بالتبجيل إِلَى صَاحب الدُّنْيَا سِيمَا إِذا صَادف ذَاك نُفُوذ كلمة وَقد أَشَارَ إِلَى ذَلِك من قَالَ (وَإِذا مَا جمعت علما ومالا ... كنت عين الزَّمَان بِالْإِجْمَاع) وفيهَا مَاتَ القَاضِي الْعَارِف مُحَمَّد بن جَعْفَر وَكَانَ حَاكما بِبِلَاد رازح وفيهَا توفّي القَاضِي الْعَلامَة الحبر الْبَحْر الصّديق بن نَاصِر رسام السوادي كَانَ الْمَذْكُور محققا لقواعد الْفِقْه وإماما فِي الْعَرَبيَّة وَإِلَيْهِ الْقَضَاء لجِهَة صعدة وساقين يتنقل فِيهَا سمع على السَّيِّد الْعَلامَة دأود بن الْهَادِي التَّفْسِير والكشاف وَغَيره وعَلى الشَّيْخ الإِمَام قطب الدّين لطف الله بن مُحَمَّد الغياث شرح نجم الدّين للكافية وَشرح الْعَضُد للمختصر وَله قراءات فِي غير ذَلِك على غَيرهمَا من مَشَايِخ وقته وَأفَاد عَالما فِي الْفُنُون على أَنْوَاعهَا وَفِي آخر شَوَّال مَاتَ بِصَنْعَاء الْيمن القَاضِي الْعَلامَة مُحَمَّد بن يحيى الْعَنسِي وَكَانَ ذَا دراية بالنحو وَالْأُصُول مشاركا فِي الْفِقْه جَمِيع الإعتقاد وفيهَا مَاتَ الشَّيْخ عَليّ بن نَاصِر بن رَاجِح الَّذِي ذكر عَنهُ الْخلاف على الْمُؤَيد بِاللَّه فِيمَا مضى وفيهَا تجلى أَمِير حلي والحرامية عَنْهَا بِسَبَب حَرْب وَقع بَينه وَبَين كنَانَة أفْضى إِلَى تعطل دياره وانتفى قراره وفيهَا ابتلعت الأَرْض رجلا فِي بِلَاد رازح بِمَا مَعَه من الأغنام والبقور وَلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 يبْق إِلَّا يَده فِي كَمَال الظُّهُور فسبحان الْقَادِر على مَا يبهر الْعُقُول ويخرق الْعَادَات فِي كل الْأُمُور وَفِي هَذِه الْأَيَّام نزل فِي وَادي مور سيل عَظِيم من أعالي جبال ساقين وخولان وَبلغ إِلَى تهَامَة وَأهْلك عدَّة من الْأَمْوَال وَفِي ذِي الْقعدَة توفّي الْفَقِيه الأديب المنشئ المحاضر مُحَمَّد بن حسن أَفَنْدِي وَهُوَ الَّذِي ترَتّب للإنشاء لدولة عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحسن فِي أَوْقَات صفى لَهُ جوها ولمع بسعده ضوءها وَحين عملت أقلامه على الأنابيب الصم ونال من حَظّ الدولة المحمدية مَا فَاتَ الْوَزير بن القم ولازم عز الْإِسْلَام سفرا وحضرا وَكبر فِي عين الدولة خطرا وَقد كَانَ لَهُ بلاغة متوسطة لَكِن قبُول الدولة ضوع أعطارها وضاعف شنارها بِمَا تجمل بِهِ من خطير الْمَرَاتِب وسني الْمَوَاهِب وَهِي الَّتِي تنعش النُّفُوس وتزف الْمعَانِي إِلَى الْأَرْوَاح زف الْعَرُوس وَمَا زَالَ مواضبا على خدمَة عز الْإِسْلَام حَتَّى أفيض على مخدومه نفحة من دَار السَّلَام ثمَّ اتَّصل بِخِدْمَة عَمه المتَوَكل وَمَات بضوران للتاريخ الْمَذْكُور وَمَا كَانَ خَالِيا عَن مُشَاركَة فِي النَّحْو وَله يَد بِعلم الرمل والفلك وفيهَا سير الإِمَام لولاية ظفار حَضرمَوْت الشَّيْخ زيد بن خَلِيل فَبلغ إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 الشحر وَأرْسل وَلَده إِلَى هُنَاكَ وَوصل بعد ذَلِك إِلَى حَضْرَة الإِمَام نَائِبه الأول مَوْلَاهُ الْحَاج عُثْمَان زيد وَفِي آخر ذِي الْقعدَة وصل إِلَى بندر المخا سُلْطَان الأزبك ومستقر مَمْلَكَته كاشغر شَرْقي بِلَاد فَارس وَمَعَهُ قدر خَمْسمِائَة من الْعَسْكَر والأتباع وَلَهُم شَوْكَة ونجدة وَكَانَ قَصده الْحَج ففاته فِي هَذَا الْعَام وَاتفقَ خصام بَين أَصْحَابه وَبَين عَسْكَر حَاكم المخا السَّيِّد ضِيَاء الدّين بن زيد بن عَليّ الجحافي فَذهب من الْفَرِيقَيْنِ جمَاعَة أَكْثَرهم من أَصْحَاب السُّلْطَان وَلما علم الْحَاكِم أَن حسم مَادَّة شرهم لَا يكون إِلَّا بأقوى مِمَّا هُوَ فِيهِ استطاب نفس مقدمهم وَسلم ديات الْقَتْلَى وفيهَا وصل إِلَى الْيمن من الأقطار الْهِنْدِيَّة سُؤال يتَعَلَّق بغامض الْفَرَائِض وَالضَّرْب وَالْقِسْمَة وَلَفظه بعد الْبَسْمَلَة تيمنا بِذكر الْأَعْلَى مَا قَول أَئِمَّة الدّين رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ إِذا أوصى الرجل لرجل بِمثل نصيب أحد بنيه وَلآخر بِمثل مَا يبْقى من الثُّلُث بعد النَّصِيب وَكَانَ النَّصِيب مثل جذر المَال وَلآخر بِمثل نصف ربع خمس سبع تسع عشر ذَلِك الجذر ثمَّ مَاتَ وَخلف ثَلَاثَة بَنِينَ انْتهى وتصديره من حَضْرَة السُّلْطَان أورنقزيب على يَدي مُحَمَّد خَان أَمِين فعرضه الإِمَام على من لَهُ رسوخ قدم فِي هَذَا الْفَنّ من عُلَمَاء ذمار وَغَيرهم فَمنهمْ من قَالَ هُوَ طلسم مَسْتُور إِذْ لَا يَنْقَسِم فِي الظَّاهِر على جِهَة الجبور وَأجَاب عَنهُ القَاضِي الْمهْدي بن عبد الْهَادِي الثلائي من عُلَمَاء الزيدية وتصدى للجواب عَنهُ أَيْضا بعض عُلَمَاء الشَّافِعِيَّة وَرَأَيْت بِخَط بعض السَّادة الآخذين فِي هَذَا الْفَنّ أَن الْكل قد عجز عَن حل السُّؤَال وَأَن الْأَمر فِي حل مشكلة كَمَا قَالَ (وكل يَدعِي وصلا لليلى ... وليلى لَا تقر لَهُم بذاكا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 وَأَنه قد أجَاب عَنهُ فِي بعض مصنفاته بِجَوَاب يحل معاقده ويوضح مقاصده وَلم أَقف على شَيْء من ذَلِك وَعند الله علم مَا هُنَالك فَإِن معي فِي تَحْقِيق نقل السُّؤَال كَمَا هُوَ نظرا وَفهم معنى الْفظ كَيفَ مَا كَانَ مُتَوَقف على تلقيه كَمَا كتبه ملقيه وَفِي غرَّة ذِي الْحجَّة تعرض العمانيون بساحل عدن والمخا للإنتهاب ووقعوا من مُرَادهم على ثَلَاثَة جلاب وَهِي مِمَّا وصل للفرنج إِلَى بَاب الفرضة وكافح الفرنج عَن أَمْوَالهم فَهَلَك بِالْقَتْلِ مِنْهُم جمَاعَة وَعجز نَائِب المخا دفعهم لكثرتهم فَإِنَّهُم وصلوا إِلَى هُنَالك فِي سبع براش وَكَانَ قد جلب عَلَيْهِم بغوائر من زبيد وَغَيره واستدعى من الإِمَام زِيَادَة من الْعَسْكَر المختارة فَلم يصلوا إِلَّا وَقد انفصلوا واتصلوا من الْأَمْوَال بِمَا اتصلوا فضعف البندر بِسَبَب هَذِه الْخَارِجَة وَتوجه بعض المراكب إِلَى جدة وفيهَا توفّي السُّلْطَان مُحَمَّد بن بدر الكثيري ملك حَضرمَوْت وَفِي ذِي الْحجَّة جَاءَ الْخَبَر أَن العمانيين بلغُوا فِي عودهم إِلَى حُدُود سواحل بِلَاد الْمهرِي ثمَّ دخلوها وانتهبوها وعاثوا بِجَزِيرَة سقطرى وانتهبوها وأمسكوا شيخها فأوردوا هامته حدادهم وعادوا قبحهم الله إِلَى بِلَادهمْ وَدخلت سنة ثَمَانِينَ وَألف عزل يحيى باشا قد ذكرنَا فِي أثْنَاء حوادث سنة خمس وَسبعين أَن طَائِفَة السُّلْطَان صَاحب اسطنبول بعد طرد حُسَيْن باشا عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 الْبَصْرَة بوشوا بهَا قَرِيبه يحيى عليان وَإِن السُّلْطَان مَال عَن ذَلِك الشَّأْن وَكَانَ الأحب إِلَيْهِ أَن تجتث علائق حُسَيْن باشا وَأَن صنيعهم بتولية قريبَة لم يكن كَمَا شَاءَ وَحين أَخذ يحيى من حَظّ الباشوية مَا سبق فِي علم باري الْبَريَّة وانقضى دور ولَايَته القسرية وَهَبَطَ عَلَيْهِ نَافِذ الْأَوَامِر القهرية وتحركت عَلَيْهِ نفس السُّلْطَان فأجلب عَلَيْهِ من كل مَكَان حَتَّى سلبه تِلْكَ الْبردَة وفار عَلَيْهِ التَّنور بأبطال تمور من عين ورده بعد معركة غرق فِي تامورها الْعباب وشابت لهولها قوادم الْغُرَاب وَفِي محرمها وفدت الْأَخْبَار إِلَى صنعاء بِتمَام عمل الْحَج واجتماع محامل الْعرَاق وَالشَّام ومصر واليمن وبخروج حسن باشا مولا من الْأَبْوَاب على الْحجاز وَمَكَّة وَجدّة وتوليه للمدينة عِنْد مُرُور إِلَيْهَا وانضرب لذَلِك خاطر الشريف سعد بن زيد وأوجس مِنْهُ الْمَكْر والكيد فاستخدم الْأَبْطَال وَعمر بِالْإِحْسَانِ قُلُوب الرِّجَال وَكَانَ أهل مَكَّة قد ارتجفوا فِي أَوَائِل الْحَال وأغلقت الدكاكين فصاح الباشا بالأمان وَأمر بِإِسْقَاط المكوس وَالضَّمان ثمَّ صَار إِلَى جدة وَأَرَادَ أَن يجمع بهَا من عدَّة الْحَرْب مَا يَسْتَعِين بِهِ على زحلفة يَد الشريف وبالتحقيق أَن ولَايَة سعد سَمَاوِيَّة مِمَّن بِيَدِهِ أزمة التصريف وَكَانَ قد عرض على حسن بن الإِمَام عقيب إتْمَام الْحَج أَن يُقيم عِنْده تِلْكَ الْمدَّة وَيقوم بكفاية من مَعَه من الْعَسْكَر فلاطفه بالإعتذار وَقبل مِنْهُ وَفِي هَذِه الْأَيَّام طاس جمَاعَة من أُولَئِكَ العمانيين إِلَى جيزان فِي أثر مركب بايزيد لِأَنَّهُ جَاوز المخا فتبعوه ظنا مِنْهُم أَنهم سيعودون بِهِ ففاتهم إِلَى جدة وهرب عَنْهُم أهل جيزان عِنْد دُخُولهمْ ثمَّ ارتفعوا عَنهُ وَقد كذبت أوهامهم وطاشت سِهَامهمْ وفيهَا مَاتَ القَاضِي صَلَاح بن يحيى الْحسي وَكَانَ إِلَيْهِ منصب الْقَضَاء بالمحويت فَجَلَسَ مَكَانَهُ القَاضِي الْعَارِف عبد الحفيظ النزيلي وَفِي صفر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 مَاتَ شيخ الْقرَاءَات السَّبع بِصَنْعَاء مُحَمَّد السلاخ بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَالْخَاء الْمُعْجَمَة بِوَزْن غراب وَكَانَ مكفوفا وَفِي صفر استدعا الإِمَام وَلَده جمال الدّين عَليّ بن أَمِير الْمُؤمنِينَ من المخا فوصل إِلَيْهِ وَأذن للسَّيِّد الْعَلامَة ضِيَاء الدّين إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن الْحسن وصنوه أَحْمد فِي النُّزُول إِلَى بِلَاد ولايتهما العدين فَسَار إِلَيْهِ من طَرِيق النايجة ومضيا إِلَى رماع وتهامة حَتَّى دخلا وَادي العدين فَمَاتَ بِهِ أَحْمد بن مُحَمَّد وقبر بالمذيخرة رَأس العدين وَاسْتقر الضياء بِبَلَد ولَايَته وَكتب لَهُ الْإِنْشَاء مَعَ المشارفة على أَحْوَاله للسَّيِّد الأديب جَعْفَر بن المطهر الجرموزي وَفِيه قتل السَّيِّد صَالح بن حُسَيْن المحنكي بِصَنْعَاء على يَدي ولد ريحَان وَرجلَيْنِ آخَرين أَحدهمَا عبد دلال وَالْآخر من أهل الشَّام كَانَ خَادِمًا للسَّيِّد وَكَانَ خاصه فعامل على قَتله الرجلَيْن وَأخذُوا مَاله بعد فعلتهم القبيحة فانبعث شنيع فعلهم إِلَى حَاكم صنعاء يَوْمئِذٍ وَهُوَ عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن المتَوَكل فضبط الْعَبْدَيْنِ وانفلت الْخَادِم الشَّامي فتبع ورد من بِلَاد الظَّاهِر ثمَّ تهدده بِالضَّرْبِ فَأقر بِمَا كَانَ من الثَّلَاثَة فَشدد على الْجَمِيع وَوصل أَوْلِيَاء دم السَّيِّد من الشَّام وَلما تعلق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 دم السَّيِّد بِذِمَّة الْمَذْكُورين لم ير أولياؤه أَنهم أهل للْقصَاص قَالُوا وَكَانَ الْمُبَاشر ولد ريحَان وَهُوَ فِي حَال الرقم فِي قيد الْوُجُود فأطلقوا عَن الإعتقال بعد وَفَاء الْأَدَب وَأما مَاله الَّذِي كَانَ سَبَب قَتله فَإِنَّهُ استخرج من أَمَاكِن بعد أَن دلّ عَلَيْهِ وَصَارَ إِلَى أَهله وراثة وخسرت صَفْقَة أُولَئِكَ الثَّلَاثَة وَلم يمض شهر من الْيَوْم الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَحْمد بن مُحَمَّد حَتَّى قضي على أَخِيه السَّيِّد الْعَلامَة إِسْمَاعِيل ابْن مُحَمَّد بالعدين فذرفت لمصرعه عُيُون الْأَعْيَان وتوالت لفقده مَوَاضِع الأشجان وأصبحت الْعُيُون عبرا والأرجاء غبرا وَكَانَ بَقِيَّة أَعْيَان الدولة العزية بحماه لائذين وَمن طوارق آفَات الإمتهان بجواره عائذين فضوعف لَهُم أجر الصابرين على الْبِلَاد بذهاب وَاسِطَة عقدهم وَولي حلهم وعقدهم وَكَانَ بِمَثَابَة من سَائِر الْعُلُوم فآثاره فِي كتبه تقضي بالوقوع على طائل عَظِيم وحظ جسيم وَله سمط اللآل فِي شعر الْآل وَقعد مَكَان ولَايَته السَّيِّد جَعْفَر بن مطهر بِولَايَة الإِمَام وَذكر بَعضهم أَن السَّيِّد صارم الدّين فِي هَذِه الْأَحَايِين تحرّك للدعوة بِسَبَب اشْتِبَاه اسْم الإِمَام باسم ذَلِك السَّيِّد الْهمام فَظن أَنه الْمقْضِي عَلَيْهِ والموجه وَجه الْقَضَاء إِلَيْهِ وَالله أعلم بِحَقِيقَة ذَلِك وَكَانَ ملك عز الْإِسْلَام وَأَوْلَاده الْأَعْلَام إِلَى تَارِيخ وَفَاة وَلَده إِسْمَاعِيل فَوق أَرْبَعِينَ عَاما وَفِي صفر مَاتَ السَّيِّد الْعَارِف الْحُسَيْن بن عَليّ بن صَلَاح العبالي القاسمي وأصل وَالِده من بِلَاد الحرجة بِالشَّام سكن بالعبال من بِلَاد حجَّة وَنسب إِلَى السَّيِّد الْحُسَيْن اختراق التَّشَيُّع وتضليل الْمُعْتَزلَة وَجَمَاعَة من الْأَئِمَّة كَالْإِمَامِ الْمُؤَيد بِاللَّه الهاروني وَالْإِمَام يحيى بن حَمْزَة وَالْإِمَام الْمهْدي وإنكار الدَّجَّال وَقد قَالُوا أَن الْأَحَادِيث بِخُرُوجِهِ آخر الزَّمَان بلغت التَّوَاتُر وَنسب إِلَيْهِ أَيْضا اعْتِقَاد الحسينية وَقد انقرض مَذْهَبهم السخيف والطعن فِي كتب السّنة النَّبَوِيَّة وَإِن الدَّابَّة لَا تكون على الْحَقِيقَة وَإِنَّمَا هِيَ الْمهْدي وَفتح رَاء الرّوم من قَوْله تَعَالَى {الم غلبت الرّوم} وَتَفْسِيره بِمذهب الْحُسَيْن بن الْقَاسِم وَغير ذَلِك فَلَا حول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم وفيهَا توفّي القَاضِي الْعَارِف بدر بن حميد من ذُرِّيَّة حميد الشَّهِيد كَانَ لَهُ معرفَة بالفقه وَتوجه إِلَيْهِ منصب الْقَضَاء والخطابة فِي جبل عفار وكحلان بدولة مُحَمَّد باشا وَفضل الله باشا وَاسْتمرّ أَيَّامًا على الْقَضَاء بدولة الْمُؤَيد ثمَّ عزل وَكَانَ زاهدا فِي ملبوسه متواضعا مطرحا للمراتب العلوية وَعرف دولة الْوَزير حسن وَكَانَ الباشا سِنَان يَوْمئِذٍ كدخداه وخادمه وَأخْبر أَنه رأى الْوَزير فِي بعض الأعياد خَارِجا إِلَى الْجَبانَة لصَلَاة الْعِيد وَمَعَهُ أبطال الأجناد والنوبة الَّتِي تأوب لَهَا جبال الْجِيَاد فَلَمَّا نزل الْوَزير عَن الحصان وَدخل بَاب الْجَبانَة احتضنه بِيَدِهِ الْأَمِير سِنَان وَكَانَ فِي نِهَايَة الجسامة والظرافة والوزير فِي نِهَايَة اللطف والنحافة وفيهَا جَاءَت أَخْبَار حَضرمَوْت بِأَن عشْرين برشة من الفرنج غزوا بِلَاد الْعمانِي مُكَافَأَة لمغزاه الْمَاضِي إِلَى الديو فَدَخَلُوا أَطْرَاف بِلَاده وسواحلها وانتهبوا فِيهَا وَقتلُوا من أَصْحَابه فَوق عشْرين نفسا وفيهَا رفع الإِمَام الْآدَاب عَن أهل الذِّمَّة بعد أَن مَاتَ بَعضهم من الْجُوع وَأسلم الْبَعْض وَفِي وسط خريفها درت شأبيب الرَّحْمَة وعاودت الْحَيَاة الْبِلَاد والعباد وَالْحَمْد لله وفيهَا غزت دهمة إِلَى حُدُود براقش بالجوف فانتهب طرفا من إبلها وَهِي ترعا وَفِي هَذِه الْأَيَّام عرض الإِمَام على ولد أَخِيه الْقَاسِم بن أَحْمد بن الإِمَام الدُّخُول فِي ولَايَة الْبِلَاد الَّتِي تَحت يَد صنوه مُحَمَّد بن أَحْمد فأباها احتشاما لجَانب أَخِيه فَعظم بذلك عِنْده وَعند النَّاس وَفِي ربيع الأول وصل إِلَى الإِمَام مَكْتُوب من ملك عمان سُلْطَان بن سيف وَلَفظه بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من إِمَام الْمُسلمين سُلْطَان بن سيف رَأس الْعَرَب اليعربي إِلَى عالي ذرْوَة جناب الْمُعظم الْهمام المكرم إِسْمَاعِيل بن قَاسم الْقرشِي الْعَرَبِيّ أما بعد فَإنَّا نحمد الله على سوابغ آلائه وَجَمِيل صنعه وبلائه ونستر شده إِلَى سلوك سَبِيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 رِضَاهُ ونستزيده من خَزَائِن مواهبه وعطاه إِنَّه بِيَدِهِ مَفَاتِيح كل خير وكفاية كل بؤس وضير وَإِن سَأَلت أَيهَا الْمُحب عَنَّا ورمت كنه كَيْفيَّة الْحَال منا فَإنَّا نحمد الله فِي حَال يسر بِهِ الْوَدُود ويسأله الحسود ثمَّ لتعلم أَيهَا الْملك المبجل وَالسَّيِّد المجلل أَنه قد وصل إِلَيْنَا فِي مُدَّة أَيَّام قد تصرمت وشهور قد تخرمت رجل من جنابكم يزْعم أَنكُمْ أرسلتم بِيَدِهِ طروسا بهَا دُرَر من رائق لفضكم وخطابكم غير أَنه يَقُول أَن الْمركب الَّذِي أقبل فِيهِ عابه الإنكسار فغرق فِي اليم فَأدْرك الطروس المصطره حكم التّلف ثمَّ بيد أَنه قد تناها إِلَيْنَا من نتائج لِسَانه واتضح لنا من وَاضح نطقه وَبَيَانه أَنكُمْ علينا عاتبون وَمنا واجدون لأجل قطع خدامنا فِي الْعَام الْمَاضِي للْمُشْرِكين على بَابَكُمْ وَأَخذهم لسفنهم القاصدة إِلَى جنابكم ولعمري إِنَّا نَدْرِي أَن العتاب بَين الأخلا عنوان الْمَوَدَّة الْخَالِصَة والصفاء ورائد مَحْض الْمحبَّة الصادقة وَالْوَفَاء غير أَنه يجب عَن افْتِرَاق الجرائم وانتهاك الْمَحَارِم فَأَما نَحن فَلم نسلك إِلَى ارْتِكَاب ذَلِك سَبِيلا وَلَا نجد لَك على إلزامنا فعل ذَلِك دَلِيلا إِذْ كُنَّا لم نجهز مراكبنا ونحشد مخالبنا لسيارة رعيتك وَلَا لاستباحة أهل حكمك وقضيتك لَكِن جهزنا الجيوش والعساكر وأعددنا اللهاذم والبواتر لتدمير عَبدة الْأَوْثَان واعدا الْملك الديَّان تعرضا منا لرضى رب الْعَالمين وإحياء لسنة نبيه الْأمين ورغبة فِي إِدْرَاك فضل الصابرين الْمُجَاهدين وحاشا مثلك أَن يغْضب لقِتَال عَبدة الْأَصْنَام وأعداء الله وَالْإِسْلَام السِّت من سلالة عَليّ بن أبي طَالب الساقي للْمُشْرِكين وَبِي المشارب وَأَنت تَدْرِي بِمَا جرى بَيْننَا وَبينهمْ من قبل فِي سواحل عمان وَفِي سَائِر الْأَمَاكِن والبلدان من سفك الدِّمَاء وَكَثْرَة الصيال وتناهب الْأَمْلَاك وَالْأَمْوَال وَإِنَّا نأخذهم فِي كل مَوضِع تحل بِهِ مراكبهم وتغشاه حَتَّى من كنح وحميروية بندرى الشاه وَلم يظْهر لنا من أجل ذَلِك عتابا وَلَا نكيرا فَإِن كنت فِي شكّ من ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 فاسأل بِهِ خَبِيرا إِلَّا وَإِنَّا نذكرك أَيهَا الْملك والذكرى تَنْفَع الْمُؤمنِينَ وَإِنَّا لَك من الْمُنْذرين وَعَلَيْك من الحذريين إِنَّا لما ملكنا تِلْكَ الْأَيَّام بَلْدَة ظفار وَهِي عَنَّا نازحة الفيافي والقفار لم نر فِي تَملكهَا صلاحا لشَيْء أوجبه منا النّظر وحاكته الأذهان والفكر فتركناها لَا من خوف قُوَّة قاهرة وَلَا لكلمة علينا ظَاهِرَة وَلَا يَد غالبة وَلَا كف سالبة وَسَاعَة مَا خرج مِنْهَا عاملنا خلف خلف بهَا شَيْئا من مدافع الْمُسلمين لغفلة مِنْهُ جرت عَن حملهَا فِي ذَلِك الْحِين وَلما ملكتم أَنْتُم زِمَام عَنْهَا واجتليتم ضوء بدرها وشمسها وَلم تدفعوا إِلَيْنَا تِلْكَ المدافع كَأَن لم يكن من وَرَائِهَا ذَا يَد وَلَا دَافع فَاعْلَم أَيهَا الْملك أَن البعل غيور وَاللَّيْث هصور وَالْحر على غير الإهانة صبور وَمن أنذر فقد أعذر وَمَا غدر من حذر على إِنَّا لإِصْلَاح ذَات الْبَين بَيْننَا وَبَيْنكُم طالبون وَفِي اسْتِيفَاء صحبتك راغبون ولإطفاء الْفِتَن والإحن بَيْننَا وَبَيْنك مؤثرون فَإِن كنت رَاغِبًا فِي الَّذِي فِيهِ رغبتنا وطالبا لمَاله طلبنا إخمادها فأدفع لَك الْخَيْر لنا إِيَّاهَا وَلَا تتحسن بِسُرْعَة الإعتداء حمياها وَإِن أَبيت إِلَّا الْميل لاغتنامها والجزم على نفس امْرِئ على خبط ظلامها فَفِي الإستعانة بِاللَّه مِمَّن اعْتدى فسحة وسعة وَمن كَانَ مَعَ الله كَانَ الله مَعَه وَالسَّلَام وَرَحْمَة الله انْتهى الْمَكْتُوب بِحُرُوفِهِ وَفِيه من رئاسة الْأَلْفَاظ وتخير كَلِمَات الأنفة والسمو مَا يقْضِي بِأَن عَامله الْمُسَمّى بخلف إِنَّمَا رغب عَن ظفار لرغبة مخدومه وَقد سلف صفة إِخْرَاجه عَنهُ شَيْء من هَذَا وَهَذِه صناعَة فحول الْمُلُوك على أَيدي أكَابِر الدولة وبلغائها فَإِن من الْبَيَان لسحرا وَإِلَّا فَإِن خلفا لم يخرج من ظفار إِلَّا بِمَا دهمه من جَيش السُّلْطَان الكثيري وَلَو كَانَ خُرُوجه رَغْبَة لما رغب عَن المدفعين وَهُوَ أمس مَا يكون إِلَيْهِمَا وَكَيف لَا وهما آيَة الْإِبْقَاء على دولته ورئاسته وَأعظم مَا يتجمل بِهِ عِنْد الْوُفُود على مخدومه الْعمانِي (وينتحل المقهور كل تعلة ... وَلَا بُد للمغلوب أَن يتعللا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 وَالْإِمَام أَمر بِإِطْلَاق المدفعين وَتَوَلَّى الْجَواب من لَا يحسن الدُّخُول فِي هَذَا الْبَاب ولأمر مَا حَافظ الْمُلُوك على تشييد مناصب كتاب الْإِنْشَاء كالصاحب والصابي وَالْقَاضِي الْفَاضِل وَغَيرهم مِمَّن يكون ترشيحه فِي دست الْكِتَابَة نصف المملكة أَو ثلثيها وأسمج بِملك يطبق الدُّنْيَا ملكه وَلَا يجد إِذْ نابه مَا يَدْعُو إِلَى الْكِتَابَة غير الأفدام وَفِي نصف ربيع الثَّانِي غزت دهمة من برط وَمَعَهُمْ بَنو نوف إِلَى حُدُود معِين من بِلَاد الْجوف فانتهبوا مَا فِيهَا وأقدموا إِلَى صَافِيَة الصفي أَحْمد فَأرْسل وَلَده الْحُسَيْن بن أَحْمد فِي جمَاعَة إِلَى معِين فَلم يُصَادف أُولَئِكَ الغازين وَكَانُوا قد ارتفعوا قبل وُصُوله وَتعقب ذَلِك مسير جمَاعَة من برط إِلَى أَطْرَاف المراشي وَمَعَهُمْ الدَّاعِي السَّيِّد مُحَمَّد بن عَليّ الغرباني وطلبوا الْوَاجِبَات من أَهلهَا وَكَانَت قِطْعَة للْقَاضِي عَليّ بن مُحَمَّد الْعَنسِي وَمن إِلَيْهِ فمنعوا عَنْهَا فَاقْتَتلُوا فَذهب وَاحِد من أهل الْقرْيَة فَحمل عَلَيْهِم أهل الْقرْيَة وجنو على جمَاعَة مِنْهُم ثمَّ رَجَعَ السَّيِّد الدَّاعِي إِلَى المرانة وَفِي هَذِه السّنة صَالح الشريف حمود سعد بن زيد ملك مَكَّة وَلم يدْخل مَكَّة خشيَة غيلَة الأروام فسكن من الْحجاز فِي أمنع مَكَان وجال فِي ميادين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 تِلْكَ الوهاد بِمن مَعَه من الفرسان وَكَانَ قد ترك الشُّهُود لأطراف القنا وَأرْسل عنان فرسه إِلَى عنان كل عَنَّا وَمَا اسْتَفَادَ من نجدته غير قرع النجُود والعدول عَن سكنه إِلَى مساكنة السيدان وَالْأسود مصاحبا القرضابة منشدا لأترابه وأحبابه (ولي دونكم أهلون سيد عملس ... وأرقط زهلول وعرفاء جيأل) (هم الْأَهْل لَا مستودع السِّرّ ضايع ... لديهم وَلَا الْجَانِي بِمَا جر يخذل) والباشا حسن اسْتَقر هَذِه الْأَيَّام بجدة وَأعد بتحويل السِّيَاق إِلَى مَكَّة عدَّة وفيهَا اتّفق بَين السَّيِّد مُحَمَّد بن عبد الله العياني وناظر الْوَقْف بِصَنْعَاء شجار فِي أَمْلَاك فَرفع إِلَى حَاكم الْبَلَد السَّيِّد عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الإِمَام وَاقْتضى رَأْيه تَأْدِيب جمَاعَة السَّيِّد فاحترقت لذَلِك أنفاسه وأعان على غيظه وسواسه فَلبس الغرارة وَجعلهَا لغيظة أَمارَة واشتعل نَار غيظه حَتَّى رمت بشرر كالقصر لما كَانَ قد أَلفه من نُفُوذ الْكَلِمَة الَّتِي تقدم مَعهَا أَرْبَاب الْأَمر (وَمَا كل وَقت يمنح الْمَرْء سؤله ... فَخذ عَفْو مَا واتى ودع كلما استعصا) وَفِي إِحْدَى جماديين مَاتَ حُسَيْن بن أَحْمد الْوَادي وَكَانَ بارعا فِي اسْتِخْرَاج الْكَوَاكِب من جداول الزيجات وترتيب الْأَحْكَام عَلَيْهَا فِي السّكُون والحركات فَلَمَّا أَرَادَ السّفر إِلَى قعار نظر فِي أَحْكَام الْفلك الدوار فَقضى عرفانه بالنقلة من صنعاء إِلَى وهب فِي سَاعَة اخْتَارَهَا وأثاره من علم آثارها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 فأمسى هُنَاكَ ثمَّ أصبح مُسَافِرًا وَقد أَطَاعَته أفلاكه وضل عَنهُ ملاكه فَإِنَّهُ مَا اسْتَقر ثمَّ إِلَّا وَقد دَعَاهُ مُدبر الْأَمْلَاك ومدبر الأفلاك فانتظم هَالة محياه برج الضريح قبل أَن يُعِيد فِي تحريكه نظره الصَّحِيح سُبْحَانَ من علم لذاته الْعُظْمَى مَا كَانَ وَمَا يكون وَله الْملك والملكوت {قل لَا يعلم من فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض الْغَيْب إِلَّا الله} {وَمَا تَدْرِي نفس مَاذَا تكسب غَدا وَمَا تَدْرِي نفس بِأَيّ أَرض تَمُوت} وَشَيْخه فِي الْفلك الْفَقِيه حسن بن عبد الله السرحي صَاحب الزيج الْمَعْرُوف وَفِي هَذِه الْأَيَّام وَقعت من الصفي أَحْمد بن الْحسن إِشَارَة إِلَى الإِمَام فِي أَن يُوَجه إِلَيْهِ العدين وَيكون نظره إِلَى وَلَده بدر الْإِسْلَام مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحسن ابْن الإِمَام لِأَنَّهُ حضر موت عَمه ضِيَاء الدّين فرجح نظر الإِمَام اسْتِمْرَار السَّيِّد جَعْفَر بن المطهر على عمله قلت عِنْد كتب هَذَا المسطور وَولده الْمشَار إِلَيْهِ إِمَام هَذَا الْقطر اليمني ومفيض فرات مشرعه الهني وَهُوَ الْمهْدي لدين الله مُحَمَّد بن الْمهْدي لدين الله أَحْمد بن ملك الْيمن الْحسن بن الْمَنْصُور وَسَيَأْتِي عِنْد ذكر دولة وَالِده ودولته اسْتِيفَاء الْكَلَام بعون مفيض الْإِعَانَة العلام وفيهَا استدعى الإِمَام الْحَاكِم اللِّحْيَة وَالضُّحَى ومور وَهُوَ النَّقِيب سعيد المجربي فَاعْتَذر بضعفه عَن الْوُصُول وناب عَنهُ وَلَده فِي المثول فَصدقهُ فِي قَوْله وعذره وعَلى كمران واللحية قصره وَتوجه الضحي ومور إِلَى غَيره على الْفَوْر وفيهَا وصلت إِلَى الإِمَام اتحافات وهدايا من الباشا عِيسَى بن الباشا عَليّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 مقدمي الذّكر وفيهَا حِصَّة للصفي أَحْمد بن الْحسن وَشرف الدّين الْحُسَيْن بن الْمُؤَيد فَعَاد رَسُوله بِثَوَاب الإثابة ورياض المنا المستطابة وَفِي آخر رَجَب سَافر الشريف عَليّ بن حسن الْمَكِّيّ من صنعاء إِلَى مَكَّة وَكَانَ قد أَقَامَ بِالْيمن قدر عشْرين سنة وَلم يتْرك لَهُ الصفي أَحْمد شَيْئا فِي نَفسه مِمَّا يوصله إِلَى بَلَده ويحمله عِنْد الْوُصُول بَين أَهله وَولده فَلبث هُنَالك ثَلَاث سِنِين بعد استقراره وثار بَينه وَبَين قَرِيبه الشريف حيدر خصام خلص فِيهِ عَن قيد الْوُجُود إِلَى فضي الإعدام وأعان حيدر على غلبته الركة الَّتِي لحقته بِسَبَب انكسار إِحْدَى رجلَيْهِ عِنْد خُرُوجه إِلَى الْيمن فِي بِلَاد خمر بسقوطه من على فرسه وَلما قَتله حيدر واستشعر من قرَابَته الشَّرّ ضَاقَتْ عَلَيْهِ الأَرْض بِمَا رَحبَتْ فَفَارَقَ مَكَّة إِلَى الْيمن ومشاها خطا عَلَيْهِ كتبت وَفِي هَذِه الْأَيَّام اتّفق بَين الْعمانِي والفرنج فِي الْبَحْر قتال شَدِيد وَكَانَ ريح النَّصْر فِي مبادئه مَعَ جند الْعمانِي ثمَّ عطف الفرنج عَلَيْهِم فَقتلُوا مِنْهُم زهاء مِائَتي نفر وَانْهَزَمَ الْبَاقُونَ وَثَبت الفرنج فِي الْبَحْر يعوثون أَيَّامًا حَتَّى خرج مِنْهُم من خرج إِلَى المخا وَفِي عَاشر شعْبَان اقْترن زحل والمريخ بِأول برج الْحُوت وَفِي هَذِه الْأَيَّام غزى قوم لَا يدرى مِنْهُم إِلَى برط فَقتلُوا نَحْو الْمِائَة وفيهَا اغتال أهل ظفار وَقتلُوا من أَصْحَاب الإِمَام عشْرين من الْخِيَار فانحصر أَمِير الدولة وَهُوَ ولد الشَّيْخ زيد بن خَلِيل واحتار فرجح نظر الإِمَام إرْسَال عَبده الْحَاج عُثْمَان زيد إِلَى حَضرمَوْت لنيابته واستدعاه الشَّيْخ زيد خَلِيل وَلَده من ظفار فَخَرَجَا جَمِيعًا إِلَى الحضرة فَأَما ظفار فتغلب عَلَيْهِ أحد جند الدولة الكثيرية واستند فِي الظَّاهِر إِلَى الحضرة الْعلية وَكَانَ الإِمَام قد عرض ولَايَة بِلَاد حَضرمَوْت وَمَا يتَعَلَّق بهَا وَالدُّخُول إِلَيْهَا على ابْن أَخِيه شرف الْإِسْلَام الْحُسَيْن بن الْحسن فَامْتنعَ عَن ذَلِك بمشاورة صنوه صفي الْإِسْلَام وَأرْسل بعض مقاومته وَلم يتم لَهُ مرام وَفِي رمضانها توفّي الْعَلامَة الْمُحدث زين العابدين بن عبد الْقَادِر الطَّبَرِيّ إِمَام مقَام الشَّافِعِيَّة بِالْحرم الشريف وَدفن بِمَكَّة وَهُوَ صَاحب أَسَانِيد عالية فِي الحَدِيث النَّبَوِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 (وَخذ النّوم من جفوني فَإِنِّي ... قد خلعت الْكرَى على العشاق) فَسَار إِلَيْهَا السُّلْطَان وطلع تحتهَا فِي أشرف طالع وأسعد قرَان فزهر بدره وَنفذ نَهْيه وَأمره قَالَ الْمُؤلف أبقاه الله فِي نسخته المنقولة هَذِه مِنْهَا من خطه كمل الْجُزْء الأول من طبق الْحَلْوَى فِي اللَّيْلَة المسفرة عَن رَابِع وَعشْرين من شَوَّال أحد شهور سنة خمس عشرَة وَمِائَة وَألف على يَد مُؤَلفه الْفَقِير عَبده بن عَليّ بن الْوَزير غفر الله ذنُوبه وَستر عُيُوب صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَسلم انْتهى كَمَا وجد فِي الْأُم بِلَفْظِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 الْجُزْء الثَّانِي من طبق الْحَلْوَى وصحاف الْمَنّ والسلوى تأليف عبد الله بن عَليّ الْوَزير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَدخلت سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَألف سعد فِيهَا الْحَال وطاب الْعَيْش وَطَالَ فَإِن المعصرات حركت غرابيلها وأعادت الأَرْض سرابيلها فدر الضَّرع ونما الزَّرْع وَكَانَت الشدَّة قد أَتَت على الطارف والتلد وأذهلت الْوَالِد عَن الْوَلَد منازلة الفرنج لبندر المخا وَفِي غرَّة محرم وصل البرتقال كَذَا إِلَى بَاب المخا فِي سَبْعَة أخشاب مَا بَين برشة وغراب وأذنوا حَاكم المخاء السَّيِّد الْحسن بن المطهر أَن بقلوبهم الوجد عَلَيْهِ مَالا يمحوه الاسْتِغْفَار وَلَا تطفي سعيره الْبحار لِأَنَّهُ لما وَقع بجماعتهم الْعمانِي سلك مَعَهم مَسْلَك التواني وأشعروه أَنهم لَهُ قاصدون وَعَلِيهِ لعدم الْوَفَاء واجدون وَمَا كَرهُوا أَن يطاردهم فِي الْبَحْر الزخار فيظهروا لَهُ الْهَرَب والانكسار ثمَّ ينعطفوا عَلَيْهِ وَقد توَسط لججا وخاض ثبجا فيهلكوه وَمن مَعَه دفْعَة وَاحِدَة ثمَّ يرجِعوا للبندر غنيمَة بَارِدَة وَمَا زَالُوا هُنَاكَ وَقد أخذُوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 اللامة وركزوا الْأَعْلَام عَلامَة وَالسَّيِّد الْحسن عِنْد أَن علم أَن هَذَا حَادث لَا بُد فِيهِ من النّظر واستجماع الأهبة أَخذ يداجيهم ببذل المَال وَهُوَ فِي أثْنَاء ذَلِك يَسْتَدْعِي الرِّجَال وَأخذ مِنْهُم صلح ثَمَانِيَة أَيَّام حَتَّى ينظر فِي أَمرهم وَكَانَ المخا قد انجفل عَنهُ أَكثر أَهله تخوفا على الْأَرْوَاح وَالْأَمْوَال مَعَ مَا كَانَ قد صدر من الفرنج من قَبِيح الْأَفْعَال فَإِنَّهُم انتهبوا قبل هَذَا الْوُصُول ثَلَاثَة أغربة الْغُرَاب الْخَارِج من عدن إِلَى المخا لصفي الْإِسْلَام أَحْمد بن الْحسن بن الإِمَام وغرابين آخَرين خرجا إِلَى عدن وَلما استولوا على الأغربة خرقوا الْبَعْض مِنْهَا وَعند أَن وصلت غَارة زبيد وموزع وجحاف اجْتمع بالمخا نِصَاب وافر وسكنت بعد ذَلِك الخواطر وَلما علم الفرتقال كَذَا أَن المخا قد غص بالأبطال بَادر قدر ثَلَاث مائَة نفر إِلَى قلعة فضلي وفيهَا جمَاعَة من الْمُسلمين فنصبوا لَهُم السلاليم وأذاقوهم الْعَذَاب الْأَلِيم وَكَانَ قد هرب مِنْهُم من لم يثبت فِي مَوَاقِف الصدام وَلَا يصده عَن شنار الفضيحة احتشام فَأَما الَّذين ثبتوا فَهَلَك مِنْهُم بِالسُّيُوفِ نفوس وَالْبَاقُونَ مارسوا أحوالا فِيهَا تَعب وبؤس إِلَى أَن لحقهم غوث المخا بغارة شعواء وألوية تذْهب باللأواء فرمت بنادقهم مَا فِي بطونها إِلَى ظُهُورهمْ وَرووا صدا سيوفهم من بحور نحورهم وَبعد أَن أذاقوا أَرْوَاحهم الْأَمريْنِ واحتزوا من رؤوسهم نَحْو الْعشْرين دفت ببقيتهم أَجْنِحَة غربانهم حَتَّى حطوا فِي وكر بَقِيَّة إخْوَانهمْ وَكَانُوا قد أرسو فِي الْبَحْر سفينهم وهيأوا هُنَاكَ كمينهم فَاجْتمعُوا كعصابة الرَّأْس وعادوا فِي ثَانِي يومهم للمراس وطمعوا فِي دُخُول البندر وانتهابه فأرسلوا عَلَيْهِ صواعق المدافع من بَابه وراموا تحريقه من جَانب غير حُصَيْن فانتبه لَهُم رصد ذَلِك الْمحل من الْمُسلمين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 ووقعوا من جَمِيع هَذِه الْأَفْعَال على خراب جَانب من قصر الْإِمَارَة وَقتل شخص وَاحِد من السيارة وَلم يستحسن الَّذين فِي البندر أَن يخوضوا لَهُم اللهام لأَنهم أحذق فِيهِ بمواقع الصدام وَلما استعصى عَلَيْهِم مَا سلكوه واحتقروا غَايَة مَا أدركوه رجعت بهم ظُهُور الأخشاب على متن الخضم الْعباب وَمَا زَالُوا أَرْبَعَة أشهر يتيهون فِي الموج ويستشقون فَوْج الْغرَّة من كل أوج حَتَّى قطع الأياس يافوخ فسادهم وجرهم الغيظ بأنوفهم إِلَى بِلَادهمْ وَأُولَئِكَ القاصدون لقلعة فضلي كَانُوا بعد الوقيعة قد أضاعوا لواءهم لما دهمهم من الرعب وَرَاءَهُمْ فوصل بِهِ إِلَى صنعاء مَأْمُور الإِمَام وركز فِي أعلا خَان جليل بمشهد الْخَاص وَالْعَام وَكَانَ الإِمَام قد أرسل وَلَده عَليّ بن أَمِير الْمُؤمنِينَ مدَدا لمن فِي المخا من المرابطين وَتوجه إِلَيْهِم أَيْضا صفي الْإِسْلَام وَفِي صحبته عز الْإِسْلَام ولد الإِمَام فَلم يصل عَليّ إِلَى عدن إِلَّا وَقد انطفت نيران الْفِتَن وَأما الصفي أَحْمد وَولد الإِمَام فعادا من ضوران بعد حِين وَالْعود أَحْمد وَهَؤُلَاء الفرنج طوائف مُخْتَلفَة ومذاهب غير مؤتلفة إنقريز ولونده وفرنصيص وفرتقال والفرتقال هم أهل القضا والقضايا وَالْبَاقُونَ لَهُم كالرعايا وَقد ذكر المَسْعُودِيّ فِي مروج الذَّهَب أَن فرنج الْهِنْد أصيلون فِيهِ من قبل الْإِسْلَام وَذكر القطب الْمَكِّيّ فِي تَارِيخ بني عُثْمَان أَن طَائِفَة الفرنج فِي الْهِنْد خَرجُوا فِي الْقرن التَّاسِع وضروا فِي سواحل الْيمن وَكَانَ خُرُوجهمْ من وَرَاء الْقَمَر بِضَم الْقَاف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 من خلف بَحر الْحَبَشَة استطرقوا من أصل بَحر الْمغرب من بِلَادهمْ بَحر الْحَبَشَة ثمَّ بَحر الْهِنْد إِلَى هَذَا الْمحل الَّذِي سكنوه فِي الْهِنْد وَلَهُم قلعة فِي الْهِنْد تسمى كوَّة بِضَم الْكَاف هِيَ مَحل سلطانهم وَفِي صغر أَو ربيع عِنْد رُجُوع الفرنج من بَاب المندب وافقوا جمَاعَة من تجار الْحَصَا وعمان فِي مرسا بروم مَا بَين الشحر وأحور وَفِيهِمْ من عَسْكَر الْعمانِي نَحْو ثَلَاث مائَة نفر فألجأوهم إِلَى الْهَرَب إِلَى بروم بعد أَن انْكَسَرَ غرابهم المشئوم وَتركُوا لَهُم مركبهم بتفاريقه فَلم يتَمَكَّن الفرنج من غير تحريقه كَذَا لِأَن الْعَسْكَر الْعمانِي رما عَلَيْهِ فَمَا جسرت الفرنج تصل إِلَيْهِ وَلم يذهب مَا لمرماه غير وَاحِد من العمانيين وَفِي هَذِه الْأَيَّام وَردت الْأَخْبَار عَن حسن باشا أَنه سَار هَذَا الْعَام الْمَاضِي من جدة إِلَى مَكَّة لِلْحَجِّ ورام فِي الْبَاطِن أَن يكون هُوَ زعيم الْبَلَد الْحَرَام وَضَابِط قانونها بيد الْحل والإبرام فَوجدَ لِوَاء السَّعَادَة فِي يَمِين سعد وَلم يتصدر لشَيْء مِمَّا أضمر بعد وَكَانَ قد أرسل إِلَى أَمِير الْحَاج الآغا فرحان وَأَشْعرهُ أَن يدْخل مَكَّة بِأَصْحَابِهِ فِي قالب الْأَفْرَاد وَأَن دُخُولهمْ بلامة سِلَاحهمْ مِمَّا يجر إِلَى فَسَاد فَمَا حرك الآغا لكَلَامه رَأْسا وَلَا رأى من مُخَالفَته بَأْسا ورد عَلَيْهِ أَن سَعْدا هُوَ حَاكم هَذِه الأقطار بقائم السَّيْف البتار وَمَا أَمر بِهِ فَهُوَ الْمُخْتَار فَلَمَّا قضى منسك الْحَج عَاد إِلَى جدة وَفِي صفر سَار عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن أَحْمد إِلَى عيان وطالب مَشَايِخ برط بِمَا أَخَذُوهُ فِي الْعَام الْمَاضِي على مارة الطَّرِيق إِلَى صعدة فَسَلُوا لَهُ أعواضا بِبَعْض مَا انتهبوه وَفِي ربيع الأول ظهر نور عَظِيم فِي مَسْجِد النهرين من صنعاء وَاسْتمرّ ضوئه دَاخل الْمَسْجِد من صبح يَوْمه إِلَى الْعَصْر وتواثب عَلَيْهِ عوام الْبَلَد يكتحلون مِنْهُ وَأهل الْمحل يَقُولُونَ هَذَا الْمَسْجِد مبروك عَلَيْهِ ونقلت هَذِه الْأَيَّام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 براهين للْوَلِيّ المقبور بسعوان الْمُسَمّى بفليح مِنْهَا أَن رجلا دهن بِشَيْء من سليط مَسْجده فَسَقَطت لحيته إِلَى يَده وَلم نجد لَهُ ذكرا فِي التأريخ اليمنية الْقَدِيمَة والحديثة وَهَذَا الْمقَام العامر الْبُنيان لَا يشاد إِلَّا على من لَهُ شَأْن وَفِي هَذِه الْأَيَّام اسْتَقر صفي الْإِسْلَام أَحْمد بالغراس بعد طلوعه من ضوران حَضْرَة الإِمَام فتعقب ذَلِك وُصُول السلطانين الواحدي والعولقي إِلَى حَضْرَة شرف الْإِسْلَام الْحُسَيْن بن الْحسن برداع ثمَّ إِلَى حَضْرَة الإِمَام فطالبهما بِحَدَث الْعَام الْمَاضِي وانتهاب الْقَافِلَة فأصلحا فِيهَا ثمَّ حصل التَّقَاصّ فِيمَا بَين أصحابهما فِي الْقَتْلَى الَّتِي ذهبت من بعد دُخُول الصفي الْمشرق فَزَاد لِلْوَاحِدِيِّ على العولقي قدر خَمْسَة عشر قَتِيلا فَأَما الْقَتْلَى الَّتِي من قبل فأغلق من دونهَا الْبَاب وَلم يجر فِيهَا قلم الْحساب وَكَانَ العولقي قد خرج فِي نَحْو ألف مقَاتل فَمَنعه السُّلْطَان صَالح الرصاص وَاخْتَارَ مِنْهُم مائَة نفر وفيهَا وصل إِلَى حَضْرَة الصفي أَحْمد بن الْحسن قَاسم بن عَليّ شيخ ذِي مُحَمَّد كَذَا فِي أَرْبَعِينَ نَفرا وصحبته القَاضِي جمال الدّين عَليّ بن مُحَمَّد الْعَنسِي ثمَّ نفذ بِمن مَعَه إِلَى حَضْرَة الإِمَام يستعفيه عَن دُخُول مُحَمَّد بن أَحْمد إِلَى بِلَاده وَلم يسعده الإِمَام وَأَعَادَهُ بِمن مَعَه إِلَى الْبِلَاد بعد أَن أنعم عَلَيْهِم بالكسوة والأعذار وَفِي خلال وصولهم الحضرة وعودهم تعرض جمَاعَة من ذِي حُسَيْن لطريق خيوان فصادفوا بهَا شريفا وَولده من حوث فِي الْجَبَل الْأسود فرموهما فأصيب ولد السَّيِّد ثمَّ إِن مُحَمَّد بن أَحْمد نقل مخيمه إِلَى بلد الحراب رَأس وَادي المراشي وَهِي بَاب برط وَطَرِيقه فاضطرب حَال أهل بر بَين الرِّضَا بِدُخُولِهِ وَالْكَرَاهَة ثمَّ إِن الصفي أَحْمد بن الْحسن لما استشعر توانى الْأُمُور دهمه من جنسه بالجمهور وَجَاءَت طَريقَة بطن الْجوف وتوسط أَمَاكِن لَا يَأْمَن فِيهَا إِلَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 الْخَوْف حَتَّى سَار إِلَى معِين ثمَّ مِنْهُ إِلَى أبراد وَوَقع عسكره من بعض مواشي بني نوف على المُرَاد وَكَانَ بَنو نوف من دهمة وَاسْتقر فِي طرفه مِمَّا يَلِي بِلَاد برط قدر شهر لرأي رَآهُ وأحوال مُقْتَضَاهُ وَلم يخل عَن مشقة نَالَتْ من لَدَيْهِ لبعد القوافل والإمداد عَلَيْهِ ثمَّ طلع إِلَى برط وابتدأ بِبِلَاد ذِي حُسَيْن فَدَخلَهَا قهرا وَاسْتقر فِي بِلَاد رجوزة أَيَّامًا ونال من مَعَه التَّعَب بسب توعر الطّرق وَكَثْرَة هوَام تِلْكَ الْأَمَاكِن وأحناشها وَمَات بعض حَرِيم الصفي هُنَاكَ وَجُمْلَة من الْخَيل وَسَائِر الدَّوَابّ وَشرع الْحَال فِي الْفساد وَسَار عَن الأميرين جمَاعَة من الأجناد وَلم يبْق عِنْد الصفي غير خواصه وَفِي هَذِه الْأَيَّام أخرب عز الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن الإِمَام بَيْتا هُنَالك كَانَ مجتمعا للْفَسَاد وَكَانَ عمره قرا جُمُعَة أَيَّام دُخُوله إِلَى هُنَالك بدولة سِنَان باشا وفيهَا مَاتَ الْأَمِير مُحَمَّد كاشف ببرط وَكَانَ من أَعْيَان أَصْحَاب الصفي ومبدأ رئاسته مَعَ أَبِيه شرف الْإِسْلَام وَكَانَ قد نَاب على وصاب وَهُوَ الَّذِي خرج مَعَ الصفي إِلَى الْحَوَادِث فِي تِلْكَ القضايا والحوادث وفيهَا شمر الهمة حَاكم المخا فِي عمَارَة القلاع المخاوية تَحَرُّزًا من فعلات الفرنج الملاعين مَعَ اعتيادهم للوصول فِي كل حِين وَفِي خَامِس عشر جُمَادَى الأولى خسف أَكثر جرم الْقَمَر فِي برج الْحمل وَغرب كاسفا وَفِي يَوْم السبت ثَالِث عشر جُمَادَى الأولى مَاتَ السَّيِّد الْعَارِف عَليّ بن يحيى ابْن أَحْمد بن الْمُنْتَصر الغرباني بظفير حجَّة وَكَانَ فِي سنّ الثَّمَانِينَ انْتقل جده الْمُنْتَصر إِلَى ظفير حجَّة فِي دولة الإِمَام شرف الدّين عَلَيْهِ السَّلَام وَأَصله من غربان وَله هُنَاكَ دَار وأوطان وَقد ولي الْقَضَاء بُرْهَة فِي أَيَّام الْمُؤَيد بِاللَّه ثمَّ تَركه لحدة طبعه وَأخرجه أهل الظفير فِي بعض الْأَيَّام إِلَى حجَّة ثمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ وَاعْتَزل فِي بَيته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 وَفِي هَذِه الْأَيَّام وصل تركي إِلَى الحضرة وأوصل إِلَى الإِمَام هَدِيَّة من صَاحب الْحَبَشَة وطاقا فاخرا فَلبث بالحضرة قدر الشَّهْر وَصَرفه إِلَى بِلَاده بعد أَن عظم لَهُ الوفر وفيهَا انتدب فَقِيه من بَين حَنش للتدليس على الْعَوام فتسمى بِعَبْد الله وَادّعى أَنه شرِيف وَكَانَ قد قَرَأَ فِي مُدَّة سَابِقَة على القَاضِي الْحسن الحيمي قِرَاءَة لم يحصل فِيهَا على طائل غير أَنه كَانَ يحسن الْإِنْشَاء ويخلب الْعُقُول من حسن بِمَا شَاءَ فوصل كحلان وَطَاف حجَّة وَتلك الْبلدَانِ والعوام تحفه على سَرِير التَّعْظِيم وتقسم بِرَأْسِهِ عِنْد كل أَمر عَظِيم فَصَاحب البخت من حقق أَوْصَافه ومرفوع الرُّتْبَة من انجر لَهُ بِالْإِضَافَة فَلَمَّا تخوف عَامل حجَّة السَّيِّد مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الجحافي من تبالغ أَحْوَاله وَطول أذياله استدعاه إِلَى حَضرته وعجم عود نبعته فَوَجَدَهُ فِي زِيّ المدلسين الشطار وَلم ير عِنْده من الْمعرفَة إِلَّا مَا تَخْلُو عَنهُ الأغمار فَصَرفهُ عَن بِلَاده وَقطع بذلك مواد فَسَاده فَركب الْبَحْر وَسَار إِلَى حَضْرَة حسن باشا ثمَّ اسْتَقر بعد ذَلِك بِالطَّائِف وَمَا يعجزه أَن يتَمَسَّك بِشَيْء من تِلْكَ الْوَظَائِف وَفِي نصف جُمَادَى الأولى عَاد جمال الْإِسْلَام عَليّ بن أَحْمد بن أَمْلَح إِلَى صعدة وَخُرُوجه إِلَيْهَا كَانَ بِسَبَب مَا بلغه من دُخُول الأميرين إِلَى برط وَكَانَا قد أشعراه بزيارة بَلَده فَخرج لأخذ الأهبة وَلم يتم دخولهما فَإِن الإِمَام رجح توقفهما عَن الدُّخُول وَأَمرهمَا بالانصراف والقفول وَجَاءَت الْجنُود فِي الرُّجُوع من طَرِيق صعدة مائلين عَن طَرِيق وَادي السَّيْل والمراشي الَّتِي تخرج من عيان لصعوبتها وَقد دخل برط فِي الدولة العباسية ودخله عنْوَة إِمَام الْيمن الْهَادِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 عَلَيْهِ السَّلَام وَالْإِمَام أَحْمد بن سُلَيْمَان وَالْإِمَام الْمَنْصُور بِاللَّه وَالْإِمَام شرف الدّين عَلَيْهِم السَّلَام ودخله قرا جُمُعَة فِي دولة سِنَان باشا وَلما أجمع الصفي بالإرتحال بِمن مَعَه خَاطب أهل برط فِي شَأْن الدَّاعِي السَّيِّد مُحَمَّد بن عَليّ الغرباني فَأَجَابُوا أَن لَا سَبِيل إِلَى إِخْرَاجه وَضمن كبارهم صغارهم فِي حفظه وَأَن لَا يتَّفق مِنْهُ شَيْء مِمَّا يتشوش مِنْهُ الخاطر وحرر الدَّاعِي عقيب ذَلِك قصيدة إِلَى وَالِده وَهُوَ بِصَنْعَاء مِنْهَا: (وعج ببني الْقَاسِم الأكرمين ... وَمن لَهُم فِي العلى أوج) (وأتحفهم بشريف السَّلَام ... وعاتبهم إِن هم عرجوا) (وَقل مالكم يَا بحور الحجا ... أتيتم بِشَيْء بكم يسمجوا) (جنودكم كلهَا أَقبلت ... على رجل وَاحِد تزعج) (وَلَيْسَ لَهُ ثروة لَا وَلَا ... لَهُ ثمَّ أَوْس وَلَا خزرج) (وَلم يأتكم مِنْهُ مَا تَكْرَهُونَ ... سوا أَنه قَالَ ذَا المدرج) (وَمَا قَالَ إِنِّي إِمَام وَلَا ... الْإِمَامَة عَنْكُم لَهَا مخرج) (وَلكنه قَالَ إِن كَانَ مَا ... ذكرت هُوَ الْمنْهَج الأوهج) (فهبوا إِلَيْهِ إِذا شِئْتُم ... وَإِلَّا فَمَا شِئْتُم فانهجوا) (ورد عَليّ إِذا شِئْتُم ... مقالي إِن كَانَ يستسمج) وَفِي هَذِه الْأَيَّام رَجَعَ مَنْدُوب شرف الْإِسْلَام الْحُسَيْن بن الْحسن إِلَى حَضرمَوْت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 وَلم يحصل على طائل مِمَّا دخل لأَجله وَقيل إِنَّه قتل من أَصْحَابه اثْنَان وَالسَّبَب فِي ذَلِك أَن أَبنَاء دولة تِلْكَ الْبِلَاد أنسوا إِلَى الاستبداد وَفِي ثَانِي وَعشْرين من رَجَب وَقع قرَان المريخ وزحل ببرج الْحُوت وَفِي هَذِه الْأَيَّام غزا الشَّيْخ الْجيد إِلَى أَطْرَاف بِلَاد دثينة فِي جمَاعَة فَقتلُوا نفرين من أَصْحَاب شرف الْإِسْلَام وفيهَا وصل الْخَبَر أَن سيواجي ملك الرازبوت شاوره بعض أقَارِب سُلْطَان الْإِسْلَام أورنقزيب فِي أَن يكون من حزبه وَأَن يعضده على حزبه فَأَجَابَهُ إِلَى مَا دَعَاهُ واجتمعا على قصد بندر سورت فانتهباه وتشهرا بعد ذَلِك بِالْخِلَافِ وَهُوَ أقرب البنادر فِي سمك الْبَحْر إِلَى بنادر الْيمن والمسافة مَا بَينه وَبَين عدن عِنْد صَلَاح الرّيح مِقْدَار عشْرين يَوْمًا وَمِنْه إِلَى مَحل السُّلْطَان مِقْدَار الشَّهْرَيْنِ فِي الْبر ثمَّ أَن سيواجي بعد ذَلِك سعى فِي مصالحة السُّلْطَان فاصطلحا وفيهَا اتّفق بِصَنْعَاء أَن بَيْتا بزقاق الغول تسلط وتسلطن على أهلة الغول وأساء الْجوَار وأضر بالجار ومبدأ أمره أَن حَرِيم الْبَيْت تمنعن الحان فِي إِحْضَار شَيْء من الْأَطْعِمَة وتكرر مِنْهُنَّ ذَلِك فَحَضَرَ مَا أردنه على وفْق الاقتراح ثمَّ نَدم ذَلِك المشؤم على إِحْضَاره ذَلِك المطعوم فأفسد على أهل الْبَيْت عدَّة أَيَّام كلما هيأوه من الشَّرَاب وَالطَّعَام ثمَّ عمد إِلَى ملبوسهم الخطير فَفتهُ قطعا ثمَّ رَمَاه فِي البير وَمَا زَالَ يصابحهم ويماسيهم بمسيس الضَّرَر ويرميهم من جحيم تمرده بشرر حَتَّى أتلف مُعظم مَا مَعَهم من الْمَتَاع وأودع نفايسهم حَيْثُ الْإِتْلَاف والضياع وَأَخْبرنِي أخي ومخدومي عُثْمَان بن عَليّ بَارك الله لي فِي عمره كَمَا شرفني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 بِخِدْمَة أَثَره أَنه احْتَاجَ يَوْم أَيَّام طلبه بِصَنْعَاء المحمية بِاللَّه إِلَى بَيت ينْقل إِلَيْهِ أَهله من الجراف فَدلَّ على بَيت بحافة سوح السَّعَادَة من جوَار الإِمَام النَّاصِر صَلَاح الدّين عَادَتْ بركاته وَلما أَرَادَ النقلَة إِلَيْهِ أخبر أَن هَذَا الْبَيْت مُنْذُ أَيَّام يرْجم بِالْحِجَارَةِ السود تَخِر إِلَيْهِ فِي الْهَوَاء من جِهَة جبل نقم قَالَ فطفته فَرَأَيْت فِيهِ جملَة من الْأَحْجَار وَعَلِيهِ دَلَائِل الوحشة والإقفار ثمَّ شاهدت فِيهِ تِلْكَ الْأَحْوَال ورأيته يرْجم مثل قبر أبي رِغَال فنقلت أَهلِي إِلَيْهِ وتعوذت بِاللَّه وتوكلت عَلَيْهِ فَلَمَّا اسْتَقر بِهِ الْحَلَال ذهب عَنهُ ذَلِك الْحَال وَفِي ذِي الْحجَّة أَمر عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الإِمَام فِي صنعاء بالتسعير مِمَّا عدا القوتين لضرب من الصّلاح وَفِي خَامِس عشر من ذِي الْقعدَة كَانَ تَحْويل السّنة الرومية عِنْد دُخُول الشَّمْس أول دَرَجَة فِي الْحمل والمريخ بالثور وزحل بالحوت وَالْمُشْتَرِي بالأسد وَالشَّمْس والزهرة وَعُطَارِد بِالْحملِ والجوزاء بِأول دَرَجَة من الْمِيزَان ثمَّ تدخل السنبلة وَفِي هَذِه الْأَيَّام بعث صَاحب عمان إِلَى حَاكم المخا بألفي رَطْل من الرصاص مَعُونَة لَهُ فِي دفع الفرتقال كَذَا وفيهَا مَاتَ الشَّيْخ الْعَارِف المتصوف مُحَمَّد بن الشَّيْخ طَاهِر بن بَحر ببلدة المنصورية بتهامة وَكَانَ على طَريقَة وَالِده فِي إكرام الضَّيْف وَبسط الْأَخْلَاق وفيهَا مَاتَ السَّيِّد الْفَاضِل إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الْحَضْرَمِيّ بِبَلَدِهِ أكمة سلم مَا بَين الحيمة وحراز وَكَانَ استوطنها مُدَّة وتصدر لتلقي الْمَارَّة بِالْإِحْسَانِ والأخلاق الحسان وامتد إِلَيْهِ قبائل الْجِهَة بالنذور وَكَانَ لَا يدّخر عَن القصاد وَلَا عَن نَفسه شَيْئا مِنْهَا وَمن كراماته أَن بعض الْمَارَّة رأى بعض جواريه على مورد المَاء فخامره خاطره بِمَا لَا يَلِيق وَعرف الشَّيْخ فانحرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 عَنهُ خاطره فجن فِي الْحَال وَآل بِهِ الْجُنُون إِلَى أَن حط فِي الْحَدِيد وَمَات بعد أَن قاسى الْحَال الشَّديد وَدخلت سنة إثنتين وَثَمَانِينَ وَألف فِي مدْخل يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاث من محرم وصل الْخَبَر إِلَى صنعاء من طَرِيق السراة أَنه لما رمى حسن باشا جَمْرَة الْعقبَة اتّفق على رميه من رَأس الأكمة الَّتِي هِيَ جنوبي الْجَمْرَة يقْعد فِيهَا أهل الْيمن للتفرج إثنان أَحدهمَا من بواردية الشريف وَالْآخر من هُذَيْل فأصيب فِي فَخذه فَخر لوجهه فِي آنه وأحاطت بِهِ عِصَابَة فرسانه فأدخلوه التخت وفتكوا بِثَلَاثِينَ رجلا فِي ذَلِك الْوَقْت أغلبهم من لَا يحمل السِّلَاح وَلَا يُطيق النزال والكفاح لما ثار بهم من الشراسة وداخلهم من الغيظ والحماسة واضطرب هُنَالك الحجيج وارتفع الصُّرَاخ والضجيج وَوَقع النَّاس فِي أَمر مريح وَمِنْهُم من أعجزه محموله وَمِنْهُم من اخْتَلَط معقوله أَخْبرنِي من شَاهد الْحَال أَن أَصْحَاب الباشا مضوا بعد ذَلِك سائرين وأعملوا السَّيْف فِيمَن وجدوا من الْمُسلمين فَلَمَّا مروا بأمير حَاج الْيمن وَرَأى فعلهم السخيف ووضعهم السَّيْف فِي الْقوي والضعيف لَزِمته الأنفة فَصف لَهُم عَسْكَر الإِمَام بِجَانِب الطَّرِيق وَفعل فعل المتحرش فَلَزِمَ لَهُم الْمضيق فأغضوا عَنهُ عَجزا لَا حلما ومضوا بعيون عبرا وأكباد كلما وتسارع النهب فِي أَطْرَاف منى وقاسا ضعفة الْحَج أَشد العناء والشريف ركب من حِينه بعد أَن لبس لَامة حربه وَحين قرب مِنْهُم وَرَأَوا بريق الصفاح وتعاقب الأرماح وَعرف أَن فِي خوضه لاستفصال الْقَضِيَّة نوعا من الْإِيهَام مَعَ مَا لَا يفوتهُمْ أَن ذَلِك الْأَمر بإشارته وَالسَّلَام رجح للفور الْعود إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 مضربه وانتبه لحفظ حَقِيقَته وَضبط منصبه فَتقدم أَصْحَاب الباشا فِي التختروان ودخلوا مَكَّة فِي النَّفر الأول بالعساكر والركبان والشريف دخل وَحده وَقد أذن بالتحرز والبطش جنده وَكَانَت الْوَقْعَة يَوْم الْأَرْبَعَاء وَقت الظّهْر فِي النَّفر الأول لِأَن عَرَفَة كَانَت الْأَحَد والعيد كَانَ الأثنين وَلم يكن الباشا رما لما رمى غير ثَلَاث حَصَيَات وَبعد ذَلِك انضربت كَذَا أَحْوَال مَكَّة وَبَطل البيع وَالشِّرَاء فِيهَا وَتَأَخر عَن السّفر ركاب الْبَحْر للخوف مَا بَين مَكَّة وَجدّة وَلما كَانَ ثامن عشر شهر ذِي الْحجَّة سَار الْأَمِير على حَاج الْيمن إِلَى دَار الشريف وتضرر وَمن مَعَه بِسَبَب الْبَقَاء من سَعَة النَّفَقَة وإهمال أَحْوَالهم فَوَعَدَهُمْ بِالْجَوَابِ إِلَى الْيَوْم الثَّانِي ثمَّ استدعى فِيهِ أَمِير الْمحمل الشَّامي وخلى بِهِ وَسَار بعد ذَلِك إِلَى بَيت الباشا حسن وَتعقب ذَلِك إِذْنه للنَّاس وبالانصراف وأصحب حَاج الْيمن من قبله إِنَّمَا فارقهم من جدة وَاسْتقر بِهِ نَائِبا عَن الباشا ثمَّ خرج الباشا مَعَ أَمِير الْمحمل الشَّامي فِي التختروان وَأظْهر للشريف أَنه عازم إِلَى حَضْرَة السُّلْطَان فَلَمَّا وصل الْمَدِينَة اسْتَقر بهَا واستدعى زِيَادَة من مصر وَرفع الْقَضِيَّة إِلَى الْأَبْوَاب وانتظر هُنَالك الْجَواب وَيُقَال أَن ذَلِك الصَّوَاب حمل عَلَيْهِ فَهَلَك مِنْهُ قَالُوا وَالسَّبَب فِي الحَدِيث الَّذِي اتّفق مَعَ حسن باشا مَا ذكر للشريف من أَن الباشا موصى من الْأَبْوَاب ومصر بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ وَإِن فرمان الْولَايَة لحسن باشا قد كَانَ بِيَدِهِ وَإِنَّمَا كتمه لعلمه أَنه لَو أظهر مَا عِنْده لعجز عَن مقاومة سعد مَعَ مَا عرفوه من جرأته وَإنَّهُ لَا يُبَالِي أَن يستبد ويستند فِي ملك مَكَّة والحجاز إِلَى نَفسه كَمَا فعل ذَلِك فِيمَا سَيَأْتِي من السِّيرَة وَفِي هَذَا الشَّهْر ولدت بسعوان امْرَأَة عجلا فَبَقيَ يَوْمَيْنِ وَمَات وَفِي ربيع الآخر طلع جمال الْإِسْلَام عَليّ بن المتَوَكل إِلَى حَضْرَة وَالِده الإِمَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 وَفِيه اتّفق أَن السَّيِّد جَعْفَر بن المطهر نَائِب العدين فر بعض أَصْحَابه إِلَى مشْهد الشَّيْخ صَلَاح فَأمر بِإِخْرَاجِهِ من جورته فَلم يساعده إِلَى ذَلِك أحد فَسَار بِنَفسِهِ وَأَرَادَ إِخْرَاجه فَخرج عَلَيْهِ حَنش عَظِيم وَمَا زَالَ يرَاهُ فِي كثير من أوقاته فَسَار إِلَى المذيخرة فَلم يشْعر بِهِ إِلَّا وَقد أطل عَلَيْهِ من بَاب مَكَانَهُ فصاح واستوحش لذَلِك وانتهبت هَذِه الْأَيَّام قافلة خرجت من جدة متوجهة إِلَى حسن باشا فِيهَا طَعَام ورصاص وَكَانَ السِّيَاق يخرج من مصر إِلَى يَنْبع فِي الْبَحْر حَتَّى تصل إِلَيْهِ وَفِي جُمَادَى الأولى استولى الخسوف على جرم الْقَمَر بِالرَّأْسِ بمصاحبة زحل ومقابلة المريخ للكسوف بالسنبلة وَاسْتمرّ خمس سَاعَات وَكَانَ حِسَاب الْيَهُود لعنهم الله قد تغير فِي هَذِه السّنة فِي تَوْفِيَة أعيادهم على الشُّهُور الرومية فقدموه على وقته بِقدر شهر كَامِل فجعلوه سبت السبوت فِي هَذِه السّنة فِي جُمَادَى الأولى وَهُوَ فِي آخِره وَرَجَعُوا فِي الْعَام الثَّانِي إِلَى الصَّوَاب ثمَّ عَادوا إِلَى التَّقْدِيم وَفِي جُمَادَى الثَّانِي وصل إِلَى الإِمَام الشريف عبد الْكَرِيم بن باز من عتود وَمَعَهُ نَحْو ثَلَاثِينَ نَفرا يطْلب الْإِمْدَاد بِالْمَالِ وَالسِّلَاح ليستعين بذلك على طرد الْقَبَائِل الثائرين عَلَيْهِ هُنَاكَ وَكَانَ الشريف سعد قد ولاه تِلْكَ الْجِهَات وَأمره بالذب عَنْهَا فَلبث عِنْد الإِمَام نَحْو خَمْسَة أشهر ثمَّ أَعَانَهُ بِالَّذِي طلب وَسَار إِلَيْهَا وَفِي هَذَا الشَّهْر عرض الإِمَام على وَلَده صفي الْإِسْلَام أَحْمد ولَايَة ذمار فأباها واشتاق إِلَى شهارة وَتلك الديار لِأَنَّهَا أوطانه الْقَدِيمَة ومواضع حل التميمة فولاه نصف بِلَاد عذر فَتَجَاوز عَنْهَا إِلَى غَيرهَا وَنهى وَأمر وعارض شرف الْإِسْلَام الْحُسَيْن بن الْمُؤَيد بِاللَّه حَتَّى وهنت أَحْكَامه واتسعت أَوْهَامه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 وضاف صَدره وَاخْتَلَطَ أمره وَلما وَفد عيد الْأَضْحَى خرج الْحُسَيْن بن شهارة وَأقَام الْعِيد فِي قَرْيَة الصاية ثمَّ عَاد وَكتب إِلَى الإِمَام يستعفيه عَن ولَايَة مَا فِي يَده من الْبِلَاد وَكَانَ يرى أَن ذَلِك مُنَبّه على الافتقاد وقامع لِأَحْمَد عَن دَائِرَة الإصدار والإيراد فَلم يعد الْجَواب إِلَّا بِأَمْر أَحْمد باتخاذ الرّيح والطبول والعسكر وَعرض أهل الْعَهْد والجند على الدفتر وَفِي هَذِه الْأَيَّام سَار إِلَى الإِمَام كثير من أهل شبام وكوكبان وَشَكوا إِلَيْهِ أَن الْأَمِير عبد الْقَادِر بن النَّاصِر أخر عَنْهُم بعض مَا يعتادونه فأرجعهم إِلَيْهِ مصحوبين بالفقيه مُحَمَّد بن عز الدّين الْأَكْوَع الَّذِي كَانَ مَعَ شرف الْإِسْلَام الْحسن بن الْمَنْصُور عونيا وخازنا وَفِي خلال ذَلِك سَار السَّيِّد الإِمَام الْعَلامَة مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْمفضل إِلَى الْوَادي وَالسَّيِّد الرئيس عماد الدّين يحيى بن أَحْمد الحمزي إِلَى صنعاء قَالَ بعض قرَابَة الإِمَام وَكَانَ فِي خاطرهما شَيْء من ذَلِك فَلَمَّا اسْتَقر الْفَقِيه بكوكبان دفتر الْحُقُوق بقلم التَّحْقِيق وَنظر فِي قانون التقسيط بِنَظَر التدقيق فَرُبمَا عالت الْفَرِيضَة على الكبراء وَدخل النَّقْص على الْأَعْيَان والأمراء فَظهر وَجه الرِّعَايَة للسيدين وقصدهما بعناء قَول بن الْحُسَيْن (وندعهم وبهم عرفنَا فَضله ... وبضدهما تتبين الْأَشْيَاء) ووفدت الْأَخْبَار إِلَى هَذِه الديار أَن قصَّة حسن باشا لما اتَّصَلت بالسلطان كدرت أَحْوَاله وشوشت عَلَيْهِ باله وَرُبمَا استنبط فِيهَا تغلب الشريف على مَا دون مصر فبرزت أوامره على صَاحب مصر أَن يُجهز على جدة عَسَاكِر فِيهَا كِفَايَة لحفظها ريثما يفتقد الْأَمر وَفِي هَذِه الْأَيَّام دخل الفرنج إِلَى جَزِيرَة سقطرى من بِلَاد الْمهرِي فَصَالحهُمْ لعدم الْقُدْرَة على حربهم وَسَكنُوا مِنْهَا بمَكَان يُقَال لَهُ قشن وَكَانَ الإِمَام قد هم بتجهيز الشَّيْخ زيد الْهَمدَانِي عَلَيْهِم فَبَلغهُ تجهيز مُحَمَّد شاويش من مصر إِلَى مَكَّة فَأَضْرب عَن ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 وَفِي ذِي الْحجَّة جَاءَت كتب من الشَّقِيق وجازان تَتَضَمَّن الْأَخْبَار بِخُرُوج مُحَمَّد شاويش وَجُنُوده قَالُوا وَأَصله من الْيمن وَفِي سَابِع عشر ذِي الْقعدَة دخل مَكَّة فِي قدر ثَلَاثَة آلَاف وَحط بِالْعُمْرَةِ والشريف سعد عِنْد ذَلِك أَمر بِلَالًا من المماليك بالمرور على الجناب مُحَمَّد شاويش لتسلم الخلعة فَسَار إِلَيْهِ وَأَعْطَاهُ الْمُعْتَاد مِنْهَا وَكَانَت الْأَخْبَار قد وصلت من جيزان إِلَى هَذِه الْجِهَات وفيهَا أَنهم انفصلوا عَن جدة وَقد وصل إِلَيْهَا خبر تجهيز الْوَزير حُسَيْن باشا على الشريف سعد مَعَ الْمحمل الشَّامي وَكَانَ الإِمَام قد جهز لإمارة الْحَج الآغا فرحان فَفِي منسلخ ذِي الْحجَّة وصل مِنْهُ مَكْتُوب يخبر أَنه وصل بِمن مَعَه إِلَى السعدية مَحل الْإِحْرَام للتوجه إِلَى الْمَنَاسِك الْعِظَام فَجَاءَتْهُ كتب الشريف قاضية بالإرجاف والتخويف آمرة لَهُ وَلمن مَعَه بِالرُّجُوعِ إِلَى الْيمن مخبرة أَنه سيصل إِلَى مَكَّة بيك حُسَيْن فِي خيل وخول وأمراء ودول وَقد تقدمه مُحَمَّد شاويش بِتِلْكَ الْجنُود والعسكر الْمَفْقُود المنقود وَأَن الْخَيل الدَّاخِل إِلَى مَكَّة قدر الْأَلفَيْنِ والعسكر وركاب المطايا زهاء عشرَة آلَاف راجل على خَمْسَة آلَاف مَطِيَّة كل راجل مَعَه بندقان وَمَعَهُمْ الدباب وَهِي آلَة للحرب قد كَانَ بَنو أَيُّوب وَبَنُو رَسُول بِالْيمن يتخذونها واتخذها الإمامان الأعظمان صَلَاح الدّين النَّاصِر وَولده الْمَنْصُور وَأخْبر بعض من حضر دُخُول الْوَزير حُسَيْن إِلَى مَكَّة أَن جملَة الرجالة من عسكره إحد عشر ألفا وَرجع الآغا فرحان بِمن مَعَه من السعدية رَابِع ذِي الْحجَّة وَكَانَ قد أنفذ بعض مَا عِنْده من الصر إِلَى الشريف سعد فَقَبضهُ وَلما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 وصل فِي الرُّجُوع إِلَى الهظب أغار جمَاعَة من قبائل الْبِلَاد على آخر الْقَافِلَة فَمَنعهُمْ أَهلهَا وتراجموا بِالْحِجَارَةِ فَرجع الآغا ورما بالبنادق وَقتل مِنْهُم أَرْبَعَة وهرب الْبَاقُونَ وَتبع حَاج الْيمن فِي الْخُرُوج وَزِير الشريف وَمَعَهُ بعض الحشم والمماليك فأدركهم بحلي وَوصل مَعَ الْأَمِير إِلَى حَضْرَة الإِمَام وَلما تألبت هَذِه الجموع على الشريف أَخذ حذره وَأحكم أمره فوصل عَرَفَات ثمَّ نزل منا وَأصْبح يَوْم النَّفر الأول عَازِمًا على جبل الطَّائِف وَأعْرض عَن لِقَاء الْأُمَرَاء والبواش فَلَمَّا سَار حصل من هُذَيْل الإنتهاب لمن لحق فِي الأعقاب بوادي نعْمَان وانتهب هُذَيْل بني عصيه وَقتلُوا مِنْهُم من لم يسلم سلبه وَاسْتقر سعد هَذِه الْأَيَّام بِالطَّائِف وفيهَا جَاءَت الْأَخْبَار بِأَن الفرنج وصلوا إِلَى السَّاحِل وَمنعُوا الْخَارِج والداخل فِي أحد عشر مركبا فاستدعى السَّيِّد الْحسن بن المطهر أَخَاهُ جَعْفَر بن المطهر فوصل إِلَيْهِ من العدين فِي أَربع مائَة مقَاتل واستدعى من زبيد نَحْو الْمِائَة وَعز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحسن بن الإِمَام أعد جَيْشًا نَافِعًا لوقت حَاجته وَصرف السَّيِّد الْحسن إِلَى دواير المخا جملَة من الْعَسْكَر وَكَانَ قد أنفذ رُتْبَة إِلَى قلعة فضلي فاستمر الحطاط على المخا قدر شهر ثمَّ وَقعت المراسلة بَين الفرنج وَالسَّيِّد بِالصُّلْحِ على أَن يسْقط على تجارهم الداخلين المخا بِقدر مَا كَانَ أَخذه السَّيِّد زيد بن عَليّ أَيَّام ولَايَته ثمَّ دخل تجارهم بعد ذَلِك إِلَى البندر وَرجع الْآخرُونَ إِلَى بِلَادهمْ وفيهَا شرع صفي الْإِسْلَام أَحْمد بن الْحسن فِي اسْتِخْرَاج غيل بِالْقربِ من الْحَمْرَاء وَلما توَسط الحفارة فِي عمله انْهَدم عَلَيْهِم فَهَلَك نَحْو سَبْعَة فَاضْرب عَن الْعَمَل فِيهِ وَدخلت سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَألف فِي غرَّة محرم مِنْهَا حل زحل آخر برج الْحُوت وَاتفقَ قرَان الزهرة وزحل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 ببرج الْحُوت وَلما استفصل من فِي الْيمن خبر سعد والأروام وَرفع خبر التَّجْهِيز عَلَيْهِ إِلَى مسامع الإِمَام وَكَانَ فِي الْأَخْبَار تهويل يقْضِي بِأَن مَكَّة غير مُنْتَهى سفرهم فَإِنَّهُم لَا يتركون الْيمن وَقد تمكنوا وخاض مَعَ الإِمَام بعض النَّاس فِي الْأَخْذ للأهبة وملاحظة جَانب سعد بالتقوية حَتَّى عَاد جَوَاب صفي الْإِسْلَام أَحْمد ابْن الْحسن وَولده عز الْإِسْلَام بعد استمداد مشورتهما أَن الرَّأْي إِظْهَار الْغَفْلَة فَاسْتحْسن ذَلِك الإِمَام وَرَأى أَن الصّلاح موادعة الأروام وَأَن الرَّأْي كَمَا قَالَ بعض أهل الأحلام (لَا تصغ إِن شردعا فالشران ... تنهض لَهُ ينْهض وَإِن تسكن سكن) (وسديد رَأْي لَا يُحَرك فتنه ... سكنت وَإِن هِيَ حركته لَهَا اطْمَأَن) وَلما لم يتم الْحَج لأهل الْيمن كَمَا وصفناه قَالَ الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن صَالح فِي ذَلِك (أظلما عَن الْبَيْت الْحَرَام نذاد ... على مثلهَا الْخَيل الْعتاق تقاد) (وخسفا يسام الهاشميون إِنَّهَا ... لفادحة فِيهَا الحتوف عتاد) (فَلَا نَامَتْ الأجفان يَا آل قَاسم ... وَكَيف وفيهن السيوف حداد) (وَلَا حملتكم من نتايج داحس ... شوازب إِن لم يستشب زناد) (إِذا لم يصن عرض الْخلَافَة فِيكُم ... فَمن أَيْن مجد طارف وتلاد) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 (تدافعت البيد الموامي بقومكم ... تدافع ذل فِي صماة صماد) (وردوا حيارى خائبين بصفقة ... ينَال بهَا ريح الردى ويفاد) (وَقد شارفوا أرجاء مَكَّة فانثنوا ... بفاقرة تفري الْأَدِيم وعادوا) (بني الْقَاسِم الْمَنْصُور هَل تحسبونها ... بهينة لَا بل عناء وعناد) (فعزما فَأنْتم أسرة السؤدد الَّذِي ... مبانيه فَوق النيرات تشاد) (ألستم بِأَهْل الرُّكْن وَالْحجر والصفا ... بِلَا وَهِي أوطان لكم وبلاد) (فَلَا تتركوا الأتراك فِي جنباتها ... على الغي قد ساسوا القروم وسادوا) (وصولوا مصالا يتْرك الْبَحْر جذوة ... وحزما فَمن فَوق الْجمار رماد) (وَيَا آل قحطان وَيَا آل حاشد ... وَآل بكيل آن آن جِهَاد) (يذاد عَن الْبَيْت الْحَرَام حجيجكم ... كَمَا ذيد من ذيب الفلاة نقاد) (فشدوا حزَام الحزم فالطرف أَن يدع ... مشد حزَام مَال مِنْهُ بداد) (أَلا أيقظوا نجل الْعُيُون عَن الْكرَى ... فَلَيْسَ بهَا إِلَّا قذا وسهاد) (إِذا فاتها من أسود الرُّكْن نظرة ... فَلَا دَار فِي أحداقهن سَواد) (قَلِيل بِأَن تشرى مني بمنية ... ليَالِي لقى تزهوا بِهن سعاد) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 (وتجريع كأس الْمَوْت أَن تدر زَمْزَم ... واعوزت الوراد مِنْهُ ثماد) (وَنحر الْفَتى المكروب فِي عرفاتها ... على وَقفه فِيهَا الحروب ترَاد) (ألذ وَأحلى للكمي مذاقه ... أَلا انتبهوا يَا قوم طَال رقاد) (إتقذا عُيُون مِنْكُم بمذلة ... وتغضى عُيُون حشوهن قتاد) (ويصفوا على ذَا الضَّم للْحرّ مشرب ... وَكَيف وَشرب الْهون مِنْهُ براد) (دعوتكم هَل تَسْمَعُونَ نِدَاء من ... يحرض لَكِن لَا يُجيب جماد) (فيا سيف سيف الله من حسن أجب ... فقد لقحت حَرْب وثار نهاد) (أأحمد مَاذَا الْعود مِنْهُم بِأَحْمَد ... وَلَكِن حَدِيث الضيم مِنْهُ معاد) (فثر ثورة واغضب لِرَبِّك غضبة ... بعزم لَهُ فَوق النُّجُوم مهاد) (وَقل لأمير الْمُؤمنِينَ أمثلها ... يُرَاد بِنَا والمقربات جِيَاد) (لأية مغنى هَذِه الْخَيل تَدعِي ... وبيض المواضي والرماح صعاد) (وفيم تجر الْجَيْش وَهُوَ عَرَمْرَم ... لهام بِهِ غصت ربى ووهاد) (أغايته يَوْم الغدير لزينة ... وَغَايَة جرد الْخَيل مِنْهُ طراد) (أَبَا الله وَالدّين الحنيف وصارم ... على عاتق الْإِسْلَام مِنْهُ نجاد) (ويأبى أَمِير الْمُؤمنِينَ وبأسه ... وَفِي الثغر والرأي السديد سداد) (وأنصاره الأساد أقيال يعرب ... غطارف فِي دين الآله شَدَّاد) (فيا أَيهَا الْمولى الْخَلِيفَة عَزمَة ... فقد شَاب فود واستشب فؤاد) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 (فَلَا تبر أقلاما سوى من لهاذم ... لَهَا من دِمَاء المارقين مداد) (وَلَا كتب إِلَّا الكتايب والظبى ... وَلَا رسل إِلَّا قِنَا وجياد) (دعى أَحْمد الْهَادِي بِمَكَّة مُفردا ... فَمَال ذووه عَن دَعَاهُ وحادوا) (وَقَامَ وجنح الْكفْر داج غدافه ... وَمَا الْكَوْن إِلَّا ظلمَة وَفَسَاد) (وَأَنت لَهُ فِينَا أجل خَليفَة ... بكفك للنصر الْمُبين قياد) (فسير أَمِير الْمُؤمنِينَ جحافلا ... لَهُنَّ من السحب النقال مُرَاد) (وحث بخيل الله وأبعث رعالها ... فقد سَاءَ تأليف وَعز وداد) (وجهز صفي الدّين يمْضِي بهمة ... بأشراكها نسر السَّمَاء يصاد) (وأيده بالأبطال إبنا عَمه ... وبإبنك عز الْآل تثن وساد) (وَلَا تطو أحشاء الفخار على جوى ... تاجج مِنْهُ جذوة وزناد) (أيقصى عَن الْبَيْت الْحَرَام رِكَابنَا ... ويهدم من آل النَّبِي عماد) (أَلا تذكر الأتراك غارب أثلة ... وأنود إِذْ ذاقوا الوبال وبادوا) (وَيَا رب يَوْم أدركوا فِيهِ مصرعا ... وللوحش مِنْهُم منهل وزواد) (فعودوا عَلَيْهِم عودة مضرية ... يصاب سليم عِنْدهَا وَمُرَاد) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 (إِذا أَحرمت بيض السيوف محلّة ... وفاض نجيعا أبطح وجياد) (هُنَالك يشفى غيظ نفس كَرِيمَة ... وَقد حَان من أهل الضلال حصاد) (ودونكم الحذا من قلب عَارِف ... لَهَا حكم مَا أَن لَهُنَّ نَفاذ) (لقد أرْسلت أَمْثَالهَا وترسلت ... فواصل فِيهَا للعداة صفاد) (أصيخوا لَهَا سمعا وعواما يَقُوله ... خطيب بليغ الواعظات جواد) (سَلام عَلَيْكُم إِن عملتم بحكمها ... وَإِلَّا فَلَا جاد الديار عهاد) وَكَانَ مَعَ عود الْوَزير حُسَيْن باشا مَعَ الْمحمل الشَّامي تمهيد أَحْوَال الْحجاز وَشد الْوَطْأَة على غَيره بِسَبَب مَا فَعَلُوهُ فِي الْعَام الْمَاضِي وَأخْبر الزوار عِنْد وصولهم أَنهم رجعُوا والعساكر العثمانية متوجهة على الشريف سعد لمناجزته وَإنَّهُ يَوْمئِذٍ يُرِيد الْخُرُوج من الطَّائِف إِلَى بحيلة وَكَانَت الْأَخْبَار قد ارْتَفَعت إِلَى حلب وَغَيره أَن صَاحب الْيمن قد استولى على الْحَرَمَيْنِ بمساعدة الشريف سعد وَأثبت لَهُ المراسيم الإمامية وَزَاد مؤذنه فِي الآذان حَيّ على خير الْعَمَل حَتَّى نفذ مكتوبان من حُسَيْن باشا أَحدهمَا إِلَى حلب وَالْآخر إِلَى حَضْرَة السُّلْطَان بِمَا يتَضَمَّن إِنَّه بَاقٍ فِي الْمَدِينَة المنورة وَأَن سعد قد تزحلف عَن الْحَرَمَيْنِ اللَّذين هما مُسْتَقر سُلْطَان الْحجاز إِلَى غَيرهمَا من الْبِلَاد وَأَن صَاحب الْيمن بمغزل عَمَّا نقل عَنهُ وفيهَا انتهب سحار وَآل عمار قافلة خرجت من صعدة فِيهَا نقد كثير مصدر إِلَى صنعاء وبندر المخار قيل أَن سَببه أَن أَمِير تِلْكَ الْجِهَات جمال الْإِسْلَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 عَليّ بن أَحْمد بن الإِمَام كَانَ فِي هَذِه الْأَيَّام بِحَضْرَة الإِمَام ففارقه بعض مشائخ بِلَاده من غير أَن يُعينهُ على إِحْسَان من الإِمَام ينْفَصل بِهِ إِلَى بِلَاده فَضَاقَ صَدره واستحكم كبره وصنع مَا صنع وَلما سَار جمال الْإِسْلَام إِلَى صعدة اسْترْجع الْبَاقِي ورده على أَهله وَمَا زَالَ عقب ذَلِك يتخطف حول صعدة وَأحمد ابْن الْمُؤَيد وَهُوَ فِي عيان أرسل مَعَ بعض القوافل جمَاعَة من عسكره إِلَى بَاب صعدة وفيهَا جَاءَت الْأَخْبَار من الْجِهَة الشحرية بركَة أميرها أَمِير الدّين الْقرشِي وَأَنه اضْطر إِلَى مصالحة من بهَا من السلاطين وَفِي ربيع الأول لما بلغ دهمة من برط فعل آل عمار بِبَاب صعدة كَانَ ذَلِك أُسْوَة لَهُم فِي الجرائة غير ملتفتين إِلَى العواقب وَأَن الْمَرْء إِنَّمَا يتغزى للمصائب وَلَا يتأسى بالمعائب فَخرج جمَاعَة مِنْهُم إِلَى رَأس المصراخ ونوروا فِيهِ للسَّيِّد مُحَمَّد ابْن عَليّ الغرباني قيل وَالسَّبَب فِيهِ أَن الإِمَام أَمر ابْن أَخِيه أَحْمد بن الْمُؤَيد بِاللَّه أَن يجمع مواد الْبِلَاد البرطية ويضمها إِلَى مصرف الْأَصْنَاف الثَّمَانِية وَمن لَهُ مَعْلُوم من قُضَاة برط أَخذه من مخزان بَيت المَال فشق ذَلِك على الْقُضَاة وأعوزهم إِلَى التبرم والتجرم وَلَا شكّ أَن تَغْيِير المراسم وانضراب المعالم سِيمَا فِيمَا يعود إِلَى الأرزاق أَمر تنفر عَنهُ الطباع وتنوء عَن حَدِيثه الأسماع وَلم يتم إِلَّا مَا قَالَه الضاة وَأخذُوا حُقُوقهم وَالسُّيُوف منتضاة وَفِي خلال ذَلِك غزاهم قبائل وائلة فانتهبوا شَيْئا من مَوَاشِيهمْ وَقتلُوا مِنْهُم اثْنَيْنِ وغزا برط إِلَى طَرِيق العمشية فنهبوا فِيهَا وعادوا إِلَى بِلَاد دهمة وَلما رأى السَّيِّد مُحَمَّد بن عَليّ تسارع الْفساد مَعَ عدم الْحَاصِل فِيمَا أَرَادَ نهاجها لَهُم وشاور فِي ذَلِك عقالهم وَسكن هَذِه الْمدَّة عَن حركات الدعْوَة وَفِي هَذِه الْأَيَّام وصل إِلَى الإِمَام شكاة من أَطْرَاف بِلَاد سنحان فَوجه مَعَهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 على غرمائهم جمَاعَة من الْعَسْكَر فَلَمَّا استقروا حَيْثُ أَمر وأبلغ ذَلِك عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الإِمَام فاستدعى الْعَسْكَر الواصلين من الحضرة فَوَقع مِنْهُم التلكي فضاعف الرُّسُل لَهُم وأشخصوا إِلَى حَضرته فَأمر بانتهابهم وشدد فِي عقابهم فَعجب من ذَلِك الغبي من النَّاس وخبط فِي الْأَمر من لَا يتفرس مَوَاضِع الالتباس وَجَهل أَن ولَايَة عز الْإِسْلَام فِيهَا التَّفْوِيض فِي جَمِيع المطالب وَأَن الْبناء بَينه وَبَين وَالِده أَن الْحَاضِر يرا مَا لَا يرَاهُ الْغَائِب وَفِي ربيع الأول وصل إِلَى الإِمَام بعض مشائخ جبل صَبر شاكين من الْعَامِل الشَّيْخ رَاجِح الأنسي وَلما أعرض عَنْهُم الإِمَام لمخامل ظَهرت لَهُ تحزبوا على الْخلاف وساعدهم على ذَلِك أهل الحجرية الأجلاف فكفوا يَد الْعَامِل وأشرعوا أسنة العوامل وحذفوا حَيّ على خير الْعَمَل من الآذان وَقتلُوا من الْعَسْكَر ثلثه فِي ذَلِك الأوان وَرُبمَا وجهوا شَيْء من المطالب إِلَى حَضْرَة الإِمَام واستعانوا بِالْبَاقِي على حوادث تِلْكَ الْأَيَّام فَوجه إِلَيْهِم الإِمَام السَّيِّد الْمِقْدَام صَالح عقبات واعتنى عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحسن فِي إطفاء شرارهم وقمع أشرارهم وجدد حِينَئِذٍ عمَارَة المنصورة بِرَأْس جبل الحجرية وجر إِلَيْهَا المدافع وَهِي معقل قديم لملوك بني أَيُّوب وَذكرهَا ابْن خلكان فِي تَرْجَمَة السُّلْطَان طغتكين صنو السُّلْطَان صَلَاح الدّين بن أَيُّوب وَأَنه الَّذِي اختطها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 وَفِي ربيع الآخر توفّي بحصن مُبين نَائِب حجَّة السَّيِّد مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن إِبْرَاهِيم الجحافي وَقعد مَكَانَهُ أَخُوهُ عَليّ بن الْحُسَيْن وَفِي هَذِه الْأَيَّام وصلت كتب مَكَّة معلنة بِخُرُوج الشريف بَرَكَات وَمَعَهُ جمَاعَة من عَسْكَر السلطنة وَصَاحب الْمحمل الْعِرَاقِيّ إِلَى محروس الْمَبْعُوث وَأَن الشريف سعد بن زيد سَار من الطَّائِف إِلَى بحيلة وَهِي مَا بَين الطَّائِف وبلاد بيشة وَفِي خَامِس ربيع توجه صفي الدّين أَحْمد بن الْحسن من الْغِرَاس إِلَى صنعاء فَبَاتَ بداره ثمَّ سَار إِلَى ضوران حَضْرَة الإِمَام بعد ان ازعجه الإِمَام للوصول للخوض فِيمَا كَانَ سعد بن زيد ذكره من استدعاء عَسَاكِر لأخذ الْحَرَمَيْنِ وَقد ذكرنَا فِيمَا مضى مَا أَشَارَ بِهِ الصفي وَولده الْعزي وَفِي أثْنَاء ذَلِك وصل مَكْتُوب السنجق دَار مُحَمَّد شاويش بكر لبكي السلطنة ونائبها فِي الْخُرُوج على سعد يذكر فِيهِ أَنه بلغه رُجُوع بعض حَاج الْيمن وَأَنه سَاءَهُ ذَلِك وَرُبمَا أَن التخوف من جَانب الباشا حُسَيْن وَأَن الشريف سَعْدا إِذا أَرَادَ الْخُرُوج إِلَيْكُم فاحذروا عَن مساعدته واسعوا فِي مباعدته فخروجه إِلَى الْيمن مَظَنَّة لتغير خاطر السُّلْطَان وَالرجل مَرْفُوع خَبره متبوع أَثَره فصادف كَلَامه شَيْئا فِي نفس الصفي وَمن أَشَارَ بشوره وَفِي جُمَادَى الأولى توفّي السَّيِّد الْعَلامَة صارم الْإِسْلَام إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد المؤيدي بِبَلَدِهِ العشة خَارج صعدة رَحمَه الله وَأعَاد من بركاته وَله الشَّرْح على هِدَايَة سَيِّدي صارم الدّين إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد وَشرح الكافل وَغير ذَلِك وَقيل أَن لَهُ مؤلفا فِي الْأَنْسَاب سَمَّاهُ الرَّوْض الباسم وَفِي نسب آل الْقَاسِم يَعْنِي الْقَاسِم بن إِبْرَاهِيم وَلم أَقف عَلَيْهِ وَفِي هَذِه الْأَيَّام وصل مُحَمَّد عَامر بن الْحَبَشَة إِلَى سَاحل المخا طريدا من سواكن بعد وُصُول عمر باشا إِلَيْهَا وَكَانَ قد أَسَاءَ إِلَى جَانب مصطفى باشا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 نائبها الأول فَأخْرجهُ مِنْهَا ورام التغلب عَلَيْهَا وَلما انْتهى إِلَى السَّاحِل حَار فكره والتبس أمره فعرج عَن البندر وَلم يعلم أَيْن اسْتَقر وفيهَا وَقع الْمَطَر الْجُود بجبل أرتل وَبَيت بوس جنوبي صنعاء وَاجْتمعت بخندقها السُّيُول وانهدم بهَا أَكثر الغيول سِيمَا غيل الإِمَام وَقد اعْتَادَ ذَلِك مُنْذُ أَيَّام وَكَانَت الشدَّة قد توالت والأسعار قد تعالت وتغالت وَمَا زَالَت تَتَرَدَّد فِي سنة سبع وَسبعين إِلَى تَارِيخ حُدُوث هَذَا الْغَوْث بِهَذَا الْغَيْث من السنين وَللَّه الْأَمر وَفِي جُمَادَى الْآخِرَة هرب من بيشة مُسْتَقر الشريف سعد بن زيد وزيره الآغا شعْبَان فِي زهاء أَرْبَعِينَ نَفرا من الْعَسْكَر والأعيان فوصلوا إِلَى حَضْرَة الإِمَام بِصَنْعَاء وَقد سلب فِي الطَّرِيق أَكثر سِلَاحهمْ وقاسوا اهوالا فِي مفاداة أَرْوَاحهم وَفِي هَذَا التَّارِيخ وصل الْخَبَر بوصول الجناب مُحَمَّد حبسي إِلَى جده ثمَّ دخل مَكَّة وَكَانَ خُرُوجه من مصر إِلَى الْبَحْر فِي نَحْو ثَلَاث مائَة من الْعَسْكَر وصحبته جوامك الْجند وَلما اسْتَقر ركاب مُحَمَّد شاويش بِالطَّائِف جمع مشائخ هُذَيْل وَغَيرهم وحبسهم واسترهنهم فِيمَا يحصل من التخطف حول الْحرم الشريف من اشرارهم وَفِي هَذِه الْأَيَّام قبض عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن المتَوَكل على الله مَالا خطيرا أوصى بِهِ الآغا سعيد بن ريحَان لجَانب بَيت المَال وَكَانَ فِي الأَصْل مَمْلُوكا لملك الْيمن الْحسن بن الْقَاسِم فكاتب نَفسه وَلَعَلَّ مُكَاتبَة الْحسن لسَعِيد من بَاب الإسعاد وَإِلَّا فَإِنَّهُ من النَّوْع الْفَائِق فِي الْمُلُوك الأجواد وَفِي جُمَادَى الْآخِرَة مَاتَ السَّيِّد عَليّ بن حفظ الدّين سحلة بضوران وَكَانَ قد ولي بِلَاد حراز ثمَّ عذر مِنْهَا وَالسَّيِّد مُحَمَّد بن عبد الله العياني بالروضة وَدفن بخزيمة وَكَانَ عُمْدَة مَعَ شرف الْإِسْلَام الْحسن فِي كثيرا من أُمُوره وَولي من قبله بِلَاد اليمانية من سنحان فاستمر بهَا إِلَى دولة المتَوَكل على الله وَحين تَوَجَّهت بِلَاده إِلَى صفي الْإِسْلَام أَحْمد بن الْحسن زَالَ نظره عَنْهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 وَفِي رَجَب عَاد مُحَمَّد شاويش من جبل الطَّائِف وَنزل إِلَى مَكَّة بِمن مَعَه من الْجنُود والطوائف وَهُوَ على مَسَافَة يَوْمَيْنِ وَترك فِيهِ عصبَة من الرُّتْبَة وبالقنفذة ايضا قدر مِائَتَيْنِ بِنَظَر الشريف بَرَكَات وَاسْتقر بَرَكَات هَذِه الْمدَّة بِمَكَّة وَثبتت لَهُ الوسادة بعد أَن تحولت أَحْوَال صَاحب دَار السَّعَادَة أَخْبرنِي بعض من وقف فِي خدمَة سعد دهرا طَويلا أَن بَرَكَات كَانَ فِي أَيَّام مملكة سعد أخص خواصه لأوقات الصفو والإستراحة وَكَانَت الأذهان منصرفة عَن أَن يَنَالهُ حِصَّة من ملك الْحَرَمَيْنِ فَلَمَّا أجلى الشريف سعد عَن مَكَّة تطلعت نفوس أكَابِر الْأَشْرَاف إِلَى خطته فتلطف بَرَكَات فِي أثْنَاء اللَّيْل فِي إرْسَال مَنْدُوب ظريف أَصْحَبهُ أكياسا فِيهَا مَال خطير إِلَى نَائِب السلطنة وَكَانَ الْأَمر بِيَدِهِ فِي نصب من يرَاهُ آهلا بطريقة التَّفْوِيض فَجمع النَّائِب لتسلم الخلعة وَتَقْرِير مراسم المملكة أَعْيَان الْأَشْرَاف وَقرر عَلَيْهِم إمتثال مَا بِيَدِهِ من السلطنة فِي إِقَامَة من يرَاهُ فأذعنوا لأَمره وَفِي بالهم أَن ينص على من عدا بَرَكَات وَلما حصلوا فِي حَضرته قَامَ أَرْبَاب الخلعة وناطوها بعاتق بَرَكَات قَالَ الرَّاوِي فشاهدت من تغير ألوان أُولَئِكَ الْأَعْيَان مَا يدهش لَهُ الْفُؤَاد وينصدع لَهُ الجماد غير أَنه لم يسعهم بعد تقدم المواطأة غير السّمع وَالطَّاعَة وأخفق مسعى أُولَئِكَ الجم الْغَفِير وَلم يتم غير مَا سبق بِهِ علم اللَّطِيف الْخَبِير وَفِيه حصلت المواحشة بَين جمال الْإِسْلَام عَليّ بن أَحْمد وَشرف الْإِسْلَام الْحسن بن المتَوَكل على الْعَزِيز العلام بِسَبَب ان بعض أَصْحَاب عَليّ رما فِي العرضة فَأصَاب لِوَاء الْحسن فَانْكَسَرت صعدته وَكَاد العسكران أَن يفترقا فحبس الرَّامِي فِي الْحَال وحسم بذلك مَادَّة النصال وَلما اسْتَقر الْحسن بصعدة طَالب مَشَايِخ آل عمار وسحار فِيمَا ذهب على الْقَافِلَة من التُّجَّار فَأَجَابُوا أَن أَكثر الفاعلين هربوا وَهَذِه بُيُوتهم بَين أَيْدِيكُم فَأَمرهمْ بِتَسْلِيم مَا فَرْضه وَالِده من الْآدَاب عَلَيْهِم وسلموه وأخربت بيُوت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 الهاربين وَكَانَ قد قبض على سَبْعَة أَنْفَار من الناهبين فَأمر أَن تضرب الرّيح على أكتافهم فِي سوق صعدة وَحين خرج عَنْهَا أَمر بِضَرْب أَعْنَاق ثَلَاثَة مِنْهُم وَأرْسل بباقيهم فِي الأغلال إِلَى حَضْرَة وَالِده وَحصل هزج عَظِيم فِيمَا فعله فيهم سِيمَا عِنْد من طَرِيقَته أَن الْمُحَارب إِنَّمَا يقتل إِذا كَانَ قد قتل وَإِلَّا فقد قَالَ الْحسن وَالنَّخَعِيّ أَن الإِمَام مُخَيّر فِي الْعُقُوبَات الْمَذْكُورَة فِي آيَة الْمُحَارب لكل جَان عملا بظاهرها وَرُوِيَ ذَلِك عَن إِبْنِ عَبَّاس وَعَطَاء وإبن الْمسيب وَفِي يَوْم الْأَحَد سَابِع شعْبَان وَقع قرَان بَين المريخ وزحل فِي أول برج الْحمل وَكَانَ المريخ حِينَئِذٍ فِي بَيته وقوته وزحل فِي بَيت هُبُوطه وارتفع المريخ على زحل فِي الْأُفق الشمالي بِقدر ذِرَاع على حسب الزيج بتقسيم الْمُتَأَخِّرين وَفِي هَذِه الْأَيَّام أرسل الإِمَام بِصَدقَة الْهِنْد إِلَى الشريف سعد بن زيد بعد وُصُول رَسُول السُّلْطَان أورنقزيت إِلَى حَضْرَة الإِمَام وَكَانَت مصدرة إِلَى الشريف قبل ان يبلغ خبر الْخَارِجَة عَلَيْهِ إِلَى الممالك الْهِنْدِيَّة فَاسْتحْسن الإِمَام إستصاب الْحَال وَكَانَ الْوَاصِل بهَا السَّيِّد عُثْمَان بن عَليّ الْحلَبِي وَادّعى أَنه كَانَ الْعَام الأول بِمَكَّة وَأَنه قدم الشريف جانبا من حِصَّة هَذَا الْعَام فَأخر نصف التصدير وَبعث بِمَا بقى عَلَيْهِ على ذَلِك التَّقْدِير وصادف وُصُول المَال إِلَيْهِ وَهُوَ ببيشة انحصار الْحَال وضيق الْمَعيشَة فَكَانَ لَهُ خطر جسيم وموقع عَظِيم وَفِي آخر رَمَضَان وصل خبر بِخُرُوج قلياطة من نَائِب مصر من صوب الْبَحْر فِيهَا طَعَام وجوامك عَسْكَر الأروام وخلعتان للشريف والسنجق دَار مُحَمَّد شاويش ونوبة رُومِية ولواء وَزِيَادَة عَسْكَر نَحْو الْمِائَتَيْنِ وإيداع إِلَى الشريف والسنجق أَن يشخصا قُضَاة مَكَّة إِلَى محروسة مصر وَفِي هَذِه الْأَيَّام وصل الْخَبَر ان مَكَّة لبست شعار الْبُشْرَى بصلاح مَا قد كَانَ فسد على صَاحب الْأَبْوَاب فِي أطرف بِلَاده وَوصل إِلَى الإِمَام جَوَاب الشريف بَرَكَات والجناب مُحَمَّد شاويش يتَضَمَّن ان الْحَج ثَابت وَلَا منع لأحد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 مِنْهُ خلى أَنَّهُمَا شرطا على الإِمَام أَن لَا يبْعَث بأمير يَصْحَبهُ عَسْكَر وَطلب االشريف من الإِمَام مَا كَانَ يصير إِلَى السُّلْطَان الأول سعد بن زيد فَاجْتمع رَأْي الإِمَام ورأي الصفي أَحْمد بن الْحسن أَن يعدل عَن الآغا فرحان وَأَن يَكْتَفِي بالشريف أَحْمد بن صَلَاح صَاحب أبي عَرِيش وجيزان وَكَانَ قد اعْتَادَ ذَلِك أَيَّام الْمُؤَيد بِاللَّه مُحَمَّد بن الْقَاسِم رَحمَه الله فَلَمَّا اتّفقت عَلَيْهِ الْكَلِمَة وَهُوَ بالحضرة نفذ إِلَى مَكَّة المشرفة فِي قدر ثَلَاث مائَة من الْجند وتوابعهم وَمَعَهُ تصدير الصر إِلَى الشريف بَرَكَات قدر أَرْبَعَة عشر ألف قِرْش فَسَار الْمَذْكُور من ضوران طَرِيق تهَامَة فَلَمَّا وصل الْعَسْكَر إِلَى أبي عَرِيش اتّفق بَينهم افْتِرَاق وَحدث بَين خَاصَّة السَّيِّد وَمن عداهم من الْعَسْكَر شقَاق فَرجع بَعضهم إِلَى قريته وَبَعْضهمْ اعتل بحدوث علته فنفذ بِمن بَقِي مَعَه وَكَانَ لَهُ من الْجَمِيع مندوحة وسعة فَإِن التَّخْفِيف كَانَ مقترح الشاويش وَفِي رَابِع وَعشْرين من شَوَّال اتّفق قرَان الزهرة لزحل وَكَانَ على حِسَاب الْمُتَأَخِّرين ببرج الْحمل وَفِي هَذَا الشَّهْر استخرج عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الإِمَام بجبل ثايبة من بِلَاد نهم معدنا من الْحَدِيد إِلَّا أَن فِيهِ قساوة مفرطة وأعمال تَحْصِيله عسيرة وَلما جربه الحدادون بِصَنْعَاء لم يحصل للْعَمَل بل تكسر عِنْد صك المطارق واضممل فَترك بعد ذَلِك وَلَعَلَّه من معادن الْفضة لكته فاتهم صفة عقده فَإِنَّهُ قد ذكر صَاحب سيرة الإِمَام الْمَنْصُور بِاللَّه عبد الله بن حَمْزَة عَلَيْهِ السَّلَام أَنه ظهر هَذَا الْمَعْدن بدولته واستخرج مِنْهُ رَئِيس الْبَلَد الْفضة وحمها الإِمَام عَلَيْهِ السَّلَام وَلم يبْق فِي هَذَا الزَّمَان من يعرف ذَلِك وَإِنَّمَا يصنع فِي هَذَا الْجَبَل الرصاص وَفِيه جَاءَت الْأَخْبَار أَن صَاحب عمان صَالح الفرتقال كَذَا واستراح من شرهم واستقال وبخامس ذِي الْحجَّة كَانَ وَقت تَحْويل سنة الْعَالم بحلول الشَّمْس أول دَرَجَة فِي الْحمل على حِسَاب الْمُتَأَخِّرين وزحل وَعُطَارِد فِي الْحمل أَيْضا والزهرة والأسد وَأعلم أَنه قد تكَرر بِهَذَا الْمَجْمُوع ذكر مثل هَذَا لَا نُرِيد بِهِ إِلَّا تَبْيِين مَوَاضِع الْكَوَاكِب لأمارات ذكرت بِأَن الْمُتَصَرف فِي الكائنات يحدث عِنْد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 اخْتِلَاف تِلْكَ الحلولات مقدورات مُخْتَلفَة وَتلك الْكَوَاكِب بحلولها تِلْكَ الْمَرَاتِب مَا هِيَ إِلَّا معالم ولحلول الحادثات مواسم وَإِلَّا فَلهُ الْخلق وَالْأَمر تبَارك الله رب الْعَالمين وَمَا وَقع من ذَلِك من كثير من الشُّعَرَاء بل جمَاعَة من عُلَمَاء أَصْحَابنَا وَغَيرهم فِي نظم ونثر فَهُوَ على طَريقَة تقبل التَّأْوِيل وَمَعَ هَذَا فَالْأَمْر خطير والتقصي عَن إِشْكَال مُجَرّد الذّكر عسير غير يسير غير إِنَّا قد رَأينَا من نظر فِي هَذَا الْفَنّ وَهُوَ بِمَنْزِلَة من التَّقْوَى عَظِيمَة ورتبة من الْوَرع جسيمة كَالْقَاضِي عَلامَة الزيدية وشيعها عبد الله بن زيد الْعَنسِي صَاحب المحجة الْبَيْضَاء ذكر عِنْد سَيِّدي الْهَادِي بن إِبْرَاهِيم فِي بعض مصنفاته مَا مَعْنَاهُ أَنه دعى فِي بعض مواقفه بالزيج المظفري لمُحَمد بن أبي بكر الْفَارِسِي فَنظر فِيهِ ثمَّ تغير لَونه واستدعى ورقة يكْتب فِيهَا وَصيته فَلم يتَمَكَّن بِعَدَد ذَلِك على غير خطّ من طرف الورقة إِلَى الطّرف الآخر وَقبض إِلَى رَحْمَة الله هَذَا معنى مَا ذكره أَو أَكثر مَعْنَاهُ وَهَا أَنا أورد فصلا نَافِعًا فِي هَذَا الْكتاب زاجرا لمعتقد التَّأْثِير ومزهدا هَذَا لصَاحب الطّرف الْأَخير الَّذِي أَشرت إِلَيْهِ وَإِن كنت قد جريت على نمطه ومشيت عَلَيْهِ وَلَا شكّ أَنه أقل شغبا وأهون محذورا والأعمال بِالنِّيَّاتِ فَأَقُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 فصل أخرج رزين الْعَبدَرِي عَن إِبْنِ عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من اقتبس بَابا من علم النُّجُوم لغير مَا ذكر الله فقد اقتبس شُعْبَة من السحر المنجم كَاهِن والكاهن سَاحر والساحر كَافِر وَأخرج السِّتَّة إِلَّا التِّرْمِذِيّ عَن زيد بن خَالِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصُّبْح بِالْحُدَيْبِية فِي أثر سَمَاء كَانَت من اللَّيْل فَلَمَّا انْصَرف أقبل على النَّاس فَقَالَ هَل تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ ربكُم قَالُوا لله وَرَسُوله أعلم قَالَ قَالَ أصبح من عبَادي مُؤمن بِي كَافِر فَأَما من قَالَ مُطِرْنَا بِفضل الله وَرَحمته فَذَلِك مُؤمن بِي وَكَافِر بالكواكب وَأما من قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْء كَذَا وَكَذَا فَذَلِك كَافِر بِي مُؤمن بالكواكب النوء هُوَ طُلُوع نجم وغروب آخر قَالَ ابْن الْأَثِير فِي جَامعه وَإِنَّمَا غلظ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أمرهَا لِأَن الْعَرَب كَانَت تنْسب الْفِعْل إِلَيْهَا فَأَما من جعل الْمَطَر من فعل الله تَعَالَى وَأَرَادَ بقوله مُطِرْنَا بِنَوْء كَذَا أَي فِي وَقت كَذَا وَهَذَا هُوَ النوء االفلاني فَذَلِك جَائِز انْتهى وَأخرج النَّسَائِيّ عَن أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو أمسك الله تَعَالَى الْقطر عَن عباده خمس سِنِين ثمَّ أرْسلهُ لأصبحت طَائِفَة من النَّاس كَافِرين يَقُولُونَ مُطِرْنَا بِنَوْء المجدح المجدح بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْجِيم آخِره حاء نجم يُقَال لَهُ الدبران وَبَعْضهمْ يضم الْمِيم وَعَن قتاده قَالَ خلق الله هَذِه النُّجُوم لثلاث جعلهَا زِينَة للسماء ورجوما للشياطين وعلامات يهتدا بهَا فَمن تَأَول فِيهَا غير هَذَا فقد أَخطَأ حَظه وأضاع نصِيبه وتكلف مَا لَا يعنيه وَمَا لَا علم لَهُ بِهِ وَمَا عجز عَن علمه الْأَنْبِيَاء وَالْمَلَائِكَة صلوَات الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ وَعَن الرّبيع مثله وَزَاد وَالله مَا جعل الله فِي نجم حَيَاة أحد وَلَا مَوته وَلَا رزقه وَإِنَّمَا يفترون على الله الْكَذِب ويتعلقون بالنجوم وَأخرجه رزين وَهُوَ فِي البُخَارِيّ تَعْلِيقا من أَوله إِلَى قَوْله مَالا علم لَهُ بِهِ وَقد تكلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 شرَّاح الحَدِيث فِي هَذِه الْمَادَّة بِمَا يشفي وَيَكْفِي فليؤخذ من مظانه وَقد رَأَيْت بعض متأخري أَصْحَابنَا الزيدية وضع تَارِيخا وَذكر فِي أغلب أَحْوَاله حُلُول الْكَوَاكِب واجتماعها وافتراقها ومعالم خُسُوف النيرين ورتب على ذَلِك حوادث مستقبله يغلب نَفسه على الطّرف الأول فَسَيَأْتِي ذَلِك فَإنَّا لله وَقد برع من أهل الْوَقْت فِي مدارك الفهوم من مواقع النُّجُوم بعض من جمعني وإياه وشجة الرَّحِم من أَشْرَاف الْعَصْر وصنف كتابا سَمَّاهُ النَّجْم الثاقب فِي حركات الْكَوَاكِب وَكَانَ قد حصل بيني وَبَينه من المكاتبات مَا يلهوان السهير وَمن الوداد مَا يناجى بِهِ الضَّمِير للعلاقات الأدبية والإجتماع فِي السلسلة الذهبية وَكنت كتبت رِسَالَة فِي تقريض مُؤَلفه أودعها إخْوَان الصفاء أصداف الْقُلُوب وصدور كل سطر مَكْتُوب وعندما رَأَيْته يرى أَنَّهَا قَاصِرَة فِي ذَلِك الصِّنْف شفعتها من خُيُول البلاغة بِمَا لَا يسْبق فِي ميدان الْألف فَقلت (ردوا جدول الْعين الَّتِي طَابَ سقياها ... فقد سلسلت فِي رَوْضَة الخدا مواها) (وحاكت لآليها ليَالِي بعدكم ... نَظَائِر من زهر النُّجُوم وأشباها) (فَلَو نظمت زهر الدواري بعاتق ... كفيضان دمعي كَانَ ذَاك قصارها) (سلوا الْفلك لدوار عَن مهجتي الَّتِي ... تمنا حبيبا عِنْده يتمناها) (مشاشة نفس أثرت بعد بعْدهَا ... سموا فَلم ترض الثراء عَن ثرياها) (وبالرغم مِنْهَا أَنَّهَا سَافَرت وَمَا ... أراحت يَد الجوزاء رَاحَة يمناها) (تزاحم شمس الْأُفق فِي برجها فَلَا ... يعللها عَن ذَاك برج حمياها) (وتعبر من نهر المجرة مرتقا ... إِلَى أبرج مِنْهَا لكيوان أسماها) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 (فتطلب فِي أَثْنَائِهَا من عُطَارِد ... طَرِيقا إِلَى اسْتِخْرَاج بعض خباياها) (أحبة قلبِي أَن سمحتم بزورة ... لروحي فمنوا قبل ن تدنوا مناياها) (إِذا كَانَ هَذَا الْبَين جائزه الْهوى ... فأها لما أسلفت من صبوتي آها) (أيقضى على روحي وَعِيد مهاتكم ... دُيُون لَهُ من قبل أَن يتقاضاها) (أوت سرح قلبِي وَهُوَ أَخْضَر نَاظر ... وصيرته بعد الخميلة مأواها) (فَلَمَّا رعت من زهره كل يَانِع ... لوت جيدها أسرابها نَحْو مرعاها) (وصاحبها نومي فَإِن عز طيفها ... وَقد سلبت عَيْني الْكرَى كَيفَ أَلْقَاهَا) (أخوض بدمعي لجة فِي سفينة ... من الشوق بِسم الله فِي اليم مجْراهَا) (فَلَو أنني القيت نوحًا وَأَهله ... لألقيتها لما اسْتَوَت حَيْثُ أَلْقَاهَا) (وَلم أتحمل من رواسي صبابتي ... نوا يسْأَل الجودي أَيَّانَ مرْسَاها) (وَلَا ساهم الشوق المليم عواذلي ... فأدحض فِي أولى السِّهَام وآخراها) (وَلَا خضت بَحر الْحبّ فالتقم النَّوَى ... فُؤَادِي لَوْلَا أَنه سبح ألاها) (فأنس بعد الكرب فُرْجَة يُونُس ... بِمن حل أبراج الْكَمَال وحلاها) (بِمن إِن دجت من مُشكل الْخطب ظلمَة ... جلاها بِنور الْفِكر مِنْهُ وجلاها) (أَضَاء بِنَجْم ثاقب من علومه ... فَدلَّ إِلَيْهِ الزاهرات ودلاها) (أَفَاضَ على زهر النُّجُوم جداولا ... فأحيا بِهِ تِلْكَ الزهور وحياها) (وجر على نهر المجرة مطرفا ... يحكم بِهِ سَاس الدراري ورباها) (وَصرف برجيسا بثاقب رَأْيه ... على راحتي يمنى الأكف ويسراها) (أعَار كسوف الشَّمْس نور ذكائه ... فقد صَار يخشاها الَّذِي كَانَ يَغْشَاهَا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 (وَمَا الزهرة الغرا إِلَّا خريدة ... تروم السَّرَّاء سرا لتستر مغزاها) (فهيا باسطرلابها برجها الَّذِي ... بِهِ نزلت قبل الشُّرُوع بمسراها) (رَاء الْقَمَر النوار مِنْهُ بروضة ... تميل على الأغصان مِنْهَا قماراها) (فأخدمه تِلْكَ الْجَوَارِي الَّتِي سرت ... على رسمه من غير أَن يتسراها) (وأصحبه فِي سير كل دقيقة ... قيودا إِلَى الإخطاء لَا يتخطاها) (على نَفسه فليبك حاماس حسرة ... وإياه فِي الْأَحْكَام جهلا وَإِيَّاهَا) (أيا ابْن عَليّ بن الإِمَام إِبْنِ لنا ... تدلت لَك الأفلاك أم حزت مرقاها) (فَفِي عَالم الأفلاك خطك نَافِذ ... وَفِي عَالم الأفلاك حظك أَعْلَاهَا) (فَلَو نطقت زهر الدراري لعطرت ... بشكرك أَفْوَاجًا هُنَاكَ وأفواها) (لمثل عطاياك الَّتِي عَمت الورى ... وَمن للسحاب الخؤن أَن يتعاطاها) (ركبت مطا آثَار آبَائِك الأولى ... بهم وخدت للمكرمات مطاياها) (سلكت حاما كَانَ فِي كف حيدر ... أَبِيك وسلسلت الْكَمَال إِلَى طه) (لَك الْفَخر بِالْآبَاءِ إِذْ حزت شأوهم ... على كل من بارا كمالك أوباها) (وَهل خطه الآهلين إِرْث فيزدهي ... بهَا قَاصِر عَنْهَا كمن هُوَ يرقاها) (بتجديد فولاذ السيوف مضاؤها ... فسقيا لَهُ دهرا بعزمك سقياها) (وَللَّه نظم أَنْت بَيت قصيده ... وَرَيْحَانَة فِي الْمجد غصنك أَعْلَاهَا) وَهَذَا عَارض جَرّه ذكر النُّجُوم وَفِي الْعَصْر يبين من لَهُ حِصَّة وافرة فِي معرفَة تَحْرِيك الأفلاك إِن أنجح الله االأمل ببلوغ سير قمر التسطير إِلَى برج التسيير شرحت حَالهم وبينت كمالهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 وَفِي هَذِه الْأَيَّام اسْتَقر سُلْطَان مَكَّة الْقَدِيم وَملك تختها الجسور الجسيم سعد بن زيد بن محسن ببيشة مَكَان ثمال أسودها وعقاب بنودها يظْهر عَن مملكة الْحجاز المجانبة وَلَو شَاءَ لمد إِلَيْهَا مخالبه وَسَيَأْتِي من خَبره مَا يقْضِي بِأَنَّهُ الْمولى عَلَيْهَا وَأَن لَهُ العودة بعد العودة إِلَيْهَا قلت فِي بعض أشعار الْفَقِيه بن أبي مخرمَة فِي طَرِيق الْكَشْف مَا يقْضِي أَن سَعْدا أخر إمرة يقصا عَن مملكة الْحَرَمَيْنِ وينال مَا نَالَ جده المحسن بن الْحُسَيْن {وَللَّه غيب السَّمَاوَات وَالْأَرْض} وَاتفقَ بِخَارِج مَكَّة بِهَذَا الْوَقْت حَرْب بَين الشريف أَحْمد بن زيد بن مِمَّن والشريف حمود ذهب فِيهِ جمع من الطَّائِفَتَيْنِ وَفِي خَامِس ذِي الْحجَّة سَار الْحسن ابْن الإِمَام من صعدة إِلَى رازح وَكَانَ قد نقل عَن جنابها وَصَارَ ثَانِي الحسامين فِي قرابها لمزاحمة صَاحب بختها ومدبر تختها وَفِي هَذِه السّنة عقد الإِمَام محفلا للدرس فِي مشكاة المصابيح لِلْحَافِظِ التبريزي وسرده عَلَيْهِ مَا عدا مَا أَوله الْحفاظ من الْأَحَادِيث المعدودة خشيَة أَن ينطبع ظواهرها فِي أذهان الأغمار الَّذين لَا يعْرفُونَ الْبَاطِن لظواهر الاثار وَهُوَ مقَام خطابي لعذر التارك لتِلْك الْأَحَادِيث فَإِن الْقُرْآن الْمجِيد الَّذِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه تَنْزِيل من حَكِيم حميد} {مِنْهُ آيَات محكمات هن أم الْكتاب وَأخر متشابهات} وَقد اسْتَوَى فِي حوار تِلَاوَته الْعَالم بِمَعْنَاهُ وَالْجَاهِل بِهِ وبمبناه من غير نَكِير من فَاضل على قَاصِر فِيمَا عناه وَالْقِيَاس غير مطرود للتشكيك والفارق بَينهمَا رَكِيك رَكِيك وَقد منع بعض أَئِمَّة الزيدية فِي الزَّمن الْمَاضِي من إملاء أَحَادِيث الصِّفَات وَنَحْوهَا فِي مجَالِس التَّعْلِيم لمثل هَذَا وَفِيه مَا قُلْنَاهُ وَقد وطا أكناف هَذِه الساحة بِمَا لَا مزِيد عَلَيْهِ من التَّحْقِيق والتدقيق الإِمَام الْحجَّة المتأله الْوَلِيّ مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عَليّ فِي كِتَابه القواصم والعواصم فِي الذب عَن سنة أبي الْقَاسِم نعم إِذا تلى مثل ذَلِك بِحَضْرَة من يلبس عَلَيْهِ ظَاهره توجه على خَواص الحضرة إِيصَال وُجُوه التَّأْوِيل الْقَرِيبَة إِلَى ذهنه وَالله الْهَادِي وَدخلت سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَألف فِي يَوْم الْجُمُعَة خَامِس محرم جَاءَت الْأَخْبَار عَن مَكَّة المشرفة بِمَا فِيهِ صَلَاح الْأَحْوَال وَحفظ النُّفُوس وَالْأَمْوَال وَخرج الباشا مُحَمَّد شاويش إِلَيْهَا بنيابة الْمحمل الشَّامي وصحبته قدر الْأَلفَيْنِ من الأجناد وَخَمْسمِائة من الْخَيل الْجِيَاد وَضربت خيامه ببركة ماجد وَظهر الْمحمل الْمصْرِيّ بِقُوَّة وجنود وألوية وبنود وَكَانَ الْحَال مَظَنَّة الإضطراب لتحلي سعد بِتِلْكَ الْأَسْبَاب فجد الباشا فِي تسكين الْقُلُوب ووعد من غدر من تِلْكَ القبايل والشعوب وأعان على حسن الْحَال رخاء الْبِلَاد وَعُمُوم الخصب للصياصي والوهاد وأخفى الْعَسْكَر السلطاني السُّؤَال عَن الإِمَام وَعَن ملك الْيمن أَحْمد بن الْحسن وشريف جازان أبلغ مَا مَعَه من الصَّدقَات إِلَى نَائِب الْحَرَمَيْنِ الشريف بَرَكَات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 وَأخرج الباشا مُحَمَّد بعض من بَقِي بِمَكَّة من بطانة الشريف سعد وَأرْسل الْبَعْض إِلَى حَضْرَة السلطنة وَأسْقط المكوس عَن أسواق مَكَّة وَأثبت المياريث على القانون الشَّرْعِيّ وَفِي نصف محرم حصل الْقرَان بَين الزهرة والمريخ فِي برج السرطان على مُقْتَضى تَحْرِيك الْمُتَأَخِّرين وَفِي برج الجوزاء عِنْد القدماء وَكَانَ الْمُرْتَفع عِنْد الْقرَان هُوَ المريخ من جِهَة الْجنُوب ثمَّ انفكت الزهرة عَنهُ قَلِيلا فِي البرج فَعَادَت الورى وَرجعت الْقَهْقَرَى فقارنت المريخ أَيْضا الْقرَان الآخر فِي نصف صفر وَلما انْتهى الشريف صَاحب جيزان إِلَى ذكْوَان تبعه الشريف حُسَيْن بن زيد لاحقا بِهِ لِلْخُرُوجِ إِلَى الْيمن فَلَمَّا وصل إِلَى اللَّيْث ناوشه بِالْحَرْبِ جمع من الْقَبَائِل وأصابه مِنْهُم قَاتل كتب مِنْهُ مصرعه وَثمّ ثمَّة مضجعه وَقيل أَن ذَلِك بِإِشَارَة من بَرَكَات وَالْعلم عِنْد الله فِي تَحْقِيق الكائنات وَفِي صفر غزا جمَاعَة من بني نوف إِلَى مهابط بِلَاد الْجوف فسلبوا وَقتلُوا ثمَّ اتَّبعُوهُ الْغَزْو إِلَى بِلَاد بدبدة وخولان وَكَانُوا قد انتجعوا غَيرهَا من الْبلدَانِ واتبعوه الْغَزْو إِلَى براقش فنشب بَينهم حَرْب حنين وَهلك خَمْسَة من الطَّرفَيْنِ فَبعث صفي الْإِسْلَام أَحْمد بن الْحسن بن الإِمَام عِنْد ذَلِك جمَاعَة من الرُّمَاة لحفظ الصوافي وَبَقِي جمَاعَة بِحَضْرَتِهِ من أهل برط وَكَاد أَن يُوقع بهم الشطط وهم أَن يتَوَجَّه بِنَفسِهِ على كَافَّة أهل ذَلِك الْجَبَل فسكن من حفيظته الإِمَام بِأَن هَؤُلَاءِ من اعتامهم {وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى} مَعَ مَا قد عرف من حَالهم أَن كلا مِنْهُم رمحه على بَابه وزاده فِي غير جرابه وَأَنَّهُمْ لَا يضْبط جَمَاعَتهمْ فِي الْأَغْلَب رَئِيس بل كل وَاحِد مِنْهُم يتسمى بالنقابة والشيخوخة ويدعوا الآخر بهَا وَلَهُم بسالة فِي المعارك وشطارة لَا يشاركهم فِيهَا مشارك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 وَفِي عَاشر صفر وصل إِلَى الإِمَام مَنْدُوب الباشا عمر بهدية سنية وَمَعَهُ مَنْدُوب آخر من الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة فَطلب من الإِمَام أَن يبْعَث مَعَه إِلَى نائبها بأوقافها اليمنية فَأَجَابَهُ الإِمَام بِأَنا لَا نعلم شَيْئا من ذَلِك فِيمَا تحويه وطأتنا وَفِي الْعشْر الْآخِرَة مِنْهُ توفّي الشريف الْعَارِف عَليّ بن الْحُسَيْن الْحُسَيْنِي الحوثي وَكَانَ مكفوفا حَافِظًا لتجويد الْقُرْآن نَاقِلا الْكثير من المختصرات مشاركا فِي الحَدِيث سِيمَا سنَن أبي دَاوُود فقد كَانَ يسْرد أَكْثَره ومجموع جده الإِمَام الْأَعْظَم زيد بن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام فقد كَانَ على ظهر قلبه وَكَانَ يملي أبحاثا من انتصار جده الإِمَام يحيى بن حَمْزَة لَا يخرم منهاحرفا وشغله التطلع إِلَى الْعَوام عَن التضلع فِي عُلُوم أبائه الْأَعْلَام وَبَلغت الْأَخْبَار إِلَى الْيمن فِي هَذِه الْأَيَّام أَن سيواجي ملك الرازبوت بِالْهِنْدِ عَاد إِلَى الْخلاف على السُّلْطَان أورنقزيب وأثار فِي جِهَته غُبَار الْفِتْنَة فشق ذَلِك على الْمُسلمين وعظمة الممنة وفيهَا مَاتَ الْأَمِير الهزبر الصمصام عبد الله العفاري الحمزي وَكَانَ من أَعْيَان شرف الْإِسْلَام الْحسن بن الإِمَام ثمَّ لَازم حَضْرَة وَلَده مُحَمَّد بن الْحسن وَكَانَ الْمَذْكُور قد نافر الْحسن فِي الْمدَّة السالفة إِلَى حَضْرَة الباشا قانصوه ومصطفى بزبيد فلقى مِنْهُمَا من الرحب بِمَا لَيْسَ عَلَيْهِ مزِيد وتصدر هُنَاكَ للإمارة وَنزل من أعيانها منزلَة زحل من السيارة وفيهَا وصلت كتب من الْمهرِي صَاحب جَزِيرَة سقطرى والساحل الْحَضْرَمِيّ الَّذِي هُوَ بَين بِلَاد الشحر وظفار ويستدعي عينة الإِمَام وَأَنه قد صمم على الإئتمام وَالسَّبَب فِي توسله هَذَا أَنه كَانَ قد انتهب فِيمَا مضى بعض من وصل إِلَى سَاحل جَزِيرَة سقطرى من أَصْحَاب الْعمانِي فَوجه إِلَيْهِ من ينتصف لأَصْحَابه وَلَيْسَ عِنْد كَمَال أنصابه فَإِنَّهُ آل أمره إِلَى الْهَرَب إِلَى سَاحل الشحر وَدخل بِلَاده أَمِير عماني وَلكنه لم يظفر مِمَّا قصد لَهُ بِغَيْر الْأَمَانِي لِأَنَّهُ كَانَ استصحب مَا لَدَيْهِ وَمن لَدَيْهِ وَقدم جَمِيع مَا يهمه بَين يَدَيْهِ وَالْإِمَام أَشَارَ عَلَيْهِ بعض مِمَّا يوبه لَهُ أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 الرَّأْي الإشتغال بِمَا هُوَ أهم وَأَن الْمهرِي أَنما فزع إِلَيْكُم لمداواة هَذَا الْأَلَم سِيمَا مَعَ تغير أَحْوَال الْأَشْرَاف وَهُوَ يَسْتَدْعِي مِنْكُم الإستئناف بِحِفْظ الْأَطْرَاف وَفِي أول ربيع الثَّانِي غزا أَصْحَاب صفي الْإِسْلَام أَحْمد بن الْحسن إِلَى أَطْرَاف بِلَاد دهمة من بني نوف وَاسْتَاقُوا بعض مَوَاشِيهمْ وَفِيه وصل حَضْرَة الإِمَام جمَاعَة من بِلَاد خولان شكاة بِجَمَال الْإِسْلَام عَليّ بن أَحْمد فَأمر الإِمَام على بِلَادهمْ السَّيِّد الْعَارِف جمال الدّين عَليّ بن مهْدي النوعة فساس وساد وبلغوا من إمارته المُرَاد وَسقوا بنميرها رياض بواطن الأحقاد وَهَكَذَا الرعايا لَا يسْتَقرّ لَهَا حَال وَلَا يرْتَفع شكايتها عَن الْعمَّال وَفِي هَذِه الْأَيَّام وصل إِلَى بندر المخا هَارِبا مُحَمَّد بن عَامر الَّذِي كَانَ خَالف عَسَاكِر السلطنة بسواحل الْحَبَشَة كَمَا مضى فِي قدر خَمْسَة عشر نَفرا من أَتْبَاعه فَتَبِعَهُ فِي الْبَحْر غرابان فَلَمَّا بلغا بَاب المخا تقهقرا رَاجِعين وَكَانَ قد خرج عَلَيْهِ إِلَى سواكن زِيَادَة عَسْكَر أخذُوا جَمِيع خزنته وَآلَة مُعَسْكَره وَهُوَ الَّذِي طرد مصطفى باشا عَن الْحَبَشَة وفيهَا أطلق الإِمَام للْيَهُود لعنة الله عَلَيْهِم أَمْوَالهم وَرفع عَنْهُم الزَّائِد على الْجِزْيَة وفيهَا أظهر الإِمَام التوجع من برط سِيمَا بني نوف بِسَبَب تِلْكَ الْأَحْدَاث وَعدم توقفهم فِيمَا أَمر بِهِ من مصير نصف الْوَاجِبَات إِلَى حَضْرَة أَحْمد بن الْمُؤَيد بعيان وَنِصْفهَا إِلَى القَاضِي جمال الدّين عَليّ بن مُحَمَّد الْعَنسِي وقرابته وَكَانَ القَاضِي قد استولى على الْكل بمساعدة أهل جِهَته واعتل فِيمَا فعله عِنْد أَن عوتب بِأَن الْبِلَاد غير دَاخِلَة فِي وَطْأَة االإمام لعدم نُفُوذ أمره فِيهَا فَتوجه العتاب على صنوه الْحسن بن مُحَمَّد فِي الحضرة الإمامية وقر الْأَمر على إرجاع مَا بَقِي فِي أَيدي الْقُضَاة بعد أَن كَانَ الإِمَام هم بالنقلة إِلَى ظفار وذيبين والإطلال على أَحْوَال بني نوف فِيمَا اعتادوه من الصنع مَعَ أهل الْجوف ثمَّ الْعود على مناقشة مشائخ الْبِلَاد بِسَبَب مساعدتهم للقضاة الأمجاد وَتمّ إضرابه عَن قَصده وُصُول جمَاعَة من أَعْيَان برط إِلَى الحضرة السامية باذلين مجهود الطَّاعَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 مَعَ مَا عرفه الإِمَام من اخْتِلَاط أَحْوَال مُلُوك مَكَّة الْأَشْرَاف وتباطئ مُحَمَّد شاويش عَن رفع حَقِيقَة الْأَحْوَال وَفِي أول شَوَّال وصلت الْأَخْبَار الشامية والحجازية أَن السُّلْطَان ندب وزيره لِلْخُرُوجِ إِلَى مصر وَأمره بِرَفْع يَد الباشا عَنهُ أَو الفتك بِهِ إِن أمكن وَنفذ بعض أعيانه إِلَى يَنْبع فَكَانَ بِسَبَب ذَلِك التفتيش على أَحْوَال بَرَكَات ومحاصرة إِبْنِ مضيان وهرب الشريف أَحْمد الْجَعْد بن زيد بن المحسن وَفِي الْعشْرَة الْآخِرَة من شَوَّال سقط عَن فرسه نَائِب عدن الآغا فرحان بالغراس حَضْرَة الصفي فَهَلَك من حِينه وَأمر صفي الْإِسْلَام بضبط جَمِيع مَا يحتويه من الْأَمْوَال والنفائس وطبع بَيته بِصَنْعَاء واتصل بِجَمِيعِ ذَلِك لِأَنَّهُ كَانَ من مماليكه وَفِي منسلخ شَوَّال توفّي الشريف الناسك الْعَارِف صَالح بن أَحْمد السراجي وَكَانَ لَهُ مُشَاركَة فِي أَكثر الْفُنُون وَمن مشائخه الإِمَام الرحلة مُحَمَّد بن عز الدّين الْمُفْتِي وَفِي ذِي الْقعدَة رَجَعَ السَّيِّد الْحسن بن المطهر إِلَى بندر المخاء مَحل ولَايَته وَفِي الْعشْر الْآخِرَة من ذِي الْقعدَة وفدت على الإِمَام أَخْبَار بِأَن سُلْطَان عمان قد جهز براشا إِلَى المخا فاشتغل لذَلِك خاطره مَعَ تخَلّل فتْنَة حدثت بَين آل عمار ودهمة واضطرب حَال العولقي استقلاله بِنَفسِهِ وفيهَا أظهر الإِمَام الْجَزْم بتولية وَلَده صفي الدّين للبلاد الَّتِي كَانَت بيد الْحُسَيْن بن الْمُؤَيد بِاللَّه وَكَانَ مَعَ أهل المعاليم رَغْبَة فِي أَن تكون برسم وَلَده السَّيِّد الْعَلامَة يحيى بن الْحُسَيْن أَو صنوه السَّيِّد الْبر التقي الْعَلامَة الْقَاسِم بن الْمُؤَيد لِأَنَّهُمَا أقرب إِلَى معرفَة مَا كَانَ يصير إِلَى أَعْيَان الْجِهَة السَّادة وَغَيرهم من المقررات واحتدت أمزجة جمَاعَة من الْأَشْرَاف حَتَّى واجهه بَعضهم بِكَلَام فِيهِ قساوة فَاحْتمل الإِمَام كَلَامه وَفِي سادس عشر ذِي الْحجَّة كَانَ تَحْويل السّنة بِدُخُول الشَّمْس أول دَرَجَة فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 الْحمل والزهرة وَعُطَارِد والمريخ بِبَيْت شرفة الجدي وزحل بَيت هُبُوطه الْحمل وَالْمُشْتَرِي بالعقرب والجوزاء هِيَ بآخر برج الْأسد وَالرَّأْس مُقَابل لَهُ وبالسابع الدَّلْو وَفِي نَحْو سَبْعَة أشهر من هَذِه الْأَيَّام وَمَا بعْدهَا ظهر أَنِين موحش من مَقَابِر بَاب الْيمن وَأخْبر عَنهُ من يعْتد بِخَبَرِهِ وَلَعَلَّه بِنَوْع من عَذَاب الْقَبْر نسْأَل الله سَلامَة الدَّاريْنِ وَدخلت سنة خمس وَثَمَانِينَ وَألف فِي ثَالِث محرم حصلت عِنْد الإِمَام أَخْبَار مَكَّة وفيهَا أَن سَعْدا وَأحمد إبني زيد تحيزا إِلَى بِلَاد نجد الْعليا وبركات عَاد من بدر إِلَى مَكَّة صحبته بن مضيان بعد أَن ألبسهُ خلعة الْأمان واستطرق أَصْحَاب الْعمانِي هَذَا الْعَام جَزِيرَة سقطرى وَقتلُوا من أَهلهَا جمَاعَة صبرا وَفِي هَذِه الْأَيَّام عاث فِي الْبَحْر أهل عمان وتبعت براشهم إِلَى بَاب المخا البانيان فشرعوا فِي الإنتهاب وأقحموا جمَاعَة مِنْهُم الْعباب فتيقض لَهُم أهل صيرة وعدن فَرَمَوْهُمْ بالبنادق والزبرطانات للحين وَقتلُوا مِنْهُم نَحْو الْعشْرين فَانْهَزَمَ أُولَئِكَ الأوباش وتلاحق بفلهم بَقِيَّة البراش حَتَّى اجْتَمعُوا فِي بَاب المندب فِي أهبة وعساكر وَمنعُوا بعد ذَلِك الْوَارِد والصادر فَرَمَاهُمْ صفي الْإِسْلَام بِجُنُود منصورة وعضده وَلَده الْعِزّ بِجَيْش المنصورة حَتَّى أطفى الله نوايرهم وَقطع بسيوف الْملكَيْنِ دابرهم وَللَّه الْحَمد وَفِي أول صفر جَاءَت الْأَخْبَار بوفاة الشريف أَحْمد بن صَلَاح صَاحب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 جيزان أَمِير حَاج الْيمن فِي القنفذة أثْنَاء خُرُوجه من مَكَّة المشرفة وَمَعَ خُرُوج حَاج الْيمن وَفد على الحضرة الشريف مُحَمَّد بن يحيى بن زيد آنفة عَن الْكَوْن تَحت وَطْأَة بَرَكَات وتخوفا من جند السُّلْطَان بعد تِلْكَ الفعلات واستصحب حشمه وَثقله وَأَتْبَاعه وَفَارق بِالْكُلِّيَّةِ معاهده وأرباعه وَكَانَ مَعَ الإِمَام فِي أحسن مقَام وَنِهَايَة إجلال وإعظام وَلما عز جَانب المخا وعدن بعسكري الصفي والعز وَعلم الْعَسْكَر الْعمانِي عدم الطَّاقَة على البندرين فَرَجَعُوا بعد أَن طلعت الثريا من الْمشرق فجرا وَهُوَ موسم منصرفهم وَهَذَا الْبَحْر ينغلق قبل الْبَحْر الْهِنْدِيّ وينفتح قبله بشهرين والشريفان حمود وَأحمد الْحَارِث لم يجد بدا من إصْلَاح جَانب بَرَكَات فسكنت بذلك زعازع الهلكات خلى حدث وَقع بِعَرَفَات من قَبيلَة هُذَيْل فجر عَلَيْهِم بَرَكَات أَسبَاب الويل تجهيز السُّلْطَان على الْيمن وَفِي هَذَا الْعَام أحترك خاطر صَاحب التخت على إِمَام الْيمن فندب لِلْخُرُوجِ إِلَيْهِ وزيره الْأَعْظَم بجيوش قاهرة وأبهة وافرة وَلما انْتَهوا إِلَى حُدُود مصر لحقهم بريد صَاحب الْأَبْوَاب يَأْمُرهُم بالإضراب والإياب وَأَن الفرتقال قد اضطرم شرهم واستفحل أَمرهم وجهادهم أبدر مَا يكون وَأمر الإختلاف بَين الْمُسلمين بِالنِّسْبَةِ إِلَى خلافهم هون واتصل الْخَبَر بِمَكَّة المشرفة فضجت لذَلِك قُلُوب الْمُسلمين ودعوا لصَاحب التخت بالبسطة والمكين وصمد بَرَكَات والشاويش المبوش على جدة بِمن مَعَهُمَا من الجموع إِلَى بَاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 القلعة وضجوا بِالدُّعَاءِ المقرون بالتأمين فِي نصْرَة الْإِسْلَام وخذلان المبطلين والتجهيز على مَا عدا مالطة فَأَما هِيَ فقد صَارَت تَحت وَطْأَة السُّلْطَان وَهِي بساحل الأندلس بَعْضهَا فَوق الْبَحْر وَكَانَ الفرنج قد حصنوها وَجعلُوا معقلا لسَائِر الْبِلَاد المحيطة بهَا وفيهَا جمع وافر من الْمُسلمين وجوامع ومساجد يجْتَمع بهَا الْإِسْلَام وَلَا يعترضهم فِي ذَلِك الْكَفَرَة الطغام قَالَ ابْن بسام فِي تَارِيخ الجزيرة جَزِيرَة الأندلس آخر الفتوحات الإسلامية واقصى المآثر الغربية لَيْسَ ورأهم وأمامهم إِلَّا الْبَحْر الْمُحِيط وَالروم وأوسط بِلَاد الأندلس مَدِينَة قرطبة والجانب الغربي من جَزِيرَة الأندلس أشبيلية وَمَا اتَّصل بهَا من بِلَاد سَاحل الْبَحْر الْمُحِيط الرُّومِي والجانب الشَّرْقِي من جَزِيرَة الأندلس هُوَ أعلا الأندلس وَفِي صفر جهز الإِمَام إِلَى بِلَاد الشحر من سواحل بِلَاد حَضرمَوْت عَبده الْفَتى عُثْمَان زيد فِي ثَلَاث مائَة من الْعَسْكَر واستوثق عَلَيْهِ فِي حفظ البندر من الْعمانِي تخوفا من مثل مَا صدر مِنْهُم فِيمَا مضى وَفِي هَذِه الْأَيَّام توفّي بِصَنْعَاء الْفَقِيه الْعَارِف أَبُو بكر بن يُوسُف بن مُحَمَّد راوع الْخَولَانِيّ الأَصْل ثمَّ الصَّنْعَانِيّ وَهُوَ من مَشَايِخ شرح الأزهار وأصول الْأَحْكَام وَلم يكن لَهُ يَد فِي غير قَوَاعِد الْمَذْهَب من الْفُرُوع أَخذ عَن الإِمَام الْمُفْتِي وَتبع طَرِيقَته فِي أصُول الدّين وَعنهُ أَخذ سَيِّدي عُثْمَان بن عَليّ وَالْقَاضِي حُسَيْن بن مُحَمَّد المغربي وَآخَرُونَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 وَفِي هَذَا الشَّهْر اعتزل القَاضِي الْعَلامَة أَحْمد بن جَابر العيزري صَلَاة الْجُمُعَة بِجَامِع صنعاء بِمَا بلغ إِلَيْهِ من سعي الإِمَام فِي إبِْطَال أَحْكَامه وَأمر الْوُلَاة بِعَدَمِ التعريج على مَا يصدر مِنْهُ من الأوضاع وَقد طنز عَلَيْهِ بعض عُلَمَاء وقته بالحكم بِخِلَاف الْمَذْهَب وبعدم أَخذ الْولَايَة من إِمَام الزَّمَان وَالْمَذْكُور فِي الْفُرُوع آيَة باهرة وَله طَريقَة فِي الزّهْد والجدادة وإطعام الْفُقَرَاء وتعهد ضعفتهم لَا يسلكها غَيره فِي زَمَانه وَمَعَ الْعَوام أَوْهَام إِنَّه يحكم على الروحانيين ويستخدمهم فِي بعض الْأَحَايِين وشاع هَذَا عِنْد كثير من الْخَاصَّة وَقد أَخْبرنِي شيخى القَاضِي الْحُسَيْن بن مُحَمَّد المغربي أَنه سَأَلَ عَن شَيْء من ذَلِك فَأنكرهُ وَكَانَ فِي بَدْء أمره بشهارة قد عورض من بعض أَهلهَا بِمَا كره مَعَه الْمقَام فانتقل إِلَى صنعاء وَفِي هَذَا الْعَام جَاءَت الْأَخْبَار بانكسار برشة عمانية بساحل أحور عِنْد رُجُوع أَهلهَا من سَاحل عدن فَهَلَك أَكثر أَهلهَا وشحنتها وَخرج من سلم مِنْهُم إِلَى السَّاحِل فانتهبهم أهل أحور وَقتلُوا بَعضهم وَفِيه جَاءَت الْكتب إِلَى عز الْإِسْلَام تشعره بِمَرَض أَبِيه فأشفق عَلَيْهِ الْقطر اليمني وأتسعت دَائِرَة الأراجيف وَظَهَرت تأهبات من مثل وَلَده وَأحمد وشريف برط السَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن عَليّ وَالسَّيِّد الْعَالم يحيى بن الْحُسَيْن بن الْمُؤَيد وَالسَّيِّد الْعَلامَة الناسك الْقَاسِم بن الْمُؤَيد وَأما الصفي أَحْمد بن الْحسن فبادر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 بالكتب إِلَى أَحْمد بن المتَوَكل ليَأْخُذ مَا عِنْده من ذَلِك ويطرح لَهُ النصح على صفة خُفْيَة وجد واجتهد فِي تأليف قُلُوب الْخَاصَّة والعامة بِالْإِحْسَانِ وَاللِّسَان وَكَانَ أَحْمد بن الإِمَام قد أظهر نوعا من الإستبداد وَقبض من خَازِن الإِمَام الْفَقِيه الْعَلامَة الْحُسَيْن بن يحيى حَنش مَفَاتِيح المخازين وَأخذ السَّيِّد الْعَلامَة عَليّ ابْن أَحْمد الأهبة فِي حفظ حَقِيقَة حَاله ونظم أَمر الْبِلَاد وَفهم من أنفاس السَّيِّد الْعَلامَة الْكَرِيم أَحْمد بن السَّيِّد الْعَلامَة إِبْرَاهِيم التطلع إِلَى هَذَا المنصب وَله فِيهِ سلف لَا يخفى وَنور مِصْبَاح لَا يطفى وَفِي هَذِه الْأَيَّام وفدت الْأَخْبَار بوفاة الشريف الهصور حمود بن عبد الله بِالطَّائِف قَالُوا وَلما قَارب الرحيل وَقطع طمعه عَن القال والقيل وَوضع رمح الرِّئَاسَة عَن عَاتِقه وسكنت عَن همهمة القراع شقاشقه ضج لما ندر مِنْهُ أَيَّام الشرة والنشوة وَنَدم على مَا أسلفه من التكبر والتجبر والنخوة حَتَّى كَانَ آخر وَصيته ان لَا يدْفن ملاصقا لجيرانه من الْمُسلمين كَيْلا يتأذون بِمَا يصدر مِنْهُ من الزَّفِير والأنين وَهُوَ يُرْجَى لَهُ إِن شَاءَ الله بِهَذَا الْقدر السَّلامَة من عَذَابي الْآخِرَة والقبر وَللَّه الْقَائِل (الْعَفو يُرْجَى من بني آدم ... فَكيف لَا يُرْجَى من الرب) وَفِي رَابِع عشر ربيع الثَّانِي وَقع خُسُوف قمري فِي برج الجدي بِالرَّأْسِ غشيه بِالسَّوَادِ المظلم والطالع الْحُوت فِي هَذِه السّنة رُوِيَ أَنه ولد لناظر الْوَقْف بِصَنْعَاء ولد لَهُ رأسان وفمان فسبحان المصور فِي الْأَرْحَام لما يَشَاء وَفِي آخر جُمَادَى الْآخِرَة كَانَ قرَان الزهرة وَالْمُشْتَرِي فِي آخر برج الْعَقْرَب وَفِيه وصل كتاب الْعمانِي إِلَى الحضرة معاتبا فِيمَا جرا فِي أَصْحَابه بساحل عدن وَغَيره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 وَقبل ذَلِك اتّفق بضوران خَاصَّة قريب من ثَلَاثِينَ رَجْفَة قَالَ بعض أقَارِب الإِمَام وَكَانَ قد تضَاعف على أهل الْيمن الْأَسْفَل مطَالب غير الزَّكَاة والعطرة وَالْكَفَّارَة مثل مطلب الصَّلَاة على الْمُصَلِّي وغيرهومطلب التنباق ومطلب الرباح ومطلب الرصاص والبارود ومطلب سفرة الْوَالِي ومطلب الْعِيد فَقَالَ هَذَا الْقَرِيب هَذَا الذَّال وَللْإِمَام مندوحات بِمَا كَانَ يَأْخُذهُ وَقد كَانَ حازما عَالما متيقظا فَيحمل على السَّلامَة وَلَعَلَّ ذَلِك بِسَبَب التظالم والمعاصي وَقد ذكر السُّيُوطِيّ فِي كتاب الصلصلة فِي الزلزلة مَا يقْضِي بذلك وَقد وَقع فِي الْقُرْآن الْعَظِيم ذكر الرجفة فِي قوم شُعَيْب وَبَعض أَصْحَاب مُوسَى وَغَيرهم لأسباب مُخْتَلفَة يشملها سلوك مَالا يرضاه الله حَسْبَمَا تقضي بِهِ التفاسير وَفِي هَذِه الْأَيَّام حركت رُؤَسَاء الحجرية رؤوسها للْخلاف فَقتلُوا بعض عبيد عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن أَحْمد وَفِي غرَّة رَجَب كَانَ وَفَاة السَّيِّد الإِمَام الْعَلامَة مفتي الْيمن ومجتهده مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عَليّ بن أَمِير الْمُؤمنِينَ شرف الدّين أَخذ عَن الْعَلامَة عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الحيمي وَالْقَاضِي الْعَارِف أَحْمد بن صَالح الْعَنسِي وَغَيره وَعنهُ حلق فِي الْفُنُون على الْإِطْلَاق مِنْهُم الْفَقِيه الْعَالم مُحَمَّد بن أَحْمد النزيلي ولخص سيرة جده الإِمَام شرف الدّين عَلَيْهِ السَّلَام ونظم الورقات لإِمَام الْحَرَمَيْنِ الْجُوَيْنِيّ وَاجْتمعَ فِيهِ خِصَال الْكَمَال مالم يُوجد فِي أحد من الْمُتَأَخِّرين من السمت وَحسن الشارة وَالصُّورَة وَالْعَظَمَة فِي صُدُور الْخَاصَّة والعامة واستمرار الإفادة للطلبة فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 الْفُنُون على أَنْوَاعهَا والنسك المرضي والورع فِي الْبَحْث مَعَ المشيخة والطلبة والمنصب الرفيع والجاه الْوَاسِع وَبسط الْأَخْلَاق إِلَى النَّاس على السوية ورشاقة الأسلوب وَحسن الْخط والكفاف الَّذِي يصون بِهِ مَاء الْوَجْه عَن تكفف اللؤماء سِيمَا فِي هَذِه الْأَعْصَار سِيمَا فِي جَانب الْعلمَاء فقد وجدنَا لبسطة الْكَفّ أثرا فِي تشييد جَانب الْعلم وَقد كَانَ فِي السّلف طرف من ذَلِك كَمَا امتاز بِهِ من العظمة مَالك بن أنس صَاحب دَار الْهِجْرَة عَن غَيره من أكَابِر أهل الْمذَاهب الْأَرْبَعَة وَله طَرِيق متين فِي الحَدِيث أَخذه عَن بعض عُلَمَاء بني النزيلي وَشعر يعبق مِنْهُ أعطار الْفضل والسيادة فَهُوَ متوسط فِي بَابه كشعر أكَابِر العلما مِنْهُ مَا وصف بِهِ الْفَوَائِد الضيائية شرح الحاجبية للمحقق الملاجامي (يَا طَالبا رَاغِبًا فِي حل كَافِيَة ... أعياه تَحْقِيق مَعْنَاهَا وأعضله) (هذى الْفَوَائِد للجاني فَمَا عسر ... عَلَيْك إِلَّا وَأَدْنَاهُ وسهله) (جمع الْفَوَائِد فِيهِ غير منكسر ... ومجمل الْبَحْث بالتيسير فَصله) (فاسمع لوصفي لَهُ فِي ضمن تورية ... إِن الْفَوَائِد جمع لَا نَظِير لَهُ) وَفِي شهر رَجَب وصل الْخَبَر بخوض أَصْحَاب الْعمانِي الْبَحْر وخروجهم من مسكت عَن الْبر عِنْدَمَا تحركت لَهُم ريح الشرق فأوجس الإِمَام وصفي الْإِسْلَام أَن قصدهم السواحل اليمنية بعد تقدم تِلْكَ الْقَضِيَّة فَظَاهر العساكر وفعلا فعل المحاذر وَالْحسن بن الإِمَام عاود صعدة هَذِه الْأَيَّام وعهد إِلَى الجمالي عَليّ بن أَحْمد أَن يجْتَمع الْعَسْكَر عِنْد الدُّخُول محاذرة الْفِتْنَة وتذكر الذحول وَفِي أول شعْبَان كَانَ كسوف الزهرة بِمُقَابلَة الْقَمَر واحتجابها بِالْمُشَاهَدَةِ فِي برج الْقوس وَرجع المريخ بِالْمُشَاهَدَةِ إِلَى برج الثور بعد أَن قَارب سير الثريا وَاسْتمرّ كَذَلِك إِلَى ذِي الْقعدَة ثمَّ دخل الجوزاء وَفِي رَمَضَان جَاءَ الْخَبَر بعزل مُحَمَّد شاويش عَن بندر جدة وكسى على ولايتها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 يُوسُف آغا وَفِي أثْنَاء شَوَّال جَاءَت الْأَخْبَار بتوجه الباشا والأمراء إِلَى صوب بَغْدَاد عوضا عَن الرُّتْبَة وصحبتهم إثني عشر ألف انقشاري يتصافون إِلَى البواش والآغوات والسناجق والإمارات ونجل الْبَحْر هَذِه الْأَيَّام خَزَنَة وافرة فِيهَا رصاص وبارود فَلَمَّا قاربت جدة طَار إِلَيْهَا شرار فَرَفعهَا فِي الْهَوَاء دفْعَة وَاحِدَة وَفِي خَامِس شَوَّال خسف الْقَمَر فِي السرطان وَفِي رَابِع وَعشْرين هوت من السَّمَاء بغضران من أَعمال السِّرّ صَخْرَة كَانَ لَهَا ضجيج عَظِيم سَمعه من بِصَنْعَاء وَتعقبه جَدب أفْضى إِلَى تمزق سكنته فِي الْأَرْضين {أصبح ماؤكم غورا فَمن يأتيكم بِمَاء معِين} وَعز فِيهِ الطَّعَام وَالشرَاب وَقطعت فِيهِ أصُول الأعناب وَكَانَ أَهله قد انهمكوا فِي الْإِيمَان الْفَاجِرَة وَالطَّرِيق الخاسرة وَفِي هَذِه الْأَيَّام قَالُوا إِن رجلا مِمَّن يَشْتَرِي الطَّعَام نزل الْيمن الْأَسْفَل فَعِنْدَ أَن بلغ الْجند اضطره الْحَال إِلَى دُخُول بَيت يسْأَل فِيهِ مَا يسد خلته فَوجدَ فِيهِ رجَالًا من أهل الشَّام وَعِنْدهم أسلحتهم فأمروه أَن يحمل شَيْئا على ظَهره فِي غرارة لَا يعلم مَا هُوَ فَلَمَّا انْتَهوا جَمِيعًا إِلَى الْبَريَّة انْكَشَفَ أَنه مقتول وَعند أَن خَافُوا مِنْهُ أَن يخبر بِمَا هم فِيهِ جزموا بِالْفَتْكِ بِهِ فألهمه الله إِلَى التوسل بالشيخ أَحْمد بن علوان فَلم يشعروا إِلَّا بِإِنْسَان قد أقبل عَلَيْهِم مشرعا حربته إِلَى نحورهم فدهمهم من الهول مَا أذهلهم عَن الرجل وخلص من شرهم وفيهَا انْكَسَرت بساحل جيزان جلبة فِيهَا عَالم من أهل صنعاء نَحْو السّبْعين وَلم ينج غير خَمْسَة عشر نَفرا وَاتفقَ لبَعْضهِم أَنه خلص على لوح مِنْهَا بعد ثَلَاثَة أَيَّام لَا يَذُوق فِيهَا طَعَاما وَلَا شرابًا فسبحان من إِلَيْهِ تَدْبِير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 الْأَحْكَام وَمن أياته الْجَوَارِي فِي الْبَحْر كالأعلام وَفِي ثامن عشر ذِي الْحجَّة كَانَ شعار غَدِير خم الْمَعْقُود فِيهِ ولَايَة الْوَصِيّ وخطب فِيهِ بليغ الْيمن وعالمه مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الشجري السحولي خطْبَة الغدير وَلم يكن قد خطب بهَا قبل غَيره فِي حوزة الزيدية وَفِي سادس وَعشْرين كَانَ تَحْويل سنة الْعَالم بِدُخُول الشَّمْس أول دقيقة فِي الْحمل والزهرة وَعُطَارِد فِيهِ وَالْمُشْتَرِي بِالْقَوْسِ وَالْقَمَر بالدلو والذنب وَهُوَ الجوزاء وَكَذَا المريخ بالسرطان وزحل فِي أول الثور وَكَانَت السّنة الدَّاخِلَة الْآتِي ذكرهَا من سنة سِتّ وَثَمَانِينَ هِيَ سنة خمس وَسِتِّينَ شمسية بِسَبَب الإزدلاف إِذْ لَا يكون تَحْويل سنة الْعَالم إِلَّا فِي أول محرم سنة سبع وَثَمَانِينَ وَهِي مَعَ ذَلِك بِالنّظرِ إِلَى القمرية لَا تسْقط بل هِيَ سنة سبع وَثَمَانِينَ بعد الْخمس والثمانين الْمَاضِيَة وَإِنَّمَا هَذَا السُّقُوط بِاعْتِبَار الشمسية والزحلفة بأيام الْبَين وَهِي إِحْدَى عشر يَوْمًا وكسور فِي كل سنة وَالله أعلم بحقائق الْأُمُور كَرَامَة للشَّيْخ الصفي أَحْمد بن علوان أَيْضا وَفِي هَذِه الْأَيَّام كَانَ بثلا رجل من فقرا الشَّيْخ أَحْمد بن علوان يتظهر بخوارق فاعتقله القَاضِي الْمهْدي بن عبد الْهَادِي بقلعة ثلا فَوَثَبَ من رَأس القلعة إِلَى سوق ثلا وَلم يضرّهُ ذَلِك فَكَانَ رادعا للْقَاضِي وإضرابه عَن التشكيك فِي كرامات الْأَوْلِيَاء وَفِي ذَلِك بحث خلافي مَعْقُود فِي أصُول الدّين وَثَمَرَة الْخلاف فِيهِ أقل من لَا شَيْء وَإِلَى هُنَا انْتهى الدّور الثَّالِث من أول الْإِسْلَام الَّذِي يَدُور على ثَلَاث مائَة وَسِتِّينَ سنة لَكِنَّهَا شمسية فتزيد على هَذَا بِخمْس سِنِين فَيكون انتهاؤه فِي خمس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 وَثَمَانِينَ وَعند أهل الْأَحْكَام أَنه يكون فِي انقلاب وانضراب فِيمَا يتَعَلَّق بأحوال الدول واستيلاء بعض الْمُلُوك على بعض وَهُوَ تخمين بحت وَتَحْقِيق الْحق فِي مَعْلُوم من لَا يخفى عَلَيْهِ شَيْء فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء {الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام وَكَانَ عَرْشه على المَاء} وَدخلت سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَألف فِيهَا جَاءَ أَخْبَار الْحَج إشتعال نيران الْفِتْنَة بَين الحرامية والحجازيين وَكَانَ فِي ذَلِك قتل جمع من الطَّائِفَتَيْنِ وَالْإِمَام هَذِه الْأَيَّام نقل بعض خَزَنَة ضوران إِلَى صنعاء الْيمن وَأَن سَعْدا نَهَضَ إِلَى الْأَبْوَاب بعد أَن استدعي فسافر بِصُحْبَة أَمِير الشَّام وَفِي محرم قبض وَزِير الإِمَام الشريف مُحَمَّد بن صَلَاح الجحافي الحبوري بضوران وَكَانَ قد بسق فِي الوزارة فَرعه وَنفذ فِيهَا وَصله وقطعه صحب أَولا عَلامَة الْيمن الْحُسَيْن بن الْقَاسِم وَعمل لَهُ فِي بِلَاد ظليمة وشظب وَلما دعى أَحْمد بن الإِمَام الْقَاسِم بَايعه وَتَابعه وعندما انتظمت الْأُمُور لِأَخِيهِ وصل إِلَيْهِ وَاقْتصر فِي الْخدمَة عَلَيْهِ وَالْإِمَام إِبْنِ خَالَته وَقد رثاه بعض شعراء الْيمن بِأَبْيَات جردنا هَذَا التوقيع عَنْهَا لما تضمنته من الْقدح وَعَملا بِحَدِيث لَا تسبوا الْأَمْوَات فتؤذوا الْأَحْيَاء وَفِي آخر الشَّهْر خَالَفت الحجرية وَقتلُوا رَسُول الإِمَام وَكَانَ عز الْإِسْلَام مُحَمَّد ابْن أَحْمد قد هم بالنفوذ إِلَى يفرس من المنصورة ليتبصر فِي أَمرهم وابتدر لإطفاء ثائرة خلافهم أَبوهُ صفي الْإِسْلَام وعضده على ذَلِك عَسْكَر الإِمَام وَفِي هَذِه الْأَيَّام غزا عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحسن الزريقة فثارت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 نَحوه الحجرية فأوقع بهم وَقتل مِنْهُم ثَلَاثَة ونكا جمعا وافر مِنْهُم وانتهب طَائِفَة من مَوَاشِيهمْ وَاسْتمرّ الْحَرْب أَرْبَعَة أَيَّام وخلص عَن قتل أَرْبَعَة من أَصْحَابه وَلما لحق عز الْإِسْلَام غوث عَسْكَر الإِمَام انْكَسَرَ المخالفون وَتَفَرَّقُوا فِي الأودية والشعاب وَاتفقَ أثْنَاء هَذِه الْمدَّة قصد من حسن بن الإِمَام إِلَى بعض الْبِلَاد الشامية لحَدث أحدثه أَهلهَا ولمم يَقع على طائل لتوعر المسالك وَفِي خَمْسَة وَعشْرين من صفر وصل الزوار وأخبروا أَن الباشا حُسَيْنًا لم يعد إِلَى الْأَبْوَاب بل ينْتَقل من مَكَّة إِلَى جدة وَكَانَ وُصُوله من الأروام فِي حَال الأكابر من الْمُلُوك حَتَّى أَن مُجَرّد الْخَيل ثَلَاثَة ألآف وَخَمْسمِائة وَلم يعد إِلَى الْأَبْوَاب إِلَّا بعد زمن طَوِيل قرر فِيهِ مراسم الْحَرَمَيْنِ ونفذت أوامره فِيهِ على من عداهُ من الْمُلُوك مثل بَرَكَات والباشا صَاحب جدة وَفِي ربيع الأول جَاءَت الْأَخْبَار أَن جمَاعَة ذِي مُحَمَّد من برط استخفهم الطيش فقصدوا معقل الْأَشْرَاف الزَّاهِر فنهد لَهُم الْأَشْرَاف وجرعوهم كؤوس السم الزعاف ومحوا رُؤُوس صناد يدهم بألسنة الأسياف وَرجع فَلهم إِلَى بِلَادهمْ مكسورين وانجفلوا عَن قصدهم مقهورين وَفِي هَذِه الْأَيَّام جَاءَ الْخَبَر بوفاة يُوسُف بيك متولى جدة وخلع القفطان بولايتها على إِبْرَاهِيم بيك وفيهَا اتّفق بَين عَليّ بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحسن وشريف من بني عَامر يُسمى حُسَيْن بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عَامر مزح أفْضى إِلَى جد فَوَثَبَ الشريف على عَليّ وَقَتله فاعتقله صفي الْإِسْلَام وشفع فِي إِسْقَاط الْقود عَنهُ إِلَى أَبِيه فشفعه وَفِي ثامن عشر توفّي بِصَنْعَاء بعد وُصُوله من ضوران النَّقِيب سعيد المجزبي مَمْلُوك شرف الْإِسْلَام الْحسن بن الْقَاسِم وناله آخر مدَّته عقيب عَزله وسكونه بضوران إمتحانات مِنْهَا الْمَرَض الَّذِي مَاتَ مِنْهُ وَكَانَ قد ولى بندر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 اللحبة وَالضُّحَى نَحْو من أَرْبَعِينَ سنة من أَيَّام الْحسن وَمَا كَانَ قبل ذَلِك إِلَّا حراثا مَعَ سَيّده ابْن مجزب من مَشَايِخ الشَّام وَفِي هَذَا الْوَقْت مَال أهل البروية عَن الْأَمِير أَحْمد بن الْحُسَيْن إِلَى عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن المتَوَكل وطلبوا أَن تكون مطالبهم أَن تكون مطالبهم إِلَيْهِ فثارت لذَلِك نفس الْأَمِير وَرفع الْقَضِيَّة إِلَى الإِمَام فَرَأى من الصّلاح إرجاعهم إِلَى بِلَاد ولَايَته واستمروا فِي ولَايَته من جملَة أهل قطعته وَفِي غرَّة ربيع الآخر وصل الحضرة خواجا هندي لَهُ أَتبَاع ويحمله على الفالكي أَرْبَعَة أنقريز وَأهْدى للْإِمَام هَدِيَّة سنية فأثابه عَلَيْهَا ثمَّ وصل حَضْرَة صفي الْإِسْلَام أَحْمد بن الْحسن بن الإِمَام وَفِي هَذِه الْمدَّة وضح تَحْقِيق تجهز صَاحب التخت بِنَفسِهِ على صَاحب بِلَاد الفرتقال كَذَا وَذَلِكَ أَنه لما سرى أَمرهم واستحكم شرهم أفرغ السُّلْطَان مجهوده فحشر الْأَبْطَال من كل أَوب وَجمع البواش كَذَا من كل صوب وواساهم بِنَفسِهِ النفيسة وأسعر جحيم الْحَرْب فأحمى وطيسه ثمَّ دهمهم بأجناد يضج لَهَا الهضب والوهاد ويضيق عَنْهَا السوح ويغبر بعثيرها اللَّوْح وَلما اتَّصل ببلادهم ولاذ بأغوارهم وأنجادهم انحازوا إِلَى قلعة تسمى عمارية قد بسق سمكها فِي الأرتفاع وَبعد عهد حضيضها عَن الْبِقَاع وَاسِعَة الدَّار والدور مدمجة الْأَطْرَاف وَاسِعَة السُّور معمورة بالأبطال المجربة وَالسُّيُوف المدربة والمدافع الدافعة والشحنة النافعة فَقدم بَين يَدَيْهِ الوزراء والأكابر والأتباع والعساكر ووقف بِخَاصَّة ملكه على مَسَافَة ثَلَاثَة أَيَّام بِحَيْثُ يلحقهم غوثه السَّرِيع ويربط أفئدتهم قهره المنيع وَعند إِن اتَّصل آخر المعسكر بأذيال القلعة رَأَوْا أَن فتحهَا بِالْحَرْبِ الزبون مِمَّا لَا يتَصَوَّر وَلَا يكون فدبروا بطريقة التخمين والتقريب إِن حفروا هُنَا السراديب وأفعموها بالبارود واستوثقوا على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 أَبْوَاب القلعة بسور من الْجنُود وَعند أَن تمّ لَهُم مَا تمّ ونجح تدبيرهم فِيمَا راموه ثمَّ ألاحوا النَّار فِي أَوَائِل سرداب فَخَاضَ حَولي القلعة لهام الإلتهاب فَكَانَت الْغَنِيمَة الْبَارِدَة وهم غافلون {إِن كَانَت إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة فَإِذا هم خامدون} وَبعد أَن سعد البخت بِتمَام الدست عَاد السُّلْطَان وَقد فلج سَهْمه وَهلك خَصمه وبوش على تِلْكَ الْبِلَاد سَبْعَة من المقدمين ونال عِنْد الله أجر الصابرين المرابطين وَفِي هَذِه السّنة انحسر بَحر صنعاء فَنزل إِلَيْهَا سيل من جبل الحفا وحدة بني شهَاب وأخرب عرين خندقها الَّذِي أصلحه الإِمَام وفيهَا توجه بعض المراكب الْهِنْدِيَّة إِلَى جدة فرددتها الرّيح من حُدُود جيزان فَرجع أَهلهَا إِلَى المخا وَالسَّبَب أَن أَيَّام الخريف يهيج فِيهَا الْبَحْر الْيَمَانِيّ قدر شَهْرَيْن فتضطرب الْجلاب باضطراب الرّيح وفيهَا وصل مَكْتُوب من صَاحب سواكن يخبر باستقرار الشريف سعد بِحَضْرَة السُّلْطَان مُحَمَّد خَان وَأَن السُّلْطَان رَمَاه بقتل حسن باشا فتنصل عَن ذَلِك واثقا بِالدُّخُولِ فِي الْمَذْهَب الْحَنَفِيّ استدراجا لخاطر السُّلْطَان مُحَمَّد فانعطفت عَلَيْهِ قُلُوب الْخَواص ومهدوا لَهُ الْعذر فَقبله السُّلْطَان وفيهَا هم الإِمَام بتجهيز هَدِيَّة سنية لصَاحب التخت لتطلع نَفسه مَعَ مَا قد كَانَ رفع إِلَى مسامعه من التَّجْهِيز الْمُتَقَدّم على الْيمن فَخَاضَ مَعَه بعض وزرائه فِي أَن ذَلِك رُبمَا كَانَ محركا على تَمام التَّجْهِيز واستنباط لضعف صَاحب الْيمن فَاسْتحْسن الإِمَام هَذَا الرَّأْي وأضرب عَمَّا أَرَادَهُ وفيهَا وصل إِلَى الحضرة جمَاعَة من أَطْرَاف بِلَاد عمان من الْمشرق على مطايا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 يصفونَ أَنهم كَانُوا عرفا على بِلَادهمْ مستقلين خَارِجين عَن وَلَاء سُلْطَان عمان فنظمهم فِي سلك مَمْلَكَته بيد الْقُوَّة وَأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَن يمدهُمْ بِمَا يمنعهُم من الرِّجَال وَالْمَال ويكونوا فِي رَعيته فَاعْتَذر الإِمَام عَن هَذَا الْمطلب خَاصَّة موازنة بَين خَيره وشره وفيهَا اتّفق خصام بَين أَصْحَاب الْحسن بن الإِمَام والرعية بجبل رازح أفْضى إِلَى قتل نفر من الْعَسْكَر وَخَمْسَة أَنْفَار من الرّعية وصالت الرّعية على الْعَسْكَر والجأوهم إِلَى القلعة فَصَالحهُمْ الْحسن عِنْدَمَا رأى الْحَال يَقْتَضِي ذَلِك وَسَار إِلَى أبي عَرِيش وَأَرَادَ غَزْو آل حبيب وَنَحْوهم من بِلَاد بني حرَام فصده الإِمَام عَن ذَلِك حَتَّى تحقق خبر الْخَارِجَة إِلَى مَكَّة المشرفة وَكَانَ المشير بذلك صفي الْإِسْلَام أَحْمد بن الْحسن وَفِي نصف جُمَادَى اتّفق أَن جمَاعَة من رعاع أهل صعدة مَا زَالُوا يتجمعون فِي الفندق الَّذِي نظره إِلَى الْفَقِيه عمر الْمولى من الإِمَام ويصدر مِنْهُم مَالا يَلِيق قولا وفعلا فَرفع السَّيِّد الْعَلامَة أَحْمد بن إِبْرَاهِيم المؤيدي ذَلِك إِلَى مسامع الجمالي عَليّ بن أَحْمد فوضعهم فِي الْحَدِيد فَمَا كَانَ بأسرع من أَن وصل إِلَيْهِ عمر يعاتبه وَيذكر أَن التَّأْدِيب فِيمَا يتَعَلَّق بالفندق إِلَيْهِ فَلم يَسعهُ غير إِطْلَاقهم فَرفع ذَلِك إِلَى السَّيِّد شمس الْإِسْلَام فَلم يلق بدا من الْبِدَايَة بتأديب عمر الَّذِي نهى وَأمر واغتصب وقهر فقصده مَعَ جمَاعَة من السادات وأعيان الطّلبَة فَلم يصادفه فِي غير جَامع صعدة وتضيقت الْحَادِثَة فَضرب هُنَاكَ ضربا مبرحا ثمَّ خرج السَّيِّد عَن صعدة إِلَى مَحَله وطالع حَضْرَة الإِمَام فِي صُورَة مَا صدر فَأَرَادَ إرْسَال القَاضِي عبد الله التهامي لاستفصال الْقَضِيَّة ثمَّ رجح عِنْده التغافل لضرب من الصّلاح وَفِي رَجَب سَار جمال الْإِسْلَام عَليّ بن أَحْمد إِلَى نَجْرَان لتغلب أَهله عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 المطالب فقبضها مِنْهُم قهرا وَفِيه اتّفقت فرقة بَين عَسْكَر شرف الْإِسْلَام الْحسن ابْن الْحسن برداع فَقتل نفر من أهل الشَّام وَفِي سلخ شعْبَان طلب إِلَى الحضرة عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الإِمَام فبادر وَفِي نصف شَوَّال خسف الْقَمَر فجرا فِي السرطان بعقدة الذَّنب وَغرب خاسفا وَكَانَ خسوفه الْعَام الْمَاضِي بِهَذَا البرج وَقد اجْتمع فِي أَوله ببرج الجدي الْخمس الْكَوَاكِب الشَّمْس وَالْقَمَر والمريخ والزهرة وَعُطَارِد وَلما انْقَضى الشَّهْر جهز الإِمَام لإمارة الْحَج الْحَاج فرحان وَفِي وَقت السحر لَيْلَة ثَالِث شَوَّال كَانَ بِصَنْعَاء وَغَيرهَا زَلْزَلَة عَظِيمَة أيقضت النَّائِم وتبعها مثلهَا وَفِي هَذِه الْأَيَّام اتَّصَلت الْأَخْبَار بِأَن جلاب الْعمانِي بالبحر وفيهَا عَسَاكِر وفيهَا أَمر الإِمَام أَن تقوم أَمْوَال الذميين فِي جَمِيع الْبِلَاد وَيُؤْخَذ مِنْهُم الْعشْر فَجمع من ذَلِك شَيْء كثير وفيهَا سَار حسن بن الإِمَام إِلَى فيفا فأدب أَهلهَا بِتَسْلِيم شَيْء من الطَّعَام لتغلبهم على الزَّكَاة ثمَّ عَاد إِلَى جبل رازخ واتصلت بِهَذِهِ الْأَوْقَات الزلازل والرجفات بضوران وَفِي بَعْضهَا انْشَقَّ أَكثر الْبيُوت مِنْهَا دَار الْحصين حَتَّى تناثرت الْحِجَارَة من جبل ضوران وامتدت الرجفة إِلَى صنعاء وَكَانَ دوامها بضوران قدر قِرَاءَة سُورَة يس وَبَعض من فِيهِ اخْتَلَط معقوله وَالْإِمَام انْتقل إِلَى معبر وَفِي خلال ذَلِك تقرر وُصُول العمانيين إِلَى بَاب المندب فبادر صفي الْإِسْلَام أَحْمد بن الْحسن بإرسال السَّيِّد الْحسن بن مُحَمَّد الْحرَّة فِي جمَاعَة من الكفاة وَأرْسل ابْن مذيور إِلَى جبل الفضلي وَقد بلغه أَن قبائل الْمشرق رفعت رؤسها سِيمَا بِلَاد العولقي وفيهَا انْتَبَهت دهمه قافلة بالعمشية لتجار صعدة وتعللوا بِأَن الإِمَام قطع الجامكية فَإِن ردهَا أصلحوا مَا فسد فِي العمشية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 وَدخلت سنة سبع وَثَمَانِينَ وَألف وفيهَا توفّي قَاضِي السودة القَاضِي الْعَارِف عبد الله التهامي رَحمَه الله وفيهَا وصل إِلَى مَكَّة رِسَالَة من بعض الحلولية بِالْهِنْدِ فَأجَاب عَنْهَا عُلَمَاء مَكَّة وَكَفرُوا منشئها وأوجبوا على السُّلْطَان أورنقزيب تحريق كتب المنشئ لَهَا وَفِي سَابِع محرم كَانَ تَحْويل السّنة عِنْد المنجمين وزحل بالثور وَالْمُشْتَرِي بالدلو والمريخ بِأول دَرَجَة من الْأسد وَعُطَارِد مَعَ الشَّمْس إِذْ لَا يفارقها والزهرة بالثور وَفِي نصف ربيع خسف الْقَمَر ببرج الجوزاء وتجلا بِسُرْعَة وفيهَا وصل الْجَواب من أهل مَكَّة عَن سُؤال بعث بِهِ الإِمَام إِلَى هُنَاكَ فِي سَبَب أَفْرَاد الْعم وَالْخَال والمضاف إِلَيْهِمَا وَجمع العمات والخالات والمضاف إِلَيْهِمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَبَنَات عمك وَبَنَات عَمَّاتك وَبَنَات خَالك وَبَنَات خَالَاتك} وَمِمَّنْ تولى الْجَواب الشَّيْخ الْعَارِف مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الْمَالِكِي المغربي وفيهَا كَانَ وُصُول الْمركب إِلَى بندر المخا وهدية من السُّلْطَان أورنقزيب للْإِمَام وَصدقَة لأشراف الْيمن والعمانيون الشاكون انفصلوا عَن حَضْرَة الإِمَام إِلَى بِلَادهمْ على وَجه جميل غير أَنه اعتذر عَن خُصُوص مطلبهم وَفِي ربيع الآخر أرسل حسن بن الإِمَام من رازخ إِلَى صعدة بجملة من أَهله وَأمر أَتْبَاعه أَن يسكنوهم بدار المطهر وَكَانَ فِيهَا بعض حشم جمال الْإِسْلَام عَليّ ابْن أَحْمد فَتغير خاطره لذَلِك مَعَ مَا قد سلف بَينهمَا من أَسبَاب الوحشة فَأمر بإرجاع أهل الْحسن وحيرهم فِي بَاب صعدة وَكتب إِلَيْهِ وَهُوَ يَوْمئِذٍ بمجز بمكتوب يتَضَمَّن إِن أمد الصَّبْر عَلَيْك قد انْتهى فَأَما رجعت من حَيْثُ جِئْت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 وَإِلَّا وصلت على شريطة من يصحبك من يمْضِي مَعَك إِلَى حَيْثُ تَأمر وتسير إِلَى حَضْرَة أَبِيك وَإِن أَبيت أحد الْأَمريْنِ فَأذن بِمَا يصدر فِي جَانِبك من الإهتضام وَقلة الإحتشام والمكالمة بِلِسَان الحسام فسعي السَّاعِي بَينهمَا أَن يدْخل أَهله من بَاب صعدة ويسكنوا بدار عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحسن بن الإِمَام وَالْحسن عَاد من مجز يُرِيد ساقين ويلتقي ثقله فَلَمَّا وصل إِلَى عرو لم يرخص لَهُ أَهله فِي غير الْمبيت لأوامر نفذت إِلَيْهِم من جمال الْإِسْلَام وَلما كثرت عَلَيْهِ الأراجيف عرج عَن ساقين وَقصد رازح فَتَبِعَهُ جمال االإسلام حَتَّى وصل ساقين وَوَقع الْحَرْب على خزانَة الْحسن فَذهب من الْفَرِيقَيْنِ خَمْسَة أَنْفَار ثمَّ كَانَ الإستيلاء على خزنته وَمن مَعهَا من أَصْحَابه وَبعد ذَلِك برح الخفا مَعَ الجمالي فَجمع من يعْتد بِهِ من سحار وَآل عمار وَذكرهمْ سيرته المرضية فيهم وَمَا قاسوه من انضراب كَذَا الْحَال بَينه وَبَين الْحسن وَوصف لَهُم مَا صَار إِلَيْهِ حَال الإِمَام من الْمَرَض الْمخوف وَالزَّمَان المفضي حَالهمَا إِلَى خختلال هَذَا الْقطر وَأَنه أجمع رَأْيه على الدعْوَة وَأَنه طَالب مِنْهُم المناصرة على مَا يُريدهُ بالدعوة من نصْرَة الشرعفأجابوه إِلَى طلب وتلقب بالمنصور بِاللَّه ثمَّ قدم لِلْحسنِ جمعا من الأجناد إِلَى رازح وعطل عَن بِلَاده آثَار خلَافَة المتَوَكل فأصفق أهل الشَّام على إجَابَته ونفذت أوامره إِلَى حُدُود سُفْيَان وَوصل مكتوبه إِلَى صفي الْإِسْلَام احْمَد بن الْحسن يشعره بدعوته وأسبابها وَيطْلب مِنْهُ المناصرة ثمَّ أودع مكتوبه إِلْحَاقًا خَاصّا مضمونه أَن الْحَال قد اقْتضى مَا صدر منا فأعمل فِيهِ بِرَأْي الشَّرْع وَلَا تلْتَفت على الْمُحَافظَة على الْملك وَإِن يكن لَك إِلَيْهِ رَغْبَة كنت الْمُقدم وَكُنَّا السيوف المسلولة على من ناوأك فَرَاجعه الصفي بِمَا فِيهِ تمريض لِلْأَمْرِ وَكَانَ السَّيِّد الْعَلامَة الْقَاسِم بن الْمُؤَيد قد كتب إِلَى الصفي بِكِتَاب فِيهِ تأنيس بِمَا أَرَادَهُ الجمالي وَالسَّيِّد الْعَالم يحيى بن الْحُسَيْن بن الْمُؤَيد كَانَ عِنْد وُصُوله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 إِلَى صعدة قد خَاضَ مَعَ الدَّاعِي بعض الْخَوْض فِي شَأْن من يَنْتَظِم بِهِ الْأَمر وَفِي أثْنَاء مَكْتُوب الدَّاعِي إِلَى الصفي أَنه إِن لم يتم الْخَوْض فقد أرفع على استدعاء السَّيِّد مُحَمَّد بن عَليّ صاححب برط والمفاوضة فِي الطَّرِيقَة المثلى وَعند ذَلِك ورد مَكْتُوب الإِمَام إِلَى صفي الْإِسْلَام يضيق عَلَيْهِ فِي التَّجْهِيز إِلَى صوب صعدة على الدَّاعِي قبل تفاقم الححادث وانتشار الححال فبادر الصفي إلة أخخذ الأهبة من االغراس المحروس وَنصب الوطاق عَلامَة التجرد والتبريز لمنازلة الدَّاعِي وَمن هُنَا ظهر فَائِدَة رَأْي الصفي فِي متاركة الماليك النائبة على الْقطر اليمني وَإِن الأهم الْمُقدم حفظ الححقيقة فِيهِ بِلَا زِيَادَة وَلَا نُقْصَان (والرأي فِي تثبيت مجد قَائِم ... بِالذَّاتِ لَا تَقْوِيم جد عائر) (وَمن الغباوة بذل كنز ححاصل ... فِي الْحَال لاستصحاب دين داثر) (هَب أَن ترى بَيت الأنيس من الضَّبِّيّ ... شَره فَاتبع القطيع النافر) وَلما اطلع بعض وزراء الرسوليين على مَا جمعه مخدومه من الخزائن والذخائر الملوكية قَالَ لَهُ يَا مَوْلَانَا هَذِه الْعدة تصلح لفتح مصر أَو كَمَا يُقَال فَأَجَابَهُ بِأبي أحتاج إِلَيْهَا لمن يعارضني فِي اليممن بأقداح الشّعير ويأخخذ مني الْغرَّة عِنْد الإهمال وَالتَّقْصِير فاستصوب الْوَزير على رصانة عقله أكبر آيَة وَفِي لَيْلَة الْجُمُعَة خَامِس جُمَادَى الْآخِرَة فاضت روح الإِمَام إِلَى دَار السَّلَام وانقلب إِلَى مَا أعده الله لَهُ من الْكَرَامَة وَالْإِكْرَام وَقد نَالَ أجر من عمل بِسنة جده االأمين وسلك فِي سَبِيل الْحق مَسْلَك أبائه الطيبين السَّابِقين إِلَى الْخيرَات والمقتصدين نور الله مصرعه وَفِي أَعلَى الْجنان أضجعه وَدفن صبح السبت بمحروس جبل ضوران الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 وَكَانَ مولده الْكَرِيم بِنصْف شعْبَان فِي سنة تسع عشرَة وَألف وَفِي ذَلِك كتب السَّيِّد الْعَلامَة إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم جحاف (خَليفَة الله إِسْمَاعِيل مَوْلَانَا ... أوفى الْبَريَّة عِنْد الله ميزانا) (وَفِي لَيْلَة النّصْف من شعْبَان مولده ... فهاك تَارِيخه فِي شهر شعبانا) وَكَانَ مدرسا فِي أغلب الْفُنُون آيَة باهرة فِي فن الْفِقْه فَهُوَ يعد فِيهِ من المذاكرين محبا للْعُلَمَاء محببا إِلَيْهِم شفيقا بالرعية سِيمَا ضعفتهم من الطلاب وَغَيرهم وطالما أجتذب بثيابه مِنْهُم حَتَّى يمزق شَيْء مِنْهَا وطالما شافهوه بالقاسي من الْكَلَام فَكَأَنَّهُ لم يسمعهُ وَمن مؤلفاته العقيدة الصَّحِيحَة فِي أصُول الدّين وَقد شرحهاا من العدلية الْفَقِيه الْعَارِف صَالح بن دَاوُود الآنسي وَغَيره وَشَرحهَا من الأشاعرة عَالم مَكَّة القشاشي والشريف مُحَمَّد الحيقردي وَأمين حجازي كَمَا تقدم وَمن فَوَائده الْمسَائِل المرتضاة فِيمَا تعتمده الْقُضَاة وَغير ذَلِك من الْفَوَائِد الْمَعْرُوفَة بأيدي النَّاس والإختبارات فِي مظان الإلتباس وَاتفقَ فِي دولته من تَعْظِيم جَانب الْعلمَاء مَا لم يتَّفق فِي غَيرهَا فعكف أكابرهم فِي مَوَاقِف الدَّرْس عَلَيْهِ وَمَاله إِلَيْهِم بعلاقة الْعلم ومالوا إِلَيْهِ حَتَّى تحبب كل مِنْهُم إِلَيْهِ مجهوده وَمِنْهُم من تيمن باسمه الشريف حَتَّى تسما بِهِ مولوده وَإِلَى ذَلِك أَشَارَ عَلامَة الْمَعْقُول مُحَمَّد ابْن إِبْرَاهِيم السحولي وَقد طلبه الرُّخْصَة فِي زِيَارَة أَهله إِلَى صنعاء بعد أَن ولد لَهُ مَوْلُود وَهُوَ الْآن فِي قيد الْوُجُود (مولَايَ إِسْمَاعِيل لي طِفْل بكم ... متبركا أَدْعُوهُ إسماعيلا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 (قد عيل صبري من مفارقتي لَهُ ... لَا للرباب وَلَا لإسماعيلا) (منوا بإسماعي نعم فِي مطلبي ... لَا تقطعوا طمعي بإسماعيلا) وَكَانَ لَا يَأْكُل الزَّكَاة وَمن كَلَام لَهُ يُوصي أَوْلَاده وقرابته وأوصيكم أَيهَا الْأَوْلَاد ذكركُمْ وأنثاكم وَسَائِر قَرَابَتي وَسَائِر بني هَاشم أَن تجتنبوا الزكوات وَلَا تَأْكُلُوا مِنْهَا شَيْئا وَلَو أكلْتُم الشّجر فَإِن الَّذِي خَلقكُم هُوَ الَّذِي يرزقكم وَلَا تَفعلُوا كَمَا يفعل كثير من النَّاس من التَّمَسُّك بالشبه فِي ذَلِك وابتغوا من فضل الله وَلَا يحملكم الثّقل بِالسُّكُونِ فِي الْبيُوت على ذَلِك وافطلبوا الرزق من فضل الله وتنقلوا وَلَا تَتَّخِذُوا السُّؤَال حِرْفَة فبئست الحرفة هِيَ وَإِنَّهَا مُعينَة على االفقر وَلَكِن أطلبوا الرزق الْحَلَال وإحياء الْأَمْوَال وَإِن أمكن أَن تجْعَلُوا لكم نوابا فِي البيع وَالشِّرَاء فَهُوَ حسن نَافِع وَإِن لم يُمكن إِلَّا بِأَنْفُسِكُمْ فافعلوا فَلِأَن يوجر أحدكُم نَفسه خير لَهُ من الْحَرَام وَلَا يبعد أَن يكون فِي قَوْله وَلَو أكلْتُم الشّجر وَجعله الْمرجع الْأَبْعَد رمز إِلَى تَضْعِيف مسئلة أَن الْمُضْطَر يقدم الْميتَة كَمَا صَدره فِي الأزهار رووجه ضعفها منقدح وَهُوَ أَن تَحْرِيم الْميتَة قَطْعِيّ بِخِلَاف تَحْرِيم الزَّكَاة وَلَا شكّ أَن طَريقَة الْأَخْذ بِالْأُخْرَى مَعْرُوفَة لَكِن دين الله بَين العالي والمقصر وَكَانَ يمِيل فِي الْأُصُول إِلَى التَّكْفِير بالإلزام ورتب على ذَلِك أحكاما فِي أهل الْيمن الْأَسْفَل وعارضه فِي مسئلته بعض من لَا يحسن الْكَلَام وَلَا يتأدب وَهَكَذَا الْحَال فِي صدر كل زمن فكم تحكت فِيهِ بأفعى عقرب وَمن كَلَام لَهُ يُوصي بِهِ وَلَده عز الْإِسْلَام وأترك الْإِكْثَار من المتعلقين الَّذين هَمهمْ الدُّنْيَا وَيَكْفِيك الْقيام بِأَهْل الْحصين فَإِنَّهُم عدَّة إِن شَاءَ الله واستصلحهم بالرغبة والرهبة وأحبب حَبِيبك وَأبْغض بَغِيضك هونا مَا فَلَعَلَّ الحبيب لَا يَدُوم حبه وَمَا أَكثر ذَلِك فِيمَن محبته لأجل الدُّنْيَا وَلَعَلَّ البغيض يكون حبيبا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 وَمَا أَكْثَره فِيمَن كَانَ بغضه لأجل الدُّنْيَا ودع مَا يريبك إِلَى مَالا يريبك واكثر من ذكر الله إنتهى قلت أنظر إِلَى هَذَا الْكَلَام الْغَيْر متكلف وَمَا عَلَيْهِ من مسحة الْكَلَام النَّبَوِيّ وَمَا ضمن من الاثار الَّتِي فقهها نَافِع وَحَدِيث دع مَا يريبك إِلَى مَالا يريبك فَإِن الصدْق طمأنينة وَالْكذب رِيبَة أخرجه أَبُو دَاوُود الطَّيَالِسِيّ وَأحمد وابو يعلي والدارمي وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَآخَرُونَ وَأخرجه سعبه أَخْبرنِي يزِيد بن أبي مَرْيَم سَمِعت أَبَا الجوزاء السَّعْدِيّ يَقُول لِلْحسنِ بن عَليّ مَا تذكر من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كَانَ يَقُول فَذكره قَالَ التِّرْمِذِيّ حسن صَحِيح وَقَالَ الْحَاكِم صَحِيح الأسناد وَلم يخرجَاهُ وَمن كَلَام لَهُ يُوصي بِهِ أَوْلَاده وأوصيكم بإصلاح ذَات الْبَين فَإِنَّهُ أفضل من عَامَّة الصَّلَاة وَالصِّيَام كَمَا جَاءَ بذلك الْأَثر قَالَ الله تَعَالَى {وَأَصْلحُوا ذَات بَيْنكُم} وَلَا يتم ذَلِك إِلَّا بالإحتمال وَالصَّبْر والتغاضي من كَبِير وَالْعَفو وَالله يَأْخُذ بنواصيكم ويتولاهم آمين الدولة المهدوية وَمَا شجر فِي أَثْنَائِهَا وَفِي ثَالِث موت الإِمَام جرد الهمة صفي الْإِسْلَام فاستدعى إِلَى الْغِرَاس المحروس عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن المتَوَكل وَولد عَمه بدر الْإِسْلَام مُحَمَّد بن أَحْمد والأمير الْمِقْدَام أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن وَمن أكَابِر عُلَمَاء صنعاء القَاضِي الْعَلامَة مححمد بن عَليّ الْعَنسِي وَالْقَاضِي الْعَلامَة مُحَمَّد بن عَليّ قيس الثلائي وَالْقَاضِي الْعَلامَة أَحْمد بن صَالح بن أبي الرِّجَال وَالْقَاضِي الْعَالم عَليّ بن جَابر الهبل وَالسَّيِّد الْعَالم عبد الله بن مهْدي االكبسي وَالسَّيِّد الفهامة غوث الدّين يحيى بن غوث الدّين ابْن المطهر فبادر الْجَمِيع إِلَى حَضْرَة الصفي وَاجْتمعَ الْكل لَدَيْهِ بعالمه وحاكمه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 وَالْقَاضِي البليغ عبد الْوَاسِع عبد الرَّحْمَن الْقرشِي وَكَانَ ميل عز الْإِسْلَام مُحَمَّد ابْن الإِمَام إِلَى صفي الْإِسْلَام ظَاهرا لما يعرفهُ من سالف أَحْوَاله من رِعَايَة الْخَاصَّة والعامة وبذل مهجته فِي رِعَايَة الْإِسْلَام وَعمارَة قُلُوب خَواص الْأمة وهم الْعلمَاء بمزيد الرِّعَايَة وسابق خدمته لِعَمِّهِ المتَوَكل على الله حَتَّى كَانَ لِسَان حَاله مَعَه (أَخُوك الَّذِي أَن تَدعه لملمة ... يجبك وَإِن تغْضب إِلَى السَّيْف يغْضب) مَعَ مَا اقْتصر عَلَيْهِ من الجدارة الَّتِي هِيَ سيماء الْمُؤمنِينَ والسعادة المطردة فِي الْحَرَكَة والتسكين والهيبة فِي قُلُوب الرعايا وميل أَكثر أهل الْيمن إِلَيْهِ سِيمَا صنعاء وحوازها وأغلب من ذكر من الْعلمَاء رَأْيه هَذَا الرَّأْي خلى القَاضِي بدر الدّين مُحَمَّد بن عَليّ قيس فقد كَانَ مبطنا للميل إِلَى جَانب السَّيِّد الْعَلامَة الْقَاسِم بن أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمُؤَيد بِاللَّه لما تناقلت الأفواه عَنهُ من النشأة الطاهرة والبرارة والشطر الصَّالح من الْعلم وَاتفقَ بعد ذَلِك موقفين للإتفاق بَين من ذكرت عقيب خوض طَوِيل على إِلْزَام الصفي بتحمل الأعباء فبويع بِحَضْرَة من ذكر وَكَانَ الْمُتَقَدّم فِي موقف الْبيعَة إِلَى تَمامهَا السَّيِّد عبد الله الكبسي وعضده فِي انتهاز الفرصة الشَّيْخ الرئيس الْحسن بن أَحْمد بن عواض الْأَسدي وَوَقع من بدر الْإِسْلَام مُحَمَّد بن أَحْمد بعض خوض فِي تقدم دَعْوَة صنوه وَالْإِشَارَة إِلَى الثَّانِي فَلم يساعد إِلَى ذَلِك وَاشْترط الْجَمِيع فِي عقد الْبيعَة عدم قيام من هُوَ أصلح ثمَّ تعقب ذَلِك تسطير ولايات مِنْهَا ولَايَة عز الْإِسْلَام الْحُسَيْن بن الْحسن بن الإِمَام ومكتوب إِلَى جمال الْإِسْلَام عَليّ بن أَحْمد ومكتوب إِلَى الْحسن بن الإِمَام ومكتوب إِلَى الْأَمِير الخطير سيف الْإِسْلَام عبد الْقَادِر بن النَّاصِر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 وَكَانَت الْبيعَة سَابِع جمادي وك ان الْأَمِير عبد الْقَادِر عِنْد حُدُوث هَذَا الْأَمر الْعَظِيم قد أَخذ اهبته وَجمع حشمه إِلَى حصن كوكبان وَحصل الروع مَعَ أهل صنعاء ظنا مِنْهُم أَن عز الْإِسْلَام سيحدث دَعْوَة مَعَ تَغْلِيب الظَّن أَنه لَا يتم ذَلِك لمَكَان الصفي بالغراس فجبر الله غربَة الْإِسْلَام بانخراط الْكل فِي ألطف نظام وَعند ذَلِك بَادر عز الْإِسْلَام بتعريف أهل الحميتين بِمَا اجْتمع عَلَيْهِ آراء من يعْتد بِهِ من اهل الْحل وَالْعقد وَالْأَخْذ عَلَيْهِم فِي التَّقَدُّم إِلَى صف السَّابِقين فراجعوه فِي مبادئ الْأَمر بِأَنَّهُم تَحت الطوع بعد الإتفاق من الْكل على من يحفظ الْحَقِيقَة ويدعى بأمير الْمُؤمنِينَ وَاتفقَ اثناء ذَلِك خوض ونزاع بَين أَطْرَاف أهل هَذَا الْقطر بِسَبَب التَّقَصِّي فِي أَشْرَاط كَذَا الإِمَام الَّتِي مِنْهَا الإجتهاد عِنْد الْبَعْض والمسئلة مَعْرُوفَة بأطرافها ودليلها فَلَا حَاجَة إِلَى الإطالة وَهِي من المطارح الظنية وَغَيرهَا أَجْدَر بالتعمق وَقد ذكرنَا فِي الْجُزْء الأول كلَاما عَن المقريزي صَاحب الخطط والْآثَار يجدر الِاطِّلَاع عَلَيْهِ من هُنَاكَ والمركز الْأَعْظَم مِنْهَا فِي العصور الَّتِي تضاعفت شريتها بمصداق الحَدِيث النَّبَوِيّ هُوَ حقن الدِّمَاء وتسكين الدهماء ومراعاة قانون الشَّرْع جملَة وَقد رَأينَا الشَّرْع قَامَ فِي الصَّدْر الأول بِدُونِ هَذِه التطويلات وَرجح عَن السَّيِّد الْعَالم عَليّ بن الْحُسَيْن االشامي من أَوْلَاد الإِمَام يحيى بن المحسن مُفَارقَة صنعاء إِلَى خولان مجانبا للخوض فِي خُصُوص هَذَا الحَدِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 وَظهر فِي هَذِه الْأَيَّام لشريف من آنس يُقَال لَهُ نَاصِر الدّين مَذْهَب خَاص مِنْهُ تَحْرِيم الْخلّ وتقبيل الْكَفّ عِنْد المصافحة وَتَنَاول قهوة البن وإرسال الذوابتين الْعليا والسفلا وَغير ذَلِك وَكتب نسخا من أَحْكَام الْهَادِي عَلَيْهِ السَّلَام غير فِيهَا قَوَاعِد الْخط الْمُتَّفق على جُمْلَتهَا وَالَّذِي ظهر من حَاله الغباوة الْكُلية وَأَنه طالع كتاب الْأَحْكَام فِي بَيته وجمد عَليّ مَا فِي نَفسه من عقيب خُرُوجه من الْمكتب من غير أَن ينْهض إِلَى من يرشده إِلَى كَيْفيَّة الترتب وَقد قلعت بِسَبَبِهِ مغارس من البن الْمُتَّصِل بِبَلَدِهِ وأدبه شرف الْإِسْلَام الْحُسَيْن بن المتَوَكل بالإعتقال فَلم ينجح فِيهِ وَشرع الله أرسخ من ثبير فقد انْقَطَعت بدعته وَلم يُتَابِعه عَلَيْهَا إِلَّا من لَا يلْتَفت عَلَيْهِ من الْعَوام وتلقب صفي الْإِسْلَام بالمهدي لدين الله وَتعقب دَعوته ظُهُور دَعْوَة السَّيِّد الْعَلامَة الْفَاضِل الْقَاسِم بن الْمُؤَيد بِاللَّه بشهارة وتلقب بالمنصور بِاللَّه فَأَجَابَهُ الأهنوم وَغَيره وَامْتنع عَن إجَابَته الصفي أَحْمد بن المتَوَكل وَظُهُور دَعْوَة شرف الْإِسْلَام الْحُسَيْن بن الْحسن بن الإِمَام وتلقب الواثق بِاللَّه وَبَايَعَهُ عَلَيْهَا من حضر من الْأَعْيَان وَكَانَ مِمَّن حضر بيعَة الْقَاسِم بن الْمُؤَيد السَّيِّد الْعَالم يحيى بن أَحْمد الشرفي وَالسَّيِّد الْعَالم الزَّاهِد يحيى بن إِبْرَاهِيم الجحافي وأخوة السَّيِّد الْعَالم إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم وَالسَّيِّد الْعَالم عَليّ بن صَلَاح الضلعي وَلما وصل إِلَى شهارة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 القَاضِي بدر الدّين مُحَمَّد بن عَليّ قيس بذل الْبيعَة وَجَاءَت بعد هَذَا أَخْبَار دَعْوَة السَّيِّد مُحَمَّد بن عَليّ الغرباني ببرط ودعوة السَّيِّد الْعَالم الْكَرِيم أَحْمد بن إِبْرَاهِيم المؤيدي وَاتفقَ عقيب ذَلِك اسْتِيلَاء أَوْلَاد عبد الله بن الْقَاسِم على قصر ذمار وانتهاب مَا فِيهِ وانتهاب أَصْحَاب جمال الْإِسْلَام عَليّ بن المتَوَكل على الله سوق جبلة وَحصل التخوف مَا بَين إب وجبله ونقيل سمارة واتفقت فتْنَة بَين أَصْحَاب السَّيِّد الْحسن بن مُحَمَّد بن أَحْمد المؤيدي وَالسَّيِّد جَعْفَر بن المطهر الجرموزي ذهبت فِيهَا نفوس وبصعدة فتْنَة أُخْرَى من أهل سوقها وقبيلة سحار وانتهب جَانب من السُّوق وَأما جمال الْإِسْلَام عَليّ بن المتَوَكل فَإِنَّهُ شمر الْعَزْم إِلَى تعز والإطلاع على مَا فِي مخازين الشَّيْخ رَاجِح متوليها وَكَانَ يَوْمئِذٍ ببلاده ثمَّ ان علم الْإِسْلَام الْقَاسِم ابْن االإمام كتب إِلَى الإِمَام أَنه دعى إِلَى الرضى فَرَاجعه الإِمَام بِأَن الأولى الإجتماع وَمن اجْتمع عَلَيْهِ الْخَوْض تُسنم غارب هَذَا الْأَمر وعرفه أَن دَعوته سَابِقَة وَأَغْصَانهَا فِي ربوة النهضة باسقة وَأما شرف الْإِسْلَام الْحُسَيْن بن المتَوَكل فَإِنَّهُ جمع عِصَابَة نافعة وأمدهم بِبَعْض الخزنة الَّتِي بضوران وَوصل إِلَى الإِمَام نَائِب حجَّة السَّيِّد عَليّ بن الْحُسَيْن الجحافي وتتابع بعد ذَلِك وُرُود من حوالي شهارة إِلَى حَضْرَة الْعلم لأجابة وأعيته مثل بِلَاد الأهنوم ووادعة والشرف وعفار وظفير حجَّة وظليمة وَلما رأى عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن المتَوَكل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 على الله تباطى وَشرف الْإِسْلَام الْحُسَيْن بن الْحسن عَن بيعَة أَخِيه الْمهْدي سَار إِلَيْهِ فاتفقا بذمار وَختم القَوْل على أَن الْحُسَيْن لَا يَأْتِي من طرفه إِلَّا كل خير وَلم يصدر مِنْهُ بيعَة وَعَاد إِلَى رداع وَعز الْإِسْلَام إِلَى ضوران ثمَّ عَاد إِلَى صنعاء وَالْإِمَام ندب الشَّيْخ الْعَلامَة يحيى بن مُحَمَّد بن الْحَاج الْأَسدي إِلَى حَضْرَة الدَّاعِي ثمَّ جَاءَت الإِمَام الْأَخْبَار بِأَن السَّيِّد يحيى بن إِبْرَاهِيم بت القَوْل بإمامة الدَّاعِي واثبت لَهُ الْخطْبَة بحبور بعد أَن توقف فِي الْجُمُعَة السالفة وَالشَّيْخ عَاد بِجَوَاب يتَضَمَّن طلب المناظرة واضطرب الْحَال فِي شَأْن السَّيِّد الْحُسَيْن بن صَلَاح والفقيه الْعَلامَة الْحُسَيْن بن يحيى حَنش يل أَنَّهُمَا امتنعا عَن بيعَة الْعلم وَوصل إِلَى الإِمَام مَكْتُوب الصفي أَحْمد بن الْمُؤَيد بِاللَّه يشعره بِأَنَّهُ قد انتظم فِي سلك أَخِيه وَاتفقَ اثناء هَذَا الْخَوْض حَرْب بَين أهل خِيَار ذهب فِيهِ سَبْعَة أَنْفَار وَأما السَّيِّد الْعَلامَة يحيى بن الْحُسَيْن بن الْمُؤَيد بِاللَّه فَإِنَّهُ ارتحل من صعدة نافرا خاطرا من جمال الْإِسْلَام بِسَبَب اقتضته ححوادث اليام وَفِي ثامن وَعشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة وصل الشَّيْخ يحيى من حَضْرَة الدَّاعِي إِلَى حَضْرَة الإِمَام يتَضَمَّن العتب على الإِمَام وعَلى من بَايعه من الْعلمَاء الْأَعْلَام وَالْحسن بن المتَوَكل على الله انْتقل عَن جبل رازح إِلَى أبي عَرِيش فبادر إِلَى رازح جمَاعَة من أَصْحَاب الجمالي وانتهبوا مَا بَقِي من خزانته ثمَّ إِن الْحسن بن مُحَمَّد بن أَحْمد المؤيدي وصل إِلَى حَضْرَة الإِمَام عِنْد أَن رجح لَهُ تَوْلِيَة السَّيِّد جَعْفَر بن المطهر وانتهت إِجَابَة الدَّاعِي إِلَى عمرَان وذيبين وَكَانَ الإِمَام قد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 ارسل خَطِيبًا إِلَى ذيبين فَامْتنعَ أهل الْبِلَاد عَن حُضُور جمعته وَقَالُوا فِي أَعْنَاقهم بيعَة إِمَام وَفِي سلخ جُمَادَى الْآخِرَة خرج إِلَى بَيت ردم الْأَمِير احْمَد بن مُحَمَّد وَفِي نَفسه غير قَلِيل من الإِمَام وَكَانَ قد وصل إِلَى دَار الإِمَام لموعد بَينهمَا فتحير إذانه وَقت مَا فاستنبط من ذَلِك التهاون بجانبه فَلَمَّا علم الإِمَام اشْتغل كَذَا خاطره بذلك وَأمر باستدراك أمره وَاعْتذر إِلَيْهِ فَعَاد وَتمّ بِطَاعَتِهِ المُرَاد وَلما اسْتَقر شرف الْإِسْلَام الْحسن بن المتَوَكل بتهامة بذل الْبيعَة للْإِمَام وَسَار إِلَيْهِ فَلَمَّا وصل الصلبة لقِيه أَوْلَاد النَّقِيب سعيد المجزبي سائرين إِلَيْهِ بمرسوم من الإِمَام فِي أَن يرد عَلَيْهِم مراكب والدهم فانقد خاطره لذَلِك وعرج عَن طَرِيق الإِمَام إِلَى قصد الدَّاعِي وَهُوَ بشهارة فَبَايعهُ ثمَّ نزل إِلَى حبور ثمَّ أمره الدَّاعِي بالتوجه إِلَى مُبين حجَّة ليَكُون ردا لمن بالصلبة من أجناده فَسَار إِلَيْهِ وَالْإِمَام اتّفق رَأْيه ورأي الْأَمِير الْهمام مُحَمَّد بن أَحْمد بن الإِمَام الْقَاسِم على إِيصَال الشّحْنَة والخزاين ومدد الْجند إِلَى خمر ليَكُون مِنْهُ مناقشة الْحَرْب لمن بشهارة وأضاف إِلَى الْأَمِير أَحْمد بن مُحَمَّد بِلَاد حفاش وملحان وَأما من بَقِي بصعدة من أَوْلَاد شرف الدّين الْحسن بن المتَوَكل على الله وصل بهم إِلَى شهارة فَخر الدّين عبد الله بن أَحْمد بن الْقَاسِم وَصفا قطر الشَّام لجمال الْإِسْلَام عَليّ بن أَحْمد بن الإِمَام وَفِي غرَّة رَجَب غزا الشريف مُحَمَّد بن عَليّ الدَّاعِي من برط إِلَى أَسْفَل بِلَاد الْجوف فانتبه لَهُ أَهله فاتفق قتال ذهب فِيهِ جمَاعَة من أَصْحَاب الدَّاعِي وَفِي هَذِه الْأَيَّام انتشرت الْجَرَاد فِي عَامَّة الْبِلَاد وأورثت فتنا بَين الْقَبَائِل بِسَبَب أَن كل بلد تدفعها عَن الْأَمْوَال إِلَى الْبَلَد الْأُخْرَى وَوصف بعض المؤرخين انها أكلت طفْلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 وَفِي سَابِع عشر رَجَب خرج الإِمَام من صنعاء إِلَى الْغِرَاس مظهر الْقَصْد الدَّاعِي وَأمر بدار الضَّرْب وَأرْسل السَّيِّد علم الدّين الْقَاسِم بن أَحْمد بن الإِمَام إِلَى حَضْرَة اخيه جمال الْإِسْلَام وَفِي هَذَا الشَّهْر توفّي بوطنه الذُّنُوب من بِلَاد حجَّة الْأَمِير الخطير شرف الدّين بن المطهر بن عبد الرَّحْمَن بن المطهر كَانَ هَذَا السَّيِّد من أُمَرَاء الْمُؤَيد بِاللَّه وَولي مِنْهُ بِلَاد رداع فاستمر على ذَلِك بدولة المتَوَكل على الله إِلَى أَن رفعت يَده بشرف الْإِسْلَام الْحُسَيْن بن الْحسن بن الْقَاسِم وَلما عزل أَقَامَ بوطنه الذُّنُوب تجنى إِلَيْهِ ثممرات أَمْوَاله مَعَ مَا إِلَيْهِ من الصوافي الَّتِي كَانَت للأمير عبد الرَّحِيم كالحوضين تخححت مُبين وَحصل بَينه وَبَين يافع فِيمَا مضى معارك شَدِيدَة تفصيلها فِي غير هَذَا التَّارِيخ وَفِي هَذِه الْأَيَّام وَردت كتب الدَّاعِي إِلَى عز الْإِسْلَام والى الْأَمِير أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن رِسَالَة يبْحَث فِيهَا عَن أَشْيَاء تتَعَلَّق بالإممام فَوكل عز الْإِسْلَام الْجَواب إِلَى الإِمَام فَأجَاب بِمَا يشفي الصُّدُور وَرَأَيْت عدم إِثْبَات الرسالتين هَهُنَا لغَرَض صَحِيح وَفِي آخر رَجَب ظَهرت رِسَالَة السَّيِّد الإِمَام الدَّاعِي أَحْمد بن إِبْرَاهِيم المؤيدي يذكر فِيهَا دَعوته فشغل النَّاس عَن النّظر فِيمَا يروم إنتطاح هذَيْن الجبلين القاهرين والتطام هذَيْن اللهامين الزاخرين وَهَذَا السَّيِّد من بَيت علم قديم ومجد صميم وَكَانَ الْحَال يقتضى وفوده على الْأَئِمَّة فينزلونه منزلَة الأكابر من بيوتات الْعلم وَلما عقد الْمُؤَيد بِاللَّه مُحَمَّد بن المتَوَكل على الله مجْلِس الدَّرْس فِي الثمرات بضوران المحروس صَادِق وفادته وحضوره مجْلِس الْقِرَاءَة وَكتب يَوْمئِذٍ بِحَضْرَة الإِمَام وَمِمَّنْ خص القراة فَرَأَيْت للسَّيِّد شمس الْإِسْلَام شمائل تعبق مِنْهَا أنفاس الزّهْد والورع وَلَقَد رَأَيْته غير مرّة يُطِيل الْبَحْث مَعَ الإِمَام ثمَّ تعتريه بعد ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 صفرَة يقْضِي حدسي القَوْل ان ذَلِك نَدم مِنْهُ على وُقُوع مَا يتَجَنَّب عَنهُ من دقائق الريا المترحم عَلَيْهَا فِي مصنفات الدّيانَة الباطنية كالإحياء لأبي حَامِد الْغَزالِيّ والتصفية للديلمي والإرشاد للفقيه عبد الله بن زيد المدحجي وَقد حضر ذَلِك الدَّرْس جمَاعَة من أَعْيَان عُلَمَاء السَّادة والشيعة كالسيد الْعَلامَة إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الجحافي وَالْقَاضِي مُحَمَّد بن عَليّ الْعَنسِي أَيَّام وفادته وَغَيرهمَا وَمَا رَأَيْت الإِمَام ينزل غَيره مَنْزِلَته وَهُوَ حقيق بذلك وفوقه وَفِي هَذِه الْأَيَّام اقْتضى رَأْي الإِمَام إرجاع السُّلْطَان منصر العولقي إِلَى بِلَاده وَجعلهَا فِي نظره بعد طول لبثه عِنْد حَيّ المتَوَكل على الله وعرج عَن طَرِيق رداع إِلَى طَرِيق الْجوف وفيهَا كَانَ تجهيز شرف الدّين الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن أَحْمد إِلَى خمر لحفضه وإرسال القَاضِي الْعَارِف جَعْفَر بن عَليّ بن تَاج الدّين االظغيري إِلَى حَضْرَة الْعلم الدَّاعِي لأخذ حَقِيقَة الْأَحْوَال وروم الِاجْتِمَاع وَتَعْيِين مَحَله وَلم يَنْتَظِم مِمَّا سَار لَهُ مرام وَحِينَئِذٍ تحركت النُّفُوس وانقدح ضرام حَرْب البسوس مَعَ مَا اسلفناه من ذكر ضعف الْبِلَاد واستيعاب نباتها زادا للجراد وَمن الألطاف الربانية أَن الْبَحْر الْمُقَابل للمخا نجل بجلاب إِلَى الْيمن من سواحل الْحَبَشَة لما بلغ أَهلهَا من ارْتِفَاع السّعر فِيهِ وَلما اسْتَقر الْحُسَيْن بِخَمْر بَادر الدَّاعِي إِلَى إرْسَال عسكره إِلَى مُبين حجَّة وَأمر سوق الطعامات كَذَا إِلَى شهارة وَفِي عَاشر شعْبَان خرج مقدم الدَّاعِي وأميره صارم الدّين إِبْرَاهِيم بن الْحسن بن الْمُؤَيد بِاللَّه من محروس شهارة إِلَى ذيبين وَكَانَ الإِمَام قد أَمر الشَّيْخ عَليّ بن خَلِيل الْهَمدَانِي باللحوق كَذَا بالحسين بن مُحَمَّد إِلَى خمر فَعِنْدَ أَن بلغه خبر الصارم رجح نظره اسْتِدْرَاك مسير الشَّيْخ واستئناف عدَّة كَامِلَة وَفِي عشْرين مِنْهُ جهز الشَّيْخ زيد خَلِيل إِلَى عمرَان فَانْتهى إِلَيْهِ وَأمر عز الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد أَن يُبَادر بِمثل ذَلِك من غير توان وجهز الْأَمِير عبد الله بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 يحيى بن مُحَمَّد بن الْحسن إِلَى ذيبين فَانْتهى إِلَى المقضضة من بِلَاد الصَّيْد وَاسْتقر بهَا وَكَانَ الدَّاعِي أثْنَاء ذَلِك قد جهز ابْن أَخِيه السَّيِّد شرف الدّين الْحسن بن الْحُسَيْن بن الْمُؤَيد إِلَى العرة وَعز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الإِمَام أرسل إِلَى ثلاء من يحفضه وَكَانَ قد تخوف عَلَيْهِ من أَهله لما رأى من ميلهم إِلَى الدَّاعِي وَتبع ذَلِك تجهيز الإِمَام لوَلَده عَليّ إِلَى ثلاء ثمَّ إِلَى لاعة وَالْقَصْد من ذَلِك قبض بندر الصلبة وبلاد حجَّة وتجهيز االأمير الهصور أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن إِلَى الصلبة ثمَّ التنبه على بِلَاد حفاش وملحان فَكَانَت طَرِيقه الأهجر والمحويت وَكَانَ أَصْحَاب الدَّاعِي قد انتشروا فِي بِلَاد كوكبان فَتوجه لحفضها من حَضْرَة الْأَمِير الخطير عبد الْقَادِر بن النَّاصِر السَّيِّد الرئيس صَلَاح بن يحيى بن أَحْمد الحمزي فَانْتهى إِلَى مسور وَلما علم بِهِ جند الدَّاعِي رجعُوا من حَيْثُ جَاءُوا وَأما الفخري عبد الله بن أَحْمد بن الْقَاسِم فَإِنَّهُ لما وصل من صعدة إِلَى حَضْرَة الدَّاعِي انتظم فِي سلك من قَالَ بإمامته وبعكسه السَّيِّد الْعَلامَة يحيى بن الْحُسَيْن بن الْمُؤَيد بِاللَّه فَإِنَّهُ وصل ححضرة الإِمَام وَبَايَعَهُ وشايعه وَفِي الْعشْر الأولى من هَذَا الشَّهْر وصل علم الدّين الْقَاسِم بن أَحْمد بن ألإمام من حَضْرَة أَخِيه جمال الْإِسْلَام إِلَى سوح الْإِمَامَة بمكتوب فِيهِ جَوَاب الرسَالَة بالمولاة وَفِي ثَالِث رَمَضَان سَار عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الإِمَام إِلَى ضوران لتنفيذ وَصَايَا وَالِده وافتقاد أَحْوَال بيوته والإطلاع على خزنته لبيت المَال وضبطها إِذْ هُوَ الْوَصِيّ وَفِي هَذِه الْأَيَّام وصلت إِلَى صنعاء رِسَالَة من السَّيِّد الْعَلامَة يحيى بن إِبْرَاهِيم الجحافي يحث فِيهَا على اجْتِمَاع الْقُلُوب وَينْهى عَن افْتِرَاق الْكَلِمَة ويلوح من والرسالة والأبيات مثبتة بكمالها فِي غير هَذَا التوقيع ومعني عَن غيداعها فِيهِ مَا رَأَيْت فِيهَا مِمَّا يكلم ويثلم أسبل الله على الْجَمِيع ثوب ستره وَقيد قُلُوبنَا المستعصية كَذَا بسلاسل قهره وَفِي هَذَا الشَّهْر توفّي الشريف الخطير الْحسن الحره الَّذِي كَانَ نَائِبا بعدن وَفِي غرَّة ذِي الْحجَّة جَاءَ الْخَبَر إِلَى صنعاء بإتفاق أَمر عَظِيم وحادث فِي الْحرم مقْعد مُقيم وَهُوَ التلطيخ بِالنَّجَاسَةِ لجدر الْكَعْبَة المشرقة وبابها وأركانها ومطافها وزمزم ومقام إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام وَسَائِر المقامات فَوَقع الْوَهم فِي ذَلِك على سِتَّة أَنْفَار من الْعَجم ففتك بهم الإنقشارية كَذَا للفور وَلَا يظنّ بهم ذَلِك إِلَّا أَن يَكُونُوا من القرامطة فهم فرقة من رافضة الْعَجم وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال وَدخلت سنة تسع وَثَمَانِينَ وَألف فِي غرَّة محرم جَاءَت االأخبار بصلاح شَأْن الْحَج وَأمر السُّلْطَان الشريف بَرَكَات باالخروج بأَهْله عَن ممكة لافتقاد أَحْوَال عنزة ووفاة الْوَزير الْأَعْظَم إِلَى غَيره فَارق مَكَّة المشرفة إِلَى االمدينة النَّبَوِيَّة وَفِيه طلع إِلَى حَضْرَة الإِمَام ناائب االعدين السَّيِّد رَضِي الدّين جَعْفَر بن االمطهر الجرموزي وَقدم بَين يَدي وُصُوله ثَمَانِينَ جملا وَلم ينْفَصل إِلَى بلد ولَايَته بِسُرْعَة لشكوى وَقعت من أهل الْبِلَاد وَفِي سادس وَعشْرين مِنْهُ وَقت الْغُرُوب توفّي الْأَمِير الْمِقْدَام بدر الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن الإِمَام الْمَنْصُور بِاللَّه عَلَيْهِ السَّلَام بروضة حَاتِم من بِلَاد ولَايَته وَدفن عِنْد جَامعهَا الَّذِي من مآثر وَالِده وَكَانَ لَهُ عناية فِي الْعدْل وإطعام الطَّعَام وَحفظ التَّارِيخ مَعَ برارة وجدادة رَحمَه الله وَكَانَ تَحْويل السّنة بِدُخُول الشَّمْس أول الْحمل فِي تَاسِع وَعشْرين والمريخ وَالْمُشْتَرِي وزحل بالجوزاء وَالْقَمَر وَعُطَارِد بِالْحملِ وَفِي هَذِه الْأَيَّام انهمك أهل سالعصيمات وسُفْيَان فِي التخطف بطرِيق العمشية وَكَانَ سبق آخر هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 حذف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 كَلَامه فِيهَا أَنه إِذا أمكن انتصاب الداعيين فِي دست الْخلَافَة من غير فتْنَة فَهُوَ الأولى والمسئلة خلافية وَاتفقَ أثْنَاء ذَلِك عزم أهل الفضيرة من بِلَاد خمر إِلَى حَضْرَة الدَّاعِي وَفهم الإِمَام مِنْهُم إِرَادَة شقّ الْعَصَا مَعَ السَّعْي فِي التئام الْحَال فأدبهم بنكاية وبمال وَتعقب وُصُول هَدِيَّة سُلْطَان حَضرمَوْت إِلَى الإماام وَتَسْلِيم الْبيعَة وُصُول الشَّيْخ جَعْفَر الظفيري إِلَى عز الْإِسْلَام بخزانة الإِمَام المتَوَكل على الله الَّتِي كَانَت بَاقِيه بالسودة وَفِي سادس عشر رَمَضَان افْتتح الْأَمِير أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن حفاش وملحان وَلم يتَّفق غير قتل وَاحِد بِسَبَب توزيع الْعَسْكَر للضيافة معركة الصلبة وَولد الإِمَام جمال الدّين عَليّ بن الْمهْدي لما وصل ثلا صعد القلعة وَقرر أحوالها ثمَّ انْتهى إِلَى الصلبة وَكَانَ الْأَمِير عبد الْقَادِر بن النَّاصِر قد نزل إِلَى قراضة فَالتقى هُوَ والأمير أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن وَقصد الْجَمِيع رُتْبَة الدَّاعِي الَّذين بالصلبة وَكَانَ الدَّاعِي قد حشد إِلَيْهَا الْجنُود صُحْبَة وَلَده عَليّ بعد أَن وصل إِلَى حجَّة وَصعد إِلَى حصن مُبين ثمَّ انْتهى إِلَى البندر وَكَانَ أول دَاخل بهَا من أُمَرَاء الإِمَام الْأَمِير احْمَد بن مُحَمَّد فراسل الرُّتْبَة الَّتِي من قبل الدَّاعِي وَرَئِيسهمْ النَّقِيب الصنديد أَبُو راوية وَصَاحب ظليمة فَكَانَ جَوَابه أَن المولاة بأطراف الأسنة اللامعة وشفار السيوف القاطعة خلى أَن أهل الحيمة مِنْهُم وألواء الْأَمِير احْمَد وَأهل الشّرف رجعُوا إِلَى بِلَادهمْ ورتب النَّقِيب الظليمي أَصْحَابه فِي بيُوت بني قطيل وَلما أيس الْأَمِير أَحْمد عَن مسالمتهم قدم جَرِيدَة من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 أَصْحَابه إِلَى جِهَة الرُّتْبَة فصبوا عَلَيْهِم مَا فِي أَجْوَاف البنادق وأطاروا إِلَيْهِم شرار تِلْكَ الصَّوَاعِق فأثخنوا جمَاعَة مِنْهُم بالجراح وأشعروهم أَن تِلْكَ مُقَدّمَة لضرب الصفاح ثمَّ اشتدت بَينهم ريم الْحَرْب واتصل الرَّمْي والطعن وَالضَّرْب من شروق الشَّمْس إِلَى منتصف الْيَوْم واتصل بأصحاب الْأَمِير احْمَد بعد ذَلِك مدد الأميرين عبد الْقَادِر الحسام وَعلي بن الإِمَام وانضاف إِلَيْهِم جمَاعَة الْأَمِير الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْقَاسِم فاتفقت معركة عُظَمَاء وداهية صماء خلص الْأَمر مِنْهَا عَن قتل سِتَّة وَثَلَاثِينَ رجلا مِنْهُم مقدم الدَّاعِي وَهُوَ أَبُو راوية الْمَذْكُور وَفِيهِمْ من أَصْحَاب الإِمَام نَحْو عشرَة أَنْفَار وانتهبت الْعَسْكَر سوق الصلبة وَفِيه أَمْوَال جسيمة لَا تضبطها الأقلام حَتَّى كسدت فِيهَا تفاريق الْهِنْد بأيدي الْعَسْكَر وَفِي ذَلِك يَقُول الْأَمِير المفوه شرف الدّين الْحُسَيْن بن عبد الْقَادِر (إِلَى المخاضة فانهض ... للبز واغنم كساده) (من شَاءَ تعوض مِنْهَا ... فَهِيَ المخا وزياده) وَشرف الدّين الْحُسَيْن بن المتَوَكل على الله وصل إِلَى صنعاء بجُنُوده فِي ثامن وَعشْرين وانْتهى إِلَى حَضْرَة الإِمَام الْغِرَاس وَعِيد الْجَمِيع بهَا خُرُوج الإِمَام من الْغِرَاس مترحلا إِلَى جِهَات شهارة ثمَّ نَهَضَ الإِمَام بعد الْعِيد إِلَى مَحل يُسمى الحماطي بالرحبة وَضربت هُنَالك الْخيام وأشعر الْقبل بالصدام فَاجْتمع لَهُ من بني حشيش وَبني الْحَارِث ونهم وهمدان وذيبان وعيال عبد الله وَغَيرهم جمع وافر وتقدمه إِلَى صوب شهارة الْأَمِير الْحُسَيْن بن المتَوَكل على الله وَاتفقَ عِنْد خُرُوجه وُصُول القَاضِي بدر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 الدّين مُحَمَّد بن عَليّ قيس من حَضْرَة علم الْإِسْلَام الدَّاعِي إِلَى حَضْرَة الإِمَام يروم الصُّلْح وَمَا كره أَن ينخرط الإِمَام فِي مُتَابعَة الدَّاعِي الْهمام ولوم فِيمَا جرا من الْقَتْل وَالسَّلب فِي الصلبة وَوصل بعد ذَلِك مَشَايِخ حجَّة يطْلبُونَ الْأمان وَكَانَ الدَّاعِي قد أرسل إِلَى حجَّة فَخر الدّين عبد الله بن أَحْمد بن الْقَاسِم فَانْتهى إِلَى حورة وشوش على الَّذين دخلُوا فِي بيعَة الإِمَام وَفِي هَذِه الْأَيَّام جهز الدَّاعِي أَخَاهُ احْمَد إِلَى خمر وفيهَا الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن أَحْمد فوصلها وَوَقعت بَينهمَا مراماه منعت الْحُسَيْن عَن المَاء فاضطره الْحَال إِلَى الْمُصَالحَة وَالْخُرُوج عَنْهَا إِلَى حمدة وَكَانَ وَالِده عز الْإِسْلَام قد وَجه إِلَيْهِ زِيَادَة فَاجْتمعُوا بالحسين فِي طَرِيقه رَاجعا ثمَّ ارتحل الإِمَام وَصَحبه عز الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد إِلَى ذيفان واقام وَضرب هُنَالك الوطاق والخيام وَعند أَن وصل إِلَيْهِ قابله أهل البون بالمدد والعون وانتظموا فِي زمرته واهرعوا كَذَا إِلَى جمعته وَعز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن أَحْمد بن الإِمَام بَادر بإرسال مَادَّة نافعة إِلَى صنوه الْحُسَيْن وَهُوَ يَوْمئِذٍ بحصن مُبين وَفِي أول شَوَّال قهقر كيوان رَاجعا من محاذاة الثريا إِلَى آخر الثور وَلَا أَقُول صادفه بعد ذَلِك الْحور بعد الكور فَالْأَمْر إِلَى من عِنْده غيب السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا فِي التَّصَرُّف والدور وَفِي هَذِه الْأَيَّام بعث الإِمَام جمَاعَة من الْجند مَعَهم رَئِيس إِلَى رَأس نقِيل عَجِيب وَتقدم فِيهَا الإِمَام إِلَى الماجلين وعزز الْمُكَاتبَة والملاطفة مَعَ أَعْيَان النَّاس الَّذين بشهارة وَكَانَ قد تقدم مِنْهُ الْإِرْسَال لَهُم بالإنعامات السّنيَّة من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 الْكسْوَة وَالدَّرَاهِم وَلما رأى الإِمَام السَّيِّد الْعَلامَة يحيى بن الْحُسَيْن بن الْمُؤَيد بِمحل من السِّيَادَة والإستحقاق وَعِنْده جمَاعَة يَحْتَاجُونَ إِلَى الْمَادَّة مَعَ مَا هُوَ بصدده أقطعه بِلَاد يريم وَأرْسل علم الْإِسْلَام عَلَيْهِ السَّلَام وَلَده عَليّ بن الْقَاسِم إِلَى الأمروخ من بِلَاد الشّرف فشرع بعد الْوُصُول فِي ترغيب عَسَاكِر الإِمَام فِي طَاعَة أَبِيه علم الإسلامفوصلهم خلال ذَلِك مَكْتُوب مِمَّن عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن المتَوَكل على الله يُخْبِرهُمْ أَنه قد أرسل أَخَاهُ الْحُسَيْن إِلَى حَضْرَة الدَّاعِي ليخوض بِمَا فِيهِ صَلَاح الْمُسلمين وَأَنَّهُمْ ينتظرون عواقب الْأُمُور الْمصلحَة للدنيا وَالدّين وَكتب إِلَيْهِم الإِمَام بِمثل ذَلِك المرام وَكَانَ الإِمَام قد ارسل الشَّيْخ الخياطي إِلَى وعيلة طرف بِلَاد لاعة فَكتب إِلَيْهِ فَخر الدّين عبد الله بن أَحْمد بن الإِمَام يتهده إِن لم يرجع واستدعى الخياطي من الجمالي عَليّ بن الإِمَام زِيَادَة عَسْكَر وَكَانَ يَوْمئِذٍ بنواحي الصلبة فوصله مدد نَافِع سكن لَهُ الزعازع وَتعقب ذَلِك تقدم الشريف الْعَظِيم يحيى بن إِبْرَاهِيم الحمزي من حَضْرَة الْأَمِير عبد الْقَادِر إِلَى شهمة لاعة وَجعل الْجَمِيع صلحا قدر خمس أَيَّام آخرهَا يَوْم عَاشر شَوَّال حَتَّى يصل تَحْقِيق مَا آل إِلَيْهِ الْأَمر بَين الْإِمَامَيْنِ وَفِي هَذِه الْأَيَّام كَانَ وقُوف الشَّمْس ورجوعها وتفجرت عِنْد ذَلِك الْأَنْهَار الْخَيْرِيَّة مِنْهَا غيل وَادي سعوان فَانْتَفع بِهِ أَهله إنتفاعا تَاما وَلما بلغ مقادمة الدَّاعِي الَّذِي بِحجَّة إنتهاض الإِمَام قهقروا وَفِي عشْرين من شَوَّال سَار فَخر الدّين عبد الله بن يحيى ملك الْيمن مُحَمَّد بن الْحسن وَالسَّيِّد الْمِقْدَام صَلَاح بن مُحَمَّد القاسمي بِمن مَعَهُمَا من الأجناد من المقضضة إِلَى أَطْرَاف بِلَاد الصَّيْد وَلما اسْتَقر فَخر الدّين وَالسَّيِّد صَلَاح بالعيانة ودخلوا فِي صَلَاة الْجُمُعَة لم يشعروا إِلَّا بِجَيْش الصارم إِبْرَاهِيم بن الْحُسَيْن قد دهمهم بالبيارق وَتعقب بعد ذَلِك الرَّمْي بالبنادق فاتفقت هيعة عَظِيمَة وَأخذ أَصْحَاب الإِمَام مَصَافهمْ ثمَّ اجتلدوا بِالسُّيُوفِ واختلطوا وانجلت المعركة عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 قتل رَئِيس من أَصْحَاب الإِمَام وتصوب جمَاعَة من عسكره وَقتل سِتَّة أَنْفَار من أَصْحَاب الصارم وَكَانَت الكرة لأَصْحَاب الإِمَام فَإِنَّهُم هزموا القاصدين حَتَّى إلجاءوهم إِلَى الْفِرَار إِلَى ذيبين بعد أَن حجر بَينهم اللَّيْل وَكَانَ الإِمَام قد ندب فِي اللَّيْل غَارة نافعة من الْجند إِلَى مقَام الرئيسين فَلَمَّا اجْتَمعُوا بأصحابهم واستنشقوا نسيم النُّصْرَة قصدُوا من فِي ذيبين فصحبوهم ثَانِي يَوْم الْقِتَال وانخزل كَذَا بَنو أَسد عَن أَصْحَاب الصارم عِنْد أَن لَاحَ النَّصْر لعسكر الإِمَام فالتجأ الصارم بعد الإبلاء إِلَى التحيز فِي الْبيُوت فشن عَلَيْهِ الواصلون أمزان البنادق وَكَانَت هُنَاكَ فعلة عَظِيمَة ومقتلة جسيمة أَكثر من أُصِيب بهَا من هَمدَان لتقدمهم فِي صف الجلاد والطعان فالذاهب مِنْهُم نَحْو الثَّلَاثِينَ نَفرا ثمَّ إِن أَصْحَاب الإِمَام جاددوا بنفوسهم وحملوا حَملَة رجل وَاحِد حَتَّى لصقوا بِالْبُيُوتِ وتسنموها وَقتلُوا مِمَّن فِي الْبَلَد نَحْو ثَمَانِيَة أَنْفَار ثمَّ كفوا عَنْهُم وَلم يجد الصارم بدا من الإستسلام والمخاطبة بِأَن يخرج إِلَى شهارة فَسَار إِلَيْهَا حَضْرَة علم الْإِسْلَام بعد أَن انتهبت الْبَلَد ثمَّ أَنه وصل أَصْحَاب الإِمَام إِلَيْهِ بالأسارى فَأطلق وثاقهم ووهب لَهُم أَعْنَاقهم وردهم إِلَى مأمنهم وَفِي هَذِه الْأَيَّام توفّي السَّيِّد الْمِقْدَام يحيى بن إِبْرَاهِيم صَاحب عارضة كوكبان بمنابر تهَامَة فِي مَحل يُقَال لَهُ الطرر مِمَّا يَلِي جبال لاعة وَكَانَ هُنَاكَ أَمِيرا على جند الْأَمِير عبد الْقَادِر وَمَات بِمَوْتِهِ جمَاعَة هُنَاكَ وَكَانَ هَذَا السَّيِّد بِمحل من الرِّئَاسَة والشجاعة والنفاسة ثمَّ أَن الإِمَام أرسل عسكرا إِلَى الكلبيين شَرْقي بِلَاد خمر وَكَانَ من الماجلين وَكَانَت طَريقَة بَين حمدة ونقيل عَجِيب طالعا إِلَى بِلَاد خمر وَكَانَ صنو الدَّاعِي أَحْمد بن الْمُؤَيد بِاللَّه قد وضع بِالطَّرِيقِ الْوُسْطَى رُتْبَة قَوِيَّة وشدد على أهل وَادعَة فِي حفظ الْأَطْرَاف فَلم يشْعر إِلَّا بِدُخُول الإِمَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 إِلَى بلد يشيع وانقشاع الرُّتْبَة االتي فِي نقِيل عَجِيب والرتبة الَّتِي فَوق حمدة واختلال حَال أهل بِلَاد وَادعَة فَلم يَسعهُ بعد ذَلِك إِلَّا مُوَاجهَة الإِمَام والانقياد والإستسلام وَخرجت طَلِيعَة مِمَّن عمرَان وَأَحَاطُوا برتبة المضلعة من خلفهَا ثمَّ طلعوا إِلَى الهجر بني قطيل وأشرفوا على رَأس الْجَبَل المطل على كحلان والمغارب فهرب بعض رُتْبَة عرة الأشمور ثمَّ واجهت المضلعة وبلاد كحلان وَغَيرهَا من تِلْكَ الْجِهَات إِلَى الْأَمَام وَوصل عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الإِمَام من ضوران إِلَى صنعاء فِي ثَالِث وَعشْرين من شَوَّال وَاسْتقر صنوه عَليّ بِمَدِينَة ذمار وَلما عَاد الآغا فرحان من شهارة أنفذه الإِمَام بإمارة الْحَج إِلَى الْبَيْت الْحَرَام وَكَانَ جهازه بمشارفة عز الْإِسْلَام وَفِي اثناء ذَلِك وصل السَّيِّد صفي الْإِسْلَام أَحْمد بن إِبْرَاهِيم المؤيدي إِلَى حَضْرَة الدَّاعِي ثمَّ فَارقه إِلَى بِلَاده واضاف إِلَيْهِ ولَايَة جبل رازح وَفِي هَذِه الْأَيَّام كَانَ نَائِب الْحسن بن الإِمَام المتَوَكل على الله بن جلاء بِبَيْت الْفَقِيه الزيدية من تهَامَة معتزيا إِلَى الدَّاعِي وَكَانَ المحبشي عِنْد وُصُوله هُنَاكَ قد خرج عَن الضحي وَسَار إِلَى بَيته بجبلة فسارع بن جلاء إِلَى تحميل طعامات تهَامَة إِلَى شهارة فانتبه لقافلته جند الإِمَام االذين بالصلبة فقصدوها وانتهبوها وفيهَا وصل الْخَبَر بِأَن الهياثم فِي بِلَاد مشرق رداع دخلُوا حصن دثينة وَقتلُوا من الرُّتْبَة نفرين أَحدهمَا الشريف حُسَيْن بن عبد الله الهدوي وظفروا بِمَا فِيهِ وَكَانَ الإِمَام قد أذن للشَّيْخ الهيثمي فِي الْعَزْم إِلَى بِلَاده كَمَا أسلفناه وفيهَا نزل بِصَنْعَاء ثلج عِنْد رُجُوع الشَّمْس أصبح على ساحات الأَرْض مَبْسُوطا كالملح المدقوق وينماع كَذَا إِذا قوي سُلْطَان الشَّمْس وَقل مَا يتَّفق نُزُوله بهَا وَكَثِيرًا مَا يتَّفق بجبل قاهر حُضُور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 وَفِي عَاشر ذِي الْقعدَة جَاءَت الْأَخْبَار بتقدم الإِمَام إِلَى جِهَة شهارة فَبَاتَ فِي غربان ثمَّ سَار ثَانِي يَوْمه إِلَى البطنة وَدخل وَادي أقرّ الْمَعْرُوف بِبَيْت القابعي وَأظْهر بعد ذَلِك أَنه لَا بُد لَهُ ولعلم الْإِسْلَام من إِحْدَى خَصْلَتَيْنِ النُّزُول من شهارة لِاتِّحَاد الْأَمر أَو الطُّلُوع إِلَيْهِ للمناجزة وَلما اسْتَقر فِي أقرّ تلاحق الْجند الْمَهْدَوِيّ فَبلغ سَبْعَة الآف مقَاتل وَفِي هَذِه الْأَيَّام بلغ الدَّاعِي توجه أجناد الإِمَام الَّذين بالصلبة إِلَى الشاهل مقد لأخذ الشّرف فبادر بإرسال عِصَابَة نافعة إِلَيْهِ فوصلوا ثمَّ وَاتفقَ بِسَبَب معرة الْجَيْش دُخُول بيُوت الشاهل وترويع من فِيهَا وَلم يسلم من ذَلِك إِلَّا بَيت السَّيِّد الْعَلامَة يحيى بن أَحْمد الشرفي وَلما بلغ شرف الدّين الْحُسَيْن بن المتَوَكل على الله أَن الإِمَام قد ضرب بِبَيْت القابعي الْخيام خرج من حصن مُبين وَسَار إِلَيْهِ وَعلم الْإِسْلَام حِين رأى أهل حبور وظليمة جنحوا إِلَى جَانب الإِمَام رجح الْوُصُول إِلَى حَضرته الْكَرِيمَة فوصل إِلَى بَيت القابعي فِي ثَانِي عشر ذِي الْقعدَة وَسكن فِي بَيت وَالِده وَالْإِمَام بوطاقة فِي الحدبة الشرقية الَّتِي هِيَ قريب مصلى الْجُمُعَة وَحين اسْتَقر بِبَيْت والدهوصل إِلَيْهِ الإِمَام عَلَيْهِ السَّلَام وَاتفقَ بَينهمَا موقف لم يقْض مَعَه مرام واتفقت بَين أَصْحَاب الداعيين مكالمة أفْضى الْأَمر إِلَى إنتهاب بعض سوق علم االإسلام ثمَّ وَقع بَينهمَا الْموقف الثَّانِي فِي وطاق الإِمَام حَضَره أَعْيَان الدولة القاسمية مثل أَحْمد بن الْمُؤَيد بِاللَّه وَأحمد بن المتَوَكل على الله وحسين بن المتَوَكل على الله وَحسن بن المتَوَكل على الله قَالَ بعض قرَابَة الإِمَام وَأَشَارَ فِيهِ الدَّاعِي إِلَى المحاكمة فَأجَاب الإِمَام أَن هَذَا كَانَ قبل الْخِصَام وأماالآن فَمَا فِيهِ إِلَّا أَن يكون مِنْك الْوِفَاق أَو تقوم الْحَرْب على سَاق وخاض الْموقف عَن مُجَرّد مقاولة وامتهل الدَّاعِي وصنوه أَحْمد فِي فصل الحَدِيث إِلَى عقيب عيد النَّحْر وَفِي هَذِه الْأَيَّام خرج الدَّاعِي السَّيِّد مُحَمَّد بن عَليّ الغرباني من برط يؤم بِلَاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 نَجْرَان تخوفا من الإِمَام فَلَمَّا وصل هُنَاكَ أَرَادَ أَمِير الْجِهَة الشريف أَحْمد الجوفي الْقَبْض عَلَيْهِ فتدارك امْرَهْ الْجَمَاعَة الَّذين صحبوه من برط وَرَجَعُوا بِهِ من حَيْثُ جَاءُوا ثمَّ إِن علم الْإِسْلَام طلع إِلَى معمور شهارة بِمن مَعَه فِي حادي وَعشْرين ذِي الْقعدَة وَكَانَ قد صلى الْجُمُعَة بِبَيْت القابعي وخطب كل من الداعيين لنَفسِهِ وَفِي هَذِه االأيام وصل إِلَى الإِمَام مدد الطَّعَام من جمال الْإِسْلَام عَليّ بن أَحْمد من صعدة وَكَانَت سَالِمَة عَمَّا وَقع فِي غَيرهَا من االجدب وَالْجَرَاد وفيهَا سَار عَليّ ابْن الإِمَام الْمهْدي من الصلبة إِلَى الطّور لمناجزة رُتْبَة الدَّاعِي وأميرهم ابْن جلاء فصادفهم فِي الضُّحَى وَلما علمُوا عدم الْقُدْرَة استسلم أَمِيرهمْ ابْن جلاء ثمَّ طلب أَن يكون طلاع الثنايا إِلَى بِلَاده فَأذن لَهُ الجمالي وَسلم تِلْكَ الْبِلَاد أجمع ثمَّ أَن الإِمَام أرسل السَّيِّد عبد الله بن الْمهْدي الكبسي إِلَى عُلَمَاء صنعاء أمرا لَهُم بالوصول للخوض مَعَ أَخِيه الدَّاعِي فِيمَا يصلح للْمُسلمين فوصل مِنْهُم إِلَيْهِ القَاضِي الْعَلامَة إِمَام الْمَعْقُول مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم السحولي وَالْقَاضِي الْعَارِف عَليّ بن جَابر الهبل وَالْقَاضِي الْعَارِف عَليّ بن مُحَمَّد الخياري وَكَانَ الدَّاعِي قد أَشَارَ إِلَى حُضُور القَاضِي مُحَمَّد بن عَليّ قيس وَالسَّيِّد يحيى بن أَحْمد الشرفي وَالسَّيِّد يحيى وَالسَّيِّد إِسْمَاعِيل إبني إِبْرَاهِيم فوصلوا إِلَى حَضرته بشهارة فِي نصف ذِي الْحجَّة مَا عدا السَّيِّد يحيى بن أَحْمد فَأَنَّهُ أناب وَلَده منابة وَحبر رِسَالَة صحّح فِيهَا إِمَامَة الدَّاعِي وَكَانَ قد تكلم بذلك سَابِقًا وَكتب إِلَى الإِمَام وتقضى عَن إِجَابَة دَعوته بسبق دَعْوَة علم الْإِسْلَام واجتماع شَرَائِط الْإِمَامَة فِيهِ وَاحْتج على حُرْمَة التَّأَخُّر عَن إجَابَته بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من سمع واعيتنا أهل الْبَيْت فَلم يجيبها كَبه على مَنْخرَيْهِ فِي جَهَنَّم وَقد قيل فِي هَذَا الحَدِيث أَنه مَوْضُوع لَا أصل لَهُ وَلَيْسَ لَهُ سَنَد عَلَيْهِ تعويل وَبَعض أَصَابَنَا الهدوية قد ذكره بِسَنَد مَقْطُوع بِنَاء على قبُول الْمَرَاسِيل والإشكال الْأَعْظَم يدخلهَا من قبيل رِوَايَة المجاهيل كَمَا أَشَارَ إِلَى ذَلِك الإِمَام الْحجَّة مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم فِي التَّنْقِيح وَكثير من مؤلفاته وَلما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 اجْتَمعُوا وَقع خوض لم يفصل فِيهِ حَدِيث وَالسَّيِّد أَحْمد بن إِبْرَاهِيم صَادف إنفصاله عَن شهارة إستقلال الإِمَام بِبَيْت القابعي فرجح نظره الْمُرُور عَلَيْهِ وأنزله الإِمَام بِمَنْزِلَتِهِ من الإجلال والإعظام وعذره عَن الْبيعَة بعد تقدم بيعَة الدَّاعِي وانفصل الأممر بَينهمَا على نُفُوذ السَّيِّد إِلَى بَيته فَسَار إِلَيْهِ وَلما قرب مل الإِمَام بِبَيْت القابعي من مَحل يصل إِلَيْهِ الرَّمْي من شاهارة وَقع مِمَّن ذَلِك شَيْء إِلَى الوطاق وَكَانَ قد سمع أكاليم كَذَا من سفاسف النَّاس الَّذين بشهارة فرجح النقلَة عَن ممله إِلَى حَيْثُ يبعد عَن ذَلِك وَفِي هَذِه الْأَيَّام جَاءَت الْأَخْبَار بِخُرُوج سُلْطَان الرازبوت على سُلْطَان مملكة الْهِنْد الباطشاه أورنقزيب وَكَانَ قد نصب مكايده للسُّلْطَان واستفحل أمره فِي العتود والطغيان واشتعلت فتنته وكادت أَن تقوى صولته فنصر الله ألوية الْحق عَلَيْهِ وَعَاد مَا نَوَاه من شَره إِلَيْهِ فوهن أمره واضمحل شَره وَدخلت سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَألف فِي أول يَوْم مِنْهَا كَانَ قرَان المُشْتَرِي والزهرة فِي برج الدَّلْو وَارْتَفَعت الزهرة عَلَيْهِ وَفِي نصف الشَّهْر انْتقل الإِمَام من شَرْقي شهارة إِلَى حاشف جنوبيها وَفِي تَاسِع محرم كَانَ تحول السّنة بِدُخُول الشَّمْس أول دَرَجَة فِي الْحمل وَكَانَ زحل فِي الجوزاء رَاجعا وَالْمُشْتَرِي والمريخ والزهرة بالدلو والذنب وَالرَّأْس وَالْقَمَر بالعقرب كل هَذَا بِحِسَاب المتؤخرين كَذَا وَفِي خَامِس وَعشْرين وصل أَوَائِل حَاج الْيمن وأخبروا بِخُرُوج الْمحمل الشَّامي من مصر أَو البواب وَفِي صحبته ابْن الشريف بَرَكَات وَمَعَهُ إِنَّه = إنعامات على وَالِده مِنْهَا الخلعة وَتَقْرِير الْولَايَة حَرْب الأبرق وَفِي ثَالِث صفر بلغ الْخَبَر إِلَى صنعاء المحمية بِاللَّه أَن علم الْإِسْلَام ندب للصدام بطريقه أميره الْمُقدم وهزبره الغشمشم إِبْرَاهِيم بن الحسبن بن الْمُؤَيد بِاللَّه فَتقدم إِلَى مساقط الأهنوم وَبلغ الأبرق مَا بَين الأهنوم وظليمة فَوق سوق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 الثلوث فَوجه إِلَيْهِ الإِمَام للسرعة لهاميم الْحَرْب وشطار الطعْن وَالضَّرْب وَكَانَ من الصارم الرُّجُوع من مَحَله إِلَى بعض الْقرى وَكَانَ الإِمَام قد استدعى من الصلبة الْأَمِير أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن وَأما عَمه ملاعب الأسنة والصوارم والأسد الكاشر الضبارم فَكَانَ بِحَضْرَتِهِ وَكَانَ مِمَّن حضر حَرْب الأبرق وَأَبَان فِيهِ عَن بسالة عنترية وفتكات حيدرية ثمَّ اتّفق الْحَرْب الشَّديد بَين أجناد الصارم وعساكر الإِمَام فَكَانَت الدائرة على أَصْحَاب إِبْرَاهِيم وَقتل مِنْهُم نَحْو الْخمسين وَأسر جمَاعَة مِنْهُم واستأسر بعد ذَلِك وَتعقب ذَلِك خراب لبيوت جمَاعَة من أهل الْقرى المحيطة بِمحل الإِمَام بِسَبَب الرَّمْي الَّذِي كَانَ يدْرك من حَولي تِلْكَ الْبيُوت وَكَانَ من علم الْإِسْلَام بعد ذَلِك مطالعة حَضْرَة الإِمَام بمكتوب يتَضَمَّن الجنوح إِلَى التَّسْلِيم وَمَعَهُ مَكْتُوب من الْأَمِير أَحْمد بن المتَوَكل على الله وَقد كَانَ يلوح من أَحْوَاله الْميل إِلَى جَانب الإِمَام من قبل وَإِنَّمَا رَاعى مقتضيات أَحْوَال بالتأني ثمَّ وصل إِلَى صنعاء الشريف صَالح بن عقبات بالأسراء وَفِيهِمْ الصارم ثمَّ إِن الدَّاعِي عَلَيْهِ السَّلَام استدعى السَّيِّد ضِيَاء الدّين زيد بن عَليّ جحاف إِلَى محروسة شهارة ليلقي إِلَيْهِ مَا فِي خاطره وَيرْفَع إِلَى الإِمَام مَا لَا يستودعه عَنهُ غَيره فطلع إِلَيْهِ وَأمر عِنْد ذَلِك بارتفاع رتب بِلَاد حجَّة وكحلان أشعارا بالميل إِلَى الْوِفَاق وَللَّه الْحَمد وَفِي أثْنَاء هَذِه الْمدَّة نفذ الْأَمِير عَليّ بن الإِمَام الْمهْدي لدين الله مؤمرا ومجهزا لحفظ أَطْرَاف الْبِلَاد وباحثا عَمَّا كَانَ قد ذكر عَن أَخِيه الْعزي مُحَمَّد بن أَمِير الْمُؤمنِينَ من مُوالَاة الدَّاعِي علم الْإِسْلَام وَكَانَت هَذِه الفعلة مظْهرا عَظِيما لفخر الثَّلَاث الْقَبَائِل بني حشيش وَبني الْحَارِث وهمدان فَإِنَّهُم تسنموا الْجبَال قَاصِدين للمنازلة بعد أَن حكم عَلَيْهِم أجناد الصارم من الْأَمَاكِن الشاهقة وَاتبعُوا الرَّمْي بالبنادق إرْسَال الْحِجَارَة عَلَيْهِم من أَعلَى إِلَى أَسْفَل مَعَ بسالة أهل الأهنوم وجودة رميهم وقيامهم مَعَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 الدَّاعِي بِالْقَلْبِ والقالب خلى أَنه كَانَ الْعجب قد داخلهم وغضوا من جَانب أَصْحَاب الإِمَام والذاهب فِي هَذِه الملامم أعظمها وقْعَة ذيبين والصلبة والأبرق نَحْو الممائين وَكَانَ الْأَمِير أَحْمد بن الْمُؤَيد بِاللَّه صنو الدَّاعِي أخذا بالأحوط وناظرا فِي آخر الْأَمر فَعِنْدَ أَن ظهر جَانب الإِمَام بالإستيلاء على الصارم الْمِقْدَام بَادر مبايعا وَأَقْبل مشايعا وَنزل علم الْإِسْلَام عَن حصنه المنيع وَقدره الرفيع إِلَى حَضْرَة أَخِيه الإِمَام ووقفا على قدر من الإتفاق تنحسم بِهِ مَادَّة الشقاق وترغم بِهِ أنوف أهل الْبغضَاء والنفاق وَوضع االإمام رسمه فِي إقطاع جَانب من الشرفين وَعَاد وَقد رزق التَّخْفِيف وأطراح جِلْبَاب التَّكْلِيف وثلجت بذلك صُدُور وسكنت أَفْئِدَة وصلحت أُمُور وَكَانَ قبل ذَلِك محرضا للْإِمَام الشَّيْخ إبر اهيم الْهِنْدِيّ (هَل الرُّسُل الأذابل غراب ... وَهل غير بيض الرهفات كتاب) (وَهل خَاطب إِلَّا على مِنْبَر الطلى ... غراراه فصل وَاضح وخطاب) (صحيفَة مَاض لَا صحيفَة رَاقِم ... تَلَاهَا وَهل يَتْلُوا السيوف قرَاب) (أجبها أَمِير الْمُؤمنِينَ وأفتها ... فقد سَأَلت والمشرفي جَوَاب) (ترى مَا عَسى الأقوام يَبْغُونَ دونما ... دَعَوْت إِلَيْهِ إِن ذَا لعجاب) (هَل الْقَصْد إِلَّا أَن تُقَام شَرِيعَة ... وتأمن سبل للهدى وشعاب) (وَهل غير فرقان النَّبِي مُحَمَّد ... وسنته الغرا فَأَيْنَ ذهَاب) (ترا وَجَبت بِالنَّصِّ فيهم لقاسم ... وفرط إجتهاد عِنْد ذَاك يُجَاب) (بلَى دون مَا ظنوه كل تنوفة ... سمالق لم تعسل بِهن ذُبَاب) (هَل االبر إِلَّا أَنهم وَسعوا بِهِ ... مسالك مَا يرجون مِنْهُ فخابوا) (وأطروا بِهِ إطرأ غير مشرع ... وَمَا لَيْسَ يُرْضِي الشَّرْع فَهُوَ سباب) (على أَنه الْبر الْخُشُوع تعبدا ... أَمن بعد محراب يُقَال حراب) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 (لقد خدعوه واستلانوا قناته ... وَمَال بِهِ عي لَهُم وشياب) (وَقد يخدع الْحر الْكَرِيم سلجية ... إِذا رَوْعَته أسرة وصحاب) (دَعوه إِلَى الدُّنْيَا بِمَا يظهرونه ... إِلَى طلب الْأُخْرَى وَذَاكَ كذااب) (وَهل عِنْد من يرجوا رضى الله فتْنَة ... تثأر وَهل إِلَّا إِلَيْهِ إياب) (فحقق ذَوي التقميص يَا قَاسم العلى ... فثم ذئاب فوقهن ثِيَاب) (أَجلك قدرا أَن تصيح لرأيهم ... فقد وقدت حَرْب وثار شهَاب) (لقد حسنوا أَمر االتفرق فِيكُم ... وحالوا بَينهمَا وخابوا) (وشقوا عصى الْإِسْلَام وَالدّين جَامع ... وَأَنْتُم على شرع النَّبِي صلاب) (وَقد رقش الْأَقْوَال مِنْهُم مسسنهم عِصَابَة ... وَللَّه دين مَا عَلَيْهِ حجاب) (أعد نظرا فِي أَمرهم متيقضا ... تَجِد قيعة فِيهَا الخليج سراب) (فيا أَيهَا الْمهْدي الإِمَام أصخ لَهَا ... فَمَا بعْدهَا للناصحين خطاب) (واحرص على هذى الْخلَافَة أَنَّهَا ... الْعَرُوس وَمَا غير الدِّمَاء خضاب) (فيا طالما حاولت حقن دِمَائِهِمْ ... وَلَكِن رُؤُوس أينعت ورقاب) (تراموا على حب الرِّئَاسَة غرَّة ... وَثمّ موام دونهَا وهضاب) (مهالك لم يصحب بهَا الذِّئْب نَفسه ... وَلَا طَار فِيهَا بالجناح غراب) (بِهِ حاولوا نيل المزايا وأملوا ... مَرَاتِب من دنياهم فأرابوا) (وَلَو أَنهم أموا إِلَيْك لأدركوا ... جَوَامِع مَا يبغونه وَأَصَابُوا) (وملكوا الدُّنْيَا لديك وأحرزوا ... بطاعتك الْأُخْرَى وَصَحَّ مثاب) (دعوتهم نَحْو الْهِدَايَة مشفقا ... عَلَيْهِم وَمَاء الود لَيْسَ يشاب) (فظنوك سلما عِنْد ذَاك وَمَا دروا ... روابض أَسد تتقا وتهاب) (أَلا فادعهم بالرهقات معاتبا ... فَمَا غَيرهَا للمارقين خطاب) (على السَّيْف أسس مَا بنيت فَكلما ... أشدت على أس الوداد خراب) (دعى الْمُصْطَفى دهرا بِمَكَّة لم يجب ... وَقد لَان مِنْهُ جَانب وخطاب) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 (وَقَالُوا لَهُ أما خوارق آيَة ... فسحر وَأما مَا تلى فكذاب) (فَلَمَّا دعى وَالسيف صلت بكفه ... بِهِ آمنُوا واستسلموا وأنابوا) (على النَّصْر خيل الله سير رعيلها ... وجهز جنود الْحق حَيْثُ تثاب) (وسير ذَوي الرَّايَات أَعْلَام حاشد ... فهيهات أَن ينسد دُونك بَاب) (وصل ببكيل فتية الْحَرْب إِنَّهُم ... على الْحق غَضبا والليوث غضاب) (بهم فارم عرنين الْجبَال فَإِنَّهُم ... عرانين أَسد ماجدون نجاب) (إِمَام الْهدى أرز ذيول جيوشها ... همام لَهُ السَّيْف المشطب نَاب) (أَبَا حسن ضخم الدسيعة من لَهُ ... مضاء إِلَى مَا يَبْتَغِي وغلاب) (مُحَمَّد الريبال صفوة أَحْمد ... أبي طَالب من لم ترعه صعاب) (واعقد لِوَاء النَّصْر وَالطير عكف ... كلا خافقيها فِي الْمَكْر عِقَاب) (إِذا قدحت شهب الفوارس والظبا ... جمارا وَقد أورى الزِّنَاد ضراب) (هُنَالك تلق الْحق أَبْلَج وَاضحا ... وللشمس من نسج العجاج نقاب) (فصل ببني الْعم الَّذين دعوتهم ... بداعيك فِي دين الْهدى فَأَجَابُوا) (وَلم تقد الدُّنْيَا خرائم عيسهم ... وَلَكِن طابوا مشرعا فأطابوا) (من الصفوة إِسْمَاعِيل قدس سره ... لَهُم جيئة نَحْو التقى وَذَهَاب) (وحسبك عز المكرمات مُحَمَّد ... فَتى لَيْسَ للدنيا لَدَيْهِ حِسَاب) (على أَنه قَاض بِمَا يسْتَحق ... إِلَى الدّين مِنْهَا لم يرعه مصاب) (وصل بعلي مِنْهُم تلق سيدا ... لَهُ نهج ملك فِي الفخار صَوَاب) (هُوَ الْخَاطِب االمنطيق ذُو الْقَلَم الَّذِي ... كمرهفه البتار لَيْسَ يعاب) (ببأس يقد الصلب عِنْد نُفُوذه ... وجيش لَهُ موج الحتوف شراب) (وعجم حُسَيْنًا تلق قدح كنَانَة ... ينَال بِهِ مرمى العلى ويصاب) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 (هُوَ الْأسد الْمِقْدَام عِنْد مصاله ... وَلَكِن عِنْد النوال عباب) (سرا وهلال الْعِيد يهدي طرفه ... من التبر سرجا والسماك ركاب) (جواد كَانَ الشهب مِنْهَا قلائد ... عَلَيْهِ وَمن جنح الظلام إهَاب) (وَلَا تنس مِنْهُم أَحْمد بشهارة ... فَذَلِك طود شامخ وهضاب) (هُوَ المرهف الْمَاضِي الغرار وَإِنَّمَا ... حواه من الْعلم الرسوخ قرَاب) (وَللَّه من آل الْحُسَيْن بن قَاسم ... موارد فِي الدّين الحنيف عَذَاب) (وحسبك مِنْهُم أَحْمد بن مُحَمَّد ... لَهُ نسب فِي المكرمات قرَاب) (لَهُ الْعَسْكَر المجر المتين ببطشه ... سعيرا بقطر الْعَرَب مِنْهُ لهاب) (يسابق عيد الْفطر بالنحر ذابحا ... كباش العدا مذ ناوشوه ونابوا) (أَطَاعَتك أكناف الأقاليم عزيد ... فَمَا حجر فِي هنوم وتراب) (وَأَرْجُو لأبناء الْمُؤَيد فيئة ... تكون لَهُم نَحْو السداد مثاب) (وَلَا تنس يحيى بن الْحُسَيْن فَإِنَّهُ ... هُوَ الْبَدْر إِن قُلْنَا سواهُ شهَاب) (وصل ببني القادات من آل هَاشم ... بِسيف يروع اللَّيْث مِنْهُ ذُبَاب) (أجل وَبَيْنك الشامخين سيادة ... لَهَا فَوق أفلاك النُّجُوم قباب) (وناهيك سيف الله مِنْهُم مُحَمَّد ... هزبر لَهُ السَّيْف المشطب نَاب) (يحاذره المريخ بَأْسا وسطوة ... بهَا نوب الدَّهْر الخؤون تناب) (وَهل للحسين القسورى منابذ ... وشم الصَّيَاصِي من سطاة تذاب) (هزبر لَهُ كَهْف الْإِمَامَة غابة ... وَفِي كل قطر من يَدَيْهِ سَحَاب) (ورع بعلي مَا قذفت من الورى ... فَفِيهِ لأقيال الْجبَال عَذَاب) (يصرف رمحا للطعان كَأَنَّهُ ... إِذا مار فِي موج الدلاص حباب) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 (هُوَ الباز طورا والغضنفر تَارَة ... تضل لَدَيْهِ الْأسد وَهِي سقاب) (إِلَيْك أَمِير الْمُؤمنِينَ مغذة ... لَهَا بَين مصر والصعيد ركاب) (وَقد ثقفت من نبع عزمك أسهما ... لَهُنَّ بأثناء الْعرَاق جعاب) (وَمَا خصصت ترويعها بشهارة ... فكم دَار مِنْهَا فِي الثغور لعاب) (مزاياك هالتها لفرط ظُهُورهَا ... وَهل يحمل االبحر الخضم بَاب) (فدم وَأمر الأسياف تعْمل بحكمها ... فقد طَال أعنات وطار عتاب) وَفِي هَذِه اليام ظهر وَقت السحر نجم لَهُ شُعَاع من قدامه قدر نصف ذِرَاع من مجر الثريا وَمَكَان طُلُوعهَا بقى كَذَلِك قدر ثَلَاث أَيَّام ثمَّ اضمحل ثمَّ سَار الإِمَام بعد ذَلِك إِلَى مَحل يُقَال لَهُ قرن الوعر مُتَوَجها فِي الْبَاطِن إِلَى صعدة الشَّام فسارع إِلَيْهِ قبائل العصيمات مواجهين ثمَّ سَار إِلَى الفقم من العمشية فاستقر بِهِ قدر نصف شهر ثمَّ سَار إِلَى بركَة مداعس وَسكن بعض أَيَّام وَأخذ فِيهَا على سُفْيَان تَأْمِين الطّرق وأحسنن إِلَى أكابرهم ووعدهمم بالمعتاد ثمَّ سَار مُتَوَجها إِلَى صعدة فَلَمَّا وصل إِلَى الْعُيُون وَكَانَ قد ضرب لَهُ الوطاق برحبان الْيَوْم الأول تقدم إِلَيْهِ امير الشَّام جمال الدّين عَليّ بن أَحْمد مهنئا ومواليا بِمن مَعَه من الْأَعْيَان ثمَّ تقدم إِلَى رحبان وَدخل بعد ذَلِك صعدة لصَلَاة الْجُمُعَة وَعَاد إِلَى رحبان ووصلت إِلَيْهِ قبائل صعدة من كل أَوب وَكَانَ استقراره برحبان فِي نصف ربيع الأول وَفِي هَذِه الْأَيَّام جهز الإِمَام الْفَقِيه أَمِير الدّين الْقرشِي إِلَى تهَامَة وَأمره بإصلاح الطرقات والموارد وانْتهى إِلَى صَبيا وَتُوفِّي هُنَاكَ وَكَانَ قد ولي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 للمتوكل على الله بالشحر وعدن وَعمر فِيهِ قريب السَّاحِل مَسْجِدا بإسطونتين وَثَلَاثَة عُقُود قَالُوا وَكَانَ الإِمَام قد كتب إِلَى الْبِلَاد النجدية وشريف مَكَّة بَرَكَات فِي شَأْن إِجَابَة دَعوته وَأَن لَهُ نِيَّة فِي الدُّخُول إِلَى مَكَّة والتجاوز إِلَى غَيرهَا من بِلَاد السُّلْطَان فَأَجَابَهُ بِمَا حَاصله إِنِّي وَاحِد مِنْكُم يَا أهل الْيمن وعَلى الرحب والسلامة خلى أَن الَّذِي نَقله الواصلون من حَضْرَة صَاحب التخت أَنه هَذِه الْمدَّة بِزِيَادَة الْقُوَّة وَزِيَادَة البسطة وَهُوَ الْآن سَاكِت عَن هَذِه الأقطار اليمنية وَمَعَ حركتكم الميمونة يرفع إِلَيْهِ ذَلِك على كف الرِّيَاح وَتَطير إِلَيْهِ بِهِ أعيانه بِلَا جنَاح فدونكم مَا يتَّفق بعد ذَلِك بَيْنكُم وَبَينه (وَمَا أَنا مِمَّن غزيَّة إِن غوت ... غويت وَإِن ترشد غزيَّة أرشد) فعرج الإِمَام عَن ذَلِك الرَّأْي وصمد إِلَى إفتقاد خَاصَّة الْيمن واشتدت الأزمة هَذَا الْوَقْت سِيمَا فِي الْيمن الْأَسْفَل فَإِنَّهَا خلت فِيهِ عَن سكانها قرى من الْجُوع قَالَ بعض آل الْقَاسِم أَخْبرنِي رجل انه دخل بَيْتا فَوجدَ فِيهِ سَبْعَة موتى ثمَّ دخل بَيْتا آخر فَوجدَ فِيهِ رجلا بِهِ آخر رَمق وإمرأة ميتَة وطفلا يرضعها فاستعبر ذَلِك الدَّاخِل وَحمل الطِّفْل إِلَى راعي غنم يرضعه مِنْهَا ثمَّ بَادر هَارِبا من تِلْكَ الْأَمَاكِن وَكَانَ جمال الْإِسْلَام عَليّ بن المتَوَكل على الله قد سَار إِلَى إب فشاهد من تِلْكَ الأزمة مَا يُوجب الْعود فَعَاد إِلَى ذمار وَفِي جُمَادَى الأولى مَاتَ بيفرس الْأَمِير جمال الدّين عَليّ بن الْمهْدي لدين الله وَدفن بجوار النَّقِيب عَليّ وَفِي هَذَا الْوَقْت عَاد مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْقَاسِم من خمر إِلَى عمرَان وَفتح هُنَالك دَار الضَّرْب فكاد سليقه إِلَى مَا يعتاده أهل السنتين وَغَيرهم من التَّشْبِيه فَتغير لذَلِك خاطر عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن المتَوَكل على الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 ثمَّ ان الإِمَام إنقلب رَاجعا إِلَى بَلْدَة عيان فِي شعْبَان وَاسْتقر بهَا رَمَضَان الْكَرِيم وَفِي هَذِه الْمدَّة تناوشت الْأَيْدِي بِلَاد يريم وَصَارَ التطلع إِلَيْهَا من جمَاعَة لَا تَبْرَح وَلَا تريم وَكَانَ الإِمَام قد وَجههَا كَمَا سبق إِلَى السَّيِّد الْعَارِف يحيى بن الْحُسَيْن بن الْمُؤَيد فاشترك فِي مد الْيَد إِلَيْهَا شرف الْإِسْلَام الْحُسَيْن بن الْحسن وجمال الدّين عَليّ بن المتَوَكل وأخوة شرف الدّين الْحُسَيْن بن المتَوَكل وَفِي غرَّة شعْبَان برز أَمر الإِمَام إِلَى الْعِزّ مُحَمَّد بن المتَوَكل على الله فِي إجلاء الْيَهُود وخراب كنائسهم فَخَاضَ بعد الْأَمر فِي ذَلِك مَعَ عُلَمَاء صنعاء فِي شَأْنهمْ وجنح إِلَى رَأْي الإِمَام مِنْهُم القَاضِي مُحَمَّد بن عَليّ قيس الثلائي وَمَعَهُ فِي ذَلِك القَاضِي مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم وَالْقَاضِي أَحْمد بن صَالح بن أبي الرِّجَال وَنقل ذَلِك عَن القَاضِي زَكَرِيَّا من عُلَمَاء الشَّافِعِيَّة قَالَ بَعضهم وَلم يُوجد ذَلِك فِي مؤلفاته والإستناد فِي ذَلِك إِلَى الحَدِيث الَّذِي كَانَ آخر مَا تكلم بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِيه أخرجُوا الْيَهُود من جَزِيرَة الْعَرَب على ظَاهره وجنح جمَاعَة من عُلَمَاء الْوَقْت إِلَى مَا اتّفق من الصَّدْر الأول من إجلائهمم عَن الْحجاز فَقَط وَعدم التَّعَرُّض لمن فِي غَيره مِمَّن سَائِر بلدان الجزيرة بِمَثَابَة الحكم وَهُوَ لَا ينْقض إِلَّا بعلمي لِأَن المسئلة من المضطربات الإجتهادية وَهُوَ من بَاب إِطْلَاق إسم الْكل على الْجُزْء مجَازًا قلت وَأما الإنتصار لَهُ بِمَا أخرجه الْبَيْهَقِيّ أخرجُوا الْيَهُود من الْحجاز فر يُفِيد لِأَنَّهُ يكون شَبِيها بالتخصيص بموافق الْعَام وَهُوَ مَذْهَب مطرح وَإِنَّمَا قلت أَنه شَبيه بِهِ وَلم يكن عينه لِأَن مَجْمُوع لفظ جَزِيرَة الْعَرَب الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ عبارَة عَن تِلْكَ الْأَمَاكِن المحدودة وَهُوَ بِهَذَا الإعتبار لَيْسَ من صِيغ العمموم الْمَعْرُوفَة وَإِذا كَانَ مُجَرّد إِضَافَة جَزِيرَة إِلَى الْعَرَب عِنْد عدم مُلَاحظَة العلمية عُمُوم إِضَافَة الْجِنْس إِلَى الْمعرفَة وَفِي تَعْرِيف الْعَرَب عوم آخر لكنه غير ملحوظ وَضَابِط أَمَاكِن جَزِيرَة الْعَرَب قولي (جَزِيرَة الْعَرَب العربا يشملها ... قولي الَّذِي مَا بِهِ نقد لمنتقد) (فالطول من يمن يَا ذَا الذكاء إِلَى ... ريف الْعرَاق فَلَا تنقص وَلَا تزد) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 (وَالْعرض من سَالَ يعزا لجدتهمم ... إِلَى الشَّام رَوَاهُ العالمم الصَّفَدِي) وَالْقَوْل بِأَن الممراد بجزيرو الْعَرَب الْحجاز فِي الحَدِيث أطبق عَلَيْهِ مَا عدا الْمَالِكِيَّة من أهل الْمذَاهب الْأَرْبَعَة فبادر الإِمَام إِلَى هدم مَا وجده فِي بِلَاد البون من الْكَنَائِس وَلما جزم الْأَمر سفرهم الإِمَام إِلَى موزع فَهَلَك مِنْهُم عَالم ثمَّ بعد زممان عَادوا إِلَى أماكنهم وَقد بيع أَكْثَرهَا فاختير ليهود صنعاء محلهم الْمَعْرُوف الْيَوْم من قاع صنعاء وَفِي هَذِه الْأَيَّام انْقَطع إِلَى الله الْفَقِيه الْعَارِف أَحْمد بن عبد الله الجربي نفع الله بسره وَترك علائق الإشتغال بالدنيا وسعى فِي خويصة نَفسه من إحْيَاء مَجْمُوع أوقاته بالنسك والتفكر الصَّادِق فِي أَمر الْآخِرَة مَعَ شمائل عنبرية وأخلاق نبوية من الإيثار على النَّفس وتفقد أَحْوَال ضعفة الْمُسلمين إِلَى أَبْوَاب بُيُوتهم بقد طاقته وَاسْتمرّ حَاله كَذَلِك وَانْفَرَدَ بسلوك هَذِه المسالك وَقد كَانَ درس من فروع الزيدية فِي شرح الأزهار والتذكرة وَغَيرهَا وَفِي ثَانِي شَوَّال مَاتَ الشريف مُحَمَّد بن عبد الله بن عَامر بقصر صنعاء وَله مشارفة على بعض العلميات سِيمَا فِي العقائد على مَذْهَب الْمُحْتَرِقَة من الشِّيعَة رَحمَه الله وَكَانَ مَسْكَنه الدَّار الَّتِي فَوق بَاب الْقصر الْخَارِج الَّتِي كَانَت بدولة الأتراك لعَلي آغا وَفِي تَاسِع عشر شَوَّال مَاتَ الشريف الْعَلامَة عز الدّين بن عَليّ ابْن فَخر الدّين بن حسن بن عَليّ العبالي بِمَدِينَة صنعاء وَكَانَ متظلعا من فنون الْعَرَبيَّة سهل الْأَخْلَاق لطيف الْبَحْث مَعَ الطّلبَة سَلس القياد أَخْبرنِي شَيخنَا الْعَلامَة عَليّ بن يحيى البرطي حفظه الله أَنه قَرَأَ عَلَيْهِ من لَيْسَ عِنْده كل التَّمْيِيز وَكَانَ يَقُول للسَّيِّد فِي الجليات هَذَا مُشكل وَالسَّيِّد يُرِيد إقناعه لما عرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 أَن إرشاده إِلَى وَجه الصَّوَاب غير مُمكن فَيَقُول لَهُ عقيب ذَلِك وَأَنا أسمع ان هَهُنَا إشْكَالًا وَيُرِيد بذلك انه سمع من ذَلِك التلميذ فَيَقَع بِمُجَرَّد ذَلِك ويسرد بَقِيَّة الْكَلَام وَفِي هَذِه الْمدَّة مَاتَ الْفَقِيه الأديب يحيى بن حُسَيْن الحيمي بعيان حَضْرَة الإِمَام بصكة وَقعت فِي جَبهته من جِهَة فرسه عِنْد رفع عنانه وَكَانَ مغوما وَله فِي الإِمَام وَغَيره غرر من القصائد وَفِي ذِي الْقعدَة ظهر نور بِمَسْجِد النهرين من صنعاء وَكَانَ قد ظهر قبل ذَلِك وَفِي الْعَاشِر مِنْهُ اقْترن المُشْتَرِي والزهرة فِي الدَّلْو وَفِي هَذِه الْأَيَّام وصل على يَدي بعض الْأَعْرَاب إِلَى صنعاء مُصَنف الْعَلامَة بهاء الدّين العاملي االمسمي الزبدة وتناقلته إيدي الباحثين وَاخْتلفت الْعِنَايَة بِهِ على قدر العقائد وَالْكتاب من التَّحْقِيق فِي أصُول الإمامية بِمحل رفيع وآثاره تقضي لَهُ بالتقدم فِي جَمِيع الْفُنُون وَله فِي النّظم الْيَد الطولي وينسب إِلَيْهِ شَيْء من الخوارق الدَّالَّة على تصرفه فِي طَريقَة الْحَرْف وَقد طَغى عَلَيْهِ قلم االخفاجي فِي ريحانته على مَا هُوَ دأبه فِي كثير من الأفاضل وفيهَا سَار الإِمَام من عيان إِلَى الْغِرَاس فوصل إِلَيْهِ مستهل ذِي الْحجَّة وَفِي هَذِه الْأَيَّام عرضت مناقشة االفقيه الْعَلامَة الْحسن بن مُحَمَّد المغربي للإستدلال على إِجْمَاع العترة بقوله تَعَالَى {إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت} الْآيَة وَأجَاب عَنهُ جمَاعَة من العصريين مِنْهُم السَّيِّد الْعَلامَة يحيى بن إِبْرَاهِيم الجحافي وفيهَا وَردت رِسَالَة السَّيِّد مُحَمَّد بن عَليّ الغرباني إِلَى صنعاء يتَكَلَّم فِيهَا على اسْتِحْقَاقه الْخلَافَة وإلزام النَّاس النّظر فِي أمره واستجماعه شَرَائِط الْإِمَامَة وعقبها بِأَبْيَات بليغة مِنْهَا (يَا أَيهَا النَّاس فَاسْمَعُوا إيَّايَ ... سَماع خاش لرَبه اذر) (هَا قد دعى خَمْسَة وَكلهمْ ... قد أدعى أَن سَهْمه القامر) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 والرسالة والأبيات مثبتة بكاملها فِي غير هَذَا التوقيع وَمَنَعَنِي عَن إيداعها فِيهِ مَا رَأَيْت مِمَّا يكلم ويثلم أسبل الله على الْجَمِيع ثوب ستره وَقيد قُلُوبنَا المستعصبة كَذَا بسلاسل قهره وَفِي هَذَا الشَّهْر توفّي الشريف الخطير الْحسن الْحرَّة الَّذِي كَانَ نَائِبا بعدن وَفِي غرَّة ذِي الْحجَّة جَاءَ الْخَبَر إِلَى صنعاء بِاتِّفَاق أَمر عَظِيم وحادث فِي الْحرم مقْعد مُقيم وَهُوَ التلطيخ بِالنَّجَاسَةِ لجدر الْكَعْبَة المشرفة وبابها وأركانها ومطافها وزمزم ومقام إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام وَسَائِر المقامات فَوَقع الْوَهم فِي ذَلِك على سِتَّة أَنْفَار من الْعَجم ففتك بهم الإنقشارية كَذَا للفور وَلَا يظنّ بهم ذَلِك إِلَّا أَن يَكُونُوا من القرامطة فهم فرقة من رافضة الْعَجم وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال وَدخلت سنة تسع وَثَمَانِينَ وَألف فِي غرَّة محرم جَاءَت الْأَخْبَار بصلاح شَأْن الْحَج وَأمر السُّلْطَان الشريف بَرَكَات بِالْخرُوجِ بأَهْله عَن مَكَّة لافتقاد أَحْوَال عنزة ووفاة الْوَزير الْأَعْظَم وَكَانَ الشَّيْخ مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بِمَكَّة نَائِب المعاليم من قبل الْوَزير فَعِنْدَ توجه الوزارة إِلَى غَيره فَارق مَكَّة المشرفة إِلَى الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة وَفِيه طلع إِلَى حَضْرَة الإِمَام نَائِب العدين السَّيِّد رَضِي الدّين جَعْفَر بن المطهر الجرموزي وَقدم بَين يَدي وُصُوله ثَمَانِينَ جملا وَلم ينْفَصل إِلَى بلد ولَايَته بِسُرْعَة لشكوى وَقعت من أهل الْبِلَاد وَفِي سادس وَعشْرين مِنْهُ وَقت الْغُرُوب توفّي الْأَمِير الْمِقْدَام بدر الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن الإِمَام الْمَنْصُور بِاللَّه عَلَيْهِ السَّلَام بروضة حَاتِم من بِلَاد ولَايَته وَدفن عِنْد جَامعهَا الَّذِي من مآثر وَالِده وَكَانَ لَهُ عناية فِي الْعدْل وإطعام الطَّعَام وَحفظ التَّارِيخ مَعَ برارة وجدادة رَحمَه الله وَكَانَ تَحْويل السّنة بِدُخُول الشَّمْس أول الْحمل فِي تَاسِع وَعشْرين والمريخ وَالْمُشْتَرِي وزحل بالجوزاء وَالْقَمَر وَعُطَارِد بِالْحملِ وَفِي هَذِه الْأَيَّام انهمك أهل العصيمات وسُفْيَان ودهمة فِي التخطف بطرِيق العمشية وَكَانَ قد سبق آخر هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 الْعَام الْمَاضِي من ابْن الدمينة وَغَيره مثل ذَلِك واتصل ذَلِك بِبِلَاد البطنات وأطراف عذر وحول شهارة وَفِي نصف صفر نزل من نقم السَّيْل الْعَظِيم فَدفن الغيل غيل الرَّوْضَة الَّذِي يخرج من الصفاء وَسَائِر الغيول وأخرب عدَّة من بيُوت شعوب وَغَيرهَا وَفِي هَذَا الشَّهْر حصل الشجار بَين أهل الدُّيُون وَمن تعلّقت بذممهم وطلبوا مَعَ تعذر النَّقْد وَإِمْكَان غَيره أَن تقطع لَهُم المنقولات والعقارات وَوَقع تنَازع بِحَضْرَة الإِمَام فَأمر بإنظارهم إِلَى غلَّة أَمْوَالهم وَكَأَنَّهُ فهم التعنت فِي صفة الْقَضَاء وتهزل مَا فِي ايدي المدينين من العقارات وَغَيرهَا وَعدم انْفِصَال الْأَمر على تِلْكَ الصّفة مَعَ مَا ذكره الواحدي عَن الْكَلْبِيّ بعد نزُول آيَة الرِّبَا أَنَّهَا قَالَت بَنو عمر وَابْن عُمَيْر لبني الْمُغيرَة هاتوا رُؤُوس أَمْوَالنَا وَلَكِن الرِّبَا ندعه لكم فَقَالَت بَنو الْمُغيرَة نَحن الْيَوْم أهل عسر فأخروا لنا إِلَى أَن ندرك الثّمن فَأَبَوا أَن يؤخروها وَأنزل الله تَعَالَى {وَإِن كَانَ ذُو عسرة فنظرة إِلَى ميسرَة} وَقد نُوقِشَ هَذَا بِضعْف الْكَلْبِيّ فِي الرِّوَايَة وَبِأَن الدَّلِيل يقْضِي بَان الْوَاجِب أَخذ مَا فِي أَيْديهم من غير النَّقْد الْمَعْدُوم وَهُوَ مَا رَوَاهُ الْحَاكِم وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي بن كَعْب بن مَالك أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجر لَا على معَاذ مَاله وَبَاعه فِي دين كَانَ عَلَيْهِ وَنَحْوه وَهُوَ الَّذِي فِي الْمِنْهَاج للنووي وادعا صاححب الْبَحْر الزخار وَغَيره أَنه إِجْمَاع وَإِلَى هَذَا جنح القَاضِي مُحَمَّد بن عَليّ قيس الثلائي وَكَانَ قد ألزم من عَلَيْهِم الدُّيُون وَكَأَنَّهُ وَقع مِنْهُ ذَلِك بطرِيق اللهج والحدة الَّتِي قد ورد فِي الحَدِيث أَنَّهَا تعتري خِيَار الْأمة فأوقع فِي خاطر الإِمَام عِنْد إِرَادَة التغليط فبرز الْأَمر بعزله عَن الْقَضَاء وَفِي هَذَا الشَّهْر منع الإِمَام من إطلاع التتن من الْيمن الْأَسْفَل إِلَى هَذِه الْبِلَاد الْعليا وَفِي سادس عشر ربيع الأول طلع الْقَمَر خاسفا فِي برج الْعَقْرَب بحمرة طمست جرمه وتعقبها سَواد وَفِي سَابِع عشر اقْترن الزهرة والمريخ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 الْحمل وَفِي هَذِه الْأَيَّام جمع عز الْإِسْلَام كتب وَالِده المتَوَكل على الله فحصلت إِلَى قدر ثَلَاثَة عشر ألف كتاب وَفِي ربيع الثَّانِي أبطل عز الْإِسْلَام قبال الْأَسْوَاق بِصَنْعَاء الْيمن وَقد خرج الإِمَام إِلَى شرع بالرحبة مِمَّا يَلِي الْخشب فَبَاتَ فِيهِ وَأمر حَال الْخُرُوج بإحراق مَا وجد من التتن وَكسر آلاته فغيبه أهل صنعاء عَن الْأَسْوَاق حَتَّى بيع فِي الْقَرَاطِيس وغنى بذلك المفاليس وَفِي منتصف الشَّهْر مَاتَ بِصَنْعَاء حَكِيم الْيمن مُحَمَّد بن صَالح وَقد سلف لَهُ ذكر فِي الْجُزْء الأول وَفِي هَذِه الْأَيَّام أَمر الإِمَام صَاحب دَار الضَّرْب أَن يَجْعَل ضربه من الذَّهَب الْأَحْمَر فِي قدر الدِّرْهَم وَمن ضَرْبَة الْفضة قدر الربية الْهِنْدِيَّة وَفِي رَجَب توفّي ببير العزب الْعَارِف أَحْمد بن عَليّ الْعَنسِي وَكَانَ لَهُ معرفَة متوسطة فِي الْفُرُوع على قَوَاعِد الْمَذْهَب وَولي الْقَضَاء من الإِمَام المتَوَكل رَحمَه الله وَلم يثبت فِي منصبه فِي خلَافَة الإِمَام وَفِي جُمَادَى الْآخِرَة توفّي السَّيِّد الْعَارِف عَليّ بن لطف الله بن المطهر بالروضة وَكَانَ لَهُ يَد مباركة فِي تدريس الموشح وَلَا يَخْلُو عَن إِلْمَام بِكَثِير من الْفُنُون وَله شعر متوسط وَفِي هَذِه الْأَيَّام توجه جمال الْإِسْلَام عَليّ بن أَحْمد إِلَى نَجْرَان لاستخلاص مطَالب الْبِلَاد فتغلب أَهلهَا عَلَيْهَا فناجزهم كَمَا هُوَ الشَّرْع وَذهب من الْفَرِيقَيْنِ إِحْدَى عشر نَفرا وَفِي شعْبَان مَاتَ بِصَنْعَاء القَاضِي الْعَارِف مُحَمَّد بن عَليّ الشظبي كَانَت مَعْرفَته فِي الْفِقْه وَحكم بدولة الْمُؤَيد بِاللَّه مُحَمَّد بن الْقَاسِم بكوكبان وَاسْتمرّ كَذَلِك شطر من دولة المتَوَكل على الله ثمَّ رفع عَن الْقَضَاء وانتقل إِلَى صنعاء وَلزِمَ بَيته وَكَانَ حَافِظًا لكتب أجداده وَهُوَ مِمَّن أَخذ عَن الْعَلامَة مُحَمَّد بن عز الدّين الْمُفْتِي بِصَنْعَاء فِي دولة جَعْفَر باشا وَفِيه مَاتَ الْفَقِيه عبد الله بن حُسَيْن بن يُوسُف بظفير حجَّة كَانَ عَارِفًا للتصريف والنحو مدرسا فيهمَا وَأَصله من بلد الْقَذْف بِحجَّة لكنه دخل وَالِده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 الظفير خوفًا من سطوة الْأَمِير عبد الرَّحِيم بن عبد الرَّحْمَن بن المطهر أَيَّام دولته بِحجَّة وَلما وصل الظفير أخرب بَيته الْأَمِير وفيآخر شعْبَان طلع الى حَضْرَة الإِمَام بمحصول دفع المخا السَّيِّد الْعَلامَة الْحسن بن المطهر الجرموزي وَفِي آخر رَمَضَان جَاءَت الْأَخْبَار بوصول متسلم جده للباشا الآخر وصحبته اثْنَي عشر مركبا من الطَّعَام وتبعها مثلهَا فِي أزواد الْعَسْكَر وَفِي آخر شَوَّال قبض الْأَمِير عَليّ بن حُسَيْن الجوفي بِصَنْعَاء عقيب طلوعه من الْجوف فقبر فِي حوطة جده المطهر ابْن الشويع بخزيمة غربي صنعاء وَكَانَ إِلَيْهِ الزَّاهِر وأعماله وَفِي ذِي الْقعدَة مَاتَ السَّيِّد الْعَالم يحيى بن أَحْمد بن صَلَاح الشرفي بالشاهل من بِلَاد الشّرف وَهُوَ مستقره وَأَهله وَهُوَ من محترقة الشِّيعَة وَله رسائل ومسائل تدل على أَنه من أهل الْإِدْرَاك والعرفان بِمحل رَحمَه الله وَفِي ذِي الْقعدَة أخذت دهمة من برط قافلة فِي الطَّرِيق الغربية من العمشية وَاتفقَ بَينهم وَبَين العصيمات قتال ذهب فِيهِ من العصيمات ثَلَاثَة أَنْفَار مَعَ جنايات فِي الْجَمِيع وشاركهم فِي ذَلِك بنورهم من سُفْيَان وَكَانَ قد تكَرر مِنْهُم نَظَائِر لهَذِهِ الفعلة كَمَا مضى فبرز عَلَيْهِم الإِمَام فِي آخر ذِي الْحجَّة. وَدخلت سنة تسعين وَألف - فِي نصف محرم توفّي القَاضِي الْعَلامَة صَالح بن مُحَمَّد العياني الْعَنسِي بِصَنْعَاء أَخذ عَن عَمه القَاضِي أَحْمد بن صَالح والعلامة عبد الرَّحْمَن الحيمي وَغَيرهمَا ورحل الى مَكَّة فَسمع بهَا البُخَارِيّ والموطأ وَأكْثر صَحِيح مُسلم على الشَّيْخ الْعَلامَة مُحَمَّد بن عَليّ بن عَلان الشَّافِعِي الْمَكِّيّ وَله قرأة قديمَة على الْعَلامَة الْحُسَيْن ابْن الْقَاسِم والعلامة مُحَمَّد بن عز الدّين الْمُفْتِي وَكَانَ لطيف الطَّبْع سهل الْحَال كثير المباحثة فِي الْفُنُون وَلَو لمن هُوَ دونه ورأيته بآخر مدَّته يملي شرح غَايَة السول على الْفَقِيه الْعَلامَة الْحسن بن مُحَمَّد المغربي بِمَسْجِد دَاوُد وقبر بخزيمة غربي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 صنعاء وَله شعر فِيهِ لطف وحلاوة وَمن شعره مَا كتب على ضريح شَيْخه القَاضِي أَحْمد بن صَالح (إِذا غصت فِي لجج المشكلات ... وباعي فِي السبح بَاعَ قصير) (فَمن ذَا بِحَبل لَهُ التوي ... إِلَى الله أَدْعُو وَنعم النصير) (شيوخي مضوا وَاحِدًا وَاحِدًا ... إِلَى دَار عدل وَنعم الْمصير) (مضى أَحْمد قدوة العارفين ... كريم النجاد عديم النَّضِير) وَفِي هَذِه الْأَيَّام انْكَسَرت جلبة بِبَاب جدة فِيهَا حجاج وبضائع وتبعها أُخْرَى فَانْكَسَرت بِمَا فِيهَا وَمن فِيهَا وَهلك الْجَمِيع غير من كَانَ قد خرج عَنْهَا وَفِي الْعشْر الْآخِرَة من صفر توفّي السَّيِّد الْعَارِف عماد الدّين يحيى بن الْحُسَيْن بن الإِمَام الْمُؤَيد بشهارة بعد عوده من الْحَج وَكَانَ فِي الْحِفْظ آيَة باهرة وَفِي هَذَا الشَّهْر توفّي السَّيِّد الْفَاضِل الْعَارِف عبد الله بن مهْدي الكبسي فِي بَحر جدة أثْنَاء عوده من الْحَج والزيارة فَغسل وكفن وأرسب رَحمَه الله قَالُوا وَكَانَ فِي حَيَاته يذكر وَحْشَة الْقَبْر ويدعوا الله فِي ذَلِك وَكَانَ صَاحب ذكاء وَيَد قَوِيَّة فِي الْفُرُوع مشاركا فِي كثير من الْعُلُوم وَسمع حِصَّة من شرح الرضي على الْعَلامَة الْحسن بن مُحَمَّد المغربي فسح الله فِي مدَّته وَفِي آخر ربيع الأول وصل أول المراكب الْهِنْدِيَّة إِلَى المخا وَكَانَ قد تلقاهم أَصْحَاب الْعمانِي بِبَاب المندب فعشروهم فِيهِ وَفِي تَاسِع ربيع الآخر وصل إِلَى عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن المتَوَكل على الله مَنْدُوب عَليّ باشا مَعَه هَدِيَّة سنية وَبعد ثَمَانِيَة أَيَّام أَعَادَهُ بِجَوَاب حسن ومكافأة أحسن وَفِي نصف الشَّهْر جد الإِمَام على التَّجْهِيز إِلَى الْبِلَاد البرطية وَكَانَ قد ضربت أوطقته بالرحبة بمَكَان يُسمى ببير الدرج بحدود بني الْحَارِث وهمدان فَجهز بعد ذَلِك عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الإِمَام المتَوَكل وَولده شرف الدّين الْحُسَيْن ابْن الْمهْدي وَولد ولد عَمه الْأَمِير أَحْمد بن مُحَمَّد صَاحب الْبُسْتَان فَسَارُوا إِلَى عيان ثمَّ استقروا هُنَالك وطالعوا الْمَشَايِخ مَعَ الْمُكَاتبَة إِلَى القَاضِي عَليّ الْعَنسِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 وَالسَّيِّد مُحَمَّد بن عَليّ فوصل الْمَشَايِخ بوصول القَاضِي وَمَعَهُمْ ضِيَافَة الْأُمَرَاء وَتَأَخر السَّيِّد الدَّاعِي مُحَمَّد بن عَليّ وَبعد ذَلِك طالبهم بالحاصل فِيمَا مضى فاعتذروا بجهلهم للْفَاعِل فَتقدم إِلَى المراشي بِمن إِلَيْهِ من الْأُمَرَاء وَوصل السَّيِّد الدَّاعِي مُحَمَّد بن عَليّ وَاتفقَ عِنْد ذَلِك وَفَاة القَاضِي عَليّ بن قَاسم الْعَنسِي وَهُوَ حَاكم تِلْكَ الْجِهَة وَبعد أَيَّام نزل عز الْإِسْلَام إِلَى عيان وَفِي أول شعْبَان استدعاه الإِمَام وَقد حصل جُمْهُور المرام وَفِي عشْرين خلت من جمادي توفّي بالروضة السَّيِّد الْعَالم الذكي أَحْمد بن أَمِير الْمُؤمنِينَ المتَوَكل على الله وَكَانَ قد لَقِي عز الْإِسْلَام عِنْد عوده من البون خَارِجا من السودة وَبعد ايام تقدم إِلَى حَضْرَة الإِمَام فَأَصَابَهُ شبه البرسام وَله الْيَد الطُّولى فِي نصْرَة الإِمَام بَاطِنا وظاهرا وَفِي هَذِه الشَّهْر وصل الْخَبَر من عَامل عدن الشَّيْخ رَاجِح يَقُول فِيهِ بِأَنَّهُ وصل إِلَى سواحل عدن مركب من ماشلي فتان وَأَن أَهله تخوفوا جند الْعمانِي فبعثوا إِلَيْهِ فِي جَوف اللَّيْل فِي أَن يمدهُمْ بِالرِّجَالِ ويعضدهم بالأبطال فَفعل مَا قَالُوا فَلَمَّا اسْتَقر الْمركب بالهنود وَمن فِيهِ من الْجنُود لم يشعروا بعد الصَّباح إِلَّا بجند الْعمانِي وَقد وَثبُوا عَلَيْهِم فِي زِيّ عَجِيب وَأخذُوا يجرونَ الْمركب بالكلاليب فواثبهم عِنْد ذَلِك الويل وَلم يشعروا أَن الْأَمر قد قضي بلَيْل وتناوشتهم منايا الرصاص وَنَادَوْا ولات حِين مناص وانجلاء أَمرهم عَن قتل خَمْسَة وَعشْرين رجلا وانكسر الْبَاقُونَ وَلما عرف العمانيون عجزهم وطلعت الثريا فجرا وعادوا بِلَادهمْ اخْتِيَارا وقسرا وَللَّه الْحَمد وَفِي ثَالِث عشر جُمَادَى الأولى وصل خبر من شرف الدّين الْحسن بن المتَوَكل من بندر اللِّحْيَة يذكر فِيهِ وُصُول عَليّ باشا بِمن مَعَه من الْعَسْكَر والأتباع إِلَى بندر اللِّحْيَة فِي سنجق وخيول ونوبة وطبول وَهُوَ الَّذِي كَانَ مبوشا من صَاحب الْأَبْوَاب على الْحَبَشَة فَخرج عَنْهَا هَارِبا لأسباب اقْتَضَت ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 وَفِي هَذِه الْأَيَّام فتحت كَنِيسَة الْيَهُود بِصَنْعَاء بعد أَن كَانَ الإِمَام أَمر بسمرها وَأخرج مَا فِيهَا من كتبهمْ وأريق الْخمر الَّذِي كَانَ بمخزانها فِي مصالحها وَأمر بِخُرُوج الْيَهُود فَخَرجُوا أَرْسَالًا وَبَاعُوا مَا نفق من بُيُوتهم وخربوا مَا لم ينْفق وَخَربَتْ الْكَنِيسَة وراجع عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن المتَوَكل فِيهَا لتقدمها كَمَا فِي تَارِيخ الرَّازِيّ وَغَيره فصمم الإِمَام على ذَلِك المرام فهدمت وَعمر مَكَانهَا الْمَسْجِد الْمَعْرُوف الْيَوْم بِمَسْجِد الْجلاء وَكتب فِي طرازه للْقَاضِي الْعَلامَة مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم السحولي (إمامنا الْمهْدي شمس الْهدى ... أَحْمد سبط الْقَائِم الْقَاسِم) (لَهُ كرامات سمت لم تكن ... لَهَا دوِي قبل أَو قَاسم) (لَو لم يكن مِنْهَا سوى نَفْيه ... يهود صنعاء أَخبث الْعَالم) (وَجعله بيعتهم مَسْجِدا ... لساجد لله أَو قَائِم) (قد فَازَ بِالْأَمر بِهِ غانما ... وَاتفقَ التَّارِيخ فِي غَانِم) وَفِي هَذِه الْأَيَّام نزل من السَّمَاء بِبِلَاد حجَّة برد وزن كل حَبَّة سِتَّة أَرْطَال وَفِي نصف رَجَب توفّي الْحَكِيم مُحَمَّد لطفي بن الْأَمِير الْحرار بِمَدِينَة صنعاء وَكَانَ من مَعْرفَته الْأَسْبَاب والعلامات بِمحل جيد وَفِي هَذِه الْأَيَّام وصل إِلَى صنعاء الشريف الْعَالم إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الرُّومِي الْحَنَفِيّ الْحُسَيْنِي فِي هيكل الدراويش وَترك كتبه بزبيد وَبحث مَعَه جمَاعَة من أهل الْعلم بِصَنْعَاء فوجدوه عَارِفًا فِي عَامَّة الْفُنُون وَفِي فقه الْحَنَفِيَّة وَهُوَ صنو وَزِير السُّلْطَان مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم وَفِي عشْرين من شعْبَان انْتقل الإِمَام إِلَى بير زَاهِر ثمَّ سَار بعد ذَلِك إِلَى الْغِرَاس وَفِي عَاشر رَمَضَان توفّي بِصَنْعَاء الْفَقِيه الْعَارِف عَليّ بن مُحَمَّد سَلامَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 وَكَانَ فِي الْمدَّة السَّابِقَة موازرا للآغا عبد الله المعافا صَاحب سَوْدَة شظب ثمَّ لما زَالَت دولة الباشا حيدر عَن صنعاء أقبل على طلب الْعلم بهَا وَلزِمَ حَضْرَة الْمولى جمال الدّين عَليّ بن الْمُؤَيد بِاللَّه وَكتب لَهُ الْإِنْشَاء وَله مؤلفات فِي الْفِقْه وأصوله غالبها نقل وَلم يقْض لَهُ الْحَظ بتداول شَيْء مِنْهَا وَرَأَيْت لَهُ شرحا على الْفُصُول لَيْسَ هُنَاكَ رَحمَه الله وَفِي النّصْف الآخر من شعْبَان ظَهرت نَار عَظِيمَة فِي الْجَبَل الْمُقَابل للمخا الْمُسَمّى سقار بِالسِّين الْمُهْملَة المضمومة وَالْقَاف الْمُعْجَمَة تلتهب بالجمر وَتَرْمِي بشررها إِلَى الْبَحْر وتصعد فِي السَّمَاء كالمنارة الْعَظِيمَة ويراها من فِي الْجبَال الْبَعِيدَة كاجبال وصاب وَفِي النَّهَار يرى دخانها كالسحاب وَتعقب ذَلِك زلازل بالمخا وأحرق قدر نصفه وَدخل عَامله السَّيِّد الْحسن وَأَوْلَاده الْبَحْر تخوفا من ذَلِك وَفِي أول شَوَّال أحدث الله مطر أطفأها وَكَانَ قد اتّفق فِي الْمِائَة الثَّامِنَة ظُهُور نَار عَظِيمَة فِي الْجبَال السَّبْعَة بَين كمران ودهلك ترى من جبل سردد كحفاش وملحان وتعقبها مَا حصل من الْقِتَال الْعَظِيم بِالْيمن ونار قرب الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة بالحجاز تَأْكُل الْحجر وَلَا تَأْكُل الشّجر وَقد وعد بهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتعقبها فتْنَة التتار وَفِي ثَانِي عشر شَوَّال توفّي بِصَنْعَاء السَّيِّد الْعَارِف غوث الدّين بن يحيى بن غوث الدّين بن مطهر بن الإِمَام شرف الدّين وَكَانَ ناسكا مشاركا لَا يخلوا عَن التدريس والإشتغال بِخَاصَّة نَفسه رَحمَه الله أَخذ عَن الْعَلامَة الْمُفْتِي والفقيد أَحْمد بن سعيد الهبل وَكَانَ قد لَقِي كثيرا من الْعلمَاء الْمُتَقَدِّمين مثل الْعَلامَة الحاضري وَالْقَاضِي إِبْرَاهِيم بن الْحُسَيْن السحولي وَغَيرهمَا وَجَاء خبر الْمَدِينَة المحمية هَذِه الْأَيَّام وَفِيه أَنه اتّفق افْتِرَاق بَين عَسْكَر السلطنة وَقتل بِسَبَب ذَلِك حَاكم الشَّرْع الأفندي فأطفى سعير الْفِتْنَة السنجق دَار بِحَضْرَة مصر وفتك بِبَعْض ومحا بَعْضًا عَن دفتر المعاليم السُّلْطَانِيَّة وَفِي هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 الشَّهْر وصل الْخَبَر بِأَن سُلْطَان بن سيف ملك العمانيين قبض ببلاده وَقعد فِي كرْسِي ملكه بعض أَوْلَاده قَالَ الْمُؤلف حفظه الله فِي نسخته المنقولة هَذِه مِنْهَا من خطه وَإِلَى هُنَا انْتهى الْجُزْء الثَّانِي من طبق الْحَلْوَى وصحاف الْمَنّ والسلوى بتاريخ خَامِس محرم من شهور سنة مائَة وَألف وَثَمَانِية عشر على يَد جَامعه الْفَقِير عبد الله بن عَليّ الْوَزير سامحه الله وَصلى الله وَسلم على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَسلم تَسْلِيمًا انْتهى كَمَا وجد فِي الْأُم بِلَفْظِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 عَلَيْهِ السَّلَام وَالْإِمَام أَحْمد بن سُلَيْمَان وَالْإِمَام الْمَنْصُور بِاللَّه وَالْإِمَام شرف الدّين عَلَيْهِم السَّلَام ودخله قرا جُمُعَة فِي دولة سِنَان باشا وَلما أجمع الصفي بالارتحال بِمن مَعَه خَاطب أهل برط فِي شَأْن الدَّاعِي السَّيِّد مُحَمَّد بن عَليّ الغرباني فَأَجَابُوا أَن لَا سَبِيل إِلَى إِخْرَاجه وَضمن كبارهم صغارهم فِي حفظه وَأَن لَا يتَّفق مِنْهُ شَيْء مِمَّا يتشوش مِنْهُ الخاطر وحرر الدَّاعِي عقيب ذَلِك قصيدة إِلَى وَالِده وَهُوَ بِصَنْعَاء مِنْهَا (وعج ببني الْقَاسِم الأكرمين ... وَمن لَهُم فِي العلى أوج) (وأتحفهم بشريف السَّلَام ... وعاتبهم إِن هم عرجوا) (وَقل مَا لكم يَا بحور الحجا ... أتيتم بِشَيْء بكم يسمجوا) (جنودكم كلهَا أَقبلت ... على رجل وَاحِد تزعج) (وَلَيْسَ لَهُ ثروة لَا وَلَا ... لَهُ ثمَّ أَوْس وَلَا خزرج) (وَلم يأتكم مِنْهُ مَا تَكْرَهُونَ ... سوا أَنه قَالَ ذَا المدرج) (وَمَا قَالَ إِنِّي إِمَام وَلَا الْإِمَامَة ... عَنْكُم لَهَا مخرج) (وَلكنه قَالَ إِن كَانَ مَا ... ذكرت هُوَ الْمنْهَج الأوهج) (فهبوا إِلَيْهِ إِذا شِئْتُم ... وَإِلَّا فَمَا شِئْتُم فانهجوا) (ورد عَليّ إِذا شِئْتُم ... مقالي إِن كَانَ يستسمج) وَفِي هَذِه الْأَيَّام رَجَعَ مَنْدُوب شرف الْإِسْلَام الْحُسَيْن بن الْحسن إِلَى حَضرمَوْت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374